ضمان الطبيب وذوي المهن

هویة الکتاب

بحوث مختارة من موسوعة فقه الخلاف- 6

ضمان الطبیب وذوی المهن

بحث فقهي استدلالي مقارن

المرجع الدیني الشیخ

محمد الیعقوبي (دام ظله)

النجف الأشرف - 1441 ه / 2020 م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

هذا الکتاب

مستل من بحث سماحة الشیخ (دام ظله الشریف) في فقه الإنجاب الصناعي.

والله ولي التوفیق.

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

ضمان الطبيب وذوي المهن

مقدمة:

رخّص الشارع المقدس في التداوي والمعالجة بل أوجبها في بعض الموارد وجعل الشفاء عن طريقها، وقد وردت في ذلك روايات كثيرة كصحيحة زياد بن أبي الحلال عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال موسى عليه السلام: يا ربِّ من أين الداء؟ قال: مني، قال: فالشفاء؟ قال: مني، قال: فما يصنع عبادك بالمعالج؟ قال: يطبّب بأنفسهم، فيومئذٍ سمّي المعالج: الطبيب)(1)

ومثلها رواية جابر قال: (قيل يا رسول الله، أنتداوى؟ قال: نعم، فتادووا فإن الله لم ينزل داءً إلا وقد أنزل له دواءً)(2).

ص: 5


1- وسائل الشيعة: 25/221، أبواب الأطعمة المباحة، باب 134، ح1. ط. مؤسسة آل البيت، قم.
2- وسائل الشيعة: 25/221، أبواب الأطعمة المباحة، باب 134، ح10.

بل إن بعض الأحاديث الشريفة تجعل تارك المعالجة والمقصّر فيها شريكاً مع الجاني كما في خبر أبان بن تغلب الذي رواه الشيخ الكليني في الروضة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان المسيح عليه السلام يقول: إن التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة، وذلك أن الجارح أراد فساد المجروح والتارك لإشفائه لم يشأ صلاحه، فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطرارا، فكذلك لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا، ولا تمنعوها أهلها فتأثموا، وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوى إن رأى موضعاً لدوائه وإلا أمسك)(1).

وفي مكارم الأخلاق مرسلاً عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن نبياً من الأنبياء مرض فقال: لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني، فأوحى الله إليه: لا أشفيك حتى تتداوى فإن الشفاء مني)(2).

وفي بعض الروايات ما يدل على حسن ترك استعمال

ص: 6


1- وسائل الشيعة: 16/128، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، باب 2، ح5.
2- وسائل الشيعة: 2/409، أبواب الاحتضار، باب 4، ح 7.

الدواء إذا كان المرض ممكن التحمل وليس فيه ضرر معتد به ولا يخاف من تطوره وسريانه؛ لأن الأدوية لها تأثيرات جانبية على وظائف بقية الأعضاء خصوصاً الأدوية اليوم المتخذة من مواد كيمياوية تؤثر في عمل إنزيمات الجسم وهورموناته المحسوبة بدقة عظيمة من لدن الخالق تبارك وتعالى، ففي رواية عثمان الأحول عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (ليس من دواء إلا ويهيّج داءً وليس شيء أنفع في البدن من إمساك اليد إلا عما يحتاج إليه)(1)

وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (امشِ بدائك ما مشى بك).

وفي بعض الروايات ما يدل على جواز الإقدام على العملية حتى مع احتمال الوفاة إذا كان هناك ملاك أهم يقتضي المعالجة كرواية إسماعيل بن الحسن المتطبب قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني رجل من العرب، ولي بالطب بصر، وطبّي طبٌّ عربي ولست أأخذ عليه صفداً -أي عطاءً-، قال: لا بأس، قلت له: إنّا نبطّ الجرح -أي نشقّه-

ص: 7


1- والذي بعده تجدهما في وسائل الشيعة: 2/408، أبواب الاحتضار، باب 4، ح1، 8.

ونكوي بالنار، قال: لا بأس، قلت: نسقي هذه السموم الاسمحيقون والغاريقون، قال: لا بأس، قلت: إنه ربما مات، قال: وإن مات)(1).

وخبر حمدان بن إسحاق قال: (كان لي ابن، وكان تصيبه الحصاة فقيل لي: ليس له علاج إلا أن تبطَّه، فبططته فمات، فقالت الشيعة: شركت في دم ابنك، قال: فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر فوقَّع: يا أحمد ليس عليك في ما فعلت شيء، إنما التمست الدواء، وكان أجله في ما فعلت)(2).

وصحيحة يونس بن يعقوب في روضة الكافي عن الصادق (عليه السلام) (الرجل يشرب الدواء، ويقطع العرق، وربما انتفع به وربما قتله، قال: يشرب ويقطع)(3)،

ومثلها عدة روايات في هذا الباب.

ولما كان دليل المسألة بناء العقلاء فهم الذين يحددون

ص: 8


1- وسائل الشيعة: 25/222، أبواب الأطعمة المباحة، باب 134، ح2.
2- وسائل الشيعة:21/496، أبواب أحكام الأولاد، باب 97، ح1.
3- وسائل الشيعة: 25/222، أبواب الأطعمة المباحة، باب 134، ح3.

تحقق ملاك الأهمية من عدمه، فقد يتوقفون عن إجرائها عندمايشعرون بأن الخطر المحتمل أقوى من النتيجة المرجوة منها، وقد يقدمون عليها رغم المخاطر لأهميتها.

وهل يضمن الطبيب إذا حصل تلف جزئي أو كلي في أحد الأعضاء أو مات المريض خلال المعالجة أو العملية الجراحية؟

في ضمان الطبيب

لا خلاف ولا إشكال في ضمان الطبيب إذا تصدّى لمعالجة مريض أو إجراء عملية جراحية له فتلف عنده عضو أو مات إذا كان غير متخصص في هذا المجال وغير ماهر وحاذق فيه أو تعدّى عن حدود عمله المأذون فيها أو قصّر في عمله كما لو لم يجرِ الفحوصات والتحليلات الكافية أو لم يستعن بالأجهزة والآلات الضرورية للتشخيص كالأشعة والسونار والتخطيط ونحو ذلك أو قصّر في تهيئة ظروف العملية كعدم تعقيم القاعة والأدوات وعدم توفير الأجهزة المطلوبة لإجراء العملية أو عند الطوارئ لمثل هذه العمليات كالإنعاش الرئوي

ص: 9

والقلبي.كما لا خلاف في عدم ضمان الطبيب إذا لم يكن التلف بسببه كما لو أصيب المريض بسكتة قلبية خلال عملية جراحية لا علاقة لها بها، أو أن المريض أخفى علةً فيه تضرّ بالعملية فهنا السبب وهو المريض أقوى من المباشر وهو الطبيب المعالج.

والكلام في ما لو حصل تلف جزئي أو كلي في أحد أجزاء البدن أو أدّت المعالجة إلى الموت وكان الطبيب حاذقاً وماهراً ولم يقصّر في عمله فالمشهور عند الإمامية الضمان، قال المحقق الحلي (قدس سره): ((الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصراً، أو عالج طفلاً أو مجنوناً لا بإذن الولي، أو بالغاً لم يأذن)) وهذه موارد للضمان بلا خلاف لكن يمكن الاستثناء من وجوب الإذن عند معالجة الحالات الحرجة الطارئة كالمصابين في الحوادث المرورية أو العمليات الإرهابية التي لا تحتمل انتظار أخذ الإذن وستأتي الإشارة إليها إن شاء الله تعالى.

ثم تعرّض (قدس سره) لمطلبين:

ص: 10

الأول: ما نحن بصدده وهو ضمان الطبيب فقال(قدس سره): ((ولو كان الطبيب عارفاً، وأذن له المريض في العلاج، فآل إلى التلف، قيل: لا يضمن لأن الضمان يسقط بالإذن، لأنه فعلٌ سائغ شرعاً، وقيل: يضمن لمباشرته الإتلاف، وهو أشبه. فإن قلنا لا يضمن، فلا بحث. وإن قلنا يضمن، فهو يضمن في ماله)).

الثاني: تخلّص الطبيب من الضمان بالإبراء قبل العلاج، قال (قدس سره): ((وهل يبرأ بالإبراء قبل العلاج؟ قيل: نعم، لرواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام. قال: (قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: من تطبب أو تبيطر، فليأخذ البراءة من وليه، وإلا فهو ضامن)(1)،

ولأن العلاج مما تمس الحاجة إليه. فلو لم يشرَّع الإبراء، تعذر العلاج، وقيل: لا يبرأ لأنه إسقاط الحق قبل ثبوته))(2).

ص: 11


1- وسائل الشيعة: 29/260، أبواب موجبات الضمان، باب 24، ح1.
2- شرائع الإسلام: مج 2/491، القسم الرابع، كتاب الديات، موجبات الضمان.

المطلب الأول: ضمان الطبيب وهو القول المشهور عندالإمامية واعتبروه قتلاً شبيهاً بالعمد باعتبار أن الطبيب قصد الفعل ولم يقصد القتل فديته على الجاني نفسه وهو الطبيب(1)

خلافاً لمشهور فقهاء العامة، فقد ذهبوا إلى عدم ضمان الطبيب قال ابن قدامة: ((ولا ضمان على حجّام ولا ختان ولا متطبب إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم، وجملته أن هؤلاء إذا فعلوا ما أُمروا به لم يضمنوا بشرطين:

أحدهما: أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم ولهم بها بصارة ومعرفة.

