دروس من قيادة الإمام الرضا (علیه السلام)

هویة الکتاب

دروس من قيادة الإمام الرضا (علیه السلام)

من خطب ومحاضرات سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

دار الصادقين

للطباعة والنشر والتوزيع

النجف الاشرف / شارع الرسول (صلی الله علیه و آله)

الطبعة الثانية

1440 ه - 2019م

ص: 1

اشارة

دار الصادقين

للطباعة والنشر والتوزيع

النجف الاشرف / شارع الرسول (صلی الله علیه و آله)

الطبعة الثانية

1440 ه - 2019م

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الفصل الأول: الإمام الرضا (علیه السلام) رائد حوار الحضارات

اشارة

ص: 5

ص: 6

(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال-30)

الامام الرضا رائد حوار الحضارات

الامام الرضا رائد حوار الحضارات(1)

دواعي استقدام الرضا (عليه السلام):

كثيرة هي الأسباب والدواعي التي يمكن ان يكون المأمون العباسي قد فكّر فيها حتى اتخذ قرار استقدام الإمام الرضا (علیه السلام) من المدينة المنورة الى مرو(2)

حيث كان يقيم مع جيشه، ونذكر بعض هذه الأسباب باختصار مقدمة لبيان خاطرة إنقدحت في ذهني:

1- إعطاء شرعية لسلطته لان المأمون وسلفه يعترفون بأن المستحق الشرعي لولاية أمر الأمة هم الأئمة المعصومون (علیهم السلام) من ذرية علي وفاطمة (صلوات الله عليهما)، وقالهاهارون العباسي صريحة حينما رأى الإمام الكاظم (علیه السلام) جالساً عند

ص: 7


1- كلمة القاها سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في 13 ذو القعدة 1437 الموافق 2016/8/17 في جمع من أهالي ناحية الشيخ سعد من محافظة واسط.
2- تقع الآن في جمهورية تركمنستان التي كانت خاضعة للاتحاد السوفيتي، فتحها المسلمون في خلافة عثمان، منها خرج أبو مسلم الخراساني (المنجد في الاعلام).

الكعبة: (أنت الذي يبايعك الناس سراً؟ فقال: أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم)(1). فقد أخذوا سلطتهم بالسيف وقهر إرادة الأمة والأساليب الشيطانية فرأى المأمون ان وجود الامام الرضا (علیه السلام) معه في هرم السلطة يضفي الشرعية له.

2- إخماد الثورات المسلحة التي كانت تنفجّر في بلدان إسلامية عديدة رفضاً لسلطة بني العباس الظالمة الجائرة وكان الثوار يكنّون الاحترام والتقديس للأئمة المعصومين (علیهم السلام) وشعار كثير منها الدعوة لمبايعة الرضا من آل محمد (صلی الله علیه و آله) ويعتبرونهم القادة القادرين على تحقيق الإصلاح والعدالة الاجتماعية وإقامة دين الله تعالى، فعندما يكون الإمام الرضا في السلطة فأنه يسلب مبررات هذه الثورات باعتبار تحقق الهدف ظاهراً.

3- بعث رسالة تحذير وتهديد الى بني العباس المقيمين في العاصمة بغداد الذين استاؤوا من مقتل الخليفة الأمين على يد جيش أخيه المأمون في بغداد – وهو عباسي الأبوين – وتولّي أخيه

ص: 8


1- ينابيع المودة، القندوزي، ج3 ص120.

المأمون – أمه فارسية – وتقريبه للفرس – حيث كان رئيس حكومته الفضل بن سهل الفارسي – وإضعاف سطوة العباسيين ونفوذهم ومن يواليهم من العرب فقرّروا خلع المأمون ومبايعة رجل منهم خليفة في بغداد، فأراد المأمون بجعل الامام الرضا (علیه السلام) ولياً للعهد أن يقول لهم إن لم تقبلوا بي خليفة فأن الأمر صائر الى أعدائكم التقليدين وهم آل علي (علیهم السلام)، وكان المأمون يعلم أنه لا يستطيع دخول بغداد عندما قرّر العودة اليها من (مرو) ومعه الإمام الرضا (علیه السلام) فقرّر التخلص منه في الطريق فقتله بالسم في طوس حيث مشهده الشريف.

4- الحط من شأن الأئمة المعصومين (علیهم السلام) ومنزلتهم العظيمة في قلوب الناس فأراد أنيقول للناس ان هؤلاء الأشخاص لم يعارضونا ويخرجوا علينا كالإمام الحسين (علیه السلام) من أجل إحقاق الحق وإقامة دولة العدل وإنما هم طلاب زعامة ودنيا لذلك ما إن عُرضِت على أحدهم ولاية العهد حتى قبلها.

5- وضع الإمام الرضا (علیه السلام) تحت المراقبة المستمرة لمحاصرته وحجبه عن الناس لتحجيم

ص: 9

دوره، أما بقاء الامام (علیه السلام) في المدينة فأنه يتيح له فضاءاً من الحركة واللقاء بالناس من مختلف البلدان الإسلامية الذين يأتون لأداء الحج والعمرة وهذا كله يؤدي الى المزيد من التعريف به و بآبائه الكرام وتوسيع قاعدته.

هذه الأسباب وربما توجد غيرها مما لم استحضرها جالت في ذهن المأمون، وهي ليست خافية عن الامام الرضا (علیه السلام) ولذا كان موقفه الإصرار على رفض العرض الحكومي، والمأمون يعلم ان الامام (علیه السلام) سيرفض لأنه يترفع عن الدنيا وأهلها وتضيق نفسه بالحضورفي مجالسهم فأرسل مع مبعوثه جيشاً ضخماً لجلب الامام (علیه السلام) كرهاً، وقد تحدثت الروايات عن العاطفة الجياشة والبكاء والالم الذي ملأ الامام (علیه السلام) وهو يودّع قبر جده رسول الله (صلی الله علیه و آله) وجدته فاطمة ÷ والأئمة الطاهرين (علیهم السلام) في البقيع ثم الكعبة المشرّفة في مكة ومعه ولده الامام الجواد (علیه السلام) وهو في السادسة من عمره ويسأله عن سبب هذه اللوعة والحزن فيخبره انه فراق لا يعقبه لقاء وأمر أهله وذويه بإقامة المآتم لفراقه للإشعار بالمصير الذي

ص: 10

سيلاقيه وغادر الامام (علیه السلام) الى مرو مع جيش الظلمة.

لماذا وافق الإمام الرضا (علیه السلام)؟

والسؤال الآن: إذا كان الامام (علیه السلام) يعلم بمكر المأمون وخدعه والاهداف الخبيثة من استقدام الامام (علیه السلام) وعرض ولاية العهد عليه فلماذا وافق؟

والجواب الذي تذكره المصادر ان الامام (علیه السلام) أكره على ذلك وهو جواب صحيح وهذاالموقف الرافض لولاية الجائر من المسلّمات في مدرسة اهل البيت (علیه السلام) وقد أبلغه الإمام للأمة من خلال الفعاليات العاطفية التي ذكرناها آنفاً ومن خلال التصريحات التي ذكرها لبعض المعترضين على موقفه((1) وقد ردّ الامام (علیه السلام) بشدة عرض المأمون الخلافة عليه ثم ولاية العهد حتى هدّده بالقتل، والامام (علیه السلام) لا يخشى الموت وإنما يعمل بما يأمره الله تعالى من المحافظة على الحياة او الاقدام على الشهادة.

ص: 11


1- راجعها في وسائل الشيعة: 12/145 كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ، باب 48، وراجع التفاصيل في كتاب (فقه المشاركة في السلطة).

التصدي المباشر من الإمام (علیه السلام) لحفظ أحقية الإسلام:

وهنا حضرتني خاطرة نستفيد منها درساً عملياً حاصلها: أن الدولة الإسلامية بلغت في عهد هارون وابنه المأمون سعة ونفوذاً وقوة هيمنت بها على أغلب أجزاء العالم المعروفيومئذٍ من حدود الصين شرقاً الى اسبانيا غرباً وأصبحت مقصداً لكل الشعوب والأمم الموجودة وشهدت مدنها حراكاً علمياً وفكرياً وعقائدياً قوياً مدعوماً ببذل سخي من الدولة، وانفتح المسلمون على كل الحضارات المعروفة وتوافد علماؤهم على العاصمة وكان هؤلاء يتحدثون بعقائدهم وتشكيكهم في أصول الإسلام بكل حرية وعزّزتها حركة الترجمة الواسعة لكتب الاغريق والرومان والاقباط والصينيين والهنود والفرس وغيرهم ولم يكن المجتمع المسلم محصناً ليقدر على مواجهتها فاضطربت عقيدة كثيرين واصبح الالحاد علناً والسلطة غير مكترثة بذلك بل تؤيده كما هو ديدن الطواغيت لان انتشار الثقافة

ص: 12

الإسلامية الواعية الصادقة ومبادئ الدين الحق يهدّد سلطانهم الجائر.

ولما كان الامام (علیه السلام) احرص الناس على حفظ عقائد المسلمين وتقويم سلوكهم ومعالجة الانحراف في المجتمع رأى ان منالضروري ان يكون في قلب الحدث وان يدير الحوار الحضاري بنفسه مع علماء الأديان والطوائف والحضارات الأخرى والتي كانت تجري في

ص: 13

عاصمة الدولة الإسلامية ولم يكن علماء العامة المتواجدون في البلاط العباسي بالمستوى الذي يؤهلهم لإدارة الحوار بل كانوا من المتزلفين للسلطة اما العلماء الصادقون المخلصون فقد كانوا في زوايا الإهمال او مصيرهم القتل والسجن والتشريد، ولذلك حوَّل الامام (علیه السلام) ببركة التخطيط الإلهي الفعل الظالم العدواني الى عمل إيجابي مبارك يحصّن عقائد الامة ويهديها ويصلح حالها، ورأى (علیه السلام) ان وجوده في المدينة بعيدا عن هذا الغزو الثقافي والاخلاقي والعقائدي يضعف شوكة المسلمين ويذهب عزتهم وكرامتهم ويفقدهم دينهم، وان التواجد في عاصمة الدولة مهم ومثمر من دون ان يحقق للظالم أهدافه حيث افشلها الامام (علیه السلام) برفض ولاية العهد بشدةوحينما قبلها كان القبول مشروطاً بان لا يأمر ولا ينهى ولا ينصب ولا يعزل ولا يلي شيئا من أمور السلطة ليثبت عمليا انه ليس جزءا منها فالإمام (علیه السلام) ثبَّت أولا هذه الحقيقة في ذهن الامة ثم انطلق لإداء رسالته، ومن يراجع كتابي (عيون اخبار الرضا) و(الاحتجاج) وغيرها يجد الكم الهائل من المناظرات والحوارات التي اجراها الامام الرضا (علیه السلام) مع علماء اليهود والانصار والمجوس والزرادشت والصائبة والملحدين ومختلف الأيدولوجيات وتفوق الامام (علیه السلام) عليهم وافحامهم، وبذلك أسس الامام (علیه السلام) لحوار حضارات واسع النطاق ومبني على أسس علمية رصينة قبل ان يدعو الغرب اليه اليوم بعد اكثر من الف عام ويسميه احياناً (صراع الحضارات ) لان منهجه وتفكيره يفترض سلفاً المغالبة والنزاع والتسلط، لا الحوار والاقناع والتعايش بسلام.

