نبراس الأحکام : الصید و الذباحة ، الأطعمة والأشربة المجلد 1

هویة الکتاب

سرشناسه:حسینی شیرازی، سیدجعفر، ‫1349 -

عنوان و نام پديدآور:نبراس الاحکام/ تقریرا لابحاث السیدجعفر الحسینی الشیرازی.

مشخصات نشر:تهران: دلیل ما ‫، 1439 ق. = 2018 م. ‫= 1397 -

مشخصات ظاهری:3ج.

شابک:دوره ‫ 978-600-442-080-8 : ؛ ‫200000 ریال ‫: ج.1 ‫ 978-600-442-079-2 : ؛ ‫200000 ریال ‫: ‫ج.2 ‫ 978-600-442-181-2 : ؛ ‫ج.3 ‫: 978-964-204-665-2

وضعیت فهرست نویسی:فاپا

يادداشت:عربی.

يادداشت:جلد دوم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت:ج.3. چاپ اول: 1443ق. = 1400. ( فیپا)

یادداشت:کتابنامه.

مندرجات:ج.1. الصید والذباحه، الاطعمه والاشربه.- ج.2. الغصب

موضوع:اصول فقه شیعه

* Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره:BP159/8 ‫ /ح525ن16 1397

رده بندی دیویی:297/312

شماره کتابشناسی ملی:5204455

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 1

اشارة

نبراس الأحکام - الصید و الذباحة - الأطعمة والأشربة

السيّد جعفر الحسيني الشيرازي

إخراج: نهضة الله العظيمي

الطبعة الأولی - 1439ه .ق

شابك:

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

ص: 3

ص: 4

الصید و الذباحة

اشارة

وفيه مقدمة وفصول

ص: 5

ص: 6

المقدمة

اشارة

نتحدث في هذه المقدمة عن عدة بحوث وهي:

البحث الأول: في عنوان الكتاب

ما هو المراد من الصيد والذباحة؟ وهل العنوان المذكور مناسب أم لا؟

لقد عنون بعض الفقهاء الكتاب بالصيد والذباحة(1)، وعنونه آخرون بالصيد والذبائح(2)، ولمعرفة الأنسب من العنوانين لابد من ذكر معنيي الصيد وهما: الحيوان المصيد، أي: الذي يصاد، والآخر: المعنى المصدري، أي: فعل الصيد(3).

فإن كان المراد المعنى الأول فالعنوان الأنسب هو الصيد والذبائح؛ وذلك لأن الذبائح جمع الذبيحة، أي: الحيوان المذبوح، فيكون معنى الصيد الحيوان المصيود وهو الأنسب.

وإن كان المراد المعنى الثاني، فالأنسب هو الصيد والذباحة؛ لأنها بمعنى الذبح، فيكون الصيد بمعنى الاصطياد.وحيث إن الغرض في المقام هو الكلام عن التذكية - أي: تذكية الحيوان

ص: 7


1- شرائع الإسلام 4: 735؛ التنقيح الرائع 4: 3؛ الروضة البهية 7: 195؛ كفاية الأحكام 2: 574.
2- المقنع: 413؛ المقنعة: 575؛ النهاية: 574؛ المهذب 2: 435؛ السرائر3: 82.
3- جواهر الكلام 37 : 5-6.

بالصيد أو الذبح - كان الأنسب أن يجعل العنوان (كتاب التذكية) فيدخل فيه الصيد والذبح، وتنتفي الإشكالات المتفرقة الواردة في المقام، ومنها على سبيل المثال: ما ذكر في الجواهر: من أن (المراد من الصيد خصوص إزهاق الروح)(1)، حيث يرد عليه وجود موارد لتحقق الصيد بلا إزهاق الروح، كصيد السمك من الماء وبلعه قبل موته، والذي أجازه البعض وإن كان جوازه محل خلاف(2).

فمع القول بمقالة صاحب الجواهر يخرج المثال المذكور عن الصيد مع أنه مصداق له، لكن الإشكال ينتفي مع عنونة الباب ب (التذكية) حيث يدخل جميع موارد الصيد والذباحة وسائر أقسام التذكية.

ثم إنه قد تُقَسَّم التذكية إلى ستة أنواع مع إلحاق بعضها بالصيد وبعضها بالذباحة، مع جعل عنوان جامع لها.

وقد ذكر صاحب المستند الأنواع الستة(3) وبحثها في فصول:

الأول: الصيد، كصيد الحيوان الوحشي بالرمح.

الثاني: الذبح، كفري الأوداج الأربعة للشاة.

الثالث: النحر، كما في الإبل، وهو ملحق بالذبح.

الرابع: التبعية، كما في تبعية الجنين في ذكاته لذكاة الأم، فهو تذكيةبالتبعية ويلحق بالذبح.

الخامس: الإخراج من الماء، كما في السمك ويلحق بالصيد.

ص: 8


1- جواهر الكلام 37: 5.
2- شرائع الإسلام 4: 742؛ تحرير الأحكام 4: 621؛ مسالك الأفهام 11: 505.
3- مستند الشيعة 15: 282، وما بعدها.

والسادس: الأخذ باليد، كما في الجراد، ويلحق بالصيد.

إلا أنه لو جعل عنوان الكتاب (التذكية) كما صنعه في المستند(1) لكان أحسن، حيث إنه أكثر اختصاراً، ولا يحتاج إلى التأويل، وكان جامعاً للموارد الستة.

ومع ورود هذه الملاحظات الفنية ذكر المتأخرون العنوان المشهور تبعاً للمتقدمين، مع ترجيح الذباحة على الذبائح؛ وذلك لأن الكلام ليس في حلية أوحرمة الحيوان المصيد، فهو يرتبط بكتاب الأطعمة والأشربة، بل الكلام في التذكية الشاملة لتذكية الحيوان المحرم بشروطها، فإنه وإن حرم لحمه لكنه مذكى وطاهر، ويمكن الانتفاع بجلده ويوجب الملكية.

وبعبارة أخرى: ليس الكلام في الكتاب عن الحيوان المصيود حتى يقال: الصيد بمعنى المصيود، والذبائح: جمع ذبيحة، بل الكلام في نفس العمل، وكيفية تحقق الصيد وشرائطه.

البحث الثاني: في ماهية التذكية

اشارة

هل هي الفعل الخارجي مع شرائطها في المحل القابل أي: السبب، أو أنها نتيجة الفعل الخارجي أي: المسبب، كما هو الحال في الوضوء، حيث اختلفوا في أنه السبب الذي هو الغسلتان والمسحتان، أو المسبب الذي هونتيجة الغسلتين والمسحتين، وهي النور الباطني مثلاً.

وفي المقام: هل التذكية هي فري الأوداج الأربعة أو الصيد بشرائطه مثلاً، أو نتيجة الفري والإرسال؟

ص: 9


1- مستند الشيعة 15: 279.

وظاهر الأدلة اللفظية هو أن التذكية هي نفس الأفعال مع الشرائط في المحل القابل. وقد استدل لذلك بأدلة ثلاثة:

الدليل الأول: إسناد التذكية إلى الإنسان في الأدلة، كما في قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ}(1)، والأفعال - كالرمي وإرسال الكلب وقطع الأوداج - هي الصادرة عنه دون النتيجة، ولو كانت التذكية هي النتيجة لم تنسب إليه، هذا ما نقل عن المحقق النائيني(2).

وأشكل عليه: بأن الأفعال المنسوبة إلى الإنسان نوعان: ما يصدر عنه مباشرة، وما يصدر عنه بالسبب، فمع الإتيان بالسبب يتحقق المسبب فيكون فعله، وإن لم يصدر عنه مباشرة، فإنه حيث فعل السبب وترتب عليه المسبب أسند المسبب إليه، كما في القاتل، فإنه وإن لم يزهق الروح مباشرة وإنما حيث فعل السبب أسند إليه المسبب، وكذا لو أشعل النار، حيث أوجد السبب، أسند إليه الإحراق. والحاصل: فكما يصح إسناد الأفعال المباشرية إلى الفاعل كذلك يصح إسناد الأفعال التسبيبية إليه.

وفيه: أنه لو أريد من الدليل الظهور في الفعل الذي هو السبب فيما لو أسندالشيء إلى الإنسان، فلا يخلو من وجه.

الدليل الثاني: ترتيب الحلية على نفس الأفعال الصادرة من الإنسان في بعض النصوص، وظاهره أن التذكية هي الأفعال(3)، فلو لم تكن الأفعال

ص: 10


1- سورة المائدة، الآية: 3.
2- كتاب الصلاة، للكاظمي1: 209، وفيه: «إن في بعض الأدلة رتب الحلية والطهارة وجواز الصلاة على نفس التذكية، كقوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ}».
3- كتاب الصلاة، للكاظمي 1: 212؛ نهاية التقرير في مباحث الصلاة 1: 307.

تذكية لما كان معنى لترتيب الحلية عليها، ولزم ترتيبها على نتيجة الفعل.

ومن النصوص: صحيحة زيد الشحام(1)،

عن أبي عبد الله(علیه السلام): «إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس»(2)، حيث ارتبطت الحلية بقطع الحلقوم.

وأشكل عليه: بأنّه لو كانت التذكية هي النتيجة فهي نتيجة الفعل، ويصح النسبة إليهما على حد سواء، فلو كان هنالك سبب ومسبب وللمسبب نتيجة، فكما يصح نسبة النتيجة إلى المسبب كذلك يصح نسبتها إلى السبب، وهذا مما تعارف في الكلام. وفي هذه الروايات وإن ارتبطت الحلية بالفعل لكنه لا يكون دليلاً على أن التذكية هي الفعل، بل يمكن أن تكون التذكية هي نتيجة الفعل، وإنما ارتبطت الحلية بالفعل لأنه سبب التذكية.

وفيه: ما ذكرناه في سابقه، بأن الاحتمال وإن كان قائماً إلا أنه لا ينافي الظهور في الفعل لا النتيجة.

الدليل الثالث: ما ورد من أن «ذكاة الجنين ذكاة أمه»(3). وقد استدل بها على أن التذكية هي الأفعال، حيث إنه بفعل الذابح يتحقق شيئان:تذكية الأم والجنين، فإن السبب الواحد يمكن أن ينتج نتيجتين، فيصح القول: إن ذكاة الجنين ذكاة أمه، بخلاف ما لو كانت التذكية المسبب، فإنه شيئان متباينان، ولا معنى لاتحادهما، ولا وجه لحمل أحد المسببين على الآخر.

لكنه محل تأمل، فإنه لو كان معنى النص المذكور أن النتيجة نفس

ص: 11


1- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن زيد الشحام... .
2- الكافي 6: 228؛ الاستبصار 4: 80؛ وسائل الشيعة 24: 25.
3- الكافي 6: 234؛ وسائل الشيعة 24: 33.

النتيجة على القول بالمسبب كان الإشكال وارداً؛ لتباين النتيجتين، فلا معنى لاتحادهما، لكن المراد من النص التلازم بين التذكيتين لا الاتحاد، كما في قولك: مجيء زيد مجيء عمرو.

والمتحصل من جميع ما ذكر: إنه يمكن القول: إن التذكية هي الفعل، كما يمكن القول: إنها النتيجة، إلا أن ظاهر الأدلة هو الفعل لا النتيجة.

ثمرة البحث

وبعد كل ذلك فهل هنالك ثمرة في الخلاف المذكور؟

قيل: هنا ثمرتان:

الثمرة الأولى: تظهر الثمرة على بعض المباني في جريان البراءة في الشك في السبب دون الشك في المسبب، خلافاً لمبنى الكثير من المتأخرين، حيث يجري عندهم أصل البراءة، سواء كانت التذكية الفعل أم النتيجة.

وبيان ذلك: إنه لو كان المسبب هو التذكية فمع الشك في شرط من الشروط لا يمكن إجراء البراءة؛ لعدم العلم بحصول النتيجة المطلوبة للشارع، فإنه من قبيل العنوان والمحصل، فلابد من الاحتياط، وأما لو كان السبب هو التذكية جرت البراءة عن الشرط المشكوك.

خلافاً لما ذهب إليه الكثير من المتأخرين، حيث تجري البراءة علىالفرضين؛ وذلك لأنه إنما يلزم الاحتياط في الشك في المكلف به مع عدم وجود أصل سببي، وأما مع وجوده فلا يبقى موضوع للأصل المسببي.

وفي المقام: لو ذبح الصبي - مثلاً - وشك في تحقق التذكية بمعنى النتيجة جرى أصل البراءة؛ لأن الشك مسبب عن الشك في اشتراط البلوغ

ص: 12

وعدمه، وحينما يجري أصل البراءة عن الشرط المذكور - وهو أصل سببي - فلا محالة تحصل النتيجة بعد اجتماع سائر الشروط، ولا مجال للأصل المسبّبي، أي: الاحتياط.

وبعبارة أخرى: مع نفي اشتراط البلوغ بالأصل لا تصل النوبة إلى الشك في حصول النتيجة؛ وذلك لتحقق العلم التعبدي بحصولها.

والحاصل: إنه ينفى شرطية المشكوك بأصل البراءة، سواء قلنا: إن التذكية بمعنى الفعل أو النتيجة، وتحل الذبيحة مع فقد الشرط.

الثمرة الثانية: في الحيوانات التي لم يرد نص خاص أو عام على حليتها أو حرمتها، فيمكن القول بحليتها بناءً على كون التذكية هي السبب، فيقال: إن التذكية ثابتة بالوجدان - حيث فُريت الأوداج - والأصل حلية كل شيء، وأما بناءً على كون التذكية هي المسبب فلا يمكن القول بالحلية، لأنها متوقفة على التذكية وهي غير معلومة فالأصل عدمها، ومع استصحاب عدم التذكية لا تصل النوبة إلى أصالة الحلية.

وبعبارة أخرى: مع كون التذكية هي المسبب، ومع ملاحظة اختلاف أنواع التذكية - من فري الأوداج والنحر والإخراج من الماء حياً والأخذ باليد وذكاة الأم والرمي - فلا نعلم قابلية الحيوان الذي لا نص فيه للتذكية، فيجري استصحابعدمها، ولازمه الشرعي هو الحرمة، لتوقف الحلية على التذكية فقط.

وفيه نظر: لأن الأمر بالعكس إذ العمومات كقوله تعالى: {قُل

لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ...} الآية(1) تدلّ على حلية كل شيء

ص: 13


1- سورة الأنعام، الآية: 145.

إلاّ لو دلّ الدليل على حرمتها، فهذه الحيوانات كلّها حلال اللحم، ومع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى أصالة عدم قبول التذكية التي هي أصل عملي، وعليه فلازم الحلية هو إمكان التذكية، وأما كيفيتها فبالذبح بفري الأوداج، لأن سائر أقسام التذكية هي لحيوانات خاصة أو لأصناف خاصة، ويدل على لزوم الذبح بالفري دون غيره إطلاقات روايات الذبح، وعليه فلا فرق بين القولين، فتأمل.

البحث الثالث: في محل البحث

في الصيد بحثان:

الأول: ما يرتبط بالمكاسب، والثاني: ما يرتبط بالمقام.

أما الأول: فيكون البحث عن إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة بأي وسيلة، كالقتل أو الجرح أو حصره في شبكة أو أخذه باليد، والبحث عن أصل الجواز فيه، وأحكامه المتفرعة عليه. كما أن بعض الأحكام ترتبط بكتاب الصلاة والصوم، كمن يسافر لصيد اللهو، فيكون الكلام من حيث صلاته وصومه.

وأما الثاني: فهو تذكية الحيوان عبر الآلة المعتبرة، أي: الكلب أو السهمونحوه، وليس الكلام في الاصطياد، وإنما في كيفية تحقق التذكية مع الصيد.

البحث الرابع: في أدلة جواز الصيد

تدل الأدلة الثلاثة على جواز الصيد وحصول التذكية به، وقد يضاف دليل العقل أيضاً(1).

ص: 14


1- الفقه 75: 202.

الدليل الأول: الكتاب فهنالك آيات ثلاث تدل على الجواز.

الأولى: قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ مَتَٰعٗا

لَّكُمۡ وَلِلسَّيَّارَةِۖ وَحُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمٗاۗ}(1)، وفي معنى الصيد احتمالان:

الأول: أن يكون المراد حلية الحيوان المصيود؛ وذلك لما ذكر في الفقه والأصول(2) من أن الحلية والحرمة لو تعلقت بالأعيان كان المراد منها الفعل المقصود من تلك العين؛ لارتباط الحلية والحرمة بفعل الإنسان، كقوله تعالى: {حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ}(3)، حيث إن المراد نكاحهن(4)، وهو فعل الإنسان، وكذا الكلام في (حرمة الكلب) أي: أكله.

وفي المقام - لو لم تكن هنالك قرينة خارجية - ليس المراد بيان حليةالاصطياد بما هو اصطياد، بل المراد حلية لحم المصيود.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من (صيد البحر) الاصطياد(5)، وأما

ص: 15


1- سورة المائدة، الآية: 96.
2- معالم الدين: 156؛ مفاتيح الأصول: 226.
3- سورة النساء، الآية: 23.
4- معالم الدين: 156، وفيه: «... أكثر الناس على أنه لا إجمال في التحريم المضاف إلى الأعيان، نحو قوله تعالى: {حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ}، وخالف فيه البعض. والحق: الأول. لنا: أن من استقرأ كلام العرب علم أن مرادهم في مثله: حيث يطلقونه إنما هو تحريم الفعل المقصود من ذلك، كالأكل في المأكول، والشرب في المشروب، واللبس في الملبوس، والوطء في الموطوء، فإذا قيل: حرم عليكم لحم الخنزير، أو الخمر، أو الحرير، أو الأمهات، فهم ذلك سابقاً إلى الفهم عرفاً، فهو متضح الدلالة، فلا إجمال».
5- الانتصار: 401.

جواز الأكل فيستفاد من (طعامه).

وكذا قوله: {وَحُرِّمَ عَلَيۡكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَرِّ مَا دُمۡتُمۡ حُرُمٗاۗ}، فإن المفهوم منه(1) الحلية بعد انتهاء الإحرام. فالآية جامعة لحلية صيد البر والبحر معاً.

الآية الثانية: قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْۚ}(2)، والأمر عقيب الحظر يفيد الإباحة(3).

الآية الثالثة: قوله تعالى: {يَسَۡٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ}، ثم ذكر الخاص: {وَمَا

عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}، أي: الصيد مع الكلب الذي علمتم، ثم يقول تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}(4).

وهذه الآيات جامعة لأقسام صيد البر والبحر، سواء تحقق بيد الإنسان نفسه أم عبر الحيوان، فالآيات الكريمات تدل على نفس الصيد وحلية الأكل.

ولكن لا إطلاق لها من جهة المأكول، كما استدل بالإطلاق البعض.

وسيأتي بيان الإبهام من جهة المصيد، فإن الظاهر أن الآية في مقام بيان حلية الاصطياد لا المصيد، وإن استفيد من حلية الاصطياد حلية بعضأقسام

ص: 16


1- وهو إما مفهوم الغاية أو مفهوم الشرط لأن (مادمتم) في قوة (إذا كنتم)، (السيد الأستاذ).
2- سورة المائدة، الآية: 2.
3- راجع تقريرات المجدد الشيرازي 2: 47؛ قوانين الأصول: 89؛ هداية المسترشدين 1: 667؛ فرائد الأصول 1: 538.
4- سورة المائدة، الآية: 4.

المصيد.

الدليل الثاني: الروايات المتواترة، وستأتي خلال المباحث الآتية.

الدليل الثالث: الإجماع المحصل والمنقول(1)، بل يمكن دعوى الضرورة.

الدليل الرابع: العقل، ولم يتطرق إليه غالب الفقهاء، وحاصله: إن الأصل في كل شيء البراءة العقلية، لقبح العقاب بلا بيان، ومن موارده الصيد، مع انتفاء الوجه المحتمل للمنع، والوجوه المذكورة للمنع لا تصلح للبيان لتكون واردة على البراءة العقلية، فتجري.

البحث الخامس: في صيد الحيوانات النادرة

ذكر السيد الوالد أعلى الله درجاته في الفقه(2) وجوها أربعة للمنع من صيد الحيوانات النادرة، أو ما يعبر عنه بكونها في معرض الانقراض، ثم قال: «وإن كانت المسألة بعد بحاجة إلى التتبع والتأمل»(3).

وهذه الوجوه هي:

الأول: الاستدلال بقوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ}(4)، فالظالم يفسد في الأرض، ويهلك الحرث والنسل، وفي المقام: صيد الحيوان الموجب لانقراضه يوجب إهلاك النسل،

ص: 17


1- رياض المسائل 13: 251؛ جواهر الكلام 37: 5.
2- الفقه 75: 202-203.
3- الفقه 75: 203.
4- سورة البقرة، الآية: 205.

فيكون من صفات الظالمين المنهية والمذمومة.لكن الظاهر أن الآية ليست في مقام البيان من هذه الجهة، بل المراد من النسل الإنسان، فإذا وصل الظالم إلى الحكم قتل الناس اعتباطاً، وهذا إهلاك للنسل، وليس من مصاديقه الحيوان الذي سينقرض.

الثاني: إنه نوع فساد في الأرض وهو منهي عنه.

وفيه: إنه إن صدق كونه فساداً في الأرض فلا مانع من الحكم، ولكن صدقه محل تأمل، بل معنى الفساد التخريب والعبث فيها، ومع الغرض العقلائي للقوت أو سائر الانتفاعات لا يعلم صدق الفساد عليه.

الوجه الثالث: إنه تغيير خلق الله، وهو منهي عنه؛ لكونه من صنع الشيطان، كما قال تعالى: {وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ وَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ}(1)، حيث يأمر بتغيير خلق الله - أي: المخلوقات - فالأرض التي فيها أنواع من الحيوانات فتسبيب انقراضها سبب لتغيير خلق الله.

وهو محل تأمل؛ لأن ظاهر {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِۚ} المُثلة(2)، بأن يقطع أنف حيوان حي، وهو من أفعال الجاهلية وهو حرام.

وقد أشكل البعض على دلالة الآية بأن الحرام التغيير الذي هو بأمر الشيطان لا كل تغيير.

ص: 18


1- سورة النساء، الآية: 119.
2- تقريب القرآن إلى الأذهان 1: 548، وفيه: «... من التغييرات المحرمة كإخصاء العبد وفقء عين الدابة والتمثيل بالأحياء والأموات وما أشبه ذلك، ويستفاد من الآية أن كل تغيير في الخلق حرام إلا ما دل عليه الدليل».

لكنه غير وارد، فإن الظاهر أن العمل بنفسه مبغوض، فيأمر به الشيطان لا أنه نوعان يأمر الشيطان بالفاسد منه.والحاصل: إن المراد حرمة كل نوع من تغيير خلق الله، إلا أن ظاهره المُثلة، فلا يصدق على فعل ما يوجب الانقراض.

الوجه الرابع: الروايات الدالة على الرأفة بالحيوان، كالمروي عن رسول الله(صلی الله علیه و آله): «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض»(1).

ومع غض النظر عن السند، فإن المراد منها عدم إيذاء الحيوان على فرض دلالتها على الحرمة، ولا يشمل الغرض العقلائي للصيد.

والحاصل: إنه لا دليل على منع صيد الحيوانات التي تنقرض بالعنوان الأولي. نعم لو انطبق عنوان ثانوي حُكم بالحرمة.

ص: 19


1- مستدرك الوسائل 8: 303.

الفصل الأول: الصيد بالكلب

اشارة

يقع الكلام في آلة الصيد، وهي إما حيوان أو جماد، لذا يقع الكلام في عدة بحوث:

البحث الأول: الصيد بالكلب

اشارة

إن المشهور، بل كاد أن يكون إجماعاً(1) أن الحيوان الذي يوجب تذكية الصيد هو كلب الصيد فقط، ولا تحصل التذكية بسائر الجوارح، كالفهد والعقاب والبازي والصقر.

نعم، لو تمكن من تذكية المصيد بعد صيده بسائر الجوارح، بأن وصل إليه حياً فذكاه بشرائط التذكية الشرعية المذكورة في كتاب الذباحة حلَّ، لكن الحلية حينئذٍ لا ترتبط بالصيد.

أدلة حصول التذكية بكلب الصيد

ويدل على كفاية كلب الصيد الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب فقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}(2)، والمكلِّب صفة الصائد، أي: معلّم الكلب للصيد، والروايات متواترة،

ص: 20


1- الانتصار: 394؛ الخلاف 6: 5؛ غنية النزوع: 394؛ السرائر 3: 82؛ مسالك الأفهام 11: 407.
2- سورة المائدة، الآية: 4.

والإجماعحاصل من كل المسلمين(1).

عدم حصول التذكية بسائر الجوارح

وفي حصول التذكية بسائر الجوارح قولان:

الأول: ما هو المشهور، بل كاد أن يكون إجماعاً من عدم تحقق التذكية بسائر الجوارح(2)، وقد دلت عليه الروايات الكثيرة، وفيها الصحاح.

الثاني: ما ذهب إليه نادر من المتقدمين من الحكم بتحقق التذكية بها، كابن أبي عقيل العماني(3)، حيث أجاز صيد غير الكلب من بقية السباع المعلّمة، ومنشؤه الروايات الواردة بالنسبة إلى الفهد والصقر، وفيها الصحاح والحسان، كصحيحة زكريا بن آدم(4) عن الإمام الصادق(علیه السلام): «الكلب والفهد سواء»(5)، وربما بلغت عشرين رواية.

وقد حملها الشيخ الطوسي على محامل ثلاثة:

الأول: الفهد كلب(6)، فقد فسر الكلب في القاموس(7) بما يشمل الأسد والفهد والذئب فتشمله الآية(8).

ص: 21


1- رياض المسائل 12: 39.
2- الانتصار: 394؛ السرائر 3: 82؛ مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 4: 147.
3- مختلف الشيعة 8: 349.
4- الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن سعد بن سعد، عن البزنطي، عن زكريا بن آدم... .
5- تهذيب الأحكام 9: 28؛ وسائل الشيعة 23: 345.
6- تهذيب الأحكام 9: 28.
7- القاموس المحيط 1: 125، وفيه: «الكلب: كل سبع عقور... والأسد...».
8- أي: قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}. سورة المائدة، الآية: 4.

لكنه محل نظر، أما أولاً: فلأن الكلب في اللغة هو الحيوان النابح الخاص(1)، أي: المعنى المعهود ولا يشمل سائر الجوارح.

نعم، أُطلق الكلب على الأعم في بعض الأحيان لكنه إطلاق مجازي، كما في دعاء النبي(صلی الله علیه و آله) على عتبة بن أبي لهب قائلاً: «سلّط الله عليك كلباً من كلابه»(2) فقتله أسد، فهو تعبير مجازي.

وثانياً: لو قلنا بكونه أعم لغة إلا أنّ المراد منه في الاستعمال العرفي والروايات خصوص الحيوان المعهود قطعاً، لا المعنى اللغوي الأعم.

الثاني: حمل الرواية على التقية لكونها في زمن سلاطين الجور الذين كانوا يصيدون بالفهد(3)، وسيأتي مؤيد لذلك، وقد اعتمد الفقهاء على هذا الوجه.

الثالث: حملها على الاضطرار(4)، حيث يصيد اضطراراً بالفهد.

لكنه وجه تبرعي لا شاهد له، كما لا معنى للاضطرار إلى الفهد، حيث يستخدمه الملوك عادة للصيد لا عامة الناس.

تحقق الإعراض

وحتى لو فرض تمامية الروايات الدالة على حصول التذكية بالفهد،

ص: 22


1- لسان العرب 1: 722، وفيه: «والكَلْب: معروفٌ، واحدُ الكِلابِ، قال ابن سيده: وقد غَلَبَ الكلبُ على هذا النوع النابح». وقال في تاج العروس 2: 380. وقد غلب الكَلْبُ على هذا النوْع النابح. قال شيخُنا: بل صار حقيقة لغوية فيه لا تحتمل غيرهُ<.
2- الخرائج والجرائح 1: 117؛ بحار الأنوار 18: 57؛ الغدير 1: 262.
3- تهذيب الأحكام 9: 28.
4- تهذيب الأحكام 9: 29، وفيه: «والثاني: أن تكون محمولة على حال الاضطرار؛ لأن عند الضرورة يجوز أن يؤكل مما قد قتله الفهد».

وعدم حملها على التقية، إلا أنها معارضة بالروايات الصحيحة النافية لذلك، وقد عمل بها المشهور مع إعراضهم عن هذه.

عدم حصول التذكية بسباع الطيور

أما بالنسبة إلى تحقق التذكية بسباع الطيور كالصقر والباز وعدمه، فهنالك طوائف ثلاث من الروايات.

الطائفة الأولى: روايات صحيحة دالة على عدم حلية الحيوان المصيود بالطائر(1).

الطائفة الثانية: الروايات الصحيحة الدالة على الحلية(2).

الطائفة الثالثة: الروايات الدالة على بيان التعليل للحكم المذكور في الطائفتين السابقتين، وفيها الصحيح، كما في رواية الإمام الصادق(علیه السلام) حيث بيّن(علیه السلام) أن القول بحلية المصيد بالصقر للخوف من حكام بني أمية(3)،

ص: 23


1- الكافي 6: 205؛ وسائل الشيعة 23: 349، وفيه: الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن الصادق(علیه السلام) وفيه: «وأما ما قتله الطير فلا تأكل منه...».
2- الاستبصار 4: 72؛ وسائل الشيعة 23: 353-354، وفيه: الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن مهزيار قال: «كتب إلي أبي جعفر(علیه السلام) عبد الله بن خالد بن نصر المدائني: أسألك جعلت فداك عن البازي إذا أمسك صيده وقد سمى عليه فقتل الصيد هل يحل أكله؟ فكتب(علیه السلام) بخطه وخاتمه: إذا سميته أكلته. وبإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن البرقي، عن سعد بن سعد، عن زكريا بن آدم قال: >سألت الرضا(علیه السلام) عن صيد البازي والصقر يقتل صيده والرجل ينظر إليه، قال: كل منه وإن كان قد أكل منه أيضاً شيئاً...».
3- الكافي 6: 207؛ وسائل الشيعة 23: 349. الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن الحلبي قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «كان أبي(علیه السلام) يفتي وكان يتقي ونحن نخاف، في صيد البزاة والصقورة، وأما الآن فلا نخاف، ولا يحل صيدها إلاّ أن تدرك ذكاته...».

فالبيان المذكور دال على أن الروايات الدالة على الحرمة إنما هي لبيان الحكم الواقعي.

والحاصل: إن حيوان الصيد إنما هو الكلب فحسب، أما غيره فلا يمكن التذكية به، إلا إذا وصل الإنسان إليه فوجده حيّاً فذكّاه.

البحث الثاني: عدم الفرق بين أنواع كلب الصيد

لا فرق بين أنواع الكلب السلوقي(1) وغيره(2)، كما لا فرق بين ألوانه.

نعم، ذهب ابن الجنيد إلى عدم تحقق التذكية فيما لو كان الكلب أسود خالصاً(3)، واستدل على ذلك بما ورد في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(علیه السلام): الكلب الأسود البهيم(4) لا يؤكل صيده؛ لأن رسول الله(صلی الله علیه و آله) أمر بقتله<(5).

وأورد عليه: أولاً: الإشكال السندي، حيث يحتوي على السكوني العامي والنوفلي المجهول.

لكنه غير وارد على الأصح، كما سيأتي بيانه في بحث ذكاة السمك.

وثانياً: تحقق الإعراض.

ص: 24


1- السلوق قرية في اليمن تخصصهم تربية الكلاب الصائدة. معجم البلدان 3: 242.
2- رياض المسائل 12: 43؛ جواهر الكلام 37: 11.
3- مختلف الشيعة 8: 271؛ الدروس الشرعية 2: 396.
4- أي: الخالص. العين 4: 62، وفيه: >والبهيم: ما كان من الألوان لوناً واحداً لا شية فيه من الدهمة والكمتة».
5- الكافي 6: 206؛ وسائل الشيعة 23: 356.

بالإضافة إلى إمكان حملها على الكراهة، أو التقية لذهاب بعض الشافعية(1) إلى حرمة الصيد بالكلب البهيم كما في المستند(2).

البحث الثالث: موارد لا يعلم شمول الأدلة لها

اشارة

هنالك بعض الموارد التي لا يعلم شمول الأدلة لها، فتكون الحلية محل تأمل، وقد ذكر بعضها السيد الوالد في الفقه، وهذه الموارد هي:

الأول: صيد الكلب للسمك، فيمكن ادعاء انصراف الأدلة عنه(3)، إلا أن يقال: إنه بدوي لقلة الوجود.

وقد ذكر في محله أن الانصراف معتبر إذا أخل بالظهور كانصراف قول المولى: (جئني بماء) عن الماء المالح غير القابل للشرب، فإن الظهور لا يشمله، وأما الانصراف الذي لا يخل بالظهور، بأن كان منشؤه قلة الوجود، كالإنسان الشامل لمن له إصبع زائدة، فهو بدوي يزول بأدنى تأمل.

والمقام كذلك، فإن إرسال الكلب لصيد السمك نادر، فيكون الانصراف بدوياً، ثم قال في الفقه: «لكن لا فائدة لهذه المسألة لأنها إن ماتت في الماء حرمت من جهته، وإن ماتت في اليابسة حلّت»(4)، فالمسألة قليلة الفائدة.

لكنه بحاجة تأمل بشقيه:

ص: 25


1- مستند الشيعة 15: 284، وفيه: «خلافاً للإسكافي، فخصه بما عدا الأسود، تبعاً لبعض الشافعية وأحمد، لخبر السكوني الضعيف دلالة - لموضع ما يحتمل الجملة الخبرية - ومتناً - للشذوذ - ومقاومة للإطلاقات، لما ذكر ولموافقة العامة».
2- وبما أن السكوني عامي يقوى احتمال التقية منه. (المقرر).
3- الفقه 75: 206.
4- الفقه 75: 206.

أما الأول: فلو مات في الماء فهو كالسمك الميت في الشبك، حيث أفتى البعض بتحقق التذكية كذلك(1)، ولا يخفى أنه لا بد من مراجعة دليله وتعميمه إلى المقام بعد فهم الملاك.

بالإضافة إلى أن دليل حلية صيد الكلب حاكم على دليل التذكية بغير الصيد؛ لذا لو صاده الكلب من رجله تحققت التذكية، فلا يشترط فري الأوداج الأربعة، ولا سائر الشرائط إلا البسملة وكذلك المقام، فلو مات السمك في الماء أمكن القول بحليته بأحد الوجهين، ولا بأس بالوجه الثاني إن كان الأول قياساً.

وأما الثاني: فلو مات خارج الماء، فمع القول بعدم فائدة للصيد لا يمكن الحكم بالحلية، فإن الموت خارج الماء لا يوجب التذكية؛ لأن الإخراج الموجب للتذكية ما كان باليد أو الشبك، وأما غير ذلك فلا يوجبها، كما لو خرج بسبب المد أو الجزر، أو عبر صيد طائر فوقع على الماء حياً ثم مات(2).

فالمسألة لا تخلو من فائدة.

المورد الثاني: لو مات لا بسبب صيد الكلب، بل من خوفه لم ينفع؛ لأن ظاهر الدليل الصيد بالعض، بل قد لا يطلق الصيد على موته خوفاً. وفي الفقه(3): عدم إطلاق الدليل؛ لأنه إنما يكون حجة فيما لو كان المولىفي

ص: 26


1- مجمع الفائدة والبرهان 11: 140.
2- لكنه محل تأمل؛ إذ المهم إخراج الإنسان للسمك، ولا فرق بين تحقق الإخراج بيده أو بوسيلته، فلو أخرجه بالشبك حلَّ، كما أنه لو أخرجه بواسطة الكلب أو الطير بأن أرسلهما لصيد السمك حلَّ أيضاً، فما هو الفرق بين الشبك والكلب المرسل؟ (المقرر).
3- الفقه 75: 206.

مقام البيان، فلو لم يكن كذلك فلا إطلاق، فيشكل القول بحليته إن مات بالخوف من الكلب.

صيد الحيوان المتولد من الكلب و غيره

يقع الكلام في حكم صيد الحيوان المتولد من الكلب وغيره، وهي مسألة فرضية؛ لعدم تحقق موضوعها خارجاً، ومنشؤها الرواية الواردة في المقام، فقد سأل أعرابي أمير المؤمنين(علیه السلام) عن كلب نزا على شاة فتولد حيوان، فهل هو حلال أو حرام؟(1)، وقد أجابه الإمام(علیه السلام) بتفصيل وفروع مختلفة، وبناءً عليها ذكرت فروع فقهية.

وأغلب الظن أن السائل كان كاذباً في المسألة، لكن الإمام(علیه السلام) تماشى مع فرضه؛ فأجابه الإمام(علیه السلام) بالحكم على فرض تحقق مورد السؤال، وإلا فمن الناحية العلمية لا يمكن تطابق النطف إلا في بعض الحيوانات، كالفرس والحمار.

وعلى فرض تحقق ذلك فإن الحكم تابع للموضوع، فلو أطلق عليه

ص: 27


1- شجرة طوبى 1: 67، وفيه: روى شيخنا البهائي أن أعرابياً سأل علياً(علیه السلام) فقال: «رأيت كلباً وطأ شاة فأولدها فما حكم ذلك في الحل؟ فقال(علیه السلام): اعتبره في الأكل فإن أكل لحماً فهو كلب، وإن رأيته يأكل علفاً فهو شاة. فقال الأعرابي: رأيته يأكل هذا تارة ويأكل هذا تارة، فقال(علیه السلام): اعتبره في الشرب فإن كرع فهو شاة، وإن ولغ فهو كلب. فقال الأعرابي: وجدته يلغ تارة ويكرع أخرى. فقال(علیه السلام): اعتبره في المشي مع الماشية فإن تأخر عنها فهو كلب، وإن تقدم أو توسط فهو شاة. قال: وجدته مرة هكذا ومرة هكذا. قال(علیه السلام): اعتبره في الجلوس فإن برك فهو شاة وإن أقعى فهو كلب، قال: وجدته مرة هكذا ومرة هكذا، فقال(علیه السلام): اذبحه فإن كان له كرش فهو شاة، وإن كان له أمعاء فهو كلب. فبهت الأعرابي من علم أمير المؤمنين(علیه السلام)».

الكلب حلَّ صيده، ولو شك فلا يحكم عليه بالحلية؛ للزوم إحراز شرائط الحلية، وهو مشكوك الكلبية.

البحث الرابع: شروط حلية صيد الكلب

اشارة

لحلية صيد الكلب شروط عدة، وهي:

الشرط الأول: أن يكون الكلب معلَّماً
اشارة

فلو لم يكن كذلك لم ينفع في التذكية، وحيث إنه ليس للشارع اصطلاح جديد للمعلَّم فلابد من حمل كلامه على المعنى العرفي.

وإنما يحمل على المعنى العرفي لأنه يتكلم بلسان القوم، قال تعالى: {وَمَآ

أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ}(1)، بالإضافة إلى الأدلة العقلية من الحكمة وغيرها، فلو لم يتضح المعنى العرفي - لعدم استخدامه اليوم أو لجهل معناه في زمن الشارع - لزم الرجوع إلى اللغة، حيث إنها مأخوذة من العرف، فإن اللغويين يدونون المعاني المستخدمة عرفاً.

نعم، لو اصطلح الشارع اصطلاحاً جديداً، أو تصرف في المعنى العرفي - وهو ما يعبر عنه بالمواضيع المستنبطة - كان هو المتبع، كما لو اخترع موضوعاً كالصلاة واستعمل لفظ الدعاء فيه، بغض النظر عن الحقيقة الشرعية، فلو قبلناها كانت ماهية مخترعة، وإلا كان من باب أنه أحد مصاديق المعنى اللغوي لكن بشرائط معينة.

وقد ذهب المحقق الأردبيلي - كما في المستند(2)- إلى أن التعليم

ص: 28


1- سورة إبراهيم، الآية: 4.
2- مستند الشيعة 15: 287-288.

مجمل(1)، لتقييده بقوله تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ}(2)، ولا يعلم حقيقة (ما علمه الله) حيث لم تذكر كيفيته في القرآن أو الروايات، ولم يعلم انعقاد الإجماع على طريقة معينة، فيكون مجملاً.

وأشكل عليه(3) بأن المراد من الآية: إن الله علم البشر علوماً، وهم يعلّمون الحيوانات بعض تلك العلوم، فيمكنهم تربيتها وتعليمها بما علّمهم الله، فيكون معنى الآية (تعلمونها بعض ما علّمه الله لكم)، وليس المراد طريقة خاصة لتعليم الكلاب للصيد، فإن مقتضى الإطلاق عدم خصوصية تعليم خاص، بل كل ما يسمى تعليماً، وهو واضح.

شروط تحقق التعليم

وقد ذكر الفقهاء لتحقق التعليم شروطاً ثلاثة، وهي ليست شروطاً شرعية مغايرة للمفهوم العرفي، بل هي بيان لما يتحقق به التعليم عرفاً، وهي:

الأول: أن يسترسل إذا أرسله

فلو كان يذهب من نفسه ولا يذهب مع إرسال صاحبه فليس معلماً، وهذا الشرط محل اتفاق بين الفقهاء(4)، وهو ركن في تحقق التعليم العرفي.

الثاني: أن ينزجر بزجره

فلا يذهب لو أشار إليه بعدم الذهاب، حتى لو كان جائعاً، وهذا الشرط

ص: 29


1- مجمع الفائدة والبرهان 11: 35.
2- سورة المائدة، الآية: 4.
3- مستند الشيعة 15: 288.
4- شرائع الإسلام 4: 735؛ قواعد الأحكام 3: 311؛ مسالك الأفهام 11: 414.

محل اتفاق بين الفقهاء في الجملة، فإن جمعاً من الفقهاء، كالعلامة(1) والشهيدين(2) ذهبوا إلى اشتراطه فيما لو كان الكلب واقفاً أي ساكناً، أما لو أرسله صاحبه فتحرك ورأى الصيد ثم زجره عن الاستمرار فلا يشترط، فإن الكلب المعلّم لا ينزجر، ولا يمكن إيقافه عادة، كما ينقل ذلك عن الصيادين؛ ولذا رضي المتأخرون بالتفصيل المذكور.

الثالث: أن لا يأكل مما يمسكه

وهذا الشرط محل خلاف بين الفقهاء(3) في كونه شرطاً مستقلاً أو مقوماً لمفهوم التعليم، ولا ثمرة عملية للخلاف المذكور، فهو شرط سواء لتحقق التعليم أم لأصل حلية الحيوان وتحقق ذكاته.

وفي هذا الشرط أقوال ثلاثة، وهي:

الأول: ما هو المشهور، بل نقل الإجماع على اشتراط عدم الأكل(4)، فلو أكل من الصيد لم تتحقق التذكية.

الثاني: عدم الأكل ليس بشرط، فتتحقق التذكية سواء أكل أم لا مع تحقق الشروط الأخرى، وقد نسب إلى الشيخ الصدوق وأبيه والعماني

ص: 30


1- تحرير الأحكام 4: 605.
2- الروضة البهية 7: 197؛ مسالك الأفهام 11: 414.
3- فالمشهور اعتباره، كما عن الانتصار: 398؛ مختلف الشيعة 8: 271؛ كفاية الأحكام 2: 577؛ كشف اللثام 2: 252؛ الانتصار: 183. وذهب جمع آخر إلى عدم اعتبار ذلك الشرط، منهم: الشيخ الصدوق في المقنع: 413؛ والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 11: 35؛ وصاحب المفاتيح 2: 211.
4- الانتصار: 398؛ الخلاف 6: 6؛ غنية النزوع: 395-396.

وقليل من المتأخرين(1)، ورجحه في الفقه صناعة(2).

الثالث: التفصيل الذي ذهب إليه ابن الجنيد: وهو أنه لو أكل منه قبل موته حرم ولو أكل بعد الموت حلَّ(3).

ومنشأ القولين الأولين اختلاف الروايات، وفيها الصحاح من الطرفين، ومنشأ القول الثالث الجمع بينها.

أدلة القول الأول

وقد استدل لهذا القول بعدة أدلة(4)، وهي:

الأول: لو اعتاد الأكل فلا يسمى معلّماً(5)، فعدم الأكل شرط صدق التعليم.

لكن يستفاد من ثنايا كلام الجواهر(6) التأمل فيه، فإن الأكل وعدمه يرتبط بكيفية التعليم، فلا ينافي التعليم، بل هو عين التعليم. نعم، عادة يقوم الصياد بالتعليم على عدم الأكل، فالوجه المذكور صحيح في الجملة.

الثاني: قوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}(7)، فلابد وأن يكون الإمساك (عليكم) لا (على نفسه)، ويستفاد ذلك من بعض الروايات أيضاً.

ص: 31


1- المقنع: 413؛ الهداية: 310؛ مختلف الشيعة 8: 271، حيث حكاه عن العماني؛ مجمع الفائدة والبرهان 11: 35.
2- الفقه 75: 228-229.
3- فتاوى ابن الجنيد: 312؛ مختلف الشيعة 8: 271.
4- جواهر الكلام 37: 25.
5- الانتصار: 398.
6- جواهر الكلام 37: 31.
7- سورة المائدة، الآية: 4.

لكنه محل تأمل؛ لصدق (الإمساك عليكم) على المقدار المتبقي بعد الأكل، ولا يخفى أنه لا ينافي صدق (أمسكه على نفسه) أيضاً. نعم، لو لم يكن الكلب معلّماً لم يصدق (الإمساك عليكم).

ويدل عليه خبر أبي بصير عن الإمام الصادق(علیه السلام) في جماعة ذهبوا إلى الصيد فأرسلوا كلابهم المعلمة، فشاركهم كلب غريب(1)، فنهى الإمام(علیه السلام) عن أكله لاحتمال كون الصائد هو الكلب الغريب، فهو (أمسك على نفسه) لا (عليكم).

الدليل الثالث: الروايات الكثيرة الدالة على ذلك وفيها الصحاح، كصحيحة رفاعة(2) قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الكلب يقتل، فقال: كل، فقلت: آكل منه؟ فقال: إذا أكل منه فلم يمسك عليك، وإنما أمسك على نفسه»(3).

الدليل الرابع: الإجماع المدعى(4).

لكنه موهون لكثرة المخالفين. نعم، هو المشهور.

الدليل الخامس: أصالة عدم التذكية(5)، وإنما تصل النوبة إليها فيما لو شككنا في الأدلة، فإن حلية لحم الحيوان متوقفة على التذكية، فلو شكفي

ص: 32


1- الكافي 6: 206؛ وسائل الشيعة 23: 343. عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلمة كلها وقد سمّوا عليها، فلما أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لم يعرفوا له صاحباً، فاشتركن جميعاً في الصيد، فقال: لا يؤكل منه لأنك لا تدري أخذه معلم أم لا».
2- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن رفاعة بن موسى.
3- الاستبصار 4: 69؛ وسائل الشيعة 23: 338.
4- الانتصار: 398.
5- جواهر الكلام 37: 25.

تحققها بعد أكل الكلب منه فالأصل عدم تحقق التذكية، وليس الأصل المذكور مثبتاً؛ لأن المراد إثبات عدم التذكية، لا الطهارة المتوقفة على الواسطة العقلية أو العادية، حيث إنها متوقفة على كونها ميتة. نعم، قال البعض: إن الواسطة خفية، وقال آخرون: إن النجاسة فرع عدم التذكية(1)، ولا حاجة إلى وساطة كونه ميتة، وتفصيل الكلام في محله.

ونقل عن البعض حرمة أكل اللحم المستورد من البلاد الأجنبية، مع جواز شرب مائه؛ وذلك لعدم ثبوت التذكية فيحرم، والحكم بالطهارة لأن النجاسة أصل مثبت.

وهو محل إشكال، فعلى فرض صحة المبنى وعدم نجاسة الماء بملاقاة اللحم المشكوك تذكيته، إلا أن أجزاءً من اللحم ودسومته تدخل الماء بالطبخ، وكذا المادة واللون، وكل ذلك من أجزاء حرام الأكل، فكما يحرم أكل اللحم كذلك يحرم شرب مائه بعد العصر، فإن الحرمة لا تختص باللحم فقط، بل كل الأجزاء بما فيها الأجزاء الصغار والدسومة و ما أشبه ذلك.

دليل القول الثاني

وقد يستدل لهذا القول ببعض الروايات منها:

خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إن أصبت كلباً معلّماً أو فهداً بعد أن تسمي فكل مما أمسك عليك قتل أو لم يقتل، أكل أو لم يأكل، وإن أدركت صيده فكان في يدك حيّا فذكه، فان عجلعليك فمات قبل

ص: 33


1- عوائد الأيام: 606-607.

أن تذكيه فكل»(1).

ومنها: صحيحة الصيرفي(2): قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): «إنهم يقولون إنه إذا قتله وأكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا تأكله! قال: كُل»(3).

وهذه الطائفة من الروايات أكثر من الطائفة الأولى.

دليل القول بالتفصيل

دليل القول بالتفصيل(4)

ودليله هو الجمع بين الطائفتين، فالأولى ناظرة إلى أكل الكلب قبل موت الصيد، والمجوزة ناظرة إلى أكله بعد موته.

لكنه جمع تبرعي لا شاهد له؛ ولذا لم يذهب إليه أحد.

وقد جمع المحقق الحلي في الشرائع بين الطائفتين بما لو كان من عادته عدم الأكل فأكل صدفة فلا يضر، فالروايات المحرمة ناظرة إلى تعوّده، والمحلّلة إلى عدم التعود، قال: «فإن أكل نادراً لم يقدح في إباحة ما يمسكه(5)»(6).

ص: 34


1- وسائل الشيعة 23: 241.
2- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى، عن جميل بن دراج، عن حكم بن حكيم الصيرفي... .
3- الكافي 6: 203؛ وسائل الشيعة 23: 333.
4- وهو التفصيل الذي ذهب إليه ابن الجنيد: وهو أنه لو أكل منه قبل موته حرم ولو أكل بعد الموت حلَّ.
5- فإن الإنسان صاحب الملكة قد يعمل خلاف ملكته، كأن يذنب العادل صدفة، أو يُخطئ النجار مرة؛ ولذا فإن العدالة ملكة بشرط عدم الإتيان بالمعصية، فمن لا ملكة له ليس بعادل، ومن له ملكة وعصى مرة سقط عن العدالة، لكن لو تاب عادت، فالعاقل قد يخالف الملكة، فالحيوان المعلّم بطريق أولى (السيد الأستاذ).
6- شرائع الإسلام 4: 735.

لكنه جمع تبرعي أيضاً، فلا يمكن الالتزام به.

وهنالك جمع آخر، وهو حمل الروايات الدالة على الحرمة على التقية؛لأنها توافق العامة، فيعمل بما دل على عدم الحرمة لمخالفتها لهم.

لكن أشكل عليه في الجواهر، فقال: «... ولعله أولى من حمل أخبار المنع على التقية أو الكراهة فإنه فرع التكافؤ، وهو منتفٍ، فإن التحريم هو المطابق للأصل والاحتياط، وظاهر الكتاب وفتوى الأصحاب والإجماع على اشتراط التعليم، ولا يحصل مع اعتياد الأكل كما قلنا»(1).

فلو تكافأ الخبران وكان أحدهما موافقاً والآخر مخالفاً عمل بالمخالف، وحمل الموافق على التقية، وأما لو كان أحدهما صحيحاً موافقاً للعامة، والآخر ضعيفاً مخالفاً لهم لم تصل النوبة إلى بحث التقية، وفي فقه الصادق: «ومجرد المطابقة لفتوى العامة لا يوجب طرح الخبر؛ لأن المرجحات الأُخر جُعلت في المرتبة السابقة، وهي الشهرة وصفات الراوي»(2).

ولا يخفى أن معظم الروايات موافقة، حيث إن تحريفهم لم يكن في كل شيء، بل في بعض الأشياء، فيكون الترجيح بمخالفة العامة فيما إذا تساوت الروايتان من حيث الوثاقة والعدالة وشهرة الخبر ونحوها.

والمقام ليس من ذلك؛ لأن أخبار الحرمة أشهر، بل كاد أن يكون إجماعاً، فلا تصل النوبة إلى القول بترجيح روايات الجواز لمخالفتها للعامة.

لكن هذا مبحث مبنائي، فهل المرجحات الواردة في الأدلة مرتبة أم لا؟

ص: 35


1- جواهر الكلام 37: 29.
2- فقه الصادق 23: 382.

ذهب المحقق الخراساني(1) إلى أن المرجحات منحصرة في موافقةالكتاب ومخالفة العامة، والبقية على نحو الاستحباب. وعلى هذا المبنى فالروايتان متكافئتان، فتصل النوبة إلى بحث التقية. وأما على سائر المباني فالترجيح بالشهرة، وهي في جانب الحرمة.

وذهب السيد الوالد في الفقه(2) إلى جمع آخر هو جمع دلالي: وهو أن أخبار المنع ظاهرة في الحرمة، وأخبار الجواز صريحة في الحلية، فتحمل الأولى على الكراهة.

ويبدو للنظر أن الأرجح هو قول المشهور، فإنه وإن تحقق التعارض بين الطائفتين بدواً، إلا أن الشهرة العظيمة مع الصحاح الدالة على الحرمة، بل كادت أن تكون إجماعاً، وقد أُعرض عن الروايات الدالة على الجواز، والإعراض مسقط عن الحجية.

اشتراط تكرار الاصطياد وعدمه

قال في الشرائع: «لابد من تكرار الاصطياد به متصفاً بهذه الشرائط، ليتحقق حصولها فيه، ولا يكفي اتفاقها مرة»(3)، فلو أرسل كلب الصيد مرة، أو زجره مرة فامتثل أمكن أن يكون اتفاقياً، فلم يحرز الشرط، بخلاف ما لو تكرر.

لكن مضى أن التعليم أمر عرفي، فهو الحاكم في كونه معلّماً، فالقول بالتكرار إنما هو لبيان مورد التعليم العرفي. وبعبارة أخرى: إنه كاشف عن

ص: 36


1- كفاية الأصول: 459.
2- الفقه 75: 228.
3- شرائع الإسلام 4: 736.

شرط التعليم، فليس الشرط المذكور شرطاً مستقلاً عن التعليم، بل هو كاشف عن المعنى العرفي. وكذلك الأمر في كل حرفة وصنعة، حيث لايتحقق التعليم بالعمل مرة واحدة، وأما التكرار فيكشف عن التعليم.

ويؤيده: أنه لو تعلم بمرة واحدة بحيث صدق أنه معلّم عرفاً كفى، لكن عادة لا يمكن الكشف عن كونه معلّماً بالعمل مرة واحدة.

عدم اشتراط الملكة

لا يلزم أن يصبح الأمر ملكة، فلو تعلّم حلَّ صيده حتى لو نسي في اليوم التالي لكن بشرط أن يصدق عليه المعلَّم في اليوم الأول؛ ولذا لو تعلّم شخص عملاً من دون أن يصبح ملكة عنده، وأمكنه أن يؤديه لكنه سينسى ذلك؛ لعدم صيرورته ملكة، صدق أنه معلّم.

ويشهد له معتبرة زرارة(1) عن الإمام الصادق(علیه السلام): «... وإن كان غير معلّم يعلمه في ساعته ثم يرسله فيأكل منه فإنه معلّم..»(2)، مع العلم بأن التعليم كذلك لا يلازم الملكة، بل التعليم أعمُّ فيمكن اجتماعهما، ويمكن تحقق التعليم بلا ملكة، ويؤيده الروايات الواردة في الوسائل، فراجعها(3).

نعم، الملكة ناشئة عن التكرار الكثير وشدّة التعليم.

والحاصل: إن التكرار المطلوب إنما هو لكشف التعليم.

ص: 37


1- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة... . والأقوى وثاقة موسى بن بكر، فالخبر صحيح (السيد الأستاذ).
2- الكافي 6: 205؛ وسائل الشيعة 23: 346-347.
3- وسائل الشيعة 23: 346-347.

وقد استدل البعض(1) على لزوم التكرار وإثبات موضوعيته بروايتين، وعليه لو تعلم من دون تكرار أو تعلم من تلقاء نفسه لم ينفع في التذكية، وهما:الأولى: خبر عبد الرحمن بن سيابة قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): «إني استعير كلب المجوسي فأصيد به، فقال(علیه السلام): لا تأكل من صيده إلا أن يكون علّمه مسلم فتعلّمه»(2)، فهو يدل على لزوم التكرار لكون كلب المجوسي معلّم.

لكنه غير تام، حيث لم يتطرق في السؤال إلى أن كلب المجوسي كلب الصيد، فيمكن أن يستعير غيره، فالرواية مبهمة من هذه الجهة، هذا أولاً، وثانياً: إن ظاهر الرواية أنه لا يمكن الاعتماد على دعوى المجوسي بكون الكلب معلّماً، فيشترط أن يعلمه المسلم، أو يقول مسلم: إنه علمه فيعتمد عليه(3).

الثانية: موثقة السكوني(4)، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «كلب المجوسي لا تأكل صيده إلا أن يأخذه المسلم فيعلمه ويرسله»(5).

ولكنها لا تدل على لزوم التكرار؛ لأن الكلب لو كان معلّماً فلا يتعلم؛ لأنه تحصيل للحاصل، وإذا لم يكن معلّماً فحين الإرسال لا يمكن تعليمه(6).

ص: 38


1- الخلاف 6: 6؛ مستند الشيعة 15: 286.
2- الكافي 6: 209؛ وسائل الشيعة 23: 361.
3- لكنهما خلاف الظاهر، فإن الظاهر من السؤال استعارة كلب الصيد، كما أن الكلام أعم من دعوى المجوسي أو غيره، فكونه كلب صيد مفروغ منه. (المقرر).
4- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني.
5- الكافي 6: 209؛ وسائل الشيعة 23: 361.
6- لكنه غير تام أيضاً، فإننا نختار الشق الثاني، فالرواية تدل على لزوم تعليمه لكنها لا تدل على التكرار، والأولى أن يقال بالنسبة إلى الروايتين: إنهما أجنبيتان عن اشتراط التكرار، بل الشرط هو كون المعلّم مسلماً، إلا أن يعرض عن الشرط المذكور (المقرر).

فلابد من حمل الروايتين على محمل آخر، وهو أنه لو أرسله المجوسي لم ينفع، بل لابد من إرسال المسلم إياه، فليس المراد من التسبيب التعليم، بلالإرسال، فمعنى الروايتين أن الكلب المعلّم حيث ينطلق - عادة - بإرسال صاحبه الكافر لم ينفع في التذكية. نعم، لو استرسل بإرسال المسلم صح.

ويؤيده مرسلة حريز عن الصادق(علیه السلام): «إنه سئل عن كلب المجوسي يكلبه المسلم ويسمي ويرسله؟ فقال: نعم، إنه مكلب إذا سمّى وذكر اسم الله فلا بأس»(1).

والحاصل: إن الروايتين محمولتان على أن انطلاقه بأمر صاحبه لا بأمر المسلم، فلا تدلان على لزوم التكرار.

القول بكفاية التعليم مرة

استدل البعض(2) على كفاية المرة برواية عن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «وإن كان غير معلم فعلمه في ساعته حين يرسله فليأكل منه فإنه معلم»(3)، فتدل على كفاية التعليم مرة.

لكن يرد عليه: أنه يمكن أن يتحقق التكرار في التعليم من ساعته، فلا يلزم أن تكون مدة التعليم طويلة.

والمختار: إن ما استدل به لكفاية المرة أو لزوم التكرار غير دال، بل اللازم تحقق التعليم العرفي، ومقتضى العادة كشف ذلك عن طريق التكرار كسائر الحرف والصناعات.

ص: 39


1- وسائل الشيعة 23: 361.
2- كشف اللثام 2: 252.
3- مرّ تخريجه.
نسيان التعليم

كذلك الحال فيما لو نسي التعليم(1)، فإن التكرار كاشف عن النسيان المذكور، فلو أرسل مرة فلم يمتثل فلا يمكن الحكم عليه بالنسيان.

نعم، لو تكرر ذلك كشف عن نسيانه، شأنه شأن صاحب الحرف والصناعات، حيث يمكن أن يُخطئ مرة بعد ترك العمل فترة لكن لا يدل على نسيانه، لكن تكرار الخطأ يكشف عن نسيان الملكة.

فروع تتعلق بتعليم كلب الصيد

يقع الكلام في ذكر عدة فروع في المقام، وقد ورد أكثرها في الفقه(2).

الأول: لو علمه ولم يستيقن أنه تعلم لم يكفِ؛ لعدم إحراز شرائط التذكية، فالاستصحاب محكم، وليس ذلك مثبتاً، فإن نتيجة عدم التعليم عدم حصول التذكية وهو أثر شرعي، كما هو الأمر في سائر الشرائط، ويمكن إثبات الأصل عن طريق آخر، وهو أنه لو صاد فالأصل عدم تحقق التذكية، ولازمه الحرمة، وسيأتي تفصيل ذلك.

الثاني: لو اشترى كلب صيد وقال البائع: إنه معلم كان قوله حجة؛ لحمل قول المسلم على الصحة.

وقد استدل على ذلك بكونه ذا يد، فيكون قوله معتبراً(3).

لكنه بحاجة إلى تأمل؛ لأن اليد أمارة الملكية أما الأوصاف فلا تثبت بها، فيكون قبول قوله من باب الحمل على الصحة، فتأمل.

ص: 40


1- لتركه الصيد فترة مثلاً خاصة فيما لو لم يصل إلى حد الملكة.
2- الفقه 75: 234.
3- الفقه 75: 234.

الفرع الثالث: الحكم منصرف عن المعلم لغير الصيد، كما لو صاد من عُلّم الحراسة، فلا يحل صيده(1)، فإنه وإن كان {تُعَلِّمُونَهُنَّ} مطلقاً إلا أن المدعى الانصراف إلى تعليم الصيد لا غيره.

الفرع الرابع: لو كان استرساله وانزجاره بالطبع لا بالتعليم، فهل يكفي لتحقق التذكية؟

قال بعض بعدم الكفاية للآية المذكورة(2)، وقال بعض بالكفاية(3)؛ لأن التعليم طريقي لا موضوعي، كما هو الغالب في العلم والرؤية المأخوذة في الأدلة؛ لذا تحمل على القطع الطريقي لا الموضوعي، فالمراد أن يطيع الأمر، سواء علّمه الإنسان أم تعلم من سائر الكلاب أم كان طبعه كذلك، فالقيد غالبي، وما عداه - كالتعلّم بالطبع - نادر.

الشرط الثاني: تحقق شروط المرسل
اشارة

يقع الكلام في الشرط الثاني لحلية صيد الكلب المعلّم، وهو شروط المرسل، فلابد من توفر شروط في مرسل الكلب لتتحقق التذكية. وقد ذكرت عدة قيود في مرسل الكلب المعلم، وهي:

القيد الأول: أن يكون المرسل مسلماً

أو بحكم المسلم كالصبي المميز من أبوين مسلمين(4)، فلو أرسلالصبي

ص: 41


1- الفقه 75: 234.
2- الخلاف 6: 16.
3- كفاية الأحكام 2: 578.
4- وإن كان الأصح أنه مسلم لا أنه بحكم الإسلام، وعبادته ليست تمرينية وقوله وفعله إن كان قاصداً كان مشروعاً وصحيحاً، وليس إسلامه ظاهرياً، ويؤيده ما قاله جمع: إن ابن الكافر المميز لو أظهر الإسلام عن قناعة قبل منه، خلافاً للمبنى الآخر الذي يجري عليه حكم الكافر إلى البلوغ، وأما عمد الصبي خطأ فهو خاص بباب القصاص وليس بمطلق ليحمل على جميع أفعال الصبي. نعم، غير المميز بحكم الإسلام (السيد الأستاذ).

المميز الكلب حلّ صيده، كما لو ذبح بيده بالشرائط المذكورة، وأما لو أرسل الكافر فلا يحل.

أدلة القيد الأول

وقد استدل على ذلك بآيات وروايات(1)، أما الآيات فهي:

الآية الأولى: قوله تعالى: {وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ}(2)، والكافر لا يذكر اسم الله لعدم اعتقاده، وحتى لو ادعى ذلك فلا يقبل منه، لحمل قول المسلم على الصحة لا الكافر، فالآية دالة على عدم كفاية صيد الكافر؛ لافتقاد شرط التسمية.

لكنه ضعيف، بل على عكس المطلوب أدل؛ لأنه جارٍ بالنسبة للملحد، وأما غيره فهو يقبل الله لكنه يشرك به، فلا مانع من تسميته، هذا أولاً.

وثانياً: الدليل أخص من المدعى، فيمكن الفرض فيما لو سمعنا منه ذكر الله تعالى.

الآية الثانية: {وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ}(3)، ولا يخفى أن الشرك ظلم عظيم، فلو أُكل صيد المشرك كان ركوناً إلى الذين ظلموا.

لكنه ضعيف، أما نقضاً فهل يحرم ذلك من المسلم الظالم؟

ص: 42


1- مجمع الفائدة والبرهان 11: 38.
2- سورة الأنعام، الآية: 121.
3- سورة هود، الآية: 113؛ مختلف الشيعة 8: 298.

وأما حلاً: فإن أكل صيد الكافر ليس ركوناً؛ لأن معنى الركون هو قبولسيطرته والانضواء تحت سلطانه والتسليم لسلطته، ومجرد الأكل ليس من ذلك، قال تعال: {ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ}(1).

وأما الروايات، فقد استدل لذلك بروايات تشترط الإسلام في الذابح، وستأتي في كتاب الذباحة، والصيد نوع من الذبح فنفس الأدلة الواردة في الذباحة جارية في الصيد، فلابد وأن يكون المرسل مسلماً.

لكنه ضعيف؛ لأن الإرسال ليس بذبح؛ ولذا لو صاد الكافر سمكاً حلّ لتحقق ذكاته بإخراجه من الماء حيّاً، فإن التذكية أعم من الذبح. نعم، يشترط في الذبح كون الذابح مسلماً، بل ليس الإرسال تذكية أصلاً؛ لذا لو أرسل الكلب فصاد ولم يمت الصيد، وكانت حياته مستقرة وجب على الصائد أن يذبحه حتى يحل، وإلا صار ميتة، فيدل ذلك على أن الإرسال ليس بتذكية، وإلا لم يجب ذبحه.

والحاصل: إن اشتراط الإسلام إنما هو في الذابح لا في كل تذكية، والإرسال ليس تذكية أصلاً.

نعم، هنا جملة من الروايات يستفاد منها لزوم كون المرسل غير كافر، ومنها: الروايات التي مرّت في المجوسي، ومنها: ما ورد في حرمة صيد نصارى العرب(2).

ص: 43


1- سورة المائدة، الآية: 5.
2- وهم طائفتان من العرب: بني تغلب وبني كلب، كانوا نصارى قبل الإسلام، وقد تأثروا بنصرانية الشام، حيث كانوا في أطراف جزيرة العرب (السيد الأستاذ).

فمنها: صحيحة محمد بن قيس(1)، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «قالأمير المؤمنين(علیه السلام): لا تأكلوا ذبيحة نصارى العرب فإنهم ليسوا أهل الكتاب»(2).

لكن أشكل على دلالتها، لما ورد في تتمة الروايات: (لأنهم ليسوا أهل كتاب)؛ لأنهم مشركون، فيدل على أنهم ليسوا بنصارى أصلاً، فالإشكال في الموضوع، لا في الحكم بعد تحقق الموضوع، فعدم حلية ذبيحتهم أو صيدهم لا يدل على حرمة صيد أهل الكتاب.

القيد الثاني: أن يرسله للاصطياد

فلو استرسل من نفسه من دون إرسال الصياد له(3) لم يحل ما صاده، ونظيره الصيد عبر الآلة كالسهم، فلو رمى السهم لا بقصد الصيد، بل بقصد التمرين فأصاب طيراً صدفة لم يحل.

أدلة القيد الثاني

ويدل على ذلك أمور:

الأول: الإجماع المنقول(4).

ويمكن الخدشة فيه مبنىً وبناءً.

ص: 44


1- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد عن يوسف بن عقيل عن محمد بن قيس...، والأظهر أن محمد بن قيس هنا هو البجلي الثقة، فراجع مشتركات الكاظمي: 251.
2- الاستبصار 4: 83؛ وسائل الشيعة 24: 59.
3- لأن كلب الصيد وإن كان معلّماً إلا أنه لا ينحصر صيده في إرسال صاحبه، بل قد يجوع مثلاً فيصيد لنفسه.
4- غنية النزوع: 395؛ جامع الخلاف والوفاق: 536.

أما مبنىً: فلأنّه معلوم الاستناد؛ لوجود روايات في المقام استند المجمعون عليها ظاهراً، وعلى مشهور الأصوليين الإجماع المعلوم الاستناد بلمحتمله غير حجة. وإن كان يخطر بالبال أن الإجماع المنقول حجة وإن كان محتمل الاستناد، وإلا لم يبقَ إجماع أصلاً؛ لوجود أدلة في موارد الإجماعات عادة يحتمل استناد المجمعين إليها. والتفصيل في محله.

وأما بناءً: فلأن الإجماع غير ثابت؛ لوجود مخالفين في المقام، وعليه فتحقق الإجماع مشكل.

الدليل الثاني: الروايات، حيث استدل بثلاثة روايات في المقام(1)، وهي:

الأولى: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل»(2)، ومفهومها إذا لم ترسله فلا تأكل، فلو استرسل من نفسه لم يحل صيده.

وأورد عليها عدة إشكالات:

الأول: إنها نبوية عامية، لم ترد في المجاميع الروائية الخاصة، وقد اقتصر صاحب الوسائل على نقل الروايات التي وردت عن طريق الخاصة، وأما ما في الكتب الفقهية فلم يذكرها خوفاً من كونها روايات العامة.

لكنه محل تأمل مبنى وبناء، أما مبنى: فإنه وإن صح نقل العامة لها إلا أن علماء الشيعة أوردوها في كتبهم الفقهية(3)، مع العلم بأنهم لا يستندون على

ص: 45


1- الخلاف 6: 11؛ رياض المسائل 12: 50؛ جواهر الكلام 37: 36-37.
2- الخلاف 6: 11، والرواية موجودة في كتب العامة، مثل: البخاري 7: 113؛ مسند أحمد بن حنبل 4: 380، وغيرهما.
3- الخلاف 6: 11؛ المؤتلف من المختلف 2: 448؛ غنية النزوع: 395؛ جامع الخلاف والوفاق: 537؛ إيضاح الفوائد 4: 116.

روايات العامة، فالظاهر أنها وصلت إليهم من طرق الخاصة، وهذا ماذكره السيد الوالد في مجلس درسه.

فلا فرق بين نقل الشيخ الطوسي الرواية في التهذيب أو المبسوط، فيكف يقال: إن ما في المبسوط يمكن أن يكون عامياً مع ورود نفس الاحتمال على مرسلات التهذيب؟ فكما ينفى الاحتمال في الكتب الروائية كذلك في الكتب الفقهية الاستدلالية، بل احتمال الاستدلال بروايات العامة في الكتب الفقهية أبعد جداً؛ لأن مبناهم عدم الاستدلال بروايات العامة، فيعلم وصولها إليهم من طرق الخاصة. نعم، لو كان الفقيه في مقام المحاجة مع العامة احتمل استناده على رواياتهم التي عليهم.

والحاصل: إن مجرد عدم كون الرواية في المجاميع الروائية الخاصة لا يدل على أنها عامية مع وجودها في الكتب الاستدلالية الفقهية، خاصة أن أكثر الكتب الروائية مفقودة، والموجود منها مختارات.

وأما بناءً: فعلى فرض كونها عامية، إلا أن العلماء عملوا بها، فينجبر ضعفها بعمل المشهور.

ويمكن الإشكال على الانجبار المذكور بأنه إنما يتم إذا استند المشهور على الرواية لا مجرد مطابقتها لفتوى المشهور، فيشترط في الانجبار الاستناد على الرواية والعمل بها، وليس المقام كذلك، فإنه وإن استند بعض عليها لكن المشهور لم يستندوا عليها.

لكنه محل تأمل، فالظاهر أنه لا فرق في الانجبار بين الاستناد والتطابق، والبحث في محله.

ص: 46

الإشكال الثاني: يحتمل أن يكون الشرط لتحقق الموضوع، فلامفهوم له، فإن المفهوم إنما يتحقق إذا كان الشرط صفة الوجود، كقولك: (إذا جاء زيد فأكرمه)، فأصل وجود زيد مسلم، لكن له حالتان: إما يأتي أو لا، فلو جاء أكرمه، ومفهومه عدم الإكرام عند عدم المجيء.

وأما إذا كان أصل الوجود شرطاً، بأن سيق شرطاً لتحقق الموضوع، كقوله: (إذا رزقت ولداً فاختنه) فلا مفهوم له.

وكذلك المقام، فلا مفهوم لقوله: (إذا صاد فكل)، حيث لا معنى ل (إذا لم يصد فلا تأكل)، وإنما عبّر بالإرسال من باب كونه غالباً، حيث لا يسترسل من نفسه وإنما من صاحبه.

والحاصل: إنه يحتمل قوياً أن يكون الشرط في الرواية من قبيل تحقق الموضوع فلا مفهوم لها، والاحتمال المذكور نابع عن الغلبة، ولو شك أنه من قبيل تحقق الموضوع، أو من قبيل تحقق وصفه لم يمكن الاستدلال بالمفهوم.

لكن الظاهر تمامية الدلالة، فإنه وإن كان الاحتمال المذكور وارداً لكنه لا ينافي الظهور، فكل ظهور له احتمال الخلاف وإلا أصبح نصاً، فالمراد اشتراط الإرسال، وهو وصف الموضوع لا نفسه.

الرواية الثانية: خبر القاسم بن سليمان قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه فصاد، فأدركه صاحبه وقد قتله أيأكل منه؟ فقال: لا، وقال(علیه السلام): إذا صاد وقد سمى فليأكل، وإن صاد ولم يسم فلا يأكل»(1).

ص: 47


1- الكافي 6: 205؛ وسائل الشيعة 23: 856.

وقد أشكل عليها(1) بأن تتمة الرواية تخل بظهور الصدر، حيث تدلعلى أن التحريم لعدم التسمية لا لأجل إفلاته واسترساله بلا إرسال.

لكنه غير وارد، فإن الظاهر كونهما روايتين ذكرهما الإمام(علیه السلام) في مقامين، فلا تصلح التتمة أن تكون قرينة على الصدر، ويشهد له ذكر الراوي (و قال) فلو كانت رواية واحدة لم يذكر ذلك.

الرواية الثالثة: حسنة الحضرمي(2) عن الصادق(علیه السلام): «إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته»(3).

ويرد عليه أن الإمام(علیه السلام) في مقام بيان اشتراط التسمية لا الإرسال.

الدليل الثالث: أصالة الحرمة(4)، وهو إما استصحاب عدم التذكية، أو عدم معلومية تحقق الشرائط فيحرم، وسيأتي بيان الأصل في اللحوم.

والنتيجة أن الإرسال شرط، فلو استرسل من قبل نفسه لم ينفع في التذكية.

فروع:بناء على اشتراط الإرسال

وهنا فروع بناء على اشتراط الإرسال، وهي:

الفرع الأول: لو استرسل من قبل نفسه فزجره صاحبه فوقف، ثم أرسله صاحبه انقطع حكم الاسترسال بالزجر(5)، والحكم تابع لإرسال صاحبه

ص: 48


1- رياض المسائل 12: 51.
2- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي... .
3- وسائل الشيعة 23: 333.
4- جواهر الكلام 37: 36.
5- مستند الشيعة 15: 333.

فيكون حلالاً؛ لأنه مستند إلى الإرسال لا الاسترسال.

الفرع الثاني: لو استرسل من نفسه فأغراه صاحبه، فإن لم يؤثر فيهالإغراء بأن لم تتغير حركة الكلب لم يصدق الإرسال، وإن زادت حركته بالإغراء وعلم أن ذلك لإرسال صاحبه ففيه خلاف(1)، منشؤه أن صيده مستند إلى الإرسال فقط فيحل، أو إليه وإلى الاسترسال معاً فلا يحل لعدم تحقق الشرط، حيث يشترط تحققه كاملاً مستقلاً، ومع عدمه يغلب جانب الحرمة؛ لعدم استناد الصيد إلى الكلب المرسل، كما لو اشترك المعلّم مع غير المعلّم في الصيد. والظاهر الثاني.

الفرع الثالث: لو أرسله المجوسي فأغراه المسلم بعده، فالحكم كالفرع السابق، وكذا العكس بأن أرسله مسلم فأغراه الكافر، فإن كان الإرسال مستنداً على المسلم فحسب حلّ، وإلا - بأن استند عليهما - حرم(2).

ويتفرع عليه ملكية الصيد، فلو أرسل كلبه كان هو أحق بالصيد، لكن لو غصب كلباً فأرسله فالصيد للغاصب لا المغصوب منه، لصدق (من سبق) عليه، كما لو غصب شبكاً وصاد سمكاً، فإنه وإن عصى بالغصب لكنه سبق فيملك، فهنا حكمان: تكليفي وهو الحرمة، ووضعي وهو الملكية، كما لو غسل يده بالماء المغصوب فإنها تطهر. نعم، لابد من إعطاء أجرة الكلب لصاحبه.

لكن احتمل السيد الوالد في الفقه(3) أن الصيد لهما حسب النسبة،فإن

ص: 49


1- المبسوط 6: 261؛ مستند الشيعة 15: 334.
2- جواهر الكلام 37: 39.
3- الفقه 75: 240-241، وفيه: «وهل عليه أجرة الشيء - كما هو المشهور - أو قدر الشيء بالنسبة إلى العمل في إنتاج هذه النتيجة؟ أي: إن الصيد يسوى مثلاً مائة، وكل من العمل والآلة دخيلان في هذا الإنتاج، ونسبة العمل إلى الآلة الثلث مثلاً، فله ثلث المانة ولصاحب الآلة الثلثان - كما يظهر من جماعة من علماء الاقتصاد - احتمالان، وإن كان الثاني أقرب إلى كون الكلام ملقى إلى العرف، والأول أقرب إلى ظاهر الأدلة ومذاق الفقهاء، والاحتياط التصالح».

الموازين الاقتصادية تحكم بكون النتيجة للعامل والآلة معاً، فلليد العاملة حق في النتيجة كما للآلة، ويختلف ذلك حسب الموارد.

ولو تمَّ ذلك وكان عليه بناء العقلاء، ولم يردع عنه الشارع، كان الصيد بينهما، وعليه فلابد من أن يعطي الغاصب للمالك سهمه من الصيد، بالإضافة إلى أجرة استخدام الكلب، خلافاً لسائر الفقهاء حيث أوجبوا الأجرة فحسب(1).

وعليه لو أرسل المالك كلبه، فأغراه الفضولي بما ضاعف الكلب سرعته، فإن صدق (السبق) على الفضولي كان له الحق بالنسبة، وإن لم يصدق عليه - كما هو الظاهر - لم يكن له حق، كما أن الحكم كذلك في العكس، فلو أرسله الفضولي فأغراه المالك، فإن صدق عليهما قانون (من سبق) كانا شريكين في الصيد، وإن صدق على المالك فقط - كما هو الظاهر عرفاً - لم يكن للفضولي شيء.

قال السيد الوالد في الفقه: «ولو أرسله المالك وأغراه الغاصب بما أوجب زيادة عدوه، فالظاهر أنه للمالك؛ لأن زيادة العدو لا يعد سبقاً»(2).

الفرع الرابع: لو أرسل شخصان كلبيهما، فصادا معاً صدق عليهما السبق، فيشتركان فيه، وليس الملاك في مقدار العض، بل في أصله، واستفيد ذلك من نظيره في باب الجنايات، فلو قتلاه معاً: أحدهما بخمس طلقات والآخر

ص: 50


1- تحرير الأحكام 4: 522؛ تذكرة الفقهاء 2: 379.
2- الفقه 75: 241.

بطلقة اشتركا فيه، وقسمت الدية قسمين لا ستة أقسام، فإن الملاك تعدد الجاني لا الجناية.

وفي المقام يستند الصيد عليهما فيشتركان، وليس نسبة القتل إلى أحدهما هيالملاك في تحقق الملكية، حيث لا يلزم في تحقق (السبق) موت الصيد، بل الملاك لتحقق الملكية الأخذ، فلو أخذه أحدهما من رجله والآخر من رقبته، ومات بسبب آخذ الرقبة كان ملكاً لكليهما؛ لتحقق السبق بالنسبة إليهما معاً.

الفرع الخامس: لو أرسلا كلبيهما واختلف زمان الإرسال، كان الملاك زمان الأخذ، فلو وصلا معاً صدق سبقهما، ولو كان أحدهما متأخراً في الإرسال إلا أنه وصل أولاً كان هو السابق، فالمهم زمان الأخذ؛ لصدق السبق عليه لا الإرسال.

والحاصل: إن الملكية تدور مدار السبق، سواء كان غاصباً أم مالكاً أم فضولياً.

الشرط الثالث : التسمية
اشارة

الشرط الثالث(1): التسمية

لو صاد بكلب الصيد لزمت التسمية عند الإرسال أو قبل العقر، ولو صاد بآلة كالسهم لزمت التسمية عند الرمي، ويدل عليه قوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ وَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِۖ}(2).

والظاهر أن الأمر وضعي لا تكليفي، فليس معناه حرمة ترك التسمية، بل عدم حصول التذكية، فالشرط المذكور وضعي لا تكليفي. وقد قالوا في محله: إن الظاهر في الأوامر التكليفية، لكنها في مثل هذه الموارد بيان

ص: 51


1- من شروط الصيد.
2- سورة المائدة، الآية: 4.

للحكم الوضعي(1).ويدل عليه الروايات والإجماع وسيرة المسلمين(2)، ولا حاجة لبيان التفصيل لوضوح المطلب.

ولا يخفى أن التسمية المتأخرة عن القتل لا تنفع، فلو أرسل كلبه ولم يسمِ عمداً فقتل الصيد لم تتحقق التذكية، فتحرم ولا يجوز الأكل، وكذا مع الرمي أو الذبح، ويدل عليه قوله تعالى: {وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ}(3).

لكن قال بعض العامة(4): إنه لو سمّى قبل الأكل جاز، وإن لم يسمِ عند القتل أو الصيد أو الذبح.

ويرد عليه إشكالات متعددة، منها: إنه خلط بين (لم) و(لا) فالأول للماضي، والثاني للحال أو المستقبل، فلو كانت الآية هكذا (لا تأكلوا مما لا يذكر اسم الله عليه) أمكن القول بتحقق التسمية ولو بعد القتل، لكن ظاهر الآية عدم جواز الأكل فيما لو لم يذكر اسم الله حين الذبح.

ص: 52


1- أقول: بل الظاهر أنه حكم تكليفي ووضعي، فلو أراد الصيد بلا تسمية فعل محرماً، خاصة مع انطباق عنوان الإسراف عليه. (المقرر).
2- الخلاف 6: 10، وفيه: «دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، ولأنه إذا أرسل وسمى حل أكله بلا خلاف، وإذا لم يسمِّ فليس على إباحته دليل. وأيضاً قوله تعالى: {وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ}». وكشف اللثام 9: 191، وفيه: «أن يسمّي عند إرساله بالنصوص والإجماع، فلو تركها عمداً لم يحلّ، خلافاً لبعض العامّة».
3- سورة الأنعام، الآية: 121.
4- انظر كمثال: المجموع 8: 408، وفيه: «التسمية مستحبة عند الذبح والرمي إلى الصيد وإرسال الكلب ونحوه، فلو تركها عمداً أو سهواً حلت الذبيحة».

ومنها: الانصراف القطعي عن التسمية عند الأكل كما في الفقه(1).ومنها: ورود روايات عن العامة والخاصة بذلك.

ومنها: سيرة المتشرعة على عدم الأكل إذا لم يسمِ عند التذكية.

ومنها: ما في الفقه(2): من أنه لو كان ذكر اسم الله عند الأكل مجزياً لكان التعبير المذكور في الآية لغواً، وكان اللازم التعبير ب (فإذا أردتم الأكل فاذكروا الله).

لزوم تجديد التسمية وعدمه

لو ذكر الصائدُ اللهَ عند الإرسال، فتحرك الكلب وعقر الصيد، فحضر الصائد عنده ولم يمت الصيد بعد لم يلزم تجديد التسمية، لكن لو كانت له حياة مستقرة فهل تلزم التسمية مرة ثانية، مع القول بلزوم تذكيته؟

قال البعض: بعدم اللزوم؛ وذلك لتحقق التسمية، وشمول إطلاق الآية له.

لكن ذهب آخرون إلى الانصراف عما لو كانت الحياة مستقرة وأريد ذبحه، والأقرب الثاني، فلو كانت له حياة مستقرة لزمت التسمية مرة ثانية حين الذبح؛ لعدم صدق ذكر اسم الله عليه.

ص: 53


1- الفقه 75: 243، وفيه: >واستدلال بعض العامة على الكفاية بإطلاق الآية، حيث قال سبحانه: {أَلَّا تَأۡكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ} يشمل ما إذا ذكر اسمه سبحانه على اللحم حتى بعد طبخه غير تام للانصراف القطعي، وسيرة المتشرعة منذ زمان رسول الله(صلی الله علیه و آله)، هذا مع الغض عن الروايات...».
2- الفقه 75: 243، وفيه: «بل لو كان كذلك لم يكن وجه للنهي؛ لأنه بالإمكان البسملة عند الأكل، فكان الأولى أن يقال: وإذا أردتم الأكل فبسملوا».
بيان وقت التسمية

هل يشترط ذكر اسم الله وقت الإرسال حصراً، أو تكفي التسمية قبل العقر؟ فلو سمّى وقت الإرسال حلّ قطعاً، لكن لو لم يسمِ وقت الإرسال عمداًلكنه سمّى قبل أن يصل الكلب إلى الصيد فهل يحل؟(1)

وقد استدل(2) للزوم التسمية عند الإرسال وعدم كفاية التسمية عند العقر ببعض الروايات:

منها: معتبرة زرارة(3) عن الإمام الصادق(علیه السلام): «إن أرسله الرجل وسمّى فليأكلِ مما أمسك عليه»(4).

ومنها: صحيحة الحذاء(5): «ويسمي إذا سرحه»(6).

فإن إطلاق: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}(7) يُقيد بهذه الروايات.

والظاهر أنه محل تأمل، والأقرب الكفاية سواء سمّى عند الإرسال أو

ص: 54


1- كفاية الأحكام 2: 578؛ رياض المسائل 13: 266؛ مستند الشيعة 15: 335.
2- كشف اللثام 9: 193؛ مستند الشيعة 15: 336.
3- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة... والأقوى اعتبار موسى بن بكر (السيد الأستاذ).
4- الكافي 6: 205؛ وسائل الشيعة 23: 335.
5- الكليني بأسناد متعددة منها: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذاء.
6- الكافي 6: 203؛ وسائل الشيعة 23: 332، وفيه: عن أبي عبيدة الحذاء قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يسرح كلبه المعلم ويسمي إذا سرحه، فقال: يأكل مما أمسك عليه فإذا أدركه قبل قتله ذكاه وإن وجد معه كلباً غير معلم فلا يأكل منه».
7- سورة المائدة، الآية: 4.

عند العقر، وقيل: الأكثر عليه(1). ولا وجه لتقييد الإطلاقات بما ذكر، فإن التقييد إنما يكون بعد تحقق التنافي، فيقدم النص أو الأظهر على الظاهر، وأمامع عدم المنافاة فلا تقييد؛ ولذا لا تنافي بين المثبتين.

وفي المقام: لو عُرض الدليلان على العرف لم يرَ المنافاة بينهما حتى يتم التقييد، بل العرف يرى أن اشتراط التسمية عند الإرسال في الروايات لبيان المصداق، أو للتسهيل على المكلف، فمن العسر أن تشترط التسمية عند العقر، وليس معنى ذلك عدم كفاية التسمية بعد الإرسال؛ ولذا قال في المسالك: «... فلم تكن التسمية متعينة حال الإرسال، بل ما قرب من وقت التذكية ينبغي أن يكون أولى بالإجزاء»(2).

كما لا حكومة في المقام كما قال به البعض؛ وذلك لأن الحكومة بحاجة إلى النظر على بعض الآراء، ولا نظر هنا.

هذا بالإضافة إلى الإشكال في دلالة الرواية؛ لأن السؤال عن التسمية حين التسريح، فأجابه الإمام(علیه السلام) على طبق فرضه.

فروع: تتعلق بالتسمية

الفرع الأول: تكفي تسمية واحدة لصيود متعددة(3) فيما لو كانت في زمان واحد؛ لصدق ذكر اسم الله عليه.

الفرع الثاني: ذهب بعض الفقهاء إلى تحقق التسمية فيما لو أرسله

ص: 55


1- تحرير الأحكام 4: 608؛ قواعد الأحكام 3: 312؛ الدروس الشرعية 3: 395.
2- مسالك الأفهام 11: 421.
3- الفقه 75: 243.

شخص وذكر اسم الله شخص آخر(1)، بشرط الصدق العرفي، وأما لو لم يصدق، كما لو أرسله وكان شخص غريب في مكان يبعد عنه قليلاً يذكر اسمالله، فلا يكفي.

هذا فيما لو كان الكلب واحداً، وأما لو كان كلبان لنفرين فسمّى أحدهما دون الآخر عمداً، وكان الصيد مستنداً عليهما معاً، ففي الفقه(2) لابد من ملاحظة استناد القتل، فإن استند على الذاكر كفى وإلا فلا، كما لو أخذ أحدهما رقبته والآخر رجله، وكذلك الأمر في قصابين يذبح أحدهما ويسمي بينما فيقطع الآخر الرجل ولا يسمي، فمن استند عليه الذبح لزم عليه التسمية.

لكنه ينافي بعض الفروع السابقة؛ وذلك لصدق اسم الله عليه، وإن لم يستند عليه القتل.

الفرع الثالث: لا إشكال فيما لو نسي التسمية؛ لورود روايات بعدم الحرمة(3)، لكن يشترط الاعتقاد بوجوب التسمية، وأما لو لم يكن معتقداً فلم يسمِّ غافلاً فلا يسمى ناسياً، وموضوع الحلية النسيان.

الفرع الرابع: بناء على القول باشتراط التسمية حين الإرسال، ونسي حينه لكنه ذكر قبل العقر وجبت التسمية لقاعدة الميسور على القول بها.

ص: 56


1- الفقه 75: 250.
2- الفقه 75: 243-244.
3- تهذيب الأحكام 5: 222؛ وسائل الشيعة 14: 154، الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «إذا ذبح المسلم ولم يسم ونسي فكل من ذبيحته وسم الله على ما تأكل».

الفرع الخامس: إلحاق الجاهل بالناسي مشكل إلا مع إلغاء الخصوصية، كما أن إلحاقه بالعامد مشكل أيضاً، ومع الشك فالأصل عدم تحقق شرط التذكية.

ترك التسمية لاعتقاده عدم وجوبها

لو ترك التسمية لاعتقاده عدم وجوبها ففي المقام احتمالان، الصحيح المفتى به عدم الحلية(1)، لصريح قوله تعالى: {وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ}(2)، وللأخبار الدالة منطوقاً ومفهوماً على حرمة الذبيحة فيما لو لم يسمِّ عليها عمداً(3).

ولم يذهب إلى الاحتمال الآخر(4) أحد، لكن أقيمت الأدلة عليه فلابد من ردها. وقد ذكر وجوه وجوه أربعة مع ردها(5):

الأول: حديث الرفع، فمن يعتقد بعدم وجوب البسملة لا يعلم وجوبها فهو مرفوع عنه.

وفيه: لقد ثبت في محله أن الرفع يثبت الحكم الظاهري لا الواقعي، فتحل لنفسه لا لغيره حيث الغير يعلم، فلا يشمله الرفع، كمن يأكل الطعام النجس جاهلاً، فيشمله الرفع دون غيره - أي: العالم - هذا أولاً.

وثانياً: إن دليل الرفع يرفع الحكم ولا يضعه، فما لا يعلم مرفوع، ولا

ص: 57


1- جواهر الكلام 37: 47.
2- سورة الأنعام، الآية: 121.
3- وقد تقدم قسم منها قريباً فراجع.
4- وهو الحلية.
5- مستند الشيعة 15: 415؛ الفقه 75: 247-248.

يثبت ذلك وضع ضده، والمراد في المقام إثبات الحلية وتحقق التذكية بحديث الرفع(1).وثالثاً: لا مجال للأصل العملي مع إطلاقات الأدلة.

الثاني: المناط، فإن التارك عمداً لعدم الاعتقاد يشمله مناط الناسي، وقد حكم بحلية ذبيحته.

لكنه محل نظر؛ لأن المناط ظني فهو قياس، وقد ثبت اختلاف أحكام الناسي والعامد لعدم الاعتقاد في بعض من المسائل، كالجاهل بالقصر والتمام، حيث يصح التمام في موضع القصر مع الجهل حتى عن عدم الاعتقاد، وأما الناسي فلا يصح منه ذلك.

الثالث: الدين يسر، ومن ترك التسمية لعدم اعتقاده بالوجوب كان من اليسر الحكم بحلية ذبيحته.

وهو ضعيف، فمعنى اليسر في الدين أن أساس أحكام الشرع مبنية على اليسر، وليس معناه رفع الشرائط التي جعلها الشارع للجهل، فليس ذلك من مصاديق اليسر، بل إن مبنى أصل التقنين على التسهيل، وهو حكم بشكل عام، وإن كانت هنالك موارد عسرة، كالجهاد الموضوع في مورد الضرر والعسر.

الرابع: حلية ذبيحة المخالفين مع أن الكثير منهم أو أكثرهم لا يسمون، وفي بعض الروايات: عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود قال: «سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الجبن، فقلت له: أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة؟ فقال:

ص: 58


1- أقول: المراد في المقام إثبات عدم الحرمة، فلو ثبتت بحديث الرفع كفى ذلك للمكلف، حيث يجوز له الأكل بمجرد إثبات عدم الحرمة. (المقرر).

أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟! إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله، وإن لم تعلم فاشترِ وبع وكل، والله إني لأعترض السوق فاشتري بها اللحم والسمن والجبن، والله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر وهذهالسودان»(1).

لكنه ضعيف، للفرق بين المقامين، ففيما نحن فيه يعلم عدم التسمية، وأما ذبائح المخالفين فحيث إن البعض يُسمي تجري فيها أصالة الصحة الجارية مع الشك، لا مع العلم بالمخالفة.

كفاية تسمية الغير

هل تكفي تسمية الغير أم لا؟ كما لو أرسل كلبه وسمّى الآخر، أو كان القصاب يذبح والآخر يسمّي، فيه احتمالان:

الأول: الكفاية(2) لإطلاق الآية، والانصراف إلى الذابح أو المرسل بدوي.

والثاني: إن هنالك أدلة خاصة تدل على لزوم تسمية المرسل(3)، وبها تقيد الإطلاقات.

منها: خبر محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد، فيكون الكلب لرجل منهم، ويرسل صاحب الكلب كلبه ويسمّي غيره أيجزي ذلك؟ قال: لا يسمي إلا صاحبه الذي أرسله»(4).

ص: 59


1- المحاسن: 495؛ وسائل الشيعة 25: 119.
2- الفقه 75: 250.
3- تحرير الأحكام 4: 606؛ كفاية الأحكام 2: 579؛ جواهر الكلام 37: 49.
4- تهذيب الأحكام 9: 26؛ وسائل الشيعة 23: 359. وفي سندها (محمد بن موسى) وهو السمّان الضعيف (السيد الأستاذ).

ومنها: عن أبي بصير، عن رجل، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «لا يجزيأن يسمّي إلا الذي أرسل الكلب»(1).

وسندهما وإن كان غير معتبر إلا أنهما منجبران بعمل المشهور. وصاحب المسالك عبّر عن الأولى بالصحيحة(2)، وربما اشتبه عليه الأمر، أو كانت عنده بعض الكتب التي تثبت صحتها.

والحاصل: إنه لابد من تقييد إطلاقات الأدلة بكون المسمّي نفس المرسل.

تعدد أسباب قتل الصيد

لو اشترك اثنان كان لهما كلبان فسمّى أحدهما دون الآخر، فقتلاه معاً ونسب القتل إليهما، وفيه صور متعددة كرمي راميين، أو كان هنالك رامٍ ومرسل، أو كان أحد الكلبين معلّم والآخر غير معلم، أو أرسل أحد الكلبين واسترسل الآخر من قبل نفسه، والحاصل: كان أحدهما واجداً للشرائط دون الآخر، واستند القتل عليهما، أو جهل استناده، فالحكم هو الحرمة؛ لأن دليل الشرط دل على اشتراط الحلية بوقوع القتل من السبب الجامع للشرائط، والسبب هنا نصفان من سببين، وهو غير جامع للشرائط؛ لكون كل واحد منها نصف السبب، والمركب منهما غير جامع للشرائط.

والنتيجة: إن السبب لا يؤثر أثره؛ لأن السبب المركب فاقد للشرائط. نعم، جزء السبب جامع للشرائط وهو غير نافع.

ص: 60


1- تهذيب الأحكام 9: 26؛ وسائل الشيعة 23: 359.
2- مسالك الأفهام 11: 423.

وهذه القاعدة جارية في كل مكان(1)، كما لو غسل وجهه بماءمباح، وغسل يده بماء مغصوب فيبطل الوضوء؛ لعدم تحقق الشرط في كل الوضوء، بل في بعضه، وكما لو ذبح ورمى طلقة وماتت بهما.

ويضاف إلى هذه القاعدة العقلية أدلة خاصة في المقام، منها: صحيحة أبي عبيدة(2)، عن الإمام الصادق(علیه السلام): «وإن وجدت معه كلباً غير معلم فلا تأكل منه»(3).

ومنها: خبر عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلمة كلها، وقد سموا عليها، فلما أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لم يعرفوا له صاحباً، فاشتركن جميعاً في الصيد، فقال: لا يؤكل منه؛ لأنك لا تدري أخذه معلّم أم لا»(4).

وقد عبر عن ذلك البعض بتغليب جانب الحرمة(5)، وعبر عن ذلك آخرون بكونه جزء السبب، والسبب الكامل فاقد للشرائط(6).

اشتراك كلبين في قتل الصيد

لو أرسل شخص كلبه، فأرسل شخص آخر كلبه أيضاً فقتلا الصيد معاً،

ص: 61


1- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري 1: 285-286؛ مصباح الفقيه 1: 295.
2- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة.
3- تهذيب الأحكام 9: 26؛ وسائل الشيعة 23: 342.
4- الكافي 6: 206؛ وسائل الشيعة 23: 343.
5- مسالك الأفهام 11: 423.
6- كشف اللثام 9: 192.

فلو عُلم أن الثاني مسلم حلّ الصيد، وإن شك في تحقق سائر الشرائط، كما لو شك أنه سمّى أو أن كلبه معلّم؛ لجريان أصالة الصحة(1).لكن لو لم يعلم أنه مسلم، فالأصل وإن كان الحرمة إلا أنه يرفع اليد عنه للدليل الخاص، وهو: الملاك المستفاد من سائر الموارد، كما في لقيط دار الإسلام حيث إنه محكوم بالإسلام مع الشك في إسلام وكفر أبويه، وكما في اللحم المطروح حيث ذهب البعض(2) إلى جواز الأكل لو كان في بلاد الإسلام بخلاف بلاد الكفر، ومما يدل على ذلك ما عن الإمام علي(علیه السلام)(3) حيث جعل القرينة وجود السكين بجنب اللحم، والذي هو علامة التذكية، والمسألة خلافية وربما يكون المشهور ما ذكر.

وحيث كان الملاك بلاد الكفر والإسلام كان منطبقاً على المقام، وهو وارد على الأصل؛ لأنه مستنبط من الدليل، وأما مع عدم تمامية الملاك فالأصل الحرمة.

استناد الموت على السبب المحلل

ذكرنا سابقاً أن من شرائط حلية الصيد العلم باستناد إزهاق روحه إلى

ص: 62


1- الفقه 75: 254.
2- مجمع الفائدة والبرهان 11: 299؛ كفاية الأحكام 2: 619؛ الحدائق الناضرة 5: 526؛ الفقه 75: 254.
3- الكافي 6: 297، وفيه: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «أن أمير المؤمنين(علیه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها وخبزها وبيضها وجبنها وفيها سكين، فقال أمير المؤمنين(علیه السلام): يقوم ما فيها ثم يؤكل؛ لأنه يفسد وليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل: يا أمير المؤمنين، لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي، فقال: هم في سعة حتى يعلموا».

سبب محلل لا محرم، وقد مرّ بعض الفروع، وأما الآن فسوف نتطرق إلى كلي الشرط، ولا يخفى أنه تمّ تغيير العنوان الذي طرحه مشهور الفقهاء، لما فيه منالإشكال(1).

فلو صاد بالكلب أو بآلة فغاب الصيد مجروحاً، ثم وجده ميتاً، قال الشيخ الطوسي في بعض كتبه: حرم(2)، لبعض الروايات(3).

لكن يستظهر من روايات(4) متعددة أخرى عدم مدخلية الغيبة في الحكم، بل الملاك ملاحظة استناد الموت إلى الكلب أو السهم لا إلى سبب آخر. فالمراد من الغيبة المأخوذة في بعض الروايات سبباً للحرمة إنما هو فيما لو غاب ولم يعلم سبب موته، كما لو احتمل افتراس سبع له، أو سقوطه من شاهق؛ ولذا لو كانت حياته غير مستقرة لم يحرم حتى عند من ذهب إلى الحرمة مع الغيبة؛ لأنه كاشف عن استناد الموت إلى الصيد.

والروايات متعددة بذلك، ومنها: صحيحة سليمان بن خالد(5)، قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرمية يجدها صاحبها أيأكلها؟ قال: إن كان

ص: 63


1- العنوان المختار العلم باستناد إزهاق الروح إلى السبب المحلل، والعنوان المأخوذ عند المشهور عدم الغيبة.
2- المبسوط 6: 259.
3- وسائل الشيعة 23: 367، وفيه: وعن عبد الله بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه قال: «سألته عن ظبي أو حمار وحش أو طير رماه رجل ثم رماه غيره بعد ما صرعه غيره فقال: كله ما لم يتغيب إذا سمى ورماه».
4- الكافي 6: 210.
5- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد... .

يعلم أن رميته هي التي قتلته فليأكل»(1)، فإنه وإن كان موضوعه الرمي لكن لا فرق بينه وبين الصيد بالكلب.ومنها: موثقة سماعة(2)، قال: «سألته عن رجل رمى حمار وحش أو ظبياً فأصابه، ثم كان في طلبه فوجده من الغد وسهمه فيه، فقال: إن علم أنه أصابه وإن سهمه هو الذي قتله فليأكل منه، وإلا فلا يأكل منه»(3).

وما ذكر من الغيبة في بعض الروايات إنما هو لعدم حصول الاطمئنان بالشرط مع الغيبة، وإلا فلا خصوصية لها.

ولو غاب وحياته غير مستقرة، فوجده وقد افترسته السباع قال صاحب المستند(4): إن عدم استقرار الحياة لا يوجب التذكية وربما السبع عجل في موته، فيكون الموت مستنداً على سبب غير محلل، فمجرد عدم استقرار الحياة لا ينفع، بل يلزم الاطمئنان بأن إزهاق الروح بسبب محلل.

فتفصيل بعض الفقهاء(5) بين ما إذا غاب غير مستقر الروح فيحل وإلا فلا، لا وجه له، إلا أن يكون ذلك من باب حصول الاطمئنان باستناد الموت على السبب المحلل إذا كانت الروح غير مستقرة.

سقوط الصيد من مرتفع

ومن فروع هذه المسألة: أنه لو كان الصيد على مرتفع فرماه فسقط فمات

ص: 64


1- الكافي 6: 210؛ وسائل الشيعة 23: 365.
2- الكليني، عن العدة، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة... .
3- الكافي 6: 210؛ تهذيب الأحكام 9: 34؛ وسائل الشيعة 23: 366.
4- مستند الشيعة 15: 426.
5- المبسوط 6: 259.

فلو لم يعلم سبب الموت حرم(1)، ولو علم أن السبب هو المحللحلّ(2).

فعن الإمام الصادق(علیه السلام) أنه قال: «وإن رميته وهو على جبل فسقط ومات فلا تأكله، وإن رميته فأصابه سهمك ووقع في الماء فمات فكله إذا كان رأسه خارجاً من الماء، وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله»(3)، وورد في الخبر: فيمن ذبح على مرتفع فاضطربت وسقطت فلو علم أن الموت بسبب الذبح حلّ وإلا حرم(4)، مع أن فري الأوداج الأربعة سبب عدم استقرار الحياة، إلا أن الحلية أنيطت بالعلم بسبب الموت، أي: الذبح، وهو وإن كان محل خلاف بين الفقهاء إلا أن الرواية دالة عليه.

وهكذا الحكم فيما لو سقط في الماء بعد فري الأوداج، فلو لم يعلم سبب الموت حرم؛ ولذا ورد في الخبر الحكم بالحلية فيما لو كان رأسه خارج الماء، للعلم بكون سبب الموت ليس الغرق.

والحاصل: إن المستفاد من مجموع الروايات أن الغيبة والسقوط وما أشبه ذلك ليس ملاكاً، بل الملاك العلم بسبب الموت، فإن كان مستنداً على فعل الصائد حلّ وإلا حرم.

ص: 65


1- النهاية: 581.
2- شرائع الإسلام 4: 738.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 320؛ وسائل الشيعة 23: 379.
4- الكافي 6: 229؛ وسائل الشيعة 24: 26-27، عن حمران بن أعين أنه سأل أبا جعفر(علیه السلام) عن الذبح؟ فقال: إن تردّى في جُبّ أو وَهْدَةٍ من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه، فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح.
الصيد بمساعدة شيء آخر

وهذا الفرع ذكره في الشرائع، قال: «ولو رمى سهماً فأوصلته الريح إلىالصيد فقتله حلّ، وإن كان لولا الريح لم يصل»(1). وعليه المعظم(2)؛ لأن القتل مستند على الرامي عرفاً(3)، ولا يقال: إنه مستند عليه وعلى الريح.

وكذا في الكلب، فلو كان يمشي ببطء، فأرسل كلباً غير معلّم حتى ينافسه فيسرع حلَّ أيضاً؛ لاستناد الصيد إلى الكلب المعلّم، وأما العوامل الخارجية فلا تجعل السبب سببين أو جزء السبب.

وكذا شرائط البيئة أو الزمان والمكان، كما لو كان الجرح في الصيف قاتلاً دون الشتاء، أو كان المرتفع سبباً للإسراع في الموت حيث لا هواء، فاختلاف الشرائط لا يجعل الفعل مستنداً على غير الصائد، ولذا لو قتل إنساناً كان قاتلاً حتى لو فرض أنه لو كان في شرائط أخرى لم يمت.

