سبل السلام

هوية الكتاب

اسم الكتاب: ...... سبل السلام

تأليف: ... الشيخ محمد اليعقوبي(دام ظله)

الطبعة: ... السادسة

السنة: ... 1443 ه - 2021م

الناشر: ... دار الصادقين للطباعة والنشر والتوزيع

النجف الاشرف / شارع الرسول (صلی الله علیه و آله)

رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 2687 لسنة 2021

الرقم الدولي 30-81-660-9922-978

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

سورة المائدة آیة 16

سبل السلام

ص: 2

سبل السلام

رسالة عملیة

تبیّن المهم من أحکام الشریعة

العبادات

الشیخ محمد الیعقوبي دام ظله

الطبعة السادسة

منقحة ومزيدة

1443 ه - 2022 م

ص: 3

سبل السلام

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

العمل بهذه الرسالة الشريفة المسماة

(سُبُل السلام) مُجزٍ ومُبرِئ للذمة

إن شاء الله تعالى، وهو الموفق والمستعان.

محمد اليعقوبي

11 محرم الحرام 1443

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)

المقدمة

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله وصلى الله على سادة خلقه وأكرمهم عنده محمد وآله الطيبين الطاهرين

تعبّر الرسالة العملية للفقيه عن الاحكام الشرعية بحسب ما ادّى اليه نظره واجتهاده في مصادر التشريع الاسلامي - الكتاب الكريم والسنة الشريفة- في ضوء القواعد والآليات المعتبرة لاستنباط الحكم الشرعي.

وقد شهدت الرسائل العملية تطورا في الشكل والمضمون مع تطور العلوم التي يعتمد عليها الفقيه للوصول الى الحكم الشرعي وعلى رأسها علما الفقه واصوله، وقد كتبت بلغة رصينة عميقة تناسب الرصانة والابداع الذي وصلت اليه تلك العلوم، فهي تكشف بحق عن بلوغ مؤلفيها أسنى المراتب العلمية وتمثل خلاصة جهود المجتهدين وابداعاتهم واسهاماتهم العلمية.

ومن الطبيعي في كل علم أن تكون له لغته ومصطلحاته واسلوبه الذي لا يتيسر لكل أحد أن يفهمه الا من حاز على ثقافة كافية في ذلك العلم، ولم يشذّ علم الفقه عن هذه الطريقة لذا لا يمكن تسطيح الرسائل العملية وتبسيطها على حساب مقومات العلم وعناصره، فأي دعوة للتحديث والتجديد لابد أن تفهم ضمن هذا

ص: 7

الاطار، ولذا نبهنا في دعوتنا لتأسيس ما سميناه (الفقه الاجتماعي)(1)

الذي ينظم الاحكام الشرعية في اطار نظم اقتصادية وسياسية واجتماعية وانسانية وغيرها، أنها خطوة لاحقة للرسائل العملية المتعارفة.

ولقد سرنا في هذه الرسالة الشريفة على منهج فقهائنا المعاصرين ومنهاجهم (قدس الله ارواحهم جميعاً) وراعينا فيها نوع الأمثلة المناسبة للثقافة المعاصرة وتوضيح بعض المسائل.

كما اننا حاولنا في كتاب (الاجتهاد والتقليد) أن نعطي نموذجاً للعرض المناسب للاجيال المعاصرة وللتأسيس للجانب السياسي من الفقه الاجتماعي.كما أودعناها بعض المواعظ والفوائد الروحية والاجتماعية لأشباع كل أبعاد الحكم الشرعي، فان المستفاد من البيان الألهي في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة عن المعصومين (عليهم السلام) هو عدم الاكتفاء ببيان الحكم، وإنما حشد كل المؤثرات العقلية والنفسية والقلبية لاقناعه به وتحريكه نحو الالتزام والتطبيق، وهو ما نحتاجه فعلا لأننا نرى الكثير من المنحرفين عن الشريعة لا ينقصهم معرفة الحكم كوجوب الصلاة وحرمة السفور وإنما يفتقدون الارادة الصادقة للألتزام.

ص: 8


1- راجع فصلي (دليل سلوك المؤمن) و(الجاهلية الحديثة واسلوب مواجهتها) في كتاب (الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) كما اعرفه ) وبحث (الاسس العامة للفقه الاجتماعي).

التكليف تشريف

وحينما نتحدث عن المكلف والتكليف في ثنايا هذه الرسالة فإنّه لا يعني العسر والإلزام القسري والمشقة والعنت، وإنّما يعني التشريف حيث اختار الله تبارك وتعالى خالق السماوات والأرض هذا الإنسان الضعيف ليكون خليفته على هذه الأرض ويحمل هذه الرسالة العظيمة، فلو أنّ ملكاً من ملوك الدول كلف إنساناً بتمثيله في قضية ما فإنّه سيعتبره غاية التكريم، فكيف إذا اختاره الله تبارك وتعالى لهذه المهمة الشريفة، لذا كان بعض العارفين يقيم احتفالاً يوم بلوغ سن التكليف الشرعي لأنّه يوم تشريفه بحمل الأمانة الإلهية (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72).

وقد سمينا الرسالة (سبل السلام) لأنّ السلام من أسماء الله الحسنى فنبتغي بهذه السبل الارتقاء للوصول الى الله تبارك وتعالى، ولأنّها أول كلمة يقولها المسلم في تحيته ولأنّ السلام هو مطمح البشرية اليوم بعد أن ذاقت الويلات من الرعب والقلق والخوف والجهل بمصيرها، ولو عادوا إلى الله تبارك وتعالى لاستمعوا إليه يقول عن منهجه القويم (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة: 16).

وهو ما نتفاءل بأن تكون هذه الرسالة الشريفة مصداقاً لهذه السبل حتى تكون - وكل آثار العلماء والمفكرين- قادرة على عرض الاسلام أمام المؤمنين به وغيرهم كنظام شامل لتفاصيل الحياة وقادر على قيادة البشرية نحو السلام والسعادة والخير، هذه الامور التي تبحث عنها البشرية النكدة المتعبة فلا تجدها الا أن يهديها

ص: 9

الله تبارك وتعالى بلطفه الى سبل السلام التي تحقق لها كل النتائج المرجوة بأذن الله تعالى .

محمد اليعقوبي/ النجف الأشرف

5 محرم الحرام 1430

2009/1/2

ص: 10

تقسيم أبواب الفقه

الفقه في اللغة يعني الفهم والمعرفة والتوصل إلى حقيقة الشيء وتفاصيله من خلال سبر أغواره لأنّ أصل معناه الشق والفتح.

والمتتبع لموارد الكلمة في القران الكريم يجد أنّ المراد منها معرفة خاصة، وهي المعرفة بالله تبارك وتعالى التي تضم منظومة كاملة من العقائد والأخلاق والأحكام، فحينما يقول تبارك وتعالى (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَالِ ِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (النساء: 78).

فإنّه يشير إلى نقص في المعرفة بالله تبارك وتعالى بأنّه هو المدبر الحقيقي للموجودات والمتصرف فيها.

وبث الله تبارك وتعالى الآيات والمواعظ والدلائل لتدل عباده عليه وحثهم على الاستفادة منها (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أو مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أو يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (الأنعام: 65) (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (الأنعام: 98).

ووبخ تبارك وتعالى من لا معرفة له في عدة مواضع (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ) (الإسراء: 46) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) (الكهف: 57).

ويشهد له ما في الروايات المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام)، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ألا أخبركم بالفقيه حقاً؟ من لم يقنّط الناس من رحمة الله،

ص: 11

ولم يؤمّنهم من عذاب الله، ولم يؤيّسهم من روح الله، ولم يرخّص في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره(1).

لكن المصطلح اختص في عرف المتشرعة بالعلم بالأحكام الشرعية خاصة، وتحول الفقه من رؤية متكاملة تهذب النفس وتطهر القلب وتنظم حياة الإنسان في حركة متناغمة مع إرادة الله تبارك وتعالى إلى علم متخم بالمصطلحات والقواعد والمسائل لا تسمو بالروح، وقد ينهي طالب العلم دورة فقهية كاملة دون أن يمر بآية كريمة أو حديث شريف أو موعظةحسنة وفي ذلك خسارة كبيرة، ولذا تجده لا يحصن صاحبه من مشاعر الحسد والأنانية والمراء والجدال وحب الجاه وطلب السمعة والقدسية في قلوب الناس والتزلف إلى الحكام والمترفين.

لذا فإنّ (الفقه) بمعناه المتعارف غير كاف لتحقيق الهدف الذي من أجله حث الله تبارك وتعالى المؤمنين للنفر لطلب العلم والتفقه في الدين وهو تحقق الحذر من الله تبارك وتعالى، وهو لا يتحقق إلا بالمعرفة بالله سبحانه قال عز من قائل (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة: 122).

وبهذه المعرفة - لا بالعلم بالمصطلحات والمسائل الشرعية فقط- أصبح المؤمن الواحد يعادل عشرة من جيش الكفار (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) (الأنفال: 65).

وفي ضوء النقص في هذه المعرفة وضعفها عن تحريك الإنسان نحو الأهداف الحقيقية خفّف الله تبارك وتعالى التكليف عن المؤمنين (الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 66).

ص: 12


1- وسائل الشيعة : 829/4.

وإنّما ذكرت هذه المقدمة لأمور(1)

:

1- فهم المعنى الحقيقي للفقه والفقيه في الكتاب والسنة لكي نستطيع تطبيقه بدقة على مدّعيه والتأكد من مصداقية منتحلي العنوان قبل الالتزام باتباعهم والأخذ عنهم.

2- تحريك الإنسان المسلم نحو الحقيقة الكبرى في الوجود وهي المعرفة بالله تعالى.

3- تصحيح مسار علم الفقه المتعارف وكتبه لكي يستوعب كل استحقاقات هذا العنوان الضخم.

وقد يكون أحد الأعذار لفقهائنا خصوصاً المتأخرين أنّ العلوم قد تشعّبت وتعمّقت وكثرت تفاصيلها فيكون من المفيد فصل مسائلها ومواضيعها، فأصبحت العقائد علماً مستقلاً وكذا علم الأخلاق والعرفان، واختص العلم بالأحكام الشرعية بعنوان(الفقه) وبقي على طالب الحقيقة أن يأخذ كل علم من مظانه.

وجمعاً بين الحقّين سنحاول إثراء الرسالة العملية ببعض النكات المختصرة لإلفات النظر وتحريك الساعي إلى الكمال نحو ما ينفعه ويرشدهإلى الطريق بإذن الله تعالى.

ص: 13


1- توجد تفاصيل أكثر في كتاب (شكوى القرآن) ص92 وما بعدها وبحث (دليل سلوك المؤمن) في كتاب (الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) كما أعرفه)

أبواب الفقه

قسم الفقهاء أفعال المكلفين التي وردت الأحكام لتنظيمها وفق الشريعة المقدسة إلى: ما يشترط قصد القربة إلى الله تعالى في صحته والاكتفاء به كالصلاة والصوم، وإلى ما لا يشترط وإن كان قابلاً للإتيان به كذلك لتحصيل الثواب عليه، والأول هو العبادات وفق المصطلح الفقهي، أمّا الآخر فهي المعاملات بمعناها الواسع، وهي: أمّا أن تكون متقومة بطرفين كالبيع المرتبط بعرض البائع ورضا المشتري، وكالنكاح المنعقد بعرض الزوجة ورضا الزوج وهكذا، أو لاتكون كذلك، والأول وهو الثاني بحسب التسلسل العام هو العقود، والثاني أمّا أن يكون متعلقاً بفعل طرف واحد كالطلاق الذي هو إنشاء الزوج خاصة من دون مدخلية للزوجة فهي الإيقاعات وهو القسم الثالث من التسلسل العام، أو لايكون كذلك وهو الأحكام كالإرث والحدود والديات وغيرها.

وفي ضوء هذا التقسيم جعل المحقق الحلي (قدس سره) كتابه الشريف (شرائع الإسلام) في أربعة أجزاء قبل ثمانية قرون تقريباً وجرى عليه مَنْ خلفه من العلماء الصالحين.

ولما كانت العبادات هي أشرف الأفعال لما فيها من القرب إلى الله تعالى وأشرف العبادات الصلاة لأنها عمود الدين، فقد قدموها على غيرها، ولما كانت الصلاة متوقفة على الطهارة ومشروطة بها فقد افتتحوا الكتب الفقهية بالطهارة ثم بكتاب الصلاة فبقية الكتب.

ونحن سنجري معهم في هذا الطريق الشريف، وينبغي للمسلم أن يلتفت إلى أنّ هذه التكاليف لا يراد منها الأداء الشكلي الخارجي لها فحسب وإنّما تستهدف بناء شخصيته وضمان سلامة مسيرته في الحياة والفوز بالسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة وتحقيق الطهارة والسمو له، قال تعالى عن ذبح الهدي في الحج (لَن يَنَالَ اللَّهَ

ص: 14

لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) (الحج: 37) وقال تعالى عن علة دفع الحقوق الشرعية: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (التوبة: 103).

وسئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن كيفية التعرف على أنّ الصلاة مقبولة أو لا، فجعل الإمام (عليه السلام) معياراً لذلك وهي قدرتها على نهي صاحبها عن الانحراف في السلوك وخبث النوايا، فجعل نسبة قبولها بمقدار نجاحها في تحقيق هذا الهدف مستنداً إلى قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت: 45).

ص: 15

ص: 16

كتاب الاجتهاد والتقليد

اشارة

ص: 17

ص: 18

كتاب الاجتهاد والتقليد

نحن نعلم إجمالاً - أي، حتى لو لم نعلم بالتفاصيل- بأنّ الله تبارك وتعالى لم يخلقنا في هذه الدنيا عبثاً أو لهواً (لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء: 17) وإنّما خلقنا لهدف (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56) أي (ليعرفون) كما ورد في الرواية الشريفة.

ويظهر من بعض الروايات التي وردت في تفسير قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف: 172) أنّ عقداً تم الاتفاق عليه بين الله تبارك وتعالى وبين عباده بأن يخرجهم من ذلك العالم إلى عالم الدنيا ويسخّر لهم كل ما في الأرض (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرض جَمِيعاً) (البقرة: 29) على أن يطيعوه بتكاليف يسيرة فيصلّون خمس مرات في اليوم ويصومون شهراً في السنة ويحجّون بيته الحرام في العمر مرة ويجتنبون الفواحش بعد أن أحلّ لهم ما يعوضهم عنها ويلبي احتياجاتهم الجسدية والنفسية والروحية وكل ذلك من أجل مصالح تعود لهم، ثم وعدهم -إن وفوا بالاتفاق- جنات النعيم خالدين فيها فوقّع كل البشر على هذا العقد لأنّه صفقة رابحة لا يرفضها ذو عقل، فلما خرجوا إلى الدنيا نسوا العهد ولم يجد لهم الله تبارك عزماً فأرسل إليهم الأنبياء والرسل وأنزل عليهم الكتب ليذكروّهم بذلك العهد فمنهم من التزم وعاد إلى فطرته التي فطر الناس عليها ومنهم من تمرد وأعرض.

وأعتقد أنّنا الآن لو عرضت علينا نفس الصفقة لما ترددنا في الموافقة عليها، وعلى أي حال فإنّ هذا العلم الإجمالي بوجود تكاليف علينا يوجب علينا التحرك للخروج من عهدة هذه التكاليف التي بيّنها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم والنبي وآله الطاهرون (صلوات الله عليهم أجمعين) في السنة الشريفة، وعدا بعض

ص: 19

الأحكام التي يعلم الإنسان يقيناً أنّها من الشريعة (كوجوب الصلاة وحرمة شرب الخمر وإباحة النكاح) فإنّ هذا التحرك يكون بأحد أساليب ثلاثة:

الأول: أن تكون للمكلف القدرة على الوصول إلى الحكم الشرعي الذي تطمئن إليه نفسه من مصادر التشريع، وهذه القدرة التي تصبح ملكة راسخة في ذهن الإنسان تُعرف ب (الاجتهاد)، وهي تتوقف على مقدمات عديدة كالتضلّع في علوم اللغة العربية لمعرفة مداليل الكلام في عصر صدور النص، وعلم الرجال لتمييز الرواة الثقات عن غيرهم، وعلم أصول الفقه الذي يبيّن قواعد التعامل مع النص الشرعي وطرق الوصول إلى الحكم من مصادره، وغيرها من العلوم كالتفسير والتاريخ والحديثوالمنطق والفلسفة وهي كما ترى مسؤولية شاقة ومرتبة شريفة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.

الثاني: اختصار الطريق والرجوع إلى من توفرت عنده ملكة الاجتهاد وأتعب نفسه في تحصيل الأحكام وكان ورعاً تقياً لا يُتَّهم بأنّ آراءه الفقهية ناشئة من مصالح شخصية أو تزلفاً للحكّام أو تحت أي ضغط آخر. ويسمى هذا الرجوع (التقليد) وهو أيسر الطرق.

والتقليد بهذا المعنى - أي رجوع غير العارف بأسرار مهنة معينة إلى العارف بها- سيرة يتبعها العقلاء في سائر شؤونهم، فمن يعاني من مشاكل في صحته يرجع إلى الطبيب ومن يريد أن ينشئ بناية يرجع إلى المهندس وهكذا.

الثالث: أن يكون الإنسان ذا معرفةٍ بما يقتضيه الاحتياط للحكم الشرعي في كل حالة تعترضه، فيقوم بما يقتضيه الاحتياط ولو تطلب تكرار الاحتمالات التي يتيقن في نهايتها بمطابقة إحدى الصور للحكم الواقعي، كما لو شك أنّ تكليفه صلاة القصر أو التمام فيؤدي الفريضة على كلا الاحتمالين ويكون قد أصاب تكليفه الواقعي حتماً ويسمى طريق (الاحتياط).

وهو طريق شاق صعب، ويتطلب ذوقاً فقهياً معتدّاً به لمعرفة مقتضيات الاحتياط في كل مورد ويؤدي إلى مضيعة الوقت، ولو التزم به الناس فسيؤدي إلى

ص: 20

اختلال النظام الاجتماعي العام لأنّه سيؤثر على الأنشطة الحياتية المتعددة كما أنّه قد تحصل حالات يدور فيها الاحتمال بين حكمين إلزاميين متعارضين كالوجوب والحرمة مما يتعذر معه الاحتياط، كما أنّه ليس متيسراً أحياناً معرفة مقتضى الاحتياط ومتطلباته في الواقعة المعينة، وفي ضوء هذه المشاكل فإنّ اتخاذ الاحتياط طريقاً ثابتاً للتعرف على الأحكام الشرعية وامتثالها أمر محرج أو متعذر ولكن الاحتياط في بعض المسائل من دون اتخاذه منهجاً أمر حسن ومحمود.

ومن هنا انحصر سلوك الناس في التعرف على الأحكام وامتثالها على طريقي الاجتهاد والتقليد وتوجد موارد لا يحتاج فيها إليهما فيما إذا علِم المكلف بالقطع واليقين حكماً من الأحكام الثابت وجودها في الدين كوجوب الصلاة وإباحة أكثر الأشياء.

شروط التكليف

تصبح الأحكام التكليفية ملزمة للإنسان إذا اجتمعت فيه الشروط العامة للتكليف، وهي البلوغ والعقل والقدرة، فلا تكليف على الصبي حتى يبلغ ولا على المجنون حتى يفيق، ولا على العاجز حتى تتوفر له القدرة. وهناك شروط خاصة للتكاليف تذكر في مواضعها كالاستطاعة للحج والخلو من الحيض للصوم وهكذا.(مسألة 1): يتحقق البلوغ عند الإنسان ذكراً أو أنثى بظهور علامات النضج الجنسي كحالة الشبق والشهوة والميل الى الجنس الآخر والتأثر بالامور الجنسية وبعض التغيّرات الجسمية والنفسية، ويكون الاحتلام - أي خروج المني في اليقضة او المنام- علامة قطعية على البلوغ عند الذكور، وكذا الحيض عند الإناث.

ولا بلوغ عند الأنثى قبل إكمال تسع سنين قمرية حتى لو خرج منها دم بصفات الحيض.

ولا يوجد مثل هذا الحد الأدنى للبلوغ عند الذكور، ولكن المعروف تأخّر الذكور عن الإناث في البلوغ.

ص: 21

وإذا لم تحصل أي علامة فيتعيّن تحديد البلوغ بالسن، وهو إكمال خمس عشرة سنة قمرية عند الذكور وثلاث عشرة سنة عند الإناث. وتقلّ السنة القمرية عن الشمسية أحد عشر يوماً.

وينبغي لأولياء الأمور تدريب أبنائهم على الطاعة وتجنيبهم المعاصي قبل هذا العمر لتتحول الحالة عندهم إلى برنامج حياتي ثابت.

مسائل في التقليد

(مسألة 2): لابد للمكلف من اتخاذ إحدى الطرق المذكورة للوصول إلى الحكم الشرعي وليس له أن يعمل بما يقتضيه رأيه أو هواه لأنّه من اتِّباع الظن وقد نهى الله تعالى عنه (إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم: 28).

(مسألة 3): يشترط في مرجع التقليد إضافة إلى ما ذكرناه في الاسلوب الثاني من الاجتهاد والعدالة: طهارة المولد وسلامة قواه النفسية والعقلية، وقدرته الكاملة على اداء وظائفه، وأن يكون عاقلاً بالغاً رشيداً، وأن يكون منتمياً لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لأنّه يمثل واسطة لنقل الأحكام إلى أتباع هذه المدرسة فلا بد أن يكون جزءاً منها، ويشترط أن يكون ذكراً إذا كان من يرجع إليه ذكور، وأن يكون عارفاً بشؤون الحياة العامة لأنّ لها دخلاً في فهم الموضوعات وبالتالي في صحة تطبيق الحكم عليها، وأن يكون ذا خبرة في الممارسة الفقهية والإحاطة بمقدمات الوصول إلى الحكم الشرعي، وكلما كانت هذه الشروط أكثر توفراً في المجتهد وأمكن تحديدها فينبغي اختياره في التقليد وهو المعنى الواسع (للأعلمية) الذي نفهمه.

وإذا توفرت هذه الصفات في أكثر من شخص فيمكن للمكلف اختيار أحد الذين يقعون في دائرة محتملي الأعلمية، ويحسن الاحتياط في المسائل المهمة فيما إذا اختلفوا بينهم، كما لو أحرم من الميقات وكانت حركة سيره ليلاً ولا يوجد مطر

ص: 22

في السماء، فقد قال بعضهم بعدم حرمة التظليل، وقالآخرون بحرمته مطلقاً فالاحتياط هنا بترك التظليل لأنّ الحج يجب مرة في العمر فيحسن الاحتياط فيه.

ولما كانت المرجعية في الفتوى لا تنفك عن متابعة شؤون الأمة الحياتية وقيادتها في قضاياها المصيرية فضلاً عن الجزئية فيشترط الرجوع إلى المجتهد الحي الذي قد يجيز لمقلديه العمل بالرسالة العملية للمجتهد الميت إذا اقتنع بذلك مفترضاً فيها أنّها رسالته العملية مع إرجاعهم له في المسائل المستحدثة والتي يختلف فيها معه.

(مسألة 4): إذا مات المرجع الذي يقلّده المكلف فعليه الرجوع إلى المجتهد الحي الذي تنطبق عليه الشروط السابقة فوراً، وهو الذي يحدد للناس كيفية الرجوع إليه وإلى المجتهد الميت وإذا لم يفعل المكلف ذلك غفلة أو إهمالاً أو اعتزازاً بالميت فعليه استعلام وظيفته فيما أداه في تلك الفترة من المجتهد الحي.

(مسألة 5): يثبت الاجتهاد والأعلمية بشهادة أهل الخبرة والاختصاص وهم فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية الشريفة القادرون على فهم بحوث المجتهدين والتمييز بينها فضلاً عن مجتهديها، أمّا غيرهم فليس لهم بيان الرأي في هذا الموضوع ولا اعتبار لقولهم مهما كان عددهم كبيراً، نعم، لهؤلاء الغير نقل شهادة أهل الخبرة إلى ذويهم وأصدقائهم كالرجل ينقل الى اسرته ما افاده اهل الخبرة، وهذا ما جرت عليه سيرة العقلاء في سائر العلوم والفنون، والفقه منها.

ويشترط في أهل الخبرة إضافة إلى الفضيلة العلمية المرموقة الدقة في الشهادة والورع والترفع عن الهوى والمصالح الشخصية والفئوية.

(مسألة 6): إذا قلّد مجتهداً فاختلّ فيه أحد شروط الرجوع إليه وجب العدول إلى من اجتمعت فيه، وإذا ظهر من هو أجمع للشروط الأساسية في التقليد بحيث يصبح اطمئنان المكلف أكبر بصواب الأحكام لدى الثاني باعتبار قوة ملكته وإحاطته بمقدمات ووسائل الوصول إلى الحكم الشرعي وجب على المكلف العدول إلى الثاني أيضاً.

ص: 23

(مسألة 7): إذا عمل المكلف بلا مستند شرعي من الطرق التي ذكرناها فإن اتفقت مطابقة عمله لفتوى المرجع الذي كان عليه أن يقلّده في زمن العمل - ومنها قصد القربة في موارد اشتراطه- فلا بأس عليه، وإن لم يكن كذلك فيسأل المجتهد الجامع للشروط لتحديد وظيفته من القضاء وعدمه.

(مسألة 8): الوكيل في عمل يعمل بمقتضى تقليد موكّله لا تقليد نفسه، لكن المستأجر لأداء العبادات عن الميت يؤديها طبقاً لتقليده هو لا المنوب عنه، لأنّ الأجير هو المتقرب إلى الله تعالى بالعبادة وهي فعل نفسه ويترتب عليها إبراء ذمة الميت.

(مسألة 9): المأذون والوكيل عن المجتهد ينعزل بموت المجتهدسواء كان وكيلاً عاماً أم خاصاً، كالتوكيل في بعض الاوقاف أو في أموال القاصرين.

(مسألة 10): لا يجوز للمكلف نقل الفتوى إلى غيره إلا بعد التأكد من صدورها من مرجع التقليد وإلا بعد فهم المراد منها جيدا، ولو أخطأ في النقل فإن كان ما نقله موافقاً للاحتياط ولم يستلزم تضييع حكم الزامي، كما لو نقل عدم وجوب شيء وكان جائزاً فليس عليه تصحيح النقل، وإن كان العكس كما لو نقل عدم وجوب شيء أو عدم حرمته وكان واجباً أو حراماً فعليه التصحيح.

(مسألة 11): ما نذكره من الاحتياطات يجب العمل به إلا أن نقول عنه إنّه استحبابي أو يرجع المكلف إلينا لمعرفة وجهه.

(مسألة 12): يجب على الإنسان أن يتفقه في الدين بالمقدار الذي يبرئ ذمته أمام الله تبارك وتعالى، فيتعلم أحكام الواجبات ليؤديها بالصورة المجزية والمبرئة للذمة ويتعرف على المحرمات ليتجنبها.

(مسألة 13): إذا نقل أكثر من شخص أجوبة متعارضة عن مرجع تقليده فإن حصل الاطمئنان بنقل أحدهما عمل بموجبه وإن لم يحصل فعليه التثبت والاحتياط حتى يعرف الجواب الصحيح.

(مسألة 14): لا يجوز التقليد في العقائد، بل يجب أن تكون عن قناعة بالحجة

ص: 24

والدليل، ويكفي فيه أن يكون مبسّطاً ويثير كوامن الفطرة فيعتقد بالتوحيد لأنّه (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: 22) أو كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) (لو كان لربك شريك لأتتكَ رُسُله).

الاجتهاد ووظائف المجتهد

الاجتهاد ملكة شريفة تؤهّل صاحبها لأخذ الأحكام من مصادرها وهو شرط أساسي للوصول إلى مرتبة المرجعية وقيادة الأمة التي تعبّر عن لطف إلهي عظيم باختيار من اجتمعت فيه شروطها لنيابة المعصوم (عليه السلام).

وبين الوصول إلى درجة الاجتهاد - التي هي درجة علمية- واستحقاق المرجعية وقيادة الأمة - التي هي مسؤولية دينية اجتماعية عامة- مدة زمنية أولاً لإنضاج الملكة وتقويتها بالممارسة وسعة الإحاطة، ومراتب معنوية ثانياً للسير في مدارج الكمال وتهذيب النفس والارتباط بالله تبارك وتعالى بحيث يصبح مسؤولاً عن مصير أمة كبيرة مما ذكرناه في كتاب (الأسوة الحسنة)، وتأهيل اجتماعي ثالثاً للتدريب على تحمّل المسؤولية ورعاية شؤون الأمة حتى يستحق نيابة المعصوم في استحقاقاته ووظائفه ومسؤولياته.(مسألة 15): الاجتهاد ملكة وقدرة فإذا توفرت في الشخص - بفضل الله تبارك وتعالى- صار مجتهداً ولا معنى لتجزئها، نعم، هي قابلة للضعف والقوة كسائر الملكات، وهي -كممارسة- قابلة للتخصص، ولما كانت الممارسة الطويلة وسعة الاطلاع على الآراء الفقهية ذات تأثير في دقة الحكم الصادر فإنّ التخصص في الفقه كالتخصص في الطب وسائر العلوم الأخرى أمر مقبول، بل مستحسن ويساهم في إنضاج العلم وتعميقه والوصول إلى نتائج مبدعة.

وإذا وجد فقيه متخصص في مجال معين وكان (أعلماً) في اختصاصه فيمكن، بل يجب الرجوع إليه في هذا المجال ويبقى في غيره ملتزماً بمرجع تقليده، ويمكن تصّور التخصص على صعيد (الفقه الفردي) المتعارف فيتخصص في كتاب القضاء

ص: 25

مثلاً أو النكاح او البيع، ويمكن تصوره على صعيد (الفقه الاجتماعي) فيتخصص في احكام الاحوال الشخصية أو القوانين الجنائية او احكام الدولة السياسية أو الاقتصاد ونحوها.

(مسألة 16) وظائف المرجع ومسؤولياته كثيرة ومتوزعة في ابواب الفقه ولكن يمكن ادراجها ضمن عناوين ثلاثة:

الأول: الإفتاء واستخراج أحكام مختلف الحالات والوقائع من أصول التشريع.

(مسألة 17): لا يجوز لغير المجتهد النظر في الأدلة لاستخراج الحكم الشرعي بقصد العمل به لنفسه فضلاً عن غيره، كما لا يجوز لغير من اجتمعت فيه شروط المرجعية أن يفتي أو يصدر مواقف أو أحكاماً عملية بقصد عمل الغير.

(مسألة 18): إنّ ما قيل من حرمة التقليد على المجتهد ولزوم قيامه بنفسه بعملية الاستنباط من الأدلة لا يوجبه تحقق ملكة الاجتهاد عنده وإنّما يتنجّز وجوب الاستنباط عليه عند عدم الاطمئنان للحكم ولو باحتمال معتنى به في مسألة ما، لذا جاز إرجاع المكلفين إلى الغير سواء كان من الأحياء أو الأموات إلا في المسائل التي يتزلزل فيها هذا الاطمئنان، وفي ضوء هذا فلا يحرم على المجتهد العمل بفتاوى مجتهد غيره جامع للشرائط إذا لم تتوفر له فرصة الاستنباط إلا مع عدم حصول الاطمئنان بفتواه.

(مسألة 19): إذا تبدّل رأي المرجع فعليه إعلام مقلديه ببيان منفصل أو بإعادة طبع الرسالة العملية مع تمييز موارد التبدّل في خصوص المسائل التي تندرج في وظيفة التقريب من الطاعة وتجنيب المعصية وحفظ المصالح.

(مسألة 20): الاجتهاد واجب اجتماعي أو كفائي بحسب المصطلح، بمعنى أنّ على الأمة تهيئة الظروف والمقدمات لوصول العدد الكافي من أبنائها إلى مرتبة الاجتهاد، لأنّ قيادة الأمة وهدايتها وصلاحها لا يكون إلا بمن توفر فيه هذا الشرط إضافة لما تقدم وقد وعد الله تبارك وتعالى علىلسان المعصومين (عليهم السلام) أن الأرض لا تخلو من حجة ترجع إليه الأمة.

ص: 26

(مسألة 21): إذا سار نظام الحوزة العلمية الشريفة في طريق التخصص في الاجتهاد فيمكن أن نصل في يوم ما إلى مجلسٍ من المجتهدين الجامعين للشرائط تتوزع عليهم مسؤولية الافتاء، ويكون المرجع القائد رئيساً لهم ويمسك بالوظائف الاجتماعية كالقرار السياسي وصلاة الجمعة والقضاء وإقامة الحدود وتنظيم الميزانية المالية ونحوها.

(مسألة 22): إذا لم تكن لمرجع التقليد فتوى في مسألة معينة وتعذّر استحصالها منه فيمكن الرجوع إلى غيره في خصوص تلك المسألة مع مراعاة أنّ ذلك الغير هو الأجمع للشروط التي ذكرناها.

(مسألة 23): نقصد بالحاكم الشرعي في أي موضع ورد في هذه الرسالة المجتهد العادل وإن لم يكن مستجمعاً للشروط الأخرى لمرجع التقليد.

الثاني: القضاء بين الناس والنظر في الخصومات.

(مسألة 24): لا يجوز التحاكم إلا عند المجتهد العادل ولو لم يكن مرجعاً لتقليد المترافعين، أو عند من ينصبه المجتهد العادل للقضاء بعد أن يعرّفه صلاحياته وحدوده كالحكم في القضايا التي هي عبارة عن نقل الفتوى أو الاستماع إلى المتخاصمين وأقوال الشهود ونحوها من القرائن والأدلة ورفع القضية إلى الحاكم الشرعي ونحوها.

(مسألة 25): إذا عجز المدّعي عن استرداد حقه بالترافع عند الحاكم الشرعي فتبقى حرمة الترافع إلى المحاكم الوضعية ثابتة إلا إذا كان الحق معيّناً ومشخّصاً في الخارج، كداره المغصوبة أو سيارته المسروقة فيجوز له الترافع لاستنقاذها، دون ما لو كان الحق كلياً في الذمة كمبلغ من المال، ولو استعاد مالاً بهذه الطريقة فأخْذُه محرم وإن كان مُحقّاً في دعواه.

(مسألة 26): إذا نظر الحاكم الشرعي في قضية وحكم بها فلا يجوز نقض حكمه حتى لمجتهد آخر، نعم لذلك الآخر مناقشته في المقدمات والأدلة والحجج التي استند إليها كالقدح في الشهود ونحوه.

ص: 27

(مسألة 27): الحكم بثبوت الهلال ليس مشمولاً بالمسألة السابقة لأنّه ليس فيه انشاء للحكم بهذا المعنى وإنّما هو اخبار عن تطبيق وإجراء لفتوى، فيمكن لمجتهد أن يكون له نظر في ثبوت الهلال غير ما حكم به الآخر لاختلافه معه في المبنى كوحدة الآفاق وعدمها ونحوه.

(مسألة 28): لا يجوز للمرأة التصدي لمنصب القضاء بين عموم الناس لما عُرِفَ من ذوق الشريعة وارتكاز المتشرعة من عدم وضع المرأة في مثل هذه المواقع، كالمرجعية العامة للتقليد وولاية شؤون الأمة ولكن لا مانع من تحاكم النساء إليها أو أزيد من ذلك في الحدود التي ذكرناها في المسألة (24).

الثالث: ولاية أمر الأمة.وهذا العنوان يضمّ عدة وظائف:

1- رعاية شؤون الأمة -كياناً وأفراداً- ومصالحها وحل مشاكلها وقضاء حوائجها.

2- الدفاع عن حقوق الأمة في جميع النواحي الدينية والاقتصادية والسياسية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية.

3- المحافظة على وحدتها وتماسكها وصيانة عزّتها وكرامتها.

4- هدايتها إلى الكمال وإرشادها وتوجيهها إلى ما يسعدها ويصلح حالها في الدنيا والآخرة.

5- الوقوف في وجه الظلم والفساد والانحراف وتفعيل وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

6- القيام بما يتوقف عليه حفظ النظام الاجتماعي العام.

7- التصدي للوظائف الاجتماعية التي لا يجوز تأديتها اعتباطاً، كإقامة صلوات الجمعة وتنظيم العمل المسلح وتحديد مصارف الأموال العامة ومستحقيها ومراعاة العدالة في الاستفادة من الثروات الطبيعية والأراضي العامة ونحوها.

8- التدخل لتشخيص الشبهات الموضوعية التي ليست هي من وظائف

ص: 28

المفتي لكنها من وظائف القائد وولي أمر الأمة، كإثبات أوائل الشهور وكانتهاك المقدسات الموجب للدفاع المسلح ونحوه.

وهذه العناوين العامة يندرج فيها الكثير من المسؤوليات والصلاحيات التفصيلية التي يحتاج بيانها إلى بحث خاص(1).

والخلاصة أنّ الفقيه الجامع للشرائط لما كان نائباً عن الإمام المعصوم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بالنيابة العامة لا الخاصة التي تعني تعيينه بالنص من قبل الإمام فله كل الصلاحيات والوظائف التي جعلها الله تبارك وتعالى للإمام وأذن الامام بتفويضها الى نوابه مما يرجع إلى تدبير شؤون الأمة ديناً ودنياً بحيث لا يرضى الشارع المقدس ولا العقلاء بإهمالها وتعطيلها والتي يتعذر على الامام المعصوم الحجة الغائب القيام بها مباشرة لمنافاتها لمقتضى المصلحة الالهية باخفاء امره على الناس.

والدليل على هذه الولاية لنائب الإمام - في حال غيبته- هو نفسالدليل على وجوب وجود الإمام نفسه، وهو حكم العقل بوجوب نصب إمام ومرجع يحفظ البلاد وينظّم أمور العباد الدينية والدنيوية، وقد عبّر أمير المؤمنين(عليه السلام) عن هذا الوجوب بقوله: (لابد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلّغ الله فيه الأجل، ويجمع به الفيء، ويُقاتَل به العدو، وتأمن

ص: 29


1- فهو وارث من لا وارث له وله الولاية على أموال المفقود ويطلّق زوجته عند مرور أربع سنوات ويُجبر المحتكر على البيع ويحدد الأسعار إذا أجحفت بالناس ويتدخل في تشخيص الشبهات الموضوعية التي لها دخل في نظام حياة الناس ويشترط تحصيل إذنه بالتصرف في مجهول المالك ويتصدى لأي عمل فيه رفع للضرر عن الأمة كتوسيع الطرق وتهديم الأبنية الآيلة للسقوط ويقبض حق الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويصرفه في موارده وهو الذي ينصب القيّم على الصغير والسفيه والمجنون والمتولي للأوقاف العامة ويقوم بكل ما فيه حفظ النظام الاجتماعي العام كإقامة الجسور وبناء المدارس والمستشفيات واستخراج المعادن واستصلاح الأراضي وهو الذي يأمر بإقامة الحدود ويطلّق الزوجة إذا امتنع الزوج عن توفير حقوقها وغيرها كثير.

به السُبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بَرٌ ويُستراحُ من فاجر)(1)

ومع ثبوت هذه اللابدّية فيلزم منها جعلها من قبل الله تعالى ولابد أن تكون للفقيه العارف بالقانون الإلهي والقادر على استنطاق مصادر التشريع والأخذ منها وأن يكون بدرجة عالية من النزاهة وعدم الانسياق وراء أهواء النفس والترفع عن الدنيا والذوبان في الله تبارك وتعالى بحيث يعيش معه في كل وجدانه وأن يكون متخلقاً بأخلاقه تبارك وتعالى(2).

ويؤكد هذا الحكم العقلي ويرشد إليه ما ورد عن ابن شاذان عن مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديث قال فيه (فإن قال فلم وجب عليهم معرفة الرسل والإقرار بهم والإذعان لهم بالطاعة، قيل له: لأنّه لما لم يكن في خلقهم وقولهم ما يكملون به مصالحهم وكان الصانع متعالياً عن أن يُرى وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهراً لم يكن بُدّاً بينه وبينهم معصوم يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه ويوقفهم على ما يكون فيه إحراز منافعهم ودفع مضارهم إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ويحتاجون إليه من منافعهم ومضارهم فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته لم يكن في مجيء الرسول منفعة ولا سد حاجة ولكان إثباته عبثاً بغير منفعة ولا صلاح وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شيء، فإن قال: فلمَ جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم، فقل: لعلل كثيرة منها أن الخلق لما وقفوا على حدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أميناً يمنعهم من التعدي والدخول فيما حضر عليهم لأنّه إن لم يكن ذلك كذلك لكان أحدٌ لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيّماً يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام، ومنها أنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل عاشوا وبقوا إلا بقيّم ورئيس لما لابد لهم من أمر الدين والدنيا فلم يجُز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنّه لابد لهم ولا قوام لهم

ص: 30


1- نهج البلاغة، الخطبة 40 من كلام له (عليه السلام) في الخوارج لما سمع قولهم (لا حكم إلا لله).
2- راجع كتابنا (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين).

إلا به فيقاتلون به عدوهم ويقسمون به فيئهم ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم، ومنها أنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيّماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملة وذهب الدين وغيّرت السنة والأحكام ولزاد فيه المبتدعون ونقص منهالملحدون وشبّهوا ذلك على المسلمين، لأنّا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم فلو لم يجعل لهم قيّماً حافظاً لما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) لفسدوا على نحو ما بيّنّا وغُيّرت الشرائع والسنن والأحكام والايمان وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين)(1).

(مسألة 29): ليس للمرأة ولاية أمر الأمة.

(مسألة 30): كما أنّ الفقيه الجامع للشرائط نائب عن الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في الامتيازات والصلاحيات فهو نائب عنه في تحمل المسؤوليات والقيام بالوظائف التي كان يؤديها الإمام (عليه السلام) وقد ذكرنا جملة وافرة منها في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

(مسألة 31): عندما لا يكون النظام السياسي قائماً على أساس الإسلام ولا يكون الفقيه مبسوط اليد فإنّه يأذن بتصرفات الحكومات القائمة في حدود ما فيه حفظ النظام الاجتماعي العام وعدم مخالفتها للشريعة فتكون تلك الحكومات بمثابة الوكيل عنه في هذه التصرفات وهو المالك الحقيقي لها، لذا يشترط استئذانه في هذه التصرفات، ويترتب على ذلك أنّ كل ما جرت عليه يد الدولة من أبنية ومؤسسات واستثمارات وغيرها فمالكها الحقيقي هو الإمام ويحتاج التصرف فيها الى اذن من نائب الامام وهو المرجع، وليست هي من مجهول المالك أو من المباحات العامة التي تُملك بالحيازة ووضع اليد.

(مسألة 32): لا يفرض الفقيه ولايته على الأمة بالإكراه وإنّما يشترط تحقق إرادتها واقتناعها بولايته، نعم، لا نقصد بالأمة كل الأمة ولا يتم اختيار الولي الفقيه بالانتخابات العامة لكل الناس وإنّما نقصد بالأمة أهل الخبرة والاختصاص منها في

ص: 31


1- علل الشرايع للشيخ الصدوق .

هذا المجال وهم فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية الشريفة المتصفون بالورع والنزاهة والمعرفة بمتطلبات العمل الاجتماعي وتطبيق المشروع الاسلامي المبارك.

(مسألة 33): يجب على الفقيه أن يخطط وينفذ قولاً وعملاً بمقدار ما يُيسّره الله تبارك وتعالى له لإقناع الناس بالإسلام والنظام الإسلامي وصلاحيته لقيادة البشرية نحو السعادة والسلام.

خاتمة في معنى العدالة

ورد اشتراط العدالة في موارد عديدة كمرجع التقليد وإمام الجماعة والشهود والرواة، ويراد بها قابلية وملكة نفسية يكون الشخص بموجبها قادراً على ضبط تصرفاته وعقائده وميوله في حدود تعاليم الشريعة المقدسة، وأساسها المعرفة بالله تبارك وتعالى ومن ثم العلم بما يقرب إلىرضوانه سبحانه ويبعد عن سخطه جل جلاله ومن ثم العمل بهذا العلم(1).

وتتباين مراتب العدالة قوةً وضعفاً بحسب درجة معرفته بالله تبارك وتعالى وعلمه باستحقاقات هذه المعرفة وهمته في تهذيب نفسه وتطهير قلبه والعمل بهذه الاستحقاقات.

وقد لا يستقر للإنسان حال واحد فتراه متقلباً من حال إلى حال، وقد ضمّت كتب الأخلاق والمعرفة تفاصيل كثيرة عن هذه المراتب والأحوال واستحقاقاتها من أعمال الجوارح والجوانح فيجب على الإنسان أن يتعرف على ما يصلح حاله ويعمل بما ينجيه من غضب الله تبارك وتعالى وينيله رضوانه، ويتعمق هذا الوجوب ويتسع على المتصدي لشؤون الأمة.

(مسألة 34): العدالة يمكن أن تزول في لحظة من لحظات الانسياق وراء شهوات النفس وتسويلات الشيطان فعلى الإنسان أن يرجع فوراً إلى ربه ويستغفر

ص: 32


1- راجع كتاب (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين).

ويعقد العزم على عدم العود ويطلب العصمة والتسديد من الله تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فإذا هُم مُّبْصِرُونَ) (الأعراف: 201).

ومفارقة العدالة بهذا المقدار لا تعني الإخلال بالشرط وإنّما يصبح غير عادل من أصبح خطّه العام حب الدنيا واتباع الشهوات والإخلاد إلى الأرض والإعراض عن ذكر الله تعالى.

(مسألة 35): العدالة -كشرط- وإن وردت في عدة موارد كالتي ذكرناها إلا أن الدرجة المطلوبة منها مختلفة من مورد إلى مورد، فيكفي في عدالة الراوي وثاقته وعدم احتمال تعمد الكذب منه، ويراد من عدالة الشاهد أمانته وصدقه وموضوعيته، أمّا إمام الجماعة فيراد منه أكثر من ذلك حيث يراد منه حسن سيرته والتزامه بآداب الشريعة فضلاً عن واجباتها واجتناب محرماتها وتبلغ ذروة الدرجات في ولي أمر الأمة حيث يشترط فيه أقصى حالات السيطرة على ميول النفس وامتلاء القلب بالرحمة والشفقة والعقل بالعلم والمعرفة ونحوها.

تم كتاب الاجتهاد والتقليد بعونه تعالى

والله سبحانه العالم فهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 33

ص: 34

كتاب الطهارة

اشارة

ص: 35

ص: 36

كتاب الطهارة

الطهارة قسمان:

الأول: الطهارة المعنوية وهي تطهير قلب الإنسان من الغل والحسد والحقد والأنانية ونحوها من الرذائل وتهذيب النفس من اتِّباع الهوى والتعلق بالدنيا ونسيان الآخرة والغفلة عن الله تبارك وتعالى وهو الطريق الأكمل للوصول إلى الله تبارك وتعالى وقد تكفّلت كتب الأخلاق والمعرفة الإلهية بيان الفضائل والرذائل وكيفية تحلية النفس بالأولى وتخليتها عن الثانية.

الثاني: الطهارة الظاهرية وتكون من:

الخبث وهي النجاسات التي تصيب الجسد وغيره كالبول والدم ونحوها ولرفع أثرها كيفيات خاصة.

أو من الحدث وهي فعاليات حياتية وجسدية يقوم بها الإنسان وتصدر منه وهي على قسمين:

1- الحدث الأصغر وهو ما يوجب الوضوء أو التيمم عند التعذر وتشمل النوم وخروج البول والغائط.

2- الحدث الأكبر وهو ما يوجب الغسل أو التيمم عند التعذر وتشمل الجنابة وهي ممارسة الاتصال الجنسي أو خروج المني والحيض وغيرها.

وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً بإذن الله تعالى.

ولما كان الماء هو يشكل المادة الرئيسية في رفع الخبث والحدث قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) (الفرقان: 48)، أي طاهراً ومطهراً إذا فهمناه بمعنى اسم الفاعل، وقال تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ) (الأنفال: 11).

لذا بدأ الفقهاء حديثهم عنه في المبحث الأول من كتاب الطهارة ثم اتبعوه بمقاصد أخرى لبيان سائر التفاصيل.

ص: 37

المبحث الأول: أقسام المياه وأحكامها

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في أقسام المياه

يقسم الفقهاء ما يستعمل فيه لفظ الماء إلى قسمين:

الأول: ماء مطلق، وهو الماء الطبيعي المتعارف الموجود في الأنهار والبحار وأنابيب إسالة الماء وغير ذلك.الثاني: ماء مضاف، كماء الرمان وماء الورد وإنّما يطلق عليه لفظ الماء مجازاً لأنّه ليس ماءً حقيقة لذا فإنّه لا يذكر إلا مع المضاف إليه.

الفصل الثاني: في الماء المطلق

اشارة

الماء المطلق إمّا لا مادة له، أي ليس متصلاً بمصدر مائي يعوض المقدار المأخوذ منه باستمرار، أو له مادة فمثلاً وعاء فيه كمية من الماء فتارة تجري عليه حنفية الإسالة بحيث تعوض كل ما يؤخذ منه أو بئر يستقى منه الماء فيعود إلى مستواه الطبيعي أو عين نابعة من الأرض فهذا متصل بمادة.

والأول - أي غير المتصل بمادة- قد يكون قليلاً لا يبلغ مقداراً محدداً شرعاً يسمى الكُرّ فيسمى (الماء القليل)، وقد يكون كثيراً أي يبلغ هذا المقدار فيسمى (الماء الكثير)، ولكل واحد منهما أحكامه.

وبغض النظر عن هذا التقسيم فإنّ الماء قد يكون جارياً فتترتب عليه بعض الأحكام التي تأتي مع تعريف الجريان بإذن الله تعالى ويسمى (الماء الجاري)

ص: 38

ويسمى الماء المتصل بمادة، والماء الكثير وإن لم يتصل بمادة، والماء الجاري ب (الماء المعتصم) وغيرها ب (الماء غير المعتصم).

1- الماء القليل:

وهو ما لم يبلغ مقداره الكر وليس متصلاً بمادة فإنّه ينفعل - أي يتنجس- ويتأثر كله بملاقاة ولو جانب منه للنجاسة، سواء كانت عين النجاسة أو المتجنس المباشر بها، أي ما يسمى بالمتنجس الأول.

(مسألة 36): يطهر الماء المتنجس القليل باتصاله بماء معتصم كفتح حنفية الإسالة عليه مثلاً أو بوصله بخزان ماء يحتوي على كرٍّ فأكثر، كما يطهر بتقاطر ماء المطر بمقدار معتد به وليس بقطرات بسيطة.

(مسألة 37): الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأصغر والأغسال المستحبة طاهر ومطهر من الحدث والخبث، والمستعمل في رفع الحدث الأكبر- مع طهارة بدن المغتسل- طاهر ومطهر من الخبث، والأفضل عدم استعماله في رفع الحدث - بنوعيه - مرة أخرى بجمعه في إناء مثلاً عند الاغتسال به ثم إعادة استعماله مرة أخرى إذا تمكن من ماء آخر، وإذا فعل ذلك مع التمكن من غيره فالأحوط استحباباً ضم الطهور من الحدث بالماء الآخر، واذا لم يكن عنده ماء غيره تطهر به من الحدث والاحوط استحباباً ضم وظيفة فاقد الماء اليه بحسب نوع الحدث بنية رجاء المطلوبية.

أمّا المستعمل منه في رفع الخبث فهو نجس إذا لاقى عين النجاسةوالصبة الأولى بعد زوالها.

2- الماء الجاري:

وله مصاديق عديدة كالماء النازل من الميزاب نتيجة هطول الأمطار على السطح وكالنابع من العيون ثم يجري على الأرض وكالماء المتدفق من حنفيات الإسالة ويسيل على الأرض، وهذا كله معتصم لأنّه متصل بمادة فلا ينفعل بملاقاة النجاسة، وإنّما الكلام في الماء القليل الجاري سواء كان منصبّاً من الأعلى إلى

ص: 39

الأسفل كالمتدفق من الإبريق أو كان من الأسفل إلى الأعلى كالماء الخارج من الفوارة أو النافورة، وعلى كلا التقديرين فإذا لاقى النجاسة فإنّ محل الملاقاة فقط يتنجس دون العمود المتصل، أي ينطبق حكم الماء القليل على الجزء الملامس لعين النجاسة فقط.

(مسألة 38): الجريان حالة يحكم بها العرف ويشترط فيها مستوى من سرعة الجريان والكمية.

(مسألة 39): ماء الحنفية والدوش من الجاري ما دام متصلاً فإن تقطع كان من القليل.

3- الماء الكثير:

وهو ما بلغ مقداره الكُر وله تحديدان شرعاً:

الأول: بحسب الحجم أو المساحة بحسب تعبيرهم وذكرت له عدة مقادير بحسب الأشبار تتراوح بين (27) شبراً مكعباً و() شبراً مكعباً فإذا فرض أنّ طول الشبر المتعارف حالياً يتراوح بين (21 و23) سنتمتراً نتجت عندنا حجوم متباينة بشدة تتراوح بين (250) لترا ًحيث اللتر يساوي (1000) سنتمترٍ مكعب و(522) لتراً.

الثاني: بحسب الوزن ويتراوح بين (377) كغم و(400) كغم.

وحيث أنّ كثافة الماء الصافي هي (1) كغم لكل لتر فيمكن تحويل مقدار الكر بحسب الحجم إلى ما يساويه بحسب الوزن.

والمختار أنّ وزن الكر هو (377) كغم أو لتر، ويحسن الاحتياط بالرقم الآخر وهو (400) كغم أو لتر.

ويمكن إحراز ذلك بدقّة بأن يكون حجم الخزان (377) لتراً بغض النظر عن شكله واطواله، اما الحجم المذكور في الروايات ك ()شبراً مكعباً أو (36) شبراً مكعباً فهو لاحراز تحقق هذا المقدار وليس من الضروري الوصول اليه. ويكفي تحقق (36) شبراً مكعباً بطول للشبر يساوي (22) سنتمتراً بأن تذرع أضلاعه

ص: 40

وعمقه بالأشبار ثم يستخرج الحجم وفق القواعد الحسابية المعروفة للأشكال الهندسية كالمكعبوالاسطوانة وغيرها.

(مسألة 40) اذا اتصل اكثر من خزان وكان مجموعهما كراً كفى في تحقق الكرّية في أحدهما ما دام الاتصال قائماً.

(مسألة 41): الماء الكثير لا ينفعل بملاقاة النجاسة فضلاً عن المتنجس بها إلا إذا تغير بلون النجاسة أو طعمها أو ريحها.

(مسألة 42): ينقسم التغير في أحد الأوصاف الثلاثة إلى حسي وتقديري، والتغير الحسي هو التغير الذي يظهر إلى الحس ولا إشكال في كونه منجساً للماء عند حصوله.

أمّا التغير التقديري فهو افتراضي لا يظهر للحواس وهو على أقسام:

أولاً: التغير الذي لا يظهر للحس لكون النجاسة الملاقية للماء فاقدة للصفات المؤثرة فيه بأحد الأوصاف الثلاثة وفي مثله لا إشكال في طهارة الماء الكثير.

ثانياً: التغير الذي لا يظهر للحس لكون الماء حاصلاً على مانع ذاتي عن تغيره بالصفة، كما إذا كان مسخناً إلى درجة حرارية عالية وفرض أنّ مثل هذه الحالة تعصمه من التأثر بأوصاف النجاسة وفي مثله يبقى الماء طاهراً أيضاً.

ثالثاً: التغير الذي لا يظهر للحس لكون الماء متصفاً بصفة تمنع ظهور التأثر بأوصاف النجس مع وجود هذا التأثر حقيقة، كما لو وقعت قطرات حبر أحمر في الماء من دون خروجه عن عنوان الماء المطلق طبعاً ثم تلاها وقوع قطرات دم بحيث أنّه لولا حمرة الحبر لظهر تغير الماء بحمرة الدم بوضوح وفي مثله يحكم بنجاسة الماء.

(مسألة 43): إذا تغير الماء بغير اللون والطعم والرائحة كما لو تغيرت كثافته مثلاً فإنّه لا يتنجس.

(مسألة 44): إذا تغير لونه أو طعمه أو رائحته بالمجاورة للنجاسة وليس بالملاقاة فلا يتنجس أيضاً.

(مسألة 45): يكفي في حصول النجاسة التغير بوصف النجس في الجملة ولو

ص: 41

لم يتطابق مع أوصاف النجس، فإذا اصفر الماء بملاقاة الدم تنجس، إذ لا نعني بالتغير الذي ينجَّس الماء الكثير أن يكتسب نفس لون النجس أو طعمه أو ريحه بالضبط.

(مسألة 46): إذا تغير الماء بوقوع المتنجس فيه لم ينجس - مع الالتفات إلى أنّ كلامنا في الماء المطلق- إلا أن يتغير بوصف النجاسة التي هي موجودة في المتنجس، كالماء الملوث بالدم يقع في الماء الكثير فيتغير لونه إلى الصفرة مثلاً فإنّه يتنجس.

4- ماء المطر:

(مسألة 47): ماء المطر معتصم فلا يتنجس بملاقاة النجاسة في حال نزوله ومطهر لغيره على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى، أمّا لو وقع علىشيء كورق الشجر أو على سقف ونحوهما ثم تسّرب ووقع على النجس تنجس، ومنشأ الاعتصام أكثر من وجه فإنّه متصل بمادة وجارٍ.

(مسألة 48): إذا اجتمع ماء المطر في مكان وكان قليلاً، فإن كان يتقاطر عليه المطر فهو معتصم كالكثير، وإن انقطع عنه التقاطر كان بحكم القليل، نعم، إذا كان وقوعه على ورق الشجر بنحو يمر منه إلى الأرض لا إنّه ينزو منه إليها فهو معتصم لوجه أو أكثر مما تقدم.

(مسألة 49): الماء الجاري من الميزاب معتصم ولا ينفعل بملاقاة عين نجسة في الأرض ما دام المطر يتقاطر من السماء.

(مسألة 50): الثوب أو الفراش المتنجس إذا تقاطر عليه المطر ونفذ في جميعه طهر الجميع، وإذا وصل إلى بعضه دون بعض طهر ما وصل إليه دون غيره، هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة، وإلا فلا يطهر إلا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها، ولا يحتاج المتنجس بالبول إلى التعدد- وهو شرط التطهير بغير الماء الجاري- لأنّ ماء المطر جارٍ.

(مسألة 51): الأرض المتنجسة تطهر بوصول المطر إليها بشرط أن يكون من

ص: 42

السماء ولو بإعانة الريح، وأمّا لو وصل إليها بعد الوقوع على محل آخر -كما إذا ترشح بعد الوقوع على مكان كسقف أو أوراق شجر من دون أن يكون هذا المكان مجرى له كما أشرنا إليه في المسألة (48)، فوصل مكاناً نجساً- لا يطهر، نعم، لو جرى على وجه الأرض فوصل إلى أي مكان آخر لم يسقط عليه المطر مباشرة طهر بهذا الماء الجاري.

(مسألة 52): إذا تقاطر ماء المطر على عين النجس فترشح منها على شيء آخر لم يتنجس ما دام متصلاً بماء السماء بتوالي تقاطره عليه شريطة أن لا يكون حاملاً لعين النجس معه أو متغيراً بأحد أوصافه.

الفصل الثالث: في الماء الذي له مادة

(مسألة 53): الماء الذي له مادة وقد عرّفناه بالمتصل بمعين أو مصدر يمده بالماء ويعوض النقص فيه كالماء المتدفق من أنابيب الإسالة أو ماء المطر المستمر بالهطول أو ماء العيون المتدفقة أو مياه الأنهار والبحار والمياه الجوفية ونحوها، وهذا الماء معتصم لا ينجس بملاقاة النجاسة إلا إذا تغيّر بأحد أوصاف النجس كما تقدم.

(مسألة 54): يمكن للماء القليل أن يكون معتصماً إذا اتصل بماء كثير أو بما له مادة كالوعاء إذا فتح عليه أنبوب الإسالة، وكذا إذا كان ما في الوعاء نجساً فإنّه يطهر بمجرد اتصاله بالمادة مع عدم وجود التغير بالنجاسة، وكذا الماء الراكد المتصل بالمادة كالحوض الصغير المتصلبالنهر من خلال ساقية فإنّه يكون معتصماً ولا يتنجس بالملاقاة.

(مسألة 55): إذا شك في كون الماء متصلاً بمادة أو لا وكان قليلاً بُني على عدمه فلا يكون معتصماً من هذه الجهة.

(مسألة 56): الماء المعتصم يطهر ذاتياً إذا زال التغير بأوصاف النجس إذا كان

ص: 43

اعتصامه لكونه مما له مادة، أمّا إذا كان اعتصامه لأنّه ماء كثير فلا يكفي زوال التغير ذاتياً، بل لابد من اتصاله بمادة أو ماء كثير طاهر آخر.

(مسألة 57): ما يوضع في فوهة اتصال خزان الماء بالمادة التي يستمد منها الخزان ويسمى بالطوافة، يقطع اتصال ماء الخزان بالمادة في حالة امتلائه، وحينئذٍ فإذا كان الخزان بقدر الكر كان معتصماً، وإن كان دون الكر اعتبر ما في الخزان ماءاً قليلاً، ولكن بمجرد أن يبدأ الخزان بدفع الماء وتنخفض الطوافة، يعود الاتصال بالمادة ويصبح معتصماً.

وقد يوضع في فوهة الأنبوب حاجز فيه ثقوب صغيرة متقاربة، ينفذ الماء من خلالها بقوة ودفع، ويسمى بالدوش، وهذا الماء النازل من هذه الثقوب إذا كان ينزل بشكل قطرات متلاحقة مع فواصل بينها ولو صغيرة بنظر العرف فهو ماء قليل غير معتصم، وإن كان ينزل بنحو يشكل خطاً متصلاً في نظر العرف فهو معتصم لا ينفعل بالملاقاة.

(مسألة 58): الماء الذي كان قليلاً ثم شُك في صيرورته كراً يكون بحكم القليل، كما أنّ الماء الذي كان كراً في السابق ثم شك في صيرورته قليلاً يكون بحكم الكر.

أمّا الماء الذي يشك أصلاً في كونه كراً ولا يعلم بحالته السابقة من هذه الناحية فلا تنطبق عليه احكام الكثير ولا القليل. فيلحق بالقليل من حيث آثار الكثير كعاصميته لغيره، ويلحق بالكثير من حيث آثار القليل كالانفعال بالنجاسة بمجرد الملاقاة، فلو فُرض سقوط شيء متنجس في وعاء ماء بهذا الوصف فلا الماء يتنجس بالملاقاة لعدم العلم بانه قليل ولا الشيء يطهر بالوقوع في الماء لعدم العلم بانه كثير.

ص: 44

الفصل الرابع: حكم الماء المشتبه

إذا عُلم إجمالاً بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الآخر لم يجز رفع الخبث بأحدهما، ولا رفع الحدث، ولكن لا يحكم بنجاسة الملاقي لأحدهماحتى وإن كان الآخر مشكوك النجاسة.

وإذا اشتبه المطلق بالمضاف جاز رفع الخبث بالغسل بأحدهما ثم الغسل بالآخر، وكذا رفع الحدث وإذا اشتبه المباح بالمغصوب، حرم التصرف بكل منهما، ولكن لو غسل متنجساً بأحدهما طهر، ولا يرفع بأحدهما الحدث.

هذا كله إذا كانت الشبهة محصورة، أمّا إذا كانت أطراف الشبهة غير محصورة جاز الاستعمال مطلقاً.

والمعيار في كون الشبهة غير محصورة أن تكون الحالة بشكل يوجب ضعف احتمال الابتلاء بالتكليف عند مباشرة المكلف لأحد الأطراف بحيث يكون الإنسان واثقاً ومطمئناً بالعدم، فمثلاً لا يتوقف المسلم عن شراء اللحم من سوق القصابين المسلمين لمجرد علمه بوجود حالة غير منضبطة بالحدود الشرعية للتذكية، ولا يتوقف عن شراء الجبن من السوق لمجرد علمه أنّ بعض صانعيه لا يتورع عن النجاسات، لأنّ احتمال كون ما وصل إلى يده هو المحظور شرعاً بعينه احتمال ضعيف لا يَعتدّ به العقلاء ولا يأخذون بأمثاله في حياتهم، وهذه الامثلة نذكرها لتقريب الفكرة ، والا فقد يكون في هذه الموارد مصالح غير ما ذكرناه.

(مسألة 59): لا يختلف الحكم المذكور آنفاً لأطراف الشبهة المحصورة فيما لو أريق ماء أحد الإناءين ونحوه مما يخرجه عن دائرة الابتلاء والتعاطي مع الطرف الآخر، لأنّ العلم الإجمالي وإن انحل بذلك وتحول إلى شبهة إلا أنّها ليست مورداً لإجراء أصالة الطهارة فيها لأنّها مسبوقة بعلم إجمالي فلا يمكن استعمال هذا الماء لرفع الحدث والخبث.

ص: 45

الفصل الخامس: في الماء المضاف

الماء المضاف (وقد تقدم تعريفه في أول كتاب الطهارة)، وهو المعتصر من الاجسام الرطبة بالخلقة كالفواكه، أو الممتزج ببعض الاجسام امتزاجاً يسلبه عنوان الماء الاعتيادي او المطلق في نظر العرف: كماء الورد ونحوه، وكذا سائر المائعات كالدبس والخل والزيت، ينجس القليل منها والكثير بمجرد الملاقاة للنجاسة، إلا إذا كان متدافعاً على النجاسة بقوة كالجاري من العالي والخارج من الفوارة، فتختص النجاسة حينئذ بالجزء الملاقي للنجاسة، ولا تسري إلى العمود.

(مسألة 60): إذا تنجس الماء المضاف فإنّه لا يطهر أصلاً، وإن اتصل بالماء المعتصم كماء المطر أو الكر، نعم، إذا استهلك في الماء المعتصم كالكر فقد ذهبت عينه ويكون الحاصل طاهراً، ومثل الماء المضاف في الحكم المذكور سائر المائعات.

(مسألة 61): الماء المضاف لا يرفع الخبث ولا الحدث.(مسألة 62): الأسئار كلها طاهرة إلا سؤر الكلب والخنزير والاحوط وجوباً في الكافر غير الكتابي، أمّا الكتابي فإنّه طاهر ذاتاً، ويكره سؤر غير مأكول اللحم عدا الهرة.

وورد في الروايات الشريفة أنّ سؤر المؤمن شفاء، بل في بعضها إنّه شفاء من سبعين داءً.

(مسألة 63): إذا شك في ماء أنّه مطلق أو مضاف وكانت له حالة سابقة من أحدهما قبل الشك فتُستَصحب، وإن لم تكن له حالة سابقة بأن كان الشك ابتداءً من الأصل فيحكم له بالاطلاق من حيث التأثر-كالانفعال بالنجاسة- ويحكم له بالإضافة من حيث التأثير -كالتطهير- .

(مسألة 64): لا تتحقق الإضافة باختلاط الماء المطلق بمواد أخرى كالتراب والصابون والسدر فيبقى اسمه ماءً مخلوطاً بشيء حتى يقتنع الوجدان بأنّ اسمه قد

ص: 46

تحول إلى الإضافة فأصبح طيناً أو ماءَ صابونٍ.

المبحث الثاني: أحكام الخلوة

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في واجبات التخلي

يجب حال التخلي ملاحظة ما يلي:

أولاً: وجوب ستر العورة(1) ويراد منها هنا في باب التخلي (القبل والدبر وما بينهما والبيضتان) عن كل ناظر مميز عدا من تحل له الاستمتاعات الجنسية كالزوجين.

ثانياً: حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلي بمقاديم بدنه وإن أمال عورته، وبعورته وإن أمال بدنه، ويجوز حال الاستبراء والاستنجاء، ولو اضطر إلى أحدهما (أي الاستقبال والاستدبار): فيتخير والأَوْلى له اجتناب الاستقبال.

(مسألة 65): لو اشتبهت القبلة فعليه الصبر والتحري عن جهتها لتأدية هذه الوظيفة الشرعية حتى إذا حصل له اليأس من معرفتها أو كان في الانتظار ضرر أو حرج عليه فيسقط عنه التكليف.

(مسألة 66): لا يجوز النظر إلى عورة الغير - حتى وإن كان كافراً أو صبياً على الاحوط- بالمباشرة ولا من خلال المرآة أو الماء الصافي أوالعدسات التصويرية، نعم يجوز ذلك عند الضرورة كتنظيف الام طفلها أو الانسان العاجز ونحو ذلك.

ص: 47


1- ورد ذكر ستر العورة في أكثر من مورد وذكرت أحكامها في كل تلك الموارد بحسبها ومن تلك الموارد لباس المصلي وما يجب ستره عن الجنس الآخر من غير المحارم في كتاب النكاح وهي بالنسبة للرجل ما بين السرة والركبة وبالنسبة للمرأة تمام بدنها عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين إلا أن تكون هذه سبباً للفتنة النوعية فيجب سترها أيضاً.

(مسألة 67): لا يجوز التخلي في ملك غيره إلا بإذنه ولو بالفحوى، أي أنّ عنده اطمئناناً برضا المالك لو استأذنه.

(مسألة 68): لا يجوز استعمال المرافق الصحية التابعة لجهة خاصة كالمدارس الدينية الموقوفة على طلبة العلم ونحوها ما لم يعلم بعموم الإذن بالتصرف من خلال إخبار متولي الوقف والإدارة.

الفصل الثاني: التطهير عند التخلي

يجب غسل موضع البول بالماء القليل غير الجاري مرتين، ومقدار الأُولى هو ما يزيل عين النجاسة وتكفي المرة بالجاري والكثير، كما لابد من استيلاء الماء عليه بنحو يصدق عليه الغسل عرفاً.

وأمّا موضع الغائط فإن تعدى المخرج تعيّن غسله بالماء كغيره من المتنجسات، وإن لم يتعدَّ المخرج تخير بين غسله بالماء حتى ينقى ومسحه بالأحجار أو أي جسم قالع كورق التنظيف الصحي(كلينكس)، والماء أفضل والجمع أكمل مع تقديم إزالة النجاسة بالجسم القالع.

(مسألة 69): يشترط في التطهير بالمسح بمزيلات النجاسة - إضافة إلى عدم تعديها المحل وكون الأجسام مزيلة للنجاسة وقالعة لها وليست هشة أو صقيلة كبعض ورق الشجر- ما يلي:

1- التثليث بالمسح فإن زالت النجاسة قبله وجب إكمالها، وإن لم تزل وجب الزائد حتى تزول النجاسة.

2- التثليث بالأحجار أو أكثر كما سبق حتى يحصل النقاء فلا يكفي المسح بجسم واحد أكثر من مرة من أكثر من جهة.

3- طهارة الممسوح به.

4- أن لا تكون من الأجسام التي لها حرمة ومكانة في النفس لا تناسب هذا

ص: 48

الاستعمال.

5- أن لا تكون من العظم والروث.

6- أن لا تكون فيها رطوبة مسرية.

(مسألة 70): يجب في الغسل بالماء إزالة العين والأثر، ولا تجب إزالة اللون والرائحة، ويجزي في التطهير بالحجر إزالة العين، ولا تجب إزالة الأثر الذي لا يزول بالمسح بالأحجار عادة.

(مسألة 71): إذا خرج مع الغائط أو قبله أو بعده، نجاسة أخرى مثل الدم، ولاقت المحل لا يجزي التطهير إلا بالماء.(مسألة 72): يستحب للمسلم حال التخلي ملاحظة أمور، منها أن يكون بحيث لا يراه الناظر، ولو بالابتعاد عنه، كما يستحب له تغطية الرأس والتقنع، والتسمية عند التكشف، والدعاء بالمأثور، وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول، واليمنى عند الخروج، وأن لا يتبوّل وهو واقف إلا إذا كان معذوراً، ويستحب الاستبراء بالخرطات التسع ليأمن من نجاسة البلل الخارج بعد القيام من التبول، وأن يتكئ حال الجلوس على رجله اليسرى، ويفرج اليمنى.

ويكره الجلوس للتخلي في الشوارع والمشارع - على شواطيء الانهار -ومساقط الثمار ومواضع اللعن كأبواب الدور وجدران المنازل ونحوها من المواضع التي يكون المتخلي فيها عرضة للعن الناس، وتكره في المواضع المعدة لنزول الزائرين والسياح والمتنزهين واستراحتهم، واستقبال قرص الشمس أو القمر بفرجه، واستقبال الريح بالبول، والبول في الأرض الصلبة التي تنزو منها قطرات البول، وفي ثقوب الحيوان، وفي الماء خصوصاً الراكد، وأن يطمّح بالبول في الهواء، والأكل والشرب حال الجلوس للتخلي، والكلام بغير ذكر الله، إلى غير ذلك مما ذكره العلماء (قدس الله أرواحهم) في كتب الاخلاق والسنن وورد في الروايات الشريفة.

(مسألة 73): ماء الاستنجاء - وإن كان من البول- غير طاهر فلا يمكن استعماله في الوضوء أو الغسل ولا في رفع الخبث، وهو غير منجّس لما يلاقيه

ص: 49

بشروط هي:

أولاً: أن لا يتغير بالنجاسة.

ثانياً: أن لا تتجاوز النجاسة عن المحل المعتاد.

ثالثاً: أن لا تكون فيه أجزاء متميزة.

رابعاً: أن لا تصيبه نجاسة أخرى من الخارج أو من الداخل.

والكلام إنّما هو في الماء القليل وأمّا لو كان معتصماً فلا إشكال في طهارته ما لم يتغير.

الفصل الثالث: في الاستبراء

الغرض من اجراء العملية إفراغ المجاري البولية من البول المتبقي، والكيفية التي وردت في الروايات الشريفة هي المسماة بالخرطات التسع، حيث يبدأ بالمسح من المقعد إلى أصل القضيب ثلاثاً ثم منه إلى رأس الحشفة ثلاثاً أي من جانبه الأسفل ثم ينتر الحشفة أو يعصرها ثلاثاً.

(مسألة 74): فائدة الاستبراء طهارة البلل الخارج بعده إذا احتُمِل أنّهبول حتى لو كان كثيراً، ولا يجب الوضوء منه، ولو خرج البلل المشتبه بالبول قبل الاستبراء بُنيَ على كونه بولاً، فيجب التطهير منه والوضوء وإن كان تركه لعدم التمكن منه، ويلحق بالاستبراء من حيث تحقق هذه الفائدة طول المدة على وجه يعلم أو يطمأن بعدم بقاء الرطوبة في المجرى.

(مسألة 75): لا استبراء للنساء والبلل المشتبه الخارج منهن طاهر لا يجب له الوضوء، نعم، الأولى أن تصبر وتتنحنح وتعصر فرجها عرضاً.

(مسألة 76): فائدة الاستبراء تترتب عليه ولو كان بفعل غيره.

(مسألة 77): إذا شك في الاستبراء أو الاستنجاء بنى على عدمه وإن كان من عادته فعله وإذا شك من لم يستبرئ في خروج رطوبة بنى على عدمها وإن كان ظانّاً

ص: 50

بالخروج.

(مسألة 78): إذا علم أنّه استبرأ أو استنجى وشك في كونه على الوجه الصحيح بنى على الصحة.

(مسألة 79): لو علم بخروج الودي (وهو سائل يخرج بعد البول) ولم يعلم باصطحابه لبلل آخر يشك في كونه بولاً بُنيَ على طهارته وإن كان لم يستبرئ.

المبحث الثالث: الوضوء

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في أجزائه وكيفيته

أجزاء الوضوء أربعة: غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين.

فهنا أمور:

الأمر الأول: غسل الوجه:

يجب غسل الوجه ابتداءً من قصاص شعر الرأس إلى نهاية الذقن طولاً، وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضاً ولا يجب أزيد من ذلك إلا بعض الأطراف من باب المقدمة العلمية، أي أنّ هذا الفعل يؤتى به مقدمة لحصول العلم بتحقق المقدار الواجب، ويجب الابتداء بأعلى الوجه إلى الأسفل فالأسفل عرفاً ولا يصح أن تكون حركة الغسل من الأسفل إلى الأعلى ولو حصلت فلا يحتسبها من أفعال الوضوء، نعم، لو ردَّ الماء منكوساً ونوى الوضوء بإرجاعه إلى الأسفل صح وضوؤه.

(مسألة 80): غير مستوي الخلقة لكبر الوجه أو صغره أو لطول الأصابع أو قصرها يرجع إلى متناسب الخلقة المتعارف بالنسبة، وكذا لو كان أغمّ قد نبت الشعر على جبهته أو كان أصلع المقدم فإنّه يرجع إلىالمتعارف.

ص: 51

(مسألة 81): الشعر النابت في ما دخل في حد الوجه كالحاجبين والأشفار وبعض العارضين يجب غسل ظاهره، ولا يجب التخليل إلى الشعر المستور فضلاً عن البشرة المستورة ويغسل الشعر الرقيق النابت في البشرة معها وكذلك الشعرات الغليظة التي لا تستر البشرة.

(مسألة 82): لا يجب غسل باطن العين والفم والأنف ومطبق الشفتين والعينين.

(مسألة 83): الشعر النابت في الخارج عن الحد كبعض شعر الرأس إذا تدلى على ما دخل في الحد لا يجب غسله، وكذا المقدار الخارج عن الحد وإن كان نابتاً في داخل الحد كمسترسل اللحية.

(مسألة 84): إذا بقي مما في الحد شيء لم يغسل لا يصح الوضوء، فيجب أن يلاحظ آماق وأطراف عينيه حتى لا يكون عليها شيء من القيح أو الكحل المانع، وكذا يلاحظ حاجبه أن لا يكون عليه شيء من الوسخ، وأن لا يكون على حاجب المرأة وسائر وجهها من بعض مواد الزينة مما له جرم مانع.

(مسألة 85): إذا تيقن من وجود ما يشك في مانعيته وحاجبيته عن الغسل أو المسح يجب تحصيل اليقين أو الاطمئنان بزواله أو بوصول الماء إلى البشرة من خلاله بحيث يصدق عليه غسلها عرفاً، ولو شك في أصل وجود المانع وجب الفحص عنه على الأحوط إلا مع الظن بعدمه أو كون عدمه هو الحالة السابقة له.

(مسألة 86): الثقبة في الأنف كموضع الحلقة أو الخزامة لا يجب غسل باطنها بل يكفي غسل ظاهرها سواء أكان فيها الحلقة أم لا.

الأمر الثاني: يجب غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ويجب الابتداء بالمرفقين ثم الأسفل منهما فالأسفل عرفاً إلى أطراف الأصابع، بمعنى أن تكون حركة الغسل نحو الأسفل، والمقطوع بعض يده يغسل ما بقي، ولو قطعت من فوق المرفق سقط وجوب غسلها. ولو كان له ذراعان دون المرفق وجب غسلهما وكذا اللحم الزائد والإصبع الزائدة، ولو كانت له يد زائدة فوق المرفق ولم يعلم

ص: 52

الأصلية منهما فيغسلهما معاً وإن علمها لم يجب غسل الزائد.

(مسألة 87): المرفق مجمع عظمي الذراع والعضد ويجب غسله كله مع اليد ولا يجب غسل شيء من العضد إلا من باب المقدمة العلمية.

(مسألة 88): إذا كان مقطوع اليدين من فوق المرفقين سقط وجوب غسل اليدين والمسحات الثلاث ووجب على الأحوط غسل الوجه مع النية.

(مسألة 89): إذا دخلت شوكة في اليد لا يجب إخراجها إلا إذا كان ما تحتها محسوباً من الظاهر فيجب غسله حينئذ ولو بإخراجها.

(مسألة 90): الوسخ الذي يكون على الأعضاء إذا كان معدوداً جزءاًمن البشرة لا تجب إزالته كبعض العاملين في المهن الصناعية حين تصبح بشرته ليست كالاعتيادية بفعل بعض الدهون، وكذا بعض عمال البناء بفعل بعض المواد الإنشائية جزءاً من أيديهم ولا يمكن اعادتها الى الوضع الطبيعي بالجهد الاعتيادي، وكذلك الجلد الميت المتصل بالبشرة كبيراً كان أو صغيراً، وكذلك الدم الذي قد يستحيل جزءاً من البشرة بعد مدة من خروجه، وكذلك الدواء إن أصبح منها، وكذلك ما يُعد لوناً للبشرة وليس له جرم عرفاً كالوشم.

(مسألة 91): لا يجب العمل بما عرف مؤخراً بالوضوء التقطيعي الذي يراد منه تجزئة اليد الى مناطق ثلاث او أربع واكمال غسلها على الترتيب بدعوى تحقيق شرط الغسل من الاعلى الى الاسفل.

(مسألة 92): الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائداً عن المتعارف لا تجب إزالته إلا إذا كان ما تحته معدوداً من الظاهر، وإذا قص أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً وجب غسله مع إزالة الوسخ.

(مسألة 93): إذا انقطع لحم من اليدين وجب غسل ما ظهر بعد القطع على الأحوط، ويجب غسل ظاهر ذلك اللحم أيضاً ما دام لم ينفصل وإن كان اتصاله بجلدة رقيقة، ولا يجب قطعه أيضاً ليغسل ما تحت تلك الجلدة وإن كان هو الأحوط وجوباً لو عد ذلك اللحم شيئاً خارجياً ولم يحسب جزءاً من اليد كما لو ماتت القطعة المتدلية.

ص: 53

(مسألة 94): الشقوق التي تحدث على ظهر اليد من جهة البرد أو بسبب آخر إن كانت وسيعة يُرى جوفها وجب إيصال الماء إليها مع الإمكان على الأحوط وإلا فلا. ومع الشك فالأحوط استحباباً الإيصال.

(مسألة 95): ما ينجمد على الجرح ويصير كالجلد من دم أو دواء أو غيرهما لا يجب رفعه وإن حصل البرء، ويجزي غسل ظاهره وإن كان رفعه سهلاً.

(مسألة 96): الدملج والخاتم ونحوها إن كان يصل تحتها الماء فلا إشكال وأمّا إن كان الدملج ضيقاً كفى تحريكه، وأمّا الخاتم الضيق فالأحوط نزعه.

(مسألة 97): يجوز الوضوء بماء المطر كما إذا قام تحت السماء حين نزوله وقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه مع مراعاة الأعلى فالأعلى، وكذلك بالنسبة إلى يديه وكذلك إذا قام تحت الميزاب ونحوه، وكذلك إذا احتاج الجريان إلى مساعدة الكف، ولكن ينبغي لهذا المكلف أن يلاحظ:

أولاً: عدم إراقة الماء الزائد على يده اليسرى بحيث يصيبها الماء بعد الاطمئنان بالاستيعاب. وكذلك اليد اليمنى إن لم يمسح بها اليسرى.

ثانياً: عدم وصول ماء المطر إلى محالّ المسح إلا مع الاهتمام بتجفيفها جيداً بالمقدار اللازم الذي يأتي في أحكام المسح.(مسألة 98): إذا شك في شيء أنّه من الظاهر حتى يجب غسله أو الباطن فلا يجب غسله فالأحوط استحباباً غسله ما لم يكن مسبوقاً بكونه ظاهراً فيجب.

الأمر الثالث: يجب مسح مقدم الرأس وهو ما يقارب ربعه مما يلي الجبهة ويكفي فيه تحقق عنوان المسح طولاً وعرضاً ولو بحركة بسيطة، ويستحب أن يكون عرض الماسح قدر ثلاثة أصابع والأحوط وجوباً أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل ويكون بنداوة الكف اليمنى بل الأحوط وجوباً بباطنها.

(مسألة 99): يكفي المسح على الشعر المختص بالمقدم فلا يجب ما يفعله البعض من تفريق الشعر حتى يمسح على جلد الرأس، نعم، لا يصح ان يكون الشعر على منطقة المسح من غيرها بأن يكون شعره طويلاً وقد سرحه على منطقة مقدم

ص: 54

الرأس، فلو كان كذلك فجمع وجعل على الناصية لم يجُز المسح عليه، وكذلك لو حصل عليها شعر من أحد الجانبين أو من الخلف.

(مسألة 100): لا تضر كثرة بلل الماسح وإن حصل معه الغسل.

(مسألة 101): لو تعذر المسح بباطن الكف مسح بظاهر الكف، فإن تعذر مسح بالذراع.

(مسألة 102): يعتبر أن لا يكون على الجزء الذي يتحقق به الواجب من الممسوح بلل ظاهر مانع عن تأثر الممسوح برطوبة الماسح ولا بأس بالرطوبة القليلة غير المانعة عن ذلك.

(مسألة 103): لما كان الواجب هو المسح بالبلل المتبقي على اليدين فلا بد من مراعاة عدم وصول ماء زائد إليهما قبل المسح، ولو وصل إلى بعضها كإصبع أو إصبعين فليمسح بالبعض الآخر.

(مسألة 104): لو جف ما على اليد من بلل لعذر أخذ من بلل حاجبيه وأشفار عينيه ومن شعر لحيته الداخل في حد الوجه، بل من سائر مواضع الوضوء على الأقوى، ومسح به.

(مسألة 105): لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح لحرًّ أو غيره فالأحوط وجوباً الجمع بين المسح بالماء الجديد والتيمم، هذا مع انحصار الماء أو ضيق الوقت، وأمّا بخلاف ذلك فله أن يقطع الوضوء ويستأنفه من جديد على أمل عدم الجفاف.

(مسألة 106): لا يجوز المسح على العمامة والقناع وغيرهما من الحائل وإن كان شيئاً رقيقاً لا يمنع من وصول الرطوبة إلى البشرة.

الأمر الرابع: يجب مسح القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين وهو مفصل الساق ويكفي تحقق عنوان المسح عرضاً ولو باصبع واحد، والأحوط وجوباً مسح اليمنى باليمنى أولاً ثم اليسرى باليسرى وإن كان الأقوى جواز مسحهما سوية، نعم، تقديم اليسرى بالمسح أو النكس فيه أوالمسح باليد الأخرى مما لا ينبغي فعله.

ص: 55

(مسألة 107): حكم العضو المقطوع من الممسوح حكم العضو المقطوع من المغسول، وكذا حكم الزائد من الرجل والرأس وحكم البلل وحكم جفاف الممسوح والماسح كما سبق.

(مسألة 108): لا يجب المسح على خصوص البشرة، بل يجوز المسح على الشعر النابت فيها أيضاً، إذا لم يكن خارجاً عن المتعارف وإلا وجب المسح على البشرة.

(مسألة 109): لا يجوز المسح على الحائل كالجورب إلا لتقية، ولو حصلت الصلاة في ظرف التقية صحّت وإلا فعليه إعادة الطهارة، أمّا إذا كان المسح على الحائل لضرورة فلا يُكتفى به ويُضم إليه التيمم.

(مسألة 110): لو دار الأمر بين المسح على الجورب والغسل للرجلين للتقية اختار ما هو الأقرب إلى تكليفه مع موافقته للتقية كما لو كان الغسل متضمناً للمسح ولو بماء جديد وإلا فيتخيّر الأوفق بالتقية.

(مسألة 111): يعتبر عدم المندوحة - أي عدم وجود خيار آخر- في تحقق التقية، فلو أمكنه ترك التقية وإراءة المخالف عدم مخالفته لم تشرع التقية، ومن الخيارات المفتوحة أمامه الزمان الآخر والمكان الآخر أو بذل مالٍ لرفع التقية، إلا أن يستلزم بذله حرجاً وضرراً، ونفس الكلام يأتي في تحقق حالة الاضطرار.

(مسألة 112): لا تجب إعادة الوضوء في الوقت مادام المسوغ لغسل الرجلين موجوداً ما دامت التقية متحققة وتجب بزوالها وبزوال سائر الضرورات إلا إذا كان بنحو تغير الموضوع، كمن سقط عنه غسل اليد لأنّها مقطوعة ثم ركبت له يد اصطناعية بعد الصلاة.

(مسألة 113): لو توضأ على خلاف التقية خلالها فالأحوط وجوباً الإعادة بما يناسب التقية مع استمراره وبالفعل الاختياري اذا زال.

(مسألة 114): لا يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على الأصابع ويمسح على الكعبين بالتدريج، بل يجوز وضع تمام كفه على تمام ظهر القدم من طرف

ص: 56

الطول إلى المفصل ويجرّها قليلاً بمقدار صدق المسح مع المحافظة على المسح على كل ارتفاعات وانخفاضات القدم بالمقدار الواجب.

الفصل الثاني: في وضوء الجبيرة

يراد بالجبيرة قطعة القماش أو الألواح التي يلف بها العضو لوجود جرح أو قرح أو كسر فيه أو مرض يضر معه وصول الماء إليه، ويعممحكمها إلى كل حاجب يمنع من وصول الماء يكون على العضو بحيث يصعب إزالته وتسبب له حرجاً ومشقة، كالعاملين في تصليح المكائن والسيارات أو البناء فإنّ أيديهم تكتسب قشرة من الزيوت والمواد التي يشق تنقية الجلد منها، وهكذا.

وحكم من كان على بعض أعضاء وضوئه جبيرة أنّه إن تمكن من غسل ما تحتها بنزعها أو بغمسها في الماء مع إمكان الغسل من الأعلى إلى الأسفل - أي بإزالة الحاجب عموماً- وجب، وإن لم يتمكن لخوف الضرر والحرج اكتفى بالمسح عليها، وكذلك لو لم يمكنه إيصال الماء إلى ما تحت الجبيرة، ولو أمكنه المسح على البشرة مسح عليها، ولا بد من استيعابها بالمسح إلا ما يتعسر استيعابها به كالخلل التي تكون بين الخيوط ونحوها.

ويلاحظ في الاكتفاء بوضوء الجبيرة إضافة إلى ما تقدم من وجود ضرر أو حرج ومشقة في إيصال الماء إلى البشرة، تحقق الشروط التالية:

1- أن لا تكون الجبيرة أو العصابة نجسة بأن تكون طاهرة ولو ظاهرها ولا تضر نجاسة ما هو داخل الجبيرة.

2- أن لا تكون الجبيرة أو العصابة زائدة على الحد المتعارف سمكاً ومساحة وهو عادة أوسع من محل الإصابة بقدرٍ ما.

3- أن تكون مباحة فلا يجوز المسح على الجبيرة أو العصابة المغصوبة وإلا

ص: 57

فوظيفته التيمم.

4- أن يكون العضو المتضرر بماء الوضوء من أعضاء الوضوء نفسه، فلو تضرر بماء الوضوء عضو من غيرها فلا يجوز له الاكتفاء بوضوء الجبيرة وتنتقل وظيفته إلى التيمم.

(مسألة 115): إذا كانت الجبيرة نجسة فبالإمكان وضع مادة كقطعة قماش طاهرة عليها والمسح عليها وإلا تعين التيمم.

(مسألة 116): الجروح والقروح المعصبة حكمها حكم الجبيرة المتقدم، وإن لم تكن معصّبة - أي كانت مكشوفة - وكانت في مواضع الغسل فإن أمكن غسلها مع سائر العضو وجب، وإن لم يمكن غسل ما حولها ومسح عليها - إن كانت طاهرة ولا يتضرر بهذا المقدار- وإلا فيضع قطعة قماش طاهرة عليها ويمسح عليها، وإذا كان غسل أطرافه بالمقدار المتعارف ضررياً أو كان نجساً ولا يمكن غسله فوظيفته التيمم.

(مسألة 117) اذا كانت الجبيرة زائدة عن الحد المتعارف فيجب تصغيرها إن أمكن، وإلا فوظيفته التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم، وإلا فوظيفته الجمع بينه وبين وضوء الجبيرة.

وخلاصة احكام هذه الحالة وامثالها ان من كان تكليفه الوضوء الجبيري ولم يتمكن منه بشكل صحيح - لكون الجبيرة ازيد من المتعارف كما في هذه المسألة ونحوها- انتقلت وظيفته الى التيمم إن لم تكن الجبيرة فياعضاء التيمم، وإلا فوظيفته الجمع بين الوضوء والتيمم وبصورة عامة فإن ضم التيمم إلى الوضوء الجبيري على كل التقادير الواردة في المسائل المتقدمة واللاحقة شيء حسن وسبيل للنجاة بإذن الله تعالى.

(مسألة 118): إذا كان العضو المصاب بالجرح أو القرح مكشوفاً أي غير معصب وكان في مواضع المسح وكان مستوعباً لتمام الموضع، فإن تمكن من المسح عليه وجب وإن لم يتمكن أمّا لضرر أو لنجاسة فوظيفته التيمم.

ص: 58

(مسألة 119): إذا كان العضو مصاباً بكسر - وليس بجرح أو قرح - وكان مكشوفاً، فإن كان غسل الموضع المصاب ضررياً فوظيفته التيمم وليست وظيفته غسل ما حول العضو كما في حالة الجرح والقرح، وإذا كان الكسر المكشوف في موضع المسح فإن أمكن المسح عليه توضأ اعتيادياً وإلا فوظيفته التيمم، ولذا يجب التفريق بين ما لو كان العضو المكشوف المتضرر فيه جرح أو قرح أو فيه كسر.

(مسألة 120): إذا كان على العضو المصاب جبيرة ولم يكن بإمكانه حلها لأنّها محكمة الشد أو لها طريقة فنيّة لتركيبها ولا يتيسّر له حلها وشدها وبنفس الوقت لا يستطيع تسريب الماء إلى العضو مع وجودها فيجب المسح عليها، إذا لم يكن العضو المعصَّب من الأعضاء المشتركة بين الوضوء والتيمم وإلا يتيمم ويتوضأ معاً.

(مسألة 121): الجبيرة أو العصابة قد تكون في الأعضاء المختصة بالغسل وهي الوجه واليدان، وقد تكون في الأعضاء المختصة بالمسح وهي مقدم الرأس والقدمان، وقد تكون في الأعضاء المشتركة بين الغسل والمسح وهي الكف، ففي الحالة الأولى يكون المسح على الجبيرة بديلاً شرعاً عن غسل ما تخفيه من البشرة وهو العضو المغسول، وفي الحالة الثانية يكن بديلاً شرعاً عن المسح على ما تستره من البشرة وهو العضو الممسوح، شريطة أن لا يبقى منه مقدار مكشوف يكفي للمسح، والأحوط وجوباً ضم التيمم إليه أيضاً وإذا بقي منه مقدار يكفي للمسح مسح عليه.

وفي الحالة الثالثة يمسح على الجبيرة عند غسل العضو، ويمسح بها بعد ذلك بدلاً عن المسح بالبشرة إذا لم يبقَ منه مقدار مكشوف يكفي المسح به.

(مسألة 122): اللطوخ المطلي بها العضو للتداوي يجري عليها حكم الجبيرة إذا كان لاصقاً تعسر إزالته أو أصبح معدوداً جزءاً من البشرة كما تقدم في ذوي في المهن الصناعية والبناء، أمّا الحاجب اللاصق اتفاقاً كالقير وبعض الأصباغ فإن أمكن رفعه وجب، وإن لم يمكن فإن كان في غير مواضع التيمم وجب عليه التيمم وإلا

ص: 59

جمع بين الوضوء عليه والتيمم.

(مسألة 123): يختص الحكم المتقدم بالجبيرة الموضوعة في موارد الجرح أو القرح أو الكسر، وأمّا في غيرها كالعصابة التي يعصب بهاالعضو لألمٍ، أو ورم ونحو ذلك فلا يصح الاكتفاء بالوضوء الجبيري وإنّما يضم إليه التيمم.

(مسألة 124): يجري حكم الجبيرة في الأغسال غير غسل الميت كما كان يجري في الوضوء وفق الصور التالية:

الأولى: إذا كانت الحالة حالة كسر وكان مكشوفاً، فحينئذٍ إن كان غسل العضو المصاب المكشوف ضررياً فوظيفته التيمم، وإن لم يكن ضررياً وجب عليه الغسل بالطريقة الاعتيادية.

الثانية: نفس الحالة السابقة وكان الكسر مجبوراً فوظيفته الاغتسال مع المسح على الجبيرة.

الثالثة: إذا كانت الحالة جرحاً أو قرحاً وكان مكشوفاً فعليه التيمم، والأحوط ضم الوضوء الجبيري إليه بغسل ما حوله ويمسح على الموضع أو يضع قطعة قماش طاهرة يمسح عليها.

الرابعة: كالحالة الثالثة وكان الجرح أو القرح معصباً فوظيفته الغسل مقتصراً على غسل ما ظهر مما ليس عليه الجبيرة، ولا يجب عليه نزعها وفكها إلا إذا توقف غسل الأطراف عليه كما إذا شغلت الجبيرة حجماً أكبر مما هو مألوف ومتعارف ولا يترك الاحتياط بالمسح على الجبيرة.

ونعيد التذكير بأن الأحوط في مثل حالات الجبائر المذكورة وغيرها الجمع بين الغسل بالكيفية السابقة والتيمم.

(مسألة 125): الجبيرة على العضو الماسح بحكم البشرة، فيجب المسح ببلتها وإذا كان بعض الماسح مكشوفاً فيمسح به.

(مسألة 126): الأرمد إن كان يضره استعمال الماء مطلقاً تيمم، ولا يجزيه غسل ما حول العين ويحسن ضمُّه إلى التيمم، نعم، إذا صدق عليه الجرح أو كانت

ص: 60

العين مغطاة بالدواء فيجري عليها حكم الجبيرة.

(مسألة 127): ذو الجبيرة إذا كان يأمل الشفاء خلال الوقت أو تقليل موانع الوضوء، لزم تأخيره، فإن حصل ذلك توضأ بحسب حاله، وإن لم يحصل توضأ الوضوء الاضطراري، وله أن يتوضأ ويصلي أول الوقت بقصد احتمال استمرار العذر، فإن لم يرتفع أجزأه وإلا وجبت الإعادة، وإن لم يكن يأمل الشفاء ولو بالاطمئنان أو الوثوق، ولا تقليل المانع، أجزأته المبادرة إلى الوضوء، فإن زال العذر بدون احتساب خلال الوقت وجبت عليه الإعادة.

(مسألة 128): إذا كان في عضو واحد جبائر متعددة يجب الغسل أو المسح في فواصلها.

(مسألة 129): إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة، فإن كان وجود الجبيرة بالمقدار المتعارف مسح عليها، وإن كان أزيد من المقدار المتعارف وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل، ومسحه إذا كان مما يمسح، وإن لم يتمكن من رفعه، أوكان فيه حرج أو ضرر على الموضع السليم نفسه وجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه، وإلا جمع بينه وبين الوضوء وهو الأحوط في الحالة التي سبقته أيضاً.

(مسألة 130): إذا أضر الماء بأطراف الجرح بالمقدار المتعارف يكفي المسح على الجبيرة التي عليها أو يريد وضعها عليها، وأمّا إذا كانت الأطراف المتضررة أزيد من المتعارف فالأظهر أنّه يتعين عليه التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه، وإلا فالأحوط الجمع بينه وبين الوضوء.

(مسألة 131): لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح، أو نحوه حدث باختياره - على وجه العصيان أو غيره- وبين أن لا يكون كذلك.

(مسألة 132): إذا كان ظاهر الجبيرة طاهراً لا يضره نجاسة باطنها، ما لم تكن النجاسة سارية إلى رطوبة الوضوء، فالمتعين عندئذٍ منع السريان ولو بلفها بخرقة أخرى طاهرة والمسح عليها.

ص: 61

(مسألة 133): محل الفصد - هو موضع زرق الإبرة ونحوها في الوريد وغيره لسحب الدم أو الحجامة ونحوها- داخل في الجروح، فلو كان غسله مضراً يكفي المسح على قطعة القماش التي عليه، إن لم تكن أزيد من المتعارف، وإلا حلها وغسل المقدار الزائد ثم شدها، وأمّا إذا لم يمكن غسل المحل - لا من جهة الضرر بل لأمر آخر كعدم انقطاع الدم مثلاً- فلا بد من التيمم، ولا يجري عليه حكم الجبيرة.

(مسألة 134): إذا كان ما على الجرح مغصوباً لم يجز المسح عليه، بل يجب رفعه وتبديله، وإن لم يمكن التبديل وجب تصحيح حالة الغصب وبراءة الذمة مقدمة للوضوء، وإن كان ظاهره مباحاً وباطنه مغصوباً مسح على الظاهر إلا إذا عد ذلك تصرفاً في الباطن المغصوب فلا يجوز.

(مسألة 135): لا يشترط في الجبيرة خلال الوضوء أن تكون مما تصح فيه الصلاة، فلو كانت حريراً أو ذهباً أو جزءاً مما لا يؤكل لحمه من الحيوان لم تضر بوضوئه، ولكن يجب تغييرها عند الصلاة مع الإمكان وإن لم يمكن كانت الصلاة مجزية فالذي يضرّ هو نجاسة ظاهرها أو غصبيته على ما مرَّ.

(مسألة 136): إذا أمكن رفع الجبيرة وغسل المحل ولكن كان موجباً لفوات الوقت، عدل إلى التيمم.

(مسألة 137): ما دام خوف الضرر باقياً بشكل معتدٍّ به جرى حكم الجبيرة، وإذا ظن البرء وزال الخوف وجب رفعها.

(مسألة 138): الدواء الموضوع على الجرح ونحوه إذا اختلط مع الدم وصار كالشيء الواحد ولم يمكن رفعه بعد البرء بأن كان مستلزماً لجرح المحل وخروج الدم، فإن تحققت الاستحالة التي هي من المطهرات بحيث لا يصدق عليه الدم وصار كالجلد أمكن تطهيره والوضوء عليهكالبشرة العادية، وإن لم يستحل كان كالجبيرة النجسة، فإن أمكن غسل ما حوله وجب، وإلا وضع عليه خرقة طاهرة ومسح عليها، ولا يترك الاحتياط بضم التيمم.

ص: 62

(مسألة 139): إذا كان العضو صحيحاً، لكنه كان نجساً ولم يمكن تطهيره لمرض كالورم أو لضيق الوقت أو لقلة الماء أو لأي سبب، لم يجرِ عليه حكم الجرح بل يتعين التيمم.

(مسألة 140): لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة ما دامت على المقدار المتعارف له، كما لا يجوز وضع شيء آخر عليها مع طهارة الظاهر، إلا أن يعد جزءاً منها عرفاً بعد الوضع.

(مسألة 141): الوضوء مع الجبيرة رافع للحدث وكذلك الغسل معها، فلو شفي الجرح لا تجب عليه اعادة الوضوء والغسل.

(مسألة 142): إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة فعمل بالجبيرة، ثم تبين عدمه في الواقع، لم يصح الوضوء ولا الغسل، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثم تبين أنّه كان مضراً وأنّه كانت وظيفته الجبيرة، صح وضوؤه وغسله، إلا إذا كان الضرر بحيث كان تحمله حراماً شرعاً، وكذلك يصحان لو اعتقد الضرر ولكنه ترك الجبيرة وتوضأ أو اغتسل ثم تبين عدم الضرر، ولكن الصحة في هذه الصورة تتوقف على تحقق الطاعة منه لله تبارك وتعالى وليس التمرد على الحكم الشرعي لان الوضوء من العبادات التي لا تصح إلا مع قصد القربة لله تبارك وتعالى. ولو تبين في مثل ذلك الضرر فالأقوى صحة وضوئه وغسله مع توفر قصد القربة وعدم صدق التهلكة، ولكن الأحوط استحباباً ضم التيمم على أي حال.

(مسألة 143): في كل مورد يشك في أن وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمم، ولم يكن هناك أصل معين للوظيفة كاستصحاب حالة الجرح، فالأحوط وجوباً الجمع بينهما، وهو الأحوط على كل حال.

ص: 63

الفصل الثالث: في شرائط الوضوء

وهي أمور:

منها: طهارة الماء وإطلاقه وإباحته وعدم استعماله في التطهير من الخبث. بل ولا من رفع الحدث الأكبر لاستعماله في الأغسال الواجبة بأصل الشرع إذا تمكّن من ماء آخر على الأحوط استحباباً كما تقدم في المسألة(37).

(مسألة 144): إذا وُجِد عند المكلَّف ماءان، أحدهما مطلق والآخر مضاف وكلاهما طاهر ولكنهما تشابها ولم يميز بينهما، فعليه أن يتوضأ بكليهما معاً حتى يحصل له العلم بصحة وضوئه، وأمّا إذا كان أحدهما نجساً والآخر طاهراً، أو أحدهما مباحاً والآخر مغصوباً، فوظيفته التيمم، ووجب الاجتناب عن كلا الماءين معاً، إلا إذا علم المكلف بنجاسة أحدهما المعلوم لديه بالخصوص أو بغصبية أحدهما كذلك، فعندئذٍ لا مانع من استعمال الآخر.

ومنها: طهارة المحل المغسول والممسوح ورفع الحاجب عنه.

ومنها: إباحة الفضاء الذي يقع فيه الغسل والمسح على الأحوط وجوباً. والأظهر عدم اعتبار إباحة الإناء الذي يتوضأ منه مع الانحصار به فضلاً عن عدمه، فإنّه وإن كانت وظيفته مع الانحصار التيمم، لكنه لو خالف وتوضأ بماء مباح في إناء مغصوب أثم وصح وضوؤه من دون فرق بين الاغتراف منه دفعة أو تدريجاً والصب منه، نعم، لا يصح الوضوء الارتماسي في الإناء المغصوب إذا صدق التصرف فيه، وأمّا حكم مصب الماء الذي يسقط عليه ماء الوضوء، فان كان غسل العضو بالماء مقدمة لوصوله اليه فهو كحكم الاناء فيصح الوضوء وإن أثم.

(مسألة 145): يكفي طهارة كل عضو قبل غسله أو مسحه، ولا يجب أن تكون كل الأعضاء قبل الشروع طاهرة، في الوضوء فضلاً عن الغسل، وأمّا تطهيره بنفس الغسل الوضوئي فهو مشكل لا يترك معه الاحتياط بالترك، ولا يضر تنجيس

ص: 64

عضو بعد تمام غسله أو مسحه وإن لم يتم الوضوء وإن كان الأحوط استحباباً خلافه.

(مسألة 146): إذا توضأ في إناء الذهب أو الفضة صح وضوؤه من دون فرق بين صورة الانحصار وعدمه، ولو توضأ بالارتماس فيه فالصحة مشكلة.

ومنها: عدم المانع من استعمال الماء لمرض أو عطش يخاف منه على نفسه أو على نفس محترمة، بل على حيوان غير مضر مما له مالية عرفاً سواء كان له أو لغيره ممن تصان ملكيته، وإذا خالف وتوضأ في حالة الخوف على الغير صح وضوؤه مطلقاً، وإن كان الخوف على نفسه فإن كان الضرر خطيراً بدرجة يحرم على المكلف إيقاع نفسه فيه فإذا توضأ في هذه الحالة بطل وضوؤه، وإن كان الضرر دون هذه الدرجة فخالف وتوضأ صح وضوؤه.

(مسألة 147): إذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء، فإن قصد به المقدمية لهذه الصلاة التي ضاق وقتها رغم علمه بأنّ وظيفته التيمم لضيق الوقت بطل وضوؤه لعدم وجود النية المخلصة في طاعة الله تعالى، وإن كان جاهلاً بضيق الوقت أو قصد غاية أخرى كالكون علىالطهارة أو استحباب الوضوء على كل حال صح حتى مع العلم بضيق الوقت.

(مسألة 148): لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو المتنجس أو مع الحائل بين صورة العلم والعمد أو الجهل أو النسيان، وكذلك الحال إذا كان الماء مغصوباً، فإنّه يحكم ببطلان الوضوء حتى مع الجهل أو النسيان إن كان هو الغاصب حقيقة. وأمّا لو كان الغاصب غيره فالأقوى عدم صحة وضوئه عندئذٍ إلا مع عدم نهي المالك. ولا يفرق في كل ذلك بين ما إذا كان المغصوب الماء أو الإناء أو المكان أو الفضاء أو المصب.

(مسألة 149): بناءً على صحة وضوء غير الغاصب في المسألة السابقة فإذا التفت غير الغاصب إلى الغصبية أثناء وضوئه صح ما مضى منه، ويجب تحصيل الماء المباح للباقي على وجه لا تفوت معه الموالاة. ولكن إذا التفت إلى الغصبية

ص: 65

بعد الغسلات وقبل المسح أو خلال المسحات، فيجوز له المسح بما بقي من الرطوبة، وإن كان الأحوط استحباباً له إعادة الوضوء.

(مسألة 150): اذا دخل المكان الغصبي غفلة أو نسياناً ثم التفت ولكنه توضا حال خروجه، بحيث لا ينافي الفورية، فالظاهر صحة وضوئه، وكذلك لو دخل عصياناً ثم تاب وتوضا حال الخروج.

(مسألة 151): مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف ويجري عليه حكم الغصب، فلا بد من تحصيل العلم العرفي برضا المالك أو إذنه ولو بالفحوى أو شاهد الحال.

(مسألة 152): يجوز الوضوء والشرب والاغتسال من الأنهار الكبار المملوكة لأشخاص معينين، سواء كانت قنوات أو منشقة من نهر وإن لم يعلم رضا المالكين، بل وإن علم منعهم لأنّه ليس لأصحاب مثل هذه القنوات منع الآخرين من ذلك، وكذلك الحال في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً فإنّه يجوز الوضوء والجلوس والصلاة والنوم ونحوها فيها، ولا يناط ذلك برضا مالكيها، نعم، في غيرها من الأراضي غير المحجبة كالبساتين التي لا سور لها ولا حجاب فيجب الاجتناب عن التصرف فيها بمثل ما ذُكر إن ظن كراهة المالك أو كان قاصراً.

(مسألة 153): الحياض الواقعة في المساجد أو المدارس أو الحنفيات المستعملة فيها إذا لم يعلم كيفية وقفها واختصاصها بمن يصلي فيها أو على الطلاب الساكنين فيها أو عدم اختصاصها، فالأقرب جواز الوضوء ونحوه مما يعد مقدمة بسيطة للصلاة. أو ما كان بمقداره، نعم، لو كان التصرف أكثر كالغسل أو غسل الثياب لم يجُز إلا مع جريان العادة به بحيث يكشف عن عموم الإذن.

(مسألة 154): إذا علم أو احتمل أنّ الماء في حوض المسجد وقف على المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر، ولوتوضأ بقصد الصلاة فيه ثم بدا له أن يصلي في مكان آخر بطل وضوؤه لانكشاف عدم الإذن فيه، وكذلك إذا توضأ بقصد الصلاة في ذلك المسجد ولكنه لم يتمكن من ذلك أو توضأ

ص: 66

منه غفلةً أو باعتقاد عدم الاشتراط.

ومنها: النية، وهي أن يقصد الوضوء بهذه الأفعال وليس التنظيف أو التبريد أو اللهو والعبث أو غيرها ولابد أن يكون الدافع للفعل هو ابتغاء وجه الله تعالى بأي نحو من الأنحاء كطلب الثواب أو دفع العقاب أو امتثال أوامره حباً له، ويعتبر في هذا الدافع أن يكون كافياً لتحريكه إلى الوضوء من دون أن ينضم إليه حافز آخر كالذي ذكرنا، وحينئذ لا باس أن تنقدح في نفسه رغبات أُخر إضافة إلى نيته المخلصة كالتنظيف وإزالة العرق وتخفيف الحر ونحوها.

(مسألة 155): على الإنسان أن يهذب نفسه ويطهر قلبه من أية نيةٍ لغير الله تبارك وتعالى فإنّ كل شيء ما خلا الله باطل. و(إنّما الأعمال بالنيات)، و(لكل امرئ ما نوى)، ومن الحماقة أن يقوم الإنسان بأفعال يستحق بها المقامات الرفيعة لكنه يضيعها بأن يقصد بعمله غير الله تبارك وتعالى فترمى هذه الأعمال في وجهه والعياذ بالله تعالى.

(مسألة 156): يكفي في النية وجود القصد إلى الفعل في أعماق النفس بحيث لو سئل عما يفعل لأجاب بلا تردد أنّني أتوضأ، ولا يجب فيها قصد تفاصيلها كالوجوب والاستحباب أو كونه وضوءاً تجديدياً على وضوء سابق أو ابتدائياً رافعاً للحدث ولا أي شيء آخر، ويعتبر فيها استمرار القصد إلى نهاية الأفعال.

(مسألة 157): لو اجتمعت أسباب متعددة للوضوء كفى وضوء واحد، ولو اجتمعت أسباب متعددة للغسل أجزأ غسل واحد بقصد الجميع، بل بقصد واحد منها ولو كان غير الجنابة، ولو قصد الغسل قربة من دون نية الجميع ولا واحد بعينه فالظاهر الصحة لأنه يرجع ذلك إلى نية الجميع إجمالاً.

(مسألة 158): الظاهر كفاية الأغسال الواجبة عن المستحبة مع قصدها، وكفاية المستحبة عن الواجبة مع قصدها وكون المستحب وارداً بدليل معتبر كغسل الجمعة بشروطه. كما أنّ الظاهر كفاية الأغسال الواجبة والمستحبة المشار إليها عن الوضوء.

ومنها: مباشرة المتوضئ للغسل والمسح. فلو وضّأه غيره، على نحو لا يستند

ص: 67

الفعل إليه، بطل إلا مع الاضطرار أو العجز كما لو لم يتمكن من إيصال يديه إلى رجليه فيوضئه غيره نيابة ولكن بأعضاء المتوضئ الذي يتولى النية كما ينوي الموضِّئ احتياطاً فإن لم يتمكن الموضّئ من أداء الفعل بأعضاء المتوضئ باشرها الموضّئ بيده، والأحوط ضم التيمم إليه.

ومنها: الموالاة، وهي التتابع في الغسل والمسح عرفاً بحيث تبدو أفعال الوضوء وكأنها عملية واحدة وقد ذكر الفقهاء (قدس اللهأرواحهم) معايير لذلك كعدم جفاف تمام السابق في الحال المتعارفة فلا يقدح الجفاف لأجل حرارة الهواء أو البدن الخارجة عن المتعارف وعلى العكس من ذلك فإنهم لم يعتدّوا ببقاء الرطوبة في مسترسل اللحية الخارج عن الوجه، بل أي شيء خارج عن حد أعضاء الوضوء من البدن أو الثياب، وكذلك ما كان غسله من باب المقدمة العلمية، والمهم ما ذكرناه من معنى التتابع فلو انقطع التتابع العرفي بطل وإن لم يحصل الجفاف.

ومنها: الترتيب بين الأعضاء بتقديم الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليسرى ثم مسح الرأس ثم مسح الرجل اليمنى ثم اليسرى وقد تقدم امكان مسحهما سوية، ويجب الترتيب في أجزاء كل عضو ولو عكس الترتيب عمداً بطل، ولو كان سهواً أعاد على ما يحصل به الترتيب مع عدم فوات الموالاة وإلا استأنف أي أعاد العمل من جديد.

ص: 68

الفصل الرابع: في أحكام الخلل

(مسألة 159): من تيقن الحدث وشك في الطهارة تطهر، كما لو علم بأنه لم يكن على طهارة وشك في أنه هل توضأ ام لا ؟ وكذا لو ظن الطهارة ظناً غير معتبر شرعاً، وهو ما كان دون الوثوق، ولم يكن له سبب معتبر كالبينة، ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على الطهارة، وإن ظن الحدث ظناً غير معتبر بالمعنى المشار إليه.

(مسألة 160): من تيقن أنّه قد أحدث، وتيقن أيضاً أنّه قد توضأ ولكنه لا يدري هل الوضوء متأخر كي يبني على الطهارة، أم الحدث متأخر حتى يجدد الطهور فوظيفته الوضوء حتى وإن علم تاريخ الطهارة وجهل تاريخ الحدث فضلاً عن جهله بتاريخهما معاً.

(مسألة 161): إذا شك في الطهارة بعد فراغه من الصلاة أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة، بنى على صحة العمل وتطهر لما يأتي مما تشترط فيه الطهارة شريطة احتمال أنّه كان ملتفتاً حين الدخول في الصلاة إلى شروطها، لذا لو علم بأنّ الشك في الوضوء كان لسبب سابق على هذه الصلاة، وأنّه قدغفل عنه حين دخوله في الصلاة، ولو التفت إليه قبل أن يدخل فيها لَشَكَّ فيه ولَمَا أقدم على الصلاة حتى يتوضأ، كما إذا أحدث ثم غفل ثم صلى ثم شك بعد الصلاة في التوضؤ حال الغفلة فعليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة في الوقت. واما اذا حصل الشك بعد انتهاء الوقت فلا يجب القضاء.

(مسألة 162): إذا شك في الطهارة في أثناء الصلاة أو العمل الذي تعتبر فيه الطهارة، قطعها وتطهر واستأنف، إلا إذا كان بناؤه على الطهارة مجزياً كما لو كانت الحالة مورداً لجريان الاستصحاب.

(مسألة 163): لو تيقن الإخلال بغسل عضو أو مسْحِهِ أتى به وبما بعده مراعياً للترتيب والموالاة وغيرهما من الشرائط. وكذا لو شك في فعل من أفعال الوضوء

ص: 69

قبل الفراغ من الوضوء. أمّا لو شك بعد الفراغ منه لم يلتفت، ويحصل الفراغ على الأحوط وجوباً بالدخول بعمل آخر كالدخول في الصلاة ولا يبعد كفاية مثل غلق الحنفية أو مغادرة مكان الوضوء أو بفوات الموالاة. وكذا لو شك في الجزء الأخير. وان كان الشك قبل الدخول في عمل آخر لزمه الإتيان به.

(مسألة 164): موارد الاعتناء بالشك تختص بغير الوسواسي، وأمّا الوسواسي فله أن لا يعتني بشكه مطلقاً، بل يجب عليه ذلك لأنّ الاعتناء به عبث بل حرج ومشقة، والمراد به من لا يكون لشكه منشأ عقلائي، والأحوط مع ذلك كون شكه متكرراً عرفاً.

(مسألة 165): إذا كان مأموراً بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث، إذا نسي شكه وصلى فلا إشكال في بطلان صلاته ظاهراً، فتجب عليه مع الالتفات إلى شكه لاحقاً الإعادة إن تذكر في الوقت والقضاء إن تذكر بعده، ما لم يتذكر أنّه كان على وضوء خلال الصلاة، ولو اطمئناناً.

(مسألة 166): إذا كان متوضئاً وتوضأ للتجديد وصلى، ثم تيقن بطلان أحد الوضوئين للإخلال به وليس لانتقاضه، ولم يعلم أيهما، لا إشكال في صحة صلاته، ولا تجب عليه إعادة الوضوء للصلوات الآتية أيضاً.

(مسألة 167): إذا توضأ وضوئين وصلى بعدهما ثم علم بحدوث حدث بعد أحدهما يجب الوضوء للصلاة الآتية، وأمّا الصلاة فيبني على صحتها، وإذا كان قد صلى بعد كل وضوء صلاة أعاد الوضوء والصلاتين اذا كانت الصلاتان مختلفتين، وإذا كانت الصلاتان متشابهتين في الخصوصيات كعدد الركعات والجهر والإخفات أتى بواحدة بنية ما في الذمة، وقد تكفيه واحدة في غير هذه الحالة كما لو كانت الصلاتان أدائيتين ثم انتهى وقت إحداهما فعليه إعادة الأخرى فقط.

(مسألة 168): إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنّه ترك جزءاً منه ولا يدري أنّه الجزء الواجب أو المستحب، فالظاهر الحكم بصحة وضوئه.

(مسألة 169): إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه خالف في بعض أفعاله كالمسح على العصابة التي تلف يده بدلاً من الغسل، أو مسح على موضع الغسل أو

ص: 70

غسل موضع المسح، ولكن شك في أنّه هناك مسوغ لذلك من جبيرة أو ضرورة أو تقية أو لا، فليس عليه إعادة الوضوء، إذا كان ملتفتاً للحالة ولحكمها الشرعي حين الوضوء.

(مسألة 170): إذا تيقن أنّه دخل في الوضوء وأتى ببعض أفعاله ولكن شك أنّه أتمّه على الوجه الصحيح أم لا، بأن عدل عنه اختياراً أو اضطراراً كما لو عرضت له حاجة فترك وضوءه ولم يكمله فعليه إعادة الوضوء.

(مسألة 171): إذا شك بعد الوضوء في وجود الحاجب أو شك في حاجبيته كالخاتم أو علم بوجوده ولكن شك بعده في أنّه أزاله أو أنّه أوصل الماء تحته بنى على الصحة، مع احتمال الالتفات حال الوضوء الى ذلك كله. وكذا إذا علم بوجود الحاجب، وشك في أنّه توضأ قبل حدوثه أو بعده بنى على الصحة.

(مسألة 172): إذا كانت أعضاء وضوئه أو بعضها متنجسة، فتوضأ وشك - بعده - أنّه طهرها أم لا، بنى على بقاء النجاسة فيجب غسلها لما يأتي من الأعمال. وأمّا الوضوء فمحكوم بالصحة، بشرط وجود احتمال أنّه كان ملتفتاً إلى النجاسة ومانعيتها حينما توضأ، وكذلك لو كان الماء الذي توضأ منه نجساً ثم شك بعد الوضوء في أنّه طهّره قبله أم لا، فإنّه يحكم بصحة وضوئه وبقاء الماء نجساً، فيجب عليه تطهير ما لاقاه من ثوبه وبدنه. ويستحب الاحتياط بإعادة الوضوء في الحالتين.

ص: 71

الفصل الخامس: في نواقض الوضوء

إذا توضأ الإنسان فإنّه يبقى في حالة طهور ما لم يطرأ عليه أحد النواقض الآتية فتجب عليه إعادته من جديد لكل فعل مشروط بالطهارة كالصلاة، ويستحب أن يكون الإنسان على طهور باستمرار فقد ورد أنّ مثله إذا مات كان شهيداً.

وحالة انتقاض الوضوء تسمى (الحدث الأصغر)، وهي تحصل بأمور:

الأول والثاني: خروج البول والغائط سواء كان من الموضع المعتاد أو من فتحة مصطنعة لخروجه ما دام يصدق عليه أحد الاسمين المذكورين، ولو أخرجت مكونات البول من الجسم بآلة من دون صدق الاسم فلا يعتبر حدثاً، ويلحق بالبول حكماً - أي اعتباره ناقضاً للوضوء- البلل المشتبه الخارج بعد التبول وقبل الاستبراء.

الثالث: خروج الريح من الدبر أو من فتحة مصطنعة ما دام يصدق عليه الاسم، ولا عبرة بما يخرج من فتحة القبل بالنسبة للأنثى ولو تكرر.

الرابع: النوم الغالب على الوعي من غير فرق بين أن يكون قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً، ومع الشك يعرف بغلبته على السمع لأنَّ العين قد تثقل بالنعاس وتنغلق قهراً لكن الشخص يبقى واعياً ويسمع ما يدور حوله فلا ينتقض الوضوء.

(مسألة 173): يلحق بالنوم حكماً كل ما غلب على الوعي كالجنون والإغماء والسكر والتخدير ونحوها.

الخامس: الاستحاضة على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.

(مسألة 174): إذا شك في طروِّ أحد النواقض بنى على العدم. وكذا إذا شك في أن الخارج بول أو ودي، فإنّه يبني على عدم كونه بولاً إلا إذا كان بال وخرج قبل الاستبراء منه، فيحكم بأنّه بول من حيث الطهارتين الخبثية والحدثية(1).

والاولى توجب غسل الموضع ومالاقاه، والثانية توجب الوضوء.

ص: 72


1- فاذا كان متوضئاً انتقض وضوؤه.

(مسألة 175): إذا خرج الماء الذي حقن به الإنسان من فتحة الدبر ولم يكن معه شيء من الغائط لم ينتقض الوضوء، وكذا لو شك في خروج شيء من الغائط معه، وكذا إذا خرج مما لا يصدق عليه عنوان الغائط كالنوى بدون غائط وكذا لو شك في خروجه معها.

(مسألة 176): لا ينتقض الوضوء بخروج المذي أو الودي أو الوذي وهي سوائل يفرزها العضو الذكري لمنافع فسلجية، والأول ما يخرج عند الملاعبة والثاني ما يخرج بعد خروج البول والثالث ما يخرجبعد خروج المني، وعدم كونها ناقضة للغسل أوضح وأولى.

الفصل السادس: في دائم الحدث

من استمر به الحدث في الجملة كالمبطون والمسلوس ودائم الريح ودائم النوم، له أحوال أربعة:

الأول: أن تكون له فترة تسع الوضوء والصلاة الاختيارية ولو بالاقتصار على الأجزاء الواجبة فقط، وحكمه وجوب انتظار تلك الفترة حتى لو كانت في آخر الوقت والوضوء والصلاة فيها، نعم، إذا كانت الفترة في أول الوقت أو في أثنائه ولم يصلِّ حتى مضى زمان الفترة فإنّه يأثم ويأتي بتكليفه في الوقت المتبقي في ضوء الحالة التي تنطبق عليه.

الثاني: أن لا تكون له فترة أصلاً، أو تكون له فترة يسيرة لا تسع الطهارة وبعض الصلاة ولو ركعة واحدة، وحكمه الوضوء والصلاة وفعل كل ما هو مشروط بالطهارة وليس عليه تجديد الوضوء لصلاة أخرى ما دام على حاله تلك، إلا أن يحدث حدثاً آخر غير مستمر لديه، فيجدد الوضوء له.

الثالث: أن تكون له فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة ولا يكون عليه في تجديد الوضوء في اثناء الصلاة اذا تكرر الحدث مرة أو مرات حرج مع حفظ

ص: 73

الموالاة المعتبرة بين أجزاء الصلاة. وحكمه الوضوء والصلاة في الفترة. مع مراعاة الاحتياط في وجوب إعادة الوضوء كلما طرأ عليه الحدث خلال الصلاة.

الرابع: كالثالث، لكن يكون تجديد الوضوء في الأثناء حرجياً عليه. وحكمه الاجتزاء بالوضوء الواحد، ما لم يحدث حدثاً آخر. والأحوط استحباباً أن يتوضأ لكل صلاة مع تجدد الحدث.

(مسألة 177): كل ما جاز للمسلوس والمبطون ونحوهما أن يصلي بوضوئه جاز له أن يمارس كل ما هو مشروط بالطهارة، كمس كتابة المصحف الشريف وغيره ما دام في أجواء الأعمال المرتبطة بالطهارة ولا تترتب عليه أحكام المحدث إلى أن يغادرها أو ينقض وضوءه بحدث آخر مختلف من نوم أو غيره.

(مسألة 178): حكم صلاة الاحتياط والأجزاء المنسية وسجود السهو يلحق بحكم الصلاة المذكور.

(مسألة 179): يجب على المسلوس والمبطون التحفظ من تعدي النجاسة إلى بدنه وثوبه مهما أمكن بوضع كيس أو نحوه، ولا يجب تغييره لكل صلاة، وإن وجب احتياطاً تطهير ما تنجس من بدنه لكل صلاة مع التمكن منه كما في بعض الحالات المتقدمة.

ص: 74

الفصل السابع: في بعض أحكام الوضوء

لا يجب الوضوء لنفسه وإنّما يجب لغيره فتتوقف صحة الصلاة عليه واجبة كانت أو مستحبة، وكذا أجزاؤها المنسية بل سجود السهو على الأحوط، ومثل الصلاة الطواف الواجب وهو ما كان جزءاً من حجة أو عمرة واجبة أو مستحبة، ولا يجب الوضوء للطواف المندوب الذي ليس جزءاً من حجة أو عمرة واجبة أو مندوبة، نعم، يستحب له بل هو أحوط، وهو شرط في صحة صلاة الطواف أياً كان.

(مسألة 180): لا يجوز للمحدث مسّ كتابة القرآن الكريم، حتى المد والتشديد على الأحوط، دون علامات التجويد، ودون الآيات المكتوبة في غير المصحف كالشواهد في كتب النحو، ودون ورق المصحف وغلافه فان مسَّها مكروه.

والأحوط اجتناب لفظ الجلالة وغيره من الأسماء الحسنى الواردة في غير المصحف ولا بأس بمسها إذا كانت جزءاً من أسماء مركبة للأشخاص، ونفس الحكم يجري على أسماء المعصومين (عليهم السلام).

(مسألة 181): الوضوء مستحب في نفسه لأجل الكون على الطهارة وهذا مبرر كاف للإتيان به، ولا حاجة إلى تعلق واجب به كدخول وقت الصلاة للإتيان به، وحينئذٍ تحل له كل الغايات الأخرى.

(مسألة 182): لا فرق في جريان الحكم المذكور للمصحف بين الكتابة بالعربية وغيرها ما دام لفظ القرآن موجوداً، كما لا فرق في الكتابة بين الحبر والحفر والتطريز والكاشي وغيرها، كما لا فرق في العضو الماس بين ما تحله الحياة وغيره كالشعر على الأحوط استحباباً.