الثاني: أن لا تجني أيديهم فيتجاوزا ما ينبغي أن يقطع))(2)

وفي جوامع الحديث عند العامة ما يدل على ذلك فقد روى أبو داوود والنسائي والحاكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (من تطبَّب ولم يعلم منه طبّ فهو ضامن) ويوجد غيره أيضاً.

ص: 12


1- غاية المراد في شرح الإرشاد للشهيد الأول (قدس سره): 4/446، رياض المسائل: 16/374.
2- المغني: 6/120، كتاب الإجارة.

واستدل على قول المشهور بالضمان بأنه أشبه بأصولالمذهب وقواعده في ضمان المتلفات حتى لو وقع خطأ محضاً ((لحصول التلف المستند إلى فعل الطبيب))(1)،

وعموم المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا يبطل دم امرئ مسلم)(2)

وحكي عن المحقق (قدس سره) في نكت النهاية قوله: ((الأصحاب متفقون على أن الطبيب يضمن ما يتلفه بعلاجه))(3).

وأضاف صاحب الجواهر (قدس سره): ((وفي الغنية الإجماع على ذلك أيضاً، وهو الحجة بعد قاعدة الضمان على المتلف، والإذن في العلاج ليس إذناً في الإتلاف -أي أن إذن المريض للطبيب تعلق بالعلاج لا بالإتلاف حتى يسقط حقه في الضمان-، والجواز الشرعي -لممارسة مهنة الطب- لا ينافي الضمان كما في الضرب للتأديب، نعم لما لم يكن ذلك عمدا

ص: 13


1- غاية المراد في شرح الإرشاد للشهيد الأول (قدس سره): 4/446.
2- وسائل الشيعة: 27/350، كتاب الشهادات، باب 24، ح1، و 29/106، أبواب القصاص في النفس، باب 46، ح2.
3- نكت النهاية: 3/421.

له لم يقتص منه مضافا إلى خبر السكوني -الذي تقدم ضمن كلام المحقق الحلي (قدس سره)-، بل قيل: وإلى -أي مضافاً إلى- ما حكي من تضمينه عليه السلام الختان القاطع لحشفة الغلام(1)،

بل عن ابن إدريس نفى الخلاف عن صحة مضمونه، وإن كان فيه أنه قضية في واقعة محتملة لتفريط الختان بقطع الحشفة الذي لم يؤمر به، وعدمه، ولكن ما ذكرناه كافٍ في إثبات المطلوب))(2).

أقول: رواية السكوني المتقدمة ضمن كلام المحقق (قدس سره) صريحة بأن الطبيب ضامن في ما لو لم يأخذ إبراءً قبل المعالجة، ووردت رواية بمضمونها في كتب العامة عن الضحاك بن مزاحم قال: (خطب علي عليه السلام فقال: يا معاشر الأطباء البياطرة والمتطببين من عالج منكم إنساناً أو دابة فليأخذ لنفسه البراءة فإنه إن عالج شيئاً ولم يأخذ لنفسه البراءة فهو

ص: 14


1- روى السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (أن علياً عليه السلام ضمّن ختّاناً قطع حشفة غلام) (وسائل الشيعة: 29/261، موجبات الضمان، باب 24، ح2).
2- جواهر الكلام: 43/46.

ضامن)(1).

وقد تعرّض الفقهاء لضمان الطبيب في موضع آخر مع أهل المهن الأخرى كالختان والحجام وغيرهما في كتاب الإجارة فقالوا بضمان الطبيب كما يضمن هؤلاء(2)،

وسنشير إليه في ما يأتي إن شاء الله تعالى.

قال الشيخ في الخلاف: ((الختّان والبيطار والحجّام يضمنون بأفعالهم، ولم أجد أحداً من الفقهاء ضمنهم، بل حكى المزني: أن أحداً لم يضمنهم، دليلنا إجماع الفرقة))(3)

وتردد جماعة في قبول قول المشهور وقال آخرون بعدم ضمان الطبيب؛ سنذكر جملة منهم مع بعض كلماتهم ((للأصل ولسقوطه بإذنه، ولأنه فعل سائغ شرعاً فلا يستعقب ضماناً))(4)،

قال ابن إدريس (قدس سره) في السرائر ((من تطبب، أو تبيطر فليأخذ البراءة من ولي من يطببه، أو صاحب

ص: 15


1- كنز العمال: 15/85، المصنف لعبد الرزاق: 9/471.
2- انظر مثلاً جواهر الكلام: 27/324.
3- الخلاف: 3/503، كتاب الإجارة، المسألة (26).
4- غاية المراد في شرح الإرشاد للشهيد (قدس سره): 4/447.

الدابة، وإلا فهو ضامن إذا هلك بفعله شيء من ذلك. هذا إذا كان الذي جنى عليه الطبيب غير بالغ، أو مجنوناً، فأما إذا كانعاقلاً مكلفاً، فأمر الطبيب بفعل شيء، ففعله على ما أمره به، فلا يضمن الطبيب، سواء أخذ البراءة من الولي، أو لم يأخذ، والدليل على ما قلناه، إن الأصل براءة الذمة، والولي لا يكون إلا لغير المكلف. فأما إذا جنى على شيء لم يؤمر بقطعه، ولا بفعله، فهو ضامن، سواء أخذ البراءة من الولي أو لم يأخذها))(1).

وأجاب الشهيد الأول (قدس سره) على الاستدلال بقوله: ((ويمكن الجواب بأن أصالة البراءة لا تتم مع دليل الشغل. والإذن في العلاج لا في الإتلاف، ولا منافاة بين الجواز وبين الضمان كالضارب للتأديب))(2).

وعلى أي حال فإنه يمكن الاستدلال على عدم الضمان بوجوه، وهي:-

1- إن الدية إنما تجب مع صدق عنوان الجناية، والتلف الذي

ص: 16


1- السرائر: 3/373.
2- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 4/447.

يحصل في عمل الطبيب من دون قصور أو تقصير منه وبإذن المريض لا يصدق عليه هذا العنوان فلا دية فيه قال المحققالحلي (قدس سره) في نكت النهاية: ((والمجني عليه إذا أذن في الجناية سقط ضمانها فكيف بإذنه في المباح المأذون في فعله))(1)

أي أن الفعل لم يعد موجباً للضمان ويخرج تخصصاً عن عمومات ما يوجب الضمان، كما أن تقديم الطعام إلى الضيوف لا يعتبر إتلافاً حتى يوجب ضماناً، ولا يجري في الطبيب أيضاً ما ذكروه في ضمان ذوي المهن وأهل الصنائع ما يتلف بأيديهم لأن الضمان متوقف على صدق عنوان الإتلاف لا التلف أي الإفساد بحسب ما نطقت به الروايات المعتبرة ولا يصدق عنوان الإفساد على فعل الطبيب.

وهذه الالتفاتة تحلّ العقدة التي توقَّف عندها المشهور حيث لم يستطع تصور عدم وجوب الدية لإزهاق نفس محترمة مع أنها تجب حتى في الخطأ المحض، وهم اعتبروا الموت الذي يحصل أثناء عمل الطبيب شبيهاً بالعمد، والآن عرفنا الفرق لأن القتل حتى لو وقع خطأً محضاً فإنه يصدق عليه

ص: 17


1- نكت النهاية: 3/421.

عنوان الجناية فتجب الدية ولا يصدق هذا العنوان على ما يحصل بفعل الطبيب المأذون في عمله، وبهذا التفريق نخرج منعموم ضمان المتلفات و(لا يبطل دم امرئ مسلم)، وسنذكر ذلك لاحقاً إن شاء الله تعالى.

والخلاصة أن هذه الأدلة على ضمان المتلفات ووجوب الدية منصرفة عن المورد، قال صاحب الجواهر (قدس سره) في كلامه الآتي (صفحة 41) عن ذوي المهن: ((ولكن قد يناقش بعدم صدق الجنابة على ذلك ونحوه مما بين مستأجر عليه ومأذون فيه، بل لعل ذلك هو التحقيق في المسألة))(1)،

وشمل الطبيب بكلامه.

ولنا على ذلك شواهد من الروايات كصحيحة عبيد بن زرارة قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقع على رجل فقتله، فقال: ليس عليه شيء)(2)

بتقريب أن القتل وإن وقع بفعله إلا أنه لا يمكن اعتباره فاعلاً لأن السقوط لم يكن باختياره كما لو انهار السقف أو دفعته ريح عاصف غير

ص: 18


1- جواهر الكلام: 27/323.
2- وسائل الشيعة: 29/56، أبواب القصاص في النفس، باب 20، ح1.

محتسبة من دون اختياره فلا يكون ضامناً؛ لإقوائية السبب فيكون القتل قضاءً وقدراً ولا دية للقتيل.

2- رواية إسماعيل المتطبب المتقدمة بتقريب سكوت الإمام عن وجوب الدية مع شديد الحاجة إلى البيان وهو يكشف عن عدم وجوبها على الطبيب، وكذا الروايات الأخرى المتقدمة (صفحة 7-8) بل إن رواية ابن إسحاق صريحة في عدم وجوب شيء عليه.