ولو رمى سهماً فأصاب جداراً، ثم أصاب الصيد بحيث لو لم يكن الجدار لم يصب الصيد حلّ؛ لاستناد الصيد على السبب المحلل، وهو الرامي لا أنه جزء السبب(4).

ولا يخفى أنه لا نص في جميع هذه المسائل، وإنما الملاك هو استناد الفعل على السبب المحلل عرفاً.

ص: 66


1- شرائع الإسلام 4: 737.
2- جواهر الكلام 37: 61.
3- جواهر الكلام 37: 61.
4- الخلاف 6: 17؛ السرائر 3: 85؛ شرائع الإسلام 4: 737.
الاعتبار في المرسل لا المعلم

المناط في الكلب المعلَّمِ المرسلُ لا المعلِّم، فلا يهم من علّمه؛ لذا لو كانالكلب كلب مسلم وكان معلّمه مسلماً، لكن استعاره المجوسي فأرسله لم يحل الصيد، وفي العكس العكس.

والدليل على ذلك الإجماع(1) والإطلاقات(2)، والأخبار المعتبرة كصحيح سليمان بن خالد(3) قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم فيسمي حين يرسله أيأكل مما أمسك عليه؟ قال: نعم، لأنه مكلّب قد ذكر اسم الله عليه»(4).

وبه العمل لصحته سنداً، وقد عمل به المشهور، بل ادعي الإجماع عليه.

لكن هنالك خبران معتبران(5) - على الأصح - يدلان على عدم الحلية فيما لو كان الكلب للمجوسي، وإن كان المرسل مسلماً، أحدهما في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «كلب المجوسي لا تأكل صيده إلا أن يأخذه مسلم فيعلمه ويرسله»(6).

ص: 67


1- مختلف الشيعة 8: 276.
2- كقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}. سورة المائدة، الآية: 4.
3- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد... .
4- الكافي 6: 208؛ وسائل الشيعة 23: 360.
5- راجع وسائل الشيعة 23: 360-361.
6- الكافي 6: 209.

لكن الترجيح مع الأول للشهرة العظمية مع أقوائية سنده، وأما الثاني فإنه وإن كان معتبراً إلا أن المشهور لم يعملوا به، وقد ذهب الشيخ الصدوق(1)إلى العمل بروايات السكوني إن لم يعارضها رواية من الخاصة.

وعليه، فلا يمكن العمل بظاهر هذه الرواية إلا مع أحد توجيهين:

الأول: أن لا يكون كلب المجوسي معلّماً بقرينة تتمة الرواية: «إلا أن يأخذه مسلم فيعلمه»، فإنه إن كان معلّماً كان تحصيلاً للحاصل، فيعلم أن المراد الكلب غير المعلّم.

الثاني: ما في الفقه من الحمل على الكراهة(2).

ومما استدل به على حرمة صيد كلب المجوسي ظاهر الآية: {وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ}(3)، و{تُعَلِّمُونَهُنَّ}، و {مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُۖ}، فإن الخطاب للمسلمين، فيكون الملاك تعليم المسلم لا غيره(4).

الجواب عنه أولاً: إن القيد غالبي، فلا خصوصية للمسلم، وإنما جيء بالضمير له لكونه الفرد الغالب.

ص: 68


1- من لا يحضره الفقيه 4: 344؛ وقال الشيخ الطوسي في العدة في أصول الفقه 1: 149. «... عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم من العامة عن أئمتنا(علیهم السلام)، فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه».
2- الفقه 75: 266.
3- سورة المائدة، الآية: 4.
4- المبسوط 6: 262؛ ملاذ الأخيار 14: 178، وفيه: «وقال الشيخ في المبسوط: لا يحل مقتول ما علمه المجوسي، محتجاً بقوله تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ}، فإن الخطاب للمسلمين... وأجيب عن الآية بأنها خرجت مخرج الغالب لا على وجه الاشتراط».

وثانياً: وهو الأقرب، إن الخطاب ليس للمسلمين وإنما للإنسان، كقوله تعالى: {أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ * ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّٰرِعُونَ}(1)، فهلهو خطاب للزارع المسلم أم لجميع الزراع؟ وكذلك قوله تعالى: {أَفَرَءَيۡتُمُ

ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ}(2)، وهكذا: {أَفَرَءَيۡتُم مَّا تُمۡنُونَ}(3). نعم، المنتفع بهذا الخطاب هو المسلم؛ ولذا فالمشهور الذي كاد أن يكون إجماعاً حتى من الشيخ الطوسي في بعض كتبه أن الاعتبار بالمرسل لا المعلِّم(4).

ص: 69


1- سورة الواقعة، الآية: 63-64.
2- سورة الواقعة، الآية: 71.
3- سورة الواقعة، الآية: 58.
4- جواهر الكلام 37: 61.

الفصل الثاني: في المصيد

اشارة

يقع الكلام في هذا الفصل في الحيوان المصيد، وقد ذكر لحليته عدة شروط:

الشرط الأول: القصد

اشارة

وفيه عدة فروع:

الفرع الأول: في تعيين المصيد

لا يشترط تعيين المصيد بالخصوص، فلو رأى قطعياً فأرسل كلبه فصاد أحدها حلَّ(1)، لإطلاق الأدلة، وترك الاستفصال فيها مع كثرة الموارد، وخصوص موثقة عباد بن صهيب(2)، قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل سمى ورمى صيداً فأخطأ وأصاب صيداً آخر، فقال: يؤكل منه»(3)، فإنه وإن كان مورده قصد أحدها المعين فأصاب الآخر، لكنه شامل لما نحن فيه؛ لعدم الفرق بين قصد واحد من المجموع، وبين قصد أحدها فأصاب الآخر، بل ما نحن فيه أولى.

ص: 70


1- الخلاف 6: 15؛ رياض المسائل 12: 51؛ جواهر الكلام 37: 64.
2- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عباد بن صهيب... .
3- الكافي 6: 215؛ وسائل الشيعة 23: 380.
الفرع الثاني: لو لم يقصد الصيد

لو لم يقصد الصيد، بل قصد غيره، كما لو رمى هدفاً للتمرين فأصاب حيواناً، لم يحل؛ لانصراف المطلقات عنه. لكن في الفقه: «وهل يعتبر قصد الصيد، فلو رمى بقصد قطع شجر فقتل صيداً لم يحل، كما أفتى به الجواهر، أو لا يعتبر فيحل؛ لإطلاق الأدلة، احتمالان:

الأول: أحوط، للأصل والانصراف في المطلقات.

والثاني: غير بعيد، للإطلاق الذي لا انصراف قطعي عنه، ويؤيده ما دل على إصابة صيد آخر»(1).

لكن قد يقال: إن المسألة ليست عقلية، بل بفهم العرف، فلو رمى الشجرة فأصاب صيداً لم تشمله أدلة الصيد، والانصراف شبه قطعي.

وأما تأييد احتمال الحلية بموثقة عباد بن صهيب المتقدمة، فمع الفارق؛ لأن مورد الخبر قصد الصيد ورميه، وفيما نحن فيه لم يقصد الصيد أصلاً.

الفرع الثالث: قصد كبار القطيع

لو قصد كبار القطيع ففرت، وبقيت الصغار الممتنعة(2) فصادها الكلب حلَّ(3)، حيث لا فرق بينه وبين ما لو رمى صيداً فأصاب آخر، فإنه وإن كان غرضه الكبير لكنه أرسل الكلب وسمّى و قصد الصيد، فتحققت الشروط.

ص: 71


1- الفقه 75: 267.
2- سيأتي أن من شرائط الصيد الامتناع، فلو لم يكن ممتنعا كالأهلي لم يحل، أو الوحشي الصغير الذي لا يقدر على الفرار، حيث لابد من تذكيته ولا يحل بالصيد، فإن غير الممتنع لا يطلق عليه الصيد أصلاً (السيد الأستاذ).
3- المبسوط 6: 260؛ شرائع الإسلام 4: 737.
الفرع الرابع: لو قصد صيداً فصاد أكثر

لو أرسل الكلب وسمّى، وقصد صيداً واحداً، لكنه صاد أكثر كفى وحل؛ لشمول إطلاقات الأدلة له، ولا دليل على لزوم تكرار البسملة لكل صيد لو صادها في آن واحد؛ ولذا أفتى الفقهاء بجواز الذبح بالجهاز الذي يذبح متعدداً في آنٍ واحدٍ.

وهكذا إن صاد الكلب في إرسال واحد تدريجاً لصدق ذكر اسم الله عليه.

الفرع الخامس: لو قصد الحيوان المحرم

لو قصد حيواناً محرماً للانتفاع بجلده مثلاً، فصاد حيواناً محللاً حلّ لحصول التذكية بذلك(1).

الفرع السادس: لو أرسل الكلب ولم يشاهد صيداً

قال في الشرائع: «لو أرسله ولم يشاهد صيداً فاتفق إصابة الصيد لم يحلْ ولو سمّى، سواء كانت الآلة كلباً أم سلاحاً؛ لأنه لم يقصد الصيد فجرى مجرى استرسال الكلب»(2)، وأيده العلامة في التحرير بقوله: «لأن القصد إنما يتحقق مع العلم»(3)، فلو لم يعلم بالصيد لم يحصل قصد الصيد.

لكنه محل تأمل؛ لأن للمسألة صوراً ثلاثاً:

الأولى: لو لم يرَ صيداً لكنه يعلم بوجوده، كما لو يعلم أن الصيد خلف القصب حلَّ مع أنه لم يشاهده، فليست الرؤية شرطاً؛ ولذا يحل صيد الأعمى، والإطلاقات شاملة له.

ص: 72


1- الفقه 75: 268، وفيه: «إلا أن يكون على وجه التقييد».
2- شرائع الإسلام 4: 737.
3- تحرير الأحكام 4: 609.

الثانية: أن يرسل رجاءً، كمن يلقي الشبكة في البحر مع عدم علمه بوجود السمك، وإطلاقات الأدلة شاملة له، ولا دليل على لزوم العلم بوجود الصيد، وأشكل في الجواهر على قول العلامة: (لأن القصد إنما يتحقق مع العلم) بقوله: «ولكن فيه منع واضح، ضرورة صدق قصد الصيد»(1)، وقوى الإشكال السيد الوالد في الفقه قائلاً: «لأنه يأتي القصد مع الظن بالخلاف فكيف بالشك»(2)، فلو ظن عدم وجود الصيد ورمى صدق قصد الصيد، كمن يزور شخصاً ظاناً أنه غير موجود.

الثالثة: أن يعلم بعدم وجود الصيد، والأدلة منصرفة عن هذه الصورة، فليس الإرسال للصيد وإنما للعب، فلو أصاب اتفاقاً لم يحل، وربما هي مراد صاحب الشرائع.

الشرط الثاني: إطلاق الصيد عليه

اشارة

وفيه فروع:

الفرع الأول: كون الحيوان ممتنعاً

إنما يصدق الصيد فيما لو كان الحيوان ممتنعاً وإلا فلا(3)، كما لو كان أهلياً أو صغيراً غير قادر على الفرار، أو كان لا يفر بطبعه وإن كان وحشياً، وعليه لا يصدق الصيد لو رماه أو أرسل الكلب عليه، بل لابد من تذكيته

ص: 73


1- جواهر الكلام 37: 66.
2- الفقه 75: 269.
3- شرائع الإسلام 4: 737، وفيه: «والصيد الذي يحل بقتل الكلب له، أو الآلة، في غير موضع الذكاة، وهو كل ما كان ممتنعاً، وحشياً كان أو إنسياً». رياض المسائل 12: 59؛ الجواهر 37: 69.

بالذبح.

الفرع الثاني: لو أصبح الأهلي وحشياً

لو أصبح الحيوان الأهلي وحشياً، فقد ذهب البعض(1) إلى أن تذكيته بالذبح دون الصيد، والظاهر أنه لا وجه له(2)، فليست العبرة بحالته السابقة، بل بالحالة الفعلية، لصدق لفظ الصيد فيما لو كان وحشياً بالفعل، وإن لم يكن نوعه وحشياً أو كان أهلياً، ولو كان أهلياً بالفعل لم يصدق الصيد، وإن كان نوعه وحشياً، كما في الحيوانات الوحشيّة المدّربة.

الفرع الثالث: صيد الفراخ

لا يتحقق الصيد بالنسبة إلى الفراخ حيث لا امتناع، فلابد من ذبحها(3). نعم، يكره ذبح الصغار غير الممتنعة، وقد وردت رواية بالنهي عن ذلك(4)، لكنها محمولة على الكراهة لضعف سندها مع الإعراض عنها.

الفرع الرابع: النهي عن الصيد ليلاً

ورد في بعض الروايات النهي عن الصيد ليلاً؛ لأن الليل أمان لها، ومنها: خبر مسمع، عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنه قال: «نهى رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن إتيان

ص: 74


1- جواهر الكلام 36: 49؛ مسالك الأفهام 11: 435.
2- المبسوط 6: 262.
3- مستند الشيعة 15: 323.
4- تهذيب الأحكام 9: 20؛ وسائل الشيعة 23: 384. عن الأفلح قال: «سألت علي بن الحسين(علیه السلام) عن العصفور يفرخ في الدار هل يؤخذ فراخه فقال: لا، إن الفرخ في وكرها في ذمة الله ما لم تطر، ولو أن رجلاً رمى صيداً في وكره فأصاب الطير والفراخ جميعاً فإنه يأكل الطير ولا يأكل الفراخ؛ وذلك أن الفرخ ليس بصيد ما لم يطر، وإنما يؤخذ باليد وإنما يكون صيداً إذا طار».

الطير بالليل، وقال(علیه السلام): إن الليل أمان لها»(1).

لكن هنالك أدلة على الجواز، كما هو المشهور، ومنها: صحيحة البزنطي(2) قال: «سألت الرضا(علیه السلام) عن طروق الطير بالليل في وكرها، فقال: لا بأس بذلك»(3)، فتحمل أدلة النهي على الكراهة.

تتمة: لو سقط الحيوان الأهلي في البئر ولم يمكن إخراجه، فإن أمكن ذبحه فيها ولو بخلاف جهة القبلة لزم، وإن لم يمكن رماه أو ضربه بالسيف فيحل(4)، فإنه وإن لم يصدق عليه الصيد لكنه أُلحق به للنصوص الخاصة(5).

الشرط الثالث: عدم تقطيع الصيد

لو قطع الكلب الصيد، أو رمى السيف فقطعه نصفين، أو قطع عضواً منه كرجله فهل يحل أكله؟ في المسألة أقوال:

الأول: وهو الأصح، أنه لو أزهقت الروح فوراً فلا إشكال في حلية

ص: 75


1- الكافي 6: 216؛ وسائل الشيعة 23: 381.
2- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن البزنطي... .
3- الكافي 6: 216؛ وسائل الشيعة 23: 382.
4- الخلاف 6: 20، وفيه: «دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم...».
5- الكافي 6: 231؛ وسائل الشيعة 24: 20-21. منها: خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا امتنع عليك بعير وأنت تريد أن تنحره فانطلق منك، فإن خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته برمح بعد أن تسمي فكل إلا أن تدركه ولم يمت بعد فذكه. ومنها: الخبر الصحيح رواه الكليني، عن علي بن إبرهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن عيص بن القاسم، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: إن ثوراً بالكوفة ثار فبادر الناس إليه بأسيافهم فضربوه فأتوا أمير المؤمنين(علیه السلام) فسألوه فقال: ذكاة وحية ولحمه حلال.

جميعه حتى العضو المبان(1)، ويدل عليه:

أولاً: إطلاق الأدلة الشامل للمقام.

وثانياً: ترك الاستفصال.

ولا يخفى أن ترك الاستفصال غير الإطلاق، وإن كان مرجعه إليه في غالب الموارد، فلو كانت للشيء حالتان وحكم الإمام(علیه السلام) بالحلية دون ذكر التفصيل، فترك الاستفصال فيما هو متعارف وشائع دليل على شمول الحكم للصورتين.

لا يقال: إن مرجعه إلى الإطلاق.

فإنه يقال: قد لا يكون اللفظ مطلقاً لخلل في مقدمات الحكمة، فيتمسك بترك الاستفصال.

وفيه تأمل؛ لأن صورة قطعه نصفين نادرة، والغالب تمزيق الصيد، وكذا في الرمي. نعم، قد يحصل ذلك، كما في ضربه بالسيف أو كان الحيوان ضعيفاً، فقد يكون ترك الاستفصال لأجل ندرة الفرد، فلا يمكن التمسك به.

وأما الإطلاق فلا محذور فيه، إلا أن يدعى انصرافه عنه، أو يقال: إنه بدوي، حيث لا يرتبط بكثرة الوجود أو ندرته، بل يعود إلى فهم العرف، فقد تكون قلة الوجود سبباً للانصراف، وقد لا تكون، فالأمر مرتبط بالظهور.

وثالثاً: الروايات، كموثقة محمد بن مسلم(2) عن الباقر(علیه السلام): «وسئلعن

ص: 76


1- شرائع الإسلام 4: 738، وفيه: >ولو تقاطعت الكلاب الصيد قبل إدراكه لم يحرم... ولو قطعه بنصفين فلم يتحركا فهما حلال».
2- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن بريد بن معاوية، عن محمد بن مسلم... .

صيدٍ صيدَ فتوزعه القوم قبل أن يموت، فقال: لا بأس به»(1)، ولا فرق بينه وبين ما لو قطعه الكلب.

وخبر علي بن جعفر، عن الإمام موسى بن جعفر‘: «سألته عن رجل لحق حماراً أو ظبياً فضربه بالسيف فقطعه نصفين، هل يحل أكله؟ قال: نعم،

إذا سمّى»(2)، والمراد النصف العرفي، وإن كانت إحدى القطعتين أكبر من الآخر.

نعم، لو قطع فلم يمت وبقيت حياته مستقرة لزم ذبحه وحرمت القطعة المبانة.

القول الثاني: الحرمة، واستدل بأدلة أربعة.

الأول: الأصل، فكلما شُك في تحقق شروط التذكية فالأصل عدم التذكية.

وفيه نظر، إذ مع وجود الإطلاقات والأخبار الخاصة لا تصل النوبة إلى الاستدلال بالأصل.

الثاني: موثقة غياث بن إبراهيم(3) عن أبي عبد الله(علیه السلام): «في الرجل يضرب الصيد فيقدّه نصفين(4)، قال: يأكلهما جميعاً، وإن ضربه فأبان منه عضواً لم يأكل منه ما أبان منه، وأكل سائره»(5).

ص: 77


1- الكافي 6: 209؛ وسائل الشيعة 23: 364.
2- قرب الإسناد: 278؛ وسائل الشيعة 23: 363.
3- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى، عن غياث بن إبراهيم... .
4- في وسائل الشيعة: «فيجدّله بنصفين».
5- الكافي 6: 255؛ وسائل الشيعة 23: 386.

والجواب: إن ظاهر الخبر بقاء الصيد على قيد الحياة بعد إبانةالعضو، والكلام في إزهاق الروح بضربة واحدة، وإنما استفيد ذلك من ضميمة جمعه مع سائر الروايات، فحينما ينفصل العضو ويكون الباقي حيّاً فهو من العضو المبان من الحي، وهو ميتة. وإنما يأكل سائره بالتذكية أو برمي آخر.

الثالث: الروايات الواردة في قطع أليات الغنم(1).

والجواب: إنها واردة في الحيوان الأهلي الذي ذكاته بالذبح، وقياسه بالصيد الذي ينفصل منه عضو قياس مع الفارق؛ لاختلاف الأحكام، فالجزء المبان من الحيوان الأهلي يختلف عن الجزء المبان عن الصيد الذي يموت بتلك الضربة.

الرابع: الإجماع.

وهو ضعيف لذهاب الأكثر إلى الحلية، بالإضافة إلى أنه معلوم الاستناد إن ثبت تحققه صغرىً، فلا يكون حجة على المبنى، لكن الالتزام بالمبنى مشكل حيث لا يمكن تحصيل إجماع يعلم أو يحتمل عدم استناده إلى دليل، فقد أقيمت الأدلة على كل مورد تحقق فيه الإجماع، فيعلم أن المجمعين استندوا إليها، ولا أقل من احتمال استنادهم، ومآل هذا المبنى إلى عدم حجية الإجماع.

وقد يقال: إن حجية الإجماع إنما هو لأجل بناء العقلاء وعدم ردع الشارع عنه، وهم لا يفرقون بين محتمل الاستناد، بل معلومه وغيره.ثم إن هنا أقوال شاذة منشؤها روايات ضعيفة السند أو الدلالة، فلابد من

ص: 78


1- الكافي 6: 254-255.

توجيهها أو جمعها بوجه من وجوه الجمع مع سائر الروايات، وإلا فلابد من طرحها لمعارضتها بما هو أصح سنداً، مع عمل المشهور به.

منها: حلية القطعة التي فيها الرأس دون الأخرى(1)، ويدل عليه ما في الوسائل بسند ضعيف(2).

لكن الظاهر أن المراد منها استقرار الحياة في القطعة التي فيها الرأس، وموت القطعة المبانة.

ومنها: لو قسم نصفين بدقة حلّ، وإلا حلت القطعة الكبرى، وحرمت الصغرى(3)، سواء كانت الرأس مع القطعة الكبرى أم الصغرى(4).

والظاهر أن المراد من القطعة الكبرى أو الصغرى في الرواية قطع يده مثلاً، لا أنه مات بالضربة.

ومنها: أنه لو سقط ميتاً حلت القطعتان، وإن تحركت قطعة دون أخرىحرمت التي لم تتحرك وحلت الأخرى(5)، كما في الرواية: عن النضر بن

ص: 79


1- الخلاف 6: 18.
2- وسائل الشيعة 23: 387. الكليني، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «في رجل ضرب غزالاً بسيفه حتى أبانه أيأكله؟ قال: نعم، يأكل مما يلي الرأس ويدع الذنب».
3- المختصر النافع: 241؛ شرائع الإسلام 4: 738.
4- الكافي 6: 255؛ وسائل الشيعة 23: 387، وفيه: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن عبد الله بن الفضل النوفلي، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قلت له: «ربما رميت بالمعراض فأقتل؟ فقال: إذا قطعه جدلين فارم بأصغرهما وكل الأكبر وإن اعتدلا فكلهما».
5- الجامع للشرائع: 382.

سويد، عن بعض أصحابنا رفعه: «في الظبي وحمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدان، فقال: لا بأس بأكلهما ما لم يتحرك أحد النصفين، فإن تحرك أحدهما لم يؤكل الآخر لأنه ميتة»(1).

ومن الواضح أن المراد قطع اليد أو الرجل حيث لا يتحرك، والمتحرك فيه حياة مستقرة لا مجرد الحركة، وإلا فكل ذبيحة تتحرك لإزهاق روحها، فالمراد من حركتها الحياة المستقرة.

وبعض هذه التوجيهات وإن كان خلاف ظاهر الرواية لكنه لابد منها للجمع، أو يقال بالإعراض، كما يمكن الحمل على التقية بعنوان الاحتمال؛ لعدم ثبوت هذه الأقوال عن العامة، فلابد من التحقيق في آرائهم.

الشرط الرابع: عدم إدراك تذكيته

اشارة

من شرائط حلية الحيوان المصيد عدم إدراك الصائد تذكيته، فلو عض الكلب رجله مثلاً فوصل إليه فتركه إلى أن مات ولم يذكه حرم على المشهور(2).

ولهذه المسألة مسائل كثيرة نذكر بعضها.

الإسراع إلى التذكية

ذهب المشهور إلى لزوم الإسراع إلى الصيد ليذكيه إن كان حيّاً، فإن لميسرع حرم(3)؛ لعدم العلم بكون موته بسبب الصيد أو بسبب النزيف مثلاً

ص: 80


1- الكافي 6: 255؛ وسائل الشيعة 23: 387.
2- رياض المسائل 12: 68، وفيه: «وفاقاً للمبسوط وكثير، بل الأكثر كما في المسالك، بل المشهور...».
3- الدروس الشرعية 2: 398؛ حاشية المختصر النافع: 159.

بعد أن كانت له حياة مستقرة؟ وقد مرّ أنه إن لم يعلم تحقق شرط الحلية فالأصل عدمه، فيكون حراماً، وستأتي مباحث تأصيل هذا الأصل.

واستدلوا على ذلك بأدلة أربع(1):

الأول: لولا المسارعة لم يعلم استناد الموت إلى الآلة؛ لاحتمال موته بسبب آخر.

لكنه ضعيف، فإن بين المسارعة والعلم باستناد الموت إلى الاصطياد عموماً من وجه، فلا يمكن أخذه دليلاً على اشتراطها.

الثاني: أصالة الحرمة بلا مسارعة.

وفيه: إنه لا تصل النوبة إلى الأصل مع الإطلاقات، فإنها تحكم بجواز الأكل سارع أو لم يسارع.

الثالث: المسارعة هي القدر المتيقن من أدلة الحل ومعه لا إطلاق؛ لأن من مقدمات الإطلاق عدم وجود قدر متيقن.

وفيه: إنما يضر القدر المتيقن بالإطلاق إذا كان في مقام التخاطب، لا القدر المتيقن الوجودي، وإلا أمكن رفع اليد عن كل إطلاق. فقول المولى: (جئني بماء) لا يشمل المالح مع أنه ماء؛ لأن القابل للشرب هو القدر المتيقن في مقام الخطاب، وأما المالح فهو خارج عنه؛ ولذا فالانصراف مقدم على الإطلاق؛ لأنه يخل بمقدمة الإطلاق، وأما لو لم يكن هنالك انصراف شملالإطلاق الفرد حتى مع القدر المتيقن الوجودي، كشمول لفظ الإنسان للمعوق الكافر، وإن كان الفرد المتيقن الوجودي هو الأنبياء

ص: 81


1- الفقه 75: 285.

والأوصياء(علیهم السلام) لكنه ليس القدر المتيقن من الخطاب.

وفي المقام الفرد المتيقن الوجودي هو مورد المسارعة فيحل قطعاً، لكنه لا يقيد اللفظ به.

الرابع: ما ورد في بعض الروايات من (الإدراك)، كما في خبر علي بن جعفر: «سألته عن رجل لحق صيداً أو حماراً، فضربه بالسيف فصرعه أيؤكل؟ فقال: إذا أدرك ذكاته أكل، وإن مات قبل أن يغيب عنه أكله»(1)، ففي هاتين الصورتين - أدرك ذكاته، أو مات قبل الغيبة - يجوز الأكل؛ للعلم بكون الموت مستنداً إلى الصيد، والإدراك يتضمن معنى المسارعة.

وفيه: إن الإدراك غير المسارعة، فإنه يعني التمكن من الذكاة، وهو غير المسارعة، فبينهما عموم مطلق.

فالأدلة الأربعة محل تأمل، والشهرة الفتوائية غير حجة، ولا رواية في المقام حتى يجبر ضعفها بعملهم، فلا مناص من القول بعدم اشتراط الإسراع.

لو أدرك الصيد حيّاًً

أفتى المشهور شهرة عظمية بوجوب ذبح الصيد إن وصل إليه حيّاً وأمكنه ذبحه، فإن لم يذبحه حتى مات حرم(2).

ص: 82


1- وسائل الشيعة 23: 363.
2- المختصر النافع: 241؛ تحرير الأحكام 4: 612؛ مسالك الأفهام 11: 443؛ مفاتيح الشرائع 2: 214؛ مستند الشيعة 15: 346.

لكن قال بعض بعدم وجوب الذبح(1)، واستدلوا عليه بطائفتين من الروايات:

الأولى: ما مرّ من جواز الأكل فيما لو قطعوا الصيد قبل موته، كصحيح محمد بن مسلم عن الباقر(علیه السلام): «وسئل عن صيدٍ صيدَ فتوزعه القوم قبل أن يموت، فقال: لا بأس به»(2)، وهذه الرواية دالة على كفاية مجرد الاصطياد في الحلية، فلا يلزم الذبح، بل يجوز تقطيعه وهو حي.

لكن الظاهر عدم تمامية ذلك؛ لأنها منصرفة عمّا لو كانت له حياة مستقرة، كما لو عض الكلب رجل الصيد، فالمراد منها عدم لزوم الصبر ليموت كاملاً، بل يحل فيما إذا قطع وهو في حال الموت والاحتضار، فإن الظاهر من (قبل أن يموت) أنه في حال الاحتضار.

الثانية: الروايات الدالة على عدم لزوم التذكية بالذبح، وكفاية انتظار موته، كمرسلة جميل، عن الصادق(علیه السلام): «أنه سئل عن الصيد يأخذه الرجل، ويتركه الرجل حتى يموت قال: نعم، إن الله يقول: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}»(3)، حيث استدل الإمام(علیه السلام) بإطلاق الآية على عدم لزوم التذكية بالذبح، وأن مجرد الإمساك تذكية له.

وكذلك مرسلة أبي حنظلة، عن الإمام الصادق(علیه السلام)، قال: «في الصيد

ص: 83


1- كفاية الأحكام 2: 580، وفيه: «وإن بقيت فيه حياة مستقرّة فظاهرهم وجوب المبادرة بالمعتاد إلى تذكيته. وفي إثباته إشكال، فإن أدرك ذكاته حلّ».
2- الكافي 6: 209.
3- وسائل الشيعة 23: 341.

يأخذه الكلب فيدركه الرجل فيأخذه، ثم يموت في يده أياكل؟(1)، قال: نعم، إن الله يقول: {فَكُلُواْ

مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}»(2).

وغيرهما من الروايات المتعددة المذكورة في الوسائل(3).

لكن لا يمكن التمسك بها لجهات ثلاث:

أولاً: ضعف السند، ومعارضتها بما هو أقوى منها.

ثانياً: إعراض المشهور عنها، والذي كاد أن يكون إجماعاً.

وثالثاً: إنها قابلة للتوجيه، بأن يقال: إن المراد منها فيما لو وصل إليه وهو حي لكن لا يتمكن من ذبحه(4)، فلا يشترط في الحلية أن يصل إليه بعد موته، بل حتى لو وصل إليه فأخذه فمات حلّ، فالروايات ليست في مقام بيان التذكية وعدمها، بل في مقام بيان أن الوصول إليه في حال حياته لا يوجب حرمته.

وهذا التوجيه وإن كان خلاف الظاهر، لكنه أولى من طرح الرواية للوجهين الأولين.

وقد استدل المشهور الذي اشترط التذكية إن وصل إليه حيّاً بجملة من الأخبار:

منها: صحيح محمد بن مسلم(5)، عنهما‘ جميعاً أنهما قالا: «فيالكلب

ص: 84


1- في المصدر: زيادة (منه).
2- وسائل الشيعة 23: 342.
3- وسائل الشيعة 23: 339.
4- قال في وسائل الشيعة 23: 341: «أقول: هذا محمول على ما لم يدرك ذكاته».
5- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم، وغير واحد.

يرسله الرجل ويسمّي، قالا: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه، وإن أدركته وقد قتله وأكل منه فكل ما بقي، ولا ترون ما يرون في الكلب»(1). فيستفاد منه الحرمة إن لم يذكه.

لكن قال بعض الفقهاء(2): إن التذكية وإن كانت واجبة، إلا أن عدمها لا يوجب حرمة اللحم؛ لكنه ضعيف لأنه شرط، فأمثال هذه الأوامر لا تحمل على الوجوب التكليفي، بل الشرطي، فإن الإمام(علیه السلام) في مقام بيان الحكم الوضعي لا التكليفي.

في معنى الحياة المستقرة

قيل: «لو أدرك ذو الكلب أو السهم الصيد مع إسراعه إليه حالة الإصابة، وفيه حياة مستقرة توقف حلّه على التذكية»(3).

قال بعض الفقهاء(4): إن هذه العبارة لم ترد في الروايات، والمذكور فيها (إدراك الذكاة) فإن أدركه لزمه الذبح، وإلا فلا يلزم ويحل، فلا دليل على قيد الحياة المستقرة.

ووجهه البعض(5): بأن المراد منها الإدراك، وهو مأخوذ في الروايات.

وعلى كل فقد قيل: إن الحياة المستقرة فيما لو جرح بحيث يموتخلال

ص: 85


1- الكافي 6: 203؛ وسائل الشيعة 23: 334.
2- مستند الشيعة 15: 348-349.
3- الشرح الصغير في شرح المختصر النافع 3: 83؛ رياض المسائل 12: 68.
4- رياض المسائل 12: 71.
5- رياض المسائل 12: 74.

يوم أو أيام(1).

وقال بعض(2): يكفي في عدم الاستقرار موته خلال نصف يوم ولو زاد على النصف فالحياة مستقرة.

وقال آخرون: يكفي في الاستقرار ما يكفي في الذبيحة من تحريك العين أو الرجل أو الذنب(3)؛ مستشهدين لذلك بروايات باب الذبيحة، والتي أفتى بها المشهور، ومنها: صحيح زرارة(4) عن الباقر(علیه السلام) قال: «كلْ كلَّ شيء من الحيوان غير الخنزير والنطيحة والمتردية وما أكل السبع، وهو قول الله عز وجل: {إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ} فإن أدركت شيئاً منها وعين تطرف، أو قائمة تركض، أو ذنب يمصع(5) فقد أدركت ذكاته فكل<(6)، ومع عدمها تحرم الذبيحة، فالحياة المستقرة في باب الذبيحة هي نفسها في الصيد، فلو وصل إلى الصيد وعينه تطرف، أو قائمته تركض، أو ذنبه يمعص لزم ذبحه، وإن لم يذبحه حرم.

ص: 86


1- المبسوط 6: 275، «الثانية: جرحها جرحاً تموت منه لا محالة، لكن فيها حياة مستقرة تعيش اليوم والأيام».
2- المبسوط 6: 260.
3- الوسيلة: 356؛ غاية المرام 4: 11؛ مستند الشيعة 15: 350.
4- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة... .
5- الصحاح 3: 1285، وفيه: >مصعت الدابة بذنبها: حركته»، والنهاية في غريب الحديث 4: 334، وفيه: «وأصل المصع: الحركة والضرب».
6- تهذيب الأحكام 9: 59؛ وسائل الشيعة 24: 37.

لكن أشكل عليه في الفقه(1): بأنهما بابان مستقلان لهما أحكاممختلفة؛ فلذا لا يشترط في الصيد الكثير مما يشترط في الذبح، كالقبلة وفري الأوداج الأربعة، فإجراء أحكام الذبيحة على الصيد قياس مع الفارق.

والشرط الوارد لحلية المصيد في روايات الصيد هو: أن (تدرك ذكاته)، فلو كان في حال الاحتضار وهو يحرك رجله لم يطلق عليه عرفاً أنه أدرك ذكاته، فلابد من القول: إن الروايات في بابين، ف (عينه تطرف...) خاص بباب الذبيحة، وإدراك ذكاته خاص بباب الصيد.

وإن أبيت عن ذلك فتكفينا الأخبار الدالة على حليته فيما لو وزّع الصيد قبل موته، ومنها صحيحة محمد بن مسلم(2) عن الباقر(علیه السلام): «وسئل عن صيدٍ صيدَ فتوزعه القوم قبل أن يموت، فقال: لا بأس به»(3)، بخلاف الذبيحة فلو قطع رجلها قبل أن تموت حرمت ونجست.

فروع متعلقة بالإدراك
اشارة

وبعد ثبوت أصل المسألة(4)، فهنا فروع:

ص: 87


1- الفقه 75: 288، وفيه: «كون الحكم كذلك في باب الذبيحة لا يلازم فهمه كذلك من أخبار باب الصيد، وإن قلنا بمقالة المشهور؛ إذ المنصرف من أخبار الإدراك هنا الحياة التامة، لا مثل هذه الحشاشة من الحياة».
2- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ثعلبة، عن بريد عن محمد بن مسلم... .
3- الكافي 6: 209؛ وسائل الشيعة 23: 364.
4- أنه لو أدرك ذكاته بالذبح لزم بغض النظر عن معنى الإدراك.
الفرع الأول: لو لم توجد السكين

لو كان زمان التذكية وسيعاً لكنه لم يملك السكّين لذبحه، فهل يحل؟

قال البعض(1): لو لم يذكِ لغير عذر أو لعذر غير مقبول حرم؛ لأنه أدركتذكيته و لم يذكِ.

ومثّل البعض(2) للعذر غير المقبول: ما لو أراد صيقلة السكّين، ومثّل آخرون: ما لو لم يكن عنده سكّيناً، لكن الظاهر أنه عذر مقبول، فإن معظم الصيادين لا يحملون السكّين، كما مثّلوا له بما لو لم يتمكن من إخراج السيف أو السكين من غلافه فلا يقبل عذره، فلِمَ صنع غلافاً يعجز عن إخراج السكّين منه!

والظاهر إن المسألة عرفية.

قال البعض: «إذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة ليذكيه لم يحل حتى يذكى. وفي رواية جميل: يدع الكلب حتى يقتله»(3)، فإن عادة كلب الصيد أن يخرج المصيد عن الامتناع ولا يقتله.

واستدل(4) على ذلك ببعض الروايات، ومنها صحاح، كصحيحة جميل(5) قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكين يذكيه بها أيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال: لا بأس،

ص: 88


1- الخلاف 6: 14؛ المبسوط 6: 260.
2- كفاية الأحكام 2: 581؛ مفتاح الشرائع 2: 214؛ الشرح الصغير 3: 83.
3- المختصر النافع: 241.
4- المقنع: 414؛ النهاية ونكتها 3: 87؛ مختلف الشيعة 8: 266.
5- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن البزنطي، عن جميل... .

قال الله عز وجل: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}»(1).لكن المشهور(2) على أنه لا يحل بذلك، واستدلوا بالإطلاقات، كما في صحيحة محمد بن مسلم وغيره(3) قوله(علیه السلام): «في الكلب يرسله الرجل ويسمي قالا: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه وإن أدركته قد قتله وأكل منه فكل ما بقي»(4)، وهذا أدرك ذكاته فلا يحق له أن يأمر الكلب بقتله.

إلا أن الروايات السابقة أخص من هذه العمومات، فالاستدلال بالعمومات مع الأدلة الخاصة الصحيحة سنداً محل تأمل.

وأما صاحب الرياض(5) فقد حكم بالتعارض، ثم رجح ما ذهب إليه المشهور.

وفيه نظر؛ لعدم التعارض بين العام والخاص والمطلق والمقيد حتى يصل الأمر إلى المرجحات السندية أو الدلالية، أو جهة الصدور، وإنما يصل الأمر إلى الترجيح مع إعراض المشهور إن كان هنالك تعارض.

اللهم إلا أن يقال: إن مراده أن الفقهاء لم يفتوا على طبق روايات غير المشهور، فتسقط عن الاعتبار وإن صح سندها.

فلو تم الإعراض فهو، لكنه أول الكلام، خاصة مع فتوى جملة من

ص: 89


1- الكافي 6: 204؛ من لا يحضره الفقيه 3: 320؛ وسائل الشيعة 23: 347.
2- كشف اللثام 9: 203؛ مستند الشيعة 15: 346.
3- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن مسلم، وغير واحد... .
4- الكافي 6: 202؛ الاستبصار 4: 67؛ وسائل الشيعة 23: 334.
5- رياض المسائل 12: 68-70.

الفقهاء على طبق هذه الروايات الصحيحة، فيشك في تحقق موضوع الإعراض.والحاصل: لو كفى الزمان للتذكية لكنه لم يملك آلة ذبح، أو كان هنالك مانع - كما لو كان الصيد وراء النهر فيطول الوصول إليه - حلَّ لشمول إطلاقات أدلة الصيد له، كما أن روايات قتل الكلب له معتبرة، وإعراض المشهور عنها غير ثابت، فتتعين الفتوى على طبقها، وإن كان خلاف الأشهر.

الفرع الثاني: الصيد بالسهم

لو صاد بالسهم ووصل إليه حيّاً، لكن لم يملك السكين، ففي الحلية والحرمة احتمالان(1):

الأول: الحلية؛ لجريان مناط الكلب والمتردية في البئر فيه، فإن المستفاد من مذاق الشارع لزوم عدم تلف الحيوان؛ ولذا يلزم قتله في البئر أو يقتله كلب الصيد، وفي المقام لو مات لعدم وجود السكين حلّ.

الثاني: الحرمة؛ لأن الأدلة العامة تحكم بوجوب التذكية وإلا حرم، خرج منه الصيد بالكلب، ولا يعلم خروج الصيد بالسهم.

والحاصل: إنه لو استفيد المناط، وإلا كان قياساً(2).

إن قلت: إن أدلة الحلية كقوله تعالى: {كُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}(3)

ص: 90


1- الفقه 75: 291.
2- والفرق بين المناط والقياس هو أن الأول معلوم العلة قطعاً دون الثاني، حيث إنه مظنون.
3- سورة المائدة، الآية: 4.

مطلقة، وكذا أدلة حلية المصيد بالسهم.

قلت: إنها مخصصة بأدلة التذكية إن وصل إليه حيّاً.

الفرع الثالث: إدراك الصيد مستقر الحياة

لو أدرك الصيد مستقر الحياة فأراد أن يذبحه فمات لقصر الزمان، أو لامتناعه، أو أراد أن يدفع سبعاً يريد أن يفترسه، أو اشتغل بأخذ الآلة، حلَّ، كما عليه الأكثر(1).

ويدل عليه أولاً: الإطلاقات، وقد استثني منها ما لو أدرك ذكاته فلم يذكه، وهنا لم يدرك ذكاته فيشمله العام.

وثانياً: الروايات الخاصة، ومنها: خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «وإن أدركت صيده فكان في يدك حيّاً فذكه، فإن عجل عليك فمات قبل أن تذكيه فكل»(2). فتدل على أنه حتى لو استقرت حياته لكنه مات للنزيف مثلاً حلَّ.

والمسألة قائمة على الفصل بين استقرار الحياة والإدراك، إلا أن احتمال اتحادهما قائم، كما رجحه في فقه الصادق(3)، فمع عدم الوصول إليه لا يمكن فرض استقرار حياته، وهو محل تأمل، فقد تكون الحياة مستقرة فيفر فيتعقبه إلى أن يدركه ميتاً، فالحياة مستقرة لكن لم يدرك تذكيته لِفراره، فبينهما عموم وخصوص من وجه.

وقد ذهب البعض(4) إلى الحرمة فيما لو استقرت حياته فلم يتمكن من

ص: 91


1- المبسوط 6: 260؛ قواعد الأحكام 3: 315؛ الفقه 75: 292؛ مسالك الأفهام 11: 448.
2- تهذيب الأحكام 9: 28؛ وسائل الشيعة 23: 341.
3- فقه الصادق 23: 407.
4- الخلاف 6: 14؛ السرائر 3: 85؛ قواعد الأحكام 4: 612.

ذبحه، واستدلوا بأن الإباحة متوقفة على الذبح فيما لو استقرتالحياة.

لكنه ضعيف؛ لعدم كون استقرار الحياة ملاكاً، حيث لم يؤخذ في الروايات، بل هو اصطلاح فقهائي، فلا يكون ملاكاً لاستنباط الحكم الشرعي، والمذكور في الروايات الإدراك، فلو لم يصل إلى ذبحه حلّ، وإن كانت له حياة مستقرة، والإدراك أمر عرفي.

الشرط الخامس: العقر

اشارة

إنما يحل الصيد إذا عقره الكلب، فلو لم يعقر وإنما خنقه مثلاً أو أتعبه ركضاً حتى مات، أو مات خوفاً، فالمشهور عدم الحلية(1).

واستدل لذلك بأدلة، فإن تمّ أحدها فبها، وإلا كان الإطلاق محكماً، فيدل على الحلية حتى مع عدم العقر. وهذه الأدلة هي:

الدليل الأول: أصالة عدم التذكية(2).

وفيه نظر، فلا مجال للأصل مع الإطلاق.

الدليل الثاني: انصراف الإطلاقات إلى صورة العقر(3).

وفيه: إن فُهم ذلك فهو، لكن الظاهر عدم الانصراف، فأدلة الصيد بالكلب كثيرة في القرآن الكريم والروايات الشريفة وهي مطلقة، وليس في أحدها إشارة إلى العقر الملازم لسفك الدم.

الدليل الثالث: إنه داخل في الموقوذة والمنخنقة(4)، كما في الآية

ص: 92


1- الخلاف 6: 26.
2- الفقه 75: 314؛ جواهر الكلام 36: 224؛ كشف اللثام 9: 139.
3- الفقه 75: 314.
4- كشف اللثام 9: 139.

الكريمة(1)، فإن الصدمة تدخله في الموقوذة، والخنق يدخله في المنخنقة.

وفيه: إن المنخنقة لا تشملها؛ لأنها خصصت بأدلة الصيد بالكلب، فتأمل.

الدليل الرابع(2): قوله تعالى: {مَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ}(3) فإن (الجوارح) مأخوذة من الجارحة وهو من الجرح، فتدل على لزوم إراقة الدم، كما في الجواهر(4).

لكن يرد عليه عدم ملاحظة الجذر اللغوي في دلالة الكلمات، وإنما الملاحظ الظهور، فالجوارح اسم للحيوانات المفترسة، وإن كان أصلها مشتق عن الجرح، لكن في المشتق لم يؤخذ معنى الجرح؛ لذا يطلق على الكلب الذي لم يصد أصلاً أنه من الجوارح، والسر في ذلك عدم مراعاة أصل اللغة وعلة الاشتقاق في ظهور الكلمات، كما تسمى يد الإنسان ورجله بل جميع أعضائه الظاهرة بالجوارح، ومنشأ هذا الوضع هو أن الإنسان حينما يصيد يصيد بيده، ولم يؤخذ هذا المنشأ في سائر الأعضاء، ويقابله الجوانح، أي: الأضلاع، وسميت بذلك لميلها وانحرافها، كما قال تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡلَهَا}(5)، أي: مالوا، ولأن القلب في

ص: 93


1- سورة المائدة، الآية: 3: {حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ}.
2- الخلاف 6: 26.
3- سورة المائدة، الآية: 4.
4- جواهر الكلام 37: 326، وفيه: «... بل يمكن إرادة الإدماء من إمساك الجوارح إن كان الاشتقاق من الجرح بمعناه لا بمعنى الكلب».
5- سورة الأنفال، الآية: 61.

الصدر سميت أفعال القلوب بأفعال الجوانح.

هذا ويمكن دعوى الانصراف في مورد واحد، وهو لو مات بالتعب أو الخوف، فإن أدلة الصيد منصرفة عنه.

تتمتان
التتمة الأولى: في طهارة موضع العض وعدمه

من الواضح أن الكلب يصيد بفمه النجسة، فيوجب نجاسة موضع العض، لإطلاقات أدلة نجاسة ملاقي الكلب بالرطوبة المسرية(1)، لكن ذهب الشيخ الطوسي(2) إلى طهارة موضع العض لأدلة ثلاثة:

الأول: وهو عمدة الأدلة، إطلاق قوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}(3)، حيث لم يقيد ببعد الغسل.

والجواب: إنه لا إطلاق للآية من جهة الطهارة والنجاسة، وإنما إطلاقها من جهة الأكل، فإن الإطلاق إنما يتحقق فيما لو كان المولى في مقام البيان، والمحرز في المقام أن المولى لم يكن في مقام البيان من هذه الجهة، ونظيره قوله تعالى: {وَكُلُواْ

وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ}(4)، فهل يمكن القول: إنه مطلق يشمل كل مأكول؟ وكذا قوله تعالى:{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ}(5)، فهل يشمل

ص: 94


1- الفقه 75: 284.
2- الخلاف 6: 12؛ المبسوط 6: 259.
3- سورة المائدة، الآية: 4.
4- سورة البقرة، الآية: 187.
5- سورة الأنفال، الآية: 69.

المحرمات؟ كلا؛ لأنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة، بل في مقام بيان أن الغنيمة سبب الحلية، لا أن كل محرم يحل بالغنيمة، ولو صح التمسك بالإطلاق لطهارة موضع العض فهل يمكن التمسك بالإطلاق لحلية محرمات المصيد كالدم والمثانة و...؟!

الدليل الثاني: إن هذه المسألة مما يكثر الابتلاء بها، ولو كان موضع العض نجساً للزم التنبيه، فتركه دليل على عدم النجاسة.

والجواب: إنما لم يتطرق إليه بالخصوص للعمومات التي بيّنت النجاسة؛ لذا لم تذكر في روايات الصيد حرمة محرماتها؛ وذلك لوضوح العمومات المحرمة.

الدليل الثالث: العسر.

والجواب: لا عسر، ويدل على ذلك لزوم غسل الدم المراق؛ لأنه نجس، فهل يشمله دليل العسر؟ هذا أولاً، وثانياً: العسر شخصي فلا يمكن الرفع العام به، إلا أن يكون في منشأ الحكم فيمكن رفعه.

التتمة الثانية: في ملكية الصيد

يقع الكلام في عدة فروع تتعلق بملكية الصيد، وهي:

الفرع الأول: في كيفية الحيازة

لو دخل الصيد في حيازة صياد وقصد الصيد والملك أصبح ملكه، سواء أخذه بيده أم دخل في شبكته، أم في حيطته، كما لو فتح باب غرفته بقصدالصيد فدخل فيها. ويدل عليه ما يلي:

الأول: الإجماع كما ذكره صاحب الجواهر والمستند(1).

ص: 95


1- مستند الشيعة 15: 369؛ جواهر الكلام 37: 295.

الثاني: دليل من سبق.

الثالث: السيرة القطعية، بل الضرورة في الجملة كما في الفقه(1)، حيث يتعامل معه معاملة مالكية.

ولا يخفى لزوم إحراز اتصالها بزمن المعصوم(علیه السلام)، والظاهر أنه محرز في مثل المقام.

ويمكن إرجاع السيرة إلى بناء العقلاء الممضى عند الشارع، فالعقلاء يجعلون ذلك من أسباب الملك، فيدخل في المعاملات بالمعنى الأعم، وهي إمضائية.

وقد أشكل البعض في بعض الصور - على ما في المستند(2) - فلو كان له مكان وسيع جداً فدخل الصيد فيه، وقصد الملك لكن لم يتمكن من أخذها لم يصدق السبق، لكن في الفقه(3) أثبت الصدق.

الرابع: الروايات، ومنها: موثقة زرارة(4) عن الصادق(علیه السلام): «إذا ملك الطائر جناحه فهو لمن أخذه»(5).ومنها: موثقة السكوني(6) عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنه قال: «إن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال في رجل أبصر طائراً فتبعه حتى سقط على شجرة،

ص: 96


1- الفقه 75: 294.
2- مستند الشيعة 15: 371.
3- الفقه 75: 294.
4- الكليني، عن العدة، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة.
5- الكافي 6: 222؛ وسائل الشيعة 23: 389.
6- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن النوفلي، عن السكوني... .

فجاء رجل آخر فأخذه، فقال: أمير المؤمنين(علیه السلام): للعين ما رأت ولليد ما أخذت»(1).

وعليه، فلو دخل في حيازة الصائد مع قصد الملك ملكه.

الفرع الثاني: لو وقع الصيد في شبكته ثم انفلت

لو صاد الأسماك في شبكته ففرت منها، ففي بقاء ملكيته لها قولان:

القول الأول: ما هو المشهور(2): من عدم خروجها عن ملكه بعد دخولها فيه، حيث لا دليل على الخروج، كما هو الحكم فيما لو فرّ المصيد من المصيدة، أو بعد دخوله في غرفته، فإنه مع الدخول في حيازته ملكه، ولا دليل على خروجه عن الملك بالفرار. واستدلوا بدليلين:

الأول: الاستصحاب(3)، ويؤيده موردان: الأول: العبد الآبق، حيث لا يخرج عن ملكه. نعم، لا يمكنه بيعه لعدم إمكان التسليم لكن يمكن عتقه، والثاني: فرار الحيوان الأهلي بعد أن أصبح وحشياً(4).

الثاني: الروايات، ومنها: عدم تملك الصيد بعد معرفة الطالب له أوالصاحب، فعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): «الطير يقع في الدار فنصيده وحولنا حمام لبعضهم، فقال: إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه، قال: قلت: يقع علينا فنأخذه وقد نعلم لمن هو، قال: إذا عرفته فرده على

ص: 97


1- الكافي 6: 223؛ من لا يحضره الفقيه 3: 112؛ وسائل الشيعة 23: 391.
2- شرائع الإسلام 4: 744؛ جواهر الكلام 37: 297؛ الفقه 75: 298، وفيه: «والظاهر أن هذا القول هو المشهور».
3- مستند الشيعة 15: 372.
4- مسالك الأفهام 11: 523.

صاحبه»(1).

القول الثاني: أن الفرار من الحيازة موجب لسقوط ملكية الحائز، ومع إقامة الدليل على هذا القول لا تصل النوبة إلى الاستصحاب، وقد قام الدليل على أن الطائر لو ملك جناحه فهو لمن أخذه، ففي خبر زرارة عن أبي عبد الله(علیه السلام): «في رجل صاد حماماً أهلياً، قال: إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه»(2).

وأما رواية إسحاق بن عمار فليست في الصيد، بل فيمن ملكه بالشراء أو بالتولد في ملكه مثلاً.

وعليه، فلو علم صاحبه وعلم أنه يعود إليه لزم إرجاعه، وأما لو لم يعلم له صاحباً أو علم صاحبه لكنه ملك جناحيه بأن فرّ منه لم يلزم إرجاعه.

إلا أن يقال: إن الشق الأول فيما لو جهل صاحبه بقرينة الشق الثاني من الرواية - أي: فهو لمن أخذه إذا لم يعلم صاحبه - فإنه وإن كان المقطع الأول مطلقاً - أي: إذا ملك جناحيه - لكن تتمة الرواية: إذا ملك جناحيه ولم تعرف له صاحباً، كما هو مقتضى العادة من عدم معرفة صاحبه.

الفرع الثالث: لو لم تكن آلة الصيد متعارفة

لو كانت آلة الصيد متعارفة تحقق الصيد، لكن لو لم تكن الآلة متعارفة ففيهتردد، كما في الشرائع(3)، مثل: ما لو جعل الأرض موحلة ليسقط فيه الحيوان، حيث لا يصدق الصيد والحيازة والسبق بهذه الطريقة غير المتعارفة.

ص: 98


1- وسائل الشيعة 23: 390.
2- وسائل الشيعة 23: 390.
3- شرائع الإسلام 4: 744.

والظاهر: أنه لا وجه للتردد، للصدق المذكور(1)، ولا وجه لانصراف الأدلة عن هذه الصور.

الفرع الرابع: لو قصد حيواناً فصاد آخر

لو ألقى الشبكة لصيد حيوان معين فوقع فيه حيوان آخر لم يقصد ملكه لم يملكه؛ لما سبق من اشتراط القصد في تحقق الملك والصيد والسبق. نعم، لو قصد الأعم صدق السبق لقصده الكلي(2). وعليه، فلو ألقى المؤمن الشبك فوقع فيه سمك غير ذات فلس، أو حيوان آخر لا يؤكل لم يملكه؛ لعدم قصد التملك، وفي المسألة صورتان:

الأولى: أن يكون ارتكازه أعم، وإن كان خصوص قصده شيئاً معيناً، كما لو أراد صيد الحمام فوقع فيه العصفور، ففي هذه الصورة يملك العصفور.

الثانية: أن لا يريد النوع الآخر حتى في ارتكازه فهنا لا يملكه.

ولا يخفى أن الحيازة مع القصد مملكة، سواء كان غرضه حلالاً أم حراماً، كما لو ألقى الشبكة وقصد صيد السمك المحرم ليأكله؛ لأن حرمة القصد أو حرمة نوع من التصرف لا ينافي الحيازة والملك، كما في صحة البيع والشراءحتى لو قصد منفعة محرمة.

نعم، لو لم يكن هنالك نفع محلل كان بيعه باطلاً، لكن الملك متحقق، كما لو أخذ التراب في الصحراء بقصد التملك فإنه يملكه، وإن لم يصح بيعه

ص: 99


1- الفقه 75: 300، وفيه: «إذ أي فرق بين ذلك وبين نصب الشبكة، ومجرد أنه لا يصدق عليه الآلات المتعارفة لا يوجب عدم صدق السبق والاصطياد مما هو معيار للحكم».
2- الفقه 75: 301.

لعدم ماليته مثلاً. إلا أن يترتب عليه غرض عقلائي يولّد المالية فيصح البيع.

واشتراط المنفعة المحللة إنما هو في البيع لا الملكية، فلو حاز شيئاً لا منفعة فيه أبداً ملكه وإن لم يصح بيعه. فالملك والمال أمران، وبينهما عموم مطلق أو من وجه، وقد ذكروا ذلك في كتاب البيع(1).

والحاصل: إن قصدَ الحرام لا يخل بالملكية.

وكذا الحكم في مقدمة الحرام، كما لو صادت المرأة بغير إذن زوجها، وقد نهاها عن الخروج من المنزل(2)، فإنها تملك وإن كانت مقدمة الصيد حراماً، فحرمة الصيد أو المقدمة لا يخلان بالملكية؛ لأن حرمة الصيد من باب حرمة الخروج، وملكيته من باب من سبق، ولا تنافي بين دليليهما.

الفرع الخامس: الإعراض عن الصيد بعد صيده

لو صاد حيواناً فَرَقّ عليه فأطلقه، ففي خروجه عن ملكه بالإعراض خلاف، والمسألة عامة، كما لو ألقى متاعه في الشارع معرضاً عنه، فهل يملكه الآخذ، أو هو مجرد إباحة لمن يتصرف فيه، كما في تقديم الطعام للضيف؟ والثمرةفي إمكان الاسترجاع مع بقاء العين.

وقد ذهب في الشرائع(3) إلى أن الإعراض غير مخرج عن الملكية على

ص: 100


1- كتاب البيع، للشيخ الأنصاري 1: 18؛ التعليقة على المكاسب، للرشتي: 520.
2- الفقه 75: 301.
3- شرائع الإسلام 4: 744، وفيه: «ولو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه، فإن نوى إطلاقه وقطع نيته عن ملكه، هل يملكه غيره باصطياده؟ الأشبه لا؛ لأنه لا يخرج عن ملكه بنية الإخراج، وقيل: يخرج، كما لو وقع منه شيء حقير فأهمله، فإنه يكون كالمبيح له، ولعل بين الحالين فرقا».

الأشبه.

واستدل لذلك باستصحاب الملكية بعد الإعراض(1).

وفي المقابل قال بعض الفقهاء(2): كما أن اليد سبب للملك كذلك الإطلاق سبب لسقوط الملك. وليس بقياس وذلك لقيام دليلين على الخروج عن الملك بالإعراض، ومعه لا تصل النوبة إلى الاستصحاب، هما:

الأول: صحيحة عبد الله بن سنان(3)، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من الأرض قد كلّت وقامت، وسيبها(4) صاحبها مما لم يتبعه، فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال ومن الموت، فهي له ولا سبيل له عليها، وإنما هي مثل الشيء المباح»(5)، فتدل على أنه لو أعرض عنه صاحبه وأخذه شخص آخر ملكه، ولا يحق له الرجوع، مع إلغاء خصوصية البعير في الفلاة.

الثاني: قاعدة (الناس مسلطون على أموالهم)، ومن مصاديق التسلط علىالصيد أن يخرجه عن ملكه(6).

ص: 101


1- مستند الشيعة 15: 373.
2- مفاتيح الشرائع 3: 36.
3- الشيخ الطوسي بإسناده عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان... .
4- أي: وقفت وتركها صاحبها والسائبة: المهملة.
5- الكافي 5: 140؛ تهذيب الأحكام 6: 392؛ وسائل الشيعة 25: 458.
6- لكنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فإن المالك مسلط على الإخراج لكن كون الإعراض مصداقاً للإخراج ومحققاً له بحاجة إلى دليل، ومجرد القاعدة لا تكفي. نعم، يمكن الاستدلال على ذلك بكون الإعراض مخرجاً عن الملك عرفاً. (المقرر).
الفرع السادس: لو أمكن الصيد التحامل

لو رمى الصيد لكن لم يفقد امتناعه، بأن أمكنه التحامل طائراً أو عادياً، بحيث لا يقدر عليه إلا بالاتباع المتضمن للإسراع لم يملكه، كما في الشرائع(1)، فلو أخذه آخر ملكه.

واستدل عليه في الجواهر(2) بعدم صدق الحيازة عليه.

وأشكل عليه في الفقه(3): بأنه قد لا تصدق الحيازة والصيد لكن يصدق السبق، فيملكه ولا يلزم صدق جميع أسباب التملك.

ومن المصاديق المتعارفة القنابل الصوتية التي تُلقى في الماء فتطفو السمك حية على سطحه فيأخذها الثاني، فإن السبق يصدق على المُلقي، وإن لم يصدق عليه أنه حاز، وكذا في الصعقة الكهربائية الخفيفة الموجبة لشل حركة الأسماك.

لا يقال: بتعارض سببي الملكية، فالأول يشمله السبق والثاني الحيازة.

لأنه يقال: تقدم السبق وتحقق الملكية به، ولا معنى لحيازة ملك الغير فلا تعارض.والحاصل: إن الملاك صدق السبق، وإن لم يقصد مَلَكَهُ الثاني.

الفرع السابع: في الصيد بالمغصوب

لو صاد بالمغصوب، كما لو غصب كلباً أو سهماً فصاد به، فلا إشكال في حرمة فعله، فإن التصرف في المغصوب حرام، لكن البحث في جهتين:

ص: 102


1- شرائع الإسلام 4: 744.
2- جواهر الكلام 37: 304.
3- الفقه 75: 304.

الأولى: هل يحل الصيد؟ والثانية: من يملك المصيد؟

أما الحلية فلإطلاق أدلتها، كما لو ذبح الشاة بسكين مغصوب.

وأما في الملكية ففيها احتمالات ثلاثة:

الأول: وهو المشهور وادعى صاحب الجواهر(1) عدم خلاف فيه: أنه ملك الصائد. نعم، لابد من دفع الأجرة لصاحب الآلة المغصوبة.

الثاني: ما احتمله المحقق الأردبيلي: وهو أن يكون ملكاً لصاحب الآلة، حيث قال: «ثم في خصوص الصيد قد يقال: حصول الملك للغاصب في الشبكة والكلب غير ظاهر، فإنه ليس له فعل مملك واضح مستقل ووضع يد، فيحتمل حصوله للمغصوب منه، وعدم حصول ملك لأحد فيبقى على إباحته حتى يأخذه آخذ على وجه التملك. نعم، في الجرح والرمح والسهم قد يقال: المملك هو فعله، والآلة ليست لها دخل إلا الآلية، وأن فعله وإثباته بفعله بمنزلة أخذه ووضع يده»(2)، فإنه لم يضع يده على المصيد، وليس الكلب ملكاً له حتى يقال: إن الفعل منسوب إلى مالك الكلب وفعل الكلب فعله.

والحاصل: إنه ليس هنالك فعل واضح منشأ للملكية في الغاصب، فلاوضوح أنه ملك للغاصب، بل فيه احتمالات ثلاثة: أن يكون ملكاً لمالك الكلب، أو ملكاً للغاصب، أو لا يملكه أحد، وإنما لمن سبق وضع يده عليه.

وقد شبّه البعض فعله بفعل العبد، فلو غصبه واستعمله كانت نتيجة فعله لمالكه لا الغاصب، وهو تام في العبد، فكذلك في الصيد.

ص: 103


1- جواهر الكلام 36: 65.
2- مجمع الفائدة والبرهان 11: 47.

وفيه نظر؛ فمن الواضح أنه فعل الغاصب، فهو الذي أرسله، فيكون الفعل صادراً منه بوضوح، ومجرد ملكية المغصوب منه لا يوجب صدور الفعل منه، بل لا فعل له قطعاً، فإن فعل الكلب ليس فعلاً لمالكه، وأما المرسل الغاصب فالفعل منسوب إليه عرفاً، وذلك للتسبيب فينطبق عليه (مَن سبق)، فأصل الاحتمال المذكور محل تأمل.

وأما التشبيه المذكور فهو قياس مع الفارق؛ لأن العبد قاصد للفعل، فيكون مالكه مالكاً لأفعاله لكن لا قصد للكلب، مضافاً إلى حصول الاستقلالية في العبد في العمل بخلاف الكلب، حيث يرى العرف أنه غير مستقل في فعله، بل يرى العمل لمرسل الكلب؛ ولذا لو قتل العبد شخصاً كان قاتلاً وإن أمره المولى، بخلاف الكلب فإن القاتل هو الآمر.

واحتمل في الفقه(1) أن يكون الفعل نتيجة اجتماع ثلاثة أشياء: العامل والآلة والمال(2)، فيشترك الثلاثة في الملكية، فلو قلنا: إن الشرع أمضاه؛ لأنه قانون عقلائي لزم الحكم بملكية الصائد لنسبة من المصيد.

لكن يشكل الفتوى به؛ لأنه خلاف المشهور، ولم يعمل بها العقلاء منقبل، فإمضاء الشارع لهذا النوع من التقسيم غير معلوم.

نعم، لو كانت معاملة جديدة شملها إطلاق: {أَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ}(3)، أو {تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ}(4)، كما هو الحال في المركب من المزارعة والمساقاة،

ص: 104


1- الفقه 75: 240-241.
2- إن كان هنالك مال.
3- سورة البقرة، الآية: 275.
4- سورة النساء، الآية: 29.

فقد أبطله البعض لعدم كونه في زمن الشارع، لكن جمع من الفقهاء صححوها، فإنها معاملة عقلائية فتشملها الإطلاقات، بعد عدم انطباق عنوان محرم عليها كعقد التأمين، وهو المشهور بين المتأخرين.

لكن اشتراك الجهات الثلاثة في الصيد ليس بالأمر الجديد، والعقلاء في زمن الشارع وبعده كانوا يحكمون بالإجارة فحسب، فالقول بإمضاء الشارع لهذه النتيجة العقلائية اليوم غير معلوم، فلا مناص عن قول المشهور.

ص: 105

الفصل الثالث: الصيد بالآلات

تمهيد

لا إشكال في حلية الصيد بالآلة، كالسيف والسهم والنبل وكل ما فيه فلز حاد، بالإجماع(1)، والروايات المستفيضة أو المتواترة، كصحيحة حريز(2) قال: «سئل أبو عبد الله(علیه السلام) عن الرمية يجدها صاحبها في الغد أيأكل منه؟ فقال: إن

علم أن رميته هي التي قتلته فليأكل من ذلك إذا كان قد سمى»(3).

والشاهد في الرمية سواء كان بالسهم أم الرمح أم غير ذلك.

وصحيحة الحلبي(4) قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الصيد يضربه الرجل بالسيف، أو يطعنه بالرمح، أو يرميه بسهم فيقتله وقد سمّى حين فعل؟ فقال: كُل، لا بأس به(5).

ص: 106


1- كفاية الأحكام 2: 583؛ مجمع الفائدة 11: 12؛ مسالك الأفهام 11: 411؛ كشف اللثام 9: 185؛ رياض المسائل 11: 40؛ مستند الشيعة 15: 308؛ جواهر الكلام 37: 12.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز... .
3- الكافي 6: 210؛ وسائل الشيعة 23: 365.
4- الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن الحلبي... .
5- الكافي 6: 210؛ الفقيه 3: 203؛ التهذيب 9: 33؛ وسائل الشيعة 23: 363.

وفي الوسائل روايات متعددة في ذلك(1).

اشتراط الخرق

ثم إنه قد وقع الخلاف في بعض التفاصيل، منها: اشتراط خرق بدن الصيد وعدمه، فيقع الكلام في ذكر الأقوال في المسألة، وهي:

القول الأول: اشتراط الخرق، فلو لم يخرق بأن أصابه السهم من عرضه فمات من شدة الضربة لم يحل على المشهور(2).

وقد استدلوا بصحيحة أبي عبيدة الحذاء(3)، عن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «إذا رميت بالمعراض فخرق فكل، وإن لم تخرق واعترض فلا تأكل»(4).

وفسر المعراض بسهم من خشب وسطه عريض وطرفاه حادان، ليس له نصل ولا ريش، ويصيب الصيد بعرضه(5). ويتعين العمل بها بعد فتوى المشهور على طبقها.

القول الثاني: عدم اشتراط الخرق. وهو ما ذهب إليه غير المشهور، حيث حكموا بالحلية سواء خرق السهم الصيد أم لم يخرق(6).

ص: 107


1- وسائل الشيعة 23: 362.
2- المقنعة: 578؛ النهاية: 580؛ جواهر الكلام 37: 21.
3- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة... .
4- الكافي 6: 212؛ تهذيب الأحكام 9: 35؛ وسائل الشيعة 23: 370.
5- الصحاح 3: 1083؛ معجم مقاييس اللغة 4: 276؛ لسان العرب 7: 180، وفيه: «والمِعْراضُ، بالكسر: سهم يُرْمَى به بلا ريش ولا نَصْل يَمْضِي عَرْضاً فيصيب بعَرْضِ العود لا بحده».
6- الروضة البهية 7: 203.

واستدلوا عليه بعدة أدلة، وهي:

أولاً: صحيحة الحلبي(1)، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن الصيد يصيبه السهم معترضاً ولم يصبه بحديدة، وقد سمى حين رمى، قال: يأكله إذا أصابه وهو يراه»(2). وهي معارضة لصحيحة الحذاء بالعموم من وجه، فيتساقطان في مورد الاجتماع، وهو فيما لو أصاب ولم يخرق، فيكون المرجع العموم الفوقاني الدال على حلية المصيد.

لكن عند التأمل يظهر أن النسبة بين الصحيحتين ليست العموم من وجه، فإن الإصابة أعم مطلقاً من الخرق، فقد يحصل بها الخرق وقد لا يحصل، ولا معنى للخرق بلا إصابة، فصحيحة الحذاء أخص، وحتى لو كانت النسبة كذلك فتقدم صحيحة الحذاء لمرجح عمل المشهور، فلابد من العمل بها.

وثانياً: ما ورد في من لا يحضره الفقيه: عن الإمام علي(علیه السلام): «في رجل له نبال ليس فيها حديد وهي عيدان كلها، فيرمي بالعود فيصيب وسط الطير معترضاً فيقتله، ويذكر اسم الله عليه، وإن لم يخرج دم، وهي نبالة معلومة، فيأكل منه إذا ذكر اسم الله عز وجل»(3). فلا يشترط في حلية الصيد الخرق، فإنه لو خرق لزم خروج الدم، فلابد من حمل رواية الخرق على الكراهة.

لكنها مرسلة، فلا تعارض صحيحة الحذاء.

ص: 108


1- الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن الحلبي... .
2- الكافي 6: 213؛ وسائل الشيعة 23: 371.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 318؛ وسائل الشيعة 23: 373.

وأجيب عن ضعف السند باعتبار ضمان الصدوق ل (من لا يحضره الفقيه)(1).

لكن على فرض اعتبار السند لا يمكنها معارضة صحيحة الحذاء لعمل المشهور بها دونها، وإنما يصار إلى الجمع الدلالي بالحمل على الكراهة بعد فرض التكافؤ.

القول الثالث: التفصيل بين ما لو كان للسهم نصل فيحل وإن لم يخرق، بأن أصابه عرضاً، وإن لم يكن له نصل حرم(2).

واستدلوا ببعض الروايات: ومنها: صحيحة الحلبي(3)، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «أنه سئل عما صرع المعراض من الصيد، فقال: إن لم يكن له نبل غير المعراض وذكر اسم الله عز وجل عليه فليأكل ما قتل، قلت: وإن كان له نبل غيره، قال: لا»(4).

لكنها لا ترتبط بالتفصيل المذكور.

نعم، هنالك تفصيل آخر يطابق مضمون هذه الرواية، وهو لو كان له

ص: 109


1- من لا يحضره الفقيه 1: 2، وفيه: «ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته، وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي - تقدس ذكره وتعالت قدرته - وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعول وإليها المرجع».
2- السرائر 3: 92؛ المختصر النافع: 239؛ المهذب البارع 4: 149؛ الشرح الصغير في شرح المختصر النافع 3: 77؛ رياض المسائل 12: 42.
3- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي المغرا، عن الحلبي... .
4- الكافي 6: 212؛ من لا يحضره الفقيه 3: 318؛ وسائل الشيعة 23: 371.

سهم آخر حرم وإلا حل، لكن لم يفتِ أحد من الفقهاء على حسب هذاالتفصيل، فلابد من حملها على الكراهة؛ لأن المعراض يؤذي الحيوان.

الصيد بشيء ثقيل

لو قتل الصيد بشيء ثقيل لكنه ليس سلاحاً كالحجر لم يحل، وعليه الفتوى والرواية.

قال في المبسوط: «فأما ما قتله بثقله كالحجارة والبندقة فلا يحل أكله، سواء قتله بجرح أم بغير جرح، وسواء كان الجرح ذبحاً أم غير ذبح...»(1).

وقال في كشف اللثام: «أمّا المثقّل فيحرم بالإجماع والنصوص»(2).

وقال في المستند: «المعروف منهم حرمة مقتول كل آلة جمادية غير ذي حدين ولا محددة تقتل بثقله، كالحجر والعمود والمقمعة(3)، وهو في الحجر منصوص عليه في صحاح عديدة، كصحيحة الحلبي(4): عما قتل الحجر والبندق أيؤكل؟ قال: لا<(5).

الصيد بالأسلحة الحديثة

وأما الصيد بالأسلحة الحديثة كالرشاش والمسدس وما أشبه فقد قال

ص: 110


1- المبسوط 6: 273.
2- كشف اللثام 9: 226.
3- مجمع البحرين 4: 383، وفيه: >هي شيء من حديد كالمحجن يضرب به».
4- الكافي 6: 213؛ التهذيب 9: 37؛ وسائل الشيعة 23: 374. ومن أسنادها: الكليني، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي... .
5- مستند الشيعة 15: 314.

البعض بعدم الحلية(1)؛ لورود الروايات بعدم حلية الصيد بالبندقة(2).

ويشكل عليه بعد صدق السلاح عليه، وفي صحيحة محمد بن قيس(3)، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «من جرح صيداً بسلاح وذكر اسم الله عز وجل عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع، وقد علم أن سلاحه هو الذي قتله فيأكل منه إن شاء»(4). فالأمر دائر مدار صدق السلاح لاتخاذه موضوعاً في الروايات، فيشمل المصاديق الجديدة التي لم تكن في زمن نزول الوحي، فما دام اللفظ مطلقاً غير منصرف عن المورد شمله الإطلاق.

وأما البندقة المأخوذة في الروايات(5) فالمراد رمي قطعة من الحديد يقتل بثقله لا أنه يخترق البدن، ولم يكن يعتبر سلاحاً.

وتفصيل الأمر في ذلك: أن صاحب الرياض(6) أشكل في الحلية وذهب إلى الحرمة الوضعية، واستدل لذلك بأربعة أدلة، وإن كان مجموع الأدلة المذكورة سبعة:

ص: 111


1- رياض المسائل 12: 58، وفيه: «ومنها يظهر حرمة مقتول الآلة الموسومة بالتفنك المستحدثة في قرب هذه الأزمنة»، مستند الشيعة 15: 316؛ جواهر الكلام 37: 17-18.
2- الكافي 6: 213؛ وسائل الشيعة 23: 374، الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما‘ قال: «سألته عن قتل الحجر والبندق أيؤكل منه؟ فقال: لا».
3- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس... .
4- الكافي 6: 210؛ تهذيب الأحكام 9: 34؛ وسائل الشيعة 23: 362.
5- الكافي 6: 213.
6- رياض المسائل 12: 58.

الدليل الأول: الأصل.

وفيه: إنه مع إثبات الإطلاقات للحلية لا مجال للأصل.

الدليل الثاني: إنه يقتل بثقله، فلا يوجب الحلية.

وفيه: صغرى: إنها لا تقتل بثقلها وإنما تثقب وتدخل البدن وتسبب القتل.

وكبرى: لا دليل على أن القتل بالثقل يوجب الحرمة.

نعم، هنالك رواية عامية(1) لا يصح الاستدلال بها.

الدليل الثالث: النهي عن البندق في بعض الروايات(2)، والمقام منه؛ لذلك تسمى بالبندقية.

وفيه: أولاً: قال البعض: البندق: الحجر المدور(3) فلا يشمل الحديد المدور.

ثانياً: لا يطلق عليها البندق، وحتى لو كان مدوراً(4) كي يقال بشمول الروايات الناهية له، بل لا تختلف عن النصل أو السهم فهي مثلهما.

الدليل الرابع: عدم إطلاق السلاح - المأخوذ في الروايات سبباً للحلية - عليها، وقد مرّ قريباً خبر محمد بن قيس، عن أبي جعفر الباقر(علیه السلام).

ص: 112


1- رياض المسائل 12: 42، وفي النبوي: «في المعراض إن قتل بحدّه فكل، وإن قتل بثقله فلا تأكل»، وسنن ابن ماجه 2: 1072، مع اختلاف.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 318، وفيه: عن حريز، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «أنه سئل عن قتل الحجر والبندق أيؤكل؟ فقال: لا».
3- مجمع البحرين 5: 141، وفيه: «البندق: الذي يرمى به عن الجلاهق، الواحدة: بندقة، وهي طينة مدورة مجففة، وتجمع أيضاً على بنادق».
4- وهو ما يسمى بالفارسية (ساچمه).

فهذه الروايات لا تشمل الأسلحة الحديثة، فإنه وإن كان بعضها عاماًإلا أن الأصل حرمة الميتة، من غير فرق بين كون الموت بسبب طبيعي أو غير طبيعي، كافتراس سبع أو فقد شرط من شروط حلية الذبح، وقد خرج من الأصل المذكور الصيد بالآلة المعتبرة كالسهم، وأما غيره فلا يعلم خروجه عن أصالة الحرمة.

وفيه نظر: لأن أدلة الرمي بالسلاح أخص من أدلة حرمة الميتة.

الدليل الخامس: إن الروايات المتضمنة ل (من جرح صيداً بسلاح) نكرة في سياق الإثبات ولا تفيد العموم، فيكون السلاح مبهماً لا يعلم شموله للأسلحة الحديثة.

لكنه محل تأمل، فإنه وإن صح أنها لا تفيد العموم لا وضعاً ولا استعمالاً، لكن بعد تمامية مقدمات الحكمة ينعقد الإطلاق، فيشمل كل مورد يصدق عليه الاسم.

الدليل السادس: إن السلاح منصرف عنها لندرتها والغالب غيرها، وهو منشأ الانصراف.

لكنه ضعيف مبنىً وبناءً، وقد مرّ سابقاً، أن الانصراف إنما يكون حجة إذا أخل بالظهور، وإلا كان بدوياً، وكثرة الوجود وقلته لا يخلان بالظهور(1). نعم، لو سببتا الإخلال بالظهور كان الانصراف تاماً.

وعليه، لو كان السلاح نادراً لم يكن سبباً لانصراف اللفظ، مع أنه في زماننا هذا ليس نادراً.

ص: 113


1- كالإنسان ذي الأصابع الستة.

وبعبارة أخرى: هنالك قضايا خارجية وقضايا حقيقة والأصل الثاني، فلو قال الشارع: احترم العالم، فهل ينحصر الأمر في العلوم التي كانت في زمن الشارع؟ كلا؛ لأن القضية حقيقية، فالحكم يرتبط بهذا الموضوع متى ما تحقق الموضوع مع قطع النظر عن الوجود الخارجي، بخلاف القضايا الخارجية التي يكون الملاك فيها هو الوجود الخارجي للشيء.

وفي المقام لم تكن الأسلحة المتطورة في زمن الشارع، لكن قوله(علیه السلام) (من جرح صيداً بسلاح) قضية حقيقية، فمتى ما تحقق الجرح بالسلاح يترتب الحكم كيفما كان الجرح، وأي شيء كان السلاح.

والحاصل: إن الوجوه المذكورة ضعيفة، وإطلاقات الأدلة الدالة على (الرمي) بلا تقييده بشيء و (السلاح) بلا تعيين نوعه تشمل كل سلاح جديد.

نعم، هنالك موارد لم يرتضها الشارع، كما لو لم يخرق المعراض، فهي مخصصة لأدلة السلاح، وكذا الحجر، فهي تخصص أدلة (الرمي) المطلقة. لكن لو كان الحجر سلاحاً فتشمله أدلته، كما في الحجر الموضوع في المقلاع أو المقمعة، إلا أن الفقهاء ذهبوا إلى عدم حلية الصيد بالمقمعة(1)، لكن قال السيد الوالد: «أما العمود والمقمعة والرمي بالحديدة ونحوها مما يتعارف رميه سلاحاً في الحرب ونحوه، فالظاهر الحلية»(2).

مع ملاحظة القيد الذي ذكرناه سابقاً وهو الجرح، وإن لم يشترطه

ص: 114


1- مستند الشيعة 15: 314؛ مهذب الأحكام 23: 23.
2- الفقه 75: 218.

الكثيرون، والحجر المخصوص في المقلاع حاد من الأطراف، ويسمى عرفاًسلاحاً.

أما لو صاد بما لا يسمى سلاحاً، كالصيد بالمسحاة أو المنجل أو الفأس لم يحل؛ لعدم صدق السلاح عليه، فيحتمل بأنها إن احتوت على الحديد كفى من باب تحقق مناط السهم والرمح. فلو قطعنا بالملاك فلا بحث، وإلا فهو قياس.

ولا يخفى الفرق بين القياس الباطل الذي هو تنظير شيئين بالآخر يجري حكم أحدهما على الآخر للظن بالعلة، وبين تنقيح المناط حيث نقطع بالعلة المتحققة في المنصوص وغيره، وهي منشأ الحكم.

لكن استفادة الملاك مشكل، فحلية الصيد بهذه الوسائل محل تأمل.

لو قطعت الحبالة بعض الصيد

لو وقع الصيد في حبالة فسببت قطع عضو منه حرم كما في الشرائع(1)؛ لأنه جزء مبان من الحي، وأما الباقي لو ذكي حل وإلا حرم. ولو اختنق الصيد وهو في الحبالة حرم. وكذا الحكم فيما لو وقع في المصيدة فمات(2).

لأن أدلة الحلية لا تشمل هذه الموارد، فليست من مصاديق (الرمية) و(السلاح) ولم يرد فيها نص خاص، فلا وجه للحلية بعد شمول الأدلة العامة لحرمة الميتة لها. نعم، يجوز إخراج الصيد من الامتناع بأي طريقة ثم ذبحه فيحل.

ص: 115


1- شرائع الإسلام 4: 738.
2- قواعد الأحكام 3: 321؛ كشف اللثام 9: 229.

والحاصل: يجوز الصيد بأي وسيلة، لكن لا يوجب الحلية إلا إذاذكي.

رمي الصيد بأكبر منه

وهنا موارد نُهي عنها في الروايات، لكن فهم منها الفقهاء الكراهة:

منها: لو كانت آلة الصيد أكبر من الصيد، كما لو صاد العصفور بالسيف الكبير، فالإرسال والإعراض عنها وربما قيام الإجماع على عدم الحرمة يثبت الكراهة.

فعن أبي عبد الله(علیه السلام): «لا يرمى الصيد بشيء هو أكبر منه»(1).

مسائل متفرقة

المسألة الأولى: لو وقع حياً وجبت تذكيته

لو رمى فرخ الطير بالسهم ووقع حيّاً وجبت تذكيته(2)، وكذا صغير الحيوان الذي لا يستطيع الفرار، ولا طريق للوصول إليه كما لو كان على شجرة عالية، لكن لو مات بالسهم لم يحل؛ لاشتراط الامتناع في الصيد، ولا يصدق عليه الامتناع بمجرد عدم الوصول إليه، والظاهر عدم إطلاق الصيد عليه، لكن أصل العمل مكروه.

المسألة الثانية: لو رماه الأول وقتله الثاني

لو رماه الأول فجاء الثاني وقتله قبل أن يموت فهنا فروع:

الفرع الأول: أن يصيره الأول في حكم المذبوح فهو مالك له؛لأنه

ص: 116


1- الكافي 6: 211؛ تهذيب الأحكام 9: 35؛ وسائل الشيعة 23: 370.
2- قواعد الأحكام 3: 311.

الصائد(1)، وأما الثاني: فإن لم يصير الصيد حراماً أو ناقصاً لم يضمن، وإن عيبه - كما لو رماه فشق جلده مما نقص من قيمته - فعل حراماً وضمن؛ لأنه من التصرف في ملك الغير، وقد أورد عليه النقص.

وتدل على ملكية الأول الرواية التالية: «مرّ النبي مع أصحابه بضبي حاقف(2) فَهمَّ أصحابه به، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): دعوه حتى يجيئ صاحبه».

لكن أشكل عليها بأنها عامية(3)؛ لأنها لم ترد في المجاميع الخاصة.

وفيه: إنها قد وردت في المبسوط(4) وهو كتاب استدلالي، فلا يصح نسبتها إلى العامة، حيث لا فرق بين ورود الرواية في كتاب التهذيب ليكون من الخاصة، أو المبسوط ليكون من العامة، كما ذهب إلى هذا الفرق صاحب الوسائل، حيث لم يتطرق إلى ذكر روايات النبي(صلی الله علیه و آله) الواردة في الكتب الفقهية للقدماء خوفاً من كونها عامية، لكن لا وجه له.

والحاصل: إن الرواية ليست عامية. نعم، هي مرسلة.

الفرع الثاني: لو ملكه الأول بالصيد فخرج عن الامتناع لكن لم يمت، فقتله الثاني قتلاً شرعياً بأن ذكاه، أو غير شرعي(5)، وعلى كل تقدير، إما زادت القيمة أو نقصت أو لا.

والحكم فيما لو كان قتله غير شرعي هو أنه لو لم يسبب نقصانالقيمة؛

ص: 117


1- المبسوط 6: 263-264؛ جواهر الكلام 37: 305.
2- مثخن بالجراح وعاجز عن الحركة.
3- المستدرك على الصحيحين 3: 624، مع اختلاف يسير.
4- المبسوط 6: 275.
5- كما لو رماه فكسر يده فذهب امتناعه، فرماه الثاني فقتله مع أن المفروض أن يذكيه.

لعدم ورود عيب عليه فلم يضمن شيئاً وإن فعل محرماً؛ لتصرفه في حق الغير، كما في صيد الفيل، فلو فرض أن نفعه في عاجه فقط، فلا فرق في تذكيته شرعاً أو موته حتف أنفه، حيث إنه لا ينجس؛ لكونه مما لا تحله الحياة.

ولو سبب نقصان القيمة، كما في قتل الغزال مع إمكان تذكيته، فصيرها ميتة فهو ضامن؛ لإتلافه مال الغير.

وقد ذهب المشهور(1) إلى كون الضمان في الحيوانات قيمية، فعليه أن يدفع قيمة الغزال.

لكن السيد الوالد أشكل على كلية المسألة في الفقه(2)، حيث إن الروايات تثبت الضمان على اليد: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»(3)، فلابد من ملاحظة كيفية تحقق الأداء عرفاً.

وله خمس مراحل وهي: إرجاع العين، فإن تلفت فالمثل، فإن لم يكن له مثل فبدل الحيلولة، وإلا فالبدل الأقرب، وإلا فالقيمة.

فلا ندور مدار المثلية والقيمية، بل الأمر دائر مدار صدق (حتى تؤدي).

المسألة الثالثة: لو رماه الأول ولم يخرج عن الامتناع

لو رماه الأول لكن لم يخرج عن الامتناع، فرماه الثاني ملكه، كمافي

ص: 118


1- الحدائق الناضرة 20: 317؛ الأنوار اللامعة 11: 257؛ المناهل: 156.
2- الفقه 75: 426، وفيه: «... وهذا يؤيد ما ذكرناه في بعض مباحث (الفقه) من أن الحيوان مثلي أيضاً، خلافاً للمشهور الذين جعلوه قيمياً».
3- مستدرك الوسائل 14: 8؛ عوالي اللئالي 1: 224.

الشرائع(1)؛ لعدم صدق (من سبق)، و(من أخذ صيداً فهو له) على الأول؛ لعدم خروجه عن الامتناع بسببه، وإنما الثاني هو الذي صاده، وأخرجه عن الامتناع فيشمله السبق.

وهل يضمن الأول للثاني جرحه؟ كلا؛ لأنه لم يضر بملكه، وإنما أورد النقص على المباح الأصلي فلا يضمن.

لكن إطلاقه محل تأمل؛ حيث قد يصدق السبق في بعض الصور، فيملك حتى مع عدم خروجه عن الامتناع، كما لو رمى الغزال فأصاب رجله فضعف بحيث خفت سرعته، فأراد رميه ثانية لكن رماه الثاني، فالسبق يصدق على الأول عرفاً؛ ولذا يعترض عليه في رميه صيده، وكما في رمي طير يطير عالياً فلم يذهب امتناعه، لكن تدنى من علوه فأخذه الثاني، صدق السبق على الأول.

فإطلاق كلام الشرائع في (عدم ملكيته إن لم يخرجه من الامتناع) محل تأمل. نعم، لو لم يصدق على الأول السبق عرفاً، بأن جرحه جرحاً خفيفاً فقط، ولم يتغير فيه شيء من الفرار أو السرعة، ملكه الثاني.

المسألة الرابعة: لو جنى أحدهما على صيد ثم جنى عليه الثاني

وقد تطرق في الشرائع(2) إلى ذكر مسألة لا ترتبط بباب الصيد؛ ولذا لم

ص: 119


1- شرائع الإسلام 4: 744.
2- شرائع الإسلام 4: 745، وفيه: «ولعل فقه هذه المسألة ينكشف باعتبار فرض نفرضه، وهي دابة قيمتها عشرة، جني عليها فصارت تساوي تسعة، ثم جنى آخر فصارت إلى ثمانية، ثم سرت الجنايتان، ففيها احتمالات خمسة: لا يخلو أحدها من خلل، وهو إما إلزام الثاني بكمال قيمته معيباً؛ لأن جناية الأول غير مضمونة، وبتقدير أن يكون مباحاً وهو ضعيف؛ لأنه مع إهمال التذكية جرى مجرى المشارك في جنايته. وإما التسوية في الضمان، وهو حيف على الثاني، أو إلزام الأول بخمسة ونصف والثاني بخمسة، وهو حيف أيضاً، أو إلزام الأول بخمسة، والثاني بأربعة ونصف، وهو تضييع على المالك. أو إلزام كل واحد منهما بنسبة قيمته، يوم جنى عليه، وضم القيمتين وبسط العشرة عليهما، فيكون على الأول عشرة أسهم من تسعة عشر من عشرة، وهو أيضاً إلزام الثاني بزيادة لا وجه لها. والأقرب أن يقال: يلزم خمسة ونصف، والثاني أربعة ونصف؛ لأن الأرش يدخل في قيمة النفس، فيدخل نصف أرش جناية الأول في ضمان النصف، ويبقى عليه نصف الأرش مضافاً إلى ضمان نصف القيمة. وهذا أيضا لا يخلو من ضعف، ولو كانت إحدى الجنايتين من المالك سقط ما قابل جنايته، وكان له مطالبة الآخر نصيب جنايته».

يذكرها غالب الفقهاء إلا من شرحه كالمسالك والجواهر، لكنها لا تخلو من فائدة في باب الديات ومختلف أبواب الضمانات وهي: لو كان يملك حيواناً سعره (10) مثلاً، فجاء الأول وجنى عليه جناية فصارت قيمته (9)، وجاء الثاني وجنى جناية أخرى فصارت قيمته (8)، ثم سببت الجنايتان تلف الحيوان، فيستحق المالك القيمة الكاملة لكن الكلام في مقدار ضمانهما؟ وقد احتمل في الشرائع احتمالات خمسة، وأضاف في الجواهر(1) احتمالين لكن كلها محل إشكال، وفي الفقه(2) لم يتطرق إلى ذكر الاحتمالات، وإنما ذكر

ص: 120


1- جواهر الكلام 37: 319.
2- الفقه 75: 210، وفيه: «مع أن مقتضى القاعدة أن المسألة المفروضة لا احتمالات فيها خمسة، أو سبعة، كما ذكرها الجواهر، بل مقتضى الصناعة أن اللازم في الماليات هنا وفي غيرها أن على كل واحد نصف القيمة، في نحو المثال الذي ذكره؛ إذ الأول خسر المالك ديناراً، والثاني خسره ديناراً أيضاً، وبعد أن صارت قيمة مال المالك ثمانية اشتركا بالسراية في إتلاف ماله الذي قيمته ثمانية دنانير، فعلى كل منهما دينار - بالمباشرة - وأربعة دنانير بالسراية... فإن الجناية في الماليات تعتبر بقدر الجنايات، لا الجناة بخلاف باب الديات: فالاعتبار بالجناة لا بالجنايات، كما فصلنا وجهه هناك، فإن باب الديات خرج عن القاعدة حسب الدليل، وإلا فالقاعدة ملاحظة الجنايات».

قاعدة (من أتلف مال الغير فهو له ضامن) فيضمن الأول ديناراً، ويضمن الثاني ديناراً، ثم الجنايتان سببتا تلف حيوان قيمته (8) فهما سبب تلف الحيوان، فيضمن كل واحد منهما نصف قيمة ال (8).لكن وردت في باب الديات روايات خاصة للتقسيم على غير هذه الطريقة، فكانت منشأ لفتوى الفقهاء في الموارد الأخرى، وهي: فيما لو جنى الأول على عبد الغير فنقصت قيمته ثم جنى الثاني عليه فسرت الجنايتان، ضمنا قيمة العبد لمالكه، بشرط أن لا يزيد على دية إنسان حر(1)، ويكون ضمانهما كالآتي: يضمن الثاني أقل من نصف قيمة العبد، والأول ضامن لأكثر من نصف القيمة.

لكنه قياس، فالنص خاص بباب الديات، وقد أخرج مورده عن القاعدة العامة، ولا معنى لسراية باب الديات إلى بقية موارد الضمانات المالية، إلا أن يقال باستفادة الملاك منه.

وأما الاحتمالات التي ذكرت في المقام، فهي:

الأول: فرض كون الأول مالكاً للحيوان فأورد النقص على ماله، أو صاده بما سبب نقصه فجنى عليه الثاني.

لكن هذا الفرض خارج عن المفروض.

الثاني: يضمنان النقص وكل القيمة، فيلزم دفع اثني عشر ديناراً.

وهو باطل؛ لاستلزامه ضمانهما أكثر مما أتلفاه، وحتى في باب الديات لو قطع يد إنسان فمات، فإن سبب قطع اليد موته لزمته دية واحدة؛ لكونها

ص: 121


1- أي: ألف دينار.

جناية واحدة مسرية، لكن لو قطع يده فلم يمت فقتله لزمته ديتان؛ لكونهما جنايتين قطعاً وقتلاً.وفيما نحن فيه: الجنايتان سرتا معاً إلى الحيوان فتلف، فلا معنى للقول بدفع الأرش والقيمة الكاملة، أي: اثني عشر ديناراً.

الثالث: أن يدفع الأول خمسة دنانير والثاني أربعة دنانير ونصف دينار؛ لأن الأول عيّب حيواناً سالماً، فصار جزء سبب لتلفه، فيلزمه نصف قيمته، والثاني جنى على الحيوان المعيوب الذي قيمته (9) فيضمن نصفه، أي: الأربعة والنصف.

لكنه ظلم للمالك، حيث تلف منه ما قيمته (10)، ولم يعوض إلا بالتسعة والنصف.

الرابع: أن يضمن الأول خمسة ونصفاً والثاني خمسة.

لكنه يستلزم أخذ المالك أكثر من حقه، بالإضافة إلى استلزامه ظلم الأول؛ لأنه جنى على نصف فكيف يعطي أكثر من جنايته؟

الخامس: أن يضمن كل واحد منهما خمسة دنانير.

لكنه ظلم للثاني؛ لأنه لم يجنِ على حيوان قيمته عشرة، وإنما جنى على حيوان قيمته تسعة، فكيف يضمن أكثر من جنايته؟

السادس: إلزام كل واحد منهما بنسبة قيمة العبد يوم جنى عليه، كما في الشرائع(1).

وتوضيحه: نضم قيمتي الصحيح والمعيب - أي: عشرة وتسعة - فيكون

ص: 122


1- شرائع الإسلام 4: 745.

المجموع تسعة عشر، فيبسط العشرة عليهما، فيضمن الأول عشرةأسهم من تسعة عشر من العشرة، والثاني تسعة أسهم من تسعة عشر من العشرة.

ولمزيد من التوضيح نفرض أن سعر الحيوان المجني عليه ألف دينار، فجنى عليه الأول فصار تسعمائة، ثم جنى عليه الثاني فصار ثمانمائة، ثم مات الحيوان بسبب الجنايتين معاً، فلو قسمنا الألف على تسعة عشر صار (52.63)، فيضرب في (10)، فيضمن الأول (526.3)، ويضمن الثاني (473.6) تقريباً.

والحاصل: إن الأول يدفع أقل من خمسة ونصف، والثاني أربعة وثلاثة أرباع تقريباً.

وأشكل عليه في الشرائع(1) أنه يستلزم إلزام الثاني بأكثر؛ لأنه جنى على حيوان قيمته تسعة دينار، فكيف يلزم بدفع أربعة وثلاثة أرباع، حيث يُلزم بدفع ربع أكثر من جنايته.

وقد تبين مما ذكرناه أن جميع الوجوه المذكورة محل إشكال، فلابد من المصير إلى أن التقسيم الوارد في باب الديات حالة استثنائية عن الأمور المادية، فلا يمكن قياسها بها، وأما في الماديات فبناء العقلاء على أن الأول أضره ديناراً، والثاني ديناراً، فيضمن كل واحد منهما ديناراً، ثم مات الحيوان الذي قيمته ثمانية بفعلهما فيقسم عليهما بالسوية، والنتيجة ضمان الخمسة على كل واحد منهما، هذا هو الجاري في الماليات عند العقلاء، ولم يردع عنه الشارع، فتأمل.

ص: 123


1- شرائع الإسلام 4: 745.
المسألة الخامسة: تحقق امتناع الحيوان بشيئين

لو تحقق امتناع الحيوان بشيئين(1) كالقبج، حيث يركض بسرعة ويطير، فأذهب أحد الصائدين امتناعه الأول، وأذهب الآخر امتناعه الثاني، فهنا فروع:

الفرع الأول: لو ضرباه معاً فأصاب أحد السهمين جناحه والثاني رجله، فذهب امتناعه بهما ملكاه معاً على نحو الشراكة، فكلاهما صائد.

الفرع الثاني: لو كسر الأول جناحه، فلم يذهب امتناعه، بل فرّ برجله لم يملكه؛ لعدم صدق (السبق)، فلو رماه الثاني وأصاب رجله كان هو الذي أذهب امتناعه فيملكه، كما اختاره المحقق والعلامة(2).

لكن الشيخ الطوسي في المبسوط شركهما معاً؛ لكون عدم تمكنه من الفرار بفعلهما معاً، قال: إذ سبب الملك حصل بفعلهما معاً(3).

وفي الفقه(4): إن المسألة تدور مدار صدق (السبق) و(الصيد)، فإن صدق عرفاً على أحدهما (الصائد) أو (السابق) كان هو المالك، وإن صدق عليهما

ص: 124


1- أما الغزال والطير فامتناعه بشيء واحد - وهو الركض أو الطيران - فلو كسرت رجله أو جناحه ذهب امتناعه.
2- شرائع الإسلام 4: 746؛ قواعد الأحكام 3: 317.
3- المبسوط 6: 263-364 و 272، وقال في غاية المرام في شرح شرائع الإسلام 4: 44، بعد أن نقل قول المحقق الحلي في الشرائع: «أقول: القولان نقلهما الشيخ في المبسوط، ثمَّ قوى الاشتراك؛ لأن سبب الملك الإثبات، وقد حصل بفعلهما؛ إذ فعل كل واحد لو انفرد لم يكن مثبتاً، فكان الملك لهما...».
4- الفقه 75: 312.

معاً اشتركا.

والأقرب في النظر ما ذهب إليه المحقق؛ لأنه وإن صح أن الأول رماهفكسر جناحه والآن لا يمكنه الفرار لاجتماع السببين، لكن عرفاً يصدق (السبق) و(الصيد) على الثاني، ويتضح ذلك بعكس المثال، كما لو رماه الأول فأصاب رجله فطار محلّقاً في الآفاق، فلا يصدق عليه (السبق) أو (الصيد)، فلو رماه الثاني وأصاب جناحه فسقط مَلَكَه؛ لصدقهما عليه.

الفرع الثالث: لو رماه نفران معاً فمات بفعلهما حلّ؛ لقتلهما له معاً، وقد قلنا: إنه لا إشكال في تعدد الصائد، وإنما الإشكال فيما لو رماه الأول ثم رماه الثاني فمات، فلو كان الموت بسبب الأول أو صيره الأول كالميت حلَّ، ولا أثر لرمي الثاني، وإن ذهب امتناعه فقط بفعل الأول، وكانت الوظيفة ذبحه فرماه الثاني فقتله حرم.

وإن تدرجا في رميه، ولم يعلم أنه من قبيل الأول ليحل أو الثاني ليحرم لم يحكم بحليته؛ لأصالة الحرمة، حيث لا يعلم تحقق الشرط، وكلما شك في تحقق الشرط فالأصل عدمه، وسيأتي بيان هذا الأصل.

نعم، يستثنى من ذلك صورة واحدة - كما ذكرها البعض كالشرائع(1) - وهي: فيما لو أصاب الثاني مذبحه وقطع أوداجه الأربعة، وتوفرت سائر شروط التذكية، ككون السهم من حديد فيحل، فإنه وإن لم يمت بالأول

ص: 125


1- شرائع الإسلام 4: 746، وفيه: «لو رمى الصيد اثنان فعقراه ثم وجد ميتاً، فإن صادف مذبحه فذبحه فهو حلال، وكذا إن أدركاه أو أحدهما فذكاه، فإن لم يدرك ذكاته ووجد ميتاً لم يحل؛ لاحتمال أن يكون الأول أثبته ولم يصيره في حكم المذبوح فقتله الآخر وهو غير ممتنع».

فقد تحققت التذكية بفعل الثاني.

ولو علم القاتل، بأن كان السهم الأول هو الذي أثبت الحيوان وأذهبامتناعه كان هو المالك، وما فعله الثاني مجرد تذكية، وأما لو لم يعلم، ولا علامة مميزة لسهم القاتل، فلابد من التمسك بقاعدة العدل والإنصاف دون القرعة لحكومة قاعدة العدل على قاعدة القرعة لرفع الإشكال بها، ولأنها أخص حيث تنحصر في الماليات فيشتركان في الصيد.

المسألة السادسة: رمي الصيد بتوهم أنه حرام اللحم

لو رمى صيداً بتوهم أنه حرام اللحم فتبين أنه حلال اللحم لم يحل، كما في الشرائع(1).

ووجهه في الجواهر(2): بأن الأدلة وإن كانت مطلقة لكنها منصرفة إلى ما لو قصد الصيد المحلل.

لكنه محل تأمل؛ فإن أدلة الصيد المتعددة مطلقة ولا انصراف.

ويؤيد عدم الانصراف موارد من الأشباه والنظائر، وليس المقصود منها القياس، وإنما لفهم عدم الانصراف، فكثيراً ما يُفهم معنى الدليل من ملاحظة الأشباه والنظائر؛ ولذا لو عرف الإنسان مذاق الشارع اختلف فهمه للروايات، على عكس مَن لا يعرف مذاقه، ومن هنا قال البعض: إن أحد ملاكات تشخيص الأعلم هو معرفة الأشباه والنظائر؛ وذلك لأنه يورث فهم الدليل أحسن، لا أنه يقيس المورد بالأشباه والنظائر.

ص: 126


1- شرائع الإسلام 4: 747.
2- جواهر الكلام 37: 326.

وفي المقام، من الأشباه والنظائر: ما لو ذكى حيواناً بكامل الشرائط متوهماً أنه حرام اللحم لكي ينتفع بجلده مثلاً، ثم تبين أنه حلال، حيث لميلتزم أحد بحرمته، وأي فرق بين الذباحة والصيد؟

ومنها: ما لو قصد صيد السمك المحرم فوقع السمك المحلل في شبكته حلّ؛ لأنه قصد الصيد وإن لم يقصد المحلل منه.

ومنها: ما لو رأى قطيعاً فقصد معيناً منه فرماه فأصاب غيره حلّ، مع أنه لم يصب المقصود، بل حتى لو لم يقصد أحداً بعينه، وإنما رمى عشوائياً بقصد أن يصيب أحدها غير المعين.

والحاصل: عدم اشتراط قصد المعين في الحلية.

ومع ملاحظة هذه موارد يظهر عدم الانصراف في دليل الصيد إلى قصد المحلل.

المسألة السابعة: عدم توقف الحلية على قصد التملك

لا يشترط في الحلية قصد التملك، فلو صاد لإشباع فقير مثلاً ولم يقصد تملكه حلَّ، ولم يملكه. واستدل على عدم تملكه بدليلين:

الدليل الأول: قاعدة(1): (الناس مسلطون على أموالهم)، فمقتضى السلطة على المال أن الخروج عن الملك كالدخول فيه بحاجة إلى القصد والإرادة، ويستثنى من ذلك الموارد التي دل الدليل على الملكية أو زوالها قهراً كالإرث، ومن هنا نشأ الخلاف في الإبراء، حيث قال جمع من الفقهاء(2)،

ص: 127


1- الفقه 75: 322.
2- المبسوط 3: 314؛ غنية النزوع: 301؛ السرائر 3: 176.

منهم السيد الوالد في مجلس درسه: إنه عقد يلزم فيه القبول، خلافاًلآخرين حيث التزموا بكونه إيقاعاً(1)، واستدل للأول بعدم جواز التصرف في ذمة الغير بالإبراء، فهو تسلط على ذمته من دون إرادته. كذلك المقام فإن الدخول والخروج من الملك لابد وأن يتناسب مع سلطنته على ماله ونفسه، فتدل القاعدة على لزوم قصد الملك في تملك الصيد.

اللهم إلا أن يقال بالعموم من وجه بين أدلة الملكية بالصيد والسلطنة، ففي محل الاجتماع يتعارضان، فإن أدلة الصيد تحكم بملكيته، بينما أدلة السلطنة تنفي عنه الملكية فيما لو لم يرد التملك، ومع التساقط يكون المرجع استصحاب عدم الملك.

لكن يمكن القول: إن النسبة بينهما عموم مطلق، فإن أدلة تملك الصيد أخص من أدلة السلطنة فتتقدم عليها.

الدليل الثاني(2): ما ورد من ملكية المشتري للؤلؤة في جوف السمكة دون البائع، فإنه وإن اختلف المقامان إلا أنه يستفاد منه الملاك، فإن عدم ملكية البائع إنما هو بسبب عدم قصده التملك، وهو جارٍ في المقام.

