المؤلف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم
الناشر: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث - قم
المطبعة: نمونه
الطبعة: 0
الموضوع : مجلّة تراثنا
تاریخ النشر : 1424 ه.ق
الصفحات: 446
ص: 1
* تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات (25).
..................................................... السيّد علي الحسيني الميلاني 7
* عدالة الصحابة (12).
........................................................... الشيخ محمّد السند 60
* زواج اُم كلثوم .. قراءة في نصوص زواج عمر من اُم كلثوم بنت عليّ عليه السلام (1).
..................................................... السيّد علي الشهرستاني 108
* تجلّيات الزهد في «نهج البلاغة».
................................... كاظم حمد المحراث - جامعة واسط / العراق 158
* فهرس مخطوطات مكتبة أمير المؤمنين العامّة / النجف الأشرف (15).
....................................... السيّد عبدالعزيز الطباطبائي قدّس سرّه 194
ص: 2
* مصطلحات نحوية (24).
..................................................... السيّد علي حسن مطر 248
* من ذخائر التراث :
* آداب المؤمنين وأخلاقهم - للشيخ سليمان بن محمّد الجيلاني التنكابني ، المتوفّى بعد سنة 1125 ه.
............................................. تحقيق : الشيخ محمّد مشكور 267
* أضواء الدرر الغوالي لإيضاح غصب فدك والعوالي - للشيخ حسن بن محمّد بن علي المهلّبي ، المتوفّى سنة 840 ه.
............................................ تحقيق : الشيخ أحمد المحمودي 351
* من أنباء التراث.
............................................................... هيئة التحرير 427
* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة «آداب المؤمنين وأخلاقهم» للشيخ سليمان بن محمّد الجيلاني التنكابني ، المتوفّى بعد سنة 1125 ه- ، المنشورة في هذا العدد ، ص 267 - 350.
ص: 3
ص: 4
ص: 5
ص: 6
السيّد عليّ الحسيني الميلاني
المراجعة (66)
عليٌّ وارث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
قال السيّد - رحمه الله - :
«لا ريب في أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قد أورث عليّاً من العلم والحكمة ، ما أورث الأنبياء أوصياءهم ، حتّى قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأتِ الباب (1).
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : أنا دار الحكمة وعليّ بابها.
وقال : عليّ باب علمي ، ومبيّن من بعدي لأُمّتي ما أُرسلت به ، حبّه إيمان ، وبغضه نفاق. الحديث.
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم ، في حديث زيد بن أبي أوفى (2)
ص: 7
وأنت أخي ووارثي ، قال : وما أرث منك؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ما ورث الأنبياء من قبلي.
ونصّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، في حديث بريدة (1) على أنّ وارثه عليّ بن أبي طالب.
وحسبك حديث الدار يوم الإنذار.
وكان علي يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : والله إنّي لأخوه ، ووليّه ، وابن عمّه ، ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي (2)؟
وقيل له مرّةً : كيف ورثت ابن عمّك دون عمّك؟ فقال : جمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بني عبد المطلب وهم رهط ، كلّهم يأكل الجذعة ، ويشرب الفرق ، فصنع لهم مدّاً من طعام ، فأكلوا حتّى شبعوا ، وبقي الطعام كما هو كأنّه لم يُمس ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا بني عبد المطلب ، إنّي بُعثت إليكم خاصّة ، وإلى الناس عامّة ، فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي ، وصاحبي ، ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه ، وكنت من أصغر القوم ، فقال لي : اجلس ، ثمّ قال ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس ، حتّى كان في الثالثة ، ضرب بيده على يدي ، فلذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي (3). نز
ص: 8
وسئل قثم بن العبّاس - في ما أخرجه الحاكم في المستدرك (1) ، والذهبي في تلخيصه ، جازمين بصحّته - فقيل له : كيف ورث عليّ رسول الله دونكم؟
فقال : لأنّه كان أوّلنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لزوقاً.
قلت : كان الناس يعلمون أنّ وارث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، إنما هو علي ، دون عمّه العبّاس وغيره من بني هاشم ، وكانوا يرسلون ذلك إرسال المسلمّات ، كما ترى ، وإنّما كانوا يجهلون السبب في حصر ذلك التراث بعليّ ، وهو ابن عمّ النبي دون العبّاس ، وهو عمّه ، ودون غيره من بني أعمامه وسائر أرحامه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولذلك سألوا عليّاً تارة ، وقثماً أُخرى ، فأجابهم بما سمعت ، وهو غاية ما تصل إليه مدارك أولئك السائلين ، وإلاّ فالجواب : إنّ الله عزّ وجلّ اطّلع إلى أهل الأرض فاختار منهم محمّداً فجعله نبيّاً ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار عليّاً ، فأوحى إلى نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم : أن يتّخذه وارثاً ووصيّاً.
قال الحاكم - في ص 125 ج 3 من المستدرك ، بعد أن أخرج عن قثم ما سمعته - : حدّثني قاضي القضاة أبو الحسن محمّد بن صالح الهاشمي ، قال : سمعت أبا عمر القاضي ، يقول : سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي ، يقول : وقد ذكر له قول قثم هذا ، فقال : إنّما يرث الوارث بالنسب ، أو ل.
ص: 9
بالولاء ، ولا خلاف بين أهل العلم أن ابن العمّ لا يرث مع العمّ (قال) فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ عليّاً ورث العلم من النبي دونهم. انتهى.
قلت : والأخبار في هذا متواترة ، ولا سيّما من طريق العترة الطاهرة. وحسبنا الوصيّة ونصوصها الجليّة».
فقيل :
«زعم الموسوي أنّ عليّاً وارث النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، وفسّر الوراثة هنا بالخلافة من بعده ، واستدلّ على ذلك بأحاديث.
1 - «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» ، و «أنا دار الحكمة وعليّ بابها». لقد سبق الكلام ببيان ضعفهما في ردّنا على المراجعة رقم 48. وقال الذهبي في تلخيصه : «موضوع».
2 - حديث : «أنت أخي ووارثي ...».
لقد سبق الكلام عليه في الردّ على المراجعة رقم 32 ، وبيّنا أنه لا خصوصيّة في ذلك لعليّ رضي الله عنه ، لأنّ الصحابة كلّهم قد ورثوا عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم الكتاب والسنّة ، حالهم في ذلك حال عليّ رضي الله عنه.
3 - أمّا حديث بريدة : «لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ... الحديث» ، فهو حديث ضعيف بسبب محمّد بن حميد الرازي ، وسيأتي الكلام عليه في المراجعة رقم 68.
أمّا قول عليّ في حياة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : «والله إنّي لأخوه ووليه وابن عمّه ووارث علمه فمن أحقّ به منّي».
فجوابه أنّ الموسوي قد اجتزأ هذا الجزء من كلام عليّ رضي الله
ص: 10
عنه ، فأوهم القارئ بأنّه حديث مستقلّ ، وجعله دليلاً على مذهبه ، وحَمَّله ما لا يحتمل ، وهذا ديدن الرافضة مع كلّ دليل.
والرواية التي في المستدرك تؤكّد هذه الحقيقة ، وتوضّح أنها لا تصلح دليلاً على مذهب هذا الرافضي.
ونصّ الرواية في المستدرك 3 / 126 : «عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، قال : كان عليّ يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم إنّ الله يقول : (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) (1) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتّى أموت ، والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به منّي».
إنّ من أمعن النظر في هذه الرواية يجد أنّ الإمام عليّ رضي الله عنه يصرّح بإيمانه الذي لا يتزعزع ، وثباته على الحقّ الذي جاء به النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، وأنّه لن يتخلّى عنه في حياة النبيّ ولا في مماته ، وأنّه سيدفع عن هذا الدين ويقاتل دونه بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، كما هو الحال في حياته عليه الصلاة والسلام ، متمثّلاً الآية التي ساقها أوّل كلامه ، وأنّه أوْلى من غيره في هذا كلّه ، لِما بينه وبين النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم من صلات تميّزه عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
ولو سلّمنا بدعوى الموسوي في هذا الخبر عن عليّ ، للزم من ذلك تخاذل عليّ عن قتال الشيخين أبي بكر وعمر عندما وليا الخلافة قبله ، وكذا 4.
ص: 11
عثمان رضي الله عنه. فتأمّل هذا.
5 - أمّا حديث : «جمع رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بني عبد المطلب وهم رهط ...».
فقد مضى الحديث عليه في الردّ على المراجعة رقم 20 ، وبيّنّا كذبه. أمّا ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن شريك بن عبد الله ، عن أبي إسحاق ، قال : سألت قثم بن العبّاس كيف ورث عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دونكم ، قال : لأنّه كان أوّلنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لزوقاً.
فليس فيه وجه استدلال على مدّعى الموسوي بحال ، لأنّ المقصود بالميراث هنا إنّما هو ميراث العلم فقط ، ولا يصحّ حمله على المال ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» ، ولو جاز ذلك فليس لعليّ من ميراث النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم شيئاً لأنّه محجوب بعمّه العبّاس.
كما لا يصحّ حمله على الولاية والخلافة من بعده ، لأنّها لا تُستحقّ بالوراثة بالاتّفاق.
فإذا لم يصحّ حمله على الوجهين السابقين ، كان لا بُدّ من حمله على الوراثة في العلم ، ويؤيّد هذا الرواية الأُخرى التي أخرجها الحاكم 3 / 125 : «إنّما يرث الوارث بالنسب أو بالولاء ، ولا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العمّ لا يرث مع العمّ ، فقد ظهر بهذا الاجماع أنّ عليّاً ورث العلم من النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم دونهم».
وعند ذلك لا تكون هذه صفة خاصّة بعليّ رضي الله عنه ، بل كلّ أصحابه حصل له نصيب من العلم بحسبه ، فقد يرث الواحد من الناس من العلم ما ورثه الآخر ، وقد يزيد عليه ، كعليّ بن أبي طالب ، حيث ورث من
ص: 12
العلم أكثر ممّا ورثه غيره من آل البيت ، بحسب منطوق هذه الروايات».
أقول :
أمّا أنّ عليّاً عليه السلام وارث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فهذا هو المدّعى في هذه المراجعة ، وعلينا إثباته.
وأمّا أنّ السيّد - رحمه الله - «فسّر (الوارث) هنا ب- (الخلافة من بعده)» فهذه دعوى عليه ، ولم نجد في كلامه هذا التفسير ...
غير أنّ العِلم من الشروط الأساسية في الخليفة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند الفريقين ; لأنّ أهل السنّة - وأنْ أوكلوا أمر الإمامة والخلافة بعد النبيّ إلى الأُمّة - قد اشترطوا في الخليفة المختار أنْ يكون عالماً ..
قال في شرح المواقف : «المقصد الثاني ، في شروط الإمامة : الجمهور على أنّ أهل الإمامة ومستحقّها مَن هو مجتهد في الأُصول والفروع ، ليقوم بأُمور الدين متمكّناً من إقامة الحجج ، وحلّ الشُبه في العقائد الدينية ، مستقلاًّ بالفتوى في النوازل والأحكام الوقائع ، نصّاً واستنباطاً ; لأنّ أهم مقاصد الإمامة : حفظ العقائد ، وفصل الحكومات ، ورفع المخاصمات ، ولن يتمّ ذلك بدون هذا الشرط» (1).
فهل كان عليّ الواجد لهذا الشرط ، حتّى يكون أهلاً للإمامة والخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أو غيره؟! 9.
ص: 13
يقول السيّد - رحمه الله - :
«لا ريب في أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أورث عليّاً من العلم والحكمة ، ما أورث الأنبياء أوصياءهم ، حتّى قال ...» واستشهد بالأحاديث من كتب أهل السُنّة :
1 و 2 - حديث : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، وحديث : أنا دار الحكمة وعليّ بابها.
وقد تقدَّم منّا مجمل الكلام على هذين الحديثين - في المراجعة 48 - وذكرنا هناك أسماء جماعة من الأئمّة والحفّاظ من أهل السنّة ، الّذين أخرجوهما في كتبهم بأسانيدهم ، وأثبتنا صحّتها عندهم باعتراف غير واحد منهم.
وقول المفتري : «قال الذهبي في تلخيصه : موضوع».
يَردّه : إنّه قد أخرج الحاكم حديث : «أنا مدينة العلم» بأسانيد (1) ، فأخرجه أوّلاً بسنده عن أبي الصّلت عبد السلام بن صالح : «ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله ...».
ثمّ قال : «وأبو الصلت ثقة مأمون ، فإنّي سمعت أبا العبّاس محمّد بن يعقوب في التاريخ يقول : سمعت العبّاس بن محمّد الدوري يقول : سألت يحيى بن معين عن أبي الصّلت الهروي؟ فقال : ثقة. فقلت : أليس قد حدّث عن أبي معاوية ، عن الأعمش : أنا مدينة العلم؟ فقال : قد حدّث به محمّد بن جعفر الفيدي ، وهو ثقة مأمون ...». ة.
ص: 14
فأقول :
أوّلاً : قد ظهر أنّ النزاع في هذا الحديث بهذا السند ، يعود إلى الخلاف في «أبي الصّلت» ، والحاكم قد وثّقه ، ثمّ استشهد بتوثيق يحيى بن معين.
وثانياً : إنّ جرح الذهبي لا يصلح لأنْ يعارض توثيق يحيى بن معين ، وذلك لوجوه :
1 - إنّ يحيى بن معين عندهم من أئمّة الجرح والتعديل ، وقد ترجم له الذهبي نفسه فوصفه ب- : «الإمام الحافظ الجهبذ ، شيخ المحدّثين ... أحد الأعلام ...» وذكر عن الأئمّة في حقّه ما لم يرد في حقّ غيره (1).
2 - إنّ ابن معين كان معاصراً لأبي الصّلت ، فيكون توثيقه شهادةً حسية منه له ; فلا يعارضها كلام من تأخّر عنه بقرون ، عن اجتهاد من عنده!
3 - وليته تكلّم فيه عن اجتهاد مبنيّ على أصل ولو فاسد! لكنّه يتكلّم في الرجال تبعاً لهواه ، كما نصّ على ذلك تلميذه السبكي بترجمته من الطبقات .. حتّى قال الحافظ ابن حجر في اللسان بترجمة علي بن صالح الأنماطي متعقبّاً كلام الذهبي فيه : «فينبغي التثبّت في الّذين يضعّفهم المؤلّف من قبله» (2).
وثالثاً : قد أخرج الحاكم الحديث بسنده عن محمّد بن جعفر الفيدي : «ثنا أبو معاوية ...» ، ثمّ قال مؤكّداً على صحّة الحديث : «ليعلم 5.
ص: 15
المستفيد لهذا العلم أنّ الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقة مأمون حافظ».
أقول :
فهذا السند ليس فيه «أبو الصّلت» ، وراويه : «الحسين بن فهم» وثّقه الحاكم ، وهو حافظ كبير ، من تلامذة يحيى بن معين ، وأمّا «الفيدي» فهو من مشايخ البخاري في صحيحه ، كما ذكر الحافظ وغيره (1).
وهذا السند لم يتكلّم عليه الذهبي في تلخيصه بشيء ، فهو موافق للحاكم فيه ... والحمد لله.
ورابعا : قال الحاكم بعد ذلك : «ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري ، بإسناد صحيح» فأخرجه بإسناده عن الثوري : «عن عبد الله ابن عثمان بن خثيم ، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فليأتِ الباب».
وأخرج بالإسناد المذكور : قال جابر : «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم - وهو آخذ بضبع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه - وهو يقول : هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منَصور من نصره ، مخذول من خذله ، ثمّ مدّ بها صوته» ، فقال : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» (2).
لكنّ الذهبي تكلّم في «أحمد بن عبد الله بن يزيد الحرّاني». 9.
ص: 16
قلت :
ورواية مثل هذا الحديث لا تتحمّله النفوس الأُمويّة ، فحقّ لها أن تطعن راويها.
والمهمُّ : إنّ الحاكم قد أخرج حديث : «أنا مدينة العلم» بأسانيد صحيحة ، وقد وافقه الذهبي على واحد منها ..
فنقول للمفتري :
إنْ كنت مقلِّداً للذهبي ، فإنّه قد وافق الحاكم على سند وخالفه على آخر ، فلماذا أخذت بالمخالفة وسكتَّ عن الموافقة؟
وإن كنت من أهل العلم والتحقيق ، فكان عليك النظر في أسانيد الحديث ودراستها ، ومراجعة كلمات أعلام الفنّ منكم فيها ، ك- : الحافظ جلال الدين السيوطي ، والحافظ العلائي ، والحافظ ابن حجر ، وغيرهم ، الّذين ردّوا بشدّة على القول بوضعه (1).
ثمّ تتخذّ الرأي الصحيح ..
ولكنّك - وللأسف - رجل جاهلٌ مفتر!!
ثمّ إنّ في هذا المفتري خيانة وتدليساً آخر ، فقد وضع قول الذهبي : «موضوع» بعد الحديثين ، والحال أنّه قال ذلك في حديث : «أنا مدينة العلم» فقط ، وبالنسبة إلى أحد طرقه كما عرفت ، وأمّا حديث : «أنا دار الحكمة» فلم يقل الذهبي ذلك فيه ، كيف؟ وقد أخرجه الترمذي وحسّنه ، 4.
ص: 17
والطبري وصحّحه ، وأخرجه جماعة من الأئمّة ولم يتكلّموا عليه بشيء ، كما تقدّم في المراجعة 48 ; فراجع.
3 - حديث : «عليّ باب علمي ...».
وهذا الحديث قد أغفله المفتري هنا ، فلم يتكلّم عليه بشيء.
أمّا في المراجعة 48 - حيث أورده السيّد برقم 11 ، وأورد بعده الحديث : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ عليه السلام : «أنت تبيّن لأُمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي» - فقد قال : «11 ، 12 - عليّ باب علمي ... الحديث. موضوع ، ذكره الذهبي في ترجمة ضرار بن صرد بلفظ : «عليّ عيبة علمي» ، وقال فيه البخاري : متروك ، وقال يحيى بن معين : كذّابان بالكوفة ، هذا وأبو نعيم النخعي. وكذا حديث رقم 12 : «أنت تبيّن لأُمّتي ما اختلفوا فيه من الحقّ» ذكره الذهبي في ترجمة ضرار بن صرد. المستدرك 3 / 122».
هذا نصّ كلام هذا الرجل هناك ..
فنقول :
أمّا الحديث : «عليّ باب علمي ...» فقد رواه السيّد عن كنز العمّال عن الديلمي ، عن أبي ذر ، وقد أورده الحافظ السيوطي في سياق أحاديث «أنا مدينة العلم» وغيره ; إذ قال : «وبقي للحديث طرق» ، فأورد بعض الأحاديث ، وكان من جملتها : «وقال الديلمي : أنبأنا أبي ، أنبأنا الميداني ، أنبأنا أبو محمّد الحلاّج ، أنبأنا أبو الفضل محمّد بن عبد الله ، حدّثنا أحمد ابن عبيد الثقفي ، حدّثنا محمّد بن علي بن خلف العطّار ، حدّثنا موسى بن
ص: 18
جعفر بن إبراهيم بن محمّد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، حدّثنا عبد المهيمن بن العبّاس ، عن أبيه ، عن جدّه سهل بن سعد ، عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : «عليّ باب علمي ومبيّنٌ لأُمّتي ما أُرسلت به من بعدي ، حبّه إيمان وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة» (1).
ورواه السيوطي كذلك في كتابه في مناقب أمير المؤمين عليه السلام ، الذي أسماه ب- : القول الجليّ في فضائل عليّ (2).
كما رواه جماعة عن الديلمي ، عن أبي ذرّ باللفظ المذكور.
ولم أجد كلاماً من أحد منهم فيه.
وأمّا الحديث : «عليّ عيبة علمي» ، فحديثٌ آخر ، والخلط بينهما تدليس وخيانة .. هذا أوّلاً.
وثانياً : فإنّ هذا الحديث قد أخرجه أبو نعيم الأصفهاني ، وابن عساكر الدمشقي ، وغيرهما من الأعلام ، وقال المناوي بشرحه : «قال ابن دريد : وهذا من كلامه الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة اختصاصه بأُموره الباطنة ، التي لا يطّلع عليها أحد غيره ، وذلك غاية في مدح عليّ ، وقد كانت ضمائر أعدائه منطويةً على اعتقاد تعظيمه. وفي شرح الهمزية : إنّ معاوية كان يرسل يسأل عليّاً عن المشكلات فيجيبه ، فقال أحد بنيه : تجيب عدوّك؟ قال : أما يكفينا أن احتاجنا وسألنا؟» (3).
وثالثاً : إنّ الأصل في ذكر هذا الحديث بترجمة ضرار بن صُرد هو 6.
ص: 19
ابن عدي ، وقد تبعه الذهبي في الميزان (1) ، قال ابن عدي : «حدّثنا أحمد ابن حمدون النيسابوري ، حدّثنا ابن بنت أبي أُسامة - هو جعفر بن هذيل - حدّثنا ضرار بن صرد ، حدّثنا يحيى بن عيسى الرملي ، عن الأعمش ، عن عباية ، عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، قال : عليّ عيبة علمي.
قال الشيخ : وضرار بن صرد هذا من المعروفين بالكوفة ، وله أحاديث كثيرة ، وهو في جملة من ينسب إلى التشيّع بالكوفة» (2).
لكنّ الذهبي لم يذكر كلمة ابن عدي هذه في الرجل!
ورابعاً : لقد اختلفت كلمات القوم في ضرار بن صرد ; قال المزّي : «روى عنه البخاري في كتاب أفعال العباد» ، ثمّ ذكر أسماء الرواة عنه من كبار الأئمّة : ك- : أبي حاتم الرازي ، وأبي زرعة الرازي ، ومحمّد بن عثمان ابن أبي شيبة ، ومحمّد بن عبد الله مطيّن ، وأبي بكر زهير بن حرب ، وحنبل بن إسحاق ... وأمثالهم.
قال : «وقال أبو حاتم : صدوق ، صاحب قرآن وفرائض ، يكتب حديثه ولا يحتّج به ، روى حديثاً عن معتمر ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن أنس ، عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، في فضيلة لبعض الصحابة ، ينكرها أهل المعرفة بالحديث» (3).
فنقول للذهبي ولمن يأخذ بقوله هنا لأنّه يوافق هواه :
* لقد ذكرتَ بترجمة أبي حاتم الرازي أنّه إن وثّق أحداً فتمسّك 5.
ص: 20
بقوله (1) ، وقد قال في الرجل : «صدوقٌ» فلماذا لم تأخذ بقوله؟!
* إذا كانت آراء ابن معين في الرجال حجّةً ، فلماذا لم تأخذ بقوله في «أبي الصلت» كما أخذت بقوله في «ضرار»؟!
* أليس المستفاد من كلام أبي حاتم وكلام ابن عدي أنّ السبب في رمي الرجل بالكذب هو روايته لمثل هذه الأحاديث في فضل أمير المؤمنين عليه السلام؟!
وقد وجدنا بعض الإنصاف لدى الحافظ ابن حجر ; لأنّه لم يورد الرجل في لسان الميزان ، لكونه من رجال البخاري في كتابه أفعال العباد ، وقال في تقريب التهذيب : «ضرار - بكسر أوّله مخفّفاً - ابن صرد - بضمّ المهملة وفتح الراء - التيمي ، أبو نعيم ، الطّحان ، الكوفي. صدوقٌ ، له أوهام وخطأ ، ورمي بالتشيّع ، وكان عارفاً بالفرائض ، من العاشرة. مات سنة 29 عخ» (2).
وأمّا الحديث أنّه قال صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ عليه السلام : «أنت تبيّن لأُمّتي ما اختلفوا فيه بعدي» فقد أخرجه الحاكم في مستدركه بسنده عن أنس ، عن النبيّ ، وقال : «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه» (3).
وفي السند : «ضرار بن صرد» ، الذي تقدّم الكلام عنه ، وظهر من كلام الحاكم هنا كونه على شرط الشيخين أيضاً ..!! فثبت صحّة استدلال السيّد به في المراجعة رقم 48 ، وبطل قول الذهبي في تلخيصه فيه. 2.
ص: 21
4 - حديث : «.. وأنت أخي ووارثي ...».
قال السيّد - في المراجعة 32 - في بحث المؤاخاة :
«وحسبك ممّا جاء من طريق غيرهم في المؤاخاة الأُولى : حديث زيد بن أبي أوفى ، وقد أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في كتاب مناقب عليّ ، وابن عساكر في تاريخه ، والبغوي والطبراني في معجميهما ، والباوردي في المعرفة ، وابن عدي ، وغيرهم. والحديث طويل قد اشتمل على كيفيّة المؤاخاة ، وفي آخره ما هذا لفظه :
فقال عليّ : يا رسول الله! لقد ذهب روحي ، وانقطع ظهري ، حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت ، غيري ، فإن كان هذا من سخط علَيَّ فلك العُتبى والكرامة.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي.
فقال : وما أرث منك؟
قال : ما ورّث الأنبياء من قبلي ، كتاب ربّهم وسُنّة نبيّهم ، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ورفيقي ..
ثمّ قرأ صلّى الله عليه وآله وسلّم : (إخواناً على سرر متقابلين) (1) المتحابيّن في الله ينظر بعضهم إلى بعض».
وقد روى السيّد حديث أحمد عن المتّقي الهندي في كنز العمّال ، فإنّه قد رواه فيه وقال في آخره : «حم في كتاب مناقب عليّ» (2) أي : هو 5.
ص: 22
عن كتاب مناقب عليّ لأحمد ، وهو من رواياته لا من زيادات القطيعي ، وكذلك روي عن أحمد في كتابه المذكور في الرياض النضرة 2 / 209 ، فالسيّد لم ينسبه إلى مسند أحمد وإنّما رواه عن المتّقي الذي رواه عن كتاب مناقب عليّ.
ولو سلّم كونه من زيادات القطيعي ، فإنّ هذا الرجل من كبار أعلام المحدّثين عندهم ، وهو الراوي لكتب أحمد : المسند والمناقب والزهد ، كما ذكر الذهبي بترجمته ، وحكى توثيقه عن الدارقطني والحاكم والبرقاني وغيرهم (1).
ثمّ إنّ هذا الحديث يشتمل على عدّة من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، ك- : حديث المؤاخاة ، وحديث أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، فكذلك إرثه منه ... بعد أن قال له : «ما أخّرتك إلاّ لنفسي» ولذا كان كبار الأصحاب متى أشكل عليهم أمرٌ أرسلوا إليه يسألونه ، وهذا ما نصّ عليه غير واحد من الحفّاظ ، كالحافظ النووي بترجمة الإمام عليه السلام (2) ، فكان هو المتمكّن من إقامة الحجج وحلّ الشبه دونهم ... فكان هو الإمام والخليفة بعد النبيّ عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام.
5 - حديث : «لكلّ نبيّ وصيٌّ ووارث ...».
وهذا حديث بريدة ، أورده السيّد في المراجعة 68 ; لأنّه يشتمل على «الوصيّة» أيضاً ، وهي موضوع تلك المراجعة ، وسيأتي البحث عنه هناك ; فانتظر.
6 - حديث الدار. 6.
ص: 23
قال السيّد : «وحسبك حديث الدار يوم الإنذار».
قلت :
وقد أوضحناه في محلّه سنداً ودلالةً ، فلا نعيد.
قال السيّد : «وكان عليّ يقول في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ...».
فقيل :
إنّه قد اجتزء هذا الجزء من كلام علي ...
قلت :
إنّ السيّد - رحمه الله - قد أرجع القارئ إلى كتاب المستدرك ، وإلى نفس الحديث الذي أورده هذا المفتري عنه ، فكيف يُتّهم بأنّه أراد أن يوهم القارئ بأنّه حديث مستقل؟!
ثمّ هل وجود هذه الجملة - التي هي مورد الاستدلال هنا - في ضمن حديث طويل يشتمل على جمل عديدة ، يضرّ بالاستدلال بها حتّى ، يحتاج إلى إيهام كونها مستقلّةً؟!
ولماذا لم يعترف المفتري - قبل هذا - بصحّة هذا الحديث ، وقد اعترف بذلك الذهبي في تلخيصه؟!
هذا من ناحية سند الحديث.
وأمّا من ناحية المتن ، فقد نصّ الإمام عليه السلام في هذا الحديث على منازل له من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يختصُ بها دون غيره من الصحابة على الإطلاق ، ومن ذلك أنّه : «وارث علمه» ، وهذا موضع
ص: 24
استدلال السيّد بهذا الحديث.
وأمّا من ناحية المعنى والدلالة ، فقد أفاد عليه السلام اختصاصه من بين الصحابة كلّهم بالبقاء على ما عاهد عليه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بخلاف غيره ، وإنّهم قد ارتدّوا على أعقابهم ولم يبق منهم إلاّ مثل همل النعم ، كما في رواية الصحاح.
وما قيل من أنّه : «لو سلّمنا بدعوى الموسوي في هذا الخبر ...».
فجوابه : إنّ شأن عليّ شأن هارون ، لمّا ارتدّ قوم موسى ، ولم يتمكّن من ردعهم ، بل قال : (إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) (1) ... وهذا أحد أوجه الشبه بينهما في حديث : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» ; فتأمّل.
7 - قال السيّد : «وسئل قثم ...».
أقول :
هذا الحديث صحيح قطعاً ، وقد أخرجه : ابن أبي شيبة ، والنسائي ، والطبراني ، وابن عساكر ، وابن الأثير ... وآخرون ... (2).
وهذا من جملة المواضع التي وافق الذهبي الحاكم في تصحيحه ..
هذا بالنسبة إلى السند.
وأمّا بالنسبة إلى المعنى والدلالة ، فلقد أوجز قثم وأحسن في الكلام ، فلقد كان من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام أنّه لم يشرك بالله طرفة 7.
ص: 25
عين ، وكان أوّل القوم إسلاماً ، وكم فرق بين من يكون هكذا وبين من قضى كثيراً - إن لم يكن الأكثر - من عمره في عبادة الأصنام؟!
وكان من خصائصه عليه السلام أيضاً أنّه كان أشدّ القوم بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لصوقاً ; أمّا نسباً فواضح ، وأمّا صهراً فكذلك ، وأمّا معاشرةً ، فالأحاديث الصحيحة الدالّة على ذلك كثيرة جدّاً.
وأيضاً : الأحاديث في أنّه كان إذا سأله أجابه ، وإن لم يسأله ابتدأه ...
وأيضاً : الأحاديث في أنّه كان له على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في كلّ يوم دخلتان ...
وأمّا القوم ، فقد كانوا يلهيهم الصفق بالأسواق ، وكان هذا عذرهم متى سئلوا عن شيء وجهلوا الجواب عنه!! وكانوا إذا حضروا عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ينتظرون قدوم أعرابي ليسأله عن شيء فيستمعون إلى الجواب!! وكأنّهم كانوا عاجزين حتّى عن السؤال ، وجاهلين حتّى بكيفيّة طرح السؤال وطريقة التعلّم!!
فبالله عليك! مَن يكون حينئذ الشخص اللائق لأنْ يقوم مقام النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد وفاته ، في تعليم الأُمّة وإرشادها ، ونشر المعارف الإلهية ومعالم الدين الحنيف؟!
فهذا مطلب السيّد وكلّ من يستدلّ بمثل هذه الأحاديث والأخبار من كبار علمائنا الأبرار ... بل هذا هو الذي يفهمه العلماء الأعلام من سائر الفرق في الإسلام ، ولذا قال الحاكم بعد هذا الحديث : «فقد ظهر بهذا الإجماعُ على أنّ عليّاً ورث العلم من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم دونهم».
وكذلك قال الحافظ ابن عساكر ، واعترف بما قلناه بعد إخراج
ص: 26
الحديث ; فقد نصّ على أنّ : «المراد بالميراث ها هنا : العلم ، بدليل أنّ العبّاس أقرب منه قرابةٌ ، غير أنّ عليّاً كان ألزم للنبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وأقدم له صحابةً» (1).
وأمّا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قد ورَّث مالاً أو لا؟ وأنّ ابنته الوحيدة الشهيدة ترثه أو لا؟ وغير ذلك ممّا لا علاقة له بالبحث ، فليس الغرض من طرحه في المقام إلاّ تشويش الأذهان والأفهام ، وتخديع السذّج والعوام!!
* * * 3.
ص: 27
المراجعة (68) - (70)
عليٌّ وصيُّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
قال السيّد - رحمه الله - :
«1 - نصوص الوصيّة متواترة ، عن أئمة العترة الطاهرة ، وحسبك ممّا جاء من طريق غيرهم ما سمعته في المراجعة 20 من قول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقد أخذ برقبة عليّ : هذا أخي ووصيي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا.
وأخرج محمّد بن حميد الرازي ، عن سلمة الأبرش ، عن ابن إسحاق ، عن أبي ربيعة الأيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه بريدة ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وإنّ وصيي ووارثي عليّ بن أبي طالب (1). انتهي.
وأخرج الطبراني في الكبير ، بالإسناد إلى سلمان الفارسي ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إنّ وصيي وموضع سرّي ، وخير مَن ث.
ص: 28
أترك بعدي ، ينجز عدتي ، ويقضي ديني : عليّ بن أبي طالب (1). عليه السلام ..
وهذا نصّ في كونه الوصي ، وصريح في أنّه أفضل الناس بعد النبيّ ، وفيه من الدلالة الالتزامية على خلافته ، ووجوب طاعته ، ما لا يخفى على أُولي الألباب.
وأخرج أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ، عن أنس ، قال : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا أنس! أوّل من يدخل عليك هذا الباب إمام المتّقين ، وسيّد المسلمين ، ويعسوب الدين ، وخاتم الوصيّين ، وقائد الغُرّ المحجّلين.
قال أنس : فجاء عليّ فقام إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مستبشراً ، فاعتنقه وقال له : أنت تؤدّي عنّي ، وتسمعهم صوتي ، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي (2).
وأخرج الطبراني في الكبير ، بالإسناد إلى أبي أيّوب الأنصاري ، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال : يا فاطمة! أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ اطّلع على أهل الأرض ، فاختار منهم أباك فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع الثانية ، فاختار بعلك ، فأوحى إليّ ، فأنكحته واتّخذته وصيّاً (3). د.
ص: 29
انظر كيف اختار الله عليّاً من أهل الأرض كافّة بعد أن اختار منهم خاتم أنبيائه؟!
وانظر إلى اختيار الوصيّ وكونه على نسق اختيار النبيّ ..
وانظر كيف أوحى الله إلى نبيّه أن يزوّجه ويتّخذه وصيّاً؟!
وانظر هل كانت خلفاء الأنبياء من قبل إلاّ أوصياءهم؟!
وهل يجوز تأخير خيرة الله من عباده ، ووصيّ سيّد أنبيائه ، وتقديم غيره عليه؟!
وهل يصحّ لأحد أن يتولّى الحكم عليه ، فيجعله من سوقته ورعاياه؟!
وهل يمكن عقلاً أن تكون طاعة ذلك المتولّي واجبة على هذا الذي اختاره الله كما اختار نبيّه؟!
وكيف يختاره الله ورسوله ثمّ نحن نختار غيره (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرَة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً) (1).
وقد تضافرت الروايات أن أهل النفاق والحسد والتنافس لمّا علموا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سيزوّج عليّاً من بضعته الزهراء - وهي عديلة مريم وسيّدة نساء أهل الجنّة - حسدوه لذلك وعظم عليهم الأمر ، ولا سيّما بعد أن خطبها مَن خطبها فلم يفلح (2) ، وقالوا : إنّ هذه ميزة من
ص: 30
يظهر بها فضل عليّ ، فلا يلحقه بعدها لاحق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، فأجلبوا بما لديهم من إرجاف ، وعملوا لذلك أعمالاً ، فبعثوا نساءهم إلى سيّدة نساء العالمين ينفّرنها ، فكان ممّا قلن لها : إنّه فقير ليس له شيء. لكنّها عليها السلام لم يخفَ عليها مكرهنّ ، وسوء مقاصد رجالهنّ ، ومع ذلك لم تبدِ لهنّ شيئاً يكرهنه ، تمّ ما أراده الله عزّ وجلّ ورسوله لها.
وحينئذ أرادت أن تظهر من فضل أمير المؤمنين ما يخزي الله به أعداءه ، فقالت : يا رسول الله! زوّجتني من فقير لا مال له؟ فأجابها صلّى الله عليه وآله وسلّم ، بما سمعت.
وإذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسودِ
وأخرج الخطيب في المتّفق بسنده المعتبر إلى ابن عبّاس ، قال : لمّا زوّج النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فاطمة من عليّ ، قالت فاطمة : يا رسول الله! زوّجتني من رجل فقير ليس له شيء؟
فقال النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : أما ترضين أنّ الله اختار من أهل الأرض رجلين : أحدهما أبوك ، والآخر بعلك (1). انتهى. ه.
ص: 31
وأخرج الحاكم في مناقب علي ص 129 من الجزء الثالث من المستدرك عن طريق سريج بن يونس ، عن أبي حفص الأبار ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قالت فاطمة : يا رسول الله! زوّجتني من عليّ وهو فقير لا مال له؟
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا فاطمة! أما ترضين أنّ الله عزّ وجلّ اطّلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين : أحدهما أبوك ، والآخر بعلك. انتهى. وعن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : أما ترضين أنّي زوّجتك أوّل المسلمين إسلاماً ، وأعلمهم علماً ، وأنّك سيّدة نساء أُمّتي ، كما سادت مريم نساء قومها. أما ترضين - يا فاطمة - أنّ الله اطّلع على أهل الأرض فاختار منهم رجلين ، فجعل أحدهما أباك ، والآخر بعلك (1). انتهى.
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد هذا إذا ألمّ بسيّدة النساء من الدهر لمم ، يذكّرها بنعمة الله ورسوله عليها ; إذ زوّجها من أفضل أُمّته ، ليكون ذلك عزاء لها ، وسلوة عمّا يصيبها من طوارق الدهر ..
وحسبك شاهداً لهذا ما أخرجه الإمام أحمد في ص 26 من الجزء الخامس من مسنده من حديث معقل بن يسار ، إنّ النبي صلّى الله عليه د.
ص: 32
[وآله] وسلّم ، عاد فاطمة في مرض أصابها على عهده ، فقال لها : كيف تجدينك؟
قالت : والله! لقد اشتدّ حزني ، واشتدّت فاقتي ، وطال سقمي.
قال صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : أوَ ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً. انتهى.
والأخبار في ذلك متضافرة لا تحتملها مراجعتنا».
قال السيّد - رحمه الله - :
«وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى عليّ لا يمكن جحودها ، إذ لا ريب في أنّه عهد إليه - بعد أن أورثه العلم والحكمة (1) - بأن يغسله ويجهّزه ويدفنه (2) ، ويفي دينه ، وينجز .
ص: 33
ص: 34
أحكام الله وشرائعه عزّ وجلّ ، وعهد إلى الأُمّة بأنّه وليّها من بعده (1) ، وأنه أخوه (2) ، وأبو ولده (3) ، وأنّه وزيره (4) ، اء
ص: 36
ونجيّه (1) ، ووليّه ووصيّه (2) ، وباب مدينة علمه (3) ، وباب دار حكمته (4) ، وباب حطّة هذه الأُمّة (5) ، وأمانها ، وسفينة نجاتها (6) ، وأنّ طاعته فرض عليها كطاعته ، ومعصيته موبقة لها كمعصيته (7) ، وأنّ متابعته كمتابعته ، ومفارقته كمفارقته (8) ، وأنّه سِلم لمَن سالمه ، وحرب لمَن حاربه (9) ، وولي .
ص: 37
لمَن والاه ، وعدوّ لمَن عاداه (1) ، وأنّ مَن أحبّه فقد أحبّ الله ورسوله ، ومَن أبغضه فقد أبغض الله ورسوله (2) ، ومَن والاه فقد والاهما ، ومَن عاداه فقد عاداهما (3) ، ومَن آذاه فقد آذاهما (4) ، ومَن سبّه فقد سبّهما (5) ، وأنّه إمام البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور مَن نصره ، مخذول مَن خذله (6) ، وأنّه سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغُرّ المحجّلين (7) ، وأنّه راية الهدى ، 8.
ص: 38
وإمام أولياء الله ، ونور مَن أطاع الله ، والكلمة التي ألزمها الله للمتّقين (1) ، وأنّه الصدّيق الأكبر ، وفاروق الأُمّة ، ويعسوب المؤمنين (2) ، وأنّه بمنزلة الفرقان العظيم ، والذكر الحكيم (3) ، وأنّه منه بمنزلة هارون من موسى (4) ، وبمنزلته من ربّه (5) ، وبمنزلة رأسه من بدنه (6) ، وأنّه كنفسه (7) ، وأنّ الله عزّ وجلّ اطّلع إلى أهل الأرض فاختارهما منها (8) ، وحسبك عهده يوم عرفات من حجّة الوداع بأنّه لا يؤدّي عنه إلاّ عليّ (9).
إلى كثير من هذه الخصائص التي لا يليق لها إلاّ الوصيّ ، والمخصوص منهم بمقام النبيّ.
فكيف وأنّى ومتى يتسنّى لعاقل أن يجحد بعدها وصيّته ، أو يكابر بها لولا الغرض؟!
وهل الوصيّة إلاّ العهد ببعض هذه الشؤون؟!
2 - أمّا أهل المذاهب الأربعة ، فإنّما أنكرها منهم المنكرون ; لظنّهم أنّها لا تجتمع مع خلافة الأئمّة الثلاثة. ه.
ص: 39
3 - ولا حجّة لهم علينا بما رواه البخاري وغيره عن طلحة بن مصرف ; حيث قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى : هل كان النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أوصى؟
فقال : لا.
قلت : كيف كتب على الناس الوصية - ثمّ تركها -؟!
قال : أوصى بكتاب الله. انتهى ..
فإنّ هذا الحديث غير ثابت عندنا ، على أنّه من مقتضيات السياسة وسلطتها ، وبقطع النظر عن هذا كلّه ، فإنّ صحاح العترة الطاهرة قد تواترت في الوصيّة ، فليضرب بما عارضها عرض الجدار.
4 - على أنّ أمر الوصيّة غني عن البرهان ، بعد أن حكم به العقل والوجدان (1).
وإذا استطال الشيء قام بنفسه
وصفات ضوء الشمس تذهب باطلة.
ص: 40
أمّا ما رواه البخاري عن ابن أبي أوفى ، من أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أوصى بكتاب الله ، فحقّ ، غير أنّه أبتر ، لأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أوصى بالتمسّك بثقليه معاً ، وعهد إلى أُمّته بالاعتصام بحبليه جميعاً ، وأنذرها الضلالة إن لم تستمسك بهما ، وأخبرها أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.
وصحاحنا في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة ، وحسبك ممّا صحّ من طريق غيرهم ما أوردناه في المراجعة 8 وفي المراجعة 54».
فقيل :
في المراجعة 67 لم يزد شيخ الأزهر عن التسليم بما جاء في المراجعة التي قبلها ، ورميه أهل السنّة وهو واحد منهم بالجهل ، ومن ثمّ طلب التعلّم من الموسوي ، وكأنّه تلميذ صغير أمام إمام كبير. فتأمّل هذا.
وفي المراجعة 68 يفيض الموسوي بعلمه على هذا التلميذ الصغير مبيّناً أحاديث الوصيّة ، وحكم عليها بالتواتر قبل عرضها ، ولما كان حكمه لا يعول عليه ولا يعتد به ، لأنّ الرافضة - وهو أحد أعلامهم - من أكذب الناس وأجهلهم بالرواية والمروي ، ومقياس صحّة الرواية عندهم موافقتها لمذهبهم ، ولا قيمة للاسناد عندهم بل هم من أجهل الناس به. لهذا كلّه سنعرض إلى هذه الأحاديث إن شاء الله ونبيّن رأي أهل العلم بالحديث فيها.
1 - حديث : «هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا» فقد مضى القول فيه في ردّنا على المراجعة رقم 20 ، وتبيّن لنا من خلال آراء العلماء أنّه حديث موضوع. انظر تفصيل ذلك في ما سبق.
ص: 41
2 - أمّا حديث بريدة : «لكلّ نبيّ وصيّ ووارث وإنّ وصيي ووارثي عليّ بن أبي طالب» والذي حاول الموسوي أنّ يصحّحه ويردّ تكذيب الذهبي لهذا الحديث ، فهو حديث ضعيف بسبب محمّد بن حميد الرازي.
قال الذهبي في ترجمة شريك بن عبد الله النخعي في ميزان الاعتدال 3 / 273 : محمّد بن حميد الرازي - وليس بثقة - حدّثنا سلمة الأبرش ، حدّثنا ابن إسحاق عن شريك ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه مرفوعاً : «لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وإنّ عليّاً وصيي ووارثي» ثمّ قال الذهبي عقب ذلك : هذا كذب ولا يحتمله شريك.
وإذا رجعنا إلى ترجمة محمّد بن حميد الرازي الذي حاول الموسوي توثيقه نجده ضعيفاً مضعفاً عند أئمّة الجرح والتعديل.
ففي ميزان الاعتدال 4 / 530 : محمّد بن حميد الرازي ، ضعّفه الذهبي ، وقال يعقوب بن شيبة : كثير المناكير ، وقال البخاري : فيه نظر ، وكذّبه أبو زرعة. وقال فَضْلك الرازي : عندي عن ابن حميد خمسون ألف حديث ، ولا أُحدّث عنه بحرف ، ولقد دخلت عليه وهو يركّب الأسانيد على المتون. وعن الكوسج قال : أشهد أنّه كذّاب. وقال صالح جزرة : ما رأيت أجرأ على الله منه : كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضه على بعض ، وما رأيت أحدق بالكذب منه. وقال ابن خِراش : حدّثنا ابن حميد وكان والله يكذب. وجاء عن غير واحد : أنّ ابن حميد كان يسرق الحديث. وقال النسائي : ليس بثقة. وقال أبو علي النيسابوري : قلت لابن خزيمة : لو أخذت الإسناد عن ابن حميد فإنّ أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه! قال : إنّه لم يعرفه ، ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلاً.
ص: 42
فإذا كان أهل الصنعة قد ضعّفوا محمّد بن حميد فكيف يكون ثقة؟! وكيف تكون روايته صحيحة؟! ولو سلّمنا بتوثيق ابن معين له ، فإنّ رأي المجروحين أوْلى بالاعتبار لكثرتهم ومزيد علمهم. وبرغم هذا فقد صحّح الموسوي هذه الرواية بل واعتبرها متواترة لا لشيء إلاّ لأنّها توافق مذهبه. فتأمّل هذا تجده واضحاً.
3 - أمّا حديث سلمان الفارسي : «إنّ وصيي وموضع سرّي وخير مَن ترك بعدي ... الحديث» فقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله بهذا الحديث أربع طرق. ثمّ قال : هذا حديث لا يصحّ.
أمّا الطريق الأوّل : ففيه إسماعيل بن زياد ; قال ابن حبّان : لا يحلّ ذكره في الكتب إلاّ على سبيل القدح فيه. وقال الدارقطني : متروك. وقال عبد الغني بن سعيد الحافظ : أكثر رواة هذا الحديث مجهولون وضعفاء.
وأمّا الطريق الثاني : ففيه مطر بن ميمون ; قال البخاري : منكر الحديث. وقال أبو الفتح الأزدي : متروك الحديث. وفيه جعفر وقد تكلّموا فيه.
وأمّا الطريق الثالث : ففيه خالد بن عبيد ; قال ابن حبّان : يروي عن أنس نسخة موضوعة ، لا يحلّ كتب حديثه إلاّ على جهة التعجّب.
وأمّا الطريق الرابع : فإنّ فيه قيس بن ميناء ; من كبار الشيعة ولا يتابع على هذا الحديث. وفي الميزان : قيس بن ميناء ، عن سلمان الفارسي بحديث : علي وصيي ، وهو كذّاب. انظر : رياض الجنّة : 157 - 158.
5 - أمّا حديث أنس : «أوّل من يدخل عليك هذا الباب إمام المتّقين ... الحديث» رواه أبو نعيم في الحلية ، وقال في الميزان : هذا الحديث موضوع ، وقد روى هذا الحديث جابر بن يزيد بن الحارث
ص: 43
الجعفي الكوفي ، أحد علماء الشيعة.
قال الإمام مسلم في صحيحه : حدّثنا أبو غسّان محمّد بن عمرو الرازي ، قال : سمعت جريراً يقول : لقيت جابر الجعفي فلم أكتب عنه ، كان يؤمن بالرجعة.
وقال جرير بن عبد الحميد لثعلبة : لا تأتِ جابراً فإنّه كذّاب. وقال النسائي : متروك. وقال يحيى : لا يكتب حديثه ولا كرامة. وقال زائدة : هو كذّاب ، يؤمن بالرجعة. وقال سفيان : كان يؤمن بالرجعة. وروى الحميدي عن سفيان : سمعت رجلاً سأل جابراً الجعفي عن قوله : (فلن أبرح الأرضَ حتّى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي) (1) قال : لم يجيء تأويلها. قال سفيان : كذب. قلت : وما أراد بهذا؟ قال : الرافضة تقول : إنّ عليّاً في السماء لا يخرج مع من يخرج من ولده حتّى ينادي مناد من السماء : اخرجوا مع فلان. يقول جابر : هذا تأويل هذه الآية ، لا تروي عنه ، كان يؤمن بالرجعة ، كذب بل كانوا إخوة يوسف. وقال زائدة أيضاً : جابر الجعفي : رافضي يشتم أصحاب النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. انظر : الميزان 1 / 379.
6 - أمّا حديث أبي أيوب : «يا فاطمة! أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ اطلّع إلى أهل الأرض فاختار منهم أباك نبيّاً ، ثمّ اطلّع الثانية فاختار بعلك .. الحديث» فهو حديث ضعيف بسبب عباية بن ربعي ; فهو شيعي غال. هامش مسند الإمام أحمد 5 / 31.
قال الذهبي في ترجمة عباية بن ربعي من الميزان قال : عباية بن 0.
ص: 44
ربعي عن علي ، وعنه موسى بن طريف ، كلاهما من غلاة الشيعة. له عن علي : أنا قسيم النار. الميزان 3 / 387.
أرأيت - أخي المسلم - إلى هذه الآثار التي ساقها الموسوي وعدّها أحاديث متواترة ، وهي بين موضوع وضعيف بيّن الضعف ، كما حكم عليها أهل العلم بالحديث. فتنبّه لهذا أخي المسلم فهذا هو مذهب الموسوي. فلا تعجب.
ثمّ إنّ الموسوي أعظم على الله الفرية يوم أن اتّهم قوماً من الصحابة بالنفاق والحسد ، وساق كلاماً لم يذكره أحد من أهل العلم في كتاب ، حيث قال عن هؤلاء : «وبعثوا نساءهم إلى سيّدة نساء العالمين ينفّرنها فكان ممّا قلن لها : إنّه فقير ليس له شيء ... إلى آخر هذه الفرية».
ولا شكّ أنّه كان يقصد من وراء هذه الفرية أن يلصق تهمة النفاق والحسد بالشيخين أبي بكر وعمر ، اللذين تقدّما لخطبة فاطمة رضي الله عنها ، قبل أن يخطبها علي رضي الله عنه لنفسه ، بدليل أنّه ساق في التعليق الروايات التي تثبت هذه القضية.
والجواب على هذا الاتّهام :
أوّلاً : ليس غريباً على الموسوي أن يقذف الشيخين بالكفر والنفاق ، وأن يكرّر هذا في كلّ مناسبة ، فهذه عقيدة الرافضة في أصحاب النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم.
ثانياً : أنّ رواية زواج فاطمة من علي التي ساقها الموسوي ، قد أشار الذهبي في ترجمة محمّد بن دينار من الميزان أنّها كذب ، فقال : أتى بحديث كذب ، ولا يُدرى من هو. وبذلك تكون الرواية ضعيفة لجهالة محمّد بن دينار وكذبه.
ص: 45
ثالثاً : على فرض صحّتها. فليس فيها ما يدلّ على النفاق والحسد. إذا علمنا أنّ الروايات متّفقة على تقدّم أبي بكر وعمر لخطبة فاطمة قبل أن يخطبها عليّ لنفسه ، ولو كان الأمر بعكس هذا لأمكن أن يكون لكلام الموسوي وجه من الصحّة.
ثمّ إنّ الروايات متّفقة على حثّ أبي بكر وعمر لعليّ رضي الله عنه أن يخطبها لنفسه بعد أن لم يجبهما النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم على خطبتهما لفاطمة رضي الله عنها ، وفعلهما هذا ينفي عنهما ما اتّهمهما به الموسوي من النفاق والحسد نفياً قاطعاً ، بل يثبت محبّتهما لعليّ رضي الله عنه وأنّهما يحبّان له ما يحبّانه لنفسيهما. فتأمّل هذا.
فعن أنس كما عند ابن أبي حاتم ولأحمد نحوه ، قال : جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فسكت ، ولم يرجع إليهما شيئاً ، فانطلقا إلى عليّ رضي الله عنه يأمرانه بطلب ذلك ، قال علي : فنبّهاني لأمر فقمت أجرّ ردائي حتّى أتيت إلى النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فقلت : تزوّجني فاطمة؟ قال : وعندك شيء؟ قلت : فرسي ، وبُدْني. فقال : أمّا فرسك فلا بدّ لك منها ، وأمّا بُدْنُك فبعها. فبعتها بأربعمائة وثمانين فجئته بها فوضعها في حجره ، فقبض منها قبضة فقال : أي بلال ابتع لنا بها طيباً ، وأمرهم أن يجهّزوها .. إلى آخر الرواية.
رابعاً : إنّ ما رواه من أنّهم أرسلوا نساءهم إلى فاطمة لينفّروها من الزواج من عليّ - محض كذب وافتراء - لم يأت في شيء من المصنّفات أو الكتب المعتبرة عند أهل العلم.
والرواية التي ساقها الموسوي وأخرجها الخطيب في المتّفق بسنده إلى ابن عبّاس : «أما ترضين أنّ الله اختار من أهل الأرض رجلين أحدهما
ص: 46
أبوك ، والآخر بعلك» قال الذهبي في تلخيصه : بل موضوع على سريج بن يونس.
وساق رواية أبي الصلت عبد السلام بن صالح ، ثنا عبد الرزّاق ، ثنا معمر ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قالت فاطمة : زوّجتني من عائل لا مال له. فذكر نحوه. قال الذهبي : والآخر كذاب. المستدرك 3 / 129.
أضف إلى هذا فإنّ مجرّد العزو إلى الخطيب مشعر بضعف الراوية ، كما ذكر ذلك في مقدّمة المنتخب. انظر ما هو على هامش مسند الإمام أحمد 1 / 9.
أمّا رواية معقل بن يسار : أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عاد فاطمة في مرض أصابها على عهده ، فقال لها : كيف تجدينك؟ قالت : والله لقد اشتدّ حزني ، واشتدّت فاقتي ، وطال سقمي» إلى هذا الحد من الحديث هي رواية ضعيفة بسبب خالد بن طهمان ، فقد ضعّفه ابن معين ، وقال أبو حاتم : من عتق الشيعة.
وعلى فَرْضِ صحّته فليس هذا هو موطن الشاهد في الحديث ، والشاهد هو الزيادة التي زادها الموسوي في الحديث : وهي قوله : قال : «أوَ ما ترضين أنّي زوّجْتُكِ أقدم أُمّتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً» وهذه الزيادة ليست من الحديث ، وإنّما هي من رواية عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه وجادة ، كما هو مصرّح به في مسند الإمام أحمد 5 / 26. قال أبو عبد الرحمن : وجدت في كتاب أبي بخطّ يده في هذا الحديث قال : أو ما ترضين ... الحديث.
ولو سلّمنا بهذه الزيادة ، فليس فيها ما يزيد على فضل عليّ رضي الله
ص: 47
عنه ، ولا دليل فيها على أولوية عليّ بالخلافة والإمامة. فتأمّل هذا.
1 - أين هي وصيّة النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم؟ وهل ثبتت حتّى تجحد؟ إنّ من أمعن النظر في الأحاديث التي ساقها هذا الرافضي في هذه المراجعة يجدها أحاديث مكرّرة سبق ذكرها في مراجعات سابقة ، ونحن بدورنا قد بيّنا كلام أهل العلم بالحديث في هذه الأحاديث ، فلا نرى حاجة هنا في إعادة الكلام مرّة ثانية ، فمن أراد معرفة ذلك فليرجع إلى ردودنا السابقة.
وخلاصة القول في هذه الأحاديث أنّها أحاديث هالكة ، لا تعدو أن تكون ضعيفة بيّنة الضعف ، أو موضوعة مكذوبة. وما صحّ منها فليس فيه دلالة على مدّعى الموسوي ، وإنّما هي أحاديث تدلّ على فضائل عليّ رضي الله عنه ليس إلاّ ، وعند أهل السُنّة ما هو أقوى منها وأصحّ في فضل هذا الصحابي الجليل ، وفي فضل أهل البيت والعترة الطاهرة.
2 - وقول الموسوي : أمّا أهل المذاهب الأربعة فإنّما أنكرها منهم المنكرون ، لظنّهم أنّها لا تجتمع مع خلافة الأئمّة الثلاثة. فقد أراد بهذا القول أن يبيّن السبب الذي حمل أهل السُنّة والجماعة على إنكار أحاديث الوصيّة ، ثمّ صرح بالسبب فقال : «لظنّهم أنّها لا تجتمع مع خلافة الأئمّة الثلاثة».
فالجواب على هذا القول : بأنّ أهل السُنّة والجماعة يعتقدون أنّ أحاديث الوصيّة بواطيل من أباطيل وأكاذيب الرافضة ، ولم يصحّ منها حديث ، كما سبق بيانه ، ولهذا لم يأخذوا بها ، ولو صحّ منها شيء لما أنكروه بدعوى معارضتها لإمامة أبي بكر وعمر وعثمان.
إنّ أهل السُنّة والجماعة لا يردّون النصوص تعصبّاً للرجال ، كما تفعل
ص: 48
الرافضة ، وإنّما يتمسّكون بنصوص القرآن ، والصحيح من أحاديث النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ، ويضربون بآراء الرجال عرض الحائط عند تصادمها في ما يتمسّكون به.
ولا أدلّ على كذب هذه الأحاديث من ردّ الصحابة لها ، ومن عدم تصريح عليّ بواحد منها سواء قبل خلافته أو بعدها.
قال القرطبي : كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أوصى بالخلافة لعليّ ، فردَّ عليهم جماعة من الصحابة ذلك ، وكذا من بعدهم ، فمن ذلك ما استدلّت به عائشة ، ومن ذلك أنّ عليّاً لم يدّعِ ذلك لنفسه ، ولا بعد أن ولي الخلافة ، ولا ذكره أحد من الصحابة يوم السقيفة ..
وهؤلاء - أي الشيعة - تنقّصوا عليّاً من حيث قصدوا تعظيمه ، لأنّهم نسبوه - مع شجاعته العظمى وصلابته في الدين - إلى المداهنة والتقية والإعراض عن طلب حقّه مع قدرته على ذلك. انتهى. فتح الباري 5 / 361 - 362.
بل ثبت أنّه عليه الصلاة والسلام قد أوصى بأُمور في مرض موته الذي دام بضع عشرة يوماً ، فوعاها الصحابة عنه ونقلوها لنا وليس فيها استخلاف لأحد ، كما صرّحت بذلك السيدة عائشة ، وغيرها من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم بما في ذلك عليّ رضي الله عنه.
وأخرج أحمد وابن ماجة عن ابن عبّاس في أثناء حديث فيه أمر النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في مرضه أبا بكر أن يصلّي بالناس ، قال في آخر الحديث : «مات رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ولم يوص».
ص: 49
وعن عمر رضي الله عنه : «مات رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ولم يستخلف».
وأخرج أحمد والبيهقي في «الدلائل» عن عليّ أنّه لمّا ظهر يوم الجمل قال : «يا أيّها الناس! إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئاً».
وفي المغازي لابن إسحاق عن عبيد الله بن عتبة ، قال : «لم يوص رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عند موته إلاّ بثلاث : لكلّ من الداريين والرهاويين والأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر ، وأن لا يترك في جزيرة العرب دينان ، وأن ينفذ بعث أُسامة».
وأخرج مسلم في حديث ابن عبّاس : «وأوصى بثلاث : أن تجيزوا الوفد بنحو ما كنت أُجيزه» ..
وفي حديث ابن أبي أوفى : «أوصى بكتاب الله».
وفي حديث أنس عند النسائي وأحمد ، وابن سعد واللفظ له : «كانت عامّة وصيّة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم». انتهى. فتح الباري 5 / 362.
ثمّ إنّ الموسوي ردّ حديث عبد الله بن أبي أوفى الذي أخرجه البخاري بدافع التعصّب والهوى ، ولمجرّد مخالفته لمذهبه ، ولم يكتف بهذا حتّى اتّهم هذا الصحابي الجليل بالنفاق والمداهنة للسلطة ; فقال : فإنّ هذا الحديث غير ثابت عندنا على أنّه من مقتضيات السياسة وسلطتها.
ثمّ عاد مرّة ثانية ليناقض نفسه بنفسه ليثبت صحّة هذه الرواية ; فقال : أمّا ما رواه البخاري عن ابن أبي أوفى من أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أوصى بكتاب الله فحقّ غير أنّه أبتر. فتأمّل هذا تجد تناقض
ص: 50
الموسوي واضحاً.
وقد استدلّ الموسوي على صحّة الوصيّة بالعقل والوجدان.
والجواب على هذا : إنّ الوصيّة حكم شرعي لا يثبت إلاّ بالنصّ الصحيح القطعي الدلالة ، والعقل والوجدان لا يصلحان بقليل ولا كثير لإثبات الأحكام.
أقول :
لقد استدلّ أو استشهد السيّد رحمه الله - بعد الإشارة إلى تواتر نصوص الوصيّة عن أئمّة العترة الطاهرة - بأحاديث من كتب أهل السنّة ، وهذا بعض الكلام في تشييد كلامه وتبيين مرامه ..
(فمنها) : حديث الدّار يوم الإنذار.
وهو من أقوى أدلّة الوصيّة وإمامة سيّد العترة أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد أوضحنا سابقاً ثبوته سنداً ووجه الاستدلال به ; فراجع المراجعة رقم 20 ولا نعيد ..
(ومنها) : حديث ابن بريدة عن أبيه.
وقد أخرجه الحافظ ابن عساكر ، قال : «أخبرنا أبو عبد الله الفراوي وأبو محمّد السيّدي وأبو القاسم الشحامي ، قالوا : أنا أبو سعد الجنزرودي ، أنا عبد الوهّاب بن محمّد بن عبد الوهّاب الرازي ، نا يوسف ابن عاصم الرازي ، نا محمّد بن حميد ، نا علي بن مجاهد ، عن محمّد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله النخعي ، عن أبي ربيعة الأيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه : أنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال : إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً ووارثاً ، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي.
ص: 51
أخبرناه أبو القاسم ابن السمرقندي ، أنا أبو الحسين ابن النقور ، أنا أبو القاسم عيسى بن علي ، أنا أبو القاسم البغوي ، نا محمّد بن حميد الرازي ، نا علي بن مجاهد ، نا محمّد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : «لكلّ نبي وصيّ ووارث وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي» (1).
وأخرجه الحافظ ابن عدي ; إذ قال بترجمة شريك بن عبد الله النخعي : «قد روى عنه من الأجلاّء : محمّد بن إسحاق صاحب المغازي و ...» قال : «فأمّا حديث محمّد بن إسحاق ، فحدّثنا محمّد بن منير ، ثنا علي بن سهل ، ثنا محمّد بن حميد ، ثنا سلمة ، حدّثني محمّد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه : إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال : لكلّ نبيّ وصيٌّ ووارث ، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي» (2).
وأخرجه الحاكم النيسابوري في تاريخه كما في تنزيه الشريعة (3) وسنذكره بالإسناد من كتاب الموضوعات
. وأخرجه أبو القاسم البغوي ، وقد عرفت إسناده من رواية ابن عساكر ورواه الحافظ محبّ الدين الطبري عن معجم الصحابة له (4).8.
ص: 52
أقول :
قد تكلّم في هذا الحديث ; لأنّ فيه : «محمّد بن حُميد الرازي» ، فمن هو هذا الرجل؟
قال المزّي : «روى عنه : أبو داود والترمذي وابن ماجة».
ثمّ ذكر في الرواة عنه : أحمد بن حنبل ، ومحمّد بن يحيى الذهلي ، ويحيى بن معين ، وعبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البغوي ، ومحمّد بن إسحاق الصاغاني ، ومحمّد بن جرير الطبري ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ...».
ثمّ ذكر كلمات المدح والذمّ (1).
وقال الخطيب البغدادي : «قدم بغداد وحدّث بها عن ... روى عنه : أحمد بن حنبل ، وابنه عبد الله بن أحمد ، والحسن بن علي بن شبيب المعمري ، وأحمد بن علي الأبار ، وعبد الله بن محمّد البغوي ، ومحمّد ابن محمّد الباغندي ، وغيرهم ...» ثمّ ذكر كلمات المدح والذمّ له (2).
وقال ابن عدي : «محمّد بن حميد : أبو عبد الله الرازي ، حدّثني محمّد بن ثابت ، سمعت بكر بن مقبل يقول : سمعت أبا زرعة الرازي يقول : ثلاثة ليس لهم عندنا محاباة ، فذكر فيهم محمّد بن حميد.
سمعت محمّد بن إبراهيم المنقري يقول : سمعت فضلك الصائغ يقول : قال أبو زرعة الرازي : سمعت أبا عبد الله محمّد بن حميد وكان عندي ثقة. ذكره في قصّة. 9.
ص: 53
حدّثنا الجنيدي ، ثنا البخاري ، قال : محمّد بن حميد الرازي عن يعقوب القمّي وجرير ، فيه نظر.
سمعت ابن حمّاد يقول : قال السعدي : محمّد بن حميد الرازي كان رديء المذهب ، غير ثقة.
ثنا القاسم بن زكريا ، ثنا محمّد بن حميد ، حدّثنا علي بن مجاهد وحكام وهارون ، عن عنبسة ، عن أبي هشام الواسطي ، عن ميمون بن سياه ، عن أنس ، عن النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في قوله : (سدرة المنتهى) (1) ، قال : شجرة نبق.
حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد العزيز بن أحمد ، ثنا محمّد بن حميد ، ثنا جرير ، عن سليمان بن أرقم ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر : أنّه سمع النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقرأ : (ومَن عنده علم الكتاب) (2) ، وسمعته يقول : (بل هو آيات بيّنات في صدور الّذين أُوتوا العلمَ) (3).
ثنا إسماعيل بن حمّاد أبو النضر ، ثنا محمّد بن حميد ، حدّثنا هارون ابن المغيرة ، عن عنبسة بن سعيد ، عن سالم الأفطس ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : إنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال : قوموا فصلّوا على أخيكم النجاشي. فصفّوا خلفه كما يصفّون على الجنازة ، وكبّر عليه أربعاً.
قال الشيخ : وتكثر أحاديث ابن حميد التي أُنكرت عليه إنْ ذكرناها ، 9.
ص: 54
على أنّ أحمد بن حنبل قد أثنى عليه خيراً ، لصلابته في السنّة» (1).
وإنّما ذكرت كلام ابن عدي بتمامه لأُمور :
الأوّل : إنّه قد أورد حديث الوصيّة بترجمة شريك ، ولم يورده بترجمة محمّد بن حميد ، مع أنّه قد أورد أحاديث أُخر.
والثاني : إنّه قد استشهد بحديث الوصيّة لرواية محمّد بن إسحاق عن شريك ، ولم يذكر حديثاً آخر - بخلاف غير ابن إسحاق من الرواة عن شريك ، فذكر أكثر من حديث - وذلك ظاهر في أنّ لا رواية له عنه غيرها ، فلو كان حديث الوصيّة موضوعاً لَما استشهد به على كون شريك من مشايخ ابن إسحاق.
والثالث : إنّ ابن عدي لم يقدح في محمّد بن حميد ، بل إنّ كلمته في آخر كلامه بترجمته ظاهرةٌ في المدح ، غير أنّ في أحاديثه ما أُنكر عليه.
وبعد ..
فإنّ الرجل قد تضاربت آراء العلماء فيه ; ففي تهذيب الكمال : «قال أبو قريش محمّد بن جمعة بن خلف الحافظ : قلت لمحمّد بن يحيى الذهلي : ما تقول في محمّد بن حميد؟
قال : ألا تراني؟! هو ذا أُحدّث عنه.
قال : وكنت في مجلس أبي بكر الصاغاني محمّد بن إسحاق ، فقال : حدّثنا محمّد بن حميد.
فقلت : تحدّث عن ابن حميد؟! 0.
ص: 55
فقال : وما لي لا أُحدّث عنه ، وقد حدّث عنه أحمد بن حنبل ويحيى ابن معين؟!» ..
وقال النسائي : ليس بثقة ..
وقال البخاري : حديثه فيه نظر ..
قال الجوزجاني : رديء المذهب ، غير ثقة.
ولدى التحقيق يظهر : أنّ الموثّقين له أكثر وأكبر ممّن تكلّم فيه ، لا سيّما وأنّ المنقول عن البخاري : «حديثه فيه نظر» ، فليس النظر فيه نفسه ، كما أنّ مفاد كلام الجوزجاني هو الطعن في مذهبه ، لكنّ المنقول عن أحمد أنّه قد أثنى عليه خيراً «لصلابته في السنّة» ; فكيف الجمع بين هذا وكونه رديء المذهب؟!
بل لقد وقع التضارب بين رأي أحمد ورأي البخاري في حديثه ; ففي الكامل عن البخاري : «محمّد بن حميد الرازي عن يعقوب القمّي وجرير ، فيه نظر» ، لكنْ في تاريخ بغداد عن أحمد : «أمّا حديثه عن ابن المبارك وجرير ، فهو صحيح» ..
وفي الكامل : «على أنّ أحمد بن حنبل قد أثنى عليه خيراً لصلابته في السنّة» ، لكنْ في الميزان : «قال أبو علي النيسابوي : قلت لابن خزيمة : لو أخذت الإسناد عن ابن حميد ; فإنّ أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه؟ قال : إنّه لم يعرفه ، ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلاً».
بل لقد نسبت الآراء المتضاربة إلى الواحد منهم ; ففي الكامل : «عن فضلك الصائغ ، عن أبي زرعة ، أنّه وثّق محمّد بن حميد» ، لكنْ في الميزان : «كذبّه أبو زرعة»!!
ص: 56
وتلّخص :
1 - إنّ محمّد بن حميد الرازي من رجال ثلاثة من الصحاح الستّة ..
2 - إنّه من مشايخ عدّة كبيرة من الأئمّة الأعلام الّذين لا تجوز نسبة الرواية عن الكذّابين إليهم ، وإلاّ لتوّجه الطعن عليهم.
3 - إنّه قد وثقه غير واحد من الأئمّة المرجوع إليهم عندهم في الجرح والتعديل.
4 - إنّ كلمات القوم في الأكثر ترجع إنكار بعض أحاديث الرجل.
5 - نعم ، قد طعن فيه الجوزجاني ، لكنّه من مشاهير النّواصب (1) ، وطعن فيه أيضاً ابن خراش ، الذّي كذب حديث «إنّا معاشر الأنبياء ...» وخرَّج مثالب أبي بكر وعمر (2).
6 - إنّ الرجل بريء من تلك الأحاديث التي أنكروها عليه ; ولذا قال المزّي في تهذيب الكمال : «قال أبو بكر بن أبي خيثمة : سئل يحيى بن معين عن محمّد بن حميد الرازي؟
فقال : ثقة ليس به بأس ، رازي كيّس.
وقال علي بن الحسين بن الجنيد الرازي : سمعت يحيى بن معين يقول : ابن حميد ثقة ، وهذه الأحاديث التي يحدّث بها ليس هو من قبله ، إنّما هو من قبل الشيوخ الّذين يحدّث عنهم».
وحديث الوصيّة ليس منها ; لأنّه قد ذكر - في الكامل وتبعه في الميزان - بترجمة «شريك القاضي» وهو من شيوخه الثقات ، وهنا تحيّر 9.
ص: 57
الذهبي ; فكذّب بالحديث زوراً وبهتاناً ، ثمّ قال : «ولا يحتمله شريك».
قلت :
ولماذا لا يحتمله شريك ، وقد رويتم عنه بالأسانيد أنّه روى عن أبي إسحاق ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال : «عليّ خير البشر ، فمَن أبى فقد كفر»؟!
قال ابن عدي : «وقول شريك رواه رجل من أهل الكوفة يقال له : الحرّ بن سعيد ، وقد رواه عن الحرّ غير واحد. وروى عنه أحمد بن يحيى الصوفي وقال : ثنا الحرّ بن سعيد النخعي - وكان من خيار الناس -» (1).
فظهر : أنّه ليس الراوي عنه بعض الكذّابين ، كما زعم الذهبي ذلك زوراً وبهتاناً (2).
تتمة :
إنّ لحديث بريدة طرقاً عديدة ، كما عرفت ، ومنها طريق الحاكم - وليس فيه محمّد بن حميد - وقد أخرجه ابن الجوزي ; إذ قال :
«أنبأنا زاهر بن طاهر ، قال : أنبأنا أبو بكر البيهقي ، قال : أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، قال : أنبأنا محمود بن محمّد أبو محمّد المطوعي ، قال : حدّثنا أبو حفص محمّد بن أحمد بن رازبة ، قال : حدّثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن عبد الله الفرياناني ، قال : حدّثنا سلمة بن الفضل ، عن محمّد بن إسحاق ، عن شريك بن عبد الله ، عن أبي ربيعة 2.
ص: 58
الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : «إنّ لكلّ نبي وصيّاً ووارثاً ، وإنّ وصيّي ووارثي عليّ بن أبي طالب».
قال ابن الجوزي : «الفرياناني ; قال ابن حبّان : كان يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم ..
وفيه : سلمة ; قال ابن المديني : رمينا حديث سلمة بن الفضل» (1).
أمّا صاحب تنزيه الشريعة فلم يقل إلاّ : «حديث : لكلّ نبيّ وصيّ وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي (حا) من طريق أحمد بن عبد الله الفرياناني» (2).
للبحث صلة ... 7.
ص: 59
الشيخ محمّد السند
بين عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدالة الصحابة
هناك جملة من الموارد قد شاقق فيها الثاني النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وخالفه ، ويدور الاعتراض والخلاف بين كونه قدحاً ; لأنّه ردّ على الله ورسوله ، وبين كونه إنكاراً لعصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ; للمحافظة على دفع الطعن على الثاني تحت شعار عدالة الصحابة ، فترتقي العدالة إلى مدافعة عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهي إذاً عصمة باسم العدالة ، بل جعلت تلك الموارد مقاماً وفضيلة للثاني ، وأنّه قد نزل الوحي الإلهي بذلك - والعياذ بالله تعالى - ..
وهذا الزعم ينطوي على تصوّرات ومعتقدات ومزاعم أُخرى :
الأوّل : إنكار عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في التدبير التشريعي والسياسي للأُمّة ، وأنّه يتكلّف الرأي!!
الثاني : إنّ للأُمّة الردّ والمخالفة لأحكامه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجال التدبير ، بعد رفع شعار الفتنة : «إنّها اجتهادات وظنون» ، وأنّ للآخرين الاجتهاد فيها ، وبالتالي فهم قد يصلون إلى ظنون أقوى أو أصوب!!
ص: 60
الثالث : إنّ للمجتهد التمسّك باجتهاداته في الأُصول التشريعية في كتاب الله ، والاقتصار عليها ، ونبذ الأحكام التشريعية النبوية ; ما دامت محتملة لكونها اجتهادات ، ومعرضاً للظنون ، لا الوحي الإلهي!!
وهذه الموارد ، مع الطعن عليها بالوضع ; لكذب مواقيت الأحداث المستعرضَة في رواياتها ، وتناقضها مع مسلّمات السيرة ، ومفاد الآيات ، كما سيأتي بيان نبذة من ذلك ; تنطوي وتبتني - كما أسلفنا - على مذاهب اعتقادية في عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحجّية قول وفعل الأوّل والثاني في عرض حجّية قول وفعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في دائرة التشريع وسنن الأحكام.
فالحريّ بالبحث هو التعرّض لزيغ تلك المتبنّيات أوّلاً ، ثمّ بيان زيف رسم تلك الوقائع المزعومة ..
إحداث سُنّة جماعة الخلافة لمقولة اجتهاده (صلى الله عليه وآله وسلم) :
لقد عنون الجصّاص (ت 370 ه) في كتابه الفصول باباً ب- : «القول في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هل كان يسنّ من طريق الاجتهاد؟» ، وهذا العنوان بنفسه يحمل في مضمونه باب جواز الردّ والمخالفة لسنن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إنكار هداية الوحي فيها ..