(مسألة 183): يجب الوضوء إذا وجبت إحدى الغايات المذكورة آنفاً ويستحب إذا استحبت، وقد يجب بالنذر وشبهه، ويستحب للطواف المندوب، ولسائر أفعال الحج، ولطلب الحاجة، ولصلاة الجنائز، وتلاوة القرآن، وقراءة

ص: 75

الأدعية، وزيارة المعصومين (عليهم السلام)، وللكون على الطهارة، ولغير ذلك.

(مسألة 184): إذا دخل وقت الفريضة جاز الإتيان بالوضوء بقصد فعل الفريضة ويمكن أن يقصد الوجوب، كما يجوز الإتيان به بقصد الكون على الطهارة أو أية غاية أخرى، أمّا قبل الوقت فلا تجوز نية الوجوب للصلاة، نعم، تجوز نية التهيؤ لها استحباباً.

(مسألة 185): سنن الوضوء على ما ذكره العلماء (رضي الله عنهم): وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين، والتسمية عند البدء، والدعاء بالمأثور، وغسل اليدين من الزندين قبل إدخالهما الإناء الذي يغترف منهلحدث النوم أو البول مرة وللغائط مرتين، والمضمضة وهي إجالة الماء في الفم، والاستنشاق وهو سحب الماء في الأنف، وتثليثهما (أي فعلها ثلاث مرات)، والدعاء بالمأثور عندهما وعند غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، وتثنية الغسلات.

والأحوط استحباباً عدم التثنية في اليسرى احتياطاً للمسح بها، وكذلك اليمنى إذا أراد المسح بها من دون أن يستعملها في غسل اليسرى، وكذلك الوجه لأخذ البلل منه للمسح عند جفاف بلل اليد. ويلحق بكل ذلك صب الماء على العضو بعد الاطمئنان من استيعاب غسله، ويستحب أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى والثانية، والمرأة تبدأ بالباطن فيهما، ويكره الاستعانة بالغير في المقدمات القريبة.

ص: 76

المبحث الرابع: الغسل

اشارة

الغسل منه واجب وهو على قسمين:

الأول: واجب لنفسه، كغسل الأموات وما يجب بعارض كالنذر، فإنّ وجوبه ليس من أجل شيء آخر.

الثاني: واجب لغيره، وهو ما وجب من أجل القيام بواجب آخر كالصلاة، ويشمل غسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ومس الميت.

ومنه مستحب، وهي كثيرة مرتبطة ببعض الأزمنة كغسل الجمعة، أو ببعض الأمكنة كدخول الحرم، أو ببعض الأفعال كالتوبة، وتأتي تفاصيلها بإذن الله تعالى.

المقصد الأول: غسل الجنابة

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في موجبات غسل الجنابة

سبب الجنابة أمران:

الأول: خروج المني من الموضع المعتاد، وهو القُبُل، فإنّه موجب للغسل شرعاً، سواء كان بالاختيار أم كان بغير الاختيار، في حال اليقظة أم في النوم، قليلاً كان أم كثيراً، بالجماع أو بغيره، مع لذة ودفق أو بدونهما مع العلم به وبخروجه، فإذا علم الإنسان أنّه منيّ لحقه حكمه، سواء كان واجداً للصفات أم كان بصفة أخرى، وقد يخرج من غير القبل والموضع المعتاد، أو يخرج بلون أصفر وقد لا يخرج بدفق لمرض أو سبب آخر فيترتب عليه حكم المني المعتاد، شريطة أن يعلم ويتيقن بأنّه منيّ.

وأمّا المرأة فلا يحكم عليها بالجنابة بخروج بعض السوائل المهبلية أثناء

ص: 77

الملاعبة وغيرها حتى وإن كانت كثيرة وبشهوة، وإنّما يجب عليها الغسل إذا بلغت حالة معينة من ذروة الشهوة والتهيج الجنسي التي يعقبها فتور وارتخاء بالجسد وهي حالة قليلة الحدوث عند النساء والأحوط عدم الاكتفاء به إن كانت محدثة بالأصغر فتضم إليه الوضوء، ولا عبرة بالسوائل المهبلية التي تخرج اثناء الاستمتاع الجنسي.

(مسألة 186): إن عُرف المنيّ بمادته أو بأي وجه آخر، فلا إشكال، وان لم يعرف فالشهوة والدفق وفتور الجسد أمارة عليه. ومع انتفاء أحدها في الصحيح لا يحكم بكونه منيّاً، والمريض يرجع إلى الشهوة والفتور، وإذا شك في حصول أحد هذه الصفات يبني على عدمه، وكذلك إن حدثتبشكل ضعيف غير معتد به عرفاً.

(مسألة 187): من وجد على بدنه أو ثوبه منيّاً وعلم أنّه منه بجنابة لم يغتسل منها وجب عليه الغسل، ويعيد كل صلاة - سواء كانت في الوقت أم خارجه- لا يحتمل سبقها على الجنابة المذكورة، دون ما يحتمل سبقها عليها وإن علم تاريخ الجنابة وجهل تاريخ الصلاة، وإن كانت الإعادة لها أحوط استحباباً، وإن لم يعلم أنّه منه لم يجب عليه شيء.

(مسألة 188): إذا دار أمر الجنابة بين شخصين، يعلم كلٌ منهما أنّه أمّا أن يكون هو المجنب أو صاحبه، كما إذا استعمل اثنان لباساً واحداً على التعاقب والتناوب، ووجد فيه منيّ يعلم أنّه من أحدهما جزماً، فلا يجب الغسل على أي منهما للقيام بتكاليفه الخاصة غير المرتبطة بغيره لعدم العلم بجنابته خاصة، نعم، قد يجب عليه الغسل إذا انسدّ باب الاحتمال لعدم الوجوب، كما لو أراد أحدهما أن يأتمّ بالآخر بالصلاة جماعة، أو يستأجره لحمله إلى المسجد فإنّه أمّا هو المجنب فعليه الغسل أو الآخر هو المجنب فكيف يأتم به؟ وحينئذ فيجب عليه الغسل ويضم إليه الوضوء. ولا يجوز لثالث أن يأتم بأحدهما حتى يغتسل.

(مسألة 189): البلل المشكوك الخارج بعد خروج المني وقبل الاستبراء بالبول بحكم المني ظاهراً.

الثاني: الجماع ولو لم ينزل المنيّ، ويتحقق بدخول الحشفة كلها في قبل

ص: 78

المرأة، إذا كانت الحشفة سليمة، وإن كانت مقطوعة فمقدارها من قضيب الذكر، ولو لم يتحقق هذا المقدار فوجوب الغسل احتياطي لذا يضم إليه الوضوء إن كان محدثاً بالأصغر، وكذا يحتاط الواطئ والموطوء إذا حصل الإدخال في دبر المرأة أو الذكر أو البهيمة بغض النظر عن حرمة الفعل الشنيع القبيح.

(مسألة 190): إذا تحقق الجماع تحققت الجنابة للفاعل والمفعول به، من غير فرق بين الصغير والكبير، والعاقل والمجنون، والقاصد وغيره، بل الظاهر ثبوت الجنابة احتياطاً للحي إذا أدخل في الميت بغض النظر عن حرمة الفعل.

(مسألة 191): إذا خرج المني بصورة الدم وجب الغسل بعد العلم بكونه منيّاً.

(مسألة 192): إذا تحرك المنيّ عن محلّه بالاحتلام أو غيره، ولم يخرج إلى الخارج لم يجب الغسل.

(مسألة 193): يجوز للشخص إجناب نفسه بمقاربة زوجته ولو لم يقدر على الغسل ولو بعد دخول الوقت، نعم، إذا لم يتمكن من التيمم لا يجوز ذلك على الأحوط. وأمّا في الوضوء فلا يجوز لمن كان متوضئاً ولم يتمكن من الوضوء لو أحدث أن يبطل وضوءه إذا كان بعد دخول الوقت.

(مسألة 194): إذا شك في أنّه هل حصل الدخول أم لا لم يجبالغسل، وكذا لا يجب لو شك في أن المدخول فيه فرج أو دبر فيجب الغسل أو غيرهما فلا يجب الغسل.

(مسألة 195): الوطء في دبر الخنثى موجب للجنابة على الأحوط. فيجب الجمع بين الغسل والوضوء إذا كان الواطئ أو الموطوء محدثاً بالأصغر، دون قبلها. إلا مع الإنزال فيجب عليه الغسل دونها إلا أن تنزل هي أيضاً على الأحوط استحباباً وتضم إليه الوضوء، ولو أدخلت الخنثى في الرجل أو الأنثى مع عدم الإنزال لا يجب الغسل على الواطئ ولا على الموطوء، غير أن إيجاد مثل ذلك محرم شرعاً لمنع الخنثى المشكل عن الزواج من أي من الجنسين على الأحوط.

(مسألة 196): كل مورد يجب فيه الغسل احتياطاً فلا بد من ضمّ الوضوء إليه

ص: 79

فيما لو كان محدثاً بالأصغر.

الفصل الثاني: فيما يتوقف صحته أو جوازه على غسل الجنابة

وهو أمور:

الأول: الصلاة مطلقاً. (عدا صلاة الجنائز)، وكذا أجزاؤها المنسية. بل سجود السهو على الأحوط وجوباً.

الثاني: الطواف الواجب بالإحرام مطلقاً، كما تقدم في الوضوء.

الثالث: الصوم بمعنى أنّه لو تعمد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر، بطل صومه، وكذا صوم ناسي الغسل على تفصيل يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

الرابع: مس كتابة المصحف الشريف، ولفظ الجلالة على تفصيل مر في المسألة (180).

الخامس: اللبث في المساجد، بل مطلق الدخول فيها وإن كان لوضع شيء فيها، بل لا يجوز وضع شيء فيها حال الاجتياز ولا من خارجها، كما لا يجوز الدخول فيها لأخذ شيء منها، ولكن يجوز الاجتياز فيها بالدخول من باب والخروج من آخر إلا المسجدين الشريفين في مكة والمدينة المنورة والأحوط وجوباً إلحاق المشاهد المشرفة وأروقتها دون الصحن الشريف بالمساجد في الأحكام المذكورة.

السادس: قراءة آية السجدة من سور العزائم، وهي حم السجدة (فصلت) وألم السجدة (سورة السجدة) والنجم والعلق، والأحوط بل الأقوى إلحاق تمام السورة بها حتى بعض البسملة المقصودة منها.

(مسألة 197): لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد بين المعمور منها والخراب، وإن لم يصلِّ فيه أحد، بشرط بقاء عنوان المسجديةعرفاً حتى وإن قيل عنه (مسجد خراب)، وأمّا مع زوال العنوان فلا تترتب عليه آثار المسجدية، بلا فرق في ذلك كله بين المساجد في الأراضي المفتوحة عنوة وغيرها.

ص: 80

(مسألة 198): ما يشك في كونه جزءاً من المسجد، من صحنه وحجراته ومنارته وحيطانه ونحو ذلك لا تجري عليه أحكام المسجدية، إلا إذا كانت هناك سيرة للمسلمين من أهل البلد أو أي دليل أو بيّنة على ترتيب أحكام المسجد عليه.

(مسألة 199): لا يجوز أن يُستأجر الجنب لكنس المسجد وأي عمل في حال الجنابة مما يتنافى مع ما ذكرناه في النقطة الخامسة، بل الإجارة فاسدة، ولا يستحق الأجرة المسماة مع إنجازه العمل، وإن كان يستحق أجرة المثل، وأمّا الصبي والمجنون فلا ينبغي الإشكال في الجواز.

(مسألة 200): إذا عُلم إجمالاً بجنابة أحد الشخصين لا يجوز استئجارهما ولا أحدهما لقراءة العزائم أو دخول المساجد أو نحو ذلك مما يحرم على الجنب، سواء علم الأجير بجنابته أم لا، على إشكال سبق.

(مسألة 201): مع الشك في الجنابة لا يحرم شيء من المحرمات المذكورة، إلا إذا كانت الحالة السابقة هي الجنابة.

الفصل الثالث: في المكروهات حال الجنابة

ذكروا أنّه يكره للجنب الأكل والشرب إلا بعد الوضوء أو المضمضة والاستنشاق، ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات من غير العزائم، بل الأحوط استحباباً عدم قراءة شيء من القرآن ما دام جنباً، ولا يعني هذا ترك قراءة القرآن مدة طويلة بل المبادرة إلى الغسل لكيلا يحرم بركة تلاوة القرآن، ويكره النوم جنباً إلا أن يتوضأ أو يتيمم بدل الغسل، وتقدم ذكر مكروهات اخرى في المسألة (180).

ص: 81

الفصل الرابع: في واجبات الغسل

فمنها: النية، ولا بد فيها من الاستدامة إلى آخر الغسل، كما تقدم تفصيل ذلك كله في الوضوء.ومنها: غسل ظاهر البشرة على وجه يتحقق به مسماه، فلا بد من رفع الحاجب وتخليل ما لا يصل الماء معه إلى البشرة إلا بالتخليل، ويجب غسل الشعر إلا ما كان طوله خارجاً عن المتعارف في الرأس كالنساء أو في اللحية كطويلها. ولا يجب غسل الباطن والأحوط استحباباً غسل ما يُشَك في أنّه من الباطن أو الظاهر، إلا إذا علم سابقاً أنّه من الظاهر وشك في تبدله إلى الباطن فيجب غسله.

ومنها: الإتيان بالغسل على إحدى كيفيتين:

الأولى: الترتيب بأن يغسل أولاً تمام الرأس، ومنه العنق ثم بقية البدن. والأحوط وجوباً أن يغسل تمام النصف الأيمن، ثم تمام النصف الأيسر. ولا بد في غسل كل عضو من إدخال شيء من الآخر نظير باب المقدمة. ولا ترتيب هنا بين أجزاء كل عضو، وإن كان هو الأحوط استحباباً، بل الأولى عدم العكس وعدم غسل الأسفل قبل الأعلى بشكل معتد به. كما أنّه لا كيفية مخصوصة للغسل هنا. بل يكفي المسمى كيف كان. فيجزيء رمس الرأس بالماء أوّلاً، ثم الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر. كما يكفي رمس البعض والصب على الآخر. ولا يكفي تحريك العضو المرموس على الأحوط.

الثانية: الارتماس، وهو تغطية البدن في الماء تغطية واحدة بنحو يحصل غسل تمام البدن فيها مع النية. فيخلل شعره فيها إن احتاج إلى ذلك ويرفع قدمه عن الأرض إن كانت موضوعة عليها. والأحوط أن يحصل كل ذلك في زمان واحد عرفاً. والأحوط أن يخرج الفرد ببدنه كله من الماء ثم يدخل فيه بنية الغسل حتى يتم دخول الجسم كله. ويجب أن يكون غسل الجنابة الارتماسي بعد طهارة البدن.

ص: 82

ومنها: إطلاق الماء وطهارته وإباحته والمباشرة اختياراً فلا يجوز لغيره أن يباشر تغسيله بدلاً عنه. وعدم المانع عن استعمال الماء من مرض ونحوه. وطهارة العضو المغسول قبل ورود الماء عليه. وهذا الشرط ثابت حتى في الغسل الارتماسي في الماء المعتصم، إذ لا يجوز له - على الأحوط- أن يجعل طهارته عن الحدث والخبث بارتماس واحد. وقد تقدم حكم الجبيرة والحائل وغيرهما من أفراد الضرورة، وحكم النسيان والشك وارتفاع السبب المسوغ للوضوء الناقص في الأثناء وبعد الفراغ. فإن الغسل كالوضوء في جميع ذلك، نعم، يفترق عنه في جواز المضي مع الشك بعد التجاوز وإن كان في الأثناء، وفي عدم اعتبار الموالاة في الترتيبي بين الأعضاء الثلاثة. والأحوط وجوباً الموالاة في العضو الواحد.

(مسألة 202): الغسل الترتيبي أفضل وأحوط من الغسل الارتماسي.

(مسألة 203): يجوز العدول من الترتيبي إلى الارتماسي أو بالعكس، بإبطال ما في يده والبدء بالآخر.

(مسألة 204): يجوز الارتماس فيما دون الكر، ما دام مستوعباًللجسم. ولا يجري عليه حكم الماء المستعمل لذلك الغسل، بل للذي بعده.

(مسألة 205): إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت فتبين ضيقه بعد الانتهاء فغسله صحيح.

(مسألة 206): ماء غسل المرأة من الجنابة أو الحيض أو نحوهما على زوجها، لأنّه من النفقة الواجبة على الأقوى.

(مسألة 207): إذا خرج من بيته بقصد الغسل في الحمام فجاء إلى الحمام واغتسل ولم يستحضر النية تفصيلاً كفى ذلك في نية الغسل إذا كان بحيث لو سئل ماذا تفعل لأجاب بأنّه يغتسل أمّا لو كان يتحير بالجواب بطل لانتفاء النية.

(مسألة 208): إذا كان قاصداً عدم إعطاء العوض الحمامي أو كان بناؤه على إعطاء الأموال المحرمة أو على تأجيل العوض مع عدم إحراز رضا الحمامي بطل غسله وإن استرضاه بعد ذلك.

ص: 83

(مسألة 209): إذا ذهب إلى الحمام ليغتسل وبعد الخروج شك بأنّه اغتسل أم لا بنى على العدم. ولو علم أنّه اغتسل لكن شك بأنّه اغتسل على الوجه الصحيح أم لا بنى على الصحة.

(مسألة 210): إذا كان ماء الحمام مباحاً لكن سُخّن بالحطب المغصوب فإنّه لا مانع من الغسل به.

(مسألة 211): لا يجوز الغسل في حوض المدرسة لأهلها وغيرهم إلا إذا علم بعموم الوقفية أو إباحة المتولي.

(مسألة 212): الماء الذي يسبلونه للشرب في الأماكن العامة لا يجوز الوضوء ولا الغسل منه إلا مع العلم بعموم الإذن.

(مسألة 213): لبس المئزر الغصبي حال الغسل وإن كان محرماً لكن لا يوجب بطلان الغسل سواء الارتماسي أو الترتيبي.

الفصل الخامس: في أحكام غسل الجنابة ومستحباته

ذكر العلماء (رضي الله عنهم) أنّه يستحب غسل اليدين أمام الغسل من المرفقين ثلاثاً ثم المضمضة ثلاثاً ثم الاستنشاق ثلاثاً وإمرار اليد على ما تناله من الجسد خصوصاً في الترتيبي. بل ينبغي التأكد من ذلك ومن تخليل ما يحتاج إلى التخليل ونزع الخاتم ونحوه والاستبراء بالبول قبل الغسل والاستبراء من البول بالخرطات.

(مسألة 214): الاستبراء بالبول ليس شرطاً في صحة الغسل لكن إذا تركه واغتسل ثم خرج منه بلل مشتبه بالمنيّ جرى عليه حكم المنيّ ظاهراً فيجب الغسل له كالمنيّ سواء استبرأ بالخرطات لتعذر البول أم لا، إلا إذا علم بذلك أو بغيره عدم بقاء شيء من المنيّ في المجرى.(مسألة 215): إذا بال بعد الغسل ولم يكن قد بال قبله لم تجب إعادة الغسل وإن احتمل خروج شيء من المنيّ مع البول إلا أن يخرج منه بلل يشك أنّه منيّ فيطبق عليه أحكام المسألة السابقة.

ص: 84

(مسألة 216): إذا دار أمر المشتبه بين البول والمنيّ وكانا قد خرجا منه ولم يعلم المتأخر منهما، فإن كان متطهراً من الحدثين وجب عليه الغسل والوضوء معاً بنية الرجاء، وإن كان محدثاً بالأصغر وجب عليه الوضوء فقط، وإن كان الأحوط له وجوباً أن يغتسل.

(مسألة 217): يجزي غسل الجنابة عن الوضوء لكل ما اشترط به وكذلك كل غسل واجب عدا غسل المستحاضة بالاستحاضة الوسطى فإنّه لا يجزي، وكذا يجزي عن الوضوء كل غسل مستحب ثبت بدليل معتبر كغسل الجمعة. وأمّا ما لم يثبت بدليل معتبر أو شك في موضوعه أو كان الإتيان به على وجه الاحتياط فالأحوط وجوباً ضم الوضوء إليه ولو بنية استحبابه النفسي.

(مسألة 218): إذا خرجت رطوبة مشتبهة بعد الغسل وشك أنّه استبرأ بالبول أو لا بنى على عدمه فيجب عليه الغسل.

(مسألة 219): لا فرق في جريان حكم الرطوبة المشتبهة بين أن يكون الاشتباه بعد الفحص وأن يكون لعدم إمكان الاختبار من العمى أو الظلمة أو غيرهما.

(مسألة 220): لو أحدث بالأصغر في أثناء الغسل أتمّه وتوضأ، وله أن يقطعه ويبدأ بالغسل من جديد ويكون مجزياً عن الوضوء، والأحوط استحباباً الإتمام والاستئناف والوضوء.

(مسألة 221): حكم سائر الأغسال حكم غسل الجنابة في عدم بطلانها بالحدث الأصغر في أثنائها، بل يتمها ويتوضأ.

(مسألة 222): إذا أحدث بالأكبر في أثناء الغسل، فإن كان مماثلاً للحدث السابق كالجنابة في أثناء غسلها أو المس في أثناء غسله فلا إشكال في وجوب الاستئناف، وإن كان مخالفاً له -كما لو مسّ الميت في اثناء غسل الجنابة- فالأقوى عدم بطلانه فيتمّه ويأتي بالآخر، ويجوز الاستئناف من جديد بغسل واحد لهما أو بقصد ما في الذمة، ويجزي عن الوضوء.

(مسألة 223): إذا شك في غسل الرأس والرقبة قبل الدخول في غسل البدن

ص: 85

رجع وأتى به. وإن كان بعد الدخول فيه لم يعتنِ ويبني على الإتيان به على الأقوى. وأمّا إذا شك في غسل الطرف الأيمن فالأحوط الاعتناء به حتى مع الدخول في غسل الطرف الأيسر.

(مسألة 224): إذا انتهى من غسل أحد الأعضاء ثم شك في صحته وفساده، فالظاهر أنّه لا يعتني بالشك سواء كان الشك بعد دخوله في غسل العضو الآخر أم كان قبله.

(مسألة 225): إذا شك في أصل الغسل من الجنابة بعد إحرازها بنى على عدمه. وإذا شك فيه بعد الفراغ من الصلاة صحت صلاته، ولكنه يجبعليه أن يغتسل للصلوات الآتية. وإن كان قد صدر منه الحدث الأصغر بعد الصلاة جمع بين الغسل والوضوء احتياطاً. وإن كان الشك خلال الصلاة بطلت ووجب الغسل لها وإعادتها.

(مسألة 226): إذا علم إجمالاً بعد الصلاة ببطلان صلاته أو غسله، وجبت عليه إعادة الصلاة فقط.

(مسألة 227): إذا اجتمعت عليه أغسال متعددة واجبة أو مستحبة أو بعضها واجب وبعضها مستحب، فقد تقدم حكمها في شرائط الوضوء فراجع المسألة (157).

(مسألة 228): إذا كان يعلم إجمالاً أنّ عليه أغسالاً لكنه لا يعلم بعضها بعينه، يكفيه أن يقصد جميع ما عليه أو ما في ذمته إجمالاً. وإذا قصد البعض المعين - أي واحداً محدداً- كفى عن غير المعين من الواجبات، وترتبت عليه آثاره، فإن علم تفصيلاً أو إجمالاً أنّ منها غسلاً واجباً أو مستحباً ثبت بدليل معتبر مع إحراز موضوعه كفى عن الوضوء.

ص: 86

المقصد الثاني: في غسل الحيض

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في سببه

الدم الذي تراه المرأة على أنواع ولها أحكام:

الأول: الحيض وما يعرف بالدورة الشهرية حيث يقذف الرحم البيضة التي تنزل إليه واحدة شهرياً إذا لم تصادف تخصيباً بالحيمن الذكري ويقذف معها بعض الأنسجة والمواد المعدة لتغذي البيضة المخصبة.

الثاني: دم البكارة الذي يخرج بسبب افتضاض غشاء البكارة.

الثالث: دم النفاس الذي يقترن خروجه بالولادة.

الرابع: دم الجروح والقروح التي تصيب ذلك الجزء من البدن.

الخامس: دم الاستحاضة الذي يخرج بسبب أعراض مرضية تصيب الرحم ونحوه مما لا يندرج في الأقسام المتقدمة.

والدم الثاني والرابع لا يوجب غسلاً وإنّما يجب تطهير موضع النجاسة بالماء أمّا الثلاثة الباقية فهي من الحدث الأكبر وتوجب الغسل وسنفرد لكل واحدٍ منها مقصداً مستقلاً.

وسبب غسل الحيض خروج دم الحيض الذي تراه المرأة البالغة والمعتاد قذفه في دورة شهرية، ولا يتحقق الحيض إلا بخروج الدم من الفرج فلو انصبّ الدم من الرحم إلى فضاء الفرج لكنه لم يخرج لم يجرِ عليه حكم الحيض، ولكن إن خرج ولو جزء قليل منه أو أخرج بقطنة ونحوها جرى عليه حكم الحيض وإن انقطع خروجه بعد ذلك وظلّ في فضاء الفرج.

ولدم الحيض صفات تميزه فهو غالباً يكون أسود أو أحمر حاراً يخرج بدفق

ص: 87

وحرقة، بخلاف دم الاستحاضة فإنّه لا تتوفر فيه هذه الصفات ويكون لونه أصفر، ومتى رأت المرأة دماً بصفات الحيض فلها أن تعتبره حيضاً (مع مراعاة الشروط العامة للحيض الآتية)، وتترك الصلاة والصوم وتبقى متابعة لحالها إلى ثلاثة أيام فإن استمر على هذا الحال طيلة هذه المدة فهو حيض، وإن لم يحتفظ بالصفات كما لو خفّ لونه وأصبح أصفر فليس بحيض وإنّما استحاضة وعليها قضاء الصلاة والصوم.

(مسألة 229): إذا افتُضت البكر فسال دم كثير وشك في أنّه من دم الحيض أو من دم العذرة أو منهما، أدخلت القطنة وتركتها مليّاً، ثم أخرجتها إخراجاً رفيقاً، فإن كانت مطوقة بالدم فهو من العذرة، وإن كانتمستنقعة فهو من الحيض، ولا يصح عملها بقصد الأمر الجزمي بدون ذلك ظاهراً، إلا أن تعلم بمصادفته للواقع.

(مسألة 230): إذا تعذر الاختبار السابق لسبب من الأسباب فالأقوى الاعتبار بحالها السابق من حيض وعدمه، وإذا جهلت الحالة السابقة، جاز بناؤها على الطهارة وإن كان الأحوط لها استحباباً الجمع بين أعمال الطاهرة وتروك الحائض فتصلّي وتصوم ولا تمكث في المساجد ولا تمس كتابة القرآن ولا يقربها زوجها وهكذا، ويكون الاحتياط وجوبياً إذا كان احتمال التحيض معتداً به بحسب حالها المعتاد.

الفصل الثاني: في تعيين زمان الحيض

كل دم تراه الصبيّة قبل إكمالها تسع سنين قمرية ولو بلحظة لا تترتب عليه أحكام الحيض، نعم، قد تكون رؤيتها هذه علامة اطمئنانية على أنّها قد أكملت تسع سنين، على أساس أن البنت لا ترى دم حيض عادة إلا بعد إكمال التاسعة.

وكذا المرأة إذا وصلت سن اليأس ورأت دماً لم تعتبره حيضاً، إلا إذا لم تعلم أنّها بلغت سن اليأس، كما إذا لم تضبط عمرها بالدقة فتعتبره حيضاً، ولا عمر محدد لسن اليأس، فإنّه متغيّر تبعاً لعدة عوامل كمحل سكن المرأة من مناطق الكرة الأرضية الحارة أو الباردة أو المعتدلة، وممارستها لعملية الإنجاب وعدد مرّاتها،

ص: 88

لكن المعدل الطبيعي لسن اليأس هو بين (50 -60) سنة من دون فرق بين القرشية وغيرها.

ويمكن التعرف على حصول سن اليأس أحياناً بعلامات نفسية وجسدية، وإذا لم يتحقق العلم بحصول سن اليأس ورأت دماً قبل بلوغها ستين سنة فتعتبره حيضاً إذا كان كالذي تراه أيام عادتها، وإذا رأت دماً بعد إكمالها ستين سنة لم تعتبره حيضاً.

(مسألة 231): في الغالب إنّ المرأة الحامل لا تأتيها الدورة الشهرية لانتفاء سببها المتقدم ولكن قد يتحقق الحيض عند الحامل نادراً سواء قبل ظهور الحمل أو بعده، فإذا رأت المرأة الحامل دماً وكانت واثقة ومطمئنة بأنه دم حيض عملت ما تعمله الحائض، وإن لم تكن مطمئنة بذلك فإن كان الدم في أيام العادة أو قريباً منها بيوم أو يومين وكان بصفة الحيض اعتبرته حيضاً، وإن لم يكن في أيام العادة ولا بصفة الحيض اعتبرته استحاضة.

وإن كان في أيام العادة ولم يكن بصفة الحيض، أو كان بصفة الحيض ولم يكن في أيام العادة، فعليها الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.

ص: 89

الفصل الثالث: في أقل الحيض وأكثره

أقل مدة يمكن أن نعتبر الدم الخارج فيها حيضاً هي ثلاثة أيام، ويراد باليوم الفترة الزمنية من طلوع الفجر حتى غروب الشمس فلو صادف نزول الدم أول مرة ليلاً فلا يحسب من الأيام الثلاثة حتى يطلع الفجر وهي المسماة بالليلة الأولى، ويكفي وجود الدم في باطن الفرج ما دام قد خرج أول مرة كما تقدم، والليلتان المتوسطتان داخلتان في الحساب ومشمولتان بما سنقوله من اشتراط عدم انقطاع الدم في هذه المدة إلا في فترات قصيرة متعارفة لدى النساء، ولا يكفي وجوده في بعض كل يومٍ من الثلاثة، ويكفي تجميع الثلاثة من أبعاض اليوم فإذا رأته في وسط نهار اليوم الأول فيشترط استمراره إلى وسط نهار اليوم الرابع.

وأكثر الحيض وأقصاه عشرة أيام، فإذا تجاوز العشرة فالزائد ليس حيضاً وله أحكام تأتي بإذن الله تعالى.

وأقل الطهر - وهي حالة خلو المرأة من الدم أصلاً أو وجود دم الاستحاضة- بين الحيضتين عشرة أيام، أمّا النقاء المتخلل بين دمين من حيض واحد فانه يكون أقل من ذلك وله أحكام تأتي بإذن الله تعالى.

خلاصة الشروط العامة للحيض، وهي أربعة:

1- أن تكون المرأة قد أكملت تسع سنين قمرية ولم يتجاوز عمرها الستين.

2- استمرار الدم ثلاثة أيام.

3- أن لا يتجاوز عشرة أيام.

4- أن لا تقل فترة الطُهر بين حيضتين عن عشرة أيام.

ص: 90

الفصل الرابع: في ذات العادة

تختلف طبيعة العادة لدى النساء فبعضها تكون ثابتة العدد كستة أيام لكن موعدها غير منتظم فتسمى (عادة عددية)، وبعضها تكون ثابتة الموعد كاليوم الخامس من الشهر القمري مثلاً ولا تنضبط مدتها فتسمى (عادة وقتية)، وقد ينتظم عندها الأمران فتسمى (عادة وقتية عددية).

وتعرف المرأة نفسها من أي نوع بتكرر الحيض مرتين متماثلتين متتاليتين من دون الفصل بعادة مخالفة، فإن اتفقتا بالمدة والتاريخ فالعادة وقتية وعددية، وإن اتفقتا في الزمان خاصة دون العدد فهي وقتية، وإن اتفقتا بالعدد فقط فهي عددية.

(مسألة 232): ذات العادة الوقتية - سواء كانت عددية أم لا- تتحيض بمجرد رؤية الدم في العادة أو قبلها أو بعدها بيوم أو يومين ونحوها، مما لا يصدق معه التقدم والتأخر عرفاً. وخاصة إذا أحرزت أنّه هو حصة الشهر من الدم. فتترك العبادة وتعمل عمل الحائض في جميع الأحكام، وإن لم يكن الدم بصفة الحيض. ولكن إذا انكشف أنّه ليس بحيض لانقطاعه قبل الثلاثة وجب عليها قضاء الصلاة.

(مسألة 233): غير ذات العادة الوقتية، سواء أكانت ذات عادة عددية فقط أم لم تكن ذات عادة أصلاً، كالمبتدئة، تتحيض بمجرد الرؤية إن كان الدم جامعاً للصفات مثل الحرارة والحمرة أو التدفق أو الخروج بحرقة، وإن كان فاقداً للصفات تتحيض بعد ثلاثة أيام، ولا يترك الاحتياط خلال الثلاثة بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة، وعلى أي حال فمتى انقطع الدم دون الثلاثة فليس بحيض.

(مسألة 234): إذا تقدم الدم على العادة الوقتية أو تأخر عنها بمقدار كثير لا يتعارف وقوعه، كعشرة أيام، فإن كان الدم جامعاً للصفات أو علمت إنّه حصة الشهر من الدم تحيضت به، وإلا جرى عليها حكم المستحاضة، والأحوط لها الجمع بين تروك الحائض وعمل المستحاضة.

ص: 91

(مسألة 235): إذا رأت المرأة الدم مرتين متتاليتين في شهرين من دون العلم بأنّه حيض، ولكنها اعتبرته حيضاً لأنّه بصفة دم الحيض (وهذا ما يعرف بالحيض الحكمي)(1)

فإنّ هذا لا يجعلها ذات عادة بأحد الأنواع الثلاثة المتقدمة ولا يجوز لها البناء عليه، فلو رأت في الشهر الثالث فينفس الوقت دماً أصفر فاقداً لصفة الحيض فليس لها أن تعتبره حيضاً وتبقى تعتمد على أساس صفات دم الحيض أو المعايير الأخرى التي اعتمدتها للحيض الحكمي مما ذكرناه في الهامش، بعكس ذات العادة التي ثبتت بالحيض الحقيقي فإنّها تعتبره حيضاً ما دام حصل لها في نفس موعد عادتها ولو لم يكن بصفات دم الحيض كما تقدم.

والفرق بينهما - إضافة إلى النص الذي عرّف ذات العادة بأنّها التي يحصل لها الحيض مرتين متعاقبتين وليست التي يحصل لها ما يعتبر حيضاً على أساس الصفات- أنّ المرأة في حالة الحيض الحقيقي متأكدة بإنّه حيض أمّا في حالة الحيض الحكمي فإنّها ليست على يقين وإنّما اعتبرته حيضاً على أساس الصفات.

ص: 92


1- ويطلق الحيض الحكمي على بعض الحالات الأخرى كما لو حدّدت عادتها بلحاظ عادة أمثالها أو اقتطعت أياماً من الشهر فجعلتها حيضاً بحسب ما أفادته الروايات وستأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى.
الفصل الخامس: في تخلّل الطهر بين دمين في شهر واحد

كل ما تراه المرأة من الدم أيام عادتها فهو حيض، وإن لم يكن الدم بصفات الحيض، وكل ما تراه خارج عادتها وكان فاقداً للصفات، بل مطلقاً، فهو استحاضة إن علمت حصول العادة في حينها ولو معجلة أو متأخرة عرفاً، وأمّا لو لم تعلم بذلك وعلمت أنّ هذا الدم هو حصة الشهر تحيضت، بدون اعتبار الصفات. وبدون هذين العلمين تعمل بالصفات على الأظهر.

(مسألة 236): إذا رأت الدم ثلاثة أيام وانقطع، ثم رأت ثلاثة أخرى أو أزيد، فإن كان مجموع النقاء والدمين لا يزيد على عشرة أيام وكانا في أيام عادتها أو بصفات الحيض كان الكل حيضاً واحداً مع النقاء المتخلل، وإن تجاوز المجموع عن العشرة ولكن لم يفصل بينهما أقل الطهر، فإذا كان أحدهما في العادة عرفاً دون الآخر، كان ما في العادة حيضاً والآخر استحاضة مطلقاً. وأما إذا لم يصادف شيء منهما العادة ولو لعدم كونها ذات عادة، فإن كان أحدهما واجداً للصفات دون الآخر جعلت الواجد حيضاً والفاقد استحاضة، ما لم تعلم أو تطمئن بنزول الدم في وقت عادتها التقريبي أيضاً فتتحيض به.

(مسألة 237): إذا كان كلا الدمين واجداً للصفات أو فاقداً لها، فإن علمت بحصول عادتها مستقبلاً فهي بحكم المستحاضة، وإن علمت أنّ هذا الدم هو حصتها من الشهر تحيضت بالدم الأول واحتاطت بالدم الثاني، وإن لم يحصل كلا العلمين لها عملت بالصفات، فإن كان الدمان واجدين للصفات فهي في حيض من بدء الدم الأول إلى نهاية العشرة. وإن كانا فاقدين لها فهي مستحاضة، والأَولى لها الجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة.

(مسألة 238): إذا تخلل بين الدمين أقل الطهر فأكثر كان كل منهما حيضاً مستقلاً إذا كان كل منهما في العادة أو واجداً للصفات أو علمت أنّه حصة الشهر

ص: 93

من الدم، وبدون ذلك فهي مستحاضة.

الفصل السادس: في الاستبراء والاستظهار

في الاستبراء والاستظهار(1)

إذا انقطع دم الحيض لدون العشرة، فإن احتملت بقاءه في الرحم استبرأت بإدخال القطنة، فإن خرجت ملوثة بقيت على التحيض. وإن خرجت نقية اغتسلت وعملت عمل الطاهر. ولا استظهار عليها هنا حتى مع ظن العود. إلا مع اعتياد العود بحيث تعلم أو تطمئن بحصوله، فعليها الاحتياط بالغسل والصلاة، إلا مع اطمئنانها أنّ الكل حيض، كما لو كان المجموع دون العشرة.

(مسألة 239): إذا تركت الاستبراء لعذر من نسيان أو غفلة واغتسلت وصادف النقاء صح غسلها. وإذا تركته لا لعذر صح غسلها إذا صادف براءة الرحم مع توفر نية القربى المصححة للغسل، وأن لم تتمكن من الاستبراء فالأقوى أنّها تبقى على التحيض حتى تعلم أو تطمئن بالنقاء، ما لم يزد الدم على العشرة. وإن كان الأحوط لها استحباباً الاغتسال في كل وقت تحتمل فيه النقاء إلى أن تعلم بحصوله، فتعيد الغسل والصوم.

(مسألة 240): إذا استبرأت فخرجت القطنة ملوثة ولو بصفرة، فإن كانت مبتدئة أو لم تستقر لها عادة أو كانت عادتها عشرة، بقيت على التحيض إلى تمام العشرة، إلا أن يحصل لها النقاء قبلها. وإن كانت ذات عادة دون العشرة، فإن كان ذلك الاستبراء في أيام العادة فلا إشكال في بقائها على التحيض. وإن كان بعد انقضاء أيام العادة فالأحوط لها الجمع بين عمل الحائض والمستحاضة، فإن انقطع الدم قبل العشرة كان الكل حيضاً، وإن علمت من وقتها استمراره إلى ما بعد العشرة كان

ص: 94


1- الاستبراء: هو طلب التعرف على حالة النقاء وبراءة الرحم من الدم، أمّا الاستظهار فيعني طلب التعرف على حالة الحيض ويتضمن ترك العبادة من صلاة وصوم بمجرد رؤية الدم إلى حين ظهور الحالة أنّها حيض أو لا، في ضوء توفر الشروط العامة للحيض.

كل الزائد بعد انقضاء أيام العادة استحاضة. وإن شكّت باستمراره بقيت على الاحتياط إلى تمام العشرة، وتعين لها عمل المستحاضة بعدها.

(مسألة 241): قد عرفت أنّه إذا انقطع الدم على العشرة كان الجميع حيضاً واحداً من دون فرق بين ذات العادة وغيرها. وإن تجاوز العشرة، فإن كانت ذات عادة وقتية وعددية تجعل ما في العادة حيضاً وإن كان فاقداً للصفات، وتجعل الزائد استحاضة وإن كان واجداً لها.

الفصل السابع: في أقسام الحائض
اشارة

1- المرأة ذات العادة الوقتية والعددية معاً.

2- ذات العادة الوقتية فقط.

3- ذات العادة العددية فقط.

وقد تقدم تعريفها وجملة من أحكامها العامة ويأتي بعضها.

4- المرأة الناسية لوقتها وعددها معاً أو لأحدهما فقط.

5- المرأة المبتدئة وهي التي ترى الدم لأول مرة ولم تستقر لهاعادة.

6- المرأة المضطربة وهي التي اضطربت عادتها.

(مسألة 242): المبتدئة إذا رأت الدم وقد تجاوز العشرة رجعت إلى التمييز، بمعنى أنّ الدم المستمر إذا كان بعضه بصفات الحيض وبعضه فاقد لها أو كان بعضه أسود وبعضه أحمر أو كان بعضه أحمر وبعضه أصفر، وجب عليها التحيض بالدم الواجد للصفات بشرط عدم نقصه عن ثلاثة أيام وعدم زيادته عن العشرة.

(مسألة 243): إن لم تكن المبتدئة ذات تمييز بالصفات التي ذكرناها في المسألة المتقدمة، بأن كان الكل فاقداً للصفات أو كان الواجد أقل من ثلاثة أيام أو أكثر من عشرة رجعت إلى عادة نسائها عدداً، وإن اختلفن فالأظهر أنّها تتحيض في الشهر الأول ستة أو سبعة أيام، وتحتاط إلى تمام العشرة إن احتملت استمرار الدم

ص: 95

أكثر منها. وبعد ذلك من الأشهر تتحيض بثلاثة أيام وتحتاط إلى تمام الستة أو السبعة، بل إلى تمام العشرة على الأحوط استحباباً.

(مسألة 244): المضطربة إن أحرزت انقطاع الدم قبل العشرة، تحيضت في الجميع. وأن أحرزت استمراره بعدها تحيضت ستة أو سبعة أيام وهي في الأيام الباقية مستحاضة. وإن شكّت بالاستمرار احتاطت ما بينها وبين العشرة.

تنبيه: مما تقدم يظهر أنّ المضطربة تختلف عن المبتدئة في نقطةٍ وهي أنّ المضطربة إذا لم تتمكن من التمييز بالصفات ترجع إلى العدد مباشرة، بينما إنّ المبتدئة إذا لم تتمكن من التمييز ترجع إلى عادة أقاربها، فإن لم تتمكن من ذلك ترجع إلى العدد.

(مسألة 245): الأقوى عدم ثبوت عادة شرعية مركبة، والمقصود من العادة المركبة هو فيما لو رأت في الشهر الأول ثلاثة وفي الثاني أربعة وفي الثالث ثلاثة وفي الرابع أربعة، فإنّها لا تكون ذات عادة في الشهر الفرد ثلاثة وفي الشهر الزوج أربعة. وكذا إذا رأت في شهرين متواليين ثلاثة، وفي شهرين متواليين أربعة، فإنّها لا تكون ذات عادة في شهرين ثلاثة وشهرين أربعة. وإن تكررت الكيفية المذكورة مراراً عديدة.

(مسألة 246): الفاقدة للتمييز إذا ذكرت عدد عادتها ونسيت وقتها أو كانت ذات عادة عددية لا وقتية. إن رأت الدم بصفات الحيض ثلاثة أيام فأكثر ولم يتجاوز العشرة كان الجميع حيضاً، وإذا تجاوز العشرة جعلت المقدار الذي تحتمل العادة فيه حيضاً، والباقي استحاضة فإن تردد العدد بين احتمالين، وجب الاحتياط بين الأقل والأكثر، والأحوط ان يستمر الاحتياط إلى نهاية العشرة.

(مسألة 247): إذا حصرت وقت عادتها في عدد من أيام الشهر يزيد على أيام عادتها، كما لو تذكرت إنّ عادتها خمسة أيام مثلاً ضمن العشرةالأولى من الشهر، فالأحوط إن لم يكن أقوى أن تضع العدد فيه لو نزل الدم وكان ما سواه استحاضة.

(مسألة 248): إذا ذكرت وقت عادتها ونسيت عددها، أو كانت ذات عادة

ص: 96

وقتية لا عددية، فما ترى من الدم في وقتها المعتاد تجعله حيضاً بدون لحاظ التمييز. فإن كان الزائد عليه بصفة الحيض ولم يتجاوز العشرة فجميعه حيض، وإن تجاوزها تحيضت فيما تحتمل العادة فيه من الوقت والباقي استحاضة، ولها أن تجعل العادة أقصى مدة الاحتمال، فإن احتملت استمرار الدم بعد العشرة جمعت واحتاطت وإلا فهي مستحاضة بعد نهاية الوقت.

(مسألة 249): إذا كانت ناسية للوقت والعدد معاً، فإذا رأت الدم بصفة الحيض أياماً لا تقل عن ثلاثة ولا تزيد عن عشرة كان جميعه حيضاً، مع فصل أقل الطهر فيما زاد عن الحيض السابق، وأمّا إذا كان الدم أزيد من عشرة أيام ولم تعلم بمصادفته أيام عادتها، تحيضت بمقدار ما تحتمل أنّه عادتها، وجمعت بين العملين - أي تروك الحائض وأفعال المستحاضة- في باقي العشرة إذا احتملت تجاوزها، وإن علمت التجاوز سلفاً فهي مستحاضة، وإن لم يكن الدم كله بصفة الحيض ولم تعلم فيما هو بصفة الحيض مصادفة عادتها، جعلت ما بصفة الحيض حيضاً وما بصفة الاستحاضة استحاضة. والأولى أن تحتاط في الدم الذي ليس بصفة الحيض لاحتمال أن لا يزيد المجموع على عشرة أيام.

(مسألة 250): إذا علمت هذه الناسية بمصادفة الدم لأيام عادتها تحيضت بالعدد الستة أو السبعة في الوقت المحتمل واحتاطت في الباقي، هذا إذا لم تجد التمييز في الوقت المحتمل بالشكل المناسب معه فتعمل عليه. وإن كان الشكل غير المناسب معه احتاطت في الزائد.

ملاحظة مع تلخيص:

لا دليل على ما عرف بقاعدة الإمكان كقاعدة عامة في باب الحيض، فإنّ المرأة إذا كانت واثقة ومطمئنة بأنّ الدم الذي رأته دم حيض عملت ما تعمله الحائض.

وإن لم تدرِ أنّه دم حيض أو استحاضة فإن كان الدم في موعد العادة اعتبرته

ص: 97

حيضاً سواء كان بلون الحيض أم بلون الاستحاضة، وإن لم يكن في موعد العادة فإن كان بصفة الحيض اعتبرته حيضاً على أساس الصفات، وإن لم يكن بصفة الحيض اعتبرته استحاضة وقد تقدمت التفاصيل فلا مجال لقاعدة الإمكان.

الفصل الثامن: في أحكام الحيض

(مسألة 251): يحرم على الحائض جميع ما يشترط فيه الطهارة من العبادات، كالصلاة والصوم والطواف والاعتكاف، والأقوى أنّها حرمة تشريعية لا ذاتية فهي ليست كحرمة شرب الخمر توجب الإثم بالمخالفة وإنّما تعني عدم المشروعية، ويحرم عليها اغلب ما يحرم على الجنب مما تقدم (كمس كتابة القرآن وقراءة آيات السجدة والمرور والاجتياز بالمسجدين واللبث في المساجد . . .) حرمة ذاتية لا تشريعية.

(مسألة 252): يحرم وطؤها في القبل عليها وعلى الفاعل، بل قيل أنّه من الكبائر، بل الأحوط وجوباً ترك إدخال بعض الحشفة أيضاً مما يسمى جماعاً عرفاً. أمّا وطؤها في الدبر فالأحوط وجوباً تركه. ولا بأس بالاستمتاع بغير ذلك، وإن كره بما تحت المئزر مما بين السرة والركبة، بل الأحوط استحباباً الترك. وإن نقيت من الدم جاز وطؤها وإن لم تغتسل، بعد غسل فرجها قبل الوطء على الأحوط.

(مسألة 253): الأحوط استحباباً للزوج دون الزوجة الكفارة عن الوطء في أول الحيض بدينار وفي الوسط بنصف دينار وفي آخره بربع دينار، وتتعدد الكفارة بتعدد الوطء، والدينار هو (3. 45) غرام من الذهب المسكوك بسكة المعاملة. والأحوط استحباباً دفع الدينار نفسه مع الإمكان، وإلا دفع قيمته وقت الأداء. والأحوط استحباباً اختيار أعلى القيمتين من وقت الجماع ووقت الدفع. ولا شيء على الساهي والناسي والصبي والمجنون والجاهل بالموضوع أو بالحكم.

(مسألة 254): لا يصح طلاق الحائض وظهارها إذا كانت مدخولاً بها (ولو

ص: 98

من الدبر) ولم تكن حاملاً وكان زوجها حاضراً أو في حكمه، بمعنى أنّه متمكن من الاطلاع على حالها، والحاضر إذا لم يتمكن من الاطلاع على حالها كان في حكم الغائب، وإذا كان زوجها غائباً أو في حكمه أو كانت حاملاً أو غير مدخول بها فيجوز طلاقها في حال الحيض. وإذا طلق زوجته على أنّها حائض فبانت طاهراً صح مع توفر القصد الجدي وإن عكس فسد.

(مسألة 255): يجب الغسل من حدث الحيض لكل مشروط بالطهارة من الحدث الأكبر، وهو مشروع للكون على الطهارة يؤتى به بقصد القربة المطلقة، وهو كغسل الجنابة في الكيفية من الترتيب والارتماس والإجزاء عن الوضوء.

(مسألة 256): يجب عليها قضاء ما فاتها من الصوم في رمضان بل والمنذور في وقت معين. ولا يجب عليها قضاء الصلوات اليومية وصلاةالآيات ما لم يحترق القرص كله على الأحوط استحباباً. ولا المنذورة في وقت معين ولكنها تقضي الصلوات التي أدركتها وهي طاهر بمقدار يتسع للطهارة والصلاة ولم تؤدِّها سواء في أول الحيض أو آخره. ولا تسقط عنها صلاة الطواف إن فاجأها الحيض بعده.

(مسألة 257): يستحب لها التحشي والوضوء في وقت كل صلاة والجلوس في مكان طاهر مستقبلة القبلة ذاكرة الله تعالى. والأولى لها اختيار التسبيحات الأربع.

(مسألة 258): يكره لها الخضاب بالحناء أو غيرها، وحمل المصحف ولمس هامشه وما بين سطوره وتعليقه.

(مسألة 259): تصح من الحائض الطهارة من الحدث الأكبر غير الحيض، فإذا كانت جنباً واغتسلت عن الجنابة صح، وتصّح منها الأغسال المندوبة وكذلك الوضوء بل هو مستحب لها.

ص: 99

المقصد الثالث: في الاستحاضة

دم الاستحاضة - في الغالب- أصفر بارد رقيق يخرج بلا لذع وحرقة عكس دم الحيض. وربما كان بصفاته ولا تشترط فيه الشروط العامة للحيض. فلا حد لكثيره ولا لقليله، ولا للطهر المتخلل بين أفراده. ويتحقق قبل البلوغ وبعده وبعد اليأس. وهو ناقض للطهارة بخروجه ولو بمعونة القطنة، إذا عرفت أن فيه قابلية الخروج، وإلا لم يكن خروجه بالقطنة ناقضاً وهو يخرج من فتحة الفرج المؤدّية إلى الرحم سواء كانت بوضعها الطبيعي أو الاصطناعي. وإذا خرج من غيرها فلا يبعد القول معه بالطهارة. ويكفي في بقاء حدثيته بقاؤه في باطن الفرج بحيث يمكن إخراجه بالقطنة ونحوها. وإن كان الظاهر عدم كفاية ذلك في انتقاض الطهارة به ابتداءً كما تقدم.

والاستحاضة على ثلاثة أقسام: قليلة ومتوسطة وكثيرة.

فالقليلة: ما يكون الدم فيها قليلاً بحيث لا يغمس القطنة.

والمتوسطة: ما يكون الدم فيها أكثر من ذلك بحيث يغمس القطنة ولا يسيل.

والكثيرة: ما يكون الدم فيها أكثر من ذلك بأن يغمسها ويسيل منها.

(مسألة 260): الأحوط وجوباً الاختبار للصلاة بإدخال القطنة في الموضع المتعارف، والصبر عليها بالمقدار المتعارف ولا ينبغي الإبطاء بها، ثم تنظر إلى القطنة فتجد بها أحد الأوصاف السابقة فتبني عليها. وإذا تركت الاختبار عمداً أو سهواً وعملت، فإن طابق عملها الوظيفة اللازمة أو زاد عليها بحسب ما سيأتي من الوظائف، وتوفرت منها النية القربية إلى الله تعالى صح، وإلا بطل.

(مسألة 261): حكم القليلة وجوب تبديل القطنة أو تطهيرها وتطهير ظاهر المكان إذا تنجّس، ووجوب الوضوء لكل صلاة فريضة كانت أو نافلة دون الأجزاء المنسية وصلاة الاحتياط وسجود السهو المتصل بالصلاة، فلا يحتاج فيها إلى تجديد

ص: 100

الوضوء وغيره. وإنّما تحتاج إلى تجديد الطهارة الحدثية والخبثية في موردها مع إحراز نزول الدم ولو إلى باطن الفرج، أمّا بدونه فلها الاستمرار في عباداتها إلى حين حصول هذا الإحراز.

(مسألة 262): حكم المرأة المستحاضة بالاستحاضة المتوسطة - مضافاً إلى ما تقدم من تبديل القطنة وتطهير ظاهر المكان إذا تنجّس والوضوء لكل صلاة- غسل واحد في اليوم يكون وقته قبل الوضوء لأول صلاة فريضة يحصل قبلها الحدث، وفي الأيام التالية يكون قبل وضوء صلاة الصبح، فإذا أصبحت المرأة مستحاضة بالوسطى قبل صلاة الفجر وجب عليها أن تغتسل لصلاة الفجر ثم تتوضأ فتصلي، وإن لم تغتسللصلاة الصبح لسبب أو لآخر فعليها أن تغتسل لصلاة الظهرين وهكذا، كما أنّ عليها إعادة الصبح حينئذٍ، وإذا ابتليت المرأة بالاستحاضة الوسطى بعد صلاة الصبح وجب عليها أن تغتسل وتتوضأ فتصلي الظهرين، وإذا حصلت لها الاستحاضة الوسطى بعد صلاة الظهر فتغتسل وتتوضأ وتصلي صلاة العصر، هذا في اليوم الأول أمّا في الأيام التالية فتغتسل قبل وضوء صلاة الصبح، وإن أحدثت أثناء الصلاة وجب استئنافها بعد الغسل والوضوء، ولا يغني هذا الغسل عن الوضوء إذا كان غسل الوظيفة، وإنّما يغني عن الوضوء إذا كان غسل انتهاء الحدث بأن لم يعقبه خروج الدم أو نزوله إلى باطن الفرج.

(مسألة 263): حكم الكثيرة مضافاً إلى ما سبق غسلان آخران، أحدهما للظهرين تجمع بينهما والآخر للعشاءين كذلك، ولا يجوز لها الجمع بين أكثر من صلاتين من الفرائض اليومية بغسل واحد، نعم، يكفي للنوافل أغسال الفرائض بل لكل الأعمال الواجبة والمستحبة كالطواف والزيارة وقراءة القرآن. وغسلها يكفي عن الوضوء ما لم تحرز خروج الدم، كما سبق.

(مسألة 264): إذا حدثت الكبرى بعد صلاة الصبح، وجب غسل للظهرين وآخر للعشاءين، وإذا حدثت بعد الظهرين وجب غسل للعشاءين. وإذا حدثت بين الظهرين أو العشاءين وجب الغسل للمتأخرة منهما بنية الرجاء أو الاحتياط مع ضم

ص: 101

الوضوء إليه.

(مسألة 265): إذا انقطع دم الاستحاضة وأصبحت المرأة نقية منه قبل الأعمال من وضوء أو غسل وجب عليها أن تقوم بتلك الأعمال، وكذلك إذا انقطع الدم أثناء عملية الطهارة أو أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها إذا كان الوقت متسعاً للطهارة من الحدث - بالغسل- والصلاة، فإنّه يجب عليها في كل تلك الحالات أن تستأنف وتعيد الطهارة والصلاة.

(مسألة 266): إذا علمت المستحاضة أنّ لها فترة تسع الطهارة والصلاة وجب تأخير الصلاة إليها، وإذا بادرت وصلّت قبلها بطلت صلاتها، ولو مع الوضوء والغسل، وإذا كانت الفترة في أول الوقت فأخّرت الصلاة عنها - عمداً - عصت، وعليها الصلاة بعد فعل وظيفتها، وأما إذا أخّرت الصلاة عنها نسياناً أو لعذرٍ آخر فلا إثم، ولكن عليها أن تؤدي عملية الطهارة على الوجه المقرّر لها شرعاً وتصلي، وإذا لم تكن المرأة على علم بهذه الفرصة وصلّت وفقاً لوظيفتها ثم انقطع الدم لأمدٍ معين يتسّع للطهارة والصلاة وجب عليها أن تقوم بعملية الطهارة من جديد وتصلي.

(مسألة 267): إذا انقطع الدم انقطاع برء وجددت الوظيفة اللازمة لها، لم تجب المبادرة إلى فعل الصلاة، بل حكمها حينئذٍ حكم الطاهرة في جواز تأخير الصلاة.

(مسألة 268): إذا اغتسلت ذات الكثيرة لصلاة الظهرين أوالعشاءين ولم تجمع بينهما عمداً أو لعذر، وجب عليها تجديد الغسل للأخرى على الأحوط وجوباً وتتوضأ بعده.

(مسألة 269): إذا انتقلت الاستحاضة من الأدنى إلى الأعلى، كالقليلة إلى المتوسطة أو إلى الكثيرة، وكالمتوسطة إلى الكثيرة. فإن كان قبل الشروع في الأعمال فلا إشكال إنّها تعمل عمل الأعلى للصلاة الآتية. أمّا الصلاة التي فعلتها قبل الانتقال فلا إشكال في عدم لزوم إعادتها، وإن كان بعد الشروع في الأعمال فعليها أن تضيف ما يجب عليها للزائد، وكذا إذا كان الانتقال في أثناء الصلاة مع إحرازه

ص: 102

أولاً وسعة من الوقت للزائد ثانياً، فتعمل الزائد وتستأنف الصلاة على الأحوط وجوباً، ولكن لا يجب الاستئناف لو كان التكليف متحداً كما في الغسل لصلاة الصبح المشترك وجوبه بين المتوسطة والكثيرة. فإن انتقلت المتوسطة إلى الكثيرة أجزأها العمل إذا كانت نيتها خلال الغسل غير مقيدة بالمتوسطة لا غير وإن كان الأحوط استحباباً خلافه.

(مسألة 270): إذا حصلت الزيادة في حال المستحاضة في وقت لا يسع الزائد سواء بعد العمل وقبل الصلاة أو خلالها، أجزأها عملها، نعم، لو وسع الوقت للتيمم بدل الغسل الزائد لزم وتستأنف الصلاة. وإذا قصرت وجب القضاء.

(مسألة 271): إذا انتقلت الاستحاضة من الأعلى إلى الأدنى، فإن كان خلال العمل لم يجب الزائد من أعمال الحالة السابقة على وظيفة الحالة اللاحقة، وإن كان بعد العمل صلّت به وتعمل عمل الأدنى للصلوات الآتية.

(مسألة 272): قد عرفت أنّه تجب المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء والغسل لكن يجوز لها إتيان الأذان والإقامة قبل الصلاة، وكذلك ما يتوقف عليه فعل الصلاة كتحضير المصلى وملابس الصلاة ولو من جهة لزوم العسر بدونه، والأولى لها جداً عدم التسامح بالمبادرة حتى بترك المستحبات والأدعية، ولكن أن فعلتها في وقت متعارف فالظاهر صحة صلاتها.

(مسألة 273): يجب عليها التحفظ من خروج الدم بحشو الفرج بقطنة وشده بخرقة ونحو ذلك، بمعنى أن تعمل ما يمكنها، فإن لم يمكن عذرت عن الزائد. وأمّا إذا قصرت وخرج الدم أعادت الصلاة.

(مسألة 274): الظاهر توقف صحة الصوم من المستحاضة على فعل الأغسال النهارية في الكثيرة، حتى غسل العشاءين في الليلة التي قبل نهار الصوم على الأحوط وجوباً، أما غسل الليلة الآتية فاشتراطه استحبابي، وأمّا المتوسطة فيتوقف صحة صومها على غسل الفجر على الأحوط وجوباً، وإذا اغتسلت المستحاضة بالكبرى والوسطى جاز لزوجها مقاربتها. أمّا دخول المساجد وقراءة العزائم ومس

ص: 103

المصحف فيجوز لها مطلقاً وإن كان الأولى لها فعل ذلك بعد أداء وظيفتها بحسب نوع الاستحاضة.

ص: 104

المقصد الرابع: النفاس

دم النفاس هو دم يقذفه الرحم بالولادة معها أو بعدها، على نحو يعلم استناد خروج الدم إليها. ولا حد لقليله وحد كثيره عشرة أيام من حين رؤية الدم، فإذا رأته في اليوم الرابع فالحد الأكثر له أن لا يتجاوز اليوم الرابع عشر وإذا رأته بعد عشرة أيام لم يكن نفاساً. وإذا لم ترَ فيها دماً لم يكن لها نفاس أصلاً. ومبدأ حساب الأكثر من حين رؤية الدم بعد تمام الولادة لا من حين الشروع فيها وإن كان جريان الأحكام عليه من حين الشروع. ولا يعتبر فصل أقل الطهر بين النفاسين، بل لا يعتبر الفصل بين النفاسين أصلاً، كما إذا ولدت ورأت الدم إلى عشرة ثم ولدت آخر على رأس العشرة فالدمان جميعاً نفاسان متواليان. وإذا لم ترَ الدم حين الولادة ورأته قبل العشرة وانقطع عليها وعرفت استناده إلى الولادة فذلك الدم نفاسها.

وإذا رأته حين الولادة ثم انقطع ثم رأته قبل العشرة وانقطع عليها فالدمان والنقاء بينهما كلها نفاس واحد. وإن كان الأحوط استحباباً في النقاء الجمع بين عمل الطاهرة والنفساء إذا علمت برجوع الدم مرة أخرى.

(مسألة 275): الظاهر أن الدم الخارج عند الإسقاط وإن لم تتضح معالم السقط يعتبر دم نفاس وتجري على المرأة أحكام النفساء، والاحتياط حسن في الجمع بين تروك النفساء وأفعال المستحاضة.

(مسألة 276): إذا رأت المرأة الحامل الدم قبل ظهور الولد فهو ليس نفاساً أكيداً، فإن رأته في حال المخاض وعلمت أنّه منه فهو من دم الجروح ولا أثر له، وإن كان الأحوط ترتيب آثار الاستحاضة، وإن كانت واثقة ومتأكدة بأنّه من دم الحيض عملت ما تعمله الحائض، بلا فرق بين أن يكون منفصلاً عن الولادة بعشرة أيام أو أقل أو أكثر أو يكون متصلاً بها، إذ لا يعتبر أن يفصل بين دم الحيض المتقدم ودم النفاس عشرة أيام كالذي اشترطناه من الفصل بين حيضتين، أمّا دم الحيض المتأخر فسيأتي إن شاء الله تعالى، وإذا لم تدرِ بأنّه دم حيض أو دم

ص: 105

استحاضة فإن كان بصفة الحيض وفي أيام العادة اعتبرته حيضاً، وتتأكد من ذلك باستمراره ثلاثة أيام، وإن لم يكن بصفة الحيض ولا في أيام العادة اعتبرته استحاضة، وإن كان بصفة الحيض ولم يكن في أيام العادة، أو كان في أيام العادة ولكن من دون صفة الحيض فالأحوط لها الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.

(مسألة 277): النفساء ثلاثة أقسام:

أولاً: التي لا يتجاوز دمها العشرة، فجميع الدم نفاس.ثانياً: التي يتجاوز دمها العشرة، وتكون ذات عادة عددية في الحيض ويراد بتجاوز العشرة تجاوزها من حين رؤية الدم لا من الولادة كما أسلفنا، ففي هذه الصورة كان نفاسها بمقدار عادتها والباقي استحاضة والأحوط وجوباً لها أن تحتاط بالجمع خلال المدة الزائدة عن عادتها إلى العشرة.

ثالثاً: التي يتجاوز دمها العشرة ولا تكون ذات عادة في الحيض سواء كانت مضطربة أو مبتدئة، تجعل مقدار عادة أقاربها نفاساً والباقي استحاضة ولا تترك الاحتياط بالجمع ما بين العادة والعشرة إن كانت عادتهن أقل من عشرة.

(مسألة 278): إذا رأت النفساء في عشرة الولادة أزيد من دمٍ واحد كأن رأت دمين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر، سواء كان النقاء المتخلل كالمستوعب لقصر زمن الدمين أو الدماء أو لم يكن كذلك فلها صورتان.

الأولى: أن لا يتجاوز الدم الثاني اليوم العاشر من أول رؤيةٍ للدم، فتجعل كلا الدمين نفاساً ويجري على النقاء المتخلل حكم النفاس على الأظهر، وإن كان الأحوط استحباباً فيه الجمع بين أعمال الطاهرة وتروك النفساء وخاصة ما بين موعد نهاية عادتها إلى نهاية الدم.

الثانية: أن يتجاوز الدم الثاني اليوم العاشر من أول رؤية الدم وهذا على أقسام:

القسم الأول: أن تكون المرأة ذات عادة عددية في حيضها وقد رأت الدم

ص: 106

الثاني في زمان عادتها، ففي هذه الصورة كان الدم الأول مع النقاء نفاساً وما زاد عن العادة استحاضة، والأحوط الجمع بين الوظيفتين ما لم تعلم بزيادة الدم على العشرة.

القسم الثاني: أن تكون المرأة ذات عادة ولكن لم ترَ الدم الثاني حتى انقضت مدة عادتها فرأت الدم وتجاوز الدم العشرة، ففي هذه الصورة يكون نفاسها هو الدم الأول، وأمّا الدم الثاني فهو استحاضة ويجري عليها أحكام الطاهرة في النقاء المتخلل.

القسم الثالث: أن لا تكون المرأة ذات عادة في حيضها وقد رأت الدم قبل مضي عادة أقاربها وتجاوز اليوم العاشر، ففي هذه الصورة يكون نفاسها مقدار عادة أقاربها، وهي في الباقي مستحاضة والأحوط استحباباً الجمع بين الوظيفتين من نهاية العادة إلى العاشر ولو بعنوان عدم علمها باستمرار الدم.

القسم الرابع: أن لا تكون المرأة ذات عادة في حيضها وقد رأت الدم الثاني الذي تجاوز اليوم العاشر بعد مضي عادة أقاربها، ففي هذه الصورة يكون نفاسها هو الدم الأول، وتحتاط استحباباً بالجمع بين الوظيفتين أيام النقاء وأيام الدم الثاني إلى اليوم العاشر.

ثم أن ما ذكرناه في الدم الثاني، يجري في الدم الثالث والرابع وهكذا. فإن لم يتجاوز المجموع العشرة كانت كلها نفاساً، وإن زاد عن العشرةكانت أيام عادتها نفاساً وما زاد استحاضة، وإن لم يكن لها عادة أخذت بعادة أقاربها كما سبق وكان الباقي استحاضة.

(مسألة 279): يعتبر فصل أقل الطهر وهي عشرة أيام بين دم النفاس ودم الحيض الذي بعده -كما كان يعتبر ذلك بين الحيضتين- فما تراه النفساء من الدم إلى عشرة أيام - بعد تمام نفاسها- استحاضة مطلقاً، سواء أكان الدم بصفات الحيض أو لم يكن، وسواء أكان الدم في أيام العادة أم لم يكن، ويعبَّر عن هذه العشرة بعشرة الاستحاضة، فإذا رأت دماً بعدها - سواء استمر بها أم انقطع ثم عاد- فهو على قسمين:

ص: 107

الأول: أن تكون النفساء ذات عادة وقتية، وفي هذا القسم ترجع إلى عادتها ولا ترجع إلى التمييز، فإن كانت العادة في العشرة التالية لعشرة الاستحاضة كان ما تراه فيها حيضاً، وإن لم تكن فيها بل فيما بعدها انتظرت أيام عادتها وإن اقتضى ذلك عدم الحكم بتحيضها فيما بعد الولادة بشهر أو أزيد، وهذا كما إذا كان لها عادة وقتية واحدة في كل شهر وصادفت في الشهر الأول عشرة الاستحاضة.

الثاني: أن لا تكون لها عادة وقتية فإن كانت ذات تمييز من جهة اختلاف لون الدم وكون بعضه بلون الحيض وبعضه بلون الاستحاضة - مع توفر سائر الشرائط- رجعت إلى التمييز، وهو قد يقتضي الحكم بتحيضها فيما بعد عشرة الاستحاضة بلا فصل، وقد يقتضي الحكم بعدم تحيضها في شهر الولادة بالكلية، أو الحكم بتعدد الحيض في شهر واحد ففي جميع هذه الحالات ترجع مستمرة الدم - إذا كانت ذات تمييز- إلى ما يقتضيه التمييز ولو في شهور متعددة، وأمّا إذا لم تكن ذات تمييز بأن كان الدم ذا لون واحد في عشرة الاستحاضة وما بعدها إلى شهر أو شهور عديدة فحكمها التحيّض في كل شهر بالاقتداء ببعض نسائها، أو باختيار العدد الذي تطمئن بأنّه يناسبها كما تقدّم تفصيل ذلك كله في فصل الحيض.

(مسألة 280): النفساء بحكم الحائض بالاستظهار بالدم عند تجاوز الدم أيام العادة، وفي لزوم الاختبار عند ظهور انقطاع الدم وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ويحرم وطؤها ولا يصح طلاقها، والأحوط وجوباً أنّ أحكام الحائض من الواجبات والمحرمات تشمل النفساء أيضا، ويندب لها ما يندب لها ويكره لها ما يكره لها.

ص: 108

المقصد الخامس: أحكام الأموات

موعظة:

في الموت موعظة ما بعدها موعظة وبه تظهر سلطة الله على عباده وقد حثَّ المعصومون (عليهم السلام) على تذّكره لإحياء القلب وإزالة ما يصيبه من أدران بسبب الخوض في أمور الدنيا وإطاعة النفس واتّباع أهوائها وشهواتها، وكثيراً ما كانوا (سلام الله عليهم) يذكّرون الناس ب(هادم اللذات) يعني الموت.

خرج الإمام الكاظم (عليه السلام) في تشييع جنازة فلما أنزلوها إلى القبر وقف على شفيره وقال (إنّ شيئاً هذا آخره - وهي الدنيا- لحقيق أن يُزهَد في أوله، وإنّ شيئاً هذا أوله - وهي الآخرة- لحقيق أن يخاف من آخره).

وقد ورد الحث على عيادة المرضى وتشييع الجنائز لما فيها من تذكير وتقليل من غلواء النفس الطامحة التي تغفل عن هذه الحقائق المروّعة، وإنّ الليل والنهار يبليان كل جديد ويقضمان العمر بسرعة، ولا يحسّ الإنسان إلا وقد أشرف على الموت ولا ينفعه الندم على التقصير والإساءة لأن الفرصة لا تعوّض ولا يقبل عذر الإنسان لأن الحجج والمواعظ والنذر تتوالى عليه.

وقد حفل القرآن الكريم ونهج البلاغة وجوامع الحديث وكتب الموعظة والأخلاق بالكثير منها، ولا ينبغي للمؤمن أن يغفل عنها لأنّه يقع حينئذٍ في فخ الغفلة (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ، وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق: 19-22).

وفي هذا المقصد فصول:

ص: 109

الفصل الأول: في أحكام الاحتضار

(مسألة 281): يجب على الأحوط توجيه المحتضر إلى القبلة بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه وباطن رجليه إليها، بل الأحوط وجوب ذلك على المحتضر نفسه إن أمكنه ذلك ويعتبر في غير توجيه الولي إذن الولي على الأحوط استحباباً ما لم ينافِ الفورية في التوجيه فيسقط.

(مسألة 282): إذا لم يوجه الميت حال احتضاره لم يجب توجيههبعد موته وأن كان أحوط أكيداً ما لم ينافِ الإسراع بالتجهيز.

(مسألة 283): ذكر العلماء رضوان الله عليهم أنّه يستحب نقله إلى مصلاه إن اشتد به النزع، وتلقينه الشهادتين والإقرار بالنبي والأئمة (عليهم السلام) وسائر الاعتقادات الحقة، وتلقينه كلمات الفرج ويكره أن يحضره جنب أو حائض، وأن يمس حال النزع. وإذا مات يستحب أن تغمض عيناه ويطبق فوه ويشد لحياه وتمد يداه إلى جانبيه وساقاه. وينبغي الإسراع في ذلك قبل جفاف جسمه ويغطى بثوب وأن يقرأ عنده القرآن ويسرّج في المكان الذي مات فيه إن مات في الليل، وإعلام المؤمنين بموته ليحضروا جنازته، ويعجّل في تجهيزه إلا إذا شك في موته فينتظر به حتى يعلم موته. ويكره أن يثقل بطنه بحديد أو غيره وأن يترك وحده.

ص: 110

الفصل الثاني: في الغسل
اشارة

تجب إزالة النجاسة عن جميع جسد الميت قبل الشروع بالغسل على الأحوط. والأقوى كفاية إزالتها عن كل عضو قبل الشروع فيه، ولا يكفي الإزالة بنفس الغسل.

(مسألة 284): يغسل الميت ثلاثة أغسال:

الأول: بماء السدر.

الثاني: بماء الكافور.

الثالث: بالماء الصافي، كل واحد منها كغسل الجنابة الترتيبي. ولابد فيه من تقديم الجانب الأيمن على الأيسر ومن النية على ما عرفت في الوضوء.

(مسألة 285): إذا كان المغسل غير الولي فلا بد من إذن الولي مع إمكانه، بحيث لا يؤدي إلى التأخير الكثير المسبب فساد البدن أو الوقوع في ذلة غير مناسبة للميت. والولي هو الزوج بالنسبة إلى الزوجة، ثم الطبقة الأولى في الميراث وهم الأبوان والأولاد، ثم الثانية وهم الأجداد والأخوة، ثم الثالثة وهم الأعمام والأخوال، ثم المولى المعتق، ثم ضامن الجريرة، ثم الحاكم الشرعي على الأحوط وجوباً.

(مسألة 286): البالغون في كل طبقة مقدمون على غيرهم. وفي تقديم الأب في الطبقة الأولى على الأولاد، والجد على الأخ، والأخ من الأبوين على الأخ من أحدهما، والأخ من الأب على الأخ من الأم، والعم على الخال إشكال. والأحوط الاستئذان من الطرفين، وهو احتياط وجوبي في الأخوة مع اختلاف الانتساب وأمّا في صورة الأب والجد فهو استحبابي.

(مسألة 287): إذا تعذر استئذان الولي لعدم حضوره مثلاً أو امتنع عن الإذن أو عن مباشرة التغسيل، وجب تغسيله على غيره ولو بلا إذن.

(مسألة 288): إذا أوصى أن يغسله شخص معين لم يجب عليه القبول إذا كان

ص: 111

بالإمكان الإيصاء إلى غيره ولم يكن في القبول حرج عليه، لكن إذا قبل لم يحتج إلى إذن الولي، وإذا أوصى أن يتولى تجهيزه شخص معين جاز له رد الوصية في حياة الموصي وليس له الرد بعد ذلك إلا في الظرف المتقدم، ولكنه إذا لم يرد وجب الاستئذان منه دون الولي.

شروط الغسل

(مسألة 289): تجب على المغسِّل المباشر النية بعناصرها المصححة لها، وهي قصد القربة لله تعالى والإخلاص فيها، أي عدم خلطها بما يشوبها من رياء ونحوه، وأن يكون ملتفتاً إلى ما يفعل، ولو اضطر إلىأن يتولى الغسل غير المسلم فيتولاها الآمر له.

(مسألة 290): يجب في التغسيل طهارة الماء وإباحته، وإباحة السدر والكافور، بل الفضاء الذي يشغله الغسل على الأحوط، ومجرى الغسالة على الأحوط استحباباً، ومنه السدة التي يغسل عليها إذا كان ماء الغسل يجري عليها، أمّا إذا كان لا يجري عليها فمع عدم الانحصار يصح الغسل عليها، أمّا معه فيسقط الغسل، لكن إذا غسل حينئذ صح الغسل. وكذلك التفصيل في ظرف الماء إذا كان مغصوباً.

(مسألة 291): يجزي تغسيل الميت قبل برده بعد إحراز خروج روحه.

(مسألة 292): إذا تعذر السدر والكافور، فالأقوى وجوب تغسيله ثلاث مرات بالماء الصافي، وينوي في الأوّلين البدلية عن الغسل بالسدر والكافور، والأحوط استحباباً ضم التيمم إليهما. ومنه يتضح حكم ما لو تعذر أحدهما.

(مسألة 293): يعتبر في كل من السدر والكافور أن لا يكون كثيراً بمقدار يوجب خروج الماء عن الإطلاق إلى الإضافة، ولا قليلاً بحيث لا يصدق أنّه مخلوط بالسدر والكافور. ويعتبر في الماء القراح أن يصدق خلوصه منهما، فلا بأس بأن يكون فيه شيء منهما إذا لم يصدق الخلط. ولا فرق في السدر بين اليابس والأخضر مع صدق الخلط.

ص: 112

(مسألة 294): إذا تعذر الماء أو خيف تناثر لحم الميت بالتغسيل - ولو قليلاً- يمّم على الأحوط وجوباً ثلاث مرات، ينوي بكل واحد منها ما في الذمة أو رجاء المطلوبية، وينوي في الأول البدلية عن الغسل الأول، وفي الثاني عن الثاني، وفي الثالث عن الثالث.

(مسألة 295): يجب على الأحوط الجمع بين أن يكون التيمم بيد الميت مع الإمكان وبيد الحي.

(مسألة 296): يشترط في الانتقال إلى التيمم الانتظار إذا احتمل تجدد القدرة على التغسيل، فإذا حصل اليأس جاز التيمم. لكن إذا اتفق تجدد القدرة قبل الدفن وجب التغسيل، وكذا إذا تجددت بعد الوضع في القبر. وإذا تجددت بعد الدفن لم يجب. وكذا الحكم فيما إذا تعذر السدر والكافور.

(مسألة 297): إذا تنجس بدن الميت بعد الغسل أو في أثنائه بنجاسة خارجية أو منه وجب تطهيره، ولو بعد وضعه في القبر، نعم، لا يجب ذلك بعد الدفن.

(مسألة 298): إذا خرج من الميت بول أو منيّ لا تجب إعادة غسله ولو قبل الوضع في القبر، نعم، يلزم التطهير كما ذكرنا في المسألة السابقة. ولو خرج في أثناء الغسل فالأحوط استحباباً الإعادة والأحوط منه الإتمام والإعادة.

(مسألة 399): لا يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميت، ويجوز أخذالعوض على بذل الماء ونحوه مما لا يجب بذله مجاناً.

(مسألة 300): إذا كان الميت مصاباً بجروح ينزف منها الدم، ولم يمكن الانتظار حتى ينقطع الدم فإن أمكن حشو الجروح وغسل الظاهر بعد التطهير فيجب وإلا جمع بين الغسل بالماء الجاري أو الكثير والتيمم.

شروط المغسّل

(مسألة 301): يجوز أن يكون المغسل صبياً مميزاً إذا كان تغسيله على الوجه الصحيح.

ص: 113

(مسألة 302): يجب في المغسّل أن يكون مماثلاً للميت في الذكورة والأنوثة، فلا يجوز تغسيل الذكر للأنثى ولا العكس، ويستثنى من ذلك صور:

الصورة الأولى: أن يكون الميت طفلاً لم يتجاوز الست سنوات، فيجوز للذكر والأنثى تغسيله، سواء أكان ذكراً أم أنثى، مجرداً عن الثياب أم لا، وجد المماثل له أم لا. والأحوط اقتصار الجواز على ثلاث سنين.

الصورة الثانية: الزوج والزوجة. فإنّه يجوز لكل منهما تغسيل الآخر، سواء أكان مجرداً أم من وراء الثياب، وسواء وجد المماثل أم لا، من دون فرق بين الدائمة والمنقطعة. وكذا المطلقة الرجعية إذا كان التغسيل في أثناء العدة.

الصورة الثالثة: المحارم بنسب أو رضاع. والأحوط استحباباً اعتبار فقد المماثل وكونه من وراء الثياب.

(مسألة 303): إذا اشتبه ميت بين الذكر والأنثى لظلام ونحوه، أو لكونه مقطعاً، أو لكونه خنثى مشكل، غسّله كل من الذكر والأنثى من وراء الثياب.

(مسألة 304): إذا انحصر المماثل بالكافر الكتابي، أمره المسلم أن يتطهر أولاً، ثم يغسل الميت. والمغسل هو الذي يتولى النية بتعليم المسلم إياه، والأحوط استحباباً ضم نية الآمر المسلم. وإذا أمكن التغسيل بالماء المعتصم - كالكر والجاري- تعين ذلك على الأحوط استحباباً. وإذا أمكن المخالف قدّم على الكتابي، وإذا أمكن المماثل أعاد الغسل على الأحوط وجوباً إذا كان السابق كتابياً، والأحوط استحباباً إن كان السابق مخالفاً.

(مسألة 305): إذا لم يوجد المماثل حتى المخالف والكتابي سقط الغسل، لكن الاحتياط لا يترك بتغسيل غير المماثل من وراء الثياب من غير لمس ونظر، ثم ينشّف بدنه بعد التغسيل وقبل التكفين.

(مسألة 306): إذا دفن الميت بلا تغسيل - عمداً أو خطأ - جاز، بل وجب نبشه لتغسيله أو تيممه، ما لم يكن فيه هتك للميت أو ضرر علىالأحياء، وكذا إذا ترك بعض الأغسال ولو سهواً أو تبين بطلانها أو بطلان بعضها.

ص: 114

(مسألة 307): إذا مات محدثاً بالأكبر كالجنابة أو الحيض لم يجب إلا غسل الميت خاصة.

(مسألة 308): إذا كان محرماً لا يجعل الكافور في غسله الثاني، بل يغسل بماء خالص بدله، إلا أن يكون موته بعد السعي في الحج أو العمرة، وكذلك لا يحنط بالكافور، بل لا يقرب إليه طيب آخر. ولا يلحق به المعتدة للوفاة والمعتكف.

(مسألة 309): يجب تغسيل كل مسلم لم يحكم بكفره عدا صنفين:

الأول: الشهيد المقتول في جهاد مشروع في الإسلام. ويشترط أن يكون خروج روحه في المعركة قبل انقضاء الحرب أو بعدها بقليل ولم يدركه المسلمون وبه رمق، فإن أدركه المسلمون وبه رمق وجب تغسيله.

(مسألة 310) إذا كان في المعركة مسلم وكافر واشتبه أحدهما بالآخر وجب الاحتياط بتغسيل كل منهما وتكفينه ودفنه، وكذا لو اشتبه الفرد بين المسلم والكافر، هذا في صورة عدم سقوط الغسل عن المسلم لعدم توفر الشرطين أعلاه.

الثاني: من وجب قتله برجم أو قصاص، فالمشهور أنّه يغتسل غسل الميت المتقدم تفصيله ويحنط ويكفن كتكفين الميت، ثم يقتل فيصلى عليه ويدفن بدون تغسيل. غير أن الأحوط وجوباً - إن حصل ذلك- إعادة كل هذه الوظائف بعد موته. أمّا لو حصل بقتله دم وتخرق الكفن أو نحوه وجب تطهيره وتدارك ذلك بلا إشكال.

(مسألة 311): قد ذكروا للتغسيل سنناً مثل أن يوضع الميت في حال التغسيل على مرتفع، وأن يكون تحت الظلال وأن يوجه إلى القبلة كحالة الاحتضار، وأن ينزع قميصه من طرف رجليه، وإن استلزم فتقه بشرط إذن الوارث. ويجب أن تستر عورته بنحو لا يمنع من وصول الماء إليها. ويستحب أن تلين أصابعه برفق وكذا جميع مفاصله مع الإمكان، وأن يغسل رأسه برغوة السدر وفرجه بالأشنان، وأن يبدأ بغسل يديه إلى نصف الذراع في كل من الغسلات الثلاث ثلاث مرات، ثم بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر. ويغسل كل عضو ثلاثاً في كل غسل، ويمسح بطنه في

ص: 115

الأوّلين، إلا الحامل التي مات ولدها في بطنها فيكره ذلك، وأن يقف الغاسل على الجانب الأيمن للميت، وأن يحفر للماء حفيرة خاصة به ولا يسلط على الكنيف، وأن ينشف بدن الميت بثوب نظيف أو نحوه وذكروا أيضاً: أنّه يكره إقعاده وترجيل شعره وقص أظافره وحلق رأسه أو عانته أو شاربه. بل الأحوط وجوباً ترك القص والحلق ويدفن بالجسم الذي مات به، ويكره جعل الميت بين رجلي الغاسل وتخليل ظفره، ما لم تتوقف عليه صحة الغسل، وغسله بالماء الساخن بالنار، بل مطلقاً إلا مع الاضطرار، والتخطي عليه حينالتغسيل.

الفصل الثالث: في التكفين

يجب كفاية تكفين الميت بثلاثة أثواب:

الأول: المئزر، ويجب أن يكون ساتراً ما بين السرة والركبة.

الثاني: القميص، ويجب أن يكون ساتراً من المنكبين إلى نصف الساق.

الثالث: الإزار، ويجب أن يغطي كل البدن.

(مسألة 312): الأحوط وجوباً في كل هذه الأثواب أن يكون ساتراً لما تحته غير حاكٍ عنه وإن حصل الستر بالمجموع.

(مسألة 313): لابد في التكفين من إذن الولي على نحو ما تقدم في التغسيل، ولا يعتبر فيه نية القربة.

(مسألة 314): إذا تعذرت القطعات الثلاث، اقتصر على الميسور، وإذا دار الأمر بينها يقدم الإزار، وعند الدوران بين المئزر والقميص يقدم المئزر، وإن لم يكن إلا مقدار ما يستر العورة تعين الستر به. وإذا دار الأمر بين ستر القبل وستر الدبر تعين الأول.

(مسألة 315): لا يجوز اختياراً التكفين بالحرير ولا بالنجس حتى إذا كانت

ص: 116

نجاسته معفواً عنها في الصلاة، بل الأحوط وجوباً أن لا يكون مذهّباً ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، بل ما يؤكل لحمه أيضاً على الأحوط استحباباً. وأمّا وبره وشعره فيجوز التكفين به. وأمّا في حال الاضطرار فيجوز الجميع. فإذا انحصر في واحد منها تعين ولو باعتبار تعذر تطهير المتنجس.

(مسألة 316): إذا دار الأمر بين التكفين بالمتنجس والتكفين بغيره من تلك الأنواع فالأحوط اختيار الطاهر، وإذا دار الأمر بين الحرير وغير المتنجس قدم غير الحرير، ولا يبعد التخيير في غير ذلك من الصور.

(مسألة 317): لا يجوز التكفين بالمغصوب حتى مع الانحصار، وفي التكفين بجلد الميتة إشكال. ومع الانحصار فالأحوط وجوباً الاقتصار على ستر العورة به.

(مسألة 318): يجوز التكفين بالحرير غير الخالص، بشرط أن يكون الخليط أزيد من الحرير، وإن كان للتكفين بما تجوز به الصلاة وجه.

(مسألة 319): إذا تنجس الكفن بنجاسة من الميت أو من غيره وجب إزالتها ولو بعد الوضع في القبر بغسل أو بقرض، إن كان الموضع يسيراً ولا يلزم منه انكشاف شيء من البدن. وإذا لم يمكن ذلك وجبتبديله مع الإمكان، هذا إذا لم يستلزم نبش القبر، ومعه لا يجب لو ترك التطهير عمداً.

(مسألة 320): القدر الواجب من الكفن يخرج من أصل التركة قبل الدين والوصية، وكذا ما وجب من مؤونة تجهيزه ودفنه من السدر والكافور وماء الغسل وقيمة الأرض وما يأخذه الظالم من الدفن في الأرض المباحة وأجرة الحمال والحفار ونحوها.

(مسألة 321): كفن الزوجة على زوجها وإن كانت صغيرة أو مجنونة أو منقطعة أو غير مدخول بها، وكذا المطلقة الرجعية ولا يترك الاحتياط في الناشز دون البائن. ولا فرق في الزوج بين أحواله من الصغر والكبر والجنون والفلس وغيرها، ويتولى وليّه مع قصوره عن التصرف.

(مسألة 322): يشترط في وجوب الكفن على الزوج أن لا يقترن موتها بموته،

ص: 117

فضلاً عما إذا مات قبلها ولو بلحظة، ولو شك في تقدمها لم يجب. كما يشترط عدم تعيينها الكفن بالوصية.

(مسألة 323): كما أن كفن الزوجة على زوجها، كذلك سائر مؤن التجهيز من السدر والكافور وغيرهما مما عرفت على الأحوط وجوباً، بل هو الأقوى.

(مسألة 324): الزائد على المقدار الواجب من الكفن وسائر مؤن التجهيز لا يجوز إخراجه من الأصل إلا مع رضا الورثة. وإذا كان فيهم صغير أو غير رشيد لا يجوز لوليّه الإجازة في ذلك، فيتعين حينئذ إخراجه من حصص الكاملين برضاهم وكذا الحال في قيمة القدر الواجب، فإنّ الذي يخرج من الأصل ما هو أقل قيمة، ولا يجوز إخراج الأكثر منه إلا مع رضا الورثة الكاملين، فلو كان الدفن في بعض المواضع لا يحتاج إلى بذل مال وفي غيره يحتاج إلى ذلك لا يجوز للولي مطالبة الورثة بذلك ليدفنه فيه، ما عدا ما سنشير إليه في المسألة الآتية.

(مسألة 325): ما ذكرناه في المسألة السابقة هو المشهور. ولا يبعد الجواز، بل الوجوب فيما لا يؤدي إلى إهانة الميت، بل لا يبعد الجواز فيما يناسب شأنه من التجهيز، وخاصة فيما إذا كانت الخلة بدرجة موجبة للخلة للورثة القاصرين أيضاً، فيجوز لوليّهم الإذن في الصرف من حصصهم، نعم، لو لم يوصِ أو كان يبقى من الثلث بقية بعد تنفيذ الوصية فلا يبعد تعين الصرف منه دون مجموع التركة. ويظهر الأثر فيما إذا كان تجهيزه المناسب زائداً على الثلث، أمّا التجهيز أكثر من المناسب، وكذلك ما زاد على التجهيز من الفاتحة والإطعام ونحوها من الأمور العرفية فيخرج من حصص الكاملين برضاهم. ولا يجوز صرفه من حصص القاصرين.

(مسألة 326): كفن واجب النفقة من الأقارب في ماله لا على من تجب عليه النفقة، نعم، لو لم يكن له مال فالأحوط وجوبه على المنفق، وإن كان لا يبعد كونه جزءاً من الوجوب الكفائي.(مسألة 327): إذا لم يكن للميت تركة لم يجُز دفنه عارياً، فإن اتفق هناك بعض الوجوه المالية الشرعية المنطبقة على مورده صرف عليه منها وإلا وجب على

ص: 118

الأحوط كفاية الصرف عليه، ولو بنية الإقراض للوارث أو لبيت المال. فإن تعذر كل ذلك دفن عارياً، مستور العورة مع الإمكان.

(مسألة 328): ذكروا من سنن هذا الفصل: أنّه يستحب في الكفن العمامة للرجل ويكفي فيها المسمى، والأولى أن تدار على رأسه مرة أو مرتين ويجعل طرفاها تحت حنكه على صدره، الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، والمقنعة للمرأة ويكفي فيها المسمى أيضاً، ولفافة لثدييها تشد إلى ظهرها، وخرقة يعصب بها وسط الميت ذكراً كان أو أنثى، وخرقة أخرى للفخذين تلف عليهما، ولفافة فوق الإزار يلف بها تمام البدن، والأولى كونها برداً يمانياً، وأن يجعل القطن أو نحوه عند تعذره بين رجليه يستر به العورتين، ويوضع عليه شيء من الحنوط، وأن يحشى دبره ومنخراه وقُبُل المرأة إذا خيف خروج شيء منها، وأن يكون من القطن، وأن يكون أبيض، وأن يكون من خالص المال وطهوره، وأن يكون ثوباً قد أحرم فيه أو صلى فيه، وأن يلقى عليه الكافور والذريرة وأن يخاط بخيوطه إذا احتاج إلى الخياطة، وأن يكتب على حاشية الكفن: فلان بن فلان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً رسول الله، ثم يذكر الأئمة (عليهم السلام) واحداً بعد واحد، وأنّهم أولياء الله وأوصياء رسوله، وأن البعث والثواب والعقاب حق، وأن يكتب على الكفن دعاء الجوشن الصغير والكبير. ويلزم أن يكون ذلك كله في موضع يؤمن عليه من النجاسة والقذارة، فيكتب في حاشية الإزار من طرف رأس الميت.

(مسألة 329): يستحب أيضاً في التكفين أن يجعل الطرف الأيمن من اللفافة على أيسر الميت والأيسر على أيمنه، وأن يكون المباشر للتكفين على طهارة من الحدث، وإن كان هو المغسل غسل يديه من المرفقين، بل المنكبين ثلاث مرات ورجليه إلى الركبتين. ويغسل كل موضع تنجس من بدنه. والأفضل من ذلك أن يغتسل غسل مس الميت قبل التكفين. وأن يجعل الميت حال التكفين مستقبل القبلة. والأولى أن يكون كحال الصلاة عليه.

(مسألة 330): يكره قطع الكفن بالحديد وعمل الأكمام والزرور له ولو كفن

ص: 119

في قميصه قطع أزراره، ويكره بَلّ الخيوط التي تخاط بها بريقه، وتبخيره وتطييبه بغير الكافور والذريرة، وأن يكون أسود بل مطلق المصبوغ، وأن يكتب عليه بالسواد، وأن يكون من الكتّان، وان يكون ممزوجاً بإبريسم، والمماكسة في شرائه، وجعل العمامة بلا حنك، وكونه وسخاً، وكونه مخيطاً.

(مسألة 331): يستحب لكل أحد أن يهيء كفنه قبل موته، وأن يكررنظره إليه.

الفصل الرابع: في التحنيط

يجب إمساس مساجد الميت السبعة بالكافور، وهي الجبهة وباطن الكفين والركبتين ورأس إبهامي القدمين، ويكفي المسمى. والأحوط استحباباً أن يكون المسح باليد، بل بالراحة. والأفضل أن يكون وزنه سبعة مثاقيل صيرفية ويساوي (33) غرام. ويستحب سحقه باليد. كما يستحب مسح مفاصله ولبته وصدره وباطن قدميه وظاهر كفيه.

(مسألة 332): محل التحنيط بعد التغسيل أو التيمم قبل التكفين أو في أثنائه. وفي جواز تأخيره بعد التكفين وجه.

(مسألة 333): يشترط في الكافور أن يكون طاهراً مباحاً جافاً مسحوقاً. والأحوط استحباباً أن تكون له رائحة، وإن كان الأقوى إجزاء ما فقد رائحته ما دام يصدق عليه الاسم. كما يشترط في الميت أن لا يكون محرماً وإلا لم يقربه الكافور الا ان يكون موته بعد الانتهاء من السعي كما تقدم في المسألة (308).

(مسألة 334): يكره إدخال الكافور في عين الميت وأنفه وأذنه وعلى وجهه.

ص: 120

الفصل الخامس: في الجريدتين

يستحب أن يجعل مع الميت جريدتان رطبتان إحداهما عن الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة ببدنه، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والإزار، والأولى أن تكونا من النخل، فإن لم يتيسر فمن السدر، فإن لم يتيسر فمن الخلاف أو الرمان، والرمان مقدم على الخلاف، وإلا فمن أي عود رطب.

(مسألة 335): إذا تركت الجريدتان لنسيان ونحوه، فالأولى جعلهما فوق القبر، واحدة عند رأسه والأخرى عند رجليه.

(مسألة 336): الأولى أن يكتب عليها ما يكتب على حواشي الكفن مما تقدم، ويلزم الاحتفاظ عن تلوثهما بما يوجب المهانة، ولو بلفهما بما يمنعهما عن ذلك من قطن ونحوه.

الفصل السادس: في الصلاة على الميت

تجب الصلاة وجوباً كفائياً على كل مسلم، ذكراً كان أم أنثى، مؤمناً أم مخالفاً، عادلاً أم فاسقاً. ولا تجب على أطفال المسلمين إلا إذا بلغوا ست سنين فصاعداً. وتستحب على من كان دون ذلك وقد تولد حياً. وكل من وجد ميتاً في بلاد الإسلام فهو مسلم ظاهراً، وكذا لقيط دار الإسلام، وكذا المحكوم بإسلامه إمّا لإسلام أحد عموديه، أي عمود الآباء وعمود الأمهات ولو ارتد بعد ذلك، وإمّا لاعترافه بالإسلام إذا كان طفلاً مميزاً، ولو كان أبواه كافرين.

(مسألة 337): لا تجوز الصلاة على الكافر بأقسامه، ولا على المحكوم بكفره ممن انتحل الإسلام، ولا على المرتد ملّيّاً كان- وهو من كان بالأصل غير مسلم ثم

ص: 121

أسلم- أو فطرياً - وهو من تولّد على فطرة الإسلام- وعدم الجواز هنا تشريعي لا ذاتي، أي إنّ الصلاة غير مشروعة ولا يعني ترتب العقاب على من يخالف.

(مسألة 338): محل الصلاة بعد الغسل والتكفين، فلا تجزي قبلهما ولا تسقط بتعذرهما كما لا تسقط بتعذر الدفن أيضاً.

(مسألة 339): أولى الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه، فليس لأحد مزاحمته عليها فيما لو أراد مباشرتها بنفسه أو إيكالها لشخص يعيّنه، بل الأحوط وجوباً توقف صحتها مطلقاً على إذنه مع إمكان حصوله.(مسألة 340): الأحوط وجوباً في كيفيتها أن يكبر أولاً ويتشهد الشهادتين، ثم يكبر ثانياً ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم يكبر ثالثاً ويدعو للمؤمنين، ثم يكبر رابعاً ويدعو للميت، ثم يكبر خامساً وينصرف. والأحوط استحباباً الجمع بين الأدعية بعد كل تكبيرة بنية رجاء المطلوبية. ولا قراءة فيها ولا ركوع ولا سجود ولا تسليم.

(مسألة 341): أقلُّ ما يجزي من الصلاة أن يقول المصلي: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، الله أكبر، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، الله أكبر، اللهم اغفر للمؤمنين، الله أكبر، اللهم اغفر لهذا ويشير إلى الميت، ثم يقول: الله أكبر، وينصرف.

(مسألة 342): ذكروا في الصلاة المطولة أن يقول: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أو يقول - بعد قوله: ودين الحق- بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.

ثم يقول: الله أكبر، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمداً وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وصلِّ على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

ص: 122

ثم يقول: الله أكبر، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وتابع بيننا وبينهم بالخيرات إنّك مجيب الدعوات قاضي الحاجات وأنت على كل شيء قدير.

ثم يقول: الله أكبر، اللهم أن هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك. نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم إنّا لا نعلم منه إلا خيراً وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه واغفر له. أو يقول: فتجاوز عن سيئاته، واغفر لنا معه فإنّا لا نقيم بعده إلا قليلاً. اللهم اجعله عندك في أعلى علّيّين وارزقه شفاعة أوليائه المعصومين (عليهم السلام)، وأخلف على أهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين.

ثم يقول: الله أكبر وينصرف.

(مسألة 343): يجب في الصلاة على الميت أمور:

منها: النية.

ومنها: حضور الميت، فلا يصلى على الغائب.

ومنها: استقبال المصلي القبلة.

ومنها: أن يكون رأس الميت إلى جهة يمين المصلي ورجلاه إلى جهة يساره.

ومنها: أن يكون مستلقياً على قفاه على الأحوط استحباباً.

ومنها: كون الميت بين المصلي والقبلة.ومنها: وقوف المصلي محاذياً لبعضه، إلا أن يكون مأموماً، وقد استطال الصف حتى خرج عن المحاذاة.

ومنها: أن لا يكون المصلي بعيداً عنه على نحو لا يصدق الوقوف عنده، إلا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة.

ومنها: أن لا يكون بينهما حائل من ستر أو جدار. ولا يضر الستر بمثل التابوت ونحوه.

ص: 123

ومنها: أن يكون المصلي قائماً فلا تصح صلاة غير القائم إلا مع عدم التمكن من صلاة القائم.

ومنها: الموالاة العرفية بين التكبيرات والأدعية.

ومنها: أن يكون الميت مستور العورة، ولو بحجر أو ورق الشجر، إن تعذر الكفن. والظاهر أنّ هذا وجوب تكليفي وليس شرطاً في صحة الصلاة.

ومنها: إباحة مكان المصلي على الأحوط وجوباً.

ومنها: إذن الولي، إلا إذا أوصى الميت بأن يصلي عليه شخص معين فإن لم يأذن له الولي، فله أن يبادر بدون إذنه.

(مسألة 344): لا يعتبر في الصلاة على الميت الطهارة من الحدث والخبث وإباحة اللباس وستر العورة، وإن كان الأحوط استحباباً اعتبار جميع شرائط الصلاة بما فيها ترك الكلام والضحك والالتفات عن القبلة، بل لا يترك الاحتياط فيها إلا إذا كانت ماحية لصورة الصلاة فتبطل.

(مسألة 345): إذا شك أنّه صلى على الجنازة أم لا بنى على العدم، وإذا صلى وشك في صحة الصلاة بنى على الصحة، وإذا علم ببطلانها وجبت إعادتها على الوجه الصحيح، وكذا لو أدّى اجتهاده أو تقليده إلى بطلانها.

(مسألة 346): يجوز تكرار الصلاة على الميت الواحد وخاصة إذا كان من أهل الشرف في الدين. والنية فيها الاستحباب والأحوط استحباباً قصد الرجاء.

(مسألة 347): لو دفن الميت بلا صلاة صحيحة فلا يجوز نبش قبره للصلاة عليه وإنّما يؤتى بها رجاء المطلوبية على قبره وجوباً مالم يتلاش جسمه إذا كان التأخير عمداً، وإلا بمقدار يوم وليلة وجوباً وما بعده استحباباً.

(مسألة 348): يستحب أن يقف الإمام والمنفرد عند وسط الرجل وصدر المرأة.

(مسألة 349): إذا اجتمعت جنائز متعددة جاز تشريكها بصلاة واحدة، فتوضع الجميع أمام المصلي مع المحاذاة بينها، والأولى مع اجتماع الرجل والمرأة أن يجعل

ص: 124

الرجل أقرب إلى المصلي ويجعل صدرها محاذياً لوسط الرجل، ويجوز جعل الجنائز صفاً واحداً فيجعل رأس كل منهمعند إليَة الآخر شبه الدرج، ويقف المصلي وسط الصف، ويراعي في الدعاء بعد التكبير تثنية الضمير وجمعه.

(مسألة 350): يستحب في صلاة الميت الجماعة، ويعتبر في الإمام أن يكون جامعاً لشرائط الإمامة، من البلوغ والعقل والإيمان، بل تعتبر فيه العدالة أيضاً على الأحوط وجوباً، بل الأحوط وجوباً اعتبار شرائط الجماعة من انتفاء البعد والحائل وأن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم وغير ذلك.

(مسألة 351): إذا حضر شخص في أثناء الصلاة كبّر مع الإمام وجعله أول صلاته وتشهد الشهادتين بعده. وهكذا يكبر مع الإمام ويأتي بما هو وظيفة نفسه. فإذا فرغ الإمام أتى ببقية التكبير بلا دعاء وإن كان الدعاء أحوط. والنية في هذه البقية هي الرجاء دعا أم لم يدعُ، على الأحوط.

(مسألة 352): يتضح من المسألة السابقة أن الإمام في صلاة الميت لا ينوب عن المأمومين في القراءة، بمعنى أن السكوت خلفه لا يجزيهم كما في الصلوات اليومية. وإنّما هي مجرد المتابعة. وإنّما تجب المتابعة في التكبيرات، دون الدعاء.

(مسألة 353): لو صلى الصبي المميز على الميت أجزأت صلاته إذا كانت صحيحة، وإن كان الأحوط استحباباً العدم.

(مسألة 354): إذا كان ولي الميت امرأة جاز لها مباشرة الصلاة والإذن لغيرها ذكراً كان أم أنثى.

(مسألة 355): إذا كان الميت مستضعفاً قال المصلي بعد التكبيرة الرابعة: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. وإن كان مستحقاً للعن لعنه ودعا عليه، وإن كان الميت طفلاً غير بالغ قال: اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً.

(مسألة 356): إذا كان الميت رجلاً أتى بالضمائر مذكرة وإن كان امرأة أتى بها مؤنثة. وكذلك جميع ما يناسب من ألفاظ الأدعية. وإن جهل ذلك تخيّر. فله أن

ص: 125

يذكر بقصد الميت ويؤنث بقصد الجنازة. وليس له ذلك مع علمه بنوعها على الأحوط وجوباً. وكذلك الحال في التثنية والجمع ولو جهلهما جمع.

(مسألة 357): ذكروا للصلاة على الميت آداباً:

منها: أن يكون المصلي على طهارة ويجوز التيمم مع وجدان الماء إذا خاف فوت الصلاة أن توضأ أو اغتسل، بل مطلقاً، مع قصد الرجاء في غير حالة العذر.

ومنها: رفع اليدين عند التكبير.

ومنها: أن يرفع الإمام صوته بالتكبير والأدعية.

ومنها: اختيار المواضع التي يكثر فيها الاجتماع.

ومنها: اختيار المواضع المقدسة كالمساجد والمراقد.ومنها: أن تكون الصلاة بالجماعة.

ومنها: أن يقف المأموم خلف الإمام.

ومنها: الاجتهاد في الدعاء للميت المؤمن والمؤمنين ولو بزيادات على الدعاء ينشؤها من عنده.

ومنها: أن يقول قبل الصلاة: الصلاة ثلاث مرات.

ومنها: أن يقف المصلي -لاسيما الإمام- في مكانه حتى ترفع الجنازة.

ومنها: أن يقول بعد الصلاة: ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

ص: 126

الفصل السابع: في التشييع

يستحب إعلام المؤمنين بموت المؤمن ليشيعوه، ويستحب لهم تشييعه وله آداب كثيرة مذكورة في الكتب المبسوطة، مثل أن يمشي المشيع خلف الجنازة خاشعاً متفكراً حاملاً الجنازة على الكتف، قائلاً حين الحمل: بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات. ويكره الضحك واللعب واللهو والإسراع في المشي والركوب والمشي قدام الجنازة والكلام بغير ذكر الله تعالى والدعاء والاستغفار. ويكره وضع الرداء من غير صاحب المصيبة، فإنّه يستحب له ذلك وأن يمشي حافياً. ويستحب لمن رأى جنازة أن يقول: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم أو يقول: الله أكبر، هذا ما وعد الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيماناً وتسليماً، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت.

الفصل الثامن: في الدفن

يجب على المجتمع دفن الميت المسلم ومن بحكمه، وهو مواراته في الأرض بحيث يؤمن على جسده من السباع وإيذاء رائحته للناس. ولا يكفي وضعه في بناء أو في تابوت وإن حصل الأمران.

(مسألة 358): يجب وضع الميت في القبر على الجانب الأيمن موجها وجهه إلى القبلة، وهي بمقدار ما يجب استقباله في الصلاة. وإذا اشتبهت القبلة عمل بالظن على الأحوط وجوباً، ومع تعذره يسقط وجوب الاستقبال إن لم يمكن التأخير.

(مسألة 359): إذا كان الميت في البحر، ولم يمكن دفنه في البر ولو بالتأخير، غسل وحنط وصلي عليه ووضع في خابية كالكيس ونحوه وأحكم رأسها وألقي في

ص: 127

البحر أو ثقِّل بشد حجر أو نحوه برجليه ثم يلقى في البحر. والظاهر أن اشتراط خوف التأخير مبني على الاحتياط الاستحبابي.

(مسألة 360): لا يجوز دفن الميت المسلم في مقبرة الكافرين، وكذا العكس. ويشمل هذا الحكم من حكم بكفره، ممن انتحل الإسلام على الأحوط استحباباً.

(مسألة 361): إذا ماتت الحامل الكافرة ومات في بطنها حملها من مسلم دفنت في مقبرة المسلمين على جانبها الأيسر مستدبرة القبلة، وكذلكالحكم أن كان الحمل لم تلجه الروح، وهو الأحوط وجوباً حتى لو كان من زنا.

(مسألة 362): لا يجوز دفن المسلم في مكان يوجب هتك حرمته كالمزبلة والبالوعة، ولا في المكان المغصوب أو الموقوف لغير الدفن كالمدارس والمساجد والحسينيات المتعارفة في زماننا والخانات الموقوفة لغير الدفن وإن أذن الولي.

(مسألة 363): لا يجوز الدفن في الأرض المجهولة المالك، وهي المحياة بمال مجهول المالك، أو نحوها، إلا بإذن الحاكم الشرعي. وليس لصاحب اليد الإذن به، كما انّه لا حجية في إذنه.

(مسألة 364): لا يجوز الدفن في قبر ميت قبل اندراسه وصيرورته تراباً، نعم، إذا كان القبر منبوشاً وأزيل عنه الميت جاز الدفن فيه على الأقوى، ما لم تكن أرض القبر مملوكة شرعاً للغير.

(مسألة 365): يستحب حفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة، وأن يجعل له لحد مما يلي القبلة في الأرض الصلبة بقدر ما يمكن الجلوس فيه وتسد الفتحة، وفي الرخوة يشق وسط القبر شبه النهر ويجعل فيه الميت ويسقف عليه ثم يهال التراب، ويمكن جعل اللحد بطرق أخرى منها: أن تستثنى مسافة من قعر الحفيرة وتسقف، بعد جعل الميت على أرضها، ومنها: أن تبنى حول الميت بعد وضعه على أرض الحفيرة شبه الغرفة وتسقف، ويهال التراب على المجال الباقي. وأمّا طم الجسد في التراب فهو مرجوح ومخالف لسيرة المتشرعة.

(مسألة 366): الظاهر جواز ما عليه سيرة حفاري القبور في أيامنا من بناء

ص: 128

لحود على جانبي سرداب كبير، إذا كان اللحد تحت سطح الأرض المتعارف بمعنى أن يصل سقفه إليها أو دونها.

(مسألة 367): ذكروا: أنّه يستحب أن يغطى القبر بثوب عند إدخال المرأة، والذِّكر عند تناول الميت وعند وضعه في القبر، والتحفي وحل الأزرار وكشف الرأس للمباشر لذلك، وأن يحل عقدة الكفن من طرف الرأس بعد وضعه في القبر، ويكشف عن وجهه ويجعل خده على الأرض، ويعمل له وسادة من تراب، وأن يوضع شيء من تربة الحسين (عليه السلام) معه، وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة (عليهم السلام)، وأن يسد اللحد باللبن، وأن يخرج المباشر من طرف الرجلين، وأن يهيل الحاضرون التراب بظهور الأكفّ غير ذي الرحم، وطم القبر وتربيعه، يعني جعله مربعاً أو مستطيلاً لا مثلثاً ومخمساً ولا غير ذلك، ورش الماء عليه دوراً، يستقبل القبلة ويبتدأ من عند الرأس، فإن فضل شيء صب على وسطه، ووضع الحاضرين أيديهم عليه غمزاً بعد الرش، ولا سيما إذا كان الميت هاشمياً أو أنّ الحاضر لم يحضر الصلاة عليه، والترحم عليه بمثل قوله: اللهم جافِ الأرض عن جنبيه وصعد روحه إلى أرواح المؤمنين في علّيّينوألحقه بالصالحين، وأنّ يلقنه الولي بعد انصراف الناس رافعاً صوته، وأن يكتب اسم الميت على القبر أو على لوح أو حجر وينصب على القبر.

(مسألة 368): يكره دفن ميتين معاً في قبر واحد، أمّا دفن الثاني بعد دفن الأول فقد علمت حرمته، ونزول الأب في قبر ولده وغير المحرم في قبر المرأة، وإهالة الرحم التراب، وفرش القبر بالساج من غير حاجة كالرطوبة الشديدة، وتجصيص القبر وتطيينه إلا أن يكون الميت من أهل الشرف، وتعليته وتسنيمه والبناء عليه والمشي عليه والجلوس والاتكاء.

(مسألة 369): يكره نقل الميت من بلد إلى آخر، إلا المشاهد المشرفة، والمواضع المحترمة، فإنّه يستحب ما دام لم يدفن ولا سيما الغري والحائر، وفي بعض الروايات أن من خواص الأول إسقاط عذاب القبر ومحاسبة منكر ونكير.

ص: 129

(مسألة 370): إذا اتفق ظهور جسد الميت لسبب أو لآخر او نبش قبره لأحد المبررات الآتية فانه لا يجب دفنه في نفس المكان، ويجوز نقله كجوازه قبل الدفن اصلاً.

(مسألة 371): لا يجوز نبش القبر وإخراج الميت لنقله ودفنه في المشاهد المشرفة فضلاً عن غيرها حتى إذا كان بإذن الولي ولم يلزم هتك حرمة الميت، إلا إذا أوصى بذلك. أو أن الميت قد انكشف جسده بسببٍ ما كانفجار قنبلة أو جرفته السيول، وحينئذٍ لا يجب إعادته إلى نفس القبر فيجوز نقله إلى مكان آخر بشرط عدم حصول حالة الهتك لكرامته.

(مسألة 372): يحرم نبش قبر المؤمن على نحو يظهر جسده، إلا مع العلم باندراسه وصيرورته تراباً، من دون فرق بين الصغير والكبير والعاقل والمجنون.

ويستثنى من ذلك موارد:

منها: ما إذا كان النبش لأجل تنفيذ وصية الميت بالنقل إلى المشاهد المشرفة ونحوه.

ومنها: ما إذا كان لأجل رفع مفسدة مهمة عن جسد الميت، ولا يمكن تلافيها بإخفاء قبره ونحو ذلك، أمّا لكونه مدفوناً في موضع يوجب مهانة عليه كمزبلة أو بالوعة، أو في موضع يتخوف على جسده من سيل أو سبع أو عدو.

ومنها: ما لو عارضه أمر راجح أهم في نظر الشرع، كما لو توقف دفع مفسدة على رؤية جسده، أو توقف عليه حكم قضائي معين.

ومنها: ما لو لزم من ترك النبش ضرر مالي معتد به، كما إذا دفن في ملك غيره بغير إذنه ولم يمكن استرضاؤه، أو دفن معه مال غيره من خاتم ثمين ونحوه.

ومنها: ما إذا دفن بلا غسل ولا تكفين أو تبين بطلان غسله أو بطلان تكفينه، أو لكون دفنه على غير الوجه الشرعي لوضعه في القبرعلى غير القبلة ونحو ذلك، مع إمكان تدارك ذلك باحتمال معتد به من دون هتك لحرمته، وإلا لم يجُز النبش ويعرف ذلك عادة بمضي المدة.

ص: 130

(مسألة 373): لا يجوز الإيداع المتعارف عند بعض الشيعة (أيدهم الله تعالى) بوضع الميت في موضع والبناء عليه ثم نقله إلى المشاهد المشرفة، بل اللازم أن يدفن على الوجه الشرعي، بحيث لو استمر فيه لم يكن فيه إشكال، ثم إذا أريد نقله إلى المشاهد المشرفة جاز في بعض الموارد المتقدمة.

(مسألة 374): إذا وضع الميت في سرداب جاز فتح بابه وإنزال ميت آخر فيه إذا لم يظهر جسد الأول، أمّا للبناء عليه أو لوضعه في لحد داخل السرداب. وأمّا إذا كان بنحو يظهر جسده ففي جوازه إشكال.

(مسألة 375): إذا مات ولد الحامل دونها، فإن أمكن إخراجه صحيحاً وجب. وإلا جاز تقطيعه، ويتحرى الأرفق فالأرفق وتتولى ذلك طبيبة مختصة، وإلا فطبيب مختص يقتصر على مقدار الضرورة. وإن ماتت هي دونه شق بطنها وأخرج، ثم يخيط هذا الجرح ما لم يوجب الهتك والتأخير الزائد فيكون الاحتياط بالتعجيل.

(مسألة 376): إذا وجد بعض الميت وفيه الصدر غسل وحنط وكفن وصلي عليه ودفن. وكذا إذا كان الصدر وحده بحيث يصدق عليه أنّه بدن ميت لكنه مقطوع الرأس واليدين والرجلين، أو بعضه مما يصدق عليه الصدر، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم أو معظمها بشرط أن تكون فيها عظام صدره، على الأحوط وجوباً. وفي حالة وجود الصدر أو بعضه فقط يقتصر في التكفين على القميص والإزار، ويضاف إليهما المئزر أن وجد محل معتد به.

(مسألة 377): إذا وجد غير عظم الصدر مجرداً كان أو مشتملاً على لحم، غسل ولف بخرقة ودفن ولم يصلَّ عليه. فإن كان للتحنيط محل وجب على الأحوط، وإذا لم يكن فيه عظم لف بخرقة ودفن وجوباً.

(مسألة 378): السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل وحنط وكفن ولم يصلَّ عليه. وإذا كان لدون ذلك لكنه بحيث يصدق عليه اللحم والعظم عرفاً، لف بخرقة ودفن على الأحوط وجوباً، لكن لو ولجته الروح حينئذٍ فالأحوط -إن لم يكن أقوى- جريان حكم الأربعة أشهر عليه. وأمّا إذا كان السقط بحيث يصدق عليه أنّه

ص: 131

دم وليس بلحم وعظم عرفاً، فلا يجب فيه شيء.

ص: 132

المقصد السادس: غسل مس الأموات

يجب الغسل بمس الميت الإنساني بعد برده بالموت وقبل إتمام غسله، يعني الأغسال الثلاثة كلها، مسلماً كان أو كافراً، حتى السقط إذا ولجته الروح وإن لم يتم أربعة أشهر على الأحوط. ولو غسل دون الوظيفة عن عذر، كما لو غسله الكافر لفقد المماثل أو غسل بالماء الصافي لفقد الخليط أو أقل من ثلاثة أغسال لفقد الماء، فالأقوى عدم وجوب الغسل بمسه لقيام الحجة على الاجتزاء بهذه البدلية. وكذلك لو يمم الميت للعجز عن تغسيله، وإن كان الأحوط استحباباً في صورة التيمم، بل مطلق العذر عن الوظيفة الإتيان بغسل المس.

(مسألة 379): لا فرق في الماس والممسوس بين أن يكون من الظاهر او الباطن، وكونه مما تحله الحياة او لا تحله، ماساً وممسوساً، حتى بالشعر في طرف الممسوس مطلقاً، وفي طرف الماس إذا كان تابعاً للبشرة عرفاً، بل مطلقاً أيضاً على الأحوط ما دام يصدق عليه المس.

(مسألة 380): لا فرق بين العاقل والمجنون والصغير والكبير والذكر والأنثى والمس الاختياري والاضطراري.

(مسألة 381): إذا مس الميت قبل برده لم يجب الغسل بمسه، نعم، يتنجس العضو الماس بشرط وجود الرطوبة المسرية بينهما.

(مسألة 382): إذا حصل برد الميت أسرع من المعتاد في مكان شديد البرودة ونحوه، فالأحوط وجوب الغسل بمسه.

(مسألة 383): إذا شك في البرد بعد الموت لم يجب الغسل وإذا شك في حصول غسل الميت أو إتمامه بنى على عدمه، فيجب الغسل بمسه. وإذا شك بأنّ الممسوس هل هو جسد الميت أو شيء من ثيابه لم يجب.

(مسألة 384): إذا شك في المس وعدمه، أو في موت الممسوس، أو كونه إنساناً أم حيواناً، لم يجب غسل المس. وأمّا إن كان الشك في الشهادة موضوعاً أو

ص: 133

حكماً، فالأحوط وجوباً الغسل بمسه.

(مسألة 385): مس الميت ليس بحدث أكبر بل هو كالحدث الأصغر حكماً، إلا في إيجابه الغسل للصلاة ونحوها، وهو يكفي عن الوضوء وإن كان الأحوط استحباباً ضمه إليه، وعلى هذا فيجوز له قبل الإتيان بالغسل دخول المساجد والمكث فيها وقراءة العزائم ونحوها، مما يجوز للمحدث بالأصغر دون المحدث بالأكبر، نعم، يحرم عليه ما يحرم على المحدث بالأصغر كمس كتابة القرآن الكريم. ولايصح منه كل عمل مشروط بالطهارة إلا بالغسل.

(مسألة 386): يجب الغسل بمس القطعة المبانة من الميت، بل الحي على الأحوط إذا كانت مشتملة على لحم وعظم، دون الفاقدة لأحدهماسواء كانت من حي أو ميت.

(مسألة 387): إذا قلع السن من الحي، وكان معه لحم يسير لم يجب الغسل بمسه.

(مسألة 388): كيفية هذا الغسل مثل غيره من الأغسال.

ص: 134

المقصد السابع: الأغسال المندوبة

وهي على أنواع ثلاثة: زمانية ومكانية وفعلية. ويكون الغسل للزمان بعد دخوله وللمكان قبل دخوله والفعل قبل إنجازه وقد يكون بعده كمسّ الميت بعد تغسيله أو قتل الوزغ على ما قيل.

النوع الأول: الأغسال الزمانية ولها أفراد كثيرة أهمها:

غسل الجمعة، حتى قيل بوجوبه لكنه ضعيف، ووقته من طلوع الفجر الصادق يوم الجمعة إلى الغروب في وقت يسعه. وإذا فاته قضاه يوم السبت من الشروق - على الأحوط استحباباً- إلى الغروب. ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إن خاف إعواز الماء يوم الجمعة، ولو اتفق تمكنه منه يوم الجمعة أعاده فيه، وإذا فاته حينئذ أعاده يوم السبت.

(مسألة 389): يجزي غسل الجمعة الأدائي عن الوضوء ولو حصل بعد الزوال، وكذلك قضاؤه يوم السبت. وأمّا التقديم يوم الخميس فالأحوط وجوباً ضم الوضوء إليه، وكذلك إذا اغتسل يوم السبت مع غسله يوم الخميس. ولكن إذا اغتسل يوم الجمعة بعد غسله يوم الخميس أجزأ عن الوضوء.

(مسألة 390): يصح غسل الجمعة من الجنب والحائض، ويجزي عن غسل الجنابة والحيض إذا كان بعد النقاء على الأقوى، بل عن كل غسل منوي معه مستحباً كان أم واجباً، مع فعلية موضوعه.

(مسألة 391): الأغسال الزمانية الأخرى المجزية عن الوضوء كما يلي: غسل يوم عيد الفطر وغسل يوم عيد الاضحى، وكلاهما يوم واحد من شروقه إلى زواله، ولو اغتسل بعد الزوال فالأحوط وجوباً ضم الوضوء إليه، وغسل يوم عرفة وهو التاسع من ذي الحجة الحرام، وغسل يوم التروية وهو اليوم الثامن منه، وغسل الليلة الأولى والليلة السابعة عشر والليلة الحادية والعشرين والليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان. وإنّما تكون هذه الأغسال مجزية عن الوضوء إذا ثبت الهلال أول الشهر

ص: 135

بطريق معتبر.

(مسألة 392): الأغسال الزمانية التي يلزم الإتيان بها رجاءً ولا تجزي عن الوضوء، منها: تقديم غسل الجمعة يوم الخميس، كما سبق، وغسل أول يوم من كل شهر عدا ما سبق، وغسل ليلة الفطر، والغسل في الليالي الفرد من شهر رمضان عدا ما سبق، والغسل في جميع ليالي العشر الأواخر منه عدا ليالي القدر، وغسل يوم النيروز، وغسل أول رجب ووسطه وآخره، وغسل ليلة النصف من شعبان، والغسل يوم النصف منه، والغسل يوم التاسع من ربيع الأول واليوم السابع عشر منه، والغسل في اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وغسل يوم الغدير وهو اليومالثامن عشر من ذي الحجة، وغسل يوم المباهلة وهو اليوم الرابع والعشرون منه، وغسل يوم المبعث النبوي وهو اليوم السابع والعشرون من رجب.

(مسألة 393): جميع الأغسال الزمانية يكفي الإتيان بها في وقتها مرة واحدة، ولا مشروعية لإعادتها حتى إذا صدر الحدث الأكبر أو الأصغر بعدها، ويتخير بالإتيان بها بين ساعات وقتها.

النوع الثاني: الأغسال المكانية، ولها أفراد كثيرة أيضاً.

كالغسل لدخول الحرم المكي ولدخول مكة ولدخول الكعبة ولدخول المدينة ولدخول حرم الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولا يبعد تداخلها إذا قصدها جميعاً، وكل هذه الأغسال مجزية عن الوضوء.

(مسألة 394): وقت الغسل في هذا القسم قبل الدخول في هذه الأمكنة، غير بعيد عنها عرفاً مكاناً وزماناً. فلو خالف ذلك لم تجز عن الوضوء.

النوع الثالث: الأغسال الفعلية.

وهي ما يستحب لأجل إيقاع فعل واجب أو مستحب بعده. فالمجزي عن الوضوء منها، غسل الإحرام، وغسل الاستخارة، والأحوط وجوباً فيه الاقتصار على ما أشتمل على الصلاة، والغسل للاستسقاء، والغسل لإنجاز صلاة الكسوف والخسوف أداءً وقضاءً، والأحوط عدم شموله لمطلق الآيات.

ص: 136

(مسألة 395): والأغسال الفعلية غير المجزية عن الوضوء على الأحوط وجوباً، منها: الغسل للذبح والنحر والحلق في الحج، والغسل لزيارة المعصوم عليه السلام مطلقاً ولو من قريب، والغسل لمس الميت بعد تغسيله. والغسل لقتل الوزغ والغسل للمباهلة مع الخصم، والغسل لمن قصد مصلوباً ليراه بعد ثلاثة أيام، أمّا إذا لم يقصده أو قصده قبل الثلاثة فأصل مشروعية الغسل محل إشكال.

(مسألة 396): كل غسل لم نُشِر إلى إجزائه عن الوضوء فالأحوط وجوباً الإتيان به رجاءً وضم الوضوء إليه، مما ذكرناه أو لم نذكره.

(مسألة 397): يجزي في الأغسال الفعلية غسل أول النهار ليومه وأول الليل لليلته، بل مطلق الوقت إذا قصد به إيقاع الفعل، والأحوط وجوباً انتقاضه بالحدث بينه وبين الفعل، لكن إذا كرر الغسل فالأحوط وجوباً عدم إجزائه عن الوضوء.

ص: 137

المبحث الخامس: في التيمم

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في مسوغات التيمم

وهي متمثلة في مسوِّغين رئيسيّين: الأول عدم وجود الماء، والآخر عدم التمكن من استعماله لوجود مانع عقلي أو شرعي عند المكلف مع وجود الماء، ويجمعهما عنوان العذر المسقط لوجوب الطهارة المائية.

المسوغ الأول: عدم وجدان الماء الذي يكفي للوضوء أو الغسل أو يصلح للاستعمال فيهما، ويتحقق ضمن إحدى الحالات التالية:

الحالة الأولى: أن لا يجد المكلف الماء في بيته ولا في مكانٍ آخر بوسعه الوصول إليه كحي سكني آخر في نفس المدينة بالنسبة للحاضر، وإن كان مسافراً لا يجد في كل أطرافه من مساحة الأرض التي يقدر على الوصول إليها من دون عائق والتحرك ضمنها ما دام وقت الصلاة باقياً، ولا فرق في ذلك بين أن لا يوجد الماء فيها أصلاً، أو يوجد بمقدار لا يكفي للوضوء أو الغسل، أو يكفي ولكن هناك مانع من استعماله كما إذا كان نجساً أو مغصوباً، ففي هذه الحالة وظيفته التيمم بديلاً عن الوضوء أو الغسل.

(مسألة 398): إنّ تلك المساحة من الأرض التي يجب على المكلف أن يطلب الماء فيها ليست محدودة بحدود معينة شرعاً طولاً ولا عرضاً.

وما ورد في بعض الروايات من تحديدها بمقدار رمية سهم في الأرض الحزنة وسهمين في الأرض السهلة فهو لو ثبت من باب المثال على حدود إمكانية البحث المبريء للذمة، وهو متغير بحسب الأزمان والأحوال والأشخاص، فقد ينعدم الماء في الحي الذي يسكنه لكنه يستطيع الانتقال بسيارته من دون حرج أو مشقة

ص: 138

إلى حي سكني آخر يتوفر فيه الماء، بينما لا يستطيع غيره فعل نفس الشي، فإذن يكون المعيار في وجوب الطلب ضمن تلك المساحة سعة وضيقاً إنّما هو بعدم استلزامه العسر والحرج أو الضرر والخطر الجسدي.