لكن أفتى بعض الفقهاء(3) بوجوب إرجاعها إلى البائع؛ لكونه المالك وإن لم يقصد التملك، فإن لم يعرف البائع كان من المجهول المالك.

ص: 128


1- مفاتيح الشرائع 3: 161، وفيه: «وفي اشتراط القبول فيه قولان: أظهرهما وعليه الأكثر العدم؛ للأصل، ولأنه إسقاط لا نقل شيء إلى الملك...».
2- الفقه 75: 322.
3- المراسم العلوية: 209؛ السرائر 3: 147؛ مختلف الشيعة 6: 94.

خاتمة: وفيها فروع

اشارة

نتطرق في هذه الخاتمة إلى بعض الفروع التي وردت فيها روايات بالخصوص.

الفرع الأول: لو لم يقدر على التسمية

لو لم يقدر على التسمية كالأخرس، فهل يسقط الشرط أم له بديل، أم يحرم صيده؟

استدل(1) على كفاية الإشارة بدليلين عامين يشملان المقام:

الدليل الأول: قاعدة الميسور(2)، فلو لم يمكنه أداء التكليف بكامل شرائطه وأجزائه فهل يسقط التكليف رأساً، أم يجب عليه أداء الميسور منه؟ كمن لا يستطيع الركوع في الصلاة حيث يسقط عنه الركوع لا الصلاة.

فلو تمت القاعدة في غير التكليف الواجب أيضاً، أي الأمور الوضعية - لأن أدلتها مطلقة - كان المقام صغرى لها، فإن التسمية شرط الحلية، وهو أمر وضعي، والواجب أداء التسمية باللفظ، وحيث إنه غير ميسور كانت التسمية بالإشارة ميسورها.

ص: 129


1- الفقه 75: 326.
2- الجامع للشرائع: 79؛ كشف الرموز 1: 349؛ تحرير الأحكام 1: 637، وفيه: «والأخرس وإن لم ينطق لكن يجب تحريك لسانه بالتسمية». وتذكرة الأحكام 7: 251، وفيه: «والأخرس يشير إلى التلبية بإصبعه وتحريك لسانه وعقد قلبه بها، لقول علي(علیه السلام): تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القران في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه». وقال الشهيد في الذكرى 3: 313: «قراءة الأخرس تحريك لسانه بها مهما أمكن، ويعقد قلبه بمعناها؛ لأن: الميسور لا يسقط بالمعسور، وروى الكليني عن السكوني، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: تلبية الأخرس وتشهده، وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه. وهذا يدل على اعتبار الإشارة بالإصبع في القراءة كما مر في التكبير».

والحاصل: إن إشارة الأخرس هي ميسور كلامه، وهذه الصغرى، والكبرى تمامية قاعدة الميسور وشمولها للأحكام الوضعية، والنتيجة حليةصيد الأخرس وذبيحته فيما إذا سمّى بالإشارة.

الدليل الثاني(1): كفاية طلاق الأخرس بالإشارة(2)، مع أنه حكم وضعي لا تكليفي والمناط واحد؛ لأن الشارع جعل إشارته مكان لفظه، فإن تم المناط جرى في الصيد والذباحة.

الفرع الثاني: في بيان حكم الصيد المجهول

لو وجد صيداً فيه سهم وعلم أنه صاده شخص مجهول(3)، فلإثبات حليته لابد من إحراز أمرين: الأول أن يكون موته مستنداً إلى السهم، والثاني: أن يكون الرامي مسلماً راعى شرائط الرمي.

وقد يمكن إحراز الأمر الأول بالرؤية مثلاً، كما لو شاهد سقوط الحمام بإصابة السهم له، وأما الثاني فحيث لا نص بالخصوص عليه أمكن إجراء مناط أدلة حلية الطعام في بلاد المسلمين(4)، كما في رواية أمير المؤمنين(علیه السلام): فيمن وجد سفرة في الطريق كثير لحمها وفيها سكين(5)، لكنه في دلالتها إشكال يراجع في مظانه(6).

ص: 130


1- الفقه 75: 326.
2- شرائع الإسلام 3: 583؛ مختلف الشيعة 7: 374.
3- الفقه 75: 326.
4- الفقه 75: 326.
5- الكافي 6: 297؛ وسائل الشيعة 24: 90.
6- الرسائل الفقهية 1: 283؛ مستند الشيعة 1: 355.

وهنالك قول بالحرمة(1) حتى مع إحراز الشرطين المذكورين؛ وذلكلصحيحة محمد بن قيس(2)،

عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(علیه السلام) في صيد وجد فيه سهم وهو ميت لا يدري من قتله، قال: لا تطعمه»(3)، وسنده صحيح على الظاهر لأن محمد بن قيس وإن كان مشتركاً بين الثقة والضعيف إلاّ أن الراوي عنه إن كان عاصم بن حميد فهو محمد بن قيس البجلي الثقة، وقد حمل على عدم علمه باستناد الموت إلى السهم(4)، لكن ظاهرها الإطلاق وعلى كل حال فالاحتياط أولى.

الفرع الثالث: لو دخل السهم من طرف وخرج من آخر

لو رمى الصيد فدخل السهم من طرف وخرج من الطرف الآخر لقوته أو لضعف الحيوان حلَّ(5)، حيث لا يشترط ثبوت السهم فيه. ففي موثقة سماعة بن مهران(6)

قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يرمي الصيد وهو علي الجبل فيخرقه السهم حتى يخرج من الجانب الآخر، قال: كله»(7).

ص: 131


1- الفقه 75: 326.
2- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمد بن قيس... .
3- الكافي 6: 211؛ وسائل الشيعة 23: 368.
4- الفقه 75: 326.
5- الفقه 75: 326.
6- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن سماعة... .
7- الكافي 6: 211؛ وسائل الشيعة 23: 369.
الفرع الرابع: حكم الصيد مع الإكراه

لو أجبر على الصيد فصاد مكرهاً مع توفر الشرائط حلَّ(1)، ودليل رفع الإكراه - بأن يقال: إن صيده كالعدم لرفع ما استكرهوا عليه - لا يشمل المقام؛لأنه دليل امتناني وحرمة الصيد خلاف الامتنان، فالإكراه يرفع الحكم التكليفي والوضعي بشرط مطابقته للامتنان، فلو كان بقاء الحكم خلاف الامتنان رفع، كما لو طلق زوجته مكرهاً.

الفرع الخامس: حكم الدم المتبقي في الصيد

الدم المتبقي في الصيد بعد خروج المتعارف منه طاهر، وأما لو أصاب السهم رجله وخرج منه دم قليل لم يطهر الباقي؛ وذلك لإطلاقات أدلة نجاسة الدم المخصص بالدم المتبقي بعد خروج المتعارف منه، كما هو الحال في الذبيحة.

اللهم إلاّ أن يقال بالإطلاق المقامي على الطهارة، لأنه كان من المتعارف طبخ الصيد وأكله من غير غسل، وغالباً لم يكن يخرج الدم بالمقدار المتعارف حيث إن خروجه كذلك فيما لو أصاب السهم أو العض العروق الأصلية كالوريد وهذا لا يتحقق في الصيد غالباً، فتأمل.

الأصل العملي عند الشك في شرائط الصيد

ومع عدم قيام الدليل على اشتراط البلوغ مثلاً في الحلية، فهل الأصل العملي يقتضي الحلية أو الحرمة فيما لو فقد الشرط المشكوك، كما لو قام الصبي بالذبح أو الصيد.

ص: 132


1- مسالك الأفهام 11: 467.

ثم إنه لا يخفى أن هنالك أصول يستند الفقهاء إليها، وتختلف النتيجة باختلافها، لكن المختار جريان البراءة عن كل قيد أو شرط مشكوك.

وأما الأصول فهي:الأصل الأول: أصالة عدم التذكية(1)، فكل شرط مشكوك يلزم الإتيان به، وإلا استصحب عدم التذكية فيكون محرماً، لكن في جريان الأصل المذكور إشكالان:

الأول: إنه أصل مسببي، ومع جريان الأصل في السبب لا تصل النوبة إليه، كما لو لاقت يده الماء المشكوك طهارته المتنجس سابقاً، حيث لا يجري أصل الطهارة؛ لأن الشك في نجاسة اليد نابع عن الشك في طهارة الماء، وحيث يحكم بنجاسة الماء بالاستصحاب لا يبقى موضوع للشك في طهارة اليد.

كذلك المقام، فإن الشك في التذكية واستصحاب عدمها نابع عن الشك في اشتراط البلوغ، فلو نفي اشتراطه لم يبقَ مجال لاستصحاب عدم التذكية؛ لعدم تحقق الشك، بل المتحقق العلم بحصولها، فأصالة عدم التذكية أصل مسببي، ومع جريان الأصل السببي ينتفي موضوع الأصل المسببي.

ص: 133


1- مستند الشيعة 15: 275، وفيه: «التذكية أمر شرعي يتوقف ثبوتها - وكون فعل تذكية موجبة للحلية - على دليل شرعي، فكل عمل شك في أنه هل هو تذكية أم لا يحكم بالعدم حتى يثبت. والحاصل: إن الأصل في كل عمل عدم كونه تذكية شرعية، وهذا أحد معنيي أصالة عدم التذكية. والدليل عليه - بعد الإجماع المعلوم قطعاً - استصحاب الحرمة الثابتة للمحل حتى يعلم المزيل، ولا يعلم إلا إذا علم كونه تذكية بالدليل». وشرح العروة الوثقى 2: 409؛ المسائل المستحدثة: 132.

الإشكال الثاني: إنه أصل مثبت، فإن استصحاب عدم التذكية لا يثبت الحرمة والنجاسة؛ لأنهما متفرعان على عنوان (الميتة)، وهذا العنوان لازم عقلي لاستصحاب عدم التذكية.لكن المحقق الخراساني في الكفاية(1) يرى أن الواسطة خفية، فلا يكون مثبتاً.

ومن هنا قال المشهور بنجاسة الجلود المستوردة، وإن ذهب جمع من الفقهاء إلى طهارتها؛ لأن الأصل المثبت ليس بحجة، فلا يمكن إثبات النجاسة بالاستصحاب، فلا مانع من جريان أصالة الطهارة، والصحيح ما ذهب إليه الآخوند، لكن لا يضر ذلك بالمقام لتمامية الإشكال الأول.

الأصل الثاني: استصحاب الحرمة، حيث إنه كان حراماً حال حياته، فتستصحب الحرمة بعد موته.

ويظهر الإشكال عليه مما سبق؛ لأن الأصل مسببي، فإن الشك في الحرمة نابع عن الشك في اشتراط البلوغ، ومع رفع الاشتراط بأصالة البراءة لا يبقى شك في الحرمة حتى يستصحب، بل القطع التعبدي دال على الحلية.

الأصل الثالث: أصالة البراءة عن اعتبار ما شك في اعتباره.

وقد بين المراد من ذلك(2) باحتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأول: إجراء البراءة بعد الإتيان بجميع الشرائط المعلومة والمشكوكة، لكن لا معنى له؛ لأن سببية المجموع المؤدية إلى حصول

ص: 134


1- كفاية الأصول: 419.
2- فقه الصادق 36: 32.

النتيجة متحققة قطعاً، فلا شك حتى يجري أصل البراءة، قال في فقه الصادق: «إذ سببية المجموع من المعلوم والمشكوك وترتب الحلية والطهارة معلومة لامعنى لأن ترفع بأدلة البراءة»(1).

وفيه تأمل؛ لأن سببية المجموع غير معلومة، فهل السبب المجموع أو بعضه؟ إذ المعلوم هو الإتيان بالسبب وتحقق النتيجة، إلا أن سببية المجموع ليس معلوماً، فهل هو كل المجموع أو بعضه؟ فالقول: إن سببية المجموع معلومة غير تام، إلا أن يقصد بذلك لغوية إجراء الأصل.

الاحتمال الثاني: رفع شرطية ما شك في اعتباره بأصل البراءة.

لكن الشرطية منتزعة من اشتراط الشارع لها، فلا تجري البراءة فيها لتقدم السبب على المسبب؛ ولذا لا تجري البراءة في السببية والمانعية والقاطعية، فلابد من البحث في منشأ انتزاعها، وهو اعتباره شرطاً أو سبباً أو قاطعاً أو مانعاً.

وفيه إشكالان:

الأول: الأصح أن الأصل يرفع الشرط؛ لأنه من قبيل الأقل والأكثر الارتباطيين. نعم، لو كان المبنى في الأصول عدم ذلك تمّ ما ذكره.

الثاني: إنما لا يجري الأصل في المسبب بشرط أن يجري في السبب؛ لأن جريان الأصل فيه ينفي موضوعه، وأما لو لم يجرِ الأصل في السبب لتعارض الأصلين مثلاً، وصلت النوبة إلى المسبب فيجرى الأصل فيه.

اللهم إلا أن يقال بجريان أصل آخر غير البراءة في السبب،

ص: 135


1- فقه الصادق 36: 32.

كالاستصحاب مثلاً، ومعه لا تصل النوبة إلى جريان الأصل في المسبب، وهو البراءة عن الشرطية والجزئية.الاحتمال الثالث: أن يكون المراد إثبات سببية الفاقد، فالذبح الصادر من غير البالغ محقق للتذكية.

لكنه محل تأمل؛ لأن أصل البراءة رافع للحكم لا مثبت له، وليس المقصود إثبات سببية الفاقد وإنما عدم مدخلية الشرط المشكوك.

الأصل الرابع: أصالة الحلية(1).

لكن جريانها موقوف على عدم جريان أصالة البراءة، ومعه لا مجال له(2).

والمتحصل من جميع ما ذكر: صحة جريان البراءة عن الشرط الزائد، وما ذكر من الإشكالات غير وارد، فكل شرط مشكوك يمكن نفيه بالأصل، فتحل الذبيحة مع عدم الالتزام بالشرط المشكوك.

ص: 136


1- فقه الصادق 36: 31-32.
2- لكن يمكن القول بجريانهما معاً، بناءً على صحة جريان الأصول الطولية فيما إذا كانت متوافقة. (المقرر).

الفصل الرابع: في مباحث الذباحة

اشارة

يقع الكلام في الذباحة، وفيه ثلاثة بحوث: في الذابح وآلة الذبح وكيفية الذبح.

البحث الأول: في الذابح وشرائطه

اشارة

يقع الكلام في شرائط الذابح، وهي:

الشرط الأول: الإسلام
اشارة

فلا تحل ذبيحة الكافر بجميع أقسامه، سواء كان مشركاً كأهل الكتاب، أم منكراً لله، وكذا الحكم بالنسبة إلى المتظاهر بالإسلام كالغلاة. نعم، لو كان الكافر غير كتابي كان الحكم محل إجماع من المسلمين قاطبة(1).

الأقوال في ذبيحة الكافر الكتابي

أما ذبيحة الكافر الكتابي ففيها ثلاثة أقوال:

القول الأول: حرمة ذبيحته

وهو المشهور شهرة عظيمة كاد أن يكون إجماعاً، وقد عبر عنه الشيخ الطوسي والسيد المرتضى أنه من منفردات الإمامية(2)، وقال في المسالك:«بل

ص: 137


1- المقنعة: 579؛ مختلف الشيعة 8: 295؛ مسالك الأفهام 11: 451؛ مستند الشيعة 15: 378.
2- الانتصار: 403؛ الخلاف 6: 23-24.

كاد أن يعد هو المذهب»(1)، أي: على أن ذبيحة الكتابي حرام.

القول الثاني: الحلية مطلقاً

وهو ما نسب إلى ابن أبي عقيل وابن الجنيد، على ما نسبه لهم العلامة في المختلف، حيث قال: «وقال ابن أبي عقيل: ولا بأس بصيد اليهود والنصارى وذبائحهم، ولا يؤكل صيد المجوس وذبائحهم. وقال ابن الجنيد: ولو تجنب من أكل ما صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم وفي آنيتهم، وكذلك ما صنع في أواني مستحل الميتة ومواكيلهم ما لم يتيقن طهارة أوانيهم وأيديهم كان أحوط. وهذه العبارة لا تُعطي التحريم»(2).

القول الثالث: التفصيل بين سماع التسمية منه فيحل وإلا فلا

وهو ما ذهب إليه الصدوق، حيث قال: «ولا تأكل ذبيحة اليهودي والنّصرانيّ والمجوسيّ إلاّ إذا سمعتهم يذكرون اسم اللّه عليها، فإذا ذكروا اسم اللّه فلا بأس بأكلها، فانّ اللّه يقول: {وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ}، ويقول: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كُنتُم بَِٔايَٰتِهِۦ مُؤۡمِنِينَ}»(3).

وسيأتي أن مرجع القول الثالث إلى القول الثاني؛ للزوم إحراز الشرائط ومنها التسمية.

ومنشأ الأقوال الثلاثة الروايات المتعددة.

ص: 138


1- مسالك الأفهام 11: 465.
2- مختلف الشيعة 8: 296.
3- المقنع: 417.

وقد قال في الجواهر أن هنالك اثنتي عشرة طائفة من الروايات(1)،وأضاف في الفقه ثلاثة طوائف(2)، ولكل طائفة مدلولها، وفيها الصحيح والموثق، فلابد من ملاحظة كيفية الجمع بينها إن أمكن، وإلا وصلت النوبة إلى الترجيح السندي، وقد حمل المشهور الروايات الدالة على الحلية على التقية لكونها موافقة للعامة(3).

وقد استدل القائل بالحلية(4) بقوله تعالى: {وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ}(5)، حيث إنه مطلق يشمل اللحوم، بالإضافة إلى روايات الحلية.

لكنه محل نظر؛ لورود الروايات الصحيحة بأن المراد من الطعام في الآية الحنطة والشعير(6)، والمتعارف عند العرب إلى الآن إطلاق الطعام على الحنطة، هذا أولاً، وثانياً: الإعراض عن الروايات الصحيحة الدالة على الحلية، فحتى لو لم تحمل على التقية لم يمكن التمسك بها لإعراض المشهور عنها، والعمل بمقتضى الروايات الدالة على الحرمة بالإضافة إلى اعتبار بعضها(7).

ص: 139


1- جواهر الكلام 37: 116-124.
2- الفقه 75: 342.
3- مستند الشيعة 15: 385؛ جواهر الكلام 37: 125.
4- مستند الشيعة 15: 382، وفيه: «وحجة الثاني: أصل الإباحة، وعموم قوله سبحانه: {وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ}».
5- سورة المائدة، الآية: 5.
6- راجع وسائل الشيعة 24: 203-206.
7- مستند الشيعة 15: 385.
الطوائف الخمس عشرة الواردة في ذبائح أهل الكتاب

ونكتفي بذكر رواية واحدة من كل طائفة، وعند التأمل يتضح أن مرجعها جميعاً إلى طائفتين، مضافاً إلى أن بعض الروايات خارجة عنهما لجهة سنبينها، ولا يخفى أن ما ذكره صاحب الجواهر من التفصيل إنما هو تفصيل فيمضمون الرواية لا في الحكم الشرعي.

الطائفة الأولى: ما دل على عدم الجواز مطلقاً

ومنها: موثقة سماعة(1)،

عن أبي إبراهيم(علیه السلام)، قال: «سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني، قال: لا تقربنها»(2).

الطائفة الثانية: ما دل على الحلية مطلقاً

ومنها: صحيحة الحلبي(3):

«سأل الصادق(علیه السلام) عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم، قال(علیه السلام): لا بأس»(4).

وبقية الطوائف لدى الدقة تعود إلى هاتين الطائفتين.

الطائفة الثالثة: التفصيل بين سماع التسمية وعدمها

ومنها: خبر عامر بن علي، قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): «إنا نأكل ذبائح أهل الكتاب ولا ندري يسمون عليها أم لا يسمون، قال(علیه السلام): إذا سمعتم قد

ص: 140


1- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي المغرا، عن سماعة... .
2- الاستبصار 4: 81؛ تهذيب الأحكام 9: 63؛ وسائل الشيعة 24: 55.
3- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن الحلبي... .
4- الاستبصار 4: 85؛ تهذيب الأحكام 9: 68؛ وسائل الشيعة 24: 62.

سمّوا فكلوا»(1).

وهذه الطائفة تعود إلى الحكم بالحلية إن توفرت سائر الشرائط، فإن التسمية شرط آخر، حيث يحمل فعل المسلم على الصحة بخلاف أهل الكتاب، فلابد من اليقين بحصول التسمية، أو قيام الدليل الشرعي على ذلك، فليس التفصيل المذكورتفصيلاً، بل حكم بالحلية بشرط تحقق سائر الشروط.

لكن بعض الفقهاء بيّن علة التفصيل، أن الإمام(علیه السلام) كان في ظرف التقية(2) ولا يمكنه بيان الحكم الشرعي، فاشترط ما نتيجته الحرمة، حيث لا يمكن عادة سماع التسمية من القصاب إلا نادراً.

الطائفة الرابعة: التفصيل بين ما لو سمع أو أخبره المسلم بالتسمية وبين عدمهما

ومنها: صحيحة حريز، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، وزرارة عن أبي جعفر(علیه السلام)(3) أنهما قالا: «في ذبائح أهل الكتاب فإذا شهدتموهم وقد سموا اسم الله فكلوا ذبائحهم، وإن لم تشهدهم فلا تأكل، وإن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سموا فكل»(4). ومرجعها إلى الطائفة الثالثة التي مرجعها إلى الحلية مطلقاً.

الطائفة الخامسة: الحلية سواء سمع التسمية أو لا

حلية ذبائحهم سواء سمع التسمية أم لا، إلا مع الحضور وقت التذكية والعلم بعدمها.

ص: 141


1- بصائر الدرجات: 353؛ وسائل الشيعة 24: 65.
2- تهذيب الأحكام 9: 70.
3- الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز... .
4- الاستبصار 4: 86؛ تهذيب الأحكام 9: 69؛ وسائل الشيعة 24: 63.

ومنها: صحيحة جميل ومحمد بن حمران(1): «أنهما سألا أبا عبد الله(علیه السلام)عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس، فقال: كل، فقال بعضهم: إنهم لا يسمون، فقال: فإن حضرتموهم فلم يسموا فلا تأكلوا، وقال: إذا غاب فكل»(2).

ومرجعها إلى التحليل المطلق، حيث تحل الذبيحة إلا إذا فُقد شرط آخر، فحالها حال ذبيحة المسلم.

والفرق بينها وبين الطائفة الثالثة والرابعة في اشتراط إحراز التسمية فيهما، وكفاية عدم العلم فيها.

الطائفة السادسة: حلية ذبائحهم حتى لو ذكروا اسم المسيح

فلو سمى باسم المسيح بدل اسم الله حلّ؛ وذلك لأن المراد منه الله.

ومنها: خبر عبد الملك بن عمرو، قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): «ما تقول في ذبائح النصارى؟ فقال: لا بأس بها، قلت: فإنه يذكرون عليها اسم المسيح، فقال: إنما أرادوا بالمسيح الله»(3).

لكنه معارض بموثقة حنان بن سدير(4) التي تحكم بالحرمة، حيث قال: «دخلنا على أبي عبد الله(علیه السلام) أنا وأبي فقلنا له: جعلنا الله فداك، إن لنا خلطاء من النصارى، وإنا نأتيهم فيذبحون لنا الدجاج والفراخ والجداء(5) أفنأكلها؟

ص: 142


1- الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل... .
2- الاستبصار 4: 85؛ تهذيب الأحكام 9: 68؛ وسائل الشيعة 24: 62.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 331؛ الاستبصار 4: 85؛ وسائل الشيعة 24: 62.
4- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان... .
5- الجدي من أولاد المعز ذكرها، الجمع أجد وجداء وجديان بكسرها.

قال: فقال: لا تأكلوها ولا تقربوها فإنهم يقولون على ذبائحهم ما لاأحب لكم أكلها، قال: فلما قدمنا الكوفة دعانا بعضهم فأبينا أن نذهب فقال: ما بالكم كنتم تأتونا ثم تركتموه اليوم؟ قال: فقلنا: إن عالماً لنا نهانا وزعم أنكم تقولون على ذبائحكم شيئاً لا يحب لنا أكلها، فقال: من هذا العالم؟ هذا والله أعلم الناس وأعلم من خلق الله، صدق والله إنا لنقول: بسم المسيح(علیه السلام)»(1).

وبغض النظر عن مقصودهم في التسمية، أو أن النصارى أقسام، فمنهم من يقصد الله، ومنهم من يقصد غيره، فإن الروايتين تدلان على حلية ذبيحة النصارى، فإن العلة من النهي عن الأكل ليس لكونهم نصارى، وإنما لأنهم (يقولون على ذبائحهم ما لا أحب لكم أكلها)، ومعنى ذلك أنه لو ذكروا اسم الله حلّت الذبيحة.

والحاصل: إن مرجع هذه الطائفة إلى الحلية مطلقاً، لكن الكلام في كيفية التسمية.

الطائفة السابعة: النهي عن أكلها لأن الاسم لا يؤمن عليه إلا المسلم

ومنها: صحيحة قتيبة الأعشى(2)

قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن ذبائح اليهود والنصارى، فقال: الذبيحة اسم، ولا يؤمن على الاسم إلا مسلم»(3).

ومفهومه الحل مع العلم، فمرجعها إلى الحلية مطلقاً من جهة الإسلام والكفر. نعم، يلزم إحراز التسمية، فالرواية بيان لأهم شرط في الحلية المذكور

ص: 143


1- الكافي 6: 241؛ الاستبصار 4: 82؛ وسائل الشيعة 24: 53.
2- الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن قتيبة الأعشى... .
3- الكافي 6: 240؛ الاستبصار 4: 81؛ وسائل الشيعة 24: 48.

فيالقرآن دون غيره، مثل: (الحج عرفة)(1)، أي: أهم جزء في الحج.

الطائفة الثامنة: جعل المدار على ذكر الله وعدمه

كخبر علي بن جعفر، عن موسى بن جعفر(علیه السلام): «سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني هل تحل؟ فقال: كلْ ما ذكر اسم الله عليه»(2)، فالمدار التسمية لا دين الذابح.

الطائفة التاسعة: التفصيل بين اليهود والنصارى وبين المجوس

لأن المجوس ليسوا من أهل الكتاب على الخلاف المذكور في محله.

ومنها: مرسلة عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله(علیه السلام) في قول الله: «{فَكُلُواْ

مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ}، قال: أما المجوس فلا، فليسوا من أهل الكتاب، وأما اليهود والنصارى فلا بأس إذا سمّوا»(3).

ومرجعها إلى الحلية مطلقاً، لكن الإشكال في المصداق، وأن المجوسي ليس من أهل الكتاب.

الطائفة العاشرة: النهي عن ذبيحة المجوس ونصارى تغلب

ومنها: خبر أبي بصير قال: قال لي أبو عبد الله(علیه السلام): «لا تأكل من ذبيحة المجوسي، قال: وقال: لا تأكل ذبيحة نصارى تغلب فإنهم مشركو العرب»(4).

ص: 144


1- مستدرك الوسائل 10: 34 ، وفيه: عن النبي(صلی الله علیه و آله) أنه قال: «الحج عرفة».
2- قرب الإسناد: 117؛ وسائل الشيعة 24: 56.
3- وسائل الشيعة 24: 57.
4- الاستبصار 4: 82؛ تهذيب الأحكام 9: 65؛ وسائل الشيعة 24: 58.
الطائفة الحادية عشرة: الروايات الناهية عن ذبيحة نصارى العرب

ومنها: صحيحة محمد بن قيس(1)، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(علیه السلام): لا تأكلوا ذبيحة نصارى العرب فإنهم ليسوا أهل الكتاب»(2).

ومرجعها إلى الطائفة الأولى، حيث لا خصوصية لنصارى العرب، ولعلّ الإمام(علیه السلام) خصَّهم بالذكر لكونهم مصب السؤال، فكان الجواب حسب السؤال، فخصوصية المورد لا تخصص الوارد، كما أن التعليل لا يخصهم فقط فجميع النصارى مشركون.

الطائفة الثانية عشرة: ما ورد من النهي عن ذبحهم للأضحية

ومنها: صحيحة أبي بصير(3)

قال: «سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: لا يذبح أضحيتك يهودي ولا نصراني ولا المجوسي...»(4).

ولا خصوصية للأضحية، بل لعلّه جواب عن سؤال السائل، فتدل على الحرمة مطلقاً.

الطائفة الثالثة عشرة: ما دل على أكل النبي(صلی الله علیه و آله) ذبيحة اليهودية

وهي الروايات الدالة على تناول النبي(صلی الله علیه و آله) الذراع المسموم الذي أعطته

ص: 145


1- الشيخ الطوسي بأسناده عن الحسين بن سعيد، عن يوسف بن عقيل، عن محمد بن قيس... وهو البجلي الثقة كما مرّ.
2- الاستبصار 4: 83؛ تهذيب الأحكام 9: 66؛ وسائل الشيعة 24: 59.
3- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير المرادي... .
4- الاستبصار 4: 82؛ تهذيب الأحكام 9: 64؛ وسائل الشيعة 24: 58.

اليهودية يوم فتح خيبر، فمنها: خبر عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سمّت اليهودية النبي(صلی الله علیه و آله) في ذراع، قال: وكان رسول الله(صلی الله علیه و آله) يحب الذراع والكتف ويكره الورك لقربها من المبال، قال: لما أوتى بالشواء أكل من الذراع وكان يحبها فأكل ما شاء الله، ثم قال الذراع: يا رسول الله(صلی الله علیه و آله) إني مسموم فتركه، وما ذاك ينتقض به سمّه حتى مات(صلی الله علیه و آله)»(1).

لكن في الاستدلال بها إشكال من جهات:

أولاً: لا اعتبار بسندها، لجهالة جعفر بن محمد الراوي عن عبد الله بن ميمون.

ثانياً: لا جهة للفعل، فالفعل يدل على أصل الجواز لكن لا يدل على جهته، فلو رأينا النبي(صلی الله علیه و آله) يشاهد امرأة فهل يجوز النظر إليها؟ كلا، فربما كانت زوجته، ففعله(صلی الله علیه و آله) يدل على أصل جواز نظر الرجل في الجملة إلى المرأة في الجملة، وكذا المقام، فإن النبي(صلی الله علیه و آله) أكل من اللحم فهل يدل ذلك على جواز أكل ذبيحة اليهودي؟ فربما كان الذابح مسلماً، ولا إطلاق للرواية حتى يتمسك بالجواز، سواء كان الذابح مسلماً أم غير مسلم، وعليه فمجرد تناول اللحم من يد يهودي لا يدل على حلية ذبائح أهل الكتاب.

الطائفة الرابعة عشرة: ما دل على جواز الأكل وقت الضرورة

منها: صحيحة عن زكريا بن آدم(2)،

قال: قال لي أبو الحسن(علیه السلام): «إني

ص: 146


1- بصائر الدرجات: 523.
2- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن أحمد بن حمزة، عن زكريا بن آدم... .

أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك، إلا في وقت الضرورة إليه»(1).

ومرجعه إلى التحريم مطلقاً؛ لأن الميتة أيضاً تحل في الضرورة.

الطائفة الخامسة عشرة: الحلية فيما لو كان الذابح على دين موسى وعيسى حقيقة

ومنها: خبر عن معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن ذبائح أهل الكتاب، فقال: لا بأس إذا ذكروا اسم الله عز وجل، ولكني أعني منهم من يكون على أمر موسى وعيسى‘»(2).

ومرجعه إلى التحريم مطلقاً؛ لأن اليهود والنصارى اليوم ليسوا على دينهم حقيقة، والذي على أمر موسى وعيسى‘ حقيقة هو المسلم، وربما كان الإمام(علیه السلام) في تقية لم يمكنه بيان الحرمة فقال ما نتيجته الحرمة(3).

والحاصل: إن مرجع الطوائف الخمس عشرة إنما هو إلى الحلية أو الحرمة، وقد قام شبه الإجماع على الطائفة الأولى، وعليه عمل المشهور قديماًوحديثاً فلا مناص عنها، وأما الطائفة الثانية فإن لم تحمل على التقية فلابد من ردّ علمها إلى أهلها.

عدم اشتراط الإيمان

بعد إثبات اشتراط الإسلام في الذابح، فهل الإيمان بالمعنى الأخص -

ص: 147


1- الاستبصار 4: 86؛ تهذيب الأحكام 9: 70؛ وسائل الشيعة 24: 67.
2- الكافي 6: 241؛ وسائل الشيعة 24: 55.
3- وسائل الشيعة 24: 55، وفيه: «أقول: هذا محمول على الإتيان بالتسمية الصحيحة، وهي لا تجامع الشرك; لما مرّ، على أنه قد ورد في عدة أخبار أنهم كلهم الآن قد خالفوا أمر موسى وعيسى‘، مع أنه يحتمل التقية والضرورة وغير ذلك».

أي: كونه إمامياً اثنا عشرياً - شرط؟ ومع عدم الاشتراط فهل تحل ذبيحة الفرق الإسلامية المحكومة بالكفر المدعية للإسلام كالغلاة والنواصب؟

قال في الشرائع: «ولا يشترط الإيمان، وفيه قول بعيد باشتراطه»(1).

وقال في الفقه: «لايشترط في الذابح بعد الإسلام إلا أن لا يكون من الفرق المحكوم بكفرها على المشهور شهرة عظيمة»(2).

وفي هذه المسألة ستة أقوال:

الأول: الشرط هو الإسلام غير المحكوم بالكفر، كما عليه المشهور(3).

الثاني: حلية ذبيحة جميع الفرق حتى النواصب، وقد مال إليه في المسالك(4).

الثالث: اشتراط الإيمان بالمعنى الأخص(5).

الرابع: لو اعتقد المخالف بوجوب التسمية حلت ذبيحته وإلا حرمت،قال به العلامة في بعض كتبه(6).

القول الخامس: عدم حلية ذبيحة المخالف إلا إذا كان مستضعفاً، قال به

ص: 148


1- شرائع الإسلام 4: 739.
2- الفقه 75: 351.
3- المقنعة: 579؛ تبصرة المتعلمين: 210؛ تحرير الأحكام 4: 622؛ اللمعة الدمشقية: 214؛ مفتاح الشرائع 2: 197؛ مستند الشيعة 15: 378.
4- مسالك الأفهام 11: 468.
5- المهذب البارع 2: 439.
6- مختلف الشيعة 8: 300، وفيه: «والمعتمد جواز أكل ذبيحتهم إذا اعتقدوا وجوب التسمية».

ابن إدريس الحلي(1).

القول السادس: لو كان جاحداً للنص على أمير المؤمنين(علیه السلام) حرمت وإلا حلت(2).

وكأن مرجع القولين الأخيرين إلى الاعتقاد بكفر المخالفين إلا المستضعف وغير الجاحد؛ لجهلهما دون غيرهما، لكن المشهور لم يرتضِ ذلك، وذهب إلى عدم كفر المخالف ظاهراً، فالمسألة مبنائية.

ووجه القول الرابع هو عدم إمكان حمل فعله على الصحة لعدم اعتقاده، إلا أنه لا وجه للتفصيل المذكور؛ لاعتقاد العامة بوجوب التسمية لورودها في القرآن، ولو قال قائل منهم بعدم الوجوب فهو نادر.

وأما دليل المشهور القريب من الإجماع(3) فهو مستفيض الروايات، وهي على طوائف:

منها: ما يدل على كفاية الإسلام ولم يقيد بشيء، كما في خبر محمد بن قيس، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(علیه السلام) ذبيحة من دانبكلمة الإسلام وصام وصلى لكم حلال إذا ذكر اسم الله عليه»(4).

ومنها: ما تدل على جواز الشراء من سوق المسلمين مع وضوح كونه سوق العامة، خاصة في زمن المعصوم(علیه السلام) لقلة المؤمنين.

ص: 149


1- السرائر 3: 105.
2- الكافي في الفقه: 277.
3- مسالك الأفهام 11: 467؛ جواهر الكلام 37: 114.
4- الاستبصار 4: 88؛ تهذيب الأحكام 9: 71؛ وسائل الشيعة 24: 67.

ففي صحيحة فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم(1): «أنهم سألوا أبا جعفر(علیه السلام) عن شراء اللحم من الأسواق ولا يدرون ما صنع القصابون، قال: كلْ إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه»(2).

ومنها: ما ورد من جواز تناول الطعام المطروح في الطريق إذا كان في بلاد المسلمين(3)، مع أن البلاد للعامة.

عدم كراهة ذبيحة أهل الخلاف

قال البعض بكراهة ذبيحة أهل الخلاف(4)، واستدل على ذلك بصحيحة زكريا بن آدم(5)

عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: «إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك، إلا في وقت الضرورة إليه»(6).وحيث لا يمكن حملها على الحرمة لروايات الحل، فلا بد من حملها على الكراهة.

لكن يشكل الاستدلال بها على الكراهة لكثرة الروايات المطلقة الدالة على الجواز، مع كونها قابلة للتوجيه إلى النواصب أو الكفار، فحمل كل تلك الروايات على الكراهة خلاف الظاهر، فتأمل.

ص: 150


1- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذنية، عن فضيل... .
2- تهذيب الأحكام 9: 73؛ وسائل الشيعة 24: 70.
3- وسائل الشيعة 24: 90؛ مستدرك الوسائل 16: 156.
4- الدروس الشرعية 2: 411؛ الرياض 12: 90.
5- الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن حمزة القمي، عن زكريا بن آدم... .
6- الاستبصار 4: 86؛ تهذيب الأحكام 9: 70؛ وسائل الشيعة 24: 51.
كفر المجبرة والمشبهة

وقد حكم بكفر المجبرة والمشبهة في بعض الروايات وهم غالب العامة؛ لأن المعتزلة قلّة وقد انقرضوا، ففي خبر إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عن أبيه عن جده(علیهم السلام): «من زعم أن الله تعالى يجبر عباده على المعاصي، أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته، ولا تقبلوا شهادته، ولا تصلوا وراءه، ولا تعطوه من الزكاة شيئاً»(1).

وفي خبر ابن ظبيان عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنه قال: «من زعم أن لله وجهاً كالوجوه فقد أشرك، ومن زعم أن لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله، فلا تقبلوا شهادته ولا تأكلوا ذبيحته»(2).

وهاتان الروايتان دليل على اشتراط الإيمان في الذابح، ومع ذلك كيف ذهب المشهور إلى حلية ذبيحة المجبرة والمشبهة؟(3)والجواب: مضافاً إلى ضعف سندهما، أن المراد من الحكم بكفرهم هو الكفر الباطني لا الظاهري، بقرينة الروايات التي تحكم بإسلامهم(4)، فلابد

ص: 151


1- دعائم الإسلام 1: 113؛ وسائل الشيعة 24: 69.
2- مختصر بصائر الدرجات: 121؛ وسائل الشيعة 24: 69.
3- قال في الفقه 75: 353: «وحيث إن غالب العامة من القديم كانوا قالوا بالتجسيم والجبر وما أشبه؛ إذ إن أغلبهم أشاعرة ونحوهم وهم قائلون بذلك، كما لا يخفى على من راجع كتب الكلام والتفسير والسيرة القطعية، وإطلاق الأدلة التي لا تتحمل التقييد تعطي جواز ذبائحهم كجواز نكاحهم، وإجراء مراسم المسلمين عليهم في الموت، وباب الشهادات بعضهم لبعض، أو على بعض والطهارة وغير ذلك لابد، وأن تحمل روايات المنع على ما حملها المشهور، حيث إنهم حملوها على بعض مراتب الكراهة ونحوها». ومستند الشيعة 15: 391، وجواهر الكلام 37: 140.
4- تهذيب الأحكام 9: 72؛ وسائل الشيعة 24: 70.

من حمل النهي الوارد في الروايتين على التنزيه؛ لكثرة روايات الحلية، فحملها على خصوص العامة غير المشبهة والمجبرة خلاف الظاهر؛ لكونه حملاً على الفرد النادر.

كما أن غالب العامة لا يفهمون الجبر والتشبيه، فليسوا منهم، للجهل بمذهبهم عادة؛ لذا لو سئل أحدهم: هل الله يجبر العبد على المعصية؟ نفى ذلك حسب فطرته، فليس كل من كان مذهبه الجبر هو من المجبرة، بل قد يكون جاهلاً بمذهبه، فلا يكون منهم. نعم، لو كان عالماً بمذهبه وقال به كرهت ذبيحته للروايتين، ولا منافاة بينهما وبين روايات الحلية المطلقة.

وعليه، لو التفت إلى الجبر أو التشبيه وقال به كانت ذبيحته مكروهة، وإلا فلا؛ لأن الروايات الدالة على حلية ذبيحة المخالف كثيرة وآبية عن الحمل على الكراهة.

ذبيحة النواصب

وأما ذبيحة الناصبي فلا تحل؛ لأنه محكوم بالكفر الظاهري أيضاً؛ ولذا يكون نجساً، ولا يجوز نكاحه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا خلاف فيالحكم المذكور كما عبر عنه البعض(1)، بل الإجماع متحقق(2)، وقال في الفقه: «... بل السيرة القطعية من الشيعة على ذلك من القديم»(3)، وتدل عليه الروايات الخاصة التي عمل بها المشهور شهرة عظيمة.

ص: 152


1- الهداية: 312؛ مختلف الشيعة 8: 301؛ الدروس الشرعية 2: 410؛ كشف اللثام 9: 214.
2- المهذب البارع 4: 163؛ رياض المسائل 12: 93؛ مستند الشيعة 15: 387؛ جواهر الكلام 37: 137.
3- الفقه 75: 354.

ومنها: موثقة أبي بصير(1)

قال: «سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: ذبيحة الناصب لا تحل»(2).

ومنها: موثقته الأخرى(3): عن أبي جعفر(علیه السلام)، أنه قال: «لم تحل ذبائح الحرورية»(4). ويعني بهم الخوارج؛ سمّوا بذلك لأنهم اجتمعوا في قرية اسمهما الحروراء(5)، ومنها انطلقوا إلى النهروان.

لكن صاحب المسالك مال إلى الحلية وحمل الروايات على الكراهة(6)،لكن لا وجه له بعد كون الروايات الناهية أخص منها، وقد عمل المشهور بها.

زواج المعصوم من الناصبية

ولا يخفى التلازم بين عدم جواز النكاح وعدم حلية الذبيحة، لكن نشاهد في سيرة المعصومين(علیهم السلام) الزواج من الناصبية، كزواج الإمام الحسن(علیه السلام) من جعدة(7)، والإمام الجواد(علیه السلام) من أم الفضل(8)، فلو جاز النكاح دل على

ص: 153


1- الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن زرعة، عن أبي بصير... .
2- الاستبصار 4: 87؛ تهذيب الأحكام 9: 71؛ وسائل الشيعة 24: 67.
3- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن مختار، عن أبي بصير... .
4- الاستبصار 4: 87؛ تهذيب الأحكام 9: 71؛ وسائل الشيعة 24: 67.
5- من لا يحضره الفقيه 4: 545، وفيه: «الحرورية: طائفة من الخوارج تبرأوا من علي(علیه السلام) وشهدوا عليه بالكفر، والنسبة إلى حروراء - بفتحتين وسكون الواو وراء أخرى وألف ممدودة - قرية بظاهر الكوفة، فإنهم اجتمعوا فيها أول أمرهم وخالفوا علياً(علیه السلام) فنسبوا إليها».
6- مسالك الأفهام 11: 467-470.
7- مقاتل الطالبيين: 31؛ شرح الأخبار 3: 123؛ الاحتجاج 2: 13؛ بحار الأنوار 43: 342.
8- مقاتل الطالبيين: 377؛ مناقب آل أبي طالب(علیهم السلام) 3: 488؛ بحار الأنوار 49: 132.

الإسلام الظاهري وإلا لم يجز، وعليه يكون الناصبي محكوماً بالإسلام.

وفي رواية أن الإمام السجاد(علیه السلام) تزوج بامرأة ثم رآها تسب علياً(علیه السلام) فطلقها(1).

والجواب عن ذلك: إن الناصبي هو من يظهر العداء، فقد يكون الإنسان في قلبه أشد عداوة لله ورسوله، لكنه لم يظهر ذلك؛ لذا لا يكون ناصبياً وإنما يكون منافقاً؛ ولذا فجعدة كانت منافقة إلى أن سقت الإمام(علیه السلام) سمّاً(2)، فأظهرت عداوتها فأصبحت ناصبية، كما أن عبد الله بن أبي أسلم في الظاهر، فكان منافقاً لا ناصبياً(3).

الشرط الثاني: اشتراط العقل في الذابح

ولا شرط في الذابح بعد الإسلام إلا ما ارتبط بالعقل، فلا تحل ذبيحة المجنون والصبي غير المميز(4)؛ لاشتراط العقل والتمييز؛ وذلك لأن

ص: 154


1- الكافي 5: 351 ، وفيه: عن زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «دخل رجل على علي بن الحسين‘ فقال: إن امرأتك الشيبانية خارجية تشتم علياً(علیه السلام) فإن سرك أن أسمعك منها ذاك أسمعتك؟ قال: نعم، قال: فإذا كان غداً حين تريد أن تخرج كما كنت تخرج فعد فاكمن في جانب الدار، قال: فلما كان من الغد كمن في جانب الدار، فجاء الرجل فكلمها فتبين منها ذلك، فخلى سبيلها وكانت تعجبه».
2- الكافي 1: 462 ، وفيه: عن أبي بكر الحضرمي قال: «إن جعدة بنت أشعث بن قيس الكندي سمت الحسن بن علي وسمت مولاة له، فأما مولاته فقاءت السم وأما الحسن فاستمسك في بطنه ثم انتفط به فمات».
3- بحار الأنوار 90: 70، وفيه: «فبعث بنو النضير إلى عبد الله بن أبي بن سلول وكان رأس المنافقين...».
4- إرشاد الأذهان 2: 106؛ قواعد الأحكام 3: 318؛ الدروس الشرعية 2: 411؛ غاية المرام في شرح شرائع الإسلام 4: 18؛ مجمع الفائدة والبرهان 11: 86؛ كشف اللثام 9: 217.

إطلاقات الأدلة منصرفة إلى القاصد، ولا يعلم تحقق القصد منهما، ومن هنا لا تحل ذبيحة النائم والسكران(1).

وأما سائر الأمور فليست بشرط، فلا فرق بين البالغ والصبي المميز، وكذا الرجل والمرأة، وكذا الخنثى والمجبوب؛ لشمول الإطلاقات للجميع، مضافاً إلى ورود روايات معتبرة في خصوص المرأة.

منها: صحيحة الحلبي(2)،

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «كانت لعلي بن الحسين‘ جارية تذبح له إذا أراد»(3).

البحث الثاني: في آلة الذبح وشروطها

اشارة

ويشترط في آلة الذبح أن تكون من الحديد، فلا تحل لو كانت الآلة من الحجر أو قشر القصب أو العظم، وإن كانت حادة، ويستثنى من ذلك ما لو كان مضطراً(4).ويدل عليه روايات معتبرة وعليه المشهور الذي لا خلاف فيه، بل ادعي الإجماع عليه(5)، فلابد من الالتزام به.

وهنالك طائفتان من الروايات: الأولى: التصريح بلزوم كونها من الحديد، والثانية: تجويز الذبح بغيره للمضطر، ومعناه اشتراط الحديد لغير المضطر.

ص: 155


1- قواعد الأحكام 3: 318.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي... .
3- الكافي 6: 238؛ وسائل الشيعة 24: 45.
4- النهاية: 583؛ المهذب البارع 2: 439؛ السرائر 3: 107؛ شرائع الإسلام 4: 739.
5- الشرح الصغير في شرح المختصر النافع 3: 87؛ رياض المسائل 12: 93؛ مستند الشيعة 15: 394.

فمن الأولى: صحيحة محمد بن مسلم(1) قال: «سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الذبيحة بالليطة(2) وبالمروة(3)، فقال(علیه السلام): لا ذكاة إلا بحديدة<(4). وهي تحصر جواز الذبح بالحديد لا غير.

ومنها: صحيحة الحلبي(5):

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن الذبيحة بالعود والحجر والقصبة، فقال: قال علي بن أبي طالب(علیه السلام): لا يصلح الذبح إلا بالحديدة»(6).ومن الطائفة الثانية: صحيحة عبد الله بن سنان(7)، عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنه قال: «لا بأس بأن تأكل ما ذبح بحجر إذا لم تجد حديدة»(8).

الذبح بالإستيل

وأما الذبح بالإستيل فهي مسألة يكثر الابتلاء بها اليوم، حيث إن أكثر

ص: 156


1- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم... .
2- العين 7: 453، وفيه: >الليط: قشر القصب اللازق به، وقشر كل شيء كانت له صلابة ومتانة كالقناة، والقطعة منه: ليطة».
3- الصحاح 6: 2491، وفيه: «المرو: حجارة بيض براقة تقدح منها النار، الواحدة مروة». ولسان العرب 15: 275، وفيه: «المَرْوُ: حجر أَبيض رقيق يجعل منها المَطارُّ، يذبح بها، يكون المَرْوُ منها كأَنه البَرَدُ، ولا يكون أَسود ولا أَحمر، وقد يُقْدَح بالحجر الأَحمر فلا يسمى مَرْواً».
4- الكافي 6: 227؛ تهذيب الأحكام 9: 51؛ وسائل الشيعة 24: 7.
5- الكليني، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي... .
6- الكافي 6: 227؛ الاستبصار 4: 80؛ وسائل الشيعة 24: 7.
7- الشيخ الصدوق بإسناده عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن سنان... .
8- من لا يحضره الفقيه 3: 327؛ وسائل الشيعة 24: 8.

السكاكين منه، وبناءً على اشتراط الحديد لا تحل الذبيحة به(1)، ولا بسائر الفلزات(2)؛ لذا صرح الفقهاء بعدم جواز الذبح بسكين من الذهب أو الفضة(3).

ويمكن الاستدلال لجواز الذبح به بعدة طرق:

الأول: إن المراد من كلمة الحديد أو الحديدة الواردة في الروايات عموم الفلزات، لا خصوص الحديد للتوسعة العرفية، فإن العرف يتسامح فيه فيطلقه على كل ما يشبهه، فالإستيل من الحديد، ومع هذا التعميم يصح الاستدلال بالروايات لجواز الذبح به؛ لظهورها في الفلزات.

لكن يرد عليه مبنىً: بأن العرف حجة في تشخيص المفاهيم لا المصاديق فلو تسامح العرف في مصداق لم يكن حجة، كما هو الحال في معنى الفرسخوالتسامح في الأقل منه بقليل، وكذا غيره من المفاهيم الشرعية، ومشهور المتأخرين عدم الحجية، والحاصل: إن مفهوم الحديد عرفي لكنه يتسامح في المصداق ويطلقه على كل ما يشبهه.

الثاني: أن يراد من كلمة الحديد كل حاد؛ لأن الحديد له معنيان(4):

ص: 157


1- قال بعض أهل الخبرة: إن أكثر من سبعين بالمائة من الإستيل هو الحديد، لكن يضاف إليه مواد أخرى بين عشرة بالمائة إلى ثلاثين بالمائة حتى لا يصدأ، وذلك حسب اختلاف موارد الاستعمال، وحيث إن خلط المواد الأخرى لا يخرجه عن كونه حديداً كان له حكم الحديد، وإن خولط بشيء آخر (السيد الأستاذ).
2- لابد من التحقيق في كون كلمة الفلز بالمعنى المعروف عربية أم لا؟ ففي معجم مقاييس اللغة لابن الفارس4: 451: «الفلز خبث الحديد» أي: ما ينفصل عن الحديد حينما يجعل في الكورة لإخراج الحديد الخالص من غيره، ويطلق في الاصطلاح الفارسي على كل مادة تشبه الحديد (السيد الأستاذ).
3- رياض المسائل 12: 93؛ جواهر الكلام 37: 144.
4- مجمع البحرين 3: 34-36، مادة: «حدد».

أحدهما: الفلز المعين، والثاني الحاد، كقوله تعالى: {فَبَصَرُكَ

ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ}(1) فيشمل الإستيل، بخلاف الخشب والحجر وقشر القصب التي ليست حادة عادة فتؤذي الحيوان.

لكنه خلاف الظاهر؛ فإن المتبادر من: «لا ذكاة إلا بحديد» الحديد المعروف لا الحاد.

الثالث: ما ذكره في الفقه(2) من أن المتعارف في زمن المعصومين(علیهم السلام) الذبح بالحديد لا بسائر الفلزات، فذكره في الروايات من باب المتعارف لا إرادة الحصر، بل كان ذكره في مقابل الخشب وما أشبه ذلك.

وهو حسن إلا أن إثباته مشكل، حيث إنه خلاف الظاهر.

والحاصل: إن مقتضى الصناعة عدم حلية الذبح بالإستيل وغيره من الفلزات، إلاّ إذا كان أكثر الاستيل حديداً وصدق عليه الحديد عرفاً من غيرتسامح، فتأمل.

الاضطرار إلى الذبح بغير الحديد

لو اضطر إلى الذبح بغير الحديد جاز الذبح به، لما تقدم من الروايات، لكن في معنى الاضطرار أربعة أقوال:

الأول: الخوف من تلف الشاة أو موت الصيد، فالمراد من الاضطرار

ص: 158


1- سورة ق، الآية: 22.
2- الفقه 75: 360، وفيه: «لكن يمكن المناقشة فيها بأنها بصدد نفي مثل الليطة والمروة، لا نفي ما إذا جعل السكين من المعادن الأخر، كالشبه والآلات الحديثية المتعارفة في هذا اليوم... بل إن العرف لا يفهم من الروايات إلا ذلك، فالحديد من باب أنه المتعارف في أيام الروايات».

خوف فوت الذبيحة(1)، وإن لم يضطر هو للأكل.

الثاني: اضطرار الذابح(2)، كما لو أشرف على الموت من الجوع.

الثالث: كفاية أحدهما كما ذهب إليه العلامة(3).

الرابع: وهو الأصح: عدم وجود غير الحديد(4)، وإن لم يضطر إلى الأكل لوجود طعام آخر عنده مثلاً، أو لم يخف تلف الدابة.

ويدل عليه بعض الروايات المطلقة: كصحيحة زيد الشحام(5) قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالقصبة وبالحجر وبالعظم وبالعود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس»(6).

وحيث إن السؤال مطلق كان الجواب مطلقاً، ولم يشترط في جواز الذبحخوف الموت أو الاضطرار إلى الأكل.

وأما سائر الأقوال فقد حملوا هذه الرواية على الاضطرار بأحد النحوين الأولين، لكنه خلاف الظاهر.

الذبح بالظفر والسن

هل يجوز الذبح بالسن أو الظفر في حال الاضطرار بأي معنى أريد به في

ص: 159


1- المهذب 2: 439؛ مستند الشيعة 15: 396.
2- رياض المسائل 12: 94.
3- قواعد الأحكام 3: 321.
4- النهاية: 583؛ المهذب 2: 439؛ المهذب البارع 4: 163.
5- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن زيد الشحام... .
6- الكافي 6: 228؛ الاستبصار 4: 80؛ وسائل الشيعة 24: 9.

الروايات؟

الجواب: لا يجوز ذلك، سواء كان متصلاً أم منفصلاً، وادعي عليه الإجماع(1).

أما عدم جواز المنفصل فللنص.

وأما المتصل فبالإضافة إلى النص عدم صدق الذبح(2). وأما القول بالجواز في المتصل وإن كان هو المشهور، بل ادعي عليه نفي الخلاف(3)، لكونهما من العظم أو لتحقق الملاك وهو فري الأوداج، إلا أنه خلاف الظاهر؛ لأنه وإن كانت المادة والتركيبة واحدة لكن لا يطلق عليه العظم عرفاً، والملاك لا ينحصر في الفري فقط، فهنالك شروط أخرى ككونه من الحديد.

نعم، هنالك رواية تجوز الذبح بهما في حال الاضطرار، حيث ورد عن النبي(صلی الله علیه و آله) النهي عن ذلك لأنه مدية أهل حبشة(4) إلا مضطراً، لكن الرواية عامية أومرسلة فلا يصح الاستدلال بها.

ص: 160


1- الخلاف 6: 23؛ غنية النزوع: 397.
2- مسالك الأفهام 11: 471.
3- شرائع الإسلام 4: 739؛ تحرير الأحكام 4: 623؛ الدروس الشرعية 2: 411؛ مسالك الأفهام 11: 472؛ مستند الشيعة 15: 396.
4- عوالي اللئالي 3: 457 ، وفيه: وروى رافع بن خديج، قال: «يا رسول الله(صلی الله علیه و آله) إنا نرجو أن نلقى الصيد غداً وليس معنا مدى، أنذبح بالقصب؟ فقال(صلی الله علیه و آله): ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، إلا ما كان من سن أو ظفر. وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم من الإنسان، وأما الظفر فمدى الحبشة».

وأشكل عليها أيضاً بعدم تحقق معنى للعلة المذكورة فيها(1)، لكنه غير وارد فالمعنى أنهم قوم وحوش يذبحون بظفرهم فلا تفعل مثلهم.

والمتحصل: من جميع ما سبق اشتراط الحديد، ويشكل بالإستيل إلا إذا صدق عرفاً أنه من الحديد، ويجوز بغير الحديد اضطراراً، ولا يجوز بالسن والظفر حتى في حال الضرورة.

البحث الثالث: في كيفية الذبح وشرائطه

اشارة

ولابد من اجتماع شروط في كيفية الذبح لتحل الذبيحة، وهي:

الشرط الأول: قطع بعض أعضاء الرقبة
اشارة

وفيه أربعة أقوال:

الأول: ما هو المشهور شهرة عظيمة(2) من لزوم فري الأوداج الأربعة، فلو لم تقطع أحدها لم تحل، وهي الحلقوم، أي: مجرى النفس، والمريء، أي: محل مرور الطعام، والودجان.

الثاني: يكفي قطع الحلقوم(3).

الثالث: كفاية قطع الحلقوم والودجين(4) دون المريء.القول الرابع: التخيير بين قطع الحلقوم أو الودجين(5).

ص: 161


1- جواهر الكلام 37: 150.
2- السرائر 3: 106؛ تحرير الأحكام 4: 624؛ رياض المسائل 12: 5.
3- مستند الشيعة 15: 398.
4- إصباح الشريعة: 382؛ رياض المسائل 12: 99؛ مستند الشيعة 15: 400؛ جواهر الكلام 37: 159.
5- مستند الشيعة 15: 400.
دليل لزوم قطع الحلقوم

أما الدليل على لزوم قطع الحلقوم - وهو جامع الأقوال وإن كان القول الرابع التخيير إلا أنه بنحو الوجوب - فبالإضافة إلى دعوى الإجماع، الروايات الصحيحة المستفيضة، كصحيحة معاوية بن عمار(1)

قال: «قال أبو عبد الله(علیه السلام): النحر في اللبة والذبح في الحلق»(2).

وصحيحة محمد بن مسلم(3)

عن الباقر(علیه السلام): «ولا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها»(4)، والمراد من المذبح الحلق فإنه المعنى اللغوي(5).

أدلة لزوم الزيادة على قطع الحلق

وأما مدّعو الزيادة على قطع الحلق فاستدلوا بخمسة أدلة(6):

الأول: أصالة عدم الحلية، إما لاستصحاب الحرمة في حال الحياة، أولاستصحاب عدم التذكية.

ويرد عليه: إنه لا مجال للأصل مع وجود الإطلاقات الواردة في قطع الحلق.

ص: 162


1- الكليني، عن علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار... .
2- الكافي 6: 228؛ وسائل الشيعة 24: 10.
3- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم... .
4- الكافي 6: 229؛ تهذيب الأحكام 9: 53؛ وسائل الشيعة 24: 12، وفيه: «ذبيحة لم تذبح».
5- العين 3: 48، وفيه: «الحلق: مساغ الطعام والشراب، ومخرج النفس من الحلقوم، وموضع المذبح من الحلق».
6- مستند الشيعة 15: 400-403؛ رياض المسائل 13: 317-321؛ جواهر الكلام 37: 154؛ الفقه 75: 367.

الثاني: إنه القدر المتيقن، ومعه لا يتمسك بالإطلاق.

وفيه: إنه ليس القدر المتيقن في مقام التخاطب ليكون حجة، وأما القدر المتيقن في الوجود فلا يضر بالإطلاق.

الثالث: الإجماع المنقول.

لكن لا أساس له، حيث ذهب البعض إلى عدم اللزوم، مما يضر بتحقق الإجماع، كما أنه معلوم الاستناد أو محتمله.

الرابع: الشهرة.

لكنها فتوائية، فليست بحجة.

الخامس: وهو عمدة الأدلة، مفهوم صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج(1)، قال: «سألت أبا إبراهيم(علیه السلام) عن المروة والقصبة والعود يذبح بهن الإنسان إذا لم يجد سكيناً، فقال: إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك»(2). ومفهومها: إذا لم يفرِ الأوداج ففيه البأس.

إن قلت: إن الحكم المذكور وارد في حال الاضطرار فلا يمكن تعميمه.

قلت: لا فرق بين الحديد والمروة والقصب من هذه الجهة - أي: في حالالاضطرار - فلا بد من قطع ما يقطع في حال الاختيار، والفارق بينهما أنه يشترط القطع بالحديد اختياراً، ويجوز بغيره اضطراراً، وحيث لا فرق بين حالة الاختيار والاضطرار في مقدار الذبح، كان مفهومه إذا لم يفرِ الأوداج ففيه البأس، أي: إنه حرام.

ص: 163


1- الصدوق بإسناده، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج... .
2- من لا يحضره الفقيه 3: 326؛ الاستبصار 4: 80؛ وسائل الشيعة 24: 8.

لكن قد يمنع من التمسك بهذا المفهوم؛ لأنه معارض مع منطوق صحيح زيد الشحام: «إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس»(1)، وهو مطلق علق الأمر فيها بقطع الحلقوم فقط.

إلا أنه لا تنافي بينهما؛ لأنهما مثبتان بالزيادة والنقيصة، ففي أحدهما ذكر قطع الحلقوم، وفي الآخر ذكر فري الأوداج، والمعنى أنه إذا قطع الحلقوم منضماً إلى سائر الشرائط فلا بأس.

ودعوى استهجان(2) مثل ذلك - أي: الاكتفاء بذكر شرط وترك سائر الشروط - محل تأمل من جهتين:

الأولى: لعدم الاستهجان، فما أكثره في الروايات، ومنها: كثرة اشتراط التسمية في الروايات مع ترك بقيه الشرائط.

الثانية: هنالك إشارة في الصحيحة إلى قطع الودجين، حيث قال(علیه السلام) «وخرج الدم»، فإنه إن كان المراد الدم القليل الخارج بجرح الجلد فهو قيد لغو؛ لأن قطع الحلقوم مستلزم لخروج الدم، فالمراد منه الدم الكثير، وهو الخارج من الودجين. فحتى في صحيحة الشحام لم يكتفِ بذكر الحلقوم،وإنما بقيد (خرج الدم) يمكن استفادة دم الودجين، أو لا أقل من أحدهما، لكن لا قائل به.

والحاصل: لا معارض للدليل الخامس، فلا بد من القول بما هو المشهور.

وقد يتساءل عن وجه لزوم فري الأوداج الأربعة مع أن (الأوداج) جمع

ص: 164


1- الكافي 6: 228.
2- الفقه 75: 368.

يتحقق بالثلاثة، فاللازم كفاية قطع الحلقوم والودجين دون المريء، وهو القول الثالث.

إلا أنه خلاف فهم المشهور، فلا يمكن التعدي عنه، وإنما أطلق عليه الأوداج من باب التغليب، حيث غلب جانب الودجين على الحلقوم والمريء، إلا أن يقال بعدم حجية فهمهم، فلابد من الالتزام بالقول الثالث الذي ذهب إليه نادر من الفقهاء.

وقد تطرق صاحب الجواهر(1) إلى رواية قطع الحلقوم، وقال: إنه لا يدل على اشتراط قطع الحلقوم فقط، بل على الأوداج، وإنما عبر الإمام(علیه السلام) عن الحلقوم فقط لتلازم قطعه مع قطع سائر الأوداج، كما عن الفاضل المقداد قال: «ويمكن توجيه الجمع بين الروايتين بأن الأربعة متصلة بعضها مع بعض، فإذا قطع الحلقوم أو الودجان فلا بد أن ينقطع الباقي معه»(2)، فالإمام عبر تعبيراً عرفياً، فقال: اقطع الحلقوم، وهو يستلزم قطع الباقي، ولا أقل من الودجين.

ص: 165


1- جواهر الكلام 37: 155-156.
2- التنقيح الرائع 4: 20؛ جواهر الكلام 37: 156.

لكنه محل تأمل فلا تلازم بينها، حيث يمكن قطع الحلقوم فقط دونغيره بالسكين أو الشفرة.

وأما القول بالتخيير - وهو ما نسب لابن أبي عقيل(1)- فكأن مستنده الجمع بين الروايات، حيث ورد في بعضها الحلقوم وفي بعضها الأوداج.

لكنه محل تأمل؛ لأن وجه الجمع بين الروايات يقتضي القول باشتراط الجميع، وأما التخيير فخلاف الظاهر على تفصيل مذكور في الأصول.

فتحصل أن الأقرب كلام المشهور وهو عدم كفاية قطع الحلقوم، بل لزوم قطع الأوداج الأربعة، ولا يخفى أن من اكتفى بقطع الحلقوم احتاط أيضاً بقطع الأربعة.

الشرط الثاني: إسلام الذابح

وقد مر بحثه سابقاً.

الشرط الثالث: استقبال القبلة بالذبيحة
اشارة

قال في الشرائع: «أن يستقبل بها القبلة مع الإمكان فإن أخل عامداً كانت ميتة، وإن كان ناسياً صح، وكذا لو لم يعلم جهة القبلة»(2).

وفي المسألة مطالب:

الأول: إن دليل اشتراط القبلة هو الروايات المستفيضة أو المتواترة - بالإضافة إلى دعوى الإجماع(3) - ففي صحيحة محمد بن مسلم(4)، عن أبيجعفر(علیه السلام) قال: «إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة»(5).

وفي صحيحته الأخرى(6)، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سئل عن الذبيحة

ص: 166


1- مستند الشيعة 15: 400، وفيه: «وهنا قول رابع محكي عن العماني، وهو التخيير بين قطع الحلقوم وشق الودجين».
2- شرائع الإسلام 4: 740.
3- جواهر الكلام 37: 161، وفيه: «لا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه».
4- الكليني، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم... .
5- الكافي 6: 233؛ وسائل الشيعة 24: 27.
6- الكليني، عن علي، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم... .

تذبح لغير القبلة، قال: لا بأس إذا لم يتعمد»(1)، ومفهومه أنه إذا تعمد ففيه البأس، وهو ظاهر في الحرمة.

وعن الباقرين‘ أنهما قالا: «فيمن ذبح لغير القبلة: إذا كان أخطأ أو نسي أو جهل فلا شيء عليه وتؤكل ذبيحته، وإن تعمّد ذلك فقد أساء، ولا نحب أن تؤكل ذبيحته تلك إذا تعمد خلاف السنة»(2).

وهنالك روايات أخرى، وقد اخترنا هذه الثلاثة لما تترتب عليها من بحوث لاحقاً.

المطلب الثاني: تشترط القبلة في وقت الذبح، أي: لحظة قطع الأوداج الأربعة؛ لذا لو قطعها بخلاف القبلة ثم وجهها نحو القبلة قبل أن تفارق الحياة لم ينفع، وبالعكس لم يضر؛ لأن الذبح هو عملية فري الأوداج، وأما قبله وبعده فلا يطلق عليه الذبح.

المطلب الثالث: يستظهر من بعض الروايات - كما أفتى به الفقهاء - أنالقبلة شرط علمي لا واقعي. فلو نسي الحكم أو الموضوع، أو أخطأ القبلة، أو جهل بأن لم يكن يعلم بوجوب الذبح باتجاه القبلة لم تحرم الذبيحة، ومما يدل عليه ما مرّ من قوله(علیه السلام): «إذا كان أخطأ أو نسي أو جهل فلا شيء عليه وتؤكل ذبيحته».

ولا يخفى أن المقطع الثاني (تؤكل ذبيحته) تأسيس لحكم جديد لا تأكيد للمقطع الأول (فلا شيء عليه)، فهنا حكمان: وضعي وتكليفي،

ص: 167


1- الكافي 6: 233؛ وسائل الشيعة 24: 28.
2- مستدرك الوسائل 16: 138؛ دعائم الإسلام 2: 174، وفيه: «ولا يجب» بدل «ولا نحب».

والأول عدم الضمان، والثاني الحلية.

وعلى فرض عدم دلالة الروايات تصل النوبة إلى الأصل العملي، وهو دال على الحلية أيضاً، فإن حديث الرفع كما يرفع التكليف يرفع الوضع، على الخلاف المذكور في محله.

المطلب الرابع: لو لم يعلم جهة القبلة، ولا طريق له إلى معرفة جهتها، مع علمه بالحكم، ولم يكن مضطراً، ولا خوف على تلف الذبيحة جاز له الذبح بأية جهة، وسقط اشتراط القبلة؛ وذلك لشمول الروايات التي مرّت، وهي تدل على الحلية مع الجهل، وتشمل بإطلاقها الجهل البسيط والمركب.

نعم، يمكن القول: إن الرواية ظاهرة في الجهل بالحكم لا الموضوع، لكن الظاهر إطلاقها.

فرع: لو لم يعتقد باشتراط القبلة سقط الشرط وحلت ذبيحته؛ لإطلاق الروايات الدالة على الحلية مع الجهل، حيث تشمل الجهل بالحكم أو الموضوع، وغير المعتقد جاهل جهلاً مركباً، وكما تشمل الرواية الجهل البسيط تشمل المركب أيضاً.المطلب الخامس: لم تذكر كيفية الاستقبال في الروايات، وعليه لا فرق بين جعل الذبيحة على يمينها أو يسارها، أو إبقائها واقفة أو معلقة، فكل ذلك يصدق عليه استقبال القبلة. نعم، في المقدار الذي يلزم أن يكون باتجاه القبلة قولان(1):

القول الأول: أن يكون كل مقاديم البدن باتجاه القبلة، واستدل عليه

ص: 168


1- مستند الشيعة 15: 411؛ الفقه 75: 371.

بدليلين:

الأول: التمسك بالأصل(1)، وهو استصحاب الحرمة أو عدم الذكية.

لكن مرّ عدم جريان الأصل المذكور بشقيه؛ لأنه أصل مسببي، بالإضافة إلى أن الإطلاقات لا تدع مجالاً للأصل، وعليه لا يشترط استقبال تمام المقاديم.

الدليل الثاني: ظاهر بعض الأخبار، كصحيحة محمد بن مسلم(2)

عن الإمام الباقر(علیه السلام): «استقبل بذبيحتك القبلة»(3)، فإن ظاهرها الاستقبال بكل المقاديم.

لكنه ضعيف لأنه كما يشمل الاستقبال بكل المقاديم كذلك بالبعض، كما في الواقف.

القول الثاني: كفاية المقدار الذي يصدق عليه الاستقبال.

واستدل عليه بأدلة:الأول: أصالة عدم لزوم استقبال جميع المقاديم، وهو أصل سببي، ولا تصل النوبة معه إلى الأصل المسببي، ومع ذلك لا حاجة إليه مع تحقق الدليل الاجتهادي.

الدليل الثاني: إطلاق الأدلة الدالة على لزوم الاستقبال.

الدليل الثالث: الظاهر من اشتراط استقبال القبلة لزوم كون المذبح باتجاه القبلة.

ص: 169


1- رياض المسائل 12: 101.
2- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم... .
3- الكافي 6: 233؛ وسائل الشيعة 24: 27.

وفيه تأمل، فقد لا يصدق الاستقبال حتى مع استقبال المذبح، كما لو استقبل القبلة برقبتها فقط.

استقبال الذابح للقبلة وعدمه

لم يشترط المشهور أن يكون الذابح مستقبل القبلة، لكن بعض الفقهاء اشترطوا ذلك(1)، واستدلوا عليه بأدلة ثلاث:

الدليل الأول: المتبادر من الباء في قول الإمام الباقر(علیه السلام): «فاستقبل بذبيحتك القبلة»، فإن الظاهر من التعدي بالباء المعية(2)، بخلاف التعدي بباب الإفعال، كقولك: ذهب به أو أذهبه.

وفيه نظر؛ لأن التعدي بالباء أو باب الإفعال لا يدل على اشتراك الفاعل في الفعل، كقوله تعالى: {ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمۡ}(3)، ومعناه: أذهب نورهم، بل يستفاد ذلك من القرائن الخارجية.الدليل الثاني: ما في دعائم الإسلام: عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنه قال: «إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذب البهيمة، أحد الشفرة واستقبل القبلة...»(4).

وفيه نظر لجهات:

الأولى: الإشكال السندي العام الوارد على أصل الكتاب، فإن مؤلفه لا توثيق له في كتب الرجال، وكتابه من الكتب المعتبرة عند الإسماعيلية، وإن

ص: 170


1- كفاية الأحكام 2: 585؛ مفتاح الشرائع 2: 203.
2- رياض المسائل 12: 101.
3- سورة البقرة، الآية: 17.
4- دعائم الإسلام 2: 174؛ مستدرك الوسائل 16: 132.

قال البعض(1): إنه كان إمامياً في حال التقية؛ لأنه كان قاضياً في حكم الإسماعيليين.

الثانية: على فرض اعتبار المؤلف إلا أنه لا طريق معتبر إليه، فما بأيدينا غير متصل إلى مؤلفه عن طريق معتبر.

الثالثة: مع غض النظر عن الإشكالين ففي السند مجاهيل.

الرابعة: إعراض الأصحاب عنها، حيث لم يفتوا بوجوب استقبال الذابح للقبلة.

الخامسة: الإشكال الدلالي، فليس الظاهر منها - بقرينة سائر الروايات - وقوف الذابح باتجاه القبلة، بل الذبيحة، وهذا ما يتبادر إلى الذهن الخالي عن الشوائب الخارجية. نعم، لو كانت هذه العبارة الوحيدة في المقام أمكن استفادة ذلك منها.

الدليل الثالث: الأصل.لكنه مسببي لا تصل إليه النوبة.

الشرط الرابع: التسمية
اشارة

ومن شروط حلية الذبيحة التسمية، وقد مرّ قسم من البحث في باب الصيد، وهنا فروع كثيرة ترتبط بالذبيحة لا بد من بحثها.

قال في الشرائع: «التسمية: وهي أن يذكر الله سبحانه، ولو تركها عمداً لم يحل، ولو نسي لم يحرم»(2).

ص: 171


1- دعائم الإسلام 1: 11.
2- شرائع الإسلام 4: 740.
مسألتان في شرط التسمية

وهنا مسألتان:

الأولى: وجوب التسمية عند الذبح

الأولى: وجوب التسمية عند الذبح(1)

والدليل على ذلك أمور:

الدليل الأول: القرآن الكريم حيث قال تعالى: {وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ}(2)، وقال تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ}(3).

الدليل الثاني: متواتر الروايات، ومنها: صحيحة محمد بن مسلم(4) عن الإمام الباقر(علیه السلام): «ولا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم الله عليها»(5).

ومنها: صحيحته الأخرى(6) قال: «سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الرجل يذبح ولايسمي؟ قال: إن كان ناسياً فلا بأس»(7). ومفهومه إن لم يكن ناسياً ففيه البأس.

وفي روايات متعددة حكم بحلية ذبيحة المرأة والصبي إن سميا(8)، ولو جمعت رواياتها في الأبواب المختلفة لكانت متواترة.

الدليل الثالث: الإجماع المحصل والمنقول.

ص: 172


1- مستند الشيعة 15: 412.
2- سورة الأنعام، الآية: 121.
3- سورة الأنعام، الآية: 118.
4- الكليني، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم... .
5- الكافي 6: 233؛ تهذيب الأحكام 9: 60؛ وسائل الشيعة 24: 29.
6- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم... .
7- الكافي 6: 233؛ تهذيب الأحكام 9: 60؛ وسائل الشيعة 24: 29.
8- الكافي 6: 237؛ وسائل الشيعة 24: 42-44.
فروع: تتعلق بالمسألة الأولى

وهنا فروع كثيرة نتطرق إلى ذكر بعضها.

الفرع الأول: في المراد من التسمية

إنه لم تحدد الروايات اسماً خاصاً، فيجوز التسمية بأي اسم من أسمائه تعالى، ولا فرق في ذلك بين العربية أو غيرها(1)، كل ذلك للإطلاق، قال تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ}(2)، وقد ورد في التفسير: أي صفاته تعالى(3)، فكلما كان اسماً له سبحانه صحت التسمية به. نعم، اشترط البعض أن تكون التسمية بالعربية(4).

لكن لا وجه له حيث لم تقيد الأدلة الواردة بالعربية، ولغة المخاطب وإن كانت عربية إلا أنه لا وجه لتخصيص الأدلة بلغته؛ ولذا تصح المعاملات بغير العربية.وأما الطلاق والنكاح فيجوزان - صناعة - بغير العربية كما عليه البعض، لكن منشأ الاحتياط في ذلك ذهاب جمع من الفقهاء إلى اشتراط العربية فيهما، وحيث إن المسألة مهمة لا مصير إلى الفتوى بالجواز، وإنما الاحتياط طريق النجاة، وأما لزوم إقامة الصلاة وما أشبه ذلك بالعربية فللدليل الخاص.

الفرع الثاني: في كفاية القرآن أو الدعاء

لا يكفي قراءة القرآن أو الدعاء لو لم يكن فيه اسم الله(5)، كأن يتلو قوله

ص: 173


1- الفقه 75: 376.
2- سورة الأعراف، الآية: 180.
3- التبيان في تفسير القرآن 5: 40؛ تفسير جوامع الجامع 1: 724؛ مجمع البيان 4: 399.
4- كفاية الأحكام 2: 586.
5- الفقه 75: 376.

تعالى: {تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ}(1)، أو: «ارزقنا توفيق الطاعة»(2)، فإنه وإن كان ذكراً مطلقاً لكنه ليس اسم الله، والشرط التسمية.

الفرع الثالث: لا يلزم معرفة معنى الاسم

ولا يلزم معرفة معنى الاسم، لكن بشرط أن يعلم أنه اسم الله(3)، وأما لو كان مجرد لقلقة لسان لا يدري أنه يتلفظ بأي شيء، كالأعجمي الذي يلقن من دون أن يعلم ماذا يقول، أمكن دعوى انصراف الأدلة عنه.

الفرع الرابع: اشتراط الاتصال

بأن يسمي ويذبح، ومع الفصل لا يحل(4)، فلو سمى وذبح الأولى وجب تكرار التسمية للثانية، ولا يكتفي بالأول للفصل. نعم، لو ذبحهما بضربة واحدة كفت التسمية الواحدة.

الفرع الخامس: التسمية بعنوان كونها على الذبيحة

هل اللازم الإتيان بذكر الله للذبح، أم يكفي الذكر الاتفاقي؟ كما لو أراد الذبح فسأله سائل ما هو اسم خالق الكون؟ فأجابه: الله، فذكر اسم الله لا بقصد الذبح وإنما بغرض آخر.

في المسألة قولان:

الأول: ذهب في الجواهر(5) إلى عدم الكفاية؛ لانصراف الأدلة عنه، كما لو

ص: 174


1- سورة المسد، الآية: 1.
2- المصباح: 280.
3- الفقه 75: 377.
4- الفقه 75: 376.
5- جواهر الكلام 37: 168.

كان ينادي صاحبه: يا عبد الله، أو كان يقرأ الجريدة مثلاً، وذبحها عند الذكر.

والانصراف المذكور لو أخل بالظهور كان متبعاً، وإلا كان بدوياً ليس بحجة.

الثاني(1): كفاية ذلك؛ لشمول الآية له حيث ذكر اسم الله عليه، لكنه محل تأمل، فإن قوله تعالى {عَلَيۡهِ} ظاهره في القصد، وأما لو أراد الذكر بلا قصد ليشمل مثل نداء صاحبه لكان التعبير ب (عنده) لا (عليه).

الفرع السادس: خلط اسم الله مع غيره

لو خلط اسم الله مع غيره لم يحل، سواء كان عدو الله، كما لو قال: بسم الله واللات، أم كان وليه، كما لو قال: بسم الله وبسم عيسى.

قال في المسالك: «ولو قال: بسم الله ومحمد بالجر لم يجز؛ لأنه شرك. وكذا لو قال: ومحمد رسول الله، ولو رفع فيهما لم يضر؛ لصدق التسميةبالأول تامة، وعطف الشهادة للرسول زيادة خير غير منافية، بخلاف ما لو قصد التشريك»(2).

وفيه نظر؛ لأن ذلك يرتبط بالقصد، فمن لا يعرف الإعراب وجر وقصد التبرك لم يضر، فالملاك القصد، فلو قصد التشريك حرمت، ولو قصد التبرك لم تحرم.

الفرع السابع: رفع الصوت بالتسمية

لو رفع صوته بالتسمية فيما لو كان رفع الصوت حراماً، كما لو كان عند

ص: 175


1- الفقه 75: 378.
2- مسالك الأفهام 11: 479.

النبي(صلی الله علیه و آله) لقوله تعالى: {لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ}(1)، أو كان العدو يبحث عنهم فرفع صوته فدلى العدو عليهم(2)، لم يكن ذلك سبباً لحرمة الذبيحة؛ وذلك لجهتين:

الأولى: ليس الجهر والإخفات جزءاً من القراءة وإنما عرضان عليها، والحرام الواقع ليس في التسمية وإنما في الكيفية، وهي لا ترتبط بالذكر - كما بحث ذلك في مباحث الصلاة - فمن يرفع صوته في صلاة جهرية ليسمع العدو لا تبطل صلاته؛ لأن النهي ليس في العبادة - أي: القراءة - حتى يقال: إن النهي في العبادة موجب للفساد، وإنما النهي في رفع الصوت وهو كيفية، ومن الواضح أن العرض غير المعروض.

الثانية: لو كان نفس الذكر حراماً لم يسبب حرمة الذبيحة؛ لأنه ليسعبادة حتى يقال: إن النهي فيه موجب للفساد. وبعبارة أخرى: هو وجوب شرطي، ومع حرمته لا يبطل الشرط(3)، كما لو غسل ثوبه النجس بالماء المغصوب، قال السيد الوالد في الفقه: «ولا منافاة بين الوجوب الشرطي المعاملي والحرمة»(4).

ص: 176


1- سورة الحجرات، الآية: 2.
2- الفقه 75: 379.
3- هذا منافٍ لما مرّ من اشتراط الإخلاص، حيث مرّ لزوم عدم التشريك مع اسمه تعالى؛ لما يستظهر من الأدلة لزوم الإخلاص في التسمية، فلو لم تكن عبادة لما لزم الإخلاص، ولو كانت عبادة لزم التقيد بعدم الجهر فيما يحرم (المقرر).
4- الفقه 75: 379.
المسألة الثانية: في نسيان التسمية

لو نسي التسمية لم تحرم الذبيحة للروايات الصحيحة المستفيضة(1)، بالإضافة إلى الإجماع(2).

فروع: تتعلق بالمسألة الثانية

وهنا فروع:

الفرع الأول: عدم الفرق بين أنواع النسيان

لا فرق بين أنواع النسيان، فقد يكون منشؤه طبيعياً، وقد يكون منشؤه اللامبالاة(3)، فمن لا يعتني بشيء ينساه عادة؛ وذلك لإطلاق الدليل وعدم الانصراف، وإن ذهب جمع إلى الانصراف(4)، ومنشأ الخلاف استظهار الفقيه الإطلاق أو الانصراف.

الفرع الثاني: في إلحاق الجهل والخطأ بالنسيان

في إلحاق الجهل والخطأ(5) بالنسيان، قولان:

القول الأول: عدم الحلية(6)؛ لأن التسمية شرط لم يتحقق فتحرم، وإنما خرج النسيان بالدليل فيبقى الباقي في الإطلاق، بالإضافة إلى الأصل، فإن المشروط عدم عند عدم شرطه.

ص: 177


1- الكافي 6: 233؛ تهذيب الأحكام 9: 60؛ وسائل الشيعة 24: 29.
2- رياض المسائل 12: 102؛ الجواهر 37: 167؛ مستند الشيعة 15: 414.
3- الفقه 75: 377.
4- الفقه 75: 377.
5- كما لو أراد التسمية فسمى غيره.
6- مجمع الفائدة والبرهان 11: 114.

القول الثاني ما مال إليه البعض كالمحقق الأردبيلي(1): من أنه ملحق بالنسيان، وربما ذلك لأجل استفادة الملاك، ولو مع ملاحظة الأشباه والنظائر، كما يمكن التمسك بحديث الرفع أيضاً، إن تمَّ تعميمه إلى رفعه للحكم الوضعي.

وأما الخطأ في الإعراب أو الحرف فلا يضر، كالأعجمي، حيث يتلفظ (الهاء) في (الله) (حاء) وكذا الخطأ في القواعد العربية؛ وذلك لصدق ذكر اسم الله عليه.

وهناك فروع كثرة ذكرها السيد الوالد في الفقه(2)، كلها ترتبط باستظهار الإطلاق أو الانصراف.

مباحث في شرائط الذبح والنحر

تختص الإبل بالنحر وغيرها بالذبح تحت اللحيين، وهما عظما الفكالأسفل(3). قال في الشرائع: «اختصاص الإبل بالنحر وما عداها بالذبح في الحلق تحت اللحيين، فإن نحر المذبوح، أو ذبح المنحور فمات لم يحل»(4).

وفي المقام مباحث:

المبحث الأول: في نحر غير الإبل

والمنحر هو المنخفض الذي يقع في أسفل الرقبة حيث الصدر ويسمى

ص: 178


1- مجمع الفائدة والبرهان 11: 115.
2- الفقه 75: 376-381.
3- العين 3: 296، وفيه: « اللحيان: العظمان اللذان فيهما منابت الأسنان من كل ذي لحي».
4- شرائع الإسلام 4: 740.

باللبة(1)، ومنتهى اللبة باعتبار انخفاضه يسمى وهدة(2)، والذي يتم إدخال السكين أو الشيء الحاد بقوة فيه هو النحر، ويسبب قطع الحلقوم عادة.

ويختص النحر بالإبل، فلو نحر البقر لم يكفِ.

ويدل على ذلك أدلة:

الأول: إطلاقات أدلة الذبح، وأما أدلة النحر فهي مختصة بالإبل مفقودة في غيره.

الثاني: النصوص الخاصة الدالة على حرمة نحر البقر.

منها: صحيحة صفوان(3)،

قال: «سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن ذبح البقر فيالمنحر، فقال: للبقر الذبح وما نحر فليس بذكي»(4).

ولا يخفى أن الإمام(علیه السلام) إنما ذكر النحر مع أنه لم يكن مورد سؤال السائل لأن أهل مكة كانوا ينحرون البقر؛ لذا أكد الإمام(علیه السلام) على عدم جوازه.

ومنها: صحيحة يونس بن يعقوب(5)، قال: «قلت لأبي الحسن الأول(علیه السلام): إن أهل مكة لا يذبحون البقر إنما ينحرون في لبة البقر، فما ترى في أكل لحمها؟ قال: فقال(علیه السلام): {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ}، لا تأكل إلا ما

ص: 179


1- الصحاح 2: 824، وفيه: «والمنحر أيضاً: الموضع الذي ينحر فيه الهدي وغيره... والنحر في اللبة: مثل الذبح في الحلق».
2- العين 5: 77، وفيه: «الوهد: المكان المنخفض، كأنه حفرة، تقول: أرض وهدة، ومكان وهد».
3- الكليني، عن علي، عن أبيه، عن صفوان... .
4- الكافي 6: 228؛ تهذيب الأحكام 9: 53؛ وسائل الشيعة 24: 14.
5- الكليني بأسناد متعددة منها عن علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن يونس بن يعقوب... .

ذبح»(1).

الثالث: السيرة القطعية على ذبح غير الإبل.

وأشكل عليه بأنه يثبت جواز الذبح لا نفي غيره، إذ يمكن دعوى كونه واجباً تخييراً، والمسلمون يعملون بأحد الشقين(2).

نعم، لو قلنا: إن السيرة قائمة على عدم أكل المنحور ملتزمين به أمكن استفادة الحكم من ذلك.

المبحث الثاني: في نحر الإبل

ويدل عليه عدة أدلة:

الدليل الأول: السيرة من زمن النبي(صلی الله علیه و آله) إلى يومنا هذا(3).الدليل الثاني(4): قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ}(5).

وفيه نظر حيث لم يرد تفسيره بنحر البعير في الروايات(6)، وإنما هو من كلام المفسرين، وقد اختلفوا في معناها، فقال البعض: إن معنى الآية نحر الإبل، وقال آخرون: معناها رفع اليد إلى النحر للتكبير، وقال جمع: إنها

ص: 180


1- الكافي 6: 229.
2- وقد يرد عليه أن السيرة متحققة في الالتزام على الذبح والالتزام كاشف عن الإلزام (المقرر).
3- مستند الشيعة 15: 408، وفيه: «والظاهر أن الإجماع وعمل الناس وسيرتهم في الأعصار والأمصار - بحيث صار ضرورياً لكل أحد - يكفينا مؤنة الاستدلال».
4- كشف اللثام 9: 229.
5- سورة الكوثر، الآية: 2.
6- لكن ورد التفسير الثاني في بعض الروايات وعليه يمكن أن يكون المراد من الآية كما في الرواية حصراً أي رفع اليد للتكبير، فعن الصادق(علیه السلام) هو رفع يديك حذاء وجهك، كما يمكن أن يفسر بالظاهر العرفي من النحر، ولا يمنع الجمع بينهما فإن للقرآن ظهرا وبطنا (المقرر).

بمعنى الأضحية من دون بيان الطريقة(1).

نعم، في زماننا (وانحر) ظاهر في نحر الإبل، ويمكن التمسك بأصالة عدم النقل لإثبات نفس المعنى وقت نزول الآية.

الدليل الثالث: الروايات الخاصة الدالة على لزوم نحر البعير.

منها: خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إن امتنع عليك بعير وأنت تريد أن تنحره فانطلق منك، فإن خشيت أن يسبقك فضربته بسيف، أو طعنته بحربة بعد أن تسمي فكل، إلا أن تدركهولم يمت بعد فذكه»(2).

فلو كانت وظيفته الذبح لما كان معنى لكلامه، فإنه(علیه السلام) وإن لم يكن في سياق بيان النحر، بل ذكره لغرض آخر وهو الامتناع، إلا أنه دال على لزوم النحر، ولو كان للتخيير لزم ذكر الشق الثاني.

الدليل الرابع: الإجماع(3).

مناقشة المحقق الأردبيلي للأدلة المذكورة

وقد ناقش المحقق الأردبيلي الأدلة المذكورة(4)، وأشكل في دلالتها

ص: 181


1- التبيان في تفسير القرآن 10: 418، وفيه: «قال ابن عباس وأنس بن مالك ومجاهد وعطاء: معنى وانحر: انحر البدن متقرباً إلى الله بنحرها خلافاً لمن نحرها للأوثان. وقيل: معناه فصل لربك صلاة العيد وانحر البدن والأضاحي. وقيل: معناه صل لربك الصلاة المكتوبة واستقبل القبلة بنحرك». ومجمع البيان 10: 460، وفيه: «أمره سبحانه بالشكر على هذه النعمة العظيمة، بأن قال: فصل صلاة العيد؛ لأنه عقبها بالنحر أي: وانحر هديك وأضحيتك... وقيل: معناه فصل لربك صلاة الغداة المفروضة بجمع، وانحر البدن بمنى... وقيل: معناه صل لربك الصلاة المكتوبة، واستقبل القبلة بنحرك...».
2- الكافي 6: 231؛ وسائل الشيعة 24: 21.
3- كشف اللثام 9: 228.
4- مجمع الفائدة والبرهان 11: 97-99؛ الفقه 75: 383.

على لزوم نحر الإبل.

أما دليل الإجماع فهو محتمل الاستناد، بل مقطوعه، فلا يكون حجة.

وأما الآية ففيها احتمالات ثلاثة فلا يمكن التمسك بها.

وأما الروايات فالظاهر أن وجه حرمة نحر البقر عدم مراعاة الشرائط، حيث لا تقطع الأوداج الأربعة بالنحر عادة؛ ولذا لو قطعت بحربة كبيرة وضربة قوية لم يعلم شمول روايات الحرمة له، حيث لا يعلم جهة الحرمة فيها، وفي الإبل لا تدل على عدم جواز ذبحه، بل أقصى دلالتها على الاختيار (وأنت تريد أن تنحره)، ومع التمسك بإطلاق أدلة الذبح يمكن القول بجواز ذبح الإبل، فلا وجه للتمسك بالرواية المذكورة للحكم بنحره على نحو الإلزام.

وأما الوجه في نفي الذبح للإبل في بعض الروايات فإنما هي لاشتراطتمزيق اللبة، بالإضافة إلى سائر الشرائط، وحيث إن اللبة لا تتمزق بالذبح عادة تمَّ النهي عنه، فالملاك تمزيق اللبة، سواء كان بالرمح أم الذبح، وحيث إن الذبح عادة يتمَّ من الفوق فلا تتمزق اللبة، فلم يتحقق الشرط لذا نهي عنه. وعليه، فلو مزق اللبة بالذبح كفى.

والحاصل: إن الجهة في الروايات الدالة على أنه (لا نحر للبقر) و (الإبل تنحر) هي عدم مراعاة سائر الشرائط، فإنه لو نحر البقر لم تنقطع الأوداج كلها عادة، ولو ذبح الإبل لم تتمزق اللبة عادة، فتحمل الروايات على المتعارف من عدم تحقق الشرائط بهذه الطريقة غالباً.

ويؤيد ذلك روايات تدل على التخيير في البقر وغيره.

ص: 182

منها: ما رواه في التهذيب: عن علي(علیه السلام) قال: «أتيت أنا ورسول الله(صلی الله علیه و آله) رجلاً من الأنصار فإذا فرس له يكيد بنفسه، فقال له رسول الله(صلی الله علیه و آله): انحره يضعف لك به أجران: بنحرك إياه واحتسابك له، فقال: يا رسول الله، ألي منه شيء؟ قال: نعم، كلْ وأطعمني، قال: فأهدى للنبي(علیه السلام) فخذاً منه فأكل منه وأطعمني»(1).

ومنها: ما في دعائم الإسلام: عن الإمام الباقر(علیه السلام): «أنه سئل عن البقرة ما يصنع بها، تنحر أو تذبح؟ قال: السنة أن تذبح وتضجع للذبح، ولا بأس إن نحرت»(2).

لكنه محل تأمل؛ لضعف سندهما مع إعراض المشهور عنهما أيضاً.وأما ما ذكره(3) من توجيه الروايات لعدم مراعاة سائر الشرط فهو خلاف الظاهر، حيث إن ظاهرها الإطلاق في النحر، سواء فرى الأوداج أم لا، وخاصة أنه لو ضرب اللبة بالرمح قطع الحلقوم والأوداج، فإن عادة القصابين الضرب عميقاً. وعليه، فلو ذبح الإبل أو نحر البقر لم يحل حتى مع تحقق الشرائط الأخرى، مضافاً إلى فهم المشهور من هذه الروايات؛ ولذا قال في المستند: «وما يستفاد من بعض المتأخرين - كالمقدس الأردبيلي: من عدم قيام دليل صالح على التفصيل - من التدقيقات الباردة التي لا ينظر إليها الفقيه»(4).

ص: 183


1- تهذيب الأحكام 9: 48؛ وسائل الشيعة 24: 122.
2- دعائم الإسلام 2: 180؛ مستدرك الوسائل 16: 133.
3- مجمع الفائدة والبرهان 11: 120.
4- مستند الشيعة 15: 408.
المبحث الثالث: عدم اشتراط قطع الحلقوم في النحر

قال في المستند: «والنحر أن يدخل السكين أو نحوها من الآلات الحديدة في الثغرة من غير قطع الحلقوم»(1).

واستدل عليه بالإجماع، وبالرواية الواردة في دعائم الإسلام المنجبرة بعمل المشهور، عن الإمام الصادق(علیه السلام): «أنه سئل عن البعير يذبح أو ينحر، قال: السنة أن ينحر، قيل: كيف ينحر؟ قال: يقام قائماً حيال القبلة، فتعقل يده الواحدة، ويقوم الذي ينحره حيال القبلة، فيضرب في لبته بالشفرة حتى يقطع ويفرى»(2). ولم يقيده بقطع الحلقوم؛ ولذا لا يشترط الضرب بقوة أو بعمق.

ويمكن الإشكال عليه: بأنه إنما يجبر ضعف السند فيما لو استند المشهور إلىالرواية الضعيفة، لا ما إذا أفتوا بلا استناد إليها، وكانت نتيجة الفتوى مطابقة لمفاد الرواية، بل هما دليلان ضعيفان. وفي المقام لا يعلم استنادهم إليها.

نعم، ما يمكن الاستدلال به على لزوم الضرب في اللبة هو السيرة، ويؤيده أن المنخفض في أسفل الرقبة يُسمى بالمنحر، أي: مكان النحر، فلو مزق ما فوق لم يصدق النحر، لكنه محل تأمل.

وهنالك دليل آخر يمكن الاستدلال به، وهو صحيحة معاوية بن عمار(3) قال: «قال أبو عبد الله(علیه السلام): النحر في اللبة والذبح في الحلق»(4). ويستفاد

ص: 184


1- مستند الشيعة 15: 407.
2- دعائم الإسلام 2: 180؛ مستدرك الوسائل 16: 132.
3- الكليني، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار... .
4- الكافي 6: 228؛ وسائل الشيعة 24: 10.

منها عدم لزوم قطع الحلقوم في النحر.

المبحث الرابع: في قطع رأس الذبيحة قبل البرد

لو قطع رأس الذبيحة قبل أن تبرد، ولم يكن متعمداً، كما لو كان حيواناً صغيراً كالعصفور لم يحرم، ولم يفعل حراماً. إنما الكلام في صورة التعمد، فهل يحرم تكليفاً ووضعاً أم لا؟

قال المحقق في الشرائع: «وفي إبانة الرأس عامداً خلاف أظهره الكراهية»(1).

ودليل الطرفين الروايات الناهية، الظاهرة في الحرمة، المحمولة على الكراهة للقرائن.

وعلى فرض ثبوت الحرمة التكليفية فهل هنالك دليل على الحرمةالوضعية؟ ذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، لكن آخرين منهم فرّقوا بين الأمرين، حيث أثبتوا الحرمة التكليفية دون الوضعية.

ولو راجعنا الروايات - وفيها المعتبرة - استفيد منها كلا الأمرين، لكن المشهور - شهرة عظيمة - أعرضوا عنهما وأفتوا بالعدم، فلا بد من رفع اليد عن ظهورها، وأما الإشكالات الدلالية التي ذكرها بعض الفقهاء(2) على تلك الروايات فهي محل تأمل.

ومن تلك الروايات: صحيحة محمد بن مسلم(3) قال: >سألت أبا

ص: 185


1- شرائع الإسلام 4: 740.
2- مستند الشيعة 15: 437، وفيه: «وأما في الرأس فلأن ما يظن تعارضه منحصر في صحيحتي الحلبي ومحمد الأخيرة، وهما لمقام الجملة الخبرية عن إفادة الحرمة قاصرتان».
3- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء، عن محمد بن مسلم... .

جعفر(علیه السلام) عن الرجل يذبح ولا يسمي؟ قال: إن كان ناسياً فلا بأس إذا كان مسلماً، وكان يحسن أن يذبح، ولا ينخع(1) ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح»(2).

وسواء كان قوله(علیه السلام): (لا يقطع الرقبة) نهياً أو نفياً دل على الحرمة، أما النهي فواضح، وأما النفي فمعناه: أنه لا بأس بشرط أن يحسن الذبح وبشرط عدم القطع، ومفهومه أنه لو لم يحسن أو قطع ففيه البأس.

نعم، على الأول تثبت الحرمة التكليفية، وعلى الثاني الوضعية، وحيث يتردد الأمر بين الاحتمالين تصبح الرواية مجملة، فلا بد من الاحتياط للعلم إما بحرمة اللحم، أو حرمة العمل، فالشك في المكلف به ومجراه الاحتياط.ومنها: خبر مسعدة بن صدقة(3) قال: «سمعت أبا عبد لله(علیه السلام) وقد سئل عن الرجل يذبح فتسرع السكين فتبين الرأس، فقال(علیه السلام): الذكاة الوحية(4) لا بأس بأكله ما لم يتعمد ذلك»(5). ويستفاد من مفهومه الحرمة الوضعية.

ومنها: صحيحة الحلبي(6)،

عن أبي عبد الله(علیه السلام): «أنه سئل عن رجل ذبح طيراً فقطع رأسه أيؤكل منه؟ قال: نعم، ولكن لا يتعمد قطع رأسه»(7).

ص: 186


1- لا يقطع النخاع.
2- الكافي 6: 233؛ تهذيب الأحكام 9: 60؛ وسائل الشيعة 24: 29.
3- الكليني، عن علي، عن أبيه، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة، وفي وثاقته خلاف؛ لأنه عامي لم يثبت توثيقه الخاص، وإن أراد البعض إثبات وثاقته من بعض طرق، فالرواية موثقة أو مجهولة (السيد الأستاذ).
4- أي: السريعة.
5- الكافي 6: 230؛ تهذيب الأحكام 9: 56؛ وسائل الشيعة 24: 18.
6- الصدوق بإسناده عن حماد، عن الحلبي... .
7- من لا يحضره الفقيه 3: 328؛ وسائل الشيعة 24: 18.

وهي تدل على الحرمتين معاً، أما الحرمة التكليفية للنهي في قوله(علیه السلام) (لا يتعمد)، وأما الحرمة الوضعية فلتعليق جواز الأكل على عدم التعمد(1).

والحاصل: إن الشهرة العظمية على عدم الحرمة التكليفية والوضعية توجب حمل الروايات على الكراهة، وعليه لا يحرم قطع الرأس، وليس شرطاً في الحلية، لكنه مكروه.

المبحث الخامس: في سلخ الجلد أو قطع بعض الأعضاء قبل البرد

يكره سلخ جلد الذبيحة أو قطع عضو من أعضائها قبل أن يبرد(2). وإن قالبعض الفقهاء(3) بحرمته التكليفية بالإضافة إلى كونه موجباً لنجاسة الجلد والعضو المبان وحرمته.

لكن المشهور على الجواز والحلية لأدلة(4):

الدليل الأول: إطلاق الآية والروايات، حيث لم تقيد جواز الأكل بالبرد ثم القطع.

الدليل الثاني: ما مرّ من الروايات المعتبرة في باب الصيد من الحكم بجواز الأكل من القطعة المبانة من الصيد قبل موته، ومناطه شامل للمقام، فلو أصبح بالتقطيع ميتة حرم في الاثنين وإلا حلّ فيهما، ولا يبعد ثبوت المناط.

ص: 187


1- وفيه تأمل، حيث إن الحكم بجواز الأكل منه بقوله(علیه السلام): (نعم) مطلق سواء تعمد أم لا، ثم نهى الإمام(علیه السلام) عن فعله، وهو دال على الحرمة التكليفية فقط (المقرر).
2- شرائع الإسلام 4: 740؛ الجواهر 37: 183.
3- النهاية: 584؛ الوسيلة: 360؛ المهذب 2: 440.
4- الفقه 75: 391.

الدليل الثالث: أصالة الحلية، بعد عدم الدليل على التحريم، أي: أصالة البراءة عن الشرط الزائد.

الدليل الرابع: ما ذكره صاحب المستند(1): من جواز قطع الرأس قبل البرد، ولا فرق بين الرأس وسائر الأعضاء، فاستدل بجواز قطع الرأس على جواز قطع عضو آخر قبل برده.

كل ذلك مؤيداً بالشهرة والإجماع المنقول.

واستدل على الحرمة التكليفية أو الوضعية بأدلة(2):

الدليل الأول: أصالة الحرمة في غير الموضع المتيقن.

لكن مرّ رد هذا الأصل، فإنه إما استصحاب الحرمة أو استصحاب التذكية،وكلاهما لا يجريان خاصة مع الدليل الاجتهادي، وهو إطلاق الآية والرواية، إضافة إلى أن أصالة الحل حاكمة على أصالة الحرمة؛ لأنها أصل سببي، ومعها لا تصل النوبة إلى الأصل المسببي.

الدليل الثاني: الإجماع(3).

لكنه مقطوع العدم، فإن المشهور على عدمهما.

الدليل الثالث: الروايات الدالة على حرمة الألية المبانة من الحي(4)،

ص: 188


1- مستند الشيعة 15: 434.
2- الفقه 75: 391.
3- غنية النزوع: 397.
4- الكافي 6: 255 ، وفيه: «عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنه قال: في أليات الضأن تقطع وهي أحياء: إنها ميتة<. و«عن الحسن بن علي قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) فقلت له: جعلت فداك، إن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، فقال: حرام هي...<.

والمذبوح الذي لم يمت بعد حي، فلو فصل عنه قطعه كان حراماً، فإن الدليل على الحرمة يشملهما معاً.

وفيه: الفرق بين الموردين، فالأول من الجزء المبان عن الحي، وأما المذبوح فقد ذكي، ولا يصدق عليه أنه مبان من الحي، فهو قياس، مع وضوح الفرق بين الحي والمذبوح.

الدليل الرابع(1): الروايات ومنها: ما في الكافي: عن محمد ين يحيى العطار رفعه، قال: «قال أبو الحسن الرضا(علیه السلام): إذا ذبحت الشاة وسلخت أو سلخ شيء منها قبل أن تموت لم يحل أكلها»(2).

وفيه أولاً: ضعف السند للإرسال، مع ضعف بعض مشايخ محمد بن يحيىالعطار - وإن كان هو ثقة جليلاً - كسلمة بن الخطاب، حيث اتفق على ضعفه(3).

ثانياً: على فرض اعتبارها فإعراض المشهور عنها مسقط لها.

وثالثاً: على فرض تمامية دلالتها لم يفتِ أحد بمضمونها، فلم يقل أحد أن اللحم يصبح حراماً بسلخ الجلد، بل أقصى ما قيل كون الجلد من الميتة.

وعليه، فلا بد من حملها على كراهة الفعل، وإن كان ذلك خلاف الظاهر؛ لكونه أولى من الطرح.

ومنها: ما في دعائم الإسلام: عن رسول الله(صلی الله علیه و آله): «أنه نهى أن تسلخ

ص: 189


1- مستند الشيعة 15: 435.
2- الكافي 6: 230؛ وسائل الشيعة 24: 17.
3- فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 187، وفيه: «سلمة بن الخطاب: أبو الفضل البراوستاني الأزد ورقاني - قرية من سواد الري - كان ضعيفاً في حديثه له عدة كتب»، ورجال ابن الضغائري: 66؛ خلاصة الأقوال: 345؛ نقد الرجال 2: 349؛ منتهى المقال 3: 370.

