نصيحة الضال في إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (علیه السلام)

هویة الکتاب

نصيحة الضال

في إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (علیه السلام)

تأليف

العلّامة الشيخ محمد رضا بن قاسم الغرّاوي

(المتوفى سنة 1385 ﻫ)

دراسة وتحقيق

الدكتور عادل عباس النصراوي

أمانة مسجد السهلة المعظم

مؤسسة مسجد السهلة

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

[يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ]

صدق الله العلي العظيم

سورة المائدة – الآية 67

ص: 1

الإهداء

إليك أميرَ البيان ...

يا مَن بين خطْوِكَ تُختَصَرُ المسافات ...

وعلى شفتيك تركعُ الكلمات ...

يا مَن أتنفَّسُ فيكَ الدنيا ... بل أشربُ كلَّ الآهاتِ ...

فأنّي أُوشِكُ أنَّ أحطَّ رحالي ... واغسل وجهَ الأيام ...

وأُوْشِكُ أن أخْلعَ مدرعتي ... وأنسجَ منها كلَّ الآلام ...

لآخُذ قبساً من نارِك ... كي أكشفَ كُلَّ الأسرار الكونية ...

فأغرق في صمتي ... وأتيهُ هوىً في بحارك الأبدية ...

ويمرُّ خيالٌ يهمسُ في أُذني ... يا من تسكن خلف ظلام الكون ...

لولا أنَّكَ طائرٌ تَلفُّ بجناحيك كُلَّ زوايا الدنيا ...

فعرفتُ لماذا تسجدُ في حضرتك الكلمات ...

ونتعاطى الصمت ...

ص: 2

مقدمة المحقق

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد ...

لم يشهد التأريخ العالمي شخصيةً بعد النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كشخصية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد شغلت عقول العلماء والمفكرين منذ شبَّ عن الطوق وشارك ابن عمّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في همِّه الرسالي والدعوة الى الاسلام ونشر الشريعة في ربوع الارض، فضلاً عن وقوفه ومؤازرته للخلفاء بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحلّه لكثير من المعضلات والاشكالات الفكرية والعقائدية والفقهية التي واجهتهم، فكان سيّد الموقف فيها، حتى قالوا فيه (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن)، وتعددت وجوه هذه الشخصية العبقرية، فكتب عنها العلماء والمفكرون كثيراً من المصنفات والكتب في سيرته من حيث جوانبها العملية والعلمية، من كل المذاهب والأديان، لما لهذه الشخصية من أثرٍ على أحداث التأريخ ورسم مسيرته.

فمع تعدد جوانب شخصية الإمام (عليه السلام) تعددت وجهات النظر اتجاهها، وكذلك تعددت – وفقاً لذلك – هذه الدراسات، بحسب أذواق كتّابها وبحسب الجانب الذي يرونه مناسباً لهم، فمنهم من كتب عن قضائه، أو قيادته للحروب والمعارك، وحنكته في الجانب الاداري، وقوته الشخصية وأثرها في المجتمع الذي عاش فيه، وغيرها من الموضوعات التي قد يطول فيها الحديث، حتى تحيّرت به العقول، لكثرة مناقبه وعمق أفكاره، فأصبح سراً يصعب الوصول إلى حقيقته، وعميقاً لا يمكن أن يُسْتَر عورُه، ولا عجب من ذلك، فهو ربيب النبوة وامتدادها في إمامته (عليه السلام)، ومفسِّر ما غمض على غيره من أسرارها ومؤوّل ما خفيَ من دلالتها ومعانيها، لذا لم يستطع أحد أن يوفيه حقّهُ في البحث والدراسة والتقصي.

وصف الاستاذ كاظم عبود الفتلاوي (رحمه الله تعالى) حيرته فيه (عليه السلام)، فقال:

ص: 3

سِرٌّ تعاضدت الأنامُ لحلِّهِ *** سِرٌّ وقد تاهت به إدراكا

حتى جبابرة العقول تحيّرت *** نورٌ يشعُّ وما درت معناكا

لأنه ربيب النبوة، فقد قال (عليه السلام) عن نفسه: (علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف بابٍ من العلم واستنبطتُ من كلِّ بابٍ ألف باب)، وقالت أم المؤمنين أم سلمة (رضي الله عنها): (إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا غضب لم يجتري أحدٌ مِنّا يكلّمه غير عليّ بن ابي طالب).

وهو ايضاً شريك القرآن، قال (عليه السلام): (والله ما نزلت آية إلا وقد علمتُ فيمَ نزلت، وأين نزلت، وإن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً مسؤولاً). وكان ابو ذر الغفاري (رضي الله عنه) يقول فيه: (ما كُنّا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلّف عن الصلاة والبغض لعليّ بن ابي طالب).

فتعددت مناقبه حتى وسعت الخافقين، فأخذ المنصفون ممّن لم يرتضوا السيرة الملتوية لبعض أهل الجرح والتعديل أو المحدِّثين المأجورين، ببثِّ فضائله (عليه السلام) ونشر مناقبه، وتقويتها سنداً ومتناً، فألّفوا فيها مصنفاتهم الكبيرة، ومنها:

•مناقب عليّ بن ابي طالب، للخوارزمي.

•مناقب عليّ بن ابي طالب، لأبن المغازلي.

•جواهر المطالب في مناقب الامام الجليل عليّ بن ابي طالب، لشمس الدين محمد بن احمد الباعوني الشافعي.

•خصائص عليّ، للحافظ أحمد بن شعيب النسائي.

•شواهد التنزيل، وهو ما نزل من القرآن في عليّ، للحاكم الحسكاني.

•كفاية الطالب في مناقب عليّ بن ابي طالب، لفخر الدين محمد بن يوسف الكنجي الشافعي.

•القول الجليّ في فضائل عليّ، لجلال الدين السيوطي.

ص: 4

•ما نزل من القرآن في عليّ، لأبي الفضل المظفر بن أبي بكر الحنفي الأقسرائي.

•مناقب سيدنا عليّ، للفقير العيني الهندي.

•أسنى المطالب في مناقب عليّ بن ابي طالب، لشمس الدين محمد بن محمد الجوزي الشافعي.

وغيرها من المصنفات ستجدها مبثوثة في هذا الكتاب.

غير أنّ بعض المأجورين والمنحرفين ممّن شايع بني أميّة والموالين لهم قد أستهواهم ذم أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، وسبّه على صهوات المنابر، كرهاً له وبغضاً ونفاقاً، وكانوا لا يتورّعون من سلب فضيلة فيه، أو نسب رذيلة له (عليه السلام) – حاشاه من ذلك - ، فمنها ما نقله ابن أبي الحديد المعتزلي عن الشيخ أبي جعفر الاسكافي قوله: (إن معاوية وضع قوماً من الصحابة، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله، فاختلفوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعية، ومن التابعين عروة بن الزبير...

وقال: لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية – عام الجماعة – جاء الى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة ما استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مراراً وقال: يا أهل العراق تزعمون أنّي أكذب على الله ورسوله، وأحرق نفسي بالنار، والله لقد سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن لكل نبيّ حرماً، وأن حرمي بالمدينة ما بين عير وثور، فمن أحدث فيها فعليه لعنة الله والملائكة أجمعين. وأشهد أن عليّاً أحدث فيها؟! فلما بلغ معاوية قوله أجازه وولاه أمارة المدينة).

ومما اشتهر عن عامر الشعبي، ما رواه اسماعيل بن خالد، (قال: سمعتُ الشعبي يحلف بالله لقد دخل على حفرته وما حفظ القرآن).

هذا التشنيع لم يقلّل من شأنه أو يحطّ من مكانته، لأنه لم يصدر عن أُناسٍ ينشدون الحقيقة، فالاعراض عنه خير وسلامة، قال تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً).

ص: 5

إن انفتاح العرب والمسلمين على الثقافات الاجنبية وترجمة كتبهم، وإعمال الفكر والعقل قد فتح الابواب على مصراعيها في البحث والتقصّي في مسائل العقيدة، فأنشغل المسلمون في هذا الموضوع، فكلّ أدلى بدلوه، فأنتجوا فكراً، بقيت آثاره شاخصة حتى يومنا هذا.

فمع كثرة ما صَنّف المصنفون في موضوع الإمامة من القدماء والمتأخرين، إلا أن فيه اجتراراً لما سبقه، بيد أن هذا لم يكن ممّا يُعاب على اولئك الكتّاب، لأن مسألة الإمامة تكاد تكون غذاءً يومياً لكل الناس، لذا فان الحاجة لها ملحّة، والتذكير بها واجب، ولا أقول أن ما جاء به الشيخ محمد رضا الغراوي (رحمه الله تعالى) لم يكن بالجديد الجديد، بل كان رؤية حديثة لمسألة قديمة، خاض غمارها فكشف عن أمورٍ ربما لم يتطّرق لها غيره. لأن الايام ولودة بأحداث سرعان ما تأخذ بأيدي الناس والحكام الى طرق متعددة ومشارب متنوعة.

وهذا ما يلفت نظر العلماء والمفكرين الى وضع أسسٍ جديدة ومفاهيم معاصرة لقيادة المجتمعات، فيفعّلون الماضي في الحاضر، وينظرون للمستقبل بعين الحاضر، فاستلهام التراث وتوظيفه وفق رؤى معاصرة خير معين لتدفق الأفكار وصناعة القيم في المجتمع.

الدكتور عادل عباس النصراوي

النجف الأشرف

الاثنين 9/4/2012م

ص: 6

الدراسة

اشارة

● الشيخ محمد رضا الغراوي ---- حياته وآثاره

● نصيحة الضال ---- موضوعه وأهميته

ص: 7

الشيخ محمد رضا الغراوي - حياته وآثاره

اشارة

(1303 ﻫ - 1385 ﻫ)

مدخل

الحمدٌ لله حمدَ الشاكرين,وأتمّ الصلاة وأفضل التسليم على خير خلقه في العالمين أبي القاسم محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين , وبعد :

هذا كتاب (نصيحة الضال) في الإمامة يختص بسوق الأدلة العقلية والنقلية في امامة سيد الوصيين الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام),لمؤلفه العلامة الشيخ محمد رضا بن قاسم الغراوي,الذي يٌعدَّ من أعلام مدرسة النجف الاصولية الحديثة,ومرجعاً من مراجع الطائفة,تتلمذ على جهابذة العلم وعظماء العصر في مدينة باب علم رسول الله (ص),مدينة النجف الاشرف,فنبغ فيها بين اقرانه طالباً واستاذاً ومفكراً,فقد طرق اغلب انواع العلوم التي كانت تٌدَرس آنذاك,من نحو وصرف وبلاغة وفقه وأصول وعلم الكلام وغيرها,حتى فاق اقرانه فبرز قامة شامخة.

لقد شٌغل الغراويّ (رحمه الله تعالى) في ايامه بالبحث والدرس والتأليف,فلا تراه إلا باحثاً ومنقّباً في كتابٍ او مسألةٍ فقهية أو أصولية أو كلاميّة,حتى صنّف اكثر من ستين كتاباً ورسالةً في مختلف الأمور التي شغلت عصره فأبدع فيها,وكان له الكأس الاوفى في أغلبها؛وبدأ الكتابة وعمره لا يتجاوز الخامسة والعشرين ولم ينقطع عنها حتى وفاته.

يصف الشيخ علي الخاقاني بأنه (من أولئك الصابرين الذين استهدفوا العقيدة بأسلوب المنطق والعاطفة,فخدمها وسجّل المآثر التي تدعو لها؛وقد وقفتُ على آثاره الآتية اسماؤها وجميعا بخطه,مما دعاني منظرها إلى إكباره والاعجاب بصبره واستمراره.وقد لاكمه الزمن فقلب له ظهر المجن وانحنى عليه بضيق العيش, ولكنه - وهو المؤمن بالله - لم يعبأ بما يواجهه من عسر وشدّة,وقد تجرّد من حٌبِّ الظهور,انزوى في بيته راضياً قانعاً باليسير مما يسعى اليه من الرزق الذي اتصف به الروحيون)(1)

وهذا ما اتّصف به اغلب علماء عصره الذين جندوا انفسهم لخدمة العلم والعقيدة,فلم يعبئوا بالدنيا وزخرفها,بل كان غذاؤهم ما يحصدون به من علم ومعرفة ,وهمهم ان يٌشبعوا به جوع طلبتهم وتلامذتهم المنهومين في طلبه.

ص: 8


1- شعراء الغري / الخاقاني : 4/400

قال فيه استاذه الشيخ محمد رضا آل ياسين فيما قّرضه على بعض كتبه: (العلم الخبير والمجتهد البصير,والمعول عندي عليه,والذي يلزم كل مؤمن الوثوق به والركون اليه...) إلى أن قال: (وكيف لا يكون كذلك وها زبره معلنة بأنه فوق ما قلت وكتبه هاتفة بأنه المستجمع لجميع ما حرّرت,وتصريحاته مصرحة بأنّه العالم,وتدقيقاته مصححة بأنّه من الفقهاء الأعاظم)(1)

إذن كان الشيخ الغراوي علماً من اعلام عصره,فقيهاً ومفسراً , وكاتباً لامعاً,وشاعراً فذاً , لم يطمع في حطام الدنيا وزخرفها,بل جنّد نفسه لطلب العلم,ومبتعداً من زهو الدنيا ومقترباً من خشونة العيش استعداداً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.

يٌعَّد كتابه (نصيحة الضال) واحداً من الكتب المعتبرة , التي اهتمّت بدراسة الامامة,فضلاً عن كتابه (الانذار في قطع الاعذار في الامامة) الذي جمع في موضوعه خمسمائة حديث,وكتابه (النور المبين)الذي ردَّ فيه على زيني دحلان في الموضوع ذاته.

لقد ذكرت التراجم(2) كتابه هذا,وهو غير مطبوع,ووجدتٌ نسخة منه مخطوطة بخطّه في خزانة مخطوطات مؤسسة كاشف الغطاء العامة,التي يديرها اليوم سماحة الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء,وأخذتُ عنها نسخة مصورة على الاصل,وهي تحت رقم (2164).

وتتجلى أهمية الكتاب أن فيه إضافة معرفية لمفهوم الامامة وردّاً على بعض الذين سخَّروا اقلامهم أو سُخِّروا لأجل التشنيع على الشيعة الامامية,مما دفعني الى تحقيقها واظهارها بحلّةِ جديدة.

ص: 9


1- ماضي النجف وحاضرها / جعفر محبوبة : 3 / 37 , المنتخب من رجال الفكر والأدب / كاظم الفتلاوي : 495
2- ظ : ماضي النجف وحاضرها / جعفر محبوبة : 3 / 83 , شعراء الغري / الخاقاني : 8 /401 , معارف الرجال / محمد حرز الدين :2/287 , مع علماء النجف / محمد الغروي : 2 / 242 , المنتخب من رجال الفكر والأدب / كاظم الفتلاوي : 497 .

الشيخ محمد رضا الغراوي (1303 ﻫ -1385 ﻫ)

الشيخ محمد رضا الغراوي(1) (1303 ﻫ -1385 ﻫ)

هو الشيخ محمد رضا بن قاسم بن محمد بن ناصر بن قاسم بن محمد بن أحمد بن عيسى بن أحمد بن محمد المحزّم الغرّاوي,وتُعرف قبيلته ب-(آل حزيمي) , وهم فرقة من (آل غرّة) , يسكنون في احدى نواحي العمارة من جنوب العراق.

وآل غرة --- كما نقل الشيخ محمد رضا عن بعض مشايخ قبيلته -- فقال: (هم بنو الأغر,كانوا يسكنون نجداً,وأصابتهم مجاعة شديدة فلحق منهم جمع كبير بالعراق لخصوبة تربته,وكانت هجرتهم من نجد الى العراق عام تسعمائة هجرية,فوقع بعض منهم على بغداد وبعض على السماوة,فلم يُقيموا,وصاروا يتطلبون معاشهم إلى أن وصلوا إلى العمارة فاٌستوطنها قسم كبير.وأما الذين نزلوا بغداد ونواحيها فَهُمْ يسكنون اليوم ناحية الاسكندرية وبها يعرفون آل غرة.أما الذين يقطنون المحمودية فيُعرفون بآل غرير).أما أعمام المترجم له فقد هاجر جده الشيخ ناصر على رأس المائتين والخمسين بعد الألف من الهجرة النبوية المباركة.وآل غرة قبيلة كثيرة العدد في العراق,والمعروف انها ترجع الى قبيلة ( الخزرج ) العربية.

وُلد يوم العاشر من شوال سنة 1303ﻫ في قرية ميامين بإيران عند سفر والده مع عياله لزيارة الامام علي بن موسى الرضا(علیه السلام) بطريق خُراسان,وكانت امه حاملاً به,فجاءها الطَلْق هناك,فولدت, ورجعت به الى النجف وبقي في حضانة والده خمس سنوات,توفي بعدها أبوه في سامراء,فكفلته والدته وأحسنت تربيته.وأتجهت به صوب التعلّم والدراسة عند بلوغه السن الثامنة من عمره,فقد وجَدَتْ فيه الذكاء والفطنة وحب العلم,فضلاً عن ذلك فقد كان السيد ميرزا حسن الشيرازي يتعهده, وهو صبي لثلاث سنوات,وتوفى بعدها الميرزا الشيرازي؛والشيخ الغراوي هو ابن أخ الشيخ ابراهيم.

بعد أن كَبُرَ واشتدّ عوده أخذ يُسافر إلى ناحية الدورق للوعظ والارشاد والتوجيه,فمكث هناك ثلاث أشهر.من شهر رمضان إلى ذي القعدة من كل عام,ثم ينتقل الى الفلاحية من نواحي الأهواز فيبقى فيها مثل ذلك الزمن عند قبيلة الخنافرة.

ص: 10


1- راجع ترجمته في المصادر السابقة.

في عام 1352 ﻫ جعله السيد أبو الحسن الاصفهاني وكيلاً دينياً عنه في مدينة أبي الخصيب,فأقام فيها سنتين,حتى وقعت الفتنة بين العرب والعجم,ولمّا ضاق به الوضع آثر الانتقال الى النجف وبقي فيها إلى آخر أيامه.

كان المترجَم سامياً في خلقه,رفيقاً في حديثه ونفسهِ,بسيطاً في جلسته,متواضعاً وزاهداً في دنياه,يرضى بالقليل. وتوفي (رحمه الله) في شهر ربيع الأول من سنة 1385 ﻫ بالنجف ودُفن بِها.

شعره

يُوصف الشيخ الغراوي بأنَّه شاعر من طراز شعراء القرون الوسطى المظلمة,الذين اتسمت اشعارهم بالصناعة اللفظية واستعمال البديع والمحسنات,والتمسّك به,وله ديوان شعر,امتاز بأنه مُفعم بالعقيدة ومدح آل البيت (عليهم السلام) ومراثيهم وعليه تقاريض تقليدية لبعض من الشهراء, كالشيخ عبد الحسين الحويزي والشيخ كاظم السوداني والشيخ محمد السماوي والشيخ محمد جواد مطر والشيخ محمد علي الاردبادي, وان اغلب نظمه يكون اثناء سفره لخلّوه من التدريس والتأليف(1) , فضلاً عن نظمه لكثير من الموشحات(2) .منها قوله مهنئاً ابن عمه الشيخ محمد بن الشيخ ابراهيم الغراوي بمناسبة قرانه عام 1332 ﻫ(3):-

قارب الركب أثيلات الحمى *** فأنشداها عن بقايا جَلَدي

واقصدا بالله لعساء اللمى *** وسلاها هل سلاها كبدي

* * *

ما لذات الخال والوجه الحسن *** بعدما كانت مدى الدهر معي

أحرمتُ مذ حٌرِمت عيني الوسن *** فأهلّت مذ أهلّت أدمعي

ص: 11


1- ظ : شعراء الغري / الخاقاني: 8 / 401.
2- ظ : م . ن : 8 / 403
3- م . ن : 8 / 403 - 404

وسعت لمّا سعت كل المحن *** يا لقومي لفؤادي المولع

فغدا الوجدُ بقلبي مضرماً *** ينقضي الدهر ولمّا يخمد

* * *

عرفتُ مذ عرفتُ قلبي الجوى *** ليت قلبي للجوى لم يعرف

وأفاضت و استفاضت بالهوى *** أدمع العين كفيض أو طفِ

هل لصبٍّ مات من طول النوى *** يالقومي بالهوى من مسعفي

فلقد امسى معنّى مغرماً *** عينه ممّا به لم ترقد

ومن موشحاته التي هنّأ بها الشيخ محمد حسن سميسم بقران ولده الشيخ جاسم قوله(1) :-

غرِّدي بالبِشر يا ورق الهنا *** وعلى بانة قلبي فاسجعي

إنّني يا وِرق قد نلت المنى *** بوصالي للغزالي الأتلحِ

* * *

رشأٌ كالبدر في برج الجمال *** مُذ تجلَّى مسفر الوجه الحسن

ذو قوامٍ كغصون البان مال *** (لو رآه راهب الدير افتتن)

وغدا عن زهوه يبغي الوصال *** مُذ عراه الوجد من فرط المحن

وبدا يشدو بألحان الغنا *** وبأبرادِ الهوى لم يخلع

أساتذته

ص: 12


1- شعراء الغري / الخاقاني : 8 / 407 .

درس على مشايخ عصره من العلماء والأفاضل الذين تركوا آثارهم في تلامذتهم,في الادب واللغة والفقه والاصول وعلم الكلام,منهم(1) : -

• الشيخ علي رفيش

•الشيخ محمد جواد الحولاوي

•الشيخ مهدي المازندراني

•السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي

•السيد عبد الرزاق الحلو

•الشيخ أحمد كاشف الغطاء

•الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء

•الشيخ هادي الطهراني

•الشيخ ملا كاظم الخراساني

•الشيخ جعفر الشيخ عبد الحسن

•الشيخ محمد رضا آل ياسين

•السيد ابو الحسن الأصفهاني

•الشيخ محمد حسين الأصفهاني

•الشيخ هادي كاشف الغطاء

•الشيخ جعفر القرشي النجفي

ص: 13


1- ظ : م . ن : 8 / 399 , ماضي النجف وحاضرها / جعفر محبوبة : 3 / 38 , معارف الرجال / محمد حرز الدين : 2 / 287 و المنتخب من رجال الفكر والأدب / كاظم الفتلاوي : 495 , مع علماء النجف الاشرف / محمد الغروي : 2 / 441.

•اخوه الشيخ عبد الله القرشي النجفي

تلامذته

تتلمذ عليه ثلة من الفضلاء منهم(1)

•الشيخ هادي البزوني

•الشيخ محسن الغراوي

•الشيخ علي العسكري

إجازاته في الرواية

يروي عن مجموعة كبيرة من علماء الرواية عن اساتذتهم منهم(2) :

•الشيخ مهدي المازندراني , بأجازة مؤرخة سنة 1338 ﻫ

•السيد مهدي الغريفي البحراني النجفي , بأجازة مؤرخة سنة 1332ﻫ

•الشيخ محمد حسين الاصفهاني بإجازة مؤرخة سنة 1358 ﻫ

•العلامة السيد حسن الصدر – صاحب التكملة – بإجازة مؤرخة سنة 1344 ﻫ

•الشيخ هادي آل كاشف الغطاء بإجازة مؤرخة سنة 1354 ﻫ

•الشيخ أغابزرك الطهراني – صاحب الذريعة – بإجازة مؤرخة سنة 1358 ﻫ

ص: 14


1- ظ: شعراء الغري / الخاقاني : 8 / 400.
2- ظ : ماضي النجف وحاضرها / جعفر محبوبة : 3 / 38 , المنتخب من رجال الفكر والادب / كاظم الفتلاوي : 496

•العلامة السيد محمود الشاهرودي,له منه اجازتان,أحدهما مؤرخة سنة 1366ﻫ , والاخرى سنة 1371 ﻫ

•الشيخ علي مانع المحاويلي

وأجيز بالاجتهاد عن استاذه الشيخ مهدي المازندراني سنة 1388 ﻫ وغيره(1) ,وجميع اجازاته مثبتة في رسالته(درة الغريين)

مصنفاته

صنّف الشيخ الغراوي في علوم عصره من فقه وأصول وعقائد وتفسير ونحو وعلم الكلام والاخلاق وعلم الدراية والرجال,وكذلك في الأدعية والمجربات,حتى ربت على ستين كتابً ورسالةً,وهي(2) :-

(1) نصيحة الضال في الامامة. (2) أصدق المقال في علم الدراية والرجال. (3) شفاء القلوب في تنزيه الانبياء عن الذنوب. (4) الدرة المضيئة. (5) اللمع الغراوية في شرح القصيدة الشذراوية في النحو. (6) زهرة العوالم نظماً للمعالم في الأصول. (7) محاسن الكواعب (ديوان شعره). (8) أهبة المعاد في مسائل كلامية. (9) معرفة الاحوال في الرجال. (10) سبيل الرشاد في الوعظ. (11) المجالس السعيدة في الوعظ. (12) العرى العاصمة في تفضيل فاطمة. (13) نفائس التذكرة في شرح التذكرة في 14 جزء. (14)إزالة الغواشي في مدرك الحواشي لليزدي على التبصرة. (15) الشعلة الفورية. (16) الخيرات الحسان في تفسير القرآن. (17) الوِرق الصادحة في تفسير سورة الفاتحة. (18) ذخائر فصل القضاء مع أصله المسمى "طلب الرضا في مدح عليّ المرتضى" وهو شرح لقصائد نظّمها في مدح الامام عليِّ(علیه السلام). (19) كنز المُّدَّخر في آداب المسافر والسفر. (20)بلوغ منى الجنان في تفسير الالفاظ اللغوية من القرآن. (21) منظومة في المواريث اسماها(لوامع الغرر). (22)الأربعين حديثاً. (23) الزاد

ص: 15


1- ظ : م , ن : 3 / 38 – 39 , م . ن : 497 , شعراء الغري / الخاقاني : 8 / 401- 403 , معارف الرجال / محمد حرز الدين : 2 / 287-288.
2- ظ : المصادر السابقة نفسها .

المدخر في الباب الحادي عشر. (24)أماني الاديب اختصر فيه كتاب ((مغني اللبيب)) ووصل فيه الى حرف اللام. (25) الزهر الفائق في شرح مقدمة كتاب الحدائق في مجلدين. (26) العوائد النحوية في شرح نظم الالفية. (27) طريق الوصول الى علم الاصول. (28) أحسن الحديث,شرح فيه رسالة استاذه الشيخ جعفر الشيخ راضي في المواريث. (29) جوابات المسائل الدورقية في بعض المسائل الفقهية. (30) عوالم العلم والامم (كشكول). (31) أدلة الاحكام في شرح شرايع الاسلام,خرج منه اربع مجلدات في الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والزكاة والخمس. (32) موهبة الرحمن في تفسير القرآن. (33) عقود الدرر في شرح المعتبر للمحقق الحلي في 3 مجلدات . (34) شفاء الصدور, مجلدان في شرح مرآة الكمال للمامغاني. (35) البضاعة المزجاة في ثلاث مجلدات,طبع الاول منه على الحجر في النجف. (36) النور المبين في الرد على زيني دحلان في جزئين. (37) النور الوافي في تهجية أخبار الكافي. (38) شرح هداية الصدوق في الفقه. (39) لب الالباب في معاني بعض غريب اللغة والحديث والكتاب,شرح فيه كتاب مجمع البحرين للطريحي,خرج منه اربعة عشر مجلداً,وصل فيه الى حرف الراء(1) . (40) أنباء الغيب في الاخبار والملاحم. (41)أبواب الرحمة في احوال الخمسة اصحاب الكسا. (42) الحجة الكافية في تعيين الفرقة الناجية . (43)صحيفة الأمان في أحوال صاحب الزمان. (44)الأنوار الساطعة في شرح زيارة الجامعة. (45) الكلمات الطيبات في شرح دعاء السمات المعروف بدعاء شبور. (46)إقليد النجاح في شرح دعاء الصباح. (47) اللآلئ الباهرة في أحكام العترة الطاهرة. (48) الجواهر المنتجبة في الاحراز والادعية المجربة. (49) الانذار في قطع الاعذار في الامامة,في الف وخمسمائة حديث. (50)نفي الريب عن الأئمة بالغيب. (51)القول الثابت في الامة في نفي السهو عن الانبياء والأئمة. (52) النجم الثاقب في انساب آل أبي طالب,اختصره من عمدة الطالب. (53)هداية الطالبين في انساب آل أبي طالب. (54)درّة الغريين في ذكر قبائل الغراويين. (55) السراج الوهاج في إثبات كيفية المعراج. (56) دعوة الحق في أن الرزق مقسوم من عند الحق. (57)الاجوبة النجفية عن المسائل البصرية في 26 مسألة. (58) سعادة الانام في أدعية الساعات والليالي والايام. (59) بشرى الأخبار في زيارات النبي والأئمة الاطهار. (60)رشحات القدس في تحقيق معنى الوسوسة وحديث النفس. (61)حل الاغلاق عن أخبار الطينة والميثاق. (62) الدرجات الرفيعة فيما روي في فضل الشيعة. (63)أحسن

ص: 16


1- يقول علي الخاقاني عن الكتاب : ( وقد شاهدته وهو يشتغل فيه الى آخر يوم , يوم حضرتُ عنده في بيته بتأريخ 5 رجب 1375ﻫ ) . شغراء الغري : 8 / 402

القصص في اخبار الانبياء. (64) تصريح الحديث والأثر في اسماء الائمة الأثني عشر. (65) الكوكب السائر في اسماء القبائل وأنساب العشائر(مختصر أسماء). (66) دليل الرجال والركبان على أسماء القرى والاودية والبلدان.

موضوع الكتاب

قدّم المؤلف في كتابه هذا ردوداً على كتب المتعصّبين والمخالفين لمذهب الامامية الإثني عشرية,الذين أخروا علي بن ابي طالب (عليه السلام), فأوضح ما

ص: 17

رسموه وأظهر ما حرّروه من زخاريف الاقوال في تأخير إمام البررة(عليه السلام),فأستعان بكتبهم ونقل طرفاً من أقوالهم وأحاديثهم للردّ عليهم لتكون له حجة , فرتّب كتابه على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.

ففي المقدمة التي ارتأيت ان اسميها ((حجيّة الامامة)), لأن مدار بحثه فيها كان حول أهمية وجود الامام بعد النبي , وذلك لأنه ثمرة ارسال الرسل إلى الناس كافة كي لا يكون لهم على الله حجة بعد الرسول,قال تعالى: ﴿رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾النساء: 165 وقوله سبحانه ﴿ ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتّبع آياتك من قبل أن نذلَّ ونخزى﴾طه :134فإرسال الرسل الى الناس إفراغ ما بأيديهم من حجة على الله سبحانه.

ثم ان في ارسالهم يكون قد وقع التكليف على الناس على وجه اللزوم والوجوب كي لا يكونوا كالبهائم,وأنّ الناس لا يمكنهم الاستغناء بأنفسهم عن الله تبارك وتعالى,ولذلك كانت الحاجة ملحّة إلى مَنْ يخلف الرسول (ص) إذا قُبِضَ,كي يكون هذا الامام حافظاً للشرع ومرشداً للحقّ الى يوم الدين.

إنّ احتياج الناس للإمام كإحتياجهم للماء والهواء,فوجود الامام واجب,وحاجة لا يمكن الاستغناء عنها,لانه سيكون مكملاً لتبليغ شريعة الله الى الناس كافة.

ثم يُناقش المؤلف في مقدمته هذه,موضوعة استخلاف النبي لمن هو بعده,فتسائل هل النبي (ص) خلّف من بعده وصيّاً أَم لا ؟,وهل فوّض الامر الى الناس أم لا؟, وعلى فرض تفويض النبي(ص) لهم, هل كان هذا التفويض برضا من الله تعالى أم لا.فأبطل الفرضين الاخيرين بما تراه الامامية بالدليل العقلي,وأبطل كذلك قول الفرق الاسلامية الأخرى التي تقول ان النبيّ لم يُنصّب عليّاً وصيّاً وخليفةً بعده,وكان ذلك من خلال تحليل أحاديث الرسول(ص) ودراستها,ومنها ما نقل عند (ص): (أصحابي كالنجوم ,بأيِّهم اقتديتم اهتديتم), إذا إنّه - كما يرى- لم يكن كلّ من أُسبِغَ عليه صفة الصحبة يكون موثوقاً بإيمانه بالله ورسوله , ومطيعاً لهما.

ثم يخلص المؤلّف إلى أنّ النبي (ص) لم يفوضّ أمر الامامة من بعده لأمته,بل خلّف خليفة من بعده وبأمر من السماء.

ص: 18

أما الفصل الثاني,الذي سميتُه (صفات الامام),فقد تناول المؤلف فيه الشروط التي يجب ان يتحلّى بها الوصيّ بعد النبيّ,فيجب ان يكون أعلم الموجودين,وحافظاً لحدود الله ومؤتمراً بأوامره,ومنتهياً بنواهيه,وأن يكون معصوماً من الخطاً والزلل,إذا لم يكن كذلك,صدر منه الخطأ وارتفع الوثوق به وقلّ الاعتقاد بما يخبر عنه,وتفرّق الناس عنه ونفر العقلاء من اشراكه,ولو جاز عليه الخطأ لاحتيج الى غيره,وهذا رأي الامامية في صفة الامام,فجمع الصفات حتى بلغت خمسين شرطاً.

ثم وصف مهام الامام أو الوصيّ بعد النبيّ,بأنه الذي يحصل له مطلق الرئاسة في جميع الاحوال والامور , وأن تنصيبه واجب ولطف من الله,واللطف هو الشئ الذي يقرب العبد من الله ويبعده عن المعصيات.

ثم أكدّ أن من شرط الامام ان يكون مُظْهِراً للمعجزات والمناقب,إذ إنّ من شروط المعجزة ان تكون مقارنة للدعوة لأجل ثبوت التصديق بها,فلو وقعت من المدعي وكانت غير مقارنة لدعواه سميت ((كرامة)).

فهكذا ساق الشيخ الغراوي كل صفات الامام أو الوصي وشروطه على ما اجتمعت عليه الامامية وحللها تحليلاً علمياً ومفرغاً عليها ما يقول به العقل السليم وكتاب الله العزيز.

أما الفصل الثاني الذي سميته (فضائل امير المؤمنين علي بن ابي طالب(علیه السلام)),فقد تناول فيه المؤلف فضائل الامام(علیه السلام) بما نقل عن مجموع الآيات القرآنية المباركة التي فسرها النبي(ص) والصحابة,فضلاً عما نقله المفسرون في أنها نزلت في علي بن ابي طالب,ومفضّلة له على غيره من الصحابة.

فضلاً عن ذلك فقد أورد الاحاديث الواردة عن النبي(ص) في تفضيله وسبقه لغيره,وأقوال الصحابة,منهم ابو بكر وعمر وعثمان وسلمان والمقداد وأبو ذر وغيرهم (رضوان الله تعالى عنهم).

فنقل المؤلّف في هذا الموضوع الاحاديث النبوية المعتبرة التي اوردها الفريقان في إن عليّاً هو الوصي والامام المفترض الطاعة بعد النبي(ص).

لقد اقتصر الشيخ الغراوي على هذين الينبوعين الثريين (القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف) على اثبات الامامة لعلي بن ابي طالب(علیه السلام) وتقديمه على

ص: 19

غيره , ولو نقل ما قاله هو عن نفسه والصحابة والتابعون والعلماء الاعلام والكُتّاب لطال به المقال ولتلاطمت ابواب بحره الزاخر بمآثره وفضائله التي لا تعّد ولا تُحصى .

اما الفصل الثالث الذي سميته (معجزات أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(علیه السلام) التي لم تكن لغيره من الصحابة,وجعلها طريقاً لإثبات إمامته وتقدمه,وردَّ كثيراً من اقوال ابن حجر في تقديم غيره عليه , وبتحليل علمي لأغلب الأحاديث والأقوال من دون تحيّز,فكان موضوعياً في كل ذلك.ولاحظت امراًمهماً , هو ان الشيخ الغراوي (رحمه الله تعالى) كان يتحاشى ما ينقله ابن حجر من سب وشتم للشيعة,فلا يذكره إذا ورد في النص المنقول عنه , لأن المؤمن ليس بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذئ.

أما في خاتمة الكتاب, فقد عمد الى ردّ الاحاديث الواردة في تفضيل غير الامام علي,ثم ذكر شيئاً من مناقبه وشجاعته,ونقل جملة من اقواله وحكمه,منها قوله: (العلم خير من المال,العلم يحرسك وانت تحرس المال,العلم حاكم والمال محكوم) , وقال عليه السلام: (قسم ظهري رجلان:عالمُ متهتّك , وجاهل متنسِّك , هذا ينفر الناس بتهتكهِ , وهذا يظلُّ الناس بتنسكه),وقال كذلك: (اقل الناس قيمة,,اقلهم علماً إذ قيمة كُلُ إمرئِ ما يحسنه).وغيرها من غُرر حكمه ودُرر اقواله وفرائد مواعظه,وفضلاً عن ذلك فقد اختتم كل ذلك بالقول بريادته في وضع أُسس مجموعة من العلوم كالنحو والفقه والاصول والقياس ورواية الحديث والقراءات القرآنية , وغيرها.

إضاءات على موضوع الإمامة

ان موضوعة الامامة عند الشيعة الامامية التي سُموا نسبة لها,قد كٌتب فيها كثيراً من المصنفات والمؤلفات قديماً وحديثاً(1) لأهميتها , وقد خصَّ الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله تعالى) ما صُنف من كتب حول وصية النبي محمد (ص) في إمامة أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب (علیه السلام) بعده, ثم وصيته

ص: 20


1- نشاة الشيعة الامامية الاثنا عشرية / نبيلة عبد المنعم : 9 - 40

الى ابنه الحسن ثم الحسين,وهكذا الى الامام الثاني عشر المنتظر(عج). وهي سُنَّة الله في جميع الانبياء من آدم الى خاتمهم(1) .

ويعود السبب في ذلك ان منصب الامام فيه قوام الامة وديمومة الشريعة وبناء الدولة الاسلامية بعد النبي محمد(ص),ولهذا فقد حظي موضوع الامامة بأهمية كبيرة جداً في الدراسات الفكرية قديماً وحديثاً من الفرق الاسلامية والمستشرقين,

وربما يعود السبب ايضاً الى الخلافات السياسية ثم العقائدية الي حدثت بسبب السقيفة وغيرها من الاحداث والثورات التي قام بها اتباع أهل البيت (علیه السلام) أو الرفض لنظام الحكم منذ وفاة امير المؤمنين علي بن ابي طالب(علیه السلام) وتنحّي الامام الحسن بن عليّ عن الخلافة بعده,ثم ثورة الامام الحسين بن عليّ(علیه السلام) على الحكم الاموي,وما تلاه من الثورات كثورة التوابين وثورة المختار وثورة زيد بن علي(علیه السلام) وابنه يحيى,ثم ثورة محمد ذي النفس الزكية في العصر العباسي وغيرها.

إذ إن هذه الاحداث السياسية لم تمرّ مرور الكرام على عقول المفكرين والعلماء فضلاً عن عامة الناس,بل تحولت الى فكر,وبُنيت على أساسها العقائد.

ان تحول البعد السياسي الى بُعد فكريّ يُعَدَّ من الايجابيات,لأنّه يدلّل على حيوية الفكر الاسلامي وتفاعله مع المجتمع , فالحادثة السياسية تخضع للتقنين من خلال دراسة اسباب وقوعها وأبعادها الفكرية والاجتماعية , وحدود تواصلها مع المجتمع,فضلا عن دوافعها العقائدية.فينتج عن ذلك كله فكر وعقيدة ,أو تعميق لفكرة سابقة وترسيخ لها.

وهذا قد وقع في الفكر الشيعي الامامي؛إذ واجه شيعة عليّ بن ابي طالب(علیه السلام) أول نكبة لهم في واقعة السقيفة عندما نُحِّي الامام (علیه السلام) عن موقعه في الخلافة لغيره بعدما علموا حقه من رسول الله(ص),فناضلوا لذلك قولاً وعملاً وفعلاً ،فترسخت فكرة الامامة في عقولهم مع وجود ما يشير الى ذلك في القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة ، فأصبحت أصلا من اصولهم الخمسة ونسبوا اليها ، فعُّدَ من لا يقول بها ليس إماميا .

ص: 21


1- أصل الشيعة واصولها / محمد الحسين ىل كاشف الغطاء : 68 – 69.

لقد اقترن مفهوم الامامة عند الامامية بمفهوم النبوة ، لان الإمامة عندهم تتمّة لأصل النبوة ، او جزء من هذا الاصل ومشتق منه ، لان الاصول العامة المشتركة عند عامة المسلمين ثلاثة هي ( التوحيد والنبوة والمعاد ) ، غير ان كل فرقة من الفرق الاسلامية ذهبت الى التوسع في بعضها فكان مبحث ( العدل ) عند الامامية تابعا لاصل ( النبوة ) وذلك للعلاقة الرابطة بينهما ، في حين ان المعتزلة اختلفت معهم بالامامة ، فجعلت أصولها ( التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والوعد والوعيد ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ولعل الوعد والوعيد يختص بالمعاد .

ومن الامور التي وقع الخلاف بها بين الفرق الاسلامية ، مايتعلق بالامامة والخلافة ، اذ ان المفهومين يلتقيان في موضع ويفترقان في موضع اخر ، بما خُصَّ احدها دون الاخر من الدلالة .

فالإمام في اللغة : هو المتقدم على قومه والمتَّبَع والمقتدى والقيم(1) ، وتكون الامامة - وفق هذا قيادة ورئاسة ومتبوعية وتقدما(2) ، وعلى هذا المعنى اللغوي سار القرآن الكريم في استعمال كلمة(( الامام )) في قوله تعالى : ﴿إني جاعلك للناس إماماً﴾ البقرة : 124 ، وقوله سبحانه : ﴿ ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة ﴾ الاحقاف : 12 ، وقوله جل شأنه : ﴿ يوم ندعو كل اناس بإمامهم ﴾الاسراء : 71 .

ويحدثنا العلامة الحلي عن بعضهم في معنى الامامة ، فيقول : ( وقيل الامامة عبارة عن خلافة شخص من الاشخاص للرسول (ص) في اقامة قوانين الشرع وحفظ حوزة الملة على وجه يجب اتباعه على الامة كافة )(3). فيما ذهب الاشاعرة الى انها ( خلافة الرسول في اقامة الدين وحفظ حوزة الملة ، بحيث يجب اتباعه على كافة الامة ، وقد يطلق على الامامة بانها الرئاسة العامة الدينية والدنيوية ومقيدة بكونها خلافة عن الرسول ( ص) ، وبعضهم لا يقيدها بهذا القيد(4) كما انه العلامة الحلي اذ يقول : (الامام هو الانسان الذي له الرئاسة العامة في امور الدين والدنيا بالاصالة في دار التكليف )(5)

ص: 22


1- لسان العرب / ابن منظور : 1 / 215 – أمم .
2- ظ : الامامة / محمد حسن آل ياسين : 13
3- الألفين / العلامة الحلي : 22
4- الامامة في التشريع الاسلامي / محمد مهدي الآصفي : 22- 23
5- الألفين / العلامة الحلي : 22

ومن هذه التعاريف قد تفسر الامامة بالخلافة وهذا شيء غريب لان حقيقة الامامة تختلف عن الخلافة ، لان الخلافة واجهة من واجهات الامامة فهي تعني القيادة والزعامة السياسية بقطع النظر عن دلالات الوحي الالهي ، لهذا فان دور الامام المنحصر في القيادة والزعامة السياسية يكون دوراً ضيقاً نسبة الى المفهوم العام للامامة في القرآن الكريم ، لذا فقد اتجه النظام الفكري لزعماء هذه المدرسة ان يولُّوا وجوههم صوب نظرية الشورى وانتخاب اهل الحل والعقد لتبرير تقديم الخلفاء الثلاثة على الامام علي بن ابي طالب (علیه السلام) المنصوص عليه بقول الله تعالى ﴿ انما وليكم الله ورسوله الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ﴾ المائدة : 55 ، وغيرها من الايات القرآنية المباركة ويقول الرسول محمد (ص) : ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والي من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله )(1)

ولعل المسوغ لهذا الاتجاه ما يأتي(2) :

1-لان هذه نظرية اقرب الى الذوق العرفي

2-ان الحكومة شأن من شؤون الناس وعهد بينهم وبين الامام القائد ، واذ يكون الامر كذلك ، فلابد ان يكون للامة دور في ادارة الشؤون والنهوض بها ، لان القرآن ينص ﴿ وامرهم شورى بينهم ﴾ الشورى:38

بيد ان الامامة التي يعتقدها اتباع اهل البيت (علیه السلام) من الامامية تختلف اختلاف اختلافا جوهريا عن دور الامامة التي تنحصر في الخلافة والحكم ، لان هذا الاتجاه يرى ان للامامة دورا فوق القيادة والزعامة والحكم ، وهو الدور الذي بينه الله تعالى في القرآن الكريم بقوله : ﴿اني جاعل في الارض خليفة ﴾ البقرة : 30

واشار اليه بقوله لابراهيم الخليل (علیه السلام) : ﴿ اني جاعلك للناس اماما ، قال ومن ذريتي ، قال : لاينال عهدي الظالمين ﴾ البقرة : 124 .