3- إن الطبيب محسن في عمله خصوصاً إذا كان عمله بلا أجر مع التسليم باكتمال شروط التصدي للعمل وقد قال تعالى: [مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ] (التوبة: 91) فنتمسّك بإطلاق الآية لنفي كل عهدة على ذمة المحسن ومنها الدية ولا يختص بانتفاء الإثم والعقوبة والقصاص ونحو ذلك، وهو ما يشعر به ذيل رواية ابن إسحاق المتقدمة (صفحة 8) وشواهد أخرى كمعتبرة الحسين بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قلت: فإن أراد رجل أن يحفر له -أي الميت- ليغسله في الحفرة (فسدر الرجل مما يحفر فدير به فمالت) مسحاته في يده فأصاب بطنه فشقه، فما عليه؟ فقال: إذا كان هكذا فهو خطأ

ص: 19

وكفارته عتق رقبة، أو صيام شهرين، أو صدقة على ستينمسكيناً مد لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وآله)(1)،

بتقريب سقوط دية قطع أعضاء الميت عن الفاعل المحسن، فتأمل(2).

ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (أن رجلاً شرد له بعيران فأخذهما رجل فقرنهما في حبل فاختنق أحدهما ومات، فرفع ذلك إلى علي عليه السلام فلم يضمّنه، وقال: إنما أراد الإصلاح)(3).

ص: 20


1- وسائل الشيعة: 29/326، أبواب ديات الأعضاء، باب 24، ح2.
2- وجهه: أن الإحسان يصدق مع عدم أخذ الأجرة وهو معنى يمكن تحصيله من مجموعة من الروايات كرواية يونس بن عبد الرحمن عن الإمام الرضا (عليه السلام) في رجل استنجد به قوم لدفع عدو عنهم فأنجدهم بسلاحه وفي طريقة تسبّب بقتل إنسان خطأ قال (عليه السلام): (ديته على القوم الذين استنجدوا الرجل فأنجدهم وأنقذ أموالهم ونساءهم وذراريهم، أما إنه لو كان آجر نفسه بأجرة لكانت الدية عليه وعلى عاقلته دونهم) (وسائل الشيعة: 29/264، أبواب موجبات الضمان، باب 28، ح1).
3- وسائل الشيعة: 29/274، أبواب موجبات الضمان، باب 35، ح1.

4- سيرة المتشرعة فإننا لم نعهد منهم مطالبة الطبيب بالدية عندحصول وفاة أو تلف في الأعضاء، بسبب المعالجة أو إجراء العملية إذا لم يكن ناتجاً عن قصور أو تقصير.

ويمكن أن يكون هذا التصرف منهم لا بما هم متشرعة وإنما بما هم عقلاء وقد تبانوا على ذلك، ولا بأس بهذا ويبقى دليلاً على عدم الضمان لأن بناء العقلاء حجة إذا لم يردع عنه الشارع المقدس، بل يصلح لتقييد المطلقات وتخصيص عمومات ضمان المتلفات وعدم بطلان الدم، كما أن عموم عدم حجية الظن مخصّص ببناء العقلاء على حجية خبر الواحد الثقة، ولا يصلح هذا العموم للردع عن السيرة العقلائية كما هو واضح.

5- إن أذن المريض بالعملية وعرض نفسه على الطبيب أذن بلوازمها وتعهد بكل تبعاتها وآثارها التي تحصل من دون تعدي وتفريط؛ لأن المريض يقدم على العلاج بعد أن يُعلمه الطبيب بنسبة نجاحها وما قد ينجم عنها من أضرار وأعراض جانبية حتى ورد عن أبي الحسن (عليه السلام) قوله: (ليس

ص: 21

من دواء إلا ويهيج داءً)(1)،

فهذه الموافقة لازمة للإذن، وكانالأطباء في زمان صدور النص يعرفون جملة مما تسببه المعالجة أو العملية الجراحية كما في الروايات المتقدمة وغيرها(2).

ومنه يُعلم النظر في قول الشهيد (قدس سره) في شرح الإرشاد وصاحب الجواهر (قدس سره) المتقدم وغيرهما ((والإذن في العلاج ليس إذناً في الإتلاف)).

بل إن الشيخ الأصفهاني (قدس سره) فسَّر أخذ البراءة المسقط للضمان في رواية السكوني بأخذ الإذن وحينئذٍ تكون الرواية صريحة في عدم الضمان مع الإذن، قال (قدس سره):

ص: 22


1- وسائل الشيعة: 2/408، أبواب الاحتضار.
2- قالوا في خبر محاولة اغتيال معاوية: ((فأما صاحب معاوية فإنه قصده فلما وقعت عينه عليه ضربه فوقعت ضربته على أليته فجاء الطبيب فنظر إلى الضربة فقال: إن السيف مسموم فاختر أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة (فتبرأ) وإما أن أسقيك دواءً فتبرأ وينقطع نسلك، فقال: أما النار فلا أطيقها وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما يقرّ عيني وحسبي بهما، فسقاه الدواء وعالج جرحه حتى التأم ولم يولد له بعد ذلك)) (بحار الأنوار: 42/233 عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/113).

((وأما الطبيب الحاذق المباشر، فتارة نقول إنه مكلف بحفظ النفس المحترمة بعلاج المرض، فمثل هذا يستحيل أن يستلزمالضمان، فإن التلف لا يكون إلا بخطأ منه، فالموضوع وهو علاج واقعاً وإلا لانسد باب الطبابة وعلاج المرضى مع مسيس الحاجة إليه، ومثله لا ضمان معه، وعليه ينزل أخذ البراءة من المريض أي الإذن في العلاج على نحو لا ضمان معه، وإلا فإشكال البراءة عن الضمان قبل حدوث موجبه موجه، والإذن في إتلاف نفسه أو طرفه غير سائغ شرعا، فلا محيص عما ذكرناه. هذا مختصر القول فيما تقتضيه القاعدة))(1).

وما قيل من أن المريض أعطى الإذن بشرط السلامة لا معنى له لأنها أمرٌ لا يحرزه إلا الله تعالى، وإنما أذن بشرط أن يبذل ما بوسعه ويستعمل كل حذقه ومهارته لتحصيل السلامة والمفروض أنه قد حقق ذلك ((نعم لا يبعد كون السلامة من قبيل الداعي الذي لا يقدح تخلفه في حصول الإذن))(2).

ص: 23


1- بحوث في الفقه، الشيخ محمد حسين الأصفهاني، الإجارة : 284، ط. الثانية، جماعة المدرسين، 1409 هج-.
2- مستمسك العروة الوثقى: 12/79.

6- إذن الشارع المقدس بالمعالجة حتى مع احتمال الوفاة بحسب الروايات المتقدمة (صفحة 8)، بل إنه يوجب المعالجةإذا كان فيها إنقاذ للنفس أو إذا كان في تركها ضرر بالغ على النفس، وهو أولى من الناس بأنفسهم، فإيجاب الدية حتى مع المهارة والكفاءة وعدم التقصير والتفريط ينافي كل هذا الحث على المعالجة وفيه نقض للغرض، وتحريض على عدم المعالجة، وقد ورد النهي عن تركها في الروايات كما في رواية أبان بن تغلب(1)

حيث ساوى بين تارك المعالجة والجاني.

7- ما ذكروه في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عدم الضمان إذا حصل تلف بسبب امتثال الفريضة، وقد بحثنا

ص: 24


1- خبر أبان بن تغلب الذي رواه الشيخ الكليني في الروضة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان المسيح عليه السلام يقول: إن التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة، وذلك أن الجارح أراد فساد المجروح والتارك لإشفائه لم يشأ صلاحه، فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطرارا، فكذلك لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا، ولا تمنعوها أهلها فتأثموا، وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوى إن رأى موضعاً لدوائه وإلا أمسك) (وسائل الشيعة: 16/128، أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، باب 2، ح5).

المطلب مفصلاً في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(1)

ونقلنا قول الأصحاب بعدم الضمان على الآمر والناهي إذا أتلفا ما يجب إتلافه أداءً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطها وحدودها. نعم لو تعدّى بفعله كما لو استعمل يده في مرتبة اللسان أو تصرّف بدون مراجعة الحاكم الشرعي في موارد لزومه ضمن للتعدي.

فهذا المورد دليل على عدم الضمان في المقام لأنهما من باب واحد فقد عملا بإذن الشارع المقدس بل بأمره وما تعدّيا الحدود، استدلالهم على الضمان بالضرب للتأديب إن كان من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(2)،

كقول الشهيد في شرح الإرشاد المتقدم (صفحة 16) وقول صاحب الجواهر (قدس سره): ((بل لو جوّزنا المباشرة للحاذق بلا إذن لقاعدة

ص: 25


1- فقه الخلاف: كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، القسم الثاني، ص8.
2- يمكن تصحيح استدلالهم بأن يقال إن التأديب حق للأب وللزوج وليس حكماً واجباً مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والضمان يأتي على القول بالأول لا الثاني.

الإحسان أو أوجبناها عليه مقدمة لحفظ النفس المحترمة كما في خبر أبان بن تغلب عن الصادق (عليه السلام) لا ينافي ذلك الضمان الذي هو من باب الأسباب كما في تأديب الزوجة والصبي ونحوهما فتأمل))(1)،

والأولى أن يكون دليلاً على عدم الضمان.