ص: 14

فالمأمون العباسي فكّر بأمور ففشل فيها والامام الرضا (علیه السلام) أراد غيرها فحققها بفضلالله تعالى مصداقاً لقوله تعالى (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال/30) مما اوغر قلب المأمون وزاد من حقده ولم يجد بداّ من استعمال سلاح العاجزين الفاشلين وهو القتل والتصفية الجسدية ليزيح الامام الرضا (علیه السلام) عن مسرح الحياة .

وهذا الدور من الامام الرضا (علیه السلام) يشابه ما قام به جده امير المؤمنين (علیه السلام) في التصدي لتشكيكات علماء اليهود ومن ورائهم بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله) مستغلين اقصاء القيادة الحقّة ونقصان تربية اغلبية المسلمين علميا واخلاقيا مما دعا الخلافة المتقمصة الى طلب النجدة من امير المؤمنين (علیه السلام) في كل ازمة تمر بها، وقد فصلنا الكلام فيها في كتاب (دور الائمة في الحياة الإسلامية).

الدرس العملي:

والدرس العملي الذي نستفيده من هذه القراءة لحركة الامام الرضا (علیه السلام) ان نكون حاضرين في

ص: 15

ساحات الحوار والمواجهة معكل الاتجاهات الفكرية المطروحة سواء على صعيد الكتب والمجلات والصحف او على مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الانترنت او الفضائيات والقنوات المرئية والمسموعة والمؤتمرات والندوات وسائر الفعاليات، وان لا نغيب عنها وان نقصدها ونذهب اليها ولا ننتظر دعوة المشاركة فيها ولم يعد كافيا ان نمنع تداول كتاب ما ونحو ذلك، فقد غزونا في عقر دارنا بألقاء الشبهات والشكوك والضلالات الموجهة للإسلام والقران الكريم والى نبي الإسلام محمد (صلی الله علیه و آله) والائمة الطاهرين (علیهم السلام) بل اصل الاعتقاد بالله تعالى .

فهل نقابلهم بالإهمال والتقصير والاستمرار في الجهل، ام بالتعب في تحصيل العلوم والمعارف المطلوبة ثم مواجهتهم بالحجج الدامغة والأدلة القويمة بأذن الله تعالى (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) (الأنعام /149) .إنَّ مسؤوليتنا اليوم أكبر من أي زمان مضى وهذه ضريبة الاستعداد لاستقبال اليوم الموعود بقدر ضخامة التحدي.

ص: 16

الفصل الثاني: من حياة الإمام الرضا (علیه السلام) ومواقفه

اشارة

ص: 17

ص: 18

التحديات التي واجهها الإمام الرضا (علیه السلام)

التحديات التي واجهها الإمام الرضا (علیه السلام)(1)

التحديات المختلفة:

لقد واجهت الإمام الرضا (علیه السلام) مجموعة معقدة من التحديات وبمختلف الاتجاهات، أحدها باتجاه السلطة التي بلغت ذروة النفوذ والاتساع في الإمكانات البشرية والمادية والعسكرية في عصري هارون والمأمون العباسيين وكانت ترى في الأئمة (علیهم السلام) الضد النوعي والبديل المعارض فتراقبه وتحاصره وتحسب عليه أنفاسه.

والتحدي الآخر كان الانفتاح الفكري والعلمي على الحضارات الأخرى كالإغريقوالرومان والصين والهند والفرس حيث اتسعت حركة الترجمة وتبادل الإرث العلمي وسادت روح الإعجاب بتلك الحضارات ونقل آثارها وتجاربها وكثير منها مناقض للدين ويطرح نظريات تعارض عقيدة الإيمان وتدعو إلى الإلحاد والكفر بالرسالات السماوية وكان لها مروّجون ودعاة،

ص: 19


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) يوم السبت 23/ذ.ق/1432ه المصادف 2011/10/22.

فوقف الإمام (علیه السلام) لهم بالمرصاد وناظرهم وأبطل نظرياتهم، وقد حفل كتاب الاحتجاج للطبرسي بجملة من تلك المناظرات، التي كانت مظهراً من مظاهر (صراع الحضارات) الذي يتبنونه اليوم.

انهيار القيم الأخلاقية في زمن الإمام الرضا (عليه السلام):

والتحدي الثالث هو انهيار القيم الأخلاقية وانتشار الفساد والخلاعة والمجون ومجالس اللهو والطرب وكانوا يتقربون إلى السلطة بالجواري والمغنين والغلمان ليحظوا بالجوائز والامتيازات ولسعة هذه الحالة في ذلكالعصر، ألّف أحدهم كتاباً من عدة مجلدات اسمه (عصر المأمون) يتناول جوانب الحياة في ذلك العصر.

الانشقاقات الداخلية:

مضافاً إلى ذلك فقد واجهته (علیه السلام) مشاكل وتحديات داخل الكيان الشريف أي من داخل أتباع مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) وأحدها الانشقاق الداخلي الذي تحوّل إلى فرقة اسمها (الواقفة) اقتطعت جزءاً مهماً من علماء المدرسة ورواتها وقواعدها، وأضيفت إلى قائمة الفرق المنشقة

ص: 20

(الزيدية) التي قالت بإمامة زيد بن علي السجاد (علیه السلام) دون الإمام الصادق (علیه السلام)، و(الفطحية) الذين قالوا بإمامة عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق (علیه السلام) دون أخيه موسى بن جعفر (علیه السلام)، وكانت الواقفة تقول بعدم وفاة الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) وبالتالي فإن علي بن موسى ليس إماماً ولا نسلّم ودائع أبيه الضخمة إليه ولا نرجع إليه في الأحكام والمواقف العامة.

تحدي التشكيك بإمامته:

ومن التحديات الداخلية التشكيك بالإمام (علیه السلام) وقراراته فجعلوا من أنفسهم قيمين على الإمام ولا يطيعونه إلا عندما يتبع إرادتهم ويأخذ بمواقفهم، كالذي حصل عند وقوع الصراع بين الأمين والمأمون على السلطة، واستطاع المأمون خداع جملة من الشيعة لينضموا إليه من دون الرجوع إلى الإمام (علیه السلام) من باب دفع الأفسد بالفاسد، أو أن المصلحة تقتضي ذلك فجعلوا من أنفسهم وقوداً لهذه الحرب الشيطانية بحماقتهم وغرورهم، ولما انتصر المأمون جازى الشيعة بكل بطش وقسوة وقتل إمامهم وإمام الخلق أجمعين الرضا (علیه السلام).

ص: 21

هذا كله والإمام لا يستطيع أن يقول كل ما عنده وإنما يكتفي بالإشارات والتوجيهات العامة لأن السلطات تتربص به الدوائر وتكيد له، وهو لا يبخل بنفسه على الله تبارك وتعالى لكنه صاحب رسالة ومشروع إلهي، ولا بد منالبقاء للمضي فيه ولم ينتهي دوره حتى يقدم على الشهادة التي أقدم عليها بكل طمأنينة حينما حلّ وقت البديل.

وشككوا بصحة إمامته من جهة عدم وجود ولد له، ولابد للإمام أن يكون له خلف من أهله، وقد تأخرت ولادة الإمام الجواد (علیه السلام) إلى سنة 195ه والإمام الرضا (علیه السلام) في السابعة والأربعين من العمر، ثم اتهموه بصحة انتساب ولده الجواد (علیه السلام) وطلبوا التحاكم إلى القافة –من القيافة وهي فراسة إحراز التشابه بين شخصين لإلحاقه به وكانوا في الجاهلية يعتمدونها لإثبات الأنساب، وإذا علمنا أن الإمام الكاظم (علیه السلام) استشهد سنة 183 فهذا يعني أن الإمام الرضا قضى (12) سنة من إمامته بهذه التشكيكات حتى ولد ابنه الجواد (علیه السلام).

كي نعيش بمسؤولية:

تعرضنا على نحو الاختصار لهذه المحطات من

ص: 22

حياة الإمام الرضا (علیه السلام) لنعيش معه همومهوآلامه ومسؤولياته بمقدار فهمنا وإدراكنا، ولنعلم أن هذه الأحداث ليست تاريخاً يقرأ على المنابر لاستدرار العواطف وإنما هي دروس نستفيد منها في حياتنا الحاضرة.

فكم من اتباع أهل البيت ((علیهم السلام)) وقفوا إلى جانب الاحتلال الأمريكي والغربي عام 2003 بحجة دفع الأفسد وهو صدام – بالفاسد ولا أدري ما الذي جعلهم يعتقدون ذلك؟

وكم من أتباع أهل البيت (علیهم السلام) وضعوا أيديهم بأيدي الإرهابيين القتلة بعنوان مقاومة المحتل ونحوه فنشروا الخراب والدمار وأهلكوا الحرث والنسل ونخروا كيان الدولة وضاع الشعب وثرواته ومؤسساته بين هذا وذاك.

أما التشكيك بالمرجعية والقيادة فمستمر. لماذا لم تفعل كذا، ولماذا فعلت كذا؟ وهل تعلم بكذا أو لا تعلم وكأنهم هم القيمون عليها وأن المرجعية أُمرت بطاعتهم لا العكس.

ونتيجة هذا التشكيك التقاعس والتخاذلوالتنازع والتمرد وهي أسباب لانهيار الكيان

ص: 23

واضمحلاله «وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (الأنفال:46) والأمة هي التي تدفع ثمن هذه النتائج كما تشهد به وقائع التاريخ.

ص: 24

الإمام الرضا (علیه السلام) في مواجهة الانشقاق الداخلي

الإمام الرضا (علیه السلام) في مواجهة الانشقاق الداخلي(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

فتنة الواقفة:

في ذكرى الإمام أبي الحسن الرضا (علیه السلام) نشير إلى صفحة من سفر حياته المباركة آلمت قلبه الشريف واستنزفت الكثير من وقته وجهده الثمينين، وهي الفتنة التي قادها جملة من رموز أصحاب أبيه الإمام الكاظم (علیه السلام) المؤثرين في اتباع أهل البيت (علیهم السلام) مما أدى إلى انشقاق داخل الكيان الشريف ونشوء فرقة ضمت عدداً كبيراً من حملة علم أهل البيت (علیهم السلام) عبر أكثر من جيل سُمّوا بالواقفة، لالسبب إلا الطمع في الدنيا وحطامها الزائل وعناوينها الزائفة وجاهها الخادع.