قال : اختلف الناس في ذلك ; فقال قائلون : لم يكن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يحكم في شيء من أمر الدين إلاّ من طريق الوحي ; لقوله تعالى : (وما ينطِقُ عن الهوى * إن هو إلاّ وحيٌ يوحى) (1).
وقال آخرون : جائز أن يكون النبيّ (عليه السلام) قد جُعل له أن يقول من طريق الاجتهاد في ما لا نصّ فيه. 4.
ص: 61
وقال آخرون : جائز أن يكون بعض سُنّته وحياً ، وبعضها إلهاماً ، وشيء يُلقى في روعه ، كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إن ّ الروح الأمين نفث في روعي : أنّ نفساً لن تموت حتّى تستوفي رزقها ، فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب». ويجوز أن يكون بعض ما يقوله نظراً واستدلالا ، وتردّ الحوادث التي لا نصّ فيها إلى نظائرها من النصوص باجتهاد الرأي ..
وهذا هو الصحيح عندنا.
والدليل على أنّه قد كان جُعل له أن يقول من طريق الاجتهاد : قوله تعالى : (ولو رَدّوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لَعَلِمَه الّذين يستنبطونَه منهم) (1) ، عمومه يقتضي جواز الاستنباط من جماعة المردود إليهم ، وفيهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويدلّ عليه أيضاً : قوله تعالى : (فاعتبروا يا أُولي الأبصار) (2) ، والنبيّ من أجلّهم.
ويدلّ عليه : ما حكى الله تعالى من قصّة داود وسليمان (عليهما السلام) ، ثمّ قال : (ففهّمْناها سليمانَ وكلاًّ آتينا حكماً وعلماً) (3) ، وظاهره يدلّ على أنّ حكمهما كان من طريق الاجتهاد ; لأنّهما لو حكما من طريق النصّ لَما خصّ سليمان بالفهم فيها دون داود (عليهما السلام).
ويدلّ عليه أيضاً : أنّ درجة المستنبطين أفضل درجات العلوم ، ألاّ ترى أنّ المستنبِط أعلى درجة من الحافظ غير المستنبِط؟! فلم يكن الله 9.
ص: 62
ليحرم نبيّه (عليه السلام) أفضل درجات العلم ، التي هي درجة الاستنباط (1).
ثمّ استدلّ أيضاً بقوله تعالى : (وشاوِرْهم في الأمر) (2) ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) شاور أصحابه في كثير من الأُمور التي تتعلّق بالدين ، من أمر الحروب وغيرها ; ك- : مشورته في النزول في بدر ، ومشورته أبا بكر وعمر في أُسارى بدر ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى أن يعطي المشركين في الخندق نصف ثمار المدينة ، فكتب الكتاب ، فلمّا أراد أن يشهد فيه وحضر الأنصار قالوا : يا رسول الله! أرأي رأيته أم وحي؟ فقال : بل رأيي. فقالوا : فإنّا لا نعطيهم شيئاً ، وكانوا لا يطمعون فيها في الجاهلية أن يأخذوا منها ثمرة إلاّ قِرىً أو مشرىً ، فكيف وقد أعزّنا الله بالإسلام؟!
ولمّا أخبره عبد الله بن زيد بما رأى من أمر الأذان أمَر بلالاً فأذّن به من غير انتظار الوحي (3) ; وقال : «ولا فرق بين الاجتهاد في أمر الحروب وبينه في حوادث الأحكام».
وبقوله تعالى : (عفا اللهُ عنكَ لِمَ أذِنْتَ لهمْ) (4) و (عبس وتولّى * أن جاءه الأعمى) (5) ، وغير ذلك من الآي التي نبّه الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه على موضع إغفاله وعاتبه عليه.
وكذلك قصّة تبليغ «سورة براءة» مع أبي بكر ; فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : أنّه لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك. فدفعها إلى عليّ (عليه السلام). 2.
ص: 63
ولمّا رجع من الخندق ووضع السلاح ، فجاء جبرئيل فقال له : إنّ الملائكة لم تضع أسلحتها بعد. وأمره بالمضي إلى بني قريظة.
وقد قيل : إنّ خطأ آدم (عليه السلام) في أكل الشجرة كان من طريق الاجتهاد.
ثمّ قال : فإن قال قائل : لو جاز أن يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من طريق الاجتهاد لكان لغيره من الصحابة مخالفته ; لأنّ ما كان طريقه الاجتهاد فكلّ مَن أدّاه اجتهاده إلى شيء لزمه القول به ، وجاز له مخالفة غيره فيه ، وفي اتّفاق جميع المسلمين على وجوب التسليم له في ما قاله وفعله دلالةً على أنّه لا يقول إلاّ وحياً وتنزيلاً؟!
قيل له : الجواب عن ذلك من وجهين :
أحدهما : إنّا قد علمنا أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا قال قولاً من طريق الاجتهاد فأغفل موضع الصواب ، نبّهه الله عليه بوحي من عنده ، وغير جائز أن يخلّيه موضع إغفاله ، كما قال تعالى : (عفا الله عنك لم أذنت لهم) ، وكقوله تعالى : (عبس وتولّى) ; فإذا كان هذا سبيله فغير جائز لأحد مخالفته.
والوجه الثاني : إنّ هذا القائل يوافقنا على أنّ الإجماع قد يكون من طريق الاجتهاد ، وقد يثبت عندنا ذلك أيضاً بالدلائل الصحيحة ، ثمّ إذا انعقد إجماع أهل العصر من طريق الاجتهاد لم يجز لمَن بعدهم أن يخالفهم ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من طريق الاجتهاد ويكون لاجتهاده مزية لا يحقّ من أجلها لغيره أن يخالفه.
فأمّا قوله تعالى : (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحيٌ يوحى) فإنّ فيه جوابين :
ص: 64
أحدهما : إنّه أراد القرآن نفسه ; لأنّه قال تعالى : (والنجم إذا هوى) (1) ، قيل في التفسير : معناه : القرآن إذا نزل.
والوجه الثاني : إنّ الاجتهاد لمّا كان مصدره عن الوحي - لأنّ الله قد أمر به ، فدلّ عليه - جاز أن يقال : إنّ ما أدّاه إليه اجتهاد فهو عن وحي ; لأنّه قد أُوحي إليه باستعمال الاجتهاد ..
فإن قيل : لو جاز له الاجتهاد لَما توقّف في كثير ممّا يسأل عنه ينتظر الوحي.
قيل له : هذا لا يدلّ على ما ذكرت ; لأنّه جائز أن يكون توقّفه وانتظاره للوحي من جهة أنّه لم يتوجّه له فيه رأي ، ولا غلبة ظنّ في شيء بعينه ، فتوقّف فيه ينتظر الوحي.
ويجوز أن يكون قد كان يقوى طمعه في مثله : أن ينزل عليه فيه وحي فلم يعجل بالحكم فيه.
ويجوز أيضاً أن يكون قد كان أُوحي إليه في ذلك شيء بعينه بأن لا يستعمل الاجتهاد إذا سئل وينتظر الوحي (2).
وقال في باب : القول في الاجتهاد بحضرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بأنّه : جائز في حالين ، وهما : عندما يبتدئهم بالمشاورة ، أو أن يجتهدوا بحضرته ، فيعرضوا عليه رأيهم وما يؤدّيهم إليه اجتهادهم مبتدئين ، فإن رضيه صحّ ، وإن ردّه بطل.
وغير جائز في حال إرادة الاستبداد بالاجتهاد لإمضاء حكم من غير أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لأنّه لم يكن يأمن أن يكون هناك نصّ قد نزل ويمكن 4.
ص: 65
معرفته في الحال فيكون في إمضائه الحكم بالاجتهاد تقدّم بين يدي الله ورسوله (1).
وحكى الآمدي اختلاف أهل سُنّة الخلافة أيضاً في اجتهاد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما لا نصّ فيه ; فقال :
فقال أحمد بن حنبل ، والقاضي أبو يوسف : إنّه كان متعبّداً به.
وقال أبو علي الجبّائي ، وابنه أبو هاشم : إنّه لم يكن متعبّداً به.
وجوّز الشافعي في رسالته ذلك من غير قطع.
وبه قال بعض أصحاب الشافعي ، والقاضي عبد الجبّار ، وأبو الحسين البصري.
ومن الناس مَن قال : إنّه كان له الاجتهاد في أُمور الحروب ، دون الأحكام الشرعية.
والمختار : جواز ذلك عقلا ، ووقوعه سمعاً ..
ثمّ ذكر الإمكان العقلي ، حسب زعمه.
ثمّ تمسّك بشمول أدلّة الاجتهاد للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والعياذ بالله تعالى ..
وأنّ قوله تعالى : (إنّا أنزلنا إليك الكتابَ بالحقّ لتحكمَ بين الناس بما أراكَ اللهُ) (2) ، وما أراه يعمّ : الحكم بالنصّ ، والاستنباط من النصوص.
وأنّ آية : (وشاورهم ...) إنّما في ما يحكم بالاجتهاد لا بالوحي.
وأنّ قوله تعالى في أُسارى بدر : (ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يُثْخِنَ في الأرضِ) (3) عتابٌ للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)!! وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : 7.
ص: 66
«لو نزل من السماء إلى الأرض عذاب ما نجا منه إلاّ عمر»!! لأنّه كان قد أشار بقتلهم ، ممّا يدلّ على أنّه كان بالاجتهاد لا بالوحي.
وكذا قوله تعالى : (عفا الله عنك لم أذِنْت لهم)!!
وكذا غيره من الأنبياء ; كقوله تعالى : (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث) (1) ، وقوله تعالى : (ففهّمناها سليمان وكلاًّ آتينا حكماً وعلماً).
وما يذكر بالتفهيم إنّما يكون بالاجتهاد لا بطريق الوحي.
وما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال في مكّة : «لا يُختلا خلاها ، ولا يُعضد شجرها». فقال العبّاس : إلاّ الأذْخِر. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إلاّ الأذْخِر» ; ومعلوم أنّ الوحي لم ينزل عليه في تلك الحالة ، فكان الاستثناء بالاجتهاد.
وما روي أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «العلماء ورثة الأنبياء» ; ولو لم يكن الاجتهاد لديه لَما كان العلماء ورثوا عنه.
وبقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في القضاء : «إنّكم لتختصمون إليّ ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض» (2).
وقال الآمدي أيضاً ضمن عنوان : المسألة الحادية عشرة :
القائلون بجواز الاجتهاد للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) اختلفوا في جواز الخطأ عليه في اجتهاده ; فذهب بعض أصحابنا إلى المنع من ذلك ..
وذهب أكثر أصحابنا ، والحنابلة ، وأصحاب الحديث ، والجبّائي ، وجماعة المعتزلة ، إلى جوازه ، لكن بشرط أن لا يقرّ عليه ..
وهو المختار ; ودليله المنقول والمعقول - ثمّ استدلّ بقوله تعالى : 0.
ص: 67
(عفا الله عنك ...) ، وقوله تعالى : (ما كان لنبيّ أن يكون له ...) -.
وقوله تعالى : (إنّما أنا بشرٌ مثلُكُمْ) (1) أثبت المماثلة بينه وبين غيره ، وقد جاز الخطأ على غيره فكان جائزاً عليه ; لأنّ ما جاز على أحد المثلين يكون جائزاً على الآخر.
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّما أحكم بالظاهر ، وإنّكم لتختصمون إليّ ، ولعلّ أحدكم ألْحن بحجّته من بعض ; فمَن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذه ، فإنّما أقطع له قطعة من النار» ، وذلك يدلّ على أنّه يقضي بما لا يكون حقّاً في نفس الأمر.
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكّروني» (2).
وبما اشتهر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من نسيانه في الصلاة وتحلّله عن ركعتين في الرباعية في قصّة ذي اليدين ، وقول ذي اليدين : أقَصُرَت الصلاة أم سهوتَ؟ فقال النبيّ (عليه السلام) : «أحقّ ما يقول ذو اليدين؟!» فقالوا : نعم (3) ...
وقال : إنّ المقصود من البعثة إنّما هو تبليغه عن الله تعالى أوامره ونواهيه ، والمقصود من إظهار المعجزات إظهار صدقه في ما يدّعيه من الرسالة والتبليغ عن الله تعالى ، وذلك ممّا لا يُتصوّر خطؤه فيه بالإجماع ..
ولا كذلك ما يحكم به عن اجتهاده ; فإنّه لا يقول فيه عن وحي ولا بطريق التبليغ ، بل حكمه فيه حكم غيره من المجتهدين ، فتطرُّق الخطأ 3.
ص: 68
إليه في ذلك لا يوجب الإخلال بمعنى البعثة والرسالة (1).
وقبل التعرّض لتفاصيل ردود ما تشبّثوا به من التمحّلات ينبغي الإلفات إلى ما دعاهم إلى ذلك ، وأنّ تماديهم في توجيه الردّ على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أدّى بهم إلى الالتزام بمناكير وعظائم ..
فإنّ عمدة ما دعاهم إلى ذلك هو : توجيه عصيان عمر للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومخالفات أبي بكر وبقية أعضاء السقيفة لأوامر ونواهي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولم يقف الحدّ بهم إلى التوجيه ، بل إلى إنكار التأسّي بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأُمور والشؤون بذريعة أنّه يجتهد!
وتداعى بهم ذلك الإنكار إلى إنكار حاكمية الباري تعالى في التشريع ، وأنّه ليس لله تعالى حكم في الوقائع التي يجتهد فيها المجتهدون ، أو أنّ حكمه تعالى ينطبق على كلّ اجتهاد المجتهدين بتعدادهم ، وأنّ أحكامه تعالى ليست تدور مدار الكمالات والنقائص في الأفعال والأشياء ; لأنّ القول ب- : عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) واللوح المحفوظ لأحكام الشريعة ، الذي لا يوصل إليه إلاّ عبر الوحي والنصّ النبوي ، سوف يحرج مذهب الاجتهاد بالرأي والتأوّل بالهوى ، ويعزّز مذهب النصّ والاتّباع للوحي ..
بل إنّ ذلك أوصلهم إلى أنّ إجماع الأُمّة - الذي قد يكون ناشئاً من اجتهاد الحاكم - معصوماً من الخطأ ، مقدّماً على حكم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) - حسب زعمهم - وهذه قاعدة معرفية مطردة ; فإنّ التقصير في المعرفة يلازم الغلوّ في الجانب المقابل ، والتفريط من جانب يلازم الإفراط في الطرف المقابل. 2.
ص: 69
قال الآمدي معترضاً على نفسه في ما ذهب إليه أهل سُنّة الخلافة : «إنّ الأُمّة إذا أجمعت على حكم مجتهد فيه ، كان إجماعهم معصوماً عن الخطأ ، كما سبق بيانه ، ولو جاز على النبيّ الخطأ في اجتهاده ، لكانت الأُمّة أعلى رتبة منه ; وذلك محال ..
وإنّ المقصود من البعثة وإظهار المعجزة : اتّباع النبيّ (عليه السلام) في الأحكام الشرعية ; إقامةً لمصالح الخلق ، فلو جاز عليه الخطأ في حكمه ، لأوجب ذلك التردّد في قوله ، والشكّ في حكمه ، وذلك ممّا يخلّ بمقصود البعثة ; وهو محال» (1).
ولم يكتفِ الغزالي بذلك بل استفحل تمسّكه بسُنّة الخلافة إلى القول : «فإن قيل : فإن ساواه غيره في كونه مصيباً بكلّ حال فليجز لغيره أن يخالف قياسه باجتهاد نفسه.
قلنا : لو تعبّد بذلك لجاز ، ولكن دلّ الدليل من الإجماع على تحريم مخالفة اجتهاده ، كما دلّ على تحريم مخالفة الأُمّة كافّة ، وكما دلّ على تحريم مخالفة اجتهاد الإمام الأعظم والحاكم ; لأنّ صلاح الخلق في اتّباع رأي الإمام والحاكم وكافّة الأُمّة ، فكذلك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ...
- إلى أن قال : - فإن قيل : كيف يجوز ورود التعبّد بمخالفة اجتهاده ، وذلك يناقض الاتّباع ، وينفِّر عن الانقياد؟!
قلنا : إذا عرّفهم على لسانه بأنّ حكمهم اتّباع ظنّهم وإن خالف ظنّ النبيّ ، كان اتّباعه في امتثال ما رسمه لهم» (2).
وقال أيضاً : «أمّا انتظار الوحي فلعلّه كان حيث لم ينقدح له اجتهاد ، 5.
ص: 70
أو في حكم لا يدخله الاجتهاد ، أو نهي عن الاجتهاد فيه» (1).
لكنّه قال في نهاية كلامه : «أمّا وقوعه - أي اجتهاد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) - فبعيد ، وإن لم يكن محالاً ، بل الظاهر أنّ ذلك كلّه كان عن وحي صريح ناصّ على التفصيل» (2).
ويلاحظ :
أوّلاً : أنّهم يساوون غير النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) به ، بل يصل بهم التقصير في نعوت شؤون النبوّة والغلوّ في الغير إلى القول بأنّ الغير يتفوّق في إصابة الحقّ!!
ثانياً : أنّ الإجماع هو وجه وجوب اتّباعه (صلى الله عليه وآله وسلم) ; وهذا يقتضي فوقية حجّية الإجماع على حجّيته (صلى الله عليه وآله وسلم)!!
ثالثاً : أنّ حرمة مخالفته (صلى الله عليه وآله وسلم) هي لأجل حفظ النظام الاجتماعي ، لا لأجل كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) على الهدى والحقّ!!
رابعاً : أنّه لا يمتنع أن تكون مخالفته (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر منه (صلى الله عليه وآله وسلم)!!
ولا عجب في تماديهم إلى هذا الحدّ من الجرأة في المشاققة والمحادّة لمقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فلقد استنّوا في ذلك بسنن جماعة السقيفة ، وجعلوا ذلك من مناقب الثاني.
خامساً : تصل بهم عاقبة الأمر إلى إنكار علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) - والعياذ بالله تعالى عمّا يقوله الظالمون - لا بالأحكام في اللوح المحفوظ فحسب ، بل بطرق الاجتهاد الظنّي ، وهو نظير ما قالته بنو إسرائيل في موسى (عليه السلام) 7.
ص: 71
وعيسى (عليه السلام).
سادساً : أنّه من الغريب اعتراف الغزالي بوجود مساحة من التشريع لا تدرك بالاجتهاد بل إلاّ بالوحي ، وأنّ الاجتهاد منهيّ عنه في تلك المساحة ; فمع هذا الاعتراف كيف يبررون تمرّدات الثاني وتقدّمه بين يدي الله ورسوله ، ويجعلون ذلك مناقباً له؟!
سابعاً : اعتراف الغزالي بأنّ الوحي «ناصّ على التفصيل» في سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فأيّ مجال لتبرير مخالفات جماعة السقيفة له (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحملها على قاعدة الاجتهاد والتأوّل؟!
عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في التدبير :
ثامناً : تمسّكهم لإنكار الوحي في أحكامه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله تعالى : (ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم) ; بدعوى أنّ المراد هو : الاستنباط الظنّي ، المعمول به في عملية الاجتهاد.
وهذا من الأعاجيب ، أن يحمل الاستعمال القرآني على اصطلاح حادث بعد نزول القرآن!!
فمفاد الآية في الأصل يبيّن عصمة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في تدبير حكومته ، وفي الموضوعات ; إذ أنّ صدرها : (وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو رَدّوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لعلمهُ الّذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمتُه لاتّبعتم الشيطانَ إلاّ قليلاً) (1).3.
ص: 72
ومورد الآية : في ما يرتبط بالوضع الأمني للمسلمين من التهديدات المحدقة بهم ، وما يرتبط بالنظام العام ، سواء الجانب العسكري ، أو الاقتصادي ، أو السياسي.
والخطاب في الآية : إنّ تدبير الحالة الأمنية ومعالجتها إذا فُوِّض إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى أُولي الأمر لعلم الرسول وأُولو الأمر وجه التدبير الصالح لذلك.
ولم تعبّر الآية بالظنّ ، بل بالعلم ; وهذا يقضي باطّلاع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)وإحاطته بملابسات الظروف الخارجية والموضوعات ، ومن ثمّ يعصم نظام المسلمين عن اتّباع الشيطان بهداية وتدبير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ..
فالتعليل في ذيل الآية شاهد على أنّ المراد من العلم هو معناه الحقيقي ، لا المجازي بمعنى الظنّ ، وإلاّ فالظنون تُخطئ وقد لا تصيب الواقع ; فيُتّبع سبيل الردى بدل الهدى.
مضافاً إلى أنّ من كان مصدره ومنبعه الظنّ فهو لا يحيط بكلّ الأُمور ، وبكلّ واردة وشاردة ، والحال أنّ الآية عامّة لكلّ الأُمور التي تعتور وتواجه النظام العام.
ونسق التعليل في الآية مماثل لنسق التعليل الوارد في سورة الحجرات ، التي صُدّرت بالنهي عن التقدّم بين يدي الله ورسوله ، ثمّ النهي عن إصابة قوم بجهالة من دون تبيّن ، ثمّ قال تعالى : (واعلموا أنّ فيكم رسولَ الله لو يطيعُكم في كثير من الأمر لَعَنِتّم ولكنّ الله حبّبَ إليكم الإيمانَ وزيّنهُ في قلوبكم وكرّهَ إليكم الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ أُولئك هم الراشدون * فضلاً من الله ونعمةً والله عليمٌ حكيمٌ) (1) .. 8.
ص: 73
والآية هذه تتناغم وتتماثل مع الآية في سورة النساء : أنّ الهداية والرشد والإيمان هو في اتّباع تدبير النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لو يوافق رأىّ الأُمّة في جملة الموارد لوقع المسلمون في العنت والمشقّة.
وهي تدلّل على أنّ مشورة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن كان معه وحوله ليس لأجل استبانة حقيقة الحال ، وإنّما لشدّهم إلى التفاعل والمساهمة في القيام بالمسؤولية ، وتربيتهم على الأخذ بنهج المشورة ونبذ الاستبداد بالرأي في ممارساتهم ، وهو نهج علمي بنّاء ..
وهي تدلّ أيضاً على أنّ سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ جوانبها إيمان ورشد ، ولا تخطئ الواقع أو الكمال في الفضل والنعمة.
والاستنباط في أصل الوضع اللغوي من : «النبط» ، وهو : الماء الذي ينبط من قعر البئر إذا حُفرت. وأنبطنا الماء : أي استنبطناه وانتهينا إليه ، واستنبطه واستنبط منه علماً وخبراً ومالاً : استخرجه ، والاستنباط : الاستخراج ، ويستنبطونه : يستخرجونه (1) ; فالأصل فيه : استخراج حقيقة وعين الشيء والماء ، وهو لا ينطبق إلاّ على من يصل إلى حقيقة الأُمور والأشياء ، لا مَن تنكشف له ظواهر الأشياء بنحو محتمل لكلّ من الصواب والخطأ ، أي بإدراك ظنّي.
وأمّا «أُولو الأمر» : فليس المراد من هذا العنوان كلّ حاكم يلي أُمور المسلمين من الولاة ، بل المراد منهم هو المراد من قوله تعالى في سورة النساء أيضاً ، في الآيات السابقة لهذه الآية : (يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم) (2).9.
ص: 74
والمراد من «الأمر» : هو الذي أُشير إليه في سور : القدر ، والدُخان ، والنحل ، ويس ، وغيرها من السور ، وهو : الأمر الإلهي الذي يتنزّل بتقدير كلّ الأُمور في ليلة القدر من كلّ سنة ..
فأُولو الأمر : أي أصحاب ذلك الأمر ، الّذين تتنزّل عليهم برامج لوح القضاء والقدر الإلهي لكلّ الأُمور ، في الليلة التي يُفرق فيها كلّ أمر حكيم ، وتتنزّل فيها الملائكة والروح بإذن ربّهم من كلّ أمر ، من الأرزاق ، والآجال ، والرخاء ، وكلّ حادث في السنة ، حتّى ليلة القدر التالية من العام التالي ..
وهؤلاء - أصحاب وولاة الأمر في ليلة القدر - تتنزّل عليهم الخطط والبرامج والمشاريع الإلهية ، وهي لا تخطئ الحوادث والوقائع ; فإذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأُولي الأمر بهذا المقام من إطلاع الله تعالى لهم بكلّ تقادير الأُمور ، فكيف يُفرض تشبّث النبيّ وأُولي الأمر بالطرق الظنّية ، التي هي وسائل للمحجوب عن العلم بالحقائق ، الناظر من وراء ستار عدم العلم؟!
هذا ، مضافاً إلى أنّ أُولي الأمر قد أمر الله تعالى بطاعتهم ، والردّ إليهم ; فلو كانوا غير معصومين عن الزلل والضلال ، فكيف يأمر الله تعالى بطاعتهم واتّباعهم ، والردّ إليهم؟!
وهذا يناقض قاعدة : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ، ونفي الطاعة للمخلوق ، المحتمل وقوعه في المعصية ، يقضي بنفي ولايته بالأصالة ; أي : لا يكون وليّاً للأمر بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا تقرن طاعته بطاعة الله ورسوله.
فجَعْل طاعة وليّ الأمر بمثابة طاعة الله ورسوله بنحو الإطلاق والإرسال يقضي عند العقل بكون ولاة الأمر المذكورين في الآيتين هم
ص: 75
المعصومين أهل آية التطهير من الرجس ، وهم : أهل البيت (عليهم السلام).
قصور القوم عن معرفة الوحي والكتاب :
والأعجب من الاستدلال بآية الردّ والاستنباط على ما ادّعوه من عدم وحيانية سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قولُ الجصّاص المتقدّم : إنّ الاستنباط الظنّي لدى المجتهد والفقيه هو أفضل درجات العلوم ، وإنّ المستنبِط أعلى درجة من الحافظ غير المستنبِط ; فلم يكن الله ليحرم نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك.
ولا عجب إذا تقاصرت معرفة هؤلاء عن معرفة العلوم اللدنّيّة والحضورية ، وعدّهم الوحي الإلهي من سنخ ونمط الإخبار الحسّي السمعي للرواة ; فتكون النبوّة كالرواية للخبر الحسّي ، ممّا يجعل النبيّ كالحافظ لألفاظ القرآن ، أو لمتن لفظي معين ، كالرواة المحدّثين الحفّاظ ، الّذين يحفظون ألفاظ الأحاديث ولا دراية لهم بمعانيها ; فهذا حدّ معرفتهم بحقائق الدين والإسلام ..
وعلى ذلك يكون الأنبياء من قبيل الرواة للأخبار ، ومصداق : «رُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (1)!!
ولم يدرِ هؤلاء أنّ الاستنباط الظنّي والتفكير الذهني وإجالة الفكر في المسائل إنّما هو طريق العاجز ، الجاهل بحقائق الأشياء ، كما هو الحال في الطبيعة البشرية لغير المعصومين ، ولذلك ترى الفرد البشري لا يفكّر في البديهيات - كالأُمور المحسوسة - والوجدانيات ; لأنّها أُمور حاضرة لديه ، ليست غائبة عنه ، كي يجيل الفكر في طلبها واستحصالها .. 9.
ص: 76
فلا يمكن المقارنة بين حافظ الألفاظ وبين مَن تكون الأشياء حاضرة لديه ، كما لا يمكن المقارنة بين العالم بالأشياء والحقائق حضوراً وبين من يطلب بفكره الوصول إلى صورة معانيها ، التي قد تطابق حقائقها وقد تخطئها.
وكيف يتخيّل هذا القائل أنّ الوحي الإلهي عبارة عن مجرّد سماع أصوات ، وقد قال تعالى : (وما أنزلنا عليك الكتابَ إلاّ لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه وهدىً ورحمةً لقوم يؤمنون) (1)؟!
فما من اختلاف يقع في هذه الأُمّة إلاّ وبيان حكمه لدى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بالنزول الوحياني لحقائق الكتاب عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، نظير : قوله تعالى : (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً) (2) ..
وقوله تعالى : (وأنزلنا إليكَ الذِكْرَ لتبيّنَ للناسِ ما نُزّلَ إليهم) (3).
وتضاحل علم هؤلاء وحسبوا الكتاب الذي أُوحي إلى الرسول هو مجرّد ألفاظ ظاهر التنزيل ، ولم يهتدوا إلى قوله تعالى : (إنّه لقرآنٌ كريمٌ * في كتاب مكنون * لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطَّهرونَ) (4) ..
وقوله تعالى : (بل هُوَ قرآنٌ مجيدٌ * في لَوْح مَحْفوظ) (5) ..
وقوله تعالى : (ونزّلْنا عليك الكتابَ تِبْياناً لكلّ شيء وهُدىً 2.
ص: 77
ورحمةً وبشرى للمسلمينَ) (1).
ومن الواضح أنّ المصحف الشريف وظاهر التنزيل ليس بحسب ظاهره تبيان كلّ شيء ; إذ هو منعوت بالمُحْكم والمتشابه ، في الآية السابعة من سورة آل عمران ، بل المنعوت بتبيان كلّ شيء ، وأنّه مبين كلّه ، هو الكتاب المكنون ، وفي اللوح المحفوظ ، الذي (لا يَمَسُّهُ إلاّ المُطَّهرونَ) ، وهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومون (عليهم السلام) ، الّذين شهد القرآن بطهارتهم من قبل الباري تعالى ، لا كلّ متطهّر بالوضوء والغسل ; وكم فرق بين مَن طهّره الله تعالى ، فهو مُطَهَّرْ ، وبين مَن يتطهّر في بدنه بالوضوء والغسل ، فهو مُتَطَّهِرْ لا مُطَهَّرْ؟!
والكتاب المبين قد نُعت في قوله تعالى : (وما يعْزُبُ عن ربّك من مثقالِ ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغرَ من ذلكَ ولا أكبرَ إلاّ في كتاب مبين) (2).
وكذا قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا في الكتابِ من شيء) (3).
وقال تعالى : (يمحو اللهُ ما يشاءُ ويُثْبِتُ وعندَهُ أُمُّ الكتابِ) (4).
فكلّ لوح القضاء والقدر مثبت في الكتاب المبين ، وهو الذي ينزل منه تقدير كلّ شيء في الليلة المباركة ، ليلة القدر ; إذ قال تعالى : (حم * والكتاب المبين * إنّا أنزلْناه في ليلة مباركة إنّا كنّا مُنذِرين * فيها يُفْرَقُ كلّ أمر حكيم) (5) .. 4.
ص: 78
فكلّ هذه من مراتب الكتاب وحقائقه ، وما في المصحف الشريف ليس إلاّ ظاهر تنزيله ، وظنّ هؤلاء أنّ الوحي النبوي بتأويل الكتاب وحقائقه هو عبر حجاب الدلالة واللفظ.
ثمّ إنّ إحاطة العلم النبوي بجميع الألفاظ والتراكيب وطرق دلالتها يختلف عن درك الفقهاء والمجتهدين ; فإنّ درك الفقهاء والمتجهدين خاضع لحافظتهم ونباهتهم في استقصاء الآيات ، والتنبّه لمناسباتها مع المطلوب ، ثمّ التناسب بين دلالتها ، وكلّ ذلك خاضع إلى قدرة محدودة وفراسة محددة ، فمن ثمّ تكون النتائج ظنّية ، ويأتي اللاحق ويكشف خطأ السابق ..
ونظير ذلك : ما في علم الرياضيات ; فبما أنّ قدرة المختصّ الخبير بمعادلات ونظريات وقواعد ذلك العلم تظلّ محدودة ، فإنّ قدراتهم على حلّ المجهولات تبقى محدودة أيضاً ، وكم من مجهول لم يتمكّنوا من الوصول إليه بسبب عدم انبساط قدرتهم في استقصاء القواعد ، واستحضارها بمناسباتها وتناسباتها ، وترتيب ائتلافها للوصول للنتيجة؟!
وهذا بخلاف العلم الوحياني ; فإنه يحيط بكلّ ذلك ، وبكلّ تناسبات التراكيب ، ومعادلات الصياغات للدلالات ، وإلى ما لا يحصيه إلاّ الباري تعالى من الوجوه والفروض ، فيطلعه بالتسديد والإلهام الوحياني إلى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه الوارثين لدنّياً علمه.
تعدّد الحُكم عند أصحاب الوحي :
تاسعاً : ما استدلّوا به من قصّة داود وسليمان (عليهما السلام) ; إذ قال تعالى : (ففهّمْناها سليمانَ وكلاًّ آتينا حكماً وعلماً) ; فاستظهروا أنّ حكمهما
ص: 79
كان من طريق الاجتهاد ، ولأنّ حكمهما لو كان بالنصّ لَما اختصّ سليمان بالفهم!!
ولا غرابة في استظهارهم هذا المعنى من الآية ; بعد متاركتهم للثقل الثاني : عترة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الّذين أُمروا بالتمسّك به مع الثقل الأوّل : القرآن الكريم ، وبما أنّهما لا يفترقان وهما معاً ، فمتاركة أحدهما متاركة للآخر ..
فمفاد الآية أجبني عمّا راموه ; قال تعالى : (وداودَ وسليمانَ إذ يحكُمان في الحَرْثِ إذ نَفَشَتْ فيه غنمُ القوم وكنّا لحُكْمِهم شاهدينَ * ففهّمْناها سليمانَ وكلاًّ آتينا حكماً وعلماً) ..
فقد أشير في روايات أهل البيت (عليهم السلام) إلى أن التعبير القرآني هو بهذه الصورة : (إذ يحكمان في الحرث) بنحو فعل المضارع لا بالماضي ، أي : لم يقع ويتحقّق حُكمين منهما فيقال : إذ حكما ، بل كانا يتناظران ويتفاوضان في مقدّمات القضاء والحكم ، فلم يصدر منهما حكم مختلف ; إذ لا اختلاف في حكم السماء.
كما أنّ التعبير في ذيل الآية هو : (وكنّا لحكمهم شاهدين) بصورة ضمير الجمع لا بضمير التثنية ، ممّا يدلّل على أنّ في مجلس القضاء كان هناك أُناس آخرون قد حكموا بخلاف حكم سليمان.
فمسرح الحدث في ما تستعرضه الآية في ظاهرها متوافق مع ما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) من الإشارة إلى ألفاظ الآية من أنّ : الحكم في الحرث الذي نفشت فيه الغنم عند الأنبياء - في ما أُوحى إليهم - قبل داود هو أن يُقضى لصاحب الحرث برقاب الغنم ، إلاّ أنّ هذا الحكم كان قد قدّر الله تعالى نسخه ، وقدّر أن يُظهر لعلماء بني إسرائيل في ذلك المجلس أنّ وصيّ داود (عليه السلام) هو سليمان (عليه السلام) ، فأوحى الله تعالى لداود أن : اجمع
ص: 80
ولدك ، فمَن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيّك من بعدك. وكان تعالى قد أطلع داود بالنسخ ، كما أنّه تعالى أوحى إلى سليمان بالحكم الناسخ ، وهو : أنّ لصاحب الحرث ما خرج من بطون الغنم ، وهو خلاف الحكم المنسوخ الذي حكم به علماء بني إسرائيل في ذلك المجلس ..
ففي الرواية عن الباقر والصادق (عليهما السلام) : «إنّ داود قال لسليمان : فكيف لم تقضِ برقاب الغنم ، وقد قوّم ذلك علماء بني إسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم؟!
فقال سليمان : إنّ الكرم لم يُجتثّ من أصله وإنّما أُكِل حمله ، وهو عائد في قابل» (1).
وقد جرت السنّة بعد سليمان بحكمه.
ويشير قوله تعالى : (وكلاًّ آتيناه حكماً وعلماً) إلى كلّ من : الحكم المنسوخ لدى داود (عليه السلام) من قبل ، والحكم الناسخ لدى سليمان ، والذي أطلعه تعالى داود أيضاً.
ورغم هذا كلّه ; فإنّ الله تعالى قد وصف - في الآية اللاحقة - كلاًّ من الحُكمين والعِلمين لداود وسليمان أنّهما : إيتائي ، لا كسبي بجَوَلان الفكر ، والتعبير ب- : «فهّمْناها» أيضاً أسند الفاعلية إليه تعالى ، لا إلى سليمان نفسه.
المشورة من صاحب الوحي :
عاشراً : ما استدلّوا به من أمره تعالى : (وشاورهم في الأمر) ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) شاور أصحابه في كثير من الأُمور التي تتعلّق بالدين ، من أمر ث.
ص: 81
الحروب وغيرها. وأن ذلك في ما كان الحكم بغير الوحي.
ووهنه بادي بأدنى تدبّر ; إذ أنّ تمام الآية : (فبما رحمة من الله لِنْتَ لهم ولو كنت فَظّاً غليظ القلب لانْفَضّوا من حولك فاعْفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمْتَ فتوكّل على الله إنّ الله يحبّ المتوكّلين) ..
وهي في سياق الآيات الواردة في معركة أُحد ، التي عصى فيها بعض المسلمين أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في لزوم الجبل ، وهم الرماة ، كما عصى جلّهم حرمة الفرار من المعركة ، وجماعة انقلبوا على أعقابهم إلى دين الجاهلية لمّا سمعوا ما قد أشاعه كفّار قريش من قتل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
وتشير إلى كلّ ذلك الآيات السابقة : (وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خلتْ من قبلِهِ الرسلُ أفإن ماتَ أو قُتلَ انْقلبْتُم على أعْقابِكم) (1).
وقوله تعالى : (حتّى إذا فشِلتُم وتنازعْتُم في الأمر وعصيْتُم من بعد ما أراكُم ما تُحبّون ...) (2).
و : (إذ تُصعِدونَ ولا تلْوونَ على أحد والرسولُ يدعوكُم في أُخراكُم فأثابَكم غَمّاً بِغَمّ لكيلا تحزنوا ...) (3).
وهناك تصرّف رابع سُجّل على طائفة منهم : (وطائفةٌ قد أهَمّتْهُم أنفسُهم يظنّونَ بالله غير الحقِّ ظنَّ الجاهليةِ يقولونَ هلْ لنا من الأمرِ من شيء قل إنّ الأمرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفونَ في أنفسهِم ما لا يُبْدونَ لكَ يقولونَ لو كان لنا من الأمرِ شيءٌ ما قُتِلْنا ها هنا قلْ لو كنتُم في بيوتِكُم لبرزَ الّذين 3.
ص: 82
كُتِبَ عليهِمُ القتلُ إلى مضاجعِهم وليبْتليَ اللهُ ما في صدورِكم وليُمحّصَ اللهُ ما في قلوبِكُم واللهُ عليمٌ بذات الصدورِ * إنّ الّذين تولّوا منكُم يوم التقى الجَمْعانِ إنّما اسْتَزلّهُمُ الشيطانُ ببعض ما كَسَبوا ...) (1).
ثمّ تتّصل الآية (وشاورهم) عقب ذلك ..
فسياق الآيات وألفاظ هذه الآية كلّ ذلك في جوّ عصيان وتمرّد على أوامر الله ورسوله ، بل في الآيات اللاحقة تتضمّن اتّهام بعضهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما يشير قوله تعالى : (وما كان لنبيّ أن يغلَّ ومن يَغْلُلْ يأتِ بما غلَّ يومَ القيامةِ ...) (2).
ولا تفتر الآيات في تقريع جماعات عديدة من المسلمين من أهل أُحد : (أوَ لمّا أصابتْكُم مصيبةٌ قد أصبْتُم مثْلَيْها قلتم أنّى هذا ... وليعلم الّذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتِلوا ... الّذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قُتلوا ...) (3).
و : (ما كان الله ليَذَرَ المؤمنينَ على ما أنتم عليه حتّى يَميزَ الخبيثَ من الطيّبِ ...) (4).
فمن ثمّ صُدّرت هذه الآية بمدح الله تعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على اللين معهم ، ثمّ الأمر بالعفو والتجاوز عن أخطائهم وعصيانهم وتمرّدهم ، والاستغفار لهم ، ثمّ يأتي الأمر : (وشاورهم في الأمر) في سياق ذلك ، أي : في سياق تربية النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للمسلمين ، وتزكيته لهم ، وأنّ مشاورته 9.
ص: 83
لهم تصبّ ضمن برنامج التربية والتزكية والتعليم ; ولذلك عقّب تعالى بُعيد هذه الآية بقوله تعالى : (لقد مَنّ اللهُ على المؤمنين إذْ بعثَ فيهم رسولاً من أنفسهم يتْلو عليهم آياتِهِ ويزكِّيهِم ويعلِّمُهُمُ الكتابَ والحكمةَ وإنْ كانوا من قبلُ لفي ضَلال مُبين) (1).
فمشاورته لهم تندرج في تزكيته وتعليمه لهم ; إذ أنّ المشورة تعني : الفحص عن المعلومات ، وملابسات الأشياء ، ووجوه الأُمور ، وهي عبارة عن التوصية بجمع المعلومات ، وتحريّ الوصول إلى الحقيقة والواقع من الجهات العديدة ، نظير : «أعْلَم الناس مَن جمع علوم الناس إلى علمه» (1) ، و : أعْقَل الناس مَن جمع عقول الناس إلى عقله ..
أي : الاستشارة الخبروية ، لا تحكيم رأي الأكثرية بصفة الكثرة ، بل المدار : الصواب ، ولو كان عند واحد ذي خبرة عالية.
فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) يربّي المسلمين على سُنّة الاستشارة وتمحيص الرأي في أُمورهم وتدبيرهم ، مضافاً إلى ما في ذلك من جلب تفاعلهم مع الأحداث ، والقيام بالمسؤولية ، ولتمييز الناصح من الخاذل المتخاذل في العلن وأمام الناس ، ولتنكشف النوايا والخبايا ، ولتتكوّن بصيرة لدى القاعدة من عموم الناس ..
كما في استشارته (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه قبل واقعة بدر ، عندما أفلتت عير قريش ، فقام الأوّل وأظهر الخوف من قتال قريش ، فأجلسه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ قام الثاني فقال مثل صاحبه ، فأجلسه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ قام المقداد 1.
ص: 84
وأظهر العزم على النصرة لقتال قريش ، فشكره النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثمّ طلب المشورة أيضاً ليرى مدى همّة الأنصار ، فقام سعد بن معاذ فقال : كأنّك تريدنا؟! أي : الأنصار ; لأنّهم أكثر المسلمين حينئذ ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : نعم. فأظهر سعد العزم على النصرة ، فحثّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)حينها الناس على قتال قريش.
فيظهر من هذه المشورة من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن كان معه أنّها لجملة من الأغراض التربوية التي تقدّم شرحها ، لا لأجل فحصه عن ما هو الصواب! كيف وقد أوحى الله تعالى إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الظفر مقدّر له وللمسلمين في الحرب مع قريش؟!
ولا لأجل حاجة منه (صلى الله عليه وآله وسلم) لحلومهم وعقولهم وخبراتهم! كيف وهو قد أُوحي إليه الكتاب المبين ، الذي لا يغادر مثقال ذرّة في السماوات والأرض ، ولا أصغر ولا أكبر من ذلك إلاّ فيه ، وهو المورّث لأهل بيته هذا الكتاب المكنون وفي اللوح المحفوظ؟!
وقد شكّك الطبري أنّه : كيف يؤمر النبيّ باتّباع الشورى مع أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم)غنيّ عن المسلمين بالوحي (1)؟!
وذكر فوائد الشورى من : اقتداء الأُمّة به (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتأليف قلوبهم ; ونقل ذلك عن : قتادة ، وابن إسحاق ، والربيع ، والضحّاك ، والحسن البصري.
وذكر الزمخشري في ذيل الآية أنّه : لئلاّ يثقل على العرب استبداده (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرأي دونهم (2). 2.
ص: 85
وقد رووا عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال بعد نزول الآية : «أما إنّ الله ورسوله لغنيّان عنها ، ولكن جعلها الله رحمة لأُمّتي ، مَن استشار منهم لم يُعدم رشداً ، ومَن تركها لم يُعدم غيّاً» (1) ..
ومفاد الحديث جامع في المعنى ، وما تقدّم كالشرح له.
وأمّا استشهادهم بما أراده (صلى الله عليه وآله وسلم) من إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة عندما أراد أن يوقّع الصلح مع عيينة بن حصن والحارث بن عوف ، على أن يرجعا بمَن معهما عنه وعن أصحابه في معركة الأحزاب - الخندق - وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما ذلك واستشارهما ، فقالا : يا رسول الله! أمراً نحبّه فنصنعه ، أم شيئاً أمرك الله به لا بُدّ لنا من العمل به ، أم شيئاً تصنعه لنا؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلاّ لأنّي رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كلّ جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما.
فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله! قد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلاّ قرىً أو بيعاً ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له ، وأعزّنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟! والله ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلاّ السيف ، حتّى يحكم الله بيننا وبينهم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : فأنت وذلك.
فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ، ثمّ قال : 0.
ص: 86
يجهزوا علينا (1) ..
ففيه : إنّ كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) صريح في كون ما أراده من الصلح هو لأجل التخفيف عن أهل المدينة ، وإزالة الحصار عن الأوس والخزرج ، وأراد امتحان عزيمة الأنصار ، ولذلك أطلع السعدين بذلك ، فلمّا رأى ثبات عزيمتهم ورباطة جأشهم استوثق من صبرهم ومجالدتهم ، فأوقف عملية التعاقد على الصلح.
ومن أجل أنّ مشاورته (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم تربيةً منه لهم ، قال تعالى في آخر الآية : (فإذا عزمْتَ فتوكّلْ على الله) ، فأسند تعالى العزم إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصّة دونهم ، ثمّ رتّب توكّله على الله تعريضاً بعدم اكتراثه (صلى الله عليه وآله وسلم) بمخالفتهم ; إذ يرى (صلى الله عليه وآله وسلم) بإراءة الله تعالى له الصواب في خلاف مرادهم.
ويشير إلى ذلك أيضاً : قوله تعالى : (واعلموا أنّ فيكم رسول الله لو يطيعُكم في كثير من الأمر لعنتّم ولكنّ الله حبّبَ إليكمُ الإيمانَ وزينهُ في قلوبكم وكرّهَ إليكم الكفرَ والفسوقَ والعصيان أُولئك هم الراشدون * فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم) ; فها هو قوله تعالى ينبئ بأنّ رأيهم يوقعهم في العنت والمشقّة ، وأنّ شأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأمر بمقام وبوصف حمله لرسالة الله تعالى مُسدّد من قبَلِه تعالى.
القصور في معرفة الرسول قصور في معرفة حاكمية الله تعالى :
ولا استغراب في تقصيرهم في معرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فإنّها راجعة إلى تقصيرهم في معرفة حاكمية الله تعالى ; فهم يقصرون حاكميّته على التشريع والتشريعات الكلّيّة ، دون أن يتصوّروا أنّ لله تعالى حاكميّة 3.
ص: 87
سياسية ، وتدبيرية ، وقضائية ، وعسكرية ، بل يصوّرون الخالق تعالى ناظراً غير متصرّف في النظام السياسي الاجتماعي ، وغاية ما في الباب أنّ الحاكم يكون بتشريع منه تعالى ، لكن لا دخالة له على نحو التفصيل.
وهذا بخلاف مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ; فإنّ معتقدهم : أنّ الحاكم السياسي في الرتبة الأُولى هو الباري عزّ اسمه ، حتّى في حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما يستعرض سيرتها لنا القرآن الكريم ..
فإنّ موارد التشريع القضائي ، والعسكري ، والمالي ، والسياسي ، في آيات القرآن الكريم ليست أسباباً للنزول فقط ، كما يقرأها مفسّرو أهل سُنّة الخلافة ، بل هي موارد تنفيذية قد حصل فيها إنفاذ حاكمية الله تعالى ووقع إجراء تطبيقي إلهي ، وتصرّف حكومي سياسي ، أو قضائي ، أو عسكري ، أو مالي ، أو غيرها في تلك الموارد ، أي أنّ حاكمية الله تعالى امتدّت من التشريع ، ولم تقتصر عليه إلى الحكم التنفيذي والقضائي والسياسي التطبيقي الإجرائي.
فأسباب النزول لآيات القرآن المتضمّنة للتشريع يجب أن لا تُقرأ كموارد مبيّنة للتشريع العام النازل في الآية فقط ، بل يجب أن تُقرأ وتُفهم بمعنىً آخر أيضاً ، على أنّها موارد برز وتنزّل ونفّذ فيها حاكمية تطبيقية تفصيلية منه تعالى.
ففي حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، في موارد المنعطفات الخطيرة ، يكون الحاكم الأوّل في شتّى مجالات الحكم التنفيذي هو الباري عزّ اسمه ، والحاكم الثاني هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهذا هو الحال في حاكمية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فإنّها بأقسام وأنماط متعدّدة مختلفة من الوحي الإلهامي ، أو التسديدي ، أو النفث في الروع ،
ص: 88
أو التكليم ، أو التوسّم ، وغيرها ممّا سيأتي بعض الإشارة إليه ، وغاية ما في الباب أنّ بين أقسام الوحي تعدّد وتنوّع ، نظير : الفرق بين الوحي بالقرآن وبين الوحي بالحديث القدسي ، مع أنّ كلاهما وحي وكلام الله تعالى ، فكذلك هناك فرق بين الفريضة والسنّة في التشريع ، مع كون كلاًّ منهما من أقسام الوحي بالمعنى العام ، الشامل للتسديد اللدنّي ونحوه.
وهكذا الحال في حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) ; فإنّ حاكمية سيّد الأوصياء بعد حاكمية الله ورسوله التنفيذية ، بتوسّط ما يطلع (عليه السلام) عليه من إرادات الله تعالى ومشيئاته ، وإرادت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعد ذلك.
فقصرهم عصمة الرسول في التبليغ للأحكام الشرعية ناشئ من قصرهم حاكمية الباري تعالى في التشريع دون التنفيذ ، وإلاّ لكان عليهم الإقرار بعصمته في التدبير السياسي ، وفي كلّ شؤون سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويكفيك شاهداً - إجمالاً - على ذلك ما مرّت الإشارة من أنّ أسباب النزول كما هي موارد شرح للتشريع الكلّي النازل في القرآن الكريم ، كذلك هي موارد لتدخّل الباري تعالى تفصيلاً وتنفيذاً ; فالتصرّف فيها كان بوحي من السماء ، كما هو الحال في غزوة بدر ، وصلح الحديبية ، وغيرها ممّا سيأتي الإشارة إليه.
الحادي عشر : استدلالهم بموارد من الآي التي فيها عتاب منه تعالى لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّه اعتراض منه عليه ، ممّا يقضي بأنّ الفعل في تلك الموارد لم يصدر بوحي ، بل استشهدوا أيضاً بموارد أُخرى من الآي تضمّنت العتاب لبقية الأنبياء (عليهم السلام) ..
منها : (عفا اللهُ عنكَ لِمَ أذِنْتَ لهمْ).
و (عبس وتولّى * أن جاءه الأعمى).
ص: 89
و (وما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض) (1).
و (يا أيّها النبيّ لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم) (2).
و (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه) (3).
و (ووجدك ضالاًّ فهدى) (4).
و (ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر) (5).
و (لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين) (6).
و (ولولا أن ثبّتناك لقد كدْتَ تركن إليهم شيئاً قليلاً) (7).
و (لقد تاب الله على النبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة) (8).
مع أنّ الآية الأخيرة في قراءة أهل البيت (عليهم السلام) : «لقد تاب الله بالنبيّ على المهاجرين والأنصار ...».
وغيرها من الموارد التي ربّما يموّهون بها ، مع وصف الباري تعالى لنبيّه : (ما ضلّ صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو 7.
ص: 90
إلاّ وحي يوحى) ، فنفى عنه مطلق الضلال ، وهو يقتضي العصمة في العلم ، كما يقتضي العصمة في مقام العمل من المخالفة السهوية والخطأ ، كما أنّ نفي مطلق الغواية عنه يقتضي العصمة في مقام العمل عن المخالفة العمدية ; فهذان وصفان أوّلان ، ثمّ تلاهما تعالى بوصفين آخرين ، أحدهما : (ما ينطق عن الهوى) ، والآخر : (إن هو إلاّ وحيٌ يوحى) ..
ونفي النطق عن الهوى مطلق في كلّ سلوكياته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا يخصّ مقام التبليغ ، كما ادّعاه جملة من المفسّرين من دون شاهد ، مع كون الطبيعة في سياق النفي يفيد الإطلاق معضّداً ذلك بنفي مطلق الضلال ، ونفي مطلق الغواية ، في مطلق سلوكياته ، وسيرته ، وأفعاله ، وأقواله ، وتقريره (صلى الله عليه وآله وسلم) على صعيد الحكومة والتدبير ، وعلى صعيد تربية الأُمّة على سُنن الهدى والحقّ ، وتزكيتها بطريق الرشد والحكمة.
والوصف الرابع في سورة النجم هو : (إن هو إلاّ وحي يوحى) ، والضمير بحسب السياق مع الأوصاف الثلاثة المتقدّمة يعود إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فيكون مفاد الوصف : أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بتمامه وتمام شؤونه وحي يوحى ، نظير التعبير : «زيد عدل» ، وإعادة الضمير إلى النطق من قبيل : (اعدلوا هو أقرب للتقوى) (1) لا يخدش في الظهور بعدما عرفت من عموم النطق لكلّ مقال منه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، غاية الأمر : أنّ استناده إلى أنواع أقسام من الوحي ، لا خصوص الوحي التشريعي والتكليمي ; كي يقال : إنّ الوصف خاصّ بالتبليغ عن الله تعالى.
ونظير هذا - المفاد من إطلاق عصمته في كلّ شؤونه (صلى الله عليه وآله وسلم) - : قوله 8.
ص: 91
تعالى : (وإنّك لعلى خُلُق عظيم) (1) ; فإنّها شهادة من العظيم المتعال ، والخُلُق على أقسام ، كما ذكر الحكماء : أخلاق الإنسان في تدبير نفسه وصفاتها ، وأخلاق الإنسان في تدبير أُسرته ، وهي الحكمة المنزلية المعاشية الخاصّة ، وأخلاق الإنسان في تدبير المجتمع البشري والنظام المدني الاجتماعي ، وهي الحكمة السياسية ، والآية في عموم الخُلُق ..
ثمّ وصفه الباري تعالى بأنّ هذا الخُلُق : عظيم ، مع أنّه تعالى وصف متاع كلّ الدنيا : (قل متاع الدنيا قليل) (2).
وفي صحيح فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لبعض أصحاب قيس الماصر : «إن الله عزّ وجلّ أدّب نبيّه فأحسن أدبه ، فلمّا أكمل له الأدب قال : (وإنّك لعلى خلق عظيم) ..
ثمّ فوّض إليه أمر الدين والأُمّة ، ليسوس عباده ; فقال عزّ وجلّ : (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (3) ..
وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مسدّداً موفّقاً مؤيّداً بروح القدس ، لا يزلّ ولا يخطئ في شيء ممّا يسوس به الخلق ، فتأدّب بآداب الله ..
ثمّ إنّ الله عزّ وجلّ فرض الصلاة ركعتين ركعتين ، عشر ركعات ، فأضاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الركعتين ركعتين ، وإلى المغرب ركعة ، فصارت عديل الفريضة ، لا يجوز تركهنّ إلاّ في سفر ، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر ، فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك كلّه ، فصارت الفريضة سبع عشر ركعة .. 7.
ص: 92
ثمّ سنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النوافل أربعاً وثلاثين ركعة ، مثلي الفريضة ، فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك.
والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر.
وفرض الله عزّ وجلّ في السنة صوم شهر رمضان ، وسنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صوم شعبان وثلاثة أيام في كلّ شهر ، مثلي الفريضة ، فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك.
وحرّم الله عزّ وجلّ الخمر بعينها ، وحرّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المسكر من كلّ شراب ، فأجاز الله عزّ وجلّ له ذلك.
وعاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشياء وكرهها ، ولم ينه عنها نهي حرام ، إنّما نهى عنها نهي إعافة وكراهة ، ثمّ رخّص فيها ، فصار الأخذ برخصته واجباً على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه ..
ولم يرخّص لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما نهاهم عنه نهي حرام ، ولا في ما أمر به أمر فرض لازم ، فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه نهي حرام ، لم يرخّص فيه لأحد ، ولم يرخّص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمّهما إلى فرض الله عزّ وجلّ ، بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً ، لم يرخّص لأحد في شيء من ذلك إلاّ للمسافر ، وليس لأحد أن يرخّص شيئاً ما لم يرخّصه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فوافق أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الله عزّ وجلّ ، ونهيه نهي الله عزّ وجلّ ، ووجب على العباد التسليم له كالتسليم لله تبارك وتعالى» (1).6.
ص: 93
فبيّن (عليه السلام) أنّ سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سيرته وقوله وفعله وتقريره أيضا بالوحي التسديدي والتأييدي بروح القدس ; ولأجل ذلك وصفه الباري بأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : على خُلُق عظيم ، وأعطاه صلاحية التشريع بتبع التشريع الإلهي ، وأنّ الاختلاف بين الفريضة الإلهية والسنّة النبوية راجع إلى الاختلاف في أنماط الوحي ودرجاته.
وممّا يفيد إطلاق عصمته (صلى الله عليه وآله وسلم) : قوله تعالى : (هو الذي بعث في الأُمّيّين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين * وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم * ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (1) .. فنرى أنّه تعالى يصف بعثة الرسول وأدواره في إبلاغ الكتاب وتلاوته حقّ التلاوة ، وهي إقامته على حدوده لا مجرّد قراءته الصوتية.
وفي تزكيته للأُمّة إلى يوم القيامة وللنظام الاجتماعي للمسلمين.
وتعليمه للأُمّة الكتاب ، وهو لا يقتصر على أصوات الألفاظ ; لأنّ ما وراء إبلاغ الألفاظ هو تعليم تمام درجات علوم الكتاب ، وتأويله ، ولو بواسطة نصب أوصياء هداة لهذه الأُمّة من بعده يواصلون ويستمرّون في أداء دوره.
وتعليمه للأُمّة الحكمة ، وهي ما يرتبط بتدبير الإنسان لنفسه وأُسرته ، وبتدبير النظام السياسي الاجتماعي ، والتزكية والتعليم للحكمة يرتبط ذاتياً بالتدبير والسيرة في إدارة الأُمّة. 4.
ص: 94
وقد وصف الباري تعالى ذلك كلّه ب- : الفضل ، بل جعله : العظيم ، في مقابل الضلال الذي كانت قريش تعيش فيه.
وقد مرّت الإشارة إلى دلالة آيتي الردّ عند التنازع ، أو مجيء أمر من الأمن والخوف على عصمته في التدبير والحكم ، وغيرها من الآيات.
ثمّ إنّ خطاب العتاب في الاستعمال القرآني الموجّه للأنبياء (عليهم السلام) ، أو للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) محمول على عدّة وجوه :
* الأوّل : على قاعدة : «حسنات الأبرار سيئات المقرّبين» ، وأنّه ينبغي على المقرّب درجات من الطاعة الفائقة العالية ، ودقائق من الإخلاص ما لا يكلّف بها المتّقون الأبرار ، وذلك لعلوّ مقامات المقرّبين ودقّة محاسبتهم على خفايا السر وترك الأوْلى ، بل إنّ بين المقرّبين والأنبياء تفاوت في كيفية المحاسبة ، بحسب درجاتهم في الفضل ، واشتداد الكمال.
ولنتأمّل لذلك مثالا : فإنّ في المدرسة التعليمية يتوقّع المدير والمعلّم من أذكياء الطلاّب ونوابغهم ما لا يتوقّع من أوساطهم ; فإنّ الذكي النابغة إذا لم يأت في الامتحان بمعدّل فوق الامتياز بدون تعليل ، فإنّه يعاتب ويسائل ، مع عدم مساءلة ومحاسبة أوساط الطلاّب مع توفّرهم على معدّل متوسّط يحقّق أدنى المستوى الموجب لعدم الرسوب في الامتحان.
وليست تلك المفارقة إلاّ لأنّ الكامل ينبغي له الرقي في المعالي ، ومن ثمّ ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أعظم الناس بلاء الأنبياء ، ثمّ الأمثل فالأمثل من الناس» (1) .. 8.
ص: 95
وفي رواية أُخرى : «ثمّ الصالحون ، ثمّ الأمثل فالأمثل من الناس». وعلى هذا ; فسيرة الأنبياء لا تتخطّى الهدى والصواب ، غاية الأمر : الهداية على درجات ; كما يشير إليه قوله تعالى : (ويَزيدُ اللهُ الّذين اهتدَوْا هدىً) (1).
وقال تعالى : (وقل ربّي زدني علماً) (2).
و : (وصدق الله ورسوله وما زادهم إلاّ إيماناً وتسليماً) (3).
و : (للّذين أحسنوا الحسنى وزيادة) (4).
و : (ليجزيَهُمُ اللهُ أحسن ما عملوا ويَزيدَهُم من فضله) (5).
و : (ويخِرّونَ للأذقان يبكون ويَزيدُهُم خشوعاً) (6).
و : (يقولون ربّنا أتْمِمْ لنا نورَنا واغفر لنا إنّك على كلّ شيء قديرٌ) (7) ..
وغيرها من الموارد ، التي يبيّن القرآن أنّ الفضائل والمحاسن ذات درجات واشتداد وزيادة ، من : الهدى ، والعلم ، والإيمان ، والتسليم ، والإحسان ، والفضل ، والخشوع ، والنور ، وغيرها.
وعلى هذا ; فجملة من خطاب العتاب للأنبياء (عليهم السلام) هو من هذا القبيل ، لا من الوقوع في المعصية المعهودة في باب حدود التكليف 8.
ص: 96
الشرعي العام ، والسرّ في ورود جملة من هذه الموارد في الكتاب هو لكي لا يقع انبهار بعصمة الرسل فيوجب الغلوّ بتأليههم.
* الثاني : إنّ المرسلين حيث أنّهم أولياء أُممهم ، فالوليّ مسؤول عن المولى عليه ، والإمام من قبله تعالى مسؤول ويساءل عن رعيّته ، وهذا أمر عقلي وجداني ، بل إن الرئيس ليسوؤه وزر رعيّته وإن لم يكن مقصّراً في أداء مهمّته ، لا بمعنى أنّه يكون موزوراً ، بل من باب ما يشير إليه قوله (عليه السلام)في دعاء أبي حمزة الثمالي :
«إلهي! إن أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوّك ، وإن أدخلتني الجنّة ففي ذلك سرور نبيّك ، وأنا والله أعلم أن سرور نبيّك أحبّ إليك من سرور عدوّك».
ويشير إلى ذلك : قوله تعالى : (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس اتّخذوني وأُمّي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقولَ ما ليس لي بحقّ إن كنتُ قلتُهُ فقد علمْتَهُ تعلمُ ما في نفسي ولا أعلمُ ما في نفسك إنّك أنت علاّمُ الغيوبِ * ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به أن اعْبُدوا اللهَ ربّي وربّكم وكنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم فلمّا توفّيْتني كنتَ أنت الرقيبَ عليهم وأنت على كلّ شيء شهيدٌ * إن تعذّبْهم فإنّهم عبادُك وإن تغفرْ لهم فإنّك أنت العزيزُ الحكيمُ) (1).
ففي الآية إخبار بوقوع مساءلة النبيّ عيسى (عليه السلام) عن انحراف النصارى وهو تأليههم لعيسى وأُمّه (عليهما السلام) ، مع أنّ النبيّ عيسى (عليه السلام) من أُولي العزم من 8.
ص: 97
الرسل ، ولم يقصّر في إنذار أتباعه عمّا نهى الله تعالى ، وهو تعالى عالم ببراءة نبيه عن انحراف أُمّته ، لكن باعتبار كون الأُمّة تحت مسؤولية نبيّها. كما تشير الآية : (ولكلّ أُمّة رسولٌ فإذا جاء رسولُهُم قُضِيَ بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) (1) إلى أنّ محاسبة كلّ أُمّة في المعاد إنّما تبدأ بحضور وإشراف رسول تلك الأُمّة.
ونظير ذلك : الآية الأُخرى : (يوم ندعو كلَّ أُناس بإمامهم) (2).
وعلى هذا النمط جملة من الخطابات الموجّهة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا ظاهرها العتاب بأفعال أُمّته ، وهذا ما يراد من أنّ القرآن نزل ب- : «إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة» (3).
* الثالث : الخطأ في التأويل أو التفسير أو القراءة للآية ..
فإنّ في جملة من الموارد المدّعاة أنّها من العتاب والتأنيب هو من الاستظهار الخاطئ لمفاد الآيات ، أو التأويل للظهور بروايات موضوعة ، أو التشبّث بقراءة وترك القراءات الأُخرى الأصحّ.
وإلى جملة من ذلك يشير الإمام الرضا (عليه السلام) ، في ما روي عنه ، عندما قال له المأمون : يا ابن رسول الله! أليس من قولك : «إنّ الأنبياء معصومون»؟! قال : «بلى» ، فأخذ المأمون يسأل عن جملة من الآيات المتشابهة الموهمة لخلاف ذلك ، منها : قول الله عزّ وجلّ : (فلمّا آتاهما صالحاً جعلا له شركاءَ في ما آتاهما) (4)؟0.
ص: 98
فقال الرضا (عليه السلام) : «إن حوّاء ولدت خمسمائة بطن ، في كلّ بطن ذكر وأُنثى ، وإنّ آدم وحواء عاهدا الله ودعواه قالا : (لئن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشاكرين) (1) ، فلمّا آتاهما صالحين من النسل ، خلْقاً سويّاً بريئاً من الزمانة والعاهة ، كان ما آتاهما صنفين : صنفاً ذكراناً ، وصنفاً إناثاً ، جعل الصنفان لله تعالى شركاء في ما آتاهما ، ولم يشكراه شكر أبويهما له عزّ وجلّ ; قال الله تعالى : (فتعالى الله عمّا يشركون) (2).
فقال المأمون : أشهد أنّك ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حقّاً ...
وقال (عليه السلام) في قوله تعالى : (ألم يجدك يتيماً فآوى) ، يقول : ألم يجدك وحيداً فآوى إليك الناس؟
(ووجدك ضالاّ) يعني : عند قومك ، (فهدى) أي : هداهم إلى معرفتك؟
(ووجدك عائلا فأغنى) ، يقول : أغناك بأن جعل دعاءك مستجاباً؟ و ...
وفي قوله تعالى : (ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر) ، فقال (عليه السلام) : «لم يكن أحد عند مشركي أهل مّكة أعظم ذنباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً ، فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم ، وقالوا : (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيء عجاب * فانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنّ هذا لشيء يراد * ما سمعنا بهذا في 0.
ص: 99
الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اخْتلاق) (1).
فلمّا فتح الله عزّ وجلّ على نبيّه مكّة قال له : يا محمّد! (إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر) عند مشركي أهل مكّة بدعائك إيّاهم إلى توحيد الله في ما تقدّم وما تأخّر ; لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكّة ، ومن بقي منهم لا يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم مغفوراً بظهوره عليهم».
فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : (عفا الله عنك لم أذنت لهم)؟
فقال الرضا (عليه السلام) : «هذا ممّا نزل ب- : (إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة) ، خاطب الله بذلك نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأراد به أُمّته ..
وكذلك قوله تعالى : (لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين) ..
وقوله عزّ وجلّ : (لولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا)».
قال المأمون : صدقت يا بن رسول الله! فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ : (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتّقِ الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه)؟
قال الرضا (عليه السلام) : «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قصد دار زيد بن حارثة بن 7.
ص: 100
شراحيل الكلبي في أمر أراده ، فرأى امرأته تغتسل ، فقال لها : (سبحان الذي خلقك) ، وإنّما أراد بذلك تنزيه الله عن قول من زعم : إنّ الملائكة بنات الله ، فقال الله : (أفأصفاكم ربُّكم بالبنينَ واتّخذ من الملائكة إناثاً إنّكم لتقولونَ قولا عظيماً) (1) ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) - لمّا رآها تغتسل - : (سبحان الذي خلقك) أن يتّخذ ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال.
فلمّا عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقوله لها : سبحان الذي خلقك ، فلم يعلم زيد ما أراد بذلك ، وظنّ أنّه قال ذلك لِما أعجبه من حسنها ، فجاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول الله! إنّ امرأتي في خلقها سوء ، وإنّي أُريد طلاقها.
فقال له النبيّ : أمسك عليك زوجك ، واتّقِ الله.
وقد كان الله عرّفه عدد أزواجه ، وأنّ تلك المرأة منهن ، فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد ، وخشي الناس أن يقولوا : إنّ محمّداً يقول لمولاه : إنّ امرأتك ستكون لي زوجة ، فيعيبوه بذلك ، فأنزل الله عزّ وجلّ : (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) ، يعني بالإسلام ، (وأنعمت عليه) ، يعني بالعتق ، (أمسك عليك زوجك واتّقِ الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحقّ أن تخشاه).
ثمّ إنّ زيد بن حارثة طلّقها ، واعتدّت منه ، فزوّجها الله عزّ وجلّ من نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنزل بذلك قرآناً ; فقال عزّ وجلّ : (فلمّا قضى زيد منها وطراً زوّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهنّ وطراً وكان أمر الله مفعولا) (2). 7.
ص: 101
ثمّ علم الله عزّ وجلّ أنّ المنافقين سيعيبوه ; فأنزل الله : (ما كان على النبيّ من حرج في ما فرض الله له) (1)».
فقال المأمون : لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله ، وأوضحت لي ما كان ملتبساً ، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيراً (2).
ونظير ذلك : ما روي عن الصادق (عليه السلام) : «إنّ الله بعث نبيّه ب- : إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة» (3) ، ومثّل المفسّرون لذلك بموارد عديدة ، مثل : قوله تعالى : (فإن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك) (4).
وقوله تعالى : (يا أيّها النبيّ إذا طلّقتم النساء) (5).
و : (يا أيّها النبيُّ اتّقِ اللهَ ولا تُطِع الكافرينَ) (6).
و : (لئن أشركتَ ليحبطنّ عملك).
و : (ءأنت قلت للناس) في شأن عيسى (عليه السلام).
و : (ولئن اتّبعْتَ أهواءَهُم) (7).
و : (لا تجعلْ مع الله إلهاً آخَرَ) (8).
إلى غير ذلك من الوجوه ، التي يطول المقام بذكرها ، إلاّ أنّ المتعيّن هو التمسّك بالمحكم وحمل المتشابه عليه. 2.
ص: 102
ومن ذلك : تمسكهم بقوله تعالى : (عبس وتولّى * أن جاءه الأعمى) ..
قال الطبرسي في مجمع البيان ، والسيّد المرتضى : ليس في ظاهر الآية دلالة على توجّهها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل هو خبر محض لم يصرّح بالمخبر عنه ، وفيها ما يدلّ على أنّ المعني به غيره ; لأنّ العبوس ليس من صفات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الأعداء المباينين ، فضلا عن المؤمنين المسترشدين.
ثمّ الوصف بأنّه يتصدّى للأغنياء ، ويتلهّى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة ، ويؤيّد هذا القول : قوله سبحانه في وصفه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (وإنّك لعلى خُلُق عظيم) ، وقوله : (ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانْفضّوا من حولك).
فالظاهر أنّ قوله : (عبس وتولّى) المراد به غيره ، وقد روي عن الصادق (عليه السلام) : «إنّها نزلت في رجل من بني أُمية ، كان عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء ابن أُمّ مكتوم ، فلمّا رآه تقذّر منه وجمع نفسه ، وعبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه» (1).
وروي أنّ العابس هو : عثمان (2).
ثاني عشر : تمسّكهم بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّكم لتختصمون إليّ ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض ، فمَن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذه ، فإنّما أقطع له قطعة من النار» ، وذلك يدلّ على أنّه يقضي بما لا يكون حقّاً في نفس الأمر. 8.
ص: 103
ولا يخفى تمويه هذا الاستدلال على الحقيقة ..
* أوّلا : فإنّ تعبيرهم : «يقضي بما لا يكون حقّاً في نفس الأمر» يحمل في طياته شنيع الطعن على مقام النبوة ; فإنّ ميزان الحكم بالحقّ في باب القضاء هو كون الحكم القضائي قد صدر على الموازين المقرّرة من قبل الشريعة المقدّسة ، والحكم بالباطل هو الحكم الذي يصدر عن غير الموازين المقرّرة وإن أصاب الواقع ، كما في الحديث الشريف : «القضاة أربعة ، ثلاثة في النار وواحد في الجنّة ... ورجل قضى وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة» (2).
* ثانياً : إن إصابة البينة للواقع ، أو موازين القضاء - من كيفية صورة النزاع بين الطرفين بحيث يصيغ أحدهما زعمه بصورة المنكر والآخر بصورة المدّعي - وعدم إصابتها ، لا ربط له بحكم الحاكم والتشريع القضائي نفسه ، أو كون الحاكم ظانّ في حكمه ، أو وصوله للحكم القضائي ; هل هو عن طريق الاجتهاد والاستنتاج الظنّي ، أم هو عن طريق الإحاطة اليقينية اللدنية بجميع منظومة التشريعات الشرعية؟!
فهل يتخيل أُولئك أنّ إدراك مَن له شهود روحي ملكوتي بكلّ المعادلات القانونية الشرعية للنتيجة ، هو عن طريق حركة الفكر من المبادئ في مخزون الذاكرة إلى المجهول المطلوب كشفه؟!
فإنّ حركة الفكر هي للمحجوب ، مع أنّه من المقرّر في الحكمة : إنّ حركة الفكر ليست علّة فاعلية لإدراك النتيجة ، إنّما هي إعداد لاستعطاء الإلهام من عوالم الغيب الإلهي ، فالذي يكون على ارتباط دائم بالغيب كيف 6.
ص: 104
يُتصوّر احتياجه كغيره لحركة ذهنية إعدادية؟!
بل هو ملتحم روحاً مع تلك الأرواح الكلّيّة ، التي هي ألواح العلم الغيبي الإلهي.
* ثالثاً : إنّ موازين القضاء في جهة إصابتها للواقع وعدم إصابتها هي في المجال الموضوعي ، لا التشريع العام ..
وحكمة تقرُّر العمل بها في الشريعة ما أُشير إليه في الحديث الشريف عنهم (عليهم السلام) : إنّ داود (عليه السلام) قال : يا ربّ! أرني الحقّ كما هو عندك ، حتّى أقضي به ، فقال : إنّك لا تطيق ذلك. فألحّ على ربّه حتّى فعل ، فجاء رجل يستعدي على رجل فقال : إنّ هذا أخذ مالي ، فأوحى الله إلى داود : إنّ هذا المستعدي قتل أبا هذا وأخذ ماله ، فأمر داود بالمستعدي فقتل وأخذ ماله ، فدفع إلى المستعدى عليه ، قال : فعجب الناس ، وتحدّثوا حتّى بلغ داود (عليه السلام) ، ودخل عليه من ذلك ما كره ، فدعا ربّه أن يرفع ذلك ، ففعل ، ثمّ أوحى الله إليه : أن احْكم بينهم بالبيّنات ، وأضفهم إلى اسمي يحلفون به» (1).
فالحديث الشريف يبيّن الحكمة في ظاهر الحكم على طبق موازين الفقهاء ، من حفظ الحدود والنظم في علاقات الناس في ما بينهم ، فالظنّية في الميزان لا الظنّية في تعيين الميزان الظني المقرّر في الشرع ، وقد خلطوا بين الأمرين.
ثالث عشر : تشبّثهم بالحديث الشريف : «العلماء ورثة الأنبياء» ، وأنّ الاجتهاد لا بُدّ أن يكون موروثاً عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كي يصحّ انطباق الحديث 2.
ص: 105
عليهم ، فيقضى بحكمه بالاجتهاد.
والخبط واقع في نقاط :
الأُولى : تفسيرهم العلماء ب- : المجتهدين ، مع أنّ معنى اللفظة ينطبق على الأوصياء ، الّذين اصطفوا للإمامة ، ويقومون مقام الأنبياء ..
وكذلك معنى الوراثة ; فإنّه ينطبق أيضاً على ما يعمّ الوراثة اللدنّية ، كما في قوله تعالى : (ثمّ أوْرثْنا الكتابَ الّذينَ اصطفينا من عبادنا) (1).
الثانية : لو فرض إرادة علماء العلم الاكتسابي ، فليس وراثتهم للأنبياء من ناحية قصور المجتهدين عن الوصول إلى اليقين ; كي يقال : إنّ قصورهم ورثوه من قصور الأنبياء ، والعياذ بالله تعالى ، بل من ناحية ما تركه الأنبياء من الأحاديث والسنن ، وأنّه مَن أخذ بها فقد أخذ بحظّ وافر.
وبعبارة أُخرى : إنّ منظومة العمومات والخصوصات وأُصول القواعد وتفريعاتها تنتظم في منظومة ذات مدارج بترابط عضوي معادلي ، نظير : القواعد الرياضية والهندسية ; فإنّ قصور علماء الرياضيات والهندسة عن الإحاطة بتلك المنظومة وترامياتها واتّساع دوائرها وآفاق مداها لا يعني عدم إتقان تلك المنظومة ، المؤثّرة على كلّ سنن الطبيعة المادية ، وحلّ كلّ المجهولات ، كذلك الحال في منظومة الشريعة ; فإنّ قصور المجتهدين والفقهاء لا ينسحب على منظومة الشريعة ، التي أورثها الأنبياء (عليهم السلام).