8- إن الطبيب أمين ولم يتصرف في بدن المريض إلا بعد إذنه وإذن الشارع المقدس، والأمين لا يضمن إلا مع التعدي والتفريط مثل سائر موارد الأمانة، الشرعية أو المالكية، كأهل الصنائع وذوي المهن الأخرى الذين يدهم يد أمانة، قال المحقق السبزواري (قدس سره) في أهل الصنائع: ((والصانع أو غيره إذا تلف شيء في يده فالأشهر أنه لا يضمن إلا بالتعدي والتفريط، وليس يده يد ضمان وغصب بحيث يضمن مطلقاً، بل يد أمانة مالكية للأصل، ولأنه أمين متصرف بإذن المالك))(2).

9- إن تحميل الطبيب دية التلف مع كونه حاذقاً وبصيراً ولم

ص: 26


1- جواهر الكلام: 43/45.
2- كفاية الفقه: 1/664.

يقصّر في عمله ظلم له والظلم قبيح لا يأذن به المولى، إلا أن يشترط الضمان على الطبيب بنصٍّ شرعي أو قانوني بنحو ما سنشرح معنى رواية السكوني.

10- أظن أن موضوع الضمان غير واضح في ذهن القائلين به لأن فرض المسألة بأن الطبيب حاذق بصير ولم يقصّر في عمله ولم يتعدَّ حدوده، وهذا يجعل سبب التلف ليس راجعاً إليه وإنما إلى نفس العملية فإن فيها نسبة من النجاح والفشل فهذا التلف اقتضاه تحقق الفشل المحتمل كعملية القلب المفتوح التي يمكن أن يتوقف فيها القلب أو عملية الفقرات والظهر التي يمكن أن تضر بالحبل الشوكي، وباختصار فإن التلف وإن باشره الطبيب إلا أن السبب وهو اقتضاء العملية لنسبة من الفشل كان أقوى وإليه ينسب التلف.

وبتعبير دقيق : إن نسبة التلف إلى الفعل لا يكفي للقول بالضمان إلا أن ينسب إلى الفاعل، لذا فحينما يكون السبب أقوى من المباشر يضمن المسبِّب مع أن التلف حصل بفعل المباشر، وفي المقام فإن التلف حصل من الفعل وهي المعالجة من دون أن ينسب إلى الفاعل وهو الطبيب لأن طبيعة

ص: 27

العملية تقتضي نسبة من التلف لا يكون الطبيب مسؤولاً عنها، قال الشيخ النائيني (قدس سره) في تعليقته على العروة عند مسألة ضمان الحمّال إذا عثر من دون تقصير منه فانكسر ما يحمل: ((الأظهر عدم الضمان وكونه من التلف دون الإتلاف))(1)،

وعلّق بمثل ذلك جملة من المحشّين العظام.

فالقول بالضمان لا وجه له؛ لأن الطب علم حسّي تجريبي ويعمل الطبيب بما أفادته التجارب ودقة النظر وقد تكون التجربة ناجحة مع شخص ولا تكون كذلك، أو يكون هذا العلاج المجرب ناجحاً مع شخص ومضرّاً لآخر مع أنهما يعانيان من نفس المرض لأن تركيب جسم الإنسان معقد وتوازنات عمل الأعضاء دقيقة للغاية ولا يمكن أن يضبطها جميعها أحد من الأطباء.

11- النقض عليهم بما لو جيء بمريض بحالة حرجة ويحتاج إلى تداخل جراحي أو إجراء علاجي خطير فوري لتعرضه إلى حادث سيارة أو قصف أو زلزال فبادر الأطباء إلى معالجته

ص: 28


1- العروة الوثقى بتعليق المراجع العظام: 5/68، المسألة (7)، كتاب الإجارة.

وحصل تلف، فإن قالوا بعدم الضمان فهو نقض عليهم لأن الاضطرار لا يسقط الضمان وإن قالوا به فهو كما ترى.

12- القانون الجاري بين ذوي المهن الطبية يتضمن عدم ضمان الطبيب إذا كان من أهل الكفاءة والمهارة ولم يقصّر في عمله، وغفلة المريض عنه لا تعطيه حق المطالبة.

مناقشة أدلة المشهور:

ومما تقدم يُعلم النظر في ما استدل به المشهور فإن الوجوه التي ذكرناها تصلح لتقييد القواعد والأصول المقتضية لضمان المتلفات التي هي قاعدة مقتنصة من الأحكام الواردة في الروايات وليست رواية حتى يتمسك بإطلاقها.

بل إدخال المورد في ضمان المتلفات مما لا يمكن المساعدة عليه شكلاً ولا مضموناً، (أما) شكلاً فإن تلف الأعضاء يدخل في باب الجنايات والغرامة عليه يسمى دية وليس ضماناً ونحو ذلك، و(أما) مضموناً فلأن المتلفات إنما تضمن حتى لو حصل التلف خطأً محضاً باعتبار أن الفعل لم يكن بإذن من وقع عليه التلف، أما الفعل هنا فهو بإذنه.

ص: 29

فالإتلاف الموجب للضمان لا يصدق على فعل الطبيب أي أنه خارج تخصصاً عن هذه القاعدة؛ لأن ما حصل من التلف لا الإتلاف.

وذكر السيد الخوئي (قدس سره) في بعض كلماته ما يعبّر عن هذا المعنى، قال (قدس سره): ((وأما إذا لم يصدق الاستناد بوجه- أي استناد الفعل إلى الفاعل اختياراً أو بغير اختيار كالنائم- بل كان الشخص المزبور كآلة محضة والفعل مستند إلى سبب آخر، كما لو كان على سطح بيت فوقعت زلزلة أو هبّت ريح عاصف فسقط من الشاهق على إناء زيد فكسره، بل على نفسه فقتله، حيث لا يعدّ هذا فعله وعمله عرفاً حتى غير الاختياري منه، ولا يرونه قاتلاً حتى خطأً، ففي مثله لا إتلاف ولا ضمان، وإنما يُعدُّ ذلك من التلف بآفة سماوية أو أرضية، ويؤكده ما ورد في جملة من الصحاح(1)

فيما إذا سقط شخص على آخر فمات: إن الساقط لا يضمن شيئاً والظاهر أن المسألة مما لا خلاف فيها، فلا دية بمقتضى

ص: 30


1- كصحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة (صفحة 18).

هذه النصوص))(1).

وهذه القاعدة منقوضة بسائر أيدي الأمانة التي لا تضمن إلا بالتعدي والتفريط، كالمستعير فإنه لا يضمن العين إذا تلفت بيده وتصرَّف فيها بحدود ما تقتضيه الإعارة، إلا مع التعدي والتفريط أو الشرط؛ ففي صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أعار جارية فهلكت من عنده ولم يبغها غائلة، فقضى أن لا يغرمها المعار، ولا يُغرَّم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة)(2)،

وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه إلا أن يكون اشترط عليه) وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (سألته عن العارية يستعيرها الإنسان فتهلك أو تُسرَق؟ فقال: إن كان أميناً فلا غرم عليه).

ص: 31


1- موسوعة السيد الخوئي (قدس سره): 30/248.
2- والروايتان بعدها في وسائل الشيعة: 19/93، كتاب العارية، باب 1، ح1، 7، 9.

وأقرَّ المحقق الأردبيلي (قدس سره) بأنه لم تثبت على نحو الموجبة الكلية قاعدة أن كل تالف مضمون، قال (قدس سره): ((وما ثبت شرعاً أن كل إتلاف موجب للضمان))(1).

ولو قيل بأن الإذن تعلق بالمعالجة لا بالتلف قلنا أن المعالجة كانت تقتضي احتمال التلف فالإذن بها إذنٌ بما تحتمله من نتائج وأن الإذن في الفعل يكفي لسقوط الضمان عن يد الأمانة الشرعية والمالكية.

وكذا يخرج المورد تخصّصاً من عموم (لا يبطل دم امرئ مسلم):-

أ- لعدم صدق عنوان الجناية الموجب للدية على فعل الطبيب.

ب- وإن سياق الرواية التي تضمنت هذا العموم شاهد على ذلك لأنها وردت في سياق التهمة بالقتل ووجود لوث.

ج-- وإن نفس لفظ (دم) ظاهر في الدم الذي أُطلَّ بجناية. فيكون نظير دم من وجب قتله بحدٍّ أو قصاص مطلول بأمر الشارع، وهو خارج تخصصاً.

ص: 32


1- مجمع الفائدة والبرهان: 14/229.

د- كذلك يمكن القول بأن الوجوه السابقة تُخصَّص عموم (لا يبطل دم امرئ مسلم) ولا ضير فيه، فإن دمه لا يضمن إذا مات قضاءً وقدراً كما لو حدث زلزال أثناء إجراء العملية أو سقط شيء معلق في السقف على يد الجرّاح أثناء العملية فزلّت وأحدثت تلفاً فلا ضمان على أحد.