روي عن يونس بن عبد الرحمن –وهو من

ص: 25


1- كلمة ألقاها سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي(دام ظله) ضمن بحثه الشريف يوم 11/ذق/1432 المصادف 2011/10/10 في ذكرى ميلاد الإمام الرضا (علیه السلام).

كبار أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (علیهما السلام) والفقهاء الأجلاء –قال: (مات أبو الحسن (علیه السلام) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار)(1).

قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في الكلام عن الواقفة (أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرؤاسي، طمعوا في الدنيا، ومالوا إلى حطامها واستمالوا قوماً فبذلوا لهمشيئاً مما اختانوه من الأموال) وممن بذلوا له يونس بن عبد الرحمن حيث أطمعوه بمبلغ ضخم جداً وهو عشرة آلاف دينار إلا أنه رفض مفارقة الإمام الحق.

وكان الإمام الكاظم (علیه السلام) يقرأ في سلوك ابن أبي حمزة حبّه للدنيا، وتزلفه إلى الإمام (علیه السلام)

ص: 26


1- الروايات المذكورة كلها أوردها الكشي في رجاله والشيخ الطوسي (قدس سره) وغيرهما، وقد جمعها من مصادرها السيد الخوئي (قدس سره) في معجم رجال الحديث: ج11 ص229-241.

ليكون له جاه يخدع به الناس، فقد كان يلازم أبا بصير –وهو من كبار أصحاب الإمامين الباقر والصادق وأدرك إمامة الكاظم (علیهم السلام) – ويقوده لأنه كان كفيف البصر، وينقل عنه علوم أهل البيت (علیهم السلام) لذا أخذ عن البطائني كبار الأصحاب لأنهم يجدون عنده ما لا يجدون عند غيره لطول ملازمته، لكن الإمام الكاظم (علیه السلام) كان يشبهه منذ ذلك الوقت المبكر بأنّه كالحمار مطبقاً عليه قوله تعالى في سورة الجمعة «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً» (الجمعة:5) إشارة إلى أن ابن أبي حمزة يحمل علماً جماً إلا أنه لم يستفد منه، ووقعفيما وقع فيه.

روى أبو داود المسترق قال: (كنت أنا وعيينة بياع القصب عند علي بن أبي حمزة، فسمعته يقول: قال لي أبو الحسن موسى (علیه السلام) إنما أنت يا علي وأصحابك أشباه الحمير، قال: فقال عيينة أسمعت؟ قال: قلت أي والله قال: فقال: لقد سمعت والله لا أنقل قدمي إليه ما حييت) أي أن ابن أبي حمزة لا ينقل قدمه ولا يذهب إلى الإمام الرضا (علیه السلام) ما دام حياً رغم أنه بنفسه يروي ما قاله الإمام

ص: 27

الكاظم (علیه السلام).

تألم الإمام الرضا (علیه السلام) لانحراف اتباعه:

وكان الإمام الرضا (علیه السلام) لا يتوقف عن إظهار ألمه لحصول هذا الانحراف لدى أتباعه والتنديد به وبأهله، فعن محمد بن سنان قال (ذكر علي بن أبي حمزة عند الرضا (علیه السلام) فلعنه ثم قال: إن علي بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد الله في سمائه وأرضه فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ولو كره اللعينالمشرك، قلت المشرك؟ قال نعم والله وإن رغم انفه كذلك هو في كتاب الله يريدون أن يطفئوا نور الله وقد جرت فيه وفي أمثاله أنه أراد أن يطفئوا نور الله..).

وعن يونس بن عبد الرحمن قال: (دخلت على الرضا (علیه السلام) فقال لي: مات علي بن أبي حمزة؟ قلت نعم، قال: قد دخل النار! قال: ففزعت من ذلك! قال: أما انه سئل عن الإمام بعد موسى أبي فقال: لا أعرف إماماً بعده!! فقيل لا؟! فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره ناراً).

لكن الإمام (علیه السلام) كان يستغرب في نفس الوقت من الذين انخدعوا بهذه الدعوة الفاسدة أو

ص: 28

أصابهم التشكيك والتردد مع وضوح ضلالها وكذب ادعاءاته، روى محمد بن الفضيل عن الإمام الرضا (علیه السلام) قال: (سمعته يقول في ابن أبي حمزة: أما استبان لكم كذبه؟ أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن موسى وهوصاحب السفياني؟.

وقال: إن أبا الحسن –يعني أباه الكاظم (علیه السلام) يعود إلى ثمانية أشهر؟!!) ولم يحصل شيء من ذلك، بينما كان الإمام (علیه السلام) يقيم لهم البينات ويخبرهم بالمغيبات التي يثبت صدقها كإخباره بأن هارون العباسي لا يمسُّه سوء.

لكي لا تستفزنا الحركات الانفعالية أو الوصولية:

وكان (علیه السلام) يصبّر شيعته ويقوي عزيمتهم ليثبتوا على الصراط المستقيم، وأن لا تستفزهم تلك الحركات وأن يقابلوها بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار المبني على الدليل، روى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا قال: (قلت: جعلت فداك إني خلفت ابن أبي حمزة وابن مهران وابن أبي سعيد اشد أهل الدنيا عداوة لك!!

ص: 29

فقال لي: ما ضرك من ضل إذا اهتديت إنهم كذبوا رسول الله (صلی الله علیه و آله) وكذّبوا أمير المؤمنين (علیه السلام) وكذبوا فلاناً وفلاناً وكذبوا جعفراً وموسى (علیهما السلام)، ولي بآبائي (علیهم السلام) أسوة قلت جعلت فداك إنا نروي أنكقلت لابن مهران: اذهب الله نور قلبك وادخل الفقر بيتك؟ فقال: كيف حاله وحال بنيه؟ فقلت: يا سيدي أشد حال، هم مكروبون ببغداد لم يقدر الحسين أن يخرج إلى العمرة فسكت) وإنما سكت لأنّه (علیه السلام) لم يكن يحب أن يراهم بهذا الحال.

لا نجزع لقلة الناس حولنا:

وقال (علیه السلام) (إنه لما قبض رسول الله (صلی الله علیه و آله) جهد الناس في إطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين (علیه السلام) فلما توفي أبو الحسن (علیه السلام) جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره. وإن أهل الحق إذا دخل فيهم داخل سروا به وإذا خرج منهم خارج لم يجزعوا عليه وذلك أنهم على يقين من أمرهم وإن أهل

ص: 30

الباطل إذا دخل فيهم داخل سروا به(1) وإذا خرج منهمخارج جزعوا عليه وذلك أنهم على شك من أمرهم إن الله جل جلاله يقول: (فمستقر ومستودع) قال: ثم قال أبو عبد الله (علیه السلام): المستقر الثابت والمستودع المعار)(2).

محاورة الإمام (علیه السلام) لهم واقامة الحجة عليهم:

وبقي الإمام (علیه السلام) يحاور أولئك المنحرفين ويقيم عليهم الحجج الدامغة انطلاقاً من مسؤوليته في هداية الخلق جميعاً والأخذ بأيديهم إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة، خصوصاً إذا كانوا من داخل الكيان الموالي لأهل البيت (علیهم السلام) لأن الخطر عندما ينطلق من الداخل يكون أشد فتكاً في بناء الأمة وقد نجح (علیه السلام) في إرجاع كثيرين إلى جادة الصواب.

ص: 31


1- فرّق سماحته بين سرور أهل الحق وأهل الباطل في الغرض، فإن الأول نابع من حبهم الخير والهداية لكل الخلق، أما الثاني فلاغترارهم بكثرتهم وشكهم في أمرهم فيجعلون التحاق الغير بهم دليلاً على سلامة موقفهم.
2- تفسير العياشي: ج1 ص373.

روى أحد أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قال: كنت عند الرضا (علیه السلام) فدخل عليه علي بن أبيحمزة، وابن السرّاج، وابن المكارى، فقال له ابن أبي حمزة: ما فعل أبوك؟ قال: مضى، قال: مضى موتاً؟ قال: نعم، قال: إلى من عهد؟ فقال: إلىّ، قال: فأنت إمام مفترض الطاعة من اللّه؟ قال: نعم، قال ابن السراج وابن المكارى: قد واللّه أمكنك من نفسه، قال: ويلك وبما أمكنت، أتريد أن آتي بغداد وأقول لهارون أنا إمام مفترض الطاعة، واللّه ما ذلك عليّ وإنّما قلت ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم وتشتّت أمركم لئلاّ يصير سرّكم في يد عدوّكم، قال له ابن أبي حمزة: لقد أظهرت شيئاً ما كان يظهره أحد من آبائك ولا يتكلّم به، قال: بلى لقد تكلّم خير آبائي رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) لمّا أمره اللّه تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين، جمع من أهل بيته أربعين رجلاً وقال لهم: أنا رسول اللّه إليكم، فكان أشدّهم تكذيباً له وتأليباً عليه عمّه أبو لهب، فقال لهم النبيّ (صلی الله علیه و آله): إن خدشني خدش فلست بنبي، فهذا أوّل ما أبدعلكم من آية النبوة، وأنا أقول: إن خدشني هارون خدشاً فلست بإمام

ص: 32

فهذا أوّل ما أبدع لكم من آية الإمامة، فقال له على: إنّا روينا عن آبائك أنّ الإمام لا يلي أمره إلاّ أمام مثله، فقال له أبو الحسن(علیه السلام): فأخبرني عن الحسين بن علي (علیهما السلام)، كان إماماً أو كان غير إمام؟ قال: كان إماماً، قال: فمن ولي أمره؟ قال: علي بن الحسين، قال: وأين كان علي بن الحسين (علیه السلام)؟ قال: كان محبوساً في يد عبيد اللّه بن زياد في الكوفة، قال: خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى وليّ أمر أبيه ثم انصرف، فقال له أبو الحسن (علیه السلام): إنّ هذا الذي أمكن علي بن الحسين (علیه السلام) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو أمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثم ينصرف، وليس في حبس ولا في إساءة، قال له على: إنّا روينا أنّ الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه(1)، قال: فقال أبوالحسن (علیه السلام): أما رويتم في هذا الحديث غير هذا؟ قال: لا، قال: بلى واللّه لقد رويتم إلاّ القائم وأنتم لا تدرون ما معناه ولم قيل، قال له على: بلى واللّه

ص: 33


1- ولد الإمام الجواد (علیه السلام) لأبيه الرضا (علیه السلام) بعد أن تجاوز السادسة والأربعين من عمره الشريف مما وفّر فرصة لأصحاب الفتن ليثيروا هذه الإشكالات.