ومن ذلك يظهر جملة فروق أُخرى بين مقام النبوّة والمجتهدين :
أوّلا : فإنّ النبوّة لا تدرك الأحكام بنحو الانتقال الفكري الذهني من قاعدة إلى أُخرى ، أو من أصل إلى تفريع ، كما يحدث لدى المجتهد ، بل 2.
ص: 106
النبوّة تحيط بكلّ تلك المنظومة على نسق واحد.
ثانياً : وعلى ضوء الفرق السابق ; لا مجال للخطأ في العلم النبوي بالأحكام ، بخلاف المجتهد ; فمَن لا يحيط بالمنظومة لا يحيط بكلّ ما له ارتباط بحكم المسألة ، التي يسعى لاستنباط الحكم فيها ، ومن ثمّ لا يستيقن بالنتيجة والاستنتاج.
ثالثاً : إنّ المجتهد إنّما يدرك الأحكام من وراء حجاب دلالة الألفاظ ، وما يرافق ذلك من مراحل وعقبات ، حتّى يصل إلى الحكم والإرادة التشريعية ، وهذا بخلاف مقام الوحي النبويّ ، الذي تتنزّل عليه الإرادات الإلهية ، ومن ثمّ يسمّى : «المجتهد» مجتهداً ; لبذله الجهد والسعي الفكري كي يرفع حجاب الجهل عن نفسه.
للبحث صلة ...
ص: 107
السيّد علي الشهرستاني
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ قضية تزويج أُمّ كلثوم ابنة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) من عمر بن الخطّاب من الأُمور التي تُثار بين الحين والآخر ، على شبكات الإنترنيت والصحف والمجلاّت ، وهي ليست بالقضية الجديدة ، بل هي من القضايا القديمة ، وقد أُثيرت لأوّل مرّة في عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ، واستمرّت حتّى يومنا هذا.
وبما أنّ المسألة ترتبط بالتاريخ من جهة ، والفقه والعقائد من جهة أُخرى ، فقد التزمنا دراسة هذه القضية مع ملابساتها الاجتماعية والتاريخية بقدر ما يسعنا الوقت في هذه العجالة.
لكن قبل بيان حقيقة الأمر لا بُدّ من الإشارة إجمالاً إلى الأقوال المذكورة في هذه المسألة ; كي يكون القارئ على بصيرة من ذلك.
والأقوال في المسألة ثمانية :
أربعة منها من مختصّات الشيعة ، والقول الخامس والسادس والسابع
ص: 108
قال بها بعض الشيعة وبعض العامة ، والقول الثامن هو المشهور عند أبناء العامة ..
أمّا الأقوال الأربعة التي قالت بها الشيعة ، فهي :
الأوّل : عدم وقوع التزويج بين عمر وأُمّ كلثوم.
وقد ذهب إلى هذا الرأي الشيخ المفيد (ت 413 ه) في المسائل السروية (المسألة العاشرة) ، وكذا في المسائل العكبرية (المسألة الخامسة عشر) ، وله رسالة بهذا الصدد ، طبعت مستقلّة ضمن منشورات مؤتمر الشيخ المفيد.
هذا ، وقد كذّب خبر التزويج علماء آخرون ، ك- : السيّد مير حامد حسين اللكهنوي الهندي ، في كتابه إفحام الأعداء والخصوم بتكذيب ما افتروه على سيّدتنا أُمّ كلثوم ، والشيخ محمّد جواد البلاغي ، في كتابه تزويج أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين وإنكار وقوعه ، وغيرهم.
الثاني : وقوع التزويج لكنّه كان عن إكراه.
مستدلّين بنصوص متعدّدة ، ذكروها في كتبهم.
وقد ذهب إلى هذا الرأي السيّد المرتضى (ت 436 ه) في كتابه الشافي ، وتنزيه الأنبياء ، والمجموعة الثالثة من رسائله (1). 0.
ص: 109
وفي بعض روايات وأقوال الكليني (ت 329 ه) في الكافي (1) ، والكوفي (ت 352 ه) في الاستغاثة (2) ، والقاضي النعمان (ت 363 ه) في شرح الأخبار (3) ، والطبرسي (ت 548) في إعلام الورى (4) ، والمجلسي (ت 1111 ه) في مرآة العقول وبحار الأنوار (5) ، وغيرهم ; ما يشير إلى ذلك.
الثالث : إنّ المتزوَّج منها لم تكن ابنته (عليه السلام) بل ربيبته.
وهي : ابنة أسماء بنت عميس زوجة الإمام عليّ بن أبي طالب ، أي أنّها : ابنة أبي بكر ، وأُخت محمّد بن أبي بكر ; وبذلك تكون أُمّ كلثوم ربيبة الإمام عليّ وليست ابنته.
انظر هذا الكلام عند الشيخ النقدي في الأنوار العلوية : 426.
قال السيّد شهاب الدين المرعشي في تعليقاته على إحقاق الحقّ : ثمّ ليُعلم أنّ أُمّ كلثوم التي تزوّجها الثاني كانت بنت أسماء وأخت محمّد هذا ، فهي ربيبة مولانا أمير المؤمنين ولم تكن بنته ، كما هو المشهور بين المؤرّخين والمحدِّثين ، وقد حقّقنا ذلك ، وقامت الشواهد التاريخية في ذلك واشتبه الأمر على الكثير من الفريقين ، وإنّي بعدما ثبت وتحقّق لديّ أنّ الأمر كان كذلك ، استوحشت التصريح به في كتاباتي ; لزعم التفرّد في هذا الشأن ، إلى أن وقفت على تأليف في هذه المسألة للعلاّمة المجاهد 9.
ص: 110
السيّد ناصر حسين الموسوي اللكنوي أبان عن الحقّ وأسفر ، وسمّى كتابه : إفحام الخصوم في نفي تزويج أُمّ كلثوم (1).
وقال - رحمه الله - في مكان آخر : أسماء بنت عميس تزوّجها جعفر ابن أبي طالب ، فولدت له : عوناً وجعفراً ، ثمّ تزوّجها أبو بكر ، فوُلد له منها عدّة أولاد ، منهم : أُمّ كلثوم ، وهي التي ربّاها أمير المؤمنين وتزوّجها الثاني ، فكانت ربيبته (عليه السلام) وبمنزلة إحدى بناته ، وكان (عليه السلام) يخاطب محمّداً ب- : ابني ، وأُمّ كلثوم هذه ب- : بنتي ، فمن ثمّ سرى الوهم إلى عدّة من المحدّثين والمؤرّخين ، فكم لهذه الشبه من نظير؟! ومنشأ توهُّم أكثرهم هو الاشتراك في الاسم والوصف ، وأنّ مولانا عليّاً (عليه السلام) تزوّجها بعد موت أبي بكر (2).
الرابع : إن ّ عليّاً زوّج عمر جنّية تشبه أُمّ كلثوم.
إذ الثابت عند الشيعة أنّ للنبيّ والإمام سلطةً على الجنّ بإذن الله ، كما كان لسليمان (عليه السلام) سلطة عليهم (3) ، وأنّ وقوع الشبه ليس ببعيد ; فقد شُبِّه على الظلمة عيسى بن مريم بيهوذا فقتل وصلب.
هذا ما رواه القطب الراوندي (ت 573 ه) في كتابه الخرائج والجرائح (4)...
ص: 111
هذه هي الأقوال المختصة بالشيعة.
وأمّا الأقوال التي ذهب إليها بعض الشيعة وبعض العامّة فهي :
الخامس : إنكار وجود بنت لعليّ (عليه السلام) اسمها أُمّ كلثوم.
لأنّ أُمّ كلثوم كنية لزينب الصغرى (1) أو الكبْرى (2) أو لرقيّة (3) ، أمّا وجود بنت اسمها : أُمّ كلثوم ، فلم يُعرف عند المحقّقين ; إذ لو كان ذلك لعُرف تاريخ ولادتها ، ومكان دفنها ، وبما أنّ الأخبار خالية من ذلك ، فإنّ هذا يشير إلى التشكيك في وجودها.
وقد ذهب إلى هذا الرأي جمع من العامة والشيعة ; فقد نقل عن الدميري أنّه قال : أعظم صداق بلغنا خبره صداق عمر لمّا تزوّج زينب بنت عليّ ; فإنّه أصدقها أربعين ألف دينار (4) ..
ومعنى كلام الدميري : أنّ زينب هو اسم لأُمّ كلثوم ; وذلك لاشتهار تزويج عمر بأُمّ كلثوم لا بزينب.
وروى البيهقي : عن قثم مولى آل العبّاس ، قال : جمع عبد الله بن جعفر بين ليلى بنت مسعود النهشلية ، وكانت امرأة عليّ(رضي الله عنه) ، وبين أُمّ كلثوم ة.
ص: 112
بنت عليّ لفاطمة (عليها السلام) (1) ..
ومعنى كلامه : أنّ أُمّ كلثوم هي زينب ; لأنّها كانت زوجته على القطع واليقين ، ولم يثبت طلاقه لها ، حتّى ماتت وهي عنده.
وقد كتب الشيخ إبراهيم بن يحيى بن محمّد العاملي (ت 1214 ه) على جدار مقام السيّدة زينب بدمشق هذه الأبيات ; لاعتقاده بأنّ زينب هي أُمّ كلثوم :
مقام لعمرو الله ضمّ كريمة
زكا الفرع منه البرية والأصلُ
لها المصطفى جَدٌّ وحيدرة أبٌ
وفاطمةٌ أُمٌّ وفاروقهم بَعْلُ (2)
ومن الشيعة الإمامية : السيّد عبد الرزّاق المقرم ، في بعض كتبه ك- : نوادر الأثر (المخطوط) ، والسيّدة سكينة : صفحة 38 ، وعدّة مواضع من كتابه مقتل الحسين.
والشيخ المامقاني في تنقيح المقال ; إذ قال : أُمّ كلثوم بنت أمير المؤمنين : هذه كنية لزينب الصغرى ، وقد كانت مع أخيها الحسين بكربلاء ، 4.
ص: 113
وكانت مع السجّاد إلى الشام ، ثمّ إلى المدينة ، وهي جليلة القدر ، فهيمة بليغة ، وخطبتها في مجلس ابن زياد بالكوفة معروفة ، وفي الكتب مسطورة ، وإنّي اعتبرها من الثقات ..
والمشهور بين الأصحاب أنّه تزوّجها عمر بن الخطّاب غصباً ، كما أصر السيّد المرتضى وصمّم عليه في رسالة عملها في هذه المسألة ، وهو الأصحّ ; للأخبار المستفيضة (1).
السادس : هو أنّ أُمّ كلثوم لم تكن من بنات فاطمة بنت محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل كانت من أُمّ ولد.
وقد ذهب إلى هذا الرأي بعض أعلام العامة والشيعة كذلك ; ففي تاريخ مواليد الأئمّة (2) ، ونور الأبصار (3) ، ونهاية الإرب (4) : ... وكان له زينب الصغرى وأُمّ كلثوم الصغرى من أُمّ ولد.
السابع : تزويجها من عمر ، لكنّ عمر مات ولم يدخل بها.
وإلى هذا ذهب بعض أعلام الشيعة وبعض العامة ; فقد قال النوبختي 3.
ص: 114
- من أعلام القرن الثالث الهجري - من الشيعة الإمامية في كتابه الإمامة : أُمّ كلثوم كانت صغيرة ، ومات عنها عمر قبل أن يدخل بها (1).
وقال الشيخ جعفر النقدي في الأنوار العلوية : ... فروي أنّه] أي عمر] لمّا دخل عليها كان ينظر شخصها من بعيد ، وإذا دنا منها ضُرِبَ حجاب بينها وبينه فاكتفى بالمصاهرة (2).
وقال أبو الحسن العمري في المجدي في أنساب الطالبيّين : وآخرون من أهلنا يزعمون أنّه لم يدخل بها (3).
وقال الزرقاني المالكي (ت 1122 ه) في شرح المواهب اللدنّية : وأُمّ كلثوم زوجة عمر بن الخطّاب ، مات عنها قبل بلوغها (4).
هذا ، ولم يذكر المسعودي أُمّ كلثوم بنت عليّ في أُمّهات أولاد عمر في كتابه مروج الذهب ، بل عدّ عبد الله وعبيد الله وحفصة وزيداً وعاصماً من أُمّ واحدة (5).
وقد ذكر الطبري أسماء أولاد عمر ، فقال : وزيد الأصغر وعبيد الله قُتلا يوم صفّين مع معاوية ، وأُمّهما : أُمّ كلثوم بنت جرول بن مالك بن مسيب بن ربيعة ، وكان الإسلام فرّق بين عمر وأُمّ كلثوم بنت جرول (6).
أمّا القول الثامن : وهو المشهور عند العامة ، فملخّصه : إنّ عمر 6.
ص: 115
تزوّج أُمّ كلثوم ودخل بها وأولدها : زيداً ورقيّة.
ونحنُ وإن كان المنهج العلمي يدعونا إلى دراسة الأقوال الثمانية كلّها ثمّ الوقوف في ضوء ذلك على الرأي المختار.
لكنّ تلك الأقوال تستدعي الدراسة الوافية لها والترجيح بينها ، وهو ممّا يحتاج إلى مزيد وقت لا نمتلكه الآن ; فاكتفينا بالتعليق على القول الأخير ، على أمل أن نلتقي مع القُرّاء في دراسة شاملة عن هذه القضية ، آملين أن نكون قد قدّمنا شيئاً في هذا المضمار ، مشيرين إلى أن عملنا سيكون في ثلاثة جوانب :
1 - الجانب التاريخي :
وفيه نبيّن ملابسات القول الثامن تاريخياً وعقائدياً واجتماعياً ، ونناقش النصوص التاريخية الواردة فيه على وجه التحديد ، وهل أنّ هذا القول يمسّ عقائد الشيعة الإمامية ، أم أنّه يمسّ العامة ، أم أنّه لا يمسّ أيّاً منهما ، أو أنّه يمسّهما معاً؟
2 - الجانب الفقهي :
وفيه بيان لكيفية دخول الروايات الداعمة للرأي الثامن في كتب الفقه والحديث الشيعية ، ومدى حجّية تلك الأحاديث ودلالتها.
3 - الجانب العقائدي :
وفيه نبحث عن الإشكاليات المطروحة في هذا الزواج ، وأن القول بالتزويج لا يمسّ بعقائد الشيعة بقدر ما يمسّ بأُصول الفكر السُنّي ; لأنّ
ص: 116
لازم هذا القول هو خروج عمر بن الخطّاب عن الموازين الأخلاقيّة ، والضوابط العرفية ، المتعارف عليها في المجتمعات الإسلاميّة.
وعليه ; فنحن لسنا - وحسبما أكّدنا - بصدد ترجيح رأي على آخر ، أو تبنّي رأي تاسع في المسألة ، بل كلّ ما في الأمر هو بيان ملابسات القول الأخير - أي الثامن - ومحاكمة النصوص فيه ، وكيفية تداخل النصوص بين الطائفتين ، ومدى تأثيرها على الأُصول والمفاهيم عند الفريقين ، لا اعتقاداً منّا بصحّة تلك الأخبار سنداً أو دلالة ، بل إلزاماً للآخرين القائلين بوقوع هذا التزويج ، ليس أكثر من ذلك.
مؤكّدين للقارئ العزيز بأنّ عملنا هذا ما هو إلاّ محاولة بسيطة في هذا السياق ، وإجابة لأشهر الأقوال ، وأكثرها شيوعاً على شبكات الإنترنيت ; إذ لم نحقّق بعد كلّ جوانب هذه المسألة ، للخروج بالنتيجة المطلوبة.
وإليك بعض النصوص في تزويج عمر من أُمّ كلثوم ، أتينا بها من كتب السيَر والتاريخ في مدرسة الخلفاء ، لتكون مقدّمة لِما نبغي الوصول إليه.
* * *
ص: 117
نصوص في التزويج
ترجم ابن سعد لأُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في الطبقات الكبرى ، فقال :
تزوّجها عمر بن الخطّاب وهي جارية لم تبلغ ، فلم تزل عنده إلى أن قُتل ، وولدت له : زيد بن عمر ، ورُقيّة بنت عمر ...
- إلى أن يقول : - أخبرنا أنس بن عياض الليثي ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه : أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أُمّ كلثوم ، فقال عليّ : إنّما حبست بناتي على بني جعفر.
فقال عمر : أنكحنيها يا عليّ ، فوالله ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحابتها ما أرصد.
فقال عليّ : قد فعلت.
فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بين القبر والمنبر ، وكانوا يجلسون ثَمّ عليّ وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف ، فإذا كان الشيء يأتي عمر من الآفاق ، جاءهم فأخبرهم ذلك واستشارهم فيه ..
فجاء عمر فقال : رفّئوني. فرفّؤوه وقالوا : بمن يا أمير المؤمنين؟ قال : بابنة عليّ بن أبي طالب.
ثمّ أنشأ يخبرهم ، فقال : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ نسبي وسببي ، وكنت قد صحبته فأحببت أن يكون
ص: 118
هذا أيضاً (1).
وفيه أيضاً : قال محمّد بن عمر وغيره : لمّا خطب عمر بن الخطّاب إلى عليّ ابنته أُمّ كلثوم ، قال : يا أمير المؤمنين! إنّها صبيّة.
فقال : إنّك والله ما بك ذلك ، ولكن قد علمنا ما بك.
فأمر عليّ بها فصُنّعت ، ثمّ أمر ببرد ، فطواه وقال : انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي : أرسلني أبي يقرئك السلام ، ويقول : إن رضيت البُرد فأمسكه ، وإن سخطته فردّه.
فلمّا أتت عمر قال : بارك الله فيك وفي أبيك ، قد رضينا.
قال : فرجعت إلى أبيها فقالت : ما نشر البُرد ولا نظر إلاّ إليّ.
فزوّجها إيّاه فولدت له غلاماً يقال له : زيد (2).
وفي الإصابة ، وغوامض الأسماء المبهمة ، والنصّ للأوّل : عن ابن أبي عمر المقدسي ، حدثني سفيان ، عن عمرو ، عن محمّد بن عليّ : إنّ عمر خطب إلى عليّ ابنته أُمّ كلثوم ، فذكر له صغرها ، فقيل له : إنّه ردّك ، فعاوده فقال له عليّ : أبعثُ بها إليك ، فإن رضيتَ فهي امرأتك ، فأرسل بها 6.
ص: 119
إليه فكشف عن ساقيها.
فقالت : مه ، لولا أنّك أمير المؤمنين للطمت عينك (1).
وفي المنتظم لابن الجوزي ، وتاريخ دمشق لابن عساكر ، والنصّ للأوّل : أنبانا الحسين بن محمّد بن عبد الوهاب بإسناده ، عن الزبير بن بكّار ، قال : كان عمر بن الخطّاب - رض - خطب أُمّ كلثوم إلى عليّ بن أبي طالب ، فقال له عليّ : صغيرة.
فقال له عمر : زوّجنيها يا أبا الحسن ، فإنّي أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد.
فقال له عليّ : أنا أبعثها إليك ، فإن رضيتَها زوّجتكها.
فبعثها إليه ببرد ، وقال لها : قولي : هذا البرد الذي قلت لك.
فقالت ذلك لعمر ، فقال : قولي : قد رضيته ، رضي الله عنك ، ووضع يده على ساقها وكشفها.
فقالت له : أتفعل هذا؟! لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثمّ خرجت ، وجاءت أباها فأخبرته الخبر ، وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء.
فقال : مهلا يا ... (2).
وفي رواية الطبري : إنّ عليّاً أرسل ابنته إلى عمر فقال لها : انطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي له : إنّ أبي يقرئك السلام ، ويقول لك : قد قضيتُ حاجتك التي طلبت ، فأخذها عمر فضمّها إليه ، فقال : إنّي خطبتها إلى أبيها 4.
ص: 120
فزوّجنيها.
قيل : يا أمير المؤمنين! ما كنت تريد إليها؟ إنّها صبية صغيرة.
فقال : إنّي سمعت رسول الله يقول : كلّ سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي ... (1).
وذكر الخطيب البغدادي بإسناده ، عن عقبة بن عامر الجهني : خطب عمر بن الخطّاب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته من فاطمة ، وأكثر تردّده إليه ، فقال : يا أبا الحسن! ما يحملني على كثرة تردّدي إليك إلاّ حديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : كلّ سبب وصهر منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي. فأحببت أن يكون لي منكم أهل البيت سبب وصهر.
فقام عليّ فأمر بابنته من فاطمة فزُيِّنت ، ثمّ بعث بها إلى أمير المؤمنين عمر ، فلمّا رآها قام إليها فأخذ بساقها ، وقال : قولي لأبيك : قد رضيتُ قد رضيتُ قد رضيت.
فلمّا جاءت الجارية إلى أبيها ، قال لها : ما قال لك أمير المؤمنين؟ قالت : دعاني وقبلّني ، فلمّا قمت أخذ بساقي وقال : قولي لأبيك : قد رضيت.
فأنكحها إيّاه ، فولدت له : زيد بن عمر بن الخطّاب ، فعاش حتّى كان رجلاً ثمّ مات (2).0.
ص: 121
وروى الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين (1) ، وابن الجوزي في المنتظم (2) ، والنصّ للأوّل :
إنّ عمر بن الخطّاب - رض - خطب إلى عليّ - رض - ابنته أُمّ كلثوم ، وهي من فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (3) ، وقال عليّ : إنّها صغيرة.
فقال عمر : زوّجنيها يا أبا الحسن ، فإنّي أرغب في ذلك ، سمعت رسول الله يقول : كلّ نسب وصهر ينقطع إلاّ ما كان من نسبي وصهري.
فقال عليّ : إنّي مرسلها إليك تنظر إليها.
فأرسلها إليه ، وقال لها : اذهبي إلى عمر ، فقولي له : يقول لك عليّ : رضيتَ الحلة؟
فأتته ، فقالت له ذلك ، فقال : نعم ، رضي الله عنك. فزوّجه إياها في سنة سبع عشرة من الهجرة ، وأصدقها - على ما نقل - أربعين ألف درهم ، فلمّا عقد بها جاء إلى مجلس فيه المهاجرين والأنصار وقال : ألا تزفّوني؟! وفي رواية : ألا تهنئوني؟!
قالوا : بماذا يا أمير المؤمنين؟
قال : تزوّجت أُمّ كلثوم بنت عليّ ، لقد سمعت رسول الله يقول : كلّ نسب وسبب منقطع إلاّ نسبي وسببي وصهري ، وكان به (صلى الله عليه وآله وسلم) السبب والنسب ، فأردت أن أجمع إليه الصهر.
فزفّوه ودخل بها في ذي القعدة من تلك السنة (4). 5.
ص: 122
وقال اليعقوبي في تاريخه : وفي هذه السنة (أي سنة سبع عشرة) خطب عمر إلى عليّ بن أبي طالب أُمّ كلثوم بنت عليّ ، وأُمّها فاطمة بنت رسول الله. فقال عليّ : إنّها صغيرة.
فقال : إنّي لم أرد حيث ذهبت ، ولكنّي سمعتُ رسول الله يقول : كلّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي وصهري ، فأردت أن يكون لي سبب وصهر برسول الله (1).
* * * 9.
ص: 123
البحث التاريخي
قبل الدخول في صلب البحث لا بُدّ من الوقوف على مقدّمتين :
أُولاهما : الوقوف على نظرة العامة إلى الخليفة والخلافة ، وهل أنّ الخليفة عندهم منصوص عليه من قِبل الله ورسوله أم لا؟
ثانيهما : ما هي تصوّراتهم عن الخليفة؟ هل أنّه معصوم أم أنّه إنسان عادي يصيب ويخطئُ؟
من الثابت المشهور عن العامة أنّهم لا يعتقدون بلزوم كون الخليفة منصوصاً عليه من قِبل الله ورسوله ، بل إنّ أمر الخلافة عندهم راجعٌ إلى الأُمّة ، فتحصل تارة ببيعة أهل الحلّ والعقد ، أو ببيعة اثنين ، أو واحد ، وأُخرى بالشورى ، وثالثة بالإجماع ، و ... فمَن انُتخب صار إماماً للمسلمين وخليفة لرسول الله!!
أمّا المقدّمة الثانية :
فهم لا يقولون بعصمة الخلفاء ، بل نراهم يحدّدون ويحصرون عصمة الرسول في ما يبلّغه عن الباري جلّ شأنه فقط ، ومعنى كلامهم : أنّهم يذهبون إلى تخطئة الرسول الأكرم في الموضوعات الخارجية ، وحتّى في الأحكام الشرعية التي لم ينزل فيها وحي من الله تعالى ; لكونه مجتهداً ، والمجتهد قد يخطئ وقد يصيب.
هذا بصرف النظر عن واقع الخليفة ; فالسير التاريخي والوقائع والنصوص أكّدت لنا خطأ الخلفاء وجهلهم في كثير من الأحكام والمواقف ،
ص: 124
لكنّنا لا نرتضي جرّ هذا القول - وبالمعكوس - على ساحة الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والقول بأنّه كان يخطئُ أو يجتهد في الأحكام الشرعية ; لأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان متّصلا بالوحي ، يأخذ تعاليمه ومواقفه منه ، فلا حاجة به للاجتهاد والإفتاء طبق الظنّ والتخمين.
نعم ، إنّهم قالوا بهذا القول كي يرفعوا بضبع بعض الصحابة من خلال الهبوط بمنزلة ومستوى الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فتراهم يذهبون إلى أنّ الله تعالى عاتب رسوله على أخذ الفداء من أسرى بدر ، وأنّ العذاب قرب نزوله ، ولو نزل لَما نجا منه إلاّ عمر.
بهذه النصوص والأقوال أنزلوا الرسول المصطفى إلى منزلة رجل عادي ، يخطئ ويصيب ، ويسبّ ويلعن ، ثمّ يطلب الرحمة لمَن سبّهم.
وقد أجبنا عن هذه الافتراءات والترهات وأمثالها - شارحين كيفية نشوء فكرة اجتهاد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن ثمّ تأطُّر مدرسة الاجتهاد والرأي عند العامة ، والأسباب والدواعي الكامنة وراء تناقل مثل هذه الأقوال - في كتابنا منع تدوين الحديث ، فمن أحبّ فليرجع إليه.
إذاً يمكن للباحث - وبمطالعة سريعة لتاريخ صدر الإسلام - الوقوف على أُمور كثيرة صدرت من قبل الشيخين ، ومَن تبعهم من الخلفاء ، كعثمان ومعاوية و ... بُنيت على المصلحة الوهمية والرأي الشخصي ، وغالبها منافية للأُصول الإسلامية ..
ك- : رفع الخليفة الأوّل الرجم عن خالد بن الوليد مع ثبوت دخوله بزوجة مالك بن نويرة وهي في العدّة (1) .. 8.
ص: 125
وتعطيل الخليفة الثاني لسهم المؤلّفة قلوبهم (1) ، مع أنّ الله قد فرضه لهم في كتابه العزيز بقوله : (... للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم) (2) ..
وتشريعه للطلاق ثلاثاً (3) ، مع أنّ الباري جلّ شأنه قال : (الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) (4) ..
وابتداعه لصلاة التراويح ، مع اعتقاده بأنّها بدعة ، وقوله عنها : نعمت البدعة هي (5) ..
وحرق الخليفة الثالث للمصاحف ، مع ثبوت نهي الرسول عن حرق التوراة (6) ; فكيف بالقرآن العزيز؟!
كلُّ هذه الأفعال والمواقف وأضعافها من هؤلاء الخلفاء اعتبرت بأنّها شرعية تحت غطاء شرعية المصلحة والاجتهاد!! وعُلِّلَ الأمر بأنّ هؤلاء الخلفاء والصحابة يعرفون مصالح الأحكام وروح التشريع أفضل من غيرهم ..
فهل كانوا كذلك؟!
وإذا كانوا كذلك ; فكيف يمكن رفع التعارض بين مواقفهم إذاً؟! 3.
ص: 126
ومَن هو المحقّ : هل إنّ عمر هو المحقّ في تهديده لخالد وقوله له : أرئاءً؟! قتلت امرءاً مسلماً ثمّ نزوت على امرأته ، والله لأرجمنّك بأحجارك. ولا يكلّمه خالد بن الوليد ولا يظنّ إلاّ أنّ رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه ، حتّى دخل على أبي بكر ، فلمّا (1) ...
أم أنّ أبا بكر هو المحقّ في قوله : يا عمر! (تأوّل فأخطأ) (2) ، فارفع لسانك عن خالد ، فإنّي لا أشيم سيفاً سلّه الله على الكافرين (3)؟!
ولماذا يصرّ أبو قتادة الأنصاري على موقفه من خالد؟!
ومَن هو المحقّ : أبو قتادة ، أم أبو بكر في نهيه له (4)؟
وماذا يعني منطق الخليفة الأوّل : (تأوّل)؟ وكون أعدائه - المسلمين - من الكافرين؟
هل جاء هذا الموقف لاحتياجه إلى خالد في مواقفه الأُخرى ، أم لشيء آخر؟!
وكيف ساغ لأبي بكر أن ينهى أبا قتادة عن التعرّض لخالد ، مع أنّ اعتراض أبي قتادة كان نابعاً من القرآن الكريم والسنّة المطهرة؟!
وماذا يمكننا أن نقول في : المؤلّفة قلوبهم؟ ومَن هو المحقّ في القرار : هل هو أبو بكر أم عمر؟
فقد جاء في كتب التاريخ : إنّ أبا بكر كتب إلى عمر بأن يعطي المؤلّفة قلوبهم حقَّهم ، فلمّا أتوه مزّق الكتاب وقال : إنّا لا نعطي على الإسلام 8.
ص: 127
شيئاً ، فمن شاء فليؤُمن ومن شاء فليكفر ، ولا حاجة لنا بكم.
فرجعوا إلى أبي بكر وقالوا : هل أنت الخليفة أم عمر؟
قال : هو إن شاء (1).
وبعد هذا ; كيف يمكن لغيرنا أن يصحّح المنسوب إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : اقتدوا باللّذين من بعدي : أبي بكر وعمر (2) ، مع ما يراه من الاختلاف بين مواقفهما؟!
ولو صحّ هذا الخبر ; فلماذا نرى تخلّف كثير من الصحابة عمّا شرّعه الشيخان؟ وتخطئتهم لهما في ما اجتهدا فيه في بعض الأحيان؟!
وما يعني ذلك؟
ألم تكن مواقفهم المخطّئة للشيخين ، وتصريحات الشيخين بأنّهما عاجزان غير عالمين في كثير من الأحايين بما جاء في الذكر الحكيم والسنّة المطهّرة ، دالّة على كذب هذه المقولة؟!
بل كيف بالخليفة يسأل عن الأحكام لو كان هو الإمام المقتدى المأمور بطاعته والاقتداء به؟!
كلّ هذه النصوص تؤكّد على أنّ المصالح التي صوّرها الإعلام في مدرسة الخلفاء لم تكن شرعية وحقيقية بالمعنى الصحيح للكلمة ، بل هي مصالح وهمية تصوّرها الخلفاء وأنصارهم ، ومنها وعليها سرى وجرى التشريع الحكومي لاحقاً. 7.
ص: 128
بعد أن اتّضح جواب السؤالين السابقين ، وعُرف أنّ الخليفة ليس بمعصوم ، وأنّ الله لم ينصبه ، وقد أخطأ بالفعل في كثير من الأُمور ، وأنّ المصالح التي تصوّرها لم تكن حقيقية ، عامّة للجميع ، بل كثير منها وهمية ، وهي مصالح خاصّة ; فلا بُدّ إذاً من دراسة مدّعى عمر في هذا الأمر ..
هل كان حقّاً يريد التقرّب إلى رسول الله إذ سمع منه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «كلّ سبب أو نسب منقطع إلاّ سببي ونسبي» (1) ، أم أنّه جعلها وسيلة لأمر آخر؟!
وهل أنّ اقتراح الزواج يرتبط بأمر سياسي ، أم اجتماعي ، أم عاطفي ، أم غير ذلك؟!
عمر ودعوى القرابة :
لو درسنا سيرة عمر قبل وبعد الإسلام لوقفنا على حقيقة أُخرى غير ما يصوّره أصحاب السير والتراجم ، ولرأيناها تتنافى مع المدّعى كمال المنافاة ; لأنّه كان يصرّ في معركة بدر على لزوم قتل كلّ قريب قريبَهُ ، وقد طلب بالفعل من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقتل عمّه العبّاس ، ومن عليّ (عليه السلام) أن يقتل أخاه عقيل ، و ... مع أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يؤكّد له بأنّهما جاءا مكرَهيْن للمعركة (2).
وهذه صورة واحدة عن موقفه مع قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومفهوم 5.
ص: 129
القرب والقرابة عنده في أوائل الإسلام ، وعدم وجود ميزة للقرابة عنده.
وإليك الآن صورة أُخرى تنبئك عن مدى اعتقاد عمر بمنزلة القربى واحترامه للقرابة ، تلك الصورة التي وجدناها في خبر تعامله مع صفيّة عمّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة المنوّرة ، وبعد أن قطع الإسلام شوطاً كبيراً واستحكم ، واستقرّت مفاهيمه العامّة استقراراً كبيراً ، والتي منها : وجوب مودّة ذي قُرباه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومع ذلك لم يأبه عمر ..
فقد أخرج الهيثمي عن ابن عبّاس ، قال : توفّي ابنٌ لصفيّة عمّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبكت عليه وصاحت ، فأتاها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لها : يا عمّة! ما يبكيك؟
قالت : توفّي ابني.
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا عمّة! من تُوفّي له ولد في الإسلام فصبر ، بنى الله له بيتاً في الجنّة. فسكتت.
ثمّ خرجت من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستقبلها عمر بن الخطّاب فقال : يا صفية! قد سمعت صراخك ، إنّ قرابتك من رسول الله لا تغني عنك من الله شيئاً. فبكت ، فسمعها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) - وكان يكرمها ويحبّها - فقال : يا عمّة! أتبكين وقد قلتُ لكِ ما قلتُ؟!
قالت : ليس ذلك أبكاني يا رسول الله ، استقبلني عمر بن الخطّاب فقال : إنّ قرابتك من رسول الله لن تغني عنك من الله شيئاً.
قال : فغضب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقال : يا بلال! هجّر بالصلاة.
فهجّر بلال بالصلاة ، فصعد النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) المنبرَ ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ، كلّ سبب ونسب
ص: 130
منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي ; فإنّها موصولة في الدنيا والآخرة (1).
فنحن لو قسنا مدّعى عمر اليوم في الزواج مع ما قاله في نأنأة الإسلام وفي عزّته ، لحصلنا على نتائج لا ترضي محبّيه وأنصاره ، بل تشكّك الجميع في صحّة دعواه.
أمّا لو أحسنّا الظنّ بمدّعاه ، وقلنا : أنّه حقّاً كان يريد القرابة ; لأنّه عرف منزلتهم لمّا غضب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهجّر بلال بالصلاة ..
فلنتساءل : لو كان عمر آمن بقول رسول الله ، وعرف أنّ قرابته تنفع في الآخرة ، مضافاً لِما لها من منزلة في الدنيا! فكيف به يحتجّ بالصحبة وقربه إلى رسول الله على الأنصار - كي يبعدهم عن الخلافة - ولا يرتضي أن يسلّم الخلافة إلى الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أقرب المقرّبين إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مع أنّ الإمام عليّاً ألزمه بما استدلّ به على الأنصار بقوله : واعَجَباهُ أَتَكُونُ الخِلافَةَ بِالصَّحابَةِ ولا تكون بِالصَّحابَةِ والقَرابَةِ؟
فإنْ كُنْتَ
بِالشُّورى مَلَكْتَ أُمورَهُمْ
فَكَيْفَ
بِهذا والمُشيرونَ غُيبُ
وإِنْ كنْتَ
بِالقُرْبى حَجَجْتَ خَصيمَهُمْ
فَغَيْرُكَ
أَوْلى بِالنَّبيِّ وأَقْرَبُ (2)
بل كيف نقبل دعوى اهتمامه بالقرابة ، وهو لا يولّي أحداً منهم السرايا والبلدان أيام حكومته؟!
بل بمَ يمكن تصحيح مدّعاه ، وأنّه يريد بزواجه من أُمّ كلثوم التقرّب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق بنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، في حين نراه).
ص: 131
يقول لمن اعترض عليه عند هجومه على دار فاطمة الزهراء : إنّ فيها فاطمة ، قال : وإن (1)؟!
فهل يمكن الجمع بين هذه المواقف وبين ما يدّعيه عن القرابة والقربى اليوم؟!
ولو كان حقّاً يعرف منزلة القرابة والقربى ، فلماذا نراه يتخوّف من تولّي بني هاشم ، ويحرمهم من خُمس الغنيمة (2)؟!
بل إذا كانت القرابة لها هذه السمة المعنوية في الدنيا والآخرة حسب اعتراف عمر! فكيف به لا يحترم ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، التي يرضى الله لرضاها ، ويغضب لغضبها (3) ، ويقول مستنقصاً مكانتها : وإن!!
إنّ عدم تفهّمهم لتلك الخصائص الإلهية - أو عدم ترتيبهم الآثار عليها - إنّما يكمن وراءه موروث قديم ، وهو : احترام الرئيس ما دام حيّاً ، ولا يعار للبنت أهمّية ، إلاّ بمقدار كونها امرأة لا توازي الرجل ولا تساويه ، بل ليس لها أن تطالب بشيء من حقوقها الشرعية ، وقد يكون وراء هذا الأمر مصالح وأهداف سياسية أُخرى لا يريدون الكشف عنها.
وقد رأيتَ أنّ بعض النصوص تدّعي أنّ عمر كان يريد : «النسب والسبب» ; رغم افتراض أنّه من قريش ، وله نسب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبذلك احتجّ في السقيفة ، كما أنّ له سبباً من جهة ابنته حفصة ، فلا يبقى 9.
ص: 132
لمدّعاه مجال من المصداقية.
نعم ، في نصوص أُخرى التصريح بأنّه أراد المصاهرة ; وإذا صحّ هذا المدّعى من عمر لكان الأوْلى به أن يسعى إلى تلك المصاهرة مع بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة من خلال إحدى بناته ، لا من خلال بنت بنته!
فكما كان عثمان ذا نورين كان يمكن لعمر أن يكون ذا نور واحد ، لكنّ التاريخ لم يحدّثنا أنّه حاول تلك المصاهرة من إحدى بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، غير فاطمة!!
نعم ، أقدم عمر على خطبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ربّما منافسة لعليّ (عليه السلام) فرّده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وانتهى كلّ شيء (1).
هذا كلّه بغضّ النظر عن أنّ القوم وعمر لم يفهموا كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) على وجهه الصحيح ، أو فهموه وحرّفوه ; لأنّ مراد رسول الله هو : إنّ نسبه في إطار المفهوم الديني هو الباقي ، وذلك من خلال علي والحسنين وولد الحسين ، وهم الأئمّة الاثنا عشر (عليهم السلام) ، الّذين لا يزال الدين عزيزاً بهم (2) ، 9.
ص: 133
تسعة منهم من ولد الحسين ، الذي هو من رسول الله ورسول الله منه (1).
والمراد بسببه هو : سبب الله الممدود والموصول بين السماء والأرض ; بنصّ : «إنّي مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله ، حبل ممدود بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي» (2).
على أنّنا اليوم بالضرورة والوجدان لا نرى أولاداً نسبيّين لرسول الله إلاّ أولاد فاطمة الزهراء من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وهذه من نبوءات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ودلائل نبوّته.
وعليه ، فإنّ هذه النصوص وغيرها تشكّكنا في مدّعى عمر بن الخطّاب ، بل توصلنا إلى أنّ الأمر لم يكن كما يصوّره أتباع مدرسة الخلفاء ; إذ العلل والأسباب التي ذكرها عمر - أو ذكروها له - في التزويج لا تتّفق مع ما يهدف إليه من هذا الزواج!
عمر وتزوّجه من النساء :
إنّ شدّة وغلظة عمر لا يمكن لأحد أن ينكرها ، حتّى أنّ النساء كنّ يكرهن التزويج منه ; لنظرته الخاصّة للمرأة ; فقد جاء في أنساب الأشراف : أنّ عمر نهر امرأة ; لأنّها تكلّمت في شيء ، بقوله : ما أنتِ وهذا؟! إنّما أنتنّ لُعب ، فاقبلي على مغزلكِ ، ولا تعرضي في ما ليس من شأنكِ (3).1.
ص: 134
وقد أقدم عمر على أكثر من امرأة فردّته ..
ففي تاريخ الطبري : ... قال المدائني : خطب - أي عمر - أُمّ كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة ، وأرسل فيها إلى عائشة ، فقالت : الأمر إليكِ.
فقالت أُمّ كلثوم : لا حاجة لي فيه.
فقالت لها عائشة : ترغبين عن أمير المؤمنين.
قالت : نعم ; إنّه خشن العيش ، شديد على النساء. فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته ، فقال : أنا أكفيك.
فأتى عمر فقال : يا أمير المؤمنين! بلغني خبرٌ ، أعيذك بالله منه.
قال : وما هو؟
قال : خطبتَ أُمّ كلثوم بنت أبي بكر؟ الى هنا لا يوجد اصل مصحح؟؟
قال : نعم. أفرغبت بي عنها أم رغبت بها عنّي؟
قال : لا واحدة ، ولكنّها حدثة ، نشأت تحت كنف أُمّ المؤمنين في لين ورفق ، وفيك غلظة ، ونحن نهابك وما نقدر أن نردّك عن خلق من أخلاقك ; فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها؟! كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحقّ عليك.
قال : فكيف بعائشة وقد كلّمتها؟!
قال : أنا لك بها ، وأدلّك على خير منها : أُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب ، تعلّق منها بنسب من رسول الله (1).
وفي نصّ آخر : إنّ رجلاً من قريش قال لعمر : ألا تتزوّج أُمّ كلثوم بنت أبي بكر ، فتحفظه بعد وفاته ، وتخلفه في أهله؟ 2.
ص: 135
فقال عمر : بلى ، إنّي لأحبّ ذلك ، فاذهب إلى عائشة ، فاذكر لها ذلك ، وعد إليّ بجوابها.
فمضى الرسول إلى عائشة فأخبرها بما قال عمر ، فأجابته إلى ذلك وقالت له : حبّاً وكرامة.
ودخل عليها بعقب ذلك المغيرة بن شعبة فرآها مهمومة ، فقال لها : مالك يا أُمّ المؤمنين؟!
فأخبرته برسالة عمر ، وقالت : إنّ هذه جارية حدثة ، وأردت لها ألين عيشاً من عمر.
فقال لها : عليَّ أن أكفيك.
وخرج من عندها ، فدخل على عمر ، فقال : بالرفاء والبنين ، فقد بلغني ما أتيته من صلة أبي بكر في أهله ، وخطبتك أُمّ كلثوم.
فقال : قد كان ذاك.
قال : إلاّ أنّك يا أمير المؤمنين رجلٌ شديد الخلق على أهلك ، وهذه صبية حديثة السن ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها ، فتصيح ، فيغمّك ذلك ، وتتألّم له عائشة ، ويذكرون أبا بكر فيبكون عليه ، فتجدّد لهم المصيبة - مع قرب عهدها - في كلّ يوم.
فقال له : متى كنت عند عائشة ، وأصدقني؟!
فقال : آنفاً.
فقال عمر : أشهد أنّهم كرهوني ، فضمنتَ لهم أن تصرفني عمّا طلبتُ ، وقد أعفيتهم.
فعاد إلى عائشة فأخبرها بالخبر ، وأمسك عمر من معاودة خطبتها (1).0.
ص: 136
قال المدائني : وخطب [عمر] أُمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة ، فكرهته وقالت : يغلق بابه ، ويمنع خيره ، ويدخل عابساً ويخرج عابساً (1).
وجاء في أُسد الغابة عن الحسن : أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلى قوم من قريش فردّوه ، وخطب إليهم المغيرة بن شعبة فزوّجوه (2). فكلّ الّذين ردّوا عمر علّلوا ذلك بأنّه خشن العيش ، يدخل عابساً ويخرج عابساً ، وينظر إلى النساء نظرة جاهلية ، ويتعامل معهنّ كأنّهنّ عبيد ، وإليك ما يؤكّد صحّة مقولة القوم القرشيّين ، الّذين خطب منهم عمر فردّوه ..
فقد أخرج ابن ماجة القزويني عن الأشعث بن قيس ، أنّه قال : ضفت عمر ليلةً ، فلمّا كان في جوف الليل قام إلى امرأته يضربها ، فحجزت بينهما ، فلمّا أوى إلى فراشه قال لي : يا أشعث! احفظ عنّي شيئاً سمعته من رسول الله : لا يُسأل الرجل فيمَ يضرب امرأته ، ولا تنم إلاّ على وتر ، ونسيت الثالثة (3). 8.
ص: 137
وقد مرّ عليك قبل قليل ما قالته أُمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة حينما خطبها عمر بعد أن مات عنها يزيد بن أبي سفيان ، فقالت : لا يدخل إلاّ عابساً ولا يخرج إلاّ عابساً ، يغلق بابه ويقلّ خيره (1).
وما قالته أُمّ كلثوم بنت أبي بكر حينما خطبها عمر ; «فقالت أُمّ كلثوم : لا حاجة لي فيه.
فقالت لها عائشة : ترغبين عن أمير المؤمنين؟!
قالت : نعم ; إنّه خشن العيش ، شديد على النساء ...» (2).
وروى علي بن يزيد : أنّ عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عبد الله بن أبي بكر ، فمات عنها واشترط عليها أن لا تتزوّج بعده ، فتبتّلت وجعلت لا تتزوّج ، وجعل الرجال يخطبونها وجعلت تأبى.
فقال عمر لوليّها : اذكرني لها. فذكره لها ، فأبت على عمر أيضاً.
فقال عمر : زوّجنيها. فزوّجه إيّاها.
فأتاها عمر ، فدخل عليها ، فعاركها حتّى غلبها على نفسها ، فنكحها ، فلمّا فرغ قال : أُفّ ، أُفّ ، أُفّ ، أُفّ بها.
ثمّ خرج من عندها وتركها لا يأتيها ، فأرسلت إليه مولاة لها أن : تعال فإنّي سأتهيّأ لك (3).
هذا ، وقد حمل محبّو الخليفة الخبر الأخير على أنّه أراد بيان حكم شرعي ، وهو : عدم جواز التبتّل في النكاح ، أو عدم جواز أخذ المال على أن لا تتزوّج ، في حين نعلم أنّ عاتكة كانت ثيّباً ، والمرأة الثيّب هي مالكة 4.
ص: 138
لأمرها ، ولا ولاية لأحد عليها ، وعلى فرض ثبوت الولاية عليها ، يجب أن يُجمع رضاها إلى رضا وليّها ، لكن النصّ السابق يشير وبوضوح إلى أنّ عاتكة لم ترضَ بهذا النكاح ، وأنّ عمر أكرهها على ذلك ، وتجاوز عليها بدون إذنها ; لأنّه «دخل عليها ، فعاركها حتّى غلبها على نفسها ، فنكحها ، فلمّا فرغ قال : أُف ، أُف ، أُف ...».
على أنّ الخبر يدلّ على أنّ عمر كان طامعاً فيها ، راغباً بها ، لا أنّه فعل ذلك كي يوضّح حكماً شرعياً ، وهو حرمة التبتّل ; لأنّه كان قد طلبها قبل ذلك من وليّها ، فقال : «اذكرني لها. فذكره لها ، فأبت على عمر أيضاً» ، وهو يشير إلى ما قلناه ، ويوضّح بأنّ وراء نكاح عاتكة شيئاً آخر غير ما يبرّره علماء مدرسة الخلفاء ..
فهو لو كان يريد الوقوف أمام التبتّل أو تشريع شيء جديد للزمه أن يحقّق ذلك بشكل آخر غير المغالبة ونكاحها بنفسه ، ثمّ قوله : أُف ، أُف ، أُف.
وأُريد هنا أن أُنبّه إلى بعض المفارقات في النصوص الواردة عن تزويج عمر وعليّ ، وهي بنظري تسيء إلى عمر أكثر من أن تخدمه ; لأنّها تؤكّد على أنّ الإمام عليّاً شارك الآخرين بالرأي ، فاستشار الإمامين الحسن والحسين (1) ، وعقيلاً (2) ، وعمّه العبّاس (3) في تزويجه أُمّ كلثوم ، في حين 0.
ص: 139
نرى عمر يكتفي في نكاح عاتكة بإذن أبيها ولا ينظر إلى رضاها ولا إلى إذن إخوانها وأخواتها.
إنّ عمر لو كان حقّاً يريد الزواج مباركاً من عاتكة لكان عليه أن يرسل إليها بعض النساء من أهل بيته بعد العقد برضاها ليأتوا بها إلى عشّ الزوجية بإعزاز وإكرام ، لا أن يغالبها ويعاركها ، إذ أنّ هذا الفعل لا يصدر إلاّ من رعاع الناس ; فكيف بخليفة المسلمين؟!
نحن وإن كنّا لا نقبل بتلك الروايات القائلة بأنّ الإمام أمير المؤمنين زوّج عمر بعد أن استشار الإمام الحسن والحسين وعقيلا والعبّاس ، لكنّا نؤكّد أنّ هذه النصوص مختلقة على لسان هذا أو ذاك ، وهي تسيء بالدرجة الكبرى للخليفة وأتباعه.
وعليه ; فالنصوص السابقة وضّحت لنا بأنّ النساء لم يكنّ يرغبن في التزويج بعمر ، فلو جمعت تلك النصوص إلى نصّ الطبري في تزويج أُمّ كلثوم بنت أبي بكر ، لعرفت أنّ الجميع كانوا يهابونه ويخافون بطشه ، وحتّى عائشة بنت أبي بكر - زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) - فإنّها كانت تخافه وتهابه ، ولمّا امتنعت أُختها أُمّ كلثوم من الزواج من عمر استولى عليها الخوف ، فأرسلت إلى عمرو بن العاص - أو إلى المغيرة بن شعبة - تستعين بهما لحلّ المشكلة.
ولو تدبّرت وتعمّقت في كلام عمرو بن العاص ، لعرفت أنّه هو الآخر كان يهاب عمر ويخاف بطشه ; إذ لينه في الخطاب وأُسلوبه في الاستعطاف ليشير إلى أنّ عمرو بن العاص أراد أن يستعطف الخليفة من خلال أخيه أبي بكر ، فقال له :
«... ولكنّها حدثة ، نشأت في كنف أُمّ المؤمنين في لين ورفق ،
ص: 140
وفيك غلظة ، ونحن نهابك ، وما نقدر أن نردّك عن خلق من إخلاقك ; فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها؟! كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحقّ عليك».
انظر إلى كلام عمرو بن العاص ومخطّطه الجديد ، وهو الداهية ، كيف أراد بتلك الكلمات الخفيفة أن يخلق شيئاً من الرقّة المشوبة بالحسّ السياسي ليزجّها زجّاً في قساوة عمر ، وأن يستبدل أُمّ كلثوم بنت أبي بكر بأمّ كلثوم بنت عليّ؟! لأنّه لو حقّق ذلك لَما خاف على بنت عليّ بن أبي طالب كما كان يخاف على بنت أبي بكر ، بل لو سطا عمر على أُمّ كلثوم بنت عليّ لآذى عليّاً ، وكان في ذلك سرور أمثال : عمرو بن العاص و ...
ولا أدري كيف بعمرو بن العاص ، وعمر بن الخطّاب يخافان أن يخلفا أبا بكر في ولده بغير ما يحقّ عليهما ، ولا يخافان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بنته وبنت بنته؟!
وعلى أيّ شيء يمكن حمل هذه السريرة؟!
وهل إنّ ذكر هذه النصوص والمواقف في كتب القوم تعدُّ ميزة لأصحاب رسول الله؟!
بل كيف بأُمّ كلثوم بنت علي لو خالفت عمر ، وقد وقفت على عدم إطاقة أمثال عمرو بن العاص أن يردّوه عن خلق من أخلاقه؟!
نعم ، إنّ عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة قد استغلاّ علاقة عمر السياسية بأبي بكر ، ونفذا من هذه النافذة إلى فكره وعقله ، كي يبعداه عن هذا الزواج ; خوفاً من سطوته على أُمّ كلثوم بنت أبي بكر ..
فقال له المغيرة : إلاّ أنّك يا أمير المؤمنين رجل شديد الخلق على أهلك ، وهذه صبية ، حديثة السنّ ، فلا تزال تنكر عليها الشيء فتضربها ،
ص: 141
فتصيح ، فيغمّك ذلك وتتألّم له عائشة ، ويذكرون أبا بكر ، فيبكون عليه ، فتجدّد لهم المصيبة في كلّ يوم.
وقد مرّ عليك كلام عمرو بن العاص : ولكنّها حدثة ، نشأت تحت كنف أُمّ المؤمنين في لين ورفق ، وفيك غلظة ...
ولمّا عاتب عمر عمراً بقوله : «فكيف بعائشة وقد كلّمتها؟!
قال] عمرو بن العاص] : أنا لك بها ، وأدلّك على خير منها : أُمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب ...».
فقول عمرو بن العاص : «أدلّك على خير منها» لم يأتِ اعتقاداً منه بكون أُمّ كلثوم بنت عليّ هي خير من أُمّ كلثوم بنت أبي بكر ، وإن كان ذلك من المسلّمات عند المسلمين ; لأنّها أقرب قرابة وألصق رحماً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بل في كلامه إشارة إلى أنّ أُمّ كلثوم بنت عليّ هي خير من بنت أبي بكر لتعهّد الخدمة في بيت عمر ; لأنّه لو ضربها أو سطا بها لكان في ذلك سرور لمخالفي عليّ (عليه السلام) وأعدائه ، أمثال : معاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، و ...
فعمرو حينما اقترح على عمر بأن يأخذ بنت عليّ (عليه السلام) كان يعلم بأنّها أرقّ وأوجب حقّاً من بنت أبي بكر ، وهي لا يمكنها أن تتحمّل ما لا يتحمّله داهية مثل عمرو بن العاص ; لقوله : «... وما نقدر أن نردّك عن خلق من أخلاقك ; فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها؟! ..».
وبعد كلّ هذا ; فقد اتّضح لك بأنّ هذا الاقتراح من عمرو بن العاص لم يأتِ عن حُسن نية بل جاء عن سوء نية!
نعم ، إنّ ابن العاص أطّر حقده الدفين ضدّ عليّ وبنيه بإطار الناصح الأمين ; إذ قال : «وأدلّك على خير منها» ، لكنّ هذا الأمر لا ينطلي على
ص: 142
المتدبّر الحكيم ، بل إنّ الباحث المحقّق - بل كلّ مطالع في النصوص - يعرف بأنّ عمرو بن العاص كان الموجّه والمنظّر لعمر بن الخطّاب للدخول إلى بيت وحرم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، أيّ أنّه رسم لعمر المنهج ، وأعطى له المبرّر كي يصل إلى هذا الزواج ، وبذلك خدم سيّده ونال من عدوه في آن واحد.
ونحن حينما قلنا قبل قليل بأنّ الجميع كانوا يهابون عمر ويخافون بطشه ، لا نعني بذلك عدم إمكان أن ينجو أحد من قراره ..
فقد نجت أُمّ أبان بنت عتبة.
وأُمّ كلثوم بنت أبي بكر.
وأُمّ سلمة المخزومية (1).
والقوم من قريش ، الّذين خطب منهم فردّوه.
لكنّ هذا الأمر لا يمكن تصوّره واحتماله في مخالف سياسي لعمر ابن الخطّاب كعليّ بن أبي طالب ; وخصوصاً لمّا علمنا بأنّ أُصول هذا المخطّط رسمه عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة وأمثالهما ، ممّن يبغون من وراء مثل تلك المناورات هدفاً ، بل أهدافاً سياسية.
نعم ، إنّ أُمّ كلثوم بنت أبي بكر نجت - إن صحّت نجاتها - من الزواج من عمر بمسعى عمرو بن العاص أو المغيرة بن شعبة ، مع وقوفنا على خوف عائشة من عقبى مخالفة أُختها لهذا الزواج ; لقولها لأمّ كلثوم : «ترغبين عن أمير المؤمنين؟!».
هذا ، ومن الطبيعي أن لا تكون منزلة عليّ بن أبي طالب وفاطمة 5.
ص: 143
الزهراء (عليهما السلام) عند عمر بن الخطّاب كمنزلة أبي بكر بن أبي قحافة وعائشة ابنته!! وهذا هو الذي جعل الداهيتين!! يدعوانه للإقدام على الزواج من بنت عليّ وأن يترك بنت أبي بكر.
ولو تدبّرت في نصوص زواج عمر من أُمّ كلثوم لرأيتها ذات مرام سياسية أكثر من كونها ذات أبعاد اعتقادية أو عاطفية!
ولرأيت أنّه لم يكن يبغي من زواجه من أُمّ كلثوم النسب والقرابة والصهر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقدر ما كان يهدف إلى أُمور أُخرى ..
فلو كان عمر يريد القرابة حقّاً وكان يعتبر نفسه الوحيد «على ظهر الأرض يرصد من حسن صحابتها ما لا يرصده أحد» ، فهل يأتي حُسن صحبته لها ب- : الكشف عن ساقها ، أو ضمّها إلى صدره ، أو تقبيلها؟!
وهل أنّ أُمّ كلثوم بنت عليّ كانت من الإماء والوصائف اللواتي يُبتغى منهنّ غلظ السوق وصحّة الأبدان ليكُنّ أبلغ في المتعة وأقدر على الخدمة ، أم أنّها كانت كريمة بني هاشم ، وبنت رسول الله وعليّ الكرّار وفاطمة البتول ، وهي الحرّة الأبيّة التي ادّعى عمر أنّه يريد أن يتقرّب بزواجه منها إلى الله ورسوله؟!
وهل حقّاً أنّ عمر رصد بفعلته هذه ما لا يرصده أحد من الرجال؟!
وما يعني كلامه آنف الذكر إذاً لو قسناه مع ما فعله معها حسب النصوص المارة؟! وعلى أي شيء يدلّ؟
ولو أحبّ عمر أن يحفظ رسول الله في ولده ، وأراد التزويج ببنت فاطمة وعليّ ، فهل يجوز له اختيار الزواج بهذه الصورة المشينة؟!
بل هل يصحّ تزيين عليّ بنته وإرسالها إلى رجل أجنبي طامع فيها؟!
وعلى فرض أنّ عليّاً كان موافقاً على هذا الزواج ; فإنّ التزيين يأت
ص: 144
مع لحاظ كونها مؤهّلة للزواج ، وإنّ ذلك من شأن النساء لا الرجال ، ولذلك كلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) النساء بتجهيز فاطمة الزهراء (عليها السلام) والإصلاح من شأنها لعليّ (عليه السلام).
وإذا كان عليٌّ غير راغب ولا يرغب في تزويج ابنته لعمر - وفق النصوص - فهل يصحّ أن يزيّن ابنته ويرسلها إليه؟!
وبنظرنا أنّ عمر لو كان يريد القرابة ونيل شفاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآخرة حقّاً ، لَما أقدم على الزواج من طفلة صغيرة لم تبلغ الحلم ، بهذا الشكل المزري!!
لقد روى المسوّر بن مخرمة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : فاطمة شجنة منّي ، يبسطني ما بسطها ويقبضني ما قبضها ، وإنّه ينقطع يوم القيامة الأنساب والأسباب إلاّ سببي ونسبي (1).
ألا يكون في فعل عمر هذا - مع أُمّ كلثوم ، ومواقفه الأُخرى من فاطمة (عليها السلام) - ما يقبض ويغضب الله ورسوله وفاطمة؟!
وقد يكون في كلام الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) - الذي سيأتي بعد قليل - تعريضاً - إن لم يكن تصريحاً - به وبأمثاله الّذين أساؤوا إلى القربى والعترة وخانوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ..
فعن أبي سعيد الخدري ، قال : سمعت رسول الله يقول : ما بال رجال يقولون : إنّ رحم رسول الله لا تنفع قومه ، بلى والله ، إنّها موصولة في الدنيا والآخرة ، وإنّي - يا أيّها الناس - فرطكم على الحوض ، فإذا جئتم قال4.
ص: 145
رجل : يا رسول الله! أنا فلان بن فلان ، وقال آخر : أنا فلان بن فلان ، فأقول : أمّا النسب فقد عرفته ، ولكنّكم أحدثتم بعدي وارتددْتم القهقرى. (رواه أبو يعلى ، ورجاله رجال الصحيح) (1).
بل إلى أيّ مدىً يمكن تصحيح ما قاله علماء مدرسة الاجتهاد والرأي وأنصار الخلفاء لتبرير فعلة عمر بن الخطّاب ، من أنّه لم يقصد من تقبيله لها وضمّها إلى صدره ، أو كشفه عن ساقها ، الريبة والجنس و ... لأنّها لم تكن في سنّ مَن يُطمع فيها ، ولم تبلغ بعد ، والخليفة أجلّ وأكرم من هذا الفعل القبيح (2)؟!
فلو صحّ ذلك ، فماذا نقول عمّا أدركته السيّدة أُمّ كلثوم من فعل وقصد عمر ، حين تعامله معها وهي المعنيّة بالأمر؟!
وهل أنّ فهم أعلام العامة - وبعد ألف عام - هو الأقرب إلى الصواب أم فهم السيّدة أُمّ كلثوم ، وهي المعنيّة بالأمر ، والعارفة بلحن وقصد عمر ابن الخطّاب في الخِطاب؟!
وعلى أيّ شيء يدلّ قولها لأبيها : «أرسلتني إلى شيخ سوء»؟!
أو قولها لعمر نفسه : «لو لم تكن أمير المؤمنين للطمت عينك»؟!0.
ص: 146
ألا تدلّ هذه الفقرات على أنّ الصبية البريئة (أُمّ كلثوم) قد فهمت مطامع غريزية في نفس الخليفة ، حاول تبريرها والإغماض عنها والتعتيم عليها بُعيض الناس لاحقاً؟!
وهل تساءلتَ أخي القارئ عن سنّ هذه الطفلة في ذلك التاريخ؟!
وهل كانت ممّا يُطمع فيها أم لا؟!
فلو قبلنا بولادتها في آخر عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يكون عمرها حينما أرسلها الإمام عليّ (عليه السلام) - حسب نصّ الطبري وغيره - في حدود السابعة ..
أمّا لو قلنا بولادتها في السنة السادسة من الهجرة ، فيكون عمرها حين الزواج إحدى عشرة سنة ، وهي ممّا يُطمع فيها ، ويصحّ الزواج منها (1).
وبنظرنا أن كلا الفرضين يسيئان إلى الخليفة عمر بأضعاف ما يسيئان إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ..
فلو قلنا ببلوغها ، وأنّ الإمام عليّاً أرسلها بعد البلوغ ، فذلك مخالف للشرع الأقدس ، فضلاً عن أنّ غيرة الإنسان العربي تأبى أن يزيّن رجل ابنته ويرسلها إلى مَن يطمع فيها ، ثمّ يستمع بعد ذلك إلى نقل البنت وهي تحكي عن الرجل ، وأنّه كشف عن ساقها ، وقبّلها ، وضمّها إلى صدره ، فألف ضربة على جسد مسلم غيور ، كعليّ بن أبي طالب ، أهون من القول بهذا الكلام المزري.
أمّا لو قلنا بأنّها كانت صبية (2) - حسب ما قالته المصادر - فهي ا.
ص: 147
الأُخرى لا تتّفق ; لأنّ التزيين ليس من مهامّ الرجال ، بل هو من مهمّة النساء فقط ، وهو يكون - حسبما عرفت - بعد حصول الموافقة على التزويج ، وبعد وقوع العقد ، لا مع الكراهية ، وقبل العقد ، على أنّها لو كانت صبية لا يُرغب في مثلها فلا معنى لتزيينها وإرسالها لمَن يرغب في نكاحها مزيّنة ، ناهيك عن أنّ الكشف عن ساق الصبية يدلّ على انحطاط فاعله بلا ريب.
فأسالك بالله : هل تقبل نفسك مثل هذا التصرّف - أي الكشف عن الساق والتقبيل والضمّ إلى الصدر قبل العقد والزواج - من شيخ في السابعة والخمسين من عمره أو التاسعة والخمسين مع صبية في السابعة من العمر «لم تبلغ بعد» بهذا الشكل المزري ، وخصوصاً لو عرفنا بأنّ هذا الرجل كانت له زوجة ، بل زوجات (1) ، وهو بمنزلة جدّ هذه الصبية؟!
فعمر هو أبو حفصة ، وحفصة زوجة رسول الله ، فيكون هو والِدُ زوجة جدّ هذه الصبية ، وهو رسول الله محمّد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
فنحن لو قبلنا هذه النصوص وأردنا الاستدلال بها على التزويج للزمنا قبول تواليه الفاسدة ، وإن لم نقبلها انتفى التزويج والاستدلال به.
ولنا أن نتأمّل في ما نسب إلى الإمام علي (عليه السلام) في تلك النصوص ّ.
ص: 148
وقوله لأُمّ كلثوم : «إنّه زوجكِ» ; ألم يكن نسبة هذا القول إليه (عليه السلام) هو للازدراء به وتصحيح موقف عمر ، والوصول إلى الأمرين معاً؟!
ولو قبلنا شرعية النظر قبل الزواج ، فهل التقبيل والكشف عن الساق والضمّ إلى الصدر بريبة هو ممّا جوّزه الشرع كذلك؟!
نعم ، يمكن تصحيح جزء من ذلك لو تنزّلنا وقلنا بصحّة صدور خبر التزويج ، وثبوت رضا الإمام عليّ بذلك ، لكن الأمر لم يكن كذلك ; لأنّ النصوص تشير إلى عدم رضاه ، وعدم رضا أهل بيته ، كعقيل (1) و ... بهذا الزواج.
وعلى فرض صحة الخبر ، فالإمام أرسلها إليه ، لقناعته بأنّ عمر لو رآها بهذا السنّ والصغر لاشمأزَّ من اقتراحه ، وممّن اقترح عليه التزويج بها ، ولَما رضي بالتزويج بطفلة ، كأُمّ كلثوم ، لم تبلغ الحلم بعد.
ولا أدري كيف يمكن تصديق صدور هذه النصوص على لسان الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهو المسلم الغيور والعربي الأبي ، وتصحيح مقولته : «إنّه زوجك»؟!
بل يتردّد السؤال على خاطري بشكل آخر : كيف يمكن الجمع بين كراهة الإمام عليّ (عليه السلام) في تزويج أُمّ كلثوم لعمر ، وبين تزيينه لها وإرسالها إليه؟! إنّها حقّاً من المتناقضات!
بل كيف يمكن تصديق هذا الأمر ، وكلاهما في المدينة؟! إذ كان يمكن لعمر أن يراها في طريقه إلى دار الإمارة أو بالعكس ، ولو تصوّر أنّ هناك عسراً في مشاهدتها في بيت عليّ بن أبي طالب ، أو في طريقه إلى ق.
ص: 149
دار الإمارة أو السوق ، فإنّه كان بإمكانه إرسال ابنته حفصة ، أو غيرها من أُمّهات المؤمنين وسائر النساء للاطّلاع عليها ووصفها له ، وذلك هو الدأب الذي كان وما زال عليه المسلمون في الخطبة.
وهل أنّ هذه النقاط تعتبر نقاط قوّة في زواج عمر من أُمّ كلثوم ، أم هي نقاط ضعف؟!
أترك للقارئ وللسامع الحكم على النصوص بالوضع أو الكذب ، أو الصحّة والسقم ، أو أي شيء آخر يرتضيه.
وأنتقل به بعد ذاك إلى كلام المغيرة بن شعبة في مكّة وكيفية تعريضه بالخليفة عمر! وأنّه أراد بقوله إيقافنا وإيقاف الآخرين على حقائق كثيرة في هذا السياق ، وهي خافية لحدّ هذا اليوم على الكثير من الناس ، لكن قبل أن نأتي بكلامه نذكر خبره حينما كان أميراً على الكوفة من قبل عمر ، كمقدّمة لما نريد قوله ..
فقد كان المغيرة يخرج كلّ يوم من دار الإمارة نصف النهار ، وكان أبو بكرة يلقاه فيقول : أين يذهب الأمير؟
فيقول : في حاجة.
فيقول : إنّ الأمير يُزار ولا يزور.
قالوا : وكان يذهب إلى امرأة يقال لها : أُمّ جميل بنت عمرو ، وزوجها : الحجّاج بن عتيك بن الحارث الجشمي.
فبينما أبو بكرة في غرفة مع إخوته - وهم : نافع ، وزياد ، وشبل بن معبد ، والجميع أولاد سميّة ، فهم إخوة لأُمّ - وكانت أُمّ جميل المذكورة في غرفة أُخرى قبالة هذه الغرفة ، فضربت الريح باب غرفة أُمّ جميل ففتحته ، ونظر القوم فإذا هم بالمغيرة مع المرأة على هيئة الجماع ، فقال أبو بكرة :
ص: 150
هذه بلية قد ابتليتم بها فانظروا ، فنظروا حتّى أثبتوا.
فنزل أبو بكرة فجلس حتّى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال له : إنّه قد كان من أمرك ما قد علمت ، فاعتزلنا.
قال : وذهب المغيرة ليصلّي بالناس الظهر ، ومضى أبو بكرة فقال : لا والله ، لا تصلّي بنا وقد فعلت ما فعلتَ.
فقال الناس : دعوه فليصلّ فإنّه الأمير ، واكتبوا بذلك إلى عمر.
فكتبوا إليه ، فأمرهم أن يقدموا عليه جميعاً ، المغيرة والشهود ، فلمّا قدموا عليه جلس عمر فدعا بالشهود والمغيرة.
فتقدّم أبو بكرة ، فقال له [عمر] : رأيته بين فخذيها؟
قال : نعم ، والله لكأنّي أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها.
فقال له المغيرة : قد ألطفت في النظر.
فقال أبو بكرة : لم آلُ أن أُثبت ما يخزيك الله به.
فقال عمر : لا والله ، حتّى تشهد لقد رأيته يلج فيها ولوج المِرْوَد في المكحلة.
فقال : نعم ، أشهد على ذلك.
فقال : فاذهب عنك مغيرة ذهب ربعك.
ثمّ دعا نافعاً ، فقال له : علامَ تشهد؟
قال : على مثل شهادة أبي بكرة.
قال : لا ، حتّى تشهد أنّه ولج فيها ولوج الميل في المكحلة.
قال : نعم ، حتّى بلغ قذذه - وهي ريش السهم -.
قال له عمر : اذهب مغيرة فقد ذهب نصفك.
ثمّ دعا الثالث ، فقال له : على ما تشهد؟
ص: 151
فقال : على مثل شهادة صاحبيّ.
فقال له عمر : اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك.
ثمّ كتب إلى زياد وكان غائباً فقدِم ، فلمّا رآه جلس له في المسجد ، واجتمع عنده رؤوس المهاجرين والأنصار ، فلمّا رآه مقبلاً قال : إنّي أرى رجلاً لا يخزي الله على لسانه رجلاً من المهاجرين. ثمّ إنّ عمر رفع رأسه إليه فقال : ما عندك يا سلح الحُباري؟
فقيل : إنّ المغيرة قام إلى زياد فقال : لا مخبأَ لعطر بعد عروس.
فقال له المغيرة : يا زياد! اذكر الله تعالى ، واذكر موقف يوم القيامة ، فإنّ الله تعالى وكتابه ورسوله وأمير المؤمنين قد حقنوا دمي ، إلاّ أن تتجاوز إلى ما لم ترَ ممّا رأيت ، فلا يحملنّك سوء منظر رأيتَهُ على أن تتجاوز إلى ما لم ترَ ، فوالله لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أن يسلك ذكري فيها.
قال : فدمعت عينا زياد واحمرَّ وجهه وقال : يا أمير المؤمنين! أما أنّ أحقّ ما أحقَّ القومُ فليس عندي ، ولكنيّ رأيت مجلساً ، وسمعت نفساً حثيثاً وانتهازاً ، ورأيته مستبطنها.
فقال عمر : رأيته يدخل كالميل في المكحلة؟
قال : لا ، رأيته رافعاً رجليها ، فرأيت خصيته تتردّد إلى بين فخذيها ، ورأيت حفزاً شديداً ، وسمعت نَفَساً عالياً.
فقال عمر : رأيت يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟
فقال : لا.
فقال عمر : الله أكبر ، قم إليهم فاضربهم.
فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين ضربة ، وضرب الباقين ، وأعجبه قول زياد ، ودرأ الحدّ عن المغيرة.
ص: 152
فقال أبو بكرة بعد أن ضُرِبَ : أشهد أنّ المغيرة فَعَلَ كذا وكذا ، فهمَّ عمر أن يضربه حدّاً ثانياً ، فقال له عليّ بن أبي طالب : إن ضربته فارجم صاحبك. فتركه.
واستتاب عمر أبا بكرة ، فقال : إنّما تستتيبني لتُقبل شهادتي؟
فقال : أجل.
فقال : لا أشهد بين اثنين ما بقيت في الدنيا.
فلمّا ضُربوا الحدّ قال المغيرة : الله أكبر ، الحمدُ لله الذي أخزاكم.
فقال عمر : بل أخزى الله مكاناً رأوك فيه.
وأخرج عمر بن شبة في كتاب أخبار البصرة : أنّ أبا بكرة لمّا جُلِد ، أمرت أُمُّه بشاة فذبحت وجعلت جلدها على ظهره ، فكان يقال : إن ذاك إلاّ من ضرب شديد.
وحكى عبد الرحمن ابن أبي بكرة : أنّ أباه حلف أن لا يكلّم زياداً ما عاش ، فلمّا مات أبو بكرة كان قد أوصى أن لا يصلّي عليه زياد ، وأن يصلّي عليه أبو برزة الأسلمي ، وكان النبيّ آخى بينهما ، وبلغ ذلك زياداً ، فخرج إلى الكوفة ، وحفظ المغيرة بن شعبة ذلك لزياد وشكره.
ثمّ إنّ أُمّ جميل وافقت عمر بن الخطّاب بالموسم ، والمغيرة هناك ، فقال له عمر [معرّضاً به] : أتعرف هذه المرأة يا مغيرة؟
قال : نعم ، هذه أُمّ كلثوم بنت عليّ. [معرّضاً بعمر لتفكيره بها وإصراره على الزواج منها].
فقال عمر : أتتجاهل عَلَيَّ؟! والله ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك ، وما رأيتكَ إلاّ خفت أن أُرمى بحجارة من السماء (1). 64
ص: 153
وهذا النصّ يرشدنا إلى أُمور كثيرة ، منها : مكان وتاريخ هذه المقولة ; فهي في مكّة أيام موسم الحجّ ، وقد تكون قبل الزواج المدّعى لعمر من أُمّ كلثوم.
وسواء كان هذا الكلام من المغيرة قبل التزويج أم بعده ، ففيه تعريض بعمر والإمام عليّ (عليه السلام) معاً ; لأنّ تشبيه أُمّ كلثوم بنت عليّ بأُمّ جميل الفاحشة! فيه ما لا يخفى من الانتقاص لأمير المؤمنين (عليه السلام).
وفيه أيضاً أكبر التعريض بعمر بن الخطّاب ; لأنّ المشاجرة كانت بينه وبين المغيرة ، ولمّا عرّض عمر بالمغيرة أراد المغيرة أن يجيبه ب- : إنّك لم تكن بأقلّ منّي في مثل هذه الأُمور ; لتفكيرك الدائم في أُمّ كلثوم بنت عليّ مع أنّها صغيرة وبمنزلة حفيدتك ..
وإنّ إصرارك الزائد على التزويج بها يشكّك الجميع في حسن نواياك ومقاصدك التي تدعيها ; لأنّك لو أردت التزويج بها فإنّ ذلك سوف لن يكون إلاّ بالقوّة والإكراه ، خصوصاً حينما كان غطاؤك ودعواك هو الحصول على القربى ..
ولو كنت محّقاً في ما تدّعيه لكان عليك أن تحقّقه بالعقد فقط دون الدخول والإيلاد ، وأن تكتفي بسببيتك من خلال ابنتك حفصة لرسول الله ; إذ بذلك حُزت السبب والصلة معاً.
كانت هذه قراءة سريعة لما في كتب العامة ، وهي ترجع الأمر إلى طلب عمر الجنس بدعوى القربى ، وإن كان وراءها أُمور سياسية أُخرى ، وهي إن صحّت تسجّل ظلامة أُخرى لأهل البيت (عليهم السلام) تضاف إلى قائمة
ص: 154
ظلامات الظالمين ..
فلو أراد الباحث دراسة مسألة الزواج من أُمّ كلثوم كان عليه دراسة ظروف هذا الزواج وملابساته ; إذ أنّ فتح هذا الملف سيكلّف الخليفة وأنصاره الكثير ، فقد وقفت على بعض أهدافه ، وقد تكون هناك أهداف سياسية أُخرى سيقف عليها المطالع في مطاوي كلمات الشيعة.