(مسألة 399): إذا شهد ثقة يحصل الاطمئنان من قوله بعدم وجود الماء في تلك المساحة من الأرض، كفى في عدم وجوب الفحص والطلب.

(مسألة 400): يجوز الاستنابة في الطلب إذا كان النائب ثقة ويحصل الاطمئنان بقوله.

الحالة الثانية: أنّ الماء موجود في بعض نقاط تلك المساحة ولكن الوصول إليه يستلزم مشقة شديدة وحرجاً كما إذا كان الماء في نقطة بعيدة،أو إنّه كان ملكاً لشخص لا يأذن بالتصرف فيه إلا بالإهانة والتذلل له بما يكون محرجاً، أو أنّ الوصول إليه محفوف بالمخاطر كما إذا كان الطريق إليه غير مأمون أو كان في مقربة من الحيوانات المفترسة، ففي هذه الحالة تكون وظيفته التيمم في كل هذه الفروض عوضاً عن الوضوء أو الغسل.

الحالة الثالثة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة ولكنه ملك لغيره وهو لا يأذن بالتصرف فيه إلا بثمن مجحف بحاله، أو أنّ الوصول إليه يتوقف على ارتكاب أمور محرمة كما إذا كان الطريق إليه مغصوباً، أو الآلة التي يستعملها في أخذ ذلك الماء مغصوبة، ففي هذه الحالة تكون وظيفته التيمم.

ونلاحظ أنّ المكلف في الحالة الأولى بما أنّه غير واجد للماء فلا يمكن أن يتحقق منه الوضوء فالواجب عليه التيمم، وفي الحالتين التاليتين وهما الحالة الثانية والثالثة فيمكن للمكلف أن يتوضأ ومرخص بتركه والعدول إلى التيمم، ولكن إذا أصر على الوضوء وحصل على الماء متحملاً كل الصعوبات من الحرج والضرر وجب عليه أن يتوضأ وصح منه.

(مسألة 401): إذا أخلَّ بالطلب وتيمم برجاء إدراك الواقع صح تيممه إن صادف عدم الماء.

ص: 139

(مسألة 402): بناءً على تحديد مساحة الفحص فانه إذا علم أو اطمأن بوجود الماء في خارج الحد المذكور وجب عليه السعي إليه وإن بعد، إلا أن يكون السعي إليه حرجياً أو فيه مشقة عظيمة.

(مسألة 403): إذا طلب الماء قبل دخول الوقت فلم يجده ثم دخل الوقت فلا يجب عليه إعادة الطلب، إلا إذا تجدد عنده احتمال الحصول على الماء.

(مسألة 404): إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة يكفي لغيرها من الصلوات، فلا تجب إعادة الطلب عند كل صلاة، وأمّا إذا احتمل العثور مع الإعادة لاحتمال تجدد وجوده فعليه إعادة البحث.

(مسألة 405): يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت، كما يسقط إذا خاف على نفسه أو ماله من لص أو سبع أو نحو ذلك، وكذلك إذا كان في طلبه حرج ومشقة لا تتحمل كما مر.

(مسألة 406): إذا ترك المكلف طلب الماء في المساحات المذكورة حتى ضاق الوقت استحق العقوبة لعصيانه، لكن صلاته صحيحة وإن حصل العلم له بأنّه لو طلب الماء لوجده، والأحوط استحباباً القضاء في الفرض الثاني.

(مسألة 407): إذا ترك الطلب عمداً في سعة الوقت وصلى بطلت صلاته وإن تبين عدم وجود الماء، نعم، لو حصل منه قصد القربة مع تبين عدم الماء واقعاً حين الصلاة باعتبار أنّه صلى رجاءً أو نسياناً أو جهلاً فصلاته صحيحة، وصح منه قصد القربة.(مسألة 408): إذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه وتيمم وصلى ثم تبين سعة الوقت فإن كان التبين في الوقت وجب عليه الطلب، فإن طلب وعثر على الماء كشف ذلك عن بطلان تيممه وصلاته ووجوب الإعادة، وإن كان ذلك في خارج الوقت لم يجب القضاء.

(مسألة 409): إذا طلب الماء فلم يجد فتيمم وصلى ثم تبين وجوده في محل الطلب فعليه وجوب الإعادة في الوقت، نعم، لا يجب القضاء إذا تبين ذلك في

ص: 140

خارج الوقت.

المسوغ الثاني: عدم تمكن المكلف من استعمال الماء مع وجوده عنده، وهو يتحقق ضمن إحدى الحالات التالية:

الحالة الأولى: خوف الضرر من استعمال الماء بحدوث مرضٍ أو زيادته أو طول أمده، أو على النفس، أو البدن، ومنه الرمد المانع من استعمال الماء، كما أنَّ منه خوف الشين الذي يعسر تحمُّله وهو الخشونة المشوَّهة للخلقة، والمؤدَّية في بعض الأبدان إلى تشقُّق الجلد.

الحالة الثانية: خوف العطش على نفسه، أو على غيره الواجب حفظه عليه، أو على نفس حيوانٍ يكون من شأن المكلَّف الاحتفاظ به، والاهتمام بشأنه، كدابّته وشاته ونحوهما ممَّا يكون تلفه موجباً للحرج أو الضرر.

الحالة الثالثة: أن يكون بدنه أو ثوبه نجساً وكان عنده ماءٌ يكفي لإزالة النجاسة فقط أو للوضوء كذلك، ففي هذه الحالة يجوز للمكلَّف أن يصرف الماء في غسل بدنه أو ثوبه وإزالة النجاسة عنه ويتيمَّم للصلاة.

الحالة الرابعة: ضيق الوقت عن استيعاب الوضوء والصلاة معاً، فحينئذٍ يجوز له أن يتيمَّم من أجل إدراك تمام الصلاة في الوقت.

الحالة الخامسة: أن يكون الشخص مكلفاً بواجب آخر أهم يتعين صرف الماء فيه على نحو لا يقوم غير الماء مقامه مثل إزالة النجاسة عن المسجد.

(مسألة 410): إذا خالف المكلَّف عمداً فتوضأ في موردٍ يكون الوضوء فيه حرجيَّاً كالوضوء في شدَّة البرد- مثلاً - صح وضوؤه، وإذا خالف في موردٍ يكون الوضوء فيه محرَّماً بطل وضوؤه، كما إذا كان ضرره خطيراً وهو الضرر الذَّي يحرم على المكلَّف أن يوقع نفسه فيه، وإذا خالف في موردٍ يجب فيه حفظ الماء - كما في الحالة الثانية- فالظاهر صحَّة وضوئه، وفي الحالة الرابعة إذا عصى وتوضأ صح شريطة أن لا ينوي بوضوئه المقدمية لهذه الصلاة التي ضاق وقتها لأنّها لا توجب وضوءاً مع ضيق الوقت، لذا لو نوى مطلق الكون على الطهارة أو الاستحباب النفسي

ص: 141

للوضوء صح لأنّ هذه النيات غير مرتبطة بالوقت.

(مسألة 411): إذا خالف فتطهَّر بالماء لعذرٍ من نسيانٍ، أو غفلةٍ صحَّ وضوؤه في جميع الموارد المذكورة، وكذلك مع الجهل إذا كان مركَّباً، ما لم يكن الوضوء محرماً في الواقع.(مسألة 412): إذا آوى إلى فراشه لينام ذكر بعض الفقهاء أنَّه إذا لم يكن على وضوءٍ جاز له التيمُّم وإن تمكن من استعمال الماء فلا بأس بالإتيان به رجاءً، كما يجوز التيمم لصلاة الجنازة إذا خاف عدم إدراكها.

الفصل الثاني: فيما يتيمم به

الأقوى جواز التيمم بما يسمى أرضاً سواء كان تراباً أم رملاً أم مدراً أم حصىً أم صخراً أملس.

ومنه أرض الجص والنورة قبل الإحراق. ولا يعتبر علوق شيء منه باليد. وإن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على التراب مع الإمكان.

(مسألة 413): لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وإن كان أصله منها، كالرماد والنبات والمعادن والذهب والفضة ونحوها مما لا يسمى أرضاً، وكذلك الأحجار الكريمة كالعقيق والفيروزج، بل كل المعادن حتى الملح ومشتقات النفط وإن أصبحت جامدة كالقير، كذلك الخزف والجص والنورة بعد الإحراق على الأحوط. وهذا كله مع الاختيار، أمّا مع الانحصار بأحد هذه الأمور فيلزم التيمم بها، فإن وجد غيره في الوقت أعاد دون خارجه وإن كان أحوط.

(مسألة 414): لا يجوز التيمم بالنجس ولا بالمغصوب إلا لغير الغاصب مع الجهل أو النسيان، ولا الممتزج بما يخرجه عن اسم الأرض، نعم، لا يضر إذا كان الخليط مستهلكاً فيه عرفاً. ولو أكره على المكث في المكان المغصوب أو مجهول المالك فالأظهر جواز التيمم فيه.

ص: 142

(مسألة 415): إذا اشتبه التراب المغصوب بالمباح وجب الاجتناب عنهما، وإذا اشتبه التراب بالرماد أو الطحين ونحوه فتيمم بكل منهما برجاء المطلوبية صح، بل يجب ذلك مع الانحصار. وكذلك الحكم إذا اشتبه الطاهر بالنجس الجاف.

(مسألة 416): إذا عجز عن التيمم بالأرض لأحد الأمور المتقدمة في سقوط الطهارة المائية، يتيمم بالغبار المجتمع على ثوبه أو عرف دابته أو غيرهما، إذا كان غبار ما يصح التيمم به، دون غيره كغبار الدقيق أو الرماد. ويجب مراعاة الأكثر فالأكثر على الأحوط. وينبغي أن يلاحظ المكلف في الغبار أن لا يكون قليلاً بحيث لا يناله الحس عرفاً، فلا يصح به التيمم. ولو أمكن نفض الغبار وجمعه على نحو يصدق معه التراب، يجوز التيمم به ابتداءً وإن كان ناعماً.

(مسألة 417): إذا عجز عن التيمم بالغبار تيمم بالوحل وهو الطين، وإذا أمكنه تجفيفه ولو قليلاً ووسع الوقت لذلك ثم يتيمم به، تعين ذلك.

(مسألة 418): من عجز عن التيمم بالأرض والغبار والوحل، كانفاقداً للطهور، ولكن تتعين عليه الصلاة في الوقت على الأقوى ويجب عليه قضاؤها عند توفّر الطهور.

(مسألة 419): إذا تمكن من الثلج ولم تمكنه إذابته والوضوء به، ولكن أمكنه مسح أعضاء الوضوء به على نحو يتحقق مسمى الغسل به وجب، واجتزأ به. وإن كان على نحوٍ لا يتحقق به الغسل، فالأحوط الجمع بينه - بدهن ودلك أعضاء الوضوء- وبين التيمم.

(مسألة 420): يستحب نفض اليدين بعد الضرب، وأن يكون ما يتيمم به من ربى الأرض وعواليها، ويكره أن يكون من مهابطها وأن يكون من تراب الطريق.

ص: 143

الفصل الثالث: في كيفية التيمم

أن يضرب بيديه الأرض، وأن يكون دفعة واحدة على الأحوط وجوباً، بمعنى بطلانه على الأحوط مع تعمد التعدد، وأن يكون الضرب بباطنهما. ثم يمسح بهما جميعاً تمام جبهته وجبينه من قصاص الشعر إلى الحاجبين والى طرف الأنف الأعلى المتصل بالجبهة، والأحوط مسح الحاجبين أيضاً. ثم مسح تمام ظاهر الكف اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع بباطن اليسرى ثم مسح ظاهر الكف اليسرى بباطن الكف اليمنى.

(مسألة 421): لا يجب المسح بتمام كل من الكفين، بل يكفي المسح ببعض كل منهما على نحو يستوعب الجبهة والجبين، فالمهم الاستيعاب في الممسوح لا الماسح.

(مسألة 422): لا فرق في الماسح بين باطن الكف والأصابع، سواء كان الممسوح هو الوجه أو الكفين.

(مسألة 423): المراد من الجبهة الموضع المستوي من أعلى الوجه. والمراد من الجبين ما بين هذا الموضع وبين طرف الحاجب إلى قصاص الشعر.

(مسألة 424): الأحوط ثبات الجزء الممسوح مع حركة الجزء الماسح، دون العكس، ولا تحريكهما معاً. كما أنّ الأحوط تحريك الجزء الماسح باتجاه واحد لا أكثر، وهو على الأحوط من الأعلى إلى الأسفل في الوجه ومن الزند إلى الأصابع في الكف.

(مسألة 425): يكفي في التيمم بدل الوضوء أو الغسل ضربة واحدةيمسح بها وجهه وكفيه ولكن الاحوط استحبابا أن يكون بضربتين، فيمسح بالضربة الأولى وجهه وكفيه ويمسح بالثانية كفيه. غير أنّ الأحوط نية الرجاء في الزائد.

(مسألة 426): لا يجزي وضع اليدين على الأرض من دون مسمى الضرب

ص: 144

ولا الضرب بإحداهما، ولا بهما على التعاقب، ولا الضرب المتكرر بنية الجزئية، نعم، لا بأس به جهلاً أو سهواً. كما لا يجزي الضرب بظاهرهما ولا ببعض الباطن مع ترك جزء معتد به ولو بمقدار أنملة. ولا يجزي المسح بأحد الكفين وترك الآخر للوجه، ولا مسح الوجه بالكفين على التعاقب.

(مسألة 427): الأحوط وجوباً جعل شيء من الزيادة في الجزء الممسوح من باب المقدمة العلمية.

(مسألة 428): إذا تعذر الضرب والمسح بالباطن انتقل إلى الظاهر، ولا ينتقل إليه لو كان الباطن متنجساً بغير المتعدي مع تعذر الإزالة. وأمّا إذا كانت النجاسة حائلة مستوعبة، فالأحوط الجمع بين الظاهر والباطن في الضرب والمسح. وإذا كان على الممسوح حائل طاهر لا تمكن إزالته أو نجس غير متعدي كذلك، مسح عليه. وإذا كان متعدياً انتظر جفافه، فإن ضاق الوقت مسح عليه.

(مسألة 429): المحدث بالأصغر يتيمم بدلاً عن الوضوء. والمحدث بالأكبر يتيمم بدلاً عن الغسل ويجزيه عن الوضوء، وإذا كان محدثاً بالأصغر أيضاً فالأحوط استحباباً أن يتوضأ. وإن لم يتمكن من الوضوء يتيمم بدلاً عنه، ولا يجزي التيمم بدل الغسل عن الوضوء إذا كان من الاستحاضة المتوسطة، وإذا أحدث بالأصغر بعد تيممه بدلاً عن الغسل وكان معذوراً عن الوضوء تيمم بدله، وإن لم يكن معذوراً توضأ. ولا ينتقض التيمم بدل الغسل إلا بحدثٍ أكبر.

الفصل الرابع: فيما يعتبر في التيمم

يشترط في التيمم نية القربة والإخلاص على ما تقدم في الوضوء مقارناً بها الضرب على الأظهر.

(مسألة 430): لا تجب في التيمم نية البدلية عن الوضوء أو الغسل مادام التيمم بنحو واحد بدلاً عن أي منهما، بل تكفي حينئذ نية الأمر المتوجه إليه. والأفضل أن

ص: 145

يعيّن المبدل عنه حينما يكون الأمر متعدداً كما في حالة الاستحاضة المتوسطة.

(مسألة 431): الأقوى أنّ التيمم ليس مبيحاً للدخول فيما اشترطتفيه الطهارة فقط، بل هو رافع للحدث حال مشروعيته -أي حال وجود مسوغاته- فلا يحتاج إلى تكراره في كل عمل مشروط بالطهارة مالم ينقضه، لكن لا تجب فيه نية الرفع، ولكن الأحوط أن ينوي فيه تهيئة مقدمات الدخول في أحد الأفعال المشترطة بالطهارة ولو استحباباً، كقراءة القرآن. فإنّه لم تثبت مشروعية التيمم للكون على الطهارة إلا إذا كان عاجزاً عن تحقيق هذه الحالة بالماء، كمن يستيقظ أثناء النوم ويريد أن يحافظ على النوم متطهراً فيتيمم بالضرب على الفراش ونحوه، لكن العجز المسوّغ لهذه الحالة لا ينطبق على العجز المسوّغ للصلاة ونحوها.

(مسألة 432): يشترط فيه المباشرة والموالاة حتى فيما كان بدلاً عن الغسل، ويشترط فيه أيضاً الترتيب على حسب ما تقدم.

(مسألة 433): من قطعت إحدى كفيه أو كلتاهما يتيمم بالذراع. ومن قطعت إحدى يديه من المرفق يكتفي بضرب الأخرى بما يتيسر والمسح بها على الجبهة ثم مسح ظهرها بالأرض، وأما أقطع اليدين من المرفق فيكفيه مسح جبهته بالأرض، وقد مرّ حكم ذي الجبيرة والحائل في المسألة (428).

(مسألة 434): العاجز ييمَّمه غيره، ولكن يضرب بيدي العاجز ويمسح بهما مع الإمكان. ولو دار الأمر بين وضع يدي العاجز بنفسه وضربها بغيره، قدم الأول، وإن كان الأحوط الجمع رجاءً. ومع العجز عن ذلك يضرب المتولي بيدَي نفسه ويمسح بهما وجه العاجز ويديه، وتكون النية للعاجز على أي حال، والأحوط في الصورة الأخيرة ضم نية المتولي أيضاً. ويجب تحصيله مهما زاد الثمن، ما لم يكن مضراً بحاله.

(مسألة 435): إذا كانت للإنسان يدٌ زائدة مشتبهة باليد الأصلية وجب الجمع بين المسح بهما معاً والمسح عليهما كذلك، وإذا لم تكن مشتبهة بها لم يجب المسح بها ولا عليها، وأمّا إذا كان في مواضع التيمم لحم زائد فإن كان في

ص: 146

الممسوح مسح عليه. وإن كان في الماسح مسح به.

(مسألة 436): الشعر المتدلي على الجبهة يجب رفعه، سواء كان قليلاً أو كثيراً، ثم مسح البشرة تحته. وأمّا النابت فيها فالظاهر الاجتزاء بمسحه.

(مسألة 437): إذا خالف الترتيب بطل مع فوات الموالاة وإن كانت المخالفة لجهل أو نسيان. أمّا لو لم تفُت صح إذا أعاد على نحو يحصل به الترتيب.

(مسألة 438): الخاتم ونحوه حائل عن البشرة، يجب نزعه حال التيمم.

(مسألة 439): الأحوط وجوباً اعتبار إباحة الفضاء الذي يقع فيه التيمم. وإذا كان التراب في إناء مغصوب لم يصح الضرب عليه.

(مسألة 440): إذا شك في جزء منه بعد الفراغ لم يلتفت، ما لم يكنهو الجزء الأخير فإنّه يأتي به، ما لم تفُت الموالاة أو لم يدخل في عمل آخر غيره. ولو شك في جزء منه بعد التجاوز عن محله والدخول في الفعل الآخر لم يلتفت، كما لو شك في مسح جبهته بعد أن بدأ بمسح ظهر يده اليمنى، وإن كان الأحوط استحباباً التدارك.

الفصل الخامس: في أحكام التيمم

لا يجوز التيمم لصلاة مؤقتة قبل دخول وقتها، نعم، يمكنه التيمم بنية أخرى كما تقدم في المسألة (431)، ولو بقي العذر إلى حين دخول وقتها جازت الصلاة به، ويجوز التيمم عند ضيق وقتها. وفي جوازه في السعة إشكال، والأظهر الجواز مع اليأس عن التمكن من الماء، أو أن يأتي به وبالصلاة رجاء المطلوبية فلو اتفق التمكن من الماء بعد الصلاة وجبت الإعادة.

(مسألة 441): إذا تيمم لصلاة فريضة أو نافلة لعذر ثم دخل وقت أخرى، فإن يئس من التمكن من الطهارة المائية جاز له المبادرة إلى الصلاة في سعة وقتها، وإلاّ ففيه إشكال إلا أن يأتي بها رجاءً. فإن تبين استمرار العجز صحت صلاته، وإلاّ فعليه

ص: 147

الإعادة، والأحوط ذلك لليائس أيضاً.

(مسألة 442): إذا وجد الماء في أثناء العمل المتوقف على الطهارة كالصلاة بطل عمله، وعليه الاستئناف بعد تجديد الطهارة المائية إن كان في الوقت سعة وإلا استمر بعمله بالطهارة الترابية.

(مسألة 443): لو اجتمعت أسباب متعددة للحدث الأكبر كفاه تيمم واحد بدل الغسل بنية الجميع. وإذا كان أحدها الجنابة أو الحيض فليذكرها في نيته على الأحوط استحباباً.

(مسألة 444): لم يثبت بدلية التيمم عن الأغسال المستحبة، كما لم يثبت كونه مستحباً استقلالياً كالوضوء، فالأحوط أن لا يؤتى به بهذه النية، ونحوها نية الكون على الطهارة. وسنشرح مشروعية البدلية في المسألة (448) الآتية بإذن الله تعالى.

(مسألة 445): لا تجوز إراقة الماء الكافي للوضوء أو الغسل إذا كان منحصراً بعد دخول الوقت. وإذا تعمد ذلك أثم ووجب عليه التيمم مع اليأس من الماء وأجزأ، ولو تمكن بعد ذلك منه وجبت عليه الإعادة في الوقت على الأحوط دون خارجه.

(مسألة 446): إذا كان على وضوء خلال الوقت لا يجوز له إبطاله، إذا علم بعدم وجود الماء وانتقال الوظيفة إلى التيمم. ولو أبطله والحال هذه أثم ووجب عليه التيمم.(مسألة 447): لا يجوز تعمد إيجاد الحدث الأكبر خلال الوقت إذا علم بفقد الماء، إلا أن يأتي أهله. والأحوط تجنب الإنزال بغير الجماع حينئذٍ، ولو أحدث والحال هذه وجب عليه التيمم. وأمّا قبل الوقت ولو قليلاً فلا إشكال في تعمد الحدث ولو علم بفقد الماء في الوقت.

(مسألة 448): يشرع التيمم لكل عمل مشروط بالطهارة من الواجبات والمستحبات من الصلوات وغيرها، سواء كان اشتراطه أصلياً أو بالنذر ونحوه. وكذا كل ما يتوقف كماله على الطهارة إذا كان مأموراً به ولو استحباباً بدليل معتبر،

ص: 148

كقراءة القرآن والأدعية والكون في المساجد والمراقد المقدسة. أمّا ما لم يثبت بدليل معتبر، فلا يستباح به غير ذلك العمل على الأحوط، أي ليس له الدخول في الصلاة مثلاً بذلك التيمم. وكذا الحكم - أي عدم مشروعية التيمم- في ما يحرم على المحدث من دون أن يكون مأموراً به، كمس كتابة القرآن وقراءة آيات السجدة.

(مسألة 449): إذا تيمم المحدث لغاية جازت له كل غاية وصحت منه. فإذا تيمم للصلاة، جاز له دخول المساجد والمشاهد وغير ذلك مما يتوقف صحته أو جوازه على الطهارة، نعم، لا يجزي ذلك فيما إذا تيمم لضيق الوقت، فإنّه مع ارتفاع العذر بزوال هذا الضيق تتبع الحالة الجديدة حكمها، فلو تيمم لصلاة الصبح لضيق الوقت فإنّه - بعد أدائها وشروق الشمس- عليه أن يرتب حكم حالته في ذلك الوقت من وجود مسوّغ للتيمم وعدمه.

(مسألة 450): المستحاضة الفاقدة للماء تتيمم بدل الوضوء أو بدل الغسل حسب تكليفها، نعم، لو ارتفع عذرها عن الغسل بعد التيمم والصلاة، فالأحوط لها الاغتسال للصلاة الأخرى إذا كانت لوقت آخر، فالمستحاضة المتوسطة إن تيممت لصلاة الصبح بدل الغسل، ثم وجدت الماء للظهرين وجب عليها الغسل. وأمّا إذا كانت الصلاة لنفس الوقت فالأحوط تجديد الغسل والصلاة، كالمستحاضة الكبيرة إذا تيممت للظهر وصلّت ثم وجدت الماء.

(مسألة 451): ينتقض التيمم بمجرد التمكن من الطهارة المائية، ويتحقق الانتقاض بوجدان الماء الكافي في الوقت الكافي لإيجاد الطهارة المائية. مع عدم وجود المانع.

(مسألة 452): إذا وجد الماء مَن تيمم تيمُّمين بدل الغسل وبدل الوضوء، وكان كافياً للوضوء خاصة انتقض تيمُّمه الذي هو بدل عنه. وإن كان كافياً للغسل انتقض كلا التيمُّمين على الأحوط.

(مسألة 453): إذا وجد جماعة متيممون ماءً لا يكفي إلا لأحدهم، فإن كان

ص: 149

ملكاً لأحدهم أو ما بحكمه كما لو أباحه له المالك انتقض تيممه خاصة. وإن كان الماء مباحاً لهم جميعاً فيجب عليهم السعي للحصول عليه، فإن لم يتيسر أن يتوضأ أحدهم لم يبطل تيممهم جميعاً، وإن تيسرذلك لم يبطل تيمم الآخرين. وإن سعى واحد وتخلف الباقي بطل تيمم السابق. وإن لم يسعَوا إليه بطل تيمم الجميع. إلا أنّ الأحوط مع عدم حصول الحدث هو التيمم رجاء المطلوبية، ولا فرق في إباحة هذا الماء بين الإباحة الأصلية أو إباحة المالك.

(مسألة 454): إذا اجتمع جنب ومحدث بالأصغر وميت، وكان هناك ماء لا يكفي إلا لأحدهم فإن كان مملوكاً لأحدهم أو بحكم المملوك له تعين صرفه لنفسه. وإلا فيجب على الجنب والمحدث بالأصغر السعي لتحصيل التمكن من استعماله في تكليف السابق منهما، ولو كان ولي الميت المأمور بتغسيله غيرهما وجب عليه السعي معهم.

(مسألة 455): إذا شك بوجود حاجب في بعض مواضع التيمم فحاله حال الوضوء والغسل، من أنّ الحاجب هل هو مسبوق بالوجود أو بالعدم فيستصحب حالته السابقة، أو ليس كذلك فيجب الفحص حتى يحصل له الاطمئنان بالعدم مما تقدم في باب الوضوء.

ص: 150

المبحث السادس: الطهارة من الخبث

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في تعداد الأعيان النجسة

وهي أحدى عشرة:

الأول والثاني: البول والغائط من الإنسان ومن كل حيوان برياً كان أو بحرياً، سواء أكان خروجهما من القُبُل والدُبُر أو من غيرهما بصورة اعتيادية أو غير اعتيادية، ويستثنى من ذلك فضلات ثلاثة أصناف من الحيوان:

1- الحيوان المأكول لحمه شرعاً، سواء كان من الطيور أم من سائر الأصناف، كالغنم والبقر والإبل والخيل والبغال والدجاج وغير ذلك، شريطة أن لا يصبح جلاّلاً بالعيش على العذرة وإلا حرم أكله وأصبحت فضلاته نجسة مادام متصفاً بالعنوان، وكذلك البهيمة التي وطأها الإنسان.

2- الطيور بكل أصنافها من المأكول وغيره، والاحتياط بالبناء على نجاسة فضلات غير المأكول حسن.

3- الحيوان الذي ليس له نفس سائلة. وسيأتي شرحها بإذن الله تعالى.

(مسألة 456): ما يشك في أنّه له نفس سائلة محكوم بطهارة فضلاته، وكذا ما يشك في أنّه محلل الأكل أو محرمه.

(مسألة 457): حيوانات البحر مشمولة لنفس الحكم. فما كان منها مأكولاً أو ليس له نفس سائلة أو يشك في ذلك، فهو طاهر الفضلات. وإلا فهو نجس.

(مسألة 458): ما يكون حشرة مشمول لنفس الحكم، سواء الطائر منها والماشي. فإنّها جميعاً محرمة الأكل، فما كان منها ذو نفس سائلة كالفأرة، فبوله وخرؤه نجس دون ما يشك به أو يعلم بعدمه. وكذلك الحال في الأفاعي والزواحف وأمثالها.

ص: 151

(مسألة 459): المراد بالنفس السائلة ما يخرج الدم عند قطع أوداجه بتدفق ولو قليلاً. وأمّا ما يكون بتقاطر ورشح فليس له نفس، فضلاً عما ليس له أوداج، كأكثر الحشرات والزواحف وحيوانات البحر، فضلاً عما ليس له دم أو ليس له لحم عرفاً، كالقشريات والحشرات وغيرها.

(مسألة 460): الإنسان بكل أصنافه محرم الأكل وله نفس سائلة فبوله وخرؤه نجسان.

الثالث: المنيّ من كل حيوان له نفس سائلة وإن حل أكل لحمه، وأمّا منيّ ما لا نفس له سائلة فطاهر، والمنيّ هو مادة التوالد وإن لم يكن علىشكل منيّ الإنسان، كما لو كان أخف أو أرق منه فيشمله الحكم على الأحوط.

الرابع: الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة وإن كان محلل الأكل، وكذا أجزاؤها المبانة منها وإن كانت صغاراً. ونقصد بالميتة كل حيوان مات من دون تذكية شرعية، سواء مات موتاً طبيعياً أو قتلاً أو خنقاً أو ذبحاً على وجه غير شرعي، على أنّ التذكية الصحيحة شرعاً لا تنحصر بقطع الأوداج الأربعة، بل تعم غيرها، كما هو معلوم من كتاب الصيد والذباحة.

(مسألة 461): الجزء المقطوع من الحي بمنزلة الميتة من حيث النجاسة أمّا وجوب غسل المس فقد تقدّم تفصيل أحكامه بملامستها، ويستثنى من ذلك الثألول والبثور، وما يعلو الشفة أحياناً، والقروح ونحوها عند البرء، وقشور الجرب ونحوه، المتصل بما ينفصل من شعره وما ينفصل بالحك ونحوه ومن بعض الأبدان فإنّ ذلك كله طاهر إذا فصل من الحي.

(مسألة 462): أجزاء الميتة غير النجسة ذاتاً إذا كانت مما لا تحلها الحياة طاهرة. وهي الصوف والشعر والوبر والريش والبيضة إذا اكتست القشر الأعلى وإن لم يتصلب. وأمّا العظم بأصنافه فالأحوط الاجتناب عنه لأنّه مما تحله الحياة، كالظفر والسن والقرن الداخلي والمخلب. إلا أن يكون مما نعلم أنّه لا تحله الحياة أو نشك في ذلك، كالقرن الخارجي والظلف الخارجي والمنقار. والفرق بين القسمين هو

ص: 152

الشعور بالألم عند قطعه باعتبار وجود الأعصاب فيه.

(مسألة 463): فأرة المسك طاهرة إذا انفصلت من الضبي الحي، دون ما إذا انفصلت عن الميت على الأحوط. ومع الشك في ذلك يبني على الطهارة وأمّا المسك فطاهر على كل حال، إلا أن يعلم برطوبته المسرية حال موت الضبي، ففيه إشكال. وفأرة المسك هي جلدة في الغزال فيها ما يشبه الدم طيب الرائحة.

(مسألة 464) الأنفحة طاهرة: الانفحة المأخوذة من الميتة طاهرة بعد أن يغسل ظاهرها لاتصاله بالأجزاء النجسة من الميتة، ويراد بالأنفحة معدة الجدي الرضيع قبل أن يأكل فتسمى كرشاً، فقد جرت العادة عند أصحاب المواشي أن يأخذوها ويعصروها في شعرة مبتلة باللبن فتجمد كالجبن، وكذا يحكم بطهارة اللبن في الضرع إذا كان من الحيوان الذي يؤكل لحمه ولا ينجس بملاقاة الضرع، وأمّا إذا كان من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه فهو نجس.

(مسألة 465): ما ذكرناه من مستثنيات الميتة في المسائل السابقة إنّما هو ميتة طاهر العين، أمّا ميتة نجس العين فلا يستثنى منها شيء.

(مسألة 466): ميتة ما لا نفس له سائلة طاهرة كالوزغ والعقربوالسمك، ومنه الخفاش على ما قضى به الاختبار. وكذا ما يشك في أنّه له نفس سائلة أم لا.

(مسألة 467): المراد من الميتة ما استند موته إلى أمر آخر غير التذكية على الوجه الشرعي، بما فيها التذكية غير الجامعة لشرائط الصحة.

(مسألة 468): ما يؤخذ من يد المسلم أو سوقهم من اللحم والشحم والجلد، إذا شك في تذكية حيوانه فهو محكوم بالطهارة والحلية ظاهراً، بل لا يبعد ذلك حتى لو علم بسبق يد الكافر عليه إذا احتمل إنّ المسلم قد أحرز تذكيته على الوجه الشرعي. وكذا ما صنع في أرض الإسلام أو وجد مطروحاً فيها، إذا كان عليه أثر الاستعمال منهم الدال على التذكية مثل ظروف السمن واللبن، لا مثل ظروف العذرات والنجاسات.

ص: 153

(مسألة 469): المذكورات إذا أخذت من أيدي الكافرين محكومة بالطهارة أيضاً إذا احتمل أنّها مأخوذة من المذكى. لكن لا يجوز أكلها ولا الصلاة فيها ما لم نحرز أخذها من المذكى، ولو من جهة العلم بسبق يد المسلم عليها.

(مسألة 470): السقط قبل ولوج الروح نجس، وكذا الفرخ في البيض إذا حصل له لحم وعظم عرفاً، على الأحوط وجوباً فيهما.

الخامس: الدم من الحيوان ذي النفس السائلة، أمّا دم ما لا نفس له سائلة، كالسمك فهو طاهر. فضلاً عن الحيوان الذي ليس له دم عرفاً كالحشرات وغيرها.

(مسألة 471): ما مصه البق والبرغوث من جسم الإنسان، طاهر إن كان معدوداً عرفاً جزءاً من هذه الحشرة. وبخلافه فهو نجس، كما لو كان دم كثير في داخلها، أو كانت لا زالت تمص من الجسد. وأمّا ما يمصه العلق أو غيره من الدم فهو نجس مطلقاً.

(مسألة 472): إذا وجد في ثوبه مثلاً دماً لا يدري أنّه من الحيوان ذي النفس السائلة أو من غيره، بنى على طهارته. وكذلك لو شك أنّه منه أو من الحيوان غير ذي النفس، بما فيه البرغوث إذا صدق عرفاً أنّه دمه، كما سبق.

(مسألة 473): دم العلقة المستحيلة من النطفة، في الحيوان ذي النفس السائلة بما فيها الإنسان، نجس.

(مسألة 474) الدم الذي في البيضة: الدم الذي يكون في البيضة طاهر على الأظهر ولكن تناوله غير جائز، فيجب اجتنابه ولو بفصل البياض عن الصفار ما لم يستهلك فيها.

(مسألة 475): الدم المتخلف في الذبيحة بعد خروج ما يعتاد خروجه منها بالذبح أو بأي تذكية صحيحة، طاهر. إلا أن يتنجس بنجاسةخارجية مثل السكين التي يذبح بها أو الدم الذي خرج من المذبح أولاً.

(مسألة 476): إذا خرج من الجرح أو الدمل شيء أصفر يشك في أنّه دم أم لا حكم بطهارته، وكذا إذا شك من جهة الظلمة أو ضعف البصر، أنّه دم أو قيح،

ص: 154

ولا يجب عليه الاستعلام وكذلك إذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في أنّها دم أو ماء أصفر، يحكم بطهارته.

(مسألة 477): الدم يكون طاهراً في باطن الجسم، فلو لاقاه شيء هناك وخرج غير ملوث به فإنّه لا يتنجس، والدم الخارج من اللثّة إذا كان في باطن الفم مستهلكاً في اللعاب فيجوز بلعه.

(مسألة 478): الدم الذي قد يكون في اللبن عند الحلب نجس ومنجس للبن.

(مسألة 479): أشرنا في باب الوضوء إلى أنّ الدم بطول المدة قد يصبح كالجلد فيطهر بالاستحالة. وحينئذ يمكن تطهير الموضع احتياطاً والوضوء عليه ولا ينجس ملاقيه، ولا تجب إزالته وإن سهلت.

السادس والسابع: الكلب والخنزير البريان بجميع أجزائهما وفضلاتهما ورطوبتهما، دون البحريين.

(مسألة 480): إذا وجد بالتوالد مع نوع آخر من الحيوان ما يصدق عليه الكلب أو الخنزير شمله الحكم، دون ما لا يصدق أو يشك به.

(مسألة 481): لا فرق في الكلب والخنزير بين البري والأهلي والوحشي ولا بين الصغير والكبير. ولا فرق بين ما يجوز بيعه من الكلاب وما لا يجوز.

الثامن: المسكر المائع بالأصالة دون الجامد كالحشيشة وإن غلى وصار مايعاً بالعرض. على أن يكون المايع يصدق عليه اسم الخمر عرفاً مهما كان منشأ اتخاذه. وما لايصدق عليه اسم الخمر كبعض السوائل الصناعية التي يكون الكحول مكوناً رئيساً فيها فلا يحكم بنجاستها أمّا من حيث الحرمة فكل مسكر حرام.

(مسألة 482) السبيرتو والكحول في العطور طاهر: في ضوء ما تقدم فإنّ السبيرتو المستخدم في صبغ الأخشاب وغيرها من الاستعمالات وكذا الكحول الداخل في صناعة الأدوية والعطور ونحوها طاهر.

(مسألة 483): العصير العنبي إذا غلى بالنار ونحوها، فالظاهر بقاؤه على الطهارة وإن صار حراماً ما لم يسمَّ خمراً عرفاً، فإذا ذهب ثلثاه بالنار صار حلالاً.

ص: 155

والأحوط عدم كفاية غير النار في ذهاب الثلثين. ويلحق بالنار كل مصدر للحرارة العالية أمّا إذا تعرض العصير إلى حالة النشيش من تلقاء نفسه أو بحرارة هادئة وبدأت فيه حالة التخمر المحرمة بدخول اليوم الثالث كمعدّل، فإنّه يكون حراماً ونجساً.

(مسألة 484): العصير الزبيبي والتمري لا ينجس ولا يحرم بالغليان بالنار، فضلاً عما إذا لم يصدق الغليان، فيجوز وضع التمر والزبيبوالكشمش في المطبوخات مثل المرق والمحشي والطبيخ وغيرها وكذا دبس التمر بأنواعه.

التاسع: الفقاع وهو شراب مخصوص متخذ من الشعير، وليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء. وأمّا الشراب المتخذ من غيره فهو طاهر إلا أن يصدق عليه اسم الخمر عرفاً.

العاشر: الكافر - على الاحوط وجوباً-، وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير التوحيد، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنّه من الدين الإسلامي، بحيث رجع جحده إلى إنكار الرسالة أو تكذيب نص القران الكريم. وإنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً. ولا فرق في الكافر بين الأصلي والمرتد ولا في المرتد بين الفطري والملّي.

(مسألة 485): الأحوط إلحاق من حكم بكفره من فرق المسلمين بالنجاسة بإنكاره لشيء مما تقدم كمن يبغض أهل البيت (سلام الله عليهم)، وينصب الحقد والعداوة لهم، لأنّه منكر لنص قرآني (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى: 23).

(مسألة 486) طهارة اهل الكتاب: وهم اليهود والنصارى خاصة محكوم بطهارتهم الذاتية. فإذا طهر الكتابي نفسه فسؤره طاهر ويجوز أكل الطعام الذي يباشره ويجري فيه استصحاب الطهارة حتى نعلم عرفاً بالنجاسة، ولا فرق في ذلك بين فرقهم المذهبية ولا بين كونهم حربيين أو ذميين ولا بين كونهم ملتزمين بديانتهم الأصلية أو المختلفة أم لا.

ص: 156

(مسألة 487): عرق الجنب من الحرام طاهر، ولكن لا تجوز الصلاة في ما لامسه على الأحوط، ويختص الحكم بما كانت الجنابة حراماً بالأصل كالزنا واللواط والاستمناء، دون العارض كمجامعة الحائض والمُحرِم والصائم.

الحادي عشر: عرق الإبل الجلالة، وغيرها من الحيوان الجلال.

الفصل الثاني: في كيفية سراية النجاسة

(مسألة 488): الجسم الطاهر إذا لاقى الجسم النجس، لا تسري النجاسة إليه، إلا إذا كان في أحدهما رطوبة مسرية أي ناقلة للنجاسة، فإذا كان الجسمان يابسين أو نديين جافين لم تحصل السراية.

(مسألة 489): المائع غير الرطب، كالمعادن المذابة والزئبق لا تتنجس بملاقاة النجاسة، أمّا المعادن السائلة كالنفط والغاز السائلوالبنزين وغيرها، فإنّها تتنجس بمجرد الملاقاة.

(مسألة 490): الفراش الموضوع في أرض السرداب ونحوه إذا كانت الأرض متنجسة، لا ينجس وإن سرت رطوبة الأرض إليه وصار ثقيلاً بعد أن كان خفيفاً فإنّ مثل هذه الرطوبة غير المسرية لا توجب سراية النجاسة. وكذلك جدران المسجد المجاور لبعض المواضع النجسة مثل الكنيف ونحوه، فإنّ الرطوبة السارية منها إلى الجدران ليست مسرية ولا موجبة لنجاستها، وإن كانت مؤثرة في الجدار على نحو تؤدي إلى الخراب. وإذا لم تتنجس يكون من الواضح أنّها لا توجب نجاسة ملاقيها ولو برطوبة مسرية.

(مسألة 491): يشترط في سراية النجاسة في المائعات بأن لا يكون المائع متدافعاً نحو النجاسة، وإلا اختصت النجاسة بموضع الملاقاة. وتسري إلى ما اتصل به من الأجزاء ما دام متدافعاً. لا فرق في ذلك بين اتجاه التدافع ولا في سرعته ما دام

ص: 157

يصدق التدافع. ولا بين الماء المطلق القليل وسائر المائعات المضافة. ومعه فإذا صب من الإبريق على شيء نجس لا تسري النجاسة إلى العمود فضلاً عن الإبريق. سواء كان في الإبريق ماء مطلق أو غيره.

(مسألة 492): الأجسام الجامدة إذا لاقت النجاسة مع الرطوبة المسرية تنجس موضع الاتصال، أمّا غيره من الأجزاء المجاورة له فلا تسري النجاسة إليه، وإن كانت الرطوبة المسرية مستوعبة للجسم كالخيار أو البطيخ أو نحويهما إذا لاقتهما النجاسة يتنجس موضع الاتصال لا غير، وكذلك بدن الإنسان إذا كان عليه عرق ولو كان كثيراً فإنّه إذا لاقى النجاسة تنجس الموضع الملاقي لا غير، إلا أن يجري العرق المتنجس على الموضع الآخر فإنّه ينجسه أيضاً بالتفصيل الذي سنذكره عن المتنجّس الأول والثاني.

(مسألة 493): يشترط في سراية النجاسة في المائعات أن لا يكون المائع غليظاً، وإلا اختصت بموضع الملاقاة لا غير، فالدبس الغليظ والدهن الجامد إذا أصابته النجاسة لم تسر النجاسة إلى تمام أجزائه، بل يتنجس موضع الاتصال لا غير. وكذلك اللبن الخاثر والعسل والسمن ما دامت غليظة. وأمّا إذا كان المائع رقيقاً سرت النجاسة إلى كل أجزائه كالسمن السائح والحليب.

(مسألة 494): الحد في غلظ المائع ورقته هو أنّ المائع إذا كان بحيث لو أخذ منه شيء أو ضغط بالإصبع مثلاً، لم يمتلئ مكانه فوراً، وإن امتلأ مكانه بمجرد الأخذ فهو رقيق.

(مسألة 495): المتنجس الثاني لا ينجّس: المتنجس بملاقاة عين النجاسة كالنجس ينجس ما يلاقيه مع الرطوبة المسرية، وهو المعروف بالمتنجّس الأول وهو ينجّس ملاقيه الذي يعرف بالمتنجّس الثاني معالرطوبة المسرية، ولكن المتنجس الثاني لا ينجّس. لا فرق في ذلك بين الجوامد والسوائل الطاهرة لو فرضت مجرد الملاقاة.

إيضاح: فلو فرض أنّ طفلاً بال على أرض وأزيلت العين بواسطة قطعة

ص: 158

قماش، فإنّ الأرض متنجس أول فلو سقط ماء على تلك البقعة من الأرض ثم وقعت القطرة على أحد فإنّ القطرة متنجسٌ ثانٍ لا ينجّس من سقطت عليه، ولو كانت قدم أحد رطبة ولامس تلك البقعة ثم وضعها على الفراش فإنّ القدم متنجّس ثانٍ، يجب تطهيرها قبل الصلاة لكنها لا تنجس ملاقيها كالفراش.

ويلاحظ هنا إنّ المتنجس الأول يجب أن لا يكون حاملاً للنجاسة ليكون كذلك، وإذا كان حاملاً لها فإنّ ملاقيه سيكون متنجساً أولاً أيضاً لأنّه سيلاقي عين النجاسة المحمولة فيه، فمثلاً لو سقطت قطرة ماء على نفس البول وقفزت منه فإنّها تكون حاملة للعين وسيكون ملاقيها متنجساً أولاً.

وهذه المسألة مهمة وضرورية لأنّها تسهل وتخفف عن الكثير ممن يتعاملون مع من لا يتحفظون من النجاسة.

(مسألة 496): يحكم بنجاسة الشيء أو طهارته باعتبار اليقين بها أو الاطمئنان أو الوثوق على الأقوى، أو بإخبار ذي اليد وبشهادة العدلين بل العدل الواحد الموثوق بقوله، بل بإخبار مطلق الثقة على الأظهر. وكذلك تثبت النجاسة والطهارة بالاستصحاب وهو البناء على الحالة السابقة مع الشك في تغيرها، كما تثبت الطهارة بأصالة الطهارة مع الشك فيها.

(مسألة 497): ما يؤخذ من أيدي الكافرين من الخبز والزيت والعسل ونحوها من المائعات والجامدات طاهر، إلا أن يعلم بمباشرتهم له بالرطوبة المسرية مع الحكم بنجاستهم، وكذلك ثيابهم وأوانيهم. والظن بالنجاسة لا عبرة به. ولكن الاجتناب أوفق بالاحتياط الاستحبابي الأكيد.

ص: 159

الفصل الثالث: في أحكام النجاسة

(مسألة 498): يشترط في صحة الصلاة الواجبة والمندوبة، وكذلك في أجزائها المنسية وصلاة الاحتياط وسجود السهو على الأحوط، طهارة بدن المصلي وتوابعه من شعره وظفره ونحوهما، وطهارة ثيابه من غير فرق بين الساتر وغيره (عدا ما سيأتي مما يعفى عنه). والطواف الواجب والمندوب كالصلاة في ذلك. وقد تجب بالنذر ونحوه. ولا شك أنّها الحال الأفضل في كل الأوقات.

(مسألة 499): الغطاء الذي يتغطى به المصلي إيماءً، إن كان ملتفاً به المصلي بحيث يصدق عليه عرفاً أنّه لابس له وجب أن يكون طاهراً، وإلاّ فلا.

(مسألة 500): يشترط في صحة الصلاة طهارة محل السجود، وهو ما يحصل به مسمى وضع الجبهة، دون غيره من مواضع السجود وإن كان أحوط استحباباً.

(مسألة 501): كل واحد من أطراف الشبهة المحصورة بحكم النجس، فلا يجوز لبسه في الصلاة ولا السجود عليه. بخلاف ما هو من أطراف الشبهة غير المحصورة ولا فرق في ذلك بين العالم بالحكم التكليفي (عدم جواز الصلاة في النجس) او الوضعي (كون الخمر نجساً) أو الجاهل بهما او الغافل عنهما. ونقصد بالشبهة المحصورة وقوع الشيء النجس ضمن عدة أشياء ولا يُعرف أيها النجس تحديدا، بحيث إذا صلّى بأحدها لا على التعيين فإنّ احتمال كونه النجس بمقدار معتد به. أمّا الشبهة غير المحصورة فيكون فيها احتمال كون هذا الشيء بالذات هو النجس ضعيفاً جداً، لكثرة أطراف الشبهة ونحوها.

(مسألة 502): لو كان جاهلاً بوجود النجاسة، ولم يعلم بها حتى فرغ من صلاته فلا إعادة عليه في الوقت، فضلاً عن خارجه. هذا إذا لم يكن عنده شك بوجودها، ومعه يجب عليه الفحص.

(مسألة 503): لو علم أثناء الصلاة بوقوع بعض الصلاة في النجاسة، أي إنّه

ص: 160

علم بسبق حدوث النجاسة على الدخول في الصلاة، فإن كان الوقت واسعاً قطعها وتطهر واستأنفها من جديد، وإن كان الوقت ضيقاً حتى عن إدراك ركعة فإن أمكن إزالتها بنزع أو تطهير أو غيره على وجه لا ينافي الصلاة بما فيه بقاء التستر، فعل ذلك ومضى في صلاته. وإلا صلّى فيها وأعادها احتياطاً.

(مسألة 504): لو عرضت النجاسة في أثناء الصلاة، فإن أمكنالتطهير أو التبديل على وجه لا ينافي الصلاة فعل ذلك، وأتم صلاته ولا إعادة عليه. وإذا لم يمكن ذلك، فإن كان الوقت واسعاً استأنف الصلاة بالطهارة. وإن كان ضيقاً فمع عدم إمكان النزع لبرد ونحوه ولو لعدم الأمن من الناظر يتم صلاته ولا شيء عليه. ولو أمكنه النزع ولا ساتر له غيره، فالأظهر وجوب الإتمام فيه. والأحوط استحباباً القضاء أيضاً.

(مسألة 505): إذا كان على ثوبه أو بدنه نجاسة لا يعذر فيها، ونسيها وصلى بطلت صلاته وكان عليه الإعادة إن ذكر في الوقت، وإن ذكر بعد خروج الوقت فعليه القضاء. ولا فرق بين الذكر بعد الصلاة أو في أثنائها مع إمكان التبديل أو التطهير وعدمه.

(مسألة 506): إذا طهّر ثوبه النجس وتأكد من حصول الطهارة، ثم صلى فيه ثم تبين أنّ النجاسة باقية فيه، لم تجب الإعادة ولا القضاء لأنه جاهل بالنجاسة.

(مسألة 507): إذا لم يجد إلا ثوباً نجساً، فإن لم يمكن نزعه لبرد أو نحوه صلّى فيه بلا إشكال ولا يجب عليه القضاء، وإن أمكن نزعه فالظاهر وجوب الصلاة فيه، والأحوط استحباباً الجمع بين الصلاة فيه وبين الصلاة عارياً - مع وجود الناظر المميز- وهو جالس، لإمكان التستر بهذه الصورة بالنسبة للرجل دون المرأة.

(مسألة 508): إذا كان عنده ثوبان يعلم إجمالاً بنجاسة أحدهما وهو جاف، وجبت الصلاة في كل منهما مع سعة الوقت، ومع الضيق يتخير، ولو كان عنده ثوب ثالث يعلم بطهارته فيجوز له أن يتخّير بين الصلاة فيه والصلاة في كل منهما، إن وجد مبرر للخيار الثاني أي الصلاة بكلٍ من الثوبين المعلوم إجمالاً نجاسة أحدهما.

ص: 161

وإلا فيتعين الصلاة في الطاهر.

(مسألة 509): إذا تنجّس موضعان من بدنه، أو من ثوبه، ولم يكن عنده من الماء ما يكفي لتطهيرهما معاً، لكن كان يكفي لأحدهما وجب تطهير أحدهما مخيرا، إلا مع الدوران بين الأقل والأكثر، أو الأخف والأشد، أو متحد العنوان ومتعدده فيقدّم الثاني - الاكثر والاشد ومتعدد العنوان-.

وإن كان كلٌ من بدنه وثوبه نجساً فالأحوط وجوباً تطهير البدن إلا إذا كان تطهير الثوب أهم.

(مسألة 510): مع الاضطرار إلى الصلاة في النجاسة، فإن كانت كلها من المستثنيات كدم الجروح أو الأقل من الدرهم البغلي، فلا إشكال في صحتها. وإن لم يكن منها فإن لم يمكن تقليلها لبرد أو مرض ونحوهما، فالصلاة صحيحة أيضاً. وإن أمكن تقليلها بنزع أو تطهير بعضها وجب. ولو صلى والحال - إمكان التقليل- هذه بطلت.

(مسألة 511): يحرم أكل النجس وشربه، ويجوز الإنتفاع به فيما لا يشترط فيه الطهارة.

(مسألة 512): لا يجوز بيع الخمر والخنزير. أمّا بقية الأعيانالنجسة كالميتة والدم، فيجوز البيع بشرط قصد غرض عقلائي، كبيع الغائط للتسميد أمّا الأنواع الأربعة من الكلاب وهي: كلب الصيد وكلب البستان وكلب الماشية وكلب الحراسة، فلا إشكال في جواز بيعها. ويتوقف جواز بيع الأنواع الأخرى على قصد غرض عقلائي.

(مسألة 513): يجوز بيع المتنجس إذا كان له منفعة عقلائية. سواء كان قابلاً للتطهير أم لا، وسواء كانت المنفعة قليلة أو مشهورة مالم يقصد النفع المحرم أو غير العقلائي، فتبطل المعاملة. والأحوط إخبار المشتري بالنجاسة، وخاصة فيما يستعمل عادة فيما يشترط فيه الطهارة كالثياب والأطعمة.

(مسألة 514): يحرم تنجيس المساجد أرضاً وبناءً وفراشاً على الأحوط. وإذا

ص: 162

تنجس شيء منها وجب تطهيره، بل يحرم إدخال النجاسات العينية غير المتعدية إليه إذا لزم هتك حرمة المسجد، ولا بأس به مع عدم الهتك لا سيما فيما لا يعتد به خارجاً لكونه من الداخل، مثل أن يدخل الإنسان وعلى ثوبه أو بدنه دم لجرح أو قرحة أو نحوها، وكذلك النجاسة المحمولة بشكل مخفي في الجيب وغيره فإنّ كل ذلك جائز، وإن كان الأحوط استحباباً المنع مطلقاً.

(مسألة 515): تجب المبادرة إلى إزالة النجاسة عن المسجد وتوابعه مما يحرم تنجيسه. حتى إذا دخل المسجد ليصلي فيه فوجد فيه نجاسة وجبت المبادرة إلى إزالتها مقدماً لها على الصلاة مع سعة الوقت. لكن لو صلّى وترك الإزالة عصى وصحت صلاته، أمّا في الضيق فتجب المبادرة إلى الصلاة مقدماً لها على الإزالة. وأمّا إذا تنجس المسجد خلال الصلاة لم يجب قطعها للإزالة حتى مع سعة الوقت.

(مسألة 516): إذا توقف تطهير المسجد على تخريب شيء منه وجب تطهيره إذا كان التخريب يسيراً غير معتد به. وأمّا إذا كان التخريب مضراً بالوقف ففي جوازه فضلاًُ عن الوجوب إشكال، لكن الأقوى الوجوب إذا كان بقاؤه على النجاسة موجباً للهتك، فيجب التخريب بمقدار دفع الهتك مع وجود باذل لتعميره.

(مسألة 517): إذا توقف تطهير المسجد على بذل مال وجب، إلا إذا كان بحيث يضر بحاله. ولا يضمنه من صار سبباً للتنجيس، كما لا يختص وجوب إزالته به، نعم، من صار سبباً لتنجيس ما هو وقف على المسجد يكون ضامناً لنقصان قيمته إذا عد ذلك عيباً عرفاً.

(مسألة 518): إذا توقف تطهير المسجد على تنجيس بعض المواضع الطاهرة منه، وجب إذا كان يطهر بعد ذلك.

(مسألة 519): إذا لم يتمكن الإنسان من تطهير المسجد مباشرة وأمكن بشكل غير مباشر كإعلام غيره ممن يحتمل حصول التطهير بسببه مباشرة أو بالواسطة وجب.(مسألة 520): إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره، وخاصة لدى إمكان

ص: 163

سراية النجاسة، فيما إذا لم يستلزم التطهير فساده على الأحوط. وأمّا مع استلزام الفساد على الحصير أو على المسجد إذا أخرج الحصير منه، فالواجب التطهير بأقل الأضرار الممكنة، ولو كان هو قطع موضع النجس عنه، إذا كان بقاؤه على النجاسة موجباً للهتك.

(مسألة 521): لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خراباً وإن لم يُصَلِّ فيه أحد، ويجب تطهيره إذا تنجس. هذا مع انحفاظ عنوان المسجد فيه. وأمّا إذا أصبح أرضاً بواراً وغير متميز فالظاهر سقوط هذا الحكم خاصة من أحكام المسجد.

(مسألة 522): إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد المسجدين أو أحد المكانين من مسجد وجب تطهيرهما.

(مسألة 523): يلحق بالمساجد في عدم جواز التنجس ووجوب المبادرة إلى التطهير المصحف الشريف والمشاهد المشرفة. وكذلك التربة الحسينية، بل تربة الرسول (صلى الله عليه وآله) وسائر الأئمة (عليهم السلام) المأخوذة للتبرك فيحرم تنجيسها إذا كان ذلك موجباً لإهانتها، وتجب إزالة النجاسة عنها حينئذ.

(مسألة 524): إذا غصب المسجد وجعل طريقاً أو دكاناً وغيره، ففي حرمة تنجيسه ووجوب تطهيره إشكال. والأقوى ثبوت ذلك في غير الأراضي المفتوحة عنوة.

(مسألة 525): معابد الكفار لا يشملها حكم المساجد الإسلامية إلا إذا اتخذت مسجداً. وأمّا مساجد سائر الطوائف الإسلامية فيشملها الحكم حتى لو كان الواقف أو المتولي ممن حكم بكفره من المذاهب على الأحوط.

ص: 164

الفصل الرابع: فيما يعفى عنه في الصلاة من النجاسات

اشارة

وهي أمور:

الأول: دم الجروح والقروح في البدن واللباس حتى تبرأ، والأحوط استحباباً اعتبار المشقة النوعية بلزوم الإزالة أو التبديل في كل يوم مرة. ومنه دم البواسير ظاهرة كانت أم باطنة، وكذا كل جرح باطني خرج دمه إلى الظاهر. والأحوط اعتبار عدم سرايتها إلى محال لا تصل إليها عرفاً وعادةً.

(مسألة 526): كما يعفى عن الدم المذكور يعفى أيضاً عن القيح المتنجس به، والدواء الموضوع عليه، والعرق المتصل به. والأحوط استحباباً شده إذا كان الشد مانعاً عن توسع النجاسة.

(مسألة 527): إذا كانت الجروح والقروح المتعددة متقاربة بحيث تعد جرحاً واحداً عرفاً جرى عليها حكم الواحد. فلو برأ بعضها لم يجب غسله، بل هو معفو عنه حتى يبرأ الجميع.

(مسألة 528): إذا شك في دم أنّه دم جرح أو قرح أو لا، لا يكون معفواً عنه من هذه الجهة.

(مسألة 529): كما يعفى عن دم الجروح والقروح يعفى عما يخالطها من الخارج مما هو متصل بعمل الإنسان عادة، كالدسومة أو الطحين أو الجص، إذا كان على الوجه المتعارف كمية وكيفية، غير أنّ الأحوط استحباباً تجنيب الجرح من ذلك واجتناب الصلاة فيه إن حصل مع الإمكان.

الثاني: الدم في البدن واللباس إذا كانت سعته أقل من الدرهم البغلي، ولم يكن من دم نجس العين ولا من الميتة ولا من غير مأكول اللحم ولا من الدماء الثلاثة (الحيض والنفاس والاستحاضة)، وإلا فلا يعفى عنه.

(مسألة 530): لا يلحق - بالدم- المتنجس به في الخارج أو في تنجس

ص: 165

الموضع. كما لا يلحق به موضعه بعد زوال العين.

(مسألة 531): إذا تفشى الدم من أحد الجانبين إلى الآخر فهو دم واحد، رقيقاً كان القماش أم سميكاً، نعم، إذا تفشى من مثل الظهارة إلى البطانة، أو الحشوة فهو دم متعدد فيلحظ التقدير المذكور على فرض اجتماعه. فإن لم يبلغ سعة الدرهم عُفِيَ عنه وإلا فلا يعفى عنه.

(مسألة 532): إذا تردد قدر الدم بين المعفو عنه والأكثر بُني على عدم العفو. وإذا كانت سعة الدم أقل من الدرهم وشك في أنّه من الدم المعفو عنه أو من غيره بُني على العفو، ولم يجب الاختبار، وإذا انكشف بعد الصلاة أنّه من غير المعفو عنه لم تجب الإعادة.

(مسألة 533): الأحوط الاقتصار في مقدار الدرهم على ما يساويعقد السبابة. وإن كان الظاهر إمكان أخذ عقد الإبهام مقاساً.

الثالث: الملبوس الذي لا تتم الصلاة به وحده، يعني لا يستر العورتين كالخف والجورب والتكة والقلنسوة وبعض الأحزمة. سواء كان ملبوساً مستقلاً أم في ضمن غيره كالتكة وسواء كان من قماش أو غيره.

(مسألة 534): لا يفرق في العفو بين وجود عين النجاسة وزوالها. وإن كان الأحوط إزالتها، ولكن تتعين إزالتها إذا كانت من غير مأكول اللحم أو من الميتة أو من نجس العين أو من الدماء الثلاثة على الأحوط. ولكن يبقى محلها معفواً عنه وإن كان الأحوط خلافه.

(مسألة 535): ينبغي الالتفات هنا إلى التحفظ من سريان النجاسة إلى البدن والثوب من هذه النجاسات المعفو عنها.

(مسألة 536): الأحوط استحباباً عدم العفو عن المحمول المتخذ من نجس العين، كالكلب والخنزير. وكذا ما تحله الحياة من أجزاء الميتة. وكذا ما كان من أجزاء ما لا يؤكل لحمه وإن كان مذكّى كالأرنب والثعلب، أو أحد الدماء الثلاثة، مع عدم السريان إلى اللباس أو البدن، كما لو وضع الدم أو البول في قارورة في

ص: 166

جيبه. وأمّا المحمول المتنجس، فهو معفو عنه حتى إذا كان مما تتم فيه الصلاة، فضلاً عما لا تتم به كالساعة والدراهم والسكين والمنديل ونحوها. بل يعفى عنه حتى لو كان متنجساً بالميتة أو بنجس العين أو بما لا يؤكل لحمه.

(مسألة 537): لا حكم لمربية الصبي كاستثناء من القاعدة وإنّما يدور العذر فيها كغيرها مدار العسر والحرج الفعلي.

ص: 167

المطهرات

وهي أمور:

الأول: الماء المطلق الطاهر وهو مطهر لكل متنجس يغسل به على نحو يستولي على المحل، وقد يجب التعدد أحياناً كما ياتي. بل قد يطهر الماء النجس أيضاً على تفصيل تقدم في أحكام المياه، نعم، لا يطهر الماء المضاف حال كونه مضافاً، وكذا غيره من المايعات وإنّما تكون طهارته بالاستهلاك في الكثير كما تقدم.

(مسألة 538): يعتبر في التطهير إزالة عين النجاسة ثم استيلاء الماء على المحل النجس بعد زوال عين النجاسة.

(مسألة 539): يعتبر بالتطهير بالقليل مع التعدد انفصال ماء الغسلة الأولى. فإذا كان المتنجس مما ينفذ فيه الماء مثل الثوب والفراش، فلا بد من عصره أو غمزه لإخراج الماء منه. والأحوط وجوباً عدم الاكتفاء عن العصر بتوالي الصب عليه إلى أن يعلم بانفصال الماء الأول.

(مسألة 540): الأجسام التي تنفذ فيها الرطوبات كالصابون والطين والخزف والخشب، يمكن أن تنفذ فيه النجاسة إلى باطنه. ولكن يمكن تطهير ظاهره بإجراء الماء عليه. وفي طهارة باطنه تبعاً للظاهر إشكال، وإن كان لا يبعد حصول الطهارة للباطن بنفوذ الماء الطاهر فيه، بعد طهارة الظاهر على نحو يصل إلى ما وصل إليه النجس، فيغلب على المحل. وأمّا إذا كان النافذ في باطنه الرطوبة غير المسرية فقد عرفت أنّه لاينجس بها.

(مسألة 541): الثوب المصبوغ بالصبغ المتنجس يطهر بالغسل بالماء القليل فضلاً عن الكثير، إذا بقي الماء على إطلاقه ونفذ في جميع أجزائه، نعم، في صورة وجوب تعدد الغسل، يجب عصره لإخراج الغسالة الأولى كما سبق.

(مسألة 542): العجين النجس يطهر إن خبز ووضع في الماء الكثير بحيث ينفذ إلى أعماقه، وكذلك الخبز إذا تنجس بعد خبزه، ومثله الطين المتنجس والخزف والخشب ونحوها مما أشرنا اليه، فإنّها تطهر بنفوذ الماء الطاهر القليل فضلاً

ص: 168

عن الكثير، فضلاً عن الاستنقاع في الكثير.

(مسألة 543): لا يعتبر في غسل المتنجس بعد زوال العين في المعتصم العصر والعدد، بل يكفي فيه ما يتحقق به مسمى الغسل عرفاً، ولو مرة واحدة مطلقاً من غير فرق بين الجاري وغيره على الأقوى، والأحوط التعدد في غير الجاري لاسيما في البول والولوغ للكلب والخنزير، وهو الأفضل في الجاري أيضاً على وجه في الأخير.

(مسألة 544): المتنجس ببول غير الرضيع إذا طهر بالقليل فلا بد من الغسل مرتين. وأمّا المتنجس بغير البول وكذلك المتنجس بالمتنجسبالبول فيكفي في تطهيره غسلة واحدة بعد زوال عين النجاسة، ولا فرق في ذلك بين الآنية وغيرها إلا في الولوغ كما سيأتي، والأحوط عدم احتساب الغسلة المزيلة إلا إذا استمر إجراء ماء الإزالة ولو قليلاً. فتحسب حينئذ ويطهر المحل بها.

(مسألة 545): إذا تنجست الآنية بولوغ الكلب بما فيها من ماء وغيره، مما يصدق عليه الولوغ عرفاً، غسلت بالتراب أولاً بمعنى مسح موضع النجاسة به على نحو يستولي التراب عليه، ثم غسلت بالماء مرتين، والأحوط عدم كفاية الغسل بالكثير عن التعفير. والأحوط كون التراب جافاً أو نحوه، بحيث يصدق عليه التراب ولا يصدق عليه الطين.

(مسألة 546): إذا لطع الكلب الإناء أو شرب منه بلا ولوغ لقطع لسانه أو باشره بلعابه، فالأحوط أنّه بحكم الولوغ في كيفية التطهير. وليس كذلك ما إذا تنجس بعرقه أو سائر فضلاته أو بملاقاة بعض أجزائه، نعم، إذا صب الماء الذي ولغ فيه الكلب في إناء آخر جرى عليه حكم الولوغ على الأحوط. وليس كذلك الماء الثاني في الإناء الذي ولغ فيه وقد صب في إناء آخر، وإن كان متنجساً.

(مسألة 547): الآنية التي يتعذر تعفيرها بالتراب، مما يجب ذلك فيه تبقى على النجاسة. أمّا إذا أمكن إدخال شيء من التراب في داخلها وتحريكه بحيث يستوعبها، أجزأ ذلك في طهرها مع ضم الغسل إليه.

ص: 169

(مسألة 548): يجب أن يكون التراب الذي يعفر به الإناء طاهراً قبل الاستعمال على الأحوط.

(مسألة 549): التراب المستعمل في التعفير طاهر مع الجفاف، فيمكن استعماله في التطهير مرتين أو أكثر.

(مسألة 550): يجب في تطهير الإناء النجس من موت الجرذ غسله سبع مرات. وكذا المتنجس بشرب الخنزير وإن كان الأظهر فيه كفاية الثلاثة. وكذلك كفايتها - أي الثلاثة- في الغسل بالكثير فيهما.

(مسألة 551): أواني الخمر يجب غسلها ثلاث مرات في القليل، والأحوط التعدد في الكثير والجاري أيضاً. والأولى أن تغسل سبعاً.

(مسألة 552): في مورد وجوب تعدد الغسلات فانه لا بد من عصر الثياب بينهما لإخراج الغسالة وصدق التعدد العرفي.

(مسألة 553): التطهير بماء المطر يحصل باستيلائه على المحل النجس، من غير حاجة إلى عصره ولا تعدده إناءً كان أم غيره، وبولاً كان أم غيره، نعم، الإناء المتنجس بولوغ الكلب لا يسقط فيه الغسل بالتراب قبله وإن سقط التعدد.

(مسألة 554): يكفي الغسل مرة واحدة بعد ذهاب العين في تطهير المتنجس ببول الصبي قبل أن يغتذي بالطعام، بل في مدة الرضاع على الأحوط، وإن كان الأقوى عدم اعتبار ذلك، بل يكفي الصب مادام رضيعاً لميغتذ وإن تجاوز عمره الحولين، ولا يحتاج إلى عصر. ولا فرق بين الذكر والأنثى، وإن كان الأحوط عدم الشمول للأنثى.

(مسألة 555): قيل: إنه يتحقق غسل الإناء بالقليل بأن يصب فيه شيء من الماء ثم يدار فيه إلى أن يستوعب تمام أجزائه ثم يراق، فإذا فعل به ذلك ثلاث مرات فقد غسل ثلاث مرات وطهر.

(مسألة 556): الأواني الكبيرة المثبتة يمكن تطهيرها بالقليل بأن يصب الماء فيها ويدار حتى يستوعب جميع أجزائها، ثم يخرج حينئذ ماء الغسالة المجتمع فيها

ص: 170

بنزح أو غيره. والأحوط وجوباً المبادرة إلى إخراجه في الأواني الماصة للرطوبة. ولا يقدح الفصل بين الغسلات ولا تقاطر ماء الغسالة حين الإخراج على الماء المجتمع نفسه. والأحوط وجوباً تطهير آلة الإخراج كل مرة، وفي الغسلة الأولى.

(مسألة 557): يعتبر في الماء المستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال، سواء كان قليلاً أو كثيراً.

(مسألة 558): يعتبر في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها كاللون والريح، فإذا بقي مثل ذلك لم يقدح في حصول الطهارة مع العلم بزوال العين.

(مسألة 559): الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر أو الصخر أو الزفت أو نحوها، يمكن تطهيرها بالماء القليل إذا جرى عليها بعد زوال العين، وكذا الأرض الرخوة، حتى وإن تسرب الماء إلى أعماقها ولم يتجاوزها إلى غيرها.

(مسألة 560): لا يعتبر التوالي فيما يعتبر فيه تعدد الغسل، فلو غسل في يوم مرة وفي آخر أخرى كفى ذلك. وكذلك تأخير عصر ما يجب عصره، بل يكفي الجفاف في الجو الحار عنه مع المدة الكافية، وإن كان الأحوط استحباباً المبادرة إلى عصره.

(مسألة 561): ماء الغسالة إن كان من غسل المتنجس بالماء الكثير والجاري فهو طاهر، حتى إذا كان مزيلاً لعين النجاسة عنه، مالم يتغير بأحد أوصافها، وإن كان من غسله بالماء القليل، فحينئذ إن كان المتنجس خالياً عن عين النجس فهو طاهر، وإن كانت فيه أجزاء عينية من النجس فهو نجس.

(مسألة 562): الدسومة التي في اللحم أو اليد لا تمنع من تطهير المحل، إلا إذا بلغت حداً تكون جرماً حائلاً، ولكنها حينئذ لا تكون دسومة بل شيئاً آخر.

(مسألة 563): إذا تنجس اللحم أو الأرز أو الماش أو نحوها، ولم تدخل النجاسة في عمقها، يمكن تطهيرها باستيلاء الماء المعتصم عليها ولو مرة واحدة. وأمّا إذا كان الماء قليلاً فيمكن وضعها في إناء مثقب كالمصفاة وصب الماء عليها على نحو يستولي عليها ويجري من الثقوب، فيطهرالمتنجس وكذا الإناء تبعاً. وكذا إذا أريد

ص: 171

تطهير الثوب فإنّه يوضع في الإناء ويصب عليه الماء حتى تنفصل النجاسة فيطهر الثوب والإناء أيضاً.

(مسألة 564): الحليب النجس يمكن تطهيره بأن يصنع جبناً ويوضع في الماء الكثير حتى يصل الماء إلى أعماقه.

(مسألة 565): إذا غسل ثوبه النجس ثم رأى بعد ذلك فيه شيئاً من الطين أو الصابون الذي كان متنجساً، لا يضر ذلك في طهارة الثوب بل يحكم أيضاً بطهارة ظاهر الطين أو الصابون الذي رآه، بل باطنه إذا نفذ فيه الماء على الوجه المعتبر.

(مسألة 566): الحلي التي يصوغها الكافر المحكوم بنجاسته إذا لم يعلم ملاقاته لها مع الرطوبة أو ملاقاة نجاسة أخرى، حكم بطهارتها وإن علم ذلك يجب غسلها، ويطهر ظاهرها ويبقى باطنها على النجاسة، وإذا استعملت مدة وشك في ظهور الباطن لم يجب تطهيرها وإن كان أحوط.

(مسألة 567): الدهن المتنجس لا يمكن تطهيره بجعله في الكر الحار ومزجه به إذا أصبح الماء بالمزج مضافاً، وإلا فلا يبعد الحكم بطهارته. والمائعات المتنجسة عموماً لا تطهر إلا بالاستهلاك في المعتصم، بما فيها الحليب وسوائل الفواكه.

(مسألة 568): إذا تنجس التنور يمكن تطهيره بصب الماء من الإبريق عليه فيطهر. وإذا تنجس بالبول وجب تكرار الغسل مرتين إلا إذا صدق الجريان فيكتفى بالمرة.

الثاني: الأرض، فإنّها تطهّر باطن القدم وما توقى به كالنعل والخف والحذاء بالمشي عليها ولو خمس خطوات، بعد زوال عين النجاسة. على أن تكون الأرض جافة عرفاً، ويشترط على الأحوط وجوباً كون النجاسة حاصلة بالمشي على الأرض، أو مما يحصل عادة للأرجل والأحذية دون النجاسات الطارئة الأخرى كدم الجرح مثلاً ولا يشمل ما تسببه الأرض كما لو جرحت القدم.

(مسألة 569): المراد من الأرض مطلق ما يسمى أرضاً من حجر أو تراب أو رمل، ولا يبعد تعميم الحكم على مطلق ما يمشى عليه عادة كالآجر والجص والأسفلت، بل حتى المعدن الظاهر كالأرض المالحة.

ص: 172

(مسألة 570): الأقوى اعتبار طهارة الأرض في تطهيرها، وإذا شك في طهارتها أمكنه البناء على الطهارة فتكون مطهرة عندئذ إلا مع العلم بنجاستها أو كانت هي حالتها السابقة.

(مسألة 571): تطهر الأرض كل ما قام مقام القدم ونحوها، كأسفل خشبة الأقطع وأسفل العصى وأسفل القدم الاصطناعية وأسفل الصولجان، ونحو ذلك.

(مسألة 572): في إلحاق ظاهر القدم وعيني الركبتين واليدين إذا كان المشي عليها، وكذلك ما توقى به الركبة أو الكف وإن كان نعلاً وكذلك في حواشي القدم القريبة من الباطن إشكال. وإن كان في إلحاق ظاهر القدمأو جوانبها مع اعتياد المشي عليها وجه وجيه.

(مسألة 573): لا يكفي المشي على غير الأرض في التطهير، كالفراش أو الخشب أو غيرهما. كما لا يكفي المسح بالأرض دون مشي أو الوقوف عليها مهما طال الزمن.

(مسألة 574): إذا كان في الظلمة أو كان أعمى لا يدري أنّ ما تحت قدمه أرض أو شيء آخر من فرش ونحوه، لم يكفِ المشي عليها في حصول الطهارة، بل لابد من العلم أو الوثوق بكونها أرضاً.

(مسألة 575): إذا كان في الأرض رطوبة غير مسرية فلا إشكال في تطهيرها للقدم وبقاء الأرض على طهارتها. وأما إذا كانت رطوبتها أكثر قليلاً بأن كانت مسرية أو فيها قطرات متفرقة، طهرت القدم بالمشي وتنجست الأرض بالملاقاة إلى أن يصدق المشي المطهر وتطهر القدم، وحينئذٍ يبقى الملامس من الأرض للقدم بعد طهارتها طاهراً.

ص: 173

مطهرية الشمس

الثالث: الشمس.

(مسألة 576): تطهر الشمس الأرض النجسة وما يصدق عليه عنوان الأرضية كالسقوف وأسطح المنازل، ولا يتعداها إلى الأبنية وما اتصل بها ولا الأشجار والثمار ولا الحصر ولا البواري.

(مسألة 577): يشترط في الطهارة بالشمس- مضافاً إلى زوال عين النجاسة وإلى رطوبة المحل- اليبوسة المستندة إلى الإشراق عرفاً، وإن شاركها غيرها في الجملة من ريح أو غيرها.

(مسألة 578): إذا كانت الأرض النجسة جافة وأريد تطهيرها، صُبَّ عليها الماء الطاهر أو النجس، فإذا يبست بالشمس طهرت.

(مسألة 579): إذا تنجست الأرض بالبول فأشرقت عليها الشمس حتى يبست طهرت من دون حاجة إلى صبَّ الماء عليها، نعم، إذا كان البول غليظاً له جرم لم يطهر جرمه بالجفاف، ولا يطهر سطح الأرض الذي عليه الجرم، فيفعل ما قلناه في المسألة السابقة.

(مسألة 580): الحصى والتراب والطين والأحجار المعدودة جزءاً من الأرض، بحكم الأرض في الطهارة بالشمس، وإن كانت في نفسها منقولة، نعم، لو لم تكن معدودة، كقطعة من الطابوق في أرض مفروشة بالحصى أو الأسفلت أو نحوهما فلا يجري فيها حكم الطهارة.

الرابع: الاستحالة إلى جسم آخر عرفاً، والاستحالة هي تبدل حقيقة الشيء وصورته النوعية إلى صورة أخرى تغايرها بشكلٍ أساسي، فتطهَّر النار ما أحالته رماداً أو دخاناً أو بخاراً، سواء كان نجساً أو متنجساً، وكذلك لو استحال إلى أحدها بغير النار، أمّا ما أحالته النار خزفاً أو آجراً أو جصاً أو نورة أو فحماً، فهو باق على النجاسة على الأحوط.

(مسألة 581): لو استحال الشيء بخاراً ثم استحال عرقاً فهو طاهر، إلا إذا

ص: 174

صدق على العرق نفسه عنوان إحدى النجاسات، كعرق الخمر فإنّه نجس. وإذا شك في ذلك، فهو طاهر.

(مسألة 582): السائل النجس أو المتنجس إذا صار بولاً لحيوان مأكول اللحم أو عرقاً له أو لعاباً منه، فهو طاهر. وكذلك لو أصبح جزءاً من عصارة النبات أو الفاكهة.

(مسألة 583): الغذاء النجس أو المتنجس إذا صار خرءاً لحيوان مأكول اللحم أو لبناً أو صار جزءاً من الخضروات أو النباتات أو الأشجار أو الأثمار فهو طاهر.

(مسألة 584): إذا استحالت الميتة أو أي عين من النجاسات إلى تراب طهرت، وحتى الكلب.

(مسألة 585): تحول السائل إلى جامد وبالعكس، ليس منالاستحالة المطهرة، سواء تحول بنفسه أم بعلاج.

(مسألة 586): استحالة المنيّ النجس إلى حيوان طاهر العين، بما فيها الإنسان الطاهر، مطهر له، وإن فرض كونه مأخوذاً من نجس العين، فلو نزا كلب على شاة فأولدها شاة كانت طاهرة، بل هذا المولود وأمثاله طاهر على أيّ حال ما لم يشبه الكلب أو الخنزير.

الخامس: الإنقلاب، فإنّه مطهر للخمر إذا خرجت عن كونها خمراً، سواء انقلبت خلاً أو غيره، نعم، لو تنجست بنجاسة خارجية ثم انقلبت خلاً لم تطهر على الأحوط وجوباً وكذلك العصير العنبي إذا غلى بناءً على نجاسته فإنّه يطهر ويحل إذا انقلب خلاً.

السادس: ذهاب الثلثين (بحسب الحجم لا بحسب الوزن)، كما لو كان مقداره ثلاثة ألتار فبقي بالغليان لتراً واحداً، فإنّه مطهر للعصير العنبي المغلي بناءً على نجاسته ويحل شربه أيضاً عندئذ.

السابع: الانتقال، فإنّه مطهر للمنتقل إذا أضيف إلى المنتقل إليه وعد جزءاً منه كدم الإنسان الذي يشربه البق والبرغوث والقمّل على تفصيل سبق في نجاسة

ص: 175

الدم.

(مسألة 587): إذا ركب جزء من ميت أو كافر نجس أو من حيوان نجس العين، لإنسان طاهر العين أو حيوان كذلك، أصبح جزءاً منه ويحكم بطهارته، ويجزي معه الوضوء والغسل وتصح معه الصلاة.

الثامن: الإسلام، فإنّه مطهر للكافر النجس بجميع أقسامه حتى المرتد عن الفطرة على الأقوى. ويتبعه أجزاؤه كشعره وظفره وفضلاته من عرقه وبصاقه ونخامه وقيئه وغيرها. كما تطهر معه ثيابه التي يلبسها إن كانت نجاستها من جسده أو برطوبة طاهرة لولا ذلك. كما يطهر معه كل ما يمسك به أو يماس بدنه حال الدخول في الإسلام مما سرت النجاسة إليه حال كفره.

التاسع: التبعية، فإنّ الكافر إذا أسلم يتبعه ولده في الطهارة إذا كان دون البلوغ، وإن كان مميزاً على الأقوى، ما لم يحكم بكفره لسوء اعتقاده. أباً كان الكافر أم جداً لاب أم أُماً، وذكراً كان الطفل أم أنثى. وكذا أواني الخمر تتبعها في الطهارة إذا انقلبت خلاً وكذلك أواني العصير العنبي إذا ذهب ثلثاه بناءً على نجاسته، ولا فرق في الإناء بين ما لامسه الخمر أو العصير أو لا. أما طهارة يد العامل لذلك وثيابه أو الوجه الآخر للإناء بالتبع فمحل إشكال، أشبهه البقاء على النجاسة.

(مسألة 588): إذا تم تغسيل الميت طهر جسده وكذلك يد الغاسل والسدة التي يغسل عليها والثياب التي يغسل فيها، فإنّها تتبع الميت في الطهارة، قلت أو كثرت، وأمّا بدن الغاسل وثيابه وسائر آلات التغسيل فالحكم بتبعيتها في الطهارة محل إشكال، أحوطه البقاء على النجاسة مع إحراز الملاقاة. وإلا حكم بطهارتها كما كانت قبل البدء بالتغسيل.العاشر: زوال عين النجاسة عن بواطن الإنسان وجسد الحيوان ظاهره وباطنه، فيطهر منقار الدجاجة الملوث بالعذرة بمجرد زوال عينها ورطوبتها، وكذا بدن الدابة المجروحة وفم الهرة الملوث بالدم أو الميتة. وكذلك يطهر ولد الحيوان الملوث بالدم عند الولادة بمجرد زوال عين النجاسة. وكذا يطهر باطن فم الإنسان إذا أكل

ص: 176

نجساً أو شربه ولو عصياناً، أو حصل دم في فمه من أسنانه ونحو ذلك، بمجرد زوال عين النجاسة. وكذا باطن عينه عند الاكتحال بالنجس أو المتنجس.

(مسألة 589): لا يحكم بنجاسة بواطن الإنسان وجسد الحيوان، وكذلك لا يحكم بسراية النجاسة من النجس إلى الطاهر إذا كانت الملاقاة بينهما في الباطن. سواء أكانا متكونين في الباطن كالودي يلاقي البول في الباطن، أو كان النجس متكوناً في الباطن والطاهر يدخل إليه كماء الحقنة، فإنّه لا ينجس بملاقاة النجاسة في الأمعاء، أو كان النجس في الخارج والطاهر في الباطن، كالماء أو الطعام النجس الذي يتناوله الإنسان فإنّه لا ينجس الباطن. بل الحكم بنجاسة الدم والبول والغائط قبل خروجهما محل إشكال بل منع، وكذلك إذا كانا معاً متكونين في الخارج وتلاقيا في الداخل، كما إذا ابتلع شيئاً طاهراً وشرب عليه ماءً نجساً، فإنّه إذا خرج ذلك الطاهر من جوفه غير ملوث بالنجاسة ولا بذلك الماء المتنجس حكم عليه بالطهارة. ولا يجري الحكم الأخير في الملاقاة في باطن الفم، فلا بد من تطهير الملاقي.

الحادي عشر: غيبة المسلم، فإنّها مطهرة لجسم المسلم وثيابه وفراشه وأوانيه وغيرها من توابعه، إذا احتمل حصول الطهارة لها، وكان قد علم بنجاستها ولكن استعملها صاحبها فيما يعتبر فيه الطهارة، مع علمه بنجاستها وعلمه بشرطية الطهارة، ولم يكن ممن لا يبالي بالنجاسة. فإنّه حينئذ يحكم بطهارتها.

(مسألة 590): الغيبة حجة شرعية لإثبات الطهارة، على نحو ما سبق سواء كانت الحالة السابقة عليها هي العلم بالنجاسة أو الشك فيها.

(مسألة 591): الأحوط اختصاص الغيبة بالمؤمن البالغ العاقل.

(مسألة 592): لا تختص الغيبة بالأمور التي ذكرناها في العنوان، بل تعم سائر الأشياء الجامعة للشرائط السابقة.

الثاني عشر من المطهرات: استبراء الحيوان الجلال، فإنّه مطهر له ولفضلاته من نجاسة الجلل، بأن يمنع الحيوان عن أكل النجاسة مدة يخرج بعدها عن صدق

ص: 177

عنوان الجلال عليه والأحوط وجوباً اعتبار مضي المدة المعينة له شرعاً، وهي في الإبل أربعون يوماً وفي البقر عشرون وفي الغنم عشرة وفي البطة سبعة على الأحوط وفي الدجاجة ثلاثة، والأحوط اعتبار أطول المدتين. ومع عدم تعيين المدة شرعاً، فإن كان الحيوان في حجم ما هو معين شرعاً فالأظهر إلحاقه به مع اعتبار زوال الاسم علىالأحوط، وإن لم يكن في حجمها اعتبر زوال الاسم خاصة.

(مسألة 593): كل حيوان أحرز وجود الأوداج الأربعة فيه، فالظاهر قبوله للتذكية عدا نجس العين وما كان حشرة عرفاً، وإن لم يكن حشرة بالدقة كالفأرة. ويلحق به ما شك في وجود الأوداج الأربعة له، أو ما لا يمكن التسلط على قطعها. وأثر التذكية -غير أكل لحمه- طهارة الأجزاء المأخوذة منه كالجلد وجواز استعمالها فيما يشترط فيه الطهارة كالصلاة، مع ملاحظة عدم جواز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه.

(مسألة 594): تثبت الطهارة بالعلم وبالبينة وهي الشاهدان العادلان وبإخبار ذي اليد إذا لم يوثق بكذبه. وكذلك خبر الثقة الواحد. وإذا شك في نجاسة ما علم طهارته سابقاً يبنى على طهارته.

الأواني

يحرم استعمال الأواني المصنوعة من الذهب والفضة في الأكل والشرب، وكذلك في الطهارة من الحدث والخبث وغيرها من أنواع الاستعمال على الأحوط. ولا يحرم نفس المأكول والمشروب الذي فيها. والأحوط استحباباً عدم التزيين بها وكذا اقتناؤها وبيعها وشراؤها وأخذ الأجرة على استعمالها، والأقوى الجواز في جميع ذلك، غير أنّ الأحوط وجوباً عدم جواز صنعها والاكتساب بها.

(مسألة 595): للآنية صدق عرفي، وإن كان الظاهر كونها معدة لأن يحرز فيها المأكول أو المشروب أو نحوهما، ويترتب على ذلك أنّ رأس الغرشة ورأس الشطب وقراب السيف والخنجر والسكين وقاب الساعة ومحل فص الخاتم وبيت

ص: 178

المرآة وملعقة الشاي وأمثالها خارج عن الآنية، وإن كان الأحوط شمولها لكل مقعر يمكن ملؤه بالماء.

(مسألة 596): لا فرق في حكم الآنية بين الصغيرة والكبيرة، وبين ما كان على هيئة الأواني المتعارفة التي من النحاس والحديد وغيرهما.

(مسألة 597): لا بأس بما يصنع بيتاً للتعويذ من الذهب والفضة، أو للقرآن الكريم، وإن كان الأحوط الأولى كونه مخرماً مثقباً.

(مسألة 598): يكره استعمال القدح المفضض، والأحوط عزل الفم عن موضع الفضة، بل لا يخلو وجوبه عن قوة.

تم كتاب الطهارة بعونه تعالى

والله سبحانه العالم وهو حسبنا ونعم الوكيل

ص: 179

ص: 180

كتاب الصلاة

اشارة

ص: 181

ص: 182

مقدمة

وردت روايات كثيرة عن أهل بيت العصمة (سلام الله عليهم) تؤكّد على أهمية الصلاة ووجوبها وفضلها وعظمة فوائدها التي تعود على النفس والمجتمع، ومن مضامين تلك الأحاديث أن الصلاة عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن رُدّت رد ما سواها، وأنها قربان كل تقي حيث يسمو بها الإنسان ويتجرد عن مشاغله ويخلو بربّه ويناجيه مباشرة، وفي الرواية أن الإمام الصادق جمع أهل بيته حينما دنت منه الوفاة وقال (عليه السلام): لا تنال شفاعتنا مستخفاً بصلاته وقال (عليه السلام): امتحنوا شيعتنا في أوقات الصلاة حيث يختبر ولاء المسلم وطاعته لربه بالمبادرة إلى أداء الصلاة.

وفي حديث آخر: ما بين المؤمن والكافر إلا ترك الصلاة.

وقد أكّد عليها القرآن أيما تأكيد وفي آيات عديدة، وذكر أن من ثمراتها (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) ولذا لما سُئِل الإمام (عليه السلام) عن كيفية التعرف على أن الصلاة مقبولة فأجاب (عليه السلام): إنها مقبولة بمقدار نهيها لك عن الفحشاء والمنكر.

وكان النبي (صلى الله عليه واله) ينتظر بشوق وقت الصلاة ليخلو بربّه وينادي مؤذنه بلال: أرحنا يا بلال.

هذه هي الصلاة باختصار في عظيم أثرها على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة.

ص: 183

ص: 184

كتاب الصلاة

وفيه مقاصد:

المقصد الأول: أعداد الفرائض ونوافلها ومواقيتها وجملة من أحكامها

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في أعداد الفرائض والنوافل

الصلوات الواجبة في أصل الشريعة إجمالاً سبع: اليومية، وتندرج فيها صلاة الجمعة فإنها واجبة تعييناً، إلا إذا وُجد مانع كالخوف على تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى، فإذا أقيمت بشرائطها أجزأت عن صلاة الظهر. وصلاة الطواف والآيات والأموات وما التزم بنذر ونحوه أو إجارة، وصلاة العيدين، وقضاء ما فات عن الوالد بالنسبة إلى الولد الأكبر.

أما اليومية فخمس: الصبح ركعتان والظهر أربع والعصر أربع والمغرب ثلاث والعشاء أربع.

وفي السفر والخوف تقصر الرباعية فتكون ركعتين.

وأمّا النوافل فكثيرة أهمها الرواتب اليومية: ثمان ركعات للظهر قبلها وثمان للعصر قبلها، فتقع بين الفريضتين. وأربع للمغرب بعدها. وركعتان من جلوس تعدان بركعة للعشاء بعدها. وثمان ركعات صلاة الليل وركعتا الشفع وركعة الوتر بعدها. وركعتا الفجر أو نافلة الصبح قبل الفريضة. وفي يوم الجمعة يزاد على الست عشرة وهي نوافل الظهرين أربع ركعات قبل الزوال.

(مسألة 599): يجوز الاقتصار على بعض النوافل المذكورة، مع الإتيان بأي

ص: 185

مجموعة منها كاملة. كما يجوز الاقتصار في نوافل الظهرين على أربع ركعات لكل منهما. كما يجوز الاقتصار في نوافل الليل على الشفع والوتر، وعلى الوتر خاصة، وفي نافلة المغرب على ركعتين.

(مسألة 600): يجوز الإتيان بالنوافل الرواتب وغيرها في حال الجلوس اختياراً، لكن الأفضل شرعاً حينئذ عد كل ركعتين بركعة فيصلي – مثلاً – نافلة الصبح مرتين كل مرة ركعتين من جلوس، والأحوط في هذه الزيادة في الشفع والوتر قصد الرجاء.

(مسألة 601): يجوز الإتيان بالنوافل في حال المشي إيماء بالرأس، والأحوط أن يستقبل القبلة في مشيه وإن لم يمكن فبتكبيرة الإحرام. ولا يجزي الإيماء مع ثبات المكان لا قياماً ولا جلوساً إلا مع الاضطرار.(مسألة 602): الصلاة الوسطى التي تتأكد المحافظة عليها بنص القرآن الكريم هي صلاة الظهر.

(مسألة 603): أعداد ركعات الفرائض حضراً سبع عشرة ركعة، وسفراً إحدى عشرة. وعدد ركعات النوافل ضعف ما في الحضر أربع وثلاثون ركعة، فيكون المجموع إحدى وخمسين ركعة. والالتزام بها إحدى علامات المؤمن -كما في الخبر- ويسقط من النوافل في السفر ست عشر ركعة هي نوافل الظهرين. فيبقى منها ثمان عشرة، ويحتمل سقوط ما عدا صلاة الليل، ومعه فالاحوط الإتيان بالباقي بقصد رجاء المطلوبية سفراً، وهي نوافل الصبح والمغرب والعشاء.

ص: 186

الفصل الثاني: أوقات الفرائض والنوافل

وقت الظهرين من زوال الشمس إلى غروبها. وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها والعصر من آخره كذلك، وما بينهما من الوقت مشترك بينهما.

ووقت العشائين للمختار من المغرب إلى نصف الليل، وتختص المغرب من أوله بمقدار أدائها والعشاء من آخره كذلك، وما بينهما مشترك بينهما أيضا. وأما المضطر لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها فيمتد وقتهما إلى الفجر الصادق، وتختص العشاء من آخره بمقدارها، والأحوط وجوبا للعامد المبادرة إليهما بعد نصف الليل قبل طلوع الفجر بنية ما في الذمة، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.

(مسألة 604): الفجر الصادق هو البياض المعترض في الأفق الذي يتزايد وضوحاً وجلاء. وقبله الفجر الكاذب، وهو البياض المستطيل من الأفق صاعداً إلى السماء كالعمود ولا اعتبار له شرعاً، ويعتمد اليوم في تحديده على جداول الأوقات التي يحصل الاطمئنان بصحتها والوثوق بالجهة التي تحررها، حيث حدّد الفلكيون الاسلاميون تحقق الفجر بوجود الشمس عند الزاوية 18 ْ تحت الافق في بلدان المنطقة وقد طابقت هذه الاوقات ما يعمل به أهل الذوق والمعرفة.

(مسألة 605): الزوال هو خروج قرص الشمس عن دائرة نصف النهار الوهمية، وهو الوقت المنتصف ما بين طلوع الشمس وغروبها. مع احتساب برهة يسيرة لحصول الزوال. ويعرف بالبدء بزيادة ظل كل شاخص معتدل بعد نقصانه أو حدوث ظله بعد انعدامه.

(مسألة 606): يراعى الاحتياط في نصف الليل بين تحديدين:

الأول: منتصف الوقت بين غروب الشمس والفجر.

الثاني: منتصف الوقت بين غروب الشمس وطلوعها.

ومقتضى الاحتياط اعتبار الأول في انتهاء وقت العشائين واعتبار الثاني لابتداء وقت صلاة الليل.

ويتحقق الغروب بسقوط القرص، والأحوط لزوماً تأخير صلاة المغرب إلى

ص: 187

ذهاب الحمرة المشرقية، والأحوط استحباباً تأخيرها إلى زوال الحمرة عن سمت الرأس باتجاه المغرب.

(مسألة 607): المراد من اختصاص الظهر بأول الوقت عدم صحة العصر إذا وقعت فيه عمداً من دون أداء الظهر قبلها على وجه صحيح، وأمّا إذا وقعت سهواً صحت وإن كان الأحوط الإعادة. ولو التفت خلال الصلاة نواها ظهراً وصلى العصر بعدها. وإن التفت بعد الصلاة التي صلاها عصراً اولا صلى الظهر بعدها. والأحوط استحباباً أن يجعلها ظهراً ثم يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة أعم من الظهر والعصر.

(مسألة 608): إذا صلى العصر في الوقت المشترك سهواً وتذكرخلال الصلاة نقل النية الى الظهر. وان التفت بعد الصلاة صلى الظهر.

(مسألة 609): إذا صلى العصر في الوقت المشترك سهواً ودخل الوقت المختص بالعصر خلال الصلاة. فان التفت خلال الصلاة نقل النية إلى الظهر وصلى العصر بعدها. وصحت إذا أدرك ركعة من الصلاة في الوقت فأكثر. وإن لم يدركها أتم العصر وقضى الظهر. وإن التفت بعد الصلاة فالاحوط أن يبدأ صلاة بما في الذمة أعم من الظهر والعصر. ويقضي الظهر بعد الوقت.

(مسألة 610): الكلام في العشائين ما قلناه في الظهرين في المسائل الثلاثة السابقة. مع الالتفات إلى أن الوقت المختص للعشاء قبل نصف الليل للمختار وقبل الفجر للمضطر. فيؤخذ ذلك بنظر الاعتبار بنية الأداء وبالرجاء الاعم من الأداء والقضاء على الأحوط استحباباً.

(مسألة 611): وقت فضيلة الظهر ما بين الزوال وبلوغ الظل الحادث به مثل الشاخص، ووقت فضيلة العصر ما بين الزوال وبلوغ الظل الحادث مثليه، والأفضل أن يمتد وقت الظهر مع نافلتها إلى سبعي الشاخص وصلاة العصر مع نافلتها من بلوغ الظل سبعي الشاخص إلى ستة أسباعه والأفضل إلى أربعة أسباعه، وقد أصدرنا جداول لمواقيت الصلاة تتضمن كل هذه التحديدات.

ص: 188

(مسألة 612): وقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق وهو الحمرة المغربية، وهو أول فضيلة العشاء ويمتد إلى ثلث الليل، ووقت فضيلة الصبح من الفجر إلى ظهور الحمرة المشرقية، والغلس بها أول الفجر أفضل، كما إن تعجيل جميع الصلوات في أول أوقات الفضيلة أفضل.

(مسألة 613): وقت نافلة الظهرين من الزوال إلى آخر وقت إجزاء الفريضتين، لكن الأولى تقديم فريضة الظهر على النافلة بعد أن يبلغ الظل الحادث سبعي الشاخص، كما أن الأولى تقديم فريضة العصر بعد أن يبلغ الظل المذكور أربعة أسباع الشاخص.

(مسألة 614): وقت نافلة المغرب بعد الفراغ منها إلى آخر وقت الفريضة، وإن كان الأولى تقديم فريضة العشاء بعد ذهاب الحمرة المغربية، ويمتد وقت نافلة العشاء بامتداد وقتها ووقت نافلة الصبح متزامن مع طلوع الفجر بحيث يطلع عليه وهو في اثنائها ويجوز له تقديمها على الاذان إذا كان ممن يؤدي صلاة الليل في آخره.

ويؤتى بها قبل الفريضة الا إذا زاحمت وقت الفضيلة لها بأن تبيّض السماء وتشارف الحمرة على الظهور فتتأخر النافلة على الفريضة.

(مسألة 615): إن أُخرت نافلة الصبح والظهرين عن صلواتها نويت رجاءً، أما تقديم نافلة المغرب والعشاء عن صلاتها فغير مشروع.

(مسألة 616): الوقت الأفضل لنافلة الليل هو السحر وهو السدسالأخير من الليل، والظاهر كفاية أن يكون هو الثلث الأخير بل هو النصف الثاني أيضا، وكلما كانت نافلة الليل أقرب إلى الفجر كانت أفضل، وأمّا إذا بزغ الفجر وقد انتهى المصلي من أربع ركعات منها، أتمها وزاحم بها الفريضة. بخلاف ما لو كان اقل من أربعة فإن الشروع بنافلة الفجر وفريضته هو الأفضل ويأتي بالباقي بعدها ولو نهاراً.

(مسألة 617): يجوز تقديم نافلتي الظهرين على الزوال يوم الجمعة، بل في غيره إذا علم انه يشتغل عنها بشاغل فيجعلها في صدر النهار، وكذا يجوز تقديم

ص: 189

صلاة الليل على منتصفه للمسافر إذا خاف فوتها إن أخرّها، أو صعب عليه فعلها في وقتها، وكذا الشاب وغيره ممن يخاف فوتها إذا أخّرها لغلبة النوم، أو طروّ الاحتلام أو غير ذلك.

الفصل الثالث: أحكام الأوقات

(مسألة 618): إذا مضى من أول الوقت مقدار أداء الصلاة الاختيارية، ولم يُصَلَّ ثم طرأ أحد الأعذار المانعة عن التكليف وجب القضاء. وإلا لم يجب.

(مسألة 619): إذا ارتفع العذر في آخر الوقت من حيض أو جنون أو غيرهما، فإن وسع الصلاتين مع الطهارة الاختيارية وجبتا جميعاً. وكذا إن وسع أحدهما وركعة من الأخرى. وليختر الطهارة المائية في هذه الصورة. ولكن لو لم يدرك ذلك إلا بالطهارة الترابية تعينت. ولو لم يبق وقت إلا للصلاة الثانية قدمها مع الطهارة الترابية ما دامت ركعة منها أو أكثر تقع داخل الوقت، وإلا لم يجب شيء، ومع الشك في ضيق الوقت يمكنه البناء على سعته.

(مسألة 620): لا تجوز الصلاة قبل دخول الوقت، ولا تجزي إلا مع العلم به أو قيام البينة، ويكفي الاطمئنان بل الوثوق، كما يكفي اذان الثقة العارف بل مطلق إخباره. فإن شك في دخول الوقت فالواجب التأخير إلى أن يحصل العلم أو الوثوق به.

(مسألة 621): إذا أحرز دخول الوقت بالوجدان أو بطريق معتبر فَصَلّى ثم تبين أنها وقعت كلها قبل الوقت أو دخل منها في الوقت اقل من ركعة، بطلت ووجبت إعادتها. وأمّا إذا دخل منها في الوقت ركعة فأكثر صحت. ونحو ذلك لو دخل في الصلاة قبل الوقت لغفلة أو رجاء دخول الوقت. وأمّا لو التفت خلال الصلاة إلى عدم دخول الوقت أو إلى دخوله ولم يؤد فيه ركعة، بل مطلقاً على

ص: 190

الأحوط، بطلت صلاته وعليه إعادتها.

(مسألة 622): يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر، وكذا بينالعشائين بتقديم المغرب، وإذا عكس عمداً أعاد. سواء كان في الوقت المشترك أو في احد الوقتين المختصين. وإذا كان التقديم سهواً في الوقت المشترك لم يعد. وأما في المختص ففيه تفصيل تقدم في (مسألة 607) وما بعدها والجاهل الجازم بالحكم في نظره كالساهي وإن كان عن تقصير، والجاهل المتردد في الحكم كالعامد على الأحوط.

(مسألة 623): يجب العدول من اللاحقة إلى السابقة من الأدائيتين المرتبتين، في غير الوقت المختص الأخير. كما إذا قدم العصر أو العشاء سهواً وذكر في الأثناء فإنه يعدل إلى الظهر أو المغرب. ولا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة. كما إذا صلى الظهر أو المغرب، وفي الأثناء ذكر انه قد صلاهما، فانه لا يجوز له العدول إلى العصر أو العشاء.

(مسألة 624): إنما يجوز العدول من العشاء إلى المغرب إذا لم يدخل في ركوع الرابعة، وإلا بطلت على الأحوط ولزم استينافها.

(مسألة 625): يجوز تقديم الصلاة في أول وقتها لذوي الأعذار مع اليأس عن ارتفاع العذر ولو بالاطمئنان أو الوثوق. بل مع رجائه أيضاً لكن بنية الرجاء على الأحوط. وإذا ارتفع العذر بعد الوقت لم يجب القضاء بلا إشكال، وأمّا إذا ارتفع في الوقت فان كان عذره واقعياً كدم الجروح والقروح والأقل من الدرهم لم تجب الإعادة، وإن كان عذره لعنوان ثانوي كالنجاسة الاضطرارية والطهارة الترابية والتقية وجبت الإعادة على الأحوط.

(مسألة 626): الأقوى جواز التطوع بالصلاة لمن عليه فريضة أدائية أو قضائية ما لم تتضيق. لكنه مرجوح على أي حال.

(مسألة 627): إذا بلغ الصبي في أثناء الوقت وجبت عليه الصلاة إذا أدرك مقدار ركعة أو أزيد مع مقدماتها الواجبة، ولو صلى قبل البلوغ ثم بلغ في أثناء

ص: 191

الصلاة أو بعدها، فالأقوى كفايتها وعدم وجوب الإعادة، وان كان الأحوط استحباباً الإعادة في الصورتين. ولو التفت خلال الصلاة إلى بلوغه فالاحوط له نقل النية من الاستحباب إلى الوجوب.

ص: 192

المقصد الثاني: القبلة

يجب الاستقبال الإجمالي للحيز أو المكان الذي تقع فيه الكعبة الشريفة ويتحقق الاستقبال بالتوجه نحو الكعبة إن أمكن تعيينها، وإلا فالاستقبال العرفي إلى جهتها. ويمتد بالتعبد الشرعي من تخوم الأرض إلى عنان السماء. يعني في المجال الذي يمكن أن يكون مسكوناً للبشر في باطن الأرض أو في الجو، وأمّا امتداده أكثر من ذلك فمحل اشكال وخاصة من جانب العلو خارج جو الأرض.

(مسألة 628): إنما يجب استقبال الكعبة لا أكثر. وإذا عرف الفرد دقة الاستقبال جاز له الانحراف بمقدار شبر عن موضع سجوده يميناً ويساراً اختيارا، فضلاً عن الاضطرار أو الغفلة أو الجهل بل معهم تكون أوسع من ذلك. بل تصل إلى ما بين اليمين والشمال كما سيأتي.

(مسألة 629): يجب الاستقبال بخط مستقيم، ويجب اختيار أقرب الخطوط على سطح الأرض. ويتخير في الجهة المقابلة للكعبة من الأرض، في التوجه إلى أي جهة شاء. كما يتخير ذلك لو صلى داخل الكعبة أو على سطحها. ولكن يجب عليه في السطح أن يضع قسماً من حيزها أمامه. فيؤخر محل سجوده عن الحافة ولو قليلاً. إلا إذا استقبل جانب الشاذروان فانه بنفسه قبله لأنه من الكعبة الشريفة. فله أن يسجد على الحافة.

(مسألة 630): يجب الاستقبال في جميع الفرائض اليومية وتوابعها من صلاة الاحتياط والأجزاء المنسية بل سجود السهو على الأحوط وجوباً. وكذلك النوافل إذا صليت حال الاستقرار على الأحوط. وأمّا إذا صليت حال المشي أو الركوب بواسطة نقل غير مستقرة فلا يجب الاستقبال وان كان الأحوط الاستقبال بتكبيرة الإحرام وكذا النوافل المنذورة.

(مسألة 631): من صلى الفريضة بواسطة نقل متنقلة، فان كان مستقبلاً خلال صلاته فلا إشكال. وإن انحرفت، فان أمكنه الانحراف إلى القبلة فوراً وجب، وإن

ص: 193

لم يمكنه أشكلت الصلاة في هذه الواسطة إلا مع ضيق الوقت أو استيعاب السفرة بهذه الواسطة للوقت مع الاضطرار. فلو اضطر سقط وجوب الاستقبال. ومع عدم الاضطرار يتعين أداء الصلاة قبل السفر أو بعده.

(مسألة 632): كما يجب الاستقبال في الصلاة كذلك يجب في الذبح والنحر والاحتضار والدفن، كما هو مشروح في محله. ويحرم الاستقبال والاستدبار في التخلي. ويستحب الاستقبال خلال بعض الطاعات كقراءة القرآن والأدعية بل في مطلق الجلوس فان خير المجالس ما استقبل به القبلة. والقبلة قي كل هذه الموارد واحدة وهي الجهة ولا تجب الدقة.

(مسألة 633): يجب العلم بالتوجه إلى القبلة، وتقوم مقامه البينة بلوإخبار الثقة. بل وإخبار ذي اليد أي ساكن الدار او شاغل المحل اذا أخبر عن القبلة فيهما. وكذا يجوز الاعتماد على قبلة بلد المسلمين في صلواتهم وقبورهم ومحاريبهم، بل مطلق ما قلناه في المسألة السابقة، إذا لم يعلم بناؤها على الغلط أو يطمئن أو يثق بالغلط. والمراد بالغلط انحرافها عن جهة القبلة لا الدقة.

(مسألة 634): إذا تعذرت الحجة الشرعية على القبلة مما سبق، يجب أن يبذل جهده في تحصيل المعرفة بها، ويعمل على ما تحصل له ولو كان ظناً. مع عدم الامل في حصول الزائد عن الظن أو ضيق الوقت عنه. ومع تعذره يكتفي بالجهة التقريبية. بأي نحوٍ كان وقيل أنه مع الجهل وسعة الوقت يصلي إلى ثلاث جهات بينها زاوية (120 درجة) على الأحوط بقصد الرجاء في كل منها. وإلا صلى بقدر ما وسع والأحوط هنا اختيار الجهات الأكثر استيعاباً. وهذا القيل احتياط غير ملزم ومع ضيق الوقت يصلي إلى أي جهة شاء وإذا علم عدمها ولو بالاطمئنان أو الوثوق، اجتزأ بالصلاة إلى المحتملات الأخرى.

(مسألة 635): من صلى إلى جهة اعتقد أنها القبلة، أو صلى إليها غفلة باعتبار أنها القبلة، ثم تبين بعد الصلاة خطأه. فان كان منحرفاً إلى ما بين اليمين والشمال صحت صلاته. وإذا التفت في الأثناء إلى ذلك مضى ما سبق واستقبل في الباقي. من

ص: 194

غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه ولا بين المتيقن والظان والناسي والغافل ومن قامت لديه الحجة الشرعية وغيره. نعم إذا كان ذلك عن جهل بالحكم لزمته الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه على الأحوط استحباباً. وأما إذا تجاوز انحرافه عما بين اليمين والشمال، ولو إلى اليمين والشمال نفسيهما، أعاد في الوقت سواء كان التفاته أثناء الصلاة أو بعدها ولا يجب القضاء إذا التفت خارج الوقت وان كان الأحوط وخاصة للمستدبر.

ص: 195

المقصد الثالث: الستر والساتر

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في وجوب ستر العورة

يجب مع الإمكان ستر العورة في الصلاة وتوابعها حتى سجود السهو على الأحوط وجوباً. وإن لم يكن ناظر أو كان في ظلمة.

(مسألة 636): إذا بدت العورة لريح أو غفلة، أو كانت بادية من الأول وهو لا يعلم به صحت صلاته. وإذا التفت إلى ذلك في الاثناء فعليه أن يبادر إلى التستر فوراً وتصح صلاته. وإن لم يفعل كرر الصلاة. وتبطل الصلاة إذا كان التكشف عن نسيان على الأحوط إبتداء أو في الاثناء.

(مسألة 637): عورة الرجل القضيب والأنثيان وحلقة الدبر. والجلد الذي بينهما المسمى بالعجان على الأحوط. وعورة المرأة بدنها حتى الرأس والشعر عدا الوجه بالمقدار الذي يغسل في الوضوء. وعدا الكفين والقدمين ظاهرهما وباطنهما. ولابد من ستر شيء مما هو خارج حدودها من باب المقدمة العلمية أي لتحقيق العلم واليقين بحصول الواجب.

(مسألة 638): إذا كان المصلي واقفاً على الأرض لم يجب الستر من جهة التحت، ولكن إذا كان واقفاً على شباك أو طرف سطح بحيث لو كان ناظر تحته لرأى عورته، فالأقوى وجوب سترها من تحته.

ص: 196

الفصل الثاني: في شرائط الساتر

يعتبر في الساتر، بل في مطلق لباس المصلي أمور:

الأول: الطهارة، إلا في الموارد التي يعفى عنها في الصلاة وقد تقدمت في أحكام النجاسات.

الثاني: الإباحة، فلا تجوز الصلاة في المغصوب على الأحوط لزوماً إذا كان ساترا بالفعل للعورة. نعم، إذا كان جاهلا بالغصبية أو ناسياً لها أو جاهلاً بحرمته جهلاً يعذر فيه أو ناسياً لها أو مضطراً ولم يكن هو الغاصب فلا بأس.

(مسألة 639): لا فرق في المغصوب بين أن يكون هو عين المال أو منفعته. وكذلك إذا كان متعلقاً لحقٍ غيره كالمرهون على الأحوط. بل إذا اشترى ثوباً بعين مال معين فيه الخمس كان حكمه حكم المغصوب إلا بإذن الحاكم الشرعي. وكذا إذا مات الفرد وكان مشغول الذمة بالحقوق المالية من الخمس والزكاة ورد المظالم، فإن أمواله بمنزلة المغصوب، سواء استوعبت هذه الحقوق التركة أم لا، فإنه لا يجوز التصرف فيها إلا بعد دفع الحقوق أو حصول الإذن من الحاكم الشرعي. وكذا إذا مات وله وارث قاصر ليس عليه ولي خاص أو قيم، فانه لا يجوز التصرف في تركته إلا بمراجعة الحاكم الشرعي.

(مسألة 640): لا فرق في المالك المغصوب منه المال بين أن يكون شخصاً بعينه في الملكية الاعتيادية أو موقوف عليه في الوقف الخاص أو العام، أو الإمام في حق الإمام (عليه السلام) أو العلويين في حق السادة أو المجتمع في مجهول المالك ورد المظالم، أو الأجيال الإسلامية في الأرض المفتوحة عنوة، أو الفقراء في الزكاة، أو المجهول في اللقطة ونحوهما. فانه لا يجوز التصرف في كل ذلك بدون اذن ذي العلاقة. فإن كان ذو العلاقة عاما كان الاذن لوليه وهو الحاكم الشرعي. ولو صلى بشيء من ذلك بدون اذن فعليه تصحيحها ولو بالاذن اللاحق من الحاكم الشرعي أو

ص: 197

المالك.

(مسألة 641): لا فرق في ارتفاع حرمة المغصوب بين الإذن الصريح والضمني والعملي وشاهد الحال. إلا أن الأظهر هو بطلان الصلاة مع انطباق عنوان الغصب أو السرقة ونحوهما.

(مسألة 642): تصح الصلاة بحمل المغصوب سواء تحرك بحركات المصلي أم لا على الأظهر.

الثالث: ان لا يكون لباس المصلي من أجزاء الميتة التي تحلها الحياة من دون فرق بين ما تتم به الصلاة وغيره، وسواء أكانت من حيوان محللالأكل أم محرم، مما كانت له نفس سائلة، ويلحق به مالم تكن كذلك على الأحوط استحباباً. وقد تقدم في النجاسات حكم الجلد الذي يشك في كونه مذكى أو لا، كما تقدم بيان حكم ما لا تحله الحياة من الميتة فراجع. والمشكوك في كونه من جلد الحيوان أو غيره، لا باس بالصلاة فيه.

(مسألة 643): تصح الصلاة بحمل أجزاء الميتة، مالم يصدق اللبس كالحزام ورباط الساعة والقلادة والدملج والقرطان والحذاء. فإنها من الملبوس لا المحمول عرفاً فلا يجوز كونها من الميتة. نعم إذا امسك المصلي بيده أو وضع في جيبه أو على ظهره شيئاً من الميتة النجسة، بدون سريان النجاسة، صحت صلاته.

الرابع: ان لا يكون لباس المصلي مما لا يؤكل لحمه، ولا فرق بين ذي النفس وغيره، ولا بين ما تحله الحياة من أجزائه وغيره، ولا بين ما تتم فيه الصلاة وغيره بل لا يبعد المنع عن مثل الشعرات الواقعة على الثوب ونحوه.

(مسألة 644): إذا صلى في غير المأكول جهلاً به صحت صلاته وكذا إذا كان نسياناً أو كان جهلا بالحكم أو نسياناً له، نعم تجب الإعادة إذا كان جاهلاً بالحكم عن تقصير مع كونه في صلاته ملتفتا متردداً.

(مسألة 645): إذا شك في اللباس أو فيما على اللباس من الرطوبة أو الشعر أو غيرهما في انه من المأكول أو من غيره، أو من الحيوان أو من غيره، صحت صلاته

ص: 198

فيه.

(مسألة 646): لا بأس بالشمع والعسل. والحرير الممزوج وكذا لا باس بالحشرات التي لا لحم لها عرفاً مثل البق والبرغوث والزنبور وكذلك أجزاؤه، ولا بأس في الصدف وهو المحار وأمثاله.

(مسألة 647): لا يشمل المنع عما لا يؤكل لحمه، ما كان من الإنسان نفسه، كشعره وريقه ولبنه ودمه وإن كانت واقعة على المصلي من غيره. بل حتى لو كان لحماً أو عظما لا يجب تغسيله أو تم تغسيله. وكذا الشعر الموصول بالشعر المسمى بالباروكة سواء أكان مأخوذاً من الرجل أم من المرأة.

(مسألة 648): يستثنى من الحكم المزبور جلد الخز والسنجاب ووبرهما. وفي كون ما يسمى الآن خزاً هو الخز اشكال. وإن كان الظاهر ذلك.

الخامس: ان لا يكون من الذهب للرجال، ولو كان حلياً. كالخاتم. أو جزءاً من اللباس كالأزرار ومحل فص الخاتم والساعة اليدوية ونحو ذلك وأمّا إذا كان مذهباً بالتمويه والطلي على نحو يعد عند العرف لوناً، ولا يكون طبقة من الذهب ولو خفيفة جداً فلا باس. ويجوز ذلك كله للنساء. كما يجوز حمله للرجال كالساعة الجيبية والدنانير. نعم، الظاهر عدم جواز مثل سلسلة الساعة إذا كانت ذهباً معلقة برقبته أو بلباسه، على نحو يصدق عليه عنوان اللبس عرفاً.(مسألة 649): إذا صلى في الذهب جاهلاً أو ناسياً للحكم أو للموضوع صحت صلاته. إلا إذا كان جاهلا بالحكم عن تقصير مع كونه ملتفتاً متردداً حال الصلاة.

(مسألة 650): لا يجوز للرجال لبس الذهب في غير الصلاة أيضاً، وفاعل ذلك آثم. والظاهر عدم حرمة التزين بالذهب فيما لا يصدق عليه اللبس بل الحمل. ومثلوا له بجعل مقدم الأسنان من الذهب وهو مشكل. وأمّا شدّ الأسنان به أو جعل الأسنان الداخلة منه فلا بأس به.

(مسألة 651): لا يشمل حكم الذهب للفضة ولا المعدن المسمى بشبه

ص: 199

الذهب، ولا ما كان أغلى من الذهب من المعادن وغيرها. نعم يشمل الحكم كل أنواع الذهب الخالصة والمخلوطة والجيدة والرديئة مادام صدق الذهب عليها صحيحاً عرفاً. نعم، لو خلط أي معدن بقليل من الذهب، بحيث لم يخرج عن الاسم الآخر كالنحاس مثلا، ولم يسم ذهباً جاز استعماله، وإن لم يكن مستهلكاً فيه. وليس كذلك المعدن المغطى بطبقة ذهبية فإنها محرمة.

السادس: أن لا يكون من الحرير الطبيعي الخالص للرجال ولا يجوز لبسه في غير الصلاة أيضاً كالذهب. نعم لا بأس به في الحرب، أعنى الجهاد المشروع في الدين. وكذلك الضرورة كالبرد والمرض إذا كان دفعها منحصراً في الحرير. كما لا بأس بحمله في حال الصلاة وغيرها. وكذا افتراشه والتغطي به إذا لم يعد لبساً له. ولا بأس بكف الثوب به. والأحوط ان لا يزيد على الأربع أصابع، كما لا بأس بالأزرار منه والسفائف والقياطين وان تعددت، وأمّا ما لاتتم الصلاة فيه من اللباس كالتكة والقلنسوة، فالاحوط وجوبا تركه إذا كان من الحرير الخالص.

(مسألة 652): لا يجوز جعل البطانة من الحرير وان كانت إلى النصف.

(مسألة 653): لا بأس بالحرير الممزوج بالقطن أو الصوف أو غيرهما مما تجوز الصلاة فيه، لكن بشرط أن يكون الخلط بحيث يخرج اللباس عن صدق الحرير الخالص. فلا يكفي الخلط بالمقدار اليسير المستهلك عرفاً.

(مسألة 654): إذا شك في كون اللباس من حرير أو غيره جاز لبسه وكذا إذا شك في انه حرير خالص أو ممتزج.

(مسألة 655): لا يشمل حكم الحرير للحرير الصناعي، بل الممتزج من الحريرين الطبيعي والصناعي، بحيث يخرج عن كونه حريراً طبيعيا خالصاً. فيجوز الصلاة فيه، وكذا ما شك كونه طبيعيا أم صناعياً. أو شك في كونه ممزوجا به.

(مسألة 656): يجوز للولي الباس الصبي الحرير أو الذهب، ولكن لا تصح صلاة الصبي به.

ص: 200

الفصل الثالث: تعذّر الساتر الشرعي

إذا لم يجد المصلي لباسا يلبسه في الصلاة، فان وجد ساتراً غيره كالحشيش وورق الشجر والطين وغيرها تَسَتَّرَ به، وصلى صلاة المختار قائماً وراكعاً وساجداً وان لم يجد ذلك أيضاً، فإن أمن الناظر المميز صلى قائما مومياً إلى الركوع والسجود والأحوط له ان يضع يديه على سوأته، والأحوط له الجمع بين صلاة المختار والإيماء. وإن لم يأمن الناظر المميز صلى جالسا مومياً إلى الركوع والسجود، والأحوط له أن يجعل ايماء السجود اخفض من ايماء الركوع. وإذا أمكنه الركوع والسجود بمقدار لا تبدو عورته ولو مع رفع ما يسجد عليه، فهو أحوط وأولى.

(مسألة 657): إذا انحصر الساتر بالمغصوب أو الذهب أو الحرير أو ما لا يؤكل لحمه أو النجس، فأن إضطر إلى لبسه صحت صلاته فيه، مع تأخير صلاته إلى اخر الوقت أو اليأس من تغير الحال. وان لم يضطر صلى عارياً في الأربعة الأولى بنفس الشرط وأما النجس فقد تقدم حكمه في المسألة 507، ومثله الصلاة في المغصوب إذا كان هو الغاصب دون غيره.

(مسألة 658): الأحوط لزوما تأخير الصلاة عن أول الوقت إذا لم يكن عنده ساتر واحتمل وجوده في آخر الوقت. وإذا يئس وصلى في أول الوقت صلاته الاضطرارية بدون ساتر أو صلى كذلك رجاء. فإن استمر العذر إلى آخر الوقت صحت صلاته، وان لم يستمر لم تصح، وعليه تكرار الصلاة، ومع الإهمال القضاء.

(مسألة 659): إذا كان عنده ثوبان يعلم إجمالا ان أحدهما مغصوب أو حرير أو ذهب، والآخر مما تصح الصلاة فيه. لا تجوز الصلاة في واحد منهما، بل يصلي عارياً مع اخذ ما سبق بنظر الاعتبار وان علم ان أحدهما من غير المأكول والآخر من المأكول أو ان أحدهما نجس والآخر طاهر، صلى في كل منها صلاة.

ص: 201

المقصد الرابع: مكان المصلي

اشارة

(مسألة 660): لا تجوز الصلاة فريضةً أو نافلةً، في مكانٍ يكون أحد المساجد السبعة فيه مغصوبا عينا، أو منفعةً، أو لتعلق حقٍّ موجبٍ لعدم جواز التصرف فيه، ولا فرق في ذلك بين العالم بالغصب والجاهل به على الأظهر. نعم، إذا كان معتقدا عدم الغصب، أو كان ناسيا له، ولم يكنهو الغاصب صحَّت صلاته، وكذلك تصحُّ صلاة من كان مضطرَّاً أو مكرهاً على التصرف في المغصوب كالمحبوس بغير حق.

(مسألة 661): الأظهر صحَّة الصلاة في المكان الَّذي يحرم المكث فيه لضررٍ على النفس، أو البدن، لحرٍ أو بردٍ أو نحو ذلك، وكذلك المكان الَّذي فيه لعب قمارٍ أو نحوه.

(مسألة 662): الأظهر صحَّة الصلاة فيما إذا وقعت تحت سقفٍ مغصوبٍ أو خيمةٍ مغصوبةٍ أو فضاءٍ مغصوب ٍبل في أرضٍ مغصوبةٍ، ولكن بشرط أن يكون سجوده بتمام أعضائه السبعة على الأرض المباحة، كما إذا وقف المصلي على منتهى الأرض المغصوبة ونوى الصلاة فيها، وكبَّر وقرأ وركع، وحين أراد أن يسجد تقدَّم بضع خطواتٍ فدخل في الأرض المباحة وسجد عليها، وكانت أعضاء سجوده السبعة كلها على الأرض المباحة، فإنَّ صلاته صحيحة; لأنَّ بطلان الصلاة وفسادها، بسبب غصب المكان، يدور مدار مكان المصلَّي حال سجوده بأعضائه السبعة فإن كان مغصوبا بطلت صلاته، وإلاَّ فهي صحيحةٌ، سواءً كان مكانه حال القراءة أو الركوع أو التكبير مباحاً، أم كان مغصوبا، ونقصد بالمكان ما يضع المصلي جسمه وثقله عليه، دون الفضاء والسقف والحائط والجدار وغير ذلك.

(مسألة 663): إذا اعتقد غصب المكان فصلى فيه، وتوفر لديه قصد القربة، صحت صلاته إن انكشف الخلاف.

(مسألة 664): لا يجوز لأحد الشركاء الصلاة في الأرض المشتركة إلا بإذن

ص: 202

الشركاء، سواء كانت داراً أو بستاناً أو محلاً تجارياً أو غيره.

(مسألة 665): لا تجوز الصلاة في الأرض مجهولة المالك إلا بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 666): إذا سبق واحد إلى مكان في المسجد فغصبه منه غاصب فصلى فيه، ففي صحة صلاته إشكال.

(مسألة 667): إذا صلى على سقف مباح معتمد على ارض مغصوبة، فالظاهر الصحة، وان كان الأحوط أكيداً الاجتناب لو كان هو الغاصب.

(مسألة 668): إنَّما تبطل الصلاة في المغصوب مع عدم الإذن من المالك في الصلاة، ولو لخصوص زيدٍ المصلي، وإلاَّ فالصلاة صحيحةٌ. كما لو لم يكن منع من المالك لغير الغاصب أن يصلّي في المغصوب.

(مسألة 669): المراد من إذن المالك المسوغ للصلاة أو غيرها من التصرفات، اعم من الإذن الفعلية، بأن كان المالك ملتفتا إلى الصلاة مثلاً، وأذِنَ بها، والإذن التقديرية، بأن يعلم من حاله انه لو التفت إلى التصرف لأذِنَ فيه، فيجوز الصلاة في ملك غيره مع غفلته، إذا علم من حاله انه لو التفت لأذِنَ. وقد سبق في الكلام عن اللباس ما يوضح ذلك.

(مسألة 670): يُعلم الإذن في الصلاة أمّا بالقول. كأن يقول: صل فيبيتي أو بالفعل، كأن يفرش له سجادة إلى القبلة. أو بشاهد الحال كما في المضائف المفتوحة الأبواب ونحوها. وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة ولا غيرها من التصرفات. ولذا يشكل في بعض المجالس المعدة لقراءة التعزية الدخول في المرحاض والوضوء بلا اذن، ولو تقديرية. ولا سيما إذا توقف ذلك على تغيير بعض أوضاع المجلس من رفع ستر أو طي فراش أو نحوهما مما يثقل على صاحب المجلس. ومثله في الأشكال البصاق على الجدران أو الأرض المرصوفة. وكذلك الجلوس في بعض مواضع المجلس المعدة لغير مثل الجالس لما فيها من مظاهر الكرامة المعدة لأهل الشرف في الدين - مثلاً- ولم يكن هو منهم. أو لعدم كونها معدة للجلوس

ص: 203

فيها مثل الغطاء الذي يكون على الحوض المعمول في وسط الدار أو على درج السطح أو السرداب، أو فتح بعض الغرف والدخول فيها. والحاصل انه لابد من إحراز رضا صاحب المجلس في كيفية التصرف وكميته، وموضع الجلوس ومقداره. ومجرد فتح باب المجلس لا يدل على الرضا بكل تصرف يشاءه الداخل.