إنّ هذا لفي الحديث، قال له أبو الحسن (علیه السلام): ويلك كيف اجترأت على شي ء تدع بعضه، ثم قال: يا شيخ اتّق اللّه ولا تكن من الصّادين عن دين اللّه تعالى)(1).

وروى الشيخ الصدوق (قدس سره) بسنده عن أبي مسروق قال: (دخل على الرضا (علیه السلام) جماعة من الواقفة فيهم علي بن أبي حمزة البطائني، ومحمد بن إسحاق بن عمّار، والحسين بن مهران، والحسن بن أبي سعيد المكارى، فقال له علي بن أبي حمزة جعلت فداك أخبرنا عن أبيك (علیه السلام) ما حاله، فقال له: إنه قد مضى، فقال له: فإلى من عهد؟ فقال إلىّ: فقال له: إنّك لتقول قولاً ما قاله أحد من آبائك علي بن أبي طالب (علیه السلام) فمن دونه، قال: لكن قدقاله خير آبائي وأفضلهم رسول اللّه (صلی الله علیه و آله)، فقال له: أما تخاف هؤلاء على نفسك؟ فقال: لو خفت عليها كنت عليها معيناً(2)، إنّ رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) أتاه أبو لهب فتهدّده، فقال له رسول اللّه (صلی الله علیه و آله): إن

ص: 34


1- معجم رجال الحديث: ج12 ص240.
2- شرح سماحته وجهاً لهذه الفقرة في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

خدشت من قبلك خدشة فأنا كذّاب، فكانت أوّل آية أنزع نزع بها رسول اللّه (صلی الله علیه و آله)، وهي أوّل آية لكم إن خدشت خدشة من قبل هارون فأنا كذّاب، فقال له الحسن بن مهران: قد أتانا ما نطلب أن أظهرت هذا القول، قال: فتريد ماذا؟ أتريد أن أذهب إلى هارون فأقول له: إنّي إمام وأنت لست في شي ء، ليس هكذا صنع رسول اللّه (صلی الله علیه و آله) في أوّل أمره، إنّما قال ذلك لأهله ومواليه ومن يثق به، فقد خصّهم به دون الناس، وأنتم تعتقدون الإمامة لمن كان قبلي من آبائي، ولا تقولون إنه أنّما يمنع علي بن موسى أن يخبر أنّ أباه حيّ تقية، فإنّي لاأتقيكم في أن أقول: إنّي إمام فكيف أتقيكم في أن أدعي أنه حيّ لو كان حيّاً)(1).

الابتلاء مستمر:

هذا ما حصل في زمان الإمام الرضا (علیه السلام) بعد رحيل سلفه الإمام الكاظم (علیه السلام) وحصل مع أجداده من قبل، وفي كل زمان، ما دامت النفوس الأمّارة بالسوء المحبة للدنيا الزائلة الزائفة

ص: 35


1- معجم رجال الحديث: ج12 ص241.

والطموحة إلى تقمّص هذه المواقع المقدسة «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ» (آل عمران:144).

وقد قلنا في كلمة سابقة إن الله تعالى عندما يخاطب النبي (صلی الله علیه و آله) بوصفه رسولاً –كقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ- فإنها ليست خاصة بشخصه الشريف وإنما هي سنة إلهية ترتبط بموقعه المبارك.

ص: 36

الإمام الرضا (علیه السلام) يؤسس للظهور العلني للشعائر الحسينية

الإمام الرضا (علیه السلام) يؤسس للظهور العلني للشعائر الحسينية (1)

دور الإمام الرضا (علیه السلام) في احياء الشعائر الحسينية:

تصادف اليوم السابع عشر من صفر ذكرى استشهاد الإمام الرضا (علیه السلام) وقلّما يحتفل بشهادته؛ لاندماج ذكراه في المشاركة الواسعة في الزيارة الأربعينية والسير على الأقدام إلى كربلاء المقدسة، وصحيحٌ إنَ الأئمة (علیهم السلام) ذوبوا قضاياهم في القضية الحسينية الكبرى التي حفظت الإسلام وخلدت مبادئه كما قال الشاعر:

أنست رزيتُكم رزايانا التي *** سلفت وهونت الرزايا الآتية

ولكن هذا لا يعفينا من مسؤولية إحياءذكرى الإمام الرضا(علیه السلام) في هذهِ الأجواء الحسينية، ونشير هنا إلى واحدة من بركات الإمام الرضا (علیه السلام) على هذهِ الأمة فقد كان أول من عقد المآتم الحسينية

ص: 37


1- من حديث سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (مُدَ ظله) مع حشد كبير من الزوار القاصدين كربلاء المقدسة سيراً على الأقدام من مختلف المحافظات الجنوبية يوم السبت 17/صفر/1432ه المصادف 2011/1/22م.

علناً وبمشاركة جماهيرية واسعة، حيث أستثمر الفرصة التي أُتيحت له حينما حاول المأمون العباسي كسب ود العلويين وتقريب الإمام الرضا (علیه السلام) وفرض ولاية العهد عليه لأهداف أراد العباسي تحقيقها لم تكن لتخفى على الإمام الرضا (علیه السلام) فرفض الولاية، ولما أكرهه عليها أشترط عليه أن لا يمارس شيئاً من صلاحيات السلطة، وأفشل بذلك مخططات المأمون، لعلم الإمام (علیه السلام) أن القضية شكلية، والظروف غير مهيأة للقيام برسالة الإصلاح، لكنه (علیه السلام) مع ذلك استثمر تلك الفرصة في عدة قضايا، منها إحياء الشعائر الحسينية بشكل علني حيث كان يعقد المآتم الجماهيرية ويطلب من دعبل الخزاعي إنشاء تائيته المشهورة وكان دعبل يجوبُ بها الأسواق والساحات العامةوينشر فضائل ومظلومية أهل البيت (علیهم السلام) وغصب حقهم، أما قبل الإمام الرضا (علیه السلام) فقد كان الأئمة (علیهم السلام) يعقدون المآتم الخاصة في بيوت لهم ولأهل بيتهم وخواص أصحابهم، كما هو واضح في سيرة الإمام الصادق (علیه السلام) والإمام الرضا (علیه السلام) نفسه قبل توفر هذهِ الفرصة.

ص: 38

دور العلماء في تأصيل تعاليم أهل البيت(علیهم السلام):

وهكذا كان علماء الشيعة ومراجعهم (قدس الله أرواحهم) يستثمرون كل انفراج سياسي وانحسار في بطش السلطة ليوسعوا من مساحة هذه الشعائر وتفعيلها في أوساط الأمة، وخصوصاً في الفترات التي شهدت نشوء حكومات ترفع لواء التشيع وتدعم الحركة الشيعية لأمور خاصة بتلك السلطات ولا علاقة لها برسالة أهل البيت (علیهم السلام) ونوابهم كفترة حكم البويهيين في بغداد.

وقد شهدت هذه الفترة عصراً ذهبياً للحوزة العلمية وأنجبت أفذاذاً شغلوا ركيزة أساسيةفي تأصيل تعاليم أهل البيت (علیهم السلام) في العقيدة والفقه والأخلاق والتفسير وسائر العلوم، وقاد هذه الحركة على مدى مئة عام ابن قولويه صاحب كامل الزيارات والشيخ الصدوق ومن ثم الشيخ المفيد وبعده السيد المرتضى ثم الشيخ الطوسي (قدس الله أرواحهم جميعاً)، وفي هذا العصر أصبح يوم عاشوراء عطلة رسمية تعطل فيها الأسواق وتنتشر مظاهر الحزن، وشَهدَ أول ظهور

ص: 39

للمواكب السيارة التي ترثي أبا عبد الله وصحبه الكرام وتبرز مظلوميتهم وأهداف حركته المباركة.

وهكذا كان التقدم والتوسع يتحقق في كل فرصة تحصل سواء في أيام الدولة الفاطمية في مصر أو الدول الحمدانية في الشام أو غيرها حتى العصر الحديث.

اعطوا أكبر زخم للشعائر شكلاً ومضموناً:

ونحن –أيها الأحبة من زوار أبي عبد الله (علیه السلام)- نعيش اليوم أوسع فرصة لممارسة هذا الدور فلنبذل قصارى جهودنا في إعطاء أكبرزخم ممكن للشعائر الحسينية شكلاً ومضموناً.

أما شكلاً فمن خلال هذهِ المشاركة الواسعة من قبل الملايين سواء ممن شاركوا في مواكب السير على الأقدام من أقصى الأماكن وقطعوا مئات الكيلومترات في هذا البرد القارص والأمطار الغزيرة، ومعهم من قاموا بخدمة هؤلاء الزوار ووفروا لهم الطعام والمأوى وكل أسباب الراحة لمواصلة المسير، والذين انشغلوا بتوفير الخدمات الصحية والماء والحماية وكل الأمور الضرورية

ص: 40

الأخرى، ونشهد في كل عام ازدياداً ملحوظاً للمتتبع من خلال عزاء طويريج والمسيرة المليونية لزيارة الأربعين والمآتم الحسينية العامرة بآلاف الحضور والتي تنقلها الفضائيات مباشرة أحياناً.

وأما مضموناً فمن خلال تجسيد مبادئ الثورة الحسينية وتحقيق أهدافها، فإن نداءالإمام الحسين (علیه السلام) (هل من ناصر)(1) لا زالَ يتردد في أرجاء الأرض، وهو لا يطلب أنصاراً بالسيف ونحوه لأن القضاء الإلهي جرى باستشهاده وأهل بيته (علیهم السلام) وإنما يطلب أنصاراً يعينونه على إنجاز مشروعه وإكمال رسالته في إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف في وجه أئمة الضلال وسلاطين الجور وتحرير الناس من اسر الطواغيت وشياطين الأنس والجن.

وها هي الشعوب المسلمة تتحرك في تونس وغيرها متأثرين بالإنجازات التي حققها الشعب العراقي بفضل الله تبارك وتعالى وأستنقذَ جزءاً كبيراً من حريته وكرامته، وهذا هو الواقع وأن لم

ص: 41


1- أنظر موسوعة كلمات الإمام الحسين (علیه السلام): ص610.

تصرح تلك الشعوب بذلك لكن التأثر واضح وسيعم كل الشعوب الحرة الأبية.

الالتفات الى المضامين الرسالية في الشعائر:

أيها الأحبة نريدكم أن تُدخلوا السرورَ على قلب نبيكم (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) والزهراء والحسن والحسين وإمامكم المهدي الموعود (صلوات الله عليهم أجمعين) بالالتفات إلى المضامين الرسالية لهذه الشعائر وأولها المحافظة على الصلوات المفروضة في أوقاتها فإذا حان وقت الصلاة وقال المؤذن (حي على الصلاة) قولوا (لبيك ربنا) وأوقفوا كل حركةٍ واصطفوا للصلاة في أي موضع كنتم فيه وادعوا ربكم لكل خير ولكل حاجة وستحظون بالإجابة إن شاء الله فإن فعلتم ذلك فإن الأخوة الآخرين سيتأسونَ بكم، ولا تؤخروا الصلاة لأي مبرر كالوصول إلى موضع الاستراحة ونحوها، فإن الإمام الحسين (علیه السلام)أقامَ الصلاة جماعة في وقتها ظهر يوم عاشوراء والأعداء قد أحاطوه به وأمطروه بنبالهم.