أما رواية السكوني فهي ضعيفة السند لعدم توثيق النوفلي وإن ذكر وجه لقبول روايته(1)،

وهي مما انفرد

ص: 33


1- حاصله أن الأصحاب قبلوا رواية السكوني كما صرّح به الشيخ (قدس سره) في العدة وأن أغلب رواياته عن النوفلي فهذا يعني قبول روايات النوفلي وإلا لم تصدق هذه المقولة. وفيه: إن عبارة الشيخ ظاهرة في أن معنى قبول رواية السكوني وعموم أبناء العامة أي أن انحراف عقيدته لكونه من أبناء العامة لا تضر بعد ورود التصريح بوثاقته كغيره من العامة، أما قبول روايته فهي غالباً لموافقتها لروايات الإمامية أو قواعد المذهب فتكون حجة لرواية الإمامي والقواعد، أما أخبار السكوني التي رواها عنه النوفلي ولا يوجد ما يوافقها ولا ما يخالفها في كتب الإمامية -كمحل البحث- فهي قليلة جداً فقد روى كثيرون عن السكوني كالربيع بن سليمان الذي أكثر عنه بحسب النجاشي (الترجمة 465) وأمية بن عمرو الشعيري الذي قال فيه النجاشي إن أكثر كتابه عن السكوني (الترجمة 263) وعبد الله بن المغيرة وغيرهم، وذكر الإسناد غالباً عن النوفلي لا يعني قلة ما رواه غيره عن السكوني لأن الأصحاب يكتفون عادة بذكر طريق واحد كما هو المعروف للمتابعين، وكمثال على ذلك الرواية في حرمة ثمن الميتة (وسائل الشيعة: 17/93، أبواب ما يكتسب به، باب 5، ح5) فقد رواها الكليني بسنده عن النوفلي ورواها الشيخ الصدوق في الخصال بسنده عن موسى بن عمر عن عبد الله بن المغيرة عن السكوني.

السكوني بروايتها فلا يعمل بها الأصحاب قال المحقق في نكت النهاية: ((الأصحاب متفقون على أن الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه، فالعمل على هذا الأصل لا على هذه الرواية؛ لأن الأكثرين يطرحون ما ينفرد به السكوني))(1).

وفيها ما لا يوافق القواعد عند بعض الأجلاء من إسقاط ما لم يجب لذا اعترض عليه ابن إدريس وغيره ممن سنذكرهم إن شاء الله تعالى.

وإن أخذ البراءة من ولي المريض دونه هو يشعر بأن موردها خاص لذا حملها ابن إدريس في كلامه المتقدم على

ص: 34


1- نكت النهاية: 3/421.

معالجة الصغير أو المجنون بغير إذن وليه فيكون ضامناً ولو كان المريض عاقلاً لوجب أخذ الإذن منه لا من وليه.

وما قيل من توجيه ذكر الولي ((لأنه هو المطالب على تقدير التلف، فلمّا شرّع الإبراء قبل الاستقرار لمكان الضرورة، صرف إلى من يتولى المطالبة بتقدير وقوع ما يتبرأ منه))(1):

بعيد وأبعد منه ما قيل من أن ذكره بلحاظ أحد الفردين وهو الحيوان لذكر البيطرة في الحديث فإنه مما لا ينبغي أن يقال وأن صاحب الحيوان لا يعبر عنه بالولي وإنما بالمالك ونحوه.

وانقدح في ذهني حملها على معنيين:

أحدهما: أنه على نحو الحكم التدبيري والقانون الاجتماعي بأن الطبيب يلزم بالدية ما لم يأخذ البراءة لحث الأطباء على المزيد من اليقظة والحذر والمهارة لذا نسب الحكم إلى أمير المؤمنين (عليه

ص: 35


1- غاية المراد: 4/449.

السلام) باعتباره مارس قيادة الدولة، مع ملاحظة أن كثيراً من الأطباء البارزين كانوا غير مسلمين مثل أثير السكوني الذي كشف على جرح أمير المؤمنين (عليهالسلام) ((وكان مطبباً صاحب الكرسي يعالج الجراحات))(1)

وهو من سبي عين التمر، فيكون الحكم تدبيرياً صادراً من الولي الفقيه والحاكم الأعلى لتنظيم أمور الرعية.

ثانيهما: تحمل على الأثر الإثباتي وهو الانتفاع منها في الخصومة أي رد دعوى ذوي المجني عليه لو طالبوا بالضمان لا الثبوتي أي اشتغال ذمة الطبيب بالدية واقعاً للوجوه التي ذكرناها فلا تدل على وجوب الضمان إذا لم يأخذ البراءة، فيكون حكماً إرشادياً لتخليصهم من الضمان عندما لا يكون التلف بتعدٍ أو تفريط، والشاهد على هذا المعنى من نفس الرواية تفريع الضمان على عدم أخذ البراءة (وإلا فهو ضامن) ولو كان الحكم في المسألة هو الضمان لكان مطلقاً ولم يتوقف على أخذ البراءة، وكذا تضمنت روايات ضمان ذوي المهن والصنائع هذا المعنى(2).

مضافاً إلى معارضتها برواية إسماعيل المتطبب،

ص: 36


1- بحار الأنوار: 42/234، عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/114-119.
2- راجع وسائل الشيعة: 19/145، كتاب الإجارة، باب 29.

والوجوه الأخرى.

والاستدلال برواية السكوني الأخرى في ضمان الختّان قابل للمناقشة لاحتمال أنها في واقعة خاصّة تصدّى فيها غير المؤهل أو أنه تعدّى حدود العمل لأن عملية القص في الختان ليست قرب الحشفة فلا بد أن التلف حصل بتقصير منه فيضمن ولا تدل على محل البحث.

أما الإجماع فيحتمل أنه مدركي مستند إلى رواية السكوني أو قاعدة ضمان المتلفات أو عموم لا يبطل دم امرئ مسلم ونحو ذلك.

بل يمكن نفي وجوده لعدم وحدة الموضوع في كلماتهم فمنهم من بنى الضمان على عدم حصول الإذن قال الشهيد في شرح الإرشاد: ((واعلم أن كثيراً من الأصحاب لم يقيِّد بالإذن وإن كان ظاهرهم الإذن))(1)،

بل صرح المحقق الأردبيلي (قدس سره) بأن حكم الأصحاب بالضمان ناظر إلى عدم الإذن قال (قدس سره): ((بل قد يحمل كلام

ص: 37


1- غاية المراد: 448.

الأصحاب أيضاً على عدم الإذن))(1).

ومنهم من افترض التقصير في عمل المعالج، قال السيد الخوئي (قدس سره) في حال موت المختون: ((وهذا القتل بالآخرة يستند إلى الختّان))(2)؛

لذا استدل بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أصحاب الصنائع قال (عليه السلام): (كل عامل أعطيته أجراً على أن يصلح فأفسد فهو ضامن)(3)

وهي ظاهرة في إفساده ولا خلاف في الضمان وبه صرّح العروة في كلامه الآتي (صفحة 44) واقتصر عليه وكأنّه يتوقّف في محل البحث أو يقول بعدم الضمان.

أما إدخال الطبيب في مسألة ضمان أصحاب الصنائع كالخياط والنجار والحمّال ففيه جهة افتراق لأن تعاملهم مع ما بأيديهم وهي جمادات لا تملك لنفسها شيئاً فلا يتصور سبب التلف إلا من الصانع وهو ليس كتعامل الطبيب مع المريض

ص: 38


1- مجمع الفائدة والبرهان: 14/229.
2- موسوعة السيد الخوئي (قدس سره): 30/244، مسألة (4)، كتاب الإجارة.
3- وسائل الشيعة: 19/147، كتاب الإجارة، باب 29، ح19.

صاحب الجسم المعقد فيوجد ألف سبب وسبب للتلف مما نعلم أو لا نعلم لا يكون الطبيب مسؤولاً لها.

على أن القائلين بعدم الضمان في أهل الصنائع ليسوا قلة كما نقلنا عن بعضهم وتوقف جماعة(1)

منهم صاحب العروة (قدس سره)، وإن الروايات التي أوجبت الضمان ظاهرة بل صريحة في كون الصانع مسؤولاً عن التلف لقول الإمام (عليه السلام) فيها: (فأفسد) كصحيحة الحلبي المتقدمة ومثلها صحيحة أبي الصباح ورواية أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته عن الثوب أدفعه إلى القصّار فيخرقه؟ قال: أغرمه فإنك إنما دفعته إليه ليصلحه ولم تدفع إليه ليفسده)(2).

قال السيد الخوئي (قدس سره): ((لظهوره -أي صحيح الحلبي- فيمن لم يعمل ما كان مأذوناً فيه فكان أجيراً على أن يصلح فأفسد، لا أنه أتى ما أُمر به وترتّب عليه الفساد

ص: 39


1- موسوعة السيد الخوئي (قدس سره): 30/243، مسألة (4).
2- وسائل الشيعة: 19/143، كتاب الإجارة، باب 29، ح8.

خارجاً))(1).

لذا نفت عدة روايات الضمان إذا لم يكن متّهماً بالتقصير كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يضمن الصائغ ولا القصّار ولا الحائك إلا أن يكونوا متهمين)(2)

وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سألته عن الصبّاغ والقصّار؟ قال: ليس يضمنان) قال الشيخ: يعني إذا كانا مأمونين، فأما إذا اتهما ضمنا حسب ما قدمنا، وقد ينصرف المورد إلى دعوى أن التلف بسبب خارجي كالسرقة أو الحرق أو الفقدان ونحو ذلك إلا أن الأصحاب لم يفرقوا في أسباب التلف.

وفي رواية بكر بن حبيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يضمن القصّار إلا ما جنت يداه، وإن اتهمته

ص: 40


1- موسوعة السيد الخوئي (قدس سره): 30/244، مسألة (5)، كتاب الإجارة.
2- والرواية التي بعدها في وسائل الشيعة: 19/145، كتاب الإجارة، باب 29، ح11، 14.

