الإمام الحسن عليه السلام بين اتهامات التأريخ

هویة الکتاب

الإمام الحسن عليه السلام بين اتهامات التأريخ

بقلم :احمد السيد نوري الحكيم

موسسة مسجد السهلة المعظم

ص: 1

المقدمة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة السلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد واله الطيبين الطاهرين .

ليس من الغريب أن يطعن التأريخ في الشخصيات المهمة التي تكون محلاً للاهتمام, والتي تكون من ذوي المميزات على سائر بني البشر .

وليس من الصعب أن يتنكر التأريخ لهؤلاء حيث أنهم باتوا غرضاً لمن غرس النفاق والحقد صدورهم !

وليس من اليسير أن يتقبل التأريخ تلك التضحيات العظام في سبيل أن ينير هؤلاء دروب الأجيال القادمة بحيث لا تتعرض لموجات الجهل الأعمى .

و ليس من الأمور الهينة التي تدعو إلى الريبة أن توجه عدة طعنات لإنسان طالما كان يحبه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم ) في حياته , ويدعو المسلمين إلى اتخاذ سيرته و سلوكه منهاجاً في سبيل النجاة من النار .

ذلك المحب هو الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام ) , الذي ما فتئ التأريخ يتحدث عنه ولكن رغم تلك الإرشادات التي أشاد بها نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم ) بحق هذا الإمام العظيم .

إلا أننا نجد أن هنالك عدة اتهامات وجهها التأريخ بحيث تدعو إلى الشك في هذه الشخصية العظيمة .

فالشك يبدأ من اسمه الشريف لتبدأ محنة الاتهامات حتى يمر المسلم على حياته الشريفة لوجدها قد شابتها الاتهامات من طلاقه ، وزواجه هما من ابرز معالم حياته, وحبه للوداعة والصلح والركون إلى الدعة بل وطمعه وحبه للمال كي يعيش عدة أيام حتى تنقضي حياته بالويلات .

وليكون آخر سهم يصيبه وهو متوجه إلى قبر الشريف ليكون قد جمع بين المظلومية والاتهامات في حياته .

إن كل هذه الحياة التي قد مضت لهذا الإمام العظيم قد طواها التأريخ بهذه الطعون التي كان لابد من للمرء المسلم إلى أن يبحث عن السبب من وراء ذلك ؟

وهل كل ما ذكره التأريخ وأصحاب السير يمكن الركون إليه أم أن هنالك أسباباً دعت إلى ذلك ؟

ذلك ما سوف يتضح ويسفر عن الوجه الجميل الذي خفي على الأمة الإسلامية ,

ص: 3

فإلى هؤلاء نقدم الإمام الحسن بن علي عليه السلام بين اتهامات التأريخ .

بقلم :احمد السيد نوري الحكيم

النجف الأشرف

10 جمادي الآخرة 1435هجري

ص: 4

الهوية الشخصية

الاسم :الإمام الحسن عليه السلام .

اسم الأب :الإمام علي بن أبي طالب الهاشمي .

اسم الأم :فاطمة بنت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم .

تاريخ الولادة :15من شهر رمضان المبارك – سنة 3للهجرة النبوية المباركة .

تاريخ الاستشهاد :7 من صفر من سنة 51من الهجرة النبوية الشريفة .

ص: 5

المبحث الأول: الإمام الحسن بن علي عليهما السلام في القرآن الكريم

ص: 6

من هنا نبدأ

إن دستور الإسلام الخالد هو القرآن الكريم الذي فيه تبيان كل شيء ,ولذلك قال تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وقال تعالى (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين )

وقد شرع للإنسان الأمور التي يمكن أن تكون له المنفعة في الحياة الدنيا .بل وحتى بعد وفاته لما لها من الثواب الجزيل وذلك وعد من عنده تعالى غير مكذوب .

ومنع عنه كل ما فيه مضرة له أو ما يؤول إلى الأضرار به سواء كانت بدنية أم معنوية .

لكن كل ذلك ليس معناه أن الإنسان مقيداً بحيث لا تكون له حرية الاختيار ,وإنما الشريعة الإسلامية جعلت له الخيار إن شاء أن يختار ما فيه المنفعة وان شاء أن يسيء الاختيار .

ومن منطلق هذه الشريعة فان القرآن الكريم لم يمدح شيئا إلا بعد أن اختبره وكان مؤهلاً لذلك الثناء .

وكان من ابرز الآيات التي اثنت على شخصية إسلامية عظيمة قد قادت المسلمين إلى أهم مرحلة من التأريخ بعد ما أوشك الدين أن يندثر وتعود السلطة على المسلمين كسروية .

تلك الشخصية التي تأبى إلا أن تكون وضّاءً في سماء الإسلام ويشار إليها بالتبجيل

والاحترام .

ذلك هو الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام الذي مدحه القرآن الكريم بأعظم آيات حينما يتدبرها ويرتلها المسلم يتذكر إنساناً قد ضحى بنفسه في سبيل الإسلام والمسلمين .

الآيات التي وردت في الإمام الحسن

الآية الأولى :

ص: 7

قال الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين )

(فمن حاجك ) من النصارى (فيه )في عيسى (من بعد ما جاءك من العلم )أي من البينات الموجبة للعلم (تعالوا ) هلموا والمراد المجيء بالرأي والعزم كما تقول نفكر في هذه المسألة

(ندعُ أبناءنا وأبناءكم )أي يدع كل مني ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة

(ثم نبتهل) ثم نتباهل بأن نقول بهلة الله على الكاذب منا ومنكم .والبهلة بالفتح والضم اللعنة و بهله الله : لعنه وأبعده من رحمته من قولك أبهله إذا أهمله ,وناقة باهل لا صرار عليها , وأصل الابتهال هذا ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا .

وروى أنهم لما دعاهم إلى المباهلة قالوا حتى نرجع وننظر ,

فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى ؟

فقال :والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل ,ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم , والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ,ولئن فعلتم لتهلكن ,فإن أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما انتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ,

فأتوا رسول الله صلى الله عليه (وآله )وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول :إذا أنا دعوت فأمنوا ,

فقال أسقف نجران :يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرني إلى يوم القيامة ,

فقالوا :يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا ,

قال :فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم فأبوا,

قال :فإني أناجزكم ,

ص: 8

فقالوا :ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة في صفر وألف في رجب وثلاثين درعا عادية من حديد , فصالحهم على ذلك

وقال :والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ,ولو لاعنو لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ,ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا .

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و(آله )وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود ,فجاء الحسن فأدخله ثم الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم عليّ ثم قال –إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت )

فان قلت :ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء والنساء ؟

قلت ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته

وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك ,ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك استئصال إن تمت المباهلة ,وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل ألصقتهم بالقلوب, وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ,ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنهم بأرواحهم حماة الحقائق ,وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها ,

وفيه دليل لاشيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام .(1)

وقال السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور

وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه (وآله )وسلم كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل طس سليمان بسم الله أله إبراهيم واسحق ويعقوب من محمد رسول الله إلى أسقف نجران إن أسلمتم فاني احمد إليكم الله إله إبراهيم واسحق ويعقوب .

ص: 9


1- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الاقاويل –جار الله الزمخشري-ج1-ص433-434 .

أما بعد فاني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية العباد فان أبيتم فالجزية وان أبيتم فقد آذنتكم بالحرب والسلام .

فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع وذعر ذعراً شديدا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فقرأه .فقال الأسقف : ما رأيك .

فقال شرحبيل :قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما يؤمن أن يكون هذا الرجل ليس لي في النبوة رأي لو كان رأي من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك

فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قال مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه (وآله )وسلم ,

فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله عليه (وآله) وسلم فسألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له :ما تقول في عيسى بن مريم ؟

فقال

رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم :ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغد

فأنزل الله هذه الآية إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب إلى قوله تعالى فنجعل لعنة الله على الكاذبين فأبوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه و(آله ) وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة

فقال شرحبيل لصاحبيه :إني أرى أمراً مقبلا إن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك .

فقالا له :ما رأيك .

فقال :رأيي أن احكمه فاني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا .

فقالا له :أنت وذاك.

فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال :إني رأيت خيرا من ملاعنتك .

قال وما هو ؟

ص: 10

قال :حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز.

فرجع رسول الله صلى الله عليه (وآله )وسلم ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية.(1)

واخرج الحاكم وصححه ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال قدم على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم العاقب والسيد فدعاهما إلى الإسلام

فقالا :أسلمنا يا محمد .

قال :كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام

قالا هات .

قال :حب الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير .

قال جابر :فدعاهما إلى الملاعنة .فواعداه إلى الغد فغدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ بيد علي ّ وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبى أن يجيباه وأقرا له

فقال :والذي بعثني بالحق لو فعلا لا مطر الوادي عليهما نارا.

قال جابر :فيهم نزلت تعالوا أبناءنا وأبناءكم الآية .

قال جابر أنفسنا وأنفسكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ وأبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة .(2)

وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم و البيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص

قال لما نزلت هذه الآية (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً

فقال :اللهم هؤلاء أهلي .(3)

وقال الطبرسي في مجمع البيان لعلوم القرآن

ص: 11


1- الدر المنثور في التفسير بالمأثور –جلال الدين السيوطي –ج2-ص38 .
2- المصدر نفسه –ص39 .
3- المصدر نفسه –ص39 .

النزول : قيل :نزلت الآيات في وفد نجران : العاقب ,والسيد ,ومن معهما قالوا لرسول الله :هل رأيت ولداً من غير ذكر؟

فنزل (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم )الآيات ,فقرأها عليهم

عن ابن عباس وقتادة والحسن فلما دعاهم رسول الله

قال لهم الأسقف :انظروا محمدا في غدا فان غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته ,وان غدا بأصحابه ,فباهلوه فانه على غير شيء ,

فلما كان الغد جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخذاً بيد علي بن أبي طالب عليه السلام ,والحسن والحسين عليهما السلام بين يديه يمشيان ,وفاطمة عليها السلام تمشي خلفه ,وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم ,فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقبل بمن سأل عنهم

فقيل له :هذا ابن عمه ,وزوج ابنته , وأحب الخلق إليه ,وهذان ابنا بنته من علي عليه السلام ,وهذه الجارية بنته فاطمة أعز الناس عليه ,وأقربهم إلى قلبه ,

وتقدم رسول الله فجثا على ركبتيه .

فقال أبو حارثة الأسقف :جثا والله كما جثا الأنبياء للمباهلة ,وكعّ ولم يقدم على المباهلة ,

فقال السيد :ادن يا أبا حارثة للمباهلة ,

فقال :لا ,إني لأرى رجلاً جريئاً على المباهلة ,وأنا أخاف أن يكون صادقاً ,ولئن كان صادقا لم يحل والله علينا الحول وفي الدنيا نصراني يطعم الماء ,

فقال الأسقف :يا أبا القاسم إنا لا نباهلك ,ولكن نصالحك فصالحنا على ما ينهض به ,فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ألفي حلة من حلل الأواقي قيمة كل حلة أربعون درهما ,فما زاد أو نقص فعلى حساب ذلك , وعلى عارية ثلاثين درعاً وثلاثين رمحاً وثلاثين فرساً إن كان باليمن كيد ورسول الله ضامن حتى يؤديها ,وكتب لهم بذلك كتاباً

وروى أن الأسقف قال لهم :إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله ,فلا تبتهلوا فتهلكوا ,ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة .

وقال النبي :والذي نفسي بيده لو يلاعنونني لمسخوا قردة وخنازير ,و لاضطرم الوادي عليهم ناراً ,ولما حال الحول على النصارى حتى يهلكوا كلهم .

ص: 12

قالوا :فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد و العاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي , وأهدى العاقب له حلة وعصا وقدحا ونعلين وأسلما .(1)

وقال الطبرسي في مجمع البيان

(ندع أبناءنا وأبناءكم ) أجمع المفسرون على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله ,وأن ولد الابنة في الحقيقة , وقال ابن أبي علان –وهو احد أئمة المعتزلة - :هذا يدل على أن الحسن والحسين كانا مكلفين في تلك الحال ,لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين ,

وقال أصحابنا :إن صغر السن ونقصانها عن حد بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل , وإنما جعل بلوغ الحلم حداً لتعلق الأحكام الشرعية , وقد كان سنهما عليهما السلام في تلك الحال ستّاً لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل على أن عندنا يجوز أن يخرق الله العادات لأئمة ,ويخصهم بما لا يشركهم فيه غيرهم .فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك السن لجاز ذلك فيهم إبانة لهم عمن سواهم ,ودلالة على مكانهم من الله تعالى واختصاصهم به ,

ومما يؤيد من الأخبار قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا .

(ونساءنا) اتفقوا على أن المراد به فاطمة عليها السلام , لأنه لم يحضر المباهلة غيرها من النساء ,وهذا يدل على تفضيل الزهراء على جميع النساء ,ويعضده ما جاء في الخبر :أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها )

وقال إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضائها .

وقد صح عن حذيفة أنه قال :سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول :( أتاني ملك فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ونساء أمتي )

وعن الشعبي عن مسروق عن عائشة قال :أسرّ النبي إلى فاطمة شيئاً فضحكت فسألتها

فقالت قال لي :(ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة ونساء المؤمنين ) فضحكت لذلك .

ص: 13


1- مجمع البيان لعلوم القرآن –ابو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ج20-ص377-378 .

(ونساءكم ) أي من شئتم من نسائكم

(وأنفسنا ) يعني علياً خاصة ,ولا يجوز أن يكون المعنى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه الداعي ,ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه ,وإنما يصح أن يدعو غيره ,

وإذا كان قوله :(وأنفسنا ) لابد أن يكون أشار إلى غير الرسول وجب أن يكون إشارة إلى علي,لأنه أحد يدعى دخول غير أمير المؤمنين علي وزوجته وولديه في المباهلة ,

وهذا يدل على غاية الفضل وعلو الدرجة والبلوغ منه إلى حيث لا يبلغه أحد ,إذ جعله الله نفس الرسول ,وهذا ما لا يدانيه فيه أحد ,ولا يقاربه .

ومما يعضده من الروايات ما صح عن النبي أنه سئل عن بعض أصحابه .فقال له قائل :فعليّ ؟

فقال : (إنما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي ) --الخ(1)

وقال البحراني في تفسير البرهان

وعن أمالي الشيخ قال اخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال أبو العباس احمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني بالكوفة , قال: حدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري , قال :حدثني علي بن حسان الواسطي , قال حدثني عبد الرحمن بن كثير ,عن جعفر بن محمد ,عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليه السلام ,عن عمه الحسن عليه السلام

قال: قال الحسن : قال الله تعالى لمحمد حين جحده كفرة الكتاب وحاجوه (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )

فأخرج رسول الله صلى الله عليه وآله سلم من الأنفس معه أبي ومن البنين أنا وأخي ومن النساء فاطمة أمي من الناس جميعا فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ونحن منه وهو مناّ .(2)

ص: 14


1- مجمع البيان لعلوم القرآن – أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ج2-ص379 .
2- البرهان في تفسير القرآن –السيد هاشم البحراني –ج2-ص43-ح2 .

وذكر الشيخ المفيد في الاختصاص

عن محمد بن الحسن بن أحمد يعني ابن الوليد ,عن أحمد بن إدريس ,عن محمد بن إسماعيل العلوي ,قال :حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني الشيخ ,

قال :قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام :اجتمعت الأمة برها و فاجرها أن حديث النجراني حين دعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ,

فقال الله تبارك وتعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم )

فكان تأويل أبنائنا الحسن والحسين ونسائنا فاطمة وأنفسنا علي بن أبي طالب عليهم السلام .(1)

إشارة

إن الإمام الحسن بن علي عليه السلام له دور بارز في المباهلة, فلم يباهل النبي الأكرم بغيره وغير أخيه من بقية المسلمين

وهذا يدل على عظمة هذه الشخصية التي لا ينبغي الطعن بها أو بأفعلها لئلا يلزم من ذلك الاعتراض على أوامر الإلهية التي لا تعرف العلل فيها إلا من قبل علاّم الغيوب .

بل من الجهل أن يتجرأ المرء ويطعن على كل شخصية مدحها القرآن الكريم من أجل أرضاء الفكر الفاسد .

الآية الثانية : قال تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ).

قال السيوطي في الدر المنثور

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه (وآله)وسلم أن رسول الله صلى الله عليه

ص: 15


1- البرهان في تفسير القرآن –السيد هاشم البحراني –ج2-ص43-44 -ح3 .

وآله وسلم كان ببيتها على منامة له عليه خيبري فجاءت فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها خزيرة .

فقال رسول الله صلى عليه وآله وسلم :ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول صلى الله عليه وآله وسلم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )

فاخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفضلة إزاره فغشاهم إياها

ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء

ثم قال :اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات .

قالت أم سلمة رضي الله عنها :فأدخلت رأسي في الستر فقلت :يا رسول الله :وأنا معكم .

فقال :إنك إلى خير مرتين .

وأخرج الطبراني عن أم سلمة رضي الله عنها :أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها أئتني بزوجك وابنيه فجاءت بهم

فألقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كساء فدكياً ثم وضع يده عليهم

ثم قال :اللهم إن هؤلاء أهل محمد وفي لفظ آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

قالت أم سلمة رضي الله عنها :فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي

وقال: إنك على خير .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت هذه الآية في خمسة فيّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهرهم تطهيرا )

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت :خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غداة وعليه مرط

ص: 16

مرجل من شعر أسود فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما فادخلهما معه ثم قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )(1)

وقال الطبرسي في مجمع البيان

وأهله من مكنّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه –في المسجد – ولم يخرجه ولم يسد بابه ,وقد اتفقت الأمة باجمعها على أن المراد بأهل البيت في الآية ,أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ,ثم اختلفوا

فقال عكرمة :أراد أزواج النبي ,لأن أول الآية متوجه إليهن

وقال أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك و واثلة بن الأسقع وعائشة وأم سلمة :إن الآية مختصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام

ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره :حدثني شهر بن حوشب عن أم سلمة ,

قالت :جاءت عليها السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحمل خزيرة لها,

فقال :ادعي زوجك وابنيك , فجاءت بهم فطعموا , ثم ألقى عليهم كساء له خيبريا, فقال :اللهم ,هؤلاء أهل بيتي و عترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا,

فقلت :يا رسول الله ,وأنا معهم ,

قال :أنت إلى خير .

وروى الثعلبي في تفسيره أيضاً بالإسناد عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في بيتها ,فأتته فاطمة عليها السلام ببرمة خزيرة ,

فقال لها :ادعي زوجك وابنيك ,فذكرت الحديث نحو ذلك ,

ثم قالت :فأنزل الله تعالى (إنما يريد الله )الآية ,

قالت :فأخذ فضل الكساء فغشاهم به , ثم أخرج يده فألوى يده بها إلى السماء ,

ثم قال :اللهم ,هؤلاء أهل بيتي و حامتي ,فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ,فأدخلت رأسي البيت ,

ص: 17


1- الرد المنثور في التفسير بالمأثور –جلال الدين السيوطي-ج5-ص198-199 .

وقلت :وأنا معكم يا رسول الله ,

قال :إنك إلى خير ,إنك إلى خير .

وبإسناده قال مجمع :دخلت مع أمي على عائشة ,فسألتها أمي :أرأيت خروجك يوم الجمل ؟

قالت :إنه كان قدراً من الله فسألتها عن عليّ عليه السلام ,

فقالت :تسأليني عن أحب الناس كان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,وزوج أحب الناس كان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,لقد رأيت علياً وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلام , جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثوب عليهم ,

ثم قال :اللهم ,هؤلاء أهل بيتي و حامتي ,فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ,قالت :فقلت :يا رسول الله ,أنا من أهلك ؟

قال:تنحى فإنك إلى خير .

وبإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله في خمسة ,فيّ وفي عليّ وحسن وحسين وفاطمة عليهم السلام .

وأخبرنا السيد أبو الحمد قال :حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال :حدثونا عن أبي بكر السبيعي قال :حدثنا أبو عروة الحراني قال :حدثنا ابن مصغى قال :حدثنا عبد الرحيم بن واقد عن أيوب بن سيار عن محمد بن المنكدر عن جابر قالت :نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم , وليست في البيت إلا فاطمة والحسن والحسين عليهم (إنما يريد الله ليذهب عنكم أهل البيت )

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :اللهم هؤلاء أهلي .(1)

وقال البحراني في تفسير البرهان

محمد بن العباس قال :حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ,عن الحسن بن علي بن بزيع ,عن إسماعيل بن بشار الهاشمي ,عن قتيبة بن محمد الأعشى ,عن هاشم بن البريد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عليهم السلام ,

ص: 18


1- مجمع البيان لعلوم القرآن –ابو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ج8-ص172-173

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت أم سلمة ,فأتي بحريرة ,فدعا علياً ,وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فأكلوا منها ,ثم جللّ عليهم كساءً خيبريا ثم قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) فقالت :وأنا منهم يا رسول الله ؟

قال:أنت إلى خير .(1)

وعن أمالي الشيخ قال :أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مهدي

قال :حدثنا احمد بن محمد ,يعني ابن سعيد بن عقدة ,قال :أخبرنا احمد بن يحيي ,قال :حدثنا عبد الرحمن ,قال :أبي عن أبي إسحاق عن عبد الله بن المغيرة مولى أم سلمة ,عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها قالت :نزلت هذه الآية في بيتها (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أرسل إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ,فلما أتوه اعتنق علياً بيمينه ,والحسن عليه السلام بشماله ,والحسين عليه السلام بطنه وفاطمة عليها السلام عند رجليه ,

ثم قال :اللهم هؤلاء أهلي ,و عترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) قالها ثلاث مرات ,

قلت :فأنا يا رسول الله ؟

فقال :إنك إلى خير ,إنشاء الله (2)

إشارة

إن الآية الكريمة تبين فضل أهل البيت عليهم السلام من ناحية الطهارة فهم منزهون من الريب ومن كل شبهة ,ولذا لم يختر النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم سواهم .

فمن غير المقبول أن يفعل هؤلاء كل ما يمكن أن لا يرغب به تعالى .سواء كان من ناحية السلم أم الحرب .

ومن غير المعقول أن يفعل الإمام الحسن بن علي عليه السلام أمراً هو خلاف العصمة من الريب .

ص: 19


1- البرهان في تفسير القرآن –السيد هاشم البحراني –ج6-ص260-ح15 .
2- المصدر نفسه –ص262-ح21 .

ومن غير المقبول أن تتجرأ الأمة الإسلامية وتطعن في كل ما يشير به أو يفعله في سبيل الإسلام !

الآية الثالثة: قال تعالى (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى )

قال الزمخشري في الكشاف

روى أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض :أترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجراً ؟

فنزلت الآية (إلا المودة في القربى )

يجوز أن يكون استثناء متصلا أي لا أسألكم أجرا إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي ,ولم يكن هذا أجراً في الحقيقة لأن قرابته قرابتهم فكانت صلتهم لازمة لهم في المروءة .

ويجوز أن يكون منقطعا :أي لا أسألكم أجرا قط ولكنني أسألكم أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا يؤذوهم .

فان قلت: هلا قيل إلا المودة القربى أو إلا المودة للقربى وما معنى قوله –إلا المودة في القربى -؟

قلت جعلوا مكانا للمودة ومقراً لها كقولك لي في آل فلان مودة ولي فيهم هوى وحب شديد تريد أحبهم و هو مكان حبي ومحله ,وليست في بصلة للمودة كاللام إذا قلت إلا المودة للقربى ,إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك المال في الكيس

وتقديره :إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها ,والقربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى القرابة والمراد في أهل القربى .

وروى أنها لما نزلت قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما )

ويدل عليه ما روى عن عليّ (عليه السلام ) رضي الله عنه شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه و(آله ) وسلم حسد الناس لي

ص: 20

فقال :أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة :أنا وأنت والحسن والحسين

وأزواجنا عن أيماننا و شمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا )

وعن النبي صلى الله عليه و(آله)وسلم حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة )

وروى أن الأنصار قالوا فعلنا وفعلنا كأنهم افتخروا ,

فقال عباس أو ابن عباس رضي الله عنهما :لنا الفضل عليكم ,فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و(آله) وسلم فأتاهم في مجالسهم

فقال :يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي ؟

قالوا :بلى يا رسول الله ,

قال :ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بيّ ؟

قالوا بلى يا رسول الله

قال :أفلا تجيبونني ؟

قالوا :ما نقول يا رسول الله؟

قال: ألا تقولون ألم يخرجك قومك فآويناك أو لم يكذبوك فصدقناك أو لم يخذلوك فنصرناك ؟

قال :فما زال يقول حتى جثوا يقول حتى جثوا على الركب

وقالوا :أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله فنزلت الآية .(1)

وقال السيوطي في الدر المنثور

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى

قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبتهم قال عليّ وفاطمة وولداهما .

ص: 21


1- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل –جار الله الزمخشري-ج3-ص466-467 .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ومن يقترف حسنة قال المودة لآل محمد .

وأخرج مسلم والترمذي والنسائي عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

قال: أذكركم الله في أهل بيتي .(1)

وذكر الطبرسي في مجمع البيان

وثالثها :أن معناه :إلا أن تودوا قرابتي و عترتي وتحفظوني فيهم _عن علي ابن الحسين عليه السلام وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وجماعة ,وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما , وأخبرنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني ,قال :أخبرنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني ,قال :حدثني القاضي أبو بكر الحميري ,قال أخبرنا أبو العباس الضبعي ,قال:أخبرنا الحسن بن علي بن زياد السري ,

قال : أخبرنا يحيي بن عبد الحميد الخاني , قال :حدثنا حسين الأشتر قال :أخبرنا قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت :( قل لا أسألكم عليه أجرا) الآية

قالوا :يا رسول مَن هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم ؟

قال :علي وفاطمة وولدهما

واخبرنا السيد أبو الحمد قال :أخبرنا الحاكم أبو القاسم بالإسناد المذكور في كتاب : شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ,مرفوعان أبي أمامة الباهلي ,

قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة ,فأنا أصلها ,وعلي فرعها ,وفاطمة لقاحها ,والحسن والحسين ثمارها ,وأشياعنا أوراقها ,فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ,ومن زاغ عنها هوى ,ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ,ثم ألف عام ,حتى يصير كالشن البالي ,ثم لم يدرك محبتنا كبّه الله على منخريه في النار

ثم تلا :قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )(2)

ص: 22


1- الدر المنثور في التفسير بالمأثور – جلال الدين السيوطي –ج6-ص7 .
2- مجمع البيان لعلوم القرآن –أبو علي الفضل الفضل بن الحسن الطبرسي –ج9-ص49-50 .

وصرح البحراني في تفسير البرهان

محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى ,عن أحمد بن محمد بن عيسى ,عن علي بن الحكم ,عن إسماعيل بن عبد الخالق ,قال :سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي جعفر الأحول ,وأن أسمع أتيت البصرة فقال : نعم

.قال :كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر ,ودخولهم ؟

فقال :والله إنهم لقليل ,وقد فعلوا وإن ذلك لقليل .

فقال : عليك بالأحداث ,فأنهم أسرع إلى كل خير .

ثم قال :ما يقول أهل البصرة في هذه الآية (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى )؟

قلت :جعلت فداك إنهم لأقارب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

فقال :كذبوا ,إنما نزلت فينا خاصة ,في أهل البيت ,في عليّ وفاطمة والحسن والحسين أصحاب الكساء عليهم السلام .(1)

ومن المخالفين ما رواه عبد الله بن احمد بن حنبل ,عن أبيه أحمد بن حنبل في مسنده قال :وفيما كتب إلينا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ,يذكر أن حرب بن الحسن الطحان حدثه قال :حسين الأشقر عن قيس ,عن الأعمش ,عن سعيد بن جبير ,عن ابن عباس ,قال :لمّا نزلت (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) قالوا :يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم ؟

قال :عليّ وفاطمة وابناهما عليهما السلام .(2)

وروى الثعلبي في تفسير هذه الآية تعيين آل محمد ,من عدة طرق ,

فمنها عن أم سلمة , ,عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,أنه قال لفاطمة عليها السلام :ائتني بزوجك وابنيك .فأتت بهم ,فألقى عليهم كساء ,

ثم رفع يده عليهم ,فقال :اللهم هؤلاء آل محمد ,فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد ,فإنك حميد مجيد .

قالت أم سلمة :فرفعت الكساء لأدخل بينهم ,فاجتذبه

ص: 23


1- البرهان في تفسير القرآن –السيد هاشم البحراني –ج7-ص77-78-ح4 .
2- المصدر نفسه-ح25 .

وقال :إنك لعلى خير.(1)

إشارة

إن الأجر الذي لم يطلبه النبي صلى الله عليه وآله من أمته لقاء جهاده وإيذاءه كان في سبيل الله تعالى , وإنما طلب أن يكون لهؤلاء الذين اصطفاهم هو إتباع أوامرهم كي تنج الأمة الإسلامية من العذاب الأليم الذي يحيط بهم .

ومن الذين كان السبب في النجاة هو الإمام الحسن بن علي عليهما السلام الذي أظهر الحق على يديه بعدما أوشكت الأمة أن تنهار وترجع إلى عبادة الأشخاص بدل الأوثان ,

فكانت هدنة الإمام عليه السلام لكشف حقيقة كان خافية أو بدت خافية أمام الأبصار

فكيف لهذه الأمة أن تتهم الإمام عليه السلام بالذل والهوان والوهن ؟

ألآية الرابعة (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً ,إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا,فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً ,و جزىهم بما صبروا جنة وحريراً )

قال الزمخشري في تفسير الكشاف

(بما صبروا) بصبرهم على الإيثار .

وعن ابن عباس رضي الله عنه (إن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناس

فقالوا :يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ,فنذر عليّ وفاطمة وفضة جارية لهما إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام ,فشفيا وما معهم شيء , فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ,

فطحنت فاطمة صاعاً و إختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا ,فوقف عليهم سائل

ص: 24


1- المصدر نفسه –ح29 .

فقال :السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ,

فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياماً ,فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك ,فلما أصبحوا أخذ عليّ (عليه السلام)رضي الله عنه بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع

قال :ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم ,

وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها فساءه ذلك ,

فنزل جبريل وقال :خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة .(1)

قال الطبرسي في مجمع البيان

النزول: قد روى الخاص والعام أن الآيات من هذه السورة وهي قوله (إن الأبرار يشربون إلى قوله وكان سعيكم مشكورا )

نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ,وجارية لهم تسمى فضة وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد وأبي صالح .

والقصة طويلة :جملتها أنهم قالوا :مرض الحسن والحسين عليهما السلام ,فعادهما جدهما صلى الله وآله وسلم ووجوه العرب ,

وقالوا :يا أبا الحسن ,لو نذرت على ولديك نذرا ,فنذر صوم ثلاثة أيام إن شفاهما الله سبحانه ,ونذرت فاطمة عليهما السلام كذلك ,وكذلك فضة فبرئا ,وليس عندهم شيء , فإستقرض عليّ عليه السلام ثلاثة أصوع من شعير من يهودي ,

وروى أنه أخذها ليغزل له صوفا ,وجاء به إلى فاطمة عليها السلام ,فطحنت صاعا منها فاختبزته , وصلى على المغرب ,وقربته إليهم ,فأتاهم مكين يدعو لهم ,وسألهم فأعطوه ,ولم يذوقوا إلا الماء ,

ص: 25


1- الكشاف في حقائق التنزيل وعيون الأقاويل –ج4-ص19 .

فلما كان اليوم الثاني أخذت صاعا فطحنته وخبزته ,وقدمته إلى عليّ عليه السلام ,فإذا يتيم في الباب يستطعم ,فأعطوه ولم يذوقوا إلا الماء ,

فلما كان اليوم الثالث عمدت إلى الباقي فطحنته وقدمته إلى عليّ عليه السلام ,

فإذا أسير بالباب يستطعم ,فأعطوه ولم يذوقوا إلا الماء ,

فلما كان اليوم الرابع ,وقد قضوا نذورهم أتى علي عليه السلام ,ومعه الحسن والحسين عليهما السلام إلى النبي صلى الله وآله وسلم و بهما ضعف, فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل جبرئيل عليه السلام بسورة (هل أتى ).(1)

وقال البحراني في تفسير البرهان

محمد بن العباس ، قال : حدّثنا احمد بن محمّد الكاتب , عن الحسن بن بَهْرَام ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن وكيع , عن المسعودي , عن عمرو بن مُرّة ، عن عبد الله بن الحارث المُكتّب ، عن أبي كثير الزبيدي ، عن عبد الله بن العباس (رضي الله عنه ) ،

قال : مرض الحسن و الحسين (عليهما السلام ) , فنذر عليّ وفاطمة (عليهما السلام ) و الجارية نذراً إن برئا صاموا ثلاثة أيام شكراً ، فبرئا ، فوفوا بالنَّذْر و صاموا ، فلمّا كان أول يوم قامت الجارية وجرشت شعيراً ,فخبزت منه خمسة أقراص ,لكل واحد منهم قرص ,

فلما كان وقت الفطر جاءت الجارية بالمائدة فوضعتها بين أيديهم ,فلما مدّوا أيديهم ليأكلون وإذا مسكين بالباب

يقول :يا أهل بيت محمد ,مسكين آل فلان بالباب ,

فقال علي عليه السلام :لا تأكلوا وآثروا المسكين .

فلما كان اليوم الثاني فعلت الجارية كما فعلت في اليوم الأول ,فلما وضعت المائدة بين أيديهم ليأكلوا ,

فإذا بيتيم بالباب وهو يقول :يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ,يتيم آل فلان بالباب ,فقال علي عليه السلام :لا تأكلوا شيئا وأطعموا اليتيم .

ص: 26


1- مجمع البيان لعلوم القرآن –أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ج10-ص232-233 .

قال :ففعلوا .

فلما كان في اليوم الثالث وفعلت الجارية كما فعلت في اليومين ,فلما جاءت الجارية بالمائدة فوضعتها ,فمدّوا أيديهم ليأكلوا ,

وإذا شيخ كبير يصيح بالباب :يا أهل بيت محمد ,تأسروننا ولا تطعموننا .

قال :فبكى عليّ عليه السلام بكاء شديدا ,

وقال :يا بنت محمد ,إني أحب أن يراك الله وقد آثرت هذا الأسير على نفسك وأشبالك .

فقالت :سبحان الله ,ما أعجب ما نحن فيه معك ,ألا ترجع إلى الله في هؤلاء الصبية الذين صنعت بهم ما صنعت ,وهؤلاء إلى متى يصبرون صبرنا .

فقال لها علي عليه السلام :فالله يصبرك ويصبرهم ,ويأجرنا إن شاء الله تعالى ,وبه نستعين ,وعليه نتوكل ,وهو حسبنا ونعم الوكيل ,اللهم بدّلنا بما فاتنا من طعامنا هذا ما هو خير منه ,واشكر لنا صبرنا ولا تنسه لنا ,إنك رحيم كريم )

فأعطوه الطعام وبكّر إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم الرابع ,

فقال :ما كان من خبركم في أيامكم هذه ؟

فأخبرته فاطمة عليها السلام بما كان ,فحمد الله وشكره وأثنى عليه ,وضحك إليهم ,وقال :خذوا هنّأكم الله وبارك عليكم وبارك لكم قد هبط عليّ جبرئيل من عند ربيّ وهو يقرأ عليكم السلام ,وقد شكر ما كان منكم ,وأعطى فاطمة سؤلها ,وقد أجاب دعوتها وتلا عليهم (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا )إلى قوله (إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً )

قال :وضحك النبي صلى الله عليه وآله وسلم

وقال :إن الله قد أعطاكم نعيماً لا ينفد وقرة عين أبد الآبدين ,هنيئاً لكم بيت النبي بالقرب من الرحمن ,مسكنكم معه في دار الجلال والجمال ,ويكسوكم من السندس والإستبرق و الإرجوان , ويسقيكم الرحيق المختوم من الولدان ,فأنتم أقرب الخلق من الرحمن , تأمنون إذ فزع الناس ,وتفرحون إذا حزن الناس ,وتسعدون إذا شقي الناس ,فأنتم في روح وريحان ,وفي جوار الرب العزيز الجبار ,وهو راض عنكم غير غضبان ,قد أمنتم العقاب ورضيتم الثواب ,وتسألون فتعطون ,وتتحفون فترضون,وتشفعون فُتشَفعون ,طوبى لمن كان معكم وطوبى لمن أعزكم إذا خذلكم

ص: 27

الناس ,وأعانكم إذا جفاكم الناس ,وآواكم إذا طردكم الناس ,ونصركم إذا قتلكم الناس ,والويل لكم من أمتي ,والويل لأمتي من الله )

ثم قبّل فاطمة وبكى ,وقبّل جبهة عليّ عليه السلام وبكى ,وضمَ الحسن والحسين إلى صدره وبكى ,

وقال :الله خليفتي عليكم في المحيا والممات ,وأستودعكم الله وهو خير مستودع ,حفظ الله من حفظكم ,ووصل الله من وصلكم ,وأعان الله من أعانكم ,وخذل من خذلكم وأخافكم ,وأنا لكم سلف وأنتم عن قليل بيّ لاحقون ,والمصير إلى الله ,والوقوف بين يديّ الله عزّ وجلّ ,والحساب على الله (ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى )(1)

إشارة

إن ما فعله الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وزوجته وولداه يدل عن عظمة الوفاء وإيثار الآخرين على أنفسهم ,بل من أعظم سبل النبل في دنيا الإنسانية .

ولعل الإمام الحسن عليه السلام لما كان صغيرا وقد طوت نفسه الشريفة لثلاث أيام وهو لم يذق سوى الماء دليل على مدى أداء حقه تعالى بأبهى صورة وأفضلها .

ومن اجل ذلك فان رب العالمين لم ينس لهم ذلك الصنع الجيل فكان جزاءهم سورة الدهر لتبقى إلى آخر الدهر تتلوها الإنسانية لتستذكر هذه التضحية والمحبة والإخلاص في العمل .

ص: 28


1- البرهان في تفسير القرآن –السيد هاشم البحراني –ج8-ص183-184-ح9 .

المبحث الثاني: الإمام الحسن بن علي عليهما السلام في أحاديث جده صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 29

تقديم

قد يكون من الضروري أن يدلي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم برأيه حينما يعبر عن أهم قضية في حياة البشرية بل في كل قضية تهم حياة المسلمين .

كما انه ليس معرفة كلام الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كبقية بني البشر وإنما لا ينطق عن الهوى وإنما هو من وحيّ يوحى .

ولذلك فان الرسول الكريم حينما ذكر الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بعدة أقوال فإنما يعبر عن عمق هذه الشخصية التي ينبغي أن تحترم وتؤدي حقها .

فان من سوء الفهم أن يدرك المرء ما قاله الرسول الكريم بحق الإمام الحسن عليه السلام ومن ثم الإعراض عنه أو إنكاره

لذا ينبغي أولا معرفة ما قاله النبي صلى الله عليه وآله بحق هذا القائد الشجاع من أحاديث في حقه .

وثانيا التأمل بتلك الأحاديث والسير على نهجها من قبل الأمة المسلمة التي آمنت بالإسلام وبرسوله الكريم .

وهذه الأحاديث الشريفة هي

1-قال البخاري في صحيحه

حدثنا مسدد :حدثنا المعتمر قال :سمعت أبي قال :حدثنا أبو عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ,عن النبي صلى الله عليه (وآله )وسلم أنه كان يأخذه والحسن ويقول :اللهم إني أحبهما فأحبهما )(1)

وقال مسلم في صحيحه

حدثني احمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة حدثني عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و(آله)وسلم أنه قال لحسن :اللهم إني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه .

حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي هريرة قال :خرجت مع رسول الله صلى الله وآله وسلم في طائفة من

ص: 30


1- صحيح البخاري –محمد بن إسماعيل البخاري –ص682-ح3747-ح3735 .

النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة

فقال :أثم لكع أثم لكع يعني حسنا أنه إنما تحبسه أمه لان تغسله وتلبسه سخابا فلم يلب ثان جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه .

فقال

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :اللهم إني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه .(1)

وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عدي (وهو ابن ثابت )حدثنا البراء بن عازب قال: رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي صلى عليه (وآله ) وسلم

وهو يقول :اللهم إني أحبه فأحبه .(2)

حدثنا محمد بن بشار و أبو بكر ابن نافع ,اخبرنا غندر ,واخبرنا شعبة عن عدي بن ثابت ,عن البراء قال :رأيت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم واضعاً الحسن بن علي على عاتقه ,

وهو يقول :اللهم إني أحبه فأحبه (3).

وقال العسقلاني في الإصابة تمييز الصحابة

وروى الترمذي من حديث أسامة بن زيد قال :طرقت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) في بعض الحاجة.

فقال :هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم أني أحبهما فأحبهما و أحب من يحبهما .

وفي البخاري عن أسامة كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجلسني والحسن بن علي .

فيقول :اللهم إني أحبهما فأحبهما.

ص: 31


1- صحيح مسلم –مسلم بن الحجاج القشيري –ج2-ص367 .
2- صحيح مسلم –مسلم بن الحجاج –ج2-ص367 –ط دار الكتب العلمية .
3- المصدر نفسه –ص15.

وقال الطبراني ومن طريق عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة قال :خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه و هو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا .

فقال :مَن أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد ابغضني .(1)

و في البخاري عن أسامة كان النبي (صلى الله عليه و آله و سلم ) يجلسني و الحسن بن علي فيقول: اللهم أني أحبهما فأحبهما (2)

.

وقال الطبراني حدثنا عبدان حدثنا قتيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن معاوية بن أبي مزرد عن أبيه عن أبي هريرة سمعت أذناي هاتان وأبصرت عيناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخذ بكفيه جميعا يعني حسنا أو حسينا وقدماه على قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

وهو يقول :حزقه حزقه ترق عين بقه فيرقى الغلام حتى يضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال له:أفتح ثم قبّله

ثم قال :اللهم أحبه فاني أحبه .(3)

وأخرجه خيثمة عن إبراهيم بن أبي العنبس عن جعفر بن عون عن معاوية نحوه وعند احمد من طريق زهير بن الأحمر بينما الحسن بن علي يخطب بعد ما قتل علي إذ قام رجل من الأزد آدم

طوال

فقال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضعه في حبوته

يقول: من أحبني فليحبه فليبلغ الشاهد الغائب .(4)

ومن طريق عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة قال :خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه و هو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا .

فقال :مَن أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد ابغضني.(5)

ص: 32


1- الإصابة في تمييز الصحابة –احمد بن حجر العسقلاني –ج1-ص329 .
2- الإصابة في تمييز الصحابة – ابن حجر العسقلاني – ج1 –ص 329 .
3- المصدر نفسه .
4- المصدر نفسه -329-330 .
5- الإصابة في تمييز الصحابة –احمد بن حجر العسقلاني –ج1-ص329 -330.

وعند أبي يعلى من طريق عاصم عن زر عن عبد الله كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما فإذا قضى الصلاة وضعهما في حجره .

فقال : من أحبني فليحب هذين .(1)

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب

وقال –رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم –اللهم أني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما .(2)

و صرح ابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة

اخبرنا إسماعيل بن عبيد الله وغيره بإسنادهم إلى محمد بن عيسى بن سورة , اخبرنا سفيان بن وكيع ,وعبد بن حميد قالا :حدثنا خالد بن الحارث ,اخبرنا موسى بن يعقوب الربعي ,عن عبد الله بن أبي بكر بن زيد المهاجر قال :اخبرني مسلم بن سهل النبال ,اخبرني الحسن بن أسامة بن زيد قال :اخبرني أبي أسامة بن زيد

قال : طرقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو ,فلما فرغت من حاجتي.

قلت :ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟

فكشفه فإذا حسن وحسين على وركيه ,

فقال :هذان ابناي و ابنا ابنتي اللهم أني أحبهما فأحبهما و أحب من يحبهما .(3)

اخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء الثقفي بإسناده إلى مسلم بن الحجاج , اخبرنا محمد بن بشار و أبو بكر ابن نافع ,اخبرنا غندر ,واخبرنا شعبة عن عدي بن ثابت ,

عن البراء قال :رأيت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم واضعاً الحسن بن علي على عاتقه ,

وهو يقول :اللهم إني أحبه فأحبه (4).

ص: 33


1- المصدر نفسه –ص330 .
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب –ج1-ص376 .
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لعز الدين بن الأثير –ج2-ص13 .
4- المصدر نفسه –ص15.

وذكر ابن الصباغ في الفصول المهمة

وروي في صحيح البخاري ومسلم مرفوعاً إلى البراء قال :رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم ) والحسن بن علي (عليه السلام ) على عاتقه وهو يقول :اللهم أني أحبه فأحبه .(1)

وروى البخاري و مسلم بسنديهما :عن أبي هريرة قال :خرجت مع رسول الله صلى الله عليه (وآله )وسلم لا يكلمني ولا أكلمه

حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى مخبأة وهو المخدع

فقال :أثم لكع أثم لكع يعني حسنا (عليه السلام ) فظننا أنه إنما تحبسه أمه لان تغسله وتلبسه ثوباً ، فلم يلبث إذ جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه.

فقال رسول الله ( صلى الله عليه (وآله) وسلم ) :اللهم أني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه .(2)

وفي رواية أخرى اللهم إني أحبه و أحب من يحبه ,

قال أبو هريرة : فما كان أحد أحب إلي من الحسن بعدما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) . (3)

وذكر كمال الدين الشافعي في مطالب السؤل

ومنها ما رواه الإمامان البخاري ومسلم بسندهما عن البراء رضي الله عنه أنه قال :رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم ) والحسن بن علي (عليه السلام ) على عاتقه

وهو يقول: اللهم إني أحبه فأحبه .(4)

وروى البخاري و مسلم بسنديهما :عن أبي هريرة قال :خرجت مع رسول الله صلى الله عليه (وآله )وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى مخبأ وهو المخدع

ص: 34


1- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة – علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ – ص145 .
2- المصدر نفسه – ص146 .
3- الفصول المهمة في أحوال الأئمة –علي ين محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص146 .
4- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول –كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي –ص227 .

فقال :أثم لكع أثم لكع يعني حسنا (عليه السلام ) فظننا أنه إنما تحبسه أمه لان تغسله وتلبسه سخاباً ، فلم يلبث إذ جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه.

فقال رسول الله ( صلى الله عليه (وآله) وسلم ) :اللهم أني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه .

وفي رواية أخرى اللهم إني أحبه و أحب من يحبه ,

قال أبو هريرة : فما كان أحد أحب إلي من الحسن بعدما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) . (1)

وذكر الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

وفي الصحيح :أن النبي صلى الله عليه وآله حمل الحسن بن علي على عنقه فقال : اللهم إني أحبه فأحبه

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله نظر إلى الحسن .

فقال : اللهم إني أحبه فأحبه و أحب من يحبه .

وروى أبو هريرة أنه قال :ما نظرت إلى الحسن بن علي إلا فاضت عيناي دموعاً , وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و آله خرج فقال : اذهب بنا فخرجت معه فأتى سوق بني قينقاع فنظر فيه ثم رجع فأتى المسجد ثم جلس.

و قال : ادع لي لكع بن لكع يعني الحسن فأتى الحسن بن علي يشتدّ فجعله في حجره و جعل الحسن يأخذ بلحيته و جعل رسول الله صلى الله عليه و آله يفتح فمه في فمه

و يقول : اللهم إني أحبه فأحب من أحبه ثلاث مرات .(2)

و في الصحيحين عن أبي هريرة قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه و آله في سوق من أسواق المدينة فانصرف فانصرفت معه فجاء إلى فناء فاطمة فنادى الحسن : أي لكع أي لكع أثّم لكع أثّم لكع فلم يجبه أحد , ثم انصرف فانصرفت معه إلى فناء عائشة , فجاء الحسن بن عليّ

قال أبو هريرة : ظننت أن أُمّه حبسته لتجعل في عنقه السخاب

ص: 35


1- المصدر نفسه –ص228 .
2- نظم درر السمطين – جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي المدني – ص243.

قال : فلمّا جاء التزمه رسول الله صلى الله عليه و آله و التزم هو رسول الله صلى الله عليه و آله

فقال : اللهم إني أحبه فأحبه و أحب من يحبه ثلاث مرات . (1)

وروي عن عبد الله بن مسعود قال :كان الحسن والحسين يحبوان حتى يأتيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المسجد يصلي فيركبان على ظهره فإذا جلس ضمهما إلى صدره

ثم يقول :بأبي وأمي من كان يحبني فليحب هذين .

وفي رواية عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله قال للحسن والحسين :اللهم إني أحبهما فأحبهما ومن أحبهما فقد أحبني .

وفي رواية عن عبد الله قال :كان الحسن والحسين يثبان على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي فإذا أحد يحطهما عنه أومأ إليه ,فإذا قضى صلاته ضمهما إليه

وقال :بأبي وأمي من أحبني فليحب هذين

وروى أبو هريرة قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني .

وعنه أيضاً قال :خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه حسن وحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه ,حتى انتهى إلينا .

فقلنا :يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأنك تحبهما ؟

فقال :من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني .

وروى سلمان قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :الحسن والحسين من أحبهما أحببته ومن أحببته أحبه الله ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم ,ومن أبغضهما وبغى عليهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله أدخله النار وله عذاب مقيم .(2)

وقد روي من طريق أهل البيت عليهم السلام عن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسن والحسين

فقال :من أحبني وأحبهما وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة .

ص: 36


1- المصدر نفسه – ص234-244 .
2- المصدر نفسه-ص257

وروى سلمان بن إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس قال :سمعت أبي يذكر عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال للحسن والحسين : مَن أحبهما ففي الجنة ,ومن أبغضهما ففي النار .(1)

وعن يعلى بن أمية قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أحدهما قبل الآخر فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يده ثم ضمه إلى إبطه ثم جاء الآخر فجعل يده الأخرى في رقبته ثم ضمه إلى إبطه ثم قبّل هذا وقبّل هذا

وقال :اللهم إني أحبهما فأحبهما

ثم قال :يا أيها الناس إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة .(2)

وذكر ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق

وقال صلى الله عليه وآله وسلم اللهم إني أحبه وأحب من يحبه .(3)

إشارة

إن كل هذه الأحاديث تدل أن من أحب الإمام الحسن والحسين وسار على خطاهم فقد سار على خطى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ,

كما أن هذه الأحاديث تدل على مدى أهمية الإمام الحسن عليه السلام في المجتمع المسلم بحيث يعّد وجوده امتداد لصاحب الرسالة السماوية بحيث لا يمكن إنكار وجوده .

ولذلك فان الصحابة وغيرهم يؤكدون أن الإمام أبي محمد عليه السلام له الأهمية التي ينبغي تقديمها كي تنجو امة الإسلام من الضلالات والفتن .

فان محبة الإمام الحسن عليه السلام هي السبب الحقيقي في نجاة المسلمين سواء كانوا في دنياهم أم آخرتهم .

ص: 37


1- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص257 .
2- المصدر نفسه –ص258 .
3- تاريخ مدينة دمشق –لابن عساكر –ج13-ص176 .

الحديث الثاني :

وذكر بن حجر العسقلاني في الإصابة

ومن حديث حذيفة رفعه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (1)

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب

وروي عن النبي صلى الله عليه (وآله)وسلم من وجوه أنه قال في الحسن

والحسين :أنهما سيدا شباب أهل الجنة ,وقال اللهم أني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما .(2)

قال ابن الأثير في أسد الغابة :

اخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد , أخبرنا أبو العباس احمد بن أبي غلب بن الطلاية الوراق ,اخبرنا أبو القاسم عبد بن علي بن احمد الأنماطي ,اخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص ,أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي ,اخبرنا داود بن رشيد ,اخبرنا مروان ,اخبرنا الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي , عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال :

قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني خالة :عيسى ويحيى بن زكريا عليهما السلام .(3)

وذكر كمال الدين بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول

ومنها ما رواه الترمذي بسنده عن أبي سعيد قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .(4)

ص: 38


1- الإصابة في تمييز الصحابة –احمد بن علي بن حجر العسقلاني –ج1-ص 330 .
2- الاستيعاب –لابن عبد البر النمري القرطبي –ج1-ص376-بهامش الإصابة .
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لعز الدين بن الأثير –ج2-ص13 .
4- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول –كمال الدين بن طلحة الشافعي –ص229 .

وصرح الطبرسي في إعلام الورى

وعن جابر أيضاً قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي عليه السلام .(1)

وذكر الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

وروى أبو حازم قال :قال أبو هريرة حين منعوا الحسن أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله :حسدوا ابن بنت رسول الله تربة يدفنوه فيها ولقد سمعت رسول الله يقول :الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني .(2)

وروى أيضا بسنده إلى جعفر بن محمد عليه السلام عن عمه زيد قال :خلق الله عز وجل منّا سبعة لم يخلق مثلهم قط :أبونا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأولين والآخرين ورسول رب العالمين ,وأبونا علي ابن عمه وصهره ,وأبونا حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة , وعمنا جعفر الطيار في الجنة لم يطر فيها آدمي قبله ولا بعده وعمنا حمزة سيد الشهداء والقائم المهدي (3)

وقال ابن الفتال النيسابوري في روضة الواعظين

قيل لأبي عبد الله عليه السلام :قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ,

قال :هما والله سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين (4).

توضيح

إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يذكر الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام إلا لغاية مهمة وهي أنهما سبيلا في الدخول إلى الجنة فمن شاء أن يكون معهم أحسن الاختيار وكانت الجنة مأواه

ص: 39


1- إعلام الورى بأعلام الهدى –أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ص218 .
2- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص251 .
3- المصدر نفسه –ص262-263 .
4- روضة الواعظين –محمد بن الفتال النيسابوري –ص157

ولذلك فان ابرز معالم ذلك السبيل هو أن الإمامين هما اللذان يكونا سيدا هذه الجنة التي لا يدخلها إلا ذو حظ عظيم .

فهل يا ترى الأمة الإسلامية قد نالت ذلك الحظ ودخلت الجنة أم أن هنالك من أغواه الشيطان فكان من الغاوين ؟

الحديث الثالث :

و أفصح ابن الأثير في أسد الغابة :

قال:وحدثنا محمد ,وأخبرنا محمد بن بشار ,أخبرنا أبو عامر العقدي ,وأخبرنا زمعة بن صالح .عن سلمة بن وهرام ,عن عكرمة ,عن ابن عباس قال :كان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم حامل الحسن على عاتقه.

فقال رجل:نعم المركب يا غلام,

فقال النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم :ونعم الراكب هو .(1)

وذكر الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حاملاً الحسن بن علي على عاتقه.

فقال رجل :يا غلام نعم المركب ركبت .

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :نعم الراكب هو .(2)

وروى سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال :رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمشي على أربعة والحسن والحسين على ظهره وهو يقول :نعم الجمل جملكما ونعم الحملان أنتما .(3)

وروي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال :رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 40


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لابن الأثير –ج2-ص13 .
2- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص245 .
3- المصدر نفسه-ص259-ح78 .

فقلت :نعم الفرس تحتكما .

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :نعم الفارسان .(1)

وعن علي بن أبي طالب عليه والسلام قال : خرج النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الحسن على عاتقه الأيمن و الحسين على عاتقه الأيسر

فقال له عمر : نعم المطية لهما أنت يا رسول الله .

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : و نعم الراكبان هما لي .(2)

وعن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يسجد فيجئ الحسن و الحسين فيركب ظهره فيطيل السجود فيقال : يا نبي الله أطلت السجود

فيقول : ارتحلني ابني فكرهت أن أعجله .(3)

وذكر محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤل

ومنها ما رواه الإمام الترمذي (رضي الله عنه )بسنده في صحيحه عن ابن عباس قال :كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )حامل الحسن بن علي على عاتقه فقال رجل : نعم المركب ركبت يا غلام .

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : نعم الراكب هو .(4)

وبيّن ابن الصباغ في الفصول المهمة

وروي عن الترمذي مرفوعاً إلى ابن عباس رضي الله عنه ,أنه قال :كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حامل الحسن بن علي عليهما السلام

فقال رجل : نعم المركب ركبت يا غلام ,

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :ونعم الراكب هو .(5)

ص: 41


1- المصدر نفسه –ص259-260-ح79 .
2- المصدر نفسه –ص260 – ح80 .
3- المصدر نفسه –ص260 –ح81 .
4- مطالب السؤل في مناقب آل الرسول –كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي –ص227
5- الفصول المهمة في معرفة أحوال الائمة –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ-ص145

إنارة

ليست الغاية هي مدى محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام الحسن عليه السلام ,وإنما بيان أهمية هذا المولود من حيث قيادة الأمة الإسلامية واحترامها له

ولذا كان على هذه الأمة إتباعه في كل ما يفعل لأنه لا يعمل الإمام عليه السلام إلا لغاية مهمة لا يدرك مداها إلا بعد أن تتكشف الحقائق .

وهذا ما لم تعرفه امة الإسلام إلا بعد أن تختبر بالبلاء والمحن .

الحديث الرابع :

وذكر ابن الصباغ في الفصول المهمة

وروي عن الحافظ أبي نعيم فيما أورده في حليته عن أبي بكر ,قال كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بنا ,فيجيء الحسن عليه السلام وهو ساجد وهو إذ ذاك صغير فيجلس على ظهره ومرة على رقبته , فيرفعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفعاً رفيقاً ,فلما فرغ من الصلاة

قالوا : يا رسول الله إنك تصنع بهذا الصبي شيئاً لا تصنعه بأحد .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم :إن هذا ريحانتي وان ابني هذا سيد وعسى أن يصلح الله تعالى به بين فئتين من المسلمين .

وروي عن الترمذي بسنده عن عمار بن ياسر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :هما ريحانتي من الدنيا .(1)

وذكر أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء

عن أبي بكر ,قال كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بنا ,فيجيء الحسن عليه السلام وهو ساجد وهو إذ ذاك صغير فيجلس على ظهره ومرة على رقبته ,فيرفعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفعاً رفيقاً ,فلما فرغ من الصلاة

قالوا :يا رسول الله إنك تصنع بهذا الصبي شيئاً لا تصنعه بأحد .

ص: 42


1- المصدر نفسه –ص-145-146

فقال صلى الله عليه وآله وسلم :إن هذا ريحانتي وان ابني هذا سيد وعسى أن يصلح الله تعالى به بين فئتين من المسلمين .(1)

وعرض الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

وروي عن أبي بكر قال :كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وكان الحسن إذا سجد وثب على عنقه أو ظهره فيرفعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفعا رفيقاً يفعل ذلك غير مرة ,فلما انصرف ضمه إليه وقبله .

فقالوا :يا رسول الله إنك صنعت اليوم شيئا ما رأيناك صنعته من قبل ؟

قال :إنه ريحانتي وإن ابني سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين .(2)

وروى ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :إن الحسن والحسين هما ريحانتي من الدنيا .

وفي رواية ريحانتاي من الدنيا أي يتروح إليهما ويسرّ بهما .(3)

وروى سعيد بن المسيب عن سعد قال :دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسن والحسين يلعبان على ظهره

فقلت :يا رسول الله أتحبهما ؟

فقال :وما لي لا أحبهما وإنهما ريحانتي من الدنيا .(4)

وعبر ابن عبد البر في الاستيعاب

وفي حديث أبي بكرة في ذلك وانه :ريحانتي من الدنيا .(5)

ص: 43


1- حلية الأولياء –أبو نعيم الأصفهاني –ج2-ص44
2- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص244-ح23
3- المصدر نفسه-ص261-ح85
4- المصدر نفسه-ص259-ح75
5- الاستيعاب في معرفة الأصحاب –لابن عبد البر النمري القرطبي –ج1-ص370

ونص ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤل

وعن ابن عمر (رضي الله عنه )أنه قال: سمعت رسول الله(صل الله عليه وآله وسلم)يقول :هما ريحانتي من الدنيا .(1)

إشارة

هل مراد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من الريحانة في الدنيا مجرد الإشارة إلى الإمام الحسن بن علي عليهما السلام أم أن الأمة الإسلامية لا يمكن أن تستغني عنه ؟

وهل المقصود من الريحانة وهو مجرد وجود عطرها كما في وجود الإمام الحسن عليه السلام أم أن الإمام عليه السلام هو امتداد للنبوة الخالدة بحيث تحتاجها امة الإسلام في كل الأوقات وفي كافة الأزمنة ؟

الحديث الخامس

ذكر ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق

عن زيد بن أرقم قال :إني لعند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرّ علي وفاطمة والحسن والحسين .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم .(2)

وذكر ابن الفتال النيسابوري في روضة الواعظين

وروى أبو هريرة قال :نظر رسول الله إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال :أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم .(3)

ص: 44


1- مطالب السؤل قي مناقب آل الرسول –كمال الدين بن طلحة الشافعي –ص229
2- تاريخ مدينة دمشق –لابن عساكر –ج13-ص218
3- روضة الواعظين –محمد بن الفتال النيسابوري –ص158

إشارة

لعل هذا الحديث الشريف يبين إن ما فعله هؤلاء من الحرب أو السلم إنما هو بمنزلة ما يفعله الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم .

ولعل كل من حاربه من أهل البيت عليهم السلام في سبيل نجاة امة الإسلام من الكفر والضلال إنما هو امتداد لرسالة الرسول الكريم .

بل إن من سالم من أهل البيت إنما هو سلم للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم .

وبذلك يحث الأمة الإسلامية على إتباع نهجهم ولا يحيدوا عنه لان فيه هلاك .

الحديث السادس

روت زينب بنت أبي رافع قالت : أتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

بابنيها إليه في شكواه

فقالت له :يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذان ابناي فورثهما شيئا

فقال : أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي ,وإما الحسين فإن له جرأتي وجودي .(1)

وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت :قلت يا رسول الله انحل ابني الحسن والحسين .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم :أنحل الحسن المهابة والحلم ,وأنحل الحسين السماحة والرحمة .

وفي رواية نحلت هذا الكبير المهابة والحلم ,ونحلت الصغير المحبة والرضى .(2)

ص: 45


1- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي-ص260-261-ح83
2- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص261-ح84

إنارة

ليس من اليسر أن تكون له صفات يتميز بها احد من المسلمين إلا من أشار إليه الرسول الأمين صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

ولذا فان الرسول الكريم حينما نحل الإمام الحسن عليه السلام المهابة فقد جعل في أفئدة المسلمين خصوصية ينبغي أن لا يشوبها شك ,

وأما حلم الإمام الحسن عليه السلام كان مثالا يذكره المسلمون كي يتخذوه قدوة كي يعملوا على أثره

الحديث السابع

ويروى أن عمر بن العاص لمّا أقبل الحسن بن علي عليهما السلام قال :هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء (1)

توضيح

هذا إقرار من عدو الإمام الحسن عليه السلام الذي شهد على نفسه بان الإمام عليه السلام هو أحب أهل الأرض إلى من أحبته الملائكة والجن والإنس بل حتى الأنبياء والمرسلين .

فكيف له أن يقرّ بذلك ثم يأوي إلى الجانب المعادي ؟

وكيف له أن يشهد بذلك ثم لا يتخذ جانب الحق ؟

الحديث الثامن :

وذكر الطبرسي في إعلام الورى

وروي عن أنس بن مالك قال :لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحسن بن علي عليما السلام .(2)

ص: 46


1- المصدر نفسه-ص248-ح35
2- إعلام الورى بأعلام الهدى –أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ص219

وذكر كمال الدين الشافعي في مطالب السؤل

ومنها ما رواه الترمذي بسنده في صحيحه يرفع إلى أبي جحيفة رضي الله عنه قال:رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان الحسن بن علي (عليه السلام)يشبهه

وعن أنس (رضي الله عنه )قال لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) من الحسن بن علي (عليه السلام )(1)

وأفصح ابن الأثير في أسد الغابة

قال :وحدثنا محمد ,أخبرنا محمد بن يحيى ,أخبرنا عبد الرزاق ,عن معمر ,عم الزهري عن أنس بن مالك قال :لم يكن أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحسن بن علي .(2)

توضيح

هل الشبه الذي أشار إليه هؤلاء الصحابة مجرد شكلا أم تجسيدا من الناحية الخلق والخلق والمنطق ؟

هل مجرد الشبه معناه أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لم يغب عن حياة المسلمين أم أن هنالك صفات فقط ؟

وهل كل من شابه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم سلم في دنياه من الأهوال والمخاطر أم أن للإمام الحسن خصوصية لا يمكن أن توجد إلا في النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ؟

هل ذلك الشبه جعل المسلمين لا يمكنهم الاستغناء عنه إلا في حالات الضرورة وحالات القهر التي تكون خارج عن قدرة المرء المسلم ؟

ص: 47


1- مطالب السؤل في مناقب آل الرسول –كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي –ص229-230
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة –عز الدين بن الأثير –ج2-ص13

الحديث التاسع

وذكر الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

وعن عبد الله الباهلي مولى الزبير قال :تذاكرنا من أشبه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهله فدخل علينا عبد الله بن الزبير

فقال عبد الله :أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم إليه الحسن بن علي رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو قال :ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.(1)

وفي رواية قال :إن أحببتم أن تنظروا إلى شبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحب أهله فانظروا إلى الحسن بن علي لقد رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم راكعاً فجاء الحسن ففرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين رجليه حتى مر بينهما .(2)

إنارة

لماذا يولي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هذا الاهتمام بحق ولده بحيث لم يضايق ولده حتى في نزوله ؟

ولماذا هذا الحب العظيم الذي يؤكده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم حتى في صلاته ؟

ولماذا يحث الرسول الأمين عليه السلام على أن لا يغفلوا عن هذه الذرية الطاهرة ؟

الحديث العاشر

ذكر ابن الأثير في أسد الغابة

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :حسن سبط من الأسباط .(3)

ص: 48


1- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص244-ح24
2- المصدر نفسه-ص245-ح25
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة –عز الدين بن الاثير –ج2-ص13

توضيح

هل أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يحاول أن يؤكد أن الإمام الحسن ابن بنته أم أن هناك أمر مهم يحاول أن يذكره ؟

يبدو أن النبي الكريم يحاول أن يدل على أفضلية سبطه على سائر بني البشر لأنه المختار من السماء وليس لأجل عاطفة أو محبة عابرة

كما قد يبدو أن الإمام الحسن عليه السلام ليس شخصية كبقية البشر وإنما هو احد منقذي العالم من الشدائد والمحن .

الحديث الحادي عشر

وذكر الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

كان الحسن يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مابين الصدر إلى الرأس ,والحسين يشبهه ما كان أسفل من ذلك .

ويروى أن وجه الحسن كان يشبه وجه رسول الله صلى الله وآله وسلم وكان جسد الحسين يشبه جسد رسول الله صلى الله وآله عليه .(1)

وعبر الطبرسي في أعلام الورى

وقال أمير المؤمنين عليه السلام :إن الحسن ابني أشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مابين الصدر إلى الرأس ,والحسين عليه السلام أسفل من ذلك .(2)

إنارة

قد تكون الصفات الجسدية هي احد الأمور التي تذكر المسلمين أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لم يذهب ولم تذهب آثاره

بل أن تلك الصفات تجسيد للرسول الكريم بحيث هنالك من يحل محله ويمكن للمسلمين أن يلتجأوا إليه في الخطوب

ص: 49


1- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص238-ح6,7
2- إعلام الورى بأعلام الهدى –ابو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ص219

وهذا ما كان يفعله الإمام الحسن عليه السلام من إجاباته وحسن إدارة الدولة الإسلامية وذكاءه الوقاد فهو دليل على حياة رسالة السماء العظيمة .

الحديث الثاني عشر :

ذكر الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

وعن المقدام بن معدي كرب قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :الحسن منّي والحسين من علي .(1)

إشارة

هل المقصود أن الإمام الحسن عليه السلام جزء منه أم أن الإمام أبا محمد هو امتداد النبوة التي لا تستغني عنها البشرية ؟

وهل أن الحسن عليه السلام فكره فكر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في نهجه ؟

الحديث الثالث عشر

وسرد ابن الفتال النيسابوري في روضة الواعظين

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :إن الحسن والحسين شفعاء العرش وان الجنة قالت :يا رب أسكنتني الضعفاء والمساكين ,

فقال الله سبحانه :ألا ترضين أني زينت أركانك بالحسن والحسين فماست كما تميس العروس فرحاً .(2)

ص: 50


1- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص245-ح28
2- روضة الواعظين –محمد بن الفتال النيسابوري –ص166

إنارة

إن من أعظم آية في حياة البشرية هي وجود الإمام الحسن عليه السلام وأخيه الحسين شفعاء الأمة من جراء السيئات التي فعلها هؤلاء

والقرآن الكريم يؤكد انه لا يشفعون إلا لمن ارتضى ومن أعظم من ارتضاهم تعالى لبني البشر هم الحسن والحسين بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والصديقة الطاهرة فاطمة بنت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم .

الحديث الرابع عشر :

وعبّر ابن الفتال النيسابوري في روضة الواعظين

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا .(1)

إشارة

كل ما يفعله الإمام الحسن عليه السلام فهو لا ينبغي الجرأة عليه ولا الشك في إمامته لأنه شك في قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهو الطعن في النبوة وهذا من الجحود النبوة

كما أن إمامة الحسن عليه السلام هي من أنبل واشرف ما منّ به تعالى على البشرية لإنقاذهم من السيئات وإلا لولا وجوده لساخت الأرض بأهلها ولحلت الكوارث كما حلت بالأمم السابقة فكان رحمة للعالمين كما كان جده العظيم رحمة للعالمين .

وبعد هذه الأحاديث الشريفة التي ذكرناها كي يطلع القارئ عليها ينبغي أن تكون نصب عينيه ولا يغفل عنها ,فلابد من الانتقال إلى الاتهامات التي وجهت لهذا الإمام العظيم عليه السلام الذي قاد الأمة الإسلامية إلى بر الأمان بعد ما أوشك الأعداء إلى أن يحاولوا أن يحرفوا رسالة السماء حسب أهوائهم ومخططاتهم الشيطانية .

ص: 51


1- المصدر نفسه –ص156

البحث الأول: الاتهام باسمه الشريف

ص: 52

الطعن

بالاسم الشريف

القسم الأول :

إن كل أب يحاول أن يسمي وليده بأفضل الأسماء وبأحب الأسماء إلى فؤاده لكن الإمام الحسن بن علي عليه السلام لم يكن له ذلك فقد سمي بأقبح الأسماء عداء إلى الإنسانية .

ومن بعد ذلك فقد أنكر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الاسم وسماه باسم الحسن .

فقد ورد باسم الحرب بعدّة مصادر :

قال النيسابوري في روضة الواعظين :

ولد أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ,وجاءت به فاطمة إلى النبي يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة كان جبرئيل نزل بها إلى رسول الله فسماه حسناً ,واعتق عنه كبشا ً وولد أبو عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام ) بالمدينة يوم الخميس أو يوم الثلاثاء لخمس ليالي خلونَ من شعبان سنة أربعة من الهجرة بعد أخيه بعشرة أشهر و عشرين يوماً .

قالت أسماء بنت عميس :قبلت فاطمة الحسن والحسين عليهم السلام ,فلما ولد الحسن جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )

فقال : يا أسماء هاتي بابني فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )

وقال :يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء ,فلفته في خرقة بيضاء ودفعته إليه فأذن في أذنه اليمنى ؛ و أقام في اليسرى .

ثم قال لعلي :أي شيء سميت ابني ؟

فقال :ما كنت لأسبقك باسمه وقد كنت أحب أن اسميه حربا .

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ):و أنا لا اسبق باسمه ربي عزّ وجل ثم هبط جبرئيل .

ص: 53

فقال :السلام عليك يا محمد العلي الأعلى يقرأك السلام ويقول :علي مني بمنزلة هارون من موسى ,ولا نبي بعدي سم ابنك هذا باسم ابن هارون ,

قال :وما اسم ابن هارون يا جبرئيل ؟

قال :شبر .

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ):لساني عربي ,

قال : سمه الحسن فسماه الحسن, فلما كان اليوم السابع عقّ عنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )بكبشين أملحين ,و أعطى القابلة فخذاً ,وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقا و طلى رأسه بالخلوق .

ثم قال :يا أسماء الدم فعل الجاهلية .(1)

وقال العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة :

قال إسرائيل : عن أبي إسحاق عن هاني ابن أبي هاني عن علي : لما ولد الحسن جاء رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم ) .

فقال له : اروني ابني , ما أسميتموه ؟

قلت : سميته حرباً .

قال : بل هو حسن .(2)

وقال ابن عساكر في تأريخ مدينة دمشق :

قال إسرائيل : عن أبي إسحاق عن هاني ابن أبي هاني عن علي: لما ولد الحسن جاء رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم ) .

فقال له : اروني ابني , ما أسميتموه ؟

قلت : سميته حرباً .

قال : بل هو حسن .(3)

ص: 54


1- روضة الواعظين – محمد بن الفتال النيسابوري –ص153-154.
2- تهذيب التهذيب – احمد بن علي العسقلاني – ج2 – ص274- ط دار الفكر – سنة 1415ه- 1995 .
3- تاريخ مدينة دمشق – لابن عساكر – ج13 – ص163 – ط دار الفكر – 1415-1995 م .

وقال المزي في تهذيب الكمال :

قال إسرائيل : عن أبي إسحاق عن هاني ابن أبي هاني عن علي: لما ولد الحسن جاء رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم ) .

فقال له : اروني ابني , ما أسميتموه ؟

قلت : سميته حرباً .

قال : بل هو حسن .(1)

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء :

قال إسرائيل : عن أبي إسحاق عن هاني ابن أبي هاني عن علي: لما ولد الحسن جاء رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم ).

فقال له : اروني ابني , ما أسميتموه ؟

قلت : سميته حرباً .

قال : بل هو حسن(2).

وذكر يحيى بن عيسى التيمي : حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي جعدة قال علي كنت رجلاً أحب الحرب فلما ولد الحسن هممت أن اسميه حرباً فسماه رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) الحسن .(3)

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب :

حدثنا خلف بن قاسم, قال: حدثنا بن الورد, قال :حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا أسد بن موسى وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثنا قاسم بن اصبغ قال: حدثنا احمد بن زهير قال حدثنا خلف بن الوليد قالا: حدثنا قال: إسرائيل : عن أبي إسحاق عن

ص: 55


1- تهذيب الكمال – المزي – ج6 –ص223- ط دار الرسالة .
2- سير أعلام النبلاء – شمس الدين الذهبي – ج4 – ص129 – ط 1 –مؤسسة الرسالة - سنة 1422 ه – 2002م .
3- المصدر نفسه -

هاني ابن أبي هاني عن علي: لما ولد الحسن جاء رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم ).

فقال له : اروني ابني , ما أسميتموه ؟

قلت : سميته حرباً .

قال : بل هو حسن(1).

قال ابن الأثير في أسد الغابة :

قال الدولابي :وحدثنا الحسن بن علي بن عفان ,اخبرنا معاوية بن هشام ,أخبرنا علي بن صالح ,عن سماك بن حرب ,عن قابوس بن المخارق .

قال :قالت أم الفضل :يا رسول الله ,رأيت كأن عضواً من أعضائك في بيتي ,

قال :خيراً رأيت ,تلد فاطمة غلاماً فترضعيه بلبن قثم ,فولدت الحسن فأرضعته بلبن قثم ,

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :لما ولد الحسن جاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

فقال :أروني ابني ,ما أسميتموه ؟

قلت :سميته حرباً ,

قال : بلى هو حسن ,

فلما ولد الحسين سميناه حرباً فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فقال :أروني ابني ,ما سميتموه ؟

قلت :سميته حرباً ,

قال :بل هو حسين ,

فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم

فقال :أروني ابني ما سميتموه ؟

ص: 56


1- 7- الاستيعاب في معرفة الأصحاب – لابن عبد البر النمري القرطبي – ج1 –ص369 –ط1 –سنة 1328ه – مطبعة دار السعادة .

قلت :سميته حرباً ,

قال :بل هو محسن ,

ثم قال :سميتهم بأسماء ولد هارون :شبر و شبير و مشبَر )(1)

وقال ابن الصباغ في الفصول المهمة :

وروي مرفوعاً إلى علي بن أبي طالب قال لما حضرت ولادة فاطمة.

قال رسول الله لأسماء بنت عميس وأم سلمة: احضرا فاطمة فإذا وقع ولدها واستهل صارخاً فأذنا في أذنه اليمنى وأقيما في أذنه اليسرى فإنه لا يفعل ذلك بمثله إلا عصم من الشيطان ,ولا تحدثا شيئا حتى آتيكما ,

فلما ولدت فعلنا ذلك وأتاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )فسره ولثاه بريقه وقال :اللهم إني أعيذه بك وولدها من الشيطان الرجيم ,فلما كان اليوم السابع من مولده.

قال (صلى الله عليه وآله وسلم ) ما سميتموه؟ ,

قالوا :حربا ,

قال :(صلى الله عليه وآله وسلم )بل سموه حسناً ,

ثم إنه (صلى الله عليه وآله وسلم ) عق عنه وذبح كبشا وتولى ذلك بنفسه الكريمة وقال لفاطمة عليها السلام: احلقي رأسه وتصدقي بوزن الشعر فضة ,فكان الوزن عن شعره بعد حلقه درهماً وشيئاً فتصدقت به

فصارت العقيقة والتصدق بوزن الشعر سنة مستمرة عند العلماء بما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق الحسن عليه السلام .(2)

وذكر ابن الفتال النيسابوري في روضة الواعظين

قالت أسماء بنت عميس :قبلت فاطمة الحسن والحسين عليهم السلام ,فلما ولد الحسن جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ص: 57


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة –عز الدين بن الأثير –ج2 –ص11- 9 – الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة عليهم السلام –ص143
2-

فقال :يا أسماء هاتي بابني فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم

وقال :يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء ,فلفته في خرقة بيضاء ودفعته إليه فأذّن في أذنه اليمنى ,وأقام في اليسرى ثم قال لعلي أي شيء سميت ابني ؟

فقال :ما كنت لأسبقك بإسمه وقد كنت أحب أن اسميه حرباً

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :وأنا لا أسبق بإسمه ربيّ عزّ وجلّ ثم هبط جبرئيل ,

فقال :السلام عليك يا محمد العلي الأعلى يقرأك السلام ويقول :عليّ منك بمنزلة هارون من موسى ,ولا نبي بعدك سم ابنك هذا باسم ابن هارون

قال النبي :وما اسم ابن هارون يا جبرئيل

قال :شبر

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :لساني عربي ,

قال :سمه الحسن فسماه الحسن

فلما كان اليوم السابع عق عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين أملحين ,وأعطى القابلة فخذا ,وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقاً و طلى رأسه بالخلوق

ثم قال :يا أسماء الدم فعل الجاهلية .(1)

وقال الشافعي في مطالب السؤول :

اعلم أن هذا الاسم الحسن سماه به جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فإنه لما ولد عليه السلام.