البهيمة(1) أو يقطع رأسها حتى تموت وتهدأ»(2).

وفيه: ضعف السند، مع إعراض المشهور.

الدليل الخامس: إنه تعذيب للحيوان، وهو محرم(3).

وفيه: إن هذا الدليل مركب من صغرى، وهي: إنه لو قطع جزء من الحيوان فهو تعذيب، لكنه أول الكلام، فمع قطع الأوداج يُغمى عليه، فلا يحس بقطع العضو حتى يقال: إنه تعذيب.

وكبرى وهي: إن تعذيب الحيوان حرام.

وقد استدل على حرمة تعذيب الحيوان بروايات لا سند لها، كقوله(صلی الله علیه و آله):«دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض»(4).

نعم، يمكن الاستدلال لذلك بوجه قريب، وهو أنه ظلم وكل ظلم حرام، وعن كشف اللثام الضرورة على حرمة تعذيب الحيوان، وما أشد البون بينه وبين كلام بعض المعاصرين من عدم الدليل على حرمته، وإن كان عملاً سيئاً.

الشرط الخامس: حركة الذبيحة
اشارة

الشرط الخامس(5): حركة الذبيحة

ثم إنه هل يشترط في الحلية حركة الذبيحة أو خروج الدم غير المتثاقل،

ص: 190


1- وفي نسخة: الذبيحة.
2- دعائم الإسلام 2: 175.
3- كشف اللثام 9: 235، وفيه: «ويتّجه التحريم للتعذيب».
4- عوالي اللئالي 1: 154؛ جامع أحاديث الشيعة 16: 922.
5- من الشروط المعتبرة في الذبح.

أو كلاهما معاً أو أحدهما؟ وفي المسألة أربعة أقوال(1):

الأول: يلزم أن تحرك الذبيحة عينها أو ذنبها أو رجلها، فلو لم تصدر منها أية حركة حرمت.

الثاني: يشترط خروج الدم غير المتثاقل، بأن يخرج بشكل طبيعي، أما غير الطبيعي فلا ينفع في الحلية.

الثالث: لابد من اجتماع الاثنين، بأن تتحرك ويخرج الدم بشكل طبيعي.

الرابع: كفاية أحدهما.

ومنشأ هذه الأقوال الأخبار الواردة، حيث ذكر في بعضها الحركة، وفي بعضها خروج الدم. فلابد من تنقيحها لاستظهار دلالتها.

أدلة القول الأول

أما ما استدل به للقول الأول(2) فهي الروايات المستفيضة وفيها الصحاح، وقد عمل بها المشهور خاصة المتأخرون.

ومنها: صحيحة الحلبي(3):

عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن الذبيحة، فقال: >إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الأذن فهو ذكي»(4). ومفهومه إذا لم يتحرك فليس بذكي.

ص: 191


1- الفقه 75: 395؛ مستند الشيعة 15: 418؛ جواهر الكلام 37: 186.
2- مختلف الشيعة 8: 307.
3- الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن محمد الحلبي... .
4- الكافي 6: 233؛ وسائل الشيعة 24: 23.

ومنها: صحيحة أبي بصير(1)

قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الشاة تذبح فلا تتحرك ويهراق منها دم كثير عبيط، فقال: لا تأكل، إن علياً(علیه السلام) كان يقول: إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل»(2).

فهاتان الصحيحتان تدلان - منطوقاً ومفهوماً - على اشتراط الحركة، وعدم كفاية خروج الدم.

أدلة القول الثاني

واستدل للقول الثاني(3) بروايات، منها: صحيحة زيد الشحام، عن الصادق(علیه السلام): «إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس»(4).ومفهومها: إذا لم يخرج الدم ففيه البأس وإن تحركت.

ومنها: خبر الحسين بن مسلم، قال: «كنت عند أبي عبد الله(علیه السلام) إذ جاءه محمد بن عبد السلام فقال له: جعلت فداك يقول لك جدي: إن رجلاً ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها، فلم يرسل معه بالجواب، ودعا سعيدة مولاة أم فروة فقال لها: إن محمداً أتاني برسالة منك فكرهت أن أرسل

ص: 192


1- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير المرادي... .
2- تهذيب الأحكام 9: 57؛ وسائل الشيعة 24: 24.
3- الدروس الشرعية 2: 414.
4- الكافي 6: 228؛ وسائل الشيعة 24: 9، وفيه: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن زيد الشحام قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالقصبة وبالحجر وبالعظم وبالعود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس».

إليك بالجواب معه، فإن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلاً فكلوا وأطعموا، وإن كان خرج خروجاً متثاقلاً فلا تقربوه»(1).

وبناءً عليها لم يتعلق الأمر بالحركة وإنما بالخروج الطبيعي للدم.

ولا يخفى سرّ عدم الفائدة في الخروج المتثاقل؛ لأن ذبح الحيوان الميت حديثاً مستلزم لخروج الدم بشكل طبيعي أيضاً؛ لعدم انجماده، لكن يكون خروجه بتثاقل، أما لو كان حياً فيخرج بقوة للدفع الحاصل بفعل عمل القلب.

أدلة القول الثالث والرابع

واستدل للقول الثالث والرابع(2) بأنه طريق الجمع بين الطائفتين من الأخبار، فإن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح.

لكن هذه الطريقة من الجمع محل تأمل؛ لاشتراط كونه عرفياً، وإلا أصبح تبرعياً، وإنما تصح القاعدة فيما لو كان الجمع عرفياً.وأما الطريقة الثانية للجمع فهي فنية وحسب القواعد، ولكنها بحاجة إلى دقة نظر.

وبيان ذلك: إن مفهوم كل واحد منهما معارض لمنطوق الآخر، فمنطوق الطائفة الأولى هو: (إذا تحرك فهو ذكي)، ومفهومها (إذا لم يتحرك فليس بذكي وإن خرج الدم). ومنطوق الطائفة الثانية هو: (إذا خرج الدم فلا بأس)، ومفهومها (إذا لم يخرج الدم ففيه البأس تحرك أو لم يتحرك)،

ص: 193


1- الكافي 6: 232؛ تهذيب الأحكام 9: 56؛ وسائل الشيعة 24: 25.
2- غاية المرام في شرح شرائع الإسلام 4: 23؛ الفقه 75: 398.

فيتعارض مفهوم الأولى مع منطوق الثانية، ومفهوم الثانية مع منطوق الأولى، فيُعمل بالمنطوقين وتُرفع اليد عن المفهومين، وتكون النتيجة الحكم بالتذكية بخروج الدم والحركة جمعاً أو تخييراً.

وبما أنه لا يمكن رفع اليد عن المفهوم إلا بعد رفع اليد عن المنطوق - وذلك لأن دلالة المفهوم تبعية، فالخلل في المفهوم كاشف عن الخلل في المنطوق لأنه الدال عليه، ومع بقاء الأصل على دلالته وعدم التصرف فيه لم يمكن رفع اليد عن الفرع - فلابد من التصرف في المنطوق بأن نقول: للمنطوق إطلاقان لابد من رفع اليد عن أحدهما، حتى يمكن رفع التعارض بين الطائفتين، وهما: الأول: الإطلاق مقابل التقييد ب (أو). والثاني: الإطلاق مقابل التقييد ب (الواو).

بيان ذلك: إن للتحرك - الذي هو سبب الحلية - إطلاقاً قبال التقييد ب (أو)، أي: إن التحرك سبب الحلية مطلقاً، في قبال الحركة أو خروج الدم، فتارة نقول: الحركة مطلقاً، وتارة نقول: الحركة أو خروج الدم، ومعنى التقييد المذكور التخيير. وللتحرك إطلاق في قبال التقييد ب (الواو)، أي: إن التحركسبب للحلية مطلقاً في قبال التحرك المقيد بخروج الدم، ومعنى التقييد المذكور هو الجمع.

وقد رجح في فقه الصادق(1) الإطلاق الأول؛ وذلك لأن التقييد ضرورة وهي تقدر بقدرها، وقد اضطررنا إليه لرفع التعارض بين المفهوم والمنطوق، فلابد من رفع اليد عن أحد الإطلاقين، وهو ما كان التقييد فيه أقل، وهو

ص: 194


1- فقه الصادق 36: 159.

الإطلاق الأول.

بيانه: إن الحلية حكم، فإن كانت مقيدة بالتحرك وخروج الدم كانت دائرتها ضيقة، بخلاف ما لو كانت مقيدة بالتحرك أو خروج الدم؛ وذلك لأن معنى التقييد ب (الواو) هو أنه لو تحققت الحركة فقط حرمت الذبيحة، ولو تحقق خروج الدم فقط حرمت، وأما مع التقييد ب (أو) فيحلان، فتقييد الحكم بالحلية ب (أو) يضيق سعة الحكم أقل من التقييد ب (الواو)، فيرجح عليه. والنتيجة كفاية تحقق أحدهما.

ويرد عليه أمور بعضها مبنائية، ومنها: ما ذهب إليه من عدم إمكان رفع اليد عن المفهوم(1) إلا بعد التصرف في المنطوق لتبعية دلالته له، وهو محل تأمل، حيث يمكن رفع اليد عن المفهوم من دون التصرف في المنطوق؛ لما ذكر في الأصول(2): من أن أمر المفهوم دائر مدار الوجود والعدم، ولا يمكن تحققه مندون الحكم بحجيته، فإن وجوده مساوق لحجيته، وشرط وجود المفهوم أن يكون علة منحصرة بالفرد، وإلا لم يتحقق المفهوم، فلابد من إثبات كون الشرط علة منحصرة للجزاء.

وفي المقام، لو أردنا رفع التعارض نقول: إن الاشتراط ليس علة منحصرة أو نشكك في انحصارها، فيكون أصل وجود المفهوم محل إشكال، وليس ذلك تصرفاً في المنطوق؛ لأن انحصار العلة يستفاد من القرائن الخارجية،

ص: 195


1- أي: قوله في فقه الصادق 36: 159: «ولكن حيث لا يمكن التصرف في المفهوم، الذي هو دلالة تبعية بدون التصرف في المنطوق، فلا بدَّ من رفع اليد عن أحد إطلاقي المنطوق في كل منهما».
2- درر الفوائد 1: 195؛ فوائد الأصول 1: 479.

ولا يرتبط بالشرط. هذا أولاً.

وثانياً: إن التصرف في الإطلاق والتقييد أمر عرفي، وهو سرّ تقدم الخاص على العام، فإن العرف يرجح النص والأظهر على الظاهر، وهو مقتضى الجمع العرفي. والترجيح المذكور بهذه الكيفية غير عرفي، فلو أُعطيت الطائفتان للعرف، بمنطوقهما ومفهومهما، رأى التعارض بينهما، فالقول بالجمع أو التخيير ينافي ظاهر الطائفتين. فلابد من الرجوع إلى أحد القولين الأولين.

القول المختار

ومقتضى القاعدة القول بكفاية الحركة فقط، وعدم اشتراط خروج الدم المتعارف؛ وذلك لتمامية مفهوم الطائفة الأولى، وأما الطائفة الثانية فهي بين ما لا مفهوم لها، وبين ما لا سند لها.

بيان ذلك: إن قوله(علیه السلام) في صحيحة زيد الشحام: «إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس»(1) لا مفهوم له؛ لأن الرواية غير ناظرة إلى اشتراطالحركة أو خروج الدم، والإطلاق إنما يكون حجة إذا كان المولى في مقام البيان من هذه الجهة، والجهة المرادة في الصحيحة كفاية الذبح بغير السكين من الحجر والليطة، وأما خبر الحسين بن مسلم(2) فإنه وإن تمَّ مفهومه؛ لأنه في مقام البيان من هذه الجهة لكن سنده ضعيف(3).

ولا يخفى أن للمسألة موارد منها: ما لو كان رأس الذبيحة إلى الأعلى،

ص: 196


1- مرّ تخريجه.
2- وسائل الشيعة 24: 25.
3- لجهالة الحسين بن مسلم (السيد الأستاذ).

ومنها: ما لو كان مجروحاً من قبل، فيظهر فيها كفاية الحركة وإن لم يخرج الدم.

الأقوال في زمان الحركة

ثم إنه في زمان الحركة المشروطة في الذبيحة ثلاثة أقوال(1)، هي:

الأول: اشتراط الحركة ولو قبل الذبح.

الثاني: اشتراطها بعد الذبح.

الثالث: اشتراطها سواء حين الذبح أو بعده.

ففي الأول تشترط الحركة مطلقاً، وفي الثاني بعد الذبح، وفي الثالث لا فرق بين كونها حينه أو بعده، ومنشأ الأقوال اختلاف الاستظهار من الروايات.

وقد استدل للقول الأول(2): بخبر أبان بن تغلب عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنه قال: «إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحركأذنيها، أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك حلال»(3).

ويرد عليه الضعف سنداً(4)،

بالإضافة إلى الإشكال دلالة، حيث إنه في مقام بيان لزوم إحراز الحياة قبل الذبح، وعلامة ذلك الحركة قبل الذبح، كما أنه معارض بصحيحة أبي بصير قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الشاة تذبح فلا تتحرك ويهراق منها دم كثير عبيط، فقال: لا تأكل، إن علياً(علیه السلام)

ص: 197


1- الفقه 75: 400؛ مستند الشيعة 15: 424.
2- كشف اللثام 9: 231.
3- الكافي 6: 232؛ تهذيب الأحكام 9: 57؛ وسائل الشيعة 24: 23.
4- بسهل بن زياد على المشهور في ضعفه، وإن كان لنا تأمل في ضعفه (السيد الأستاذ).

كان يقول: إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل»(1)، ومفادها أن الحركة قبل الذبح لا تنفع.

واستدل للقول الثاني - أي اشتراط الحركة بعد الذبح - وهو مختار الجواهر(2) بالصحيحة المذكورة الدالة على لزوم تحقق الحركة بعد الذبح لمكان فاء التفريع.

لكن أشكل عليه في الفقه(3) بأن العرف يفهم من الرواية أن الحركة تكون بسبب الذبح، سواء كانت بعده أو مقارنة له، فإن الفاء وإن كانت للترتيب لكن الترجيح مع فهم العرف. نعم، لو شك في الفهم العرفي كانت اللغة حجة؛ لأنها مرآة للعرف.

وبعبارة أخرى: إنما تجري أصالة الحقيقة حيث لا نعلم المراد، فيكون المعنى اللغوي حجة، لكن لو فهم المراد بوسيلة العرف فلابد من رفع اليد عنالمعنى اللغوي، كما هو الحال في المعنى المجازي، فإن العرف يفهمه لأجل القرينة، فيرفع اليد عن المعنى اللغوي.

فرع: في اشتراط اجتماع الحركات الثلاثة وعدمه

ثم إنه لا يشترط اجتماع الحركات الثلاثة - وهي حركة العين والرجل والذنب - بل يكفي تحقق إحداها(4)؛ وذلك لأن غالب الروايات عطفت الحركات ب (أو)، وهي ظاهرة في التخيير.

ص: 198


1- تهذيب الأحكام 9: 57؛ وسائل الشيعة 24: 24.
2- جواهر الكلام 37: 190.
3- الفقه 75: 400-401.
4- مستند الشيعة 15: 423.

ويؤيده اختلاف الروايات، ففي بعضها أشير إلى علامتين(1)، وفي بعضها إلى ثلاث(2)، ولا يرى العرف تنافياً بينها، بل تكفي إحداها لمعرفة حياة الحيوان، فلا خصوصية للعدد، بل اللازم صدور أصل الحركة.

نعم، هنالك رواية واحدة عطفت الحركات ب (الواو)، وظاهرها لزوم الجمع، وهي قوله(علیه السلام): «آخر الذكاة إذا كانت العين تطرف والرجل تركض والذنب يتحرك»(3).

لكن لابد من حملها على أحد محملين لكي لا تنافي تلك الروايات، وهما(4):الأول: وإن كان ظاهر (الواو) الجمع لكن لابد من حملها في المقام على معنى (أو)، وقد استعمل ذلك في اللغة والعرف أيضاً؛ وذلك لأجل الروايات الدالة على التخيير، والتي هي أكثر عدداً وأصح سنداً.

الثاني: الحمل على أفضل الأفراد، فأفضل الذبائح ما يحصل فيها العلامات كلها.

ومع عدم ارتضاء أحد المحملين - لكونه جمعاً تبرعياً - لابد من الإعراض عنها، لضعف سندها ولمكان فتوى المشهور.

ص: 199


1- الكافي 6: 233؛ وسائل الشيعة 24: 23. عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنه قال في الشاة: «إذا طرفت عينها أو حركت ذنبها فهي ذكية».
2- الكافي 6: 232؛ وسائل الشيعة 24: 24. عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «في كتاب علي(علیه السلام): إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب وأدركته فذكه».
3- الكافي 6: 208؛ وسائل الشيعة 23: 350.
4- الفقه 75: 401.
فرع: في كفاية صدور حركة أخرى غير ما ورد في الروايات

الظاهر كفاية صدور حركة أخرى غير ما وردت في الروايات، كما لو حركت شفتها أو فتحت فمها(1)؛ وذلك لأن العرف يفهم من العلامات الواردة أنها لمعرفة الحياة، فذكرها بعنوان المثال؛ لأنه الفرد الغالب لا خصوص موضوعيتها، ويؤيده عدم ذكر بعض الحركات في بعض الروايات.

فرع: اشتراط صدور الحركة من الحي

يشترط أن تصدر الحركة من الحي(2)، وأما ما يصدر من الميت مما هو طبيعي بسبب تغييرات تحصل في بدنه، ولا ترتبط بالحياة أو بالألم، والتي ربما تصدر حتى من الجماد، كرجفة جلده وما أشبه ذلك، فلا ينفع في الحلية.

والظاهر من الروايات لزوم كون الحركة ناشئة عن الحياة وإن لم تكن اختيارية، فإن المذبوح في اللحظة الأولى يفقد الوعي ولا يدرك، فتصدر منهالحركة بغير إرادته، كالحركة الصادرة عن النائم حيث لا يشعر ولا يعي، ويدل على ذلك الفهم العرفي، وقد نسبت الحركة في بعض الروايات إلى الحيوان، وظاهر نسبة الفعل إليه أن منشأه الحياة، كما في خبر أبان: (تطرف عينها)(3)، ولا يطلق مثل ذلك على حركة الميت، وفي خبر رفاعة: «في الشاة إذا طرفت عينها وحركت ذنبها»(4).

ص: 200


1- الفقه 75: 401.
2- مستند الشيعة 15: 423.
3- الكافي 6: 233؛ وسائل الشيعة 24: 23.
4- الكافي 6: 233؛ وسائل الشيعة 24: 23.

ولو شك في منشأ الحركة، كما لو افترسه الذئب وجرى منه دم كثير، ثم ذبح، فتحرك ولم يعلم أنه ناشئ عن الحياة أو حركة ميت، لم يحل؛ وذلك لعدم تحقق شرط الحلية.

إن قلت: يمكن استصحاب الحياة، فحين الذبح كان حياً فيكون منشأ الحركة الحياة.

قلت: أولاً: إنه أصل مثبت، فإن استصحاب الحياة لإثبات كون الحركة حركة حي أمر تكويني.

وثانياً: حيث حدد الشارع الحلية بالحركة فلا تصل النوبة إلى الأصل مع وجود الأمارة، فلابد من إثبات كون الحركة حركة حي(1).

فرع: عدم الحاجة لتكرار الحركة

لا حاجة إلى تكرار الحركة، بل تكفي المرة لتحقق الشرط، لإطلاقالدليل.

فرع: إذا لم يتحرك وعلمنا بحياته

لو لم يتحرك لكن علمنا بحياته قطعاً(2)، وعلمنا بأن موته بسبب الذبح، فلو كانت للحركة الموضوعية لم ينفع، وعليه تكون الحياة والحركة شرطين، ولو كانت طريقية حلّ، وكان شرطاً واحداً، فإن طريق معرفة الحياة الحركة، فكل طريق كافٍ لمعرفة الحياة وإن لم يتحرك.

ص: 201


1- وفيه: بغض النظر عن كونه مثبتاً، فإن الإشكال الثاني غير وارد، فإن الاستصحاب على فرض جريانه يعيّن شرط الحكم الشرعي، فبالاستصحاب تثبت الحياة فيتحقق الشرط، وهو الحلية. (المقرر).
2- مستند الشيعة 15: 423.

والظاهر موضوعية الحركة، وهو مختار صاحب الجواهر(1)، خلافاً لما في الفقه(2).

وقد استدل له بأنه الظاهر من الاشتراط(3)، لخبر أبان: «إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرك أذنيها، أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك حلال»(4). حيث إن الحركة متفرعة على الشك، فلو شك في الحياة فتحرك كان حلالاً، وظاهره الطريقية إلى الحياة، فإن اشتراط الحركة إنما هو في صورة الشك فمع العلم لا تشترط.

لكنه محل تأمل؛ لما مرّ من أن الحركة هنا لما قبل الذبح ليعرف أنه حي حتى لا يذبح الميت، فلا يرتبط الأمر بالحركة حين الذبح أو ما بعده، فلاينافي ذلك اشتراط الحركة بعد الذبح.

نعم، لو كان هنالك مانع خارجي عن الحركة فلم يتحرك، كما لو سدّ يده بقوة، لم يكن به بأس، فالمانع عن الحركة قسري، وإنما الكلام في اشتراط تحقق الحركة وإن علم بحياته، فهو شرط كشرطية الحديد.

ص: 202


1- جواهر الكلام 37: 192، وفيه: «نعم، لو فرض العلم بكونه حياً إلى ما بعد تمام الذبح، ولم تحصل منه حركة، ولا خرج منه دم اتجه الحل وإن كان تحقق هذا الفرض غير معلوم».
2- الفقه 75: 402.
3- الفقه 75: 402.
4- الكافي 6: 232؛ تهذيب الأحكام 9: 57؛ وسائل الشيعة 24: 23.

الفصل الخامس: في سوق المسلمين

اشارة

ولا يخفى أن قسماً من البحث يختص بكتاب الطهارة، ولكن الكلام هنا في سوق المسلمين، قال في الشرائع: «ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم يجوز شراؤه، ولا يلزم الفحص عن حاله»(1)، وقال في الجواهر: «بل لعله مكروه»(2).

وفي المقام ثلاث أمارات قد تجتمع معاً، وقد لا تجتمع، وهي: سوق المسلمين، وأرضهم، ويد المسلم.

والبحث فعلاً في السوق، وفي جهة من جهاته وهي الحلية.

وقد انعقد الإجماع(3) على حجيته، بالإضافة إلى الروايات المستفيضة:

ومنها: صحيحة الفضلاء(4):

«سألوا أبا جعفر عن شراء اللحم من الأسواق ولا يدرون ما صنع القصابون؟ قال: كلْ إذا كان ذلك في أسواق المسلمين ولا تسأل عنه»(5).

ص: 203


1- شرائع الإسلام 4: 741.
2- جواهر الكلام 37: 205.
3- كفاية الأحكام 2: 590؛ كشف اللثام 9: 238؛ رياض المسائل 12: 117.
4- الكليني، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم أنهم سألوا... .
5- الكافي 6: 237؛ وسائل الشيعة 24: 70.

ومنها: صحيحة البزنطي(1)

عن الرضا(علیه السلام)، قال: «سألته عن الخفاف(2) يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري هو ذكي أو لا، ما تقول في الصلاة فيه، وهو لا يدري أيصلي فيه؟ قال: نعم، أنا أشتري الخف من السوق، ويصنع لي وأصلي فيه، وليس عليكم المسألة»(3). وليس معنى ذلك أنه(علیه السلام) كان يلبس الخف الميتة، بل أراد بيان جواز العمل بالظاهر، وأما هو(علیه السلام) فيعمل بعلمه الواقعي.

ومنها: ما ورد حول جبة الفرو في صحيحة البزنطي(4)، قال: «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلي فيها؟ قال: نعم، ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر(علیه السلام) كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك»(5).

ومن ذلك يستظهر كراهة الفحص والسؤال حيث ورد النهي عنه.

وقد استثنى العلامة الحلي من سوق المسلمين ما كان مستحلاً لذبائح أهل الكتاب(6).

ص: 204


1- الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمد، عن البزنطي... .
2- جمع خف وهو شيء بين الجورب والحذاء يصنع من الجلد، يلبسه بعض خدام العتبات اليوم.
3- تهذيب الأحكام 9: 371؛ وسائل الشيعة 3: 492.
4- الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن علي ابن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن البزنطي... .
5- تهذيب الأحكام 9: 368؛ وسائل الشيعة 3: 491.
6- تحرير الأحكام 4: 626.

وأجاب عنه في الجواهر بأنه ضعيف(1)؛ لإطلاق الصحيحة(2)، مضافاً إلى أن السوق كان زمان المعصومين(علیهم السلام) سوق العامة، وكلهم أو غالبهم يستحلون ذبائح أهل الكتاب، ولم يكن للشيعة سوق خاص، ومع ذلك ورد عدم السؤال، والشرط المذكور مستلزم لتخصيص الأكثر، وهو قبيح.

وما قيل: من عدم جريان الحكم في الزمن الحاضر؛ لأن أهل السوق لا يبالون اليوم! غير تام؛ لأن عدم المبالاة في السابق كان موجوداً إن لم يكن أكثر من اليوم، وخاصة أن الكثير منهم كانوا عبيداً من بلاد الكفر، فإنه وإن أسلم بعضهم لكن نشأت طبيعته في بلاد الكفر، فالأمر بعدم السؤال كما يشمل زمانهم يشمل زماننا.

فرع: في حلية اللحوم من كل الجهات

إن حلية اللحوم تكون من كل الجهات؛ لإطلاق الروايات التي لم تقيدها بجهة معينة.

قيل: من الجهات: الحلية مع الشك في كونه من حيوان محلل أو محرم كما في السمك، فإن بعض العامة يحللون جميع الموجودات البحرية(3)،

ص: 205


1- جواهر الكلام 37: 206، وفيه: «... وظاهرها عدم الفرق بين ما يأخذ من السوق بين معلوم الإسلام ومجهوله، وبين مستحل ذبائح أهل الكتاب من المسلمين وغيره، فما عن التحرير من اعتبار كون المسلم ممن لا يستحل ذبائح أهل الكتاب واضح الضعف، خصوصاً بعد اشتهار الجواز بين المخالفين الذي كان في ذلك الزمان لا يعرف سوق إلا لهم، ومورد النصوص الأخذ منهم...».
2- وهي صحيحة البزنطي عن الرضا(علیه السلام).
3- رياض المسائل 12: 139؛ المغني 11: 84-85؛ الشرح الكبير 11: 87.

وبعضهم يحلل السمك مطلقاً، فلا يلزم السؤال، وكذا أقراص دهنالسمك.

وفيه نظر، لانصراف الدليل إلى ما كان حلالاً في أصله وشك في مراعاة شرائطه، ولا أقل من عدم ثبوت الإطلاق، لعدم كونه(علیه السلام) في مقام البيان من هذه الجهة أو لوجود قدر متيقن في مقام التخاطب، فتأمل.

ومن الجهات: الحلية من جهة الذبح، فهل كان الذابح مسلماً؟ وهل تحققت شرائط الذبح؟

ومن الجهات: حلية الأجزاء، كما لو علم أنه لحم شاة وروعيت الشرائط، ولكن لا يعلم أنه هل يحتوي على الأجزاء المحرمة؟ كما في طعام الأسواق، فإطلاقات الأدلة تشمل جميع هذه الجهات، والتحقيق غير لازم، بل هو مرجوح.

إن قلت: لكن الأثر الوضعي يؤثر أثره فيما لو كان حراماً واقعياً.

قلت: ذهب السيد الوالد في الفقه(1) إلى أنه لا دليل على ثبوت الأثر الوضعي، وتأثير المشكوك على النفس والروح غير ثابت، حيث لم ترد في ذلك آية أو رواية، وهل يعقل أن يأمر الإمام(علیه السلام) بعدم السؤال، ثم يقول: إن ارتكابه سيؤثر سلباً عليك؟ وبعبارة أخرى: من جهة يقول المعصوم(علیه السلام): يكره السؤال، ومن جهة يقول: له أثر وضعي وحتى لا تبتلى به اسأل، هذا تهافت.إن قلت: لا شك أن الضرر ثابت للمحرمات، وهو لا يرتبط بالعلم

ص: 206


1- الفقه 75: 414، وفيه: «وما اشتهر في بعض الألسنة: من أن الحرام الواقعي يؤثر أثره لم أجد عليه دليلاً، بل سيرة النبي(صلی الله علیه و آله) والأئمة والعلماء الراشدين على خلافه، وأن المعيار الظاهر، وليس معنى هذا الكلام أنهم(علیهم السلام) كانوا يتناولون المحرم واقعاً المحلل ظاهراً، بل معناه أنهم علّموا بقولهم وسيرتهم عدم الفحص والاعتماد على السوق واليد والأرض».

والجهل.

قلت: لم يثبت كون الحرمة في كل المحرمات لأجل الضرر، فقد يكون بعضها لذلك، وبعضها لأجل الالتزام بالآداب، وبعضها لأجل عدم الوقوع في حرام آخر، فهي كالحمى، كما في حرمة نظر الرجل العجوز جداً للأجنبية، فحكمة النظر - وهي أنه سهم من سهام إبليس(1) - غير جارية، ومع ذلك فالحكم ثابت؛ وذلك لأجل أن الشارع أراد جعل الموانع حول هذا الفساد، فما هو في الواقع حرام لو حلّ ظاهراً لم يكن به بأس، فالحرمة غيرية. فما يقال: من أن تحريم اللحم الذي ذبحه الكافر فيه ضرر غير معلوم، بل لا فرق بينهما خارجاً، فالحرمة لأجل الآداب التي أراد الشارع الالتزام بها(2)، وهل يمكن القول: إن الصلاة خلف من تبين أنه كان كافراً أو فاسقاً فيها أثر وضعي؟!

وإن أبيت إلا عن تحقق الأثر الوضعي، فنقول: لابد للفرد أن يكون مطيعاً، ولا يسأل حيث نهاه الإمام(علیه السلام) عن السؤال.

بيان المراد من سوق المسلمين

قال في المسالك: «واعلم أنه ليس في كلام الأصحاب ما يعرف بهسوق

ص: 207


1- الكافي 5: 559 ، وفيه: عن علي بن عقبة، عن أبيه، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سمعته يقول: «النظر سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة».
2- الفقه 75: 334، وفيه: «ثم لا يخفى أن الحرمة في الكفار، سواء قيل بها مطلقاً، أم في الجملة نوع تحديد للإسلام والمسلمين، ونوع ضغط أدبي على الكفار، كما هو كذلك في نجاستهم، فإن الضغوط الأدبية لها آثارها في تقويم المنحرف، فلا يلازم التحريم وجود ضرر في نفس الذبيحة».

الإسلام من غيره، فكان الرجوع فيه إلى العرف»(1).

بل تعيين الموضوع ليس من شأن الفقيه؛ ولذا لم يحدد في غالب الروايات. نعم، في الموضوعات المستنبطة تمّ تعيين الحدود؛ لأن الشارع اخترعها، وفي بعض الأحيان حيث سأل الراوي يبين له الموضوع لجهله، فالجواب ليس من باب بيان الحكم، بل من باب بيان المطلب العرفي.

ويوجد في المقام رواية معتبرة يفهم منها معنى سوق المسلمين، وهو مطابق للمعنى العرفي، وهي موثقة إسحاق بن عمار(2)، عن العبد الصالح(علیه السلام) أنه قال: «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا

كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس»(3). فالمراد من السوق ما كان الغالب فيه المسلمين، ولا يهم غلبة المسلمين في البلد، بل الملاك المدينة، بل المنطقة، ففي بلاد الإسلام لو كانت هناك منطقة يهودية لم يكن سوقه سوق المسلمين، وفي بلاد الكفر لو كانت هناك منطقة إسلامية كان السوق سوقهم.

ملكية المنذور

ذكر في الشرائع فروعاً لا ترتبط مباشرة بالمقام، وإنما بباب النذر والبيع والحج، حيث قال: «إذا نذر أضحية معينة زال ملكه عنها»(4)، وعللهفي

ص: 208


1- مسالك الأفهام 11: 491.
2- الشيخ الطوسي بأسناده عن سعد، عن أيوب بن نوح، عن عبد الله بن المغيرة، عن إسحاق بن عمّار... .
3- التهذيب 2: 368؛ وسائل الشيعة 3: 491.
4- شرائع الإسلام 4: 741.

المسالك بقوله: «لتعينها للذبح»(1)، فإن زوال آثار الملك دال على زواله.

لكنه محل تأمل؛ لأن التعيين ليس من مخرجات الملك، فإن الخروج عن الملك بحاجة إلى سبب عينه الشارع مستقلاً، أو كان عقلائياً أمضاه الشارع.

وأما القول بزوال آثار الملك فيرد عليه:

أولاً: إن بعض الآثار باقية؛ ولذا صرحوا بجواز الانتفاع بلبنها وصوفها ونتاجها، كما يجوز ركوبها(2)، فلو لم يكن مالكاً فكيف جاز له التصرف دون غيره؟

ثانياً: لا ملازمة بين انتفاء آثار الملك والخروج عن الملكية؛ وذلك كالمحجور عليه، فإنه لا يحق له التصرف مع أنه مالك.

واستدل(3) ببعض الروايات على زوال الملك بذلك، فمنها: إنه كانت لأحد أصحاب النبي(صلی الله علیه و آله) ناقة منذورة، فأراد استبدالها بنياق، فنهاه النبي(صلی الله علیه و آله) عن ذلك(4).

ومنها(5): ما أورده العلامة في المنتهى من قوله(علیه السلام): «من عيّن أضحية فلا يستبدل بها»(6).

ص: 209


1- مسالك الأفهام 11: 497.
2- الخلاف 6: 57.
3- مسالك الأفهام 11: 497.
4- الخلاف 6: 56.
5- وقد استدل بها في المسالك 11: 497.
6- منتهى المطلب 2: 760؛ تذكرة الفقهاء 8: 325.

وهما بالإضافة إلى إرسالها، لا تدلان على الخروج عن الملك، فهنالك موارد عديدة للملكية مع عدم الحق في الاستبدال، كما في الجاريةالمستولدة.

وقيل: إن التبديل جائز لأصالة صحة التبديل، كما في المسالك(1)، وفي حاشيته نسبة القول إلى بعض العامة(2).

وفيه نظر؛ لأن الأصالة إنما تجري فيما لو لم يكن المملوك مورداً للنذر، وأما لو كان التبديل خلاف الوفاء بالنذر، حيث إن متعلق النذر لم يكن مطلقاً، بل معيناً، فلا مجال للأصل المذكور.

واستدل البعض(3) على بقاء الملك بما لو نذر عتق عبد معين فلا يحق له بيعه؛ لمنافاته الوفاء بالنذر، ومع ذلك لا يخرج عن ملكه كذلك المقام.

والجواب عنه بالفرق بين المقامين، فإن متعلق النذر في المقام نفس الأضحية، وفي العبد فعل الناذر وهو العتق، فالمنذور ليس هو العبد وإنما الفعل. نعم، لو كان متعلق النذر الذبح أو تعلق النذر بالعبد لم يكن فارق بين المقامين.

ص: 210


1- مسالك الأفهام 11: 497، وفيه: «وذهب بعض إلى عدم زوال ملكه عنها حتى يذبح ويتصدق باللحم، وله بيعها وإبدالها».
2- مسالك الأفهام 11: 497؛ المبسوط، للسرخسي 12: 13: «وإذا اشترى أضحية ثم باعها فاشترى مثلها فلا بأس بذلك؛ لأن بنفس الشراء لا تتعين الأضحية قبل أن يوجبها، وبعد الإيجاب يجوز بيعها في قول أبي حنيفة ومحمد».
3- مسالك الأفهام 11: 497، وفيه: «كما لو قال: لله علي أن أعتق هذا العبد، فإنه لا يزول ملكه عنه إلا بإعتاقه».

كما استدل(1) على جواز التبديل بما صنعه النبي(صلی الله علیه و آله) في حجة الوداع،حيث أحرم من مسجد الشجرة وعين مائة بعير للأضحية، وبعد أن التحق به أمير المؤمنين(علیه السلام) أعطاه ثلثها، وبدلها بغيرها مع تعينها(2).

والجواب: لا دليل على أنه(صلی الله علیه و آله) ساقها بنية نفسه، فربما نوى من بادئ الأمر أنها للإمام علي(علیه السلام).

الضمان مع التلف

قال في الشرائع: «ولو أتلفها كان عليه قيمتها»(3).

وهنا فروع:

الفرع الأول: لو تلف من نفسه لم يضمن؛ لعدم تقصيره.

الفرع الثاني: لو أتلفه بنفسه ضمن القيمة، لقاعدة (على اليد ما أخذت حتى تؤديه)، وقد تعلق حق الغير بملكه وأتلفه فيكون ضامناً له. ويكون الأداء في المثلي بالمثل، وفي القيمي بالقيمة، والحيوان من القيميات على المشهور(4)، وإن أشكل الوالد على إطلاقه(5)، حيث يمكن أن يكون الحيوان مثلياً؛ لأن المثلي والقيمي عرفيان.

ص: 211


1- جواهر الكلام 37: 230، وفيه: «ويحتمل عدم التعين، لما روي أن النبي(صلی الله علیه و آله) شرّك علياً في هداياه، والتشريك إنما يكون بالنقل، ولأصالة البقاء على الإطلاق».
2- وسائل الشيعة 11: 213.
3- شرائع الإسلام 4: 741.
4- الحدائق الناضرة 20: 317؛ الأنوار اللامعة 11: 257؛ المناهل: 156.
5- الفقه 75: 426، وفيه: «... وهذا يؤيد ما ذكرناه في بعض مباحث (الفقه) من أن الحيوان مثلي أيضاً، خلافاً للمشهور الذين جعلوه قيمياً».

ثم إنه بناءً على لزوم دفع القيمة، فهنا صور:

لو كانت القيمة بمقدار أضحية جديدة ضمنه.

ولو كانت القيمة أكثر، كما لو صارت قيمتها بمقدار شاتين مثلاً، احتملضمان شرائهما؛ لأن قيمة الأضحية المنذورة للفقراء، فيلزمه ذلك.

ولو كانت القيمة أقل، كما لو كان المنذور رديئاً فقيمته نصف قيمة الشياه الموجودة في السوق، ولا يوجد مثله، احتمل لزوم الاشتراك مع غيره لتكميل الناقص؛ وذلك للارتكاز بالذبح وإعطاء لحمه للفقراء.

ولو لم يكن هنالك شريك فيحتمل لزوم شراء اللحم وتوزيعه على الفقراء، ولو لم يكن لحم أعطى ثمنه للفقراء لكونه الأقرب إلى المنذور، واللازم الأقرب فالأقرب حسب الارتكاز.

وقد تطرق الشيخ الأنصاري إلى وقت ثبوت الضمان، وأنه ضامن لقيمة يوم التلف أو الأداء أو الشراء أو أعلى القيم. وتفصيله يطلب من كتاب المكاسب في صحيحة أبي ولاد(1).

فرع: لو جنى على الأضحية عمداً

لو عيّب الأضحية عمداً لزمه الأرش لمستحقيها، كما في المسالك(2).

وفيه نظر؛ لأن الصور ثلاثة:

الأولى: لو كان العيب مخلاً بالمقصود، وهو أكل الفقراء، كما لو وطأها فحرمت، كان بحكم التلف، فعليه المثل أو القيمة.

ص: 212


1- كتاب المكاسب 3: 245-254.
2- مسالك الأفهام 11: 498.

الثانية: لو لم يكن للعيب تأثير في الأثر المقصود، كما لو كسر رجلها فلا وجه للقول بالأرش.

الثالثة: لو أثر في المقصود، كما لو حبسها فنقص وزنها(1) أو قطع رجلها،فلابد من إعطاء التفاوت بمقدار النقص، فهو ضامن للتفاوت بين الصحيح والمعيب.

ص: 213


1- وإن لم يصطلح عليه بالعيب.

الفصل السادس: في ذكاة السمك

اشارة

يقع الكلام في كيفية تذكية السمك، لا الأنواع المحللة والمحرمة، فإنها ترتبط بالأطعمة والأشربة، وهنا عدة بحوث:

البحث الأول: في كيفية تذكية السمك

وتذكية السمك إخراجه أو خروجه من الماء حياً، فلو مات في الماء حرم، ويدل عليه الإجماع(1) والروايات المستفيضة التي ربما تصل إلى حد التواتر المعنوي.

منها: الخبر الصحيح(2)

عن أمير المؤمنين(علیه السلام): «والحيتان ذكي، فما مات في البحر فهو ميت»(3). والمراد من الحيتان السمك لا الحوت المصطلح عليه اليوم، ومعنى ذكي أنه لا حاجة إلى قطع رأسه.

البحث الثاني: في فروع تتعلق بكيفية التذكية

وهنا فروع:

ص: 214


1- جواهر الكلام 37: 239، وفيه: «لا خلاف نصاً وفتوى ولا إشكال في احتياج السمك إلى التذكية، بل الإجماع بقسميه عليه».
2- أحمد البرقي، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت، عن أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد، عن أبيه‘: أن علياً(علیه السلام) كان يقول... .
3- وسائل الشيعة 24: 74.

الفرع الأول: كفاية إخراج السمك بآية وسيلة

لا يلزم إخراجه من الماء باليد، بل يكفي إخراجه بالآلة، ولو خرج بنفسه فأخذه بيده كفى أيضاً لإطلاق الأدلة.

ومما يدل على ذلك: صحيحة علي بن جعفر(1) عن أخيه موسى بن جعفر‘، قال: «سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد من النهر فماتت، هل يصلح أكلها؟ فقال: إن أخذتها قبل أن تموت ثم ماتت فكلها، وإن ماتت من قبل أن تأخذها فلا تأكلها»(2).

الفرع الثاني: في خروج السمك من الماء بنفسه

الأقوى عدم كفاية خروج السمك من الماء بنفسه وموته حتى لو علم بذلك، وقال بعض الفقهاء: لو خرج السمك بنفسه من الماء وعلم بذلك، فمات خارجاً حلّ، وممن قال بذلك الشيخ في النهاية(3)، والمحقق الحلي في بعض كتبه(4)؛ وذلك لروايات اشترطت في الحلية الخروج من الماء حيّاً لا الإخراج.

واستدلوا لذلك بروايات متعددة منها: خبر سلمة أبي حفص، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إن علياً صلوات الله عليه كان يقول في صيد السمكة إذا أدركها الرجل وهي تضطرب وتضرب بيديها ويتحرك ذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاتها»(5).

ص: 215


1- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر... .
2- الكافي 6: 218؛ وسائل الشيعة 24: 81. والجد: شاطئ النهر.
3- النهاية في مجرد الفقه: 578.
4- المختصر النافع: 242.
5- الكافي 6: 217؛ وسائل الشيعة 24: 81.

ومنها: صحيحة زرارة(1)

قال: قلت له: «سمكة ارتفعت فوقعت على الجدد فاضطربت حتى ماتت آكلها؟ قال: نعم»(2).

وقد جمعوا بين الروايات بحمل الروايات المانعة على الكراهة.

أو الجمع بوجه آخر: وهو توجيه (الأخذ) بأنه لا ينحصر في الأخذ باليد، بل يشمل النظر بأن يراها ماتت خارج الماء.

إن قلت: إن المشهور قد أعرضوا عن الروايات المحلّلة.

قلت: لا يعلم تحقق الإعراض، فإنه وإن كان القول الأول أشهر إلا أن القول الثاني مشهور أيضاً، ومعنى الإعراض عدم عمل جميع الفقهاء أو أكثرية كبيرة منهم، لكن لو عمل جمع كبير ولم يعمل جمع أكبر فلا يعلم صدق الإعراض، فلابد من إعمال المرجحات الدلالية الأخرى.

أقول: الأقوى هو عدم كفاية ذلك بل لابد من أخذها حيّة، وذلك لقوة احتمال أن تكون الروايات المحلّلة في مقام بيان عدم اشتراط الإخراج، وهذا لا ينافي اشتراط الحلية بلزوم الأخذ بعد الخروج، فتأمل، والاحتياط سبيل النجاة.

الفرع الثالث: في موت السمك في الشبك أو الحظيرة

لو مات السمك في الشبك أو في الحظيرة ففيه أقوال ثلاثة:

الأول: يحرم ما مات في الشبك(3)، وربما هذا هو الأشهر.

ص: 216


1- الصدوق بإسناده عن أبان، عن زرارة... .
2- من لا يحضره الفقيه 3: 323؛ وسائل الشيعة 24: 82.
3- إرشاد الأذهان 2: 109.

الثاني: لو مات بعضها دون بعض وكان قابلاً للتمييز حرم الميت دون غيره، وإن لم يقبل التمييز حلّ الجميع(1).

الثالث: حلية الجميع(2)، وهو مقتضى الصناعة(3)؛ وذلك لروايات متعددة، ولم يتحقق الإعراض عنها، والفتوى عليه مشهورة وإن لم تكن الأشهر.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم(4)

عن الباقر(علیه السلام): «في رجل نصب شبكة في الماء ثم رجع إلى بيته وتركها منصوبة، فأتاها بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فيمتن، فقال: ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها»(5).

وقوله(علیه السلام): «ما عملت يده» يشمل الحظيرة أيضاً.

ومنها: صحيحة الحلبي(6)

عن الصادق(علیه السلام) قال: «سألته عن الحظيرة من قصب تجعل في الماء للحيتان، فيدخل فيه الحيتان فيموت بعضها فيها، فقال: لا بأس به، إن تلك الحظيرة إنما جعلت ليصاد فيها»(7). فإنه وإن كان السؤال عن بعضها لكن إطلاقها يشمل مورد التمييز عن غيره.

ص: 217


1- الدروس الشرعية 2: 408.
2- مختلف الشيعة 8: 263.
3- الفقه 75: 440.
4- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن القاسم بن بريد، عن محمد بن مسلم... .
5- الاستبصار 4: 61؛ وسائل الشيعة 24: 83.
6- الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي... .
7- الكافي 6: 217؛ وسائل الشيعة 24: 84.

وأما ما دلّ على النهي عن الأكل كخبر ابن مسكان(1) فلا اعتباربأسناده مضافاً إلى إمكان حمل النهي فيه على الكراهة.

البحث الثالث: عدم اشتراط الإسلام والتسمية والقبلة في تذكية السمك

لا يشترط في تذكية السمك الإسلام والتسمية والقبلة(2).

أما الإسلام فلم يذكر في الروايات، بل قد صرح في بعضها(3) أنه لا إشكال في صيد الكافر، لكن يلزم إحراز موته خارج الماء. ولو ادعى الكافر ذلك فإن حصل اطمئنان بقوله حلّ وإلا فلا، وإنما لم يشترط ذلك في المسلم لأن فعله يحمل على الصحة، فيحرز الشرط بذلك.

ومن الروايات الدالة على عدم اشتراط الإسلام: موثقة أبي بصير(4)، عن الصادق(علیه السلام) قال: «سألته عن صيد المجوس للسمك حين يضربون للشبك ولا يسمون أو يهودي، قال: لا بأس إنما صيد الحيتان أخذها»(5).

ومنها: صحيحة الحلبي(6) عن الصادق(علیه السلام): قال: «سألته عن صيد

ص: 218


1- التهذيب 9: 12؛ وسائل الشيعة 24: 83، وفيه: «عن رجل صاد سمكاً وهن أحياء ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهن؟ فقال أبو عبد الله(علیه السلام) ما مات فلا تأكله».
2- الفقه 75: 451، وفيه: «لا يعتبر في صيد الحيتان ولا عند إخراجها من الماء، ولا عند موتها، ولا عند أكلها، التسمية، ولا الاستقبال، ولا الإسلام، بلا إشكال في الجميع ولا خلاف أجده في الأولين وعلى الأصح الأشهر في الثالث...».
3- وسائل الشيعة 24: 75.
4- الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي... .
5- الاستبصار 4: 63؛ وسائل الشيعة 24: 77.
6- الشيخ الطوسي بأسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي... .

المجوس السمك، فقال(علیه السلام): ما كنت آكله حتى انظر إليه»(1).

وهو يدل على عدم اشتراط الإسلام، بل الشرط هو حصول الاطمئنان بموته خارج الماء.

ومنها: ما روي عن الصادق(علیه السلام): «إنه نهى عن أكل ما صاده المجوس من الحوت والجراد؛ لأنه لا يؤكل منه إلا ما أخذ حيّاً»(2).

والمقصود عدم العلم بحياته حين أخذه وهو علة عدم الأكل، فلا ضمان لتحقق الشرط، فلو ضمن المجوسي ذلك فليس بحجة، إلا أن يحصل الاطمئنان من قوله.

البحث الرابع: مسائل متفرقة

المسألة الأولى: لو وجد سمكة في جوف أخرى

قال في الشرائع: «ولو وجد في جوف سمكة أخرى حلّت إن كان من جنس ما يحل، وإلا فهي حرام»(3).

فليست العبرة بحلية وحرمة السمك الآكل، بل العبرة بالمأكول، حتى وإن مات في الماء(4)، لكن ذهب بعض الفقهاء إلى الحرمة(5).

واستدل للأول(6) بروايتين، إن تمّ سندهما كانتا مخصصتين لحرمة ما

ص: 219


1- الاستبصار 4: 62؛ تهذيب الأحكام 9: 9؛ وسائل الشيعة 24: 75.
2- دعائم الإسلام 2: 173؛ مستدرك الوسائل 16: 118.
3- شرائع الإسلام 4: 748.
4- وهذا ما ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة: 576؛ والشيخ في النهاية: 576.
5- السرائر 3: 100؛ تحرير الأحكام 4: 637؛ إيضاح الفوائد 4: 144.
6- جواهر الكلام 37: 372.

مات في الماء، وإلا فلا.

الرواية الأولى: ما في الكافي: عن أبي علي الأشعري، عن الحسن بن علي الكوفي، عن العباس بن عامر، عن أبان، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قلت: «رجل اصطاد سمكة فوجد في جوفها سمكة؟ فقال: يؤكلان جميعاً»(1)، وحيث إن أبان من أصحاب الإجماع(2) فيصح ما صح عنه، فيكون مضمون الرواية معتبراً.

الرواية الثانية: ما في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «إن علياً(علیه السلام) سئل عن سمكة شق بطنها فوجد فيها سمكة، فقال: كلهما جميعاً»(3).

والسكوني عامي، لكن قال الطوسي في العدة: (إن الطائفة عملت برواياته)(4)، ولا وجه لذلك إلا وثاقته.

وأما الحسين بن يزيد النوفلي، فليس له توثيق خاص، بل نقل النجاشي عن بعض القميين أنه غالٍ(5)، ولكنه لم يرَ شيئاً من غلوه؛ ولذا توقف العلامة

ص: 220


1- الكافي 6: 218؛ وسائل الشيعة 24: 86.
2- اختيار معرفة الرجال 2: 673.
3- الكافي 6: 218؛ وسائل الشيعة 24: 86.
4- العدة في أصول الفقه 1: 149: «... عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم من العامة عن أئمتنا(علیهم السلام)، فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه».
5- فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): 38، وفيه: «الحسين بن يزيد بن محمد بن عبد الملك النوفلي، نوفل النخع، مولاهم كوفي أبو عبد الله. كان شاعراً أديباً وسكن الري ومات بها، وقال قوم من القميين: إنه غلا في آخر عمره والله أعلم، وما رأينا له رواية تدل على هذا».

فيه(1).

ومع ذلك يمكن توثيقه عبر عمل الطائفة بأخبار السكوني، فيلازمه القول بوثاقة النوفلي، حيث إن معظم أخباره - التي ربما بلغت ثمانمائة رواية - رويت عن طريقه، وإلا لما صح العمل بأخباره.

والظاهر تمامية المبنيين وبذلك يثبت اعتبار الروايتين، فيثبت حلية المأكول وإن مات في الماء.

المسألة الثانية: في أكل السمك حياً

ذهب المشهور إلى جواز أكل السمك حيّاً(2)، وذهب جمع منهم الشيخ الطوسي في بعض كتبه إلى الحرمة(3).

استدل المشهور بدليلين(4):

الأول: عمومات: {أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ}(5)، وكذا عمومات كون صيد السمك أخذه من الماء حيّاً، ولم يقيد ذلك بالموت خارج الماء فيجوز أكله حياً.

الثاني: ما رواه البرقي في المحاسن بسندين: «الحوت ذكي حيه

ص: 221


1- خلاصة الأقوال: 339، وفيه: «الحسين بن يزيد بن محمد بن عبد الملك النوفلي... وأما عندي في روايته توقف لمجرد ما نقله عن القميين وعدم الظفر بتعديل الأصحاب له».
2- شرائع الإسلام 4: 742؛ جواهر الكلام 37: 251.
3- المبسوط 6: 277.
4- الفقه 75: 442-443.
5- سورة المائدة، الآية: 96.

وميته»(1).

والظاهر التأمل فيهما، أما العمومات فلا إطلاق لها من جهة الموت والحياة، ولابد من إحراز كون المولى في مقام البيان من هذه الجهة، بل الآية في مقام بيان مطلبين: الأول: جواز الصيد، والثاني: حلية السمك في الجملة.

وأما رواية البرقي ففي السند مجاهيل، بالإضافة إلى أن معنى الذكي الطاهر(2)، لا أقل من عدم الظهور في كون المراد من الذكي الحلية.

واستدل للحرمة بعدة أدلة، وهي:

الدليل الأول: ما دل على أنه لو صاد السمك ثم أرجعه في الماء معلقاً له بخيط مثلاً ليبقى طازجاً فمات بعضها كان حراماً(3)، وتعليله في خبر عبد الرحمن بن سيّابة عن الصادق(علیه السلام) بقوله: «فإنه مات فيما فيه حياته»(4).

ووجه الاستدلال أنه لو كانت التذكية بإخراجه من الماء حياً فقد تحققت فلا مانع من إرجاعه إلى الماء، فلو مات فيه كان حلالاً؛ لأنه قد ذكي بالإخراج. لكن هذه الروايات تدل على حرمته فيما لو مات في الماء،

ص: 222


1- المحاسن 2: 475 ، وفيه: عن أبي أيوب المدايني وغيره، عن ابن أبي عمير، عن ابن المغيرة، عن رجل، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «الحوت ذكي حيه وميته». وعنه، عن أبيه، عن عون بن حريز، عن عمر بن هارون الثقفي، عن أبي عبد الله(علیه السلام) مثله.
2- جواهر الكلام 37: 257.
3- وسائل الشيعة 24: 79-80.
4- الاستبصار 4: 62؛ وسائل الشيعة 24: 79، وفيه: عن عبد الرحمن، قال: «أمرت رجلاً يسأل لي أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل صاد سمكاً وهن أحياء، ثم أخرجهن بعدما مات بعضهن، فقال: ما مات فلا تأكله فإنه مات فيما فيه حياته».

ومعنى ذلك أنه لم تتحقق التذكية بالإخراج من الماء حياً، وإنما المحققللتذكية إخراجه حياً وموته بعد ذلك.

وفيه نظر؛ لأن الروايات المذكورة تدل على الحرمة فيما لو رجع إلى الماء، فمع إخراجه من الماء تتحقق التذكية ويحل الأكل، فلو رجع إلى الماء حرم مجدداً، ولا إشكال عقلي في ذلك، فإن التذكية أمر اعتباري.

الدليل الثاني(1): ما في الاحتجاج: وقد أشكل الزنديق بعدم الفرق بين السمك وغيره، فكيف يؤكل ميتة؟ فأجابه الإمام الصادق(علیه السلام): «إن السمك ذكاته إخراجه حياً من الماء، ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه»(2)، فليست الذكاة مجرد إخراجه من الماء حياً، بل يلزم موته أيضاً.

وفي رواية أخرى في الخز(3): «وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها»(4)، فالسمك الحي لم يذكَ بعد.

وفيه نظر للإشكال السندي فيهما بالإرسال في الأول، وضعف الراوي في الثاني مع عدم الانجبار، بالإضافة إلى التأمل في الدلالة، فليس المراد كون ذكاته بالموت وإنما عدم لزوم قطع الرأس، فإن ظاهر الحديث التقابل مع الذبح وفري الأوداج.

وبعد عدم تمامية أدلة الطرفين استدل في فقه الصادق للحلية بعدم قيام

ص: 223


1- مستند الشيعة 15: 474؛ جواهر الكلام 37: 240.
2- الاحتجاج 2: 93؛ وسائل الشيعة 24: 75.
3- الخز: حيوان مائي حرام اللحم يصنع سداً في الماء ليعيش فيه، يجوز لبس جلده في الصلاة مع أنه لا يؤكل لحمه.
4- الكافي 3: 399؛ وسائل الشيعة 4: 360.

الدليل على حرمة أكل الحي، فيجري فيه أصل الحلية(1).وهو وإن كان غريباً لكن لا بأس به، حيث لا دليل على حرمة أكل الحيوان الحي. نعم، الدليل قائم على حرمة أكل الميتة. فإن تمّ هذا الدليل فبها، وإلا فلابد من المصير إلى الحرمة على الظاهر.

المسألة الثالثة: حكم ما لو قطع من السمك الحي

لو قطع قطعة من السمك الحي فهل يحل؟

فيه صورتان:

الأولى: لو قطعه في داخل الماء حرم؛ لأن ذكاة السمك بإخراجه من الماء حياً، وهذه القطعة بانت منه في الماء.

الثانية: لو أخرجه من الماء ثم قطع منه قطعة فتحل القطعة المبانة في جميع الصور، سواء مات السمك خارج الماء أم لا، أرجع إلى الماء أم لا؛ لأنه أخرج من الماء حياً، والقطعة المبانة ماتت خارج الماء.

ولكن صاحب الجواهر حرمها لأنها مبانة من الحي، وقد تم الدليل على حرمة الجزء المبان من الحي(2).

وهذه المسألة فرع المسألة السابقة، وهي: هل أن ذكاة السمك إخراجه من الماء حياً، سواء مات أم لا، كما هو المشهور، أو أن ذكاته إخراجه وموته؟

فعلى الثاني لا يحل، وعلى الأول يحل الجزء المبان؛ لأنه قطع من

ص: 224


1- فقه الصادق 36: 168.
2- جواهر الكلام 37: 252.

المذكى، وأدلة حرمة الجزء المبان من الحي منصرفة عن ذلك.

فإن تمّ الانصراف فبها، وإلا فما ذكر في الجواهر لا يخلو من قوة، فإنهجزء مبان من الحي، ومجرد الخروج من الماء لا يحقق التذكية، وإنما يلزم موته، فهو مبان من الجزء غير المذكى.

المسألة الرابعة: في تذكية السمك المحرم

لا تذكية للحيوان البحري المحرم؛ وذلك لعدم فائدة محصلة فيه؛ لأن للتذكية إحدى فائدتين: إما تحلل اللحم، أو ترفع النجاسة كتذكية الثعلب، حيث تسبب طهارة جلده.

وأما في الحيوان البحري المحرم فلا يحصل من تذكيته أي فائدة؛ وذلك لحرمة لحمه وطهارة ميتته، فلا فائدة في تذكيه؛ وذلك مثل التمساح الذي يصنع من جلده الأحذية. ولا يعقل جعل شيء وتشريعه من دون أثر يترتب عليه.

ص: 225

الفصل السابع: في ذكاة الجراد

اشارة

يحل أكل الجراد دون سائر الحشرات - وسيأتي تفصيله في كتاب الأطعمة والأشربة - وربما كانت الحكمة في حليته أنه حشرة نظيفة لا تأكل إلا النباتات، ولا تذهب إلى الأماكن الوسخة، ولا يضر أكله، بل فيه فوائد؛ ولذا حلّ أكله شرعاً.

وتتحقق تذكيتها بأخذها حية. ويدل على أصل الحلية وعلى كيفية التذكية روايات متعددة:

منها: صحيحة علي بن جعفر(1)، عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام) قال: «سألته عن الجراد نصيبه ميتاً في الصحراء أو في الماء أيؤكل؟ فقال: لا تأكله. وسألته عن الدبا من الجراد هل يحلّ أكله؟ قال: لا

يحلّ أكله حتى يطير»(2).

وفي رواية أخرى عنه: «سألته عن الجراد نصيده فيموت بعد أن نصيده أيؤكل: قال: لا بأس»(3). فلو كان حياً ومات أمام عينه ولم يأخذه لم يحل على المشهور(4).

ص: 226


1- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر... .
2- الكافي 6: 222؛ وسائل الشيعة 24: 87.
3- قرب الأسناد: 277؛ وسائل الشيعة 24: 87.
4- مستند الشيعة 15: 476؛ جواهر الكلام 37: 257.

ويدل عليه ما ورد من عدم الحلية فيما لو مات ولو بفعل الإنسان، كما لو حرق مزرعته فمات الجراد به، كما في موثقة عمار الساباطي(1)،

عن الصادق(علیه السلام): «وسئل عن الجراد إذا كان في قراح(2) فيحرق ذلك القراح، فيحرق ذلك الجراد وينضج بتلك النار، هل يؤكل؟ قال: لا»(3)، مع أن موته مستند إلى الإنسان، لكن حيث افتقد الأخذ - الذي هو شرط الحلية - لم يحل.

ولا منافاة بينه وبين خبره الثاني: «سألته عن الجراد يشوى وهو حي؟ قال: نعم، لا بأس به»(4)، ووجه عدم المنافاة واضح، حيث إن الحكم بالحرمة في الموثقة لعدم الأخذ، وفي الخبر الحكم بالحلية فيما لو أخذه وشواه حياً.

لكن ذهب البعض إلى الحلية فيما لو سقط الجراد على الأرض دون الماء(5)، ولم يشترط فيه الأخذ، بل يكفي موته في البر.

واستدل لذلك بروايتين(6):

الأولى: خبر مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق(علیه السلام): «إن علياً(علیه السلام) قال: الأرض للجراد مصيدة»(7)، ومعناه لو مات في الأرض حلّ، ولم يشترطفيه

ص: 227


1- الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى... .
2- القراح: المزرعة التي ليس فيها بناء ولا شجر.
3- تهذيب الأحكام 9: 62؛ وسائل الشيعة 24: 88.
4- وسائل الشيعة 24: 89.
5- الفقه 75: 447.
6- جامع المدارك 5: 133.
7- الكافي 6: 221؛ وسائل الشيعة 24: 88.

الأخذ.

الثانية: خبر الثقفي: عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(علیه السلام):

الجراد ذكي فكله، وأما ما مات في البحر فلا تأكله»(1)، ومفهومه أنه لو مات في البر حلّ؛ لأنه ذكي.

ومقتضى إطلاقهما عدم اشتراط الأخذ.

لكنه محل تأمل لصحة خبر علي بن جعفر مع عمل المشهور به، وهو أخص منهما، فعلى فرض صحة سندهما وتمامية دلالتهما فهما أعم من خبره فيقيدهما.

أما ضعفهما سنداً فلوجود المجاهيل فيهما، وأما ضعف الدلالة فلا إطلاق فيهما لكيفية الصيد في الأرض، كما أن ذكي ليس معناه التذكية، بل حلية اللحم، فإن الذكي بمعنى الطاهر والحلال والذكاة، ونفي الحلية عن الموت في البحر لا يدل على حلية البر، فإثبات شيء لا ينفي ما عداه.

تنبيه

ما ذكر من عدم كفاية الحرق إنما هو لو لم يكن آلة صيد، أما لو كان الحرق آلة للصيد فلا بأس به، حيث لا فرق بين أنواعها، فالمذكور في الرواية إنما هو ما لم يكن آلة الصيد، حيث لا يصدق الأخذ في صورة حرق المزرعة. نعم، لو جعل الحرق طريقاً للصيد صدق الأخذ، وبعد تحقق الموضوع يترتب الحكم، فالأمر مرتبط بالعرف.والحاصل: إن المهم صدق الأخذ عرفاً.

ص: 228


1- الكافي 6: 222؛ وسائل الشيعة 24: 88.

حكم صيد الدبا

واستثني من حكم الجراد الدبا وهو صغير الجراد(1)، حيث إنه حرام؛ وذلك للروايات المعتبرة بأن الجراد ما لم يطر لم يحل.

منها: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن(علیه السلام) قال: «... وسألته(علیه السلام) عن الدبا من الجراد أيؤكل؟ قال: لا حتى يستقل بالطيران»(2). فالقفز لا يكفي، فالحلية مرهونة بالاستقلال بالطيران ولا يحل قبل ذلك، سواء لم يكن جناح أصلاً أم كان له لكن لم يطرْ بعد.

المشكوك كونه دبا

لكن قال بعض الفقهاء بأن الصغير الذي خرج جناحه لكن لم يطرْ بعد، لم يعلم إطلاق (دبا) عليه، وحيث إنه مشكوك فتشمله عمومات حلية الجراد.

وفيه نظر، حيث لا يهم إطلاق اسم (دبا) عليه، فإن الحلية منوطة بالاستقلال بالطيران، فيكون قبله محرماً، سواء سمي (دبى) أم لا.

نعم، ورد في الصحيحة السؤال عن حكم (الدبى) لكن لا عبرة به، بل العبرة بالجواب.

عدم اشتراط البلوغ في صيد الجراد

ولا يشترط في صيد الجراد البلوغ(3)، كما هو الحال في السمك، فلو

ص: 229


1- الصحاح 6: 2333، وفيه: «الدبا: الجراد قبل أن يطير، الواحدة دباة... وأرض مدبية، على مفعولة، إذا أكل الدبى نباتها...».
2- مرّ تخريجه.
3- الفقه 75: 450.

أخذ غير البالغ - بشرط كونه مميزاً - الجراد تحققت التذكية. وأما غير المميز فلو أخذه لم يحل؛ لعد القصد فلا يشمله الدليل، أو أن الدليل منصرف عنه.

ويدل على ذلك:

أولاً: الأولوية، حيث لا يشترط البلوغ في الذبح، فلا يشترط في أخذ الجراد بطريق أولى، كما أن أخذه فرع من فروع حيازة المباحات، ولا يشترط فيه الشروط المذكورة في الذبح(1).

وثانياً: إطلاق أدلة ذكاة الجراد، فإن القدر المتيقن من الأخذ صورة القصد، ولم يقيد ذلك بالبلوغ. نعم، لو لم يقصد كانت الأدلة منصرفة عنه، أو لا يصدق عليه الأخذ أصلاً.

فرع: في جواز أكل الجراد الميت الذي أخذه المميز

ذكر في الجواهر(2): أنه لا يجوز أكل الجراد الميت الذي يأتي به المميز؛ لعدم العلم بتذكيته؛ وذلك لعدم حمل فعله على الصحة، فإنه خاص بالمسلم البالغ. نعم، لو رآه أنه يأخذه حياً جاز.

لكنه محل تأمل؛ لأن حمل فعل المسلم على الصحة أعم من البالغ، حيث لم يشترط في الأدلة ذلك، بل هي مطلقة، كقوله(علیه السلام): «ضع أمر أخيك على أحسنه»(3)؛ ولذا لو باع غير البالغ جاز الشراء منه، بناءً على عدم

ص: 230


1- وفيه نظر؛ لأن كونه فرعاً من فروع حيازة المباحات لا يدل على حلية أكله، بل يدل على ملكيته وجواز التصرف فيه. (المقرر).
2- جواهر الكلام 37: 263.
3- الكافي 2: 362.

اشتراط البلوغ، فكيف يعلم أنه لم يسرقه أو ليس محجوراً عليه، أو أنهيبيعه بلا إذن أبيه وهو ملكه، أو أنه راعى شروط الذبح؟ فالحمل على الصحة ينفي هذه الاحتمالات.

ص: 231

الفصل الثامن: في ذكاة الجنين

اشارة

يقع الكلام في تذكية الجنين، وقد ذكر الفقهاء حكمه في ست صور، اتفقوا على حلية بعضها وحرمة بعضها، واختلفوا في بعضها(1).

الصورة الأولى: أن يخرج الجنين حياً من بطن أمه، سواء كانت الأم حين خروج الجنين حية أم ميتة أم مذكاة، فلابد من تذكيته، وهو محل اتفاق(2)، بل هو من الواضحات التي لا غبار عليها، ولا بحث فيها، فإن الجنين الخارج حيوان حي يلزم تذكيته، ولا مدخلية لحياة الأم في حليته وحرمته.

الصورة الثانية: أن يسقط الجنين ميتاً، سواء كانت الأم حية أم ميتة، فلا يحل(3)؛ لأنه حيوان ميت لم يذكَ، فتشمله العمومات الدالة على حرمة الميتة.

الصورة الثالثة: أن تذكى الأم قبل ولوج الروح في الجنين(4)، فلم يكن له قابلية الاستمرار في البقاء، فهو حلال بالإجماع والنصوص الكثيرة، لكن بشرط أن يكون كاملاً إلى حد خروج شعره أو وبره.

ص: 232


1- الفقه 75: 457.
2- الانتصار: 413؛ الخلاف 6: 88؛ المختصر النافع: 243.
3- كفاية الأحكام 2: 593.
4- مفاتيح الشرائع 2: 205؛ الشرح الصغير 3: 94؛ رياض المسائل 12: 129.

ومن النصوص: صحيحة يعقوب بن شعيب بن ميثم التمار(1)، قال: «سألت أبا عبد الله عن الحوار(2) تذكى أمه أيؤكل بذكاتها؟ فقال: إذا كان تاماً ونبت عليه الشعر فكل»(3).

وصحيحة محمد بن مسلم(4):

«سألت أحدهما عن قول الله عز وجل: {أُحِلَّتۡ لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ} قال: الجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه»(5).

ولا يخفى ورود احتمالين في إعراب (ذكاة أمه) فلو أُعرب بالضم كان (ذكاته) مبتدأ، و(ذكاة أمه) خبراً، والمعنى: أن تذكية الجنين نفس ذكاة الأم، فبمجرد ذبح الأم كما يحل لحمها يحل جنينها.

ولو أ ُعرب بالنصب فهو من باب المنصوب بنزع الخافض، يعني: فذكاته في ذكاة أمه، ومفاده نفس المفاد، أي: إن حلية الجنين في تذكية أمه.

ولا يصح تقدير الكاف، أي: (ذكاته كذكاة أمه) ومفاده أنه كما تذكى الأم بالذبح كذلك يذكى الجنين بالذبح، كما فسره بذلك بعض علماء العامة(6).

ص: 233


1- الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن يعقوب بن شعيب... .
2- الحوار بالضم وقد يكسر: ولد الناقة ساعة تضعه أو إلى أن ينفصل من أمه.
3- الكافي 6: 234؛ تهذيب الأحكام 9: 59؛ وسائل الشيعة 24: 33.
4- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم... .
5- الكافي 6: 234؛ تهذيب الأحكام 9: 58؛ وسائل الشيعة 24: 34.
6- المجموع 9: 128، وفيه: «ذكاة الجنين ذكاة أمه، أي: ذكاته كذكاة أمة، أي ذكوه كما تذكون أمه»، والمبسوط، للسرخسي 12: 7؛ بدائع الصنائع 5: 43.

وهو غير تام؛ لأنه خلاف تفسيره في الروايات(1)، وإن كان الاحتمال قائماً من الناحية اللغوية.

الصورة الرابعة: أن يكون الجنين كاملاً وقد نفخ فيه الروح، فيموت حين ذبح الأم.

وهذه الصورة محل خلاف، حيث ذهب جمع منهم الشيخ الطوسي إلى الحرمة(2)، لكن المشهور الحلية(3).

واستدلوا على الحرمة بأصالة عدم الحل بعد تعارض أدلة حرمة الميتة وأدلة تذكية الجنين بالعموم من وجه، فيتساقطان في مورد الاجتماع.

بيان ذلك: إن أدلة حرمة الميتة تشمل الجنين وغيره، وأدلة حلية الجنين بذكاة أمه فيما لو مات في بطنها تشمل ما إذا ولجت فيه الروح أو لا، فيتعارضان في مورد الاجتماع بالعموم من وجه، فمورد الافتراق موت الحيوان الكبير حيث لا يشمله دليل الجنين، وكذا موت الجنين الذي لا روح فيه، حيث لا يشمله دليل الميتة، ومورد الاجتماع ما لو ولجت فيه الروح ومات بتذكية الأم، فدليل الجنين يحكم بحليته ودليل الميتة يحكم بحرمته، فبعد التعارض يتساقطان، فلابد من الرجوع إلى الأصل، وقد مرّ بيان أن الأصل الحرمة.وفيه نظر؛ فما ذكر من العموم من وجه تام لولا النص الخاص في مورد

ص: 234


1- كما في موثقة عمار بن موسى وستأتي قريباً.
2- النهاية: 585، وفيه: «وإن كان فيه روح وجبت تذكيته، وإلا فلا يجوز أكله».
3- مسالك الأفهام 11: 510؛ مجمع الفائدة والبرهان 11: 151؛ كشف اللثام 9: 223؛ مستند الشيعة 15: 458.

الاجتماع الدال على الحلية، فيصير دليل ذكاة الجنين أخص مطلقاً من دليل حرمة الميتة فيخصصه.

ففي موثقة عمار الساباطي(1)،

عن الصادق(علیه السلام): «عن الشاة تذبح فيموت ولدها في بطنها؟ قال: كلْه فإنه حلال؛ لأن ذكاته ذكاة أمه، فإن هو خرج وهو حي فاذبحه وكلْ، فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله»(2)، فإن ظاهر (يموت) أنه نفخ فيه الروح، وإلا لم يطلق عليه الموت.

ومفاد الرواية أنه لو مات في بطن أمه فهو حلال، وأما لو خرج حياً ومات فهو حرام، ومفهومه أنه لو مات في البطن كان حلالاً، سواء ولجت فيه الروح أم لا. فالاستدلال بمنطوق (يموت) ومفهوم (فإن هو خرج وهو حي). وعليه، فالأقرب ما ذكره المشهور.

الصورة الخامسة: أن يكون الجنين كاملاً، ويخرج حياً من بطن أمه حين تذكيتها، لكن حياته غير مستقرة، ولم تكن هنالك فرصة لتذكيته، بأن خرج حياً وصاح ثم مات، وهذه الصورة محل خلاف أيضاً.

واستدل(3) على الحرمة بموثقة عمار المتقدمة: «فإن هو خرج وهو حي فاذبحه وكلْ، فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله».وأشكل عليه بأنه منصرف إلى جنين مستقر الحياة(4)، بأن أخرج حياً ثم

ص: 235


1- الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى... .
2- تهذيب الأحكام 9: 80؛ وسائل الشيعة 24: 35.
3- رياض المسائل 12: 131؛ جواهر الكلام 37: 268.
4- رياض المسائل 12: 131.

مات بعد فترة؛ وذلك لقرينة السياق، فظاهر (فاذبحه) أنه مستقر الحياة، حيث يمكن ذبحه، ولو لم يكن مستقر الحياة لم يكن معنى ل (فاذبحه)، فمورد الرواية ما أذا استقرت الحياة، ولا تشمل غير ذلك بدليل الشق الأول (فإن هو خرج وهو حي فاذبحه).

لكن الانصراف محل نظر، فهنالك شقان في المسألة:

الأول: أن يخرج الجنين مستقر الحياة.

الثاني: أن يخرج غير مستقر الحياة، فمراد الإمام(علیه السلام) هذا المفاد: (الجنين إن كانت حياته مستقرة فاذبحه، وإن لم تكن له حياة مستقرة ومات فلا تأكله)، وقد بين المراد بهذه العبارة (إن هو خرج وهو حي فاذبحه)، هذا في صورة استقرارا الحياة، (فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله) وهذا في صورة عدم استقرار الحياة، فلا تلازم بين الشقين، بأن يكونا معاً في صورة استقرار الحياة، بل الشق الأول في صورة استقرار الحياة، والثاني في صورة عدم استقرارها، فالأقرب الحرمة.

الصورة السادسة: أن لا يكون الجنين مكتمل الخلقة، وهو حرام بالإجماع(1) والنصوص(2).

فرع: عدم لزوم شق بطن الأم فوراً

لو ذبحت الأم فلا يلزم شق بطنها فوراً لمعرفة حياة الجنين(3)، حيث لم

ص: 236


1- الانتصار: 413؛ الخلاف 6: 88-89؛ جواهر الكلام 37: 269.
2- راجع وسائل الشيعة 24: 33-36.
3- مستند الشيعة 15: 460؛ الجواهر 37: 271.

يشترط ذلك في الروايات، فإطلاقها يحمل على الطريقة المتعارفة، وأما الأكثر من ذلك - بأن تطول الفترة كثيراً - فتنصرف عنه أدلة (ذكاة الجنين بذكاة أمه).

والحاصل: إنه لا يلزم المبادرة غير العرفية، ولا يصح التهاون.

فرع: في ذبح الجنين في بطن أمه

لو ذبح الجنين في بطن أمه، بأن أدخل السكين في بطنها وذكاه، سواء كانت الأم حية أم ميتة، حرم(1) على ما في الجواهر(2)، لأن قوله: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) يفيد الانحصار، وذكاة كل شيء بحسبه، فلو ذبحه بنفسه لم يكن ذكاة.

لكنه محل تأمل، ففي الفقه: «إنه بصدد أن الذكاة له تحصل بذكاتها، لا أن ذكاته لا تحصل إلا بذلك، فالحصر محل نظر»(3)، فلا حصر للتذكية بذلك، كما لو قال: (أكرم زيداً، استضفه) فمعناه أن استضافته إكرام له، لا أن إكرامه منحصر في الاستضافة، وإنما عبر الإمام(علیه السلام) كذلك لأنه الغالب، فلا أحد يذبح الجنين في بطن أمه.

ص: 237


1- الفقه 75: 462.
2- جواهر الكلام 37: 266.
3- الفقه 75: 462.

الفصل التاسع: في الحيوانات القابلة للتذكية وعدمها

اشارة

وقد مرّ في أول الكتاب أن القاعدة العامة هي القابلية للتذكية، وإنما نذكر هنا ما لا قابلية له للتذكية للدليل الخاص، أو ما أختلف فيه.

وينقسم ذلك إلى ست فئات:

الفئة الأولى: الحيوانات النجسة بالعارض

وهي الحيوانات التي أصبحت نجسة ومحرمة بالعرض، فلا تقبل التذكية إلى أن يزول الأمر العارض، كالجلال(1)، فإنه وإن كان حلالاً لكن بسبب أكل النجاسة صار حراماً، فلابد من استبرائه لزوال ذلك، وتذكيته قبل الاستبراء لغو، حيث لا تسبب الحلية ولا الطهارة.

قال بعض الفقهاء(2): وكذلك الحكم في الموطوء، حيث يحرم لحمه بالوطء، فلا قابلية له للتذكية.

وفيه نظر؛ لأن للتذكية إحدى فائدتين: إما حلية اللحم والطهارة، أو الطهارة فقط، ومع عدمهما لا فائدة للتذكية، والموطوء وإن حرم لحمه لكن لا ينجس، ففائدة التذكية الطهارة. هذا أولاً.

ص: 238


1- كفاية الأحكام 2: 603؛ مستند الشيعة 15: 118.
2- كشف اللثام 9: 269؛ جواهر الكلام 37: 418.

وثانياً: في مثل الفرس أو الحمار الموطوء والذي يلزم تبعيده دون حرقهإذا ذكي فليس بميتة، فيمكن الانتفاع بجلده، ولو كان ميتة لم يمكن الانتفاع بجلده على المشهور، حيث يرون حرمة الاستفادة من الميتة مطلقاً(1).

والحاصل: إن الجلال غير قابل للتذكية، والموطوء قابل لها على الأصح.

الفئة الثانية: الأسماك المحرّمة

الأسماك المحرّمة غير قابلة للتذكية؛ لعدم الفائدة فيها؛ لأن إخراجها من الماء حياً لا يسبب حلية لحمها، ولا يؤثر في طهارتها، فإن ميتتها طاهرة لعدم الدم الدافق لها.

الفئة الثالثة: الكلب والخنزير

والكلب والخنزير غير قابلين للتذكية(2)، حيث لا فائدة فيها؛ وذلك لنجاستهما العينية.

الفئة الرابعة: السباع

كالأسد والعقاب، وقد وقع الخلاف في ذلك على أقوال:

القول الأول: ما هو المشهور من قابليتها للتذكية(3)، واستدل(4) لذلك ببعض الروايات الخاصة، وبروايات باب الصلاة، وبصحيحة علي بن يقطين في الثعلب.

ص: 239


1- كشف اللثام 9: 271.
2- السرائر 3: 423؛ مختلف الشيعة 9: 425.
3- السرائر 3: 423؛ كشف اللثام 9: 220.
4- كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد 3: 306؛ غاية المراد 3: 507؛ مفاتيح الشرائع 1: 69؛ كشف اللثام 9: 221.

1- أما الرواية الخاصة: فهي موثقة سماعة(1)، قال: «سألته عن جلود السباعأينتفع بها؟ قال: إذا رميت وسميت فانتفع بجلده، وأما الميتة فلا»(2). ومفاده أن المحل قابل للتذكية.

وأشكل عليها بالإضمار(3)، وقد كثر الإضمار في روايات سماعة.

والجواب: إن روايات سماعة المضمرة معتبرة على المشهور(4)، حيث كان يسأل الإمام(علیه السلام) عن مسائل شتى في مواضيع متعددة في مجلس واحد، فكان يجمعها في كتاب، ولم يكرر اسم الإمام(علیه السلام) فيها إلا بالضمير، ولما قطعها أصحاب المجاميع الروائية ليجعلوا كل سؤال وجواب في بابه جعلوها كما هي، ولما فقد كتابه صارت الروايات مضمرة، ولأجل ذلك ذكر المحدث الكليني وغيره من الفقهاء رواياته في كتبهم باعتبار أنها من المعصوم(علیه السلام).

2- وأما روايات باب الصلاة فتدل على جواز لبس فرو السمور والثعلب في الصلاة(5)، مع العلم بعدم جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه، وقد

ص: 240


1- الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة... .
2- التهذيب 9: 79؛ وسائل الشيعة 3: 489.
3- مسالك الأفهام 11: 519.
4- الحدائق الناضرة 20: 64؛ جواهر الكلام 37: 293.
5- الاستبصار 1: 384؛ وسائل الشيعة 4: 350، وفيه: عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن الفراء والسنجاب والسمور والثعالب وأشباهه، قال: لا بأس بالصلاة فيه».

استثني من ذلك الخز(1) وهو محل اتفاق(2)، وكذا السنجاب(3)، لكن لا يمكنالاستدلال بهما لأنهما ليسا من السباع.

وأما السمور فقد استثني أيضاً في بعض الروايات الصحيحة وهو من السباع، ويمكن الاستدلال به، حيث إنه لو لم يكن قابلاً للتذكية كان نجساً، ولا يجوز الصلاة فيه، وكذا الثعلب، فإنه من السباع، وفي بعض الروايات الصحيحة جواز الصلاة فيه(4).

لكن لا يصح الاستدلال بتلك الروايات مع صحتها لإعراض المشهور عنها، حيث ذهبوا إلى عدم جواز الصلاة في جلد السمور والثعلب(5)، وبالإعراض تسقط تلك الروايات عن الاعتبار، فلا يجوز الصلاة في جلدها، فلا دليل على قابليتها للتذكية. فالعمدة في المقام موثقة سماعة.

ص: 241


1- الكافي 3: 399؛ وسائل الشيعة 4: 360، وفيه: عن ابن أبي يعفور قال: «كنت عند أبي عبد الله(علیه السلام) إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: لا بأس بالصلاة فيه».
2- المقنع: 229؛ المقنعة: 150؛ المبسوط 1: 82؛ تحرير الأحكام 1: 198.
3- الاستبصار 1: 384؛ وسائل الشيعة 4: 347-350.
4- الاستبصار 1: 382؛ وسائل الشيعة 4: 358، وسنده الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن الصلاة في جلود الثعالب، فقال: إذا كانت ذكية فلا بأس». وبإسناده، عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن جميل، عن الحسن بن شهاب قال: >سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن جلود الثعالب إذا كانت ذكية أيصلى فيها؟ قال: نعم».
5- المقنعة: 150؛ الانتصار: 135؛ الخلاف 1: 63.

3- وأما صحيحة علي بن يقطين(1) فهي قوله: «سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن لباس الفراء والسّمور والفنك والثعالب وجميع الجلود، فقال: لا بأس بذلك»(2)

والثعلب من السباع ولا خصوصية له، كما أن الجلود تشمل جلود السباع.القول الثاني: عدم قابلية السباع للتذكية(3)، واستدلوا لذلك بالأصل بعد تضعيف رواية سماعة للإضمار(4)، وروايات باب الصلاة للإعراض.

وفيه إشكالان:

الأول: اعتبار الموثقة كما مرّ، فلا تصل النوبة إلى الأصل.

الثاني: إن الأصل لا يدل على عدم التذكية؛ لأن الكلام ليس في كون الحيوان حياً فمات فيشك أنه ذكي أم لا، حتى تجري أصالة عدم التذكية، بل الكلام في قابليته للتذكية وعدمها، ولا حالة سابقة له حتى يستصحب،

ص: 242


1- التهذيب 2: 211؛ وسائل الشيعة 4: 352.
2- الشيخ الطوسي بإسناده، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن علي بن يقطين... .
3- شرائع الإسلام 4: 743، وفيه: «الرابع: السباع كالأسد والنمر والفهد والثعلب، وفي وقوع الذكاة عليها تردد...»، وكشف اللثام 9: 221، وفيه: «وفي المسوخ كالقرد والدبّ والفيل قولان... وكذا في السباع، من الطير أو غيرها، كالأسد والنمر والفهد والثعلب والأرنب قولان... وأمّا القول الآخر في السباع فقد حكي القول بنجاستها... وحينئذ لا إشكال في عدم قبولها التذكية»، ومستند الشيعة 15: 442، وفيه: «وظاهر المسالك الميل إلى عدم وقوع الذكاة عليها؛ لاستضعاف الموثقتين بكون سماعة واقفياً، والروايتان موقوفتان مضمرتان».
4- رياض المسائل 12: 158؛ الفقه 75: 479، وفيه: «ومما تقدم يعلم أن القول الآخر ضعيف، ومستنده الأصل بعد تضعيف الروايات المذكورة سنداً كالموثقتين، أو سنداً ودلالة».

وعلى فرض ثبوتها من باب الاستصحاب العدم الأزلي فإنه مثبت وليس بحجة.

ويرد عليه عدم كونه مثبتاً؛ لأن الأصل المثبت إنما يجري فيما لو كان هنالك حيوان ميت فيستصحب عدم تذكيته حال الحياة، فيثبت كونه ميتة، فهو نجس وهذا مثبت، وأما في قابليته للتذكية فمع جريان العدم الأزلي نقول إنه غير قابل للتذكية، وهذا هو المقصود من الاستصحاب في المقام وليسبمثبت، فإن الاستصحاب يحكم بأنه غير قابل للتذكية، وقد وقع الخلط بين الموضوع الخارجي الذي هو مثبت وبين المقام.

هذا بالإضافة إلى أن الاستصحاب في الموضوع الخارجي ليس بمثبت أيضاً على ما في الكفاية(1).

نعم، أشكل على الأصل بأنه استصحاب في الأحكام الكلية، وهو بحث مبنائي.

والحاصل: إنه لو لم تتم موثقة سماعة فلا إشكال في أصل عدم قبول التذكية.

القول الثالث: ما ذهب إليه السيد المرتضى وجمع(2): من أن السباع لو ذكيت ودبغ جلدها جاز الانتفاع بها، فهو كالقول الأول في قابلتيها للتذكية، ولكن جواز الاستفادة منوط بالدبغ.

ص: 243


1- كفاية الأصول: 416-417.
2- الانتصار: 91-92؛ ونسبه في غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 3: 509، إلى الشيخ المفيد والطوسي والقاضي وابن إدريس.

ويدل عليه خبر أبي مخلد: «إني رجل سراج(1) أبيع جلود النمر، فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم، قال(علیه السلام): ليس به بأس»(2). ولو لم يكن الدبغ شرطاً في الجواز لم يكن معنى لسؤال الإمام(علیه السلام) عنه.

ويرد عليه(3):

أولاً: بضعف السند، بجهالة أبي مخلّد، وإن كان الأقوى اعتباره لأنه منمشايخ صفوان وابن أبي عمير.

ثانياً: بالإعراض.

ثالثاً: بعدم الإشكال في الانتفاع من جلد الميتة لكنه غير مشهور.

ورابعاً: إنه موافق للعامة.

وفيه نظر؛ لأن السؤال ليس عن الميتة، بل عن مطلق بيع جلود النمر، فلم يسأل عن الميتة حتى يقول الإمام(علیه السلام): لا إشكال فيه، حتى يقال: إنه مطابق للعامة. مضافاً إلى أن مجرد المطابقة للعامة لا يسقط الرواية، ولا يوجب حملها على التقية، إلا إذا كانت معارضة لرواية معتبرة، فعند التعارض يؤخذ بالمخالفة لهم، فمخالفتهم إحدى المرجحات(4).

وعمدة الإشكال الإعراض.

والحاصل: إن السباع قابلة للتذكية.

ص: 244


1- يبيع السروج.
2- الكافي 5: 227؛ وسائل الشيعة 17: 172.
3- مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى 2: 410.
4- وسائل الشيعة 27: 112، وفيه: وقوله(علیه السلام): «دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم».

الفئة الخامسة: المسوخ

الفئة الخامسة: المسوخ(1)

وقع الخلاف في كون المسوخ نجسة العين أم لا، وتفصيله في كتاب الطهارة.

وأما قابلتيها للتذكية فقد نسب صاحب الجواهر(2) إلى المشهور عدم قابليتها، بينما نسب كاشف اللثام(3) إلى المشهور عكس ذلك.

واستدل لقابليتها للتذكية بدليلين:

الأول: أصالة الحل والطهارة(4). وليس المراد من أصل الحل حلية اللحم، فإن من الواضح حرمة لحمها، وإنما المراد أصل جواز الانتفاع منها

ص: 245


1- جمع مسخ، فقد عذب الله بعض البشر، فجعلهم بشكل حيوان، وبعد ثلاثة أيام ماتوا وانتهوا، وما يقال: من أن هذه الحيوانات من نسل أولئك غير صحيح، ولا يخفى أن هنالك أربعة اصطلاحات باطلة، واصطلاح حق - كما في الفقه 75: 480 - نذكرها هنا حيث لا تخلو من فائدة: الأول: المسخ باصطلاح الروايات: بأن يتحول الإنسان إلى حيوان عذاباً من الله، وهذا هو الحق. الثاني: المسخ باصطلاح المتكلمين، وهو: أن يخرج روح إنسان ويدخل في حيوان آخر. الثالث: النسخ أو التناسخ في الأرواح: وهو انتقال روح من إنسان إلى إنسان آخر. الرابع: الفسخ: وهو انتقال روح إنسان إلى شجر. الخامس: الرسخ: وهو انتقال روح إنسان إلى حجر، وكل هذه الصور باطلة. وتحقيق المسوخ سيأتي في باب الأطعمة والأشربة، ومن المتيقّن أن القرد والخنزير من المسوخ، لكن بقية الموارد بحاجة إلى تحقيق في الروايات، والكلام في المقام في أصل قابلتها للتذكية (السيد الأستاذ).
2- جواهر الكلام 37: 287، وفيه: «المسوخ... والمشهور على ما قيل: إنه لا تقع عليها الذكاة».
3- كشف اللثام 9: 220، وفيه: «وقد تقع التذكية على ما لا يحلّ أكله... وفي المسوخ كالقرد والدبّ والفيل قولان، فالوقوع هو المشهور».
4- كشف اللثام 9: 220؛ الفقه 75: 482.

بعد تذكيتها، كالاستفادة من جلدها، فإن الحلية لا تختص بالأكل فقط، وإنما حلية التصرف.

والحاصل: إنه بناءً على عدم جواز التصرف في الميتة لو لم تقبل المسوخ التذكية كانت ميتة، ولا يجوز التصرف، لكن أصالة الحل تقتضي جواز التصرف.

وقد يشكل عليه: بأن أصالة عدم التذكية مقدمة على أصالة الحل، حيث يشك في قابليتها للتذكية فيستصحب بالعدم الأزلي؛ وذلك بناءً على تماميةاستصحاب العدم الأزلي، وأنه لا يختص بالموضوعات، بل يجري في الأحكام الكلية أيضاً، فعلى هذين المبناءين يجري استصحاب عدم التذكية.

وأجاب عنه في كشف اللثام(1): لا شك في قابلية المسوخ للتذكية كي يستصحب عدمها، فليس للشارع اصطلاح خاص فيها إلا بالتضييق تارة، كما في الخنزير، حيث لا تذكية له شرعاً، حتى مع قطع رأسه، والتوسعة أخرى، كما في السمك، حيث تذكيته شرعاً بإخراجه عن الماء حياً، بل التذكية أمر عرفي بمعنى فري الأوداج وقطع الرأس.

وقد يقال: إنه ليس للشارع اصطلاح مخترع للميتة إلا بالتوسعة والتضييق، كما لو لم تفرَ الأوداج الأربعة، أو لم يكن الذابح مسلماً، حيث إنه ميتة شرعاً لا عرفاً، والمسوخات قابلة لفري الأوداج الأربعة، ولم يعلم أن الشارع ضيق، فالتذكية العرفية جارية فيها.

ص: 246


1- كشف اللثام 9: 221.

وهو محل تأمل؛ لأن التذكية لا ترادف قطع الرأس أو فري الأوداج لا لغة ولا عرفاً، بل هي موضوع مستنبط شرعي، ويدل عليه اختلاف كيفية التذكية في الحيوانات، فتذكية السمك بإخراجه من الماء حياً، والجراد بأخذه، والصيد برميه أو إرسال الكلب عليه، والبعير نحره، وسائر الحيوانات بفري الأوداج الأربعة، فالاختلاف بين مصاديق التذكية يدل على أنها ليست عرفية، بل هي موضوع مستنبط شرعي، فمجرد قطع الرأس لا يساوي التذكية.

نعم، لو كان العنوان الذبح لكان منوطاً بالعرف، هذا بالإضافة إلى أن جذرالتذكية في اللغة(1) بمعنى الحلال والطيب والطاهر وغير ذلك، فللشارع اصطلاح خاص في ذلك؛ ولذا لا تستخدم هذه الكلمة في العرف، وإنما الذبح أو قطع الرأس أو ما أشبه ذلك.

نعم، لا يمكن العمل بهذا الأصل للدليل الخاص الدال على قابلية المسوخ للتذكية، وهو صحيحة علي بن يقطين الآتية.

الدليل الثاني: صحيحة علي بن يقطين، قال: «سألت أبا الحسن عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود، فقال(علیه السلام): لا بأس بذلك»(2)، والثعلب من المسوخ، كما أن جميع الجلود يشمل المسوخ أيضاً، مع كونها متعارفة الاستخدام حين صدور الرواية كالأرنب.

والحاصل: إن المسوخات قابلة للتذكية، وفائدتها طهارة لحمها

ص: 247


1- النهاية في غريب الحديث 2: 164؛ لسان العرب 14: 288.
2- مرّ تخريجها وسندها.

وجلدها(1). نعم، لا يجوز استخدامها في الصلاة؛ لأن الشرط في لباس المصلي أن لا يكون من جلد غير مأكول اللحم.

الفئة السادسة: الحشرات

وهي جمع حشرة بمعنى الحيوانات التي تدخل في الأرض، كما في اللغة(2)، وهي مأخوذة من الحشر، حيث تحشر نفسها في التراب، وهذا المعنى غير المصطلح عليه اليوم، حيث تطلق على كل موجود صغير لا لحم ولا عظمله ولو لم يسكن في الأرض كالذباب والجراد.

فالفأرة والحية والحيوانات الكبيرة التي تبني بيتها في داخل الأرض من الحشرات لغة(3).

وهي قابلة للتذكية للقاعدة العامة(4).

وأما الحشرات بالمعنى المصطلح عليه اليوم فلا قابلية لها للتذكية، وذلك لحرمتها وطهارتها فلا فائدة في تشريع تذكيتها، كما أنه لا يمكن عادة ذبحها بشرائط الذبح ولا تشريع لنوع آخر من التذكية فيها، إلاّ الجراد فقد مرّ قابليته للتذكية.

وبهذا ينتهي البحث في كتاب الصيد والذباحة، وسيأتي الكلام في كتاب الأطعمة والأشربة إن شاء الله.

ص: 248


1- الحدائق الناضرة 18: 96.
2- العين 3: 92؛ الصحاح 2: 630؛ معجم مقاييس اللغة 2: 67؛ لسان العرب 4: 191.
3- لسان العرب 4: 191، وفيه: «والحَشَرَةُ: واحدة صغار دواب الأَرض كاليرابيع والقنافذ والضِّبابِ ونحوها».
4- الفقه 75: 271؛ غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 3: 506؛ كشف اللثام 9: 223.

والحمد لله رب العالمين.

انتهى تقريره في 8 شوال 1437 المصادف للذكرى الأليمة لهدم قبور آل بيت رسول الله(صلی الله علیه و آله) في بقيع الغرقد، شيدها الله وعمرها بمحمد وآله الطاهرين، بجوار الإمام الرؤوف علي بن موسى الرضا(علیه السلام).

مشهد المقدسة

المقرر

ص: 249

ص: 250

الأطعمة والأشربة

اشارة

ص: 251

ص: 252

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على محمد و آله الطاهرين

تقرير بحث الخارج كتاب الأطعمة والأشربة، للسيد جعفر الشيرازي دام ظله

بقلم تلميذ من تلامذته

ابتداء التقرير

مشهد الإمام الرضا(علیه السلام)

شوال 1437

ص: 253

ص: 254

تمهيد

اشارة

والبحث فيه في حلية المأكول، سواء كان حيواناً أم غيره وحرمته، وكذا في المشروب.

وقبل الدخول في البحث لابد من تأصيل الأصل ليكون المرجع في المشكوك.

تأصيل الأصل

والأصل فيما شك في حليته وحرمته من المأكول والمشرب هو الحلية، ويدل عليه الآيات والروايات:

أما الآيات، فهي:

الآية الأولى: قوله تعالى: {قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا

مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ}(1).

وهي تدل على أمرين:

الأول: حلية غير الموارد المستثناة.

الثاني: عدم لزوم التصريح من قبل الشارع بالحلية، فنفس عدمالوحي

ص: 255


1- سورة الأنعام، الآية: 145.

بالحرمة يكفي للحلية، فمعنى قوله: {لَّآ

أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} هو حلية كلما لم يوحَ إليه بالحرمة.

الآية الثانية: قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا}(1)، فكل ما كان في الأرض فهو حلال.

وفي الإستدلال نظر؛ لأن الآية في مقام بيان أن كل شيء خلق في الأرض فهو لمنفعة البشر، وهي ساكتة عن كيفية الوصول إلى تلك المنفعة، فقد تكون المنفعة في الأكل، وقد تكون في غيره من الاستفادات، فلا إطلاق لها للأكل، بل للمنفعة.

إن قلت: قد لا يعلم الإنسان وجه المنفعة لشيء إلاّ الأكل.

قلت: عدم العلم لا يلازم عدم المنفعة، وربما من المنافع أن عدم وجودها يسبب اختلال قسم من الحياة، فخلقت لرعاية التعادل فيها.

الآية الثالثة: قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ}(2).

الآية الرابعة: قوله تعالى: {كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا}(3).

ولكنهما لا تدلان على المراد، لمكان (من) التبعيضية، فلا تدلان على حلية كل شيء، كما أن الآية الأخيرة مقيّدة بالحلال الطيب، فلابد من إثبات كونه حلالاً طيباً. وأمّا احتمال كون (من) بيانية فمع فرض وروده

ص: 256


1- سورة البقرة، الآية: 29.
2- سورة الملك، الآية: 15.
3- سورة البقرة، الآية: 168.

يوجبالإجمال، فلا يمكن الاستدلال بها.

وأمّا الروايات فقد ذكرت في مبحث البراءة من الأصول، والبحث فيها من حيث سندها ودلالتها، فراجع نبراس الأصول، ومنها قوله: «كل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»(1).

وادعي عليه الإجماع أيضاً لكنه محل تأمل.

موارد تخصيص الأصل الثانوي للأصل الأولي

وهنا أصل ثانوي لحرمة بعض الأشياء، وهو يخصص الأصل الأولي وذلك في موارد، وهي:

المورد الأول: الخبائث

اشارة

ولا إشكال في حرمتها، وتدل عليها آيات، هي:

الآية الأولى: قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ}(2)، وحيث إنه جمع محلى ب (أل) دلت الآية على حرمة كل الخبائث.

الآية الثانية: قوله تعالى: {يَسَۡٔلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمۡۖ قُلۡ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ}(3)، ومفهومه حرمة الخبائث.

وأشكل عليه أنه مفهوم(4) وصف أو لقب، والثاني ليس بحجة، والأول الأصل عدم حجيته.

ص: 257


1- من لا يحضره الفقيه 3: 341؛ تهذيب الأحكام 7: 226.
2- سورة الأعراف، الآية: 157.
3- سورة المائدة، الآية: 4.
4- مستند الشيعة 15: 10.

وفيه نظر: فليس الاستدلال بمفهوم الوصف، بل الحصر، وهو حجة لظهوره.

الآية الثالثة والرابعة: قوله تعالى: {ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ}(1). وقوله تعالى: {وَيُحِلُّ

لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ}(2).

والاستدلال بمفهوم الوصف فيهما فلا تدلان.

والحاصل: إن حرمة الخبائث من المسلمات.

الأقوال في معنى الخبائث

وفي معنى الخبائث ثمانية أقوال(3):

القول الأول: المراد الخبيث الشرعي

المراد هو الخبيث الشرعي، سواء تنفرت طباع العرف منه أم لا، والشارع قد بيّن أن لحم الخنزير خبيث ولحم الغنم طيب، فما عيّنه الشارع خبيثاً كان خبيثاً، وما لم يعين فهو طيب.

وإنما ذهبوا إلى هذا القول لأن هنالك موارد تتنفر منها الطباع، كبعض الأدوية المرّة، ومع ذلك فليست خبيثة، بالإضافة إلى اختلاف الطباع، حيث تختلف طباع قوم عن قوم، وأهل البادية عن الحضر، فالعرب لا يتنفرون من شيء كالجراد، والعجم يتنفرون منه، كما أن هنالك موارد لا تتنفر منها النفوس والطباع وقد حرّمها الشارع، كالأرنب والسمك غير ذات الفلس، وأمّا لحم

ص: 258


1- سورة المائدة، الآية: 5.
2- سورة الأعراف، الآية: 157.
3- مستند الشيعة 15: 9-12؛ جواهر الكلام 36: 237-239.

الخنزيرفلو لم يحرّمه الشارع لم تكن الطباع تتنفر منه، ويشهد له أكل جميع البشر منه ما عدا المسلمين واليهود، وحتى بعضهم يأكله وهو طيب عنده.

وأشكل عليه بأن المرجع في الموضوعات العرف واللغة، إلاّ إذا كان للشارع اصطلاح خاص، وليس كذلك في كلمة (الخبيث) فالقول بأن الخبيث ما خبثه الشارع خلاف العرف واللغة.

القول الثاني: المراد الخبيث اللغوي

والمراد من الخبيث هو الخبيث اللغوي.

وفيه: أن اللغة تبيّن المعنى الكلي دون المصاديق.

القول الثالث: المراد الخبيث العرفي

والمراد هو الخبيث العرفي، فكل ما اشمأزت منه النفوس المستقيمة، وتنفرت منه الطبائع السليمة فهو خبيث، والتقيد بالسليمة مقابل أصحاب الطباع الشاذة.

وفيه نظر؛ لأن إن أكثر النفوس السليمة والطباع المستقيمة تتنفر من الأدوية، ولا تتنفر من السمك غير ذات الفلس مثلاً.

اللّهم إلاّ أن يقال: إن المدّعى كون الخبيث ما تتنفر الطباع السليمة منه، لا أن كل محرم هو خبيث يُتنفر منه، فتأمل.

القول الرابع: المراد التنفر من جميع الجهات

وهو ما اختاره جمع لدفع الإشكال عن القول الرابع، حيث قالوا: لابد من كون التنفر من جميع الجهات لا من جهة الأكل فقط، ففي الأدوية الخبث من جهة الأكل فقط، أمّا في العذرة فالتنفر من جهة الأكل والنظروالرائحة

ص: 259

واللمس، فما تنفروا منه من جميع الجهات كان خبيثاً. وكأنهم أرادوا التخلص من إشكال العقاقير.

وفيه نظر؛ فإن بعض ما حرّمه الشارع ليس فيه تنفر من جميع الجهات كالسمك المحرّم، فليس فيه تنفر من جميع الجهات نظراً ولمساً.

اللهم إلاّ أن يورد عليه ما أورد على سابقه.

القول الخامس: الخبيث ما تنفر منه أهالي البلاد

دون سكنة البادية، وكأنه اختاره للتخلص مما يأكله أهل البوادي، حيث يأكلون كل شيء بخلاف أهل البلد.

وفيه نظر؛ فإن أهل البلد تختلف طبائعهم بين بلادنا والصين مثلاً.

القول السادس: التقييد بنفوس العرب

وهو ما في المسالك(1) من التقييد بنفوس العرب؛ لأن الآية نزلت بلسانهم.

وفيه نظر؛ فإن الكثير من المحرمات التي جعلها الشارع خبيثاً لم يعتبره العرب قبل الإسلام خبيثاً كالخمر، بل جعلها أم الخبائث، وكذا الدم والخنزير.

والقول بأنها محرمة وإن لم تكن من الخبائث أو محللة وإن كانت من الخبائث محل نظر، حيث لا يقبل الأمر الاستثناء، فلا يرتبط بذوق العرب.

القول السابع: الخبيث مجمل

وهو ما اختاره المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة(2) من أن الخبيث مجمل فلا يمكن الاستدلال به للتحليل والتحريم، بل لابد من مراجعة

ص: 260


1- مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام 12: 7.
2- مجمع الفائدة والبرهان 11: 156-157.

الشرع في كل شيء حرّمه.

القول الثامن: المراد الطيب والخبيث الواقعي

فلا يرتبط الأمر بتنفر الطباع وعدمه، وإنما هنالك ما واقعه خبيث كشف الشارع عنه، وذلك كالطعام المسموم، حيث لا يتنفر الطبع منه، لكن لو كشف عنه لتنفر الإنسان منه.

ويدل عليه تنفر النفس عن كثير من الأشياء وليست من الخبائث كالعقاقير، وعكسه في كثير من الحيوانات المحرّمة، فالخبيث هو الخبيث الواقعي والطريق إلى الكشف عنه الشرع.