(مسألة 671): ما يقال بأن المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا، تدور صحته حول إحراز الرضا أو الكراهة. ومع الشك كان للغير الأخذ بظاهر الإذن. وان احتمل كونه كارها قلباً.

(مسألة 672): الحمامات المفتوحة والخانات، لا يجوز الدخول فيها لغير الوجه المقصود منها إلا بالإذن. فلا يصح الوضوء من مائها والصلاة فيها الا باذن المالك أو وكيله أو وليه. ومجرد فتح أبوابها لا يدل على الاذن في ذلك. وليست هي كالمضائف المسبّلة للانتفاع بها.

(مسألة 673): تجوز الصلاة في الأراضي الشاسعة المتَّسعة، والوضوء من مائها والغسل فيها والشرب منها، ممَّا جرت عليه عادة الناس مع عدم المنع والإنكار من أصحاب الأراضي والمياه، وإن كان فيهم الصغير أو المجنون، وكذلك الأراضي غير المحجَّرة، كالبساتين الَّتي لا سور لها ولا حجاب، فيجوز الدخول إليها والصلاة فيها مع عدم المنع والإنكار من أصحابها. غير ان استعمال الماء اوسع من ذلك على الأظهر ان كان من قبيل النهر أو العين. فيجوز التصرف فيها حتى مع نهي المالك فضلا عن كراهته، فان الاذن الشرعي فيها موجود، كما سيأتي لدى الكلام عن الشركة العامة.

(مسألة 674): صلاة الرجل والمرأة متحاذيين: الأحوط عدم تقدم المرأة على الرجل في الصلاة او محاذاتهما مع الاختيار بل يتقدم الرجل في مسجده ولو بشبر على الأقل على مسجد المرأة، والأحوط استحباباً أن يتقدم موقفه على مسجدها ولو يسيراً أو يكون بينهما حائل أو مسافة عشرة أذرع بذراع اليد، ولا فرق في ذلك بين المحارم وغيرهم، والزوج والزوجة وغيرهما والبالغين وغيرهم من الأطفال

ص: 204

المميزين. نعم يختصذلك بصورة وحدة المكان بحيث يصدق التقدم والمحاذاة، فإذا كان أحدهما في موضع عال دون الآخر، على وجه لا يصدق التقدم والمحاذاة فلا بأس، والمنع هذا مختص بحال الاختيار وأما في حال الاضطرار فلا منع وكذا عند الزحام بمكة المكرمة.

(مسألة 675): لا يجوز التقدم في الصلاة على قبر المعصوم إذا كان مستلزما للهتك أو إساءة الأدب عرفا. ولا بأس به مع البعد المفرط أو الحاجب المانع الرافع لسوء الأدب. ولا يكفي فيه الضرائح المقدسة، ولا ما يحيط بها من غطاء ونحوه. وفي إلحاق المساواة بالتقدم إشكال، أظهره كون بطلان الصلاة منوطا بالهتك وسوء الأدب.

(مسألة 676): تجوز الصلاة في بيوت من تضمنت الآية الكريمة جواز الأكل فيها بلا إذن مع عدم النهي أو العلم بالكراهة المشددة، وهم الأب والأم والأخ والعم والخال والعمة والخالة ومن ملك الشخص مفتاح بيته أي صار تحت تصرفه، والصديق. وأما مع النهي أو العلم بالكراهة المشار إليها فلا يجوز.

(مسألة 677): إذا دخل المكان المغصوب جهلا أو نسيانا بتخيل الإذن، ثُمَّ التفت وعلم بعدم الإذن من المالك بالدخول فيه وأنَّه كان في خطأ، فإن كان ذلك في سعة الوقت لا يجوز التشاغل بالصلاة فيه ويجب قطعها إن اشتغل بها، وإن كان ذلك في ضيق الوقت يجوز الاشتغال بها حال الخروج مبادرا إليه سالكاً أقرب الطرق، مراعيا للاستقبال بقدر الإمكان ويومئ للسجود ويركع، إلاَّ أن يستلزم ركوعه تصرفا زائدا فيومئ له حينئذٍ، وتصح صلاته ولا يجب عليه القضاء، والمراد بالضيق أن لا يتمكَّن من إدراك ركعةٍ في الوقت على تقدير تأخير الصلاة إلى ما بعد الخروج.

(مسألة 678): لا تعتبر الطهارة في مكان المصلي إلا مع تعدي النجاسة غير المعفو عنها إلى الثوب أو البدن. نعم تعتبر الطهارة في خصوص مسجد الجبهة ولا عفو عن شيء من النجاسة فيه، كما لا عفو عنه مع الجفاف مادام متنجساً.

ص: 205

فروع في محل السجود

(مسألة 679): يعتبر في مسجد الجبهة مضافا إلى ما تقدم من الطهارة، ان يكون من الأرض أو نباتها، أو من القرطاس إذا لم يحرز ان صناعته من مواد لا يجوز السجود عليها، كالمواد الكيمياوية والملابس والقطن ونحوها.

(مسألة 680): الأفضل ان يكون محل السجود من التربة الحسينية على مشرفها أفضل الصلاة والتحية، فقد ورد فيها فضل عظيم، وبعدها التربة الرضوية وبعدها تربة اي من المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

(مسألة 681): لا يجوز السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن، كالذهب والفضة وغيرهما ولا ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم، وكذا لا يجوز السجود على الخزف والزجاج والآجر والجص والنورة بعد طبخها على الأحوط وجوبا. نعم، يجوز السجود عليها قبل الطبخ.

(مسألة 682): يعتبر في جواز السجود على النبات ان لا يكون مأكولا. كالحنطة والشعير والبقول والفواكه، ونحوها من المأكول. ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل أو احتيج في اكلها إلى عمل من الطبخ ونحوه، نعم يجوز السجود على ما لا يؤكل عادة من قشورها ونواها وعلى ما يختص بالحيوانات من غذاء كالتبن والقصيل والجت. وما يستعمل في التدخين دون الأكل كالتتن والترياك وفي جواز السجود على ما تستعمل منه السوائل دون الجوامد كالقهوة والشاي إشكال، أحوطه الترك. وكذا الإشكال فيما لم يتعارف أكله مع صلاحيته لذلك، لما فيه من حسن الطعم المستوجب لإقبال النفس على أكله. ومثاله عقاقير الأدوية كورد لسان الثور وعنب الثعلب والخوبة ونحوها مما له طعم وذوق حسن، والأحوط في كل ذلك عدم الجواز، وأما ما ليس كذلك فالظاهر الجواز فيه وان استعمل للتداوي به. وكذا ما يؤكل عند الضرورة والمخمصة أو عند بعض الناس نادراً.

(مسألة 683): ما يستعمله البعض من النبات للمص والمضغ من دون بلع

ص: 206

اشكال، وكذا ما يجعل سعوطاً. أحوطه المنع من السجود عليه.

(مسألة 684): يختص المنع من السجود بما يؤكل من النبات. دون أجزائها التي لا تؤكل. فما يؤكل ثمره يجوز السجود على ورقه وما يؤكل ورقه يجوز السجود على ساقه، وما يؤكل ورده يجوز السجود على جذره وهكذا. وكذا ما يؤكل لبه يجوز السجود على قشره ونواه إذا كان مما لا يؤكل عادة كقشر الجوز وأما ما يؤكل أحياناً كقشر الخيار والتفاح والباذنجان وغيرها، فلا يجوز.

(مسالة 685): يعتبر ايضا في جواز السجود على النبات ان لا يكون ملبوسا، كالقطن والكتان والقنب، ولو قبل الغزل أو النسج. ولا باسبالسجود على خشبها وورقها مما لا يستعمل للنسج. وكذا يجوز السجود على الخوص والليف ونحوهما مما لا صلاحية له في ذلك، وان لبس لضرورة أو شبهها أو عند بعض الناس نادراً والقاعدة في ما لا يلبس لدى الناس، إنّما هو في الأغلب ولا عبرة بما يلبس نادراً، وعند الضرورة، كما أنَّ المراد بما يؤكل، وما يلبس ما يصلح لذلك، وإن لم يكن فعلاً ممَّا يؤكل لحاجته إلى الطبخ، أو ممَّا يلبس لحاجته إلى النسج والغزل.

(مسالة 686): ما يؤكل أو يلبس في مجتمع دون مجتمع، الاحوط وجوبا فيه الترك، الا في مجتمع يعتبر اكله أو لبسه امراً مستنكراً.

(مسالة 687): الاحوط وجوبا ان لم يكن اقوى عدم جواز السجود على القرطاس المتخذ مما لا يصح السجود عليه، من النبات الماكول أو من الملبوس، كالمتخذ من الحرير أو القطن أو الكتان. نعم، اذا شك في ذلك جاز السجود عليه.

(مسالة 688): لا باس بالسجود على القرطاس المكتوب، اذا كانت الكتابة معدودة صبغاً لا جرماً، مضافا الى الشرائط الاخرى كالاباحة والطهارة وامّا اذا احرز كون الحبر المكتوب به معداً من مواد لا يجوز السجود عليها، فالمنع احوط. ولا باس من السجود مع الشك.

(مسالة 689): اذا لم يتمكن من السجود على ما يصح السجود عليه لتقية، جاز له السجود على كل ما تقتضيه التقية. وامّا اذا لم يتمكن لفقد ما يصح السجود عليه أو

ص: 207

لمانع من الحر أو برد، فالاظهر وجوب السجود على ثوبه، فان لم يتمكن فعلى ظهر الكف، فان لم يتمكن سجد على الاحوط وجوبا على أي شيء آخر مما لا يصح السجود عليه حال الاختيار.

(مسالة 690): لا يجوز السجود على الوحل أو التراب اللذين لا يحصل تمكن الجبهة في السجود عليها. وان حصل التمكن جاز. وان لصق بجبهته منهما ازاله للسجدة الثانية على الاحوط وجوبا. وان لم يجد الا الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه، والاحوط وجوبا ضم الصلاة ايماء اليه.

(مسالة 691): اذا كانت الارض ذات طين بحيث يتلطخ بدنه أو ثيابه إذا صلى فيها صلاة المختار أو اية مادة اخرى كالغبار الكثيف أو الجص أو العجين أو الروث أو النفط أو غيرها. وكان ذلك التلطخ حرجيا عليه. صلى مومياً للسجود ولا يجب عليه الجلوس ولا التشهد.

(مسالة 692): اذا اشتغل بالصلاة وفي اثنائها فقد ما يصح السجود عليه، لا بسبب التقية، قطعها في سعة الوقت ولو مع بقاء الوقت لركعة واحدة. وفي الضيق ينتقل الى البدل من الثوب أو ظهر الكف على الترتيب المتقدم. واذا كان السبب هو التقية استمر بصلاته، ولا شيء عليه.

(مسالة 693): اذا سجد على ما لا يصح السجود عليه -كحصير النايلون مثلاً-، باعتقاده انه مما يصح السجود عليه، فأن التفت بعد رفع الرأس،وكان شاكاً بجواز السجود عليه وعدمه، مضى ولا شيء عليه، ويبدله للسجود الآخر. وان كان عالما بعدم جواز السجود عليه، فالأحوط اعادة السجدة على ما يصح السجود عليه بل اعادة السجدتين اذا كانت الغلطة فيهما معا. والاحوط استحبابا اعادة الصلاة. وله ان يقطع صلاته الاولى ويبدأ من جديد مع سعة الوقت، ولا يجب قضاؤها على أي حال، وان التفت في اثناء السجود فان امكنه جر جبهته الى ما يصح السجود عليه فعل ولا شيء عليه. والا يتعين رفع راسه ثم وضعه على ما يصح السجود عليه.

ص: 208

الصلاة في وسائط النقل

(مسالة 694): يعتبر في مكان المصلي وفي مكان السجود خاصة ان يكون مستقراً غير مضطرب، فلا تجوز الصلاة على الدابة السائرة والارجوحة ونحوهما مما يفوت فيه الاستقرار. وتجوز الصلاة على الدابة وفي السفينة الواقفتين مع حصول الاستقرار. وكذا إذا كانتا سائرتين ان حصل ذلك ايضاً، ونحوه الصلاة في السيارة والطائرة والقطار. فانه تصح الصلاة فيها مع توفر الشرائط الاخرى كالإستقبال والطمأنينة. ولا تصح الصلاة اذا فات شيء من ذلك الا مع الضرورة وحينئذ ينحرف الى القبلة كلما انحرفت الدابة أو نحوها. وان لم يتمكن من الاستقبال الا في تكبيرة الاحرام اقتصر عليه وان لم يتمكن قط من الاستقبال سقط. والاحوط استحبابا تحري الأقرب الى القبلة فالأقرب، وكذا الحال في الماشي وغيره من المعذورين.

(مسالة 695): لا يجوز السفر اختياراً اذا كان سبباً لتفويت بعض شرائط الصلاة كالاستقبال وغيره. بل لا يجوز حتى قبل دخول الوقت إذا كان يعلم بفواتها في الوقت على الاحوط وجوبا. كما لا يجوز ترك الصلاة حال الركوب، فانها لا تسقط بحال بل إذا كان مضطراً امكنه ان يتطهر من الحدث والخبث ويسافر، ثم يصلي في مركبته بمقدار ما هو ممكن من الذكر والركوع والسجود والاستقبال، ويسقط المتعذر. واما اذا كان يعلم أو يثق ببقاء الوقت بعد السفر وجب تأخيرها، بل حتى مع الاحتمال ايضا، فان ضاق الوقت صلى حسب تكليفه سواء كان راكبا عندئذ ام ماشيا ام واصلا الى محله.

(مسالة 696): الاقوى جواز ايقاع الفريضة في جوف الكعبة الشريفة اختيارا. وان كان الاحوط استحبابا تركه. واما اضطرارا فلا اشكال في جوازها، وكذا النافلة ولو اختيارا.

ص: 209

فروع حول الصلاة في المساجد

(مسالة 697): تستحب الصلاة في المساجد. وأفضلها المسجد الحرام. والصلاة فيه تعدل الف الف صلاة. ثم مسجد النبي (صلى الله عليه واله) والصلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة. ثم مسجد الكوفة والمسجد الاقصى، والصلاة فيهما تعدل الف صلاة. ثم المسجد الجامع والصلاة فيه بمئة صلاة. ثم مسجد القبيلة والصلاة فيه تعدل خمساً وعشرين صلاة. ثم مسجد السوق والصلاة فيه تعدل اثنتي عشرة صلاة. وصلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد، وأفضل البيوت المخدع فان مسجد المرأة بيتها، وجهادها حسن التبعل.

(مسالة 698): تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة (عليهم السلام) بل قيل انها أفضل من المساجد. وقد ورد ان الصلاة عند علي (عليه السلام) بمائتي الف صلاة.

(مسالة 699): يكره تعطيل المسجد. ففي الخبر: ثلاثة يشكون الى الله عز وجل مسجد خراب لا يصلي فيه اهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه.

(مسالة 700): يستحب التردد الى المساجد، ففي الخبر من مشى الى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع الى منزله عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات. ويكره لجار المسجد ان يصلي في غيره لغير علة كالمطر. وفي الخبر لا صلاة لجار المسجد الا في مسجده.

(مسالة 701): يستحب للمصلي ان يجعل بين يديه حائلاً اذا كان في معرض مرور احد قدامه، ويكفي في الحائل عود أو حبل أو كومة تراب. وقيل انه يكره ان يضع المصلي حائلا بينه وبين القبلة، ولو كان عصاه أو مسبحته أو كتابه.

(مسالة 702): قد ذكروا انه تكره الصلاة في الحمام والمزبلة والمجزرة والموضع المعد للتخلي، وبيت المسكر، ومعاطن الإبل ومرابط الخيل والبغال والحمير والغنم. بل في كل مكان قذر وفي الطريق. واذا اضرت بالمارة حرمت وبطلت. وكذلك تكره الصلاة في مجاري المياه والارض السبخة وبيت النار وهو

ص: 210

الموقد، وان يكون امامه نار مضرمة ولو سراجا أو امامه تمثال ذي روح، أو مصحف مفتوح أو كتاب كذلك. والصلاة على القبر وفي المقبرة أو امامه قبر والصلاة بين قبرين. واذا كان في الاخيرين حائل أو بعد عشرة اذرع فلا كراهة، وان يكون قدامه انسان مواجه له. وهناك موارد اخرى للكراهة مذكورة في محلها.

فصل في بعض احكام المسجد

وهي عدة احكام:

الاول: يحرم على الاحوط زخرفته وهي تزيينه بالذهب. بل الاحوط ترك نقشه بالصور من ذوات الارواح. ولا بأس بغيرها من الزخارف والكتابات. وان كانت مطلق الزخرفة للمسجد مكروهة.

الثاني: لا يجوز بيعه ولا بيع الاته، وان صار خرابا ولم تبق آثار مسجديته. ولا ادخاله في الملك ولا في الطريق. ولا يخرج عن هذا الحكم من أحكام المسجدية ابدا الا ان يعود ارضا وتكون الارض من المفتوح عنوة في صدر الاسلام.

(مسالة 703): ما دام محكوما بالمسجدية تبقى له الاحكام كلها من حرمة تنجيسه ووجوب احترامه. وعدم جواز لبث المجنب والحائض فيه ونحو ذلك. وتصرف آلاته في تعميره وان لم يمكن تعميره صرفت في مسجد آخر. وان لم يمكن الانتفاع بها اصلا يجوز بيعها وصرف القيمة في تعميره أو تعمير مسجد آخر، فان لم يمكن صرفت في وجوه البر وقضاء حاجة المحتاجين من المؤمنين.

الثالث: يحرم تنجيسه. واذا تنجس يجب ازالة النجاسة فورا وقد سبق الحديث عن صورة مزاحمة الازالة مع الصلاة في (مسالة 515) فراجع. ولا باس بادخال النجاسة غير المتعدية الا اذا كان موجباً للهتك فيحرم. واذا لم يتمكن من الازالة سقط وجوبها، والاحوط لزوماً اعلام الغير اذا لم يتمكن هو بنفسه من ازالتها، واذا كان جنبا وتوقفت الازالة على المكث فيه فالظاهر عدم وجوب المبادرة اليها، بل يؤخرها الى ما بعد الغسل. ولا يشرع التيمم للاسراع الى الازالة.

ص: 211

(مسالة 704): يجوز ان يتخذ الكنيف ونحوه من الامكنة التي عليها البول والعذرة ونحوها من النجاسات مسجداً. بان يطم بالتراب الطاهر اولاً. ولا تضر نجاسة الباطن في هذه الصورة. وان كان لا يجوز تنجيسه في سائر المقامات. لكن الاحوط استحبابا ازالة النجاسة اولا أو جعل المسجد في خصوص المقدار الطاهر من الظاهر.

الرابع: لا يجوز اخراج الحصى أو الرمل أو التراب ونحوه من اجزائه، منه. وان فعل وجب رده اليه، فان لم يتمكن رده الى مسجد آخر، فان لم يتمكن سقط الوجوب. نعم لا باس باخراج التراب الزائد المتجمع من الكنس أو عند الانهدام.

الخامس: لا يجوز على الاحوط وجوبا دفن الميت في المسجد، وان كان مأمونا من التلويث. نعم، لو نص الواقف على جوازه وكان ماموناً من التلويث جاز.

(مسالة 705): كل المساجد قابلة للتوسيع بمعنى ان يكون المكان الجديد مسجداً ايضاً. غير انه اذا كان للمسجد اثر خاص كعدم جواز استطراق الجنب فيه، كما في المسجدين الحرام والنبوي وكالتخيير بينالقصر والتمام كما في مسجد الكوفة أو غير ذلك، لم يشمل الاثر تلك الزيادة.

(مسالة 706): اذا غصبت الارض واتخذت مسجدا، لم يجز ولم تترتب عليه آثار المسجدية، وكذلك اذا كانت مجهولة المالك أو مستحقة للخمس ونحوه الا باذن الحاكم الشرعي.

(مسالة 707): قالوا: يستحب سبق الناس في الدخول الى المساجد والتأخر عنهم في الخروج عنها، ويستحب الاسراج في المسجد وكنسه والابتداء في دخوله بالرجل اليمنى وفي الخروج باليسرى، وان يكون على طهارة، وان يتعاهد نعله تحفظاً عن تنجيسه. ويستحب صلاة التحية بعد دخوله وهي ركعتان والاحوط استحبابا ان ياتي بهما رجاء المطلوبية، ويجزئ عنها اي صلاة واجبة أو مستحبة. ويستحب التطيب ولبس الثياب الفاخرة عند التوجه الى المسجد.

(مسالة 708): قالوا يستحب جعل المطهرة على الباب، ويكره النخامة

ص: 212

والنخاعة والنوم في المسجد الا لضرورة ورفع الصوت الا في الاذان ونحوه، وانشاد الضالة ونشدانها وحدف الحصى وقراءة الاشعار غير المواعظ ونحوها، والبيع والشراء والتكلم فيها في امور الدنيا وقتل القمل واقامة الحدود واتخاذها محلا للقضاء والمرافعة، وسل السيف وتعليقه في القبلة. كما يكره دخول من اكل البصل أو الثوم ونحوهما مما له رائحة تؤذي الناس. وتمكين الاطفال والمجانين من الدخول فيها. وعمل الصنائع اليدوية، وكشف العورة فيها مع أمن الناظر، والسرة والفخذ والركبة، واخراج الريح.

(مسالة 709): الأفضل للرجال إتيان النوافل في المنازل ما لم يقصد الحث على اقامتها ونحو ذلك. والاتيان بالفرائض في المساجد. ومسجد المرأة بيتها.

ص: 213

المقصد الخامس: في أفعال الصلاة وما يتعلق بها

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الأول: الأذان والإقامة

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في استحبابهما

يستحب الأذان والإقامة استحبابا مؤكداً في الفرائض اليومية أداء وقضاء، حضراً وسفراً قصراً وتماما في الصحة والمرض للجامع والمنفرد، رجلا كان أو امرأة. ويتأكدان في الأدائية منها وخصوصا المغرب والغداة. وأشدهما تأكدا الإقامة خصوصا للرجال، بل الأحوط استحباباً لهم الإتيان بها. ولا يشرع الأذان والإقامة في النوافل ولا في الفرائض غير اليومية كصلاة الآيات.

(مسألة 710): يسقط الأذان للعصر يوم الجمعة إذا جمعت مع الجمعة، ويوم عرفة إذا جمعت مع الظهر وللعشاء ليلة المزدلفة إذا جمعت مع المغرب.

(مسألة 711): يسقط الأذان بل والإقامة للمسلوس بل لمطلق دائم الحدث في حال يجمع بين صلاتين بوضوء واحد، وخاصة إذا كان له زمن قصير في التحفظ على طهارته. بل لعل الأحوط تركه في مثل ذلك حتى بين الوضوء والصلاة الواحدة، توخيا لعدم الحدث أو لقلته جهد الإمكان خلال الفريضة.

(مسألة 712): يسقط الأذان والإقامة معا في موارد:

الأول: الداخل في الجماعة التي أذنوا لها وأقاموا، وان لم يسمع.

الثاني: من يريد إنشاء صلاة جماعة بعد جماعة أخرى قد أذنوا لها وأقاموا على أن يكون أحدهم مشتركا في الأولى.

ص: 214

الثالث: الداخل إلى المسجد قبل تفرق الجماعة، سواء صلى جماعة إماما أم مأموما أم منفرداً بشرط الاتحاد في المكان عرفا. فمع كون إحدى الجماعتين في ارض المسجد والأخرى على سطحه يشكل السقوط. ويشترط أن تكون الجماعة السابقة بأذان وإقامة، فلو كانوا تاركين لها تسامحاً أو لاجتزائهم بأذان جماعة سابقة وإقامتها فلا سقوط. وأن تكون صلاتهم صحيحة، فلو كان الامام فاسقا مع علم المأمومين به فلا سقوط. ولا فرق في السقوط بين كون الصلاتين أدائيتين أو قضاء أو مختلفتين.والظاهر جواز الإتيان بهما في جميع الصور برجاء المطلوبية وكذا إذا كان المكان غير المسجد.

الرابع: إمام الجماعة، فانه يجتزئ بأذان بعض المأمومين وإقامته، وان لم يسمع. كما أن المأموم يجتزئ بسماع الامام. فلو سقط عن الامام بالسماع أجزأ ذلك بالنسبة إلى من يريد الائتمام به.

الخامس: إذا سمع شخصا آخر يؤذن ويقيم للصلاة، إماما كان الآتي بهما أم مأموما أم منفرداً، وكذا في السامع فينتج اعتماد الجماعة على الجماعة والمنفرد واعتماد المنفرد على الجماعة والمنفرد. بشرط سماع تمام الفصول بل وإن سمع بعضها، ولكن الأفضل أن يأتي بالفقرات التي لم يسمعها رجاء المطلوبية وإن سمع أحدهما اعني الأذان أو الإقامة، لم يجزي عن الآخر. فلو سمع الإقامة لم يجزئه الأذان لعدم تحقق الترتيب بينهما.

الفصل الثاني: في أجزائهما

فصول الأذان ثمانية عشر: الله أكبر أربع مرات، ثم اشهد أن لا إله إلا الله ثم اشهد أن محمداً رسول الله ثم حي على الصلاة ثم حي على الفلاح ثم حي على خير العمل ثم الله أكبر ثم لا اله إلا الله. كل فصل مرتان. وكذلك الإقامة إلا أن

ص: 215

فصولها اجمع مثنى إلا التهليل في آخرها، فمرة. ويزاد فيها بعد الحيعلات قبل التكبير الأخير، قد قامت الصلاة مرتين، فتكون فصولها سبعة عشر وتستحب الصلاة على محمد وآل محمد عند ذكر اسمه الشريف، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي عليه السلام بالولاية وأمرة المؤمنين في الأذان وغيره. وإتمام ذلك بالصلاة والسلام عليه.

الفصل الثالث: في شرائطهما

يشترط في الأذان والإقامة أمور:

الأول: النية ابتداء واستدامة، وهي القصد القلبي أو الذهني وهو حاصل عادة، ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك.

الثاني: العقل، فلا يصحان من المجنون.

الثالث: الإيمان، ويجزئ أذان الصبي المميز وإقامته.

الرابع: الذكورة للذكور. فلا يعتد بأذان النساء وإقامتهن لغيرهن حتىالمحارم على الأحوط.

نعم يجتزئ بهما لهن، فإذا أمت المرأة النساء فأذنت وأقامت كفى.

الخامس: الترتيب بتقديم الأذان والإقامة، وكذا بين فصول كل منهما، فإذا قدم الإقامة عمداً أو سهواً أو جهلا أعادها بعد الأذان. وإذا خالف بين الفصول أعاد على نحو يحصل به الترتيب، إلا أن تفوت الموالاة فيعيد من الأول. وكذلك لو كان ترك الترتيب عمديا على الأحوط.

السادس: الموالاة بينهما وبين الفصول من كل منهما وبينهما وبين الصلاة. فإذا اخل بها أعاد. غير أن الظاهر أن التقارب المطلوب بين الفقرات أكثر من التقارب بينهما أو قبل الصلاة.

السابع: العربية وترك اللحن في قواعدها. وخاصة ما كان مغيراً للمعنى.

ص: 216

الثامن: دخول الوقت، فلا يصحان قبله.

(مسألة 713): يجوز تقديم الأذان قبل الفجر للإعلام، ولكن يستحب إعادته بعد الفجر. بشرط أن لا يكون التقديم باعثاً إلى توريط الناس في تقديم فرائضهم على الفجر، فيحرم.

الفصل الرابع: في مستحباتهما

يستحب في الأذان الطهارة من الحدث والقيام والاستقبال ويكره الكلام في أثنائه. وكذلك الإقامة بل الظاهر اشتراطها بالطهارة والقيام للمصلي المختار، وتشتد كراهة الكلام بعد قول المقيم: قد قامت الصلاة، إلا فيما يتعلق بالصلاة، ويستحب فيها التسكين في أواخر فصولها، مع التأني في الأذان والحدر في الإقامة. والإفصاح بالألف والهاء مع لفظ الجلالة، ووضع الإصبعين عند الأذنين. ومد الصوت في الأذان ورفعه، وخاصة في الأذان الإعلامي، إذا كان المؤذن ذكراً، ويستحب رفع الصوت أيضا في الإقامة، إلاّ انه دون الأذان.

(مسألة 714): يستحب في المؤذن للإعلام أن يكون عادلا صيِّتاً مبصراً بصيراً بالأوقات، متطهراً قائماً على محل مرتفع.

(مسألة 715): يستحب لمن سمع الأذان أن يحكيه مع نفسه.

(مسألة 716): من صلى خلف إمام لا يقتدي به أذن لنفسه وأقام فإن خشي فوات الصلاة اقتصر على تكبيرتين وعلى قوله قد قامت الصلاة. وكذا الحال في ضيق الوقت فان ضاق حتى عن ذلك لم يجز شيء منها.

ص: 217

الفصل الخامس: في أحكامهما

من ترك الأذان والإقامة أو أحدهما عمداً حتى احرم للصلاة لم يجز له قطعها واستينافها على الأحوط. وإذا تركها عن نسيان يستحب له القطع لتداركهما ما لم يركع. وإذا نسى أحدهما أو بعض فصولهما لم يجز القطع، إلا في نسيان الإقامة وحدها، فإن الظاهر جوازه فيما إذا تذكر قبل القراءة بل كذا بعد القراءة وقبل الركوع. وأمّا عنده وبعده فالاحوط وجوبا الاستمرار بالصلاة.

ص: 218

المبحث الثاني: فيما يجب في الصلاة

اشارة

وهو أحد عشر: النية وتكبيرة الإحرام والقيام والركوع والسجود والذكر فيهما والقراءة والتشهد والتسليم والترتيب والموالاة. والأركان التي تبطل الصلاة بزيادتها ونقيصتها عمداً وسهواً أربعة: التكبير والقيام في بعض الأحوال والركوع والسجود أعنى مجموع السجدتين. والنية وان لم يمكن فرض زيادتها إلا انها من أهم الأركان اقتضاء للبطلان على تقدير نقصانها ولو سهواً أو جهلاً. والبقية اجزاء غير ركنية لا تبطل الصلاة بنقصها سهواً ولا بزيادتها على تفصيل يأتي ان شاء الله تعالى. ولنذكر كلاً من هذه الاجزاء في فصل مستقل، فيما يلي:

الفصل الأول: النية
اشارة

وقد تقدم في الوضوء انها القصد إلى الفعل على نحو يكون الباعث اليه امر الله سبحانه أو التقرب المعنوي اليه أو لطلب رضاه أو تجنب سخطه أو لكونه اهلا للعبادة. ونحو ذلك. وايها قصد أجزأ عن الباقي.

ايقاظٌ وتذكيرٌ

قال الله تعالى: (قَدْ أفْلَحَ المُؤمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) وقال النبي والأئمَّة عليهم أفضل الصلاة والسلام كما ورد في أخبارٍ كثيرةٍ: أنَّه لا يحسب للعبد من صلاته إلاَّ ما يُقبل عليه منها، وأنَّه لا يقدمنَّ أحدكم على الصلاة متكاسلا، ولا ناعسا، ولا يفكرنَّ في نفسه، ويقبل بقلبه على ربه، ولا يشغله بأمر الدنيا، وأنَّ الصلاة وفادةٌ على الله تعالى، وأنَّ العبد قائمٌ فيها بين يدي الله تعالى، فينبغي أن يكون قائما مقام العبد الذليل، الراغب الراهب، الخائف الراجي المسكين المتضرع، وأن يصلي صلاة مودعٍ، يرى أن لا يعود إليها أبدا، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا قام في

ص: 219

الصلاة كأنَّه ساق شجرةٍ، لا يتحرَّك منه إلاَّ ما حرَّكت الريح منه، وكان أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام) إذا قاما إلى الصلاة تغيَّرت ألوانهما مرَّة حمرة ومرَّة صفرة، وكأنَّهما يناجيان شيئا يريانه، وينبغي أن يكون صادقا في قوله: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فلا يكون عابدا لهواه، ولا مستعينا بغير مولاه. وينبغي إذا أراد الصلاة أو غيرها من الطاعات أن يستغفر الله تعالى، ويندم على ما فرَّط في جنب الله، ليكون معدودا في عداد المتَّقين الَّذين قال الله تعالى في حقهم: (إنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ).

وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكلَّت وإليه أنيب، وهو حسبنا ونعمالوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم.

(مسألة 717): لا يجب التلفظ بالنية، كما لا يجب اخطار تفاصيل النية في الذهن. بل يكفي ان يعرف ماذا يفعل كأي عمل عرفي آخر، بحيث لو سئل لتذكره تفصيلا. كما لا تجب النية في الاجزاء الواجبة ولا المستحبة. نعم الأحوط فيه عدم قصد المنافي، ولو أخل إخطار النية بالذكر القلبي أو بقصد التكبير كان مرجوحا أمّا لو نوى بالتلفظ بعد تكبيرة الاحرام بطلت صلاته.

(مسألة 718): لابد من استمرار النية إلى النهاية بمعنى عدم قصد المنافي أو المبطل وسيأتي تفصيله.

(مسألة 719): عناصر النية الارتكازية تتكون بحسب القاعدة من امور عديدة:

اولا: الوجوب أو الاستحباب.

ثانيا: قصد القربة بالمعنى الذي اسلفناه.

ثالثاً: اسم الصلاة كالصبح والظهر مثلا.

رابعاً: الاداء أو القضاء.

خامساً: الاتمام أو القصر.

سادساً: الجزم بالنية أو الرجاء.

وقد قلنا ان المقصود بالنية وضوح الهدف من الفعل بحيث لو سئل عما يفعل

ص: 220

فانه يجيب بلا تردد بأنه يصلي فريضة الظهر مثلاً اداءً في وقتها تماماً.

(مسألة 720): يعتبر في النية الاخلاص، فإذا انضم إلى امر الله تعالى الرياء بطلت الصلاة، وكذا غيرها من العبادات الواجبة والمستحبة. سواء كان الرياء في الابتداء ام في الاثناء ام في تمام الاجزاء، ام في بعضها الواجب، وفي ذات الفعل ام في بعض قيوده الواجبة. وما كان ببطلانه مخلا بالواجب، مثل ان يرائي في صلاته جماعة، فانه إذا بطلت الجماعة بطلت الصلاة أصلا بخلاف القيود الاخرى كالصلاة في المسجد أو في اول الوقت، فان ذات الصلاة بأجزائها وشرائطها تكون عن اخلاص، وهو يكفي في الصحة.

نعم، في بطلانها بالرياء في الاجزاء المستحبة مثل القنوت أو زيادة التسبيح أو نحو ذلك إشكال اظهره الصحة. بل الظاهر عدم البطلان بالرياء بما هو خارج عن الصلاة، مثل ازالة الخبث قبل الصلاة والتصدق في اثنائها أو الامر بالمعروف بالإشارة أو بالتسبيح خلالها.

(مسألة 721): قصد الرياء في القواطع والموانع للصلاة لا يكون مبطلا لها، كترك الضحك أو البكاء أو الالتفات إلى الخلف أو ترك الحدث أو الكلام ونحو ذلك، ولكن في الرياء في الطمأنينة والموالاة إشكال احوطه البطلان.(مسألة 722): ليس من الرياء المبطل ما لو اتى بالعمل خالصا لله سبحانه ولكنه كان يعجبه ان يراه الناس، كما ان الخطور القلبي لا يبطل الصلاة، خصوصا إذا كان يتأذى بهذا الخطور أو يعلم كونه باطلا، ولو كان المقصود من العبادة امام الناس رفع الذم عن نفسه أو رفع ضرر آخر غيره، لم يكن رياء ولا مفسدا.

(مسألة 723): الرياء المتأخر عن العبادة لا يبطلها، كما لو كان قاصدا خلالها الاخلاص. ثم بعد إتمام العمل بدا له ان يذكر عمله للناس.

(مسألة 724): العجب لا يبطل العبادة، سواء كان متأخرا ام مقارنا. بمعنى انها تكون مجزية على الاقوى لكنها لاتصل مرتبة القبول. ونعني بالعجب شعور الانسان بالزهو والمنّ على الله تبارك وتعالى بصلاته له.

ص: 221

(مسألة 725): الضمائم الاخرى غير الرياء ان كانت محرمة وموجبة لحرمة العبادة أبطلتها، والا فان كانت راجحة أو مباحة فالظاهر صحة العبادة إذا كان داعي القربة صالحا للاستقلال في البعث إلى الفعل بحيث يفعل للامر به، ولو لم يكن صالحا للاستقلال فالظاهر البطلان.

(مسألة 726): يعتبر تعيين الصلاة التي يريد الاتيان بها إذا كانت صالحة لان تكون على أحد وجهين متميزين، ويكفي التعيين الاجمالي مثل عنوان ما اشتغلت به الذمة - إذا كان متحدا- أو ما اشتغلت به اولاً - إذا كان متعدداً- أو نحو ذلك، فإذا صلى صلاة مردده بين الفجر ونافلتها لم تصح كل منهما. نعم إذا لم تصلح لان تكون على أحد وجهين متميزين كما إذا نذر نافلتين لم يجب التعيين لعدم تميز احداهما مقابل الاخرى.

(مسألة 727): لا تجب نية القضاء ولا الاداء فإذا استيقظ لصلاة الصبح في وقت شروق الشمس ولا يعلم انها قضاءً أو أداءً صحت إذا قصد الاتيان بما اشتغلت به الذمة فعلا، وإذا اعتقد انها اداء فنواها اداء صحت ايضا إذا قصد امتثال الامر الفعلي المتوجه اليه وان كانت في الواقع قضاءً وكذا الحكم في العكس.

(مسألة 728): لا يجب الجزم بالنية في صحة العبادة إلا إذا اصبحت نية الرجاء سفها عرفا. فلو صلى في ثوب مشتبه بالنجس لاحتمال طهارته وبعد الفراغ تبينت طهارته صحت الصلاة وان كان عنده ثوب معلوم الطهارة. وكذا إذا صلى في موضع الزحام لاحتمال التمكن من الاتمام واتفق تمكنه صحت صلاته وان كان يمكنه الصلاة في غير موضع الزحام، لكنه مع وجود المندوحة لا يخلو عن اشكال.

(مسألة 729): نية الرجاء أو قصد الرجاء لا تكون إلا لاحتمال الطرف المقابل، فمع احتمال عدم التكليف يسمى رجاء المطلوبية، ومع احتمال القضاء يسمى رجاء الاداء والقضاء أو قصد ما في الذمة، ومع احتمال انقطاع العمل يكون رجاء الاستمرار، ومع احتمال دخول الوقت أو خروجه يكون رجاء حصول الوقت دخولا أو بقاءً وهكذا مثله قصدالاحتياط وقصد الواقع وقصد ما في الذمة، واما مع

ص: 222

تعين العمل من جميع الجهات فقصد الرجاء والاحتياط له لا يكون معقولا لكن مع قصده جهلا أو غفلة أمكن انطباقه على ما هو الواقع وصح العمل.

(مسألة 730): توجد نية (جامع المطلوبية) وتقصد في حالة يكون الفاعل جازماً بمطلوبية الفعل لكنه لا يعلم ان كان على نحو الوجوب او الاستحباب كصوم يوم الشك المردد بين كونه الثلاثين من شعبان او الاول من رمضان.

(مسألة 731): قد عرفت انه لا يجب حين العمل الالتفات اليه تفصيلا وتعلق القصد به، بل يكفي الالتفات اليه وتعلق القصد به قبل الشروع فيه وبقاء ذلك القصد اجمالا على نحو يستوعب وقوع الفعل من اوله إلى آخره عن داعي الامر، بحيث لو التفت إلى نفسه لرأى انه يفعل من قصد الامر وإذا سئل اجاب بذلك، ولا فرق بين أول الفعل وآخره، وهذا المعنى هو المراد من الاستدامة الحكمية بلحاظ النية التفصيلية حال حدوثها. اما بلحاظ نفس النية فهي استدامة حقيقية.

(مسألة 732): إذا كان في اثناء الصلاة فنوى قطعها أو نوى الاتيان بالقاطع ولو بعد ذلك فان استمر بصلاته بحيث اتى بجزء واجب منها على هذا الحال بطلت فضلا عما إذا أتمها فيه، واما إذا عاد إلى النية الاولى قبل ان يأتي بشيء منها صحت صلاته وأتمها ما لم يكن قد جزم بقطعها الفعلي أو اتى بالقاطع.

(مسألة 733): إذا شك بالصلاة التي بيده انه عينها ظهرا أو عصرا ونحو ذلك فان لم يأت بالظهر قبل ذلك نواها ظهرا وأتمها، وان أتى بالظهر نواها عصرا وصحت وان تردد في ذلك بطلت.

(مسألة 734): إذا رأى نفسه في صلاة العصر وشك في انه نواها عصرا من أول الأمر أو انه نواها ظهرا فإن له ان يتمها عصرا. وكذلك إذا علم انه نواها عصرا وشك في انه بقي على ذلك أو عدل إلى صلاة اخرى.

(مسألة 735): إذا دخل في فريضة فأتمها بزعم انها نافلة غفلة صحت فريضة وفي العكس تصح نافلة.

(مسألة 736): إذا قام لصلاة ثم دخل في الصلاة وشك في انه نوى ما قام اليها

ص: 223

أو غيرها، فلا شيء عليه لإنه من شك بعد تجاوز المحل فلا يلتفت اليه.

(مسألة 737): ما يخطر على القلب من وساوس خلال الصلاة لا اثر له في بطلانها ما لم يكن عن قناعة حاصلة بعد التروي أو ان ينطق بها، والا فلا اثر لها وخاصة إذا كان متأذيا منها أو عالما على انها خلاف القواعد الشرعية التي يؤمن بها حتى لو كانت تلك الافكار كفرا أو اعتراضا أو تمنيا لبعض المحرمات أو غير ذلك.

(مسألة 738): لا يجوز العدول عن صلاة إلى اخرى بالنية إلا فيموارد:

منها: ما اذا كانت الصلاتان ادائيتين مترتبتين -كالظهرين والعشائين- وقد دخل في الثانية قبل الاولى فانه يجب ان يعدل إلى الاولى إذا تذكر في الاثناء.

ومنها: إذا كانت الصلاتان قضائيتين فدخل في اللاحقة ثم تذكر ان عليه سابقة فانه يجب ان يعدل إلى السابقة في المترتبتين ويجوز العدول في غيرهما والعدول احوط إذا كانا لنفس اليوم.

ومنها: ما اذا دخل في الحاضرة فتذكر ان عليه فائتة فانه يجوز العدول إلى الفائتة، وقد يجب، فيما إذا كانت الصلاة السابقة لنفس اليوم أو لوقت قبل وقتها مباشرة على الأحوط.

(مسألة 739): انما يجوز العدول في الموارد المذكورة إذا ذكر قبل ان يتجاوز محله، واما إذا ذكر بعد تجاوز المحل بطلت الصلاة إذا كان العدول واجبا، كما إذا ذكر في ركوع رابعة العشاء انه لم يصلِّ المغرب فانها تبطل ولابد ان يأتي بها بعد ان يأتي بالمغرب.

ومنها: ما اذا نسي فقرأ في الركعة الاولى من فريضة يوم الجمعة غير سورة الجمعة فان كانت تلك السورة التوحيد او الكافرون فانه يستحب له العدول إلى النافلة ويقرأ سورتها في الفريضة، وان كانت غيرها، فيعدل بالسورة نفسها، وإذا كان قد قرأها عمدا يعني مع الالتفات إلى استحباب سورة الجمعة لم يكن الحكم الذي اشرنا اليه ثابتا بل يجب الاستمرار بالفريضة على الأحوط.

ومنها: ما اذا دخل في فريضة منفردا ثم اقيمت الجماعة استحب العدول بها

ص: 224

إلى النافلة مع بقاء محله ثم يتمها أو يقطعها ويدخل في الجماعة.

ومنها: ما اذا دخل المسافر في القصر ثم نوى الاقامة قبل التسليم فانه يعدل الى التمام، واذا دخل المقيم في التمام فعدل عن الاقامة قبل ركوع الثالثة من اول صلاة رباعية في سفره عدل إلى القصر، وإذا كان بعد الركوع بطلت صلاته.

(مسألة 740): إذا عدل في غير محل العدول، فان لم يفعل شيئا جاز له العود إلى ما نواه اولا وان فعل شيئا عامدا بطلت الصلاتان وان كان ساهيا ثم التفت اتم الاولى ان لم يزد ركنا.

(مسألة 741): الأظهر جواز ترامي العدول فإذا كان في فائتة فذكر ان عليه فائتة سابقة فعدل اليها فذكر ان عليه فائتة اخرى سابقة عليها فعدل اليها ايضا صح.

(مسألة 742): كما يمكن تعدد العدول يمكن تعدد العود إلى النية الاولى كما لو عدل إلى صلاة سابقة ثم تذكر انه اتى بها فانه يعود بنيته إلى الاولى، وكذا يمكن تعدد العدول والعود معا ولا يجب ان يكون العدولالمتأخر أو العود المتأخر إلى نفس النية السابقة بل يمكن ان يكون غيرها بل قد يجب.

الفصل الثاني: تكبيرة الاحرام

وتسمى تكبيرة الافتتاح وصورتها: (الله اكبر) ولا يجزئ مرادفها بالعربية ولا ترجمتها بغير العربية وإذا تمت حرم ما لا يجوز فعله من منافيات الصلاة والأحوط حصول ذلك مع بدء التكبيرة وهي ركن تبطل الصلاة بنقصها ولو سهواً وزيادتها عمداً إن قصد الاحرام بها والجزئية. فإذا جاء بها ثانية بطلت الصلاة فيحتاج إلى ثالثة فان جاء بالرابعة بطلت ايضا واحتاج إلى خامسة وهكذا تبطل بالشفع وتصح بالوتر. ويجب الاتيان بها على النهج العربي مادة وهيئة والجاهل يلقنه غيره أو يتعلم فان لم يمكن اجتزأ منها بالممكن ان كان يسمى عرفا تكبيرا فان عجز جاء بمرادفها وان عجز فبترجمتها.

ص: 225

(مسألة 743): الأحوط وجوبا عدم وصلها بما قبلها من الكلام دعاءً كان أو غيره ولا بما بعدها من بسملة أو غيرها، وان لا يعقب اسم الجلالة بشيء من الصفات الجلالية أو الجمالية وينبغي تفخيم اللام من لفظ الجلالة وقد يقال بانه ينبغي تفخيم الراء والباء من اكبر.

(مسألة 744): يجب فيها القيام التام فإذا تركه عمدا أو سهوا بطلت من غير فرق بين المأموم الذي أدرك الامام راكعا أو غيره بل يجب التربص في الجملة حتى يعلم بوقوع التكبير تاما قائما. واما الاستقرار في القيام المقابل للمشي او التمايل من احد الجانبين الى الاخر او الاستقرار بمعنى الطمأنينة فهو وان كان واجبا حال التكبير لكن الظاهر انه إذا تركه سهوا لم تبطل الصلاة.

(مسألة 745): الاخرس يأتي بها على قدر ما يمكنه فان عجز عن النطق اخطرها في قلبه واشار باصبعه، والأحوط استحبابا ان يحرك بها لسانه ان امكن.

(مسألة 746): يشرع الاتيان بستة تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الاحرام فيكون المجموع سبعا، ويجوزالاقتصار على الخمس وعلى الثلاث، ويمكن ان يكون الافتتاح بالجميع ان كانت سبعا أو بواحدة معينة ينويها للاحرام، والأولى ان تكون هي الاخيرة والأحوط استحبابا ان لا ينوي الدخول بمجموع ما دون السبع ولا بواحدة غير معينة منها وهو احتياط اكيد.

(مسألة 747): يستحب للإمام الجهر بواحدة والاسرار بالباقي،ويستحب ان يكون التكبير في حال رفع اليدين إلى الاذنين أو مقابل الوجه أو إلى النحر مضمومة الاصابع حتى الابهام والخنصر مستقبلا بباطنهما القبلة.

(مسألة 748): إذا كبر ثم شك في انها تكبيرة الاحرام أو تكبيرة الركوع بنى على الاول واعاد القراءة احتياطا، وان شك في صحتها بنى على الصحة وان شك في وقوعها وقد دخل في ما بعدها من فعل واجب كالقراءة بنى على وقوعها.

(مسألة 749): يجوز الإتيان بالتكبيرات ولاء بلا دعاء والأفضل ان يأتي بثلاث منها ثم يقول (اللهم أنت الملك الحق لا اله إلا أنت سبحانك إني ظلمت

ص: 226

نفسي فاغفر لي ذنبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت) ثم يأتي باثنتين ويقول (لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت لا ملجأ منك الا إليك سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت) ثم يأتي باثنتين ويقول (وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفاً مسلماً وما انا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ) ثم يستعيذ ويقرأ سورة الحمد هذا وان حالت هذه الأدعية دون النية أو دون قصد الافتتاح بها أو بواحدة منها فالاولى تركها والإتيان بالتكبيرات ولاءً.

الفصل الثالث: في القيام

وهو ركن حال تكبيرة الاحرام -كما عرفت- وعند الركوع وهو الذي يكون الركوع عنه - المعبر عنه بالقيام المتصل بالركوع- فمن كبر للافتتاح وهو جالس عمدا أو سهوا بطلت صلاته، وكذا إذا ركع جالسا سهوا أو قام للركوع من الجلوس متقوسا، وفي غير هذين الموردين يكون القيام واجبا غير ركني كالقيام بعد الركوع والقيام حال القراءة أو التسبيح. فاذا قرأ جالسا سهوا أو سبح كذلك ثم قام وركع عن قيام ثم التفت صحت صلاته، وكذا إذا نسي القيام بعد الركوع حتى سجد السجدتين وفي إلحاق الجهل به وجه غير وجيه وخاصة إذا كان عن تقصير.

(مسألة 750): إذا هوى لغير الركوع ثم نواه في اثناء الهوي لم يجز، ولم يكن ركوعه عن قيام فتبطل صلاته على الأحوط. نعم، إذا لم يصل إلى حد الركوع انتصب قائما وركع عنه وصحت صلاته وان لم ينتصب جاز ركوعه ايضا، لانه ما لم يصل إلى حد الركوع يعتبر قائما عرفا. وكذلك إذا وصل ولم ينوه ركوعا. غير ان عليه عندئذ الانتصاب والركوع مجددا.

ص: 227

(مسألة 751): إذا هوى إلى الركوع عن قيام. وفي اثناء الهوي غفل حتى جلس للسجود. فان كانت الغفلة بعد تحقق مسمى الركوع صحت صلاته. وإذا التفت إلى ذلك وقد سجد سجدة واحدة، مضى في صلاته، وان كان الأحوط اعادة الصلاة بعد الاتمام، وله قطعها واستئناف صلاة اخرى. وإذا التفت إلى ذلك وقد سجد سجدتين صح سجوده ومضى. وان كانت الغفلة قبل تحقق مسمى الركوع عاد إلى القيام منتصبا، ثم هوى الى الركوع وصحت صلاته.

(مسألة 752): يجب مع الامكان الاعتدال في القيام والانتصاب فإذا انحنى عامدا أو مال إلى أحد الجانبين بطلت صلاته. وخاصة إذا استمر بالقراءة خلال هذه الحالة. نعم لو قطعها واعادها بعد الاعتدال كان لصحة صلاته وجه. وكذا تبطل صلاته لو فرّج بين رجليه بحيث يخرج عن اسم القائم أو الواقف. نعم، لا بأس باطراق الرأس، بل هو راجح خشوعاً.

(مسألة 753): تجب الطمأنينة في القيام خلال التكبيرة والقراءة والأحوط الوقوف على القدمين ما لم يكن هناك مبرر صحي أو عقلائي لتركه. فلا يجزئ الوقوف على أحدهما، وخاصة إذا ادى إلى عدم الاستقرار والطمأنينة. ولا على اصابع القدمين فقط، ولا على أصلهما فقط. بدون سبب معقول في كل ذلك. والأحوط الاستقلال في القيام وعدم جواز الاعتماد على عصا أو جدار أو انسان ما لم يحصل سبب صحي أو عقلائي لذلك.

(مسألة 754): إذا قدر العاجز على ما يصدق عليه القيام عرفا، ولو منحنيا أو منفرج الرجلين أو مستندا إلى شيء، صلى قائما. وان عجز عن ذلك صلى جالسا، ويجب خلال الصلاة جالسا الاستقرار والطمأنينة بل الانتصاب على الأحوط استحبابا. هذا مع الامكان والا اقتصر على الممكن.

(مسألة 755): إذا تعذر حتى الجلوس الاضطراري، صلى مضطجعا على الجانب الايمن ووجهه الى القبلة كهيئة المدفون، ومع تعذره فعلى الجانب الايسر عكس الاول غير ان وجهه الى القبلة ايضا. وان تعذر صلى مستلقيا ورجلاه إلى

ص: 228

القبلة كهيئة المحتضر، والأحوط وجوبا ان يومي برأسه للركوع والسجود مع الامكان. والأولى ان يجعل ايماء السجود اخفض من ايماء الركوع. ومع العجز يومي بعينيه.

(مسألة 756): إذا تمكن من القيام، ولم يتمكن من الركوع قائما، وكانت وظيفته الصلاة قائما صلى قائما، ثم جلس وركع جالسا. والأحوط استحبابا ان يعيد صلاته مع الايماء للركوع قائما. وان لم يتمكن من السجود ايضا، صلى قائما واومأ للسجود. ووضع ما يصح السجود عليه على جبهته ان امكن، ولو امكنه ان يجلس ويسجد على مرتفع ونحوه تعين عن الايماء.

(مسألة 757): إذا قدر على القيام في بعض الصلاة دون بعض،وجب ان يقوم الى ان يعجز فيجلس، وإذا احس بالقدرة على القيام قام وهكذا. ولا يجب عليه استيناف ما فعله حال الجلوس. فلو قرأ جالسا ثم تجددت القدرة على القيام قام للركوع وركع، من دون اعادة القراءة. هذا في ضيق الوقت. واما مع سعته فان استمر العذر إلى آخر الوقت لا يعيد. وان لم يستمر اعاد صلاته على الأحوط بالشكل الذي اصبح ممكنا.

(مسألة 758): إذا دار الامر بين القيام في الجزء السابق والقيام في الجزء اللاحق، فالترجيح للسابق، حتى فيما إذا لم يكن القيام في الجزء السابق ركنا، وكان في الجزء اللاحق ركنا.

(مسألة 759): قالوا انه: يستحب في القيام اسدال المنكبين وارسال اليدين ووضع الكفين على الفخذين قبال الركبتين اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى، وضم اصابع الكفين. وان يكون نظره إلى موضع سجوده وان يصف قدميه متحاذيين مستقبلا بهما. ويباعد بينهما بثلاث اصابع مفرجات إلى شبر أو ازيد. وان يسوي بينهما في الاعتماد. وان يكون على حال الخضوع والخشوع، قيام عبد ذليل بين يدي المولى الجليل. غير ان ظاهره في الخشوع لا ينبغي ان يزيد على باطنه، والا كان من الرياء.

ص: 229

الفصل الرابع: القراءة
اشارة

تجب في الركعة الأولى والثانية من كل صلاة فريضة كانت أو نافلة، قراءة فاتحة الكتاب وهي سورة الحمد. ويجب في خصوص الفريضة قراءة سورة كاملة على الأحوط بعدها وان كان يمكن القول بكفاية مقطع تام من سورة، وإذا قدمها عليها عمداً بنية الجزئية بطلت صلاته. وإذا قدمها سهواً وذكر قبل الركوع. فإن كان قد قرأ الفاتحة بعدها أعاد السورة. وإن لم يكن قد قرأ الفاتحة قرأها وقرأ السورة بعدها. وان ذكر بعد الركوع مضى. وكذا ان نسيها أو نسي إحداهما وذكر بعد الركوع.

(مسألة 760): تجب السورة في الفريضة وان أصبحت مستحبة كالمعادة لا ما إذا أصبحت نافلة، كنقل النية إليها. ولا تجب السورة في النافلة وان صارت واجبة بالنذر ونحوه على الاقوى. نعم، النوافل التي وردت في كيفيتها سور مخصوصة تجب قراءة تلك السورة ولاتشرع بدونها إلا إذا كانت السورة شرطاً لكمالها لا لأصل مشروعيتها.

(مسألة 761): تسقط السورة في الفريضة عن المريض الذي يجد في قرائتها مشقة. كما تسقط عن المستعجل والخائف من شيء إذا قرأها ومن ضاق وقته. وسقوطها في مثل ذلك قد يكون إلزامياً.

(مسألة 762): لا تجوز قراءة السور التي يفوت الوقت بقرائتها، فان قرأها بل ان بدأها عالما عامداً بطلت صلاته. وان كان ساهياً عدلوجوباً إلى غيرها مع سعة الوقت وان ذكر بعد الفراغ منها، وقد خرج الوقت أتم صلاته، إلا إذا لم يكن قد أدرك ركعة، فيحكم - حينئذ- ببطلان صلاته ولزمه القضاء.

(مسألة 763): لا تجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة على الأحوط فإذا قرأها عمداً أو سهواً، وجب عليه السجود للتلاوة، فان سجد بطلت صلاته على

ص: 230

الأحوط. ولكنه يمكنه السجود إيماء بدون ذكر وتصح صلاته إن كانت قرائتها سهواً. كما يمكنه قطع الصلاة والاستئناف بسورة أخرى. كما يمكنه العدول إلى غيرها قبل الوصول إلى نصف السورة بل قبل آية السجدة مطلقا وتصح صلاته. وان سجد بعد آية السجدة نسياناً أتمها وصحت صلاته، وان سجد خلال الصلاة إيماء، فالأحوط استحباباً أن يسجد بعدها أيضا.

(مسألة 764): إذا استمع إلى آية السجدة وهو في الصلاة، أومأ برأسه إلى السجود بدون ذكر، وأتم صلاته، والأحوط استحباباً السجود بعدها أيضاً والظاهر عدم وجوب السجود بالسماع الخالي عن الإنصات والانتباه مطلقا في الصلاة وغيرها.

(مسألة 765): تجوز قراءة سور العزائم في النافلة منفردة أو منضمة إلى سورة أخرى. ويسجد عند قراءة آية السجدة، ويعود إلى صلاته فيتمها. وكذا الحكم لو قرأ آية السجدة وحدها. وسور العزائم التي يجب فيها السجود أربع: الم السجدة وحم السجدة والنجم والعلق.

(مسألة 766): البسملة جزء من كل سورة الا انها ليست آية منها إلا سورة الفاتحة، فتجب قرائتها معها في الصلاة عدا سورة براءة. وإذا عينها لسورة لم تجز قراءة غيرها، إلا بعد إعادة البسملة لها. وإذا قرأ البسملة من دون تعيين سورة ولو إجمالا، وجب اعادتها ويعينها لسورة خاصة. وكذا لو عينها لسورة ونسيها فلم يدر ما عين. وإذا كان متردداً بين السور لم يجز له البسملة بقصد الجزئية إلا بعد التعيين. إلا ان التعيين الإجمالي كاف، بان يقصد البسملة للسورة التي يقرؤها بعدها في علم الله أو في الواقع. وإذا كان عازماً من أول الصلاة على قراءة سورة معينة أو كان من عادته ذلك فقرأ غيرها كفى، ولم تجب إعادة الصلاة.

(مسألة 767): الأحوط وجوبا ترك قراءة أكثر من سورة بعد الحمد في الفريضة، وللتلازم في القراءة بين بعض السور فانه ينبغي ترك قراءة سورة الفيل والإيلاف وكذا سورة الضحى والم نشرح، ويجوز قراءة أكثر من سورة بعد الحمد

ص: 231

في النوافل.

فروع في القراءة الصحيحة

(مسألة 768): يجب تعلم القراءة الصحيحة بالمقدار الذي يجب فيالصلاة، وقد لا يتيسر ذلك لفئات من الناس كما سيأتي في المسألة (790)، ونقصد بالقراءة الصحيحة أداء الحروف واخراجها من مخارجها على النحو اللازم في لغة العرب، ويكفي في ذلك الصدق العرفي كما يجب أن تكون هيئة الكلمة موافقة للأسلوب العربي من حركة البنية وسكونها وحركات الإعراب والبناء وسكناتها والحذف والقلب والإدغام والمد الواجب وغير ذلك، فان أخل بشيء من ذلك عمداً بطلت القراءة فإن لم يعدها بطلت الصلاة. بل الأحوط بطلانها وان أعادها. وكذا إن أخل بشيء من ذلك سهواً ولم تكن القراءة عرفية أو غيّرت المعنى، وإلا صحت القراءة وصحت الصلاة.

(مسألة 769): يجب حذف همزة الوصل في الدرج مثل همزة الله والرحمن والرحيم واهدنا وغيرها. فإذا اثبتها عمداً بطلت القراءة وكذا يجب إثبات همزة القطع، كما في قوله: إياك وأنعمت فإذا حذفها بطلت القراءة.

(مسألة 770): في علم التجويد تفاصيل غير واجبة الإتباع جزماً كالغنة والقلقلة والمد الطويل، بل لعله مرجوح.

(مسألة 771): الأحوط ترك الوقوف بالحركة. بل وكذا الوصل بالسكون وان كان الأظهر جوازه.

(مسألة 772): يجب المد بمقدار مسماه العرفي. والمد مقدار حركتين في موارد: هي الواو المضموم ما قبلها. والياء المكسور ما قبلها والإلف المفتوح ما قبلها، إذا كان بعدها سكون لازم مثل ضآلين. بل هو الأحوط في مثل: جاء وجيء وسوء.

(مسألة 773): الأحوط وجوباً الإدغام عندما يحصل مورده في حروف (يرملون).

ص: 232

(مسألة 774): يجب إدغام لام التعريف إذا دخلت على حرف من الحروف الشمسية وهي: التاء والثاء والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون. وإظهارها في بقية الحروف المسماة بالقمرية بما فيها الجيم على الأحوط وجوباً. فتقول في الله والرحمن والرحيم والصراط والضالين بالإدغام وفي الحمد والعالمين والمستقيم بالإظهار.

(مسألة 775): يجب الإدغام في مثل مدّ وردّ، مما اجتمع مثلان في كلمة واحدة وكذلك إذا كان في كلمتين مثل: اذهب بكتابي ويدرككم. مما كان الحرف الأول ساكناً. إلا أن صدق الإدغام فيه محل مناقشة، لان الإدغام عبارة عن تحويل الحرف السابق إلى اللاحق، وهذا لا يكون إلا مع الاختلاف.

(مسألة 776): تجوز قراءة القرآن الكريم في الصلاة وغيرها بأي من القراءات السبع وهي لعاصم الكوفي برواية حفص. وهي المشهورة ولابن كثير المكي وابي عمرو البصري ونافع المدني والكسائي الكوفيوعبد الله بن عامر وحمزة الكوفي، بل القراءات العشر المشهورة في زمن المعصومين عليهم السلام وهم السبعة أنفسهم مع ثلاثة آخرين وهم: خلف بن هشام البزاز ويعقوب بن اسحاق ويزيد بن القعقاع.

(مسألة 777): لا تجوز القراءة بالقراءات غير المشهورة في زمن المعصومين (عليهم السلام) فضلا عن الشاذة والمروية بأخبار غير معتبرة وحينئذ: فالأحوط ترك غير القراءات العشر، وكذلك ما لم يثبت بدليل معتبر انه منها.

(مسألة 778): تجوز قراءة مالك وملك يوم الدين. ويجوز في الصراط بالصاد والسين. ويجوز في (كفوا) أن يقرأ بضم الفاء وسكونها مع الهمزة أو الواو.

(مسألة 779): إذا لم يقف على أحد في (قل هو الله أحد) ووصله ب(الله الصمد) فالأحوط ان يقول: أحَدُنِ الله الصمد، بضم الدال وكسر نون التنوين وترقيق اللام من لفظ الجلالة.

(مسألة 780): يكون لفظ الجلالة مضخّماً إذا كان الحرف الذي قبله مضموماً كقوله: عليه الله أم مفتوحاً كقوله والله. ومرققاً إذا كان قبله مكسوراً كقوله: بالله.

ص: 233

(مسألة 781): إذا اعتقد كون الكلمة على وجه خاص من الإعراب أو البناء أو مخرج الحرف، فصلى مدة على ذلك الوجه، ثم تبين انه غلط. فالظاهر الصحة، بل الأقوى الصحة إذا التفت بعد ان دخل في جزء آخر صلاتي بعد القراءة. نعم، لو التفت إلى غلطه خلال القراءة أو بعدها مباشرة، فالأحوط الإعادة.

فروع حول الجهر والإخفات

(مسألة 782): يجب على الرجال الجهر في القراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء، والإخفات في غير الأوليين منهما، الا في يوم الجمعة فقد دلت روايات معتبرة على جواز الجهر في صلاة الظهر خصوصاً لمن كان اماماً لجماعة والاحوط الاخفات.

(مسألة 783): يجب الجهر بالبسملة في القراءة الجهرية، ويستحب الجهر بها للرجال في القراءة الإخفاتية، ويجب الإخفات بها لو قرأ الحمد في الأخيرتين على الأحوط، ولا فرق في ذلك بين بسملة الحمد وبسملة السورة في موارد قراءتها.

(مسألة 784): إذا جهر في موضع الإخفات أو اخفت في موضع الجهر عمداً بطلت صلاته. وإذا كان ناسياً أو جاهلاً بالحكم من أصله أو جاهلا بمعنى الجهر أو الإخفات صحت صلاته، والأحوط استحباباً الإعادة إذا كان متردداً فجهر أو اخفت برجاء المطلوبية فظهر في غير محله.(مسألة 785): إذا تذكر الناسي أو علم الجاهل أو انتبه الغافل في أثناء القراءة حوّلها إلى الشكل الصحيح ولم يجب عليه إعادة ما قرأه.

(مسألة 786): لا يجب في الجهر والإخفات قصد القربة بل مطلق القصد فلو جهر غفلة، وكان في محله أجزأ، نعم يشكل قصد الرياء فيه بعنوانه.

(مسألة 787): لا جهر على النساء بل يتخيرن بينه وبين الإخفات في الجهرية ويجب عليهن الإخفات في الإخفاتية ويعذرن فيما يعذر الرجال فيه، وقد يتعين الإخفات ان لزم من الجهر عنوان محرم كتهييج الفتنة الجنسية.

ص: 234

(مسألة 788): مناط الجهر والإخفات هو الصدق العرفي والظاهر انطباقه على ظهور جوهر الصوت وعدمه لا سماع من بجانبه وعدمه دون غير ذلك من الضوابط التي قالوها، وأما الصوت المشابه لكلام المبحوح فقد يكون جهراً وقد يكون إخفاتاً فيتبع كلاً منهما حكمه، والأحوط استحباباً في الإخفات أن يسمع نفسه تحقيقاً أو تقديراً كما إذا كان أصمّاً أو كان هناك مانع عن سماعه.

(مسألة 789): لا يجوز الإفراط في الجهر كالصياح على الأحوط استحباباً ولا الافراط في الإخفات بحيث يزول الصوت تماماً.

أحكام أخرى للقراءة في الصلاة

(مسألة 790): من لا يقدر إلا على الملحون ولو بتبديل بعض الحروف ولا يمكنه التعلم أجزأه ذلك ولا يجب عليه أن يصلي صلاته مأموماً وان كان الاجدر به ذلك مع التمكن، وكذا إذا ضاق الوقت عن التعلم. نعم إذا كان مقصراً في ترك التعلم وجب عليه أن يصلي مأموماً،

(مسألة 791): إذا تعلم بعض الفاتحة دون الباقي قرأه والأحوط استحباباً أن يقرأ من سائر القرآن على ان يساويها عرفاً. وإذا لم يعلم شيئاً من الفاتحة قرأ من سائر القرآن بقدرها على الأحوط، وإذا لم يعلم شيئاً من القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح والأحوط وجوباً أن يكون بقدرها أيضا، وإذا شك في المقدار لم يكن له الاجتزاء بالأقل بل له التطويل نسبياً برجاء المطلوبية إلى أن يعلم بالمساواة العرفية.

(مسألة 792): إذا عرف الفاتحة وجهل السورة فالظاهر سقوطها مع العجز عن تعلمها، والمراد بالسورة هنا كل سور القرآن الكريم التي يجوز قرائتها بعد الفاتحة.

(مسألة 793): تجوز اختياراً القراءة في المصحف الشريف وبالتلقين وان كان الأحوط استحباباً الاقتصار في ذلك على حال الاضطرار.(مسألة 794): يجوز العدول اختياراً من سورة إلى أخرى ما لم يتجاوز

ص: 235

النصف، والأحوط عدم العدول ما بين النصف والثلثين، ولا يجوز العدول بعد بلوغ الثلثين، هذا في غير سورتي الجحد والتوحيد، وأما فيهما فلا يجوز مطلقا العدول من إحداهما إلى غيرهما ولا إلى الأخرى حتى البسملة ان نويت لإحداهما. نعم يجوز العدول من غيرهما إليهما أو من إحدى السورتين الى الاخرى مع الاضطرار لنسيان بعضهما أو ضيق الوقت عن إتمامها أو كون الصلاة نافلة.

(مسألة 795): يستثنى من الحكم المتقدم يوم الجمعة، فان من كان بانياً فيه على قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى وسورة المنافقون في الثانية من صلاة الجمعة أو الظهر يومها فغفل وشرع في سورة أخرى فانه يجوز له العدول إلى السورتين وان كان من سورة التوحيد أو الجحد أو بعد تجاوز الثلثين من أي سورة كانت. والأحوط وجوبا له عدم العدول عن الجمعة والمنافقون في يوم الجمعة حتى إلى السورتين إلا مع الضرورة فيعدل إلى إحداهما دون غيرهما على الأحوط.

(مسألة 796): يتخير المصلي في ثالثة المغرب وأخيرتي الرباعيات بين الفاتحة والتسبيح، وصورته (سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر) هذا في غير المأموم. وأما فيه فالأحوط لزوماً اختيار التسبيح، وتجب المحافظة على العربية، ولا يجزي ذلك مرة واحدة بل الأحوط وجوبا التكرار ثلاثاً والأفضل إضافة الاستغفار إليه بعده، ويجب الإخفات في الذكر وفي القراءة بدله حتى البسملة على الأحوط وجوباً.

(مسألة 797): لا تجب مساواة الركعتين الأخيرتين في القراءة والذكر بل له القراءة في أحدهما والذكر في الأخرى.

(مسألة 798): إذا قصد أحدهما فسبق لسانه إلى الآخر، فالظاهر عدم الاجتزاء به، وعليه الاستئناف له أو لبديله، وإذا كان غافلاً وأتى به بقصد جزء الصلاة اجتزأ به وان كان على خلاف عادته أو كان عازما في أول الصلاة على غيره.

(مسألة 799): إذا قرأ سورة الحمد بتخيل انه في الأوليين، فذكر انه في الأخيرتين اجتزأ بهما. وكذا إذا قرأ سورة التوحيد - مثلا- بتخيل انه من الركعة

ص: 236

الأولى فذكر انه في الثانية.

(مسألة 800): إذا نسى القراءة والذكر، وتذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته. وإذا تذكر قبل ذلك ولو بعد الهوي رجع وتدارك. وإذا شك في قراءتهما بعد الركوع أو خلاله مضى، وإذا شك قبل ذلك تدارك. وان كان الشك بعد الاستغفار بل بعد الهوي أيضاً ما لم يدخل حد الركوع.

ص: 237

فروع في مستحبات القراءة

(مسألة 801): تستحب الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعتين الأوليين بل وفي الأخيرتين إذا اختار قراءة الفاتحة. واقله ان يقول: أعوذ بالله من الشيطان أو يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. أو يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. والأولى الإخفات بها.

(مسألة 802): يستحب الجهر بالبسملة في أوليي الظهر والترتيل في القراءة وتحسين الصوت بلا غناء، والوقف بالسكون على نهايات الآيات الكريمات. والسكتة بين الحمد والسورة وبين السورة وتكبير الركوع، أو القنوت. وأن يقول بعد قراءة التوحيد: كذلك الله ربي أو ربنا. وان يقول بعد الفراغ من الفاتحة: الحمد لله رب العالمين. والمأموم يقولها بعد فراغ الإمام منها.

(مسألة 803): قالوا: ويستحب قراءة بعض السور في بعض الصلوات. كقراءة عم وهل اتى وهل اتاك ولا اقسم في صلاة الصبح. وسورة الأعلى والشمس ونحوهما في الظهر والعشاء، وسورة النصر والتكاثر في العصر والمغرب. وسورة الجمعة في الركعة الأولى وسورة الأعلى في الثانية من العشائين ليلة الجمعة. وسورة الجمعة في الأولى والتوحيد في الثانية من صبحها. وسورة الجمعة في الأولى والمنافقون في الثانية من ظهريها. وسورة هل أتى في الأولى وهل أتاك في الثانية، في صبح الخميس والاثنين. ويستحب في كل صلاة قراءة القدر في الأولى والتوحيد في الثانية. وإذا عدل عن غيرهما إليهما أعطي اجر السورة التي عدل عنها مضافا إلى أجرهما، لما فيهما من فضل.

(مسألة 804): يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمس. ويكره قرائتها بنفس واحد. وقراءة سورة واحدة في كلتا الركعتين الأوليين الا سورة التوحيد.

(مسألة 805): لا بأس في قراءة سورتي الناس والفلق في صلاة الفريضة فضلا عن النافلة.

ص: 238

(مسألة 806): يجوز تكرار الآية والبكاء للمعاني الأخروية. ويجوز انشاء الخطاب بمثل: إياك نعبد وإياك نستعين مع قصد القرآنية، وكذا انشاء الحمد بقوله: الحمد لله رب العالمين. وانشاء المدح مثل الرحمن الرحيم وانشاء الدعاء بقوله: أهدنا الصراط المستقيم، على ان يكون قصد القرآنية هو الرئيسي.

(مسألة 807): إذا أراد أن يتقدم أو يتأخر أو يتحرك حركة معتداً بها غير منافية للصلاة، في أثناء القراءة، فالأحوط له ان يسكت. ثم يرجع بعد الطمأنينة إلى القراءة. ولا يضر تحرك اليد أو أصابع الرجلين حال القراءة.وإذا قرأ حال حركته التي ذكرناها غفلة أو سهواً صحت ولا يجب عليه التكرار وان كان أحوط بنية الرجاء.

(مسألة 808): إذا تحرك في حال القراءة قهرا لريح أو غيرها، بحيث فاتت الطمأنينة، فالأحوط استحبابا اعادة ما قرأ في تلك الحال فوراً.

(مسألة 809): يجب الجهر في جميع الكلمات والحروف في القراءة الجهرية.

(مسألة 810): تجب الموالاة بين حروف الكلمة بالمقدار الذي يتوقف عليه صدق الكلمة وتكون مفهومة للسامع. فإذا فاتت الموالاة سهواً بطلت الكلمة. وإذا كان عمدا بطلت الصلاة ما لم يكررها، كما تجب الموالاة بين الآيات، بحيث لا تخل بوحدة السورة، والموالاة بين الحمد والسورة بحيث لا تخل بوحدة القراءة. والموالاة بين أفعال الصلاة عموما، بحيث لا تخل باستمراره بالصلاة ويصدق عليه كونه مصليا. فان فات شيء من هذه الموالاة مع امكان التدارك تداركه وصحت صلاته وإلا بطلت.

(مسألة 811): تجب الموالاة بين الجار والمجرور، وبين حرف التعريف ومدخوله. ونحو ذلك مما يعد عرفا جزء الكلمة. كحرف العطف والضمائر المتصلة.

(مسألة 812): الأحوط الموالاة بين المضاف والمضاف إليه والمبتدأ وخبره والفعل وفاعله والشرط وجزائه والموصوف وصفته، والمجرور ومتعلقه، ونحو ذلك مما له هيئة خاصة على نحو لا يجوز الفصل فيه بالاجنبي. فإذا فاتت هذه الموالاة

ص: 239

أعاد القراءة بمقدار ما يعيد الموالاة. سواء كان فوتها عمدا أو سهوا. فان لم يعدها بطلت الصلاة.

(مسألة 813): لا تقدح في الموالاة ما لو سمع اسم النبي محمد فصلى عليه وعلى آله الطاهرين، كما لا يقدح لو ردّ السلام أثناء القراءة.

(مسألة 814): إذا وقف عمدا أو سهوا قبل همزة الوصل كما لو وقف على (الرحمن) في قوله تعالى (الرحمن الرحيم) كفى ان يقطع الهمزة الثانية ويقتصر على قوله: الرحيم.

(مسألة 815): إذا شكَّ في حركة كلمةٍ أو مخرج حروفها وأنَّه من هنا أو من هناك، لا يجوز له أن يقرأ بالوجهين، إذا لم يصدق على الآخر أنَّه ذكرٌ ولو غلطاً، وأمَّا إذا لم يوجب التردُّد الحاصل بين القراءتين خروج الكلمة عن كونها ذكراً، جاز له أن يقرأ بالوجهين ولا شيء عليه، وإلاَّ قرأ بوجهٍ واحدٍ رجاءً، فإن انكشف بعد الفراغ من الصلاة أنَّ ما قرأه مطابقٌ للواقع صحَّت صلاته ولا إعادة عليه، وإلاَّ أعادها، وان كان الأقوى عدمها ايضاً بناءً على ما قويناه من كفاية قراءة بعض السورة بعد الفاتحة.

(مسألة 816): الظاهر ان هناك فرقاً جذرياً بين صوتي الحرفين الضاد والظاء. فعلى المصلي أن يتعلم كيفية إخراج الحرفين. وهي شبهة موضوعية يُرجع فيها الى المتخصصين والذي نعمل به إخراج الضادبإمالة اللسان الى الضرس، وإخراج الظاء بوضع اللسان في فتحة الفم. ولا شيء على من يَتعذر عليه ذلك قصوراً لا تقصيراً.

ص: 240

الفصل الخامس: في الركوع

وهو واجب في كل ركعة مرة، فريضة كانت الصلاة أو نافلة عدا صلاة الآيات كما سيأتي، والصلاة على الميت كما سبق. كما انه تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمدا أو سهوا، عدا صلاة الجماعة، فلا تبطل بزيادته للمتابعة كما سيأتي. ويجب فيه أمور:

الأول: الانحناء بقصد الخضوع أو بقصد الوظيفة أو الجزئية. أو بدون قصد تفصيلي. قدر ما تصل أطراف الأصابع إلى الركبتين. وغير مستوى الخلقة لطول اليدين أو قصرهما يرجع إلى المتعارف. ولا بأس باختلاف أفراد مستوي الخلقة، فان لكل حكم نفسه. كما إن للاكتفاء بالوصول بالانحناء إلى حد الركوع وجه وان لم يحصل الحد المذكور.

الثاني: الذكر ويجزي منه، سبحان ربي العظيم وبحمده. أو سبحان الله ثلاثا. بل يجزئ مطلق الذكر من تحميد وتكبير وتهليل وغيرها إذا كان بقدر الثلاث الصغريات لا أقل من ذلك كأحد الأسماء الحسنى ولكن لابد من تكرارها ثلاثاً، متماثلة كانت كقولنا سبحان الله ثلاثا أو مختلفة كقولنا: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله. ويجوز الجمع بين التسبيحة الكبرى والثلاث الصغرى. وكذا بينها وبين غيرها من الاذكار. لكن لا بقصد الجزئية الواجبة في الزائد عن الواجب. وإلا بطلت الصلاة مع العلم والعمد والأفضل تكرار المستحب وكلما كان أكثر كان اشد استحباباً. إلا ان يكون ماحيا لصورة الصلاة، فيحرم الزائد.

(مسألة 817): يشترط في الذكر العربية والموالاة وأداء الحروف من مخارجها وعدم المخالفة في الحركات الإعرابية والبنائية. وخاصة إذا كان الاختلاف عمدا أو مغيرا للمعنى. وإذا عجز عن العربية ذكر بمقدار ما يمكنه منها، فان عجز ذكر بأي لغة. والأحوط اختيار لغته المعتادة له.

ص: 241

الثالث: الطمأنينة فيه بقدر الذكر الواجب. وهي أحوط استحبابا بل مستحبة في الذكر المندوب. ولا يجوز الشروع في الذكر قبل الطمأنينة وان دخل حد الركوع في الهوي. فان ذكر في تلك الحال وجبت اعادته. وان ذكرعن علم وعمد بقصد الجزئية بطلت صلاته.

الرابع: رفع الرأس منه حتى ينتصب قائماً. وهذا من واجبات الصلاة ولا يصح أن يكون من واجبات الركوع وان ذكره الفقهاء منها. لان الركوع ينتهي بانتهاء الذكر الواجب أو مطلق الذكر.

الخامس: الطمأنينة حال القيام المذكور ويأتي فيها ما قلناه في الفصل الثالث عن القيام.

(مسألة 818): إذا لم يتمكن من الطمأنينة في الركوع أو في القيام لمرض أو غيره سقطت. ولو تركها سهواً في الركوع إلى ان رفع رأسه أو في القيام إلى ان سجد، صحت صلاته. ولا كذلك جهلا على الأحوط.

(مسألة 819): إذا نسي الطمأنينة حال القيام وجب تداركها بالقيام مطمئناً مالم يصل إلى حد السجود وإلا سقطت.

(مسألة 820): إذا تحرك حال الذكر الواجب بسبب قهري، وجب عليه السكوت حال الحركة وإعادة الذكر. وإن ذكر حال الحركة، فان كان عن علم وعمد وبقصد الاجتزاء به بطلت صلاته وإلا صحت مع الإعادة، وان كان الذكر حال الحركة سهواً أجزأ وان كان الأحوط استحباباً تداركه.

(مسألة 821): إذا عجز عن الانحناء التام اعتمد على ما يعينه عليه. وإذا عجز عنه أتى بالممكن منه إذا كان داخلاً في حد الركوع وإلا أتى بالممكن مع الإيماء. وإذا دار أمره بين الركوع جالساً والإيماء إليه قائما فقد تقدّم تفصيله في مسالة (756)، ولابد في الإيماء من أن يكون برأسه ان أمكن، وإلا فبالعينين تغميضا له وفتحاً للرفع منه. ولا بأس بعدم التغميض الكامل وان كان أحوط.

(مسألة 822): إذا كان كالراكع خلقة أو لعارض. فان أمكنه الانتصاب للقراءة

ص: 242

والهوي للركوع وجب ولو بالاستعانة بعصا ونحوها، فان لم يتمكن من الانتصاب التام كفى الدخول في حد القيام الممكن لمثله عرفاً. وإن لم يمكن فالأحوط وجوبا أمّا يرفع جسده قليلا ثم ينحني للركوع، ومع تعذره ينحني زائدا على المقدار الحاصل له. بشرط ان لا يخرج عن حد الركوع. وإن لم يتمكن من شيء من ذلك أومأ برأسه للركوع وإلا فبعينيه على النحو السابق.

(مسألة 823): حد الركوع للجالس أن ينحني بمقدار ما يساوي وجهه ركبتيه. والأحوط استحباباً عدم الاقتصار على دخول الجبهة إلى هذا الحد، بل الأنف أو الذقن. وإذا لم يتمكن من ذلك انتقل إلى الإيماء.

(مسألة 824): إذا نسي الركوع، فهوى إلى السجود. وذكر قبل وضع جبهته على الأرض رجع إلى القيام منتصبا مطمئنا ثم ركع. وكذلك ان ذكره بعد ذلك قبل الدخول في السجدة الثانية على الأظهر. والأحوط استحباباً حينئذ إعادة الصلاة بعد الإتمام، ويسجد للسهو لزيادة السجود بعد الصلاة الأولى، وان نسي فبعد الثانية ان صلاها، وان ذكر ترك الركوع بعدالدخول في السجدة الثانية بطلت صلاته واستأنف.

(مسألة 825): يجب ان يكون الانحناء بقصد الركوع، فإذا انحنى بقصد ان يتناول شيئا من الأرض أو نحوه، ثم نوى الركوع، لم يجزئه. بل لابد من القيام ثم الركوع منه. وكذلك لو قام متقوساً للركوع بعد الجلوس كما سبق.

(مسألة 826): يجوز للمريض وسائر موارد الضرورة الاقتصار من ذكر الركوع على واحدة صغرى كقولنا: سبحان الله مرة واحدة. بل قد يتعين ولا تجوز الزيادة كما في ضيق الوقت أو الاستعجال لغرض واجب كإنقاذ غريق ونحوه.

(مسألة 827): قالوا: يستحب التكبير للركوع قبله، حال القيام مطمئناً قبل الشروع بالانحناء ورفع اليدين حالة التكبير. ووضع الكفين على الركبتين في الركوع اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى. ممكنا كفيه من عينيهما. ورد الركبتين إلى الخلف، وتسوية الظهر ومد العنق موازياً للظهر. ولا بأس بانحناء الرأس خشوعا.

ص: 243

وأن يكون نظره بين قدميه. وأن يجنح بمرفقيه. وأن يضع اليد اليمنى على الركبة قبل اليسرى. وان تضع المرأة كفيها على فخذيها. وتكرار التسبيح ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر، إلا ان يكون ماحياً لصورة الصلاة، كما سبق. وان يقول قبل التسبيح: اللهم لك ركعت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعقلي وعظامي وما اقلته قدماي، غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر. وأن يصلي على النبي وآله صلى الله عليهم أجمعين بعد ذكر الركوع.

(مسألة 828): يستحب ان يقول للانتصاب بعد الركوع: سمع الله لمن حمده وأن يضم إليه قوله: أهل الجبروت والكبرياء والعظمة. الحمد لله رب العالمين، وأن يرفع يديه ويكبر عندئذ.

(مسألة 829): يكره في الركوع ان يطأطئ رأسه لغير الخشوع أو أن يرفعه إلى فوق أو يضم يديه إلى جنبيه. فإن انتفت الطمأنينة بذلك بطل وبطلت الصلاة. ويكره أن يضع إحدى الكفين على الأخرى ويدخلهما بين ركبتيه. وان يقرأ القرآن في الركوع وان يجعل يديه تحت ثيابه ملاصقة لجسده.

الفصل السادس: السجود
اشارة

والواجب منه في كل ركعة سجدتان، وهما معا ركن تبطل الصلاةبنقصانهما معا وبزيادتهما كذلك عمدا أو سهوا. ولا تبطل بزيادة واحدة ولا ينقصها سهوا والمدار في تحقق مفهوم السجدة أو السجود وضع الجبهة على الأرض لله سبحانه وتعالى، وقد يقوم مقام الجبهة غيرها كالذقن كما يأتي، كما قد يقوم مقام الأرض غيرها كالنبات على تفصيل يأتي. وكون السجود لله اعم من الخضوع أو الخشوع أو الحب أو الامتثال أو نحوها، والمهم الفكرة الأساسية وهي التي تدور الزيادة والنقيصة للسجود مدارها.

ص: 244

وواجبات السجود أمور:

الأول: السجود على سبعة أعضاء: الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي القدمين. ويجب في الكف الباطن وفي الضرورة ينتقل إلى الظاهر ثم إلى الأقرب فالأقرب. ولا يجزي السجود على الأصابع فقط، ولا فيما اذا ضم أصابعه الى راحته سواء وضع ظاهر كفه على الارض ام باطنه. والأحوط استيعاب الكف على الأرض بالمقدار العرفي، وأما الإبهامان في القدمين فالأحوط مراعاة طرفيهما، ولا يهم بعد أن تكونا قائمين، أو مائلين قليلاً، متجاورين أم متباعدين أم متقابلين. ويجزي في الركبتين المسمى.

(مسألة 830): يكفي المسمى في الجبهة ولا يجب الاستيعاب، ويتحقق المسمى بمقدار الأنملة، والأحوط عدم الأنقص كما أن الأحوط كونه مجتمعا لا متفرقاً، فإن كان التفرق على شكل نقاط أو خطوط صغيرة مبثوثة فالاحتياط وجوبي، وإن كان على شكل انقسام المكان إلى نصفين أو أربعة مثلا، فهو استحبابي.

(مسألة 831): لا يعتبر في شيء من الأعضاء المذكورة المماسة للأرض، كما كان يعتبر في الجبهة.

(مسألة 832): المراد من الجبهة المقدار المنبسط في أعلى الوجه ما بين قصاص الشعر والحاجبين.

الثاني: من واجبات السجود. وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه وهي الارض أو ما ينبت منها غير المأكول والملبوس على ما مر في بحث المكان.

الثالث: الذكر على نحو ما تقدم في الركوع. والأحوط في التسبيحة الكبرى إبدال العظيم بالأعلى. فلو عكس سهوا أعاد، وان عكس عمدا كان من الذكر المطلق الذي لا يجزي اقل من ثلاث مرات على الأحوط.

الرابع: الطمأنينة فيه، كما مر في ذكر الركوع.

الخامس: كون المساجد في محالها حال الذكر، وإذ أراد رفع شيء منها سكت

ص: 245

إلى أن يضعه، ثم يرجع إلى الذكر الواجب. هكذا قال الفقهاء. غير أن الظاهر رجوع هذا الشرط إلى معنى الطمأنينة وليس شرطا مستقلا.

السادس: تساوي موضع جبهته وموقفه. إلا أن يكون الاختلاف بمقدار لبنة تحت الجبهة، وقدر بأربع أصابع مضمومة. ولا فرق بين الانحدار والتسنيم. نعم إذا كانت الارض منحدرة كسفح جبل فلا اعتباربالتقدير المذكور، بل يجوز الزيادة عليه، وان كان هو الأحوط استحباباً. ولا يعتبر ذلك في باقي المساجد على الأقوى.

السابع: رفع الرأس من السجود إلى أن ينتصب جالسا مطمئنا سواء في نهاية السجدة الأُولى أو الثانية. غير أننا قلنا في مثله في الركوع أن هذا من واجبات الصلاة ولا يمكن أن يكون من واجبات السجود.

الثامن: تعدد السجود إلى سجدتين دون نقيصة بحيث يكتفي بواحدة ولا زيادة بحيث تصبح ثلاثة أو أكثر، هذا مع العلم والعمد.

(مسألة 833): إذا وضع جبهته على الموضع المرتفع أو المنخفض فإن لم يصدق معه السجود جاز له رفعها ثم السجود على المستوى. وإن صدق معه السجود عرفاً أو كان المسجد مما لا يصح السجود عليه، فإن أمكن جرّ الجبهة إلى ما يصح السجود عليه جامعا للشرائط تعيّن. وإلا تعيّن الرفع والسجود على ما يجوز السجود عليه. وإن لم يمكن كل ذلك فالأحوط الإتمام والإعادة، وله القطع والاستيناف، وإذا وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه جاز جرها إلى المحل الأفضل والأسهل.

(مسألة 834): إذا ارتفعت جبهته من المسجد قهراً قبل الذكر أو بعده فإن أمكنه حفظها عن الوقوع ثانيا احتسبت له، وسجد أخرى بعد الجلوس معتدلاً إن كانت تلك هي الأُولى وإلا استمر بصلاته. وإن وقعت جبهته على المسجد ثانيا قهرا لم تحسب الثانية. فيرفع رأسه ويسجد الثانية إن كانت تلك هي الأُولى أيضا، وله أن يذكر في هذه السجدة القهرية بقصد القربة المطلقة أو رجاء المطلوبية. ولا يجب أن يسرع في رفع رأسه منها. كما لا تكون مبطلة لصلاته أو لسجوده الاختياري.

ص: 246

(مسألة 835): إذا عجز عن السجود التام انحنى بالمقدار الممكن، ورفع المسجد إلى جبهته، ووضعها عليه. والأحوط وضعه فوق ما يمنعه من التزلزل ولا يكفي إمساكه بيده أو بيد غيره. هذا مضافا إلى وضع سائر المساجد في محالها مع الإمكان وإلا وضع ما أمكن.

(مسألة 836): إن لم يمكنه الانحناء أصلاً، أو أمكن بمقدار لا يصدق معه السجود عرفا، أومأ برأسه، فإن لم يمكن فبالعينين، وإن لم يمكن فالأولى أن يشير إلى السجود باليد أو نحوها، مع الإمكان، وينويه بقلبه والأحوط له رفع المسجد إلى الجبهة، وكذا وضع المساجد في محالها.

(مسألة 837): إذا كان بجبهته قرحة أو نحوها مما يمنعه عن وضعه على المسجد، فإن لم يستغرقها سجد على الموضع السليم، ولو كان بحفر حَفيرة ليقع السليم على الارض. وإن استغرقها سجد على احد الجبينين مقدما للأيمن على الأحوط استحبابا. والأحوط لزوماً الجمع بينه وبين السجود على الذقن كل منهما برجاء المطلوبية، فان تعذر السجود على الجبين اقتصر على السجود على الذقن، فإن تعذر أومأ إلى السجود برأسه أو بعينه على ما تقدم.(مسألة 838): يجب على الأحوط في الإيماء بالرأس نيابة عن السجود إمالته بمقدار معتد به، وكذا في التفريق بينه وبين الإيماء للركوع بزيادة الإمالة للسجود. وكذا الأمر بالإيماء بالعينين في الحالتين المشار إليهما. كما لا يجزي الإيماء بعين واحدة، ويجب الذكر والطمأنينة وغيرها من واجبات السجود خلال الإيماء. إلاّ أن وجوب وضع المساجد الستة الأخرى على الارض مبني على الاحتياط الاستحبابي. وكذا وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه في الإيمائين أعنى بالرأس والعين.

(مسألة 839): لا بأس بالسجود على غير الارض أو ما لا يصح السجود عليه، في حال التقية، ولا يجب التخلص منها بالذهاب إلى محل آخر، نعم لو كان في ذلك المكان وسيلة لترك التقية بان يصلي على البارية أو نحوها مما يصح السجود عليه تعين.

ص: 247

فروع في مستحبات السجود

(مسألة 840): يستحب في السجود التكبير حال الانتصاب بعد الركوع. ورفع اليدين حاله. والسبق باليدين إلى الأرض واستيعاب الجبهة في السجود عليها. والارغام بالانف وهو وضعه على الرغام وهو التراب. وجعل اليدين مضموتي الأصابع حتى الإبهام حذاء الاذنين متوجها بهما إلى القبلة. والدعاء قبل الشروع في الذكر وتكرار الذكر والختم بالوتر واختيار التسبيح والكبرى منه وتثليثهما. والأفضل تخميسها وتسبيعها وان يسجد على الارض، بل التراب، ومساواة موضع الجبهة للموقف بل مساواة جميع المساجد لهما.

(مسألة 841): قيل: ويستحب الدعاء في السجود بما يريده من حوائج الدنيا والآخرة. خصوصا الرزق الحلال. كما يستحب التورك في الجلوس بين السجدتين وبعدهما، بان يجلس على فخذه اليسرى جاعلا ظهر قدمه اليمنى على بطن اليسرى. وان يقول بين السجدتين استغفر الله واتوب إليه. وان يكبر بعد الرفع من السجدة الاولى بعد الجلوس مطمئنا. ويكبر للسجدة الثانية قبلها وهو جالس. ويكبر بعد الرفع من الثانية كذلك. ويرفع اليدين حال التكبيرات.

(مسألة 842): يستحب وضع اليدين على الفخذين حال الجلوس اليمنى على الايمن واليسرى على الايسر، والتجافي في حال السجود بمعنى انحاء كفيه عن وجهه او ابعاد ذراعيه عن الارض وهو التجنح او ابعاد ذراعيه عن عضديه عندئذ او عن جبينه، وكله محتمل ومستحب.

(مسألة 843): يستحب ان يصلي على النبي صلى الله عليه واله في السجدتين ولا يكتفي بها عن الذكر في السجود.

(مسألة 844): يستحب ايضا ان يبسط يديه على الارض للنهوض من السجود، وان يطيل السجود ويكثر فيه من الذكر والتسبيح، وزيادةتمكين الجبهة.

(مسألة 845): يستحب للمرأة وضع اليدين بعد الركبتين عند الهوي إلى السجود، وعدم تجافيها بل تفرش ذراعيها وتلصق بطنها بالأرض، وتضم أعضاءها

ص: 248

ولا ترفع عجيزتها حال النهوض للقيام بل تنهض معتدلة.

(مسألة 846): يكره الاقعاء في الجلوس بين السجدتين، بل بعدهما ايضا، وهو ان يعتمد بصدر قدميه على الأرض، ويجلس على عقبيه. وبتعبير آخر: هو الجلوس على القدمين مرتفعين كحال السجود لا منخفضين كحال التشهد. ويكره ايضا نفخ موضع السجود اذا لم يتولد منه حرفان عرفيان والا لم يجز. وان لا يرفع بيديه عن الأرض بين السجدتين. وأن يقرأ القران في السجود.

(مسألة 847): الاحوط استحبابا الإتيان بجلسة الاستراحة، وهي الجلوس بعد السجدة الثانية في الركعتين الأولى والثالثة، مما لا تشهد فيهما. بل هي الاوفق بالسيرة لدى المتشرعة وبالأدب الشرعي.

فروع في السجود القرآني

يجب السجود عند قراءة آياته الأربع وهي: السجدة (الم تنزيل) وفصلت (حم تنزيل). ففي سورة السجدة في الآية (15) منها: انما يؤمن بآياتنا إلى قوله: وهم لا يستكبرون. وفي سورة فصلت في الآية (37) منها: ومن آياته إلى قوله تعبدون والنجم والعلق (اقرأ)، وفي سورة النجم في الآية الاخيرة منها: رقم (62) وفي سورة العلق في الآية الاخيرة رقم (19).

(مسألة 848): يمكن السجود عند الانتهاء من نفس الآية المحتوية على لفظ السجود، كما يمكن تأخيره إلى نهاية المقطع القرآني وهو الذي يتحدث عن نفس المعنى كما في سورة السجدة، ويمكن ايضا السجود بعد الانتهاء من كلمة السجود نفسها. وإن كان في ذلك تفكيك للسياق القرآني الا ان يستمر بالقراءة خلال السجود. وعلى اي حال يكون مبرءا للذمة.

(مسألة 849): يجب السجود لدى القراءة والاستماع وان كانا في الصلاة ولا يجب عند السماع وان كان احوط استحبابا. ووجوبه على الفور وتأخيره اثم الا ان يكون عن غفلة او نسيان او جهل، فان تذكر او علم وجب عليه السجود فورا مع

ص: 249

الإمكان، والا ففي اول ازمنة الامكان.

(مسألة 850): سبق تفصيل السجود اذا كان القارئ او المستمع خلال الصلاة. راجع (مسألة 764) وما بعدها.

(مسألة 851): يستحب السجود في احد عشر موضعا من القران الكريم.

1- في سورة الاعراف في اخر اية منها رقم (206). عند قوله (وله يسجدون).

2- في سورة الرعد اية (15) عند قوله (بالغدو والآصال).3- في سورة النحل اية (49) عند قوله (وهم لا يستكبرون) او في نهاية المقطع القرآني عند قوله (ويفعلون ما يؤمرون).

4- في سورة الإسراء (بني إسرائيل) اية (107) عند قوله: (سجدا)، او خلال المقطع القرآني عند قوله(لمفعولا). او في نهايته عند قوله: (ويزيدهم خشوعا).

5- في سورة مريم: اية (58) عند قوله (وبكيا).

6- في سورة الحج في اية (18) عند قوله (يفعل ما يشاء).

7- في سورة الحج أيضا في الاية (77) عند قوله (لعلكم تفلحون).

8- في سورة الفرقان اية (60) عند قوله (وزادهم نفورا).

9- في سورة النمل آية 26، عند قوله: رب العرش العظيم.

10- في سورة ص آية (24) عند قوله: (واناب) او قوله: (وحسن مآب).

11- في سورة الانشقاق آية (21) عند قوله (لا يسجدون).

والأولى السجود عند كل آية فيها امر بالسجود او قدح في عاقبة تركه.

(مسالة 852): ليس في هذا السجود تكبيرة افتتاح ولا تشهد ولا تسليم. ولا يشترط فيه الطهارة من الحدث ولا الخبث ولا الاستقبال. ولا طهارة محل السجود ولا الستر ولا صفات الساتر، وكذا وضع الجبهة على جهة الارض، ولا يجب ان تكون على ما يصح السجود عليه في الصلاة. وإن كان على الاحوط استحبابا اكيدا. وكذا عدم اختلاف المسجد في الارتفاع والانخفاض، الا ان يخرج عن صورة السجود عرفا. فلا يكون مجزيا. ولا بد فيه من النية واباحة محل السجود

ص: 250

ويستحب فيه الذكر الواجب في سجود الصلاة.

(مسالة 853): يتكرر السجود بتكرر السبب. وإذا علم ان عليه عدة سجدات واجبة وتردد بين الاقل والاكثر، جاز الاقتصار على الاقل. وإن كان الاحوط الاخذ بالاكثر. ويكفي في التعدد رفع الجبهة بمقدار معتد به ثم وضعها من دون رفع بقية المساجد او الجلوس.

(مسالة 854): يحرم السجود لغير الله سبحانه من دون فرق بين المعصومين (عليهم السلام) وغيرهم. وما يفعله البعض في مشاهد الائمة (عليهم السلام) من السجود على العتبات العاليات، لا بد ان يكون سجودا لله تعالى خضوعا او شكرا او تنزيها او نحو ذلك.

فروع في السجود المستحب

(مسألة 855): يستحب السجود شكرا لله تعالى عند تجدد كل نعمة أو دفع أية نقمة وعند تذكر ذلك والتوفيق لأداء أية فريضة أو نافلة، بل كل فعل خير ومنه إصلاح ذات البين، ويكفي سجدة واحدة والافضل سجدتانفيفصل بينهما بتعفير الخدين أو الجبينين أو هما معا مقدما الايمن على الايسر ثم وضع الجبهة ثانيا ويستحب فيه افتراش الذراعين والصاق الصدر والبطن بالارض وان يمسح موضع سجوده بيده ثم يمرها على وجهه ومقاديم بدنه وان يقول فيه شكرا أو شكرا لله مرة أو اكثر إلى مائة مرة أو مائة مرة عفوا عفوا أو مائة مرة الحمد لله شكرا، وكلما قال عشر مرات قال شكرا للمجيب. ثم يقول يا ذا المن الذي لاينقطع ابدا ولايحصيه غيره عددا وذا المعروف الذي لا ينفد ابدا ياكريم ياكريم ياكريم. ثم يدعو ويتضرع ويذكر حاجته، وقد ورد في بعض الروايات غير ذلك، وكله مجزيء والأحوط استحبابا فيه السجود على ما يصح السجود عليه والسجود على المساجد السبعة.

(مسألة 856) يستحب السجود بقصد التذلل لله تعالى، بل هو من أعظم العبادات وقد ورد انه اقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى وهو ساجد فإذا اقترن

ص: 251

بالدمع أو البكاء فهو افضل كما يكون افضل كلما كان اطول.

الفصل السابع: التشهد

وهو واجب في الصلاة الثنائية مرة بعد رفع الرأس من السجدة الاخيرة من الركعة الثانية، ويجب في الثلاثية والرباعية مرتين الاولى كما ذكر والثانية بعد رفع الرأس من السجدة الثانية من الركعة الاخيرة وهو واجب غير ركني فإذا تركه عمدا بطلت الصلاة وإذا تركه سهوا أتى به ما لم يركع وإلاّ قضاه بعد الصلاة. هذا في التشهد الاوسط، أما الاخير فان تركه سهوا ودخل بالتسليم أعاده مع التسليم، وكذا إذا انتهى من التسليم ما لم يدخل في فعل آخر غير الصلاة أو تنقطع المولاة فيقضيه عندئذ.

(مسألة 857): الواجب فيه الشهادتان ثم الصلاة على محمد وآله والأحوط في عبارته ان يقول: اشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له واشهد ان محمداً عبدُه ورسوله اللهم صل على محمدٍ وآل محمد.

(مسألة 858): يجب فيه الجلوس بأي كيفية كانت والطمأنينة والاستقرار فيه وان يكون على النهج العربي مع المولاة بين فقراته وكلماته والعاجز عن التعلم إذا استطاع أن يأتي بمضمونه بعبارات اخرى تعين وإلا فان وجد من يلقنه وجب، وإلا أجزأته الترجمة وإذا عجز عنها أتى بسائر الاذكار بقدره على الأحوط وجوبا.

(مسألة 859): يكره الاقعاء فيه بل يستحب فيه الجلوس متوركا كما تقدم في السجود وان يقول قبل الشروع بالذكر: الحمد لله أو يقول بسم الله وبالله والحمد لله وخير الاسماء لله أو الاسماء الحسنى كلها لله، وان يجعل يديه على فخذيه منضمة الاصابع وان يكون نظره إلى حجره وان يقول بعدالصلاة على النبي وآله وتقبل شفاعته وارفع درجته في التشهد الاول قيل: وفي الثاني وان يقول: سبحان الله سبعا بعد التشهد الاول ثم يقوم وان يقول حال النهوض عنه بل أي نهوض في الصلاة

ص: 252

بحول الله أو يضيف وقوته أو يضيف أقوم واقعد أو يضيف واركع واسجد متصلة بها.

الفصل الثامن: التسليم

وهو واجب في كل صلاة وآخر أجزائها وبه يخرج عنها وتحل له منافياتها وله صيغتان:

الاولى: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

والثانية: السلام عليكم بإضافة ورحمة الله وبركاته على الأحوط وجوبا وبأيهما أتى فقد خرج من الصلاة وإذا بدأ بالأولى استحبت له الثانية بخلاف العكس، وأما قول السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فليس من صيغ السلام ولا يخرج به عن الصلاة بل هو مستحب قبل التسليم الواجب لا بعده.

(مسألة 860): يجب الاتيان بالتسليم على النهج العربي كما يجب الجلوس والطمأنينة حاله والعاجز عنه كالعاجز عن التشهد في الحكم المتقدم.

(مسألة 861): إذا أحدث قبل التسليم أو في أثنائه فان كان عمدا بطلت الصلاة، وكذا نسيانا أو جهلا أو سهواً على الأحوط وجوبا وعليه الاعادة.

(مسألة 862): إذا وقع منه غير الحدث من المنافيات سهوا قبل التسليم أو خلاله، فان كان مما يبطل الصلاة عمداً وسهواً انقطع التسليم وصحت صلاته، وان كان مما يقطع الصلاة عمداً لا سهواً تعين عليه الاستمرار بالتسليم وصحت صلاته، فان تخيّل البطلان وترك التسليم يكون تاركا له جهلا والأحوط استحبابا الحاقه بالعامد.

(مسألة 863): إذا نسي سجدة أو سجدتين وتذكر بعد التشهد أو بعد التسليم ولم يفعل المنافي، وكذا إن تذكر خلالهما فانه يحذف ما بيده ويتدارك ما فاته ويستمر بصلاته، ويسجد سجدتي السهو لزيادة التشهد أو التسليم أو هما معا. وأما إذا فعل المنافي عمدا أو سهوا فتبطل معه الصلاة وتجب الاعادة لو ترك سجدتين

ص: 253

وأما لو ترك واحدة قضاها بعد الصلاة وسجد سجدتي السهو.

(مسألة 864): يستحب فيه التورك في الجلوس ووضع اليدين على الفخذين ويكره الاقعاء كما سبق في التشهد.

الفصل التاسع: الترتيب

يجب الترتيب بين افعال الصلاة على نحو ما عرفت فإذا عكس الترتيب فقدّم مؤخرا فان كان عمدا بطلت صلاته، وإن كان سهوا أو جهلاً من غير تقصير: فإن قدم ركنا على ركن كما إذا قدّم السجدتين على الركوع بطلت صلاته، واما إذا قدم سهوا أو في جهل قصوري الركن على غير الركن كما إذا ركع قبل القراءة مضى وفات محل ما ترك وسجد سجدتي السهو للنقيصة، ولو تقدّم غير الركن عليه تدارك على وجه يحصل معه الترتيب وكذا لو قدم غير الاركان بعضها على بعض فيتدارك ما لم يدخل في ركن.

الفصل العاشر: الموالاة

وهي واجبة في أفعال الصلاة بمعنى عدم الفصل بينها على وجه يمحو صورة الصلاة في نظر اهل الشرع وهي بهذا المعنى تبطل الصلاة بفواتها عمدا أو سهوا، ولا يضر بالموالاة تطويل الركوع والسجود وقراءة السور الطوال إلا ان يخرج عن كونه مصليا بحيث يراه العرف واقفا يقرأ القرآن مدة طويلة ولا يركع، إلا أن الأظهر كونه مبنيا على الاحتياط الاستحبابي. وكذا إن كان التطويل موجبا للغفلة عن النية فانه يجددها قلبيا متى انتبه وتصح صلاته. واما المولاة بمعنى توالي الاجزاء وتتابعها وان لم يكن دخيلا في حفظ مفهوم الصلاة عرفا ومتشرعياً، فوجوبها محل اشكال أظهرها العدم من دون فرق بين العمد والسهو.

ص: 254

الفصل الحادي عشر: القنوت

وهو مستحب في جميع الصلوات فريضة كانت أو نافلة، حتى في ركعتي الشفع، إلا إذا أتى بها متصلة بالوتر، فيأتي بهذه الهيئة برجاء المطلوبية ويقنت في الثانية برجاء المطلوبية أيضا، ويتأكد استحباب القنوت في الفرائض الجهرية خصوصا الصبح والجمعة والمغرب وفي الوتر من النوافل. بل الأحوط استحبابا عدم تركه في الفرائض عموما، لانعليه سيرة المتشرعة جيلا بعد جيل.

(مسألة 865): المستحب من القنوت مرة بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية، إلا في موارد:

منها: في الجمعة ففيها قنوتان قبل الركوع في الاولى وبعده في الثانية.

ومنها: في العيدين ففيها خمسة قنوتات في الاولى وأربعة في الثانية.

ومنها: في الآيات ففيها عدة صور للقنوت:

الاولى: قنوتان قبل الركوع الخامس من الاولى وقبله من الثانية.

الصورة الثانية: قنوت واحد قبل الركوع الخامس من الثانية.

الصورة الثالثة: خمس قنوتات قبل كل ركوع زوج.

ومنها: في الوتر ففيها قنوتان قبل الركوع وبعده والأحوط وجوبا الاتيان بالثاني بقصد رجاء المطلوبية.

(مسألة 866): لا يشترط في القنوت قول مخصوص بل يكفي فيه ما يتيسر من ذكر أو دعاء أو حمد أو ثناء أو صلاة، ويجزي سبحان الله خمسا أو ثلاثا أو مرة بل يجزيء فيه الذكر والدعاء حتى لو كان شعرا أو ملحونا أو بلغة عامية أو غير عربية ما لم يقل ضلالا أو يطلب المحرم، نعم لا ريب في رجحان ما ورد عنهم عليهم السلام من الادعية فيه والادعية التي في القرآن الكريم وكلمات الفرج.

(مسألة 867): يستحب التكبير قبل القنوت ورفع اليدين حال التكبير

ص: 255

ووضعهما ثم رفعهما حيال الوجه والسيرة على بسطهما بجعل باطنهما نحو السماء وظاهرهما نحو الأرض وان تكونا منضمتين مضمومتي الاصابع وأن يكون نظره إلى كفيه.

(مسألة 868): يستحب الجهر بالقنوت للامام والمنفرد والمأموم ولكن يكره للمأموم أن يسمع الامام صوته.

(مسألة 869): اذا نسي القنوت وهوى للركوع، فان ذكر قبل الوصول إلى حد الركوع رجع، وان كان بعد الوصول إليه قضاه حين الانتصاب بعد الركوع، وإذا ذكره بعد الدخول في السجود قضاه بعد الصلاة جالسا مستقبلا والأحوط استحبابا ذلك فيما إذا ذكره بعد الهوي إلى السجود قبل وضع الجبهة بمعنى انه لا ينبغي أن يكرر القيام لقضاء القنوت وان لم يسجد غير أنَّ الظاهر أن هذا مبنى على الاحتياط الاستحبابي وإذا ترك القنوت عمدا في محله أو بعد ما ذكره فلا قضاء له ولا تبطل الصلاة بتركه.

الفصل الثاني عشر: التعقيب

وهو الاشتغال بعد الفراغ من الصلاة بالذكر والدعاء. ومنه أن يكبر ثلاثا بعد التسليم رافعا يديه على نحو ما سبق ومنه - وهو أفضله - تسبيح الزهراء (عليها السلام) وهو التكبير أربعا وثلاثين مرة ثم الحمد ثلاثا وثلاثين ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين ويستحب ان يقول بعده: لا إله إلا الله مرة واحدة. ومنه قراءة سورة الحمد وآية الكرسي وآية شهد الله وآية الملك وغير ذلك كثير مما مذكور في الكتب المعدة له

(مسألة 870): يصدق التعقيب ويجزيء بكل قول حسن شرعا بالذات من قرآن أو دعاء أو ثناء أو تنزيه بأية لهجةٍ أو أية لغةٍ كانت، وفي صدقه على الموعظة والاجوبة الدينية ونحوه اشكال.

ص: 256

(مسألة 871): يعتبر في التعقيب أن يكون متصلا بالفراغ من الصلاة عرفا على وجه لا يشاركه الاشتغال بشيء آخر كالصنعة ونحوها مما تذهب به هيئته عند المتشرعة. نعم، لا يبعد زوال هذا الشرط مع الاستعجال.

ص: 257

المبحث الثالث: مبطلات الصلاة

اشارة

وهي امور:

الامر الاول: الحدث سواء كان أصغر أم أكبر فانه مبطل للصلاة أينما وقع في أثنائها عمدا أو سهوا، ويستثنى من الحكم المذكور المسلوس والمبطون ونحوهما اذا تكرر منه الحدث الخاص به لا غير وكذلك المستحاضة كما تقدم.

الامر الثاني: الالتفات بكل البدن عن القبلة ولو سهوا أو قهرا من ريح أو زحام أو غيرهما، والساهي ان لم يذكره إلا بعد خروج الوقت لم يجب عليه القضاء، أما إذا ذكر في الوقت كرر الصلاة إلا إذا لم يبلغ احدى نقطتي اليمين واليسار فلا اعادة حينئذ فضلا عن القضاء، وكذا الحكم مع الالتفات بالوجه خاصة إلى اي مقدار كان مع حفظ البدن وان كان الأحوط خلافه وخاصة مع طول المدة بحيث يخرج عرفا عن كونه مستقبلا.

الأمر الثالث: ما كان ماحيا لصورة الصلاة بنظر الشرع، كالرقص والتصفيق الكثير والاشتغال بمثل الخياطة والنساجة بالمقدار المعتد به ونحو ذلك، ولا فرق في البطلان بين صورتي العمد والسهو، بل والاضطرار والإكراه. بل وإن كان قليلا ماحياً، كالوثبة. أمّا الفعل غير الماحي فان كان مفوتاً للموالاة بمعنى المتابعة العرفية، فهو مبطل مع العمد دون السهو، وان لم يكن مفوتاً للموالاة فعمده غير مبطل فضلاً عن سهوه وان كان كثيراً كحركة الرأس واليد والأصابع ونحوها.

(مسألة 872): لا بأس بحمل الطفل ووضعه وارضاعه، والمشي خطوات قليلة، مع حفظ الاستقبال وإن كان عرضاً، وخاصة لتحسين محل الصلاة. وكذلك الانحناء لتناول شيء من الأرض، ومناولة الشيخ العصا، وقتل الحية والعقرب إذا تم بضربات بسيطة. وكذلك الجهر بالذكر أو القرآن للإعلام، ونحو ذلك مما لا يعد منافياً للصلاة عند المتشرعة.

(مسألة 873): الأحوط بطلان الصلاة فيما إذا أتى المكلف في اثنائها بصلاة اخرى. سواء كان عمداً أو سهواً لزيادة الركن في اثنائها بتكبيرة الاحرام. وامّا الثانية

ص: 258

فلا وجه لبطلانها مع السهو عن الأولى حين الدخول بها، فريضة كانت ام نافلة. اما مع العمد فالاحوط استحباباً بطلان كلتا الصلاتين إذا كانت الأولى فريضة، وصحة الثانية إذا كانت الأولى نافلة. ولا يفرق في ذلك بين ما هو مضيق وقته منهما أو غير مضيق.

(مسألة 874): إذا اتى بفعل كثير، أو سكوت طويل، وشك في فوات الموالاة ومحو الصورة، بني على الصحة واتم الصلاة. ما لم يكن ظن البطلان راجحاً، فيبطل ما في يديه ويستأنف.

الأمر الرابع: الكلام عمدا إذا كان مؤلفاً من حرفين، ويلحق به الحرف الواحد المفهم. مثل (قِ) فعل امر من الوقاية فتبطل الصلاة به مع قصدهعمداً. والأحوط قدح الحرف الواحد غير المفهم، مثل حروف المباني التي تتألف منها الكلمة أو حروف المعاني كهمزة الاستفهام ولام الابتداء.

(مسألة 875): لا تبطل الصلاة بالتنحنح والنفخ والأنين والتأوه، ما لم تتولد منها حروف تامة. وإذا قال: آه أو آه من ذنوبي. فان كان شكاية إلى الله تعالى لم تبطل. والا بطلت.

(مسألة 876): لا فرق في الكلام المبطل عمدا بين ان يكون مع مخاطب او لا. ولا بين ان يكون مضطرا فيه أو مكرها أو مختاراً. نعم، لا بأس بالتكلم سهواً ولو لاعتقاد الفراغ من الصلاة أو الغفلة عنها.

(مسألة 877): لا بأس بالذكر والدعاء وقراءة القرآن وسائر انحاء التمجيد والتذلل، في جميع أحوال الصلاة. وأمّا الدعاء بالمحرم فالظاهر عدم البطلان به وان كان محرما في نفسه.

(مسألة 878): إذا لم يكن الدعاء مناجاة له سبحانه بل كان المخاطب به غيره كما إذا قال لشخص: غفر الله لك، أو قال للعاطس رحمك الله، فالاحوط بطلان صلاته، وإن صدق الدعاء والذكر عليه الا ان المخاطب غير الله تعالى.

(مسألة 879): لو اضطر المصلي إلى الكلام في الصلاة لدفع ضرر عن النفس

ص: 259

أو غيره، جاز له الكلام وبطلت صلاته.

(مسألة 880): إذا ذكر الله تعالى في الصلاة أو دعا أو قرأ القرآن على غير وجه العبادة، كما لو كان بقصد التنبيه على امر أو نحو ذلك لم تبطل الصلاة. نعم، لو لم يقصد الذكر ولا الدعاء وانما جرى على لسانه مجرد التلفظ بطلت، وليس كذلك ما لو تلفظ بالقرآن بدون قصده فانه يبقى مصليا.

فروع في رد السلام خلال الصلاة

(مسألة 881): لا يجوز للمصلي ابتداء السلام ولا غيره من أنواع التحية. نعم، يجوز رد السلام بل يجب. وان لم يرد ومضى في صلاته صحت وإن اثم.

(مسألة 882): الأحوط ان يكون رد السلام في أثناء الصلاة بمثل ما سلم فلو قال المسلم: سلام عليكم، يجب ان يكون جواب المصلي سلام عليكم. والأحوط المماثلة في التعريف والتنكير والأفراد والجمع. وكذلك لو سلم المسلم بصيغة الجواب فقال: عليك السلام. والأحوط وجوبا عدم تبديل الضمير بالظاهر بان يقول المصلي مثلاً: على مولانا السلام.

(مسألة 883): يستحب في غير الصلاة الجواب بالأحسن، فيقول: في سلام عليكم عليكم السلام. أو مع اضافة: ورحمة الله أو مع اضافة وبركاته. أما إذا قال المسلم السلام عليكم ورحمة الله أو مع اضافة:وبركاته، فالاحوط وجوبا اعادة نفس القيود في جوابه، والا كان من الجواب بالأقل، وهو ممنوع عنه شرعا. ويجوز الإضافة على صيغة الجواب بأي صيغة احترام أخرى. اما الاقتصار على صيغ أخرى خالية من لفظ السلام، فهو جائز ان كان الابتداء خاليا منه ايضا. واما إذا كان حاويا له وجب الرد بالسلام، ويحرم تركه مهما كان الجواب مهماً ومرضيا للطرف الآخر، ومعه فما عليه البعض من الجواب على السلام بغير صيغة السلام، محل اشكال بلا اشكال.

(مسألة 884): إذا سلم بالملحون وجب الجواب في الصلاة وغيرها. والأحوط

ص: 260

ان كان في الصلاة ان يكون فصيحا.

(مسألة 885): إذا كان المسلِّم صبيا مميزا أو امرأة أو عبدا أو مسلما على غير مذهبه أو فاسقا، فالظاهر وجوب الرد. ما لم يكن محكوماً بكفره أو كافراً حتى لو كان كتابيا. فانه غير واجب مطلقا، بل وغير جائز في الصلاة على الأحوط.

(مسألة 886): يجب اسماع رد السلام في غير حال الصلاة دون حالها. وان كان غير مبطل لها، بل هو الأحوط.

(مسألة 887): إذا كانت التحية بغير السلام مثل، صبحك الله بالخير، لم يجب الرد في الصلاة وغيرها إلا إذا ترتبت عناوين اخرى كايذاء المؤمن، والجواب على اية حال أولى وأحوط. وإذا اراد الرد في الصلاة فالاحوط وجوبا الرد بقصد الدعاء على نحو يكون المخاطب به الله سبحانه: اللهم صبحه بالخير.

(مسألة 888): يكره السلام على المصلي.

(مسألة 889): إذا سلم واحد على جماعة كفى رد واحد منهم. وإذا سلم واحد على جماعة منهم المصلي، فرد واحد منهم، فالاحوط للمصلي عدم الرد، وان كان الراد صبيا مميزا. وكذلك إذا شك المصلي في ان المسلم قصده مع الجماعة، لم يجز له الرد، وان لم يرد اي منهم.

(مسألة 890): إذا سلم مرات عديدة كفى في الجواب مرة، وإذا سلم بعد الجواب احتاج إلى جواب آخر من دون فرق بين المصلي وغيره ما دام الابتداء بالسلام جدّيا كما هو المفروض.

(مسألة 891): إذا سلم على شخص مردد بين شخصين لم يجب على اي منهما الرد. وفي الصلاة لا يجوز الرد. ونحوه إذا شك الفرد المصلي أو غيره انه مخاطب بالسلام أو غيره.

(مسألة 892): إذا تقارن شخصان بالابتداء بالسلام، وجب على كل منهما الرد على الاخر على الأحوط. وليس كذلك لو كان قصد كل منهما الرد بتخيل ان الاخر سلم عليه أو شك في ذلك.

ص: 261

(مسألة 893): إذا شك في حصول اصل التحية من الاخر لم يجب الرد، وكذا إذا شك في كونها سلاما أو غيره. وكذا إذا شك في ان المسلِّمممن يجب رده ام لا. والمصلي في كل ذلك لا يجوز له الرد الا بقصد الدعاء أو القرآن.

(مسألة 894): إذا سلم سخرية أو مزاحا، فالظاهر عدم وجوب الرد.

(مسألة 895): إذا قال: سلام بدون عليكم، فالاحوط وجوب الرد في الصلاة وغيرها. وكذلك إذا بدل المسلم الضمير بالظاهر.

(مسألة 896): يجب رد السلام فورا. فإذا اخر عصياناً أو نسياناً حتى خرج عن صدق الجواب لم يجب الرد، وفي الصلاة لا يجوز. وتأخيره أو تركه في الصلاة غير مبطل لها. وإذا شك في الخروج عن الصدق وجب، وان كان في الصلاة. وان كان الأحوط فيها قصد الدعاء أو القرآنية عندئذ.

الأمر الخامس: من مبطلات الصلاة: تعمد القهقهة. وهي الضحك المشتمل على الصوت والترجيع، بل مطلق الصوت على الأحوط وجوبا، وخاصة مع اشتماله على بعض الحروف. ولا بأس بالتبسم مطلقا وبالقهقهة سهوا.

(مسألة 897): لو أمتلأ جوفه ضحكا واحمر، ولكنه حبس نفسه عن اظهار الصوت لم تبطل صلاته. والأحوط استحبابا الإتمام والإعادة.

الأمر السادس: تعمد البكاء المشتمل على الصوت، إذا كان لأمر من امور الدنيا أو لذكر ميت، فإذا كان خوفا من الله سبحانه أو شوقا إلى رضوانه أو تذللا له ولو لقضاء حاجة دنيوية فضلا عن الدينية أو الاخروية، فلا باس به. وكذا ما كان منه على سيد الشهداء عليه السلام إذا كان راجعا إلى الآخرة، كما لا باس بالبكاء إذا كان سهوا أو كان بدون صوت مطلقا لدين كان أو لدنيا، واما البكاء اضطرارا بصوت بان غلبه البكاء فلم يملك نفسه، فالاحوط كونه مبطلا.

الأمر السابع: الأكل والشرب، وان كان قليلا، ما دام صدق الأكل والشرب قائما، وإذا لم يصدق ذلك لم يكن مبطلا، كابتلاع السكر المذاب في الفم وبقايا الطعام، ولو أكل أو شرب سهوا، فان بلغ حد محو الصورة كان مبطلا، والا فلا باس

ص: 262

به.

(مسألة 898): يستثنى من ذلك ما اذا كان عطشانا مشغولا في دعاء الوتر وقد نوى ان يصوم وكان الفجر قريبا يخشى مفاجأته والماء امامه أو قريب منه قدر خطوتين أو ثلاثة فانه يجوز له التخطي والارتواء ثم الرجوع إلى مكانه مع المحافظة على الاستقبال ويتم صلاته، والأحوط استحبابا الاقتصار على الوتر المندوب دون ما كان واجبا كالمنذور، ولا يبعد التعدي من الدعاء إلى سائر الأحوال، كما لا يبعد التعدي من الوتر إلى سائر النوافل في نفس الظروف اعلاه بشرط ان لا تصبح واجبة على الأحوط، ولا يجوز التعدي من الشرب إلى الأكل ولا من الحركة القليلة إلى الكثيرة الماحية لصورة الصلاة.الامر الثامن: التكفير وهو وضع إحدى اليدين على الأخرى كما يتعارف عند غيرنا فانه مبطل للصلاة اذا اتى به عمدا سواء قصد الجزئية ام لا، ولا يكون مبطلا إذا وقع سهوا أو تقية أو كان لغرض اخر كحك جسده أو نحوه.

الأمر التاسع: تعمد قول آمين بعد اتمام الفاتحة إماماً كان أو مأموما، اخفت بها أو جهر، فانه مبطل سواء قصد الجزئية أو لم يقصد، ولا باس به إذا كان سهوا أو تقية بل قد يجب، وإذا تركه حينئذ اثِمَ وصحت صلاته على الأظهر.

فروع في قطع الفريضة

(مسألة 899): إذا شك بعد السلام في انه احدث في اثناء الصلاة أو فعل ما يوجب بطلانها بنى على العدم.

(مسألة 900): إذا علم انه نام اختيارا وشك في انه اتم الصلاة ثم نام أو نام في أثنائها غفلة عن كونه في الصلاة بنى على صحة الصلاة، واما إذا احتمل ان نومه كان عن عمد وابطالاً منه للصلاة فالاحوط وجوبا الإعادة، وكذلك إذا علم انه غلبه النوم قهراً، وشك في انه كان في اثناء الصلاة أو بعدها كما إذا رأى نفسه في السجود وشك في انه سجود الصلاة أو سجود الشكر.

ص: 263

(مسألة 901): لا يجوز قطع الفريضة اختيارا على الأحوط الأولى. ويجوز لضرورة دينية أو دنيوية، كحفظ المال واخذ العبد الأبق ومنع الغريم من الفرار والدابة من الشراد. ونحو ذلك. بل لا يبعد جوازه لاي غرض يُهتمَّ به دينيا كان أو دنيويا. وان لم يلزم من فواته ضرر، فإذا صلى في المسجد، وعلم في الاثناء ان فيه نجاسة جاز القطع مع سعة الوقت والاشتغال بالإزالة. كما يجوز قطع الفريضة المشكوك في صحتها وان كانت صحتها هي مقتضى القاعدة، كما لو كانت مجرى قاعدة التجاوز، حتى لو كان مورد الشك واحداً فضلا عن الاكثر. ويجوز قطع النافلة وان كانت منذورة. لكن الأحوط استحباباً في المنذورة الترك. بل الأحوط استحبابا ترك قطع النافلة في غير مورد جواز قطع الفريضة. والأحوط الأولى تجنب قطع كل صلاة ما لم يكن قطعها واجبا.

(مسألة 902): إذا وجب القطع، فتركه، واشتغل بالصلاة اثم وصحت صلاته.