ص: 23


1- مناقب علي بن أبي طالب / الخوارزمي : 79 – 80 , 93 -94
2- مدخل الى الامامة / كمال الحيدري : 10 -11

فالخلافة باللغة هي : السلطان الاعظم ، وتأتي بمعنى نيابة شخص عن آخر ، كما في قوله تعالى : ﴿ وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي واصلح ولاتتبع سبيل المفسدين ﴾الاعراف : 142

والخلافة في الاصطلاح كما يذهب الراغب الاصفهاني الى انها النيابة عن الغير اما لغيبة المنوب عنه واما لموته او عجزه واما لتشريف المستخلف(1) ، وعلى هذا الوجه استخلف الله سبحانه اولياءه في الارض وقال : ﴿ويستخلف قوماً غيركم ﴾هود : 157.

لهذا نجد فرقاً بين الامامة والخلافة ؛ و اختلف علماء المذاهب الاسلامية في هذا على فريقين :

الفريق الاول يرى ان الامامة ثابتة للأمام ولا يمكن انتزاعها منه , وهو ما ذهب اليه الامامية ومستدلين على ذلك بما يأتي(2):

1-ان الامام (علیه السلام) لا يمكن ان يخلع نفسه عن الامامة,او يتبرأ منها إلا انه قد يتنازل عن خلافته, كما حصل للإمام الحسن بن علي(علیه السلام) حين تنازل عن الخلافة لمعاوية.

2-ان الامامة هي الولاية العامة على جميع امور المسلمين كالأمور التشريعية,بينما الخلافة هي الولاية الخاصة على امور المسلمين كالامور التنفيذية.

3-الامام لا يجوز له ان يستخلف على جميع رعيته خلفاء فيجعل لهم التصرف فيما اليه التصرف فيه من تدبير الامور الحاضرة والغائبة , واستخلاف الخلفاء فيها نأى من في البلاد.

الفريق الثاني: وهو مذهب باقي الفرق الاسلامية , الذين يذهبون الى عدم وجود الفرق بينهما , فقد ذهب عبد الجبار المعتزل(ت 415 ﻫ) والماوردي وابن خلدون

ص: 24


1- ظ : المفردات / الراغب الاصفهاني : 294 .
2- ظ : تنزيه الانبياء / الشريف المرتضى : 67 , 172 , 179 , الشريف المرتضى متكلماً / رؤوف الشمري (رسالة ددكتوراه)

وغيرهم , ان النيابة عن الرسول(ص)لا تعدو(1) ان يكون صاحبها حاملا للشريعة,وهو رئيس السلطة القضائية والادارية والحربية,لكن ليس لديه سلطة تشريعية.

مما تقدم ان الفرق بين الامامة المعصومة و الخلافة فرقا جوهريا ، لان ما يتقوّم به الامامة المعصومة عند الشيعة الامامية تكون ماهيتها كونها استمرار للنبوة ( من دون وحي ) ، وان ما يتقوّم به الخلافة ، كونها وضع تنظيمي سياسي للمجتمع والدولة ، اي انها لم تكن قيادة نبوية .

بيد ان اكثر المسلمين اتفقوا على وجوب نصب الامام ، ولم يشذ على هذا الاجماع الا النجدات من الخوارج والاصم وهشام الفوطي من المعتزلة(2) ، غير ان القائلين بوجوبها ، منهم من اوجبها عقلا وهم الشيعة ومعتزلة بغداد والجاحظ وابو الحسن من معتزلة البصرة(3) .

ومنهم من اوجبها سمعا ، وهم معتزلة البصرة والجبائيان وجمهور أهل السنة(4) ، والقائلون بوجوبها عقلا ، فقد انقسموا على قسمين : منهم من قال بوجوبها على الله عقلا ، من حيث كونها لطفا(5) وبعدا عن مواقعة القبائح ، وبه قالت الاسماعيلية والشيعة الامامية ، ومنهم من قالها بوجوبها على المتكلفين من حيث كان في الرئاسة مصالح دنيوية ودفع مضار دنيوية ، وهم معتزلة بغداد(6) .

اما طريق اثبات الامامة فقد انقسم المسلمون بشأنها على قسمين :

القسم الاول يذهب ان الامامة تكون بالاختيار ، اما بالاسم او بالصفة ، ويمثل هذا الاتجاه الاشاعرة والمعتزلة والخوارج(7) .

ص: 25


1- ظ : المغني / عبد الجبار المعتزلي : 20 / 121 , الاحكام السلطانية / الماوردي : 5 ، المقدمة / ابن خلدون : 191
2- ظ : مقالات الاسلاميين / ابو الحسن الاشعري : 389 , الاحكام السلطانية / الماوردي : 5 , تلخيص الشافي / الطوسي : 1 / 168
3- ظ : تلخيص الشافي / الطوسي : 1 / 168 .
4- ظ : المغني / عبد الجبار المعتزلي : 20 / 16
5- تجريد الاعتقاد / الطوسي : 93
6- شرح المواقف / الجرجاني: 345 .
7- ظ : المغني / عبد الجبار المعتزلي : 20 / 120

اما القسم الثاني فيرى ان الامامة تكون بالنص ، ويمثل هذا الاتجاه الامامية ، وقد استمدوا فكرتهم للنص من الاحاديث الواردة عن الائمة (عليهم السلام) ، وان الامام بعد النبي ( ص ) هو علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) ، وقد ساق الامامية ادلة عقلية ونقلية على امامته () ، اما الادلة العقلية فقد ذكر العلامة الحلي بعضها : منها(1) :

1- ان الامام يجب ان يكون معصوما ، وغير علي ( ) لم يكن كذلك بالاجماع ، فتعين ان يكون هو الامام

2- يجب ان يكون الامام منصوصا عليه ، وغير علي () من الثلاثة لم يكن كذلك فلا يكون اماما

3- شرط الامام ان لايسبق منه معصية ، والمشايخ قبل الاسلام كانوا يعبدون الاصنام

4- يجب ان يكون الامام افضل رعيته ، وغير علي () لم يكن كذلك .

5- الامامة رئاسة عامة ، وانما تستحق بالزهد والعلم والعبادة والشجاعة والايمان ، وعلي () هو الجامع لهذه الصفات على الوجه الاكمل الذي لم يلحقه غيره فيكون هو الامام .

اما الادلة النقلية فهي ما استُدِلَّ بها من الكتاب والسنة النبوية المباركة ، فمن الكتاب العزيز قوله تعالى: ﴿ انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ المائدة : 55 ،وقوله تعالى ﴿اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين ﴾ البقرة : 124 وغيرها ، اما الاحاديث النبوية فمنها حديث المنزلة وحديث المؤاخاة وحديث الثقلين وغيرها.

وصف المخطوطة

ص: 26


1- ظ : الألفين / العلامة الحلي : 46 – 51 .

المخطوطة نسخة مصورة من مكتبة مؤسسة كاشف الغطاء العامة تحت رقم (1525)-عقائد وكلام- وهي نسخة جيدة ،مكتوبة بخط واضح،بيد أنها غير مشكولة ،ويمكن قراءتها ، وبخط المؤلف ،وقع الفراغ من تحريرها-كما يقول الشيخ الغراوي- يوم السبت وقت العصرمن يوم العشرين من شهر ربيع الأول من شهور سنة 1325ﻫ أي عندما كان عمره اثنين وعشرين ربيعا،وتقع المخطوطة في ثمان وستين صفحة ،ومعدل عدد أسطر الصفحة الواحدة اثنان وعشرون سطرا ،ومتوسط عدد كلمات السطر الواحد ستة عشر سطرا0

عملي في التحقيق

عملت جهدي مثابرا كي اخرج النص الى أقرب ما يكون عليه في أصل الكتاب ،فبعد أن نسخت المخطوطة اتبعت الخطوات الأتية لتحقيقها :

1- قراتُ النص قراءة متأنية كي أفهم موضوع الكتاب , وأعرف حقائقه ومضامينه ليسسهل فهم سياقه ومعرفة معانيه .

2- صحّحت بعض الاخطاء التي وضعت في الكتاب .

3- صحّحت كتابة بعض الآيات القرآنية المباركة .

4- خرّجت الآيات القرآنية الكريمة .

5- وثّقت الاحاديث النبوية من مضانها .

6- ترجمت لبعض الاعلام , واهملت ترجمة المشهورين منهم .

7- وثّقت ما نقله المؤلف من الأقوال الى مؤلفيها ومضانها , وعندما لا أجدها في الطبعة التي تحت يدي , اضطر أن أنقلها من مصادر أخرى , بسبب ما وقع فيها من الحذف والسقط المتعمد .

ص: 27

8- حاولت توثيق اكثر الأقوال والأحاديث النبوية الى المصادر السنيّة وذلك أن رؤية المؤلف - كما فهمتها - الاستناد في التوثيق الى المصادر غير الشيعية .

9- عرّفت ببعض الألفاظ الغريبة وبيّنت معانيها .

10- في حالة اختلاف بعض نصوص الأحاديث النبوية من مصدر الى آخر , فأني اذكر النص الآخر من سند آخر .

11- عملتُ فهارس للآيات القرآنية المباركة والأحاديث النبوية الشريفة وأعلام رواتها .

12- أثبتُّ أرقام صفحات المخطوطة على المتن المحقق إذ جاء رقم الصفحة محصوراً بين خطين مائلين / 1 / ،/2 / ،/3 / إذ إن / 1 / يشير الى نهاية الصفحة الاولى من المخطوطة و / 2 / الى نهاية الصفحة الثانية منها , وهكذا لباقي الصفحات.

ص: 28

الصفحة الأولى من المخطوطة

ص: 29

الصفحة الأخيرة من المخطوطة

ص: 30

هو العزيز

نصيحة الضال

بسم الله الرحمن الرحيم

نصيحة الضال

اشارة

الحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد وسطح الأرض على ماء فحمد وأرسى عليها الجبال بمنزلة الوتد أحمده لما أسبغ علينا من جلابيب النعم ودفع عنّا بمنّه معضلات النقم حمد عبدٍ مقرٍّ بربوبيته شاكر على ما أولاه من نعمته وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد المهيمن الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد المحمود الأحمد عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه المبعوث من عنده بالآيات الساطعة والبراهين القاطعة صاحب الفضائل والدلالات والمناقب والمعجزات المؤيّد بالنصر والمحفوف بالظفر من ربّ السموات بعثه رحمةً للعالمين ونذيراً للكافرين ونقمة على الجاحدين، فصلّى الله عليه وعلى آله الأبرار الأئمة الأطهار الذين هم حازوا شرف الدنيا والآخرة المتَّصفون بالكمالات الباطنة والظاهرة الجامعون للصفات الفاخرة عدد الحصى والأمطار ما أظلم الليل وضاء النهار صلاة ترغم أنف شانئهم ومعاديهم ومبغضهم من الأولين والآخرين من الآن إلى يوم الدين. أما بعد:

فيقول الراجي عفو ربّه الدائم العبد المقصّر الآثم المدعو محمد الرضا بن قاسم الشهير بالغرّاوي(1) وإني فكرت في يوم من الأيام بما اكتسبته يداي من الخطايا والآثام فرأيته كالطود الراسخ أو كالجبل الشامخ ولم يكن عندي شيء من الأعمال الصالحة ليكون لي منجىً من تلك الهلكات والخطايا والتبعات وحرزاً من الآفات والبليات وفداء لعمري من أسر المنايا وفكاكاً لرقبتي من رهن الخطايا، أحببتُ أن اكتب في إثبات إمامة صاحب الفضائل والمناقب ومظهر العجائب وغالب كل غالب وشهاب الله الثاقب مولاي ومولى الكونين وأميري وأمير الثقلين(2) علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأجعلها /1/. ذخيرة لي في المعاد وجُنّة(3) من الأهوال الشداد يوم ينادي المناد وإن كان لمثلها لا يحتاج إلى برهان ولا يفتقر إلى البيان لثبوتها جريحاً في الوجدان ولا يشك فيها إلا المرتاب والاشر(4) الكذاب، لكني نظرتُ الى كتب المتعصبين والمخالفين لنا في المذهب، بل والدين وما رسموا فيها من زور المقال وحرّروه من زخاريف الأقوال في الرد على الفرقة الامامية والشيعة الاثنى عشرية فحثّ مني الفكر والقلب

ص: 31


1- مرت ترجمته.
2- هذا مصداق لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن ابن عباس قال: (نظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الى عليّ (عليه السلام) فقال: يا علي أنت سيدٌ في الدنيا، سيدٌ في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيبُ الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي). ظ: المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/128، الارشاد في معرفة علماء الحديث/ القزويني: 300، البداية والنهاية/ ابن كثير: 7/355.
3- جُنّة: وقاية.
4- الأشر: كثير الشر.

ما أجده من دواعي الحب لذلك الامام الذي افترض الله طاعته على جميع الانام على أن اذكر شيئاً من طرقهم ونبذة من أحاديثهم ليكون رداً لهم وفساداً لما احتجوا به من حججهم وأنا إذ ذاك وَهِيُّ الغرمة(1) وقليل الهمة، لكني توكلت على من توكلت عليه المؤمنون واعتمدت عليه العارفون ووثقت به المسلمون فحددتُ بحديّ وبذلت جهدي فحصل لي ما أمّلت بفضل الله وما أردت وطفقت أحرّر في هذه الاوراق مستعيناً بالكريم الرزّاق ما رسموه في دفاترهم وما زبروه في زبرهم من الفضائل الى يعسوب الايمان والدلائل وجعلتها رداً لهم وما أثبتوه في الرد علينا في طريقتهم محولة عنا ما أخرج من عين الايمان وجرى بأنهار الفكر في قاعة اللسان وأثبت لهم ما نسبوه لنا من الفسوق والعصيان غير مستوفٍ لبعض المطالب تمام الاستيفاء ومستقصٍ لردها غاية الاستقصاء فما ذكرته جملة كافية ونبذة مختصرة شافية إذ على المرء أن يسعى بمقدار جهده ويبذل لما أراده جدّه وسميته ب- (نصيحة الضال) ورتبته على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة والله الموفق والمعين.

مقدمة

إعلم وفقنا الله وإياك لطاعته وأرشدنا بنور الهداية إلى طريق معرفته بأنه قد شاع وذاع وملأ الاسماع قيام الاجماع في المؤالف والمخالف على أن لكل نبي وصيّاً يقوم مقامه /2/ ويبيّن للناس شرعته التي جاء بها من ربّه وأحكامه من بعد ما يقبض الله (تعالى) ذلك النبي المبعوث من قبله (تعالى)، فان قيل: ما الثمرة في بعث الله النبي من الله الى العباد، قلت: ليدلهم الى طرق الرشاد ولئلا تكون للناس على الله حجة في يوم المعاد كما قال تعالى في كتابه المجيد وفرقانه الحميد: [رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ](2).

إذ لو لم يرسل (تعالى) اليهم الرسل والانبياء وكلفهم بأمر منه (تعالى) ولم يفعلوه بشرط عدم علمهم به وتعليمه (تعالى) لهم به لقبح منه العقاب لهم، وصدور القبيح منه (تعالى) محال، لتنزهه عنه بالضرورة ولو عاقبهم، لنا في اتصافه بكونه عدلاً لا يجوز في حكمه ولحسّن العقلاء اعتذار الخلق من لديه، وضّح أن يقولوا له [رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى] (3)، فهذه ثمرة بعث الرسل منه (تعالى) إليهم وبما وجب إرسال الرسول، وجب بعده المرشد والهادي

ص: 32


1- وهِيُّ الغُرْمة: ضعيف في أداء ما عليه من واجبات.
2- سورة النساء / الآية 165.
3- سورة طه / الآية 134.

لمريد الحق مع أنَّ الناس بعد الرسول لم يرتفع عنهم التكليف فيكونوا كالبهائم ولا استغنوا بأنفسهم عنه وعرفوا كلما يحتاجون اليه بحيث لا يحتاج أحد إلى أحد ومع عدم ارتفاع التكليف وعدم استغناء الخلق عن التعريف فلابُّد بعد قبض الرسول من حافظٍ للشرع مرشد لمريد الحق إلى بعثة الرسول الآخر أو إلى يوم الدين(1)، وقال بعض المتكلمين، ونِعْمَ ما قال، (لا يخلُ الأمرُ من اربعة أوجه إما ان علم النبي (صلی الله علیه و آله)جميع أمته الاولين والآخرين وجميع ما يحتاجون اليه في حياته حتى استغنوا بعد وفاته، أو علمت الامة كلها بعده، أو استغنت عن مؤدّب ومعلّم من الله أو رفع التكليف عن الامة بعده كالبهائم وكل ذلك باطل لأن التكليف لازم واللطف واجب والناس غير معصومين فلابد من حافظ شرع معصوم ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيي مَنْ حيى عن بيّنة) (2) (انتهى). وهو كلام أقول: وعلى هذا المنوال جرت عادة كل نبي من الانبياء المتقدمين بأن ينصّب ولياً ينوب منابه في أمته من بعده، فآدم (عليه السلام) لما دنت وفاته أوصى إلى ابنه شيت، وأوصى شيت إلى شبان، وشبان /3/ إلى مجلث، ومجلث إلى محوق، ومحوق الى عثميشا، وعثميشا الى أخنوخ، وهو ادريس، وادريس إلى ناحور، وناحور الى نوح، ونوح الى سام، وسام الى عثامر، وعثامر الى برغيشا، وبرغيشا إلى يافث، ويافث إلى بره، وبره إلى جفيسة، وجفيسة إلى عمران، وعمران إلى إبراهيم، وإبراهيم إلى إسماعيل، وإسماعيل إلى إسحق، وإسحق إلى يعقوب، ويعقوب إلى يوسف، ويوسف إلى بريا، وبريا إلى شعيب، وشعيب إلى موسى، وموسى إلى يوشع(3)، وقول من قال: إن هارون كان وصيّه من بعده، لأن الوصي والخليفة إنما يكون بعد النبي مبلّغاً للأحكام التي أمر بتبليغها للخلق وبثها لهم كما يشهد بذلك العقل السليم والفهم المستقيم وما سمعت من السيرة المستمرة التي تواترت بها الاخبار وتظافرت بها الآثار، فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: [وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ] (4)، قلت: المفهوم منها إن الله لم يخلفه دائم الابد بل على مدة ذهابه وإيابه، وإذا كان محط النظر كونه خليفة بعده قائماً مقامه حين غيبته إلى الميقات فلا دلالة فيها على ذلك، مع أن هارون قد مات قبل موت موسى (عليه السلام)، وقد عرفت أن الخليفة المبحوث عنه هو ما كان بعد موته، فاما يوشع فأوصى الى داوود، وداوود الى سليمان، وسليمان الى آصف، وآصف الى زكريا، وزكريا الى عيسى،

ص: 33


1- وهو مصداق لقوله تعالى: (أيحسبُ الانسان أن يُترك سدى)، سورة القيامة / الآية 46؛ وقوله تعالى: (أحِسبَ الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمناّ وهم لا يفتنون)، سورة العنكبوت / الآية 2.
2- المناقب / ابن شهراشوب: 1/212.
3- ظ: المناقب/ ابن شهراشوب: 1/216.
4- سورة الأعراف / الآية 142.

وعيسى إلى شمعون، وشمعون إلى يحيى، ويحيى إلى منذر، ومنذر إلى سلمة، وسلمة إلى بردة(1)،

أقول: وفي بعض الأخبار أن رسول الله (صلی الله علیه و آله)قال: (وأنا وصيّ بردة وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلى وصيّك، ويدفعها وصيّك إلى أوصيائك من ولدك واحداً بعد واحد، حتى تدفع إلى خير أهل الارض من بعدك) (2).

أقول: وعلى هذا النمط والديدن قد جرت عادة الانبياء السابقين كما سمعت، بأنه كلما دنت وفاة أحدهم أقام له وصياً من بعده في أمته ويحكم ما بينهم بشرعته التي أوحاها الله إليه وأمره بتبليغها لهم إلى أن بعث الله نبينا سيد الاولين والآخرين وخاتم الانبياء والمرسلين الداعي الى الحق وصراط مستقيم والهادي الى الطريق القويم فنسخ الله /4/ بشريعته شريعة من قبله من النبيين وجعلها باقية إلى يوم القيامة من بعده وفضّله على جميع الانبياء المتأخر منهم والمقدّم وشرّف أمته تعظيماً له على سائر الامم من العرب والعجم وخصّه بجميع الفضائل وأظهر على يده المعجزات والدلائل وحباه في البراهين الغريبة والآيات العجيبة التي لم يتحف بها نبياً قبله فأدلته(3) البراق وعرج به الى السماء وأجلسه على بساط القدرة، وشقّ القمر وأمر (تعالى) الشمس بأن تكلّمه والاشجار تسلّم عليه وتجيبه والوحوش تطيعه والهوام وجميع المخلوقات تخضع لديه وتنقاد كلها إليه وأعطاه ما لم يعطي أحداً من خلقه لا من قبله ولا من بعده وأكرمه بالكرامات التي لا تحصى والمناقب التي لا تستقصىَ والفضائل التي تمنح العقول برد الاعياء والذهول فبلغ (صلی الله علیه و آله) وأعذر وأنذر ووعظ وزجر ونهى وأمر وبذل مهجته في مرضات الله وصرف همته في طاعة الله وقاسى كل المعضلات والنوائب والخطوب السداد والمصائب في سبيل الله إلى أن انقضت من الدنيا مدته وحان حين وفاته اختار الله له دار السرور ونقله إلى جواره عن دار الغرور فأنهدت لرزئه دعائم الايمان ولبست بمصابه الأكوان جلابيب الهموم والأحزان والأكدار والأشجان، وقبل دفنه (صلی الله علیه و آله)ظهر في أمته الخلاف وكثر ما بينها البغي والاعتساف(4)، وكل من الصحابة والمهاجرين والانصار رام إلى قرصه

ص: 34


1- ظ: المناقب/ ابن شهراشوب: 1/216.
2- م.ن: 1/216.
3- جاء في لسان العرب: (وبابٌ مأدول أي مغلق، ويُقال: أدَلت البابَ أدْلاً أغلقته)، 1/95 – أدل. والمعنى أن البراق اغلقت عليه وعرجت به الى السماء.
4- الاعتساف من العسف وهو (السير بغير هداية والأخذُ على غير الطريق). لسان العرب/ ابن منظور: 9/206 – عسف.

حيازة النار فتواءموا بعضهم بعضاً وماكس(1) بعضهم بعضاً بأمر خلافة وتخلّف بعضهم(2) برغم بعض بل برغم الهدى والدين، ولعنةُ الله على الظالمين.

ولذلك التبس على بعض الناس المتأخرين عن ذلك الجيل الذين هم غير الفرقة المحقّة فذهبوا لسخافة عقولهم وضعف بصائرهم لما ذهب إليه غيرهم من الطرف المخالف تقليداً للأولين [ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ](3)، ولم يبحثوا ويتفحّصوا حتى يحققوا ذلك ويسلكوا بأوضح المسالك ولكنهم بجهلهم أخذوا بالاحتجاج علينا بما زخرفه متقدموهم ولقفه سابقوهم ورووه محدّثوهم من الاخبار التي عليها أثر الكذب لائح لذوي الابصار فقالوا سائلين لنا: أنه (صلی الله علیه و آله)هل خلّف وصيّاً في امته من بعده وعيّنه /5/ أم فوّض الأمر إلى أصحابه وجعله برضاهم فكلما يختارونه يكون هو المتولي عليهم من بعده، أقول: وينبغي أن يكون الكلام في هذا المقام على ثلاثة أوجه ليكون طريقاً لتحصيل المرام إن شاء الله.

فالوجه الأول: في أنه (صلی الله علیه و آله)هل خلّف وصيّاً في أمته وعيّنه لهم أم لا؟

والوجه الثاني: في أنه (صلی الله علیه و آله)هل فوّض الأمر إليهم أم لا؟

والوجه الثالث: على فرض التفويض، هل كان تفويضه (صلی الله علیه و آله)لهم برضا من الله تعالى أم لا؟

فأما الكلام على الوجه الأول، فنقول: لاشك ولا ريب بأنه (صلی الله علیه و آله) غير ممكن له بل إنه غير جائز له أن يخلّف امته من بعده هملاً متحيّرين في أمورهم لا يدرون أي طريق يسلكون، وأيّ منهل يروون وأيّ رجلٍ يتّبعون وأيّ منار به يهتدون ولمن في أمورهم يُراجعون، ولو فرضنا أنه (صلی الله علیه و آله)تركهم كذلك ولم يبيّن لهم مَنْ الخليفة بعده، والمرجع إليه لمّا أهمل الله تعالى عباده وتركهم سدى، وقد قال الله: [أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ

ص: 35


1- قال ابن منظور: (المكس: الجباية... والمكس: دراهم كانت تؤخذ من بائع السلع في الاسواق الجاهلية... وفي حديث ابن سيرين قال لأنس: تستعملني أي على عُشور الناس فأماكسهم ويُماكسوني. قيل: معناه تستعملني على ما ينقص دَيني لما يخاف من الزيادة والنقصان في الأخذ والترك). لسان العرب/ ابن منظور: 13/160 – مكس.
2- أي تخلف بعض الصحابة عن جيش أسامة قُبيل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعند مرضه، وقد زجرهم (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: لعن الله من تخلف عن جيش أسامة). ظ: المسترشد/ الطبري (الشيعي): 1/116، الاربعين/ الشيرازي: 1/141،127، بحار الانوار/ المجلسي: 30/432.
3- سورة التوبة / الآية 109.

أَنْ يُتْرَكَ سُدًى] (1)، وقال أيضاً: [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ](2)، وقال أيضاً: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ](3)، فاذا كان كذلك فكيف يهمل اللهُ عبادَه مع أنه سبحانه لم يهمل جوارح الانسان حتى جعل لها إماماً ترجع إليه منها وهو القلب كما يرشد إلى هذا ما حكي عن هشام ابن الحكم(4) حيث قال: (قلتُ لعمر بن عبيد(5)، لي سؤال، قال: هات، قلت: ألك عين، قال: نعم، قلت: فما ترى بها، قال: الألوان والاشخاص، قلت: فلك أنف، قال: نعم، قلت: فما تصنع به، قال: أشمّ به الرائحة، قلت: فلك فم، قال: نعم، قلت: فما تصنع به، قال: أذوق به الطعم، قلت: ألك قلب، قال: نعم، قلت: فما تصنع به، قال: أميّز به كلّما ورد على هذه الجوارح وأحققه، قلت: ليس لها غنىً عن القلب، قال: لا، قلت: وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة، قال: يا بني الجوارح إذا شكّت في شيء سمّته أو رأته أو ذاقته وسمعته ردته إلى القلب فتيقن اليقين وتُبطل الشك، قلت: فانما أقامه الله لشك الجوارح، قال: نعم، قلت: فلابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح، قال: نعم، قلت: يا أبا مروان إن الله لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً يصحّح الصحيح ويتقن لها /6/ ما شكّت فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يؤدون إليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماماً لجوارحك تردّ إليك حيرتك وشكك) (6) (انتهى).

أقول: ولو كان كذلك للزم أن يبعث الله نبياً بعده لعباده لكيلا تقع الناس بعد ذلك التعب والعناء والنصب في حيرة الجهالة وغمرة الضلالة، وكونه (تعالى) يبعث نبياً بعده أيضاً، فكذلك عدم تخليف النبي أحداً في امته أيضاً، فأما بطلان الاول لأمور، فالأول : قوله تعالى: [مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ](7)، الثاني: لو بعث رسول من الله بعده للزم إما إثبات الكذب إلى الله أو الجهل، وهما

ص: 36


1- سورة القيامة / الآية 36.
2- سورة المؤمنون / الآية 115.
3- سورة الذاريات / الآية 56.
4- هو هشام بن الحكم وكنيته أبو محمد، مولى بني شيبان، كوفي نزل ببغداد، ولقي الامام جعفر الصادق وموسى الكاظم (عليهما السلام)، وله عنهما روايات كثيرة ومدائح فيهما، وكان ممن فتق الكلام في الامامة. توفي بعد نكبة البرامكة بمدة يسيرة، وقيل في خلافة المأمون. ظ: فهرست كتب الشيعة/ الشيخ الطوسي: 493-495.
5- هو عمرو بن عبيد بن باب، وباب من سبي كابل من ثغور بلح، وهو مولى لآل عرادة بن يربوع بن مالك وكنيته ابو عثمان، وله مناظرات كثيرة. ظ: طبقات المعتزلة/ احمد بن يحيى: 35-45.
6- الاحتجاج/ الطبرسي: 2/182، معجم رجال الحديث/ الامام الخوئي: 1/310، بحار الانوار/ المجلسي: 23-8، المناقب/ ابن شهراشوب: 1/212.
7- سورة الاحزاب / الآية 40.

محالان، لأن اتصافه تعالى بهما منافٍ لذاته سبحانه، وقد حققنا الكلام في هذا المقام في كتابنا الموسوم ب- (( شفاء القلوب في تنزيه الانبياء من الذنوب )) (1) فلاحظه.

الثالث: مخاطبته (صلی الله علیه و آله)لعلي (عليه السلام)، على ما رواه العامة والخاصة (( يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )) (2) وهذا كما ترى يُنادي بعدم ارسال رسول من الله تعالى بعده (صلی الله علیه و آله)ولو كان خلافه للزم صدور الكذب من النبي (صلی الله علیه و آله)وهو محال لمنافاته لنبوته لأن من شرط النبي أن يكون منزّهاً عن الأشياء المنقصة للكمال ولاشك ولاريب بأن هذا الوصف منقص لكماله (صلی الله علیه و آله) لو وُجد فيه، بل إنه منقص لسائر الأفراد من الناس بالضرورة فكيف هو (صلی الله علیه و آله)، وأما بطلان الثاني، فلاستلزامه ثبوت الجهل له (صلی الله علیه و آله)وكونه جاهلاً باطل بالضرورة لأنه (صلی الله علیه و آله)يرى بدرجة أن الامور لا تستقيم بدون مدبّر لها فكيف هذا الخلق العظيم تنتظم أمورهم بدون مراجعة منهم لأحد أعلى منهم وكيف ينقاد ويُذعن بعضهم لبعض من دون ولاية أحد عليهم، وكيف تحسن أحوالهم وأعمالهم وليس لهم امر يزجرهم عن المنكر ويأمرهم بالمعروف وللزم أيضاً مخالفته نهج مَنْ تقدّمه من الانبياء كما سمعت، فإن قيل: لما كانت شرعته غير شرعتهم ونهجه غير نهجهم وفعله غير فعلهم ليس بضائر بأن يخالفهم فيه ويعمل بما يقتضيه رأيه /7/. قلت: بعد علمه (صلی الله علیه و آله)بأن الله سبحانه لم يرد، بأن ترك عباده سدى كما ذكرنا أولاً، لم يجز له بأن لم ينصب للناس من يوم مقامه ليدلهم على ما يحتاجوا اليه من أمور دينهم ولو لم يفعل ذلك للزم ثبوت المعصية منه التي هي من بعض الأرجاس التي عصمه الله تعالى منه بقوله تعالى: [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ](3) ولو فرضنا جواز صدور المعصية منه (صلی الله علیه و آله)وعدم تنزهه عنها للزمنا محذورات:-

ص: 37


1- توجد نسخة محفوظة منه في مؤسسة كاشف الغطاء العامة في النجف الاشرف تحت رقم 2151 في موضوع العقائد وعلم الكلام، غير أنه ورد بأسم (شفاء القلوب في عصمة الانبياء عن الذنوب).
2- ظ: فضائل الصحابة/ ابن حنبل: 2/663، الرياض النضرة/ محب الدين الطبري: 2/266-267، تنزيه الشريعة المرفوعة/ الكناني: 1/361، صحيح الترمذي: 5/638، الدر المنثور/ السيوطي: 3/292، من سورة التوبة/ الآية 120، تأريخ دمشق/ ابن عساكر: 13/150، المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 2/337.
3- سورة الاحزاب / الآية 33.

الأول: جواز اتصافه بها، وقد اسلفنا لك بطلانه بأن هذه وأمثالها مفضية إلى نقصان في الكمال ومخالفة لدعوى النبوة ولا يجوز أن ينهى عنها ويأتي هو بمثلها، ومن أراد الاطلاع على كيفية تفصيل الاستدلال الوافي والاحتجاج الشافي على بطلان القول بجواز صدور المعصية منه (صلی الله علیه و آله) فليراجع كتابنا المشار إليه(1)، فإنّا قد ذكرنا فيه ما أستدللنا على بطلانه بما لا يمكننا الآن شرح بيانه. الثاني: أن يلزم منه أيضاً ثبوت الجهل والسفه لله تعالى، وهو باطل أيضاً، لأنه لا يخلو، أما أن يكون سبحانه عالماً بصدور المعصية عنه من هذا النبي الذي بعثه أو غير عالم، فان كان (تعالى) عالماً بصدورها منه فكيف يبعث للناس رسولاً حاله كذلك لأنه إذا كان كذلك يكون غير مأمون من إدخال ما ليس في الدين، ولنفر الناس عنه وارتفع الوثوق بقوله، وسيأتي لك تحقيق هذا المقام إن شاء الله تعالى، فان كان غير عالم فذلك إنكار للضروري فتعالى الله عما يصفون، وبالجملة قد ألمعنا على أنه (صلی الله علیه و آله) جعل له وصياً من بعد الاجماع المحصّل والمنقول والكتاب والسنة المتواترة من الطريقين، وسيجيء لك ذكرها إن شاء الله تعالى.

وأما الكلام على الوجه الثاني، فنقول أيضاً بعد علمه (صلی الله علیه و آله) بما يصدر بعد من الفتن في الله بسبب هذا الامر العظيم، ويؤيد ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن عدة طرق مختلفة، أنه قال النبي (صلی الله علیه و آله): ((لتتراكم عليكم الفتن من بعدي كما يتراكم السحاب)) (2)، وروى أيضاً أخطب خوارزم في كتابه عن جماعة منهم ابن عباس، أنه قال: قال النبي (صلی الله علیه و آله): وكأني بالفتن قد أقبلت عليكم من بعدي كقطع الليل المظلم أو كالسحاب المتراكم) (3)، يفوّضه اليهم /8/ ويجعله في يديهم مع علمه بذلك وغير خفي بأن أمر النبي (صلی الله علیه و آله)لأصحابه حين غشي عليه وأفاق ورأى ما رأى من الاختلاف الذي قد بدى في وجوه أصحابه باحضار دواة وبياض فسألوه (ماذا تريد أن تصنع بهما يا رسول الله، فقال: أكتب لكم كتاباً لن تضلوا فيه بعدي أبداً) (4)إنما كان لذلك الأمر، أقول: وهذا الحديث قد رواه الفريقان في كتبهم(5) وحررّاه في زبرهما وقد اشتهر طريقه بينهم شهرة قاربت حدّ التواتر، وكيف يجوز له أن يترك هذا الامر هملاً بين تلك الخلائق

ص: 38


1- هو كتاب (شفاء القلوب في تنزيه الانبياء من الذنوب).
2- صحيح مسلم:
3- مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي:
4- المناقب / ابن شهراشوب: 1/202.
5- ظ: صحيح البخاري: 4/1612؛ صحيح مسلم: 3/1259؛ الطبقات الكبرى/ ابن سعد: 2/242.

وفيهم المعاند والشقي والضعيف والقوي مع أنه (صلی الله علیه و آله)إذا غاب في سفر له لم يسر عن المدينة إلا وخلَف عليها خليفة، كما حكي عن أبي الحسن الرفا حين سأل ابن رامين الفقيه، قال: ( لما خرج النبي (صلی الله علیه و آله)من المدينة ما استخلف عليها أحداً، قال: بلى، استخلف علياً، قال: وكيف لم يقل لأهل المدينة اختاروا فأنكم لا تجتمعون على الضلال، قال: خاف عليهم الخلف والفتنة، قال: فلو وقع بينهم فساداً لأصلحه عند عودته، قال: هذا أوثق. قال: فأستخلف أحداً بعد موته، قال: لا، فموته أعظم من سفره، فكيف أمن على الامة بعد موته ما خافه في سفره وهو حيّ عليهم ) (1) (انتهى).

وكيف يفوّضه اليهم من دون أن يأمره الله بذلك ويبيّنه له وقد بيّن الله له كل الامور المهمة وغير المهمة وأوضح الطرق والسبل الشرعية وغيرها، فكيف لم يبيّن له هذا الأمر العظيم الذي هو علم البلوى إذ الله لا يريد أن يرجع خلفه إلى ما كانوا عليه سابقاً من عدم معرفته وتوحيده (جلّ وعلا) ولو جاز له (تعالى) فعله لكان بَعْثُهُ للانبياء والمرسلين عبئاً، فتعالى الله عن ذلك مع أن الاخبار المتواترة والآثار المتظافرة مصرحة بأن النبي (صلی الله علیه و آله)لم يفوّض هذا الأمر إليهم ولم يجعله باختيارهم بل أنها كلها تنادي في أنه (صلی الله علیه و آله) قد جعل له وصياً خاصاً بعده، زيادة على ذلك شهادة القرآن العزيز بذلك في الأخبار الجارية في هذا المضمار ما رواه في المناقب عن ابن /9/ جرير الطبري (لما كان النبي (صلی الله علیه و آله)يعرض نفسه على القبائل، جاء الى بني كلاب، فقالوا: نبايعك على أن يكون لنا الأمر بعدك فقال: الأمر لله، فإن شاء كان فيكم وكان في غيركم فمضوا ولم يبايعوه وقالوا: لا نضرب لحربك بأسيافنا ثم تُحكّم علينا غيرنا، وعن الماوردي في أعلام النبوة، أنه قال عامر بن الطفيل للنبيّ (صلی الله علیه و آله) وقد أراد به عيلة: يا محمد مالي إن أسلمت، فقال (صلی الله علیه و آله): لك ما للإسلام، وعليك ما على الإسلام، فقال: ألا تجعلني الوالي من بعدك، قال: ليس لك ذلك ولا لقومك، ولكن لك أعنّة الخيل تغزوا في سبيل الله) (2) (الخبر).

أقول: ولو كانت الإمامة إلى الامة لبطل التوقيف من النبوة. قال في المناقب: (لو جاز للأمة نصب الامام، صحّ منها وضع أحكام مختارنا للهلك ومختاره للملك، مختارنا للحريق، ومختاره للحريق، مختارنا للسعير ومختاره للسرور، مختاره للنعيم

ص: 39


1- المناقب / ابن شهراشوب: 1/222، بحار الانوار/ المجلسي: 23/75.
2- المناقب / ابن شهراشوب: 1/221.

ومختارنا للجحيم، مختارنا للملامة ومختاره للكرامة، مختارنا للتبعيد ومختاره للقريب) (1) (انتهى).

وهو كلام جيد متين، فان قيل وكيف لم يفوّض الأمر (صلی الله علیه و آله)إلى أمته، وقد قال (صلی الله علیه و آله): (أصحابي كالنجوم بأيّهم افتديتم اهتديتم) (2) ، قلت: هذا مردود لأمرين. الأول: لما فيه من استبعاد الدلالة الدالة على المقصود، مع أن المفهوم منه خلافه إذ الاقتداء غير الولاية، والباء ليست بمعنى اللام، ولو سلّمنا ذلك فمثل هذا التجوّز محتاج إلى وجود إمارة تدل عليه وليس وكليس، وقول بعض: إن المراد بالاقتداء هو أن تفعل كفعله أو تسلك طريقته فيتم المطلوب لو ردّوه، كذلك في كلام العرب العرباء، حيث قال بعضهم(3):

بأبه اقتدى عدّى بالكرم ومن يشابه أبه فما ظلم

وبالجملة أن المراد هو المشابهة والمضاهات مردود لأن من بعض الصحابة بعد النبيّ (صلی الله علیه و آله) خالفوا الخلفاء لا لمرضات الله بل من حيث خروج الخلافة من أيديهم لهم وتبعوهم جماهير من الناس فوافقوهم لما قالوا به، فيكون حينئذ أنهم اهتدوا إذ بهم قد /10/ اقتدوا، والحال أنه لا قائل به، فان ساغ لهم القول به يتم لنا ما نرومه ويكون خلاف ما هم بصدده.

الثاني: أن المراد من أصحابه (صلی الله علیه و آله)هم المطيعون لأمره المنزجرون بنهيه عما نهى عنه الممتثلون جميع اوامر الله إذ لا يكون صاحبه (صلی الله علیه و آله) حقاً غير المؤمن العارف بالله حق المعرفة الذي جرى الايمان في بدنه جري الدم في العروق لقوله تعالى: [أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ] (4)، وقوله تعالى أيضاً: [وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ] (5) ، وقوله تعالى أيضاً في ذم الموادّين لمن حاد الله، حيث قال: [لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ] (6) ، فاذا كان كذلك علم أنه لا يجوز الاقتداء بكل رجل صاحَبَ رسول الله (صلی الله علیه و آله)إلا أن يعلم وثوق ايمانه بالله وبرسوله، وتعلّم طاعته لله ولرسوله، ومحبته لله ولرسوله، فإذا انتفت عنه هذه الاشياء

ص: 40


1- المناقب / ابن شهراشوب: 1/220.
2- جامع بيان العلم وفضله/ ابن عبد البر: 2/96، الاجتهاد/ أبو المعالي: 1/122، ارشاد الفحول/ الشوكاني: 1/406.
3- ظ: شرح ابن عقيل: 1/50، همع الهوامع/ السيوطي: 1/139.
4- سورة التوبة / الآية 3.
5- سورة هود / الآية 113.
6- سورة المجادلة / الآية 22.