لكن لا يمكن قبول هذا على إطلاقه، فإن طريق الكشف لا ينحصر بالشرع، فإن الكثير من الخبائث التي تتنفر منها النفس يُطلق عليها الخبيث، كالميتة المتعفنة والعذرة، مع عدم وجود دليل خاص في بعض الموارد، كالبصاق المتجمع، فلو كان دليل حرمته تنفر النفس منه! فإن النفس تتنفر منه كما تتنفر من الدواء المر، فكيف عرف أن الأول خبيث واقعي فصار حراماً والثاني ليس بخبيث؟

والظاهر أنه يمكن الالتزام بهذا القول بأن يقال: إن تحريم الشارع يكشف أنه خبيث واقعي، كما أن الإنسان قد يكتشف بنفسه الخبيث من غير تفسيره بما تنفر الطباع منه.

لا يقال: إنه تعريف بالأخفى؛ لأن مفهوم الخبيث واضح دون مصداقه.

فإنه يقال: تارة يكون الخبيث الواقعي معلوماً كالعذرة، حيث يعرفه العرف - حتى غير المتشرع - بالخبث، فهنا العرف كشف الخبيث، وتارة

ص: 261

الأمربحاجة إلى كشف الشارع عنه، كالخمر وإن مالت إليه النفوس.

والحاصل: إن الكاشف إمّا النفس وإمّا الشرع.

ولا يخفى أن الأقوال المذكورة صوّرت النسبة بين الخبيث والحرام بالتساوي، والحال أن النسبة بينهما عموم مطلق، فتارة يكون الشيء حراماً ليس بخبيث كالتراب؛ ولذا يجوز أكله في موارد، ولكن كل خبيث حرام.

المورد الثاني: الأشياء المضرّة

اشارة

فهل هي خارجة عن أصالة الحلية؟

فقد ذهب البعض(1) إلى حرمة كل ما يضر البدن، سواء من المأكول أم المشروب، قليلاً كان أم كثيراً - إن كان قليله مضراً- .

أدلة حرمة الأشياء الضارّة

واستدل له بأدلة:

الدليل الأول: الإجماع

وقد استدل به جمع من الفقهاء(2).

لكنه دليل لبي، فلا يشمل الموارد المشكوكة، أمّا الأضرار المسلّمة التي لا يجوز التعرض لها فهي موارد:

الأول: الضرر الذي يسبب الهلاك مهما كان منشؤه، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ}(3)، فهي مطلقة وإن كان

ص: 262


1- كفاية الأحكام 2: 612.
2- مستند الشيعة 15: 15.
3- سورة البقرة، الآية: 195.

موردها الإنفاق حيث قال: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ}، فإن خصوصية المورد لا تخصص الوارد، فهذا الضرر منهي عنه شرعاً، فلا يجوز التعرض له، ومن أسبابه الأكل والشرب، كما في السم القاتل فيحرمان؛ لأنهما يؤديان إلى قتل النفس.

الثاني: ما يكون موجباً لفقد عضو أو قوة، كشرب مائع يؤدي إلى العمى، وهذا مما علم مبغوضيته لدى الشارع، ودليله السيرة والارتكاز وغيرهما مما بحث في محله، فيحرم التعرض له، فالأكل والشرب الموجب لفقد قوة حرام.

وهذا هو القدر المسلّم من الإجماع، ولا يعلم تحققه في غيره. مع الإشكال فيه من جهة معلومية استناده إلى أدلة أخرى.

وأما إدخال التحريم من جهة تضرر المال بأن يحرم الأكل الموجب للإسراف والتبذير. فلا يرتبط بحرمة الطعام، إذ هنا أمران: حرمة الطعام وحرمة الإسراف والتبذير، والكلام في الأول.

الدليل الثاني: استقلال العقل بحرمة الأشياء الضارة

حيث يقبّح العقل تناول الطعام المضر تقبيحاً شديداً من دون تبعيته لحكم الشرع، ولولا ذلك لم يكن من المستقلات العقلية.

لكن إطلاقه محل تأمل، حيث لا يحكم العقل بقبح كل طعام مضر، خاصة إذا كان في تناوله مصلحة أهم، فلو كان في تحمل الضرر منفعة عقلائية لم يستقل العقل بقبحه، بل قد يحكم بحسنه، كما هو الحال فيما يفعله العقلاء ويؤيده العقل مما فيه الضرر لكن فيه منفعة.

ص: 263

اللهم إلا أن يقال: إن الكلام بغض النظر عن العناوين الثانوية كالأهم، وإلا فجميع الأحكام الشرعية مؤطرة بالعناوين الثانوية، فحتى أكل الميتة قد يكون جائزاً، بل واجباً، كما لو أدى تركه إلى الموت، وهنا أيضاً كذلك، فالعقل يحكم بحرمة الضرر ما لم يكن فيه منفعة أهم. هذا أولاً.

وثانياً: إن العقل دليل لبي، والقدر المتيقن منه ما فيه هلاك النفس أو فقد عضو أو قوة إن لم يكن فيه غرض عقلائي كما في الجهاد.

وثالثاً: إن العقل اما نظري وملاكه الإمكان والاستحالة، أو عملي وملاكه الحسن والقبح، والأول لا يجري فيما نحن فيه، والثاني غير ثابت إلاّ في إهلاك النفس أو نقص العضو أو القوة وفي الجملة.

الدليل الثالث: أدلة نفي الضرر شاملة للأشياء الضارة

وهو إن أدلة نفي الضرر تشمل الطعام المضرّ. ولابد من توجيه الاستدلال بقاعدة (لا ضرر) عبر أحد طريقين:

الأول: إنه وإن كان نفياً لكن المراد منه النهي، فمفاد (ليس في الإسلام ضرر) هو (لا تضر).

لكن هذا الوجه لم يرتضه جمع من الأصوليين.

الثاني: أن يكون مفاده النفي الشامل لكل نوع من الأضرار، ومنه نفي الحكم الناشئ منه الضرر، فجواز أكل الطعام المضر - وهو حكم شرعي ينشأ منه الضرر - نفاه الشارع، ومعنى نفي الجواز الحرمة.

ويرد عليه - بغض النظر على المبنى في القاعدة - أنها لا تدل على حرمة الطعام المضر من جهتين:

ص: 264

الأولى: إن القاعدة امتنانية، فلو كان رفع الضرر خلاف الامتنان لم ترفعه القاعدة، كما هو الحال في رفع الإكراه، فلو أكره على بيع داره ثم نزلت قيمتها فالحكم ببطلان البيع خلاف الامتنان، لكن تخيير المكره بعد رفع الإكراه على القبول أو الإمضاء موافق للامتنان.

وفي المقام كذلك، فإن رفع الحكم الضرري قد يكون خلاف الامتنان، كما لو كانت مصلحة أهم في تناول الطعام المضر، والحاصل ليس الدليل مطلقاً(1).

الثانية: إن الطعام المضر المترتب عليه غرض عقلائي قد لا يسمى ضرراً عرفاً(2).

الدليل الرابع: عموم التعليل

إن الروايات الشريفة عللت تحريم بعض الأطعمة بالضرر، والعلة تعمم وتخصص. نعم، لا يمكن الاستدلال بالروايات التي رتبت الضرر على بعض أنواع الأطعمة من دون تعليل، لكن يصح الاستدلال بما علل به، ويفهم من العلة التعميم.

وفيه إشكالات:

الإشكال الأول: إن ما ورد في الروايات حكمة، فلا يمكن الاستناد إليها في سائر الموارد، ودليل كونه حكمة أن الحكم ليس دائراً مدار الضرر، كمافي تناول القليل الذي لا ضرر فيه، أو ما دفع ضرره طبياً أو كان مزاج

ص: 265


1- ويتأمل فيه: بأن القاعدة ترفعه لولا المزاحم الأهم، كما هو الحال في كل القواعد والأدلة التي يراعى فيها المصلحة الأهم أو المعارض المقدم عليه. (المقرر).
2- ويتأمل فيه: بأنه عرفاً ضرر لكنه يتحمل لغرض عقلائي، كما لو بتر رجله لأجل إنقاذه من الموت، فقطع الرجل ضرر يتحمله لدفع ضرر أشد. (المقرر).

الشخص خلاف الأمزجة المعتدلة فينفعه ما يضر الآخرين، فهل يمكن القول بحلية الطعام المنهي عنه المعلل بكونه للضرر؟ كلا، فيعلم من الحكم بحرمة قليله أو ما دفع ضرره، أو ما كان فيه النفع أن المذكور في الروايات حكمة لا علة.

هذا مع قطع النظر عن البحث السندي في بعض تلك الروايات، وإن كان بعضها معتبراً.

والحاصل: إن الأدلة التي أقيمت على حرمة الطعام المضر مطلقاً غير تامة، والقدر المسلّم ما كان موجباً لهلاك النفس، أو فقد عضو أو قوة.

ولا يخفى أن ما ذكر لا ينفي كون الحرمة لأجل المفسدة، فجميع المحرمات إنما حرمت لأجل مفسدة فيها، لكن لا تنحصر المفسدة في الضرر حتى تكون علة، فإن المفسدة تارة تكون ضرراً بالغاً في البدن، وتارة في العقل كحرمة الخمر، وتارة مفسدة دينية كحرمة المذبوح خلاف القبلة، حيث لا ضرر مادي فيه، وتارة مفسدة اجتماعية، وتارة لجهة أخرى كالخبائث.

نعم، لو صرح الشارع بأنه علة دار مداره الحكم.

المورد الثالث: الطعام النجس أو المتنجس

وذلك لروايات متعددة(1) تحكم بحرمته، فله دليل مستقل بقطع النظر عنأي شيء آخر كخباثته أو ضرره.

ص: 266


1- وسائل الشيعة 17: 84، وفيه: «وأمّا وجوه الحرام... أو شيء من وجوه النجس فهذا كله حرام ومحرم؛ لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه...».

والحاصل: إن الأصل الحلية إلا ما خرج، ومنها الخبائث والنجاسات والمتنجسات والمضر في الجملة.

ص: 267

الفصل الأول: في حكم الموجودات البحرية

اشارة

يقع الكلام في تشخيص الحلال والحرام من الموجودات البحرية، وينقسم البحث إلى ثلاثة أقسام: حكم غير السمك، وحكم السمك ذات الفلس، وحكم السمك غير ذات الفلس.

القسم الأول: الموجودات البحرية غير السمك

المشهور(1) شهرة عظيمة حرمة الموجودات البحرية غير السمك كالأخطبوط والسرطان، حتى ادعي عليه الإجماع(2)، ويقابله ما نسب إلى الشيخ الصدوق من الحلية، وهو المشهور بين العامة(3)، ومال إليه بعض المتأخرين صناعة، منهم: المحقق الأردبيلي(4) والمحقق السبزواري في كفايته(5).

أدلة حرمة الموجودات البحرية غير السمك

واستدل لحرمتها بأدلة:

ص: 268


1- كشف اللثام 9: 248؛ رياض المسائل 12: 137؛ جواهر الكلام 36: 253.
2- الخلاف 6: 31؛ الرياض 12: 135؛ مستند الشيعة 15: 66؛ جواهر الكلام 36: 241.
3- الخلاف 6: 30.
4- مجمع الفائدة 11: 190.
5- كفاية الأحكام 2: 596.

الدليل الأول: أصالة عدم التذكية

فالمسوغ للأكل هو التذكية، والموجودات البحرية غير السمك يشك في قابليتها لها، والأصل عدمها، وقد مرّ البحث فيه وأنه من العدم الأزلي، بناءً على حجيته، وبناءً على جريانه في الأحكام الكلية. وأمّا الأدلة الدالة على أخذه من الماء حياً فموضوعها السمك.

لكنه محل إشكال - مع غض النظر عن الإشكال المبنائي - لأنه أصل مسببي، ولا تصل النوبة إليه مع وجود الأصل السببي.

بيان ذلك: إن قابليتها للتذكية وعدمها مسبب عن الحلية والحرمة، حيث إننا نشك أنه حلال أو حرام فلو كان حلالاً قَبِلَ التذكية، ولو كان حراماً لم يَقبل؛ لعدم الفائدة فيه، فإن الغرض من التذكية إمّا الحلية وإمّا الطهارة، والأول خلاف الفرض، والثاني متحقق قبل التذكية؛ لأن ميتته طاهرة على كل حال، فأصالة عدم التذكية لا تجري لأنه مسببي، حيث يجري الأصل في السببي وهو أصل الحلية.

هذا بالإضافة إلى الأدلة العامة على حلية الموجودات البحرية، فلا تصل النوبة إلى الأصل، ومن الأدلة العامة قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ}(1)، فمع وجود الدليل العام على الحلية لا تصل النوبة إلى الأصل، بل لابد من دليل يخصص العمومات.

والحاصل: إن الأصل المذكور مسببي، مضافاً إلى أنه لا يجري لوجوددليل لفظي عام على خلافه.

ص: 269


1- سورة المائدة، الآية: 96.

الدليل الثاني: العمومات الدالة على حرمة الميتة

فالموجود البحري بعد خروجه من الماء يكون ميتة، فتشمله أدلتها، ومنها: {حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ}(1).

وفيه إشكالان:

الأول: ما يقبل التذكية ليس ميتة، فلا تشمله أدلة الميتة.

الثاني: على فرض صدق الميتة عليه فلابد من تخصيص أدلة الميتة، وقد خصصت بإطلاق الآيات والروايات، ومنها: {أُحِلَّ لَكُمۡ صَيۡدُ ٱلۡبَحۡرِ وَطَعَامُهُۥ}، فتخصص {حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ} لأنها تشمل البري والبحري، والآية استثنت البحري(2)، وفي الرواية (وحلال ميتته)(3) بالنسبة إلى ميتة البحر.

وذهب صاحب الرياض(4) إلى عدم دلالة الآية على سائر الموجودات البحرية غير السمك؛ وذلك لانصرافها إلى السمك فقط، ولو فرض شمولها لها لزم تخصيص الأكثر، حيث إن سائر الموجودات البحرية محرمة إما لخبثها أو لضررها.

ص: 270


1- سورة البقرة، الآية: 173.
2- ويمكن القول: إن النسبة بينهما عموم من وجه، فإن أدلة حرمة الميتة تشمل ميتة البحر والبر، وأدلة حلية طعام البحر تشمل الحي والميت، فيتعارضان في ميتة البحر، ولا يخفى أن عموم الثاني إنما هو بالدقة، ولكن الإنصاف أن العرف لا يرى عمومه ليشمل الحي والميت، فتأمل (المقرر).
3- وسائل الشيعة 1: 136، وفيه: قال(علیه السلام): وقد سئل عن الوضوء بماء البحر؟ فقال: «هو الطهور ماؤه، الحل ميتته».
4- رياض المسائل 12: 135.

لكنه غير تام فلا انصراف، حيث لا منشأ له، فإن المنشأ قد يكون عدم التعارف بين الناس، لكن أكلها كان متعارفاً منذ زمن النبي(صلی الله علیه و آله) وإلى يومنا عند أكثر الناس. نعم، جمع من الشيعة - لأجل فتوى الفقهاء - يقتصرون على السمك، وأمّا كونه خبيثاً أو مضراً فهو أول الكلام، فلا يلزم تخصيص الأكثر.

الدليل الثالث: موثقة عمار الساباطي

عن الصادق(علیه السلام)(1) قال: «سألته عن الربيثا، فقال: لا تأكلها فإنا لا نعرفها في السمك يا عمار»(2). فتدل على أن الحلية دائرة مدار كونه سمكاً، فيحرم كل ما ليس بسمك.

لكنه محل تأمل؛ لأنها تعارض الروايات المعتبرة الدالة على حلية الربيثا - أي الروبيان - ، التي عمل بها المشهور شبه المجمع عليه، فلابد من حمل الموثقة على الكراهة أو الإعراض. و لا يمكن القول بحرمة سائر الموارد؛ لأن خروج المورد من الحكم قبيح.

الدليل الرابع: ما يدل على حرمة الموجودات البحرية إن لم تكن سمكاً ذات فلس

وستأتي المناقشة فيه عند بحث التعارض بين الروايات الدالة على حلية وحرمة السمك غير ذات الفلس، فلو رجحنا الروايات الدالة على تحريم

ص: 271


1- الشيخ الطوسي بأسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
2- الاستبصار 4: 91.

غير ذات الفلس تم الدليل الرابع وإلا فلا.

الدليل الخامس: الإجماع

وقد ادعاه جمع(1) وقال في المسالك: «لا خلاف بين أصحابنا في تحريمه»(2).

وفيه إشكال صغرى وكبرى، حيث لا إجماع لمخالفة جمع كالشيخ الصدوق والطوسي في بعض الموارد كالمارماهي(3) حيث اختلفت فتواه فيه، فالإجماع غير ثابت صغرى، وأمّا كبرى فهو معلوم الاستناد، ومبناهم عدم حجية محتمله فكيف بمعلومه؟

إلاّ أن يقال: إن معلومية الاستناد فضلاً عن محتمله غير مخلٍّ بحجية الإجماع؛ لأن حجيته من باب بناء العقلاء، وهم لا يفرقون في ذلك، وهو بحث مبنائي.

والحاصل: إنه أقيمت خمسة أدلة على حرمة الموجودات البحرية غير السمك، فإن تمَّ الرابع منها - كما سيأتي - كان المدعى تاماً.

القسم الثاني: السمك ذات الفلس

وقد اتفق جميع المسلمين على حليته بلا خلاف ولا من واحد، وفيها روايات متواترة(4)، وربما يمكن دعوى الضرورة على ذلك.

ص: 272


1- الخلاف 6: 31؛ غنية النزوع: 398؛ السرائر 3: 99؛ المعتبر 2: 84؛ مختلف الشيعة 8 : 283.
2- مسالك الأفهام 12: 10.
3- النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: 576.
4- وسائل الشيعة 24: 127.

فرع: في سقوط الفلس

لا يخفى أن السمك ذات الفلس نوعان: ما لا يتساقط فلسه، وما له فلس خلقة لكنه يتساقط، لسوء خلقه، حيث يحك نفسه على صخور البحر.

والمهم في الحكم أن يكون له فلس خلقة ولو تساقط بعده.

ومن الثاني ما يسمى بالكنعت، وقد وردت حليتها في الروايات الصحيحة، حيث لها فلس خلقة، ومنها: صحيحة حماد(1): «قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): جعلت فداك، الحيتان ما يؤكل منها؟ فقال: ما كان له قشر، قلت: جعلت فداك، ما تقول في الكنعت، قال: لا بأس بأكله، قال: قلت له: فإنه ليس له قشر، فقال لي: بلى ولكنها حوت سيئة الخلق تحك بكل شيء، وإذا نظرت في أصل أذنها وجدت له قشراً»(2).

القسم الثالث: السمك غير ذات الفلس

وله أقسام كثيرة، ومنشأ الإشكال فيه تعارض الروايات، حيث إن هنالك روايات كثيرة، وبعضها معتبرة تدل على حرمته، وهنالك روايات ظاهرها الحلية.

والمشهور شهرة عظيمة وادعي عليه الإجماع الحرمة(3)، ويقابله قول الصدوق بالحلية(4)، ومال إليه بعض المتأخرين(5)، كما نقل ذلك عن الشيخ

ص: 273


1- محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن يحيى، عن حماد بن عثمان...
2- الكافي 6: 219؛ وسائل الشيعة 24: 137.
3- الانتصار: 400؛ ملاذ الأخيار 14: 118؛ تحرير الأحكام 4: 636.
4- مستند الشيعة 15: 61.
5- مجمع الفائدة والبرهان 11: 190؛ كفاية الأحكام 2: 596.

الطوسي في التهذيب والاستبصار(1).

روايات حرمة السمك غير ذات الفلس

ومما يدل على الحرمة صحيحة(2) محمد بن مسلم عن الصادق(علیه السلام) قال: «كُلْ ما له قشر من السمك، وما ليس له قشر فلا تأكله»(3).

وصحيحة(4) عبد الله بن سنان عن الصادق(علیه السلام): «كان علي(علیه السلام) في الكوفة يركب بغلة رسول الله(صلی الله علیه و آله) ثم يمر بسوق الحيتان فيقول: لا تأكلوا ولا تبيعوا من السمك ما لم يكن له قشر»(5).

وموثقة(6) حنان بن سدير عن الصادق(علیه السلام): «ما لم يكن له قشر من السمك فلا تقربنه»(7).

ومرسل(8) حريز عن بعض أصحابه، عن الصادق والباقر‘: «أن أمير المؤمنين كان يكره الجريث(9)، ويقول: لا تأكلوا من السمك إلاشيئاً عليه

ص: 274


1- الاستبصار 4: 59؛ تهذيب الأحكام 9: 5.
2- الكليني، عن العدة، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر جميعاً، عن العلاء، عن محمد بن مسلم... .
3- الكافي 6: 219؛ وسائل الشيعة 24: 127.
4- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن سنان... .
5- الكافي 6: 220؛ وسائل الشيعة 24: 128.
6- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
7- الكافي 6: 220؛ وسائل الشيعة 24: 128.
8- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عمن ذكره عنهما‘ ... .
9- نوع من السمك يشبه المارماهي، كما قاله بعض. العين 6: 98؛ لسان العرب 2: 128.

فلوس وكره المارماهي»(1).

وهناك روايات أخرى مذكورة في الوسائل(2).

الروايات الدالة على حلية السمك غير ذات الفلس

ومما يدل على الحلية روايات:

منها: صحيحة(3) زرارة عن الصادق(علیه السلام) قال: «ويكره كل شيء من البحر ليس له قشر مثل الورق، وليس بحرام إنما هو مكروه»(4).

ولا يخفى استخدام الكراهة في الحرمة كثيراً في الروايات، فتستخدم في المعنيين، بخلاف ما هو المصطلح اليوم؛ ولذا أكد الإمام(علیه السلام) على بيان مراده.

ومنها: صحيحة(5) ابن مسكان، عن الحلبي، عن الصادق(علیه السلام): «لا يكره شيء من الحيتان إلا الجري»(6).

والاستثناء دليل على حليتها كلها غير المستثنى.

توجيه روايات الحلية

وتسقط دلالة الطائفة الثانية بأحد طريقين:

الأول: التقية، فغالب العامة يحللّون كل الموجودات البحرية، وأمّاأبو

ص: 275


1- الكافي 6: 220؛ تهذيب الأحكام 9: 2؛ وسائل الشيعة 24: 128.
2- وسائل الشيعة 26: 127.
3- الشيخ الطوسي بأسناده، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة... .
4- الاستبصار 4: 59؛ وسائل الشيعة 24: 135.
5- الشيخ الطوسي بأسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن محمد الحلبي... .
6- تهذيب الأحكام 9: 5؛ وسائل الشيعة 24: 134.

حنيفة(1) فيرى حلية السمك مطلقاً - سواء كان له فلس أم لا - ، ويحرم سائر الموجودات.

فالروايات الدالة على الحرمة تخالف العامة، ومخالفتهم من المرجحات، فلابد من حمل روايات الحلية على التقية.

إن قلت: مع إمكان الجمع العرفي بحمل النهي على الكراهة لا تصل النوبة إلى الترجيح بمخالفة العامة لأنه فرع التعارض.

قلت: لو كان الشيء حراماً واقعاً واتفقت العامة على حليته فإن كان الإمام(علیه السلام) في تقية فلا يكون كلامه إلاّ بالتحليل ولا طريق آخر، وحينئذٍ فمع علم العرف بهذا يرى تعارض النهي والإباحة، فتأمل.

الثاني: ما في المستند(2) من أن روايات الجواز عامة حيث تعم الموجودات البحرية، وروايات عدم الجواز خاصة بالسمك غير ذات الفلس، فيتقدم الخاص على العام.

وفيه نظر؛ لعدم عمومية بعض أدلة الجواز، بل هي خاصة بالسمك غير ذات الفلس، كما في السؤال عن الجري في صحيحة زرارة، حيث إن مورد السؤال السمك غير ذات الفلس، فقال(علیه السلام): «ويكره كل شيء من البحر ليس له قشر مثل الورق وليس بحرام، إنما هو مكروه»(3)، فهو بيان لحكم الخاص.وكذلك في صحيحة الحلبي(4) ابن مسكان يقول(علیه السلام): «لا يكره شيء من

ص: 276


1- الخلاف 6: 30.
2- مستند الشيعة 15: 62.
3- الاستبصار 4: 59؛ وسائل الشيعة 24: 135.
4- مرّ تخريجه قريباً.

الحيتان إلا الجري»(1)، فلو كان المراد من الحيتان السمك ذات الفلس كان استثناء الجري منقطعاً، وهو خلاف الظاهر، فيعلم من ذلك كله أنه ليس مورد روايات التحليل الموجودات البحرية، بل خصوص السمك الذي لا فلس له.

وعليه فمقتضى الصناعة حرمة السمك غير ذات الفلس وعليه الشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعاً، بل قال جمع: إنه من شعار الشيعة، فيبعد عدم استناده إلى المعصومين(علیهم السلام).

القسم الرابع: الروبيان

وليس من السمك، بل هو من فصائل سرطان البحر، لكنه حلال لروايات كثيرة، وقد ذكر فيها الأربيان والرباثا أو الربيثا.

منها: صحيحة(2) يونس بن عبد الرحمان، عن الكاظم(علیه السلام): «ما تقول في أكل الأربيان؟ فقال لي: لا بأس بذلك، والأربيان ضرب من السمك»(3).

ومنها: معتبرة(4) عمر بن حنظلة سأل الصادق(علیه السلام) عن الربيثا، فقال:«كلها،

ص: 277


1- الاستبصار 4: 59؛ وسائل الشيعة 24: 134.
2- الشيخ الطوسي بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمان، عن أبي الحسن(علیه السلام) ... .
3- وسائل الشيعة 24: 141.
4- الشيخ الطوسي بأسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن البرقي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن عمر بن حنظلة... . وفي اعتبار عمر بن حنظلة كلام، حيث ليس له توثيق خاص، لكن الفقهاء قبلوا روايته المعروفة بمقبولة عمر بن حنظلة، ويمكن إثبات وثاقته عن طريق رواية يزيد بن خليفة، حيث ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام) في حقه: «إذن لا يكذب علينا»، إلا أن يزيد مجهول لكنه من مشايخ ابن أبي عمير، كما يمكن إثبات وثاقته عن طريق كونه من مشايخ ابن أبي عمير. والمتحقق عندنا وثاقته واعتباره (السيد الأستاذ).

وقال: لها قشر»(1).

ومنها: موثقة(2) حنان بن سدير قال(علیه السلام): «هذه لها قشر، فأكل منها ونحن نراه»(3).

ومنها: صحيحة(4) محمد بن إسماعيل عن الرضا(علیه السلام) قال: «لا بأس بها»(5).

ولكن هنالك روايات منها موثقة عمار الساباطي(6) نهت عن أكل الربيثا، إلا أن المشهور اعرضوا عنها فتحمل على الكراهة.

ولا يخفى أن المقصود من قول الإمام(علیه السلام): «لها قشر» الجلد الذي عليه، فهو مع قشر السمك من مادة واحدة ولا فرق بينهما، كما لا فرق بين الفلس الكثير أو الفلس الواحد الكبير، وربما الأمر من باب الحكومة وتوسعة القشر ليشمل جلد الروبيان.

ولا يخفى أنه لا عمومية لهذا كي يشمل سائر فصائل السرطان، إذ إنه ليس بعلة بل حكمة.

القسم الخامس: في خصوص الجري والمارماهي والزمير

فلو قلنا بحرمة غير ذات الفلس فهي محرمة وإنما ذكرت بخصوصها في

ص: 278


1- الاستبصار 4: 91؛ وسائل الشيعة 24: 139.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه ، عن حنان بن سدير... .
3- الكافي 6: 220؛ من لا يحضره الفقيه 3: 340.
4- محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، وبإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن إسماعيل... .
5- تهذيب الأحكام 9: 6؛ وسائل الشيعة 24: 140.
6- مرت مع تخريجها قريباً.

الروايات لسؤال الناس عنها لكثرتها في الفرات، ومعه ليس الأمر بحاجة إلى روايات خاصة.

وأمّا بناء على حلية السمك غير ذات الفلس فلابد من الاستدلال على حرمتها بالروايات الخاصة المعتبرة الكثيرة التي لا يبعد تواترها(1) بالإضافة إلى فتوى المشهور، كما يستدل على ذلك بكونها من المسوخ.

القسم السادس: في السمك الجلاّل

لو انحصر طعام السمك المحلل في عذرة الإنسان صار جلالاً، وحرم لحمه. وفي المقام بحوث:

البحث الأول: في معنى الجلال

وفي معنى الجلال(2) أقوال(3):

منها: إن الجلال هو الحيوان الذي يأكل النجاسة لمدة يوم وليلة.

ومنها: إنه ما يأكل النجس إلى أن يتغير طعم لحمه ورائحة بدنه.

وهنالك أقوال أخرى لكن لا مستند لها لا لغة ولا عرفاً.

والأقرب أن تشخيص الموضوع بيد العرف، حيث ليس للشارع مصطلح جديد. نعم، قد لا يشخص العرف، فتكون اللغة طريقاً لكشف المعنى العرفي، فلو أكل النجاسة يوماً لم يسم جلالاً، وإنما ما كان عادته ذلك، سواءكان يوماً أم ثلاثة، حتى لو لم يتغير طعم لحمه.

ص: 279


1- راجع وسائل الشيعة 24: 130-137.
2- وحقه أن يبحث في البهائم، لكن صاحب الشرائع أورده هنا بعد ذكر أحكام السمك الحلال وتمييزه عن الحرام، فتبعه الفقهاء (السيد الأستاذ).
3- مجمع الفائدة والبرهان 11: 250؛ رياض المسائل 12: 144.

ولا يخفى أنه ليس المراد أكل كل نجاسة وإنما خصوص العذرة، فلو تعود على أكل السمك الحرام أو تعود على أكل الميتة لم يصبح جلالاً.

نعم، لو تغذى حيوان بلبن الخنزير حرم وإن لم يكن جلالاً، لكنه لا يجري في السمك؛ لعدم تصور الموضوع وإنما في البهائم، وله دليله الخاص كما سيأتي.

والدليل على اشتراط خصوص العذرة ما ورد في الروايات(1)، فيجري في غيرها أصالة الطهارة والحلية بعد عدم إحراز وحدة المناط.

البحث الثاني: الدليل على الحرمة

إن أصل منشأ الحرمة روايتان ضعيفتان سنداً، لكن أفتى على طبقهما المشهور وعملوا بهما، فلا يضر ضعف السند بالحكم، وهما:

الرواية الأولى: ما رواه يونس بن عبد الرحمن، عن الرضا(علیه السلام): «سألته عن السمك الجلال. قال: ينتظر به يوماً وليلة»(2).

والجملة الخبرية تدل على الوجوب، بل هي أصرح من صيغة الأمر في إفادته، ووجه ضعفها وجود السياري في السند.

الرواية الثانية: ما عن الصادق(علیه السلام): «والسمك الجلال يربط يوماً إلى الليل في الماء»(3).

ص: 280


1- الكافي 6: 250؛ وسائل الشيعة 24: 164.
2- الكافي 6: 252؛ وسائل الشيعة 24: 167.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 338؛ وسائل الشيعة 24: 168. بإسناده عن القاسم بن محمد الجوهري... .

ووجه ضعفها وجود قاسم بن محمد الجوهري حيث ضعفه العلامة(1)، وبناءً على عدم اعتبار تضعيفه فهو مجهول.

كما يمكن الاستدلال للحكم المذكور بالروايات الواردة في البهائم لو استفيد منها الملاك.

البحث الثالث: في مدة الاستبراء

وقد اختلف الفقهاء(2) في مدة الاستبراء، ومنشؤه تلك الروايتين، حيث اشترطت الأولى الانتظار يوماً وليلة، والثانية إلى الليل فحسب.

وأراد البعض إرجاع الثانية إلى الأولى ببيان أن الغاية داخلة في المغيى، فالليل داخل في الحكم.

لكن المبنى محل تأمل؛ لما تقرر في الأصول من عدم دخولها فيه. فهما متعارضان، فلابد من الترجيح، والأول هو المرجح لاختيار المشهور له، وعدم عملهم بهذا المقطع من الثانية فلا جابر له.

وعلى فرض اعتبارها لم تنافِ الأولى أيضاً؛ لإمكان الجمع الدلالي بأن يحمل الخبر الأول على الاستحباب في الليل(3).

ولو فرض التعارض والتساقط فالاستصحاب مع الحرمة فيما لو استبرأ في النهار فقط.

البحث الرابع: في إعطاء الطعام وعدمه في مدة الاستبراء

هل يلزم في مدة الاستبراء إعطاؤه الطعام الحلال أم يكفي حبسه للفترة

ص: 281


1- خلاصة الأقوال: 388.
2- رياض المسائل 12: 145؛ جواهر الكلام 36: 260.
3- أقول: لكنهما مثبتان، فلا تنافي بينهما، فلابد من الأخذ بالأكثر. (المقرر).

المذكورة بلا إطعام. فيه خلاف.

قال جمع(1) بلزوم إعطاء الطعام الحلال وإلا لم يحل، وقال آخرون بكفاية عدم أكل الحرام.

وقد تمسك للقول الأول بأدلة:

الدليل الأول: استصحاب الحرمة.

الدليل الثاني: إن حقيقة الاستبراء الحبس مع التغذية، وأمّا مجرد الحبس فلا يسمى استبراء.

الدليل الثالث: ورد لزوم التعليف بالطعام الحلال في البهائم، ولا فرق بينها وبين السمك.

لكنها محل تأمل، أمّا الأول: فلا مجال للاستصحاب مع وجود الإطلاق «ينتظر به يوماً وليلة» وهو دليل اجتهادي، ومع أن الإمام(علیه السلام) في مقام البيان لم يقيده بلزوم إطعامه الحلال.

وأمّا الثاني: فلم ترد في الروايات كلمة الاستبراء في خصوص السمك، وإنما هو اصطلاح فقهائي، أو متخذ مما ورد في البهائم، والوارد في السمك: «ينتظر به يوماً وليلة».

كما أن حقيقة الاستبراء التطهير، ولا يلزم فيه أكل الحلال.

وأمّا القول باشتراط التغذية بالحلال في الاستبراء فلا أصل له، كما أن القولباستبدال الأجزاء النامية من الحرام بالطعام الحلال، ففيه أن ما نبت من الحرام لا يذوب بأكل الحلال حتى يتولد لحم جديد.

ص: 282


1- مجمع الفائدة والبرهان 11: 254؛ رياض المسائل 12: 145.

وأمّا الثالث فهو أن ما ورد في البهائم من اشتراط التغذية ليس له مدخلية في الاستبراء، بل لطول المدة كأربعين يوماً في الإبل، وعشرين في البقر، وعشرة أيام في الغنم، وخمسة في البط، وثلاثة في الدجاج، فربما يموت مع عدم التعليف، وعلى فرض المدخلية فالمناط لإسراء الحكم من البهائم إلى السمك غير معلوم.

نعم، لو قلنا بمدخلية التغذية في الاستبراء وفهمنا المناط لزم ذلك في السمك أيضاً.

البحث الخامس: اشتراط كون العلف طاهراً وعدمه

هل يشترط في العلف أن يكون طاهراً أم يكفي النجس منه؟

اشترط البعض الطهارة(1) وإلا استصحبت الحرمة، وهو مقتضى الاحتياط.

لكنه محل تأمل؛ لأن الإطلاق لا يدع مجالاً لهما.

إن قلت: لو كانت نجاسة العلف بالعرض لم يمنع للإطلاق، لكن نجس العين كالميتة أو لحم الكلب فهو مشكل للشك في الإطلاق فيستصحب.

قلت: لا شك في الإطلاق، لعدم الانصراف وتمامية مقدمات الحكمة فلا يبعد تحقق الاستبراء حتى بأكل النجس غير العذرة.

فرع: في بيض السمك

المعروف بالثرب.

ذهب المشهور(2) إلى تبعية البيض للسمك في الحلية والحرمة، فلو كان

ص: 283


1- المختصر النافع: 243؛ رياض المسائل 12: 145.
2- شرائع الإسلام 4: 749؛ مسالك الأفهام 12: 21؛ رياض المسائل 12: 146.

حلالاً حل، ولو كان حراماً حرم. وأمّا ابن إدريس(1) فقد ذهب إلى حلية البيض، سواء كان السمك حلالاً أم حراماً.

واستدل للأول بدليلين:

الأول: ما ورد في الطيور من تبعية بيضه له.

وفيه نظر؛ لأنها في مورد الطيور، ولم يحرز إطلاقها ليشمل بيض السمك، خاصة وإن المنصرف من البيض هو بيض الطيور، فتعميمه إلى البيض في بطن السمك محل تأمل والملاك غير ثابت.

الدليل الثاني: إنه جزء السمك عرفاً، فله حكم الأصل كالأجزاء. ولا بأس به.

وأمّا ابن إدريس فقد تمسك بأصالة الحل، لكنه ضعيف؛ لأن بيض السمك من أجزائه عرفاً، فيشمله دليل حليته وحرمته.

فالأقرب المشهور أن البيض تابع للأصل.

وهنا مباحث متفرقة يمكن معرفة تفاصيلها بمراجعة الكتب الفقهية، كحكم السمك الطافي، والميت في الحظيرة، وما لو شك في موته في الماء أو خارجه، وقد تم مناقشة بعضها في المباحث السابقة.

ص: 284


1- السرائر 3: 113؛ رياض المسائل 12: 146.

الفصل الثاني: في الحيوانات البريّة المحلّلة

اشارة

وهي أنواع، منها:

النوع الأول: الأنعام الثلاثة

ولا إشكال في حليتها بجميع أنوعها الشامل للبعير البخاتي - الذي له سنامان - والمعز والجاموس. وتدل على ذلك أدلة، هي:

الدليل الأول: الضرورة من الدين، حيث يعلم بحليتها كل مسلم.

الدليل الثاني: الآيات الكريمات. منها: قوله تعالى: {ثَمَٰنِيَةَ

أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبُِّٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ * وَمِنَ ٱلۡإِبِلِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ}(1)، وظاهرها، بل نصها حلية الأزواج الثمانية.

نعم، فسر الظأن - في تفسير القمي(2) - بالجبلي والأهلي، ولم ينسبه إلى معصوم، وحتى لو فرض أن كل ما في التفسير روايات أو مقتبس منها، فهذا مرسل لا يترك الظاهر لأجله، فإن ظاهرها الذكر والأنثى.

ومنها: قوله سبحانه: {وَمِنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرۡشٗاۚ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ

ص: 285


1- سورة الأنعام، الآية: 143-144.
2- تفسير القمي 1: 219.

ٱللَّهُ}(1)، والأمر فيه يفيد الإباحة.ومنها: قوله عز وجل: {أُحِلَّتۡ

لَكُم بَهِيمَةُ ٱلۡأَنۡعَٰمِ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ}(2).

الدليل الثالث: متواتر الروايات.

الدليل الرابع: الإجماع.

النوع الثاني: الفرس والحمار والبغل

فهل يحل لحمها؟ وعلى فرض الحلية هل يكره؟ وعلى فرض الكراهة أيها أشد كراهة؟

ذهب المشهور شهرة عظمية إلى حليتها على كراهة، وقد ادعي عليه الإجماع(3).

وخالفهم الشيخ المفيد وأبو الصلاح، أمّا أبو الصلاح فقد حرم البغل(4)، وأمّا الشيخ المفيد فحرم البغل والحمار والهجن(5) وهو الفرس الأهلي، وظاهره حلية الفرس الوحشي.

أمّا أدلة الحلية فأمور:

الدليل الأول: الإجماع، ولا يضر في ذلك مخالفة الشيخ المفيد وأبي الصلاح، فعلى مبنى القدماء خروج معلوم النسب لا يضر بتحقق الإجماع، وعلى مبنى المتأخرين فلا يخل مخالفتها بالكشف عن رأي المعصوم، أو

ص: 286


1- سورة الأنعام، الآية: 142.
2- سورة المائدة، الآية: 1.
3- الخلاف 6: 80؛ غنية النزوع: 401.
4- الكافي في الفقه: 277.
5- المقنعة: 768.

بناء العقلاء.الدليل الثاني وهو العمدة: مستفيض الروايات، وقد ادعي تواترها(1).

منها: صحيحة(2) محمد بن مسلم: سألت أبا جعفر(علیه السلام): «عن لحوم الخيل والبغال والحمير، فقال: حلال ولكن الناس يعافونها»(3).

ومنها: صحيحة الآخرى(4): «وقد نهى رسول الله(صلی الله علیه و آله) يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه(5)، وليست الحمر بحرام، ثم قال: اقرأ الآية: {قُل

لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٖ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ}»(6).

ولابد من حمل نهيه(صلی الله علیه و آله) على الكراهة، أو قضية ثانوية في وقتها، حيث لم يكن لأجل تشريع الحرمة، وإنما لأجل أمر ثانوي، حيث كان يستفاد من ظهورها أثناء الحرب.

وأمّا أدلة الحرمة فهي الروايات المتضمنة للنهي الظاهرة فيها، وفيها معتبرات.

ص: 287


1- جواهر الكلام 36: 265.
2- البرقي، عن أبيه، عن صفوان، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم... .
3- المحاسن: 473؛ من لا يحضره الفقيه 3: 335؛ وسائل الشيعة 24: 122.
4- الشيخ الطوسي بأسناده، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)... .
5- أي: مخافة أن يفنوها.
6- الاستبصار 4: 74؛ وسائل الشيعة 24: 123.

منها: مرسلة أبان بن تغلب عمّن أخبره عن الصادق(علیه السلام): «سألته عنلحوم الخيل، فقال: لا تأكل إلا أن تصيبك ضرورة، ولحوم الحمير الأهلية، فقال: في كتاب علي(علیه السلام): إنه منع أكلها»(1). ودلالتها على الحرمة للنهي والاستثناء.

ومنها: صحيحة(2) عبد الله بن مسكان: «وسألته عن أكل لحم الخيل والبغال، فقال: نهى

رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن أكلها، فلا تأكلها إلا أن تضطر إليها»(3).

ومنها: صحيحة(4) سعد بن سعد الأشعري القمي عن الرضا(علیه السلام): «سألته عن لحوم البراذين(5) والخيل والبغال، فقال: لا تأكلها»(6).

ووجه الجمع بين الطائفتين واضح؛ لأن الطائفة الأولى نص في الحلية، فلا يحتمل فيها الخلاف، والطائفة الثانية نهي ظاهره الحرمة، فيحمل الظاهر على النص، فتدل على الكراهة بضميمة أن المشهور شهرة عظيمة هو الحلية.

وقد جمع بعض(7) بين الطائفتين بما نتيجته الحرمة، وهو حمل روايات الحلية على الاضطرار، فتكون الحرمة هي الحكم الأولي.

ص: 288


1- الكافي 6: 246؛ وسائل الشيعة 24: 121.
2- الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن ابن مسكان... .
3- الكافي 6: 246؛ وسائل الشيعة 24: 121.
4- الشيخ الطوسي بأسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن سعد بن سعد... .
5- جمع برذون نوع من الفرس.
6- الاستبصار 4: 74.
7- فقه الصادق 24: 122.

ووجه ذلك هو تقدم الجمع الموضوعي على الجمع الحكمي، فلو قالالمولى: أكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم فساقهم، فمقتضى الجمع الموضوعي وجوب إكرام العلماء إلا الفساق، فالمراد من العلماء بالإرادة الجدية غير الفاسقين - أي: العدول - فهو تضييق لدائرة الموضوع. ومقتضى الجمع الحكمي استحباب إكرام العلماء وكراهة إكرام فساقهم، فهذا الجمع وإن كان ممكناً إلا أنه غير عرفي، ولا تصل النوبة إليه مع إمكان الجمع الموضوعي.

والمقام كذلك، حيث يتم تقييد الخيل والبغال والحمير بحال الاضطرار، وهو جمع موضوعي فيقدم على الحكمي.

وفيه إشكالان:

الأول: إن بعض الأخبار الواردة صريحة بالحلية في حال الاختيار، كقوله(علیه السلام): «حلال ولكن الناس يعافونها» فإن الكلام في مورد الاختيار.

الثاني: ما ذكر من الجمع ليس من الجمع الموضوعي حتى يقدم على الجمع الحكمي، حيث تم تقييد الحكم لا الموضوع، أي: الحلية في حال الاختيار والحرمة في الاضطرار، فهما قيدا الحلية والحرمة لا الخيل والبغال.

كما يمكن الجمع بحمل روايات النهي على التقية لموافقتها للعامة، كما مرّ نظيره في السمك غير ذات الفلس، فراجع.

درجات الكراهة

وبعد ثبوت الكراهة فهل لها درجات؟

المشهور(1) أن لحم البغل أشد كراهة؛ وذلك لأنه مركب من حيوانين

ص: 289


1- مجمع الفائدة والبرهان 11: 163؛ رياض المسائل 12: 151؛ جواهر الكلام 36: 269.

مكروهين.

وذهب القاضي ابن البراج(1) إلى أن الحمار أشد كراهة؛ لأنه متولد من حيوانين مكروهين بشدة، أمّا البغل فقد تولد من حيوان مكروه بشدة والآخر أقل كراهة وهو الفرس؛ لأن النبي(صلی الله علیه و آله) أكل منه(2).

وفي الاثنين نظر؛ لأن الكراهة حكم شرعي، والأشدية أيضاً حكم شرعي، ولا يثبتان بالاستحسان؛ ولذلك لا دليل على أشدية أحدها على الآخر.

ولو فرض أن النبي(صلی الله علیه و آله) أكل من الفرس - كما استدل به على أقلية الكراهة - فهو(صلی الله علیه و آله) لا يفعل المكروه، بل لا يترك الأولى، فحتى لو ثبت أكله لم يكن ذلك مكروهاً أصلاً حتى يستدل على كونه أقل كراهة.

وبما أن هنالك روايات على الكراهة فلابد من القول بأن فعله(صلی الله علیه و آله) لحالة خاصة، فيرتفع الحكم بالحرمة أو الكراهة لأجل تلك الحالة، فلا يمكن الاستدلال بكونه أقل كراهة لفعل النبي(صلی الله علیه و آله)، ففعله قطعاً ليس بمكروه في تلك الحالة الاستثنائية.

حكم لحم البقر والجاموس

ذهب البعض(3) إلى كراهة لحم الجاموس والبقر، وكراهة سمن خصوص الجاموس، واستدلوا على ذلك ببعض الروايات:

ص: 290


1- المهذب 1: 26؛ جواهر الكلام 36: 269.
2- وسائل الشيعة 24: 122 ، وفيه: «فإذا فرس يكيد بنفسه... فأهدى للنبي(صلی الله علیه و آله) فخذاً منه، فأكل منه، وأطعمني».
3- الكافي في الفقه: 279.

منها: معتبره(1) السكوني عن الصادق(علیه السلام): «ألبان البقر دواء، وسمونها شفاء، ولحومها داء»(2).

واستفيد منها الكراهة، لاعتبار السند على الأقوى، وحتى لو لم نقل باعتباره فيمكن شمول أدلة التسامح له وإن كان في دلالتها على المكروهات إشكال.

ومنها: ما عن الكاظم(علیه السلام): «عن سمن الجواميس، فقال: لا تشتره ولاتبعه»(3). فيدل على الكراهة وإن كان في سنده جهالة.

لكنه محل تأمل؛ لأن الرواية الأولى لا تدل على أكثر من الحكم الإرشادي، فإن الضرر لا يساوق الكراهة، كما هو الحال في سائر موارد الإرشاد، وأمّا الرواية الثانية فأكثر ما يثبت بها كراهة البيع والشراء لا الأكل، ككراهة بيع الذهب دون لبسه للنساء، وكذا بيع الحنطة، فاستفادة الكراهة محل تأمل.

النوع الثالث: سائر الحيوانات البرية غير المستثناة

كل حيوان بري لم يندرج في عمومات التحريم، ولم ينص على تحريمه فهو حلال؛ لأصالة الحلية الشاملة للحيوانات، مع قابليتها للتذكية كما مرّ في أوائل كتاب الصيد والذباحة، وعليه فالحيوانات البرية المكتشفة اليوم - وهي كثيرة - حلال بمقتضى القاعدة، مثل (لاما) و (كنغر) وما أشبه ذلك.

ص: 291


1- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... وقد مرّ منا اعتبار السكوني (السيد الأستاذ).
2- الكافي 6: 311؛ وسائل الشيعة 25: 45.
3- تهذيب الأحكام 7: 128؛ وسائل الشيعة 25: 53.

الفصل الثالث: في أسباب الحرمة العرضية

السبب الأول: الجلل

ولابد من التنويه إلى أن الحيوان المحلل قد يحرم لحمه بعارض، كما في الوطء وشرب لبن الخنزيرة، ولا عكس لذلك، بأن يصبح الحيوان المحرم محللاً بسبب، إلا مع الاستحالة.

مطالب في البهائم الجلالة

وفي مسألة البهائم الجلالة مطالب:

المطلب الأول: في بيان المراد من الجلال

المشهور(1) شهرة عظيمة أن الجلال إنما هو في أكل خصوص عذرة الإنسان، ونقل عن أبي الصلاح الحلبي كل نجاسة(2).

واستدل للمشهور بأدلة(3):

الدليل الأول: الانصراف، حيث إن المنصرف من لفظ الجلال آكل العذرة.

لكنه محل تأمل؛ لعدم ثبوت الانصراف ولو لأجل عدم استعمال اللفظالمذكور في العرف الحاضر حتى نرى حدوده.

ص: 292


1- مختلف الشيعة 8 : 293؛ مسالك الأفهام 12: 25؛ رياض المسائل 12: 153.
2- الكافي في الفقه: 278.
3- الفقه 76: 63.

الدليل الثاني: إنه القدر المتيقن.

الدليل الثالث: مرسلة النميري عن بعض أصحابه عن أبي جعفر(علیه السلام): «وكذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلالة، والجلالة التي يكون غذاؤها ذلك»(1)، وهي معتبرة لعمل المشهور بها.

واستدل للقول الآخر بدليلين:

الدليل الأول: عدم فهم الخصوصية، فلا فرق بين العذرة وسائر النجاسات، كالميتة.

لكنه محل تأمل؛ فهو قياس.

الدليل الثاني: تفسير بعض اللغويين من أنها البقرة التي تتبع النجاسات(2).

لكنه محل تأمل؛ حيث لا يمكن الاستدلال بها للجهالة، ومن الواضح اشتراط الوثاقة في اللغوي(3)، وقد اشترط الشيخ الأعظم(4) العدد والعدالة، وإن كان لا يبعد كفاية الثقة الواحد. وعلى فرض ثبوت الوثاقة فالمرجع حينئذٍ مرسلة النميري بعد اعتبارها، وذلك للحكومة، فتأمل، ومع الشك فالمرجع استصحاب الحلية.

المطلب الثاني: في مقدار أكل النجاسة

يقع البحث في مقدار أكل النجاسة حتى يصبح جلالاً وفيه أقوال(5):

ص: 293


1- وسائل الشيعة 24: 160.
2- لسان العرب 11: 119.
3- كفاية الأصول: 286؛ أجود التقريرات 2: 95.
4- فرائد الأصول 1: 175.
5- رياض المسائل 12: 153؛ جواهر الكلام 36: 274؛ الفقه 76: 60.

الأول: أن يأكل يوماً وليلة.

الثاني: أن يأكل حتى ينمو بدنه من النجاسة، وهو ظاهر في الحيوانات الصغيرة.

الثالث: أن يأكل إلى أن تظهر الرائحة النتنة للنجاسة على لحمه وجلده.

الرابع: أن يأكل إلى أن يُسمى في العرف آكل النجاسة، بأن يقال: طعامه النجاسة، وهو اختيار صاحب الجواهر(1).

الخامس: ما صدق عليه عرفاً أنه جلال، سواء أطلق عليه أن طعامه النجاسة أم لا.

وهو الأقرب؛ لأن الشارع لم يحدد الجلال، وكلما لم يحدد أُخذ من العرف.

وأشكل عليه في الجواهر(2) بأنها كلمة غير مستعملة في العرف، فكيف يؤخذ معناه منه؟

والجواب: إنه وإن صح عدم استعمال هذه الكلمة عندهم لكن المعنى واضح عندهم. وقد أشرنا سابقاً إلى أن المعنى يؤخذ من العرف، وإن لم يستخدم في العرف أخذ من اللغة؛ لأنها مرآة إلى العرف، واللغة كاشفة عن استخدام اللفظ في المعنى عند تدوينها، وهذا المقدار كافٍ لمعرفة المعنى.وكلما اختلف العرف واللغة رجح العرف، بضميمة أصالة عدم النقل، لكن لو هجرت كلمة في العرف كان المرجع اللغة، فتكون مرآة للعرف في

ص: 294


1- جواهر الكلام 36: 274.
2- جواهر الكلام 36: 274.

زمان الصدور.

والحاصل: إنه لو أكل النجاسة لفترة سُمي جلالاً، سواء ظهرت رائحة النجاسة فيه أم لا، وسواء أطلق عليه أن طعامه النجاسة أم لا، دون مثل اليوم واليومين. ولم يستبعد الوالد في الفقه(1) الصدق العرفي خلال ثلاثة أيام، ولو شك في الصدق استصحب العدم.

المطلب الثالث: في حرمة الجلال

وقد ذهب المشهور(2) بل كاد أن يكون إجماعاً إلى الحرمة، ولكن يستفاد من كلمات ابن الجنيد(3) والشيخ الطوسي(4) الكراهة، وإن قال البعض: إن مورد كلامهما في الامتزاج(5)، حيث يخلط بين النجاسة وغيرها في الأكل، لا في الجلال؛ ولذا صرح الشيخ الطوسي بحرمة الجلال(6).

ويدل على الحرمة صحيحة(7) حفص البختري، عن الصادق(علیه السلام): «لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة، وإن أصابك شيء من عرقهافاغسله»(8).

وسيأتي أن اللبن تابع للحيوان حلية وحرمة، بل تدل على نجاستها؛ لأن

ص: 295


1- الفقه 76: 61.
2- مجمع الفائدة والبرهان 11: 250؛ جواهر الكلام 36: 272.
3- فتاوى ابن الجنيد: 313؛ مختلف الشيعة 8 : 279.
4- المبسوط 6: 282؛ الخلاف 6: 85 .
5- المهذب البارع 4: 201؛ مستند الشيعة 15: 110.
6- النهاية: 574.
7- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
8- الكافي 6: 215؛ وسائل الشيعة 24: 164.

(فاغسله) ظاهر في النجاسة، فيستفاد حرمتها للنجاسة أيضاً، وسيأتي تفصيله.

وصحيحة(1) زكريا بن آدم، عن أبي الحسن(علیه السلام): «ونهى(علیه السلام) عن ركوب الجلالة وشرب ألبانها، وقال: إن أصابك شيء من عرقها فاغسله»(2).

وقد يكون وجه النهي عن الركوب النجاسة، حيث يسبب الإشكال لأداء الصلاة، خاصة في تلك الأزمنة التي لم يتوفر فيها الماء.

المطلب الرابع: أكل الحيوان النجاسة وغيرها

لو خلط الحيوان بين النجاسة وغيرها فأكل منهما لم يصدق عليه الجلال، كما أفتى به المشهور(3).

وتدل عليه روايات معتبرة، منها: صحيحة(4) سعد بن سعد الأشعري، عن الرضا(علیه السلام): «سألته عن أكل لحوم الدجاج في الدساكر(5)، وهي تأكل كل ماوقع أمامها، وهم لا يمنعوها من شيء تمر على العذرة مخلى عنها، وعن أكل بيضهن، فقال: لا بأس»(6).

ومنها: مضمرة علي بن أسباط عمن روى في الجلالات قال: «لا بأس

ص: 296


1- الشيخ الصدوق بإسناده، عن زكريا بن آدم، عن أبي الحسن(علیه السلام)...، ورجال السند كلهم ثقات.
2- وسائل الشيعة 24: 165.
3- كشف اللثام 9: 265؛ الفقه 76: 61.
4- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام)... .
5- معرب ومعناه القرية، أو بيت المجوس. القاموس المحيط 2: 29؛ لسان العرب 4: 286.
6- الكافي 6: 252؛ وسائل الشيعة 24: 165.

بأكلهن إذا كن يخلطن»(1).

وهي مرسلة أيضاً لكن يجبر ضعفها بعمل المشهور، ووجودها في كتب الأصحاب دليل على أنها مروية عن الإمام(علیه السلام)، خاصة مع جلالة علي بن أسباط، وإنما صارت مضمرة للتقطيع.

المطلب الخامس: في نجاسة الجلال وعدمها

وبعد إثبات الحرمة فهل الجلال نجس؟ حيث لا تلازم بين حرمة اللحم والنجاسة، كما هو الحال في السباع.

ذهب المشهور(2) إلى النجاسة، واستدلوا على ذلك بروايات تدل على لزوم الغسل، كما مر في صحيحة حفص بن البختري وغيرها.

وأشكل عليه بأنه شرط للصلاة، أي: وإن لم يكن نجساً لكنه يمنع الصلاة، كجلد محرم اللحم المذكى، حيث إنه طاهر لكن لا صلاة فيه، وكذلك عرق الجنب من الحرام فهو طاهر يمنع من الصلاة على بعض المباني، فالأمر بالغسل لأجل الصلاة، أو لا أقل من الاحتمال، فربما لأجل النجاسة، وربما لأجل المانعية، فلا يمكن الاستدلال به على النجاسة.وفيه نظر؛ لأن ظاهر (اغسله) النجاسة، وليس الكلام عن الصلاة حتى ينصرف إلى المانعية، ولا يخطر بالبال أن المراد من ذلك الصلاة، فلا مجال للاحتمال المذكور.

ص: 297


1- الكافي 6: 252؛ وسائل الشيعة 24: 164.
2- مجمع الفائدة 11: 252؛ مفتاح الكرامة 2: 5.

المطلب السادس: حكم ركوب الجلال

يجوز ركوب الجلال على كراهة للنهي في صحيحة زكريا(1)، المحمول على الكراهة؛ لفهم المشهور، بل الإجماع.

وربما وجه الكراهة أن ركوب البعير في السفر يلازم تنجس الراكب عادة، فيصعب التطهير لأجل الصلاة خاصة، مع ملاحظة قلة الماء في الأسفار السابقة. وعليه لا تُكره سائر الانتفاعات؛ لعدم ورود الاحتمال المذكور، وإن ذهب البعض إلى عدم خصوصية الركوب، فيشمل كراهة الحرث وسقي الماء للمزارع.

المطلب السابع: في حكم ما لا تحله الحياة من الجلال كالعظم والسن

وفيه احتمالات ثلاثة(2):

الأول: النجاسة، كما هو الحال في الكلب والخنزير.

الثاني: طهارته مع عدم جواز الصلاة فيه؛ لأنه من غير المأكول؛ وذلك لعدم الدليل على نجاستها، وأمّا عدم جواز الصلاة فيه للدليل العام، وهو عدم جواز الصلاة في غير المأكول.الثالث: الطهارة وجواز الصلاة فيه، أمّا الطهارة فلعدم الدليل على النجاسة إلا فيما تحله الحياة، وأمّا الصلاة فلأن الأدلة الدالة على عدم جواز الصلاة في أجزاء غير المأكول منصرفة عنه، وإنما موردها ما كان كذلك بالأصالة لا بالعرض، ونظيره جواز الصلاة في شعر الإنسان مع أنه من أجزاء غير

ص: 298


1- وسائل الشيعة 24: 165.
2- الفقه 76: 66.

مأكول اللحم؛ وذلك لانصراف الدليل عن الإنسان.

وهذا هو الأقرب.

المطلب الثامن: في بيان موارد الحيوانات الجلالة

الموارد المذكورة من الجلال في الروايات ستة، وهي البعير والبقر والشاة والبط والدجاج والسمك، وإنما يسري الحكم إلى سائر الحيوانات لإطلاق بعض الأدلة وللمناط، فيشمل كل جلال، سواء كان حلالاً كالطير أم حراماً كالذئب، وفائدته في المحلل عدم جواز أكله ونجاسته، وفي المحرم نجاسته بعد التذكية.

واحتمل البعض الخصوصية في الستة، واحتمل آخرون التعميم للحيوانات المحللة فقط، وفي المحرمة يحكم الاستصحاب.

ويردهما الإطلاق والمناط.

المطلب التاسع: في سراية الجلل إلى نسل الجلال

ومنشؤ هذا البحث الروايات الدالة على سراية الحكم إلى نسل الموطوء، وفيه احتمالان:

الأول: لا يحرم نسله لعدم الدليل، حيث إنهما موضوعان.

الثاني: الحرمة لاستفادة المناط في الموطوء والاستصحاب.وفيهما نظر: أمّا المناط فلا قطع بعدم خصوصية الموطوء ليشمل الجلال، فيكون قياساً.

نعم، لو قطع بأن الدليل الوارد في الموطوء إنما هو لبيان الحكم الكلي بذكر مصداق له، فينطبق على المصداق الآخر لم يكن قياساً، لكن لا قطع

ص: 299

بذلك.

وأمّا الاستصحاب فلا يجري لتبدل الموضوع، فإن موضوع الحرمة الأم، وموضوع الحلية النسل، فهما موضوعان.

المطلب العاشر: في حكم اشتباه الجلال بغيره

لو اشتبه الجلال بغيره ففيه احتمالان:

الأول: القرعة، للدليل الدال على القرعة في اشتباه الموطوء بغيره، بضميمة فهم المناط، وهو فرز الحلال عن الحرام.

الثاني: إنه لا قطع بالمناط، فيكون من موارد العلم الإجمالي، فمع كون الشبهة غير محصورة لا يكون العلم منجزاً فيجوز الاقتحام، ومع كون الشبهة محصورة يجب الاجتناب عن الجميع.

وقد يقال بعدم جريان العلم الإجمالي في الماليات؛ لقصور أدلته عن ذلك!

فإن كان المقصود الأدلة الشرعية الواردة في العلم الإجمالي فالكلام تام، لكن الأدلة العقلية في العلم الإجمالي - من تنجز التكليف ووجوب الإطاعة - لا فرق بينها في الماليات وغيرها.

المطلب الحادي عشر: قابلية نجاسة الجلال للزوال

بما أن نجاسة الجلال عرضية فهي قابلة للزوال عبر الاستبراء، كما فيالروايات(1)، وهنا جهتان من البحث:

الجهة الأولى: في الستة المنصوصة، واختلفت الأقوال تبعاً لاختلاف

ص: 300


1- وسائل الشيعة 24: 166-168.

الروايات في مدة استبرائها، لكن اتفقت في البعير حيث يكون استبراؤه أربعين يوماً، وأمّا البقر فالأقوال كما يلي: عشرين يوماً، وثلاثين يوماً، وأربعين يوماً.

وفي الغنم: عشرين يوماً، وأربعة عشر يوماً، وعشرة أيام، وسبعة أيام، وخمسة أيام.

وفي البط: الأقوال على سبعة وستة وخمسة وثلاثة أيام.

وفي الدجاج: ثلاثة أيام ويوماً واحداً.

وفي السمك يوماً وليلة، وقول باليوم فقط، كما مرّ.

وكل الروايات الواردة في التحديدات المذكورة ضعيفة ما عدا رواية واحدة مفادها أربعين يوماً في البعير، وعشرين يوماً في البقر، وعشرة أيام في الغنم، وخمسة أيام في البط، وثلاثة أيام في الدجاج(1).

لكن ضعفها بعض(2) لورود النوفلي فيها، وقد مر البحث في وثاقته، وعلى فرض ضعفه إلا أن الرواية معتبرة لاعتماد المشهور عليها.وعلى فرض اعتبار جميع الروايات يمكن الجمع بينها بوجوب الأقل واستحباب الأكثر، والاختلاف في الأكثر إنما هو في درجات الاستحباب.

وعلى فرض عدم كونه جمعاً عرفياً فتتساقط الروايات ومقتضى

ص: 301


1- الكافي 6: 251؛ وسائل الشيعة 24: 166، وفيه: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(علیه السلام): الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيد ثلاثة أيام، والبطة الجلالة خمسة أيام، والشاة الجلالة عشرة أيام، والبقرة الجلالة عشرين يوماً، والناقة أربعين يوماً».
2- إيضاح الفوائد 4: 150.

استصحاب الجلل هو الأخذ بالأكثر.

الجهة الثانية: في غير المنصوص، وحيث لم يرد في الروايات فلابد من حبسه وتعليفه بالحلال حتى يزول عنه اسم الجلال، فإن الحكم تابع للموضوع.

وقد ذهب بعض(1) إلى أنه لو كان يشبه المنصوص لحقه حكمه، مثلاً: البقر الوحشي يشبه الأهلي.

وفيه نظر؛ لأنه قياس. نعم، قد يفهم العرف الأولوية، فلو كان الاستبراء في الدجاج ثلاثة أيام فلا يكون العصفور أكثر منه بطريق أولى.

المطلب الثاني عشر: في بقاء الجلل بعد الاستبراء

لو حبس حسب الفترة المذكور في الرواية لكن بقي اسم الجلال عليه عرفاً، أو لم تزل رائحته الكريهة مثلاً، فما هو الحكم؟

قال بعض متأخري المتأخرين(2): إن المدة المذكورة في الروايات مشروطة بزوال الاسم، ومع بقاء الاسم فالحكم تابع للموضوع، والتحديد المذكور غالبي.وقال آخرون(3): إن الأمر لا يرتبط بالاسم العرفي، وإنما تراعى المدة بشرط زوال الوصف، بأن تزول عنه الرائحة النتنة، وإلا لم تشمله الروايات.

والظاهر إن التقييد بالمدة لزوال الاسم غالباً، ولا يبعد انصراف الأدلة مع

ص: 302


1- فقه الصادق 24: 127.
2- الروضة البهية 7: 293؛ مسالك الأفهام 12: 28.
3- جواهر الكلام 36: 276.

عدم الزوال.

السبب الثاني : شرب لبن خنزيرة

السبب الثاني(1): شرب لبن خنزيرة

لو ارتضع الجدي أو العناق(2) من لبن الخنزيرة حرم في الجملة. وفي المقام صورتان:

الصورة الأولى: أن يرتضع إلى أن ينبت لحمه ويشتد عظمه، وحكم هذه الصورة محل اتفاق.

الصورة الثانية: أن يأكل دون الحد المذكور، والمشهور الكراهة إلا أن يستبرأ سبعة أيام(3).

واستدل على ذلك بروايات منها:

الأولى: موثقة حنان بن سدير(4) قال: «سئل أبو عبد الله(علیه السلام) وأنا حاضر عن جدي يرضع من خنزيرة حتى كبر وشب واشتد عظمه، ثم إن رجلاً استفحله في غنمه، فأخرج له نسل، فقال: أمّا ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنه،وأمّا ما لم تعرفه فكله، فهو بمنزلة الجبن فلا تسأل عنه»(5). فتدل على الحرمة بالأولوية القطعية.

ص: 303


1- من أسباب الحرمة العرضية.
2- الجدي ما كان عمره ستة أشهر إلى سبعة أشهر لا أكثر، وأمّا العناق فما كان دون السنة، وذلك في الشاة.
3- شرائع الإسلام 4: 750؛ تحرير الأحكام 4: 633؛ كفاية الأحكام 2: 605.
4- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان... .
5- الكافي 6: 249؛ وسائل الشيعة 24: 161.

الثانية: موثقة(1) بشر بن مسلمة، عن أبي الحسن(علیه السلام): «في جدي يرضع من خنزيرة ثم ضرب في الغنم، قال: هو بمنزلة الجبن، فما عرفت أنه ضربه فلا تأكله، وما لم تعرفه فكله»(2).

الثالثة: موثقة(3) السكوني عن الصادق(علیه السلام): «أن أمير المؤمنين(علیه السلام) سئل عن حمل غذي بلبن خنزيرة، فقال: قيدوه وأعلفوه الكسب(4) والنوى والشعير والخبز إن كان استغنى عن اللبن، وإن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيام ثم يؤكل لحمه»(5).

وبما أن الرواية الأولى لا مفهوم لها؛ لكونها جواباً عن السؤال المقيد فلا تقيد الرواية الثانية، فلا وجه لتقييد الحكم باشتداد العظم.

ولا يخفى أن رواية السكوني مطلقة، فالاستبراء محلل مطلقاً، لكن المشهور، بل ربما الإجماع(6) على أنه لو اشتد لحمه وقوي عظمه حرم أبداً،ولا ينفعه الاستبراء، وأمّا لو لم يشتد فيكره حتى لو تغذى لمرة واحدة، ولدفع الكراهة يستبرأ سبعة أيام.

ص: 304


1- الكليني، عن حميد بن زياد، عن عبد الله بن أحمد النهيكي، عن ابن أبي عمير، عن بشر بن مسلمة، عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام)... .
2- الكافي 6: 250؛ وسائل الشيعة 24: 162.
3- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
4- الكسب بالضم بقية ما يُعصر من الحبوب ويستخرج دهنه، كالسمسم ونحوه.
5- الكافي 6: 250؛ تهذيب الأحكام 9: 44.
6- غنية النزوع: 398؛ الروضة البهية 7: 293؛ جواهر الكلام 36: 282.

فروع تتعلق بالمسألة

وهنا فروع:

الفرع الأول: لو شرب لبن الخنزيرة يوماً واللبن المحلل يوماً لفترة كان الاشتداد بسبب الاثنين، فيشمله إطلاق الرواية الأولى؛ لصدق الاشتداد المنسوب إليهما معاً. نعم، في الجلال لا يُحَرِّم الخلط بين الحلال والحرام للنص، وأمّا المقام فلا نص.

الفرع الثاني: هل الحكم بالحرمة خاص بالنسل الأول أم يشمل الطبقات اللاحقة؟ ظاهر الرواية الإطلاق.

وأما احتمال(1) الاختصاص بالنسل الأول؛ لأنه المورد المتيقن، وعدم القدر المتيقن من شرائط حجية الإطلاق.

ففيه تأمل، لما مرّ سابقاً من أن المراد من القدر المتيقن إنما هو القدر المتيقن في الخطاب لا الوجود.

الفرع الثالث: في النجاسة، وحيث لم يقم دليل عليها، ولا تلازم بين الحرمة والنجاسة، لم يمكن الحكم بها، وأمّا قوله(علیه السلام): «لا تقربنه» فيختص بالأكل خاصة بقرينة ما بعده.

الفرع الرابع: لا دليل على حرمة سائر الانتفاعات، فلو خاط بشعره لباساًجاز لبسه، بل الصلاة فيه.

وأمّا قابليته للتذكية فقد قال السيد الوالد في الفقه: «للأصل غير

ص: 305


1- الفقه 76: 77.

المعارض»(1).

ولكن لا حاجة إليه لشمول إطلاقات التذكية له. نعم، لو شك أحد وصلت النوبة إليه.

الفرع الخامس: الروايات الواردة في المقام تختص بالجدي والعناق، فهل يسري الحكم إلى غيرهما؟ فيه احتمالان:

الأول: أصالة الحلية مع عدم القطع بالمناط، والتعميم بحاجة إلى مناط قطعي.

الثاني: دعوى القطع بالمناط؛ لكنه ضعيف لعدم علمنا بالملاكات. نعم، الاحتياط حسن.

الفرع السادس: لو كانت المرضعة كلبة فيجري الاحتمالان السابقان.

الفرع السابع: لو تغذى بلبن المرأة الكافرة ففي صحيحة أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي محمد(علیه السلام) قال: «فعل مكروه ولا بأس به»(2)، وهي مطلقة تشمل الكافرة أيضاً.والمراد كما قال البعض(3): إن الفعل مكروه لا اللحم، ولا بأس بأكل اللحم.

ص: 306


1- الفقه 76: 78، وفيه: «ثم الظاهر أن حرمة اللحم لا توجب عدم جواز الانتفاع به فيما لا يشترط بالطهارة، كما لا توجب عدم وقوع التذكية عليه للأصل فيهما من غير معارض».
2- الفقيه 3: 212؛ وسائل الشيعة 24: 163. الصدوق بأسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: «كتبت إلى أبي محمد(علیه السلام) جعلت فداك من كل سوء، امرأة أرضعت عناقاً حتى فطمت وكبرت وضربها الفحل، ثم وضعت أيجوز أن يؤكل لحمها ولبنها؟ قال: فعل مكروه ولا بأس به».
3- الوافي 19: 77؛ جواهر الكلام 36: 284.

السبب الثالث : الوطء

السبب الثالث(1): الوطء

فلو وطأ إنسان بهيمة ترتبت عليه مجموعة من الأحكام الآتية:

البهيمة نوعان

فالبهيمة نوعان:

النوع الأول: ما كان الغرض الأصلي منه لحمه، كالشاة والبقر، فحكمها وجوب ذبحها ثم حرقها، وحرمة لبنها ونسلها، ولو كانت ملكاً للغير ضمن الواطئ قيمتها لمالكها، مضافاً إلى تعزير الواطئ دون الحد.

النوع الثاني: ما كانت منفعتها الأصلية في ظهرها لا لحمها كالفرس، فحكمها إبعادها إلى مدينة أخرى وبيعها فيها، ويغرم الواطئ قيمتها لصاحبها.

وفي المقام روايات نذكر بعضها:

الرواية الأولى: صحيحة(2) محمد بن عيسى عن الرجل(علیه السلام): «أنه سئل عن رجل نظر إلى راعٍ نزا على شاة، قال: إن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسّمها نصفين أبداً، حتى يقع السهم بها، فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها»(3).وأشكل على صحتها الشهيد في المسالك(4) بإشكالين:

الأول: الاشتراك بين محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، وبين محمد بن

ص: 307


1- من الأسباب العرضية لحرمة الحيوان المحلل.
2- محمد بن الحسن بإسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى... .
3- تهذيب الأحكام 9: 43؛ وسائل الشيعة 24: 169.
4- مسالك الأفهام 12: 31.

عيسى الأشعري القمي، والثاني معتبر، والأول ضعفه الشيخ الطوسي(1)، فتسقط الرواية عن الاعتبار.

لكن يرد عليه أنه وثقة النجاشي(2)، والمشهور تبعوه، وتضعيف الطوسي غير تام، وقد فصلنا البحث فيه في موضع آخر.

الثاني: إن المراد من (الرجل) في الروايات الإمام الكاظم(علیه السلام)، لكنهما لم يدركاه، فتكون الرواية مرسلة.

وفيه: إن الإرسال خلاف الأصل، ومع وجود احتمال الإسناد فالحكم بالإرسال خلاف ظاهر البناء العقلائي، وهنا يحتمل أن يكون المراد من (الرجل) الإمام الهادي أو العسكري‘، فلو قال: (قال زيد) كان ظاهره السماع مباشرة لا أنه يروي عنه بواسطة. وعلى فرض ضعف السند يجبره عمل المشهور.

ولا يخفى أن مقتضى القاعدة في الشبهة المحصورة وجوب الاجتناب عن الجميع، وفي غيرها جواز ارتكاب غير الأخير، لكن للنص المذكور يرفع اليد عن القاعدة.

الرواية الثانية: موثقة سماعة(3): «عن الرجل يأتي بهيمة(4) شاة أو بقرة أوناقة، فقال(علیه السلام): عليه أن يجلد حداً غير الحد، ثم ينفى من بلاده إلى غيره،

ص: 308


1- رجال الطوسي: 391.
2- فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): 333.
3- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام)... .
4- توجد كلمة (أو) في الكافي، ولا توجد في تهذيب الأحكام 10: 60.

وذكروا أن لحم تلك البهيمة محرم ولبنها»(1).

ويعود الفاعل في (يُنفى) إلى الفاعل لا البهيمة، وقد قال بعض بعوده إليها، لكن يرد عليه إشكالان:

الأول: إشكال أدبي، وهو لو عاد إلى البهيمة للزم أن يقول: (تُنفى).

والثاني: لم يقل أحد بإبعاد الشاة والبقر. نعم، في باب الحدود أيضاً لم يقل أحد بإبعاد الفاعل.

وأمّا قوله: (وذكروا...) فظاهره أنه كلام الإمام(علیه السلام)، أي: إن الأئمة السابقين قالوا كذلك، وإن احتمل أنه من كلام الراوي كما ذهب إليه البعض(2).

الرواية الثالثة: في الصحيحة الواردة عن عدة من الأئمة(علیه السلام)(3): «في الرجل يأتي البهيمة، فقالوا جميعاً: إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت أحرقت بالنار، ولم ينتفع بها.. وإن لم تكن البهيمة له قومت فأخذ ثمنها ودفع إلى صاحبها، وذبحت وأحرقت بالنار ولم ينتفع بها. فقلت: ما ذنب البهيمة؟ قال: لا ذنب لها، ولكن رسول الله(صلی الله علیه و آله) فعل هذا وأمر به لئلا يجتزئ الناس بالبهائم وينقطع النسل»(4).

ص: 309


1- الكافي 7: 204.
2- مرآة العقول 23: 312.
3- الشيخ الطوسي بأسناده، عن يونس، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، وعن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام)، وعن صباح الحذاء، عن إسحاق بن عمار، عن أبي إبراهيم(علیه السلام): في الرجل يأتي البهيمة فقالوا جميعاً... .
4- التهذيب 10: 218؛ وسائل الشيعة 28: 357.

الرواية الرابعة: حسنة(1) سدير عن الباقر(علیه السلام) في الرجل يأتي البهيمة، قال: «يجلد دون الحد ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها؛ لأنه أفسدها عليه، وتذبح وتحرق وتدفن إن كانت مما يؤكل لحمه، وإن كان(2) مما يركب ظهره أغرم قيمتها وجلد دون الحد، وأخرجت من المدينة التي فعل بها إلى بلاد آخر حيث لا يعرف كي لا يعير بها»(3).

فروع تتعلق بوطء البهيمة

وفي المقام فروع:

الفرع الأول: لا فرق بين كون الموطوء ذكراً أو أنثى؛ لإطلاق الدليل.

إن قلت: ورد في بعض الروايات الحكم بحرمة اللبن(4)، ومعناه كونه أنثى.

قلت: إنها لا تقيد المطلقات؛ لعدم تنافي المثبتات.

الفرع الثاني: الحكم المذكور يختص بكون الحيوان موطوءاً، فلو كان واطئاً لم يسرِ الحكم، وإن كان عمله محرماً.

ولا يمكن القياس، خاصة مع ثبوت الفرق بينهما في الأحكام، نظير حرمة أم وأخت وبنت الملوط به على اللائط دون العكس.

الفرع الثالث: لا فرق بين الجاهل والعالم، فلو لم يعلم أن وطأها حرام ترتبت الآثار، كما لا فرق بين الصغير والكبير والمختار والمكره، كلذلك

ص: 310


1- عن الشيخ الطوسي بأسناده، الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن جرير، عن سدير، عن أبي جعفر(علیه السلام)... .
2- في الاستبصار 4: 223 «كانت»؛ وسائل الشيعة 28: 358.
3- من لا يحضره الفقيه 4: 47.
4- الكافي 6: 259.

لإطلاق الدليل.

وقد يشكل بشمول حديث الرفع للصبي، فيرفع الأحكام.

وفيه: إن حديث الرفع لا يرفع الأحكام المذكورة؛ وذلك لجهتين:

الجهة الأولى: ما قيل من أنه يتكفل برفع الأحكام التكليفية فحسب، دون الأحكام الوضعية، كما لو أتلف الطفل مال الغير فيضمن، وفيه تأمل.

الجهة الثانية: إن حديث رفع القلم يرفع الأحكام المرتبطة بالصبي لا ما يرتبط بسائر الناس، فذبح الموطوء ليس من تكليف الصبي وإنما الحاكم أو الناس، كما لو قتل الصبي فهل لا يجب تغسيل المقتول وتكفينه؟

الفرع الرابع: المشهور(1) حرمة نسل الموطوء، لكن لا دليل خاص لهذا الحكم، وإنما ذهبوا إلى ذلك لوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: المناط في شرب لبن الخنزيرة. لكنه غير معلوم، فيكون قياساً.

الوجه الثاني: النهي الوارد في بعض الروايات عن الانتفاع به كالرواية الثالثة، وهو شامل لكل الأنواع ومنها الانتفاع بالنسل.

وفيه: إنه منصرف عن نسله، بل الانتفاعات الخاصة به.

الوجه الثالث: لأنه أفسدها عليه كما في الرواية الخامسة(2)، وهو يشمل النسل، فلو كان حلالاً لم يكن إفساداً مطلقاً بما فيه النسل.وفيه نظر: فإن الظاهر منه إفساده بنفسه، وهو منصرف عن إفساد نسله.

ص: 311


1- إرشاد الأذهان 2: 112؛ مستند الشيعة 15: 121؛ جواهر الكلام 36: 284.
2- من لا يحضره الفقيه 4: 47.

لكن حيث أفتى المشهور بالحرمة فالاحتياط حسن.

الفرع الخامس: في معنى البهيمة وشمولها لمثل الطيور.

قال البعض: إن البهيمة تشمل كل حيوان، ولم يرتضه صاحب المسالك(1)، وقال: هي ذات أربع، سواء كان بحرياً أم برياً(2). وقال آخرون: إنها منصرفة إلى الأنعام الثلاثة والفرس والبغل والحمار(3)، وهو الأقرب عرفاً.

لكن قد يعمم إلى بقية الحيوانات لما في التعليل في الرواية الثالثة: «لئلا يجتزئ الناس بالبهائم وينقطع النسل» فالعلة تشمل جميع الحيوانات، وإنما اقتصر على ذكر البهائم لتعارفها. اللهم إلاّ لو تمّ التشكيك في كونها علة بل حكمة!

الفرع السادس: هل تجري الأحكام المذكورة في الحيوانات المحرمة اللحم كالكلب والقرد(4)، حيث لا تؤكل ولا يحمل على ظهرها.

ذهب البعض إلى الجريان لإطلاق البهيمة وشمولها لجميع الحيوانات، لكن قلنا: إنه منصرف عنها. نعم، قد يستدل بتعليل الرواية الرابعة.

وعلى فرض القول بالجريان فهل يجري عليه حكم الشاة أم الفرس؟

لا وجه لتعيين أحد المصداقين، فلابد من القول بالتخيير، وعلى كل تقدير يغرم قيمتها لصاحبها.الفرع السابع: هل يلزم الذبح أم يكفي الإفناء؟

ص: 312


1- مسالك الأفهام 12: 31.
2- مسالك الأفهام 12: 31.
3- جواهر الكلام 36: 287؛ الفقه 76: 83 .
4- الفقه 76: 84 .

قد يقال إنه حقيقة في فري الأوداج، لكنه قيل: بأن العرف يفهم لزوم موته وإفنائه بأي طريقة.

الفرع الثامن: هل للإحراق موضوعية أو أنه طريقي لإفناء الموطوء، كإطعام الكلاب أو إلقائه في التيزاب؟

فيه احتمالان:

الأول: إنه موضوعي للتعبد بالنص مع عدم العلم بعلة الإحراق حتى يعمم إلى سائر وسائل الإفناء، فلابد من مراعاة خصوص الإحراق.

الثاني وهو الأقرب: إنه طريقي حيث لا يريد الشارع بقاء الموطوء، كما يفهمه العرف، وربما يستشعر ذلك من بعض الروايات كقوله(علیه السلام): «وأحرقت بالنار ولم ينتفع بها» فالغرض عدم الانتفاع. ولكن الأحوط الاقتصار على النص.

الفرع التاسع: في حرمة البهمية التي يراد ظهرها احتمالان:

الأول وهو الأقرب: حرمة لحمها ولبنها، ويدل عليه خبر مسمع عن الصادق(علیه السلام): «أن أمير المؤمنين(علیه السلام) سئل عن البهيمة التي تنكح؟ قال: حرام لحمها وكذلك لبنها»(1).

الثاني: عدم الحرمة، ووجهه الإطلاق المقامي حيث لا يلزم تنبيه المشتري في المدينة الثانية على ذلك، حيث لم يتطرق إلى ذلك في الروايات،فعدم إشارة الروايات إلى لزوم التنبيه - مع كونه محل الابتلاء - يكشف عن عدم حرمة اللحم، وإلا وجب تنبيه المشتري حتى لا يقع في

ص: 313


1- الكافي 6: 259؛ وسائل الشيعة 24: 170.

المخالفة الواقعية، وفي نظير ذلك يفتي الفقهاء، كما في بيع الطعام النجس.

لكنه محل تأمل؛ لعدم كون أكل لحم الخيل متعارفاً، فلا يلزم التنبيه عليه، فإنه وإن كان احتمال الأكل وارداً لكنه غير عقلائي، ففي زمن صدور الروايات لم يكن متعارفاً أصلاً، وخاصة مع تحريم العامة لأكلها، ونظير ذلك بيع الطابوق النجس المستخدم للبناء عادة، حيث لا يلزم تنبيه المشتري، فإنه وإن احتمل أن يسجد عليه إلا أنه احتمال غير عقلائي، فلا يجب التنبيه.

الفرع العاشر: لو وطأ أو رأى من وطأ البهيمة فأخبر مالكها بذلك، فهل يلزم على المالك تصديقه وترتب الآثار عليه؟ وعلى فرض عدم تصديقه فهل على المخبر تكليف؟

والجواب: لو لم يحصل للمالك العلم بذلك لم يلزم عليه شيء(1)، وإلا فحجية العلم ذاتية.

كما أنه لا تكليف على المخبر؛ لأن إجراء الأحكام المرتبطة بالموطوء من وظيفة الحاكم الشرعي، الذي إن ثبت ذلك عنده أجبر المالك عليه، فالاحتمال بوجوب تطبيق الأحكام على غير المالك من باب النهي عن المنكر، أو من باب امتثال الحكم الشرعي بعيد جداً.

وإن قيل: إن الموطوء خرج عن ملك مالكه، فللمخبر أن يمتثل الحكمالشرعي.

قلنا: لا دليل على خروجه بذلك عن ملكه وإن لم ينتفع به، كما في ما لا

ص: 314


1- ألا يكفي في مثل ذلك قول الثقة؟ (المقرر).

مالية له ولازال ملكاً لمالكه، حيث إنه بين المالية والملكية عموم وخصوص من وجه، ولو شك استصحبت الملكية، كما أنه على فرض خروجه عن ملكه فلا زال حق الاختصاص باقياً.

وهنا فروع أخرى فصلها السيد الوالد في موسوعة الفقه(1)، ويتضح الحكم فيها مما مضى، ومن الروايات الواردة.

صور كون الواطئ مالكاً وعدمه والموطوء مما يراد لحمه وعدمه

قد يكون الواطئ مالكاً، وقد لا يكون مالكاً، كما أن الموطوء قد يكون مما يراد لحمه وقد يكون مما يراد ظهره، فالصور متعددة، وقد يختلف الحكم في بعض الصور.

الصورة الأولى: أن يكون الموطوء مما يراد لحمه والواطئ مالكاً

والحكم فيها وجوب تنفيذ الأحكام على المالك من دون حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي؛ وذلك لأنه تكليف شرعي، ولا محذور فيه.

والظاهر عدم جواز التأخير، فإنه وإن لم يكن الأمر دالاً على الفور لكن المنصرف الفور العرفي، بل قد يستظهر من بعض الروايات الاستعجال؛ ولذا لو ترك الموطوء لسنة مثلاً ولم ينتفع به كان هنالك مجال للاعتراض عليه بأنه يسوّف الحكم الشرعي.كما هو الحال في الحدود، حيث إنه لو ثبت الزنا عند الحاكم أجرى الحد من دون تأخير كما يفهمه العرف.

ص: 315


1- الفقه 76: 87-88 .

الصورة الثانية: أن يكون الموطوء مما يراد لحمه والواطئ غير مالك

فهنا بالإضافة إلى التكليف العام يوجد تكليف خاص، وهو أن الواطئ يضمن قيمة البهيمة لمالكها؛ لأنه أتلف ماله، فتنطبق عليه القاعدة العامة: (من أتلف مال الغير فهو له ضامن)، وقد دلت الروايات الخاصة على ذلك، ومنها قوله(علیه السلام): «يغرم قيمة البهيمة لصاحبها؛ لأنه أفسدها عليه»(1)، ومنها: قوله(علیه السلام): «وإن لم تكن البهيمة له قومت وأخذ ثمنها ودفع إلى صاحبها»(2).

في غرامة القيمة

وفي غرامة القيمة فروع:

الأول: هل يضمن قيمة يوم التلف أو يوم الأداء، أو أعلى القيم أو غير ذلك؟

المسألة من صغريات ما يبحث في كتاب البيع، ففي المثلي يدفع المثل، وأمّا في القيمي فقد قال بعض: بأنه ضامن لقيمة يوم التلف، وقال آخرون: يضمن قيمة يوم الدفع، وأمّا في موارد الغصب فأعلى القيم على رأي البعض، وإن لم يكن له مستنداً.

وفي المقام: المختار - كما هو مقتضى القاعدة - أنه يضمن قيمة يومالدفع؛ لأن الثابت في ذمته البهيمة، فيلزم عليه أن يدفع مثلها وقت الأداء، فإن مختار السيد الوالد أن البهيمة من المثليات، ولو لم يكن لها مثل انتقل إلى القيمة حين تعذر المثل.

ص: 316


1- مرّ تخريجه في الحديث الرابع.
2- مرّ تخريجه في الحديث الثالث.

الفرع الثاني: هل الذبح والإحراق والدفن تكليف المالك؛ لأنه أحق بها ملكاً أو اختصاصاً، أو تكليف الواطئ؛ لكونه السبب ولا وجه لتحميل المالك الخسائر؟ فعلى الواطئ أن يقوم بذلك بنفسه أو يدفع ثمن ذلك، فإن من سبب خسارة مالية يتحمل الخسارة لا غيره، وعلى فرض عدم وجود خسارة مالية للقيام بتلك الأمور إلا أنها تصرف وقتاً وجهداً لا وجه لتوريط غير الفاعل، ولو لم يفعل الواطئ كان تكليف المالك وإلا فالحاكم.

الفرع الثالث: لو امتنع المالك عن الذبح ولم يمكن للواطئ جبره أو لم يجز، ولم يثبت عند الحاكم الشرعي ذلك، فهل يضمن الواطئ القيمة للمالك مع أن المالك ينتفع بها؟

فيه احتمالان:

الأول: عدم الغرامة؛ لأنها عوض، ومع بقاء المعوض والانتفاع به يستلزم الجمع بين العوض والمعوض، لكنه ضعيف.

الثاني وهو الأقوى: الضمان؛ لأن الواطئ أتلفه، والمالك إنما ينتفع بها لعدم إحراز الموضوع عنده، أو لفسقه ومخالفته للشرع، كما لو خنق شاة الغير فأكلها المالك الفاسق كان الخانق ضامناً؛ لأنه أتلف مال الغير، وأمّا انتفاع المالك فليس رافعاً للتلف.

وكما لو جعل عنب الغير خمراً فأخرجه من ملكه، ومع ذلك شربه المالكفهو ضامن؛ لأنه أتلفه، فإنه وإن كانت له قيمة عند غير المتدينين، لكنه يعتبر تالفاً عند الشرع. نعم، لو لم يحكم الشارع بالتلف كان المرجع العرف، ولا مجال للعرف مع التوسعة والتضييق الشرعيين، فالعرف إنما

ص: 317

يكون متبعاً إذا لم يحدد الشرع الموضوع، ومع تحديده لا مجال للعرف.

الصورة الثالثة: أن يكون الموطوء مما يراد ظهره والواطئ هو المالك

ففي كون الحكم كما في غير المالك من الإبعاد والبيع وجهان:

الوجه الأول: إن الحكم كذلك للمناط، فإنه وإن كان مورد الروايات تعدد المالك والواطئ لكن المناط واحد، كما يظهر من حسنة سدير(1)، هذا بالإضافة إلى الإجماع على اتحاد الحكم فيهما.

الوجه الثاني: لا دليل على اتحاد الحكم، والحسنة المذكورة في مورد التخالف، بل العلة فيها تدل على اختصاص الحكم بالواطئ غير المالك، وهي قوله: «كي لا يُعير بها» أي لا يُعير مالك البهيمة، فهذه العلة تدل على اختصاص الحكم بغير المالك؛ وذلك لوجهين:

الأول: ما ذكره في المستند(2) من أنه لابد من تعيير المالك الواطئ حتى يرتدع سائر الملاك، فهو مستحق للتعيير، وأمّا لو كان الواطئ غير المالك فلا وجه لتعيير المالك، فلابد من إبعادها، فمورد الرواية وتخصيص العلة دليل على اختصاص الحكم بغير المالك.

الثاني: قوله(علیه السلام): «أغرم قيمتها» لا يجري في المالك.والحاصل: إنه لا مناط ليشمل المالك الواطئ.

والأقرب الأول؛ وذلك لأنه لو لم تشمل حسنة سدير الواطئ المالك لم يكن هنالك دليل على إبعاد البهيمة وبيعها، فإن الدليل الوحيد على ذلك هو

ص: 318


1- مرّ تخريجه في الرواية الرابعة.
2- مستند الشيعة 15: 124.

حسنة سدير، ونتيجة ذلك التمسك بالعمومات الدالة على الذبح والحرق، ولم يلتزم أحد بذلك، ففهم الفقهاء دليل على أن الحكم - وهو إبعاد والبيع - أعم من المالك وغير المالك.

فروع في الصورة الثالثة

الفرع الأول: هل الحكم بالغرامة يشمل المالك؟

قيل: إن الظاهر ذلك فليست الغرامة لأجل إتلاف مال الغير فقط، بل هي نوع من العقوبة، فلابد أن يغرم المالك قيمتها أيضاً. وقيل باختصاص الغرامة بغير المالك؛ لظاهر الرواية، فحيث أتلف مال الغير فلابد من تعويض المالك.

الفرع الثاني: لو كان الواطئ مالكاً، فلمن يكون ثمن بيع البهيمة؟

قال البعض(1): إنه للمالك حيث لم يخرج بذلك عن ملكه، منتهى الأمر سقوط سلطنته عليها بحكم الشرع - وذلك مثل السفيه الذي لا يحق له التصرف في أمواله، فلو باعها الحاكم أو الولي دخل ثمنها في ملك السفيه - ومع كونه مالكاً فلابد من دخول الثمن في ملكه.

الفرع الثالث: لو أمر الحاكم المالك ببيع الموطوء في البلد الثاني فباعه في بلده، ففيه احتمالان: بطلان البيع، أو صحته مع حرمة عمله.ومنشؤهما كون الحكم تكليفياً أو وضعياً، وقد بحث في محله من الأصول أن الأمر المطلق هل يشمل التكليفي والوضعي معاً كالربا، أم يختص بالتكليفي كالبيع وقت النداء، إلا مع القرينة الخاصة على كونه وضعياً فحسب، كبيع المجهول حيث إنه باطل لا حرام؟

ص: 319


1- مستند الشيعة 15: 124-125.

ولعل الأقرب أنه تكليفي لا وضعي.

الصورة الرابعة: أن يكون الموطوء مما يراد ظهره والواطئ غير المالك

وهو مورد حسنة سدير(1)، ولا خلاف في الحكم المترتب عليه، إلا أنه وقع الخلاف في الثمن، فهل هو للمالك أو للواطئ أو يتصدق به؟

ووجه كونه للمالك أن البهيمة له - إلا أنه رفعت سلطنته عليها بحكم الشرع، فتباع وإن لم يرض به - فلابد من دفع ثمنها له، وهو الأقرب.

وقد أشكل جمع(2) على ذلك بأن المالك يأخذ في قبال دابته الغرامة من الواطئ، فلو أخذ الثمن أيضاً لزم الجمع بين العوض والمعوض.

لكن يرد عليه: إنه ليس من مصاديق الجمع بين العوض والمعوض، بل هنا عوضان: أحدهما عقوبة والآخر ثمن، وعلى فرض كونه منه فلا محذور فيه، فإن المحذور إنما هو في المعاوضات، حيث دل الدليل على عدم صحة الجمع بينهما فيها، وأمّا في المقام - حيث لا دليل - فلا إشكال.

والقول بأن الغرامة ثمن غير تام حيث لم يرد ذلك في الدليل وإنما الوارد (أغرم قيمتها).وقد اتضح من ذلك وجه القول بكونه للواطئ، وحاصله: أنه لا يكون للمالك لأنه جمع بين الثمن والمثمن، وإن ما دفعه الواطئ ثمن، فيشعر بانتقال المثمن إليه، واتضح أيضاً الإشكال فيه.

كما أنه لا وجه لكونه صدقة.

ص: 320


1- من لا يحضره الفقيه 4: 47.
2- مستند الشيعة 15: 125.

الصورة الخامسة: ما يقصد ظهرها ولحمها

البعير تارة يراد ظهره وتارة يراد لحمه، وهو يختلف باختلاف المناطق والأقوام، فعند بعض الأقوام في المناطق الصحراوية يراد ظهره، وفي غيرها يراد لحمه، فأيهما يلاحظ في الحكم؟

قال في المستند: «يحتمل ملاحظة الغالب فيها»(1)، كما في الربا في المعدود والمكيل حيث يقاس حسب البلدان.

لكن لا وجه له، فإن قوله(علیه السلام): «إن كانت مما يؤكل لحمه» تشمل الصورتين، فالبعير مما يؤكل لحمه وإن قصد ظهره غالباً، ولا دخل للغلبة وغيرها في موضوع الرواية.

والأقرب قتله وحرقه؛ لتعارض صدر الرواية ونهايتها في البعير فيتساقطان، فلابد من التمسك بالعموم الأولي وهو ذبحه وحرقه.

فيما لو اشتبه الموطوء بغيره

الحكم فيما لو اشتبه الموطوء بغيره أن يقسم القطيع إلى قسمين ثم يقرع بينهما، وتستمر القرعة إلى أن يقع السهم على الأخير فيطبق عليه الحكم، كمافي صحيحة محمد بن عيسى - والتي مرّ البحث فيها - حيث ورد فيها: «سئل عن رجل نظر إلى راعٍ نزا على شاة، قال: إن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسمها نصفين أبداً، حتى يقع السهم بها، فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها»(2).

ص: 321


1- مستند الشيعة 15: 125.
2- تهذيب الأحكام 9: 43؛ وسائل الشيعة 24: 169.

ثم إن مورد الرواية الشاة والراعي، فهل يسري الحكم إلى غير الراعي؟ وهل يمكن تعميم الحكم لسائر الحيوانات المأكولة أو التي يراد ظهرها ؟ ومع عدم إمكان السراية لابد من الرجوع إلى سائر الأدلة.

والجواب على ذلك أن من المسلّم عدم خصوصية للراعي، بل هو مورد السؤال.

لكن في غير الشاة مبحثان: الأول: المراد أكله، والثاني: المراد ظهره.

المبحث الأول: فيما يراد لحمه

فلو كان مما يراد لحمه فالحكم فيه نفس الحكم، بدليلين:

الأول: المناط القطعي، وقد فهمه غالب الفقهاء، بل كلهم.

الثاني: القرعة فإنها لكل أمر مشكل.

لكنه محل تأمل لجهات:

الجهة الأولى: إن مورد القرعة تزاحم الحقوق، كما ذهب إليه بعض الفقهاء، كما لو لم يعلم أنه لزيد أو لعمرو، وأمّا في غيره فالمجرى الأصول العملية، وما نحن فيه ليس من تزاحم الحقوق، بل من اشتباه الحلال بالحرام، فكما أنه لا مجال للقرعة في الإناءين المشتبهين؛ لأنه مورد العلم الإجماليفي الشبهة المحصورة وفي غيرها البراءة، كذلك ما نحن فيه. وهذا بحث مبنائي، والأقرب أنه مع جريان الأصول الأخرى يرتفع الإشكال والاشتباه فلا يبقى مورداً للقرعة فتلك الأصول واردة عليها.

الجهة الثانية: ما قيل: من أنها بحاجة إلى عمل الفقهاء لضعف دليلها، والفقهاء عملوا في موارد فيجبر، ولم يعملوا في موارد فلا يجبر.

ص: 322

لا يقال: بعد عملهم في الجملة يمكن القول بحجية القرعة مطلقاً.

لأنه يقال: الحجية قابلة للتفكيك، والفقهاء لم يعملوا عملاً مطلقاً حتى يجبر السند مطلقاً، بل العمل في الجملة، فيكون السند معتبراً في الجملة، ومثله كثير، كما في تعارض العامين من وجه، حيث يتساقط الدليلان في مورد التعارض مع حجيتهما في غيره، فلا يقال: إن الخبر لو كان معتبراً لزم حجيته في مورد التعارض، وإن لم يكن معتبراً لزم عدم حجيته في غيره، فإن الجواب هو التفكيك في الحجية، فدليل الحجية لا يشمل مورد التعارض بخلاف غيره.

والمقام كذلك، حيث إن عمل المشهور جابر، وعليه بناء العقلاء، فيكون حجة في مورد العمل دون غيره.

لا يقال: ذهب المشهور إلى القرعة في البعير والبقر فيما نحن فيه.

فإنه يقال: لم يكن ذلك للقرعة، وإنما لرواية محمد بن عيسى.

وفي الكل نظر، فإن بعض أدلة القرعة معتبر، كما أن التفكيك في الحجية وإن كان ممكناً لأنها أمر اعتباري إلا أن جابرية الشهرة لبناء العقلاء ولا تفكيك فيه في المصاديق، فتأمل.والحاصل: إن الحكم في الشاة للنص، وفي البعير والبقر للمناط القطعي بقرينة فهم الفقهاء.

المبحث الثاني: فيما يراد ظهره

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى التعميم، حيث لا فرق بين الشاة والبغل، وربما فهم المشهور المناط.

ص: 323

وهنالك قول آخر وهو الرجوع إلى الأصول العملية، ففي الشبهة المحصورة لابد من الاحتياط بتطبيق الحكم على كل الأطراف، وفي غير المحصورة لا تكليف؛ وذلك للتشكيك في المناط، فمع العلم باختلاف الحكم بين القسمين في بعض الموارد لا يمكن القطع باتحاد الحكم في المقام. هذا أولاً.

وثانياً: عدم جريان التعليل الوارد في الروايات، ففي حسنة سدير: «كي لا يعير بها».

وفصل جمع بأن هنالك صورتين في المشتبه:

الأولى: أن تكون الأطراف المشتبهة كلها ملكاً لشخص واحد، فتجري في حقه القواعد العامة للشبهة المحصورة وغيرها.

الثانية: أن تكون الأطراف المشتبهة ملكاً لشخصين، فهنا مورد القرعة لتزاحم الحقوق.

ويرد عليه أنه لا تكليف على أي واحد منهما في الشبهة المحصورة، إلا لو بحثنا المسألة من جهة تكليف الحاكم الشرعي، حيث يريد إخراج الدابة وبيعها، فيكون الطرفان محل ابتلائه.ولا مجال لهذين القولين بعد فهم المشهور المناط.

فروع في مسألة اشتباه الموطوء بغيره

وهنا فروع، وهي:

الفرع الأول: هل التنصيف دقي أو يكفي التنصيف العرفي؟

ذهب البعض إلى أن مقتضى الاقتصار على النص هو كون التنصيف

ص: 324

دقياً، ولو كان العدد فرداً في التقسيم الأول، أو وصل إلى الفرد في أثناء التقسيم كان مغتفراً.

لكن الأقرب أنه عرفي؛ لحمل الروايات على لسان القوم، فمفهوم النصف في العرف ليس النصف الدقي؛ وليس ذلك من جهة حجية العرف في المصاديق حتى يقال: إنه حجة في المفاهيم فقط، بل من باب توسعة العرف في مفهوم النصف، أي إن النصف عرفاً ليس مفهومه النصف الدقي، بل مفهوم النصف أعم حقيقة لا مجازاً.

الفرع الثاني: لو أقرع فضاع من أصابه السهم في القطيع، أقرع مرة ثانية للمناط أو الإطلاق.

الفرع الثالث: لا فرق بين أن تكون الشاة جزء القطيع فوطأها، أو كانت موطوءة فاشتراها فاختلطت بالقطيع، ثم علم أنها موطوءة؛ لإطلاق الرواية.

الفرع الرابع: لا فرق في كون القطيع نوعاً واحداً أو نوعين كالشاة والمعز، ولا يعلم أيهما الموطوء.

الفرع الخامس: هل يمكن التقسيم لأجل القرعة إلى ثلاثة أقسام أو أكثر؟مقتضى الجمود على النص الاقتصار على نصفين، لكن الظاهر بقرينة الفهم العرفي أنه من باب المثال، فمن لفظ الرواية يفهم عدم الفرق بين أطراف القسمة أو من باب المناط، ولا شك في المناط وإن كان الظاهر أنه مثال.

الفرع السادس: لو تبين بعد القرعة أنه غير الموطوء، فلو لم يذبح الأول لم تجرِ عليه الأحكام؛ لعدم الموضوعية في القرعة، وإنما هي طريق للحكم

ص: 325

بأنه الموطوء ظاهراً.

وإن ذبح من دون تذكية شرعية كان ميتة وأقرع ثانية، ولو ذبح على الطريقة الشرعية حلّ لحمه وأقرع مرة ثانية لإخراج الموطوء.

والحاصل: إن المستفاد من النص أن القرعة طريقية لا موضوعية.

الفرع السابع: لو تلف بعض القطيع قبل القرعة لم يرتفع الحكم الشرعي، وكان التالف طرف القرعة أيضاً، فلو خرجت القرعة في التالف كان هو الموطوء، وحلّ الباقي، فإن تلف البعض لا يخرجها عن دائرة التكليف بالقرعة؛ لاحتمال أن يكون هو الموطوء.

الفرع الثامن: لو كان هنالك قطيعان أو أكثر، وعلم بأن الموطوء في أحدها لم يلزم خلطها ثم التنصيف، فاللازم القرعة بينها حتى وإن اختلف العدد بين القطيعين كثيراً، ثم ينصف القطيع الذي خرجت القرعة باسمه.

السبب الرابع : لو شربت الشاة الخمر

السبب الرابع(1): لو شربت الشاة الخمر

ويترتب عليه حكمان على المشهور(2):الأول: حرمة الأعضاء الداخلية كالمعدة والقلب.

الثاني: وجوب غسل اللحم ثم يجوز أكله.

والمستند للحكمين المذكورين هو ما يلي:

الأول: خبر زيد الشحام، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «في شاة تشرب(3) خمراً

ص: 326


1- من الحرمة العرضية في الجملة للحيوان المحلل اللحم.
2- تحرير الأحكام 4: 633؛ رياض المسائل 12: 173؛ مستند الشيعة 15: 126.
3- في تهذيب الأحكام 9: 43 «شربت».

حتى سكرت ثم ذبحت على تلك الحال، قال: لا يؤكل ما في بطنها»(1).

وليس المراد الخمر أو الأطعمة التي فيها، بل ما في أحشائها من القلب والرئة وأمثالهما.