ومجمل ما تقوله الشيعة الإمامية بهذا الصدد : أنّ الذي ذهب منهم إلى وقوع الزواج ، قد علّل وقوعه بأنّه كان عن جبر وإكراه ، لا عن طيب خاطر ، واستدلّ لكلامه بأدلّة ..
ما رواه أبو القاسم الكوفي : أنّ عمر بعث العبّاس إلى عليّ يسأله أن يزوّجه بأُمّ كلثوم ، فامتنع.
فأخبره بامتناعه ، فقال : أيأنف من تزويجي؟! والله ، لئن لم يزوّجني لأقتلنّه.
فأعلم العبّاس عليّاً (عليه السلام) بذلك ، فأقام على الامتناع.
فأعلم عمر بذلك ، فقال عمر : احضَرْ في يوم الجمعة في المسجد ، وكن قريباً من المنبر لتسمع ما يجري ، فتعلم أنّي قادر على قتله إن أردت.
فحضر ، فقال عمر للناس : إنّ ها هنا رجلاً من أصحاب محمّد وقد زنى ، وقد اطّلع عليه أمير المؤمنين وحده ، فما أنتم قائلون؟
فقال الناس من كلّ جانب : إذا كان أمير المؤمنين اطّلع عليه فما الحاجة إلى أن يطّلع عليه غيره؟! ليمضِ في حكم الله.
فلمّا انصرف عمر قال للعبّاس : امضِ إلى عليّ فأعلمه بما قد سمعته ، فوالله ، لئن لم يفعل لأفعلن.
ص: 155
فأعلم العبّاس عليّاً بذلك ، فقال (عليه السلام) : أنا أعلم أنّ ذلك ممّا يهون عليه ، وما كنتُ بالذي يفعل ما يلتمسه أبداً ..
فأقسم عليه العبّاس أن يجعل أمرها إليه ، ومضى العبّاس إلى عمر فزوّجه إيّاها (1) ..
وقد ورد في نصّ آخر : أنّه أمر الزبير أن يضع درعه على سطح عليّ ، فوضعه بالرمح ; ليرميه بالسرقة (2).
وقال في إعلام الورى : قال أصحابنا : إنّما زوّجها منه بعد مدافعة كثيرة ، وامتناع شديد ، واعتلال عليه بشيء بعد شيء ، حتّى ألجأته الضرورة إلى أن ردّ أمرها إلى العبّاس بن عبد المطّلب ، فزوّجها إيّاه (3).
وعن كتاب الحسين بن سعيد : عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : لمّا خطب عمر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له (عليه السلام) : إنّها صبية.
قال : فأتى العبّاس ، فقال : ما لي؟ أبي بأس؟!
فقال له : وما ذاك؟
قال : خطبتُ إلى ابن أخيك فردَّني ...
- وفي نصّ المرتضى : فدافعني ومانعني وأنف من مصاهرتي ، والله ، لأعوّرن زمزم ، ولأهدمنّ السقاية ، ولا تركت لكم يا بني هاشم منقبة إلاّ وهدمتها ، ولأُقيمنّ عليه شهوداً يشهدون عليه بالسرق ، وأحكم عليه بقطعه. 3.
ص: 156
فأتاه العبّاس فأخبره ، وسأله أن يجعل الأمر إليه ، فجعله إليه (1).
وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحمّاد ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، في تزويج أُمّ كلثوم ، فقال : إنّ ذلك فرج غُصبناه (2).
كانت هذه بعض النصوص التي استدلّ بها من ادّعى وقوع الزواج من أُمّ كلثوم ، لكن في إطار الجبر والإكراه ، وعن تقيّة لا غير ..
ونكون قد انتهينا من البحث التاريخي في هذه القضية ، لنشرع في بحث الجانب الفقهي والعقائدي لاحقاً.
للبحث صلة ... ن.
ص: 157
كاظم حمد المحراث جامعة واسط / العراق
بسم الله الرحمن الرحيم
من واجب الباحث المُحلّل لمضامين نهج البلاغة الفكريّة أن يولي نصيباً وافراً من عنايته لإدراك تميُّز شخصيّة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) منتج هذا الكنز ، وأن يُعطي اهتماماً خاصّاً للبيئة وللظروف التي أُنتِج فيها ، إذ يجد في هاتين المعرفتين شتّى مظاهر غنى هذا النتاج ، ويقع بفهمهما الكشف عن أهمّ مكوّناته في فلسفة الدين والحياة.
فعن شخصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) يكفي أن نعرف أنّ إجماع المؤرخّين قائم على أنّه لم ينشغل بمتاع الدنيا ووجاهتها قطّ ; إنّه وُلِد فقيراً ، وعاش فقيراً ، ومات ولم يكنْ في تَركَته شيء ماديّ ، مع أنّ كنوز الدولة الإسلاميّة كلّها كانت بيده قبل موته ، لم يُقرِّب قريباً ولم يُبعِدْ غريباً إلاّ بالحقّ ، ولم تشهدْ سيرتُه انحرافاً أو خطأً ما ، ولم يوظّف حياته إلاّ لخدمة الإسلام والمسلمين.
ص: 158
وهو أوّل الناسِ إسلاماً (1) ، وأوّلهم صلاةً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2) ..
كما أنّه الوحيد الذي قَبِلَ أن يكون أخاً للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من بين بني عبد المطّلب حين جمعهم الرسول وقال لهم : «مَنْ يُؤازِرُني على ما أنا عليه ويجيبني على أن يكون أخي وله الجنّة؟» (3) ..
وهو نفسُه الذي كان يكرّر أنّه عبد الله وأخو رسوله على مرأى المسلمين ومسمعهم ..
وهو الذي جعله الرسول منه بمنزلة هارون من موسى (3) ..
والذي قال فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لأُعطِيَنّ الراية غداً إلى رجل يحبّ الله ورسولَه ، ويحبّه الله ورسولُه ، ويفتح عليه (4).
مات الشيخان وهما مقدّران مكانته ، ومعترفان بمنزلته وشدّة تقواه ، وهو نفسُه لم يبخلْ عليهما بمشوَرة أو نصيحة. 4.
ص: 159
وهو الذي تمثّلت له الدنيا في هيئة جميلة ، فقال لها : غرّي غيري (1).
تتلمذ - منذ طفولته - على يد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونشأ في كنفه (2) ، ولا يسع المتأمّل لطبيعة هذه التلمذة ، وللظروف المحيطة بتلك النشأة إلاّ أن يستنتج أنّها أكسبت عليّاً (عليه السلام) سمات راقية في العلم ، وفي البيان ، وفي التديّن الزاهد ، وفي الحقوق والقضاء ، حتّى غدا بعمله وفصاحته وتديّنه صورة قريبة من فصاحة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلمه وتديّنه.
وتمكّن من سبر أغوار علوم القرآن وتفسير آياته ، وامتلك عبقريّة فريدة في القضاء والفقه ، وحاز على مَلَكَة بلاغيّة ارتقت إلى الدرجة الثالثة في الفصاحة العربية ، بعد القرآن الكريم ، والقول النبويّ الشريف.
وكان تقشّفه في الحياة ، وزهده بها ، وإعراضه عن مباهجها ، وهروبه منها ، مثار إعجاب المسلمين الأوائل ، وغدا مضرب الأمثال عند السلف (3).
ولم تقِلّ تجربته الاجتماعية عن تجاربه في التديّن والعلم والقضاء والبيان ، بل لعلّها - أُسوة بتجاربه الأُخرى - جعلته أقرب الناس إلى الله ، وصيّرته لا يأبه في أمتعة الدنيا ، والذي يبدو أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يعرف قدر ا.
ص: 160
الدنيا بمفهومها اللّغويّ الدقيق الدالّ على تتبّع دنيِّ الأُمور وصغيرها وخسيسِها (1) ، وأنّ استصغار الدنيا (2) ، ومحو آثارها من القلب (3) ، الذي صار تعريفاً لمصطلح الزهد لاحقاً ، كان منهجاً قائماً في ممارسة عليّ (عليه السلام) وفي تطبيقاته ، فأدرك أنّ «من هوان الدنيا على الله أنّه لا يُعصى إلاّ فيها ، ولا يُنال ما عنده إلاّ بتركها» (4) ، في زمن رأى البشر يتكالبون على نيل مباهجها ، ووجاهتها ، وترفها.
كما أنّ مراجعة تأريخ إنتاج نصوص نهج البلاغة ، واستقراء مناسبات كتابتها ، وأساليب توجيهها ، تكشف عن أنّها وليدة ظروف متباينة ; تتّسم - من جهة - بتمكّن الإسلام الزاهد في قلوب فئة قليلة جدّاً من الصحابة.
وجاءت - من جهة ثانية - في ظل ظروف الفتوحات ونشر الدين ، والخلافات في الإمامة والسياسة.
وتُرافِق - من جهة ثالثة - بواكير استفحال النزعة الفرديّة ، والمشاعر الأنانيّة ، والتكالب على المتاع الدنيويّ ..
وفي ظرف يمكن للدين فيه أن يُمسي طقوساً جافّة لا حياةَ فيها ، وأن تُضحي عبادات بعضهم خاليةً من التقديس والخشوع ; لأنّ تلك النفوس تحوّلت للانشغال بمصالحها العاجلة ، وغدت في غفلة عن مصيرها. 6.
ص: 161
والواقع أنّ تحليل هذه الاتّجاهات كلّها في نهج البلاغة يستدعي الإطالة ، ويقود إلى تكرار ما كتبه المؤرّخون والعلماء والفقهاء والدارسون ، قديماً وحديثاً ، وهذه ليست مهمّة هذه الدراسة التي نريد لها أن تتعرّض إلى طبيعة زهد الإمام عليّ (عليه السلام) واتّجاهاته ومكوّناته من خلال ما ورد في كتاب نهج البلاغة ، الذي ضمّ جُلّ خطبه وأحاديثه ورسائله ; بهدف التعريف بمضمون فكريّ واحد ، من جملة مضامين هذا النتاج الأدبي والفكري والديني ، الموروث عن ذلك السلف الصالح ، لعلّنا نستطيع أن نزيد في تسليط الأضواء تجاه تلك السيرة العطرة ، ونقتدي بها في التعامل مع الدين والحياة.
لقد جُبل عليّ (عليه السلام) على الورع والعلم والتقوى من دون مؤثّرات خارجيّة ، بارزة الملامح ، في ما عدا القرآن والتّلمذة النبوية حتّى عدّه جابر ابن حيّان (ت 198 ه) مصدر العلم اللدنيّ بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
وإذا صحَّ إجماع القول على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خُلِق كي يكون نبيّاً للبشريّة ، فإنّه ليس من الغلوّ أن يُقال : إنّ عليّاً (عليه السلام) خُلِق كي يكون إمامَ الزهد والتقى ، وقد ضرب في سلوكه المثل على ذلك ، قبل أن يقدّم المواعظ.
وإذا وصلنا إلى مواعظه وأقواله ، فأوّل ما يلقانا فيها شدّة اهتمامه بوعظ الناس ، وإيقاظ ضمائرهم ، ودعواته المكرورة للتخلّي عمّا في الدنيا والهروب إلى الله ، وظلّت عبارة : «تخفّفوا تلحقوا» ، شديدة الوضوح في نهج البلاغة ..0.
ص: 162
«إنّ الغايةَ أمامكم ، وإنّ وراءكم الساعة تحدوكم ، تخفّفوا تلحقوا ، فإنّما تنتظر بأوّلكم آخركم» (1).
يتّسم المضمونُ الزهديُّ الواعظ المبثوث في نهج البلاغة بأنّه لا ينمّ عن رغبة فرديّة أنانيّة في التقرّب إلى الله ، ونيل رضاه ، وإنّما يفصح عن أنّه رسالة دينيّة وأخلاقيّة تشمل البشريّة كلّها ، وتسير على المنهج النبويّ ، وتعزّزه ، وتركّز عليه ، لا سيّما وأنّ قائلها قد تحمّل هو نفسه عبئاً كبيراً ، ومسؤوليّةً جمّةً - إلى جانب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة الكرام الأوائل - في نشر الإسلام وتثبيته في قلوب الناس ..
«إنّ أخْوفَ ما أخاف عليكم اتّباع الهوى ، وطول الأمل ، فتزوّدوا من الدنيا ما تحرِزون به أنفسكم غداً» (2).
كما تعجّ الخطب الموجّهة إلى العباد بمضامين زهديّة تدعو إلى الاستهانة بالدنيا ، وتكتظّ بمشاعر الأسى والخوف والتحذير ممّا ينتظرهم ، وكأنّنا - ونحن نطّلع على هذه المضامين - نقف أمام تكرار مضامين قرآنيّة تتّخذ أُسلوب التحذير والترهيب ..
«فلتكُنِ الدنيا في أعيُنِكم أصغر من حُثالةِ القَرَظ ، وقُراضةِ الجَلَم ، واتّعظوا بمَن كان قبلكم ، قبل أن يتّعِظ بكم مَن بعدكم ، وارفضوها ذميمةً ; ي.
ص: 163
فإنّها قد رفضت مَن كانَ أشغَفَ بها منكم» (1).
واعتمدت أداءات نهج البلاغة الفكرية على الدعوة إلى ممارسة الزهد ، وأرادت للإنسان اتّخاذه منهجاً دينيّاً ، وأُسلوباً للعيش ، وطريقة تعامل في الحياة ، وتمنّت له أنْ يكون شعائر يوميّة ، وطقوساً إنسانيّة تؤدّى كلّ حين ، بطريقة توحي أنّ هذه الدعوات كلّها انطلقت من نفس مطمئنّة إلى اليوم الآخر ; طلّقت الدنيا ، وربطت مصيرها بحياة ما بعد الموت ، وأيقنت أنّ سنين الحياة هي هبة الله للإنسان ، يمنحها كي يدّخر عملاً صالحاً لآخرته.
لقد جاء التحذير من الغفلة في النهج شديداً ، والتوبيخ قاسياً ، وتعدّدت أساليبُه ، وجدّت في التنبيه إلى أنّ النضال في الدنيا ، والكدّ ، والدأب ، والنشاط ، والمدافعة فيها ، لا جدوى منه إنْ لم تُحسَب منفعته في البقاء الأُخرويّ السرمديّ ; بمعنى : إنّه لا بُدّ من استثمار الدنيا لصالح الآخرة ..
وتكرّرت الدعوات اللافتة إلى النفعية الأُخرويّة في ظلّ ظروف اتّجه فيها كثير من المسلمين إلى التراخي في التمسّك الأُصولي بالدين ، وفتر الوازع الزاهد في نفوس بعضهم ، واتّجهوا إلى جمع المال ، وانشغلوا بلذيذ العيش .. ا.
ص: 164
«ألا وإنّ هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنّونها وترغبون فيها ، وأصبحت تُغْضِبُكم وتُرضيكم ، ليست بداركم ، ولا منزلكم الذي خُلِقتم له ، ولا الذي دُعيتم إليه.
ألا وإنّها ليست بباقية لكم ، ولا تبقون عليها ، وهي وإن غرّتكم منها ، فقد حذّرتكم شرّها ; فَدَعوا غرورَها لتحذيرها ، وأطماعَها لتخويفها ، وسابقوا فيها إلى الدار التي دُعِيتم إليها ، وانصرفوا بقلوبكم عنها ...
واستتمّوا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله ، والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه.
ألا وإنّه لا يضرّكم تضييعُ شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم.
ألا وإنّه لا ينفعُكم بعد تضييع دينكم شيءٌ حافظتم عليه من أمر دنياكم» (1) ..
«فلو رميتَ ببصرِ قلبك نحو ما يوصف لك منها (الجنّة) لَعَزَفَتْ نفسك عن بدائع ما أُخرِجَ إلى الدنيا من شهواتها ولذّاتها ، وزخارفِ مناظرِها ، ولذَهِلَتْ بالفِكْرِ في اصطفاقِ أشجار غُيِّبتْ عروقُها في كثبان المسك على سواحل أنهارِها ، وفي تعليق كبائس اللؤلؤ الرَطب في عساليجها وأفنانها ، وطلوع تلك الثمار مختلفة في غُلُفِ أكمامها ، تُجنَى من غير تكلّف فتأتي على مُنْيَةِ مُجتنيها ، ويُطافُ على نُزّالها في أفنية قصورها بالأعسال المصفقة ، والخمور المروّقة. قومٌ لم تزل الكرامةُ تتمادى بهم حتّى حلّوا دار القرار ، وأمِنوا نُقلةَ الأسفار ..
فلو شغلتَ قلبك أيّها المستمع بالوصول إلى ما يهجم عليك من تلك 6.
ص: 165
المناظر المونقة ، لزهقتْ نفسُك شوقاً إليها ، ولتحمّلت من مجلسي هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالاً بها» (1).
في الخطبتين مُقاربة زهديّة شديدة الوضوح والإيجاز ، تضع الحياتين (الدنيويّة والأُخرويّة) كلتيهما في كفّتي ميزان واحد تحت إدراك عقل المتلقّي وفهمه ، بصرف النظر عن مستوى ثقافته ودرجة وعيه ، وفضلاً عن تلك المقاربة الناضجة ، فالخطبتان تحملان دعوَتي إنذار وتحذير فوعيد ، وترغيب وتأميل فتبشير ..
المضمون الأوّل يُعرّي جسد الدنيا ويكشف عوراتها ، ويلعن تقلّباتها ، ويزدري نفعها ...
في حين يحمل المضمون الثاني مزايا الآخرة ، ويشدّد على ديمومة نعمها ، ويلهج بخصوصيّة مباهجها ...
أمّا الخطيب ، فعلى الرغم من انحيازه الواضح إلى كفّة الحياة الآخرة ، فإنّه نوّه بالمزايا في الخطبتين ، وترك للمتلقّي حريّة التقصي فالاستنتاج ة.
ص: 166
ثمّ الاختيار ، كما ترك له حريّة اختيار السبيل لكبح جماح النفس ولَجْم نزواتِها.
وللزهدِ في النهج اتّجاه آخر يتّخذ الوعظَ أُسلوباً أدائيّاً يدعو الأفراد للقيام بعملية استبطان نفوسهم ، ومعرفة نزعاتها ..
«عبادَ الله! زِنُوا أنفسَكم من قبل أن توزَنوا ، وحاسبوها قبل أن تُحاسبوا» (1) ..
وتحليل طباعها ..
«واعلموا أنّه مَن لم يُعَنْ على نفسه حتّى يكون له منها واعظ وزاجر ، لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ» (2) ..
كي يعرف كلُّ فرد حقّ نفسه عليه ، ويحيط برغباتها المشروعة ، ويقف حائلاً دون انغماسها بالشبهات ..
«واعلموا عبادَ الله ، أنّ عليكم رصداً من أنفسكم ، وعيوناً من جوارحكم ، وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم ، وعدد أنفاسكم ، لا تستركم منهم ظُلمةُ ليل داج ، ولا يكنّكم منهم بابٌ ذو رِتاج» (3) ..
ويقوم بمهمّة الرقيب الداخلي ، القادر على الحزم والنهي ..
«... امرؤ ألْجَمَ نفسَه بلجامها ، وزمّها بزمامِها ; فأمسكها بلجامِها عن معاصي الله ، وقادها بزمامها إلى طاعة الله» (4) .. ..
ص: 167
فإن تحقّقت هذه المسؤوليّة الفرديّة في النفوس ، وأُحيطت النفس بعوامل المنع الداخلي المسند بالموعظة ، تحقّق للأفراد الحفظ الإلهي بتجاوز الزلل والخطايا ..
«مَن كان له من نفسه واعظ ، عليه من الله حافظ» (1).
نستنتج من ذلك : أنّ المسؤوليّة الزهديّة هي قرار ذاتيّ دنيويّ ، يحقّق منفعةً أُخرويّة ذاتيّة ، ينبع اتّخاذُها من حزم الأفراد أنفسِهم مع نفوسِهم ، ولا تتحكّم باتّخاذه عوامل خارجيّة كبيرة ..
ويستطيع المرء أن يقرّر ذلك بنفسه ، ويمتلك حريّة مطلقة في اتّخاذه أُسلوباً حياتيّاً ، فهو أُسلوب في الحياة لا يتعارض مع أيّ وضع آخر في كلّ زمان وأيّ مكان ، وإن سلَك الأفراد في عموم المجتمع هذا السلوك تحقّق للمجتمع كلّه العدل ..
لذلك ، فغير مبرّر لنا - أبناء الأجيال المعاصرة - أن نتذرّع بحجج ننحرف بها عن قيم الدين وأُصوله ; فمعاني الزهد المبثوثة في كتاب نهج البلاغة ليس فيها من الغلوّ أو التطرّف أو تعذيب النفس ، من شيء مثل ذلك الذي أشاعته فرق المتصوِّفة في القرون اللاحقة ...
كما أنّها لا تُطالب الأفراد بأكثر من كبح جماح النفس ، ونهيها عن المحرّمات ، ومعرفة ما لها فتسعى إلى نيله بأيسر سبيل ، وإدراك ما عليها فتُلْزَم بتطبيقه وتنفيذه على أحسن الوجوه.
وتشغل دعوات الاستعداد للموت ، والتذكير به ، ووصف حال أهل القبور ، حيّزاً كبيراً في النهج ، عسى أن يكون من شأن ذلك دفع الناس إلى 2.
ص: 168
الزهادة في الحياة ، والتقلّل من مباهجها ، والميل إلى العيش البسيط ، والفرار من مغريات الغنى والثروة والجاه والتسلّط ..
«استعدّوا للموت فقد أظلّكم» (1) ..
وذاك يعني : الدعوة إلى التفكير الجدّي في سلوك الفرد الدنيويّ ، والتمرّد على منهجه المتّبع ، والتصميم على الانتقال النوعيّ ، وعند ذاك يصبح للحياة معنىً إنسانيّاً في نفسه ، يكمن في أنّه يعرف ما يريد أن يحقّقه بالضبط. وتغدو (الحياة) عنده وسيلة لبلوغ أعلى المراتب في حياة ما بعد الموت. وتصبح للموت قيمة غيبيّة مُدركة ، إطمأن المسلم لثرائها وخصوبتها ; لِما رسخ في ذهنه من ثقة مطلقة ، ولإيمان ناجز بالوعد الإلهي الذي بشّر به القرآن الكريم ، ولهج به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن ثمّ جاءت الخطب والوصايا والحكم التي اشتمل عليها كتاب نهج البلاغة ، كي تكون منهاجاً ثقافيّاً دينيّاً شاملاً ، تحيط الناس بمعارف نادرة ، يتعلّق كثير منها بعلوم الطبيعة وممّا وراءها ، كان عليّ (عليه السلام) اكتسبها من علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبهذا الصدد يروى أنّ بعض أصحابه - وكان من قبيلة كلب - قال له يوماً : لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب!
فقال للرجل : يا أخا كلب! ليس هو بعلم غيب ، وإنّما هو تعلّم من ذي علم. وإنّما علم الغيب علمُ الساعة ، وما عدّده الله سبحانه بقوله : (إنّ الله عنده علمُ الساعة وينزّل الغيثَ ويعلمُ ما في الأرحام وما تدري كم
ص: 169
نفسٌ ماذا تكسبُ غداً وما تدري نفسٌ بأيِّ أرض تموت ...) (1)شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 13 / 101 ..
تشغر برجلها : ترفعها ، كناية عن كثرة مداخل الفساد في الأرض.
تطأ في خِطامها : أي تتعثّر فيه ، كناية عن إرسالها وطيشها وعدم وجود قائد لها.(2) ، فيعلم الله سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أُنثى ، وقبيح أو جميل ، وسخيّ أو بخيل ، وشقيّ أو سعيد ، ومَن يكونُ للنار حَطَباً ، أو في الجنان للنبيّين مُرافِقاً ، فهذا عِلْمُ الغيب الذي لا يعلمه أحدٌ إلاّ الله ، وما سوى ذلك فعِلْمٌ علّمه الله نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلّمَنِيهِ ، ودعا لي بأن يَعِيَه صدري ، وتَضْطمّ عليه جوانحي (3).
لذلك كثيراً ما كان ينادي :
«أيُّها الناس! سَلوني قبل أن تفقدوني ، فَلأنا بطرُقِ السماء أعْلَمُ منّي بطُرُقِ الأرض ; قبل أن تَشْغَرَ برجلها فتنةٌ تَطأُ في خِطامها ، وتذهب بأحلامِ قومها» (3).
ويقيناً أنّ الناس يدركون طبيعة تلك المعلوماتيّة الفريدة ويُقيّمونها في عقل عليّ (عليه السلام) ، ويصدّقونها عنده ، وبسبب ذاك وهذا فازت أداءات خطبه ووصاياه الفكريّة والمضمونيّة ، وارتقت قيمة مضامين الزهد بشكل خاصّ.
زِدْ على تلك المناحي منحى التذكير بما أصاب الجبابرة الأسلاف ا.
ص: 170
الّذين طَغَوا ، والأُمم التي عتت ..
«إنّ الله لم يقصِم جبّاري دهر قطُّ إلاّ بعد تمهيل ورخاء ، ولم يجبرْ عَظْمَ أحد من الأُمم إلاّ بعد أزل وبلاء ...» (1) ..
وما آلَ إليه مصيرُها ..
«عبادَ الله! أين الّذين عُمِّروا فَنعِموا ، وعُلّموا ففهموا ، وأُنظِروا فلَهوا ، وسُلّموا فَنسوا؟! أُمهلوا طويلاً ، ومُنِحوا جميلا ، وحُذّروا أليماً ، ووعِدوا جسيماً» (2).
وكيف تحوّل نِصابُ أمورهم إلى أُمم وأقوام وأفراد آخرين!!
ثمّ عطاؤه جلّ وعلا في تفضيل أنبيائه ، وفي اختيار رسله ، والتركيز على حالة التقشّف والزهد والفقر التي كان يحياها الرسل ، ثمّ المكانة العليّة التي تبوّؤوها ..
«لقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كاف لك في الأُسْوة ، ودليل لكَ على ذمِّ الدنيا وعيبها ، وكثرة مخازيها ومساويها ; إذ جاع فيها مع خاصتّه ، وزُوِيَتْ عنه زخارفُها مع عظيم زُلْفَتِهِ ..
فلينظر ناظر بعقله : أكرمَ اللهُ محمّداً بذلك أم أهانَه؟ فإن قال : أهانه ، فقد كذِب - والله العظيم - بالإفك العظيم ، وإن قال : أكرمه فليعلم أنّ الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له ، وزواها عن أقرب الناس منه ... ا.
ص: 171
فإنّ الله جعلَ محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) علماً للساعة ومبشّراً بالجنّة ، ومُنذِراً بالعقوبة. خرج من الدنيا خميصاً ، وورد الآخرة سليماً ، لم يضع حجراً على حجر ، حتّى مضى لسبيله ، وأجاب داعي ربّه ، فما أعظم منّةَ الله عندنا حين أنعم علينا به سلفاً نتّبعه ، وقائداً نطأُ عَقِبَه ...
وإن شِئْتَ ثنَّيْتُ بموسى كليم الله (عليه السلام) ; حيث يقول : (ربّ إنّي لِما أنْزَلْتَ إليّ من خير فقيرٌ) (1) ، والله! ما سأله إلاّ خُبزاً يأكُلُهُ ، لأنّه كان يأكلُ بقلة الأرض ، ولقد كانت خُضرةُ البقلِ تُرى من شَفيفِ صِفاق بطنهِ ; لِهُزَالهِ وتَشَذُّبِ لحمهِ.
وإن شِئتَ ثَلَّثْتُ بداودَ (عليه السلام) ، صاحبِ المزامير وقارئ أهل الجنّةِ ; فلقد كان يعملُ سَفائِفَ الخوصِ بيدِه ، ويقول لجلسائِه : أيُّكم يكفيني بيعَها؟ ويأكلُ قُرْصَ الشعير من ثمنها.
وإن شئتَ قلتُ في عيسى بن مريم (عليه السلام) ; فلقد كان يَتَوسّدُ الحجَر ، ويلبس الخَشِن ، ويأكل الجَشِبَ ، وكان إدامه الجوع ، وسراجُه بالليلِ القمرَ ، وظلالُه في الشتاءِ مشارِقَ الأرضِ ومغاربَها ، وفاكهتُه ورَيحانهُ ما تُنبِتُ الأرضُ للبهائمِ ، ولم تكن له زوجةٌ تَفْتِنُه ، ولا ولد يَحزُنُه ، ولا مال يَلْفُته ، ولا طَمَعٌ يُذِلُّهُ ، دابَّتُهُ رِجْلاه ، وخادِمُهُ يداه» (2).ه.
ص: 172
ولسنا في حاجة لتحليل النصّ وتأويله مفصّلاً ; لأنّ أيّ تفسير له سيكون أدنى من مرتبة بلاغته ، وبالتالي يُفقده بعضاً من فرادة معانيه وخصوبتها ، لكنّ أيسرَ فهم يمكن أن يُقال بصدده يتلخّص في أنّه : كان من نتيجة ذلك السلوك النبويّ الزاهد المتقشّف أن حاز الأنبياء على رضىً إلهيّ دنيويّ ; إذ اختيروا ليكونوا أصحابَ رسالات يُبشّرون ويُنذِرون ، واقتدت الإنسانيةُ بالتعاليم التي جاؤوا بها من السماء ، ونالوا احتراماً بشريّاً طويل الأمد والمدى ، وفازوا بالتالي بمكانة رفيعة يوم القيامة ، ارتضاها الله لهم ، وارتضوها هم لأنفسهم.'
وبهذا الأُسلوب ، القريب المأخذ - وإن شابته بعض الألفاظ الغريبة - الرصين الصياغة ، العميق الدلالة ، الواضح العبر ، صار سهلاً على دعوات الزهد المبثوثة في نهج البلاغة أن تنال حظوة التلقّي والاستقبال ، بصرف النظر عن اختلاف مستويات المتلقّين المسلمين وتباين ثقافاتهم.
وبرز في زهديّات نهج البلاغة طابع الحزن والتأسّف والتحسّر على انبهار البشر وغرورهم بهذا العالم الفاني ، وطغت أمارات التأسّف وعلاماتُه
ص: 173
في الخطب والنصائح والرسائل التي ضمّها ، فجاءت بطريقة تكشف عن يقظة ضمير الإمام عليّ (عليه السلام) وطبيعة حرصه على مصير البشر ، وعدم اغتباطه بهذه الغفلة.
بَيْدَ أنّ هذا الحزن لا يشي بظاهرة أزمة نفسيّة ، أو تشاؤم مَرَضيّ ، أو قلق فرديّ يحيط بشخصية المنشئ ، وإنّما هو سمة شخصيّة ، وليدة ثقافة روحيّة ، ووعيّ دينيّ ، ويقظة ضمير ، ومسؤولية إمام ، وناشئة من خوف شديد على الأُمّة من معصية الله وغضبه ..
هذا إذا علمنا أنّ سلوك الزهد عنده لم يأتِ فراراً من الدنيا لِما شاهده فيها من ويلات حسب ، بل لأنّه يرى أنّ من واجبه التنبيه والوعظ أيضاً بصفته صاحب رسالة زهديّة ..
«فيا لها حسرةً على كلّ ذي غَفْلَة أن يكون عمرهُ عليه حجّةً ، وأن تُؤدّيه أيّامُه إلى الشِقْوَةِ! نسأل اللهَ سبحانه أن يجعلنا وإيّاكم ممّن لا تُبطرُه نعمةٌ ، ولا تقصِّر به عن طاعة ربِّه غايةٌ ، ولا تَحُلَّ به بعد الموتِ ندامةٌ ولا كآبةٌ» (1).
«عبادَ الله! لا تركنوا إلى جهالِتكم ، ولا تنقادوا إلى أهوائكم ; فإنّ النازل بهذا المنزل نازل بشفا جُرُف هار ، ينقل الردى على ظهره من موضع إلى موضع ; لرأي يُحْدِثُهُ بعد رأي ، يريد أن يُلصِق ما لا يلتصقُ ، ويُقرِّب ما لا يتقارب!
فالله اللهَ أن تَشْكوا إلى مَن لا يُشكِي شَجْوَكم ، ولا ينقُضُ برأيه ما قد ه.
ص: 174
أبْرَمَ لكم ، إنّه ليس على الإمام إلاّ ما حُمِّل من أمر ربّه : الإبلاغ في الموعظة ، والاجتهاد في النصيحة ، والإحياء للسُنّة ، وإقامةُ الحدود على مستحقّيها ...
فبادروا العلم من قبل تصويحِ نَبْتِهِ ، ومن قبل أن تُشغَلوا بأنفسكم عن مستثار العلم من عند أهله ، وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه ; فإنّما أُمِرْتُم بالنهي بعد التناهي!» (1).
ففي هذين المقامين تفيض الخطابة الزهديّة المباشرة بعبارات الإشفاق ، وبمعاني التعاطف مع الأفراد ، على الرغم من كثرة رمي اللوم عليهم في مواضع قوليّة أُخرى. وظهر الإمام عليّ (عليه السلام) يحمل صفة حكيم الزهادة ومعلِّمها ، الذي يثير في نفوس تلامذته الرغبة الدائمة في معرفة العلم الذي يلامس مصيرهم ، ويتعلّق بجوهر عقيدتهم.
إنّ استقراء الدعوات الزهديّة في نهج البلاغة يوحي إلى حياة الغُربة الدنيويّة التي كان يحياها الإمام عليّ (عليه السلام) ، والتي كان مبعثها في نفسه فقدُ الأحبَّة : الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وأصحابه المخلصين ، ثمّ في المعاناة الفائقة التي لازمته بعد تولّيه الخلافة ، والناتجة عن صعوبة ر.
ص: 175
قيادة الناس إلى الحقّ والتقوى والصلاح ، وتردّدهم في الجهاد ، وميلهم إلى التقاعس وحبّ الحياة ، مع كبير معرفتهم بصواب منهجه ، وصدق دعواته ..
«أين إخواني الّذين ركبوا الطريقَ ، ومضوا على الحقّ؟!
أين عمّار؟! وأين ابن التيِهان؟! وأين ذو الشهادتين؟!
وأين نظراؤهم من إخوانهم الّذين تعاقدوا على المنيّة ، وأُبْرِدَ برؤوسهم إلى الفَجَرة؟!
أوهِ على إخواني الّذين قرؤوا القرآن فأحكَمُوه ، وتدبّروا الفرضَ فأقاموه! أحْيَوا السنّةَ وأماتوا البِدعَة ، دُعُوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتَّبَعوه» (1).
ونَمَت صورة الغربة الأُخرويّة في زهديّات نهج البلاغة ، واتّضحت في أنماط صورة الحزن الخائف ، الذي يجعل الدنيا مُنكِرَة لوجود المرء ، لا تأبه لخروجه منها ، ولا تقف لتوديعه حين يموت ، في حين يجد الميّت كمّاً هائلاً من البشر سبقوه إلى المقابر ، يحيطون به ، لكنّهم - هم أيضاً - لا يأبهون لقدومه ، ولا يقفون إلى جانبه ..
وهو وصف يكشف عن أنّ الفرد يخرج من الدنيا غريباً بلا مودِّع ، بلا عزّ ، ولا جاه ، ولا مال ولا بنين ، ويلتحق بالأموات غريباً بدون مستقبل ، ع.
ص: 176
ولا مُهنّئ ، ولا راث ... فهل من غربة أسوأ من تلك؟!
«فهل بلغكم أنّ الدنيا سختْ لهم نَفساً بفِدْيَة ، أو أعانتهم بمعونة ، أو أحسنت لهم صُحبةً؟!
بل أرهقتهم بالفَوادح ، وأوهقتهم بالقوارع ، وضعضعتهم بالنوائب ، وعفّرتهم للمناخر ، ووطِئَتْهم بالمناسم ، وأعانت عليهم ريبَ المنون.
فقد رأيتم تنكُّرَها لمن دان لها ، وآثرها وأخلد إليها ، حين ظَعنوا عنها لفراق الأبد ; وهل زوّدتهم إلاّ السَغَب ، أو أحلّتهم إلاّ الضَنك ، أو نوَّرَتْ لهم إلاّ الظُلمة ، أو أعقَبَتْهم إلاّ النَدامة؟!
أفهذهِ تؤثِرون ، أم إليها تطمئنّون ، أم عليها تحرصون؟!
فبئست الدار لمن لم يتَّهِمْها ، ولم يكن فيها على وجَل منها!
فاعلموا - وأنتم تعلمون - بأنّكم تاركوها ، وظاعنون عنها ، واتّعِظوا فيها بالّذين قالوا : (مَن أشدُّ مِنّا قوّةً) (1) ; حُمِلوا إلى قبورهم فلا يُدعَوْنَ ركباناً ، وأُنزِلوا الأجداثَ فلا يُدْعَوْنَ ضيفاناً ، وجُعِلَ لهم من الصَفيحِ أجْنانٌ ، ومن التُراب أكفانٌ ، ومن الرُفاتِ جيرانٌ ; فهم جِيرَة لا يجيبون داعياً ، ولا يمنعون ضيماً ، ولا يبالون مَنْدَبةً ...
جميعٌ وهم آحاد ، وجيرة وهم أبعادٌ ، متدانون لا يتزاورون ، وقريبون لا يتقاربون ، حلماءُ قد ذهبت أضغانُهم ، وجهلاءُ قد ماتت أحقادهم ...
استُبْدِلوا بظهر الأرض بطناً ، وبالسَعةِ ضيقاً ، حفاةً عراةً ، وقد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدائمة ، والدار الباقية ...» (2). ..
ص: 177
وتكاد مضامين الحثّ على التقوى أن تطغى على أيّةِ دعوة زهدية أُخرى ، كمّاً ونوعاً ، وتعدّت الصِيَغ والأساليب المعهودة ، وأدخلت - في نهج البلاغة - تفاصيل يصعب حصرها بإيجاز ; حتّى لا يكاد مضمون زهدي ، أو دعوة إليه ، يجري دون أن يُفتتحَ بالدعوة إلى اتّقاء الله : (اتّقوا الله) لفظاً أو معنىً.
وتبدو الملازمة جليّة بين الدعوة إلى الزهادة والحثّ على التقوى ، وكثيراً ما يحلّ مصطلح الزهد بدل مصطلح التقوى ، فهما - في نهج البلاغة - مصطلحان يتناوبان كثيراً ، ويعطي أحدهما معنى الآخر في كثير من الدعوات والنصوص ; فتارةً يأخذ التقوى معنىً لازدراء محاسن الدنيا ، الفدية : الفداء. أرهقتهم : غشيتهم.
القوادح : جمع قادح ، وهو أُكام يقع في الشجر والأسنان.
أوهقتهم : جعلتهم في الوَهَق ; وهو حبل كالطوَل. والقوارع : المِحَن والدواهي.
ضعضعتهم : ذلّلتهم.
عفّرتهم : كبّتهم على مناخرهم في العفر ; وهو : التراب.
المناسم : جمع مِنْسَم ، وهو مقدّم خفّ البعير ، أو الخفّ نفسه.
دان لها : خضع.
أخلد إليها : ركن لها.
السَغَب : الجوع.
الضنك : الضيق.
لا يدعون ركباناً : لا يقال لهم ركبان : جمع راكب ; لأنّ الراكب من يكون مختاراً ، وله التصرّف في مركوبه.
الأجداث : القبور.
الصفيح : وجه كلّ شيء عريض ; والمراد : وجه الأرض.
الأجنان : القبور.
الرُفات : العظام المندقّة المحطومة.
ص: 178
وتحقير ملذّاتها ، والالتفات إلى الآخرة ، وتعظيم نعمها ... وهذا هو الزهد ..
«اتّقوا الله! فما خُلِق امرؤ عَبثاً فيلهو ، ولا تُرِك سُدىً فيلغو ، وما دنياه التي تَحَسَّنَتْ له بخَلَف من الآخرة التي قبّحها سوء النظر عنده ، وما المغرور الذي ظَفرَ من الدنيا بأعلى هِمَّته كالآخر الذي ظَفرَ من الآخرة بأدنى سُهمته» (1) ..
وتارة يتّخذه دعوة للاعتراف بنِعم الله على عباده في الدنيا ..
«أُوصيكم عبادَ الله بتقوى الله ، الذي ضرب لكم الأمثال ، ووقّت لكم الآجال ، وألبسكم الرِياش ، وأرفغ لكم المعاش ، وأحاط بكم الإحصاء ، وأرصد لكم الجزاء ، وآثركم بالنِعمِ السوابغ ... أنتم مُختبرون فيها ، ومُحاسبون عليها» (2) ..
وثالثة ، فالتقوى يعني الاستفادة ممّا يلي من مكنون النفس ه.
ص: 179
وحدودها ، وما يحيط بخلجاتها ، ومواجهة غرائزها ، والاعتراف بمعاصيها ، وإلزامها بالعودة إلى حدود الله ... وهذا هو الزهد أيضاً ..
«اتّقوا الله تقيَّةَ مَن سمِع فخَشعَ ، واقترف فاعترف ، ووجِل فعمِل ، وحاذَرَ فبادَر ، وأيقن فأحسَنَ ، وعُبِّر فاعتبر ، وحُذّر فحذر ، وزُجِر فازدجر ، وأجاب فأناب ، وراجع فتاب ، واقتدى فاحتذى ، وأُرِيَ فرأى ، فأسرع طالباً ، ونجا هارباً ...» (1).
ويدخل الزهد في تفاصيل التقوى وطريقته ، وفي عرض صفات الإنسان التقي ومسيرته ، وهو وصف يؤكّد للدارس أنّ صفات التقي في نهج البلاغة هي صفات الزاهد نفسها ، وبالتالي فإنّ التُقى يعادل الزهد ..
«اتّقوا اللهَ عبادَ الله! تقيَّةَ ذي لبّ شغل التفكّر قلبَه ، وأنْصَبَ الخوفُ بدنَه ، وأسهر التهجّد غِرارَ نومه ، وأظمأ الرَجاءُ هواجرَ يومه ، وظَلَفَ الزهدُ شهواته ، وأوجَفَ الذكر بلسانِهِ ، وقدَّم الخوفَ لأمانهِ ...
ولم تفتِلْه فاتِلاتُ الغُرور ، ولم تَعْمَ عليه مُشْتبهاتُ الأُمور ، ظافراً بفرحة البشرى ، وراحةِ النعمى ، في أنْعَمِ نومه ، وآمنِ يومه. قد عبر مَعْبَر العاجلة حميداً ، وقَدَّم زادَ الآجلةِ سعيداً ، وبادر من وَجَل ، وأكْمَشَ في ة.
ص: 180
مَهَل ، ورغِبَ في طَلَب ، وذهب عن هَرَب ، وراقبَ في يومه غَدَه ، ونظر قُدُماً أمامه ; فكفى بالجنّةِ ثواباً ونوالاً ، وكفى بالنارِ عقاباً ووبالا! ...» (1).
والعبادة التي يجهر بها نهج البلاغة ، ويريدها منهجاً للمؤمنين ، تشتمل على الحثّ الدائم على إمكانية نيل أفضل درجات التقرّب إلى الله ، وبالتالي فهي لا تخرج من دائرة الزهد نفسِها التي يطلّق فيها الزاهد حبَّ المالِ ، وحبّ الأولاد ، ووجاهة الدنيا ، ونعيمها ... ويرضى بما عند الله ، ويقنع به ، وأن يخافه - جلّ شأنه - خوفَ مَن يراه ، ويرهب سطوته ، رهبةَ عالم بها ، ويعمل لنيل ثوابه في اليوم الآخر.
فالعبادة هنا ، عبادة زاهدة ، فيها من الإخلاص والتوجّه المطلق ، والانشغال بها ، ما يبعدها عن أن تكون أداءً لطقوس يومية ، أو فرائض ً.
ص: 181
شهرية واجبة حسب ..
«فوالله! لو حَنَنْتُم حنينَ الولَّهِ العِجَال ، ودَعَوْتُم بِهَديلِ الحَمام ، وجَأرْتُم جُؤارَ متبتّلي الرُهْبان ، وخرجتُمْ إلى الله من الأموال والأولاد ; التماسَ القُرْبَةِ إليه في ارتفاعِ درجة عنده ، أو غفرانِ سيّئة أحصتها كُتُبُه ، وحَفِظَتها رسلُه ، لكان قليلاً في ما أرجو لكم من ثوابه ، وأخافُ عليكم من عقابه» (1).
وتبيّن الجملتان الأخيرتان من هذا النصّ شدّة اهتمام عليّ (عليه السلام) بالعباد ، وحرصه على توجيه كيفيّة عبادتهم ونوعيّتها ، وتبيّنان طبيعة المهمّة التي يحملها ، وهي مهمّة توجيه أخرجته من الأنانيّة الفرديّة في العبادة إلى مسؤوليّة جسيمة في حمل الجماعة على الدين الأُصولي ، بصورته النقيّة التي بشر بها الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والتي سار عليها الرعيل الأوّل من صحابته (رضوان الله عليهم) ، والتي يبيّن النصّ الآتي بعض كيفيّاتها :
«لقد رأيتُ أصحابَ محمّد صلّى الله عليه فما أرى أحداً يُشبهُهم منكم ; لقد كانوا يُصبِحون شُعْثاً غُبْراً ، وقد باتوا سُجّداً وقياماً ، يُراوحون بين جباهِهم ، وخُدودِهم ، ويقفون على مثلِ الجمر من ذِكْرِ معادِهم ، كأنّ بين أعْيُنهِم رُكَبَ المِعْزَى من طولِ سُجُودِهم ، إذا ذُكِرَ اللهُ هَمَلَتْ أعيُنُهم ة.
ص: 182
حتّى تَبُلَّ جيوبَهم ، ومادوا كما يميدُ الشجرُ يومَ الرِيحِ العاصف ، خوفاً من العقاب ، ورجاءً للثوابِ» (1).
وأيضاً ، لم يزلْ يرسّخها في الأذهان ، ويقوّيها في القلوب ، وتراه لا ينصرف عنها حتّى وهو في رمق حياته الأخير ، بل إنّه - في موقف الموت - يجعل من نفسه عبرةً للآخرين ، وعِظةً لهم ، لعلّهم يلتفتون إلى أنّ ما حلّ به سيكون النتيجة الحتميّة لكلّ حيّ قبله وبعده ..
وبدا كأنّه يريد التأكيد على صدق دعواته الزهديّة التي مرّت بلا اهتمام عند أغلب الناس ..
«كنتُ جاراً جاوركم بدني أيّاماً ، وستُعْقَبونَ منّي جثّةً خلاءً ، ساكنةً بعد حَراك ، وصامتةً بعد نُطْق. ليَعِظَكم هُدوئي ، وخفوتُ إطرافي ، وسكون أطرافي ; فإنّه أوعظُ للمعتبِرين من المنطق البليغ ، والقول المسموع.
وداعي لكم وداع امرئ مُرْصَد للتلاقي! غداً تَرَوْنَ أيّامي ، ويُكشَفُ لكم عن سرائري ، وتعرفونني بعد خلوِّ مكاني ، وقيامِ غيري مَقامي» (2). ح.
ص: 183
وأنا مؤمن تمام الإيمان بأنّ هذه المهمّة قد وضعت لعليّ (عليه السلام) وضعاً ربّانيّاً ، جعلته يحمل يقيناً مطلقاً بثراء ما وهبه الله للإنسان من نِعَم في الحياة ، وبأفضليّة ما ينتظره من ثواب بعد الموت ، وكأنّه يرى تلك الحقائق رؤية العين ، ويلمسها لمس اليد ..
«وتا للهِ! لو انماثَتْ قلوبُكم انمياثاً ، وسالت عيونكم - من رغبة إليهِ أو رهبة منه - دماً ، ثمّ عُمِّرْتُم في الدنيا - ما الدنيا باقيةٌ - ما جزت أعمالكم - ولو لم تُبْقوا شيئاً من جُهْدِكم - أنْعُمَهُ عليكم العِظامَ ، وهُداه إيّاكم للإيمان» (1) ..
يقابلها عجز المعرفة البشرية ، ومحدوديّة معلوماتها عن جوهر تلك النِعم وعمقها ، ويظهر أنّ الإشفاق على محدوديّة علم البشر متأتّ من معرفة الإمام عليّ (عليه السلام) العميقة بأسرار الكون والخلق والوجود ، بمعنى : إنّه يعرف من بواطن الأُمور ، وخفايا الأشياء ، ما لا يعرفُ سائر البشر.
ومن يبغي التعرّف على بعض من علمه (عليه السلام) في نشأة الأرض والسماء ، وتكاثر البشر ، ودورات الحياة ، وعن نهاية العالم ، وعن تراكم الثروات التعدينيّة ، وعن ربط حياة مخلوقات الأرض والبحر والجو ، والليل والنهار ، فليرجع إلى كتاب د. مهندس عبد الهادي ناصر ، الموسوم ب- : نظرات في الكون والقرآن ، والمتّكئ في استنتاجاته العلمية على القرآن الكريم وكتاب نهج البلاغة .. ً.
ص: 184
ومن هذا العلم الذي استُودِع عنده ، استمدّ عليّ (عليه السلام) ركائز الإيمان الذي قاد إلى التقوى ، والورع ، والعبادة ، والزهد بأشكاله الصحيحة البعيدة عن التطرّف والانحراف والغلوّ.
وصارت أخبار الأوّلين ، وأحداث التاريخ القريب منها والبعيد ، باعثاً لاستنتاج العِبَر ، وطرح المواعظ ، ووُظِّفَت - في نهج البلاغة - بأساليب خطابيّة ذات مضامين زهديّة ، لامست الحسّ الديني لدى الأفراد ، وكان أمير المؤمنين يُدرك أنّ العباد بحاجة إلى التذكير الدائم ، وأنّ مهمّته الدينيّة تستدعي الإلحاح المستمرّ ، وإلقاء الحجج على البشر في بيان فضل الله ، وفي أُصول الإسلام ، وفي قيمة حياة ما بعد الموت ، والمقارنة ، والترغيب ، والترهيب ..
«أوَ ليس لكم في آثار الأوّلين مزْدَجرٌ ، وفي آبائِكم الأوّلين تبصِرةٌ ومُعَتَبر ; إن كنتم تعقِلون؟!
أوَ لم تَروا إلى الماضين منكم لا يرجعون ، وإلى الخَلَفِ الباقين لا يبقون؟!
أَوَلَسْتُم تَرَون أهلَ الدنيا يُمسون ويُصبحون على أحوال شتّى : فميّتٌ يُبْكى ، وآخَرُ يُعَزَّى ، وصريعٌ مُبتلى ، وعائد يعود ، وآخرُ بنفسه يجود ، وطالبٌ للدنيا والموتُ يطلبُه ، وغافلٌ وليس بمغفول عنه ; وعلى أثر الماضي ما يمضي الباقي!» (1).ا.
ص: 185
وليس هذا فحسب ، بل إنّه كثيراً ما يسترفد العِبرةَ ، ويبثّ الحكمة ، ويستخلص النصيحة ، بالاعتماد على تجربة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أعمامه وعشيرته الأقربين ، وعلى الصراع غير المتكافئ بين الإسلام والشرك ، والقوّة القليلة التي غلبت فئةً كثيرة بإذن الله ، كي يتّخذ من هذا كلّه ، وذاك كلّه ، برهاناً على صدق التجربة الزهدّية المأخوذة من صميم الإسلام ، والتي ينادي بها ويسعى لتحقيقها ..
«لقد كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا ، ما يزيدُنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً ، ومُضيّاً على اللَقَمِ ، وصبراً على مَضَضِ الألم ، وجدّاً في جهاد العدوِّ ..
ولقد كان الرَجل منّا والآخرُ من عدوِّنا يتصاوَلانِ تصاوُلَ الفَحْلين ، يتخالسانِ أنفسهَما ، أيُّهما يسقي صاحبَه كأسَ المنون ، فمرّةً لنا من عدوِّنا ، ومرّة لعدوّنا منّا ، فلمّا رأى الله صِدْقَنا أنزل بعدوّنا الكَبْتَ ، وأنزلَ علينا النصر ، حتّى استقرّ الإسلام مُلقِياً جِرانَه ، ومتبوِّئاً أوطانه» (1).
مضامين وحدانيّة الله عزّ وجلّ في نهج البلاغة :
في الفلسفة الوجوديّة ، يفصل موضوع الإيمان بوجود الله وإنكار ن.
ص: 186
وجوده ، بين التديّن والإلحاد ، وخرجت من عباءة هذين الموضوعين نظريّات واتّجاهات فلسفية شتّى ، لكنّها كلّها - كما نرى - لا ترقى إلى مضمون النظريّة القرآنيّة المبرهنة على وجوده المتعالي ، وهي نظريّة استفادت الفلسفة الإسلاميّة منها في المعرفة والتنظير ..
ولأنّ موضوع هذا البحث لا يتّخذ القرآن مادةً له ، فإنّنا نترك للقارئ حريّة التوجّه إلى الدراسات والتفاسير القرآنيّة ، والتعرّض إلى المباحث التي تهتمّ بهذه الإشكاليّة.
لكن الذي يهُمّنا هنا ، إنّنا نجد في نهج البلاغة نصوصاً تتساوق مضامِينُها مع مضامين الفلسفة القرآنيّة المشار إليها ، تحيط الناس ببراهين وحدانيّته سبحانه وتعالى ، وكُنه وجوده ..
يأتي بعضُها مخصّصاً لهذا الغرض ، في مثل : «... سَبَقَ الأوقاتِ كَوْنُه ، والعَدَمَ وجودُه ، والابتداءَ أوَّلُه. بتشعيره المشاعر عُرِفَ أنْ لا مشعَرَ له ، وبمضادّتِه بين الأُمور عُرِفَ أنْ لا ضدّ له ، وبمقارنته بين الأشياء عُرف أنْ لا قرينَ له. ضادّ النورَ بالظُلمةِ ، والوضوحَ بالبُهْمَةِ ، والجمودَ بالبللِ ، والحَرُورَ بالصَرْدِ ...
لا يُشْمَلُ بحدّ ، ولا يُحْسَبُ بعدّ ، وإنّما تَحُدّ الأدواتُ أنفسَها ، وتشير الآلاتُ إلى نظائرِها. منعتها «منذُ» القِدْمة ، وحمتْها «قد» الأزليّة ، وجنَّبتها «لولا» التكملة ، بها تجلّى صانعها للعقول ، وبها امتنع عن نظر العيون ...» (1).ها
ص: 187
وهذا نصّ طويل ، يحتاج إيراده كاملاً ، وتحليله مفصّلاً ، إلى بحث مسهب قائم بذاته.
أمّا القسم الآخر من المضامين المخصّصة لبيان وحدانيته تعالى فإنّها تأتي في سياق التذكير والتزهيد ، والحقّ أنّ هذا السياق الخطابي الأخير يستدعي توطئة تستميل القلوب ، وتصرف إليه الأذهان ; إذ أنّ تشديد الخطاب على وجوده الأوحد ، ووصف خلقه جلّ وعلا ، أمرٌ يجعل المتلقّي أكثر ثباتاً على الإيمان ، وأشدّ تمسّكاً بالتقوى ، وأقرب إلى اعتناق ما يجهر به الخطيب ..
من ذلك : «الحمدُ للهِ المتجلّي لخَلقِهِ بَخَلْقِهِ ، والظاهر لقلوبهم بحجّته من غير رَوِيَّة ; إذ كانت الرويّاتُ لا تليقُ إلاّ بذوي الضمائرِ ، وليس بذي ضمير في نفسه. خَرَقَ عِلمُه باطنَ غَيْبِ السُتُراتِ ، وأحاطَ بغمُوضِ عقائدِ السريراتِ ...» (1) ..
وبعد هذا التقديم ، يتّجه النصّ إلى بثّ المضمون الزهديّ الواعظ :
«... أين تذهبُ بكم المذاهبُ ، وتتيهُ بكم الغياهبُ ، وتَخدعكُم ن.
ص: 188
الكواذبُ؟! ومن أين تُؤْتَوْن ، وأنّى تُؤفَكُوْن؟! فلكلِّ أجل كتاب ، ولكلِّ غيبة إياب ، فاستمعِوا من ربّانيِّكم ...» (1).
استمدّ نهج البلاغة أفكاره الفلسفيّة ، ومضامينه الدينية ، ودعواته الزهديّة من بعض ما بشّر به القرآن الكريم ; والتي من بينها الدعوة إلى التوبة ، التي وعد الله أن تكون مكافأتها المغفرة والنجاة من الخطايا والذنوب ، وغالباً ما ترتبط دعوة النهج إلى التوبة بالتشجيع على الاتّصاف بصفات الحذر ، والتخلّي عن الغفلة ، والانتباه إلى قِصَر العمر ; فالموتُ آت وحينذاك لا ينفع إلاّ صالح الأعمال ، الذي إن فات على المرء عمله ، فليَلذ إلى ربّه ويتُب ، ويطلب العفو والصفح قبل فوات الأوان.
ويلمس قارئ نهج البلاغة دعوات التنفير من الدنيا ، والهروب إلى الله ، في مضامين الزهد كلّها التي وقع حديثنا عليها ، أو التي لم يقع عليها بعد ، وبدا من خلال ذلك كلّه أنّ قدرة الإنسان على كبح جماح نفسه ، ولجم نزواتها عن ملذّات الدنيا المحرّمة والمكروهة ، وهي الضمان الفريد لكسب مرضاة الله ... وعلى المرء ألاّ يقنط من رحمته ، وإن كثرث ذُنوبه ، على أن يقترن ذلك الإحساس بصحوة الضمير ، والاعتراف بالخطأ ، والشعور بالندم ، والتصميم على اللاّعودة إلى ارتكاب المعاصي ، وتلك هي التوبة ..
«فأفِق أُيّها السامع من سَكْرَتِك ، واستيقِظ من غفلتِك ، واختصرْ من عَجَلَتِكَ ، وأنْعِمِ الفِكْرَ في ما جاءَك على لسان النبيّ الأُمّيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا لا بُدّ منه ، ولا مَحِيْصَ عنه ، وخالِفْ ذلك إلى غيره ، ودَعْهُ وما رضي لنفسِه ، ّ.
ص: 189
وضَعْ فَخْرَك ، واحطُطْ كِبْرَك ، واذكُرْ قَبْرَكْ ; فإنّ عليه ممرّك. وكما تدِينُ تُدانُ ، وكما تزرعُ تحصُدُ ، وما قدّمتَ اليومَ تَقْدِم عليه غداً ، فامْهَدْ لِقَدَمِكَ ، وقَدِّمْ ليومك.
فالحذرَ الحذر أيُّها المُسْتَمْتِعُ! والجِدَّ الجِدَّ أيّها الغافل ; (ولا يُنْبِّئُكَ مِثْلُ خَبير) (1)» (2) ..
«فطوبى لذي قَلْب سليم ، أطاعَ مَنْ يهديِه ، وتجّنبَ مَن يُرْدِيه ، وأصاب سبيلَ السلامةِ مَنْ بَصَّرَه ، وطاعةِ هاد أمَرَه ، وبادَرَ الهدى قبل أن تُغْلَقَ أبوابُه ، وتُقطَّعُ أسبابُه ، واستفتحَ التوبةَ ، وأماطَ الحَوبةَ ، فقد أُقيمَ على الطريقِ ، وهُدِيَ نهجَ السبيل» (3).
ويأتي بثُّ مجموعة من البديهيّات الدينيّة المتوافقة مع السلوك العبادي ، والمنهج الديني ، مثل : التوكّل على الله عزّ وجلّ توكّلاً صادقاً ، والرجاء لرحمته الواسعة ، والقناعة والرضا بما قسمهُ جلّ وعلا ; متساوقاً تمام التساوق مع أنماط المضامين الزاهدة المبثوثة في كتاب نهج البلاغة.
فالقناعة ، هنا ، قائمة على فلسفة إيمانيّة ، أساسها رفض الدنيا الدنيّة ، وعمودها إيمان مطلق بما في يد الله تعالى ; إذ «لا يكون المؤمنُ مؤمناً حتّى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده» (4) ..
وذلك لأنَّ «الدنيا دارٌ مُنِيَ لها الفَناءُ ، ولأهِلها منها الجلاء ، وهي حُلوةٌ 5.
ص: 190
خَضِرة ، وقد عَجِلَتْ للطالب ، والتَبَسَتْ بقلبِ الناظر ; فارتَحلوا منها بأحْسَنِ ما بحضرِتكم من الزاد ، ولا تسألوا فيها فرقَ الكَفاف ، ولا تطلُبوا منها أكثر من البلاغ» (1).
فالتجلّي الملموس في جملة الأداءات المضمونية الزاهدة التي عرضناها يتيح للمتلقّي الوقوف على نمط النموذج الإنساني الذي يتمنّاه نهج البلاغة ، وهو نموذج لا يرضى أن تتساوى الحياة مع الموت في عمله وعقله وشعوره ، بل إنّه لا ينظر إلى أهمّية الحياة ، ولا يضع لها قيمة دون أن تكون سبيلاً يمكّن الإنسانَ الفوزَ بمقعد محترم في الحياة التي تليها.
* * * ة.
ص: 191
المصادر
1 - تاريخ الأُمم والملوك ، المسمّى : تاريخ الطبري ، لأبي جعفر محمّد ابن جرير الطبري (ت 310 ه) ، عزّ الدين للطباعة والنشر / بيروت ، 1985 م.
2 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (ت 430 ه) دار الكتاب العربي / بيروت ، 1980 م.
3 - خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، لأحمد بن شعيب النسائي (ت 303 ه) ، تحقيق أحمد ميرين البلوشي ، مكتبة المعلاّ / الكويت ، 1406 ه.
4 - الزهد وصفة الزاهدين ، لأحمد بن محمّد بن زياد بن درهم (ت 340 ه) ، تحقيق مجدي فتحي السيّد ، دار الصحابة / طنطا ، 1408 ه.
5 - سنن الترمذي لمحمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 ه) ، دار إحياء التراث العربي / بيروت ، بدون تاريخ.
6 - شرح «نهج البلاغة» ، مجموع ما اختاره الشريف الرضيّ ، أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي (ت 406 ه) من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، لابن أبي الحديد (ت 656 ه) ، بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، دار الجيل / بيروت ، 1407 ه.
7 - شرح «نهج البلاغة» ، للشيخ محمّد عبده ، تحقيق محمّد محي الدين عبد الحميد ، مطبعة الاستقامة / مصر. بدون تاريخ.
8 - صحيح مسلم ، لأبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (ت 261 ه) ، دار الفكر / بيروت ، 1978 م.
9 - الطبقات الكبرى ، لابن سعد (ت 230 ه) ، بيروت ، بدون تاريخ.
ص: 192
10 - فضائل الصحابة ، لأحمد بن حنبل (ت 241 ه) ، مؤسسة الرسالة / بيروت ، 1983 م.
11 - الفلسفة الصوفية في الإسلام ، د. عبد القادر محمود ، دار الفكر العربي / مصر ، 1966 م.
12 - كتاب الزهد الكبير ، لأبي بكر البيهقي (ت 458 ه) ، تحقيق عامر أحمد حسين ، مؤسسة الكتب الثقافية / بيروت ، 1996 م.
13 - لسان العرب ، لابن منظور ، أبي الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم الإفريقي المصري ، دار صادر / بيروت ، 2000 م.
14 - مروج الذهب ومعادن الجوهر ، للمسعودي ، علي بن الحسين (ت 346 ه) ، تحقيق محمّد محي الدين عبد المجيد ، دار التحرير / مصر ، 1966 م.
15 - المصنّف في الأحاديث ، لمحمّد بن أبي شيبة الكوفي العبسي (ت 235 ه) ، سلسلة مطبوعات الدار السلفية / بومباي - الهند ، بدون تاريخ.
16 - المناقب ، لأحمد بن موسى ابن مردويه الأصفهاني (ت 410 ه) ، دار الحديث للطباعة والنشر / قم ، 1422 ه.
* * *
ص: 193
السيّد عبد العزيز الطباطبائي (قدس سره)
(771)
رسالة في الأواني وأقسامها وأحكامها
للعلاّمة الفقيه السيّد كمال الدين أبي عبد الله الحسين ابن ضياء الدين أبي تراب حسن ابن شمس الدين أبي جعفر الموسوي الحسيني العاملي الكركي ، ابن بنت المحقّق الكركي ، توفّي سنة 1001 بالطاعون.
هاجر من بلاده فقطن قزوين ، ثمّ صار شيخ الإسلام بأردبيل ، وكان بمنزلة جدّه المحقّق عند الأُمراء والسلاطين ، ذو جاه عريض ومكانة مرموقة.
ترجم له في أعيان الشيعة 25 / 270 ، وهذه الرسالة لم تذكر في الذريعة ، ولم يذكرها مترجموه أيضاً ، ولكنّها له جزماً ; فإنّه ذكر في الأثناء : «فإن قلت : فكيف ألحق رئيس المحقّقين جدّك المكحلة في الحكم؟! ...» ، فكتب الناسخ بأسفله : «يعني به : الشيخ علي أعلى الله مقامه ، وكان جدّ المصنّف من قبل الأُمّ».
أوّلها : «الأصل في الإناء : الحلّ ، من أي جنس اتّفق ...».
ص: 194
نسخة قيّمة ، بخطّ العلاّمة الشيخ أحمد بن الحسين الأصفهاني ، تلميذ السيّد حسين بن حيدر الكركي ، وفرغ منها في 13 شعبان سنة 1047 ، عن نسخة شيخه السيّد حسين بن حيدر الكركي ، تلميذ المصنّف ، الذي كتب نسخته عن نسخة الأصل بخطّ شيخه المصنّف ..
وكتب الناسخ في الهامش ما نصّه : «قد نقلت هذه الرسالة من خطّ سيّدنا ... السيّد حسين بن حيدر ... وهو نقل من خطّ المصنّف السيّد المحقّق المدقّق ، السيّد حسين ابن المغفور المبرور السيّد حسن الموسوي الحسيني».
فالرسالة من تأليفه جزماً وإن أهملها مترجموه ، مكتوبة في نهاية كتاب من لا يحضره الفقيه قبل المشيخة ، 3 أوراق ، رقم 2353.
ونسخة من لا يحضره الفقيه هذه قرأها كاتب هذه الرسالة على تلميذ المصنّف السيّد حسين بن حيدر الكركي ، فكتب له إجازة بخطّه الشريف في سنة 1040.
(772)
رسالة في أوقات الفرائض والنوافل اليوميّة
فارسية.
للعلاّمة المحدِّث المجلسي ، محمّد باقر بن محمّد تقي الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1110.
أوّلها : «الحمد لله الذي زيّن الليالي والأيام ...».
كتبها في ثلاث ساعات من رابع عشر ذي الحجّة الحرام سنة 1097 ، وأرجع فيها إلى كتابه بحار الأنوار.
ص: 195
نسخة ضمن مجموعة من رسائل المؤلّف ، بخطّ محمّد حسين بن محمّد أمين ، كتبها بخطّ نسخ جيّد خشن ، وكتبها سنة 1125 ، تبدأ بالورقة 14 ب إلى 20 أ ، وعليها تملّك حفيد المؤلّف السيّد عبد الباقي بن محمّد حسين الحسيني الخاتون آبادي ، رقم التسلسل 654.
(773)
رسالة في البداء
فارسية.
للعلاّمة المحدِّث المجلسي ، محمّد باقر بن محمّد تقي الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1110.
نسخة ضمن مجموعة من رسائل المجلسي الفارسية ، كتبها محمّد حسين بن حاج محمّد أمين ، وفرغ من بعضها سنة 1125 ، تبدأ بالورقة 8 ب إلى 14 ب ، وعليها تملّك حفيد المؤلّف السيّد عبد الباقي بن محمّد حسين الحسيني الخاتون آبادي ، رقم التسلسل 654.
نسخة بخطّ فارسي جيّد ، ضمن المجموعة رقم 231.
(774)
رسالة في البداء
أوّلها : «لمّا أمرني مَن لم أقدر على مخالفته أن أُبيّن مسألة البداء مع الأحاديث الواردة فيه ، وبيان ما هو الحقّ في هذه المسألة ، فأجبت مسؤوله ...».
نسخة ضمن مجموعة كتبت في القرن الثالث عشر بخطّ نسخ ، رقم
ص: 196
المجموعة 1132.
(775)
رسالة في البديع
فارسية.
تأليف : شمس الدين الفقير.
وهو الذي فرغ من رسالته في العروض والقوافي [ستأتي برقم 835] سنة 1162. والظاهر أنّ المؤلّف هندي ، ولعلّ تخلّصه «فقير».
أوّلها : «سبحان الله! من ناقص را كه عمر بى مثال بصيغه (بصفه) هيچمدانى صرف ملازمت جهل نموده ام مصدر حمد وثناى شكلى بايد شد كه اهل كمال ... وبر اهل بيت او كه منطق دين ومنطق مبين از اين كليات خمس تمام است ...».
رتّبها على مقدّمة وفصلين وخاتمة : المقدّمة : في تعريف الفصاحة والبلاغة ، الفصل الأوّل : في المحسّنات المعنوية ، الفصل الثاني : في المحسّنات اللفظية ، والخاتمة : في السرقات.
نسخة بخطّ هيچ مدان محمّد حيدر علي بن داروغه دلاور علي خان صاحب الغوري المرشد آبادي ، فرغ منها في 8 جمادى الآخرة سنة 1272 ، كتبها حسب أمر مير شجاعت علي صاحب ابن السيّد ذو الفقار علي ، من الورقة 27 ب إلى الورقة 43 ب ، في المجموعة رقم 1852.
(776)
رسالة في بيان أحكام أهل الآخرة
للسيّد الشريف الأجلّ ، علم الهدى ، ذي المجدين ، أبي القاسم علي
ص: 197
ابن الحسين بن موسى الموسوي ، المتوفّى سنة 436.
نسخة ضمن مجموعة من رسائله ، مصحّحة مقابلة ، عليها بلاغات وتصحيحات ، وبآخرها : «بلغ قبالا من نسخة عليها الاعتماد ، وبها الاعتداد سنة 1096» ، وعليها خطّ العلاّمة المجلسي بالتملّك ، وخطّ تلميذه العلاّمة المولى عبد الله بن هادي الهرندي ، وهذه الرسالة أُولى الرسائل في هذه المجموعة ، تبدأ بص 6 وتنتهي ص 16 ، تسلسل 571.
(777)
رسالة في بيان المنازل والمراحل
فارسية ، عرفانية.
تأليف : محمّد بن أحمد الجرجاني.
أوّلها : «حمد وسپاس بى قياس وجودى را كه عالم را از كتم عدم بصحراى وجود آورد وانواع صنايع واصناف بدايع را درود بيعت نهاد ... وبر اولاد طيبين وطاهرين او كه ...».
رتّبها على مراتب ، تسع عشرة مرتبة بعدد حروف : «بسم الله الرحمن الرحيم».
نسخة تاريخها سنة 976 ، بأوّل مجموعة عرفانية ، بخطّ فارسي جميل ، والعناوين مكتوبة بالشنجرف ، رقم 608.
(778)
رسالة في البيع محاباةً
للمحقّق القمّي ، ميرزا أبو القاسم بن حسن الجيلاني القمّي ، المتوفّى سنة 1231.
ص: 198
أوّلها : «الحمد لله ، والصلاة والسلام لأهلهما. مسألة : هل تجوز المعاملة المحاباتية بشرط القرض وبالعكس أم لا؟! ...».
وآخرها : «فلنختم الرسالة بحمد الله ، والصلاة على خاتم الرسالة ... قد فرغ مؤلّفه الفقير ... في يوم الأحد وعشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1207» ، وهي مدرجة في جامع الشتات.
نسخة في ضمن جامع الشتات ، رقم 213.
(779)
رسالة في التجويد
لبعض المتأخّرين.
أوّلها : «اعلم - أيّدك الله تعالى وإيّانا - أنّ الاستعاذة قبل الشروع ...».
نسخة بخطّ نسخ خشن ، في 28 ورقة ، رقم 1837.
(780)
رسالة في التجويد
فارسية.
في اثني عشر باباً ، أوّل الأبواب : في الاستعاذة ، وآخرها : في اختلاف رواة القراءات.
أوّلها : «الحمد لله ربّ العالمين ، والعاقبة للمتّقين ، والصلاة على نبيّنا محمّد وآله أجميعن. باب أوّل ...».
نسخة منضمّة إلى تحفه شاهى في التجويد ، وبعد هذه الرسالة أيضاً «رسالة في التجويد» ، لعماد الدين المولى علي القارئ الأسترآبادي ، وفي
ص: 199
ظهر الورقة الأُولى خطّ شيخنا العلاّمة الرازي - دام ظلّه - بتشخيص الكتابين الأوّل والثالث ، ولم يشخّص هذه الرسالة.
كتبها أحد الخطّاطين في القرن الثاني عشر ، بخطّ نسخ جيّد ، على ورق ترمة.
والرسالة في 15 ورقة ، مقاسها 3 / 17 × 24 ، تبدأ من ص 248 من هذه المجموعة وتنتهي بص 278 ، تسلسل 696.
(781)
رسالة في التجويد
فارسية ، مختصرة.
للسيّد محمّد بن مهدي الحسيني الحافظ.
نسخة منها ملحقة بكتاب نخبة الأُصول ، للشيخ محمّد بن علي المقابي البحراني ، الذي هو بخطّ علي أكبر الشيرازي ، وفرغ منه في النجف الأشرف سنة 1294 ; فهذه الرسالة أيضاً إمّا بخطّه ، كما هو الظاهر ، أو بخطّ مؤلّفها ..
وهي في عشرة أوراق ، تسلسل 827.
(782)
رسالة في التجويد
أوّلها : «بدانكه معايب در قراءت بيست است كه در اين مواضع البته اجتناب بايد كرد ...».
نسخة بآخر مجموعة في علم التجويد ، أوّلها حرز الأماني ،
ص: 200
للشاطبي ، المكتوب بيد علي رضا بن رجب علي القارئ سنة 1121 ، رقم 3 / 2304.
(783)
رسالة في تحقيق حال أبان بن عثمان
للعلاّمة الكبير ، السيّد محمّد باقر بن محمّد تقي الموسوي الأصفهاني ، حجّة الإسلام الشفتي ..
المولود سنة 1175 ، والمهاجر إلى النجف الأشرف لطلب العلم سنة 1192 ، والزعيم الروحي الكبير في أصفهان ، والمتوفّى 2 ربيع الأوّل سنة 1260.
نوفيه البحث عن أحوال أصحاب الأجماع أيضاً ، وقد طبعت بإيران ضمن مجموعة من رسائله.
نسخة بخطّ معاصر المؤلّف : العالم الفاضل السيّد محمّد باقر ابن السيّد محمّد چهار محل الحسيني ، كتبها لشيخه وأُستاذه العلاّمة السيّد محمّد هاشم الطهراني (دام ظلّه) ، مع رسالة المؤلّف في تعيين محمّد بن إسماعيل ، ونقد الرجال للتفريشي ، كلّها بخطّه ، في مجلّد فرغ منه في 17 ربيع الأوّل سنة 1224.
والرسالة معارضة ومصحّحة على نسخة الأصل بخطّ المؤلّف ، وعليها حواش كثيرة للمؤلّف : «منه دام ظلّه العالي» ، وكتب على أوّلها وآخرها : «بلغ قبالاً من نسخة الأصل» ، ومن صفحة 37 من هذه المجموعة تبدأ رسالة المؤلّف في أحوال شهاب بن عبد ربّه.
تقع في 9 أوراق ، مقاسها 15 × 5 / 21 ، تسلسل 67.
ص: 201
(784)
رسالة في تحقيق لفظ المولى
وبيان أقسامه العشرة
للشيخ المفيد ، أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، المتوفّى سنة 413.
مطبوعة ضمن مجموعة من رسائله في النجف الأشرف.
نسخة بخطّ السيّد محمود الحسيني ، كتابة القرن الحادي عشر ، ضمن مجموعة من رسائله ، رقم 410.
(785)
رسالة في تحقيق النقيض
أوّلها : «حمداً لمن لا نقيض له ، والصلاة على رسوله الذي لا نظير له ، اعلم أنّ النقيض ...».
نسخة القرن العاشر ، ضمن مجموعة رقم 3 / 1500.
(786)
رسالة في تعيين محمّد بن إسماعيل
للعلاّمة الكبير ، السيّد محمّد باقر ابن السيّد محمّد تقي الموسوي الأصفهاني ، حجّة الإسلام الشفتي ..
المولود سنة 1175 ، والمهاجر إلى النجف الأشرف لطلب العلم سنة 1192 ، والزعيم الروحي الطائر الصيت في بلاد أصفهان ، والمتوفّى في
ص: 202
2 ربيع الأوّل سنة 1260.
محمّد بن إسماعيل : هو الواقع في صدر بعض أسانيد كتاب الكافي للكليني ، وهو مشترك بين أربعة عشر رجلاً ، وقد كتب في تعيينه وتشخيصه من بينهم جمع من أعلام الطائفة قديماً وحديثاً ..
منهم : شيخنا البهائي (رحمه الله) ; واختار هو كونه : البرمكي.