قال الرسول :ما سميتموه؟

قالوا: حرباً ,

قال :بل سموه حسنا ,ثم إنه عق عنه وذبح كبشاً .(2)

ص: 58


1- روضة الواعظين –محمد بن الفتال النيسابوري-ص 153-154
2- مطالب السؤل في مناقب آل الرسول –كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي –ص226 –ط 1-مؤسسة البلاغ .

النظرة الأولى :

أسئلة حائرة

1-ما الغاية من ترك كثير من الأسماء المحببة من قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وتفضيل اسم الحرب ليكون لوليده ؟

2- ولماذا لم يسم احد من المسلمين بهذا الاسم وإنما سماه فقط الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ؟

3- وما الداعي لهذا الولع بالحرب بحيث يؤثر الإمام عليه السلام ولده عليه السلام بهذا الاسم ؟

4- ويا ترى هل يخالف الإمام علي عليه السلام تعاليم الإسلام التي حثت على تحسين الأسماء ؟

النظرة الثانية .

أن أكثر الروايات التي وردت في ولادة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام قد سماه بالحرب هو أمير المؤمنين علي عليه السلام بينما هنالك روايات أُخر قد ذكرت أن الذي سماه بهذا الاسم هو مجهول ولم تصرح من القائل !

بل نسبه إلى قالوا فمن هم القائلين بحيث صار ذلك مشهورا؟

وقد حاول الرسول الأعظم أن ينبذه ويمنحه اسماً من السماء, وهذا ما صرح به ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمة : (قال ما سميتموه ,قالوا حرباً قال صلى الله عليه وآله وسلم: بل سموه حسناً )(1)

فهل يا ترى هنالك شخص آخر غير الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حاول أن يسمي ابن علي باسم الحرب أم أن ذلك حصل عن طريق الرغبة فنسب إلى شخص آخر ؟

ص: 59


1- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة –الشيخ علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص143

النظرة الثالثة

إذا كان الإمام أبو الحسن عليه السلام يرغب في تسمية ابنه بالحرب فما السبب في ذلك ؟

هل محبته للخوض في الحروب أم انه يذّكره بحملاته التي أباد جبابرة الكفر من صناديد قريش وكل من يعترض طريق الإسلام في التقدم ؟

لكن محبته للحروب في غاية الوهن خصوصاً وان تعاليم الإسلام قد حثت على المحبة والتسامح والتعاون بين المسلمين وهداية الكفار إلى سواء السبيل .

قال تعالى (ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )

ثم إن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لم يشارك قبل ولادة وليده سوى بدر الكبرى ومن قبلها بدر الصغرى.

وهذا ليس مدعاة إلى محبته للحروب أو إيثاره لها .

كما أن الإمام عليه السلام لم يشأ أن يحتاج إلى من يذكره بانتصاراته في سبيل الإسلام والقضاء على الكفار ,وذلك بعد أن لم يجد بُداً من الهداية إلا بالسيف .

الأمر الرابع

لقد حث الإسلام إلى المسلمين أن يحسنوا أسماء أولادهم ,ولأجل ذلك فكان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يقول:إن للولد على الوالد حقاً ,وإن للوالد على الولد حقاً: فحق الوالد على الولد أن يطيعه في كل شيء إلا في معصية الله سبحانه , و حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه و يحسن أدبه ويعلمه القرآن . (1)

فكيف للإمام عليه السلام أن يخالف تعاليم الإسلام ويرغب أن يسمي ابنه بأبغض الأسماء ,وأشدها بعداً عن الإنسانية ؟

وكيف للإمام عليه السلام أن يسمي ابنه باسم الحرب ؟

وهو الذي كان يقول :ولقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقرابة القريبة ,والمنزلة الخصيصة ,وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى

ص: 60


1- نهج البلاغة – جمعه الشريف الرضي –ص554-ح388

صدره,ويكنفني في فراشه ,ويمسني جسده ,ويشمني عرفه ُ ,وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ,وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل .

ولقد قرن الله تعالى به صلى الله عليه وآله وسلم من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق الكمال ,ومحاسن أخلاق العالم ,ليله ونهاره ,ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل إثر أمه ,يرفع لي في كل يوم علماً من أخلاقه ,ويأمرني بالاقتداء به.(1)

فهل يا ترى من تلك التعاليم ما يكون محلا للريب كما في اسم الحرب ؟

وكيف للإمام عليه السلام أن يطلق ذلك الاسم من دون استشارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم كي يسير على منهجه ؟

وكيف للإمام عليه السلام أن يرضى أن يسمي بهذا الاسم في داره وقد حمل هموم المسلمين حتى في داره التي كانت موئلا للراحة والاطمئنان وهذا الاسم يعيد عليه الكرب والمحن ؟

وكيف لنفسه الشريفة أن تحبب القتال والحروب وهو الذي شهد المسلمون له بالحب والعطف والحنان والتهجد والسمو في الأخلاق السامية ؟

ص: 61


1- نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –خطبة رقم -192-ص328-329

القسم الثاني

إن اسم الحسن لم يكن لأحد أن يجرأ وأن يسمي به سوى وليد علي وفاطمة (عليهما السلام ) الذي سماه النبي (صلى الله عليه و آله و سلم )بهذا الاسم الشريف ليكون مميزا على سائر البشر وهذا ما ذكرته مصادر عديدة .

قال الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف :

فهو الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي سبط رسول الله صلى الله عليه (وآله ) وسلم و ريحانته و سيد شباب أهل الجنة الخليفة بن الخليفة سماه جده صلى الله عليه (وآله ) وسلم الحسن, ولم يعرف ذلك الاسم في الجاهلية (1)

وقال ابن عساكر في تأريخ مدينة دمشق :

عن أبي الخليل عن سلمان عن النبي (صلى الله عليه و آله وسلم ) أنه

قال : سميتهما باسمي ابني هارون-يعني الحسن والحسين –شبر و شبير.

وقال: وأنبأنا عمر بن حريث عن عمران بن سعيد أنه قال :الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية .(2)

وقال الصدوق في معاني الأخبار :

حدثنا أحمد بن الحسن القطّان , قال : حدثنا الحسن بن علي السكري , قال : حدثنا محمد بن زكريا الجوهري , قال : حدثنا العباس بن بكار , قال : حدثنا عباد بن كثير و أبو بكر الهذلي , عن أبي الزبير , عن جابر , قال : لما حملت فاطمة (عليها السلام ) بالحسن فولدت و قد كان النبي (صلى الله عليه و آله وسلم ) أمرهم أن يلفوه في خرقة بيضاء فلفوه في صفراء.

و قالت فاطمة (عليها السلام ) : يا علي سمّه ,

ص: 62


1- الإتحاف بحب الأشراف – عبد الله بن محمد الشبراوي – ص34 .
2- تاريخ مدينة دمشق –لابن عساكر-ج13 – ص171 – ط دار الفكر – سنة 1415 -1995 م .

فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخذه وقبّله وادخل لسانه في فيه ,فجعل الحسن عليه السلام يمصه ,

ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :ألم أتقدم إليكم أن تلفوه في خرقة بيضاء ؟

فدعا بخرقة بيضاء فلفه فيها ورمى بالصفراء ,وأذن في أذنه اليمنى ,وأقام في اليسرى ,

ثم قال لعلي عليه السلام : ما سميته ؟

فقال :ما كنت لأسبقك باسمه ,

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما كنت لأسبق ربي باسمه ,فأوحى الله جل ذكره إلى جبرئيل عليه السلام أنه قد ولد لمحمد ابن فاهبط إليه فأقرئه مني السلام وهنئه مني ومنك ,

وقل له :إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون .فأتى جبرائيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهنأه وقال له كما أمره الله تعالى به أن يسمي ابنه باسم ,ابن هارون ,

قال :ما كان اسمه ؟

قال :شبر .

قال :لساني عربي ,

قال :سمه الحسن ,فسماه الحسن ,

فلما ولدت الحسين عليه السلام جاء إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام وهبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال :إن الله –عز وجل ذكره –يقرئك السلام ويقول لك ,أن علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون .

قال :ما كان اسمه ؟

قال :شبير ,

قال :لساني عربي ,

ص: 63

قال :سمه الحسين ,فسماه الحسين .(1)

وقال الصدوق :حدثنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي –رحمه الله - , قال : حدثني جدي , قال : حدثني احمد بن صالح التميمي , , قال : حدثنا عبد الله بن عيسى عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : أهدى جبرئيل ( عليه السلام ) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) اسم الحسن بن علي في خرقة من حرير من ثياب الجنة و اشتق اسم الحسين من الحسن (عليهما السلام ) .(2)

وقال الشيخ المفيد في الإرشاد

عن ولادة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام :كنيته أبو محمد .ولد في المدينة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ,وجاءت به فاطمة إلى النبي عليه وآله السلام يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة كان جبرئيل عليه السلام نزل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسماه حسناً ,وعقّ عنه كبشاً .(3)

تأمل

إن كل ما تقدم من روايات يظهر منها أن هذا الاسم لم يكن يعرف في الجاهلية ولم يسم به احد إلا من بعد ما سمى به النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وابن علي عليه السلام .

كما أن الإمام علي عليه السلام لم يفكر في تسمية وليده حتى يعرض ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,فكيف يمكن أن يسمي وليده باسم حرب ثم يعرض عنه رسول الإنسانية ؟.

ثم ليس من الذكاء أن يسمي المرء بأسماء غايتها الانتقام ويترك الأسماء التي تدل على التسامح والمحبة وهي من تعاليم الإسلام

كما أن هذا الاسم نزل من السماء فكيف لمرء مسلم أن يأخذ باسم ولدّته التجارب في الأرض لحادثة ما ويترك الاسم الذي اختارته السماء من أحب الأسماء ؟

ص: 64


1- معاني الأخبار – الصدوق – ص57 – ح6 .
2- المصدر نفسه – ص58 – ح8.
3- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد –محمد بن محمد بن النعمان المفيد –ج2-ص5-ط –دار المفيد

فهل يا ترى هنالك من حاول أن يطعن في وليد الإمامة بحيث بدأ باسمه حتى يستمر ذلك إلى استشهاده؟

ويا ترى هناك من حاول أن يطعن في علي عليه السلام عن طريق ولده ويفتعل هذا الاسم على لسانه كي لا يطعن بأسماء أعدائه ؟

ص: 65

البحث الثاني: الاتهام بلسانه

ص: 66

القسم الأول :

الاتهام بلسانه

إن أهم ما يميز ابن علي بن أبي طالب عليهما السلام هو فصاحته ,وهذا ما شهدت به ساحات الوغى .بل وقبل ذلك شهدت المدينة المنورة والكوفة المقدسة .

ولعل كلماته القصار هي أدل دليل على ذلك .

قال ابن الصباغ في الفصول المهمة :

نقل الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام ) سأل ابنه الحسن ,

فقال له: يا بني ما السداد ؟

فقال :يا أبت السداد دفع المنكر بالمعروف ,

وقال (عليه السلام ): ما الشرف ؟

قال :اصطناع العشير وحملة الجريرة ,

وقال (عليه السلام ): فما السماح ؟

قال :البذل في العسر واليسر ,

قال (عليه السلام )فما اللؤم ؟

قال :إحراز المرء ماله وبذله عرضه ,

قال (عليه السلام ) فما الجبن ؟

قال :الجرأة على الصديق والنكول على العدو ,

قال (عليه السلام ) :فما الغنى ؟

قال: رضى النفس بما قسم الله تعالى وإن قل

,قال (عليه السلام )فما الحلم ؟

قال :كظم الغيظ وملك النفس ,

قال (عليه السلام ) فما المنعة ؟

ص: 67

قال : شدة البأس ومنازعة أشد الناس ,

قال (عليه السلام ) فما الذل ؟

قال :الفزع عند الصدمة ,

قال : (عليه السلام ):فما المجد ؟

قال أن تعطي في العزم وتعفو عن الجرم ,

قال (عليه السلام ) : فما السؤدد ؟

قال :إتيان الجميل وترك القبيح ,

قال (عليه السلام ):فما السفه ؟

قال :إتباع الدناة وصحبة الغواة ,

قال (عليه السلام):فما الغفلة ؟

قال :ترك المسجد وطاعة المفسد .

قال ابن الصباغ :فهذا الأجوبة الحاضرة شاهدة ببصيرة ناصرة ومادة فضل وافرة وفكرة على استخراج الغوامض قادرة .(1)

كل هذه الكلمات العظيمة والتي تنم عن مدى البلاغة التي يمتلكها هذا الإمام الهمام عليه السلام والسعة في الأفق بحيث يوجز العبارات بأدق معانيها ليطرحها على الملأ من المسلمين كي يتنافسوا في حفظها ودرسها ,ومدى أهميتها في الحياة الدنيا

الطعن عليه

قد يكون من الأمور التي لا ينكرها المسلمون أن البلاغة وسعة الأفق يدلان على عظمة القائل وموهبته وذكائه بحيث يجمع لب المسلمين نحوه ,وليؤدي المعاني بأيسر السبل وهي تنساب من فمه .

لكن كل ذلك لم يرق لبعض من الذين كانوا يحسدون الإمام الحسن عليه السلام على علمه وحسن قيادته .

ص: 68


1- الفصول المهمة –الشيخ علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص150 -151

فقد كانوا يحاولوا أن يطعنوا به وبشخصيته كي لا يهابه المسلمون ولا يكنّون له بالمودة والاحترام ,وهذا ما أظهره عمر بن العاص وغيره .

قال القرطبي في الاستيعاب :

حدثنا خلف ,حدثنا عبد الله, حدثنا احمد قال : حدثنا احمد بن صالح ويحيى بن سليمان وحرملة بن يحيى ويونس بن الأعلى قالوا حدثنا ابن وهب قال اخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال :لما دخل معاوية الكوفة حين سلم الأمر إليه الحسن بن علي كلم عمرو بن العاص معاوية أن يأمر الحسن بن علي فيخطب الناس فكره ذلك معاوية وقال : لا حاجة بنا إلى ذلك

قال عمر :ولكني أريد ذلك ليبدو عيّه فانه لا يدري هذه الأمور ما هي ولم يزل بمعاوية حتى أمر الحسن يخطب

وقال له : قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا.

فقام الحسن فتشهد وحمد الله وأثنى عليه ثم قال في بديهيته :أما بعد أيها الناس فان الله هداكم بأولنا وحقن دمائكم بآخرنا وان لهذا الأمر مدة والدنيا دول وان الله عز وجل يقول (إن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين )

فلما قالها قال له معاوية :اجلس فجلس

ثم قام معاوية فخطب الناس

ثم قال لعمرو :وهذا من رأيك .(1)

ولما هادن الإمام الحسن عليه السلام معاوية .

قال الطبري في تأريخه :

وكان عمر بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة قد كلم معاوية وأمره أن يأمر الحسن أن يقوم ويخطب الناس,فكره ذلك معاوية

وقال :ما تريد إليّ أن يخطب الناس ؟

فقال عمرو: لكني أريد أن يبدو عيّه

للناس ! فلم يزل عمرو بمعاوية حتى أطاعه ,فخرج معاوية فخطب الناس ثم أمر رجلا فنادى الحسن بن علي عليه السلام

ص: 69


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب –لابن عبد البر النمري القرطبي –ج1-ص273-274-بهامش الإصابة في تمييز الصحابة

فقال :قم يا حسن فكلم الناس .

فتشهد في بديهية أمر لم يروّ فيه ثم قال :أما بعد ,يا أيها الناس ,فإن الله قد هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا ,وإن لهذا الأمر مدة ً والدنيا دولّ ,وان الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه(وآله )وسلم (وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين )

فلما قالها معاوية :اجلس ,فلم يزل ضرماً على عمرو.

وقال :هذا رأيك .(1)

وقال ابن الأثير في أسد الغابة

ولما دخل معاوية الكوفة وبايعه الناس قال عمرو بن العاص :لتأمر الحسن ليخطب ,فقال :لا حاجة بنا إلى ذلك ,

فقال عمرو :لكني أريد ذلك ليبدو عيّه ,فإنه

لا يدري هذه الأمور ,

فقال له معاوية :قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا ,

فقام الحسن في أمر لم يرّو فيه ,فحمد الله وأثنى عليه ,

ثم قال في بديهته :أما بعد ,أيها الناس فإن الله هداكم بأولنا ,وحقن دمائكم بآخرنا ,ألا أن أكيس الكيس التقى ,وان اعجز العجز الفجور ,وان هذا الأمر الذي اختلفت أنا ومعاوية فيه :إما أن يكون أحق به مني ,وإما أن يكون حقي تركته لله عزّ و جل ,ولإصلاح أمة محمد صلى الله عليه (وآله )وسلم وحقن دمائكم ,ثم الفت إلى معاوية وقال :(وإن أدري لعله فتنة ُ لكم ومتاع على حين ).

فأمره معاوية بالنزول ,

وقال لعمرو: ما أردت إلا هذا .(2)

ص: 70


1- تأريخ الأمم والملوك-لأبي جعفر الطبري –ج5-ص110-ط دار إحياء التراث العربي
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لعز الدين بن الأثير –ج2-ص15

رد ذلك

لماذا هذا الحقد الدفين في سبيل إنكار حق الإمام الحسن عليه السلام ؟

ولماذا يتنكر لابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي يأخذ بمجامع المسلمين حتى يستولي على قلوبهم وأفكارهم بمنطقه وصدقه ؟

وهل يا ترى أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي نطق الضاد وأفصح بها ولم ينطق أحسن منه عيّ اللسان ,

فهو الذي علمّ الإنسانية فصاحة الكلام وتصحيح البلاغة وبابيه كان له الفضل في تأسيس اللغة العربية التي آلت إلى اللحن في اللسان؟

ويا ترى هل يكون لابن بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم زلل في قول وهو الذي قاد الأمة الإسلامية إلى بر الأمان بعدما أوشك البغاة أن يجعلوا الإمام الإسلامية إلى كسروية

ولذا قال ابن الصباغ في الفصول المهمة :

وروي أنه لما تم الصلح لمعاوية واجتمع عليه الناس ,ودخل عليه سعد ابن أبي وقاص

وقال :السلام عليك أيها الملك ,فتبسم معاوية وقال: ما عليك يا أبا اسحق لو قلت :

يا أمير المؤمنين , قال ما أحب إني وليتها بما وليتها به

وروى ذلك صاحب تاريخ البديع .(1)

توضيح

إن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام قد أماط اللثام عن الوجه الصحيح الذي به يهتدي الناس بعدما كانت الشبهات والتكهنات التي شابت الصلح مع معاوية .

فقد بيّن أهم الأمور وهي :

ص: 71


1- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة عليهم السلام –الشيخ علي بن محمد المالكي –ص155

1-إن الهداية من الكفر إلى الإسلام جاء عن طريق جده صلى الله عليه وآله وسلم وهذا لا يمكن إنكاره من قبل المنكرين لحقه

2-إن حقن الدماء هي من الصفات المحمودة بل يمدحها القران الكريم حينما ذكرته الآية الكريمة قال تعالى (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم )

وما فعله الإمام الحسن عليه السلام في هذه المرحلة من حسن الرأي وبُعد النظر .

3-إن الصلح ليس اعترافا للخصم وإنما هو اختبار كي يظهر العدو على حقيقته التي يدعيها ,فان صدقت نواياه فقد اهتدى بفضل الإمام أبي محمد عليه السلام إلى سواء السبيل ,وان أنكر فقد ارتكب جريمة في حق المسلمين بعدما تعهد بذلك وان عهد الله كان عليه مسؤلاً

4-إن استشهاد الإمام الحسن عليه السلام بالآية الكريمة يظهر أن هنالك فتنة عمياء قد أغشت البصائر ولابد من زوالها والهدنة هي الكفيلة باتضاح كل ما يدور من فتن ومحن أمام المسلمين .

ص: 72

القسم الثاني

أما الذين حاولوا أن ينكروا بلاغة الإمام أبا محمد عليه السلام حتى يفلحوا في مكرهم ,

فقد ذكر الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

عن الحسين بن علي عليهما السلام أن أبا الأعور وآخر قالا لمعاوية :لو أمرت الحسن بن علي فإنه رجل عييّ أن يقوم على المنبر فيزهد فيه الناس بعيّه في المنطق .

فقال معاوية :مهلاً فاني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمص شفتيه ,أو لسانه ولن تعيي شفتان ولا لسانه مصه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .(1)

وكذلك ظهرت في حياة أمير المؤمنين عليه السلام من قبل حاسدي الإمام الحسن عليه السلام ما بدا واضحا لإنكار فصاحته وبلاغته .

فقد قال المسعودي في إثبات الوصية :

وروي أن الناس على عهد أمير المؤمنين عليه السلام تحدثوا بان الحسن لم تظهر منه خطابة ولا علم .

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام وقد بلغه ذلك: يا بني أن الناس قد تحدثوا فيك بما أنت على خلافه فأعل المنبر واخطب الناس وبيّن عن نفسك حتى يسمعوك ,فصعد عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله

ثم قال : (يا معاشر الناس إن أمير المؤمنين باب حطة ,من دخله كان آمناً ,وسفينة نوح من لحق به نجا ,ومن تخلف عنه غرق وهلك , فلا يبعد الله إلّا من ظلم )

ثم نزل, فقام أمير المؤمنين (عليه السلام ) وقبّل بين عينيه .

ثم قال : ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .(2)

ص: 73


1- نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص246-ح-31
2- إثبات الوصية –علي بن الحسين المسعودي –ص172

توضيح

قد يكون أولئك الذين لا يعرفون الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام ) أن يقدحوا في منطقه .

وقد تأبى عقول هؤلاء أن يصدقوا ما يعتبر من حداثة السن مانعة من بلاغة الإمام عليه السلام .لكن الذي أظهره أمير المؤمنين (عليه السلام ) على الملأ من المسلمين قد كشف ما أعّيته حيلتهم و بدا واضحا أن ابن علي عليه السلام هو السهم الصائب الذي يصيب الهدف في دنيا فصاحة اللسان كي لا ينكروا الاختيار الأمثل في قيادة الأمة الإسلامية .

والغاية من كل ذلك هو بيان أهمية الإمام عليه السلام من كافة النواحي ومنها البلاغة الذي يعد من أهم صفة يكتمل بها الإنسان .

ص: 74

البحث الثالث: الاتهام بالصدود

ص: 75

المدح من جده صلى الله عليه وآله وسلم .

لقد ورد في حق الإمام الحسن (عليه السلام ) من قبل جده ما ملأ الخافقين وذلك للمكانة العظيمة التي حظي بها ,والتأكيد عليه ليدل على الأهمية الملقاة على عاتق المسلمين كي يحترموا هذه الشخصية الجليلة التي كانت ولازالت لها المكانة السامية في قلوب المؤمنين .

هذا ما دل عليه النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي لا ينطق عن الهوى

قال البخاري في صحيح البخاري :

حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا شعبة قال: اخبرني عدي قال: سمعت البراء ( رضي الله عنه) قال: رأيت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ,والحسن بن علي على عاتقه, يقول:(( اللهم إني أحبه فأحبه )).(1)

وقال مسلم في صحيحه :

حدثني احمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة حدثني عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :أنه قال لحسن اللهم أني أحبه فأحبه وأحبب مَن يحبه .

وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن نافع بن جبير عن أبي هريرة قال :خرجت مع رسول الله صلى الله عليه (وآله )وسلم في طائفة من النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف حتى أتى خباء فاطمة .

فقال :أثم لكع أثم لكع يعني حسنا فظننا أنه إنما تحبسه أمه لان تغسله وتلبسه سخاباً فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه.

فقال رسول الله ( صلى الله عليه (وآله) وسلم ) :اللهم أني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه .

وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عدي (وهو ابن ثابت )حدثنا البراء بن عازب قال رأيت الحسن بن علي على عاتق النبي صلى عليه (وآله ) وسلم وهو يقول :اللهم إني أحبه فأحبه .(2)

ص: 76


1- صحيح البخاري –محمد بن إسماعيل البخاري –ص 682-ح 3749-ط دار الكتب العلمية
2- صحيح مسلم –مسلم بن الحجاج –ج2-ص367 –ط دار الكتب العلمية .

وقال ابن حجر في الإصابة :

وروى الترمذي من حديث أسامة بن زيد قال :طرقت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) في بعض الحاجة.

فقال :هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم أني أحبهما فأحبهما و أحب من يحبهما .

وفي البخاري عن أسامة كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجلسني والحسن بن علي .

فيقول :اللهم إني أحبهما فأحبهما.

وقال الطبراني ومن طريق عبد الرحمن

بن مسعود عن أبي هريرة قال :خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه و هو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا .

فقال :مَن أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد ابغضني.(1)

وقال ابن الأثير في أسد الغابة :

اخبرنا إسماعيل بن عبيد الله وغيره بإسنادهم إلى محمد بن عيسى بن سورة , اخبرنا سفيان بن وكيع ,وعبد بن حميد قالا :حدثنا خالد بن الحارث ,اخبرنا موسى بن يعقوب الربعي ,عن عبد الله بن أبي بكر بن زيد المهاجر قال :اخبرني مسلم بن سهل النبال ,اخبرني الحسن بن أسامة بن زيد قال :اخبرني أبي أسامة بن زيد

قال : طرقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو ,فلما فرغت من حاجتي.

قلت :ما هذا الذي أنت مشتمل عليه ؟

فكشفه فإذا حسن وحسين على وركيه ,

فقال :هذان ابناي و ابنا ابنتي اللهم أني أحبهما فأحبهما و أحب من يحبهما .(2)

ص: 77


1- الإصابة في تمييز الصحابة –احمد بن حجر العسقلاني –ج1-ص329 -330.
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لعز الدين بن الأثير –ج2-ص13 .

اخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء الثقفي بإسناده إلى مسلم بن الحجاج , اخبرنا محمد بن بشار و أبو بكر ابن نافع ,اخبرنا غندر ,واخبرنا شعبة عن عدي بن ثابت ,

عن البراء قال :رأيت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم واضعاً الحسن بن علي على عاتقه , وهو يقول :اللهم إني أحبه فأحبه (1).

الإمام علي عليه السلام يمدح ولده

أثنى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام ) لما رأى من السمات التي لا تكون إلا له .

فقد قال علي بن أبي طالب (عليه السلام ): من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم ) مابين عنقه وجهه وشعره فلينظر إلى الحسن بن علي ,

من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم ) مابين عنقه إلى كعبه خلقاً ولوناً فلينظر إلى حسين بن علي .(2)

وقال فرات بن إبراهيم الكوفي : حدثني احمد بن القاسم معنعناً : عن أبي الجارود قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : قال علي بن ابي طالب (عليه السلام) للحسن (عليه السلام ) قم اليوم خطيباً ,

وقال لأمهات أولاده : قمن فاسمعن خطبة ابني قال : فحمد الله وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال ما شاء الله أن يقول ,

ثم قال: إن أمير المؤمنين في باب و منزل من دخله كان آمناً ومن خرج منه كان كافراً ,أقول قولي واستغفر الله العظيم لي ولكم ,

ونزل فقام علي (عليه السلام ) يقبل رأسه

وقال :بابي أنت وأمي .ثم قرأ (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) .(3)

ص: 78


1- المصدر نفسه –ص15.
2- نظم درر السمطين – جمال الدين الزرندي الحنفي – ص238-239-ح8.
3- تفسير فرات الكوفي –أبي القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي –ص79 –ح54/16

إن الإمام عليه السلام يدل على عظمة ولده حيث أراد أن يقدم للأمة الإسلامية الخليفة من بعده كي لا تفاجأ به أو لئلا ينكروا عليه أفعاله وأقواله حينما يبرز على الملأ ليكون قائداً لهم .

ولعل من أهم إرشاداته التي لها الأثر البالغ في حياة المسلمين هي حسن إدارة شؤون الدولة الإسلامية ولذا استشهد بالآية الكريمة .

الطعن بولده

لم يسلم الإمام الحسن بن علي عليهما السلام من الطعن عليه بعد كل هذا المدح من قبل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومن قبل أبيه عليه السلام .

لكن كل ذلك لم يمنع من أصحاب السير أن يذكروا كلمات للإمام علي عليه السلام في حق ولده وهي تدل على قصوره في الأداء بل وهو يصد عما يطمح إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام سواء في قول أم في فعل .

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء :

إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبير بن يريم قال :قيل لعلي هذا الحسن في المسجد يحدث الناس ,

فقال :طحن إبل لم تعلّم طحناً .

قال شعبة :عن أبي إسحاق عن معدي كرب أن علياً مرّ على قوم قد اجتمعوا على رجل.

فقال :مَن ذا ؟

قالوا :الحسن ,

قال طحن إبل لم تعود طحناً ,إن لكل قوم صداداً وإن صدادنا الحسن . (1)

واخبرنا أبو وهب بن حازم قال: قال شعبة :عن أبي إسحاق عن معدي كرب أن علياً مر على قوم قد اجتمعوا على رجل.

فقال :مَن ذا ؟

ص: 79


1- سير أعلام النبلاء –شمس الدين الذهبي –ج4 ص134-مؤسسة الرسالة

قالوا :الحسن ,

قال طحن إبل لم تعود طحناً ,إن لكل قوم صداداً وإن صدادنا الحسن .(1)

نظرات

إن ما ذكره أصحاب السير في حق الإمام الحسن عليه السلام يدل وبوضوح عدة أمور :

1-إن الإمام أبا الحسن عليه السلام قد قدح في ولده أمام الملأ من المسلمين .

2-إن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أشار إلى أن ولده لا يمكن إيكال الأمر إليه من الحديث أو الأحكام الشرعية .

3-تشبيه الإمام الحسن عليه السلام بالإبل التي لم تعرف تطحن دليل على قلة خبرته في الحياة الدنيا .

4- الصدود الذي ذكره الإمام عليه السلام يعتبر من أهم سمات هذا الإنسان .

رد النظرة الأولى .

إن الذي يتأمل ويفكر في الأمر الأول يجد هنالك فرق بين الأحاديث الشريفة التي وردت بحق الإمام الحسن عليه السلام من قبل جده وأبيه وبين طعن أبيه على أفعاله لهي دليل على مدى الشك في هذا القول ,ولأجل ذلك فلابد من كشف النقاب عنها وهي :

أولاً:إن الإمام علي عليه السلام لا يمكن

أن يقدح بولده لان ذلك يوجب الإخلال بآية التطهير التي دلت على طهارتهم ,وعصمتهم عن الخطأ.

قال مسلم في صحيحه :

حدثنا أبو بكر بن شيبة و محمد بن عبدا لله بن نمير (واللفظ لأبي بكر ) قالا حدثنا محمد بن بشر عن زكرياء عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة قالت :

ص: 80


1- سير أحلام النبلاء –شمس الدين الذهبي –ج4-ص134 .

قالت عائشة خرج النبي صلى الله عليه (وآله ) وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا .(1)

وكذلك ينافي قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) في حقه لأنه سيد شباب أهل الجنة .

قال ابن الأثير في أسد الغابة :

اخبرنا عمر بن محمد بن طبرزد , أخبرنا أبو العباس احمد بن أبي غلب بن الطلاية الوراق ,اخبرنا أبو القاسم عبد بن علي بن احمد الانماطي ,اخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص ,أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي ,اخبرنا داود بن رشيد ,اخبرنا مروان ,اخبرنا الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي , عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة إلا ابني خالة :عيسى ويحيى بن زكريا

عليهما السلام .(2)

وكذلك هذا الكلام وما أبداه أبا الحسن عليه السلام بحق ولده يتعارض مع ما كان يمدحه وهو امتداد الإمامة .

فقد ذكر المسعودي في إثبات الوصية :

وروي أن الناس على عهد أمير المؤمنين عليه السلام تحدثوا بان الحسن لم تظهر منه خطابة ولا علم فقال له أمير المؤمنين عليه السلام وقد بلغه ذلك: يا بني إن الناس قد تحدثوا فيك بما أنت على خلافه فأعل

المنبر واخطب الناس وبيّن عن نفسك حتى يسمعوك ,فصعد عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله ثم قال : (يا معاشر الناس إن أمير المؤمنين باب حطة ,من دخله كان آمناً ,وسفينة نوح من لحق به نجا ,ومن تخلف عنه غرق وهلك , فلا يبعد الله إلّا من ظلم .

ص: 81


1- صحيح مسلم – مسلم بن الحجاج – ج2 –ص368 –ط دار الكتب العلمية – باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه (وآله ) وسلم .
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لعز الدين بن الاثير –ج2-ص13

ثم نزل ,فقام أمير المؤمنين (عليه السلام ) وقبّل بين عينيه ثم قال : ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .(1)

وهذا دليل على أن هذا الفرع العلوي وهو امتداد للأصل من كافة النواحي التي لا يدنوها الشك .

ثانياً : لماذا يقدح بولده أمام المسلمين؟

هل يحاول أن ينكر حقه وهو الذي ذكر أصحاب السير عن الإمام الحسن عليه السلام انه أحبه المسلمون بعد حياة أبيه أكثر من الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام لما امتاز من الكرم والأخلاق الكريمة ؟

فكيف يتناسب ذلك مع ما ورد في حق الإمام الحسن عليه السلام ؟

فقد قال القرطبي في الاستيعاب :

لما قتل أبوه علي رحمه الله (عليه السلام ) بايعه –الإمام الحسن عليه السلام –أكثر من أربعين الفاً كلهم قد كانوا بايعوا أباه عليا قبل موته على الموت وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم في أبيه فبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان .(2)

وقال البلاذري في انساب الأشراف :

حدثني خلف بن سالم حدثنا وهب قال : قال أبي واحسبه رواه عن الحسن البصري قال : لما بايع أهل الكوفة الحسن أطاعوه اشد من حبهم لأبيه ---الخ(3)

ثالثاً :إن القدح بالإمام الحسن عليه السلام يعدّ ذلك إما تقصيراً من الناحية التربوية وإما حسداً وكلا هذين الاحتمالين لم ولن يكونا في علي بن أبي طالب عليه السلام . أما التربية فان الإمام علي عليه السلام تربية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والتربية النبوية هي تربية السماء لأهل الأرض .

ص: 82


1- إثبات الوصية –علي بن الحسين المسعودي –ص172
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب –لابن عبد البر النمري القرطبي –ج1-ص370
3- انساب الأشراف –ج3 –ص393-ط دار اليقظة العربية

وأما الحسد فهو القائل عليه السلام :لا راحة لحسود ولا مودة لملول ولا مروءة لكذوب .(1)

الرد على النظرة الثانية

إن كثيرا ما كان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يوكل أمر الإجابات إلى ولده الإمام أبي محمد عليه السلام .

فعن أبي جعفر الثاني محمد بن علي الرضا عليه السلام انه قال عن آبائه صلوات الله عليهم قال : أقبل أمير المؤمنين ومعه أبو محمد عليهم السلام وسلمان الفارسي فدخل المسجد وجلس فيه ,فاجتمع الناس حوله إذ أقبل رجل حسن الهيئة و اللباس فسلم على أمير المؤمنين عليه السلام وجلس ,

ثم قال : يا أمير المؤمنين إني قصدت أن أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنّ علمت أنك وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حقاً ,وإن لم تخبرني بهنّ علمت أنك وهم شرع سواء ,

فقال له أمير المؤمنين عيه السلام : سل عما بدا لك ؟

فقال : اخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه ، و عن الرجل كيف يذهب و ينسى , و عن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام و الأخوال ,

فالتفت أمير المؤمنين (ع) إلى أبي محمد (ع) فقال: يا أبا محمد اجبه ,

فقال أبو محمد : أما الإنسان إذا نام فان روحه معلقة بالريح ,و الريح متعلقة بالهواء إلى وقت يتحرك صاحبها إلى اليقظة , فإذا أذن الله برد تلك الروح جذبت تلك الروح الريح و جذبت الريح الهواء فرجعت الروح إلى مسكنها في البدن ,

و إن لم يأذن الله برد الروح إلى صاحبها جذبت الهواء الريح و جذبت الريح الروح فلم ترجع إلى صاحبها إلى أن يبعثه الله تبارك وتعالى ,

ص: 83


1- مطالب السؤل في مناقب آل الرسول –كمال الدين بن طلحة الشافعي –ص200

و أما الذكر و النسيان فان قلب الرجل في مثل حق و عليه طبق فإن سمى الله و ذكره و صلى عند نسيانه على محمد و آله , انكشفت ذلك الطبق و هو غشاوة عن ذلك الحق و أضاء القلب و ذكر الرجل ما كان نسى ,

و إن هو لم يصل على محمد و آله بعد ذكر الله عز وجل انطلقت تلك الغشاوة على ذلك الحق فاظلم القلب فنسي الرجل ما ذكر ,

و أما المولود الذي يشبه الأعمام و الأخوال فان الرجل إذا أتى أهله فوطئها بقلب ساكن وعروق هادية وبدن غير مضطرب استكنت تلك النطفة في جوف الرحم وخرج الرجل يشبه أباه و أمه ، وان هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادية وبدن مضطرب اضطربت النطفة فوقعت في اضطرابها على بعض العروق , فان وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه , وان وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله ,

فقال الرجل :اشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله رسول الله ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه وخليفته والقائم بحجته وأشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام واشهد انك وصيه والقائم بحجته وأشار إلى الحسن ,واشهد أن أخاك الحسين وصي أبيك ووصيك والقائم بحجته بعدك ,واشهد أن علي بن الحسين القائم بأمر الحسين ,واشهد أن محمد بن علي القائم بأمر علي بن الحسين ,واشهد أن جعفر بن محمد بن علي القائم بأمر الله بعد أبيه وحجته ,وأشهد أن موسى بن جعفر القائم بأمر الله بعد أبيه جعفر ,واشهد أن علي بن موسى القائم بأمر الله بعد أبيه , اشهد أن محمد بن علي القائم بأمر الله بعد أبيه ,واشهد أن علي بن محمد القائم بأمر الله بعد أبيه محمد بن علي ,واشهد أن الحسن بن علي القائم بأمر أبيه علي بن محمد ,واشهد أن رجلاً من ولد الحسين بن علي لا يسمى ولكن يكنى حتى يظهر الله أمره يملأ عدلاً كما ملئت جوراً ,

والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ومضى .

ص: 84

فقال أمير المؤمنين :اتبعه يا أبا محمد فانظر أين يقصد ,

قال : فخرج الحسن بن علي عليه السلام في أثره فلما وضع الرجل رجله خارج المسجد لم يدر كيف أخذ من أرض الله,فرجع إليه فأعلمه .

فقال :يا أبا محمد أتعرفه ؟.

قال :الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم به ,

قال :ذاك الخضر عليه السلام .(1)

بل كان يسأل الإمام علي عليه السلام ولده والإمام الحسن عليه السلام يجيبه بأدق واقل جواب يمكن أن ينتفع به المسلم في هذه الحياة الدنيا .

فقد ذكر الطبرسي في الاحتجاج

روى محمد بن قيس عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال :بينا أمير المؤمنين في الرحبة والناس عليه متراكمون ,فمن بين مستفتي ,ومن بين مستعدي ,إذ قام إليه رجل فقال :السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .

فقال :وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ,من أنت ؟

قال :أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك

فقال له : ما أنت برعيتي وأهل بلادي ,ولو سلمت عليّ يوماً واحداً ما خفيت عليّ .

فقال :الأمان يا أمير المؤمنين

فقال :هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا ؟

فقال :لا

فقال :لعلك من رجال الحرب ؟

قال :نعم

قال :إذا وضعت الحرب أوزارها فلا باس

ص: 85


1- إثبات الوصية – المسعودي –ص 170 -172

قال :أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلاً ,أسألك عن شيء بعث به ابن الأصفر إليه وقال له : إن كنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد فاجبني عما أسألك ,فانك إن فعلت ذلك اتبعتك ,وبعثت إليك بالجائزة ,فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه فبعثني إليك لأسألك عنها .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قاتل الله ابن آكلة الأكباد ,وما أضله وأعماه ومن معه ,حكم الله بيني وبين هذه الأمة ,قطعوا رحمي ,وأضاعوا أيامي ,ودافعوا حقي ,وصغروا عظيم منزلتي ,واجمعوا على منازعتي ,يا قنبر عليّ بالحسن والحسين ومحمد فاحضروا.