انتفاءً كلياً حرم الاقتداء به وحرم على من عداه اتباعه لبراءة الله منه ورسوله، ومن هنا يظهر فساد قول مَنْ تمسّك بهذا الحديث على إثبات الخلافة للخلفاء وبيان ذلك أنه لما تبيّن مما سمعته عدم جواز الاقتداء بمطلق الصاحب إلا أنْ تعلم طاعته لله ولرسوله وايماناً بالله ورسوله ومحبته لله ولرسوله، تبيّن عندنا بديهة أن هذا الامر منتفٍ عنهم إذ المشروط عدم؛ عند عدم شرطه ولو وجد الشرط لوجد المشروط، والشرط هنا الايمان والطاعة والمحبة، ولو كان ذلك موجود لما جاز لعن النبيّ لهم حين تخلّفوا عن المسير في جيش أسامة حين وجهه (صلی الله علیه و آله)إلى المسير وأمرهم بالسير معه وقد تواترت بهذا أخبارهم وعنونوها في كتبهم ودفاترهم كما تواترت به أحاديثنا(1)، ولو كان ذلك ايضاً موجوداً لأمتثل الثاني أمر النبي (صلی الله علیه و آله)باحضار الدواة والبياض، ولما قال: (دعوه إنه ليهجر، وقد شاع هذا الحديث عند علمائهم شياعاً قارب الاستفاضة بل إنه مستفيض عندهم، فعن البخاري ومسلم في خبر أنه قال عمر عن النبي (صلی الله علیه و آله): قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا /11/ كتاب الله، فاختلف أهل ذلك البيت، واختصموا، منهم مَن يقول: قرّبوا يكتب لكم رسول الله كتاباً لن تضلوا بعده ابداً، ومنهم مَن يقول: القول ما قال عمر، فلما كثر اللفظ والاختلاف عند النبي قال: قوموا، فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولَغطهم) (2). وعن ابن بطّة والطبري ومسلم والبخاري، واللفظ له، أنه سمع ابن عباس يقول: (يوم الخميس وما يوم الخميس)، ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى، فقال: اشتد برسول الله وجعه يوم الخميس فقال: "أئتوني برواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً"، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا هجر رسول الله) (3). وعن مسلم والطبري أيضاً قالوا: (إن رسول الله يهجر) (4) ، وتحقيق الكلام في هذا المقام هو أن يُقال إن هذه الرواية لا دلالة فيها على ذلك، إذ غاية ما تدل عليه أن أصحاب النبي على الحق، وأن المتبع لهم والآخذ بقولهم تحصل له الهداية إلى طريق الرشاد، لا أنها تدل على أن جميع أصحابي خلفاء لي أو أوصيائي، بل ولا دلالة فيها على أن بعضاً معيناً من أصحابي هو خليفتي في أمتي بالكلية، فإن قيِل إذا كان المفهوم منها هو ما ذكرت معناه أنه يجب اتباعهم مطلقاً، وهو عند التحقيق تسليم بما يقوله الخصم لأن ثمرة نصب النبي الخليفة بعده في الامة هو الدلالة لهم على ما يحتاجون اليه من الاحكام

ص: 41


1- ظ: المناقب/ ابن شهراشوب: 1/202-203.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/203، صحيح البخاري: 4/1612، صحيح مسلم: 3/1259، الطبقات الكبرى/ ابن سعد: 2/242.
3- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/202، ظ: الطبقات الكبرى/ ابن سعد: 2/242، منهاج السنة النبوية/ ابن تيمية: 6/19،
4- ظ: صحيح مسلم: 3/1259.

أو إذا كان الامر كذلك فهو عين ما يقوله. قلت: وجوب اتباع قوله إذا كان على الحق لا يلزم منه أن يكون القائل بالحق هو الخليفة من بعد النبي ولو كان جائزاً مثل ذلك لجاز لنا القول بخلافة كلّ من كان قوله موافقاً للحق، فتأملّ.

وأمّا الكلام على الوجه الثالث، فنقول أيضاً لاريب بعد أن ذكرنا لك آنفاً أنه لابُدّ من نصب النبي وصياً بعده في أمته، لتلك العلّة السابقة وقطعاً أن القائم بتلك الثمرة لابد أن يكون باختيار الله تعالى لا باختيار غيره حتى يكون /12/ بأعباء تلك الثمرة ناهضاً، وإذا كان الأمر كذلك لا يكون الأمر للنبي (صلی الله علیه و آله) باقامته وحتى يقوم مقامه من بعده في أمته إلا من الله سبحانه، لأنه جلّ وعلا هو العالم بعواقب الامور ومصالحها ومفاسدها وهو العالم لمن هو حافظ لحدود الله وغيره وإذا كان كذلك فالنبي (صلی الله علیه و آله) كيف يجوز له أن يختار ما لم يكن الله يختاره، وكيف يسوغ له أن يفوّض أمر ذلك الخليفة ونصبه إلى الناس من دون رضاء الله تعالى بذلك وأمره بأن يفعل (صلی الله علیه و آله)ذلك، ولو قلنا بجواز صدور ذلك منه لقلنا بجواز صدور المعصية منه (صلی الله علیه و آله)وقد أحلنا صدورها منه، وقد مرّ بعض الاخبار الدال على عدم تفويضه لهم وإن هذا الامر لا يكون إلا برضا من الله واختياره، مع أن الله سبحانه قد بيّن من يجوز أن ينصّبه النبي بعده حيث قال تعالى في كتابه الشريف وكلامه المنيف: [إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ] (1) فاثبت سبحانه الولاية في هذه الآية لمن كان متصفاً بهذه الصفة(2)وقد أجمعت الرواة والعلماء والثقاة من الفريقين إنه لم يتصف أحد بهذه الصفة في سائر البشر سوى عليّ (عليه السلام) لقوله أيضاً: [يَا أَيُّهَا

ص: 42


1- سورة المائدة / الآية 55.
2- ذكر الثعلبي قصة نزول هذه الآية في الإمام علي (عليه السلام) مسندة الى أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) فقال: (صليتُ يوماً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الظهر في المسجد، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حاضر، فقام سائل فسأل، فلم يعطه أحد شيئاً. قال: وكان عليّ (عليه السلام) قد ركع فأومأ الى السائل بخنصره فأخذ الخاتم من خنصره والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يُعاين ذلك فرفع رأسه الى السماء وقال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال: ((ربي اشرح لي صدري ويسّر لي أمري)).. الى قوله ((واشركه في أمري)) فأنزل عليه قرآناً ناطقاً ((سنشدّ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلوا اليكما، اللهم وانا محمد صفيك ونبيك فاشرح لي صدري ويسر لي امري واجعل لي وزيراً من اهلي عليّاً، أشدد به إزري. أو قال: ظهري. قال ابو ذر: ما استتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكلمة حتى نزل جبرئيل (عليه السلام) من عند الله تعالى فقال: يا محمد اقرأ ((انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)) الى قوله: ((وهم راكعون)). ظ: تذكرة الخواص/ سبط ابن الجوزي: 39-40، أسباب النزول/ النيسابوري: 137، انوار التنزيل/ البيضاوي: 2/156.

الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ] (1) فسأل النبي (صلی الله علیه و آله)جبريل فقال: (يا أخي وما الذي أبلّغه، فقال له: يا محمد بلّغ أمتك ما أمرك الله به في حق علي، وأنه قد نصبه الله لأمتك من بعدك علماً هادياً وإماماً للحق داعياً. فتهاون النبي عن ذلك فانزل الله إليه [وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ] (2) ، فقال النبي (صلی الله علیه و آله): وإني لأخشى من ألسنة الناس، فأنزل الله تعالى إليه [وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ] (3)، وقد روى هذا الحديث جميع علماء أهل السنة والجماعة كالحنبلي والغزالي والحمويني والترمذي والنيسابوري في تفسيره، والموفق الخوارزمي، ومسلم في صحيحه، والنسائي /13/ في خصائصه وغيرهم(4). فهو قد انتشر ما بينهم كالشمس في رابعة النهار، ولأيم الله لقد تغنّت في حديث الغدير الذي دلّ على أخذ النبي البيعة لعليّ في ذلك بخم الغضير في سائر الأصقاع والأقطار والبلدان والأمصار، وشاع بين الأحياء والعربان، وتحدثت فيه بالسكك الغلمانُ والنسوان، ولم يختلف فيه اثنان، وقد زبروا في كتبهم ودوّنوا في صحفهم قوله (صلی الله علیه و آله)لعليّ (عليه السلام): (مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادي من عاداه، وأنصر من نصره، وأخذل مَنْ خذله، والعن مَنْ نصبَ له العداوة والبغضاء) (5)،

إذا تمهد لك هذا وعرفت ما قلناه ظهر لك أنه (صلی الله علیه و آله)لم يفوّض الأمر إلى أمته وقد خلف فيهم خليفة من بعده ولم يهمل أمرهم وأن الله أمره بنصب حجة لخلقه من بعده في أمته(6)، ولو كان ذلك برأيه للزم منه ثبوت الخطأ للنبي (صلی الله علیه و آله)كما يدل على ذلك

ص: 43


1- سورة المائدة / الآية 67.
2- سورة المائدة / الآية 67.
3- سورة المائدة / الآية 67.
4- ظ: اسباب النزول/ الواحدي: 139، الدر المنثور/ السيوطي: 2/298، الفصول المهمة/ ابن الصباغ: 25، غرائب القرآن/ النيسابوري: 6/170، مفاتيح الغيب/ الفخر الرازي: 12/49، الخصائص/ النسائي: 150-151، تذكرة الخواص/ سبط ابن الجوزي: 55-61، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 79-80.
5- تذكرة الخواص/ سبط ابن الجوزي: 55-61، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 79-80، 93-94، السنن الكبرى/ النسائي: 5/45-46، النهاية في غريب الحديث والأثر/ ابن الاثير: 5/228-229.
6- أوجب الله تعالى الوصية في كتابه، وحث عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قال: من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية، فكيف يجوز أن يليق نسبة النبي الى ترك هذا الواجب على الامة وعليه حكماً. ظ: الالفين/ العلامة الحلي: 58.

حمران بن أعين(1) على ما حكى عنه ابن شهر اشوب، قال في المناقب (سأل حمران بن أعين يحيى بن أكثم عن قول النبي، حيث أخذ بيده عليّ وأقامه للناس، فقال: مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه، أبأمر من الله تعالى ذلك أم برأيه، فسكت عنه حتى انصرف فقيل له في ذلك، فقال: إذ قلت: برأيه نصبه للناس خالفتُ قول الله تعالى: [وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى] (2) وإن قلت: بأمر الله، ثبتت إمامته) (3). (الخبر).

أقول: بقي علينا أن نعلم من يكون ذلك الخليفة والوصي من بعده في امته والمبيّن لشريعته، فنقول: الكلام في هذا يحتاج إلى رسم فصول وعلى الله بلوغ المأمول.

الفصل الأول: شروط الوصي

إعلم أنه يشترط في الوصي الذي يكون بعد النبي خليفة في أمته شروطاً منها كونه أعلم الموجودين بأمور الدنيا والدين، حافظاً لحدود الله، مقيماً لها، مؤتمِر بأوامر الله، منتهياً عما نهى عنه، عادلاً في الرعية، قاسماً في السوية، لا تأخذه في الله لومة لائم، جامعاً لصفات الكمال، مُنزّهاً عن القبائح، حسن الخصال، محمود الفعال، صبوراً شكوراً ورعاً زاهداً، تقيّاً نقيّاً /14/ عابداً حليماً صفوحاً كاظماً للغيظ، سهل الخليقة، لين العريكة، رصين الوفاء، قليل الأذى، لا جشع ولا هلع ولا جزع، ولا متآفك ولا متهتك، مسيساً مصلحاً، مدبِّراً لأمر الرعية، عارفاً بنظامها ومصلحها ومفسدها، وثيق العقد، وفي العهد، صديقاً لأهل الصدق، معيناً لأهل الحق، راحماً لليتيم، كهفاً للضعيف، غوثاً للهين، تبقى به كل خصلة كريمة، دافعاً عن الاسلام كلَّ ملمة عظيمة، ناصحاً للخلق، حاكماً بالحق، لا يُظلم في حكمه، ولا يعين الظالم على خصمه، ثابت الجأش، غير فحاّش ولا طياّش، طاهر المولد، شريف النسب، رفيع الحسب، عالماً عاملاً فاضلاً كاملاً حلوَ الطباع، حَسَنَ النزاع، صافحاً إذ يغضب، يحبّ كل أحدٍ يسلّم على الصغير والكبير، ويحنو على الفقير، لا يسبَّ الناس ولا يغتابهم ولا يكرههم على غير الحق، معصوماً من الأدناس، مطهراً عن الارجاس.

أقول وذكر العالم الأجلّ ابن شهر آشوب في مناقبه، صفاتاً لإمام الهدى وعلائم أنهاها إلى خمسين، فقال (رحمه الله): (قد جاء في أخبار الامامية أن لإمام الهدى خمسين علامة، العصمة والنصوص، وأن يكون أعلم الناس وأفصحهم وأحلمهم وأحكمهم

ص: 44


1- هو حمران بن اعين بن سنسن الشيباني، وكنيته ابو الحسن. وقيل ابو حمزة الكوفي. اخو زرارة بن أعين، اخذ النحو والقراءة عن ابي الاسود الدؤلي عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وهو من اصحاب الامام محمد الباقر (عليه السلام). توفي حدود سنة 130ﻫ او قبلها. ظ: أعيان الشيعة/ الامين: 9/512.
2- سورة النجم / الآية 3.
3- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/216.

وأتقاهم وأشجعهم وأشرفهم وأنصحهم وأوفاهم وأصبرهم وأزهدهم وأسخاهم وأعبدهم وأشفقهم عليهم وأشدّهم تواضعاً لله، وأخذهم بأمر الله به، وأكفّهم عما ينهي عنه وأولى الناس منهم بأنفسهم، ويولد مختوناً، ويكون مطهراً، ويلي ولادته ووفاته معصوماً، وتكون الاموال تحت أمره، ويرى من خلفه، ومن بين يديه للفرائد الصادقة، ولا يكون له ظلّ لأنه مخلوق من نور الله، وكل من ولد معه يكون مؤمناً وإذا وقع على الارض من بطن أمّه وقع على راحتيه، رافعاً صوته بالشهادتين ولا ينام قلبه، ويكون محدّثاً، ويكون دعاؤه مستجاباً، ولا يرى له حدث، لأن الله تعالى وَكَلَ الارض /15/ بابتلاع ما يخرج منه ولا يحتلم ولا يتثآب ولا يتمطّى وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك، ويكون صاحب الوصية الظاهرة ويكون له الدليل والمعجز في خرق العادة واستجابة الدعوة واخباره بالحوادث التي تظهر قبل حدوثها بعهد معهود من النبي (صلی الله علیه و آله)، ويكون عنده سلاح رسول الله وسيفه ذو الفقار، ويستوي عليه درعه ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة وعنده كجامعة، وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً، فيها جميع ما يحتاجه إليه وله أدم إملاء رسول الله (صلی الله علیه و آله)وخطّ علي (عليه السلام) ويكون عنده الجفر الاحمر وهو وعاء فيه رسول الله، ولن يخرج حتى يخرج قائمنا (عليه السلام)، والجفر الابيض وعاء فيه توراة موسى وانجيل عيسى وزبور داود، وكتب الله له المنزلة، ويكون له إلهام وسماع ونقر في الاسماع ونكت في القلوب، ويسمع الصوت مثل صوت السلسلة في الطست، وربما تأتيه صورة أعظم من جبريل وميكائيل واسرافيل، وربما يُعاين ويُخاطب) (1) (انتهى). كلامه أعلى الله مقامه.

أقول، ولقائل أن يقول: ما المراد بما أخذت من العصمة له شرطاً فيه، قلت: المراد بها هي لطف مما يتلطّف الله تعالى به على المكلّف بأداء هذه الاحكام بحيث تكون مما نعدّ له عن صدور المعصية منه وترك الطاعة مع أن ذلك المكلّف قادر على الاتيان بهما، فإن قيل: لِمَ يشترط أن يكون الوصي معصوماً، قلت: لو لم يكن كذلك لصدر منه الخطأ، وإذا صدر منه الخطأ ارتفع الوثوق به، وقلّ الاعتقاد بما يخبر عنه وتفرقت الناس عنه ونفرت العقلاء من اشراكه، ولو جاز عليه الخطأ لاحتيج الى غيره، وذلك الغير(2) مثله فيحتاج الى غيره وذلك كذلك(3)، وهلمّ جرا، فأما أن يلزم الدور أو ينتقل عنه إلى غيره فيلزم التسلسل ولا شبهة بأنهما باطلان وقد أوضحنا الكلام في بطلانهما بكتابنا المسمّى ب- ((شفاء القلوب))، وايضاً لو لم /16/ يكن معصوماً لخيف

ص: 45


1- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/217-218.
2- كلمة (غير) شديدة الابهام وإن دخلت عليها (أل) التعريف او بالاضافة. وبعضهم برر دخولها عليها لتكون عوضاً عن المضاف اليه، وهذا غير متفق عليه.
3- ظ: الالفين/ العلامة الحلي: 66.

على الشرع منه لأنه حينئذ ليس ذو ]كذا[ تقوى حتى تحجزه من إدخال ما ليس منه فيه ولو وقع الاختلاف بين المسلمين الذين أدركوا النبي (صلی الله علیه و آله)، والذين لم يدركوه في الاحكام، لو كان كذلك، وأيضاً لو لم يكن كذلك وفعل خطيئة فأما أن ينكرها في نفسه أو لا، فان كان الاول، قُبح منه ذلك، وتنافرت القلوب والعقول عنه فلم يُتبّع،

وقد عرفت مما تقدم، أن الفائدة في نصبه علماً للناس متابعته، وإن كان الثاني لزم منه عدم معرفته المعروف والمنكر مثلاً، وعدم حفظه للحدود وإقامته لها، وإذا كان كذلك فحينئذ يتعيّن منه أنه ليس بإمام ولا وصيّ، لأن الإمام ما حفظ أحكام الله ونهى عما ينهى عنه وأمر بما يأمر به، فإن قيل: ما المراد بالامام والوصي، قلت: المراد بهما هو الذي يحصل له مطلق الرئاسة في جميع الاحوال والامور بحسب نيابته عن النبي أو الموصى إليه، فان قيل: لِمَ كان نصب الامام بعد النبي واجباً(1)، قلت: لأن إقامته لطف ووجوده لطف على المسلمين، وتصرفه لطف ونصح لهم، وكلها بمقتضى حكمة الله عز وجل واجبة، فان قيل: ما معنى اللطف، قلت: هو شيء يقرب العبد إلى الطاعات ويبعده عن المعصيات، فان قيل: ما الدليل على وجوب اللطف في حكمة البارئ سبحانه، قلت: الدليل هو ما على وجوبه توقف غرض المكلّف عليه، فيكون واجباً في الحكمة(2)، وبالجملة لو لم يكن الامام معصوماً لم يكن بتقديم الكل موسوماً، مع أنه لو لم يكن موجوداً معصوماً لالتبس على المكلفين أغلب الاحكام ولضاع عليهم أكثر كل مشكل من مسائل الحلال والحرام ولخفي عليهم أكثر مهمّاته وأسنى تدقيقاته وألطف إشارته مع ثبوت شدة احتياجهم إليها بالوجدان، بل أقول: ولولاه ما عُبِد الله تعالى، بل كما لم تقام الحدود عند فقده أو حجبه، كذلك لا تقام لله عبادة ومما يؤّيد ما قلناه، ما قاله أبو علي المحمودي على ما نُقل عنه لأبي الهذيل(3): (أليس من دينك أن العصمة والتوفيق لا يكونان لك /17/ من الله إلا بعمل تستحقه به، قال: نعم،

ص: 46


1- انحصر القول بوجوب نصب الامام في ثلاثة اقوال: احدهما: أنه واجب بالعقل لا بالاوامر السمعية، لأن الاوامر السمعية لا حجية فيها وهو مذهب الامامية والاسماعيلية. ثانيها: القول بالوجوب السمعي وهو مذهب الاشاعرة. ثالثها: القول بالوجوب عقلاً وسمعاً وهو مذهب الجاحظ (ت255ﻫ)، والكعبي (ت317ﻫ) وابو الحسن البصري (ت436ﻫ). وهؤلاء من المعتزلة. ظ: الالفين/ العلامة الحلي: 38.
2- إن الامام لطف من الله تعالى على عباده، فلو لم يكن لطفاً في بيان الشريعة وصيانتها عن العبث لم يكن أحد من العباد يقوم مقامه، ولذلك تعيّن على الله تعالى نصب الامام، واذا لم يعمل هذا اللطف كان التكليف بأحكام الشريعة قبيحاً لعجز البشر دون معلم وحافظ عن فهم حقيقة الشريعة وصيانتها عن التحريف والخطأ، والقبيح لا يصدر منه – جل جلاله -. ظ: الالفين/ العلامة الحلي: 41-هامش (1) من الصفحة.
3- هو ابو الهذيل محمد بن الهذيل، ويلقب بالعلاف لأن داره بالبصرة في العلافين، اخذ العلم عن عثمان الطويل. وكان النظام من اصحابه، وله ستون كتاباً في الرد على المخالفين. ولد سنة 134ﻫ. وتوفي سنة 325ﻫ. ظ: طبقات المعتزلة/ ابن المرتضى: 44-49.

قالوا: فقوله [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ] (1)، قال: قد أكمل لنا الدين، فقال: ما تصنع بمسألة لا تجدها في الكتاب والسنة وقول الصحابة وحيلة الفقهاء، قال: هات، فقال: خبّرني عن عشرة كلهم عنينين وقعوا في طهر واحد بامرأة، وهم مختلفو العنة، فمنهم قد وصلوا إلى بعض حاجته ومنهم مَنْ قارب بحسب الإمكان، فبدأ في خلوته اليوم من يعرف حدّ الله في كل رجل منهم مقدار ما ارتكب من الخطيئة فيقيم عليه الحد في الدنيا ويطهره من في الآخرة فأُفْحِمَ) (2)، أقول فلله دره من متكلم أثبت وجوب نصب الامام وعصمته بكلامٍ شافٍ وافٍ أرضى به خصمه على رغمه مع أنه (عليه السلام) قد ثبت افتقار البشر إليه بديهة، فكانت العصمة ثابتة عليه وقد ظهرت على رؤوس الاشهاد معجزته، وإذا كان كذلك ثبتت عصمته.

وايضاً يشترط في الامام أن يكون مظهراً للمعجزات والمناقب إذ كل من كان بتلك المثابة لابد وأن يكون له معجزة(3) تصدّق دعواه، ألا ترى أن شمعوناً كانت معجزته ردّ الشمس من بعد غروبها، وسليمان إخباره لسؤال أبيه بما أوحى اليه ربه في الصحيفة، وحكومته بين الرجلين الذين ذكر الله حالهما في كتابه الشريف وخطابه المنيف، ويوسفاً شهادة الطفل له حين اتهمته زليخا بانه هو الذي دعاها إلى ذلك كما أخبر سبحانه في كتابه عن ذلك.

واعلم أن النبوة والإمامة لا يبينان إلا باظهار المعجزات الغريبة والمناقب العجيبة التي لا يستطيع أحد من البشر على فعلها ممّن يدعيها، لأن المعجزات والمناقب فعل من أفعال الرب الغالب، ومعلوم بالضرورة أن فعل الله يعجز عن الاتيان به كل مخلوق له سواه إلا الذي اختاره الله لذلك، وايضاً يقبح من الحكيم تصديق الكاذب، ويشترط في المعجزة أن تكون مقارنة للدعوة لثبوت التصديق بها، فلو وقعت من المدّعي وكانت غير مقارنة /18/ لدعواه سميت كرامة له وارهاصاً(4)، ويشترط أيضاً فيها أن تكون موافقة لارادة مزاجها عليه، فلو كانت مخالفة لما كان، كانت الارادة منه، مثلاً أن يطعمهم ثمرات شجرة مخصوصة بغير أوانه فيدعو فتيبس أغصانها وتجف عروقها أو كان المراد ثمرات الماء في بئر مخصوصة أو عذوبته فيدعو فيفور ما به ويكون مالحاً سميت معجزة كاذبة.

ص: 47


1- سورة المائدة / الآية 3.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/214.
3- المعجزة، أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة، أو هي الامر الخارق للعادة يظهر على يد مدّعي النبوة عند التحدي لأجل حصول التصديق من الناس لدعوته، لذا فهي تقترن بالخروج عن القدرة البشرية وقوانين العلم والتعلم.
4- الارهاص: الاثبات، واستعمله ابو حنيفة في المطر، فقال: وأما الفرغ المقدّم فإن نَوءهُ من الانواء المشهورة المذكورة المحمودة النافعة، لأنه ارهاص للوسميّ. قال ابن سيده: وعندي أنه يريد أنه مقدمة له وإيذان. ظ: لسان العرب/ ابن منظور: 5/343-رهص.

ويشترط في الإمام أن يكون أفضل ممّن سواه من الرعية لأن تقديم المفضول على الفاضل قبيح كما يشهد بذلك العقل السليم ويحكم به القرآن الكريم، قال الله تعالى [أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] (1).

وكذلك يشترط فيه أيضاً أن لا يكون جباناً لأنه وليّ من أولياء الله المقرّبين وقد جرت العادة بأن أولياء الله يتمنون الموت ولا يخافون، وهذا الشرط أيضاً قد اعتبره فيه الخالق في كتابه حيث قال: [إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ] (2)، فاذا عرفت ذلك.

فنقول: كل من كان جامعاً لجميع هذه الصفات، وأفضل الموجودين في الرعية بعد النبي (صلی الله علیه و آله)كان حقاً هو الإمام بلاشك ولا ارتياب لوجود الشرائط فيه واجتماعها دون غيره لديه فافهم.

الفصل الثاني: أفضلية الإمام عليّ بن ابي طالب(علیه السلام)

إعلم أنه قد اتفقت الكلمة ما بين الفريقين من الخاصة والعامة بأنه كل من كان أفضل الامة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله)فهو الخليفة من بعده، ولا يشهد عند مخالفينا كما تشهد بذلك تصريحاتهم في كتبهم المتقنة وتضافرت رواياتهم المسندة المعنعنة بأن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بعد النبي (صلی الله علیه و آله)أفضل الأمة، فعلى هذا كانت النتيجة أنّ عليّ بن أبي طالب هو الخليفة من بعده(3)(صلی الله علیه و آله) بلا فصل ولتأكيد حجته على الخصم دليلنا على

ص: 48


1- سورة يونس / الآية 35.
2- سورة الجمعة / الآية 6.
3- جاء في الحديث الشريف عن الاصبغ بن نباته (رضي الله عنه) قال: سُئل سلمان المحمدي (رضي الله عنه) عن علي بن ابي طالب (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام)، فقال: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: عليكم بعلي بن ابي طالب فانه مولاكم فاحبوه، وكبيركم فاكرموه، وعالمكم فاتبعوه، وقائدكم الى الجنة فأجيبوه، واذا دعاكم فأجيبوه، وإذا أمركم فأطيعوه، أحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، ما قلت لكم في علي إلا ما أمرني به ربي جلت قدرته). ظ: مقتل الحسين/ الخوارزمي: 1/41، فرائد السمطين/ الحمويني: 1/ب14، مناقب سيدنا علي/ العيني: 51.

أفضليته (عليه السلام) وجوه: منها ما يدل /19/ عليها تصريحاً ومنها ما يدل عليها تلويحاً، فمنها ما رواه عن الديلمي وأحمد في الفضائل عن جماعة منهم جرير بن عبد الله، قالوا: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر، ومن رضي فقد شكر) ، ومنها ما رواه أبو وائل ووكيع وغيرهما أنه سئل جابر وحذيفة عن عليّ، فقالا: (عليّ خير البشر، لا يشك فيه إلا كافر) ، ومنها ما رواه أبو بكر عن الشعبي: (أن رجلاً أتى رسول الله، فقال: يا رسول الله علّمني شيئاً ينفعني الله به، قال: عليك بالمعروف فانه ينفعك في عاجل دنياك وآخرتك اذا قبل عليّ، فقال: يا رسول الله فاطمة تدعوك، قال: نعم، فقال الرجل: من هذا يا رسول الله، قال: هذا من الذين قال الله فيهم: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ] (1) ) (2)،

أقول: ولا عرىً محكمة يتمسك بهم، فهذا الخبر لو قال: ان هذا الخبر لا يدلّ على أنه هو بخصوص خير البشر حتى يثبت المطلوب، بل أنه يدل على أنه من بعض الجماعة الذين هم كذلك، واذا كان كذلك فنقول قد دلّت شر ذمة من الاخبار بأن ابا بكر وعمر وعثمان خير الخلق بعد النبي واذا ثبت كونهم متساوين في هذه الرتبة فلا وجه حينئذ لتقديم أحدهم على الآخر إلا يرجح وهو حاصل في غيره ومعه، وذلك كالاجماع وغيره فوجب تقديم غيره عليه، لذلك لأنّا نقول: لمّا قد ثبت بالإجماع والسنة المتواترة على أن الذين هم خير البرية عدد محصور لا ينبغي الزيادة فيه، وهم آل بيت الرحمة، وجب تخصيص هذا الخبر بذلك وسيأتي تحقيقه في محل آخر إن شاء الله.

والمخصص ما رواه الخطيب في التأريخ عن علقمة عن عبد الله، قال: قال رسول الله: خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نساءكم فاطمة بنت محمد) (3)، ومنها ما رواه البلاذري في التاريخ، (قال عطية: قلنا لجابر بن عبد الله: أخبرنا عن عليّ، قال: كان خير الناس بعد رسول الله) (4)، ومنها ما رواه ابن عبدوس الهمداني الخوارزمي عن سلمان قال: (قال النبيّ إن أخي /20/

ص: 49


1- سورة البينة/ الآية 7.
2- وعن ابن عباس قال: (لما نزلت ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية)). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): هو انت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين). ظ: فرائد السمطين/ الحمويني: 1/ب31، المناقب/ الخوارزمي: 62، 187، ينابيع المودة/ القندوزي:214، 323، 361، نور الابصار/ الشبلنجي: 78، 112، نظم درر السمطين/ الزرندي الحنفي: 92.
3- تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي: 4/391-392.
4- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/268.

ووزيري وخير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب) (1)، ومنها ما رواه أبو نعيم الاصفهاني عن الحرث قال: (قال علي: نحن أهلُ بيت لا نُقاس بالناس، فقام رجل فأتى ابن عباس فأخبره بذلك، فقال: صدق عليّ، أو ليس النبي لا يُقاس بالناس، وقد نزل في عليّ [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ] (2))(3)، ومنها ما رواه أبو بكر بن مردويه ومحمد السمعاني باسنادهما عن عبد الرزاق عن ابيه عن مينا عن ابن مسعود، قال: (كنت مع النبيّ وقد تنفس الصعداء، فقلت: ما لك يا رسول الله، قال: نَعيت اليّ نفسي يا ابن مسعود، قلت: استخلف، قال: مَنْ، قلت: أبا بكر، فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله، قال: نُعيت إليّ نفسي، فقلت: استخلف، قال: مَنْ، قلت: عمر. فسكت، ثم مضى ساعة ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله، قال: نُعيت إليّ نفسي، قلت: فاستخلف، قال: مَنْ، قلت: علي بن ابي طالب، فسكت، ثم قال: والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلنّ الجنة أجمعين اكتعين(4))(5). ومنها ما رواه السمعاني عن جماعة عن النبي أنه قال: (عليّ مع الحق، والحق مع عليّ) (6)، ومنها ما رواه وكيع وعطا واحمد في الفضائل أنه (قال ابن عباس، سمعت بنت عميس تقول: سمعت رسول الله يقول: اللهم إني أقول كما قال موسى بن عمران: اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي يكون لي صهراً وختناً) (7)، ومنها ما رواه السمعاني عن أنس (قال رسول الله: إن خليلي ووزيري وخليفتي في أهلي وخير من أترك بعد وينجز موعدي ويقضي دَيِني علي بن أبي طالب) (8)، ومنها ما رواه الجمهور من العامة عن ابن عباس بأسانيد عديدة قوله (صلی الله علیه و آله)لأصحابه: (أقضاكم عليّ، تعلّموا منه، ولاتُعلّموه، وإسمعوا اليه وأطيعوا) (9)، وكفى بهذه دلالة على أفضليته وثبوت ولايته على من عداه، لأن القضاء لغةً هو الحكم، فمعناه أن عليّاً أعرف منكم بطريق الحكم،

ص: 50


1- بحار الانوار/ المجلسي: 28/9، المناقب/ ابن شهراشوب: 2/268.
2- سورة البيّنة / الآية 7.
3- ظ: كنز العمال/ المتقي الهندي: 1/218، حلية الاولياء/ ابو نعيم: 7/201، فرائد السمطين/ الحمويني: 1/ب2، ينابيع المودة/ القندوزي: 227، المناقب/ ابن شهراشوب: 2/267-268.
4- أكتع: ردف لأجمع، لا يُفرد منه ولا يكسّر، والانثى كتعاء، وهي تُكسّر على كُتع ولا تُسلَّم، وفائدتها توكيد الكلمة السابقة لها بالاتباع.
5- ظ: تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي: 14/321، تأريخ دمشق/ ابن عساكر: 20/361، ربيع الابرار/ الزمخشري: 1/828، كنز العمال/ المتقي الهندي: 6/157، ينابيع المودة/ القندوزي: 104، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/371، المناقب/ ابن شهراشوب: 2/262.
6- ظ: الفضائل/ ابن حنبل: 183، 239، 310.
7- ظ: م.ن: 370.
8- ظ: شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/373-374.
9- ظ: ذخائر العقبى/ الطبري: 83، المناقب/ الخوارزمي: 81، نور الابصار/ الشبلنجي: 79، ينابيع المودة/ القندوزي: 85، أنساب الاشراف (ترجمة الامام علي)/ البلاذري: 2/97، تذكرة الخواص/ سبط ابن الجوزي: 74.

فتحاكموا لديه، وغير خفيّ أن الذين يرتضيه النبيّ حكماً ويمضي حكومته /21/ أفضل من غيره وأحقّ منه بأمر الخلافة، ومما يزيد دلالة على ما قلناه ما في (اسمعوا واطيعوا) من الوجوب فتأمل، ومنها عن الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى [وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ] (1)، إنه روي عن النبي (إن سابقي الامم ثلاثة، مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار، وعلي بن ابي طالب وهو افضلكم) (2)، وفي رواية اخرى (افضلهم)،

أقول: ولكل وجه، أما الأول فدلالته على أفضليته على من عداه واضحة، لا تخفى، لقوله تعالى: [ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ] (3)، وأما الثاني: فانه لما ثبتت أفضليته على مؤمن آل فرعون وعلى حبيب النجار، تثبت أفضليته على مَنْ عداه بالأولوية القطعية لأنه لما كان أفضل السابقين إلى الايمان المتحقق سبقهم إليه فبالأولى أن يكون أفضل ممّن ليس كذلك، فلاحظ جيداً.

أقول: ولا يرتاب ذو مسكة في سبقه (عليه السلام) جميع أصحابه إلى الاسلام بل لأمور شتى بعد ما نورد عليه بعض الأخبار الدالة على ذلك بأوضح دلالة والمصرحة به أحسن مقالة فمنها عن النطنزي في الخصائص العلوية عن ابن عباس قال: (سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله: يا عليّ أنت أول المسلمين إسلاماً وأول المؤمنين إيماناً) (4)، ومنها عن ابي يوسف النسوي والسدي عن ابن عباس قال رسول الله: (عليّ أول من آمن بي وصدقني) (5)، ومنها عن ابي نعيم عن الخدري، أن النبي (صلی الله علیه و آله) قال لعلي – وقرّب يده بين كتفيه – : (يا علي سبع خصال لا يحاجّك فيهن أحد يوم القيامة، أنت أول المؤمنين بالله إيماناً وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمر الله وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية وأعظمهم مزية يوم القيامة) (6)، ومنها عن مجاهد واحمد والثعلبي عن ابي ليلى عن ابيه، قالا: (قال النبي: إن سبّاق الامم ثلاثة لم يكفروا طرفة عين، علي بن ابي طالب، وصاحب ياسين، ومؤمن

ص: 51


1- سورة غافر / الآية 28.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/290.
3- سورة الواقعة / الآية 10، وقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى: (والسابقون السابقون)، قال: (يوشع ابن نون سبق الى موسى، ومؤمن آل ياسين سبق الى عيسى، وعلي بن ابي طالب سبق الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) )، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس، أول من صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّ (عليه السلام) وفيه نزلت هذه الآية. ظ: الدر المنثور/ السيوطي: 5/262، 6/154، تذكرة الخواص/ سبط ابن الجوزي: 42-43، ذخائر العقبى/ الطبري: 58، المناقب/ الخوارزمي: 20، كنز العمال/ المتقي الهندي: 6/ 152.
4- الفضائل/ ابن شهراشوب: 1/290.
5- م.ن: 1/290، انساب الاشراف/ البلاذري: 118.
6- الفضائل/ ابن شهراشوب: 1/290.

آل فرعون، فهم الصديقون، وعلي أفضلهم) (1)، ومنها ما روي عن الترمذي والعكبري عن زيد بن ارقم: (أول مَن أسلم علي (عليه السلام) ) (2)، ومنها ما روي عن محمد بن /22/ سعد في كتاب الطبقات (قال ابن عباس: أول مَن أسلم بعد خديجة عليّ) (3)، وعن الطبري والخوارزمي عن محمد بن اسحاق، (إن أول ذَكَر آمن برسول الله (صلی الله علیه و آله) معه وصدّقه بما جاء من عند الله) (4)، وعن عبد الرحمن التميمي قال: (مكث الاسلام سبع سنين ليس فيه إلا ثلاثة: رسول الله وخديجة وعليّ) (5)، وعن احمد بن حنبل عن عباد بن عبد الله، قال عليّ: (أسلمتُ قبل الناس بسبع سنين) (6)، وعن الكلبي والثعلبي والمدني وقتادة وغيرهم (إن علياً أول من أسلم) (7)، وعن القتبي والسمعاني والنسوي عن معاذة العدوية قالت: (سمعتُ علياً يقول على منبر البصرة: أنا الصدّيق الاكبر، آمنتُ قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمتً قبل أن يسلم عمر) (8)، وعن القرظي (أسلم عليّ قبل أبي بكر) (9)، وعن الجاحظ (إن زيداً وخباباً أسلما قبل أبي بكر) (10)، ولم يقل إحداهما أسلما قبل عليّ، وقد شهد أبو بكر لعليّ بالسبق له للأسلام، وعن القيسي (إن أول من أسلم خديجة ثم عليّ ثم زيد ثم أبو بكر) (11)، وقال الشيخ ابن شهراشوب في مناقبه: (استفاضت الرواية إن أول من أسلم عليّ ثم خديجة ثم جعفر ثم زيد ثم أبو ذر ثم عمرو بن عنبسة السلمي، ثم خالد بن سعيد بن العاص، ثم سمية أم عمار، ثم عبيدة بن الحرث، ثم حمزة، ثم خباب بن الأرت، ثم سلمان، ثم المقداد، ثم عمار، ثم عبد الله بن مسعود في جماعة، ثم ابو بكر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن ابي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، وصهيب وبلال) (12)،

ص: 52


1- الفضائل/ ابن شهراشوب: 1/ 291.
2- سنن الترمذي: 4/482، الفضائل/ ابن شهراشوب: 1/291.
3- م.ن: 4/482، م.ن: 1/291.
4- الفضائل/ ابن شهراشوب: 1/291.
5- م.ن: 1/291.
6- فضائل أمير المؤمنين/ ابن حنبل: 164.
7- الفضائل/ ابن شهراشوب: 1/291.
8- أنساب الاشراف/ البلاذري: 146، المناقب/ ابن شهراشوب: 1/289. وعن عمر بن الخطاب، قال: كنت أنا وأبو عبيدة وابو بكر وجماعة من الصحابة، اذ ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منكب عليّ، فقال: يا عليّ أنت اول المؤمنين ايماناً، وأول المسلمين اسلاماً، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى). ظ: جواهر المطالب/ الباعوني الشافعي: 1/37، ينابيع المودة/ القندوزي: 239.
9- ظ: دلائل النبوة/ البيهقي: 2/163.
10- الفضائل/ ابن شهراشوب: 1/288.
11- م.ن: 1/288.
12- م.ن: 1/288.

وعن الطبري والبلاذري والترمذي وجماعة عن ابن عباس، (قال: قال رسول الله: أول مَن صلى معي عليّ) (1)، وعن احمد بن حنبل والنسوي وابن بطة عن حبّة القرني، (قال: سمعتُ علياً يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله) (2)، عن ابي بكر الشيرازي عن جابر الانصاري: (إن أول مَن قام للبيعة أمير المؤمنين، ثم أبو سنان عبد الله بن وهب الاسدي، ثم سلمان الفارسي) (3)، وعن احمد بن حنبل باسناده /23/ عن ربيعة بن ناجة عن علي (عليه السلام): (فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي، فلم يقم إليه أحد وكان عليّ أصغر القوم، يقول: أنا، فقال في الثالثة: أجل وضرب بيده على يد عليّ (عليه السلام) ) (4)، وعن الخركوشي والثعلبي فقال عليّ وهو أصغر القوم: (أنا يا رسول الله، فقال: أنت) فلذلك كان وصيه، قال القوم، وهم يقولون لأبي طالب: (أطع ابنك فقد أمّر عليك) (5)، وعن الطبري: (فاحجم القوم، فقال علي: أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك، فأخذ برقبتي، ثم قال: هذا أخي ووصييّ وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، فقال: فقام القوم يضحكون، فيقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لأبنك وتطيع) (6)، وعن الصفواني والكلبي عن ابن عباس قال: (حم اسم من الله، عسق علم عليّ سبق كل جماعة) (7)، وعن العكبري، قال: (قال الشعبي: ما أحد أعلم بكتاب الله بعد نبي الله علي بن أبي طالب) (8)، وعن البلاذري (قال علي: والله ما نزلت آية إلا وقد علمتُ فيما نزلت، وأين نزلت، أبليل نزلت أم بنهار، نزلت في سهل أو جبل، إن ربي وهب لي قلباً عقولا ولساناً سؤولاً) (9)، وعن الضحاك عن ابن عباس قال: (أُعطيّ علي بن ابي طالب تسعة أعشار العلم وأنه لأعلمهم بالعشر الباقي) (10)، وعن السمعاني والقاضي الماوردي وأبي منصور العسكري وعبد الرزاق المحدّث ومجاهد وغيرهم، أن النبي (صلی الله علیه و آله)قال: (أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتي الباب) (11)، وعن

ص: 53


1- سنن الترمذي: 4/482، أنساب الاشراف/ البلاذري: 92-93، الفضائل/ ابن شهراشوب: 1/297.
2- أنساب الاشراف/ البلاذري: 92-93، سنن الترمذي: 4/479.
3- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/303.
4- فضائل أمير المؤمنين/ ابن حنبل: 310، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/421.
5- شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/421.
6- تأريخ الامم والملوك/ الطبري: 2/216-217.
7- المناقب/ ابن شهرآشوب: 1/309.
8- م.ن: 1/321-322.
9- أنساب الاشراف/ البلاذري: 99.
10- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/311.
11- م.ن: 1/314، المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/126-127، مقتل الحسين/ الخوارزمي: 1/43، المناقب/ الخوارزمي: 40، ذخائر العقبى/ الطبري: 77، تذكرة الخواص/ سبط ابن الجوزي: 77-78، تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي: 2/377، ينابيع المودة/ القندوزي: 31، 75، 82.