والتزموا أيها الأحبة بكل فضيلة أخلاقيةوالتزموا بأداء الواجبات واجتنبوا المحرمات.

ص: 42

فعليكم-أيها الشباب- ببر الوالدين والإحسان إلى الآخرين، والتزمي - أيتها الأخت الفاضلة - بحجابكِ وعفافكِ وحيائكِ ولا تعطي فرصة لمن في قلبه مرض، وإذا استلزم الذهاب إلى الزيارة شيئاً من المحرمات فلا يجوز لكِ الذهاب.

كونوا بمستوى المسؤولية:

لقد اختاركم الله تعالى أيها الأعزاء من أهل العراق لتكونوا دعامة الانطلاقة المباركة لمدرسة أهل البيت (علیهم السلام)، والطليعة في حركة التمهيد للظهور الميمون التي نلمس تأثيرها المبارك على العالم كله فصونوا الأمانة وكونوا بمستوى المسؤولية المُلقاة على عاتقكم وكل بحسب الموقع الذي أنتم فيه، فليواظب الطالب على دراسته ويجتهد لتحصيل أرقى الدرجات، وليكن الموظف دؤوباً في عمله نزيهاً أميناً على ما كُلفَ به، وليقم طلبة الحوزة العلمية بدورهم فياكتساب العلوم والفضائل ونشرها في أوساط الأمة، وهكذا الجميع.

أعاننا الله تعالى وإياكم على طاعته وبلغّنا رضاه وجمعَ بيننا وبين أحب خلقه إليه أبي القاسم محمد

ص: 43

وآله الطيبين الطاهرين (صلى الله عليهم أجمعين).

ص: 44

الفصل الثالث: دروس وعبر من مواقف وكلمات وسيرة الإمام الرضا (علیه السلام)

اشارة

ص: 45

ص: 46

قولوا لا إله إلا الله تفلحوا

درس مستفاد من مسيرة الإمام الرضا (عليه السلام) الى نيسابور

درس مستفاد من مسيرة الإمام الرضا (عليه السلام) الى نيسابور(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

تعيش أمتنا بل الإنسانية جميعاً الكثير من المشاكل والتعقيدات سواء على الصعيد الشخصي أو العائلي أو على الصعيد الاجتماعي أو السياسي وغيرها، فالقلق والخوف والضيق ضارب بأطنابه في كل أرجاء الحياة، والبشر في حيرة من أمرهم لا يعرفون كيفية حل الأزمات ومعالجة المشاكل والخروج من هذه المعضلات، وكلما قدمت عقولهم القاصرة حلاً بحسب ظنهم وجدوا أنفسهم أكثر غرقاً في المشاكل فما هو المخرج؟لقد أعطى رسول الله (صلی الله علیه و آله) الحل قبل ألف وأربعمائة عام وفي أول كلمة قالها لقريش في بدء رسالته المباركة فقال (صلی الله علیه و آله): (قولوا لا إله إلا الله

ص: 47


1- من حديث سماحة الشيخ (دام ظله) مع بعض حملات الحجاج من القطيف خلال سفرته لأداء مناسك الحج في مكة المكرمة مساء الخميس 5/ذ.ح./1431 الموافق 2010/11/11، وكان في استقباله مجموعة من الفضلاء والمؤمنين، وألقى سماحته هذه الكلمة فيهم.

تفلحوا)(1) فالفلاح والسعادة في التخلي عن طاعة وإتباع ما سوى الله تبارك وتعالى من أهواء وشهوات وشياطين الإنس والجن.

ولا تعني كلمة رسول الله (صلی الله علیه و آله) الاكتفاء بقول هذه الكلمة بل العمل بمقتضاها وهذا ما فهمته قريش ووقفت بكل قوة في وجه رسول الله (صلی الله علیه و آله) لأن في العمل بهذه الكلمة تهديداً لمصالحهم وزوالاً لوجوداتهم الزائفة، ولذلك فهم لم يكونوا يواجهون الأحناف الموحدين الذين كانوا بين ظهرانيهم قبل بعثة النبي (صلی الله علیه و آله) لأنهم لم يكونوا يتحركون لتجسيد هذه الحقيقة على الأرض.

وكان ترسيخ هذه الحقيقة والعمل على نشرها هي قضية الإسلام الكبرى التي واصلإرسائها الأئمة المعصومون (سلام الله عليهم) بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فحينما اجتمع أربعة آلاف من العلماء ورواة الحديث حول الإمام الرضا (علیه السلام) في نيسابور وهو في طريقه من المدينة المنورة إلى خراسان وطلبوا منه حديث يروونه عنه عن آبائه الطاهرين

ص: 48


1- بحار الأنوار: ج18 ص202.

عن رسول الله (صلی الله علیه و آله)، فماذا كان حديثه (علیه السلام) قال بعد أن ذكر السند المبارك الذي قيل فيه انه لو قرئ على مجنون لبُرئ عن جده رسول الله (صلی الله علیه و آله) عن جبرئيل عن الله تبارك وتعالى قال (لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي) ولما مرت راحلته نادى بعضهم: (بشروطها، وأنا من شروطها)(1).

لكن الناس الذين آمنوا بهذه الحقيقة نظرياً ولم يحولوها إلى واقع يعيشونه في حياتهم هم الذين أوقعوا أنفسهم في هذه الحياة النكدة المعقدة، فقد آمنوا بالله تعالى نظرياًوعبدوه شكلياً لكنهم في كثير من تفاصيل حياتهم يعبدون ويطيعون آلهة أخرى . قال تعالى «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ» (يوسف:110).

قال تعالى «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى» (طه:124) وقال تعالى «وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ»

ص: 49


1- أمالي الصدوق: ص306.

(الزخرف:36) فتصوروا شقاء الإنسان إذا كان قرينه الذي يصاحبه شيطاناً يضلّه ويصده عن سواء السبيل.

لكن من يحيا حياة الإيمان ويحسدّها في حياته بالأعمال الصالحة فإن حياته تكون سعيدة طيبة، قال تعالى «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» (النحل:97).

ص: 50

الخطاب الديني وتأثير الإعلام المعاصر لكي نستلهم من الإمام الرضا (علیه السلام) الدعوة الحسنة

الخطاب الديني وتأثير الإعلام المعاصر لكي نستلهم من الإمام الرضا (علیه السلام) الدعوة الحسنة(1)

نموذج من كلمات الإمام الرضا (علیه السلام):

روى أبو الصلت الهروي عن الإمام الرضا (علیه السلام) أنه قال: (رحم الله عبداً أحيى أمرنا، قلت: كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا، ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)(2).

أيها الأحبة فما علينا إلا أن نحسن كيفية إيصال صوت الحق والهداية والصلاح إلى الناس، ونشعرهم بالحاجة إلينا، فما داموا مستغنين عنّا ولا يحتاجوننا فإنهم يعرضون عنّا ولا يلتفتون إلينا، ومتى يحتاجون إلينا؟ عندما يجدون عندنا ما لا يجدونه عند غيرنا، يقولأمير المؤمنين (علیه السلام): (أحسِنْ إلى من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره) وهما معنيان متقابلان فالحاجة

ص: 51


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع العاملين في إذاعة سبل السلام التي تبث برامجها من مدينة الناصرية يوم 2 شعبان 1429 المصادف 2008/8/4.
2- وسائل الشيعة: كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب 8، ح52.

إليك هي أن يجد عندك القدرة على الإحسان إليه عندئذٍ ستصلح أن تكون إماماً وأميراً له. فعلى المبلّغ الرسالي أن يوفّر للناس ما يحتاجونه ولا يجدونه عند غيره من العلم والمعرفة وفضائل الأخلاق والسير على نهج أهل البيت (سلام الله عليهم)، لاحظ مثلاً أن خطيباً يرتقي المنبر ويدخل في مهاترات سياسية وتصفية حسابات شخصية أو حزبية مع آخرين، وآخر يتحدث في الموعظة ونشر أحكام الدين ويجعل بعض الأحداث السياسية شواهد وموارد لأخذ العظة والعبرة، فإن الناس لا تتفاعل مع الأول لأن هذا الكلام تجده مبذولاً ومملولاً لكثرة السياسيين الذين يتعاطونه، أما الثاني فيصغون إليه لأنهم يحصلون منه على شيء لا يجدونه عند غيره وهو الفقه والموعظة والأخلاق والعقائد ونحوها.

مشكلة الوعي بالمعاصرة:

إن من المشكلات اليوم هي عدم ارتقاء مستوى التبليغ والتوعية بأمور الدين إلى ما يناسب التحديات المتصاعدة والقوية والمنوعة لا من حيث الخطاب ولا من حيث الآليات ولا من حيث

ص: 52

القدرات الذاتية والمؤسساتية.

وهذا الكلام ليس موجّهاً إلى الحوزة العلمية فقط بل إلى كل المؤمنين خصوصاً الشباب الرساليين، لأن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شاملة للجميع، ولقد كان الخطاب الديني –بغض النظر عن مستواه- هو المصدر الأساسي لثقافة الناس والمؤثر في توجيههم بلا منافسة تذكر من أحد وكانت المساجد والمنابر والكتب والاستفتاءات هي القنوات التي يستقي منها الناس معارفهم وهي كلها منافذ تطل منها الحوزة العلمية على الأمة، لذا لم تكن صناعة الرأي العام تحتاج إلا إلى سطر واحد بل نصف سطر لخلقموقف موحد تجاه قضية معينة كتحريم السيد الشيرازي لاستعمال التبغ في نهاية القرن التاسع عشر أو فتوى الشيخ الشيرازي بوجوب الجهاد ضد الاحتلال الإنكليزي في ثورة العشرين أو فتوى المرجعية بوجوب المشاركة في الانتخابات عام 2005 لبناء عملية سياسية صحيحة في العراق.

أما اليوم فقد تنوعت مصادر الثقافة المؤثرة على صناعة الرأي فأصبحت الفضائيات وشبكة

ص: 53

الإنترنت والمجلات ونحوها من وسائل الإعلام تنافس الخطاب الديني وتزاحمه وتحاول القضم من مساحة تأثيره. مما يوجب على الحوزة العلمية وجميع أبناء الحركة الإسلامية أن يحدّثوا في خطابهم وآليات عملهم ليحافظوا على قوة تأثيرهم لهداية الناس وإرشادهم إلى ما يصلحهم في دنياهم وآخرتهم «إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصلاح مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا باللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» (هود: 88).