الثاني: ما ورد في السرائر، حيث قال: «وروي أنه إذا شرب شيء من هذه الأجناس خمراً ثم ذبح جاز أكل لحمه بعد أن يغسل بالماء، ولا يجوز أكل شيء مما في بطنه ولا استعماله»(2).

ولم ترد في المجاميع التي بأيدينا، إلا أن ابن إدريس كانت بيده مجموعة من الأصول الأربعمائة، وقد نقل بعضها في مستطرفات السرائر.

هذا هو القول الأول في المسألة.

وأمّا القول الثاني فهو كراهة ما في بطنه، كما ذهب إليه ابن إدريس(3) في قول نادر؛ وذلك لضعف المستند، فإن خبر زيد الشحام ضعيف؛ لضعفالراوي عنه وهو أبو جميلة، وخبر السرائر مرسل، فلا يمكن استفادة الحكم الإلزامي منهما.

لكن يمكن اعتبار خبر زيد الشحام عبر طرق:

الطريق الأول: إن المشهور عملوا بهذه الرواية، فهو منجبر بعملهم على المبنى.

الطريق الثاني: إن راوي الخبر هو ابن فضال، فيمكن تصحيحه عبر

ص: 327


1- الكافي 6: 251؛ وسائل الشيعة 24: 160.
2- السرائر 3: 97.
3- السرائر 3: 97.

وجهين:

الأول: إنه من أصحاب الإجماع من الطبقة الثالثة، فأجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، والمبنى مرضي عند الكثيرين، فيحكم بكون المضمون صادراً عن المعصوم(علیه السلام).

الثاني: ما ورد عن الإمام العسكري(علیه السلام) حول كتب بني فضال التي ملأت بيوت الشيعة، حيث قال(علیه السلام): «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا»(1)، فيدل على صدقهم ووثاقتهم في نقل الروايات مع عدم حجية آرائهم.

وارتضى المبنى المذكور الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة(2)، وصاحب الرياض(3) في المقام وغيرهما، لكن أشكل بعض المدققين على أصل المبنى لوجهين:

الوجه الأول: إن سند الرواية إلى العسكري(علیه السلام) غير معتبر، فلا يمكنالاستناد إليها في قبول روايات بني فضال.

الوجه الثاني: إن الرواية المذكورة تدل على وثاقتهم لا صحة كل ما يروونه ولو عن ضعيف.

لكن يبدو عدم تمامية الوجهين؛ فإن الشهرة جابرة فالسند معتبر، كما أن مفاد الأخذ بكتبهم هو جواز العمل بكل رواياتهم التي في كتبهم.

والحاصل: لو كان السند إلى بني فضال صحيحاً كانت الرواية معتبرة

ص: 328


1- خاتمة المستدرك 7: 56؛ الرسائل الرجالية 2: 156؛ رجال الخاقاني: 41.
2- كتاب الطهارة، للشيخ الأنصاري 1: 355.
3- رياض المسائل 12: 174.

وحجة.

نعم، هنالك كلام في كون الحسن بن علي بن فضال من أصحاب الإجماع، فإن الكشي(1) لم يجعله منهم بشكل قطعي، بل ردد الأمر بينه وبين الحسن بن محبوب حسب الخلاف بين الفقهاء، فلم يثبت الإجماع عليه، فالوجه السابق محل تأمل.

وقد أشكل البعض(2) على خبر زيد الشحام بإشكالات:

الإشكال الأول: اختصاصه بالشاة مع تعميم الفقهاء الحكم إلى كل محلل اللحم.

وجوابه واضح، حيث لم يخصص الحكم بالشاة في مرسلة ابن إدريس، هذا أولاً.

وثانياً: إن المفهوم عرفاً من ذكر الشاة أنه من باب المثال لا الاختصاص.

الإشكال الثاني: اختصاصه بالوصول إلى حد السكر، مع تعميم الفقهاءالحكم المذكور وإن شربت الشاة قليلاً من الخمر، أو شربت كثيراً ولم تسكر، أو شربت وذبحت قبل السكر.

وجوابه: إن قيد السكر لم يذكر في رواية ابن إدريس، فهما مثبتان ولا يقيد أحدهما الآخر.

الإشكال الثالث: إن الفقهاء أفتوا بغسل اللحم، ولم يرد ذلك في الرواية، فلا دليل عليه.

ص: 329


1- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) 2: 831 .
2- رياض المسائل 12: 173.

وجوابه: ذكر ذلك في مرسل ابن إدريس(1).

والظاهر أن المستشكل لم يطلع على رواية السرائر.

وقد ذكر صاحب المسالك(2) وجهاً اعتبارياً لوجوب الغسل، وهو أن اللحم لطيف يجذب الخمر، ولذلك لزم غسله.

وفيه نظر؛ فإن العلة المذكورة تجري في القلب والرئة وأمثالهما، ومع ذلك لا يجوز أكلها، هذا أولاً.

وثانياً: لا دليل على أن اللحم يجذب الخمر، بل الثابت أنه ليس كذلك، فالطعام الداخل إلى المعدة ينتقل إلى العروق ثم الكبد ويصبح دماً.

الإشكال الرابع: قال بعض الفقهاء: إن الحكم المذكور لما في البطن لا يشمل القلب وما أشبه، بل خاص بما يمر به الخمر كالمريء والمعدة وما أشبه، وادعوا الانصراف.

لكنه محل تأمل بقرينة فهم الفقهاء.

فرعان يتعلقان بالمسألة

الفرع الأول: وجه العلة في غسل اللحم

إن العلة في غسل اللحم هي التعبد كما ذهب إليه البعض(3)، وقال آخرون: إن العلة ملاقاة النجاسة(4).

ص: 330


1- السرائر 3: 97.
2- مسالك الأفهام 12: 33.
3- رياض المسائل 12: 175.
4- مختلف الشيعة 8 : 281.

وأجيب(1) عن العلة الثانية بجوابين:

الأول: لا ينجس الحيوان أصلاً، وعلى فرض نجاسته - كما هو المشهور - يطهر بزوال عين النجاسة، فليس سبب وجوب الغسل الملاقاة.

الثاني: إن الباطن لا ينجس بملاقاة النجاسة، وعليه فوجوب غسل اللحم ليس للملاقاة وإنما هو أمر تعبدي.

وكلاهما محل تأمل: أمّا أن الحيوان لا ينجس فهو خاص بالحيوان الحي لا الميت، فلو لاقى جلد الحيوان المذكى النجاسة تنجس، فإن الدليل خاص بظاهر الحيوان الحي. وأمّا الثاني فجوابه أنه بعد الذبح أصبح باطنه ظاهراً.

فالصحيح القول بكون العلة التعبد.

الفرع الثاني: لو شربت الشاة بولاً

لو شربت الشاة البول لم يحرم شيء منها لا ظاهراً ولا باطناً. نعم، لابد من غسل الأعضاء الداخلية التي مرّ بها البول؛ وذلك لرواية في سندها ضعف، لكن عمل بها المشهور، وهي خبر موسى بن أكيل، عن بعض أصحابه، عنالباقر(علیه السلام): «في شاة شربت بولاً ثم ذبحت، فقال: يغسل ما في جوفها، ثم لا بأس به»(2).

وهي حسب القاعدة من وجوب غسل الملاقي بشرط بقاء البول وإلا فلا.

ص: 331


1- رياض المسائل 12: 175.
2- الكافي 6: 251؛ وسائل الشيعة 24: 160.

الفصل الرابع: في حيوانات البر المحرّمة

اشارة

قد مرّ أن الأصل حلية كل الحيوانات البرّية إلاّ من استثني بالعمومات أو بالنص الخاص.

ثم إنه يقع البحث في عمومات التحريم، وهي:

الأول: المسوخ

المسوخ جمع مسخ(1)، وهي الحيوانات التي عذب جمع من الناس على صورتها.

الدليل على حرمة المسوخ

هناك عدة أدلة على حرمة المسوخ، وهي:

الدليل الأول: الإجماع(2)، ذكره كثيرون ولم يشكك فيه أحد.

الدليل الثاني: روايات مستفيضة صرحت بالحرمة أو عللت الحرمة بكونها من المسوخ.

منها: موثقة سماعة(3)، وهي كما رواه البرقي عن أبيه، عن الحسن بن

ص: 332


1- العين 4: 206؛ معجم مقاييس اللغة 5: 323؛ لسان العرب 3: 55.
2- الخلاف 6: 83؛ رياض المسائل 12: 158-159.
3- بل صحيحته قد بحثنا في ذلك في موضع آخر، وحاصله: ذهب العلامة إلى أنه واقفي، لكنه توفي في زمن الإمام الكاظم(علیه السلام)، وحصل الوقف بعد شهادته. نعم، كان بعض ذريته واقفياً، وربما يكون هذا سبب الاشتباه والله العالم (السيد الأستاذ).

محبوب، عن سماعة، عن الصادق(علیه السلام): «وحرم

الله ورسوله المسوخ جميعاً»(1).

ومنها: خبر الحسين بن خالد عن الرضا(علیه السلام): «أيحل أكل لحم الفيل؟ فقال: لا، فقلت: لِمَ؟ قال(علیه السلام): لأنه مثلة، وقد حرم الله لحوم الأمساخ ولحم ما مثل به في صورها»(2).

وهنالك روايات متعددة ذكرها في الوسائل(3).

مصاديق المسوخ

ورد في بعض الروايات(4) أن المسوخ سبعمائة حيوان، أربعمائة منها برية وثلاثمائة بحرية، لكن المصاديق المذكورة في الروايات قليلة(5)، وأمّا الباقي فعلى فرض صحة الرواية فهي مجهولة لنا.

ولا يخفى أن سند معظمها ضعيف؛ لكنه غير مضر بالحكم؛ لدخول الكثير منها في عناوين محرمة، كالحشرات والسباع، أو دل على حرمتها نص خاص كالكلب، هذا بالإضافة إلى عمل المشهور.

وهي: الضب، والفأرة، والقرد، والخنزير، والفيل، والكلب، والطاووس، والذئب، والأرنب، والوطواط، والجري، والعقرب، والدب، والوزغ، والزمير، والمارماهي، والوبر(6)، والورل(7)، والدعموس، والقنفذ،

ص: 333


1- تهذيب الأحكام 9: 16؛ وسائل الشيعة 24: 105.
2- وسائل الشيعة 24: 104.
3- وسائل الشيعة 24: 104-113.
4- الكافي 6: 243.
5- راجع الروايات في وسائل الشيعة 24: 104-112.
6- وهو حيوان أصغر من القرد وليس له ذيل.
7- وهو حيوان أكبر من الضب.

والعنكبوت،والبعوض، والقملة، وبنت وردان، والخنفساء، والهر، والرخم(1)، والحية، والسهيل، والزهرة(2)، والذر(3).

حرمة الأرنب

ويدل على حرمة الأرنب الإجماع(4) المسلّم بالإضافة إلى الروايات الخاصة(5)، وكذا ما دلّ على عدم صحة الصلاة في ثوب فيه شعره(6).

إلا أن هنالك رواية عن الإمام الصادق(علیه السلام) ظاهرها الكراهة(7)، لكن حملها الفقهاء(8) على التقية لموافقتها للعامة.

وفي خصوص الطاووس بحث خاص سيأتي.

الثاني: الحشرات

بمعنى كل حيوان يحفر الأرض ويسكنها كالحية والفأر، وإن لم يكن من الحشرات في مصطلحنا، وعبّر عنها بعض الفقهاء(9) بالحشار؛ لأنها

ص: 334


1- نوع من الطير.
2- وهما حيوانان بحريان لا الكوكبين المعروفين.
3- النملة الصغيرة.
4- الانتصار: 400؛ الخلاف 6: 78؛ مسالك الأفهام 12: 35؛ جواهر الكلام 36: 296.
5- وسائل الشيعة 24: 109.
6- وسائل الشيعة 4: 358.
7- وسائل الشيعة 24: 112، وفيه: الشيخ الطوسي بأسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «كان رسول الله(صلی الله علیه و آله) عزوف النفس، وكان يكره الشيء ولا يحرّمه، فأتي بالأرنب فكرهها ولم يحرّمها».
8- وسائل الشيعة 24: 112.
9- مستند الشيعة 15: 103.

تحشر نفسها في الأرض، وإن لم يكن ذلك جمعاً لغوياً.

والحاصل: إن بين الحشرة لغة واصطلاحاً عموم من وجه، فالذباب حشرة اصطلاحاً لا لغة، وعكسه الحية.

أدلة حرمة الحشرات

وتدل على حرمتها أدلة:

الدليل الأول: الروايات وإن كان سندها ضعيفاً، لكن عمل بها المشهور، بل فوق الشهرة، ففي دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين(علیه السلام): «أنه نهى عن الضب والقنفذ وغيره من حشرات الأرض»(1).

الدليل الثاني: الإجماع(2).

كما أن غالب الحشرات تدخل في عنوان آخر من عناوين الحرمة، كالضب والقنفذ الداخلان في المسوخ.

الثالث: السباع

فكل سبع حرام، وفي بعض الروايات(3) تحريم كل ما له ناب من فوق أو تحت، والنسبة بينهما محل خلاف، فذهب البعض(4) إلى التساوي، لكن ظاهر موثقة(5) سماعة تغايرهما، فعن الصادق(علیه السلام): «يا سماعة، السبع كله

ص: 335


1- دعائم الإسلام 2: 123.
2- جواهر الكلام 36: 294.
3- الكافي 6: 244.
4- مستند الشيعة 15: 99.
5- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن سماعة بن مهران، قال...

حرام وإن كان سبعاً لا ناب له»(1)، فيكون السبع أعم من ذي ناب، وإن أولّه البعض بأن المراد ما لا ناب له عرضاً.

وقد يقال: إن ظاهره كل ما يفترس ويأكل اللحم وإن لم يكن من السباع، فالحية لا ناب لها لكنها تفترس وتأكل الحيوانات الأخرى، وكذلك الطيور الجارحة كالعقاب والبازي فهي من السباع ولا ناب لها، وقد ثبت في علم الحيوان أن الكثير من الحيوانات تأكل الأخرى مع أنها لا ناب لها، فلا يبعد أن يكون السبع أعم من ذي الناب.

والمهم في المقام حرمة كل سبع، سواء كان مساوياً لذي ناب أم أعم منه.

ويدل على حرمته: الإجماع(2) والروايات المستفيضة:

ومنها(3): صحيحة الحلبي عن الصادق(علیه السلام) قال: إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام، وقال(علیه السلام): لا تأكل من السباع شيئاً»(4).

الرابع: الخبائث

فكل ما كان من الخبائث حرام، كالخنفساء والدود وأمثالهما.

وقد مرّ البحث فيها، وكانت الأقوال ثمانية، وقد مرّ أن الظاهر أنها ما كانتكذلك واقعاً وكشف عنه الشرع أو عرفه الناس.

ص: 336


1- الكافي 6: 247.
2- مستند الشيعة 15: 98.
3- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
4- الكافي 6: 245؛ تهذيب الأحكام 9: 38؛ وسائل الشيعة 24: 114.

الخامس: ما كان فيه ضرر بالغ منهي عنه

ما فيه الضرر البالغ المنهي عنه، كالحيوان الذي يسبب التسمم أو العمى مثلاً، وقد مرّ بحثه.

فهذه خمسة عناوين عامة.

ص: 337

الفصل الخامس: في الطيور المحرمة والمحلّلة

اشارة

والأصل الأولي في الطيور - كسائر الأشياء - هو الحلية، وقد دلّ على حلية أو حرمة بعضها النص والفتوى كالدجاج والعقاب، وهنالك خلاف في بعضها كالغراب.

القواعد العامة في الطيور

وهنالك كليات وقواعد لتمييز الطيور المحرمة عن غيرها، وهي ثلاثة:

القاعدة الأولى: ما كان سبعاً

فكل طير سبع حرام، أمّا لو صاد أحياناً فلا يقال إنه سبع، والسبع(1) هو المفترس وهو في الطيور كل ما له مخلب يمزق سائر الحيوانات، ولا يخفى أن معظم الطيور لها مخلب لكنها لا تمزق كالدجاج، ولا فرق في ذلك بين أن يكون صياداً قوياً كالعقاب أًو ضعيفاً كالنسر.

ويدل على حرمته الإجماع(2) المسلّم، والنصوص المطلقة الواردة في السباع، بالإضافة إلى النصوص في خصوص سباع الطير، كصحيحة(3)

ص: 338


1- القاموس المحيط 3: 35؛ تاج العروس 11: 197.
2- الخلاف 6: 75؛ رياض المسائل 12: 158.
3- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .

الحلبي، عن الصادق(علیه السلام): قال: «كل ذي ناب من السباع ومخلبمن الطير حرام<(1).

إن قلت: هنالك بعض النصوص تثبت الكراهة كقوله(علیه السلام): «أمّا أكل لحمها فإنا نكرهه»(2)، أو قوله(علیه السلام): «لا يصلح أكل شيء من السباع»(3).

قلت: الكراهة في الروايات غير الكراهة المصطلحة اليوم، فهي أعم، حيث إنها بمعنى عدم الحب الشامل للحرام، وقوله: (لا يصلح) تارة يكون لأجل الحرمة، وتارة لأجل الكراهة، فلا تعارض.

إن قلت: ورد في صحيحة(4) محمد بن مسلم، عن الباقر(علیه السلام) حلية سباع الطير، حيث: «سئل عن سباع الطير والوحش(5) حتى ذكر له القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل، فقال: ليس الحرام إلا ما حرّم الله في كتابه، وقد نهى رسول الله(صلی الله علیه و آله) يوم خيبر عن لحوم الحمير»(6)، فتدل على حلية ما ليس في القرآن، ولم ينهَ عنه النبي(صلی الله علیه و آله).

قلت: إنها محمولة على التقية لموافقتها للعامة، كمالك الذي نقل عنه أنّه حللّ جميع الحيوانات، واستثنى الخنزير الوارد في القرآن والحمار المنهي

ص: 339


1- الكافي 6: 244.
2- من لا يحضره الفقيه 1: 261.
3- تهذيب الأحكام 9: 43؛ وسائل الشيعة 24: 115.
4- الشيخ الطوسي بأسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)... .
5- أي: البر.
6- الاستبصار 4: 74؛ وسائل الشيعة 24: 123.

عنه، وإن أبيت فلابد من القول بأن حرمة السباع مما دلت عليهالروايات، فتدخل في ما حرم الله في كتابه لقوله تعالى: {وَمَآ

ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ}(1)، وقوله سبحانه: {أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ}(2). بل وردت رواية صحيحة(3) عن رسول الله في تحريمها، فعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «كل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير حرام، وقال: لا تأكل من السباع شيئاً»(4).

وإن أبيت فلابد من الإعراض عن رواية الحليّة لمعارضتها الروايات المعتبرة الكثيرة.

والحاصل: إنه لا يمكن الاستناد إليها، إما للتقية أو لعدم الدلالة أو للمعارضة.

القاعدة الثانية: الدفيف والصفيف

كل طير صفيفه أكثر من دفيفه فهو حرام، ويحل ما كان بعكسه، ويدل على ذلك الإجماع(5)، بالإضافة إلى النصوص المعتبرة، كصحيحة(6) زرارة،

ص: 340


1- سورة الحشر، الآية: 17.
2- سورة النساء، الآية: 59.
3- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
4- الكافي 6: 245؛ وسائل الشيعة 24: 114.
5- كفاية الأحكام 2: 601؛ رياض المسائل 12: 164.
6- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن رئاب، عن زرارة... .

عن الباقر(علیه السلام) عما يؤكل من الطير، فقال: «كلْ ما دفَّ ولا تأكل ما صف»(1)، والمراد الغالب وإلا فلا يوجد طير لا يصف، ولا يدف.فرع: لو لم يكن سبعاً وتساوى صفيفه ودفيفه - وقد ذكره الفقهاء(2) وإن لم يكن له مصداق خارجاً - فلا بد من الرجوع إلى القاعدة الثالثة.

وأمّا القول باستصحاب الحرمة قبل التذكية فهو مسببي، وقد مرّ تفصيل البحث فيه.

القاعدة الثالثة: الحوصلة والقانصة والصيصية

يحرم كل طير لا يمتلك القانصة والحوصلة والصيصية، فلو امتلك أحدها حلّ، وربما ورد النص على حلية ما لا يمتلك الثلاثة، وهو استثناء، والكلام في القاعدة.

ويدل عليه الإجماع(3) بالإضافة إلى النصوص المعتبرة:

ومنها: خبر(4) ابن بكير عن الصادق(علیه السلام): «كُلْ من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة»(5)، وتستظهر حرمة الفاقد من (ما) الموصولة التي تفيد الشرط، كما ذكر ذلك بعض الفقهاء(6)، وهو المفهوم عرفاً، فإن

ص: 341


1- الكافي 6: 247؛ من لا يحضره الفقيه 3: 321؛ وسائل الشيعة 24: 152.
2- شرائع الإسلام 4: 751؛ تحرير الأحكام 4: 635؛ مجمع الفائدة 11: 180.
3- كفاية الأحكام 2: 601؛ كشف اللثام 9: 258؛ رياض المسائل 12: 163.
4- عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... والأقرب اعتبار سهل بن زياد.
5- الكافي 6: 248؛ تهذيب الأحكام 9: 17؛ وسائل الشيعة 24: 151؛ قال السيد الاستاذ: والأقرب كون الرواية موثقة لاعتبار سهل بن زياد على الأقوى، مضافاً إلى عمل المشهور بها.
6- مستند الشيعة 15: 79.

تمّ الظهور فبها، وإلا فلا تفيد حرمة الفاقد. نعم، تثبت حلية الواجد.ومنها: موثقة(1) سماعة عن الصادق(علیه السلام): «والحوصلة والقانصة يمتحن بها من الطير ما لا يعرف طيرانه، وكل طير مجهول»(2)، والفرق بين الجملتين أن المقصود من الجملة الأولى ما لا يطير أصلاً، ومن الثانية: الطير المجهول، بأن يكون جاهلاً بحقيقته، ويحتمل في الأولى أن يعرف الطير لكن لا يعرف كيف طيرانه، وفي الثانية لا يعرف الطير أصلاً، كما لو وجد طيراً مذبوحاً لا يعرفه.

ولا يخفى أن الفقهاء تطرقوا إلى الكلام عن الفرق بين القانصة والحوصلة، وأنهما شيئان أو شيء واحد، وهل يجتمعان في طير واحد أم لا؟ لكن الثابت أن (الحوصلة) مجمع الحبّ في وسط المريء - حيث تنقّع لتلين فيكون عملها كالمضغ في الحيوانات الأخرى - ثم بعد ذلك ينتقل الطعام إلى (القانصة) حيث يهضم - كعمل المعدة في سائر الحيوانات - .

كما أنه قد يتوهم نوعاً من التعارض بين الروايات حاول بعض الفقهاء حلها، لكن بما أن المسألة إجماعية فلا يؤثر ذلك في الفتوى.

وليعلم أن العلامات الثلاثة متلازمة مع الدفيف أو الصفيف، فمن يمتلك إحدى الثلاثة فدفيفه أكثر من صفيفه، وما كان صفيفه أكثر من دفيفه فلا يمتلك الثلاثة.

بعض الطيور المنصوصة

وبعد بيان القواعد العامة نتطرق إلى ذكر الطيور المنصوصة، التي وقع

ص: 342


1- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن سماعة بن مهران... .
2- الكافي 6: 247؛ تهذيب الأحكام 9: 16؛ وسائل الشيعة 24: 150-151.

الخلاف فيها:

الأول: الغراب

وهو أنواع:

منها: الغراب الكبير الذي يعيش في الجبال، ويتغذى على الجيف.

ومنها: الغراب الصغير ويسمى بالزاغ، وهو بحجم الحمام، ويعيش في المزارع، ويتغذى على الحبوب.

ومنها: ما يسمى بالأبقع وهو أكبر من الزاغ.

ومنها: ما يسمى بالعقعق ويكون في ريشه بياض وذيله طويل.

وفي حكم الغراب أقوال، منها: الحرمة مطلقاً، ومنها: الحلية مطلقاً، ومنها: الأقوال بالتفصيل.

دليل القول بحرمة الغراب

واستدل على الحرمة بروايات، منها: صحيحة(1) علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام) قال: «سألته عن الغراب الأبقع والأسود أيحل أكلهما، فقال: لا يحل أكل شيء من الغربان، زاغ ولا غيره»(2).

ومنها: الخبر الوارد في تحريم بيض الغراب(3)، وسيأتي الكلام في التلازم بين بيض الطير ولحمه.

ص: 343


1- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر... .
2- الكافي 6: 245؛ وسائل الشيعة 24: 126.
3- الكافي 6: 252؛ وسائل الشيعة 24: 126-127، عن أبي إسماعيل قال: سألت أبا الحسن الرضا(علیه السلام)، عن بيض الغراب؟ قال: «لا تأكله».

دليل القول بحلية الغراب

واستدل للحلية بموثقة(1) زرارة عن أحدهما‘: «إن أكل الغراب ليس بحرام، إنما الحرام ما حرم الله في كتابه، ولكن الأنفس تتنزه من ذلك تقززاً»(2)، وهي صرحية في الحلية على كراهة.

وأشكل عليها صاحب الرياض(3) بأنها رواية شاذة مخالفة للإجماع فلابد من طرحها؛ وذلك لعدم اختصاص المحرمات بما في القرآن، بل الكثير منها مذكورة في السنة التي أمر القرآن باتباعها.

وفيه نظر لعدم كونها شاذة ولا مخالفة للإجماع، فإن تخصيص الكتاب بالسنة مما لا إشكال فيه، فقوله(علیه السلام): «إنما الحرام ما حرم الله في كتابه» مخصَّص بالسنة، كما هو الحال في قوله تعالى: {قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ}(4) المخصص بموارد وردت عبر الروايات. هذا أولاً.

وثانياً: ما في المستند(5) من أن كل المحرمات مذكورة في القرآن ولو في باطنه، لقوله تعالى: {تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ}(6)، ولا يمكن الوصول إلى

ص: 344


1- الشيخ الطوسي بأسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان بن عثمان، عن زرارة، عن أحدهما... .
2- الاستبصار 4: 66؛ وسائل الشيعة 24: 125.
3- رياض المسائل 12: 161.
4- سورة الأنعام، الآية: 145.
5- مستند الشيعة 15: 84 .
6- سورة النحل، الآية: 89 .

الباطن إلا عبر السنة، فكل حرام وارد في السنة مذكور في القرآن.وفيه نظر، فإن الكلام وإن كان صحيحاً في حد نفسه لقوله تعالى: {وَلَا

رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ}(1) إلا أن الظاهر كون المراد مما حرم الله في كتابه هو ظاهر الكتاب لا باطنه.

والحاصل: إنه يلزم الجمع بين الموثقة المذكورة وصحيحة علي بن جعفر، فإن لم يمكن الجمع الدلالي فلابد من القول بتعارضهما، ومعه يلزم البحث عن المرجح، وإلا فالتساقط ثم الرجوع إلى القواعد العامة.

وجوه الجمع بين الروايات

وهنالك وجوه للجمع، هي:

الوجه الأول: حمل الموثقة على التقية، وأمّا الصحيحة فلا وجه لحملها على التقية، حيث لا تقية بين علي بن جعفر وأخيه(علیه السلام).

وفيه نظر: أولاً: إنه مع إمكان الجمع الدلالي لا تصل النوبة إلى التعارض والتمسك بالمرجحات، ومجرد موافقة العامة مع إمكان الجمع الدلالي لا يسوغ الحمل على التقية، وإلا فالكثير من الأحكام موافقة للعامة، حيث لم يحرفوها، كوجوب الحج وركعتي صلاة الصبح.

وثانياً: اختلف العامة في الغراب بين محلل ومحرم، فلا مورد للترجيح بمخالفة العامة؛ لأن كلا الروايتين مخالفتان لبعض العامة.

الوجه الثاني: الجمع الدلالي بحمل الظاهر في الحرمة على الكراهة، فإن الصحيحة ظاهرة في الحرمة، حيث يمكن حمل قوله(علیه السلام): «لا يحلأكل

ص: 345


1- سورة الأنعام، الآية: 59.

شيء من الغربان»(1) على إرادة الكراهة، وأمّا الموثقة فنص في الحلية، حيث لا يحتمل غير الحلية من قوله(علیه السلام): «ليس بحرام».

وفيه نظر؛ لأن (لا يحل) نص في الحرمة لا أنه ظاهر فيها، و(ليس بحرام) نص في الحلية، فيتعارضان ويتساقطان، فلابد من التمسك بالقواعد الأخرى، ولا مجال للتمسك بأصالة الحلّ، إذ لا يخلو الطير من فاقد للعلامات الثلاث - القانصة والحوصلة والصيصية - أو واجد لها أو لأحدها، كما لا يخلو طير من غلبة صفيفه أو دفيفه، نعم ليس الغراب من السباع حتى الكبير منه، فإنه آكل للجيف لا أنه مفترس وسبع.

واحتمل جمع بأن الغراب الكبير الآكل للجيف يصيد الطيور الصغيرة، فيكون سبعاً، وعليه لو انطبق عليه عنوان السبع فلا مناص عن القول بالحرمة. نعم لو فرض عدم إمكان العلم في طير في اشتماله على القاعدة الثانية أو الثالثة فهو من الشبهة الموضوعية فيكون المرجع أصالة الحلية.

الأقوال المفصلة وأدلتها

وهي بين القول بحلية الزاغ دون غيره، أو حرمة الأسود الساكن في الجبال والرمادي وحلية غيرهما، أو حرمة الأسود الكبير والأبقع وحلية الزاغ والعقعق.

ويمكن مراجعة تفصيل الأقوال المذكورة في المستند(2).

ص: 346


1- مسائل علي بن جعفر: 174؛ الكافي 6: 245.
2- مستند الشيعة 15: 83-84 .

وأمّا أدلتها فوجوه:

الوجه الأول: الجمع بين الأخبار، لكن الجموع المذكورة تبرعية لاشاهد عليها من الروايات.

الوجه الثاني: إن الغراب الكبير الآكل للجيف من الخبائث وهي محرمة بخلاف الزاغ والأبقع.

وفيه: إنه قد مرّ البحث في الخبائث وكان المختار أن المراد من الخبائث ما كان خبيثاً واقعاً كشف عنه الشارع أو علم به الإنسان، وحيث لا دليل في المقام، فلا يمكن الحكم على كون الغراب من الخبائث، ومجرد أكل الجيف ليس سبباً لكونه من الخبائث ولا دليلاً على الحرمة.

الوجه الثالث: الأنواع المحرمة من الغراب إنما هي من السباع.

وفيه: إن الغراب الأبقع والعقعق والزاغ ليسوا من السباع، وأمّا الكبير الآكل للجيف فلا يعلم أنه من السباع، وعلى فرض أنه من السباع فدليل الحلية على فرض ترجيحه يخصصه، اللهم إلاّ أن يقال: إن بين الدليلين عموماً من وجه، وعلى فرض ترجيح دليل الحرمة، فلابد من القول بحرمة كل أنواعه من دون اختصاص بالكبير الأسود.

نعم، مع القول بالتعارض والتساقط فلابد من الرجوع إلى القواعد العامة.

فتحصل أن الأقرب حلية الغراب بأنواعه مع القول بكراهته، لكن يجتنب عنه احتياطاً.

ص: 347

الثاني: الهدهد

انعقد الإجماع(1) على حليته، وأفتى المشهور بالحلية على كراهة(2).أمّا وجه الحلية فللعلائم العامة الدالة عليها، وأمّا وجه الكراهة فللنصوص، والتي ظاهر بعضها الحرمة، لكنها محمولة على الكراهة للإجماع على الحلية.

منها: صحيحة(3) علي بن جعفر: «سألت أخي موسى(علیه السلام) عن الهدد وقتله وذبحه، فقال: لا يؤذى ولا يذبح فنعم الطير هو»(4)، قيل: ظاهرها حرمة الذبح والإيذاء، لكن لا تلازم حرمة اللحم، ولا تدل حتى على كراهته، كما لو قال بحرمة ذبح الشاة المغصوب.

وفيه نظر، فإن الملازمة متحققة عرفاً، فيستفاد منه النهي عن الأكل، وإلا فلا موضوعية للذبح.

ومنها: خبر: «نهى رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن قتل الهدهد والصرد والصوام والنحلة»(5).

والكلام فيه كالكلام في سابقه، ويضاف إليه ضعف السند.

والحاصل: إن الروايات لا تدل على الحرمة للإجماع، ولكنها تدل على

ص: 348


1- مستند الشيعة 15: 91.
2- المهذب 2: 429؛ المختصر النافع: 244؛ الروضة البهية 7: 281؛ كفاية الأحكام 2: 602.
3- الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن علي بن جعفر قال... .
4- الكافي 6: 224؛ وسائل الشيعة 23: 394.
5- الكافي 6: 224؛ وسائل الشيعة 24: 149.

الكراهة للتلازم العرفي.

الثالث: الخطاف

وقد ذهب بعضهم إلى الحرمة(1)، وبعضهم إلى الحلية مع الكراهة(2)،ومنشؤ الخلاف اختلاف الروايات، وجمع المشهور بينها بحمل الروايات الناهية على الكراهة.

والدليل على الحلية: العلامات العامة للحلية، بالإضافة إلى الروايات المعتبرة:

منها: موثقة(3) عمار الساباطي: «عن الرجل يصيب خطافاً في الصحراء أو يصيده أيأكله، فقال: هو مما يؤكل»(4).

لكن ذهب الشيخ الطوسي(5) إلى الحرمة بحمل العبارة على الاستنكار، بتقدير همزة الاستفهام الاستنكاري.

لكنه خلاف الظاهر، والأصل عدم التقدير.

ومنها: ما روي عن الصادق(علیه السلام): «خرء الخطاف لا بأس به، وهو مما يؤكل لحمه، لكن كره أكله لأنه استجار بك»(6).

ص: 349


1- النهاية: 577؛ السرائر 3: 104.
2- شرائع الإسلام 4: 751؛ إرشاد الأذهان 2: 111؛ مختلف الشيعة 8: 290.
3- الشيخ الطوسي بأسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
4- الاستبصار 4: 66؛ وسائل الشيعة 24: 148.
5- الاستبصار 4: 67؛ تهذيب الأحكام 9: 21.
6- وسائل الشيعة 23: 393.

ومع التصريح بأنه مما يؤكل لحمه فلا حاجة إلى الاستدلال بطهارة خرئه بأن يقال قد ثبت نجاسة خرء الحيوان المحرم اللحم ذي الدم الدافق، فمع ثبوت طهارة خرء الخطاف - مع أن له دم دافق - تثبت حلية لحمه.

مضافاً إلى أنه محل تأمل؛ فإن القاعدة تامة إلا في الطيور، فإن فضلاتهاطاهرة حتى لو كانت محرمة اللحم ولها دم دافق، ويدل عليه قوله(علیه السلام): «كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه»(1)، فالدليل الدال على طهارة فضلات الخطاف لا يدل على حلية لحمه، هذا والبحث مبنائي.

واستدل للتحريم بروايات:

منها: صحيحة(2) جميل عن الصادق(علیه السلام): «لا تقتلهن ولا تؤذيهن فإنهن لا يؤذين شيئاً»(3).

وفيه: إنها تدل على الحلية؛ لأن جميل يسأل الإمام الصادق(علیه السلام) عن صيد الخطاف في الحرم المكي(4)، فالنهي إنما هو لأجل الحرم(5)، وعلى فرض الشك في أن الحكم بالحرمة هل هو لحرمة لحمه أو لمكانة الحرم يكون الأمر مجملاً.

ص: 350


1- الكافي 3: 58؛ وسائل الشيعة 3: 412.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج... .
3- الكافي 6: 224؛ من لا يحضره الفقيه 2: 262؛ وسائل الشيعة 23: 392.
4- صدر الرواية: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن قتل الخطاف أو إيذائهن في الحرم... .
5- أقول: لكن العلة (فإنهن لا يؤذين) تعمم الحكم، فبما أنها لا تؤذيك فلا تقتلها، وهذا لا يختص بالحرم المكي كما هو واضح، بالإضافة إلى أن خصوص المورد لا يخصص الوارد. (المقرر).

كما أن حرمة القتل يلازم حرمة اللحم عرفاً كما ذكرنا.

واستدل في الرياض(1) والمستند(2) على الحلية بأنه لو حرم نجس خرؤه،وكان سبباً للآذى، فقوله(علیه السلام): (لا يؤذين) دال على طهارة خرئه، فيدل على حلية لحمه.

وأجاب عنه في الفقه بأن إطلاق لا يؤذين شيئاً ليس من جهة فضلاته(3).

وقد استفاد بعض الفقهاء(4) من العلة المذكورة كراهة قتل كل طير يستجير بك، كما أنه لا خصوصية للاستجارة (بك) بل الحكم يعم فيما لو استجار (بك) أو (بغيرك).

وأمّا مع القول بالخصوصية في الخطاف والاستجارة بك فلا يمكن استفادة الكراهة.

الرابع: الحبارى

وقد قام الإجماع على حلية الحبارى(5)، بالإضافة إلى النص، وامتلاكه لعلائم الحلية العامة، لكن قيل: على كراهة(6).

ففي صحيحة(7) عبد الله بن سنان قال: «سأل أبي أبا عبد الله(علیه السلام) وأنا

ص: 351


1- رياض المسائل 12: 167.
2- مستند الشيعة 15: 89-90.
3- الفقه 76: 136-137.
4- الفقه 76: 140.
5- طير مهاجر يصاد عبر الباز والصقر.
6- النهاية: 577؛ تحرير الأحكام 4: 635؛ رياض المسائل 12: 163؛ مستند الشيعة 15: 91؛ جواهر الكلام 36: 313.
7- عنه، عن حماد، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن سنان... .

أسمع ما تقول في الحبارى؟ قال: إن كانت له قانصة فكل»(1).

لكن لم نجد دليلاً على الكراهة، بل هنالك نص صحيح دال على عدمها، ولا يصح التمسك بقاعدة التسامح - بناءً على توسعتها - لإثبات الكراهة؛وذلك لوجود النص المذكور المخصص للقاعدة، وهو صحيحة(2) كردين المسمعي: «سألت أبا عبد الله عن الحبارى، قال: وددت أن عندي منه فآكل منه حتى أتملأ»(3).

الخامس: الشقراق

ومما قالوا بكراهته الشقراق(4)، ولا إشكال في حليته لعلائم الحلية العامة، لكن الكلام في كراهته، حيث أفتى بها بعض الفقهاء(5) لموثقة(6) عمار عن أبي عبد الله(علیه السلام): «أنه سئل عن الشقراق، فقال: كره قتله لحال الحيات، قال: كان النبي(صلی الله علیه و آله) يوماً يمشي وإذا شقراق قد انقض فاستخرج من خفه حية»(7)، وقد قلنا بالتلازم عرفاً بين كراهة القتل وكراهة اللحم.

ص: 352


1- تهذيب الأحكام 9: 15.
2- محمد بن الحسن بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن كردين المسمعي... وهو مسمع بن عبدالملك بن مسمع ويلقّب بكردين.
3- وسائل الشيعة 24: 158.
4- قيل: هو طائر أخضر في أجنحته سواد. راجع: حياة الحيوان 2: 56.
5- مسالك الأفهام 12: 47؛ مجمع الفائدة 11: 185.
6- الشيخ الطوسي بأسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
7- تهذيب الأحكام 9: 21؛ وسائل الشيعة 23: 397.

واستفاد جمع(1) من التعليل المذكور كراهة قتل كل حيوان يقضي على الحيوانات المؤذية.

السادس: اللقلق

ومما وقع فيه الخلاف اللقلق، ومنشؤه الاختلاف في تحقق علائم الحلية عند أهل الخبرة، حتى قيل: «ربما تختلف حالاتها».

وفي الفقه: الظاهر امتلاكه لبعض العلائم(2)، وفي بعض الكتب الفقهية إنها لا تمتلك.

وحيث لا يصاد اللقلق كان الأمر مجهولاً، بل في بعض المناطق أن صيده وتخريب بيته شؤم. ومع الرجوع إلى علم الحيوان اليوم يسهل الاطلاع على العلائم.

السابع: النعامة

وقد وقع الخلاف في كونها طائراً، لكن الظاهر أنها طير عرفاً(3)، ولها علائم الطيور من الجناح والريش وتبيض، وأمّا كبر حجمها وعدم طيرانها فلا يخرجها عن فصيلة الطيور بعد أن اعتبرها العرف طيراً.

وقد قام الإجماع(4) على حليتها مع عدم امتلاكها لكل علائم الحلية، ولا ضير في ذلك بعد أن كانت مرجعية العلائم مشروطة بعدم النص والإجماع.

ص: 353


1- الفقه 76: 141.
2- الفقه 76: 145، وفيه: >فاللازم الرجوع إلى العلامة الثانية، والظاهر وجودها فيه، فهو حلال».
3- جواهر الكلام 36: 320-321.
4- جواهر الكلام 36: 322.

وخالف في ذلك الشيخ الصدوق مستدلاً بكونها من المسوخ(1)، ولا تضر مخالفته بالإجماع بعد عدم وجود حتى رواية واحدة علىكونها من المسوخ.

ومن أدلة الحليّة سيرة المتشرعة من دون نكير من أحد الفقهاء أو الأئمة(علیهم السلام).

وقد يستدل على ذلك أيضاً بروايات كفارة الإحرام الواردة في أكل المحرم بيض النعامة من دون نكير عليه إلا من جهة الإحرام، فتكون الحرمة عرضية لأجل الإحرام، فمع الحكم بحلية البيض يحكم بحلية الأصل لما سيأتي من التبعية.

كما في صحيحة أبي عبيدة(2) عن الإمام الباقر(علیه السلام)، قال: سألته عن رجل اشترى لرجل محرم بيض نعامة فأكله المحرم؟ قال: «على الذي اشتراه للمحرم فداء، وعلى المحرم فداء...»(3).

وفيه تأمل: لأن حرمة الأكل على المحرم ثابتة على كل حال - سواء كانت النعامة حلال أم حرام - فلا حاجة للتنبيه على سبب الحرمة بأنها أصلية أم عارضية بسبب الإحرام، فتأمل.

ص: 354


1- من لا يحضره الفقيه 3: 336، وفيه: «ولا يجوز أكل شيء من المسوخ، وهي: القردة والخنزير والكلب والفيل والذئب والفأرة والأرنب والضب والطاووس والنعامة...».
2- الكليني، عن العدة، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة... .
3- الكافي 4: 388؛ وسائل الشيعة 13: 56.

الثامن: الفاختة

وقد قالوا بكراهة(1) لحم الفاختة لشؤمها كما في الروايات(2)؛ ولأنها تلعن أهل الدار.وأجيب(3) بأن الشؤم لا يلازم الكراهة.

التاسع: الطاووس

وهو من الطيور التي يمتلك بعض العلامات العامة فدفيفه أكثر من صفيفه، إلاّ أنه ورد في الروايات كونه من المسوخ، فإن كانت الروايات معتبرة خصصت دليل الحلية.

لا يقال: بين الدليلين عموم من وجه.

لأنه يقال: دليل حرمة المسوخ هو المقدم لكونه آبياً عن التخصيص.

وروايات تحريمه وكونه من المسوخ وإن كانت ضعيفة سنداً إلاّ أن المشهور عملوا بها، وفي الرياض بلا خلاف(4)، فالأقوى حرمته.

ص: 355


1- المختصر النافع: 244؛ شرائع الإسلام 4: 751؛ اللمعة الدمشقية: 218.
2- الكافي 6: 551.
3- مجمع الفائدة 11: 183؛ كفاية الأحكام 2: 602؛ رياض المسائل 12: 168.
4- رياض المسائل 12: 166.

الفصل السادس: حكم بيض الطيور

اشارة

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: تبعية البيض للطير

استدل على تبعية البيض للطير بأدلة ثلاثة(1):

الدليل الأول: الإجماع(2).

الدليل الثاني: الظهور العرفي في إطلاق الحلية، فلو قال المولى: كذا حلال كان معناه حلية كل أجزائه المتصلة والمنفصلة، إلا ما خرج بدليل.

الدليل الثالث: الروايات المعمول بها.

ومنها: خبر ابن أبي يعفور، عن الصادق(علیه السلام): «إن البيض إذا كان مما يؤكل لحمه فلا بأس به وبأكله وهو حلال»(3).

ومنها: خبر داود بن فرقد، عن الصادق(علیه السلام): «كل شيء لحمه حلال فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو أنفحة فكل ذلك حلال طيب»(4).

ويدلان على حرمة بيض ما لا يؤكل لحمه، الأول بمفهوم الشرط،

ص: 356


1- مستند الشيعة 15: 95؛ مجمع الفائدة والبرهان 11: 246.
2- مستند الشيعة 15: 95.
3- الكافي 6: 325؛ وسائل الشيعة 23: 81.
4- الكافي 6: 325؛ وسائل الشيعة 25: 81.

والثاني بمفهوم الوصف إن قلنا بحجيته.

ثم إنه في حرمة البيض لا فرق بين حرمة الطير بالذات كالعقاب أو بالعرض كالجلال. لظهور دليل الحرمة العرضية في حرمة البيض أيضاً.

المسألة الثانية: اشتباه البيض

لو وجد بيض لا يعلم أنه لطير محلل أو محرم فمع عدم تساوي طرفيه - كبيض الدجاج - كان حلالاً، ومع التساوي كان حراماً، والظاهر التلازم بين العلائم المحللة وعدم تساوي الطرفين.

وادعى البعض تساوي طرفي بيض بعض الطيور المحللة، وعلى فرض ثبوته لا يضر الأمر بالعلامة المذكورة؛ لأنها واردة بالنسبة إلى البيض المجهول، فمع العلم بكون الطير محللاً كان بيضه حلالاً وإن تساوى طرفاه. والحاصل: إن العلامة في صورة الجهل، ومع العلم فلا مجال لها.

لكن قد يقال: وبناءً على صحة هذا الادعاء يحدث التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه، حيث إنه لو تساوى طرفا بيض طير محلل تعارض فيه دليل تبعية البيض للطير مع دليل حرمة ما تساوى طرفاه، وكذا التعارض فيما لو لم يتساو طرفا بيض طير محرم.

وهنا تتقدم التبعية لجهتين:

الأولى: فهم الفقهاء حيث جعلوا التبعية هو الأصل.

الثانية: صريح بعض روايات(1) أن علامة التساوي إنما هي في صورةالاشتباه، فمع العلم بحكم الطير لا تصل النوبة إلى العلامة المذكورة.

ص: 357


1- وسائل الشيعة 24: 155.

صور اشتباه البيض

ولا يخفى أن الصور في منشأ الاشتباه ثلاثة:

الأولى: أن يعلم أنه بيض اللقلق - مثلاً - لكن لا يعلم أنه حلال أو حرام، وهنا لابد من الفحص عن حكم لحمه، فلا تصل النوبة إلى علائم البيض.

الثانية: اختلاط البيض المحرم بالمحلل - سواء كانت الحرمة بالذات أو بالعرض - وهنا مورد العلم الإجمالي، فالمشهور وجوب الاجتناب؛ لأن الشبهة محصورة.

وقد مرّ الكلام فيه سابقاً، وقد يُناقش بما حاصله: إنه إنما تصل النوبة إلى العلم الإجمالي وجريان الأصل العملي إن لم يكن هنالك دليل آخر يتقدم عليه، وفي الماليات دليل الآخر هو الإسراف، وهو دليل اجتهادي.

لكن يمكن أن يقال: إن دليل الحرام يجري في مورد العلم الإجمالي - حيث يحكم العقل بلزوم الاحتياط في أطرافه امتثالاً لحكم المولى - وذلك الدليل يكون حاكماً على دليل الإسراف، مضافاً إلى أنه أخص من المدعى كما لو لم يكن مالكاً لها بل وجدها في أجمة فليس تركها من الإسراف حتى لو علم بحليتها، فتأمل.

الثالثة: الجهل بالطير، وهذا هو مورد الروايات(1)، كما لو دخل أجمة فوجد بيضاً لا يعلم لأي طائر هو، وهنا لو أمكن الفحص - بأن ينتظر حتىيعود الطائر مثلاً فيعرفه - وجب، بناءً على القول بوجوب الفحص في

ص: 358


1- الكافي 6: 248-249.

الشبهات الموضوعية، كما هو مختار جمع من الفقهاء(1)، وأمّا بناء على مختار جمع آخر من عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية كان الحكم العمل بمقتضى العلامة المذكورة؛ وذلك للروايات المعمول بها، ومنها: صحيحة(2) محمد بن مسلم، عن أحدهما‘: «إذا دخلت أجمة فوجدت بيضاً فلا تأكل منه، إلا ما اختلف طرفاه»(3).

المسألة الثالثة: النطفة والدم في البيض

النطفة في البيض ما لم تتبدل إلى الدم طاهرة وحلال؛ للسيرة القطعية وإطلاق الأدلة(4).

وأمّا حكم الدم في البيض، ففيه أقوال ثلاثة(5):

القول الأول: الحرمة مطلقاً؛ لإطلاق أدلة حرمة الدم ونجاسته، وعليه يكون منجساً لبقية البيض؛ لأنه سائل.

القول الثاني: الحلية مطلقاً؛ لانصراف الأدلة عن مثله، بعد عدموجود

ص: 359


1- فرائد الأصول 2: 442.
2- الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن العلاء، عن محمد بن مسلم... .
3- التهذيب 9: 15؛ وسائل الشيعة 24: 154.
4- وفيه: إن إطلاق دليل حلية البيض الشامل للنطفة معارض بإطلاق دليل حرمة النطفة ونجاستها الشامل لنطفة البيض، فيتعارضان بالعموم من وجه، فدليل الحلية يشمل جميع أجزاء البيض بما فيها النطفة، ودليل الحرمة يشمل جميع النطف بما فيها نطفة البيض، فيكون مورد التعارض نطفة البيض، وحيث تعارضا ووصل الأمر إلى التساقط، فلابد من الرجوع إلى الدليل الفوقاني، وهو حلية كل شيء (المقرر).
5- الفقه 76: 153.

إطلاق في أدلة نجاسة الدم، وأمّا قوله تعالى: {حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ}(1) فالمحرم منه هو الدم المسفوح، كما يظهر من قوله تعالى: {إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا}(2).

لا يقال: إن إطلاق الآية الأولى كافٍ في الحكم بحرمة مطلق الدم ولا تقيّده الآية الثانية، إذ هما مثبتان ولا تقييد في المثبتات!

لأنه يقال: إن الآية الثانية دلّت على الحصر - عبر النفي والاستثناء - فمفهومها عدم حرمة الدم غير المسفوح، وبذلك تُقيّد الآية الأولى، فتأمل.

ويؤيده حلية المتبقي في المذبوح لانصراف دليل الحرمة عنه، حيث إنه ليس من الدم المسفوح.

وبهذا القول أفتى بعض الفقهاء ورجحه السيد الوالد صناعة في موسوعة الفقه(3).

وذهب البعض إلى لزوم خلطه قبل الأكل احتياطاً ليستهلك، كما في دم الفم المستهلك، إذ لا دليل على نجاسة هذا الدم بعد عدم وجود إطلاق في أدلة نجاسته، ولعلّ دليل حرمة أكل الدم وشربه تشمله - حتى لو لم يكن نجساً إذ لا تلازم بين الحرمة والنجاسة - فبالاستهلاك يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

القول الثالث وربما هو المشهور: إنه لو كان الدم في غشاء ألقىمع

ص: 360


1- سورة المائدة، الآية: 3.
2- سورة الأنعام، الآية: 145.
3- الفقه 76: 153.

غشائه، ولا بأس بالباقي، حيث إن الغشاء مانع عن اختلاط الدم بالسائل، فلا يسري إلى البيض وإن كان مائعاً، وهذا هو الأقرب.

ص: 361

الفصل السابع: في حرمة الميتة

اشارة

وتفصيل البحث في كتاب الطهارة، لكن هنالك بعض الفروع التي ترتبط بالمقام، فلا يخلو التطرق إلى أصل البحث من فائدة.

والمراد من الميتة كل حيوان يموت من دون تذكية شرعية، سواء أمات حتف أنفه أم فقد شرطاً من شروط التذكية.

وقد ذكر بعض مصاديق الميتة في الآيات والروايات وكلمات الفقهاء، كالمتردية(1) والموقوذة(2)، والنطيحة(3)، والمنخنقة، والمصبورة(4)، والمجثمة(5).

فروع تتعلق بالمسألة

وهنا فروع:

الفرع الأول: في حكم اللحم المستورد

اللحم إن كان مستورداً من البلاد الإسلامية فهو حلال؛ لحلية ما في

ص: 362


1- أي: التي ماتت بسبب السقوط من شاهق.
2- أي: المضروبة بالحجر أو العصا حد الموت.
3- أي: التي ضربت بقرن حيوان آخر حتى ماتت.
4- أي: جرحت حتى ماتت.
5- أي: جعلت مرمى للسهام.

سوق المسلمين.وأمّا المستورد من بلاد الكفر فله صور:

الصورة الأولى: أن لا تكون عليه علامة الحلية، فهو حرام بلا إشكال لاشتراط الحلية بالتذكية، ومع الشك فالأصل عدمها، ونجس على الأصح إن كان ممّا له نفس سائلة لكونه ميتة لاتحاد غير المذكى والميتة شرعاً فلا يقال: إن استصحاب عدم التذكية مثبت كما مرّ.

الصورة الثانية: أن تكون عليه علامة الحلية كالكتابة وما أشبه، فلو أوجب الاطمئنان كان حجة؛ لأنه علم عرفي فتشمله أدلة حجية القطع. وأمّا مع عدم الاطمئنان فلا يحكم بطهارته، سواء أخذ من يد مسلم أم غير مسلم، فليست يده حجة؛ للعلم بسبق يد الكافر عليها.

نعم، لو أخبر العادلان بذبحه شرعاً قُبل لحجية قولهما، وكذا لو أخبر الثقة الواحد على اختلاف في المبنى.

الفرع الثاني: في حكم وجدان لحم لا يعلم أنه مذكى أو ميتة

لو وجد لحم لا يعلم أنه مذكى أو ميتة، ولم يسبقه يد مسلم، عرض على النار، فإن انبسط فهو ميتة، وإن انقبض فهو حلال ومذكى على المشهور(1)، بل قال في الدروس: «ويكاد أن يكون إجماعاً»(2)، وبه رواية معتبرة على الأقوى لتوثيق رجالها كلهم إلاّ إسماعيل بن عمر فلم يرد فيه توثيق خاص، لكن يمكن توثيقه بأنه من مشايخ البزنطي، كما يمكن القول باعتبارالرواية

ص: 363


1- كفاية الأحكام 2: 618؛ كشف اللثام 9: 312؛ رياض المسائل 12: 229.
2- الدروس الشرعية 3: 14.

لأن البزنطي ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، مضافاً إلى جبرها بعمل المشهور. وهي ما ورد في الكافي وغيره: عن شعيب، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «في رجل دخل قرية فأصاب بها لحماً لم يدر أذكي هو أم ميت؟ قال: يطرحه على النار فكلّ ما انقبض فهو ذكي، وكلّ ما انبسط فهو ميت»(1).

ونسب الصدوق في من لا يحضر إلى الصادق(علیه السلام) أنه قال: «إذا وجدت لحماً ولم تعلم أذكي هو أم ميتة فألقِ قطعة منه على النار، فإن انقبض فهو ذكي، وإن استرخى على النار فهو ميتة»(2).

ومراسيله أقوى من مسانيده على ما ذهب إليه البعض(3).

فلا إشكال في أصل المسألة، وإنما الكلام في بعض صورها:

الصورة الأولى: إن بعض الفقهاء(4) عممّ الحكم إلى كل ما لم يُعلم أنه ذُكّي شرعاً، بأن لم يعلم أنه ذبح باتجاه القبلة أم لا مثلاً، فيكون مآل كلامه إلى أن العلامة المذكورة غيبية، حيث إنه من الناحية الطبيعية والفيزيائية لا يحدث فرق في اللحم، سواء ذبح على القبلة أم عكسها.

وفيه نظر؛ فالظاهر أن العلامة طبيعية، فإن الميت حتف أنفه حيث لم يخرج منه الدم انبسط لحمه على النار، وإن خرج الدم منه بالتذكية انقبض،

ص: 364


1- الكافي 6: 261؛ تهذيب الأحكام 9: 48؛ وسائل الشيعة 24: 188. وسندها: الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن إسماعيل بن عمر... .
2- من لا يحضره الفقيه 3: 325؛ وسائل الشيعة 24: 189.
3- الحبل المتين: 11؛ كتاب الصلاة، للكاظمي 2: 262.
4- مسالك الأفهام 12: 97؛ رياض المسائل 12: 231.

فالانبساط والانقباض علامة طبيعية ترتبط بقانون الفيزياء، لا أنها علامة غيبية تحصل بالإعجاز، فلو اشتبه أنه مات حتف أنفه - أي: الميتة العرفية - أم لا اختبر بالعلائم، وأمّا فاقد الشرائط الشرعية - أي: الميتة الشرعية لا العرفية - فلا مجال للاختبار المذكور، حيث إنه لا تعمم العلامة إلى كل ميتة، وعليه لو علم أنه إمّا ذبح باتجاه القبلة أو خلفها لم تنفع العلامة المذكورة.

الصورة الثانية: إن العلامة المذكورة طريقية، ولا موضوعية لها، وعليه لو انعكس الأمر، بأن ذبح بالشرائط الشرعية، ومع ذلك انبسط لحمه على النار لم يحرم، أو مات حتف أنفه ومع ذلك انقبض لم يحل، فالعلامة إنما تجري في صورة الجهل، لا العلم الوجداني ولا التنزيلي، أي: الظن الذي هو حجة شرعاً.

وهذا هو ظاهر قوله(علیه السلام): «إذا وجدت لحماً لا تعلم أذكي هو أم ميتة»، وقوله(علیه السلام): «لم يدر أذكي هو أم ميت».

الصورة الثالثة: ظاهر الروايات عدم شمول العلامة المذكورة للسمك، فإن السمك وإن كان نوعاً من اللحم لكن لا يطلق عليه اللحم عرفاً، أو كلمة اللحم المطلق منصرف عنه.

الصورة الرابعة: لو تحقق العلم أو الأمارة الشرعية، كيد المسلمين وسوقهم، لم تنفع العلامة المذكورة.

الصورة الخامسة: لزوم الفحص وعدمه قبل الاختبار بالعلامة المذكورة تابع للمبنى في الفحص في الشبهات الموضوعية.

ص: 365

الفرع الثالث: في اختلاط المذكى بالميتة

لو اختلط اللحم المذكى بالميتة ففيه ستة أقوال(1):

الأول: وجوب الاجتناب عن الاثنين بمقتضى العلم الإجمالي لو كانت الشبهة محصورة، وهذا هو الأقرب.

الثاني: وجوب الاجتناب عن القدر المعلوم وجواز التصرف في الباقي، ومبنى هذا القول عدم لزوم الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي، بل التخيير، فيجوز الاقتحام بمقدار لا تتحقق معه المخالفة القطعية، واختاره المحقق الأردبيلي(2) وصاحب المستند(3)، ومحل بحثه الأصول.

ولهذا القول مؤيدات:

المؤيد الأول: الاجتناب عنهما إسراف، وحرمة الإسراف دليل اجتهادي، وهو مقدم على الأصل العملي.

وهو محل تأمل؛ لأن دليل حرمة الميتة أيضاً اجتهادي، ولامتثاله يلزم الاجتناب عنهما، وقد مرّ أن الأقرب حكومة دليل الحرمة على دليل الإسراف.

المؤيد الثاني: إن الحكم بالقرعة لإخراج الموطوء من القطيع، حتى لو كانت أطرافه قليلة، مع أن مورد العلم الإجمالي يؤيد أن في مثل اللحوم لا مجال للاحتياط.

المؤيد الثالث: لزوم التقسيم في الأمور المالية لو اشتبهت، مع العلم

ص: 366


1- الفقه 76: 166.
2- مجمع الفائدة 11: 271.
3- مستند الشيعة 15: 152.

بمخالفة العلم الإجمالي؛ وذلك لأن العلم الإجمالي غير منجز فيالماليات، وفي المقام اللحم من الماليات فلابد من التخيير بينهما.

القول الثالث: القرعة لأنها لكل أمر مشكل، وقد مضى الكلام فيها.

القول الرابع: عرضهما على النار؛ وذلك للملاك في اللحم المشكوك كونه مذكى أو ميتة، فإنه وإن كان مورد الرواية هو اللحم الواحد المشتبه، لكن ملاكه جارٍ فيما نحن فيه.

لكنه محل تأمل؛ للفرق بين الموردين، فإن أصل التكليف مشكوك في مورد الرواية، بخلاف المقام حيث لا يعلم المكلف به، فمقتضى القاعدة الاحتياط بالاجتناب عنهما.

القول الخامس: التخيير بين القرعة والعرض على النار، فهو مقتضى الجمع بين الدليلين.

وفيه نظر؛ لعدم جريان دليل القرعة في موارد العلم الإجمالي إلاّ فيما فيه النص، وعدم تمامية الملاك في العلامة المذكورة، هذا مبنى، وأمّا بناءً على جريان الدليلين فإن دليل العرض على النار أخص من القرعة فيقدّم عليها، ومع فرض العموم من وجه بينهما فالمآل التعارض والتساقط لا التخيير.

القول السادس: التفصيل بين ما لو ماتت حتف أنفها فتعرض على النار، وبين ما لو لم تتم التذكية الشرعية - بأن فقد بعض الشرائط - فالقرعة.

ومبناه محل تأمل؛ لعدم الملاك في العلامة ولا مورد للقرعة؛ لعدم العمل بها في المقام.

فالمعتمد هو القول الأول كما عليه مشهور المتأخرين.

ص: 367

الفرع الرابع: في حكم بيع المختلط

لو اختلطت الميتة بالمذكى فهل يجوز بيعهما لمن يستحل الميتة كالنصارى؟

فيه أقوال ثلاثة(1): الجواز، وعدمه، وما اختاره العلامة(2) من أنه صورة بيع وواقعه استنقاذ المال، وهذه الأقوال هي:

القول الأول وهو المشهور: الجواز، لصحيحة الحلبي(3) عن الصادق(علیه السلام): «إذا اختلط الذكي والميتة باعه ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه»(4).

وصحيحته الأخرى(5) عن أبي عبد الله(علیه السلام): «أنه سئل عن رجل كانت له غنم وبقر، فكان يدرك الذكي منها فيعزله ويعزل الميتة، ثم إن الميتة والذكي اختلطا فكيف يصنع به؟ قال: يبيعه ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه، فلا بأس به»(6).

وهو الحق بعد اعتبار صحة سندهما ووضوح دلالتهما وعمل المشهور بهما.

القول الثاني: وهو ما ذهب إليه ابن إدريس(7) من بطلان البيع لأدلة خمسة:

ص: 368


1- المهذب 2: 442؛ مختلف الشيعة 8 : 319.
2- مختلف الشيعة 8 : 319.
3- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي المعزا، عن الحلبي... .
4- الكافي 6: 260؛ وسائل الشيعة 24: 187.
5- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي... .
6- الكافي 6: 260؛ وسائل الشيعة 24: 188.
7- السرائر 3: 113.

الدليل الأول: مقتضى القاعدة حرمة الانتفاع بالميتة مطلقاً منفرداً أو منضماً.

وهو محل تأمل؛ فليس ذلك مطلقاً، بل مع فرض المنفعة المحللة يجوز الانتفاع بها، كما لو جعلت سماداً أو دهنت السفينة بشحمها، وعلى فرض تمامية المبنى فإن الرواية تخصص القاعدة.

الدليل الثاني: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.

وفيه: إنه دليل عام، والخاص يتقدم عليه.

الدليل الثالث: إنه يشترط في صحة البيع تطابق قصد البائع والمشتري وهو مسلّم، فإن العقود تتبع القصود، فلو باعه بعشرة وقصد البائع دنانير لكن قصد المشتري دراهم بطلت المعاملة، وفي المقام البائع يقصد بيع المذكى منهما والمستحل يشتري الاثنين معاً، وحيث اختلف القصدان بطلت المعاملة.

وفيه نظر: حيث إن البائع يقصد بيعهما معاً، ولا إشكال حتى على فرض قصده أحدهما، فإن تبعية العقود للقصود تخصص بالنص الخاص، كما هو الحال في قصد النكاح المنقطع ونسيان ذكر المدة في العقد، حيث ينقلب إلى الدائم على المشهور(1)، مع أنه خلاف قصدهما، فإن التشريع بيد الشارع.

الدليل الرابع: إن الكافر مكلف بالفروع كما أنه مكلف بالأصول؛ لأن الحكم لا يختص بالمسلمين، بل يشمل كل بالغ عاقل، فكما يحرم عليه

ص: 369


1- الروضة البهية 5: 109؛ كفاية الأحكام 2: 169؛ رياض المسائل 10: 289.

أكل الميتة كذلك يحرم شراؤها، وهو قادر على الإتيان بالفروع؛ لقدرته علىمقدماتها، كسائر الواجبات التي لا يمكن الإتيان بها إلا بالإتيان بمقدماتها.

والجواب: إن قاعدة الإلزام حاكمة على ذلك، ولا منافاة بينها وبين العقاب الأخروي؛ لعدم الالتزام بالتكليف، فلو باع الكافر الخمر صح بيعه وحل ثمنه، وجاز للمسلم أخذ الثمن منه بشروطه، بخلاف بيع المسلم للخمر، هذا ولكن في جريان قاعدة الإلزام هنا إشكالاً، وذلك لأن مفادها إلزامهم، لا إلتزام المسلمين بما ألزم الكفار به أنفسهم، نعم بعد إلزامهم بما التزموا يكون دليل الإلزام حاكماً، فتأمل، فالأصح الجواب بورود النص الخاص.

الدليل الخامس: رواية الجعفريات عن أمير المؤمنين(علیه السلام): «إنه سئل عن شاة مسلوخة وأخرى مذبوحة عمى الراعي أو على صاحبها، فلا يدرى الذكي من الميتة، قال(علیه السلام): يرمى بها جميعاً إلى الكلاب»(1).

والجواب: ضعف سندها أولاً.

وثانياً: إنها ليست في مقام بيان الحكم من كل الجهات، بل في مقام بيان عدم جواز أكلهما، فلا إطلاق لها من جهة البيع وعدمه، بخلاف صحيحتي الحلبي، حيث بينتا الحكم من جهة البيع، وعلى فرض الإطلاق فهما أقوى منها.

القول الثالث: ما اختاره العلامة الحلي(2)، حيث أراد الجمع بين الروايتين

ص: 370


1- مستدرك الوسائل 13: 73؛ النوادر: 207: «يرمى بهما...».
2- مختلف الشيعة 8 : 319-320.

وبعض وجوه ابن إدريس، فذهب إلى أنه صورة بيع وأمّا حقيقته فهو استنقاذ ماله بهذه الطريقة.ويرد عليه: أولاً عدم تمامية الأدلة التي ساقها ابن إدريس كما مرّ.

ثانياً: ظهور الروايتين(1) في البيع، ولا وجه لرفع اليد عنه.

وثالثاً: لا تلازم بين من يستحل وبين غير محترم المال حتى يستنقذ ماله، فالذمي يستحل وهو محترم المال، بل قد يكون المستحل من المسلمين، كالعامة الذين لا يرون اشتراط كون الذابح مسلماً، فلو اختلط لحم ذكاه مسلم بلحم ذكاه غير مسلم فيجوز بيعه للعامة، وليس استنقاذاً، بل قد يكون المستحل من الخاصة، كما لو اختلفا في شروط الذبح، كلزوم فري الأوداج الأربعة أو كفاية الاثنين، فلو قطع من يرى الأول اثنتين منها فحرمت عنده، ثم اختلط بالمذكى فوجب عليه الاجتناب عنهما، ومع ذلك يجوز له بيعهما ممن يرى الثاني، مع إخباره بالأمر، وليس ذلك من الاستنقاذ، فالحكم على الاستنقاذ خلاف الظاهر، وخلاف الكثير من المصاديق.

الفرع الخامس: في جواز بيع الميتة ممن يستحلها

هل يجوز بيع الميتة مع عدم الخلط ممن يستحلها؟ فيه أقوال(2):

القول الأول: الجواز لقاعدة الإلزام، وقد مرّ الإشكال في جريانها في أمثال المورد.

القول الثاني: عدم الجواز مطلقاً؛ لأن الكافر مكلف بالفروع فليس في

ص: 371


1- الكافي 6: 260.
2- الفقه 76: 175.

المبيع منفعة محللّة عقلائية، كما أن بيعه له إعانة على الإثم.

وقد يقال: إن المحرم هو التعاون على الإثم لا مجرد الإعانة، وخاصة لوكانت الواسطة فاعلاً مختاراً، كبيع العنب فيعمله خمراً، وقد ذكر تفصيله الشيخ الأعظم في المكاسب(1).

القول الثالث: التفصيل بين ميتة يملكها فيجوز بيعها لمن يستحل لقاعدة الإلزام، وبين ميتة لم يكن يملكها، بأن وجد الميتة في الصحراء، فلا يملكها حتى لو أخذها، بل له حق الاختصاص، فكيف يبيعها ولا بيع إلا في ملك؟

وفيه: لا وجه للتفصيل المذكور، حيث يجوز بيع حق الاختصاص، فإنه معاملة عقلائية(2). مضافاً إلى الإشكال في عدم ملكيته لها بالحيازة.

والأقرب هو الثاني.

ص: 372


1- كتاب المكاسب 1: 123.
2- وفيه: إنه خروج موضوعي عن البحث، فالكلام في بيع الميتة لا في بيع حق الاختصاص (المقرر).

الفصل الثامن: في محرمات الذبيحة

اشارة

يحرم من الذبيحة المحللة بعض الأجزاء، وقد اتفق الفقهاء على حرمة خمسة منها، واختلفوا في عشرة(1)، وإن كان المشهور(2) شهرة عظيمة - بالإضافة إلى النصوص - حرمة تسعة من العشرة.

والخمسة هي: الطحال، والقضيب، والبيضة، والدم، والفرث(3).

والتسعة هي: المثانة، والمرارة، والمشيمة(4)، والفرج(5)، والنخاع، والعلباء(6)، والغدد، وخرزة الدماغ(7) وسواد العين.

وأمّا العاشر فهو ذات الأشاجع(8)، وقد ذهب المشهور(9) إلى حرمتها، لكن لا دليل عليه.

وقبل الخوض في تفصيل المحرمات لابد من الإشارة إلى مطلبين:

ص: 373


1- مجمع الفائدة 11: 239.
2- المهذب 2: 441؛ مختلف الشيعة 8: 313؛ مسالك الأفهام 12: 61.
3- الفرث: هو ما في الأمعاء قبل أن يصير مدفوعاً.
4- المشيمة: هي الكيس الذي يحوي الجنين.
5- الشامل للقبل والدبر.
6- العلباء: هما عصبان من الرقبة إلى الذيل.
7- خرزة الدماغ: شيء مدور في المخ يشبه الغدة.
8- ذات الأشاجع: شيء يشبه الغدة في محل اتصال نعل الدابة بعظام أو غضاريف اليد.
9- مجمع الفائدة 11: 239؛ كشف اللثام 9: 277.

الأول: اختلفت روايات تحريم أعضاء الذبيحة في العدد بين العشرة والسبعة والثلاثة...(1) ولا منافاة بينها، حيث لا مفهوم للعدد كما أنها من المثبتات، كما هو الحال في سائر الموارد، كمبطلات الصلاة وأجزائها وشرائطها، والنجاسات، وذلك جارٍ في كل أبواب الفقه، بل في المسائل الأخلاقية والاجتماعية، فإن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وربما يكون من أسباب ذلك مراعاة حال السامع، فيذكر ما هو محل ابتلائه عادة.

الثاني: إن بعض الروايات الواردة معتبرة، لكن أكثرها ضعيفة، إلا أن الشهرة العظيمة - بل التسالم - تجبر ضعفها، فتكون حجة.

ومنها: المعتبرة التي رواها البرقي في المحاسن عن أبيه، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الإمام الكاظم(علیه السلام): «حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم والخصيتان والقضيب والمثانة والطحال والغدد والمرارة»(2).

قيل: إن إبراهيم مشترك بين ثقة وضعيف، فلا يعتمد عليها، لكن الظاهر اتحاده، ووجهه ورود اسمه في بعض كتب الرجال مع ذكر عشيرته (الأسدي)(3)، وفي بعضها مع ذكر بلدته (الصنعاني(4)(5)، وهذا لا يفيد التعدد. نعم، ذكر أنه واقفي(6) لكن لا يضر بوثاقته.

ص: 374


1- راجع الروايات في وسائل الشيعة 24: 171-178.
2- المحاسن 2: 471.
3- فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): 20.
4- نسبة إلى صنعاء لكن على غير قياس.
5- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) 2: 705.
6- رجال الطوسي: 332.

ولا يخفى أن تمام الأربعة عشر وردت في الروايات المتضافرةالمنجبرة، وبناء العقلاء على اعتبار مثل ذلك، بالإضافة إلى عمل المشهور، فلا بحث في حرمتها.

معنى المشيمة وحكمها

وفي معنى المشيمة قولان، والصحيح هو الكيس الذي فيه الجنين، كما هو مشهور أهل اللغة(1)، وصرح به بعض الفقهاء(2)، لا القرين(3).

وأمّا القرين فمع ذبح الأم الحامل فحلال؛ لأصالة الحلية، لكن لو ولدت فخرج القرين كان حراماً؛ لحرمة الجزء المبان عن الحي.

معنى الفرج وحكمه

والظاهر أن كلمة الفرج كناية عن كل الأعضاء التناسليّة، حتى أنه يشمل القضيب، لكن حيث ذكر القضيب بالخصوص فلا يكون مراداً، فهو يطلق على القبل والدبر من الذكر والأنثى، ولا يخفى أن العرب لا يستخدمون الألفاظ الصريحة فيما يستقبح ذكره، بل يعبر عنه بالكناية، فحتى الفرج ليس اسم الموضع، بل بمعنى الشق في الجدار(4) ونحوه، وفي الآية الكريمة حول السماء: {وَمَا

لَهَا مِن فُرُوجٖ}(5).

ص: 375


1- الصحاح 5: 1963؛ معجم مقاييس اللغة 3: 236؛ لسان العرب 6: 154.
2- مختلف الشيعة 8 : 315؛ رياض المسائل 12: 185.
3- مجمع الفائدة 11: 243، وفيه: «والمشيمة: قرين الولد الذي يخرج معه...».
4- معجم مقاييس اللغة 4: 498.
5- سورة ق، الآية: 6.

وفي بعض الكتب الفقهية(1) يمكن المراد خصوص القبل، والذي يعبر عنه ب (الحيا)(2)؛ لأن سيرة المتشرعة عدم الاجتناب عن المخرج في مثل الدجاج.

وفيه: إن الاحتمال ضعيف، ولم نعلم بمثل هذه السيرة.

البيضتان

وحرمتها مسلّمة وقام الإجماع(3) عليها، وربما تكون علة التحريم أن أكثر مكوناتها المني.

والمراد خصوص البيضة، ولا يشمل الجلد الذي هو وعاء لها؛ لأن دليل الحرمة خاص بالأنثيين، والجلد حافظ لهما وليس منهما.

المرارة

وأمّا المرارة فلها جلد تشملها لكنها رقيقة جداً، فتعتبر عرفاً منها، فدليل تحريمها يشملها.

سائر الأعضاء

وقد ذكرت في الروايات(4) أشياء محرمة أخرى، لكن حيث قام الإجماع أو الشهرة على عدم الحرمة، بالإضافة إلى ضعف السند، لم يمكن الذهاب إلى حرمتها، وأقصى ما يمكن القول به هو الكراهة، ومنها: الرحم،

ص: 376


1- الحدائق الناضرة 3: 6؛ رياض المسائل 7: 365.
2- مختلف الشيعة 8 : 313؛ المهذب البارع 4: 216.
3- مختلف الشيعة 8 : 314؛ كشف اللثام 9: 277؛ رياض المسائل 12: 184.
4- وسائل الشيعة 24: 171.

والكليةوالعروق، وآذان القلب.

الرحم

ولا وجه للقول بتحريم الرحم بعد ضعف السند وإعراض المشهور، وإن قال البعض(1) بأنه داخل في المشيمة، لكنه غير تام؛ لأنهما شيئان، فالمشيمة مع الجنين وتخرج معه، والرحم موجود لكل أنثى، وهو محل تنمية الطفل، فلابد من القول بالكراهة، ولا يخفى أنه لولا إعراض المشهور لأمكن القول بالحرمة؛ لتعدد الروايات الواردة في تحريمه(2).

العروق

وأمّا العروق فهي التي يجري فيها الدم بشرط كونه عرقاً أصلياً لا صغارها، فإن اللحم يحتوي على عروق ناعمة يجري فيها الدم، فليس المراد من العروق الواردة في الروايات(3) المحرمة إلا تلك العروق الأصلية أو الكبيرة، ومع ذلك فما دل على حرمتها محمول على الكراهة، كما أنه ليس المراد من العروق الأعصاب. نعم، النخاع والعلباوان - وهما من الأعصاب - محرمان كما سبق.

الكلية

وأمّا الكلية ففيها روايتان ضعيفتان، بأن النبي(صلی الله علیه و آله) لم يكن يأكلها لقربها من المبال(4)؛ وذلك لأنها مركز تصفية سموم البدن ومنها تنتقل إلى المثانة،

ص: 377


1- مستند الشيعة 15: 136.
2- الخصال: 433؛ وسائل الشيعة 24: 173-174.
3- وسائل الشيعة 24: 171.
4- علل الشرائع 2: 562؛ وسائل الشيعة 24: 176.

ومع ذلك لم ينهَ النبي(صلی الله علیه و آله) عنها؛ ولذا ذهب المشهور(1) إلى الكراهة، لكن أضاف السيد الوالد في الفقه(2) بشرط عدم الإسراف، وإلا فيقدم الاقتضائي، وترفع الكراهة على تفصيل مذكور في محله.

فرع: حكم طبخ الحيوان الكامل

لو طبخ شاة كاملة فلا يحرم ماؤه، فإن حرمة الأعضاء لا تسري إلى حرمة الماء، كما هو سيرة المتشرعة من إلقاء العضو دون الماء؛ وذلك لانصراف دليل الحرمة عنه، حتى وإن ذابت الأجزاء المحرمة في الماء.

وأمّا لو طبخ العضو المحرم فقط فشُرب مائه فهو محل إشكال؛ لاحتوائه على أجزاء الحرام، بخلاف المجموع الذي لا يحتوي إلا على شيء قليل جداً منه.

ويشهد لذلك ما روي عن نهي الإمام علي(علیه السلام) القصابين عن بيع الطحال ثم إثبات الفرق بينهما بذوبان الطحال في الماء وصيرورته دماً دون الكبد(3).

ص: 378


1- الخلاف 6: 29؛ كشف اللثام 9: 281؛ رياض المسائل 12: 190.
2- الفقه 76: 187.
3- الكافي 6: 253؛ وسائل الشيعة 24: 171، وفيه: «قال له بعض القصابين: يا أمير المؤمنين ما الطحال والكبد إلاّ سواء! فقال له: كذبت يا لكع، ايتني بتورين من ماء، أنبّئك بخلاف ما بينهما، فأتي بكبد وطحال وتورين ماء، فقال: شقّوا الكبد من وسطه، والطحال من وسطه، ثم أمر فمرسا في الماء جميعاً، فابيضت الكبد ولم ينقص منها شيء، ولم يبيضّ الطحال، وخرج ما فيه كلّه، وصار دماً كلّه، حتى بقي جلد الطحال وعرقه، فقال: هذا خلاف ما بينهما، هذا لحم وهذا دم».

فرع: شوى الطحال مع الكبد

لو شوى الكبد مع الطحال في سفود، ثم تقاطر ماؤه على الخبز، فلو كان الطحال أعلى من الكبد حرم الكبد والجوذاب(1)،

ولو كان أسفل حلاّ، كما في موثقة عمار الساباطي(2)، وفي بعضها: لو تمزق الطحال فسال حرم الكبد والجوذاب وإلا لم يحرم(3).

ومقتضى الجمع بين الروايات أن علة حرمة الطحال أنه دم، فيحرم أكله وما سال عليه، ولو لم ينفذ إلى الكبد أو الخبز جاز أكله بعد غسله لزوال الحرام عنه، وأمّا لو نفذ فمشكل.

وأمّا لو طبخ الكبد مع الطحال في القدر فيحرم ما في القدر لنفوذ الدم في مائه.

وأمّا لو طبخ الحلال والحرام غير النجس كالجري والسمك ذات الفلس معاً، حرم الجميع لاختلاط أجزاء الحرام في مائه(4).

ص: 379


1- الجوذاب بالضم: خبز أو حنطة أو لبن وسكر وماء نارجيل علق عليها لحم في تنور حتى يطبخ.
2- الكافي 6: 262؛ وسائل الشيعة 24: 202، وفيه: الكليني، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «... وسئل(علیه السلام) عن الطحال في سفود مع اللحم وتحته خبز وهو الجوذاب أيؤكل ما تحته؟ قال: نعم، يؤكل اللحم والجوذاب ويرمى بالطحال لأن الطحال في حجاب لا يسيل منه فإن كان الطحال مشقوقاً أو مثقوباً فلا تأكل ما يسيل عليه الطحال».
3- من لا يحضره الفقيه 3: 339؛ تهذيب الأحكام 9: 80؛ وسائل الشيعة 24: 202.
4- وهذا بخلاف طبخ رأس الذبيحة حيث لا يحرم، فإن الحرام فيه قليل جداً ومستهلك، كما مرّ (السيد الأستاذ).

ولكن أفتى بعض الفقهاء(1)

بأن المذبوح في البلاد الأجنبية حراموليس بنجس، أما الحرمة فلعدم العلم بالتذكية، وأمّا النجاسة فلأن الحكم بكونه ميتة أصل مثبت؛ لأنه أثر عقلي أو عادي لاستصحاب عدم التذكية، وعليه يجوز طبخه وشرب مائه دون لحمه.

وفيه: أنه ليس من الأصل المثبت، لما مرّ هذا أولاً.

وثانياً: حتى لو حكم بطهارته لم يجز شرب مائه؛ لاحتوائه على أجزاء الحرام كالدسومة، فكما لا يجوز أكل اللحم الحرام كذلك لا يجوز أكل أجزائه، فلو عصر اللحم لم يجز شرب مائه؟ ولا فرق في ذلك بين قبل الطبخ وبعده.

ص: 380


1- منية السائل: 177-178.

الفصل التاسع: في حكم أكل الطين

اشارة

أكل الطين حرام بجميع أنواعه إلا الموارد المستثناة.

ويدل عليه الإجماع(1) المحقق وقد استفيض نقله، بالإضافة إلى الأخبار المعتبرة:

منها: موثقة السكوني(2)، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه»(3).

ومنها: معتبرة(4) هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «إن الله عز وجل خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته»(5).

وفي سندها الحسن بن علي فظن البعض(6) أنه مجهول، لكن الأقرب ما قيل من أنه في هذا السند مشترك بين جماعة كلهم ثقات(7).

ص: 381


1- السرائر 1: 318؛ رياض المسائل 12: 196؛ مستند الشيعة 15: 159؛ جواهر الكلام 36: 355.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني... .
3- الكافي 6: 266؛ وسائل الشيعة 24: 222.
4- الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
5- الكافي 6: 265؛ وسائل الشيعة 24: 221.
6- مجمع الفائدة 11: 234.
7- وهم الوشاء، وابن فضال، وابن يقطين، وابن النعمان، وابن بقّاح وابن عبد الله بن المغيرة.

وورد في بعض الروايات(1) أنه من مكائد الشيطان(2)، ومن أبوابه العظام(3)، ومن الوسواس(4)، ويورث النفاق(5)، وآكله ملعون(6)، وترتبت عليه آثار دنيوية أيضاً منها أنه يورث السقم وهيجان الداء ويوجب الحكة ويذهب بقوة الساقين والقدمين(7).

فروع تتعلق بمسألة أكل الطين

وهنا تذكر فروع تتعلق بهذه المسألة، وهي:

ص: 382


1- راجع الروايات في وسائل الشيعة 24: 220-225.
2- تهذيب الأحكام 9: 89 ، وفيه: عن أبي جعفر(علیه السلام): «... وأكبر مكائد الشيطان أكل الطين...».
3- وسائل الشيعة 24: 223 ، وفيه: عن كلثم بنت مسلم قالت: «ذكر الطين عند أبي الحسن(علیه السلام) فقال: أترين أنه ليس من مصائد الشيطان؟ ألا أنه لمن مصائده الكبار، وأبوابه العظام».
4- وسائل الشيعة 24: 223 ، وفيه: عن جعفر بن محمد، عن آبائه في وصية النبي(صلی الله علیه و آله) لعلي(علیه السلام): «يا علي ثلاثة من الوسواس: أكل الطين وتقليم الأظفار بالأسنان وأكل اللحية».
5- الكافي 6: 265 ، وفيه: ... عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «أكل الطين يورث النفاق».
6- وسائل الشيعة 24: 225 ، وفيه: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): من أكل الطين فهو ملعون».
7- الكافي 6: 266 ، وفيه: عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «... وأكثر مصائد الشيطان أكل الطين، وهو يورث السقم في الجسم، ويهيج الداء، ومن أكل طيناً فضعف عن قوته التي كانت قبل أن يأكله، وضعف عن العمل الذي كان يعمله قبل أن يأكله حوسب على ما بين قوته وضعفه وعذب عليه». ووسائل الشيعة 24: 224 ، وفيه: عن أبي جعفر الباقر(علیه السلام) قال: «من أكل الطين فإنه تقع الحكة في جسده، وتورثه البواسير، ويهيج عليه داء السوء، ويذهب بالقوة من ساقيه وقدميه...».

الفرع الأول: في الطين والمدر والتراب

المذكور في الروايات الطين والمدر، ففي صحيحة(1) معمر بن خلاد، عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: قلت له: «ما يروي الناس في أكل الطين وكراهيته، قال: إنما ذلك المبلول وذاك المدر»(2).

وفي شمول الحكم للتراب خلاف، والمشهور(3) الحرمة لأدلة ثلاثة:

الدليل الأول: استثناء طين قبر الحسين(علیه السلام)، فإن الاستثناء المذكور يشمل الطين والمدر والتراب من القبر الشريف، فيدل ذلك على أن المستثنى منه - وهو حرمة أكل الطين - أعم من التراب، وذلك ليطابق المستثنى المستثنى منه، وإلا كان من المنقطع، وهو خلاف الظاهر.

وفيه نظر؛ لقيام الدليل الخاص على جواز أكل تراب قبر الحسين(علیه السلام) كما سيأتي، ولم ينحصر في رواية الطين المذكورة.

الدليل الثاني: عموم التعليل، فإن الروايات المتطرقة لبيان أضرار الطين تجري في التراب أيضاً.

وفيه: إنها حكمة لا علة؛ ولذا يحرم القليل منه حتى مع عدم وجود هذه الأضرار، فلا يدور مدارها حكم الحرمة. ثم إن الفتوى بالحرمة عام حتى وإن لم يكن كثيره مضراً.

الدليل الثالث: إن الطين هو التراب المضاف إليه الماء، ولا حرمة فيالماء، فلابد وأن يكون منشؤ الحرمة التراب، ويؤيده حرمة المدر وهو

ص: 383


1- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد... .
2- الكافي 6: 266؛ تهذيب الأحكام 9: 89.
3- مسالك الأفهام 12: 68؛ مجمع الفائدة والبرهان 11: 235؛ الفقه 76: 192.

التراب المتلاصق.

وأشكل عليه: بأنه قد يتولد الحرام من التركيب بين حلالين، كخلط ماء العنب بالعكر وهما محللان.

لكن الظاهر عدم خصوصية للطين، وإنما الحرمة لأجل التراب، وخاصة مع حرمة المدر، بل العرف يفهم من الطين الأعم.

فالأظهر حرمة التراب ولا يختص الحكم بالطين والمدر.

الفرع الثاني: أكل الطين الموجود في الفواكه وغيرها

الظاهر انصراف دليل الحرمة عن المقدار القليل من الطين أو التراب في الفواكه والخضر، وكذا التراب الموجود في العجاج، أو في الطعام، حيث لا يطلق عليه أكل الطين. ويتفرع عليه شرب ماء النهر المختلط بالتراب؛ وذلك لعدم صدق أكل الطين، بالإضافة إلى السيرة القائمة.

إن قلت: لا فرق في الضرر بين الموردين، فسواء أكل الطين أم شرب الماء المختلط به، فكلاهما مضران.

قلت: أولاً: لا يصدق عليه أكل الطين.

وثانياً: إن مصلحة التسهيل قد تقتضي الجواز، كما هو جارٍ في كثير من الفروع الفقهية.

الفرع الثالث: في سائر استعمالات الطين

لا إشكال في سائر استعمالات الطين، كما هو المتعارف من غسل الرأسأو البدن بنوع خاص منه، فالدليل خاص بالأكل، وفي بعض الروايات(1)

ص: 384


1- راجع وسائل الشيعة 2: 58-59.

النهي عن ذلك أو عن بعض أنواعه، لكنها محمولة على الكراهة أو على الإرشاد إلى بعض الأضرار.

حكم أكل تربة الإمام الحسين(علیه السلام)

يستثنى من حرمة أكل الطين أكل تربة سيد الشهداء(علیه السلام)، ويدل عليه الإجماع والروايات المتواترة، وتواترها يغنينا عن البحث في أسنادها.

منها: ما عن الصادق(علیه السلام): «الطين حرام كله كلحم الخنزير، ومن أكله ثم مات منه لم أصلِّ عليه، إلا طين القبر(1)، فإن فيه شفاء من كل داء، ومن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء»(2).

ومنها: ما عن سعد بن سعد قال: «سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الطين، فقال: أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، إلا طين الحائر فإن فيه شفاء من كل داء، وأمناً من كل خوف»(3).

ومنها: ما عن الصادق(علیه السلام): «أكل الطين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين(علیه السلام)، من أكله من وجع شفاه الله»(4).

ومنها: ما عن الصادق(علیه السلام): «من أكل من طين قبر الحسين(علیه السلام) غير مستشفٍ به فكأنما أكل من لحومنا»(5).

ص: 385


1- الألف واللام للعهد.
2- الكافي 6: 265؛ وسائل الشيعة 24: 226.
3- الكافي 6: 266؛ وسائل الشيعة 24: 226.
4- كامل الزيارات: 286؛ وسائل الشيعة 24: 228.
5- وسائل الشيعة 24: 229.

فروع تتعلق بمسألة أكل تربة الإمام الحسين(علیه السلام)

وهنا فروع كثيرة نذكر بعضها، وتفصيلها في موسوعة الفقه(1).

الفرع الأول: الأكل للتبرك

ذهب بعض الفقهاء إلى جواز أكل تربة الحسين(علیه السلام) للتبرك والأمن من الظالم، بينما ذهب آخرون إلى الحرمة(2).

والشيخ الطوسي(3) في كتبه لم يستثن التبرك من الحرمة، بل ذكر الاستشفاء فقط، إلا في المصباح حيث جوز الأكل لغير الاستشفاء(4)، بينما قال في الجواهر: «لم نقف له على حجة»(5).

واستدل السيد الوالد في الفقه(6) على الجواز بعدة من الروايات:

الرواية الأولى: خبر النوفلي قال: قلت لأبي الحسن(علیه السلام): «إني أفطرت يوم الفطر على طين وتمر، فقال(علیه السلام): جمعت بين بركة وسنة»(7).

وأشكل(8) عليه سنداً، ودلالة بعدم الإطلاق، حيث لا يعلم وجه أكل طين القبر، فربما كان مريضاً، فالعمل مع تقرير المعصوم(علیه السلام) يثبت أصل

ص: 386


1- الفقه 76: 209-212.
2- السرائر 1: 318؛ مسالك الأفهام 12: 69.
3- النهاية: 590.
4- مصباح المتهجد: 771، وفيه: «ويستحب صيام هذا العشر فإذا كان يوم عاشوراء أمسك عن الطعام والشراب إلى بعد العصر ، ثم يتناول شيئاً من التربة».
5- جواهر الكلام 36: 368.
6- الفقه 76: 200.
7- الكافي 4: 170؛ وسائل الشيعة 7: 445.
8- جواهر الكلام 11: 377؛ فقه الصادق 24: 173.

الجواز دون جهته.وفيه نظر؛ حيث لا تطلق البركة على الاستشفاء وإن صح ذلك لغة، فليس الاستناد إلى فعل الشخص، بل إلى قول المعصوم(علیه السلام)، فلا إشكال في الدلالة، ويبقى الإشكال السندي على حاله.

ويمكن الاستدلال على ذلك بسيرة المتشرعة على تناول التربة يوم الفطر، لكن اتصالها بزمن المعصوم غير معلوم، وربما يكون منشؤها كتاب الإقبال للسيد بن طاووس(1).

فمقتضى الاحتياط أن يخلطه بالماء حد الاستهلاك، حتى لا يصدق عليه أكل التراب، فيحوز على البركة ويدفع احتمال الحرمة.

الرواية الثانية: خبر الحسين بن أبي العلاء، عن الصادق(علیه السلام): «حنكوا أولادكم بتربة الحسين(علیه السلام)»(2)، والتحنيك مستلزم للأكل.

وأشكل عليه(3) بأن الطفل غير مكلف فلا يحرم عليه الأكل، بالإضافة إلى اختصاص الحرمة بالطين دون التراب على المبنى(4).

وأجيب: بأن إعطاء المضر حرام حتى للطفل، فيعلم من الرواية أنه غير مضر فهو جائز.

وفيه نظر؛ لعدم ترتب الضرر على القليل منه، كما أنه لا إشكال في إعطاء الحرام للطفل بشرط أن لا يكون لحم الخنزير وما أشبه.

ص: 387


1- إقبال الأعمال 1: 482.
2- كامل الزيارات: 466؛ وسائل الشيعة 14: 524.
3- الفقه 76: 200.
4- لكنا قلنا بعدم الفرق بينهما (السيد الأستاذ).

لكن الإنصاف أنّه ظاهر في حلية التربة وحسنها وبركتها ولو في هذهالصورة، أي: إن الطفل مستثنى، لا أنه من باب عدم التكليف عليه، وبعبارة أخرى: الموضوع متبدل.

لا يقال: إن التسامح في السنن يقتضي الاستحباب.

لأنه يقال: حيث إن أصل الحكم حرام فلا يمكن الاستثناء منه إلا بالدليل المعتبر.

الرواية الثالثة: ما دل على أن التربة أمان من كل خوف، فعن الإمام الكاظم(علیه السلام): «فإن فيه شفاء من كل داء، وأمناً من كل خوف»(1)، حيث تدل على جواز الأكل لغير غرض الاستشفاء.

وفيه: إن ظاهرها اصطحاب التربة لا الأكل، كما هو المتعارف عند المتدينين، ولا أقل من الإجمال، بل يستفاد من بعض الأخبار الاصطحاب، منها: خبر الحسن بن علي بن أبي المغيرة قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): «إني رجل كثير العلل والأمراض، وما تركت دواءً تداويت به فما انتفعت بشيء منه، فقال لي: أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي(علیه السلام)، فإن فيه شفاء من كل داء، وأمناً من كل خوف... قلت: قد عرفت - جعلت فداك - الشفاء من كل داء فكيف الأمن من كل خوف؟ فقال: إذا خفت سلطاناً أو غير سلطان فلا تخرجن من منزلك إلا ومعك من طين قبر الحسين(علیه السلام)»(2). فتكون قرينة على ما هو المفهوم عرفاً.

ص: 388


1- الكافي 6: 266؛ وسائل الشيعة 24: 227.
2- الأمالي، للشيخ الطوسي: 317.

الرواية الرابعة: ما ورد في دعاء التربة وآداب تناولها،كقوله(علیه السلام):«اللهم فاجعلها شفاءً من كل داء، وعزاً من كل ذل، وأمناً من كل خوف، وغنى من كل فقر»(1)، وقد استفيد منه جواز الأكل للتبرك.

وهو محل تأمل؛ لأن الرواية لا تتضمن جواز الأكل لذلك، بل مفادها ترتب تلك الآثار على الأكل للاستشفاء.

هذا مضافاً إلى ضعف أسناد تلك الروايات، وعدم انجبارها بعمل المشهور.

ولا يخفى الاتفاق على عدم جواز الأكل لغير التبرك والأمن، إلا لمن يرى اختصاص الحرمة بالطين دون التراب.

الفرع الثاني: في مقدار ما يؤكل من الطين

ذهب المشهور(2) إلى عدم جواز أكل طين القبر أكثر من الحمصة المتعارفة؛ وذلك لروايات، منجبرة سنداً بعمل المشهور.

منها: ما عن الصادق(علیه السلام): «إذا تناول التربة أحدكم فليأخذ بأطراف أصابعه، وقدره مثل الحمصة... ثم ليستعملها»(3).

وربما وجه المقطع الأول الاحترام؛ لأن التراب بجوار قبورهم اكتسب الحرمة من ذواتهم المقدسة، وأجيز للاستشفاء بمقدار الحمصة، والشاهد في المقطع الثاني.

ص: 389


1- مستدرك الوسائل 10: 338-339.
2- تحرير الأحكام 4: 640؛ الروضة البهية 7: 326؛ رياض المسائل 12: 197؛ مستند الشيعة 15: 165؛ جواهر الكلام 36: 358.
3- مكارم الأخلاق: 167؛ بحار الأنوار 98: 119.

وقد يقال: إن مفهوم اللقب ليس بحجة.لكنه غير وارد؛ لأنه في مقام التحديد لقوله(علیه السلام): «وقدره مثل الحمصة»(1).

ومنها: قوله(علیه السلام): «ولا تتناول منها أكثر من حمصة، فإن من تناول منها أكثر من ذلك فكأنما أكل لحومنا ودمائنا»(2). وحمل الألفاظ على المتعارف يقتضي الحمصة المتعارفة.

الفرع الثالث: حدود الطين الجائز أكله

في حدود الطين الجائز أكله من أطراف القبر الشريف وجوه عديدة(3)؛ وذلك لاختلاف الروايات في تحديده، فلابد من ملاحظتها سنداً ودلالة، ثم بيان وجه الجمع بينها:

الأول: تراب القبر الشريف وأطرافه المنسوب إليه بمقدار يصدق عليه ذلك عرفاً.

ولا يخفى أنه لا يراد أخذ المصداق من العرف حتى يقال إنه غير حجة، بل المراد المفهوم عرفاً من الطين أنه تراب القبر وأطرافه.

الثاني: إلى سبعين ذراعاً(4) من أطراف القبر، ففي الخبر عن الإمام الصادق(علیه السلام): «يؤخذ طين قبر الحسين(علیه السلام) من عند القبر على سبعين

ص: 390


1- وفيه: لم يظهر وجه لما ذكره السيد الأستاذ، فليس فيه حصر ولا تحديد، بل بيان لأحد المصاديق ولا مفهوم له. (المقرر).
2- وسائل الشيعة 24: 229.
3- جواهر الكلام 36: 364؛ الفقه 76: 205.
4- يقاس الذراع من المرفق إلى رؤوس الأصابع، وهو يساوي نصف متر تقريباً.

ذراعاً»(1).الثالث: إلى سبعين باعاً(2)، فعن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «يؤخذ طين قبر الحسين(علیه السلام) من عند القبر على سبعين باعاً في سبعين باعاً»(3).

الرابع: إلى الميل الشرعي(4)، لقوله(علیه السلام): «طين قبر الحسين(علیه السلام) فيه شفاء وإن أخذ على رأس ميل»(5).

الخامس: إلى أربعة أميال، لقوله(علیه السلام): «يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال»(6).

السادس: إلى فرسخ، فعن الإمام الصادق(علیه السلام): «حرم الحسين(علیه السلام) فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر»(7).

السابع: إلى خمسة فراسخ(8)، فعن الإمام الصادق(علیه السلام): «حرم الحسين(علیه السلام) خمس فراسخ من أربع جوانبه»(9).

الثامن: إلى عشرة أميال، فعن الإمام الصادق(علیه السلام): «التربة من قبر

ص: 391


1- الكافي 4: 588؛ تهذيب الأحكام 6: 74؛ وسائل الشيعة 14: 511.
2- يقاس الباع بفتح اليدين كاملة، ويساوي أكثر من المتر بقليل.
3- كامل الزيارات: 471.
4- الميل الشرعي أقل من الكيلومتر، وهو غير الميل المصلطح اليوم، والذي هو أكثر من الكيلومتر.
5- كامل الزيارات: 462؛ وسائل الشيعة 14: 513.
6- كامل الزيارات: 470؛ وسائل الشيعة 24: 227.
7- كامل الزيارات: 272؛ وسائل الشيعة 14: 511.
8- والفرسخ: خمسة ونصف كيلومتر تقريباً.
9- كامل الزيارات: 272؛ وسائل الشيعة 14: 510.

الحسين بن علي(علیه السلام) عشرة أميال»(1).

وفي بعض الكتب الفقهية(2) أربعة فراسخ، وفي بعضها ثمانية فراسخ(3)،وكل ذلك نسب إلى الرواية دون ذكر النص.

وأمّا وجه الجمع بينها فهو:

أولاً: ما اختاره صاحب الرياض(4) - بعد ضعف أسنادها جميعاً، فلا يمكن تخصيص أكل الطين المحرم بها - من الأخذ بأخص الروايات، وهو سبعون ذراعاً، فإنه وإن ضعف سندها أيضاً لكن مقتضى العمل بالروايات ذلك، وإلا لم يبقَ مورد للتربة، فإنه لو أريد الأخذ من نفس القبر وأطرافه لانتهى منذ زمن بعيد، وظاهر الروايات أنه شفاء إلى يوم القيامة، فكيف يؤخذ منه لو خصصنا الحكم بالقبر فقط؟ فإن ذلك يستلزم عدم حصول الاستشفاء؛ لعدم وجود التربة، فتكون سالبة بانتفاء الموضوع، وهو خلاف ظاهر الروايات التي تدل على الاستمرار.

وأضاف أنه لا يلزم في الصدق العرفي أن يكون نفس التراب الذي كان يوم دفنه(علیه السلام)، فمن المعلوم تبدل تلك التربة بمرور الزمن، فيمكن أخذ التراب من خارج الحد المذكور، وجعله على القبر لفترة حتى يصدق عليه أنه تراب القبر فيستشفى به.

ص: 392


1- التهذيب 6: 72؛ وسائل الشيعة 14: 512.
2- مسالك الأفهام 12: 68.
3- رياض المسائل 12: 198.
4- رياض المسائل 12: 197.

الثاني: ما اختاره السيد الوالد في الفقه(1) من الأخذ بالأعم، وذلك للصدق العرفي، حيث يصدق (طين القبر) على كل تراب كربلاء؛ وذلك لاختلاف نسبة الأمكنة والأشياء إلى الأشخاص حسب جلالتهم، فتنسبالمدينة إلى أهم شخصية فيها دون سائر الأفراد، وكذلك الطين، فيصدق عرفاً أن التراب البعيد تربة كربلاء، وحيث يصدق تشمله الروايات المحللة.

والأظهر ما في الفقه من عدم التنافي بين الروايات، بل إنها مثبتات؛ ولذا ذهب جمع من الفقهاء منهم صاحب المسالك(2) إلى أن الاختلاف لبيان مراتب الفضل.

والحاصل: إن حدود طين القبر ما صدق عليه ذلك عرفاً.

الفرع الرابع: في جواز بيع تربة الحسين(علیه السلام)

يجوز بيع تربة الإمام الحسين(علیه السلام)، وأمّا مرفوعة يعقوب بن يزيد، عن الصادق(علیه السلام): «من باع طين قبر الحسين(علیه السلام) فإنه يبيع لحم الحسين(علیه السلام)»(3) الظاهرة في الحرمة فمرسلة، ولم يفتِ به الفقهاء، فلا يمكنها تخصيص أدلة جواز البيع، ومع القول بشمول التسامح للمكروهات يكون البيع مكروهاً.

نعم، الأولى أن يكون على نحو الهدية المعوضة.

الفرع الخامس: في لزوم إثبات كونه طين قبر الحسين(علیه السلام)

يلزم تحقق الحجة الشرعية لكونه من طين قبر الحسين(علیه السلام)؛ وذلك

ص: 393


1- الفقه 76: 207.
2- مسالك الأفهام 12: 68.
3- كامل الزيارات: 479؛ وسائل الشيعة 24: 228.

باطمئنانه أو إخبار الثقة الواحد، أو شهادة العادلين على اختلاف المباني، وإلا كان حراماً، ومع الشك وفقدان الأمارة الشرعية فأصل العدم الأزلي قاضٍ بحرمة الأكل، كما هو الحال في مثال المرأة القرشية وغيرها، والمذكورتفصيلاً في الكفاية فراجع(1).

وحتى مع عدم ارتضاء استصحاب العدم الأزلي لا يجوز الأكل؛ لأن الدليل العام هو حرمة أكل الطين، ولم يثبت استثناء محل الكلام.

الفرع السادس: في شمول الطين لقبر المعصومين وعدمه

هل الاستثناء خاص بقبر الإمام الحسين(علیه السلام) أم يشمل بقية قبور المعصومين(علیهم السلام)؟

من المسلّم أنه لا يشمل غير المعصومين(علیهم السلام) كأولادهم، وأمّا المعصومين(علیهم السلام) ففي جواز الاستشفاء بتربتهم احتمالان:

الاحتمال الأول: الجواز استناداً إلى روايتين:

الأولى: خبر أبي حمزة الثمالي، عن الصادق(علیه السلام): «وكذلك طين قبر جدي رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وكذلك طين قبر الحسن وعلي ومحمد(2)، فخذ منها فإنها شفاء من كل سقم، وجنة مما يخاف، ولا يعدلها شيء من الأشياء التي يستشفى بها إلا الدعاء، وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها، وقلة اليقين لمن يعالج بها، فأما من أيقن بأنها شفاء له إذا تعالج كفته بإذن الله

ص: 394


1- كفاية الأصول: 223.
2- والظاهر أن المراد الإمامين السجاد والباقر‘؛ وذلك لأن مكان قبر أمير المؤمنين(علیه السلام) لم يكن معلوماً لعامة الناس إلى ذلك الوقت.

تعالى من غيرها»(1).

الثانية: خبر محمد بن مسلم بعد أن شرب ماءً أعطاه إياه الإمام(علیه السلام) فشوفي، حيث قال له الإمام الباقر(علیه السلام): «يا محمد، إن الشراب الذي شربته كانفيه من طين قبور آبائي، وهو أفضل ما نستشفي به»(2).

ويرد عليهما: أولاً: ضعف السند للإرسال وعدم الجبر، فلا يمكن تخصيص الحرام بهما.