فقال :يا شامي هذان ابنا رسول الله ,وهذا ابني ,فاسأل أيهم أحببت .

فقال :اسأل ذا الوفرة ,يعني الحسن عليه السلام

فقال له الحسن عليه السلام :سلني عما بدا لك

فقال الشامي :كم بين الحق والباطل ؟

وكم بين السماء والأرض ؟

وكم بين المشرق والمغرب ؟

وما قوس قزح ؟

وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين ,وما العين التي إليها أرواح المؤمنين ؟

وما المؤنث ؟

وما عشرة أشياء بعضها اشد من بعض ؟

فقال الحسن عليه السلام :بين الحق والباطل أربع أصابع ,فما رأيته بعينك فهو الحق, وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا

فقال الشامي :صدقت

قال :وبين السماء والأرض دعوة مظلوم ,ومد البصر ,فمن قال لك غير هذا فكذبه.

قال :صدقت يا ابن رسول الله

قال :وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس ,تنظر إليها حين تطلع من مشرقها ,وتنظر إليها حين تغرب .

ص: 86

قال :صدقت ,فما قوس قزح ؟

قال :ويحك لا تقل قوس قزح فان قزح اسم الشيطان ,وهو قوس الله .وهذه علامة الخصب ,وأمان لأهل الأرض من الغرق .

وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها : برهوت

وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها :سلمى

وأما المؤنث فهو الذي لا يدرى اذكر أم أنثى فانه : ينتظر به فان كان ذكراً احتلم ,وان كان أنثى ,وبدا ثديها ,و إلا قيل : بُل على الحائط ,فان أصاب بوله الحائط فهو ذكر ,وان إنتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي إمرأة

وأما عشرة أشياء بعضها اشد من بعض فاشد شيء خلقه الله الحجر ,واشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر ,واشد من الحديد النار تذيب الحديد ,واشد من النار الماء يطفي النار ,واشد من الماء السحاب يحمل الماء ,واشد من السحاب الريح تحمل السحاب ,واشد من السحاب الملك الذي يرسلها ,واشد من الملك الموت الذي يميت الملك واشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت ,اشد من الموت أمر الله الذي يميت الموت .

فقال الشامي :اشهد انك ابن رسول الله حقا ,وان عليا أولى بالأمر من معاوية .

ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية ,فبعثها إلى ابن الأصفر .

فكتب إليه ابن الأصفر :يا معاوية لم تكلني بغير كلامك ,وتجيبني بغير جوابك ,اقسم بالمسيح ما هذا جوابك ,وما هو إلا من معدن النبوة ,وموضع الرسالة ,

وأما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك .(1)

رد النظرة الثالثة :قلة الخبرة

إن الإمام الحسن عليه السلام لو كان قليل الخبرة لما أوكل إليه السفارة من قبل أمير المؤمنين عليه السلام في نقل الرسالة الموجه إلى أهل الكوفة قبل معركة الجمل .

ذكر أبو حنيفة الدنيوري في الأخبار الطوال

ولما فصل علي من المدينة نحو الكوفة بلغه خبر الزبير وطلحة وعائشة ,

ص: 87


1- الاحتجاج –احمد بن علي الطبرسي –ج1-ص398-400

فقال لأصحابه : (إن هؤلاء القوم قد خرجوا يؤمون البصرة ، لما دبّروه بينهم ، فسيروا بنا على إثرهم ، لعلّنا نلحقهم قبل موافاتهم ، فإنهم لو قد وافوها لمالَ معهم جميع أهلهم ) ،

قالوا : ( سِرْ بنا يا أمير المؤمنين ) . فسار حتى وَافَى ذا قار ، فأتاه الخبر بموافاة القوم البصرة ، ومبايعة أهل البصرة لهم إلا بني سعد ، فإنهم لم يدخلوا فيها دخل فيه الناس ، وقالوا لأهل البصرة : ( لا نكون معكم ولا عليكم ) ، وقعد عنهم أيضاً كعب على قضاء البصرة .

ولما انتهى الخبر إلى عليّ وجه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ليستنهض أهل الكوفة، ثم أردفه بإذنه الحسن وبعمار بن ياسر ، فساروا حتى دخلوا الكوفة ،

وأبو موسى يومئذ بالكوفة ، وهو جالس في المسجد ، والناس محتوشوه , وهو يقول : (يا أهل الكوفة ، أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العرب ،يأوي إليكم المظلوم ,و يأمن فيكم الخائف ,

أيها الناس ,إن الفتنة إذا أقبلت شبّهت ,وإذا أدبرت تبينت ,وان هذه الفتنة الباقرة

لا يدرى من أين تأتي , ولا من أين تؤتى ,شيموا سيوفكم ,وانزعوا أسنة رماحكم ,واقطعوا أوتار قسيكم ,والزموا قعور البيوت ,

أيها الناس ,إن النائم في الفتنة خير من القائم , والقائم خير من الساعي )

فانتهى الحسن بن علي (عليه السلام ) وعمار رضي الله عنهما إلى المسجد الأعظم وقد اجتمع عالم من الناس على أبي موسى , وهو يقول لهم هذا وأشباهه ,

فقال له الحسن : (اخرج من مسجدنا ,وامض حيث شئت ) ثم صعد الحسن المنبر ,وعمار صعد معه ,فاستنفرا الناس , فقال حجر بن عديّ الكندي ,وكان من أفاضل أهل الكوفة فقال : ((انفروا خفافاً وثقالاً ,رحمكم الله ))

فأجابه الناس من كل وجه :سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين ,نحن خارجون على اليسر والعسر والشدة والرخاء .(1)

بل إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخشى على ولده من الاستشهاد أو القتل غيلة من قبل البغاة في صفين.

ص: 88


1- الأخبار الطوال –لأبي حنيفة الدنيوري –ص144-145

ولذا قال عليه السلام :املكوا عني هذا الغلام لا يهدني ,فإنني أنفس بهذين –يعني الحسن والحسين عليهما السلام –على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .(1)

فلولا دفاع الإمام الحسن عليه السلام وذكائه في الحرب للقضاء على المعتدي لما خاف عليه أمير المؤمنين عليه السلام من الموت وانقطاع نسل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم

والاهم من ذلك هو أن قلة الخبرة مدعاة إلى عدم توليه قيادة الجيش أو انتداب شخص من قبل أمير المؤمنين عليه السلام بدلا عن الإمام الحسن عليه السلام إلى قتال العدو بل يجعل الريب في قلوب المسلمين بحيث لا يقدموه في قيادة المسلمين .

بينما المسلمون قدموه إماماً وقائدا لهم اثر استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام .

رد على الأمر الرابع:الصدود

أما الصدود إما أن يكون الإمام الحسن عليه السلام صادا عن الحق أو عن الباطل

أما صاداً عن الحق فكيف شهد له الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بأنه سيد شباب أهل الجنة ؟

كما أن الآيات القرآنية التي وردت في حقه عليه السلام وفي مدحه فقد قالت عائشة خرج النبي صلى الله عليه (وآله )سلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(2))

فهذه الآية تدل على طهارته من كل ذنب بل ولا يمكن أن يصد عن الحق .

أما الصد عن الباطل فان الذي شهد له الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بقوله :( اللهم إني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه )(3)

يدل أن الإمام الحسن عليه السلام لا يعمل إلا الحق ولا يدافع إلا عنه

ص: 89


1- نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –ص374 -375-رقم 207
2- صحيح مسلم –مسلم بن الحجاج –ج2 –ص368
3- المصدر نفسه –ص367 –باب فضائل الحسن والحسين (عليهما السلام ) رضي الله عنهما

ولذا قال عليه السلام :أما بعد ,أيها الناس ,فان الله هداكم بأولنا ,وحقن دماءكم بآخرنا ,ألا إن أكيس الكيس التقى ,وأن اعجز العجز الفجور,وان هذا الأمر الذي اختلفت أنا ومعاوية فيه : إما أن يكون أحق به مني ,وإما أن يكون حقي تركته لله عزّ وجل ,ولإصلاح امة محمد صلى الله عليه (وآله)وسلم وحقن دمائكم ,

ثم التفت إلى معاوية وقال (وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين ) )(1)

وهذا الحديث يدل انه مع الحق وأنكر الباطل حتى استشهد بالآية الكريمة .

فكيف يكون صاداً عن أبيه إن هذا الاختلاق؟

ص: 90


1- أسد الغاية في معرفة الصحابة –لابن الاثير –ج2-ص15

البحث الرابع: الاتهام الرابع - هو الاختلاف بين الحسنين عليهما السلام

ص: 91

القسم الرابع

مقدمة

لما كانت الآيات الكريمة قد قرنت المدح بآل البيت حيث قال تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )

قال الزمخشري لا دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء وهم علي وفاطمة والحسنان لأنها لما نزلت دعاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاحتضن الحسن واخذ بيد الحسين ومشت فاطمة خلفه وعلي خلفها وذلك في ذهابه للمباهلة .(1)

وأشاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بحق ولديه الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام لما يمتلكان من سمو ورفعة كي تقتدي بهم الأمة الإسلامية فكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم

فقد ذكر ابن الصباغ في فصوله المهمة:

وروي عن الترمذي بسنده عن ابي سعيد قال :قال رسول الله الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .

وعن عمار بن ياسر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هما ريحانتي من الدنيا .(2)

وقال الحنفي الزرندي في نظم درر السمطين :

ويروي أن عمر بن العاص لمّا أقبل الحسن بن علي عليهما السلام قال :هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء .(3)

وبذلك يكون الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد بيّن أهمية الإمامين للأمة الإسلامية فينبغي إتباعهما وعدم مخالفتهما .

ص: 92


1- الإتحاف بحب الأشراف –عبد الله الشبراوي –ص18-19
2- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة –عي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص146
3- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد الزرندي الحنفي -248 –ح35

الطعن

قد يكون من الغريب أن يذكر أصحاب التراجم والسير من أصحاب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على اختلاف بين الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ويظهرا ذلك للملأ من المسلمين بعد ما مدحتهما الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة فكيف يكون ذلك ؟

ذلك ما ذكره العسقلاني في تهذيب التهذيب :

قال محمد بن سعد :حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ,حدثنا حاتم بن أبي صغير عن عمرو بن دينار :أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان اكره الناس للفتنة ,فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سراً,وأعطاه معاوية عهداً أن حدث به حدث والحسن حي ليسميّنه وليجعلن هذا الأمر إليه ,فلما توثق منه الحسن .

قال عبد الله بن جعفر: والله إني لجالس عند الحسن إذ أخذت لأقوم فجذب ثوبي

وقال : يا هنا اجلس فجلست .

قال: إني قد رأيت رأياً .,واني أحب أن تتابعني عليه .

قال :قلت :ما هو ؟

قال :رأيت أن اعمد إلى المدينة وانزلها واخلي بين معاوية وبين هذا الحديث فقد طالت الفتنة وسفكت فيها الدماء ,وقطعت فيها الأرحام وقطعت السبل وعطلت الفروج –الثغور –

فقال ابن جعفر : جزاك الله على امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم خير فانا معك على هذا الحديث ,

فقال الحسن :ادع لي الحسين فبعث إلى الحسين فاتاه.

فقال :أي أخي إني رأيت رأيا واني أحب أن تتابعني عليه قال ما هو ؟

فقص عليه الذي قص عليه بن جعفر .

قال الحسين :أعيذك بالله أن تكذب علياً في قبره وتصدق معاوية .

فقال الحسن :والله ما أردت أمراً إلا خالفتني إلى غيره ,والله لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك حتى اقضي أمري فلما رأى الحسين غضبه

ص: 93

قال :أنت اكبر ولد علي وأنت خليفته وأمرنا لأمرك تبع فافعل ما بدا لك .— الخ .(1)

وقال المزيّ في تهذيب الكمال :

قال محمد بن سعد :حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ,حدثنا حاتم بن أبي صغير عن عمرو بن دينار :أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان اكره الناس للفتنة ,فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سراً,وأعطاه معاوية عهداً إن حدث به حدث والحسن حي ليسميّنه وليجعلنّ هذا الأمر إليه ,فلما توثق منه الحسن .

قال عبد الله بن جعفر: والله إني لجالس عند الحسن إذ أخذت لأقوم فجذب ثوبي

وقال :يا هنا اجلس فجلست .

قال: إني قد رأيت رأياً ,واني أحب أن تتابعني عليه .

قال :قلت :ما هو ؟

قال :رأيت أن اعمد إلى المدينة وانزلها واخلي بين معاوية وبين هذا الحديث فقد طالت الفتنة وسفكت فيها الدماء ,وقطعت فيها الأرحام وقطعت السبل وعطلت الفروج –الثغور –

فقال ابن جعفر :جزاك الله على امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم خير فانا معك على هذا الحديث ,

فقال الحسن :ادع لي الحسين فبعث إلى الحسين فاتاه

فقال :أي أخي إني رأيت رأيا واني أحب أن تتابعني عليه قال ما هو ؟

فقص عليه الذي قص عليه بن جعفر .

قال الحسين :أعيذك بالله أن تكذب علياً في قبره وتصدق معاوية .

فقال الحسن :والله ما أردت أمراً إلا خالفتني إلى غيره ,والله لقد هممت أن أقذفك في بيت فأطينه عليك حتى اقضي أمري فلما رأى الحسين غضبه

ص: 94


1- تهذيب التهذيب –احمد بن علي العسقلاني –ج2-ص276-277-ط-دار الفكر –سنة 1415-1995

قال :أنت اكبر ولد علي وأنت خليفته وأمرنا لأمرك تبع فافعل ما بدا لك .— الخ .(1)

قال البلاذري في انساب الأشراف :

حدثني خلف بن سالم حدثنا وهب قال :قال أبي واحسبه رواه عن الحسن البصري قال :لما بايع أهل الكوفة الحسن أطاعوه اشد من حبهم لأبيه واجتمعوا له خمسون ألفاً فخرج بهم حتى أتى المدائن ، وسرح بين يديه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري في عشرين ألفاً فنزل بمسكن ، واقبل معاوية من الشام في جيشِ ثم إن الحسن خلا ناحية الحسين

فقال : يا هذا إني نظرت في أمري فوجدتني لا أصل إلى الأمر حتى يقتل من أهل العراق و الشام من لا أحب أن احتمل دمه وقد رأيت أن أسلم الأمر إلى معاوية فأشاركه في إحسانه ويكون عليه إساءته

فقال الحسين: أنشدك الله أن لا تكون أول من عاب أباك و طعن عليه ورغب عن أمره

فقال :إني لا أرى ما تقول ووالله لان لم تبايعني لأشدنك في الحديد فلا تزال فيه حتى افرغ من أمري

قال : فشأنك --- الخ .(2)

وقال الطبري في تاريخ الأمم والملوك :

قال زياد بن عبد الملك , عن عوانة وذكر نحو حديث المسروقي عن عثمان بن عبد الرحمن هذا وزاد فيه :وكتب الحسن إلى معاوية في الصلح وطلب الأمان .

وقال الحسن للحسين ولعبد الله بن جعفر :إني قد كتبت إلى معاوية في الصلح وطالب الأمان .

فقال له الحسين :نشدتك الله أن تصدق أحدوثة عليّ!

فقال له الحسن :اسكت فانا علم بالأمر منك .(3)

ص: 95


1- تهذيب الكمال – المزي –ج6 –ص247 -248 –م الرسالة .
2- انساب الأشراف – البلاذري – ج2 –ص393 – 394 .
3- تاريخ الأمم والملوك –محمد بن جرير الطبري –ج5-ص108 –دار إحياء التراث العربي

أسئلة حائرة

يظهر من هذا الأمر عدة أسئلة :-

1- الإمام الحسن (عليه السلام )حينما أراد الإصلاح لهذه الأمة خالفه الإمام الحسين (عليه السلام ) في الرأي فلماذا هذا الخلاف ؟

2- لماذا قال الإمام الحسين (عليه السلام ) أعيذك أن تكذب علياً فهل الإصلاح تكذيب للإمام علي (عليه السلام ) ؟

3- لماذا الإمام الحسن (عليه السلام ) كلما فعل فعلاً خالفه الإمام الحسين (عليه السلام ) ؟

4- لماذا الإمام الحسن (عليه السلام ) حاول أن يسجن الإمام الحسين (عليه السلام ) حتى يتم الصلح و ينفذ رأيه ؟

5- لماذا الصلح للمسلمين يعد طعناً للإمام الحسن(عليه السلام ) وعيباً لأبيه الإمام علي (عليه السلام ) ؟

الرد للمورد ألأول

إن الإمام الحسن عليه السلام رأى أن الحرب قد أخذت من الطرفين مأخذها وهرب بعض قادة جيشه إلى معاوية , بل حاول بعضهم قتل إمامه غيلة مما اضطره إلى الهدنة أو الصلح إلى اجل محدود .

قال الطبري في تاريخ الأمم والملوك :

وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال :حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن المجازي الخزاعي أبو عبد الرحمن .قال: حدثنا إسماعيل بن راشد .قال :بايع الناس الحسن بن علي عليه السلام بالخلافة ,ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن ,وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفاً ,وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن ,فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر : ألا إن قيس بن سعد قد قتل ,فانفروا ,فنفروا ,ونهبوا سرادق الحسن عليه السلام حتى نازعوه بساطاً كان تحته .

وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن ,وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملاً على المدائن ,وكان اسمه سعد بن مسعود

فقال له المختار وهو غلام شاب :هل لك في الغنى والشرف ؟

قال وما ذاك ؟

قال :توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية !

ص: 96

فقال له سعد :عليك لعنة الله ,أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوثقه ؟ بئس الرجل أنت .

فلما رأى الحسن عليه السلام تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح ,وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر ,وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس ,فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ,

ثم قام الحسن في أهل العراق فقال :يا أهل العراق ,انه سخى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي وطعنكم إياي ,وانتهابكم متاعي .

ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس .(1)

وثانياً : إن أصحاب الإمام الحسن عليه السلام وأتباعه هم الذين طلبوا من الإمام عليه السلام الصلح وهذا ما بينه أبو محمد عليه السلام في خطبته

قال ابن الأثير في أسد الغابة :

اخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي إجازة ,أخبرنا أبي ,اخبرنا أبو السعود ,حدثنا احمد بن محمد بن المجلي ,اخبرنا محمد بن محمد بن احمد العكبري ,اخبرنا محمد بن احمد بن احمد بن خاقان ,اخبرنا أبو بكر بن دريد قال :قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين .

فقال بعد حمد لله عزّ وجل :إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم ,وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر , فسلبت السلامة بالعداوة ,والصبر بالجزع ,وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم ,فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ,

ألا وإنا لكم كما كنا ,ولستم لنا كما كنتم ,ألا وقد أصبحتم بين قتيلين : قتل بصفين تبكون له , وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره ,فأما الباقي فخاذل ,وأما الباكي فثائر ,

ألا وان معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة , فان أردتم الموت رددناه عليه ,وحاكمناه إلى الله –عزّ وجل – بظبا السيوف , وان أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا ,

فناداه القوم من كل جانب : البقية البقية ,فلما افردوه أمضى الصلح .(2)

ص: 97


1- تأريخ الأمم والملوك –لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري –ج5-ص107-108 –دار إحياء التراث العربي
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لعز الدين بن الأثير –ج2-ص14 56-الأخبار الطوال –أبي حنيفة احمد بن داود الدنيوري –ص220

فكيف للإمام الحسن عليه السلام أن يخالف هؤلاء الذين طلبوا البقاء على الفناء في سبيل دينهم ؟

ثالثاً :

إن الإمام الحسين عليه السلام قد اعترف بالالتزام بما عاهد عليه أخاه الإمام الحسن عليه السلام ,وذلك لما دخل حجر بن عدي على الحسين (عليه السلام)رضي الله عنه مع عبيدة بن عمرو ,

فقالا: ((أبا عبد الله ,شريتم الذل بالعز ,وقبلتم القليل ,وتركتم الكثير ,أطعنا اليوم ,واعصنا الدهر ,دع الحسن وما رأى من هذا الصلح ,واجمع إليك شيعتك من أهل الكوفة وغيرها ,وولّني وصاحبي هذه المقدمة ,فلا يشعر ابن هند إلا ونحن نقارعه بالسيوف ))

فقال الحسين :((إنا بايعنا وعاهدنا ,ولا سبيل إلى نقض بيعتنا ))(1)

رابعا :الإمام الحسين عليه السلام ينكر اشد الإنكار على كل من يخالف رأي الإمام الحسن عليه السلام ما دام معاوية موجودا وهذا دليل على التوافق على الرأي وعدم المخالفة .

فقد ذكر أبو حنيفة في الأخبار الطوال :

روى عن علي بن محمد بن بشير الهمداني , قال :خرجت أنا وسفيان بن ليلى حتى قدمنا على الحسن المدينة , فدخلنا عليه , وعنده المسيب بن نجبة ,وعبد الله بن الودّاك التميمي وسراج بن مالك الخثعمي .

فقلت :السلام عليك يا مذل المؤمنين .

قال: (( وعليك السلام ,اجلس, لست مذل المؤمنين ,ولكني معزهم ,ما أردت بمصالحتي

معاوية إلا أن ادفع عنكم القتل عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب ,و نكولهم عن القتال ,و والله لئن سرنا إليه بالجبال والشجر ما كان بدّ من إفضاء هذا الأمر إليه )).

قال :ثم خرجنا من عنده , ودخلنا على الحسين , فاخبرنا بما ردّ علينا ,

فقال :(( صدق أبو محمد , فليكن كل رجل منكم حلساً من أحلاس بيته ,

ما دام معاوية حيّا ))(2)

خامسا :الاختلاف الذي ذكره أصحاب السير والتراجم هو ينافي كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم :أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمهم .(3)

ص: 98


1-
2- الأخبار الطوال –أبو حنيفة احمد ين داود الدنيوري –ص221 -222
3- تاريخ مدينة دمشق –لابن عساكر –ج13 –ص218 –ط –دار الفكر -1415 -1995

رد للمورد الثاني

لعل ما ينكره المرء المسلم أن الإمام الحسين عليه السلام يحاول أن يجابه أخاه أبا محمد عليه السلام ويدعوه إلى ترك الصلح, لان ذلك معناه اعتراف بخلافة معاوية .

لكن ذلك من الوهم .لان الإمام الحسن عليه السلام حاول أن يكشف معاوية بن أبي سفيان على حقيقته وبذلك يظهر جلية أمر الصلح أمام المسلمين

والرأي العام وهذا ما أشار إليه الإمام الحسن بن علي عليهما السلام

.فقد ذكر الطبري في تأريخه :

حدثني عبد الله بن احمد المروذي قال :اخبرني

يونس عن الزهري قال : بايع أهل العراق الحسن بن عليّ بالخلافة ,فطفق يشترط عليهم الحسن :إنكم سامعون مطيعون ,تسالمون من سالمت ,وتحاربون من حاربت .فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط ,

وقالوا : ما هذا بصاحب , وما يريد هذا القتال ! فلم يلبث الحسن عليه السلام بعد ما بايعوه إلا قليلاً حتى طعن طعنةً أشوته , فازداد لهم بغضاً ,وازداد منهم ذعراً ,

فكاتب معاوية وأرسل إليه بشروط ,

وقال :إن أعطيتني هذا فانا سامع مطيع ,وعليك أن تفي لي به

ووقعت صحيفة الحسن في يد معاوية ,وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها ,

وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك .فلما أتت في أسفله ,اشترط أضعاف الشروط التي سال معاوية قبل ذلك وامسكها عنده ,وأمسك معاوية صحيفة الحسن عليه السلام التي كتب إليه يسأله ما فيها .

فلما التقى معاوية والحسن عليه السلام ,سأله أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله ,

فأبى معاوية أن يعطيه ذلك ,

فقال : لك ما كنت كتبت إليّ أولاً تسألني أن أعطيكه , فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك .

ص: 99

قال الحسن عليه السلام :وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك العهد على الوفاء بما فيه .

فاختلفا في ذلك فلم ينفذ للحسن عليه السلام من الشروط شيئا .(1)

كما أن معاوية اعترف أن الخلافة من بعده للإمام الحسن بن علي عليهما السلام .

فقد قال الدنيوري في الأخبار الطوال :

لما رأى الحسن من أصحابه الفشل أرسل إلى عبد الله بن عامر بشرائط اشترطها على معاوية على ان يسلم له الخلافة , وكانت الشرائط : ألا يأخذ أحداً من أهل العراق بإحنة ,وان يؤمن الأسود والأحمر ,ويحمل إلى أخيه الحسين بن علي في كل عام ألفى ألف ,ويفضل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس .

فكتب عبد الله بن عامر بذلك إلى معاوية , فكتب معاوية جميع ذلك بخطه , وختمه بخاتمه , وبذل عليه له العهود المركبة والأيمان المغلظة , وأشهد على ذلك جميع رؤساء الشام , ووجه به إلى عبد الله بن عامر ,فأوصله إلى الحسن (عليه السلام ) رضي الله عنه , فرضي به , وكتب إلى قيس بن سعد بالصلح , ويأمره بتسليم الأمر إلى معاوية ,والانصراف إلى المدائن .(2)

رد المورد الثالث :سجنه

إن أصحاب التراجم والسيّر يذكرون أن الإمام الحسن عليه السلام قد جابه أخاه حينما اعترض على قرار الصلح بل كان يطمح أن يسجن الإمام الحسين عليه السلام حتى يكتمل المشروع المخطط له !

فيا ترى هل يخشى من الإمام الحسين عليه السلام ومن أتباعه بين مؤيد ومعارض, وبذلك يضعف الجيش ولا يمكن أن يكون قائدا للجيش أم أن هنالك غاية أخرى ؟

قد يكون من الغريب أن يدعي الإمام الحسن عليه هكذا أمر خوفا من أخيه الإمام الحسين عليه السلام ,خصوصا وأن الإمام الحسين قد اقرّ على نفسه لما قال :أنت اكبر ولد علي وأنت خليفته وأمرنا لأمرك تبع فافعل ما بدا لك .(3)

ص: 100


1- تاريخ الأمم والملوك –لأبي جعفر الطبري –ج5-ص110
2- الأخبار الطوال – أبو حنيفة احمد بن داود الدنيوري –ص218
3- تهذيب التهذيب – احمد بن علي العسقلاني –ج2-ص277-ط-دار الفكر

كما أن إقرار الإمام الحسين عليه السلام لأخيه بالخلافة يجعله أن يكون تابعا له في كل أمر أمر به أو رأه صالحاً .

رد المورد الرابع :الخلاف

أولاً :أن مخالفة الإمام الحسين لأخيه هو نقض لخلافة الإمام الحسن عليه السلام أو نقضٌ لإقراره بذلك .

ولعل ابن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أن عهد الله يجب الوفاء به ولا يمكن نقضه أو التهاون فيه بعد ما اقره القرآن الكريم به .

ثانياً :إن الاختلاف يؤدي إلى عدم صحة قول النبي :أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم (1)

فكيف يكون الإمام الحسن عيه السلام إماما وقد رأى الصلح أصلح لأمة الإسلام ولا يسالم الإمام الحسين عليه السلام ؟

ثالثاً :إن ادعاء الإمام الحسن عليه السلام بسجن الإمام الحسين عليه السلام قد يكون في غاية البعد .لان هذا الكلام لا يصدر من ابن بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا من أخلاق أبناء علي عليه السلام الذين كان لهم السمو في الأخلاق والصبر في الشدائد والمحن .

رابعاً :إن الإمام الحسين عليه السلام لم يحاول أن ينقض العهد ولا يمكن أن ينقضه

ولعل الدليل على ذلك فقد ذكر أبو حنيفة في الأخبار الطوال :

روى عن علي بن محمد بن بشير الهمداني ,قال :خرجت أنا وسفيان بن ليلى حتى قدمنا على الحسن المدينة ,فدخلنا عليه ,وعنده المسيب بن نجبة ,وعبد الله بن الودّاك التميمي وسراج بن مالك الخثعمي .

فقلت :السلام عليك يا مذل المؤمنين

قال: (( وعليك السلام ,اجلس, لست مذل المؤمنين ,ولكني معزهم ,ما أردت بمصالحتي معاوية إلا أن ادفع عنكم القتل عند ما رأيت من تباطؤ أصحابي

ص: 101


1- تاريخ مدينة دمشق –لابن عساكر –ج13-ص218-ط-دار الفكر.

عن الحرب ,و نكولهم عن القتال ,ووالله لئن سرنا إليه بالجبال والشجر ماكان بدّ من إفضاء هذا الأمر إليه )).

قال :ثم خرجنا من عنده ,ودخلنا على الحسين ,فاخبرنا بما ردّ علينا ,

فقال:(( صدق أبو محمد ,فليكن كل رجل منكم حلساً من أحلاس بيته ,ما دام معاوية حيّا ))(1)

رد المورد الخامس :الصلح عيب

ليس من الهنات أن يهادن الإمام الحسن عليه السلام في سبيل أمته .وهذا ما أوضحه حينما قال له حجر بن عدي :يا بن رسول الله ,لوددت أني مت قبل ما رأيت ,أخرجتنا من العدل إلى الجور ,فتركنا الحق الذي كنا عليه ,ودخلنا في الباطل الذي كنا نهرب منه ,وأعطينا الدنية من أنفسنا ,وقبلنا الخسيسة التي تلق بنا .(2)

وليس من المنكر أن يحافظ الإمام الحسن عليه السلام على أصحابه وشيعته, وهذا ما أشار إليه حينما قال الإمام عليه السلام لعلي بن محمد بن بشير بعد ما

قال له :السلام عليك يا مذل المؤمنين .

فقال عليه السلام : ((وعليك السلام ,اجلس ,لست مذل المؤمنين ,ولكنى معزهم ,ما أردت بمصالحتي معاوية إلا أن أدفع عنكم القتل عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب ,و نكولهم عن القتال ,وو الله لئن سرنا إليه بالجبال والشجر ما كان بدّ من إفضاء هذا الأمر إليه(3)))

كما أن الإمام الحسن عليه السلام قد تنبأ أن بني أمية سوف يستلبون الحكم بكل وسيلة ليتسلطوا على المسلمين .

فقد قال القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن مازن قال :عرض للحسن رجل فقال : يا مسود وجوه المؤمنين

قال :لا تعذلني فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أريهم يثبون على منبره رجلاً رجلاً فانزل الله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر,وما أدراك ما ليلة القدر,ليلة

ص: 102


1- الأخبار الطوال –أبو حنيفة احمد ين داود الدنيوري –ص221 -222
2- الأخبار الطوال –أبو حنيفة احمد بن داود الدنيوري –ص220
3- المصدر نفسه –ص221

القدر خير من ألف شهر ,تنزل الملائكة والروح فيها من كل أمر,سلام هي حتى مطلع الفجر )

قال :ألف شهر يملكون بعدي –يعني بني أمية .(1)

ثم أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد صالح المشركين في الحديبية ,وبعد ذلك صالح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أهل الشام في صفين ,فهل يعدّ فعل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام من الذين يطعنون بأفعالهم وهم من الذين طهرهم القران الكريم ؟

بل هو من حسن التدبير والذكاء في استخدام السبل الكفيلة في الحفاظ على حياة المسلمين .

ص: 103


1- سير أعلام النبلاء –شمس الدين الذهبي –ج13 –ص139

البحث الخامس: الاتهام الخامس - الرد على أمير المؤمنين عليه السلام

ص: 104

الرد على أبيه

إن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام يعرف بقوي الحجة لشدة ذكاءه وإيمانه العميق بأنه مع الحق والحق معه . بل هو وأخوه وأبوه عليهم السلام مع القران والقران معهم , وهذا لا شائبة فيه .

وكلام الإمام أبي محمد عليه السلام يدل على قوة الحجة ولعل ما خاطب به المسلمين عامة ومعاوية بن أبي سفيان يوضح ذلك :

قال الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين :

فلما صعد –الإمام الحسن بن علي عليهما السلام –المنبر وقد جمع معاوية كهول قريش وشبابها ,حمد الله تعالى وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله ثم :

قال عليه السلام :أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب , أنا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مابين جابلقا و جابرصا أحد جده نبي غيري , أنا ابن نبي الله , أنا ابن رسول الله , أنا ابن البشير النذير , أنا ابن السراج المنير , أنا ابن بريد السماء , أنا ابن من بعث رحمة للعالمين , أنا ابن من بعث للجن والإنس , أنا ابن من قاتلت معه الملائكة , أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً , أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

فلما سمع معاوية ذلك أراد أن يسكته ويخلط عليه مخافة أن يبلغ به المنطق ما يكرهه ,

فقال له يا حسن :أنعت لنا الرطب

فقال :يا سبحان الله أين هذا من هذا ؟

ثم قال :الحر ينضجه والليل يبرده والريح تلقحه .

ثم استفتح كلامه الأول وقال :أنا ابن مستجاب الدعوة , أنا ابن المشفع المطاع , أنا ابن أول من تنشق عنه الأرض وينفض رأسه من التراب , أنا ابن أول من قرع باب الجنة , أنا بن من رضاه رضا الرحمان وسخطه سخط الرحمن , أنا بن من لا يسامي كرماً .

فقال له قومه حسبك: يا أبا محمد ما اعرفنا بفضل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,

فقال الحسن : يا معاوية إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمل بطاعته وليس الخليفة من دان بالجور وعطل السنن ,واتخذ الدنيا أما وأباً لكن ذاك ملك يتمتع في ملكه وكان قد انقطع وانقطعت لذته وبقيت تبعته ,

ثم قال :وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين .

ص: 105

ثم نزل عن المنبر عليه السلام .(1)

فان من تكون الجنة مأواه فلا يخاف ظلماً ولا هضماً .

الرد على الأب

إن الاحترام المتبادل بين الإمام الحسن عليه السلام وأمير المؤمنين عليه السلام . دليل على التربية الإسلامية التي استقاها من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليغرسها في أولاده وليعلمها إلى المسلمين كافة .

إلا أن أصحاب السير والآثار يطعنون بهذه التربية العلوية ليكشفوا عن مدى التدابر والحسد الذي كان يحمله الإمام الحسن عليه السلام على والده وإنكار تصرفاته في الحياة السياسية .

وهذا ما ذكره البلاذري في انساب الأشراف :

قال علي لابنه ورآه يتوضأ:أسبغ الوضوء .

فقال :قد قتلتم أمس رجلاً كان يسبغ الوضوء ,

فقال علي :لقد أطال الله حزنك على عثمان .(2)

نظرات

إن الذي يتأمل بهذه الرواية يجد عدة أمور :

1-اتهام الإمام الحسن عليه السلام بقتل الناس من دون مبرر

2-إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يحاول أن ينبه ولده الإمام أبو محمد عليه السلام التأكيد على الوضوء لأنه الأساس في العبادات .

3-الإمام الحسن عليه السلام كان طويل الحزن على عثمان فلماذا ذلك ؟

4-الدعاء على الإمام الحسن بالحزن هل هو من أخلاق علي بن أبي طالب عليه السلام ؟.

الرد للأمر الأول

أولاً :إن الإمام الحسن عليه السلام يظهر من هذه الرواية انه كان يتهم والده بقتل عثمان وهذا شيء غير مألوف من ابن علي عليهما السلام .بل ليس من الخلق الإسلامية

ص: 106


1- نظم درر السمطين –جمال الدين الزرندي الحنفي –ص246-247
2- انساب الأشراف –البلاذري –ج2-ص369-ط-دار اليقظة العربية

ثانيا: إن الإمام علي عليه السلام لم يكن يرغب أن يقتل عثمان ولا قتل احد من المسلمين.بل ساهم في الحفظ على أمن المسلمين من اجل عدم وقوع الفتنة ,وحلها بالطرق السلمية .

فقد ذكر الطبري في تاريخ الأمم والملوك :

حدثني جعفر ,قال :حدثنا عمرو وعلي ,قال : حدثنا حسين ,عن أبيه ,عم محمد بن إسحاق بن يسار المدني ,عن يحيى بن عباد ,عن عبد الله بن الزبير ,عن أبيه قال : كتب أهل مصر ,بالسقيا ,أو بذي خشب ,إلى عثمان بكتاب ,فجاء به رجل منهم حتى دخل به عليه , فلم يرّد عليه شيئاً , فأمر به فاخرج من الدار ,

وكان أهل مصر الذين ساروا إلى عثمان ستمائة رجل على أربعة ألوية لها رؤوس أربعة ,مع كل رجل منهم لواء ,وكان جماع أمرهم جميعاً إلى عمر بن بديل بن ورقاء الخزاعيّ , وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ,والى عبد الرحمن بن عديس التجيبي ,

فكانوا فيما كتبوا إليه : بسم الله الرحمن الرحيم , أما بعد فاعلم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )

فالله الله ! فانك على دنيا فاستتم إليها معها آخرة , ولا تلبس نصيبك من الآخرة , فلا تسوغ لك الدنيا , واعلم أنا والله لله نغضب , وفي الله نرضى ,وأنّا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصرّحة ,أو ضلالة مجلحة مبلجة , فهذه مقالتنا لك ,وقضيتنا إليك ,والله عذيرنا منك , والسلام .

وكتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ,ويحتجون ويقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبداً حتى يقتلوه ,أو يعطيهم ما يلزمه من حق الله .

فلما خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته ,

فقال لهم :قد صنع القوم ما قد رأيتم ,فما المخرج ؟

فأشاروا عليه أن يرسل إلى علي بن أبي طالب فيطلب إليه أن يردهم عنه ,ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه إمداده ,

فقال :إن القوم لن يقبلوا التعليل ,وهم محمّلي عهداً ,وقد كان منّي في قدمتهم الأولى ما كان ,فمتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به !

فقال مروان بن الحكم :يا أمير المؤمنين ,مقاربتهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب ,فأعطهم ما سألوك , وطاولهم ما طاولوك ,فإنما هم بغوا عليك , فلا عهد لهم .

فأرسل إلى عليّ فدعاه ,

فلما جاءه قال :يا أبا حسن , إنه قد كان من الناس ما قد رأيت , وكان منّي ما قد علمت , ولست آمنهم على قتلي , فارددهم عنّي , فان لهم الله عز وجل

ص: 107

أن أعتبهم من كل ما يكرهون , وأن أعطيتهم الحق من نفسي ومن غيري , وان كان في ذلك سفك دمي .

فقال له عليّ :الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك ,وإني لأرى قوماً لا يرضون إلا بالرضى ,

وقد كنت أعطيتهم في قدمتهم الأولى عهداً من الله : لترجعنّ عن جميع ما نقموا ,فرددتهم عنك ,ثم لم تف لهم بشيء من ذلك , فلا تغرّني هذه المرة من شيء , فاني معطيهم عليك الحق .

قال :نعم , فأعطهم ,فو الله لأفينّ لهم .

فخرج عليّ إلى الناس ,فقال :أيها الناس ,إنكم إنما طلبتم الحق فقد أعطيتموه ,إن عثمان قد زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيره ,وراجع عن جميع ما تكرهون ,فاقبلوا منه و وكدوا عليه .

قال الناس : قد قبلنا فاستوثق منه لنا ,فإنا والله لا نرضى بقول دون فعل

فقال لهم عليّ : ذلك لكم .

ثم دخل عليه فأخبره الخبر ,

فقال عثمان : أضرب بيني وبينهم أجلاً يكون لي فيه مهلة ,فإني لا أقدر على ردّ ما كرهوا في يوم واحد ,

قال له عليّ :ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه , وما غاب فأجله وصول أمرك ,قال : نعم , ولكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام .

قال عليّ : نعم ,فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك ,وكتب بينهم وبين عثمان

كتاباً أجّله فيه ثلاثاً , على أن يرد كل مظلمة , ويعزل كل عامل كرهوه ,

ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق ,وأشهد عليه ناساً من وجوه المهاجرين والأنصار , فكفّ المسلمون عنه ورجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه , فجعل يتأهب للقتال , ويستعد بالسلاح , وقد كان اتخذ جنداً عظيماً من رقيق الخمس ,

فلما مضت الأيام الثلاثة ,وهو على حاله لم يغير شيئاً مما كرهوه ,ولم يعزل عاملاً ثار به الناس .

وخرج عمرو بن حزم الأنصاري حتى المصريين وهم بذي خشب ,فاخبرهم الخبر ,وسار معهم حتى قدموا المدينة فأرسلوا إلى عثمان : ألم نفارقك على أنك زعمت أنك زعمت أنك تائب من إحداثك وراجع عما كرهنا منك ,و أعطيتنا على ذلك عهد الله وميثاقه !

قال :بلى , وأنا على ذلك ,

قال :فما هذا الكتاب الذي وجدنا مع رسولك , وكتبت به إلى عاملك ؟

قال : ما فعلتُ ولا لي علم بما تقولون .

ص: 108

قالوا : بريدك على جملك ,وكتاب كاتبك عليه خاتمك ,

قال :أما الجمل فمسروق ,وقد يشبه الخط الخط , وأما الخاتم فانتقش عليه , قالوا : فإنا لا نعجل عليك وإن كنّا قد اتهمناك ,أعزل عنّا عمالك و الفساق ,واستعمل علينا من لا يتهم على دمائنا وأموالنا ,واردد علينا مظالمنا .

قال عثمان :ما أراني إذاً في شيء إن كنت أستعمل من هويتم , وأعزل من كرهتم , الأمر إذاً أمركم !

قالوا :والله لتفعلنّ أو لتعزلنّ أو لتقتلنّ ,فانظر لنفسك أو دع .

فأبى عليهم وقال :لم أكن لأخلع سربالاً سربلنيه الله ,

فحصروه أربعين ليلة ,وطلحة يصلي بالناس .(1)

ثالثا :إن الإمام الحسن عليه السلام يعلم أن الذي أجج الفتنة في قتل عثمان هي أفعال عثمان وإيثاره بني أمية على سائر المجاهدين والمهاجرين والأنصار .

قال الطبري في تاريخ الأمم والملوك

ذكر محمد بن عمر أن عبد الله بن جعفر حدثه عن أم بكر بنت الميسور بن مخرمة ,عن أبيها قال : قدمت إبل الصدقة على عثمان ,فوهبها لبعض بني الحكم ,فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف ,فأرسل المسور بن مخرمة وإلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها , فقسمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار .(2)

وقال الطبري في الأمم والملوك :

وكان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية ,وجعل ولده كبعض من يعطى ,فبدأ ببني أبي العاص , فأعطى آل الحكم رجالهم عشرة آلاف ,فأخذوا مائة ألف وأعطى بني عثمان مثل ذلك ,وقسم في بني العاص وفي بني العيض وفي بني حرب .

ولانت حاشية عثمان لأولئك الطوائف ,وأبى المسلمون إلا قتلهم ,وأبى إلا تركهم فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم على أن يغزوهم مع الحجاج كالحجاج ,فتكاتبوا وقالوا : موعدكم ضواحي المدينة في شوال ,حتى إذا دخل شوال من سنة اثنتي عشرة ,ضربوا كالحجاج فنزلوا قرب المدينة .(3)

ص: 109


1- تاريخ الأمم والملوك –لأبي جعفر الطبري –ج5-ص250 -251
2- المصدر نفسه –ص247
3- المصدر نفسه-ص236

رابعاً :إن أمير المؤمنين نبه عثمان على أخطائه وأفعاله السيئة وذلك لما قال عليه السلام :إن الناس ورائي وقد أستفسروني بينك وبينهم, وو الله ما ادري ما أقول لك! ما اعرف شيئاً تجهله ,ولا أدلك على أمر لا تعرفه ,إنك لتعلم ما نعلم ,ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ,ولا خلونا بشيء فنبلغكه , وقد رأيت كما رأينا ,وسمعت كما سمعنا , وصحبت رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم –كما صحبنا ,وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب بأولى بعمل الحق منك , وأنت أقرب إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – وشيجة رحم منهما ,وقد نلت من صهره ما لم ينالا .

فالله الله في نفسك ! فإنك –والله –ما تبصر من عمى , ولا تعّلم من جهل ,وان الطرق لواضحة ,وان أعلام الدين لقائمة ,

فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل , هُدي وهدى , فأقام سنة معلومة ,وأمات بدعة مجهولة ,وان السنن لنيرة,لها أعلام , وإن البدع لظاهرة ,لها أعلام , وان شر الناس عند الله إمام جائر ضلّ وضُلّ به , فأمات سنة مأخوذة ,و أحيا بدعة متروكة , وإني سمعت رسول الله –صلى الله عليه وآله – يقول ((يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر ,فيلقى في نار جهنم, فيدور فيها كما تدور الرحى ,ثم يرتبط في قعرها))

واني أنشدك الله ألا تكون إمام هذه الأمة المقتول , فانه كان يقال : يُقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة , ويلبس أمورها عليها , ويبث الفتن فيها , فلا يبصرون الحق من الباطل , يموجون فيها موجاً و يمرجون فيها مرجاً,

فلا تكوننّ لمروان سيقة يسوقك حيث شاء بعد جلال السّن وتقضي العمر .(1)

وزاد الطبري في تاريخ الأمم والملوك :

فقال عثمان :قد والله علمت ,ليقولنّ الذي قلت ,أما والله لو كنت مكاني ما عنفتك ,ولا أسلمتك ,ولاعبت عليك ,ولا جئت منكراً أن وصلت رحماً ,وسددت خلة ,وآويت ضائعاً ,ووليت شبيهاً بمن كان عمر يوليّ .

أنشدك الله يا عليّ ,هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك !

قال :نعم

قال :فتعلم أن عمر ولاه ؟

قال :نعم

قال :فلم تلومني أن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته ؟

ص: 110


1- نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –ص269 -270-رقم الخطبة -164 .

قال عليّ: سأخبرك ,إن عمر بن الخطاب كان كل من ولّى فإنما يطأ على صماخه ,إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ الغاية , وأنت لا تفعل ,ضعفت ورفقت على أقربائك .

قال عثمان :هم أقرباؤك أيضاً .

فقال عليّ :لعمري إن رحمهم منّي لقريبة ,ولكن الفضل في غيرهم

قال عثمان :هل تعلم أن عمر وليّ معاوية خلافته كلها ؟ فقد وليته .

فقال علي :أنشدك الله هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه ؟

قال :نعم

قال عليّ:فان معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت تعلمها ,فيقول للناس :هذا أمر عثمان ,فيبلغك ولا تغير على معاوية ,

ثم خرج عليّ من عنده ,وخرج عثمان على أثره ,فجلس على المنبر ,

فقال :أما بعد فإن لكل شيء آفة ,ولكل أمر عاهة , وإن آفة هذه الأمة ,وعاهة هذه النعمة , عيابون طعانون , يرونكم

ما تحبون ويسرون ما تكرهون , يقولون لكم ويقولون , أمثالكم النعام يتبعون أول ناعق , أحب مواردها إليها البعيد ,لا يشربون إلا نغصاً و لا يردون إلا عكراً, لا يقوم لهم رائد , وقد أعيتهم الأمور ,وتعذرت عليهم المكاسب .

ألا فقد والله عبتم عليّ بما أقررتم لابن الخطاب بمثله , ولكنه وطئكم برجله ,وضربكم بيده , وقمعكم بلسانه , فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم , ولنت لكم , و أوطأت لكم كتفي , وكففت يدي ولساني عنكم , فاجترأتم عليّ .

أما والله لانا أعز نفراً , وأقرب ناصراً وأكثر عدداً , وأقمن إن قلت هلّم أتي إليّ , ولقد أعددت لكم أقرنكم , أفضلت عليكم فضولا , وكثرت لكم عن نابي ,وأخرجتم منيّ خلقاً لم أكن أحسنه , ومنطلقاً لم أنطق به , فكفوا عليكم ألسنتكم , وطعنكم وعيبكم على ولاتكم , فإني قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا .

ألا فما تفقدون من حقكم ؟ والله ما قصرت في بلوغ ما كان قبلي , ومن لم تكونوا تختلفون عليه . فضل فضلُ من مال , فما لي لا أصنع في الفضل ما أريد ! فلم كنت إماماً !

فقام مروان بن الحكم فقال : إن شئتم حكمنا والله بيننا وبينكم السيف , نحن والله و أنتم كما قال الشاعر

فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم*** معارسكم تبنون في دمن الثرى

فقال عثمان : اسكت لا سكتَ ,دعني وأصحابي , ما منطقك في هذا !

ص: 111

ألم أتقدم إليك ألا تنطق ! فسكت مروان , ونزل عثمان .(1)

كل هذا حذر منه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فبل وقوع الفتنة ولكن عثمان لا يحب الناصحين .

كما انه دافع عن عثمان فكيف يكون متهماً بالقتل ؟

لقد قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن عباس : يا بن عباس , ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملاً ناضحاً بالغرب , أقبل وأدبر! بعث إليّ أن أخرج ,ثم بعث إليّ أن أقدم , ثم هو الآن يبعث إليّ أن أخرج ! والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آثماً .(2)

رد المورد الثاني :

يبدو أن الإمام علي عليه السلام حاول أن ينبه ولده على تحسين الوضوء وهو في غاية البُعد ,لان الإمام الحسن عليه السلام كان يتعلم من جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل إن الملائكة كانت في بيوتهم وهم يعلّمون الناس الأحكام الشرعية ,بدليل قوله تعالى (إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً )

فالذي يكون مطهر من الريب يحتاج إلى أن يحسن وضوءه أم أن هنالك مآرب أخرى للطعن في علم وذكاء الإمام الحسن عليه السلام .

بل ان ابن عمر روى انه كان للحسن والحسين تعويذات فيهما من زغب جناح جبرئيل .(3)

والذي في بيته من الملائكة يحتاج إلى تعليم كيفية الوضوء !

رد المورد الثالث :

إن الأمويين لم يحزنوا على عثمان بعدما قتل بقدر ما حزنوا على مراكزهم التي فقدوها ,خصوصاً

وبعد البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام ومحاولة تغيير بطانة السلطة الحاكمة آنذاك.

وبذلك كانت لهم الذرائع التي يمكن أن يتهموا البيت العلوي بعدة اتهامات فتارة اتهام الإمام علي عليه السلام بقتل عثمان , وأخرى بالتقصير وعدم الدفاع عنه , وأخرى بإيوائه قتلة عثمان وهكذا غيرها .

ص: 112


1- تاريخ الأمم والملوك –لأبي جعفر الطبري –ج4-ص228-229
2- المصدر نفسه –ص418-رقم 240
3- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص261-ح87

لكن كل ذلك لم يدع الإمام علي عليه السلام إلا أن يبين الحق ويبطل الباطل ويدحضه بحجته الدامغة .

فقد رد على معاوية بكتاب جاء فيه : وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت ,وعلى كلهم بغيت , فان يكن كذلك فليست الجناية عليك , فيكون العذر إليك ,

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

وقلت : إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المغشوش حتى أبايع , ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت , وان تفضح فافتضحت ! وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه , ولا مرتاباً بيقينه ! وهذه حجتي إلى غيرها ,ولكني أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها .

ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان ,فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه ,فأينا كان أعدى له ,وأهدى إلى مقاتله ؟ أم من بذل له نصرته فاستقعده

و استكفه , أم من استنصره فتراخى عنه وبثّ المنون إليه, حتى أتى قدره عليه ؟

كلاّ والله ل(قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلاّ قليلاً )

وما كنت لأعتذر من أنيّ كنت عليه أنقم عليه أحداثاً , فان كان الذنب إليه إرشادي و هدايتي له فربّ ملوم لا ذنب له .

وقد يستفيد الظنة المتنصحُ

وما أردت (إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب )

وذكرت أنه ليس لي ولا أصحابي عندك إلا السيف , فلقد أضحكت بعد استعبار ! متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين ,وبالسيف مخوفين؟!

فلبث قليلاً يلحق الهيجا حمل .

فسيطلبك من تطلب ,ويقرب منك ما تستبعد ,وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ,شديد زحامهم ,ساطع قتامهم ,متسربلين سرابيل الموت , أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم , وقد صحبهم ذرية بدريّة ,وسيوف هاشمية ,قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك وأهلك (وما هي من الظالمين ببعيد )(1)

ص: 113


1- نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –ص453-454-رقم الكتاب -28

فكيف يكون الإمام الحسن حزينا بعد ما كان الحق مع أبيه في كل ما يفعل بل وهو يعتقد بذلك لان الرسول الكريم قال له : الحق مع علي وعلي مع الحق ,يدور الحق مع علي كيف ما دار )(1)

الرد على المورد الرابع

هل أن ما ذكرته الرواية من أن دعاء الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام على ولده بالحزن الطويل يمكن أن يقع من الوالد على ولده أم أن هنالك مغزى آخر ؟

إن الدعاء على الإمام الحسن عليه السلام فيبدو هذا غريباً خصوصاً وانه كان يخشى عليه من الموت .بل ومن الأذى الذي يصيبه لأنهم الامتداد الرسالة السماوية .وهذا من إشفاق الوالد على ولده .

وأما أن هنالك مغزى من قبل الرواة الذين يحاولون أن يثبتوا أن أمير المؤمنين عليه السلام يحاول أن ينكر أفعال ولده كي لا يكون على وفاق .

وهذا تكذبه الأحاديث الشريفة بأنه سيد شباب أهل الجنة ,وان من أحبه فقد أحبه رسول الله وهو محبوب عنده تعالى .

فكيف يكون سيد شباب أهل الجنة وقد حزن لأجل إنسان قد ارتكب أخطاء في حياته ولم يعبأ بالتحذيرات و الإنكار من قبل المسلمين ؟.

تنبيه

إن هذه الرواية التي ذكرت الحسن عليه السلام قد أوضحتها رواية أخرى تظهر أن الحسن ليس ابن أبي طالب وإنما الحسن البصري .

فقد ذكر الطبرسي في الاحتجاج :

عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما فرغ علي عليه السلام من قتال أهل البصرة وضع قتباً على قتب ثم صعد عليه فخطب , فحمد الله وأثنى عليه فقال : يا أهل البصرة ,يا أهل المؤتفكة ,يا أهل الداء العضال ,إتباع البهيمة , يا جند المرأة , رغا فأجبتم وعقر فهربتم ,ماءكم زعاق ودينكم نفاق ,وأخلاقكم دقاق ,

ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمرّ بالحسن البصري وهو يتوضأ فقال : يا حسن أسبغ الوضوء .

ص: 114


1- المناقب –الخوارزمي –ص292

فقال :يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناساً يشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله , يصلون الخمس , ويسبغون الوضوء .

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا .

فقال :والله لأصدقنك يا أمير المؤمنين لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علي سلاحي وأنا لا اشك في أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر ,فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد : يا حسن إلى أين ارجع فان القاتل والمقتول في النار ) فرجعت ذعراً وجلست في بيتي , فلما كان اليوم الثاني لم اشك أن التخلف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر ,فتحنطت وصببت عليّ سلاحي وخرجت أريد القتال ,حتى انتهيت إلى موضع الخريبة فناداني مناد من خلفي : يا حسن إلى أين مرة بعد أخرى فان القاتل والمقتول في النار .

قال علي عليه السلام :صدقك أتدري من ذلك النادي ؟

قال :لا

قال :ذاك أخوك إبليس ,وصدقك أن القاتل والمقتول منهم في النار ,

فقال الحسن البصري :الآن عرفت يا أمير المؤمنين إن القوم هلكى .(1)

فان هذه الرواية تظهر أن الحسن البصري هو الذي لا يرغب في قتال الأعداء بل اتهم الإمام عليه السلام بقتال مسلمين وليس بغاة

ولعل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قد بين أهمية قتال الذين حاولوا أن يعيثوا في الأرض فسادا والذي لم يكن للحسن البصري نصيب من أجر المجاهدين في سبيل الإسلام

ص: 115


1- الاحتجاج –احمد بن علي الطبرسي –ج1-ص250-251

البحث السادس: التهمة السادسة - الزواج

ص: 116

الزواج

الزواج سنة حببها الإسلام إلى المسلمين . بدليل قوله تعالى (انكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنيكم الله من فضله والله سميع عليم )

وقال تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ,وأتوا النساء صدقاتهنّ نحلةً فان طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً )

وقال الكليني في الكافي :

عن الحسين بن محمد ,عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي ّ عن حمّاد بن عثمان ,عن عمر بن يزيد ,عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : جعل قرة عيني في الصلاة ولذتي في الدنيا النساء وريحانتي الحسن والحسين .(1)

وعن علي بن إبراهيم ,عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :ما أحب من دنياكم إلا النساء والطيب .(2)

ولذلك فان كل هذه الأمور قد أدركها الإمام الحسن عليه السلام وطبق ذلك وتزوج عدة زوجات .

قال ابن الصباغ في الفصول المهمة :

قال الشيخ المفيد في رسالته أولاد الحسن خمسة عشر ذكراً وأنثى وهم زيد بن الحسن وأختاه أم الحسن وأم الحسين أمهم أم بشير بنت أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجية

والحسن بن الحسن أمه خولة بنت منظور الفزارية ,

وعمر وأخواه القاسم وعبد الله أمهم أم ولد استشهدوا ثلاثتهم بين يدي عمهم الحسين (عليه السلام بطف كربلا رضي الله عنهم وأرضاهم وأحسن عن الدين والإسلام وأهله جزاهم ),

ص: 117


1- الفروع من الكافي –محمد بن يعقوب الكليني –ج5-ص321-ح9
2- المصدر نفسه – ح6

وعبد الرحمن أمه أم ولد

والحسن بن الحسن الملقب الأثرم وأخوه طلحة وأختهما فاطمة أمهم أم اسحق بنت طلحة بن عبد الله التميمي ,

وأم عبد الله وفاطمة وأم سلمة ورقية بنات الحسن لأمهات أولاد شتى .(1)

وبذلك يكون الامام الحسن عليه السلام قد تزوج في حياته ثمانية زوجات فقط .

الطعن على زواجه

من الطرائف في حياة الإمام الحسن بن علي عليه السلام ,أن أمير المؤمنين علي عليه السلام كان يحث المسلمين على الزواج ومنع المسلمين من الاقتران ومصاهرة الإمام الحسن عليه السلام .

فهو القائل : تزوجوا فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :من أحب أن يتبع سنتي فان من سنتي التزويج .(2)

ولقد ذكر أصحاب السّير والتراجم أن أمير المؤمنين قد منع المسلمين من الزواج من ولده الحسن عليه السلام .

قال المزي في تهذيب الكمال

وقال جعفر بن محمد عن أبيه قال علي :يا أهل العراق لا تزوجوا الحسن بن علي فانه مطلاق ,

فقال رجل من همدان :والله لنزوجنّه فما رضيّ امسك ,وما كره طلق .(3)

وقال المدائني : وقال قوم :وكان الحسن أحصن تسعين امرأةً .(4)

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء :

وقد كان هذا الإمام –الحسن بن علي عليهما السلام –سيدا ,وسيماً ,جميلاً ,عاقلاً ,رزيناً ,جواداً ,ممدوحاً ,خيّراً ,ديناً ,ورعاً ,محتشماً ,كبير الشأن ,وكان منكاحاً , مطلاقاً , تزوج نحو سبعين إمرأة وقلما كان يفارقه أربع ضرائر .

عن جعفر بن محمد :أن علياً قال :يا أهل الكوفة !لا

تزوجوا الحسن فانه مطلاق ,

ص: 118


1- الفصول المهمة في معرفة احوال الائمة عليهم السلام-ص157
2- الفروع من الكافي –محمد بن يعقوب الكليني –ج5-ص329-ح5
3- تهذيب الكمال –المزي –ح6 –ص236
4- المصدر نفسه –ص237

فقال رجل :والله لنزوجنّه فما رضي امسك ,وما كره طلّق .(1)

وقال الشبراوي في الأتحاف بحب الأشراف :

وتزوج كثيرأ-الحسن بن علي عليهما السلام –قيل سبعين .

وقال السيوطي بل أكثر من سبعماية وأمره علي (عليه السلام ) رضي الله عنه

منادياً ينادي في أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فانه مطلاق وقد خشيت أن يورثنا عداوة في القبائل فما مرّ المنادي بأحد إلا قال بل نزوجه فما رضي امسك وما كره طلق , وقلّ ما تزوج امرأة إلا أحبته وصبت به .(2)

وقال الواقدي : حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه قال علي : ما زال الحسن يتزوج ويطلق حتى خشيت أن يكون يورثنا عداوة القبائل , يا أهل الكوفة : لا تزوجوه فانه مطلاق

فقال رجل :بل نزوجه فما رضي امسك وما كره طلق .(3)

وقال محمد بن سعد :اخبرنا محمد بن عمر قال :حدثنا عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن الحسن قال : كان الحسن بن علي رجلاً كثير نكاح النساء , وكنّ قلّ ما يحضينّ عند ه وكان قلّ امرأة تزوجها إلا أحبته وصبته .(4)

نظرات

إن لهذه الأحاديث عدة أمور :

1-نهي الإمام علي عليه السلام عن زواج ولده فهل لأجل الطلاق السريع أم أن هنالك شيء آخر .

2-إن الإمام عليه السلام يخشى العداوة من زواج ولده

3-الطعن بالإمام الحسن من جراء زواجه

ص: 119


1- سير أعلام النبلاء –شمس الدين الذهبي –ج4-ص131
2- الإتحاف بحب الأشراف –عبد الله الشبّراوي –ص34-35
3- سير أعلام النبلاء –شمس الدين الذهبي –ج4-ص137
4- تهذيب الكمال –المزي –جج6-ص252-مؤسسة الرسالة

الرد على الأمر الأول .

فقد أظهرت الأحاديث التي وردت عن الإمام عليه السلام انه منع الناس من تزويج ولده , وهذا يعدّ من الأمور غير المقبولة ,لان الولد انعكاس للأب في خَلقه وخٌلقه وتصرفاته في المجتمع .

فكيف بمن قال عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم :من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن ابغضهما فقد ابغضني .(1)

؟

وكيف لمن قال عنه صلى الله عليه وآله وسلم :من أحبني فليحبه وليبلغ الشاهد الغائب ولولا عزمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما حدثتكم .رواه الإمام احمد عن زهير بن الأرقم .(2)

فان هذا الثناء للإمام الحسن عليه السلام لا يدع شكا فيه وفي تصرفاته حتى في النكاح .

ثم إن الأحاديث الشريفة في النكاح وفي صلاة المتزوج تضاهي صلاة الأعزب من ناحية الثواب الجزيل .

فقد قال أبو عبد الله –الصادق -عليه السلام :ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب .(3)

وعن الإمام أبو عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :أرذال موتاكم العزّاب .(4)

وهكذا غيرها فان كل هذه الأحاديث لا يمكن إنكارها وهو موافق لما فعله الإمام الحسن عليه السلام فكيف يمنع عنه أمير المؤمنين عليه السلام ؟.

ثم إن عامة المسلمين قد أدركوا أن التقرب من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في المصاهرة هي أفضل القربات إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

فقد اخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه و(آله)وسلم كل سبب ونسب منقطع يوم القامة إلا سببي ونسبي .(5)

ص: 120


1- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الجنفي –ص256-ح66
2- الإتحاف بحب الاشراف –عبد الله الشبراوي –ص34
3- الفروع من الكافي –محمد بن يعقوب الكليني –ج5-ص328-ح1-باب كراهة العزوبة
4- المصدر نفسه –ص329-ح3
5- حسن التوسل بهامش الإتحاف بحب الأشراف –عبد الله الشبراوي –ص253

ولذا فان منع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كان يجابه بالرفض من قبل المسلمين حتى قالوا :بل نزوجه ,فما رضي امسك وما كره طلق .(1)

فيا ترى لما هذه المخالفة ؟

إن كان النكاح من الإمام الحسن عليه السلام الشرف والرفعة والكرم والمحبة إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؟

إشارة

إن هذا الحديث عن زواج الإمام الحسن عليه السلام يدل أن كثير من النساء كانت ترغب في البقاء معه بعد ما أحبته.

ولذا فان المدائني روى عن بن أبي مليكة قال :تزوج الحسن بن علي خولة بنت منظور فبات ليلة على سطح أجم فشدت خمارها برجله وجعلت الطرف الآخر بخلخالها فقام من الليل.

فقال :ما هذا ؟

فقالت :خفت أن تقوم من الليل بوسنك فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب فأحبها وأقام عندها سبعة أيام .(2)

فان من تحب الإمام الحسن عليه السلام وتتعلم منه ومن سيرته المباركة كل تعاليم الوحي المبين لا تعبأ بالفراق ولا تتأثر بالنواهي التي يطلقها كل من يحاول الفرقة في الحياة الزوجية .

رد الأمر الثاني

لم يعرف من النكاح إلا ازدياد العلاقات الاجتماعية وشدة الأواصر في المجتمع المسلم ,ولم يكن يورث الفرقة والتنابذ ,

وهذا ما ذكرته الآية الكريمة .قال تعالى (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله تواب رحيم )

ص: 121


1- سير أعلام النبلاء –شمس الدين الذهبي –ج4-ص131
2- الإتحاف بحب الأشراف –عبد الله الشبرراوي –ص35

وان من أفضل سبل التعارف هو الزواج وشد تلك العلاقة بتك الرابطة التي لا يمكن أن تتحطم إلا بإثارة الفتنة بين الأفراد .

ولأجل ذلك فان الإمام علي عليه السلام لماذا كان يخشى الفتنة والعداوة ؟

فهل يا ترى شدة الأواصر يعدّ فتنة أم أن الفراق من ابن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يعدّ فرقة إن هذا إلا اختلاق ؟ !

يبدو أن الفراق من حق كلا الطرفين إن لم يكن هناك اتفاق في الحياة الزوجية .كما في آية الطلاق .

قال تعالى (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً )

وهذا ما كان يفعله الإمام أبو محمد عليه السلام :

فقد قال ابن الصباغ في الفصول المهمة :

وعن الحسن بن سعد عن أبيه ,قال : متع الحسن بن علي (عليه السلام ) امرأتين من نسائه بعد طلاقهما بعشرين ألفاً وزقاق من عسل .

فقالت إحداهما وأراها الحنفية :(متاع قليل من حبيب مفارق )(1)

الرد على الأمر الثالث :

إن ما أشارت إليه الروايات أن الإمام علي عليه السلام كان يطعن بزواج ولده عليه السلام لما يمثله من عدم لاستقرار في الحياة الزوجية

والآيات القرآنية قد أوضحت أن الزواج مآله إلى الاستقرار والسكن , قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )

ثم لماذا يطعن الإمام علي عليه السلام بزواج ولده عليه السلام. والإمام الحسن عليه السلام لم يتزوج على أكثر تقدير هي عشرة زوجات , واستقر على أربع زوجات .

ص: 122


1- الفصول المهمة –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص150

قال العسقلاني في تهذيب التهذيب :

قال عبد الله بن الحسن بن الحسن :كان الحسن قلما تفارقه أربع حرائر ,وكان صاحب ضرائر (1)

ثم إن تلك الزوجات لم تنجب له عليه السلام سوى خمسة عشر مولودا بين ذكر وأنثى و هذا كيف يتناسب مع سبعين زوجة أو تسعين زوجة أو سبعمائة زوجة !

ثم هذا العدد هل يتناسب مع إدارة الدولة أم قبلها الذي لم تترك الحرب في البصرة ولا صفين ولا النهروان الإنسان أن يفكر في الاستقرار العائلي !

المؤرخون والإمام الحسن عليه السلام

ذكر المؤرخون وأصحاب السير أن الإمام أبو محمد عليه السلام قد تزوج بعدد كثير من الزوجات .

فقد قال الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف :

وتزوج كثيراً قيل سبعين .

وقال السيوطي :بل أكثر من سبعماية .(2)

وقال المزي في تهذيب الكمال :

وقال المدائني : وقال قوم :وكان الحسن أحصن تسعين امرأة.(3)

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء :

وكان منكاحا ,مطلاقاً ,تزوج نحو سبعين امرأة وقلما كان يفارقه أربع ضرائر .(4)

وقال المدائني :أحصن الحسن تسعين امرأة (5)

وقال البلاذري في انساب الأشراف :

ص: 123


1- تهذيب التهذيب –احمد بن علي العسقلاني –ج2-ص276
2- الإتحاف بحب الأشراف –عبد الله الشبراوي –ص34
3- تهذيب الكمال –المزي –ج6-ص237
4- سير أعلام النبلاء –شمس الدين الذهبي –ج4-ص131
5- المصدر نفسه –ص134

حدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبي صالح فقال :أحصن الحسن بن علي تسعين امرأة .(1)

وقال الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين :

وكان الحسن عليه السلام من الحلماء الكرماء الأسخياء ,وكان كثير الزواج يقال أنه أحصن مائة امرأة وأكثر وكان مطلاقاً للنساء .(2)

نظرات

يبدو أن الإمام الحسن عليه السلام قد اغرق في حب النساء بحيث أن أصحاب التراجم لم يتفقوا على عدد محدود ,وهذا من الغريب

ثم إن بعضهم قد أوصل العدد إلى سبعمائة زوجة ,لكن ألا تحتاج كل هذه الزوجات إلى مأوى ومال ورعاية من قبل الإمام عليه السلام أم مجرد عدد فقط

ثم إن كل هذا العدد ينبغي أن يكون له على اقل تقدير سبعين مولودا بينما أكثر الأولاد خمسة عشر بين ذكر وأنثى .

ثم إن الزواج بهذه الكثرة يحتاج إلى وقت والإمام الحسن عليه السلام قد خاض المعارك في الجمل وصفين و النهروان وبعد ذلك تولى الخلافة بعد استشهاد أبيه عليه السلام ليكون القائد العسكري وليخوض زمام السلطة لكي يقضي على عدوه .

ثم هل حصل هذا العدد من الزوجات في حياة أمير المؤمنين عليه السلام أم بعد استشهاد أبيه عليه السلام ؟

ثم إن القبائل العربية ينبغي أن تكون أكثرها قد صاهرت ابن بنت النبي عليه السلام ,فلم تدعي كثرة القبائل ذلك الشرف ؟

ص: 124


1- انساب الأشراف –البلاذري –ج2-ص376
2- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص239-ح8

البحث السابع: الاتهام السابع - الطلاق

ص: 125

الطلاق

قد يكون الطلاق في الإسلام من الأمور التي لم يحببها إلى المسلمين لما توجب من الفرقة والاختلاف بل يؤدي إلى العداوة والفتنة .

ولذا فان القرآن الكريم لم يجعل لتلك الفرقة إلا بعد استنفاذ كافة وسائل الصلح والخيارات المتاحة عسى أن يعود الزوجان إلى الوئام ليلتئم البيت الزوجي مرة أخرى .

وحينما كان النزاع والخصام وسوء الفهم مستمراً جاء الطلاق الحل الأمثل لحل لتلك العلاقة التي باتت تهدد الطرفين بعدم الاتفاق .

قال تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهنّ من بيوتهنّ ولا يخرجنّ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ,فإذا بلغن أجلهنّ فامسكوهنّ بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجاً )

ومن منطلق هذه الآية الكريمة نال الإمام الحسن عليه السلام من ذلك الفراق ما لم ينله غيره ,فقد ذكر أصحاب التراجم والسير ذلك .

قال العسقلاني في تهذيب التهذيب :

وقال علي بن الحسين :كان مطلاقاً ,وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه (1)

وقال المزي في تهذيب الكمال :

وقال محمد بن سعد :اخبرنا محمد بن عمر قال حدثني علي بن عمر عن أبيه عن علي بن حسين قال : كان حسن بن علي مطلاق للنساء وكان لا يفاقه امرأة إلا وهي تحبه .(2)

ص: 126


1- [1] -تهذيب التهذيب –احمد بن علي العسقلاني –ج2-ص276
2- تهذيب الكمال –المزي –ج6-ص237

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء

وكان منكاحا مطلاقاً , وتزوج نحو سبعين امرأة وقلما كان يفارقه أربع ضرائر .

عن جعفر الصادق : أن علياً قال :يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فانه مطلاق.

فقال رجل : والله لنزوجه فما رضي امسك وما كره طلّق .(1)

وقال الواقدي :حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه

قال علي : ما زال حسن يتزوج ويطلق حتى خشيت أن يكون يورثنا عداوة القبائل

يا أهل الكوفة :لا تزوجوه فانه مطلاق .

فقال رجل : والله لنزّوجه فما رضيّ امسك وما كره طلق .(2)

وقال البلاذري في انساب الأشراف :

المدائني عن سحيم عن حفص عن عيسى بن أبي هارون قال : تزوج الحسن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وكان المنذر بن المنذر يهواها

فابلغ الحسن عنها شيئاً فطلقها الحسن وكان مطلاقا ً, فخطبها المنذر فأبت أن تتزوجه

وقالت : شهرتني فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقا إليه المنذر شيئا فطلقها ,--الخ (3).

وقال الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

وكان الحسن عليه السلام من الحلماء الكرماء الأسخياء وكان كثير الزواج يقال أنه أحصن مائة امرأة وأكثر وكان مطلاقاً للنساء .(4)

نظرات

في هذه السيرة عن الإمام الحسن عليه السلام نجد عدة أمور :

ص: 127


1- سير أعلام النبلاء –شمس الدين الذهبي –ج4-ص131
2- المصدر نفسه –ص-137
3- انساب الأشراف – البلاذري –ج2-ص373
4- نظم درر السمطين – جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي –ص239-ح8

1-أن الإمام الحسن عليه السلام قد اتهم انه كثير الطلاق

2-محبة النساء له وان كان فيه صفة الطلاق

3-الإمام عليه السلام يهوى النساء

رد الأمر الأول

أولاً: أما مسألة كثرة طلاق النساء , فالإمام عليه السلام كان يطلق لسبب واضح لا يخفى على الأريب .

فان زواجه من حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر و شاع هناك رجل يهواها فذلك يوجب الريب في زواجه مما حدا به إلى أن يطلقها وهذا عين الصواب .

لان المجتمع المسلم يحاول أن يحافظ على شرف ورفعة المؤمن فإذا انتهكت أو يشوبها الريب ينبغي أن يدفعها بأيسر السبل فكان الطلاق أفضل وسيلة لذلك .

بل أن بقاء الزواج بعد ما رغب بهنّ بعض المسلمين يوجب الريب في تلك العلاقة المشبوهة كما حدث لحفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر حينما بلغ عن المنذر بن الزبير يهواها فطلقها الحسن وكان مطلاقا فخطبها المنذر فأبت أن تتزوجه

وقالت :شهرتني فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب فتزوجها فرقا إليه المنذر شيئا فطلقها ---الخ(1)

وثانياً :وقال المجلسي في بحار الأنوار :

وتزوج امرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة بن مرة .

فقيل له :أنها ترى رأي الخوارج فطلقها ,

وقال :إني أكره أن أضم إلى نحري جمرة من جمر جهنم .(2)

فانه ليس من المقبول أن يضم إنسان إلى جنبه من يعتقد أن هنالك من يحاول أن يقتله .

ص: 128


1- انساب الأشراف –البلاذري –ج2-ص373
2- بحار الأنوار – محمد باقر المجلسي –ج44-ص173 –ح9

فان اعتقاد الخوارج أن أمير المؤمنين علي عليه السلام ليس داخل في ملة الإسلام وهذا من الأكاذيب الواضحة التي ظهرت في ذلك الوقت ,فان من رأى الهدنة أو القتال حسب ما تمليه الظروف المحيطة به تجعل من المسلمين أن يسلموا برأيه مهما كان ولا ينبغي التشكيك فيه لان ذلك ينافي البيعة له مما يوجب نقضها من أفعالهم .

والأمام الحسن عليه السلام أبت نفسه الشريف أن ترفض ذلك النكاح واستمراره وهذا الرأي من الذكاء الذي لا يمكن التغافل عنه

رد الأمر الثاني

إن محبة النساء له ليس فيه مثلبة للإمام الحسن عليه السلام بل دليل على محبة المسلمين له وهذا ما ذكره كثير من المؤرخين .

قال ابن عبد البر في الاستيعاب

ولما قتل أبوه علي (عليه السلام )رحمه الله بايعه أكثر من أربعين ألفا كلهم قد كانوا بايعوا أباه عليا قبل موته على الموت وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم في أبيه .(1)

فكيف بالنساء فهو ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي منحه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الهيبة والسؤدد .

فقد ذكر الزرندي في نظم درر السمطين :

روت زينب بنت أبي رافع قالت :أتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنيها إليه في شكواه ,

فقالت له :يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذان ابناي فورثهما شيئاً .فقال :أما الحسن فان له هيبتي وسؤددي ,

وأما الحسين فان له جرأتي وجودي .(2)

ص: 129


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب –لابن عبد البر النمري القرطبي –ج1-ص370-بهامش الإصابة
2- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص260-261-ح83

وهو الكريم بن الكرماء الذي عرف عنه بكريم أهل البيت عليه السلام بحيث كان يبذل لزوجاته ما لم يكن يبذله غيره في زواجه

فقد قال كمال الدين الشافعي في مطالب السؤل :

ويروى عن ابن سيرين (رحمه الله )أنه قال :تزوج الحسن بن علي امرأة فأرسل إليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم

ونقل عنه عليه السلام أنه تمتع امرأتين بعشرين ألف درهم وزقاق من عسل .(1)

وقد قال ابن الصباغ في الفصول المهمة

وعن الحسن بن سعد عن أبيه ,قال متع الحسن بن علي عليه السلام امرأتين من نسائه بعد طلاقهما بعشرين ألفاً وزقاق من عسل .

فقالت وأراها الحنفية : (متاع قليل من حبيب مفارق )(2)

رد المورد الثالث

من المبالغة في التعبير أن الأمام الحسن عليه السلام يهوى النساء بل من القدح في أخلاقه .

ولعل أن هنالك من يحاول أن يطعن في هذه الشخصية العظيمة ,ولأجل أن يبرز أن ابن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من الناحية الخلقية سواء للمسلمين ,ولم ينتبهوا إلى القرآن الكريم حينما مدحه بآية التطهير بقوله تعالى (إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )

وآية المباهلة قال تعالى (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم )وغيرها من الآيات الكريمات .

فكيف لهذا الإنسان أن يخالف الأوامر الإلهية بحيث تكون شهوته تغلب إيمانه فيكون مثاراً للريب ؟

ص: 130


1- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول-كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي –ص235
2- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة –علي بن محمد المالكي الشهير بان الصباغ

وكيف لمسلم أن يعتقد أن إمامه وقائد المسلمين يهوى النساء ولا يهتم بأمور المسلمين ومعاشهم وأمنهم إن هذا الاختلاق ؟

بل لو كان هنالك هوى للنساء لأوجب الطعن بأخلاقه في المجتمع المسلم وهذا لم يحصل قطعاً ,وإنما حاول المسلمون أن يتقربوا إلى ابن بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنكاح ولو كان لمدة كي يكون سبب يتقربون به إليه صلى الله عليه وآله يوم القيامة .

ص: 131

البحث الثامن: التهمة الثامنة - الرد على الوالد

ص: 132

الرد على أبيه عليه السلام

الاعتراض على القرارات التي لم يعرفها أسبابها من قبل المرء يعدّ من الأمور التي يستهجنها العقل السليم .