تحديث آليات العمل الإسلامي:

وأذكر مثالين لتنويع الآليات للإشادة بهما:

1- المسرح الجوّال: حيث قام نخبة من العاملين بإنشاء مسرح ينقلونه من مكان لآخر يعرضون من خلاله مسرحيات تصوّر السيرة العطرة لأهل البيت (سلام الله عليهم أجمعين) وأخرى تجسد الأخلاق الفاضلة أو تحذّر من حالة سيئة وتبيّن آثارها الخطيرة بأساليب قصصية جذّابة مما يؤثر في تلقي وقبول المشاهدين أكثر من التأثّر بسماعها في المحاضرات، وتنشر الأعمال الناجحة منها على الجمهور من خلال الأقراص، وقد بلغني الرواج

ص: 54

الذي لاقاه قرص «رَبّ ارجِعُونِ».

2- قدّم أحد الفضلاء في مدينة العمارة مقترحاً بتنظيم درس فقهي لرؤساء العشائر يشرح فيها المسائل الابتلائية التي يتعرضون لها من خلال إدارتهم لشؤون عشائرهم كالفصل والنهوة وغيرها، وشجّعته على المشروع، وأن تعقد الدروس في مضايفرؤساء العشائر أنفسهم تكريماً لهم وإعزازاً لشأنهم بشكل دوري وتُعرض فتاوى جميع العلماء الذين يرجع إليهم هؤلاء الرؤساء بالتقليد فلاقت الفكرة استحساناً وتأييداً لدى أكثرهم واستمرت الدروس طيلة شهر رمضان المبارك بهمّة ورغبة مما شجّع غيرهم على الانضمام إليها وطالبوا بمواصلة هذه الدروس لما وجدوا فيها من النفع والعزة والكرامة.

وأنا أحيي من هذا المنبر كل الذين ساهموا في إنجاح هذه المشاريع المباركة، وغيرها مما لم أذكر وهي لا تقل إبداعاً وهمّة عن هذين المشروعين.

ص: 55

وصايا لإنجاح العمل الرسالي(1):

ولكي تنجح في عملك الرسالي فإليك جملة وصاياً مضافاً إلى ما سبق:

* حبب نفسك إلى الناس بالكلمة الطيبةوالمواقف النبيلة وشاركهم في أفراحهم وأحزانهم واهتم بما يهتمون به لا فرق بين صغير أو كبير، غني أو فقير، وجيه معرّف أم مجهول من عامة الناس، واسعَ في قضاء حوائجهم بمقدار ما تستطيع، وإن لم تستطع فتعاطف معه وتفاعل مع قضيته.

* وتنزّه عما في أيدي الناس واستغنِ عنهم ولا تنتظر منهم جزاءً ولا شكوراً.

* وترفّع عن التحزب والتعنصر لجهة سياسية أو دينية أو عشائرية أو اجتماعية.

* وادعُ إلى الحق والعدل، واجعل هدفك رضا الله تبارك وتعالى.

* والاهتداء بسنة الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله) وآله الأطهار (علیهم السلام).

ص: 56


1- من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع عدد من فضلاء مدينة النجف الأشرف يوم 30 شعبان 1429.

المشاريع الإسلامية دليل حيوية الأمة تطبيق عملي للاستفادة من الإمامين الصادق والرضا ((علیهما السلام)) في الحياة المعاصرة

المشاريع الإسلامية دليل حيوية الأمة تطبيق عملي للاستفادة من الإمامين الصادق والرضا ((علیهما السلام)) في الحياة المعاصرة(1)

تنوع أدوار ووحدة هدف:

إن هذه المدرسة الدينية التي تنتمون أليها وهي ليست الوحيدة في بغداد بل إن عدد مثل هذه المدارس تجاوز العشرة في بغداد ومنتشرة في المحافظات، إنما هي دليل على استمرار الحياة في هذه الأمة وأن الأعداء والقتلة والمجرمين لم يستطيعوا قتل هذه الأمة وإجهاض مشروعها الإسلامي المبارك، وهي دليل على شجاعة هذا الشعب وإصراره وولائه للإسلام وحرصه على الانتهال من نميره الصافي.

وقد علمت إن هذه المدارس تضم إلى المناهج الدراسية الأكاديمية دروساً دينية وأخلاقية وبالتالي فهي تهدف إلى إنشاء جيل متعلم وملتزم

ص: 57


1- من حديث سماحة الشيخ (دام ظله) مع وفد مدرسة أم البنين الثانوية الدينية للنساء من مدينة الشعلة في بغداد يوم 21 شوال 1426 المصادف 2005/11/24، وهي واحدة من عدة مدارس أسسها ديوان الوقف الشيعي تضيف إلى المنهج الأكاديمي الرسمي دروساً دينية لتنشئ جيلاً مثقفاً إسلامياً.

ليقود الحركة الرسالية وليكونطليعة الأمة في هذه المسيرة الإلهية، وقد عشنا مثل هذه التجربة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وقد كنت جزءاً منها حين دخلت مدارس الأمام الجواد (علیه السلام) التي هي حلقة من منظومة علمية تربوية إسلامية تبدأ مع الطالب من الابتدائية حتى الدراسة الجامعية في كلية أصول الدين، وقد ألغاها نظام البعث الكافر بقرار مجانية التعليم عام 1974 الذي طبق على مدارس أتباع أهل البيت (علیهم السلام)، وبقيت المدارس الخاصة لغيرهم على حالها، وكان يدرس فيها نخبة من العلماء والفضلاء والشباب الرسالي منهم من قضى نحبه شهيداً كالسيد محمد باقر الحكيم والشيخ عارف البصري والشهيد عبد الجبار البصري والسيد داود العطار، واستطاعت تلك المدارس أن تستنقذ أجيالاً من أبنائنا وبناتنا من التفسخ والانحلال الذي كانت تغذيه الحكومات الضالة في المدارس الرسمية فقد كان مدرس التربية الدينية لنا في الإعدادية الشرقية أعوام1976-1978 شيوعياً، وكان يسخر من تعاليم الدين، فماذا تتوقع أن يحصل الطلبة منه على

ص: 58

أخلاق أو أفكار.

لذلك انبرت تلك الثلة الصالحة وعلى رأسهم العلامة السيد مرتضى العسكري (أدام الله بقاءه) وبمباركة مرجعية السيد محسن الحكيم (قدس سره) ودعم الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رضي الله عنه) وأخته العلوية الشهيدة بنت الهدى لتأسيس هذا المشروع في الستينيات، وهذا التوجه كان هو المتيسر في تلك الأجواء المشحونة بالابتعاد عن الدين وحملات التنفير منه وتشويهه وتشجيع الفساد والانحلال ومحاربة المتدينين.

أما اليوم وقد انتشرت الحركة الإسلامية واتسعت بفضل الله تعالى وتضافر جهود المراجع العظام والعلماء والفضلاء والرساليين وعلى رأسهم الشهيدان الصدران، فلم يعد هذا التوجه كافياً ونعتبر الاقتصار عليه اعترافاً بالهزيمة والفشل في أقناع المجتمع بالإسلامحتى تقوقعنا على هذه المساحة الصغيرة من المجتمع وتركنا الباقي للفساد والانحراف، بينما التيار الديني أصبح يضم مساحات واسعة من المجتمع لا تستوعبها هذه المدارس فلا بد من عدم الاكتفاء بها، وإنما علينا

ص: 59

أن نديم هذه الحركة الإسلامية الواسعة ونجذرها في الأمة ونرتقي بمستوى وعيها وتربيتها حتى تقتنع بها كل قطاعات الأمة، وبالتالي سوف لا أحتاج إلى ثانوية إسلامية لأن كل طلبة الثانويات سيكونون متدينين، ولا أحتاج أن أسس كلية دينية لأن أغلب طلبة الجامعات ملتزمون بالإسلام، وسيتخرج منهم المهندس الملتزم والطبيب الملتزم، وهكذا ينبغي لقادة الحركة الإسلامية أن يعرفوا لكل مرحلة خطابها وآلياتها وأساليب عملها.

أسلوب الوصول الى السلطة:

وصول الثلة الصالحة إلى السلطة له أسلوبان:

وهذه الفكرة على صعيد هذه المشاريعالعلمية والثقافية ممكن نقلها إلى ساحة العمل السياسي وسعي الثلة الصالحة لتسلم السلطة فأمامنا أسلوبان:

الأول: السعي المباشر لتسلم السلطة عبر انقلاب عسكري أو تحالفات أو غيرها.

الثاني: تربية الأمة وزيادة قناعتها بالإسلام حتى تكون القواعد المؤمنة هي الأوسع في المجتمع بحيث أنها تفرز تلقائياً حكومة صالحة تطبق

ص: 60

الإسلام في برامج عملها.

موقف الصادق والرضا ((علیهما السلام)):

ومن الواضح أن الأئمة (علیهم السلام) ساروا على الطريق الثاني لأنه يمتلك الديمومة والثبات ولأنه يخلق حالة من الانسجام بين الأمة وقيادتها وتصل الأمة إلى كمالها المنشود، أما على الأول فإن القيادة ستعيش عزلة عن الأمة البعيدة عن التربية الإلهية، وستخذل الأمة قيادتها وتتآمر عليها ويحسب الفشل على الإسلام وقياداته.لذا لم يستجب الإمام الصادق (علیه السلام) لدعوات أبي مسلم الخراساني وأبي سلمة الخلال، والإمام الرضا (علیه السلام) لعرض المأمون في ولاية العهد، بل واصلوا المسيرة المضنية الطويلة بالأسلوب الثاني، وتابعها بعدهم العلماء حتى أثمرت هذه الحركة الإسلامية المباركة التي غطت مساحات واسعة من الأمة.

فنحن في نفس الوقت الذي ندفع فيه المؤمنين القادرين على رعاية شؤون الأمة إلى المشاركة في الانتخابات والتنافس الشريف لإيصال الثلة

ص: 61

الصالحة إلى مفاصل الدولة، فإننا نواصل تربية الأمة حتى تصل إلى كمالها المنشود بلطف الله تبارك وتعالى وحينئذٍ ستتأهل الأمة لممارسة دور الشهادة والمراقبة على القيادة «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» (البقرة: 143) ، وستكون هذه التربية رافدة للحالة المعنوية للمتصدينللحكم والسلطة أو مجددة للعطاء الروحي، وإذا كان الإمام المعصوم يقول: (إنا نزاد في الليل والنهار ولولا أنا نزاد لنفد ما عندنا)(1)

فما أحوج غيرهم لهذه الإمدادات الروحية حتى تبقى شعلة الإيمان والتواصل مع الله تبارك وتعالى والإخلاص له وحب الناس والترفع عن الأنانية وحب الذات.