(مسألة 903): يكره في الصلاة الالتفات في الوجه ولو قليلا. وكذلك بالعين. والعبث باليد واللحية والرأس والأصابع، فضلا عن شي اخر كالمسبحة. ويكره نفخ موضع السجود والبصاق وفرقعة الأصابع والتمطي والتثاؤب. فان اخرج منه حروفا عمدا بطلت، ومدافعة البول والغائطوالريح، والتكاسل والتناعس والتثاقل والامتخاط ووصل احدى القدمين بالأخرى بلا فصل بينهما. وتشبيك الأصابع، ولبس الخف أو الجورب الضيق، وحديث النفس، والنظر إلى نقش الخاتم والمصحف والكتاب، ووضع اليد على الورك متعمدا. وغير ذلك مما ذكر في المفصلات.

(مسألة 904): بعض ما ذكرناه مكروها قد ترتفع كراهته، كمدافعة الحدث في ضيق الوقت. والبصاق إذا كان يمنع القراءة أو الذكر. وحديث النفس إذا كان خارجا عن الاختيار وكذلك التكاسل وانتظار حال أفضل للصلاة. إلى غير ذلك.

ص: 264

فروع في الصلاة على النبي وآله

(مسألة 905): تستحب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) لمن ذكره أو ذكر عنده. ولو كان في الصلاة، من دون فرق بين ذكره باسمه الشريف أو لقبه أو كنيته أو بالضمير.

(مسألة 906): إذا ذكر اسمه مكررا استحب تكرارها. وان كان في اثناء التشهد لم يكتف بالصلاة التي هي جزء منه. كما لا يكتفي بالصلاة الأخرى عما يجب فيه، وهذا حكم الزامي. فلو خالفه بطلت صلاته.

(مسألة 907): الظاهر كون الاستحباب على الفور. ولا يعتبر فيها كيفية خاصة. نعم لابد من ضم آله عليهم السلام اليه في الصلاة عليه.

(مسألة 908): كل دعاء من الفرد الاعتيادي فهو محتمل الرد إلا الصلاة على النبي وآله، فانها مضمونة الإجابة. ولذا فمن الراجح في الدعاء البدء بالصلاة والختم بها حتى يكون ما بينهما من الدعاء مجابا.

(مسألة 909): استحباب الصلاة غير منحصر لدى ذكره (صلى الله عليه وآله) وان كان اوكد. بل هو ثابت في كل حين، ما لم يزاحم واجبا أو مستحبا أضيق وقتا.

ص: 265

المقصد السادس: الخلل الواقع في الصلاة

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في الزيادة والنقيصة

من أخل بشيء من أجزاء الصلاة وشرائطها عمداً بطلت صلاته، ولو كان بحرف أو حركة من القراءة أو الذكر. وكذا من زاد فيها جزءا عمداً قولا أو فعلا بقصد الجزئية، من غير فرق في ذلك كله بين الركن وغيره، ولا بين كونه موافقا لأجزاء الصلاة أو مخالفاً، ولا بين أن يكون ناويا ذلك في الابتداء أو في الأثناء.

(مسألة 910): لا تتحق الزيادة إلا بقصد الجزئية للصلاة، فان فعل شيئا لا بقصدها مثل حركة اليد وحك الجسد ونحو ذلك مما يفعله المصلي لا بقصد الصلاة لم يقدح فيها، إلا أن يكون ماحيا لصورتها.

(مسألة 911): من زاد جزءا سهوا، فان كان ركنا بطلت صلاته وإلا لم تبطل.

(مسألة 912): من نقص جزءا سهواً، فان التفت قبل فوات محله تداركه وما بعده، وان كان بعد فوات محله، فان كان ركنا بطلت صلاته، وإلا صحت وعليه قضاءه بعد الصلاة إذا كان المنسي تشهدا أو سجدة واحدة كما سيأتي.

(مسألة 913): يتحقق فوات محل الجزء المنسي بأمور:

الاول: الدخول في الركن اللاحق، كمن نسي القراءة أو الذكر أو بعضا منهما أو الترتيب بينهما، والتفت بعد الوصول إلى حد الركوع، فانه يمضي في صلاته. أما إذا التفت قبل الوصول إلى حد الركوع فانه يرجع ويتدارك الجزء وما بعده على الترتيب وان كان المنسي ركنا، كمن نسي السجدتين حتى ركع بطلت صلاته، وإذا التفت قبل الوصول إلى حد الركوع تداركهما. وإذا نسي سجدة واحدة أو تشهدا أو

ص: 266

بعضه أو الترتيب بينهما حتى ركع صحت صلاته ومضى. وان ذكر قبل الوصول إلى حد الركوع تدارك المنسي وما بعده على الترتيب. وعليه في جميع هذه الفروض سجدتا السهو للزيادة والنقيصة على الأحوط وجوبا، كما قد يجب قضاء الجزء المنسي، كما سيأتي تفصيله.

الثاني: الخروج من الصلاة، فمن نسى السجدتين من الركعة الاخيرة حتى سلم واتى بما ينافي الصلاة عمدا أو سهوا بطلت صلاته. وان ذكر قبلالإتيان به رجع وأتى بهما وتشهد وسلم، ثم سجد سجدتي السهو للسلام الزائد، وكذا من نسي إحداهما أو التشهد أو بعضه حتى سلم ولم يأتِ بالمنافي فانه يرجع ويتدارك المنسي ويتم صلاته، ويسجد سجدتي السهو، وإذا ذكر ذلك بعد الاتيان بالمنافي صحت صلاته ومضى. وعليه قضاء المنسي والاتيان بسجدتي السهو على ما يأتي.

الثالث: الخروج من الفعل الذي يجب فيه فعل ذلك المنسي. كمن نسي الذكر أو الطمأنينة في الركوع أو السجود حتى رفع رأسه، فإنه يمضي، وكذا إذا نسي وضع بعض المساجد الستة في محله. والأحوط وجوبا في نسيان القيام حال القراءة أو التسبيح ان يتداركهما قائما بقصد القربة المطلقة أو رجاء المطلوبية، إذا ذكر قبل الركوع.

(مسألة 914): من نسي الانتصاب بعد الركوع حتى سجد أو هوى إلى السجود مضى في صلاته. والأحوط استحبابا الرجوع إلى القيام ثم الهوي إلى السجود، إذا كان التذكر قبل السجود. كما أن الأحوط استحبابا إعادة الصلاة إذا كان التذكر بعده، وأما إذا كان التذكر بعد الدخول في السجدة الثانية مضى في صلاته ولاشيء عليه. وإذا نسي الانتصاب بين السجدتين حتى جاء بالثانية، مضى في صلاته. وإذا ذكره حال الهوي رجع وتداركه. وإذا سجد على المحل المرتفع أو المنخفض بحيث لا يعد سجودا عرفا، أو سجد على المأكول أو الملبوس أو النجس، وذكر بعد رفع الرأس من السجود أعاد السجود، وصحت صلاته، على ما تقدم.

(مسألة 915): إذا نسي الركوع حتى سجد السجدتين أعاد الصلاة. وان ذكر

ص: 267

قبل الدخول في الثانية فلا يبعد الاجتزاء بتدارك الركوع والاتمام. وان كان الأحوط استحبابا الإعادة.

(مسألة 916): إذا ترك سجدتين وشك في أنهما من ركعة واحدة أو ركعتين. فان كان الالتفات إلى ذلك بعد الدخول في الركن لم يبعد الاجتزاء بقضاء السجدتين. وان كان قبل الدخول في الركن. فان احتمل أن كلتيهما من اللاحقة فلا يبعد الاجتزاء بتدارك السجدتين والاتمام. وإن علم أنهما أما من السابقة أو إحداهما منها والأخرى من اللاحقة، فلا يبعد الاجتزاء بتدارك سجدة وقضاء أخرى. والأحوط استحبابا أكيدا الإعادة في الصور الثلاث. كما أن له رفع اليد عما بيده واستئناف الصلاة.

(مسألة 917): إذا علم انه فاتته سجدتان من ركعتين، من كل ركعة سجدة قضاهما وان كانتا من الأوليين، وصحت صلاته.

(مسألة 918): من نسي التسليم وذكره قبل فعل المنافي تداركه وصحت صلاته، وان كان بعده صحت صلاته. والأحوط استحبابا الإعادة.

(مسألة 919): إذا نسي ركعة من صلاته أو أكثر فذكر قبل التسليم قام وأتى بها، وكذا إذا ذكرها بعد التسليم قبل فعل المنافي، وإن ذكرها بعده بطلت صلاته.(مسألة 920): إذا فاتت الطمأنينة في القراءة أو في التسبيح أو في التشهد سهوا مضى. لكن لا يترك الاحتياط الاستحبابي بتدارك القراءة أو غيرها بنية القربة المطلقة أو رجاء المطلوبية.

(مسألة 921): إذا فاتت الطمأنينة في ذكر الركوع والسجود فان ذكر بعد رفع رأسه، مضى. وان ذكر قبل رفع رأسه أجزأه، وإن كان الأحوط إعادة الذكر مع الطمأنينة، بقصد رجاء المطلوبية.

ص: 268

الفصل الثاني: في الشك

اشارة

(مسألة 922): من شك ولم يدرِ انه صلى أم لا، فان كان في الوقت صلى وان كان بعد خروج الوقت لم يلتفت، والظن بفعل الصلاة حكمه حكم الشك في التفصيل المذكور ما لم يبلغ حد الوثوق أو الاطمئنان فيكون حكمه حكم العلم. وإذا شك في بقاء الوقت بنى على بقائه، وحكم كثير الشك في الاتيان في الصلاة وعدمه حكم غيره فيجري فيه التفصيل المذكور من الإعادة في الوقت وعدمها بعد خروجه على الأحوط، وأما الوسواسي فيبني على الاتيان بها وان كان في الوقت. وإذا شك في الظهرين في الوقت المختص بالعصر بنى على وقوع الظهر واتى بالعصر وإذا شك وقد بقي من الوقت مقدار أداء ركعة أتى بالصلاة، وإذا كان اقل لم يلتفت، وإذا شك في فعل الظهر وهو في العصر عدل بنيته إلى الظهر وأتمها ظهراً.

(مسألة 923): إذا شك في جزءٍ أو شرطٍ للصلاة بعد الفراغ منها لم يلتفت، وإذا شك في التسليم فان كان شكه في صحته لم يلتفت، وكذا إذا كان شكه في وجوده وقد أتى بالمنافي حتى مع السهو. وأما إذا كان شكه قبل ذلك فاللازم هو التدارك والاعتناء بالشك. وإذا شك في صدور المنافي أو في منافاة الصادر أتى بالتسليم برجاء المطلوبية على الأحوط.

(مسألة 924): كثير الشك لا يعتني بشكه سواء أكان الشك في عدد الركعات أم في الافعال أم في الشرائط فيبني على صحة الصلاة معه، فان كان عدمه مفسدا بنى على وجوده وان كان وجوده مفسدا بنى على عدمه.

(مسألة 925): إذا كان كثير الشك في مورد خاص من فعلٍ أو زمانٍ أو مكان اختص عدم الاعتناء به ولا يتعدى إلى غيره.

(مسألة 926): المرجع في صدق كثرة الشك هو العرف، نعم، إذا كان يشك

ص: 269

في كل ثلاث صلوات متواليات فهو كثير الشك عرفا فضلا عما إذا كانت الشكوك في صلاة واحدة. ويعتبر في صدقها أن لا يكون ذلك منجهة عروض عارض من خوف أو غضب أو همٍ أو نحو ذلك مما يوجب اغتشاش الحواس سواء كان هذا العارض مؤقتا على الأحوط وجوباً أم كثير العروض على الأحوط استحبابا.

(مسألة 927): إذا لم يعتن بشكه ثم ظهر بالعلم أو الاطمئنان وجود الخلل جرى عليه حكم وجوده، فان كان زيادة أو نقيصة مبطلة أعاده، وإن كان موجباً للتدارك تدارك، وان كان مما يجب قضاؤه قضاه وهكذا.

(مسألة 928): لا يجب عليه ضبط الصلاة بالحصى أو المسبحة أو بالخاتم أو بغير ذلك.

(مسألة 929): لا يجوز لكثير الشك الاعتناء بشكه، فإذا جاء بالمشكوك به بطلت صلاته إلا إذا جاء بالمشكوك رجاء المطلوبية وكان وجوده عندئذ غير مبطل أو اتضحت الحاجة إليه.

(مسألة 930): لو شك في انه حصلت له حالة كثرة الشك بنى على العدم، كما انه إذا صار كثير الشك ثم شك في زوال هذه الحالة بنى على بقائها. غير أن حالة كثرة الشك أمر وجداني عرفي فمن الصعب حصول الشك فيه كما انه قابل للحساب في الشك في ثلاث صلوات فالشك في حصوله وعدمه من الوسواس عادةً.

(مسألة 931): إذا شك إمام الجماعة في عدد الركعات رجع إلى المأموم الحافظ عادلا كان أو فاسقا ذكرا كان أو أنثى بالغا كان أم صبيا مميزا، وكذلك إذا شك المأموم فانه يرجع إلى الامام الحافظ، ومن له حجة شرعية منهما بمنزلة الحافظ فيرجع الشاك إليه، مثل الظّان في عدد الركعات أو الواثق بحصول الفعل أو الترك وكذلك الامام إذا رجع إلى المأموم الحافظ كان لغير الحافظ الرجوع إليه.

(مسألة 932): يجوز في الشك في ركعات النافلة البناء على الاقل والبناء على الاكثر. إلا ان يكون الاكثر مفسدا فيبني على الاقل. وعلى العموم فان له أن يبني على المصحح. وان كان البناء على الاقل دائما أوفق بالقاعدة والبناء على البطلان

ص: 270

أوفق بالاحتياط.

(مسألة 933): من شك في فعل من أفعال الصلاة فريضة كانت أو نافلة أدائية أم قضائية. وكذلك صلاة الجمعة والآيات بل والصلاة على الميت، فان شك في وجود فعل أو صحته، وقد دخل في الجزء الذي بعده مضى ولم يلتفت كمن شك في تكبيرة الاحرام وهو في القراءة أو في الفاتحة وهو في السورة أو في الآية السابقة وهو في اللاحقة، أو في أول الآية وهو في آخرها، أو في القراءة وهو في الركوع أو في الركوع وهو في السجود، أو شك في السجود وهو في التشهد أو في القيام، وكذا اذا شك في التشهد وهو في القيام أو في التسليم وهو في التعقيب، فانه لا يلتفت إلى الشك في كل هذه الفروض.

(مسألة 934): إذا كان الشك في الجزء قبل أن يدخل في الجزءالذي بعده، وجب الاتيان به. كمن شك في التكبير قبل أن يقرأ أو في القراءة قبل أن يركع أو في الركوع قبل أن يسجد. وان كان الشك في حال الهوي إليه أو شك في السجود أو في التشهد وهو جالس، أو في حال النهوض إلى القيام، وكذلك إذا شك في التسليم قبل أن يدخل في التعقيب. نعم في مثل ذلك يتوخى أن لا يأتي بما ينافي الصلاة عمدا أو سهوا، بما فيه مضي مدة تقطع الموالاة أو هيأة الصلاة، فان شك في حصول ذلك أمكنه البناء على عدمه. وان كان الأحوط خلافه.

(مسألة 935): يعتبر في الجزء الذي يدخل فيه أن يكون من الاجزاء الواجبة فلا يكفي الدخول في الجزء المستحب، فإذا شك في القراءة وهو في القنوت أو شك في التشهد وهو في التسليم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لزمه الالتفات والتدارك.

(مسألة 936): إذا شك في صحة الجزء الواقع بعد الفراغ منه لا يلتفت وان لم يدخل في الجزء الذي بعده، كما إذا شك بعد الفراغ من تكبيرة الاحرام في صحتها فانه لا يلتفت وإن لم يدخل في القراءة، وكذا إذا شك في صحة قراءة الكلمة بعد الانتهاء منها قرآنا كانت أم ذكرا أم من التشهد أو التسليم.

ص: 271

(مسألة 937): إذا أتى بالمشكوك في المحل ثم تبين انه قد فعله لم تبطل صلاته إلا إذا كان ركنا. وإذا لم يأت بالمشكوك بعد تجاوز المحل، فتبين عدم الاتيان به. فان أمكن التدارك به فعله، ما لم يدخل في ركن وإلا صحت صلاته إلا أن يكون الجزء المتروك ركنا.

(مسألة 938): إذا شك وهو في فعل في أنه هل شك في بعض الأفعال المتقدمة أو لا لم يلتفت. وكذا لو شك في انه هل سها أم لا. نعم، لو شك في السهو وعدمه وهو في محل يتلافى فيه المشكوك فيه، أتى به على الأحوط.

فروع من الشك في عدد الركعات

(مسألة 939): إذا شك المصلي في عدد الركعات فالاحوط له استحبابا التروي يسيرا وعدم الاستمرار بالصلاة. فان استقر الشك وكان في الثنائية أو الثلاثية أو الأوليين من الرباعية بطلت. وان كان في غيرها وقد أحرز إتمام الركعتين الأوليين بأن أتم الذكر الواجب في السجدة الثانية من الركعة الثانية وان لم يرفع رأسه منها. فشكه عندئذ قابل للتصحيح كما سيأتي.

(مسألة 940): إن استمر الشاك في الركعات في صلاته خلال ترويه إذا لم يحصل له الترجيح فقد ينقلب شكه إلى صيغة جديدة وقد لا يتغير. وعلى الاول فقد يكون شكا مبطلا وقد لا يكون. وعلى كل تقدير يطبقتكليفه على الشك الأخير.

(مسألة 941): إذا كان شكه بعد الانتهاء من الركعة الثانية كما قلنا، فالشك في مثل ذلك له صور عديدة.

منها: ما لا علاج للشك فيها. فتبطل الصلاة. ومنها ما يمكن علاج الشك فيه، وتصح الصلاة حينئذ. وإذا صحت لم يجز قطعها على القاعدة، بل يجب الاستمرار بها وإصلاح ما فيها من الشك. وان كان الأقوى خلافه.

(مسألة 942): صور الشك التي يمكن علاجها عديدة: نذكر أهمها:

الصورة الاولى: الشك بين الاثنتين والثلاث بعد ذكر السجدة الاخيرة من

ص: 272

الركعة التي بيده، فانه يبني على الثلاث ويأتي بالرابعة ويتم صلاته. ثم يحتاط بركعة من قيام على الأحوط وجوبا. وان كانت وظيفته الجلوس في الصلاة احتاط بركعة جالسا.

الصورة الثانية: الشك بين الثلاث والاربع في اي موضع كان فيبني على الاربع ويتم صلاته. ثم يحتاط بركعة قائما أو ركعتين جالسا والأحوط اختيار القيام. وان كانت وظيفته الصلاة جالسا احتاط بركعة جالسا.

الصورة الثالثة: الشك بين الاثنتين والاربع بعد ذكر السجدة الاخيرة فانه يبني على الاربع ويتم صلاته، ثم يحتاط بركعتين من قيام. وان كانت وظيفته الصلاة جالسا احتاط بركعتين من جلوس.

الصورة الرابعة: الشك بين الاثنتين والثلاث والاربع بعد ذكر السجدة الاخيرة. فيبني على الاربع ويتم صلاته. ثم يحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس. والأحوط تأخير الركعتين من جلوس. وان كانت وظيفته الصلاة جالساً احتاط بركعتين من جلوس ثم بركعة جالساً.

الصورة الخامسة: الشك بين الأربع والخمس، بعد ذكر السجدة الأخيرة فيبني على الأربع، ويتم صلاته. ثم يسجد سجدتي السهو.

الصورة السادسة: الشك بين الاربع والخمس حال القيام. فانه يهدم قيامه. وينقلب شكه عندئذ إلى الشك بين الثلاث والاربع. فيطبق حكمه فيها، وهو الذي ذكرناه في الصورة الثانية.

الصورة السابعة: الشك بين الثلاث والخمس حال القيام فانه يهدم قيامه. ويتحول شكه إلى الشك بين الاثنين والاربع. فيطبق حكمه الذي ذكرناه في الصورة الثالثة.

الصورة الثامنة: الشك بين الثلاث والاربع والخمس حال القيام فانه يهدم قيامه، ويتحول شكه إلى الشك بين الاثنتين والثلاث والاربع فيطبق حكمه فيها. وهو الذي ذكرناه في الصورة الرابعة.

ص: 273

الصورة التاسعة: الشك بين الخمس والست حال القيام. فانه يهدم قيامه، ويتحول شكه إلى الشك بين الاربع والخمس، وهو الذي ذكرناه في الصورة الخامسة، فيتم صلاته، ويسجد للسهو، والأحوط في هذه الصور الاربع الاخيرة أن يسجد للسهو للقيام الزائد أيضا.الصورة العاشرة: الشك بين الاربع والخمس والست، حال القيام فانه يهدم القيام، ويتحول شكه إلى الشك بين الثلاث والأربع والخمس فيطبق حكم الشك بين الثلاث والاربع وحكم الشك بين الاربع والخمس، مما سبق. .

الصورة الحادية عشر: الشك بين الثلاث والخمس والست، حال القيام. فانه يهدمه ويتحول شكه إلى الشك بين الاثنين والاربع والخمس. فيطبق حكم الشك بين الاثنين والاربع وحكم الشك بين الاربع والخمس.

الصورة الثانية عشر: الشك بين الثلاث والاربع والست حال القيام فانه يهدمه. ويتحول شكه إلى الشك بين الاثنين والثلاث والخمس فيطبق حكم الشك بين الاثنين والثلاث وحكم الشك بين الثلاث والخمس، ولو باعتبار جواز البناء على الاقل.

(مسألة 943): في الصور الثلاثة الاخيرة، يجوز له البناء على الاقل، وإكمال الصلاة على أساسه. وعلى أي حال، فالاحوط له استحبابا الاتمام والإعادة بعد تطبيق حكم الشك. بل هذا ثابت في كل الصور، كما أن له في الصور الست الاخيرة القطع والاستئناف بل هذا ثابت في كل الصور ايضاً. وله الاتمام وترك حكم الشك والاستيناف برجاء المطلوبية.

(مسألة 944): ذكرنا أن المصلي إذا كان تكليفه الجلوس صلى صلاة الاحتياط جالساً. ولكنه قد يتمكن من القيام بعد إتمام صلاته، فيجب عليه الإتيان بصلاة الاحتياط من قيام. وكذلك العكس، كما لو صلى عن قيام ثم عجز فانه يجوز له الإتيان بصلاة الاحتياط جالساً.

(مسألة 945): من جملة الشكوك المبطلة كل شك لم يحرز فيه إتمام

ص: 274

ركعتين: كالشك بين الواحدة والاثنتين أو الشك بين الاثنتين والثلاث قبل إتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية، كما لو كان بعد الركوع أو بعد السجدة الأولى. والمهم في هذا التحديد هو لحظة استقرار الشك بعد التروي، وبين الاثنتين والثلاث والأربع والشك بين الاثنتين والأربع والشك بين الاثنتين والأربع والخمس. إذا كان أي واحد منها قبل اكمال السجدتين.

(مسألة 946): من جملة الشكوك المبطلة ما كان احد احتمالاته: الركعة الواحدة فقط. كالشك بين الواحدة والاثنين كما أشرنا أو الواحد والاثنين والثلاث أو الواحدة والثلاث وهكذا.

(مسألة 947): من جملة الشكوك المبطلة ما كان أحد احتمالاته الأكثر من الست ركعات، كالسبع والثمان. كالشك بين الأربع والخمس والسبع أو بين الخمس والست والسبع. وغيرها.

(مسألة 948): من جملة الشكوك المبطلة: أن لا يدري المكلف كم صلى. بحيث كان الترديد في أكثر من ثلاثة احتمالات. حتى لو كانت في أنفسها صحيحة، كالشك بين الثلاث والأربع والخمس والست، فانه يستأنف الصلاة.(مسألة 949): إذا شك بعد الركوع أو بعد السجدة الأولى مثلا، لم يتم شيء من الصور الصحيحة للشك ماعدا الثانية. لان بعضها مشروط بإتمام ذكر السجدة الثانية، وهو لم يحصل وبعضها مشروط بان يكون حال القيام وهو غير حاصل فيكون الشك مبطلا على الأحوط. لكن الأقوى انه مع اشتراط إتمام السجدة الثانية ويكون الشك قبلها، فله ان يستمر في صلاته برجاء المطلوبية، حتى ينتهي من السجدتين، ويطبق حكمه كما سبق. وأمّا مع اشتراط حال القيام فليس له ان يركع، ما لم يتحول شكه إلى شك صحيح أيضاً، مع الاستمرار بالصلاة رجاء، فيطبق حكمه.

(مسألة 950): إذا تردد بين الاثنتين والثلاث، فبنى على الثلاث، ثم ضم إليها ركعة. وشك في ان بناءه على الثلاث كان من جهة الظن بالثلاث أو عملاً بحكم الشك. فعليه صلاة الاحتياط. وإذا بنى في الفرض المذكور على الاثنتين وشك بعد

ص: 275

التسليم انه كان من جهة الظن بالاثنتين أو خطأ منه وغفلة عن العمل بالشك، صحت صلاته ولا شيء عليه.

(مسألة 951): الظن بالركعات بحكم اليقين، وان كان الظن ضعيفا، ما دام يصدق عليه الظن عرفا. فضلا عن الاطمئنان والوثوق. فيجب عليه ان يطبق حكم ما عليه ظنه. وان عمل بحكم الشك عندئذ بطلت صلاته، مع عدم إمكان التدارك.

(مسألة 952): الظن بالأفعال ما لم يبلغ الوثوق أو الاطمئنان محكوم بحكم الشك على الظاهر. فان ظن بفعل الجزء في المحل لزمه الإتيان به، وإذا ظن بعدم الفعل بعد تجاوز المحل مضى. وليس له ان يرجع ويتداركه والأحوط استحباباً في الصورتين إعادة الصلاة.

(مسألة 953): في الشكوك المشروطة بإكمال الذكر من السجدة الثانية، كالشك بين الاثنين والثلاث. والشك بين الاثنين والأربع والشك بين الاثنين والثلاث والأربع. إذا شك مع ذلك في الإتيان بالسجدتين أو بواحدة. فان كان شكه حال الجلوس قبل الدخول في القيام أو التشهد بطلت صلاته على القاعدة. ما لم يمكنه الاستمرار كما قلنا في (مسألة 951)، وان كان بعد الدخول في القيام أو التشهد لم تبطل.

(مسألة 954): إذا تردد في ان الحاصل له شك أو ظن، كما يتفق كثيرا لبعض الناس، كان ذلك شكا. ولو حصلت له حالة في أثناء الصلاة وبعد ان دخل في فعل آخر، لم يدر انه كان شكاً أو ظنا بنى على انه شكاً إن كان فعلاً شاكاً وظنا إن كان فعلاً ظاناً. ويجري على ما يقتضيه ظنه أو شكه الفعلي، وكذا لو شك في شيء ثم انقلب شكه إلى الظن أو ظن ثم انقلب ظنه إلى الشك. فانه يبني على حكم الحالة الفعلية. فلو شك بين الثلاث والأربع مثلاً فبنى على الأربع. ثم انقلب شكه ظنا بالثلاث بنى عليه واتى بالرابعة. وإذا ظن بالثلاث ثم تبدل ظنه إلى الشك بينها وبين الأربع بنى على الأربع، ثم يأتي بصلاة الاحتياط.(مسألة 955): صلاة الاحتياط واجبة. لكن وجوبها شرطي لصحة الصلاة إن شاء، وله أن يبطل الصلاة بإتيان المنافي واستئنافها من جديد.

ص: 276

(مسألة 956): يعتبر في صلاة الاحتياط ما يعتبر في الصلاة من الأجزاء والشرائط. فلابد فيها من النية وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة إخفاتا حتى البسملة على الأحوط. ولا تجوز فيها السورة بنية الجزئية. ويجب فيها الركوع والسجود والتشهد والتسليم. وإذا تخلل المنافي بينها وبين الصلاة بطلت الصلاة على الأحوط ولزم الاستيناف.

(مسألة 957): إذا تبين تمامية الصلاة قبل صلاة الاحتياط لم يحتج إليها. على ان يكون بوثوق أو اطمئنان. والظن هنا بحكم الشك، فيستمر على ركعة الاحتياط وان تبين إتمام الصلاة في أثناء صلاة الاحتياط جاز له تركها أو اتمامها نافلة ركعتين بنقل النية عندئذ.

(مسألة 958): إذا تبين نقص الصلاة قبل الشروع في صلاة الاحتياط جرى عليه حكم من سلم على النقص، من وجوب الاستمرار بالصلاة والإتيان بالناقص قبل فعل المنافي، كما لو شك بين الاثنين والأربع، ويتبين له ان أتى باثنين قبل فعل المنافي، قام واتى بركعتين ضمن نفس الصلاة.

(مسألة 959): إذا تبين بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، نفس النقص الذي كان يحتمله، أجزأت عنه.

(مسألة 960): إذا تبين النقص بعد البدء بصلاة الاحتياط فان كان قبل ركوعها، عمل حكم النقص. وان كان بعده أعاد الصلاة. وان كان الأحوط في الصورة الأولى الإعادة أيضاً.

(مسألة 961): إذا تبين بعد صلاة الاحتياط نقصا غير النقص الذي كان يحتمله. ففيه تفصيل: فإن النقص إن كان أكثر من صلاة الاحتياط وأمكن تداركه لزمه التدارك وصحت صلاته، لكن إمكان التدارك مشكل في اغلب الصور. وفي غير ذلك يحكم بالبطلان ولزوم إعادة أصل الصلاة.

(مسألة 962): يجري في صلاة الاحتياط ما يجري في سائر الفرائض من أحكام السهو في الزيادة والنقيصة. والشك في المحل أو تجاوزه أو بعد الفراغ وغير

ص: 277

ذلك. وأمّا الشك في ركعاتها. فهو مبطل لها على الأحوط ومعه فاللازم ترك ما بيده وإعادة أصل الصلاة على الأحوط برجاء المطلوبية.

(مسألة 963): إذا شك بصلاة الاحتياط بنى على العدم، إلا إذا كان بعد خروج الوقت أو بعد الإتيان بما ينافي الصلاة عمدا وسهوا.

(مسألة 964): إذا نسي من صلاة الاحتياط ركنا، ولم يتمكن من تداركه أعاد الصلاة. وكذا إذا زاد ركوعا أو سجدتين في ركعة.

الفصل الثالث: في قضاء الأجزاء المنسية

(مسألة 965): إذا نسي السجدة الواحدة ولم يذكر إلا بعد الدخول في الركوع، وجب قضاؤها بعد الصلاة، وبعد صلاة الاحتياط إذا كانت عليه.

(مسألة 966): إذا نسي التشهد ولم يذكره إلا بعد الدخول في الركوع، وجب عليه قضاؤه على الأحوط وجوباً، بعد الصلاة أو بعد صلاة الاحتياط إذا كانت عليه. ويجري الحكم المذكور فيما إذا نسي سجدة واحدة والتشهد من الركعة الأخيرة. ولم يذكر إلا بعد التسليم والإتيان بما ينافي الصلاة عمدا وسهواً. وأما إذا ذكره بعد التسليم وقبل الإتيان بالمنافي، فاللازم التدارك والإتيان بالسجدة والتشهد والتسليم ثم الإتيان بسجدتي السهو للسلام الزائد على الأحوط وجوباً.

(مسالة 967): لا يقضي غير السجدة والتشهد من الأجزاء.

(مسألة 968): يجب في القضاء ما يجب في المقضي من جزء وشرط ويجب فيه نية البدلية أو نية القضاء. ولا يجوز الفصل بالمنافي بينه وبين الصلاة. وإذا فصل بينه وبين الصلاة بما يبطل الصلاة عن علم وعمد بما فيها المدة المعتد بها فالاحوط وجوبا الإعادة، وان فصله بغيره، فهذا الاحتياط استحبابي والأحوط في كلتا الصورتين قضاء المنسي قبل إعادة الصلاة. وتكون إعادة الصلاة بنية الرجاء.

(مسألة 969): الأحوط ضم سجدتي السهو إلى قضاء الجزء المنسي بعده.

ص: 278

(مسألة 970): إذا شك في قضاء الجزء المنسي بنى على العدم إلا ان يكون قد خرج الوقت. وإذا شك في موجبه بنى على العدم.

الفصل الرابع: سجود السهو

(مسألة 971): يجب سجود السهو للكلام ساهيا، وللسلام في غير محله، وللشك بين الأربع والخمس كما تقدم ولنسيان السجدة والتشهد بعد قضائهما، كما تقدم، وللقيام في موضع الجلوس وللجلوس في موضع القيام، ما لم يكن القيام ركنا، قد فات محل تداركه، فتبطل الصلاة.

(مسألة 972): الأحوط وجوباً سجود السهو لكل زيادة ونقيصة في الصلاة الواجبة، غير الصلاة على الميت على الأحوط. والمراد بالزيادة والنقيصة، الجزء الكامل لا جزء الجزء كالآية من السورة والطمأنينة منالركوع وبعض الذكر من السجود مثلا. فان الاحتياط بسجود السهو في كل ذلك استحبابي.

(مسألة 973): يتعدد السجود بتعدد موجبه. ولا يتعدد بتعدد الكلام إلا مع تعدد السهو بان يتذكر ثم يسهو. أما إذا تكلم عدة أحرف أو كلمات، بشكل لا يمحو صورة الصلاة. وكان ذلك عن سهو واحد، وجب سجود واحد لا غير.

(مسألة 974): لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه، ولا تعيين السبب. وان كان مع التعدد أحوط.

(مسألة 975): يؤخر السجود عن صلاة الاحتياط. وكذا عن الأجزاء المقضية، والأحوط عدم تأخيره عن الصلاة، وعدم الفصل بينهما بالمنافي وإذا أخره عنها أو فصله بالمنافي سهوا أو عمدا لم تبطل صلاته، ولم يسقط وجوبه بل لم تسقط فوريته أيضاً. ولو تركه عمدا أو عزم على عدم الإتيان به أثم وصحت صلاته ولكن يجب عليه أن يأتي به في أول فرص الإمكان.

(مسألة 976): سجود السهو على الفور على الأحوط. وإذا أخره أثم. وإذا

ص: 279

نسيه وتذكر في وقت آخر، فان أمكنه المبادرة إلى السجود وجب وان أخره عندئذ أثم. وان لم يمكنه بان كان في صلاة أخرى جاز تأخيره إلى نهايتها ثم هوى فوراً. وان لم يمكنه لعدم المناسبة العرفية، كما لو تذكره وهو يمشي في الطريق أومأ للسجود فورا مع الذكر والتوجه إلى القبلة مع الإمكان على الأحوط ثم قضاه بالسجود الاختياري فور إمكانه على الأحوط.

(مسألة 977): سجود السهو للسهو الواحد سجدتان متواليتان وتجب فيه نية القربة. ولا يجب فيه تكبير، ويعتبر فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه. ووضع سائر المساجد، بل الأحوط وجوبا ان يكون واجدا لجميع ما يعتبر في سجود الصلاة من الطهارة والاستقبال والستر وغير ذلك.

(مسألة 978): الأحوط ان لم يكن أقوى وجوب الذكر في كلتا السجدتين ولا يتعين فيه ذكر، وان كان الأحوط ان يقول: بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته أو يقول: بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآله وان لم يختر هذين الذكرين فالاحوط له ان يقول ما يجزيء في السجود.

(مسألة 979): يجب بعد السجدتين التشهد، بعد رفع الرأس من الثانية، ثم التسليم. والأحوط اختيار التشهد المتعارف. وان كان للاجزاء بالتلفظ بالمضمون أو المعنى وجه. فيقول مثلا: اشهد ان لا اله إلا الله واشهد ان محمد رسول الله. اللهم صل على محمد وآله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(مسألة 980): إذا شك في موجب السجود لم يلتفت. وإذا شك في عدد الموجب بنى على الأقل. وإذا شك في إتيانه بعد العلم بوجوبه أتى به. وإذا اعتقد تحقق الموجب، ولكنه بعد السلام شك فيه، لم يلتفت. كما انه إذا شك في الموجب وبعد ذلك علم به، وجب الإتيان به وإذا شك انه سجد سجدة أو سجدتين بنى على الأقل، إلا إذا دخل في التشهد. وإذا شك في تحقق الذكر خلال السجدة ذكره، وان كان بعده مضى. بل حتى إذا علم بعدمه بعده، وان كان الأحوط خلافه. وإذا زاد

ص: 280

سجدة سهوا لم تقدح، بل حتى لو زاد سجدتين سهوا أو واحدة عمدا لا بنية الجزئية. وان كان الأحوط خلافه، ما لم تنتف الموالاة العرفية بين السجدتين والتشهد فتجب عليه إعادتهما على الأحوط.

(مسألة 981): تشترك النافلة مع الفريضة، في انه إذا شك في جزء منها في المحل لزم الإتيان به، وإذا شك بعد تجاوز المحل لا يعتني به. وانه إذا نسي جزءا لزم تداركه إذا ذكره قبل الدخول في ركن بعده وانها تبطل بزيادة الركن أو نقصه على الأحوط.

(مسألة 982): تفترق النافلة عن الفريضة، بان الشك في ركعاتها يجوز فيه البناء على الأقل أو الأكثر. كما تقدم، وانه لا سجود للسهو فيها. وانه لا قضاء للجزء المنسي فيها مما ثبت وجوب قضائه في الفريضة.

ص: 281

المقصد السابع: في بقية الصلوات الواجبة

اشارة

وفيه مباحث:

المبحث الاول: صلاة الجمعة

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في وجوبها
اشارة

يوم الجمعة يوم شريف عظّمه الله تبارك وتعالى وجعله فرصة كبيرة لنيل رضاه بما بارك فيه لفاعل الحسنات فقد روى ابو بصير قال (سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: ما طلعت الشمس بيوم افضل من يوم الجمعة) ومن أجل أن يعيش المسلم هذه الأجواء الإلهية المباركة يوم الجمعة وضع الأئمة (عليهم السلام) لشيعتهم برنامج عمل يهذبون به أنفسهم ويطهّرون أجسادهم ويذهبون درن اسبوع ماضٍ ويتزوّدون إمداداً لأسبوع قادم وقد حفلت كتب الأدعية والسنن والمستحبات بالكثير منها.

وتاج تلك الأعمال صلاة الجمعة المباركة بدعائها وركعتيها وجماعتها وخطبتيها وأحاطوا هذه الشعيرة المقدسة بعناية خاصة فأبانوا فضلها وثواب من يؤديها وحذّروا من تركها، فعن الامام الصادق (عليه السلام): (ما من قدم سعت الى الجمعة الا وحرّم الله جسدها على النار).

ص: 282

الوجوب التعييني لصلاة الجمعة

(مسألة 983): يجب على المسلمين يوم الجمعة ظهراً أداء صلاة الجمعة وليس فريضة الظهر اذا دعا المجتهد الجامع للشرائط الى إقامتها لان الأمر باقامة الجمعة من وظائف ولي الأمر وهو الفقيه الجامع للشرائط المتصدي لرعاية شؤون الامة والمشروع الاسلامي.

ويشترط في وجوبها وصحتها أمران:

1- وجود العدد إذ لا تنعقد الجمعة بأقل من خمسة أحدهم الامام.

2- وجود إمام يحسن الخطبتين وتتوفر فيه شروط امام الجماعة.

(مسألة 984): لا يسقط هذا الوجوب الا بظروف:

1- وجود مانع كما لو منعت السلطات الظالمة إقامتها بشكل يؤدي إلى إيقاع الضرر البليغ بمن يقيمها.

2- خروج وقتها المقرر وهو ما بين زوال الشمس الى بلوغ ظل الشاخص مثله إذ لا قضاء لصلاة الجمعة.

3- وجود صلاة جمعة أخرى جامعة لشرائط الوجوب المتقدمة تبعد أقل من (5‚5 كيلو مترا) عن محلّها.

(مسألة 985): يجب على كل تجمع سكّاني يتوفر فيه الشرطان المتقدمان إقامة صلاة الجمعة أو الحضور في جمعة أخرى مقامة جامعة للشروط.

(مسألة 986): لو انفضّ المجتمعون لصلاة الجمعة في اثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة اثموا وسقط الوجوب. وإن دخلوا في الصلاة، ولو بالتكبير وجب الاتمام. ولو لم يبق الا واحد.

(مسألة 987): قد يكون اقامة صلاة الجمعة مستحباً اذا اجتمع الشرطان المتقدمان ولم يمنع المجتهد الجامع للشرائط من إقامتها، وقد يكون حراماً اذا منع منها كما لو وجد خطر عليه أو عليهم من اقامتها.

(مسألة 988): أول وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، وهو زوال يوم الجمعة. ولا تصح قبله. وينتهي وقتها حين يصير ظل كل شيء مثله وان بقي وقت

ص: 283

صلاة الظهر ساريا، ولو خرج الوقت خلال الصلاة صحت اذا دخلت ركعة فيه.

(مسألة 989): لا تصح صلاتان للجمعة في منطقة واحدة، بل يجب وجود الفصل بينهما بمقدار ثلاثة أميال، ومقداره (5. 472 كيلو متر) فان اتفق وجود صلاتين اكثر تقاربا بطلتا معا. وإن سبقت إحداهما باعتياد إقامتها في مكان بطلت المتأخرة. ولا عبرة في التقدم والتأخر بتكبيرة الاحرام ولا بالخطبتين، نعم لو فُرض عدم اعتياد إقامتها وكان فعلها طارئاً فالعبرة في التقدم والتأخر بتكبيرة الاحرام ولو أقيمتا جهلاً بالتقارب صحّتا.

(مسألة 990): الحكم في المسألة السابقة لا يجري فيما لو كانت احدى الصلاتين غير جامعة لشرائط الصحة كما لو لم تكن باذن الفقيهالجامع للشرائط، أو كان الامام غير عادل.

(مسألة 991): يعتبر في صلاة الجمعة جميع ما يشترط في صلاة الجماعة من تفاصيل وأحكام في شرائط الامام ووجوب متابعته، وتعيين غيره لو بطلت صلاته، وغير ذلك، مما يأتي في محله.

الفصل الثانی: فيمن تجب عليه

لا تجب صلاة الجمعة إلاّ بشرائط إذا توفرت في الفرد وجبت وإلاّ فلا تجب. ولكنه تصّح منهم إذا أدوها.

أولاً: التكليف بان يكون بالغا عاقلا.

ثانياً: الذكورة فلا تجب على النساء.

ثالثاً: الحرية فلا تجب على العبيد.

رابعاً: الاتمام فلا تجب على المسافر الذي يجب عليه القصر في صلاته.

خامساً: البصر فلا تجب على الاعمى.

سادساً: القدرة على المشي، فلا تجب على الاعرج.

ص: 284

سابعاً: القدرة على الحضور للصلاة. فلا تجب على المريض العاجز.

ثامناً: القدرة على الحضور من ناحية ان لا يكون شيخا كبيرا عاجزا.

تاسعاً: ان تكون المسافة بين الفرد وأقرب صلاة جمعة مقامة فرسخين أو اقل وهي تساوي (10. 944 كيلو متر)، فان كانت بهذا المقدار وجب عليه قصد الصلاة. وإلا لم يجب، وهذا الحكم مختص بمن هم خارج المدينة التي تقام فيها الصلاة.

اما اذا كانت المدينة واسعة - كبغداد أو طهران مثلاً - بحيث أن بعض سكانها تفصلهم هذه المسافة أو أكثر عن موضع إقامة الصلاة فإنه يجب عليهم الحضور على الاحوط، لأن هذه المسافة إنما حدّدها الشارع المقدّس لتجميع أبناء القرى والنواحي المجاورة في صلاة الجمعة وليس لتفريق أبناء المدينة الواحدة.

(مسألة 992): تجب على المجنون لو عقل، فلو كان أدواريا وجبت عليه لو حصلت في زمن عقله.

(مسألة 993): المسافر إذا كان يجب عليه الاتمام تجب عليه هذه الصلاة، كالذي ينوي الإقامة عشرة أيام أو يتردد حاله إلى مدة شهر أو يكون عمله السفر أو عمله في السفر، كما سيأتي في محله.

(مسألة 994): العاجز عن الحضور لمرض أو عرج، لا يجب عليه مادام كذلك، وان استطاع بصعوبة. نعم لو ارتفع عذره وجب.(مسألة 995): إنما يجب على ألأفراد الحضور، مع الوجوب التعييني الذي سبق أن عرفناه، لامع الوجوب التخييري.

(مسألة 996): ذوو الأعذار الذين عرفناهم إن تكلفوا الحضور إلى الصلاة المنعقدة بغيرهم صحت منهم وأجزأت.

(مسألة 997): يجب أن يكون عدد الخمسة الذي تجب فيه هذه الصلاة، كلهم جامعين لهذه الشرائط. فلو كانوا أو بعضهم فاقدين لها لم تجب، ولا يجب أن يكون الأمام الذي يصلي بهم ممن تجب عليه الصلاة والمهم أن يكون ممن تصح منه.

ص: 285

(مسألة 998): الإسلام ليس شرطا في وجوب الحضور بناء على ما هو الصحيح من تكليف الكفار بالفروع، ولكن لو حضر الكافر وصلى لم تصح منه ما لم يسلم.

(مسألة 999): من لم تجب عليه الجمعة يجوز أن يصلي الظهر في أول وقتها، وان كانت الجمعة مقامة فعلا ولا يجب تأخيرها حتى تفوت الجمعة، ولو حضر الجمعة بعد ذلك لم تجب عليه لا تعييناً ولا تخييراً.

(مسألة 1000): إذا زالت الشمس على من وجبت عليه الجمعة تعيينا لم يجز له أن يسافر، بل يتعين عليه الحضور. ويكون إيجاد أي سبب للتخلف حراما. ولو فات وقت الصلاة جاز السفر سواء صلاها أم عصاها. ويكره السفر بعد طلوع الفجر إلى الزوال.

(مسألة 1001): من كان فرضه صلاة الجمعة فعصى وصلى ظهراً في أثناء إقامة الجمعة لم تصح منه لعدم وجود أمر بها، وتصح منه الظهر إذا فات وقت صلاة الجمعة. وإذا صلى الظهر عصياناً ثم أدرك صلاة الجمعة وجبت وأجزأت، ولو لم يدركها أعاد الظهر.

الفصل الثالث: في الكيفية

صلاة الجمعة ركعتان كصلاة الصبح، تسقط بهما صلاة الظهر. عن كل من تجب عليه تعيينا أو تخييرا أو تستحب له. ولا تكون إلا في صلاة جماعة بخمسة أشخاص جامعين للشرائط كما تقدم. وتكون قبلها خطبتان يجب في كل واحدة منها: الحمد لله والصلاة على النبي وآله عليهم السلام والوعظ وقراءة سورة من القرآن الكريم وان كانت قصيرة، ويجب الفصل بين الخطبتين بفاصل عرفي كجلسة أو سكوت، كما يجب على الأحوط أن يكون الخطيب قائما وقت ايراده

ص: 286

الخطبة مع القدرة. والبدء بالخطبتين عند الزوال. ولاتجوز قبله.

(مسألة 1002): الخطبتان مقدمتان على الصلاة فلا يجوز إيقاعهمابعدها، ولا ايقاعها بينهما.

(مسألة 1003): الطهارة من الحدث والخبث شرط في الخطبتين على الأحوط للخطيب، بل الأحوط اجتماع سائر شرائط الصلاة بما فيها اباحة المكان واللباس إلا القبلة. والاحوط استحبابا توفرها في الحاضرين ايضاً وخاصة العدد المعتبر.

(مسألة 1004): يجب على الخطيب اسماع العدد المعتبر من الحاضرين، ويستحب له إسماع الزائد. وهل يجب الاستماع لها ويحرم الكلام خلالها؟ الأحوط ذلك بمقدار معرفة السامع للمضمون العام للخطبة. وأما الباقي فمستحب.

(مسألة 1005): يجب حضور الخطبتين مع الامكان. ولكن لو تأخر عنهما وحضر الصلاة فقد اجزأت له. حتى لو ادرك الامام في ركوع الركعة الثانية، ولو كبر وركع وشك في أنه أدرك ركوع الامام أم لا، فالاحوط عدم الاجتزاء بها وإعادتها ظهرا.

(مسألة 1006): يحرم على الأحوط الخروج عن الخطبتين، بحيث ينافي الاستماع إلى مضمونهما كما أشرنا.

(مسألة 1007): لا يجوز الإطالة في الخطبتين، بحيث يخرج وقت الصلاة ولو فعل غفلة أو عصيانا لم تنعقد الجمعة. ويجب على الأحوط على الحاضرين تنبيه الخطيب. إلى ذلك وخاصة مع الوجوب التعييني عليهم.

(مسألة 1008): المشهور ان يكون الخطيب هو إمام الجماعة في الصلاة، الا ان الاقوى عدم وجوبه، كما لا يجب أن يكونا أو احدهما هو الولي العام العادل. فضلا عن الامام المعصوم عليه السلام.

(مسألة 1009): لاتجب في الخطبتين النية لا من الخطيب ولا من الحاضرين، وكذا في كثير من شرائط الصلاة كالاستقبال وترك الالتفات والضحك والبكاء ومطلق الكلام ونحو ذلك.

ص: 287

(مسألة 1010): لو تيقن أن الوقت يسع للخطبة والصلاة بأقل مقدار مجز وجبت الجمعة، وكذا لو اطمأن بذلك أو وثق به، بل لو كان ظاناً على الأحوط. وأما لو غلب على ظنه ضيق الوقت فقد فاتت الجمعة ويصلي ظهرا.

(مسألة 1011): إذا خرج الوقت خلال الخطبتين، فاتت الجمعة. وكذا إن خرج خلال الركعة الأولى. وأما إذا دخلت ركعة كاملة في الوقت أجزأت.

(مسألة 1012): يجب الجهر في قراءة صلاة الجمعة دون ظهرها بل الأحوط فيها الإخفات.

(مسألة 1013): قال الفقهاء: يستحب يوم الجمعة الغسل، وهو غسل الجمعة وليس غسلا خاصا بالصلاة ويستحب التنفل بعشرين ركعة، ستّ منها عند انبساط الشمس وست عند ارتفاعها وست قبل الزوالوركعتان عند الزوال. ولو أخر النافلة إلى مابعد الزوال جاز، مالم يزاحم صلاة الجمعة ويستحب أن يباكر المصلي إلى المسجد الأعظم، بعد أن يحلق رأسه ويقص أظافره ويأخذ من شاربه. وان يكون على سكينة ووقار، متطيبا لابسا أفضل ثيابه. وأن يدعو أمام توجهه. ويستحب أن يكون الخطيب بليغا مواظبا على الصلوات في أول أوقاتها. ويستحب له أن يتعمم شاتياً كان أم قايظاً. ويرتدي بردة يمنية، وان يكون معتمداً على شيء كعصا أو سيف. وأن يسلم أولا. وأن يجلس أمام الخطبة وبين الخطبتين.

(مسألة 1014): يستحب للامام اختيار سورة الجمعة بعد الحمد في الركعة الأولى وسورة المنافقين بعد الحمد في الثانية. وإذا قرأ غيرها يستحب له العدول إليها. ما لم يتجاوز الثلثين. إلا في سورتي الجحد والتوحيد على تفصيل سبق في مبحث القراءة (مسألة 795) فراجع.

(مسألة 1015): يكره للخطيب ان يتكلم خلال الخطبتين بغيرهما كما يكره له أن يتكلم بينهما. ولا يتعين في الخطبتين، بعد انحفاظ الواجبات السابقة اي مضمون معين أو لهجة أو لغة، وان كان الافضل تكريسها للنفع العام دينيا بالاسلوب الذي يفهمه الحاضرون. نعم، يحرم فيها ما يحرم في غيرها، كالكذب والغيبة وإيذاء

ص: 288

المؤمنين وإضلال السامعين.

(مسألة 1016): يجب ان يكون امام الجماعة في صلاة الجمعة جامعا لشرائط امام الجماعة الاتية، والأحوط ان يكون جامعا لشرائط الجمعة السابقة ايضا، اما الخطيب فالاحوط استحبابا فيه ذلك وان كان هو الأولى وعليه السيرة.

ص: 289

المبحث الثاني: صلاة العيدين

تجب صلاة العيدين إذا أمر بها الفقيه الجامع لشرائط ولاية أمر المسلمين لإنها من الوظائف الاجتماعية -كصلاة الجمعة- وجوباً تعيينياً. ولا تجب بسبب أخر ولو كان سببا لوجوب صلاة الجمعة. بل هي عندئذ مستحبة ويمكن إقامتها جماعة أو فرادى. ولكنها إذا أقيمت حال وجوبها لا تصح. الا بإقامتها جماعة مع الخطبتين. كما سنشير. وإذا صلاها بمفرده عندئذ نواها مستحبة أيضا.

ولكن هذا لا يكون إلا مع عدم المزاحمة مع الصلاة الواجبة المقامة وإلا بطلت فرادى. لوجوب حضور الصلاة الأخرى مع تنجزه عليه.

(مسألة 1017): شرائط المكلفين بصلاة الجمعة هم أنفسهم في صلاة العيدين وكذلك المسافة التي يجب الحضور منها اليها.

(مسألة 1018): لا يعتبر فيها العدد ولا تباعد الجماعتين كما يعتبر في صلاة الجمعة.

(مسألة 1019): تختلف عن صلاة الجمعة في الوقت، فان وقت هذه الصلاة من طلوع شمس العيد إلى زواله. والمراد من العيد يومان في السنة احدهما عيد الفطر وهو الأول من شوال. والأخر عيد الأضحى وهو العاشر من ذي الحجة. كما تختلف عنها في ان الخطبتين بعد الصلاة وفي صلاة الجمعة قبلها

(مسألة 1020): صلاة العيد ركعتان يقرأ في كل منهما الحمد وسورة، والأفضل أن يقرأ في الأولى (والشمس) وفي الثانية (الغاشية) أو في الأولى (الأعلى) وفي الثانية (والشمس)، ثم يكبر في الأولى خمس تكبيرات، ويقنت بعد كل تكبيرة وفي الثانية يكبر بعد القراءة اربعا، ويقنت بعد كل تكبيرة، ويجزي في القنوت ما يجزي في قنوت سائر الصلوات، والأفضل أن يدعو بالمأثور، فيقول في كل واحد منها: (اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل العفو والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة، أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، ولمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ذخراً ومزيداً، أن تصلي على محمد وآل محمد، كأفضل ما صليت

ص: 290

على عبد من عبادك، وصل على ملائكتك ورسلك، واغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم إني أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون وأعوذ بك من شر ما استعاذ بك منه عبادك المخلصون)، ويأتي الإمام بخطبتين بعد الصلاة يفصل بينهما بجلسة خفيفة، ولا يجب الحضور عندهما، ولا الإصغاء، والأحوط عدم تركهما في زمان الغيبة إذا كانت الصلاة جماعة.

(مسألة 1021): إذا صليت جماعة اشترط في الامام ما يشترط في امام الجماعة، وسرت عليها احكام صلاة الجماعة عموما. ومنها عدمتحمل الامام عن المأموم غير القراءة.

(مسألة 1022): ليس في هذه الصلاة اذان ولا اقامة بل يستحب ان يقول المؤذن: الصلاة ثلاثاً.

(مسألة 1023): يشترط في مضمون الخطبتين ما ذكرناه في خطبتي الجمعة، إلا انهما بعد الركعتين. ولكن لا يجب حضورهما ولا الاصغاء ولكن يستحب.

(مسألة 1024): الاقوى لزوم قضاء السجدة الواحدة والتشهد والتسليم إذا نسي. والاولى سجود السهو عند تحقق موجبه.

(مسألة 1025): إذا شك في جزء منها وهو في المحل اتى به، وان كان بعد تجاوز المحل مضى.

(مسألة 1026): الأظهر سقوط قضائها لو فاتت واجبة كانت أو مستحبة، سواء فاتت عن عذر أو غيره. كما انه لا دليل على استحباب القضاء أيضاً.

(مسألة 1027): قال الفقهاء انه: يستحب الغسل قبلها والجهر فيها بالقراءة سواء أكان جامعاً أو منفرداً ورفع اليدين في التكبيرات والسجود على الأرض مباشرة والاصحار بها إلا في مكة المكرمة فان الاتيان بها في المسجد الحرام افضل، وان يخرج اليها الامام راجلاً حافياً لابساً عمامة بيضاء مشمراً ثوبه إلى ساقه وان يأكل قبل خروجه إلى الصلاة في الفطر وبعد عوده في الاضحى بما يضحى به ان كان.

(مسألة 1028): إذا اتفق عيد وجمعة وكانت شرائط الوجوب لكلا الصلاتين

ص: 291

متحققة فمن حضر صلاة العيد كان في الخيار في حضور صلاة الجمعة، وعلى الامام ان يعلمهم ذلك في خطبته. واما إذا اقيمت صلاة العيد استحباباً جماعة أو فرادى لم تغنِ عن صلاة الجمعة واجبة كانت أو مستحبة.

(مسألة 1029): إذا طلعت الشمس من يوم أحد العيدين حرم السفر حتى يصلي صلاة العيد ان كان ممن تجب عليه والا فلا يحرم.

المبحث الثالث: صلاة الخوف

اشارة

الخوف سبب مستقل في وجوب قصر الصلاة كالسفر سواءً صليت جماعة أو فرادى. والمراد به: ان الصلوات اليومية الرباعية تصبح ركعتين كما في السفر على ما سيأتي. والأحوط وجوباً ان يكون الخوف خارجياً لا من مرض ونحوه وان يكون خوفاً على النفس لا ما دونه وان يكون احتمال الخطر معتداً به. وان يكون قصر الصلاة مؤثراً ولو احتمالاً بالتخلص من الخوف أو في قلته. وفي خلاف ذلك لا يكون الخوف سبباً للقصر والأحوط عندئذ استحباباً الجمع بين القصر والتمام مع الإمكان.

ومعه يكون لصلاة الخوف أحد ثلاث معان كلها صحيحة شرعاً:

الأول: الصلاة اليومية المقصورة بسبب الخوف.الثاني: صلاة ذات الرقاع وهي التي تصلي جماعةً قصراً لدى الحرب.

الثالث: صلاة شدة الخوف. وهي الصلوات اليومية مقصورة، ولكن بالإيماء، ومع ترك الاستقبال والاستقرار ونحو ذلك.

ونتكلم فيما يلي عن النوعين الثاني والثالث. وقد تبين ان الأقسام الثلاثة كلها في الصلوات اليومية وكلها حال الخوف وكلها بصفة القصر. وكلها يمكن ان تكون في جماعة. غير انه تتعين ذات الرقاع للجماعة ولا تصدق بدونها، وقد تتعين صلاة شدة الخوف بدون الجماعة، فيما لو تعذرت صورة اقامتها.

(مسألة 1030): صلاة ذات الرقاع مقصورة في حالة الحرب المخوفة وان لم

ص: 292

تكن بشرائط الخوف السابقة.

(مسألة 1031): شرائط ذات الرقاع مضافاً إلى ما سبق ما يلي:

اولاً: ان يكون العدو في جهة القبلة.

ثانياً: ان يكون فيه قوة لا يؤمن ان يهجم فيها على المسلمين.

ثالثاً: ان يكون في المسلمين كثرة يمكن ان يفترقوا طائفتين، تكفي كل واحدة لمدافعة العدو خلال إقامة الصلاة.

رابعاً: ان لا يحتاج الامام إلى تفريقهم اكثر من فرقتين.

(مسألة 1032): كيفية هذه الصلاة ان ينقسم الجيش فرقتين فرقة تقف باتجاه العدو تحاذر هجومه على المصلين ويبدأ الإمام صلاة الجماعة مع الطائفة الأخرى، فان كانت الصلاة ثنائية وهي الصلوات المقصورة والصبح. صلى بالأولى ركعة وقام إلى الثانية، ويبقى واقفاً قبل القراءة وينوي من خلفه الانفراد لزوماً ويتمون صلاتهم ويستقبلون العدو وتأتي الفرقة الأخرى للصلاة والإمام لا زال واقفا مصلياً فيحرمون ويدخلون معه في ثانيته وهم في اولاهم فيقرأ بهم ويستمر في صلاته فإذا جلس للتشهد جلس ساكتاً وقام المأمومون واتوا بالركعة الثانية حتى إذا جلسوا للتشهد تشهد الإمام بهم وسلم.

(مسألة 1033): ان كانت ركعات الصلاة ثلاثة كان الامام مخيراً بين ان يصلي بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين وان شاء صلى بالاولى ركعتين وبالثانية ركعة.

(مسألة 1034): تحصل المخالفة بين صلاة ذات الرقاع وصلاة الجماعة الاعتيادية من جهات: منها انفراد المامومين لزوماً وهم الطائفة الاولى، ومنها: توقع الامام للماموم لزوماً وهو انتظار الامام للطائفة الثانية، ومنها: إمامة القاعد للقائم وذلك في الركعة الثانية من الطائفة الثانية، ومنها طول انتظار الامام خلال الصلاة مرتين مرة خلال القيام ومرة خلال التشهد، وفي وجه آخر: ان كل هذه الفروق وان قال بها المشهور إلا انها قابلة للمناقشة وليس الان محل تفصيله.(مسألة 1035): كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم يلحقه حكم الشك في الجماعة كجواز رجوع الامام إلى المامومين وبالعكس، وكل سهو حصل حال

ص: 293

الانفراد يكون محكوما بحكم المنفرد فان كان في الركعات كان مبطلاً لان الصلاة ثنائية وان كان في الافعال شمله ماقلناه في احكام الشك وفي مبطلات الصلاة.

(مسألة 1036): إذا سها الامام سهواً يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه فإذا سلم وسجد لم يجب عليها اتباعه.

(مسألة 1037): اخذ السلاح واجب في هذه الصلاة بنص القرآن الكريم ولو عصى ولم يحمل سلاحاً اثم ولم تبطل صلاته.

(مسألة 1038): يجوز ان يكون على السلاح نجاسة إذا كانت حاصلة من الحرب على الطريقة القديمة. واما غيرها من النجاسات فلا، هذا بلحاظ حكم هذه الصلاة، والا فانه مشمول بحكم المحمول والملبوس الذي لا تتم فيه الصلاة، ولو كان السلاح ثقيلا يمنع شيئا من واجبات الصلاة لم يجز حمله.

(مسألة 1039): لا فرق في وجوب الحمل وفي جواز النجاسة التي قلناها بين السلاح القديم والحديث مما يحمل على الجسد عادة غير ان كون منشأ النجاسة من الحرب في السلاح الحديث نادر الوقوع.

صلاة شدة الخوف

(مسألة 1040): المهم في مثل ذلك حصول الخوف الشديد وعدم إمكان إيجاد الصلاة الاختيارية والصلاة لا تسقط بحال. ويجب الاتيان بها على كل حال، فيجب ان يأتي الفرد بالصلاة حسب امكانه واقفاً أو ماشياً أو راكباً ويستقبل القبلة في تكبيرة الاحرام ثم يستمر ان أمكنه والا استقبل في الصلاة بما امكن وصلى مع التعذر إلى اي الجهات امكن والأحوط اختيار الاقرب إلى القبلة فالاقرب.

(مسألة 1041): يجب تاخير هذه الصلاة إلى قريب نهاية الوقت مع توقع زوال الخوف أو قلته مالم يثق أو يطمئن بحصول الوفاة فتجب المبادرة إلى الصلاة عندئذ. وإذا لم يحصل كلا الامرين فاللازم قصد الرجاء في الصلاة فان زال السبب كان الأحوط الاعادة. ولو نوى عندئذ بالنية الجزمية لم يصح مع الالتفات وصحت

ص: 294

مع الغفلة والنسيان ووجبت الاعادة مع ارتفاع السبب في الوقت على الأحوط دون خارجه.

(مسألة 1042): إذا لم يتمكن من النزول صلى راكبا. فان استطاع الصلاة من قيام في واسطة نقله كالسفينة فعلها، وان لم يستطع صلى ايماءاً برأسه، وان لم يستطع فبعينيه والأحوط استحبابا ان يرفع ما يسجد عليه مع الامكان والأحوط استقبال القبلة بما أمكن من الصلاة ايضا معالامكان وخاصة بتكبيرة الاحرام.

(مسألة 1043): إذا لم يتمكن من الصلاة موميا صلى بالتسبيح ويسقط الركوع والسجود ويقول بدل كل ركعة: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر. بادئاً بالتكبير قبلها.

(مسألة 1044): إذا لم يتمكن حتى من ذلك، كالغريق والمحترق ونحوهما، صلى بالنية مع الامكان. فان استطاع النية التفصيلية بان ينوي التكبير وينوي الركعات واحدة بعد اخرى وجب ذلك، وان لم يتمكن من ذلك اتى بما امكن واكتفى بالنية الاجمالية.

(مسألة 1045): إذا صلى ايماءً فارتفع خوفه خلال صلاته اتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي منها ولا يستأنف، وكذا لو صلى بعض صلاته ثم عرض عليه الخوف لم يجز قطع الصلاة، وخاصة آخر الوقت، بل صلى الباقي ايماءً أو بحسب امكانه.

(مسألة 1046): إذا خاف من سيل أو سبع أو لص، فان كان في اول الوقت جاز التأخير بل لزم كما سبق وان كان في اخر الوقت صلى صلاة شدة الخوف.

(مسألة 1047): من توهم شدة الخوف، فصلى صلاة شدة الخوف. أو توهم الخوف فصلى قصرا ثم انكشف بطلان وهمه، فالاحوط الإعادة في الوقت دون خارجه. ومثله لو اقبل الخطر فصلى موميا لشدة خوفه ثم بان هناك حائل يمنع العدو.

(مسألة 1048): المتوحل والمقيد والمتورط بهدم ونحوه يصلي حسب الامكان إلا ان ذلك لا يكون سببا للقصر مالم يكن في سفر أو خوف.

ص: 295

(مسألة 1049): لا تسقط سائر شرائط الصلاة مع الامكان، فان لم يتمكن من الوضوء تيمم. وان عجز كان فاقدا للطهورين، والاقوى فيه ان يصلي على حاله في الوقت ويقضي خارجه عند توفّر الطهور.

(مسألة 1050): لو توقع وجود العذر ايا كان فالاحوط الاستعداد للصلاة بالطهارة من الحدث والخبث وإباحة اللباس وغير ذلك. وخاصة فيما إذا كان داخل الوقت. وانما يجوز ذلك مع الاضطرار دينيا او دنيويا، والا لم يجز الدخول في موارد العذر.

(مسألة 1051): صلاة ذات الرقاع لا تتعين في آخر الوقت بل يجوز إيجادها في أوله، ولا يجب إعادة الصلاة مع حصول الأمان بخلاف صلاة شدة الخوف كما سمعنا.

(مسألة 1052): قد تسمى صلاة الآيات بصلاة الخوف، باعتبار انها تجب للمخاوف السماوية والارضية، إلا ان قصد ذلك خلالها مخالف للاحتياط الوجوبي.

ص: 296

المبحث الرابع: صلاة الآيات

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في أسبابها

تجب هذه الصلاة على كل مكلف عدا الحائض والنفساء عند كسوف الشمس وخسوف القمر ولو بعضهما. وكذا عند الزلزلة، وعند كل آية مخوفة لدى اغلب الناس، سماوية كانت كالريح السوداء أو الحمراء والظلمة الشديدة والصيحة والهدة والنار التي تظهر في السماء وغير ذلك، أو أرضية كالخسف والشق ونحوه. ولا عبرة بغير المخوف أو ما يخيف القليل من الناس. ولا يعتبر ذلك في الكسوفين والزلزلة، فتجب الصلاة لها مطلقاً.

الفصل الثاني: في وقتها

وقت صلاة الكسوفين من حين الشروع في الانكساف إلى تمام الانجلاء. والأحوط استحبابا إتيانها قبل الشروع في الانجلاء. وإذا لم يدرك المصلي الا مقدار ركعة منها صلاها اداء. وان أدرك اقل من ذلك صلاها من دون تعرض للأداء والقضاء. هذا إذا كان الوقت في نفسه واسعا. واما إذا كان زمان الكسوف أو الخسوف قليلا لا يسع مقدار الصلاة ولو ركعة، فتجب عليه صلاة الايات أيضاً، ويبادر الى ادائها، وأن خرج الوقت في اثناء الصلاة. فإن تأخرت الصلاة عندئذ عمداً او سهواً حتى خرج الوقت صلاها بنية القضاء.

(مسألة 1053): إذا لم يعلم الكسوف إلى تمام الانجلاء، ولم يكن القرص محترقا كله لم يجب القضاء. وان كان عالما به وأهمل ولو نسيانا أو كان القرص

ص: 297

محترقا كله وجب القضاء. وكذا إذا صلى صلاة فاسدة.

(مسألة 1054): غير الكسوفين من الآيات إذا تعمد تأخير الصلاة عنه عصى، ووجب الإتيان بها مادام العمر. فان كان وقت وقوع الآية واسعا للصلاة نوى القضاء وان لم يكن نوى الأداء وكذا اذا لم يعلم حتى مضى الوقت على الأحوط.

(مسألة 1055): يختص الوجوب في الكسوفين بمن يمكن ان يراهما، وفي الزلزلة بالمنطقة المهتزة بها. وفي باقي الآيات في المنطقةالتي يحصل فيها خوف نوعي أو عام. ولا يجب في غيرها ولو كان مجاورا.

(مسألة 1056): إذا حصل الكسوف في وقت فريضة يومية واتسع وقتهما تخير في تقديم أيهما شاء. وان ضاق وقت أحداهما دون الأخرى قدمها وان ضاق وقتهما قدم اليومية. وان شرع في وقت أحداهما في سعة وقتها فتبين ضيق وقت الأخرى على وجه يخاف فوتها على تقدير اتمامها. قطعها وصلى الأخرى، ثم اتى بها.

(مسألة 1057): يجوز قطع صلاة الآيات وفعل اليومية إذا خاف فوت وقت فضيلتها. ثم يعود إلى صلاة الآيات.

(مسألة 1058): إذا قطع صلاة الآيات من اجل ضيق أحدى الصلوات اليومية وصلاها، كما ذكرنا في المسألتين السابقتين، أمكنه ان يشرع في صلاة الآيات من حيث قطعها إذا لم يكن فعل المنافي بشرط الحفاظ على صحة صلاة الآيات بحيث لا يحصل ركن زائد أو واجب زائد عمدا واحدهما ناقص كما سبق أو انه تفوت الموالاة من القراءة أو الذكر أو التشهد أو التسليم. إلى غير ذلك

ص: 298

الفصل الثالث: في كيفيتها

ينبغي الالتفات إلى ان اسم هذه الصلاة هو: صلاة الكسوف كما هو وارد في الأدلة الصحيحة الصريحة، حتى لو صليت في الخسوف أو في الزلزلة أو غيرهما. ومعه فالاحوط نية هذا العنوان، وان نوى صلاة الآيات فالاحوط قصد ما في الذمة من عنوان الصلاة والتي قد يعبر عنها بصلاة الآيات. وهي ركعتان في كل واحدة خمسة ركوعات، ينتصب بعد كل واحدة منها وسجدتان بعد الانتصاب من الركوع الخامس. ويتشهد بعدهما ثم يسلم، وتفصيل ذلك: ان يحرم مقارنا للنية ثم يقرأ الحمد وسورة ثم يركع ثم يرفع رأسه منتصبا فيقرأ الحمد وسورة ثم يركع، وهكذا حتى يتم خمسة ركوعات، ثم ينتصب بعد الركوع الخامس ويهوي إلى السجود، فيسجد سجدتين، ثم يقوم ويصنع كما صنع أولاً، ثم يتشهد ويسلم.

(مسألة 1059): يجوز ان يفرق سورة واحدة على الركوعات الخمسة، فيقرأ بعد الفاتحة في القيام الأول بعضا من سورة، آية أو أكثر أواقل إذا كان مقطعا تام المعنى غير البسملة على الأحوط، ثم يركع، ثم يرفع رأسه ويقرأ بعضا اخر من نفس السورة من حيث قطع، وذلك من دون قراءة الحمد قبلها. ثم يركع ثم يرفع رأسه ويقرأ بعضا اخر من حيث قطع بدون الفاتحة ثم يركع. وهكذا فيكون قد قرأ في عدة ركوعات فاتحة واحدة وسورة تامة موزعة عليها، سواء توزعت السورة على الركوعات الخمسة أو اقل ويجوز ان يأتي بالركعة الأولى على النحو الاول وبالثانية على النحو الثاني وبالعكس.

(مسألة 1060): يجوز ان يفرق السورة على اقل من خمسة ركوعات لكن يجب عليه في القيام اللاحق لانتهاء السورة الابتداء بالفاتحة وقراءة سورة تامة أو بعض سورة، وإذا لم يتم السورة في القيام السابق لم تشرع له الفاتحة في اللاحق كما اشرنا. بل يقتصر على القراءة من حيث قطع. كما لا يجوز تحويل بقية السورة

ص: 299

على الأحوط من الركوع الخامس إلى السادس، بل يتمها في الخامس ويبدأ بالحمد في السادس من جديد، وأولى من ذلك الوجوب اتمام السورة في الركوع العاشر.

(مسألة 1061): حكم هذه الصلاة حكم الثنائية في البطلان عند الشك في عدد الركعات وإذا شك في عدد الركوعات بنى على الأقل إلا ان يرجع إلى الشك في الركعات، كما إذا شك في انه في الركوع الخامس أو السادس فتبطل.

(مسألة 1062): ركوعات هذه الصلاة أركان، تبطل بزيادتها ونقصها عمدا وسهوا كاليومية ويعتبر فيها ما يعتبر في اليومية من اجزاء وشرائط واذكار واجبة ومندوبة وغير ذلك. كما يجري فيها أحكام السهو والشك في المحل وبعد التجاوز.

(مسألة 1063): يستحب فيها القنوت بعد القرآن قبل الركوع في كل قيام زوجي ويجوز الاقتصار على قنوتين في الخامس والعاشر ويجوز الاقتصار على الأخير منهما ويستحب التكبير عند الهوي إلى الركوع وعند الرفع منه أو قول: سمع الله لمن حمده عند الرفع.

(مسألة 1064): يستحب اتيانها بالجماعة اداء كان ام قضاء، مع احتراق القرص وعدمه. ويتحمل الإمام فيها القراءة لا غيرها كاليومية. وتدرك بادراك الإمام قبل الركوع الاول أو في الركوع من كل ركعة اما إذا أدركه في غيره ففيه اشكال. إلا ان هذه الصلاة لا تشبه جماعة اليومية في استحباب اعادتها جماعة لمن صلى جماعة أو فرادي. فان مثله فيها لم يثبت.

(مسألة 1065): يستحب التطويل في صلاة الكسوف إلى تمام الانجلاء مالم يخرج قسم منها عنه. فإذا فرغ قبله جلس في مصلاه مشتغلا بالدعاء أو يعيد الصلاة بنية رجاء الاستحباب. نعم، إذا كان اماما يشق على من خلفه التطويل خفف. ويستحب قراءة السور الطوال كياسينوالنور والكهف والحجر، واكمال السورة في كل قيام، مالم يضق الوقت، فيتعين عدم الاكمال بل تسقط السورة كلها. كما يستحب ان يكون كل من الركوع والسجود بقدر القراءة في الطول. والجهر بالقراءة ليلا أو نهارا. حتى في كسوف الشمس على الاصح، وكونها تحت الشمس وكونها في

ص: 300

المسجد.

(مسألة 1066): يثبت الكسوف وغيره من الآيات بالعلم وبشهادة العدلين، بل بشهادة الثقة الواحد أيضا على الأظهر، ولا يثبت بإخبار الراصد الفلكي ما لم يكن ثقة أو يوجب قوله الوثوق أو الاطمئنان.

(مسألة 1067): إذا تعدد السبب تعدد الواجب بتكرار الصلاة ولا تجزي الواحدة عن السبب المتعدد. والأحوط وجوبا التعيين مع اختلاف السبب، دون اتحادهما كزلزلتين أو خسوفين سواء صلاهما اداء أو قضاء أو رجاء أو بالتفريق بين النيات.

ص: 301

المبحث الخامس: صلاة القضاء

اشارة

يجب قضاء الصلاة اليومية التي فاتت في وقتها عمداً أو سهواً أو جهلاً أو لأجل النوم المستوعب للوقت أو لغير ذلك كالسكر والاغماء والارتداد. وكذا إذا أتى بها فاسدة لفقد جزء أو شرط يوجب فقده البطلان. ولا يجب قضاء ما تركه المجنون حال جنونه أو الصبي في حال صباه، أو الكافر الاصلي حال كفره، وكذا ما تركته الحائض أو النفساء مع استيعاب المانع لتمام الوقت. أما المرتد فيجب عليه قضاء ما فاته حال الارتداد بعد توبته وتصح منه وإن كان عن فطرة على الاقوى. والأحوط وجوبا القضاء على المغمى عليه مطلقاً.

(مسألة 1068): إذا بلغ الصبي وأفاق المجنون والمغمى عليه في أثناء الوقت وجب عليهم الاداء إذا أدركوا مقدار ركعة مع الشرائط. فان تركوا أثموا ووجب القضاء. وكذلك من استيقظ من نوم أو اسلم من كفر أو تاب من ارتداد خلال الوقت. غير أن إجزاء الركعة داخل الوقت ونحوها من الذي كان كافرا أو مرتدا محل اشكال فالاحوط وجوبا له القضاء ايضاً.

(مسألة 1069): الحائض والنفساء إذا طهرت في اثناء الوقت فان تمكنت من الصلاة والطهارة المائية وجب عليها الاداء فان فاتها وجب القضاء. وكذلك إذا لم تتمكن من الطهارة المائية لمرض أو لعذر آخر، وتمكنت من الطهارة الترابية. أو لضيق الوقت، فإنها تأتي بالصلاة مع التيمم وتكون مجزية. وإذا لم تصلِ وجب القضاء.

(مسألة 1070): إذا طرأ الجنون أو الإغماء بعدما مضى من الوقت مقدار يسع الصلاة فقط، فيما إن كان متمكنا من تحصيل الشرائط قبل الوقت وجب القضاء على الأحوط. ويعتبر في وجوب القضاء فيما إذا طرأ الحيض أو النفاس مضي مقدار يسع الصلاة والطهارة من الحدث ولو كانت ترابية.

(مسألة 1071): المخالف إذا استبصر يقضي ما فاته ايام خلافه، إن اتى به على نحو كان يراه فاسدا في مذهبه، والا فليس عليه قضاؤه. والأحوط استحبابا

ص: 302

الإعادة مع بقاء الوقت ولا فرق بين المخالف الأصلي وغيره، كما لا فرق بينه وبين سائر مذاهب الإسلام الأصلية، أعنى التي كانت في زمن المعصومين عليهم السلام، دون ما هو متاخر عنهم.

(مسألة 1072): يجب القضاء على السكران من دون فرق بين الاختياري وغيره، والحلال والحرام. ومثله من له حالة الخدر بالبنج سواء كان التخدير طبياً أو غيره وسواء كان كليا أو جزئيا، مادام مفوتا للصلاة.

(مسألة 1073): يجب القضاء للفرائض غير اليومية عدا العيدين، حتى النافلة المنذورة في وقت معين على الأحوط. اما صلاة الجمعة إذافاتت فتعاد ظهرا وتقضى ظهرا.

(مسألة 1074): يجوز القضاء في كل وقت من الليل والنهار وفي الحضر والسفر، ويقضي قصراً ما فاته قصراً ولو في الحضر وما فاته تماما يقضيه تماماً ولو في السفر، وإذا كان في بعض الوقت حاضرا وفي بعضه مسافرا قضى ما وجب في آخر الوقت.

(مسألة 1075): إذا فاتته الصلاة في بعض أماكن التخيير، قضى قصرا ولو لم يخرج من ذلك المكان حتى خرج الوقت. وإذا كان الفائت مما يجب فيه الجمع بين القصر والتمام احتياطا، فالقضاء كذلك احتياطاً.

(مسألة 1076): يستحب قضاء النوافل الرواتب بل غيرها من المؤقت. ولا يتأكد قضاء ما فات منها حال المرض. وإذا عجز عن قضاء الرواتب استحب له الصدقة عن كل ركعتين بمُد وان لم يتمكن فمُد لنوافل الليل ومُد لنوافل النهار.

(مسألة 1077): لا يعتبر الترتيب في قضاء الفوائت غير اليومية لا بعضها مع بعض ولا بالنسبة إلى اليومية. واما الفوائت اليومية فيجب الترتيب بينها إذا كانت مترتبة بالاصل كالظهرين والعشائين من يوم واحد واما إذا لم تكن كذلك فلا ترتيب بينها على الأظهر، من دون فرق بين العلم والجهل.

ص: 303

لزوم الترتيب بين القضاء والأداء لنفس اليوم

(مسألة 1078): لا يعتبر الترتيب بين القضاء والأداء بالإتيان بالقضاء أولا. بل هو مخير في التقديم ما دام الاداء موسعا إلا في موردين على الأحوط:

احدهما: ما فاته لنفس اليوم سواء كان الوقت السابق مباشراً، كالصبح مع الظهر أو غير مباشر كالصبح مع المغرب. وإذا فاتته أكثر من صلاة وجب قضاؤها جميعا قبل الاداء على الأحوط.

ثانيهما: ما كان الوقت مباشراً ولو ليوم سابق كالعشاء والصبح، هذا مع سعة وقت الحاضرة، وإن تضيّق قدّمها لأنها أحق بالوقت.

(مسألة 1079): يسقط هذا الترتيب بالجهل والنسيان ولو صلى اداء مع وجود القضاء في ذمته جهلا أو نسيانا صحّ، ولو تذكر أو علم بعد ذلك وجب الاحتياط بالترتيب في حدود ما قلناه في المسألة السابقة، وفي مورد وجوب التقديم يجب العدول إلى الفائتة إذا شرع غافلاً بالحاضرة، والتفت خلال الصلاة، ولم يفت محل العدول.

(مسألة 1080): إذا خالف هذا الترتيب عمدا بطل الاداء على الأحوط وعليه اعادته بعد الاتيان بالقضاء. مع سعة الوقت. ولو لركعة للاداء واما مع ضيقه فلا يجب القضاء واتى به متى امكنه في وقت اخر.

الشك في ترتيب القضاء

(مسألة 1081): إذا علم ان عليه احدى الصلوات الخمس يكفيه صبح ومغرب ورباعية بقصد ما في الذمة مرددة بين الظهر والعصر والعشاء. وإذا كان مسافرا يكفيه مغرب وثنائية بقصد ما في الذمة مرددة بين الاربع وهي الصبح والظهر والعصر والعشاء. وان لم يعلم انه كان مسافرا أو حاضرا يأتي بثنائية مرددة بين الاربع السابقة ورباعية مرددة بين الثلاث الرباعيات ومغرب. ويتخير في جميع الفروض في

ص: 304

المرددة بين الجهر والاخفات.

(مسألة 1082): إذا علم أن عليه اثنتين من الخمس مرددتين في الخمس من يوم واحد، وجب عليه الاتيان بأربع صلوات. فيأتي بصبح ثم رباعية بما في الذمة مرددة بين الظهر والعصر، ثم مغرب ثم رباعية بما في الذمة مرددة بين العصر والعشاء. وان كان مسافرا يكفيه ثلاث صلوات: اولاها ثنائية بما في الذمة مرددة بين الصبح والظهر والعصر ثم يصلي مغرباً، ثم يصلي ثنائية بما في الذمة مرددة بين الظهر والعصر والعشاء. وان لم يعلم انه كان مسافرا أو حاضرا أتى بخمس صلوات. فيأتي بثنائية بما في الذمة مرددة بين الصبح والظهر والعصر، ثم برباعية بما في الذمة مرددة بين الظهر والعصر، ثم بمغرب. ثم بثنائية بما في الذمة مرددة بين الظهر والعصر والعشاء ثم برباعية مرددة بما في الذمة بين العصر والعشاء.

(مسألة 1083): إذا علم ان عليه ثلاثا من الخمس، وجب عليه الإتيان بالخمس بقصد ما في الذمة. وان كان الفوت في السفر يكفيه اربع صلوات، اولاها ثنائية بما في الذمة مرددة بين الصبح والظهر وثنائية اخرى بما في الذمة مرددة بين الظهر والعصر، ثم مغرب، ثم ثنائية بما في الذمة مردّدة بين العصر والعشاء. وإذا علم بفوات اربع منها اتى بالخمس تماما إذا كان في الحضر، وقصرا إذا كان في السفر ويعلم حال بقية الفروض مما ذكرناه، والمدار في الجميع على حصول العلم باتيان ما اشتغلت به الذمة، مع احراز الترتيب ولو على وجه الترديد.

(مسألة 1084): إذا شك في فوات فريضة أو فرائض لم يجب عليه القضاء. وإذا علم بالفوات وتردد بين الاقل والاكثر جاز له الاقتصار على الاقل. وإن كان الأحوط استحبابا التكرار حتى يحصل له العلم بالفراغ.

(مسألة 1085): لا يجب الفور بالقضاء لما فات في غير نفس اليوم الذي هو فيه، فيجوز التاخير فيها ما لم يحصل التهاون في تفريغ الذمة.

(مسألة 1086): يجوز لمن عليه القضاء الاتيان بالنوافل على الاقوى، إلا إذا كان القضاء الواجب لنفس اليوم.(مسألة 1087): يجوز الاتيان بالقضاء جماعة بل يستحب سواء كان الامام قاضيا

ص: 305

ام مؤديا. ولا يجب اتحاد صلاة الامام والماموم من هذه الجهة.

(مسألة 1088): الأحوط لذوي الاعذار تأخير القضاء إلى زمان ارتفاع العذر، إذا كان العذر ذا عنوان ثانوي كالتيمم أو الصلاة جالساً أو في نجاسة اضطرارية. وتجوز المبادرة للقضاء إذا كان العذر واقعيا كدم الجروح والاستحاضة، والدم الاقل من الدرهم، فإذا كان العذر على النحو الاول وجب الانتظار إلى حين ارتفاعه إلا إذا علم بعدم ارتفاعه إلى آخر العمر أو احتمل ذلك احتمالا معتدا به أو ظهر بعض علامات الموت، ولكن ان بادر إلى القضاء خلال العذر فلينوه بما في الذمة وتجب عليه الاعادة مع ارتفاعه ان كان الاخلال بما يفسد الصلاة عمدا وسهوا كالطهارة والاستقبال والاركان.

(مسألة 1089): إذا كانت عليه فوائت وأراد ان يقضيها في ورد واحد أذّن وأقام للأول واقتصر على الإقامة للبواقي، والظاهر ان السقوط رخصة لا عزيمة.

(مسألة 1090): يستحب تمرين الطفل على أداء الفرائض والنوافل وقضائها بل على كل عبادة والاقوى مشروعية عبادات ومعاملات واعتقادات الطفل المميز. وكذا اذا صلى على ميت أو اناب عنه في غير الحج على الأحوط. وإذا بلغ في اثناء الوقت وقد انتهى من صلاته اجزأت، بخلاف ما لو كان مشتغلا بها.

(مسألة 1091): يجب على الولي حفظ الطفل وابعاده عن كل ما فيه خطر على نفسه، وعن كل ما علم من الشرع كراهة وجوده ولو من الصبي، كالزنا واللواط وشرب الخمر والدياثة والنميمة ونحوها. ولايبعد القول بحرمتها على الصبي إذا كان مميزا. ويبقى رفع القلم ساريا في الحدود والواجبات وما ليس بتلك المثابة من المحرمات إلى حين بلوغه.

(مسألة 1092): في وجوب حفظ الطفل من اكل النجاسات والمتنجسات وشربها، إذا لم تكن مضرة اشكال. وان كان الأظهر الجواز في غير الخمر والخنزير ولاسيما المتنجسات كما ان الظاهر جواز الباسهم الحرير والذهب.

ص: 306

فروع في قضاء الولي عن الميت

(مسألة 1093): يجب على الأحوط على الولد الذكر الأكبر حال الوفاة، أن يقضي ما فات أباه من الفرائض اليومية أو غيرها من العبادات الواجبة سواء فاتت لعذر أو لدون عذر في سفر فاتت أو في حضر، في صحة فاتت أو في مرض، وكذا كل ما أتى به على وجه غير مجزئ. والاقوى الاختصاص به دون من بعده ودون الاناث. والاختصاص به دون مطلق الولي وان كان الأحوط استحباباً في ذلك القضاء. ولا شك فياستحباب قضاء ما فاته من الصلوات المستحبة بل مطلق العبادات المستحبة بل استحباب القضاء مع احتمال الفوات وخاصة في الصلوات الواجبة ويلحق به احتمال الفساد ايضاً، ويستحب الحاق الأم بالأب في الحكم المتقدمة.

(مسألة 1094): إذا كان الابن الاكبر حال الموت صبيا أو مجنونا، وجب عليه القضاء إذا بلغ وعقل.

(مسألة 1095): إذا تساوى الذكران في السن وجب عليهما القضاء على نحو الوجوب الكفائي بلا فرق بين امكان التوزيع، كما إذا تعدد الفائت، وعدمه كما إذا اتحد.

(مسألة 1096): إذا اشتبه الولد الاكبر بين شخصين أو اشخاص بحيث لم يكونوا انفسهم يعرفون ذلك. ولم تكن هناك بينة أو وثوق بعينه فالاحوط الاولى العمل على نحو الوجوب الكفائي. وان كان الاقوى جواز العمل على الترجيح اولاً ان وجد.

(مسألة 1097): لا يجب على الولي قضاء ما فات الميت مما وجب عليه قضاؤه عن غيره لكونه ولدا اكبر لابيه أو بإجارة أو نذر أو غير ذلك.

(مسألة 1098): يجب القضاء على الولد الاكبر ولو كان ممنوعا عن الارث بقتل أو كفر أو رق.

(مسألة 1099): إذا مات الولد الاكبر بعد موت ابيه لا يجب القضاء على غيره

ص: 307

من اخوته. ولا يجب اخراج ذلك من تركة الولد الاكبر.

(مسألة 1100): إذا تبرع عن الميت متبرع بالقضاء سقط عن الولي. وكذا إذا أستاجره الولي أو وصيّ الميت أو تبرع بالمال وقد عمل الأجير، اما إذا لم يعمل لم يسقط.

(مسألة 1101): إذا شك في فوات شيء لم يجب القضاء وإذا شك في مقداره جاز الاقتصار على الاقل.

(مسألة 1102): إذا مات معاندا في ترك الصلاة كان القضاء عنه مبنيا على الاحتياط الاستحبابي، بخلاف ما لو مات غير معاند كما لو ترك عمدا ثم تاب ومات قبل ان يدرك القضاء.

(مسألة 1103): إذا لم يكن للميت ولي أو فاته ما لايجب على الولي قضاؤه، فالاقوى عدم وجوب القضاء من اصل المال، وان كان القضاء احوط استحبابا، بالنسبة إلى غير القاصرين من الورثة، بل حتى على القاصرين بعد بلوغهم ورشدهم.

(مسألة 1104): ما وجب على الولد الاكبر قضاؤه يجوز ان يؤديه بنفسه أو باستئجار من ماله ولو باعتبار الحصة الواصلة إليه بالارث لا من اصل تركة الميت ولا من ثلثه.

(مسألة 1105): المراد من الولد الاكبر، الاسبق بالولادة، وان وجد من هو اسبق منه بلوغا أو اسبق منه في انعقاد النطفة. ولا فرق في ذلكبين الام الواحدة والمتعددة. كما لا فرق بين التوأمين وغيرهم إذا علمنا اسبقية احدهما ولو بلحظة.

(مسألة 1106): لا يجب الفور في القضاء عن الميت ما لم يبلغ حد الاهمال.

(مسألة 1107): إذا علم ان على الميت فوائت، ولكن لايدري انها مما يجب قضاؤه عليه أو يستحب، لم يجب القضاء. كما انه لو تردد الفائت بين الاقل والاكثر، لم يجب الاكثر وان استحب احتياطا لفراغ الذمة.

(مسألة 1108): في احكام الشك والسهو يراعي الولي تكليف نفسه اجتهادا أو تقليدا. وكذا في اجزاء الصلاة وشرائطها وموانعها وقواطعها.

ص: 308

(مسألة 1109): إذا مات في أثناء الوقت بعد مضي مقدار الصلاة مع مقدماتها بحسب حاله قبل أن يصلي، وجب على الولي قضاؤها.

ص: 309

المبحث السادس: صلاة الاستئجار

لا يجوز القضاء في العبادات الواجبة تبرعا أو استئجارا عن الاحياء ولو مع عجزهم عنها، إلا في الحج إذا كان مستطيعا وعاجزاً عن المباشرة فيجب ان يستنيب من يحج عنه. ويجوز التبرع عنهم في المستحبات وخاصة فيما ليس لها مثل عبادي واجب بالاصل، كقراءة القرآن والزيارة، واما ما له اصل مثل واجب كالصلاة والصوم الاستحبابيين، فالاحوط الاتيان بها رجاءً ويجوز التبرع عن الاموات في الواجبات والمستحبات، كما يجوز اخذ الاجرة عليهما، اما اهداء ثواب العمل إلى الاحياء في الواجبات والمستحبات فهو وارد ومشروع حتى فيما إذا اداه الفرد عن نفسه، إلا ان الأحوط وجوباً في الواجبات اهداء ثوابه بعد الانتهاء من العمل لنفسه.

ويُثار إشكال هنا مفاده المنافاة بين أخذ الأجرة على العبادات وقصد القربة الذي هو شرطٌ في صحتها باعتبار أن الأجير يقصد أخذ الاجرة لا القربة.

وقد أجيب الاشكال بعدة وجوه، أحدها: أن الأجير يصلي قربة إلى الله تعالى لكن الدافع إلى الصلاة قربة إلى الله تعالى هو أخذ الأجرة، فقصد الأجرة هو الداعي إلى الداعي للعمل ولا يشترط قصد القربة في غير الداعي الأول المباشر، وقد وردت أمثاله في الشريعة كالصلاة طلباً للرزق أو الولد وغيرها فالداعي إلى الصلاة هو قصد القربة لكن الداعي إلى هذا الداعي هذه الأمور.

(مسألة 1110): يجوز الاستئجار للصلاة ولسائر العبادات عن الاموات وتفرغ ذمتهم بفعل الأجير من دون فرق بين كون المستأجر وصياً أو ولياً أو وارثاً أو اجنبياً، إلا ان اهداء الثواب لا يفرغ ذمة الميت واخذ الاجرة عليه مشكل.

(مسألة 1111): يعتبر في الأجير العقل والايمان والبلوغ على قول مشهور، لكن الاقوى خلافه في المميز. ويعتبر ان يكون عارفا باحكام القضاء على وجه يصح منه الفعل، ويجب ان ينوي بفعله الاتيان بما في ذمة الميت امتثالا للامر المتوجه إلى النائب بالنيابة الذي كان استحبابياً قبل الاجارة وصار وجوبياً بعدها، كما إذا نذر النيابة عن الميت فالمتقرب بالعمل هو النائب ويترتب عليه فراغ ذمة

ص: 310

الميت، والأحوط وجوبا عدم قصد الاوامر المعاملية الناتجة عن الاستئجار.

(مسألة 1112): يجوز استئجار كل من الرجل والمرأة عن الرجل والمرأة، ويراعي في الجهر والاخفات حال الأجير، فالرجل يجهر وجوبا في الصلاة الجهرية. وان كان نائبا عن المرأة والمرأة لاجهر عليها وان نابت عن الرجل في الجهرية.

(مسألة 1113): لا يجوز استئجار ذوي الاعذار كالعاجز عن القيامأو عن الطهارة الخبثية أو ذي الجبيرة أو المسلوس أو المتيمم أو غيرهم من المضطرين. إلا إذا تعذر غيرهم. ومع التعذر يتعين استئجار من كان عذره واقعيا كذي الجبيرة والمستحاضة ومن يصلي بالدم المعفو عنه، لا من كان عذره ثانوياً كالمتيمم وذي النجاسة الخبثية غير الدم والمسلوس. واما في صورة التبرع فيجزيء ما كان من القسم الاول دون الثاني.

(مسألة 1114): ان تجدد للأجير العجز، فلو كان عذره واقعيا، استمر بعبادته النيابية، وان كان عذره ثانويا انتظر إلى زمان القدرة وان كان زمن الاجارة محددا وانتهى مع العجز انفسخت الاجارة ورجع بالاجرة بنسبة ماترك.

(مسألة 1115): إذا حصل للأجير شك أو سهو يعمل بأحكامهما بمقتضى تقليده أو اجتهاده، ولا يجب عليه اعادة الصلاة. هذا مع إطلاق الاجارة والا لزم العمل على مقتضى الاجارة، فإذا استاجره على ان يعيد مع الشك أو السهو تعين ذلك. وكذا الحكم في سائر احكام الصلاة، فمع إطلاق الاجارة يعمل الأجير على مقتضى اجتهاده وتقليده. ومع تقييد الاجارة يعمل على ما يقتضي التقييد ما لم يعلم بعدم حجية ذلك التقييد.

(مسألة 1116): إذا كانت الاجارة على نحو المباشرة لا يجوز للاجير ان يستاجر غيره للعمل، ولا لغيره ان يتبرع عنه فيه ولكن له ان يتبرع بالقضاء عن الميت مباشرة، وكذا إذا كانت الاجارة مطلقة على الأحوط ما لم ينص فيها على عدم المباشرة ولكن لا يجوز ان يستاجره بأقل من الاجرة إلا إذا اتى ببعض العمل.

(مسألة 1117): إذا عين المستأجر للأجير مدة معينة، فلم يأت بالعمل كله أو

ص: 311

بعضه فيها، لم يجز الاتيان به بعدها. الا بأذن من المستأجر. وإذا اتى به بعدها بدون اذنه لم يستحق الاجرة، وان برئت ذمة المنوب عنه بذلك.

(مسألة 1118): إذا تبين بطلان الاجارة بعد العمل اجزأت الصلاة واستحق الأجير اجرة المثل وكذا إذا فسخت لغبن أو غيره.

(مسألة 1119): إذا لم يتعين العمل من حيث الاشتمال على المستحبات، يجب الاتيان به على النحو المتعارف، إذا كان بالغا إلى حد الشرط الضمني والاجاز الاقتصار على الواجب.

(مسألة 1120): إذا نسي الأجير بعض المستحبات مما كان مأخوذا في متعلق الاجارة نقص من الاجرة بنسبته.

(مسألة 1121): إذا تردد العمل المستأجر عليه بين الاقل والاكثر كما لو شك الأجير بأنه استؤجر لشهر أو شهرين مثلاً، جاز الاقتصار على الاقل، وإذا تردد بين متباينين كما لو شك أنه استؤجر لصوم شهر أو صلاة شهر وجب الاحتياط بالجمع، هذا إذا لم يمكن الفحص أو تعذر العلم بعد الفحص. والا عمل على نتيجة الفحص.(مسألة 1122): يجب تعيين المنوب عنه ولو اجمالاً، مثل أن ينوي عمَّن قصده المستأجر أو صاحب المال أو من اشتغلت ذمته بالقضاء عنه ان كان واحدا. أو نحو ذلك.

(مسألة 1123): إذا وقعت الاجارة على تفريغ ذمة الميت فتبرع متبرع بذلك ففرغت ذمته انفسخت الاجارة. ان لم يمض زمان يتمكن الأجير فيه من الاتيان بالعمل، والاّ كان عليه اجرة المثل يدفعها للمستأجر، ويبقى الفرق - إذا وُجد- له، لكن أخذه بدون عمل مشكل فليستأذن في انجاز اي عمل يعود على الميت بازائه. وإذا بقي من العمل الاصلي شيء في ذمة الميت اتى به الأجير واحتسب به الفرق. اما إذا كانت الاجارة على نفس العمل، بغض النظر عن تفريغ ذمة الميت، كما لو كانت احتياطية، فلا تنفسخ فيما كان العمل مشروعا بعد فراغ ذمته، فيجب على الأجير العمل على طبق الاجارة.

ص: 312

(مسألة 1124): يجوز الاتيان بصلاة الاستيجار جماعة إماما كان الأجير أم مأموما. ولكن يعتبر في صحة الجماعة إذا كان الامام أجيراً علم المأموم باشتغال ذمة المنوب عنه بالصلاة، فإذا كانت احتياطية كانت الجماعة باطلة.

(مسألة 1125): إذا مات الأجير قبل الاتيان بالعمل المستاجر عليه، واشترطت المباشرة، فان لم يمض زمان يتمكن الأجير من الاتيان بالعمل فيه بطلت الاجارة ووجب على الوارث رد الاجرة المسماة من تركته، والا كان عليه اداء اجرة مثل العمل من تركته، ويكون حكم الفرق كما قلناه في المسألة (1123)، وان لم تشترط المباشرة وجب على الوارث الاستئجار من تركته كما في سائر الديون المالية فان كان ذلك باقل من الاجارة الاولى فكما قلناه، وإذا لم تكن له تركة لم يجب على الوارث شيء ويبقى الميت مشغول الذمة بالعمل او بالمال ولا يجب على الوارث التصدي لذلك وان استحب.

(مسألة 1126): يجب على من عليه واجب من الصلاة والصيام ان يبادر إلى القضاء إذا ظهرت امارات الموت، بل إذا لم يطمئن بالتمكن من الامتثال إذا لم يبادر، بمعنى ان احتمال العجز مستقبلا كاف لوجوب المبادرة. فان عجز وجبت عليه الوصية به ويخرج من ثلثه كسائر الوصايا، وإذا كان عليه دين مالي للناس، ولو كان مثل الزكاة والخمس ورد المظالم وجبت عليه المبادرة إلى وفائه. ولا يجوز التأخير وان علم ببقائه حياً. وإذا عجز عن الوفاء وكانت له تركة وجبت عليه الوصية بها إلى ثقة مأمون ليؤديها عنه بعد موته وهذه تخرج من اصل المال على الاقوى.

(مسألة 1127): إذا اجر نفسه لصلاة شهر مثلا، وشك في ان المستأجر عليه صلاة السفر أو الحضر، ولم يمكن الاستعلام من المؤجروجب الاحتياط بالجمع. وكذا لو اجر نفسه لصلاة وشك في انها الصبح أو الظهر مثلا وجب الاتيان بهما احتياطا.

(مسألة 1128): إذا علم ان على الميت فوائت ولم يعلم انه اتى بها قبل موته أو لا، استؤجر عنه على الأحوط.

ص: 313

(مسألة 1129): إذا اجر نفسه لصلاة أربع ركعات من الزوال إلى الغروب في يوم معين فأخر حتى بقي من الوقت مقدار أربع ركعات، ولم يصل صلاة العصر لذلك اليوم، وجب الاتيان بصلاة العصر. وللمستأجر فسخ الاجارة والمطالبة بالأجرة المسماة. وله ان لا يفسخها ويطالب باجرة المثل، وان زادت على الاجرة المسماة.

(مسألة 1130): الأحوط اعتبار عدالة الأجير حال الاخبار بانه ادى ما استؤجر عليه وان كان الظاهر كفاية كونه ثقة في تصديقه إذا أخبر عن الأداء.

ص: 314

المقصد الثامن: صلاة الجماعة

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: حقيقتها واستحبابها

اشارة

تستحب صلاة الجماعة استحبابا مؤكداً في الصلوات اليومية كلها أداءاً وقضاءاً، بل في جميع الفرائض غير صلاة الطواف، فان الأحوط لزوماً عدم الاكتفاء فيها بالإتيان بها جماعة مؤتماً، ويتأكد الاستحباب في اليومية الأدائية وخصوصا في الصبح والعشائين ولها ثواب عظيم وقد ورد في الحث عليها والذم على تركها أخبار كثيرة ومضامين عالية، لم يرد في أكثر المستحبات.

(مسألة 1131): تجب الجماعة في موارد:

المورد الأول: في صلاة الجمعة والعيدين مع اجتماع شرائط الوجوب التي أشرنا إليها في محله. وهي عندئذ شرط في صحتها ولا تجب بالأصل في غير ذلك.

المورد الثاني: إن يكون عاجزاً عن تعلم القراءة مع إمكان الجماعة فان الأحوط له الصلاة جماعة.

المورد الثالث: إن يكون جاهلا بوظيفة الشك خلال الصلاة، فان الأحوط له ذلك أيضا فيما يرجع فيه المأموم إلى الامام من الشك.

المورد الرابع: إذا تعلق بها نذر ونحوه من الملزمات الشرعية بما فيها الإجارة.

المورد الخامس: ما إذا تعلق بها أمر من تجب طاعته شرعا. ولو خالف بطلت صلاته على الأحوط.

(مسألة 1132): لا تشرع الجماعة لشيء من النوافل الأصلية وإن وجبت بالعارض لنذر أو نحوه مطلقاً على الأحوط، وتستثنى من ذلك صلاة الاستسقاء فان الجماعة مشروعة فيها، وكذا لا بأس بها فيما صار نفلاً بالعارض فتجوز الجماعة في

ص: 315

صلاة العيدين مع عدم توفر شرائط الوجوب.

(مسألة 1133): يجوز اقتداء من يصلي إحدى الصلوات اليومية بمن يصلي الأخرى وان اختلفتا بالجهر والإخفات والأداء والقضاء والقصر والتمام. ولكن يشكل فيما لو كان الامام قاضيا احتياطيا. نعم لو قصد الواقع وكان كلا الاحتمالين مما يمكن الاقتداء به جازت الجماعة.

(مسألة 1134): يجوز اقتداء مصلي الآيات بمثله وان اختلفت الآيتان. أو نية الأداء والقضاء ولا يجوز اقتداء مصلي اليومية بمصليالعيدين أو الآيات وصلاة الأموات وان اتفقت في العدد على الأحوط. ولا العكس بمعنى أن يكون الامام في اليومية والمأموم في إحدى هذه الصلوات. كما لا يجوز الاقتداء ببعضها البعض مع تغاير النية.

(مسألة 1135): كما لا يجوز الاقتداء بصلاة الاحتياط، لا يجوز أيضاً في الصلوات الاحتياطية. كما في موارد العلم الاجمالي بوجوب القصر والتمام. إلا إذا اتّحدت الجهة الموجبة للاحتياط. كما لو علم شخصان إجمالا بوجوب القصر أو التمام فيصليان جماعة قصراً وتماماً.

(مسألة 1136): اقل عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة اثنان احدهما الامام، ولو كان المأموم امرأة أو صبيا مميزاً على الأقوى. واما في الجمعة، فلا تنعقد إلا بخمسة من الرجال احدهم الامام سواء وقعت واجبة أم مستحبة على الأحوط.

(مسألة 1137): لا يجوز الاقتداء بالمأموم لإمام آخر. ولا بشخصين ولو اقترنا في الأقوال والأفعال. ولا بأحد شخصين على الترديد. ولا تنعقد الجماعة إن فعل ذلك. ويكفي التعيين الإجمالي، مثل أن ينوي الائتمام بإمام هذه الجماعة أو بمن يسمع صوته، وان تردد ذلك المعين بين شخصين، بل وان رجح خلاف الواقع.

(مسألة 1138): تنعقد الجماعة بنية المأموم للائتمام، ولو كان الامام جاهلاً بذلك غير ناو للامامة. فإذا لم ينو المأموم لم تنعقد الجماعة، نعم في صلاة الجمعة والعيدين لابد من نية الامام للامامة بان ينوي الصلاة التي يجعله فيها المأموم إماما،

ص: 316

أو صلاة الجماعة ونحو ذلك. وكذا إذا كانت صلاة الامام معادة بجماعة. سواء كانت صلاة المأموم معادة أم لا.

(مسألة 1139): إذا شك في انه نوى الائتمام أم لا بنى على العدم وأتم منفرداً. إلا إذا علم انه قام بنية الدخول في الجماعة وظهرت عليه أحوال الائتمام من الانصات ونحوه، بحيث ذهب شكه وتحول إلى الوثوق بالائتمام.

(مسألة 1140): إذا نوى الاقتداء بشخص على أنه زيد فبان في الأثناء أنه عمرو انفرد في صلاته إذا لم يكن يعتقد عدالة عمرو، وتبطل صلاته إذا وقع فيها ما يبطل صلاة المنفرد عمدا وسهوا كزيادة الركوع، وإن بان له ذلك بعد الفراغ صحت صلاته وجماعته سواء اعتقد عدالته أم لا، إلا إذا وقع فيها ما يبطل الصلاة عمداً وسهواً. وإن كان عمرو عادلاً، وكان قد نوى الائتمام بالحاضر لاعتقاده أنه زيد صحت جماعته وصلاته.

(مسألة 1141): إذا صلى اثنان وعلما بعد الفراغ أن نية كل منهما كانت الإمامة للآخر صحت صلاتهما، نعم اذا كان أحدهما قد شك في عدد الركعات والأفعال فرجع إلى حفظ الآخر وأخلّ بما هو وظيفة المنفرد مما يضرّ الإخلال به - ولو عن عذر- بصحة الصلاة فالأظهر بطلان صلاته. لا بمجرد ترك القراءة او زيادة سجدة واحدة متابعة بتخيّل صحة الائتمام.(مسألة 1142): لا يجوز نقل نية الائتمام من إمام إلى آخر اختياراً إلا أن يعرض للإمام ما يمنعه عن إتمام صلاته من موت أو جنون أو إغماء أو حدث، أو تذكر حدث سابق على الصلاة. فيجوز للمأمومين تقديم إمام آخر وإتمام صلاتهم معه. والاحوط بل الأقوى اعتبار أن يكون الإمام الآخر منهم بأن يتقدم أحد المأمومين وإتمام صلاتهم معه.

(مسألة 1143): لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في أثناء الصلاة.

(مسألة 1144): يجوز العدول عن الائتمام إلى الانفراد اختيارا في جميع أحوال الصلاة على الأقوى. إذا لم يكن ذلك من نيته من أول الصلاة، وإلا فصحة

ص: 317

جماعته لا تخلو من إشكال، وتكون أصل صلاته في إشكال إذا ارتكب ما يضرّ صلاة المنفرد فيعيد الصلاة، نعم إذا أخلّ بما يغتفر الإخلال به عن عذر، فلا حاجة إلى الإعادة كترك القراءة وزيادة السجدة الواحدة، ولو نوى العدول عن الجماعة ولو لحظة لم يجز له الرجوع إلى نية الائتمام، ولا تبطل جماعته بعلمه المسبق بالانفراد لانتفاء موضوع الجماعة أصلا كائتمام المتّم بالمقصّر فيتم صلاته منفردا بعد إتمام الامام صلاته.

(مسألة 1145): إذا نوى الانفراد في أثناء قراءة الامام أو قبلها، وجبت عليه القراءة كلها. وأما إذا نواه بعد قراءة الامام قبل الركوع، فالاحوط أن يأتي بالقراءة رجاء المطلوبية.

(مسألة 1146): إذا شك في حصول الانفراد بنى على العدم وإذا تردد في الانفراد وعدمه ثم عزم على العدم بقي على الائتمام. وان كان الانفراد له أحوط استحبابا.

(مسألة 1147): لا يعتبر في الجماعة قصد القربة. لا بالنسبة إلى الإمام ولا بالنسبة إلى المأموم. فان كان قصد الإمام أو المأموم عرضا دنيويا مباحا مثل الفرار من الشك أو تعب القراءة ونحو ذلك صحت وترتبت عليها أحكام الجماعة دون ثوابها. غير ان الجماعة إذا قصدت بنية باطلة كالرياء أو الإيذاء أو غيرهما ففي صحة الجماعة بل اصل الصلاة إشكال.

(مسألة 1148): إذا نوى الائتمام بمن يصلي صلاة لا اقتداء فيها سهوا أو جهلا، كما إذا كانت نافلة أو احتياطية فان تذكر قبل الإتيان بما ينافي صلاة المنفرد عدل إلى الانفراد وصحت صلاته وكذا تصح لو تذكر بعد الفراغ ولم تخالف صلاته صلاة المنفرد. وان حصل منه ما يبطل صلاة المنفرد عمدا وسهوا بطلت.

ص: 318

فروع في إدراك المأموم الجماعة

(مسألة 1149): تدرك الجماعة بالدخول في الصلاة من أول قيام الإمام للركعة، من أول حرف من تكبيرة الإحرام - بالنسبة للأولى- له، إلى منتهى ركوعه. فإذا دخل مع الإمام خلال التكبيرة أو بعدها في حال قيامه قبل القراءة أو في إثنائها أو بعدها قبل الركوع أو خلال الهوي إلى الركوع أو في حال الركوع حتى بعد انتهاء ذكره. فقد أدرك الركعة ولا يتوقف إدراكها على الاجتماع معه في الركوع ان كبر قبل ركوع الإمام ووجبت عليه المتابعة في غيره. ويعتبر في إدراكه الركوع ان يجتمعا في حد الركوع مطمئنين ولو لحظة ان كبر بعد ركوع الإمام. وبدونه تشكل صحة الجماعة كما لو اجتمعا في حد الركوع حال هوى المأموم إليه ورفع الإمام رأسه منه فيكون الأحوط الانفراد.

(مسألة 1150): إذا ركع بتخيل إدراك الإمام راكعا أو رجاء ذلك فتبين عدم إدراكه، بطلت جماعته. ويتم صلاته منفرداً إن شاء، أو ينتظر الركعة الأخرى ليلتحق بالإمام، وكذا إذا شك في ذلك على الأحوط.

(مسألة 1151): الظاهر جواز الدخول في الركوع مع احتمال كون الإمام راكعا. فان أدركه صحت الجماعة وإلا بطلت.

(مسألة 1152): إذا نوى وكبر فرفع الإمام رأسه قبل أن يصل المأموم على حد الركوع تخير المأموم بين المضي في صلاته منفردا، بما فيها ان يبادر إلى القراءة والعدول إلى النافلة. ثم الرجوع إلى الائتمام بعد إتمامها أو قطعها.

(مسألة 1153): إذا أدرك الإمام وهو في التشهد الأخير أو التسليم، يجوز له ان يكبر للإحرام ويجلس معه ويتشهد بنية القربة المطلقة أو الذكر المطلق على الأحوط وجوبا، فإذا سلم الإمام قام لصلاته من غير حاجة إلى استئناف التكبير ويحصل له بذلك فضل الجماعة وان لم يحصل له ركعة. وكذا إذا أدركه في السجدة الثانية من الركعة الأخيرة على ان يأتي بها بنية القربة المطلقة وتصح صلاته بنفس التكبير الأول. وإذا أدرك معه سجدتين فليسجد سجدة واحدة لتصح صلاته،

ص: 319

واما إذا سجد معه سجدتين فالاحوط وجوبا له مراعاة الاحتياط ولو بالإتيان بالمنافي بعد التسليم والدخول في الصلاة بتكبير مستأنف.

(مسألة 1154): إذا حضر المكان الذي فيه جماعة، فرأى الامام راكعا وخاف ان الامام يرفع رأسه ان التحق بالصف، كبر للاحرام من مكانه ثم مشى في ركوعه أو بعده أو بين السجدتين أو بعدهما أو حال القيام للثانية والتحق بالصف، سواء كان المشي إلى الأمام أم إلى الجانبين بشرط ان لا ينحرف عن القبلة وان لا يكون تكبير الإحرام في بعد لا يصدق معه الاقتداء عرفا على الأحوط. وان لا يكون مانع آخر غير البعد من حائل ونحوه. ويجب ترك الاشتغال بالقراءة وغيرها، مما يعتبر فيه الطمأنينةحال المشي. وأما المشي حال السجود فمشكل، بل إن كبر وركع مشى وبقى بعيدا سجد في محله ثم قام ومشى ثانية إلى أن يصل. ولا يجب جر الرجل جراً خلال المشي بل يمشي مشيا طبيعيا. نعم يجب الاجتناب عما قد يقترن به المشي من الاضطراب والسرعة. كما يجب التجنب عن التقدم على الإمام بكل صورة.

الفصل الثاني: في شرائط انعقاد الجماعة

يعتبر في انعقاد الجماعة أمور:

الأمر الأول: أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل. وكذا بين بعض المأمومين مع الآخر بحيث يكون واسطة في الاتصال بالإمام. ولا فرق بين كون الحائل ستارا أو جداراً أو شجرة أو غير ذلك ولو كان شخص إنسان واقفاً مادام صدق الحيلولة موجودا. هذا إذا كان المأموم رجلا اما إذا كان امرأة فلا باس بالحائل بينها وبين الإمام او المأمومين إذا كان الإمام رجلا. أما إذا كان الإمام امرأة فالحكم كما في الرجل. والمهم هو جواز وجود الحائل والستر بين الرجال والنساء ولا بين الجنس الواحد إماما كانوا أو مأمومين.

ص: 320

(مسألة 1155): لا فرق في الحائل - بعد صدق الحيلولة عليه - المانع عن انعقاد الجماعة بين ما يمنع عن الرؤية والمشاهدة وغيره على الأظهر، فلا تنعقد الجماعة مع الحيلولة بمثل الزجاج والشبابيك والجدران المخرمة، ونحوها مما لا يمنع الرؤية، ولا بأس بالساقية الجارية والطريق البسيط إذا لم يكن معتداً به عرفاً، فيكون كما سيأتي. ولا بأس بالظلمة والغبار وأضرابه.

الأمر الثاني: أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم علواً دفعيا كالأبنية ونحوها. بل حتى لو كان تسريحياً قريباً من التسنيم كسفح الجبل ونحوه. نعم، لا بأس بالتسريحي الذي يصدق معه كون الأرض منبسطة. كما لا باس بالدفعي اليسير إذا كان دون الشبر.

(مسألة 1156): لا بأس في علو موقف المأموم عن موقف الإمام إذا كان بمقدار يصدق معه الاجتماع عرفا. وكذلك علو المأمومين بعضهم عن بعض لكن مقتضى الاحتياط وجوبا هو أن توجد محاذاة بينهما ولو بمقدار يسير كمستوى قدم الأول مع مستوى رأس الثاني.

الأمر الثالث: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام أو عن بعض المأمومين مقدارا معتدا به، ويقدر بحوالي المتر، فينبغي ان لا يزيد على ذلك سواء في الاتصال الأمامي أو الجانبي بل الأحوط أكيدا ان يقل عنه، بل الأحوطاستحبابا عدم الفصل بين موقف السابق ومسجد اللاحق.

(مسألة 1157): إذا انفرد المأمومون في صف كامل للجماعة. انقطع من خلفهم عن الاتصال بالإمام على الأحوط وجوبا، وكذا لو كان مأموم متصل بفرد واحد من أمامه وقد انفرد. وعندئذ تتعين نية الانفراد لكل من انفصل. أما الاتصال الجانبي بالجماعة فلا يضر فيه فاصل شخص واحد، سواء انفرد أو كان منفردا أو كان صبيا غير مميز أو غير ذلك. نعم مع كون الفاصل الجانبي بمقدار اثنين فصاعدا، يكون الاتصال مخالفا للاحتياط الوجوبي. فتتعين نية الانفراد.

(مسألة 1158): البعد المذكور إنما يقدح في اقتداء المأموم البعيد دون غيره

ص: 321

من المأمومين، كما أن بُعد المأموم من جهة لا يقدح في جماعته إذا كان متصلا بالمأمومين من جهة أخرى. فإذا كان الصف الثاني أطول من الأول فطرفه وان كان بعيدا عن الصف الأول إلا انه لا يقدح في صحة ائتمامه لاتصاله بمن عن يمينه أو عن شماله من اهل صفه. مع كون الأقوى هو كفاية الاتصال الجانبي في صحة الجماعة ولا يتعين الاتصال الأمامي. وكذا لو تباعد اهل الصف الثاني بعضهم عن بعض، فانه لا يقدح ذلك في صحة ائتمامهم لاتصال كل واحد منهم بأهل الصف المتقدم، نعم لا يأتي ذلك في أهل الصف الأول إذا كانوا متباعدين بفراغ أو بمصلين عديدين منفردين أو غير ذلك. فان البعيد منهم عن المأموم الذي هو من جهة الإمام لما لم يتصل من الجهة الأخرى بواحد من المأمومين تبطل جماعته.

الأمر الرابع: ان لا يتقدم المأموم عن الإمام في الموقف، بل الأحوط وجوبا أن لا يساويه إذا كانوا رجالا متعددين، بخلاف ما لو كان المأموم واحدا أو كانت جماعة النساء فلا باس بالمساواة في الموقف حينئذ. والأحوط استحباباً وقوف المأموم خلف الإمام إذا كانوا متعددين، أي لا تكتفي بمجرد التأخر عن المحاذاة ولو بمقدارٍ بل يكون خلفه، كما أن الأحوط استحبابا أن تقف من تؤمهن في وسطهن ولا تتقدمهن، بل لا يترك وخاصة إذا كان المكان معرضاً لوجود الرجال.

(مسألة 1159): الشروط المذكورة شروط في الابتداء والاستدامة. فإذا حدث الحائل أو البعد أو علو الإمام أو تقدم المأموم في الأثناء بطلت الجماعة، وإذا شك في واحد منها بعد العلم بعدمه بنى على عدمه. وإذا شك مع عدم سبق العلم بالعدم، لم يجز الدخول إلا مع إحراز العدم. وكذا إذا حدث شك بعد الدخول غفلة. وان شك في ذلك بعد الفراغ من الصلاة، بحيث لم يكن الحائل مسبوقا بالعدم، فان علم بوقوع ما يبطل صلاة المنفرد عن عمد وسهو أعادها. إن كان دخل في الصلاة ملتفتا إلى ذلك مترددا فيه، وإلا بنى على الصحة وان كان الأحوط استحبابا الإعادة.

(مسألة 1160): لا يقدح حيلولة بعض المأمومين عن بعض وان لميدخلوا في الصلاة، إن كانوا متهيئين لها.

ص: 322

(مسألة 1161): إذا انفرد بعض المأمومين أو انتهت صلاته كما لو كانت قصراً وبقي في مكانه فقد انفرد من يتصل به مع صدق الحيلولة إلا إذا عاد إلى الجماعة بلا فصل، هذا إذا لم يتخلل البعد المانع عن انعقاد الجماعة بسبب انفراده -كما لو كان متقدماً في الصف- فلا يجدي عودهُ إلى الائتمام في بقاء اتصال جماعة الصف المتأخر على الأحوط. فان كان واحداً لم يضر باتصال من بعده وإن كان أكثر بطلت جماعة من يليهم، والأحوط لهم نية الانفراد حتى لو اقتربوا إلى الصف أو بدأ هؤلاء المنفردون جماعة جديدة.

(مسألة 1162): لا بأس بالحائل غير المستقر كمرور إنسان ونحوه. نعم إذا اتصلت المارة بحيث أصبحت فاصلا عرفيا، بطلت الجماعة.

(مسألة 1163): إذا كان الحائل مما يتحقق معه المشاهدة حال الركوع لثقب في وسطه مثلا، أو حال القيام لثقب في أعلاه، أو حال الهوي إلى السجود لثقب في أسفله، فالأقوى عدم انعقاد الجماعة فلا يجوز الائتمام.

(مسألة 1164): إذا دخل في صلاة الجماعة مع وجود الحائل وكان جاهلا به لظلمة أو عمى أو غيرهما لم تصح الجماعة، فان التفت قبل أن يعمل ما ينافي صلاة المنفرد ولو سهوا أتم منفردا وصحت صلاته، وكذلك تصح لو كان قد فعل ما لا ينافيها إلا عمداً كترك القراءة.

(مسألة 1165): الثوب الرقيق الذي يرى الشبح من ورائه، حائلٌ لا يجوز الاقتداء معه على الأحوط.

(مسألة 1166): لو تجدد البعد في الأثناء بطلت الجماعة وصار منفرداً. فإذا لم يلتفت إلى ذلك وبقى على نية الاقتداء، فإذا أتى بما ينافي صلاة المنفرد من زيادة ركوع أو سجود مما تضر زيادته سهوا وعمدا بطلت صلاته. وان لم يأت بذلك وإن أتى بما لا ينافي إلا في صورة العمد صحت صلاته.

(مسألة 1167): لا يضر الفصل بالصبي المميز إذا كان مأموما، فيما إذا احتمل أن صلاته صحيحة عنده. بل حتى لو علمنا ببطلان صلاته لتسامحه في وضوئه، مثلا

ص: 323

صحت الجماعة للآخر. نعم لوكانا صبيين نعلم ببطلان صلاتهما أو أكثر انفصل الآخرون عن الجماعة.

(مسألة 1168): إذا كان الإمام في محراب داخل في جدار أو غيره، لا يجوز ائتمام من صلى يمينه ويساره لوجود الحائل. أما الصف الواقف خلفه فتصح صلاتهم جميعا، وكذا الصفوف المتأخرة، وكذا إذا انتهى المأمومون إلى باب خلفية كانت أو جانبية، فانه تصح صلاة الصف الواقف خلف الباب لاتصالهم بمن هو يصلي عند الباب.

الفصل الثالث: شرائط إمام الجماعة

يشترط في إمام الجماعة أمور:

الأمر الأول: العقل، فلا يجوز إمامة المجنون، وان كان إدوارياً حال جنونه.

الأمر الثاني: الإسلام فلا تجوز إمامة غير المسلم أو المحكوم بكفره.

الأمر الثالث: الإيمان فلا تجوز إمامة غير المؤمن، والمؤمن هو من كان اعتقاده حقاً.

الأمر الرابع: العدالة فلا تجوز الصلاة خلف الفاسق. ولابد من إحرازها كسائر هذه الشرائط، قبل الدخول في الصلاة ولو بالوثوق الحاصل من إي سبب كان. فلا تجوز الصلاة خلف مجهول الحال، إلا إذا كانت حاله السابقة هي تحقق الشرط.

الأمر الخامس: البلوغ على الأحوط، فلا تصح إمامة الصبي غير البالغ للبالغين وتجوز لغيرهم.

الأمر السادس: الذكورة إذا كان المأموم ذكراً. فلا تصح إمامة المرأة إلا للمرأة. والخنثى المشكل يأتم بالرجل خاصة ويؤم النساء فقط.

الأمر السابع: أن يكون الإمام صحيح القراءة، إذا كان الائتمام في الركعتين

ص: 324

الأوليين، وكان المأموم صحيح القراءة. بل مطلقا على الأحوط. فلا يجوز الصلاة خلف غير الفصيح إذا كان حاله لغير عذر شرعي أو كان مغيرا للمعنى أو خارجا للقراءة أو الذكر ونحوه عن شكله المتعارف لدى المتشرعة. أما مع تحقق هذه القيود فيكون الترك مبنيا على الاحتياط الاستحبابي.

الأمر الثامن: أن لا يكون الإمام أعرابيا، على الأحوط استحبابا إذا كان يؤم غيره. ولا بأس بإمامة الإعرابي للإعرابي، مع اجتماع سائر الشرائط.

الأمر التاسع: أن لا يكون الإمام محدوداً على الأحوط استحبابا، ولا باس بإمامة المحدود للمحدود بنفس الحد والمقدار.

الأمر العاشر: أن لا يكون الإمام متولداً من الزنا.

الأمر الحادي عشر: التفقه بمقدار تصح معه صلاته الانفرادية ولا يجب حصول التفقه أكثر من ذلك، فضلا عن الاجتهاد، ولو شك في حصول أدنى مراتب التفقه أمكن البناء على صحة صلاته وجواز إمامته، ما لم يعلم العدم.

الأمر الثاني عشر: لا تجوز إمامة القاعد للقائم ولا المضطجع للقاعدوتجوز إمامة القائم لهما. كما يجوز إمامة القاعد لمثله، وفي جواز إمامة القاعد للمضطجع إشكال وكذا إمامة المضطجع لمثله وكذا المستلقي.

(مسألة 1169): تجوز إمامة المتيمم للمتطهر وذي الجبيرة لغيره. والمسلوس والمبطون والمستحاضة لغيرهم، والمضطر إلى الصلاة في النجاسة لغيره. وكذا من يصلي بدم الجروح ونحوه. كما تجوز إمامة المسافر للحاضر، ولكن لا تجوز الإمامة على الأحوط مع فقد الطهورين أو فقد الطمأنينة أو عدم الاتجاه إلى القبلة أو عدم الجزم بالنية كالصلاة الاحتياطية. إلا إذا كانت مما تجوز فيها الجماعة على كلا التقديرين.

(مسألة 1170): تجوز الإمامة للمعذور في وضوئه بسقوط بعض أجزاء الوضوء لعجز أو قطع. كما تجوز للمعذور في صلاته، غير ما سبق كمن يسجد على محل مرتفع أو يكون كهيئة الراكع في قيامه أو لا يستطيع أن يضع بعض المساجد السبعة

ص: 325

على الارض غير الجبهة، ونحو ذلك.

(مسألة 1171): إذا تبين للمأموم بعد الفراغ من الصلاة ان الامام فاقد لبعض شرائط صحة الصلاة أو الإمامة صحت صلاته، إذا لم يقع فيها ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا. وان تبين في الأثناء أتمها منفردا في الفرض الأول، وأعادها في الثاني.