وثانياً: ما ذكره العلامة المجلسي(3) من عدم التصريح بجواز الأكل، حيث المذكور في الرواية الأولى الأخذ، ولم تبين كيفيته؛ ولذا حمله على الاستحباب، وأمّا الرواية الثانية فهو شرب الماء المختلط بالتراب، ولا إشكال فيه كما سبق، فشأنه شأن ماء الفرات المختلط بالتراب عادة في وقت هيجان الماء.

الاحتمال الثاني: عدم الجواز للعمومات، ويؤيده ما روي عن الإمام الكاظم(علیه السلام): «لا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين(علیه السلام)»(4)، لكنها ضعيفة السند، وقد صدرت في أجواء التقية في بغداد، حيث دفن الإمام(علیه السلام) في مقابر قريش.

ص: 395


1- مستدرك الوسائل 10: 332.
2- وسائل الشيعة 14: 526.
3- بحار الأنوار 57: 156.
4- وسائل الشيعة 14: 529.

حكم الطين الأرمني

وفي الطين الأرمني احتمالان(1):

الاحتمال الأول: الحرمة، لشمول عموم دليل حرمة الطين وعدمصلاحية أدلة الاستثناء المذكورة.

الاحتمال الثاني: الجواز لوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: إنه ليس بطين أصلاً، بل مجرد اتحاد في الاسم؛ وذلك لعدم توفر خواص الطين فيه، مثل كون طبعه حاراً وحالة اللزوجية وما أشبه، فليس داخلاً في عموم الحرمة حتى يستثنى.

الوجه الثاني: انصراف الأدلة الدالة على حرمة الطين عنه؛ وذلك لأن الطين مضر، والأرمني منه نافع، وهو جزء من بعض الأدوية، بل يستفاد للعلاج مستقلاً.

الوجه الثالث: الروايات الدالة على جواز أكله، وهي:

الرواية الأولى: إن رجلاً شكا إلى الإمام الباقر(علیه السلام) الزحير(2) فقال له: «خذ من الطين الأرمني وأقله بنار لينة واستف(3) منه فإنه يسكن عنك»(4).

الرواية الثانية(5): ما عن الباقر(علیه السلام): «تأخذ جزءاً من خربق(6) أبيض،

ص: 396


1- مسالك الأفهام 12: 69؛ كشف اللثام 9: 288؛ المناهل: 669؛ الفقه 76: 213.
2- الزحير: استطلاق البطن، مرض معروف.
3- استففت الدواء: أخذته غير ملتوت ولا معجون.
4- وسائل الشيعة 24: 230.
5- وسندها كسند الرواية السابقة.
6- الخربق: نبات يجلو ويسخن وينفع الصرع... ويسهل الفضول اللزجة. القاموس المحيط3: 225.

وجزءاً من بزر القطونا، وجزءاً من صمغ عربي، وجزءاً من الطين الأرمني يغلى بنار لينة ويستف منه»(1).الرواية الثالثة: «سئل أبو عبد الله(علیه السلام) عن الطين الأرمني يؤخذ منه للكسير والمبطون أيحل أخذه؟ قال: لا بأس به أما إنه من طين قبر ذي القرنين، وطين قبر الحسين(علیه السلام) خير منه»(2).

وفي الأدلة الثلاثة نظر: أمّا الدليل الأول: فإنه لا يخرج عن حقيقة الطين بذلك، فالتراب أنواع حسب المناطق المختلفة، ويظهر ذلك في خواصه للزراعة وألوانه ومواصفاته، فالطين الأرمني طين حقيقة لكن له خواص.

أمّا الدليل الثاني: فقد مرّ أنه ليس حرمة الطين لضرره، وما ذكر في الروايات حكمة، ويشهد له إطلاق كلام الفقهاء وفهمهم، ودعوى الانصراف بلا وجه، فإن مجرد استفادة الأطباء منه للعلاج ليس وجهاً للانصراف، مضافاً إلى أن الكلام ملقى للعرف، وأكثرهم لا يعرف شيئاً عن الطين الأرمني، حتى يظهر الانصراف عندهم، ولا أقل من عدم الثبوت، فيكون العموم باقياً على حاله.

وأمّا الدليل الثالث: فالأسناد ضعيفة، والتخصيص بحاجة إلى دليل معتبر، هذا أولاً.

وثانياً: في دلالتها إشكال، فلم يتطرق إلى ذكر الأكل فيها، فقد يكون العلاج بالدلك، خاصة في الكسير، فليس ذلك مرضاً حتى يعالج بتناول

ص: 397


1- وسائل الشيعة 24: 230.
2- وسائل الشيعة 24: 230.

الدواء، بل عرضاً يعالج بالدلك عادة، وأمّا دعوى كون علاج المبطون الأكل فغير صحيحة، فإن علاجه قد يكون بالأكل، وقد يكون بالدلك أو الجلوسعلى مكان حار مثلاً. نعم، لا يبعد ذلك.

والحاصل: إن مقتضى القاعدة حرمة الطين الأرمني.

وهنالك وجه للجمع ذكره بعض الفقهاء(1)، وهو أن الروايات المجوزة إنما هي للمريض، كالزحير والكسير والمبطون، فهو لحال الضرورة، وقد قال تعالى: {فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ}(2).

وأشكل عليه بأنه لم يجعل الله الشفاء في الحرام؛ لروايتين تدلان على ذلك، إحداهما: عامية(3)، والأخرى مروية في عوالي اللئالي(4).

وأجاب في المسالك(5): أنه ليس حراماً في حالة الضرورة أصلاً، فينتفي الموضوع.

هذا بالإضافة إلى ضعف سندهما.

والاعتبار يؤيد ذلك، فإن الشفاء فعل الله - وإن كان العلاج بيد المريض - ولم يجعله في المحرمات، لكنه غير محرم على المضطر، فلا مانع من جعل الشفاء فيه.

وأشكل عليه أيضاً: بأنه ليس كل مريض مضطر.

ص: 398


1- إيضاح الفوائد 4: 153؛ مفتاح الكرامة 12: 154؛ جواهر الكلام 36: 369.
2- سورة البقرة، الآية: 173.
3- سنن البيهقي 10: 5، عن الرسول(صلی الله علیه و آله) وفيه: «ما جعل الله شفاءكم فيما حرّم عليكم».
4- عوالي اللئالي 2: 149. عن الرسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «لا شفاء في محرّم».
5- مسالك الأفهام 12: 69.

وقال السيد الوالد في الفقه(1): بأن الاضطرار موضوع رتب الشارع الحكم عليه ولم يعين حدوده، فالمرجع لمعرفة الحدود هو العرف، والعرف يرى الموارد مختلفة، فتارة يكون الحرام شديداً كلحم الخنزير، فلا يعتبر مثل وجع الرأس اضطراراً مجوزاً لأكله بخلاف الإشراف على الموت، وعليه لو استفيد من دليل الحرام شدة الحرمة فلا يكون المرض العادي اضطرار.

ويشهد لذلك جواز الإفطار للمريض الذي يمكنه الصوم لكنه مضر بحاله، بخلاف أكل لحم الخنزير الذي لا يجوز له في مثل ذلك المرض، بل حتى أشد منه، مع أن العلاج بترك الصوم وأكل اللحم بوصفة طبيب واحد ولمرض واحد، فيجوز الأول دون الثاني، مع أن الدليل فيهما - وهو الاضطرار - واحد؛ وليس ذلك إلا لاستفادة شدة الحرمة في الثاني دون الأول.

ولا يخفى أنه ليس العرف ملاكاً للحكم في ذلك، وإنما فهم الاضطرار منه، وإلا فإن شدة الحرمة وضعفها يؤخذ من الدليل.

والحاصل: إن أكل الطين الأرمني حرام ولم يستثن إلا للمريض الذي علاجه فيه ولا بديل عنه، إذ مع البديل لا يصدق الاضطرار.

ص: 399


1- الفقه 76: 214.

الفصل العاشر: في الأطعمة المضرّة

اشارة

قد مرّ أنّه لا إشكال في حرمة كل ما هو سبب لإتلاف النفس، أو قطع عضو، أو سقوط قوة، سواء كان من المأكول كالسموم القاتلة، أم غيره كالإلقاء من شاهق.

ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ}(1)، وقوله سبحانه: {وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ}(2)، بالإضافة إلى الروايات(3)، وضرورة الدين، والإجماع.

الضرر في غير النفس والعضو والقوة

أمّا الضرر الذي لا يصل إلى هذا الحد فقد استدل بعض الفقهاء(4) على حرمته بأدلة:

الدليل الأول: إن العقل مستقل بقبح الإضرار بالنفس، حتى لو لم يصل إلى الحد المذكور.

وفيه نظر: حيث لا نجد استقباح العقل لبعض المصاديق، بل قد

ص: 400


1- سورة البقرة، الآية: 195.
2- سورة النساء، الآية: 29.
3- وسائل الشيعة 25: 84.
4- رياض المسائل 12: 200؛ فقه الصادق 24: 98.

يستحسنه، كما لو كان في تحمل الضرر غرض عقلائي كالسفر للتجارة،خاصة في الأزمنة السابقة، أو كان لطاعة الله، كما صنع رسول الله(صلی الله علیه و آله)، حتى نزل قوله تعالى: {طه * مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ}(1) شفقة عليه، حيث لم يكن عمله خلاف العقل، بل العقل يستحسنه، ولو كان العقل مستقلاً بالقبح لم يمكن تخصيصه بالعبادة والسفر وما أشبه إلا بتبدل الموضوع.

الدليل الثاني: أدلة نفي الضرر، ومنها قوله(صلی الله علیه و آله): «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»(2)، وهو بمعنى النهي، ويشمل جميع الأضرار.

وفيه: إنه نفي بمعنى عدم تشريع الحكم الضرري في الإسلام، ولا وجه لرفع اليد عن الظاهر والقول بكونه مجازاً لإثبات حرمة كل فعل ضرري، هذا أولاً.

وثانياً: إن تشريعه إنما هو للامتنان على العباد برفع كل ما هو منشؤ للضرر، فلو كان رفع الضرر خلاف الامتنان فليس بمرفوع.

وبعبارة أخرى: إن علة الحكم هي الامتنان، فلو لم يتحقق في مورد لم يكن الحكم مجعولاً، فالنهي عن تحمل بعض الأضرار لغرض عقلائي أو للذة مشروعة خلاف الامتنان، وقد ذهب مشهور المتأخرين إلى عدم شمول (لا ضرر) لهذه الموارد، وذهب البعض إلى أنه منصرف عنها؛ ولذا لم يُحَرِّم الكثير من الأضرار، كالأكل الكثير وما أشبهه، وتفصيله في الأصول.

ص: 401


1- سورة طه، الآية: 1-2.
2- معاني الأخبار: 281؛ وسائل الشيعة 26: 14.

الدليل الثالث: التعليل المذكور في بعض الروايات(1)، والتي عللتالخمر والخنزير وما أشبه بالضرر، والعلة تعمم.

وفيه: إنها في مقام الحكمة لا العلة؛ ولذا لم يلتزم حتى فقيه واحد بعدم الحرمة فيما لو لم يكن مضراً، فهو سبب لجعل الحكم لا أن الحكم يدور مداره، مضافاً إلى ضعف معظم أسنادها.

وبعد رد أدلة التحريم استدل القائلون بالجواز بأدلة(2):

الدليل الأول: أصالة الإباحة، فكل شيء حلال ومباح حتى يرد دليل على الحرمة، ومن مصاديقه الأضرار، بل قام الإجماع على جواز بعض الموارد التي فيها الضرر كما مثلنا.

الدليل الثاني: قاعدة: (الناس مسلطون على أنفسهم) المستفادة من قوله تعالى: {ٱلنَّبِيُّ

أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ}(3)، والأولى أفعل التفضيل، بمعنى أن الإنسان مسلط على نفسه، لكن النبي أولى منه، فلو قام دليل على عدم جواز ضرر معين كان تخصيصاً، وأمّا غيره من سائر الأضرار فالإنسان مسلط على نفسه.

وبعد رد أدلة المانعين لم يبقَ مجال لتخصيص القاعدة المذكورة.

ثم إنه على فرض جريان قاعدة (لا ضرر) كان بينهما عموم من وجه، فإن الإنسان مسلط على نفسه بما يضره وما لا يضره، كما أن الضرر قد يكون على النفس، وقد يكون على الغير من النفس والمال، وموضع

ص: 402


1- الكافي 6: 242؛ وسائل الشيعة 24: 99.
2- الفقه 76: 217.
3- سورة الأحزاب، الآية: 6.

الاجتماع محل الشاهد، فيتعارضان ويتساقطان فنرجع إلى أصالة الإباحة.

والحاصل: إنه يجوز الإضرار بالنفس، سواء كان فيه غرض عقلائي أم لا،كأن يسافر فيؤدي إلى مرضه، أو يركض فتتورم قدماه، حيث لا دليل على الحرمة.

وأمّا السموم القاتلة أو المسببة لفقدان عضو أو قوة فهي محرمة، وأمّا غيرها من السموم فلا دليل على حرمتها، بل هنالك روايات(1) تدل على جواز استفادة السموم في بعض الأدوية، حتى وإن سبب الموت اتفاقاً؛ وذلك لأن الغرض هو العلاج، والكثير من العلاجات قد تكون قاتلة اتفاقاً، كما نشاهد في المستشفيات الحديثة، بل يجوز ذلك حتى لغير العلاج، كما لو فرض التلذذ بتناول القليل منه حتى وإن سبب مرضاً أو ما أشبه.

صور الاستثناء من عدم جواز إلقاء النفس في التهلكة

وبمناسبة الروايات الواردة في المقام استطرد السيد الوالد في الفقه(2)، وذكر موارد لجواز إلقاء النفس في التهلكة، وهي بين ما دليله واضح، وبين ما هو مشكل وبحاجة إلى دليل قاطع.

منها: ما لو كان هنالك أمر أهم - في نظر الشارع - كالجهاد والدفاع ومن ذلك المشي على الألغام إذا لم يمكن فتح الطريق إلا بذلك، فجوازه لأمر أهم هو الجهاد أو الدفاع.

ومنها: حفظ العرض، كما لو أرادوا سلب شرفها، فجواز قتلها لنفسها

ص: 403


1- وسائل الشيعة 25: 221.
2- الفقه 76: 218.

موقوف على استفادة أهمية حفظ العرض من الأدلة الشرعية.

ومنها: ما لو توجه ضرر كبير على المسلمين لا يمكنه دفعه إلا بإلقاءالنفس في التهلكة، كما لو انفجر مختبر نووي، ولا يمكن الوقوف أمام تشعشعاته القاتلة لملايين من الناس، إلا فيما لو دخل جمع إلى المختبر وأبطلوا مفعوله، مما يسبب موتهم.

ويعلم جواز هذه الموارد وأمثالها من ارتكاز المتشرعة، ومن مجموع الروايات.

ومن الموارد المشكلة ما يعرف اليوم بالقتل الرحيم، وذلك للمريض الذي يعاني آلاماً لا تُطاق، حيث لا دليل على تخصيص حرمة قتل النفس مع عدم إحراز الأهمية.

ولمعرفة القاعدة لابد من ضم الأدلة العامة بعضها إلى بعض، كأدلة العسر والحرج وما لا يُطاق، والأهم والمهم ودليل الجهاد، وأدلة الدفاع والمناط في قتل الغير، كالتترس بالمسلمين، فلابد من ملاحظة مجموع الأدلة ليرى إمكان التخصيص من عدمه.

ولا يخفى أن قاعدة الأهم والمهم تختلف عن مقولة: (الغاية تبرر الوسيلة)، فإن الأهم يقدم على المهم، لكن في مقولة الغاية لا تلاحظ الأهمية، بل المشتهيات النفسانية، كما لو أراد أن يصبح حاكماً ولو بالعدوان قتلاً وسرقة، مع عدم أهميته.

صور الاستثناء من عدم جواز إتلاف العضو

ثم إنه يُستثنى من عدم جواز إتلاف الأعضاء موارد، وهو بحث مهم في

ص: 404

عالم الطب اليوم، حيث كثر ذلك بالنسبة إلى الكلية والكبد، بل حتى العين والقلب، ويستلزم ذلك قطع العضو من إنسان ليركب على إنسانآخر، والبحث في المقام أعم من أن يصنع الإنسان ذلك لنفسه أو لغيره، سواء من الميت أم من الحي، وهنا صورتان:

الصورة الأولى: هبة عضو

وهو على أقسام:

القسم الأول: أن يهب في حال حياته عضواً من أعضائه التي تتوقف حياته عليه لغيره.

ولا إشكال في عدم جوازه؛ لأنه إهلاك للنفس، فتشمله أدلة حرمته.

هذا في صورة كون المعطي إنساناً محترماً، كالمسلم أو الذمي أو المعاهد، أمّا لو أعطى الكافر الحربي المهدور دمه قلبه مثلاً فيجوز.

إن قلت: لا تجوز المثلة حتى بالكافر الحربي، وقد نهى النبي(صلی الله علیه و آله) عن المثلة ولو بالكلب العقور(1)، كما نهى الإمام علي(علیه السلام) عن ذلك لابن ملجم(2).

وأجيب عنه: إنما يحرم ذلك لمحترم الدم، ولا دليل على حرمتها للكافر الحربي، والأدلة المذكورة ضعيفة سنداً، وعلى فرض الاعتبار - كنهج البلاغة - فالإشكال دلالي، حيث إن النهي للتنزيه لا التحريم، كما أنه لا

ص: 405


1- وسائل الشيعة 29: 128.
2- نهج البلاغة 3: 77، وفيه: «يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل، فإني سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله)يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور».

يعلم كونه مصداقاً للمثلة في بعض الصور.

وفيهما نظر: وهو إن النهي التنزيهي مجاز خلاف الظاهر، فلا يمكنالحمل عليه إلا مع القرائن المفقودة في المقام، وأمّا كونه ليس مثلة في بعض الصور فهو إشكال بالأخص، والكلام في الأعم، مضافاً إلى أن الارتكاز على حرمة المثلة حتى للحربي.

فينحصر دليل الجواز في الأهم والمهم، حيث تتوقف حياة إنسان محترم على ذلك، وهو أهم من حياة الكافر الحربي، فيستثنى من حرمة المثلة كسائر الموارد المستثناة، كالحرب التي تقطع فيها اليد والرجل وما أشبه، مع عدم جوازه بالنسبة إلى الأسير.

القسم الثاني: أن يهب عضواً يتوقف كماله عليه دون حياته، كالعين فلا يجوز في المسلم والذمي للقاعدة العامة في عدم جواز قطع العضو وإسقاط القوة، هذا في صورة الحياة، وأمّا بعد الوفاة فلا إشكال في ذلك بالنسبة إلى الذمي والمعاهد مع جريان قاعدة الإلزام.

وأمّا لو أوصى المسلم بذلك فقد ذهب بعض الفقهاء إلى بطلان الوصية(1)؛ لعدم حلية متعلقها، حيث إنه من المثلة، كما أن حرمته ميتاً كحرمته حياً(2)، وحيث لم يجز في حياته لم يجز بعد وفاته.

وفيه نظر، فإن الأهم رافع لحرمة المثلة، كما أن الحق قابل للإسقاط،

ص: 406


1- صراط النجاة 3: 271.
2- تهذيب الأحكام 1: 419 ، وفيه: عن أبي عبد الله(علیه السلام): «... قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً سوياً».

كحرمة ماله، دون الحكم كحرمة نفسه، فهل احترام الأعضاء بعد الموت حق أو حكم؟ قال البعض(1): إنه حق خاصة مع ترتب الغرض العقلائي عليه، لكنالظاهر أنه حكم، ومع ذلك يمكن القول بالجواز من باب الضرورة أو الأهم؛ لاحتياج الأحياء، وقد أوصى بذلك، فعقلائياً يكون أهم من حفظ العضو الميت، خاصة مع عدم اعتباره إهانة للميت عرفاً.

القسم الثالث: أن يهب عضواً لا تتوقف حياته وكماله عليه كالكلية، والظاهر جوازه؛ للأهم ولأصالة الحلية، ولا يعلم أنه مصداق المثلة حتى يحرم.

بل حتى لو فرض أنه مثلة فيرفع اليد عن حرمتها فيما لو توقف عليه إنقاذ حياة مسلم محترم النفس، لأقوائية ملاكه، فتأمل.

الصورة الثانية: بيع العضو

أمّا بيع الأعضاء حياً أو ميتاً ففيه احتمالان:

الاحتمال الأول: عدم الجواز؛ للأدلة الدالة على أن الحر لا يملك، فلا تملك أعضاؤه، فكيف يجوز له أن يبيعها؟ وإنما جاز الإهداء للأهم ولغيره من الأدلة كما مرّ.

الاحتمال الثاني: إنه مال عرفاً فيجوز بيعه، فالصغرى مأخوذة من العرف، والكبرى من الآية الكريمة(2)، فيجوز بيعه مع عدم ردع الشارع عنه.

وأمّا بيع الدم فإنما لم يجز بيعه سابقاً؛ لعدم المنفعة المحللة العقلائية فيه، لكن الآن له المنفعة، فيجوز خاصة مع كون الروايات المحرمة معللة بعدم النفع.

ص: 407


1- صراط النجاة 3: 271.
2- أي: قوله تعالى في سورة المائدة، الآية: 1 : {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ}.

الفصل الحادي عشر: في حرمة الخمر

اشارة

وفي حكم الخمر مباحث متعددة نكتفي بما يرتبط بالمقام:

البحث الأول: في حرمة الخمر

لا إشكال في حرمة الخمر، ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ}(1)، بالإضافة إلى متواتر الروايات، والإجماع المسلّم، بل هو من ضروريات الدين(2).

وربّما يتخيل أنها كانت حلالاً في أول البعثة ثم حُرّمت! لكنه غير صحيح، بل كان هنالك سكوت عن تحريمها، لا أن النبي(صلی الله علیه و آله) حللها ثم حرمها، فقد كان ينتظر أمر الله في النهي عنه؛ ولذا ورد في الأحاديث الشريفة أنه ما بعث نبي إلا بحرمة الخمر(3)، وكان ذلك من باب تدريجية الأحكام.

البحث الثاني: شرب الخمر للتداوي

إن الخمر حرام مطلقاً حتى للتداوي، ففي صحيحة عمر بن أذينة(4) عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنه قال: «إن الله عز وجل لم يجعل في شيء حرمدواءً

ص: 408


1- سورة المائدة، الآية: 90.
2- الانتصار: 421؛ مستند الشيعة 1: 216، و15: 171.
3- الكافي 1: 148؛ وسائل الشيعة 25: 296.
4- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة... .

ولا شفاءً»(1).

وأمّا ما يوضع في بعض الأدوية من الكحول المتخذ من الفواكه فإن كان مسكراً فهو حرام ونجس، دون الكحول الصناعي المتخذ من الأخشاب، والذي هو سُمّ، فهولا يؤكل وليس نجساً فامتزاج القليل منه في الأدوية غير ضارّ.

وأما الاضطرار إلى شرب الخمر للتداوي أو لغيره فسيأتي في البحث التاسع.

فرع: وكما يحرم شرب الخمر كذلك يحرم سقيه للغير حتى الطفل والكافر، كما يحرم تقديمه أيضاً، ولا يجري فيه قانون الإلزام؛ وذلك لأن المستفاد من الأدلة أن الشارع لا يريد تحقق ذلك في الخارج بالمعنى الاسم المصدري من أي أحد بقطع النظر عن الفاعل، كما لا يريد قتل محترم الدم حتى من المجنون؛ ولذا يجب على العاقل أن يمنعه، بخلاف شرب النجس حيث لا يلزم منعه؛ لعدم العلم بحرمته بالمعنى اسم المصدري، فتأمل.

البحث الثالث: في بيان المراد من الخمر

الخمر لغة بمعنى المسكر المتخذ من العنب(2)، وأمّا من غيره فيسمّى نبيذاً وفقاعاً وغير ذلك، ولكي لا يتوهم أن التحريم خاص بالعنب تواترت الروايات على حرمة كل مسكر، ومنها: صحيحة علي بن يقطين(3) عن

ص: 409


1- الكافي 6: 413؛ وسائل الشيعة 25: 342.
2- لسان العرب 4: 255.
3- الكليني، محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه الحسين بن علي بن يقطين، عن أبيه علي بن يقطين، عن أبي الحسن الماضي(علیه السلام)... .

الإمامالكاظم(علیه السلام): «إن الله عزّ وجل لم يحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر»(1).

وصحيحة الفضيل بن يسار(2) عن الإمام الصادق(علیه السلام)، عن رسول الله(صلی الله علیه و آله): «كل مسكر حرام، قلت: أصلحك الله كله، قال: نعم، الجرعة منه حرام»(3).

ويحتمل كون السؤال عن أنواع الخمر، لكن ظاهر الجواب عن مقداره.

البحث الرابع: ما أسكر كثيره فقليله حرام

كل ما أسكر كثيره فقليله حرام، لمتواتر الروايات، ومنها: صحيحة معاوية بن وهب(4) عن الإمام الصادق(علیه السلام)«كل مسكر حرام، فما أسكر كثيره فقليله حرام، قال: قلت: فقليل الحرام يحله كثير الماء، فرد بكفه مرتين لا لا»(5).

البحث الخامس: في وجوب التقيؤ وعدمه لو شرب عمداً أو سهواً

لو شرب الخمر عمداً أو سهواً فهل يجب عليه التقيؤ؟

يرى السيد الوالد ذلك في الفقه(6)، ولا دليل خاص في المسألة، لكن

ص: 410


1- الكافي 6: 412؛ وسائل الشيعة 25: 342.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار... .
3- الكافي 6: 409؛ وسائل الشيعة 25: 325.
4- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن وهب... .
5- الكافي 6: 408؛ وسائل الشيعة 25: 337.
6- الفقه 76: 237.

المستفاد من مختلف أدلة حرمة الخمر أنها مبغوضة لله بذاتها شرباً وبقاءً؛ ولذالو لم يتقيأ زال عقله، وارتكب مختلف أنواع المعاصي، فإنما شرف الإنسان وفضله لعقله، وهو يزول بالسكر، فيسقط عن إنسانيته، وربما ذلك هو العلة الأصلية لتحريم الخمر، وقد ثبت في محله أن تنفيذ غرض المولى المعلوم لازم، وتركه موجب للعقاب، كما في مثال غرق ابن المولى.

هذا فيما لو كان بحدٍ يوجب بقاؤه الإسكار، وإلا انتفى الدليل المذكور، كما أنه ينتفي لو تناول شيئاً يوجب زوال سكره.

البحث السادس: المراد من المسكر هو المسكر النوعي

إن المراد من المسكر هو المسكر النوعي لا الشخصي، فلو لم يسكر شخص لطبيعة في بدنه أو لتعوده، أو لتناول ما يزيل سكره لم يكن ذلك سبباً للحلية، بل كان حراماً لشأنية الإسكار النوعي فيه.

البحث السابع: عدم اختصاص الحرمة بالشرب

لا تختص الحرمة بالشرب، فإدخاله إلى البدن حرام بأية طريقة، سواء بالمغذي أم التدهين؛ وذلك استظهاراً من الأدلة أنه مبغوض في كل الصور.

لا يقال: إن تعلق الحكم بالأعيان يوجب تقدير الفعل المقصود منها، فإن الحرمة تتعلق بالفعل لا بالذات فلابد من التقدير، وفي المقام حكم: (اجتنبوه) تعلق بالخمر والميسر والأنصاب في الآية(1)، فلابد من تقدير الشرب في الأول، واللعب في الثاني، والعبادة في الثالث.

ص: 411


1- سورة المائدة، الآية: 90: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ}.

فإنه يقال: المستفاد من الأدلة أن الخمر مبغوض في كل الصور فيحرم مطلقاً.

البحث الثامن: في حكم الفقاع

ذهب صاحب المستند(1) إلى أن حرمته ليس لأجل الإسكار، فهو حرام كماء العنب بعد الغليان، وعليه فماء الشعير الطبي حرام، كما يحرم طبخ الشعير في الماء، لكن المشهور(2) اشترطوا الإسكار، فلو لم يسكر لم يكن فقاعاً، كما أن ماء العنب إن لم يسكر لم يكن خمراً.

البحث التاسع: الاضطرار إلى شرب الخمر

وفي الاضطرار إلى شرب الخمر للعلاج - مثلاً - أقوال ثلاثة(3):

القول الأول: الجواز مطلقاً، واستدل له بأدلة ثلاثة(4):

الدليل الأول: عمومات أدلة الاضطرار، كموثقة أبي بصير(5) عن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «ليس شيء مما حرّم الله إلا وقد وأحله لمن اضطر إليه»(6)، وقال تعالى: {وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ

ص: 412


1- مستند الشيعة 15: 173.
2- جواهر الكلام 374.
3- الخلاف 6: 97؛ مختلف الشيعة 8 : 339؛ كشف اللثام 9: 321.
4- مسالك الأفهام 12: 127؛ مستند الشيعة 15: 21؛ جواهر الكلام 36: 444؛ فقه الصادق 24: 217.
5- الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين، عن سماعة، عن أبي بصير. وحسين هنا هو الحسين بن عثمان الرواسي الثقة (السيد الأستاذ).
6- تهذيب الأحكام 3: 177؛ وسائل الشيعة 5: 483.

إِلَيۡهِۗ}(1)، والخمر داخل في المستثنى منه، فيدخل في المستثنى.

الدليل الثاني: الروايات العامة والخاصة، فمن الأول: أدلة (لا ضرر) ونفي الحرج، ومن موارده الاضطرار إلى شرب الخمر.

ومن الثاني: موثقة(2) عمار الساباطي عن الصادق(علیه السلام): «عن الرجل أصابه عطش حتى خاف على نفسه فأصاب خمراً، قال: يشرب منه قوته»(3)، وغيره(4).

ولو جاز في العطش جاز في المرض الموجب للموت والمنحصر علاجه في الخمر.

الدليل الثالث: إن مناط حلية لحم الخنزير والدم في حال الاضطرار بنص القرآن(5) جارٍ في الخمر، بل قد يستفاد من بعض الروايات أنه أسوأ من الخمر، كما ذكره بعض الفقهاء(6).

القول الثاني: عدم الجواز مطلقاً، واستدل له بجملة كبيرة من الروايات التي يمكن دعوى تواترها، وقد عقد في الوسائل باباً له(7)، وهي تخصص

ص: 413


1- سورة الأنعام، الآية: 119.
2- عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق، عن عمار، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
3- تهذيب الأحكام 9: 116؛ وسائل الشيعة 25: 378.
4- علل الشرائع 2: 478.
5- سورة البقرة، الآية: 173: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ}.
6- مختلف الشيعة 8 : 341؛ فقه الصادق 24: 217.
7- وسائل الشيعة 24: 232؛ 25: 279.

العمومات السابقة.ويرد عليه: إن الروايات المذكورة لا تدل على المدعى، فبعضها لا تدل على الحرمة لاحتوائها على كلمة (لا ينبغي)(1) الظاهر في الكراهة، ولا أقل من الإجمال.

ومورد بعضها صورة عدم انحصار العلاج في الخمر، فلا يصدق الاضطرار.

وطائفة منها خارجة عن الموضوع لكون المرض غير شديد، كريح البواسير(2)، فلم يبلغ المبتلى به حد الاضطرار المبيح لارتكاب المحرمات.

وطائفة منها على عكس المطلوب أدل؛ لتنظيرها بشحم الخنزير(3)، وحيث الحكم حليته عند الاضطرار فيدل على حليتها عنده.

وطائفة منها إنما تمنع العلاج بالخمر لكون ضررها أكثر من ضرر المرض الذي هو فيه(4)، ولا مناقشة فيه فإن العلاج بالحرام إنما يجوز مع تكفله برفع الاضطرار، وأمّا لو لم يرفع فلا يحل، وهو جارٍ في كل المحرمات، فلا خصوصية للخمر.

نعم، هنالك روايات(5) تحكم بالحرمة حتى مع الاضطرار، فتتعارض مع الروايات الدالة على الحلية، فلابد من الجمع بينهما بحمل الأولى على

ص: 414


1- وسائل الشيعة 25: 345.
2- وسائل الشيعة 25: 344.
3- وسائل الشيعة 25: 345.
4- وسائل الشيعة 25: 347.
5- وسائل الشيعة 25: 347.

الكراهة؛ لأن النهي ظاهر في الحرمة، وأمّا الجواز فنص على الحلية، فيرجحالنص على الظاهر، وهو جمع عرفي، كما يمكن الجمع باختلاف المورد، فالمجوز للاضطرار الشديد، والناهي للخفيف، لكنه تبرعي.

والحاصل: إن الاضطرار مبيح لشرب الخمر على كراهة، فيمكنه تحمل ذلك حتى الموت بخلاف سائر المحرمات.

القول الثالث: التفصيل بين الموت وغيره، ومن ذِكر الدليل للقولين السابقين يظهر الكلام فيه وفي رده، حيث استند إلى أدلة القول الأول للصورة الأولى، وأدلة القول الثاني للصورة الثانية، لكنه جمع تبرعي.

إن قلت: دلت روايات عديدة على أن الله لم يجعل الشفاء في الحرام(1).

قلت: أولاً: إنه غير محرم في صورة الاضطرار، فيخرج من الروايات موضوعاً.

وثانياً: لابد من حملها على الشفاء المطلق، فيمكن أن يبرأ من مرضه لكنه يبتلى بمرض آخر، فللخمر أضرار مادية ومعنوية، فتحل في الاضطرار لكن تبقى الأضرار لأنها وضعية، فلا يكون فيها الشفاء المطلق.

أو يقال: إن الله جعل لكل مرض دواء، وإنه أرحم من أن يخلق المرض ولم يخلق له دواء، فتارة يكون للمرض دواء واحد، وتارة له عدة أدوية، فتكون معنى تلك الروايات - بعد رفع اليد عن ظهورها لأجل الروايات الدالة على الحلية - أن الله لم يحصر الشفاء في الحرام، فلم يقدر لمرض علاجاً واحداً محرماً فقط، بل له بديل محلل.

ص: 415


1- وسائل الشيعة 25: 343.

البحث العاشر: العلاج بالخمر بغير الشرب

وكما لا يجوز العلاج بشرب الخمر للمضطر كذلك لا يجوز سائر أنواع الاستعمالات، كالتدليك والكحل والتقطير في العين والأذن وما أشبه؛ وذلك للعمومات والأخبار الخاصة في الكحل(1) بعد إلغاء الخصوصية.

فمن الأخبار العامة: ما في تحف العقول من قوله(علیه السلام): «وجميع التقلب فيه»(2)، وعمل المشهور يجبر إرساله، كما يمكن الاستناد إلى قوله تعالى: {فَٱجۡتَنِبُوهُ}(3)، فلو استعملها لم يجتنبها.

وفيه نظر: فإن الآية وإن كانت مطلقة لكن لابد من تقدير الفعل الملائم فيما لو تعلق التكليف بالأعيان الخارجية، فيتعلق الحكم بذلك الفعل، فظاهر الآية اجتناب شرب الخمر ولعب الميسر وعبادة الأنصاب، فلا تدل على غيره.

وأمّا الأخبار الخاصة بالاكتحال فمنها: صحيحة معاوية بن عمار(4)، عن الصادق(علیه السلام) قال: « سأل رجل أبا عبد الله(علیه السلام) عن الخمر يكتحل منها، فقال أبو عبد الله(علیه السلام): ما جعل الله في محرم شفاء»(5).

وظاهرها حرمة الاكتحال، فلا يقول أحد: إنه إرشاد وبيان للواقع

ص: 416


1- وسائل الشيعة 25: 349.
2- تحف العقول: 333؛ وسائل الشيعة 17: 85 .
3- سورة المائدة، الآية: 90.
4- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن الحسن الميثمي، عن معاوية بن عمار... .
5- الكافي 6: 414؛ وسائل الشيعة 25: 349.

الخارجي بعدم النفع فيه، وأمّا مع القول بكونه إرشاداً فلا يدل على المدعى،لكن المشهور(1) فهم النهي منه، وخاصة المتقدمين منهم، وفهمهم حجة لقربهم من عصر الأئمة(علیهم السلام)، فلا يعقل القول: إن أكثرهم لم يفهموا كلام المعصوم(علیه السلام).

وبعد استفادة الملاك منها أو إلغاء الخصوصية يعمم الحكم إلى غير الاكتحال، وربما تكون الحكمة من ذلك جذب البدن للخمر، فلا ينحصر الأمر بالمعدة.

البحث الحادي عشر: في حجية قول الخبير لو أخبر بشرب الخمر

لو أخبره الطبيب بضرورة شرب الخمر وإلا مات، لكنه اطمأن إلى عدمه أو العكس، فالحكم تابع لخوفه، أمّا خوف غيره فليس موضوعاً للحكم الشرعي، والمسألة سيّالة في غير المقام، كالخوف من ترتب الضرر على الصوم.

لكن السيد الوالد في الفقه(2) لم يرتض ذلك، وذهب إلى اعتبار قول الثقة من أهل الخبرة - وإن كان هنالك كلام في اعتبار الواحد أو اشتراط العدلين - فيكون محققاً لموضوع الحكم الشرعي أيضاً، فعلى هذا المبنى يكون تحقق أحد الخوفين موجباً لرفع الحرمة. ومع التعارض بأن خاف أحدهما دون الآخر فيرجح الرافع للحكم؛ لعدم المنافاة بينهما، فإن الخوف مثبت للحكم، وأمّا غيره فليس مثبتاً له، بل يثبت في حقه وجوب استمرار

ص: 417


1- السرائر 3: 126؛ مختلف الشيعة 8: 341.
2- الفقه 77: 43.

الصوم بأدلته.

نعم، لو خاف أحدهما وفند الأخر رأيه حصل التعارض، والمسألة مشكلة.

ص: 418

الفصل الثاني عشر: في حرمة الدم

اشارة

يحرم شرب الدم، ويدل عليه صريحاً قوله تعالى: {حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ}(1)، وهنالك آيات أخرى سنشير إليها إن شاء الله، وكذلك متواتر الروايات(2)، بالإضافة إلى الإجماع(3).

استثناءات من حرمة الدم

ويستثنى من الحكم المذكور الدم المتبقي في الذبيحة، فهو حلال، ويدل عليه:

أولاً: الإجماع، كما ذكره في المسالك والرياض(4).

ثانياً: يلزم من القول بحرمة المتبقي حرمة اللحم؛ لوجوده في العروق الصغيرة في جميع البدن، ولا تنفك عنه عادة.

وثالثاً: قوله تعالى: {قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا}(5)، والمتبقي ليس من المسفوح، مع

ص: 419


1- سورة المائدة، الآية: 3.
2- الكافي 6: 254.
3- مستند الشيعة 15: 132.
4- مسالك الأفهام 12: 78؛ رياض المسائل 12: 216.
5- سورة الأنعام، الآية: 145.

كون الآية في مقام الحصر.

دم القلب والكبد

ونسب إلى صاحب المسالك عدم جواز الدم في القلب والكبد(1)، لكن لا وجه له؛ لأن الأدلة الثلاثة إن تمت تشملهما، مضافاً إلى أنه يستلزم عدم جواز أكل الكبد؛ لأنه لا ينفك عن الدم فيه.

وكأن مقصوده حرمة العروق الكبار التي تحتوي على قطع الدم الكبيرة المتثخرة في القلب والكبد، وسيأتي بحثه بإذن الله.

ولا يخفى أن المراد من حلية المتبقي في الذبيحة هو الدم المخلوط باللحم، وأمّا ما يجمع من الأمعاء والأحشاء في كأس مثلاً فهو حرام؛ وذلك لعدم شمول أدلة الحلية له، فالإجماع دليل لبي يتمسك بالقدر المتيقن منه، كما أنه لا يستلزم حرمته حرمة أكل اللحم، ويبقى الدليل الأول وسيأتي بحثه.

تنبيه

ذهب البعض - كصاحب الرياض(2) - إلى حلية المتبقي، سواء أكانت الذبيحة حلالاً أم حراماً غير نجس؛ وذلك لعدم كونه مسفوحاً.

وفيه نظر؛ لحرمة جميع أجزاء الحيوان المحرم بما فيه الدم، فإن معنى

ص: 420


1- مسالك الأفهام 12: 78، وفيه: «وفي إلحاق ما يتخلف في القلب والكبد به وجهان، من مساواته له في المعنى، وعدم كونه مسفوحاً، ومن الاقتصار بالرخصة المخالفة للأصل على موردها. ولو قيل بتحريمه في كل ما لا نص فيه ولا اتفاق - وإن كان طاهراً - كان وجهاً؛ لعموم تحريم الدم، وكونه من الخبائث».
2- رياض المسائل 12: 217.

حرمة شيء حرمته وحرمة أجزائه.

حكم الدم في حيوان ليس له دم دافق

إن الدم المتواجد في الحيوان الذي ليس له دم دافق حلال، كالسمك والجراد الكبير، ويدل عليه:

أولاً: الإجماع(1).

وثانياً: قوله تعالى: {قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا}(2)، والآية في مقام الحصر، والدم المذكور ليس من المسفوح.

وأورد على الاستدلال بالآية إشكالات ثلاثة:

الإشكال الأول: ما في المستند(3)، من أن الآية المذكورة مكية، وآيات حرمة الدم(4) من دون تقييد بالمسفوح مدنية، وتكون نتيجة ضم بعضها إلى بعض تحريم المسفوح في ابتداء الأمر، ثم إطلاق الحرمة لتشمل غير المسفوح أيضاً.

وفيه نظر لجهتين:

الجهة الأولى: عدم تشخيص غالب الآيات المكية عن المدنية(5)، إلا ما

ص: 421


1- رياض المسائل 12: 217.
2- سورة الأنعام، الآية: 145.
3- مستند الشيعة 15: 140-141.
4- البقرة: 173؛ المائدة: 3؛ النحل: 115.
5- إلا ما كان معلوماً لسياقها، كآيات من سورة آل عمران المرتبطة بحرب بدر وأحد، أو المحاجة مع اليهود في سورة البقرة، ولكن الغالب غير معلوم (السيد الأستاذ).

ذكره بعض المفسرين من العامة وحتى ما ذكره الخاصة، فليس مستنداً إلى المعصوم(علیه السلام)، فلا يمكن الاعتماد على مثل ذلك.الجهة الثانية: مع دوران الأمر بين التخصيص والنسخ يقدم الأول، فالعام أو المطلق المتأخر يقيد أو يخصص ما سبقه، ولا ينسخه.

فلو قال المولى يوم أمس: أكرم زيداً العالم، وقال اليوم: لا تكرم العلماء، فيكون المفاد مع القول بالتخصيص لا تكرم العلماء إلا زيداً، ومع القول بالنسخ عدم إكرام كل عالم حتى زيد.

وقد ذكرت أدلته في الأصول فراجع(1)، ومنها: إن النسخ قليل جداً، والتخصيص كثير، فالظاهر العرفي ترجيح التخصيص.

وفي ما نحن فيه، على فرض ثبوت الآية المكية، يكون الدم المسفوح حراماً، ومفهوم الحصر أن غير المسفوح حلال، وهو حجة، والآية المدنية مطلقة، فالأول يخصص الثاني لا أنه ينسخه، فما ذكر في المستند محل إشكال.

الإشكال الثاني: ما ذكره في الرياض(2) من أن القول بالحصر يستلزم تخصيص الأكثر؛ لكثرة المحرمات وهو قبيح، فلابد من القول بالنسخ، أو بكون الحصر إضافياً لا حقيقياً، وعليه لا يمكن الاستدلال بمفهومها، وهو حلية كل شيء، ومنه الدم غير المسفوح، حيث لا مفهوم للحصر الإضافي.

وفيه نظر: فإن موضع الشاهد الاستدلال بالمفهوم، وهو حلية غير

ص: 422


1- كفاية الأصول: 450.
2- رياض المسائل 12: 217.

الموارد المذكورة في الآية، وهذا المفهوم الواسع يُخصص بمآت الموارد المحرمة، وليس من تخصيص الأكثر؛ لكون المحللات كثيرة جداً،ولا إشكال في تخصيصها، كما هو الحال في كل شيء لك حلال، حيث خصص بالمحرمات(1).

الإشكال الثالث: إنه يتعارض مفهوم الآية الدال على الحلية مع منطوق آية تحريم الخبائث الشامل لما نحن فيه فيتساقطان، فلابد من الرجوع إلى عمومات حرمة الدم.

وفيه نظر: فإن كون دم السمك من الخبائث أول الكلام، وعلى فرض ثبوته فلا يعارضه دليل سواء كان أخصاً مطلقاً أم من وجه؛ لأن دليل حرمة الخبيث غير قابل للتخصيص، هذا أولاً.

وثانياً: مرت الأقوال الثمانية في معنى الخبيث، وقد كان المختار أن الخبيث ما خبثه الشارع أو كان معلوم خباثته، وما نحن فيه لم يدل على خباثته شيء، إلا على وجه الدور، بأن نقول: هذا خبيث فحرمه الشارع، ولماذا حرمه الشارع لأنه خبيث.

حكم وقوع الدم في قدر ماء اللحم

ذكر بعض الفقهاء، منهم الشيخ المفيد(2) والشيخ الطوسي في النهاية(3):

ص: 423


1- وفيه نظر؛ لأن القول بالمفهوم يستلزم حجية المنطوق، وهو حصر المحرمات في أربعة فقط، ثم توسعة الدائرة لسائر المحرمات الواردة في الروايات وهو قبيح، فتأمل. إلا أن يقال بانفكاك الحجية بين المفهوم والمنطوق (المقرر).
2- المقنعة: 582.
3- النهاية في مجرد الفقه والفتوى: 588.

أنه لو وقع الدم في قدر ماء اللحم وهو يغلي لم يحرم، واستدل(1) على ذلك ببعض الروايات:منها: صحيحة سعيد الأعرج(2)، عن الصادق(علیه السلام): «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من الدم أيؤكل؟ قال: نعم، فإن النار تأكل الدم»(3).

ومنها: خبر زكريا بن آدم: «سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم ومرق كثير، قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب، واللحم اغسله وكله، قلت: فإن قطر فيه الدم، قال: الدم تأكله النار إن شاء الله»(4).

ومنها: خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام)، قال: «سألته عن قدر فيها ألف رطل ماء فطبخ فيها لحم، وقع فيها وقية دم هل يصلح أكله، قال: إذا طبخ فكل فلا بأس»(5).

لكن المشهور شهرة عظيمة - خصوصاً عند المتأخرين - عدم الحلية(6).

وأجيب عن الروايات بوجوه سبعة(7) المرضي منها هو الأول وهو:

ص: 424


1- الفقه 76: 251.
2- الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن سعيد الأعرج... .
3- الكافي 6: 235؛ وسائل الشيعة 24: 197.
4- الكافي 6: 422؛ تهذيب الأحكام 1: 279؛ وسائل الشيعة 3: 470.
5- مسائل علي بن جعفر: 197؛ وسائل الشيعة 24: 197.
6- مختلف الشيعة 8: 329؛ كشف اللثام 9: 291؛ جواهر الكلام 36: 381-382.
7- الفقه 76: 250.

الوجه الأول: إن الصحيح من هذه الروايات معرض عنه، والضعيف لا يستدل به، فيكون مضمونه شاذاً.الوجه الثاني: إنها صدرت للتقية فلا يعمل بها.

وفيه نظر: فإنه إنما يحمل على التقية مع وجود المعارض، ولا معارض للروايات المذكورة، فلا وجه للحمل على التقية(1).

الوجه الثالث: ضعف السند، فقد ذهب العلامة في المختلف(2) إلى جهالة سعيد الأعرج.

وفيه نظر؛ لأن النجاشي وثقه(3)، بل وثقه العلامة في الخلاصة(4) أيضاً.

الوجه الرابع: إن المراد من الروايات وقوع الدم الطاهر في القدر كالمتخلف في الذبيحة.

وفيه نظر، فإن ملاحظة جواب الإمام(علیه السلام) يفيد بأن الدم الواقع نجس، وإلا لأجاب بكونه طاهراً لا بأن النار تأكله.

اللهم إلاّ أن يقال: بأن معنى أكل النار له هو استهلاكه بسبب الغليان، فتأمل.

الوجه الخامس: يمكن أن يكون السؤال عن اللحم، فيكون الجواب بالحلية بعد غسله.

وفيه نظر، فإن السؤال عن كل ما في القدر، كما أن التعليل ب (فإن النار تأكل الدم) لا يتلاءم مع المقام، مضافاً إلى التفريق بين الدم والخمر، ومع

ص: 425


1- وفيه: إن الحكم العام بالاجتناب للنجاسة كاف في صدور الحكم تقية بالحل. (المقرر).
2- مختلف الشيعة 8: 330.
3- فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال الكشي): 181.
4- خلاصة الأقوال: 158.

كون المراد ما ذكر لم يكن وجه للتفريق المذكور.الوجه السادس: يمكن أن يكون مورد السؤال القدر الذي يحتوي على قدر كر من ماء غير مضاف، فلا ينجس بوقوع الدم فيه، فيستهلك ولا ينجس، وشاهده ما في السؤال من كون الماء ألف رطل، والكر وإن كان (1200) رطلاً بالعراقي إلا أن من المتعارف ذكر العدد الصحيح دون ذكر الكسر، أو أن المراد الرطل الذي هو أكثر من الرطل العراقي، حيث يكون الألف منه كراً.

وفيه نظر؛ فإن بعض الروايات مطلقة وخاصة الصحيحة، كما أن حمل ألف كر على (1200) خلاف الظاهر، بالإضافة إلى التفريق بين الخمر والدم، ولو كان القدر كراً لم يكن فرق بينهما، مضافاً إلى أن التعليل بكون النار تأكل الدم، الظاهر في أن علة جواز الأكل الغليان، لا يناسب الكر، فإن التعليل المناسب عدم نجاسة الكر.

الوجه السابع: إنها معارضة لروايات كثيرة في نجاسة الدم، ومن الثابت أن كل نجس منجس، وحيث لم يعمل المشهور بالأول وعملوا بالثاني كان الترجيح معه.

وفيه نظر؛ لأن ما نحن فيه أخص منها، ولا تعارض بين الخاص والعام.

فروع تتعلق بالمسألة

الفرع الأول: بناء على جواز الأكل، فإن الدم الملقى قد يكون دم الحيوان نفسه، وهو مشمول للروايات قطعاً، وقد يكون دم إنسان كالطباخ مثلاً، وهو مشمول للروايات أيضاً، ولا وجه لدعوى الانصراف؛ لأن الفرض

ص: 426

المذكور كثير، وليس نادراً يخل بالظهور فيدعى الانصراف لأجل الندرة، وقد يكون دم نجس العين أو حرام اللحم، وهنا أيضاً لا وجه لدعوى الانصراف؛لأنه وإن كان نادراً إلا أن صرف الندرة غير موجب للانصراف، إلا إذا أخل بالظهور.

الفرع الثاني: إن مورد الروايات هو ماء اللحم، فهل يشمل الحكم سائر المائعات كاللبن أو الحساء - الشوربة - بلا لحم وأمثالهما؟ كما أن المورد هو الدم الملقى، فهل يشمل غير الدم كالبول واليد المتنجسة؟

قيل: إن المناط يعمم فإن النار تأكل الدم، ووجهه جعل النار من المطهرات، كما في قوله(علیه السلام): «إن الماء والنار طهراه»(1).

لكن المشهور لم يرتضِ المبنى، والمناط غير معلوم؛ لاختلاف الدم عن سائر النجاسات في الأحكام، كطهارة دم النفس غير السائلة، والمتبقي في الذبيحة، فللدم خصوصية، وله موارد واستثناءات بخلاف سائر النجاسات.

الفرع الثالث: ظاهر تعبير بعض الفقهاء اختصاص الحكم المذكور بما لو كان سقوط الدم في حال الفوران لا قبله، لكن الروايات مطلقة.

الفرع الرابع: إن الخلاف المذكور إنما هو في الماء، وأمّا اللحم فلا خلاف في جواز أكله بعد تطهيره، بشرط عدم نفوذ الماء النجس إلى أعماقه، وأمّا مع النفوذ فلا يكفي غسل ظاهره، ويمكن تطهيره بما ذكر في كتاب الطهارة من وضعه في الكر إلى أن ينفذ الماء إلى داخله. ولو شك في النفوذ فالأصل عدمه.

ص: 427


1- الكافي 3: 330.

الفصل الثالث عشر: في سقوط الحيوان في المائع المضاف

اشارة

يقع الكلام في حكم المائع المضاف لو سقط فيه حيوان، سواء خرج حياً أم مات فيه. وفي المسألة صورتان:

الصورة الأولى: خروجه حياً

فإن كان نجس العين وسقط في الماء المضاف وخرج حياً تنجس بلا إشكال.

لكن ورد في صحيحة سعيد الأعرج(1): «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الفأرة والكلب يقع في السمن والزيت ثم يخرج منه حياً، قال: لا بأس بأكله»(2).

وهذا المقطع من الخبر غير معمول به، فلا يعارض عمومات نجاسة الكلب وتنجس المائع المضاف بملاقاة النجاسة، كما أن الوارد في التهذيب(3) من دون (الكلب) خلافاً للكافي.

ولعدم طرحه لابد من تأويله بأن المراد من الكلب السبع، وكما في دعاء

ص: 428


1- الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن سعيد الأعرج قال: سألت... .
2- الكافي 6: 261؛ وسائل الشيعة 24: 198.
3- تهذيب الأحكام 9: 86.

النبي(صلی الله علیه و آله): «سلط الله عليك كلباً من كلابه»(1)، فافترسه الأسد،وهو خلاف الظاهر.

ويمكن تأويل الزيت بأنه جامد، وإن كان الظاهر إطلاقه على المائع. وقد يقال بحمله على التقية.

وأمّا لو سقط غير نجس العين وخرج حياً فلا يتنجس.

الصورة الثانية: موته فيه

لو سقط الحيوان في الدهن ومات فيه فللحكم تفصيل حسب اختلاف الدهن، حيث له حالات ثلاثة: مائع وجامد فيه شيء من الذوبان، وجامد صلب كالحجر، كما أن الحيوان قد تكون ميتته طاهرة، وقد تكون نجسة.

أمّا الطاهرة فلا إشكال في عدم النجاسة، سواء كان صغيراً كالذباب، أو كبيراً كالسمكة المحرمة.

وأمّا النجسة - كالفأرة - فلو ماتت في المائع فلا إشكال في نجاسته؛ وذلك لملاقاة المضاف للنجس، ولا يجوز استعماله فيما يشترط فيه

ص: 429


1- بحار الأنوار 18: 241، وفيه: «روي أنه(صلی الله علیه و آله) لما تلا {وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ} قال رجل من قريش: كفرت برب النجم، فقال له النبي(صلی الله علیه و آله): سلط الله عليك كلباً من كلابه، يعني أسداً، فخرج مع أصحابه إلى الشام حتى إذا كانوا بها رأى أسداً، فجعلت فرائصه ترعد، فقيل له: من أي شيء ترعد وما نحن وأنت إلا سواء، فقال: إن محمداً دعا عليَّ، لا والله ما أظلت هذه السماء ذا لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده في فيه، ثم جاء القوم فحاطوه بأنفسهم وبمتاعهم ووسطوه بينهم وناموا جميعاً حوله، فجاءهم الأسد فهمس يستنشق رجلاً رجلاً حتى انتهى إليه فضغمه ضغمة كانت إياها، وقال بآخر رمق: ألم أقل إن محمداً أصدق الناس؟ ومات».

الطهارة، كالأكل وتنظيف جدران المسجد مثلاً، وأمّا فيما لا يشترط فيه الطهارة كالإضاءة فيجوز.

ولو سقط في دهن فيه شيء من الذوبان ألقيت الميتة والمقدار الملاقيلها؛ لعدم سراية النجاسة إلى غير هذا المقدار.

ولو سقط في الصلب فمع عدم الرطوبة لم ينجس شيء منه حتى ظاهره.

ويدل على التفصيل المذكور القواعد العامة في أبواب الطهارة والنجاسة، بالإضافة إلى روايات خاصة في خصوص المقام مذكورة في الوسائل(1) وسائر الكتب الفقهية، وبعضها معتبرة، وعمل بها المشهور، وهي مطابقة للقواعد العامة.

فروع تتعلق بالمسألة

وفي المسألة فروع كثيرة نذكر بعضها:

الفرع الأول: في طريقة تطهير الدهن النجس

نقل الشيخ الأنصاري عن العلامة(2) أنه لا طريق لتطهير المضاف النجس إلا بإفنائه، لكن يمكن تطهير الدهن النجس بإلقائه في كر حار وخلطه، ثم يجمع من سطح الماء بعد برده.

وفيه تأمل من جهات:

أولاً: إن الروايات التي أمرت بإلقائه أو الاستصباح(3) به ظاهرة في عدم

ص: 430


1- وسائل الشيعة 24: 194.
2- كتاب الطهارة، للشيخ الأنصاري 1: 306؛ الفقه 76: 262.
3- وسائل الشيعة 24: 194.

إمكان تطهيره، وإلا كان إلقاؤه إسرافاً، كما أن الاستصباح إسراف أيضاً؛ لكونه دهناً صالحاً للأكل بعد تطهيره، والاستصباح لا يكون إلا بالدهن غير المأكول.

وليست الطريقة المذكورة للتطهير نادرة؛ لكثرة البيوت التي فيها حوضكر، والحر شديد في الصيف، فيمكن إلقاء الدهن فيه، ومع ذلك لم يشر إليه في الروايات.

وثانياً: إن سائر المياه المضافة تستهلك، فينتفي الموضوع بتفرق أجزائها في الكر، بخلاف الدهن حيث لا ينتفي الموضوع حتى بعد تفرق أجزائه.

وثالثاً: إنه حتى مع تفرق الأجزاء لم يحرز ملاقاة الكر لوسط الأجزاء المتفرقة من الدهن، فيبقى نجساً.

الفرع الثاني: في بيان معنى الجمود وحده

وحيث لم يرد تفسير لذلك في الروايات فلا يوجد للشرع مصطلح خاص فيه، فيؤخذ مفهومه من العرف، وهو الشيء الذي لو أخذ منه مقدار لم يمتلئ مكانه فوراً، وإن كان قد يمتلئ بعد دقائق، وعبر عنه في الرياض(1) أنه لو انقلب الإناء لم يسقط ما فيه، ومآله إلى ما ذكرناه.

الفرع الثالث: كون الاستصباح تحت السماء دون السقف

اشترط المشهور(2) أن يكون الاستصباح تحت السماء دون السقف، لكن الروايات مطلقة، واستدلوا على ذلك بأدلة(3):

ص: 431


1- رياض المسائل 12: 221.
2- الخلاف 3: 187؛ مسالك الأفهام 3: 120؛ كشف اللثام 9: 299.
3- مستند الشيعة 14: 74؛ جواهر الكلام 6: 269.

الدليل الأول: الإجماع(1)، وفيه نظر؛ لعدم تحققه صغرى، لمخالفة مثل الشيخ الطوسي(2) وابن الجنيد(3) وجمع من المتأخرين(4)، وعلى فرضتحققه فهو مدركي، حيث إن الدليل الثاني هو العمدة في الفتوى المذكورة.

الدليل الثاني: إن الاستصباح تحت السقف موجب لتنجيسه.

وفيه نظر؛ لتحقق الاستحالة، فإن الدخان المتصاعد غير الدهن، فلا يكون منجساً، وعلى فرض تصاعد الأجزاء الصغيرة من الدهن فلا نهي عن تنجيس السقف، وعلى فرض ورود النهي فهو ظاهر في الإرشادية؛ للزومه تنجيس البيت بعد نزول المطر لتساقط الماء من السقف.

ونقل عن البعض إن تنجيس السقف حرام؛ لكونه إسرافاً، ولا وجه لذلك.

الفرع الرابع: في جواز بيع الدهن النجس

ويختلف الحكم بين النجس والمتنجس، كما أنه لو لم يكن فيه منفعة عقلائية محللة لم يجز بيعه؛ لما فصل في كتاب المكاسب(5)، وأمّا مع فرض المنفعة العقلائية فلا مانع من البيع، كالعذرة التي تؤخذ للتسميد. نعم، لا يجوز ما استثني حتى مع فرض المنفعة العقلائية، كالخمر التي تؤخذ للتخليل.

ص: 432


1- كشف اللثام 9: 299؛ مستند الشيعة 14: 72.
2- المبسوط 6: 283.
3- مختلف الشيعة 8: 332.
4- رياض المسائل 8: 47؛ مستند الشيعة 14: 74.
5- كتاب المكاسب 1: 65.

الفرع الخامس: في إعلام المشتري بالنجاسة

هل يلزم على البائع إعلام المشتري بنجاسة الدهن؟ فيه صور ثلاثة(1):

الأولى: فيما لو كان المشتري مؤمناً ملتزماً يرى نجاسته.

الثانية: فيما لو جاز أكله عند المشتري في دينه أو مذهبه أو فتوىمقلده(2).

الثالثة: فيما لو كان المشتري مسلماً غير ملتزم، فحتى مع نجاسته عنده لا يبالي.

فيجب الإعلام في الصورة الأولى للإجماع(3)، ولأن عدمه غش، ولعدم جواز تسبيب وقوع المسلم في الحرام، ولخصوص صحيحة معاوية بن وهب(4) عن الإمام الصادق(علیه السلام): «ويبينه لمن اشتراه ليستصبح به»(5).

لكن حرمة الغش إنما هي في صورة صدق الغش عليه، كما لو اشتراه ليستعمله فيما يشترط فيه الطهارة كالأكل، وأمّا مع العلم بأنه يريد أن يسكبه في السيارة مثلاً فلا يصدق الغش.

وأمّا الصورة الثانية ففيها احتمالان: من وجوب الإعلام للرواية المذكورة: «ويبينه لمن اشتراه» حيث إنه مطلق يشمل المقام، ومن عدم

ص: 433


1- كتاب المكاسب 1: 73؛ الفقه 76: 265.
2- كما لو تنجس الدهن بملامسة الكافر له، وكان المشتري ممن يرى طهارة الكافر اجتهاداً أو تقليداً.
3- مسالك الأفهام 12: 84؛ كفاية الأحكام 2: 616.
4- الشيخ الطوسي بأسناده عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن معاوية بن وهب... .
5- التهذيب 9: 85؛ وسائل الشيعة 24: 194.

الوجوب لانصرافها عن هذه الصورة، فظاهرها من يراه نجساً، كما أنه لا فائدة في الإعلام.

كما استدل(1) على الجواز بالإلزام، وآخرون بالمناط، حيث ورد (بيع ممنيستحل)(2) فيما لو اشتبه المذكى بالميتة.

وهو الأقرب حيث لا دليل على لزوم الإعلام.

وأمّا الصورة الثالثة: فالظاهر لزوم الإعلام؛ لإطلاق النص والفتوى وعدم الانصراف، وليس ذلك من التسبيب للحرام؛ لكون الواسطة فاعلاً مختاراً.

ص: 434


1- الفقه 76: 265.
2- الكافي 6: 260.

الفصل الرابع عشر: في حرمة الأبوال

اشارة

لو كان البول نجساً - كبول الحيوان المحرم اللحم - فلا إشكال في حرمته؛ لعدم جواز شرب النجس، إنّما الكلام في البول الطاهر، كبول الحيوان المحلل، وفيه أقوال ثلاثة: الحلية مطلقاً، والحرمة مطلقاً، والتفصيل بين بول البعير فيجوز وغيره فلا.

القول الأول: الحلية مطلقاً

استدل لها بأدلة أربعة(1):

الدليل الأول: الحصر في قوله تعالى: {قُل لَّآ أَجِدُ فِي مَآ أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٖ يَطۡعَمُهُۥٓ}(2). فكل شيء حلال إلا الموارد المذكورة في الآية، وخصصت بما دل على حرمة سائر المحرمات، ولا دليل على التخصيص في المقام، وكذا أصالة الحلية حيث لا دليل على حرمة البول.

وصحة الاستدلال بهما متوقفة على رد أدلة القائلين بالحرمة، وإلا تخصص الآية، والأمارة واردة على الأصل.

الدليل الثاني: ما ورد في رواية قرب الإسناد(3): عن النبي(صلی الله علیه و آله): «لابأس

ص: 435


1- مختلف الشيعة 8 : 336؛ الفقه 76: 276.
2- سورة الأنعام، الآية: 145.
3- عبد الله بن جعفر، عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الإمام الصادق عن أبيه‘: أن النبي... .

ببول ما أكل لحمه»(1).

وفيه إشكالان: أمّا سنداً: فالراوي أبو البختري وهب بن وهب قاضي العامة، واتفق الرجاليون(2) على ضعفه جداً، وأمّا دلالة: فظاهرها الطهارة لا الحلية، ولا أقل من الإجمال.

الدليل الثالث: مفهوم التحديد في الروايات لمحرمات الذبيحة، كالدم والطحال حتى الفرث، ومع ذلك لم يذكر البول، ومفهوم ذلك حلية سائر الأشياء التي هي جزء من الذبيحة أو يتواجد فيها.

وفيه نظر؛ حيث لم تذكر المحرمات في رواية مجتمعة بالتحديد، وإنما تفرقت في روايات متعددة، فلا يفهم منها عدم حرمة غيرها، فيكون الأمر من قبيل مفهوم اللقب، وهو غير حجة، وحتى لو قلنا بحجيته فلا يكون حجة في المقام؛ لكثرة الروايات.

الدليل الرابع: الإجماع الذي ادعاه السيد المرتضى(3).

وهو ضعيف؛ لكثرة المخالفين، وربما يكون منشؤ إجماعاته احتمال ابتناء المسألة على أصل كان محل الاتفاق، فاستظهر أن فرعه محل اتفاق أيضاً. نعم، لو ادعاه جمع أيضاً أمكن حصول الاطمئنان؛ لكنه مفقود في المقام، وربما يكون مراده من الإجماع غير ما نقصده.

ص: 436


1- قرب الإسناد: 156؛ وسائل الشيعة 25: 114.
2- الفهرست: 173؛ رجال ابن الغضائري: 100؛ خلاصة الأقوال: 414.
3- الانتصار: 424.

القول الثاني: الحرمة مطلقاً

واستدل لها بأدلة أربعة(1):

الدليل الأول: إنه من الخبائث، وهو من المحرمات للآية الكريمة(2).

وهو محل تأمل؛ لما مرّ من الأقوال الثمانية في الخبيث، وكان المختار الخبيث الواقعي، فلا يمكن التمسك لحرمة البول بكونه من الخبائث؛ لأنه دور على المبنى؛ لأن الكشف عن خبثه متوقف على تحريمه، ولو كان تحريمه متوقفاً على خبثه صار دوراً.

اللهم إلاّ أن يقال: إن الكاشف عن الخبيث الواقعي هو الشرع أو العرف كما مرّ، والعرف يراه من الخبيث، فتأمل.

الدليل الثاني: خبر سماعة: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم، تنعت له من الوجع، هل يجوز له أن يشرب؟ قال: نعم، لا بأس به»(3).

لكن لا يصح الاستدلال بها لأن السؤال عن مورد الوجع، فالجواب على خصوص السؤال، ولم تذكر فيها قاعدة عامة لتشمل مورد الاختيار، فيكون الجواز المذكور خاصاً بحالة المرض للمضطر، فلا إطلاق له.

وفيه نظر؛ فليس السؤال عن الاضطرار، بل مجرد الوجع الأعم منه، فالجواز مع الوجع من غير اضطرار دليل على جوازه في غيره؛ لأنه لا يسوغ

ص: 437


1- مختلف الشيعة 8 : 337؛ كشف اللثام 9: 290؛ الفقه 76: 277.
2- وهي: قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ}. الأعراف: 157.
3- طب الأئمة: 62؛ وسائل الشيعة 24: 115.

المحرمات، فلا إشكال في دلالة الرواية. نعم، قد يشكل على سندها معالإعراض، حيث ذهب المشهور(1) إلى الحرمة في البقر والغنم، بل كاد أن يكون إجماعاً.

الدليل الثالث: ما ذكره صاحب الرياض(2) من دلالة حرمة المثانة التي هي مجمع البول على حرمته بطريق أولى.

وفيه نظر؛ لعدم العلم بعلّة حرمتها، وعلى فرض كون العلّة أنها مجمعه فلا تلازم بين حرمتها وحرمته، وإلا فلابد من القول بحرمة الكلية أيضاً؛ لكونها مجمع البول أيضاً، فإن الكبد يرسل السموم إليها بعد التصفية ومنها إلى المثانة؛ ولذا يُشم منها رائحة البول، كما يلزم القول بحرمة الكبد لكونه مجمع الدم.

الدليل الرابع: موثقة(3) عمار الدالة على الحلية حال الاضطرار، ومفهومها عدم الجواز في الاختيار، وهي: عن الصادق(علیه السلام): «وسئل عن بول البقر يشربه الرجل، قال(علیه السلام): إذا كان محتاجاً إليه يتداوى به شربه، وكذلك بول الإبل والغنم»(4)، فإذا لم يكن محتاجاً ولم يتداوَ به لم يجز شربه.

وفيه نظر: يظهر من رد الاستدلال السابق، فإن الاحتياج إلى التداوي أعم

ص: 438


1- رياض المسائل 12: 224؛ جواهر الكلام 36: 391.
2- رياض المسائل 12: 223.
3- الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي... .
4- تهذيب الأحكام 1: 284؛ وسائل الشيعة 25: 114.

من الضرورة المبيحة للمحرمات.فإن قلت: إذا كان حلالاً فلماذا قيد بصورة الاحتياج؟

قلنا: ربما للتنزه، فلا يكون الشرط لغواً، وإنما هو لإثبات الكراهة في غير حالة الاحتياج والتداوي.

القول الثالث: التفصيل بين بول البعير وغيره

واستدل له بأدلة الحرمة بالإضافة إلى التخصيص الوارد في الإبل، ففي خبر الجعفري(1) عن الإمام الكاظم(علیه السلام): «أبوال الإبل خير من ألبانها، ويجعل الله الشفاء في ألبانها»(2)، ولا إشكال في جواز لبنها.

وأشكل عليه بضعف السند ببكر بن صالح الرازي الذي ضعفه النجاشي(3). لكنه غير وارد لعمل المشهور الجابر، بل كاد أن يكون إجماعاً، بل ذكره في الفقه(4)، بالإضافة إلى ما سبق من الروايتين: عن سماعة: «عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم، تنعت له من الوجع، هل يجوز له أن يشرب؟ قال: نعم، لا بأس به»(5). والمشهور عمل في خصوص الإبل.

ولا إشكال في التفكيك في الرواية الواحدة، فيكون المقطع المعمول به حجة دون غيره، كما بحث في محله.

ص: 439


1- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بكر بن صالح، عن الجعفري... .
2- الكافي 6: 338؛ وسائل الشيعة 25: 114.
3- فهرس أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): 109.
4- الفقه 76: 276.
5- تقدم تخريجه.

وكذا في رواية عمار المعتبرة(1).والحاصل: عدم استبعاد الحرمة مطلقاً للخباثة على الأقرب، إلاّ في بول الإبل للعلاج فإنّ إذن الشارع فيه يكشف عن عدم كونه خبيثاً واقعاً مع استلزامه تخطئة العرف في تصور خبثه، إلاّ أن الأحوط الاقتصار فيه على العلاج فقط، فتأمل.

ص: 440


1- تقدم تخريجها.

الفصل الخامس عشر: بحوث في حكم الألبان

اشارة

والكلام في بحوث متعددة، وهي: حكم لبن الحيوان المحلل والمحرم والمكروه، وكذا حكم لبن الإنسان:

البحث الأول: في حلية لبن حلال اللحم

لا إشكال ولا خلاف في حلية لبن حلال اللحم، للإجماع والسيرة والروايات المتواترة(1)، بل قد يدعى أنه من الضروريات(2).

واستفاد البعض(3) من الروايات الاستحباب؛ لكنها ناظرة إلى الفوائد، فظاهرها الأمر الإرشادي لا الحكم التكليفي، ولا تلازم بينها وبين الاستحباب.

إن قلت: لا إشكال في استحباب التأسي بالنبي(صلی الله علیه و آله)، وشرب اللبن منه.

قلت: الأمر بالتأسي إرشادي، فلذا يجب التأسي فيما كان واجباً ويستحب فيما كان مستحباً، ويباح فيما كان مباحاً، وعليه فلابد من معرفة الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة من دليل آخر، فإن العمل بما هو لا جهة

ص: 441


1- راجع الروايات في وسائل الشيعة 25: 109 و 112 و 58 و 45 وغيرها.
2- مسالك الأفهام 12: 92؛ مجمع الفائدة 11: 215؛ كشف اللثام 9: 289؛ رياض المسائل 12: 225.
3- جواهر الكلام 36: 395.

له ولا يثبت به أكثر من الجواز في الجملة، ولا يخفى أن الوجوب والاستحبابوالإباحة باعتبار المتأسى به، اللهم إلا أن يقال: إن الأمر بالتأسي مولوي لكن لا يمكن حمله على الوجوب لاستلزامه تخصيص الأكثر، وعليه فيكون التأسي بنفسه مستحب، ولا يثبت به وجوب أو استحباب أو إباحة الفعل، والكلام في نفس الفعل هذا، بالإضافة إلى أنه يمكن أن يقال: إن التأسي ينصرف إلى القضايا الشرعية لا العادية كالأكل والشرب، فتأمل.

البحث الثاني: في لبن الحيوان المحرم

يقع الكلام في بيان حكم لبن الحيوان المحرم، كالذئب، واستدل للحرمة بأدلة(1):

الدليل الأول: مرسلة داود بن فرقد، قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الشاة والبقرة ربما درت من اللبن من غير أن يضربها الفحل، والدجاجة ربما باضت من غير أن يركبها الديك، قال: فقال: كل هذا حلال طيب لك، كل شيء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو أنفحة فكل ذلك حلال طيب»(2).

ومفهومه: كل شيء لا يؤكل لحمه فجميع ما كان منه ليس بحلال.

وأشكل(3) عليه بعدم المفهوم، حيث إنه من مفهوم الوصف، وليس

ص: 442


1- رياض المسائل 12: 146؛ الفقه 76: 280.
2- الكافي 6: 325؛ وسائل الشيعة 25: 81.
3- رياض المسائل 12: 147.

بحجة.

وفيه: أولاً: إن الوصف المذكور في قوة الشرط، فمعناه: كل شيء إذاكان يؤكل لحمه.

ثانياً: قد يكون للوصف مفهوم إذا كان الكلام بحيث لو لم يكن له مفهوم كان الوصف لغواً، والمقام منه.

نعم، الوصف على نحو العموم ليس بحجة، وإنما لا يكون الكلام لغواً لترتب فوائد أخرى على الوصف، لكن في المقام لا فائدة أصلاً، فلا بد من القول بالوصف، وإلا كان لغواً، وكلامهم(علیهم السلام) منزه عنه.

ثالثاً: إن الرواية في مقام التحديد، فيكون مفهومها حجة.

الدليل الثاني: ما ذكره في الرياض(1) من أن أصل اللبن دم، وهو حرام، فتستصحب حرمته للشك فيه، بخلاف الحيوان المحلل لليقين بطهارته بالأدلة التي مرّت.

وفيه نظر: لتبدل الموضوع حقيقة وعرفاً للاستحالة.

الدليل الثالث: ما ذكره في الرياض(2) أيضاً من أنه جزء الحيوان المحرم، وإذا حرم الكل حرم الجزء؛ لأن الكل إنما هو تجمع الأجزاء.

وأجيب عنه(3) بأن الكبرى تامة، لكن تطبيقها على المقام غير تام، فإن اللبن ليس جزءاً من الحيوان عرفاً.

ص: 443


1- رياض المسائل 12: 226.
2- رياض المسائل 12: 226.
3- فقه الصادق 24: 192.

وأجاب آخرون بأن الدليل قائم على حرمة اللحم في الحيوان المحرم، كما هو صريح بعض الروايات دون غيره، لكنه محل تأمل؛ لاستلزامهحلية العظم والمخ والكبد ونحوها، ولم يقل به أحد، كما أن بعض الروايات لم تقيده باللحم؛ لذا يحرم جميع أجزائه بلا استثناء.

والحاصل: إن عمدة الدليل على تحريم لبن الحيوان المحرم هو مرسلة داود بن فرقد، منضماً إلى الشهرة العظيمة؛ ولأجل ذلك احتاط البعض كالمحقق الأردبيلي(1)؛ لعدم تمامية الدليل على الحرمة، بعد عدم ارتضاء المبنى في المرسلة المجبورة.

البحث الثالث: في لبن الحيوان المكروه اللحم

أفتى البعض(2) بكراهة لبن حيوان مكروه اللحم كالحمار، واستدل على الكراهة بما يلي:

أولاً: الإجماع المنقول(3)، لكنه غير ثابت لتصريح البعض بعدم الكراهة(4).

وثانياً: ما ذكره صاحب الرياض(5) من الشهرة الفتوائية، لكنها ليست بحجة حتى عنده، وإنما استدل بها من باب التسامح في أدلة السنن، حيث يشمل حتى فتوى فقيه واحد بالاستحباب أو الكراهة.

ص: 444


1- مجمع الفائدة 11: 215-216.
2- كفاية الأحكام 2: 617؛ رياض المسائل 12: 225.
3- رياض المسائل 12: 225.
4- كشف اللثام 9: 289.
5- رياض المسائل 12: 226.

ويشكل عليه مبنى: بأن أدلة التسامح إنما هي في مورد المستحبات والثواب على العمل، وفيه بحث أنه هل يثبت الحكم بالاستحباب أو يثبتالثواب فقط؟ وهو كلام في محله، لكن لا فرق من حيث الثمرة العملية بينهما، هذا أولاً.

ثانياً: إن التسامح خاص بالمنقول عن المعصوم لا الفقيه. نعم، لو كان مستند كلام الفقيه رواية أمكن الأخذ به، وإن لم نجد تلك الرواية، لكن في المقام لا يعلم كون المستند رواية، بل ربما يكون استنباطاً من كراهة اللحم.

وثالثاً: خبر داود: «كل شيء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو أنفحة فكل ذلك حلال طيب»(1)، فإذا حرم ما لا يؤكل لحمه فلابد من كراهة ما كره لحمه.

وفيه: إنه لا يستفاد ذلك منه؛ لأنه في مقام بيان الحلية ومفهومه الحرمة، ولا يفهم الكراهة منه، بل المكروه داخل في الحلال.

فالأقوى إنه لا دليل على كراهة لبن حيوان مكروه اللحم، بل هنالك روايات صحيحة تدل على عدم الكراهة، منها: صحيحة(2) العيص بن القاسم، عن الصادق(علیه السلام) قال: «تغديت(3) معه فقال لي: أتدري ما هذا؟ قلت: لا، قال: هذا شيراز الأتن(4) اتخذناه لمريض لنا، فإن أحببت أن تأكل

ص: 445


1- مرّ تخريجه وسنده.
2- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن صفوان بن يحيى، عن العيص بن القاسم... .
3- في تهذيب الأحكام 9: 101: >تغذيت».
4- شيراز معرب شير باز، أي اللبن الذي جفف ماؤه.

منه فكل<(1).

وهو ظاهر في عدم الكراهة، فلو كان مكروهاً لم يوضع على المائدة، ولميقل(علیه السلام) فكل.

وصحيحته الأخرى(2) قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن شرب ألبان الأتن، فقال: اشربها»(3).

والأمر بعد توهم الحظر يدل على الإباحة.

وقد استدل على عدم الكراهة(4) بإطلاق أخبار اللبن، وأنه من طعام المرسلين(5). وفيه نظر؛ لانصرافه عن مثل لبن الحمارة.

والحاصل: عدم كراهة لبن الحيوان المكروه اللحم.

البحث الرابع: في لبن الإنسان

وقد ذهب البعض(6) إلى حرمته لخباثته، ولأدلة حرمة لبن حرام اللحم والإنسان منه.

وفيهما نظر؛ حيث إنه من الطيبات، فليس من الأمور النسبية حتى يكون خبيثاً للكبير طيباً للصغير، وأمّا أدلة حرمة حيوان حرام اللحم فمنصرفة عنه.

واستدل على الجواز بأن إفرازات بدن الإنسان لو لم تثبت خباثتها أو

ص: 446


1- الكافي 6: 338؛ وسائل الشيعة 25: 114.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن عيص بن القاسم... .
3- الكافي 6: 339؛ وسائل الشيعة 25: 116.
4- جواهر الكلام 36: 395-396.
5- الكافي 6: 336.
6- منتهى المطلب 2: 1017؛ مفتاح الكرامة 12: 156.

نجاستها فلا دليل على حرمتها، بل الدليل قائم على حليتها، كما في رواية تلك المرأة البذيئة اللسان التي طلبت من النبي(صلی الله علیه و آله) طعامه، فناولها فطلبتمما في فمه فأعطاها فأكلته فلم يسمع منها بعد ذلك كلام بذيء(1)، ولاشك أن كل شيء من النبي(صلی الله علیه و آله) طاهر يتبرك به، لكن الحكم في الشريعة عام للجميع، كما في جريان السنة في غسل النبي(صلی الله علیه و آله) بعد رحيله مع أنه طاهر مطهر(2) ولم يذكر أنه كان من خصائصه(صلی الله علیه و آله)، والشاهد حلية البزاق، ولا فرق بينه وبين اللبن، وكلاهما من إفرازات البدن.

لكنه محل تأمل، فالفرق واضح، كما أن اللقمة في الفم تختلف عن جمع البزاق في الإناء، وهو واضح.

والحاصل: إنه لا دليل على حرمة لبن الإنسان.

ص: 447


1- الكافي 6: 271، وفيه: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن الحسن الصيقل قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «مرت امرأة بذية برسول الله(صلی الله علیه و آله) وهو يأكل وهو جالس على الحضيض، فقالت: يا محمد، إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه، فقال لها رسول الله(صلی الله علیه و آله): إني عبد وأي عبد أعبد مني؟ قالت: فناولني لقمة من طعامك، فناولها فقالت: لا والله إلا الذي في فيك، فأخرج رسول الله(صلی الله علیه و آله) اللقمة من فيه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد الله(علیه السلام): فما أصابها بذاء حتى فارقت الدنيا».
2- وسائل الشيعة 2: 477، وفيه: «... لما قبض رسول الله(صلی الله علیه و آله) سمعنا صوتا في البيت أن نبيكم طاهرٌ مطهر...» وفي 3: 290: «عن الحسن بن عبيدة قال: كتبت إلى الصادق(علیه السلام) هل اغتسل أمير المؤمنين(علیه السلام) حين غسل رسول الله(صلی الله علیه و آله) عند موته؟ فأجابه: النبي(صلی الله علیه و آله) طاهر مطهر ولكن أمير المؤمنين(علیه السلام) فعل وجرت به السنة».

الفصل السادس عشر: في عدم جواز التصرف في مال الغير

اشارة

من الواضح عدم جواز التصرف في مال الغير من دون إذنه، سواء كان مسلماً أم كافراً ذمياً أم معاهداً، ويدل على ذلك القرآن والسنة والإجماع والعقل في الجملة.

أمّا القرآن فقوله تعالى: {وَلَا

تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ}(1)، فلو أجاز لم يكن من الباطل، وكذا قوله تعالى: {فَإِن

طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓٔٗا مَّرِيٓٔٗا}(2)، فالشرط في الحلية طيب النفس، ومفهومها عدم جواز الأكل مع عدمه، والمورد وإن كان في مهر المرأة لكن يستفاد منه - بعد إلغاء الخصوصية - عدم جواز التصرف في مال الغير من دون إذنه.

وأمّا الروايات فمستفيضة، بل متواترة، ومنها: موثقة(3) سماعة، عن الصادق(علیه السلام)(4)، وصحيحة(5) زيد الشحام عن الصادق(علیه السلام)، عن النبي(صلی الله علیه و آله):

ص: 448


1- سورة البقرة، الآية: 188.
2- سورة النساء، الآية: 4.
3- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة بن محمد، عن سماعة... .
4- الكافي 7: 274؛ وسائل الشيعة 29: 10.
5- علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .

«لايحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه»(1).

وأمّا بالعقل فيحكم بقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه، حيث إنه من مصاديق الظلم، وحرمته من المستقلات العقلية، ومصداقية المقام للظلم واضحة.

الاستثناء من عدم جواز التصرف في مال الغير

ويستثنى من ذلك الأكل من بيوت من تضمنتهم الآية وحق المارة.

الاستثناء الأول: حلية الأكل من بيت من تضمنتهم الآية

فقد قال الله تعالى: {لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞ وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ إِخۡوَٰنِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَعۡمَٰمِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخۡوَٰلِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ أَوۡ صَدِيقِكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُواْ جَمِيعًا أَوۡ أَشۡتَاتٗاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَةٗۚ

كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ}(2). فلو كان المراد جواز الأكل مع الإذن لم يختص بالمذكورين، بل شمل جميع الناس، فذكرهم بالخصوص دال على جواز الأكل من بيوتهم بلا استئذان.

وفي المسألة فروع ومباحث كثيرة نشير إلى ما يرتبط منها بالفقه، وتفصيلها في الكتب المفصلة، كالفقه والمسالك والرياض والمستند

ص: 449


1- الكافي 7: 273؛ وسائل الشيعة 29: 10.
2- سورة النور، الآية: 61.

والجواهر(1)وغيرها.

فروع تتعلق بالمسألة

الفرع الأول: اشتراط العلم بعدم كراهة المالك

ذهب بعض الفقهاء(2) إلى جواز الأكل من دون استئذان، بشرط العلم بعدم كراهة المالك، واستدل على ذلك بأدلة أربعة(3):

الدليل الأول: الإجماع، فإن الآية وإن كانت مطلقة لكن الإجماع قائم على استثناء هذه الصورة، ولم أرَ مَن يفتي بالجواز حتى مع الكراهة.

الدليل الثاني: انصراف الآية عن صورة عدم رضا المالك. نعم، لو لم يثبت الانصراف فالإطلاق محكم.

الدليل الثالث: إن التصرف في ملك الغير مع العلم بكراهته قبيح عقلاً فيحرم؛ لأن العقل لو أدرك قبح شيء كان ملاكاً للتحريم الشرعي؛ للملازمة العقلية بين حكم العقل وحكم الشرع، أو لجهات أخرى بحثت في الأصول.

لكنه محل تأمل؛ لأن المالك الحقيقي هو الله تعالى، ولا مدخلية لإجازة المالك الاعتباري مع إذن المالك الحقيقي، فلا قبح؛ ولذا جازت الغنيمة وأخذ الحقوق الواجبة قهراً.

ص: 450


1- الفقه 76: 293؛ مسالك الأفهام 12: 98؛ كفاية الأحكام 2: 620؛ رياض المسائل 12: 235؛ مستند الشيعة 15: 40؛ جواهر الكلام 36: 406.
2- المذهب البارع 4: 237.
3- رياض المسائل 12: 236.

الدليل الرابع: إن النسبة بين الآية وحرمة التصرف في ملك الغير من دون إذنه هي عموم من وجه، فالآية بإطلاقها تجيز الأكل، سواء كره أملا، وأدلة الحرمة تدل على حرمة التصرف، سواء كان طعاماً أم لا، ويجتمعان في أكل طعام الغير مع كراهته، فالآية تجيز الأكل، وأدلة الحرمة تنهى عنه فلا يدلان على شيء، فلا يبقى دليل على الجواز.

وأجيب: بأنه مع تعارض العامين من وجه لابد من مراجعة المرجحات السندية، وأحدها موافقة الكتاب، وفي المقام الكتاب بنفسه مرجح على العام الآخر، المانع من التصرف في مال الغير بغير إذنه.

ويرد عليه: إن دليل العام الآخر هو الكتاب أيضاً، كما مرّ، كقوله تعالى: {وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ}(1)، وكذا قوله تعالى: {فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا

فَكُلُوهُ}(2).

ويمكن الإجابة عن ذلك بأن أصل الإباحة هو المحكم بعد عدم دلالة العامين من وجه.

والحاصل: إن صور المسألة أربعة: العلم بالكراهة، والظن بها، والظن بالإذن، والشك به، والصورة الخارجة عن إطلاق الآية هي الصورة الأولى، وأمّا الصور الثلاثة فمحل خلاف، حيث لا إجماع فيها، ولم يحرز الانصراف.

الفرع الثاني: في دخول الدار من غير إذن

لا إشكال في جواز الأكل مع تحقق الإذن بدخول الدار، لكن هل يجوز

ص: 451


1- سورة البقرة، الآية: 188.
2- سورة النساء، الآية: 4.

دخول الدار من دون استئذان والأكل؟قال جمع - كابن إدريس(1) - لو دخل الدار من دون إذن المالك فعل محرماً وحرم الأكل، وقال آخرون: حرم الدخول دون الأكل.

واستدل للقول الأول بأدلة:

الدليل الأول: إن الدخول من دون إذن غير جائز، والنهي عن اللازم نهي عن ملزومه، فإن الأكل من دون الدخول غير ممكن.

وأجيب عنه أولاً: بعدم الملازمة بين حرمة اللازم وحرمة الملزوم؛ لذا ينفكان، وتفصيله في الأصول في مقدمة الواجب، كما أن الأمر باللازم ليس أمراً بالملزوم وبالعكس.

وثانياً: يمكن عكس المعادلة بأن نقول: إن الإجازة في الملزوم تستلزم الإجازة في اللازم، فحيث جاز الأكل جاز الدخول.

وفيه نظر؛ لحرمة التصرف في ملك الغير من دون الإذن بلا إشكال، فلابد من البحث عن حرمة ملزومه، والظاهر أن منشأ الخلط هو ملاحظة جواز دخول المنزل، والغفلة عن أن سببه العلم بالإذن أو الفحوى، وإلا فمع عدمهما لم يجز الدخول بلا شك.

الدليل الثاني: ما ذكره ابن العلامة في الإيضاح(2) من أن الأصل عدم جواز أكل مال الغير، لكن مع الإذن بالدخول يجوز الأكل بلا إشكال، ومع عدمه لا يعلم جواز الأكل، فيقتصر على المورد المتيقن خروجه عن

ص: 452


1- السرائر 3: 124.
2- إيضاح الفوائد 4: 162.

الأصل.وفيه نظر: إذ مع إطلاق الآية لا مجال للاقتصار على المورد المتيقن وجوداً، وقد مرّ أن المولى لو كان في مقام البيان، ولم يكن هنالك قدر متيقن في مقام التخاطب أخذ بإطلاق كلامه، وأمّا القدر المتيقن الخارجي فلا يضر بالإطلاق.

الدليل الثالث: إن الإذن بالدخول قرينة على الإذن بالأكل فجاز، ومع عدمه لا قرينة على جوازه.

وفيه نظر؛ لأن جواز الأكل في الآية مطلق يشمل جميع الصور، ولا حاجة إلى القرينة. نعم، مع العلم بكراهة الأكل لم يجز للإجماع والانصراف.

ويحتمل جواز الدخول إلا مع العلم بعدم الرضا للتلازم العرفي بين الحكم بجواز الأكل من بيوت هؤلاء وبين جواز الكون في بيوتهم أو الدخول إليها، لكنه محل إشكال، ولا ينبغي ترك الاحتياط.

الفرع الثالث: مباحث في مفردات الآية

المبحث الأول: إن الآية ذكرت الأعرج والأعمى والمريض مع أن الحكم عام للجميع، والسر في ذلك أن الجاهليين كانوا يتحرجون من الأكل مع هؤلاء، ويعزون السبب في ذلك أن الأعمى لا يرى الأطعمة اللذيذة فيحرم منها، والأعرج لا يستطيع الجلوس بارتياح فلا يمكنه الأكل، والمريض قد لا يشتهي الطعام، وكل ذلك مستلزم لظلم الشريك إياهم، ولأجل ذلك كان الناس يبتعدون عن المائدة التي يجلس عليها هؤلاء، كما

ص: 453

أن هؤلاء الأصناف أيضاً لم يكونوا يشاركون الناس في الموائد؛ لعلمهم بكراهة الناس.

المبحث الثاني: في المقصود من (بيوتكم) وجوه ثلاثة:الأول: ما قيل من أن المسألة أدبية، فكما يمكن للإنسان أن يأكل من بيته كذلك هؤلاء لا فرق بين الأمرين، وبناءً على هذا التفسير لا يمكن استفادة حكم شرعي من قوله (بيوتكم).

الثاني: كثيراً ما يكون الإنسان في بيته لكن الطعام ليس له، كبيت الأزواج والعيال، فالزوجة ليست مالكة للبيت والطعام، لكن يطلق على البيت التي تسكنه بيتها، وكذا قد يكون للرجل زوجات متعددة فيصدق عليها جميعاً (بيوتكم)، وهذا الوجه هو الظاهر من الآية.

الثالث: إن المراد بيوت الأولاد من باب «أنت ومالك لأبيك»(1)، لكنه خلاف ظاهر الآية، وإن كان الحكم شاملاً له لقيام أدلة أخرى.

المبحث الثالث: الآباء والأمهات كما تشمل الوالدين كذلك تشمل الأجداد والجدات؛ لأنهم آباء وأمهات حقيقة لا مجازاً، وإن ذهب البعض(2) إلى عدم الشمول، فيحرم الأكل من بيوتهم؛ لأنه تصرف في ملك الغير مع عدم الاستثناء.

لا يقال: الإتيان بالجمع يرشد إلى ذلك، وإلا فله أب واحد.

لأنه يقال: الآية ناظرة إلى المجموع لا إلى الفرد.

ص: 454


1- الكافي 5: 135؛ وسائل الشيعة 17: 265.
2- مسالك الأفهام 12: 98.

فالصحيح ما قلناه من إطلاق الأب والأم حقيقة على الجد والجدة، وعلى فرض كونه مجازاً فلا مناص عن القول بظهور الآية في الشمول حتى للآباء مع الواسطة.المبحث الرابع: فسر قوله تعالى: {أَوۡ

مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ} بالوكيل(1) الذي بيده مفتاح البيت، لمرسلة(2) ابن أبي عمير(3)، ومرسلة أخرى في تفسير القمي(4)، والأولى معتبرة، لكون مراسيله بحكم المسانيد بعد صحة السند إليه.

المبحث الخامس: الصديق هو الرفيق ومرجعه العرف.

وفي صحيحة(5) الحلبي عن الصادق(علیه السلام): «قلت: ما يعني بقوله {أَوۡ صَدِيقِكُمۡۚ}؟ قال: هو والله الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه»(6).

وقيل: بعدم ارتباط بين السؤال والجواب، لكن الربط واضح، فإن الظاهر أن السؤال ليس عن معنى الصديق، ولذا كان جواب الإمام(علیه السلام) ناظراً إلى اختصاص جواز الأكل من البيت، وإن لم تذكر الآية كلمة البيت في الصديق بخلاف سائر الطوائف، فلا يجوز الأكل إلا من بيته.

ص: 455


1- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 7: 344.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمن ذكره، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
3- الكافي 6: 277؛ وسائل الشيعة 24: 282.
4- تفسير القمي 2: 109؛ وسائل الشيعة 24: 283.
5- الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد الحلبي... .
6- الكافي 6: 277؛ تهذيب الأحكام 9: 95؛ وسائل الشيعة 24: 281.

الفرع الرابع: الفرق بين المأكول الذي يخشى فساده وعدمه

مقتضى إطلاق الآية عدم الفرق بين المأكول الذي يخشى فساده وبينغيره. لكن قيل باختصاص(1)جواز الأكل بما يفسد من يومه دون مثل التمر.

واستدل على ذلك بروايتين(2):

الأولى: ما في فقه الرضا(علیه السلام): «ولا بأس للرجل أن يأكل من بيت أبيه وأخيه وأمه وأخته أو صديقه، ما لا يخشى عليه الفساد من يومه بغير إذنه، مثل البقول والفاكهة وأشباه ذلك»(3).

وفيه: أولاً عدم تمامية السند، حيث لم يعلم كون الكتاب للإمام(علیه السلام)، فقد قال البعض: إنه رسالة عملية لوالد الشيخ الصدوق، وقال آخرون: إنه كتاب التكليف للشلمغاني(4). نعم، لا يختلف ما فيه عن المشهور بين الشيعة، لكنه لا يدل على كونه للإمام(علیه السلام).

وثانياً: إن إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، اللهم إلا أن يقال إنه من مفهوم الوصف، وقد مرّ نظيره.

الثانية: موثقة(5) زرارة عن الصادق(علیه السلام): «ليس عليك جناح فيما طعمت

ص: 456


1- راجع المسالك 12: 99.
2- الفقه 76: 298.
3- فقه الرضا(علیه السلام): 255؛ مستدرك الوسائل 16: 242.
4- فقه الرضا: 10-48.
5- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن القاسم بن عروة، عن عبد الله ابن بكير، عن زرارة... والأقرب هو وثاقة القاسم بن عروة لتوثيق الشيخ المفيد له في المسائل الصاغانية ولوجوه أخرى في وثاقته مذكورة في محلّها (السيد الأستاذ).

أو أكلت مما ملكت مفاتحه ما لم تفسد»(1)، ومفهومالغاية عدم جواز ما لا يفسد من يومه.

وفيه نظر: فليس المعنى ما لم يفسد الطعام، وإلا فهل يأكل العاقل الطعام الفاسد حتى يجوّز الإمام(علیه السلام) أكل الطعام ما لم يفسد، بل المعنى جواز الأكل من داره ما لم تفسد عليه الأمر.

ويدل على قول المشهور صحيحة(2) زرارة عن الباقر(علیه السلام): «عما يحل للرجل من بيت أخيه من الطعام، قال: المأدوم

والتمر»(3)، فمع أن التمر لا يفسد ليومه جاز أكله، فما ذكره المشهور الذي كاد أن يكون إجماعاً هو الحق.

الفرع الخامس: عدم الفرق بين أنواع المأكول

إن إطلاق الآية يقتضي عدم الفرق بين أنواع المأكول، سواء كان متعارفاً أم نفيساً. لكن بعض الفقهاء(4) خصص جواز الأكل بما يعتاد أكله دون نفائس الأطعمة التي تدخر غالباً، ولا تؤكل شائعاً، واستدل على ذلك بوجوه ثلاثة(5):

الأول: انصراف الآية إلى الشيء المتعارف.

الثاني: مراعاة القدر المتيقن؛ لحرمة التصرف في مال الغير من دون إذنه، والمقدار المتيقن من الجواز ما يعتاد أكله.

ص: 457


1- الكافي 6: 277؛ تهذيب الأحكام 9: 95؛ وسائل الشيعة 24: 282.
2- البرقي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن زرارة... .
3- المحاسن 2: 416؛ وسائل الشيعة 24: 282.
4- مستند الشيعة 15: 43.
5- مستند الشيعة 15: 43؛ الفقه 76: 299؛ جواهر الكلام 36: 409.

الثالث: معتبرة(1) زرارة عن الصادق(علیه السلام): «في قول الله عز وجل: {أَوۡصَدِيقِكُمۡۚ} {أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ}، فقال(علیه السلام): هؤلاء الذين سمى الله عز وجل في هذه الآية تأكل بغير إذنهم من التمر والمأدوم، وكذلك تطعم المرأة من بيت زوجها بغير إذنه، وأمّا ما خلا ذلك من الطعام فلا»(2)، وليست النفائس من المأدوم.

لكن الوجوه المذكورة محل نظر فلا انصراف، نعم، مع تحقق العلم والاطمئنان بكراهة المالك أمكن القول بالانصراف، والظاهر حصول الخلط بين صورة العلم بالكراهة وعدمه، ففي الأول الانصراف محقق دون الثاني.

أمّا القدر المتيقن فالمخل منه بالإطلاق إنما هو في مقام التخاطب لا القدر المتيقن الوجودي.

وأمّا الخبر فهو وإن كان معتبراً سنده على الأقرب، إلاّ أنه لا دلالة له حيث إن المأدوم بمعنى الطعام الملائم للطبع، كما قاله بعض العلماء(3)، وذكرته كتب اللغة(4)، فالإدام: هو ما يؤكل مع الخبز كالمرق واللحم والدهن، أمّا المأدوم فمعناه الطعام الطيب، وكما أن المعتاد أكله طعام طيب

ص: 458


1- الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن صفوان، عن موسى بن بكر، عن زرارة... والأقرب وثاقة موسى بن بكر الواسطي لكونه من مشايخ ابن أبي عمير وصفوان، وقد وصف العلامة حديثه بالصحة، ولشهادة صفوان بعدم اختلاف الأصحاب في كتابه (السيد الأستاذ).
2- الكافي 6: 277؛ تهذيب الأحكام 9: 95؛ وسائل الشيعة 24: 281.
3- فقه الصادق 24: 206.
4- العين 8 : 88؛ لسان العرب 12: 9.

كذلك النفيس.

ويحتمل بدواً أن يكون المراد من المأدوم في الخبر الطعام المطبوخ الجاهز للأكل، فلا يشمل الحكم لمثل الحنطة يطحنها ثم يعجنها ثم يخبزها ليأكلها.

الفرع السادس: في تعدي الحكم من المأكول إلى غيره

يقع الكلام في تعدي الحكم من المأكول إلى المشروب والوضوء والكون في البيت. أمّا التعميم إلى الشرب فقريب؛ لإلغاء الخصوصية عرفاً، فمع الحكم بجواز الأكل يرى العرف أن الشرب أيضاً كذلك، وليس هذا من المناط - الذي هو فهم العلة - حيث يشترط فيه القطع بالعلة ثم التعميم، وإلا كان قياساً، بل من إلغاء الخصوصية، حيث يرى العرف أن المورد المذكور في الآية أو الرواية بعنوان المثال ولا خصوصية فيه.

وأمّا الوضوء والنوم ونحوهما من التصرفات فلا تدل الآية عليه، حيث لا مناط ولا إلغاء للخصوصية. نعم، يمكن التمسك بدليل آخر، كشاهد الحال للاطمئنان برضا المالك، لكن لا يرتبط بالاستدلال بالآية.

الفرع السابع: في حكم الطعام خارج البيت

تختص الآية بجواز الأكل من البيت، وأمّا حكم الطعام خارج البيت فيختلف باختلاف المصاديق، فتارة تلغى الخصوصية، كما لو كان الطعام في الدكان، وتارة لا تلغى، كما لو وضع الطعام أمانة عند أحد، فيبقى في عموم حرمة التصرف في مال الغير.

الفرع الثامن: في جواز حمل الطعام خارج البيت

تختص الحلية بالأكل، فلا يجوز حمل الطعام خارج البيت، إلا ما يعتبر

ص: 459

عرفاً أكلاً لا حملاً، كما لو أخذ طعاماً وتناوله وهو خارج من البيت.

الفرع التاسع: في جواز إطعام الغير وعدمه

لا دلالة للآية على جواز إطعام الغير كالفقير، لكن يستفاد من بعض الروايات جواز ذلك لمن ملك المفتاح والصديق والزوجة، كخبر جميل عن(1) الصادق(علیه السلام) قال: «للمرأة أن تأكل وأن تتصدق، وللصديق أن يأكل في منزل أخيه ويتصدق»(2)، والمراد يتصدق مما يأكل لا أن يتصدق بأموال صاحب البيت.

وكذا التقييد بعدم الإفساد في موثق زرارة، عن أحدهما‘: «ليس عليك جناح فيما طعمت أو أكلت مما ملكت مفاتحه ما لم تفسد»(3).

والتعميم إلى سائر الموارد موقوف على فهم التعليل أو إلغاء الخصوصية.

وقد يشكل على خصوص تصدق المرأة بروايات(4) مفادها عدم جواز تصدقها من مال زوجها، فيتعارضان ويتساقطان.

والجواب عن ذلك بكون خبر جميل أخص مطلقاً؛ لاختصاصه بالمأكول. مضافاً إلى التصريح بجواز تصدقها بالمأدوم في موثقة(5) بكير قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام): ما يحلّ للمرأة أن تصدّق من بيت زوجها بغير

ص: 460


1- عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن جميل بن دراج... وقد مرّ أن الأقوى اعتبار سهل بن زياد.
2- الكافي 6: 277؛ وسائل الشيعة 24: 281.
3- مرّ تخريجه وسنده.
4- وسائل الشيعة 17: 270.
5- الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال عن ابن بكير... .

إذنه؟ قال: المأدوم»(1).

الفرع العاشر: عدم الفرق بين النسب والرضاع

لا فرق في الحكم بين النسب والرضاع؛ لإطلاق اللفظ عليهم، ويتفرع عليه عدم الفرق بين الأبويني والأبوي والأمي.

الاستثناء الثاني: حق المارة

أمّا الاستثناء الثاني فهو حق المارة، حيث يجوز الأكل من دون استئذان المالك، فيما لو عبر المار على أشجار فيها ثمار مع شروطه المقررة، وقد تطرق الفقهاء إلى ذكر هذه المسألة في بابين هنا، وفي البيع في مسألة بيع الثمر.

الأقوال في المسألة

وفي المقام قولان:

القول الأول: الجواز

وهو المشهور(2) بين القدماء، بل كاد أن يكون إجماعاً(3)، وأمّا المتأخرون فقد أشكل بعضهم على ذلك(4)، لكن مشهورهم أيضاً على الجواز.

واستدل على ذلك بروايات تخصص عدم جواز التصرف في ملك الغير من دون إذنه:

ص: 461


1- الكافي 6: 346؛ وسائل الشيعة 17: 271.
2- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 3: 371.
3- الخلاف 6: 98؛ مسالك الأفهام 12: 99.
4- مجمع الفائدة 11: 309؛ كفاية الأحكام 2: 621.

الرواية الأولى: مرسلة(1) ابن أبي عمير، عن الصادق(علیه السلام) قال: «سألته عن الرجل يمر بالنخل والسنبل والثمر، فيجوز له أن يأكل منها من غيرإذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة، قال: لا بأس»(2). والأقرب أن مراسيله كمسانيده، فتكون معتبرة بالإضافة إلى عمل المشهور بها.

الرواية الثانية: صحيحة(3) عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله؛(علیه السلام) قال: «لا بأس بالرجل يمر على الثمرة ويأكل منها ولا يفسد، قد نهى رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن تبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارة، قال: وكان إذا بلغ نخله أمر بالحيطان فخرقت لمكان المارة»(4). وقد عبّر عنها في بعض الكتب الفقهية بالخبر(5)، لكن الحق صحتها لأن سندها في المحاسن صحيح، وإن كان في سندها في الكافي(6) إسماعيل بن مرار وهو مجهول.

الرواية الثالثة: خبر أبي الربيع، وهي بنفس النص السابق لكن بإضافة: «ولا يفسد ولا يحمل»(7).