إن القوى المستكبرة اليوم مصداق للأعور الدجال لأنها تنظر إلى الحياة والبشر بعين واحدة هي عين التفوق المادي والتكنولوجي وتغفل عن الركن الآخر المهم لقيادة البشرية وهو تعزيز ذلك

ص: 62


1- بحار الأنوار: ج26 ص54.

التقدم بالقيم المعنوية السامية فمثلاً صنع القنبلة الذرية شيء عظيم من الناحية العلمية ولكن هذا الانجاز العلمي حينما خلا من المبادئ الإنسانية العليا أصبح وبالاً على البشرية وفتك بها وما زالت تئن من ويلاتها رغم مرور ستين عاماً على إلقائها وقدجسد قادة الإسلام هذه المثل العليا في حياتهم مما لا يسع المجال لذكره وقد أشرنا إلى تفاصيلها في كتبنا العديدة.

ص: 63

من مسؤولية القائد بيان خصائص جماعة أهل الحق درس مستفاد من سيرة الإمام الرضا (علیه السلام)

من مسؤولية القائد بيان خصائص جماعة أهل الحق درس مستفاد من سيرة الإمام الرضا (علیه السلام)(1)

في الحديث الشريف عن الصادق (علیه السلام) انه قال: (شيعتنا جزء منّا خلقوا من فضل طينتنا يسوؤهم ما يسوؤنا ويسرهم ما يسرنا)(2)، أي أن الله تبارك وتعالى لما خلق أنوار محمد وآله محمد (عليهم الصلاة والسلام) والطينة الطيبة الطاهرة، فلما فضل من تلك الطينة شيء خلق منها شيعتهم.

فاحتفالكم هذا وفرحكم دليل على ولائكم وقد تفرحون في مناسبات أهل البيت ((علیهم السلام)) أكثر من فرحكم لمناسباتكم حيث لم يُبق الظلم الذي حاق بأنصار أهل البيت ((علیهم السلام))مجالا للفرح والسرور (ونحن أعيادنا مآتمنا)(3).

ص: 64


1- كلمة سماحة الشيخ (دامت تأييداته) لدى استقباله في ذكرى المولد النبوي الشريف جمعاً من الزائرين، وأدوا بحضوره فعالية بالمناسبة، نشر في الصفحة الثانية من العدد (22) من صحيفة الصادقين الصادر بتأريخ 26 ربيع الأول 1426 الموافق 5 آيار 2005.
2- البحار: ج65 ص24.
3- البحار: ج46 ص92.

ولكن يجب أن لا نفهم من عنوان (الشيعة) كل من ولد من أبوين شيعيين وعاش في بيئة شيعية وكانت له عاطفة مع أهل البيت (علیهم السلام)، بل أن هذا الوصف وسام رفيع له مقامات عالية في الجنان لا يخرج المؤمن الموالي من الدنيا حتى يراها فيفرح ويُسر قلبه ويطلب تعجيل لقاء ربه.

ولذا روي أن الإمام الرضا (علیه السلام) حجب قوماً استأذنوا للدخول عليه وقالوا: إننا من شيعتك ونحب لقاءك فلم يأذن لهم وعادوا عليه الكرة ستين يوماً حتى أذن لهم وقال: لا تقولوا: نحن شيعة علي، إنما شيعة علي: الحسن والحسين وسلمان وعمار والمقداد وأبو ذر ولكن قولوا: نحن موالوكم ومحبوكم فقالوا ذلك، فأذن لهم وقربهم وعوضهم عن ذلك الإبعاد والصدود.ونقل عن كبار أصحاب الأئمة (علیهم السلام) انه دعي للشهادة عند القاضي فقال له القاضي –وهو من السائرين بركاب السلطة-: إنك رجل صالح وثقة وورع إلاّ إننا لا نقبل شهادتك لأنك من الشيعة فأخذ الرجل يبكي، فسُئل إن كان بكاؤه من رد شهادته؟ قال: لا وإنما لأنه وصفني من شيعة علي

ص: 65

ومن أنا حتى أستحق هذا الوصف.

ومحل الشاهد أن هذا المقام الرفيع لا يتحقق بالادعاء والدنيء من الأفعال وإنما له استحقاقات عالية بمقدار درجته الرفيعة.

ولما تصنفت المذاهب في عهد الإمام الصادق (علیه السلام) فبدأ يقال هذا جعفري رأى من مسؤولياته المهمة بيان خصائص المسلم الجعفري الشيعي الموالي لأهل البيت (علیهم السلام) الذي يسرّ الإمام أن يقال عنه جعفري، وقال لشيعته: (كونوا لنا زيناً ولا تكونوا شيناً)(1).وقد صدر من الإمام الصادق (علیه السلام) أكثر من غيره من الأئمة للفسحة التي عاشها بعد أن كان السيف جزاء من يقول بولاية علي (علیه السلام) عدد كبير من الروايات الشريفة التي تبين صفات الشيعي، وقد جمعنا جزءاً كبيراً منها مع تصنيفها وفق أطر واضحة في محاضرة (عناصر شخصية المسلم في مدرسة أهل البيت (علیهم السلام)) المنشورة في كتاب (نحن والغرب) و(شكوى الإمام) حينما شكى

ص: 66


1- البحار: ج75 ص348.

الإمام المهدي الموعود من شيعته أنهم ليسوا على ما كان عليه السلف الصالح لذا فإنهم حرموا من نعمة التشرف بلقائه (علیه السلام) واحتجنا إلى أن نقوم باستقراء لما كان عليه السلف الصالح وما يجب أن يكون عليه المسلم الحقيقي وهو الموالي لأهل البيت (علیهم السلام) والملتزم بخطهم لقوله تعالى «فَلا وَرَبَِّكَ لا يُؤمِنُونَ» أي لا يبلغون حقيقة الإيمان ومصداقيته «حَتَّى يُحَكِّمُوكَ» ويرجعوا إليك «فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ» واختلفوا فيه وجهلوه من الأمور الصغيرةوالكبيرة «ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً» ولا تمرداً ولا عصياناً «مِمَّا قَضَيتَ» وحكمت به وأعلنته للأمة ومنها تنصيب علي بن أبي طالب (علیه السلام) أميرا للمؤمنين وإماماً للأمة وخليفة له (صلی الله علیه و آله) «وَيُسَلَّمُوا تَسْلِيماً» (النساء:65) وينفذوا ويطيعوا طاعة تامة.

ونحن نسمع اليوم مصطلحات مثل (الصدريين)، (الإسلاميين) وغيرها وهي أسماء مباركة لها امتيازات وعليها استحقاقات، فيكون من واجب القيادة الحقة بيان ملامح وخصائص وسمات هذه الفئات لئلا يدعيها أحد بغير حق ويسيء إليها

ص: 67

بسوء تصرفه الذي ينعكس على أصل المبدأ سلباً، فنحن نفهم من (الصدريين) الرساليين الواعين الذين يسعون بكل جهدهم للالتزام بشريعة سيد المرسلين وإقناع الأمة بتطبيق النظام الإسلامي في جميع شؤون حياتها السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والأخلاقية، وهم يمثلون سلسلة طويلة منالنجوم المضيئة وابرز من حمل لواء هذه الحركة في الزمان المعاصر الشهيدان الصدران فانتسب الخط إليهما، ولكن بناء هذا الخط جاء نتيجة تراكم جهود جبارة ومضيئة لتلك السلسلة الطويلة. ولذا أعددت محاضرة (عناصر المسلم في مدرسة أهل البيت (علیهم السلام)) التي أشرت إليها آنفا التي استقرأناها من مئات الأحاديث.

ص: 68

«إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً»(الإنسان:27)

الخارجون عن طاعة قادة الإسلام نموذجاً

الخارجون عن طاعة قادة الإسلام نموذجاً(1)

فتنة الواقفة:

شهد التشيع انشقاق فرق عديدة في زمان الأئمة (علیهم السلام) وما بعده، ومنهم (الواقفة) الذين لم يذعنوا لإمامة الرضا (علیه السلام) ووقفوا على الإمام الكاظم (علیه السلام) وادعوا أن الإمام الكاظم (علیه السلام) لم يمت ولم يُقتل وأنه حي لإلغاء إمامة الرضا (علیه السلام) وافتروا أن الإمام الرضا (علیه السلام) يعلم ذلك إلا أنه يخفيه تقية، ورد الإمام (علیه السلام) عليهم بقوله: (فإني لا أتقيكم في أن أقول أني إمام فكيف أتقيكم في أن أدعي أنه حيّ لو كان حياً)(2)، وقاد هذا الانشقاق رموز معروفة من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام).

ص: 69


1- الخطبة الثانية التي ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف) لصلاة عيد الأضحى المبارك عام 1437 الموافق 2016/9/12م.
2- البحار: ج49 ص115.

دوافع الانشقاق:

والدافع المعروف في الروايات هو للاستيلاء على الأموال الضخمة(1) التي أودعها الإمام الكاظم (علیه السلام) عندهم، قال الشيخ الطوسي عن الواقفة ((فروى الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى، طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال))(2).

وروى الكليني بسنده عن يونس بن عبد الرحمن قال (مات أبو إبراهيم (علیه السلام) وليس من قوّامه أحد إلا وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم، وجحدهم موته، طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار

ص: 70


1- أصل هذه الأموال وكيفية تنميتها والهدف منها تحتاج الى بحث مفصل مستقل بإذن الله تعالى.
2- راجع ترجمته في كتب الرجال ومنها معجم رجال الحديث للسيد الخوئي (قدس سره) : ج12 ص234-247.

–الدينار مثقال شرعي من الذهب- وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار)(1).

وقد تحدثت في كلمة سابقة عن كيفية مواجهة الإمام (علیه السلام) لهذا الانشقاق(2) الذي آلم قلب الإمام الرضا (علیه السلام)، واستمرت تداعياته إلى زمن الأئمة اللاحقين (علیهم السلام) واغترّ بهذه العقيدة جملة من كبار حملة الحديث.

وهذا السبب المعروف في كتب الأصحاب يمكن أن يكون دافعاً للبعض وليس للجميع خصوصاً الرموز الكبار وإنما كانت خيانتهم للمال من باب تحصيل الحاصل ونتيجة لانكار امامة الرضا (علیه السلام) وليست سبباً له.

فهم جديد لانشقاق الفرقة الواقفة:

والذي فهمته من بعض الروايات أن سبب انشقاقهم شيء آخر لم يؤشَّر بوضوح فيكتب الرجال حاصله أن هؤلاء المؤسسين اختطوا لأنفسهم منهجاً فكرياً وعقائدياً اشتهروا به

ص: 71


1- معجم رجال الحديث: ج12 ص236.
2- خطاب المرحلة: 7/174، وقد اُدرجت في هذا الكتاب.