(مسألة 1172): إذا اختلف المأموم والإمام في أجزاء الصلاة وشرائطها اجتهادا أو تقليدا. فان علم المأموم بطلان صلاة الامام واقعا، ولو في صورة الجهل، لم يجز الائتمام به. وإلا جازت وصحت الجماعة. وكذا إذا كان الاختلاف بينهما في الامور الخارجية، بان يعتقد الإمام طهارة ماء فتوضأ به، والمأموم يعتقد نجاسته. أو يعتقد طهارة الثوب فيصلي فيه، ويعتقد المأموم نجاسته. فانه لا يجوز الائتمام في الفرض الاول ويجوز في الفرض الثاني. ولا فرق فيما ذكرنا بين الابتداء والاستدامة. والمدار على علم المأموم بصحة صلاة الامام في حق الامام. هذا في غير ما يتحمله الامام عن المأموم، وأما فيما يتحمله كالقراءة ففيه تفصيل. فان من يعتقد وجوب السورة - مثلا- ليس له ان يأتم بمن لا يأتي بها مع علمه بأنه لم يأت بها ولو اطمئنانا. لا يفرق في ذلك بين ما إذا كبر قبل الركوع أو بعده. نعم، إذا ائتم بعد القراءة في الركعة الثانية جاز. وكذلك إذا كان الامام يرى جواز القراءة على إحدى القراءات العشر وقرأها ولم يكن المأموم يرى الجواز. أو كان الامام يرى جواز اختيار سورة الفيل والإيلاف بعد الحمد وكان المأموم يرى عدم جوازه اجتهادا أو تقليدا في الجميع. وأما إذا كان اعتقاد الامام أوفق بالاحتياط فلا إشكال بجواز إمامته.

ص: 326

الفصل الرابع: أحكام الجماعة

(مسألة 1173): لا يتحمل الامام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة وأقوالها غير القراءة في الأوليين إذا ائتم به فيهما، فتجزيه قراءته. وتجب عليه متابعته في القيام وتجب الطمأنينة في هذا القيام في الجملة.

(مسألة 1174): الأحوط ترك القراءة بقصد الجزئية للمأموم في أوليي الإخفاتية، والأفضل له أن يشتغل بالذكر والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله). وأما في الأوليين من الجهرية، فان سمع صوت الامام ولو همهمة وجب عليه ترك القراءة، بل الاحوط الاولى الانصات لقراءته. وان لم يسمع حتى الهمهمة جازت له القراءة بقصد القربة وبقصد الجزئية، والاحوط استحبابا الاول - أي قصد القربة - وإذا شك في ان ما يسمعه هو صوت الامام أو غيره، فالاقوى جواز القراءة. ولا فرق في عدم السماع بين اسبابه من صمم أو بعد أو غيرهما.

(مسألة 1175): إذا ادرك الامام في الاخيرتين، وجب عليه قراءة الحمد والسورة وان لزم من قراءة السورة فوات المتابعة في الركوع اقتصر على الحمد. وان لزم ذلك من اتمام الحمد اتمها وركع مادام الامام راكعا. وان ادرك الركوع بعد رفع راسه فالاحوط الانفراد. والاحوط استحبابا للماموم انه إذا لم يحرز التمكن من اتمام الفاتحة قبل ركوع الامام عدم الدخول في الجماعة حتى يركع الامام، ولا قراءة عليه.

(مسألة 1176): يجب على المأموم الاخفات في القراءة، سواء أكانت واجبة كما في المسبوق بركعة أو ركعتين، ام غير واجبة كما في غيره. حيث تشرع له القراءة وان جهر نسيانا أو جهلا صحت صلاته. وان كان عمدا بطلت.

(مسألة 1177): يجب على المأموم متابعة الامام في الافعال. بمعنى ان لا يتقدم عليه عمداً، ولا يتأخر عنه تأخراً فاحشاً لغير ضرورة. والاحوط استحبابا عدم المقارنة. واما الاقوال فالظاهر عدم وجوبها فيها. فيجوز التقدم فيها والمقارنة عدا

ص: 327

تكبيرة الاحرام. وان تقدم فيها كانت الصلاة فرادى. بل الاحوط وجوبا عدم المقارنة فيها. وله ان يؤخرها عنها ولو بحرف، بحيث لا يفرغ منها حتى ينتهي الامام من تلفظ تكبيره. كما ان الاحوط استحبابا المتابعة في الاقوال خصوصا مع السماع وفي التسليم وكذا الحال في مقدمات الافعال.

(مسألة 1178): إذا ترك المتابعة عمدا لم يقدح ذلك في صلاته، ولكن تبطل جماعة، فيتمها منفردا وصحت صلاته اذا لم يعمل ما ينافيصلاة المنفرد مطلقاً ولو لعذر من سهوٍ ونحوه. نعم، إذا ركع عمدا قبل الامام في حال قراءة الامام بطلت صلاته، إذا لم يكن قرأ لنفسه بل الحكم كذلك إذا ركع عمدا بعد قراءة الامام على الاحوط.

(مسألة 1179): إذا ركع أو سجد قبل الامام عمدا انفرد في صلاته. ولا يجوز له ان يتابع الامام فيأتي بالركوع أو السجود ثانيا للمتابعة. وإذا انفرد اجتزأ بما وقع من الركوع والسجود واتم بالشرط الذي ذكرناه.

(مسألة 1180): إذا ركع أو سجد قبل الامام سهوا فالاحوط المتابعة بالعودة الى حال الامام بعد الاتيان بالذكر. والاحوط الذكر ايضا في الركوع أو السجود بعد ذلك مع الامام، وإذا لم يتابع عمدا صحت صلاته وبطلت جماعته.

(مسألة 1181): إذا رفع راسه من الركوع أو السجود قبل الامام عمدا. فان كان قبل الذكر بطلت صلاته ان كان متعمدا في تركه. والا صحت صلاته وبطلت جماعته، وان كان بعد الذكر عمدا صحت صلاته واتمها منفردا بالشرط المتقدم. ولا يجوز له ان يرجع الى الجماعة فيتابع الامام بالركوع والسجود ثانيا.

(مسألة 1182): إذا رفع المأموم راسه من الركوع أو السجود سهوا رجع اليهما، وان لم يرجع عمدا مع احرازه ادراك الامام راكعا أو ساجداً، انفرد وبطلت جماعته. وان لم يرجع سهوا أو جهلا مع الشك في ادراك الامام راكعا أو ساجدا، لاحتمال سرعة رفع رأسه، صحت صلاته وجماعته. وان رجع وركع للمتابعة فرفع الامام راسه، بحيث لم يجتمعا في حد الركوع بطلت صلاته على الاحوط. وليس

ص: 328

كذلك السجود لكونه زيادة سهوية غير ركنية. فتصح صلاته وجماعته.

(مسألة 1183): إذا رفع رأسه من السجود فرأى الامام ساجدا فتخيل انه في الاولى، فعاد إليها بقصد المتابعة، فتبين أنها الثانية اجتزأ بها. وإذا تخيل الثانية فسجد أخرى بقصد الثانية فتبين أنها الاولى حسبت للمتابعة، والاحوط استحبابا الاعادة فيهما.

(مسألة 1184): إذا زاد الامام سجدة أو تشهدا أو غيرهما سهوا مما لا تبطل الصلاة بزيادته سهوا، لم تجب بل لا تجوز متابعته فيجلس بجلوس الامام للتشهد الزائد لكن لا يقرأ معه، ولو ركع فرأى الامام يقنت في ركعة لا قنوت فيها يجب عليه العود إلى القيام ولكن يترك القنوت وهكذا. وان نقص شيئا سهواً مما لا يقدح نقصه سهوا فعله المأموم، سواء كان جزءا أم جزء الجزء كآية من القراءة أو بعض التشهد أو التسليم، وإذا رجع الامام لتداركه تابعه المأموم بقصد الرجاء دون قصد الجزئية. والاحوط له استحبابا الانفراد حيئنذ.

(مسألة 1185): يجوز ان يأتي المأموم بذكر الركوع والسجود ازيد من الامام. وكذلك إذا ترك بعض الاذكار المستحبة مثل تكبير الركوعوالسجود ان يأتي بها. وإذا ترك الامام جلسة الاستراحة لعدم كونها واجبة عنده لا يجوز للمأموم - الذي يذهب اجتهادا أو تقليدا الى وجوبها أو الاحتياط الوجوبي بها- ان يتركها، وكذا إذا اقتصر في التسبيحات على مرة مع كون المأموم يذهب الى لزوم الثلاث فلا يجوز له الاقتصار على المرة. وهكذا الحكم في غير ما ذكر

(مسألة 1186): إذا حضر المأموم الجماعة ولم يدر ان الامام في الاوليين أو في الاخيرتين جاز أن يقرأ الحمد والسورة بقصد رجاء المطلوبية. فان تبين كونه في الاخيرتين وقعت في محلها، وان تبين كونه في الاوليين لا يضره.

(مسألة 1187): إذا ادرك المأموم ثانية الامام تحمل عنه القراءة فيها. وكانت أولى صلاته. ويتابعه في القنوت، وكذا في الجلوس للتشهد متجافيا على الاحوط. ويستحب له التلفظ بالتشهد بقصد الذكر المطلق فان كان في ثالثة الامام تخلف في

ص: 329

القيام فيجلس للتشهد ثم يلحق بالامام. وكذا في كل واجب عليه دون الامام. والافضل له ان يتابعه في الجلوس والتشهد الى ان يسلم ثم يقوم الى الرابعة. ويجوز له ان يقوم بعد السجدة الثانية من رابعة الامام التي هي ثالثته ويترك المتابعة في التشهد، وينفرد ويستمر في صلاته.

(مسألة 1188): يجوز لمن صلى منفردا أن يعيد صلاته جماعة إماما كان أو مأموما. وكذا إذا كان قد صلى جماعة، إماما أو مأموما فان له أن يعيدها في جماعة أخرى إماما كان ام مأموما. والأحوط لزوما أن يكون في الجماعة من يؤدي صلاته الاصلية، فلا يكونون كلهم معيدين الصلاة وهذا الإشكال وضعي وإلا فإنهم قد أدوا فرضهم بحسب الفرض.

(مسألة 1189): إذا ظهر بعد الإعادة ان الصلاة الاولى كانت باطلة اجتزأ بالمعادة.

(مسألة 1190): الأحوط ان ينوى في الصلاة المعادة عنوان الاعادة استحبابا، فان كانت الاولى باطلة، كما ذكرنا في المسألة السابقة حسبت له مصداقا للواجب.

(مسألة 1191): لا تشرع الإعادة منفردا، إلا إذا احتمل وقوع خلل في الاولى، وان كانت صحيحة ظاهراً. أو بنية ما في الذمة.

(مسألة 1192): إذا دخل الامام في الصلاة باعتقاد دخول الوقت والمأموم لا يعتقد ذلك لا يجوز له الدخول معه، وإذا دخل الوقت أثناء صلاته فالاحوط لزوما أن لا يدخل معه. وأما دخوله في الصلاة المترتبة عليها كالعصر المترتبة على الظهر، فعدم دخوله معه فيها مبني على الاحتياط الاستحبابي.

(مسألة 1193): إذا كان في نافلة، فأقيمت الجماعة، وخاف من إتمامها عدم إدراك الجماعة ولو بعدم إدراك التكبير مع الامام، استحب لهقطعها. بل لا يبعد استحبابه بمجرد شروع المقيم في الإقامة، وإذا كان في فريضة عدل استحبابا الى النافلة واتمها ركعتين ثم دخل في الجماعة. ولا تجزئ له تلك الفريضة، وله قطع

ص: 330

هذه النافلة متى شاء للالتحاق بالجماعة. بل لا يبعد جواز قطع الفريضة لذلك بلا حاجة إلى العدول. وان كان الأحوط استحبابا خلافه.

(مسألة 1194): إذا لم يحرز الإمام من نفسه العدالة لكنه لم يبلغ درجة الفسق، فإنه يجوز له التصدي لإمامة الجماعة إذا كان المأموم يعتقد فيه ذلك، ولكن لا يجوز له ترتيب آثار الجماعة كالرجوع إلى المأموم في موارد الشك، وفي كونه آثما بذلك إشكال، والأظهر العدم وعلى اي حال، فان ذلك لا يقدح في صحة صلاته.

(مسألة 1195): إذا شك المأموم بعد السجدة الثانية من الامام انه سجد معه سجدتين أو واحدة، يجب عليه الإتيان بأخرى بدون متابعة إذا لم يتجاوز المحل. ولا تضر بجماعته.

(مسألة 1196): إذا رأى الامام يصلي ولم يعلم أنها من اليومية أو من النوافل لا يصح الاقتداء به. وكذا إذا احتمل انها من الفرائض التي لا يصح اقتداء اليومية بها. وكذا إذا احتمل ان صلاته ليست بنية جزمية بل بنية احتياطية. وان علم انها من اليومية لكن لم يدر أنها أية صلاة من الخمس، أو أنها قضاء أو أداء أو أنها قصر أو تمام، جاز الاقتداء.

(مسألة 1197): الصلاة اماما افضل من الصلاة مأموما.

(مسألة 1198): ذكروا انه يستحب للامام ان يقف محاذيا لوسط الصف الاول. وان يصلي بصلاة اضعف المأمومين، فلا يطيل الا مع رغبة المأمومين في ذلك. وان يسمع من خلفه القراءة والأذكار فيما لا يجب الاخفات فيه. وان يطيل الركوع إذا أحس بداخل بمقدار مثلي ركوعه المعتاد. وان لا يقوم من مقامه إذا أتم صلاته حتى يتم من خلفه صلاته.

(مسألة 1199): يستحب للمأموم ان يقف عن يمين الامام ان كان رجلا واحدا، متأخرا عنه قليلا على الاحوط. ويقف خلفه ان كان امرأة. وان كان رجلا وامرأة وقف الرجل عن يمين الامام والمرأة خلفه. وان كانوا اكثر اصطفوا خلفه

ص: 331

وتقدم الرجال على النساء. ويستحب ان يقف اهل الفضل في الصف الاول، وأفضلهم في يمين الصف، وميامن الصفوف أفضل من مياسرها. والصف الأخير في صلاة الأموات هو الأفضل، ويستحب تسوية الصفوف وسد الفرج والمحاذات بين المناكب. واتصال الصف اللاحق بمواقف السابق. والقيام عند قول المؤذن (قد قامت الصلاة) قائلا: (اللهم أقمها وأدمها، واجعلني من خير صالح أهلها) وان يقول عند فراغ الامام من الفاتحة: (الحمد لله رب العالمين).

(مسألة 1200): يكره للمأموم الوقوف في صف وحده إذا وجدموضعا في الصفوف، ويكره التنقل بعد الشروع بالإقامة، وتشتد الكراهية عند قول المقيم (قد قامت الصلاة) والتكلم بعدها إلا إذا كان لإقامة الجماعة، كتقديم إمام ونحو ذلك. وإسماع الامام ما يقوله من أذكار، ويكره أن يأتم المتم بالمقصر وكذا العكس.

ص: 332

المقصد التاسع: صلاة المسافر

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: شروط القصر

اشارة

تقصر الصلاة الرباعية لزوما بحذف الركعتين الأخيرتين منها في السفر بشروط:

الشرط الاول: قصد قطع المسافة، وهي ثمانية فراسخ امتدادية ذهابا أو إيابا أو هي ملفقة أربعة ذهابا وأربعة إيابا، سواء اتصل ذهابه بإيابه أم انفصل عنه بمبيت ليلة أو أكثر مادام صدق السفر عرفا متحققا. غير أن الأحوط في الملفقة عدم إطالة المكوث. وكذا لو بدا له المكث خلال المسافة القصوى قبل إتمامها.

(مسألة 1201): الفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة ألاف ذراع بذراع اليد، وهو من المرفق إلى أطراف الأصابع. فتكون المسافة (44) كيلو متراً تقريباً ونصفها (22) كيلو متراً، وقد فصّلنا المسألة في كتابنا (الرياضيات للفقيه).

(مسألة 1202): إذا نقصت المسافة عن ذلك ولو يسيرا بقي على التمام. وكذا إذا شك في بلوغها المقدار المذكور أو ظن.

(مسألة 1203): تثبت المسافة بالعلم والاطمئنان والوثوق والبينة الشرعية، ولا يبعد ثبوتها بخبر العدل الواحد، بل بإخبار مطلق الثقة وان لم يكن عادلا. وإذا تعارضت البينتان أو الخبران تساقطا ووجب التمام إلا مع الوثوق بأحدهما دون الآخر، فيعمل على من وثق به. ولا يجب الاختبار إذا لزم منه الحرج، بل مطلقا.

(مسألة 1204): إذا شك العامي في مقدار المسافة شرعا، وجب عليه أما الرجوع إلى المجتهد والعمل على فتواه، أو الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام ما لم يكن هناك حالة سابقة لأحدهما فيبنى عليها. وإذا اقتصر على أحدهما بنية رجاء

ص: 333

المطلوبية وانكشفت مطابقته للواقع أجزأه.

(مسألة 1205): إذا اعتقد كون ما قصده مسافة فقصر، فظهر عدمه أعاد. وأما إذا اعتقد عدم كونه مسافة فأتم ثم ظهر كونه مسافة أعاد في الوقت دون خارجه.

(مسألة 1206): إذا شك في كون ما قصده مسافة أو اعتقد العدم وظهر في اثناء السير كونه مسافة قصر وان لم يكن الباقي مسافة.

(مسألة 1207): إذا كان للبلد طريقان، والأبعد منهما مسافة دونالأقرب. فان سلك الابعد قصر، وان سلك الأقرب أتم. وكذا إذا ذهب من الأبعد ورجع من الأقرب وكان المجموع يحقّق المسافة لقصر الصلاة في مجموع الذهاب والإياب فإنه يقصر.

(مسألة 1208): إذا كان الذهاب خمسة فراسخ والإياب ثلاثة، فهو من صور التلفيق بالمسافة التي يجب فيها التقصير، مع صدق السفر كما سبق. والمهم في جميع الصور الملفقة أن لا يقل الذهاب عن أربعة فراسخ، بغض النظر عن طريق العود. فان كان كذلك قصر وإلا أتم.

(مسألة 1209): مبدأ حساب المسافة من سور البلد أو من منتهى البيوت فيما لا سور له سواء كان البلد كبيرا أم صغيراً.

(مسألة 1210): لا يعتبر توالي السفر على النحو المتعارف فيمكن التوقف في محطات خلال السفر ويكفي قصد السفر في المسافة المذكورة، ما لم يخرج عن صدق السفر عرفاً، والمهم صدقه الفعلي بحيث يكون له همة فعلية في الذهاب، لا مطلق الصدق.

(مسألة 1211): يجب القصر في المسافة المستديرة، ويكون الذهاب فيها إلى منتصف الدائرة والإياب منه إلى البلد. هذا إذا كانت في احد جوانب البلد. أما إذا كانت مستديرة على البلد فوجوب القصر فيها محل إشكال من جهة عدم صدق السفر عرفاً على مثل هذه الحالة للمسافة المذكورة.

الشرط الثاني: قصد السفر ابتداءً واستدامة.

ص: 334

(مسألة 1212): لا بد من تحقق القصد إلى المسافة في أول السير فإذا قصد ما دون المسافة وبعد بلوغه تجدد قصده إلى ما دونها أيضاً وهكذا. وجب التمام وان قطع مسافات. نعم إذا شرع في الإياب إلى البلد وكانت المسافة ثمانية فراسخ قصر وإلا بقي على التمام فطالب الضالة أو الغريم من بلد إلى بلد ونحوهم يتمون إلا إذا حصل لهم في الأثناء قصد ثمانية فراسخ امتدادية أو ملفقة كما سبق.

(مسألة 1213): إذا خرج إلى ما دون أربعة فراسخ ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم، وإلا رجع كمن خرج من النجف إلى الكوفة مترقباً الحصول على رفقاء ليسافروا إلى كربلاء، وجب أن يتم. وكذا إذا كان سفره مشروطا بأمر آخر غير معلوم الحصول، نعم، إذا كان مطمئنا بتيسر الرفقة أو بحصول ذلك الأمر قصر.

(مسألة 1214): لا يعتبر في قصد السفر أن يكون مستقلاً ولا أن يكون مختاراً، فلو كان تابعا كالزوجة لزوجها أو مضطراً كالمريض، وجب التقصير، والمهم في هؤلاء هو القصد الجدي للمسافة في طول هذه الاسباب، وليس للتبعية عنوان مستقل في التقصير بالرغم من كونه مطابقا للمشهور.(مسألة 1215): إذا شك في قصد المتبوع، بقي على التمام، والأحوط استحبابا الاستخبار منه. ولكن لا يجب عليه الإخبار. وإذا علم في الأثناء قصد المتبوع وكان مسافة قصر حتى لو كان الباقي دونها. لأن القصد الإجمالي من الاول موجود.

(مسألة 1216): إذا كان التابع عازماً على مفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة أو متردداً في ذلك بقي على التمام. وكذا إذا كان عازما على المفارقة على تقدير حصول أمر محتمل الحصول، سواء كان له دخل في حصول المقتضي للسفر، مثل الطلاق، أم كان مانعا أو شرطا في السفر مع تحقق المقتضي له. فإذا قصد المسافة واحتمل احتمالاً عقلائياً حدوث مانع عن سفره أتم صلاته. وان انكشف بعد ذلك عدم المانع.

(مسألة 1217): سبق أن الظاهر وجوب القصر في السفر الاضطراري، أما السفر الإكراهي كما إذا القي في قطار أو سفينة بقصد إيصاله إلى نهاية مسافة فلا

ص: 335

قصر عليه لعدم القصد. ولو تحقق القصد كما في الاسير مثلاً وجب القصر.

(مسألة 1218): إذا عدل قبل بلوغ الأربعة فراسخ إلى قصد الرجوع أو تردد في ذلك وجب التمام والاحوط وجوبا إعادة ما صلاه قصرا في الوقت لا في خارجه. وان كان قد افطر استمر على الإفطار، وان كان العدول أو التردد بعد بلوغه الأربعة وكان عازما على العود قبل إقامة عشرة أيام، بقي على القصر والإفطار.

(مسألة 1219): يكفي في استمرار القصد بقاء عنوان السفر وإن عدل عن موضوع خاص منه إلى آخر، كما إذا قصد إلى مكان وفي الأثناء عدل إلى غيره، إذا كان يبلغ ما مضى مع ما بقي إليه مسافة، فانه يقصر على الأصح. وكذا إذا كان من أول الأمر قاصدا السفر إلى احد البلدين من دون تعيين احدهما، إذا كان السفر إلى كل منهما يبلغ مسافة.

(مسألة 1220): إذا تردد في الأثناء في الاستمرار بالسفر، ترددا معتدا به، ثم عاد إلى الجزم. فان لم يسر حال تردده عرفا فلا اثر له، وان كان قد سار، فان كان ما بقي مسافة ولو ملفقة قصر. وإلا أتم صلاته. نعم إذا كان طريق الرجوع مسافة قصر مطلقاً.

(مسألة 1221): ما صلاه قصرا قبل العدول عن قصده لا تجب إعادته في الوقت ولا قضاؤه خارجه. وان كانت الإعادة في الوقت أحوط وجوباً إذا لم يقطع المسافة.

الشرط الثالث: أن لا يكون ناويا في أول السفر إقامة عشرة أيام قبل بلوغ المسافة أو يكون مترددا في ذلك وإلا أتم من أول السفر. وكذا إذا كان ناويا المرور بوطنه أو مقره أو مترددا في ذلك. وإذا كان قاصدا السفر المستمر، لكن يحتمل احتمالا معتدا به، عروض ما يوجب تبدل قصده على نحو يوجب أن ينوي الإقامة عشرة أيام أو المرور بالوطن. أتم صلاته، وانلم يعرض ما احتمل عروضه.

الشرط الرابع: أن يكون السفر مباحا، فإذا كان السفر حراما لم يقصر، سواء أكان حراما في نفسه كسفر الزوجة المنافي لحق الزوج بدون إذنه، أم لغايته كالسفر

ص: 336

لقتل النفس المحترمة والسرقة والزنا ولإعانة الظالم ونحو ذلك. ويلحق به ما إذا كان السفر لترك واجب، كما إذا كان مديوناً وسافر مع مطالبة الدائن وإمكان الأداء في الحضر دون السفر. فانه يجب فيه التمام إن كان السفر بقصد التوصل إلى ترك الواجب. أما إذا كان السفر مما يتفق وقوع الحرام أو ترك الواجب أثنائه كالغيبة وشرب الخمر وترك الصلاة ونحو ذلك. من دون ان يكون الحرام أو ترك الواجب غاية السفر، وجب فيه القصر.

(مسألة 1222): إذا سافر بقصد الصلاة تماما في السفر تشريعا كان سفره حراما ووجب عليه إتمام الصلاة فيه. أما إذا كان سفره لغرض مباح لكنه عزم على الصلاة تماماً في السفر، لم يغير ذلك من وجوب القصر عليه.

(مسألة 1223): إذا كان السفر مباحا ولكن ركب دابة مغصوبة أو مشى في ارض مغصوبة فحكمه القصر. نعم اذا سافر على دابة بقصد الفرار بها عن المالك أثم وأتم.

(مسألة 1224): إباحة السفر شرط في الابتداء والاستدامة فإذا كان ابتداء سفره مباحا وفي الأثناء قصد المعصية أتم. وأما ما صلاه قصراً فلا تجب إعادته، إذا كان قد قطع مسافة وإلا فالأحوط وجوباً الإعادة في الوقت دون خارجه. وإذا رجع إلى قصد الطاعة فان كان ما بقي مسافة ولو ملفقة وشرع في السير قصر، وكذا إن لم يكن مسافة ولكنه لم يقطع بعد العدول إلى المعصية شيئا من الطريق، وإذا شرع في الإياب وكان مسافة قصر، ما لم يكن متضمنا للحرام أيضاً.

(مسألة 1225): إذا كان ابتداء سفره معصية فعدل إلى المباح فان كان الباقي مسافة، ولو ملفقة، كما سبق، قصر وإلا أتم.

(مسألة 1226): الراجع من سفر المعصية يقصر، إذا كان الرجوع مسافة، ولم يكن معصية، وان لم يكن تائبا.

(مسألة 1227): إذا سافر لغاية ملفقة من الطاعة والمعصية أتم صلاته. إلا إذا كانت غاية المعصية تابعة ولا تكفي كباعث مستقل في تحقق السفر فانه يقصر.

ص: 337

(مسألة 1228): إذا سافر للصيد لهوا، كما يستعمله أهل الدنيا أتم الصلاة في ذهابه وقصر في إيابه، إذا كان وحده مسافة. وأما إذا كان الصيد لقوته أو قوت عياله قصر. وكذلك إذا كان للكسب على الأظهر، نعم قد يكون حكمه التمام إذا انطبق عليه عنوان العمل. ولا فرق في ذلك بين صيد البر والبحر والجو.(مسألة 1229): نقل المسافر للمعصية معصية كمن ينقل شخصاً لجلب الخمر أو الزنا لأنها إعانة له على الإثم، سواء كان مجانا أم باجرة. فيجب على الناقل الإتمام في سفره مع علمه بقصد الآخر.

(مسألة 1230): التابع للظالم أو للجائر، إذا كان مضطراً أو يقصد غرضاً صحيحاً كدفع مظلمة عن نفسه أو غيره يقصر. وإلا فان كان على وجه يعد من أتباعه وأعوانه في جوره أو فيه إعانة له على ذلك، وجب عليه الإتمام، وان كان سفر الجائر مباحا، فالتابع يتم والمتبوع يقصر.

(مسألة 1231): إذا شك في كون السفر معصية أو لا بسبب الشك في كون الغرض الذي سافر من أجله معصية، فالأصل الإباحة فيقصر، إلا إذا ثبت كونه معصية بنحوٍ ما كالاستصحاب بأن كانت الحالة السابقة هي الحرمة. أو كان هناك أصل موضوعي يحرز به الحرمة، فلا يقصر. كما لو سافر لإطعام لحوم يشك في تذكيتها والأصل عدم التذكية.

(مسألة 1232): إذا كان السفر في الابتداء معصية فقصد الصوم ثم عدل في الأثناء إلى الطاعة، فان كان الباقي مسافة وقد شرع فيها افطر، ولا يفطر بمجرد العدول. ولا ما إذا كان الباقي اقل من المسافة. وكذلك إذا كان العدول والشروع في السفر بعد الزوال. والأحوط استحبابا القضاء.

(مسألة 1233): إذا انعكس الأمر عن المسألة السابقة. بان كان سفره طاعة في الابتداء، فلم ينو الصوم، وعدل إلى المعصية في الأثناء وكان العدول قبل الإتيان بالمفطر وقبل الزوال نوى الصيام والأحوط له استحبابا القضاء. ولو كان بعد الزوال أو بعد تناول المفطر، وجب عليه على الأحوط الإمساك والقضاء.

ص: 338

الشرط الخامس: أن لا يتخذ السفر عملا له، كقيادة سيارات النقل العام والراعي والتاجر الذي يدور في تجارته، وغيرهم ممن عمله السفر إلى المسافة فما زاد، فان هؤلاء وأمثالهم يتمون في سفرهم ماداموا يخرجون في أعمالهم. وأما إذا استعملوا السفر لأنفسهم كالسفرات الخاصة لزيارة الأقرباء أو العتبات المقدسة فوظيفتهم التقصير، إلا إذا كان العمل الأساسي هو المقصود، وكان هذا الاستعمال ضمنيا.

(مسألة 1234): كما أن التاجر الذي يدور في تجارته يتم صلاته كذلك العامل الذي يدور في عمله، كالمفتش الذي يتجول على الدوائر للمتابعة، أو ساعي البريد يتنقل لإيصال الرسائل والطرود، أو مراقب الحدود الذي يتفقد نقاط السيطرة والمراقبة والحماية ومثلهم الحطاب والجلاب الذي يجلب الخضر والفواكه والحبوب ونحوها إلى البلد، فإنهم يتمون الصلاة.

(مسألة 1235): العناوين المحتملة لهذا الشرط الخامس عدة أمور:

الأمر الأول: أن يكون السفر عمله، يعني انه يتكسب بنفس السفر، كالمكاري والسائق والطيار. فمتى خرج في عمله أتم وصام، ومتى خرجلغير عمله قصر وافطر.

الأمر الثاني: أن يكون عمله في السفر، يعني أن يكون عمله متوقفا على السفر، بحيث يستحيل عادة ممارسته بدون السفر. كمن يعمل في مدينة أخرى غير المدينة التي يسكنها، كالطبيب والممرض والطالب والعسكري والموظف وأضرابهم، فإنهم إن ذهبوا إلى أعمالهم أتموا وصاموا. ولا يفرق في الطالب بين طالب العلم الديني أو العلم الأكاديمي. ممن يكون تلقى العلم دخيلا في مستقبله، وتتوقف عليه حياته. لا مجرد البحث عن مشكلة تاريخية مثلا في المصادر.

الأمر الثالث: من كان السفر جزءاً من عمله، كالوسيط التجاري الذي يأتي بالبضائع من تجار الجملة ويوزعها على بائعي المفرد، وكالأمثلة التي ذكرناها في المسألة (1234).

الأمر الرابع: أن يكون عملهم في التنقل بنحو الدوران في البلدان كمن يحمل

ص: 339

عدة عمله ويجوب البلدان ليقدّم خدماته باجور، ومن أمثلته مصلح المكائن أو البنّاء أو الحداد وغيرهم.

(مسألة 1236): ليس عنوان كثير السفر سبباً لاتمام الصلاة بمفرده وإنما العبرة في تحقق عنوان كون عمله السفر أو في السفر بغضّ النظر عن تحقق عنوان كثير السفر أو عدمه.

(مسألة 1237): إنما يتم من عمله في السفر. إذا كان سفره من عمله، فان حصل له عمل آخر اتفاقي كالبزاز إذا أتته صفقة من اللحوم أو القصاب إذا أتته صفقة من الأقمشة. قصّر إذا لم يصدق عليه احد العناوين المتقدمة في المسألة (1235)

(مسألة 1238): إذا اختص عمله بالسفر إلى ما دون المسافة فاتفق له السفر إلى المسافة أتم ما دام خارجا في عمله، كمن يعمل في سيارة للأجرة داخل المدينة لكن كان من شأنه وله الاستعداد للاستئجار إلى مدينة أخرى متى حصلت له فرصة مناسبة بحيث يراه العرف انه ممارس لعمله فانه يتم.

(مسألة 1239): لا يعتبر في وجوب التمام تكرر السفر ثلاث مرات، بل يكفي كون السفر عملا له أو عمله في السفر ولو في المرة الأولى.

(مسألة 1240): إذا خرج في سفرات اتفاقية ولكنها مربوطة بعمله وكانت جزءاً من عمله، أتم وصام كالموظف ترسله دائرته في عمل رسمي أو العسكري ترسله وحدته في مأمورية، مادام عمل الموظف والعسكري يتطلب مثل هذا السفر، أما إذا لم يكن كذلك كالإيفادات التي توفرها الدوائر لموظفيها للتدريب أو تطوير المهارة فليست جزءاً من العمل ويكون حكمه القصر.

(مسألة 1241): إذا كان السفر إتفاقياً في علل كسبه أو معلولاته - أي مقدمات كسبه أو نتائجه- قصر وافطر. كالتاجر يذهب لاستيفاء دين أولدفعه، أو لأخذ إجازة استيراد أو في معاملة رسمية أو قضائية. كالموظف أو المدرس الرسمي يذهب لمعاملة تعيينه أو تقاعده ونحو ذلك.

ص: 340

(مسألة 1242): إذا اجتمع سببان للإتمام، كان حكمه أولى بذلك، كما لو كان عمله في السفر وينوي إقامة عشرة أيام أو غير ذلك. فالمهم في الإتمام هو وجود سبب واحد له، فضلا عن الأكثر.

حكم الصلاة في الطريق بين محلّي التمام

(مسألة 1243): من كان عمله في السفر على نحوين:

الأول: من يتخذ محل عمله وطناً آخر غير محل سكنه الذي ينتسب اليه فيقيم فيه بحيث يتفق عدم عودته إلى وطنه الأصلي في أيام التعطيل الاسبوعي او في نهاية العام الدراسي، كطالب العلوم الدينية في النجف الأشرف يتخذ مسكناً له ويبقى فيه الشهر والشهرين وإن لم يكن عنده درس، أو كالمهندس الذي توفر له الشركة مسكناً له ولعائلته في موقع العمل يمكث فيه حتى في عطلة نهاية الأسبوع، أو الطالب الجامعي الذي يتخذ القسم الداخلي وطناً ثانياً له يمكث فيه حتى لو لم تكن عنده دروس فعلية، فان مثل هؤلاء يقصرون في طريق الذهاب والإياب. ويتمون في الموطنين فقط.

الثاني: من لا يتخذ محل عمله وطناً وإنما يتواجد فيه مادام العمل مطلوباً منه فإذا لم يكن عنده عمل عاد مباشرة إلى أهله، كطلبة الجامعات الذين يرجعون إلى أهلهم بمجرد انتهاء أيام الدرس في نهاية الأسبوع فهؤلاء يتمون في طريق الذهاب والإياب. ويتمون في الموطنين.

(مسألة 1244): إذا سافر من عمله السفر أو في السفر، سفرا ليس من عمله، كما إذا سافر المكاري للزيارة أو الحج وجب عليه التقصير. ومثله ما إذا أعطبت سيارته أو سفينته فتركها عند من يصلحها ورجع إلى أهله. فانه يقصر في سفر الرجوع على الأحوط. وكذلك لو غصبت دوابه أو مرضت فتركها ورجع إلى أهله. وأما إذا لم يتهيأ له الركاب في رجوعه فرجع إلى أهله بسيارة أو سفينة خالية. فانه يتم في رجوعه.

ص: 341

(مسألة 1245): الإتمام في الرجوع يكون في حالة ما إذا كان الرجوع من عمله، أو كان قاصداً أهله مباشرة، لا ما إذا كان ذاهباً إلى سبب آخر ليس فيه ذلك كالزيارة في غير بلده ولو في طريق الرجوع بحيث يصدق عرفا قصده للزيارة لا قصده لأهله فانه يقصر. فالطالب النجفي الذي يدرس في بغداد وطريقه المعتاد يمرّ على الحلة، إذا عرّج على كربلاء للزيارة فانه يقصر في صلاته هناك.

(مسألة 1246): إذا اتخذ السفر عملا له في شهور معينة من السنة أو فصل معين فيها، كالذي يؤجر سيارته بين مكة وجدة في شهور الحجأو يجلب الخضر في فصل الصيف، يجري عليه حكم الإتمام في المدة المذكورة.

(مسألة 1247): المهم في الإتمام هو أن يكون عمله في السفر أو السفر نفسه، ولا دخل لزيادة السفر أو قلته في ذلك فمتعهدو نقل الحجاج (الحملدارية) الذين يسافرون إلى مكة أيام الحج في كل سنة، ويقيمون في بلدهم بقية أيام السنة. يتمون ماداموا خارجين لعملهم هذا إذا كان هذا هو عملهم الوحيد ويقضون بقية الأيام في الإعداد للموسم وجمع الحجاج وتدقيق وثائقهم، كحملدارية بلدان جنوب شرق أسيا الذين تطول فترة السفرة ومقدماتها وما يترتب عليها ثلاثة شهور تقريباً. وهذا الحكم جارٍ عليه حتى لو أصبح الفرد حملداراً لسنة واحدة.

(مسألة 1248): الظاهر أن عنوان من عمله السفر أو في السفر، يتوقف على قصد ذلك ليكون بمنزلة المهنة له. فإذا قصد ذلك ولو لأول مرة أتم سفره. لكن على أن لا تكون هناك فترة غير معتادة أهمل الفرد فيها التردد على عمله، بحيث خرج عرفا عن كونه ممارسا له، فإذا خرج من دون تجديد قصد المزاولة العرفية قصر. وإذا كان العمل محددا بأزمنة متباعدة نسبيا لم يضر ذلك في الإتمام مادام غير ضار بصدق العمل عرفا، فالسائق الذي يؤجر سيارته في كل شهر مرة إلى العتبات المقدسة في إيران أو سوريا يصدق عليه أن عمله هذا، لكن الذي يؤجر سيارته في الأسبوع مرة إلى كربلاء قد لا يصدق عليه أن عمله ذاك اذا كان له عمل آخر.

(مسألة 1249): إذا أقام من عمله السفر أو في السفر عشرة أيام في بلده أو في

ص: 342

أي بلد، أتم إذا خرج بعدئذ في عمله ولو لأول مرة. ولا ينتفي الحكم، ولا يعود إلا مع عود شرطه الذي سمعناه.

(مسألة 1250): السائح في الأرض لفترة أو دائما يتم مع توفر شرطه بحيث يصدق انه لا وطن له. وإلا قصر. نعم، إذا كانت السياحة عملا له عرفا أتم فيها أيضاً.

الشرط السادس للقصر في السفر: أن لا يكون ممن بيته معه كاهل البوادي الذين لا مسكن لهم معين من الأرض، بل يتبعون العشب والماء أينما كانا ومعهم بيوتهم وهي الخيام والمضارب، وكالغجر الذين يتنقلون بين البلدان، وكبعض ربابنة السفن الذين يتخذون في سفنهم غرفا لإقامتهم مع عوائلهم وأثاثهم، فان هؤلاء لا وطن لهم لذا فإنهم يتمون صلاتهم فيما إذا حملوا بيوتهم معهم للانتقال من محل سكن إلى محل آخر. ويقصرون في السفرات الأخرى كالحج والزيارة أو شراء القوت. وكذا يقصر إذا خرج لاختيار المنزل أو موضع العشب والماء. والظاهر الإتمام في أي سفر كانوا يحملون بيوتهم معهم. دون الأسفار الأخرى.

الشرط السابع: أن يصل المسافر حال خروجه إلى حد الترخص فلايقصر لو صلى قبله، والمراد به المكان الذي يخفى فيه شخص المسافر عن الناظر الواقف في آخر بيوت المدينة. اوعلامة ذلك بشكل تقريبي أن المسافر لا يرى الشخص الواقف في نهاية البلد، ولا يسمع صوت أذانه.

(مسألة 1251): القدر المتيقن في ثبوت حد الترخص هو الخروج من الوطن ولا يلحق به محل الإقامة والمكان الذي بقي مترددا فيه ثلاثين يوما، وكذلك كل محل كان يتم فيه كمحل عمله وغير ذلك فانه يقصّر بمجرد الخروج منه، وان كان الأحوط في مثله الجمع بين القصر والتمام لو صلى قبل حد الترخص.

(مسألة 1252): المدار في الرؤية والسماع الذي هو حد لحد الترخص ما كان على النحو المتعارف لمن كان صحيح السمع والبصر. ولا عبرة بالضعيف منهما، كما لا عبرة بالفاقد، ولا عبرة بالأجهزة المستعملة للتقريب أو التكبير.

(مسألة 1253): مشهور الفقهاء على أن حد الترخص كما هو ثابت في

ص: 343

الذهاب، كذلك في العود فإذا وصله أتم. إلا أن الأقوى عدم ثبوته. فيبقى على حكم التقصير إلى حين دخوله المدينة. وخاصة في غير عنوان الوطن كمحل الإقامة أو محل العمل.

(مسألة 1254): إذا شك في الوصول إلى حد الترخص بنى على عدمه. فيبقى على التمام إلى أن يحصل الوثوق بحصوله.

(مسألة 1255): إذا اعتقد الوصول إلى الحد فصلى قصرا، ثم بان انه لم يصل بطلت، ووجبت الإعادة قبل الوصول إليه تماما وبعده قصرا. فان لم يعد وجب عليه القضاء.

(مسألة 1256): إذا صلى في واسطة نقله عن عذر شرعي، فليس له أن يقصر إلا بعد الخروج عن الحد. فلو صلى قبله أتم. وأما لو صلى قبله وخرج عن الحد في أثناء صلاته، فإن لم يتجاوز الركعتين بل الركوع من الثالثة، تعين القصر، وإلا فالأحوط رفع اليد عنها واستيناف صلاة مقصورة.

(مسألة 1257): لا فرق في طول حد الترخيص، بل في طول مسافة القصر نفسها بين أن تكون برا أو بحرا، جبلية كانت أو سهلية، مسكونة بوجود قرى أو مدن أخرى في خلالها أو غير مسكونة.

(مسألة 1258): السفر جوا كالسفر أرضا، في مسافة القصر وحد الترخص، ووجوب الإتمام في موارده وغير ذلك. ولكن لا يعتبر السفر العمودي إلى مثل هذا المقدار حدا للقصر أو للترخص، بل يلحقه حكم الأرض التي تحته. فان كان يجب عليه الإتمام فيها أتم وان كان يجب القصر قصر.

ص: 344

الفصل الثاني: في قواطع السفر

اشارة

وهي أمور:

الأمر الأول: الوطن. والمراد به المكان الذي يتخذه الإنسان مقرا له على الدوام لو خلي ونفسه إلى اجل غير محدود. بحيث إذا لم يعرض له ما يقتضي الخروج منه لم يخرج. سواء كان مسقط رأسه أم استجده، ولا يعتبر أن يكون له فيه ملك، ولا أن يكون قد أقام فيه ستة أشهر. بل ولا يعتبر فيه أن يكون الاتخاذ اختياريا، فلو كان هذا القصد ناشئا من الاضطرار أو الإكراه صح. ولكن يعتبر فيه تحقق المعنى المذكور في التعريف أعلاه. ومع الشك في صدق العنوان يبني على عدمه. وأما مع وجود القصد المشار إليه للتوطن فيتم ولو لأول صلاة.

إمكان تعدد الوطن

(مسألة 1259): يمكن تعدد الوطن عرفاً كالبصري الذي يطلب العلوم الدينية في النجف فيستوطن النجف مع بقاء ارتباطه بوطنه الأول البصرة فلو سألت العرف لقالوا انه من أهل البصرة يسكن في النجف، ويتردد على بلده الأصلي، وكذا المهندس البغدادي الذي يتعين في كربلاء فيتخذ سكناً له هناك ويجلب عائلته مع بقاء ارتباطه ببغداد. ويسمى الثاني بالوطن ألاتخاذي والأول بالأصلي.

(مسألة 1260): يمكن فرض وجود أكثر من وطنين للشخص بعد تحقق معنى الوطن الإتخاذي بأن يتخذ له أكثر من وطن إلى جنب وطنه الأصلي. كالمثالين المتقدمين مع افتراض اتخاذه وطنين يمضي في كل منهما ثلاثة أيام أو أربعة في الأسبوع.

(مسألة 1261): الظاهر انه يكفي في ترتيب أحكام الوطن مجرد نية التوطن، فيتم في أول يوم أو أول صلاة، كما اشرنا. وليس لابد من الإقامة مدة زائدة. إلا إذا

ص: 345

كان المكث ضرورياً لصدق التعريف.

(مسألة 1262): إذا انتفى قصد التوطن انتفى وجوب الإتمام، فإذا ورد البلدة بعدئذ من سفر وجب فيها التقصير، ولكن ليس له التقصير، قبل أن يخرج بعد العدول عن التوطن إذا كان قد صلى بهذا القصد صلاة رباعية. وإن كان الأحوط الجمع بين القصر والتمام في مثله.

(مسألة 1263): يكفي في صدق التوطن قصده ولو تبعا كالزوجة والأولاد والمهم هو القصد لا التبعية إلا لمجرد كونها سببا له.

(مسألة 1264): الظاهر عدم جريان أحكام الوطن على الوطنالشرعي. وهو المكان الذي يملك فيه الإنسان منزلا قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا. بل حكمه حكم غيره في القصر والتمام.

(مسألة 1265): إذا حدث له التردد في التوطن في المكان بعدما كان وطنا أصليا أو اتخاذياً. ففي بقاء حكم الوطن إشكال. إلا أن الأظهر هو بقاؤه ما لم يعزم على الترك والإعراض.

(مسألة 1266): العبرة في الوطن هو القصد، وليس مسقط الرأس أو البلد الذي يلقب به أو الذي تسكنه أسرته أو عشيرته. أو الذي كان قد سكنه مدة طويلة ولا غير ذلك.

(مسألة 1267): إذا اعرض عن الوطن وتركه خرج عن حكم الوطن ولو كان له الرغبة في العود إليه. نعم، لو عاد إليه رجع إليه الحكم ومن هنا يتضح انه يمكن تغيير الوطن عدة مرات باعتبار القصد مادام جديا وعقلائياً.

(مسألة 1268): إذا ورد إلى بلد عمله لغير عمله فالأحوط له التقصير. وإن كان الأحوط من ذلك قصد الإقامة أو الجمع.

(مسألة 1269): إذا كان محل عمله دون المسافة الشرعية، كان أولى بحكم الإتمام. كما لو كان الإنسان وطنه النجف، وله محل في الكوفة يخرج إليه كل يوم ويرجع ليلا، فانه يتم في النجف والكوفة معا. وإذا خرج من النجف قاصدا محل

ص: 346

العمل وبعد الظهر يذهب إلى بغداد يجب عليه الإتمام في الكوفة. وإذا رجع من بغداد إلى النجف ووصل إلى محل عمله تم. مع قصد العمل لا لمجرد العبور في السفر خلال البلد. لا ذهابا ولا إيابا. وإلا قصر فيه أعنى في الكوفة، وكذلك الحكم لأهل الكاظمية إذا كان لهم محل عمل في بغداد وخرجوا منها إليه، ثم سافروا إلى كربلاء مثلا.

(مسألة 1270): الوطن هو البلد واسعا كان أم صغيرا والمهم المنطقة التي تسمى عرفا باسمه، وان كان الظاهر انتهاءه عرفا بانتهاء البيوت، وعدم انطباقه على المزارع والمعامل والقصبات التي حوله. كما إن محل قصد الإقامة هو ذلك، وحد الترخص يحسب منه أيضاً. ولا عبرة بالأحياء من داخل المدينة الواحدة.

(مسألة 1271): إذا كانت بلدتان أو منطقتان مختلفتين في التسمية عرفا، فهما بحكم الاثنين وان اتصلتا كالكاظمية وبغداد أو النجف والكوفة، فيعتبر في الخروج من أي منهما باتجاه الأخرى حدها العرفي دون حدها الإداري.

الأمر الثاني، من قواطع السفر: العزم على الإقامة عشرة أيام متوالية في مكان واحد أو العلم ببقائه المدة المذكورة فيه وان لم يكن باختياره، والليالي المتوسطة داخلة دون الاولى والأخيرة. ويكفي تلفيق اليوم المنكسر عن يوم آخر، فإذا نوى الإقامة من زوال اليوم الاول إلى زوال اليوم الحادي عشر منه وجب التمام، والظاهر ان مبدأ اليوم هذاطلوع الفجر، فإذا نوى الإقامة من طلوعه كفى في وجوب التمام نيتها إلى غروب اليوم العاشر.

(مسألة 1272): يشترط وحدة محل الإقامة عرفا. فإذا قصد الإقامة في مكانين عرفا بقي على القصر فضلا عن الأكثر. كالنجف والكوفة أو بغداد والكاظمية.

(مسألة 1273): لا يشترط في قصد الإقامة قصد عدم الخروج من سور البلد أو بيوته، بل إذا قصد الخروج إلى ما يتعلق بالبلد من الأمكنة. مثل بساتينه ومزارعه ومقبرته ومائه ونحو ذلك من الأمكنة التي يتعارف وصول أهل البلد إليها، لم يقدح في صدق الإقامة فيها.

ص: 347

(مسألة 1274): يشكل الخروج إلى حد الترخص، فضلا عما زاد مما هو دون المسافة. كما إذا قصد الإقامة في النجف الأشرف مع قصد الخروج إلى مسجد الكوفة أو السهلة، وان كان الأظهر عدم انقطاع قصد الإقامة إذا كان الخروج قليلا زمانا لا يؤثر على اعتبار ذلك النهار من العشرة المطلوبة للإقامة فلا يزيد عن خمس أو ست ساعات ونحوها. بحسب طول النهار.

(مسألة 1275): إذا قصد الإقامة إلى حصول أمر غير محدود بزمان مثل ورود المسافرين أو انقضاء الحاجة أو نحو ذلك مما هو متوقع له. وجب القصر وان اتفق حصوله بعد عشرة أيام، وإذا نوى الإقامة إلى آخر الشهر أو إلى يوم الجمعة الآتية أو إلى عيد الأضحى، كفى في صدق الإقامة مع إحراز العشرة أيام. فلابد له من التعرف على المدة قبل الدخول في الصلاة الرباعية أو الصوم، ولا يكون مقيما شرعا إلا إذا أحرز العشرة أيام. ففي حال التردد لأجل الجهل بالزمان الآخر، كما إذا نوى المسافر الإقامة من اليوم الحادي والعشرين إلى آخر الشهر، وتردد الشهر بين الناقص والتام وجب فيه القصر وان انكشف كمال الشهر بعد ذلك.

(مسألة 1276): تجوز الإقامة في البرية، وحينئذٍ يجب أن ينوي عدم الوصول إلى ما لا يعتاد الوصول إليه من الأمكنة البعيدة. وخاصة فيما زاد عن مقدار حد الترخص من محل إقامته. إلا إذا كان زمان الخروج قليلا كما تقدم.

(مسألة 1277): إذا عدل المقيم عشرة أيام عن قصد الإقامة، فان كان قد صلى فريضة رباعية تامة بقي على الإتمام إلى أن يسافر. وإلا رجع إلى القصر سواء لم يصل أصلا أو صلى صلاة غير مقصورة كالصبح والمغرب. أو كان في الأوليتين من الرباعية، بل ما دام لم ينته من الرباعية الأولى في سفره. وكذلك يرجع إلى القصر حتى لو فعل ما لا يجوز للمسافر فعله من الصوم الواجب والمستحب والنوافل ونحوها.

(مسألة 1278): إذا صلى بعد نية الإقامة فريضة تماما نسياناً وغفلة عن قصد الإقامة ثم عدل فالأحوط له الجمع بين القصر والتمام. أمامن صلى تماما في مواطن

ص: 348

التخيير، أو فاتته الصلاة بعد نية الإقامة فقضاها تماما خارج الوقت. فضلا عما إذا قضى صلاة تامة مما فاته في الحضر. فانه يرجع في كل ذلك إلى القصر.

(مسألة 1279): إذا تمت مدة الإقامة لم يحتج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة، بل يبقى على التمام إلى أن يسافر. وان لم يصل في مدة الإقامة فريضة تماما لعذر أو لغير عذر. بل حتى لو عدل بعد تمام العشرة إلى السفر، بقي على التمام حتى لو لم يصل فريضة تامة على الأقوى.

(مسألة 1280): لا يشترط في تحقق الإقامة كونه مكلفا، فلو نوى الإقامة وهو غير بالغ، ولكنه عاقل مميز، ثم بلغ في أثناء العشرة وجب عليه التمام في بقية الأيام وان قلت عن العشرة. ويصلي قبل البلوغ تماما أيضاً. وكذا إذا كانت المرأة حائضا حال النية، فإنها تصلي ما بقي بعد الطهر من العشرة تماما. بل إذا كانت حائضا كل العشرة يجب عليها التمام، ما لم تنشئ سفراً.

(مسألة 1281): إذا صلى تماما ثم عدل، لكن تبين بطلان صلاته رجع إلى القصر. وإذا صلى الظهر قصرا، ثم نوى الإقامة فصلى العصر تماما، ثم عدل عن الإقامة ثم تبين له بطلان إحدى الصلاتين فانه يرجع إلى القصر. ويرتفع حكم الإقامة.

(مسألة 1282): إذا صلى بنية التمام، وبعد السلام شك في انه سلم على الاثنتين أو الثلاث أو الأربع، لم يعتن بالشك وبنى على التمام، وكفى ذلك في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد الصلاة. وكذا يكفي في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد السلام الواجب وقبل فعل المستحب منه أو قبل الإتيان بسجود السهو أو الأجزاء المنسية وان كان الاحتياط الاستحبابي بخلافه. ولكن لا يترك الاحتياط إذا عدل قبل صلاة الاحتياط أو في أثنائها. وأما إذا عدل بعدها فلا إشكال.

(مسألة 1283): إذا دخل في الصلاة بنية القصر، فنوى الإقامة في الأثناء أكملها تماما ولو نوى الإقامة بعدها لم تجب الإعادة وإذا نوى الإقامة فشرع بنية

ص: 349

التمام فعدل في الأثناء، فان كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمها قصرا، وان كان بعده بطلت.

(مسألة 1284): المهم في نية الإقامة أو السفر هو القصد القلبي، مهما كان سببه، دون التلفظ أو الإخطار. كما أن المهم فيهما هو العزم الجدي بعد التروي، فان كان عازما على احدهما وحصل التشكيك كفى في البقاء على حكم السابق إلى أن يعزم على الآخر.

(مسألة 1285): إذا عدل عن نية الإقامة، وشك في أن عدوله كان بعد الصلاة الرباعية التامة أم قبلها. فان كان محرزا لالتفاته إلى ذلك خلال الصلاة كفى تذكر عدد ركعاتها، فان كانتا اثنتين فقد عدل قبلها وان كانت أربعا فقد عدل بعدها. وان لم يكن محرزا لذلك أو لم يكن محرزاً لعددالركعات بنى على العدم، بان يرتب آثار القصر، كما لو لم يكن قد صلى رباعية.

(مسألة 1286): إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم، وعدل بعد الزوال قبل أن يصلي تماما، فالأحوط له أن يبقى على صومه ويقضيه، وأما الصلاة فيجب فيها القصر، كما سبق. فلا يجزيء منه صوم اليوم التالي إذا بقي على نفس الحال، بل يكون مسافرا يجب عليه الإفطار.

الأمر الثالث، من قواطع السفر: أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوما متردداً. من دون عزم على الإقامة عشرة أيام، سواء عزم على إقامة تسعة أو اقل أم بقي مترددا. فانه يجب عليه القصر إلى نهاية الثلاثين يوما. وبعده يجب عليه التمام إلى أن يسافر سفرا جديدا.

(مسألة 1287): المتردد في الأمكنة المتعددة يقصر، وان بلغت المدة ثلاثين يوما.

(مسألة 1288): إذا تم الشهر على المتردد، وأصبح مقيما، ثم خرج إلى ما دون المسافة جرى عليه حكم المقيم عشرة أيام إذا خرج بمقداره فيجري فيه ما ذكرناه فيه. وأما إذا خرج إلى ما دون المسافة قبل تمام الشهر فيجب عليه التقصير.

ص: 350

ما لم يحصل له قصد الإقامة.

(مسألة 1289): إذا تردد في مكان تسعة وعشرين يوما أو نحوها ثم انتقل إلى مكان آخر وأقام فيه مترددا تسعة وعشرين يوما أو نحوها وهكذا. فانه يبقى على القصر في الجميع إلى أن ينوي الإقامة في مكان واحد عشرة أيام أو يبقى في مكان واحد ثلاثين يوما أو يسافر سفرا مربوطا بعمله.

(مسألة 1290): يكفي تلفيق المنكسر من يوم آخر هنا، كما تقدم في الإقامة.

(مسألة 1291): في كفاية الشهر الهلالي إشكال. لكن الأظهر انه إذا كان كاملا كان مجزءاً. كما لو دخل في المكان قبل طلوع الفجر من يومه الأول وبقي إلى غروبها من اليوم الأخير ولو كان ناقصا. وأما إذا كان شهرا تلفيقيا فالأظهر لزوم إكمال ثلاثين يوما.

الفصل الثالث: في أحكام المسافر

اشارة

(مسألة 1292): تسقط نوافل الظهرين في السفر. وفي سقوط نافلة الفجر والعشاء إشكال، ولا باس بالإتيان بها برجاء المطلوبية. وأما صلاة الليل فمطلوبة.

(مسألة 1293): يجب القصر في الفرائض الرباعية بالاقتصار علىالأوليين منها كما سبق، عدا الأماكن الأربعة كما سيأتي. وإذا صلاها تماماً في مورد القصر، فان كان عالما بالحكم بطلت ووجبت الإعادة أو القضاء. وان كان جاهلا بالحكم من أصله، بان لم يعلم وجوب القصر على المسافر، لم تجب الإعادة فضلا عن القضاء. وان كان جاهلا بالحكم لجهله ببعض الخصوصيات الموجبة للقصر. كما لو ظنّ أن عنوان السفر يزول عنه لو أقام عشرة أيام في البلد حتى لو أنشأ منه سفراً جديداً، ومثل أن سفر المعصية غير موجب للقصر، حتى بعد التوبة ونحو ذلك، أو كان جاهلا بالموضوع بان لا يعلم أن ما قصده مسافة - مثلا- فأتم، فتبين انه مسافة،

ص: 351

أو كان ناسيا للسفر أو ناسيا أن حكم المسافر القصر فأتم. فان التفت أو علم في الوقت أعاد وان علم أو تذكر بعد خروج الوقت فالظاهر عدم وجوب القضاء عليه.

(مسألة 1294): الصوم كالصلاة فيما ذكر، فيبطل مع العلم ويصح مع الجهل، سواء كان الجهل بأصل الحكم أو الخصوصيات أو بالموضوع. وان التفت أو علم بوجوب القصر خلال النهار وجب عليه الإفطار ويقضيه.

(مسألة 1295): إذا قصر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الصور، ووجبت الإعادة أو القضاء، حتى في موارد التخيير.

(مسألة 1296): إذا دخل الوقت وهو حاضر وتمكن من الصلاة تماما ولم يصل ثم سافر حتى تجاوز حد الترخص والوقت باق صلى قصرا، وإذا دخل عليه الوقت وهو مسافر وتمكن من الصلاة قصرا ولم يصل حتى وصل إلى وطنه أو محل إقامته صلى تماما، فالمدار على زمان الأداء لا زمان حدوث الوجوب، وان كان الأحوط استحباباً ضم الاحتمال الآخر إليه.

(مسألة 1297): إذا فاتته الصلاة في الحضر قضى تماما ولو في السفر، وإذا فاتته في السفر قضى قصرا ولو في الحضر. وإذا كان في أول الوقت حاضرا وفي آخره مسافرا أو بالعكس راعى في القضاء حال الفوات وهو آخر الوقت، فيقضي في الأول قصرا، وفي العكس تماما.

فروع في موارد التخيير

(مسألة 1298): يتخير المسافر بين القصر والتمام في الأماكن الأربعة الشريفة، وهي المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه واله) ومسجد الكوفة وحرم الحسين (عليه السلام). والتمام أفضل والقصر أحوط، والأحوط عدم إلحاق مكة والمدينة بالمسجدين فضلا عن الكوفة وكربلاء وان كان لا يخلو الإتمام في مكة والمدينة من وجه، وفي تحديد الحرم الحسيني الشريف إشكال، والأحوط الاقتصار على ما حول الضريح المقدس على مشرفه أفضل الصلوات والسلام.

ص: 352

(مسألة 1299): لا فرق في المساجد المذكورة بين أرضها وسطحها والمواضع المنخفضة فيها كبيت الطشت في مسجد الكوفة.(مسألة 1300): لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المذكور فلا يجوز الصوم في الأماكن الأربعة.

(مسألة 1301): التخيير المذكور استمراري، فإذا شرع في الصلاة بنية القصر، يجوز في الأثناء الإتمام. وبالعكس إذا لم يفت محل العدول.

(مسألة 1302): لا يجري التخيير المذكور في سائر المساجد والمشاهد الشريفة.

(مسألة 1303): لا يختلف الحكم بالتخيير في أي شكل من إشكال السفر، حتى لو كان مترددا في الإقامة إلى شهر، كما لا يختلف تعين التمام فيها مع الحكم به في غيرها، كما في قاصد الإقامة عشرة أيام أو المسافر لعمله أو الذي انتهى به الشهر مع التردد.

(مسألة 1304): يختص التخيير المذكور بالأداء، ولا يجري في القضاء. فلو كانت صلاة فائتة وقضاها في احد الأماكن الأربعة قضاها كما فاتت ولا يتخير. ولو فاتت الصلاة من المسافر وهو موجود في احد الأماكن الأربعة، كما لو انتهى به الوقت هناك دون صلاة عن عذر أو غير عذر، فانه يقضيها قصرا ولا يتخير حتى لو أراد قضاءها في احد الأماكن الأربعة على الأقوى.

خاتمة في بعض الصلوات المستحبة

قد تكون الصلوات اليومية مستحبة أحيانا في عدة موارد:

أولا: صلاة الصبي المميز. بناءا على ما هو الصحيح من مشروعية عبادته.

ثانيا: الصلاة المعادة جماعة.

ثالثا: الصلاة المؤداة إعادة أو قضاء. إذا كانت بنحو الاحتياط الاستحبابي.

رابعا: صلاة الجمعة بصفتها أفضل فردي التخيير. عندما يكون وجوبها

ص: 353

تخييرياً.

وقد سبق الكلام في صلاة العيدين بصفتها قد تكون واجبة أحيانا إلا أن الأغلب هو استحبابها في عصر الغيبة، فنذكر فيما يلي بعض الصلوات الأخرى الوارد استحبابها. غير أن الأحوط الإتيان بها جميعا برجاء المطلوبية.

منها: صلاة ليلة الدفن: وتسمى (صلاة الوحشة). وهي ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي، والأحوط أن يقرأ إلى قوله تعالى: (هم فيها خالدون) وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات، وبعد السلام يقول: اللهم صلِّ على محمد وال محمد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان ويسمي الميت. وفي رواية: يقرأ في الأولى بعد الحمد التوحيد مرتين. وبعد الحمد في الثانية سورة التكاثر عشرا ثم الدعاء المذكور والجمع بين الكيفيتينأولى وأفضل.

(مسألة 1305): لا باس بالاستيجار لهذه الصلاة، وان كان الأولى تركه.

(مسألة 1306): إذا صلى ونسي آية الكرسي أو القدر أو بعضهما أو أتى بالقدر اقل من العدد الموظف فهي لا تجزي عن صلاة ليلة الدفن. ولا يحل له المال المأذون له فيه بشرط كونه مصليا إذا لم تكن الصلاة تامة.

(مسألة 1307): وقتها الليلة الأولى من الدفن، فإذا لم يدفن الميت إلا بعد مرور مدة أخرت الصلاة إلى الليلة الأولى من الدفن. ويجوز الإتيان بها في جميع آناء الليل من الغروب إلى الفجر وان كان التعجيل أولى، والإتيان بها قبل الشروق أحوط.

(مسألة 1308): لو دفن في النهار لزم تأجيل هذه الصلاة إلى الليل، فإنها لا تشرع نهارا، كما انه لو فاتت الليلة الأولى لم تكن مشروعة.

(مسألة 1309): إذا اخذ المال ليصلي، فنسي الصلاة في ليلة الدفن، لم يجز له التصرف في المال إلا بمراجعة مالكه. فان لم يعرفه ولم يمكن التعرف عليه، جرى عليه حكم مجهول المالك. وإذا علم من القرائن انه لو استأذن المالك لأذن له في التصرف في المال كان هذا كافيا في جواز التصرف به.

ص: 354

ومنها: صلاة أول يوم من كل شهر: وهي ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة التوحيد ثلاثين مرة، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر ثلاثين مرة. ثم يتصدق بما تيسر. يشتري بذلك سلامة الشهر، ويستحب قراءة هذه الآيات الكريمات بعدها وهي:

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ). (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً). (مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ). (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). (أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ). (لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ). (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ).

(مسألة 1310): وقت هذه الصلاة منذ بزوغ الهلال إلى نهاية النهار الأول. وان كان الإتيان بها في النهار نفسه أولى وأحوط.

ومنها: صلاة الغفيلة، وهي ركعتان بين المغرب والعشاء، ويمكن أن تصلى في أي وقت أيضاً بعنوان صلاة الحاجة. فإنها تفيد لقضاء حوائج الدنيا والآخرة، يقرأ في الأولى بعد الحمد (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَالظَّالِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) ويقرأ في الثانية بعد الحمد (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ). ثم يرفع يديه للقنوت ويقول: اللهم إني أسالك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد وال محمد وان تفعل بي كذا وكذا - ويذكر حاجته- ثم يقول: اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي، فأسألك بحق محمد وآل محمد عليه وعليهم السلام لمّا (وفي نسخة) إلا قضيتها لي. وقد ورد في هذه الصلاة أنها تورث

ص: 355

دار الكرامة ودار السلام، وهي الجنة.

(مسألة 1311): يجوز الإتيان بركعتين من نافلة المغرب بصورة صلاة الغفيلة، فيكون ذلك من تداخل المستحبين. إلا أن الأحوط أكيدا نية رجاء المطلوبية في ذلك كما هو في أصل الصلاة.

ومنها: الصلاة في مسجد الكوفة لقضاء الحاجة، وهي ركعتان يقرأ في كل واحدة منها بعد الحمد سبع سور. والأولى الإتيان بها على هذا الترتيب: الفلق أولا ثم الناس ثم التوحيد ثم الكافرون ثم النصر ثم الأعلى ثم القدر.

ومنها: صلاة الإعرابي، ووقتها عند ارتفاع النهار. يقرأ في الأولى بعد الحمد قل أعوذ برب الفلق سبع مرات. وفي الثانية بعد الحمد قل أعوذ برب الناس سبع مرات. فإذا سلم قرأ آية الكرسي سبع مرات. ثم قام فصلى ثمان ركعات بتسليمتين، يقرأ في كل ركعة بعد الحمد إذا جاء نصر الله مرة واحدة، وقل هو الله احد خمسا وعشرين مرة، فإذا انتهى من ذلك دعا بهذا الدعاء سبع مرات: يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا اله الأولين والآخرين يا ارحم الراحمين، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما يا رب (سبع مرات) يا الله (سبع مرات) صلِّ على محمد وال محمد واغفر لي. واذكر حاجتك. وقل سبعين مرة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقل سبحان الله رب العرش الكريم. وورد في ثوابها ضمان الجنة وغفران الذنوب وثواب عظيم.

ومنها: صلاة الأبوين، يصليها الولد لوالديه أو لأحدهما. وهي ركعتان في الأولى الفاتحة وعشر مرات: [رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ]. وفي الثانية الفاتحة وعشر مرات: رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات، فإذا سلم قال عشر مرات: رب ارحمها كما ربياني صغيرا.

ومنها: صلاة الاستخارة ذات الرقاع، وصفتها: انك إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها: بسم الله الرحمن الرحيم، خيرة منالله العزيز الحكيم

ص: 356

لفلان بن فلانة افعل، واكتب في الثلاث الأخرى نفس النص مع (لا تفعل). ثم ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين. فإذا فرغت فاسجد سجدة وقل مائة مرة استخير الله برحمته خيرة في عافية. ثم استو جالسا وقل: اللهم خِر لي في جميع أموري في يسر منك وعافية. ثم اضرب بيدك إلى الرقاع فشوشها واخرج واحدة واحدة فان خرجن ثلاث متواليات افعل، فافعل الامر الذي تريده، وان خرجن ثلاث متواليات لا تفعل، فلا تفعله، وان خرجت واحدة افعل والأخرى لا تفعل، فاخرج من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها، فان كانت ثلاث منها افعل واثنتان لا تفعل، فافعل الأمر الذي تريده، وان كانت بالعكس فلا تفعله.

(مسألة 1312): قالوا: إن صحة الاستخارة متوقفة على حصول الإذن من احد ثلاثة أشخاص، أما الحاكم الشرعي أو الأب أو شخص لديه إذن سابق بها. ولاشك أن هذا أحوط بالرغم من إطلاق أدلتها على أن يكون الشرط ليس عناوينهم وإنما كون كل منهم رجلا صالحا ومجازا بالاستخارة.

(مسألة 1313): لا تكون الاستخارة إلا للأمور التي ليس هناك رجحان واضح لفعلها ولا لتركها لا دنيويا ولا أخرويا. وهي الأمور المحيرة ولذا قيل: الخيرة عند الحيرة، واما الخيرة فيما فيه رجحان فغير مشروع.

(مسألة 1314): اذا تمت الاستخارة على شيء فلا معنى لتكرارها عليه بنفسه على أمل أن تخرج على حسب الرغبة. فان الثانية تكون باطلة لا محالة. إلا مع حصول تغير في الموضوع بمقدار معتد به.

(مسألة 1315): يمكن أيضاً الاستخارة بالقران الكريم وبالمسبحة على تفصيل لا يسعه المقام.

ومنها: الصلاة في مسجد السهلة، فانك إذا أردت أن تمضي إلى السهلة فاجعل ذلك بين المغرب والعشاء الآخرة من ليلة الأربعاء وهو أفضل من غيره من الأوقات، فإذا أتيته فصل المغرب ونافلتها. ثم قم فصل ركعتين تحية المسجد قربة إلى الله تعالى. ويمكن أن تنوي صلاة الحاجة أو الصلاة الواردة في هذا المقام، فإذا

ص: 357

فرغت فارفع يديك إلى السماء وقل: أنت الله لا اله إلا أنت مبدئ الخلق ومعيدهم. وأنت الله لا اله إلا أنت خالق الخلق ورازقهم، وأنت الله لا اله إلا أنت القابض الباسط، وأنت الله لا اله إلا أنت مدبر الأمور وباعث من في القبور أنت وارث الأرض ومن عليها. أسألك باسمك المخزون المكنون الحي القيوم، وأنت الله لا اله إلا أنت عالم السر وأخفى، أسألك باسمك الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سُئلت به أعطيت، وأسألك بحقك على محمد وأهل بيته وبحقهم الذي أوجبته على نفسك أن تصلي على محمد وال محمد، وان تقضي لي حاجتي الساعة يا سامع الدعاء يا سيداه يا مولاه ياغياثاه، أسالك بكل اسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تصلي على محمد وال محمد، وانتجعل فرجنا الساعة يا مقلب القلوب والأبصار يا سميع الدعاء. ثم اسجد واخشع وادع الله بما تريد.

ومنها: صلاة جعفر بن أبي طالب الملقب بالطيار، وهي أربع ركعات فانك تفتتح ثم تكبر خمس عشرة مرة وتقول : الله اكبر وسبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله، ثم تقرأ الفاتحة وسورة ثم تركع وتذكر للركوع، ثم تقولهن في الركوع عشر مرات، ثم ترفع راسك من الركوع فتقولهن عشر مرات، وتخر ساجدا وتذكر للسجود وتقولهن عشر مرات في سجودك، ويمكن الاكتفاء بها لذكر الركوع والسجود، ترفع راسك من السجود فتقولهن عشر مرات، ثم تخر ساجدا وتقولهن عشر مرات، ثم ترفع راسك من السجود فتقولهن عشر مرات ثم تنهض فتقولهن خمس عشرة مرة، ثم تقرا فاتحة الكتاب وسورة وتقنت وتركع، وتستمر على نفس الترتيب إلى رفع الرأس من السجدة الثانية من الركعة الثانية فتقولهن عندئذ عشر مرات. ثم تتشهد وتسلم، ثم تقوم وتصلي ركعتين تصنع فيهما مثل ذلك، وقد روي أن التسبيح في صلاة جعفر بعد القراءة، كما يمكن تكرارها قبلها وبعدها أخذا بكلتا الروايتين. كما روي أن ترتيب التسبيح: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر. ولعله هو الأشهر، والقنوت في كل ركعتين منهما قبل الركوع، ولا تسبيح فيه، والقراءة في الركعة الأولى بالحمد وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعاديات وفي

ص: 358

الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله احد، وان شئت صليتها كلها بالحمد وقل هو الله احد. وروي انه لو كان عليه مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا لغفر الله له. وروي: إذا كنت مستعجلا فصل صلاة جعفر مجردة ثم اقض التسبيح.

(مسألة 1316): روي: صل صلاة جعفر في أي وقت شئت من ليل أو نهار، وان شئت حسبتها من نوافل الليل وان شئت حسبتها من نوافل النهار وتحسب لك من نوافلك. وتحسب لك من صلاة جعفر (عليه السلام) أقول: هذا من الموارد المنصوصة لتداخل المستحبين ولكن نية الرجاء فيها أحوط.

(مسألة 1317): روي: انك تقول في آخر سجدة من صلاة جعفر: يا من لبس العز والوقار يامن تعطف بالمجد وتكرم به يامن لا ينبغي التسبيح إلا له، يا من أحصى كل شيء علمه، يا ذا النعمة والطول، يا ذا المن والفضل، يا ذا القدرة والكرم. أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم الأعلى وكلماتك التامات أن تصلي على محمد وال محمد، وان تفعل بي كذا وكذا وتطلب حاجتك.

ومنها: صلاة الليل، وهي من النوافل اليومية الثابت استحبابها بضرورة الدين، وقد ورد فيها آثار وثواب عظيمان، وركعاتها من جملة الركعات الإحدى والخمسين التي هي من جملة علامات المؤمن وقد سبقالحديث عن عدد ركعاتها في فصل إعداد الفرائض والنوافل، ووقتها في فصل الأوقات مسألة (616). وهنا نريد أن نتعرف على جانب آخر من مستحباتها وأحكامها.

يقرأ بعد الحمد في الأولى التوحيد وفي الثانية قُل يا أيها الكافرون ويقرأ في سائر الركعات ما شاء من السور. ويجزي الحمد والتوحيد في كل ركعة ويجوز الاقتصار على الحمد وحدها، والقنوت كما هو مسنون في الفرائض مسنون في النوافل في الركعة الثانية من كل ثنائي من ركعاتها وتقرأ فيه ما تشاء. وكلما كان أكثر تضرعا وخشوعا كان أفضل.

ص: 359

فإذا فرغت من الثمان ركعات صلاة الليل، فصل الشفع ركعتين والوتر ركعة واحدة لكل منهما تكبيرة إحرام مستقلة على الأقوى. واقرأ في هذه الركعات الثلاث قل هو الله احد حتى يكون لك أجر ختمة كاملة من القران الكريم فان لسورة التوحيد اجر ثلث القران أو اقرأ في الأولى من الشفع الفاتحة وسورة قل أعوذ برب الناس وفي الثانية الحمد وسورة قل أعوذ برب الفلق.

ويستحب أن تدعو إذا فرغت من الشفع قبل الفجر بهذا الدعاء: الهي تعرض لك في هذا الليل المتعرضون وقصدك القاصدون وأمّل فضلك ومعروفك الطالبون ولك في هذا الليل نفحات وجوائز وعطايا ومواهب تمن بها على من تشاء من عبادك وتمنعها من لم تسبق له العناية منك. وها أنا ذا عبدك الفقير إليك المؤمل فضلك ومعروفك فإذا كنت يا مولاي تفضلت في هذه الليلة على احد من خلقك وعدت عليه بعائدة من عطفك، فصل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الخيرين الفاضلين وجد علي بطولك ومعروفك يا رب العالمين. وصلى الله على محمد خاتم النبيين واله الطاهرين وسلم تسليما إن الله حميد مجيد. اللهم إني ادعوك كما أمرت فاستجب لي كما وعدت انك لا تخلف الميعاد.

واقرأ في قنوت الشفع الدعاء الذي روي أن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام كان إذا قام في محرابه ليلا قرأه. وهو الدعاء الخمسون من الصحيفة السجادية الكاملة، وأوله: اللهم انك خلقتني سويا ورزقتني مكفياً. إلى آخر الدعاء.

فإذا فرغت من ركعتي الشفع فانهض لركعة الوتر، واقرأ فيها الحمد وسورة التوحيد، أو اقرأ بعد الحمد سورة التوحيد ثلاث مرات والمعوذتين مرة. ثم ارفع يدك للقنوت ويستحب أن يبكي الإنسان في القنوت من خشية الله والخوف من عقابه أو يتباكى. ويستحب أن يدعو لإخوانه المؤمنين. وبالأخص أن يذكر أربعين منهم بأسمائهم وأسماء آبائهم أو بأي لفظ يعين أفرادهم كوالدي وأخي ونحو ذلك. فان من دعا لأربعين نفسا من المؤمنين استجيب دعاؤه إن شاء الله.

ص: 360

ويستحب أن يدعو في هذا القنوت بما رُوي إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يدعو به فيه: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فانك تقضي ولا يقضى عليك، سبحانك رَب البيت أستغفرك وأتوب إليك وأومن بك وأتوكل عليك ولا حول ولا قوة إلا بك يا رحيم.

وينبغي للفرد أن يقول في هذا القنوت، سبعين مرة استغفر الله ربي وأتوب إليه. وينبغي في ذلك أن يرفع يده اليسرى للاستغفار ويحصي عدده في اليمنى. وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يقول سبع مرات: هذا مقام العائذ بك من النار. كما روي أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يقول: العفو العفو ثلاثمائة مرة. وليقل بعد ذلك : رَب اغفر لي وارحمني وتب عليَّ انك أنت التواب الرحيم.

وينبغي أن يطيل القنوت، فإذا فرغ منه ركع، فإذا رفع رأسه دعا بهذا الدعاء: هذا مقام من حسناته نعمة منك وشكره ضعيف وذنبه عظيم وليس لذلك إلا رفقك ورحمتك. فانك قلت في كتابك المُنزل على نبيك المرسل صلى الله عليه واله: كانوا قَليلا مِن الليلِ ما يَهجَعونَ وبالأسحار هُم يَستغفِرون. طال هجوعي وقلَّ قيامي، وهذا السَحَر وأنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يجد لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياةً ولا نشورا ثم يُتم الصلاة ويقرأ بعدها آية الكرسي ويسبح تسبيح الزهراء عليها السلام. وجملة ما ورد من التعقيب حتى يبزغ الفجر.

كما يستحب أن يقرأ في القنوت قبل الركوع من الوتر دعاء الفرج وهو: لا اله إلا الله الحليم الكريم، لا اله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رَبِ السموات السبع ورب الأرضين السبع، وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد للهِ رب العالمين. كما يستحب فيه إن يقول: استغفر الله الذي لا اله إلا هو الحيّ القُيّوم ذو الجلال والإكرام، لجميع ظلمي وجرمي وإسرافي على نفسي وأتوب إليه. وان يقول: رَبِ أسأت وظلمت نفسي، وبِئس ما صنعت وهذي يدي جزاء بما كسبت وهذي رقبتي خاضعة لما أتيت. وها أنا ذا بين يديك، فخذ لنفسك من نفسي الرضا

ص: 361

حتى ترضى. لك العتبى لا أعود. وليس هناك تحديد إلزامي في تقديم أو تأخير بعض هذه الأذكار عن بعض.

فقد روي: انه يحسن أن يقرأ التوحيد ستين مرة في الثنائية الأولى يقرؤها بعد الحمد في كل ركعة منهما ثلاثين مرة لكي ينصرف من الصلاة ولم يك بينه وبين الله عز وجل ذنب.

(مسألة 1318): المؤمنون الأربعون الذين يدعو لهم، يمكن أن يكونوا أحياءا وأمواتا، كما يمكن ان يكونوا رجالا ونساءاً، كما يمكن أن يكونوا من عشيرته أو الآخرين.

(مسألة 1319): يمكن حذف كل هذه المستحبات والأذكار الإضافيةلمن لا يطيقها أو يضيق وقته عنها والاقتصار على الأجزاء المقوّمة للصلاة.

(مسألة 1320): صلاة الليل، إحدى عشر ركعة كما عرفنا متكونة من ست صلوات لكل منها تكبير مستقل وتسليم وتكون بإضافة نافلة الصبح ودسها فيها، كما سبق في مسألة (616) ثلاث عشرة ركعة مكونة من سبع صلوات بسبع تكبيرات وتسليمات، كلها صلوات ثنائية إلا الوتر فإنها ركعة واحدة، فإذا شك بمقدار صلواتهِ بنى على الأقل وإذا شك في عدد ركعاته بنى على المصحح، فان كان البناء على الأقل مصححا بنى عليه كالشك بين الاثنتين والثلاث، وإن كان البناء على الأكثر مصححا بنى عليه كالشك بين الواحدة والاثنتين. وله في مثله البناء على الأقل. ولو شك في الركعات والصلوات معا. كما لو شك انه في الركعة الأولى أو الثانية من الصلاة الثالثة أو الرابعة، بني على الأقل وهو الأولى من الثالثة وله البناء على أي احتمال آخر بما فيها الأكثر وهو الثانية من الرابعة. فان أمر النافلة موسع.

(مسألة 1321): يمكن دس نافلة الصبح في صلاة الليل، سواء أتى بنافلة الصبح قبل الفجر أم جاء بنافلة الليل بعد الفجر أم بزغ الفجر خلال الصلاة. وذلك بالإتيان بركعتين بنية نافلة الصبح أو نافلة الفجر، بين صلوات نافلة الليل، في أي موضع شاء، وأفضل المواضع له هو بعد الركعات الثمانية الأولى أو بعد ركعة الوتر،

ص: 362

ولو شك بإتيانها معها بني على العدم.

ص: 363

ص: 364

كتاب الصوم

اشارة

ص: 365

ص: 366

كتاب الصوم

المقدمة

الصوم من أهم الوسائل التي شرّعها الله تبارك وتعالى لعباده لتعينهم في طريق السير نحو التكامل، قال تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (البقرة: 45) والصوم من أوضح مصاديق الصبر.

وإنما يتحقق التكامل بتحرير الإنسان من سلطة وتأثير ما سوى الله تبارك وتعالى وأهم تلك المؤثرات (النفس) التي تضغط على الإنسان لإشباع شهواتها وتلبية غرائزها، وضبط هذه النفس وكبح جماحها هو محور الصراع الطويل بين الخير والشر الذي يعيشه الإنسان في داخله ما دام في هذه الدنيا ونجاحه في هذا (الجهاد الأكبر) الذي يخوضه هو الذي يحلق به إلى أوج الكمال حيث يلتحق بالصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

والصوم خير معين وسلاح في هذا الصراع لأنّه يقوي إرادة الإنسان في الامتناع عن أقوى اللذائذ الحسية وحاجاته البايولوجية وهي الطعام والشراب والجماع فإذا فعّل إرادته وقوّاها إلى هذا المستوى هان عليه ما دونه ونجح في الامتحانات الأخرى بشرط التفاته إلى هذه الجوانب المعنوية للصوم.

وللصوم أحكام وآداب ذُكرت في محلّها من كتب الفقه والأخلاق، أمّا الجوانب المعنوية والاجتماعية للصوم فقد أشرت إلى الكثير منها في كتاب (شهر رمضان والعيد بين أحكام الشرع وتقاليد العرف) وهو مطبوع منذ سنوات ويمكن مراجعته.

والصوم عبادة يلتزم بمقتضاها الانسان بترك المفطرات المحدّدة شرعاً قربة إلى الله تعالى ما بين الفجر الى المغرب طيلة شهر رمضان المبارك.

(مسألة 1322): المغرب يتحقق بغروب قرص الشمس تحت افق النظر مع عدم وجود موانع طبيعية، والأحوط الانتظار الى حين عبور حمرة ضوء الشمس من

ص: 367

جهة الشرق من فوق الرأس بنية الاطمئنان بدخول الوقت او لانتظار دخول الصلاة التي يستحب تقديمها على الافطار.

وفي ضوء ذلك فمن افطر بعد سقوط القرص مباشرة اما جهلاً أو لتقية او اشتباهاً قبل تحقق العلامة المذكورة فلا قضاء عليه.

وهذه جملة من الأحكام الإبتلائية والله الموفق للسداد وبه الاعتصام.

الفصل الأول: النية

(مسألة 1323): يشترط في صحة الصوم النية على وجه القربةكغيره من العبادات ويراد بالنية وجود القصد إلى الفعل حتى لو كان غافلاً عنه ولكن إذا سُئل عن عدم تناوله للطعام مثلاً فيقول: إني صائم. ولا يكفي مجرد الإمساك عن المفطرات سواء كان اختيارياً أو لعجزه عن التناول أو لوجود الصارف النفساني عنها كقلق نفسي أو خوف واضطراب. ما لم يقترن بالنية، نعم، خرج بالدليل كفاية صوم النائم الناوي قبل نومه، فلو نوى الصوم ليلاً ثم غلبه النوم قبل الفجر أو نام اختياراً حتى دخل الليل صح صومه. وكذلك لو نام عدة أيام بنية مسبقة.

(مسألة 1324): لا يلحق بالنوم السكر إذا سببَّ فوت محل النية على الأحوط وجوباً.

(مسألة 1325): لا يجب قصد الوجوب والندب ولا الأداء والقضاء، فيما إذا كان الصوم متعيناً شرعاً كصوم شهر رمضان فإنّه لا يصح فيه غيره أو النذر المعين كما لو التزم بصوم كل خميس. وعندئذٍ يكفي القصد إلى المأمور به عن أمره، أو نية القربة. وأمّا إذا كان الصوم مردداً أي يحتمل فيه أكثر من عنوان فلا بد من تعيينه لأجل ترتيب الآثار المطلوبة كالصوم المستحب مع القضاء في سعة الوقت فلو صام يوماً من رجب لفضله ونواه أيضاً قضاء شهر رمضان فيقع عنهما ولو لم ينو

ص: 368

الثاني وقع الأول فقط.

(مسألة 1326): يعتبر في القضاء عن غيره قصد امتثال الأمر المتوجه إليه بالنيابة عن الغير لا الأمر المتوجه إلى الآخر، على ما تقدم في النيابة في الصلاة لأنّه هو المتقرب بالعبادة ويترتب على فعله الصحيح براءة ذمة المنوب عنه، لذا على المؤدي أن يطبق تكليف نفسه عند الأمتثال لا تكليف المنوب عنه. كما أنّ فعله عن نفسه يتوقف على امتثال الأمر المتوجه إليه بالصوم عن نفسه. ويكفي في المقامين القصد الإجمالي.

(مسألة 1327): لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل فالمهم تحقق الاجتناب مقترناً بقصد القربة لله تعالى والأمتثال لإرادته، بل إذا قصد الصوم عن المفطرات إجمالاً كفى. بل لا دخل لعنوان المفطرات في صحة النية. فلو قصد الإتيان بالعبادة المشروعة في هذا الوقت كفى أيضاً.

(مسألة 1328): لا يقع في شهر رمضان صوم غيره وإن لم يكن مكلفاً بالصوم، كالمسافر، وحينئذ فإن نوى الصائم في شهر رمضان غيره بطل. إلا أن يكون جاهلاً به أو ناسياً له فيجزي عن رمضان لا عما نواه.

(مسألة 1329): يكفي في صحة صوم شهر رمضان القصد إليه ولو إجمالاً. فإذا نوى الصوم المشروع في غد، وكان من رمضان أجزأ منه. وكذا الحكم في سائر أنواع الصوم من النذر أو الكفارة أو القضاء. فما لم يقصد المعين لا يقع عنه كما تقدم، نعم، إذا قصد ما في ذمته إجمالاً ولم يعيّن وكان واحداً أجزأ عنه. ويكفي في صحة الصوم المندوب المطلقالخالي من عنوان خاص للاستحباب كالأول من رجب نية صوم غد قربة إلى الله تعالى إذا لم يكن عليه صوم واجب على الأحوط وجوباً في قضاء نفس السنة والأحوط استحباباً في قضاء ما قبلها. ولو كان الغد من الأيام البيض مثلاً، فإن أراد تحصيل ثوابها الخاص فليعيّنها وإلا صحّ مندوباً مطلقاً، وهذا التفاوت من مصاديق قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9) فهل يستوي من في حالة التفات إلى أيام الشهر وإنّ

ص: 369

هذه هي الأيام البيض وأنّه يستحب صومها مع من لا يعلم في أي يوم هو؟

(مسألة 1330): وقت النية(1) في الواجب المعين ولو بالعارض كالنذر يكون عند طلوع الفجر الصادق، بحيث يحدث الصوم حينئذٍ مقارناً للنية. وفي الواجب غير المعين يمتد وقتها إلى الزوال وإن تضيق وقته. فإذا أصبح ناوياً للإفطار وبدا له قبل الزوال أن يصوم واجباً فنوى الصوم أجزأه ما لم يتناول المفطر. وأمّا تجديد النية بعد الزوال فغير مجزٍ. وفي المندوب يمتد وقتها إلى أن يبقى من النهار ما يمكن فيه تجديد النية.

(مسألة 1331): يجتزأ في شهر رمضان كله بنية واحدة إذا حصلت بعد الهلال واستمر في أعماقه العزم على الاستمرار على الصوم، ولا يحتاج العزم إلى تجديد إلا إذا قطع النية لسفر أو مرض وغيرهما، والظاهر كفاية ذلك في غيره أيضاً مما يشترط فيه التتابع في الأصل كصوم الكفارة أو بالعارض كما لو نذر أن يصوم عدة أيام بالتتابع. وأما في غيرها فالأحوط تجديد النية في كل ليلة يراد الصيام في غدها، أو عند الفجر أو قبل الزوال.

(مسألة 1332): إذا لم ينوِ الصوم في شهر رمضان لنسيان الحكم (أي وجوب صوم رمضان) أو الموضوع (أي كونه في شهر رمضان) أو للجهل بهما ولم يستعمل مفطراً، فإنّه يجتزئ بتجديد نيته إذا تذكر أو علم قبل الزوال، والأحوط استحباباً القضاء أيضاً.

(مسألة 1333): إذا صام يوم الشك بنيّة شعبان ندباً أو قضاءً أو نذراً أو بنيّة (جامع المطلوبية) أو ما في الذمة أو بقصد الواقع أجزأ عن شهر رمضان إن ظهر أنّه منه، وإذا تبين له أنّه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد نية الوجوب. وإن صامه بنيّة رمضان جازماً مع عدم الدليل على كونه منه بطل، وإن صامه على أنّه إن كان

ص: 370


1- هذا الوقت لا يراد به الحد الزمني للحظة البداية وإنّما يراد منه صدور الفعل مقترناً بالقصد عند ذلك الزمان ويمكن أن يكون القصد سابقاً على هذا الزمان وبقي عاقداً العزم عليه كمن ينوي الصوم وينام من أول الليل.

من شعبان كان ندباً وإن كان من رمضان كان وجوباً فالظاهر البطلان((1).(مسألة 1334): إذا أصبح في يوم الشك ناوياً للإفطار، فتبين أنّه من رمضان قبل تناول المفطر. فإن كان قبل الزوال جدد النية واجتزأ به وإن كان الأحوط ضم القضاء إليه. وإن كان بعده أمسك نهاره وعليه قضاؤه وليترفع المسلم عن الوصول إلى هذا المستوى من الحوم حول الشبهة فيصبح غير ناوٍ للصوم في يوم الشك.

(مسألة 1335): يجوز تناول المفطر في يوم الشك ما لم يثبت دخول شهر رمضان. هذا بحسب مقتضى الأدلة، وإلا فإنّ فيه جرأة كبيرة وتدنياً في مستوى التربية الإيمانية، إلا أن يكون محرزاً أنّه ليس من رمضان لحسابات فلكية ونحوها، ويجب الصوم يوم الثلاثين ما لم يثبت العيد.

(مسألة 1336): تجب استدامة النية إلى آخر النهار. فإذا نوى القطع فعلاً أو تردد عن قناعة لا عن وسواس، بطل صومه. وكذا إذا نوى القطع فيما يأتي أو تردد فيه أو نوى تناول المفطر مع العلم بمفطريته. وإذا تردد للشك في صحة صومه فالظاهر الصحة. هذا في الواجب المعين، وكذا في شهر رمضان. وإن كان الأحوط استحباباً ضم القضاء إليه، أمّا الواجب غير المعين فلا يقدح شيء من ذلك فيه إذا رجع إلى نيته قبل الزوال.

(مسألة 1337): يصح العدول في النية من صوم إلى صوم في بعض الموارد إذا لم يفت وقت نية الصوم المعدول إليه فمن أمثلة الصحة: أن ينوي تناول المفطر في الواجب المعين قبل الزوال فيبطل صومه-كما سبق-فيجدد نية صوم غير معين. وكذلك لو نوى المفطر في غير المعين بعد الزوال، فيبطل صومه، جاز أن ينوي الصوم المستحب. أو نوى القضاء واحتلم ولم يغتسل حتى الفجر فلا يصح منه ولكن يمكن أن يعدل بالنية إلى المستحب ويصح منه.

ص: 371


1- ([2]) ولكنه لو عكس النية فنوى الصوم وجوباً إن كان من رمضان واستحباباً إن كان من شعبان صحّ لوجود الجامع للعنوانين وعادت النية إلى ما ذكرناه من جامع المطلوبية.

الفصل الثاني: المفطرات

اشارة

وهي أمور:

الأول والثاني: الأكل والشرب مطلقاً، ولو كانا قليلين أو غير معتادين كالتراب والورق. بل كل ما يدخل المعدة ولو عن غير الطريق المعتاد كما لو وُضِعت له أنبوبة إلى معدته لإدخال الطعام إليها.

الثالث: الجماع قبلاً ودبراً فاعلاً ومفعولاً به حياً وميتاً حتى البهيمة على الأحوط وجوباً. ولو قصد الجماع وشك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة بطل صومه للإخلال بالنية بقصده المفطّر، ولكن لم تجب عليه الكفارة. ولا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ- مثلاً- فدخل غفلة في أحد الفرجين.(مسألة 1338): ما قلناه الآن عن الجماع أنّه مبطل للصوم أنزل أم لم يُنزل. وكذلك إن تعمَّد الإنزال أو تعمد سببه التام -كالخضخضة ونحوها-. أو المعتاد بطل حتى بدون جماع. فإن تعمد السبب ولم ينزل بطل صومه، ولم تجب عليه الكفارة.

(مسألة 1339): لا يختلف إبطال الصوم بالجماع أو تعمد الإنزال أو تعمُّد سببه بين أن يكون حلالاً أو حراماً بالأصل.

الرابع: الكذب على الله تعالى أو على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو على الأئمة (عليهم السلام)، ولو على أحدهم فضلاً عن الأكثر. بل الأحوط إلحاق الأنبياء (عليهم السلام) بهم. وأمّا إلحاق أوصيائهم وغيرهم من خيار الخلق ولو من غير البشر كالملائكة، فهو مبني على الاحتياط الاستحبابي. وذلك مبطل من غير فرق بين أن يكون في أمر ديني أو دنيوي وسواء كان كفراً أو لم يكن. وإذا قصد الصدق فكان كذباً فلا بأس. وإذا قصد الكذب فكان صدقاً كان من قصد المفطر مع العلم بالحكم. وقد تقدم البطلان به.

(مسألة 1340): شهر رمضان ربيع القرآن فلا ينبغي للمؤمنين التقصير في

ص: 372

تلاوته، وليس من الكذب على الله وعلى رسوله إن كانت قراءته غير مطابقة للقواعد الدقيقة ما دام هذا المقدار هو غاية ما يحسنه ومع عدم تعمد نسبة الخطأ إلى الله تبارك وتعالى، وإن قراءته للقرآن لأجل استحبابها المؤكد.

(مسألة 1341): إذا تكلم بالكذب غير موجهٍ خطابه إلى أحد، ولم يكن هناك من يسمعه. أو كان موجّهاً إلى من لا يفهم كالحيوان أو الميت، ففي بطلان صومه إشكال. والأظهر الصحة إذا أحرز عدم سماع من يفهم فإن أحرز وجوده أو شك فيه فالأحوط القضاء.

الخامس: رمس تمام الرأس في الماء، ولو بدون العنق. من دون فرق بين الدفعة والتدريج. ولا يقدح رمس أجزائه على التعاقب وإن استغرقه، وكذا إذا ارتمس وقد لبس ما يمنع وصول الماء إلى البدن كما يصنع الغوّاصون. نعم إذا وضع رأسه داخل حاوية أو كرة زجاجية كبيرة محكمة بحيث لا يصدق عليه رمس الرأس في الماء فلا يكون الفعل مبطلاً، إلا أنه يحتاط استحباباً بالقضاء.

(مسألة 1342): في إلحاق الماء المضاف بالمطلق إشكال، لا يترك معه مقتضى الاحتياط بالاجتناب.

(مسألة 1343): إذا ارتمس الصائم عمداً ناوياً الاغتسال، فإن كان ناسياً لصومه صح صومه وغسله. وأما إذا كان ذاكراً له وعارفاً بالحرمة فإن كان في شهر رمضان بطل صومه وغسله. وكذا الواجب المعيّن غير شهر رمضان. وأمّا في غير ذلك من أنواع الصوم الواجب أو المستحب، فلا ينبغي الإشكال في صحة غسله وإن بطل صومه.والقاعدة فيه أن صومه إن كان منهيّاً عن إبطاله فارتمس عامداً ملتفتاً بطل غسله وصومه وإن لم يكن صومه منهيّاً عن إبطاله، لم يبطل غسله، وبطل صومه إن كان ذاكراً، وصح صومه إن كان ناسياً وغير ملتفت.

السادس: إيصال الغبار الغليظ إلى جوفه عمداً. بل الأحوط إلحاق غير الغليظ به إذا كان معتداً به. لا يفرق فيه بين التراب وغيره مما له أجزاء صلبة كغبار الطحين

ص: 373

ونشارة الخشب، ولا فرق بين ما يعسر التحرز عنه وغيره ما دام غليظاً إلا إذا خرج عن الاختيار. ولا بأس به مع النسيان أو الغفلة أو القهر أو تخيّل عدم الوصول، إلا إذا أصبح في فمه كالطين فابتلعه متعمداً.

(مسألة 1344): الأحوط استحباباً إلحاق الدخان والبخار به إذا لم يكن كثيفاً، أما إذا كان كذلك كما قد يحصل للمدخنين فهذا الاحتياط وجوبي.

السابع: تعمُّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر من شهر رمضان وقضائه. وكذا الحكم على الاحوط وجوباً في غيرهما من انواع الصوم الواجب. أمّا الصوم المندوب فلا يقدح فيه ذلك.

(مسألة 1345): الأقوى عدم البطلان بالإصباح (أي طلوع الفجر عليه) جنباً لا عن عمد كالنوم والإكراه في صوم رمضان وغيره من الصوم الواجب المعين، أما في قضاء رمضان، فالمشهور بطلانه به، فله ان يفطر وله العدول إلى نية الصوم المستحب وقضاؤه في غيره.

(مسألة 1346): لا يبطل الصوم واجباً كان أو مندوباً معيناً أو غيره، بالاحتلام في أثناء النهار، كما لا يبطل بالبقاء على حدث مس الميت عمداً حتى يطلع الفجر ولا بالمس خلال النهار ولو عمداً.

(مسألة 1347): إذا أجنب عمداً ليلاً، في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم ملتفتاً إلى ذلك، فهو من تعمُّد البقاء على الجنابة، نعم، إذا تمكن من التيمم وجب عليه التيمم والصوم، وصح صومه. وإن ترك التيمم عمداً وجب عليه القضاء والكفارة.

(مسألة 1348): الأحوط كون حدث الحيض والنفاس كالجنابة، في أنّ تعمُّد البقاء عليهما مبطل للصوم، وإذا حصل النقاء في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم، أو لم تعلم بنقائها حتى طلع الفجر صح صومها، مع تجديد النية.

(مسألة 1349): إذا نسي غسل الجنابة ليلاً حتى مضى يوم أو أيام من شهر رمضان قضى تلك الأيام وليس عليه كفارة، وكذلك الحال في الصوم الواجب معيناً أو غير معيّن. والأقوى عدم إلحاق غسل الحيض والنفاس إذا نسيته المرأة بالجنابة.

ص: 374

(مسألة 1350): إذا كان المجنب لا يتمكن من الغسل لمرض ونحوه وجب عليه التيمم قبل الفجر. فإن تركه بطل صومه، وإن تيمم لم يجب أنيبقى مستيقظاً حتى الفجر، وإن كان أحوط.

(مسألة 1351): إذا ظنّ سعة الوقت للغسل فأجنب، فبان الخلاف فلا شيء عليه مع المراعاة. أمّا بدونها فالأحوط القضاء.

(مسألة 1352): المستحاضة الكثيرة يشترط في صحة صومها الغسل لصلاة الصبح، وكذا للظهرين، بل للّيلة الماضية أيضاً على الأحوط وجوباً ويلحق بها غسل الليلة الآتية أيضاً على الأحوط استحباباً. فإذا تركت أحدها بطل صومها، ولا يجب تقديم غسل الصبح على الفجر، بل لا يجزي لصلاة الصبح إلا مع وصلها به بحيث لم ينزل دم أو لم ينافِ الموالاة العرفية، وإذا اغتسلت لصلاة الليل لم تجتزئ به للصبح ولو مع عدم الفصل المشار إليه.

(مسألة 1353): إذا أجنب في شهر رمضان ليلاً ونام حتى أصبح، فإن نام ناوياً لترك الغسل أو متردداً فيه أو مهملاً له، لحِقَه حكْم تعمّد البقاء على الجنابة. وإن نام ناوياً للغسل أو غافلاً عنه. فإن كان في النومة الأولى صح صومه. وإن كان في النومة الثانية، بأن نام بعد العلم بالجنابة ثم أفاق وتذكر جنابته ثم نام ثانياً غير عازم على تركه حتى أصبح وجب عليه القضاء دون الكفارة على الأقوى. وكذا إذا كان بعد النومة الثانية، وإن كان الأحوط استحباباً وجوب الكفارة أيضاً. بل الأحوط ذلك في النومة الثانية، بل كذا في الأولى إذا لم يكن معتاد الانتباه ونام مع الالتفات إلى ذلك، بل بدونه أيضاً.

والقاعدة فيه أنّه ليست العبرة في كون النومة أولى أو ثانية أو غيرها وإنّما في أن يكون عاقداً العزم على الاغتسال قبل الفجر ومراعياً له وكان من شأنه الطبيعي الاستيقاظ قبل وقت يكفيه للغسل مع توفر الظروف الموضوعية للغسل في ذلك الوقت. وإن لم يكن صادقاً في ذلك ولا واثقاً منه ونام حتى طلع عليه الفجر فهو مفطر متعمد وعليه القضاء والكفارة والإمساك ذلك النهار.

ص: 375

(مسألة 1354): يجوز النوم الأول والثاني مع احتمال الاستيقاظ وكونه معتاد الانتباه. والأحوط استحباباً تركه إذا لم يكن معتاد الانتباه. وأما النوم الثالث فالأولى تركه مطلقاً وخاصة مع إحراز ضيق الوقت.

(مسألة 1355): إذا احتلم في نهار شهر رمضان لا تجب المبادرة إلى الغسل منه، ويجوز له الاستبراء بالبول وإن علم ببقاء شيء من المني في المجرى. لا يفرق فيه بين ما إذا كان بوله قبل الغسل أو بعده بحيث وجبت عليه إعادته. وإن كان الأحوط خلافه في الحالة الثانية أي فيما لو اغتسل قبل التبول بحيث لو تبوَّل وخرج شيء من المني فعليه إعادة الغسل ما لم يتحقق الضرر بهذا الاحتياط الذي هو استحبابي أصلاً.

(مسألة 1356): لا يعدّ النوم الذي احتلم فيه ليلاً من النوم الأول. بل إذا أفاق ثم نام كان نومه بعد الإفاقة هو النوم الأول.(مسألة 1357): الظاهر إلحاق النوم الرابع والخامس بالثالث. وهذا الترقيم إنّما هو للنوم الطبيعي لا الذي يستيقظ وينام لحظة بعد أخرى.

الثامن: إنزال المني نهاراً بفعل يؤدي إلى نزوله أو كان سبباً معتاداً له مع احتمال ذلك احتمالاً معتداً به، بل مطلقاً على الأحوط، وأمّا إذا كان واثقاً بالعدم فنزل المني اتفاقاً، أو سبقه المني بلا فعل شيء لم يبطل صومه.

التاسع: الاحتقان بالمائع، ولا بأس بالجامد كوضع ما يعرف بالحمّالات لتخفيف الحمى أو الآلام، كما لا بأس بما يصل إلى الجوف من غير طريق تناول الطعام طبيعياً كان أم غيره مما لا يسمّى أكلاً ولا شرباً. كما إذا صب دواء في جرحه أو في أذنه أو في أحليله أو عينه فوصل إلى جوفه. ونحو ذلك، نعم، إذا فُرض إحداث منفذ لوصول الغذاء إلى الجوف من غير طريق الحلق، بإجراء بعض العمليات الجراحية، فلا يبعد صدق الأكل والشرب حينئذٍ فيفطر به. كما لا يبعد ذلك أيضاً إذا كان بنحو الاستنشاق عن طريق الأنف، وذهب إلى الجوف.

(مسألة 1358): إدخال الطعام أو الدواء بالإبرة إلى المعدة مفطر. وأمّا إدخاله

ص: 376

بالإبرة في اليد أو الفخذ أو نحوهما فإن كان من قسم (المُغَذّي) فالأحوط استحباباً كونه مفطراً. وإن كان دواءً فلا بأس به. وكذا تقطير الدواء في العين والأذن.

(مسألة 1359): قنينة (البخاخ) تحتوي على سائل موسِّع للقصبات يُضغط فيتطاير، فتناوُله مفطر إذا دخل المريء ثم إلى المعدة، إمّا إذا اطمأن بعدم حصول ذلك وتحرز من دخول جزيئاته الى المريء او اختلاطه مع اللعاب ونزوله معه وإنّما استنشقه إلى القصبة الهوائية فقط - كما هو المفروض في طريقة العلاج- فلا بأس به، أما كمّام (الأوكسجين) الذي يساعد على التنفس فلا إشكال فيه قطعاً.

(مسألة 1360): الظاهر جواز ابتلاع ما يخرج من الصدر من الأخلاط إذا لم يصل فضاء الفم. وكذا ما ينزل من الرأس، وأمّا إذا وصل إليه فلا يجوز تعمد ابتلاعه.

(مسألة 1361): لا بأس بابتلاع البصاق المجتمع في الفم وإن كان كثيراً، ولو كان اجتماعه باختياره كتذكر الحامض مثلاً. بل حتى لو كان ملامساً لما علق بالأسنان من الأطعمة إذا لم تنزل معه.

العاشر: تعمّد القيء وإن كان لضرورة من علاج مرض ونحوه، ولا بأس بما كان بلا اختيار.

(مسألة 1362): إذا خرج مع التجشؤ شيء ثم نزل من غير اختيار لم يكن مبطلاً. وإذا وصل إلى فضاء الفم فابتلعه اختياراً بطل صومه وعليه الكفارة على الأحوط.

(مسألة 1363): اذا ابتلع في الليل ما يتعيّن قيؤه في النهار بطل صومه مع الالتفات إلى النتيجة وإن لم يقئه، وإلا فلا يبطل صومه علىالأظهر من غير فرق في ذلك بين الواجب المعيّن وغير المعيّن. كما انه لا فرق بين ما إذا انحصر إخراج ما ابتلعه بالقيء وعدم الانحصار به.

(مسألة 1364): ليس من المفطرات مصّ الخاتم ومضغ الطعام للصبي وذوق المرق ونحوها مما لا يتعدى إلى الحلق أو تعدى من غير قصد أو نسياناً للصوم. أمّا

ص: 377

ما يتعدى عمداً فمبطل وإن قل.

تناول المفطرات عمداً يفسد الصوم

(مسألة 1365): المفطرات المذكورة إنّما تفسد الصوم إذا وقعت على وجه العمد المتضمن لقصد الفعل فلو لم يتعمد الفعل كما لو زلّت قدمه على حافة الماء فارتمس لا يبطل صومه، ولا يفرق الحكم بين انواع الصوم كالواجب او المندوب والمعين وغيره، كما لا فرق في البطلان مع العمد بين العالم والجاهل، كما لو اعتقد ان تناول الدواء لا يفطر الصائم. والظاهر عدم الفرق في الجاهل بين القاصر والمقصر، بل الظاهر فساد الصوم بارتكاب المفطر حتى مع الاعتقاد بأنّه حلال وليس بمفطر، إلا أنّه يجب عليه القضاء على الأحوط دون الكفارة.

(مسألة 1366): إذا وقعت هذه المفطرات منه على غير وجه العمد، كما إذا أخبر عن الله ما يعتقد صحته فتبيّن كذبه لم يبطل صومه، وكذلك لا يبطل الصوم إذا كان ناسياً للصوم فاستعمل المفطر أو أدخل في جوفه شيء بدون اختياره، كما لو قُيّدت يداه وفُتِح فمُه قهراً وألقي فيه قطرات الماء مما يكون فيه مسلوب القدرة والاختيار وهو غير الإكراه المذكور في المسألة الآتية الذي يجب فيه القضاء.

(مسألة 1367): من تمضمض مقدمة للوضوء لصلاة الفريضة التزاماً بالسنة الشريفة فسبق الماء إلى الجوف بلا قصد فلا شيء عليه.

(مسألة 1368): إذا أفطر مكرَهاً (1) بطل صومه وعليه القضاء إذا كان المفطر هو الأكل أو الشرب أو الجماع دون غيرها، وكذا إذا كان تناوله لتقية. سواء كانت التقية في ترك الصوم، كما إذا أفطر في عيدهم تقية، أم كانت في أداء الصوم، كالإفطار قبل الغروب.

أمّا في غير الثلاثة فالأحوط الإتمام والقضاء إن كان اليوم مما يجب صومه.

ص: 378


1- الإكراه هنا بمعنى تعرضه للخطر إن لم يفطر كما لو هدد بالقتل أو انتهاك العرض فيجوز له أن يفطر ويقضي دفعاً للضرر ويمسك بقية الوقت إن زال عنه الإكراه.

(مسألة 1369): إذا غلب على الصائم العطش وخاف الضرر من الصبر عليه أو كان حرجاً جاز له أن يشرب بمقدار الضرورة، ويجب عليه الإمساك بقية النهار ولينوِ به الصوم رجاء المطلوبية ويقضيه بعد ذلك.

وأمّا في غير صوم شهر رمضان من الواجب الموسع أو المعين فلايجب الإمساك.

آداب الصوم

(مسألة 1370): يكره للصائم ملامسة النساء وتقبيلهن وملاعبتهن إذا لم يكن بقصد الإنزال ولا كان من عادته، وإن قصد الإنزال كان من قصد المفطر سواء كان من عادته ذلك أو لم يكن. ويكره له الاكتحال بما يصل طعمه ورائحته إلى الحلق كالصبر والمسك. وكذا دخول الحمام إذا خشي الضعف، وإخراج الدم المضعف، والسعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق، وإلا ففيه إشكال، وشم كل نبات طيّب الريح وبلّ الثوب على الجسد، وجلوس المرأة في الماء والحقنة بالجامد، وقلع الضرس بل مطلق إدماء الفم، والسواك بالعود الرطب، والمضمضة عبثاً، وإنشاد الشعر إلا في مراثي الأئمة (عليهم السلام) ومدائحهم.

(مسألة 1371): في بعض الأخبار: إذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب وغضّوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تماروا ولا تكذبوا ولا تباشروا ولا تخالفوا ولا تغاضبوا ولا تسابّوا ولا تشاتموا ولا تنابزوا ولا تجادلوا ولا تبادّوا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تزاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة والزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق ومجانبة أهل الشر. واجتنبوا قول الزور والكذب والمراء والخصومة وظن السوء والغيبة والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيامكم، منتظرين لما وعدكم الله، متزودين للقاء الله. وعليكم السكينة والوقار والخشوع والخضوع وذل العبد الخائف من مولاه، راجين خائفين راغبين راهبين قد طهّرتم القلوب من العيوب وتقدست سرائركم من الخبّ.

ص: 379

ونظفتَ الجسم من القاذورات وتبرأت إلى الله من عَداه. وواليت الله في صومك بالصمت من جميع الجهات مما قد نهاك الله عنه في السر والعلانية وخشيت الله حق خشيته في السر والعلانية، ووهبت نفسك لله في أيام صومك وفرغت قلبك له ونصبت نفسك له فيما أمرك ودعاك إليه، فإذا فعلت ذلك كله فأنت صائم لله بحقيقة صومه صانع لما أمرك، وكلما نقصت منها شيئاً مما بينت لك فقد نقص من صومك بمقدار ذلك، الحديث.

أقول: إن هذه الصفات مطلوبة في كل الأحوال سواء في الصوم أو غيره، كما لا يختلف الصوم بين كونه واجباً أو مستحباً وسواء كان أداءً أم كفارة أم غير ذلك.

(مسألة 1372): إذا طلب الأخ في الإيمان من الصائم صوماً مستحباً تناوُل المفطر استحب له ذلك. سواء كان الآخر عالماً بصومه أم جاهلاً، بل الظاهر شمول الحكم لكل صوم يجوز نقضه وإن كان واجباً، كما في الإفطار قبل الزوال للنذر غير المعين وغيره، غير أن هذا لا يعني أن طلب الإفطار من الصائم راجح بل هو مرجوح بلا إشكال.(مسألة 1373): يستحب تقديم صلاتي المغرب والعشاء على الإفطار ليلاً إلا لمن دعي إلى الإفطار من قوم آخرين أو نازعته نفسه إليه بحيث لا يستطيع أداء الصلاة بحدودها الصحيحة. وفي الخبر ما مضمونه: أنّه من صلّى قبل الإفطار كانت له صلاة صائم.

الفصل الثالث: كفارة الصوم

اشارة

تجب الكفارة بتعمد أي شيء من المفطرات، إذا كان الصوم مما تجب فيه الكفارة كشهر رمضان وقضائه بعد الزوال والصوم المنذور المعين. والظاهر اختصاص وجوب الكفارة بمن كان عالماً بكون ما يرتكبه مفطراً. وأمّا إذا كان

ص: 380

جاهلاً به أو كان يرى أنّه غير مفطر، فلا تجب الكفارة، حتى إذا كان مقصراً ولم يكن معذوراً في جهله، نعم، إذا كان ملتفتاً متردداً فالأحوط له ثبوت الكفارة. وكذلك إذا كان عالماً بحرمة ما يرتكبه كالكذب على الله سبحانه، وإن كان جاهلاً بمفطريته، إلا أنّ الأقوى أنّ هذا مبني على الاحتياط الاستحبابي.

(مسألة 1374): تجب الكفارة على من أفطر متعمداً حتى لو لم يكن يعلم أن فعله هذا يوجب الكفارة لكنه كان ينطبق عليه تعريف التعمد السابق.

(مسألة 1375): كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيّرة بين عتق رقبة وصوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مُد، وهو يقلّ عن ثلاثة أرباع الكيلو من الطعام كالطحين والتمر فإذا أعطى هذا المقدار كان مجزياً، وكفارة إفطار قضاء شهر رمضان بعد الزوال إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام. وكفارة إفطار الصوم المنذور المعين كفارة يمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل واحد مد أو كسوة عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، ويمكن أن يكون بدل المُد وجبة طعام مشبعة.

(مسألة 1376): تتكرر الكفارة بتكرر الموجِب في يومين لا في يوم واحد إلا في الجماع والاستمناء على الأحوط استحباباً فإنّها تتكرر بتكررهما، ومن عجز عن الخصال الثلاث فالأحوط أن يستغفر وجوباً بالندموعقد العزم على عدم العود وأن يتصدق بما يطيق. ويلزمه التكفير عند التمكن على الأحوط إلا أنّ في كونه احتياطاً وجوبياً إشكال.

(مسألة 1377): يجب في الإفطار على الحرام، كالخمر ولحم الخنزير والزنا والاستمناء المحرم، كفارة الجمع بين الخصال المتقدمة على الأحوط.

(مسألة 1378): إذا أكرَه زوجته على الجماع في صوم شهر رمضان فالأحوط أنّ عليه كفارتين وتعزيرين، خمسين سوطاً، فيتحمل عنها الكفارة والتعزير، ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة. ولا يجري الحكم على الزوجة إذا أكرهت زوجها.

ص: 381

(مسألة 1379): إذا علم أنّه أتى بما يوجب فساد الصوم، وتردد بين ما يوجب القضاء فقط أو ما يوجب الكفارة معه لم تجب عليه الكفارة. وإذا علم أنّه أفطر أياماً ولم يدرِ عددها اقتصر في القضاء والكفارة على العدد المعلوم وهو أقل الرقمين لأنّه المتيقن. وإذا شك أنّه أفطر بالمحلل أو المحرم كفاه أحد الخصال. وإذا شك في أنّ اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه وقد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفارة. وإن كان أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكيناً.

(مسألة 1380): إذا أفطر عمداً ثم سافر قبل الزوال سواء كان عازماً على السفر حين الإفطار أم لم يكن، وجبت الكفارة.

(مسألة 1381): إذا كان الزوج مفطراً لعذر فأكره زوجته الصائمة على الجماع لم يتحمل عنها الكفارة وإن كان آثماً بذلك، ولا تجب الكفارة عليها ولكن يجب القضاء.

(مسألة 1382): قد تكون الزوجة مكرهة في الابتداء ثم يحصل منها الرضا لغلبة الشهوة أو لأي سبب، فإن كان قبل الإيلاج اعتبرت راضية غير مكرهة. وإن كان بعده فهي بحكم المكرهة.

(مسألة 1383): إذا تنازل الزوج عن إكراهه قبل الإيلاج بقيت على صومها. وأي منهما كان صائماً وقصد ذلك اختياراً فهو من قصد المفطر، وقد سبق حكمه.

(مسألة 1384): يجوز التبرع بالكفارة عن الميت صوماً كانت أو غيره. وفي جوازه عن الحي إشكال، والأقوى الجواز إذا كان امتثال الكفارة بغير الصوم ويشترط أن يكون التبرع بإذن من اشتغلت ذمته بالكفارة.

(مسألة 1385): وجوب الكفارة موسع، وإن كان الأحوط المبادرة مع الإمكان، ولكن لا يجوز التأخير إلى حد يعد تسامحاً في أداء الواجب.

(مسألة 1386): مصرف كفارة الإطعام الفقراء أمّا بإحضارهم وإشباعهم وأمّا بالتسليم إليهم ما يكفي لذلك أو قيمته مع الاشتراط عليهم بصرفها في ذلك، نعم، لا يجب على المستحق تناول الطعام فيمكنه بيعها والتصرف بثمنها وصرفه في مطلق

ص: 382

الحاجة الشخصية.(مسألة 1387): يجوز إعطاء الكفارة والفدية من الهاشمي وغيره إلى الهاشمي وغيره.

(مسألة 1388): لا يجزي في الكفارة مع الإمكان إشباع شخص واحد مرتين أو أكثر أو إعطاؤه مدِّين أو أكثر، بل لا بد من ستين نفساً إلا مع تعذّر العدد فيجوز التكرار.

(مسألة 1389): اذا كان للفقير عيال فقراء جاز إعطاؤهم بعددهم إذا كان ولياً عليهم أو وكيلاً عنهم في القبض. فإذا قبض شيئاً من ذلك كان ملكاً لهم ولا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم إذا كانوا كباراً، وإن كانوا صغاراً صرفه في إطعامهم. وإذا لم يكن الفقير ولياً ولا وكيلاً، وكان ثقة جاز أن يكون وكيلاً عن الدافع في صرف المال على الآخرين وهذا لا يختص به رب العائلة. بل ولا الفقير إذا صرفه على الفقراء.

(مسألة 1390): الفقير الشرعي هو من لا يجد (1) قوت سنته لا قوة ولا فعلاً له ولمن يعوله سواء كانوا واجبي النفقة أم لا، بحيث لا يناسبه طردهم أو إيكالهم إلى الغير.

(مسألة 1391): كل من يعوله الفقير الشرعي فهو فقير شرعي عادة، كما أنّ كل من يعوله الغني الشرعي فهو غني شرعي عادة. ونعني بالعادة ما إذا كانوا يعيشون حالة عائلية متقاربة نسبياً، لا يختلف في ذلك الزوجة عن الذرية عن غيرهم

ص: 383


1- المعروف بين الفقهاء تعريف الفقير بمن لا يملك قوت سنته والصحيح أن الفقير من لا يجد قوت سنته لا قوة ولا فعلاً وهو معنى أوسع من التعريف بعدم الملك فقد يجد الإنسان قوته وهو لا يملكه أمّا على نحو الإباحة كالابن في رعاية أبيه وأمّا على نحو المصرف أي أنّه من موارد صرف مصدر مالي كالسيد العلوي الذي تجتمع عنده الحقوق الشرعية ويأخذ منها ما يحتاج فهو ليس فقيراً لأنّه واجد لما يسد حاجته وإن كان لا يملك قوت سنته والقرآن الكريم استعمل هذه المفردة (أي الوجدان وعدمه). وهذه التفاتة مهمة تصحّح الكثير من التصرفات بالحقوق الشرعية وفي تحقيق الاستطاعة كشرط لوجوب الحج.

كالوالدين، نعم، إذا اختص أحدهم بواردٍ خاص أمكن أن يكون غنياً بين فقراء أو إذا اختص بحاجات إضافية كالتداوي أمكن أن يكون فقيراً بين أغنياء.

(مسألة 1392): تبرأ ذمة المكفر بمجرد ملك المسكين، ولا تتوقف البراءة على أكله للطعام، فيجوز له بيعه عليه وعلى غيره.

(مسألة 1393): في التكفير بنحو التمليك يعطى الصغير والكبير سواء كل واحد مُد. أو بمقدار الإشباع لمتوسط الناس.

موارد وجوب القضاء دون الكفارة

(مسألة 1394): يجب القضاء دون الكفارة في موارد (1):الأول: نوم الجنب حتى يصبح (2)

على تفصيل سابق.

الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية من دون استعمال المفطر.

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه يوم أو أيام.

الرابع: إذا استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاة ولا حجة على طلوعه. أما إذا قامت حجة على طلوعه وجب القضاء والكفارة، ما لم يثبت الخلاف بعد ذلك. وإذا كان مع المراعاة واعتقاد بقاء الليل فلا قضاء ولا كفارة. سواء أخبر مخبر ببقاء الليل أم أخبر بطلوع الفجر واعتقد سخريته، هذا إذا كان صوم رمضان وفي إلحاق الواجب المعين به إشكال، والأحوط الإتمام والقضاء، وفي غيره من

ص: 384


1- هذه الموارد ليست حصرية وإن ظهر من العبارة ذلك فتوجد موارد أخرى مبثوثة في طيات المسائل: منها: ما لو أفطر مكرهاً أو تقية. ومنها: ما لو كانت حالته الصحيّة لا تنافي الصوم إلا أنّه محتاج لاستعمال الدواء خلال النهار فيستعمله بمقدار الحاجة ويصوم بنية رجاء المطلوبية ويقضي. ومنها: ما لو أفطر لعذر كالسفر والحيض والمرض والعسر والحرج. ومنها: ما لو صام معتقداً عدم الضرر فبان كونه مضراً.
2- وهو فيما لو نام ثانياً عاقداً العزم على الغسل وكان واثقاً من استيقاضه في وقت يسع الغسل مع توفر الظروف الموضوعية له ولكن صادف أنّ النوم استمر به حتى طلع الفجر.

أنواع الصوم الواجب والمندوب البطلان، إلا إذا كان مورداً لاستصحاب بقاء الليل.

الخامس: الإفطار قبل دخول الليل، لظلمة ظن منها دخوله ولم يكن في السماء غيم. والأحوط وجوب الكفارة ما لم يكن واثقاً بدخول الليل أو متيقناً به. نعم إذا كان غيم فلا قضاء ولا كفارة، بل يستمر على صومه، وكذلك أية علّة أخرى في السماء على الأقوى.

(مسألة 1395): إذا شك في دخول الليل لم يجز له الإفطار، وإذا افطر أثِم وكان عليه القضاء والكفارة، إلا إذا تبين أنّه كان بعد دخول الليل، وكذا الحكم إذا قامت حجة على عدم دخوله فأفطر (1)

وتبين دخوله. أمّا إذا قامت الحجة على دخوله أو قطع بدخوله فأفطر، فلا إثم ولا كفارة، ولكن يجب عليه القضاء إذا تبين عدم الدخول. وإذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر ظاهراً، وإذا تبين الخطأ بعد استعمال المفطر فقد تقدم حكمه، في المورد الرابع من هذه الموارد السبعة.

السادس: إدخال الماء بمضمضة وغيرها إلى الفم لاستحباب شرعي أو غيره فيسبق ويدخل إلى الجوف فإنّه يوجب القضاء دون الكفارة، وإن نسي فابتلعه فلا قضاء ولا كفارة. وكذا لا قضاء ولا كفارة إذا كانت المضمضة لوضوء الفريضة، أما وضوء النافلة أو لمطلق الكون على طهارة فإنّ سبق الماء يوجب القضاء.

(مسألة 1396): الظاهر عموم الحكم المذكور لشهر رمضان وغيره من أنواع الصوم.

السابع: سبق المني بالملاعبة ونحوها إذا لم يكن قاصداً ولا منعادته، ولم يكن احتمال المني معتداً به فإنّ الأحوط وجوباً القضاء ولا كفارة فيه ، اما اذا كان احتمال النزول معتداً به فيعتبر مفطراً متعمداً وعليه الكفارة. وأما إذا كان واثقاً من نفسه بعدم الخروج ولم يفعل ما يقتضيه فسبقه المني اتفاقاً، فالظاهر عدم وجوب القضاء أيضاً، لانه كالاحتلام اثناء نهار الصوم من غير اختيار منه، لكن الاحوط

ص: 385


1- أي عليه القضاء والكفارة إلا أن يعلم أنّ زمن إفطاره كان بعد دخول الليل.

لقضاء لانه مارس فعلاً مكروهاً.

الفصل الرابع: شرائط صحة الصوم

وهي أمور:

الأول: الإسلام، فلا يصح الصوم من غير المسلم وإن وجب عليه بناءً على ما هو الصحيح من تكليف الكفار بالفروع. أمّا الإيمان الذي هو أخصّ من الإسلام فإنّه شرط لقبول العمل وليس من شروط الصحة التي تعني براءة الذمة وسقوط التكليف.

الثاني: العقل، فلا يصح من المجنون الذي لا يعقل أوقات الصلاة.

الثالث: الخلو من الحيض والنفاس طول اليوم، فلو كانت محدثة بأحدهما خلال اليوم ولو لحظة لم يجب ولم يصح.

(مسألة 1397): إذا أسلم أثناء النهار وجب عليه الإمساك بقية النهار ويقضيه فيما بعد، نعم، إذا استبصر المخالف أثناء النهار ولو بعد الزوال، أتم صومه وأجزأه.

(مسألة 1398): إذا عقل أثناء النهار لم يجب عليه الإمساك بقية النهار، وكذا إذا طهرت الحائض والنفساء، وإذا حدث الكفر أو الجنون أو الحيض أو النفاس قبل الغروب بطل الصوم.

الرابع: عدم الإصباح - أي طلوع الصبح عليه وهو الفجر- جنباً عالماً عامداً. وفي إلحاق حدث الحيض والنفاس به وجه سبق الحديث عنه.

الخامس: أن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة، مع العلم بالحكم في الصوم الواجب. إلا في مواضع:

أحدها: الثلاثة أيام، التي هي بعض العشرة التي تكون بدل هدي التمتع لمن عجز عنه.

ص: 386

ثانيها: صوم الثمانية عشر يوماً، التي هي بدل البدنة، كفارة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب.

ثالثها: صوم ثلاثة ايام لقضاء الحاجة في المدينة المنوّرة.

(مسألة 1399): المنصوص كون صوم ثلاثة أيام في المدينة لطلبالحاجة في يوم الأربعاء والخميس والجمعة.