أبي نعيم الحافظ باسناده عن زيد بن عليّ عن أبيه عن جده عن عليّ (عليه السلام) قال: (علّمني رسول الله ألف بابٍ يفتح كل باب إلى ألف باب) (1)، قال الشيخ ابن شهراشوب في مناقبه (روى ابن ابي النجري من ستة طرق، وابن المفضل من عشر طرق وابراهيم الثقفي من اربعة عشر طريقاً، منهم عدي بن حاتم والاصبغ بن نباتة وعلقمة بن قيس ويحيى بن أم الطويل وزرّ بن حبيش وعباية بن ربعي وعبابة بن رفاعة وأبو الطفيل، أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال بحضرة المهاجرين والانصار، وأشار إلى صدره: (كيف مُلأ علماً لو وجدت له طالباً، اسألوني قبل أن تفقدوني، وهذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله، هذا ما زقّني رسول الله زقّاً فاسألوني فان عندي علم الأولين والآخرين، أما والله لو ثنيت لي الوسادة ثم جلستُ عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الانجيل بانجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم /24/ وبين أهل الفرقان بفرقانهم حتى يُنادي كلُّ كتاب بأن عليّاً حكم فيّ بحكم الله...) (2) (انتهى كلامه)، وعن الواحدي في أسباب نزول القرآن والوسيط أيضاً، والثعلبي في الكشف والبيان، وعلي بن علقمة ومجاهد أن علياً (عليه السلام) قال: (إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحدٌ قبلي ولا عمل بها أحدٌ بعدي ثم تلا قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً] (3))(4)، وعن شريك والليث والكلبي وأبي صالح والضحاك والزجاج، ومقاتل بن حنان ومجاهد وقتادة وابن عباس: (كان الاغنياء يكثرون مناجاة الرسول (صلی الله علیه و آله) فلما نزل قوله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ...] الآية انتهوا عن ذلك، واستقرض عليٌّ (عليه السلام) ديناراً وتصدّق به فناجى النبي (صلی الله علیه و آله)عشر نجوات ثم نسخت الآية التي بعدها) (5)، وعن السليمي عن أبي هريرة وابن عمر أنه قال عمر بن الخطاب: كان لعليّ ثلاث، لو كانت لي واحدة منهن كانت أحبُّ إليّ من حُمر النِعَم،

ص: 54


1- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/315.
2- م.ن: 1/317.
3- سورة المجادلة / الآية 12.
4- صحيح الترمذي: 5/406-407، أسباب النزول/ الواحدي: 294، ذخائر العقبى/ الطبري: 109، كنز العمال/ المتقي الهندي: 1/268، 3/156، المناقب/ الخوارزمي: 195-196، ينابيع المودة/ القندوزي: 116-117، تذكرة الخواص/ سبط ابن الجوزي: 43.
5- م.ن:

تزويجه فاطمة وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى) (1)، وعن ابن عينية (أزهد الصحابة علي بن أبي طالب بعد النبي (صلی الله علیه و آله) (2)، وعن قتادة عن الحسن عن ابن عباس في قوله تعالى: [إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً] (3) هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، سيد في تقاه عن ارتكاب الفواحش ثم ساق التفسير إلى قوله (جزاءً من ربّك) لأهل بيتك خاصّاً لهم وللمتقين عاماً) (4)، وعن ابي الجارود في تفسير قوله تعالى: [أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ] (5)، قال علي بن ابي طالب (عليه السلام) لم يسبقه أحد) (6)، وعن ابي صالح وأبي هريرة وابن عباس في قوله تعالى: [فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ] (7)، يقول: يا محمد لا يكذبك علي بن ابي طالب بعد ما آمن بالحساب) (8)، وعن السدي وابي مالك عن ابن عباس والباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: [وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ] (9)، علي بن ابي طالب) (10)، وعن السدي أيضاً وابي صالح وابن شهاب عن ابن عباس في قوله تعالى: [وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ] (11)، قال: (يبشر محمد بالجنة علياً وجعفراً وعقيلاً وحمزة وفاطمة والحسن والحسين ((الذين يعملون الصالحات)) قال: الطاعات) (12)، وعن النظيري عن الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى [وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ] (13) نزلت في رسول الله (صلی الله علیه و آله)وعلي (عليه السلام) وهما أول مَن صلّى وركع) (14)/25/ وعن المزرباني عن الكلبي عن ابي

ص: 55


1- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف/ ابن طاووس: 1/40، المناقب/ ابن شهراشوب: 1/346.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/364.
3- سورة النبأ / الآية 31.
4- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/364.
5- سورة المؤمنون/ الآية 61.
6- بحار الانوار/ المجلسي: 9/225، تفسير نور الثقلين/ الحويزي: 3/547.
7- سورة التين / الآية 7.
8- شواهد التنزيل/ الحسكاني: 2/353.
9- سورة فاطر / الآية 32.
10- روي عن عبد خير عن علي (عليه السلام)، قال: سالتُ رسول الله عن تفسير هذه الآية فقال: هم ذريتك وولدك). ظ: شواهد التنزيل/ الحسكاني: 2/105.
11- سورة الاسراء/ الآية 9.
12- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/387.
13- سورة البقرة، الآية 43.
14- ظ: مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 198، شواهد التنزيل/ الحسكان: 1/85.

صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] (1)، (نزلت في علي خاصة، وهو أول مؤمن وأول مصلٍّ بعد النبي (صلی الله علیه و آله) (2)، وعن السديّ عن قتادة عن عطاء عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: [إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ] (3)، (فأول من صلى مع رسول الله علي بن ابي طالب) (4)، وعن يعقوب بن سفيان عن ابي بكر الحميدي عن سفيان بن عينية عن ابن ابي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس (بْينا رسول الله (صلی الله علیه و آله)قائم يصلي مع خديجة إذ طلع عليه علي بن ابي طالب، فقال: ما هذا يا محمد، قال: هذا دين الله، فآمن به وصدّقه ثم كانا يصليان ويركعان ويسجدان فابصرهما أهل مكة ففشي الخبر فيهم أن محمداً قد جنَّ فنزل: [ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ] (5)، وعن الخركوشي قال: (وجاء جبرئيل بأعلى مكة، وعلّمه الصلاة فانفجرت في الوادي عين حتى توقف جبرئيل بين يدي رسول الله، وتعلم رسول الله منه الطهارة ثم أمر علياً) (6)، وعن تاريخ الطبري والبلاذري وجامع الترمذي وابانة العكبري وفردوس الديلمي وأحاديث أبي بكر بن مالك وفضائل الصحابة عن زيد بن ارقم، وعن مسند احمد عن ابن عباس قالا: قال النبي (صلی الله علیه و آله): (أول من صلى معي عليَ)، وعن تأريخ النسوي، قال زيد بن ارقم: (أول من صلى مع رسول الله عليّ) (7)، وعن جامع الترمذي ومسند أبي يعلى الموصلي عن انس قال: (بُعِث النبي (صلی الله علیه و آله) يوم الاثنين، وصلى عليّ يوم الثلاثاء) (8)، وعن النسوي في المعرفة والترمذي في الجامع، وابن بطة في الابانة عن حبّة العرني قال: (سمعت علياً (عليه السلام) يقول: أنا أول من صلّى مع رسول الله) (9)، وعن سنن ابن ماجه وتفسير الثعلبي عن عبد الله بن ابي رافع عن ابيه (أن علياً صلّى مستخفياً مع النبي سبع سنين وأشهر) (10)، وعن ابن شبرويه في الفردوس عن جابر قال: (قال النبي

ص: 56


1- سورة هود / الآية 23.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/296.
3- سورة المزمل / الآية 20.
4- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/296.
5- سورة القلم / الآية 1 , 2.
6- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/297.
7- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/297.
8- م.ن: 1/297، سنن الترمذي: 4/479.
9- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/299، م.ن: 1/297.
10- م.ن: 1/299.

(صلی الله علیه و آله): لقد صلّت الملائكة عَلَيَّ وعلى عليّ بن ابي طالب سبع سنين قبل الناس، وذلك أنه كان يصلي، ولا يصلي معنا غيرنا) (1)، قال في المناقب وفي رواية (لم يصلِّ فيها غيري وغيره) (2)، وفي رواية (لم يُصلِّ معي رجل غيره) (3)(انتهى).

الى غير ذلك من الاخبار المتكاثرة والروايات المتظافرة بل هي مستفيضة إن لم نقل /26/ متواترة كما سمعت بانه أسبق من غيره بالاسلام والايمان كما أنه أسبق من غيره بالبيعة الى النبي (صلی الله علیه و آله) والعلم والسخاء والتصدّق والزهد والاعمال الصالحات والطاعات السنيات والصلات مع النبي (صلی الله علیه و آله) والايمان به دون غيره بل إن هذه الاخبار الاخيرة مصرحة أيضاً بسبقه (عليه السلام) بالايمان والاسلام على غيره، كما لا يخفى على مَن لاحظها وحينئذ.

فمن المعلوم الذي لا يتطرق اليه إنكار ولا يتناوله قتم أو غبار، دلالتها على ثبوت أفضليته (عليه السلام) على من عداه بالبداهة فتأمل جيداً* ومنها عن ابن المغازلي الشافعي في كتابه أنه قال: (روى البيهقي في كتابه المسمّى بفضائل الصحابة عن عائشة أنه قال: ظهر علي بن ابي طالب من بعيد، فقال النبي (صلی الله علیه و آله): هذا سيد العرب، فقالت عائشة: ألست سيد العرب، فقال (صلی الله علیه و آله): أنا سيد العالمين وهو سيد العرب) (4)، ولا يخفى ما فيها من الدلالة الواضحة على ذوي الافهام السليمة والعقول المستقيمة على ما نروم إثباته، إذ لاريب بأن هذا الوصف لا يصح صدقه عليه إلا وأن يكون ممّن يصح صدقه عليه، إذ لا معنى لتسميته بذلك ووصفه به إلا بعد كونه جامعاً لما صحّح صدق الوصف عليه، ولتسميته له به إذ من المعلوم أن السيد لا يسمّى سيداً إلا وأن يسود قومه أو عشيرته إما بوفور فضله أو زيادة علمه أو حلمه أو كرمه أو شجاعته أو طيب عنصره ومولده أو شرف آبائه أو غير ذلك، ولاريب بجامعيته لها (عليه السلام) دون غيره، فتثبت أفضليته على من سواه، ألا يُقال: إنا لا نسلّم ثبوت جامعيته لها لا ندّ سواه أيضاً في محل النزاع، بل نقول هو عينه فلو كان عندنا معلوماً لما وقع الخلاف فيه ولما فضّلنا غيره عليه، لأنّا نقول: إن ذلك يكون من باب مقابلة الشك للبديهة، فلا يستحق للجواب عليه، إذ جامعيته لذلك لا يتطرقها إنكار، بل هي

ص: 57


1- م.ن: 1/299.
2- م.ن: 1/299.
3- م.ن: 1/299.
4- مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 213-214.

كالشمس في رابعة النهار، بل إن هذا مما يشهد الوجدان والضرورة به، بل إن هذا معروف عند بعض المخالفين لنا في الدين فضلاً عن المسلمين، ومنها ما رواه الثعلبي عن عبد الله بن سلام (أنه لما أنزل الله تعالى على نبيه: [قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ] (1) إن الذي عنده علم الكتاب هو علي بن ابي طالب) (2)،

أقول – ولا يخفى – أن هذه الآية تدلّ على أفضليته على جميع المخلوقين لوجهين، أحدهما: جعل الله سبحانه له شاهداً على هذه الامة وحده قطعاً، وليس الاكتفاء به وقبول شهادته منه إلا /27/ من حيث كونه افضل من غيره وأوفر إيماناً وأغزر علماً ممّن عداه، ولو لم يكن كذلك لردت شهادته ولن تقبل منه لانتفاء شرطها الذي هو العدالة الملكوتية،

وبالجملة فاختيار الله تعالى شهادة علي (عليه السلام) دون غيره وكونه شهيداً مما يدل على افضليته ولو كان غيره موجوداً مثله في ذلك العصر الذي قد وجد فيه من ادّعى تفضيله عليه لما أختار الله علياً وحده، ولأتى بضمير الجمع، وثانيها اعطاؤه(3) علم الكتاب وحده دون غيره دليل على افضليته ومحبة الله سبحانه ولو لم يكن محبوباً لله لما اعطاه هذه المرتبة العالية وأكرمه بتلك الكرامة الغير متناهية، ومنها قوله تعالى: [أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ] (4)، فقد روى ابن جرير الطبري محمد (أن من كان على بيّنة من ربه رسول الله والشاهد علي) (5)، وكذا عن الحافظ والثعلبي، ورواها أبو نعيم بثلاثة طرق عن عبد الله الاسدي والفلكي المفسّر عن مجاهد، وعن عبد الله بن شداد وعن الفخر الرازي في تفسيره الكبير أنه قال: (ذكروا في تفسير الشاهد وجوه، أحدهما: أنه جبرئيل يقرأ القرآن على محمد، وثانيها: أن ذلك الشاهد لسان محمد (صلی الله علیه و آله) ، وثالثها: أن المراد هو علي بن ابي طالب (عليه السلام) ) (6)، والمعنى أنه يتلو تلك البيّنة، وقوله: (منه) أي هذا الشاهد من محمد)،

ص: 58


1- سورة الرعد / الآية 43.
2- روي عن عبد الله بن عطاء قال: كنتُ عند ابي جعفر محمد الباقر جالساً إذ مرّ عليه ابن عبد الله بن سلام، قلت: جعلني الله فداك هذا ابن الذي عنده علم الكتاب؟ قال: لا، ولكنه صاحبكم علي بن ابي طالب). مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 314، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/307-310، ينابيع المودة/ القندوزي: 119-120.
3- في المخطوط: إعطائه.
4- سورة هود / الآية 17.
5- جامع البيان/ الطبري: 12/15، الدر المنثور/ السيوطي: 3/324، تذكرة الخواص/ سبط ابن الجوزي: 41، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/282، كنز العمال/ المتقي الهندي: 1/251-252، مناقب عليّ بن ابي طالب/ المغازلي: 270، 314، المناقب/ الخوارزمي: 197.
6- مفاتيح الغيب/ الفخر الرازي: 17/ 201.

وغير خفي أن في هذه كفاية للمنصف وقناعة لمن لا يروم البغي والتعسّف في ثبوت الأفضلية له (عليه السلام) ، وأي فضيلة يرومها الطالب أحق من هذه المنزلة الرفيعة والدرجة المنيعة وقد جعله الله نفس محمد (صلی الله علیه و آله)، ومنها قوله (صلی الله علیه و آله)كما رواه المدائني عن ابن عباس أنه قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) لعلي بن ابي طالب: أنت أخي ووصيي ووارثي، لحمك من لحمي ودمك من دمي وسلمك سلمي وحربك حربي والايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأنت غداً على الحوض خليفتي وأنت تقضي ديني وتنجز عدتي وشيعتك على منابرٍ من نورٍ، مبيّضة وجوههم حولي في الجنة، وهم جيراني، ولولا أنت يا علي لم يُعرف المؤمنون بعدي) (1)، ومنها قوله تعالى: [إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ] (2)، فقد روى الفخر الرازي طريقين، ثالثهما: بأن المنذر النبي، والهادي عليّ) (3)، وروي أيضاً عن ابن عباس أنه قال: (وضع رسول الله (صلی الله علیه و آله)يده على صدره، فقال: أنا المنذر، وأومى الى منكب عليّ، قال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي) (4)، ومنها ما رواه الحمويني عن ابن عباس أنه قال: (سمعتُ رسول الله يقول لعليّ: أنا وأنت من شجرة واحدة، وسائر الناس من شجرٍ شتى) (5) /28/ فان قيل: أن قصارى ما دلت عليه هذه الرواية قرب علي منه في النسب دون غيره من أعمامه وعشيرته، قلت: ليس المراد بها ذلك، إذ ذلك مما لا يرتاب فيه أحد، وانما المراد منها بيان قربه منه بالافضلية والشرف والايمان والمنزلة التي هي ما عدا النبوة، ولو لم يكن كذلك لخلي الخبر من الفائدة ولكان مستهجِناً لكونه حينئذ من باب تحصيل الحاصل، فان قيل: لعلّ الخطاب هنا من باب جعل المعلوم كالمجهول ووقوع ذلك كثير في المحاورات والمكالمات، قلت: إنما نسلم كونه كذلك إذا

ص: 59


1- الامالي/ السيد المرتضى: 1/342، أمان الامة/ الصافي: 1/160، بحار الانوار/ المجلسي: 1/576.
2- سورة الرعد / الآية 7.
3- مفاتيح الغيب/ الفخر الرازي: 19/14.
4- كنز العمال/ المتقي الهندي: 1/251، 6/157، الدر المنثور/ السيوطي: 4/45، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/293-303، نور الابصار/ الشبلنجي: 78، ينابيع المودة/ القندوزي: 115, 282.
5- جاء في مستدرك الصحيحين ما نصّه: (عن جابر بن عبد الله الانصاري (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي: يا علي الناس من شجر شتى، وانا وانت من شجرة واحدة، ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ((وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد) سورة الرعد / الآية 4. ظ: مستدرك الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 2/241، فرائد السمطين/ الحمويني: 1/ب4، المناقب/ الخوارزمي: 87، الدر المنثور/ السيوطي: 4/44، ينابيع المودة/ القندوزي: 280، 305.

كان فيه علة مقتضية له وذلك كالاقرار والاطلاع على المراد او لاظهار الفكر وللتهكّم والسخرية، أو لطلب شيء منه أو غير ذلك، ولا معنى لجعل العلة المقتضية ههنا أحد المذكورات بالبداهة، فتعيّن كون العلة لالقاء الخبر منه (صلی الله علیه و آله)إليه (عليه السلام) إعلامه بأنه مساوٍ له بالفضل أو قريب منه (صلی الله علیه و آله)، ومنها قوله تعالى: [حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ] (1)، فقد روى عز الدين عبد الرزاق المحدّث في عدة طرق، أنها نزلت في عليّ بن ابي طالب(2)، فان قيل: إن الموصول الاسمى ههنا يدل على أن المقصود هي الجماعة لما فيه من رائحة العموم، قلت: سلّمنا ولكن لو كان المقصود ذلك لأتى بالفعل على صيغة الجمع، ولم يأتِ به على سبيل الافراد على أن استعماله في التعظيم أكثر من أن يُحصى،

ومنها قوله تعالى: [فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ] (3)، فقد روى ايضاً عبد الرزاق المحّدث الحنبلي والحافظ ابو بكر بن مردويه باسناده الى اسماء بنت عميس، وروى ابو يوسف يعقوب ابن سفيان النسوي في تفسيره مسنداً إلى ابن عباس، ويروي السدي في تفسيره عن ابن مالك وابن عباس، وروى الثعلبي ايضاً في تفسيره باسنادين أن ( "صالح المؤمنين" عليّ ) (4) – ولا يخفى – بأن الذي مدحه الله بذلك لابد وأن يكون ذا فضلٍ، وإذا كان كذلك قطعاً هو الخليفة بعده.

ص: 60


1- سورة الانفال / الآية 64.
2- الصوارم المهرقة/ التستري: 1/316، نقلها عن (رموز الكنوز في تفسير كتاب الله العزيز) للشيخ عز الدين عبد الرزاق الحنبلي الموصلي (المتوفى سنة 660ﻫ).
3- سورة التحريم / الآية 4.
4- الدر المنثور/ السيوطي: 6/244، الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 144، كنز العمال/ المتقي الهندي: 1/273، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 269، ينابيع المودة/ القندوزي: 107.

ومنها، قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ] (1) ، فقد روى ابن حجر في كتابه المسمّى ب- (الصواعق المحرقة) والحافظ بن مردويه عن ابن عباس، قال: (لما نزلت هذه الآية، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): هم أنت يا عليّ وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، وتأتي أعداؤك مقمحين) (2)، ومن البيّن بأن جزاءهُ (عليه السلام) لا يكون هكذا يوم القيامة إلا لكرامته على الله، وذلك هو الفضل.

ومنها قوله تعالى: [وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ] (3)، فقد روى الحافظ أيضاً عن عليّ (عليه السلام) : (ستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة) /29/ اثنان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، وهم أنا وشيعتي) (4).

ومنها قوله (صلی الله علیه و آله) : (يا عليّ أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي) (5). و .... قدرة على تحصيل هذه المرتبة العليّة والمنزلة السنيّة وكفاه فخراً وفضلاً بذلك، وقد جعله النبي (صلی الله علیه و آله)مساوياً له في كل الحالات وموازناً له في كل الجهات ما عدا النبوة.

ومنها قوله تعالى: [وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ] (6)، فقد روى أحمد ابن حنبل في مسنده (أن ذلك الآذان هو عليّ حين أذن بالآيات في سورة براءة حين أنفذه النبي (صلی الله علیه و آله)مع أبي بكر وأتبعه بعليّ غررّه ومضى بهما عليّ، وقال النبي: قد أُمِرتُ أن لا يبلغها إلا أنا أو واحد مني) (7)، وفي الجمع بين الصحاح الستة ونحوه.

ومنها قوله تعالى: [قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] (8)، ففي الصحيحين ومسند ابن حنبل وتفسير الثعلبي عن ابن عباس، أن هذه الآية نزلت في عليّ وفاطمة وابنيهما(9).

ومنها قوله تعالى: [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً] (10)، فقد روي ايضاً عن احمد ابن حنبل وكذلك عن الجمع بين الصحاح الستة

ص: 61


1- سورة البيّنة / الآية 7.
2- الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 96.
3- سورة الاعراف / الآية 181.
4- الصواعق المحرقة/ ابن حجر.
5- صحيح الترمذي: 5/638، 640-641، الدر المنثور/ السيوطي: 3/292، في تفسير سورة التوبة الآية 120، تأريخ دمشق/ ابن عساكر: 13/150-151، تذكرة الخواص/ سبط ابن الجوزي: 55-56، حلية الاولياء/ الاصفهاني: 4/345، ذخائر العقبى/ محب الدين الطبري: 63، 79، 120، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/149-152، كنز العمال/ المتقي الهندي: 5/40، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 7، 19. مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 27-37.
6- سورة التوبة / الآية 3.
7- الغدير/ الأميني: 8/ 15.
8- سورة الشورى / الآية 23.
9- المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/172، الكشف والبيان/ الثعلبي: ج1 ورقة 101 (مخطوط)، كنز العمال/ المتقي الهندي: 1/218، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 194. مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 307-209، نور الابصار/ الشبلنجي: 111-112. ينابيع المودة/ القندوزي: 123-124.
10- سورة الاحزاب / الآية 33.

أنها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وفي بعض روايات علمائهم (قالت أم سلمة: وأنا معكم يا رسول الله، قال لها (صلی الله علیه و آله): إنك إلى خير، إنك الى خير) (1).

ومنها قوله تعالى: [فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ] (2) الخ، ففي النيسابوري في تفسيره راوياً عن عائشة (أنه لما خرج (صلی الله علیه و آله)في المرط الاسود جاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال (صلی الله علیه و آله): [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً] (3))(4)، ثم قال النيسابوري (هذه الرواية كالمتفق على صحتها(5) بين أهل التفسير والحديث. ((فمن حاجك في النصارى، إلى أن قال: ((ندعو ابناءنا وابناءكم)) أي يدعو كل منا ومنكم أبناءه ونساءه، ويأتي هو بنفسه وبمن هو كنفسه الى المباهلة)، وانما يعلم اتيانه بنفسه من قرينة ذكر النفس ومن إحضار من هم أعز من النفس، ويعلم إتيان من بمنزلة النفس من قرينة أن الانسان لا يدعو نفسه ثم نبتهل ثم نتباهل، إلى أن قال(6) : (وفي الآية دلالة على أن الحسن والحسين وهما أبناء البنت يصح أن يُقال أنهما أبناء رسول الله، لأنه وعد أن يدعو أبناءه، ثم جاء بهما وقد يتمسك الشيعة قديماً وحديثاً في أن علياً أفضل من سائر الصحابة لأنها دلّت على أن نفس علي (عليه السلام) نفس محمد إلا فيما

ص: 62


1- صحيح الترمذي: 5/35، اسباب النزول/ الواحدي: 251-252، الدر المنثور/ السيوطي: 4/313، تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي: 9/126، تاريخ دمشق/ ابن عساكر: 13/202-207، ذخائر العقبى/ محب الدين الطبري: 6/405، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 2/10، كنز العمال/ المتقي الهندي: 6/405، المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 2/416، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 23، 27.
2- سورة آل عمران/ الآية 61.
3- سورة الاحزاب / الآية 33.
4- وفي رواية اخرى عن أم سلمة (رضي الله عنها): إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جلل الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، إذهب عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً. فقالت أم سلمة (رضي الله عنها): وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: إنكِ الى خير). ظ: صحيح مسلم: 5/351، أسباب النزول/ الواحدي: 251-252، الاتقان لعلوم القرآن/ السيوطي: 2/199-200، السنن الكبرى/ البيهقي: 2/ 149-252، الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 85، تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي: 9/126، ذخائر العقبى/ محب الدين الطبري: 21-24. شواهد التنزيل/ الحسكاني: 2/10-92، صحيح مسلم: 4/1883، كنز العمال/ المتقي الهندي: 6/405، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 23، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 118، نور الابصار/ الشبلنجي: 111-112، ينابيع المودة/ القندوزي: 8، 124.
5- بحار الانوار/ المجلسي: 1/285، مفاتيح الغيب/ الرازي: 8/71.
6- القائل هو الفخر الرازي، وليس النيسابوري. ظ: مفاتيح الغيب/ الفخر الرازي: 8/71-72.

خصّه الدليل وكان في الري رجل يُقال له /30/ محمود ابن الحسن الحمصي(1) وكان متكلم الامامية الاثنى عشرية، يزعم أن علياً أفضل من سائر الانبياء سوى محمد، قال ذلك، أنه ليس المراد بقوله ((وأنفسنا)) نفس محمد لأن الانسان لا يدعو نفسه، فالمراد غيره، وأجمعوا على ان ذلك الغير كان علي بن ابي طالب، فاذن نفس علي هي نفس محمد ولكن الاجماع دلّ على أن محمداً أفضل من سائر الانبياء فكذا علي. قال: ويؤكده ما يرويه المخالف والموافق أنه (صلی الله علیه و آله)قال: من أراد أن يرى آدم في علمه ونوحاً في طاعته، وابراهيم في خلّته، وموسى في تربته، وعيسى في صفوته، فلينظر إلى علي بن ابي طالب(2)، فدل الحديث على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقاً فيهم، وأجيب بأنه كما انعقد الاجماع بين المسلمين على أن محمداً أفضل من سائر الانبياء، فكذا انعقد الاجماع بين المسلمين قبل ظهور هذا الانسان على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي، وأجمعوا على أن علياً ما كان نبياً، فعُلم أن ظاهر الآية كما أنه مخصوص في حق محمد فكذا في حق سائر الانبياء) (3)انتهى ما قلناه من كلامه.

أقول: ولا يخفى عليك عند التأمل ضعف ما أجاب به لوجهين:

أحدهما: عدم سلب أفضليتهُ (عليه السلام) عنه على جميع الصحابة ضرورة، أن ما أجاب به قصاراه أنه (عليه السلام) لم يكن افضل من سائر الانبياء، كما أنه لم يكن أفضل من محمد (صلی الله علیه و آله)وهذا لو سلم ليس فيه دلالة على انه (عليه السلام) لم يكن أفضل من غيره من الصحابة.

وثانيهما: أن ما ادّعاه من الاجماع قبل ظهوره (عليه السلام) غير متحقق الوجود والوقوع إذ لا إجماع قبل انقطاع الوحي، على أنّا لو سلّمنا استقراره في ذلك الزمان، نقول: هو معارض بأخبار كثيرة ومتواترة بين الفريقين أشد التواتر، وأن منع ذلك فلا أقلّ من الاستفاضة دالة على أنه أفضل حتى من الانبياء السابقين كما مرّ بعضها وسيأتي ذكر بعض منها إن شاء الله.

ص: 63


1- هو الشيخ الامام سديد الدين محمود بن علي بن الحسن الحمصي الرازي، علّامة زمانه في الاصوليين. ورع ثقة، له عدة تصانيف منها: التعليق الكبير، التعليق الصغير، المصادر في اصول الفقه. ظ: الفهرست/ الشيخ الطوسي: 1/105، معجم رجال الحديث/ الامام الخوئي: 19/97، امل الأمل/ الحر العاملي: 2/216.
2- في رواية عن ابن عباس، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من اراد أن ينظر الى ابراهيم في حلمه والى نوح في حكمه، والى يوسف في جماله، فلينظر الى علي بن ابي طالب. ظ: الرياض النضرة/ محب الدين الطبري: 2/290، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 45، ينابيع المودة/ القندوزي: 303.
3- مفاتيح الغيب/ الفخر الرازي: 8/72.

فيقع التعارض ما بين الدليلين والظاهر أن المرجّح لهذه الاخبار موجود دون غيرها وهو الشهرة بين الفريقين، ولو لم يسلم ذلك ومنع وجوده لقلنا: غاية ما يحصل باليد تكافؤهما فيتساقطان حينئذ فيبقى دلالة الرواية على ما نحن بصدد إثباته سليماً من المعارض، ولا يذهب عليه لأنه يضرنا بتساقطهما فيلزم منه نفي أفضليته (صلی الله علیه و آله)على الانبياء لأن ذلك من المماسات مع الخصم على انّا يمكننا أن ندّعي ثبوت أفضليته على الانبياء بتقريب، انّا نقول: قد صرح أهل /31/ التفسير والمحدثون من الفريقين إن لم نقل أجمعوا في تفسير قوله تعالى: [وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ] (1) على أن ابراهيم الخليل (على نبينا وعليه السلام) تمنى أن يكون من شيعة علي (عليه السلام) وهذا الطريق قد اشتهر ما بينهم غاية الشهرة(2)،

ومن المعلوم أن ذلك النبي العظيم لم يتمنى ذلك إلّا وأنّ له (عليه السلام) كانت رفعة عظيمة وفضل غير متناهٍ دون غيره من سائر المخلوقين أوجبت تمني ابراهيم (عليه السلام) لأن يكون من شيعته، ولو لم يكن كذلك وتمنى ذلك لَلِيَم(3) عقلاً وعرفاً وحسن التبكيت(4) والتنديم على ذلك، فما صدور ذلك من ابراهيم بلا لوم إلا مكونه (عليه السلام) أفضل من غيره كافة.

ومن هنا يفهم تفضيله على سائر الانبياء بالفحوى إن لم نقل بالاولوية، لأنه لما ثبت من هذه الآية تفضيله على ابراهيم الذي هو اعلى مرتبة بالفضل ممّن عداه من الانبياء لعظم شأنه وكبر خطره وكونه أباً لجميع الانبياء بالنسبة فبالأولى أن يكون علي (عليه السلام) أفضل منهم ودعوى تساوي الانبياء جميعاً بالفضل والمزية ما عدا محمد مدفوعة بقوله تعالى: [تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ] (5) ولو يرى للناظر ضعف ما ذكرناه، فلنا أن تؤيده أيضاً بما رواه

ص: 64


1- سورة الصافات / الآية 83.
2- ظ: رجال الحديث/ الامام الخوئي: 22/222، بحار الانوار/ المجلسي: 36/151، الفضائل/ شاذان القمي: 1/58.
3- لِيمَ: فعل مبني للمجهول من الفعل لامَ، بمعنى عَدَلَ، ولامَهُ على كذا يلومه لوماً وملامةً فهو مليم وملوم.
4- التبكيت: التقريع والتعنيف والتوبيخ، وأصله من الفعل ((بكت)) بمعنى ضرب بالسيف والعصا ونحوهما.
5- سورة البقرة / الآية 253.

شاذان بن جبرئيل القمي(1) وغيره عن جماعة ثقات، بل قيل أنه رواه ايضاً سبط بن الجوزي من أنه (لما وردت حرّة بنت حليمة السعدية على الحجاج بن يوسف الثقفي فمثلت بين يديه، فقال لها: أنتِ حرّة بنت حليمة السعدية، قالت له: فراسة من غير مؤمن، فقال لها: الله جاء بك، فقد قيل عنك أنك تفضلين علياً على أبي بكر وعمر وعثمان، قالت: لقد كذب الذي قال إني أفضله على هؤلاء خاصة، قال: وعلى من غير هؤلاء، قالت: أفضله على آدم ونوح وابراهيم ولوط وداود وسليمان وموسى وعيسى، فقال لها: ويلك أنك تفضلينه على الصحابة وتزيدين عليهم سبعة من الانبياء من اولي العزم من الرسل، إن لم تأتينِ ببيان ما قلت وإلا ضربت عنقك، فقالت: ما أنا مفضلته على هؤلاء الانبياء، ولكن الله تعالى فضّله عليهم في القرآن بقوله تعالى: [وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى] (2)، وقال في حق علي: [كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً] (3)، فقال: أحسنتِ يا حرة فبما تفضلينه على نوحٍ ولوطٍ، فقالت: الله فضّله عليهما بقوله تعالى: [ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ /32/ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ] (4) وعلي بن ابي طالب كانت الملائكة تحت سدرة المنتهى زوجته بفاطمة الزهراء التي يرضى الله لرضاها ويسخط لسخطها، فقال الحجاج: أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على ابي الانبياء ابراهيم خليل الله، فقالت: الله سبحانه فضّله بقوله: [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي] (5)، ومولاي أمير المؤمنين قال قولاً لا يختلف فيه احد من المسلمين ((لو كشف الغطاء ما ازدت يقيناً)) وهذه كلمة ما قالها احد قبله ولا بعده، قال: احسنت يا حرة فبما تفضلينه على موسى كليم الله، قالت: بقول الله تعالى: [فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ] (6)، وعلي بن ابي طالب بات على فراش رسول الله لم يخف حتى انزل الله في حقه: [وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ] (7)، قال الحجاج: أحسنت يا حرة فبما تفضلينه على داود وسليمان، قالت: الله تعالى فضله عليهما بقوله: [يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ] (8)، فقال لها: في أي شيء كانت

ص: 65


1- هو ابو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي، كان عالماً فاضلاً فقيهاً عظيم الشأن، جليل القدر، له كتب منها: كتاب ازاحة العلة في معرفة القبلة، وكتاب تحفة المؤلف الناظم وعمدة المكلف الصائم. يروي عن الشيخ عماد محمد بن أبي القاسم الطبري. ظ: معجم رجال الحديث/ الامام الخوئي: 10/9، طرائف المقال/ البروجردي: 1/113.
2- سورة طه / الآية 121.
3- سورة الاسراء / الآية 19.
4- سورة التحريم / الآية 10.
5- سورة البقرة / الآية 260.
6- سورة القصص / الآية 21.
7- سورة البقرة / الآية 207.
8- سورة ص / الآية 26.

حكومته، قالت: في رجلين، رجل كان له كَرْم والآخر له غنم، فوقعت الغنم في الكرم فرعته فاحتكما الى داود، فقال داود: تُباع الغنم ويُنفق ثمنها على الكَرْم حتى يعود على ما كان عليه، فقال له ولده: يا أبتِ بل يؤخذ من لبنها، فقال الله تعالى: [ففهمناها سليمان] (1)، وإن مولانا أمير المؤمنين عليّ، قال: "سلوني عما فوق العرش، سلوني عما تحت العرش، سلوني قبل أن تفقدوني" وإنه (عليه السلام) دخل على رسول الله يوم فتح خيبر، فقال النبي للحاضرين: أفضلكم وأقضاكم عليّ)) فقال: أحسنتِ يا حرة، فبما تفضلينه على سليمان، فقالت: الله تعالى فضله عليه بقوله: [رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي] (2)، وعلي (عليه السلام) قال: "طلقتُك يا دنيا ثلاثاً، لا حاجة لي فيك"، فعند ذلك أنزل الله تعالى فيه: [تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً] (3)، فقال: أحسنتِ يا حرة. فبما تفضلينه على عيسى بن مريم، قالت: الله عز وجل فضّله عليه بقوله: [وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ /33/ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ] (4) فأخّر الحكومة الى يومه، وعلي (عليه السلام) لما قال له النصرانية فيه ما أدعوه قتلهم ولم يؤخّر حكومتهم، فهذه كانت فضائله لم تعد بفضائل غيره، قال: أحسنتِ يا حرة، فرجت من جوابك ولولا ذلك لكان ذلك) (5)، ثم أجازها وأعطاها وسرّحها سراحاً حسناً، فلا غرو أن نقلناها بطولها، إذ بها حصول الكفاية على إثبات الافضلية لشمس دائرة الهداية على سائر الانبياء.

ولكن قد يُناقش في بعض اجوبتها له كجوابها عن افضليته على ابراهيم لاستلزامه عدم الاطمئنان من ابراهيم بربّه وقلة معرفته به، وهذا منافٍ لشأن المُرسِل والرسول فأما منافاته لشأن المرسل وهو الله سبحانه للزوم الجهل له سبحانه بارساله للخلق ذلك، والقول به محال لتنزهه (تعالى) عنه، واما منافاته لشأن المرسول فأنه يشترط أن يكون المرسول الى الامة عاقلاً عارفاً جامعاً لشرائط المعرفة والكمال واثقاً بربه وكلامه هذا مشعر بعدم اعتقاده بربه ووثوقه به فهو منافٍ لشأنه. وايضاً جوابها عن افضليته على سليمان ففيه دلالة على رغبة الانبياء في الدنيا وميلهم لها ولحطامها وحبّهم الملك والرياسة على الخلق وحرصهم عليها، وغير خفيٍّ بأن هذا منافٍ لشعارهم، لأن شعارهم لا يكون إلا الرفعة في الدنيا والرغبة في الاخرة والميلان الى

ص: 66


1- سورة الانبياء / الآية 79.
2- سورة ص / الآية 35.
3- سورة القصص / الآية 83.
4- سورة المائدة / الآية 116.
5- الفضائل/ شاذان القمي: 1/137-138، بحار الانوار/ المجلسي: 46/ 135-136، المناظرات في الامامة/ عبد الله الحسن: 1/128.

نعيمها والاجتناب عن نعيم هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها، فهم أجل من أن يوعظوا أو يتذكروا.

أقول: وقد يُجاب عن هذين الاشكالين بوجهين. أحدهما: أن يُقال أن المقصود من قول ابراهيم (عليه السلام) [رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى] (1) الخ، طلب وفور الايمان منه تعالى وزيادة الوثوق والمعرفة به (تعالى) وان كان (عليه السلام) هو عارفاً بذاته (تعالى) بالمعرفة التي هي عنده كائنة ما كانت وحينئذ فلا يلزم منه ثبوت نقصان الكمال له (عليه السلام) بذلك وثبوت الجهل لله تعالى بارساله له والقول بأن المراد من قوله لربه ذلك الاطلاع على قدرته وعظمته وعجيب صنعته، كما قال موسى (عليه السلام) لربه [أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ] (2) ففيه ما لا يخفى للفرق بين قوليهما بداهةً، لأن موسى (عليه السلام) لم يسأل ربه من قِبل نفسه بل لإلحاح قومه عليه وقولهم له أرنا الله جهرة، فسأل ربه ذلك لخوفه عليهم من الضلالة والرجوع الى ما كانوا عليه من قبل.

على انّا لو قلنا باتحادهما لافتقرنا الى التأويلات العارية عن الفائدة البعيدة الدلالة فتأمل وأما المقصود من قوله (عليه السلام): (لو كشف لي الغطاء ما ازدتُ يقيناً)، فهو اظهار الشكر والحمد والثناء على ما أعطاه الله من وفور المعرفة وغزارة اليقين والاعتقاد /34/ بعظيم قدرته، ولا يخفى ما في هذا الكلام من الدلالة على أفضليته (عليه السلام) فتأمل جيداً وثانيهما أن يُقال أن المراد من دعاء سليمان (عليه السلام) شيوع الذكر وعلوّ القدر وأن لا يكون من المنسيين المنصرم ذكرهم والمندرس أثرهم، ألا ترى أن الكريم أو الشجاع مثلاً إذا مات لم يندرس أثره ولم ينسخ اسمه وإن غاب عن الدنيا شخصه لفعله أشياء جميلة مقتضية لاظهار ذكره كما يحكم بهذا الوجدان وحينئذ فليس فيه اشعار برغبته الى الدنيا عن الآخرة فتأمل وأما المقصود من قول علي (عليه السلام): (طلقتك يا دنيا ثلاثاً)، الاعراض عنها لكونها هي الدار التي يموت ساكنها ويرحل قاطنها وأم البلايا وابو المنايا واخت الخطايا، حينئذ فدلالة هذا الكلام على الافضلية له غير خفي على الفطن الذكي فافهم.

ص: 67


1- سورة البقرة / الآية 260.
2- سورة الاعراف / الآية 143.

ومنها قوله تعالى: [وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى] (1)الخ، فقد نقلت العامة والخاصة بطرق متعددة عن ابن عباس أنه (قال لنا النبي (صلی الله علیه و آله) إن في هذه الليلة يهبط كوكب من السماء وقت الفجر، فمن سقط في داره فهو الخليفة والوصيّ والامام من بعدي، قال ابن عباس: فبتنا تلك الليلة ننتظر ذلك الكوكب لنراه في دار مَنْ يسقط وكان أطمع القوم فينا بالخلافة العباس بن عبد المطلب، فلما صار وقت الفجر هبط ذلك الكوكب من السماء وسقط في دار علي بن ابي طالب فلما اصبح الصباح سأل النبي (صلی الله علیه و آله) عن سقوط ذلك الكوكب، فأخبرناه أنه سقط في دار عليّ، فقال النبي: هو أخي ووصيي وناصري وخليفتي في أمتي، والإمام من بعدي، فقالت المنافقون: لقد ضلَّ محمد في ابن عمه وغوى ونطق فيه عن الهوى فأنزل الله سبحانه: [وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] (2)، قال ابن عباس: (فازدحمت الناس على عليّ يهنونه بالخلافة) (3)

ومنها ما روي عن ابي حنيفة باسناد له إلى فاختة أم هانيء، قال النبي لعليّ: (أنت سيد الناس في الدنيا، وسيد الناس في الآخرة) (4).

ومنها ما روي عن الشعبي، قال علي (عليه السلام): (إن النبي قال لي: مرحباً بسيد المسلمين، وإمام المتقين) (5).

ومنها ما روي عن سعيد بن جبير، (لما قال النبي (صلی الله علیه و آله) لعلي: أنت سيد العرب، قالت عائشة: وما السيد، قال: من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي) (6).

ص: 68


1- سورة النجم / الآيتان (2،1).
2- سورة النجم / الآيات 1-4.
3- في رواية عن انس قال: انقض كوكب على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): انظروا الى هذا الكوكب فمن انقض في داره فهو الخليفة من بعدي، فنظروا فاذا هو قد انقض في منزل علي، فانزل الله تعالى: (والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى) الآية. ظ: مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 266-310، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 2/210، ينابيع المودة/ القندوزي: 482، كفاية الطالب/ الكنجي الشافعي: 131.
4- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/217، بحار الانوار/ المجلسي: 38/ 151، تذكرة الخواص/ سبط ابن الجوزي: 78-79.
5- المناقب / ابن شهراشوب: 2/217، بحار الانوار/ المجلسي: 38/17، 40/22.
6- وفي رواية عن الامام الحسن بن علي (عليهما السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ادعوا لي سيد العرب – يعني علي بن ابي طالب- فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟ فقال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب. فلما جاء ارسل الى الانصار فأتوه، فقال لهم: يا معشر الانصار ألا أدلكم على ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعده ابداً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هذا علي فأحبّوه واكرموه بكرامتي، فان جبريل أمرني بالذي قلت لكم من الله عز وجل). ظ: حلية الاولياء/ الاصفهاني: 1/63 ، كفاية الطالب/ الكنجي الشافعي: 91-92، المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/124.

ومنها ما رواه الشبلنجي في كتابه المسمى ب- (نور الابصار) مسنداً الى ابن عساكر عن ابن عباس، أنه قال: (ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي (عليه السلام) ) (1). وأخرج ابن عساكر ايضاً عن ابن عباس أنه قال: (نزلت في علي ثلثمائة آية، وفضائله كثيرة مشهورة، وحسبك أنه أخو رسول الله بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة، وأحسن العلماء الربانيين والشجعان المشهورين والخطباء /35/ المعروفين والجامع للقرآن) (2).

ومنها ما روي عن الواحدي في كتابه المسمى ب- (أسباب النزول) أن الحسن والشعبي والقرطبي، قالوا: (إن علياً والعباس والطلحة ابن شيبه يفتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت ومفتاحه بيدي، ولو شئت كنت فيه، فقال العباس: وأنا صاحب السقاية والقائم عليها، فقال علي (عليه السلام): لا أدري لقد صليت ستة اشهر قبل الناس، وانا صاحب الجهاد في سبيل الله) (3)، فأنزل الله تعالى: [أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (4)، إلى أن قال: [الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ] (5)، وروى غيره هذا بطريق آخر، وهو أن علياً مرّ عليهما فوجدهما يفتخران فقال لهما: وأنا قد ضربتُ خراطيمكما بالسيفِ حتى آمنتما بالله فغضبا من كلامه فشكياه الى النبي، فقال له رسول الله: لِم قلتَ هذا لعمك، فقال له: يا رسول الله، او ليس ما قد قلته حقاً فأنزل الله عليهم (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ) الخ(6)،

ومنها ما روي عن ابي اسحق احمد الثعلبي في تفسيره عن ابي ذر في سبب نزول هذه الآية [إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ

ص: 69


1- نور الابصار/ الشبلنجي: ، الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 2/373، تأريخ الخلفاء/ السيوطي: 150.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/209، بحار الانوار/ المجلسي: 36/ 117، الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 2/373. البداية والنهاية/ ابن كثير: 7/359.
3- ظ: أسباب النزول/ الواحدي: 169، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 321-322. مفاتيح الغيب/ الفخر الرازي: 16/11، الدر المنثور/ السيوطي: 3/218-219، الصراط المستقيم/ علي بن يونس العاملي: 1/243، ينابيع المودة/ القندوزي: 106.
4- سورة التوبة/ الآية 19.
5- سورة التوبة / الآية 20.
6- ظ: المناقب/ ابن شهراشوب: 1/343، تأويل الآيات/ الحسيني: 1/200، بحار الانوار/ المجلسي: 36/39.

الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ] (1)، قال ابو ذر: صليتُ مع رسول الله (صلی الله علیه و آله) يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحدٌ شيئاً فرفع السائل يديه الى السماء، وقال: اللهم أشهد أني سألتُ في مسجد نبيك محمد (صلی الله علیه و آله) فلم يعطني أحدٌ شيئاً، وكان عليّ (عليه السلام) في الصلاة راكعاً فأومى اليه بخنصره اليمنى وفيها خاتم، فأقبل السائل فأخذ الخاتم من خنصره وذلك بمرأى من النبي، فرفع رسول الله طرفه الى السماء، وقال: اللهم أن أخي موسى سألك فقال: (ربِ اشرح لي صدري ويسّر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من اهلي هارون اخي أشدد به ازري واشركه في أمري) فأنزلت عليه قرآناً [سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون اليكما]، اللهم وأني محمد نبيك وصفيك، اللهم فأشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أخي أشدد به ظهري، قال ابو ذر: فما استتم دعاءه حتى نزل جبرئيل (عليه السلام) من عند الله (عز وجل) وقال: يا محمد إقر (إنما وليكم الله) ) (2) الخ،

ومنها ما روي عن الواحدي في تفسيره يرفعه ايضاً الى ابن عباس، قال: (كان مع عليّ اربعة دراهم لا يملك غيرها، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانية، فأنزل الله تعالى: [الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ] (3))(4) /36/

ومنها ما رواه مكحول عن عليّ (عليه السلام) في قوله تعالى: [وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ] (5) قال: (قال رسول الله سألت الله أن يجعلها اُذُنَك يا عليّ، ففعل فكان عليّ

ص: 70


1- سورة المائدة/ الآية 55.
2- مفاتيح الغيب/ الفخر الرازي: 12/26، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/161-184، ذخائر العقبى/ محب الدين الطبري: 98، 104، اسباب النزول/ الواحدي: 137، الدر المنثور/ السيوطي: 2/293، الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 24، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 311-314، ينابيع المودة/ القندوزي: 251، الاربعين/ النسوي: 1/171، الغدير/ الاميني: 2/52، بحار الانوار/ المجلسي: 35/194.
3- سورة البقرة/ الآية 274.
4- أسد الغابة/ ابن الاثير: 4/25، اسباب النزول/ الواحدي: 64، الدر المنثور/ السيوطي: 1/263، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/109-115، ذخائر العقبى/ محب الدين الطبري: 88.
5- سورة الحاقة/ الآية 12.

(عليه السلام) ) يقول: ما سمعتُ من رسول الله كلاماً إلا ووعيته وحفظته ولم أنسه) (1).

ومنها ما رواه الشبلنجي في كتابه مسنداً الى ابن عباس أنه ليس آية من كتاب الله الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعليّ أوّلها وأميرها وشريفها(2) ومنها ما عن الثعلبي في تفسيره أن سفيان بن عينية سئل عن قوله تعالى: [سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ] (3) فيمن نزلت، فقال للسائل: لقد سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلی الله علیه و آله): لما كان بغدير خمّ نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد عليّ وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه فشاع ذلك فطار في البلاد وبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله على ناقة له فأناخ راحلته ونزل عنها، وقال: يا محمد أمرتنا عن الله عز وجل أن نشهد أن لا إله إلّا الله، وانك رسول الله، فقبلنا منك وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا منك وأمرتنا بالزكاة فقبلنا منك وأمرتنا ان نصوم رمضان فقبلنا وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترضّ بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضّله علينا فقلتَ ((من كنتُ مولاه فعليّ مولاه)) فهذا الشيء منك أم من الله تعالى، فقال النبي (صلی الله علیه و آله)والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله تعالى، فولى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذابٍ اليم، فما وصل الى راحلته حتى رماه الله تعالى بحجر سقط على هامته فخرج من دبره فقتله، فأنزل الله تعالى [سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج] ) (4).

ومنها ما أخرجه الترمذي والحاكم وصححه عن بريدة قال: (قال رسول الله: إن الله أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم، فقيل له: يا رسول الله سمّهم لنا، قال: عليّ منهم، يقول ذلك ثلاثاً، وأبو ذر والمقداد وسلمان) (5).

ص: 71


1- أسباب النزول/ الواحدي: 317، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 2/271-284، كنز العمال/ المتقي الهندي: 6/ 398 و 408، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 199-200، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 265، 318-319.
2- ظ: جواهر المطالب/ الباعوني: 1/221.
3- سورة المعارج/ الآية 1.
4- تفسير الميزان/ الطباطبائي: 6/55، نور الابصار/ الشبلنجي: 78، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 2/86، ينابيع المودة/ القندوزي: 328، جامع الاحكام/ القرطبي: 18/242، سمط النجوم العوالي/ العاصمي المكي: 4/162.
5- صحيح الترمذي: 5/636، المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/130، كنز العمال/ المتقي الهندي: 6/428-429، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 29، 34، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 290-292، ينابيع المودة/ القندوزي: 147، 217.

ولا يخفى عليك ما في التكرار من الدلالة على أفضليته (عليه السلام).

ومنها ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن حبشي بن جنادة، قال: (قال رسول الله عليّ مني وأنا من عليّ، ولا يؤدّي عني إلّا عليّ) (1).

ومنها ما أخرجه الترمذي ايضاً عن ابن عمر، (قال: آخى النبي بين اصحابه فجاء عليّ تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله آخيت بين اصحابك، ولم تؤاخي بيني وبين أحدٍ، فقال (صلی الله علیه و آله): أنت أخي في الدنيا والآخرة) (2).

أقول: وليس المراد ههنا بالمؤاخاة المصاحبة في المشي والجلوس والقيام والاكل والشرب والنوم واليقظة، كما زعم بعض مدّعي الفضل، بل المراد منها كما لا يخفى على أهل الفطانة، المساواة في المنزلة والرفعة والدرجة، ولو لم يكن كذلك لما عدّها العارفون من أهل السنة في بعض فضائله (عليه السلام) /37/.

ومنها ما أخرجه مسلم عن علي (عليه السلام) أنه قال: (والذي فلق الحبة وبرء النسمة أنه لعهد النبي الأميّ إليّ أنه لا يحبني إلّا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق(3).

ومنها ما أخرجه الترمذي عن ابي سعيد الخدري قال: (كنا نعرف المنافقين ببغضهم علياً) (4).

فائدة/ إعلم أن سبب قوله (صلی الله علیه و آله)لأصحابه (عليّ أقضاكم) (أن النبي (صلی الله علیه و آله)كان جالساً مع جماعة من أصحابه فجاءه خصمان، فقال أحدهما: يا رسول الله إن لي حماراً وأن لهذا بقرة، وأن بقرته قتلت حماري، فبدأ رجل من الحاضرين، فقال: لا ضمان على البهائم، فقال النبي: إقضِ بينهما يا عليّ، فقال لهما عليّ: كانا مرسلين أم مشدودين، أم احدهما

ص: 72


1- سبل الهدى والرشاد/ الصالحي الشامي: 11/297، المناقب/ ابن شهراشوب: 1/391، بحار الانوار/ المجلسي: 38/325.
2- سنن الترمذي: 5/636، بحار الانوار/ المجلسي: 38/336، جواهر المطالب/ الباعوني: 1/69.
3- صحيح مسلم: 5/643، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 234، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 190-195، ذخائر العقبى/ محب الدين الطبري: 91، ينابيع المودة/ القندوزي: 52، كنز العمال/ المتقي الهندي: 6/394.
4- سمط النجوم العوالي/ العاصمي المكي: 3/56، الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 2/357، مجمع الزوائد/ الهيثمي: 9/180، الاربعين/ النسوي: 1/244، الغدير/ الاميني: 3/182، بحار الانوار/ المجلسي: 1/153، المناقب/ ابن شهراشوب: 3/10.

مشدوداً والآخر مُرسلاً، فقالا: كان الحمار مشدوداً والبقرة مرسلة وصاحبها معها، فقال عليّ: صاحب البقرة ضمان الحمار، فأقرّ النبي (صلی الله علیه و آله)حكمه وأمضى قضاءه) (1).

ومنها ما رواه ابو عثمان النهدي عن علي (عليه السلام) قال: (بينا رسول الله أخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة إذ أتيا على حديقة قال: فقلت يا رسول الله: ما أحسنها من حديقة، فقال: ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها، ثم مررنا بأخرى فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة، فقال: ما أحسنها، ولك في الجنة أحسن منها، ثم مررنا بأخرى فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة، فقال: ما أحسنها ولك في الجنة أحسن منها، حتى مررنا بسبع حدائق، وكل ذلك قول ما أحسنها، ويقول لك في الجنة أحسن منها، فلما خلا له الطريق اعتنقي ثم اجهش باكياً، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك، ضغائن لك في صدور أقوام لا يبدونها لك إلّا من بعد موتي فقلت يا رسول الله في سلامة من ديني، قال: في سلامة من دينك)(2).

أقول: ولقائل أن يقول: إن هذه الرواية لا تصلح أن تكون دليلاً لثبوت أفضليته (عليه السلام) لأنها لم تتضمن شيئاً سوى المحاورة والمناجاة ما بينه والوعد بأن له حسن المقام يوم تزلُّ فيه الاقدام عند الله تعالى، ولنا أن نجيب عنه، بأن نقول: كما أدعى ثبوت الافضلية لطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن يزيد وابي عبيدة عامر بن الجراح بقوله (صلی الله علیه و آله)لهم: (أنت يا طلحة الفياض، وان لكل نبي حواري وأن حواريّ الزبير، ويا خالد لا تؤذي رجلاً من أهل بدر، لو انفقت مثل أُحدٍ ذهباً لم تبلغ عمله، وأنك يا سعيد تبعث يوم القيامة أمة وحدك، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة) ، كذلك ثبتت الافضلية لعليّ (عليه السلام) حرفاً بحرف، وكيف لا تثبت له تلك وقد روت الأساطين من علمائهم والمتبحرون من ثقاتهم منهم الطبراني والحاكم باسناد حسن عن ابن مسعود أن النبي (صلی الله علیه و آله)قال: (النظر الى وجه عليّ عبادة) (3)، و (عليّ مني وأنا منه) (4)،

ص: 73


1- الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 2/359.
2- جواهر المطالب/ الباعوني: 1/230، بحار الانوار/ المجلسي: 28/66.
3- الرياض النضرة/ محب الدين الطبري: 2/291-292، تأريخ دمشق/ ابن عساكر: 40/9، تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي: 2/51، كنز العمال/ المتقي الهندي: 6/152 و 158، المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/141-142، ينابيع المودة/ القندوزي: 103، 214.
4- المعجم الكبير/ الطبراني: 4/19-20، كنز العمال/ المتقي الهندي: 6/153، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 221، 226، ينابيع المودة/ القندوزي: 60-61، 212، نور الابصار، الشبلنجي: 78.

ومنها ما أخرجه الطبراني في الاوسط عن أم سلمة قالت: /38/ (سمعت رسول الله يقول: عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض) (1).

ومنها ما رواه أحمد بن حنبل عن سعد بن ابي وقاص عن النبي (صلی الله علیه و آله) أنه يقول: (عليّ مع الحق والحق مع عليّ) (2).

ومنها ما أخرجه الحاكم عن جابر أن النبي (صلی الله علیه و آله)قال: (عليّ إمام البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله) (3).

ومنها ما أخرجه الديلمي عن ابن عباس أن النبي (صلی الله علیه و آله)قال: (عليّ مني بمنزلة رأسي من بدني) (4).

ومنها ما أخرجه البيهقي والديلمي عن أنس (أن النبي قال : عليّ يزهو في الجنة ككوكب الصبح لأهل الدنيا) (5).

ومنها ما أخرجه الترمذي والحاكم (أن النبي قال: إن الجنة لتشتاق الى ثلاثة عليّ وعمار وسلمان) (6).

ومنها ما رواه ابن خالويه في كتابه المسمى ب- (الآل) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله لعليّ: (حبك ايمان وبغضك نفاق، وأول من يدخل الجنة مُحبّك، واول من يدخل النار مبغضك) (7).

ومنها عن عمار بن ياسر ( أن النبي قال لعليّ: طوبى لمن أحبّك وصدّق فيك، وويل لمن أبغضك وكذّب فيك) (8).

ص: 74


1- المعجم الصغير/ الطبراني: 1/255، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 110.
2- تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي: 4/321، المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/119، 124.
3- المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/129، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 111
4- الفردوس/ الديلمي: 3/89.
5- الفردوس/ الديلمي: 3/90، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 140، ينابيع المودة/ القندوزي: 219، 279.
6- صحيح الترمذي: 5/667، المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/137.
7- بحار الانوار/ المجلسي: 39/ 267.
8- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف/ ابن طاووس: 1/69، فضائل الصحابة/ ابن حنبل: 2/680.

ومنها عن ابن عباس (قال: إن النبي نظر الى عليّ بن ابي طالب، فقال: أنت سيد في الدنيا، وسيد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني وبغيضك بغيض الله، قالوا: بل كل الويل لمن أبغضك) (1).

ومنها ما أخرجه البخاري عن عليّ (أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة) (2).

ومنها ما أخرجه الشيخان عن سهل بن سعد وغيرهما عن غيره (أن النبي (صلی الله علیه و آله)قال: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فبات الناس يخوضون ليلتهم أيهم يُعطاها، فلما أصبح الناس أتوا الى رسول الله كل منهم يرجو أن يُعطاها فقال النبي (صلی الله علیه و آله): اين علي بن ابي طالب، فقيل يا رسول الله ارمد، قال: فأرسلوا اليه، فأتوا به فبصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال عليّ: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال (صلی الله علیه و آله): فانفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الاسلام واخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْرِ النِعم، قال: فمضى ففتح الله على يديه) (3).

ومنها ما أخرجه البزاز وأبو يعلى والحاكم عن عليّ (عليه السلام) قال: (دعاني رسول الله فقال: إن فيك مثلاً من عيسى أبغضه اليهود حتى بهتوا أمّه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالنزل الذي ليس به، الا وأنه يهلك فيّ اثنان: محبٌ مفرط يطريني بما ليس فيَّ ومبغض يحمله شناني على أن يبهتني) (4).

ص: 75


1- المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/128، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 234. مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 103، ينابيع المودة/ القندوزي: 104.
2- جواهر المطالب/ الباعوني: 1/17 و 49، الاربعين/ النسوي: 1/267، الامالي/ الشريف المرتضى: 1/82.
3- ظ: بحار الانوار/ المجلسي: 21/10، الامالي/ الشريف المرتضى: 1/307، الخرائج والجرائح/ قطب الدين الراوندي: 1/159، الصوارم المهرقة/ التستري: 84، الفضائل/ شاذان القمي: 152.
4- ظ: الامالي/ الشريف المرتضى: 1/251، الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 2/261، فضائل الصحابة/ ابن حنبل: 2/713، مجمع الزوائد/ الهيثمي: 9/181، المستدرك على الصحيحين/ الحاكم النيسابوري: 3/123، كنز العمال/ المتقي الهندي: 6/158، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 71.

ومنها ما رواه محمد بن اسماعيل البخاري /39/ في صحيحه في كتاب ((فضائل القرآن)) في باب ((عمرة القضاء)) باسناده عن ابن عباس عن النبي (صلی الله علیه و آله)في حديث (أنه قال لعليَ: أنت مني وانا منك) (1).

ومنها ما رواه ابن المغازلي الشافعي في مناقبه باسناده عن عبد الله بن بريده قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): لكل نبي وصي ووارث، وان وصيي ووارثي علي بن ابي طالب) (2).

ومنها قوله تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً] (3)، فقد روى موفق بن احمد في كتاب ((فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) باسناده عن ابي سعيد الخدري حديث الغدير وذكر فيه ثم لم يفترقا حتى نزلت هذه الآية (اليوم اكملت لكم دينكم) الخ. ثم ذكر فيه فقال حسان بن ثابت: أتأذن لي يا رسول الله أن أقول أبياتاً، قال: قل ببركة الله، فقال حسان بن ثابت: يا معشر شيخة قريش اسمعوا شهادة الله، ثم قال:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم *** بخمٍّ واسمع بالنبيّ مناديا

بأني مولاكم نعم ووليكم *** فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا

الاهل مولاتي وأنت ولينا *** ولا تجدنّ في الخلق منالك عاصيا

فقال له يا عليَ فانَني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا) (4)

ومنها في ((غاية المرام)) عن المناقب لابن المغازلي الشافعي باسناده عن سلمان قال: (سمعت حبيبي محمد (صلی الله علیه و آله)يقول: كنتُ وعليّ نور بين يديّ الله يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بألف عام، فلما خلق الله آدم ركب النور في صلبه

ص: 76


1- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/59، بحار الانوار/ المجلسي: 33/325، الامالي/ الشريف المرتضى: 1/442، الغدير/ الاميني: 3/22.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/35، 264، بحار الانوار/ المجلسي: 38/ 147. معجم رجال الحديث/ الامام الخوئي: 10/27، الاربعين/ النسوي: 1/ 192.
3- سورة المائدة/ الآية 3.
4- مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 1/47، شواهد التنزيل/ الحسكاني: 1/156-160، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 19، الدر المنثور/ السيوطي: 2/259.

فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيّ النبوة، وفي عليّ الخلافة) (1)، وفي آخر (فأخرجني نبيّاً وأخرج عليّاً وصيّاً) (2)، وفي آخر (وكان اسمي في الرسالة والنبوة، وكان اسمه في الخلافة والشجاعة فأنا رسول الله وعليّ سيف الله) (3)، ولا يخفى ما في هذه الأوجه الثلاثة من الدلالة على أنه هو الوصي والامام والخليفة بعد النبي بلا فصل.

ومنها قوله تعالى: [إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] (4)، فقد روى ابن المغازلي الشافعي باسناده عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلی الله علیه و آله)قال: (أنا دعوة أبي ابراهيم، قلت: يا رسول الله وكيف صرت دعوة ابيك ابراهيم، قال: أوحى الله عز وجل إلى ابراهيم (([إنِي جاعِلُكَ لِلناسِ إماماً]، فاستخف إبراهيم /40/ الفرح، قال: ومن ذريتي أئمة مثلي، فأوحى الله إليه أن يا ابراهيم إني لا أعطيك عهداً لا أفي لك به، قال: يارب ما العهد الذي لا تفي لي به، قال: لا أعطيك لظالم من ذريتك عهداً، قال ابراهيم عندها: [وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ] (5)، قال النبي: فانتهت الدعوة إليّ والى عليّ، لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني نبيّاً واتخذ عليّاً وصيّاً) (6)، وهذه تنادي الامامة بعد النبي بلا فصل كالمتقدمة عليها.

ومنها قوله تعالى : [عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ] (7)، فقد روى الحافظ باسناده الى السدي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) (ان ولاية عليّ يتساءلون عنها في قبورهم فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا بر ولا بحر إلا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت. يقول للميت: من ربك، ومن دينك ومن نبيك ومن إمامك) (8).

ص: 77


1- مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 87-89، الفردوس/ الديلمي: 2/305، 3/332، بحار الانوار/ المجلسي: 35/24.
2- عمدة عيون اخبار الصحاح/ ابن البطريق: 1/242.
3- المسترشد/ محمد بن جرير الطبري (الشيعي): 1/632، ابو طالب حامي الرسول/ العسكري: 1/125.
4- سورة البقرة/ الآية 124.
5- سورة ابراهيم/ الآية 35.
6- مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 276.
7- سورة النبأ/ الآية 1 – 2.
8- بحار الانوار/ المجلسي: 36/2.

ومنها عن سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن سلمان الفارسي، (قال: سمعت رسول الله يقول أن وصيي وخليفتي وخير من أترك بعدي ينجز موعدي ويقضي ديني علي بن ابي طالب) (1).

ومنها عن الطبري باسناد له عن سلمان، (قال: قلت لرسول الله: يا رسول الله أنه لم يكن نبي إلا وله وصي، فمن وصيك، قال: وصيي وخليفتي في أهلي وخير من أترك بعدي مُؤدّي ديني ومنجز عدتي علي بن ابي طالب) (2).

ومنها عن عكرمة عن ابن عباس (أن جبريل نظر إلى عليّ، فقال: هذا وصيّك) (3).

ومنها عن حلية أبي نعيم وولاية الطبري قال النبي: (يا أنس يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين، قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلاً في الانصار وكتمته إذ جاء عليّ، فقال: من هذا يا أنس، قلت: عليّ، فقام مستبشراً واعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، فقال علي: يا رسول الله لقد رأيتك صنعت بي شيئاً ما صنعته من قبل، قال: وما يمنعني وانت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي وهذا من قول الله تعالى [وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ] (4) فأقام عليّاً لبيان ذلك) (5).

ومنها عن الثعلبي باسناده عن عطاء عن ابن عباس (قال رسول الله: الله ربي ولا أمارة لي معه وعليّ (عليه السلام) /41/ وليّ من كنت وليّه ولا امارة لي معه) (6).

ومنها عن مجاهد في تفسيره (قال: ما كان في القرآن ((يا أيها الذين آمنوا)) فإن لعليّ سابقة ذلك الآية لأنه سبقهم إلى الاسلام فسمّاه الله في تسع وثمانين موضعاً أمير المؤمنين وسيد المخاطبين الى يوم الدين) (7).

ص: 78


1- جواهر المطالب/ الباعوني: 1/107، الاربعين/ النسوي: 1/119، الامالي/ الشريف المرتضى: 1/596، الغدير/ الاميني: 5/351، الاحتجاج/ الطبرسي: 2/252.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/247، بحار الانوار/ المجلسي: 38/1، شرح الاخبار/ المغربي: 1/117.
3- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/247، بحار الانوار/ المجلسي: 38/2.
4- سورة النحل/ الآية 64.
5- شرح الاخبار/ المغربي: 1/119، المناقب/ ابن شهراشوب: 2/247، بحار الانوار/ المجلسي: 37/330.
6- معاني الاخبار/ الصدوق: 2/66.
7- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/252، بحار الانوار/ المجلسي: 37/333.

ومنها عن الخطيب في تأريخ بغداد، أن النبي قال يوم الحديبية وهو آخذ بيد عليّ، (هذا أمير البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره ومخذول من خذله، يمدّ بها صوته) (1).

ومنها عن السمعاني في فضائل الصحابة عن مطر ابن انس، (قال رسول الله: إن خليلي ووزيري وخليفتي في أهلي وخير من أترك بعدي ينجز موعدي ويقضي ديني علي بن ابي طالب) (2).

ومنها عن المسعودي عن ابي سعيد الخدري (قال النبي: أفضل أمتي عليّ) (3).

ومنها عن عبد الرزاق عن معمر قال: (سألت سفيان عن افضل الصحابة، قال عليّ) (4)،

ومنها عن ابي بريده عن ابيه: (قال النبي: لكل نبي وصي ووارث، وأن عليّاً وصيي ووارثي) (5)،

ومنها عن علقمة عن عبد الله (قال رسول الله: خير رجالكم عليّ بن ابي طالب وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد) (6)، إلى غير ذلك من الاخبار التي يضيق بذكرها في البيان كما لا يسع سطرها كلها جميع الطروس وواسع الاذهان، وكيف ما كان فيكفينا من رسم الادلة الكثيرة في هذه الاوراق اليسيرة قول الشبلنجي ونقله عنه بعض علماء العامة ما ستسمع ذكره حيث قال: (وبالجملة فتعداد فضائله (عليه السلام) ومناقبه ومكانته في العلم والفضل يحتاج الى سعة كثيرة لا يحتملها هذا المختصر ولذلك قال احمد بن حنبل والقاضي اسماعيل بن اسحق وابو علي النيسابوري والنسائي لم يروى في فضائل أحد من الصحابة بالاسانيد الحسان مثل ما نروي في فضل علي بن ابي طالب)، قال السيد السمهودي في جواهر العقدين: (والسبب في ذلك أن الله تعالى أطْلَعَ نبيّه على ما يكون بعده مما ابتلي به علي وما وقع من الاختلاف لما آل اليه أمر الخلافة، فاقتضى ذلك نصح الامة باشهاره لتلك الفضائل لتحصل النجاة لمن تمسّك به ممّن بلغته تلك الفضائل وبيّنها نصحاً للأمة ثم أيضاً لما

ص: 79


1- تأريخ بغداد/ الخطيب البغدادي: 2/377، مناقب علي بن ابي طالب/ الخوارزمي: 11، مناقب علي بن ابي طالب/ المغازلي: 84، ينابيع المودة/ القندوزي: 82 و 219.
2- بحار الانوار/ المجلسي: 38/12، المناقب/ ابن شهراشوب: 2/256.
3- جاء في بحار الانوار/ المجلسي: 28/53، مما رواه عن ابي سعيد الخدري. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): علي بعدي أفضل أمتي. ظ: كمال الدين واتمام النعمة/ الصدوق: 264، المسترشد/ محمد بن جرير الطبري (الشيعي): 278.
4- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/259، بحار الانوار/ المجلسي: 38/6.
5- جواهر المطالب/ الباعوني: 107، الاربعين/ النسوي: 192، بحار الانوار/ المجلسي: 38/154.
6- ينابيع المودة/ القندوزي: 294.

اشتد الخطب واشتملت طائفة من بني أمية بتنقيصه وسبّه على المنابر ووافقهم الخوارج بل قالوا /42/ بكفره اشتغل جهابذة الحفاظ من اهل السنة بين الفضائل حتى كثرت نصحاً للأمة ونصرةً للحق) (1). انتهى ما قاله وما نقله وفي هذا للمنصف والمتأمل بعين البصيرة كفاية لما نريده وإقرار منهم على ما نحن بصدده وإرادة إثباته.

الفصل الثالث: في معجزات الوصي

أقول: ولما أثبت أن علي بن ابي طالب (عليه السلام) هو الامام والحجة والخليفة والوصي بعد النبي (صلی الله علیه و آله)، نقول: قد مرّ عليك سابقاً أن في جملة شروط الامامة اتيانه بالمعجزات الباهرة والكرامات الظاهرة وجب حينئذ علينا النظر والبحث والتفتيش عن معجزاته وأنه هل لهذا الوصي من معجزة توجب القول بتصديق دعواه ذلك وهي الامامة.

أولاً/ أقول: أما معجزاته (عليه السلام) فكثيرة لا تحصى ومناقبه لا تستقصى وكيف يقدر على إحصائها أحد وهي ليس بمتناهية أو منحصرة في عدد، وقد روى ابن عباس عن النبي (صلی الله علیه و آله)أنه قال: (إن لعليّ بن ابي طالب فضائل شتى لو اجتمعت الانس ونحن على إحصائها لما قدروا أن يحصوا منها عشر معشار) (2).

ص: 80


1- لقد ورد التحذير من بغض آل البيت (عليهم السلام) وعداوتهم، وأنه لا يبغضهم أحدٌ إلا أدخله الله النار ولا يبغضهم إلا منافق. وورد الحثّ على صلتهم وادخال السرور عليهم، وأن عيادة بني هاشم وزيارتهم نافلة. ظ: جواهر العقدين/ السمهودي: 341-375.
2- ظ: مشارق أنوار اليقين/ رجب البرسي: 241.

وروى مسلم في صحيحه بطريق آخر مسنداً إلى ابن عباس عن النبي (صلی الله علیه و آله)أنه قال (صلی الله علیه و آله): (لو كانت البحار السبع مداداً والاشجار أقلاماً والثقلان كتاباً وراموا أن يكتبوا مناقب علي بن ابي طالب وفضائله لما كتبوا منها عشر معشار) (1). ولنذكر لك في هذا المختصر منها ما تيسّر، فمنها:

ما رواه البرسي وغيره (أن عليّاً كان ذات يوم على منبر البصرة إذ قال: أيها الناس اسألوني قبل أن تفقدوني، اسألوني عن طرق السموات فاني أعرف بها من طرق الارض، فقام إليه رجل من وسط القوم فقال له: اين جبريل في هذه الساعة فرمق بطرفه الى السماء ثم رمق بطرفه الى الارض، ثم رمق الى المشرق، ثم رمق الى المغرب، فلم يجد موضعاً، فالتفت اليه، وقال: يا ذا الشيخ أنت جبريل، قال: فصفّق جناحه طائراً من بين الناس، فصح عند ذلك الحاضرون وقالوا: نشهد أنك خليفة رسول الله حقاً حقاً) (2).

وعن البرسي أيضاً قال: (روي أن جماعة من أصحاب رسول الله أتوا عليّاً وقالوا: إن عيسى كان يحيي الموتى فما صنع بك ربك، قال: فإن شئتم أحييتُ لكم موتاكم بإذن الله، فقالوا قد شئنا، فقام معهم أمير المؤمنين وأمرهم أن يسيروا الى المقابر معه، فسعوا، فلما أتوا المقابر سلّم على أهل القبور ودعا ربّه وتكلم بكلام لا يفقهونه فاضطرب وارتجف وقام الموتى بأمرهم، وقالوا: على رسول الله السلام، ثم على أمير المؤمنين، فتداخلهم رعب شديد /43/ وقالوا: حسبك يا أبا الحسن، أقِلنا أقالَكَ الله) (3).

وروي عن ثاقب المناقب عن سمرة بن عطية عن سلمان، ما ملخصه (أن امرأة يقال لها فروة قُتلت في محبته (عليه السلام) وهو غائب، فلما رجع دعا وقال: يا أمَةَ الله قومي بأذن الله، فخرجت أم فروة من القبر فردّها (عليه السلام) إلى زوجها وولدت بعد ذلك ولدين) (4).

وعن ثاقب المناقب أيضاً باسناده عن الصادق (عليه السلام) (أن أمير المؤمنين حين يريد صفين انفلق الجبل عن هامة بيضاء بلحية بيضاء ووجه ابيض، وقال: السلام

ص: 81


1- ظ: مشارق أنوار اليقين/ البرسي: 241.
2- الفضائل/ شاذان القمي: 98، بحار الانوار/ المجلسي: 39/108، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 1/112.
3- ظ: مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 1/240، بحار الانوار/ المجلسي: 41/194.
4- الثاقب في المناقب/ ابن حمزة: 227.

عليك يا أمير المؤمنين، مرحباً بسيد الوصيين، فقال: وعليك السلام يا أخي شمعون وصيّ عيسى) (1).

وعن منهج التحقيق، عن سلمان قال: (كنّا جلوساً مع عليّ، أنا والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية ومحمد بن ابي بكر وعمار والمقداد، قال له الحسن: إن سليمان سأل ربه مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فاعطاه، فهل ملكت مما ملك. قال (عليه السلام): إن أباك ملك ما لم يملكه بعد جدك رسول الله قبله ولا يملكه أحد بعده، فقال الحسن: نريد ترينا ممّا فضّلك الله به من الكرامة، فصلّى ودعا وأومى الى جهة المغرب فجاءت سحابة وبجانبها سحابة اخرى، فقال: اهبطي باذن الله، فهبطت، وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنك خليفته ووصيه، ثم انبسطت كأنها بساط، فقال (عليه السلام): اجلسوا على الغمامة، فجلسنا، فأشار الى السحابة الاخرى فهبطت وهي تقول كمقالة الاولى وجلس أمير المؤمنين عليها، ثم تكلم بكلام وأشار اليها بالمسير نحو المغرب فرفعها الريح رفعاً رفيقاً، فتمايلتُ نحو أمير المؤمنين وإذا به على كرسي والنور يسطع من وجهه يكاد يخطف الابصار، فقال الحسن: إن سليمان كان مطاعاً بخاتمه، وأمير المؤمنين بما يُطاع، فقال (عليه السلام): أنا عين الله في أرضه، أنا لسانه الناطق في خلقه، تحبون أن أريكم خاتمه، قلنا: نعم، فأخرج من جيبه خاتم فضّة عليه فصّ من ياقوتة حمراء عليه مكتوب ((محمد وعليّ))، إلى أن قال: أتريدون أن أريكم سليمان، فقلنا: نعم، فقام ونحن معه فدخل بنا بستاناً ما رأينا أحسن منه، وفيه من جميع الفواكه والأعناب، وانهاره تجري وأطياره يتجاوبن على الاشجار فحين رأته الاطيار أتته ترفرف حوله، فتوسطنا البستان وإذا مر عليه شاب ملقى على ظهره واضع يده على صدره، فأخرج علي (عليه السلام) الخاتم من جيبه وجعله في اصبع سليمان، فنهض قائماً، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين) (2)الخبر.

وقال الصبّان في كتابه المسمى ب- (اسعاف الراغبين)، (ومن معجزاته وكراماته أن الشمس ردّت عليه كما كان رأس النبي في حجره، والوحي ينزل عليه، وعليّ لم يصلي العصر، فما سرى عنه إلا وقد غربت الشمس، فقال النبي (اللهم إن

ص: 82


1- الثاقب في المناقب/ ابن حمزة: 225، المناقب/ ابن شهراشوب: 2/83، بحار الانوار/ المجلسي: 39/134.
2- بحار الانوار/ المجلسي: 27/33، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 1/549،544 ، المحتضر/ حسن بن سليمان الحلي: 71.

كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس، فطلعت بعد ما غربت) (1). ثم قال: (وحديث ردّها صححه الطحاوي والقاضي في الشفاء، وحسّنه شيخ الاسلام ابو زرعة وغيره) (2).

وعن ابي هريرة، (أن رجلاً من الانصار شكى إلى النبي (صلی الله علیه و آله) كلباً، قال: خرق ثوبي وخمش ساقي، فقال النبي (صلی الله علیه و آله): قوموا بنا إليه، فان الكلب إذا /44/ كان عقوراً وجب قتله، فلما أُخرج الكلب اليه، قال يا رسول الله: ما الذي جاء بك إليّ ولم تقتلني، فأخبره الخبر، فقال: يا رسول الله إن القوم منافقون نواصب مبغضون لعليّ بن ابي طالب، ولولا أنهم كذلك ما تعرّضت لسبيلهم) (3).

وعن البرسي باسناده الى منقذ ابن الأبقع، قال: كنت مع عليّ (عليه السلام) في ليلة في البر رأينا شيئاً، فقال (عليه السلام): هو سبع، وجعل يخطو نحوه ثم صاح به فوقف يضرب بذيله خواصره، فقال: يا ليث، أما علمت أني الليث وحيدر، فما جاء بّك، قال (عليه السلام): اللهم أنطق لسانه، فعند ذلك قال السبع: يا أمير المؤمنين و يا خير الوصيّين و يا وارث علم النبيين إن لي سبعة أيام ما افترست شيئاً وقد رأيتكم من مسافة فرسخين فدنوت منكم ثم مدّ يده اليه فقبض بيده صوف قفاه وجذبه اليه فامتد السبع بين يديه فجعل يمسح عليه من هامته إلى كتفيه، فقال له السبع: الجوع الجوع يا مولاي، فقال (عليه السلام): اللهم آته برزقه بحق محمد وأهل بيته، قال: فالتفت واذا بالاسد يأكل شيئاً على هيئة الحمل، ثم قال: يا أمير المؤمنين نحن معاشر الوحوش لا نأكل لحم محبيك ومحبيّ عترتك، وقال: اني مسلّط على اعدائك أهل الشام، أنا وأهل بيتي، وهم فريستنا، قال (عليه السلام): فما جاء بك إلى الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين أتيت الحجاز لأجلك فلم اصادفك، وأتيتُ الفيافي والقفار حتى وقفتُ بك وإني منصرف في ليلتي هذه الى القادسية الى رجلٍ يقال له سنان، وهو ممن انفلت من حرب صفين وهو من أهل الشام، ثم ولّى، قال منقذ: فمضيتُ الى القادسية فسمعتُ الناس يقولون: افترس سنانَ السبعُ فأتيت مع من ينظر إليه فرأيته لم يترك منه سوى الرأس وبعض العظام) (4).

ص: 83


1- ظ: اسعاف الراغبين/ الصبان: 138.
2- اسعاف الراغبين/ الصبان: 138-139، الاربعين/ النسوي: 418.
3- مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 261، عيون المعجزات/ حسين بن عبد الوهاب: 12.
4- الفضائل/ شاذان القمي: 171، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 1/279.

وروي (أن خارجياً اختصم مع رجل عند عليّ (عليه السلام)، فوجّه الحكم على الخارجي، فقال الخارجي له: والله ما عدلت، فقال له (عليه السلام): إخسأ يا عدو الله فاستحال كلباً أسوداً ، قالوا: فوالله لقد رأينا ثيابه تطاير عنه في الهواء وجعل يبصبص لأمير المؤمنين ودمعت عيناه في وجهه فرقَّ له فلحظ السماء (عليه السلام) وحرّك شفتيه، فو الله لقد رأيناه وقد عاد إلى حال الإنسانية وتراجعت ثيابه في الهواء إليه) (1).

وروي هذا بطريق آخر عن ابن شهراشوب انه قال: (حكم (عليه السلام)، فقال المحكوم عليه: ظلمني والله عليّ، فقال: إن كنت كاذباً يغيّر الله صورتك، فصار رأسه رأس خنزير) (2).

ورواه بعضهم بطريق ثالث (إنه (عليه السلام)، لما حاكَمَ عارضه هلال بن نوفل الكندي، قال: فو الله ما تمّ كلامه حتى صارت صورته كصورة الغراب) (3).

وعن الثاقب عن الواقدي قال: (قعد هارون الرشيد للعلماء يوماً وحضر الشافعي ومحمد بن الحسن وأبو يوسف، وغصّ المجلس باهله، وفيهم سبعون رجلاً من أهل العلم يصلح كل منهم أن يكون أمام صقع من الاصقاع، فقال الرشيد للشافعي: كم تروي في فضائل علي بن ابي طالب، قال: خمسمائة حديث وتزيد، وقال محمد بن الحسن: ألف حديث وأكثر، وقال لأبي يوسف: أخبرني كم فضيلة تروي فيه. قال: خمسة عشر الف خبراً مسنداً، وخمسة عشر ألف حديثاً مرسلاً، فأقبل علَيَ فقال: ما تعرف في ذلك /45/ فقلت مثل مقالة أبي يوسف، قال الرشيد: لكني اعرف له فضيلة رأيتها بعيني وسمعتها باذني. فقلنا بأجمعنا: إن رأيت أن تخبرنا. قال: نعم. حمل إليّ خطيب كان بدمشق يشتم عليّاً في كل يوم وينقصه فنهيته. قال: ما أُفارق ما أنا عليه. فأمرتُ بجلادِ فجلده مئة سوطٍ وأدخله ذلك البيت وأومى بيده الى بيت في الإيوان وأمرتُ بغلق الباب عليه، وأقبل الليل ولم أبرح من مكاني واستمر الفكر في أمره حتى غلبتني عيني في النوم، فاذا أنا بباب السماء قد انفتح، فاذا النبي قد هبط ثم هبط عليّ ثم الحسن ثم الحسين ثم جبرئيل، فسقى النبي أربعين نَفْساً من أهل الدار ثم قال: أين الدمشقي، فأخرجه اليه. فقال له: أنت الشاتم عليّ بن ابي طالب. فقال: نعم. قال: اللهم امسخه وامحقه وانتقم منه. قال: فتحوّل وأنا أراه كلباً وردّه الى البيت، وصعد النبي ومن معه. فانتبهت فزعاً وأمرتُ بإخراجه إليّ فاذا هو كلب، ثم نادى وأمر باخراجه فأخرجه فاذا أذناه كأذان الانسان وهو في صورة الكلب. فقال الشافعي: هذا مسخ، فلستُ

ص: 84


1- مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 309، بحار الانوار/ المجلسي: 41/203.
2- ظ: المناقب/ ابن شهراشوب: 2/114.
3- مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 314، المناقب/ ابن شهراشوب: 2/214.

آمن أن يحل العذاب به فأمر بإخراجه عنّا فردّه الى البيت، فما كان بأسرع من أن سمعنا وجَبَةً وصيحة، فاذا صاعقة قد سقطت على سطح البيت فأحرقته واحرقت البيت فصار رماداً) (1).

وعن الثاقب باسناده عن محمد بن ابي بكر قال: (اعتل الحسن بن علي فاشتهى رمانة، فمد عليّ (عليه السلام) يده الى اسطوانة بمسجد ودعا ربّه بما لم نفهمه فخرج منها غصنان فيه اربع رمانات، فدفع الى الحسن اثنين والى الحسين اثنين، ثم قال: هذه من ثمار الجنة) (2).

وعن الثاقب ايضاً باسناده عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن الحسين (عليه السلام) قال: (كنّا جلوساً عند ابي عليّ (عليه السلام) في دار له وفيها شجرة رمان يابسة إذ دخل عليه قوم من مبغضيه وعنده قومٌ من محبيه. فقال: أريكم اليوم آية انظروا الى الشجرة فرأيناها قد جرى الماء من عودها ثم اخضّرت وأورقت وتدلّى حِملُها على رؤوسنا ثم التفت إلى محبيه وقال: مدوا أيديكم وتناولوها وقولوا: بسم الله وكلوا فأكلنا رمانة لم نأكل شيئاً أعذب منها وأطيب قط. ثم قال للمبغضين: مدّوا ايديكم وتناولوها، فكلما مدّ رجلٌ يده الى رمانة ارتفعت فلم ينالوا شيئاً) (3).

وعن الخرائج، عن الحارث الاعور قال: (خرجنا مع عليّ (عليه السلام) حتى انتهينا إلى العاقول فرأينا هناك شجرة وقد وقع لحاؤها ويبس عودها فضربها بيده ثم قال: ارجعي باذن الله خضراء ذات ثمرة، فاذا اغصانها تهتزُّ وحِملُها كمثرى، فأعطانا وأكلنا وحملنا منها، فلما كان في الغد عدتُ اليها فاذا هي على حالها خضراء فيها كمثرى) (4).

وعن الثاقب عن ابن الزبير عن جابر قال: (نزل عليّ تحت سدرة يصلي فنظرنا إلى السدرة تركع إذا ركع وتسجد إذا سجد وتقوم إذا قام، ثم دعا فقال: اللهم صلِ على محمد وآل محمد فنطقت أغصان /46/ الشجرة وجعلت تقول: آمين آمين، ثم دعا فقال اوراقها وأغصانها وقضبانها: آمين آمين، ثم كذلك مرة اخرى) (5).

ص: 85


1- الثاقب في المناقب/ ابن حمزة: 229-230، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/288.
2- م.ن: 244، م.ن: 1/343.
3- الثاقب في المناقب/ ابن حمزة: 245.
4- الخرائج والجرائح/ قطب الدين الراوندي: 2/218-219.
5- الثاقب في المناقب/ ابن حمزة: 246.

وعن الأمالي عن سلمان قال: (ناول النبي عليّاً حصاة فما استقرت الحصاة في كفّ عليّ حتى نطقت وجعلت تقول: لا إله إلا الله، رضيت بالله رباً وبمحمد نبياً وبعليّ وليّاً) (1).

وعن الخرائج عن الثمالي (أن علياً كان جالساً في مسجد الكوفة وحوله أصحابه، فقال له أحد اصحابه: إني لأعجب من هذه الدنيا التي في أيدي هؤلاء الاقوام وليست عندكم، فقال: أترى إنا نريد الدنيا فلا نعطاها، ثم قبض قبضة من حصى المسجد وفتح كفه علينا فاذا هي جواهر تلمع وتزهو، فقال (عليه السلام): ما هذه، فنظرنا، فقلنا: أجود الجواهر. فقال: لو اردنا الدنيا لكانت لنا، ولكن لا نريدها، ثم رمى بالجواهر من كفّه فعادت كما كانت حصى) (2).

وعن البرسي عن عمار قال: (أتيت مولاي علياً يوماً فرأى في وجهي كآبة، فقال: ما لَكَ. فقلت: دَيْنُ أنا مطالبٌ به. فأشار الى حجر ملقى، وقال: خذ هذا واقضي منه دينك. فقلت: إنه الحجر، فقال (عليه السلام): ادعو الله يحوّل لك الحجر ذهباً، فقال عمار: فدعوت باسمه فصار الحجر ذهباً، فقال لي: خذ منه حاجتك. فقلت: وكيف يلين. فقال: يا ضعيف اليقين ادعو الله حتى يلين فان باسمي لانَ الحديدُ لداود. وقال عمار: فدعوت باسمه فلانَ فاخذتُ منه حاجتي. ثم قال: ادعو الله باسمي يصير باقيهُ حجراً كما كان) (3).