ومنهم : سيّد مشايخنا السيّد أبي محمّد حسن صدر الدين ; كتب رسالة مبسوطة ، واختار كونه : ابن بزيع ، وسمّاها : البيان البديع في أنّ محمّد بن إسماعيل المبدوء به في أسانيد الكافي هو : ابن بزيع ..
ذكره شيخنا في الذريعة 4 / 163.
ومنهم سيّدنا الأوحد العلاّمة الشفتي ; كتب هذه الرسالة في تعيين محمّد بن إسماعيل ، وكانت عنده رسالة الشيخ البهائي في الموضوع ، كما ذكره شيخنا الرازي - دام ظلّه - في الذريعة 4 / 163 ، واختار فيه كونه : البرمكي ، وفرغ منه سنة 1206 ، ثمّ كتب عليها حواش منه إلى سنة 1232 ، وطبعت مع رسائله الرجالية في إيران.
نسخة بخطّ معاصره : العالم الفاضل السيّد محمّد باقر ابن السيّد محمّد چهار محل الحسيني ، كتبها لشيخه وأُستاذه العلاّمة السيّد محمّد هاشم الطهراني - دام ظلّه - مع رسالة المؤلّف في تحقيق حال أبان بن عثمان ، وكتاب نقد الرجال للتفريشي ، كلّها بخطّه ، في مجلّد واحد ، وفرغ من نقد الرجال ، الذي هو آخر ما في هذا المجلّد ، في 17 ربيع الأوّل سنة 1224 ..
وعلى هذه الرسالة حواش كثيرة من المؤلّف توقيعها : «منه دام ظلّه العالي» ، وقد قوبلت الرسالة من أوّلها إلى آخرها بخطّ المصنّف.
ص: 203
مكتوب على أوّله وآخره : «بلغ قبالاً من نسخة الأصل» ، ولعلّ هذا بخطّ السيّد محمّد هاشم الطهراني ، المكتوب له الكتاب ..
وتقع في 9 أوراق ، مقاسها 15 × 5 / 21.
(787)
رسالة في تعيين محمّد بن إسماعيل
لشيخ الإسلام والمسلمين ، بهاء الملّة والدين ، محمّد بن عزّ الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي ، المتوفّى سنة 1030.
الذريعة 4 / 163.
نسخة بخطّ حسن علي بن عبد الكريم العاملي المجلسي ، ضمن مجموعة من رسائل الشيخ البهائي ، كتبها في القرن الثاني عشر ، رقم المجموعة 457.
(788)
رسالة في تفضيل أمير المؤمنين (عليه السلام)
على الأنبياء غير محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)
للشيخ المفيد ، أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، المتوفّى سنة 413.
نسخة بخطّ السيّد محمود الحسيني كتابة القرن الحادي عشر ، ضمن مجموعة من رسائل الشيخ المفيد ، رقم 410.
ص: 204
(789)
رسالة في التقويم
أوّلها : «حمد بى حد ودرود بيعدّ أحدى را سزد ... اما بعد ، اين رساله اى است در معرفت تقويم خالى از تطويل ، مرتب بر مقدمه وسه باب وخاتمه ... اسحاق منجم ابن يوسف الطبيب گيلاني».
نسخة ضمن مجموعة ، فرغ منها الكاتب في غرّة ربيع الأوّل سنة 1260 ، من الورقة 66 ب إلى 75 أ ، رقم 1811.
(790)
رسالة في التقية
أوّلها : «التقية - كالتقاة - : اسم لاتّقى يتقي ، والتاء بدل عن الواو ، كما في التهمة والتخمة ...».
نسخة بخطّ نسخ ، من الورقة 217 ب إلى 226 أ ، في المجموعة رقم 1940.
(791)
رسالة في التوحيد
للشيخ هادي بن محمّد أمين الطهراني.
المتوفّى ليلة الأربعاء 10 شوّال سنة 1321 عن عمر طويل ، والمدفون في إحدى حجرات الصحن الشريف ..
حضر بحث المحقّق الأنصاري والفاضل الأيرواني في سفرته الأُو
ص: 205
لى ثمان سنين ، وفي سفرته الثالثة اشتغل بالتدريس في كربلاء ، ثمّ رحل إلى النجف الأشرف فحضر على المجدّد الشيرازي في مباحث الخيارات والاستصحاب إلى أن هاجر إلى سامرّاء فاستقلّ بالتدريس ..
ترجم له شيخنا في النقباء مبسوطاً ، وعدّد جميع مصنّفاته ، وله رسالتان في التوحيد : عربية ، وفارسية.
نسخة بقلم الشيخ علاء الدين حسين بن أسد الله البهبهاني - مؤلّف تنبيه الواعظين ، الموجود بخطّه في المكتبة - في أواخر سنة 1330.
في 84 ورقة ، مقاسها 6 / 15 × 21 ، تسلسل 473.
(792)
رسالة في التوحيد
وإثبات الباري جلّ وعلا ، ومعرفته ، وشرح حديث : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه».
فارسية. لبعض القدماء ، لم أعرف مؤلّفها.
وهي تسعة فصول أو أكثر ، يحيل فيها مؤلّفها إلى كتابه مشكاة الأنوار ومصباح الأسرار ، وإلى كتبه في المعقولات ، وأظنّه عامّي المذهب.
نسخة ضمن مجموعة هي أوّلها ، وتاريخ المجموعة 11 رجب سنة 1086 ، ورقمها 1543.
(793)
رسالة في الجبر والمقابلة
فارسية. لبعض المتأخّرين.
ص: 206
نسخة بالخطّ الفارسي الدقيق ، ومعها رسالة في الهيئة (الهندسة) ، ومؤلّفهما واحد ، والمجموع 58 ورقة ، رقم 1496.
(794)
رسالة في الجفر
فارسية.
للسيّد كمال الدين حسين بن علي الأخلاطي الأفطسي الحسيني.
أوّلها : «الحمد لله الذي كشف علينا نور الغرائب بقصية (كذا) المعين ... چنين گويد بنده خاطى حسين اخلاطي كه مدت مديد وعهد بعيد فرزند ارجمند طول الله عمره ...».
ألّفها لابنه.
نسخة كتابة القرن الحادي عشر ، ضمن مجموعة رسائل في الجفر ، رقم 1508.
(795)
رسالة في الجفر
أوّلها : «بسم الله وبالله والصلاة والسلام على محمّد وآله ، أما بعد ، اين مقدمه در بيان وضع جفر مرتضوى عليه الصلاة والسلام. وآنرا سه مقدمه است وچند وصل نهاده شد ...».
وهي مختصرة.
نسخة مكتوبة في القرن الحادي عشر ، ضمن مجموعة رسائل ، كلّها في الجفر ، رقم 1508.
ص: 207
(796)
رسالة في الجفر
أوّلها : «الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ، اين مختصرى است در بيان وضع جفر جامع بدانكه جفر در لغت پوست بزغاله است ...».
نسخة بخطّ الشيخ عبد الحسين الحلّي ، في الورقة 19 من المجموعة رقم 405.
(797)
رسالة في الجفر
أوّلها : «الحمد لله ربّ العالمين و ... بعد ، فيقول بكار بن أحمد البخاري ثمّ المغربي : لا بُدّ للجفار من بسط السؤال بالمقطعات ...».
نسخة بخطّ العلاّمة الشيخ عبد الحسين الحلّي ، في مجموعة كبيرة ، تبدأ من الورقة 57 أ - 62 أ ، رقم 405.
(798)
رسالة في الجفر والأسماء الحسنى
أوّلها : «الحمد لله ربّ العالمين ، الذي يخصّص به الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، وتفرّد ذاته تعالى ... بدان - وفّقك الله تعالى - كه اسماء حسنى الهى عزّ شأنه وتقدّست اسماؤه هزار ويك نام عظام است ...».
ص: 208
وذكر في أوّلها : إنّ السلطان سعيد بن محمود الغزنوي (سبكتكين) عندما فتح نيشابور للمرّة الثانية استدعى من علمائها أن يجمعوا له الأسماء الحسنى ، فقالوا : إنّ هذا يحتاج إلى زمان واسع ، وأن تجمع لنا الأعلام من الأقطار والأمصار ، حتّى نتعاون في هذا الشأن.
فجمع السلطان مَن كان بخراسان من الأعلام الفطاحل ، وعدّ منهم : أبا القاسم القشيري ، والقاضي محمّد الصاعدي ، وأبا نصر الصابوني ، وخواجة معلوكي (كذا) ، وأبا جعفر النحوي ، وأبا منصور الهروي ، وأبا إسحاق جمشيد ، فجمعهم ودرّ عليهم المعاشات ورتّب لهم الوظائف ، فجمعوا الأسماء الحسنى ، ثمّ أرسل السلطان نسخة منها إلى الخليفة القادر بالله.
والمؤلّف هو : السيّد حسين الجعفري الرومي (1) ، كما هو الظاهر ; فإنّه ابتدأ الكتاب بخطبة ثانية ، قال فيها : «اما بعد حمد الله چنين گويد سيد حسين جعفرى رومى كه در خدمت اوليا واتقياء بوده ، وسِرهائى كه در أسماء هزار ويك نام الهى حاصل نموده ...».
نسخة كتابة القرن الحادي عشر ، ضمن مجموعة رسائل جفرية ، رقم 1508.
(799)
رسالة في جواب سلطان العلماء
في الجواب عمّا أورده سلطان العلماء على الشهيد الثاني في حاشيته ).
ص: 209
على الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية.
ألّفها حفيد الشهيد ، الشيخ علي بن محمّد بن الحسن بن زين الدين الشهيد ، المولود سنة 1004 ، والمتوفّى سنة 1104.
فرغ منها في 5 ربيع الأوّل سنة 1086 ، (الذريعة 5 / 174 وج 10 / 201 وج 12 / 67) ، وفي نسختنا أيضاً تاريخ فراغ المؤلّف سنة 1086.
نسخة بخطّ محمّد بن رضا الرشتي الكهدمي ، بالخطّ النستعليق الجيّد الناعم ، كتبها في أصفهان ، ولعلّها عن خطّ المصنّف ، وفرغ منها الكاتب في محرّم سنة 1246 ، وهي منضمّة إلى حاشية المصنّف على الروضة البهية ، المسمّاة ب- : الزهرات الزوية.
في 12 ورقة ، رقم 556.
(800)
رسالة في الحدوث والقدم
أوّلها : «نسيمى كه از حضرت لاهوت بر ميادين جبروت وبساتين ملكوت مى وزد ، مُروّح روح ، وسرمايه فتوح ، حضرت مملكت پناه ، مقبول قلوب اهل الله ، خلاصه ملوك آل عبا : كاركيا ، أمير كياباد بعده اعلام ميرود كه قدم وحدوث از امور اعتبارى نسبى است ...».
نسخة كتبها الخطّاط إسماعيل المراغي في القرن الثالث عشر ، ضمن مجموعة عرفانية فلسفية ، كلّها بخطّه النسخ الجيّد ، مجدولة باللاجورد والشنجرف ، كانت في خزانة رئيس الوزراء صدر السلطنة النوري.
رقم المجموعة 1515.
ص: 210
(801)
رسالة في الحدود
للعلاّمة الفقيه السيّد محمّد باقر بن محمّد تقي الشفتي ، المتوفّى سنة 1260.
نزيل أصفهان ، وزعيمها في عصره ، الذي كان يقيم الحدود الشرعية على مستحقّيها ، فكتب رسالة مبسوطة في الحدود ولزوم إقامتها في عهد الغيبة على المجتهدين المتمكّنين من ذلك.
نسخة مدرجة في كتابه سؤال وجواب ، ملحقة بآخر كتاب الحدود من هذا الكتاب ، رقم 516.
(802)
رسالة في الحدود والديات
فارسية.
للعلاّمة المحدّث المجلسي محمّد باقر بن محمّد تقي الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1110.
فرغ منها خامس جمادى الأُولى سنة 1102 ، ومطبوعة في الهند سنة 1262 ، (الذريعة 6 / 297).
نسخة بخطّ نسخ جيّد ، كتبها بنده علي في المدرسة الحكيمية ، فرغ منها سلخ محرّم سنة 1110 ، وتقع في 62 ورقة ، تسلسل 568.
* * *
ص: 211
(803)
رسالة في حرمان الزوجة
أعمّ من أن تكون ذات ولد أو غيرها
للمولى محمّد حسن الطارمي.
كتبها جواباً عن سؤال أخيه.
أوّلها : «اعلم أنّ يا أخي أعانك الله وجاءك بكلّ ما تقرّ به العين ...».
نسخة بخطّ أخيه السائل ، بآخر نسخة مجمع البحرين ، ناقصة الآخر ، رقم 2027.
(804)
رسالة في الحساب
للسيّد محمّد بن هادي الحسيني.
أوّلها : «حمد وثناى بى حد خالق كُن فيكون را كه نقطه ناطقه ...».
رتّبه على اثني عشر فصلاً وخاتمة وتذنيب.
نسخة بخطّ أقلّ الطلاّب باقر الدامغاني ، فرغ منها في 20 محرّم سنة 1267 ; وأظنّه العلاّمة الشيخ محمّد باقر بن علي أكبر الدامغاني ..
وهو رابع كتاب في المجموعة رقم 1946.
(805)
رسالة في الحساب
أوّلها : «اعلم - أسعدك الله - إنّه لا بُدّ لكلّ خائض في علم الفرائض
ص: 212
من معرفة قوانين من علم الحساب ; لاحتياجه إليها لتصحيح المسائل والقسمة ، فنقول : الحساب في اللغة : العدّ ، وفي الاصطلاح : علم بأصول تعرف منها المجهولات العدديدية صحاحاً وكسوراً ، والعدد ...».
نسخة بخطّ رحمة الله بن عبد الكريم ، بآخر مجموعة كتبها بخطّه ، كتبها في القرن العاشر ، تاريخ بعضها سنة 976 ، وفي آخر هذه الرسالة : من الأشنهي ، رقم المجموعة 863.
(806)
رسالة في الحساب
مختصرة.
نسخة ضمن مجموعة بخطّ سعيد بن قابل النجدي الشافعي ، فرغ من المجموعة سنة 996 ، رقم 840.
(807)
رسالة في الحساب والجبر والمقابلة
تصنيف : أبي العلاء محمّد البهشتي الأسفرائني.
نسخة ضمن مجموعة بخطّ ميرزا محمّد بن حسين الشيرواني ، كتبها سنة 1297 ، تسلسل 341.
(808)
رسالة في الحسن والقبح
القاضي نور الله التستري المرعشي ، [الشهيد سنة 1019].
ص: 213
ذكرها شيخنا في الذريعة [7 / 19 رقم 87].
نسخة بخطّ فارسي جميل ، ضمن مجموعة رقم 392.
(809)
رسالة في الحُصر والبواري
وطريقة تطهيرها
تأليف : الشيخ المحدِّث الفقيه عزّ الدين حسين بن عبد الصمد العاملي الجبعي الهمداني ، المتوفّى سنة 984 ، والد الشيخ بهاء الدين العاملي.
أوّلها : «الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله ، والصلاة على سيّدنا محمّد وآله ...».
ذكر أنّه لمّا تشرف بالحضرة العالية الشاهية الطهماسية في أواخر ذي القعدة سنة 968 مع جماعة من الأصحاب ، وقع الكلام في مسألتين :
1 - إنّ الحصر والبواري إذا أصابها بول أو نجاسة رطبة وجفّت بالشمس فهل تطهر أم لا؟
2 - هل يجوز صرف مال الإمام حال الغيبة لفقراء السادة؟
فألّف هذه الرسالة في تحرير وتنقيح هاتين المسألتين ، وفرغ منها في 2 ذي الحجّة سنة 968.
نسخة بخطّ العلاّمة الشيخ عبد محمّد ابن الشيخ مساعد بن بديع الحويزي ، في آخر مجموعة بخطّه ، وفرغ منها في 8 رجب سنة 1099 ، والمجموعة رقم 8 / 2299.
ص: 214
(810)
رسالة في الحقّ والحكم
للعلاّمة المحقّق الشيخ هادي بن محمّد أمين الطهراني ، نزيل النجف الأشرف.
نسخة فرغ منها الكاتب في رجب سنة 1327 ، ضمن مجموعة من رسائل المؤلّف ، بخطّ حسين بن أسد الله البهبهاني ، رقم 472.
نسخة بخطّ بعض تلامذته ، فرغ منها في 8 ربيع الآخر سنة 1324 في الكوفة ، ضمن مجموعة رقم 134.
(811)
رسالة في حكم نكاح امرأة
تدّعي خلوّها من المانع
للمحقّق القمّي ، ميرزا أبو القاسم بن حسن الجيلاني القمّي ، المتوفّى سنة 1231.
قال في أوّلها بعد خطبة موجزة : «أمّا بعد ، فقد أمرني مَن يجب علَيّ طاعته ، ولا يسعني مخالفته ، أن أكتب ما سنح لي في حكم امرأة ادّعت خلوّها عن المانع ...».
فرغ منها في 6 جمادى الأُولى سنة 1194.
نسخة بآخر جامع الشتات ، رقم 213.
* * *
ص: 215
(812)
رسالة في الحيض
للمحقّق الكركي ، وهو : المحقّق الثاني ، الشيخ نور الدين علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي ، المتوفّى سنة 940.
رسالة موجزة في الحيض وأقسامه وأحكامه.
أوّلها : «الحيض هو الدم الأسود أو الأحمر الحار العبيط ، الغليظ المنتن ...».
نسخة بخطّ يعقوب بن أصيل الأبرقوي ، والظاهر أنّه تلميذ المحقّق ، كتبها في حياته ، وذكر في آخرها : «إنّه من مفادات عالي حضرت شيخنا وسيّدنا ومتبوعنا خاتم المجتهدين ... علي بن عبد العالي ، خُلّد ظلّه السامي».
وهي بآخر مجموعة من رسائل المحقّق وغيره ، كلّها بخطّ يعقوب هذا ، فرغ من بعضها سنة 940 ، رقم 855.
(813)
رسالة في رؤية الباري سبحانه عزّ وجلّ
للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، المتوفّى سنة 1241.
كتبها جواباً عن سؤال ورد إليه من أصفهان حول حديث عاصم بن حميد رواه عن الصادق (عليه السلام) ، وعن حديث في الطينة.
نسخة ضمن مجموعة من رسائل الشيخ أحمد ، وهذه أُولاها ، تسلسل 693.
ص: 216
(814)
رسالة في الرجعة
للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي.
ألّفها بأمر شاه زاده محمّد علي ميرزا ; فقد أمره بتأليف شيء في العصمة وفي الرجعة.
أوّلها : «المسألة الثانية في ذكر رجعة محمّد وأهل بيته الطاهرين ...» ، مطبوعة ضمن كتاب جوامع الكلم.
نسخة بخطّ السيّد عبد الله بن جعفر بن حسين بن علي بن عبد مناف بن إبراهيم بن موسى بن الحسن الحسيني ، فرغ منها في 12 ربيع الآخر سنة 1271 في بلدة مراغة ، وذكر أنّه كتبها عن نسخة المؤلّف ..
رقم 2142.
(815)
رسالة في الرجعة
تأليف : المولى سلطان محمود الطبسي.
له ترجمة في الأمل.
أوّلها : «حمد بيرون از شمار وثناى متعاقب بتعاقب ليل ونهار ...».
فرغ من تأليفه سنة 1078 فارسي (ه. ش) ، وذكر فيه : أنّه عندما زار الإمام الرضا (عليه السلام) واجتمع بمتولّي المرقد الطاهر ، وهو ميرزا إبراهيم بن ميرزا غياث بن محمّد بديع ، وجرى حديث المسائل الكلامية ، وانتهى الكلام إلى الرجعة ، استغرب ذلك ، فاستدعى من المؤلّف أن يؤلّف رسالة
ص: 217
فارسية في الموضوع ، فألّف هذه الرسالة في مشهد الرضا (عليه السلام).
نسخة فرغ منها الكاتب في رجب سنة 1078 ، ومعها كتاب يوحنا الإسرائيلي المسمّى ب- : منهاج المناهج ، بهذا التاريخ ..
رقم 770.
(816)
رسالة في الرضاع
فارسية.
نسخة في أربعة أوراق ، ملحقة بالجزء الأوّل من منهاج الهداية للكرباسي ، رقم 719.
(817)
رسالة في الرضاع
رسالة فارسية في أحكام الرضاع.
تأليف : المحدّث الجليل ، المولى محمّد تقي المجلسي ، المتوفّى سنة 1070.
نسخة فرغ منها الكاتب في 24 ذي الحجّة سنة 1216 ، بآخر كتاب أنيس الموحّدين للنراقي ، وفي آخرها : «بلغ مقابلة من أوّله إلى آخره بعون الله تعالى» ، بخطّ نسخ والعناوين بالشنجرف ، رقم 1595.
نسخة ضمن مجموعة من تأليفات نجله المجلسي ، كتبها محمّد حسين بن محمّد أمين ، وفرغ من بعضها سنة 1125 ، بخطّ نسخ جيّد ، من الورقة 106 أ - 124 ب ، رقم التسلسل 654.
ص: 218
نسخة بخطّ فارسي جميل رائع ، مكتوبة في حياة المؤلّف ، بخطّ أحد خطّاطي ذلك العهد ، ولكنّها كانت ناقصة فتُمّمت بخطّ آخر سنة 1142 ، وبعدها رسائل وفوائد أُخر ، رقم 1780.
(818)
رسالة في الرضاع
رسالة فارسية في مسائل الرضاع.
للمحدّث العلاّمة المجلسي محمّد باقر بن محمّد تقي الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1110.
نسخة فرغ منها الكاتب في 24 ذي الحجّة الحرام سنة 1216 ، بآخر أنيس الموحّدين للنراقي ، وفي آخرها : «بلغ مقابلة من أوّله إلى آخره بعون الله تعالى» ، بخطّ نسخ والعناوين بالشنجرف ، رقم 1595.
(819)
رسالة في الرضاع
رسالة فارسية في مسائل الرضاع وأحكامه.
تأليف : الشيخ حسن بن محمّد.
أوّلها : «الحمد لله ربّ ... اما بعد ، اين رساله ايست در رؤس مسائل رضاع نگاشته كه تراب اقدام علما حسن بن محمّد عفى عنهما بجهه برادران مؤمن قلمى مى شود ...».
فرغ منها المؤلّف في سابع جمادى الأُولى سنة 1217.
نسخة الأصل بخطّ المصنّف ، وفيها شطوب وإضافات ، جاء في
ص: 219
آخرها : «حرّر في سابع جمادى الأُولى سنة 1217» ، بأوّل مجموعة للمؤلّف وبخطّه ، رقم 1736.
(820)
رسالة في رفع جسد المعصوم
للشيخ عبد علي بن محمّد بن عبد الله بن حسين البحراني.
من تلامذة صاحب الحدائق ، كتبها في جواب الشيخ محمّد بن عبد السميع ، وقد كان سأله عن حديث رواه الصدوق ، جاء فيه : «ما من نبيّ أو وصيّ يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيام حتّى يرفع إلى السماء ...» ويمكن أن تسمّى : «شرح حديث ...» ، فرغ منها ليلة الجمعة 13 جمادى الأُولى سنة 1212.
نسخة بخطّ فارسي جيّد ، بأوّل مجموعة بخطّ يحيى بن محمّد شفيع الأصفهاني ، كتبها سنة 1278 ، رقم 722.
(821)
رسالة في الرمل
فارسية.
للمحقّق الطوسي ، خواجة نصير الدين محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة 672.
أوّلها : «شكر وسپاس بعدد ريك بيابان وقطره باران صانعى را كه محاب هندسه حكمت وصنعت ...».
والظاهر أنّ هذه غير ما ذكره شيخنا في الذريعة 11 / 250 ; فإنّ خطبتها تخالف هذه.
ص: 220
نسخة حديثة ، مكتوبة عن النسخة الموجودة في مكتبة سپهسالار ، كتبها محمّد جعفر ، في 44 ورقة ، رقم 357 ..
ومعها رسالة فارسية في علم الأعداد.
(822)
رسالة في السلوك
للعارف الحكيم آقا محمّد البيدآبادي.
أجاب بها عن سؤال السيّد حسين القزويني في رسالته إليه ، يسأله عن كيفية السلوك وتعليم السير إلى الله ، فأجابه بهذه الرسالة ، وهي رسالة قيّمة ، صغيرة الحجم كثيرة المعنى.
نسخة بأوّل مجموعة بخطّ فارسي ، كتبها محمّد رضا بن محمّد قديم التبريزي في أصفهان سنة 1232 ، رقم 1117.
(823)
رسالة في صفات الذات وصفات الأفعال
فارسية.
للعلاّمة المحدِّث المجلسي محمّد باقر بن محمّد تقي الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1111.
أوّلها : «الحمد لله ، وسلام على عباده الّذين اصطفى ، أما بعد ، بايد دانست كه صفات مقدسه ...».
نسخة بأوّل مجموعة من رسائله ، كتبها محمّد حسين بن محمّد أمين بخطّ نسخ جيّد خشن ، وفرغ من المجموع سنة 1125 ، وعليها تملّك
ص: 221
حفيد المؤلّف السيّد عبد الباقي بن محمّد حسين الحسيني الخواتون آبادي ، رقم التسلسل 654.
(824)
رسالة في الصوم والاعتكاف
للشيخ محمّد ابن الشيخ علي ابن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، المتوفّى سنة 1268.
أوّلها : «الحمد لله الذي خلق الأنام ، وأوضح لهم مبهمات الأحكام ...».
نسخة بخطّ نسخ جيّد ، ناقصة الآخر ، ضمن مجموعة لعلّها كتبت في حياة المؤلّف ، رقم 2046.
(825)
رسالة في الطبّ
فارسية ، فيها تسعة فصول.
نسخة ضمن مجموعة كُتبت سنة 1086 ، ورقمها 1543.
(826)
رسالة في الطبّ
أوّلها : «بدانكه خداى تعالى عز وجل اين عالم را بيافريد بر دوازده ركن وهفت قائمه وچهار طبع ...».
وهي موجزة ، وبآخرها فصل في اختيارات الأيام وسعدها ونحسها.
ص: 222
نسخة بخطّ فارسي جيّد ، والعناوين مكتوبة بالشنجرف ، كتبها محمّد شفيع بن محمّد مقيم الأردكاني سنة 1110 ، بآخر كتاب مجمل الحكمة المرقّم 1404.
(827)
رسالة في طلاق الحائض والغائب عن زوجته
للشهيد الثاني ، زين الدين بن علي بن أحمد العاملي الشامي النحاريري ، الشهيد سنة 966.
ألّفها قبل الروضة البهية في شرح اللمعة ، وطبعت ضمن مجموعة عشرة من رسائله في طهران سنة 1313.
نسخة بخطّ العلاّمة الفقيه السيّد محمّد تقي الطالقاني ، مؤلّف المظاهر العقلية وغيرها ، ضمن مجموعة من رسائل الشهيد الثاني ، كلّها بخطّه ، تاريخ فراغه من بعضها سنة 1274 ، رقم 1708.
نسخة بخطّ السيّد مرتضى الموسوي الخلخالي ، فرغ منها في 21 ذي الحجّة سنة 1280 ، ضمن مجموعة من رسائل المؤلّف ، رقم 731.
(828)
رسالة في العدالة
للشيخ عبد علي بن محمّد بن عبد الله بن حسين البحراني الخطّي آل المقلّد ..
المجاز من الشيخ حسين العصفوري ، وآية الله بحر العلوم.
كتبها في جواب من سأله عن العدالة ، سنة 1199.
ص: 223
أوّلها : «الحمد لله الذي رفع سماء أقدار أهل العالم بالمعرفة والدراية ...».
نسخة بخطّ فارسي جميل ، ضمن مجموعة من رسائل المؤلّف ، كتبت سنة 1278 ، بخطّ يحيى بن محمّد شفيع الأصفهاني ، رقم 722.
(829)
رسالة في العدالة
وفي غيبة الإمام - عجّل الله فرجه - ومسائل التقليد في الأُصول والفروع ، وموارد حجّية الظنّ ، وغير ذلك من الفوائد الكلامية والأُصولية.
كتبها الشيخ عبد علي بن محمّد بن عبد الله بن الحسين آل المقلّد البحراني الخطّي ، في جواب كتاب ورد عليه ، وعتاب توجّه إليه.
أوّلها : «الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين ... قال - سلّمه الله - في الكتاب الذي كتبه إليّ ... وقد التمس منّا جماعة ... من قرائن الأجوبة والتصانيف إقامة الجمعة والتدريس في التهذيب والاستبصار ... وقد طرق السمع أنّ بعض المستفتين قد استفتى من جنابكم في صحّة الصلاة معي ... انتهى سؤاله.
أقول : لا يخفى ... فحاصل مراده : أنّه يجوز للمأمومين تقليده في الإخبار بعدالته إذا أخبرهم بها ، كما أنّهم يقلّدونه وغيره في المسائل ... وقد أجبنا عنه في المسألة السابقة ...».
ولا أدري إن كان هذا مع ما قبله كتاب واحد ، أو أنّه ألّف الرسالة الأُولى في جواب الاستفتاء ، ثمّ جاءه هذا العتاب فألّف هذه الرسالة في جوابه ، فهما رسالتان؟
ص: 224
وعلى كلّ هما لمؤلّف واحد ، والأُولى في خصوص تحقيق العدالة ، وهذه فيها غير العدالة ، كما تقدّم.
نسخة في ضمن مجموعة من رسائل المؤلّف وغيره ، كتبها يحيى بن محمّد شفيع الأصفهاني سنة 1278 ، بخطّ فارسي جميل ، رقم 722.
(830)
رسالة في عدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد
وهو من مباحث علم أُصول الفقه ، واختلف المحقّقون في ذلك وآراؤهم وأدلّتهم مبسوطة في المطوّلات ..
وهذه رسالة وجيزة للشيخ عبد الصمد الهمداني.
نسخة بخطّ الشيخ أسد الله الخوئي ، بآخر مجموعة أُصولية ، كتبها بخطّ نسخ جيّد سنة 1219 ، رقم المجموعة 390.
(831)
رسالة في العروض
لا أعرف مؤلّفها.
نسخة ضمن مجموعة رقم 1755.
(832)
رسالة في العروض
فارسية.
لسيفي البخاري العروضي.
ص: 225
ترجم له في الذريعة 9 / 486.
نسخة مكتوبة على يد أقلّ الطلاّب محمّد بن محمّد جعفر ، كتبها في استرآباد ، وفرغ منها في 26 ذي الحجّة سنة 1302 ، 43 ورقة ، رقم 1733.
(833)
رسالة في العروض
تأليف : أمير زاده جهانگير.
أوّلها : «سپاس وافر يزدان را كه آفريننده انسان كامل است از بسيط خاك وبرآرنده جديدان است از حركت سريع افلاك ...».
رتّبها على مقدّمة وستّة فصول وخاتمة.
نسخة فرغ منها الكاتب محمّد حسين بن محمّد مهدي في 15 شهر رمضان سنة 1284 في أصفهان ، ضمن مجموعة كلّها بخطّه ، رقم 1596.
(834)
رسالة في العروض
أوّلها : «سپاس وافر قادريرا كه حركت سريع دوائر افلاك را سبب ازدواج اصول وامتزاج اركان گردانيد ...».
في ثلاثة فصول ، ذكرت في الذريعة] 15 / 254 رقم 1640] ، ولم يعرف مؤلّفها.
نسخة بأوّل مجموعة كتابة القرن الثالث عشر ، بخطّ محمّد حسين ابن محمّد مهدي ، فرغ من بعضها في 15 شهر رمضان سنة 1284 ، رقم 1596.
ص: 226
(835)
رسالة في العروض والقوافي
تأليف : شمس الدين الفقير.
ألّفها سنة 1161 و 1162 ، وأرّخها بقوله : «تشريف معاني» = 1161 ، و «دستور كمالات» = 1162.
والظاهر أنّ المؤلّف هندي ، ولعلّ تخلّصه «فقير».
أوّلها : «بعد از تقديم حمد مبدعى كه بيت دنيا وآخرت كمال تقطيع وموزد نيست ساخته وپرداخته وخيمه سپهر گردون بى اسباب واوتاد أفراخته ...».
رتّبها على ركنين : الركن الأوّل : في العروض ، والثاني : في القوافي.
نسخة بخطّ فارسي جيّد ، كتبها محمّد حيدر علي بن داروغه دلاور علي خان صاحب الغوري المرشد آبادي ، وفرغ من رسالة البديع للمؤلّف] المتقدّمة برقم 775] في هذه المجموعة قبل هذه الرسالة في 8 جمادى الآخرة سنة 1272 ، وكتب هذه بعدها ، من الورقة 44 ب إلى نهاية المجموعة ، وهي 65 أ.
في المجموعة رقم 3 / 1852.
(836)
رسالة في العصمة
للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي.
مطبوعة ضمن جوامع الكلم له ، كتبه بأمر شاه زداه محمّد علي ميرزا.
ص: 227
أوّلها : «الحمد لله جزيل النعم والآلاء ، وجميل الأفضال والعطاء ...».
نسخة بخطّ نسخ جيّد ، كتبها السيّد عبد الله بن جعفر بن حسين بن علي بن عبد مناف بن إبراهيم بن موسى بن الحسن الحسيني ، ومعها رسالة في الرجعة للمؤلّف ، بخطّ هذا الكاتب ، فرغ منهما في 12 ربيع الآخر سنة 1271 في بلدة مراغة ، رقم 2142.
(837)
رسالة في العقل والنفس والروح
والفرق بينها ومعنى كلّ منها
للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، المتوفّى سنة 1241.
ذكر : «إنّ سيّدنا الأجلّ الأكرم قد أرسل إليّ مسؤلا طلب منّي بيانه».
نسخة بخطّ السيّد صدر الدين الموسوي اللاريجاني الشاهاندشتي ، بخطّ فارسي جيّد ، ضمن مجموعة من رسائل المؤلّف ، رقم 231.
(838)
رسالة في علم القافية
فارسية.
للأديب الفاضل السيّد عطاء الله بن محمود الحسيني.
صدّرها باسم الوزير أمير علي شير النوائي ، المتوفّى سنة 906.
أوّلها : «سپاس بى قياس صانعى را كه تأسيس بدائع مصنوعات ونظم سلسله موجودات را ...».
لخّصها من كتابه الكبير الذي سمّاه : تكميل الصناعة ، ورتّب هذه
ص: 228
الرسالة على تسعة أحرف ، الحرف الأوّل : في تعريف القافية ، والحرف التاسع : في تحقيق الحاجب والرديف.
نسخة بخطّ فارسي جميل رائع ، وعليها تعليقات كثيرة للمؤلّف نفسه بخطّ الكاتب للنسخة ، وهي كتابة القرن الحادي عشر ، بأوّل مجموعة أدبية ، لكن الرسالة ناقصة الآخر ، والموجود إلى أواخر الحرف الثامن ، رقم المجموعة 347.
(839)
رسالة في علم كتف الشاة
أوّلها : «حكيمان گفته اند كه شناختن شانه گوسفند با علم نجوم برابر است همه كس اندازه آن علم ندارند ودر شناختن بزرگان دعوى دارند ...».
ويظهر أنّها ترجمة من أصل عربي ; فما عرفت الأصل ، ولا المترجم أو المؤلّف ، وبعدها في المجموعة أيضاً رسالة عربية في الموضوع للمحقّق الطوسي ، إلاّ أنّ هذه ليست ترجمةً لتلك.
نسخة بخطّ فارسي ، كتبها محمّد حسين بن محمّد مهدي الأصفهاني ، ضمن مجموعة كلّها بخطّه ، فرغ من بعض ما فيها سنة 1284 ، رقم المجموعة 1596.
(840)
رسالة في العلوم الغريبة
أوّلها : «الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على محمّد وآله الطاهرين ، أما بعد ، چنين گويد شيخ بهاء الدين كه مدت سى سال بود كه من در طلب
ص: 229
اين كنوز مخفيه بودم ... تا بعد از مدتى رسيدم بديار مسقط در اينجا بخدمت مرشدى رسيدم كه بسيار ماهر بود در علوم غريبه ...».
نسخة بخطّ العلاّمة الشيخ عبد الحسين الحلّي ، في مجموعة كبيرة قيّمة في العلوم الغريبة ، تحوي رسائل متعدّدة وفوائد كثيرة وقواعد في هذه العلوم ، كتب أكثرها بخطّه ، تبدأ من الورقة 17 ب إلى 19 ب ، رقم 1 / 405.
(841)
رسالة في الغيبة
للشيخ المفيد ، أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، المتوفّى سنة 413.
أوّلها : «سأل سائل عن الشيخ المفيد - رضي الله عنه - فقال : ما الدليل على وجود الإمام صاحب الغيبة (عليه السلام) ; فقد اختلف الناس في وجوده اختلافاً ظاهراً ...».
نسخة كتبتُها بخطّي في سامرّاء ، في 23 رجب سنة 1368 ، بآخر مجموعة كلّها بخطّي ، رقم 787.
(842)
رسالة في الغيبة
للشيخ المفيد ، أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، المتوفّى سنة 413.
أوّلها : «سأل بعض المخالفين ; فقال : ما السبب الموجب لاستتار إمام
ص: 230
الزمان ...».
نسخة كتبتُها بخطّي في سامرّاء ، في 23 رجب سنة 1368 ، ضمن مجموعة رقم 787.
(843)
رسالة في القبلة
وتعيين قبلة طوس
للشيخ المحدِّث الفقيه المحقّق الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي ، المتوفّى سنة 984 ، والد شيخنا البهائي (قدس سرهما).
له ترجمة مبسوطة في الغدير.
أوّلها : «الحمد لله الذي جعل الكعبة البيت الحرام قياماً للناس ; تفضّلاً منه على عباده ، والصلاة والسلام على أشرف أوليائه وخاتم أنبيائه محمّد ، الذي بعث إلى كافّة الأنام ... أمّا بعد ، فقد بلغني أنّ بعض أهل هذا الزمان توّهم أنّ قبلة طوس تابعة لقبلة البصرة ; نظراً منه إلى تفاوتيهما في الطول والعرض ...».
وهذا يخالف الخطبة التي ذكرها شيخنا - دام ظلّه - في الذريعة 17 / 46 ، عن نسخة المجلس الإيراني رقم 3879 ; فما نقله كان خطبة رسالة أُخرى للمؤلّف ، وهي في قبلة عراق العجم وخراسان ، سمّاها : تحفة أهل الإيمان ، توجد نسخة منها في المكتبة ، عليها خطّ المؤلّف مصرّحاً باسمها ونسبتها إلى نفسه.
وأمّا هذه ; فإمّا أن تكون له ، وهي رسالة أُخرى مستقلّة في مطلق القبلة ; كما هو الظاهر ..
ص: 231
أو أنّها للشيخ عبد العالي ابن المحقّق الكركي ; كما يظهر من وجود ما نُقل عنه فيها من أنّه لا اعتماد على الدائرة الهندية ، وأنّها في فصلين ، وذكرها صاحب الرياض ، وقال : إنّها موجودة عندي.
نسخة قيّمة ، بخطّ تلميذ الشيخ البهائي والمجاز منه وهو : الشيخ محمّد (رضا) البسطامي ، كتبها سنة 1007 ، ومعها رسالة أُخرى في القبلة للشيخ البهائي ، والوجيزة والحبل المتين له أيضاً ، وفرغ من الحبل المتين سنة 1008 ، وبآخر هذه المجموعة خطّ الشيخ البهائي بالإجازة له ، تاريخها سنة 1026 ، تسلسل 1682.
(844)
رسالة في القبلة
لشيخ الإسلام والمسلمين ، بهاء الملّة والدين ، محمّد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي ، المشتهر ب- : الشيخ البهائي ، المتوفّى سنة 1031.
وخطبتها تخالف ما نقله شيخنا في الذريعة عن كشف الحجب.
وخطبة نسختنا هذه هكذا : «أمّا بعد الحمد والصلاة ، فيقول أقلّ العباد محمّد ، المشتهر ب- : بهاء الدين العاملي - عفا الله عنه - : إنّ تحقيق جهة القبلة ...».
وراجع : تحقيق جهة القبلة في فهرس جامعة طهران 8 / 810.
نسخة بقلم العلاّمة الشيخ عبد محمّد ابن الشيخ مساعد بن بديع الحويزي ، فرغ منها في 17 شهر رمضان سنة 1094 ، ضمن مجموعة بخطّه ، رقم 2299.
نسخة بخطّ تلميذ المصنّف : الشيخ محمّد (رضا) بن فتح الله
ص: 232
البسطامي ، كتبها في حياة مؤلّفها ، في يوم الأحد السادس من ذي الحجّة سنة 1008 ، وفي آخرها : «انتهى كلامه دام ظلّه البهيّ» ..
والظاهر أنّه قرأها وقابلها وصحّحها على شيخه المصنّف ; إذ على الهوامش بلاغات ، وهي ضمن مجموعة ، منها الحبل المتين ، كلّها بخطّه.
وبآخر المجموعة خطّ الشيخ البهائي بالإجازة له ، تسلسل 1682.
نسخة بخطّ العلاّمة الشيخ عبد الحسين الحلّي ، ضمن مجموعة تحوي تسع رسائل ، للشيخ البهائي وغيره ، فرغ منها غرّة جمادى الأُولى سنة 1325 ، وهي في ورقتين ، رقم المجموعة 385.
نسخة القرن الحادي عشر ، بآخر نسخة من خلاصة الحساب ، مكتوبة سنة 1091 ، رقم 76 ، وبعدها فوائد رياضية.
راجع : فهرس دانشگاه 5 / 1853.
(845)
رسالة في القبلة
وتعيين مقدار انحراف بعض المدن الإيرانية
أوّلها : «معرفت قبله ظنى است چون بناء آن بر قول اهل رصد است ...».
والرسالة مختصرة ، توقيعها : «م ت ق ر ه» ، ولم أعرفه ، ولكنّه متأخّر عن المولى محمّد باقر اليزدي الفلكي الماهر ، أُستاذ الشيخ البهائي ; إذ نقل عن كتابه مطلع الأنوار ، وعبّر عنه بقوله : «وجه الدهر ، بطليموس عصره».
نسخة بخطّ فارسي جميل ، ضمن مجموعة كتبت سنة 1163 ، وهي في الصفحتين 132 و 133 ، رقم المجموعة 1314.
ص: 233
(846)
رسالة في قبلة بهبهان
فارسية.
رفعها أهل «بهبهان» إلى الزعيم الروحي في أصفهان مير محمّد حسين الخواتون آبادي ، صهر العلاّمة المجلسي ، يستفسرونه فيها عن قبلة بلدهم ; إذ ورد عليهم الشيخ حسين الدورقي من خلف آباد فخطّأهم في قبلتهم التي كانوا عليها مئات السنين ، فطلبوا منه في رسالتهم هذه كلمته الأخيرة في هذا الشأن ، وهي بذاتها رسالة تاريخية ذات فوائد كثيرة ..
فأجابهم بجواب مختصر ، ثمّ أجابهم تلميذه المولى محمّد بن محمّد زمان الكاشاني ، فكتب في جوابه وجوابهم كتابه الكبير في القبلة ، الذي سمّاه : قبله اثنى عشريه ، كما يشير إلى ذلك شيخنا الرازي - دام ظلّه - في حرف القاف من الذريعة [17 / 43].
نسخة بخطّ فارسي جميل ، ضمن مجموعة من رسائل المولى محمّد بن محمّد زمان الكاشاني الأصفهاني ، أوّلها كتابه قبله اثنى عشريه ، ثمّ عدّة فوائد ورسائل في القبلة ، فارسية وعربية ، وهذه الرسالة في الصفحتين 134 و 135 ، رقم المجموعة 1314.
(847)
رسالة في القدر
في الجبر والاختيار.
لصدر الدين الشيرازي ، وهو : صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم
ص: 234
الشيرازي ، المتوفّى سنة 1050.
أوّلها : «سبحان من تنزّه عن الفحشاء ، ولا يجري في ملكه إلاّ ما يشاء ، والصلاة على صاحب شريعتنا البيضاء ، وآله مصابيح الدجى وأئمّة الاهتداء ، اعلم ... أنّ مسألة القدر في الأفعال من الغوامض ...».
نسخة ضمن مجموعة من مؤلّفاته ، كلّها بخطّ محمّد رضا بن محمّد قديم التبريزي ، كتبها بخطّ فارسي في أصفهان سنة 1232 ، رقم 1117.
(848)
رسالة في القرعة
وضعها بعض الدراويش على لسان الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
أوّلها : «هذه القرعة الشريفة المباركة مروية ...».
ووضع لها شكل دائري فيه خطوط وكتابات ، ثمّ سرد منتخبات من الآيات القرآنية على حسب السور.
نسخة ضمن مجموعة ، وهي ثالث رسالة فيها ، 12 ورقة ، تبدأ من الورقة 15 ب إلى 26 ب ، رقم المجموعة 859.
(849)
رسالة في قضاء ما فات من الصلوات في أماكن التخيير
وهي في قضاء ما فات من الصلوات في أماكن التخيير وكان مسافراً ; فهل يتخيّر في قضائه أو يتعيّن القصر أو التمام؟
وغير ذلك ممّا يرجع إلى أماكن التخيير.
ص: 235
أوّلها : «قال في الإرشاد : يقضي في السفر ما فات في الحضر تماماً وفي الحضر ما فات في السفر قصراً ، كتب شيخنا - قدّس الله روحه - العزيز إلاّ في مواضع التخيير ; فإنّه يتخيّر على الأصحّ. انتهى. الظاهر أنّ مراده كلّ صلاة رباعية ...».
والظاهر أنّ المراد من شيخنا هو : المحقّق الكركي ; إذ أنّ نسخة هذه الرسالة في مجموعة من مؤلّفاته ، كتبت سنة 964 ، والظاهر أنّها لكاتب المجموعة ، وهو : عبد الواحد بن عبد الرحيم الاسترآبادي ، رقم المجموعة 1968.
(850)
رسالة في القوى النفسانية
للشيخ الرئيس ابن سينا أو الفارابي.
أوّلها : «اعلم أنّ الإنسان ينقسم إلى سرّ وعلن ، أمّا علنه فهذا الجسم المحسوس ...».
فيها خمسة فصول.
نسخة ضمن مجموعة من الرسائل الفلسفية ، رقم 558 ..
وبآخر هذه الرسالة ذكر الوجوه المذكورة في الكتب في محق القمر والمجرة والسحاب والمطر. محق القمر؟؟
(851)
رسالة في الكبائر (العدالة)
للمحقّق الكركي.
وهي ناقصة ، ملحقة بكتاب المقنعة للشيخ المفيد ، تسلسل 641.
ص: 236
(852)
رساله كبيسه
فارسية.
أوّلها : «سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمت وألهمت لنا إلهاماً ، درخشنده تر ستاره ى كه از افق فعال أهل فضل وافضل طالع ولامع گردد حمد معبود وثناى واجب الوجود ... ابن محمّد رضا محمّد تقي الرازى كه اين چند كلمه ايست در بيان حقيقت كبيسه عرب كه از چه ناشى شده وبچه سبب در مدت سى سال يازده مرتبه كبيسه واقع مى شود ...».
ألّفها في أصفهان ، وفرغ منها في شعبان سنة 1034.
نسخة الأصل بخطّ السيّد قوام الدين حسين الحسيني اليزدي ، كتبها في حياة المؤلّف ، وعبّر عنه ب- : «شمس فلك الإفادة والإفاضة» ، وكتب المؤلّف على النسخة : «رساله كبيسه تصنيف داعى تقياى رازي» ، ضمن مجموعة رقم 567.
(853)
رسالة في الكتابة = دستور خط
فارسية.
في تعليم كتابة الحروف ، مفردة ومركبة ، ومقائيسها والتقادير التي ينبغي أن تكون طبقها.
أوّلها : «بدانكه حرفى را از حروف تهجى استادان قاعده ترتيب داده اند كه هر حرفى بچه قاعده مى بايد نوشت از هر خط پس بايد كه
ص: 237
بملاحظه نويسند ، مثلا ثلث ...».
نسخة بخطّ السيّد محمّد معصوم بن علي رضا الحسيني ، وعليها تملّك أبي الفضائل محمّد بن جلال الدين النائيني ، في شهر رمضان سنة 1088 ، كتب تملّكه بخطّه الجيّد البديع ، ضمن مجموعة رقم 619.
(854)
رسالة في ما كان يتعبّد به النبيّ قبل البعثة
فارسية.
أوّلها : «الحمد لله ربّ ... أما بعد ، بدانكه در باب اينكه پيغمبر (صلى الله عليه وآله)آيا متعبد بود پيش از بعثت او برسالت بشريعت پيغمبرى كه بود پيش از او از پيغمبران يا نه؟ ...».
فجمع فيها آراء أعلام الطائفة ، ودوّن نظرياتهم في ذلك ، وترجم ما وجده من كلمات المحقّقين ، منهم : الشيخ الطوسي ، والسيّد المرتضى ، وابن زهرة ، والمحقّق الحلّي ، والعلاّمة الحلّي.
وترجم سؤال السيّد فضل الله الحسيني ، وجواب المحقّق الكركي حول ذلك ، حين استفتاه عنه فأجابه.
وكذا ترجم كلام جماعة آخرين ، أو نقل نصوصهم من مؤلّفاتهم الفارسية ، وآخرهم : الشيخ حسن صاحب المعالم ، المتوفّى سنة 1011.
فيظهر أنّ مؤلّف هذه الرسالة من أهل القرن الحادي عشر.
نسخة بخطّ نسخ خشن جيّد ، كتبت في القرن الحادي عشر أو الثاني عشر ، وأظنّ أنّ في النسخة تقديماً وتأخيراً ، لا أنهّا رسالتان في هذا الموضوع ، وعلى النسخة مقابلات وتصحيحات ، وهي ناقصة من آخرها
ص: 238
قليلاً ، وبعدها ترجمة شرف المصطفى للخرگوشي ، رقم 183.
(855)
رسالة في مال الناصب
فارسية.
للعلاّمة المحدِّث شيخ الإسلام محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1111.
في حكم أموال النصاب ، ومعنى النصب ، وهي ترجمة لِما ورد في الموضوع من الأحاديث عن الأئمّة من العترة الطاهرة (عليهم السلام).
نسخة بخطّ محمّد حسين بن محمّد أمين ، بخطّ نسخ جيّد خشن ، ضمن مجموعة من رسائل المؤلّف ، كلّها بخطّ هذا الكاتب ، تاريخها سنة 1125 ، من الورقة 178 ب إلى الورقة 185 أمن المجموعة ، وعليها تملّك سبط المؤلّف السيّد عبد الباقي الخواتون آبادي ، رقم التسلسل 654.
(856)
رسالة في ماهية الصلاة
للشيخ الرئيس ، أبي علي ابن سينا ، المتوفّى سنة 427.
ذكرها المهدوي في : فهرست مصنّفات ابن سينا : 175 ، وطبعت في القاهرة ضمن مجموعة جامع البدائع ، وفي إيران بهامش شرح الهداية للمولى صدرا ، وترجمها ضياء الدين الدري إلى الفارسية وطبعها سنة 1366 في إيران.
نسخة ناقصة من وسطها ، بأوّل مجموعة قيّمة من رسائل ابن سينا
ص: 239
وغيره ، كتبت سنة 1131 ، رقم 597.
(857)
رسالة في ما يقصد في
خطاب : (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين)
للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، المتوفّى سنة 1241.
كتبها في جواب من سأله عن سؤالين ، أوّلهما هذا ، وهي رسالة مختصرة في ورقتين.
نسخة كتبت في حياة المؤلّف سنة 1236 بخطّ نسخ جيّد ، ضمن مجموعة من رسائله وأجوبة مسائله ، رقم 1663.
(858)
رسالة مجدية = كشف الغرائب
لمجد الملك الحاج محمّد خان السينكي ، المتوفّى سنة 1298.
مطبوع بطهران سنة 1321.
نسخة ضمن مجموعة شعرية ، لعلّها بخطّ المؤلّف ، رقم 1446.
نسخة بخطّ فارسي جميل رائع ، كتبها أحد الخطّاطين ، وفرغ منها في صفر سنة 1309 ، بأوّلها لوحة أنيقة ، وتقع في 28 ورقة ، رقم 1474.
نسخة بخطّ فارسي جيّد ، وبهوامشها تعاليق توضيحية على بعض موارده ، ويظهر أنّها أكبر حجماً من سائر النسخ ، في 42 ورقة ، رقم 1475.
ص: 240
(859)
رسالة في مخارج الحروف
وبعض قواعد علم التجويد
فارسية.
أوّلها : «تفصيل مخارج بيست وهشت حرف كه مدار كلمات ...».
نسخة ضمن المجموعة رقم 1811.
(860)
رسالة في مراتب الموجودات
واختلافها في الوجود
أوّلها : «مراتب الموجودات في الوجودية بحسب التقسيم العقلي ثلاث ، لا مزيد عليها ...».
مختصرة في ورقتين ، وجاء في آخرها : «تمّت الطيبة» ; فالظاهر أنّ اسمها : الطيبة ، وإن لم أعثر عليها في الفهارس.
نسخة بخطّ فارسي جميل ، كتبها متكا بن طاهر بن علي في الثامن من شهر ربيع الآخر سنة 867 ، ضمن المجموعة رقم 1617.
(861)
رسالة في المزاج
ماهيّته وإنيته
لصدر الدين الشيرازي ، وهو : الفيلسوف المتألّه صدر المتألّهين
ص: 241
محمّد بن إبراهيم ، المشتهر ب- : المولى صدرا ، المتوفّى سنة 1050.
أوّلها : «الحمد لواهب الحياة والعقل ، والصلاة على النبيّ والأهل ، أمّا بعد ، فهذه مقالة في تحقيق مهية المزاج وإنيته ...».
نسخة ضمن مجموعة من مؤلّفاته ، بخطّ محمّد رضا بن محمّد قديم التبريزي ، كتبها في أصفهان ، بخطّ فارسي ، سنة 1232 ، رقم 1117.
(862)
رسالة في مسائل وأجوبة
فيها مسائل وأجوبة عن تفسير بعض الآيات وتأويلها وعن شرح بعض الأحاديث المشكلة ، نظير أمالي المرتضى ، وينقل عنه كثيراً.
أوّلها : «مسألة عن آية : (لا تدركه الأبصار ...)».
وجاء في آخرها : «صورة خطّه : فرغ منه بعيد نصف ليلة الأربعاء أوّل جمادى الأُولى خامسة السنة الثامنة من العقد الثامن من المائة الأُولى بعد الألف ... وكان زمن التأليف خمس عشرة ليلة تقريباً ، يكتبه بيمناه الداثرة مؤلّفه الفقير إلى الله ... بهاء الدين محمّد الأصفهاني» ..
وهو ليس الفاضل الهندي ، [الشيخ محمّد بن الحسن الأصفهاني] ، مؤلّف كتاب كشف اللثام ; لأنّه ولد سنة 1062 وتوفّي سنة 1137 ، وألّفه سنة 1078.
نسخة بخطّ نسخ ، كتبها محمّد رضا بن محمّد الدرب إمامي الكاشاني في القرن الثالث عشر ، بآخر المجموعة رقم 1946.
ص: 242
(863)
رسالة في مسائل ادّعى الشيخ الطوسي فيها الإجماع
ثمّ ناقض نفسه فيها
للشهيد الثاني ، زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي.
مطبوعة.
نسخة بخطّ العلاّمة الشيخ عبد الحسين الحلّي ، ضمن مجموعة 9 رسائل ، كلّها بخطّه ، في 3 أوراق ، رقم 385.
(864)
رسالة معادية
رسالة فارسية في المعاد.
تأليف : الشيخ حسن بن محمّد.
من تلامذة الوحيد البهبهاني في كربلاء ، ثمّ هاجر منها في فتنة الوهّابيّة سنة 1216 إلى كرمانشاه ، ثمّ سافر منها إلى أصفهان وألّف فيها كتابه أنوار البصائر سنة 1222. وله زبدة الرجال أيضاً.
ألّف هذه الرسالة في كرمانشاه ، لمناظرة حدثت له في مجلس بعض الأعيان هناك حول المعاد ; إذ اجتمع فيها بميرزا محمّد تقي ، فتذاكروا أمر المعاد ، وأجاب عمّا أوردوه عليه من الشبهات ، فأعجبه وأعجب الحضّار ، وبعد انقضاء المجلس رأى أن يؤلّف رسالة في المعاد ..
أوّلها : «الحمد لله ربّ ... چون در اوان ورود اين تراب اقدام علماء حسن بن محمّد عفى عنهما ...».
ص: 243
وقد رتّبها على مقدّمة وخمسة أبواب وخاتمة.
نسخة الأصل بخطّ يد المؤلّف ، ضمن مجموعة من رسائله ، كلّها بخطّه ، رقم 1736.
نسخة بنسخ جيّد ، ضمن مجموعة من رسائله ومؤلّفاته ، مكتوبة في القرن الثالث عشر ، رقم 712.
(865)
رسالة في المعميات
فارسية.
للسيّد مير حسين بن محمّد الحسني الشيرازي ، المتوفّى سنة 904.
ألّفها للوزير الأديب مير علي شير النوائي ، المتوفّى سنة 906 ، ذكره في كشف الظنون 2 / 1742.
أوّلها :
بنام انكه از تركيب وتأليف
معماى جهان را كرده ترتيب
آخرها :
هزاران درود وهزاران سلام
ز ما بر محمّد عليه السلام
نسخة بخطّ أحد خطّاطي ذلك الوزير الأديب ، كتبها بخطّ فارسي جميل رائع في حياتهما ، وكتب الأسماء بالشنجرف ، فلمّا توفّي كتب في آخرها بعض الشعراء من معاصريه بخطّ رديء بيتين في رثاء المؤلّف وتاريخ وفاته ، وهي :
سيد حسين قدوه آل رسول ...
بر اهل تعميه همه فائق فتاده بود
رفت از جهان فانى وتاريخ فوت او
با (هجرت رسول) موافق فتاده بود
ص: 244
وفي آخرها منظومة فارسية في ما ينبغي أن يُنظر إليه عند الاستهلال في كلّ شهر ، وبعدها أبيات ناصر خسرو الشاعر العلوي القبادياني في المعمّى :
در آشيان چرخ دو مرغان پركند
اندر فضاى ربع زمين ندا ميخورند
.........................
........................
65 ورقة ، رقم 1483.
(866)
رسالة في معنى فناء العبد
للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، المتوفّى سنة 1241.
نسخة ضمن مجموعة من رسائله ، كتبت في حياته ، وهي تبدأ بص 339 - 344 ، تسلسل 693.
(867)
رسالة في معنى : «لولاك لَما خلقت الأفلاك»
للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ، المتوفّى سنة 1241.
كتبها في جواب سؤال السيّد مال الله ابن السيّد محمّد الخطّي ، وقد سأله عن الحديث القدسي : «لولاك لَما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لَما خلقتك» ، فأجاب بأنّ صدر الحديث متواتر لا مرية ، إنّما الكلام في عجز الحديث ; حيث لم يظفر به في كتاب ، إنّما هو شيء سمعه أفواهاً ، وقد سمعه عن شيخه الشيخ محمّد بن الشيخ محسن بن الشيخ علي القرني الأحسائي ، أنّه سمعه عن شيخه المحقّق الوحيد البهبهاني.
ص: 245
نسخة ضمن مجموعة من رسائله ، كتبت في حياته ، وهي تبدأ بص 352 - 354 ، تسلسل 693.
(868)
رسالة في معنى ما رووه
من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث»
للشيخ المفيد ، أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، المتوفّى سنة 413.
نسخة كتبتُها بخطّي في سامرّاء ، وفرغت منها في يوم الخميس 20 رجب سنة 1368 ، ضمن مجموعة رقم 787.
(869)
رسالة في المنطق
فارسية ، صغيرة.
وأظنّها الصغرى ، للسيّد الشريف الجرجاني.
نسخة بآخر شرح الكبرى لعصام الدين العربشاهي ، رقم عام 563.
(870)
رسالة في مَن مات عن زوجة وأولاد ...
للشيخ لطف الله الميسي.
وهي في مَن مات عن زوجة وأولاد ، ثمّ مات أحد الأولاد ، وتنازع الورثة في أنّ الأب مات قبل أو الابن ..
ص: 246
كان قد سئل عنها فأجاب ، فاعترض عليه بعض فقهاء عصره ، فألّف هذه الرسالة ; دعماً لرأيه ودحضاً لخصمه.
أوّلها : «الحمد لله على نعمائه الظافرة الظاهرة الجلية ، وآلائه الطاهرة الباطنية الخفية ...».
فرغ منها في غرّة شعبان سنة 1019.
نسخة الأصل بخطّ المؤلّف ، في مجموعة قيّمة من رسائله ، كلّها بخطّه ، من الورقة 24 ب إلى 35 أ ، رقم 2 / 1988.
(871)
رسالة في النفوس وقواها ومراتبها
فارسية.
للحكيم العارف حسام الدين بن يحيى اللاهيجي ، من أعلام القرن الحادي عشر.
أوّلها : «الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ، ليهدينا إلى طريق الصواب ...».
مرتّب على اثنتي عشرة مرحلة.
نسخة بخطّ الشيخ محمّد بن محمود الموركلائي المازندراني ، ولعلّه من تلامذة المؤلّف ، كتبها ضمن مجموعة رسائل بخطّه ، كلّها للمؤلّف ، وفرغ منها سنة 1090 ، رقم 566 ..
وعليها تعليقات كثيرة للمؤلّف.
للموضوع صلة ...
ص: 247
السيّد علي حسن مطر
سبع وأربعون - مصطلح اسم الفاعل
اسم الفاعل من مصطلحات البصريّين ، وقد وضع الكوفيّون في قباله مصطلح : (الفعل الدائم) (1) ..
«قال ثعلب : كلّمت ذات يوم محمّد بن يزيد البصري ، فقال : كان الفراء يناقض ; يقول : قائِمٌ فعل ، وهو اسم لدخولِ التنوين عليه ، فإن كان فعلاً لم يكن اسماً ، وإن كان اسماً فلا ينبغي أن نسمّيه فعلاً.
فقلت : الفراء يقول : قائمٌ فعل دائِم ، لفظه لفظ الأسماء لدخولِ دلائِل الأسماء عليه ، ومعناه معنى الفعل ; لأنّه ينصب فيقال : قائِم قياماً ، وضاربٌ زيداً ، فالجهة التي هو فيها اسم ليس هو فيها فعلاً ، والجهة التي هو فيها فعل ليس هو فيها اسماً» (2).
ص: 248
ولم يكتب لمصطلح الكوفيّين الرواج ، فبقي محفوظاً في بطون الكتب.
وقد استعمل النحاة الأوائل مصطلح (اسم الفاعل) وأشاروا إلى طرق صياغته من الأفعال المختلفة ، وبيّنوا أنّه يعمل عمل فعله ، وذكروا شروط هذا العمل ، ولكنّهم لم يهتمّوا بصياغة تعريفه الاصطلاحي.
وممّا جاء في كتاب سيبويه (ت 180 ه) بشأن اسم الفاعل قوله : «واعلم أنّ ما ضارعَ الفعل المضارع من الأسماء في الكلام ووافقه في البناء ، أُجري لفظه مجرى ما يستثقلون (1) ... ومع هذا أنّك ترى الصفة تجري في معنى (يفعل) يعني : هذا رجل ضارب زيداً ، وتنصِب كما ينصِب الفعل» (2) ..
فمراده ب- : (الجري) على الفعل : أنّه يعمل عمله ، فينصب المفعول به ، إن كان بمعنى الفعل المتعدّي ، كما في المثال ، ويرفع الفاعل إن كان بمعنى الفعل اللازم ، نحو : أقائمٌ زيد.
وبيّن في موضع آخر أنّه يشترط في عمل اسم الفاعل أن لا يكون بمعنى الماضي ، بل بمعنى المضارع أو المستقبل ; فقال : «وممّا لا يكون فيه إلاّ الرفع قوله : (أعبدُ اللهِ أنت الضاربه) ; لأنّك تريد معنى : (أنتَ الذي ضربه) ، وهذا لا يجري مجرى يفعلُ .. وتقول : هذا ضاربٌ كما ترى ، فيجيء على معنى : (هذا يضربُ) ، وهو يعمل في حال حديثك ، وتقول : (هذا ضاربٌ) ، فيجيء على معنى : (هذا سيضربُ)» (3).0.
ص: 249
وتكلّم المبرّد (ت 285 ه) في مواضع متفرّقة من كتابه على اسم الفاعل ، دون أن يعرّفه ، وممّا ذكره : «قولك : هذا ضاربٌ زيداً ، فهذا الاسم إن أردت به معنى ما مضى ، فهو بمنزلة قولك : غلام زيد ، تقول : هذا ضاربٌ زيد أمسِ .. لم يجز فيه إلاّ هذا ...
ألا ترى أنّك لو قلت : (هذا غلامٌ زيداً) كان مُحالاً ، فكذلك اسم الفاعل إذا كان ماضياً ، لا تنوِّنُه ; لأنّه اسم ، وليست فيه مضارعة الفعل» (1).
وأقدم تعريف وجدته لاسم الفاعل - في حدود ما توفّر لي من مصادر - ما ذكره الزمخشري (ت 538 ه) بقوله : «اسم الفاعل : هو ما يجري على (يفعل) من فعله ، ك- : ضارب ، ومُكرِم ، ومنطلِق ، ومستخرِج ، ومدحرِج» (2) ..
وقال ابن يعيش في شرحه : «اعلم أنّ اسم الفاعل الذي يعمل عمل الفعل ، هو الجاري مجرى الفعل في اللفظ والمعنى ، أمّا اللفظ ; فلأنّه جار عليه في حركاته وسكناته ، ويطّرد فيه ، وذلك نحو : ضارِب ، ومُكرِم ، ومنطلق ، ومستخرج ، ومُدحرِج ، كلُّه جار على فعلِهِ الذي هو : يضرِبُ ، ويُكرِمُ ، وينطلقُ ، ويستخرجُ ، ويُدحرِج ، فإذا أُريد به ما أنت فيه ، وهو الحال أو الاستقبال ، صار مثله من جهة اللفظ والمعنى ، فجرى مجراه ، وحمل عليه في العمل» (3).
فجريان الاسم على الفعل المضارع لفظاً ، أي مماثلته له في الحركات والسكنات ، دخيل في حقيقة اسم الفاعل ، وأمّا جريانه عليه في المعنى ، 4.
ص: 250
أي دلالته على الحال أو الاستقبال ، فهي شرط في عمله عمل الفعل ، ولأجل ذلك نراهم يقسّمون اسم الفاعل إلى عامل وغير عامل ، تبعاً لجريانه على المضارع معنىً ، بعد الفراغ عن تسميته باسم الفاعل ، بسبب جريانه على المضارع لفظاً.
وممّا يدلّ على أنّ مراد الزمخشري هو تعريف اسم الفاعل بما يجري على الفعل المضارع لفظاً ، أي : يماثله في حركاته وسكناته ، هو أنّه بعد تعريفه لاسم الفاعل ب- : (ما يجري على يفعل) ، قال : «ويشترط في إعمال اسم الفاعل أن يكون في معنى الحال أو الاستقبال» (1).
ويلاحظ على هذا التعريف : عدم مانعيته من دخول الأغيار ، كاسمي الزمان والمكان ، نحو : مَقْتَل ، ومَضْرِب ; لمكان القتل وزمانه ، واسم التفضيل ، نحو : أعْلَمُ وأسْرَعُ ، وبعض الصفات المشبّهة ، نحو : ضامر وأهيف.
وعرّفه ابن الخشّاب (ت 567 ه) بقوله : «هو الصفة الجارية على الفعل المضارع في حركاته وسكناته» (2).
وأخذه (الصفة) في جنس التعريف تحرّز من دخول ما كان جارياً على حركات وسكنات المضارع ولم يكن صفة ، كاسمي الزمان والمكان ..
وأخذه (الجارية ... إلى آخره) تحرّز من دخول ما كان صفة ولم يكن جارياً على حركات وسكنات الفعل المضارع ، ك- : اسم المفعول ، والصفة المشبّهة.
ويؤخذ عليه : عدم مانعيّته من دخول اسم التفضيل ، نحو : أكرم 6.
ص: 251
وأحسن ، وبعض الصفات المشبّهة ، نحو : ضامر وأهيف ; فإنّها أيضاً صفات جارية على حركات وسكنات الفعل المضارع.
وعرّفه المطرّزي (ت 610 ه) بأنّه : «اسم اشتقّ لِذاتِ مَنْ فَعَلَ ، ويجري على (يفعَلُ) من فعله ، أي : يوازيه في الحركات والسكنات» (1).
قوله : (اشتقّ) أي : أُخذ من مصدر ، فيدخل فيه جميع المشتقّات ، وقوله : (لذاتِ مَن فَعَل) ، أي : للذات التي حصلَ منها الحَدَث (الفِعْل) ، وهذا مُخرج لجميع الأسماء المشتقّة غير اسم الفاعل ، فإنّ اسم المفعول مشتقّ لذات من وقع عليه الحَدَث ، والصفة المشبّهة واسم التفضيل مشتقّان للدلالة على الحَدَث الثابت للذاتِ ، لا الصادر عنها ، واسم الزمان والمكان مشتقّان يدلاّن على زمان وقوع الحَدَثِ ومكانه.
وعليه يكون قوله : (ويجري على يفعل من فعله) إضافة توضيحيّة ، لا قيداً احترازيّاً.
وطرح ابن الحاجب (ت 646 ه) تعريفين لاسم الفاعل :
الأوّل : «هو المشتقّ من فعل لمن نُسبَ إليه على نحو المضارع» (2).
والثاني : «ما اشتقّ من فعل لمن قام به بمعنى الحدوث» (3).
وتابعه على الثاني كلٌّ من : الأردبيلي (ت 647 ه) (4) ، وابن هشام 6.
ص: 252
(ت 761 ه) (1) ، والفاكهي (ت 972 ه) (2) ، الذي قال في صدر التعريف : (ما اشتقّ من مصدر فعل) زيادة في الإيضاح ; ذلك أنّ هذا هو مراد ابن الحاجب ، على ما بيّنه الرضيّ الاسترآبادي ; إذ قال في شرح التعريف : «قوله : (ما اشتقّ من فعل) ، أي : من مصدر ، وذلك على ما تقدّم [من] أن سيبويه سمّى المصدر فعلاً وحَدَثاً وحَدَثاناً ، والدليل على أنّه لم يُرد بالفعلِ نحو ضَرَب ويضربُ ... أنّ الضمير في قوله : (لمن قام به) راجع إلى الفعل ، والقائم هو المصدر والحَدَث» (3).
وقال الفاكهي في شرح التعريف : «هو (ما اشتقّ) أي : أُخذ (من مصدرِ فعل) ثلاثي أو غيره (لمن قامَ) الفعل (به) ، أي : تلبسّ به ، (على معنى الحدوث) أي : حدوث الفعل منه وصدوره عنه ، ك- : ضارب ومُكرم ، فهو دالّ على حدث وصاحبه ، وخرج عن الحدّ الفعل بأنواعه ; فإنّه إنّما اشتقّ لتعيين زمن الحدوث لا للدلالة على مَن قام به ، وكذا اسم المفعول ; فإنّه إنّما اشتقّ لمن وقع عليه ، وكذا أسماء الزمان والمكان ; فإنّها إنّما اشتقت لما وقع فيها ، وكذا الصفة المشبّهة واسم التفضيل ; فإنّهما إنّما اشتقّا لمن قام به الفعلُ على معنى الثبوت لا على معنى الحدوث» (4).
وعرّفه ابن مالك (ت 672 ه) بثلاثة تعاريف :
أوّلها : «هو الصفة الدالّة على فاعل ، جارية في التذكير والتأنيث على 1.
ص: 253
المضارع من أفعالها ، لمعناه أو لمعنى الماضي» (1).
ونقله عنه الخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل مع بعض الاختلاف في الصياغة ، فقال : «هو الصفة الدالّة على فاعل الحدث ، الجارية في مطلق الحركات والسكنات على المضارع من أفعالها في حالتي التذكير والتأنيث لمعنى المضارع أو الماضي» ..
ثمّ قال في شرحه : «خرج بالدالّة على الفاعل : اسم المفعول ، وما بمعناه ، كقتيل. وبالجارية على المضارع : الجارية على الماضي ، كفَرِح ، وغير الجارية على فعل ، ككريم. وبالتأنيث : نحو : (أهْيَف) ; فإنّه لا يجري على المضارع إلاّ في التذكير ; لأنّ مؤنّثه هَيْفاء ، و (لمعناه أو معنى الماضي) لإخراج نحو : (ضامِرِ الكشح) ، ممّا دلّ على الاستمرار ، ويخرج به أيضاً : (أفعل التفضيل) ; لأنّه للدوام .. فهذه المخرجات ما عدا الأوّل والأخير (2) صفات مشبّهة لا اسم فاعل» (3).
وثانيها : «هو : الصفة الصريحة ، المؤدّية معنى فعل الفاعل ، دون تفضيل ، ولا قبول إضافة إلى مرفوع المعنى ..
فخرج ب- (الصريحة) : غير الصريحة ، كالمصدر الموصوف به ..
وخرج ب- (المؤدّية معنى فعل الفاعل) : اسم المفعول ..
وخرجَ ب- (دون تفضيل) : أفعل التفضيل .. 0.
ص: 254
وخرجَ ب- (نفي قبول الإضافة إلى المرفوع) : الصفة المشبّهة» (1).
أقول :
إنّ كلمة (الصفة) تطلق تارة ويراد بها (النعت) الاصطلاحي ، وتطلق تارة أُخرى ويراد بها (الوصف) الاصطلاحي ، ولا شكّ أنّ مراد ابن مالك هنا هو الوصف خاصّة ، ولو أنّه عبّر به ، لما احتاج إلى تقييده ب- (الصريح) ; لأنَّه لا يكون إلاّ صريحاً ، بخلاف الصفة بمعنى النعت ; فإنّها قد لا تأتي صريحة بل تأتي غير صريحة ، كالنعت بالمصدر في نحو : زيدٌ عَدْلٌ.
وثالثها : «ما صيغ من مصدر موازناً للمضارع ليدلّ على فاعله ، غير صالح للإضافَةَ إليه» (2).
فقوله : (ما صيغ من مصدر) يشمل جميع المشتقّات ، وذكره للقيود الثلاثة : الموازنة للمضارع ، والدلالة على الفاعل ، وعدم قبول الإضافة لفاعله ، تخرج بقية المشتقّات.
وعرّفه ابن الناظم (ت 686 ه) بأنّه : «ما دلّ على حدث وفاعله ، جارياً مجرى الفعل في إفادة الحدوث والصلاحية للاستعمال بمعنى الماضي والحال والاستقبال» (3).
ثمّ قال : «فخرج بقولي : (وفاعله) اسم المفعول ، و : (جارياً مجرى الفعل في إفادة الحدوث) أفعلُ التفضيل ، كأفضلَ من زيد ، والصفة المشبّهة 2.
ص: 255
باسم الفاعل ، كحسن وظريف ; فإنّهما لا يفيدان الحدوث ، ومن ثمّ لم يكونا لغير الحال ... ولا يجيء اسم الفاعل إلاّ جارياً على مضارعه في حركاته وسكناته ، ك- : ضارب ، ومكرم ، ومستخرِج» (1).
وتابعه على هذا التعريف : المكودي (ت 807 ه) (2) ، وابن طولون الدمشقي (ت 953 ه) (3).
وطرح ابن الفخّار الخولاني (ت 745 ه) تعريفاً زعمَ أنّه مراد لأبي القاسم الزجّاجي (ت 337 ه) ; إذ قال في شرحه لكتاب الجمل : «اسم الفاعل هو : الصفة الدالّة على الفاعل ، الجارية على المضارع في حركاته وسكناته وعدد حروفه ، وهذا هو مراد أبي القاسم ها هنا» (4).
وقوله : (الدالّة على الفاعل) أي : على فاعل الحدث ، أي : على ذات حصل منها الحَدث ، وعليه يخرج اسم المفعول ; لدلالته على ما وقع عليه الحدث ، وتخرج الصفة المشبّهة واسم التفضيل ; لدلالتهما على ذات ثبت لها الحدث ، نحو : كريم ، وأكرم ، ويخرج بالجريان على حركات وسكنات المضارع صيغة المبالغة ، نحو : فعّال ، وفَعول.
وأمّا ابن هشام (ت 761 ه) فقد عرّفه بثلاثة تعاريف :
أوّلها : «هو ما اشتقّ من فعل لمن قام به على معنى الحدوث ، ك- : ضارب ، ومكرم». 1.
ص: 256
وهو متابع في هذا التعريف لابن الحاجب ، كما تقدّم ذكره.
وقد شرحه بقوله : «قولي : (ما اشتقّ من فعل) ، فيه تجوّز ، وحقّه : ما اشتقّ من مصدر فعل.