(مسألة 1400) المشهور صحة نذر الصوم مقيداً بالسفر بان ينوي صوم يوم معين في السفر، وصحته اذا اطلق نذر الصوم سواء كان مسافراً او حاضراً فيلزمه الصوم في الحالين، وقد اشكلنا على دليلهم ومقتضى الاحتياط الاتيان به برجاء المطلوبية والمشروعية.

اما اذا نذر صوم يوم معين من دون التفات الى حال السفر، فلا يشرع صومه في السفر. وسيأتي حكم نفس السفر.

(مسألة 1401): لا يصح الصوم المندوب في السفر الا ما استثني مما ذكرناه، واذا اراد الاتيان به فلينوه رجاء المطلوبية.

(مسألة 1402): يصح الصوم من المسافر الجاهل بالحكم، وإن علم في الاثناء بطل، ولا يصحّ من الناسي.

(مسألة 1403): يصح الصوم من المسافر الذي حكمه الإتمام، واجباً كان الصوم أو مستحباً كناوي الإقامة والمسافر سفر معصية والذي عمله في السفر وغير ذلك.

السادس: الصحة من المرض المنافي مع الصوم ولو احتمالاً معتداً به وتحصل المنافاة بالتضرر من المرض خلال الصوم أما لإيجابه شدّته وبطء برئه أو شدة ألمه. ولا فرق بين حصول اليقين بذلك والظن والاحتمال الموجب لصدق الخوف، وكذا لا يصح من الصحيح إذا خاف حدوث المرض فضلاً عما إذا علم بذلك. أمّا المريض الذي لا يتضرر من الصوم، فيجب عليه ويصح منه.

(مسألة 1404): إذا كان الصوم مضراً من جهة منافاته لاستعمال الدواء وليس

ص: 387

مضرّاً بالصائم فيجب على المكلف الصوم واستعمال الدواء مع مستلزماته الضرورية كشراب مقدار كافٍ من الماء ويتم صومه برجاء المطلوبية ويقضي. وإذا كان المرض مزمناً واستعماله للدواء طوال السنة ولا يمكن تأخيره إلى الليل فيسقط عنه القضاء.

السابع: عدم وجود العسر والحرج في الصوم، كالضعف المفرط، ولو لم يكن مفرطاً لم يجز الإفطار. وكذا إذا أدّى الضعف إلى العجز عن العمل اللازم للمعاش مع عدم التمكن من تركه ولا إبداله فإنّه يجوز الإفطار عندئذٍ. أو كان العامل بحيث لا يتمكن من الاستمرار على الصوم لغلبة العطش، والأحوط لزوماً فيهم وأدباً لشهر رمضان الاقتصار في الأكل والشرب على مقدار الضرورة والإمساك عن الزائد ويجب بعد ذلك القضاء، وإذا استمر على حاله ذلك طوال السنة سقط القضاء. وأما ملاحظة القضاء في سنوات متأخرة أو دفع الفدية فهو مبني على ضرب من الاحتياط.

(مسألة 1405): إذا صام لاعتقاد عدم الضرر فبان مضراً، ففي صحة صومه إشكال يكون الأحوط معه القضاء. وإذا صام باعتقاد الضررأو خوفه بطل. إلا إذا كان قد حصل منه قصد القربة وبان بعد ذلك عدم الضرر، فإنّه لا يبعد الحكم بالصحة.

(مسألة 1406): قول الطبيب إذا كان يوجب الظن بالضرر أو خوفه وجب لأجله الإفطار. وكذلك إذا كان حاذقاً وثقة إذا لم يكن مطمئناً بخطئه. ولا يجوز الإفطار بقوله في غير هاتين الصورتين، وإذا قال الطبيب لا ضرر في الصوم وكان المكلف خائفاً منه أو ظاناً ضرره وجب الإفطار وإن كان الطبيب ثقة، فالمعيار هو اطمئنان المكلف وشعوره بالخوف من الضرر وعدمه، أمّا قول الطبيب فهو طريق لحصول ذلك.

(مسألة 1407): إذا برئ المريض قبل الزوال ولم يتناول المفطر فالأحوط له تجديد النية والاستمرار بالصوم برجاء المطلوبية ويقضي ذلك اليوم كذلك.

ص: 388

(مسألة 1408): إذا صام متحملاً العسر والحرج غير المرض، كالعامل صح منه وأجزأه، ما لم يكن ضرراً بليغاً.

وله أن يمسك في أول النهار خلال شهر رمضان لرجاء احتمال الاستمرار في الصوم، فإن ارتفع عذره قبل الزوال جدد النية وأجزأه.

(مسألة 1409): إذا أمكن للعامل قطع العمل أو تبديله خلال الصوم وجب، فإن لم يفعل عمداً وجب عليه الصوم في حاله تلك - ما لم يكن ضرره بليغاً- وأجزأه. وإن كان الأحوط معه القضاء.

(مسألة 1410): يشترط في وجوب الصوم البلوغ والعقل وعدم الإغماء وعدم المرض المنافي للصوم والخلو من الحيض والنفاس.

(مسألة 1411): البلوغ ليس من شرائط الصحة بل من شرائط الوجوب، فلا يجب قبله ولو كان الصبي مميزاً، نعم، يصح منه كغيره من العبادات.

(مسألة 1412): لو صام الصبي تطوعاً وبلغ في الأثناء، ولو بعد الزوال، لم يجب عليه الإتمام وإن كان الأحوط استحباباً، بل هو مستحب فعلاً.

(مسألة 1413): اتضح مما تقدم ان بعض الشرائط هي للصحة خاصة كالحضر وبعضها للوجوب خاصة كالبلوغ وبعضها لهما كالخلو من الحيض والنفاس.

(مسألة 1414): لا يجب تحصيل شرائط الوجوب، بل يجوز إيجاد منافياتها المسقطة للوجوب عمداً ولو هرباً من الصوم كإيجاد الحيض، لكن فيه خسارة عظيمة.

(مسألة 1415): لا يجوز التطوع بالصوم لمن عليه صوم قضاء شهر رمضان لهذه السنة وإن كان موسعاً أو أي صوم واجب مضيق. وأمّا إذا كان في ذمته صوم واجب آخر موسع فالأقوى صحة التطوع منه.

(مسألة 1416): إذا سافر قبل الزوال، وكان ناوياً للسفر من الليلوجب عليه الإفطار والقضاء. بل الأقوى ذلك وإن لم يكن ناوياً ليلاً. ويكون إتمام صوم يومه

ص: 389

ذاك مبنياً على الاحتياط الاستحبابي وبرجاء المشروعية. وإن كان السفر بعد الزوال وجب إتمام الصيام وصح منه.

(مسألة 1417): إذا كان مسافراً فدخل بلده أو بلداً يتم فيه الصلاة لنية الإقامة أو غيرها، فإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر، وجب عليه الصيام وأجزأه. وإن كان بعد الزوال، بل عند الزوال أو تناول المفطر في السفر بقي على الإفطار، نعم، يستحب الإمساك إلى الغروب.

(مسألة 1418): الظاهر أنّ المناط في الشروع في السفر قبل الزوال وبعده وكذا في الرجوع منه، هو البلد لا حد الترخيص، نعم، لا يجوز الإفطار للمسافر لدى الخروج من بلد يجب فيه الإتمام إلا بعد الوصول إلى حد الترخيص. فلو أفطر قبله عالماً بالحكم وجبت الكفارة.

(مسألة 1419): خلافاً للمشهور فانه لا يجوز السفر في شهر رمضان اختياراً الا لأمر راجح شرعاً او عقلائياً كما لو سافر في حج أو عمرة أو غزو في سبيل الله أو مال يخاف تلفه، أو إنسان يخاف هلاكه، اما ما قيل من جواز السفر اختياراً في شهر رمضان حتى للفرار من الصوم فمحل اشكال.

(مسألة 1420): يجري الحكم نفسه فيما لو كان عليه صوم واجب معين، فلا يجوز له السفر الا لمسوغ مما ذكرناه، ويكون الحكم في الصوم المعيَّن بالاجارة أأكد، اما من كان في سفر قبل حلول اليوم المعيَّن فلا تجب عليه الاقامة لادائه.

(مسألة 1421): قيل ان كراهة السفر في شهر رمضان اختياراً التي قال بها المشهور ترتفع بعد مضي ثلاث وعشرين ليلة، ودليله غير تام مع ما فيه من المنقصة الاخلاقية.

(مسألة 1422): يجوز لأي مفْطر جوازاً أو وجوباً في شهر رمضان وغيره من مسافر وغيره، ممن لا يجب عليه الإمساك بقية النهار، يجوز له التملي من الطعام والشراب. وكذا الجماع في النهار على كراهية في الجميع، والأحوط استحباباً الترك، ولا سيما في الجماع بل مطلق الإنزال. والاحوط عدم شمول الحكم جوازاً

ص: 390

واحتياطاً للمفطر بدون عذر بعد انتقاض صومه بتناول المفطر، وأولى منه في المنع من أفطر لاجل نية الإفطار في ذلك، كما إنّ الأحوط عدم كفاية غير الطعام والشراب والجماع والاستمناء في ذلك، فلو غمس رأسه في الماء أو كذب على الله عمداً حرم عليه الطعام احتياطاً وجوبياً.

فائدة: تفيد الروايات ان الله تبارك وتعالى أعدَّ من الكرامة لمن صام كل يوم من شهر رمضان مقداراً مخصوصاً غير ما أعده لغيره فتركُ يومٍ واحد نقصان في تلك الكرامة، نعم، إذا اضطر إلى السفر المستطيع للحج وسفره طويل يحتاج أن يبدأه في شهر رمضان كما في الأزمنة السابقة أوالخروج إلى عدوٍ يجب دفعه فمع الاضطرار والتأسف على فوات الصوم يعوّض الله تعالى عبده بلطفه وكرمه.

الفصل الخامس: ترخيص الإفطار

وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص:

منهم: الشيخ والشيخة وذو العطاش إذا تعذر عليهم الصوم أو كان حرجاً، وكان عليهم الفدية عن كل يوم بمد من طعام على الأحوط. والأفضل كونها من الحنطة، بل كونها مدين بل هو أحوط استحباباً. والظاهر عدم وجوب القضاء عليهم.

ومنهم: الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضر حملَها والمرضعة القليلة اللبن إذا أضر بها الصوم أو أضر بالولد. وعليهما القضاء بعد ذلك. كما إنّ عليهما مع القضاء الفدية فيما إذا كان الضرر على الحمل أو الولد، ولا يجزي الإشباع عن المد في الفدية من غير فرق بين مواردها.

(مسألة 1423): لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها أو أن يكون لغيرها والأحوط استحباباً الاقتصار على صورة عدم التمكن من إرضاع غيرها للولد.

ص: 391

الفصل السادس: ثبوت الهلال

يثبت الهلال بعدة طرق:

أولاً: العلم الحاصل من الرؤية، أي رؤيته هو شخصياً للهلال وإن لم يثبت عند غيره.

ثانياً: ثبوت الرؤية عند مرجع تقليده.

ثالثاً: شهادة رجلين عادلين بالرؤية.

رابعاً: مضي ثلاثين يوماً من هلال الشهر السابق. فإن كان هو شعبان فيثبت هلال رمضان وإن كان هو رمضان، فيثبت هلال شوال.

(مسألة 1424): هذه أسباب شرعية لثبوت الهلال في أي شهر. ولا تختص بالأشهر الثلاثة المشار إليها وهناك طرق أخرى أدق منها لا حاجة إلى ذكرها.

(مسألة 1425): إذا أنشأ الحاكم الشرعي المتصدي لولاية الأمور العامة للأمة والذي يملك اوسع قاعدة من المقبولية حكما بثبوتالهلال عند توّفر احد مسوغات إنشاء الحكم التي ذكرناها في اول الكتاب: وجب على غيره من المجتهدين والمقلدين العمل بحكمه ولا تجوز مخالفته حتى اذا كانوا مخالفين له في مبناه هذا في حال انشاء الحكم ، أما اذا عبَّر المجتهد عن قناعته واطمئنانه بثبوت الهلال ودخول الشهر الجديد فانها غير ملزمة لغيره.

(مسألة 1426): لا يثبت الهلال بشهادة النساء ولا بشهادة العدل الواحد ولو مع اليمين، ولا الثقة كذلك، ما لم يحصل الاطمئنان في أي من هذه الموارد.

(مسألة 1427): لا يثبت الهلال ببعض العلامات كالحسابات والتقاويم المبنية على الحدس، ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق - أي طول مكثه في الافق- ليدل على أنّه للّيلة السابقة، ولا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية. ولا برؤية الهلال قبل الزوال ليكون هو اليوم الأول، ولا بتطوق الهلال ليدل على أنّه للّيلة السابقة، أمّا حسابات المراصد الفلكية فيمكن الاستفادة منها في تحديد موقع الهلال ويبقى المعوَّل على الرؤية لاحتمال تدخل عناصر غير محسوبة في تحديد إمكانية الرؤية.

ص: 392

(مسألة 1428): لا تختص حجية البينة أو غيرها من الأسباب السابقة بالقيام عند الحاكم، بل كل من علم بشهادة البينة عوّل عليها.

(مسألة 1429): تكفي رؤية الهلال في اي بلد من البلاد الاسلامية التي يصدق عليها انها بلدان اهل الصلاة لثبوته في البلدان المشتركة معه بهذا العنوان وان لم يكن الهلال قابلا للرؤية فيها وبغض النظر عن اشتراكهما أو اختلافهما في الافق وكون احدهما شرق الآخر أو غربه.

اما غير المشتركة معها بهذا العنوان فلها هلالها الخاص بها أي يثبت الشهر في بلد الرؤية والبلدان المتحدة الافق معه، ولا يثبت في غيرها من البلدان ما لم يُرَ فيها، الا ان يثبت بحكم الحاكم الشرعي.

ص: 393

الفصل السابع: أحكام قضاء شهر رمضان

اشارة

(مسألة 1430): لا يجب قضاء ما فات في زمان الصبا أو الجنون أو الإغماء أو الكفر الأصلي ويجب قضاء ما فات في غير ذلك من ارتداد أو حيض أو نفاس أو نوم أو سكر أو مرض أو خلاف للحق، نعم، إذا صام المخالف على وفق مذهبه أو مذهبنا لم يجب عليه القضاء.

(مسألة 1431): إذا شك في أداء الصوم في اليوم الماضي بنى على الأداء. وإذا شك في عدد الفائت بنى على الأقل.

(مسألة 1432): لا يجب الفور في القضاء. وإن كان الأحوط استحباباً مؤكداً عدم تأخير قضاء شهر رمضان عن رمضان الثاني. وإن أخّره عمداً أو تسامحاً قضى ودفع الفدية بخلاف ما لو كان مريضاً أو مضطراً فإنّه يقضي ولا يفدي. ولو لم يستطع القضاء طول العام ودفع الفدية سقط وجوب القضاء على الأقوى.

(مسألة 1433): إذا فاتته أيام من شهر واحد لا يجب عليه التعيين، ولا الترتيب. وكذا إذا كان عليه قضاء من رمضان سابق ومن لاحق. وإن كان الأحوط استحباباً تقديم قضاء اللاحق مع ضيق وقته بمجيء رمضان ثالث. وإن نوى السابق حينئذٍ صح صومه ووجبت عليه الفدية.

(مسألة 1434): لا ترتيب بين صوم القضاء وغيره من أقسام الصوم الواجب، كالكفارة والنذر غير المعين، فله تقديم أيّهما شاء.

(مسألة 1435): إذا فاتته أيام من شهر رمضان بمرض ومات قبل أن يبرأ لم يجب القضاء عنه، سواء مات خلال شهر رمضان أو بعده. وكذلك إذا مضى العام على مرضه ودفع الفدية ثم مات. وأمّا لو استطاع القضاء خلال العام ولم يصم، أو لم يستطع ولم يدفع الفدية، فالأحوط القضاء عنه.

(مسألة 1436): إذا فاتها صوم شهر رمضان بحيض أو نفاس، ثم ماتت قبل

ص: 394

مضي زمان يمكن القضاء فيه لم يجب القضاء. لكن هذا يحسب بالأيام، فإن فاتتها عشرة أيام مثلاً، وأمكنها قضاء خمسة منها ولم تقضها وماتت وجب قضاء الخمسة دون الزائد.

(مسألة 1437): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض، واستمر به المرض إلى رمضان الثاني، تصدق عن كل يوم بمُد، وهو ثلاثة أرباع الكيلو من الطعام. وسقط القضاء. وأمّا لو لم يدفع الفدية لم يسقط القضاء مع إمكانه بعد ذلك. ولا يجزي القضاء عن التصدق. والأحوط استحباباً الجمع بينهما.

(مسألة 1438): إذا فاته شهر رمضان بعذر غير المرض، كالسفر، وجب القضاء وتجب الفدية على الأحوط. ولا يسقط بدفعها القضاء في العامالذي يليه على الأحوط وخاصة مع الفوت سفراً لا الفوت اضطراراً مع بقاء نفس العذر طول العام أو التسامح فيه. وأمّا إذا تعذر القضاء لمرض وفدى سقط القضاء.

(مسألة 1439): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذر أو عمد، وأخّر القضاء إلى رمضان الثاني، مع تمكنه منه عازماً على التأخير أو متسامحاً فيه ومتهاوناً وجب القضاء والفدية معاً. وإن كان عازماً على القضاء قبل مجيء رمضان الثاني، فاتفق طروّ العذر وجب القضاء، بل الفدية أيضاً. ولا فرق بين المرض وغيره من الأعذار إلا في صورة استمرار المرض من أول رمضان إلى أول رمضان الذي بعده مع دفع الفدية، فإنّه يسقط القضاء. وكذا لو كان سقوط القضاء بمرض وسقوط الأداء بغيره كما سبق.

(مسألة 1440): إذا استمر المرض ثلاثة رمضانات وجبت الفدية مرة للأول ومرة للثاني. وهكذا إن استمر إلى أربعة رمضانات، فتجب مرة ثالثة للثالث، وهكذا لا تتكرر للشهر الواحد وإنّما تجب لغيره.

(مسألة 1441): يجوز إعطاء فدية أيام عديدة من شهر واحد ومن شهور إلى شخص واحد.

(مسألة 1442): لا تجب فدية شخص على شخص آخر وإن وجبت نفقته، كالزوجة والابن، ولكن يجوز دفعها عن الغير وإبراء ذمته منها مع إذن المدفوع عنه

ص: 395

أو سكوته عن الأمر بعد علمه.

(مسألة 1443): لا تجزي القيمة في الفدية مع الإمكان على الأحوط. بل لابد من دفع العين وهو الطعام، وكذا الحكم في الكفارات. ولكن يجوز أن يعطي القيمة إلى فقير ثقة ليصرفها في الطعام. ومع عدم الإمكان فالأحوط دفع القيمة وإن كان الوجه عندئذٍ هو السقوط.

(مسألة 1444): يجوز الإفطار في الصوم المندوب إلى الغروب ولا يجوز في قضاء صوم شهر رمضان بعد الزوال إذا كان القضاء عن نفسه، بل تقدم أنّ عليه الكفارة. أمّا قبل الزوال فيجوز. وأمّا الواجب الموسع غير قضاء شهر رمضان فالظاهر جواز الإفطار فيه مطلقاً. وإن كان ترك الإفطار بعد الزوال إحوط.

(مسألة 1445): لا يلحق القاضي عن غيره بالقاضي عن نفسه في الحرمة والكفارة. وإن كان الأحوط استحباباً الإلحاق.

(مسألة 1446): يجب على ولي الميت، وهو الولد الأكبر الذكر حال الموت أن يقضي ما فات أباه من الصوم لعذر إذا وجب عليه قضاؤه، والأحوط استحباباً إلحاق الأكبر الذكر في جميع طبقات المواريث على الترتيب في الإرث. وأمّا ما فاته عمداً أو أتى به فاسداً عن جهل مع التقصير، ففي إلحاقه بما فات عن عذر إشكال وإن كان أحوط. ونحوه الاحتياط في إلحاق الأم بالأب. وإن فاته ما لا يجب عليه قضاؤه كما لومات في مرضه لم يجب القضاء.

فروع في وجوب تتابع الصوم

(مسألة 1447): يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع وكفارة التخيير، ويكفي في حصوله صوم الشهر الأول ويوم من الشهر الثاني متتابعاً إذا كان له عذر مقبول عرفاً، وكذا يجب التتابع في الثلاثة ايام بدل الهدي في مكة فلا يجوز الفصل بينها بغير العيد اذا بدأ بها يوم التروية وفي السبعة ايام اذا رجع إلى اهله، والأحوط وجوبه في صوم الثمانية عشر يوماً بدل الشهرين، وأمّا التتابع في سائر الكفارات فهو أحوط استحباباً.

ص: 396

(مسألة 1448): كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر لعذر اضطر إليه بنى على ما مضى عند ارتفاعه، وإن كان العذر بفعل المكلف إذا كان مضطراً إليه. وأما إذا لم يكن عن اضطرار وجب الاستئناف بالصوم متتابعاً من جديد، ومن العذر ما إذا نسي النية إلى ما بعد الزوال أو نسِي فنوى صوماً آخر ولم يتذكر إلى ما بعد الزوال. ومنه ما إذا نذر قبل تعلق الكفارة صوم كل خميس، فإن تخلله في الأثناء لا يضر في التتابع، بل يحسب من الكفارة أيضاً إذا تعلق النذر بمطلق الصوم يوم الخميس. ولا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال.

(مسألة 1449): إذا نذر صوم شهرين متتابعين جرى عليه ما قلناه في المسألة (1447) من كفاية صوم الشهر الأول ويوم من الشهر الثاني متتابعاً، إلا أن يقصد بنذره تتابع جميع أيامها فيجب. أو يقصد شيئاً آخر فعلى قصده.

(مسألة 1450): إذا وجب عليه صوم متتابع لا يجوز له أن يشرع فيه في زمان يعلم أنّه لا يسلم بتخلل يوم يحرم صومه كأحد العيدين أو يجب إفطاره كالنذر المعين لسفر الزيارة. فيجب أن يشرع فيه في زمان يحرز حصول التتابع المطلوب شرعاً، نعم، إذا كان غافلاً صح صومه، أمّا إذا كان شاكّاً فالأظهر البطلان.

(مسألة 1451): يستثنى من المسألة السابقة كفارة القتل في الأشهر الحرم. فإنّه لا يضره تخلل العيد على الأظهر، ومن أراد صيام ثلاثة أيام بدل الهدي فله ان يشرع بها يوم التروية وياتي بالثالث بعد العيد، أو يؤخرها إلى ما بعد أيام التشريق لمن كان بمنى.

(مسألة 1452): إذا نذر أن يصوم شهراً أو أياماً معدودة لم يجب التتابع إلا مع اشتراط التتابع أو الانصراف إليه على وجه يرجع إلى التقييد.

(مسألة 1453): إذا فاته الصوم المنذور المشروط فيه التتابع فالأحوط إيجاد التتابع في قضائه.

ص: 397

فروع في غير الصوم الواجب

(مسألة 1454): الصوم من المستحبات المؤكدة. وقد ورد أنّه جنة من النار، وزكاة الأبدان، وبه يدخل العبد الجنة. وإنّ نوم الصائم عبادة ونفَسه وصمته تسبيح، وعمله متقبل ودعاءه مستجاب وخلوف فمه عند الله أطيب من رائحة المسك، وتدعو له الملائكة حتى يفطر. وله فرحتان فرحة عند الإفطار وفرحة حين يلقى الله تعالى.

(مسألة 1455): أفراد الصوم المستحب كثيرة. والمؤكد منه: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل في كيفيتها: أول خميس من الشهر وآخر خميس منه وأول أربعاء من العشر الأواسط، وصوم يوم الغدير، فإنّه يعدل مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات، ويوم مولد النبي (صلى الله عليه واله) ويوم مبعثه، ويوم دحو الارض وهو الخامس والعشرين من ذي القعدة، ويوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء وعدم الشك في الهلال. ولكن يكفي قيام الحجة الشرعية عليه، وصوم يوم المباهلة وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة، وصوم جميع أيام شهر رجب وجميع أيام شهر شعبان، وبعض كل منهما على اختلاف الأبعاض في مراتب الفضل، وأول يوم من محرم وثالثه وسابعه، وكل خميس وكل جمعة، إذا لم يصادفا عيداً أو سفراً واجباً ولو بالنذر.

(مسألة 1456): يكره الصوم في موارد منها: الصوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء. والصوم فيه مع الشك في الهلال بحيث يحتمل كونه يوم عيد الأضحى. وصوم الضيف نافلة بدون إذن مضيفه وكذا مع النهي وإن كان الأحوط تركه حينئذٍ. والولد من غير إذن والده، فضلاً عن نهيه ما لم يكن في ذلك إيذاءًً له ولو من حيث الشفقة فيحرم. والأولى إجراء نفس الحكم للوالدة أيضاً.

(مسألة 1457): يحرم صوم العيدين: عيد الفطر وهو الأول من شوال في كل عام وعيد الأضحى وهو العاشر من ذي الحجة في كل عام. ويحرم صوم أيام التشريق لمن كان بمنى ناسكاً كان أم لم يكن، وهي الثلاثة أيام التي تلي عيد الأضحى. ويحرم صوم يوم الشك على أنّه من شهر رمضان. ونذر المعصية بأن ينذر

ص: 398

الصوم على تقدير فعل الحرام شكراً، أمّا زجراً فلا باس به، وصوم الوصال، وهو إدخال جزء من الليل مع النهار في نية الصوم أو الليل كله. ولا بأس بتأخير الإفطار ولو إلى الليلة الثانية، إذا لم يكن عن نية الصوم وإن كان الأحوط اجتنابه.

(مسألة 1458): الأحوط عدم صوم الزوجة تطوعاً، بدون إذن الزوج، وإن كان الأقوى الجواز إذا لم يمنع عن حقه ولا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه.

ص: 399

ص: 400

كتاب الاعتكاف

اشارة

ص: 401

ص: 402

كتاب الاعتكاف

الفصل الأول: في الاعتكاف

وهو اللبث في المسجد، والأحوط أن يكون بقصد فعل العبادة فيه من صلاة ودعاء وغيرهما أو لإيجاد الوظيفة الشرعية المعينة المسماة بالاعتكاف، ويصح في كل وقت يصح فيه الصوم، والأفضل شهر رمضان، وأفضله العشر الأواخر.

(مسألة 1459): يشترط في صحته مضافاً إلى العقل والإيمان أمور:

الأول: نية القربة، كما في غيره من العبادات، وتجب مقارنتها لأوله بمعنى وجوب إيقاعه من أوله إلى آخره عن النية، ويجوز الاكتفاء بتبيّت النية إذا قصد الشروع في أول يوم وكان هذا القصد مستمراً عنده إلى الفجر وهو بداية اليوم، ولو قصد الشروع فيه وقت النية في أول الليل كفى.

(مسألة 1460): لا يجوز العدول من اعتكاف إلى آخر، اتفقا في الوجوب والندب أو اختلفا، كما لا يجوز على الأحوط العدول عن نيابة شخص إلى نيابة شخص آخر، ولا نيابة عن غيره إلى نفسه وبالعكس.

الثاني: الصوم، فلا يصح بدونه، فلو كان المكلف ممن لا يصح منه الصوم لسفر أو غيره، لم يصح منه الاعتكاف.

الثالث: العدد، فلا يصح أقل من ثلاثة أيام، ويصح الأزيد منها، وإن كان يوماً أو بعضه أو ليلة أو بعضها، وتدخل فيه الليلتان المتوسطتان دون الأولى والأخيرة، لأنّ اليوم يبدأ من الفجر وإن جاز إدخالها بالنية.

فلو نذره كان أقل ما يمتثل به ثلاثة، ولو نذره أقل لم ينعقد، وكذا لو نذره ثلاثة معينة فاتفق أنّ الثالث عيد لم ينعقد، ولو نذر اعتكاف خمسة فإن نواها بشرط لا عن الزيادة والنقيصة بطل، وإن نواها بشرط لا عن الزيادة ولا بشرط عن النقيصة

ص: 403

وجب عليه الاعتكاف ثلاثة أيام فقط، وإن نواها بشرط لا عن النقيصة ولا بشرط من جهة الزيادة ضم يوماً سادساً إليها.

الرابع: أن يكون الاعتكاف في مسجد جامع في البلد، والأحوط استحباباً، بل الأفضل كونه في أحد المساجد الأربعة: المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الكوفة ومسجد البصرة، أو أي مسجد صلى فيه نبي أو وصي نبي، ولو شك في توفر هذا الشرط كان له الاعتكاف برجاء المطلوبية، ولو نوى بالنية الجزمية حرم.(مسألة 1461): لو اعتكف في مسجد معين فاتفق مانع عن البقاء فيه، بطل ولم يجز اللبث في مسجد آخر وعليه قضاؤه على الأحوط إن كان واجباً في مسجد آخر أو في ذلك المسجد بعد ارتفاع المانع.

(مسألة 1462): يدخل في المسجد سطحه وسردابه، وكذا منبره ومحرابه، والإضافات الملحقة به مع صدق المسجدية عليها.

(مسألة 1463): إذا قصد الاعتكاف في مكان معين من المسجد دون غيره، فإن كان بشرط لا عن غيره بطل اعتكافه على الأحوط، وإلا لغى قصده وصح في المسجد كله.

الخامس: إذن من يعتبر إذنه في جوازه، كالزوج إلى زوجته إذا كان منافياً لحقه، بل بدونه مع نهيه كما سبق في الصوم المستحب، وكذا الوالدين بالنسبة إلى ولدهما، في مورد وجوب الطاعة وهو ما إذا كان العصيان احتقاراً لهما، وأمّا بدون النهي فالاستئذان منهما مبني على الاحتياط الاستحبابي.

السادس: استدامة اللبث في المسجد الذي شرع به في طول مدة الاعتكاف، فلو خرج لغير الأسباب المسوغة للخروج بطل من غير فرق بين العالم بالحكم والجاهل، ولا يبعد البطلان في الخروج نسياناً أيضاً، بخلاف ما لو خرج عن اضطرار أو إكراه أو لحاجة لا بد منها من بول أو غائط أو غسل جنابة أو استحاضة أو مس ميت، وإن كان السبب باختياره.

ص: 404

(مسألة 1464): يجوز الخروج لتشييع الجنائز والصلاة عليها وتغسيلها وتكفينها ودفنها، وأي واحد من هذه الأمور على حده فضلاً عن الأكثر. كما يجوز الخروج لعيادة المريض وإقامة الشهادة أمام القاضي الشرعي العادل أمّا تشييع المؤمن وتحمل الشهادة وغير ذلك من الأمور الراجحة، ففي جوازها إشكال، والأظهر الجواز فيما إذا عد من الضرورات عرفاً.

(مسألة 1465): الأحوط استحباباً عند جواز الخروج مراعاة أقرب الطرق، ولا تجوز زيادة المكث عن قدر الحاجة، أمّا التشاغل على وجه تنمحي به صورة الاعتكاف فهو مبطل وإن كان عن إكراه أو اضطرار، إلا أنّ الظاهر أنّ هذا إنّما يحسب بعد الانتهاء عرفاً من أحد الأعمال المذكورة في أول المسألة السابقة، ويحسب في غيرها مطلقاً.

(مسألة 1466): الأحوط استحباباً مؤكداً ترك الجلوس في الخارج، ولو اضطر إليه اجتنب الظلال مع الإمكان على الأحوط وجوباً.

(مسألة 1467): إذا أمكنه أن يغتسل في المسجد فالظاهر عدم جواز الخروج لأجله، إذا كان الحدث لا يمنع من المكث في المسجد كمس الميت.

الفصل الثاني: في وجوب الاعتكاف

الاعتكاف في نفسه مندوب، ويجب بالعارض من نذر وشبهه، فإن كان واجباً معيناً فلا إشكال في وجوبه قبل الشروع فضلاً عما بعده، وإن كان واجباً مطلقاً أو مندوباً فالأقوى عدم وجوبه بالشروع وإن كان في الأول هو الأحوط استحباباً، نعم، يجب بعد مضي يومين منه فيجب الثالث إلا إذا اشترط حال النية الرجوع لعارض، فاتفق حصوله بعد يومين، فله الرجوع عنه حينئذٍ ولا عبرة بالشرط إذا لم يكن مقارناً للنية سواء أكان قبلها أم بعد الشروع فيه، ونقصد باشتراط الرجوع

ص: 405

لعارض أن يضمّ إلى نية الاعتكاف بأن ينوي العدول عن الاستمرار في الاعتكاف إذا حصل مانع معين ينويه.

(مسألة 1468): الأولى أن يحدد لاشتراط الرجوع عارضاً مقبولاً عرفاً ولا يطلق الإذن لنفسه بالرجوع متى شاء.

(مسألة 1469): إذا اشترط الرجوع حال النية، ثم أسقط شرطه بعد ذلك، فالظاهر عدم سقوط حكمه.

(مسألة 1470): إذا نذر الاعتكاف وشرط في نذره الرجوع فيه فيجوز له الرجوع حتى إذا لم يشترطه في نية الاعتكاف، ولو كان نذره مطلقاً من حيث الرجوع، فإن كان معيناً من حيث الزمان لم تجز نية الرجوع عند نية الاعتكاف، ولو نواه بطل، وإن كان النذر غير معين جازت النية وصحت، فإن أبطله وجب عليه الاعتكاف في وقت آخر.

(مسألة 1471): إذا جلس في المسجد على فراش مغصوب لم يقدح ذلك في الاعتكاف، وإن سبق شخص إلى مكان في المسجد فأزاله المعتكف من مكانه وجلس فيه فالأظهر الصحة، وإن أثم.

الفصل الثالث: في أحكام الاعتكاف

لا بد للمعتكف من ترك أمور:

منها: مباشرة النساء بالجماع، والأولى والأحوط استحباباً إلحاق اللمس والتقبيل بشهوة به، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.

ومنها: الاستمناء على الأحوط وجوباً.

ومنها: شم الطيب والريحان مع التلذذ، ولا أثر له إذا كان فاقداً لحاسة الشم.

ومنها: البيع والشراء بل مطلق التجارة على الأحوط استحباباً إذا لميلزم منه الخروج عن المسجد وإلا حرم، ولا بأس بالاشتغال بالأمور الدنيوية من المباحات

ص: 406

حتى الخياطة والنساجة ونحوهما، وإن كان الأحوط استحباباً الاجتناب، وإذا اضطر إلى البيع والشراء لأجل الأكل والشرب مما تمس الحاجة إليه ولم يمكن التوكيل فيه فعله وإن كان خارج المسجد.

ومنها: المماراة في أمر ديني أو دنيوي بداعي إثبات الغلبة وإظهار الفضيلة، لا بداعي إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ، فإنّه من أفضل العبادات والمدار على القصد، ولو قصدهما كانت الغلبة للأغلب.

(مسألة 1472): الظاهر إنّ المحرمات المذكورة مفسدة للاعتكاف من دون فرق بين وقوعها في الليل أو في النهار، ويكون الفاعل لها آثماً إذا كان واجباً معيناً، ولو لأجل انقضاء يومين منه حيث يتعين وجوب الثالث.

(مسألة 1473): إذا صدر منه أحد المحرمات المذكورة سهواً فالظاهر بطلان اعتكافه ولا سيما في الجماع.

(مسألة 1474): إذا أفسد اعتكافه بأحد المفسدات، فإن كان واجباً معيناً وجب قضاؤه على الأحوط، وإن كان واجباً غير معين وجب استئنافه من جديد، وكذا إن كان مندوباً وكان الإفساد بعد يومين، وأمّا إذا كان قبلهما فلا شيء عليه، ولا يجب الفور في القضاء.

(مسألة 1475): إذا باع أو اشترى في أيام الاعتكاف لم يبطل بيعه أو شراؤه وإن بطل اعتكافه، وذلك في حدود ما سبق من القول بحرمته.

(مسألة 1476): إذا فسد الاعتكاف الواجب بالجماع، ولو ليلاً وجبت الكفارة، والأقوى عدم وجوبها بالإفساد بغير الجماع، وإن كان الأحوط استحباباً، والأحوط أن تكون كفارته مثل كفارة الظهار.

(مسألة 1477): إذا كان الاعتكاف في شهر رمضان وأفسده بالجماع نهاراً وجبت كفارتان، أحداهما لإفطار شهر رمضان والأخرى لإفساد الاعتكاف، وكذا إذا كان في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، وإن كان الاعتكاف منذوراً معيناً وجبت عليه كفارة ثالثة لمخالفة المنذور، وإذا كان الجماع لامرأته الصائمة وقد أكرهها

ص: 407

وهي معتكفة في شهر رمضان أو قضائه بعد الزوال وجبت عليه كفارتان أخريان على الأحوط، ولو كان النذر لهما كان عليه كفارتان عن النذر أيضاً على الأحوط استحباباً.

ص: 408

كتاب الخمس

اشارة

ص: 409

ص: 410

كتاب الخمس

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

في وجوب الخمس وآثاره

الخمس من الفرائض المالية المهمة التي حُفِظ بها كيان الدين الإسلامي ومدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم) خاصة، وسيّرت به شؤونها عبر القرون في اكتفاء ذاتي صممه الشارع المقدّس لتُصان العقيدة والمبادئ من التذويب في سياسة السلطات الحاكمة والتبعية لإرادتها التي كانت تفرضها بقوة السلطة والمال. ولذا كان هاجس وصول هذه الأموال إلى أئمة أهل البيت (سلام الله عليهم) يقضّ مضاجع الحكّام ويدفعهم إلى مداهمة دور الأئمة (سلام الله عليهم) وتفتيشها واستدعاء الأئمة (عليهم السلام) إلى مقر السلطة لاستجوابهم كما حصل مرات عديدة، وجففوا المنابع المالية لأهل البيت (عليه السلام) وصادروا ممتلكاتهم المهمة ومنعوا في وقت مبكر من صدر الإسلام وصول حق بني هاشم من الغنائم إليهم.

وتلافياً للاصطدام مع السلطة وحماية للشيعة فقد اسقط عدد من أئمة أهل البيت (سلام الله عليهم) حقهم من الخمس في أموال المؤمنين وسكتوا عن مطالبة الناس بهذا الحق إلا في حدود ضيّقة مدة قرنين من الزمان حتى أواخر حياة الإمام الجواد (عليه السلام) (الذي استشهد سنة 220 هجرية) فحدد الإمام (عليه السلام) الأحكام العامة لهذه الفريضة، كما ورد في معتبرة يونس بن يعقوب قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت وأنّا عن ذلك مقصرون، فقال ابو عبد الله (عليه السلام): ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم) .

ص: 411

وقد ورد وجوب الخمس صريحاً في القران الكريم بقوله تعالى {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}) الأنفال41(، ويراد بالغنيمة مطلق ما يستفيده الإنسان ولا تختص بغنائم الحرب، قاله الراغب في المفردات وغيره، وأكدته موثقة سماعة قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس فقال: (في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير) وغيرها.

وقد اجمع علماء الفريقين على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعمل بها فيخصّ قرباه من بني هاشم بالخمس حتى وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم منعه القوم عن مستحقيه من آل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وجعلوهم كغيرهم (راجع الكشّاف في تفسير هذه الآية ومسند أحمد وغيرها من الصحاح) وقد عبّر الأئمة (عليهم السلام) عن لوعتهم لهذه المخالفة الصريحة للكتاب والسنة فعن أبي جعفر الأحول قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) (ما تقول قريش في الخمس، قال: قلت تزعم إنه لها، قال ما أنصفونا والله لو كان مباهلة لتباهُلنّ بنا ولئن كان مبارزة لتبارُزن بنا ثم يكون هم وعلي سواء).

لقد تعرّض وجوب الخمس لحملة واسعة من التشكيك والتضليل وتزييف الحقائق لمنع الناس من أداء هذا الحق إلى أهله لينسفوا هذا الركن الوثيق الذي يستند إليه هذا الكيان الإسلامي الحنيف من أجل بقائه وديمومة مشاريعه المباركة.

فقالوا: إن الخمس واجب في غنائم الحرب فقط أو انه كان واجبا في زمان النبي (صلى الله عليه واله) دون غيره، وقد اتضح مما تقدم الجواب عن مثل هذه الإشكالات.

كما أننا ألقينا محاضرة قبل سنين بعنوان (حبس الحقوق الشرعية من الكبائر) وهي منشورة في كتاب (ثلاثة يشكون) وطبعت مع تعليقات في كتاب مستقل يحمل نفس العنوان شرحنا فيها عظمة هذه الفريضة وسبب عزوف الناس عنها وآثارها المادية والمعنوية وكيفية معالجة التقصير في أداء هذه الفريضة.

ص: 412

إن الالتزام بأداء هذه الفريضة الإلهية يعود ببركات عظيمة على الفرد والمجتمع، أما على الفرد فما قاله الامام الجواد (عليه السلام) في صحيحة علي بن مهزيار (إن مواليَّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم فعلمتُ ذلك فأحببتُ أن أطهرهم وأزكّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا، قال الله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 103- 105)، فدفع الحقوق المالية يطهّر الإنسان من البخل والشح والأنانية وحب الدنيا ويعلّمه التراحم والتعاون ويطهّر ماله لان المتبقي بعد دفع الخمس يكون له حلالاً هنيئا، ويزكو عمل الانسان وينمو بزيادة من الحسنات لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ)(البقرة: 261)، وقد وعد الله تبارك وتعالى بالخلف والتعويض لمن انفق في سبيل الله فيعود إليه ماله بأزيد مما أعطى مع ما حصل عليه من ثواب الآخرة، قال تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39).وأما بركاتها على الكيان الديني والمجتمع عموماً فمما لا يحتاج إلى بيان.

وفي مقابل ذلك فان التقصير بأداء هذه الفريضة ينتج آثاراً وخيمة:

منها: ما ورد في الرسالة الثانية من الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد (رضي الله عنه) الموجودة في كتاب الاحتجاج حيث رتّب (عليه السلام) على ذلك أمرين:

1- تأخير ظهوره (عليه السلام) وبما يعني استمرار معاناة البشرية من الظلم والاضطهاد والتعسف والانحراف والضلال وكثرة مستحقي النار من البشر.

2- عدم الأمان من الفتن المضلة لأن رايات ضلال عديدة تخرج قبل ظهور القائم (عجل الله فرجه) - وقد كثرت اليوم أكثر من أي زمانٍ مضى- وتخلط

ص: 413

الأوراق على الناس فيتيهون ولا يستطيعون التمييز بين راية الحق وراية الباطل، وقد عبّر أحد أصحاب الأئمة عليهم السلام عن مخاوفه من مثل تلك الفتنة وسأل عن كيفية النجاة والإصابة في التمييز بين هذه الدعوات المختلطة فقال (عليه السلام): (والله إن أمرنا لأبين من الشمس)، ومن مقومات هذا الوضوح بحسب ما أفادته الرسالة الشريفة - أداء الحقوق الشرعية.

ومنها: ما ورد في حق مانع الزكاة حيث أن جميع ما ورد من التهديد والوعيد لتارك الزكاة ينطبق على تارك الخمس بوجهين.

1- إن كليهما فريضتان ماليتان والغرض منهما واحد بل إن أمر الخمس اخطر لتعلق حق أهل البيت (عليهم السلام) وذرياتهم فيه بعد أن حُرّمت عليهم الزكاة قال الصادق (عليه السلام) (إن الله لا إله إلا هو لما حرّم علينا الصدقة أبدل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة)، وإنما صار الاهتمام بالزكاة في صدر الإسلام لما قلناه من أنّ طبيعة الحياة الاقتصادية يومئذٍ كانت مورداً لوجوب الزكاة.

2- إن كثيراً من موارد ذكر الزكاة أريد بها معناها الأعم، أي مطلق الإنفاق الواجب في سبيل الله تعالى، أي عموم الحقوق الشرعية لا خصوص الزكاة المصطلحة كما قد يعبّر عن الزكاة الواجبة بالصدقة في مثل قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها. . . ) (التوبة : 60 )، ومما جاء في مانع الزكاة الشاملة لمانع الخمس بالتقريب المتقدم ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (ما من عبدٍ منع من زكاة ماله شيئاً إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب وهو قول الله عز وجل (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (آل عمران: 180)، (يعني ما بخلوا به من الزكاة).

ويتخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إجراءً في حق مانعي الزكاة بإخراجهم من المسجد كما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد إذ قال: قم يا فلان قم يا فلان، حتى أخرج

ص: 414

خمسة نفر فقال: (اخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه وانتم لا تزكّون) وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً) وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) قال: يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة وعدَّ منهم مانع الزكاة، ثم قال: يا علي ثمانية لا يقبل الله منهم الصلاة وعدَّ منهم مانع الزكاة، ثم قال: يا علي من منع قيراطاً من زكاة ماله فليس بمؤمن ولا بمسلم ولا كرامة، يا علي تارك الزكاة يسأل الله الرجعة إلى الدنيا وذلك قوله عز وجل: (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (المؤمنون: 99).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال: 24)

ص: 415

كتاب الخمس

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: فيما يجب فيه

اشارة

وهي أمور:

الأول: الغنائم المنقولة المأخوذة بالقتال من الكفار الذين يحل قتالهم إذا كان بإذن الامام (عليه السلام). او نائبه الجامع للشرائط.

(مسألة 1478): المال المأخوذ من الكفار الحربيين على نحوين: ما يعتقده الفرد منهم محل استحقاق للمسلم وما لا يعتقده كذلك. فالأول يجوز أخذه ولو لم يكن مستحقاً في شرعنا كما لو كان فائدة ربوية أو دعوى قضائية. وفيه خمس الفائدة وليس خمس الغنيمة لأنه لم يؤخذ بقتال. وأما الثاني كالأخذ بوجه مخالف لقوانينهم لمن منحوه اللجوء في بلدانهم فيتوقف جوازه على أذن الحاكم الشرعي. وبالنسبة إلينا فنحن نمنع عن ذلك لوجود مفاسد اجتماعية مهمة فيه.

(مسألة 1479): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة، بلوغها عشرين دينارا على الأصح. نعم يعتبر فيها إلا تكون غصبا من مسلم أو غيره، ممن هو محترم المال كالذمي، وإلا وجب ردها على مالكها. أما إذا كان في أيديهم مال للحربي بطريق الغصب أو الأمانة أو نحوها، جرى عليها ما ذكرناه من الحكم في المسألة السابقة.

(مسألة 1480): ما قلناه في المسألتين السابقتين في أموال الكفار الحربيين، يأتي في أموال المسلمين المحكوم بكفرهم والنواصب والخوارج واضرابهم. فإن اخذ بشكل مشروع وجب فيه الخمس من باب الفائدة، وان اخذ بالحرب كان الخمس من باب الغنيمة. وعلى أي حال يجب الخمس بغض النظر عن سببه. لكن هذا الحكم مما نمنع من تطبيقه في الظروف التي نعيشها لان تحديد موضوعه مما يخفى على عامة الناس بل يتسامحون في تطبيقه بحسب أهوائهم ويفسدون من حيث يظنون أنهم يصلحون.

ص: 416

الثاني: المعدن: كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والعقيق والفيروز والياقوت والكحل والملح والقير والكبريت ونحوها. بعد فرض إمكان تملكها الشخصي، اما اذا تحوّلت بعض المعادن الى ثروة عامة ملك للشعب فلا يصح تملكها اصلاً، والمهم صدق المعدن، سواء كان سائلا ام جامدا، وسواء كان على سطح الأرض أم في باطنها، وسواء اخذ من ارض مملوكة أم من ارض مباحة. والأحوط وجوباً إلحاق مثل الجص والنورة يعني ترابهما ولو قبل الطبخ وحجر الرحى وطين الغسل، ونحوها مما يصدق عليه اسم الارض، وكان له خصوصية في الانتفاع به.

(مسألة 1481): لا فرق في المعدن بين أن يكون المخرج مسلما أمكافرا، صبيا أم بالغا، عاقلا أم مجنونا، ذكرا أم أنثى، حراً أم مملوكاً.

(مسألة 1482): يشترط في وجوب الخمس في المعدن النصاب وهو قيمة عشرين دينارا. والدينار مثقال شرعي من الذهب المسكوك وهو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، الذي زنته (6،4) غرام، سواء كان المعدن ذهباً أم فضة أم غيرهما. والأحوط أن لم يكن أقوى كفاية بلوغ المقدار المذكور، ولو قبل استثناء مؤونة الإخراج والتصفية. فإذا بلغ ذلك اخرج الخمس من الباقي بعد استثناء المؤونة. والأحوط استحباباً أن يكون النصاب ديناراً واحداً، كما أن الأحوط استحباباً دفع الخمس منه مطلقاً.

(مسألة 1483): يعتبر في بلوغ النصاب وحدة العمل على إخراج المعدن. فإذا أخرجه دفعات في عمل واحد عرفاً ليوم أو لشهر أو لموسم أو لسنوات كفى بلوغ المجموع النصاب. نعم، إذا أهمل العمل مدة طويلة ولو لظروف محيطة به بحيث لا يعدّ عمله عرفاً في إخراج المعدن لا يضم اللاحق إلى السابق. ولو لم يؤثر إعراضه في وحدة العمل أو الإخراج، كفى بلوغ المجموع النصاب.

(مسألة 1484): إذا اشترك جماعة في إخراج المعدن اختلف الحكم باختلاف القصد في نية التملك. فان قصد الكل نية التملك لواحد بعينه وجب عليه

ص: 417

الخمس دون سواه مع توفر النصاب، وان قصد كل واحد التملك لنفسه معزولا عن غيره. اعتبر النصاب في نصيب كل واحد منهم. وان قصد كل واحد التملك بنحو الاشتراك مع غيره في ملكية المعدن فالأحوط اعتبار النصاب في مجموع الحصص. ومنه يظهر الحكم فيما إذا اختلفت هذه القصود لدى العاملين في المعدن.

(مسألة 1485): المعدن في الارض المملوكة، إذا كان من توابعها عرفا، فهو ملك لمالك الارض وان أخرجه غيره بدون إذنه وعليه الخمس، والأحوط فيما إذا نوى الآخر التملك لنفسه، مراعاة الاحتياط بالمصالحة، وخاصة فيما إذا لم يكن الإخراج بكراهة من المالك.

(مسألة 1486): إذا كان المعدن في الارض المفتوحة عنوة، التي هي ملك للمسلمين، ملكه المخرج إذا أخرجه بإذن ولي المسلمين على الأحوط وجوباً، وفيه الخمس، وكذلك ما كان في الارض الموات حال الفتح، بدون حاجة إلى الإذن.

(مسألة 1487): إنما يجب الخمس على المخرج فيما إذا قصد التملك لنفسه ولو ارتكازاً، فان قصد ملكية غيره بعمل مجاني أو باجرة، دخل في ملكية من قصده وعليه الخمس. وان لم يقصد ملكية احد بقي على إباحته العامة، ولا يجب الخمس على احد قبل الحيازة.

(مسألة 1488): إذا شك في بلوغ النصاب، فالأحوط وجوباً الاختبار مع الإمكان. ومع عدمه لا يجب عليه شيء. وكذا إذا اختبره فلم يحصل له الوثوق بوجود النصاب. وان كان الأحوط تخميسه مطلقاً.الثالث: الكنز، وهو المال المذخور في موضع، أرضا كان أم جدارا أم غيرهما فانه لواجده وعليه الخمس. والأحوط شمول الحكم لكل معدن، وان لم يكن من الذهب والفضة المسكوكين، سواء وجده في دار الحرب أم دار الإسلام، مواتا كانت الارض حال الفتح أم عامرة أم خربه باد أهلها، وسواء كان عليه اثر الإسلام أم لم يكن، إلا أن يعلم انه ملك لمسلم فيجب عندئذ دفعه لمالكه بالبحث عنه أو عن ورثته، وان لم يجده فالوارث الامام (عليه السلام) أو وكيله الخاص أو العام.

ص: 418

(مسألة 1489): يشترط في وجوب الخمس في الكنز بلوغ النصاب، وهو في الذهب: النصاب الأول، وهو عشرون ديناراً أو قيمتها. وفي الفضة: نصابها الأول وهو مئتا درهم أو قيمتها (والدرهم يساوي 21-40 من المثقال الصيرفي المساوي (6،4) غرام فيكون وزن الدرهم 2. 415 من الفضة الخالصة فالمئتا درهم تساوي 105 مثاقيل صيرفية)، وفي غيرهما: بلوغ قيمة النصاب الأول للذهب، وان كان الأحوط مراعاة اقل النصابين: الذهب أو الفضة، من حيث القيمة، وان بلغ النصاب وجب في الزائد قل أو كثر.

(مسألة 1490): لا فرق بين الإخراج دفعة أو دفعات ولا يعتبر هنا وحدة العمل كما قلنا في المعدن. بل يعتبر للكنز قيمة واحدة لمجموعه. نعم، يجري هنا استثناء المؤونة، وحكم بلوغ النصاب قبل استثنائها، وحكم اشتراك جماعة فيه إذا بلغ المجموع النصاب، وكذلك قصد التملك لنفسه أو غيره كما تقدم في المعدن.

(مسألة 1491): إن لم يعلم أن للكنز مالكاً، كما لو كان يحتمل أن يكون من المباحات العامة وهو مذخور صدفة أو بفعل حيوان مثلا، فلا إشكال في جواز تملكه بعد دفع الخمس، وكذا لو علم انه ملك لمن لا حرمة لماله كالكافر الحربي، ويلحق به ما كان عليه علامة سابقة على الإسلام أو دالة على أن مالكه مشرك في أي زمن كان. وكذا لو كان ملكا لشخص من الملل المحكوم بكفرها من منتحلة الإسلام. نعم، لو علم أن للمالك من هؤلاء وارثاً أو أكثر من المسلمين وجب البحث عنهم، ويكون الكنز بمنزلة ما كان في ملك المسلم.

(مسألة 1492): إذا علم إن الكنز لمسلم، بأي سبب حصل له العلم بذلك، فان كان موجودا معروفا له، وبَيَنَّ صفته دفعه إليه، وان كان له ورثة كذلك دفعه إليهم، وان جهل ذلك فالأحوط التعريف به إلى حين حصول اليأس، فان لم يعرف المالك بعد التعريف، أو كان المال مما لا يمكن التعريف به أمكنه أن يطبق عليه ثلاث خصال: أما دفعه إلى الحاكم الشرعي، أو التصدق به بإذنه، أو تملكه بنية الضمان. ولا فرق في ذلك بين أن يكون المسلم قديماً أو حديثاً، وان كان الأحوط استحبابا

ص: 419

على أي حال إجراء حكم ميراث من لا وارث له عليه.

(مسألة 1493): إذا وجد الكنز في الارض المملوكة له، فان ملكها بالإحياء كان الكنز له وعليه الخمس، إلا أن يعلم انه لمسلم موجود أو قديم، فتجري عليه الأحكام المتقدمة. وان ملكها بالشراء ونحوه فالأحوط أن يعّرفه المالك السابق، واحدا كان أم متعددا فان عرفه دفعه إليه، وإلا عرفه الأسبق منه، مع العلم بوجوده في ملكه أو الظن كذلك بمقدار معتد به وهكذا. فان لم يعرفه الجميع فهو لواجده، إذا لم يعلم انه لمسلم موجود أو قديم، وإلا جرت عليه الأحكام المتقدمة. وكذا إذا وجده في ملك غيره، سواء كان تحت يده أو تحت يد مالكه أو يد ثالث. ولا يفرق فيما تحت يده أو غيره ما كان بشكل مشروع كالاجارة، أو غير مشروع كالغصب، فانه يعرفه المالك وذا اليد ويدفعه لمن عرفه. والأحوط وجوبا أن يعرفه السابق من مالك أو ذي يد، مع العلم بوجوده في ملكه أو الظن بذلك بمقدار معتد به، وهكذا. فان لم يعرفه الجميع فهو لواجده، إلا أن يعلم انه لمسلم موجود أو قديم، فيجزي عليه حكم ما تقدم.

(مسألة 1494): الأحوط بل الأقوى إلحاق الذمي بالمسلم من حيث الأحكام السابقة، فيما لو علم أو ظن سبق تملكه للكنز.

(مسألة 1495): إذا اشترى دابة فوجد في جوفها مالا عرفه البائع، فان لم يعرفه كان له. وكذا الحكم في أي حيوان غير الدابة مما كان تحت يد البائع. وكذا لو انتقل الحيوان إليه بمعاملة أخرى كالهبة أو عوض الإيجار وغير ذلك.

(مسألة 1496): إذا اشترى سمكة ووجد في جوفها مالا فهو له، من دون تعريف. ولا يجب فيما وجده في الدابة أو في السمكة ونحوها الخمس بعنوان الكنز. بل يجري عليه حكم الفائدة والربح.

الرابع: الغوص، وهو ما اخرج من البحر بالغوص كالجواهر مثل اللؤلؤ ونحوها مما كان فيه بالخلقة من غير الحيوان، ولا ما يكون وجوده في البحر كوجوده على الارض كالصخر والحجر المرجاني. فالحيوان مطلقا وجزؤه لا غوص

ص: 420

فيه وان اخرج بالغوص. كما أن الساقط في البحر من خارجه كالخاتم والسوار لا يشمله هذا الحكم وان اخرج به، كما أن إخراج الصخور والأتربة أو النباتات البحرية ليس من الغوص أيضا، كما أن ما يؤخذ من ماء البحر بالتحليل ليس غوصاً وان اخرجوا الماء من القعر بسبب الغوص.

(مسألة 1497): إذا كان شيء موجوداً في البحر بالخلقة، ولكنه يوجد على سطح الماء لا في قعره، فانه لا يشمله حكم الغوص. بخلاف ما لو كان الشيء موجودا في القعر عادة، ولكنه وجده على السطح صدفة، فأخذه من دون غوص، فالأحوط وجوبا جريان حكم الغوص عليه.

(مسألة 1498): الأحوط أن الأنهار العظيمة حكمها حكم البحربالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص.

(مسألة 1499): الأحوط وجوب الخمس في الغوص، وان لم يبلغ النصاب الشرعي له وهو دينار واحد. يعني انه لا نصاب له، بل يجب خمسه قلّ أو كثر، بعد إخراج المؤن.

(مسألة 1500): لا إشكال في وجوب الخمس في العنبر إن اخرج بالغوص، والأحوط وجوبه فيه إن اخذ من وجه الماء أو الساحل.

(مسالة 1501): إذا اخرج بآلة من دون غوص فالأحوط وجوباً جريان حكم الغوص عليه إذا كان المخرَج مما يتوفر فيه الشرط.

الخامس: الأرض التي تملّكها الذمي من مسلم، فانه يجب فيها الخمس على الأحوط. ولا فرق بين الارض الخالية إذا كانت مملوكة، وارض الزرع، وارض الدار، وغيرها. ولا يختص الحكم بصورة وقوع البيع على الارض، بل إذا وقع على مثل الدار أو الحمام أو الدكان، وجب الخمس في الارض. كما انه لا يختص الحكم بالشراء بل يجري في سائر المعاملات الاختيارية حتى المجاني منها، كالهبة والصلح، وأما شمول الحكم لسائر الانتقالات الاختيارية، كوقوعها عوض ضمان القرض، أو ضمان الإتلاف ونحوها، فشمول الحكم لها مبني على الاحتياط

ص: 421

الاستحبابي.

(مسألة 1502): إذا كان الانتقال قهريا كالإرث، إذا قلنا بملكية الوارث من حين الوفاة، واسلم قبل القسمة، بحيث ينكشف ملكية الكافر لها بالميراث من حينها كما لا يبعد. ونحوه حكم القاضي الشرعي بالملكية قهرا، أو الولي الشرعي العام أيضا بها. فما دام الانتقال قهريا لم يشمله وجوب الخمس من هذه الناحية.

(مسألة 1503): إذا اشترى الارض ثم اسلم لم يسقط الخمس. وكذا إذا باعها إلى مسلم، فإذا اشتراها منه مسلم ثانية، وجب خمس آخر. فان كان الخمس الأول قد دفعه من العين، كان الخمس الثاني خمس الأربعة أخماس الباقية، وان كان قد دفع الخمس الأول من غير العين، كان الخمس الثاني من تمام العين، فإذا باعها الذمي على مسلم من الشيعة جاز له التصرف بها من دون إخراج الخمس.

(مسألة 1504): يختص هذا الحكم بالذمي، ولا يشمل مطلق الكافر، سواء كان كتابيا ام غيره، مرتدا أم أصليا أم محكوما بكفره. وان كان الأحوط جريانه على مطلق الكافر الأصلي، وبخاصة الكتابي وان لم يكن ذميا.

(مسألة 1505): يتعلق الخمس برقبة الأرض المشتراة، ويتخير الذمي بين دفع خمس العين ودفع القيمة، فلو دفع احدهما وجب القبول. وان لم يدفع الخمس كان للحاكم الشرعي إجباره على ذلك مع الإمكان.

(مسألة 1506): يدفع هذا المورد من الخمس كغيره إلى الحاكم الشرعي فلا مجال للإشكال الذي يذكر حول من الذي يتولى النية حين الدفعإلى المستحقين.

(مسألة 1507): إذا كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء، فان اشتراها الذمي على أن تبقى مشغولة فيها باجرة أو مجانا، قوم خمسها كذلك. وان اشتراها على ان يقلع ما فيها قُوِّم، أيضا كذلك. وان اشترى الارض وما عليها، قومت الأرض كذلك، ولم يجب الخمس فيما عليها من هذه الناحية.

(مسألة 1508): إذا اشترى الذمي الأرض، وشرط على البائع المسلم أن يكون الخمس عليه، فان كان المراد هذا القسم من الخمس صح الشرط، واستحق البائع

ص: 422

مجموع الثمن، وتكفل هو بدفع الخمس عن المشتري. وان كان المراد به الخمس بعنوان آخر بطل الشرط، أو رجع إلى أن المبيع أربعة أخماس الارض، فيجب الخمس فيه دون غيره.

(مسألة 1509): إذا اشترط المشتري الذمي في العقد أن لا يكون في الارض الخمس، أو أن يسقطه الحاكم الشرعي عن ذمته، بطل الشرط.

السادس: المال الحلال المختلط بالحرام بحيث لم يميز ولم يعرف مقداره، ولا أصحابه، فإنه يحل بإخراج خمسه ودفعه إلى الحاكم الشرعي بنية الخمس، والأحوط استحبابا قصد الأعم من رد المظالم والخمس ليصرفه على من ينطبق عليه كلا العنوانين للاستحقاق. وأما لو علم المقدار ولم يعلم المالك، فعليه التصدق به عنه، سواء كان الحرام بمقدار الخمس أم كان اقل منه أم كان أكثر منه، والأحوط وجوباً أن يكون بإذن الحاكم الشرعي. وله أن يقسطه عليه أو يعفيه من بعضه، إن وجد في ذلك مصلحة. وان علم المالك وجهل المقدار تراضيا بالصلح، وان لم يرض المالك بالصلح جاز الاقتصار على دفع الأقل إليه، والأحوط استحبابا دفع أكثر المحتملات إليه. والأحوط مع ذلك الرجوع إلى الحاكم الشرعي لحسم الدعوى. وان علم المكلف بالمالك والمقدار وجب دفعه إليه ويكون التعيين بالقرعة أو التراضي.

(مسألة 1510): إذا علم قدر المال الحرام ولم يعلم صاحبه بعينه، بل علمه في عدد محصور أعلمهم بالحال، فإن ادعاه أحدهم وأقرّه عليه الباقي واعترفوا بأنه ليس لهم سلّمه إليه ويكون التعيين بالتراضي بينهما، وان ادّعاه أزيد من واحد فإن تراضوا بصلح أو نحوه فهو، وإلا تعيّن الرجوع إلى الحاكم الشرعي في حسم الدعوى، وإن أظهر الجميع جهلهم بالحال أو أنكروه تصدق بالمال عن أصحابه الواقعيين، وإن امتنعوا عن التراضي تعيّن الرجوع إلى الحاكم الشرعي فقد يوقع الرضا بينهم أو يحسمها بالقرعة، وإذا احتمل ملكية البعض دون الجميع فان أمكن استرضاء الجميع وجب وإن لم يمكن عمل بالقرعة.

ص: 423

(مسألة 1511): في مفروض المسألة السابقة إذا تعذّر السؤال منهم جميعاً لوجود ضرر في ذلك أو لغيبتهم جميعاً وغير ذلك فالحكم فيمثله بيد الحاكم الشرعي، وإذا تعذّر السؤال من بعضهم دون بعض، فمن أمكن سؤاله تحلل منه ومن لم يمكن فكالسابق.

(مسألة 1512): إن علم المالك في عدد غير محصور تصدق به عنه، والأحوط وجوبا أن يكون بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 1513): إذا علم إجمالا أن الحرام أكثر من مقدار الخمس، لم يشرع الخمس في تحليله على الأحوط إذا لم يعلم المالك. بل يكون في الذمة كرد للمظالم. ولا يجب عليه الخمس لو علم أن الحرام اقل من الخمس بل يجزئه دفع ما يحصل به العلم إجمالاً ببراءة الذمة.

(مسألة 1514): إذا كان في ذمته مال حرام فلا محل للخمس. ولكن تارة يعلم جنسه ومقداره وأخرى لا يعلم. وتارة يعلم مالكه في واحد أو في عدد محصور وأخرى لا يعلم. فهنا صور:

الصورة الاولى: إذا علم جنس المال ومقداره، وعرف صاحبه واحدا كان أو متعددا. وجب رده إليه أو إلى ورثته.

الصورة الثانية: إذا علم جنس المال ومقداره، وعرف صاحبه في عدد محصور فالأحوط وجوبا استرضاء الجميع مع الإمكان. وإلا اخذ بالظن الراجح في تعيين المالك، فان تساوى الظن عمل بالقرعة. ومع إمكان استرضاء البعض دون البعض فالأحوط انجازه.

الصورة الثالثة: أن يعلم جنس المال ومقداره، ويشتبه مالكه في عدد غير محصور. فهو مجهول المالك يطبق عليه حكمه. والاهم فيه هو اخذ الإذن من الحاكم الشرعي.

الصورة الرابعة: إذا علم جنس المال وجهل مقداره، وعرف مالكه، واحداً كان أم متعددا، جاز له دفع المقدار الأقل من حدّي الترديد لإبراء ذمته، ويكون

ص: 424

دفع الباقي مبنياً على الاحتياط الاستحبابي.

الصورة الخامسة: إذا جهل مقدار المال وجهل المالك، على انه يعلم به في عدد محصور، ففيها ما قلناه في الصورة الثانية. ولكن يدفع إليهم المقدار الأقل من احتمالات المبلغ، ولا يجب دفع الزائد.

الصورة السادسة: إذا جهل مقدار المال وجهل المالك، بمعنى تردده في عدد غير محصور، فهو من قبيل مجهول المالك إن كان عينا، ورد المظالم إن كان في الذمة. وعلى أي حال لا يجب عليه دفع الزائد على المقدار الأقل، إلا بنحو الاحتياط الاستحبابي.

الصورة السابعة: أن يجهل جنس المال ومقداره، وكان المال قيمياً، وكانت قيمته في الذمة، فالحكم فيه كما لو عرف جنسه في تفاصيل الصور الثلاث السابقة.

الصورة الثامنة: أن يجهل جنس المال ومقداره، وكان المال مردداً بين أجناس مختلفة سواء كان الجميع قيمياً أو مثلياً أو مختلفاً فان أمكنت المصالحة مع المالك تعين ذلك، وإلا فلا يبعد الرجوع إلى القيمة بما يقطعمعه ببراءة الذمّة على أن لا يسبب له ذلك ضرراً أو حرجاً ولو بمعونة القرعة. هذا وأما في أسواقنا الحالية، فالعمل على القيمة فقط. فيكون دفعها مجزيا، مع الاقتصار على الأقل. ويكون دفع الزائد احتياطاً استحبابياً، كما يكون العمل بالقرعة بين الأجناس كذلك.

(مسألة 1515): إذا ظهر المالك - أي صاحب المال الذي افترض انه محرم لأنه ملك الغير- بعد دفع الخمس، في مورد اجتزائه، فالظاهر عدم الضمان له.

(مسألة 1516): إذا ظهر المالك بعد دفع رد المظالم أو التصدق بالمال، فان كان ذلك بإذن الحاكم الشرعي فلا إشكال في عدم الضمان وان لم يكن بإذنه فالأحوط استرضاء المالك. وان كان الأحوط وجوباً للمالك العفو.

(مسألة 1517): إذا علم بعد دفع الخمس أن الحرام أكثر من الخمس، وجب عليه دفع الزائد أيضاً. وان علم انه انقص لم يجز له استرداد الزائد على مقدار الحرام.

ص: 425

(مسألة 1518): إذا كان المال المختلط من الخمس أو الزكاة أو الوقف العام أو الخاص، يعني يكون الفرد قد اختلط احد هذه الأموال مع أمواله، فانه لا يحل بإخراج الخمس، بل يجري عليه حكم معلوم المالك، فيراجع ولي الخمس أو الزكاة أو الوقف العام أو الوقف الخاص، على احد الوجوه السابقة.

(مسألة 1519): إذا كان الحلال المختلط بالحرام قد تعلق به الخمس، وجب تخميسه مرتين، بتقديم الخمس المحلل للحرام، ثم دفع الخمس الآخر، فلو كان مجموع المال مائة فخمسها الأول عشرون والباقي وهو ثمانون خمسه ستة عشر فيبقى له من مجموع المال أربعة وستون، ولا يجوز الاقتصار على خمس واحد.

(مسألة 1520): إذا تصرف في المال المختلط بالحرام قبل إخراج خمسه بالإتلاف لم يسقط الخمس، بل يكون في ذمته يدفعه إلى مستحقه. وكذا الحال في مجهول المالك أن تصرف فيه بالإتلاف، فانه يكون في ذمته كرد للمظالم، فان عرف قدره دفعه، وإلا كان له الاقتصار على مقدار الأقل، ويبقى دفع الباقي مبنيا على الاحتياط الاستحبابي.

السابع مما يجب فيه الخمس: ما يفضل عن مؤونة سنته، مما صرفه لنفسه وعياله من فوائد الصناعات والزراعات والتجارات والاجارات وحيازة المباحات، بل الأحوط الأقوى تعلقه بكل فائدة مملوكه له، كالهبة والهدية والجائزة والمال الموصى به، ونماء الوقف الخاص والعام، والميراث الذي لا يحتسب - أي لا يُتوقّع-، وعوض الخلع، وإنما يجب الخمس على تقدير الملك بالقبض في عدد من هذه العناوين.

(مسألة 1521): في وجوب الخمس في الميراث المحتسب كميراثالطبقة الأولى ومهر الزوجة وديات الأعضاء وارش الجنايات تردد، من جهة الشك في صدق عنوان الغنيمة والفائدة عليها خصوصاً الأخير فيحصل الشك في شمول عموم مثل قوله (عليه السلام) (في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير) فتجري أصالة البراءة، فلا يجب الخمس وهو قول المشهور الذي يمكن الرجوع اليه في موارد

ص: 426

التردد والاحتياط.

(مسألة 1522): إذا كان الشخص موردا لصرف الحقوق الشرعية كالخمس والزكاة، فان ما قبضه منها على نحو التملك يدخل في الفائدة فما فضل منه في نهاية السنة يجب فيه الخمس والمفروض أنه لا يمتلك أزيد من مؤونة سنته لخروجه بذلك عن عنوان الفقير فلا يستحق الزائد. وحينئذٍ لا يجب عليه الخمس فيما وقع تحت يده وحيازته إذا لم ينوِ عليه التملك.

(مسألة 1523): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس، أو تعلق بها وأداه، فنمت وزادت، فهذه الزيادة يمكن أن تكون على أنحاء:

النحو الأول: الزيادة المنفصلة أو ما بحكمها عرفا، كالولد والثمر واللبن والصوف، مما كان منفصلا بطبعه، وان لم ينفصل فعلا، فالظاهر وجوب الخمس في الزيادة، ما لم يستعمل في مؤونة السنة، ممن له حق تأجيل الخمس إلى سنة.

النحو الثاني: الزيادة المتصلة، كنمو الشجرة وسمن الشاة المعدّة للاستفادة من لحمها، فحكمها حكم النحو الأول، إذا كانت زيادة معتد بها عرفا.

النحو الثالث: زيادة القيمة السوقية، بلا زيادة عينية من النحوين الأول والثاني، وكان قد اعد البضاعة للمتاجر بها، ولا زال من قصده ذلك، فيجب الخمس في الارتفاع المذكور، اما اذا اتخذها للاقتناء التجاري كالشقق والمحلات للاستئجار او سيارة الأجرة فلا خمس على مثل هذه الزيادة الا اذا باعها بزيادة بقيت فائضة الى رأس السنة.

النحو الربع: زيادة القيمة السوقية فيما لا خمس عليه كالذي أعده للمؤونة من حين أو قبل حصول الزيادة، فلا يجب فيها الخمس، وإذا باعه بالسعر الزائد فان كان تملكه للعين بعوض -كالشراء- اعتبر الزائد من أرباح السنة وخمس الفاضل في نهايتها، وإن لم يكن بعوض، كما لو كانت من الموارد التي ترددنا في وجوب الخمس فيها كديّة الأعضاء فلا خمس في الزائد حتى إذا باعها.

ولا يفرق في هذه الأنحاء الأربعة بين أن يبيعه أو لا. فان وجب الخمس قبل

ص: 427

البيع وجب بعده، وان لم يجب قبله لم يجب بعده، عدا ما قلناه في النحو الرابع.

ويمكن تلخيص الصور ببيان آخر بأن يقال:

إن أقسام ما زادت قيمته ثلاثة:الأول: ما يجب فيه الخمس في الزيادة، وإن لم يبعه، وهو ما أعده للتجارة.

الثاني: ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة، وإن باعه بالزيادة كالذي ملكه بالإرث المحتسب وارش الجناية ونحوها - على القول بعدم وجوب الخمس فيه-، مما لم يتعلق به الخمس ولم يعده للتجارة. ومن قبيل ذلك ما ملكه بالهبة أو الحيازة مما كان متعلقاً للخمس ولكن قد أداه من نفس المال، وأما إذا أداه من مال آخر فلا يجب الخمس في زيادة القيمة بالنسبة إلى أربعة أخماس ذلك المال ويجري على خمسه الذي ملكه بأداء قيمته من مال آخر حكم المال الذي ملكه بالمعاوضة.

الثالث: ما لا يجب فيه الخمس في الزيادة، إلا إذا باعه، وهو ما ملكه بالمعاوضة كالشراء ونحوه، بقصد الاقتناء لا التجارة.

(مسألة 1524): الظاهر أن جعل رأس السنة مصلحة للمكلف بعنوان الولاية، فلا يجوز الزيادة على السنة، يعني تأجيل دفع الخمس أكثر إلا بإذن الولي، وأما دفعه قبل ذلك فلا مانع منه.

(مسألة 1525): بناء على عدم وجوب الخمس في المال الموروث فانه لا يجب فيه الخمس بشرطين:

الشرط الأول: أن لا يكون متعلقاً للخمس في حياة المورِّث، كما لو كان خمسه مدفوعاً، أو كان إرثاً أو مهراً لا يجب تخميسه.

الشرط الثاني: أن يكون من الميراث المحتسب وهو ميراث الطبقة الأولى مع الزوج أو الزوجة.

(مسألة 1526): تفريعاً على المسألة المتقدمة فإنه مع عدم توفر الشرطين المذكورين في المال الموروث يجب دفع خمسه. وله صور:

الصورة الأولى: أن يكون ميراثاً محتسباً ولكنه متعلق للخمس منذ حياة المورث، فيجب تخميسه قبل التوزيع بين الورثة. وان لم يخمس وجب على الوارث

ص: 428

تخميس ما وصل إليه.

الصورة الثانية: أن يكون ميراثا غير محتسب، ولكنه غير متعلق للخمس في حياة المورث، فيجب على الوارث تخميس ما وصل إليه.

الصورة الثالثة: بان يكون ميراثا غير محتسب، وكان متعلقا لوجوب الخمس في حياة المورث، ففي مثله يجب التخميس مرتين: الاولى: عن ذمة الميت قبل التقسيم، والأخرى: عن ذمة الوارث فيما وصل إليه.

(مسألة 1527): الذين يملكون الغنم يجب عليهم في آخر السنة إخراج خمس الباقي بعد مؤونتهم، من نماء الغنم من الصوف والسمن واللبن والسخال المتولدة منها، وإذا بيع شيء منها في أثناء السنة وبقي شيء من ثمنه، وجب إخراج خمسه أيضا. وكذلك الحكم في سائر الحيوانات، فانه يجب تخميس ما يتولد منها إذا كان باقياً في آخر السنة بنفسه أو بثمنه.(مسألة 1528): يمكن أن يجتمع الخمس والزكاة في مال واحد، بمعنى وجوب دفعهما في زمان واحد أو زمانين، كما لو كان عنده نحواً من ستين رأسا من الغنم مما يقصد به التجارة والاسترباح، فإذا مضى عليها عام، وجبت زكاتها ووجب خمسها، ولو دفع الخمس لم ينقص نصاب الزكاة، ولو دفع الزكاة لم يسقط الخمس، والأحوط البدء بدفع الخمس لتكون حصة الزكاة مخمسة. ويمكن أن يجب الخمس دون الزكاة، وان كان النصاب زكوياً. وذلك لأنه ينقص بدفع الخمس عن النصاب فلا تجب الزكاة. وقد تجب الزكاة دون الخمس، كما لو كان رأس سنتها اسبق من سنة الخمس، فيدفع الزكاة، ويخمس الباقي مع حصول وقته.

فروع في تحديد مؤونة السنة

(مسألة 1529): المؤونة المستثناة من الأرباح والتي لا يجب فيها الخمس

ص: 429

أمران:

الأمر الأول: مؤونة تحصيل الربح: وهي كل مال يصرفه الإنسان في سبيل الحصول على الربح، كأجور النقل والدلال والكاتب والحارس والدكان وضرائب السلطان وغير ذلك. فان جميع هذه الأمور تخرج من الربح ثم يخمس الباقي. ومن هذا القبيل ما ينقص من ماله في سبيل الحصول على الربح، كالمصانع والسيارات وآلات الصناعة والخياطة والزراعة وغير ذلك. فان ما يرد على هذه الأمور من النقص أو العطل باستعمالها في أثناء السنة يتدارك من الربح مثلا إذا اشترى سيارة بعشرة آلاف واستعملها للأجرة وفي نهاية السنة كان صافي واردها ثلاثة آلاف لكن قيمتها نزلت الى تسعة آلاف، اقتطع ألفاً من صافي الوارد لجبر النقصان وخمس الباقي وهو ألفان.

(مسألة 1530): كل ما يصرفه الإنسان في سبيل حصول الربح يستثنى من الأرباح كما مر، ولا يفرق في ذلك بين حصول الربح في سنة الصرف وحصوله فيما بعد، فكما لو صرف مالاً في سبيل إخراج المعدن استثنى ذلك من المخرج، ولو كان الإخراج بعد مضي سنة أو أكثر فكذلك لو صرف مالاً في سبيل حصول الربح، ومن ذلك النقص الوارد على المصانع والسيارات وآلات الصنائع وغير ذلك مما يستعمل في سبيل تحصيل الربح.

الأمر الثاني: مؤونة العيال: وهي كل ما يصرفه في سنته في معاش نفسه وعياله على النحو اللائق بحاله، وفي صدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه المناسبة له، وكذلك ما يصرفه في ضيافة أضيافه وان زادوا على المناسب لحاله، إذا لم يكن وجودهم بتسبيب منه، وأما المقدار المناسبمنهم لحاله، فلا يعتبر فيه ذلك. وكذلك يعتبر من المؤونة وفاؤه بالحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأ. أو فيما يحتاج إليه مما هو مناسب لحاله من دابة أو سيارة أو أكثر، أو جارية أو خادم، وكتب وأثاث، أو في ختان أولاده وتزويجهم ذكوراً أم إناثا، ولا يختلف الحال في المؤونة بين أن يكون الصرف على

ص: 430

نحو الوجوب كالحج الواجب، أم الاستحباب كالزيارة، أم الإباحة أم الكراهة ما لم يكن الصرف محرما، أو يكون متعلقه محرما، فيجب الخمس فيما صرفه، بخلاف ما لو كان موضوعه محرما كإتلاف مال الغير بدون إذنه، فان العوض يدخل في المؤونة.

(مسألة 1531): لا تصدق المؤونة إلا فيما صرف فعلاً من المال، لا على المال المذخور للصرف، فيجب الخمس بعد مصروف السنة، وان كان الباقي مالا مذخوراً للصرف.

(مسألة 1532): إذا تبرع له متبرع بنفقته أو بعضها، لا يستثنى ذلك من أرباحه، بل يحسب ما يقابله من الربح من المال الذي لم يصرف في المؤونة، فيجب عليه تخميسه.

(مسألة 1533): يجب أن يكون الصرف على النحو المتعارف المناسب لحاله عرفا واجتماعيا، فإذا زاد الصرف على ذلك وجب خمس التفاوت، وكذلك إذا كان الصرف سفها أو تبذيراً، ولكن إذا صرف اقل من المقدار المناسب له، وجب الخمس في الزائد كله.

(مسألة 1534): الظاهر أن المصرف إذا كان راجحا شرعا لم يجب فيه الخمس، وان زاد عن المتعارف، كالزيادة في الصدقات والمبرات، وقضاء حاجات المحتاجين، وعمارة المساجد، وسائر الأمور النافعة للآخرين من المؤمنين.

(مسألة 1535): رأس سنة المؤونة لمن ليس له سنة مالية، هو يوم البدء بالعمل، ويمكن حسابها من يوم ظهور الربح، ومن الراجح بل الواجب أن لا يهمل الفرد نفسه من هذه الناحية، فيجعل لنفسه رأس سنة منذ أول حياته العملية. فعند البدء بالعمل التجاري أو الصناعي أو الزراعي أو التعليم أو الطب، أو أي عمل محلل آخر يكون أول سنته المالية الشرعية، ويمكن كما قلنا تأجيل الحساب إلى أول يوم يظهر فيه الربح أو يقبض الراتب، فإذا مضت على ذلك سنة صرف فيها ما يناسب حاله من المؤونة، فان بقي لديه زائد وجب فيه الخمس قل أو كثر، سواء كان من

ص: 431

الأثمان أو العروض مما ينقل أو مما لا ينقل.

(مسألة 1536): يجوز للفرد أن يجعل لكل نوع من أنواع العمل بخصوصه رأس سنة، فيخمس ما زاد عن مؤونته منه في آخر تلك السنة.

(مسألة 1537): المهم هو صدق السنة عرفا بأي تقويم كان، كالهجري أو الميلادي أو غيرهما، أو بدون أي تقويم كعدد الأيام أوالأسابيع مثلا.

(مسألة 1538): ليس تعيين رأس السنة اختياريا للمكلف في أول حصوله، بل يتعين عند البدء بالعمل كما مر، وسيأتي أن من لم يعين له رأس سنة فسيكون ذلك له في يوم دفع أول أقساط الخمس لماله، كما أن هذا التعيين لم تثبت ولاية الفقيه عليه، بحيث يختار رأس السنة للمكلفين، فانه من الأمور الموضوعية المربوطة بأسبابها الواقعية كما اشرنا، نعم، يكون له ذلك فيما إذا فقد السبب الواقعي.

(مسألة 1539): إذا لم يكن للفرد عمل، بان كان يعيش على نفقة شخص آخر كأبيه أو ابنه، أو على التبرعات أو الوجوه المالية الشرعية أو نحو ذلك، كان أول سنته أول يوم يقبض فيه أول دفعة من المال، فان لم يكن قد عين له رأس سنة، كان رأس سنته هو يوم دفع أول مبلغ من الخمس، فان لم يكن له زيادة يدفع خمسها، لم يكن له رأس سنة حتى تحصل تلك الزيادة. ويجب المبادرة عندئذ إلى دفع الخمس، ومع عدمها فالأحوط له استحبابا اختيار يوم معين لجعله رأس سنة له بالاتفاق مع الحاكم الشرعي.

(مسألة 1540): رأس سنة المؤونة لمن لا مهنة له يتعاطاها في معاشه وحصلت له فائدة اتفاقاً أول زمان حصولها، فمتى حصلت جاز له صرفها في المؤونة اللاحقة إلى عام كامل، وأما من له مهنة يتعاطاها في معاشه فرأس سنته حين الشروع في الاكتساب، فيجوز له احتساب المؤن المصروفة بعده من الربح اللاحق.

(مسألة 1541): إذا كان الشخص مهملاً لمسألة الخمس قصوراً أو تقصيراً ولم يحاسب نفسه مدة من السنين وقد ربح فيها واستفاد أموالاً، واشترى منها أعياناً وأثاثاً، وعمّر دياراً وكوّن له أرصدة في البنوك وأموالاً مستثمرة في جهات عديدة

ص: 432

ونحوها من الأموال، ثم التفت إلى ما يجب عليه من إخراج الخمس من هذه الأموال المنقولة وغير المنقولة، فالواجب عليه إخراج الخمس من كل هذه الأموال والموجودات ومن كل ما اشتراه أو عمّره أو غرسه مما لم يكن معدوداً من المؤونة.

أما ما اتخذه للمؤونة من هذه الأمور كدار السكن أو السيارة الشخصية أو الأثاث فلا خمس عليه إن كان اشتراه من أرباح السنة، ويجب فيه الخمس في حالتين:

أ- إذا كان المال الذي دفعه لشرائها قد جمعه في أكثر من سنة من الفاضل عن مؤونته فيخمس كل ما جمعه في غير سنة الشراء.

ب- إذا كانت العين المشتراة بقيت فاضلة عن المؤونة بعد شرائها إلى أن مرّت عليها سنة قبل دخولها في المؤونة.

(مسألة 1542): من كان له أكثر من شكل واحد من الأعمال المذكورة في المسألة السابقة كالتجارة والإجارة والزراعة، كان لكل واحدحكمه، حتى لو اقتضى أن يكون لكل عمل عام مالي مستقل، كما يجوز له أن يجعل لنفسه رأس سنة واحدة فيحسب مجموع وارداته في آخر السنة ويخمّس ما زاد على مؤونته.

(مسألة 1543): من كان بحاجة إلى رأس مال لإعاشة نفسه وعياله، فحصل على مال لا يزيد على مؤونة سنته، بحيث لو صرفه فيها لم يزد عليها، ولكنه اشتغل به للتجارة، فالظاهر انه ليس من المؤونة ما لم يصرف فيها أو قسم منه فعلا، فيجب إخراج خمسه في بدء العمل، وإلا ففي رأس السنة، مضافا إلى خمس أرباحه بعد استثناء المؤونة. وإذا نقص رأس المال خلال السنة بخسارة تجارية أمكن جبره من الربح، بخلاف ما لو نقص بالصرف في المؤونة فانه لا يجبر من الربح، ويكون الجبر من أرباح نفس السنة لا من السنين الآتية.

(مسألة 1544): لا فرق في مؤونة السنة بين ما يصرف عينه، مثل المأكول والمشروب، وما ينتفع به مع بقاء عينه، كالدار والفرش والأواني ونحوها من الآلات المحتاج إليها. فيجوز استثناؤها إذا اشتراها من الربح. وان بقيت للسنين الآتية، ما لم

ص: 433

تهمل لمدة عام فإنها تخرج عن المؤونة.

(مسألة 1545): يدخل في مؤونة السنة ما يتم استعماله، كما اشرنا وما لا يتم استعماله ولكن ملكيته مناسبة لحاله الاجتماعي، كشيء من الحلي للمرأة، ومن الكتب لرجل الدين أو للمثقف، أو شيء من المعروضات والصور المناسبة لحاله، وكذلك يدخل فيها الآلات المدخرة لاستعمالات محتملة بالمقدار المناسب لحاله، وان لم تستعمل فعلا كآلة الإطفاء للحريق والفرش والأواني المذخورة للضيوف المحتمل ورودهم، وكذلك لو كانت سيارة مدخرة لنقل الضيوف، أو فسطاط مدخر لجلوسهم أو لنقل أولاده إلى المدارس أو التسوق أو أي شيء يناسب حاله، فانه يدخل في المؤونة وان لم يستعمل. نعم، إذا كان المدخر زائداً عن حاله الاجتماعي أو عن احتمال حاجته وجب فيه الخمس.

(مسألة 1546): يجوز إخراج المؤونة من الربح، حتى وان كان له مال غير مال التجارة، وسواء كان ذلك المال مما وجب فيه الخمس أو لم يجب، فلا يجب إخراج المؤونة من ذلك المال ولا التوزيع عليهما.

(مسألة 1547): إذا زاد ما اشتراه للمؤونة من الحنطة والشعير والسمن والسكر والشاي وغيرها، وجب عليه إخراج خمسه، أما المؤن التي يحتاج إليها - مع بقاء عينها - إذا استغنى عنها فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها، إذا كان الاستغناء عنها بعد السنة، لأنها وإن أصبحت فاضلة عن المؤونة إلا أنها لا يصدق عليها أنها من أرباح السنة، كما في حلي النساء التي يستغنى عنها في عمر الشيب، وكالملابس اذا لم تعد مناسبة لحال الشخص أو جسمه، أما إذا كان الاستغناء عنها في أثناء السنة، فان كانت مما يتعارف إعدادها للسنين الآتية، كالثياب الصيفية والشتائية عندانتهاء موسمها، أو الفرش والآلات المعدة للضيوف في مواسم معينة كزوار الإمام الحسين (عليه السلام)، فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها أيضاً، وإلا وجب أداء خمسها على الأحوط.

(مسألة 1548): إذا اشترى بعين الربح شيئا، فتبين الاستغناء عنه، وجب إخراج

ص: 434

خمسه، والأحوط مع نزول القيمة عن رأس المال، مراعاة رأس المال وكذا إذا اشتراه عالما بعدم الاحتياج إليه، كبعض الفرش الزائدة والجواهر، أو الحلي المدخرة لوقت الحاجة في السنين اللاحقة، أو المواد التي يؤجل بيعها، وكذلك البساتين والدور التي يقصد الاستفادة من نمائها وأرباحها، فانه لا يراعي في الخمس رأس مالها، بل قيمتها رأس السنة وان كانت اقل منه، ما لم يكن رأس المال غير مخمس فيجب الاحتياط بحساب أعلى القيمتين، والظاهر انه لا فرق في ذلك بين ما يشتريه بعين الأرباح، أو بالذمة ثم وفاه من الأرباح.

(مسألة 1549): ما يدخره من المؤن، كالحنطة والدهن ونحو ذلك إذا بقي منه شيء إلى السنة الثانية - وكان أصله مخمساً- لا يجب فيه الخمس لو زادت قيمته إذا كان دفع الخمس من نفس العين، كما أنه لو نقصت قيمته لا يجبر النقص من الربح .

(مسألة 1550): من جملة المؤن مصارف الحج واجبا كان أو مستحبا، وإذا استطاع الحج في أثناء السنة من الربح ولم يحج ولو عصيانا، وجب خمس ذلك المقدار ولم يستثن منه، وإذا حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة وجب خمس الربح الحاصل في السنين الماضية، فان بقيت الاستطاعة بعد إخراج الخمس وجب الحج وإلا فلا، أما الربح المتممّ للاستطاعة في سنة الحج، فلا خمس عليه إلى نهاية العام، وإذا لم يحج ولو عصياناً وجب إخراج خمسه.

فروع في أحكام الأرباح

(مسألة 1551): إذا عمر بستاناً وغرس فيه نخلاً وشجراً ليس للتجارة بنفس البستان وإنما للاتجار بثمره لم يجب إخراج خمسه، إذا صرف عليه مالاً لم يتعلق به الخمس مما تقدم، أو مالاً قد أخرج خمسه كأرباح السنة السابقة، أو أدّى ثمنه عن ذمته من مالٍ فيه الخمس - كأرباح السنة السابقة ولم يخرج خمسه، كأن اشترى ما غرسه فيه في الذمة ووفى ثمنه مما يجب فيه الخمس، نعم يجب عليه حينئذ إخراج

ص: 435

خمس المال نفسه، وأما إذا صرف عليه من ربح السنة قبل تمام السنة - وجب إخراج خمس نفس ما غرسه وأحدثه بعد استثناء مؤونة السنة، وعلى أي تقدير يجب الخمس في نمائه المنفصل، أو ما بحكمه من الثمر، والسعف، والأغصان اليابسة المعدة للقطع، بل في نمائه المتصل أيضاً إذا عد مصداقاً لزيادة المال على ما عرفت، وكذا يجب تخميس الشجر الذي يغرسه جديداًفي السنة الثانية، وإن كان أصله من الشجر المخمس ثمنه مثل: (التال) الذي ينبت فيقلعه ويغرسه، وكذا إذا نبت جديداً لا بفعله، كالفسيل وغيره، إذا كان له مالية، وبالجملة كل ما يحدث جديداً من الأموال التي تدخل في ملكه يجب إخراج خمسه في آخر سنته، بعد استثناء مؤونة سنته، ولايجب الخمس في ارتفاع قيمة البستان في هذه الصورة، نعم إذا باعه بأكثر مما صرفه عليه من ثمن الفسيل، وأجرة الفلاح وغير ذلك وجب الخمس في الزائد، ويكون الزائد من أرباح سنة البيع، وأما إذا كان تعميره بقصد التجارة بنفس البستان وجب الخمس في ارتفاع القيمة الحاصل في آخر السنة وإن لم يبعه كما عرفت .

(مسألة 1552): إذا اشترى عينا بقصد تجاري، فزادت قيمتها في أثناء السنة، ولكنه لم يبعها غفلة أو طلبا للزيادة أو لغرض آخر، ثم رجعت قيمتها في رأس السنة إلى رأس مالها الأول، فليس عليه خمس تلك الزيادة. نعم، إذا بقيت الزيادة إلى آخر السنة وجب الخمس، وان لم يبعها، بل وان صادف نزول قيمتها بعد ذلك.

(مسألة 1553): إذا حصل لديه أرباح تدريجية فاشترى في السنة الأولى عرصة لبناء دار، وفي الثانية خشباً وحديداً، وفي الثالثة آجراً مثلاً، وهكذا لا يكون ما اشتراه من المؤن المستثناة لتلك السنة، لأنه مؤونة للسنين الآتية التي يحصل فيها السكنى، فعليه خمس تلك الأعيان، نعم إذا كان المتعارف لمثله تحصيل الدار تدريجاً على النحو المتقدم بحيث يعد تحصيل ما اشتراه في كل سنة من مؤنته فيها لكون تركه منافياً لما يقتضيه شأنه فيها لعدم مناسبة السكن الذي هو فيه الآن مثلاً ولان وضعه الاقتصادي لا يسمح بغير ذلك ونحوه فالظاهر عدم ثبوت الخمس .

(مسألة 1554): إذا أجر نفسه سنين، كانت الأجرة الواقعة بإزاء عمله في سنة

ص: 436

الإجارة من أرباحها، وأما ما يقع بإزاء العمل في السنين الآتية، فان قبضه في هذه السنة كان من أرباحها خاصة فيجب الخمس في الفاضل منها. وان قبض أجرة كل سنة فيها، كانت من أرباح تلك السنين.

(مسألة 1555): إذا باع ثمرة بستان سنين، وقبض الثمن معجلا، كان الثمن بتمامه من أرباح سنة البيع، ووجب فيه الخمس بعد المؤونة، وبعد استثناء ما يجبر به النقص الوارد على البستان، من جهة كونه مسلوب المنفعة في المدة الباقية خلال هذه السنة وما بعدها، مثلاً إذا كانت له دار بخمسين وأجرها بعشرين لمدة أربع سنوات دفعت له مباشرة وأصبحت قيمة الدار حال كونها مستأجرة مدفوعة الإيجار لمدة أربع سنوات أربعين خُصِم النقص في سعرها وهو عشرة من الأجرة وهي عشرون، وان كان الأحوط وجوبا عدم استثناء خسارات السنين الآتية من أرباح هذه السنة. ومنه يظهر الحال فيما لو أجر داراً أو فندقا لسنين عديدة.(مسألة 1556): إذا دفع من السهمين أو احدهما، ثم بعد تمام الحول حسب موجوداته ليخرج خمسها، فان كان ما دفعه من أرباح هذه السنة عدّه منها وحسب خمس الجميع ثم استثنى المدفوع ودفع الباقي.

(مسألة 1557): أداء الدين من المؤونة، إذا كان مصروفا في المؤونة، سواء أخذه بهذا القصد أم بقصد آخر، وسواء كانت الاستدانة في سنة الربح أم فيما قبلها، تمكن من الأداء قبل ذلك أم لا. نعم، إذا لم يؤد دينه إلى أن انقضت السنة وجب الخمس، من دون استثناء مقدار وفاء الدين، سواء كان معذوراً في التأجيل أو عاصيا، ويلحق بذلك الدين الشرعي كالخمس والزكاة والنذر والكفارات، وكذا مثل اروش الجنايات وقيم الملتقطات والمتلفات، فإنه إن أداها من الربح لم يجب عليه الخمس فيه، وان كان حدوثه في السنة السابقة، وان لم يدفعها وجب الخمس سواء كان معذوراً في التأجيل أم عاصيا.

(مسألة 1558): ليس من الديون المعدود أداؤها من المؤونة الدين الذي صرف في محرم كالخمر أو لحم الخنزير.

ص: 437

(مسألة 1559): الديون التجارية، ومنها ما تعارف عليه التجار اليوم من أخذ البضاعة على التصريف، أو دفع بعض ثمنها لتاجر الجملة وإبقاء البعض الآخر إلى حين تسوّقه الآتي تخصم من الأرباح ويجب الخمس في الصافي منها.

(مسألة 1560): إذا اشترى ما ليس من المؤونة بالذمة، أو استدان شيئاً لإضافته إلى رأس ماله ونحو ذلك، مما يكون بدل دينه موجوداً ولم يكن من المؤونة، جاز له أداء دينه من أرباح السنة اللاحقة، نعم يعد البدل حينئذ من أرباح هذه السنة فيجب تخميسه بعد انقضائها إذا كان زائداً على مؤونتها، ولو فرض إعداده للتجارة في السنة السابقة وارتفاع قيمته فيها بحيث زادت على قيمة الدين كان الزائد من أرباح تلك السنة لا هذه.

(مسألة 1561): إذا أتجر برأس ماله المخمس مراراً متعددة في السنة، فخسر في بعض المعاملات وربح في البعض الآخر، فان كان الخسران بعد الربح أو مقارنا له، فانه يجبر الخسران بالربح، فان تساوى الخسران والربح فلا خمس، وان زاد الربح وجب الخمس في الزيادة، وان زاد الخسران على الربح فلا خمس عليه، وصار رأس ماله في السنة اللاحقة اقل مما كان عليه في السنة السابقة. وكذا يجبر الربح للخسران حتى ما إذا كان بعده بزمان معتد به، بل حتى إذا وزع رأس ماله على تجارات متعددة عرفا، بل الظاهر الجبران مع اختلاف نوع الكسب، كما إذا اتجر ببعض رأس المال وزرع بالبعض الآخر، فخسر في التجارة وربح في الزراعة إذا لم تكن هذه الأنواع متمايزة في مصاريفها ومدخولاتها ورؤوس أموالها وتفاصيل عملها، وكذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس ماله أو صرفه في نفقاته، بل إذا انفق من مال غير مال التجارة قبل حصول الربح، جاز لهأن يجبر تلك من ربحه وليس عليه خمس ما يساوي المؤن التي صرفها، وإنما عليه صرف خمس الزائد لا غير.

(مسألة 1562): ما قلناه في المسألة السابقة ينطبق على أهل المواشي، فانه إذا باع بعضها لمؤونته أو مات بعضها أو سرق، فانه يجبر جميع ذلك بالنتاج الحاصل له قبل ذلك، فضلا عن الحاصل بعده، ففي آخر السنة يضم السخال إلى أرباحه في

ص: 438

تلك السنة من الصوف والسمن واللبن وغير ذلك، فيجبر النقص ويخمس ما زاد عن الجبر، فإذا لم يحصل الجبر إلا بقيمة جميع السخال مع أرباحه الأخرى، لم يكن عليه خمس في تلك السنة.

(مسألة 1563): في فرض المسألتين السابقتين، إذا تلف بعض أمواله مما ليس من مال التكسب، كما إذا انهدمت دار غلته، ففي الجبر إشكال، وكذا إذا انهدمت دار سكناه إلا أن يعمرها، فيكون تعميرها من المؤن المستثناة، وكما لو تلفت بعض أمواله الأخرى مثل ألبسته أو سيارته.

(مسألة 1564): الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين بنحو الكلي في المعين، ويتخير المالك بين دفع العين ودفع القيمة، ولا يجوز له التصرف بعد انتهاء السنة قبل أدائه، وإذا ضمنه في ذمته بإذن الحاكم الشرعي أو عزله بإذنه أيضا صح، ويسقط الحق عندئذ من العين فيجوز التصرف فيها.

(مسألة 1565): إذا أخر دفع الخمس مع وجوبه ترتبت على ذلك آثار باطلة عديدة، منها: حرمة تصرفه في العين أكلا أو لبساً أو سكنى أو غير ذلك. ومنها: انه تشتغل ذمته باجرة المثل لهذا التصرف، فيما يقابل الخمس المستحق لذويه. ومنها: أن المعاملات الجارية على الأعيان أو الأثمان المستحقة تكون نافذة في الأربع أخماس، وباطلة في مقدار الخمس، وليس له أن يأخذ الثمن بإزائها كاملة، كما انه ليس له أن يدفع العين إلى مشتريها قبل التخميس، ما لم يخبره بذلك ويثق بأنه سوف يقوم بهذه الوظيفة الشرعية. ومنها: أن إنتاج الخمس وأرباحه لذوي الخمس وليس للمالك. ومنها: انه اذا مات قبل دفع الخمس وجب على ورثته دفع خمس التركة مع الديون، قبل تقسيمها بينهم.

(مسألة 1566): تفريعاً على ما قلناه من عدم جواز التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس، فلو تصرف فيها بالاتجار فإن كان الاتجار بما في الذمة وكان الوفاء بالعين غير المخمسة صحت المعاملة ولكن يلزمه دفع خمس تلك العين ولو من مال آخر، وإن كان الاتجار بعين ما فيه الخمس، فالظاهر صحة

ص: 439

المعاملة أيضاً إذا كان طرفها مؤمناً من غير حاجة إلى إجازة الحاكم الشرعي ولكن ينتقل الخمس حينئذ إلى البدل، كما أنه إذا وهبها لمؤمن صحت الهبة، وينتقل الخمس إلى ذمة الواهب الا اذا تعلق الخمس بنفس العين بدوران الحول عليها، وعلى الجملة كل ما ينتقلإلى المؤمن ممن لا يخمس أمواله لأحد الوجوه المتقدمة بمعاملة أو مجاناً يملكه فيجوز له التصرف فيه، وقد أحل الأئمة (سلام الله عليهم ) ذلك لشيعتهم تفضلاً منهم عليهم، وكذلك يجوز التصرف للمؤمن في أموال هؤلاء، فيما إذا أباحوها لهم، من دون تمليك، ففي جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن والوزر على مانع الخمس، إذا كان مقصراً .

(مسألة 1567): لو اشترى ما فيه ربح بنحو بيع الخيار، فصار البيع لازماً، فاستقاله البائع فأقاله، وكان ذلك بعد رأس السنة لم يسقط الخمس، أما إذا كانت الإقالة خلال السنة فلا خمس على الربح اذا كانت الإقالة لسبب مشروع كاستحباب إقالة المؤمن لا لسبب غير مشروع كالمداهنة.

(مسألة 1568): إذا اتلف المالك أو غيره المال الذي تعلق به الخمس بتعد أو تفريط، ولو من اجل التسامح بالدفع زمنا معتداً به، ضمن المتلف الخمس ورجع عليه الحاكم. وكذا الحكم إذا دفعه المالك إلى غيره وفاء لدين أو هبة أو عوضاً عن معاملة، فانه ضامن للخمس، وجاز للحاكم الرجوع عليه ولا يجوز له الرجوع على من انتقل إليه المال إذا كان مؤمنا، وان رجع الحاكم على الأخير - في حال جوازه- رجع هو على المالك مع جهله بالحال عند قبضه العين.

(مسألة 1569): إذا كان ربحه غير المخمس حباً فبذره فصار زرعا، أو إذا كان بيضا فصار دجاجا وجب الخمس في الناتج كله، وإذا كان ربحه أغصانا غرسها فصارت شجراً، وجب عليه خمس الشجر، أو كانت فسيلا فصارت نخلاً، وجب عليه خمس النخل لا خمس الأصل.

(مسألة 1570): إذا حسب ربحه فدفع خمسه، ثم انكشف أن ما دفعه كان أكثر مما وجب عليه، جاز له استرداده أو بدله مع علم المستحق (الفقير أو الحاكم

ص: 440

الشرعي) بالحال، ولم يجز له احتساب الزائد مما يجب عليه في السنة التالية. نعم، يجوز له التسبب إلى حفظ عينها لدى الفقير - في حال إذن الحاكم الشرعي بإعطائه مباشرة-، أو اعتبارها دينا عليه إلى السنة الآتية مع تصرف الفقير بها إذا كان عالماً بالحال، فان وجب عليه الخمس عندئذ وبقي الفقير على وجه الاستحقاق جاز احتسابه عندئذ.

(مسألة 1571): إذا ربح خلال السنة، فدفع الخمس باعتقاد عدم حصول مؤونة زائدة، فتبين عدم كفاية الربح لتجدد مؤونة لم تكن محتسبة، لم يجز له الرجوع على المستحق مطلقاً لان الخمس يجب بمجرد ظهور الربح وان تأخيره سنة رخصة من الشارع.

(مسألة 1572): في جواز تصرف المالك ببعض الربح بعد حلول رأس السنة الخمسية إشكال، إن كان مقدار الخمس باقيا، والأحوط عدم الجواز بدون إذن الحاكم.

(مسألة 1573): إذا جاء رأس الحول، كان ناتج بعض الزرعحاصلا دون بعض، فما حصلت نتيجته يكون من ربح سنته، ويخمس بعد إخراج المؤن، وما لم تحصل نتيجته يكون من أرباح السنة اللاحقة. نعم، إذا كان له أصل موجود له قيمة اخرج خمسه في آخر السنة، ويكون الفرع من أرباح السنة اللاحقة إذا كان له قيمة عرفية معتد بها. فمثلا: في رأس السنة كان بعض الزرع له سنبل وبعضه قصيل لا سنبل له، وجب إخراج خمس الجميع، وإذا ظهر السنبل في السنة الثانية كان من أرباحها لا من أرباح السنة السابقة.

(مسألة 1574): إذا كان الغوص أو إخراج المعدن مكسبا كفاه إخراج خمسها، ولا يجب عليه إخراج خمس آخر من باب أرباح المكاسب، إلا إذا تجدد له نماء تجاري زائد على ذلك.

(مسألة 1575): المرأة التي تكتسب يجب عليها الخمس، وان عال بها زوجها، ولا يستثنى من أرباحها ما يصرفه زوجها عليها، بل وكذا الحكم إذا لم تكسب،

ص: 441

وكانت لها فوائد من زوجها أو غيره، فانه يجب عليها في آخر السنة إخراج خمسها. وبالجملة يجب على كل مكلف أن يلاحظ ما زاد عنده في آخر السنة من أرباح مكاسبه وغيرها، قليلا كان أو كثيراً ويخرج خمسه، كاسبا كان ام غير كاسب.

(مسألة 1576): الظاهر عدم اشتراط البلوغ والعقل والحرية في ثبوت الخمس في كل أنواعه، كالكنز والغوص والمال الحلال المختلط بالحرام والأرض التي يشتريها الذمي من المسلم، كل ما في الأمر أن من كان ساقطا عنه التكليف كالطفل والمجنون، يجب على وليه دونه، هذا إن أريد التصرف بالمال في حدود ما تسمح به الولاية، أما إذا كان المال مدخراً فلا يجب إخراجه حتى يبلغ المالك التكليف فيتولى هو إخراج الخمس، لان تعلق الخمس بالأموال له حكمان، احدهما تكليفي وهو وجوب إخراجه والآخر وضعي وهو حرمة التصرف بالمال قبل إخراجه، والأول يسقط عن غير المكلفين دون الثاني.

(مسألة 1577): إذا اشترى من أرباح سنته ما لم يكن من المؤونة، فارتفعت قيمته كان اللازم إخراج خمسه عيناً أو قيمة فإن المال حينئذ بنفسه من الأرباح، وأما إذا اشترى شيئاً بعد انتهاء سنته ووجوب الخمس في ثمنه، فإن كانت المعاملة شخصية وجب تخميس ذلك المال أيضاً عيناً أو قيمة بعد تصحيحها بإجازة الحاكم الشرعي إذا لم يكن المنتقل إليه مؤمناً، وأما إذا كان الشراء في الذمة، كما هو الغالب، وكان الوفاء به من الربح غير المخمس فلا يجب عليه إلا دفع خمس الثمن الذي اشتراه به، ولا يجب الخمس في ارتفاع قيمته إذا لم يكن معداً للتجارة ما لم يبعه، وإذا علم أنه أدّى الثمن من ربح لم يخمسه، ولكنه شك في أنه كان أثناء السنة ليجب خمس نفسه المرتفع قيمته على الفرض أو كان بعد انتهائها لئلا يجب الخمس إلا في مقدار الثمن الذي اشتراه به فقط، فالأحوط المصالحةمع الحاكم الشرعي.

(مسألة 1578): إذا كان الشخص لا يخرج الخمس من ماله، وقد وهبه إلى شخص آخر لم يجب على الموهوب له تخميسه إذا كان للموهوب له سنة خمسية

ص: 442

ودفعه الواهب من أرباح السنة، أما إذا كان قد تعلق الخمس بالهبة عند المالك لدوران الحول عليها فيجب على الموهوب له تخميسها فوراً إبراءاً لذمة الواهب، وإذا لم يكن للموهوب له سنة خمسية خمّسها مع سائر أمواله إذ يجب الخمس فيها جميعاً على تفصيل قد تقدّم.

(مسألة 1579): إذا أحب من له رأس سنة أن يغير رأس سنته، فأما أن يريد تقديمها، وأما أن يريد تأخيرها. فان أراد تقديمها أمكنه محاسبة حاله المالي ودفع ما عليه من خمس في الموعد الذي يراه مناسباً، ويكون هو الموعد الجديد لرأس سنته، بدون حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي. وأما إن أراد تأخيرها احتاج إلى مراجعة الحاكم في تأجيل الدفع إلى ذلك الموعد، فان اجّله ودفع ما في ذمته من خمس بحيث يشمل حتى مدة التأجيل كان الموعد الجديد هو رأس سنته.

(مسألة 1580): يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله، أما تأجيل دفع الخمس إلى سنة فهو حكم بالولاية، إرفاقا بحال المكلف، وإلا فيجوز أن يدفع خمس الأرباح فورا، يعني في كل يوم أو في كل أسبوع أو في كل شهر أو في كل ستة أشهر أو عشرة أشهر وهكذا، بعد استثناء مؤونة هذه المدة، وأما جعل الموعد أكثر من سنة، كخمسة عشر شهرا أو عشرون ونحوها، فيحتاج إلى أذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 1581): يجب على كل مكلف في آخر السنة أن يخرج خمس ما زاد من مؤونته، مما ادخره في بيته للمؤونة، من الأرز والدقيق والحنطة والشعير والسكر والشاي والنفط والحطب والفحم والسمن والحلوى، وغير ذلك من أمتعة البيت، مما اعد للمؤونة ولم يستعمل إلى رأس السنة، بما فيها الحلي والكتب الزائدة على حاله الاجتماعي، والثياب والفرش والأواني الزائدة عن حاجته.

(مسألة 1582): إذا كان عليه دين استدانه لهذا الزائد من المؤونة المذكور في المسالة السابقة، وكان مساوياً له، لم يجب الخمس في الزائد. وكذا إذا كان أكثر، أما إذا كان الدين اقل اخرج خمس مقدار التفاوت لا غير. وإذا بقيت الأعيان المذكورة إلى السنة الآتية، فوفى الدين في أثنائها، لم يجب الخمس إلا على ما يزيد منها على

ص: 443

مؤونة تلك السنة.

(مسألة 1583): إذا اشترى خلال السنة أعيانا لغير المؤونة كبستان وكان عليه دين بازاء ما اشترى يساويها بحيث لا يعد عرفا انه قد ربح شيئاً، فلا يجب إخراج خمسها، فإذا وفى الدين في السنة الثانية، كانت معدودة من أرباحها، ووجب إخراج خمسها آخر السنة. وإذا اشترى بستانا مثلا، بثمن في الذمة مؤجلا، فجاء رأس السنة قبل اجل الدين أو بعده، لميجب إخراج خمس البستان. فإذا وفى الثمن في السنة الثانية كانت البستان من أرباح السنة الثانية، ووجب إخراج خمسها، وإذا وفى نصف الثمن في السنة الثانية، كان نصف البستان من أرباح تلك السنة، ووجب إخراج خمس النصف، وإذا وفى ربع الثمن في السنة الثانية، كان ربعها من أرباح تلك السنة. وهكذا كلما وفى جزءاً من الثمن، كان ما يقابله من البستان من أرباح تلك السنة، بمعنى انه إذا انتهت هذه السنة الثانية، وجب عليه دفع خمس البستان نفسه، إن كان أعده للتجارة، وخمس الباقي من أرباحه إن كان أعده للمؤونة. هذا إذا بقيت البستان إلى رأس السنة الثانية، أما إذا تلفت قبل ذلك فلا خمس فيها. نعم، إذا بقي من أرباحها شيء وجب تخميسه.

(مسألة 1584): إذا ربح في سنة مائة دينار مثلا، فلم يدفع منها عشرين ديناراً خمساً حتى جاءت السنة الثانية، فدفع عشرين ديناراً من أرباحها، وجب الخمس في العشرين ديناراً التي هي الخمس مع بقائها لا مع تلفها بدون تفريط، كما هو الغالب، بمعنى انه يعتبر المال المخمس في السنة الاولى ثمانين دينار لا مئة.

(مسألة 1585): إذا فرض انه اشترى دارا للسكنى فسكنها، وبقيت قيمتها في ذمته، ثم وفى في السنة الثانية ثمنها من مال لا يجب فيه الخمس، لم يجب عليه خمس الدار. وكذا إذا وفى في السنة الثانية بعض أجزاء الثمن، لم يجب الخمس في الحصة من الدار. ويجري هذا الحكم في كل ما اشتراه من المؤن بالدين.

(مسألة 1586): إذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنوية مثلا، في وجه من وجوه البر، وجب عليه الوفاء بنذره، فان صرف المال المنذور في الجهة المنذور لها

ص: 444

قبل انتهاء السنة، لم يجب عليه تخميس ما صرفه، بل لا يجب عليه الخمس فيما صرفه في وجوه البر، وان لم يكن منذورا. وان لم يصرفه حتى انتهت السنة، وجب عليه إخراج خمسه، ضمن مجموع ما يجب عليه من الخمس بعد إخراج المؤن. نعم، لو كان المنذور عينا أو مقداراً موجودا من المال، لم يجب خمسه، ولكن لا يجوز صرفه في غير النذر.

(مسألة 1587) إذا كان رأس ماله ألف دينار مثلا، فاستأجر دكانا بمائة دينار واشترى آلات للدكان بمائة، وفى آخر السنة وجد ماله ألفا فقط، كان عليه خمس الآلات فقط على الأحوط. ولا يجب عليه إخراج خمس أجرة الدكان، لأنها من مؤونة التجارة، وكذا أجرة الحارس والحمال، والضرائب التي يدفعها إلى السلطان والسرقفلية، فان هذه المؤن مستثناة من الربح، مضافا إلى مؤن عياله، والخمس إنما يجب فيما زاد عنها، كما سبق. نعم، إذا كانت السرقفلية التي دفعها إلى المالك أو غيره أوجبت له حقا في أخذها من غيره، أو حق البقاء في المحل أمدا طويلا فانكان اتخاذه للمحل للاتجار فيه خمّس مبلغ السرقفلية فقط، وإن كان اتخاذه للاتجار به وجب تقويم ذلك الحق في آخر السنة وإخراج خمسه، فربما تزيد قيمته على مقدار ما دفعه من السرقفلية، وربما تنقص وربما تساوي فان زادت وجب الخمس.

(مسألة 1588): إذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح، ثم دفعه تدريجياً من ربح السنة الثانية، والدفع التدريجي لا يجوز إلا بإذن الحاكم الشرعي، ولكنه إن دفعه كذلك بإذنه أو بدونه، لم يحتسب من المؤن على الأحوط، بل يجب فيه الخمس. وكذا لو صالحه الحاكم على مبلغ في الذمة، فان وفاءه من أرباح السنة الثانية لا يكون من المؤن، بل يجب فيه الخمس على الأحوط، إذا كان مال المصالحة عوضا عن خمس عين موجودة. وكذا إذا كانت تالفة في غير المؤونة. أما إذا كانت تالفة في المؤونة فوفاؤه يحسب من المؤن ولا خمس فيه.

(مسألة 1589): إذا حل رأس السنة فوجد بعض أرباحه أو كلها ديناً في ذمم الناس، فان أمكن استيفاؤه بدون مشقة أو حرج بحيث كانت بحكم أمواله

ص: 445

الموجودة تحت يده وجب دفع خمسه على الأحوط وان لم يستوف، وان لم يمكن استيفاؤه تخير بين أن ينتظر استيفاءه في السنة اللاحقة، فإذا استوفاه اخرج خمسه، وكان من أرباح السنة السابقة لا من أرباح سنة الاستيفاء، يعني يجب تخميس ما استوفاه فوراً لأنه من أرباح السنة السابقة، وبين أن يقدر مالية الديون فعلا، فيدفع خمسها، فإذا استوفاها في السنة الآتية كان الزائد على ما قدر من أرباح سنة الاستيفاء.

(مسألة 1590): إذا أتلف ربح السنة خلالها بشكل غير عقلائي ضمن خمسه، وكذا إذا أهمل الحفاظ عليه فتلف. وكذا إذا أسرف في صرفه زائداً على حاله الاجتماعي، أو وهبه كذلك، وكذا إذا باع أو اشترى على نحو المحاباة، إذا كانت الهبة أو الشراء أو البيع غير لائقة بشأنه. وإذا علم أن الربح ليس من المؤونة إلى آخر السنة، يعني لا يحتمل صرفه فيها، فالأحوط استحباباً، أن يبادر إلى دفع الخمس ولا يؤخره إلى نهاية السنة.

(مسألة 1591): إذا مات المكتسب خلال السنة بعد حصول الربح، فالمستثنى هو المؤونة إلى حين الموت لا إلى تمام السنة، كما أنه يجب المبادرة إلى دفع خمسه من قبل الولي أو الورثة، ولا يجوز تأجيله إلى رأس السنة، بمعنى أن هذا التأجيل يكون ساري المفعول مادام المالك حياً ولكنه يسقط عن المشروعية والاعتبار إذا مات.

(مسألة 1592): إذا علم الوارث أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب عليه أداؤه عن ذمة الميّت، فإن كان الميراث غير محتسب وجب تخميس الباقي مرة أخرى فوراً على الأحوط لأنه من الغنيمة، وإن كان محتسباً عمل بمقتضى التردد الذي ذكرناه في الأمر السابع ص452.

(مسألة 1593): إذا علم أن مورِّثه أتلف مالا له قد تعلق بهالخمس، وجب إخراج خمسه من تركته كغيره من الديون.

ص: 446

فروع في عدم دفع الخمس

(مسألة 1594): ظهر مما سبق أن الخمس بجميع أقسامه وان كان يتعلق بالعين، إلا أن المالك يتخير بين دفع العين ودفع قيمتها، ولا يجوز له التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل أدائه. بل الأحوط وجوباً عدم التصرف في بعضها أيضاً، وان كان مقدار الخمس باقياً في البقية. وإذا ضمنه في ذمته بإذن الحاكم الشرعي أو عزله كذلك صح. ويسقط الحق من المال، فيجوز التصرف فيه.

(مسألة 1595): لا باس بالشركة مع من لا يخمس، أما لاعتقاده بعدم وجوبه قصوراً أو تقصيراً، أو لعصيانه وعدم مبالاته بالدين، ولا يلحقه وزر من قبل شريكه، ويجزيه أن يخرج خمسه من حصته من الربح.

(مسألة 1596): لا بأس للمؤمنين بأخذ المال مضاربة من شخص لا يخمس. وكذا لا بأس بالاقتراض ممن لا يخمس وليس عليه دفع الخمس، ويجري هذا الحكم فيما تعارف عليه المجتمع (السلفة أو الجمعية) بحيث يتفق مجموعة على دفع مبالغ شهرية أو أسبوعية ويعطى المجموع لأحدهم كل شهر بحسب القرعة. نعم إذا كان الخمس متعلقاً بالمال الواصل لكونه فائضاً عن المؤونة ودار عليه حول وجب إخراج خمسه والرجوع به على الدافع.

(مسألة 1597): إذا كان رب الأسرة لا يخمس، أو كان وارده من مجهول المالك، وهو لا يقبضه قبضا شرعيا، فان أمكن لأي فرد من الأسرة الاستقلال في الصرف على نفسه فهو خير له، وان كان مضطرا للبقاء وجبت مراجعة الحاكم الشرعي لتحليل تصرفاته ومصرفه. ومن قبلنا فإننا نجيز له الاستفادة مما يصرفه عليه رب الأسرة في حدود الحاجات المتعارفة فيكون المهنأ له والوزر على غيره، ولا يترك وظيفته في الهداية والإرشاد والموعظة.

ص: 447

فروع في عدم وجوب الخمس

(مسألة 1598): ليس لفاضل المؤونة مما يجب خمسه نصاب أو مقدار، فيجب فيه الخمس قل أو كثر، ما لم يسقط عن المالية، كعود ثقاب أو حبة حنطة، أو يسقطه الشارع المقدس عنها كالخمر والخنزير.

(مسألة 1599): لا يجب الخمس في التالف بدون تعد ولا تفريط. فان تلف بعضه وجب خمس الباقي، كما لا يجب الخمس فيما كان بمنزلة التالف، وان كان موجودا حقيقة، كالمال المفقود أو المحجوز أو الغارق في البحر أو المسروق أو نحو ذلك. فانه لا يعتبر من أرباح السنة.(مسألة 1600): العرصة من الأرض مهما كان حجمها أو سعتها، لا تدخل في ملك صاحب اليد ما دامت قفراء لم يعمل عليها عملا، حتى وان اعتبرت عرفا أو في (الطابو) ملكا له، نعم يجب الخمس في المبلغ الذي دفعه بإزائها إن لم يكن مخمساً بعينه ولا يكفي أن يكون له سنة خمسية، ولذلك عدة نتائج منها: عدم وجوب دفع الخمس عنها. ومنها: أنها لا تذهب إرثا. ومنها: بطلان المعاملة في بيعها أو هبتها وغيرها. غير أن اخذ ثمنها العرفي يمكن توجيهه فقهيا.

ص: 448

المبحث الثاني: مستحق الخمس ومصرفه

اشارة

يدفع الخمس كله في عصر الغيبة إلى الفقيه الجامع للشرائط باعتبار نيابته العامة عن الإمام المعصوم (عليه السلام) ليصرفه في موارده المقررّة، وعلى الفقيه أن يسد احتياجات بني عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله (صلى الله عليه وآله) منه وهم من انتسبوا إليه من جهة الأب، والأحوط للفقيه أن يصرف نصفه عليهم لما ورد في تفسير قوله تعالى (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(الأنفال: 41)، من أن الأسهم الثلاثة الأولى للإمام والثلاثة الثانية لهذه العناوين من بني عبد المطلب. وعلى أي حال فالفقيه اعرف بوظيفته.

وفي ضوء ذلك فالقول بتنصيف الخمس إلى نصفين معروفين بسهم الإمام (عليه السلام) وسهم السادة وان كان مشهوراً إلا أن الصحيح ما قلناه من عودة الخمس كله إلى الفقيه الجامع للشرائط وهو الذي يعرف تكليفه.

(مسألة 1601): يعتبر الإيمان فضلا عن الإسلام في بني هاشم، وكذلك ما في حكمه من الصغر والجنون، ولا تعتبر العدالة على الأصح. وإن كان الأولى ملاحظة الرجحان في الأفراد، وأن لا يكون الآخذ متجاهراً بارتكاب الكبائر أو بعضها، بل ولا عاصيا للمهم من أحكام الشريعة كالصلاة في الواجبات، والسرقة وشرب الخمر في المحرمات. فانه لا ينبغي الدفع إليه من الخمس وان كان هاشمياً، بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم أو الإغراء به أو مع العلم بصرفه فيه.

(مسألة 1602): لا فرق في الهاشمي بين العلوي والعقيلي والعباسي. وغيرهم كالحسني والحسيني والموسوي والرضوي. وان كان الأولى تقديم العلوي بل الفاطمي، ولا يفرق عندئذ من كان من أفخاذهم.

(مسألة 1603): يجب إحراز صحة النسب قبل الدفع إليه، أما بالعلم أو الاطمئنان أو بالبينة الشرعية، وكذلك بالشياع والاشتهار في بلده، بل يكفي فيه الوثوق النوعي بل الشخصي. وان ظهر الخلاف أو تجدد الشك، أمكن أخذه منه مع

ص: 449

انحفاظ العين، بل ومع تلفها مع علمه بالحال وهو كون المدفوع خمساً من حق السادة.

(مسألة 1604): مساكين بني هاشم فقراؤهم، وأما الأيتام منهم فالأحوط فيهم اعتبار الفقر، ويكفى في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم، ولو كان غنياً في بلده. والأحوط وجوباً أن لا يكون سفره معصية، وأن لا يعطى أكثر من قدر ما يوصله إلى بلده إذا كان هناك غنياً، وإلا كان له احتسابه من سهم الفقراء، ولا يعطى ابن السبيل من هذا السهم إذا لم يكن هاشمياً.(مسألة 1605): الأحوط أن لا يعطى الفقير أكثر من مؤونة سنته دفعة، ولو أعطي تدريجاً حرم عليه الزائد، ويجوز البسط والاقتصار على إعطاء صنف واحد، بل يجوز الاقتصار على إعطاء واحد من أي صنف.

(مسألة 1606): لا يجوز إعطاء سهم الفقراء لمن تجب نفقته على المعطي، كالزوجة والأبوين والأولاد، بل وكذلك إن كان الوجوب كفائياً على الأحوط. ولكن الإعطاء زائداً على النفقة الواجبة جائز، ما لم يصبح بها غنياً، كما أن الإعطاء من حق الامام (عليه السلام)، مع وجود المصلحة وإذن الحاكم الشرعي جائز، وتسقط بذلك نفقة مقداره في غير الزوجة، وكذلك يجوز الإعطاء لمن كانت نفقته غير واجبة على المعطي، وإن التزمه في كل مصارفه فضلا عن بعضها كالضيف.

(مسألة 1607): لا يجوز استقلال المالك في توزيع نصف الخمس العائد إلى الهاشميين، ويجب عليه الدفع إلى الحاكم الشرعي أو استئذانه في الدفع إلى المستحق، ولكن إن طلبه وجب على المالك دفعه إليه. وقد أعطينا الأذن للمؤمنين بصرف ثلث ما بذمتهم من الخمس على المؤمنين المحتاجين من السادة وغيرهم.

(مسألة 1608): مصرف سهم الإمام (عليه السلام) الذي يقوم به الفقيه الجامع للشرائط أو غيره مع الاستئذان منه، هو ما يوثق برضاه (عليه السلام) بصرفه، كدفع ضرورات المؤمنين من السادات زادهم الله تعالى شرفا وغيرهم، والأحوط استحباباً فيه التصدق به عنه (عليه السلام). ومن أهم مصارفه في هذا الزمان الذي قل فيه

ص: 450

المرشدون والمسترشدون، إقامة دعائم الدين ورفع أعلامه، وترويج الشرع المقدس ونشر قواعده وأحكامه، ومؤونة أهل العلم الذين يصرفون أوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية، الباذلين أنفسهم بإخلاص في تعليم الجاهلين وإرشاد الضالين ونصح المؤمنين ووعظهم وإبلاغ الأحكام إليهم، وإصلاح ذات بينهم، ونحو ذلك مما يرجع إلى إصلاح دينهم وتكميل نفوسهم.

(مسألة 1609): حق الإمام (عليه السلام) غير مملوك بطبعه لمن يقبضه، وان كان له أن يتصرف فيه بإذن الحاكم الشرعي، ولكنه قابل للتملك بنية التملك بعد إذن الحاكم، ولكن يجب على الأحوط ترتيب آثار الملكية عليه، من وجوب الخمس في فاضل المؤونة، وحصول الاستطاعة للحج وغير ذلك. وأما سهم السادات، فلا إشكال بملكيته بعد قبضه. وتترتب عليه جميع آثار الملكية.