وعن السيد المرتضى عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: (اعتل صعصعة، فعاده عليّ في جماعة من أصحابه، فلما استقر بهم الجلوس فرح صعصعة، فقال (عليه السلام): لا تفتخرنَّ على إخوانك بعيادتهم إياك. ثم نظر الى فهر(4) في وسط داره، فقال لأحد اصحابه: ناولنيه فأخذه منه فأداره في كفه وإذا به سفرجلة طيبة فدفعها الى احد اصحابه وقال: قطّعها قطعاً وادفع الى كل واحد منّا قطعة وإلى صعصعة قطعة وإلي قطعة. ففعل فأدار (عليه السلام) القطعة في السفرجلة في كفه فاذا بها تفاحة، فدفعها الى ذلك الرجل وقال له: قم قطّعها وادفع الى كل واحد قطعة والى صعصعة قطعة وإليّ قطعة.

ص: 86


1- الامالي/ الشريف المرتضى: 1/278، بحار الانوار/ المجلسي: 27/373، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 1/418.
2- الخرائج والجرائح/ قطب الدين الرواندي: 2/706.
3- / البرسي:
4- الفهر: حجر يملأ الكف، أو هو الحجر مطلقاً. وقيل لما نزل قوله تعالى ((تبّت يدا أبي لهب)) جاء امرأته وفي يدها فهر، اي حجر ملأ الكف. وهو يُذكّر ويُؤنّث عند الفراء، أما عند عامة العرب فيؤنث.

ففعل الرجل فأدار (عليه السلام) القطعة فاذا هي حجر فهر فرمى به الى صحن الدار فأكل صعصعة القطعتين واستوى جالساً. وقال: شفيتني وزدت إيماني وإيمان أصحابك) (1).

وعن البرسي والثاقب عن سلمان قال: (صدر بين عليّ (عليه السلام) وبين رجل كلام فرمى عليّ بقوسه من يده فصار ثعباناً عظيماً مثل ثعبان موسى ففتح فاه وأقبل نحوي ليبلغني، فقلت له: بحق أخيك رسول الله إلا عفوت عني فضرب بيده إلى الثعبان فأخذه فإذا هو قوسه التي كانت بيده) (2). وقال ذلك الرجل(3): (أراني عليٌّ رسولَ الله بعد وفاته في نفر من الملائكة وهو عاضٌّ على يده، فقال لي: فعلتها وأنت إذاً من الضالين) (4).

وعن عمار قال: (كنتُ مع عليّ (عليه السلام) في ضيعة على فرسخين /47/ من الكوفة فخرج منها خمسون رجلاً من اليهود. فقالوا له: هنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستة من الانبياء ونطلبها ولا نجدها، فإن كنتَ إماماً أوجدنا الصخرة. فقال: اتبعوني، فسار إلى البر واذا بجبل من رمل عظيم، فقال: ايتها الريح أنسفي الرمل من الصخرة، فما كان إلا ساعة حتى نسفت الرمل عن الصخرة، فقالوا: ألا نرى الاسماء. فقال (عليه السلام): هي على وجهها الذي على الارض فاقبلوها. فاجتمع عليها ألف رجل فما قدروا على قلبها فقال: تنحوا عنها فمدّ يده إليها وهو راكب فاقلبها فوجد عليها اسم ستة من الانبياء أصحاب الشريعة، آدم ونوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد، فآمن نفر من اليهود) (5).

وعن الراوندي عن الثمالي عن علي بن الحسين عن ابيه: (أن رسول الله ظمن لأعرابي ثمانين ناقة حمراء كُحْل العيون، فطلبها الاعرابي بعد وفاته، فقال عليّ (عليه السلام): يا حسن انطلق أنت وسلمان وهذا الاعرابي إلى وادي فلان، فنادي يا صالح، فاذا أجابك فقل إن أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول لك: هلّم الثمانين ناقة التي ظمنها رسول الله إلى هذا الاعرابي. قال: فمضينا فلّما أدّى الحسن الرسالة قال: السمع

ص: 87


1- الامالي/ الشريف المرتضى: ، عيون المعجزات/ حسين عبد الوهاب: 40-41.
2- الثاقب في المناقب/ ابن حمزة، عيون المعجزات/ حسين بن عبد الوهاب: 35، الفضائل/ شاذان القمي: 63.
3- هو عمر بن الخطاب.
4- ظ: عيون المعجزات/ حسين بن عبد الوهاب: 34، نوادر المعجزات/ الطبري (الشيعي): 51.
5- ظ: الفضائل/ شاذان القمي: 73.

والطاعة. فلم يلبث أن خرج إلينا زمام ناقة من الارض، فأخذ الحسن زمامها فناوله الاعرابي وقال: خذ، فجعلت النوق تخرج حتى كملت الثمانون على الصفة) (1).

وعن ابن شهرآشوب روي عن جماعة عن خالد بن الوليد أنه قال: (رأيتُ عليَاً يسرّد حلقات درعه بيده ويصلحها، فقلت: هذا لداود. فقال: يا خالد ألانَ اللهُ بنا الحديد لداود فكيف أنا) (2).

وعن الخصيبي باسناده عن جابر (أن علياً (عليه السلام) ارى بعضهم المدينة والجيوش التي في فتح الجبل في نواحي نهاوند) (3).

وعن الراوندي قال: (روى رميلة أن علياً (عليه السلام) مرّ برجل يخيط ويغني فقال له: (يا شاب لو قرأت القرآن لكان خيراً لك. فقال: إني لا اُحسِنُهُ وأودُّ أني أحسن منه شيئاً. فقال (عليه السلام): ادنو مني فدنى وتكلم في أذنه بشيء خفي فصوّر الله القرآن كلّه في قلبه فحفظه كله) (4).

وعن الخركوشي (أنه (عليه السلام) سمع منادياً باكياً في ليلة الاحرام، فأمر الحسين أن يطلبه، فلما أتاه وجدتُ شاباً قد يَبُس نصف بدنه فأخبره، فصلّى علي (عليه السلام) أربعاً ثم قال له: قم سليماً، فقام صحيحاً) (5).

وعن الثاقب باسناده عن الصادق (عليه السلام) قال: (دخل الأشتر على عليّ (عليه السلام) فقال: هل رأيت ببابي أحد. قال: نعم، اربعة نفر. فخرج والاشتر معه وإذا بالباب أكمه ومكفوف وأبرص ومقعد. فقال: ما تصنعون ههنا، قالوا: جئناك لما بنا. فرجع ففتح حُقاً(6) له، فأخرج رقّاً(7) ابيض فيه كتاب أبيض، فقرأ عليهم فقاموا كلهم من غير علّة).

ص: 88


1- الخرائج والجرائح/ قطب الدين الراوندي: 176، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 1/525.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/151، بحار الانوار/ المجلسي: 41/266.
3- ظ: مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/16.
4- الخرائج والجرائح/ قطب الدين الراوندي: 1/174-175.
5- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/119، بحار الانوار/ المجلسي: 41/209، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/72.
6- الحُق (بالضم)، منحوت من الخشب والعاج وغير ذلك مما يُصلح أن يُنحت منه.
7- الثاقب في المناقب/ ابن حمزة: 204، الخرائج والجرائح/ قطب الدين الراوندي: 1/196، بحار الانوار/ المجلسي: 41/ 195، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/74.

ومن جملة المعجزات له (عليه السلام) أيضاً حلَّهُ القضايا المشكلات وإيضاحه الامور المبهمات وإخباره بالمغيبات منها:

ما رواه عمار قال: (كنت بين يديّ عليّ (عليه السلام) وهو على دكة /48/ القضاء فدخل المسجد ألف رجل مع امرأة، فقال (عليه السلام): يا عمار نادي في الكوفة فلينظروا الى قضاء أمير المؤمنين، فاجتمع الناس حتى صار القوم عليه أقوام كثيرة، ثم قام (عليه السلام) وقال: سلوا، فنهض شيخ وقال: هذه الجارية ابنتي وما قربتها ببعل قطّ، وهي عاتق(1) حامل وقد فضحتني. فقال (عليه السلام) للجارية: ما تقولين. قالت: فو الله ما أعلم من نفسي خيانة قط، ففرّج غمّي. فصعد المنبر وقال: الله أكبر عليَّ بالقابلة فجاءت، فقال: إضربي بينك وبين الناس حجاباً وانظري هذه الجارية أعاتق حامل ففعلت ما أمرها وقالت: نعم عاتق حامل. فقال (عليه السلام) لأبي الجارية: هل في بلادكم يوجد الثلج فهل فيكم من يقدر على قطعة من الثلج. قالوا: إن بين الكوفة وبلادنا مئتا فرسخ وخمسون فرسخاً. قال عمار: فمدّ يده وهو على منبر الكوفة وردّها وفيها قطعة من الثلج يقطر ماءه. ثم قال للقابلة: ضعي هذا الثلج مما يلي فرج هذه الجارية سترمي علقة وزنها خمس وخمسون درهماً ودانقان، فرمت العلقة ووزنتها القابلة فوجدتها كما قال (عليه السلام) ) (2).

وعن ابن شهرآشوب مسنداً (أنه أُخبر بموت خالد بن عرفطة، فقال (عليه السلام): ما مات ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جمّاز، فكان كما قال (عليه السلام) ) (3).

وعن الشريف المرتضى أنه (عليه السلام) أخبر بموت ميثم وجميع ما يجري عليه من القتل وكان كما قال (عليه السلام). وكذلك اخباره لرُشَيد الهجري بقتله(4).

ص: 89


1- العاتق: الجارية البكر التي قد ادركت وبلغت فخُدرت في بيت اهلها ولم تتزوج.
2- الفضائل/ شاذان القمي: 156-157، بحار الانوار/ المجلسي: 40/279، عيون المعجزات/ حسين بن عبد الوهاب: 16-17.
3- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/105.
4- الامالي/ الشريف المرتضى: 1/165.

وعن الصفار باسناده عن الاصبغ قال: (كان (عليه السلام) إذا وقف الرجل بين يديه، قال: يا فلان استعد وأعدّ لنفسك ما تريد، فانّك تمرض في يوم كذا وكذا، في ساعة كذا وكذا، وسيُبصر منك كذا وكذا، وتموت في شهر كذا في ساعة كذا) (1).

وعن الراوندي عن الباقر (عليه السلام) (إن عليّاً (عليه السلام) قال لعبد الله ابنه: كأني بك وأنت مذبوح فسطاطك، فكان كما قال) (2).

وعن ابن شهرأشوب قال: (أنه (عليه السلام) أخبر بقتل جماعة منهم حجر بن عدي وكميل بن زياد ومحمد بن أكتم وخالد بن مسعود وحبيب بن مظاهر وحويرثة وعمر بن الحمق ومزرع وغيرهم ووصف قاتلهم وكيفية قتلهم) (3).

وعن اسماعيل قال: (إن عليّاً (عليه السلام) قال للبراء: يا براء يقتل ابني الحسين وأنت حيّ لا تنصره، فكان كذلك) (4).

وقال (عليه السلام) للحر: أنت أول خارج تخرج لقتال ولدي الحسين ثم تنصره. وانه (عليه السلام) أخبر المختار بأنه يأخذ بثأر الحسين (عليه السلام) ).

وعن ابن ذكوان (أنه (عليه السلام) قال له: إنك تعمّر وتحمل الى مدينة يبنيها رجل من وِلد عمي العباس تسمى في ذلك الزمان ببغداد، وما تصل اليها تموت بموضع يُقال له المدائن، فكان كما قال) (5). وحين أخبره كان عمره فوق ثلاثمئة وخمسة وعشرين سنة.

ص: 90


1- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/105.
2- نقل الراوندي عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) برواية ابي الجارود، قال: جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) بنيه – وهم اثنى عشر ذكراً – فقال لهم: إن الله أحبَّ أن يجعل في سنة من يعقوب إذ جمع بنيه – وهم اثنى عشر ذكراً - ، فقال لهم: إني أوصي الى يوسف، فاسمعوا له واطيعوا، وأنا اوصي الى الحسن والحسين، فاسمعوا لهما واطيعوا، فقال له عبد الله ابنه: أدون محمد بن علي؟ يعني محمد بن الحنفية – فقال له: أجرأة عليَّ في حياتي؟! كأني بك قد وجدت مذبوحاً في فسطاطك لا يدري من قتلك. فلما كان في زمان المختار أتاه. فقال: لست هناك. فغضب، فذهب الى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة. فقال: ولّني قتال أهل الكوفة، فكان على مقدمة مصعب فالتقوا بحروراء، فلما حجر الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحاً في فسطاطه لا يدري من قتله). الخرائج والجرائح/ قطب الدين الراوندي: 1/183-184.
3- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/106.
4- م.ن: 2/106، بحار الانوار/ المجلسي: 44/264، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/181.
5- بحار الانوار/ المجلسي: 41/307.

وعن الراوندي عن ابي حمزة عن عليّ بن الحسين عن ابيه قال: (لمّا /49/ أراد أن يسير علي (عليه السلام) الى النهروان، استأذن شبت بن ربعي وعمر بن حريث وبعض في التخلّف لبعض الحوائج، قال: ما لكم من حاجة وكأني بكم بالخورنق وقد بسطتم سفركم للطعام إذ يمرّ بكم ضبٌّ فتصيدونه فتحاموني ويتابعونه) (1) فكان كما قال، وقال لهما: لتقاتلا ابني الحسين) (2).

وعن المفيد باسناده عن الباقر (عليه السلام): أن أمير المؤمنين قال لرجل: (لكأني بك قد قتلت على ضلال وتطأ وجهك دواب العراق) (3)، فقُتل في وقعة النهروان، وكان كما قال.

وعن الباقر (عليه السلام): (أن عليّاً قال للحسين عند اختيار شهربان له: (ليلدنَّ لك منها خير أهل الارض) (4)، فولدت عليّ بن الحسين (عليه السلام).

وعن الأمالي مسنداً الى سليمان (أنه (عليه السلام) أخبر الجاثليق بما أخبره وبما رواه في المنام فأسلم هو ومن معه(5)).

وروى الشبلنجي (أن رجلاً تزوج بخنثى له فرج كفرج النساء وفرج كفرج الرجال وأصدقها جارية كانت له ودخل بالخنثى وأصابها فحملت منه وجاءت بولد ثم أن الخنثى وطأت الجارية التي أصدقها لها الرجل فحملت الجارية بولد فاشتهرت قصتها ورفع امرها الى عليّ (عليه السلام)، فسأل عن الخنثى فأُخبر أنها تحيض وتطأ وتُوطأ وتمني من الجانبين وقد حبلت وأحبلت فصار الناس متحيّري الأفهام في جوابها وكيف الطريق إلى حكم قضائها وفصل خطابها فاستدعى عليّ غلاميه(6) وأمرهما أن يذهبا إلى هذه الخنثى ويعُدّا أضلاعها من الجانبين، إن كانت متساوية فهي إمرأة وإن كان الجانب الايسر أنقص من الجانب الايمن بضلع واحد فهو رجل، فذهبا الى الخنثى كما أمرهما وعدّا أضلاعها من الجانبين فوجدا أضلاع الجانب الايسر أنقص من أضلاع الجانب الايمن بضلع فجاءا وأخبراه بذلك وشهدا عنده فحكم على الخنثى بأنها رجل وفرّق بينها وبين زوجها، فسُئل عن ذلك فقال: لما خلق الله آدم وحده أراد (تعالى) في

ص: 91


1- بحار الانوار/ المجلسي: 33/384، الخرائج والجرائح/ الراوندي: 1/226، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/190.
2- بحار الانوار/ المجلسي: 33/384، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/190.
3- بحار الانوار/ المجلسي: 34/258، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/199.
4- م.ن: 46/9 ، م.ن: 2/226.
5- بحار الانوار/ المجلسي: 46/9، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/226.
6- هما برقا وقنبر.

إحسانٍ اليه وفضل عليه أن يجعل له زوجاً من جنسه ليسكن كل واحدٍ منهما إلى صاحبه، فلما قام آدم خلق الله من ضلعه القصير من جانبه الايسر حواء فانتبه فوجدها جالسة إلى جنبه كأحسنِ ما يكون من الصور، فلذلك صار الرجل ناقصاً من جنبه الايسر عن الرئة بالضلع، والمرأة كاملة الاضلاع من الجانبين، والاضلاع التي في المرأة اربعة وعشرون ضلعاً، وأما في الرجل فثلاثة وعشرون ضلعاً) (1).

وروى أيضاً (أن رجلاً أُتِيَ به إلى عمر بن الخطاب وكان صدر منه أنه قال لجماعة من الناس وقد سألوه: كيف أصبحت، قال: أصبحتُ اُحبُّ الفتنة وأكره الحق، وأصدّق اليهود والنصارى وأُومن بما لم أراه وأقرّ بما لم يخلق، فأرسل عمر إلى عليّ يسأله عن معنى كلام الرجل، فقال (عليه السلام): صدق بحبَّ الفتنة، قال الله تعالى: [أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ] (2)، ويكره الحق يعني الموت، قال الله تعالى: [وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ] (3)، ويصدّق باليهود والنصارى بتكذيب بعضهم بعضاً، قال الله تعالى: [وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ] (4)، ويؤمن بما لم يراه وهو الله /50/ ويقرُّ بما لم يخلق يعني الساعة، قال عمر: أعوذ بالله من معضلة لم يكن عليُّ فيها) (5).

وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة قال: (إن رجلان(6) ]كذا[ كانا يتغديان، مع أحدهما خمسة ارغفة ومع الآخر ثلاثة ارغفة، فمرّ بهما ثالث، فأجلساه، فأكلوا الارغفة الثمانية على السواء، ثم طرح لهما الثالث ثمانية دراهم عوضاً عمّا أكله من طعامهما فتنازعا فقال صاحب الخمسة إن لي خمسة دراهم ولصاحب الثلاثة ثلاثة، وصاحب الثلاثة يدّعي أن له اربعة ونصفاً، فاختصما الى عليّ، فقال لصاحب الثلاثة: خذ ما رضي به صاحبك، وهو الثلاثة، فان ذلك خير لك، فقال: لا رضيت إلا بمرِّ الحق، فقال عليّ: ليس في مرِّ الحق إلا درهم واحد، فسأله عن بيان وجه ذلك، فقال علي: أليست الثمانية أرغفة اربعة وعشرون ثلثاً أكلتموها وأنتم ثلاثة ولا يعلم أكثركم أكلاً فتحملون على السواء، فأكلت أنت ثمانية أثلاث والذي لك تسعة أثلاث، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث والذي له خمسة عشر ثلثاً فبقي له سبعة ولك واحد، فله سبعة بسبعة ولك واحد بواحدك، فقال: رضيت الآن) (7).

ص: 92


1- الاربعين/ النسوي: 465-466.
2- سورة الانفال/ الآية 28.
3- سورة ق/ الآية 19.
4- سورة البقرة/ الآية 113.
5- الاربعين/ النسوي: 465.
6- ورد في الرواية: (جلس رجلان يتغديان...) ظ: الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 2/378.
7- الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 2/378.

وأخرج عبد الرزاق عن حجر المرادي (قال: قال لي علي (عليه السلام): كيف بك إذا أُمرتَ أن تلعنني، فقلت: أو كائنٌ ذلك، قال: نعم، قلت: فكيف أصنع. قال: إلعنّي ولا تتبرأ مني. قال: فأمرني محمد بن يوسف أخو الحجاج، وكان أميراً من قبل عبد الملك ابن مروان على اليمن أن ألعن علياً. فقلت إن الامير أمرني أن ألعن عليّاً فالعنوه لعنه الله. فما فطن لها إلا رجل) (1).

وروى ايضاً ابن حجر في صواعقه أنه قال: (ومن كراماته أنه حدّث بحديث فكذّبه رجلٌ، فقال له: أدعو عليك إن كنتَ كاذباً، قال: أدعو، فدعا عليه فلم يبرح من مكانه حتى ذهب بصره) (2).

وعن ابي حفص عمر بن محمد الزيات (أنه (عليه السلام) قال للمسيب بن نجبة: يأتيكم راكب الدغيلة(3) يشدُّ حقوها بوضينها(4) لم يقض تفثاً من حجٍ ولا عمرة فتقتلوه، يريد الحسين (عليه السلام) ) (5).

وعن النسوي قال: (قال رزين الغافقي: سمعته (عليه السلام) يقول: يا أهل العراق سيُقتلُ منكم سبعة نفرٍ بعذراء مّثَلَهُم كمثل أصحاب الأخدود، فقُتِلَ حِجرٌ وأصحابه) (6).

وعن أبي العالية (قال: مزرع بن عبد الله، قال: سمعته (عليه السلام) يقول: أما والله ليقبلنَّ جيش حتى إذا كان بالبيداء خُسِف بهم، فقلتُ: هذا غيب. قال: والله ليكوننّ وليؤخذنّ رجل فليقتلنّ وليصلبنّ بين شرفتين من شُرَفِ هذا المسجد. فقلت: هذا ثانٍ. قال أبو العالية: فما أتت علينا جمعة حتى أخذ مزرع وصُلِبَ بين الشرفتين) (7).

وعن ابن بطة وأبي داود أنه (عليه السلام) قال في الخوارج مخاطباً أصحابه: (والله لا يقتل منكم عشرة ولا ينفلت منهم عشرة) (8). فكان كما قال (عليه السلام).

ص: 93


1- م.ن: 2/377.
2- م.ن: 2/377.
3- الدغيلة: من الدغل وهو المكر والفساد، أي يركب مكر القوم ويأتي لما وعدوه خديعة.
4- الوضين: بطانه منسوج بعضه على بعض يُشدُ به الرحل على البعير كالحزام للسرج.
5- بحار الانوار/ المجلسي: 41/314، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/180.
6- م.ن: 41/316.
7- معجم رجال الحديث/ الامام الخوئي: 19/141، بحار الانوار/ المجلسي: 41/316-317، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/179.
8- مدينة المعاجز/ هاشم البحراني: 2/153.

وعن احمد ابن حنبل أنه (قال أبو الرضا غياث: كنّا عامدين الى الكوفة مع علي (عليه السلام)، فلما بلغنا مسيرة ليلتين أو ثلاث من حروراء قدمنا أناس كثيرة فذكرنا ذلك له (عليه السلام). فقال: لا يهولنّكم أمرهم فانهم سيرجعون) (1). فكان كما قال (عليه السلام).

وعن ثابت بن الافلح قال: (ضلّت لي فرس نصف الليل، فأتيتُ باب عليّ (عليه السلام)، فلما وصلتُ الباب خرج /51/ إليّ قنبر فقال لي: يا ابن الأفلح إلحق فرسك فخذه من عوف بن طلحة السعدي) (2).

وعن غريب الحديث والفائق (أنه (عليه السلام) قال: أكثروا الطواف بهذا البيت فكأني برجلٍ من الحبشة أصلع أصمع(3) جالس عليه وهو يهرم) (4).

وعن عبد الرزاق عن ابيه (أنه (عليه السلام) سمع ضوضاء في عسكره. فقال: ما هذا فقيل: قُتِلَ معاوية. قال: كلا ورب الكعبة، لا يُقتل حتى تجتمع عليه الأمة. قالوا له: فَلِمَ تُقاتله. فقال (عليه السلام): التمس العذر بيني وبين الله) (5).

وعن أبي داود وابن ماجه وابن بطة واحمد وابي بكر ابن مردويه عن زيد بن الارقم (أنه قيل للنبي: أتى إلى علي باليمن ثلاثة نفر يختصمون في ولدٍ لهم، كلهم يزعم أنه وقع على اُمه في طهرٍ واحدٍ وذلك في الجاهلية. فقال علي (عليه السلام): انهم شركاء متشاكسون، ففرع على الغلام باسمائهم فخرجت لأحدهم فألحق الغلام به والزمة ثلثي الديّة لصاحبيه وزجرهما عن مثل ذلك. فقال النبي (صلی الله علیه و آله)الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت يقضي على سننِ داود) (6).

ص: 94


1- م.ن: 2/185، ظ: بحار الانوار/ المجلسي: 41/310.
2- بحار الانوار/ المجلسي: 41/304.
3- الأصمع: الرجل الصغير الأذنين من الناس وغيرهم.
4- ظ: الفتن/ المروزي: 2/668، المصنّف في الحديث والآثار/ ابن أبي شيبة: 3/269.
5- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/95.
6- م.ن: 2/176، بحار الانوار/ المجلسي: 4/222، عون المعبود في شرح سنن ابي داود/ العظيم آبادي: 9/371.

وعن احمد بن حنبل وغيره عن محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) (أنه قضى عليّ في اربعة نفر اطلعوا على زيّة الاسد فخرَّ أحدهم فاستمسك بالثاني، واستمسك الثاني بالثالث، واستمسك الثالث بالرابع. فقضى (عليه السلام) بالاول فريسة الاسد وغرّم أهله ثلث الدية لأهل الثاني، وغرّم أهل الثالث ثلثي الديّة، وغرّم أهل الثالث لأهل الرابع الدية كاملة. فانتهى الخبر الى النبي (صلی الله علیه و آله) فقال: لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء الله فوق عرشه) (1).

وعن نزهة الابصار (أنه قضى (عليه السلام) في القارصة والقامصة والواقصة وهنّ ثلاث جوارٍ كُنّ يلعبنَ فركبت أحدهنّ صاحبتها فقرصتها الثالثة فقمصت المركوبة فوقعت الراكبة فوقصت عنقها، فقضى بالدية أثلاثاً وأسقط حصة الراكبة لما أعانت على نفسها فبلغ ذلك النبيّ فاستصوبه) (2).

وروى (أنه (عليه السلام) قضى في قومٍ وقع عليهم حائط فقتلهم وكان في جماعتهم امرأة مملوكة وأخرى حرّة، وكان للحرّة ولد طفل من حرٍّ، وللجارية المملوكة طفل من مملوك فلم يعرف الحرّ من الطفلين من المملوك، فقُرع بينهما وحكم بالحرية لمن خرج سهم الحرية عليه وحكم في ميراثها بالحكم في الحرّ ومولاه فأمضى النبيّ ذلك) (3).

وروي عن الخاصة والعامة (أن رجلاً سأل أبا بكر عن رجل تزوج بامرأته بكر، فولدت عشية فحاز ميراثه الابن والام، فلم يعرف، فقال عليّ (عليه السلام): هذا رجل له جارية حبلى منه، فلما تمخّضت مات الرجل) (4)، (واُتي إلى عمر برجل وامرأته، فقال الرجل لها: يا زانية، فقالت أنت أزنى مني فأمر بأن يجلدا، فقال (عليه السلام): لا تعجلوا، على المرأة حدّان، وليس على الرجل شيء منها. حدٌّ لفريتها وحدٌّ لإقرارها على نفسها، لأنها قذفته، إلا أنها تُضرب ولا تضرب بها الغاية) (5).

ص: 95


1- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/176، بحار الانوار: 101/385، مستطرفات السرائر/ ابن ادريس: 3/375.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/177، بحار الانوار/ المجلسي: 101/385-186، غريب الحديث/ ابن سلام: 1/96.
3- بحار الانوار/ المجلسي: 40/246.
4- بحار الانوار/ المجلسي: 40/221، المناقب/ ابن شهراشوب: 2/179.
5- م.ن: 76/121.

وروي عن الصادق (عليه السلام): (أن عقبة ابن ابي عقيق مات، فحضر جنازته عليّ وأصحابه وفيهم عمر، فقال عليّ لرجل كان حاضراً: إن عقبة لما توفّى حرمت امرأتك، فاحذر تقربها، فقال عمر: /52/ كل قضاياك يا أبا الحسن عجيب، وهذه من أعجبها. يموت إنسان فتحرم على آخر امرأته، فقال: نعم إن هذا عبد كان لعقبة، تزوج امرأة حرّة وهي اليوم ترث بعض ميراث عقبة، فقد صار بعض زوجها رقّاً لها وبضع المرأة حرام على عبدها حتى تعتقه ويتزوجها، فقال عمر: لمثل هذا نسألك عما اختلفنا فيه) (1).

وعن عمرو بن شعيب والقاضي وابي يوسف عن مسروق (أتى عمر بامرأة انكحت في عدّتها ففرّق بينهما وجعل صداقها في بيت المال، وقال: لا أجيز مهراً ردّ نكاحه، وقال: لا تجتمعان ابداً. فبلغ علياً (عليه السلام) فقال: وان كانوا جهلوا السنة، لها المهر بما استحلّ من فرجها ويفرّق بينهما، فاذا انقضت عدّتها فهو خاطب من الخطاب، فخطب عمر الناس فقال: ردّوا الجهالات الى السنة، ورجع عمر الى قول عليّ) (2).

وروى جمهور العامة أن عمراً أُتي بحامل قد زنت فأمر برجمها، فقال له علي (عليه السلام): هب لك سبيل عليها، فهل لك سبيل على ما في بطنها، والله يقول: [وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى] (3). قال: فما أصنع بها. قال: احتط عليها حتى تلد، فاذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فأقم الحدّ عليها. فلما ولدت ماتت، فقال عمر: لولا عليّ لهلك عمر) (4).

وروي (جاء رجل الى عمر. فقال: إني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة وفي الاسلام تطليقتين فما ترى. فسكت عمر. فقال له الرجل: ما تقول. قال: كما أنت حتى يجيء عليّ (عليه السلام)، فجاء (عليه السلام) فقال: قصَّ عليه قصتك، فقص عليه القصة، فقال (عليه السلام): هدم الاسلام ما كان قبله هي عندك على واحدة) (5).

(وعن الحسن وعطاء وقتادة وشعبة وأحمد أن مجنونة فجربها رجلٌ وقامت البيّنة عليها بذلك، فأمر عمر بجلدها، فعلم عليّ (عليه السلام) بذلك. فقال: ردّوها وقولوا له: أما علمت أن هذه مجنونة آل فلان، وأن النبي قال: رُفع القلم عن المجنون حتى

ص: 96


1- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/182، بحار الانوار/ المجلسي: 40/225، شرح الاخبار/ القاضي المغربي: 1/329.
2- الاربعين/ النسوي: 1/471، جواهر المطالب في مناقب الامام علي/ الباعوني: 1/198.
3- سورة فاطر/ الآية 18.
4- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/184، بحار الانوار/ المجلسي: 76/53.
5- م.ن: 2/186.

يفيق. أنها مغلوبة على عقلها ونفسها، فقال عمر: فرّج الله عنك، لقد كدت أهْلَك في جلدها) (1)، قال في المناقب (والى هذا أشار البخاري في صحيحه) (2).

وعن العامة والخاصة (أن امرأة نكحها شيخ كبير، فزعم الشيخ أنه لم يصل اليها وأنكر حملها، فسأل عثمان المرأة: هل افتضّكِ الشيخ، وكانت بكراً، فقالت: لا، فأمر بالحدِّ. فقال عليّ (عليه السلام): إن للمرأة سمّين ثم تحيض، وسمّ البول، فلعل الشيخ كان ينال منها فسال ماؤه في سمِّ المحيض فحملت منه، فقال الرجل: قد كنت أُنزل الماء في قبلها من غير وصول اليها بالافتضاض، فقال (عليه السلام): الحملُ له والولد له، وأرى عقوبته على الانكار له) (3).

وعن الثعلبي والخطيب ومالك بأسانيدهم عن بعجة الجهني (أنه أُتي بامرأة قد ولدت لستة اشهر فهمَّ برجمها، فقال علي (عليه السلام): إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك. إن الله يقول: [وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً] (4) ثم قال: [وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ /53/ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ] (5) فحولان مدة الرضاع وستة اشهر مدة الحمل. فقال عثمان: ردّوها. ثم قال: ما عند عثمان بعد أن بعث اليها تردّ) (6).

أقول: وهي بهذه المعجزات والفضائل والبراهين والدلائل التي حرّروها في كتبهم وسطّروها في زبرهم دليلاً على إثبات الامامة له (عليه السلام) دون سواه، ولكنهم إنما قرّوا على ما ذهبوا اليه واعتمدوا عليه، حيث إن الله قد طبع على سمعهم وختم على قلوبهم وجعل عليها غشاوة، فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. وليت شعري كيف يردون هذه البراهين العجيبة والمعجزات الباهرات الغريبة التي تكسو العقول برد الإعياء والذهول ولم يقدر، على فعلها أحد سوى الواحد الأحد ويقولون بتقديم المفضول على الفاضل وتأخير العالم على الخامل وينكرون هذه النصوص المستفيضة الصحيحة الدالة على إمامته دون غيره بالدلالة الصحيحة، فما هذه إلا لما عرى قلوبهم من داء الشقاوة ومعالجته بعلاج الجهل والعتاوة. ومن المعلوم أن المجنون يرى أنه هو العاقل، وقاصر العقل يرى أنه هو الكامل، فلا غرو أن جحدوا الحقّ وتعاطوا بالكذب دون الصدق، وأنكروا قول رسول الملك الحقّ (بأنَّ عليّاً بعدي

ص: 97


1- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/188، بحار الانوار/ المجلسي: 109/ 39.
2- م.ن: 2/188.
3- م.ن: 2/192، بحار الانوار/ المجلسي: 40/256.
4- سورة الاحقاف/ الآية 15.
5- سورة البقرة/ الآية 233.
6- بحار الانوار/ المجلسي: 40/ 237.

أفضل الخلق) (1) لعدم استقرارهم على حال، ولو أنهم استقروا حالاً في الاحوال لما حصل الاختلاف بينهم في المقال واتى باستقرارهم وقد ذهب الى كل فريق وعدى كل اثنين منهم في طريق، حتى أتّهم، لذلك ترى كل رجل منهم اختار له مذهباً يراه وشرعة بما حدّثه بها قاصر فكره، وعلى هذا الاختلاف العظيم والافتراق الجسيم، لو استقروا قليلاً وان سبحوا في الضلال سبحاً طويلاً لأنقذناهم من ظلمات العناد إلى أنوار الهداية والرشاد وأثبتنا لهم ما أنكروه بما قرّروه وسطروه من أن عليّاً هو الوصي بعد النبي بلا فصل، وبما روى الجاحظ من الحديث مسنداً الى سعد بأنه قال (سمعتُ رسول الله (صلی الله علیه و آله)يقول: "علي مع الحق والحق مع علي حيث كان" فجعل له من سمع ذلك معك، قال: أم سلمة. فأرسل اليها فقالت: نعم. فقال رجل لسعد: ما رأيت أَلأَم منك همّةً قط. فقال: لِمَ. قال: لو سمعتَ أنا هذا من النبي لم أزل خادماً لعليّ حتى اموت) (2).

وبما روي من سند رجاله ثقات (أن علياً (عليه السلام) مرّ على النبي وهو في نفرٍ من المهاجرين والانصار. فقال: ألا أخبركم بخياركم بعدي، ومَن هو على الحق بعدي. قالوا: بلى. فقال (صلی الله علیه و آله): "خياركم هذا والحق معه" وأشار بيده إلى عليّ (عليه السلام) ).

والعجب الاعجب والامر المستغرب أن بعض النواصب كابن حجر والصبّان وغيرهما من المتعصبة يستدلّون على افضلية أبي بكر من عليّ (عليه السلام) ومن جميع الامة في سبق إسلامه ولم يعلموا أن دليلهم لا يُعاضدهم على ذلك وهذه عبارتهم على سبيل الاجمال، وانظروا اليها بعين البصيرة لتعرف حقيقة الحال /54/ فاعلم أنه قد قال في صواعقه الواقعة عليه لما أطلق عنان الجدال (وكفى فخراً أن الله شهد لهم بأنهم خير الناس حيث قال تعالى: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ] (3)، فانهم أول من دخل في هذا الخطاب، وكذلك شهد لهم رسول الله بقوله في الحديث المتفق على صحته (خير القرون قولي) والاهتمام اعظم في مقام قوم ارتضاهم الله لصحبة نبيه ونصرته. قال تعالى: [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ] (4). وقال تعالى: [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

ص: 98


1- ظ: الجواهر السنية/ الحر العاملي: 1/308، أوائل المقالات/ الشيخ المفيد: 1/145.
2- مجمع الزوائد/ الهيثمي: 7/476، الغدير/ الأميني: 3/177.
3- سورة آل عمران/ الآية 110.
4- سورة الفتح/ الآية 29.

وَرَضُوا عَنْهُ] (1) ) (2)والمراد بالسبق أي سبقه الى الاسلام ثم قال: (وأسلم أبو بكر وهو ابن سبع وثلاثين سنة وقيل ثمان) (3).

أقول: ومثل هذا ذكر ابن الصبّان والشبلنجي، بل ما ذكراه هذا بعينه. ثم أخذ في بيان أحوال عليّ (عليه السلام). فقال: (أسلم وهو ابن عشر سنين وقيل تسع وقيل ثمان، وقيل دون ذلك قديماً)، بل قال ابن عباس وانس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي (أنه (عليه السلام) هو أول من أسلم. ونقل بعضهم الاجماع عليه) (4) انتهى كلامه خفض مقامه.

وأنت إذا أحطت به خبراً تراه ينقص آخره أوّله، وكيف دلّ على سلب الأفضلية عمّن ادّعاها له وهو لم يشعر بذلك، لأن كلامه – كما تراه – ينادي بسبق عليّ (عليه السلام) إلى الاسلام دون غيره ضرورة، إن اسلام ابن العشرة سنين أو الأقل أسبق من اسلام ابن الستة والثلاثين أو السبعة أو الثمانية، بل هو أسبق من إسلام ابن الاثني عشرة سنة.

لو قلنا بذلك على أن ما ذكره من الآيات والحديث لا يعاضده على ما ادّعاه لما فيه من العموم الشامل لهم ولغيرهم، وعلى هذا فلا يجد فيه نفعاً لدعواه تخصيصه بأبي بكر وحدهُ أو بقية الخلفاء الاثنين معه، على أن الآية الاولى دالة على فضل أمته جميعها على سائر أمم الانبياء المتقدمين، فتخصيصها بهم بلا مخصّص تحكّم بحت وفرية بغيّة وكونهم معدودين في جملة الامة او داخلين فيها أو كونهم منها لا يستلزم منه القول بأفضلية أبي بكر على عليّ (عليه السلام) لجواز استفادة أفضلية ابي لؤلؤة منها على عمر وغيره على غيره، وهذا ممّا لا يقول به احد.

وكذلك الكلام في الحديث الذي ادّعى الاتفاق على صحته لعدم اثباته الافضلية لذلك بالخصوص على غيره. نعم هو دالّ على أفضلية قرنه (صلی الله علیه و آله) على غيره من القرون السالفة وهذا لا ينكره أحد، ودعواه دلالة الآية الثانية على رضا الله بصحبة ابي بكر أو غيره لنبيه في محل من المنع، كما لا يخفى على الفطن العارف لعدم دلالتها على ذلك بالثلاث. نعم هي دالة على مدح أصحابه جميعهم لمكان عموم الخطاب الوارد فيها على أنها ليست مسوقة لبيان تفضيل بعض أصحابه على بعض.

ص: 99


1- سورة التوبة/ الآية 100.
2- الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 1/22.
3- م.ن: 2/351.
4- م.ن: 2/351.

نعم هي دالة على مدح الله لهم – كما قلنا - فحينئذ لا يجديه التمسك بها على ما أراده على أننا ندّعي تخصيصها كغيرها في الآية المتقدمة والحديث بمدح الصحابة المؤمنين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه الموصوفين بتلك الصفات لا انها شاملة لكل من صاحب النبي (صلی الله علیه و آله)إذ لا ريب في أن أغلب من صاحَبَ النبي في ذلك العصر هم أهل الشقاق والنفاق الذين أظهروا الاسلام طمعاً لنيل ما يجري من الغنائم على يده (صلی الله علیه و آله) بشهادة الكتاب /55/ المجيد حيث قال فيه (تعالى): [وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ] (1). وقال ايضاً: [يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ] (2)، وقال ايضاً: [إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ] (3) الى غير ذلك من الآيات الدالة على ما قلناه.

على أن ما ذكرهُ في الآية الثالثة لا تنهض على إثبات مطلوبه، لأن المراد - كما عرفت سابقاً في الفصل الثاني - هو عليّ (عليه السلام) لما بيّنا من الاخبار الدالة على سبقه بالهجرة دون غيره، بل الاجماع على ذلك، والأنصار الذين أتوا الى النبي وبايعوه، ولو سلّمنا دلالتها وشمولها لأبي بكر وغيره، فهو عند التحقيق ايضاً لا تدل على افضليته على عليّ (عليه السلام)، بل حتى الانصار الذين هم بايعوا النبي (صلی الله علیه و آله)أول الناس على أنه قد مرّ عليك في المقدمة ما يدلّ على عدم شمول الآية الثانية لهم، فلاحظه، كما أنه مرّ عليك في الفصل الثاني ما يوهن دعواه بسبق اسلام أبي بكر على إسلام علي (عليه السلام)، فافهم.

ثم أنه خفض مقامه أخذ في الرد علينا بشيء هو أوهى من بيت العنكبوت وانه لأوهن البيوت. فقال: (وزعمت الرافضة أن قول عمر إن بيعة ابي بكر كانت فلتة وقى الله الاسلام شرَّها، فمن عاد الى مثلها فاقتلوه، قادح في أحقيتها(4) أو لا دلالة في ذلك لما زعموا، لأن معناه أن الاقدام على مثل ذلك من غير مشورة الغير(5) وحصول الاتفاق منه مظنّة الفتنة فلا يقدمن أحدٌ على ذلك، على أني قدمت عليه فسلّمت على خلاف العادة ببركة صحة النية وخوف الفتنة لو حصل توانٍ في هذا الامر) (6). انتهى كلامه حطّ مقامه.

ولا يخفى عليك ما في جوابه واعتداده في الفساد لوجوه، أما:

ص: 100


1- سورة التوبة/ الآية 101.
2- سورة آل عمران/ الآية 167.
3- سورة المنافقون/ الآية 1.
4- ذكر ابن حجر بعدها كلاماً لا يليق ذكره هنا في ذم الشيعة، وأن البحث العلمي يأبى ذلك.
5- لا يجوز أن تُعرّف (غير) ب- (أل التعريف)، لأنها شديدة الابهام.
6- الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 1/92.

أولاً: فلحمله الكلام على غير ظاهره من دون إمارة تدل على أن المراد فيه ذلك.

وثانياً: بأن الظاهر من الفلتة هي الزلة والعثرة هنا، وأن قوله: ((وقانا الله شرَّها)) دعاء، وهو صريح في كونها غير مشروعة له، وإلا ما دعى بوقاية شرَّها وحمد الله على ذلك.

سلّمنا أنها ليست بمعنى الزلة فلا نسلّم عدم دلالة على وقوع الامر منه من غير تدبر ورويّة وأن فعله بغتة.

والظاهر أن الذي دعاه إلى ذلك عناده لمن هي من الله له، وإلا فلا داعي للتسرع، ومما يُشعر بذلك قول أبي بكر (أقيلوني فلستُ بخيركم وعليّ فيكم) (1)، وما تكلّمه بهذا إلا لارادة التحريض عليه، أي اقتلوه حتى أكون متبعاً وإلا فأنا الآن لستُ بمتّبع.

سلّمنا عدم دلالته على هذا كله، لكن لا نسلّم أن المراد منه ما ذكره لخلوّه عن الامارة الصارفة له الى ما قاله.

وثالثاً: إن ما فسرّه به منادٍ بعدم حصول الاتفاق من المسلمين عليه وعدم رضائهم بذلك وإبعاد دلالته على عدم اطلاع الأعيان عليه من المسلمين لصراحة كلامه بأن لم يشاورهم في ذلك.

ورابعاً: إن مقتضى كلامه لا يظهر منه الافتخار حتى يأوّله بما أوّله، بل الظاهر منه الدعاء والاخبار.

وخامساً: عدم استفادة ما ادّعاه منه لعدم تصريح ألفاظ عمر بذلك، ولو كان كذلك لأبرزت الالفاظ معانيها، فمن أين أتى بهذا الكلام المزيّف. ولا جُناح عليه لأنه محموم اللبّ ومريض القلب، والمحموم شأنه الحقد والكذب.