وقولي : (لمن قام به) ، مخرج : للفعل بأنواعه ; فإنّه إنّما اشتقّ لتعيين زمن الحدث ، لا للدلالة على من قام به. ولاسم المفعول ; فإنّه إنّما اشتقّ من الفعل لمن وقع عليه. ولأسماء الزمان والمكان المأخوذة من الفعل ; فإنّها إنّما اشتقّت لما وقع فيها ، لا لمن قامت به ، وذلك نحو : (المضرِب) - بكسرِ الراء - اسماً لزمان الضرب أو مكانه.
وقولي : (على معنى الحدوث) ، مخرج : للصفة المشبّهة ، ولاسم التفضيل ، ك- : ظريف ، وأفضل ; فإنّهما إنّما اشتقّا لمن قام به الفعل ، لكن على معنى الثبوت لا على معنى الحدوث» (1).
وثانيها : «هو ما دلّ على الحدثِ والحدوثِ وفاعله» (2).
وقال الشيخ خالد الأزهري في شرحه :
«فالدالّ على الحدث بمنزلة الجنس يشمل جميع الأوصاف والأفعال ، فخرج بذكر الحدوث : اسم التفضيل ، نحو : أفضل ، والصفة المشبّهة ، نحو : حَسَن ; فإنّهما لا يدلاّن على الحدوث ، وإنّما يدلاّن على الثبوت.
وخرج بذكر فاعله : اسم المفعول ، نحو : مضَروب. والفعلُ ، نحو : قامَ ; فإنّ اسم المفعول إنّما يدلّ على المفعول ، لا على الفاعل ، والفعل إنّما 8.
ص: 257
يدلّ على الحدث والزمان بالوضع ، لا على الفاعل ، وإن دلّ عليه بالالتزام» (1).
وثالثها : هو الوصف الدالّ على الفاعل ، الجاري على حركات المضارع وسكناته» (2).
وهو تابع فيه للتعريف المتقدّم الذي نسبه الخولاني لأبي القاسم الزجّاجي.
وعرّفه السيوطي (ت 911 ه) بأنّه : «ما دلّ على حَدَث وصاحبه.
ف- (ما دلّ) جنس ، وقوله : (على حَدَث) يخرج : الجامد ، والصفة المشبّهة ، وأفعل التفضيل ، و (صاحبه) يخرج : المصدر ، واسم المفعول» (3).
ويرد عليه : أنّ قوله : (على حَدَث) لا يخرج الصفة المشبّهة ، ولا أفعل التفضيل ; لدلالة كلّ منهما على حدوث ثابت للذات ..
وقوله : (وصاحبه) كان الأولى إِبداله ب- (وفاعله) ; لأنه هو المراد له قطعاً ، فإِبداله الفاعل بالصاحب فيه تسامح قد يفتح الباب للإِيراد عليه ، بأنه لا يصلح لإخراج الصفة المشبهة ولا أفعل التفصيل ، ولا يخرج اسم المفعول أيضاً ; لأنّ الصحبة والارتباط بين الحدث والذات أعمّ من صدور الحدث من الذات ، أو ثبوته لها ، أو وقوعه عليها ، ولو أنّه قال : (وفاعله) لَما تعرَّض لهذا الإيراد. 9.
ص: 258
وعرّفه الخضري بقوله : «ما دلّ على فاعل الحَدَث ، وجرى مجرى الفعل في إفادة الحدوث ..
فخرج بالأوّل : اسم المفعول. وبالثاني : الصفة بجميع أوزانها ، وأفعل التفضيل» (1).
ويلاحظ : أنّه لا حاجة إلى الاحتراز بقوله : (وجرى مجرى الفعل في إفادة الحدوث) ; لأنّ المراد ب- (فاعل الحَدَث) : ما صدرَ منه الحدث ، وهو كما يخرج اسم المفعول ; لدلالته على من وقع عليه الحدث ، فإنّه يخرج أيضاً : الصفة ، وأفعل التفضيل ; لدلالتهما على من ثبت له الحَدَث.
ومنه يتحصّل : أنّ أوجز التعاريف الصحيحة لاسم الفاعل هو : ما دلّ على فاعل الحَدَث ، أو : ما دلّ على حدث وفاعله.
* * * 0.
ص: 259
ثمان وأربعون - مصطلح
الصفة المشبّهة باسم الفاعل
عبّر سيبويه (ت 180 ه) والمبرّد (ت 280 ه) عن هذا المصطلح ب- : (الصفة المشبّهة بالفاعل في ما عملت فيه) (1) ، ومرادهما معاً بالفاعل : اسم الفاعل ..
قال سيبويه : إِنّ هذه الصفة «لم تقوَ أن تعمل عمل الفاعل ; لأنّها ليست في معنى المضارع ، فإنّما شبهّت بالفاعل في ما عملت فيه» (2) ، أي : أنّ الصفة المشبّهة ليست في معنى الفعل المضارع كاسم الفاعل ، ولأجل ذلك لم تقوَ على أن تعمل عمله ، وإنّما شبهّت به في ما عملت فيه.
وأوّل من عبّر ب- : (الصفة المشبّهة باسم الفاعل) هو ابن السرّاج (ت 316 ه) ، وعرّفها بذكر عدد من أمثلتها ; فقال في «باب الأسماء التي عملت عمل الفعل ... والثاني : الصفة المشبّهة باسم الفاعل ; مثل : حَسَن وشديد ، وجميع ما جاز تذكيره وتأنيثه وتثنيته وجمعه بالواو والنون ، وإدخال الألف واللام عليه» (3).
وعرّفها الزجّاجي (ت 337 ه) بأنّها : «كلّ صفّة تثنّى وتجمع وتذكّر 3.
ص: 260
وتؤنّث» (1).
وقال أبو علي الفارسي (ت 377 ه) : «هذه الصفات مشبّهة باسم الفاعل ، كما كان اسم الفاعل مشبّهاً بالفعل ... وتنقص هذه الصفات عن رتبه اسم الفاعل بأنّها ليست جارية على الفعل [المضارع] ، فلم تكن على أوزان الفعل كما كان ضارب في وزن الفعل وعلى حركاته وسكونه» (2).
وقال الزمخشري (ت 538 ه) : الصفة المشبّهة : «هي التي ليست من الصفات الجارية ، وإنّما هي مشبّهة بها في أنّها تذكّر وتؤنّث وتثنّى وتجمع ; نحو : كريم ، وحسن ، وصعب ، وهي لذلك تعمل عمل فعلها ، فيقال : زيدٌ كريمٌ حسَبُه ، وحَسَنٌ وجهُهُ ، وصعبٌ جانبهُ ... وهي تدلّ على معنىً ثابت ، فإن أُريد الحدوثُ ، قيل : هو حاسنٌ الآن أو غداً» (3).
وقال المطرّزي (ت 610 ه) : «الصفة المشبّهة هي : ما لا يجري على (يفعلُ) من فعلها ; نحو : كريم ، وحسن ، وشبّهت باسم الفاعل في أنّها تثنّى وتجمع وتذكّر وتؤنّث ، ولذا تعمل عمل فعلها» (4).
وإلى هنا يكون النحاة قد انتهوا إلى أنّ الصفة المشبّهة تخالف اسم الفاعل في أنّها لا توازي الفعل المضارع في الحركات والسكنات ، وفي أنّها تدلّ على معنىً ثابت ، ولا تدلّ على التجدّد والحدوث ، كما هي الحال في 2.
ص: 261
الفعل المضارع واسم الفاعل ، وإنّما عملت عمل اسم الفاعل ; لأنّها شابهته في كونها تثنّى وتجمع وتذكّر وتؤنث.
وعرّف ابن الحاجب (ت 646 ه) الصفة المشبّهة بأنّها : «ما اشتقّ من فعل لازم ، لمن قام به ، على معنى الثبوت» (1) ..
وتابعه عليه غيره ، كالأردبيلي (ت 647 ه) في شرحه لأُنموذج الزمخشري (2) ..
وقال الرضيّ الاسترابادي في شرحه : «قوله : (من فعل) ، أي : مصدر ، قوله : (لازم) ، يخرج اسمي الفاعل والمفعول المتعدّيين. قوله : (لمن قام به) ، يخرج اسم المفعول اللازم المعدّى بحرف الجرّ ، كمعدول عنه ، واسم الزمان والمكان والآلة ، قوله : (على معنى الثبوت) ، أي : الاستمرار واللزوم ، يخرج اسم الفاعل اللازم ; ك- : قائم ، وقاعد ; فإنّه مشتقّ من لازم لمن قام به ، لكن على معنى الحدوث ، ويخرج عنه نحو : ضامر وشازب (3) وطالق ، وإن كان بمعنى الثبوت ; لأنّه في الأصل للحدوث ; وذلك لأنّ صيغة الفاعل موضوعة للحدوث ، والحدوث فيها أغلب ، ولهذا اطّرد تحويل الصفة المشبّهة إلى فاعل ; ك- : حاسن ، وضائق ، عند قصد النصّ على الحدوث» (4).
وقد أورد ابن الحاجب مضمون هذا التعريف مع تغيير ألفاظه في الوافية ; فقال : «ما اشتقّ من فعل غير متعدّ لفاعله على معنى الثبوت. 1.
ص: 262
وقال : (على معنى الثبوت) ; ليخرج اسم الفاعل من غير المتعدّي ; فإنّه كذلك ، إلاّ أنّه يفيد الحدوث ، والصفة إنّما تجيء على معنى الثبوت ; ك- : حسن ، وصعب ، وقبيح» (1).
وعرّف ابن عصفور (ت 669 ه) الصفة المشبّهة ، بأنّها : «كلّ صفة مأخوذة من فعل غير متعدّ» (2).
ونقطة الضعف في هذا التعريف عدم مانعيّته من دخول اسم الفاعل المشتقّ من الفعل اللازم ، ك- : قائم ، ونائم ; فإنّه صفة مأخوذة من فعل غير متعدّ.
وعرّفها ابن مالك (ت 672 ه) في التسهيل بما لا يخلو من طول وتعقيد ; فقال : «وهي : الملاقية فعلا لازماً ، ثابتاً معناها تحقيقاً ، أو تقديراً ، قابلة للملابسة والتجرّد والتعريف والتنكير بلا شرط» (3) ..
وقال السلسيلي في شرحه : «قوله : (الملاقية فعلاً) ... خرج [به] نحو : قرشيّ ، وقتّات ; لأنّها لم تلاقِ فعلاً ، قوله : (لازماً) ، خرج به [ملاقي] الفعل المتعدّي [نحو : عارف ، وجاهل] ، قوله : (ثابت معناه تحقيقاً) ، خرج [به] نحو : قائم ، وقاعد ... قوله : (أو تقديراً) ، دخل فيه نحو : (متقلِّب) ; فإنّه يكون صفة مشبّهة ، ولكن معناه غير ثابت ، لكن يقدّر ثبوته. قوله : (قابل للملابسة والتجريد) ، خرج [به] نحو : أب ، وأخ ، ممّا لا يقبل معناه الملابسة والتجرّد مع كونهما وصفين ، قوله : (والتعريف والتنكير) ، أي : قابلة للتعريف والتنكير ، (بلا شرط) ، خرج [به] أفعل 9.
ص: 263
التفضيل ; فإنّه إِنّما يعرّف بشرط التجرّد من (مِن)» (1).
وعرّف ابن مالك الصفة المشبّهة ب- : «العلامة» ; فقال في أُرجوزته الألفية :
صفة استحسن جرُّ فاعلِ
معنى بها المشبهةُ اسمَ الفاعلِ
وشرحه ابن عقيل بقوله : «ذكر المصّنف أنّ علامة الصفة المشبّهة : استحسانُ جرّ فاعلها بها ; نحو : حَسَنُ الوجهِ ، ومنطلقُ اللسانِ ، وطاهرُ القلبِ ، والأصل : حسنٌ وجهُهُ ، ومنطلقٌ لسانُه ، وطاهرٌ قلبُهُ ، ف(وجهُهُ) مرفوع ب(حسنٌ) على الفاعلية ... وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات ، فلا تقول : (زيدٌ ضاربُ الأبِ عمراً) تريد : ضاربٌ أبوهُ عمراً» (2).
ثمّ انتهى ابن مالك في شرح عمدة الحافظ إلى أنّ : «الصفة المشبّهة هي ما اطّردت إضافتها إلى الفاعل» (3) ..
وخلص إلى تعريفها في شرح الكافية بقوله : «هي [الصفة] المصوغة من فعل لازم ، صالحة للإضافة إلى ما هو فاعل في المعنى» (4) ، مؤكّداً أنّ : «ضبطها بصلاحيتها للإضافة إلى ما هو فاعل في المعنى أوْلى من ضبطها بالدلالة على معنىً ثابت ، وبمباينة وزنها لوزنِ المضارع ; لأنّ دلالتها على معنىً ثابت غير لازمة لها ، ولو كانت لازمة لها لم تبنَ من : (عَرَضَ) ، و (طَرَأَ) ونحوهما ، ولو كان تباين وزنها ووزن المضارع لازماً لها ، لم يعدّ 1.
ص: 264
منها : (مُعْتَدِل القامةِ) ، و (مُنطلقُ اللسان) ... وإنّما يضبطها ضبطاً جامعاً مانعاً ما ذكرته من الصلاحية للإضافة إلى ما هو فاعل في المعنى» (1).
وأمّا ابن الناظم (ت 686 ه) فقد خالف أباه في تعريفه المتقدّم ، وعرّف الصفة المشبّهة ب- : «ما صيغ لغير تفضيل من فعل لازم لقصدِ نسبته الحَدَث إلى الموصوف به دون إفادةِ معنى الحدوث ...
وممّا تختصّ به الصفة المشبّهة عن اسم الفاعل : استحسان جرّها الفاعل بالإضافة ; نحو : طاهرُ القلبِ جميلُ الظاهرِ ، تقديره : طاهرٌ قلبُه جميلٌ ظاهرُه ... وهذه الخاصَّة لا تصلح لتعريف الصفة المشبّهة وتمييزها عمّا عداها ; لأنّ العلمَ باستحسان الإضافة إلى الفاعلِ موقوف على العلمِ بأنّ الصفة مشبّهة ، فهو متأخّر عنه ، وأنت تعلم بأنّ العلمَ بالمعرِّف يجب تقدّمه على العلمِ بالمعرَّف ، فلذلك لم أُعوِّل في تعريفها على استحسان إضافتها إلى الفاعل» (2) ..
وتابعه على هذا التعريف : المكودي (ت 807 ه) (3) ، والأزهري (ت 905 ه) (4) ، وابن طولون (ت 953 ه) (5) ، وابن هشام (ت 761 ه) في أحد تعريفاته (6) ، وله تعريف ثان وافق فيه ابن مالك ، وهو : أنّها الصفة التي استحسن فيها أن تضاف لما هو فاعل في المعنى ، وردّ إشكال 9.
ص: 265
ابن الناظم بقوله : «وقد تبيّن أنّ العلم بحسن الإضافة موقوف على النظر في معناها (1) ، لا معرفة كونها صفة مشبّهة ، وحينئذ فلا دور في التعريف المذكور ، كما توهّمه ابن الناظم» (2).
وتكرّر هذا الردّ لدى الأشموني (ت 900 ه) في شرحه على الألفيّة ; إذ قال : «إنّ العلم باستحسان الإضافة موقوف على المعنى ، لا العلم بكونها صفة مشبّهة ، فلا دور» (3) ..
فحاصل الدفع : «منع توقّف الاستحسان على العلم ، بل إنّما يتوقّف على النظر في معناها الثابت لفاعلها ، بحيثُ لو حُوِّل إسنادها عنه إلى ضمير الموصوف ، لا يكون فيه لبس ولا قبح ، فتحسن حينئذ الإضافة» (4).
وعرّفها الفاكهي (ت 972 ه) بقوله : «ما اشتقّ من فعل لازم ، مقصود ثبوت معناه» (5).
وهو تابع فيه لتعريف ابن الحاجب المتقدّم.
* * * 4.
ص: 266
ص: 267
ص: 268
صورة
ص: 269
ص: 270
مقدمة التحقيق :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الأوّل بلا أوّل كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده ، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ، ثمّ الصلاة والسلام على العبد المؤيد ، والرسول الأمجد ، الذي سُمّي في السماء أحمد ، وفي الأرض ب- : أبي القاسم المصطفى محمّد صلّى الله عليه وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين ، إلى قيام يوم الدين.
وبعد ..
قال الله عزّ وجلّ في محكم كتابه الكريم : (وإنّك لعلى خُلق عظيم) (1).
وقد فسّرت هذه الآية بأقوال مختلفة ، منها :
(1) أعظمية دين الإسلام. 4.
ص: 271
(1) إنّك متخلّق بأخلاق الإسلام ، وعلى طبع كريم.
(2) سمّى خلقه عظيماً ; لاجتماع مكارم الأخلاق فيه.
وممّا يؤيّد هذا القول قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّما بعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق» (3) ، وكذلك ; لأنّ الله أدّب نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على محبّته وأحسن في تأديبه فقال له : (خُذ العفوَ وأمُر بالعُرْف وأعرِض عن الجاهلين) (2) ، ولمّا كان هذا تأديب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل الله عزّ وجلّ حتّى أنزل الله بحقّه هذه الآية المباركة.
(4) الخُلق العظيم : وهو الصبر على الحقّ ، وسعة البذل ، وتدبير الأُمور على مقتضى العقل بالصلاح والرفق والمداراة وتحمّل المكاره في الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى ، والتجاوز والعفو ، والجهد في نصرة المؤمنين ، وترك الحسد والحرص.
وإليك شرح بعض النصوص.
عظمة الإسلام :
يمتاز الدين الإسلامي عن سائر الأديان بأنّ كلّ ما جاء فيه يوافق العقل المجرّد عن الوساوس الشيطانية ، غير الملوّث بالمعاصي والآثام ، وقد أعطى الدين الإسلامي للعقل قيمة سامية ، وجعله آلة للتمييز بين الصواب والخطأ ; فقد قال تبارك وتعالى : (فبشّر عبادِ * الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنهُ أُولئك الّذين هداهم الله وأُولئك هم أُولوا الألباب) (3).8.
ص: 272
فهل يمكن للإنسان المجرّد عن العقل أن يتّبع القول الجيّد عن القول الرديء؟!
كلاّ لا يمكن له أن يميّز بينهما ، فهنا الله تبارك وتعالى أعطى قيمة للعقل في تشخيص أحسن القول حتّى لا يلوّث النفس ويوبقها ويرديها ; لأنّ النفس أمّارة بالسوء ..
فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «ولمّا خلق الله العقل استنطقه ثمّ قال : أقبِل. فأقبَل ، ثمّ قال : أدبِر. فأدبَر ، ثمّ قال : وعزّتي وجلالي ما خلقتُ خلقاً هو أحبّ إليّ منك ، ولا أكملتك إلاّ في من أحبّ ، أما أنّي إيّاك أنهي وإيّاك أُعاقب وإيّاك أُثيب» (1).
نرى في هذا الحديث ، ومن قوله (عليه السلام) : «أقبل فأقبل ... فأدبَر» ، أنّ العقل يطيع أوامر الله تعالى بصورة فطرية وطبيعية ; لأنّ أوامر الله منطقية وطبيعية ولا تخالف الفطرة ، وإنّ الإطاعة صفة غريزية في العقل وهذا معنى الفطرة ، وبه أتمّ الله الحجّة على عباده ، وذلك لقوله تعالى : (إنّ الله لا يغفرُ أن يُشركَ به ويغفرُ ما دون ذلك لمَن يشاء ومَن يُشركْ بالله فقد افترى إثماً عظيماً) (3).
وترى في الحديث السابق عبارة أُخرى ، وهي : «ولا أكملتك إلاّ في مَن أُحبّ».
أي : إنّ الله لا يكمل العقل إلاّ في مَن أحبّه ، وهنا سؤال ، وهو : كيف يمكن الحصول على هذه المحبّة؟
في الإجابة عليه يمكن القول : إنّ الطريق الوحيد للوصول إلى هذه 8.
ص: 273
المحبّة هي إطاعة الله في أوامره واجتناب نواهيه ; لأنّ أقرب الناس إلى الله أكملهم عقلا ، والعكس صحيح أيضاً ; أي أنقصهم عقلا هو أبعدهم عن الله سبحانه ; لأنّ العقل هو : ما عُبد به الرحمان واكتسب به الجنان ، كما في الحديث (1).
القرآن يدعو الناس إلى التعقّل ، ويخاطب العقل في كثير من آياته ولا يريد بالناس أن يقبلوا شيئاً من دون تعقّل وبرهان ، والدليل على هذا : قوله تعالى : (وقالوا لن يدخل الجنّةَ إلاّ مَن كان هوداً أو نصارى تلك أمانيُّهُم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (2).
نعم ، هناك آيات كثيرة في القرآن تأمر بالتعقّل وتحذّر العباد من عدم التعقّل والتفكّر ، مثل قوله تعالى : (ومنهم مَن يستمعون إليكَ أفأنتَ تُسمِع الصُمَّ ولو كانوا لا يعقِلون) (3) ، ثمّ أنّه يمدح المتفكّرين بقوله تعالى : (وأوحى ربُّكَ إلى النحل أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ... إنّ في ذلك لآيةً لقوم يتفكّرونَ) (4).
فطريقة القرآن في الدعوة إلى الحقّ هي طريقة العلوم الطبيعية الحاضرة وهي التي تستند إلى التجربة والمشاهدة والاستقراء والاستنتاج (5).
نعم ، إن موضوع الآيات الكريمة المتقدّمة وكثير من آيات أُخرى هو موضوع العلم الطبيعي نفسه بأوسع معانيه ، ما عرفه الإنسان وسيعرفه ; لأنّ العلم الطبيعي يبحث عن الأشياء الكونية ، طبائعها وخواصها والعلاقات التي 3.
ص: 274
بينها ، ولكنّها لا تصل إلى حقيقتها ، لأنّ العلم الطبيعي موضوعه آيات الله المودعة في الأشياء كلّها.
وقد أمر القرآن باتّباع العلم الصحيح ، وأثنى على العلماء ، وقد مدحهم في كتابه المجيد بقوله : (وهو الذي جعل لكم النجومَ لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر قد فصّلنا الآياتِ لقوم يعلمونَ) (1) ..
وكذلك قوله : (ومن آياته خَلْقُ السماوات والأرضِ واختلافُ ألسنَتِكم وألوانِكم إنّ في ذلك لآيات للعالِمينَ) (2).
وممّا يؤيّد التجربة والمشاهدة واستعمال الحواس الخمس ولزوم استعمال البصر مع العقل قوله تعالى : (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخَلْق) (3).
وقوله تعالى : (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافّات ويقْبِضْنَ) (4).
وقوله تعالى : (أفلا ينظرون إلا الإبل كيف خُلقت * وإلى السماء كيف رُفعت) (5).
ويقول عزّ من قائل في استعمال السمع مع العقل : (أفلم يسيروا في الأرض فتكونَ لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها) (6).
ويقول تبارك وتعالى في لزوم استعمال السمع والبصر مع العقل : 6.
ص: 275
(واللهُ أخرجكم من بطون أُمّهاتِكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكمُ السمعَ والأبصارَ والأفئدةَ لعلّكمْ تشكُرونَ) (1).
وكذلك قوله تعالى : (ولا تقفُ ما ليس لك به علمٌ إنّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلّ أُولئكَ كان عنه مسؤولا) (2).
ويقول الحقّ في لزوم استعمال جميع الحواس مع القرآن : (أوَ لم ينظروا في ملكوت السماواتِ والأرضِ وما خَلَق اللهُ من شيء) (3).
وعلى هذه الأمثلة حثّ القرآن على استعمال جميع الحواس والمواهب للوصول إلى أحسن سبل الهداية ; لقوله تعالى : (فبشّر عبادِ * الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أُولئك الّذين هداهم الله وأُولئك هم أُولوا الألباب).
فالدين الإسلامي خاطب العقل وحثّه على التمسّك بالبرهان والدليل ، ونهاه عن الظنّ والتخيّل والخرافات ، وأمره باستعمال طرق المشاهدة والتجربة وحُسن الاستنتاج ، ونهاه عن المغالطة والتدليس ، ولا أعلم ديناً أو مبدأً أو مسلكاً جعل البرهان شعاراً ، والتجربة طريقاً ، والمشاهدة معياراً ، والفرار من الظنّ والخيال دثاراً ; عدا الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية السمحاء.
طباع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على أخلاق الإسلام والكرم :
نكتفي في هذا المجال بقوله تعالى : (فبما رحمة من الله لِنْتَ لهم 5.
ص: 276
ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولكَ فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمتَ فتوكّلْ على الله إنّ الله يُحبّ المتوكِّلينَ) (1).
الخطاب في هذه الآية المباركة موجّهٌ إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أي : إنّ لينك لهم ممّا يوجب دخولهم في الدين ، ولو كنت جافياً وسيّء الخلق وقاسي الفؤاد وغير رحيم لتفرّق أصحابك عنك واعفُ عنهم ما بينك وبينهم ، ثمّ أمره بالمشاورة معهم ; فإن قلت : فما هي فائدة هذه المشورة؟
قلت :
فائدة المشورة - كما قيل - هي :
(1) أن تقتدي الأُمّة به في المشاورة ; حتّى تكون أُمورهم شورى بينهم.
(2) تطييب نفوسهم ، وتآلف قلوبهم ، وترفيع شأنهم.
(3) اختبار لمعرفة الناصح من الغاش.
(4) أنّ المشاورة تكون في الأُمور الدنيوية ، ومكائد الحرب ، ولقاء العدو ; وفي مثل هذه الأُمور يجوز أن يستعين بآرائهم.
وإذا عقدت قلبك على الفعل وإمضائه فاعتمد على الله ، وثق به ، وفوّض أمرك إليه.
وفي الآية دلالة على تخصيص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال .. 9.
ص: 277
ومن عجيب أمره أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أجمع الناس لدواعي الترفّع ، ثمّ كان أدناهم إلى التواضع ; فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) أوسط الناس نسباً ، وأوفرهم حسباً ، وأسخاهم ، وأشجعهم ، وأزكاهم ، وأفصحهم ، وهذه كلّها من دواعي الترفّع ، ثمّ ترى من تواضعه أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرقع الثوب ، ويخصف النعل ، ويركب الحمار ، ويجيب دعوة المملوك ، ويجلس ويأكل على الأرض ، وكان يدعو الله تبارك وتعالى من غير زبر ولا كهر ولا زجر ، ولقد أحسن مَن مدحه بقوله :
فما حملتْ من ناقة فوق ظهرها
أبرّ وأوفى ذمّةً من محمّد (1)
* * * 8.
ص: 278
حياة المؤلّف (1)
هو : الشيخ سليمان بن محمّد الجيلاني التنكابني ، من العلماء والأُدباء والمتابعين ، وله معلومات كافية ووسيعة في العلوم العقلية والنقلية.
ولد (رحمه الله) في مدينة تنكابن ، وهي مدينة تقع في شمال إيران ، ولم نظفر بتاريخ دقيق لولادته ، رغم تتبّع مصادر التاريخ وتراجم الرجال.
ذهب (رحمه الله) إلى مدينة أصفهان لتكميل دراسته في العلوم الدينية ; لأنّها كانت آنذاك مركز إشعاع علمي ، ومأوى طلاّب العلم.
مؤلّفاته :
له مؤلّفات كثيرة ، باللغتين : العربية والفارسية ، منها :
1 - التوحيد.
2 - العلم.
3 - الرجعة.
4 - المعاد.
5 - شرح الصحيفة السجّادية.
6 - الحركة والسكون والزمان ; وهو بحث فلسفي في الحركة والسكون والزمان ، تعرّض فيه لذكر آراء الفلاسفة في الموضوع.
7 - رسالة في الوجود. ف.
ص: 279
8 - رسالة في العقل.
9 - رسالة في النفس.
10 - رسالة في استحالة رؤية الباري عزّ وجلّ.
11 - رسالة في آداب المؤمنين وأخلاقهم ; وهي هذه الرسالة.
وغيرها من المؤلّفات الأُخرى.
وصف الرسالة :
رسالة تشتمل على مجموعة من الأحاديث والروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) في مكارم الأخلاق وآداب المؤمنين وحسن المعاشرة بينهم ، والحثّ على التمسّك بها ، واتّخاذها طريقةً وسلوكاً في مسير الحياة الدنيوية للمؤمنين ، فرداً وجماعة ; لنيل رضا وثواب الله سبحانه وتعالى ، في الدنيا والآخرة ..
رتّبها المؤلّف في 26 باباً ، مبتدئاً بباب زيارة المؤمنين ، ومنتهياً بباب الحكم ، ثمّ ذكر أحاديث شتّى ، متعلّقة بالصبر والتفكّر وحُسن الظنّ بالله والورع وترك المعصية ، و ... حتّى نهاية الرسالة.
ثمّ زيّن (رحمه الله) معظم الأبواب ، بل أغلبها ، بإضافة أحاديث وروايات وتعليقات منه في حواشي الصفحات ; تعضيداً وتوضيحاً لما أورده في كلّ باب منها ، وليكمل المعنى إلى القارئ الكريم.
وفاته :
لم نتمكّن من العثور على تاريخ دقيق لوفاة المصنّف (رحمه الله) ، ولكن يمكننا القطع بأنّه كان حيّاً سنة 1125 ه- ; وذلك من خلال قرينة عثرنا
ص: 280
عليها ، وهي : شعر نظّمه إلى أحد مساجد مسقط رأسه ، ذكر فيه تاريخ نظمه ، وهو سنة 1125 ه- ، فعليه ، تكون وفاته بعد هذا التاريخ.
منهجية العمل :
اعتمدنا في تحقيق هذه الرسالة على نسخة وحيدة ، وهي بخطّ المؤلّف (رحمه الله) ، موجودة في مكتبة آية الله العظمى السيّد المرعشي (رحمه الله) الكبرى ، ضمن المجموعة المرقّمة 5 / 4087. وكانت خطوات عملنا كما يلي :
1 - قمنا باستنساخ الرسالة.
2 - تخريج الآيات والأحاديث والروايات من مصادرها المعروفة المشهورة ..
3 - ويجدر بنا أن نذكر هنا : إنّ المؤلّف (رحمه الله) ، بناءً على الظنّ القوي ، قد اعتمد بشكل شبه كامل على كتاب الكافي ، لثقة الإسلام الشيخ الكليني (ت 329 ه) ; إذ أنّ أكثر الأحاديث والروايات المذكورة في هذه الرسالة وجدتها في هذا الكتاب ، كما أنّنا من خلال تتبّعنا في بعض الكتب التي ذكرت ما ورد في هذه الرسالة من حديث أو رواية نقلا عن الكافي ، مع اختلاف في السند ، وجدنا أنّ المؤلّف (رحمه الله) قد أشار إليها بذكر السند الآخر ، فلذا كان لزاماً علينا القيام بمقابلة جميع الأحاديث والروايات على ما في الكافي ; لتكون لنا نسخة أُخرى ; للمساعدة في إنجاز عملنا على أكمل وأتمّ وجه.
4 - أدرجنا ما أضافه المؤلّف (رحمه الله) - في حاشية الصفحات - في المتن بعنوان : «استدراكات المؤلّف» ; لوجود اختلافات في سند بعض الأخبار
ص: 281
الواردة في المتن عمّا هو في الحاشية ، والذي يدلّ على أنّها وردت بطريق آخر غير الذي صرّح به المصنّف في أوّل رسالته بأنّه سمعها معنعناً عن أرباب الإجازة ، وفي آخرها بأنّها أخبار صحيحة معتبرة قد أُجيز بروايتها عن المعصوم.
5 - تقطيع النصّ وتقويمه.
وختاماً نقول : إنّ الكمال لله وحده ، من قبل ومن بعد ، ولأهله ، راجياً التسامح والتجاوز ، لما قد يكون من الزلل والخطأ ، وبذل النصح والإعانة لتلافي ما يمكن تلافيه في أعمالنا القادمة.
كما أتقدّم بجزيل الشكر والامتنان لإدارة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ومكتبتها العامرة ، لإتاحتها الفرصة لنا - وللكثير من المحقّقين والباحثين غيرنا - بمراجعة الكتب والمصادر المتوفّرة في المكتبة ، وفّقهم الله لكلّ خير ، وسدّد خطاهم لخدمة العلم وطلاّبه.
اللّهم وفّقنا لِما يرضيك ، وجنّبنا عمّا يعصيك ، ويسّر أمرنا ، واحشرنا مع الصالحين ، آمين يا ربّ العالمين.
والحمد لله أوّلاً وآخراً.
محمّد
مشكور
النجف
الأشرف
جمادى
الآخرة 1424 ه-
ص: 282
صورة
ص: 283
صورة
ص: 284
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدُ الله الذي لا إله إلاّ هو ، وهو ربّ العالمين ، والصلاة على محمّد نبيّه الذي خلق لإجله السماوات والأرضين ، وعلى آله الأئمّة المعصومين.
أمّا بعد ..
هذه أحاديث معتبرة وأخبار صحيحة ، سمعتها معنعناً عن أرباب الإجازة من العلماء والمحدِّثين ، في آداب المؤمنين وأخلاقهم ، قد أجازوني في الرواية عن المعصوم ، وقد جمعتها في أبواب :
ص: 285
[1] باب : في زيارة الإخوان
عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنّه قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من زار أخاه في بيته قال الله عزّ وجلّ له : أنت ضيفي وزائري ، علَيَّ ِقراك (1) ، وقد أوجبت لك الجنّة بحبّك إيّاه» (2).
[استدراكات المؤلّف]
وفي موثّقة محمّد بن يحيى ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «من زار أخاه لله لا لغيره ; التماس موعد الله وتنجّز ما عند الله ، وكّل اللهُ به سبعين ألف ملك ينادونه : ألا طبت وطابت لك الجنّة» (3).
وعن خيثمة ، قال : «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) أُودّعه ، فقال : يا خيثمة! أبلغ مَن ترى من موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله العظيم ، وأنْ يعود غنيّهم على فقيرهم ، وقويّهم على ضعيفهم ، وأنْ يشهد حيّهم جنازة ميّتهم ، وأنْ يتلاقوا في بيوتهم ; فإنّ لقاء بعضهم بعضاً إحياء لأمرنا ، رحم الله عبداً أحيا أمرنا .. ث.
ص: 286
يا خيثمة! أبلغ موالينا أنّا لا نغني عنهم من الله شيئاً ، إلاّ بعمل ، وأنّهم لن ينالوا ولايتنا إلاّ بالورع ، وأنّ أشدّ الناس حسرة يوم القيامة مَن وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره» (1).
وعن علي النهدي ، عن الحصين ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «مَن زار أخاه في الله ، قال الله عزّ وجلّ : إيّاي زرت ، وثوابك علَيّ ، ولست أرضى لك ثواباً دون الجنّة» (2).
وعن بكر بن محمّد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «ما زار مسلم أخاه المسلم في الله ولله إلاّ ناداه الله عزّ وجلّ : أيّها الزائر طبت وطابت لك الجنّة» (3).
«منه» (قدس سره) 2.
ص: 287
[2] باب : التراحم والتعاطف
عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب ، عن شعيب العقرقوفي ، قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأصحابه : اتّقوا الله وكونوا إخوة بررة ، متحابّين في الله ، متواصلين ، متراحمين ، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا (1) وأحيوه» (2).
وعن كليب الصيداوي ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «تواصلوا ، وتبارّوا ، وتراحموا ، وكونوا إخوة بررة كما أمركم الله عزّ وجلّ» (3).
[3] باب : التواخي
وأنّه لم يقع إلاّ على التعارف دون الدين
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان وسماعة ، جميعاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لَمْ تتواخَوا على هذا الأمر ، وإنّما تعارفتم عليه» (4).
[استدراكات المؤلّف]
كذا روي عنه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن 0.
ص: 288
سنان ، عن حمزة بن محمّد الطيّار ، عن أبيه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) (1).
يعني : إنّ المواخاة بينكم قد كانت من الأزل بعنوان التشيّع والإيمان قبل وجود الأبدان ، وهذا التواخي في هذا الزمان ليس بمواخاة ، بل هي التعارف ، كما وقع من حديث : «الأرواح جنود مجنّدة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر اختلف» (2). فتدبّر.
[4] باب : حقّ المؤمن على أخيه وأداء حقّه
عنه (3) ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن : يُشبع جوعته ، ويُواري عورته ، ويُفرّج كربته ، ويقضي دينه ، فإذا مات خلّفه في أهله ووَلده» (4).
[استدراكات المؤلّف]
وعن محمّد بن يحيى أيضاً ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير الهجري ، عن معلّى بن خنيس ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «قلت له : ما حقّ المسلم على المسلم؟ر.
ص: 289
قال : له سبع حقوق واجبات ، ما منهنّ حقّ إلاّ هو عليه واجب ، إنْ ضيّع منها شيئاً ، خرج عن ولاية الله وطاعته ، ولم يكن لله فيه من نصيب.
قلت له : جعلت فداك ، وما هي؟
قال : يا معلّى! إنّي عليك شفيق ، أخاف أن تضيّع ولا تحفظ ، وتعلم ولا تعمل.
قلت له : لا قوّة إلاّ بالله.
قال : أيسر حقّ منها : أن تُحبّ له ما تحبّ لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك.
والحقّ الثاني : أن تجتنب سخطه ، وتتبع مرضاته ، وتطيع أمره.
والحقّ الثالث : أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.
والحقّ الرابع : أن تكون عينه ودليله ومرآته.
والحقّ الخامس : لا تشبع ويجوع ، ولا تروى ويظمأ ، ولا تلبس ويعرى.
والحقّ السادس : أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم ، فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ، ويصنع طعامه ، ويمهّد فراشه.
والحقّ السابع : أن تبرّ قسمه ، وتجيب دعوته ، وتعود مريضه ، وتشهد جنازته ، وإذا علمت أنّ له حاجة تبادره إلى قضائها ، ولا تلجئه إلى أن يسألكها ، ولكن تبادره مبادرة ، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته ، وولايته بولايتك ، [وولايتك بولاية الله عزّ وجلّ]» (1). ر.
ص: 290
الخادم يطلق على الذكر والأُنثى ، والجمع خدّام. النهاية (1).
«منه» (قدس سره)
[5] باب : الأُخوّة
عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان ابن عيسى ، عن المفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «إنّما المؤمنون إخوةٌ ، بنو أب وأُمّ ، وإذا ضرب على رجل منهم عِرق ، سهر له الآخرون» (2).
محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن علي بن عقبة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «المؤمن أخو المؤمن ، عينه ودليله ، لا يخونه ، ولا يظلمه ، ولا يغشه ، ولا يعده عِدَةً فيخلفه» (3).
[استدراكات المؤلّف]
إمّا باعتبار : أنّ آدم هو الأب ، وحوّاء هي الأُمّ ، أو باعتبار : أنّ أمير المؤمنين هو الأب ، وفاطمة الزهراء هي الأُمّ ، أو باعتبار : محض الإيمان ..
والأوسط وسط ، والأخير هو الحقّ.
في صحيحة : عن أبي جعفر (عليه السلام) : أنّ جابر الجعفي قال : «تقبّضت 7.
ص: 291
بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) ، فقلت له : جعلت فداك ، ربّما حزنت من غير مصيبة تصيبني ، أو أمر ينزل بي حتّى يعرف ذلك أهلي في وجهي وصديقي.
فقال : نعم يا جابر ، إنّ الله عزّ وجلّ خلق المؤمنين من طينة الجنان ، وأجرى فيهم من ريح روحه ، فلذلك المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأُمّه ، فإذا أصاب روحاً من تلك الأرواح في بلد من البلدان حزنٌ حزنت هذه ; لإنّها منه» (1).
وفي رواية صحيحة أُخرى : عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه كان يقول : «المؤمن أخو المؤمن ، كالجسد الواحد إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده ، وأرواحهما من روح واحدة ، وأنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالاً بروح الله من اتّصال شعاع الشمس بها» (2).
«منه» (قدس سره)
[6] باب : الاهتمام في أمر المؤمن
عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن رجل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أصبح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليس بمسلم» (3). عة
ص: 292
[استدراكات المؤلّف]
وبهذا الإسناد ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنسك الناس نسكاً ، أنصحهم حبيباً ، وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين» (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، يقول : «عليك بالنصح لله في خلقه ; فلن تلقاه بعمل أفضل منه» (2).
وعنه (عليه السلام) ، قال : «قال : من لم يهتمّ بأُمور المسلمين ، فليس بمسلم» (3).
وعنه (عليه السلام) قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الخلق عيال الله ، فأحبُّ الخلق إلى الله مَن نفع عيال الله ، وأدخل على أهل بيت سروراً» (4).
وعنه (عليه السلام) يقول : «سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أحبّ الناس إلى الله؟ 1.
ص: 293
قال : أنفع الناس للناس» (1).
وعن ابنه (عليه السلام) : «في قول الله عزّ وجلّ : (وجَعَلَني مُباركاً أينما كُنْتُ) (2)؟ قال : نفّاعاً» (3).
عنه ، عن علي بن الحكم ، عن مثنى بن الوليد الحنّاط ، عن فطر ابن خليفة ، عن عمر بن علي بن الحسين ، عن أبيه (عليه السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من ردّ عن قوم من المسلمين عادية ماء أو نار أوجبت له الجنّة» (4).
العادي : الظالم ، وقد عدا يعدو عليه عدواناً ; وأصله : من تجاوز الحدّ في الشيء ..
العادية : من : عدا يعدو على الشيء ، إذا اختلسه. النهاية (5).
«منه» (قدس سره)
[7] باب : تعجيل الخير
عن محمّد بن يحيى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي جميلة ، 5.
ص: 294
قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «افتتحوا نهاركم بخير ، وأملوا على حفظتكم في أوّله خيراً ، وفي آخره خيراً ، يغفر لكم ما بين ذلك إن شاء الله» (1).
عنه ، عن ابن أبي عمير ، عن (مرازم بن حكيم) ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «كان أبي يقول : إذا هممت بخير فبادر ; فإنّك لا تدري ما يحدث» (2). بعد ذلك ; فربما حصل مانع عنه.
[استدراكات المؤلّف]
وفي الحسن : عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ الله يحبّ من الخير ما يعجّل» (3).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لبشير بن يسّار : «إذا أردت شيئاً من الخير فلا تؤخّره ; فإنّ العبد يصوم اليوم الحارّ يريد به ما عند الله ، فيعتقه الله من النار ، ولا يستقلّ ما يتقرّب به إلى الله عزّ وجلّ ولو بشقّ تمرة» (4).
وعنه (عليه السلام) ، أنّه قال لمحمّد بن حمران : «إذا همَّ أحدكم بخير أوصله ; فإنّه عن يمينه وشماله شيطانين ، فليبادر لايكفّاه عن ذلك» (5).7.
ص: 295
وعن أبي الجارود ، أنّه قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : مَن همّ بشيء من الخير فليعجّله ; فإنّ كلّ شيء (1) فيه تأخير ; فإنّ للشيطان فيه نظرة» (2).
«منه» (قدس سره)
[8] باب : المصافحة
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبيدة الحذّاء ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «إنّ المؤمنَين إذا التقيا فتصافحا ، أقبل الله عزّ وجلّ [عليهما] بوجهه ، وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق عن الشجر» (3).
[استدراكات المؤلّف]
عن أبي جعفر (عليه السلام) : «إنّ المصافحة صنع الملائكة ، فاصنعوا صنع الملائكة» (4).
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قيل : سئل عن حدّ المصافحة؟ قال : «دور نخلة» ، وهو حديث حسن ، وكذا روى أبو عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5).9.
ص: 296
وعن أبي عبيدة ، قال : «كنت زميل أبي جعفر (عليه السلام) ، وكنت أبدأ بالركوب ثمّ يركب هو ، فإذا استوينا سلّم وساءل مسألة رجل لا عهد له بصاحبه وصافح ، قال : وكان إذا نزل نزل قبلي ، وإذا استويت أنا وهو على الأرض سلّم وساءل مساءلة مَن لا عهد له بصاحبه ، فقلت : يا بن رسول الله! إنّك لتفعل شيئاً ما يفعله مَن قبلنا ، وإن فعل مرّة فكثير.
فقال : أما علمت ما في المصافحة؟ إنّ المؤمنَين يلتقيان فيصافح أحدهما صاحبه ، فما تزال الذنوب تتحات منهما ، كما يتحات الورق من الشجر ، والله ينظر إليهما حتّى يفترقا» (1).
تحاتت ذنوبه : أي تساقطت. النهاية (2).
وقع حديث مزاملة أبي عبيدة مع أبي جعفر (عليه السلام) في خبرين ، ومزاملة أبي حمزة في خبر ، لم أذكره هنا ; لوحدة المعنى.
عن ابن فضّال ، عن علي بن عقبة ، عن أيوب ، عن السميدع ، عن مالك بن أعين الجهني ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «إنّ المؤمنَين إذا التقيا فتصافحا ، أدخل الله عزّ وجلّ يده بين أيديهما ، وأقبل بوجهه على أشدّهما حبّاً لصاحبه ، فإذا أقبل الله بوجهه عليهما ، تحاتت عنهما الذنوب كما يتحات الورق عن الشجر» (3) .. 3.
ص: 297
وهكذا في موثّقة أُخرى منقولة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1).
السميدع - بفتح الأوّل والثاني ، وسكون الثالث ، وفتح الرابع - : ابن واهب بن سوار بن زهدم البصري ، ثقة ، من التاسعة ، مات قديماً (2).
وعن أبي عبيدة الحذّاء بطريق آخر ، قال : «زاملت أبا جعفر (عليه السلام) في شقّ محمل من المدينة إلى مكّة ، فنزل في بعض الطريق ، فلمّا قضى حاجته وعاد قال : «هات يدك يا أبا عبيدة. فناولته يدي فغمزها حتّى وجدت الأذى في أصابعي ، ثمّ قال : يا أبا عبيدة! ما من مسلم لقي أخاه المسلم فصافحه - وشبك أصابعه - إلاّ تناثرت عنهما ذنوبهما كما يتناثر الورق من الشجر في اليوم الشاتي» (3).
وفي الحسن : عنه (عليه السلام) ، قال لمالك الجهني : «يا مالك! أنتم شيعتنا [أ] لا ترى أنّك تفرط شيئاً في أمرنا؟ إنّه لا يقدر على صفة الله ، فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفتنا ، وكما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن ; إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه ، فلا يزال الله ينظر إليهما ، والذنوب تتحات عن وجوههما كما يتحات الورق من الشجر ، حتّى يفترقا ، فكيف يقدر على صفة مَن هو كذلك؟» (4).
«منه» (قدس سره) 6.
ص: 298
[9] باب : التقبيل
عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن رفاعة ابن موسى ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لا يُقبَّل رأس أحدكم ولا يده ، إلاّ يد رسول الله ، أو من أُريد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» (1).
الحديث صحيح ، رواه محمّد بن يحيى ، عن العمركي بن علي ، عن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن (عليه السلام).
وقال أبو الحسن (عليه السلام) : «مَن قبّل للرحم ذا قرابة فليس عليه شيء. وقُبلة الأخ على الخدّ ، وقُبلة الإمام بين عينيه» (2).
وقال أبو عبد الله (عليه السلام) : «ليس القبلة على الفم إلاّ للزوجة والولد الصغير» (3).
[استدراكات المؤلّف]
عن الصادق (عليه السلام) : «إنّ لكم لنوراً تُعرفون به في الدنيا ، حتّى أنّ 9.
ص: 299
أحدكم إذا لقي أخاه قبّله في موضع النور من جبهته» (1).
عن علي بن يزيد صاحب السابري ، أنّه قال : «دخلت على الصادق (عليه السلام) ، فتناولت يده فقبّلتها ، فقال : أما إنّها لا تصلح إلاّ لنبيّ أو وصيّ نبيّ» (2).
وعن يونس بن يعقوب ، قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ناولني يدك أُقبّلها. فأعطانيها ، فقلت : جعلت فداك ، رأسك. ففعل ، فقبّلته ، فقلت : جعلت فداك ، رجليك. فقال : أقسمت ، أقسمت ، أقسمت ، وبقي شيء ، وبقي شيء ، وبقي شيء» (3).
«منه» (قدس سره)
[10] باب : التعانق
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق ابن عمّار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إنّ المؤمنَين إذا اعتنقا غمرتهما الرحمة ، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلاّ وجه الله عزّ وجلّ ، ولا يريدان غرضاً من أغراض الدنيا ، قيل لهما : مغفوراً لكما». 7.
ص: 300
[استدراكات المؤلّف]
وقع في آخر هذا الخبر قوله : «فاستأنفا ، فإذا أقبلا على المسألة ، قالت الملائكة بعضها لبعض : تنحوا عنهما ; فإنّ لهما سرّاً ، وقد سرَّه الله عليهما».
قال إسحاق : «فقلت : جعلت فداك ، فلا يكتب عليهما لفظهما ، وقد قال الله عزّ وجلّ : (ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد) (1)؟
قال : فتنفّس أبو عبد الله الصعداء ، ثمّ بكى حتّى أخضلت دموعه خدّيه ولحيته ، فقال : يا إسحاق! إنّ الله تبارك وتعالى إنّما أمر الملائكة أن تعتزل المؤمنَين إذا التقيا ; إجلالاً لهما ، وأنّه وإن كانت الملائكة لا تكتب لفظهما ، ولا تعرف كلامهما ، فإنّه يعرفه ويحفظه عليهما عالم السرّ وأخفى» (2) ..
وقد وقع الخبر بطريق آخر (3). الصعداء - بالضمّ والمدّ - : تنفّس ممدود. الصحاح (4).
أخضلت الشيء فهو مخضلّ ، إذا بللته. الصحاح (5).5.
ص: 301
روي عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله (عليهما السلام) ، أنّهما قالا : «أيّما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقّه ، كتب الله له بكلّ خطوة حسنة ، ومُحيت سيّئة ، ورُفعت له درجة ، فإذا طرق الباب ، فُتحت له أبواب السماء ، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا ، أقبل الله عليهما بوجهه ، ثمّ باهى بهما الملائكة فيقول : انظروا إلى عبدَيَّ ، تزاورا وتحابّا فيَّ ، حقٌّ علَيَّ أن لا أُعذّبهما بالنار بعد هذا الموقف. فإذا انصرف ، شيّعته الملائكة عدد نفَسه وخُطاه وكلامه ، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل ، فإن مات في ما بينهما أُعفي من الحساب ; فإن كان المَزور يعرف من حقّ الزائر ما عرفه الزائر من حقّ المَزور ، كان له مثل أجْره» (1).
«منه» (قدس سره)
[11] باب : ذكر الإخوة في الإيمان
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن علي بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «شيعتنا : الرحماء ، الّذين إذا خَلَوْا ذكروا الله ; إنّا إذا ذُكرنا ذُكر الله ، وإذا ذُكر عدوّنا ذُكر الشيطان» (2).
وعن الصادق (عليه السلام) ، أنّه قال : «تزاوروا ; فإنّ [في] (3) زيارتكم إحياء لقلوبكم ... ة.
ص: 302
وذكراً لأحاديثنا ; وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض ; فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم ، فخُذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم» (1) ..
هكذا هذا الحديث.
[استدراكات المؤلّف]
بسند عن عدّة ، عن عباد بن كثير ، قال : «قلت للصادق (عليه السلام) : إنّي مررت بقاض يقضي (وفي نسخة : بقاصّ يقصّ) ، وهو يقول : هذا المجلس الذي لا يشقى به جليس. قال فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : هيهات هيهات ، أخطأتْ أستاهم الحفرة ; فإنّ لله ملائكة سيّاحين سوى الكرام الكاتبين ، فإذا مرّوا بقوم يذكرون محمّداً وآل محمّد قالوا : قفوا ; فقد أصبتم حاجتكم. فيجلسون فيتفقّهون معهم ، فإذا قاموا عادوا مرضاهم ، وشهدوا جنائزهم ، وتعاهدوا غائبهم ، فذلك المجلس الذي لا يشقى به جليس» (2).
منه (قدس سره)
[12] باب : مَن جعل المؤمن مسروراً
عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، ومحمّد بن يحيى ، 7.
ص: 303
عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، جميعاً عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : مَن سَرّ مؤمناً فقد سَرّني ، ومَن سَرّني فقد سَرّ الله عزّ وجلّ» (1).
[استدراكات المؤلفّ]
روى محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن السيّاري ، عن محمّد بن جمهور ، قال : «كان النجاشي - وهو رجل من الدهّاقين - عاملاً على الأهواز وفارس ، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ في ديوان النجاشي علَيَّ خراجاً ، وهو مؤمن يدين بطاعتك ، فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتاباً. قال : فكتب إليه أبو عبد الله (عليه السلام) : بسم الله الرحمن الرحيم ، سُر أخاك يُسرّك الله ..
قال : فلمّا ورد الكتاب عليه ، دخل عليه وهو في مجلسه ، فلمّا خلا ناوله الكتاب وقال : هذا كتاب أبو عبد الله (عليه السلام). فقبّله ووضعه على عينه ، فقال : ما حاجتك؟ قال : عليَّ في ديوانك خراج. فقال له : وكم هو؟
قال : عشرة آلاف درهم.
فدعا كاتبه وأمره بأدائها عنه ، ثمّ أخرجه منها ، وأمر أن يثبتها له لقابل ، ثمّ قال له : سررتك؟
فقال : نعم ، جعلت فداك. د.
ص: 304
ثمّ أمر له بمركب وجارية وغلام ، وأمر له بتخت ثياب ، في ذلك يقول : هل سررتك؟ فيقول : نعم ، جعلت فداك.
فكلمّا قال نعم زاده ، حتّى فرغ ، ثمّ قال له : احمل فرش هذا البيت الذي كنت فيه جالساً حتّى دفعت إليَّ كتاب مولاي الذي ناولتني فيه ، وارفع إلَيَّ حوائجك. قال : ففعل.
وخرج الرجل ، فصار إلى أبي عبد الله (عليه السلام) بعد ذلك ، فحدّثه بالحديث على جهته ، فجعل يسرّ بما يفعل ، فقال الرجل : يا بن رسول الله! كأنّه قد سَرّك ما فعل؟ فقال : أي والله ، لقد سَرّ الله ورسوله» (1).
الدِهقان : معرّب ، يطلق على رئيس القرية ، وعلى التاجر ، وعلى مَن له مال وعقار. وداله مكسورة ، وفي لغة تُضمّ. والجمع : دهاقين. ودهَقَنَ الرجل وتدهقن : كثر ماله. المصباح (2).
أحمد بن علي النجاشي ، صاحب كتاب الرجال ، من أولاد هذا النجاشي ; كذا ذكر شيخنا بهاء الدين (3).
عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال : «تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة ، وصرف القذى عنه حسنة ، وما عُبد الله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال 5.
ص: 305
السرور على المؤمن» (1).
القذى في العين وفي الشراب : ما يسقط فيه. الصحاح (2).
وعنه (عليه السلام) بسند آخر ، أنّه يقول : «إنّ في ما ناجى الله عزّ وجلّ عبده موسى (عليه السلام) ، قال : إنّ لي عباداً أُبيحهم جنّتي ، وأُحكّمهم فيها.
قال : يا ربّ! ومَن هؤلاء الّذين تبيحهم جنّتك ، وتحكّمهم فيها؟
قال : مَن أدخل على مؤمن سروراً ..
ثمّ قال : إنّ مؤمناً كان في مملكة جبّار ، فولع به ، فهرب منه إلى دار الشرك ، فنزل برجل من أهل الشرك ، فأظلّه وأرفقه وأضافه ، فلمّا حضره الموت ، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه : وعزّتي وجلالي ، لو كان لك في جنّتي مسكن لأسكنتك فيها ، ولكنّها محرّمة على مَن مات بي مشركاً ، ولكن يا نار هيديه ولا تؤذيه. ويؤتى برزقه طرفي النهار.
قلت : من الجنّة؟ قال : من حيث شاء الله» (3).
ولع به ، كرجل : استخفّ. القاموس (4).
يا نار لا تهيديه : أي : لا تزعجيه. النهاية (5).
هاده الشيء ، يهيد به : أفزعه وكربه وحرّكه وأصلحه. القاموس (6).
«منه» (قدس سره) 4.
ص: 306
[13] باب : قضاء حوائج المؤمن
الحسين بن [محمّد] عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمّد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلاّ ناداه الله تبارك وتعالى : علَيّ ثوابك ، ولا أرضى لك بدون الجنّة» (1).
[استدراكات المؤلّف]
وفي رواية عنه ، أنّه قال : «قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة ، وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله» (2).
وفي رواية أُخرى عنه (عليه السلام) : «لَقضاء حاجة امرء مؤمن أحبّ إلَيّ من عشرين حجّة ، كلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف» (3).
وقال أبو عبد الله (عليه السلام) لإسماعيل بن عمّار الصيرفي : «يا إسماعيل! 3.
ص: 307
من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له ، سلّط الله عليه شجاعاً ينهش أبهامه في قبره إلى يوم القيامة ، مغفوراً له أو معذّباً» (1).
ووقع في رواية بعد قوله : شجاعاً : «من نار ، ينهشه في قبره إلى يوم القيامة ، مغفوراً أو معذّباً ; فإن عَذَره الطالب كان أسوأ حالاً» (2).
الشجاع ، كغراب وكتاب : الحيّة. القاموس (3).
نهشه ، كمنعه : إذا أخذه بأضراسه. القاموس (4).
وعنه (عليه السلام) ، قال : «مَن طاف بالبيت أُسبوعاً ، كتب اللهُ له عزّ وجلّ ستّة آلاف حسنة ، ومحى عنه ستّة آلاف سيّئة ، ورفع له ستّة آلاف درجة» ..
وزاد فيه إسحاق بن عمّار : «وقضى له ستّة آلاف حاجة».
ثمّ قال : «وقضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف - حتّى عدّ عشراً -» (5).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) مرسلاً ، قال : «لئن أحجّ حجّة أحبُّ إلَيّ من أن أُعتق رقبة ورقبة ورقبة ، ومثلها ومثلها ومثلها - حتّى بلغ عشراً - ومثلها ومثلها - حتّى بلغ السبعين - .. 5.
ص: 308
ولئن أعول أهل بيت من المسلمين : أسدّ جوعتهم ، وأكسو عورتهم ، وأكفّ وجوههم عن الناس ، أحبّ إلَيّ من أن أحجّ حجّة وحجّة وحجّة ، ومثلها ومثلها - حتّى بلغ السبعين -» (1).
وفي رواية مختلفة ، فيها : «عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال :» يا مفضّل! اسمع ما أقول لك ، واعلم أنّه الحقّ ، وافعله ، وأخبر به علية إخوانك.
قلت : جعلت فداك ، وما علية إخواني؟
قال : الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم. ثمّ قال : ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة ، قضى الله عنه عزّ وجلّ يوم القيامة مائة ألف حاجة ، من ذلك أوّلها الجنّة ، ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنّة بعد أن لا يكونوا نصّاباً.
وكان المفضّل إذا سأل الحاجة أخاً من إخوانه ، قال له : ما تشتهي أن تكون من علية الإخوان؟
وهذا الخبر لمفضّل بن عمر (2).
وروى المفضّل أيضاً ، عنه (عليه السلام) أنّه قال : «إنّ الله عزّ وجلّ خلق خلقاً من خلقه انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ; ليثيبهم على ذلك الجنّة ، فإن استطعت أن تكون منهم فكن. ثمّ قال : لنا والله رَبٌّ نعبده ولا نشرك به شيئاً» (3).
وقال مولانا محمّد أمين الأسترآبادي : إنّ هذا قد دلّ على أنّ 1.
ص: 309
المفضّل كان غالياً ، والحال أنّه قد وقع مدحه ، منها : أنّه كتب أبو عبد الله - حين مات إسماعيل ابنه - إليه بالصبر ، بعبارات قد دلّت على عظمة شأنه ، والشيخ المفيد قال بصحّة رواياته (1) ; فتدبّر.
«منه» (قدس سره)
[14] باب : السعي في حوائج المؤمنين
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي ابن الحكم ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه قال : «مشي الرجل في حاجة أخيه المؤمن ، أن يكتب له عشر حسنات ، ويمحي عشر سيّئات ، ويرفع له عشر درجات. قال : ولا أعلمه إلاّ قال : وتعدل عشر رقاب ، وأفضل من اعتكاف شهر في المسجد الحرام» (2).
وعنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن معمر بن خلاّد ، قال : «سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : إنّ للهِ عباداً في الأرض ، يسعون في حوائج الناس ، هم الآمنون يوم القيامة ، ومَن أدخل على مؤمن سروراً فرّح الله قلبه يوم القيامة» (3).4.
ص: 310
[استدراكات المؤلّف]
وفي خبر المرسل ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «من مشى في حاجة أخيه المسلم ، أظلّه الله بخمسة وسبعين ألف ملك ، ولم يرفع قدماً إلاّ كتب الله له حسنة ، وحطّ عنه بها سيّئة ، ويرفع بها درجة ، فإذا فرغ من حاجته كتب الله عزّ وجلّ له بها أجر حاجّ ومعتمر» (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «لئن أمشي في حاجة أخ لي مسلم ، أحبُّ إليَّ من أن أعتق ألف نسمة ، وأحمل في سبيل الله على ألف فرس مُسرجة مُلجمة» (2).
وفي حسنة علي بن إبراهيم ، عنه (عليه السلام) : «إلاّ كتب الله لكلّ خطوة حسنة ، وحطّ عنه بها سيّئة ، ورفع له بها درجة ، وزِيد بعد ذلك عشر حسنات ، وشفع في عشر حاجات» (3).
وفي موثّقة ، عنه (عليه السلام) : «كتب الله له ألف ألف حسنة ، يغفر فيها لأقاربه وجيرانه ومعارفه ومَن صنع إليه معروفاً في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة قيل له : ادخل النار ، فمَن وجدته فيها صنع إليك معروفاً في الدنيا فأخرجه بإذن الله عزّ وجلّ إلاّ أن يكون ناصباً» (4). 67
ص: 311
وعنه في موثّقة : «كتب الله له حجّة وعمرة ، واعتكاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما ، وإن اجتهد ولم يجرِ الله قضاها على يديه ، كتب الله له حجّة وعمرة» (1).
وعن صفوان الجمّال ، قال : «كنت جالساً مع أبي عبد الله (عليه السلام) ، إذْ دخل عليه رجل من أهل مكّة ، يقال له : ميمون ، فشكا إليه تعذّر الكرا عليه ، فقال لي : قم فأعن أخاك.
فقمت معه ، فيسّر الله كراه ، فرجعت إلى مجلسي ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ما صنعت بحاجة أخيك؟
فقلت : قضاها الله ، بأبي أنت وأُمّي.
فقال : أما إنّك إن تعين أخاك المسلم ، أحبّ إلَيّ من طواف أُسبوع في البيت مبتدئاً ..
ثمّ قال : إنّ رجلاً أتى الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقال : بأبي أنت وأُمّي ، أعنّي على قضاء حاجة.
فانتعل وقام معه ، فمرّ على الحسين (عليه السلام) وهو قائم يصلّي ، فقال له : أين كنت عن أبي عبد الله (عليه السلام) تستعينه على حاجتك؟.
فقال : قد فعلت بأبي أنت وأُمّي ، فذُكر أنّه معتكف.
فقال له : أما أنّه لو أعانك كان خيراً له من اعتكاف شهر» (2).
وعن أبي عمارة ، قال : «كان حمّاد بن أبي حنيفة إذا لقيني قال : كرّر 3.
ص: 312
علَيّ حديثك. فأحدّثه : قلت : روينا أنّ عابد بني إسرائيل ، كان إذا بلغ الغاية في العبادة ، صار مشّاءً في حوائج الناس ، عانياً بما يصلحهم» (1).
«منه» (قدس سره)
[15] باب : دفع الكرب عن المؤمن وتفريجه
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن بن محبوب ، عن زيد الشحّام ، قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : من أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده ، فنفّس كربته ، وأعانه على نجاح حاجته ، كتب الله عزّ وجلّ له بذلك اثنين وسبعين رحمة من الله ، يعجّل له منها واحدة [يصلح بها أمر معيشته ، ويدّخر له إحدى وسبعين رحمة] لأفزاع يوم القيامة وأهواله» (2).
[استدراكات المؤلّف]
وفي رواية عنه (عليه السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : مَن أعان مؤمناً ، نفّس الله عنه ثلاث وسبعين كربة ، واحدة في الدنيا ، واثنين وسبعين كربة عند كربته العظمى. قال : حيث يتشاغل الناس بأنفسهم» (3).6.
ص: 313
وعنه (عليه السلام) يقول : «مَن نفّس عن مؤمن كربة ، نفّس الله كرب الآخرة ، وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد ، ومَن أطعمه من جوع ، أطعمه الله من ثمار الجنّة ، ومَن سقاه شربة ، سقاه الله من الرحيق المختوم» (1).
ثلجت نفسه بالأمر : إذا اطمأنّت وسكنت وثبتت نفسياً. النهاية (2).
الرحيق : الخمر ، أو أطيبها ، أو أفضلها ، أو الخالص ، أو الصافي ، كالرحاق. النهاية (3).
وفي حديث صحيح عن الصادق (عليه السلام) : «أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة وهو مُعسر ، يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة. قال : ومَن ستر على مؤمن عورة يخافها ، ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة. قال : والله في عون المؤمن ما كان في عون أخيه ، فانتفعوا بالعظة ، وارغبوا في الخير» (4).
«منه» (قدس سره)
[16] باب : إطعام المؤمن
محمّد بن يحيى ، عن أحمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن 9.
ص: 314
أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنّه قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين ، أطعمه الله من ثلاث جنان في ملكوت السماوات : الفردوس ، وجنّة عدن ، وطوبى ، وهي شجرة تخرج في جنّة عدن غرسها ربّنا بيده» (1).
عنه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه قال : «من أشبع مؤمناً ، وجبت له الجنّة ، ومن أشبع كافراً ، حقّاً على الله أن يملأ جوفه من الزقّوم ، مؤمناً كان أو كافراً» (2).
[استدراكات المؤلّف]
يدلّ على تحريم إطعام الكافر ، وفي بعض الأخبار ما دلّ على جوازه ، ولعلّ المراد : الإطعام بالولاية.
وعنه (عليه السلام) ، قال : «إنّ إطعام المؤمن الواحد ، أحبّ إلَيّ من إطعام أفقاً من الناس. قال أبو بصير : ما الأفق؟ قال : مائة ألف أو يزيدون» (3).
وفي رواية موثّقة : «إنّ إشباع المؤمنين وإطعامهم ، أفضل من عتق نسمة» (4). ،
ص: 315
وفي موثّقة أُخرى : «إطعام المؤمن من جوع ، يوجب أن يطعمه الله من ثمار الجنّة ، وسقيه من الظمأ ، يوجب أن يسقيه من الرحيق المختوم» (1).
وعنه (عليه السلام) : «مَن أطعم مؤمناً حتّى يشبعه ، لم يدرِ أحدٌ من خَلْق الله ما له من الأجر في الآخرة ، لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، إلاّ الله ربّ العالمين ..
ثمّ قال : موجبات المغفرة : إطعام المسلم السغبان ; ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ : (أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة * يتيماً ذا مقربة * أو مسكيناً ذا متربة) (1)» (2).
وعنه (عليه السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنّه قال : «مَن سقى شربة من ماء وهو قادر ، يعادل كلّ شربة سبعين ألف حسنة ، ومن حيث لا يقدر بمنزلة عتق عشر رقاب من ولد إسماعيل» (3).
عن حسين بن نعيم الصحّاف ، قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : أتحبّ إخوانك يا حسين؟
قلت : نعم. 9.
ص: 316
قال : تنفع فقرائهم؟
قلت : نعم.
قال : أما أنّه يحقّ عليك أن تحبّ مَن يحبّ الله ، أما والله لا تنفع منهم أحداً حتّى تحبّه. أتدعوهم إلى منزلك؟
قلت : نعم ، ما آكل إلاّ ومعي الرجلان والثلاثة والأقلّ والأكثر.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : والله إنّ فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم.
فقلت : جعلت فداك ، أطعمهم طعامي وأوطئهم رحلي ويكون فضلهم علَيَّ أعظم؟
قال : نعم ، إنّهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ومغفرة عيالك ، وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك» (1).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) : «إنّه أحبّ إلَيّ من عتق أفق من الناس ، والأفق : عشرة آلاف» (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في نصّ آخر : «أنّه مثل مَن أطعم فئاماً من الناس. والفئام مائة ألف من الناس» (3).
الفئام : الجماعة من الناس ، لا واحد له من لفظه ، والعامّة تقول : فيام ، بلا همز. الصحاح (4).0.
ص: 317
وعنه : إنّ إطعامه يعادل عتق نسمة (1).
وفي رواية : إنّه أحبّ منها (2).
وفي رواية أُخرى : «إنّه أحبّ إليّ من عتق عشر رقاب وعشر حجج» (3).
«منه» (قدس سره)
[17] باب : كسوة المؤمن وإكرامه ولطفه
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عمر ابن عبد العزيز ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف ، كان حقّاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنّة ، وأن يهوّن عليه من سكرات الموت ، وأن يوسّع عليه في قبره ، وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى ، وهو قول الله عزّ وجلّ في كتابه : (وتتلقّاهم الملائكةُ هذا يومكمُ الذي كنتم توعدون) (4)» (5). 3.
ص: 318
وعن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «مَن أتاه أخوه المسلم فأكرمه ، فإنّما أكرم الله عزّ وجلّ» (1).
وعنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أكرم أخاه المسلم بكلمة تلطّفه بها ، وفرّج عنه كربته ، لم يزل في ظلّ الله الممدود عليه الراحة ، ما كان في ذلك» (2).
[استدراكات المؤلّف]
وعن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «مَن كسا أحداً من فقراء المؤمنين ثوباً من عُري ، أو أعانه بشيء ممّا يقوته من معيشته ، وكّلَ الله عزّ وجلّ به سبعة آلاف من الملائكة ; يستغفرون لكلّ ذنب عمله ، إلى أن يُنفخ في الصور» (3) ..
وروى ذلك بعينه صحيحاً أبو حمزة عن الصادق (عليه السلام) (4).80
ص: 319
وفي رواية : «مَن كساه ، كساه الله من الثياب الخضر» (1).
وفي موثّقة أُخرى : «كساه الله من استبرق الجنّة ، وذلك إذا كان كساه من عُري ، وإن كان من غنىً لم يزل في ستر من الله ما بقي الثوب خرقة» (2).
وعنه (عليه السلام) : «مَن أخذ من وجه أخيه المؤمن قذاة ، كتب له عشر حسنات ، ومَن تبسّم في وجه أخيه ، كان له حسنة» (3).
وعنه (عليه السلام) : «مَن قال لأخيه : مرحباً ، كتب الله له مرحباً إلى يوم القيامة» (4).
وعنه (عليه السلام) في رواية صحيحة : «مَن أكرم أخاه ; فإنّما أكرم الله عزّ وجلّ» (5).
وقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ما في أُمّتي عبد ألطف أخاه في الله بشيء ، إلاّ أخدمه الله من خدم الجنّة» (6).
وعنه (عليه السلام) أنّه قال : «ممّا خصّ الله به المؤمن ، أن يعرّفه برّ إخوانه ، 3.
ص: 320
وإن قلّ ، وليس البرّ بالكثرة ; وذلك أنّه هو قال : (ويُؤثِرونَ على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ثمّ قال : (ومَن يُوق شُحَّ نفسه فأُولئك هم المفلحون) (1)» (2).
وعنه (عليه السلام) : «إنّ المؤمن ليتحف أخاه التحفة.
قلت : وأيّ شيء التحفة؟
قال : من مجلس ومتّكأ وطعام وكسوة وسلام ، فتتطاول الجنّة مكافأة له ، ويوحي الله إليهما : إنّي قد حرّمت طعامك على أهل الدنيا ، إلاّ على نبيّ أو وصيّ نبيّ ، فإذا كان يوم القيامة ، أوحى الله عزّ وجلّ إليهما ، إنّي كافئ أوليائي بتحفهم ; فيخرج منها وُصفاء ووصائف ، معهم أطباق مغطّاة بمناديل من لؤلؤ ، فإذا نظروا إلى جهنّم وهولها ، وإلى الجنّة وما فيها ، طارت عقولهم ، وامتنعوا أن يأكلوا ، فينادي مناد من تحت العرش : إنّ الله عزّ وجلّ قد حرّم جهنّم على مَن أكل من جنّته. فيمدّ القوم أيديهم فيأكلون» (3).
«منه» (قدس سره)
[18] باب : في خدمة المؤمن ونصيحته
محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ، عن إسماعيل بن أبان ، عن صالح بن أبي الأسود ، 6.
ص: 321
رفعه ، عن أبي المعتمر ، قال : «سمعت أمير المؤمنين يقول : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أيّما مسلم خدم [قوماً] من المسلمين ، إلاّ أعطاه الله مثل عددهم خُدَماءَ في الجنّة» (1).
[استدراكات المؤلّف]
وعدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن عمر بن أبان ، عن عيسى بن أبي منصور ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه» (2).
وفي صحيحة أُخرى : عنه (عليه السلام) ، قال : «يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب» (3).
وفي صحيحة أُخرى : عنه (عليه السلام) ، أنّه قال : «يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة» (4).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) : «لينصح الرجل على أخيه كنصيحته لنفسه» (5).
«منه» (قدس سره) ه.
ص: 322
[19] باب : الإصلاح بين الناس
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن حماد بن أبي طلحة ، عن حبيب الأحول ، قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : صدقة يحبّها الله : إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا ، وتقارب بينهم إذا تباعدوا» (1).
[استدراكات المؤلّف]
عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «لإن أصلح بين اثنين ، أحبُّ إلَيّ من أن أتصدّق بدينارين» (2).
وعنه (عليه السلام) ، قال : «إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة ، فافتدها من مالي» (3).
ابن سنان ، عن أبي حنيفة سائق الحاج ، قال : «مرّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في ميراث ، فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا : إلى المنزل. فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم ، فدفعها إلينا من عنده ، حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه ، قال : أما إنّها ليست من مالي ، ولكن أبو عبد الله (عليه السلام) أمرني : إذا تنازع رجلان اثنان من أصحابنا في شيء ، أن 8.
ص: 323
أُصلِح بينهما وأفتديهما من (ماله). فهذا من مال أبي عبد الله (عليه السلام)» (1).
وعنه (عليه السلام) ، قال : «المصلح ليس بكاذب» (2) ..
أقول :
لأنّه يدفع الفساد به ، وإن كان خطأ في الواقع ; لقوله (عليه السلام) : «كذب الصلاح خير من صدق الفساد» ، ويؤيّده ما روي عنه (عليه السلام) : «(ولا تجعلوا الله عُرضةً لأيْمانكم أن تَبرّوا وتَتّقوا وتُصلحوا بين الناس) (3) ، قال : إذا دعيت بصلح بين اثنين فلا تقل : علَيَّ يمين ألاّ أفعل» (4).
وفي رواية أُخرى : عنه (عليه السلام) ، قال : «أبلغ عنّي كذا وكذا. في أشياء أمر بها. قلت : فأبلغهم عنك ، وأقول عنّي ما قلت لي وغير الذي قلت؟
قال : نعم ، إنّ المصلح ليس بكذّاب ، إنّ ما هو الصلح ليس بكذب» (5).
«منه» (قدس سره)
[20] باب : في إحياء المؤمن
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان 2.
ص: 324
ابن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «قلت له : قول الله عزّ وجلّ : (مَن قتلَ نفساً بغيرِ نفس أو فساد في الأرضِ فكأنّما قَتَلَ الناس جميعاً ومَن أحياها فكأنّما أحيا الناسَ جميعاً) (1)؟
قال : مَن أخرجها من ضلال إلى هدىً ، فكأنّما أحياها ، ومَن أخرج من هدىً إلى ضلال ، فقد قتلها» (2).
وفي رواية موثّقة أُخرى : عن فضيل بن يسار ، قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : قول الله عزّ وجلّ : (مَن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً)؟
قال : من حرق أو غرق أو فقر.
قلت : فمَن أخرجها من ضلال إلى هدىً؟
قال : ذلك تأويلها الأعظم» (3).
وفي رواية أُخرى : عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «إنّ تأويلها الأعظم : أن دعاها فاستجابت له» (4).0.
ص: 325
[21] باب : في أنّ الدِين لا يعطيه الله إلاّ لمَن يحبّه
عنه ، عن معلّى بن الوشّاء ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، عن عمر بن حنظلة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «إنّ هذه الدنيا يعطيها اللهُ البرّ والفاجر ، ولا يعطي الإيمان إلاّ صفوته من خلْقه» (1).
وفي رواية : «إلاّ لمَن يحبّه» (2).
[استدراكات المؤلّف]
عن عمر بن حنظلة ، قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : يا أبا الصخر! إنّ الله يعطي الدنيا من يحبّ ويبغض ، ولا يعطي هذا الأمر إلاّ لصفوته من خلْقه ، أنتم والله على ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل ، لا أعني علي بن الحسين ولا محمّد بن علي ، وإن كان هؤلاء على دين هؤلاء» (3).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال : «يا مالك! إنّ الله يعطي الدنيا مَن يحبّ ويبغض ، ولا يعطي دينه إلاّ مَن يحبّ» (4).