وأصبحوا رموزاً في الوسط الشيعي من خلاله ولم يوافقهم الإمام الرضا (علیه السلام) عليه فاستكبرت أنفسهم عن طاعة الإمام والتخلي عن هذا المنهج ورأوا أن المحافظة على رمزيتهم والجاه الذي حصّلوه من خلال هذا المنهج لا يتحقق إلا بإنكار إمامة الرضا (علیه السلام) فابتدعوا عقيدة (الواقفة).

والرواية طويلة رواها في قرب الإسناد وأوردها المجلسي في البحار ومحل الشاهد من الرواية قوله (علیه السلام)

(أما ابن السراج فإنما دعاه إلى مخالفتنا والخروج من أمرنا أنه عدا على مال لأبي الحسن (علیه السلام) عظيم، فاقتطعه في حياة أبي الحسن وكابرني عليه وأبى أن يدفعه، والناس كلهم مسلمون مجتمعون على تسليمهم الأشياء كلها إلي فلما حدث ما حدث منهلاك أبي الحسن (علیه السلام) اغتنم فراق علي بن أبي حمزة وأصحابه إياي وتعلل، ولعمري ما به من علة إلا اقتطاعه المال وذهابه به.

وأما ابن أبي حمزة فإنه رجل تأوّل تأويلاً لم يحسنه ولم يؤت علمه، فألقاه إلى الناس فلجّ فيه، وكره إكذاب نفسه في إبطال قوله بأحاديث تأولها، ولم يحسن

ص: 72

تأويلها ولم يؤت علمها، ورأى أنه إذا لم يصدق آبائي بذلك لم يدر لعل ما خبر عنه مثل السفياني وغيره أنه كان لا يكون منه شيء، وقال لهم: ليس يسقط قول آبائه بشيء ولعمري ما يسقط قول آبائي شيء ولكن قصر علمه عن غايات ذلك وحقائقه، فصار فتنة له وشبهة عليه، وفر من أمر فوقع فيه)(1).

توضيح الحديث: أن علي بن أبي حمزة تأوّل الأحاديث الواردة في أن موسى بن جعفر (علیه السلام) هو القائم وبأنه المهدي الموعودفكذّب خبر استشهاد الإمام (علیه السلام) لكيلا يكذّب نفسه فيما تبنّى من فكرة ويلزم منه كذبه فيما نقل من أخبار السفياني ونحوه عن الأئمة (علیهم السلام) فتسقط أخباره عن الاعتبار وفي الحقيقة فإن أخبار الأئمة (علیهم السلام) صادقة لكنه أخطأ في فهمها حيث قال (علیه السلام): (كلنا قائمون بأمر الله) وليس بالمعنى الذي ذهب إليه.

وقوله (علیه السلام): (وفرّ من أمر فوقع فيه) إشارة إلى أن إصراره هذا لزم منه تكذيب أحاديث كثيرة

ص: 73


1- بحار الأنوار: 49/267-268. عن قرب الإسناد: ص 348-352، ح1260.

أخرى تنفي كون الإمام الكاظم (علیه السلام) هو القائم المهدي.

ويظهر من الرواية أن الإمام (علیه السلام) صبر طويلاً عليهم وأمهلهم زمناً لعلهم يثوبون إلى رشدهم فلم يصدر منه بيان مفصّل لحقيقتهم وعاقبتهم، قال (علیه السلام) (ولولا ما قال أبو جعفر (علیه السلام) حين يقول لا تعجلوا على شيعتنا إن تزل قدم تثبت أخرى وقال مَن لك بأخيك كله:لكان مني من القول في ابن أبي حمزة وابن السرّاج وأصحاب ابن أبي حمزة)(1).

ولما تمادوا في غيّهم وتمرّدهم صرّح الإمام الرضا (علیه السلام) بموقفه فقال في ابن أبي حمزة (أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى إلى عيسى بن موسى؟ وهو صاحب السفياني! وقال إن أبا إبراهيم يعود إلى ثمانية أشهر؟! فما استبان لكم كذبه؟)(2).

ص: 74


1- البحار: ج49 ص267.
2- معجم رجال الحديث : ج12 ص236 عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ج4 ص6.

وروى يونس بن عبد الرحمن -وهو من أجلاء أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) وعرض عليه الجماعة عشرة آلاف دينار ليكسبوه إلى صفّهم فرفض –قال: (دخلت على الرضا (علیه السلام) فقال لي: مات علي بن أبي حمزة؟ قلت: نعم، قال: قد دخل النار! قال: ففزعت من ذلك –مما يدل على منزلته لدى الشيعة- قال: أما أنه سُئل عن الإمام بعد موسى أبي، فقال: لاأعرف إماماً بعده، فقيل: لا، فضُرب ضربة اشتعل قبره ناراً)(1).

وقال (علیه السلام): (إنه لما قبض رسول الله (صلی الله علیه و آله) جهد الناس في إطفاء نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين (علیه السلام)، فلما توفي أبو الحسن (علیه السلام) –موسى بن جعفر (علیهما السلام) – جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور الله، فأبى الله إلا أن يتم نوره)(2).

من المشكلات التي تواجه قادة الإسلام:

هذه واحدة من المشاكل التي تواجه قادة الإسلام على مرّ العصور سواء في زمان

ص: 75


1- السابق: ج12 ص238.
2- السابق: ص239.

المعصومين (علیهم السلام) أو نوابهم بالحق، أذكرُ مثالاً قريباً من مرجعية السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فقد كان مهتماً بالتربية الأخلاقية والسلوك الصالح فظهرت فئة تدعي المعرفة والسلوك وهم في الحقيقة طلاب زعامةورئاسة فشلوا في نيلها بالطرق الطبيعية أي العلم والعمل الصالح فلجأوا إلى هذه الدعاوى وحققوا مكاسب فيها، وأصبحوا واجهات وادعوا أن لهم ارتباطاً خاصاً بالسيد الشهيد (قدس سره) فما كان منه إلا أن يتبرأ منهم علناً وبشكل صريح على منبر الجمعة، لكن البعض أبى أن يذعن ويتوب فانشقوا عن السيد الشهيد (قدس سره) وأصرّوا على المضي في منهجهم.

ويحكى أن السيد البروجردي (قدس سره) –وكان المرجع العام للشيعة في زمانه توفي عام 1960- منع من التطبير واعتبره ممارسة مبتدعة أدخلت في الشعائر الحسينية، فصارحه جماعة من رؤساء مواكب التطبير إننا نقلدك السنة كلها إلا يوم عاشوراء.

أما تجربتي الخاصة ففيها الكثير من الشواهد لهؤلاء لأسباب شتى وفي مواقف عديدة ربما

ص: 76

سيكتب عنها من عرفها وعايشها، والمهم أن يكون عندنا من الورع والتقوى مايحجزنا عن معصية الله تعالى من أجل لذة عاجلة بمال أو جاه أو كثرة أتباع أو شهرة أو نحو ذلك من الأمور التي تزول لذّتها المنكّدة ببلاءات الدنيا وتبقى تبعتها وسوء عاقبتها دائماً سرمداً قال تعالى مشفقاً على هؤلاء المخدوعين ومحذراً: «إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً» (الإنسان : 27) ثقيلاً في طول مدته ودوام مقامه وشدة عذابه وعدم التخفيف عن اهله فهم يُعرضون عن تذكّر هذا ويخلفونه وراءهم ولا يجعلونه نصب أعينهم استعجالاً للذة وقتية زائلة، ويعبِّر الامام الحسين (علیه السلام) في دعائه يوم عرفة عن خسارة صفقة هؤلاء (لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِىَ دُونَكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوِّلاً) ومنه قوله (علیه السلام) (ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذى فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ)(1) وهذا طبع الإنسان الذي يغفل عن ذكر الله تعالى «كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ، وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ» (القيامة : 20-21).

ص: 77


1- مفاتيح الجنان :340

الفهرس

الفصل الأول الإمام الرضا (علیه السلام) رائد حوار الحضارات 5

الامام الرضا رائد حوار الحضارات..... 7

دواعي استقدام الرضا ((علیه السلام)):..... 7

لماذا وافق الإمام الرضا (علیه السلام)؟..... 11

التصدي المباشر من الإمام (علیه السلام) لحفظ أحقية الإسلام: 12

الدرس العملي:.... 15

التحديات التي واجهها الإمام الرضا (علیه السلام).... 19

التحديات المختلفة:.... 19

انهيار القيم الأخلاقية في زمن الإمام الرضا ((علیه السلام)): 20

الانشقاقات الداخلية:... 20

تحدي التشكيك بإمامته:.... 21

كي نعيش بمسؤولية:... 22

الإمام الرضا (علیه السلام) في مواجهة الانشقاق الداخلي 25

فتنة الواقفة:... 25

تألم الإمام الرضا (علیه السلام) لانحراف اتباعه:... 28

لكي لا تستفزنا الحركات الانفعالية أو الوصولية: 29

لا نجزع لقلة الناس حولنا:.... 30

ص: 78

محاورة الإمام(علیه السلام) لهم واقامة الحجة عليهم: 31

الإمام الرضا (علیه السلام) يؤسس للظهور العلني للشعائر الحسينية 37

دور الإمام الرضا (علیه السلام) في احياء الشعائر الحسينية: 37

دور العلماء في تأصيل تعاليم أهل البيت (علیهم السلام): 39

اعطوا أكبر زخم للشعائر شكلاً ومضموناً:.. 40

الالتفات الى المضامين الرسالية في الشعائر: 42

كونوا بمستوى المسؤولية:..... 43

الفصل الثالث دروس وعبر من مواقف وكلمات وسيرة الإمام الرضا (علیه السلام) 45

درس مستفاد من مسيرة الإمام الرضا ((علیه السلام)) الى نيسابور 47

الخطاب الديني وتأثير الإعلام المعاصر... 51

لكي نستلهم من الإمام الرضا (علیه السلام) الدعوة الحسنة 51

نموذج من كلمات الإمام الرضا (علیه السلام):.... 51

مشكلة الوعي بالمعاصرة:... 52

تحديث آليات العمل الإسلامي:... 54

المشاريع الإسلامية دليل حيوية الأمة... 57

ص: 79

تطبيق عملي للاستفادة من الإمامين الصادق والرضا ((علیهما السلام)) في الحياة المعاصرة 57

تنوع أدوار ووحدة هدف:..... 57

أسلوب الوصول الى السلطة:.... 60

موقف الصادق والرضا ((علیهما السلام)):..... 61

من مسؤولية القائد بيان خصائص جماعة أهل الحق درس مستفاد من سيرة الإمام الرضا (علیه السلام) 64

الخارجون عن طاعة قادة الإسلام نموذجاً..... 69

فتنة الواقفة:... 69

دوافع الانشقاق:... 70

فهم جديد لانشقاق الفرقة الواقفة:... 71

من المشكلات التي تواجه قادة الإسلام:.... 75

الفهرس..... 78

ص: 80

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.