(مسألة 1610): لو مات وفي حيازته من حق الامام (عليه السلام)، فان كان قد نوى التملك عليه بشكل مشروع فلا إشكال، وان لم ينو لم يجز للورثة التصرف فيه أو تقسيمه بينهم إلا بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 1611): إذا أذن الحاكم الشرعي له بصرف الخمس أو بعضه في موارد معينة أو في مكان معين لم يجز له صرفه في غيرها. كمايجوز دفعه إلى وكيل الحاكم الشرعي، وكذا إذا وكل الحاكم الشرعي المالك فيقبضه بالوكالة عنه ثم ينقله إليه.

(مسألة 1612): الخمس بقسميه أمانة شرعية بيد المالك قبل دفعه، فلا يضمن مع تلفه إلا بتعد أو تفريط، سواء سافر فيه أم لا. وكذلك فان حق الإمام (عليه السلام) أمانة بيد الوسيط، وبيد وكيل الحاكم الشرعي، بل الحاكم الشرعي نفسه. لا يضمن أي منهم إلا بعد تلفه بتعد وتفريط.

(مسألة 1613): إذا كان المال الذي فيه الخمس في غير بلد المالك، فاللازم عدم التساهل والتسامح في أدائه، والأحوط تحري اقرب الأزمنة في الدفع، سواء أكان بلد المالك أم بلد المال أم غيرهما. وعلى أي حال فسيبقى المكلف ممنوعاً من

ص: 451

التصرف في المال ما لم يصل الخمس إلى مستحقيه.

(مسألة 1614): في صحة عزل الخمس بحيث يتعين في مال مخصوص إشكال إلا إذا كان بإذن الحاكم الشرعي وعليه فإذا نقله إلى بلد الحاكم الشرعي فتلف بلا تفريط يشكل فراغ ذمة المالك. نعم، إذا قبضه وكالة عن الحاكم فرغت ذمته، ولو نقله بعدئذ بإذن موكله فتلف من غير تفريط لم يضمن.

(مسألة 1615): إذا كان له دين في ذمة المستحق وأراد احتسابه من الخمس، فلابد من استئذان الحاكم فيه.

مضمون روايات التحليل

(مسألة 1616): إذا اشترى المؤمن ما فيه الخمس ممن لا يعتقد بوجوب الخمس في دينه أو مذهبه، جاز للمشتري التصرف فيه من دون إخراج الخمس، ويشمل هذا الجواز ما كان من أرباح التجارات والمعادن والغوص والمال المختلط بالحرام وغير ذلك. وكذا لا يجب الخمس عليه إذا اشترى المؤمن أو غيره ما فيه الخمس، ممن يعتقد وجوب الخمس عليه في دينه أو مذهبه، وان كان جاحداً أو عاصياً إلا إذا تعلق الخمس بعين المبيع لمرور سنة عليه وكونه من فاضل المؤونة ونحوه فيدفع الخمس ويرجع به على البائع أو يفسخ البيع إذا لم يكن عالماً بالحال.

وفي هذه المسألة تخفيف من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) على شيعتهم لتطيب ولادتهم ومساكنهم ومناكحهم ولرفع الحرج عنهم في التعامل مع من لا يخمّسون من الناس وهم الأكثر.

(مسألة 1617): إذا اشترى المؤمن ما فيه الخمس، ممن لا يعتقد وجوبه كما سبق، سقط خمسه من هذه الناحية، فإذا باعه أو وهبه أو انتقل إلى ورثته، كان بمنزلة المال المخمس. نعم، هذا لا ينافي وجوب الخمس من ناحية أخرى، كما لو كان إرثا غير محتسب أو كان من فاضل المؤونة.

(مسألة 1618): إذا شك المشتري في أن ما وصل إليه بالبيع ونحوهقد تعلّق به الخمس على النحو الذي ذكرناه في ذيل المسألة (1616) لم يجب عليه السؤال فضلاً

ص: 452

عن وجوب إخراج خمسه، وإذا علم أنه قد تعلّق الخمس به ولم يعلم أن بائعه قد دفع خمسه أمكن سؤاله أو العمل بمقتضى حاله من التديّن وإلا بنى على العدم ووجب إخراج الخمس على المشتري.

ص: 453

خاتمة في الأنفال

وهي ما يستحقه الإمام (عليه السلام) على وجه الخصوص، ولا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه الخاص والعام. وقاعدتها العامة هي ملكيته لها بالسلطان والولاية، ما لم يثبت ملكيته الشخصية لبعضها.

وهي أمور:

منها: الأرض التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، يعني التي تم الاستيلاء عليها بدون قتال، سواء انجلى عنها أهلها أم سلموها للمسلمين طوعا.

ومنها: الأرض الموات التي لا ينتفع بها، لتصحرها أو لانقطاع الماء عنها أو استيلائه عليها، أو لغير ذلك، ولم يجر عليها ملك احد كالمفاوز، أو جرى فباد.

ومنها: سيف البحار وهي شواطؤها، وشطوط الأنهار، بل كل ارض لا رب لها وإن لم تكن مواتا، كالجزر التي تظهر في دجلة والفرات.

ومنها: الآجام وهي الغابات وهي كل ارض مشجرة طبيعيا.

ومنها: بطون الأودية، والوادي هو المنخفض بين جبلين.

ومنها: رؤوس الجبال، وما يكون بها مما هو متصل بها من نبات ومعادن وغيرها.

ومنها: ما كان للملوك من قطايع وصفايا، والاولى مما لا ينقل والثانية مما ينقل، بما فيها من حيوان. وقد يقيد الحكم باستيلاء المسلمين على بلاد الكفر لا مطلقا.

ومنها: الغنائم التي لم تغنم بإذن الإمام (عليه السلام)، أو لم يكن القتال بإذنه أساسا، فتعود غنائمه كلها له (عليه السلام).

ومنها: صفو الغنيمة، كفرس وثوب وجارية مما يختاره هو (عليه السلام)،

ص: 454

وقد يقيد بما لا يكون مجحفا بالآخرين. وهو من قبيل تعيين التكليف الشرعي له (عليه السلام)، وهو تطاول على مقامه بلا إشكال.

ومنها: إرث من لا وارث له، يعني لا يعرف له وارث إطلاقا.

ومنها: المعادن قبل استخراجها، من أي نوع كانت.

وما دامت هذه الأمور للإمام (عليه السلام)، فمقتضى الأصل حرمة التصرف بها إلا بإذنه. ولكن دل الدليل على جواز التصرف بأمور:

الأمر الأول: إحياء الأراضي البوار فتكون لمن أحياها، والمقصود بالإحياء إيجاد عمل مؤثر فيها كالزراعة والبناء والحفر ونحو ذلك.

الأمر الثاني: استخراج المعادن، فيدفع المستخرج خمسها ويكون لهالباقي على التفاصيل التي سبقت.

الأمر الثالث: المال المنتقل إلى المؤمن ممن لا يعتقد وجوب الخمس في دينه أو مذهبه. سواء كان الانتقال بشراء أم بيع أم هبة أم اجارة أم ميراث أو غيرها. وكذا المنتقل إليه ممن يعتقد وجوب الخمس ولم يؤدّه مادام لم يتعلق الخمس بنفس العين كما تقدم.

الأمر الرابع: حيازة المباحات العامة، كأخذ النبات أو غيره من شواطئ البحار والأنهار والغابات ورؤوس الجبال، وإن كانت في الأصل من الأنفال.

وفي كل هذه الأمور لا يجب اخذ الإذن من الحاكم الشرعي، وإن كان أحوط استحبابا، إلا في إرث من لا وارث له. فإنه لا يجوز التصرف فيه إلا بإذن الحاكم الشرعي على الأحوط وجوبا.

نعم، هناك عناوين أخرى مما سبق حكمها ذلك أيضا، كصفايا الملوك وصفو الغنيمة والغنائم التي تغنم بغير إذن الإمام (عليه السلام)، إلا أن هذه الأمور لا وجود لها في عصرنا الحاضر. وإنما يكون حكمها ثابتا لها على تقدير وجودها في أي زمان أو مكان.

ص: 455

ص: 456

كتاب الزكاة

اشارة

ص: 457

ص: 458

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الزكاة

وفيه مقدمة ومقاصد

مقدمة:

الزكاة: أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، ووجوبها من ضروريات الدين، ومنكر وجوبها كافر لأنه يعني تكذيب الرسالة.

ومنشأ اللفظ أحد معنيين:

الأول: الطهارة والتطهير، قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) (الشمس: 9)، أي طهّرها وهذّبها من الرذائل الخلقية والانسياق وراء الأهواء والشهوات في إشارة إلى النفس. وقال تعالى (مَا زَكَى مِنكُم) (النور: 21) أي ما طهر، وقال تعالى (وَمَا عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكَّى) (عبس: 7) أي يتطهر من الشرك.

الثاني: النمو والبركة.

وانطباق المعنيين على الزكاة واضح قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلواتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(التوبة103)، وقال تعالى (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ)( البقرة: 232)، لأنها كما دلت الآيات والروايات تنمي المال وتخلف على صاحبها وتوجب البركة فيه، قال تعالى (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(سبأ: 39) وقال تعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(البقرة: 261).

وأما التطهير بها، فلأن إخراج الزكاة يكبح في النفس الطمع وحب المال ويحررّها من أسر الشهوات ويزرع فيها حب الخير ومساعدة الآخرين، ومواساة المحرومين والفقراء، والمساهمة في إنشاء مشاريع الخير ورعاية المصالح العامة،

ص: 459

وغيرها من وجوه البر والإحسان. ولان إخراج الحقوق الشرعية من المال يجعل الباقي حلالا طيّبا طاهراً لصاحبه.

فما أعظمها من آثار مباركة تلك التي يمّن الله تبارك وتعالى بها على عباده بهذا التشريع العظيم، وهو المتفضّل المنّان حين رزقهم ما ينفقون وأبقى لهم أكثر مما يحتاجون وهداهم إلى ما يصلحهم، وجزاهم على استجابتهم، فالحمد لله أولاً وآخراً.

والزكاة بهذا المعنى الواسع لا تختص بالمال، وإنما تتحقق هذه الآثار في كل المجالات، فزكاة العلم إنفاقه وبذله لمستحقيه من الطلبة والمتعلمين، وزكاة البدن تعرضه للصعوبات والإزعاجات ولو كانت يسيرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يَوْماً لأصْحَابِهِ: (مَلْعُونٌ كُلُّ مَالٍلا يُزَكَّى مَلْعُونٌ كُلُّ جَسَدٍ لا يُزَكَّى وَلَوْ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً مَرَّةً فَقِيلَ يَا رَسُولَ الله أَمَّا زَكَاةُ الْمَالِ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا زَكَاةُ الأجْسَادِ فَقَالَ لَهُمْ أَنْ تُصَابَ بآفَةٍ قَالَ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا رَآهُمْ قَدْ تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ قَالَ لَهُمْ أَتَدْرُونَ مَا عَنَيْتُ بِقَوْلِي قَالُوا لا يَا رَسُولَ الله قَالَ بَلَى الرَّجُلُ يُخْدَشُ الْخَدْشَةَ وَيُنْكَبُ النَّكْبَةَ وَيَعْثُرُ الْعَثْرَةَ وَيُمْرَضُ الْمَرْضَةَ وَيُشَاكُ الشَّوْكَةَ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا حَتَّى ذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ اخْتِلاجَ الْعَيْنِ)(1).

وما هدف الشرائع السماوية إلا تطهير الإنسان وتزكيته وتحريره من أسر الشهوات وأغلال العقائد الفاسدة وتوحيد العبادة لله الواحد الأحد وتخليصه من طاعة ما سوى الله تبارك وتعالى.

ومما يشير إلى عظمة الزكاة قرنها مع الصلاة عمود الدين في الآيات المباركة.

ووردت أحاديث كثيرة في تشديد العقوبة على مانعها، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أنه قال: (ما من عبد منع من زكاة ماله شيئاً إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى

ص: 460


1- أصول الكافي المجلد 2 باب شدة ابتلاء المؤمن.

إذا يفرغ من الحساب، وهو قول الله عز وجل (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يعني ما بخلوا به من الزكاة)(1)، وقد ذكرنا غيرها في مقدمة كتاب الخمس وشرحنا الآثار الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية للإنفاق، وقرّبنا أن الزكاة في الآيات الشريفة تشمل كل الإنفاق الواجب المعيّن شرعاً فتشمل الخمس وغيره. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

المقصد الأول: شرائط وجوب الزكاة العامة

وهي كما يلي:

الأول: البلوغ، فلا تجب الزكاة في مال الصبي، فإذا كان الشخص بالغاً وقت التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول، كالغلات أو طيلة السنة مما يعتبر فيه الحول كالانعام تعلقت الزكاة بماله وإلا فلا.

نعم إذا أراد الولي أن يتصرف بالمال الزكوي للصغير على غير شؤونه مما يقع في حدود ولايته ومصلحة الصغير كاستثمار المال مثلاً بالمضاربة ونحوها، وجب إخراج زكاة هذا الجزء خاصة ويدفعها الولي حينئذٍ من مال الصغير الذي تحقق من الاستثمار ولا يدخل النقص على مال الصغير الاصلي.

لذا قيل بعدم اشتراط البلوغ في زكاة الغلات والثروة الحيوانية للزومالتصرف بالمال، ونفس الكلام يأتي في شرط العقل الآتي .

الثاني: العقل، فلا زكاة في مال المجنون، ونقصد بذلك إن وجوب الزكاة مشروط بأن يكون المالك عاقلا في وقت التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلات الأربع، وطيلة السنة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام الثلاثة، فلو كان مجنونا في وقت التعلق أو لم يكن عاقلا طيلة السنة فلا زكاة في ماله، وإن أصبح عاقلا بعد التعلق أو بعد السنة كما أنه لو كان عاقلا وقت التعلق أو طول السنة، تعلقت الزكاة بماله البالغ حد

ص: 461


1- وسائل الشيعة، كتاب الزكاة، ابواب ما تجب فيه الزكاة، باب 3ح3.

النصاب وإن جن بعد ذلك، فالمعيار في وجوب الزكاة إنما هو بوجود العقل طيلة السنة فيما يعتبر فيه الحول ووقت التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول.

الثالث: التمكن، بأن يكون المالك متمكناً من التصرف في النصاب متى شاء وأراد عقلا وشرعا، ويكون تحت يده وسلطانه، واما إذا لم يكن كذلك فلا زكاة فيه، وذلك كالدين والوديعة والمال المدفون في مكان منسي والمال الغائب وغير ذلك; إذ ليس بإمكان المالك التصرف في تلك الأموال متى شاء وأراد وإن كان بإمكانه تحصيل القدرة والتمكن من التصرف فيها إلا أنه غير واجب.

الرابع: الملك، ونقصد به الملك في وقت التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلات الأربع، وفي طول السنة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام الثلاثة.

(مسألة 1619): ظهر أن تعلق الزكاة بالمال منوط بتوفر الشروط العامة فيه منها الملك، فلذلك لا تجب الزكاة في نماء الوقف، إذا كان مجعولا على نحو المصرف لمكان عدم الملك وتجب إذا كان مجعولا على نحو الملك، من دون فرق بين أن يكون الوقف عاما أو خاصا، فإذا جعل بستانه وقفا على أن يصرف نماءها على ذريته، أو على علماء البلد لم تجب الزكاة فيه، وإذا جعلها وقفا على أن يكون نماؤها ملكا للأشخاص، كالوقف على الذرية مثلا وكانت حصة كل واحد تبلغ النصاب وجبت الزكاة على كل واحد منهم، وإذا جعلها وقفا على أن يكون نماؤها ملكا للعنوان، كالوقف على الفقراء أو العلماء لم تجب الزكاة وإن بلغت حصة من يصل إليه النماء مقدار النصاب.

(مسألة 1620): إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أكثر اعتبر في وجوب الزكاة على كل واحد منهم بلوغ حصته وحده النصاب، ولا يكفي في الوجوب بلوغ المجموع حد النصاب.

(مسألة 1621): ثبوت الخيار في البيع المشروط برد مثل الثمن غير مانع عن التمكن من التصرف في المبيع; لما مر من أن المراد منه كون المال تحت يد المالك وسلطانه فعلا بنحو له أن يتصرف فيه متى شاء وأراد، وعلى هذا فلا مانع من تعلق

ص: 462

الزكاة به إذا كانت سائر شروطها متوفرة فيه.(مسألة 1622): الإغماء والسكر حال التعلق أو في أثناء الحول لا يمنعان عن وجوب الزكاة.

(مسألة 1623): إذا عرض على المالك عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة، أو بعد مضي الحول فقد استقر الوجوب، فيجب عليه الأداء، إذا تمكن منه بعد ذلك، فإن تسامح وتماهل كان مقصرا وضامنا وإلا فلا.

(مسألة1624): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا على المقرض، فلو اقترض نصابا من الأعيان الزكوية، وبقي عنده سنة وجبت عليه الزكاة، وإن كان قد اشترط المقترض في عقد القرض على المقرض أن يؤدي الزكاة عنه. نعم، إذا أدّى المقرض عنه صح مع تحقق النية من المقترض بأي نحو كان كالإذن في ذلك أو الرضا به ونحوها، وسقطت الزكاة عن المقترض ويصح مع عدم الشرط أن يتبرع المقرض عنه بأداء الزكاة كما يصح تبرع الأجنبي.

(مسألة 1625): إذا علم البلوغ والتعلق ولم يعلم السابق منهما لم تجب الزكاة، سواء علم تاريخ التعلق وجهل تاريخ البلوغ أم علم تاريخ البلوغ وجهل تاريخ التعلق أم جهل التاريخان معا، وكذا الحكم في المجنون إذا كان جنونه سابقا وطرأ العقل، أما إذا كان عقله سابقا وطرأ الجنون وجبت الزكاة، فيما إذا كان تاريخ التعلق معلوما وتاريخ الجنون مجهولا، وأما إذا كان العكس أو كان تاريخ كليهما مجهولا فلا تجب الزكاة.

(مسألة 1626): إذا ملك تمام النصاب مما تجب فيه الزكاة وكان بقدر الاستطاعة للحج بحيث إذا أخرج الزكاة يفقد الاستطاعة، فإن كان تعلقها قبل حصول الاستطاعة وجب ولم يجب الحج، وإن كان بعده وجب الحج، ويجب عليه - حينئذٍ - حفظ الاستطاعة مهما أمكن، ولو بتبديل المال بغيره لكي لا يتحقق دوران الحول على العين الزكوية وينتفي وجوب الزكاة، وإن لم يحفظ الاستطاعة ومضى عليه الحول وجبت الزكاة أيضا، وعندئذٍ فإن كان متسامحا ومقصرا في ذلك

ص: 463

استقر وجوب الحج عليه وإلاّ فلا.

المقصد الثاني: ما تجب فيه الزكاة

اشارة

المشهور اختصاص وجوب الزكاة بالأصناف التسعة: وهي النقدان الذهب والفضة المسكوكان كعملة نقدية وبالأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، والغلاّت الأربعة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

لكن المستفاد من روايات أهل بيت العصمة (سلام الله عليهم أجمعين) تعلق الزكاة في ما هو أوسع من ذلك فالاحوط إخراجها مما يلي:1- كل ما يكال أو يوزن من الحبوب التي تنبتها الارض كالأرز والعدس والماش، أما ما يتجر بها من هذه الحبوب فيدخل في الفقرة 3.

2- سائر العملات كالدينار والدولار واليورو إذا كنزت حولاً ولم يحرّكها.

3- الأعيان والبضائع التجارية التي يقتنيها طلباً لزيادة قيَمها ويمرُّ عليها عام يُدفع له خلاله ربح فوق سعر الشراء لكنه يحبسها عن البيع طلباً لزيادة أكثر. وستأتي التفاصيل باذن الله تعالى.

وقد قيل باستحبابها في موارد لم يثبت في شيء منها بالعنوان الخاص للزكاة أي بالمقدار المحدّد شرعاً، لكن الإنفاق في سبيل الله تبارك وتعالى مستحب على أي حال كما نطقت به الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.

والكلام فيما تجب فيه الزكاة يقع في مباحث:

ص: 464

المبحث الأول: الأنعام الثلاثة

وشروط وجوب الزكاة فيها وهي كما يلي:

الشرط الأول: النصاب:

في الإبل اثنا عشر نصابا:

الأول: خمس إبل، وفيها شاة.

الثاني: العشر وفيها شاتان.

الثالث: خمس عشرة وفيها ثلاث شياه.

الرابع: العشرون وفيها أربع شياه.

الخامس: خمس وعشرون وفيها خمس شياه.

السادس: ست وعشرون فيها بنت مخاض، وهي الداخلة في السنة الثانية.

السابع: ست وثلاثون وفيها بنت لبون، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

الثامن: ست وأربعون وفيها حقة، وهي الداخلة في السنة الرابعة.

التاسع: إحدى وستون وفيها جذعة، وهي الداخلة في السنة الخامسة.

العاشر: ست وسبعون وفيها بنتا لبون.

الحادي عشر: إحدى وتسعون وفيها حقتان.الثاني عشر: مائة وإحدى وعشرون وفيها في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، فإن كان العدد مطابقا للأربعين بحيث إذا حسب بالأربعين لم تكن زيادة ولا نقيصة على الأربعين كالمائة والستين حسب على الأربعين، وإذا كان مطابقا للخمسين، بالمعنى المتقدم، عمل على خمسين، كالمائة والخمسين، وإن كان مطابقا لكل منهما كالمأتين تخير المالك بين العد بالأربعين والخمسين وإن لم يكن مطابقا لكل من النصابين كالمائتين وعشرة ولكن كان مطابقا لهما بنحو التوزيع عمل بهما كذلك فيحسب خمسين وأربع أربعينات، وعلى هذا لا عفو إلا فيما دون العشرة، وإذا لم يكن كلا النصابين عادا للجميع ولا كليهما معا، فيجب الأخذ

ص: 465

بأكثرهما استيعاباً وأقلهما عفواً.

(مسألة 1627): إذا لم يكن عنده بنت مخاض أجزأ عنها ابن لبون، وإذا لم يكن عنده ابن لبون أيضا تخير في شراء أيهما شاء.

(مسألة 1628): في البقر نصابان:

الأول: ثلاثون وفيها تبيع، ولا تجزي التبيعة على الأظهر وهو ما دخل في السنة الثانية.

الثاني: أربعون وفيها مسنة، وهي التي دخلت في السنة الثالثة، وفيما زاد على هذا الحساب يتعين العد بالنصاب الذي يطابق العدد ولا عفو فيه، فإن كان العدد ستين عد بالثلاثين، وإن كان ثمانين عد بالأربعين، وإن كان سبعين عد بهما معا، وان كان مائة وعشرين تخير من العد بالثلاثين والعد بالأربعين، وإذا كان أحدهما أكثر عادا واستيعابا من الآخر تعين الأخذ به دون الآخر، ثم، إن كل عدد لا يكون احد النصابين أو كلاهما عادا له فهو عفو، وكذا ما دون الثلاثين.

(مسألة 1629): في الغنم خمسة نصب:

الأول: الأربعون، وفيها شاة.

الثاني: مائة وإحدى وعشرون، وفيها شاتان.

الثالث: مائتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه.

الرابع: ثلاثمائة وواحدة، وفيها أربع شياه.

الخامس: أربعمائة فما زاد، ففي كل مائة شاة بالغا ما بلغ، ولا شيء فيما نقص عن النصاب الأول ولا فيما بين كل نصابين.

(مسألة 1630): الجاموس والبقر جنس واحد، ولا فرق في الإبل بين العراب والبخاتي، ولا في الغنم بين المعز والضأن، ولا بين الذكر والأنثى في الجميع.

(مسألة 1631): المال المشترك بين جماعة إذا بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب وجبت الزكاة على كل واحد منهم، وإذا بلغ نصيب بعضهم النصاب دون بعض وجبت على من بلغ نصيبه دون شريكه، وإذا لم يبلغ نصيب أي واحد منهم

ص: 466

النصاب لم تجب الزكاة وإن بلغ المجموع النصاب.(مسألة 1632): إذا كان مال المالك الواحد متفرقا بعضه عن بعض، فإن كان المجموع يبلغ النصاب وجبت فيه الزكاة، ولا يلاحظ كل واحد على حده.

(مسألة 1633): الأحوط وجوبا في الشاة التي تجب في نصب الإبل والغنم إن كانت من الضأن اعتبر فيه أن تكمل لها سنة وتدخل في الثانية، وإن كانت من المعز اعتبر فيه أن تكمل لها سنتان وتدخل في الثالثة، ويجوز للمالك دفعها من غير النصاب، كما يجوز له دفع القيمة من النقد المتداول، أما دفعها من غير ذلك فلا بد من استئذان الحاكم الشرعي فيه.

(مسألة 1634): المدار في دفع قيمة الزكاة إنما هو بقيمتها وقت الأداء والدفع لا وقت الوجوب، كما أن المدار في دفع القيمة إنما هو في بلد الدفع لا بلد الوجوب أي البلد الذي هي موجودة فيه ما دام الدفع في بلد آخر. والأحوط استحبابا دفع أعلى القيمتين.

(مسألة 1635): إذا كان مالكا للنصاب لا أزيد - كأربعين شاة مثلا - فحال عليه أحوال، فإن أخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت; لعدم نقصانه - حينئذ ٍ- عن النصاب، ولو أخرجها منه أو لم يخرج أصلا لم تجب إلا زكاة سنة واحدة لنقصانه - حينئذ - عن النصاب، ولو كان عنده أزيد من النصاب كأن كان عنده خمسون شاة وحال عليه أحوال لم يؤدّ زكاتها وجبت عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النصاب.

(مسألة 1636): إذا كان جميع النصاب الموجود لدى المالك من الإناث، فأنه يجزئ دفع الذكران بدلا عن الإناث وبالعكس، وإذا كان كل النصاب من الضأن فأنه يجزئ دفع المعز عن الضأن وبالعكس، وكذلك الحال في البقر والجاموس والإبل العراب والبخاتي .

(مسألة 1637): لا فرق بين الصحيح والمريض والسليم والمعيب والشاب والهرم، في العدّ من النصاب. نعم، إذا كانت كلها صحيحة لا يجوز دفع المريض،

ص: 467

وكذا إذا كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب، وإذا كانت كلها شابة لا يجوز دفع الهرم، وأما إذا كان بعض النصاب مريضا وبعضه سالما أو بعضه صحيحا والبعض الاَّخر معيبا وهكذا، فلا يبعد كفاية دفع المعيب عن الجميع أو المريض أو الهرم ولا ضرورة للتقسيط.

الشرط الثاني: السوم طول الحول:

صدق السوم على الأنعام الثلاثة مرتبط بكونها مرسلة في المراعي لترعى من الحشيش والكلأ ونحوهما من الثروات الطبيعية، من دون أن يبذل صاحبها الجهد والعمل في خلق الفرص وتهيئة العلف لها، فإذا كانت كذلك فهي سائمة وفيها زكاة، وأما إذا قام صاحبها بتهيئة العلف لها فأعلفها وأطعمها منه فهي معلوفة، ولا فرق في تهيئة العلف بين أن يقوم صاحبها بإحياء المرعى لها وازدهاره بالأشجار والحشيش والدغل والكلأونحوها بقصد أن يعلفها ويطعمها منه، وبين أن يجمع العلف بقطع الحشيش والكلأ ونحوهما; إذ على كلا التقديرين يصدق أنه أعلفها وأطعمها فإذا صدق ذلك صدق أنها معلوفة، وإن كان العرف قد يستشكل في صدق إعلافها في الصورة الاولى فيقتضي الاحتياط.

(مسألة 1638): من اشترى المرعى أو استأجره من أجل أن يرعى مواشيه فإذا رعاها فيه فهي سائمة، وكذا من رعاها في الحشيش والدغل والكلأ التي تنبت في الأرض المملوكة في أيام الربيع أو في وقت نضوب الماء فإنها سائمة متعلقة للزكاة، حيث لا يكفي في الخروج عن السوم مجرد كون العلف مملوكا ما لم تكن هناك ملابسات أخرى كبذل الجهد وإنفاق العمل في سبيل ذلك.

(مسألة 1639): لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول اذا اعلفها مقدارا لا يعتد به كيوم أو يومين.

(مسألة 1640): السوم الذي هو شرط في وجوب الزكاة في الأنعام الثلاثة لا فرق بين أن يكون باختيار المالك طوال السنة، كما إذا كان بإمكانه أن يعلف أغنامه مثلا ويطعمها ولكنه ترك ذلك وأرسلها إلى مرعاها طيلة السنة، أو يكون بغير

ص: 468

اختياره، كما إذا كان هناك عائق عن أن يطعمها أو ظالم منع عن ذلك طوال فترة الحول أو غاصب غصب العلف واضطر المالك إلى إرسالها الى مرعاها، فالمعيار في وجوب الزكاة في الأنعام إنما هو بصدق السوم عليها.

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل:

ولو في بعض الحول، وإلا لم تجب الزكاة فيها. هذا على المشهور، والصحيح عدم اعتبار هذا الشرط فأن العوامل كغيرها مما تجب فيها الزكاة وإنما لا تجب فيها إذا كانت معلوفة للشرط المتقدم

(مسألة 1641): بناء على المشهور فأنه لا يقدح العمل بها يوما أو يومين أو ثلاثة في تمام السنة، فإن المعيار إنما هو بصدق أنها ساكنة وفارغة ولا تكون عوامل عرفا، ومن الواضح أن عمل يوم أو يومين لا يضر بصدق ذلك.

الشرط الرابع: أن يمضي عليها حول جامعة للشروط:

بحيث يمضي عليها عام قمري كامل، وإن كان الأحوط استقرار الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر، ولا يضر فقد بعض الشروط قبل تمامه. نعم، لا يبدأ الحول الثاني إلا بعد إتمام الشهر الثاني عشر.

(مسالة 1642): إذا اختل بعض الشروط في الشهر الحادي عشر بطل الحول، كما إذا نقصت عن النصاب أو عجز من التصرف فيها أو قام بتبديلها بجنسها، أو بغير جنسها ولو كان زكوياً، ولا فرق بين أن يكون التبديل بقصد الفرار من الزكاة وعدمه.(مسألة 1643): إذا حصل لمالك النصاب في أثناء الحول ملك جديد، بنتاج أو شراء أو نحوهما، فهنا عدة صور:

الصورة الأولى: أن يكون الجديد بمقدار العفو، كما إذا كان عنده أربعون من الغنم، وفي أثناء الحول ولدت أربعين، فلا شيء عليه إلا ما وجب في الأول، وهو شاة في المثال.

الصورة الثانية: أن يكون الجديد نصاباً مستقلا، كما إذا كان عنده خمس من

ص: 469

الإبل، فولدت في أثناء الحول خمساً أخرى. كان لكل منهما حول بانفراده، ووجبت عليه فريضة كل منهما عند انتهاء حوله.

الصورة الثالثة: أن يكون الجديد نصاباً مستقلا ومكملاً للنصاب اللاحق، كما إذا كان عنده عشرون من الإبل وفي أثناء الحول ولدت ستة، جرى على الستة حول مستقل، ووجب في العشرين الأولى أربع شياه، وفي الستة الأخيرة شاة واحدة.

الصورة الرابعة: ما إذا كان الملك الجديد مكملاً للنصاب، وليس نصاباً مستقلاً، كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر، وولدت في أثناء الحول إحدى عشرة وجب استئناف حول جديد لهما معاً. والاحتياط بدفع زكاة الملك السابق (وهي الثلاثون في المثال) عند انتهاء الحول الخاص بها الذي سيكون أثناء الحول الجديد المستأنف للمجموع.

(مسألة 1644): يظهر حكم السخال مما مر إذا كانت أمهاتها سائمة، لما عرفت من أنه لا فرق في الملك الجديد في أثناء النصاب بين أن يكون بالنتاج أو الإرث أو الملك، وإذا كانت أمهاتها معلوفة فإن كان عدد السخال بلغ حد النصاب مستقلا ترتب عليه حكمه، وإلا فلا شيء فيه.

ص: 470

المبحث الثاني: زكاة النقود والعملات المتداولة

الاحوط عدم اختصاص وجوب الزكاة بالنقدين المعروفين في الأزمنة القديمة وهما الدينار الذهبي والدرهم الفضي وإنما تتعلق بكل العملات المتداولة كالدينار والدولار والجنيه واليورو والريال وغيرها إذا كنزت سنة كاملة ولم تتحرك وقد بلغت النصاب.

(مسألة 1645): لا تجب الزكاة في الودائع المصرفية وإن بلغت النصاب ودار عليها الحول لاختلال بعض شروط الوجوب وهو دوران الحول على نفس العين ولا يكفي دورانه على الرصيد، والودائع المصرفية لاتبقى ثابتة بأعيانها لأنها تدخل في نشاطات المصرف. كما أن ملاك وجوب الزكاة وهو تجميد المال وعدم دخوله في النشاطات الاقتصادية غير متحقق في هذه الودائع

(مسألة 1646): ولنفس السبب اعلاه لا تجب الزكاة فيما يقابل بالمال أو يؤول اليه كالاسهم والسندات والصكوك.

(مسألة 1647): يشترط في زكاة العملات - مضافا إلى الشرائط العامة- أمور:

الأول: النصاب وهو في الذهب عشرون دينارا، وفيه نصف دينار، والدينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ويساوي (3. 45)غرام، ولا زكاة فيما دون العشرين ولا فيما زاد عليها حتى يبلغ أربعة دنانير، وهي مساوية لثلاثة مثاقيل صيرفية، وفيها أيضا ربع عشرها أي: من أربعين واحد وهكذا كلما زاد أربعة دنانير وجب ربع عشرها.

أما الفضة فنصابها مائتا درهم وفيها خمسة دراهم، ثم أربعون درهما وفيها درهم واحد، وهكذا كلما زاد أربعون كان فيها درهم، وما دون المائتين عفو، وكذا ما بين المائتين والأربعين، ووزن عشرة دراهم خمسة مثاقيل صيرفية وربع، فالدرهم نصف مثقال صيرفي وربع عشره ويساوي (2. 415) غرام، والضابط في زكاة النقدين من الذهب والفضة: ربع العشر أي (5،2%).

أما في العملات الأخرى فالنصاب فيها ما يعادل أول نصاب الذهب والفضة،

ص: 471

وإذا اختلفا في القيمة فيلاحظ أقلهما وهو نصاب الفضة عادة أي مئتي درهم ويساوي (200* 415،2) = 483 غرام من الفضة.

الثاني: أن يكون الدرهم - الفضي- والدينار - الذهبي- مسكوكين بسكة المعاملة أي العملة المتداولة، سواء كانت بسكة الإسلام أم بسكة الكفر، كانت بكتابة أم بغيرها من النقوش.

(مسألة 1648): إذا مسحت السكة أي نقش العملة الموجود عليها فإن كان المسح يضر بصدق الدينار والدرهم على الممسوح لم تجب الزكاة بعنوان النقود، وإلا وجبت، ولا فرق في ذلك بين الممسوح بالعارضوالممسوح بالأصل، فإن المعيار في وجوب الزكاة إنما هو بصدق الدينار والدرهم الرائج في المعاملات، وأما المسكوك الذي جرت المعاملة به ثم هجرت، فإن كان الهجر والخروج عن المعاملة يؤدي إلى خروجه عن مسمى الدينار والدرهم لم تجب الزكاة فيه بعنوان النقود، وإن كان الهجر بسبب آخر - كاتخاذهما زينة للبيت وجمعهما من أجل ذلك لا من اجل أن يتعامل بهما - لم يمنع ذلك عن وجوب الزكاة فيهما; لأن المعيار في وجوبها إنما هو بصلاحيتها للتداول كعملات وإن كان بعض أفراده مهجورا لسببٍ أو آخر، ولا تجب الزكاة في الحلي وإن كان من الدرهم والدينار. لكنه خرج عن امكان التعامل

الثالث: الحول، ويعتبر في وجوب الزكاة في العملات دخول الشهر الثاني عشر، فإذا دخل تم الحول ووجبت الزكاة فيها، ولابد أن تكون جميع الشروط العامة متوفرة طيلة مدة الحول، فلو فقد بعضها في الأثناء بطل الحول، وإن تجدد استأنفه مرة ثانية من جديد.

(مسألة 1649): لا فرق في الذهب والفضة بين الجيد والرديء، ولا يجوز الإعطاء من الرديء إذا كان تمام النصاب من الجيد.

(مسالة 1650): تجب الزكاة في الدراهم والدنانير المغشوشة - أي غير المصنوعة من الذهب والفضة الخالصين وإنما خلط معهما غيرهما كالنحاس والصفر-

ص: 472

وإن لم يبلغ خالصهما النصاب اذا كان وزن المعادن المضافة متعارفا في صنع العملات لانها لا تصنع من الذهب والفضة الخالصين، وإذا كان الغش كثيرا بحيث لم يصدق الذهب أو الفضة على المغشوش، فلا يمنع ذلك من وجوب الزكاة فيها إذا بلغ خالصه النصاب أو بلغت قيمتها أحد النصابين على ما اخترناه.

(مسالة 1651): إذا شك في بلوغ النصاب فالظاهر عدم وجوب الزكاة، وفي وجوب الاختبار إشكال أظهره العدم.

(مسالة 1652): إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة فقد قال المشهور باعتبار بلوغ النصاب في كل واحد منها على حدة وتطبيق الشروط على كل واحدة منها مستقلاً عن الآخر، ولا يضم بعضها إلى بعض، فإذا كان عنده تسعة عشر دينارا ومائة وتسعون درهما لم تجب الزكاة في شيء منهما، وإذا كان من جنس واحد - كما إذا كان عنده ليرة ذهب عثمانية وليرة ذهب إنجليزية - وجب ضم بعضها إلى بعض في بلوغ النصاب، فإذا بلغ المجموع النصاب وجبت الزكاة فيه هذا، ولكن الأحوط الضّم مطلقاً بملاحظة قيمة الأجناس بالدراهم ففي المثال المذكور تجب الزكاة. ويجري نفس الحكم في العملات المتداولة اليوم، فالشرط بلوغ مجموع أقيامها منضمةً قيمة نصاب الفضة.

(مسألة 1653): يجوز للمالك التصرف في نصاب الذهب والفضة قبل إن يخرج الزكاة شريطة توفر أمرين:أحدهما: أن يكون بانيا على إخراج الزكاة منهما وعازما على ذلك.

ثانيهما: أن يبقى منهما بمقدار يفي بالزكاة.

ص: 473

المبحث الثالث: زكاة الغلات

وقد قلنا في بداية المقصد الثاني أنها تجب في كل ما يكال أو يوزن من الحبوب خلافا للمشهور الذي خصّ الوجوب بالحنطة والشعير والتمر والزبيب.

(مسالة 1654): يشترط في وجوب الزكاة فيها - مضافا إلى الشروط العامة المتقدمة - أمران:

الأول: بلوغ النصاب، وهو بالأوزان المتعارفة اليوم ثمانمائة وسبعة وأربعين كيلوا تقريباً، أما وزنه بالمقادير القديمة فقد ذكرنا تفصيلها في كتابنا (فقه الخلاف/ الجزء الثاني).

الثاني: الملك في وقت تعلق الوجوب، سواء أكان بالزراعة أم بشراء الزرع قبل أوان تعلق الوجوب أم بالإرث كذلك أم بغيرها من أسباب الملك.

(مسألة 1655): المشهور أن وقت تعلق الزكاة عند اشتداد الحب في الحنطة والشعير، وعند الاحمرار والاصفرار في ثمر النخيل، وعند انعقاده حِصرما في ثمر الكرم، لكن الظاهر أن وقته إذا صدق أنه حنطة أو شعير أو تمر أو عنب.

(مسالة 1656): المشهور أن المدار في قدر النصاب من الغلات اليابس منها مطلقاً، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف لم تجب الزكاة، لكن الظاهر هو التفصيل، فالمدار في قدر النصاب هو الرطب، عند انتهاء القطف والتصفية، في الأجناس الثلاثة التمر والحنطة والشعير. فلو كان عندئذ نصاباً. ونقص مع الجفاف بقي وجوب الزكاة. وهذا بخلاف العنب، فانه لا يجب دفع الزكاة في العنب، بل في الزبيب وهو العنب الجاف، ويمكن حسابه على انه جاف ولو خرصاً أو تقديراً.

(مسالة 1657): لا يجوز للمالك تأخير إخراج الزكاة بعد وقت وجوب الإخراج حين تصفية الحنطة والشعير واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب، فإذا أخر الإخراج بغير عذر وعامدا وملتفتا ضمن مع وجود المستحق، ويجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي أن يطالب المالك بالزكاة من حين التعلق، فإذا طلب ذلك منه

ص: 474

وجب على المالك القبول والقيام بإفراز حصة الزكاة وتعيينها وتسليمها إلى الساعي أو إلى الفقراء، كما يجوز للمالك أن يقوم بذلك بنفسه بعد تعلق الوجوب من دون الطلب من قبل الحاكم الشرعي، إذ لا يجب عليه أن يتحفظ على الزكاة إلى وقت التصفية بل له تسليمها إلى الحاكم الشرعي أو إلى الفقراء، وليس للحاكم الشرعي أو الفقراء الامتناع عن القبول.

(مسالة 1658): لا تتكرر الزكاة في الغلات بتكرر السنين، فإذا أعطى زكاة الحنطة ثم بقيت العين عنده سنين متعددة لم يجب فيها شيء،وهكذا غير الحنطة من الغلات الزكوية.

(مسالة 1659): يجب على المالك في زكاة الغلات الأربع العُشر إذا سقت الزروع والأشجار والنخيل بالماء الجاري كالعيون والأنهار التي لا يتوقف سقيها بها على مؤنة زائدة، مثل سحب الماء بالآلات كالمكائن ونحوها أو بماء المطر النازل من السماء أو الماء الناضب في الأرض بامتصاص عروقها منه كما في بعض الأراضي والبلدان، ونصف العشر إذا سقيت بالمكائن والدوالي أو غيرهما من الوسائل والعلاجات الحديثة.

وببيان آخر: أن السقي لا يخلو إما أن يكون طبيعيا أو يكون بالآلات كالمكائن ونحوها، فعلى الأول لا فرق بين أن يكون السقي بالأمطار النازلة من السماء أو بالمياه النضبة في الأرض أو بالعيون والأنهار، ولا فرق في العيون بين أن تكون عامرة طبيعية أو عامرة بشرية، وأما إذا كان السقي بكلا الطريقين بنحو الاشتراك، فتكون الزكاة النصف، والنصف بمعنى: أن زكاة نصف الحاصل نصف العُشر وزكاة نصفه الآخر العشر، والضابط في الاشتراك هو: أنه لا يمكن الاستغناء عن أحدهما بالآخر في الوصول إلى النتيجة وهي الحاصل وإن كان السقي بأحدهما أكثر من الآخر كما أو كيفا.

(مسألة 1660): المدار في التفصيل المتقدم على الثمر لا على الشجر. فإذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء، ولكنه عند أول ثمره يسقى سيحاً، وجب فيه

ص: 475

العشر. ولو كان بالعكس، وجب فيه نصف العشر.

(مسألة 1661): الأمطار المعتادة في السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه، إلا إذا كثرت بحيث يستغنى عن الدوالي، فيجب حينئذ العشر. أو كانت بحيث توجب صدق الاشتراك في السقي فيجب التوزيع بالنسبة.

(مسألة 1662): المهم في طريقة سقي الغلات، هو دفع الأجور وعدمه. سواء اتحد شكل السقي ام اختلف، ما دام متحداً في إحدى الصفتين. فلو كان سقيه بدون أجور، ولكنه تارة على المطر، وأخرى على السيح، وثالثة على المياه الباطنية، وجب دفع العشر ولو كان سقيه بأجور لكنها تارة في حفر ساقية، وأخرى في حفر بئر، وثالثة في أجور ناعورة أو مضخة ماء، ورابعة لنقل الماء إلى المزرعة عن طريق السيارات أو الحيوانات، وجب نصف العشر.

(مسألة 1663): إذا أخرج شخص الماء بالدوالي عبثا أو لغرض، فسقى به آخر زرعه، فالظاهر وجوب العشر إن بقي الماء بعد إخراجه، من المباحات العامة ووصل الى الزرع بنفسه بدون تعمل، وإلا وجب نصف العشر. وكذا إذا أخرجه هو عبثا أو لغرض آخر، ثم بدا له فسقى به زرعه. وأما إذا أخرجه لزرع، فبدا له فيه وسقى به زرعا آخر أو زاد الماء به غيره، فالظاهر وجوب نصف العشر.

(مسألة 1664): أن ما يأخذه السلطان على ثلاثة أنواع:1- ما يأخذه بعنوان المقاسمة، وهي الحصة من نفس الزرع .

2- ما يأخذه بعنوان الخراج والضريبة.

3- ما يأخذه بعنوان الزكاة.

أما الأول: فلا يجب إخراج زكاته، ويعتبر حصول النصاب بعد دفعه، فلو كان نصاباً ولكنه أصبح أقل بعد دفع هذه الحصة، لم تجب الزكاة فيه.

وأما الثاني: فلا يكون مستثنى منه فحاله حال سائر المؤن.

وأما الثالث: فهو يحسب من الزكاة شريطة توفر أمرين فيه:

أحدهما: أن يكون ذلك قهرا وجبرا.

ص: 476

وثانيهما: أن يكون من قبل ولاة الأمر، فإذا توفر الأمران أجزء ذلك عن الزكاة.

(مسألة 1665): المشهور بين الفقهاء استثناء المؤن التي يحتاج إليها الزرع في بلوغه إلى حد الثمر والإنتاج من النصاب، وإخراج الزكاة من الباقي كأجرة الفلاح والحارث والساقي والعوامل التي يستأجرها للزرع وأجرة الأرض ونحو ذلك مما يحتاج إليه الزرع أو الثمر، ومنها ما يأخذه السلطان من النقد المضروب على الزرع المسمى بالخراج، والصحيح هو التفصيل، فإن هذه المؤن إذا كانت على نحو النسبة في الحاصل والحصة منه كما يقتضيه عقد المزارعة والمساقاة فهذا الاستثناء صحيح لأنهم شركاء مع المالك فيحتسب حصته الخالصة، وإن كانت هذه المؤن على نحو أموال أو أعيان يدفعها المالك من غير الحاصل فالاستثناء مشكل.

وهذا كله في المؤن التي تصرف قبل تعلق الزكاة، أما المؤن التي تصرف على الزرع أو الثمر بعد تعلق الزكاة به فبإمكان المالك احتسابها على الزكاة وعدم تحملها، على أساس أن له الحق في تسليمها إلى أهلها كالفقراء أو الحاكم الشرعي، إذ لا يجب عليه الحفاظ عليها إلى زمان التصفية في الغلات والاجتذاذ في الثمر والاقتطاف في الزبيب، وعليه فيجوز له احتساب المؤونة اللاحقة على الزكاة بالنسبة مع الإذن من الحاكم الشرعي وإلا فليس له ذلك.

(مسألة 1666): إذا كانت النخيل أو الأشجار في أماكن متباعدة، وتفاوتت في إدراك الأثمار زمانا وكانت الأثمار جميعا لعام واحد، وجب ضم بعضها مع بعضها الآخر، فإذا بلغ المجموع حد النصاب وجب إخراج الزكاة منه، فإن المعيار إنما هو ببلوغ ثمرة سنة واحدة هي سنة النصاب، سواء كانت في زمن واحد أم كانت في أزمنة متعددة، مادام يصدق عليها أنها ثمرة في عام واحد وبلغت النصاب كاملا. وكذلك الحكم في الزروع المتباعدة فيلحظ النصاب في المجموع وان كان زمان الإدراك فيها متفاوتا بعد كون الجميع ثمرة عام واحد، فإذا بلغ المجموع النصاب وجبت الزكاة وإن لم يبلغه كل واحد منها، وأما إذا كان نخل يثمر في العام مرتين ففي

ص: 477

الضم فيه إشكال وإن كان الضم أحوط وجوبا، بل هو الأقرب.(مسألة 1667): يجوز دفع القيمة عن الزكاة من النقدين وما بحكمهما من الأثمان كالأوراق النقدية.

(مسألة 1668): إذا مات المالك بعد تعلق الوجوب وجب على الوارث إخراج الزكاة، أما لو مات قبله وانتقل إلى الوارث، فإن بلغ نصيب كل واحد النصاب وجبت على كل واحد منهم زكاة نصيبه، وإن بلغ نصيب بعضهم دون نصيب الآخر وجبت على من بلغ نصيبه دون الآخر، وإن لم يبلغ نصيب أي واحد منهم النصاب لم تجب على أي واحد منهم، وكذا الحكم فيما إذا كان الانتقال بغير الإرث كالشراء أو الهبة.

(مسألة 1669): إذا ملك النبات الزكوي بإرث أو هبة، وجبت الحصة، باعتبار السقي الذي فعله المالك السابق. فان كان بأجور دفع المالك الثاني نصف العشر، وان كان بدونها دفع العشر.

(مسألة 1670): إذا اختلفت أنواع الغلة الواحدة كأنواع التمر، بأن كان بعضها جيداً وبعضها الآخر أجود والثالث رديء والرابع أردأ جاز دفع الأجود عن الجيد والرديء عن الأردأ، وإلا فالأظهر أن يخرج زكاة كل نوع من نفس ذلك النوع، على أساس أن تعلق الزكاة بالغلات الأربع يكون بنفس العين على نحو الإشاعة. ولا يجوز دفع الرديء عن الجيد.

(مسألة 1671): لا يضم بعض النبات الزكوي الى بعض، وإنما يعتبر النصاب في كل منها مستقلا. فلو كان التمر والعنب معا نصابا، أو الحنطة والشعير، لم تجب الزكاة في أي منها.

(مسألة 1672): المدار هو صدق العنوان عرفا، وهي التسميات الأربعة: التمر والزبيب والحنطة والشعير. وهذا له عدة نتائج:

اولاً: ما قلناه من عدم وجوب الزكاة قبل صدقها على النبات حال تكونه.

ثانياً: عدم وجوب الزكاة على ما يشك في إلحاقه بذلك من النبات.

ص: 478

ثالثاً: عدم وجوب الزكاة على ما خالط هذه النباتات من الأدغال، وان كانت مشابهة لها، كالدنان والسلت والعلس.

رابعاً: وجوب الزكاة على الأنواع المختلفة من أي قسم، فيضم أقسام الحنطة الى بعضها البعض، وتعتبر نصابا واحدا، وكذا النباتات الثلاثة الأخرى.

خامساً: انه لا فرق في وجوب الزكاة في عمر الثمرة أو الغلة، ما دام العنوان صادقا. فمثلا تجب في ثمرة النخل سواء كانت بسرا (خلالاً) أم منصّفاً أم رطباً أم جافاً أم مكبوساً أم غيره. وإذا لم يدفع في حال وجب عليه الدفع في الحال الأخرى. وكذا الحال في الحنطة والشعير. ويستثنى من ذلك ثمرة الكرم، فان العنوان المأخوذ في وجوب الزكاة هو الزبيب لا العنب كما سبق.

(مسألة 1673): الأقوى أن الزكاة في الغلات الأربع متعلقة بالعينعلى وجه الإشاعة، وفي الغنم والنقدين متعلقة بالعين على وجه الكلي في المعين، وفي الإبل والبقر متعلقة بالعين على نحو الشركة في المالية المتمثلة في مال خاص في كل مرتبة من مراتب نصابهما، وتظهر الثمرة بين هذه الوجوه، فعلى الأول لا يجوز تصرف المالك في النصاب قبل أن يخرج زكاته، وعلى الثاني والثالث يجوز للمالك أن يتصرف فيه مادام يبقى منه مقدار الزكاة عينا، كما في القسم الثاني، ومالا كما في القسم الثالث. نعم، لا يجوز له التصرف في تمام النصاب، فإذا باعه لم يصح البيع في حصة الزكاة إلا أن يدفعها البائع بإذن من الحاكم الشرعي في القسم الثاني، على أساس أن إجزاء غير الزكاة عوضا عن الزكاة يتوقف على الإذن. نعم، في القسم الثالث يصح بلا حاجة إلى الإذن باعتبار أن الزكاة متمثلة في مال خاص كشاة وشاتين مثلا، فإذا دفع المالك الشاة فقد دفع عين الزكاة لا عوضها أو يدفعها المشتري من نفس النصاب في القسم الثاني أو مع الإذن إذا كان من غيره فيصح أيضا، ويرجع بها على البائع وإن أجاز الحاكم البيع قبل دفع البائع أو المشتري صح البيع، وكان الثمن زكاة فيرجع الحاكم به على المشتري إن لم يدفعه إلى البائع، وإلا فله الرجوع على أيهما شاء.

ص: 479

(مسألة 1674): لا يجوز التأخير في دفع الزكاة من دون عذر، فإن أخره لطلب المستحق فتلف المال قبل الوصول إليه لم يضمن، وإن أخره مع العلم بوجود المستحق ضمن.

(مسألة 1675): لا حجية في عزل المالك للحصة الزكوية، بل يبقى حكم النصاب وحكمها واحداً، ما لم يقبضها المستحق. نعم، لا يبعد أن يكون العزل في طريق الدفع حجة، فيشمله حكم المعزول من عدم الضمان مع التلف بدون تأخير ولا تفريط، سواء كان المال المعزول من العين أم من مال آخر، وجد المستحق أم لم يوجد، تأخر الدفع أم تنجز. والمهم أن يكون العزل في طريق الدفع عرفاً. ولو اقتضى الحال التأخير الزائد لغير ضرورة أو حرج، كشهر أو شهرين، لم يجز إلا بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 1676): نماء الزكاة تابع لها في المصرف، قل أو كثر، ولا يجوز للمالك إبدالها بعد العزل، إلا بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة 1677): إذا باع الزرع أو الثمر، وشك في أن البيع كان بعد تعلق الزكاة حتى تكون عليه، أو قبله حتى تكون على المشتري، لم يجب عليه شيء، حتى إذا علم زمان التعلق وشك في زمان البيع.

وإن كان الشاك هو المشتري، فإن علم أداء البائع للزكاة على تقدير كون البيع بعد التعلق، لم يجب عليه إخراجها، وإلا وجب عليه إخراجها، لعلمه إجمالا إما ببطلان البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة إذا كان تعلقها في ملك البائع، أو بوجوب إخراجها عليه إذا كان تعلقها في ملكه، فبالنتيجة هو يعلم تفصيلا أن تصرفه في مقدار الزكاة محرم. وإذا دفع المشتريالزكاة فليس له أن يرجع إلى البائع ويطالب عوضها عنه لعدم العلم بضمانه لها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون زمان كل من الشراء والتعلق مجهولا أو زمان الشراء معلوما وزمان التعلق مجهولا أو بالعكس.

(مسألة 1678): يجوز للحاكم الشرعي أو وكيله خرص ثمر النخل والكرم على المالك، شريطة أن تكون فيه مصلحة للفقراء، وإلا فلا مقتضى له، وأما عملية

ص: 480

الخرص من قبل المالك فهي منوطة بقبول الحاكم الشرعي أو وكيله، وهو مرتبط بما إذا كانت في تلك العملية مصلحة للفقراء، وإلا فهو لا يخلو عن إشكال بل منع، وفائدته جواز الاعتماد عليه، بلا حاجة إلى الكيل والوزن.

(مسألة 1679): أن وقت إخراج الزكاة يبدأ من حين تعلقها بالمال، لا أنه متأخر عنه، غاية الأمر يجوز للمالك التأخر إلى وقت التصفية والاجتذاذ.

(مسألة 1680): أن الزكاة في الغلات الأربع بما أنها جزء مشاع لنفس النصاب في الخارج، فلا يجوز إعطاؤها من مال آخر غير النقدين وإن كان من جنسها، كإعطاء زكاة الحنطة من حنطة أخرى من نوعها.

ص: 481

المبحث الرابع: زكاة أموال التجارة

المقصود بأموال التجارة البضائع وسائر الممتلكات التي تُتملَّك بعقد معاوضة بين مالين لأجل الاكتساب والاسترباح، ولا تشمل النقود لدخولها في عنوان العملات.

(مسألة 1681): تجب الزكاة في الأموال التجارية إذا تحققت الشروط الآتية:

1- مرور حول على نفس العين من حين تملّكها بقصد التكسب والاسترباح.

2- بقاء قصد الاسترباح طول الحول فلو عدل عنه ونوى به الاقتناء الشخصي خلال العام لم تجب الزكاة.

3- أن يطلب المتاع برأس المال أو بزيادة عليه طول الحول لكنه لم يبعه طلباً للزيادة، فلو طلب بنقيصة أثناء السنة لم تجب فيه الزكاة.

4- وقيل باشتراط بلوغه النصاب وهو نصاب أحد النقدين كما تقدم، إلا أن ذلك لم يثبت بدليل تام، فمقتضى إطلاق الروايات عدم اشتراطه وهو الأحوط.

(مسألة 1682): مقدار الزكاة في أموال التجارة (5،2 %).

(مسألة 1683): لا تجب الزكاة على ما تملّكه الإنسان بغير عقد كالإرث وحيازة المباحات، أو بعقد غير معاوضة كالهبة، ولا في ما تملكه بمعاوضة ولكن ليست بين مالين كالمهر أو ما صالح به على حق من الحقوق. وإن عرض ما تملكّه بهذه الأنحاء للتجارة.

(مسألة 1684): لو ملك شيئاً بقصد القنية ثم عدل إلى التجارة لم تجب فيه الزكاة حتى يبيعه ويشتري بثمنه متاعا ً آخر بقصد الاكتساب.

(مسألة 1685): تتعلق هذه الزكاة بالعين ويجوز دفع القيمة عوضاً عنها.

(مسألة 1686): إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين - وهو الفضة عادة

ص: 482

لأنه أقل قيمة - دون الآخر تعلقت به الزكاة لحصول ما يسمى نصاباً.

(مسألة 1687): قد تجب هذه الزكاة في موارد لم تكن مشمولة بالأصناف التسعة المشهورة كالعقارات والخيل والفواكه المجففة إذا انطبقت عليها شروط الوجوب.

ص: 483

المقصد الثالث: أصناف المستحقين وأوصافهم

اشارة

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: أصنافهم

وهم ثمانية:

الأول: الفقير.

الثاني: المسكين.

وكلاهما من لا يجد مؤونة سنته اللائقة بحاله له ولعياله، والمراد بالعيال من يعولهم عادة ولا يقتصر على زوجته وأولاده فيشمل ضيوفه أيضاً. وقيل في الفرق أن الثاني أسوأ حالا من الأول لظهور الذلة والمسكنة عليه بسبب الفقر، وعلى أي حال فالتفريق بينهما هنا غير مُجدٍ، والغني بخلافهما، فإنه من يجد(1) قوت سنته فعلا نقدا أو جنسا. ويتحقق ذلك بأن يكون له مال يكفي ربحه بمؤنته ومؤنة عياله، أو قوة اكتساب أو يكون له حرفة أو صنعة إذا اشتغل بها كفى مؤنته ومؤنة عياله واستغنى بها، وإذا كان قادرا على الاكتساب وتحصيل المؤنة ولكنه تركه تكاسلا فلا يكون فقيرا ولا يجوز له أخذ الزكاة. نعم، إذا لم يوجد له شغل وعمل يقوم به جاز له أخذ الزكاة مادام كذلك.

(مسألة 1688): إذا كان له رأس مال لا يكفي ربحه لمؤنة السنة، جاز له أخذ الزكاة لإكمال مؤنته، وكذا إذا كان صاحب صنعة تقوم آلاتها بمؤنته، أو صاحب ضيعة أو دار أو خان أو نحوهما تقوم قيمتها بمؤنته، ولكن لا يكفيه الحاصل منها فإن له إبقاءها وإكمال المؤنة من الزكاة.

ص: 484


1- وهو معنى أوسع مما يعبر به الفقهاء وهو (يملك) فقد يجد الشخص قوت سنته من دون تمليك كما لو كان مكفول المعيشة أو أن ما يحتاجه متيسّر له متى شاء.

(مسألة 1689): دار السكنى والخادم والسيارة الشخصية المحتاج إليها بحسب حاله ولو لكونه من أهل الشرف لا تمنع من أخذ الزكاة، وكذا ما يحتاج إليه من الثياب، والألبسة الصيفية، والشتوية الحضرية والسفرية ولو كانت للتجمل، شريطة أن تكون لائقة بحاله، وكذلك الكتب العلمية وأثاث البيت من الظروف والفرش والأواني، وسائر ما يحتاج إليه، والضابط في استثناء هذه الأشياء كما وكيفا وعدم منعها عن أخذ الزكاة: أن لا تكون أزيد مما تتطلب مكانة الشخص اجتماعيا وعائليا وعزا وشرفا، وهي تختلف من فرد إلى آخر، وإلا لم يجز أخذ الزكاة إذا كان الزائد وافيا بالمؤنة بالكامل، كما إذا كان عنده من المذكورات أكثر من مقدار الحاجة وكانت كافية في مؤنته، لم يجز له الأخذ منها، بل إذا كان له دار تندفع حاجتهشانا بأقل منها قيمة، وكان التفاوت بينهما يكفيه لمؤنته لم يجز له الأخذ من الزكاة، وكذا الحكم في السيارة وغيرها من أعيان المؤنة إذا كانت أكثر مما تتطلب مكانته وشأنه وكان بإمكانه التبديل بالأقل الذي لا يطلب شأنه أكثر من ذلك.

(مسألة 1690): إذا كان قادرا على التكسب، لكنه ينافي شانه الاجتماعي، جاز له الأخذ، وكذا إذا كان قادرا على الصنعة، لكنه كان فاقدا لآلاتها، فهو بالنتيجة عاجز عن الاشتغال بها.

(مسألة 1691): إذا كان قادرا على تعلم صنعة أو حرفة يكفي الاشتغال بها لمؤنته وجب عليه ذلك; لأنه يقدر أن يكف نفسه عن الصدقة بتعلم الصنعة أو المهنة فإذاً هو غني. نعم، مادام مشتغلا بالتعلم لا مانع من أخذ الزكاة إذا لم يكن عنده ما يكفي لمؤنته.

(مسألة 1692): طالب العلم الديني الذي لا يملك فعلا ما يكفيه، يجوز له أخذ الزكاة إذا كان طلب العلم واجبا عليه عينا، وإلا فإن كان قادرا على الإكتساب، وكان يليق بشأنه لم يجز له أخذ الزكاة، وأما إن لم يكن قادرا على الإكتساب لفقد رأس المال، أو غيره من المعدات للكسب، أو كان لا يليق بشأنه - كما هو الغالب في هذا الزمان - جاز له الأخذ، هذا بالنسبة إلى سهم الفقراء، وأما من سهم سبيل

ص: 485

الله تعالى فيجوز له الأخذ منه إذا كان يترتب على اشتغاله مصلحة محبوبة لله تعالى وإن لم يكن المشتغل ناويا للقربة. نعم، إذا كان ناويا للحرام كالرياسة المحرمة لم يجز له الأخذ.

(مسألة 1693): المدعي للفقر إن علم صدقه أو كذبه عومل به، وان جهل ذلك لم يجز إعطاؤه إلا إذا حصل الوثوق بفقره أو كانت حالته السابقة هي الفقر.

(مسألة 1694): يجوز احتساب الزكاة على الفقير الميت إذا كان له دين عليه مقاصّة مع دينه بشرط أن لا يكون له تركه تفي بدينه وإلا لم يجز، إلا إذا تلفت التركة على نحو لا يكون التالف مضمونا، وإذا امتنع الورثة من الوفاء ففي جواز الاحتساب إشكال وإن كان الجواز أظهر، وكذا إذا غصب التركة غاصب لا يمكن أخذها منه، أو أتلفها متلف لا يمكن استيفاء بدلها منه.

(مسألة 1695): إذا كان له دين على الفقير الحي جاز احتسابه من الزكاة بمقاصّته مقدارها من الدين إذا كان عند الفقير ما يفي بالدين ولو ببيع دار أو أثاث أو له عمل يُرجى منه استيفاء دينه، أما إذا كان الفقير مما لا يُرجى منه شيء من ذلك فلا يجوز احتساب الدين من الزكاة مقاصّة وإنما يسلّم الفقير الزكاة وهو بالخيار إن شاء سدَّد الدين أو صرفها على احتياجاته.

(مسألة 1696): لا يجب إعلام الفقير بأن المدفوع إليه زكاة، بل يجوز الإعطاء على نحو يتخيل الفقير أنه هدية، ويجوز صرفها بعينها في مصلحة الفقير كما إذا قدّم إليه تمر الصدقة فأكله.

(مسألة 1697): إذا دفع المالك مقدارا من النصاب بعنوان الزكاة لشخص، باعتقاده أنه فقير ثم بان أنه غني، وجب عليه استرجاعه منه وصرفه في مصرفها إذا كانت العين الزكوية باقية عنده، وإن كانت تالفة، فإن كان الدفع إليه بعد الفحص والاجتهاد والتأكد أو كان بأمر المجتهد أو المأذون من قبله فلا ضمان عليه، على أساس أنه لا موجب له، فإن الموجب هو التفريط والتقصير فيه، فإذا لم يكن فلا مبرر له، وبكلمة أخرى : أنه إذا دفع الزكاة إلى غير موردها واقعا من دون أن يقوم

ص: 486

بعملية الفحص وتحصيل الحجة فهو ضامن إذا تلفت لصدق التفريط والتقصير فيه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدفع إلى غير العارف أو إلى العارف غير المستحق، وأما إذا دفعها إليه بعد عملية الفحص وتحصيل الحجة ثم انكشف الخلاف فلا ضمان عليه إذا تلفت، كما أنه لاضمان إذا دفعها إلى المجتهد الجامع للشرائط أو المأذون من قبله وتلفت عنده قبل إيصالها إلى أصحابها، ثم إنه يجوز للدافع أن يرجع إلى القابض إذا كان القابض يعلم بأن ما قبضه زكاة وهي محرمة على الغني، وكذلك إذا كان شاكا في حرمتها عليه ويطالبه ببدلها من المثل أو القيمة في كلا الفرضين، وأما إذا كان جاهلا بها مركبا أو تخيل أن ما دفعه إليه هدية وليس بزكاة فلا يحق للدافع أن يرجع إليه؛ لأن الدافع حينئذٍ إن كان مقصرا في ذلك - بأن دفع الزكاة من دون فحص وتحقيق - فالضمان عليه، وعندئذٍ لو دفع القابض الزكاة فله أن يرجع إلى الدافع ويطالبه بالعوض عنها تطبيقا لقاعدة رجوع المغرور إلى الغار، وإن لم يكن الدافع مقصرا فيه فلا ضمان لا على القابض ولا على الدافع، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدافع هو المالك أو غيره، وكذلك الحكم إذا تبين كون المدفوع إليه ليس مصرفا للزكاة من غير جهة الغنى، مثل أن يكون ممن تجب نفقته، أو هاشميا إذا كان الدافع غير هاشمي أو غير ذلك.

الثالث: العاملون عليها: وهم الموظفون المنصوبون لأخذ الزكاة وضبطها وحسابها وإيصالها إلى الإمام (عليه السلام) أو نائبه العام أو إلى مستحقها. وعملهم يشبه عمل مخمنّي وجباة الضرائب اليوم.

الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم المسلمون الذين يضعف اعتقادهم بالمعارف الدينية، فيعطون من الزكاة ليحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم، أو الكفار الذين يوجب إعطاؤهم الزكاة ميلهم إلى الإسلام، أو معاونة المسلمين في الدفاع أو الجهاد ضد الكفار.

الخامس: الرقاب: وهم العبيد المكاتبون العاجزون عن أداء الكتابة مطلقة أو مشروطة، فيعطون من الزكاة ليؤدوا ما عليهم من المال، والعبيد الذين هم تحت

ص: 487

الشدة، فيشترون ويعتقون، بل مطلق عتق العبد إذا لم يوجد المستحق للزكاة، بل مطلقا على الأظهر.

السادس: الغارمون: وهم الذين في ذمتهم ديون للناس وكانواعاجزين عن أدائها في وقتها، سواء كانوا متمكنين من قوت سنتهم بالفعل أو بالقوة أم لم يكونوا متمكنين من ذلك، هذا شريطة أن لا تكون تلك الديون مصروفة في المعصية.

وعلى ذلك فلو كان على الغارم دين لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة للمدين، فيكون له ثم يأخذه مقاصة وفاءً عما عليه من الدين وإن لم يقبضها المديون وهو الغارم، ولا يوكله في قبضها ولا يجب إعلام الغارم بذلك.

وأما إذا كان الدين لشخص آخر فيجوز لمن عليه الزكاة أن يؤدي دينه من الزكاة عنده ابتداءً إن كان المدين ميتا، وأما إذا كان حيا فلا يجوز إلا بإذن الحاكم الشرعي ولو من دون إطلاع الغارم، وأما كفاية ذلك من دون الإذن منه منوطة بتوفر أحد أمرين:

الأول: أن تكون لمن عليه الزكاة ولاية على المدين، ويقبض من الزكاة ولاية عنه ثم يفي بها دينه.

الثاني: أن تكون للدائن ولاية على المدين ويقبض الزكاة من قبله ولاية ثم يستملكه وفاءً للدين، ولكن كلا الأمرين غير ثابت، فإذاً الكفاية منوطة بالإذن من الحاكم الشرعي، ولو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له الإعطاء منها لوفاء دينه، وإن لم يجز إعطاؤه لنفقته أو يفي دينه عنه ابتداءً بإذن الحاكم الشرعي.

السابع: سبيل الله تعالى: وهو جميع سبل الخير كبناء الطرق والجسور، والمدارس والمساجد، وإصلاح ذات البين، ورفع الفساد، ونحوها من الجهات العامة، بل الأظهر شموله لكل عمل قربي، سواء كان من الجهات العامة أم الخاصة كإرسال شخص إلى الحج إذا لم يتمكن منه بغير الزكاة، أو بناء دار لعالم وهكذا.

ص: 488

الثامن: ابن السبيل: الذي نفدت نفقته، بحيث لا يقدر على الذهاب إلى بلده، فيدفع له ما يكفيه لذلك، بشرط أن لا يتمكن من الاستدانة، أو بيع ماله الذي هو في بلده، وإلا فهو متمكن من مواصلة سفره.

(مسألة 1698): من سافر سفر معصية وبعد الانتهاء منه أراد أن يرجع إلى بلدته، فإذا نفدت نفقته في هذه الحالة ولا يتمكن من الرجوع فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة إلا إذا تاب وندم فلا يبعد جواز إعطائه بمقدار الكفاية اللائقة بحاله.

(مسألة 1699): إذا اعتقد وجوب الزكاة فأعطاها، ثم بان العدم جاز له استرجاعها، وان كانت تالفة استرجع البدل إذا كان الفقير عالما بالحال، وإلا لم يجز الاسترجاع.

ص: 489

المبحث الثاني: أوصاف المستحقين

اشارة

وهي أمور:

الأول: الإيمان: فلا يعطى الكافر ولا المخالف من سهم الفقراء ولا غيره على الأحوط. إلا سهم المؤلفة قلوبهم وسهم سبيل الله إن كانوا مندرجين فيه.

(مسألة 1700): تعطى الزكاة لأطفال المؤمنين ومجانينهم، ويقبضها وليهم، والمهم قبضه عنهم لا قبوله اللفظي، وان كان أحوط استحبابا.

(مسألة 1701): إذا أعطى المخالف زكاته أهل نحلته، ثم استبصر أعادها، وان كان قد أعطاها المؤمن أجزأ.

الثاني: أن لا يكون من أهل المعاصي، بحيث يصرف الزكاة في المعاصي، أو يكون الدفع إليه إعانة على الإثم، أو يكون حرمانه منها ردعاً له فيحرم الاعطاء. والأحوط عدم إعطاء الزكاة لتارك الصلاة أو شارب الخمر، أو المتجاهر بالفسق، أو المعتاد على السرقة أو الزنا أو المتساهل في دينه.

الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المعطي، كالأبوين والأجداد وان علوا، والأولاد وإن نزلوا من الذكور والإناث والزوجة الدائمة، إذا لم تسقط نفقتها، والمنقطعة إذا اشترطت النفقة. غير أن الأبوين والأولاد لا تجب نفقتهم دائماً، بل إذا كان المنفق متمكنا وهم معدمون، أما إذا كان كلاهما معدما لم تجب النفقة، وكذا لو كانا ميسورين حتى الأطفال إذا كانوا يملكون ما يكفيهم جاز الصرف عليهم من أموالهم. ولو كان دافع الزكاة فقيراً والمدفوع إليه ميسورا لم تجب النفقة، فجاز له الدفع من هذه الناحية. نعم، الزوجة تستحق النفقة وان كانت ميسورة، ونفقتها دين في ذمة زوجها، وأما نفقة الآخرين فهو حكم تكليفي خاص وعلى أي حال، لا يجوز إعطاء الزكاة لمن تجب نفقته.

(مسألة 1702): يجوز إعطاء هؤلاء من الزكاة لحاجة لا تجب على المنفق، كما إذا كان للوالد أو الولد زوجة أو كان عليه دين يجب قضاؤه، أو كان عليه عمل يجب أداؤه بإجارة وكان موقوفا على المال. وأما إعطاؤهم للتوسعة زائداً على

ص: 490

النفقة الواجبة - فهو جائز ما دام مناسبا لشانه الاجتماعي - أعنى القابض.

(مسألة 1703): يجوز لمن وجبت نفقته على غيره. أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه، بل ممن تجب عليه ايضاً، إذا لم يكن المنفق قادراً على الإنفاق، أو لم يكن باذلا، أو لم يكن موسعاً أو كان باذلا مع منة غير قابلة للتحمل عادة. وأما إذا كان المنفق قد جعل الآخر بمنزلة الغني الشرعي فالأحوط منعه من الزكاة، ولا توجد قاعدة مطردّة تقتضي اعتباركل من تجب نفقته على غني غنيا، واعتبار كل من تجب نفقته على فقير فقيرا. وإن كانت غالبة، إلا أن المعيار هو حال الشخص الذي يراد دفع الزكاة إليه.

(مسألة 1704): ما ذكرناه آنفاً مختص بسهم الفقراء والمساكين، أما بالنسبة إلى سائر السهام فإن كان مورداً لها فيجوز صرفها فيه كسهم سبيل الله أو ابن السبيل بالمعنى الذي شرحناه.

(مسألة 1705): الأقوى سقوط وجوب النفقة في غير الزوجة، مع توفر الزكاة. وأما الزوجة فلا تسقط نفقتها، ولا يجوز للزوجة أن تأخذ من الزكاة مع بذل زوجها للنفقة. بل مع إمكان إجباره إذا كان ممتنعاً، والمعيار ما تقدم.

(مسألة 1706): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها، إذا لم تشترط نفقتها، سواء كان الدافع الزوج أم غيره. وكذا الدائمة إذا سقطت نفقتها بالشرط أو بالنشوز.

(مسألة 1707): يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى زوجها ولو كان للإنفاق عليها، إلا إذا أصبح واجب النفقة عليها. كما إذا أصبح عاجزاً ونحوه.

(مسألة 1708): إذا عال بأحد تبرعا، جاز للمعيل ولغيره دفع الزكاة إليه، من غير فرق بين القريب والأجنبي. هذا إذا كان على وجه الجواز أو الاستحباب، وأما إذا كان مصداقا للوجوب الكفائي ففيه إشكال.

(مسألة 1709): يجوز لمن وجبت النفقة عليه أن يعطي زكاته لمن تجب عليه نفقته، إذا كان عاجزاً عن الإنفاق عليه. وان كان الأحوط استحباباً الترك.

ص: 491

الرابع: أن لا يكون هاشمياً إذا كانت من غير هاشمي فالهاشمي لا تجوز له زكاة غير الهاشمي، ولكن يجوز أن يعطي الهاشمي لغير الهاشمي. فالهاشمي يعطي لكلا الصنفين بدون تعيين الانتساب بخلاف غير الهاشمي.

(مسألة 1710): لا فرق في الحرمة بين سهم الفقراء وسائر السهام على الأحوط، حتى سهم العاملين وسبيل الله. نعم، لا بأس بتصرفهم في الأوقاف العامة إذا كانت من الزكاة، مثل المساجد والمدارس ومنازل الزوار والكتب وغيرها.

(مسألة 1711): يجوز للهاشمي أن يأخذ زكاة الهاشمي، وان كان الأحوط خلافه. من دون فرق بين السهام أيضاً. كما يجوز له اخذ زكاة غير الهاشمي مع الاضطرار. وفي تحديد الاضطرار إشكال وقد فسِّر بما يسوّغ أكل الميتة، والأحوط تحديدها بوجبة من الطعام وباللباس الذي تحت الضرورة، فان زاد وجب إرجاعه.

(مسألة 1712): الهاشمي هو المنتسب شرعاً إلى هاشم بالأب دونالأم، وان كان حراماً بالعرض، كالحيض والإحرام والظهار وغيرها. وأما إذا كان منتسباً إليه بالزنا فيشكل إعطاؤه من الزكاة، ويجوز إعطاؤه من الخمس، وان كان الأحوط خلافه.

(مسألة 1713): ما هو المحرم من صدقات غير الهاشمي هو زكاة المال وزكاة الفطرة، أما الصدقات المندوبة فليست محرمة، بل كذلك الصدقات الواجبة كالكفارات ورد المظالم ومجهول المالك واللقطة والفدية ومنذور الصدقة والموصى به للفقراء أو العلماء ويكون منهم فضلا عن الموقوف كذلك.

(مسألة 1714): يثبت كون الفرد هاشمياً بالعلم والبينة وبالشياع الموجب للاطمئنان. ولا يكفي مجرد الدعوى، وفي براءة ذمة المالك إذا دفع إليه الزكاة حينئذ، إشكال لا يترك معه الاحتياط.

(مسألة 1715): المهم في المنع عن اخذ الزكاة واستحقاق الخمس، هو كون الفرد منتسباً إلى هاشم، من أي فرع من فروع ذريته وان لم يكن علوياً. دون انتسابه إلى من فوقه من الأجداد، كقصي أو فهر أو النضر الذي يعني كونه قرشياً غير

ص: 492

هاشمي. ومعه فهو كسائر غير الهاشمين فضلا عن أن يكون عدنانياً أو قحطانياً خارج هذه الذرية.

تتمة في بقية أحكام الزكاة

(مسألة 1716): لا يجب البسط على الأصناف الثمانية على الأقوى، ولا على أفراد صنف واحد ولا مراعاة اقل الجمع، وهو ثلاثة. فيجوز إعطاؤها لشخص واحد من صنف واحد.

(مسألة 1717): إذا نذر أن يعطي زكاته فقيراً معيناً، انعقد نذره، فان سها فأعطاها فقيراً آخر أجزأ، ولا يجوز استردادها وان كانت العين باقية. وإذا أعطاها غيره متعمداً، فالظاهر الإجزاء، وان كان الاحتياط الأكيد بخلافه. وأما حصول الحنث به ووجوب الكفارة عليه فمسلّم، بل الأحوط دفعها في صورة السهو والنسيان أيضاً ولو من مال آخر.

(مسألة 1718): يجوز نقل الزكاة من بلد إلى غيره، ولو مع وجود المستحق فيه. لكن إذا كان المستحق موجوداً في البلد كانت مؤنة النقل عليه، وان تلفت بالنقل يضمن، حتى لو كان بغير تفريط على الأحوط، بخلاف ما لو نقلها بإذن الفقيه فانه لا يضمن إلا بالتفريط. وأما مع عدم وجود المستحق في البلد فاجرة النقل يمكن أن تكون من الزكاة نفسها، ولا ضمان إلا مع التفريط حتى لو لم يراجع الفقيه.

(مسألة 1719): إذا كان له مال في غير بلد الزكاة، جاز له دفعه عما عليه في بلده، ولو مع وجود المستحق فيه. وكذا إذا كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر جاز احتسابه عليه من الزكاة إذا كان فقيراً، ولاإشكال في شيء من ذلك.

(مسألة 1720): إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة، أو قبضها المالك بالوكالة عنه كذلك، أو قبضها وكيل الفقيه كذلك برئت ذمة المالك، وان تلفت بعد ذلك بتفريط أو بدونه، أو دفعها إلى غير المستحق.

ص: 493

(مسألة 1721): لا يجوز تأخير دفع الزكاة حتى مع العزل، بحيث يؤدي إلى التسامح، وليس منه انتظار المستحق أو مستحق معين، وان كان الأحوط المبادرة مطلقا. وإذا تلفت بالتأخير مع وجود المستحق ضمن كما تقدم.

(مسألة 1722): يجوز عزل الزكاة وهي الحصة الزكوية التي يجب دفعها إلى المستحق، وأثره حلّية باقي المال وجواز التصرف فيه، وكذلك عدم الضمان لو تلف بدون تعد ولا تفريط، سواء كان التالف كله أو بعضه بخلاف ما لو لم يكن معزولا كما سيأتي في المسألة الآتية. ولكن لا تبرأ ذمته بالعزل إلا بالقبض أو التلف بدون تفريط، والمراد من القبض المستحق أو وكيله أو وليه الخاص أو العام وهو الفقيه، أو أن يقبضها المالك بالوكالة عن المستحق أو عن الفقيه. ويجب عليه دفعها إلى من قبضها عنه.

(مسألة 1723): مع عدم العزل لا يجوز التصرف بالمال كله، لا بنقل معاملي كالبيع ولا مكاني كالسفر به. لأنه يستلزم التصرف في الحق الزكوي بدون إذن، ولو تلف المال قبل العزل، فان كان بتفريط وتعمد وجب دفع الزكاة كاملة من بقية المال أن وجدت أو من غيره، وان لم يكن عن تفريط سقط من الزكاة بنسبة التالف. والتأخير المؤدي إلى الإهمال بل مطلق عدم العذر فيه، من التفريط.

(مسألة 1724): لو تصرف بالمال، قبل دفع الزكاة أو عزلها، تصرفا معاملياً كالبيع، بطل البيع في نسبة الحصة الزكوية ووجب دفعها إلى المستحق من قبل البائع أو المشتري. ولم يستحق البائع ما يقابلها من الثمن. نعم، يجوز للمشتري والموهوب له وغيرهما التصرف في الأموال الزكوية لأن المنع متعلق بمقدار الزكاة وليس كل المال ومن غير المعلوم وقوعه بيده.

(مسألة 1725): لا يجوز تقديم الزكاة قبل تعلق الوجوب. نعم يجوز أن يعطي الفقير قرضا قبل وقت الوجوب، لا بعنوان الزكاة بل بعنوان القرض، فإذا جاء الوقت احتسبه زكاة، بشرط بقائه على صفة الاستحقاق، وبقاء النصاب على صفة الوجوب كما يجوز له أن لا يحتسبه زكاة، بل يدفعها إلى غيره. ويبقى في ذمة

ص: 494

الفقير قرضاً. وإذا أعطاه قرضاً فزاد عند المقترض زيادة متصلة، فهي له لا للمالك، وكذلك النقص عليه إذا نقص. ويجوز احتساب الكامل - أي القرض الأصلي قبل النقص - عندئذ، ولا يتعين في ذلك دفع القرض لكي يحتسب زكاة، بل يمكن ذلك في أي قرض،مع اجتماع باقي الشروط.

(مسألة 1726): إذا أتلف الزكاة المعزولة أو النصاب متلف. فان كان مع عدم التأخير الموجب للضمان، فالضمان يكون على المتلف دون المالك، وان كان مع التأخير الموجب للضمان، فكلاهما ضامن وللحاكم الرجوع على أيهما شاء. فان رجع على المالك رجع هو على المتلف وان رجع على المتلف لم يرجع على المالك.

(مسألة 1727): دفع الزكاة من العبادات، فلا يصح إلا مع نية القربة والتعيين وغيرهما مما يعتبر في صحة العبادة. وان دفعها بلا نية القربة بطل الدفع وبقيت على ملك المالك. غير أن النية الارتكازية كافية كما في سائر الموارد وتجزي النية بعد قبض المستحق ما دامت العين موجودة، فان تلفت بلا ضمان القابض وجب الدفع ثانياً. وان تلفت مع الضمان أمكن احتساب ما في الذمة زكاة، مع بقائه على شرائط الاستحقاق. ويجوز إبقاء ذلك ديناً عليه، ودفع الزكاة إلى فقير آخر.

(مسألة 1728): يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة، فينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير. كما يجوز التوكيل في إيصال الزكاة إلى الفقير. فينوي المالك القربة وكون المدفوع زكاة حين الدفع إلى الوكيل أو حين دفع الوكيل الى الفقير. والأحوط استمرار النية من حين الدفع إلى الوكيل إلى حين الدفع إلى الفقير. بمعنى عدم تبديلها بنية أخرى.

(مسألة 1729): يجوز للفقير أن يوكل شخصا في أن يقبض عنه الزكاة من شخص أو أن يوكله مطلقا، بحيث يشمل مورد القبض. وتبرأ ذمة المالك بالدفع إلى الوكيل وان تلفت في يده.

(مسألة 1730): الأقوى عدم وجوب دفع الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط

ص: 495

في زمن الغيبة، وان كان أحوط وأفضل، نعم، إذا طلبها على وجه الإيجاب بان كان هناك ما يقتضي وجوب صرفها فيه، وجب على مقلديه الدفع إليه، بل على غيرهم أيضاً، على الأحوط.

(مسألة 1731): تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة، إذا أدركته الوفاة، مع الإمكان، وكذا الخمس وسائر الحقوق الواجبة. وإذا كان الوارث مستحقا جاز للوصي احتسابها عليه. وان كان واجب النفقة على الميت حال حياته.

(مسألة 1732): الأحوط استحبابا عدم نقصان ما يعطى للفقير من الزكاة عما يجب في النصاب الأول من الفضة في الفضة، وهو خمسة دراهم والدرهم يساوي (415،2) غرام فالخمسة دراهم (075،12) غرام وتعرف قيمتها بسعر السوق وعما يجب في النصاب الأول من الذهب في الذهب. وهو نصف دينار.

(مسألة 1733): يستحب لمن يأخذ الزكاة الدعاء للمالك، سواء كان الآخذ الفقيه أم وكيله أم العامل أم الفقير، بل هو الأحوط في غير الأخير.(مسألة 1734): يستحب تخصيص أهل الفضل من المستحقين بزيادة النصيب، وتفضيل من لا يسأل على من يسأل، وصرف صدقة المواشي على أهل التجمل، وصرف زكاة الذهب والفضة والحبوب إلى الفقراء المدقعين وهذه مرجحات قد يزاحمها مرجحات أهم وأرجح.

(مسألة 1735): يكره لرب المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة والمندوبة سواء كان مجانا أم بثمن، بيعا كان أم غيره كثمن الإيجار. نعم إذا أراد الفقير بيعه بعد تقويمه فالمالك أحق به، ولا كراهة. كما لا كراهة في إبقائه على ملكه إذا ملكه بسبب قهري من ميراث أو غيره. وليس عليه أن يطلب من الفقير تبديله أو جعله مصداقا لثمن كلي.

ص: 496

المقصد الرابع: زكاة الفطرة

اشارة

وفيه فصول:

الفصل الأول: في حقيقتها

يشترط في وجوبها البلوغ فلا تجب على الصبي، والغنى فلا تجب على الفقير الذي لا يجد قوت سنته فعلاً ولا قوة، وأما المجنون إذا كان غنياً فالأحوط لوليه أن يدفع زكاة فطرته من ماله، وفي اشتراط الوجوب بعدم الإغماء إشكال، والأحوط عدم الاشتراط.

والمشهور اعتبار اجتماع الشرائط آناً ما قبل الغروب ليلة العيد إلى أن يتحقق الغروب. فإذا فقد بعضها قبل الغروب بلحظة، أو مقارناً للغروب لم تجب. والمراد بالغروب سقوط القرص، أي دخول آخر جزء من قرص الشمس تحت الأفق. وأما إذا كانت الشرائط مفقودة فاجتمعت بعد الغروب أو ليلا أو في يوم العيد، فالأحوط استحباباً إخراجها.

(مسألة 1736): يستحب للفقير إخراجها. وإذا لم يكن عنده إلا صاع تصدق به على بعض عياله، ثم هو على آخر يديرونها بينهم، ثم بعد انتهاء الدور يتصدق بها على أجنبي، ولا يجزي في أداء هذه الوظيفة اقل من صاع أو قيمته، وإذا كان فيهم صغير أو مجنون قبضه الولي عنه ويؤدي عنه، وتجزي هذه الوظيفة عن عائلة واحدة ذات خوان واحد ولا تجزي عن الأكثر، ولو واحدا.

(مسألة 1737): إذا اسلم الكافر بعد الهلال لم تسقط الزكاة عنه لأنه مكلف بالفروع، ولا تسقط عن المخالف إذا استبصر، وتجب فيها النية على النهج المعتبر في العبادات. واشرنا فيما سبق إلى كفاية النية الارتكازية.

(مسألة 1738): يجب على من جمع الشرائط أن يخرجها عن نفسه وعن كل

ص: 497

من يعول به، واجب النفقة أم غيره، قريباً أم بعيداً، مسلماً أم كافراً، صغيراً أم كبيراً، بل الظاهر الوجوب ولو كان احد منضما إلى عياله في وقت يسير، كالضيف إذا نزل عنده قبل الهلال وبقي عنده ليلة العيد، وكان المناسب له اجتماعيا أن يأكل عنده، وان لم يأكل فعلا، أما إذا دعا شخصاً إلى الإفطار ليلة العيد لم يكن من العيال ولم تجب فطرته على من دعاه.

(مسألة 1739): إذا بذل لغيره مالاً يكفيه في نفقته، لم يكف ذلك في صدق كونه عيالا له فلا تجب عليه زكاته. وان كان أحوط وإنما يعتبر في العيال الصدق العرفي، ولا يبعد ذلك عندما يكونون بمنزلة الأسرةالواحدة.

(مسألة 1740): من وجبت فطرته على غيره سقطت عنه، وان كان الأحوط وجوباً عدم السقوط مع كونه جامعاً للشرائط ولم يدفعها الآخر عصياناً أو نسياناً أو نحوه، وإذا كان المعيل فقيراً وجبت على العيال إذا اجتمعت شرائط الوجوب.

(مسألة 1741): إذا ولد له قبل الغروب أو تزوج امرأة، فان كانوا عيالا وجبت عليه فطرتهم، وإلا فعلى من عال بهم، وان لم يوجد من يعيلهم، وجبت على من تجب عليه نفقتهم على الأحوط. وخاصة الزوجة، وان اجتمعت فيها شرائط الوجوب.

(مسألة 1742): إذا ولد له بعد الغروب أو تزوج امرأة، لم تجب عليه فطرتهم، وان وجد بعض السبب قبله والآخر بعده، كما لو خرج نصف المولود، أو وقع الإيجاب دون القبول في بيع أو نكاح قبل الغروب. وحصل الجزء الآخر بعده.

(مسألة 1743): المهم هو اجتماع الشرائط عند الغروب لا عند رؤية الهلال، حتى وان لم يمكن رؤيته عند الغروب تماماً.

(مسألة 1744): إذا كان شخص عيّالاً لاثنين فإن صدق عليه عنوان العيلولة لكل منهما مستقلاً وجبت فطرته على كل منهما كذلك، لكنها تسقط عن ذمة أي منهما بقيام الآخر بها، وإن لم يصدق عليه عنوان العيلولة لكل منهما مستقلاً لم تجب على أي منهما لأن موضوع الوجوب هو الإعالة وهي غير متحققة لأي منهما،

ص: 498

لكن وجوب الزكاة لا يسقط بل تجب على مجموعهما، والأقرب أن نقول أنها وجبت عليهما فطرته بالنسبة. وكذلك لو تعدد المنفقون أو لمنفق عليهم، ومع فقر احد المنفقين تسقط عنه، والأظهر عدم سقوط حصة الآخر. ومع فقرهما تسقط عنهما. وإنما تجب على العائل إن جمع الشرائط.

(مسألة 1745): الضابط في جنس زكاة الفطرة ما كان قوتا لغالب الناس، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والذرة والاقط، بل حتى لو كان سائلا كالحليب واللبن الخاثر، والأحوط استحباباً الاقتصار على الأربعة الاولى، إذا كانت هي القوت الغالب أو قيمتها من النقدين، أو ما قام مقامهما على الأحوط. والأفضل إخراج التمر ثم الزبيب.

(مسألة 1746): يعتبر في المدفوع فطرة أن يكون صحيحاً، فلا يجزي المعيب، كما لا يجزي الممزوج بما لا يتسامح به.

(مسألة 1747): المدار هو كون الطعام قوتا غالبا في البلد، وان لم يكن كذلك في بلد آخر. كما أن المدار في القيمة وقت الأداء لا وقت الوجوب، وبلد الإخراج لا بلد المكلف.

(مسألة 1748): المقدار الواجب دفعه في زكاة الفطرة عن الفرد الواحد هو صاع، والصاع أربعة أمداد، وقد شرحنا معادلته بالأوزانالحديثة المتداولة اليوم، إذ يساوي المد ثلاثة أرباع الكيلوغرام تقريباً فزكاة الفطرة ثلاثة كيلوغرامات تقريباً.

(مسألة 1749): لا يجزي ما دون الصاع من الجيد، وان كانت قيمته تساوي قيمة الصاع من غير الجيد. كما لا يجزي على الأحوط الصاع الملفق من جنسين، ولا يشترط اتحاد ما يخرجه عن نفسه، مع ما يخرجه عن عياله، ولا اتحاد ما يخرجه عن بعضهم مع ما يخرجه عن البعض الآخر.

ص: 499

الفصل الثاني: وقت الإخراج

وقت وجوب هذه الزكاة ليلة الفطر عند الغروب. ووقت إخراجها يوم الفطر من طلوع الشمس إلى الزوال، وان كان الظاهر أن دفعها في الليل مجز، والأحوط إخراجها أو عزلها قبل صلاة العيد، وان لم يصلها امتد الوقت إلى الزوال ولا يؤخرها عنه على الأحوط وجوباً. وإذا عزلها جاز له التأخير في الدفع إذا كان التأخير لغرض عقلائي، كانتظار المستحق أو التعسر المتوقع زواله، فان لم يدفع ولم يعزل حتى زالت الشمس من يوم الفطر، فالأحوط لزوما، الإتيان بها بقصد الرجاء أو ما في الذمة أو القربة المطلقة، ويمتد هذا الاحتياط طول يوم الفطر، بل طول السنة، بل طول العمر.

(مسألة 1750): الظاهر جواز تقديمها في شهر رمضان، بعنوان القرض ثم يحتسبها زكاة في وقت الأداء.

(مسألة 1751): يجوز عزلها في مال مخصوص من تلك الأجناس أو نحوها، أو من النقود بقيمتها، والظاهر عدم كفاية عزلها في ماله على نحو الإشاعة أو الكلي في المعين، وكذا عزلها في المال المشترك بينه وبين غيره على نحو الإشاعة على الأحوط وجوباً. وكذا عزلها من مال غيره وان أحرز رضاه، ما لم يملكه بشراء أو هبة أو ارث أو غيرها.

(مسألة 1752): إذا عزلها تعينت، فلا يجوز له تبديلها. وإن أخرها ضمنها إذا تلفت مع إمكان الدفع إلى المستحق، والظاهر جواز التبديل بإذن الحاكم الشرعي أو بإذن المستحق (الذي سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى).

(مسألة 1753): يجوز نقلها إلى غير بلد التكليف مع عدم المستحق، أما مع وجوده فالأحوط وجوباً ترك النقل. ودفعها إلى المستحق في البلد إلا إذا أجاز المرجع ذلك، وإذا سافر من بلد التكليف إلى غيره. فان تلفت ضمنها وإلا جاز له دفعها في البلد الآخر.

ص: 500

(مسألة 1754): لا تجب هذه الزكاة إلا مع قيام الحجة الشرعية بالهلال، أما ليلة الثلاثين من شهر رمضان بالرؤية، وأما الليلة التي بعدها بإكمال العدة، ولو دفعها قبل تحقق الحجة الشرعية، كان قد دفعها قبل وقتها. كما تقدم في المسألة (1750).

الفصل الثالث: مصرفها

وهو مصرف الزكاة من الأصناف الثمانية على الشرائط المتقدمة. (مسألة 1755): تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي، وتحل فطرة الهاشمي على الهاشمي وغيره، والعبرة في ذلك فيمن يملكها عند الدفع، سواء كان عائلا أم معيلا.

(مسألة 1756): يجوز إعطاؤها إلى المستضعف من أهل الخلاف، عند عدم القدرة على المؤمن، ولا يجوز دفعها إلى الناصبي ومن حكم بكفره.

(مسألة 1757): يجوز للمالك دفعها إلى الفقراء بنفسه، والأحوط والأفضل دفعها الى الفقيه، فان الفقهاء أبصر بمواقعها.

(مسألة 1758): الأحوط وجوباً أن لا يدفع إلى الفقير اقل من صاع، إلا إذا اجتمع جماعة لا تسعهم، ويجوز أن يعطى الواحد أصواعاً بل ما يغنيه دفعة واحدة.

(مسألة 1759): يستحب تقديم الأرحام، ثم الجيران، وينبغي الترجيح بالعلم والدين والفضل.

ص: 501

ص: 502

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشارة

ص: 503

ص: 504

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لا شك ان من أعظم الواجبات الدينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بحسب ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة.

قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104) وقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران: 110) وغيرها من الآيات.

اما الروايات فتبلغ المئات وصفت الفريضة بانها (غاية الدين) و(قوام الشريعة) و(أسمي الفرائض وأشرفها) وان فيه (مصلحة للعوام) و(ردعاً للسفهاء).

وعن الامام الباقر (عليه السلام): (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وتُرَّد المظالم وتعمر الارض وينتصف من الاعداء ويستقيم الامر).

ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (ما اعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الا كنقية في بحر لجي وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق وأفضل من ذلك كله كلمة عدل عند إمام جائر).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (لا تزال امتي بخير ما امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر، فاذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الارض ولا في السماء.

ملاحظة: حررنا مسائل هذا الباب بناءً على نمط (الفقه الفردي) الذي جرى عليه السلف الصالح (قدّس الله أرواحهم)، اما على منهج (الفقه الاجتماعي) الذي كتبنا فيه (الأسس العامة للفقه الاجتماعي) فستختلف الرؤية الى بعض المسائل، وقد اضفنا شيئاً منه إلى هذا الكتاب وتمام البحث المفصل في المجلدين الخاصين بهذه الفريضة من

ص: 505

كتاب (فقه الخلاف)، والله الهادي الى سواء السبيل.

(مسألة 1760): يجب الامر بالمعروف الواجب، ويجب النهي عن المنكر الحرام وجوباً كفائياً (أي يجب على مجموع الأمة وليس على كل فرد بعينه) فإن قام به البعض ممن فيه الكفاية واحدا كان ام متعددا، سقط عن غيره، وان لم يقم به المقدار الكافي، بان لم يقم به احد أو قام به مقدار غير كاف، اثم الجميع ممن لم يقم به واستحقوا العقاب إذا كان التكليف منجزاً عليهم.

(مسألة 1761): اذا كان المعروف مستحبا كان الأمر به مستحبا، واذاكان المنكر مكروها أو مرجوحا كان النهي عنه مستحباً، ولم يكن واجبا. فإذا أمر أو نهى كان مستحقاً للثواب. وان لم يأمر به أو لم ينه عنه لم يكن عليه اثم، ولا عقاب، لكن دعوة الناس الى فعل المستحبات كقراءة القرآن وزيارة الحسين (عليه السلام) وصلاة الليل، وترك المكروهات كالاستزادة من الدنيا واجب على المبلغين والمرشدين والمتعلمين لئلا تضيع معالم الدين.

(مسألة 1762): اذا كان الفعل مباحاً دينياً، فلا ميزان شرعي للأمر به، وان كان راجحاً دنيوياً، ولا النهي عنه وان كان مرجوحا دنيوياً، نعم، قد يكون الفعل مباحا شرعا في الاصل ولكنه راجح بعنوان ثانوي أو مرجوح كذلك، ككونه موردا لطاعة الوالدين، أو لاحترام المؤمن أو للتقية، ونحو ذلك. فيكون الامر به أو النهي عنه واجباً، ان كان العنوان الثانوي الزاميا، ومستحباً ان لم يكن كذلك.

(مسألة 1763): يجب ايجاد مقدمات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك:

اولا: بتعلم الاحكام الشرعية الضرورية في الحياة، ليعرف الفرد المعروف والمنكر من نفسه ومن غيره.

ثانيا: بإيجاد المجتهد المطلق الذي يجوز تقليده، وذلك بتصدي جماعة كافية لتعلم العلوم الدينية ليحصل بعضهم على هذه الدرجة الرفيعة. ولا يجوز لاي مجتمع اهمال ذلك بحيث يحصل في المستقبل زوال المجتهدين كلهم، وعدم تعويضهم

ص: 506

بآخرين.

ثالثاً: بايجاد القاضي الشرعي الجامع للشرائط، ليمكنه حل المخاصمات بين الناس، وذلك بتعلم العلوم الدينية كما قلنا، ولا يجوز اهمال ذلك ايضاً، بحيث يعود الامر كله إلى القضاء الدنيوي.

شروط وجوب هذه الفريضة:

ذكر المشهور إنه يشترط في وجوب الامر بالمعروف والنهي من المنكر، امور وهي قابلة للمناقشة واكثرها شروط للواجب لا للوجوب الذي هو مطلق ومعنى كونها شروط للواجب أي ان من يمتثل الفريضة يجب ان تتوفر فيه وقد فصل البحث في كتاب (فقه الخلاف) وسنذكر في ضمن المسائل ما يشير الى ذلك باختصار:

الامر الاول: معرفة المعروف والمنكر ولو اجمالا. فلو جهل الفرد ان هذا الفعل قائم على المنكر لم يجب النهي عنه. واما معرفة الحكم الشرعي كقاعدة عامة، فقد اشرنا الى وجوب تعلمها. نعم، لو كان الفرد قاصرا أو عاجزا أو مكرها أو مضطراً ونحوه، لم يجب التعلم.

(مسألة 1764): لا يجب الاستعلام والفحص عن ان هذه الحادثة أو تلك قائمة على المنكر يجب النهي عنها، بل يكفي الشك في الوجوب لسقوطه.الامر الثاني: احتمال تأثير الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، اما بانجاز ما يقول الآمر واما بتعلم الفاعل وتأثره النفسي والعقلي بالامر، وان لم يطبق عملياً. ويكفي الاحتمال في ذلك ولا يجب العلم بالتأثير، وعليه فيجب الامر بالمعروف مع احتمال التأثير فقط. نعم، لو علم ان الشخص الفاعل لا يبالي بالامر والنهي، ولو لاستصغاره للمخاطب، أو انه يعتبره جاهلا بالحكم، أو لآن الفاعل لا يبالي بالدين اصلا، أو عازم على العصيان وان النصيحة تزيده استكباراً وإصراراً على الإثم، عندئذ لا يجب على الآمر شيء، والمراد بذكر هذا الشرط بيان هذا المسقط للوجوب وليس شرطية الاحتمال المذكور للوجوب، فان التأثير وتحقيق النتائج بيد

ص: 507

الله تبارك وتعالى مدبّر الأمور، وعلى الانسان أن يمحض في النصيحة معذرة إلى ربه.

الامر الثالث: ان يعلم الفرد ان حكم المعروف أو المنكر منجز في حق الفاعل، بحيث لا يعذر في تركه وعصيانه، فان كان الفاعل معذورا في فعله المنكر أو تركه المعروف يقيناً أو احتمالا، لم يجب الامر ولا النهي، وانما يكون معذورا لاعتقاد ان ما فعله ليس بحرام، أو ان ما تركه ليس بواجب، اما بالعنوان الاولي يعني في اصل الشريعة، أو بالعنوان الثانوي يعني للاضطرار أو التقية أو غيرهما. سواء كان الفاعل صادقاً في هذا الاعتقاد أم مشتبها اشتباها معذورا فيه اجتهادا أو تقليداً. فلو علم الفرد الامر بذلك أو احتمله في حق الفاعل، لم يجب الامر بالمعروف أو النهي عن المنكر، لكن هذا لا ينافي الوجوب من ناحية أخرى وهي تعليم الجاهل وهداية الضال.

الامر الرابع: المشهور فقهياً اشتراط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، بان يكون الفاعل مصرا على ترك المعروف أو ارتكاب المنكر، الا ان ذلك بمجرده ليس بصحيح، بل يجب الامر والنهي بمجرد مشاهدة الاقدام على الفعل أو الترك من قبل الفاعل مع اجتماع الشرائط الاخرى. نعم، يرتفع هذا الوجوب مع احراز الندامة والترك، يعني ان يعلم الآمر بندامة الفاعل ونحوها من الاسباب الموجبة لتركه العصيان، ولا يكفي احتمال الندامة أو الاقلاع على الاحوط.

(مسألة 1765): المراد بالاقدام على العصيان شروع الفاعل في بعض مقدماته، بحيث يراه العرف مشارفا على الوقوع فيه وارتكابه، عندئذ يجب نهيه. واما بمجرد النية والعزم على العصيان، فالنهي عنها ان كان واجبا فهو ليس من باب وظيفة النهي عن المنكر، بل من وظيفة تبليغ الاحكام الشرعية.

الامر الخامس: ان لا يلزم من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر على النفس أو العرض أو المال على الآمر أو على غيره من المؤمنين، بل المسلمين. فاذا لزم الضرر عليه أو على غيره من المسلمينلم يجب شيء، والظاهر انه لا فرق بين

ص: 508

العلم بلزوم الضرر والظن به والاحتمال المعتد به عند العقلاء لصدق الخوف. ولا يفرق بين ان يكون مصدر الضرر هو المأمور بالمعروف، أو عشيرته، أو متعلقيه، أو من شخص متنفذ في المنطقة أو في غيرها، وهذا الشرط خاص بافعال الافراد التي لا تعم تأثيراتها غيرهم. أما المظالم الاجتماعية العامة والفساد الذي يعم بضرره الآخرين ونحوها فستأتي الاشارة اليها بإذن الله تعالى.

(مسألة 1766): قد يكون الامر والنهي احيانا غير مشترط بهذا الشرط الاخير، وذلك عند احراز بل احتمال اهمية الفعل او الفاعل، اعني من حيث تأثيره الضار في المجتمع، وعندئذ فقد يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع العلم بترتب الضرر، فضلا عن الظن به أو احتماله، كالتحرك لازالة الظلم والفساد أو للمطالبة بحقوق الأمة، أو للمحافظة على كيان الدين من المحو والزوال ونحوها.

(مسألة 1767): لا يختص وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء، وغيرهم، وعلى العدول والفساق، وعلى السلطان والرعية، وعلى الأغنياء والفقراء، الى غير ذلك. كما لا يختص المأمورون بالمعروف والمنهيون عن المنكر بصنف من الناس أيضا، بل يسري هذا الوجوب على كل مكلف آمراً كان أو مأموراً، مع اجتماع الشرائط.

مراتب هذه الوظيفة:

للامر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب:

المرتبة الأولى: وهي أدنى المراتب واقل الإيمان. وهي الإنكار بالقلب، يعني الانزجار عنه نفسيا وكراهته بصفته عاصياً لله سبحانه وتعالى، وهي مرتبة ملازمة مع الايمان، فلو لم توجد في قلب الفرد لم يكن مؤمنا، الا ان في كونها من الامر الفعلي بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك تسامح بالتعبير، وإنما هو امر الإنسان لنفسه ونهيه لها عن ان يكون كغيره في العصيان وهذه المرتبة غير مشروطة بالشروط السابقة.

ص: 509

المرتبة الثانية: إظهار الكراهية بعمل من الأعمال. مثل إظهار الانزعاج من الفاعل، أو الأعراض والصد عنه، أو ترك الكلام معه، أو ترك المكان الذي يكون فيه، أو ترك مشاغلته، أو مشاركته بالعمل اقتصاديا كان أو دنيويا أو أخروياً. والمهم هو إظهار ما يدل على كراهة ما وقع منه.

المرتبة الثالثة: الإنكار باللسان. بان يبلغه الحكم الشرعي اولاً. فان كفى في الارتداع لم يجب الزائد، والا وجب نصحه ووعظه، بتذكيره بعذاب الله سبحانه للعاصين وثوابه للمطيعين.

(مسألة 1768): لا يجب ان يكون الأمر بالمعروف بصيغة الأمر ونحوها، ولا ان يكون النهي عن المنكر بصيغة النهي ونحوها، بل يمكنللفرد ان يختارها، كما يمكن ان يختار تبليغ الحكم الشرعي المنجز في حق الفاعل، فان الأمر والنهي في الحقيقة هما للشريعة وليس الفاعل أكثر من مبلّغ لهما، فاذا بلغ الحكم كفى.

المرتبة الرابعة: الإنكار باليد بالضرب المؤلم الرادع عن المعصية، مع إمكانه واحتمال تأثيره، كما سبق، سواء استعمل آلة في يده أم لم يستعمل.

(مسألة 1769): المشهور وجوب الترتيب بين هذه المراتب الأربعة، والاقتصار منها على الاقل مع كفايته في التأثير، كما ان لكل مرتبة عدة مراتب فيها، فيجب الاقتصار على الاقل مع كفايته، والا وجب الترقي الى الاكثر وهكذا، وهذا هو الاحوط بل المتعين لان الزائد يكون ظلما حراما وهذا مختص بالمنكرات المتعلقة بالأفراد صدوراً وتأثيراً.

المرتبة الخامسة: إراقة الدم بجرح أو قتل اذا لم تكف المراتب السابقة لارتداع الفاعل وهذا من الاحكام الاجتماعية التي يستأذن فيها الفقيه الجامع لشرائط القيادة الاجتماعية.

المرتبة السادسة: التحرك العام بالاحتجاجات والاضرابات والمظاهرات والعصيان المدني وما يستلزم ذلك من التعرض للضرر في النفس والمال والأهل حينما يتطلب الواجب ذلك، وتشخيصه بيد الفقيه المؤهل للقيادة الإجتماعية.

ص: 510

(مسألة 1770): قد يرى الفقيه لزوم التغيير باليد قبل اللسان اذا كان الموقف يتطلب ذلك كما لو كان المنكر ذا خطر عام على المجتمع أو على العقيدة، وهذا شأنه وليس شأن الأفراد، وفي ذلك ورد الحديث الشريف (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وهذا الترتيب عكس ما ذكره الفقهاء (قدس الله أرواحهم) والفرق ما ذكرناه.

(مسألة 1771): يتأكد وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق المكلف بالنسبة الى اهله، بل هو مأمور به شرعا بعنوانه التفصيلي في نص القرآن الكريم، في قوله تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم: 6). وكون ذلك مشروطا بالشروط المتقدمة محل اشكال، وان كان غير بعيد، غير ان الغالب توفر تلك الشروط في داخل الأسرة، وان كان قد يوجد فيها من لا يحتمل فيه التأثير، أو من يخاف من ضرره. اذن، فيجب عليه اذا رأى من اهله التهاون في الواجبات، كالصلاة وأجزائها وشرائطها، بان لا يأتون بها على وجهها كعدم صحة القراءة والأذكار الواجبة منهم. أو أنهم لا يتوضؤون وضوءا صحيحا، أو لا يطهرون أبدانهم ولباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح. فيجب عليه تعليمهم وامرهم ونهيهم على الترتيب المتقدم، حتى ياتوا بها على وجهها الصحيح. وكذا الحال في بقية الواجبات، وكذلك في المعاملاتوسائر الإحكام.

وكذا اذا رأى منهم التهاون في المحرمات، كالغيبة والنميمة والعدوان بين بعضهم على بعض أو على غيرهم أو الزنا، أو شرب الخمر، أو السرقة. فانه يجب عليه ان ينهاهم عن المنكر، حتى يرتدعوا عن المعصية.

(مسألة 1772): اذا امر الفرد أو نهى بعض اهله فلم يرتدع، وكرر عليه فلم يؤثر فيه، فقد سقط تكليفه مع حسن أدائه للمراتب السابقة للإنكار، ولا يجب عليه بعد ذلك ترك الأسرة أو الانتقال إلى مكان آخر، أو طرد الفاعل ونحو ذلك، ما لم تقتض مصلحة ثانوية مهمة لذلك، وأولى الناس بالسكوت بعد التكرار، الزوجة إذا رأت زوجها عاصيا لا يرتدع، فأنه لا يجوز لها عندئذ حرمانه من حقوقه الواجبة أو

ص: 511

الخروج بغير اذنه، بل يبقى (جهاد المرأة حسن التبعل) شاملا لها. وليس الأمر بأشد من فرعون المذكور في القرآن الكريم، وقد صبرت زوجته على مظالمه حتى أصبحت من النساء الأربعة الزاكيات في العالم. وقالت: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) (التحريم: 11). وهذه النجاة تعني النجاة المعنوية أو الأخروية، وليست النجاة الدنيوية، والا لم تكن مكتوبة في المجاهدين.

(مسألة 1773): اذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتفاق، وعلم الآخر ان الفاعل غير مصر عليها، لكنه لم يتب منها، وجب امره بالتوبة. فان التوبة من الواجبات وتركها من المحرمات الكبيرة الموبقة، هذا مع التفات الفاعل الى التوبة وتعمده تركها، اما مع الغفلة ففي وجوب أمره بها إشكال، وان كان هذا هو الاحوط استحبابا بل هو مستحب فعلا.

فروع عامة في هذا الباب

(مسألة 1774): لو توقف الامر أو النهي، على اجتماع عدة اشخاص، وجب ذلك مع اجتماع الشرائط، أو يجب اشتراكهم عندئذ.

(مسألة 1775): لو قام عدة من الناس دون مقدار الكفاية ولم يجتمع البقية، وتعذر على الموجودين القيام بالوظيفة، سقط عنهم الوجوب، وبقي الاثم على المتخلفين.

(مسألة 1776): لو قطع أو اطمأن بقيام الغير بالوظيفة الشرعية، لم يجب عليه القيام بها. نعم، لو ظهر الخلاف وجب عليه مع استمرار الحال.

(مسألة 1777): لا يكفي الاحتمال أو الظن بقيام الغير، أو كفاية من قام به، بل يجب عليه معهما، ما لم تقم حجه شرعية بذلك.

(مسألة 1778): لو عدم موضوع الفريضة، أو موضوع المنكر،سقط الوجوب، وان كان بفعل المكلف. كما لو اراق الماء المنحصر الذي يجب حفظه للطهارة، أو لحفظ نفس محترمة.

ص: 512

(مسألة 1779): لو توقف الامر أو النهي على ارتكاب محرم، كما لو استلزم ايقاف مجلس فسق وفجور على استماع شيء من الغناء، فالظاهر ملاحظة الاهمية بين التكليفين في نظر الشارع.

(مسألة 1780): لو كان قادراً على احد امرين أو نهيين أو أمر ونهي، دون الجمع بينهما، وجب عليه ملاحظة الاهم ومع التساوي يتخير بينهما.

(مسألة 1781): الاظهر انه لا يعتبر في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قصد القربة، بل هما توصليان. نعم، لو قصد القربة حصل له الاجر والثواب.

(مسألة 1782): لا فرق في وجوب الانكار بين كون المعصية كبيرة أو صغيرة، مادام الفعل أو الترك حراما.

(مسألة 1783): لو قامت البينة أو خبر الثقة على عدم تأثير الامر أو النهي في الفاعل، فالظاهر كونهما بمنزلة العلم، فلا تكون هذه الوظيفة الشرعية واجبة.

(مسألة 1784): لو ارتكب شخص حرامين أو ترك واجبين، وعلم الآمر أن امره لا يؤثر، تركه لهما معا، وإن احتمل التأثير بالنسبة الى أحدهما بعينه، وجب فيه دون الآخر، ولو احتمل التأثير في احدهما غير المعين وجبت ملاحظة الاهم، ولو لم يكن احدهما اهم، تخير بينهما.

(مسألة 1785): لو علم أو احتمل ان امره أو نهيه مع التكرار يؤثر وجب التكرار.

(مسألة 1786): لو علم أو احتمل ان انكاره في حضور الآخرين مؤثر، دون ما اذا كان وحده، فان كان الفاعل متجاهرا جاز، ووجب مع اجتماع الشرائط، والا وجب النظر الى الاهم من عمله الحرام والستر عليه الواجب.

(مسألة 1787): لو علم أو احتمل تأثير النهي أو الامر في تقليل المعصية لا قلعها تماما، وجب، بل لا يبعد الوجوب لو كان مؤثرا في تبديل الاهم بالمهم، بل لا اشكال في ذلك لو كان الاهم بمثابة لا يرضى المولى بحصوله مطلقا.

ص: 513

فروع في الاتفاق والاختلاف في الفتوى

(مسألة 1788): لا فرق في معرفة الحكم الشرعي، بين العلم به أو قيام الحجة عليه اجتهادا أو تقليدا. فلو قلد شخصان مجتهدا واحداً يقول بحرمة العصير العنبي المغلي بالنار، فارتكبه أحدهما وجب على الآخر نهيه.(مسألة 1789): لو كانت المسألة مختلفاً فيها بين الشخصين اجتهاداً أو تقليداً، واحتمل المكلف ان راي الفاعل مخالف له، وان ما فعله جائز عنده. لم يجب نهيه عنه.

(مسألة 1790): لو كانت المسألة اتفاقية، واحتمل ان يكون المرتكب جاهلا بالحكم، لم يجب الامر والنهي وخاصة لو احتمل جهله عن قصور، ولكن هذا لا ينافي وجوب التعليم والإرشاد على المكلف.

(مسألة 1791): اذا كان الفاعل جاهلا بالموضوع، لا يجب انكاره ولا رفع جهله، وكذلك لو كان الآمر جاهلا بالموضوع كما لو رأى شخصا يقبل امرأة واحتمل كونها زوجة له.

(مسألة 1792): لو كان ما ارتكبه مخالفا للاحتياط الوجوبي في نظرهما اجتهادا أو تقليدا، فالاحوط انكاره.

(مسألة 1793): لو أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر، في مورد لا يجوز له ذلك يقينا، يجب على غيره نهيه عنهما، دون ما اذا احتمل الجواز أو الوجوب في حقه.

(مسألة 1794): لو علم شخصان إجمالا بان إنكار أحدهما مؤثر دون الآخر، وجب على كل منهما الإنكار، فان أنكر أحدهما فحصل التأثير سقط عن الآخر، وإلا وجب عليه.

(مسألة 1795): لو ظهر من حاله علما أو اطمئنانا أو بطريق معتبر انه أراد ارتكاب معصية، فالظاهر وجوب نهيه.

(مسألة 1796): إذا علم الآمر بعجز الفاعل عن المحرم أو عن تكراره، لا

ص: 514

يجب النهي عنه بالنسبة إلى الفعل غير المقدور، فلو لم يكن الفاعل مقتنعا بعجزه وكان عازما على الفعل، لم يجب نهيه، وكذلك لو قامت بينة ونحوها على عجزه في الحال أو الاستقبال.

(مسألة 1797): لو علم إجمالا بان أحد الشخصين أو الأشخاص فاعل للمحرم ومستمر عليه، لم يجب نهي أحدهما إجمالا ولا تفصيلا وان كان أحوط.

(مسألة 1798): لو علم المكلف بارتكاب الآخر حراما أو ترك واجبا، ولم يعلمه بعينه، وجب الامر والنهي على نحو الإبهام على الاحوط. وكذا لو علم إجمالا بأنه أما تارك واجبا أو مرتكب حراما.

(مسألة 1799): لو كان المرتكب للحرام أو التارك للواجب معتقدا جواز فعله أو تركه، فتارة يكون ذلك لشبهة موضوعية، كدعوى كون الصوم مضرا به، أو ان مرضه منحصر التداوي بالحرام، فانه لا يجب رفع جهله ولا إنكاره، ومن ذلك انه لا يجب تنبيه المصلي على نجاسة في ثوبه خلال صلاته، ولا إيقاظ النائم للصلاة ولا أعلامه بان المكان مغصوب، ولا انه مخطئ في الجهر والاخفات، وكذلك لو كان لجهل بالحكم، كما لو كان مقلدا لمن يرى ذلك، فلا يجب رفع جهله وبيان الحكم له. نعم، سبق انه لوكان جاهلا قاصرا، فان الاحوط استحبابا رفع جهله.

فروع في مراتب الأمر والنهي

(مسألة 1800): لو احتمل ارتداع الفاعل بالوعظ والقول اللين، تعين ذلك ولم يجز التعدي عنه. ولو علم عدم تأثيره وجبت الزيادة عليه، ويجب الاقتصار على الأيسر مهما أمكن، ولا يجوز التعدي إلى غيره، ولا سيما إذا كان فيه هتك الفاعل.

(مسألة 1801): لو توقفت هذه الوظيفة على غلظة القول والتشديد والتهديد على المخالفة، جازت بل وجبت، بشرط ان لا يكون فيه كذب ولا فحش ولا إهانة.

(مسألة 1802): لو فرض تساوي بعض مصاديق المرتبة الأولى، وهي الأعراض عن الفاعل مع بعض مصاديق المرتبة الثانية، وهي تنبيهه لم يتخير بينهما،

ص: 515

بل يجب عليه اختيار الأخف والأقل، وكذلك القول في تساوي اية مرتبتين للامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(مسألة 1803): لو احتمل التأثير وحصول الردع بالجمع بين بعض درجات المرتبة الأولى والثانية، أو أيٍ من المرتبتين، أو بالجمع بين كل درجاتهما، وجب ذلك بما أمكن.

(مسألة 1804): لو توقف دفع منكر أو إقامة معروف أو إنقاذ حق، على الرجوع إلى ظالم أو الترافع إليه، وجب اذا لم تترتب عليه مفسدة اكبر كتقوية الظالم، ووجبت عليه الإجابة بصفته مشمولا لوجوب هذه الوظيفة الشرعية.

(مسألة 1805): لو كان يحصل الردع بالمرتبة الدانية من شخص، وبالمرتبة التي فوقها من شخص آخر، فالظاهر وجوب ما هو تكليف كل منهما على نفسه، وان كان الاحوط اتفاقهما على تصدي ذي المرتبة الدانية للامر أو النهي.

(مسألة 1806): لو كان إنكار شخص مؤثرا في تقليل الفاعل للمنكر، وكان إنكار الآخر مؤثرا في ردعه تماما. وجب على كل منهما القيام بتكليفه. لكن لو قام الثاني بتكليفه، واقلع الفاعل عن المنكر، سقط عن الآخر بخلاف العكس.

(مسألة 1807): لو علم إجمالا بان الإنكار بإحدى مرتبتين مؤثر،وجب اختيار المرتبة الأدنى،فان لم يحصل الردع انتقل إلى التي بعدها.

(مسألة 1808): لو توقف الردع على التصرف في الفاعل أو في آلة فعله، كأخذ سكينه أو كأسه أو الاخذ بيده أو طرده،جاز بل وجب، مع الإمكان.(مسألة 1809): لو توقف الامر بالمعروف أو النهي عن المنكر، على اتلاف اداة المنكر ككأس الخمر أو آلة الغناء، جاز الإتلاف ولا ضمان عليه لأنه محسن بفعله وما على المحسنين من سبيل. وأمّا الضرر الذي لا تتوقف عليه هذه الوظيفة الشرعية أو لم يلاحظ فيه تسلسل المراتب، فلا إشكال في حرمته وضمانه. ولو وقع الضرر من الفاعل على الآمر أو الناهي اقتصاديا أو جسديا أو معنويا، كان معتديا وضامنا بلا إشكال.

ص: 516

(مسألة 1810): لو توقف ردعه على حبسه في محله، ومنعه من الخروج من منزله، فأما ان يكون للمكلف الأشراف الشرعي عليه، كما لو كان ابا أو اما أو مربيا أو وصيا، جاز ذلك بل وجب،مراعيا للأيسر فالأيسر، وان لم يكن كذلك لم يجز القيام بذلك، الا في صورة كون التكليف الشرعي مهما جدا في نظر الشارع ويشترط فيه تحصيل الاذن من ولي الأمر.

خاتمة

وفيها مطلبان:

المطلب الأول: في ذكر أمور هي من المعروف:

منها: الاعتصام بالله عز وجل. قال تعالى: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران: 101). وقال أبو عبد الله (عليه السلام): أوحى الله عز وجل إلى داود: ما اعتصم بي عبد من عبادي، دون أحد من خلقي، عرفت ذلك من نيته، ثم تكيده السماوات والأرض ومن فيهن، إلا جعلت له المخرج من بينهن.

ومنها: التوكل على الله عز وجل. قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). وقال أبوعبد الله (عليه السلام): الغنى والعز يجولان فإذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا.

اقول: المراد الغنى بالقناعة والعز بطاعة الله عز وجل.

ومنها: حسن الظن بالله عز وجل. قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما قال: والذي لا اله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن. لان الله كريم بيده الخير يستحي ان يكون عبده المؤمن قد احسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه، فاحسنوا الظن بالله وارغبوا أليه.

ومنها: الصبر، وهو على أقسام: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على البلاء. قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(الزمر: 10). وقال أيضا: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا

ص: 517

يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل: 127- 128). وقال رسول الله صلى اللهعليه واله في حديث: واصبر فان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا. واعلم ان النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يعدم الصبر الظفر وان طال به الزمان. وقال (عليه السلام): الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل. واحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عليك.

ومنها: العفة، قال أبو جعفر (عليه السلام): ما عبادة افضل عند الله من عفة بطن وفرج. وقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه رجاء ثواب ربه وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر (عليه السلام).

ومنها: الحلم، وهو كظم الغيظ. قال رسول الله (صلى الله عليه واله): ما اعز الله بجهل قط ولا اذل بحلم قط. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أول عوض للحليم على حلمه، ان الناس أنصاره على الجاهل. وقال الرضا (عليه السلام): لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليماً.

ومنها: التواضع، قال الله تعالى: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان: 18) وقال رسول الله (صلى الله عليه واله): من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذّر حرمه الله. ومن اكثر ذكر الموت احبه الله.

ومنها: أنصاف الناس ولو من النفس، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): سيد الأعمال أنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله تعالى على كل حال.

ومنها : اشتغال الإنسان بعيبه من عيوب الناس، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين. وقال (صلى الله عليه واله): ان أسرع الخير ثوابا البر، وان أسرع الشر عقابا البغي، وكفى بالمرء عيباً ان يبصر من الناس ما يعمى عنه في نفسه، وان

ص: 518

يعير الناس بما لا يستطيع تركه، وان يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

ومنها: إصلاح النفس عند ميلها إلى الشر، قال الله تعالى: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي)(يوسف: 53). وقال سبحانه: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف: 28) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من اصلح سريرته اصلح الله تعالى علانيته. ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه ومن احسن فيما بينه وبين الله اصلح الله ما بينه وبين الناس.

ومنها: الزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها، قال أبو عبد الله (عليهالسلام): من زهد في الدنيا اثبت الله الحكمة في قلبه وانطق بها لسانه، وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها، واخرجه منها سالما إلى دار السلام. وقال رجل: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): انى لا القاك إلا في السنين فأوصني بشيء حتى آخذ به. فقال: أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد، واياك ان تطمع إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عز وجل لرسول الله (صلى الله عليه واله): (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). وقال تعالى: (فلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ). فان خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه واله) فانما كان قوته من الشعير وحلواه من التمر ووقوده من السعف إذا وجده. وإذا اصبت في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله (صلى الله عليه واله)، فان الخلائق لم يصابوا بمثله قط.

المطلب الثاني: في ذكر بعض الأمور التي هي من المنكر.

منها: الغضب، قال رسول الله (صلى الله عليه واله): الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل. وقال أبو عبد الله (عليه السلام): الغضب مفتاح كل شر. وقال أبو جعفر (عليه السلام): ان الرجل ليغضب فما يرضى ابدا حتى يدخل النار، فايما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فانه سيذهب عنه رجس الشيطان، وايما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فان الرحم إذا مست سكنت.

ص: 519

ومنها: الحسد، قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام): ان الحسد لياكل الايمان كما تاكل النار الحطب. وقال رسول الله (صلى الله عليه واله) ذات يوم لا صحابه: انه قد دب اليكم داء الامم ممن قبلكم، وهو الحسد، ليس بحالق الشعر ولكنه حالق الدين. ويُنجي فيه: ان يكف الإنسان يده، ويخزن لسانه، ولا يكون ذا غمز على اخيه المؤمن.

ومنها: الظلم، قال أبو عبد الله (عليه السلام): من ظلم مظلمة اخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده. وقال (عليه السلام): ما ظفر بخير من ظفر بالظلم. اما ان المظلوم ياخذ من دين الظالم اكثر مما ياخذ الظالم من مال المظلوم.

ومنها: كون الإنسان ممن يتقى شره. قال رسول الله (صلى الله عليه واله): شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاءه شرهم. وقال أبو عبد الله (عليه السلام): من خاف الناس لسانه فهو في النار. وقال (عليه السلام): ان ابغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه.

ص: 520

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.