ولعل هذا من التسرع في الاعتراض من دون مبرر له . كما أن اتخاذ الأحكام قبل معرفة ما يحيط بالدليل أو الموضوع يعدّ من النقص الذي ينبغي تلافيه .

وهذا ما قد يبدو مما ذكره المؤرخ الدنيوري في حق الإمام الحسن عليه السلام .

فقد أعلن أبو حنيفة الدنيوري في الأخبار الطوال :

(فلما أصبحوا من الغد خرجوا مستعدين –وذلك لما استنفر الإمام الحسن عليه السلام وعمار بن ياسر وحجر بن عدي أهل الكوفة – فأحصاهم تسعة الآلاف وستمائة وخمسين رجلاً , فوافوا علياً بذي قار قبل أن يرتحل . فلما همّ بالمسير غلس الصبح , ثم أمر مناديا ,فنادى في الناس الرحيل ,

فدنا منه الحسن , فقال :(يا أبت أشرت عليك حين قتل عثمان وراح الناس إليك وغدوا ,وسألوك أن تقوم بهذا الأمر ألا تقبله حتى تأتيك طاعة جميع الناس في الآفاق , وأشرت عليك حين بلغك خروج الزبير وطلحة بعائشة إلى البصرة أن ترجع إلى المدينة , فتقيم في بيتك , وأشرت عليك حين حوصر عثمان أن تخرج من المدينة , فان قُتل قُتل وأنت غائب ,فلم تقبل رأيي في شيء من ذلك)(1)

تأملات

إن ما ذكره الإمام الحسن عليه السلام كما ادعاه الدنيوري من الطبيعي أن يكون إنسانا كباقي البشر وليس ابن بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال عنه:اللهم إني أحبه وأحب من يحبه ثلاث مرات .(2)

ثم إنما ذكره المؤرخ على لسان بن علي عليه السلام مدعاة إلى عدة تساؤلات :

أولاً : لماذا الإمام الحسن عليه السلام لم يرغب بالخلافة لأبيه فهو أحق بها من غيره ؟

ثانيا : ولماذا البقاء في المدينة أولى من قتال الناكثين لبيعته ؟

ص: 133


1- الأخبار الطوال – أبو حنيفة احمد بن داود الدنيوري –ص145
2- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص244

ثالثا: ولماذا الفرار من المسؤلية خير من توليها رغم الاتهامات التي وجهت له ؟

رد المورد الأول

لكن هذه الأسئلة قد ردها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حينما قال لولده :أما انتظاري طاعة جميع الناس من جميع الأفاق ,فإن البيعة لا تكون إلا لمن حضر الحرمين من المهاجرين والأنصار ,فإذا رضوا وسلّموا وجب على جميع الناس الرضا والتسليم ,

وأما رجوعي إلى بيتي والجلوس فيه , فان رجوعي لو رجعت كان غدراً بالأمة ,ولم آمن أن تقع الفرقة ,وتتصدع عصا هذه الأمة ,

وأما خروجي حين حُوصر عثمان فكيف أمكنني ذلك ؟

وقد كان الناس أحاطوا بي كما أحاطوا بعثمان ,فاكفف يا بني عما أنا اعلم به منك )(1)

لكن هذه الأمور التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام هل كانت بعيدة عن الإمام الحسن عليه السلام أم غفل عنها ؟

إن ما ذكره أبو الحسن عليه السلام بأحقيته للخلافة فقد قالها مراراً وفي عدة مواقف .

قال عليه السلام (أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إليّ الطير, فسدلت دونها ثوباً , وطويت عنها كشحاً , وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو اصبر على طخية عمياء ,يهرم فيها الكبير ,ويشيب فيها الصغير ,ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه !

فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ,فصبرت وفي العين قذى , وفي الحلق شجا ,أرى تراثي نهبا ,حتى مضى الأول لسبيله ,فأدلى بها إلى ابن الخطاب ثم تمثل بقول الأعشى

شتان ما يومي على كورها *** ويوم حيان أخي جابر

فيا عجبا ! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما تشطرا ضرعيها !

ص: 134


1- الأخبار الطوال –ابو حنيفة احمد بن داود الدنيوي –ص146

فصيرها في حوزة خشناء , يغلظ كلمها , ويخشن مسها , ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ,فصاحبها كراكب الصعبة ,إن أشنق لها خرم ,وإن أسلس لها تقحم ,فمني الناس –لعمر الله –بخبط وشماس , وتلون واعتراض .

فصبرت على طول المدة , وشدة المحنة , حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم ,فيا لله وللشورى !

متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم ,حتى صرت اقرن إلى هذه أقرن إلى هذه النظائر !

لكنني أسففت إذ أسفوا ,وطرت إذ طاروا ,فصغا رجل منهم لضغنه , مال الآخر لصهره ,مع هن وهن .

إلى أن قام ثالث القوم ,نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه , وقام بنوا أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع ,إلى أن انتكث عليه فتله , وأجهز عليه عمله ,وكبت به بطنته .

فما راعني إلا والناس إليّ كعرف الضبع ,ينثالون عليّ من كل جانب ,حتى وطئ الحسنان ,وشق عطفاي ,مجتمعين حولي كربيضة الغنم . )(1)

رد المورد الثاني

وأما ترك قتال الناكثين عن بيعته فهذا يعد من إستشراء الفساد الذي ينبغي قطع دابره بعد الإنذار والتحذير .

بل هذا ما بشر به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم علياً بذلك

قال الخوارزمي في المناقب :

وبهذا الإسناد عن الحافظ أبي بكر احمد بن موسى بن مردويه هذا : اخبرنا محمد بن علي بن رحيم , حدثنا احمد بن حازم , حدثنا عثمان بن محمد ,حدثنا يونس بن أبي يعقوب ,حدثنا حماد بن عبد الرحمن الأنصاري عن أبي سعيد التميمي ,عن علي عليه السلام قال: عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .

ص: 135


1- نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –ص50-55خطبة رقم 3

فقيل له :يا أمير المؤمنين ,من الناكثون ؟

قال :الناكثون أهل الجمل والمارقون الخوارج ,والقاسطون أهل الشام .(1)

رد المورد الثالث

أما الكف عن المسؤلية فان الاتهام سوف يوجه إلى أمير المؤمنين عليه السلام من قبل الأعداء وبذريعة المشاركة والتأليب على مقتل عثمان بن عفان .

وذلك فان أمير المؤمنين عليه السلام لما رأى من نكث بيعته واتهمه بالقتل والمشاركة أفصح عن وجه الحق بأوضح بيان .

قال عليه السلام :ألا وإن الشيطان قد ذمر حزبه واستجلب جلبه ,ليعود الجور إلى أوطانه , ويرجع الباطل إلى نصابه .والله ما أنكروا عليّ منكراً ,ولا جعلوا بيني وبينهم نصفاً .

وإنهم ليطلبون حقا تركوه ,ودماً هم سفكوه ,فلئن كنت شريكهم فيه فان لهم لنصيبهم منه ,ولئن كانوا ولو هدوني فما التبعة إلا عندهم ,وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم يرتضعون أماً قد فطمت ,ويحيون بدعة قد أميتت .

يا خيبة الداعي !من دعا ! وإني لراض بحجة الله عليهم ,وعلمه فيهم .

فان أبوا أعطيتهم حدّ السيف ,وكفى به شافياً من الباطل , وناصراً للحق ,ومن العجب بعثهم إليّ أن أبرز للطعان ,وأن أصبر للجلاد ! هبلتهم الهبول ,لقد منت وما أهدد بالحرب ,ولا أرهب بالضرب ,وإني لعلى يقين من ربيّ ,وغير شبهة من ديني .(2)

ثم إن الإمام علي عليه السلام قد بين ذلك في خطبته أهمية البيعة من قبل المسلمين له وهذا لاشك فيه

قال عليه السلام : فما راعني إلا والناس إليّ كعرف الضبع ,ينثالون عليّ من كل جانب , حتى لقد وطئ الحسنان ,وشق عطفاي ,مجتمعين حولي كربيضة الغنم .)(3)

ص: 136


1- المناقب – الحافظ الموفق بن احمد الخوارزمي –ص-164
2- نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –ص73-74-خطبة رقم 22
3- نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –ص55-خطبة رقم 3

كل هذه الأمور أراد المؤرخون أن يضعوها كي ينتقصوا من هذا الإمام الشامخ بن أبي طالب عليه السلام , ويدّعوا انه ليس له علم ولا أهلية لقيادة الأمة الإسلامية أن لم يكن من دهاة العرب أو من الماكرين كي يمدح حينذاك ويكون علماً في الدهاء والمكر .

ص: 137

البحث التاسع: الاتهام التاسع - الصلح

ص: 138

الصلح

أثنى النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم على ولده الإمام الحسن عليه السلام بعدة أحاديث بحيث تناقلها المسلمون ولم يدع مجالا للشك فيها , ولعل من أهمها :

قال ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق :

عن زيد بن أرقم قال :إني لعند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرّ عليّ وفاطمة والحسن والحسين . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم .(1)

وقال أبو نعيم الأصفهاني في معرفة الصحابة :

عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .(2)

وقال ابن الصباغ في الفصول المهمة

وعن عمار بن ياسر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هما ريحانتي من الدنيا .(3)

وهكذا غيرها من الأحاديث الشريفة التي تحث على محبة الإمام الحسن ونبذ من يبغضه

فقد قال الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

وروى أبو حازم قال : قال أبو هريرة حين منعوا الحسن أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حسدوا ابن بنت رسول الله تربة يدفنوه فيها ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة مَن أحبهما فقد أحبني ومَن ابغضهما فقد ابغضني .(4)

ص: 139


1- تاريخ مدينة دمشق –لابن عساكر –ج13-ص218
2- معرفة الصحابة –أبو نعيم الأصفهاني –ج2-ص3-دار الكتب العلمية
3- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة عليهم السلام –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص146
4- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص251-ح47

فانه دليل على عظم هذه الشخصية التي ينبغي للمسلمين احترامها والاهتمام بها . بل وعدم الاعتراض على كل ما يفعله أو يقوله أو يشير إليه .

لكن المؤرخين قد ذكروا أن النبي الأكرم

صلى الله عليه وآله وسلم قد بشّر ولد الحسن عليه السلام انه سوف يصلح الأمة الإسلامية عن طريق صلحه العظيم .

قال العسقلاني في تهذيب التهذيب

قال الحسن البصري : سمعت أبا بكرة يقول : بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب جاء الحسن فقال :ابني هذا سيد لعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين .(1)

وقال بن عساكر في تاريخ مدينة دمشق

وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :انه ريحانتي من الدنيا وان ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين .(2)

وقال سفيان : وقال داود بن أبي هند عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحسن :أن ابني هذا سيد ويصلح الله به فئتين من المسلمين .(3)

وعن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن ابني هذا سيد –الحسن بن علي –وليصلحنّ الله على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين .(4)

وقال المزي في تهذيب الكمال

وقال الحسن البصري عن أبي بكرة بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب جاء الحسن حتى صعد المنبر فقال :إن ابني هذا سيد وان الله سيصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين .(5)

ص: 140


1- تهذيب التهذيب –احمد بن علي العسقلاني –ج2-ص275
2- تاريخ مدينة دمشق –لابن عساكر –ج13-ص176
3- المصدر نفسه –ص212
4- المصدر نفسه –ص231
5- تهذيب الكمال –المزي –ج6-ص232

وقال الحسن :ولقد سمعت أبا بكرة قال : بينا النبي صلى الله وآله وسلم يخطب جاء الحسن فقال : ابني هذا سيد , ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين.(1)

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء

يحيى بن معين :حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن ابني هذا سيد يصلح الله به فئتين من المسلمين .(2)

وقال البلاذري في انساب الأشراف

وروى بعض المدنيين :إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :الحسن ريحانتي من الدنيا وهو سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين اللهم إني أحبه وأحب من يحبه .(3)

وقال ابن الجوزي في صفوة الصفوة

وفي أفراده من حديث أبي بكرة قال :رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة أخرى ويقول :إن ابني هذا سيد ولعل الله عزّ وجل أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين .(4)

وقال أبو نعيم الأصفهاني في معرفة الصحابة :

حدثنا إسرائيل أبو موسى عن الحسن :سمعت أبا بكر يقول :رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر والحسن بن علي معه إلى جنبه وهو يلتفت إلى الناس

ص: 141


1- تهذيب الكمال –المزي –ح6-ص236
2- سير أعلام النبلاء –شمس الدين الذهبي –ج4-ص133
3- انساب الأشراف –البلاذري –ج2-ص370
4- صفوة الصفوة –لأبي الفرج جمال الدين بن الجوزي –ج1-ص385-ط-دار الكتب العلمية

مرة واليه مرة وهو يقول :إن ابني هذا سيد ,ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين .(1)

وقال أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء

حدثنا الحسن حدثني أبو بكرة قال :كان النبي يصلي بنا فيجيء الحسن وهو ساجد صبي صغير حتى يصير على ظهره أو رقبته فيرفعه رفعا رفيقاً , فلما صلى صلاته , قالوا :يا رسول الله رأيناك لتصنع بهذا الصبي شيئا لا تصنعه بأحد فقال : إن هذا ريحانتي , وان ابني هذا سيد ,عسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين .(2)

وقال ابن الأثير في أسد الغابة

وحدثنا محمد بن عيسى ,حدثنا محمد بن بشار ,واخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ,واخبرنا الأشعث ,هو ابن عبد الملك ,عن الحسن عن أبي بكرة قال : صعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فقال : إن ابني هذا سيّد ,يصلح الله به بين فئتين عظيمتين .(3)

وقال العسقلاني في الإصابة

وفي البخاري عن أبي بكر رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر والحسن بن علي معه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة ويقول :إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين .(4)

وقال بن عبد البر في الاستيعاب

وتواترت الآثار الصحاح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في الحسن بن علي :أن ابني هذا سيد وعسى الله أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . رواه جماعة من الصحابة .(5)

ص: 142


1- معرفة الصحابة –أبو نعيم الأصفهاني –ج2-ص3
2- حلية الأولياء –أبو نعيم الأصفهاني –ج2-ص44
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لعز الدين بن الأثير –ج2-ص12
4- الإصابة في تمييز الصحابة –شهاب الدين احمد بن علي بن حجر العسقلاني –ج1-ص330
5- الاستيعاب في معرفة الأصحاب -لابن عبد البر النمري القرطبي –ج1-ص370

وقال الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين

وفي الصحيح عن أبي بكرة قال :رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر والحسن بن عليّ إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول :إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين .(1)

وقال ابن الصباغ في الفصول المهمة

وروي عن الحافظ فيما أورده في حليته عن أبي بكر , قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بنا , فيجيء الحسن عليه السلام وهو ساجد وهو إذ ذاك صغير فيجلس على ظهره ومرة على رقبته , فيرفعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم رفعاً رفيقاً , فلما فرغ من الصلاة قالوا : يا رسول الله إنك تصنع بهذا الصبي شيئاً لا تصنعه بأحد,

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إن هذا ريحانتي وان ابني هذا سيد , وعسى أن يصلح الله تعالى به بين فئتين من المسلمين(2)

وقال كمال الدين بن طلحة الشافعي في المطالب السؤل

فمنها ما اتفقت على إيراده وتطابقت على صحة إسناده ما رواه الحسن بن أبي الحسن البصري رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة أخرى ويقول : إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به فئتين عظيمتين من المسلمين (3)

وقال محمد بن إسماعيل البخاري في صحيح البخاري

حدثنا صدقة : حدثنا ابن عيينة :حدثنا أبو موسى ,عن الحسن :سمع أبا بكرة :سمعت النبي صلى الله عليه (وآله)وسلم على المنبر ,والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ,ويقول : ((ابني هذا سيد ,ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ))(4)

ص: 143


1- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي-ص239-ح9
2- الفصول المهمة – لابن الصباغ-ص146
3- المطالب السوؤل في مناقب ال الرسول –كمال الدين بن طلحة الشافعي –ص227
4- صحيح البخاري- محمد بن إسماعيل البخاري–ص682-ح3746-باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما

وقال الطبرسي في إعلام الورى

عبد الله بن بريدة ,عن ابن عباس قال : انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنادى على باب فاطمة ثلاثاَ فلم يجبه أحدٌ , فمال إلى حائط فقعد فيه وقعدت إلى جانبه , فبينا هو كذلك إذ خرج الحسن بن عليّ قد غسل وجهه وعلقت عليه سبحة ,

قال :فبسط النبي صلى الله عليه وآله وسلم يديه ومدّهما ثم ضمّ الحسن إلى صدره وقبّله,

وقال : إن ابني هذا سيّد ولعل الله عزّ وجلّ يصلح به بين فئتين من المسلمين .(1)

نظرات

إن هذا الحديث لابد من التأمل فيه من عدة جهات :

ا-هنالك اختلاف في الحديث وفي معناه .

2- لماذا نبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الصلح دون الانتصار على العدو.

3-إن الحديث عن فئتين من المسلمين لكن الذي لا يؤمن بخلافة الأمة فهل يعدّ ليس من المسلمين بل من القاسطين أو المارقين أو الباغين ؟

4- لماذا ذكر الحديث بان الإمام الحسن عليه السلام بأنه سيد ,و ما الغاية منه ؟

رد الأمر الأول

إن الحديث الذي ورد بعدة ألفاظ وهذا يدل أن هنالك تفاوتا مما يؤدي إلى الاختلاف في المعنى .

فقد ورد بأنه (الإمام سيصلح )وأخرى (يصلح )وأخرى (ليصلح )وتارة بلفظ (عسى أن يصلح ) وتارة (حتى يصلح )

ص: 144


1- إعلام الورى بأعلام الهدى –أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ص218-الفصل الثالث في ذكر طرف من خصائصه ومناقبه عليه السلام

فان المعنى الأول يدل انه في المستقبل سوف يصلح بين مجموعتين من المسلمين .ولذا فان السين في سيصلح دال على الاستقبال قال تعالى (فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً )

أما المعنى الثاني فهو يدل على انه يصلح لكن في الزمان الحالي أو الاستقبالي .كما في قوله تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً )

أما المعنى الثالث أن هنالك أمرا بالإصلاح واجب تنفيذه ,كما في قوله تعالى (فليقاتل في سبيل الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً )

وإما المعنى الرابع هو تمني حصول الإصلاح لكن هل يقع أم لا فهذا مرهون بالزمان الاستقبالي , كما في قوله تعالى (فقاتل في سبيل الله لا نكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً )

وأما المعنى الخامس فان معناه أن الإمام عليه السلام آخر عمل له هو الإصلاح , كما في قوله تعالى (قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنّا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون )

وهذه المعاني لا تدل إلا على الاشتراك في مادة الإصلاح وهو وقوع الصلح ويكون سببه هو الإمام عليه السلام

لكن يا ترى كل هذه المعاني قد ذكرها النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أم أن الرواة هم الذين فهموها من هذا الحديث ؟

ردالأمر الثاني

إن تنبيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولده سوف يكون هنالك صلح أم هدنة لمدة من الزمن , دليل على أن ذلك ليس معناه هو الاستنكار لحقه المهتضم .وإنما لأجل هنالك دوافع ينبغي للإمام أن يتداركها بالصلح كما حدث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية لما صالح المشركين ,

ص: 145

قال الطبرسي في إعلام الورى

كانت غزوة الحديبية في ذي القعدة خرج رسول الله عليه وآله وسلم في ناس كثير من أصحابه يريد العمرة وساق معه سبعين بدنة وبلغ ذلك المشركين من قريش , فبعثوا خيلاً ليصدّوه عن المسجد الحرام وكان يرى أنهم لا يقاتلونه لأنه خرج في الشهر الحرام وكان من أمر سهيل بن عمرو وأبي جندل ابنه وما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما شكّ به من زعم أنه ما شك إلا يومئذ في الدين وأتى بريد بن ورقاء إلى قريش .

فقال لهم : يا معشر قريش خفضوا عليكم فإنه لم يأت يريد قتالكم وإنما يريد زيارة بيت الله الحرام ,

فقالوا :والله ما نسمع منك ولا تحدث العرب أنه دخلها عنوة ولا نقبل منه إن يرجع عنّا ثم بعثوا إليه بكر بن حفص وخالد بن الوليد وصدوا الهدي وبعث عثمان بن عفان إلى أهل مكة يستأذنهم أن يدخل مكة معتمراً , فظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم قتلوه.

فقال لأصحابه :أ تبايعوني على الموت ؟

فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفروا منه أبداً ,ثم إنهم بعثوا سهيل بن عمرو.

فقال :يا أبا القاسم إن مكة حرمنا وعزنا وقد تسامعت العرب بك أنك قد غزوتنا ومتى ما تدخل علينا مكة عنوة تطمع فينا فنتخطف وإنّا نذكرك الرحم , فانّ مكة بيضتك التي تفلّقت من رأسك ,

قال :فما تريد ؟

قال :أريد أن أكتب بيني وبينك هدنة على أن أخليها لك في قابل فتدخلها ولا تدخلها بخوف ولا فزع ولا سلاح إلا سلاح الراكب السيف في القراب القوس ,

فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ أديما أحمر فوضعه على فخذه ثم كتب بسم الله الرحمن الرحيم .

فقال سهيل بن عمرو :هذا كتاب بيننا يا محمد فافتحه بما نعرفه واكتب باسمك اللهمّ ,

فقال صلى الله عليه وآله وسلم :واكتب باسمك اللهم وامح ما كتبت .

فقال عليه السلام :لولا طاعتك يا رسول الله لما محوت ,

ص: 146

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ,

فقال سهيل : لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوة فامح هذا الاسم واكتب محمد بن عبد الله .

فقال علي عليه السلام :إنه والله رسول الله على رغم أنفك .

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :امحها يا عليّ ,

فقال له :يا رسول الله إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة .

قال :فضع يدي عليها ,فمحاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده. وقال لعلي عليه السلام : ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض .

ثم كتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ومن معه من المسلمين سهيل بن عمرو ومن معه من أهل مكة على أن الحرب مكفوفة فلا أغلال و لا إسلال ولا قتال , و على أن لا يستكره أحد على دينه و على أن يعبد الله بمكّة علانية , و على أنَّ محمّداً ينحر الهدي مكانه و على أن يخلّيها له في قابل ثلاثة أيّام فيدخلها بسلاح الراكب و تخرج قريش كلها من مكّة إلّا رجل واحد من قريش يخلفونه مع محمد و أصحابه , و من لحق محمّداً وأصحابه من قريش فأنَّ محمّداً يردّه إليهم و من رجع من أصحاب محمّد و أصحابه , و من لحق محمّداً وأصحابه من قريش فإنَّ محمّداً يردّه إليهم و من رجع من أصحاب محمّد إلى قريش بمكّة فإنَّ قريشاً لا تردّه إلى محمّد ,

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا سمع كلامي ثمَّ جاءكم فلا حاجة لي فيه ، وأنَّ قريشاً لا تعين على محمد وأصحابه أحداً بنفس ولا سلاح إلى آخره فجاء أبو جندل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى جلس إلى جنبه سهيل .

فقال أبوه سهيل: رده عليّ.

فقال المسلمون :لا نرده ,

فقام صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ بيده

فقال :(اللهم إن كنت أن أبا جندل لصادق فاجعل له فرجا ومخرجا )

ثم اقبل على الناس وقال :إنه ليس عليه بأس إنما يرجع إلى أبيه وأمه وإني أريد أن أتم لقريش شرطها ورجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة .

ص: 147

وانزل الله في الطريق سورة الفتح (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ) .(1)

كذلك لما اجبر أمير المؤمنين عليه السلام إلى القبول بالهدنة بينه وبين جيش الشام .

فقد ذكر الطبري في تاريخ الأمم والملوك

قال أبو مخنف :حدثني فضيل بن خديج الكندي ,عن رجل من النخع ,أنه رأى إبراهيم بن الأشتر دخل على مصعب بن الزبير ,

قال :كنت عند عليّ حين أكرهه الناس على الحكومة وقالوا :ابعث إلى الأشتر فليأتيك .

قال :فأرسل عليّ إلى الأشتر يزيد بن هانئ السبيعي :أن ائتني ,

فاتاه فبلغه ,فقال :قل له :ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن موقفي ! إني رجوت أن يفتح لي ,فلا تعجلني .

فرجع يزيد بن هانئ إلى عليّ فأخبره ,فما هو إلا أن انتهى إلينا ,فارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر .

فقال له القوم :والله ما نراك إلا أمرته أن يقاتل !

قال :من ينبغي أن تروا ذلك ؟ رأيتموني ساررته ؟ أليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعوني ؟

قالوا :فابعث إليه فليأتك ,وإلا والله اعتزلناك .

قال له :ويحك يا يزيد ! قل له :أقبل إليّ ,فان الفتنة قد وقعت ,فأبلغه ذلك ,فقال له :ألرفع المصاحف ؟

قال :نعم ,

قال :أما والله لقد ظننت حين رفعت أنها ستوقع اختلافاً وفرقةً ,وأنها مشورة ابن العاهرة ألا ترى ما صنع الله لنا ؟أينبغي أن أدع هؤلاء وأنصرف عنهم .

ص: 148


1- إعلام الورى بأعلام الهدى –أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ص111-113

قال يزيد بن هانئ :فقلت له :أتحب أنك ظفرت هاهنا وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه أو يسلمّ ؟

قال :لا والله ,سبحان الله!

قال :فإنهم قد قالوا : لترسلنّ إلى الأشتر فليأتنيك أو لنقتلنك كما قتلنا ابن عفان !

فأقبل حتى انتهى إليهم .

فقال :يا أهل العراق ,يا أهل الذل والوهن ,حين علوتم القوم وظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها ؟! وقد والله تركوا ما الله عزّ وجلّ به فيها وسنة من أنزلت عليه صلى الله عليه وآله وسلم ,فلا تجيبوهم , أمهلوني فواقاً , فإني قد أحسست بالفتح ,

قالوا:لا ,

قال :أمهلوني عدو الفرس ,فإني قد طمعت في النصر ,

قالوا : إذاً ندخل معك في خطيئتك .

قال :فحدثوني عنكم وقد قتل أماثلكم وبقي أراذلكم ,متى كنتم محقين ,أحين كنتم تقاتلون وخياركم يقتلون فأنتم الآن إذا أمسكتم عن القتال مبطلون أم الآن أنتم محقون ؟

فقتلاكم الذي لا تنكرون فضلهم فكانوا خيراً منكم في النار إذاً ؟

قالوا :دعنا منك يا اشتر ,قتلناهم في الله عزّ وجلّ وندع قتالهم لله سبحانه .إنّا لسنا مطيعيك ولا صاحبك ,فاجتنبنا .

فقال : خدعتم والله فانخدعتم ,ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم ,يا أصحاب الجباه السود , كنّا نظن صلواتكم زهادة في الدنيا وشوقاً إلى لقاء الله عزّ وجلّ , فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت . ألا قبحاً يا أشباه النيب الجلالة ,وما أنتم برآئين بعدهما عزّاً أبداً ,فابعدوا كما بعد القوم الظالمون ,فسبوه فسبهم , فضربوا وجه دابته بسياطهم , وأقبل يضرب بسوطه وجوه دوابهم ,

وصاح بهم عليّ فكفوا ,

وقال للناس :قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكماً ,

فجاء الأشعث بن قيس إلى عليّ

ص: 149

فقال له :ما أرى الناس إلا قد رضوا ,سرّهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن ,فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد ,فنظرت ما يسأل ,قال: ائته إن شئت فسله ,

فاتاه فقال :يا معاوية ,لأي شيء رفعتم المصاحف ؟

قال :لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله عزّ وجلّ به في كتابه ,تبعثون منكم رجلاً ترضون به ,ونبعث منّا رجلاً ,ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ,ثم نتبع ما اتفقنا عليه .

فقال له الأشعث بن قيس :هذا الحق ,

فانصرف إلى عليّ فأخبره بالذي قال معاوية ,

فقال الناس :فإنا قد رضينا وقبلنا ,

فقال أهل الشام :فإنا قد اخترنا عمرو بن العاص ,

فقال الأشعث وأولئك القوم الذين صاروا خوارج بعدُ :فإنّا قد رضينا واخترنا بابي موسى الأشعري ,

قال عليّ :فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر , فلا تعصوني الآن ,إني لا أرى أن أوليّ أبا موسى .

فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ,ومسعر بن فدكي :لا نرضى إلا به ,فانه ما كان يحذرنا وقعنا فيه ,

قال عليّ :فإنه ليس لي بثقة ,قد فارقني ,وخذل الناس عنيّ ثم هرب منيّ ,حتى آمنته بعد أشهر ,ولكن هذا ابن عباس نوليه ذلك ,

قالوا :ما نبالي ,أنت كنت أم ابن عباس ! لا نريد إلا رجلاً منك ومن معاوية سواء ,ليس إلى واحد منكما بأدنى منه إلى الآخر ,

فقال عليّ :فإني أجعل الأشتر .

قال أبو مخنف :حدثني أبو جناب الكلبي :أن الأشعث قال :وهل سعرت الأرض علينا غير الأشتر .

ص: 150

قال أبو مخنف عن عبد الرحمن بن جندب ,عن أبيه :أن الأشعث قال :وهل نحن إلا في حكم الأشتر ؟

قال عليّ :وما حكمه ؟

قال :حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد .

قال :فقد أبيتم إلا أبا موسى ؟

قالوا :نعم ,

قال :فاصنعوا ما أردتم .

فبعثوا إليه وقد اعتزل القتال ,وهو بعرض ,فأتاه مولى له ,

فقال :إن الناس قد اصطلحوا ,

فقال :الحمد لله رب العالمين !

قال :قد جعلوك حكماً ؟

قال : )إنا لله وإنّا إليه راجعون ) وجاء أبو موسى حتى دخل العسكر ,وجاء الأشتر حتى أتى علياً .

فقال :ألزني بعمر بن العاص ,فو الله الذي لا إله إلا هو ,لئن ملأت عيني منه لأقتلنه ,

وجاء الأحنف فقال :يا أمير المؤمنين ,إنك قد رميت بحجر الأرض ,وبمن حارب الله ورسوله أنف الإسلام ,وإني قد عجمت هذا الرجل ,وحلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة ,قريب القعر ,وإنه لا يصلح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يصير في اكفهم , ويبعد حتى يصير بمنزلة النجم منهم ,فإن أبيت أن تجعلني حكماً , فاجعلني ثانيا أو ثالثاً , فإنه لن يعقد عقدة إلا حللتها , ولن يحل عقدة أعقدها إلا عقدت لك أخرى أحكم منها .

فأبى الناس إلا أبا موسى والرضى بالكتاب ,

فقال الأحنف :فان أبيتم إلا أبا موسى فأدفئوا ظهره بالرجال ,فكتبوا

بسم الله الرحمن الرحيم , هذا ما تقاضى عليه عليّ أمير المؤمنين .

ص: 151

فقال عمرو:أكتب اسمه وأسم أبيه ,هو أميركم فأما أميرنا فلا ,فلما أعيد الكتاب إليه أمر بمحوه

وقال له الأحنف :لا تمح اسم (الإمارة المؤمنين ) فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبداً ,لا تمحها وان قتل الناس بعضهم بعضاً, فأبى ذلك عليّ ملياً من النهار ,

ثم إن الأشعث بن قيس قال :امح هذا الاسم برّحه الله !

وقال عليّ :الله أكبر ,سنة بسنة ,ومثل بمثل ,والله إني لكاتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية إذ قالوا:لست رسول الله ,ولا نشهد لك به , ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ,فكتبه ,

فقال عمرو بن العاص :سبحان الله ! ومثل هذا نشّبه بالكفار ونحن مؤمنون ! فقال عليّ : يا بن النابغة ,ومتى لم تكن للفاسقين ولياً ,وللمسلمين عدواً ! وهل تشبه إلا أمك التي وضعت بك ؟

فقام عمرو فقال :لا يجمع بيني وبينك مجلس أبداً بعد هذا اليوم ,

فقال عليّ :وإني لأرجو أن يطهّر الله عزّ وجلّ مجلسي منك ومن أشباهك .وكتب الكتاب (1)

رد الأمر الثالث

إن الحديث الشريف يدل أن هنالك فئتان قد اختلفتا في أمر من أمور الإسلام فينبغي أن يقع الصلح بينهما بعد خلاف .

لكن اتفق المسلمون أن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام هو الخليفة الشرعي بعد أبيه بعد ما بايعه في الكوفة.

فقد ذكر الطبري في تاريخه

وفي هذه السنة أعني سنة أربعين ,بويع للحسن بن علي عليه السلام بالخلافة.

وقيل :إن أول من بايعه قيس بن سعد قال له :ابسط يدك أبايعك على كتاب الله عز وجلّ وسنة نبيه وقتال المحلين .

ص: 152


1- تاريخ الأمم والملوك –لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري –ج5-ص32-34-دار إحياء التراث العربي

فقال له الحسن (عليه السلام ) رضي الله عنه :على كتاب الله وسنة نبيه ,فان ذلك يأتي من وراء كل شرط فبايعه وسكت وبايعه الناس .(1)

أما معاوية بن أبي سفيان فلم يبايع هو و أهل الشام وقد قال الشهرستاني :والاختلاف في الإمامة على وجهين :

إحداهما : القول بان الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار .

والثاني :القول بان الإمامة تثبت بالنص والتعيين .

فمن قال أن الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار ,قال بإمامة كل من وافقت عليه الأمة أو جماعة معتبرة من الأمة :إما مطلقا وإما بشرط أن يكون قرشيا على مذهب قوم وبشرط أن يكون هاشميا ,على مذهب قوم إلى شرائط أخرى .(2)

ومن كلام الشهرستاني يظهر أن بيعة معاوية لم تكن صحيحة لأنه لم يكن هناك دولة فيها قائدان في آن واحد يبايعه المسلمون .

والمسلمون بايعوا الإمام الحسن عليه السلام بعد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام .

رد الأمر الرابع

ليس لهذا الحديث هو الأول من ذكر الإمام الحسن عليه السلام بالسيد .

فقد ورد في عدة أحاديث

فقد قال ابن الصباغ في الفصول المهمة

وروى عن الترمذي بسنده عن أبي سعيد قال : قال رسول الله الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .(3)

وقال بن حجر العسقلاني في الإصابة

ومن حديث حذيفة رفعه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .(4)

ص: 153


1- تاريخ الأمم والملوك –أبو جعفر محمد بن جرير الطبري –ج5-ص107-دار إحياء التراث العربي
2- الملل والنحل –أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني –ج1-ص28-دار صعب
3- الفصول المهمة –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص146
4- الإصابة في تمييز الصحابة –احمد بن علي العسقلاني –ج1-ص330

وقال الطبرسي في إعلام الورى

وعن جابر قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :من سره أن ينظر إلى سيد شباب الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي عليه السلام .(1)

ثم إن الغاية من انه يسود امة الإسلام تحت رعايته وقيادته ولا ينبغي لغيره الاعتراض أو إنكار ذلك الحق .

وذكر الزرندي في نظم درر السمطين

والسيد قيل : هو الذي لا يغلبه غضبه , وقيل :هو الذي يفوق قومه في الخير ,وقيل :السيد الحليم

وهذه الأوصاف اجتمعت في الحسن بن علي عليهما السلام وكان كثير الاجتهاد في العبادة والتصدق .(2)

أو أن السيد هو أن يأخذ بمجامع القلوب ويتحكم بهم لينقلهم من الخطر إلى الأمان كما هادن الإمام الحسن عليه السلام وكان نصرا له لكشف النقاب عن الظالمين .

ص: 154


1- إعلام الورى –أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ص218
2- نظم درر السمطين –جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي الحنفي –ص240-ح10

البحث العاشر: الاتهام العاشر - الذلة

ص: 155

الذلة:

إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ذكر للإمام الحسن بن علي عليهما السلام أن كل ما يعمله من سلم أو حرب فهو يعمل كعمل النبي الأكرم

ولذا قال ابن عساكر في تاريخ دمشق

عن زيد بن أرقم قال :إني لعند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرّ علي وفاطمة والحسن والحسين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم .(1)

فان ما ذكره الرسول الأعظم بحق ولده لا ينبغي أن يشك فيه فان الشك فيه فهو مدعاة إلى الشك بما قاله صلى الله عليه وآله وسلم ,وهو الإنكار للنبوة .

ولأجل ذلك فان التأمل والشك في ما يفعله الإمام الحسن عليه السلام في المجتمع الإسلامي فهو في غير محله .

بل ولا ينبغي الاهتمام به هذا إذا صدر السؤال من قبل المسلمين الذين يجهلون بمعرفة الإمام عليه السلام ,

فكيف بمن يعرفه ويحترمه ويدافع عنه ؟

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء

القاسم بن الفضل الحداني :عن يوسف بن مازن قال :عرض للحسن رجل فقال :يا مسود وجوه المؤمنين .

قال :لا تعذلني فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أريهم يثبون على منبره رجلا رجلاً فانزل الله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر,وما أدراك ما ليلة القدر ,ليلة القدر خير من ألف شهر , تنّزل الملائكة والروح فيها من كل أمر, سلام هي حتى مطلع الفجر)(2)

ص: 156


1- تاريخ مدينة دمشق –لابن عساكر –ج13-ص218-دار الفكر
2- سير أعلام النبلاء –شمس الدين الذهبي –ج4-ص139-مؤسسة الرسالة

وقال العسقلاني في الإصابة

وقال ابن أبي خيثمة حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمرة عن ابن شوذب قال : لما قتل علي سار الحسن في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد له من بعده فكان أصحاب الحسن يقولون له :يا عار أمير المؤمنين.

فيقول :العار خير من النار.(1)

وقال ابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا احمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمر عن ابن شوذب قال : لما قتل علي سار الحسن فيمن معه من أهل الحجاز والعراق وسار معاوية في أهل الشام قال فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده

قال فكان أصحاب الحسن يقولون له :يا عار المؤمنين .

فيقول:العار خير من النار.

حدثنا خلف ابن القاسم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق بن معمر قال حدثنا احمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال حدثنا عمرو بن خالد مرارا قال حدثني زهير بن معاوية الجعفي قال حدثني أبو روق الهمداني أن أبا الغريف حدثهم قال :كنا في مقدمة الحسن بن علي اثنا عشر ألف بمسكن مستميتين تقطر أسيافنا من الجد والحرص على قتال أهل الشام وعلينا أبو العمرطة فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ والحزن .

فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شيخ منّا يكنى أبا عامر سفيان بن أبي ليلى

فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين .

فقال :لا تقل يا أبا عامر فاني لم أذل المؤمنين ولكن كرهت أن اقتلهم في طلب الملك .(2)

ص: 157


1- الإصابة في تمييز الصحابة –شهاب الدين احمد بن علي بن حجر العسقلاني –ج1-ص330
2- الاستيعاب في معرفة الأصحاب –لابن عبد البر النمري القرطبي –ج1-ص371-372

وقال ابن الأثير في أسد الغابة

اخبرنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقية وغير واحد ,قالوا بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي قال :حدثنا محمود بن غيلان ,اخبرنا أبو داود الطيالسي ,اخبرنا القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن سعد .