ولهذا المجال أحاديث جمّة (5).
«منه» (قدس سره) 0.
ص: 326
[22] باب : في ذمّ الدنيا ومنقبة الزهد فيها
قال رئيس المحدّثين ابن بابويه في كتبه ، راوياً عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : «الزهد أن تترك الدنيا جميعاً ; حلالها لخوف الحساب ، وحرامها لخوف العقاب» (1).
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن الهيثم بن واقد الحريري ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «مَن زهد في الدنيا ، أثبت الله الحكمة في قلبه ، وانطلق بها لسانه ، وبصّره عيوب الدنيا وداءها ودواءها ، وأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار السلام» (2).
عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي أيوب الخزّاز ، عن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّ أعون الأخلاق على الدِين : الزهد في الدنيا» (3).
وفي رواية عن الصادق (عليه السلام) : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما لي وللدنيا؟! إنّما مثلي ومثلها كمثل راكب وقع تحت شجرة في يوم صائف ، فقالَ تحتها ثمّ راح وتركها» (4). 67
ص: 327
وعنه (عليه السلام) : «إنّ في كتاب عليّ (عليه السلام) : إنّما مثل الدنيا كمثل الحية ما ألْيَن مسّها ، وفي جوفها السمّ الناقع ، يحذرها الرجل العاقل ، ويهوى إليها الصبي الجاهل» (1).
علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي جميلة ، قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى رجل يعظه في كلام طويل : فارفض الدنيا ; فإنّ حبّ الدنيا يعمي ويصمّ ويبكم ، ويذلّ الرقاب ، فتدارك ما بقي من عمرك ، فلا تقل : غداً وبعد غد» (2).
[استدراكات المؤلّف]
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه قال : «سمعته يقول : جُعل الخير كلّه في بيت ، وجُعل مفتاحه الزهد في الدنيا ..
ثمّ قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يجد حلاوة الإيمان في قلبه حتّى لا يبالي من أكل الدنيا ..
ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام) : حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتّى تزهد في الدنيا» (3). 0.
ص: 328
عن علي بن هاشم البريد ، عن أبيه : «إنّ رجلاً سأل عليّ بن الحسين (عليه السلام) عن الزهد؟
فقال : عشرة أشياء ; فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع ، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين ، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا ، ألا وإنّ الزهد من آية من كتاب الله عزّ وجلّ : (لكيلا تأْسَوا على ما فاتَكم ولا تفرحوا بما آتاكم) (1)» (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه قال : «كلّ قلب فيه شكّ أو شرك ، فهو ساقط ، وإنّما أرادوا بالزهد في الدنيا ; لتفرغ قلوبهم للآخرة» (3).
وفي رواية كالموثّقة : عنه (عليه السلام) ، أنّه قال : «ما أعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيء من الدنيا ، إلاّ أن يكون فيها جائعاً خائفاً» (4).
وفي رواية صحيحة أُخرى : عنه (عليه السلام) ، قال : «خرج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو محزون ، فأتاه ملك ومعه مفاتيح خزائن الأرض ، فقال : يا محمّد! هذه مفاتيح خزائن الدنيا ، يقول لك ربّك : افتح وخذ منها ما شئت ، من غير أن تنقص شيئاً عندي.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : الدنيا دار مَن لا دار له ، ولها يجمع مَن لا عقل له.
فقال الملك : والذي بعثك بالحقّ ، لقد سمعت هذا الكلام من ملك 5.
ص: 329
يقوله في السماء الرابعة حين أُعطيت المفاتيح» (1).
وعنه (عليه السلام) ، قال : «مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بجدي أسكّ ملقىً على مزبلة ميتاً ، فقال لأصحابه : كم يساوي هذا؟
فقالوا : لعلّه لو كان حيّاً لم يساوِ درهماً.
فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : والذي نفسي بيده ، الدنيا على الله أهون من هذا الجدي على أهله» (2).
أسك : أي مصطلم الأُذنَين مقطوعهما. النهاية (3).
وعنه (عليه السلام) ، قال : «إذا أراد [الله] بعبد خيراً ، زهّده في الدنيا ، وفقّهه في الدين ، وبصّره عيوبها ، ومَن أُوتيهنّ فقد أُوتي خير الدنيا والآخرة ..
وقال : لم يطلب أحد الحقّ بباب أفضل من الزهد في الدنيا ، وهو ضدّ لما طلب أعداء الحقّ.
فقلت : جعلت فداك ممّاذا؟
قال : من الرغبة فيها. وقال : إلاّ من صبّار كريم ; فإنّما هي أيّام قلائل ، إلاّ أنّه إذا تخلّى المؤمن من الدنيا سما ، ووجد حلاوة حبّ الله ، وكان عند أهل الدنيا كأنّه خُولط ، وإنّما خالط القوم حلاوة حبّ الله فلم يشتغلوا بغيره ..
قال : وسمعته يقول : إنّ القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتّى يسمو» (4).8.
ص: 330
وعن معمر بن راشد ، عن الزهري محمّد بن مسلم بن شهاب ، قال : «سئل عليّ بن الحسين (عليه السلام) : أيُّ الأعمال أفضل عند الله عزّ وجلّ؟
فقال : ما من عمل بعد معرفة الله عزّ وجلّ ومعرفة رسوله ، أفضل من بُغض الدنيا ، وإنّ لذلك شُعباً كثيرة ، وللمعاصي شُعباً ..
فأوّل ما عصي الله به : الكبْر ; وهي معصية إبليس حين (أبى واستكبر وكان من الكافرين) (1).
والحرص ; وهي معصية آدم وحوّاء حين قال الله عزّ وجلّ لهما : (فكُلا من حيث شئتما ولا تقربا ...) (2). فأخذا ما لا حاجة لهما إليه ، فدخل ذلك على ذرّيّتهما إلى يوم القيامة ; وذلك إنّ أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه.
ثمّ : الحسد ; وهي معصية ابن آدم ، حيث حسد أخاه فقتله.
فتشعّب من ذلك : حبّ النساء ، وحبّ الدنيا ، وحبّ الرئاسة ، وحبّ الراحة ، وحبّ الكلام ، وحبّ العلوّ ، والثروة ..
فصرن سبع خصال ، فاجتمعن كلّهنّ من حبّ الدنيا ; فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك : حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة. و : الدنيا دنيا آن : دنيا بلاغ ، ودنيا ملعونة» (3).
والمراد بالبلاغ : البلاغ إلى الآخرة ، كما وقع في الحديث : «الدنيا مزرعة الآخرة» (4).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ طلب 5.
ص: 331
الدنيا إضرار بالآخرة ، وفي طلب الآخرة إضرار بالدنيا ، فأضرّوا بالدنيا ; فإنّها أحقّ بالإضرار» (1).
وفي الصحيح عن أبي عبيدة الحذّاء ، قال «: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : حدّثْني بما أنتفع به. قال : يا أبا عبيدة! أكثر ذكر الموت ; فإنّه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلاّ زهد في الدنيا» (2).
وقال أبو جعفر (عليه السلام) : «ملك ينادي في كلّ يوم : ابن آدم! لِدْ للموت ، واجمع للفناء ، وابنِ للخراب» (3).
وبه قال بعض الشعراء (4) :
له ملك ينادي كلّ يوم
لِدوا للموت وابنوا للخراب
وعن محمّد بن يحيى ، عن علي بن الحكم ، عن عمر بن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «قال عليّ بن الحسين (عليه السلام) : إنّ الدنيا قد ارتحلت مدبرة ، وإنّ الآخرة قد ارتحلت مقبلة ، ولكلّ منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ..
ألا وكونوا من الزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة ; ألا إنّ الزاهدين في الدنيا اتّخذوا الأرض بساطاً ، والتراب فراشاً ، والماء طيباً ، وقرضوا من الدنيا تقريضاً.
ألا ومَن اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشهوات ، ومَن أشفق من النار 9.
ص: 332
رجع عن المحرّمات ، ومَن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب.
ألا إنّ لله عباداً ، كمَن رأى أهل الجنّة في الجنّة مخلّدين ، وكمَن رأى أهل النار في النار معذّبين ; شرورهم مأمونة ، وقلوبهم محزونة ، وأنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، صبروا أيّاماً قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة ..
أمّا الليل ; فصافّون أقدامهم ، تجري دموعهم على خدودهم ، وهم يجأرون إلى ربّهم ، يسعون في فكاك رقابهم.
وأمّا النهار ; فحلماء علماء ، بررة أتقياء ، كأنّهم القداح ، قد براهم الخوف من العبادة ، ينظر إليهم الناظر فيقول : مرضى - وما بالقوم من مرض - أم خولطوا؟! فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار وما فيها» (1).
الخِلاط : بالكسر : أن يخالط الرجل في عقله ، أي : فسد عقله ... رجل خَلط ، بيّن الخلاطة : أحمق. مخالطة العقل ، وقد خولط في عقله ، واختلط : فسد عقله. القاموس (2).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، حين دخله (3) جابر ، أنّه قال : «يا جابر! والله إنّي لمحزون ، وإنّي لمشغول القلب.
قال جابر : قلت : جعلت فداك ، وما شَغَلَك وما حزن قلبك؟.
فقال : يا جابر! إنّه مَن دخل في قلبه صافي خالص دين الله ، شغل قلبه عمّا سواه .. ..
ص: 333
يا جابر! ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا؟ هل هي إلاّ طعام أكلته ، أو ثوب لبسته ، أو امرأة أصبتها؟!
يا جابر! إنّ المؤمنين لم يطمئنّوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ، ولم يأمنوا قدومهم الآخرة ..
يا جابر! إنّ الآخرة دار القرار ، والدنيا دار فناء وزوال ، ولكن أهل الدنيا أهل غفلة ، وكان المؤمنون هم الفقهاء ، أهل فكرة وعبرة ، لم يصمّهم ذكر الله جلّ اسمه ما سمعوا بآذانهم ، ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم ; ففازوا بثواب الآخرة ، كما فازوا بذلك العلم» (1).
ويدلّ عليه ما رواه محمّد بن يحيى ، عن علي بن الحكم ، عن المثنّى ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «كان أبو ذرّ (رضي الله عنه) يقول في خطبته : يا مبتغي العلم! كأنّ شيئاً من الدنيا لم يكن شيئاً إلاّ ما ينفع خيره ، ويضرّ شرّه ، إلاّ من رحم الله.
يا مبتغي العلم! لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك ، أنت يوم تفارقهم كضيف بتّ فيهم ثمّ غدوت عنهم إلى غيرهم ، والدنيا والآخرة كمنزل تحوّلت منه إلى غيره ، وما بين الموت والبعث إلاّ كنومة نمتها ثمّ استيقظت منها.
يا مبتغي العلم! قدّم لمقامك بين يدي الله عزّ وجلّ ; فإنّك مثاب لعملك ، كما تدين تدان.
يا مبتغي العلم ...» (2).
وعنه ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال 4.
ص: 334
«قال أبو ذرّ : جزى الله الدنيا عن مذمّة بعد رغيفين من الشعير ; أتغدّى بأحدهما ، وأتعشّى بالآخر ، وبعد شملتي الصوف ; اتّزر بأحدهما ، وأتردّى بالآخر» (1).
ومثله قد وقع في أحاديث.
وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : «قال أبو جعفر (عليه السلام) : مثل الحريص على الدنيا ، كمثل دودة القز ; كلّما ازداد على نفسها لفّاً ، كان أبعد لها من الخروج ، حتّى تموت غمّاً» (2).
قال : «وقال أبو عبد الله (عليه السلام) : كان في ما وعظ به لقمان ابنه : يا بني! إنّ الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم ، فلم يبق ما جمعوا ، ولم يبق مَن جمعوا له ، إنّما أنت عبد مستأجر ، قد أُمرت بعمل ووُعِدت عليه أجراً ، فأوفِ عملك واستوفِ أجرك ، ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر ، فأكلت حتّى سمنت ، فكان حتفها عند سمنها ، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر ، جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر ، أخربها ولا تعمرها ; فإنّك لم تؤمر بعمارتها» (3).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه [قال] : «كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بعض أصحابه يعظه : أُوصيك ونفسي بتقوى الله ، مَن لا تحلّ معصيته ، ولا يُرجى غيره ، ولا الغنى إلاّ به ..
فإنّ من اتّقى الله عزّ وجلّ ، وقوي وشبع وروي ، ورفع عقله من أهل 0.
ص: 335
الدنيا ، فبدنه مع أهل الدنيا ، وقلبه وعقله معاين الآخرة. فأطفأ بنور قلبه ما أبصرت عيناه من حبّ الدنيا ، فقذر حرامها ، وجانب شبهاتها ، وأضرّ والله بالحلال الصافي ، إلاّ ما لا بُدّ له من كسرة يشدّ بها صلبه ، وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه ..
ولم يكن له في ما لا بُدّ له منه ثقة ولا رجاء ، فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء ، فجدّ وتعب ، وأتعب فعله بدنه ، حتّى بدت الأضلاع وغارت العينان ، فأبدل الله عزّ وجلّ من ذلك قوّة في بدنه ، وشدّة في عقله ، وما ادّخر له في الآخرة أكثر.
فارفض الدنيا ; فإنّ حبّ الدنيا يعمي ويصمّ ويبكم ، ويذلّ الرقاب ، فتدارك ما بقي من عمرك ، ولا تقل : غداً أو بعد غد ; فإنّما هلك مَن كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف ، حتّى أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون ، فنُقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيّقة ، وقد أسلمهم الأولاد والأهلون.
فانقطع إلى الله بقلب منيب من رفض الدنيا ، وعزم ليس فيه انكسار ولا انخزال ، [أعاننا الله وإيّاك على طاعته ، ووفّقنا الله وإيّاك لمرضاته]» (1).
«منه» (قدس سره)
[23] باب : حُسْن الخُلُق (2)
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ه.
ص: 336
الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «أكمل المؤمنين إيماناً أحسَنَهُم خُلقاً» (1).
[استدراكات المؤلّف]
عن أبي أُسامة زيد الشحّام ، قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : اقرأ على مَن ترى أنّه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام ، وأُوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ ، والورع في دينكم ، والاجتهاد لله ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وطول السجود ، وحُسن الجوار ; فبهذا جاء محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ..
أدّوا الأمانة إلى مَن ائتمنكم عليها ، برّاً أو فاجراً ; فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط ..
صلوا عشائركم ، واشهدوا جنائزهم ، وعودوا مرضاهم ، وأدّوا حقوقهم ; فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه ، وصدق الحديث ، وأدّى الأمانة ، وحسُن خلقه ، قيل : هذا جعفريّ ، فيسرّني ذلك ، ويدخل عليّ منه السرور ، وقيل : هذا أدب جعفر ، وإن كان على غير ذلك ، دخل علَيَّ بلاؤه وعاره ، وقيل : هذا أدب جعفر ، فوالله لحدّثني أبي (عليه السلام) : إنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ (عليه السلام) ، فيكون زيْنها ; آداهم للأمانة ، وأقضاهم للحقوق ، وأصدقهم للحديث ، إليه وصاياهم وودائعهم ، تسأل العشيرة عنه فتقول : مَن مثل فلان؟ إنّه آدانا للأمانة ، وأصدقنا للحديث» (2).2.
ص: 337
عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنّه قال : «مَن خالطت ، فإن استطعت أن تكون يدك العليا عليهم فافعل» (1).
وعن علي بن الحسين ، أنّه قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة ، أفضل من حُسن الخُلق» (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «أربع مَن كنّ فيه كمل إيمانه ، وإن كان من قرنه إلى قدمه ذنوباً لم ينقصه ذلك ، قال : وهي : الصدق ، وأداء الأمانة ، والحياء ، وحُسن الخُلق» (3).
وعنه (عليه السلام) ، أنّه قال : «الخُلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد» (4).
وعنه (عليه السلام) ، أنّه قال : «هلك رجل على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتى الحفّارين ، فإذا بهم لم يحفروا شيئاً ، وشكوا ذلك إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقالوا : يا رسول الله! ما يعمل حديدنا في الأرض ، فكأنّما نضرب به في الصفا.
فقال : ولِمَ؟! إن كان صاحبكم لحسن الخُلق ، ائتوني بقدح من ماء. فأتوه به ، فأدخل يده فيه ثمّ رشه على الأرض رشّاً ، ثمّ قال : احفروا.
قال : فحفر الحفّارون ، فكأنّما كان رملا يتهايل عليهم» (5).
«منه» (قدس سره) 0.
ص: 338
[24] باب : حُسْن البِشر
عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن ربعي ، عن الفضيل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إنّ صنائع المعروف وحُسن البِشْر يكسبان المحبّة ويدخلان الجنّة ، والبخل وعبوس الوجه يبعدان من الله ويدخلان النار» (1).
[25] باب : العفو وكظْم الغيظ
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن جهم ابن الحكم المدائني ، عن إسماعيل بن زياد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : عليكم بالعفو ; فإنّ العفو لا يزيد العبد إلاّ عزّاً ، فتعافوا يعزّكم الله» (2).
أبو علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبار ، عن ابن فضّال ، عن غالب بن عثمان ، عن عبد الله بن منذر ، عن الوصافي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «مَن كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه ، حشى الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة» (3).5.
ص: 339
[استدراكات المؤلّف]
وعنه (عليه السلام) : «كظم الغيظ عن العدوّ في دولاتهم تقيّةً حزمٌ لمَن أخذ به ، وتحرّزٌ من التعرّض للبلاء في الدنيا ، ومعاندة الأعداء في دولاتهم ، ومماظَّتهُم في غير تقيّة ترك أمر الله ; فجاملوا الناس ، يسمن ذلك لكم عندهم ، ولا تعادوهم ، فتحملوهم على رقابكم ، فتذلّوا» (1).
وعن علي بن الحسين (عليه السلام) : «ما أحبّ أنّ لي بِذُلّ نفسي حمر النعم ، وما تجرّعت بجرعة أحبّ إلَيّ من جرعة الغيظ ، لا أُكافئ بها صاحبها» (2).
عن سعدان ، عن معتب ، قال : «كان أبو الحسن موسى (عليه السلام) في حائط له يصرم ، فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارةً من تمر (ة ، واحد) فرمى بها وراء الحائط ، فأتيته فأخذته وذهبتُ به إليه ، فقلت : جعلت فداك ، إنّي وجدت هذا وهذه الكارة. فقال للغلام : يا فلان! قال : لبّيك. قال : أتجوع؟ قال : لا يا سيّدي. قال : فتعرى؟ قال : لا يا سيدي. قال : فلأيّ شيء أخذت هذا؟ قال : اشتهيت ذلك. قال : اذهب فهي لك. وقال : خلّوا عنه» (3).
«منه» (قدس سره) ا.
ص: 340
[26] باب : الحلم
عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عليّ ابن الحكم ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «إنّ الله يحبّ الحييّ الحليم» (1).
وفي رواية : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما أعزّ الله بجهل قط ، ولا أذلّ بحلم قط» (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : «كفى بالحلم ناصراً» ، وقال : «إذا لم تكن حليماً فتحلّم» (3).
[استدراكات المؤلّف]
عن محمّد بن عبيد الله ، قال : «سمعت الرضا (عليه السلام) يقول : لا يكون الرجل عابداً حتّى يكون حليماً ، وإنّ الرجل كان إذا تعبّد في بني إسرائيل لم يُعدّ عابداً حتّى يصمت قبل ذلك عشر سنين» (4).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «كان عليّ بن الحسين يقول : إنّه ليعجبني 2.
ص: 341
الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه» (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما أعزّ الله بجهل قط ، ولا أذلّ بحلم قط».
وعن [محمّد بن يحيى] ، قال : «بعث أبو عبد الله (عليه السلام) غلاماً له في حاجة ، فأبطأ ، فخرج أبو عبد الله على أثره لمّا ابطأ ، فوجده نائماً ، فجلس عند رأسه يروّحه حتّى انتبه ، فلمّا انتبه ، قال أبو عبد الله (عليه السلام) : يا فلان! والله ما ذلك لك ، تنام الليل والنهار؟ لك الليل ولنا منك النهار» (2).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ الله يحبّ الحييّ الحليم العفيف المتعفّف» (3).
وعنه (عليه السلام) ، قال : «إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما : قلتَ وقلت ، وأنت أهل لما قلت ، ستجزى بما قلت. ويقولان للحليم منهما : صبرتَ وحلمت ، سيغفر الله لك إن أتممت ذلك ، قال : فإنّ ردّ الحليم عليه ارتفع الملكان» (4).
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول : نبّه بالتفكّر قلبك ، وجافِ عن الليل جنبك ، واتّق الله ربّك» (5). /
ص: 342
وعنه (عليه السلام) : «إنّ الله عزّ وجلّ خصّ رسله بمكارم الأخلاق» (1).
وعنه (عليه السلام) ، قال : «أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عزّ وجلّ» (2).
وعنه (عليه السلام) : «مَن خاف الله أخافَ الله عنه كلّ شيء ، ومَن لم يخفِ الله أخافه الله من كلّ شيء» (3).
وقال : «حُسْن الظنّ بالله : أن لا ترجو إلاّ الله ، ولا تخاف إلاّ ذنبك» (4).
وقال : «لا تخرجنّ نفسك عن حدّ التقصير في عبادة الله وطاعته ; فإنّ الله لا يُعبد حقّ عبادته» (5).
وقال : «ما شيعتنا إلاّ من أطاع الله عزّ وجلّ» (6).
وقال : «اتّقوا الله وصونوا دينكم بالورع» (7). 2.
ص: 343
وعن أبي جعفر (عليه السلام) : «إنّ أفضل العبادة عفّة البطن والفرج» (1).
وعنه (عليه السلام) ، قال : «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : مَن ترك معصية الله مخافة من الله أرضاه الله يوم القيامة» (2).
وعنه (عليه السلام) : في قوله تعالى : (اصبروا وصابروا) (3) قال : «اصبروا على الفرائض» (4).
وقال (عليه السلام) : «الصبر رأس الإيمان» (5).
وقال أبو الحسن (عليه السلام) : «من علامات الفقه : الحلم والعلم والصمت ، إنّ الصمت بابٌ من أبواب الحكمة» (6).
وقال أيضاً (عليه السلام) : «إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : أمرني ربّي بمداراة الناس ، كما أمرني بأداء الفرائض» (7).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) : «إنّ لكلّ شيء قفلاً ، وقفل الإيمان : الرفق» (8).0.
ص: 344
وقال أيضاً (عليه السلام) : «[إنّ في السماء ملكين موكلين بالعباد ، ف] -مَن تواضع لله رفعاه ، ومَن تكبّر وضعاه» (1).
وقال : «مَن أحبّ لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، فهو ممّن كمل إيمانه» (2).
وعنه (عليه السلام) : «قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : طوبى لمَن أسلم وكان عيشه كفافاً» (3).
وعنه (عليه السلام) : «مَن أنصف الناس من نفسه ، رُضي به حكماً لغيره» (4).
وقال : «شرف المؤمن : قيام الليل ، وعزّه : استغناؤه عن الناس» (5).
و [عنه (عليه السلام) :] «إنّ صلة الأرحام تحسّن الخُلق ، وتسمح الكفّ ، وتطيّب النفس ، وتزيد في الرزق ، وتنسئ في الأجل» (6).
وعنه (عليه السلام) : «المؤمن أعزّ من المؤمن ، والمؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر ; فمَن رأى منكم الكبريت الأحمر؟» (7). 3.
ص: 345
وعنه (عليه السلام) : «إنّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن ، كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد» (1).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : «لا يصيب قرية عذاب وفيها سبعة من المؤمنين» (2).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «إنّ المؤمن مؤمنان : [فمؤمن] صدق (بعهد الله ، ووفى) (3) بعهد الله ، ووفى شرطه ، وذلك قوله تعالى : (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) (4) ، فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا ولا [أهوال] الآخرة ، وذلك ممّن يُشفّع ولا يُشفع له ، ومؤمن كخامة الزرع تعوج أحياناً وتقوم أحياناً ، [فذلك ممّن تصيبه أهوال الدنيا وأهوال الآخرة] ، وذلك [ممّن] يُشفع له ولا يُشفّع» (5).
«منه» (قدس سره)
قد تمّت هذه الأخبار الصحيحة المعتبرة ، التي كانت من جملة ما أُجزتُ بها ، بيد مصنّفها وجامعها : سليمان بن محمّد الجيلاني ، في أواخر شهر ذي الحجّة الحرامّ سنة 1098.
* * * 1.
ص: 346
المصادر
القرآن الكريم ..
1 - الاختصاص ، للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري ، (ت 413 ه) ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي / قم 1402 ه.
2 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ، للشيخ المفيد ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / قم 1413 ه- ، الطبعة الأُولى.
3 - الأمالي ، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ، (ت 381 ه) ، تحقيق ونشر قسم الدراسات الإسلاميّة في مؤسسة البعثة / قم 1414 ه- ، الطبعة الأُولى.
4 - الأمالي ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، (ت 460 ه) ، تحقيق ونشر قسم الدراسات الإسلاميّة في مؤسسة البعثة / قم 1414 ه- ، الطبعة الأُولى.
5 - الأمالي ، للشيخ المفيد ، (ت 413 ه) ، تحقيق حسين استاد ولي والشيخ علي أكبر الغفاري ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي / قم 1403 ه.
6 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار ، للشيخ محمّد باقر ابن محمّد تقي المجلسي ، (ت 1110 ه) ، نشر مؤسسة الوفاء / بيروت 1403 ه- ، الطبعة الأُولى.
7 - بشارة المصطفى ، لمحمّد بن أبي القاسم الطبري ، من أعلام ق 6 ، تحقيق جواد القيومي ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي / قم 1420 ه- ، الطبعة الأُولى.
8 - تحف العقول عن آل الرسول (عليهم السلام) ، للشيخ الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (ت 318 ه) ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي / قم 1404 ه- ، الطبعة الثانية.
9 - تراجم الرجال ، للسيّد أحمد الأشكوري ، نشر دليل / قم 1422 ه- ، الطبعة الأُولى.
ص: 347
10 - تفسير العيّاشي ، لمحمّد بن مسعود العياشي (ت 320 ه) ، تحقيق ونشر قسم الدراسات في مؤسسة البعثة / قم 1421 ه- ، الطبعة الأُولى.
11 - تقريب التهذيب ، لابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) ، دار الكتب العلمية / بيروت 1415 ه.
12 - التهذيب ، للشيخ الطوسي (ت 460) ، تحقيق السيّد حسن الموسوي الخرسان ، نشر دار الكتب الإسلاميّة / قم 1364 ه. ش ، الطبعة الثانية.
13 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، للشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، نشر مكتبة صدوق / طهران.
14 - الجعفريّات ، لأبي العبّاس عبد الله بن جعفر الحميري ، تصحيح الشيخ أحمد الصادقي الأردستاني ، نشر مؤسسة الثقافة الإسلاميّة لكوشانپور / قم 1417 ه- ، الطبعة الأُولى.
15 - الجواهر السنيّة ، للشيخ محمّد بن الحسن بن علي الحرّ العاملي ، (ت 1104 ه) ، نشر يس / قم 1402 ه- ، الطبعة الأُولى.
16 - الخصال ، للشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، تحقيق علي أكبر الغفاري ، نشر جماعة المدرّسين / قم 1403 ه.
17 - دعائم الإسلام ، للقاضي التميمي المغربي (ت 363 ه) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيض ، أُوفسيت مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / قم.
18 - أنوار العقول من أشعار وصيّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لقطب الدين محمّد ابن الحسين البيهقي الكيدري (ت 576 ه) ، تحقيق كامل سلمان الجبوري ، نشر دار المحجّة البيضاء ودار الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) / بيروت 1999 م ، الطبعة الأُولى.
19 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، للعلاّمة الشيخ آقا بزرگ الطهراني (ت 1389 ه) ، دار الأضواء / بيروت.
20 - روضة الواعظين ، للشيخ محمّد بن الفتّال النيسابوري ، (ت 508 ه) ، تقديم السيّد مهدي الخرسان ، منشورات الرضي / قم.
21 - الزهد ، لحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي ، تحقيق ميرزا غلام رضا عرفانيان ، صدر في قم سنة 1399 ه.
ص: 348
22 - شرح الأخبار ، للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي (ت 363 ه) ، تحقيق السيّد محمّد رضا الجلالي ، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي / قم 1409 ه- ، الطبعة الأُولى.
23 - الصحاح ، لإسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت 393 ه) ، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار ، نشر دار العلم للملايين / بيروت 1376 ه- ، الطبعة الأُولى ، وسنة 1407 ه- الطبعة الرابعة.
24 - علماء تنكابن ، للشيخ محمّد السمامي ، نسخة عليها حواشي للمؤلّف ، لم تطبع.
25 - عوالي اللآلئ ، لابن أبي الجمهور (ت 940 ه) ، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي ، الطبعة الأُولى 1403 ه.
26 - قرب الأسناد ، لعبد الله بن جعفر الحميري ، من أعلام ق 7 ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / قم 1413 ه- ، الطبعة الأُولى.
27 - فقه الرضا (عليه السلام) ، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / قم ، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) / مشهد 1406 ه- ، الطبعة الأُولى.
28 - القاموس المحيط ، لمجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي ، أُوفسيت دار الفكر / بيروت 1402 ه.
29 - الكافي ، للشيخ الكليني (ت 329 ه) ، تصحيح الشيخ نجم الدين الآملي ، نشر المكتبة الإسلاميّة / طهران 1388 ه.
30 - كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي ، ضمن كتاب الأُصول الستّة عشر ، نشر دار الشبستري / قم 1405 ه. ، ضمن كتاب الأُصول الستّة عشر ، نشر دار الشبستري / قم 1405 ه.
31 - المحاسن ، لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، تعليق السيّد جلال الدين الحسيني ، نشر دار الكتب الإسلاميّة / قم ، الطبعة الثانية.
32 - مسائل علي بن جعفر ، جمع وتحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / قم 1409 ه- ، الطبعة الأُولى.
33 - مستدركات أعيان الشيعة ، للسيّد حسن الأمين ، نشر دار التعارف / بيروت 1418 ه- ، الطبعة الأُولى.
ص: 349
34 - مستدرك وسائل الشيعة ، للميرزا حسين النوري (ت 1320 ه) ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / قم 1407 ه- ، الطبعة الأُولى.
35 - مستطرفات السرائر ، لمحمّد بن أحمد بن إدريس الحلّي (ت 589 ه) ، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) / قم 1408 ه- ، الطبعة الأُولى.
36 - مشكاة الأنوار ، لعلي بن الحسين الطبرسي ، من أعلام ق 7 ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / قم 1423 ه- ، الطبعة الأُولى.
37 - مصادقة الإخوان ، للشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، تحقيق السيّد علي الخراساني ، نشر مكتبة الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) / الكاظميّة المقدّسة 1402 ه.
38 - المصباح المنير ، لأحمد بن محمّد بن علي الفيومي (ت 77 ه) ، نشر المكتبة العصريّة / بيروت 1418 ه- ، الطبعة الثانية.
39 - معاني الأخبار ، للشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، تحقيق الشيخ علي أكبر الغفاري ، نشر جامعة المدرّسين / قم 1361 ه. ش.
40 - معجم رجال الحديث ، للسيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413 ه) ، الطبعة الخامسة 1413 ه.41 - من لا يحضره الفقيه ، للشيخ الصدوق (ت 381 ه) ، تحقيق السيّد حسن الموسوي الخرسان ، نشر دار صعب / بيروت 1401 ه.
42 - المؤمن ، للحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي ، نشر دار المرتضى / قم 1411 ه- ، الطبعة الأُولى.
43 - النهاية في غريب الحديث ، لابن الأثير مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمّد الجزري (ت 606 ه) ، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ، نشر مؤسسة إسماعيليان / قم 1364 ه.
44 - وسائل الشيعة ، للحرّ العاملي (ت 1104 ه) ، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / قم 1409 ه- ، الطبعة الأُولى.
* * *
ص: 350
صورة
ص: 351
ص: 352
مقدّمة التحقيق :
الحمد لله الذي أضاء لنا طرق الحياة وسبل المعالي ، ومنّ علينا بالدُرر الغوالي ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أعداء الدين.
وبعد ..
فإنّ كتاب أضواء الدرر الغوالي لإيضاح غصب فدك والعوالي ، لبعض قدماء علماء الشيعة وسلفنا الصالح (1) ، الّذين كانوا أوعية العلم والمعرفة ، ومظهراً للإخلاص والجهد والدقّة والأمانة ، كما قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله) ; إذ جعله من مصادر كتابه بحار الأنوار ، وأشار في مقدّمة الكتاب قائلا : وكتاب أضواء الدرر الغوالي لإيضاح غصب فدك والعوالي ، لبعض الأعلام (2).
والشيخ المجلسي (رحمه الله) وإن لم يصرّح في كتابه بالنقل عن هذه ة.
ص: 353
الرسالة ، إلاّ أنّها مع صغرها تضمّ طائفة من الحقائق ، العزيزة على نفس كلّ شائق ورائد ; ففيها لطلبة الحقّ وروّاد السعادة ما يوصلهم إلى الحقائق ، وبها قد أوقدوا مشاعل الإيمان بهمّة شامخة يتقاعس عن إدراكها الزمن.
ومن المؤسف أنّ مؤلّف هذه الرسالة لم يفصح عن نفسه فيها ; لتقية أو لغرض آخر ، لا يعلمه إلاّ الله سبحانه وتعالى ، ولم نجد - في ما تتبّعنا - من العلماء والأعلام والخبراء من ينسبها إلى مؤلّف بعينه ; حتّى المجلسي (رحمه الله) - الذي نقل عنها - لم يذكر مؤلّفها ولا ترجمة له.
نعم ، وجدنا في ما بعد نسخة مخطوطة أُخرى للرسالة ، محفوظة في مكتبة مدرسة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، برقم 95 ، وتقع هذه المدرسة في بلدة «بُشْرويَة» ، من توابع مدينة «فردوس» من نواحي خراسان ، في إحدى عشرة صفحة ، آخرها هكذا : «تمّت الرسالة بحمد الله تعالى» ولم يكتب الكاتب اسمه ، ولم يكتب أيّ تاريخ للكتابة ، لكن مكتوب على ظهر الورقة الأُولى من النسخة ما يلي : «أضواء الدُرر الغوالي لإيضاح غصب فدك والعوالي ، تأليف : الفقير إلى الله الغني الشيخ حسن بن محمّد بن علي المهلّبي ، الشهير ب- : الصوفي».
والنسخة جيّدة الخطّ ، لكن تعرّضت - مع الأسف - الكلمات في أعلى كلّ الصفحات للمحو ، من أثر الرطوبة ، أو علّة أُخرى ..
واستناداً لما وجدناه في ظهر الورقة الأُولى من هذه النسخة ، ومقارنة بعض الكلمات ، نسبنا هذه الرسالة إلى الشيخ المذكور ، ونحن نأخذ الرسالة ومحتواها بعين الاعتبار ; إذ قيل : «انظر إلى ما قيل ولا تنظر إلى مَن قال» ..
وللشيخ (رحمه الله) ترجمة في كتب تراجم الرجال نقوم بسردها بالمقدار اللازم وقدر الحاجة.
ص: 354
ترجمة المؤلّف
ترجم للشيخ المؤلّف (1) عدّة من الأعلام في مؤلّفاتهم :
1 - تعرّض لترجمته العلاّمة السيّد محسن الأمين (رحمه الله) في أعيان الشيعة 5 / 265 ، قائلاً :
الشيخ عزّ الدين الحسن بن شمس الدين محمّد بن علي المهلّبي الحلّي ، توفّي سنة 840.
قال الأمين : (المهلّبي) في رياض العلماء نسبة إلى المهلّب بن أبي صفرة ، (والحلّي) نسبة إلى الحّلة السّيفية ، انتهى.
وما في بعض نسخ أمل الآمل من إبدال الحلّي بالحلبي تصحيف.
في أمل الآمل : فاضل ، عالم ، محقّق ، له كتاب الأنوار البدرية في ردّ شبه القدرية ، رأيته في الخزانة الموقوفة الرضوية (2). انتهى.
وفي الرياض : إنّ الموجود في نسخ الكتاب أنّ اسمه : الأنوار البدرية لكشف شبه القدرية ..
وفيه أيضاً : الشيخ الأجل عزّ الدين الحسن بن الشيخ شمس الدين محمّد بن علي المهلبي الحلّي ، الفاضل ، العالم ، المتكلّم ، الجليل ، الشاعر ، المحقّق ، المعروف ب- : المهلّبي ، وهو ليس بالمهلّبي الشاعر ولا بالمهلّبي الوزير ; لتقدّمهما وتأخّره ، كما ستعرف.».
ص: 355
قال : وقد رأيت في آخر بعض نسخ كتابه الأنوار البدرية في وصفه هكذا : الشيخ العالم الفاضل الكامل ، الزاهد العابد ، المحقّق المدقّق ، أفضل العلماء المتبّحرين ، عماد الإسلام والمسلمين ، المتوّج بعون عناية ربّ العالمين ، عزّ الملّة والحق والدين ، حسن بن السعيد المرحوم شمس الدين محمّد بن علي المهلّبي. انتهى.
قال : وهو صاحب كتاب الأنوار البدرية لكشف الشبه القدرية ، وهو غير كتاب الأنوار المضيئة ، الذي هو من مؤلّفات الشيخ أبي علي محمّد بن همام ، من القدماء.
ثمّ ذكر أنّه رأى كتاب الأنوار البدرية في مواضع أُخر غير الخزانة الرضوية ، منها ببلاد سجستان ، وأنّ عنده منه نسخة (1) ..
قال : ورأيت في عدّة من نسخه أنّه ألّفه في داره بالحلّة السيفية سنة 840 ، ضحوة يوم السبت 6 جمادى الآخرة ، وكان الباعث على تأليفه - كما صرّح به في أوّله - أمر الشيخ الأجل الفاضل جمال الدين أبي العبّاس أحمد ، (ولعلّ المراد به : أحمد بن فهد الحلّي ، المتوفّى سنة 841).
قال : وموضوع هذا الكتاب ردّ على كتاب ليوسف بن مخزم المنصوري الأعور الواسطي ، الذي ردّ فيه على الإمامية ، وكان قريباً من السبعمائة للهجرة ، فردّ عليه أحسن ردّ ، وهو كتاب لطيف في الغاية ، وقد بالغ في تتبّع الكتب وإيراد الحجج ، والتزم في إيراد الأدلّة بما ثبت من طريق الخصم نقله عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقال الأُستاذ المجلسي في أوّل البحار : وكتاب الأنوار البدرية في ردّ ه.
ص: 356
شبه القدرية ، للفاضل المهلّبي.
ثمّ قال : وكتاب الأنوار البدرية مشتمل على بعض الفوائد الجليلة.
وقال : وقد ألّف الشيخ نجم الدين خضر بن الشيخ شمس الدين محمّد بن علي الرازي ، الحبلرودي نسبةً ، والنجفي مسكناً ، في ردّ كتاب يوسف الأعور المذكور ، كتاباً سمّاه : التوضيح الأنور بالحجج الواردة لدفع شبهة الأعور (1) ، ألّفه سنة 839 ، بالحلّة السيفية أيضاً ، لكن كتابه أفْيَد وأحسن من كتاب المهلّبي ، كما لا يخفى على مَن طالعهما ووازنهما. انتهى.
وذكر في ترجمة الشيخ خضر المذكور : أنّ كتاب الأنوار البدرية في ردّ شبه القدماء ، ثمّ ذكر أنّه رأى كتاب الأنوار البدرية في ردّ شبه القدرية ، للشيخ الجليل عزّ الدين حسن بن شمس الدين محمّد بن علي المهلّبي الحلّي ، ألّفه سنة 840 ، وهو كتاب لطيف نفيس ، ألّفه في الردّ على كتاب الشيخ يوسف بن مخزوم المنصوري العامّي ، الذي يردّ فيه على الشيعة. انتهى.
قال أحمد المحمودي :
إلى هنا انتهى كلام العلاّمة الأمين (رحمه الله) في أعيان الشيعة بشأن الشيخ المهلّبي ، وهو بتفاصيله كان مناسباً للنقل ; لِما فيه من الشواهد لنسبة رسالة أضواء الدّرر إليه.
2 - وقال العلاّمة المتتبّع الخبير حجّة التاريخ الميرزا عبد الله أفندي ي.
ص: 357
الأصفهاني ، المتوفّى سنة 1130 ه- ، في كتابه رياض العلماء 1 / 323 ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني :
الشيخ عزّ الدين الحسن بن الشيخ شمس الدين محمّد بن علي المهلّبي ... وهو صاحب كتاب الأنوار البدريّة لكشف شبه القدرية ، وكتابه هذا أيضاً ليس بكتاب الأنوار المضيئة ، الذي كان من مؤلّفات الشيخ أبي علي محمّد بن همام ، وقد كان من القدماء ; فلا تخبط ..
قال الأفندي : قال الشيخ المعاصر في أمل الآمل : الحسن بن محمّد ابن علي المهلّبي الحلبي ، له كتاب الأنوار البدرية في ردّ شبه القدرية ، رأيته في الخزانة الموقوفة الرضوية. انتهى. وقد صرّح بنسبته إليه في كتاب [إثبات] الهداة هذا الشيخ أيضاً (1). وأقول أنا : قد رأيت هذا الكتاب في مواضع أُخر ، منها ببلاد سجستان ، بل عندنا منه نسخة إن شاء الله.
أقول :
ثمّ تعرّض العلاّمة الأفندي في الترجمة لما جاء به ونقله العلاّمة الأمين في أعيان الشيعة ، كما تقدّم ، فلا نعيد مخافة الإطالة ; فراجع وتأمّل.
3 - وقال الفاضل المؤرّخ إسماعيل باشا في الذيل على كشف الظنون لحاج خليفة 3 / 138 :
الأنوار البدريّة في ردّ شبه القدريّة ، تأليف : حسن بن شمس الدين محمّد بن علي المهلّبي الحلّي الشيعي ، المتوفّى سنة ...
4 - وقال العلاّمة المحقّق السيّد إعجاز حسين النيسابوري ، المتوفّى ».
ص: 358
سنة 1240 ه- ، في كشف الحجب والأستار : 66 :
الأنوار البدرية في ردّ شبه القدرية : للحسن بن محمّد بن علي السهمي الحلّي ، ردّ فيه شبهات الأعور الواسطي ، قال فيه : سمّيته ب- : الأنوار البدرية بكشف شبه النواصب القدرية ، قال : التزمت فيه أن لا أستدلّ من المنقول عن الرسول إلاّ بما ثبت من طريق الخصم (1) ، ولا أفعل كما فعل الناصب في كتابه ..
أوّله : «الحمد لله الذي هدانا بما كتب على نفسه من الرحمة ، واضح المنهاج ...» إلى آخره ..
فرغ من تصنيفه في الحلّة ضحوة يوم السبت السادس من جمادى الآخرة سنة أربعين وثمانمئة.
التعريف برسالة «أضواء الدُرر» :
قد عرفنا من ثنايا الرسالة أنّها كُتبت بعد منتصف القرن السابع الهجري ; لأنّه ينقل فيها عن ابن أبي الحديد ، المتوفّى سنة 656 ه- (2).
وينقل أيضاً عن بعض كتب السيّد ابن طاووس (رحمه الله) ، المتوفّى سنة 664 ه- ، كما نقل عن كتاب الطرائف ، والقارئ الكريم يجد في مطاوي الكتاب إمّا عين اللفظ والعبارة أو النقل بالمعنى ، وقد أشرنا في بعض الهوامش إلى ما نقل عن كتاب الطرائف للسيّد ابن طاووس (رحمه الله). ة.
ص: 359
لكن لم يتعرّض لذكر هذه الرسالة أحد من أصحاب المعاجم والسير ، ولا أحد من المعاصرين - حسب تتبّعنا - إلاّ خبير هذا الفنّ ، العلاّمة المتتبّع الشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمه الله) ; فقد أورده في كتابه : الذريعة 2 / 216 رقم 840 ، قائلا :
«أضواء الدرر الغوالي في إيضاح أحوال فدك والعوالي : قال العلاّمة المجلسي في أوّل البحار عند ذكر مآخذه في الفصل الأوّل : إنّه لبعض الأعلام. وصرّح في الفصل الثاني بوجوده عنده ، وقال : إنّه محتو على فوائد كثيرة لكن لم نرجع إليه كثيراً».
وقال في خاتمة بحار الأنوار 110 / 169 ، في ذكر تعداد الكتب والمصادر التي اعتمدها في البحار ، نقلا عن بعض تلامذته (1) مخاطباً إيّاه :
«وكتاب ضوء اللآلي في غصب فدك والعوالي ، رأيته في داركم لا زالت عامرة آهلة».
وقال العلاّمة الرجالي المتتبّع الميرزا عبد الله ، الشهير ب- : الأفندي الأصفهاني ، في رياض العلماء 6 / 45 ، في باب : ذكر أسامي الكتب الإمامية التي لم يعلم أسامي مؤلّفيها : «وكتاب أضواء الدرر الغوالي لإيضاح غصب فدك والعوالي».
ونحن نكتفي بهذا المقدار ; إذ أنّ ما ورد في هذه الرسالة من مضامين عالية ، وقضايا مهمة ، ونكات ظريفة ، تفصح عن مرتبتها ومكانتها ، وعن المنزلة المنيفة لشخصية المؤلّف (رحمه الله) أيّاً مَن كان ; فإنّه لم يبغِ سوى -.
ص: 360
رضا الله سبحانه وتعالى ، وتبيين الحقائق ، ولا يسأل أجراً إلاّ المودّة في القربى ، وإثبات الحقّ لهم.
النسخ المعتمدة في التحقيق :
اعتمدنا في تحقيقنا لهذه الرسالة ، التي بين يديك ، على ثلاث نسخ مخطوطة ، هي :
النسخة الأُولى :
هي النسخة الرئيسية المعتمدة ، وهي قديمة جدّاً ، ولعلّها قريبة عهد المؤّلف (رحمه الله) ، وقد استنسخ الناسخ مع هذه الرسالة - ضمن مجموعة - كتاب : المحكم والمتشابه ، تأليف : سعد بن عبد الله الأشعري القمّي (رحمه الله) ، المتوفّى سنة 301 ه.
وقد كانت هذه النسخة عند العلاّمة المجلسي (رحمه الله) ; ممّا يبدو من خطّه المبارك على ظهر الصفحة الأُولى منها ، وهو صورة الوقفية التي كتبها بيده ..
وكانت أيضاً عند العلاّمة الرجالي المتتبّع السيّد مير محمّد باقر الموسوي الخوانساري (رحمه الله) ، مؤلّف الروضات ، المتوفّى سنة 1313 ه- ; ممّا يبدو أيضاً من خطّه الشريف على ظهر النسخة ، وهو ما كتبه بيده :
«هذا كتاب الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه من كتاب الله المجيد ، تأليف : سعد بن عبد الله الأشعري القمّي ، صاحب بصائر الدرجات وغيره ... وقد ساقه التقدير إلى ساحة مُلك الفقير إلى الله الغني
ص: 361
القوي : محمّد باقر بن زين العابدين الموسوي ، جعل الله عاقبة أُمورهما خيراً ، آمين ربّ العالمين.
والرسالة الأُولى موسومة ب- : أضواء الدرر الغوالي لإيضاح غصب فدك والعوالي ، لبعض قدماء علماء الشيعة رضوان الله تعالى عليهم».
ولعلّ لهذه المناسبة انتهت النسخة إلى حفيده : العلاّمة الحجّة المحقّق الخبير المعاصر ، السيّد محمّد علي الروضاتي الموسوي الأصفهاني حفظه الله ، المتوطّن في أصفهان.
قال العلاّمة السيّد محمّد علي الروضاتي - حفظه الله - : يبدو من خطّ الكتاب أنّه كتب في عهد العلاّمة المجلسي (رحمه الله) ، بأمر الملك سلطان حسين الصفوي ، من نماء الموقوفة لحمام (خسرو آغا) : «نقش جهان» بأصفهان ، وكان الملك يستأجر الكتّاب ; لاستكتاب النسخ المخطوطة.
وكانت النسخة ضمن مجموعة من الكتب المخطوطة ، كما كتب العلاّمة الروضاتي على ظهر المجموعة ما ترجمته : من هنا إلى 13 ورقة : رسالة أضواء الدرر ، ومن الورقة 14 إلى آخر النسخة : كتاب سعد بن عبد الله الأشعري.
وأضاف : ولا يخفى أنّه قد مُحيَ ما كان في متن هذه الصفحة من شرح بخطّ العلاّمة المجلسي (رحمه الله) ، وختمه المبارك ، الذي كتب بتاريخ : 1104 ه.
أقول :
بعد جهد بليغ ، رأيت أنّ الكتابة الممحيّة التي كانت مكتوبة على ظهر هذه النسخة ، هي صورة الوقفيّة التي كان يكتبها العلاّمة المجلسي على ظهر
ص: 362
الكتب الموقوفة بخطّه ، وهي نفسها الموجودة على نسخة كتاب المسترشد ، لمحمّد بن جرير الطبري ، المطبوع بتحقيقنا (1).
وقد رمزنا لها ب- : «مج».
النسخة الثانية :
هي النسخة التي استنسخها السيّد الروضاتي - دام ظلة - بخطّه الشريف ، عن نسخة جدّه (رحمه الله) - وهي نسخة العلاّمة المجلسي (رحمه الله) - وقد ختمها قائلا :
«كتبه بيمناه الداثرة : العبد الجاني ، محمّد علي بن محمّد هاشم الروضاتي الموسوي الأصفهاني ، في يوم الاثنين الثامن والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1365 ه- ، واستنسخ من النسخة التي تكون تلو الناسخ والمنسوخ ، وعلى ظهرها خطّ جدّي العلاّمة صاحب الروضات ، قال (رحمه الله) : إنّ هذه الرسالة لبعض قدماء علماء الشيعة ، رضوان الله عليه وعليهم أجمعين».
وقد رمزنا لها ب- : «ض».
النسخة الثالثة :
هي نسخة مكتبة بُشْرويَة ، التي أشرنا إليها آنفاً ، وقد رمزنا لها ب- : «ب». -.
ص: 363
عملنا في الرسالة :
1 - تخريج نصوص الأحاديث من المصادر التي اعتمد عليها المؤلّف (رحمه الله) ، وهو قد صرّح في أوّل رسالته أنّه لا يذكر إلاّ ما كان من طريق الخصم ، والكتب التي روى عنها ; فعمدنا إلى إيراد أحاديثها كما أوردها المؤلّف ، بالإضافة إلى إيراد تتمّة بعضها ، وضبط موارد الاختلاف.
2 - إيراد الشواهد اللازمة المتناسبة مع الموضوع ، والإشارة إلى موارد الاختلاف ، وضبط الموجود في المتن ، والتصريح به في الهامش.
3 - ضبط وإتمام الآيات القرآنية التي استشهد بها المؤلّف (رحمه الله) ، كما هي في المصحف الشريف ، كما عملنا في الأحاديث أيضاً.
4 - تصحيح وضبط ما وقع من الخطأ في أسماء الرجال والرواة الّذين ذكرهم المؤلّف في هذه الرسالة وروى حديثهم ، وذكر المصادر المترجمة لهم.
5 - وضعنا لبعض مواضيع الكتاب عناوين للتسهيل ، وشرحنا بعض الكلمات الغريبة أو الغامضة ، وقمنا بترقيم الأحاديث.
6 - قابلنا النسخ المخطوطة الثلاث بعضها ببعض ; فجعلنا نسخة العلاّمة المجلسي هي الأصل ; بدليل قدمتها ، ثمّ قارنّا بنسخة مكتبة بُشْرويَة ، وبنسخة العلاّمة الروضاتي ، وموارد الاختلاف بين النسخ لم تكن قليلة فأوردنا مواردها في الهامش.
هذا ما أردنا إيراده في هذه المقدّمة ، ورأيناه مفيداً لأهله ، وموصلا القارئ الكريم إلى ما يبتغي ويطلب من الكتاب ، والله وليّ التوفيق وهو المستعان.
ص: 364
شكر وتقدير :
وأرى من اللازم أن أُقدّم مزيد الشكر والتقدير لفضيلة العلاّمة المحقّق الخبير السيّد الروضاتي - دام ظلّه - الذي احتفظ بهذه النسخة وأحياها بالاستنساخ ، ونشرها في المجامع العلمية ، فللّه درّه وعليه أجره.
وأكون شاكراً للعلماء والمحقّقين نقدهم البنّاء لهذا العمل ، وإيقافي على ما وقع من الخطأ والنسيان ; إذ يتعرّض الإنسان للوقوع فيهما ، والعصمة لله تعالى ، ولأوليائه المعصومين (عليهم السلام).
قم
المقدّسة 1424 ه-
الشيخ
أحمد المحمودي
ص: 365
صورة
ص: 366
صورة
ص: 367
صورة
ص: 368
صورة
ص: 369
صورة
ص: 370
صورة
ص: 371
صورة
ص: 372
صورة
ص: 373
صورة
ص: 374
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على خير خلقه أجمعين محمّد وآله الخيرة المعصومين ، وأصحابه التابعين لهم دون المخالفين.
سألت - أيّها الأخ الصّالح أيّدك الله سبحانه بحاء حفظه ، وراعاك (1)وحرسك من بؤس الدهر وخاء خفضه وحماك - أن أُملي عليك نُبذة من أخبار فدك والعوالي (2) ; لتعلم كيف تمالأ (3) القوم على غصب البتول إرثها سجيس الليالي (4) .. :
ص: 375
فها أنا ذا قد ألقمتك نقيّ (1) الحقّ ، فصُنه عن أرذل الخلق ، وكشفتُ لك (عن) (2) حقيقة الحال ، لتكسر به سورة المحال ، وهديتك إلى سواء السبيل ، بإيضاح المحجّة والدليل.
ولم أذكر لك ممّا روي عن أهل البيت عليهم السلام وغيرهم إلاّ من طريق الخصم ، وإن كانت عروته الوثقى آمنة من الفَصْم (3) ، وقد ترجمتها ب- :
أضواء الدّرر الغوالي لإيضاح غصب فدك والعوالي
فأوّل ما نذكر : فضل فاطمة وبعلها ، وننبّه (4) على عصمتها ، ونلزم المخالف القول بذلك ..
فنقول :
لا شكّ في عصمة فاطمة عليها السلام ; بدليل إخبار النبيّ صلّى الله عليه وآله على القطع من غير تقيّد ، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «فاطمة بضعة منّي ، يريبها ما [أ] رابني» (5) .. ،
ص: 376
وفي رواية أُخرى : «من أغضبها فقد أغضبني» ، كما أخرجه البخاري وغيره (1) ..
و «من» و «ما» من ألفاظ العموم ; كما تقرّر في الأُصول.
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّ عليّ عليه السلام عن ابن عبّاس (رضي الله عنه) ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا نزلت : (إنّما أنتَ مُنذرٌ ولكُلِّ قوم هاد) (2)قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أنا المنذر وعليّ الهادِ» ، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا عليّ! بكَ يهْتدي المُهتَدُونَ» ..
أخرجه صاحب الوسيلة (3) في خصائص عليّ (عليه السلام). مع
ص: 377
ومثله : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ ، يدور معه كيفما دار» (1).
ومثله : دعاؤه له على القطع أيضاً ، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «اللّهمّ والِ مَن4.
ص: 378
والاه وعادِ مَن عاداه ، وانصُرْ مَن نَصَره واخذُلْ مَن خَذَله» (1).
وكإخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) على القطع في حقّ أهل البيت عليهم السلام وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي» (2).
وكقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّي سلْم لمَن سالمتم ، وحرب لمَن حاربتم» (3) ; سن
ص: 379
كما أخرجه الفرّاء في مصابيحه (1) ، وغيره ، وأمثال ذلك كثير.
وقد أخرج من ذلك صاحب الوسيلة (2) ، في المجلّد الخامس : في فضل أهل البيت (عليهم السلام) ، وهو من شيوخ المخالفين (3) ; فليطالع هناك.
ولا شكّ أنّ هذه الأحاديث جاءت في باب مناقبهم عليهم السلام وفضلهم ; فلو كانت [فاطمة] (4) عليها السلام تغضب بالباطل لَما جاز من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يغضب لها ..
ولو أمكن صدور الباطل منها لَما ساغ من النبيّ عليه السلام إطلاق لفظ الغضب ، بل كان يجب أن يقيّده ولا يطلقه ..
ولو قيّده ، أو كان مراده ذلك ، لم يبقَ لها مزيّة على غيرها ; إذ يجب عليه أن يغضب لكلّ مسلم ، بل ولكلّ كتابيّ إذا أُغضب بغير الحقّ ; لقوله عليه السلام : «مَن آذى ذميّاً كنتُ خصْمَهُ يومَ القيامة» (5) .. ».
ص: 380
ولكان إخراج مثل هذه الأحاديث في باب المناقب خطأ من جميع علماء الإسلام ; وهو معلوم البطلان.
فلم يبقَ إلاّ أنّ غضبها مطلقاً يغضبه (1) عليه السلام ، وفي ذلك دليل واضح على عصمتها عليها السلام ، وأنّها لا يصدر منها غضب إلاّ وهو بحقّ.
وكذلك الأخبار في حقّ بعلها (عليه السلام) ; لاتّحاد العلّة الموجبة للعصمة.
وكيف لم يكونوا كذلك؟! أم كيف يجوز عليهم الضلال ، وقد دلّ الحديث النبوي الذي لا ينطق عن الهوى ، بأنّ المتمسّك بهم لن يضلّ ، وأتى ب- : «لن» ، النافية للتأبيد بنصّ أهل اللغة؟!
فهذا حال المتمسِّك بهم ; فما ظنّك بالمتمسكين؟!
وإذ قد ظهر لك في ما سردته عليك أنّ تابعهم آمن من الضلال ، سالم من الوبال ، فانْخذِلْ أيّها الأخ عن أقاويل الجهّال ; فإنّها أعاليل بأباطيل ، والله الهادي إلى سواء السبيل ..
واعتبر بآية التطهير ; فإنّها عديمة النظير ، وهذا المقال ، للإطناب فيه أفسح المجال ، وإنّما عدلنا عنه ; لأنّ شهرته تغني ، كما قيل :
طلبت على مكارمنا دليلاً
متى احتاج النهار إلى دليل
وغيره :
أنتم ذوو الحسب المنيف وطوْلكم
باد على الكرماء والأشراف
والخمرُ إن قيل ابنة العنب اكتفت
بأب عن الألقاب والأوصاف
* * * ».
ص: 381
[إجماع المسلمين على ادّعاء فاطمة وبعلها (عليهما السلام)
فدكاً والعوالي ميراثاً]
إذا تقرّر ذلك ، فنقول :
لا شكّ ولا ريب في حصول الإجماع من سائر المسلمين على أنّ فاطمة وبعلها عليهما السلام ادّعيا فدكاً والعوالي ميراثاً ..
ومصداق ذلك : ما ذكره ابن قتيبة في كتاب «السياسة والرياسة» (1) ، في إمامة أبي بكر ، من قول فاطمة (عليها السلام) لأبي بكر : «ما بالك يرثك أهلك ولا نرث رسول الله؟!» (2).
ومثله : في جامع الأُصول : عن أبي هريرة ، قال : جاءت فاطمة إلى أبي بكر ، فقالت : «من يرثك؟» ، قال : أهلي وولدي. قالت : «فما لي لا أرث أبي؟!» (3) ; أخرجه بتمامه الترمذي (4).
ومثله : ما أخرجه البخاري من قوله : قالت عائشة : لمّا مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءت فاطمة تطلب ميراثها من أبي بكر ... إلى آخره (5).».
ص: 382
وأخرج في جامع الأُصول أيضاً ، في المجلّد الأوّل قريباً من آخره ، في أوّل الفرع الرابع : في قسمة الفيء وسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : عن مالك ابن أوس بن الحدثان (1) ، قال : أرسل إليّ عمر ، فجئته حين تعالى النهار ... إلى آخره (2) ..
وفيه : قال أبو بكر : فجئتماني - يعني عليّاً والعبّاس - تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا - يعني عليّاً - ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا نورث ما تركناه صدقة» (3).
قال عمر : ثمّ توفّي أبو بكر فولّيتها ، ثمّ جئتني أنت وهذا ... إلى آخره.
ثمّ قال : وفي رواية البخاري ومسلم ، بموجب ما أخرجه الحميدي ، وفيها : فقال - يعني عمر - : وأنتما حينئذ - وأقبل على عليّ وعبّاس - تزعمان أنّ أبا بكر فيها كاذب ... إلى آخره.
وفي كتاب مسلم : قال أبو بكر : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا نورث ع.
ص: 383
ما تركناه (1) صدقة ، فرأيتماه (2) كاذباً ، آثماً ، غادراً ، خائناً ... إلى آخره.
وفيه : ثمّ توفّي أبو بكر ، فقلت : أنا وليّ رسول الله ووليّ أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً ، آثماً ، غادراً ، خائناً ... إلى آخره (3).
ثمّ قال : وأخرجه الترمذي مختصراً (4) ، وأخرجه أبو داود بطوله (5).
فهذه سائر صحاحهم قد نطقت بأنّ عليّاً والعبّاس وفاطمة عليهم السلام قد ادّعوا الميراث ، وقد ثبت عصمة عليّ وفاطمة عليهما السلام دون غيرهما وفاقاً ; فلا يَخْلُوا : إمّا أن يكون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعلمهما بالخبر - وهو أنّ الذي تركه صدقة - أو لا ; وكلا الأمرين محال ..
أمّا الأوّل : فلأنّه يلزم كلّ واحد من عليّ وفاطمة قول الزور والباطل والترع (6) إلى أكل أموال المسلمين بغير حقّ وحاشاهما من جميع ذلك ; لأنّ هذه صفات الشياطين دون صفات المعصومين.
وأيضاً قد نطق القرآن المجيد بزهدهما في المباح وإيثارهما (7) به مع حاجتهما إليه في سورة (هل أتى) وإطعامهما الطعام على حبّه (8) ، فنسبة الباطل إليهما خروج عن الملّة.8.
ص: 384
وأمّا الثاني : فلأنّه يلزم أن يكون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد لبّس على أهله وأولاده وأفلاذ كبده ، وعمّى عليهم الخبر ، حتّى وقعت الفتنة العظيمة ، والفساد العظيم وحاشاه من ذلك ، لأنّ هذه صفات الأشقياء لا صفات الأنبياء ; وكيف لا ، وقد قال تعالى في حقّه : (عزيزٌ عليهِ ما عنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحِيْمٌ) (1)؟!
وقد أخرج في جامع الأُصول حديث شهر بن حوشب عن الترمذي وأبي داوُد : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «إنّ الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستّين سنة ثمّ يحضرهما الموت فيضارّان (2) في الوصيّة فتجب لهما النار» (3).
وأقول :
لا ضرر أعظم من أن يخرج أهله عن حقّهم ولا يعرّفهم! على أنّه قد وقع الإجماع أنّه ما كان يخرج إلى الصلاة حتّى يجيء إلى بيت فاطمة ويلزم بعضادتي الباب ويقول : «الصلاة يرحمكم الله ، (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (4)» (5).
[إجماع المسلمين على أنّ عليّاً (عليه السلام) وصيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :]
وأيضاً فقد حصل الإجماع [على] أنّ عليّاً وصيّه ، ومَن أراد مصداق 6.
ص: 385
ذلك فليطالع الجزء الأوّل من شرح ابن أبي الحديد للنهج ، وينظر : كيف أثبت لعليّ عليه السلام الوصيّة عن سائر المسلمين (1)؟!
ومثله : في مسند أحمد بن حنبل (2) ، وكتاب الفضائل (3) وغيره.
ومثله : في البخاري : عن الأسود (4) ، فإنّه قال : ذكروا عند عائشة أنّ عليّاً وصيّاً (5).
وأيضاً إذا ثبت أنّه وصيّه في أهله ، كما ذكره ابن حنبل في مسنده ، كيف يوصي إلى غيره بهذه التي يخرج أهله ، ويخالف قوله تعالى : (يوصيكُمُ اللهُ في أولادِكُم) (6) ، ولم يُعلم أهله ، ولا وصيّه فيهم؟!
وأين الرأفة والرحمة؟!
وكيف يكون عزيزاً عنتهم عليه ، وهو في أهله سبب لفتنتهم؟!
وحاشاه من جميع ذلك.
وإذا لم يورث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا مال له ، وبزعم (7) الخصم أنّ الوصيّة ».
ص: 386
بمعزل عن الإمامة ، فإذا لم يُعلمه بذلك خلت الوصيّة من الفائدة وتعطّلت ; وهو محال.
وإذا بطل الأمران ; تعيّن ابتزاز إرثها وأنّها مظلومة ، وما زالت ، وبعلها كذلك ..
ومصداقه : ما أخرجه ابن قتيبة في كتاب «السياسة والرياسة» من قول عليّ عليه السلام لولده : «والله يا بنيّ ما زلت مظلوماً مَبغيّاً علَيّ منذ هلك جدُّك (صلى الله عليه وآله وسلم)» (1).
[بطلان قول : «لا نورث ما تركناه صدقة» :]
ولا يخفى عليك بطلان قولهم : «لا نورث ...» ، بعد قوله تعالى : (وورث سليمانُ داودَ) (2) ، وقوله في حقّ زكريّا : (يرثني ويَرِثُ من آل يعقوبَ واجْعَلْه ربِّ رضيّاً) (3) ..
فإن قال المخالف :
المراد بالإرث : العلم والنبوّة دون المال ; إذ لا يخصّ سليمان ميراث أبيه داود دون باقي أولاده وزوجاته. ويرث مال آل يعقوب أولادهم ، لا ابن زكريّا.
أُجيب :
بأنّ العلم والنبوّة لا يورثان ، وإلاّ كنّا أنبياء .. 6.
ص: 387
وأيضاً فإنّ العلم موقوف على من يتعرّض له ويجتهد في تحصيله ، والنبوّة لا مدخل لها في الميراث ..
أيضاً ولقوله تعالى : (وكلاًّ آتينا حُكماً وعلماً) (1) ، والحُكم هو النبوّة ; بدليل : (وآتيناه الحكم صبيّاً) (2) ، وبذلك فسّره ابن الجزري وغيره ، وإذا كان قد آتاه الله سبحانه النبوّة والعلم في حياة أبيه داود لم يبقَ إلاّ ما تركه من الميراث دونهما ; لكونه حاكماً عالماً قبل ذلك ..
وأيضاً فإنّ النبوّة تابعة للمصلحة ، فلا مدخل للنسب فيها ، ولا يرد علينا حديث زيد بن أبي أوفى (3) ; حيث لم يأت من غير طريق المخالف.
وأيضاً فإنّ اختصاص سليمان عليه السلام بالذكر في الميراث لا يدلّ على اختصاصه به ; إذ الآية الكريمة مثبتة للإرث لسليمان ، ولا يلزم من ثبوت الإرث له ثبوت اختصاصه بالإرث ; إذ تقرّر في الأُصول أنّ تخصيص الشيء بالذكر لا يدلّ على نفي ما عداه ، وقد قال تعالى : (واللهُ خلق كلَّ دابّة من ماء فمنهم مَن يمشي على بطنه ومنهم مَن يمشي على رجلين ومنهم مَن يمشي على أربع يخلقُ الله ما يشاءُ إنّ اللهَ على كلِّ شيء 5.
ص: 388
قديرٌ) (1).
ومنه : قوله تعالى : (وقال موسى ربّنا إنّك آتيت فرعونَ ...) إلى قوله : (دعْوَتُكُما) (2).
واعلم أنّ في الآية الثانية دلالة واضحة على أنّ الأنبياء تورّث المال ; لأنّ زكريّا عليه السلام أراد بدعائه وطلبه مَن يرثه ، وتحجب (3) بني عمّه وعصبته من الولد ، وحقيقة الميراث إنّما هي انتقال ملك الموروث إلى ورثته بعد موته بحكم الله تعالى ، وحمل ذلك على العلم والنبوّة خلاف للظاهر ، ولأنّ العلم والنبوّة لا يورثان ، كما قلناه أوّلا ..
على أنّه إنّما سأل وليّاً من ولده يحجب مواليه من بني عمّه وعصبته من الميراث ، ولا يليق إلاّ بالمال ; لأنّ النبوّة والعلم لا يحجب الولد عنهما بحال من الأحوال.
وأيضاً اشتراطه أن يجعله رضيّاً لا يليق بالنبوّة ; لأنّ النبيّ لا يكون إلاّ رضيّاً معصوماً ، فلا معنىً لمساءلته ذلك ، وليس كذلك المال ; لأنّه يرثه الرضي وغيره ، ومعنى : (واجعله ربِّ رضيّاً) ، أي : اجعل ذلك الوليّ الذي يرثني رضيّاً عندك ، ممتثلا لأمرك ، عاملا بطاعتك.
وقوله : (إنّي خفتُ المواليَ) (4) ، أي : خفت تضييعهم مالي ).
ص: 389
وإنفاقه في معصية الله تعالى ، ولو كان العلم والنبوّة لَما جاز من زكريّا الخوف من وصول الخير والفضل إلى غيره فضلا عن مواليه ، وإلاّ لكان حاسداً منّاعاً للخير ، وحاشاه من ذلك (عليه السلام).
والعجب من أبي بكر وعمر من أنّهما يخبران عليّاً وفاطمة والعبّاس ، أنّ الأنبياء لا تورث! أما] كان] عليّ (عليه السلام) عارفاً بتفسير قوله تعالى : (وورث سليمان داود) ، وقوله تعالى في (1) زكريّا : (يرثني ويرث من آل يعقوب) ، ومن جملة تلاميذِه : إمام المفسّرين ابن عبّاس؟!
وقد أجمع المسلمون أنّ عليّاً لم يخطئ قطّ في حكم من الأحكام ، وقد قال حين دعا له النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما بعثه إلى اليمن بقوله : «اللّهمّ اهدِ قلبه ، واجعل ربيعه القرآن» ، فقال (عليه السلام) : ما شككت في كلام (2) ; كما أخرجه في الجامع (3).
ومثله : في البخاري ; قال عمر : وأفضلكم عليّ (عليه السلام) ، أقضاكم 1.
ص: 390
عليّ (1).
ومثله : «أنا مدينة العلم ، وعليٌّ بابُها» (2).
وقال في شرح المصابيح : عن ابن مسعود ، أنّه قال : كنّا نتحدّث أنّ أقضى أهل المدينة : عليّ (3) ..
وقال في الشرح [أيضاً] : وقال ابن المسيّب (4) : ما كان أحد يقول : سلوني ، غير عليّ (5).
فما أحسن قول الشاعر : ّ.
ص: 391
تا الله ما جهل الأقوام موضعها
لكنّهم ستروا وجه الّذي علموا
وأيضاً فإنّ مخالفينا - كزيد بن أبي أوفى (1) وغيره - قد رووا أنّ عليّاً (عليه السلام) ورث علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; ومَن ورث علم رسول الله ، كيف يخفى عليه تفسير هاتين الآيتين؟! لولا الهوى ، أعاذنا الله تعالى منه.
فإن قال المخالف :
إذا كان كذلك ، فهلاّ أخذهما حين أفضى الأمر إليه عليه السلام؟!
الجواب :
إنّه اقتدى [ب] -رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين هاجر من مكّة ، وباع عقيل دوره (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكّة ، فلمّا فتحها لم ينزلها صلّى الله عيه وآله ، فقيل له : لمَ لا تنزل في دورك؟
فقال : وهل ترك لي عقيل من دار (2)؟!
وأيضاً قد سئل الصادق (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال : إنّ الظالم والمظلوم قد وصلا إلى الله سبحانه ، فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب الله عليه الظالم وأثاب عليه المظلوم (3).عن
ص: 392
ومصداق ذلك : ما جاء عنه في نهج البلاغة من قوله (عليه السلام) : «بلى ، كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء (1) ، فشحّتْ عليها نفوس قوم ، وسختْ عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحَكَمُ الله .. وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانّها في غد جَدَث؟!» ... إلى آخره (2).
وقال (عليه السلام) في موضع منه : رضينا بالله حكماً (3).نّ
ص: 393
ص: 394
ولا لفاطمة فيه.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يا أبا بكر! تقرأ كتاب الله؟
قال : نعم.
قال : فأخبرني عن قول الله تعالى : (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) ، في مَن نزلت ، أفينا أم في غيرنا؟!
قال : بل فيكم.
قال : فلو أنّ شاهدين شهدا على فاطمة بفاحشة ، ما كنت صانعاً؟
قال : كنت أُقيم عليها الحدّ ، كما أُقيم على سائر المسلمين.
قال : كنت إذاً عند الله من الكافرين.
قال : ولمَ؟
قال : لأنّك رددت شهادة الله لها بالطهارة ، وقبلت شهادة الناس عليها ، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها فدك وقبضتْه في حياته ، ثمّ قبلتَ شهادة أعرابي بايل على عقبه عليها ، فأخذت منها فدك ، وزعمت أنّه فيء المسلمين ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : البيّنة على مَن ادّعى واليمين على مَن ادُّعي عليه.
قال : فدمدم الناس ، وبكى بعضهم ، فقالوا : صدق والله عليّ. ورجع عليّ إلى منزله.
قال : ودخلت فاطمة إلى المسجد وطافت بقبر أبيها عليه وآله السلام ، وهي تبكي وتقول :
إنّا فقدناك فقْد الأرض وابلها
واختلّ قومك فاشهدهم ولا تغبِ
قد كان بعدك أنباء وهنبثة
لو كنتَ شاهدها لم تكثر الخطبِ
قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا
فغاب عنّا وكلّ الخير محتجبِ
وكنت بدراً ونوراً يُستضاء به
عليك تنزل من ذي العزّة الكتبِ
فقمّصَتْنا رجال واستُخفّ بنا
إذ غبت عنّا فنحن اليوم نُغتصبِ
فكلّ أهل له قرب ومنزلة
عند الإله على الأدنين يقتربِ
أبدتْ رجال لنا فحوى صدورهم
لمّا مضيتَ وحالتْ دونك الكثبِ
فقد رُزينا بما لم يُرزأه أحد
من البريّة لا عُجم ولا عربِ
ص: 395
_____
وقد رُزينا به محضاً خليقته
صافي الضرائب والأعراق والنسبِ
فأنت خير عباد الله كلّهم
وأصدق الناس حين الصدق والكذبِ
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيَتْ
منّا العيون بهمّال لها سكبِ
سيعلم المتولّي ظلم خامتنا
يوم القيامة أنّى كيف ينقلبِ
قال : فرجع أبو بكر إلى منزله وبعث إلى عمر ، فدعاه ثمّ قال : أما رأيت مجلس عليّ منّا اليوم؟! والله لإن قعد مقعداً مثله ليفسدّنّ أمرنا ، فما الرأي؟
قال عمر : الرأي أن نأمر بقتله.
قال : فمَن يقتله؟
قال : خالد بن الوليد.
فبعثا إلى خالد فأتاهما ، فقالا : نريد أن نحملك على أمر عظيم.
قال : حمّلاني ما شئتما ، ولو قتل عليّ بن أبي طالب.
قالا : فهو ذاك.
فقال خالد : متى أقتله؟
قال أبو بكر : إذا حضر المسجد فقم بجنبه في الصلاة ، فإذا أنا سلّمت فقم إليه فاضرب عنقه.
قال : نعم.
فسمعت أسماء بنت عميس ذلك وكانت تحت أبي بكر ، فقالت لجاريتها : اذهبي إلى منزل عليّ وفاطمة فاقرأيهما السلام وقولي لعليّ : (إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخْرج إنّي لك من الناصحين) [سورة القصص 28 : 20] ، فجاءت الجارية إليهما فقالت لعليّ : إنّ أسماء بنت عميس تقرأ عليكما السلام وتقول : (إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخْرج إنّي لك من الناصحين).
فقال عليّ (عليه السلام) : قولي لها : إنّ الله يحيل بينهم وبين ما يريدون.
ثمّ قام وتهيّأ للصلاة ، وحضر المسجد ، ووقف خلف أبي بكر ، وصلّى لنفسه ، وخالد بن الوليد إلى جنبه ومعه السيف ، فلمّا جلس أبو بكر في التشهّد ندم على ما قال وخاف الفتنة ، وشدّة عليّ وبأسه ، فلم يزل متفكّراً لا يجسر أن يسلّم حتّى ظنّ الناس أنّه قد سها ، ثمّ التفت إلى خالد فقال : يا خالد! لا تفعل ما أمرتك به ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : يا خالد! ماالذي أمرك به؟ قال : أمرني بضرب عنقك.
قال : وكنت تفعل؟
قال : إي والله ، لولا أنّه قال لي لا تفعل ، لقتلتك بعد التسليم.
قال : فأخذه عليّ (عليه السلام) فضرب به الأرض ، واجتمع الناس عليه ، فقال عمر : يقتله وربّ الكعبة.