أحلفته)(1)

دلالة على عدم الضمان مع عدم صدق عنوان الجناية، واعترف صاحب الجواهر بأن مقتضى التحقيق ذلك، قال (قدس سره) بعد أن نقل قول الأصحاب بضمان أهل الصنائع لاستناد التلف إلى فعلهم: ((ولكن قد يناقش بعدم صدق الجناية على ذلك، ونحوه مما بين مستأجر عليه ومأذون فيه، بل لعل ذلك هو التحقيق في المسألة، وبين ضمان الصناع لما يجنيه أيديهم وإن كان من غير تقصير منهم، بل وكذا الطبيب والبيطار إذا حصل التلف بالطبابة والبيطرة، ولعل ذلك مقتضى القاعدة فضلاً عن النصوص التي سمعت جملة منها. وفي خبر بكر بن حبيب عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يضمن القصار إلا ما جنت يداه، وإن اتهمته أحلفته) وحينئذ لا ضمان مع عدم الفساد من حيث الصنعة والعمل، وإن اتفق نقصان قيمة الثوب مثلاً بحصول العمل منه، وكذا المأمور بالختن والحجامة ونحوهما، ولم يكن منه فساد وخيانة من حيث العمل المأمور به، وإن اتفق التلف به))(2) ثم رجع

ص: 41


1- وسائل الشيعة: نفس الموضع السابق، ح17.
2- جواهر الكلام: 27/323.

(قدس سره) إلى القول بضمان الطبيب لنفس الوجوه التي ذكرها في باب الديات وقد تقدمت.

ويمكن أن يقال: إن الحكم بالضمان هو حكم تدبيري وقانون اجتماعي اتخذ لضمان أموال الناس وتشديد الحرص عليها من أهل الصنائع ويدل عليه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان علي عليه السلام يضمّن القصّار والصائغ يحتاط به على أموال الناس)(1)،

وهو وجه نسبة الحكم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) مارس قيادة الدولة وتنظيم أمور الرعية.

المترددون والمخالفون للمشهور:

ولعله لأجل هذه الوجوه أو بعضها تردد المحقق (قدس سره) حسب ما يُشعر به قوله: ((فإن قلنا لا يضمن، وإن قلنا يضمن)) والعلامة (قدس سره) في الإرشاد قال (قدس سره): ((وإن أذن له البالغ فآل إلى التلف ضمن على رأي)) وتمسّك ابن إدريس بالأصل الذي هو وظيفة الشاك لنفي الضمان،

ص: 42


1- وسائل الشيعة: 19/145، ح4، 12.

وجزم العلامة في التحرير بعدمه، قال (قدس سره) في الختّان والحجّام: ((ولو لم يتجاوز محل القطع مع حذقهم في الصنعة فاتفق التلف فإنهم لا يضمنون))(1).

واحتمل المحقق الأردبيلي عدم الضمان بل يظهر منه الميل إليه، قال (قدس سره): ((إن عدم الضمان مع الإذن محتمل لأنه ما قصد الإتلاف وما قصّر مع أنه استأذن وحاصله أنه يفعل ما يقتضيه علمه ولم يكن عليه به شيء. وإن ذلك قد يجب عليه، إذ قد يكون ذلك من الواجب الكفائي بل قد يصير عينياً. وما ثبت شرعاً أن كل إتلاف موجب للضمان -أي لم يثبت على نحو الموجبة الكلية-، ورواية الختان قد تحمل على ما حملها ابن إدريس من التفريط بعد تسليم الصحة، بل قد يحمل كلام الأصحاب أيضاً على عدم الإذن)) وقال (قدس سره): ((وإنك قد عرفت ما في أمثال هذه الإجماعات))(2).

واستقربه المحقق السبزواري (قدس سره) في

ص: 43


1- تحرير الأحكام، للعلامة الحلي: 3/116، ط. الأولى، اعتماد، 1420 هج-.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 14/229.

كلامه الآتي (صفحة 47) وذهب الشيخ الأصفهاني إلى استحالة القول بضمان الطبيب في كلامه المتقدم (صفحة 22).

ويظهر من السيد صاحب العروة (قدس سره) أنه يستشكل في الضمان فإنه بعد أن ذكر الحجّام والكحّال والبيطار والختّان قال: ((وكل من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده يكون ضامناً إذا تجاوز عن الحد المأذون فيه، وإن كان بغير قصده لعموم من أتلف وللصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في الرجل يعطى الثوب ليصبغه فيفسده، فقال (عليه السلام): (كل عامل أعطيته أجراً على أن يصلح فأفسد فهو ضامن)(1)

بل ظاهر المشهور ضمانه وإن لم يتجاوز عن الحد المأذون فيه، ولكنه مشكل فلو مات الولد بسبب الختان مع كون الختان حاذقاً من غير أن يتعدى عن محل القطع بأن كان أصل الختان مضراً به في ضمانه إشكال))(2).

أقول: سنذكر في ما ننقله عن الرسالة العملية أن عدم الضمان

ص: 44


1- وسائل الشيعة: 19/147، كتاب الإجارة، باب 29، ح1، 19.
2- العروة الوثقى بحواشي المراجع العظام: 5/66، المسألة (4).

في هذه الحالة إذا كان الختّان مستأجراً لإجراء عملية الختان ولم يكن من وظيفته الكشف عن صحة الطفل ومعرفة قابليته لإجراء الختان، أما إذا كان من وظيفته ذلك كالطبيب الجراح فإنه ضامن لو ختن الطفل من دون ملاحظة هذه الجهة ثم تضرر الطفل.

ومن الواضح أن الإشكال يعم القول بضمان الطبيب.

وقال السيد صاحب العروة (قدس سره) في المسألة التالية: ((الطبيب المباشر للعلاج إذا أفسد ضامن وإن كان حاذقاً)) وهو ظاهر في خصوص حصول الفساد بسببه، وإلا يُسأل (قدس سره) عن الفرق بين الطبيب وغيره من أهل الصنائع الذين أشكل على ضمانهم.

واستظهر السيد الحكيم (قدس سره) في رسالته العملية عدم الضمان ووافقه الشهيد الصدر الأول في تعليقته(1)

واشترطا في ضمان الطبيب صدق الإفساد.

وعلق السيد الخميني (قدس سره) في حاشيته على العروة الوثقى على الإشكال بقوله والأقوى عدم الضمان،

ص: 45


1- منهاج الصالحين: 2/134، المسألة (35).

وكذا السيد الخوئي (قدس سره) إلا أنه قال: ((ومع ذلك الظاهر هو الضمان في مسألة الختان)) وكذا قال في مسألة لاحقة بضمان الطبيب.

إيقاظ : الخلاف لا موضوع له :

ويمكن أن يكون الخلاف بلا موضوع لأن التلف إما أن يحصل بقصور أو تقصير من الطبيب فعليه الضمان بلا إشكال، أو من المريض كما لو أخفى مرضاً عنده لا يجوز معه تخديره كلياً فلما خدروه مات، وحينئذٍ لا ضمان على الطبيب، وهكذا.

وقد يكون التلف مما تقتضيه نفس العملية لأن الطبيب حينما يقول إن نسبة النجاح 60 بالمائة فهذا يعني أن فيها نسبة فشل بمقدار 40 بالمائة وهذا مما لا يضمنه الطبيب لأنه ليس هو سبب الإتلاف وإنما تقتضيه طبيعة العملية كتوقف القلب في عملية القلب المفتوح مثلاً، وهو ما تشمله رواية السكوني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (أنه كان لا يضمن من الغرق

ص: 46

والحرق والشيء الغالب)(1).

ونستطيع أن نقول إن هذا هو السبب في قول بعض الأصحاب بعدم الضمان أو ترددهم فيه وأنه ظاهر من كلماتهم كالمحقق السبزواري (قدس سره) في الكفاية فإنه بعد نقل قول العلامة في التحرير: ((لو لم يتجاوز -يعني الختّان- محل القطع مع حذقهم في الصنعة واتفق التلف فإنهم لا يضمّنون))(2)

قال (قدس سره): ((وهو غير بعيد ويجري مثله في الطبيب، بل قيل إنه يجري في الصانع بأن فُرِض أنه ما فرّط ولا تعدى في القصر والصبغ أصلاً، إلا أن الثوب كان بحيث لو لم يصبغ ولم يقصّر لم يمزّق، وكان متهيئاً لقبول ذلك وهو غير بعيد))(3).

ولعله أيضاً السبب في توقف السيد صاحب العروة (قدس سره) في الضمان عندما قال (صفحة 44): ((بأن كان أصل الختان مضرّاً به، أي أن نفس العملية موجبة للضرر

ص: 47


1- وسائل الشيعة: 19/143، كتاب الإجارة، باب 29، ح6.
2- تحرير الأحكام: 3/116، مصدر سابق.
3- كفاية الفقه: 1/664.

والتلف، فدقّق.

وأرجع إلى التعبير الدقيق الذي تقدم في النقطة التاسعة ليزداد الأمر وضوحاً.

ونفس السبب يرد في أهل الصنائع أيضاً كما لو أن التيار الكهربائي المشغّل لماكنة الخياط أو الحداد جاء إلى الجهاز بفرط عالٍ غير محتسب فأسرعت الماكنة بقوة وتلف القماش فلا ضمان على الخياط لأن السبب أقوى من المباشر. قال المحقق (قدس سره) في الشرائع: ((أما لو تلف في يد الصانع لا بسببه، من غير تفريط ولا تعدّ لم يضمن على الأصح)) وقوّاه في المسالك، ونفى عنه الخلاف في الجواهر(1)

وهو مطلق شامل لما لو حصل التلف بسبب نفس العمل أو العملية ولم يكن الصانع والمباشر إلا أداة.