قال :قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية ,

فقال :سوّدت وجوه المؤمنين أو :يا مسود وجوه المؤمنين ,

فقال :لا تؤنبني ,رحمك الله فان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرى بني أمية على منبره فساءه ذلك ,فنزلت (إنا أنزلناه في ليلة القدر ,وما أدراك ما ليلة القدر ,ليلة القدر خير من ألف شهر)تملكها بعدي بنو أمية .(1)

وقال أبو حنيفة الدنيوري في الأخبار الطوال

قالوا : وكان أول من لقى الحسن بن علي (عليهما السلام) رضي الله عنه ,فندمه على ما صنع ,ودعا إلى رد الحرب حجر بن عديّ ,

فقال له :( يا بن رسول الله ,لو ددتُ أني مت قبل ما رأيت ,أخرجتنا من العدل إلى الجور ,فتركنا الحق الذي كنا عليه ,ودخلنا في الباطل الذي كنا نهرب منه ,وأعطينا النية من أنفسنا ,وقبلنا الخسيسة التي لم تلق بنا )

فاشتد على الحسن (عليه السلام ) رضي الله عنه كلام حجر

فقال له:(( إني رأيت هوى عظم الناس في الصلح ,وكرهوا الحرب ,فلم أحب أحملهم على ما يكرهون ,فصالحت بقيّا على شيعتنا خاصة من القتل ,فرأيت دفع هذه الحروب إلى يوم ما ,فان الله كل يوم هو في شأن ))(2)

كل هذا الذي يدل على مدى الشك والإنكار من فعل الإمام عليه السلام .

ص: 158


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة –لعز الدين بن الأثير –ج2ص14
2- الأخبار الطوال –أبو حنيفة احمد بن داود الدنيوي –ص220

نظرات

1-لماذا تكال إلى الإمام الحسن عليه السلام الاتهامات بالذات دون غيره ؟

2-هل الصلح ذلة وعار وسواد وجه أم نصر ؟

3-الاتهام للإمام عليه السلام سببه الجيش أم أن الإمام رغب بالصلح ؟

4-هل ما فعله الإمام عليه السلام بشرى للمسلمين أم كارثة حلت على المسلمين ؟

رد الأمر الأول

إن كل من اتهم الإمام الحسن عليه السلام ينبغي أن يحيط بكافة الجوانب والظروف المحيطة به فان كان قد ركن إلى الضعف أو التخاذل فيمكن أن يوجه إليه الاتهام .

وان كان لم يركن إلى ذلك وإنما كان أصحابه وجيشه سبب في الخذلان ومدعاة إلى التهلكة فهو منطلق القوة .

إن ما فعله أبو محمد عليه السلام من منطلق القوة وليس الخذلان وذلك

فقد ذكر المزي في تهذيب الكمال

وفي رواية عن الحسن قال :لما سار الحسن بن علي إلى معاوية بالكتائب .قال عمر بن العاص لمعاوية :أرى كتيبة لا تولي حتى تدبر آخرها

قال معاوية: مَن لذراري المسلمين ؟

فقال : أنا ,

فقال عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة : نلقاه فنقول له :الصلح .(1)

وقال البخاري :حدثنا عبد الله بن محمد قال :حدثنا سفيان عن أبي موسى قال سمعت الحسن يقول :استغل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ,فقال عمر بن العاص :إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها .

ص: 159


1- تهذيب الكمال –المزي –ج6-ص232

فقال له معاوية –وكان والله خير الرجلين –أي عمر إن قتل هؤلاء هؤلاء ,وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور المسلمين ؟

من لي بنسائهم ؟من لي بضعفهم ؟

فبعث إليهم برجلين من قريش من بني عبد شمس :عبد الله بن سمرة,وعبد الله بن عامر فقال :اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما ,

فقالا له وطلبا إليه ,

فقال لهما الحسن بن علي :إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وان هذه الأمة قد عاثت في دمائنا .

قال :فانه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك و يسأنك

قال: فمن لي بهذا ؟

قالا :نحن لك فما سألهما شيئا إلا قالا :نحن لك فصالحه .(1)

رد الأمر الثاني

ليس كل من صالح فهو من موقف الضعف والتهاون في نفسه ,إنما يكون من منطلق القوة والشجاعة وهذا ما أشارت إليه الآيات القرآنية .

قال تعالى (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين )

وقال تعالى (إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون )

وقال تعالى (والصلح خير)

ولولا النتائج الايجابية التي تنعكس على المصلح لما كان خيرا ولكان شراً فينبغي تجنبه .

ص: 160


1- تهذيب الكمال – المزي –ج6-ص249

ثم ما العار الذي جناه الإمام الحسن عليه السلام لما حافظ على أتباعه من الانكسار والشر المحدق بهم بعد ما أوشك المتخاذلون من جيشه أن يقدموا الإمام الحسن عليه السلام وأتباعه المخلصين هدية إلى عدو الله وعدو رسوله من جيش الشام .

قال الطبري في تاريخ الأمم والملوك :

وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال :حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن المجازي الخزاعي أبو عبد الرحمن .

قال: حدثنا إسماعيل بن راشد قال : بايع الناس الحسن بن علي عليه السلام بالخلافة ,ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن ,وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفاً ,وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن ,فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر :ألا إن قيس بن سعد قد قتل ,فانفروا ,فنفروا ,ونهبوا سرادق الحسن عليه السلام حتى نازعوه بساطاً كان تحته .

وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن ,وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملاً على المدائن ,وكان اسمه سعد بن مسعود .

فقال له المختار وهو غلام شاب : هل لك في الغنى والشرف ؟

قال: وما ذاك ؟

قال :توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية !

فقال له سعد :عليك لعنة الله , أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوثقه ؟ بئس الرجل أنت .

فلما رأى الحسن عليه السلام تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح ,وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر ,وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس ,فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ,

ثم قام الحسن في أهل العراق فقال :يا أهل العراق ,انه سخى بنفسي عنكم ثلاث : قتلكم أبي وطعنكم إياي ,و إنتهابكم متاعي .

ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس .(1)

ص: 161


1- تاريخ الأمم والملوك –لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري –ج5-ص107-108 –دار احياء التراث العربي

ثم ما الذل الذي اجتباه الإمام الحسن عليه السلام بعد ما اشترط عدة شروط

فقد ذكر ابن الصباغ في فصوله المهمة

فاشترط عليه –على معاوية –الحسن عليه السلام شروطاً كثيرة كان في الوفاء بها مصالح شاملة ,

منها :أن لا يتعرض عماله إلى سب أمير المؤمنين على المنابر ولا ذكره بسوء ولا القنوت عليه في الصلوات وان يؤمن شيعته ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ,ويوصل كل ذي حق حقه .(1)

والاهم من ذلك هو بيان حقيقة الحديث الوارد في حق الإمام عليه السلام

قال صلى الله عليه وآله وسلم :إن هذا ريحانتي وان ابني هذا سيد وعسى أن يصلح الله تعالى به بين فئتين من المسلمين .(2)

فهل يا ترى الناكل للشروط لا يمكن أن يدخل في سياق الحديث الشريف ؟

وهل يا ترى كل من عاهد المسلمين على أن لا يبغي لهم الغوائل ,فيجهد بعد ذلك ليحاول بشتى الوسائل أن يقضي على الإمام الحسن عليه السلام يكون من المسلمين ؟

قال ابن الصباغ في الفصول المهمة

قال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتابه (أعلام الورى )بعد أن تم الصلح بين الحسن ومعاوية وخرج الحسن إلى المدينة وأقام بها عشر سنين ,سقته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي السم بعد أن بذل لها معاوية على سمه مائة ألف درهم فبقي مريضاً أربعين يوماً .(3)

و يكفي هذا على مدى التزام معاوية العهد الذي قطعه على نفسه ليكون من المسلمين !

ص: 162


1- الفصول المهمة في معرفة احوال الائمة –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص154
2- المصدر نفسه-ص146
3- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة-علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص156

رد الأمر الثالث

لعل أهم شيء ينبغي التأمل فيه هو أن الإمام الحسن عليه السلام حذر من خطورة العدو ولا ينبغي التهاون به

وهذا ما أكده الإمام عليه السلام :

فقد قال المسعودي في إثبات الوصية

وقام أبو محمد بأمر الله جلّ وعلا

واتبعه المؤمنون واتاه الناس فبايعوه وقالوا له :يا بن رسول الله نحن السامعون المطيعون لك .

قال كذبتم فو الله ما وفيتم لمن كان خيراً مني فكيف تفون لي وكيف اطمئن إليكم إن كنتم صادقين فموعدنا بيني وبينكم المعسكر في المدائن .(1)

ومرة أخرى أكد على النهوض لمحاربة عدوه وقال لهم :يا أيها الناس قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي فلا جزاكم الله عن رسول الله وأهل بيته خيراً ,مع أي إمام تقاتلون بعدي مع الظالم الكافر الزنديق الذي لم يؤمن بالله وبرسوله قط ولا اظهر الإسلام ومن تقدمه من الشجرة الملعونة في كتاب الله بني أمية إلا خوفاً من سيوف الحق ولو لم يبق منهم إلا عجوز درداء لبغت لدين الله الغوائل (2)

ومرة ثالثة لما ظهر النفاق والخيانة فقام أبو محمد عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه (ثم قال :يا أيها الناس هذا فلان الكندي قدمته بين يدي الله لمحاربة عدو الله وابن آكلة الأكباد فبعث إليه بمال ووعده ومنّاه حطام الدنيا ومتاعها فباع دينه وآخرته بدنياه زائلة غير باقية وقد توجه إليه ,

وقد أخبرتكم مرة أخرى أنه لا وفاء لكم ولا ذمة ولا خير عندكم وأنكم عبيد الدنيا , وإني موجه مكانه رجلاً وإني لأعلم انه يفعل فعل صاحبه غير مفكر في عاقبة أمره ومرجعه ولا مراقب لله في دينه )(3)

فيا ترى لماذا إنكار الحقائق ؟

ص: 163


1- اثبات الوصية –ابي الحسن علي بن الحسين المسعودي-ص168
2- اثبات الوصية –علي بن الحسين المسعودي-168
3- المصدر نفسه-ص168

ألأمر الرابع :الصلح ذلة أم بشرى ؟

إن ما فعله الإمام أبو محمد عليه السلام هو نصر للمسلمين وذلك لان من أهمها هم حقن دماءهم بعد ما كادت الحرب أن تقضي على الطرفين

كما أن التسلط ليس الغاية منه إلا إقامة العدل ودفع الظلم فان من لم يدفع ظلماً فهو من الظالمين , والإمام الحسن عليه السلام قد حاول جاهدا إلى دفع الظلم عن جيشه وأصحابه بكل وسيلة يمكن الاعتماد عليها حتى وان أدى إلى الإجحاف بحقه .

ولذلك قال كمال الدين بن طلحة في مطالب السؤل

وإن معاوية نازعني حقاً هو لي دونه فنظرت لصلاح الأمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت ,فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه وقد بايعته ورأيت أن حقن الدماء خير من سفكها ولم أرد بذلك إلا إصلاحكم وبقائكم وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين .(1)

ولذا اتهم بعدة اتهامات وهذا من جملتها .

ص: 164


1- مطالب السؤل في مناقب آل الرسول –كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي –ص241

البحث الحادي عشر: التهمة الحادية عشر - الصلح

ص: 165

الصلح

تولى الإمام الحسن عليه السلام الخلافة الإسلامية بعد استشهاد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ,وقد بايعه المسلمون على السمع والطاعة في السلم والحرب

فقد قال الطبري في تاريخه :

وفي هذه السنة أعني سنة أربعين ,بويع للحسن بن علي عليه السلام بالخلافة.

وقيل :إن أول من بايعه قيس بن سعد قال له :ابسط يدك أبايعك على كتاب الله عز وجلّ وسنة نبيه وقتال المحلين .

فقال له الحسن (عليه السلام ) رضي الله عنه :على كتاب الله وسنة نبيه ,فان ذلك يأتي من وراء كل شرط فبايعه وسكت وبايعه الناس .(1)

فقد ذكر الطبري في تأريخه :

حدثني عبد الله بن احمد المروذي قال :اخبرني أبي قال :حدثنا سليمان قال :حدثني عبد الله عن يونس عن الزهري

قال :بايع أهل العراق الحسن بن عليّ بالخلافة ,فطفق يشترط عليهم الحسن :إنكم سامعون مطيعون ,تسالمون من سالمت ,وتحاربون من حاربت .فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط ,

وقالوا :ما هذا بصاحب ,وما يريد هذا القتال ! فلم يلبث الحسن عليه السلام بعد ما بايعوه إلا قليلاً حتى طعن طعنةً أشوته ,فازداد لهم بغضاً ,وازداد منهم ذعراً ,

فكاتب معاوية وأرسل إليه بشروط ,وقال :إن أعطيتني هذا فانا سامع مطيع ,وعليك أن تفي لي به (2)

ص: 166


1- تاريخ الأمم والملوك –أبو جعفر محمد بن جرير الطبري –ج5-ص107-دار إحياء التراث العربي
2- نفس المصدر –ص110

وقد قال ابن الصباغ في الفصول المهمة

روى جماعة من أصحاب السير وغيرهم أن الحسن بن علي (عليه السلام ) خطب في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

ثم قال :لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه ,

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوجهه برايته فيكتنفه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله فلا يرجع حتى يفتح الله على يديه , ولقد توفي الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم ,

وفيها قبض يوشع بن نون عليه السلام وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه وأراد أن يبتاع بها خادما لأهله ثم خنقه البكاء فبكى وبكى الناس معه

ثم قال عليه السلام :أنا ابن البشير النذير ,أنا بن السراج المنير ,أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه , أنا ابن الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ,أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودتهم في كتابه فقال عز من قائل : (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ) فالحسنة مودتنا أهل البيت ثم جلس ,

فقام عبد الله بن العباس فقال :معاشر الناس إن هذا ابن بنت نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه ,فتبادر الناس إلى بيعته ,(1)

ومن ثم تخاذل عنه قومه وطلبوا الصلح .

أسباب الصلح

إن أسباب الصلح عدة أمور ينبغي بيانها ولا يمكن التغافل عنها كي لا تؤخذ ذريعة على الإمام الحسن عليه السلام وأهمها :

1-الفشل من قبل الجيش .

فقد قال الدنيوري في الأخبار الطوال :

ص: 167


1- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة عليهم السلام –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص152

قالوا : ولما بلغ معاوية قتل علي تجهز , وقدم أمامه عبد الله بن عامر بن كريز ,فاخذ على عين التمر ,ونزل الأنبار يريد المدائن , وبلغ ذلك الحسن بن علي وهو بالكوفة , فسار نحو المدائن لمحاربة عبد الله بن عامر بن كريز , فلما انتهى إلى ساباط رأى من أصحابه فشلا وتوكلا عن الحرب فنزل ساباط ,

وقام فيهم خطيباً :أيها الناس ,إني قد أصبحت غير محتمل على مسلم ضغينة ,واني ناظر لكم كنظري لنفسي ,وأرى رأياً فلا تردوا عليّ رأيي ,إن الذي تكرهون من الجماعة أفضل من الفرقة ,وارى أكثركم قد نكل عن الحرب ,وفشل عن القتال ,ولست أرى أن أحملكم على ما تكرهون .(1)

2--الفتن : فان الجيش كلما كان متماسكا كان قويا على تحمل الشدائد ,لكن إذا ظهر ت فيه الأراجيف والأكاذيب تظهر الفتن ويدب الضعف .

قال الطبري في تاريخ الأمم والملوك :

وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال :حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن المجازي الخزاعي أبو عبد الرحمن .قال: حدثنا إسماعيل بن راشد قال :بايع الناس الحسن بن علي عليه السلام بالخلافة ,ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن ,وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفاً ,وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن ,فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر :ألا إن قيس بن سعد قد قتل ,فانفروا ,فنفروا ,ونهبوا سرادق الحسن عليه السلام حتى نازعوه بساطاً كان تحته .

وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن ,وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملاً على المدائن ,وكان اسمه سعد بن مسعود.

فقال له المختار وهو غلام شاب :هل لك في الغنى والشرف ؟

قال: وما ذاك ؟

قال :توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية !

فقال له سعد :عليك لعنة الله ,أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوثقه ؟ بئس الرجل أنت .

فلما رأى الحسن عليه السلام تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح ,وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر ,وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس ,

ص: 168


1- الأخبار الطوال –أبو حنيفة احمد بن داود الدنيوري –ص216-217

فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ,

ثم قام الحسن في أهل العراق فقال :يا أهل العراق ,انه سخى بنفسي عنكم ثلاث :قتلكم أبي وطعنكم إياي ,وانتهابكم متاعي .

ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس .(1)

3-التخاذل والفرقة وهذا ما أشار إليه الإمام الحسن عليه السلام ,

لما قال ابن الصباغ في الفصول المهمة:

وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سراً واستحثوه على سرعة المسير نحوهم وضمنوا له التسليم الحسن عليه السلام عند دنوه منهم والفتك به ,

وبلغ الحسن عليه السلام ذلك وتحقق فساد نيات أكثر أصحابه وخذلانهم له ولم يبق معه ممن يأمن غائلته إلا خاصة شيعته وشيعة أبيه ,وهم جماعة لا يقومون بحرب أهل الشام فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلاح .(2)

4-النفاق فقد حذر القرآن الكريم

المسلمين من المنافقين .قال تعالى (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )

ولذلك فان جيش الإمام الحسن عليه السلام لم يخلوا من المنافقين الذين يتربصون بالإسلام الحيل والخداع كي يظهروا

ضعف الإسلام والمسلمين .

فقد ذكر المسعودي في إثبات الوصية :

وقام أبو محمد بأمر الله جلّ وعلا واتبعه المؤمنون وأتاه الناس فبايعوه.

وقالوا له :يا بن رسول الله نحن السامعون المطيعون لك ,

قال :كذبتم فو الله ما وفيتم لمن كان خيراً مني فكيف تفون لي وكيف أطمئن إليكم إن كنتم صادقين فموعدنا بيني وبينكم المعسكر في المدائن ,

فركب وتخلف عنه أكثر الناس ,

فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله ثم

ص: 169


1- تاريخ الأمم والملوك –لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري –ج5-ص107-108 –دار إحياء التراث العربي
2- الفصول المهمة في أحوال الأئمة عليهم السلام –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص154

قال : (يا أيها الناس قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي فلا جزاكم الله عن رسول الله وأهل بيته خيراً ,مع أي إمام تقاتلون بعدي مع الظالم الكافر الزنديق الذي لم يؤمن بالله وبرسوله قط ولا اظهر الإسلام ومن تقدمه من الشجرة الملعونة في كتاب الله بني أمية إلا خوفاً من سيوف الحق ولو لم يبق منهم إلا عجوز درداء لبغت لدين الله الغوائل )(1)

5-الإغراء المالي : فقد استخدم معاوية بن أبي سفيان الإغراء المالي كي يستميل قادة جيش الإمام الحسن عليه السلام .

فقد قال المسعودي في إثبات الوصية :

ووجه –الإمام الحسن عليه السلام –برجل من كنده في أربعة الآلاف على مقدمته لحرب معاوية وأمره أن يعسكر بالأنبار ولا يحدث شيئاً حتى يأتيه أمره ,فلما نزل الكندي الانبار بعث إليه معاوية رسولاً يعدّه ويمنّيه ويبذل له الرغائب من المال وحطام الدنيا وان يوليه من أعمال الشام والجزيرة ما يختاره ويسوقه مال ما يقلده وحمل إليه خمسين ألف درهم صلة له ومعونة على سفره فقبض عدو الله الكندي المال ومضى إلى معاوية .(2)

6-خلف الوعد :ولعل ادعاء القوم بالنصرة للإمام الحسن عليه السلام وتخلفه عن ذلك كاف في إبراز نواياهم وسوء سريرتهم بعد ما اعذرهم الإمام عليه السلام وانذرهم بعدم الوفاء .

فقد ذكر المسعودي في إثبات الوصية

فقام أبو محمد خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وقال قد عرفتكم بعهد ولا تستأمنون إلى عقد , وقد غدر المرادي الذي اخترتموه وقبله ما اخترتم الكندي ,

فقام أناس فقالوا:إن كان الرجلان غدرا فنحن ننصح ولا نغدر.

فقال لهم : كلا واني اعذر بيني وبينكم

مع علمي بسوء ما تبطنون وتنطوون عليه, وموعدك عسكري بالنخيلة ,

ص: 170


1- إثبات الوصية –علي بن الحسين المسعودي –ص168
2- إثبات الوصية –علي بن الحسين المسعودي –ص168

ثم خرج فعسكر بالنخيلة ,وأقام به عشرة أيام ,فلم يلحق به منهم إلا عدد يسير, فانصرف إلى الكوفة .(1)

1-إن جيش الإمام أبو محمد عليه السلام لم يكن الدافع منه هو قتال البغاة والإئتمام بأمر الإمام عليه السلام وإنما أصحاب مطامع وهوى .

قال ابن الصباغ في الفصول :

وتحرك الحسن وبعث حجر بن عدي ,واستعد الناس للقتال فتثاقلوا عنه ثم حفوا معه أخلاطاً من الناس بعضهم من شيعته وشيعة أبيه عليه السلام ,وبعضهم من المحكمة الذين يودون القتال , قتال معاوية بكل حال ,وبعضهم من أصحاب طمع في الغنائم ,وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساءهم ورؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى شيء .(2)

من البادئ بالصلح ؟

هنالك عدة روايات ذكرت أن معاوية بن أبي سفيان هو الذي بدأ بالصلح

فقد ذكر العسقلاني في تهذيب التهذيب

قال محمد بن سعد :حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ,حدثنا حاتم بن أبي صغير عن عمر بن دينار أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان اكره الناس للفتنة ,فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سراً , وأعطاه معاوية عهداً إن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه وليجعلنّ هذا الأمر إليه ---الخ (3)

وذكر المزي في تهذيب الكمال

قال محمد بن سعد :حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ,حدثنا حاتم بن أبي صغير عن عمر بن دينار أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان اكره الناس للفتنة ,فلما توفي علي

ص: 171


1- المصدر نفسه –ص169
2- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة عليهم السلام –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص153
3- تهذيب التهذيب – احمد بن علي العسقلاني – ج2-ص276

بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سراً ,وأعطاه معاوية عهداً أن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه وليجعلنّ هذا الأمر إليه ---الخ (1)

وقال البخاري :حدثنا عبد الله بن محمد قال :حدثنا سفيان عن أبي موسى قال سمعت الحسن يقول :استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ,فقال عمر بن العاص :إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها.

فقال له معاوية –وكان والله خير الرجلين –أي عمر إن قتل هؤلاء هؤلاء ,وهؤلاء هؤلاء من لي بأمر المسلمين ؟

من لي بنسائهم ؟

من لي بضعفهم ؟

فبعث إليهم برجلين من قريش من بني عبد شمس :عبد الله بن سمرة,وعبد الله بن عامر فقال :إذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما ,

فقالا له وطلبا إليه ,

فقال لهما الحسن بن علي :إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وان هذه الأمة قد عاثت في دمائنا

قال :فانه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك

قال فمن لي بهذا ؟

قالا :نحن لك فما سألهما شيئا إلا قالا :نحن لك

فصالحه.(2)

قال ابن الأثير في أسد الغابة :

اخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي إجازة ,أخبرنا أبي ,اخبرنا أبو السعود ,حدثنا احمد بن محمد بن المجلي ,اخبرنا محمد بن محمد بن احمد العكبري ,اخبرنا محمد بن احمد بن احمد بن خاقان ,اخبرنا أبو بكر بن دريد

ص: 172


1- تهذيب الكمال –المزي –ج6-ص247
2- تهذيب الكمال – المزي –ج6-ص249

قال :قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين فقال بعد حمد لله عزّ وجلّ :إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم ,وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ,فسلبت السلامة بالعداوة ,والصبر بالجزع ,وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم , فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم , ألا وإنا لكم كما كنا , ولستم لنا كما كنتم ,ألا وقد أصبحتم بين قتيلين : قتل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره ,

فأما الباقي فخاذل ,وأما الباكي فثائر ,ألا وان معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة ,فان أردتم الموت رددناه عليه , وحاكمناه إلى الله –عزّ وجلّ – بظبا السيوف وان أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا ,

فناداه القوم من كل جانب :البقية البقية ,فلما افردوه أمضى الصلح (1)

وقال ابن حجر العسقلاني في الإصابة

قال ابن سعد واخبرنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا حاتم بن أبي صغير عن عمر بن دينار

قال :وكان معاوية يعلم أن الحسن اكره الناس للفتنة فراسله وأصلح الذي بينهما وأعطاه عهداً إن حدث به والحسن حي ليجعلنّ هذا الأمر إليه ---الخ(2)

وقال محمد بن إسماعيل في صحيح البخاري

حدثنا عبد الله بن محمد :حدثنا سفيان ,عن أبي موسى

قال :سمعت الحسن يقول :استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال ,فقال عمرو بن العاص :إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها ,

فقال له معاوية –وكان والله خير الرجلين - :أي عمرو ,إن قتل هؤلاء هؤلاء ,وهؤلاء هؤلاء ,من لي بأمور الناس ,ومن لي بنسائهم ,من لي بضيعتهم ؟

فبعث إليه رجلين من قريش ,من بني عبد شمس :عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز ,فقال :اذهبا إلى هذا الرجل ,فاعرضا عليه ,وقولا له ,واطلبا إليه ,فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له فطلبا إليه ,

فقال لهما الحسن بن علي :إنا بنو عبد المطلب ,قد أصبنا من هذا المال ,وإنّ هذه الأمة قد عاثت في دمائنا .

ص: 173


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة –عز الدين بن الأثير –ج2-ص14
2- الإصابة في تمييز الصحابة –احمد بن علي بن حجر العسقلاني –ج1-ص330-331

قالا :فانه يعرض عليك كذا وكذا ,ويطلب إليك ويسألك ,

قال :فمن لي بهذا؟

قالا:نحن لك به ,فما سألهما شيئاً إلا قال :نحن لك به , فصالحه .(1)

إن هذه الروايات قد ذكرت أن معاوية قد حاول أن يرغب الإمام الحسن عليه السلام بالصلح ولا يدع الطرفين يتقاتلان كي لا يخسر من أتباعه .

ولذا فان الإمام عليه السلام لم يكن يرغب في ذلك لأنه صاحب الحق الشرعي في قيادة المسلمين وقد بايعوه على السمع والطاعة في كل ما يفعل .

نظرات حول طلب معاوية الصلح

1-إن هذه الروايات توضح أن معاوية حاول أن يرغب الإمام الحسن عليه السلام بعدم القتال حفاظا على سلامة الطرفين .

2-أن معاوية كان يعلم أن الذين بايعوا الإمام الحسن عليه السلام سوف يحاولون أن يفتكوا به فكانت الرغبة إلى الصلح أولى بكسر شوكتهم .

3-القتال ليس من شأنه سوى إضعاف قدرات أتباعه مما يكون في معرض الخطر وحينذاك يؤدي إلى هلاكه وذلك ما كان يخشاه معاوية .

4-طلب معاوية الصلح من الإمام الحسن عليه السلام يكون من القوة أمام أتباعه حيث كونه صاحب رجل السلام لا رجل حرب وغدر وقتل

5-ادعاء معاوية الصلح يجعل أتباع الإمام أبي محمد عليه السلام في معرض الفرقة مما يؤدي إلى إضعاف قدراتهم وتكون ذريعة للقضاء على الإمام الحسن عليه السلام وأتباعه .

ص: 174


1- صحيح البخاري –محمد بن مسلم البخاري-ص494-ح2704

رد على سلامة الطرفين

أولا : إن معاوية لم يكن يرغب الإمام الحسن عليه السلام لسلامة الطرفين بل خوفاً على مركزه الذي سوف يذهب هباءً منثوراً بعد ما يقضى عليه إما عن طريق إقامة الحجة بعدما فقد الشرعية من قبل ببيعة الناس للإمام الحسن عليه السلام

ومن خلال القتال, لان أتباع الإمام الحسن عليه السلام سوف يقاتلون عن بصيرة وهذا ما دعا معاوية إلى أن يقول :ومن لذراري والنساء

ثانيا: إن الدهاء الذي يتمتع به معاوية يستطيع أن يقضي على الجيوش ,

ولذا فان الطبري كان يقول في تاريخ الأمم والملوك :

وكانوا يعدون دهاة الناس حين ثارت الفتنة خمسة رهط ,

فقالوا :ذو رأي العرب ومكيدتهم .معاوية بن أبي سفيان ,وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ,وقيس بن سعد ,ومن المهاجرين عبد الله بن بديل الخزاعي .وكان قيس وابن بديل مع علي عليه السلام ,وكان المغيرة بن شعبة وعمر مع معاوية ,إلا أن المغيرة كان معتزلا بالطائف حتى حكم الحكمان فاجتمعوا بأذرح .(1)

ولأجل ذلك فان فإن الغدر هو الوسيلة التي لم تعرف طريقها من قبل الإمام الحسن عليه السلام ولا أصحابه .

بل إن أمير المؤمنين علي عليه السلام كان يعرف دهاء معاوية ولكن أخلاقه التي تعلم من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد حالت دونه لأنه ليس من تعاليم الإسلام .

فقد قال عليه السلام :والله ما معاوية بأدهى منّي ,ولكنه يغدر ويفجر ,ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ,ولكن كل غدرة فجرة ,وكل فجرة كفرة ((لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة ))

والله ما أستغفل بالمكيدة ,ولا أستغمز بالشديدة (2).

ثالثا :إن معاوية مادام يتمتع بإظهار الأكاذيب والادعاءات فيمكنه أن يدب القوة الوهمية في سبيل تحصيل مآربه , ولذا فان ما فعله في قتل عمار بن ياسر هو أدل على ذلك

ص: 175


1- تاريخ الأمم والملوك -أبو جعفر محمد بن جرير الطبري –ج5-ص111
2- نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –ص369-خطبة رقم 200

قال الطبري في تاريخ الأمم والملوك

حدثنا احمد بن محمد قال :حدثنا الوليد بن صالح قال :حدثنا عطاء بن مسلم ,عن الأعمش قال : قال أبو عبد الرحمن السلمي :كنّا مع علي بصفين , فكنا قد وكلنا بفرسه رجلين يحفظانه ويمنعانه من أن يحمل ,فكان إذا حانت غفلة يحمل فلا يرجع حتى يخضب سيفه ,وانه حمل ذات يوم فلم يرجع حتى انثنى سيفه ,فألقاه إليهم ,وقال :لولا أنه انثنى ما رجعت ,

فقال الأعمش :هذا والله ضرب غير مرتاب ,

فقال أبو عبد الرحمن :سمع القوم شيئا فأدوه وما كانوا بكذابين .

قال :ورأيت عماراً لا يأخذ واديا من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ,ورأيته جاء إلى المرقال هاشم بن عتبة ,وهو صاحب راية علي ,

فقال :يا هاشم أعوراً وجبناً ؟ لا خير في اعور لا يغشى البأس ,

فإذا رجل بين الصفين

قال :هذا والله ليخلفنّ أمامه ,وليخذلنّ جنده ,وليصرنّ جهده ,اركب يا هاشم ,فركب ومضى هاشم يقول :

أعور يبغي أهله محلا

قد عالج الحياة حتى ملا

لابد أن يفلّ أو يفلاّ

وعمار يقول :تقدم يا هاشم ,الجنة تحت ظلال السيوف ,والموت في أطراف الأسل ,وقد فتحت أبواب السماء ,وتزينت الحور العين .

اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه .فلم يرجعا وقتلا

قال :يفيد لك عليهما من كان هناك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, أنهما كانا علما ,فلما كان الليل.

قلت :لأدخلن ّإليهم حتى أعلم :هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منّا ؟

وكنّا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم ,فركبت فرسي وقد هدأت الرجل ,ثم دخلت فإذا أنا بأربعة يتسايرون :معاوية ,وأبو الأعور السلمي ,وعمرو بن العاص ,وعبد الله بن عمرو.

ص: 176

فقال عبد الله لأبيه :يا أبت ,قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا ,وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال ؟

قال :وما قال ؟

قال :ألم تكن معنا ونحن نبني المسجد ,والناس ينقلون حجراً حجراً ,ولبنة لبنة ,وعمار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين ,فغشي عليه ,فأتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,فجعل يمسح التراب عن وجهه

ويقول :ويحك يا بن سمية ! الناس ينقلون حجراً حجراً ,ولبنة لبنة ,وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبينتين رغبة منك في الأجر ! وأنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية .

فدفع عمرو صدر فرسه ,ثم جذب معاوية إليه ,

فقال :يا معاوية ,أما تسمع ما يقول عبد الله

قال :ما يقول ؟

فاخبره الخبر ,

فقال معاوية :إنك شيخ أخرق ,ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك ! أو نحن قتلنا عماراً؟ إنما قتل عماراً من جاء به .

فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون :إنما قتل عمار من جاء به ,فلا أدري من كان أعجب ؟هو أوهم !(1)

4- قد يكون طلب الصلح من ابرز الأفكار التي حاول معاوية استغلالها .لكن هذا لا ينفي كون أهل الشام من البغاة والقاسطين الذي أمر الإمام الحسن عليه السلام قتالهم

5- قد يكون الصلح خذلاناً لطرف على طرف آخر لكن ليس مدعاة إلى الفرقة فان الإمام الحسن عليه السلام قد أوضح ذلك في قبوله للصلح ولم يكن سوى حفاظاً على أتباعه ,وهذا كاف في قبوله للصلح .

ص: 177


1- تاريخ الأمم والملوك –أبو جعفر محمد بن جرير الطبري –ج5-ص26-27

رد المورد الثاني

إن الهدنة أو الصلح الذي طلب معاوية من الإمام الحسن عليه السلام يجعل من أتباع الإمام عيه السلام أن يلتزموا بذلك ولا يفتكوا أو يغدروا بمعاوية .وهذا دليل على خشية معاوية من جيش الإمام الحسن عليه السلام ,ولذا حاول أن يرغب الإمام بالقبول بذلك فلا تكون هنالك ذريعة للخروج والقتال .

ولأجل ذلك قال ابن عبد البر في الاستيعاب

فكتب –الإمام الحسن عليه السلام –إلى معاوية يخبره انه يصير الأمر إليه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة ولا أهل الحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه فأجابه معاوية وكاد يطير فرحا

إلا أنه قال : أما عشرة أنفس فلا أؤمنهم

فراجعه الحسن فيهم

فكتب إليه يقول :إني قد آليت متى ظفرت بقيس بن سعد أن اقطع لسانه ويده فراجعه الحسن أني لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا أو غيره بتبعة قلت أو كثرت فبعث إليه معاوية حينئذ برّق ابيض

وقال اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه فاصطلحا على ذلك واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده فالتزم ذلك كله .(1)

رد الأمر الثالث

قد يكون ذكاء معاوية بن أبي سفيان حينما طلب من الإمام الحسن عليه السلام الصلح أو الهدنة .لان إضعاف القدرات القتالية من شأنه أن يكون ذريعة للتخاذل والوهن .

ولذلك قال المزي في تهذيب الكمال

وقال البخاري :حدثنا عبد الله بن محمد قال :حدثنا سفيان عن أبي موسى قال :سمعت الحسن يقول :استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال

فقال عمرو بن العاص :إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها

ص: 178


1- الاستيعاب في معرفة الاصحاب –ابن عبد البر النمري القرطبي –ج1-ص370-371

فقال له معاوية –وكان والله خير الرجلين-أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء ,وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور المسلمين ؟

من لي بنسائهم ؟

من لي بضعفهم ؟

فبعث إليهم برجلين من قريش من بني شمس :عبد الله بن سمرة,وعبد الله بن عامر فقال :اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه ,فأتياه فدخلا عليه وتكلما ,فقالا له وطلبا إليه .

فقال لهما الحسن بن علي :إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وأن هذه الأمة قد عاثت في دمائنا .

قالا :فانه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك و يسألك

قال: فمن لي بهذا؟

قالا :نحن فما سألهما شيئا إلا قالا :نحن لك .فصالحه (1)

رد الأمر الرابع

إن طلب الصلح أو الهدنة قد يعد الرجل من الذين يطلق عليهم رجل سلام في المجتمعات التي تحاول أن تدعوا إلى الأمان والرخاء والعيش الرغيد لأبنائها وهذا ما حاول معاوية أن يفتعله كي تكون له الذريعة في حالة عدم قبول الطرف الآخر من الصلح ,ويكون من منطلق القوة في قتال جيش الإمام الحسن عليه السلام .

لكن ليس من المقبول أن يكون معاوية من رجالات السلام وذلك لقتاله في صفين ليكون من الذين شملهم الحديث النبوي .

قال الخوارزمي في المناقب

اخبرنا الشيخ الإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني –المعروف بالمروزي عن الحافظ أبي بكر احمد بن موسى بن مردويه هذا :أخبرنا محمد بن علي بن رحيم ,حدثنا أحمد بن حازم ,حدثنا عثمان بن محمد ,حدثنا يونس بن أبي يعقوب ,حدثنا حماد بن عبد الرحمن الأنصاري ,عن أبي سعيد التميمي ,عن

ص: 179


1- تهذيب الكمال –المزي –ج6-ص249

علي عليه السلام ,قال :عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ,

فقيل له:يا أمير المؤمنين ,من الناكثون ؟

قال :الناكثون أهل الجمل والمارقون الخوارج ,والقاسطون أهل الشام .(1)

كما انه كيف يكون رجل سلام وقد بايع المسلمون الإمام الحسن بن علي عليهما السلام وحاول أن يجهز على جيش المسلمين لكن خشي على أتباعه من الانهزام فكانت حيلة الصلح أو الهدنة هي أفضل وسيلة يمكن أن يتخلص من جيش الإمام الحسن عليه السلام .

رد الأمر الخامس

إن الذي لا ينكر أن معاوية قد حاول إضعاف جيش الإمام الحسن بواسطة حقن دماء أتباعه والطرف الآخر ,وذلك لان جيش الإمام الحسن حينما يقاتل عدوه قد يكون عن بصيرة لكن حينما فرض الصلح أو الهدنة له معناه الخلود للسلم إلى اجل مسمى وبذلك يؤدي إلى إشاعة الرخاء والتخاذل حينما تنتهي مدة الهدنة أو الصلح مما يؤدي إلى بث روح الفرقة بينهم وهذا ما حاول معاوية إضافته إلى سجل دهائه وذكائه.

كما أن من جيش الإمام من هم خوارج ومحكمة وغيرها كما ذكرها ابن الصباغ في الفصول المهمة

قال :ثم حفوا معه –مع الإمام الحسن عليه السلام –أخلاطاً من الناس بعضهم من شيعته وشيعة أبيه عليه السلام ,وبعضهم من المحكمة الذين يودون القتال ,قتال معاوية بكل حال ,وبعضهم من أصحاب طمع في الغنائم ,وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى شيء.(2)

وهذا كاف في بث الفرقة في جيش الإمام الحسن عليه السلام وقوة تضاف إلى جيشه بحيث لا يمكن اختراقه .

ص: 180


1- المناقب –الموفق بن احمد الخوارزمي-ص164
2- الفصول المهمة في أحوال الأئمة عليهم السلام –ص153

الصلح من الإمام الحسن عليه السلام

الادعاء الأول

وقد وردت روايات أن الإمام الحسن عليه السلام هو الذي طلب الصلح بعد ما تقدمت أسباب ذلك لكن تلك الروايات ذكرت أن الإمام عليه السلام كره القتال وهي:

أفصح ابن عبد البر القرطبي في الاستيعاب

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا احمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمر عن ابن شوذب.

قال: لما قتل علي سار الحسن فيمن معه من أهل الحجاز والعراق وسار معاوية في أهل الشام قال فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده .

قال فكان أصحاب الحسن يقولون له :يا عار المؤمنين

فيقول:العار خير من النار.(1)

وقال العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة :

وقال ابن أبي خيثمة حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمرة عن ابن شوذب قال : لما قتل علي سار الحسن في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد له من بعده.

فكان أصحاب الحسن يقولون له :يا عار أمير المؤمنين .