ثم قال ايضاً: (ونصت الرافضة أن النبي (صلی الله علیه و آله)لما /56/ ولّاه الصلاة أيام مرضه، عزله عنها، وما ذلك إلا من قبائح كذبهم وافترائهم، فكيف وقد قدّمنا في سابع الاحاديث الدالة على خلافته من الاحاديث المتواترة ما هو صريح في بقائه إماماً يصلي إلى أن توفى (صلی الله علیه و آله)) (2). والحديث قد رواه ابو موسى الاشعري قال: (مرض النبي فاشتد مرضه فقال: مروا أبا بكر فليصلي بالناس، قالت عائشة: يا رسول الله إنه رجل رقيق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس. فقال:

ص: 101


1- الاربعين/ النسوي: 1/259، الفضائل/ شاذان القمي: 1/133، الصراط المستقيم/ علي بن يونس العاملي: 2/294.
2- الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 1/83.

مري أبا بكر فليصلي بالناس. فعادت. فقال: مري أبا بكر فليصلي بالناس، فانكُنَّ صواحب يوسف. فأتاه الرسول فصلّى بالناس في حياة رسول الله) (1). انتهى ما ذكره.

وغير خفي إن ما قاله غير خالٍ من الفساد. أما أولاً: فمع الغضّ والاغماض عن اضطراب متخاصمين كما لا يخفى على مَن دقّق فيه النظر، فلأنّا لا نسلّم صحة هذا الحديث كليّة، وأما ثانياً فلأنه مُعارَض بما هو أصحّ منه سنداً وأكثر عدداً وذلك ما رواه النسائي عن ابن مسعود عن أم سلمة (أنها قالت لما اُغمي على النبي (صلی الله علیه و آله): جاء بلال. فقالت عائشة: ما تريد. قال لها: قد جاء وقت الصلاة فليخرج النبي وليصلي بالناس. فرجعت اليه وقالت له: إن النبي مشغول بنفسه ولا قابلية له، وعليّ مشغول فيه، فمُر أبا بكر بالصلاة. وقالت حفصة: فمُرْ عمراً. ثم بعثت اليه عائشة أن النبي يقول: قدّم أبا بكر بالناس وليصلي فأني مشغول بنفسي. فتقدّم أبو بكر من بعدما أذّن بلال، فأفاق النبي من غشوته فسمع أذان بلال، فسأل: من يصلي بالناس؟. فقيل: أبو بكر يا رسول الله. فقال: أخرجوني فقد وقعت والله في الاسلام فتنة عظيمة، فخرج النبي وهو متكيءٌ على عليّ والفضل، وصلى بالناس جالساً) (2).

على أن جهة الشبه والتشبيه فيما نقله من الحديث الأول مما يؤيد أن أمر أبي بكر بالصلاة ليس من قبل النبي وإنما هو من قبل عائشة، إذ لا معنى للقول بأن جهة الشبه هي العصيان، لأن صويحبات يوسف لم يأمرهنّ يوسف بأمر حتى عصينه فيه، فلابّد وأن يراد به هو الكذب والافتراء وحينئذ فيثبت المطلوب فتأمل جيداً. ثم قال بعد ذلك ما مضمونه أن الرافضة يزعمون أن توقّف أبي بكر في ميراث الجدّة وقوله أن لها السدس قادح في خلافته(3)، وكيف يقدح فيها ذلك وهو من أكابر المجتهدين، وأعلم الصحابة على الاطلاق، ولا يكون ذلك قادحاً إلا إذا ثبت أنه ليس فيه أهلية للاجتهاد. انتهى ما قاله أزاد الله أغلاله.

وفساده لا يخفى عليك لما ذكرناه من الاخبار السالفة في الفصل الثاني، وهذا الفصل، الدالة على فساد ما قاله، على أنّا لو سلّمنا اجتهاده يلزم من القول بأفضلية كل من كان مجتهداً، وإمامته وخلافته، على مَن عداه، وهذا مما لم يَقُل به أحدٌ فتأمل.

على أنه لو كان مجتهداً وأعلم الصحابة على الاطلاق لأهاب الجاثليق بسؤاله ولأجاب أم فروة عن سؤالها له، ولأجاب اليهوديَيْن الذَيْن سألوه عن قصة أهل الكهف وغيرها ثم استدل على أنه أعلم الأصحاب بدليل واهٍ، وهو أن المهاجرين والانصار تحيّروا في دفن رسول الله (صلی الله علیه و آله)فلم يدروا بأيّ مكان يدفنونه، فأتوا إليه: (فقالوا: أين ندفن

ص: 102


1- م.ن: 1/59.
2- ظ: بحار الانوار/ المجلسي: 28/140.
3- ظ: الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 13.

رسول الله، فما وجدنا عند احد في ذلك علماً. فقال أبو بكر: سمعت رسول الله يقول: ما من نبي /57/ يقبض إلا ودفن تحت مضجعه الذي مات فيه) (1)

ولا ريب بأن دليله لا ينهض على إثبات مدّعاه للزومه، أولاً: القول باجتهاد كل من سمع شيئاً في غيرها وحفظه، وهذا مما هو بديهي البطلان. وثانياً: أنّا لو سلّمنا دلالته على علمه في الجملة، ولكن لا نسلّم أن ذلك يستفاد منه أعلميتهُ على من سواه، فضلاً عن ذلك ثبوتها لعدم دلالته على ما ذكره بالثلاث. ثم أنه ذكر كهذه وأمثالها شيئاً كثيراً لا يحتمله هذا المختصر في الرد والتشنيع على الفرقة المحقّة أو لما رأى أن الشيطان قد نفخ في معاطسه ما أظهر له من وسواسه، أعجبته نفسه فتمايل في العجب واشتد به الفرح والطرب لمّا رأى تنميق مزخرفه وبدّد فريقه فطرأ على باله وتخيّل له في خياله حديث الغدير، وما تكلّم به النبي في إثبات الولاية للأمير في ذلك الجمّ الغفير، خطر بباله الانكار لذلك الحديث المنتشر كالشمس في رابعة النهار فقال: (زعمت الشيعة أن في النص التفصيلي المصرّح بخلافة عليّ، قوله (صلی الله علیه و آله)يوم غدير خم في رجوعه من حجة الوداع بعد أن جمع الصحابة وكرّر عليهم: "ألستُ أولى بكم من انفسكم" ثلاثاً وهم يجيبون بالتصديق والاعتراف، ثم رفع عليّ وقال: " من كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادي من عاداه، وأحبّ من أحبه وأبغض من أبغضه وأنصر من نصره وإخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار". قالوا: فمعنى المولى الأولى أي فلعليّ (عليه السلام) عليهم من الولاء ما له (صلی الله علیه و آله)عليهم منه بدليل قوله ((ألستُ أولى بكم)) لا الناصر) (2). أو الوارث أو العصبة أو الصديق أو السيد أو المعتّق أو العتيق أو المتصرّف في الأمر. أو المحبوب، ثم بعد ايراده هذه الحجة شرع في ردها فقال: (وجواب هذه الشبهة التي هي أقوى شبههم تحتاج إلى مقدمة وهي بيان الحديث ومخرجيه) (3) ثم إلى أن قال: (وهذا الحديث صحيح لا مريّة فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وطرقه كثيرة جداً، ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً. وفي رواية لأحمد (أنه سمعه من النبي ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعليّ لما نوزع أيام خلافته ولا إلتفات لمن قدح في صحته) (4)، ثم أنه بعد تصحيحه الحديث أخذ في ردّه فقال: (وبالجملة فما زعموه مردود من وجوه، أحدها: إن فرق الشيعة اتفقوا على إعتبار التواتر فيما يستدل به على الإمامة، وقد علم نفيه لكثرة الطاعنين بصحته كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم، فهذا الحديث مع كونه آحاد مختلف في صحته،

ص: 103


1- م.ن: 1/85.
2- الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 1/106.
3- م.ن: 1/106.
4- م.ن: 1/106-107.

فكيف ساغ لهم أن يخالفوا ما اتفقوا عليه من اشتراط التواتر في أحاديث الامامة ويحتجون بذلك ما هذا إلا تناقض.

ثانيها: لا نسلّم أن معنى الولي ما ذكروه، بل معناه الناصر لأنه مشترك بين معانٍ وهو حقيقة في كل منها، وتعيين بعض معاني المشترك من غير دليل يقتضيه الحكم لا يعتدُّ به.

ثالثها: سلّمنا أنه أولىَ، لكن لا نسلّم أن المراد أنه الأولىَ بالامامة بل الاتباع والقرب منه) (1) انتهى كلامه خفض مقامه.

وفيه أما أولاً منع كونه خبر آحاد كما ادّعاه، كيف وقد حكموا بصحته علماؤهم /58/ ونقلوه كابراً من كابر وجيلاً بعد جيل وتحدثوا به بكل طريق وسبيل حتى وصل الينا وورد علينا ولو لم يكن كذلك لما اشتهر بهذه الشهرة العظيمة وكفى بشهرته ما حكاه هو فيه وطعن النادر غير مخلٍّ فيه بل قد يظهر من كلامه بل صريحه أن طعنهم فيه ليس إلا لمحض العناد والتعصب بدليل تصحيحه له وأنه متفق على صحته وحكمه بعدم الالتفات للطاعن فيه ثم جعله بعد ذلك خبر آحاد وأنه مطعون فيه، فما ذلك إلا لحميّة الجاهلية.

وثانياً: أن قوله لا نسلّم مخالف في محل من المنع لوجود القرينة الدالة على أن المراد من اللفظ هو الولي دون غيره لعدم ظهور غيره في اللفظ ولعدم إرادة سواه منه بشهادة قرينة الحال والمقام لعدم الجدوى في قوله (صلی الله علیه و آله) (مَن كنتُ ناصره فعليٌّ ناصره) (2)، لأنهم غير ضعفاء حتى يكون عليّ ناصراً لهم مع أنهم أقوى أهل زمانهم، بل الأوفق أن يوصيهم بنصره كما هو الظاهر من فحوى كلامه (صلی الله علیه و آله) لا أنه يوصيه بهم فتأمل. فربما دقَّ على أن ذلك حملٌ للكلام على خلاف ظاهره.

وثالثاً: إن قوله سلّمنا مخالف ايضاً في محل من المنع أو لو كان المراد منه ذلك لما احتاج الى الاقامة في ذلك المقام الخطير والجلوس في حر الهجير بذلك الجمع الغفير ووقوفهم عن المسير وتحملهم ذلك التعب والعنا والنصب حتى كادوا أن يذوقوا من عظم الحر كؤوس العطب، ولقبُحَ من النبي (صلی الله علیه و آله)فعل ذلك كله لأجل أن يبين لهم أن علياً أقرب اليه من غيره بالنسب من بني هاشم ولحسن منهم أن يقولوا له: يا رسول الله سِر بنا فأنّا نعلم ذلك مخالفاً وقوف النبي عن المسير في ذلك الحر الهجير والاقامة في ذلك الوادي الخطير إلا لبيان ذلك الامر العظيم، وهو أن علياً هو الامام والخليفة

ص: 104


1- م.ن: 1/107، 110، مع تغيير طفيف في النص لا يبتعد عن روح المعنى المطلوب.
2- معاني القرآن الكريم/ النحاس: 2/326، بحار الانوار/ المجلسي: 37/242.

من بعده، كما يشهد بذلك الوجدان والبداهة، فوقوفه (صلی الله علیه و آله)يكون قرينة معيِّنة للمعنى الذي قلناه من اللفظ، وصارفة له عن إرادة غيره، فأفهم جيداً وأنصف.

الخاتمة

في الرد على بعض الأحاديث التي نقولها في فضل الخلفاء الثلاثة والروايات التي رسموها في فضل بعض الصحابة ونستمد من الله التوفيق والاعانة إنه خير موفق ومغنيّ.

فمنها ما أخرج (الحافظ عمر بن شبة عن كثير قال: قلتُ لأبي جعفر بن محمد بن عليّ (عليه السلام): أخبرني أظلماكم أبو بكر وعمر من حقكم شيئاً. فقال: ومنزِّل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً، ما ظلمانا من حقّنا ما يزن حبّة خردلة. قال: قلت: أنا أتولاهما جعلني الله فداك. قال: نعم يا كثير تولّهما في الدنيا والآخرة وجعل يصكّ عنق نفسه ويقول: ما أصابك فبمنع هذا) (1).

أقول: وغير خفي أن ما أورده دالٌ على ثبوت الظلم منهما لهم (عليهم السلام)، لأن معنى قوله (عليه السلام): ما ظلمانا. الخ، هو أن الظلم منهما لنا ليس مقدار هذا بل

ص: 105


1- الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 159، الصوارم المهرقة/ التستري: 1/141.

أنه أكثر وأوفر. هذا إذا جعلنا (ما) الاولى نافية، وأما إذا جعلناها موصولاً اسمياً فأيضاً تدل على الظلم منهما لهم (عليهم السلام)، ولكن على قلة فأفهم على أن قوله (عليه السلام) تولّهما ظاهر في أن المراد منه الامر بالاعراض عنهما والقرينة ظهور ذلك في اللفظ فيكون على حدِّ قوله تعالى [عَبَسَ وَتَوَلَّى] (1)، وقوله [فَتولّى فرعون] (2)، وغير ذلك.

والحق أن يُقال في ردّه إن ما استدلَّ به وارد مورد التقية وعلى فرض /59/ تلقيه بالقبول. نقول: هو ايضاً لا دلالة فيه على ذلك، بل أنه دالٌّ على ثبوت الظلم منها لهم (عليهم السلام)، لأن معناه كما ليس يخفى ليس ظلمهما لنا مقدار وزن خردلة، والدليل على ذلك قوله (عليه السلام): (تولّهما في الدنيا والآخرة). فأفهم وتأمل.

ومنها ما أخرجه عن الحسين بن محمد بن الحنفية أنه قال: (يا أهل الكوفة اتقوا الله تعالى. ولا تقولوا لأبي بكر وعمر ما ليسا له بأهل) (3)، ولا يخفى أنه قاصر عن اثبات افضليتهما وغير ناهض في اثبات خلافهما ضرورة، أن معناه، لا تقولوا فيهما كما يقوله أهل السنة والجماعة من أنهما أهل للمدح وحينئذ فلا دلالة فيه على ما يدعي بداهةً.

ومنها ما أخرجه البخاري عن ابن عمر (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): مَن جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامة. فقال ابو بكر: إن أحد شقّي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال له النبي (صلی الله علیه و آله): إنك لست تصنع خيلاء) (4).

ولا ريب بأن هذا لم يجدهم نفعاً لو تمسكوا به على ثبوت افضليته على جميع الأنام من الخاص والعام، لأن معناه إنك معذورٌ لو كان ذلك منك نسياناً أو سهواً وأما إذا فعلته عمراً فليس بمعذور. واين هذا من إثبات خلافته وفضله على غيره فتدبّر.

ومنها ما أخرجه الزهري أنه قال في فضل أبي بكر (أنه لم يشك في الله ساعة قط) (5)، ومن البيّن أن حرف النفي غير نافٍ للشك في الله استمراراً بل أن غاية ما نفاه عن زمن الساعة فقط فحينئذٍ يكون المعنى، أن من فضّله يكون في الله شاكّاً دائماً.

ص: 106


1- سورة عبس/ الآية 1.
2- سورة طه/ الآية 60.
3- الصواعق المحرقة/ ابن حجر: 163.
4- سمط النجوم العوالي/ عبد الملك الشافعي: 2/445-446.
5- تأريخ الخلفاء/ السيوطي: 1/60.

ومما يعيّن ظهور هذا المعنى من تقديم الجار والمجرور على المفعول(1) فأفهم.

ومنها ما أخرجه أحمد والبخاري عن أبي هريرة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن عائشة (أن رسول الله (صلی الله علیه و آله) قال: لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس مُحدِثون فان يكن في أمتي فانّه عمر) (2). ولا ريب بأنه على هذا يكون صريحاً في سلب أفضليته إذ المُحدِث هو المُبدع للبدع التي لم تشرّع. فأين ما يدّعيه على أنّا لو فسرناه بأن المراد منه هو الذي يحدّث الناس بما يسمعه مما جرى على الأمم الماضية والقرون الخالية من العجائب والأمور والغرائب، فايضاً لا يدل على ما زعم للزوم ثبوت الفضل لكل من حدّث أحداً بشيء من ذلك على أن ذلك لم يَقُل به أحد بل قُصارى ما يُقال في ذلك المحدّث من المدح، أنه مطّلع عليه دون غيره، ولا يُقال له أنه فاضل او صادق في قوله، أو أنه بذلك يكون إماماً كما يحكم بذلك العرف فأفهم.

ومنها ما أخرجه الطبراني عن سديسة قالت (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خرّ لوجهه) (3) وأخرجه الدار قطني في الأفراد(4) من طريق سديسة عن حفصة. ولا يخفى على كلِّ ذي مسكة وروية تكذيب الخبر بنفسه بالكليّة إذ كيف يصدر السجود من الشيطان إلى عمر مع أنه لم يسجد لآدم أبي البشر الذي هو أفضل، وأفضل من عمر، بل ما عدا محمد من سائر البشر ورضي باللعنة من الله تعالى والطرد والابعاد عن رحمة الله والخروج من الجنان والخلود في النيران والهبوط من السماء والنزول الى الارض لئلا يسجد لآدم، وقال: [أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ] (5)، فكيف يسجد لأقل ذريته، وربما يمكن القول بذلك من حيث معلوميته تلمّذ ابليس على يديه وكفاه بذلك فضلاً.

ومنها ما رواه الترمذي والحاكم عن أبي بكر (ان النبي (صلی الله علیه و آله) قال: ما طلعت الشمس على خير وأفضل من عمر) (6)، أقول: وهو كسابقه على أنه يلزم منه القول بتفضيله حتى على /60/ الانبياء جميعاً، وهو خلاف الاجماع إذ قد عرفت سابقاً انعقاد الاجماع من المسلمين على أن النبي أفضل ممن ليس بنبيّ.

ومنها ما أخرجه ابن سعد (أن عثمان لمّا أسلم أخذه عمه الحكم بن أبي العاص ابن أمية وقد أوثقه رباطاً، وقال: ترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث. والله لا أفكَّكَ

ص: 107


1- ورد في المخطوطة (من تقديم المفعول على الجار والمجرور)، والصحيح ما أثبتناه.
2- مرآة الجنان/ اليافعي: 1/79.
3- سمط النجوم العوالي/ عبد الملك الشافعي: 2/493، تأريخ الخلفاء/ السيوطي: 1/119.
4- ظ: اطراف الغرائب والأفراد/ الدارقطني: 5/372-373.
5- سورة الاعراف/ الآية 12.
6- سمط النجوم العوالي/ عبد الملك الشافعي: 2/494، تأريخ الخلفاء/ السيوطي: 1/45.

أبداً حتى تدع ما انت عليه. فقال عثمان: والله لا ادعه ابداً ولا أفارقه. فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه) (1) وبداهة أن حرصه على دينه غير مثبت لخلافته وموجب لثبوت أفضليته على غيره، على أنّا نرى كثيراً من الناس يسألونهم بعض الفساق الخروج عن دينهم فيتمنّعون عن ذلك إلى أن يُقتلون أو يُتركون معهم على ذلك الامتناع، ولم تثبت لهم خلافة أو افضلية توجب الخلافة.

ومنها ما أخرج الطبراني عن أنس (أن رسول الله (صلی الله علیه و آله)قال: إن عثمان لأوّل من هاجر بأهله الى الله بعد لوط) (2). أقول: وهو معارض بما ذكرناه من الاخبار السالفة في الفصل الثاني الدالة على سبق عليّ (عليه السلام) في الهجرة دون غيره فيجب طرحه.

والظاهر أن الخبر هكذا أنّ علياً لأوّل من هاجر بأهله الى الله بعد لوط) لما هاجر من سدوم الى الاردن بأهله.

على أنّا لو سلّمنا ذلك نقول: إنه لم يدلّ إلا على مدح النبي له من حيث الهجرة أو خلّفه أول الناس. وهذا غير ناهض في إثبات خلافته كما لا يخفى.

ومنها ما أستدلوا به على فضل طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبي عبيدة وعبد الله بن مسعود وسعد بن عبادة قوله (صلی الله علیه و آله): (أنت يا طلحة الفيّاض، وأن لكل نبي حواري وأن حوارييّ الزبير. ويا خالد لا تؤذي رجلاً من أهل بدر لو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تبلغ عمله، وليت رجلاً صالحاً يحرسنا، وأن سعيداً يوم القيامة يُبعث أمةً وحده، وان أبا عبيدة أمين هذه الامة) (3)، وقول حذيفة: (إن عبد الله أقربهم وسيلة) (4) وقوله (صلی الله علیه و آله): قوموا إلى سيدكم)(5)، أو الى خيرّكم.

أقول: فأما الجواب عن الاول فبالمعارضة بما روي عن النبي بسندٍ حسنٍ (هلك قومٌ ولّوا أمرهم امرأة) (6)، وهما منهم(7)، والعجب منهم أنهم لم يلتفتوا إلى قوله تعالى [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا] (8) ، ومع هذا دوّنوا في كتبهم وحرّروا في مصنفاتهم انهم جمِعّا الجموع وجيّشا الجيوش وسفكا دماء المسلمين، وأوقعا في حربهم ما أوقعا في الدين.

ص: 108


1- الطبقات الكبرى/ ابن سعد: 3/55.
2- سمط النجوم العوالي/ عبد الملك الشافعي: 1/508 (أخرجه الطبراني عن انس).
3- مر سابقاً.
4- البداية والنهاية/ ابن كثير: 9/130.
5- م.ن: 4/121، مرآة الجنان/ اليافعي: 1/10.
6- وعن البخاري (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة). ظ: البداية والنهاية/ ابن كثير: 12/129.
7- اي طلحة والزبير.
8- سورة النساء/ الآية 93.

وقد روى البخاري أن عليّاً والزبير لمّا توافقا يوم الجمل قال له (عليه السلام): (يا زبير أنشدك بالله أما سمعت قول النبي (صلی الله علیه و آله)يقول لك: تقاتلني وانت ظالم لي، قال: نعم. ولم اذكر إلا في موضع هذا ثم انصرف) (1) فتبعه مَن قتله.

واما الجواب عن قوله (صلی الله علیه و آله)لخالد بزعمهم أنه في حق عبد الرحمن، فأن المراد منه بيان فضل الجهاد وما ينال به المجاهد من الثواب الجزيل من الله تعالى، على أنّا لو سلمنا عدم دلالته على ذلك، فهو لا ينهض بما ادّعوه، إذ غاية ما دلَّ عليه النهي من الأذية له، وذلك لا يدل على ثبوت الافضلية له.

وأما الجواب عن إدراك ما تمنّاه (صلی الله علیه و آله) بمجيء سعد إليه فذلك من المقارنة الاتفاقية، ووقوع هذا كثير متداول بين الناس بل قد يُقال أنه أجاب النبي ذلك لئلا ينكر عليه خروجه في ذلك الوقت. على أن لو سلمنا دلالته على صلاحه فلا نسلّم دلالته على افضليته بالبتة، إذ لا يلزم من كونه صالحاً أنه افضل من غيره.

وأما الجواب عن بعث سعيد يوم القيامة فواضح لأن الامة كما نصّوا عليه أهل اللغة هي الطريقة، وهو منصوب /61/ بنزع الخافض فيكون حينئذ كلامه (صلی الله علیه و آله)مراداً به الإخبار بأنه يُبعث في طريق من طرق جهنم وحده، لا المراد به التقديم على جمع من الناس، لأن الانسان في ذلك اليوم المهول ما له همّة إلا خلاص نفسه من تلك الشدائد حتى الانبياء كما قال تعالى: [لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ] (2) على أن اللفظ لم يفد إلا ما قلناه.

وأما الجواب عن قولهم (إن أبا عبيدة أمين هذه الامة)، فليس المراد منه أنه الشاهد لبطلانه عندهم، لزعمهم أن الشاهد على الامة أبو بكر، بل أن المراد منه أنه صدّق بهذه الطريقة والدين الذي جاء به محمد، لأن الأمين هنا لا يعني له غير التصديق فيكون مأخوذاً من الايمان، والامة أيضاً لها غير الطريقة والدين، وقول بعضهم إنه المؤتمن أو المأمون باطل لأن توديع الرعيّة عند الخليفة أحسن وأولىَ من توديعهم عن رجل من سائر المسلمين.

وأما الجواب عن قول حذيفة بأنّا نقول أنه أراد به التهكّم عليه والسخرية والاستخفاف فإن قيل: سلّمنا ذلك، ولكن ما معنى تأكيده بأن التي معناها التأكيد وثبوت الحكم قلت: لا ضير أن يأتي بها لأجل الناس الكلام على المخاطب وابهامه.

وأما الجواب عن الأخير واضح لأن السيد قد يُطلق على الأخ والرئيس، فيحتمل أن يكون سعيد أخاً لهم أو رئيساً إذا كان كذلك، فلا دلالة فيه على أفضليته على أن

ص: 109


1- البداية والنهاية/ ابن كثير: 7/241، تأريخ الاسلام/ الذهبي: 3/488.
2- سورة عبس/ الآية 37.

الرواية مضطربة – كما عرفت – وما يقال من أن السيد عُرفاً ما ساد قومه بصفةٍ من الصفات كالكرم والشجاعة وغير ذلك، ولا شك بوجود فيه إن لم نقل أغلبها.

نقول: قد يُطلق السيد عُرفاً ويُراد به الدنيء والبخيل والجبان، فنسأل عن سبب ذلك، فيعلّلون، إنا نسمّيه بذلك لشرف آبائه ورفعتهم، ولا يبعد في أن يكون هذا كهذا، أفليس كل مولود يقتفي أثر آبائه، فان الكريم قد يلد بخيلاً، والبخيل قد يلد كريماً، والكافر قد يلد مسلماً، والمسلم قد يلد كافراً، وهذه اشياء فرقدية لا ينكرها إلا مكابر.

وبالجملة فمن أين لهم مناقب كمناقب أبي الحسن عليّ بن ابي طالب (عليه السلام) وفضائل كفضائله ودلائل كدلائله، وهل تُقاس الثريا بالثرى، والشناخيب(1) بالربى، والدراري(2) بالحصا، والنور بالدجى، وهيهات أن تلحقه هؤلاء الجرامقة بفضل أو علم أو حلم أو حزم أو قوة أو عزم، وأنّى لهم بذلك ولولاه لقاسوا أعظم المهالك ولساخت(3) الارض بهم ولأمطرت السماء عذاباً عليهم، وكيف يضاهيه منهم أحدٌ وهو الرابط الجأش والجَلِد ومولى العباد وعين الرشاد والمهذب والتقي واللوذعي اليلمعي والرضي الزكي، والصفي الوفي، والمطّهر من الارجاس، والمنزّه عرضه عن الادناس المدبّر برأيه كل الناس، وكفاه فخراً حيث أنه شهدت بفضله الاعداء، وأقرّت له حسّاده بالفضل والولاء، وتغنّت بشجاعته الركبان، وتحدثت فيها الازقة والسكك، والنساء والصبيان والموالي، والجَحود، والمبغض والودود.

ولنذكر شيئاً لك في شجاعته وقوته وبراعته ونبذة من كلامه (عليه السلام) ليكون ختاماً لهذه الاوراق.

فمن شجاعته ما ذكره ابن حجر والشبلنجي وغيرهما من علماء العامة، نومه (عليه السلام) على فراش النبي (صلی الله علیه و آله)، فبات على فراشه ثابت العزم راسخ الحلم، ولم يكترث بهم أو يعبأ بكثرتهم، وأورد الغزالي في كتابه (إحياء العلوم) (أن ليلة بات على فراش رسول الله أوحى الله الى جبرئيل وميكائيل أني اخترت بينكما وجعلتُ عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فايكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختار كلاهما الحياة وأحبّاها، فأوحى الله اليهما أفلا كنتما مثل علي بن ابي طالب، آخيتُ بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة. اهبطا الى الارض فاحفظاه من عدوّه، فكان جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه يُنادي ويقول: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يُباهي

ص: 110


1- الشناخيب، جمع مفردها شنخاب، وهو أعلى الجبل، وشناخيب الجبال رؤوسها.
2- الدراري، جمع مفردها دريّ، وهي جمعٌ للكواكب.
3- ساخت بهم الارض: انخسفت.

الله بك الملائكة، فأنزل الله تعالى [ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد] (1)) (2).

ومن شجاعته (عليه السلام) ما وقع على يديه في غزوة بدر وكان عمره آنذاك سبعاً وعشرين سنة، روي عن رافع مولى رسول الله (صلی الله علیه و آله)قال: لما اصبح الناس يوم بدر اصطفت قريش وأمامها عتبة ابن ربيعة واخوه شيبة وابنه الوليد، فنادى عتبة: يا محمد أخرج لنا أكفاءنا من قريش، فبرز اليهم من شبان الانصار ثلاثة، فقال عتبة لهم: مَن أنتم، فانتسبوا. فقال: لا حاجة لنا في مبارزتكم، إنما طلبنا بني عمّنا. فقال رسول الله للأنصار: ارجعوا الى مواقفكم، ثم قال: قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة، قاتلوا على حقكم الذي بعث الله به نبيكم. فقاموا فصفّوا في وجوههم، وكان على رؤوسهم البيض فلم يعرفوهم، فقال عتبة: مَن أنتم يا هؤلاء تكلّموا، فان كنتم أكفاءنا قاتلناكم. فقال حمزة: أنا حمزة بن عبد المطلب، انا اسد الله وأسد رسوله، فقال عتبة: كفوء كريم. وقال علي: انا علي بن ابي طالب. وقال عبيدة: انا عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب. فقال عتبة لابنه الوليد: ابرز لعليّ، وكان اصغر الجماعة سناً فاختلفا بضربتين اخطأت ضربة الوليد ووقعت ضربة علي (عليه السلام) على يده اليسرى فأبانتها ثم ثنّى عليه بأخرى فخرَّ قتيلاً. وبارز عتبةُ حمزة وبارز عبيدةُ شيبة وكان من أسنِّ القوم فاختلفا بضربتين فأصاب ذباب سيف شيبة عضلة ساق فقطعها فاستنفذه عليّ وحمزة وقتلا شيبة، وحُمِلَ عبيدة فمات بالصفراء) (3).

ومن شجاعته (عليه السلام) قتاله يوم أحد ومحصّله أن أشراف قريش لما كُسِروا يوم بدر، وقتل بعضهم وأُسِر بعضهم، دخل الحزن على أهلِ مكة بقتل رؤسائهم وأشرافهم فتجمعوا وبذلوا أموالاً واستمالوا جمعاً من كنانة وغيرهم ليقصدوا النبي (صلی الله علیه و آله)بالمدينة لاستئصال المسلمين وتولّى ذلك أبو سفيان بن حرب فحشد وحثّ وقصد المدينة، فخرج النبي (صلی الله علیه و آله)بالمسلمين، فنفق النفاق بين جماعة من المسلمين من الذين خرجوا مع رسول الله، فرجع قريب من ثلثهم وبقي مع النبي سبعمائة من المسلمين فالتقى الجمعان واشتد الحرب واضطرب المسلمون واستشهد حمزة وجماعة من المسلمين، وقُتِل من مقاتلة المشركين اثنان وعشرون رجلاً.

ص: 111


1- سورة البقرة/ الآية (207).
2- إحياء علوم الدين/ الغزالي: 3/258، أسد الغابة/ ابن الاثير: 4/113، سمط النجوم العوالي/ عبد الملك الشافعي: 1/345.
3- بحار الانوار/ المجلسي: 19/ 280.

وعن ابن عباس قال: (خرج طلحة بن ابي طلحة يوم أُحد /63/ فكان صاحب لواء المشركين. فقال: يا أصحاب محمد تزعمون أن الله يجعلنا باسيافكم في النار، ويجعلكم باسيافنا الى الجنة، فأيّكم يبرز. فبرز اليه ابو الحسن علي (عليه السلام) وقال: والله لا أُفارقك حتى أعجلك بسيفي الى النار، فاختلفا بضربتين، فضربهُ علي على رجله فقطعها وسقط على الارض، فأراد أن يجهز عليه فقال: انشدك الله والرحم يا ابن العم، فانصرف عنه الى موقفه. فقال المسلمون: هلّا جهزت عليه. فقال: انشدني الله ولن يعيش، فمات من ساعته، وبُشر النبي بذلك، فسُرَّ المسلمون. قال ابن اسحق: كان الفتح يوم أحد بصبر عليّ) (1).

وروى الحافظ محمد بن عبد العزيز الجنابذي في كتابه ((معالم العترة النبوية)) مرفوعاً الى قيس بن سعد عن ابيه (أنه سمع عليّاً يقول: أصابني يوم أحد ست عشرة ضربة سقطت الى الارض في اربع منهن، فجاء رجل حسنُ الوجه طيب الرائحة وأخذ بضبعي فأقامني ثم قال: أقبل عليهم فانك في طاعة الله ورسوله وهما عنك راضيان قال علي: فأتيت النبي فأخبرته. فقال علي: أقرَّ الله عينيك، ذلك جبرئيل) (2).

ومن شجاعته (عليه السلام) غزوة الخندق وذلك (انه لما بلغ رسول الله (صلی الله علیه و آله)أن قريشاً وقائدهم أبو سفيان بن حرب، وأن غطفان تجمعت وقائدهم عتبة بن حصن بن حذيفة بن بدر، واتفقوا مع بني النظير من اليهود وعلى قصد النبي وحصار المدينة، أخذ النبي في حراسة المدينة بحفر الخندق عليها، وعمل النبي فيه بنفسه وأحكمه في أيام. فلما فرغ من حفره، أقبلت قريش بمجموعها وجيوشها ومن تبعها من كنانة وأصل تهامة في عشرة آلاف، وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد، فنزلوا من فوق المسلمين ومن اسفلهم كما قال تعالى: [إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ] (3). فخرج النبي ومن معه من المسلمين وكانوا ثلاثة آلاف، وجعلوا الخندق بينهم، واتفق اليهود مع المشركين على قتال رسول الله، فلما رأى المسلمون ذلك اشتد الامر عليهم وكان مع المشركين من قريش، عمرو بن عبدود وكان من مشاهير الصناديد، وعكرمة بن ابي جهل، وجاءوا حتى وقفوا على الخندق. ثم قصدوا مكاناً ضيقاً منه وضربوا خيولهم فاقتحمته وحالت خيولهم بين الخندق وبين المسلمين، فلما رأى ذلك عليّ (عليه السلام)، خرج ومعه نفر من المسلمين وبادروا الحفرة التي دخلوا منها وأخذوا عليهم المضيق الذي اقتحمته خيولهم، فرجع عمرو بن عبدود من بينهم ومعه ولده حنبل،

ص: 112


1- تأريخ الطبري/ الطبري: 2/63.
2- المناقب/ ابن شهراشوب: 2/78-79، الغدير/ الاميني: 2/96، وأن المؤلف قد نقل هذا الحديث بالواسطة عن كتاب ((معالم العترة النبوية)) للحافظ محمد بن عبد العزيز الجنايذي.
3- سورة الاحزاب/ الآية 10.

وقال: هل من مبارز، فأراد عليّ أن يبرز اليه فأرسل النبي لعليّ ان لا يبرز اليه، فجعل عمر ينادي: هل من مبارز، وجعل يقول: أين حميتكم، اين جنتكم التي تزعمون أن مَن قتل دخلها أفلا يبرز إليّ رجل منكم، فجاء عليّ (عليه السلام) الى النبيّ فقال: أنا له يا رسول الله. فقال (صلی الله علیه و آله): أنه عمر. قال: وانا علي)، وفي رواية (وان كان عمراً. فأذن له في مبارزته ونزع عمامته (صلی الله علیه و آله) من رأسه، وعمّم علياً وقال: امض لشأنك. فخرج عليّ، وعمر يقول:

ولقد بجحتُ من النداء لجمعكم، هل من مبارز /64/

ووقفتُ إذ وقف الشجاعُ موقف القرن المناجز

وكذلك إني لم أزل متشرعاً أقبل الهزاهز

إن الشجاعة في الفتى والجور من خير الغرائز

فأجابه عليّ (عليه السلام)

لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز *** ذو نيّةٍ وبصيرةٍ والصدق منجى كلّ فائز

إني إذ أرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز *** من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز

ثم قال: يا عمر إنك كنت قد أخذت على نفسك عهداً أن لا يدعوك رجل من قريش إلى أحد خلتين إلا أجبت الى واحدة منها. قال: أجل. فقال (عليه السلام): أدعوك الى الله والى رسوله والى الاسلام. فقال: أما هذه فلا حاجة لي فيها. فقال (عليه السلام): فاذا كرهت هذه فأني أدعوك إلى النزال. فقال: ولِمَ يا ابن اخي، فما أحبُ أن اقتلك ولقد كان أبوك خلاً لي، فقال عليّ: أما أنا والله أُحب أن أقتلك . فحمي عمر وغضب من كلامه واقتحم عن فرسه الى الارض وضرب وجهها ونزل عن فرسه وأقبل كلّ منهما على الآخر فتصاولا وتجاولا ساعة ثم ضربه علي (عليه السلام) على عاتقه بالسيف، رمى جنبه الى الارض وتركه قتيلاً ثم ركب عليّ فرسه وكرّ على ابنه حنبل فقتله ايضاً، فخرجت خيول قريش منهزمة ورمى عكرمة بن ابي جهل رمحه وفرّ وارسل الله اليهم ريحاً وجنوداً وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى بالله المؤمنين القتال) (1).

ص: 113


1- الطبقات الكبرى/ ابن سعد: 2/68، السيرة الحلبية/ الحلبي: 2/642، ظ: المناقب/ ابن شهراشوب: 1/324-328.

ومن شجاعته (عليه السلام)، غزوة خيبر، ومنها قتاله الجان في بئر ذات العلم، ومنها قصة السكاسك، ومنها قتاله بني المصطلق، ومنها غزاة حنين ومنها غزاة السلسلة ومنها وقعة الجمل، ومنها وقعة صفين، ومنها وقعة النهروان(1)، وما خفي منها أكثر وأكثر مما لا يقدر على عدّه العادون ولا يطيق وصفه الواصفون.

وأمّا كلامه (عليه السلام) فقد أعيى الفصحاء وحيّر ألباب البلغاء، فناهيك فيه قول عبد الحميد بن ابي الحديد (ما أقول في رجل كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق) (2).

فمن كلامه(3) (عليه السلام) في العلم (العلم يرفع الوضيع، والجهل يضع الرفيع، العلم خيرٌ من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، العلم حاكم والمال محكوم)، وقال (عليه السلام): (قصم ظهري رجلان، عالم متهتّك وجاهل متنسّك، هذا ينفر الناس بتهتكه، وهذا يضل الناس بتنسكه)، وقال: (أقلُ الناس قيمةً أقلّهم علماً، إذ قيمة كل أمريء ما يحسنه، وكفى بالعلم شرفاً أن يدعيه ما لا يحسنه، ويفرح به إذا نسب اليه، وكفى بالجهل ذمّاً أن يتبرأ منه من هو فيه، ويغضب إذا نُسِبَ اليه، والناس عالم أو متعلم وسائرهم همج رعاع).

وقال (عليه السلام) في العقل: (الانسان عقل وصورة، فمن أخطأ العقل لزمته الصورة، ولم يكن كاملاً وكان بمنزلة جسد بلا روح)، وقال (عليه السلام): (لو كشف لي الغطاء ما أزددتُ إلا يقيناً، الناس نيام، فاذا ماتوا انتبهوا الناس أشبه بزمانهم منهم بآبائهم، قيمة كل امرئ ما يحسنه، من عرف نفسه فقد عرف ربّه، المرء مخبوءٌ تحت لسانه، من عذب لسانه كثروا أخوانه، ما له يستعبد الحرُّ بشَرٍ، مال البخيل بحارث أو وارث، لا تنظر الى مَن قال وانظر الى ما قال، الجزع عند البلاء تمام المحنة، لا ظفر مع البغي، لا ثناء مع الكبر، لا برّ مع الشح، لا صحة مع الهرم، لا شرف مع سوء الادب، لا اجتناب لمحرم مع الحرص، لا راحة /65/ مع الحسد، لا سؤدد مع الانتقام،

ص: 114


1- ظ: المناقب/ ابن شهراشوب: 1/318-334.
2- شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد: 3/.
3- انظر في غرر كلام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وعظيم حِكمِهِ، المصادر الآتية: حِكم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، 10،000 حكمة للإمام علي (عليه السلام)، سجع الحمام في حِكم الامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الحكم من كلام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، حِكم الامام علي بن ابي طالب ومواعظه، عيون الحِكم والمواعظ، 1000 وصية للامام علي (عليه السلام)، 5000 حكمة للامام علي (عليه السلام)، 100 وصية للامام علي (عليه السلام)، مئة كلمة للامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)/ ابن ميثم البحراني.

لا محبة مع المراء، لا صواب مع ترك المشورة، لا مروءة لكذوب، لا زيادة مع زعارة(1)، لا وفاء لملول، لا كرم أعز من التقى، لا شرف أعلى من الاسلام، لا معقل أحصن من العقل، لا شفيع انجح من التوبة، لا لباس أجمل من العافية، لا داء اعيى من الجهل، لا مرض أخنى من قلة العقل، لسانك يقضيك ما عوّدته، المرء عدو ما جهله، رحم الله امرءً عرف نفسه ولم يتعدّ طوره، إعادة الاعتذار تذكير للذنب، النصح بين الملأ تقريع، إذا تم العقل نقص الكلام، الشفيع جناح المطالب، نفاق المؤمن ذلة، نعمة الجاهل كروضة على مزبلة الجزع، أتعب من الصبر، المسؤول حرّ حتى يعبدّ، أكبر الاعداء أخفاهم مكيدة، من طلب ما لا يعنيه فاته ما يعنيه، السامع للغيبة أحد المغتابين، الذل في الطمع، الضرّ مع اليأس، الحرمان مع الحرص، مَن كثر مزاحه حُقد عليه واستخف به، عبد الشهوة أذلٌ من عبد الرق، الحاسد يغتاظ على من لا ذنب له، منع الجوار سوء الظن بالمعبود، كفى بالظفر شفيعاً للمذنب، ربّ ساعٍ فيما يضره، لا تتكل على المنى فانها بضائع النوكى(2)، اليأس حرّ والرجاء عبد، ظن العاقل كهانة، مَن نظر اعتبر، العداوة شغل القلب إذا كره عمي، الادب صورة العقل، من لانت أسافله صلبت أعاليه، من أتى عجانه قل حياؤه وبذء لسانه، السعيد مَن وعظ بغيره، البخل جامع المساوئ العيوب، كثرة الوفاق نفاق، كثرة الخلاف شقاق، ربّ رجاء يؤدي الى الحرمان، ربّ ربح يؤدي الى خسران، ربّ طمع كاذب، البغي سائق الى الحين، في كل جرعة شرقة، ومع كل أكلة غصّة، من كثر فكره في العواقب لم يشجّع، اذا حلت المقادير بطلت التدابير، إذا حل القدر بطل الحذر، الاحسان يقطع اللسان، الشرف بالعقل والادب بالاصل، أكرم النسب حسن الادب، أفقر الفقراء الحمق، أوحشُ وحشةٍ العجب، أغنى الغنا العقل، الطامع في وثاق الذل، ليس العجب ممن هلك كيف هلك انما العجب ممن نجا، احذروا كفران النعم فما كل شارد بمردود، أكثر مصارع العقول تحت بروق الاطماع، مَن أبدى صفحته للخلق هلك، إذا أملقتم فبادروا بالصدقة، مَن لانَ عودُهُ كثرت اغصانه، قلب الاحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه، من جرى في ميدان امله عثر في عنان أجله، اذا وصلت اليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر، اذا قدرت على عدوك فاجعل العفو شكر القدرة عليه، ما اضمر أحد شيئاً في قلبه إلا ظهر عليه في فلتات لسانه وصفحات وجهه، البخيل يستعجل الفقر، يعيش في الدنيا عيشة الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الاغنياء، لسان العاقل وراء قلبه وقلب الاحمق وراء لسانه.