المطلب الثاني: ذهب المشهور إلى إمكان تخلص الطبيب من الضمان بأخذ البراءة من المريض قبل العملية إذا كان بالغاً عاقلاً وإن كان صغيراً أو مجنوناً أخذها من وليه وحكى

ص: 48


1- جواهر الكلام: 27/325.

صاحب الجواهر (قدس سره) عن ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه لرواية السكوني المتقدمة والتعليل الذي ورد في كلام المحقق (قدس سره) المتقدم (صفحة 10)، وحاصله أن حاجة المجتمع إلى الطبيب تقتضي إيجاد وسيلة لبراءته من الضمان لو حصل تلف من دون تعدٍّ أو تفريط، وإلا سوف لا تجد من يتطبَّب.

وقال (قدس سره) في نكت النهاية: ((ولا أستبعد الإبراء من المريض فإنه فعل مأذون فيه، والمجني عليه إذا أذن في الجناية سقط ضمانها، فكيف بإذنه في المباح المأذون في فعله))(1).

أقول: لكن قول المشهور قابل للمناقشة لقصور المقتضي ووجود المانع.

أما المقتضي وهي رواية السكوني فإنها غير تامة السند وتحتمل عدة معانٍ غير ما ذكره المشهور كتحصيل البراءة بعد وقوع التلف كما عن الجواهر أو أنها في مورد خاص وهو معالجة الصغير والمجنون بقرينة ذكر الولي فلا إطلاق لها يستدل

ص: 49


1- نكت النهاية: 3/421.

به المشهور، أو أن أخذ البراءة بمعنى أخذ الإذن كما نقلنا عن الأصفهاني وهو حاصل، أو أنه أمر تدبيري أو إرشادي كما احتملنا ونحو ذلك.

وأما المانع فمن جهتين:-

1- إنه إسقاط ما لم يجب وهو على خلاف القواعد.

2- لأن الإنسان لا يملك مثل هذه السلطنة على نفسه مطلقاً أو في خصوص الوفاة وتلف الأعضاء الرئيسية كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فكيف يجوز له منح البراءة مما لا حق له فيه، قال الشيخ الأصفهاني (قدس سره) في ما نقلناه عنه (صفحة 22): ((والإذن في إتلاف نفسه أو طرفه غير سائغ شرعاً)).

لذا جزم الشهيد الثاني (قدس سره) في حاشيته على إرشاد العلامة (قدس سره) بعدم البراءة(1).

وحكي عن ابن إدريس عدم سقوط الضمان لأنه إسقاط الحق قبل ثبوته ولنفس التعليل تأمل الشيخ ضياء العراقي في السقوط بالبراءة(2)،

وقال الشيخ الأصفهاني (قدس

ص: 50


1- الحاشية المطبوعة في هامش غاية المراد: 4/446.
2- العروة الوثقى بحواشي المراجع العظام: 5/68، المسألة (6).

سره) في ما نقلناه (صفحة 22): ((فإشكال البراءة عن الضمان قبل حدوث موجبه موجه))، وسلَّم السيد الخوئي (قدس سره) بالإشكال على طبق القواعد إلا أنه احتج برواية السكوني التي بنى على اعتبارها، قال (قدس سره): ((ولا موقع للاستشكال بأنه من قبيل إسقاط ما لم يجب حيث أن الضمان إنما يكون بعد الإفساد فقبله لا موضوع للبراءة.

إذ فيه: إن هذا إنما يتم لو كان الحكم مستنداً إلى القاعدة والموازين العامة، وأما مع الاستناد إلى الرواية الخاصة الناطقة بذلك فلا وجه له))(1).

لذا تردد المحقق (قدس سره) واكتفى بنقل القولين، وتردد العلامة (قدس سره) أيضاً حيث قال في الإرشاد: ((وهل يبرأ بالإبراء قبله؟ فيه قولان)) ولم يرجّح أحدهما وكذا الشهيد الأول (قدس سره) في شرحه.

وبنى الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) على هذا الإشكال إلا أنه قدَّم معالجة له فقال: ((إذا أعطى المريض أو وليه أو صاحب الدابة البراءة من نتائج المداواة وحصل

ص: 51


1- موسوعة السيد الخوئي: 30/247، المسألة (6)، كتاب الإجارة.

التلف، فهل يضمن الطبيب أم لا؟ ذكرنا في بعض المسائل السابقة أنه لا أثر لهذه البراءة، إلا أن تعود استدامتها عرفاً إلى إفراغ ذمة الطبيب من الضمان بعد انشغالها به))(1).

أقول: حينئذٍ يجب أخذ البراءة من المريض ووليه لأن الدية تكون للورثة على تقدير حصول الوفاة فاستدامة البراءة إلى ما بعد اشتغال الذمة يجعل حق منحها بيد الورثة.

وناقش صاحب الجواهر (قدس سره) في ما استدل به على عدم ضمان الطبيب بأخذ البراءة قبل العملية من جهتين:-

1- ((احتمال الخبر المزبور البراءة بعد الجناية مجاناً أو على مال احتمالاً ظاهراً، وربما يرشد إليه لفظ (وليه) على أنه ضعيف)).

أقول: في هذا تأكيد للضمان على الطبيب وإنما أراد معالجة إشكال إسقاط الحق قبل ثبوته. بأن تؤخذ البراءة بعد ثبوت الحق أو أن المريض قاصر، لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر.

2- ((الحاجة بمجردها لا تصلح دليلاً لشرع الحكم المخالف

ص: 52


1- منهج الصالحين: 5/214، المسألة (899).

للأدلة ومن هنا قال في المسالك وهو الوجه))(1).

وفيه: يمكن تقريب الحاجة على أن خلافها نقض للغرض ومخالفة للأمر بالتداوي وخروجاً عن بناء العقلاء وسيرتهم ونحو ذلك مما قلنا فيصلح أن يكون دليلاً.

وأجاب صاحب الجواهر (قدس سره) عن هذه المناقشات بقوله: ((ولكنه كما ترى ضرورة عدم منافاة الاحتمال المزبور في الخبر الظاهر الذي هو الحجة في الأحكام الشرعية، كعدم منافاة ضعفه، بعد انجباره بما عرفت، وتأييده بمسيس الحاجة. وذلك كله كاف للخروج به عن قاعدة عدم إسقاط الحق قبل ثبوته، على أنه ينبغي الجزم به إذا أخذ بعنوان الشرطية في عقد إجارة الطبيب مثلاً إذ هو حينئذ يكون كاشتراط سقوط خيار الحيوان والمجلس ونحوهما مما يندرج تحت قولهم عليهم السلام: (المؤمنون عند شروطهم) بل ربما ظهر من الأردبيلي الاكتفاء بالشرط مطلقاً، وإن كان فيه أنه إن لم يكن في ضمن عقد وعداً أو كالوعد لا يجب الوفاء به. كل ذلك مضافاً إلى إمكان القطع به في مثل الأموال التي منها ما

ص: 53


1- جواهر الكلام: 43/47.

هو محل البيطرة ضرورة أنه إذن في الإتلاف على وجه يجري مجرى أفعال العقلاء نحو غيره من الإتلافات. ومنه يعلم الوجه في غير المال مما له الإذن فيه إذا كان جارياً مجرى أفعال العقلاء كما في العلاج. وليس هذا من الإبراء قبل ثبوت الحق، بل من الإذن في الشيء المقتضية لعدم ثبوته، نحو الإذن في أكل المال مثلاً، والظاهر اعتبار إذن المريض في ذلك مع فرض كونه كامل العقل، ولا يكفي إذن الولي، إذ لا ولي له في هذا الحال، وإنما هو أولى بنفسه، وكون الولي هو المطالب بعد ذلك لا يرفع سلطنته الآن على نفسه، وما في الخبر المزبور محمول على إرادة الولي في ذلك الشامل للمريض ورب المال. وقول الشهيد في غاية المراد وغيره باعتبار إذن الولي أو المريض، محمول على التفصيل الذي ذكرناه، لا أن المراد، الاكتفاء بإذن الولي مع كمال عقل المريض. وقال المصنف في النكت في الخبر: ((وإنما عدل إلى الولي لأنه هو المطالب على تقدير التلف، فلما شرع الإبراء قبل الاستقراء لمكان الضرورة صرف إلى من يتولى المطالبة بتقدير وقوع ما يبرء منه، ولا أستبعد الإبراء من المريض فإنه يكون فعلاً مأذوناً فيه والمجني

ص: 54

عليه إذا أذن في الجناية سقط ضمانها، فكيف بإذنه في المباح المأذون في فعله فتأمل جيداً))(1).

أقول: يمكن تلخيص الجواب على إشكال عدم صحة إسقاط الحق قبل وجوبه بوجوه:-

1- تصريح رواية السكوني بذلك بعد انجبار ضعف سندها وتأييدها بالحاجة الماسّة، وردّ ما قيل من الاحتمالات المخالفة لظهورها فتكون مخصِّصة لقاعدة عدم صحة إسقاط الحق قبل ثبوته وحاكمة عليها، وهو ما بنى عليه السيد الخوئي (قدس سره) كما تقدم.