فيقول :العار خير من النار.(2)

وقال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب

وقال :ضمر بن شوذب :لما قتل علي سار الحسن في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام والتقوا فكره الحسن القتال ,وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن بعده (3)

ص: 181


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب –لابن عبد البر القرطبي –ج1-ص371-بهامش الإصابة
2- الإصابة في تمييز الصحابة –شهاب الدين احمد بن علي بن حجر العسقلاني –ج1-ص330
3- تهذيب التهذيب –احمد بن علي العسقلاني –ج2-ص276

وقال المزي في تهذيب الكمال

وقال ضمر بن ربيعة عن ابن شوذب :لما قتل علي ساد الحسن في أهل العراق وسار معاوية في أهل الشام ,والتقوا فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده وكان أصحاب الحسن يقولون :يا عار المؤمنين !

فيقول لهم :العار خير من النار .(1)

نظرات حول طلب الإمام الحسن عليه السلام الصلح

1-هل الإمام الحسن عليه السلام يكره القتال بسبب وجود معاوية أم لأجل الاختلاف بينهما ؟

2-الروايات تذكر أن الإمام أبا محمد عليه السلام طلب البيعة من دون قتال فهل كان خوفا من جيش الشام أم هنالك أمر آخر ؟

3-لما ذكرت الروايات أن الإمام عليه السلام كره القتال هل هو صاحب دعة أم خشي على نفسه القتل ؟

رد الادعاء الأول

لعل الروايات التي ذكرت كره الإمام عليه السلام القتال لم تذكر ما السبب في ذلك لكن ما ذكره المفيد في الإرشاد هو الذي أوضح ذلك الكره :

وسار معاوية نحو العراق ليغلب عليه ,فلما بلغ جسر منبج تحرك الحسن عليه السلام وبعث حجر بن عدي فأمر العمال بالمسير واستنفر الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ,ثم خفّ معه أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه عليهما السلام ,وبعضهم محكمة يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة ,وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم ,وبعضهم شكاك ,وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى دين .

ص: 182


1- تهذيب الكمال –المزي –ج6-ص238

فسار حتى أتى حمام عمر ,ثم أخذ على دير كعب ,فنزل ساباط دون القنطرة وبات هناك ,

فلما أصبح أراد عليه السلام أن يمتحن أصحابه و يستبرئ أحوالهم في الطاعة له,ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه ,ويكون على بصيرة في لقاء معاوية وأهل الشام ,

فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة ,فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم

فقال :الحمد لله بكل ما حمده حامد,واشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد ,وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ,أرسله بالحق وائتمنه على الوحي صلى الله عليه وآله .

أما بعد :فو الله إنيّ لأرجو أن أكون قد أصبحت –بحمد الله ومنّه –وأنا أنصح خلق الله لخلقه ,وما أصبحت محتملاً على مسلم ضغينة ولا مريداً بسوء ولا غائلة ,ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ,

ألا واني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري ,ولا تردوا عليّ رأيي ,غفر الله لي ولكم وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا .

قال : فنظر الناس بعضهم إلى بعض

وقالوا :ما ترونه يريد بما قال ؟

قالوا :نظنه –والله- يريد أن يصالح معاوية ويسلّم إليه ,

فقالوا :كفر –والله –الرجل ,

ثم شدوا على فسطاطه فإنتهبوه ,حتى اخذوا مصلاه من تحته ,

ثم شدّ عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه عن عاتقه ,فبقي جالساً متقلداً السيف بغير رداء

ثم دعا بفرسه فركبه ,وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته ومنعوا منه من أراد ,

فقال :ادعوا إليّ ربيعة وهمدان .فدعوا له فأطافوا به ودفعوا الناس عنه ,وسار ومعه شوب من الناس ,فلما مرّ في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له :الجراح بن سنان فاخذ بلجام بغلته وبيده مغول

وقال :الله اكبر ,أشركت –يا حسن –كما أشرك أبوك من قبل ,

ثم طعنه في فخذه فشقه حتى بلغ العظم ,فاعتنقه الحسن عليه السلام وخرا جميعا إلى الأرض ,

ص: 183

فوثب إليه رجل من شيعة الحسن عليه السلام يقال له :عبد الله بن خطل الطائي ,فانتزع المغول من يده وخضخض به جوفه ,وأكب عليه آخر يقال له :ظبيان بن عمارة فقطع أنفه ,فهلك من ذلك واخذ آخر كان معه فقتل .

وحمل الحسن عليه السلام على سرير إلى المدائن ,فانزل به على سعد بن مسعود الثقفي ,وكان عامل أمير المؤمنين عليه السلام بها فاقره الحسن عليه السلام على ذلك , واشتغل بنفسه يعالج جرحه .

وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السر ,واستحثوه على السير نحوهم ,وضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه عند دنوهم من عسكره أو الفتك به ,

وبلغ الحسن ذلك .

وورد عليه كتاب قيس بن سعد رضي الله عنه وكان قد أنفذه مع عبيد الله بن العباس عند مسيره من الكوفة ,ليلقى معاوية فيرّده عن العراق وجعله أميراً على الجماعة

وقال :إن أصبحت فالأمير قيس بن سعد فوصل كتاب ابن سعد يخبره أنهم نازلوا معاوية بقرية يقال لها الحبونية بإزاء مسكن ,وأن معاوية أرسل إلى عبيد الله بن العباس يرّغبه في المصير إليه ,وضمن له ألف ألف درهم ,يعجّل له منها النصف ,ويعطيه النصف الآخر عند دخوله الكوفة ,فانسل عبيد الله بن العباس في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته ,وأصبح الناس قد فقدوا أميرهم ,فصلى بهم قيس رضي الله عنه ونظر في أمورهم .

فازداد بصيرة الحسن عليه السلام بخذلان القوم له ,وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ,ولم يبق معه من يأمن غوائله إلا خاصة من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ,وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام .

فكتب إليه معاوية الهدنة والصلح ,وأنفذ إليه بكتب أصحابه التي ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه ---الخ(1)

فهذا كاف في الحفاظ على بقية أصحاب

ص: 184


1- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد –المفيد –ج2-ص10-13

2- أما أن الإمام الحسن لا يخاف من جيش الشام ولذا فقد تجهز الجيش وحذرهم من التخلف

قال المسعودي في إثبات الوصية

ثم خرج-الإمام الحسن بن علي عليهما السلام - فعسكر بالنخيلة ,وأقام به عشرة أيام , فلم يلحق به منهم إلا عدد يسير , فانصرف إلى الكوفة ,

وقام خطيباً ,فحمد الله وأثنى عليه ,

ثم قال :يا عجبا من قوم لا حياء لهم ولا دين من غدر بعد غدرة ,أما والله لو وجدت أعوناً لقمت بهذا الأمر أي قيام ,ونهضت به أي نهوض وأيم الله لا رأيتم فرجاً ولا عدلاً أبداً مع ابن آكلة الأكباد وبني أمية وليسومنكم سوء العذاب حتى تتمنوا أن يليكم عبد حبشي مجدع , فأف لكم وبعداً وترحا يا عبيد الدنيا وموالي الحطام .

ثم نزل وهو يقول واعتزلكم وما تدعون

من دون الله ,فاتبعه من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام عدد يسير إشفاقاً عليه وحقنا لدمه

3-إن الإمام الحسن عليه السلام لا يرغب في قتال أهل الشام ومن بين جيشه خوارج ومحكمة وغيرهم

ولذا قال الطبري في تاريخ الأمم والملوك

ثم قام الحسن في أهل العراق فقال :يا أهل العراق ,إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث :قتلكم أبي ,وطعنكم إياي ,و إنتهابكم متاعي .(1)

الادعاء الثاني :

قال ابن الصباغ في الفصول :

فلما بلغ معاوية كتابه وقتله الرجلين سار بنفسه الى العراق ,

وتحرك الحسن وبعث حجر بن عدي , واستعد الناس للقتال فتثاقلوا عنه ثم حفوا معه أخلاطاً من الناس بعضهم من شيعته وشيعة أبيه عليه السلام ,وبعضهم من المحكمة الذين يودون القتال , قتال معاوية بكل حال ,وبعضهم من أصحاب طمع في

ص: 185


1- تاريخ الأمم والملوك –أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

الغنائم , وبعضهم أصحاب عصبية اتبعوا رؤساءهم

ورؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى شيء , ثم سار حتى نزل ساباط القنطرة وبات هناك ,

فلما أصبح أراد عليه السلام أن يمتحن أصحابه و يستبرئ أحوالهم في طاعته ليميز أولياءه من أعدائه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية فأمر أن ينادى في الناس الصلاة جامعة فاستجمعوا فصعد المنبر وخطبهم

فقال :الحمد لله كلما حمده الحامدون ,وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له الشاهدون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , أرسله بالحق وائتمنه بالوحي صلى الله عليه وآله وسلم .

أما بعد فو الله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنّه وأنا انصح خلق الله تعالى لخلقه , وما أصبحت محتملاً على امرئ مسلم ضغينة ولا مريد له بسوء ولا غائلة , وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ,واني ناظر لكم ولأنفسكم فلا تخالفوا أمري ولا تردوا علي ,وإني غفر الله لي ولكم وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا ناظر لما فيه مصالحكم والسلام.

فنظر الناس بعضهم إلى بعض

وقالوا :ما ترونه يريد أن يصنع ,

قالوا: فظن أنه يريد يصالح معاوية وسلم إليه الأمر ,فشدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته , ورداه من عاتقه , فرجع وركب فرسه وتقلد بسيفه وأحدق به طوائف من خواص شيعته فمنعوه و طافوا به ,وأطاف به ربيعة و همدان وجماعة من غيرهم وسار معه فبادر إليه رجل من بني أسد اسمه الجراح بن سنان في يده خنجر , فطعنه به في فخذه فشقه حتى بلغ العظم فأكب عليه شخص من شيعة الحسن فقتله وقتلوا آخر كان معه ,

وحمل الحسن عليه السلام على سرير من تلك الضربة إلى المدائن فنزل بها على سعد بن مسعود الثقفي , وكان عاملاً عليها من جهة أبيه علي بن أبي طالب فاقره الحسن على ذلك ,واشتغل الحسن عليه السلام بمعالجة جرحه وكتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة سرا واستحثوه على سرعة المسير نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام عند دنوه منهم والفتك به .

وبلغ الحسن عليه السلام ذلك وتحقق فساد نياتهم أكثر أصحابه وخذلانه هم له ولم يبق معه ممن يأمن غائلته إلا خاصة شيعته وشيعة أبيه وهو جماعة لا يقومون

ص: 186

بحرب أهل الشام فكتب إلى معاوية في الهدنة والصلاح ,فأجابه إلى ذلك وأنفذ إلى ذلك إليه كتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك فيه وتسليمه إليه .(1)

نظرة

هذه الرواية تدل أن هنالك عدة عوامل أدت إلى قبول الصلح وأهمها هو تخاذل جيش الإمام الحسن عليه السلام

لكن لماذا لم يستخدم الإمام عليه السلام الترهيب في سبيل السيطرة على الجيش ؟

لعل لغة الترهيب لا تجدي نفعا بعد ما حاول الإمام أبو محمد عليه السلام أن يختبرهم فكانت أفعالهم تدل على الفرقة ومحاولة اغتيال الإمام عليه السلام والسعي نحو المكاسب والمنافع الدنوية

وهم من ذلك .أن النوايا لم تكن سليمة بحيث يكونوا على بصيرة في الدفاع عن العقيدة الحقة ,ولذا نقضوا العهود والمواثيق حينما انقلبوا على الأعقاب في أول اختبار لهم ,وهذا دليل على خبث الطوايا .

الادعاء الثالث

قال الطبري في تاريخ الأمم والملوك :

وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال :حدثنا عثمان بن عبد الحميد أو ابن عبد الرحمن المجازي الخزاعي أبو عبد الرحمن .قال: حدثنا إسماعيل بن راشد

قال :بايع الناس الحسن بن علي عليه السلام بالخلافة ,ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن ,وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفاً ,وأقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن ,فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر :ألا إن قيس بن سعد قد قتل ,فانفروا ,فنفروا ,ونهبوا سرادق الحسن عليه السلام حتى نازعوه بساطاً كان تحته .

وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن ,وكان عم المختار بن أبي عبيد عاملاً على المدائن ,وكان اسمه سعد بن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب :هل لك في الغنى والشرف ؟

ص: 187


1- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة عليهم السلام –علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ –ص153-154

قال وما ذاك ؟

قال :توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية !

فقال له سعد :عليك لعنة الله ,أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوثقه ؟ بئس الرجل أنت .

فلما رأى الحسن عليه السلام تفرق الأمر عنه بعث إلى معاوية يطلب الصلح ,وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر ,وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس ,فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ,

ثم قام الحسن في أهل العراق

فقال :يا أهل العراق ,انه سخى بنفسي عنكم ثلاث :قتلكم أبي ,وطعنكم إياي ,و انتهابكم متاعي .وخل الناس في طاعة معاوية ,ودخل معاوية الكوفة فبايعه الناس .(1)

.فقد ذكر الطبري في تأريخ الأمم والملوك

:حدثني عبد الله بن احمد المروذي قال :اخبرني أبي قال :حدثنا سليمان قال :حدثني عبد الله عن يونس عن الزهري

قال :بايع أهل العراق الحسن بن عليّ بالخلافة ,فطفق يشترط عليهم الحسن :إنكم سامعون مطيعون ,تسالمون من سالمت ,وتحاربون من حاربت .فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط ,

وقالوا : ما هذا بصاحب ,وما يريد هذا القتال ! فلم يلبث الحسن عليه السلام بعد ما بايعوه إلا قليلاً حتى طعن طعنةً أشوته ,فازداد لهم بغضاً ,وازداد منهم ذعراً ,فكاتب معاوية وأرسل إليه بشروط ,

وقال :إن أعطيتني هذا فانا سامع مطيع ,وعليك أن تفي لي به

ووقعت صحيفة الحسن في يد معاوية ,وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها ,وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل

ص: 188


1- تاريخ الأمم والملوك –لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري –ج5-ص107-108

معاوية قبل ذلك وامسكها عنده , وامسك معاوية صحيفة الحسن عليه السلام التي كتب إليه يسأله ما فيها .

فلما التقى معاوية والحسن عليه السلام ,سأله الحسن أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله ,فأبى معاوية أن يعطيه ذلك ,

فقال :لك ما كنت كتبت إلي أولاً تسألني أن أعطيكه ,فاني قد أعطيتك حين جاءني كتابك .

قال الحسن :وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على الوفاء بما .فيه فاختلفا في ذلك فلم ينفذ للحسن عليه السلام من الشروط شيئا(1)

نظرة

هل كلمة الإمام الحسن عليه السلام هي التي جعلت الريب في قلوب جيشه أم أن هنالك طوايا خبيثة ظهرت على اثر قول الإمام عليه السلام ؟

يبدو أن كلمة الإمام الحسن عليه السلام قد عبرت عن طواياهم ,ولذا حاول أن يكشفهم ويكشف عما يدور.

فقد قال المسعودي في إثبات الوصية

وقام أبو محمد بأمر الله جلّ وعلا واتبعه المؤمنون وأتاه الناس فبايعوه .وقالوا له :يا بن رسول الله نحن السامعون المطيعون لك ,

قال :كذبتم فو الله ما وفيتم لمن كان خيراً مني فكيف تفون لي وكيف أطمئن إليكم إن كنتم صادقين فموعدنا بيني وبينكم المعسكر في المدائن ,

فركب وتخلف عنه أكثر الناس ,فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله

ثم قال :أيها الناس قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي فلا جزاكم الله عن رسول الله وأهل بيته خيراً ,مع أي إمام تقاتلون بعدي مع الظالم الكافر الزنديق الذي لم يؤمن بالله وبرسوله قط ولا أظهر الإسلام ومن تقدمه من الشجرة الملعونة في كتاب الله بني أمية إلا خوفاً من سيوف الحق ولو لم يبق منهم إلا عجوز درداء لبغت لدين الله الغوائل .

ص: 189


1- المصدر نفسه –ص110

ثم نزل ---الخ(1)

الادعاء الرابع

فقد قال الدنيوري في الأخبار الطوال :

قالوا :ولما بلغ معاوية قتل علي تجهز ,وقدم أمامه عبد الله بن عامر بن كريز ,فاخذ

على عين التمر ,ونزل الأنبار يريد المدائن ,وبلغ ذلك الحسن بن علي وهو بالكوفة ,فسار نحو المدائن لمحاربة عبد الله بن عامر بن كريز , فلما انتهى إلى ساباط رأى من أصحابه فشلا وتوكلا عن الحرب فنزل ساباط ,

وقام فيهم خطيباً :أيها الناس ,إني قد أصبحت غير محتمل على مسلم ضغينة ,واني ناظر لكم كنظري لنفسي ,وأرى رأياً فلا تردوا عليّ رأيي ,إن الذي تكرهون من الجماعة أفضل من الفرقة ,وارى أكثركم قد نكل عن الحرب ,وفشل عن القتال ,ولست أرى أن أحملكم على ما تكرهون فلما سمع أصحابه ذلك نظر بعضهم الى بعض ,

فقال من كان معه ممن يرى رأى الخوارج : كفر الحسن كما كفر أبوه من قبله ,فشد عليه نفر منهم ,فانتزعوا مصلاه من تحته ,وانتهبوا ثيابه حتى انتزعوا مطرفه عن عاتقه ,فدعا بفرسه ,فركبها ,

ونادى :أين ربيعة وهمدان ؟

فتبادروا إليه ,ودفعوا عنه القوم .

ثم ارتحل يريد المدائن ,فكمن له رجل ممن يرى رأى الخوارج ,يسمى الجراح بن قبيصة من بني أسد بمظلم ساباط ,فلما حاذاه الحسن قام إليه بمغول فطعنه في فخذه .

وحمل على الأسدي عبد الله بن خطل وعبد الله بن ظبيان ,فقتلاه .

ومضى الحسن (عليه السلام )رضي الله عنه مثخنا حتى دخل المدائن ,ونزل القصر الأبيض ,وعولج حتى برأ,واستعد للقاء ابن عامر .

واقبل معاوية حتى وافى الأنبار ,و بها قيس بن سعد بن عبادة من قبل الحسن ,فحاصره معاوية ,وخرج الحسن فواقف عبد الله بن عامر ,

ص: 190


1- إثبات الوصية –علي بن الحسين المسعودي –ص168

فنادى عبد الله بن عامر :يا أهل العراق ,إني لم أر القتال ,وإنما أنا مقدمة معاوية ,وقد وافى الانبار في جموع أهل الشام فأقرئوا أبا محمد –يعني الحسن –مني السلام

وقولوا له :أنشدك الله في نفسك وأنفس هذه الجماعة التي معك

فلما سمع ذلك الناس إنخذلوا وكرهوا القتال وترك الحسن الحرب ,وانصرف إلى المدائن وحاصره عبد الله بن عامر بها

ولما رأى الحسن من أصحابه الفشل أرسل إلى عبد الله بن عامر بشرائط اشترطها على معاوية على أن يسلم له الخلافة ,

وكانت الشرائط :ألا يأخذ أحدا من أهل العراق بإحنة ,وان يؤمن الأسود والأحمر ,ويحتمل ما يكون من هفواتهم ,ويجعل له الخراج الأهواز مسلما في كل عام ,ويحمل إلى أخيه الحسين بن علي في كل عام ألفي ألف ,ويفضل بني هاشم في العطاء على بني عبد شمس .

فكتب عبد الله بن عامر بذلك إلى معاوية ,

فكتب معاوية جميع ذلك بخطه وختمه بخاتمه ,وبذل عليه له العهود المركبة والأيمان المغلظة ,واشهد على ذلك جميع رؤساء الشام ,ووجه به إلى عبد الله بن عامر ,فأوصله إلى الحسن (عليه السلام ) رضي الله عنه فرضي به ,وكتب إلى قيس بن سعد بالصلح ويأمره بتسليم الأمر إلى معاوية ,والانصراف إلى المدائن.(1)

إشارة

يا ترى هل كلام عبد الله بن عامر هو الذي خذل الجيش وتخلف وقبل الإمام الحسن عليه السلام الصلح ؟

يبدو أن دعوة عبد الله بن عامر وأتباعه ليست بذات أهمية ما لم يكن هنالك مكيدة من وراءها ,ولذلك فان الإمام عليه السلام قد حذر أتباعه من الخداع .

ولذلك فانه لما نادى عبد الله بن عامر :يا أهل العراق ,إني لم أر القتال ,وإنما أنا مقدمة معاوية وقد وافى الأنبار في جموع أهل الشام فأقرئوا أبا محمد –يعني الحسن –مني السلام ,وقولوا له :أنشدك الله في نفسك وأنفس هذه الجماعة التي معك .

ص: 191


1- الأخبار الطوال –أبو حنيفة احمد بن داود الدنيوري –ص216-218

فلما سمع ذلك الناس انخذلوا وكرهوا القتال .(1)

الادعاء الخامس

وقال ابن الأثير في أسد الغابة

وولى الخلافة بعد أبيه علي (عليهما السلام ) رضي الله عنهما ,وكان قتل علي لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين ,وبايعه أكثر من أربعين ألفا ,كانوا قد بايعوا أباه على الموت ,وكانوا أطوع للحسن ,وأحب له ,وبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق ,وما وراءه من خراسان والحجاز واليمن وغير ذلك ,

ثم سار معاوية إليه من الشام ,وسار هو إلى معاوية ,فلما تقاربا علم انه لن تغلب إحدى الطائفتين حتى يقتل أكثر الأخرى ,فأرسل إلى معاوية يبذل له تسليم الأمر إليه ,على أن تكون له الخلافة بعده ,وعلى أن لا يطلب أحداً من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان أيام أبيه ,وغير ذلك من القواعد ,فأجابه معاوية إلى ما طلب ,فظهرت المعجزة النبوية في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين ,(2)

وقال العسقلاني في الإصابة إلى تمييز الصحابة

واخرج ابن سعد من طريق مجالد عن الشعبي وغيره قال :بايع أهل العراق بعد علي الحسن بن علي فسار إلى أهل الشام وفي مقدمته قيس بن سعد في اثني عشر ألفا يسمون شرطة الخميس فنزل قيس بمسكن من الانبار ونزل الحسن المدائن

فنادى مناد في عسكر الحسن ألا أن قيس بن سعد قتل فوقع الإنتهاب في العسكر حتى إنتهبوا فسطاط الحسن وطعنه رجل من بني أسد بخنجر فدعا عمرو بن سلمة الأرحبي وأرسله إلى معاوية يشترط عليه وبعث معاوية عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر فأعطيا الحسن ما أراد فجاء له معاوية من منبج إلى مسكن فدخلا الكوفة جميعا فنزل الحسن ونزل معاوية النخيلة وأجرى عليه معاوية في كل سنة ألف ألف درهم وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين .(3)

ص: 192


1- المصدر نفسه –ص217
2- أسد الغابة في معرفة الصحابة –عزا لدين بن الأثير –ج2-ص14
3- الإصا بة في تمييز الصحابة –شهاب الدين احمد بن علي بن حجر العسقلاني –ج1-ص330

قال بن عبد البر في الاستيعاب

ولما قتل أبوه علي (عليه السلام )رحمه الله بايعه أكثر من أربعين ألفا كلهم قد كانوا بايعوا أباه عليا قبل موته على الموت وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم في أبيه .فبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان

ثم سار إلى معاوية وسار معاوية إليه فلما تراءى الجمعان وذلك بموضع يقال له مسكن من ارض السواد بناحية الانبار علم انه لن تغلب أحدى الفئتين حتى يذهب أكثر أخرى فكتب إلى معاوية يخبره انه يصير الأمر إليه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز ولا أهل العراق بشيء كان في أيام أبيه فأجابه معاوية وكاد يطير فرحاً ---الخ(1)

إشارة

فهل يا ترى فكر الإمام الحسن عليه السلام أن الغلبة حينما تكون لأحد فهي انكسار للطرف الآخر وحينئذ فالسلامة أولى من القتال ؟

لكن الإمام عليه السلام لما تولى الخلافة وهو يعلم أن كل من يخالف أوامره فلابد من قتاله ,

ولذلك قال الطبري في تاريخه

بويع للحسن بن علي عليه السلام بالخلافة وقيل :إن أول من بايعه قيس بن سعد ,قال له :ابسط يدك أبايعك على كتاب الله عزّ وجلّ وسنة نبيه ,وقتال المحلين .

فقال له الحسن (عليه السلام )رضي الله عنه :على كتاب الله وسنة نبيه ,فان ذلك يأتي من وراء كل شرط .فبايعه وسكت وبايعه الناس .(2)

وهذا دليل أن الإمام عليه السلام قد تولى الخلافة وهو يعلم أن كل من يخالف أوامره فلابد من قتاله , وبذلك لا تكون الغاية السلامة أولى من القتال وإنما الأسباب المتقدمة هي التي دعت الإمام عليه السلام إلى التسليم لهذا الصلح.

الادعاء السادس

الصلح لأجل حفظ النفس

ص: 193


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب –لابن عبد البر النمري القرطبي –ج1-ص370-371
2- تاريخ الأمم والملوك –أبو جعفر الطبري –ج5-ص107

قد يدع مدعي أن طلب الإمام الحسن الصلح للحفاظ على نفسه الشريفة كما قال

الطبرسي في إعلام الورى

ووقع الصلح بينه –الإمام الحسن عليه السلام –وبين معاوية في إحدى وأربعين ,وإنما هادنه عليه السلام خوفا على نفسه إذ كتب إليه جماعة من رؤساء أصحابه في السر بالطاعة وضمنوا له تسليمه إليه عند دنوهم من عسكره لم يكن منهم من غائلته إلا خاصة من شيعته لا يقومون لأجناد الشام ---الخ(1)

وفي هذا الكلام عدة أمور :

1-هل يا ترى طلب الإمام عليه السلام الهدنة أو الصلح لأجل نفسه خوفا من القتل أم لغاية أخرى ؟

2-غدر أصحابه هو السبب الرئيسي أم هنالك حقيقة خافية؟

3-أين شيعة الإمام عليه السلام الذين بايعوه على السمع والطاعة ولماذا خذلوه ؟

رد الأمر الأول

لعل من غير المبرر له أن يفكر الإمام الحسن عليه السلام بنفسه رغم البيعة العلنية أمام الملأ بحيث لم يكن هنالك شك في وجود قائد له خبرة عسكرية وذكاء , لا يستهان به , وبلاء حسن في المعارك التي شارك بها مع أبيه عليه السلام

ثم إن الغاية الرئيسية هو قد بينها الإمام عليه السلام في خطابه فقال :بعد حمد الله عزّ وجلّ :إنّا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم ,وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ,فسلبت السلامة بالعداوة ,والصبر بالجزع ,وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم ,فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ,

ألا وإنا لكم كما كنا ,ولستم لنا كما كنتم ,ألا وقد أصبحتم بين قتيلين :قتيل بصفين تبكون له ,وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره ,فأما الباقي فخاذل ,وأما الباكي فثائر ,ألا وان معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة ,فان أردتم الموت رددناه عليه ,وحاكمناه إلى الله –عزّ وجل –بظبا السيوف , وان أردتم الحياة قبلناه وأخذنا و أخذنا لكم الرضا .

ص: 194


1- أعلام الورى –أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ص213

فناداه القوم من كل جانب :البقية البقية ,فلما أفردوه أمضى الصلح (1)

فهل يا ترى بعد ذلك يمكن أن يطلب الصلح الإمام عليه السلام لأجل نفسه أم لأجل هؤلاء الذين طلبوا منه الصلح ؟

رداً على الثاني

قد يكون الغدر سبب يباح للإمام عليه السلام أن يصالح حسب ما يراه مناسبا له . لكن الأهم من ذلك هو كشف حقيقة معاوية التي ألجأته على الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه

والقرآن الكريم يصرح بذلك (وافوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا )

ولذلك قال أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين

:حدثني أبو عبيد ,قال :حدثني الفضل المصري ,قال :حدثنا يحيى بن معين ,قال :حدثنا أبو أسامة ,عن مجالد ,عن الشعبي بهذا .حدثني علي بن العباس المقانعي ,قال :أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهيري ,قال :حدثنا حسن بن الحسين ,عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق ,قال :سمعت معاوية بالنخيلة يقول :ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به

قال أبو إسحاق :وكان والله غداراً

حدثني أبو عبيد , قال :حدثنا الفضل المصري , قال :حدثني عثمان بن أبي شيبة قال :حدثني أبو معاوية ,عن الأعمش ,وحدثني أبو عبيد قال :حدثنا فضل قال :حدثنا عبد الرحمن بن شريك ,قال حدثنا أبي عن الأعمش ,عن عمرو بن مرة ,عن سعيد بن سويد قال :صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة في الصحن ,

ثم خطبنا فقال :إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ,ولا لتصوموا ,ولا لتحجوا ,ولا لتزكوا ,إنكم لتفعلون ذلك ,وإنما قاتلتكم لأ تأمر عليكم ,وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون .

قال شريك في حديثه :هذا هو التهتك .(2)

ص: 195


1- أسد الغابة في معرفة الصحابة –عز الدين بن الأثير –ج2-ص14
2- مقاتل الطالبيين –لأبي الفرج الأصفهاني –ص77

وقال الطبرسي في أعلام الورى

فلما استتمت الهدنة قال في خطبته :إني منيت الحسن وأعطيته أشياء جعلتها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له .(1)

وقال المفيد في الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

فلما استتمت الهدنة على ذلك ,سار معاوية حتى نزل بالنخيلة ,وكان ذلك يوم الجمعة فصلى بالناس ضحى النهار ,فخطبهم وقال في خطبته :إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا ,إنكم لتفعلون ذلك ,ولكني قاتلتكم لأ تأمر عليكم ,وقد أعطاني الله ذلك وانتم له كارهون .

ألا وإني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء ,وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له .(2)

ردا على الأمر الثالث

إن الإمام الحسن عليه السلام قد بين ذلك لما ذكر المسعودي في إثبات الوصية

فقام أبو محمد عليه السلام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه .

ثم قال :يا أيها الناس هذا فلان

الكندي قدمته بين يديه الله لمحاربة عدو الله وابن آكلة الأكباد فبعث إليه بمال ووعده ومنّاه حطام الدنيا ومتاعها فباع دينه وآخرته بدنيا زائلة غير باقية وقد توجه إليه ,وقد أخبرتكم مرة بعد أخرى أنه لا وفاء لكم ولا ذمة ولا خير عندكم وأنكم عبيد الدنيا ,وإني موجه مكانه رجلاً وأني لأعلم أنه يفعل فعل صاحبه غير مفكر في عاقبة أمره ومرجعه ولا مراقب لله في دينه

وبعث رجلاً من مراد في أربعة آلاف وتقدم إليه بمشهد من الناس وحذره الغدر والنكث فلما صار إلى الانبار أتاه رسول معاوية بمثل ما أتى الكندي من الصلة والمواعيد فتوجه إليه مؤثرا لدنياه على آخرته وبائع دينه بالتافه القليل الفاني ومختاراً على الجنة ,

فقام أبو محمد عليه السلام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وقال :قد عرفتكم أنكم لا تفون بعهد ولا تستأمنون إلى عقد ,وقد غدر المرادي الذي اخترتموه وقبله ما اخترتم الكندي .

ص: 196


1- أعلام الورى –أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –ص214
2- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد –المفيد –ج2-ص14

فقال أناس فقالوا :إن كان الرجلان غدرا فنحن ننصح ولا نغدر

فقال لهم :كلا وإني اعذر بيني وبينكم مع علمي بسوء ما تبطنون وتنطوون عليه وموعدكم عسكري النخيلة ,

ثم خرج فعسكر بالنخيلة , وأقام به عشرة أيام ,فلم يلحق به منهم إلا يسير.(1)

فان هؤلاء بعد ما بايعوه على السلم والحرب قد تركوه ابتغاء حطام الدنيا والأمنيات التي تمنوها .

ص: 197


1- إثبات الوصية –علي بن الحسين المسعودي –ص168-169

ختاما

بعد هذه الجولة في رحاب الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بين اتهامات التأريخ.

كان لابد من توضيح عدة أمور لا ينبغي أن يغفل عنها الأريب :

منها :إن حياة الإمام أبي محمد عليه السلام لا ينبغي أن تؤخذ مجرد حياة طبيعية كباقي سائر البشر من حيث كونه عاش مع جده وأمه وأبيه وأخيه عليهم السلام ,وإنما لابد أن تظهر الصورة الجلية التي عاش فيها هذا الإمام العظيم عليه السلام بحيث كانت لحياته أهمية كبيرة في حياة جده صلى الله عليه وآله وسلم من حيث الإشادة به والحث و السير على خطاه .

ومنها :أن الآيات التي دلت على عظم هذه الشخصية ما هي إلا تعبير صادق عما بذله في سبيل الإسلام لتبقى تلك الآيات شامخة إلى ابد الآبدين .

ومنها :إن تلك الاتهامات ينبغي أن يتأمل فيها المسلم ويلاحظ المغزى من ذلك ,وما الداعي الذي دعا هؤلاء إلى أن يطعنوا على الإمام عليه السلام دون غيره من الشخصيات الإسلامية ؟

ومنها :هل تلك الاتهامات نالها الإمام الحسن عليه السلام بعد اثبت القرآن الكريم والسنة النبوية التي تدل على طهارته وسمو أخلاقه .بل حتى المسلمين قد أكدوا على ذلك .

فكيف تتلائم تلك الاتهامات مع ذلك ؟

ومنها :ما الغاية المتوخاة من تلك الاتهامات هل مساواته لبقية المسلمين وقد اعترف المسلمون كافة إن الإمام الحسن عليه السلام لا يمكن أن يكون مساويا لهم لفخره بجده وأمه وأبيه عليهم السلام .

بل يكفيه عزاً أن يكون سيد شباب أهل الجنة فكيف يقاس ببقية البشر ؟

ومنها :لا يمكن قبول التخاصم بين الإمام الحسن وأبيه وأخيه بل هنالك من يحاول أن يظهر الإمام عليه السلام من المستبدين برأيه ,ومن الذين لا يعبأون بالاستشارة من الآخرين .فكيف يتناسب ذلك مع خلق الإمام أبي محمد عليه السلام ؟

ص: 198

ومنها :إن دراسة حياة الإمام المجتبى عليه السلام ينبغي أن تقاس بتلك المواقف العظيمة والتضحيات الجسيمة مما دعا إلى أن يؤثر أمته على نفسه كي لا يقضى على الإسلام والمسلمين .

ومنها :إبراز المعالم العظيمة لهذا الإمام العظيم عليه السلام الذي أحبه كل المسلمين ونال بخلقه وكرمه أحسن آيات السمو والرفعة .

ومنها :الإيمان العظيم الذي كان يتمتع به دون سائر البشر بحيث يدعوه إلى أن يكون في مصاف الأنبياء والمرسلين ,وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على فضل هذه الشخصية التي ينبغي للمسلمين الإجلال لها واستذكارها في كل عام كي تحذو حذوه

وأخيراً ينبغي أن نستذكر هذه الشخصية العظيمة لنستخرج تلك الصفات لتكون عنوانا للمسلمين بحيث يفتخر بها العالم الإسلامي في كافة بقاع الأرض .

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

احمد السيد نوري الحكيم

النجف الأشرف

10 – رجب -1435هجري

ص: 199

المصادر

1-القرآن الكريم

2- نهج البلاغة –جمعه الشريف الرضي –طبعته مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر

3-أسد الغابة في معرفة الصحابة –عز الدين بن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري – طبعته دار الشعب

4-إثبات الوصية –أبي الحسن علي بن الحسين المسعودي الهذلي –طبعته دار الأضواء –سنة الطبع 1988-1409

5-إعلام الورى وأعلام الهدى – أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –طبعته مؤسسة الأعلمي للمطبوعات –سنة الطبع2004-1424

6-الأخبار الطوال –أبو حنيفة أحمد بن داود الدنيوري –طبعته منشورات الشريف الرضي –تحقيق عبد المنعم عامر ومراجعة الدكتور جمال الدين الشيال –سنة الطبع 1960-القاهرة

7-الإتحاف بحب الأشراف- الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي –وبهامشه كتاب حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل –طبعته منشورات الرضي –سنة الطبع 1363

8- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد – أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد –تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث –طبعته دار المفيد –سنة الطبع 1993-1414ه

9-الإصابة في تمييز الصحابة –شهاب الدين أبي الفضل احمد بن علي بن حجر العسقلاني – طبعته مكتبة المثنى بغداد - أوفست

10-الاستيعاب في معرفة الأصحاب –لابن عبد البر النمري القرطبي –بهامش الاستيعاب

11-البرهان في تفسير القرآن –السيد هاشم البحراني –طبعته مؤسسة المجتبى للمطبوعات-سنة الطبع2007-1428

12-تأريخ الأمم والملوك –لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري –طبعته دار إحياء التراث العربي –سنة الطبع 2008-1429

ص: 200

13-تأريخ مدينة دمشق –لابن عساكر –طبعته دار الفكر-سنة الطبع 1995-1415

14-تهذيب التهذيب – شهاب الدين أبي الفضل احمد بن علي بن حجر العسقلاني –طبعته دار الفكر –سنة الطبع 1995-1415

15-تفسير فرات الكوفي – أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي – تحقيق محمد الكاظم –طبعته مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة و الإشاد الإسلامي –سنة الطبع 1990-1420

16-تهذيب الكمال –المزي –طبعته مؤسسة الرسالة

17-حلية الأولياء –أبو نعيم الأصفهاني –طبعته دار الكتب العلمية

18-الدر المنثور في التفسير بالمأثور –جلال الدين السيوطي –الناشر محمد أمين دمج –سنة الطبع

19-روضة الواعظين –محمد بن الفتال النيسابوري –منشورات الشريف الرضي – سنة الطبع 1375-بتقديم العلامة الجليل السيد محمد مهدي الخرسان

20-انساب الأشراف –البلاذري –طبعته دار اليقظة العربية

21-سير أعلام النبلاء –شمس الدين الذهبي -طبعته مؤسسة الرسالة –سنة الطبع 2002-1422

22-صحيح البخاري –أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة البخاري –ضبط النص محمود محمد محمود حسن نصار –طبعته دار الكتب العلمية –سنة الطبع-2009-1430

23-صحيح مسلم –مسلم بن الحجاج القشيري-طبعته دار الكتب العلمية

24-صفوة الصفوة –جمال الدين أبي الفرج الدين بن الجوزي –طبعته دار الكتب العلمية

25-الفصول المهمة في معرفة أحوال

الأئمة عليهم السلام –الشيخ علي بن محمد بن احمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ –طبعته دار الأضواء –سنة الطبع 1988-1409

26-الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل –

ص: 201

أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي-طبعته دار الفكر –سنة الطبع 1977-1397

27-المناقب –الحافظ الموفق بن احمد الخوارزمي –قدم له السيد محمد رضا الموسوي الخرسان –طبعته دار سلوني ودار البلاغ –سنة الطبع 2005-1426

28-مطالب السؤل في مناقب آل الرسول –الشيخ أبي سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي النصيبي الشافعي –طبعته دار البلاغ –سنة الطبع 1999-1419

29-مجمع البيان لعلوم القرآن –أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي –طبعته رويال كرافك –سنة الطبع 1977-1397

30-نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين –جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي الحنفي المدني –الناشر المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام –سنة الطبع 2012-1433

31-معاني الأخبار –أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي المعروف بالصدوق –حققه علي اكبر الغفاري –منشورات الأعلمي للمطبوعات –سنة 1990-1410 .

32-الاحتجاج – أبو منصور احمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي – تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان –طبعته مؤسسة النعمان

33-الفروع من الكافي –محمد بن يعقوب الكليني –علق عليه علي أكبر غفاري –طبعته دار الكتب الإسلامية-سنة الطبع 1384ه

34-معرفة الصحابة –أبو نعيم الأصفهاني –طبعته دار الكتب العلمية

ص: 202

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.