الرواية الرابعة: مرسل يونس بن عبد الرحمن، عن الصادق(علیه السلام): «لا

ص: 462


1- الشيخ الطوسي بأسناده، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
2- تهذيب الأحكام 7: 93؛ وسائل الشيعة 18: 226.
3- البرقي، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان... .
4- المحاسن: 528؛ وسائل الشيعة 18: 229.
5- فقه الصادق 18: 236.
6- الكافي 3: 569؛ وسائل الشيعة 9: 203. والسند علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان.
7- الكافي 3: 569؛ وسائل الشيعة 9: 204.

بأس أن يأكل ولا يحمله ولا يفسده»(1). وهي معتبرة لعمل المشهور بها.

وهنالك روايات أخرى يمكن مراجعتها في الوسائل، باب جواز أكل المارمن الثمار(2).

وأشكل عليها بإشكالات(3):

الإشكال الأول: الإشكال السندي. لكن ظهر الجواب عنه.

الإشكال الثاني: ما مرّ من قبح التصرف في ملك الغير عقلاً وشرعاً، ولا يمكن تخصيص حكم العقل إلا بتبدل الموضوع.

والجواب: إن القبح ثابت ما لم يأذن مالك الملوك ومعه فلا، كما مرّ سابقاً.

الإشكال الثالث: إنه خلاف السيرة؛ لقيامها على منع الناس من التناول، ويشهد لذلك الجدران التي تبنى على البساتين ووضع الحراس.

والجواب: إن جواز الأكل إنما هو مع عدم العلم بكراهة المالك، وأمّا معه فلا يجوز كما سيأتي، وبناء الحائط ووضع الحارس علامة على الكراهة عرفاً، فيخرج عن الموضوع، كما أن دخول البستان تصرف في ملك الغير وهو غير جائز، وليس الكلام فيه وإنما في الثمار المتدلية الواقعة في الطريق، بل السيرة قائمة على العكس، وهو تناول الخارج إلى الطريق أو ما سقط منه على الأرض.

ص: 463


1- تهذيب الأحكام 6: 383؛ وسائل الشيعة 18: 227.
2- وسائل الشيعة 18: 226.
3- فقه الصادق 18: 238.

الإشكال الرابع: لو جاز لاستلزم تلف أموال الناس، فما من بستان وإلا وهو بجانب الطريق، فالإذن بجواز الأكل منه مستلزم لضياع الثمار وتلف أموال الناس، وهو مما لا يرضى به الشارع.

والجواب: ليس معنى حق المارة دخول البساتين وإتلاف الأموال، وإنماالأكل مما يلي الطريق، وهو غير مستلزم لما ذكر، ويشهد له فتوى المشهور بالجواز، ومع ذلك لم يسبب التلف والضياع.

والحاصل: تمامية هذا القول للروايات المعمول بها.

القول الثاني: عدم الجواز

والمنسوب إلى السيد المرتضى من المتقدمين(1)، ومال إليه صاحب المسالك(2) من المتأخرين، هو عدم الجواز من دون استئذان لأدلة ثلاثة:

الدليل الأول: القاعدة العامة من حرمة التصرف في مال الغير، ولم يثبت الاستثناء؛ لتضعيف الروايات المجوزة.

والجواب: إنه ثبت اعتبار الروايات التي تخصص القاعدة العامة.

الدليل الثاني: صحيحة(3) علي بن يقطين: «سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر، أيحل له أن يتناول منه شيئاً ويأكل من غير إذن صاحبه؟ وكيف

ص: 464


1- رياض المسائل 8: 375؛ جواهر الكلام 24: 130.
2- مسالك الأفهام 12: 100.
3- الشيخ الطوسي بأسناده، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه الحسين بن علي يقطين، عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام)... .

حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره القيم أو ليس له؟ وكم الحد الذي يسعه أن يتناوله؟ قال(علیه السلام): لا يحل له أن يأخذ منه شيئاً»(1).

والجواب من وجوه:أولاً: إعراض المشهور عنها، بعد صحة سندها وفرض تمامية دلالتها.

ثانياً: إن الرواية المذكورة على الجواز أدل، حيث نفى الحلية عن الأخذ لا الأكل، كما هو رأي المشهور، وقد سأل السائل عن أمور ولم يجبه الإمام(علیه السلام) بشيء منها، وإنما حرم الأخذ، مما هو مشعر بجواز موارد السؤال.

ويظهر ذلك في الروايات المجوزة، حيث إنها كلها ذكرت الأكل، وأمّا الناهية فقد ذكرت الأخذ، ولا يخفى الفرق بينهما.

ثالثاً: على فرض شمول الأخذ للقطف والأكل والحمل وما أشبه فهي رواية عامة تخصص بروايات جواز الأكل.

ورابعاً: مع القول بكون الأخذ بمعنى الأكل فلابد من الجمع بين الروايات بحمل الناهية على الكراهة.

الدليل الثالث: صحيحة(2) مسعدة بن زياد، عن الصادق(علیه السلام): «وسئل عما يأكل الناس من الفاكهة والرطب مما هو لهم حلال، فقال: لا يأكل أحد إلا من ضرورة، ولا يفسد إذا كان عليها فناء محاط، ومن أجل أهل(3) الضرورة نهى رسول الله(صلی الله علیه و آله) أن يبنى على حدائق النخيل والثمار بناءً

ص: 465


1- الاستبصار 3: 90؛ وسائل الشيعة 18: 228.
2- عبد الله بن جعفر في (قرب الإسناد) عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد(علیه السلام)... .
3- هكذا في المصدر الأصلي، لكن لا توجد كلمة (أهل) في وسائل الشيعة 18: 229.

لكي يأكل منها كل أحد»(1).

والجواب: أولاً: عدم الدلالة، فالفناء بمعنى الأرض الخالية، فيكون المعنى عدم كون الأشجار في الطريق، كما أن الجدار علامة على الكراهة.وثانياً: إن الرواية المذكور مطلقة تشمل المارة وغيرهم، والروايات المجوزة مقيدة بالمارة. فالأصح ما عليه المشهور.

وأما تضعيف السند بالإرسال فلا، وذلك لصحة السند في كتاب قرب الإسناد.

شروط حق المارة

ويظهر من مطاوي البحث أن لحق المارة شروطاً، فلا يجوز الأكل مع افتقاد أحدها.

الشرط الأول: كون المرور اتفاقياً

أن يكون مروره اتفاقياً، وأمّا لو كان الذهاب بقصد الأكل فلا يجوز؛ للإجماع(2) وللروايات(3) التي ذكرت المرور، والذهاب بقصد الأكل ليس مروراً. نعم، لو صدق المرور جاز، ولو كان له طريقان فاختار الطريق الذي فيه الثمار ليأكل منها فقد ذهب بعض الفقهاء(4) إلى عدم الإشكال فيه؛ لصدق المرور، وإن كان اختياره لأحد الطريقين لأجل الأكل، لكن المقصد الأصلي غير الأكل، والإجماع دليل لبي يتمسك بالقدر المتيقن منه.

ص: 466


1- قرب الإسناد: 80؛ وسائل الشيعة 9: 203-204.
2- رياض المسائل 8: 376؛ مستند الشيعة 15: 53؛ جواهر الكلام 36: 127-128.
3- وسائل الشيعة 9: 203.
4- فقه الصادق 24: 213.

فرع: لو كان أخذ الفاكهة من الشجرة مستلزماً للدخول في الملك الغير بخطوة أو خطوات قليلة لم يكن به بأس كما في المستند(1)؛ لشمولالروايات المجوزة له، لكنه خلاف الاحتياط.

الشرط الثاني: عدم جواز الحمل

اختصاص الحكم بالأكل، للنصوص الواردة(2)، فلا يجوز الحمل، ففي صريح بعض الروايات عدم جواز الحمل(3)، هذا بالإضافة إلى الإجماع على عدم جوازه (4).

الشرط الثالث: عدم الإفساد

عدم الإفساد، ويدل عليه مضافاً إلى الأدلة العامة، تصريح الروايات الدالة على جواز الأكل بعدم الإفساد، كصحيحة ابن سنان، وخبر أبي الربيع، ومرسل يونس(5).

فرع: قال بعض الفقهاء(6): إن الإكثار من الأكل من مصاديق الإفساد فلا يجوز، واستدل له بالإضافة إلى ذلك أنه إضرار للمالك وهو منفي، وقيام الإجماع والضرورة على عدم الجواز في بعض الصور، كما لو كان المالك

ص: 467


1- مستند الشيعة 15: 54.
2- وسائل الشيعة 9: 203.
3- وسائل الشيعة 18: 227، وفيه: ... عن محمد بن مروان قال: «قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): أمر بالثمرة فأكل منها، قال: كل ولا تحمل».
4- رياض المسائل 8: 376؛ مستند الشيعة 15: 53؛ جواهر الكلام 36: 127-128.
5- مرّ تخريجها.
6- مجمع الفائدة 8: 224؛ مستند الشيعة 15: 52-53.

فقيراً لا يملك إلا هذه الشجرة، والشارع يحمي الفقراء، فلا يعقل أن يجيز الأكل منه.

وفيه نظر؛ لأن المقصود من الإفساد هو التخريب، ككسر القفل أو البابأو الغصن، فلا يكون الإكثار من مصاديقه، وأمّا دليل الضرر فلا يرفع الحكم الذي جعل في مورد الضرر، كالخمس والزكاة، والإكثار وإن كان فيه الضرر لكن (لا ضرر) لا يرفعه(1).

وأمّا الإجماع والضرورة فلم يثبتا، كما أنه تهويل للموضوع، ودليل خطابي لا يمكنه مقاومة الحكم الشرعي، وإلا كان الأكل القليل أيضاً غير جائز في المثال المذكور، فيما لو مرّ على شجرته ألف إنسان، وكل واحد يأكل تمرة واحدة فقط، ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى جواز الأكل إلى حد يترتب عليه الضرر، فلا يجوز بعده حتى تمرة واحدة.

كما أن القول بكون الشارع حافظاً لأموال الفقراء يراعي مصالحهم هو صحيح في الجملة، لكنه يلاحظ المصالح الأخرى أيضاً، ومن هنا لو مات الفقير مديوناً فلابد من تسديد ديونه من أصل التركة وإن استوعبتها، حتى وإن خلف أيتاماً فقراء، وعلى المسلمين تكفل الأيتام، وكذا المفلس يحجر عليه وتقسم أمواله مع حاجته إليها.

ص: 468


1- وقد يقال: إن الحكم بجواز الأكل إنما هو في مورد الضرر المتعارف فلا يرفع بلا ضرر، وأمّا الإكثار فهو ضرر غير متعارف، ولا يعلم جعل الحكم في مورده، فيرفعه لا ضرر، كما هو الحال في الصوم، فإن الصائم يتأذى بترك الأكل والشرب خاصة في الصيف، ومع ذلك لا يرفعه لا ضرر؛ لأن الحكم بهذا المقدار مجعول في مورد الضرر، بخلاف ما لو أضره كثيراً فيرفعه (المقرر).

الشرط الرابع: اختصاص جواز الأكل بالفواكه والتمر...

خصص بعض الفقهاء(1) جواز الأكل بالفواكه والتمر وما له سنبلةكالحنطة والشعير، دون مثل الرقي والبطيخ والخضار؛ وذلك لاختصاص الروايات بها.

وأشكل عليه(2): بأنه وإن كانت الثمرة منصرفة إلى الفاكهة عرفاًَ، لكن حيث أطلق الثمر في صحيحة علي بن يقطين(3) على مثل البطيخ عُمّم الحكم، كما أن الزرع يشمل مثل الخيار، حيث قال علي بن يقطين «عن الرجل يمرّ بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر»، فلا وجه للتخصيص بالفاكهة، ولا مجال للرجوع إلى العرف في المقام؛ لأن الرجوع إليهم إنما هو لمعرفة معاني الروايات، فلو عُمم المعنى في الرواية أو خصص أخذ بها دون ما هو متفاهم عرفاً.

إن قلت: إن التعميم المذكور إنما هو في كلام السائل دون الإمام(علیه السلام)، فلا يكون حجة.

قلنا: إن السائل من أهل اللسان، فيكون استعماله حجة.

إن قلت: إن كلام اللغوي ليس بحجة عند مشهور المتأخرين(4)، إلا مع العدد والعدالة أو الاطمئنان.

قلنا: إن أصل المبنى محل تأمل، بالإضافة إلى أن الاستشهاد بكلام علي

ص: 469


1- كشف اللثام 9: 317؛ مستند الشيعة 15: 51؛ جواهر الكلام 24: 132. 15.
2- فقه الصادق 24: 215.
3- الاستبصار 3: 90؛ وسائل الشيعة 18: 228.
4- درر الفوائد في الحاشية على الفرائد 1: 95.

بن يقطين ليس من باب كونه من أهل اللغة، وإنما لأنه من أهل اللسان، وكلامهم حجة في معرفة استعمالات العرب؛ لحصول العلم بكيفيةاستعمالهم للفظ في معناه.

لكن يرد هنا إشكال آخر وهو: إن إطلاق واحد من أهل اللسان على خلاف المتفاهم العرفي لا يصنع ظهوراً للروايات التي استعملت كلمة الثمرة؛ فلو وردت كلمة الثمرة في الروايات فهل تحمل على ما يفهمه العرف، أو يمكن حملها على ما أطلقه علي بن يقطين، مع احتمال اشتباهه، أو استعماله اللفظ في المعنى المجازي؟ لذا فالاستدلال بهذه الصحيحة لإدخال هذه الموارد في الحكم محل تأمل.

لكن يمكن إدخال مثل البطيخ والرقي والخيار واللوز والفستق، والتي ليست من الثمرة في الحكم من باب إلغاء الخصوصية، أو فهم المناط، حيث إن المالك أخذ من طريق الناس، فللناس الحق أن يأكلوا مما في طريقهم، وإنما لم تذكر هذه الموارد في الروايات لعدم زرعها في الطريق عادة.

والحاصل: عدم تمامية الشرط الرابع.

الشرط الخامس: كون الثمر على الشجر

اشترط بعض الفقهاء(1) أن يكون الثمر على الشجر، فلا يجوز أخذ الساقط على الأرض، لكن إشكاله واضح، فإن أخذ الساقط أولى من أخذ ما على الشجرة؛ لكونه معرضاً للتلف، ولا يستلزم التصرف في الأرض أو

ص: 470


1- مجمع الفائدة 8 : 225؛ رياض المسائل 8 : 378؛ مستند الشيعة 15: 55.

الشجرة التي هي ملك الغير، كما أن إطلاق الأدلة ينفي هذا الشرط بهذا المعنى.ولعل مرادهم من الشرط المذكور أخذ ما اقتطفه المالك وجمعه في صندوق - مثلاً - ليأخذه لنفسه، فإن أدلة الجواز منصرفة عن مثل هذا المورد، ولا بأس بالشرط المذكور بهذا المعنى.

الشرط السادس: عدم العلم بكراهة المالك أو الظن بها

اشترط بعض الفقهاء(1) عدم العلم والظن بكراهة المالك، وأمّا مع أحدهما فلا يجوز الأكل.

لكن لا دليل عليه، ولا وجه للقول بالانصراف، فإن قول الإمام(علیه السلام): «من غير إذن صاحبه» مطلق يشمل حتى صورة الكراهة بعد إذن مالك الملوك.

نعم، اشترطنا الشرط المذكور في الأكل من بيوت من تضمنتهم الآية(2) للإجماع، وهو مفقود في المقام.

وبناءً على الشرط المذكور قال بعض الفقهاء(3): إن بناء السور على الأشجار علامة كراهة المالك.

وفيه نظر، فإنه مع السور لا يجوز الدخول؛ لأنه تصرف في ملك الغير، وأمّا لو خرج الغصن خارج السور جاز الأكل لإطلاق الأدلة.

وأمّا ما كان يصنع النبي(صلی الله علیه و آله) من هدم الجدار(4) فلا يدل على جواز هدم

ص: 471


1- المصادر في الهامش السابق.
2- سورة النور، الآية: 61.
3- مستند الشيعة 15: 54؛ فقه الصادق 24: 215.
4- وسائل الشيعة 18: 229.

جدران بساتين الناس، فإنه(صلی الله علیه و آله) كان يصنع ذلك بمال نفسه، فلا يستفاد منه حكم إلزامي، فإن فعل المعصوم(علیه السلام) لا لسان له، وإنما يثبت أصل الجواز فيالجملة.

الشرط السابع: كون الثمرة ناضجة

اشترط بعض الفقهاء(1) نضج الثمرة فلا يجوز الأكل من الثمار التي لم تنضج.

وفيه نظر؛ لإطلاق الأدلة، وخاصة إن بعض الثمار مطلوبة حتى قبل أن تنضج كاللوز والعنب.

ص: 472


1- جواهر الكلام 14: 135؛ فقه الصادق 24: 216.

الفصل السابع عشر: مباحث في تناول المحرمات حال الاضطرار

اشارة

وقد تطرق في الشرائع(1) إلى مسألة جواز أكل المحرمات في حال الاضطرار، لكنه لا يختص بالأكل، بل يشمل فعل المحرمات أيضاً، فالحكم الأولي في الاضطرار الحلية والإباحة، فلابد من تعميم الكلام. فأما الاضطرار إلى الخمر فقد مرّ في الفصل الحادي عشر، فراجع.

وفي المقام مباحث:

المبحث الأول: في أدلة حلية المحرمات حال الاضطرار

تدل على حلية المحرمات في حال الاضطرار الأدلة الأربعة:

فمن الكتاب: قوله تعالى بعد ذكر المحرمات التي يحرم أكلها: {فَمَنِ

ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ}(2).

وقال سبحانه وتعالى: {فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ}(3).

وقال عز من قائل: {وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تَأۡكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَقَدۡ

ص: 473


1- شرائع الإسلام 4: 757.
2- سورة البقرة، الآية: 173.
3- سورة المائدة، الآية: 3.

فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِۗ}(1).فهذه الآيات تدل على جواز اقتحام المحرم في حال الاضطرار، كما أن هنالك آيات يكون الاضطرار من مصاديقها، كقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ}(2)، ومن الواضح حصول الحرج إذا منع المضطر، فإن الحرج يرفع التكليف، وتفصيله في محله.

ومن السنة متواتر الروايات(3) التي تحل المأكولات وغيرها عند الاضطرار، وتفصيلها في الكتب الفقهية والروائية.

والإجماع قطعي، وقد ذكره الكثير من الفقهاء(4).

والعقل يحكم بتقديم الأهم والمهم، فإنه وإن كان المهم عدم اقتحام المحرمات لكن الأهم هو حفظ النفس.

المبحث الثاني: في معنى الاضطرار

يقع الكلام في بيان معنى الاضطرار، وحيث لم يحدد الشارع معنى خاصاً له فلابد من أخذ مفهومه من العرف.

وقد أشرنا فيما مضى أن الشارع إذا اخترع موضوعاً أخذت حدوده بحذافيرها منه كالصلاة، لكن الغالب استعماله اللفظ في نفس المعنى المتفاهم عرفاً. نعم، قد يوسع ويضيق في نفس المعنى العرفي.

ص: 474


1- سورة الأنعام، الآية: 119.
2- سورة الحج، الآية: 78.
3- وسائل الشيعة 24: 217.
4- مستند الشيعة 15: 19؛ جواهر الكلام 36: 424.

وأمّا في المقام فلم يوسع ولم يضيق في الموضوع، فيكون ما يفهمه العرف من الاضطرار هو مراد الشارع، إلا أنه ضيق ووسع في الحكم، كحرمةالقتل حتى مع الاضطرار دون أكل الميتة.

ويتحقق الاضطرار عرفاً بتلف النفس، أو العضو، أو القوة، أو الابتلاء بمرض عضال، كما يتحقق بالظن، بل بالخوف بالابتلاء بأحدها.

المبحث الثالث: في مصاديق الاضطرار

اشارة

ولمعرفة حدود المفهوم نتطرق إلى ذكر بعض المصاديق:

فمن موارد صدق الاضطرار أنه لو لم يأكل الميتة لم يستطع محاربة العدو أو الحيوان المفترس، فلا ينحصر الاضطرار فيما لو كان ترك الأكل يسبب الهلكة، بل يشمل حتى الضعف المسبب لغلبة العدو عليه.

ومنها: طول المرض الشديد، كما لو كان مريضاً فوصف له الدواء المحرم، بحيث لو تركه طال مرضه، كما ذكره بعض الفقهاء(1).

ومنها: خوف المرضعة على رضيعها دون نفسها.

سراية الاضطرار إلى غير المضطر

كما أن الاضطرار العرفي صادق حتى لو لم يرتبط بالنفس، بل بالغير، فتشمله أدلة رفع الحرمة، كما تراجع المرأة العقيم الطبيب المستلزم ذلك للكشف، ولو لم يرتضِ فقيه ذلك أو شك في كونه من المفهوم بل من المصداق الذي لا يكون المرجع فيه العرف أمكن الاستناد إلى المناط، فلو أخبرها الطبيب بأنها إن لم تتناول الحرام سبب ذلك عقمها - والذي هو فقد

ص: 475


1- مستند الشيعة 15: 20.

قوة - جاز لها أكل الحرام للحفاظ على تلك القوة، ولا فرق بينهوبين ما لو كانت عقيماً فأرادت إرجاع القوة، فالملاك واحد، فتأمل.

اختلاف موارد الاضطرار

وقد تختلف موارد الاضطرار، فيكون الشيء الواحد مصداقاً للاضطرار بالنسبة إلى حكم دون حكم آخر. مثلاً: الوضوء في البرد يسبب تشقق الجلد وجريان الدم، فيصدق الاضطرار المبيح للتيمم، دون ما لو كان ترك الزنا يسبب تشقق جلده وجريان دمه، ففي المثال الأول يتحقق الموضوع الرافع للحكم الشرعي دون الثاني، والعلة في ذلك هو الأهم والمهم المستفاد من الأدلة الشرعية.

إسقاط الجنين

ومن مصاديق الاضطرار المرأة الحامل التي يسبب الجنين الخطر على حياتها قطعاً أو خوفاً، فالأمر دائر بين موت الأم أو إسقاط الجنين، ويحتمل جواز الإسقاط من باب الدفاع، حيث لا يشترط في الهجوم القصد، فيدافع عن نفسه حتى وإن انجر الأمر إلى قتل المهاجم، فدمه هدر ولا دية عليه، وربما يستفاد ذلك من الأدلة الدالة على أهمية حفظ حياة الحي، وترجيحها على حياة الجنين؛ ولذا اختلفت ديتهما، كما لا قصاص في قتل الجنين، كما يمكن الاستناد إلى (لا ضرر) فإن بقاء الجنين ضرري.

فإن قلت: يعارضه ال (لا ضرر) من الجانب الآخر.

قلنا: لو تعارض الحكمان الثانويان قدم الأهم منهما، فيترجح ال (لا ضرر) من جانب الأم.

ص: 476

ومن المسائل المشكلة ما لو تزوجت الفتاة سراً أو زنت أو تعدىرجل عليها فحملت، وكان الحمل سبباً لفضيحتها بشدة أو قتلها، فيحتمل جواز الإسقاط مطلقاً. لكنه ضعيف.

ويحتمل المنع مطلقاً؛ لأصالة عدم الجواز، وعدم صدق الدفاع عن النفس، حيث إن الجنين ليس سبباً لقتلها وإنما الأقرباء مثلاً.

وقيل: إن بقاء الجنين سبب لقتلهما معاً، لكنه لا يجوز الإسقاط، كما لو قال الظالم للأول: اقتل الثاني وإلا قتلتكما، فلا يسوغ ذلك له القتل.

ومن أجل ذلك قيل: إنها تصبر حتى يحكم الله.

وقيل: بالتفصيل بجواز الإسقاط في صورة القتل دون الفضيحة؛ لعدم ترجيحها على الدم.

ويحتمل احتمالاً رابعاً: وهو التفصيل بين الزنا والزواج والتعدي، ففي الأول لا يجوز الإسقاط؛ لكونها هي التي أوقعت نفسها في الاضطرار، ولا يرفع بذلك الحكم، كما لو دخل أرضاً مغصوبة عمداً، فإن بقاءه حرام وخروجه حرام، فعليه أن يخرج، وقد فعل محرماً لسوء اختياره، وما بالاختيار لا ينافي الاختيار، وفي الثاني والثالث حيث لم تفعل محرماً كانت مضطرة للإسقاط، ولم يكن ذلك بسوء اختيارها.

والمسألة مشكلة جداً، ولذا أرجع بعض الفقهاء الحكم في ذلك إلى غيره.

فرع: لو علمت أنها لو تزوجت حملت فتضطر إلى الإسقاط وإلا قُتلت لم يجز لها الزواج، ومرجع هذه المسألة إلى عدم جواز الإقدام على عمل يضطره إلى ارتكاب الحرام، كما لو علم أنه لو سلك هذا الطريق اضطر إلى

ص: 477

شرب الخمر أو أكل الميتة؛ وذلك لأن حرمة المحرمات مطلقة، ويخرج منهاصورة الاضطرار القهري دون من اضطر بسوء اختياره، فلا يرفع عنه التكليف والعقاب، أمّا عدم عقاب المضطر فلحكم العقل بقبح عقابه، بل قد يستحيل تكليفه لعدم قدرته، وأمّا المضطر بسوء اختياره فلا إشكال في عقوبته عقلاً؛ ولذلك قيل: بحرمة كل عمل يقوده إلى الاضطرار إلى الحرام، إلا لو كان من الأهم، أو قام دليل خاص على الجواز.

ومن هنا تنشأ مسألة مشكلة وهي: ما لو أراد الحج وعلم باضطراره إلى التظليل نهاراً، فقد احتمل عدم جوازه حتى في حجة الإسلام؛ لعدم تحقق الاستطاعة، فإن من شروطها عدم ارتكاب المحرمات، ولو أحرم كذلك لم يصح؛ لأن النهي في العبادة موجب لفسادها؛ ولذا قال البعض(1): إنه يستفاد من الأدلة إجازة الشارع للتظليل في هذه الحالة، فليس من الاضطرار إلى الحرام، وإن لم نقل بذلك كان الأمر مشكلاً، ولزم الحكم بعدم جواز الذهاب إلى الحج.

وقد يقال: بأنه ليس حرام عليه أصلاً، أما قبل الإحرام فالتظليل جائز، وأما بعد الإحرام فهو مضطر إليه فليس بحرام عليه، وهذا يختلف عمّن يسافر إلى الصحراء مثلاً مع علمه باضطراره إلى أكل الميتة، إذ إنها محرّمة عليه قبل سفره فلا يجوز إيقاع نفسه في الاضطرار إلى الحرام.

المبحث الرابع: في بيان معنى الباغي والعادي

اشارة

يقع الكلام في بيان معنى الباغي والعادي، ومعنى الآية(2) عدم الإذنفيما

ص: 478


1- فقه الصادق 11: 42.
2- سورة البقرة، الآية: 173: {فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ}.

لو كان المضطر باغياً أو عادياً، وإنما لا إثم على غير الباغي والعادي.

ولمعرفة المعنى تارة نلاحظ ظاهر الآية، وتارة نلاحظ الروايات المفسّرة، ولو كان بينهما تنافٍ سقط الظاهر عن الحجية، وفي المقام لا منافاة؛ لأن الروايات المفسّرة ناظرة إلى بيان المصاديق.

والباغي من البغي بمعنى الظلم(1) وطلب الحرام، فتشمل الآية مَن يحمل مع نفسه الطعام المحرم إلى صحراء ليصبح مضطرا لأكله.

ومن أجلى مصاديقه ما ورد في مرسلة البزنطي(2): فيمن يشهر السيف بوجه إمام عادل وهم البغاة، كما فُسّر في صحيحة حماد(3) بباغي الصيد، والمقصود صيد اللهو؛ لأنه طلب الحرام، فمن ذهب لصيد اللهو ثم اضطر إلى أكل الحرام فعل محرماً.

والعادي(4) من العدوان بمعنى التعدي(5) عن المقدار المضطر إليه، فلوكان الاضطرار بمقدار لقمة واحدة فأكل أكثر كان عادياً، وفُسّر في مرسلة

ص: 479


1- العين 4: 453، مادة (بغي).
2- الكافي 6: 265؛ وسائل الشيعة 24: 216، وفيه: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عمن ذكره، عن أبي عبد الله(علیه السلام): «في قول الله تبارك وتعالى: {فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ}، قال: الباغي الذي يخرج على الإمام، والعادي الذي يقطع الطريق لا تحل له الميتة».
3- تهذيب الأحكام 9: 78؛ وسائل الشيعة 24: 215. الشيخ الطوسي بإسناده عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله(علیه السلام)... .
4- ولا يخفى أن العادي من العدوان لا العود وإلا كان عائداً، وإنما سقط الياء لالتقاء الساكنين، كسقوط ياء القاضي لثقل الضمة أو الكسرة عليه، فينقلب ساكناً ثم يسقط (السيد الأستاذ).
5- معجم مقاييس اللغة 4: 249؛ لسان العرب 15: 33.

البزنطي بقاطع الطريق، كما فُسّر في رواية حماد بالسارق.

حكم الباغي والعادي

فالمستفاد من الآية أن الاضطرار عن بغي وعدوان غير محلّل للحرام، لكنه يجب عليه أن يقتحم بحكم العقل ومع ذلك يعاقب، كمن يدخل الأرض المغصوبة اختياراً، حيث يكون بقاؤه محرماً، وخروجه محرماً، فيحكم العقل باختيار الخروج لكونه أهم؛ ولأنه أخف الحرامين، ويترتب عليه جميع آثار الحرام، لكونه بسوء اختياره.

إن قلت: كيف يعقل أن يكون الشيء حراماً يطلب تركه، وواجباً يطلب فعله؟ فلو كانت المصلحة العقلية ملزمة للفعل فكيف ينهى الشارع عنه؟ ومن المعلوم ابتناء الأحكام الشرعية على المصالح والمفاسد، أليس هذا تناقضاً؟

قلت: ليس الفعل بنفسه حراماً، وإنما يُعاقب على المقدمات، وهو إلقاء نفسه في الاضطرار، إلاّ على مبنى جواز الاجتماع مع اختلاف الجهة، وبحثه في الأصول.

والحاصل: إنه لدفع الإشكال العقلي إما أن نقول بعدم جواز الاقتحام وإن أدى إلى الموت، ولا يكون حفظ النفس أهم في هذه الصورة، وإمّا أن نقول بأهمية حفظ النفس كما هو المستفاد من الأدلة، فلا مناص من القول بحرمة المقدمة دون الفعل.

ولو كان الاضطرار لأجل الحفاظ على الغير لا النفس، كالحامل الباغية أو العادية المشرف جنينها على الهلكة لو لم تقدم على أكل الحرام مثلاً،

ص: 480

لزمها الاقتحام وعليها العقاب على المبنيين؛ وذلك لأن حفظ الغير عن الهلكة أهم من تناول الحرام حتى على المبنى الأول.

توبة الباغي والعادي

ولو تاب الباغي والعادي ثم اضطرا إلى الحرام، فهل يحل لهما مطلقاً أو يحرم مطلقاً، أو يفصل بين كون الاضطرار قبل التوبة أو بعدها؟

أمّا الاحتمال الأول فلكونه ليس باغياً ولا عادياً، والحكم تابع للموضوع، فإن المشتق حقيقة في المتلبس، وهذا قد انقضى عنه المبدأ، فيكون الإثم مرفوعاً عنه، وهو الأقرب.

وأمّا الاحتمال الثاني فقد استدل له بقوله تعالى: {فَلَمَّا

رَأَوۡاْ بَأۡسَنَا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِينَ * فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَٰفِرُونَ}(1)، فمن يكون عادياً لا تقبل توبته، فيبقى على بغيه وعدوانه.

وفيه نظر أولاً: إن مفاد الآية عدم قبول التوبة عند الاضطرار، والمدعى عدم الجواز حتى مع حصول التوبة قبل الاضطرار.

ثانياً: ليس المراد من البأس الاضطرار، وإنما العذاب، فحين نزول العذاب لا تقبل التوبة كتوبة فرعون.

ثالثاً: إن حكم جواز الأكل وعدمه لا يرتبط بقبول التوبة وعدمه، بل يرتبط بصدق البغي والعدوان، وبعبارة أخرى: يترتب الإثم على الاقتحام إلاللمضطر غير الباغي والعادي، والتائب لا يصدق عليه الباغي. نعم، لو صدق

ص: 481


1- سورة غافر، الآية: 84-85 .

فلا يجوز الأكل، ومع الشك فلا يجوز أيضاً؛ لكونه داخلاً في عموم العام.

ومن هذا البيان يظهر وجه التفصيل.

الآثار التكوينية والوضعية للمضطر

إنما يرفع عن المضطر الحكم التكليفي، أمّا الوضعي والآثار التكوينية فلا، وعليه يتنجس فمه مع أكل النجس، وللمسألة فروع مختلفة منها: الاضطرار إلى الزنا، فلو كانت ذات بعل حرمت عليه مؤبداً. وتفصيل رفع الاضطرار للآثار الوضعية في مباحث حديث الرفع في الأصول.

المبحث الخامس: في اضطرار غيره

لو لم يضطر بنفسه لكن اضطر غيره(1) وجب عليه أن يرفع اضطراره، كما لو أشرف شخص على الموت من العطش، وكان عنده الماء وجب عليه أن يسقيه.

ويدل عليه أمور:

الدليل الأول: قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ}(2)، وإنقاذ المشرف على الموت من مصاديق البر.

إن قلت: إن حمل الآية على الوجوب موجب لتخصيص الأكثر؛ لكثرة موارد البر المستحب، فلابد من حمل البر في الآية على مطلق المحبوبية.قلت: إنما يقبح تخصيص الأكثر إذا استهجن عرفاً، مع أنه لا يعلم أن مصاديق البر المستحب أكثر من الواجب نوعاً لا فرداً.

ص: 482


1- بما أوجب الهلكة أو شبهها. (المقرر).
2- سورة المائدة، الآية: 2.

الدليل الثاني: ما دل على وجوب حفظ النفس المحترمة، وقد ثبت في محله أن مقدمة الواجب واجبة عقلاً، فسقي الماء لمثله إنقاذ له، وهو واجب شرعاً.

فرع: لو كان المتمكن يملك الماء الطاهر والنجس، فهل يجب عليه إعطاء الطاهر، أو يحق له إعطاء النجس الحرام في نفسه الجائز للمضطر؟ احتمالان:

الأول: جواز إعطاء الحرام؛ لعدم دلالة الدليل على أكثر من وجوب الإنقاذ، ولا دليل على التحصص بحصة معينة، فيبقى أصل الجواز، وهو ضعيف.

الثاني: عدم الجواز؛ لأن الحرام مبغوض للشارع، وقد أبيح للمضطر للأهم، ويرفع بذلك قبحه الفاعلي دون الفعلي، فيكون الفاعل معذوراً وإن كان الفعل قبيحاً، فيحكم العقل بوجوب ترك مبغوض المولى ما دام له بديل، وحتى مع القول برفع الاضطرار للحكم الشرعي إلا أنه لا يرفع المبغوضية؛ لأنها أمر تكويني ترتبط بخصوصية الشيء، كما لو أراد حيوان أو مجنون قتل محقون الدم حيث يجب منعه؛ لأن القتل مبغوض للمولى وإن كان القاتل غير مكلف، وعليه لابد من منع تحقق مبغوض المولى في الخارج، فتأمل.

المبحث السادس: في كون الاضطرار رافعاً للحرمة أو ملزماً

هل الاضطرار رافع للحرمة أو ملزم؟ فلو أشرف على الموت عطشاً هل يجب عليه شرب النجس، أو يجوز له الصبر حتى الموت؟ ونظيره الكلام فيالتقية حيث يجوز له سبّ الإمام(علیه السلام)، لكن هل يجب عليه ذلك، أو

ص: 483

يحق له ترك السب حتى يقتل؟

والجواب على ذلك أن الأمر منوط من جهة، بنتيجة الاضطرار، فإن كان الموت كان ملزماً، وإن كان مرضاً يجوز تحمله فليس بملزم، ونظيره في الصوم الضرري المجوز للإفطار، فلو كان الضرر كبيراً - كالعمى - وجب الإفطار، وأمّا لو كان غيره كان مخيراً.

ومن جهة أخرى: إن الأمر منوط بنفس العمل، فتارة يدل الدليل على جوازه حتى وإن أدى إلى الموت، كالسب في التقية حيث التخيير، كما تشهد له قضية عمار وياسر، وكذا مسألة التعدي على شرف المرأة، حيث يمكنها اختيار القتل، وتارة يجب اقتحام الحرام لحفظ النفس، كما هو الغالب في الأفعال المضطر إليها.

إن قلت: إن (لا ضرر) يشمل القسم الأول فيكون ملزماً.

قلت: (لا ضرر) رافع للحكم لا مثبت له، كما هو مشهور المتأخرين، وإنما يستفاد الوجوب من أدلة أخرى، وبعبارة أخرى: إن دليل (لا ضرر) دليل امتناني فيرفع الحكم، لا أنه يثبت حكماً قد يكون خلاف الامتنان، كإلزام المرأة اختيار التعدي على شرفها.

المبحث السابع: لو توهم الضرر فبان خلافه

لو أخطأ بأن ظن الهلكة فاقحتم الحرام فبان خلافه، كما لو ترك الصوم بتوهم الضرر فبان خلافه أو بالعكس، بأن صام ظاناً عدم الضرر فبان الضرر فلا إثم عليه؛ لأن الحكم معلق على خوف الضرر، وهو يجتمع حتى معالاحتمال الضعيف للضرر، فضلاً عن الظن.

ص: 484

وأمّا الحكم الوضعي - كما لو صام ظاناً عدم الضرر فأصابه العمى - فيحتمل البطلان؛ لعدم الأمر بالصوم وإن كان معذوراً، بل منقاداً، لكن حيث لا أمر بالصوم الضرري كان باطلاً ووجب عليه القضاء.

ويحتمل الصحة؛ لوجود الأمر بالصوم، وقد خرج منه صورة خوف الضرر، ولم يخرج منه مورد الضرر الواقعي، فعدم الوجوب لا يرتبط بالواقع، بل بالعلم أو الخوف. وهو الأصح.

المبحث الثامن: في صدق الاضطرار المبيح لاقتحام الحرام

يجوز اقتحام الحرام عند الاضطرار مع العلم بكون ارتكابه يدفع الضرر والاضطرار، أمّا لو علم أنه يموت، سواء أقدم على ارتكاب الحرام أم لا، لم يجز له ذلك؛ لأن رفع الحرمة إنما هو لحفظ النفس وشبهه، وهو مفقود على كل حال، كما لو كان مشرفاً على الهلكة للعطش، وكان عنده ماء نجس لو لم يشربه مات ولو شربه قتله الظالم.

نعم، لو كان اقتحام الحرام سبباً لتأخير الموت شهراً مثلاً، وإلا مات فوراً صدق الاضطرار المبيح.

وكذا لو دار الأمر بين الموت بألم أو الموت بلا ألم، فإن أدلة رفع العسر والحرج مبيحة للاقتحام.

والحاصل: إنما يجوز ارتكاب الحرام مع الاضطرار إذا كان سبباً لدفع الهلكة، أو تأخيرها أو التخفيف عن الألم الشديد أو ما أشبه ذلك.

المبحث التاسع: في جواز التلذذ بالحرام عند الاضطرار

هل يجوز التلذذ بالحرام عند الاضطرار، بأن يأكل اللحم الحرام مطبوخاً

ص: 485

مع نكهات تطيبه، أو يلزم الأكل مكرهاً بأن يأكله نيّاً من غير نكهة مثلاً؟

والجواب: لم يصدر من الشارع حكم خاص للالتذاذ وعدمه في المقام. نعم، للقلة والكثرة مدخلية، فلو كان أكل القليل من النيّ مستلزماً لدفع الاضطرار دون القليل من المطبوخ وجب أكله نيّاً.

والحاصل: إنما يباح بمقدار الاضطرار لا أكثر من ذلك.

المبحث العاشر: في جواز أخذ العوض من المضطر وعدمه

هل يجب تمكين المضطر مما يرفع اضطراره مجاناً أو يجوز أخذ العوض منه؟

الجواب: لا دليل على وجوب التبرع، فأصل الإنقاذ واجب، سواء كان مجاناً أم بعوض؛ ولذا لا يجب على الطبيب إجراء العملية الجراحية للمريض المضطر مجاناً.

وفي الإجحاف احتمالان:

الأول: جوازه، حيث لا دليل على أكثر من وجوب دفع الاضطرار، فيمكنه البيع بأي ثمن شاء، وهو وإن كان خلاف الإنصاف لكن لا دليل على حرمته.

الثاني: عدم الجواز، لاشتراط كون التجارة عن تراض، ولا تصدق في المقام، بل ربما يصدق أكل المال بالباطل؛ ولذا يجب الرجوع إلى القيمة المتعارفة.

المبحث الحادي عشر: في كون التقية مبيحة للمحرمات

ومن الاضطرار المبيح للمحرمات التقية، فيجوز عندها اقتحام ما حرم في

ص: 486

الدين ولم يحرم عند العامة، كتناول السمك المحرم بمقدار دفع الاضطرار.

ولا يخفى أن بين التقية والاضطرار عموماً من وجه، فقد تكون تقية من دون اضطرار، وقد يكون العكس، وقد يجتمعان، فللتقية عنوان مستقل مبيح.

وأمّا الدليل على جواز اقتحام المحرمات عند التقية فأمور(1):

الأول: الإجماع.

الثاني: الأدلة العامة كالعسر والحرج.

الثالث: الأدلة العامة للتقية، كقوله(علیه السلام): «تسعة أعشار الدين في التقية، لا دين لمن لا تقية له»(2)، وقوله(علیه السلام): «التقية ديني ودين آبائي»(3)، وقوله تعالى: {إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ}(4)، والآية وإن كانت في مورد تولي الكافرين دون المؤمنين، لكن ملاكها عام، أو يعمم الحكم بعد إلغاء الخصوصية.

الرابع: المناط القطعي، فلو جاز النطق بكلمة الكفر في حال التقية لقوله تعالى: {إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ}(5) جاز في غيره بطريق أولى؛ لأن ارتكاب الحرام موجب للفسق، والكفر أسوأ منه قطعاً، ويشهد له إفطار الإمام الصادق(علیه السلام) في اليوم الأخير من شهر رمضان قائلاً: «أفطر يوماً من شهررمضان أحب إليَّ من أن يضرب عنقي»(6).

ص: 487


1- مستند الشيعة 15: 19؛ الفقه 77: 44.
2- المحاسن 1: 259؛ الكافي 2: 217؛ وسائل الشيعة 16: 215.
3- المحاسن 1: 255؛ وسائل الشيعة 16: 210.
4- سورة آل عمران، الآية: 28.
5- سورة النحل، الآية: 106.
6- الكافي 4: 83؛ وسائل الشيعة 10: 132.

حكم شرب المسكر تقية

واستثنى البعض(1) المسكر في صورة التقية، فحكم بعدم جواز شربه تقية حتى القتل، فلا تقية في الدماء والمسكر، واستدل له بجملة من الروايات المصرحة بعدم التقية في شرب المسكر، منها: صحيحة زرارة(2) عن الإمام الباقر(علیه السلام): «ثلاثة لا أتقي فيهن أحداً: شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج»(3).

ومنها: موثقة حنان(4) عن الإمام الصادق(علیه السلام) قال(علیه السلام): «معاذ الله عز وجل أن أكون أمرته بشرب مسكر، والله إنه لشيء ما اتقيت فيه سلطاناً ولا غيره»(5).

لكنها لا تدل على عدم التقية في المسكر؛ وذلك لثبوت التقية في المسح على الخف ومتعة الحج، فتكون قرينة على أنه ليس المقصود نفي التقية فيها، بل إن الإمام(علیه السلام) في مقام بيان قضية خارجية، وهي أن المقام خارج عن موضوع التقية، فالتقية إنما تكون في مخالفة رأي العامة الموجب لمعرفة كونه شيعياً فيتضرر، وأمّا مع اختلافهم في المسألة - كالمسح على الخفين والتكتف - أواتفاقهم على عدم الجواز - كما في المسكر - فلا موضوع للتقية.

ص: 488


1- الدر المنضود في أحكام الحدود 2: 340.
2- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة... .
3- الكافي 6: 415؛ وسائل الشيعة 25: 350.
4- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنّان... .
5- الكافي 6: 410؛ وسائل الشيعة 25: 351.

والحاصل: إنه لو تحقق موضوع التقية، كما لو كان الإنسان في بلاد الكفر فلو علموا أنه مسلم لا يشرب الخمر قتلوه، جازت له التقية.

وفي خبر عمرو بن مروان قال: «قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): إن هؤلاء ربما حضرت معهم العشاء فيجيئون بالنبيذ بعد ذلك، فإن أنا لم أشربه خفت أن يقولوا: فلاني، فكيف أصنع، فقال: اكسره بالماء، قلت: فإذا أنا كسرته بالماء أشربه؟ قال: لا»(1)، وإنما أمره بكسره دون شربه لأن الذي يأخذ الكأس ويكسره تنصرف عنه الأذهان، فيرون أنه لا محذور له من شربه، وبعبارة أخرى: يتظاهر بأنه لا مانع لديه من ذلك.

تقية الجاسوس في بلاد الكفر

ويتفرع على المقام ما يدخل في باب الأهم والمهم، كإرسال الجاسوس إلى بلاد الحرب، فلو لم يشاركهم كشفوه، فيجوز بمقدار ما يرفع به الضرورة.

المبحث الثاني عشر: صور التعدي على مال الغير

لو اضطر إلى شرب الماء وإلا هلك، ولم يجد لدفع الاضطرار إلا مال الغير، ففي المسألة صورتان: إمّا يكون المالك مضطراً، وإمّا لا.

الصورة الأولى: أن يكون المالك مضطراً

وهي أن يكون المالك مضطراً، فإن كان المالك محترم المال، وهو مضطر إلى ماله فلا يجوز للغير أن يأخذ ماله لينقذ نفسه، المستلزم لهلكة

ص: 489


1- الكافي 6: 410؛ وسائل الشيعة 25: 351.

المالك، فإن التصرف في مال الغير من دون إذنه حرام، وأخذه قهراً بغي وظلم، ولا دليل على جواز إنقاذ نفسه ولو بثمن هلكة المالك.

جواز الإيثار في صورة الهلكة

وهل يجوز للمالك أن يؤثر غيره على نفسه فيما لو هلك بالإيثار؟ وهل يجوز للآخذ أن يأخذه؟

أمّا الأخذ فجائز، حيث لا دليل على الحرمة، وأمّا الإيثار ففيه احتمالات:

الأول: الجواز لأنه إيثارٌ وهو ممدوح، قال تعالى: {وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ}(1)، فإطلاقها شامل للمقام.

الثاني: عدم الجواز، لقوله تعالى: {وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ}(2)، فلا يجوز إلقاء النفس في التهلكة حتى لو كان موجباً لإنقاذ الآخرين.

إن قلت: بينه وبين دليل الإيثار عموم من وجه، فلا وجه لتقدم دليل التهلكة عليه.

قلت: ليست النسبة كما ذكر، فإن دليل الإيثار لا يشمل المقام أصلاً؛ لأن قوله تعالى: (خصاصة) بمعنى الاحتياج، فلا يشمله، أو منصرف عنه(3).

الاحتمال الثالث: التفصيل بين أن يموت بالإيثار فلا يجوز، وبينأن

ص: 490


1- سورة الحشر، الآية: 9.
2- سورة البقرة، الآية: 195.
3- لا ينحصر دليل الإيثار بالآية الكريمة - {وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ} فهنالك أدلة مطلقة، فلا وجه لتقييد الإيثار بالخصاصة، وعلى فرض الانحصار فإنه من أجلى مصاديق الإيثار، فيؤثر حياة غيره على حياة نفسه وإن كان محتاجاً إلى حياته، وأمّا الانصراف فعهدته على مدعيه (المقرر).

يفقد قوة - كالكلية مثلاً - فيجوز.

وهو مشكل؛ لعدم العلم بشمول دليل الإنقاذ لمثل ذلك.

وإنما قلنا بعدم جواز الإيثار ما لم يكن هنالك عنوان أهم، وإلا كما لو كان أحدهما قائداً مما كان مقتله يؤدي إلى انهيار جيش الإسلام كله، والآخر جندي بسيط، فيحق للثاني، بل قد يجب عليه الإيثار لإنقاذ حياة الأول.

الاحتمال الرابع: ما ذكره بعض الفقهاء(1): من ملاحظة نسبة الضررين، فإن تساويا تخير وإلا أخذ بالأهم، كما لو آثر مات هو وإلا مات صاحبه فهنا يتخير، وأمّا لو كان أحدهما يموت والآخر يفقد كليته فهنا يؤخذ بالأهم.

ووجه التخيير عدم الفرق بين موت هذا أو ذاك، ولا خصوصية لأحدهما على الآخر، ونظيره ما إذا كان يملك الماء لنفر واحد وأمامه نفران يموتان عطشاً، حيث يخير بينهما.

وفيه نظر: فإن المثال مع الفارق؛ لأنه يجب عليه أن ينقذهما لملاك وجوب الإنقاذ فيهما، وحيث لا يستطيع يحصل التزاحم فيخير عقلاً، وأمّا في المقام فلا مجوز لإلقاء نفسه في الهلكة لإنقاذ الآخرين، وحتى لو كان إنقاذ الغير سبباً لفقده قوة من قواه فلا يعلم شمول دليل الإنقاذ لمثله.

فالمتعين هو الاحتمال الثاني.

وما ذكر إنما هو في صورة تساويهما ديناً، أمّا في المسلم والذمي، بل

ص: 491


1- مستند الشيعة 15: 24؛ رسائل فقهية: 125-126؛ الفقه 77: 49.

المخالف فلا يجوز للمؤمن أن يؤثرهما على نفسه؛ لأنهما وإن كانا محترميالدم والمال ويجب إنقاذهما، لكنهما لا يساويان المؤمن، ووجوب إنقاذهما إنما هو في نفسه لا في ما إذا سبب هلاك المنقذ المؤمن؛ ولذا لو غرق المسلم والكافر المحترم وجب إنقاذ الأول؛ لأقوائية ملاكه في صورة التزاحم، وأمّا التخيير فهو في صورة تساوي الملاكين، وكذا غرق المؤمن والمخالف.

الصورة الثانية: أن لا يكون المالك مضطراً

ولا إشكال في وجوب إنقاذ المضطر المحترم للإجماع والأدلة الخاصة.

إن قلت: إنه ينافي قاعدة السلطنة: (الناس مسلطون على أموالهم).

قلت: القاعدة لا تشمل المورد، حيث لا سلطة له على هذا المال وإن كان ملكاً له، فإنه يجب بحكم الشرع بذله للمشرف على الهلكة، وأدلة إنقاذ النفس تخصص القاعدة المذكورة.

وأمّا غير المحترم - كالكافر الحربي - فيجوز إنقاذه إلا مع المفسدة، كما لو كان إعطاؤه الماء سبباً لقوته مما يؤدي إلى قتل المسلمين(1).

أمّا جواز منعه الماء فلكونه غير محترم يجوز قتله، فيجوز منعه ليموت بنفسه(2).

وأمّا جواز الإعطاء فلسيرة الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسين‘ في

ص: 492


1- وقد يقال: إن سيرة الإمامين علي والحسين‘ - مع علمهما بترتب المفسدة - كاشفة عن جواز ذلك (المقرر).
2- لا ملازمة بين الأمرين، كما لا يجوز تعذيبه حد الموت (المقرر).

صفين وكربلاء، حيث لم يمنعا الماء عن أهل الشام وجيش الحر، مع كونهم بغاة حربيين. ومقتضى الأخلاق ذلك.

فروع تتعلق بالمسألة

الفرع الأول: في وجوب البذل لرفع اضطرار المضطر

يجب على المالك أن يبذل ما عنده ليرفع اضطرار المضطر، كما يجب على المضطر أن يقبل، وإلا كان من الإلقاء في التهلكة، فعدم البذل محرم والقبول واجب، كما يجب على المريض المشرف على الهلكة مراجعة الطبيب، وعلى الطبيب أن يعالجه كفاية أو عيناً، كما على الصيدلاني أن يعطي الدواء.

الفرع الثاني: فيما لو امتنع المالك عن البذل

لو امتنع المالك عن البذل - حيث يجب - حقّ للمضطر أن يستولي عليه بأي طريقة، ولو بالغلبة والاستيلاء، فإن ملاك وجوب إنقاذ النفس أقوى من ملاك حرمة التصرف في مال الغير، وكلما تزاحم ملاكان يرجح الأقوى.

الفرع الثالث: في جواز أخذ العوض وعدمه

في جواز أخذ العوض فيما يبذله المالك صور: فإمّا أن يكون المضطر قادراً على دفع الثمن حالاً أو مؤجلاً، أو لا يمكنه، فإن أمكنه ذلك وجب عليه، فليس مضطراً للأخذ مجاناً حتى يقال: إن الاضطرار رافع لوجوب دفع الثمن.

وإن لم يمكنه فقد ذهب جمع من الفقهاء(1) إلى سقوطه عنه؛ لأنه من تكليف ما لا يطاق، ولا يعقل أن يكلف الشارع الإنسان ما لا يستطيع أداءه

ص: 493


1- جواهر الكلام 36: 433؛ فقه الصادق 24: 228.

حالاً ومؤجلاً.ولكنه محل تأمل؛ فلا وجه لضياع حق المالك بعد إمكان أخذ حقه بطريق آخر، كالأخذ من بيت المال الذي وضع لمصالح المسلمين، كما يمكن للمالك أن يعتبره من الزكاة الذي في ذمته، وقد يكون المضطر من واجبي النفقة لشخص، فيمكن للمالك أن يطالب ذلك الشخص بثمن ما دفعه للمضطر. نعم، مع فقدان الطرق لا وجه للقول بالوجوب عليه.

الفرع الرابع: فيما لو طلب المالك أكثر من الثمن المتعارف

لو طلب المالك أكثر من ثمنه المتعارف - مع قدرة المضطر على أدائه حالاً أو مستقبلاً - فقد يطلب أكثر من القيمة المتعارفة في حال الاضطرار، وقد يجحف. وفيه احتمالات:

الأول: الجواز، ووجوب القبول على المضطر مطلقاً؛ لأن الاضطرار لا يخل بسلطنة المالك، فيصح البيع.

الثاني: لا حق للمالك إلا مقدار قيمة المثل، ولو اشتراه المضطر أكثر لم يجب عليه دفع الزيادة؛ لأن المالك ظالم في طلبه، فتقبله غير لازم على المضطر، فيرجع إلى قيمة المثل، وبعبارة أخرى: إن دليل حرمة الظلم حاكم على دليل السلطة؛ ولذا لا يحق لمالك العبد أن يضربه، أو مالك البئر أن يأخذ الماء بما يضر آبار الآخرين.

الثالث: التفصيل بين الزيادة المجحفة فلا يجب على المضطر الدفع وإلا وجب؛ وذلك لأن الإجحاف ضرر يرفعه دليله، وهو حاكم على دليل السلطنة، وأمّا الزيادة من دون إجحاف وإن كان ضرراً واقعاً لكنه ليس

ص: 494

بضرر عرفاً، فإن الغلاء عند الاضطرار متعارف، فيشمله دليل السلطنة دون دليل لا ضرر.وهذا الاحتمال هو الأقرب.

وربما يستأنس له بالاحتكار، حيث يجبره الحاكم على البيع، ولو أراد الإجحاف أجبر على المتعارف أو ما دون الإجحاف.

هذا فيما لو كان المالك باذلاً.

الضمان مع امتناع المالك

أمّا لو امتنع من البيع وأخذه المضطر قهراً ضمن قيمته؛ لأن جواز الأخذ لا ينافي الحكم الوضعي وهو الضمان، وعليه قيمة المثل، ولا يحق للمالك أخذ أكثر من ذلك، حتى لو كان يحق له أخذ الزيادة عند البذل بيعاً من دون إجحاف، وهذا كسائر الأموال التي تتلف، فلا يحق للمالك أن يأخذ من المتلف أكثر من قيمته، مع ثبوت الحق في ذلك عند البيع.

لكن ذهب بعض الفقهاء(1) إلى عدم لزوم العوض عند الأخذ قهراً؛ لأن الغاصب ضامن، والمضطر غير غاصب، بل أخذه بإذن الحاكم الشرعي، بل بإيجابه فلا يكون ضامناً، والأصل براءة الذمة.

وفيه نظر؛ لأن الاضطرار إنما هو في أصل الأخذ لا المجانية، كما مر، فتجري أدلة الضمان، كقوله(علیه السلام): «من أتلف مال الغير»(2)، سواء كان بسبب أم بغير سبب، كما أن الضمان لا ينحصر بالغصب، بل يشمل غيره، كمن أتلف مال الغير خطأ، أو انقلبت الظئر على الرضيع، فلا يرتبط الضمان

ص: 495


1- فقه الصادق 24: 228.
2- وسائل الشيعة 27: 327.

بالقصد. نعم، الحرمة تابعة للتعدي بلا مجوز شرعي.

الفرع الخامس: فيما لو قصد المالك المجانية

لو قصد المالك المجانية لم يستحق الثمن؛ لأنه أباح ماله، فلا تشمله أدلة الضمان، كما لو عرض ماله إلى التلف.

ولو قصد المالك البذل مجاناً، وقصد المضطر الأخذ بعوض لم يكن لقصد المضطر اعتبار؛ لأنه تصرف في ذمة الغير، فإن المالك مسلط على ذمته، فلا يمكن لغيره أن يدخل في ذمته ما لا يرضى به. كما هو الحال في الإبراء، حيث يرى السيد الوالد أنه من العقود، فلا يحق للدائن أن يبرئ ذمة المديون من دون رضاه؛ لأنه تصرف في ذمته، بالإضافة إلى أنه منِّة منه عليه قد لا يرتضيها، خلافاً لما هو المشهور من كونه إيقاعاً لا يتوقف على رضاه(1).

الفرع السادس: فيما لو اضطر إلى التصرّف في مال اليتيم والغائب

لو اضطر إلى التصرف في مال مَن له ولي كاليتيم، أو الغائب الذي وليه الحاكم، فهل يلزم استئذانه؟ فيه احتمالات:

الأول: إنه يلزم الاستئذان؛ لأن الاضطرار إلى التصرف لا ينافي ولاية الولي، فذاك حكم تكليفي، وهذا حكم وضعي، فلا يخل جواز التصرف بولايته.

الثاني: إنه لا يلزم الاستئذان؛ لعدم الفائدة فيه، فإن التصرف واجب وهو ضامن، فسواء أجاز أم لم يجز حق له التصرف. نعم، هو نوع احترام لادليل

ص: 496


1- شرائع الإسلام 2: 457؛ مختلف الشيعة 7: 162؛ مسالك الأفهام 6: 15.

على لزومه، وبعبارة أخرى: لا ولاية له على الامتناع فكيف يُستأذن؟ وهذا هو الأقرب.

الفرع السابع: فيما لو اضطر إلى أحد الحرامين

لو اضطر إلى أكل أحد الحرامين، فهل يفرق بين الحرام الذاتي والحرام العرضي؟ ثم إنه قد يتساوى الحرامان في الحرمة، وقد يكون عناوين الحرمة في أحدهما أكثر من الآخر، فالخنزير فيه عنوانان للحرمة: الخنزيرية والنجاسة، بخلاف السمك المحرم حيث فيه عنوان واحد، وكذا ميتة يملكها وميتة غيره، ففي الأول عنوان واحد، وفي الثاني عنوانان.

والحكم في ذلك أنه لو كان لأحدهما حكمان وللثاني حكم واحد رجح الثاني، ولو كان الحكم فيهما واحداً وله جهتان فالتخيير.

ففي لحم الخنزير والسمك المحرم الحكم واحد، ولكن في الأول له جهتان، وفي الثاني له جهة واحدة، وفي هذه الصورة لا يعلم ترجيح أحدهما على الآخر، فإن تعدد العلة لا يوجب تعدد المعلول.

اللهم إلا أن تفهم الأشدية بالقرينة الخارجية، كالدوران بين الخمر والماء المتنجس.

ولو كان لأحدهما حكمان وللآخر حكم واحد رجح الثاني، كمثال الميتة، فإن في أكل ميتة يملكها حرمة واحدة، وفي ميتة الغير حرمتان: كونه ميتة بالإضافة إلى التصرف في مال الغير، وهو مضطر إلى اقتحام الحرام الأول دون الثاني، فلا اضطرار لأكل مال الغير، فيبقى على حرمته.

والحاصل: إنه مع تعدد جهات الحرمة لابد من ملاحظة متعلق الحرمة،

ص: 497

فإن كان واحداً فلا أولوية لأحدهما، وإن كان أكثر فالاضطرار إنما هو لأحد المتعلقين، فلابد من اختيار غيره. إلا لو ثبت أهمية ذي الجهة الواحدة كالدوران بين خمره الذي له حق الاختصاص فيه وبين الماء المتنجس المغصوب، فتأمل.

الفرع الثامن: في ترجيح النجاسة العرضية على الذاتية وعدمه

لا دليل على ترجيح النجاسة العرضية على النجاسة الذاتية إلا أن تحرز الأهمية من الشارع، فلو اضطر إلى أحد اللحمين: الهرة وميتة الشاة كان مخيراً، كما هو قوله تعالى: {حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ} إلى قوله تعالى {فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِي مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٖ لِّإِثۡمٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ}(1)، حيث لم يفرق بين الموارد، وإطلاقه يشمل المقام.

اللهم إلا أن يقال: إن المولى في مقام بيان أصل الحلية عند الاضطرار لا في مقام بيان تفاصيل الاضطرار، ولابد من إحراز كون المولى في مقام البيان، وإلا أصبح مجملاً من تلك الجهة.

الفرع التاسع: لو اضطر المُحرم إلى أكل الميتة أو الصيد

لو دار أمر المُحْرِم المضطر إلى أكل الحرام بين ميتة الشاة وبين صيد الغزال مثلاً، فمقتضى القاعدة - بغض النظر عن الروايات - ترجيح الميتة على الصيد؛ لاجتماع عنواني الحرمة في الصيد؛ لأن الصيد بنفسه حرام، والمصيد ميتة، وهو غير مضطر إلى العنوان الأول، وأمّا الميتة ففيها عنوان واحد.

ص: 498


1- سورة المائدة، الآية: 3.

لكن الروايات المستفيضة رجحت الصيد، وفيها الصحاح، وقد عمل بها المشهور، فمنها: صحيحة(1) الحلبي، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن المحرم يضطر فيجد الميتة والصيد أيهما يأكل؟ قال: يأكل من الصيد»(2).

وربما لا يعتبر كون الصيد ميتة في هذه الصورة، وفائدة ذلك أنه لو رفع الاضطرار جاز له بعد الإحرام ولغيره أن يأكل منه، وأمّا مع القول بكونه ميتة فلا يجوز.

نعم، هنالك رواية واحدة أو روايتان رجحت الميتة، وهي: موثقة(3) إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه‘: «أن علياً(علیه السلام) كان يقول: إذا اضطر المُحرم إلى الصيد والميتة فليأكل الميتة التي أحل الله له»(4).

لكن المشهور أعرضوا عنها، وقد حملت على التقية(5)؛ لأنها مطابقة لفتوى بعض العامة كما نقله الحر العاملي عن الشيخ الطوسي(6).

ولو دار الأمر بين حرامين علم من دليل خارجي أهمية اجتناب أحدهما، فلابد من اجتنابه وارتكاب الآخر، سواء كان له عنوانان أم عنوان واحد، كما في دوران الأمر بين أكل الميتة وبين أكل ذبيحة الكتابي المختلف في

ص: 499


1- الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي... .
2- الكافي 4: 383؛ وسائل الشيعة 13: 85.
3- الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عبد الجبار، عن إسحاق بن عمار... .
4- الاستبصار 2: 209 -210؛ وسائل الشيعة 13: 87.
5- الاستبصار 2: 210، وفيه: «فالوجه في هذا الخبر أحد شيئين، أحدهما: أن يكون محمولاً على ضرب من التقية؛ لأن ذلك مذهب بعض العامة».
6- وسائل الشيعة 13: 88.

حليته وحرمته، وإن كان المشهور الحرمة.

لكن حيث يفرض أن الميتة فيها الضرر الذي لا يجوز تحمله، وهو منشأ الحرمة، وذبيحة الكتابي لا ضرر فيها، ومنشأ حرمتها الاعتبار الشرعي - وإلا فلا فرق تكويناً بين ذبيحة المسلم وغيره - فيكون الثاني هو الأرجح، كما أنه يمكن القول بأرجحية الثاني من باب الاحتياط؛ لترجيح ما يحتمل حليته على ما لا يحتمل.

وهكذا الأمر في دوران الأمر بين لحم يشك أن ذابحه مسلم، وبين لحم الهرة فيرجح الأول، حيث يحتمل فيه الحلية، وإن كان الأصل حرمته، وحرمة الثاني مقطوع به، فترجح المخالفة الاحتمالية على المخالفة القطعية.

الفرع العاشر: في كون الاضطرار من نوعين

لو كان الاضطرار من نوعين، كما لو كان صائماً فاضطر إلى شرب الماء في النهار، فإن لم يشرب اضطر إلى شرب الخمر ليلاً، فالأول مباح في حد ذاته، وحرمته لأجل شهر رمضان، والثاني حرام في حد ذاته، فإن كان ارتكاز من المتشرعة أو دليل على أهمية اجتناب أحدهما رجح غيره، والظاهر أن شرب الخمر أسوأ من الإفطار حسب ارتكاز المتشرعة.

وإن لم تثبت الأهمية - كما لو دار الأمر بين الإفطار أو شرب النجس ليلاً - فهو مضطر إلى الجامع فترتفع حرمته، لكن تعيين المصداق باختياره، اللهم إلاّ أن يقال: بلزوم ترجيح المتأخر زماناً لعدم الاضطرار إلى الأسبق في حينه، فتأمل.

ولو دار الأمر بين ميتة يملكها وبين لحم حلال للغير، فإن كان باذلاً بلا

ص: 500

إجحاف وجب شراؤه لقدرته على دفع الاضطرار، فيجب مقدمة لإنقاذ النفس.

أمّا لو لم يبذل، أو كان باذلاً بإجحاف، مع القول بعدم وجوب الشراء ففيه احتمالات:

الأول: التخيير؛ لأن حرمة الميتة ذاتية وحرمة مال الغير عرضية، وقد مرّ عدم الفرق بين الحرمة الذاتية والعرضية، إلا لو فهمت الأهمية من دليل آخر.

الثاني: ترجيح الميتة؛ لأن في اقتحامها تعدياً على حق الله فقط، وفي اقتحام مال الغير تعدٍّ على حق الله وحق الناس، فإن كان هنالك اضطرار إلى التعدي إلى حق واحد فلا اضطرار إلى التعدي إلى الحق الثاني.

وفيه نظر: فإنه لم يثبت من الأدلة أرجحية اقتحام ذي الحق الواحد على ذي الحقين.

الثالث: ترجيح مال الغير لثبوت الضرر في الميتة فيرفع ب (لا ضرر) بخلافه.

وفيه نظر، فإن أكل الميتة وإن كان فيه ضرر على المضطر إلا أن التعدي على مال الغير فيه ضرر على المالك، ولا يجوز دفع الضرر عن نفسه بإضرار غيره، فهما نوعان من الضرر ولا فرق بينهما، وإن كان أحدهما بدنياً دون الهلكة والآخر مالياً، فالمرجح هو التخيير.

الفرع الحادي عشر: في دوران الأمر بين الاضطرار الفعلي أو في المستقبل

لو دار الأمر بين اضطراره فعلاً أو اضطرار غيره استقبالاً، كما لو كانا في

ص: 501

صحراء فاضطر إلى شرب الماء وإلا مات الآن، ولو شربه مات صاحبه بعد ساعة، لم يحق له البذل والإيثار؛ لأن إنقاذ النفس واجب. وفي عكسه قال البعض بجريان أدلة الإيثار، لولا الانصراف.

الفرع الثاني عشر: في حكم اضطرار شخصين

لو اضطر نفران وكان عند الثالث ماء، فهل يجب عليهما التسابق إليه أو يجوز الإيثار؟

والجواب: لا يجوز الإيثار؛ لأن ملاك إنقاذ النفس أقوى، أو أن أدلة الإيثار منصرفة.

وبعد الانتهاء من هذه المباحث تطرق الفقهاء إلى آداب الأكل والشرب، وقد ذكرها السيد الوالد في الفقه مفصلاً، فمن أراد التفصيل فليراجع(1).

تم بحمد الله تعالى كتاب الأطعمة والأشربة.

ولله الحمد أولاً وآخر

ص: 502


1- الفقه 77: 65 فصاعداً.

مصادر التحقيق

أجود التقريرات، تأليف: تقرير بحث الشيخ محمد حسين النائيني، الناشر: منشورات مصطفوي، قم، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1368ش.

اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي، للشيخ أبي جعفر الطوسي، نشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام)، قم، تاريخ الطبع: 1404ه.

إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، تأليف: العلامة الحلي، تحقيق: الشيخ فارس الحسون، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى، التاريخ: 1410 ه ق.

الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، تأليف: الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الناشر: دار الكتب الإسلامية طهران، تاريخ النشر: 1363.

إقبال الأعمال، تأليف: السيد ابن طاووس، الطبعة: الأولى، 1414ه. ق، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي.

الأمالي، تاليف: الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع، نشر: دار الثقافة، قم، الطبعة: الأولى، 1414 ه.

الانتصار، تأليف: السيد المرتضى، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، التاريخ: شوال 1415 ه.ق.

إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، تأليف: فخر المحققين، الطبعة:

ص: 503

الأولى، 1387 ه ق.

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تأليف: الشيخ محمد باقر المجلسي، الناشر: مؤسسة الوفاء بيروت، الطبعة الثانية المصححة، 1403 ه - 1983 م.

بداية الوصول في شرح كفاية الأصول، تأليف: الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي، الناشر: أسرة آل الشيخ راضي، الطبعة: الأولى، 1425 ه. ق، 2004م.

تاج العروس، تأليف: الزبيدي، سنة الطبع: 1414 - 1994م، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، المؤلف: العلاّمة الحلّي، الطبعة: الأُولى، 1420 ه .

تحف العقول عن آل الرسول، تأليف: الشيخ الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة الثانية 1363 - ش 1404 - ق،

تفسير القمي، تأليف: علي بن إبراهيم القمي، الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر قم.

تهذيب الأحكام، تأليف: الشيخ الطوسي، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع: 1364 ش، الناشر: دار الكتب الإسلامية، طهران.

جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد، تأليف: الشيخ محمد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري، الناشر: مكتبة المحمدي.

جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تأليف: الشيخ محمد حسن النجفي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، الطبعة: الثالثة، 1367 ه ش.

ص: 504

الحبل المتين، تأليف: الشيخ بهاء الدين العاملي، الناشر: انتشارات بصيرتي، قم.

الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، تأليف: الشيخ يوسف البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

خاتمة مستدرك الوسائل، تأليف: الشيخ حسين النوري الطبرسي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى رجب 1415 ه.

الخصال، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، 1403ه . ق.

خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تأليف: العلامة الحلي، الطبعة: الأولى، 1417 ه ، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

الخلاف، تأليف: شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، التاريخ: جمادى الآخرة 1407 ه .ق.

الدر المنضود في أحكام الحدود، تقرير أبحاث السيد محمد رضا الگلپايگاني، الناشر: دار القرآن الكريم، قم المقدسة، الطبعة: الأولى، التاريخ: شوال المكرم 1412 ه ق.

درر الفوائد في الحاشية على الفرائد، تأليف: الآخوند الخراساني، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، الطبعة الأولى، 1410 ه ، 1990 م، طهران.

الدروس الشرعية في فقه الإمامية، تأليف: الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، الطبعة: الثانية، التاريخ: 1417 ه.ق.

ص: 505

دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام، للقاضي النعمان، نشر: دار المعارف، القاهرة، سنة النشر: 1383 - 1963.

الرجال لابن الغضائري، تأليف: أحمد بن الحسين الغضائري، الناشر: دار الحديث، الطبعة: الأُولى، 1422 ق.

رجال الخاقاني، تأليف: الشيخ علي الخاقاني، تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم، الناشر: مركز النشر، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة: الثانية، تاريخ النشر: ذي القعدة 1404.

رجال الطوسي، تأليف: الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، 1415ه .

رسائل فقهية، للشيخ مرتضى الأنصاري، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، تحقيق: لجنة التحقيق، الطبعة: الأولى، ربيع الأول 1414.

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، للشهيد السعيد: زين الدين الجبعي العاملي (الشهيد الثاني)، الطبعة: الثانية، 1398.

روضة المتّقين في شرح من لا يحضر الفقيه، تأليف: الشيخ محمد تقي المجلسي.

رياض المسائل، تأليف: السيد علي الطباطبائي، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، الطبعة: الأولى، التاريخ: رمضان المبارك 1412 ه .

السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، تأليف: الشيخ ابن إدريس الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الثانية، التاريخ:1410 ه. ق.

شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، تأليف: المحقق الحلي، الناشر:

ص: 506

انتشارات استقلال، طهران، الطبعة: الثانية، 1409 ه .

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تأليف: إسماعيل بن حمّاد الجوهري، الناشر: دار العلم للملايين لبنان، الطبعة الاُولى. القاهرة 1376 ه - 1956م.

علل الشرائع، تأليف: الشيخ الصدوق، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف 1385 ه - 1966 م.

كتاب العين، لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي، الناشر: مؤسسة دار الهجرة، الطبعة: الثانية، تاريخ النشر: 1409 ه .

عيون أخبار الرضا، تأليف: الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الناشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1404 ه - 1984 م.

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، تأليف: السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، الطبعة: الأولى، 1417 ه .

فتاوى ابن الجنيد، تأليف: الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة الجماعة المدرسين بقم المقدسة.

فرائد الأصول، تأليف: الشيخ مرتضى الأنصاري، الطبعة: الأولى، 1419 ه. ق.

الفقه، موسوعة استدلالية في الفقه الإسلامي، تأليف: السيد محمد الشيرازي، الناشر: مؤسسة الرسول الأعظم’، بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 ه - 1997م.

الفقه المنسوب للإمام الرضا(علیه السلام)، والمشتهر ب (فقه الرضا) تحقيق مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، المؤتمر العالمي للإمام الرضا(علیه السلام)، الطبعة: الأولى، شوّال 1406 ه..فقه الصادق، تأليف: السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، الناشر: مدرسة

ص: 507

الإمام الصادق(علیه السلام)، الطبعة: الثالثة، رجب 1412.

فهرس أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، المؤلف: الشيخ أحمد بن علي النجاشي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

الفهرست، تأليف: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، طبع ونشر: مؤسسة نشر الفقاهة، الطبعة: الأولى، 1417 ه .

القاموس المحيط، تأليف: الشيخ محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، الناشر: دار العلم للجميع، بيروت.

قرب الإسناد، تأليف: الشيخ عبد الله الحميري، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة: الأولى، 1413 ه .

الكافي، تأليف: محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، تهران، الطبعة: الثالثة، 1388ق.

الكافي في الفقه، تأليف: الشيخ أبي الصلاح الحلبي، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) العامة، إصفهان.

كامل الزيارات، تأليف: الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه القمي، الطبعة: الأولى، التاريخ: عيد الغدير 1417.

كتاب الصلاة، للميرزا محمد حسين الغروي النائيني، تأليف: الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى، التاريخ: 1411 ه . ق.

كتاب الصلاة، للشيخ مرتضى الأنصاري، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة: الأولى، جمادى الأول 1415.كتاب المكاسب، للشيخ مرتضى الأنصاري، إعداد: لجنة تحقيق تراث

ص: 508

الشيخ الأعظم، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة: الثالثة، ربيع الأول 1420 ه. ق.

كشف اللثام عن قواعد الأحكام، تأليف: الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى، 1416.

كفاية الفقه المشتهر ب- (كفاية الأحكام)، تأليف: الشيخ محمد باقر سبزواري، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الأولى، التاريخ: 1423 ه.

كفاية الأصول، تأليف: الشيخ محمد كاظم الخراساني، تحقيق: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث.

لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، نشر أدب الحوزة، قم - إيران، 1363 ق.

اللمعة الدمشقية، تأليف: الشهيد الأول، محمد بن جمال الدين مكي العاملي، الناشر: دار الفكر، قم، الطبعة: الأولى، 1411 ه . ق.

المبسوط في فقه الإمامية، تأليف: الشيخ محمد بن الحسن بن علي الطوسي، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، للشيخ أحمد الأردبيلي، منشورات: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

المحاسن، تأليف: الشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي، الناشر: دار الكتب الإسلامية.

المختصر النافع في فقه الإمامية، تأليف: الشيخ العلامة الحلي، منشورات: قمالدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، الطبعة الثانية: طهران، 1402.

ص: 509

مختلف الشيعة، تأليف: الشيخ الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (العلامة الحلي)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، الطبعة: الأولى، 1412 ه .

مرآة العقول في شرح أخبار آل الرّسول، تأليف: الشيخ محمد باقر المجلسي، الناشر: دار الكتب الإسلامية، الطبعة: الثانية، 1404 ه ق.

مسائل علي بن جعفر، تحقيق وجمع مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، المؤتمر العالمي للإمام الرضا(علیه السلام)، الطبعة: الأولى، 1409 ه .

مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع إسلام، تأليف: زين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني)، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة: الأولى 1413 ه . ق

مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تأليف: الشيخ ميرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى، 1408 ه - 1987 م.

مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المؤلف: الشيخ أحمد بن محمد مهدي النراقي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة، الطبعة: الأولى - ربيع الأول 1415 ه .

مصباح المتهجد، تأليف: الشيخ الطوسي، الطبعة: الأولى، 1411 ه - 1991 م، بيروت.

المعتبر في شرح المختصر، تأليف: المحقق الحلي، الناشر: مؤسسة سيد الشهداء(علیه السلام)، تاريخ الطبع: 1364ش.معجم مقاييس اللغة، تأليف: أحمد بن فارس بن زكريّا، مطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة: الأولى، 1399ه ، 1979م.

ص: 510

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، تأليف: السيد محمد جواد الحسيني العاملي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى، 1419 ه. ق.

المقنعة، تأليف: محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الثانية، التاريخ 1410 ه . ق.

ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، تأليف: الشيخ محمد باقر المجلسي، تحقيق: السيد مهدي الرّجائي، نشر: مكتبة آية الله المرعشي، قم، التاريخ: 1406 ه .

من لا يحضره الفقيه، تأليف: الشيخ الصدوق، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية في قمّ المقدّسة، الطبعة الثانية.

المناهل، تأليف: السيد محمد بن علي الطباطبائي المجاهد، الناشر: مؤسسة آل البيت، قم، الطبعة: الأولى.

منتهى المطلب في تحقيق المذهب، للعلامة الحلي، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، الطبعة: الأولى، 1412 ق.

منتهى المقال في أحوال الرجال، تأليف: أبي علي الحائري الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التّراث، قم، الطبعة: الأولى، 1416 ه .منهاج الفقاهة، تأليف: السيد محمد صادق الروحاني، الطبعة: الرابعة، تاريخ النشر: 1418 ه ق - 1376 ه ش.

منية السائل، مجموعة فتاوى هامة للسيد أبي القاسم الخوئي، تاريخ النشر:

ص: 511

1991 - 1412 ه.

المهذب، تأليف: الشيخ عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1406.

المهذب البارع في شرح المختصر النافع، تأليف: الشيخ أحمد بن محمد بن فهد الحلي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، التاريخ: رجب 1407 ه .

نقد الرجال، تأليف: السيد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي، الناشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى، شوال 1418 ه .

نهاية الأفكار، تأليف: تقرير بحث الشيخ ضياء الدين العراقي، الناشر: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، تأليف: الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، الناشر: انتشارات قدس محمدي، قم.

الوافي، تأليف: الشيخ محمد محسن المشتهر بالفيض الكاشاني، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي(علیه السلام) العامة، إصفهان، الطبعة: الأولى، 1406 ه ، ق.

وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تأليف: الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت(علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة، الطبعة: الثانية 1414 ه. ق.

ص: 512

المحتويات

كتاب الصيد والذباحة

المقدمة 7

البحث الأول: في عنوان الكتاب 7

البحث الثاني: في ماهية التذكية 9

ثمرة البحث 12

البحث الثالث: في محل البحث 14

البحث الرابع: في أدلة جواز الصيد 14

البحث الخامس: في صيد الحيوانات النادرة 17

الفصل الأول: الصيد بالكلب 20

البحث الأول: الصيد بالكلب 20

أدلة حصول التذكية بكلب الصيد 20

عدم حصول التذكية بسائر الجوارح 21

تحقق الإعراض 22

عدم حصول التذكية بسباع الطيور 23

البحث الثاني: عدم الفرق بين أنواع كلب الصيد 24

البحث الثالث: موارد لا يعلم شمول الأدلة لها 25

صيد الحيوان المتولد من الكلب و غيره 27

البحث الرابع: شروط حلية صيد الكلب 28

الشرط الأول: أن يكون الكلب معلَّماً 28

شروط تحقق التعليم 29

الأول: أن يسترسل إذا أرسله 29

الثاني: أن ينزجر بزجره 29

الثالث: أن لا يأكل مما يمسكه 30

أدلة القول الأول 31

دليل القول الثاني 33

ص: 513

دليل القول بالتفصيل 34

اشتراط تكرار الاصطياد وعدمه 36

عدم اشتراط الملكة 37

القول بكفاية التعليم مرة 39

نسيان التعليم 40

فروع تتعلق بتعليم كلب الصيد 40

الشرط الثاني: تحقق شروط المرسل 41

القيد الأول: أن يكون المرسل مسلماً 41

أدلة القيد الأول 42

القيد الثاني: أن يرسله للاصطياد 44

أدلة القيد الثاني 44

فروع:بناء على اشتراط الإرسال 48

الشرط الثالث: التسمية 51

لزوم تجديد التسمية وعدمه 53

بيان وقت التسمية 54

فروع: تتعلق بالتسمية 55

ترك التسمية لاعتقاده عدم وجوبها 57

كفاية تسمية الغير 59

تعدد أسباب قتل الصيد 60

اشتراك كلبين في قتل الصيد 61

استناد الموت على السبب المحلل 62

سقوط الصيد من مرتفع 64

الصيد بمساعدة شيء آخر 66

الاعتبار في المرسل لا المعلم 67

الفصل الثاني: في المصيد 70

الشرط الأول: القصد 70

الفرع الأول: في تعيين المصيد 70

الفرع الثاني: لو لم يقصد الصيد 71

الفرع الثالث: قصد كبار القطيع 71

الفرع الرابع: لو قصد صيداً فصاد أكثر 72

ص: 514

الفرع الخامس: لو قصد الحيوان المحرم 72

الفرع السادس: لو أرسل الكلب ولم يشاهد صيداً 72

الشرط الثاني: إطلاق الصيد عليه 73

الفرع الأول: كون الحيوان ممتنعاً 73

الفرع الثاني: لو أصبح الأهلي وحشياً 74

الفرع الثالث: صيد الفراخ 74

الفرع الرابع: النهي عن الصيد ليلاً 74

الشرط الثالث: عدم تقطيع الصيد 75

الشرط الرابع: عدم إدراك تذكيته 80

الإسراع إلى التذكية 80

لو أدرك الصيد حيّاًً 82

في معنى الحياة المستقرة 85

فروع متعلقة بالإدراك 87

الفرع الأول: لو لم توجد السكين 88

الفرع الثاني: الصيد بالسهم 90

الفرع الثالث: إدراك الصيد مستقر الحياة 91

الشرط الخامس: العقر 92

تتمتان 94

التتمة الأولى: في طهارة موضع العض وعدمه 94

التتمة الثانية: في ملكية الصيد 95

الفرع الأول: في كيفية الحيازة 95

الفرع الثاني: لو وقع الصيد في شبكته ثم انفلت 97

الفرع الثالث: لو لم تكن آلة الصيد متعارفة 98

الفرع الرابع: لو قصد حيواناً فصاد آخر 99

الفرع الخامس: الإعراض عن الصيد بعد صيده 100

الفرع السادس: لو أمكن الصيد التحامل 102

الفرع السابع: في الصيد بالمغصوب 102

الفصل الثالث: الصيد بالآلات 106

تمهيد 106

اشتراط الخرق 107

ص: 515

الصيد بشيء ثقيل 110

الصيد بالأسلحة الحديثة 110

لو قطعت الحبالة بعض الصيد 115

رمي الصيد بأكبر منه 116

مسائل متفرقة 116

المسألة الأولى: لو وقع حياً وجبت تذكيته 116

المسألة الثانية: لو رماه الأول وقتله الثاني 116

المسألة الثالثة: لو رماه الأول ولم يخرج عن الامتناع 118

المسألة الرابعة: لو جنى أحدهما على صيد ثم جنى عليه الثاني 119

المسألة الخامسة: تحقق امتناع الحيوان بشيئين 124

المسألة السادسة: رمي الصيد بتوهم أنه حرام اللحم 126

المسألة السابعة: عدم توقف الحلية على قصد التملك 127

خاتمة: وفيها فروع 129

الفرع الأول: لو لم يقدر على التسمية 129

الفرع الثاني: في بيان حكم الصيد المجهول 130

الفرع الثالث: لو دخل السهم من طرف وخرج من آخر 131

الفرع الرابع: حكم الصيد مع الإكراه 132

الفرع الخامس: حكم الدم المتبقي في الصيد 132

الأصل العملي عند الشك في شرائط الصيد 132

الفصل الرابع: في مباحث الذباحة 137

البحث الأول: في الذابح وشرائطه 137

الشرط الأول: الإسلام 137

الأقوال في ذبيحة الكافر الكتابي 137

القول الأول: حرمة ذبيحته 137

القول الثاني: الحلية مطلقاً 138

القول الثالث: التفصيل بين سماع التسمية منه فيحل وإلا فلا 138

الطوائف الخمس عشرة الواردة في ذبائح أهل الكتاب 140

الطائفة الأولى: ما دل على عدم الجواز مطلقاً 140

الطائفة الثانية: ما دل على الحلية مطلقاً 140

الطائفة الثالثة: التفصيل بين سماع التسمية وعدمها 140

ص: 516

الطائفة الرابعة: التفصيل بين ما لو سمع أو أخبره المسلم بالتسمية وبين عدمهما 141

الطائفة الخامسة: الحلية سواء سمع التسمية أو لا 141

الطائفة السادسة: حلية ذبائحهم حتى لو ذكروا اسم المسيح 142

الطائفة السابعة: النهي عن أكلها لأن الاسم لا يؤمن عليه إلا المسلم 143

الطائفة الثامنة: جعل المدار على ذكر الله وعدمه 144

الطائفة التاسعة: التفصيل بين اليهود والنصارى وبين المجوس 144

الطائفة العاشرة: النهي عن ذبيحة المجوس ونصارى تغلب 144

الطائفة الحادية عشرة: الروايات الناهية عن ذبيحة نصارى العرب 145

الطائفة الثانية عشرة: ما ورد من النهي عن ذبحهم للأضحية 145

الطائفة الثالثة عشرة: ما دل على أكل النبي(صلی الله علیه و آله) ذبيحة اليهودية 145

الطائفة الرابعة عشرة: ما دل على جواز الأكل وقت الضرورة 146

الطائفة الخامسة عشرة: الحلية فيما لو كان الذابح على دين موسى وعيسى حقيقة 147

عدم اشتراط الإيمان 147

عدم كراهة ذبيحة أهل الخلاف 150

كفر المجبرة والمشبهة 151

ذبيحة النواصب 152

زواج المعصوم من الناصبية 153

الشرط الثاني: اشتراط العقل في الذابح 154

البحث الثاني: في آلة الذبح وشروطها 155

الذبح بالإستيل 156

الاضطرار إلى الذبح بغير الحديد 158

الذبح بالظفر والسن 159

البحث الثالث: في كيفية الذبح وشرائطه 161

الشرط الأول: قطع بعض أعضاء الرقبة 161

دليل لزوم قطع الحلقوم 162

أدلة لزوم الزيادة على قطع الحلق 162

الشرط الثاني: إسلام الذابح 166

الشرط الثالث: استقبال القبلة بالذبيحة 166

استقبال الذابح للقبلة وعدمه 170

الشرط الرابع: التسمية 171

ص: 517

مسألتان في شرط التسمية 172

المسألة الأولى: وجوب التسمية عند الذبح 172

فروع: تتعلق بالمسألة الأولى 173

الفرع الأول: في المراد من التسمية 173

الفرع الثاني: في كفاية القرآن أو الدعاء 173

الفرع الثالث: لا يلزم معرفة معنى الاسم 174

الفرع الرابع: اشتراط الاتصال 174

الفرع الخامس: التسمية بعنوان كونها على الذبيحة 174

الفرع السادس: خلط اسم الله مع غيره 175

الفرع السابع: رفع الصوت بالتسمية 175

المسألة الثانية: في نسيان التسمية 177

فروع: تتعلق بالمسألة الثانية 177

الفرع الأول: عدم الفرق بين أنواع النسيان 177

الفرع الثاني: في إلحاق الجهل والخطأ بالنسيان 177

مباحث في شرائط الذبح والنحر 178

المبحث الأول: في نحر غير الإبل 178

المبحث الثاني: في نحر الإبل 180

مناقشة المحقق الأردبيلي للأدلة المذكورة 181

المبحث الثالث: عدم اشتراط قطع الحلقوم في النحر 184

المبحث الرابع: في قطع رأس الذبيحة قبل البرد 185

المبحث الخامس: في سلخ الجلد أو قطع بعض الأعضاء قبل البرد 187

الشرط الخامس: حركة الذبيحة 190

أدلة القول الأول 191

أدلة القول الثاني 192

أدلة القول الثالث والرابع 193

القول المختار 196

الأقوال في زمان الحركة 197

فرع: في اشتراط اجتماع الحركات الثلاثة وعدمه 198

فرع: في كفاية صدور حركة أخرى غير ما ورد في الروايات 200

فرع: اشتراط صدور الحركة من الحي 200

ص: 518

فرع: عدم الحاجة لتكرار الحركة 201

فرع: إذا لم يتحرك وعلمنا بحياته 201

الفصل الخامس: في سوق المسلمين 203

فرع: في حلية اللحوم من كل الجهات 205

بيان المراد من سوق المسلمين 207

ملكية المنذور 208

الضمان مع التلف 211

فرع: لو جنى على الأضحية عمداً 212

الفصل السادس: في ذكاة السمك 214

البحث الأول: في كيفية تذكية السمك 214

البحث الثاني: في فروع تتعلق بكيفية التذكية 214

الفرع الأول: كفاية إخراج السمك بآية وسيلة 215

الفرع الثاني: في خروج السمك من الماء بنفسه 215

الفرع الثالث: في موت السمك في الشبك أو الحظيرة 216

البحث الثالث: عدم اشتراط الإسلام والتسمية والقبلة في تذكية السمك 218

البحث الرابع: مسائل متفرقة 219

المسألة الأولى: لو وجد سمكة في جوف أخرى 219

المسألة الثانية: في أكل السمك حياً 221

المسألة الثالثة: حكم ما لو قطع من السمك الحي 224

المسألة الرابعة: في تذكية السمك المحرم 225

الفصل السابع: في ذكاة الجراد 226

تنبيه 228

حكم صيد الدبا 229

المشكوك كونه دبا 229

عدم اشتراط البلوغ في صيد الجراد 229

فرع: في جواز أكل الجراد الميت الذي أخذه المميز 230

الفصل الثامن: في ذكاة الجنين 232

فرع: عدم لزوم شق بطن الأم فوراً 236

فرع: في ذبح الجنين في بطن أمه 237

الفصل التاسع: في الحيوانات القابلة للتذكية وعدمها 238

ص: 519

الفئة الأولى: الحيوانات النجسة بالعارض 238

الفئة الثانية: الأسماك المحرّمة 239

الفئة الثالثة: الكلب والخنزير 239

الفئة الرابعة: السباع 239

الفئة الخامسة: المسوخ 245

الفئة السادسة: الحشرات 248

كتاب الأطعمة والأشربة

تمهيد 255

تأصيل الأصل 255

موارد تخصيص الأصل الثانوي للأصل الأولي 257

المورد الأول: الخبائث 257

الأقوال في معنى الخبائث 258

القول الأول: المراد الخبيث الشرعي 258

القول الثاني: المراد الخبيث اللغوي 259

القول الثالث: المراد الخبيث العرفي 259

القول الرابع: المراد التنفر من جميع الجهات 259

القول الخامس: الخبيث ما تنفر منه أهالي البلاد 260

القول السادس: التقييد بنفوس العرب 260

القول السابع: الخبيث مجمل 260

القول الثامن: المراد الطيب والخبيث الواقعي 261

المورد الثاني: الأشياء المضرّة 262

أدلة حرمة الأشياء الضارّة 262

الدليل الأول: الإجماع 262

الدليل الثاني: استقلال العقل بحرمة الأشياء الضارة 263

الدليل الثالث: أدلة نفي الضرر شاملة للأشياء الضارة 264

الدليل الرابع: عموم التعليل 265

المورد الثالث: الطعام النجس أو المتنجس 266

الفصل الأول: في حكم الموجودات البحرية 268

القسم الأول: الموجودات البحرية غير السمك 268

أدلة حرمة الموجودات البحرية غير السمك 268

ص: 520

الدليل الأول: أصالة عدم التذكية 269

الدليل الثاني: العمومات الدالة على حرمة الميتة 270

الدليل الثالث: موثقة عمار الساباطي 271

الدليل الرابع: ما يدل على حرمة الموجودات البحرية إن لم تكن سمكاً ذات فلس 271

الدليل الخامس: الإجماع 272

القسم الثاني: السمك ذات الفلس 272

فرع: في سقوط الفلس 273

القسم الثالث: السمك غير ذات الفلس 273

روايات حرمة السمك غير ذات الفلس 274

الروايات الدالة على حلية السمك غير ذات الفلس 275

توجيه روايات الحلية 275

القسم الرابع: الروبيان 277

القسم الخامس: في خصوص الجري والمارماهي والزمير 278

القسم السادس: في السمك الجلاّل 279

البحث الأول: في معنى الجلال 279

البحث الثاني: الدليل على الحرمة 280

البحث الثالث: في مدة الاستبراء 281

البحث الرابع: في إعطاء الطعام وعدمه في مدة الاستبراء 281

البحث الخامس: اشتراط كون العلف طاهراً وعدمه 283

فرع: في بيض السمك 283

الفصل الثاني: في الحيوانات البريّة المحلّلة 285

النوع الأول: الأنعام الثلاثة 285

النوع الثاني: الفرس والحمار والبغل 286

درجات الكراهة 289

حكم لحم البقر والجاموس 290

النوع الثالث: سائر الحيوانات البرية غير المستثناة 291

الفصل الثالث: في أسباب الحرمة العرضية 292

السبب الأول: الجلل 292

مطالب في البهائم الجلالة 292

المطلب الأول: في بيان المراد من الجلال 292

ص: 521

المطلب الثاني: في مقدار أكل النجاسة 293

المطلب الثالث: في حرمة الجلال 295

المطلب الرابع: أكل الحيوان النجاسة وغيرها 296

المطلب الخامس: في نجاسة الجلال وعدمها 297

المطلب السادس: حكم ركوب الجلال 298

المطلب السابع: في حكم ما لا تحله الحياة من الجلال كالعظم والسن 298

المطلب الثامن: في بيان موارد الحيوانات الجلالة 299

المطلب التاسع: في سراية الجلل إلى نسل الجلال 299

المطلب العاشر: في حكم اشتباه الجلال بغيره 300

المطلب الحادي عشر: قابلية نجاسة الجلال للزوال 300

المطلب الثاني عشر: في بقاء الجلل بعد الاستبراء 302

السبب الثاني: شرب لبن خنزيرة 303

فروع تتعلق بالمسألة 305

السبب الثالث: الوطء 307

البهيمة نوعان 307

فروع تتعلق بوطء البهيمة 310

صور كون الواطئ مالكاً وعدمه والموطوء مما يراد لحمه وعدمه 315

الصورة الأولى: أن يكون الموطوء مما يراد لحمه والواطئ مالكاً 315

الصورة الثانية: أن يكون الموطوء مما يراد لحمه والواطئ غير مالك 316

في غرامة القيمة 316

الصورة الثالثة: أن يكون الموطوء مما يراد ظهره والواطئ هو المالك 318

فروع في الصورة الثالثة 319

الصورة الرابعة: أن يكون الموطوء مما يراد ظهره والواطئ غير المالك 320

الصورة الخامسة: ما يقصد ظهرها ولحمها 321

فيما لو اشتبه الموطوء بغيره 321

المبحث الأول: فيما يراد لحمه 322

المبحث الثاني: فيما يراد ظهره 323

فروع في مسألة اشتباه الموطوء بغيره 324

السبب الرابع: لو شربت الشاة الخمر 326

فرعان يتعلقان بالمسألة 330

ص: 522

الفرع الأول: وجه العلة في غسل اللحم 330

الفرع الثاني: لو شربت الشاة بولاً 331

الفصل الرابع: في حيوانات البر المحرّمة 332

الأول: المسوخ 332

الدليل على حرمة المسوخ 332

مصاديق المسوخ 333

حرمة الأرنب 334

الثاني: الحشرات 334

أدلة حرمة الحشرات 335

الثالث: السباع 335

الرابع: الخبائث 336

الخامس: ما كان فيه ضرر بالغ منهي عنه 337

الفصل الخامس: في الطيور المحرمة والمحلّلة 338

القواعد العامة في الطيور 338

القاعدة الأولى: ما كان سبعاً 338

القاعدة الثانية: الدفيف والصفيف 340

القاعدة الثالثة: الحوصلة والقانصة والصيصية 341

بعض الطيور المنصوصة 342

الأول: الغراب 343

دليل القول بحرمة الغراب 343

دليل القول بحلية الغراب 344

وجوه الجمع بين الروايات 345

الأقوال المفصلة وأدلتها 346

الثاني: الهدهد 348

الثالث: الخطاف 349

الرابع: الحبارى 351

الخامس: الشقراق 352

السادس: اللقلق 353

السابع: النعامة 353

الثامن: الفاختة 355

ص: 523

التاسع: الطاووس 355

الفصل السادس: حكم بيض الطيور 356

المسألة الأولى: تبعية البيض للطير 356

المسألة الثانية: اشتباه البيض 357

صور اشتباه البيض 358

المسألة الثالثة: النطفة والدم في البيض 359

الفصل السابع: في حرمة الميتة 362

فروع تتعلق بالمسألة 362

الفرع الأول: في حكم اللحم المستورد 362

الفرع الثاني: في حكم وجدان لحم لا يعلم أنه مذكى أو ميتة 363

الفرع الثالث: في اختلاط المذكى بالميتة 366

الفرع الرابع: في حكم بيع المختلط 368

الفرع الخامس: في جواز بيع الميتة ممن يستحلها 371

الفصل الثامن: في محرمات الذبيحة 373

معنى المشيمة وحكمها 375

معنى الفرج وحكمه 375

البيضتان 376

المرارة 376

سائر الأعضاء 376

الرحم 377

العروق 377

الكلية 377

فرع: حكم طبخ الحيوان الكامل 378

فرع: شوى الطحال مع الكبد 379

الفصل التاسع: في حكم أكل الطين 381

فروع تتعلق بمسألة أكل الطين 382

الفرع الأول: في الطين والمدر والتراب 383

الفرع الثاني: أكل الطين الموجود في الفواكه وغيرها 384

الفرع الثالث: في سائر استعمالات الطين 384

حكم أكل تربة الإمام الحسين(علیه السلام) 385

ص: 524

فروع تتعلق بمسألة أكل تربة الإمام الحسين(علیه السلام) 386

الفرع الأول: الأكل للتبرك 386

الفرع الثاني: في مقدار ما يؤكل من الطين 389

الفرع الثالث: حدود الطين الجائز أكله 390

الفرع الرابع: في جواز بيع تربة الحسين(علیه السلام) 393

الفرع الخامس: في لزوم إثبات كونه طين قبر الحسين(علیه السلام) 393

الفرع السادس: في شمول الطين لقبر المعصومين وعدمه 394

حكم الطين الأرمني 396

الفصل العاشر: في الأطعمة المضرّة 400

الضرر في غير النفس والعضو والقوة 400

صور الاستثناء من عدم جواز إلقاء النفس في التهلكة 403

صور الاستثناء من عدم جواز إتلاف العضو 404

الصورة الأولى: هبة عضو 405

الصورة الثانية: بيع العضو 407

الفصل الحادي عشر: في حرمة الخمر 408

البحث الأول: في حرمة الخمر 408

البحث الثاني: شرب الخمر للتداوي 408

البحث الثالث: في بيان المراد من الخمر 409

البحث الرابع: ما أسكر كثيره فقليله حرام 410

البحث الخامس: في وجوب التقيؤ وعدمه لو شرب عمداً أو سهواً 410

البحث السادس: المراد من المسكر هو المسكر النوعي 411

البحث السابع: عدم اختصاص الحرمة بالشرب 411

البحث الثامن: في حكم الفقاع 412

البحث التاسع: الاضطرار إلى شرب الخمر 412

البحث العاشر: العلاج بالخمر بغير الشرب 416

البحث الحادي عشر: في حجية قول الخبير لو أخبر بشرب الخمر 417

الفصل الثاني عشر: في حرمة الدم 419

استثناءات من حرمة الدم 419

دم القلب والكبد 420

تنبيه 420

ص: 525

حكم الدم في حيوان ليس له دم دافق 421

حكم وقوع الدم في قدر ماء اللحم 423

فروع تتعلق بالمسألة 426

الفصل الثالث عشر: في سقوط الحيوان في المائع المضاف 428

الصورة الأولى: خروجه حياً 428

الصورة الثانية: موته فيه 429

فروع تتعلق بالمسألة 430

الفرع الأول: في طريقة تطهير الدهن النجس 430

الفرع الثاني: في بيان معنى الجمود وحده 431

الفرع الثالث: كون الاستصباح تحت السماء دون السقف 431

الفرع الرابع: في جواز بيع الدهن النجس 432

الفرع الخامس: في إعلام المشتري بالنجاسة 433

الفصل الرابع عشر: في حرمة الأبوال 435

القول الأول: الحلية مطلقاً 435

القول الثاني: الحرمة مطلقاً 437

القول الثالث: التفصيل بين بول البعير وغيره 439

الفصل الخامس عشر: بحوث في حكم الألبان 441

البحث الأول: في حلية لبن حلال اللحم 441

البحث الثاني: في لبن الحيوان المحرم 442

البحث الثالث: في لبن الحيوان المكروه اللحم 444

البحث الرابع: في لبن الإنسان 446

الفصل السادس عشر: في عدم جواز التصرف في مال الغير 448

الاستثناء من عدم جواز التصرف في مال الغير 449

الاستثناء الأول: حلية الأكل من بيت من تضمنتهم الآية 449

فروع تتعلق بالمسألة 450

الفرع الأول: اشتراط العلم بعدم كراهة المالك 450

الفرع الثاني: في دخول الدار من غير إذن 451

الفرع الثالث: مباحث في مفردات الآية 453

الفرع الرابع: الفرق بين المأكول الذي يخشى فساده وعدمه 456

الفرع الخامس: عدم الفرق بين أنواع المأكول 457

ص: 526

الفرع السادس: في تعدي الحكم من المأكول إلى غيره 459

الفرع السابع: في حكم الطعام خارج البيت 459

الفرع الثامن: في جواز حمل الطعام خارج البيت 459

الفرع التاسع: في جواز إطعام الغير وعدمه 460

الفرع العاشر: عدم الفرق بين النسب والرضاع 461

الاستثناء الثاني: حق المارة 461

الأقوال في المسألة 461

القول الأول: الجواز 461

القول الثاني: عدم الجواز 464

شروط حق المارة 466

الشرط الأول: كون المرور اتفاقياً 466

الشرط الثاني: عدم جواز الحمل 467

الشرط الثالث: عدم الإفساد 467

الشرط الرابع: اختصاص جواز الأكل بالفواكه والتمر... 469

الشرط الخامس: كون الثمر على الشجر 470

الشرط السادس: عدم العلم بكراهة المالك أو الظن بها 471

الشرط السابع: كون الثمرة ناضجة 472

الفصل السابع عشر: مباحث في تناول المحرمات حال الاضطرار 473

المبحث الأول: في أدلة حلية المحرمات حال الاضطرار 473

المبحث الثاني: في معنى الاضطرار 474

المبحث الثالث: في مصاديق الاضطرار 475

سراية الاضطرار إلى غير المضطر 475

اختلاف موارد الاضطرار 476

إسقاط الجنين 476

المبحث الرابع: في بيان معنى الباغي والعادي 478

حكم الباغي والعادي 480

توبة الباغي والعادي 481

الآثار التكوينية والوضعية للمضطر 482

المبحث الخامس: في اضطرار غيره 482

المبحث السادس: في كون الاضطرار رافعاً للحرمة أو ملزماً 483

ص: 527

المبحث السابع: لو توهم الضرر فبان خلافه 484

المبحث الثامن: في صدق الاضطرار المبيح لاقتحام الحرام 485

المبحث التاسع: في جواز التلذذ بالحرام عند الاضطرار 485

المبحث العاشر: في جواز أخذ العوض من المضطر وعدمه 486

المبحث الحادي عشر: في كون التقية مبيحة للمحرمات 486

حكم شرب المسكر تقية 488

تقية الجاسوس في بلاد الكفر 489

المبحث الثاني عشر: صور التعدي على مال الغير 489

الصورة الأولى: أن يكون المالك مضطراً 489

جواز الإيثار في صورة الهلكة 490

الصورة الثانية: أن لا يكون المالك مضطراً 492

فروع تتعلق بالمسألة 493

الفرع الأول: في وجوب البذل لرفع اضطرار المضطر 493

الفرع الثاني: فيما لو امتنع المالك عن البذل 493

الفرع الثالث: في جواز أخذ العوض وعدمه 493

الفرع الرابع: فيما لو طلب المالك أكثر من الثمن المتعارف 494

الضمان مع امتناع المالك 495

الفرع الخامس: فيما لو قصد المالك المجانية 496

الفرع السادس: فيما لو اضطر إلى التصرّف في مال اليتيم والغائب 496

الفرع السابع: فيما لو اضطر إلى أحد الحرامين 497

الفرع الثامن: في ترجيح النجاسة العرضية على الذاتية وعدمه 498

الفرع التاسع: لو اضطر المُحرم إلى أكل الميتة أو الصيد 498

الفرع العاشر: في كون الاضطرار من نوعين 500

الفرع الحادي عشر: في دوران الأمر بين الاضطرار الفعلي أو في المستقبل 501

الفرع الثاني عشر: في حكم اضطرار شخصين 502

مصادر التحقيق 503

فهرس المحتويات 513

ص: 528

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.