2- إن وجود مقتضيه وهو عقد الإجارة مع الطبيب الذي يتضمن التعرض للعلاج الموجب للتلف كافٍ لصحة البراءة فإذا جعلت البراءة شرطاً في عقد إجارة الطبيب كفت لعموم (المؤمنون عند شروطهم)، كما أن إسقاط بعض الخيارات في عقد البيع صحيح قبل أن يتحقق موضوعها فعلاً كخيار التأخير، أو إسقاط بعض حقوق الزوجية في العقد كذلك، أو إسقاط حق القسم في النهار.

ص: 55


1- جواهر الكلام: 43/47-48.

3- لا شك في أن الإذن بإتلاف المال يبرئ ذمة المتلف والحيوان المعالج مال، وهكذا إتلاف العضو إذا كان ضمن الحدود العقلائية لأن الإذن في الجناية يسقط ديتها.

4- إن سقوط الضمان ليس من باب الإسقاط وإنما لأن المعالجة والعملية الجراحية تخرج من كونها موجبة للضمان بأخذ البراءة وبينهما فرق فدقق، كما أن الإذن في أكل المال فإنه ليس مسقطاً لضمانه وإنما يجعل الإتلاف غير مضمون، وورد هذا المعنى في كلمات آخرين كالمحقق الأردبيلي، قال (قدس سره): ((ولا استبعاد في لزوم الوفاء به بمعنى عدم ثبوت حق حينئذٍ))(1).

وقال السيد الحكيم (قدس سره): ((لا يتم -أي الإشكال- لو كانت البراءة شرطاً في عقد الإجارة؛ لأنه ليس من الإسقاط قبل الثبوت، بل هو من شرط السقوط كما في شرط سقوط الخيار))(2)

فيكون من قبيل شرط النتيجة ولا بأس به.

أقول: هذا كله على فرض كون المتصدي للمعالجة طبيباً ماهراً

ص: 56


1- مجمع الفائدة والبرهان: 14/231.
2- مستمسك العروة الوثقى: 12/81.

مؤهلاً لممارسة هذا العمل وإلا فإن البراءة لا أثر لها ولا يحق للمريض أن يسلِّم نفسه إلى مثله.

هل تقيَّد البراءة في حدود سلطنة الإنسان على نفسه :

قد يرد هنا إشكال بأننا حددنا سلطنة الإنسان على نفسه بأنها مقيدة بعدم إزهاق النفس وعدم إحداث ضرر بالغ في البدن، وهذا يتنافى مع إطلاق الحكم بسقوط الدية في ما لو أخذ الطبيب البراءة حتى لو حصل الموت أو إتلاف عضو رئيسي فيه؛ لأن المريض ليس له هذه السلطنة حتى يُبرئ الطبيب منها.

ورواية السكوني لا تصلح للاستدلال على الإطلاق لضعف سندها أو لعدم تمامية الإطلاق فيها بلحاظ ما ذكرناه سابقاً.

والنتيجة الاقتصار في سقوط الدية عن الطبيب بالبراءة على غير الموت وتلف الأعضاء الرئيسية، وتضمنت كلمات السيد الخوئي (قدس سره) ما يقرب من هذا المعنى فقال في ضمان الختّان حتى لو أبرأه ولي الصغير: ((إذ ليس له حق

ص: 57

البراءة بعد أن لم تثبت له هذه الولاية))(1).

ووجدت قولاً بهذا التفصيل للشيخ الفياض (دام ظله الشريف) قال فيه: ((لا تسقط الدية عن الطبيب بالإذن والإبراء من المريض إذا كان موته مستنداً إلى العملية وإن لم يكن الطبيب مقصراً فيها إذ ليس بإمكان أي أحد أن يأذن بالعملية مطلقاً وإن كانت مؤدية إلى موته، ضرورة أن هذه السلطنة غير ثابتة للإنسان على نفسه وعليه فلا قيمة لإبراء المريض ذمة الطبيب عن الدية، بل هي ثابتة إذا كانت العملية مؤدية إلى موته وإن أخذ الإبراء من المريض نفسه.

وأما بالنسبة إلى تلف الأعضاء، فالأمر كذلك إذا كانت الأعضاء من الأعضاء الرئيسية وأما إذا كانت من الأعضاء غير الرئيسية، فلا دية على الطبيب مع الإذن وإبراء المريض إذا لم يكن الطبيب مقصراً فيه))(2).

أقول: إن السلطنة على مستوى إزهاق النفس أو تلف أحد الأعضاء الرئيسية وإن لم تثبت للإنسان كما تقدم، إلا أن إبراء

ص: 58


1- موسوعة السيد الخوئي: 30/244، كتاب الإجارة، المسألة (5).
2- المسائل الطبية: 96.

ذمة الطبيب على هذا المستوى حق مكتسب للمريض مضافٌ إلى سلطنته نشأ من عدة مصادر:-

1- الروايات الآمرة بالتداوي والمعالجة حتى لو أدّت إلى الوفاة كصحيحة يونس بن يعقوب وروايتي إسماعيل المتطبب وحمدان بن إسحاق وغيرها وقد تقدمت (صفحة 8) فهي تمنح الإذن الشرعي بالفعل والشارع المقدس أولى من الناس بأنفسهم.

2- بناء العقلاء على الإقدام على المعالجة حتى مع احتمال التلف والوفاة إذا كان ملاكها أهم كعملية القلب المفتوح أو زرع الكبد.

3- رواية السكوني بناءً على اعتبارها بانجبار ضعفها بعمل المشهور أو لقبول رواية النوفلي عن السكوني للوجه الذي تقدم أو لما أفاده الشيخ في العدة من عمل الطائفة بمنفردات السكوني إذا لم يوجد ما يخالفه من أحاديث الإمامية كما في المقام.

4- التعليل الذي ذكره المحقق (قدس سره) في الشرائع في كلامه المتقدم حيث قال: ((لأن العلاج مما تمسّ الحاجة إليه،

ص: 59

فلو لم يشرع الإبراء تعذّر العلاج)) وقال الشهيد في حاشية الإرشاد: ((لمسيس الحاجة إليه، فإنه لا غنى عن العلاج وإذا عرف البيطار أو الطبيب أنه لا مخلص له من الضمان توقَّف في العلاج مع الضرورة إليه، فوجب أن يُشرَّع الإبراء لضرورة الحاجة))(1)

بأن يتوقف الأطباء عن المعالجة خشية وقوع التلف أو الوفاة وهو احتمال وارد في كثير من العمليات فينتقض الغرض الذي ذكرناه في النقطة الأولى.

مضافاً إلى مناقشتين أخريين تجعلان الإشكال سالبة بانتفاء الموضوع وهما:-

5- إن المنافي للسلطنة هو الإذن في القتل أو إتلاف الأعضاء الرئيسية وهو ما نمنعه لذا لا يجوز التسبب في وفاة حتى الميت سريرياً، لكن المورد ليس من هذا القبيل، فإن الإذن تعلق بالمعالجة وإجراء العملية الجراحية مع براءة من التلف لو حصل اتفاقاً وأين هذا من ذاك!.

6- الوجوه المتقدمة التي استدللنا بها على عدم ضمان الطبيب أصلاً سواء أخذ البراءة أم لم يأخذها وفاقاً لابن إدريس

ص: 60


1- غاية المراد: 4/449.

(قدس سره) وخلافاً للمشهور.

ومن مجموع البحث عُرف الدليل على ما قلناه في الرسالة(1)

العملية:

مسألة (159): الختّان لا يضمن الضرر الذي يقع على الطفل حتى لو مات إذا كان من أهل الخبرة في المهنة ولم يقصّر في عمله كعدم تحضير اللوازم الكافية أو عدم تشخيص قابلية الطفل للختان - إن كان الأمر موكولاً إليه كالطبيب الجراح دون ما إذا كُلِّف بعملية الختان فقط كالختّان المتعارف-، ولم يتعدَّ كتجاوز الحد المتعارف للقطع، ولم يفرّط بعلمه المسبق بالضرر.

مسألة (160): لو عالج الطبيب المريض مباشرة أو أجرى له عملية جراحية وكان ماهراً في مهنته وبذل وسعه في التشخيص الصحيح والعمل الدقيق لكن اتفق تضرر المريض أو موته فلا ضمان على الطبيب، والأحوط له أن يتبرأ من الضمان قبل العملية والمعالجة.

ص: 61


1- منتخب سبل السلام، المعاملات: 46.

ولو ادعى المريض أو ذوو المتوفى بأن التلف أو الموت قد حصل بسبب تقصير الطبيب فيشكّل القاضي الشرعي لجنة من المختصّين للتحقيق في السبب والنظر في الدعوى.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 62

جدول محتويات الكتاب

الموضوع - ص

التعريف بالكتاب ... 3

مقدمة ... 5

في ضمان الطبيب ... 9

المطلب الأول: ضمان الطبيب وهو القول المشهور عند الإمامية ... 11

مناقشة أدلة المشهور ... 29

المترددون والمخالفون للمشهور ... 42

إيقاظ: الخلاف لا موضوع له: ... 46

المطلب الثاني: إمكان تخلص الطبيب من الضمان بأخذ البراءة عند المشهور ... 48

هل تقيَّد البراءة في حدود سلطنة الإنسان على نفسه ... 57

مسألتان من الرسالة العملية تبينت مبانيهما ... 61

جدول محتويات الكتاب ... 63

ص: 63

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.