وقال (عليه السلام): مَن كثرت عوارفه كثرت معارفه، من أجمل في الطلب أتاه رزقه من حيث لا يحتسب، من كثر دينه لم تقرّ عينه، من فعل ما شاء لقي ما ساء، من استعان بالرأي ملك ومن كابد الامور هلك، من امسك عن الفضول عُدَّ من ارباب

ص: 115


1- الزعارة: الشراسة وسوء الخلق.
2- النَوْكَى: الحمقى، جمع، ومفرده الأنْوَك.

العقول، مَن لم يكتسب بالادب مالاً اكتسب به جمالاً، مَن كساه الغنى ثوبه حجبت عن العيون عيوبه، مَن حسنت سياسته دامت رياسته، من ركب العجل لم يأمن الكبوة، مَن تقدم بحسن النية نُصِرَ بالتوفيق.

وقال: /66/ (عليه السلام): لا تحدّث عن غير ثقة تكن كذاباً، وقارن اهل الخير تكن منهم وابن اهل الحشر تبِنّ عنهم، واعلم إن من الحزم الغرم، وساعد أخاك إن جفاك وإن قطعته فاستبق له بقية من نفسك، ولا ترغب فيمن زاهد فيك، ليس جزاء من شرَّك تسوءه، واعلم إن عاقبة الكذب الذم، وعاقبة الصدق النجاة.

أقول: واذا اردت أن ترى بديع كلامه وحسن تعبيره ونظامه فعليك بنهج البلاغة، فانها أعيت الفصحاء واذهلت آراء البلغاء، وكفى بهذه الامثال والحِكم دليلاً على افضليته من غيره عند المنصف ونصاً على إمامته عند من لا يُضاهى المتعسّف ومن أعجب أمره (عليه السلام)، أنه لا شيء من العلوم إلا وأهله يجعلونه قدوة، فصار قوله في الشريعة قبلة، فمنه جمع القرآن. فعن ابن عباس (جمع الله القرآن في قلب عليَ، وجمعه عليّ بعد موت رسول الله بستة اشهر وهو أعلم القرّاء بقراءته) (1).

فعن احمد بن حنبل وابن بطة وابي يعلى (أن رسول الله غضب على جماعة لم يقرؤا بما قال لهم به عليّ، (فقال علي: رسول الله يأمركم أن تقرؤا كما علمتم) (2).

وقال ابن مسعود: (ما رأيت أحداً أقرأ من عليّ بن ابي طالب للقرآن) (3).

وعن الشعبي: (ما أحد أعلم بكتاب الله بعد النبي من عليّ بن ابي طالب) (4).

وعن فضائل أحمد (قال عبد الله: إن أعلم اهل المدينة بالفرائض عليّ بن ابي طالب) (5).

وقال محمد بن الحسن الفقيه: (لولا عليّ بن ابي طالب ما علمنا حكم أهل البغي) (6).

وعن مسند أبي حنيفة، قال هشام بن الحكم قال الصادق (عليه السلام) لأبي حنيفة (من اين اخذت القياس. قال: من قول علي بن ابي طالب) (7).

ص: 116


1- بحار الانوار/ المجلسي: 40/155، المناقب/ ابن شهراشوب: 1/319.
2- م.ن: 89/53.
3- م.ن: 40/157، الصراط المستقيم/ علي بن يونس العاملي: 1/229.
4- م.ن: 40/157، المناقب/ ابن شهراشوب: 1/321.
5- م.ن: 40/159، فضائل الصحابة/ احمد بن حنبل: 40.
6- م.ن: 40/159.
7- م.ن: 40/159، المناقب/ ابن شهراشوب: 1/323، الصراط المستقيم/ علي بن يونس العاملي: 1/229.

وقال الشعبي: (ما رأيت أفرض من عليّ (عليه السلام) ولا أحسب منه) (1).

وعن الترمذي والبلاذري: (قيل لعليّ (عليه السلام): ما بالك أكثر أصحاب النبي حديثاً. قال: كنتُ اذا أسأله انبأني، وإذ أمسكتُ عنه ابتدأني) (2).

وعن النبي (صلی الله علیه و آله): (عليّ ربّاني هذه الامة) (3)، وروي أن اول من سنَّ دعوة المبتدعة بالمجادلة الى الحق عليّ (عليه السلام)، وقال (عليه السلام): (أول معرفة الله توحيده، وأصل توحيده نفي الصفات عنه) (4).

قال ابن شهرآشوب: (وما أطنب المتكلمون في الاصول إنما هو زيادة لتلك الجمل وشرح لتلك الاصول، فالامامية يرجعون الى الصادق والى آبائه، والمعتزلة والزيدية يرويه لهم القاضي عبد الجبار بن احمد عن ابي عبد الله الحسين البصري، وابو اسحق عباس عن ابي هاشم الجبائي عن ابيه ابي عليّ عن ابي يعقوب الشحّام عن ابي الهذيل العلاق عن ابي عثمان الطويل عن واصل بن عطاء عن ابي هاشم عبد الله بن محمد بن علي عن ابيه محمد بن الحنفية عنه (عليه السلام)؛ وعن الخليل بن احمد النحوي بسند الى ابي الاسود الدؤلي أنه (عليه السلام): (هو الذي وضع النحو وأخذه هؤلاء منه (عليهالسلام))(5).

وعن الجاحظ والبلاذري (أن علياً اشعر الصحابة وافصحهم واخطبهم واكتبهم) (6)؛ وروى في المناقب (أن الخليل بن احمد أخذ رسم العروض عن رجل من اصحاب محمد بن علي الباقر او علي بن الحسين، فوضع لذلك اصولاً) (7).

وعن ابن فياض أن الصحابة قد اختلفوا في المودة فقال لهم علي: (إنها لا /67/ لا تكون موؤودة حتى يأتي عليها الثارات السبع. فقال عمر: صدقت أطال الله بقاءك) (8).

ص: 117


1- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/323، بحار الانوار/ المجلسي: 40/160.
2- م.ن: 1/323، م.ن: 40/159، الصراط المستقيم/ علي بن يونس العاملي: 1/230.
3- الصراط المستقيم/ علي بن يونس العاملي: 1/288، شرح اصول الكافي/ الشعراني: 6/426.
4- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/324، بحار الانوار/ المجلسي: 40/161.
5- بحار الانوار/ المجلسي: 40/161.
6- م.ن: 40/164.
7- م.ن: 40/164.
8- م.ن: 40/614.

وعن ابن سينا: (لم يكن شجاعاً وفيلسوفاً قطّ إلا عليّ (عليه السلام) ) (1) لقوله: (أنا النقطة انا الخط، انا الخط أنا النقطة، أنا النقطة والخط، وقوله لما سُئِل عن العالم العلوي، : هو صور عادية عن المواد عالية عن القوة والاستعداد، تحلى لها فاشرقت وطالعها فتلألأت، وألقى في هويتها مثاله فأظهر عنها أفعاله وخلق الانسان ذا نفسٍ ناطقة، إن زكاها بالعلم فقد شابهت جواهر أوائل عللها، وإذا اعتدل مزاجها وفارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد) (2).

وروي في المناقب (أنه (عليه السلام) سُئل عن الكيمياء، فقال: هي أخت النبوة وعصمة المروءة، والناس يتكلمون فيها بالظواهر، وإني لأعلم ظاهرها وباطنها، والله ما هي إلا ماء جامد وهواء راكد ونار جائلة وأرض سائلة) (3).

وبالجملة فعلمه (عليه السلام) بكل العلوم لا يخفى وبيان ما يدل عليه لا يستقصى ولا يحصى، وقد مرّ عليك في الفصل الثاني ما ينفعك هنا فراجعه.

وليت شعري مع ما أنهم يحرّرون هذه الفضائل والمناقب له (عليه السلام) في كتبهم يقولون بتفضيل غيره عليه ويحكمون بتقديمه حكم الله بيننا وبينهم بالحق وهو خير الحاكمين وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

وليكن هذا آخر الكلام في هذا المقام والحمد لله أولاً وآخراً وباطناً وظاهراً.

وقد وقع الفراغ من تحرير هذا الكتاب يوم السبت وقت العصر في يوم العشرين من شهر ربيع الأول من شهور سنة ألف والثلثمائة والخامس والعشرين من بعد الهجرة النبوية على مهاجرها الف صلوة وتحية على يد مؤلفه الفقير الحقير كثير الذنب والتقصير أقل الطلاب عملاً وأكثرهم زللاً محمد الرضا بن قاسم الشهير بالغراوي أصلاً والنجفي مسكناً ومدفناً، واسأل الله أن يتلقاه بالقبول وينيلني به الحلول وأرجو من الناظر اليه والواقف عليه أن يسبل رداء الستر على ما يراه من هفوات الاوهام وزلّات الاقلام، فان الانسان مشتق من النسيان، والله هو المستعان، وهو الكريم المنّان والحمد لله رب العالمين.

ص: 118


1- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/327.
2- الصراط المستقيم/ علي بن يونس العاملي: 1/233، بحار الانوار/ المجلسي: 40/165.
3- المناقب/ ابن شهراشوب: 1/329، مستدرك سفينة النجاة/ علي النمازي: 9/209، روح المعاني/ الآلوسي: 20/119.

الفهارس والمصادر

فهرس الآيات القرآنية

الآية - رقمها

سورة البقرة

(إنّي جاعل في الأرضِ خليفة) - 30

(واركعوا مع الراكعين) - 43

(وقالت اليهود ليست النصارى على شئ) - 113

(إني جاعلك للناس إماماً) - 124

(وقال موسى لأخيه هارون اخلفني) - 142

(ومن الناسِ مَن يشتري نفسه) - 207

(والوالدات يرضعن أولادهن) - 233

(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) - 253

(وإذ قال ابراهيم ربّي) - 260

سورة آل عمران

(أولئك يُسارعون بالخيرات) - 42

(قل تعالوا ندعوا أبناءنا وأبنائكم) - 61

(كنتم خير أمّة أخرجت للناس) - 110

(يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم) - 167

سورة النساء

(ومن يقتل مؤمنا متعمداً) - 93

(رسلاً مبشرين ومنذرين) - 165

ص: 119

سورة المائدة

(اليوم اكملت لكم دينكم) - 3

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) - 55

(ياأيّها الرسول بلّغ ما انزل اليك من ربك) - 67

سورة الاعراف

(أنا خير منه خلقتي من نار) - 12

(وقال موسى لأخيه هارون اخلفني) - 142

(وممّن خلقنا أمة يهدون) - 17

سورة الأنفال

(أموالكم وأولادكم فتنة) - 28

(حسبك الله ومن اتّبعك) - 64

سورة التوبة

(وأذان من الله ورسوله يوم الحج الأكبر) - 3

(والسابقون الأولون من المهاجرين) - 9

(ومن أهل المدينة مردوا على النفاق) - 101

(أفمن أسس بنيانه على جرفٍ هار) - 109

سورة يونس

(أفمن يهدي الى الحقّ أحقّ) - 35

سورة هود

(أفمن كان على بيّنة) - 17

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) - 23

(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) - 113

(ويستخلف قوماً قوماً غيركم) - 157

ص: 120

سورة الرعد

(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) - 7

(قل كفى بالله شهيداً) - 43

سورة النحل

(وما انزلنا عليك الكتاب) - 64

سورة الإسراء

(وبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات) - 9

(وكان سعيه مشكوراً) - 17

(يوم ندعو كل أناسٍ بإمامهم ) - 71

سورة طه

(ربنا لولا أرسلت الينا رسولاً) - 34

(وعصى آدم ربَّه) - 121

سورة الأنبياء

(ففهمناها سليمان) - 29

سورة المؤمنون

(أفحسبتم أنّا خلقناكم عبثاً) - 115

سورة القصص

(فخرج منها خائفا يترقب) - 21

(تلك الدار الآخرة نجعلها) - 83

سورة الاحزاب

(إذا جائكم من فوقكم ومن تحت ارجلكم) - 10

(إنما يريد الله ليٌذهب عنكم الرجس اهل البيت) - 33

ص: 121

(ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم) - 40

سورة فاطر

(ومنهم سابق بالخيرات بأذن الله) - 32

سورة الصافات

(وإن من شيعته لإبراهيم) - 83

سورة ص

(يا داود إنا جعلناك خليفة) - 26

(ربّ هَبْ لي ملكاً لا ينبغي) - 35

سورة غافر

(وقال رجل مؤمن من آل فرعون) - 28

سورة الشورى

(قل لا أسألكم عليه أجراً) - 23

(وأمرهم شورى بينهم) - 38

سورة الأحقاف

(ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة) - 12

(وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) - 15

سورة الفتح

(محمدٌ رسول الله والذين آمنوا معه) - 29

سورة ق

(وجاءت سكرة الموت بالحق) - 19

سورة الذاريات

ص: 122

(وما خلقت الجنَ والانسِ إلا ليعبدون) - 56

سورة النجم

(وما ينطق عن الهوى) - 3

سورة الواقعة

(والسابقون السابقون أولئك المقربون) - 10

سورة المجادلة

(يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول) - 12

(لا تجد قوماً يؤمنون بالله يوادّون من حادّ الله) - 22

سورة المنافقون

(إذا جاءك المنافقون) - 1

سورة الجمعة

(إن زعمتم إنكم أولياء الله) - 6

سورة التحريم

(فأن الله هو مولاه وجبريل) - 4

(ضرب الله مثلاً للذين كفروا) - 10

سورة القلم

(نون والقلم وما يسطرون) - 1و2

سورة المزمل

(إنّ ربَّك يعلم أنَّك تقوم ادنى من ثلثي الليل) - 20

سورة النبأ

ص: 123

(عمّ يتساءَلون) - 1

(إنّ للمتقين مفازاً) - 31

سورة عبس

(لكل امرئ منهم شأن يغنيه) - 37

سورة التين

(فما يكذّبك بَعْدُ بالدين) - 7

سورة البينة

(أمّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك خير البرية) - 7

فهرس الاحاديث النبوية

حرف الالف

(آتوني بدواة وقلم)

(أخرجوني قفد وقعت والله الفتنة)

(اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)

(أفضل امتي علي)

(أفضلكم وأقضاكم علي)

(أقضاكم علي , تعلموا منه)

(ألستُ بأولى بكم)

(ألا اخبركم بخياركم)

(الله ربّي ولا امارة لي معه)

(أنا المقدر)

ص: 124

(أنا دعوة ابراهيم)

(أنا سيد العالمين وهو سيد العرب)

(أنا مدينة العلم وعلي بابها)

(أنا وانت من شجرة واحدة)

(أنت اخي ووزيري)

(أنت منّي وأنا منك)

(أنت يا طلحة الفياض)

(إنّ أخي ووزيري)

(أنت أخي وعيبتي ووارثي)

(إنّ خليلي ووزيري)

(إنّ سابق الامم ثلاثة)

(إنّ سباق الامم ثلاثة)

(إنّ عثمان لأول من هاجَر)

(إنّ علياً بعدي لأول الخلق)

(إنّ فيكَ مثلا من عيسى)

(إنَّكِ الى خير)

(إنَّ لعليّ بن ابي طالب فضائل شتى)

(إنّ وصيي وخليفتي وخير من أترك)

حرف التاء

(تأتي انت وشيعتك يوم القيامة)

(مَنْ كنتٌ مولاه فعليّ مولاه)

(مَنْ كنتٌ ناصره فعليّ ناصره)

حرف الهاء

(هذا أخي ووصيي)

(هذا أمير البررة)

(هذا سيّد العرب)

(هلك قوم ولّوا أمرهم أمرأة)

حرف الواو

(والذي نفسي بيده لئن أطاعوه)

(وصييّ وخليفتي من بعدي)

(وكان اسمي في الرسالة والنبوة)

(وكأنّي بالفتن قد أقيلت عليكم)

(ولاية علي يتساءلون عنها)

ص: 125

حرف الياء

(يا أنس يدخل عليك من هذا الباب)

(يا عليّ انت اول المسلمين اسلاماً)

(يا عليّ سبع خصال فيكَ لا يٌحاجَك....)

حرف الخاء

(خير رجالكم عليٌّ)

حرف العين

(عليٌّ أول من آمن بي)

(عليٌّ خير البشر)

(عليٌّ ربانّي هذه الامة)

(علي مع الحق والحق مع علي)

حرف الفاء

(فأخرجني نبياً وأخرج علياً وصياً)

(فأيّكم يبايعني علي)

(فانفذ على رسلك)

حرف القاف

(قوموا الى سيدكم)

(قد أٌمرت أن لا يبلغها إلا)

حرف اللام

(لتتراكم عليكم الفتن...)

(لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي )

(لقد كان فيما قبلكم ناس محدثون)

(لكل نبيّ وصيّ)

(لكل نبيّ وصيّ ووارث)

(لم يصلِّ معي رجل غيره)

(لم يصلِّ فيها غيري وغيره)

(لو كانت البحار السبع مداداً)

حرف الميم

(ما طلعت الشمس على خير وأفضل من عمر)

(من اراد ان يرى آدم)

(مَنْ جَرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر)

ص: 126

فهرست الرواة

حرف الألف

ابن ابي نجيح

ابن ضهاب

ابن عبد وس

ابن حيينة

أبو الاسود الدؤلي

أبو بريدة

أبو بكر(الخليفة)

أبو بكر الحميدي

أبو حمزة الثمالي

أبو عثمان الهندي

أبو ذر الغفاري

أبو رافع

أبو الرضا غياث

أبو سعيد الخدري

أبو صالح

أبو الطفيل

أبو ليلى

أبو الهديل

أبو هريرة

أبو وائل

أبو يوسف

حرف الباء

بريدة الاسلمي

بعجة الجهني

حرف الثاء

ثابت بن الافلح

حرف الجيم

جابر بن عبد الله الانصاري

جرير بن عبد الله

سمرة بن عقبة

سهيل بن سعد

حرف الشين

شعبة

حرف العين

عائشة

عباد بن عبد الله

عباية بن ربعي

عبارة بن رفاعة

عبد الرحمن التميمي

عبد الله بن ابي رافع

عبد الله بن بريدة

عبد الله بن سلام

عبد الله بن عباس

عبد الله بن عمر

عبد الله بن مسعود

عدي بن حاتم الطائي

ص: 127

عطاء

عكرمة

علقمة بن عبد الله

علقمة بن قيس

علي بن ابي طالب (علیه السلام) (الإمام)

علي بن الحسين (علیه السلام) (الإمام)

علي بن علقمة

علي بن موسى الرضا (علیه السلام) (الإمام)

عمار بن ياسر

عمر بن الخطاب

حرف الفاء

فاختة (ام هاني)

حرف الحاء

الحارث الأعور

حجر المراوي

خية القرني

حبشي بن جنادة

حرة بنت حليمة السعدية

الحسن

الحسين بن علي(علیه السلام) (الامام)

الحسين بن محمد الحنفية

حذيفة بن اليمان

الحرث

حفصة بنت عمر(زوجة النبي)

حمران بن اعين

حرف الخاء

خالد بن الوليد

حرف الراء

ربيعة بن ناجة

رزين الغافقي

رميلة

حرف الزاي

زيد بن ارقم

زيد بن علي بن الحسين(علیه السلام)

حرف السين

السدي

سديسة

سعيد بن جبير

سفيان بن عبينة

سلمان الفارسي

سليمان

ص: 128

حرف القاف

القتبي

القرفلي

القيسي

قتادة

حرف الكاف

كثير بن عزِة

حرف الميم

محمد بن علي الباقر (علیه السلام) (الإمام)

محمد بن ابي بكر (علیه السلام) (الإمام)

محمد بن اوريس الشافعي

محمد بن اسحاق

محمد بن جريج الطبري (الشيعي)

محمد بن الحسن

محمد السمعاني

محمد بن قيس

المدني

مزرع بن عبد الله

المسيب بن نجبة

مطر بن انس

معاذة العدوية

منقذ بن ابي الابقع

حرف الهاء

هشام بن الحكم

حرف الواو

وكيع

حرف الياء

يعقوب بن سفيان

يحيى بن ام الطويل

ص: 129

المصادر والمراجع

* القرآن الكريم

حرف الألف

أبو طالب حامي الرسول (ص) وناصره - نجم الدين العسكري – مطبعة الآداب النجف الأشرف – 1380 ﻫ -

الإجتهاد من كتاب التلخيص لأمام الحرمين – عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (أبو المعالي) - تحقيق د.عبد الحميد أبو زنيد – دار القلم , دار العلوم الثقافية – دمشق – بيروت – الطبعة الاولى.- 1408 ﻫ .

الأحتجاج – الشيخ الطبرسي - تحقيق محمد باقر الخرسان - دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الاشرف - 1386 ﻫ - 1966 م .

الإحكام السلطانية والولايات الدينية - أبو الحسن الماوردي - مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - الطبعة الثانية - 1966 م .

إحياء علوم الدين - أبو حامد محمد بن محمد الغزالي - دار المعرفة - بيروت.

الأربعين - أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي - تحقيق محمد بن ناصر العجمي - دار البشائر الاسلامية - بيروت - 1414 ﻫ.

الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين - محمد طاهر القمي الشيرازي - تحقيق السيد مهدي الرجائي - مطبعة أمير -الطبعة الاولى - 1418 ﻫ .

إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الإصول - محمد بن علي بن محمد الشوكاني - تحقيق محمد سعيد البدري أبو مصعب - دار الفكر - بيروت - الطبعة الاولى - 1414 ﻫ - 1992 م .

أسباب النزول - علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ( ت 468 ﻫ )- دار ومكتبة الهلال - بيروت - 1985 م.

أسد الغابة في معرفة الصحابة - عز الدين ابن الاثير - تحقيق عادل احمد الرفاعي - دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان - الطبعة الاولى - 1417 ﻫ - 1996 م.

إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل اهل بيته الطاهرين - العلاّمة محمد بن علي الصبّان - دار الميراث النبوي للنشر والدراسات وخدمة التراث .

ص: 130

أصل الشيعة وأصولها - الامام محمد الحسين آل كاشف الغطاء - مؤسسة المرشد - بيروت - لبنان - الطبعة الاولى - 1422 ﻫ - 2002 م.

أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله (ص) للإمام الدارقطني - للحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي - تحقيق محمود محمد محمود حسن نصار.

أعيان الشيعة - الامام السيد محسن الامين - حققه واخرجه السيد حسن الامين - دار التعارف للمطبوعات - بيروت - 1420 ﻫ -2000م.

الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام)/العلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف المطهّر - المجمع العالمي لأهل البيت - دار التعاون للمطبوعات - 1431 ﻫ - 2010 م .

الإمامة - الشيخ محمد حسن آل ياسين - دار الانوار للمطبوعات - الطبعة الثالثة - 1398 ﻫ -1978 م.

الإمامة في التشريع الاسلامي - محمد مهدي الآصفي - مطبعة النعمان - النجف الاشرف - العراق - سنة 1383 ﻫ - 1963 م .

الأمالي - السيد المرتضى - تحقيق الشيخ أحمد الشنقنيطي - منشورات مكتبة المرعشي - الطبعة الاولى - 1325 ﻫ - 1907 م .

امان الامة من الضلال والأختلاف - لطف الله الصافي - المطبعة العلمية - قم -الطبعة الاولى - 1397 ﻫ.

أمل الآمل - محمد بن الحسن (الحر العاملي)(ت 1104 ﻫ) - تحقيق السيد أحمد الحسيني - مكتبة الاندلس - مطبعة الآداب - النجف الأشرف.

أنساب الاشراف(ترجمة الامام علي) - أحمد بن يحيى البلاذري(من أعلام القرن الثالث الهجري) - تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي - مؤسسة الاعلمي - بيروت -1394ﻫ - 1974 م.

أنوار التنزيل - ناصر الدين بن عمر الشيرازي البيضاوي ( ت 791 ﻫ ) - تحقيق مصطفى محمد - القاهرة - د.ت.

ص: 131

أوائل المقالات - الشيخ المفيد (ت 413 ﻫ ) - تحقيق الشيخ إبراهيم الأنصاري - دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان - 1414 ﻫ -1993 م.

أوضح المسائل إلى ألفية ابن مالك - جمال الدين بن هشام الأنصاري - تحقيق محمد محيّ الدين عبد الحميد - دار الجبل - بيروت -الطبعة الخامسة - 1399 ﻫ - 1979 م.

حرف الباء

بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار - العلّامة محمد باقر المجلسي (ت 1111 ﻫ) -مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية - 1403 ﻫ - 1983 م.

البداية والنهاية في التأريخ - أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي - مكتبة العارف - بيروت.

بغية الطلب في تأريخ حلب - كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة - تحقيق د. سهيل زگار - دار الفكر .

حرف التاء

تأريخ الامم والملوك - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310 ﻫ).دار الكتب العلمية - بيروت - 1407 ﻫ.

تأريخ بغداد - ابو بكر أحمد بن علي ثابت الخطيب البغدادي (ت 463ﻫ) مطبعة السعادة - مصر 1349ﻫ - 1931م .

تأريخ الخلفاء - عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي - تحقيق محمد محيّ الدين عبد الحميد - مطبعة السعادة بمصر - الطبعة الاولى - 1952 م.

تأريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام - شمس الدين الذهبي - تحقيق عمر عبد السلام تدمري - دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة الاولى - 1407 ﻫ - 1987 م.

ص: 132

تأريخ مدينة دمشق - علي بن الحسن بن عساكر الدمشقي (ت573ﻫ) - تحقيق علي شيري - دار الفكر - بيروت - 1415 ﻫ.

تلخيص الشافي - محمد بن الحسن الطوسي(ت460ﻫ) - مؤسسة اتساعات المجتبى - 1383 ﻫ.

تنزيه الانبياء (علیه السلام) - علم الهدى - قم - د.ت .

حرف الثاء

الثاقب في المناقب - ابن حمزة الطوسي(ت560ﻫ)-تحقيق نبيل رضا علوان - مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر - مطبعة الصدر - قم المقدسة - الطبعة الثانية - 1412 ﻫ.

حرف الجيم

جامع البيان (تفسير الطبري ) - ابو جعفر الطبري - مطبعة مصطفى البابي - مصر 1373ﻫ.

الجامع الصحيح(سنن الترمذي) - محمد بن عيسى الترمذي - تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون - دار إحياء التراث العربي - بيروت.

جامع بيان العلم وفضله - يوسف بن عبد البر النمري - دار الكتب العلمية - بيروت - 1398 ﻫ

الجواهر السنية في الاحاديث القدسية - محمد بن الحسن بن علي بن الحسين الحر العاملي(ت 1104ﻫ)-منشورات مكتبة المفيد - قم -ايران.

جواهر العقدين في فضل الشرفين , شرف العلم الجلي والنسب النبوي - الامام نور الدين بن علي السمهودي (ت911ﻫ) - تحقيق ودراسة مصطفى عبد القادر عطا - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية - 1424 ﻫ - 2003 م.

ص: 133

جواهر المطالب في مناقب الامام علي (علیه السلام) - شمس الدين محمد الباعوني(ابن الدمشقي)-تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي - مجمع احياء الثقافة الاسلامية - مطبعة دانش - 1415ﻫ.

حرف الحاء

حِكم الامام عليّ بن ابي طالب ومواعظه - ضبطه وراجع نصوصه جمال عبد الغني مدغمش - دار الاسراء - عمان الاردن.

حِكم امير المؤمنين علي بن ابي طالب - جمع وترتيب ابراهيم شمس الدين - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الاولى - 1427 ﻫ - 2006 م.

الحِكم من كلام امير المؤمنين علي(علیه السلام) - إعداد قسم الحديث في مجمع البحوث الاسلامية - إشراف الاستاذ كاظم مدير شانه هي - مشهد - ايران -الطبعة الاولى - 1417 ﻫ

حلية الاولياء - ابو نعيم الأصفهاني - مطبعة السعادة - مصر - 1351ﻫ .

حرف الخاء

الخرائج والجرائج - قطب الدين الراوندي(ت573 ﻫ)- تحقيق مؤسسة الامام المهدي,بإشراف السيد محمد باقر الموحد الابطحي - المطبعة العلمية - قم - الطبعة الاولى - ذي الحجة 1409 ﻫ.

خصائص الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب _ع) / الحافظ عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي(ت203ﻫ)

ص: 134

حرف الدال

الدر المنثور في التفسير في المأثور - عبد الرحمن بن الكمال السيوطي .

حرف الذال

ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى - محب الدين الطبري (ت394 ﻫ)-مكتبة القدسي , مصر 1356 ﻫ.

حرف الراء

ربيع الابرار- الزمخشري -مطبعة العاني - بغداد - 1982 م .

روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني - أبو الفضل محمود الآلوسي - دار إحياء التراث العربي - بيروت.

الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة - محب الدين الطبري

حرف السين

سبل الهدى والارشاد في سيرة خير العباد - الصالحي الشامي (ت942ﻫ) - تحقيق الشيخ عادل احمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - 1414 ﻫ - 1993 م.

سجع الحمام في حِكم امير المؤمنين علي بن ابي طالب (رض) - جمع وضبط وشرح محمد أبو الفضل ابراهيم وعلي الجندي ومحمد يوسف المحجوب - المكتبة العصرية - صيدا - بيروت - 1426 ﻫ - 2005 م.

سمط النجوم العوالي في انباء الاوائل والتوالي - عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصمي المكي - تحقيق عادل احمد عبد الموجود وعلي محمد معوّض- دار الكلتب العلمية - بيروت - 1419 ﻫ - 1998 م.

ص: 135

سنن الترمذي – محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279ﻫ) – المكتبة الإسلامية – مصر – 1357ﻫ .

السنن الكبرى – احمد بن الحسين بن علي بن موسى بن ابو بكر البيهقي - تحقيق محمد عبد القادر عطا – مكتبة دار الباز – مكة المكرمة – 1414ﻫ - 1994م

السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون - علي بن برهان الدين الحلبي - دار المعرفة - بيروت - 1400 ﻫ.

حرف الشين

شجرة طوبى - الشيخ محمد مهدي الحائري (ت1369 ﻫ) - المكتبة الحيدرية في النجف الاشرف - المطبعة الحيدرية - الطبعة الخامسة - 1385 ﻫ.

شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك - بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي - تحقيق محمد محيّ الدين عبد الحميد - دار الفكر - سوريا - 1405 ﻫ - 1985 م.

شرح الاخبار - القاضي النعمان المغربي(ت363 ﻫ) - تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي - مؤسسة ومطبعة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - الطبعة الثانية - 1414 ﻫ.

شرح اصول الكافي - مولى محمد صالح المازندراني (ت1081 ﻫ) - تحقيق الميرزا ابو الحسن الشعراني - طبع ونشر دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر - بيروت.

شرح الاصول الخمسة - القاضي عبد الجبار المعتزلي .

ص: 136

شرح المواقف - علي بن محمد الجرجاني (ت816ﻫ) مطبوع ضمن كتاب ( المواقف في علم الكلام ) لعضد الدين الأيجي (ت816ﻫ) - مطبعة السعادة بمصر - 1970م .

شرح نهج البلاغة - عبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد المعتزلي (ت656ﻫ) - دار الفكر - بيروت - 1388ﻫ .

شعراء الغري والنجفيات - علي الخاقاني - المطبعة الحيدرية في النجف - 1374 ﻫ - 1955 م.

شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت(رضوان الله وسلامه عليهم) - الحاكم الحسكاني - حققه الشيخ محمد باقر المحمودي - مؤسسة الاعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان - الطبعة الاولى - 1393 ﻫ - 1974م.

الشريف المرتضى متكلماً - رؤوف الشمري - رسالة دكتوراه .

حرف الصاد

صحيح البخاري – البخاري – دار ومطابع دار الشعب – مصر – د ت .

صحيح مسلم – مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261ﻫ) – عيسى البابي – مصر 1374ﻫ

الصراط المستقيم - علي بن يونس العاملي(ت877ﻫ) - تصحيح وتعليق محمد باقر البهبودي - المكتبة المرتضوية لأحياء التراث الجعفرية - مطبعة الحيدري - الطبعة الاولى - 1384ﻫ.

الصوارم المهرقة /الشهيد نور الله التستري(ت1019 ﻫ) - تحقيق جلال الدين المحدِّث - مطبعة نهضت - 1367 ﻫ.

ص: 137

الصواعق المحرقة على اهل الرفض والضلال والزندقة - ابن حجر الهيثمي - تحقيق عبد الرحمن بن عبد الله التركي - مؤسسة الرسالة - لبنان - الطبعة الاولى - 1417 ﻫ - 1997 م.

حرف الطاء

الطبقات الكبرى – محمد بن سعد بن منيع ابو عبد الله البصري الزهري – دار صادر – بيروت .

طبقات المعتزلة - أحمد بن يحيى بن المرتضى - عنَى بتحقيقه سوسنه ديفيد -فيلرز - دار المنتظر - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية - 1409 ﻫ - 1988 م.

الطرائف في معرفة الطوائف - ابن طاووس الحسني الحسيني (ت664 ﻫ) - مطبعة الخيام - قم - الطبعة الثأولى - 1399 ﻫ.

طرائف المقال - السيد علي البروجردي - مطبعة بهمن - الطبعة الاولى - 1410 ﻫ.

حرف العين

عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب أمام الأبرار - ابن البطريق (ت 600ﻫ) - مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة - جمادي الاولى - 1407 ﻫ.

عون المعبود في شرح سنن أبي داوود - أبو الطيب محمد شمس الحقّ العظيم آبادي - دار الكتب العلمية - بيروت - 1415 ﻫ.

عيون الحِكم والمواعظ - الشيخ كافي الدين أبي الحسن الواسطي ( من أعلام الإمامية في القرن السادس الهجري) - تحقيق الشيخ حسين الحسيني البيرجندي - دار ومطبعة دار الحديث - الطبعة الاولى .

عيون المعجزات - حسين بن عبد الوهاب ( توفي في القرن الخامس) - الناشر محمد كاظم الكتبي- المطبعة الحيدرية - النجف - 1366 ﻫ.

ص: 138

حرف الغين

الغدير - الشيخ الأميني (ت1392 ﻫ) - دار الكتاب العربي- بيروت - لبنان - الطبعة الرابعة - 1397 ﻫ - 1977 م.

غرائب القرآن - الحسن بن محمد القمي النيسابوري (ت850 ﻫ) - الميمنية - مصر - هامش تفسير الطبري.

غريب الحديث - أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي - تحقيق محمد عبد المعيد خان - دار الكتاب العربي - بيروت - 1396 ﻫ.

حرف الفاء

الفتن - نعيم بن حماد المروزي - تحقيق سمير أمين الزهيري - القاهرة - 1412 ﻫ.

فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين - ابراهيم بن سعد الدين محمود الحمويني ( ت 722 ﻫ) - مخطوط في مكتبة الامام الحكيم العامة وبخط الشيخ محمد السماوي.

الفردوس- شيرويه بن شهرزاد الديلمي(ت509 ﻫ) - دار الكتب العلمية - بيروت - الطبعة الاولى - 1407 ﻫ.

الفصول المهمة في معرفة الأئمة - علي بن محمد الصباغ المالكي(ت855 ﻫ) - النجف - 1381 ﻫ - 1962 م.

فضائل امير المؤمنين علي بن أبي طالب - أحمد بن حنبل - تحقيق حسن حميد السنيد - مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) - مطبعة ليلى - قم - 1425 ﻫ.

ص: 139

فضائل أهل البيت من كتاب فضائل الصحابة - أحمد بن حنبل (ت241 ﻫ) استدراك عبد الله بن احمد بن حنبل (ت290ﻫ),وابي بكر أحمد بن جعفر القطيعي - تحقيق محمد كاظم المحمودي . المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية -ا يران - قم - الطبعة الاولى - 1425 ﻫ - 2004 م.

فهرست كتب الشيعة واصولهم واسماء المصنفين وأصحاب الأصول - أبو جعفر محمد بن حسن الطوسي - تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي - إعداد مكتبة المحقق الطباطبائي - مطبعة ستار - قم - الطبعة الاولى - شعبان 1420 ﻫ.

حرف الكاف

الكشاف المنتقى لفضائل علي المرتضى - كاظم عبود الفتلاوي - مكتبة الروضة الحيدرية - النجف - العراق - منشورات لسان الصدق - الطبعة الاولى - 1426 ﻫ - 2005 م.

الكشف والبيان - الثعلبي - مخطوط مصور في مكتبة الامام الحكيم العامة.

كفاية الطالب

كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق ( ت 381 ﻫ) - تحقيق علي أكبر الغفاري - مؤسسة النشر الأسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - محرم الحرام - 1405 ﻫ .

الكُنى والألقاب - الشيخ عباس القمي .

كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال- علاء الدين علي المتقي الهندي ( ت 975 ﻫ) - دائرة المعارف النظامية - حيدر آباد - 1313 ﻫ.

حرف اللام

ص: 140

لسان العرب - للإمام العلامة ابن منظور (ت711 ﻫ)-نسقه وعلق عليه ووضع فهارسه مكتب تحقيق التراث - دار إحياء التراث العربي - مؤسسة التاريخ العربي - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية - 1413 ﻫ - 1993 م .

حرف الميم

ما روته العامة في مناقب أهل البيت(عليهم السلام) - المولى حيدر علي بن محمد الشرواتي (توفي القرن 12 ﻫ) تحقيق الشيخ محمد الحسون - مطبعة منشورات اسلامية - شوال 1414 ﻫ.

ماضي النجف وحاضرها - الشيخ جعفر محبوبة - دار الأضواء - بيروت - لبنان - الطبعة الثانية - 1406 ﻫ - 1986 م.

مئة كلمة للإمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب(علیه السلام) - شرحها كمال الدين بن ميثم البحراني - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان - الطبعة الاولى - 1412 ﻫ - 1992 م.

(100) وصية للإمام علي (علیه السلام) - داتر المرتضى - بيروت - الطبعة الثانية - 1421 ﻫ - 2001 م .

المباهلة - السيد عبد الله الحسيني - قدم له السيد صدر الدين شرف الدين الموسوي - مطبوعات مكتبة النجاح - طهران - الطبعة الاولى - 1366 ﻫ - 1347 ﻫ -, بغداد - الطبعة الثانية - 1402 ﻫ - 1982 م.

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - نور الدين علي ابن ابي بكر الهيثمي - دار الفكر - بيروت - 1412 ﻫ .

المحتضر - حسن بن سليمان الحلي (توفي في القرن الثامن) - تحقيق سيد علي أشرف - المكتبة الحيدرية - مطبعة شريعت - 1424ﻫ .

مدخل الى الإمامة - السيد كمال الحيدري - دار فراقد - مطبعة ستارة - الطبعة السادسة - 1424 ﻫ.

ص: 141

مدينة معاجز الأئمة الأثنى عشر ودلائل الحجج على البشر - السيد هاشم البحراني ( ت1107 ﻫ) تحقيق الشيخ عبد الله المولائي الهمداني - مؤسسة المعارف الاسلامية - قم - ايران - مطبعة بهمن - الطبعة الاولى - 1413 ﻫ.

مرآة الجنان وعبرة اليقضان - ابو محمد عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي - دار الكتاب الاسلامي - القاهرة - 1413ﻫ - 1993م .

مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار امير المؤمنين (علیه السلام) - الحافظ رجب بن محمد محمد البرسي الحلي (توفي في حدود سنة 813ﻫ) - تحقيق عبد الله اشرف المازندراني - المكتبة الحيدرية - مطبعة شريعت - الطبعة الثانية 1424ﻫ .

المستدرك على الصحيحيين

مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - تحقيق الشيخ حسن علي النمازي - مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - 1418ﻫ .

المسترشد - محمد بن جرير الطبري ( توفي في القرن الرابع) - تحقيق الشيخ احمد المحمودي - مؤسسة الثقافة الاسلامية لكشانبور - مطبعة سلمان الفارسي - الطبعة الاولى - 1415 ﻫ.

مستطرفات السرائر - أبن إدريس الحلي - تحقيق لجنة التحقيق - مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - 1411ﻫ .

المستظرف في كل فن مستظرف - شهاب الدين محمد بن احمد الابهيشي - تحقيق د.مفيد محمد قميحة - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - 1986 م.

معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء - الشيخ محمد حرز الدين - علق عليه حفيده محمد حسين حرز الدين - مطبعة الآداب في النجف الاشرف - 1384 ﻫ - 1964 م .

معاني الاخبار - الشيخ الصدوق (ت381ﻫ) تحقيق علي أكبر الغفاري - مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - الطبعة الثانية - 1411ﻫ .

ص: 142

معاني القرآن الكريم - ابو جعفر أحمد بن محمد النحوي النحاس - تحقيق محمد علي الصابوني - جامعة أم القرى - مكة المكرمة - الطبعة الاولى - 1409ﻫ .

المعجم الكبير - سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني - تحقيق حمدي السلفي - بغداد - 1397 ﻫ.

المعجم الصغير – سليمان بن احمد بن ايوب بن قاسم الطبراني – تحقيق محمد شكور – المكتب الإسلامي – دار عمار بيروت – عمان – الطبعة الاولى – 1405 ﻫ - 1985م .

معجم رجال الحديث - السيد ابو القاسم الخوئي -(1411 ﻫ) - الطبعة الخامسة - 1413 ﻫ - 1992 م.

مع علماء النجف الاشرف(القرن الرابع عشر والخامس عشر الهجري) - السيد محمد الغروي - دار العارف للمطبوعات - بيروت لبنان - الطبعة الثانية - 1428 ﻫ - 2008 م .

مفاتيح الغيب - فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي - دار الكتب العلمية - بيروت-لبنان - الطبعة الاولى .

مقتل الحسين (علیه السلام) - الموفق بن أحمد الخوارزمي (ت568ﻫ) - الزهراء - النجف - 1367ﻫ - 1948م .

مقدمة أبن خلدون (ت808ﻫ) تحقيق علي عبد الواحد وافي .

المناظرات في الإمامة - عبد الله بن الحسن - الناشر انوار الهدى - مطبعة مهر - 1415ﻫ .

مناقب آل أبي طالب - الإمام الحافظ ابن شهر اشوب (ت580ﻫ) - قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ خطية لجنة من أساتذة النجف - المطبعة الحيدرية في النجف - 1376ﻫ - 1956م .

مناقب سيدنا علي - درويش الفقير العيني - حيدر آباد - 1352ﻫ .

ص: 143

مناقب علي بن ابي طالب - الخوارزمي - المطبعة الحيدرية - في النجف - 1385ﻫ .

مناقب علي بن ابي طالب - ابو الحسن علي ابن المغازلي (ت483ﻫ) - المكتبة الإسلامية - طهران - 1394ﻫ .

المنتخب من رجال الفكر والادب - كاظم عبود الفتلاوي - المواهب للطباعة والنشر - بيروت - لبنان - الطبعة الاولى -1419ﻫ - 1999م .

المنتظم من تاريخ الملوك والأمم - ابو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي - دار صادق - الطبعة الاولى - 1358ﻫ .

منهاج السُنة النبوية - ابن تيميةالحراني الدمشقي (ت728ﻫ) - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

حرف النون

نشأة الشيعة الإمامية - نبيلة عبد المنعم داود - دار المؤرخ العربي - بيروت - لبنان - الطبعة الاولى - 1415ﻫ - 1984م .

نُظم درر السمطين - محمد بن يوسف الزرندي الحنفي ( توفي بعد 750 ﻫ) - مطبعة القضاء - النجف - 1377ﻫ .

النهاية في غريب الحديث والاثر - ابن الأثير .

نور الابصار - مؤمن بن حسن الشبلنجي (توفي بعد سنة 1308ﻫ) .

نوادر المعجزات - محمد بن جرير الطبري - تحقيق مؤسسة الامام المهدي - منشورات مؤسسة الإمام المهدي (علیه السلام) - قُم - الطبعة الاولى - 1410ﻫ .

ص: 144

حرف الهاء

همع الهوامع في شرح جمع الجوامع - جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي - تحقيق عبد الحميد الهنداوي - المكتبة التوفيقيه - مصر .

حرف الياء

ينابيع المودة - الشيخ سليمان بن الشيخ ابراهيم الحسيني البلخي القندوزي الحنفي - مؤسسة الاعلمي للمطبوعات - صححه وعلق عليه علاء الدين الاعلمي - بيروت -لبنان - الطبعة الاولى - 1418ﻫ - 1997م .

ص: 146

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.