فقال الناس : يا أبا الحسن! الله الله بحقّ صاحب هذا القبر. فخلّى عنه.
قال : فالتفت إلى عمر وأخذ بتلابيبه وقال : يا بن الصهّاك! لولا عهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكتاب من الله سبق ، لعلمتَ أيّنا أضعف ناصراً وأقلّ عدداً؟!
ثمّ دخل منزله.
ص: 396
واعلم أيّها الأخ أنّ عليّاً (عليه السلام) هو المسدّد الموفّق ، أبلغ البلغاء ، وإمام كلّ بارع من العلماء ، فلو كان ما يقوله المخالف - كابن الجزري (1) وغيره - حقّاً من أن تركه لها أيّام خلافته لعلمه بحقّية ما قاله أبو بكر لكان شاهداً على نفسه بالباطل وطاعناً (2) على فاطمة سيّدة نساء العالمين ، ومكذّباً لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّها ، كقوله : «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ أربع : خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم» (3) ; وأيّ كمال لمن يدّعي الباطل؟! .
ص: 397
وكذا يلزم العبّاس (رضي الله عنه) من الطعن.
فإن قال المخالف :
هذا معارض بأنّ أبا بكر ما ظلم ولا غشم (1) ، ولا غصب يهوديّاً حقّه ، فكيف يصنع ذلك بأهل بيت رسول الله؟! وكذلك عمر ..
الجواب :
إنّ هذا كلام جاهل لم ينعم النظر في الآثار ، وما جاء في صحيح الأخبار ، وقد أجمع المسلمون كافّة على أنّه خالف النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته هو وعمر ، ومنعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابة الكتاب (2) ، ومَن أحبّ معرفة ذلك فليقف على البخاري وما أخرجه من حديث ابن عبّاس ، وقوله : يوم الخميس ، وما أدراك ما يوم الخميس؟!
وبكائه وقوله : إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين كتابة الكتاب ... إلى آخره (3).
وإن شككت ، ففي كتاب ابن قتيبة ما يغنيك ، ويزيل شكّك ويشفيك ، ولو لم يكن فيه إلاّ قول فاطمة عليها السلام لأبي بكر وعمر : ).
ص: 398
والله! لأشكونّكما إلى رسول الله ، وقولها (1) لأبي بكر : والله! لأدعونّ الله عليك في كلّ صلاة أُصلّيها ، لكفانا في مطلوبنا (2).
وقوله : إنّ الرجل - يعني النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) - ليهجر ، أي : يهذي ، ويقول غير الحقّ ، وفي رواية : لا يعلم ما يقول ; وهذا كفر.
وقد ذكر البخاري حديث العثماني ، وقد قال لصاحبه : أبَلغك أنّ عليّاً كان فى مَن رمى عائشة بالإفك؟! ومثله قول عائشة.
وفيه : فأمّا أُسامة فقال بما يعلم من نفسه ومن براءة أهله : الزم أهلك. وأمّا عليّ فقال : النساء لك كثيرة ، ولن يضيّق الله عليك ، وسل الجارية تصدّقك ... إلى آخره ..
وهذا إذا تأمّله المتأمّل وجد فيه غاية الطعن في عليّ (عليه السلام).
ومن ذلك ما أخرجه البخاري من قول عائشة : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج في مرضه ، يده اليمنى على كتف رجل واليسرى على كتف ابن عبّاس ، وقول ابن عبّاس : أتعرف مَن الرجل (3) الذي لم تسمّ عائشة؟! قال : لا. قال ابن عبّاس : هو عليّ بن أبي طالب (4).
وقد عرفت حربها له (5) ، ونهب بيت مال المسلمين بالبصرة ، وضرب عثمان بن حنيف عامله عليها ، ونتف لحيته وإشفار عينيه ورأسه ، وهو صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشيخ الأنصار وزاهدهم. ط.
ص: 399
[الحسد للإمام عليّ (عليه السلام) :]
وكان أسّس شرّ حسد أبي بكر وعمر لعليّ حين خطبا فاطمة فلم يزوّجهما النبيّ وزوّج عليّاً ..
كما أخرجه في جامع الأُصول [عن] النسائي ، عن بريدة ، قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّها صغيرة» ، «فخطبها عليّ فزوّجها منه» (1).
ومثله من الجامع أيضاً : خطب أبو بكر فاطمة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّها صغيرة ، وخطبها عمر فقال مثل ذلك ، فخطبها عليّ فزوّجه إيّاها (2).
وانضاف (3) إلى ذلك أسباب ، منها : ما أُجمع عليه من قصّة براءة ، وجَبْه أبي بكر وردّه بعليّ (عليه السلام) بوحي من الله تعالى ..
وهذا فيه غاية الطعن على أبي بكر ; حيث لم يره الله ورسوله أهلاً أن يتولّى على آيات مخصوصة ، يتلوها على قوم مخصوصين ، فكيف يتولّى على أُمور من جملتها جمع الكتاب العزيز؟ وكان الردّ بالحجّة فيه.
وغدير خُمّ ; وفيه كان نصب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) أميراً في السنة الثانية ، وإنّما خصّ ذلك الموضع لينبّه على القول (4) الأوّل ، وما ذاك ».
ص: 400
إلاّ إيقاظ منه صلّى الله عليه وآله (1) لذي غفلة ، أعاذنا الله سبحانه منها.
ومن الأسباب الموجبة لشيخنا : تعريض النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأبي بكر وعمر عند إعطائه الراية لعليّ (عليه السلام) بقوله : كرّاراً غير فرّار. وقوله : رجلا لا يفرّ. وقوله : لا يرجع حتّى يفتح الله عليه. وفي رواية : على يديه ..
وقد أخرج جميع ذلك أحمد في كتابيه : المسند والفضائل ، وقد ذكر البخاري بعض ذلك : من محبّة الله ورسوله له ، وذكر الفتح.
وأنت إذا تأمّلت - أيّدك الله بلطفه - حديث مالك (2) بن أوس بن الحدثان ، المجمع عليه من الصحاح الستّة ، وجدت فيه معظم الطعن على عليّ (عليه السلام) ، بل على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن عمر في قوله عن العبّاس : وجئتني أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك؟ ولم يسمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مع أنّ الله سبحانه لم يصرّح باسمه إلاّ في مكان مدَحَه فيه ; كقوله : (محمّد رسول الله) (3).
وقوله : (من بعدي اسمه أحمد) (4).).
ص: 401
وقوله : (وما محمّد إلاّ رسول) (1). إلى آخره.
وقوله : (ما كان محمّدٌ أبا أحد من رجالكم) (2).
وباقي الكتاب بذكر أوصافه الحميدة ; كقوله : النبيّ ، ورسول ، ورحمة ، وطه ، ويس ، والمزّمّل ، والمدّثر ، وأمثال ذلك ..
وهذا حطّ من مشرفه لمنصب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومثله في حقّ عليّ (عليه السلام) ، وهو قوله : وجاءني هذا ; إذ هو للتحقير ، كما تقرّر في علمي (3) المعاني والبيان ، من باب قول الكفّار لإبراهيم (عليه السلام) : (أهذا الذي يذكر آلهتكم) (4).
ومثله قوله : من امرأته. يعني : فاطمة عليها السلام ، ولم يسمّها ، وقد عرفت ما جاء في فضلها ..
لكن قد نطق القرآن المجيد : (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر) (5).
وقد أخرج في جامع الأُصول : عن عائشة ، أنّها قالت : إنّ فاطمة ).
ص: 402
بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والعبّاس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهما حينئذ يطلبان أرضه [من] فدك ، وسهمه من خيبر ، فقال أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.
فهجرته فاطمة ولم تكلّمه في ذلك حتّى ماتت ، فدفنها عليّ ليلا ولم يؤذن بها أبو بكر ..
وفي الحديث : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه عليّ ستّة أشهر؟ فقال : لا والله ، ولا واحد من بني هاشم (1).
وأقول :
ممّا يدلّ على قول الإمامية : إنّ مبايعة عليّ (عليه السلام) بعد الستّة أشهر لم تكن عن رضاً قلبيّ : ما حكاه في جامع الأُصول من اعتقاده في أبي بكر وعمر أنّهما : كاذبان ، غادران ، آثمان ، خائنان. واستمرّ اعتقاده (2) هذا إلى خلافة عمر ; فأين الرضا؟! لولا ضعف البصيرة ، بل عماها (3).
ويؤيّد ذلك : ما حكاه البخاري من بيعة عليّ ; فإنّه قال : فصعد المنبر وقال : معاشر الناس! كنّا نرى أنّ لنا في هذا الأمر شيئاً فاستبددتم به ... إلى آخره (4)..
ص: 403
وهذا كما تراه يدلّ على مطلوبنا ; إذ المراد بالرؤيا (1) : العلم ، كما قال تعالى : (ألَمْ تَرَ كيف فعل ربّك بعاد) (2) ، وغيره في القرآن كثير.
ولنرجع إلى ما نحن بصدده ..
ثمّ قال صاحب الجامع : أخرجه مسلم ، وأخرج البخاري بعضه (3) ; وإذا ثبت ذلك بطل قياس المخالف.
وقوله : إنّ أبا بكر وعمر لم يظلما يهوديّاً ..
لأنّ اليهودي وغيره لم يقع بينه وبينهما من التباغض والتخاصم بعض ما ذكرته لك ، كما نطقت به كتب المخالف والمؤالف ، وهذا بيّن جليّ لمَن كان له قلب ، لكنّ الهوى والحميّة الجاهلية ، أعاذنا الله سبحانه من كلّ ما يباعد عن حضرة جلال قدسه. ي.
ص: 404
وأعجب من هذا : ما أخرجه في الجامع في حديث أوس المذكور ; فإنّه قال : قال أبو داود : إنّما سألا - يعني عليّاً وعبّاساً - أن يصيّره نصفين بينهما ، لا أنّهما جهلا أنّ النبيّ قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، فقال عمر : لا أوقع عليه اسم القسم ، أدعه على ما هو. انتهى كلامه (1).
وأقول :
توجيه هذا باطل ، يظهر ذلك لمن تأمّل الروايات المذكورة ، وليت شعري! بمَ يوجّه أبو داود قول عمر : تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها؟!
وقول عمر لعليّ وعبّاس : تزعمان أنّ أبا بكر فيها كاذب. وفي رواية : كاذباً ، آثماً ، غادراً ، خائناً ، وقوله : فرأيتماني كاذباً ، آثماً ، غادراً ، خائناً. - كما ذكرناه آنفاً - وهو بحضرة من جميع الصحابة ، ولم ينكر أحد على عليّ والعبّاس ، ولم يعتذرا (2) من ذلك القول ، واستمرّا عليه إلى أن ماتا عليهم السلام ; فكيف الجمع بين هذه الأقوال وبين اعترافهما بكونها صدقة ، وهذا بعينه هو الجمع بين النقيضين. ».
ص: 405
وأيضاً الحديث الذي أورده صاحب الجامع عن مسلم ، في ذكر الخلفاء ، من رواية عائشة ، وهو : أنّ فاطمة والعبّاس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما ، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، وفيه : فهجرته. وقد ذكرناه. وفيه أيضاً نصّ صريح بتكذيب توجيه أبي داود ..
فانظر أيّها الأخ بمرآة البصيرة إلى توجيه أبي داود ، الذي أخرج عنه في أعظم كتب القوم ; كيف تشهد على شدّة غفلة هذا الإمام ، مؤلّف أحد الصحاح الستّة؟!
واعلم أنّ بمثل هذا العقل عُبِدَ اللعين فرعون ; إذ احتجّ على ربوبيّته بأنّ له ملك مصر ، كما حكاه سبحانه وتعالى (1).
وأعجب من هذا : إنّ هذه الواقعة العظيمة التي وقعت بين فاطمة عليها السلام وبين أبي بكر وعمر لأجل فدك ، وإغضابها ، بل وإغضاب عليّ والعبّاس ، وجميع بني هاشم أيضاً ، ولم يُلتفت إلى غضب أحد منهم ، ثمّ بعد هذا كلّه يقطعها عثمان مروان بن الحكم ، طريد رسول الله وابن طريده (2) ، وذلك لمّا زوّجه ابنته : أُمّ أبان.
قال صاحب جامع الأُصول ، في الفرع المذكور : ».
ص: 406
أوّلا : في قسمة الفيء : عن أبي داود ، عن المغيرة بن حكيم ، أنّ عمر ابن عبد العزيز جمع بني مروان حين استخلف ... وذكر كلاماً طويلا ..
وفيه : حتّى مضى لسبيله - يعني : عمر - ثمّ أقطعها مروان ، ثمّ صارت لعمر بن عبد العزيز ، فرأيت أمراً منعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة ليس لي بحقّ ، وإنّي أُشهدكم أنّي رددتها على ما كانت عليه ... الحديث ، إلى آخره (1)..
ص: 407
ص: 408
ص: 409
ص: 410
فلينظر العاقل بعين الإنصاف ، ويتنكّب عن طريق الزيغ والاعتساف : هل كان مروان وزوجته أحقّ من فاطمة وبعلها بإرث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
وهل أولاد مروان وأولاد زوجته ابنة عثمان أحقّ من أولاد عليّ وزوجته ابنة رسول الله؟!
أم ركب القوم الباطل وتسكّعوا (تسعكوا خ ل) في وهاد الضلال ، فعل أوباش الجهّال ، عناداً لخير عترة وآل (1)؟!
فلو أنّ مسلماً مات من هذا حزناً وكمداً لم يكن عند الله سبحانه ملوماً ، ولا مفنّداً.
وهل يفعل مثل هذا الفعل مَن آمن برسول الله؟!
كلاّ وربّ الراقصات إلى منى ، ما آمن القوم بمحمّد!
فما تراهم أن يقولوا إذا لقوا محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال لهم : كنت عهدت إليكم وأوصيتكم في أهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي ، فكيف خلّفتموني؟
فإن صدقوا قالوا : آوينا مَن طردته وأبعدته ، وأبعدنا مَن وصيّتنا في مودّته ، وسلبنا ملكه ، وابتززناه حقّه. ».
ص: 411
قال في الجامع أيضاً : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أُري بني أُميّة على منبره فساءه ذلك (1).
قوله : فساءه ذلك ; وقد فسّر ذلك أكثر مفسّري المخالف في تفسير [سورة] بني إسرائيل ، عند ذكره تعالى : (والشجرة الملعونة في القرآن) (2).
وقال في المصابيح : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مات وهو يكره ثلاثة أحياء : ثقيفاً ، وبني حنيفة ، وبني أُميّة .. الحديث (3).
فهذه صحاحهم وأعظم كتبهم تشهد بأنّ أئمّتهم قد أسخطوا أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وآووا أعداءه وآثروهم على أهل بيته ، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مات وهو ساخط عليهم ، وأنّهم خالفوه في حياته وبعد وفاته ، وجرّعوا ابنته المظلومة غصصاً حتّى مماتها ..
وفي الباب أبيات القاضي [ابن قريعة] (4) : .
ص: 412
يا مَن يُسائل دائباً
عن كلّ معضلة سخيفة
إنّ الجواب لحاضرٌ
لكنّني أُخفيه خيفة
لا تكشفنّ مغطّاً
فلربّما كشّفت جيفة
ولربّ مستور بدا
كالطبل من تحت القطيفة
لولا اعتداءُ رعيّة
ألفى سياستَها الخليفة
وسيوفُ أعداء بها
هاماتنا أبداً نقيفة
لنشرتُ من أسرار آل
محمّد جملاً طريفة
ونشرتُ طيّ صحيفة
فيها أحاديث الصحيفة (1)
تُغنيكم عمّا رواه
مالكٌ وأبو حنيفة
وأريتكم أنّ الحسين
أُصيب في يوم السقيفة
ولأي حال لُحّدتْ
باللّيل فاطمة الشريفة
ولَما حمتْ شيخيكم
عن وطئ حجرتها المنيفة
واهاً (2) لبنت محمّد
ماتت بغُصّتها أسيفة (3)
وأنت إذا اعتبرت حديث الحوض المجمع عليه ، وقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : يؤتى بأقوام - وفي رواية : رجال - من أصحابي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : أصحابي! فيقال : إنّهم ليسوا بأصحابك ، إنّك لا تدري ماذا أحدثوا 0.
ص: 413
بعدك ، إنّهم لم يزالوا مرتدّين منذ فارقتهم (1) ، فأقول : سحقاً لمن غيّر بعدي (2).
أو كما قال : وجدت فيه تصديق قوله تعالى : (ثُمّ كانَ عاقِبَةَ الّذينَ أساؤوا السُوأى) (3).
وإن أحببت أن تعرف الفرق بين الفريقين ، وقيمة الرغام من ).
ص: 414
اللّجين (1) ، [فانظر] (2) الأحاديث التي جاءت من الطرفين ; إذ فيها بيان الفاضل من الخالي من الفضيلة ، كما أخرجه صاحب الوسيلة ; فإنّه قال : روي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعليّ كرّم الله وجهه لمّا قدم عليه يوم حصار خيبر (3) :
«يا علي! لولا أن تقول فيك طوائف من أُمّتي ما قال النصارى في عيسى ، لقلت فيك قولاً لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا تراب رجليك وفضل طهورك يستشفون به ..
ولكن حسبك : أن تكون منّي كهارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ،
وأنّك تبرئ عنّي ذمّتي ، وتقاتل على سُنّتي (4) ،
وأنّك على الحوض خليفتي ،
وأنّك أوّل من يُكسى معي ،
وأنّك أوّل من يدخل الجنّة معي من أُمّتي ..
وأنّ شيعتك على منابر من نور مُبْيَضّةً وجوههم ، أشفعُ لهم ، ويكونون جيراني.
وأنّ حربك حربي ، وسلمك سلمي ،
وأنّ سرّك سرّي ، وعلانيتك علانيتي ،
وأنّ الحقّ معك ، وعلى لسانك ، وفي قلبك ، وبين عينيك ،
وأنّ الإيمان مخالط لحمك ودمك ، كما خالط لحمي ودمي ، ».
ص: 415
ولن يرد الحوض مبغضٌ لك ، ولا يغيب عنه محبٌّ لك».
قال : فخرّ عليّ رضي الله عنه ساجداً ، وقال : «الحمد لله الذي أنعم علَيّ بالإسلام ، وعلّمني القرآن ، وحبّبني إلى خير البريّة ، وخاتم النبوّة (1) ، وسيّد المرسلين ، إحساناً منه وتفضّلاً» (2)..
ص: 416
ص: 417
فانظر أيّها الأخ إلى هذا الحديث الذي أخرجه الخصم ، ووقف (1)عليه ; كيف يُحجى (2) بالتصديق لجميع ما أوردناه في هذه النبذة ، من شدّة سروره (صلى الله عليه وآله وسلم) بفتح خيبر على يده ، بعد شدّة غمّه بانهزام أبي بكر وعمر.
ومنها : قوله [(صلى الله عليه وآله وسلم)] : تبرئ عنّي ذمّتي ; وفيه ترجيح دعواه على دعوى أبي بكر وعمر في فدك وغيرها (3).
ومنها : أوّل مَن يدخل الجنّة معي ; لقوله تعالى : (والسابِقونَ السابِقونَ) (4).
ومنها : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «حَرْبُكَ حَرْبي» ، انتهى.
ومنها قوله [(صلى الله عليه وآله وسلم)] : «وأنّ الحَقَّ معك». انتهى.
ومنها قوله [(صلى الله عليه وآله وسلم)] : «ولنْ يَرِدَ الحَوْضَ مُبْغِضٌ لَكَ» ..
فانظر : هل كان حربهُ وكوَدَهُ ومخاصمتهُ وسلبهُ ملكَهُ محبّة أم بغضاً؟!
ولعمري! لقد كان قادراً على الانتصار ، ولكن خاف على ارتداد بعض الناس ; لأنّ الدين كان قريب العهد من الجاهليّة ..
وكيف لا؟! وقد أجمع المسلمون على الحديث الذي أخرجه صاحب الوسيلة في خصائصه ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنّه قال : «إذا كان يوم القيامة حشر عليّ أمامي وبيده لواء الحمد يحمله». فقال رجل من ».
ص: 418
القوم : يا رسول الله! وكيف يستطيع عليّ أن يحمل لواء الحمد؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «وكيف لا يستطيع أن يحمله وقد أُعطي خصالاً شتّى؟! صبراً كصبري ، وحسناً كحسن يوسف ، وقوّة كقوّة جبرئيل ، وأنّ لواء الحمد بيده ، وجميع الخلائق يومئذ تحت لوائي يوم القيامة» (1).
وليكن هذا آخر ما أوردنا في ما أردنا ، وعلى الله اعتمدنا حيثما صدرنا ووردنا ، والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وله الشكر باطناً وظاهراً ، وصلواته على نبيّه محمّد وآله ، وعلى كلّ حاذ على منوالهم بعد منواله.
تمّت الرسالة بحمد الله تعالى (2).
قال أحمد المحمودي :
وقد فرغت أنا من تصحيحه ، وتحقيقه ، وتخريج مصادره يوم الأحد السابع عشر من جُمادى الأُولى لسنة 1424 ه- ، في قم المحميّة عشّ آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين.
وصادف تخريج المصادر أيّام استشهاد فاطمة الزهراء عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها آلاف التحيّة والثناء.
والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وباطناً وظاهراً.
* * * ).
ص: 419
1 - إحقاق الحقّ ، للشهيد الثالث القاضي السيّد نور الله التستري ، المستشهد سنة 1019 ه- ، مكتبة السيّد المرعشي (قدس سره) / قم.
2 - أُسد الغابة في معرفة الصحابة ، لعزّ الدين ابن الأثير الجزري (ت 630 ه) ، دار الشعب ، سنة 1393 ه.
3 - الإصابة في تمييز الصحابة ، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه) ، ط البابي الحلبي / مصر.
4 - أعلام الموقّعين ، لابن قيّم الجوزية (ت 751 ه) ، دار الجيل / بيروت ، بدون تاريخ.
5 - أعيان الشيعة ، للسيّد محسن الأمين العاملي (ت 1371 ه) ، دار التعارف / بيروت ، 1403 ه.
6 - الإمامة والسياسة ، لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276 ه) ، ط القاهرة وط دار الأضواء / بيروت ، 1410 ه.
7 - أمل الآمل ، للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104 ه) ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، مكتبة الأندلس / بغداد ، 1385 ه.
8 - كتاب الأموال ، للحافظ أبي عبيد القاسم بن سلاّم (ت 224 ه) ، دار الحداثة / بيروت ، 1988 م.
9 - أنساب الأشراف ، لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت 279 ه) ، تحقيق المحمودي ، مؤسسة الأعلمي / بيروت ، 1394 ه.
10 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار ، للشيخ محمّد باقر المجلسي بن محمّد تقي المجلسي (ت 1110 ه) ، دار إحياء التراث العربي / بيروت ، 1403 ه.
ص: 420
11 - تاريخ بغداد ، للخطيب البغدادي أحمد بن علي (ت 463 ه) ، دار الكتاب العربي / بيروت ، بدون تاريخ.
12 - تاريخ الخلفاء ، لجلال الدين السيوطي (ت 911 ه) ، دار الفكر / بيروت ، بدون تاريخ.
13 - تاريخ الخميس ، للشيخ حسين المالكي الدياربكري (ت 966 ه) ، مؤسسة شعبان / مصر ، 1283 ه. انظر : كشف الظنون 1 / 725.
14 - تاريخ الطبري (تاريخ الأُمم والملوك) ، لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (ت 310 ه) ، دار المعارف / مصر ، بدون تاريخ.
15 - التاريخ الكبير ، لمحمّد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه) ، دار الكتب العلمية / بيروت ، بدون تاريخ.
16 - تاريخ المدينة المنوّرة ، لابن شبّة النميري ، (ت 262 ه) ، دار الفكر / قم ، 1410 ه.
17 - تذكرة الخواصّ ، لسبط ابن الجوزي يوسف بن فرغلي البغدادي (ت 654 ه) ، مؤسسة أهل البيت (عليهم السلام) / بيروت ، 1401 ه.
18 - تفسير ابن كثير ، لأبي الفداء ابن كثير إسماعيل بن عمر القرشي البصري (ت 771 ه) ، دار المعرفة / بيروت ، 1406 ه.
19 - تفسير الحبري ، للحسين بن الحكم الحبري الكوفي (ت 276 ه) ، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث / بيروت ، 1408 ه.
20 - تفسير الدرّ المنثور ، لجلال الدين السيوطي (ت 911 ه) ، دار الفكر / بيروت ، 1403 ه.
21 - تفسير الطبري (الجامع) ، لمحمّد بن جرير الطبري (ت 310 ه) ، دار المعرفة / بيروت ، 1403 ه.
22 - تفسير القمّي ، لعلي بن إبراهيم القمّي (ق 4) ، تحقيق السيّد طيب الجزائري ، ط النجف الأشرف ، 1387 ه.
ص: 421
23 - التفسير الكبير ، لمحمّد بن عمر فخر الدين الرازي (ت 606 ه) ، ط القاهرة ، بدون تاريخ.
24 - تقريب صحيح ابن حبّان ، لابن بلبان الفارسي (ت 739 ه) ، مؤسسة الرسالة / بيروت ، 1408 ه.
25 - تلخيص المستدرك ، لشمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه) ، بهامش المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ، دار الفكر / بيروت ، 1398 ه.
26 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، ليوسف بن عبد الرحمن المزّي (ت 742 ه) ، تحقيق الدكتور بشّار عوّاد ، مؤسسة الرسالة / بيروت ، 1402 ه.
27 - جامع الأُصول ، لمبارك بن محمّد بن الأثير الجزري (ت 606 ه) ، دار إحياء التراث العربي / بيروت ، 1400 ه- ، الطبعة الثانية.
28 - الجامع الصحيح (سنن الترمذي) ، لمحمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 297 ه) ، دار إحياء التراث العربي / بيروت ، بدون تاريخ.
29 - الجرح والتعديل ، لعبد الرحمن بن محمّد الرازي (ت 327 ه) ، دار إحياء التراث العربي / بيروت ، 1371 ه.
30 - حلية الأولياء ، لأبي نعيم الأصفهاني (ت 430 ه) ، دار الكتاب العربي / بيروت ، 1407 ه.
31 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، لأحمد بن عبد الله الطبري (ت 694 ه) ، مؤسسة الوفاء / بيروت ، 1401 ه.
32 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، لآقا بزرگ الطهراني (ت 1389 ه) ، دار الأضواء / بيروت ، بدون تاريخ.
33 - الذيل على كشف الظنون - لحاج خليفة - ، لإسماعيل باشا ، دار الفكر / بيروت ، 1402 ه.
34 - رياض العلماء ، للميرزا عبد الله أفندي الأصفهاني (ت 1130 ه) ،
ص: 422
تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، مكتبة السيّد المرعشي (قدس سره) / قم ، 1401 ه.
35 - سنن ابن ماجة ، لابن ماجة القزويني (ت 275 ه) ، دار الفكر / بيروت ، بدون تاريخ.
36 - سنن أبي داود ، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 ه) ، دار الكتاب العربي / بيروت ، بدون تاريخ.
37 - السيرة الحلبية ، لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي (ت 1044 ه) ، دار إحياء التراث العربي / بيروت ، بدون تاريخ.
38 - السيرة النبوية ، لابن كثير (ت 747 ه) ، دار المعرفة / بيروت ، 1403 ه.
39 - شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه) ، دار إحياء الكتب العربية / بيروت ، 1378 ه.
40 - شرح نهج البلاغة ، للشيخ محمّد عبده ، ط القاهرة ، بدون تاريخ.
41 - شواهد التنزيل ، لعبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحاكم الحسكاني (ت 470 ه) ، تحقيق محمّد باقر المحمودي ، مؤسسة الأعلمي / بيروت ، 1393 ه.
42 - صحيح البخاري ، لمحمّد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه) ، طبعة القاهرة ، 1311 ه.
43 - صحيح مسلم ، لأبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (ت 261 ه) ، دار إحياء التراث العربي / بيروت ، 1374 ه.
44 - الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم ، للشيخ زين الدين علي بن يونس العاملي النباطي البياضي (ت 877 ه) ، المكتبة المرتضوية / طهران.
45 - الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة ، لأحمد بن حجر الهيتمي المكّي (ت 974 ه) ، طبعة القاهرة ، 1385 ه.
46 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، لأبي القاسم علي بن موسى بن جعفر ابن طاووس الحسني الحسيني (ت 664 ه) ، مطبعة الخيّام / قم ، 1400 ه.
ص: 423
47 - العقد الفريد ، لأحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي (ت 327 ه) ، طبعة القاهرة ، 1384 ه.
48 - علل الشرائع ، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي الحسين ابن بابويه القمّيّ (ت 381 ه) ، طبعة النجف الأشرف ، 1385 ه.
49 - العمدة ، لابن البطريق (ت 600 ه) ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية / قم ، 1407 ه.
50 - عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ، للعلاّمة البدر العيني (ت 855 ه) ، طبعة مصر ، بدون تاريخ.
51 - فتح الباري شرح صحيح البخاري ، لابن حجر العسقلاني أحمد بن علي (ت 852 ه) ، دار المعرفة / بيروت ، بدون تاريخ.
52 - فتوح البلدان ، لأحمد بن جابر البغدادي البلاذري (ت 279 ه) ، دار الكتب العلمية / بيروت ، 1398 ه.
53 - الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة (عليهم السلام) ، لابن الصبّاغ المالكي علي بن محمّد بن أحمد (ت 855 ه) ، طبعة النجف الأشرف ، 1950 م.
54 - فضائل الصحابة ، لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241 ه) ، دار الكتب العلمية / بيروت ، بدون تاريخ.
55 - كشف الحجب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار ، للسيّد إعجاز حسين النيسابوري (ت 1240 ه) ، مكتبة السيّد المرعشي (قدس سره) / قم ، 1409 ه.
56 - كشف الظنون ، للملاّ مصطفى بن عبد الله الرومي الحنفي ، المعروف ب- : حاجي خليفة (ت 1067 ه) ، دار الفكر / بيروت ، 1402 ه.
57 - كشف الغُمّة في معرفة الأئمّة (عليهم السلام) ، لأبي الحسن علي بن عيسى الإربلي (ت 692 ه) ، منشورات الرضي / قم ، 1421 ه.
58 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال ، للمتّقي الهندي ، علي بن حسام الدين (ت 975 ه) ، مؤسسة الرسالة / بيروت ، 1399 ه.
ص: 424
59 - لسان العرب ، لأبي الفضل جمال الدين ابن منظور المصري ، محمّد ابن مكرّم (ت 711 ه) ، دار صادر / بيروت.
60 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، للحافظ نور الدين علي ابن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (ت 807 ه) ، مؤسسة المعارف / بيروت 1406 ه.
61 - مسند أبي يعلى الموصلي ، للحافظ أحمد بن علي بن المثنّى التميمي (ت 307 ه) ، تحقيق حسين سليم أسد ، دار المأمون للتراث / دمشق - بيروت ، 1404 ه.
62 - مسند أحمد ، لأبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني (ت 241 ه) ، المكتب الإسلامي - دار صادر / بيروت.
63 - مصابيح السنّة ، لأبي محمّد الحسين بن مسعود بن محمّد الفرّاء البغوي (ت 516 ه) ، دار المعرفة / بيروت ، 1407 ه.
64 - مصادر نهج البلاغة ، للسيّد عبد الزهراء الخطيب ، طبعة بيروت ، ط 2 سنة 1395 ه.
65 - المصنّف في الأحاديث ، للحافظ عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة الكوفي (ت 235 ه) دار الفكر / بيروت ، 1409 ه.
66 - المعجم الأوسط ، للحافظ سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 ه) ، تحقيق الدكتور محمّد الطحّان ، مكتبة المعارف / الرياض ، 1405 ه.
67 - معجم البلدان ، لشهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت 626 ه) ، دار صادر / بيروت ، 1374 ه.
68 - المعجم الكبير ، للحافظ الطبراني (ت 360 ه) ، دار إحياء التراث العربي / بيروت ، ط 2 بدون تاريخ.
69 - مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، للحافظ الموفّق بن أحمد البكري المكّي الحنفي ، المعروف ب- : أخطب خوارزم (ت 568 ه) ، طبعة النجف الأشرف ، بدون تاريخ.
ص: 425
70 - مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، لابن المغازلي علي بن محمّد الواسطي الشافعي (ت 483 ه) ، المكتبة الإسلامية / طهران ، بدون تاريخ.
71 - نفثات صدر المكمد ، للعلاّمة الشيخ أبي العون شمس الدين محمّد أحمد السفاريتي الحنبلي (ت 1188 ه).
72 - نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار ، لمؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجي (ت 1308 ه) ، طبعة القاهرة.
73 - وسيلة المتعبّدين إلى متابعة سيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) ، للملاّ أبي حفص عمر بن محمّد بن الخضر الموصلي ، (ت 570 ه- / 1174 م) ، مطبعة حيدر آباد الدكن / الهند ، ط 1 سنة 1397 ه- / 1977 م.
74 - ينابيع المودّة ، لسليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت 1294 ه) ، تحقيق علي جمال أشرف الحسيني ، دار الأُسوة / قم ، 1416 ه.
* * *
ص: 426
كتب صدرت محقّقة
* دلائل الصدق
في نهج الحقّ ، ج 5.
تأليف : العلاّمة الشيخ المظفّر ، محمّد حسن بن
محمّد بن عبد الله النجفي (1301 - 1375 ه).
أثر قيّم ، يضمّ مباحث جليلة في العقائد الإسلامية
، وهو مناقشة علمية موضوعية في مسائل خلافية مهمة عديدة ، وردت في كتاب إبطال
الباطل للفضل بن روزبهان الأصفهاني ، الذي ألّفه للردّ
على كتاب نهج الحقّ وكشف الصدق ،
للعلاّمة الحلّي (648 - 726 ه) ، الذي أثبت فيه ما تذهب إليه الإمامية - بعد
مناقشة آراء مخالفيهم - بأُسلوب رصين ونقاش علمي نزيه.
ويعدّ مكمّلاً ومتمّماً لما جاء في كتاب
إحقاق الحقّ ،
للشهيد الثالث القاضي السيّد نور الله التستري ، المستَشهد سنة 1019 ه- ، من
ردود على أباطيل ابن روزبهان في كتابه المذكور.
اشتمل على مقدّمة بثلاثة مطالب ، ثمّ مباحث التوحيد
والعدل والنبوّة ، ثمّ مباحث الإمامة وبعض فضائل الإمام أمير المؤمنين عليّ
(عليه السلام) ، ثمّ سيرة الخلفاء والصحابة والمعاد.
وهو يذكر أوّلاً كلام العلاّمة ، ثمّ ردّ ابن
روزبهان ، ثمّ نقضه للردّ حرفاً بحرف ، ولم يفته منه شيء أصلاً ، مع أدب كامل
ومجاملة تامّة.
تمّ التحقيق اعتماداً على ثلاث نسخ ، مخطوطة ومطبوعتين
، كلّ منها في ثلاثة أجزاء ، ذكرت مواصفاتها في المقدّمة.
ص: 427
اشتمل هذا الجزء على تتمّة مبحث : في تعيين إمامة
عليّ (عليه السلام) بدليل العقل وبآيات القرآن الكريم ، وهو الرابع من مباحث
المسألة الخامسة : في الإمامة ; وقد تضمّن الآيات من 11 - 84 ; إذ وردت الآيات
من 1 - 10 في آخر الجزء الرابع ، إضافة إلى خاتمة تضمّنت 4 آيات ، ثمّ ما به
تمام المئة ، وهو 12 آية أُخرى.
تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)
لإحياء التراث / فرع دمشق - 1425 ه.
* معتمد تحرير
الوسيلة ، ج 1.
تأليف : الشيخ عبّاس الظهيري.
أحد شروح وتعاليق عديدة على كتاب تحرير
الوسيلة ، وهو الرسالة العملية للمرجع السيّد الإمام
الخميني (قدس سره) لمقلّديه ، تضمّنت فتاوى وأحكام شرعية ومسائل عملية لتشخيص
وظيفة المكلّف وتحديد موقفه العملي في سيره وسلوكه.
اشتمل على شرح لمباحث «التأمين» و «الكمبيالة» و «السرقفلية»
، والتي هي من المسائل المستحدثة في التحرير ،
في ضوء الأدلّة والقواعد المألوفة ..
تناولت بعض المسائل المهمّة ، كمِلكيّة الشخصيات
الحقوقية من الدولة والبنوك والشركات ونحوها ، والحيل الشرعية
للتخلّص من الربا ، وغيرها.
تضمّن هذا الشرح مباحث : التأمين : حقيقته ، أركانه
، شرائطه ، من حيث المتعاقدَين : المؤمِّن والمستأمَن وغيرهما ، أنواعه ، تبيين
ما عليه التخريج الفقهي لمسألة التأمين : هل هو عقد مستقلّ ، أو هبة معوّضة ، أو
صلح ، أو ضمان.
والكمبيالة - السفتجة - : أنواعها : الحقيقية
والصورية - سفتجة المجاملة - وأحكامها ، والمعاملات المبنية عليها والمتعلّقة
بها.
وأخيراً مباحث السرقفلية - الخلوّ - : حقيقتها ،
ومشروعيتها.
تحقيق ونشر : مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام
الخميني (قدس سره) - قم / 1424 ه.
* أوصاف
الأشراف.
تأليف : المحقّق الخواجة نصير الدين الطوسي ، الشيخ
أبي جعفر محمّد بن محمّد بن الحسن (597 - 672 ه).
ترجمة : محمّد الخليلي (رحمه الله).
مختصر في بيان سَيْر الأولياء وسلوك أهل العرفان ،
مبنيّ على أُسس وقوانين عقلية ونقلية ..
يذكر ما يلزم السالك - العالم بنقصه واحتياجه
للكامل ، المتحرّك السائر بشوق -
ص: 428
في سيره وسلوكه - حركته - باتّجاه طلب الكمال ، في
ستّة أُمور ، جعلها في أبواب ، مستشهداً بآية من التنزيل المجيد في مفتتح كلّ
باب منها ، مصرّحة بالمقصد من ذلك الباب أو مقرّبة لِما فيه ، كلّ منها - عدا
السادس - في ستّة فصول : في مبدأ الحركة وما لا بُدّ منه لتسييرها : الإيمان ،
الثبات ، النيّة ، الصدق ، الإنابة ، الإخلاص ، في إزالة العوائق وقطع الموانع
من السير والسلوك : التوبة ، الزهد ، الفقر ، الرياضة ، المحاسبة والمراقبة ،
التقوى ، السير والسلوك في طلب الكمال وبيان أحوال السالك : الخلوة ، التفكير ،
الخوف ، الرجاء ، الصبر ، الشكر ، في الأحوال التي تحدث مقارنة للسلوك في السير
حتّى الوصول إلى المقصد : الإرادة ، الشوق ، المحبّة ، المعرفة ، اليقين ،
السكون ، الحالات التي تسنح لأهل الوصول : التوكّل ، الرضا ، التسليم ، التوحيد
، الاتّحاد ، الوحدة ، والسادس : في الفناء.
أصله بالفارسية ، وحقّق اعتماداً على نسخة مصوّرة
للترجمة العربية لنسخته المطبوعة في برلين سنة 1306 ه. ش ، والتي فرغ منها سنة
1369 ه.
تحقيق وتقديم : السيّد محمّد علي الحيدري الحسني.
نشر : مؤسسة بضعة المختار (صلى الله عليه وآله
وسلم) لإحياء تراث أهل البيت (عليهم السلام) - قم / 1424 ه.
* معالم
الزلفى في معارف النشأة الأُولى والأُخرى ، ج 1 - 3.
تأليف : السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسيني
الكتكاني البحراني ، المتوفّى سنة 1107 ه.
من كتب الأخلاق ، يجمع ما ورد عن الرسول الأكرم
(صلى الله عليه وآله وسلم) وعن المعصومين من أهل بيته الكرام (عليهم السلام) من
أحاديث وروايات في ذكر معالم أحوال النشأتين ومعارف الدارين ، ممّا يرتبط بمسيرة
الإنسان في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، حاو لفوائد جمّة ، نقلا عن عدّة مصادر
وكتب ، بعضها ليست مذكورة في بحار الأنوار.
مرتّب على خمس جمل ، كلّ منها في أبواب ، تشتمل على
طائفة - كبيرة في باب وصغيرة في آخر - من أحاديث وروايات في معالم : النشأة
الأُولى ، وهي الدنيا ، في 73 باباً .. الأُمور المتعلّقة بأحوال الموت والميّت
إلى حين الوضع في القبر ، في 74 باباً .. البرزخ ، وهو من حين الوضع في القبر
إلى قيام الساعة ، في 39 باباً .. الخروج من القبر إلى دخول الجنّة أو
ص: 429
النار ، في 145 باباً .. وفي معالم الجنّة والنار ،
وما أعدّ الله جلّ جلاله لأهلهما ، في 131 باباً .. إضافة إلى خاتمة ذات أربع
فوائد.
حُقّق اعتماداً على مخطوطة واحدة.
تحقيق : مؤسسة إحياء الكتب الإسلامية.
نشر : مؤسّسة أنصاريان - قم / 1424 ه.
* القواعد
الأُصولية والفقهية في «المستمسك».
تأليف : الشيخ محمّد آصف المحسني.
كتاب يضمّ مجموعة من القواعد الأُصولية والفقهية -
التي تعدّ من الأُمور المهمّة التي لا بُدّ للفقيه من إتقان معرفتها - المنثورة
في كتاب مستمسك العروة الوثقى ،
لمرجع الطائفة في زمانه السيّد محسن الحكيم (رحمه الله) ، بعد استخراجها
وإيضاحها ; لتسهيل الرجوع إليها والاستفادة منها لمن طلبها.
وكذلك يضمّ ما تناوله استطراداً على بعض مسائل
ومقدّمات المستمسك ،
من تعريف مفردات وتوضيح عبارات ، ممّا لا يدخل ضمن قاعدة أُصولية أو فقهية ، في
قسمين : العبادات ، والمعاملات.
اشتمل على 72 فصلا : 14 للقواعد
الأُصولية ، 17 للقواعد الفقهية ، 13 للعبادات ،
و 28 للمعاملات.
تصحيح وتحقيق : الشيخ مهدي النيازي الشاهرودي.
نشر : «پيام مهر» - قم / 1382 ه. ش.
* ينابيع
الأحكام في معرفة الحلال والحرام ، ج 1.
تأليف : السيّد علي بن إسماعيل الموسوي القزويني ،
(1237 - 1298 ه).
كتاب يشتمل على مباحث استدلالية في الفقه ، بعنوان
: ينبوع ، لكلّ مبحث رئيسي منها ، في خمسة مجلّدات كبار : في المياه ، في الطهارات
الثلاث وتوابعها ، في الصلاة ، في الزكاة ، وفي التجارة.
حقّق اعتماداً على نسخة الأصل بخطّ المصنّف (قدس
سره).
اشتمل هذا الجزء على مباحث المياه من كتاب الطهارة.
وينابيعه كانت في : أقسام الماء ، تعريف الماء المطلق ، طهارة الماء المطلق في
نفسه ومطهّريته لغيره ، التغيّر ، انفعال القليل وعدمه ، في معمّمات قاعدة
الانفعال ، الماء الجاري ، ماء الحمّام ، ماء الغيث ، ماء البئر ، عدم جواز
استعمال الماء النجس في : الطهارة ، الشرب ، وما يتوقّف على الماء من أنواع
المآكل ،
ص: 430
وكيفية تطهيره لإباحة استعماله في حالات : الماء
القليل ، الكرّ والجاري ، والبئر ، ثمّ مسألة البئر والبالوعة ، الماء المضاف ،
الماء الطاهر المشتبه بالنجس أو المغصوب أو المباح ، الأسآر ، وأخيراً ينبوع في
الماء المُسخّن بالشمس.
تحقيق : السيّد علي العلوي القزويني.
نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرّسين في الحوزة العلمية - قم / 1424 ه.
* رسالة في
آداب البحث والمناظرة ، وشرحها.
تأليف : المولى أبي الخير عصام الدين أحمد بن مصطفى
الشهير ب- : طاش كُبري زادة (901 - 968 ه).
كتاب يشتمل على متن مختصر في بيان آداب المناظرة ،
وما تؤول إليه من الإفحام أو الإلزام ، وبيان وظائف طرفيها : السائل والمعلِّل ،
وما يجب عليهما من الالتزام به من قواعدها وحدودها ; إظهاراً لصواب الرأي الذي
يبغي إثباته كلّ منهما.
ويشتمل أيضاً على شرح مزجي لمصنّف المتن ، لبيان
وتوضيح ما جاء فيه مختصراً.
حُقّق اعتماداً على ثلاث نسخ ،
مخطوطتين ومطبوعة ، ذكرت مواصفاتها في المقدّمة.
تحقيق : حسين جودي كاظم الجبوري.
نشر : المدرسة المفتوحة - شيكاغو / أمريكا / 1424
ه.
* المبسوط ،
ج 2.
تأليف : شيخ الطائفة ، أبي جعفر محمّد ابن الحسن
الطوسي (385 - 460 ه).أثر فقهي فتوائي جليل ، يشتمل على كتب الفقه التي فصّلها
الفقهاء وهي نحو من ثمانين كتاباً ، يذكر المصنّف (قدس سره) كلّ كتاب منها على
غاية ما يمكن تلخيصه من الألفاظ ، مقتصراً على مجرّد الفقه دون الأدعية والآداب
، مرتّباً المسائل الفقهية في فصول ضمن أبواب ، جامعاً بين النظائر ، ذاكراً أكثر
الفروع التي ذكرها المخالفون ، مبدياً رأيه وفق ما يقتضيه المذهب الحقّ وتوجبه
أُصوله ، مستدلاًّ لبعضها عند الضرورة.
تمّ التحقيق اعتماداً على 18 مخطوطة لكتب الفقه
المختلفة ، ذكرت مواصفاتها في المقدّمة.
تضمّن هذا الجزء كتب : البيوع ، السَلَم ، الرهن ،
التفليس ، الحجر ، الصلح ،
ص: 431
الحوالة ، الضمان ، الشركة ، الوكالة ، الإقرار ،
العارية ، الغصب ، الشفعة ، وكتاب القراض (المضاربة).
تحقيق
ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية -
قم / 1425
ه.
* جنّات
النعيم في أحوال سيّدنا الشريف عبد العظيم (عليه السلام).
تأليف : الملاّ محمّد إسماعيل الكزازي الأراكي ،
المتوفّى سنة 1263 ه.
مباحث في سيرة أحد علماء ذرّيّة الرسول الأكرم (صلى
الله عليه وآله وسلم) الطاهرة : عبد العظيم ابن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد
بن الإمام السبط الأكبر الحسن المجتبى (عليه السلام) ; تضمّنت جملة من الآثار
والأخبار في بيان جلالة قدره وعظم منزلته ، وثواب زيارته.
في مقدّمة : في سبب عدم استقرار الإمامة في ولد
الإمام الحسن (عليه السلام) ، واستقرارها في ولد الإمام الحسين (عليه السلام)
إلى يوم القيام ..
و 8 فراديس - بعدد أبواب الجنان - : في شيء ممّا
يتعلّق باسمه ورسمه ، وجملة ممّا ورد من الأقوال والأخبار والآثار في حقّه ..
شرح وبيان حال رجال أسانيد مروياته .. ذكر أحوال آبائه الكرام :
عبد الله ، علي ، حسن ، وزيد .. بيان فضائله
العامّة الشاملة لغيره من أبناء الذرّيّة العلوية الفاطمية .. بيان فضائله
العامّة الشاملة لغيره من العلماء والمحدّثين العاملين ، المتمسّكين بذيل
الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) .. بيان حال جملة من الرواة عنه ، ممّن أدركوا
صحبته .. بيان حال مشايخه ممّن أدركهم وروى عنهم من الرواة وأصحاب الأئمّة
الأطياب (عليهم السلام) .. ذكر الروايات المنقولة عنه في فنون شتّى من العلم ،
في 60 باباً ، في كلّ باب رواية واحدة ، مع ذكر رواية أو روايات مشابهة في ذيل
بعض منها ..
وخاتمة : في بيان أحوال أولاد الإمام الحسن المجتبى
(عليه السلام) من غير زيد جدّه.
حُقّق اعتماداً على نسخة مخطوطة واحدة ذكرت
مواصفاتها في مقدّمة التحقيق.
تحقيق : علي أكبر زماني نژاد.
نشر : دار الحديث - قم / 1424 ه.
* الغدير ..
رحلة التاريخ والمستقبل.
تأليف : أحمد مصري.
وقفة تأمّل في يوم «الغدير» ، عيد الله الأكبر ،
ويوم الميثاق المأخوذ ، وعيد آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الذي هو
أوسع إدراكاً من
ص: 432
عمر الإنسان ، وأعمق غوراً من أن يناله العظماء
بأفكارهم أو يحدّوه بأقلامهم ، انطلاقاً من المعاني العظيمة والمخاطر الجليلة -
التي لا يمكن إحصائها - التي تشتمل عليها هذه الواقعة ، فهو أبرز محطة تاريخية
في عالم الرسالة الإسلامية ; إذ هو يوم إتمام النعمة وإكمال الدين للمؤمنين
بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ويوم الفصل بين الإيمان والنفاق ، ويوم
إبداء خفايا الصدور ومضمرات الأُمور ، و ...
يسعى لتسليط الضوء على أهمّية عيد الغدير في حياة
الفرد والمجتمع ، وفي كلّ مراحل الزمن ، ضمن ثلاثة فصول : الإمام عليّ (عليه
السلام) في القرآن الكريم والسنّة النبوية المباركة ، بعض الآيات والأحاديث في
حقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، والغدير في نهج
البلاغة .. خطبة العهد وتجديد الميثاق يوم الغدير كاملة ..
والثالث : أهمّية عيد الغدير في الحاضر والماضي والمستقبل : أهمّيته على سائر
الأعياد ، الغدير في الأزمنة الغابرة وعند الأنبياء والأُمم السالفة ، بعض أعمال
ليلة الغدير والصلاة فيها ، دعاءها ، بعض فضائل عيد الغدير ويومه ، أعمال عيد
الغدير السعيد وأدعيته ، التآخي يوم الغدير ، زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)
يوم الغدير من قريب أو بعيد باقة شعرية في
رحابه ، وضرورة التواصي به وتبليغه.
مع بعض تعليقات وإضافات أو زيادة عناوين وفصول في
أصل الكتاب ، الذي كان مقداراً يسيراً وبدون توثيق.
مراجعة وتعليق : الشيخ قاسم مصري العاملي.
نشر : المؤسّسة العاملية لإحياء التراث - لبنان /
دار الغدير - قم / 1424 ه.
*
معارج الأُصول.
تأليف : المحقّق الحلّي ، أبي القاسم نجم الدين
جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676 ه).
مباحث مختصرة في أُصول الفقه ، تشتمل على عصارة
الأفكار الأُصولية المعاصرة للمصنّف (رحمه الله) ، ولباب المطالب المهمّة ، مع
تهذيب المباحث ، وتنقيح الأدلّة ، وتبويب المسائل ، بعيداً عن الإطناب والتكرار.
تناوله أعلام الطائفة بالشرح والتعليق ، فكتبوا
العديد من الشروح والحواشي عليه ; لأهمّيته في موضوعه ، كونه يكشف عن المراحل
التي مرّ بها علم أُصول الفقه عند الإمامية ، وعن مجال معرفة تاريخ مفردات
المباحث والمسائل المطروحة في هذا العلم ، وتحديده لمعاني المصطلحات
ص: 433
التي تعاقبت عليها الأدوار ..
حُقّق اعتماداً على سبع نسخ ، ستّ مخطوطة ، ومطبوعة
على الحجر ، ذُكرت مواصفاتها في المقدّمة.
مرتّب على عشرة أبواب في : المقدّمات ، الأوامر
والنواهي ، العموم والخصوص ، المجمل والمبيّن ، الأفعال ، الإجماع ، الأخبار ،
الناسخ والمنسوخ ، الاجتهاد ، وتضمّن الأخير فصول مختلفة : في المفتي والمستفتي
، ثمّ مسائل مختلفة : التصرفات غير معلومة الحكم ، الاستصحاب ، النافي للحكم هل
عليه إقامة الدليل؟ وأخيراً : في ما أُلحق بأدلّة الأُصول وليس منها.
نشرته سابقاً بإعداد المحقّق ، مؤسسة آل البيت
(عليهم السلام) في سنة 1403 ه.
تحقيق : السيّد محمّد حسين الرضوي الكشميري.
صدر في قم سنة 1423 ه.
* مصباح
الفقيه ، ج 1 - 11.
تأليف : الشيخ رضا بن محمّد هادي الهمداني ،
المتوفّى سنة 1322 ه.
أثر فقهي ، يشتمل على مباحث فقهية استدلالية ،
مشحون بالتحقيق والتدقيق ، وفيه كثير من مهمّات المباحث الأُصولية.
خرج منه كتب : الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس ،
الصوم ، وكتاب الرهن.
وهو شرح مزجي - بأُسلوب سهل وبيان متين - لشرائع
الإسلام في مسائل الحلال والحرام للمحقّق
الحلّي (602 - 676 ه) ، الذي يعدّ أحد المتون الفقهية المهمّة الكاملة ،
الجامعة للفروع ، التي تُدرَّس في الحوزات العلمية لحدّ الآن.
حُقّق اعتماداً على 21 نسخة مخطوطة ، 10 لكتاب
الطهارة ، و 7 لكتاب الصلاة ، وواحدة لكلّ من كتب الزكاة والخمس والصوم والرهن.
تضمّنت الأجزاء 1 - 8 كتاب الطهارة ، و 9 - 11 كتاب
الصلاة.
صدر الجزء 11 بتحقيق : الشيخ محمّد الباقري والشيخ
نور علي النوري ، والأجزاء 1 - 10 بتحقيق الشيخين إضافة إلى الشيخ محمّد
الميرزائي (رحمه الله). أصدرته دار الفكر في قم سنة 1424 ه- ، بعد أن أصدرت
الجزءين 9 و 10 سنة 1423 ه.
وسبق أن أصدرت في قم : المؤسسة الجعفرية لإحياء
التراث الجزءين 1 و 3 سنة 1417 و 1419 ه. ومؤسسة المهدي الموعود (عج) الأجزاء
2 و 4 سنة 1418 و 1420 و 5 و 6 سنة 1421 ه. ومنشورات المنبع الجزءين 7 و 8 سنة
1422 ه.
ص: 434
كما سبق أن أصدرت مؤسسة النشر الإسلامي التابعة
لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية في قم الجزءين 13 و 14 سنة 1416 ه.
طبعات
جديدة
لمطبوعات
سابقة
* فتوى
الوهّابية.
تأليف : الشيخ محمّد علي الأُردوبادي التبريزي
النجفي (1312 - 1380 ه). كتاب يشتمل على رسالتين ، الأُولى : محاضرة للعلاّمة
المجاهد الشيخ محمّد جواد البلاغي (1282 - 1352 ه) ، ألقاها على تلامذته سنة
1344 ه- ، كتبها وقدّم لها المصنّف ، الذي كان أحدهم ، ثمّ طبعها في المطبعة
الحيدرية في النجف في السنة نفسها ، بعنوان :
دعوة الهدى إلى الورع في الأفعال والفتوى. اشتملت على
مناقشة وردود علميّة متينة - وبأُسلوب مبسّط وواضح - لفتاوى الوهّابيّة ، التي
وردت في إجابات علماء المدينة المنوّرة لأسئلة قاضي القضاة في الحجاز : عبد الله
بن بليهد ، عام 1344 ه- / 1925 م ، ونشرتها أكثر الصحف الصادرة آنذاك ، منها :
جريدة «أُمّ القرى» في مكّة ، وجريدة «العراق»
في العراق ; مستفتياً لهم في أُمور ، منها : جواز
البناء على القبور واتّخاذها مساجد ، وجوب هدم المراقد الشريفة لأنبياء وأوصياء
وأولياء الله الصالحين ، تقبيل الأضرحة ، الصلاة والذبح عند المقامات ، والنذر
لله وإهداء ثوابه لصاحب المقام ، وغيرها.
تأتي الرسالة على ما طرح من آراء وأفكار في هذه
الفتاوى ، الواحدة بعد الأُخرى ، ردّاً وتفنيداً ، مبيّنةً فسادها.
وقد صدرت الرسالة سابقاً في بيروت سنة 1420 ه- ،
محقّقة - اعتماداً على الطبعة النجفية - بتحقيق : السيّد محمّد عبد الحكيم
الصافي.
والثانية للمصنّف ، تضمّنت : الردّ
على ابن بليهد المذكور في مقالته : (حول هدم القبور)
، المنشورة في جريدة «أُمّ القرى»
أيضاً ، العدد 104 ، المؤرّخ بيوم الجمعة رابع جمادى الآخرة سنة 1345 ه- ، والتي
طبعها في المطبعة العلوية في النجف الأشرف في شعبان من السنة نفسها.
أوردت بعض فقرات المقالة ، ثمّ ردّها ردّاً علمياً
أخلاقياً ، مبيّنةً بطلان ما ذهب إليه في فتاواه وادّعاءاته الوهّابية.
وأعادت المدرسة المفتوحة في شيكاغو / أمريكا طبع
الرسالتين مؤخّراً ،
ص: 435
بالتصوير على طبعتي النجف المذكورتين.
* تاريخ
الحديث النبوي ، ومؤثّرات الهوى والموروث الجاهلي عليه.
المؤثّرات في
عهد أبي بكر.
تأليف : علي الشهرستاني.
بحوث تسعى لبيان حقيقة ما مرّ على حديث نبيّنا
الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من أدوار ، من قبل البعثة إلى تدوينه في العهد
المرواني ، والملابسات التي واكبت السنّة النبوية بعده (صلى الله عليه وآله
وسلم) ، من خلال عرض وبيان مؤثّرات العصور السابقة وما أُسّس فيها من مبان
وأُصول فكرية تبعاً للهوى وللموروث الجاهلي على الحديث والتاريخ الإسلامي ،
والتي ظهرت - في ما بعد - كنصوص حديثية وأُصول فقهية وعقائد إسلامية بامتداد
الزمان ، مع الإشارة إلى جذور منع التدوين والأفكار السائدة عند العرب قبل وبعد
الإسلام ، وتعاملهم مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمفاهيم المطروحة من
قِبله (صلى الله عليه وآله وسلم).
في بابين : عصر التأصيل : عصر بناء الأُسس
والمفاهيم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعصر التدوين ; والأوّل
قُسّم فيه حديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى خمس مراحل : قبل
البعثة ، بعد البعثة إلى الوفاة (11 ه) ، في فترة الخلافة الراشدة : عهد أبي
بكر
(11 - 13 ه) ، عهد عمر (13 - 23 ه) ، عهد عثمان
(23 - 35 ه) ، وعهد الإمام عليّ (عليه السلام) (35 - 40 ه) ، ثمّ العهد
الأُموي (40 - 63 ه) ، والمرواني (64 - 132 ه).
والكتاب هو السادس ضمن الدراسة الموسّعة للمؤلّف : التشريع
وملابسات الأحكام عند المسلمين.
اشتمل على بحوث المرحلتين الأُولى والثانية ، وعهد
أبي بكر من المرحلة الثالثة من مراحل الباب الأوّل فقط ، والمنشورة سابقاً على
صفحات نشرتنا هذه تراثنا
من العدد 53 - 54 لسنة 1419 ه- إلى العدد 59 - 60 لسنة 1420 ه- ، بعنوان : السنّة
بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
نشر : دار الغدير - قم / 1424 ه.
* قبسات من
فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام).
بقلم : العلاّمة المحقّق ، السيّد عبد العزيز
الطباطبائي (1348 - 1416 ه).
بحوث مهمّة تتعرّض لذكر فضائل أمير المؤمنين الإمام
علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، إذ تشتمل على بعض الأحاديث النبوية الشريفة
المتعلّقة ببيان وإثبات إمامته (عليه السلام) والأئمّة المعصومين من ولده (عليهم
السلام).
تناولها المصنّف (قدس سره) استطراداً في كتابه : أهل
البيت (عليهم السلام) في المكتبة العربية ، وهو
ص: 436
جمعٌ وإحصاءٌ وفهرسةٌ لأكثر من 850 كتاب ، لعلماء
ومحدّثين وكتّاب مسلمين من غير الشيعة الإمامية ، صُنّفت بشكل خاصّ عن أهل بيت
الوحي (عليهم السلام).
واشتملت أيضاً على ذكر طُرف من أحوال بعض المصنّفين
- عند ذكر كتبهم - ومعاناتهم بسبب مصنّفاتهم المذكورة.
وهي عن : حديث «سدّوا هذه الأبواب إلاّ باب عليّ» ،
حديث «صعود عليّ (عليه السلام) على منكب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)» ،
حديث «ردّ الشمس لعليّ (عليه السلام)» ، حديث الثقلين ، الأعمش (61 - 148 ه)
وموقفه من خصوم أمير المؤمنين (عليه السلام) ، حديث «عليّ قسيم النار» ، الحاكم
النيشابوري (321 - 405 ه) وكتابه قصة
الطير ، وحديث الطير المشوي.
سبق أن نُشرت هذه البحوث على صفحات نشرتنا «تراثنا»
بالعنوان نفسه.
وكانت مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء
التراث في قم قد أعدّت ونشرت الكتاب سنة 1417 ه.
كما نُشرت - مع إضافات وتصحيحات أجراها المصنّف
(قدس سره) قبل رحيله - في المجلّد الأوّل من كتاب : المحقّق
الطباطبائي في ذكراه السنوية الأُولى ، الذي
أعدّته اللجنة التحضيرية لإحياء
الذكرى السنوية الأُولى لرحيله (قدس سره) ، ونشرته
المؤسسة في السنة نفسها.
وأعادت
نشرها مستقلّة منشورات الدليل سنة 1423 ه- من إعداد : مكتبة المحقّق
الطباطبائي (قدس سره) في قم.
* دراسات في
البيع.
تأليف : السيّد محمّد السجّادي الأصفهاني.
مباحث في «البيع» ، أحد الأبواب الفقهية ، يشتمل
على قواعد فقهية في المعاملات ، وهي تقرير المؤلّف لأبحاث السيّد الإمام روح
الله الموسوي الخميني (قدس سره) (1320 - 1409 ه) ، في محاضراته التي ألقاها على
تلامذته في مدينة النجف الأشرف.
تضمّن : شروط المتعاقدين (البيع الفضولي) : تأثير
إجازة المالك بعد تحقّق تصرّفاته الناقلة وغير الناقلة ، ضمان المنافع المستوفاة
وغير المستوفاة ، حكم الأيادي المتعاقبة ، حكم ما يغترمه المشتري زائداً على
الثمن ، قاعدة الغرور ، قاعدة الإتلاف ، قاعدة التسبيب ، كيفية اشتغال ذمم
متعدّدة بمال واحد في الأيادي المتعاقبة ، بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره ،
حكم بيع من له النصف النصفَ ،
ص: 437
ولاية الأب والجدّ ، ولاية عدول المؤمنين ، جواز
نقل المصحف إلى الكافر.
شروط العوضين : اعتبار مالية العوضين ، عدم جواز
بيع الوقف ، بيع الرهن ، القدرة على التسليم ، بيع العبد الآبق منفرداً ، اعتبار
العلم بقدر الثمن والمثمّن ، جواز الاعتماد على إخبار البائع بمقدار المبيع ،
بيع العين المشاهدة قبل العقد ، صحّة بيع ما يفسده الاختبار ، بيع المسك في
فأرته ، عدم جواز بيع المجهول مع الضميمة ، الإندار للظروف (الأوعية) ، صور بيع
المظروف (محتوى الوعاء) مع ظرفه (وعائه).
القول في الخيار : أصالة لزوم الخيار ، خيار المجلس
، ثبوت الخيار للوليّ أو للوكيل الواحد عن الطرفين ، مستثنيات خيار المجلس ، ما
يثبت فيه خيار المجلس ، سقوط خيار المجلس باشتراط سقوطه في ضمن العقد.
أصدرته سابقاً مؤسّسة تحقيقات السيّد مصطفى الخميني
(قدس سره) (1351 - 1398 ه).
ونشرته مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرّسين في الحوزة العلمية في قم سنة 1424 ه.
* * *
كتب
صدرت حديثاً
* ولادة
الإمام المهدي - عجّل الله تعالى فرجه الشريف -.
تأليف : الشيخ بشير النجفي.
كتيب يشتمل على مباحث لبيان صحّة ولادة الثاني عشر
من أئمّة المسلمين ، الإمام الحجّة المنتظر - عجّل الله تعالى فرجه الشريف -
ودفع شبهات أثارها وخاض فيها أعداء أهل البيت (عليهم السلام) بشأن ولادته
المباركة (عليه السلام).
وهي في الأصل محاضرات لندوات متخصّصة أقامها المركز
الناشر ، لتوضيح الحقائق عن مسألة الإمام (عليه السلام) وغيبته وظهوره ، وردّ
الشبهات المثارة بشأنها.
اشتمل على ثلاث ندوات ، مع الأسئلة التي طرحت في
آخر كلّ ندوة وأجوبتها ، تضمّنت الأُولى : نظرة على الشبهات ، وبيان عمدتها ،
ثمّ ثلاث مقدّمات : ثبوت الأنساب ، عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود ،
واشتراط عدم النصب. والثانية : وقفة مع الشبهات ودفعها. والثالثة : إثبات ولادة
الإمام (عليه السلام) من خلال تواتر الروايات ; التي كانت في أربع طوائف :
الروايات المشتركة الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) من
ص: 438
الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، وقد ذكرته (عليه السلام) بصفاته وخصوصياته
، وأنّه من أولاد الإمام الحسين (عليه السلام) ، وأنّه يُظهر الله الحقّ على
يديه الشريفتين. والتي وردت وقد ذُكر فيها أنّه التاسع أو أنّه السابع ...
وهكذا. والتي وردت عمّن رآه (عليه السلام) وهو طفل في بيت أو حِجر والده الإمام
العسكري (عليه السلام). والتي وردت عمّن سمع بولادته (عليه السلام) من الإمام
العسكري (عليه السلام) ، أو من خدّامه ، أو من عمّته حكيمة.
صدر ضمن : سلسلة الندوات المهدوية ، برقم 2.
نشر : مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي -
عجّل الله تعالى فرجه الشريف - النجف الأشرف / 1425 ه.
* المعجم
المفصّل في فقه اللغة.
تأليف : مشتاق عبّاس معن.
«فقه اللغة» : فقه جزئية أو كلّيّة من مكوّنات
لغة ما ، وحدود ربطها بما يلازمها ، يهدف إلى
فهم شمولي للّغة المدروسة وموقعها عبر المراحل - عمودياً - وصلتها بالمجاورات
أو المؤثرات من اللغات - أُفقياً - ويفترق ، بنظر المؤلّف ، عن «علم اللغة» -
الذي يهدف إلى دراسة اللغة من
أجل فهمها
لذاتها ، حتّى إذا استُعين باللغات الأُخرى المباينة بالنوع أو الجنس - من جهة
الوسيلة التي يتبعها الدارس لأحدهما ،
ومن جهة الغاية ; إذ هي أوسع في الأوّل.
والمعجم
يشتمل على بيان وتوضيح مصطلحات خاصّة ب- «فقه اللغة» ، وتحديد مفهوماتها ، بعد
رصد واستقراء ما كتب وأُلّف في هذا الحقل المعرفي .. مع الأخذ بنظر الاعتبار صلة
المصطلح
بتاريخية اللغة
، وجسّ التطوّر فيها ، أو تحديد نوعية النطق لفظاً ودلالةً وتطوّراً ، إضافة إلى
أُسلوب الموازنة الذي يتمّ بين نوعين ينتميان إلى جنس واحد ، أو بين جنسين
ينتميان إلى أصلين مختلفين ، وذكر الروّاد
والشخصيّات
التي أسهمت في توضيح «فقه اللغة» وتطويره وتقريب مفهومه.
على الترتيب الألفبائي ، بمراعاة الحرف الأوّل
للمصطلح دون أصل الاشتقاق ، وباحتساب لفظ : «ابن»
و «أبو» ، ومجموعة من الأصوات غير المحتسبة في
الألفبائية الصوتية العربية.
يشتمل أيضاً على دراسة - كمدخل - : إشكالية تقاطع
المفهومات : الفيلولوجيا ، فقه اللغة ، وعلم اللغة. في قسمين : ولادة فقه اللغة
وجهود الدارسين في ترسيخ دعائمه ، وفقه اللغة : المصطلح والمفهوم.
ص: 439
أحصى المعجم 671 مصطلحاً.
نشر : دار الكتب العلمية - بيروت / 1422 ه.
* الرسائل
الفقهية.
تأليف : السيّد مرتضى الحسيني النجومي.
أربع رسائل فقهية ، تشتمل على مباحث فقهية
استدلالية ، عرضت رأي المؤلّف في أحكام مسائل معيّنة ..
الأُولى : في التصوير والتمثيل وحكمهما ، وتضمنّت
بيان أحكام تجسيم ورسم ذوات الأرواح وغير ذوات الأرواح ، وأخذ التصوير بالآلات.
والثانية : في نجاسة الخمر والمسكرات ، وتضمنّت
مناقشة وردّ مَن أفتى بطهارتها.
والثالثة : رسالة الغِناء ، وتضمنّت كلاماً في
موارد : حكم الغناء وتعميمه وتخصيصه ، في موضوعه ، وفي المستثنيات وغيرها.
والرابعة بالفارسية : (نظرى فقهى به ماليات) نظرة
فقهية في الضرائب ، وهل الضرائب في الحكومة الإسلامية تُفرض على أساس الأحكام
الفقهية الأولية أم الثانوية؟
نشر : مؤسّسة أنصاريان - قم / 1422 ه.
* الملف
الساخن .. أيام مع الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام).
تأليف : جمال محمّد صالح.
عرض لمقتطفات مهمّة من تاريخ وسيرة السبط الأكبر
للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام المجتبى أبي محمّد الحسن بن
عليّ ابن أبي طالب (عليهما السلام) ، بأُسلوب قصصي روائي ، يتضمّن نقل حوادث
ومواقف وحوارات فترات زمنية مُعيّنة من هذه السيرة المباركة بلسان أشخاص عاصروها
، أو كانوا طرفاً فيها ، أو رووها أو رويت عنهم في كتب السيرة والتاريخ.
شملت في خمسة فصول : الأيام الأخيرة للحسن بن عليّ
بن أبي طالب ، ذكريات أيام قديمة ، أيام الحرب والمعاهدات ، أيام الهدنة والغدر
والخيانة ، واحتجاجات في ذاكرة الزمان.
تناول الأوّل : فترة معاناة الإمام من السمّ الذي
سقته إيّاه زوجته جعدة بنت الأشعث ، حتّى استشهاده (عليه السلام) ، والثاني :
شذرات من فضائله وعلمه وحكمته منذ صباه في كنف جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم)
وأُمّه (عليها السلام) وأبيه (عليهما السلام) ، وحتّى خلافته (عليه السلام) وما
بعدها ، والثالث والرابع : حربه مع معاوية في أوّل
ص: 440
خلافته ، ثمّ الصلح والتنازل عن الخلافة ، وغدر
أصحابه وخيانة قادة جيوشه (عليه السلام) ، وما بعد الصلح ، والخامس : طائفة من
محاوراته مع معاوية وعصابته بعد استيلائه على الخلافة وتسلّطهم على رقاب
المسلمين ، واحتجاجه وردّه عليهم في ما وجهّوه له ولأبيه (عليهما السلام) من
اتّهامات وافتراءات.
نشر : مكتبة النوارس - الموصل - العراق / 2004 م.
* ألف سؤال
وإشكال ، ج 1 - 2.
تأليف : الشيخ علي الكوراني العاملي.
مجموعة من أسئلة وإشكالات علمية على مخالفي أهل
البيت الطاهرين (عليهم السلام) ، تضمّنت تحقيقات وفوائد في أُمّهات المسائل
الخلافية ; جواباً لما يثيرونه من شبهات وإشكالات واتّهامات وافتراءات على مذهب
الحقّ وأتباعه ، وما زالوا يردّدونها ويكرّرونها في خطبهم وكتبهم ، التي وضعوها للتهجّم
على الشيعة والتشّيع ، وملؤوا منها الأسواق ومواقع الانترنيت ، وتنبيهاً إلى أنّ
الأوْلى لهم أن يعالجوا المشكلات والتناقضات التي امتلأت بها مصادرهم ، وقامت
عليها مؤلّفاتهم وأبحاثهم وآراؤهم في عقائدهم وفقههم
وتفسيرهم ، اعتماداً على مصادرهم الأساسية في
الحديث والتفسير والفقه والعقائد ، وآراء وأقوال كبار علمائهم من القدماء
والمتأخّرين.
هذه الأسئلة تلزمهم بلوازم أدلّتهم ، فإن وافقوا
عليها ورد عليهم الإشكال ، وإن أبوا الالتزام بها وجب عليهم رفع اليد عن صحّة
تلك الكتب ورفض أصحاب تلك الأقوال.
وهي شبهات أجاب عنها علماء الشيعة القدماء
والمعاصرون.
ومنهج الكتاب : تحرير المسألة بعبارة موثّقة من
المصادر ، ثمّ توجيه أسئلة أو إشكالات بشأنها.
اشتمل الجزءان على 167 مسألة ضمن 24 فصلا ، والأوّل
على 411 سؤالا وإشكالا والثاني على 343.
نشرت الأوّل دار السيرة في بيروت ، والثاني دار
الهدى في قم ، سنة 1424 ه.
* سماحة
الإسلام وحقوق الأقليّات الدينية في مدرسة أهل
البيت (عليهم السلام).
تأليف : السيّد سعيد كاظم العذاري.
مباحث تتناول رأي الشريعة السمحاء في معاملة غير
المسلمين من أصحاب المعتقدات الدينية ممّن ارتضى العيش
ص: 441
بسلام بينهم ; إذ نظّم الإسلام العلاقات بينه وبين
أهل الأديان في المجتمع الإسلامي على أساس التوحيد ، ومنحهم حرية البقاء على
أديانهم ، وضمن لهم حقوقهم كاملة ..
في ضوء آيات القرآن الكريم - دستور الإسلام -
وأحاديث العترة الطاهرة - قرين القرآن - مع بيان فتاوى وآراء بعض فقهاء مدرسة
أهل البيت (عليهم السلام) من المتقدّمين والمعاصرين.
في خمسة فصول ، تضمّنت : مبدأ المساواة بين
الأقليّات الدينية في : نزعة التديّن والتوجّه نحو الخالق ، الخصائص الإنسانية ،
الحرية ، التكريم ، التكليف والجزاء ، الإرادة والاختيار ، والمساواة أمام السنن
الإلهية. السلم والقتال بين الأصالة والاستثناء : استعراض دوافع القتال وأهدافه.
فكرة عن الحروب الدفاعية والوقائية في العهد النبوي : سيرة الرسول الأكرم (صلى
الله عليه وآله وسلم) في حروبه الدفاعية. مبادئ العلاقات بين المسلمين وغير
المسلمين في مكاتيب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وشرائط الذمّة :
عنوان الإسلام ووحدة الأديان ، مكاتيب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ،
وشرائط الذمّة. حقوق الأقليات الدينية في نظر أهل البيت (عليهم السلام) : حقّ
الاعتقاد وإبداء الرأي وحقّ التقاضي والحماية القانونية ، الحقوق
الاقتصادية والمالية ، الحقوق المدنية وإقرار
العقود والإيقاعات ، صيانة الكرامة وحماية الأعراض وحسن المعاملة.
صدر ضمن : «سلسلة المعارف الإسلامية» برقم 43.
نشر : مركز الرسالة - قم / 1423 ه.
* مظلومية أبي
طالب (عليه السلام).
تأليف : الشيخ علاء المالكي.
عرض مختصر لسيرة وحياة شيخ البطحاء أبو طالب بن عبد
المطّلب ، والد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وبيان ما وقع عليه من
الظلم ; من خلال ردّ ما أُثير من شبهات بشأن إيمانه (عليه السلام).
تناول في مباحث عديدة : ولادته ونشأته وأُسرته
وأولاده ، تراثه العلمي والأدبي ، كفالته للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله
وسلم) ، مآثره القولية والعملية ، الشهادات في حقّه ، مواقفه الدالّة على إيمانه
، مقاطعته في الشعب ، شكوى قريش له ، أبو طالب والتقية ، أسرار كتمان إيمانه ،
زوجته فاطمة بنت أسد (عليها السلام) ، أُمّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
، وصيّته الممنوعة ، وأخيراً قصائد في حقّه.
واشتمل أيضاً على مباحث في : التقية ، طهارة شجرة
النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والوصيّ (عليه السلام) ، وأنّ الأرض لا تخلو
من حجّة لله على
ص: 442
الناس ، كما تضمّن مناقشة بعض الآيات القرآنية ،
وبعض المباحث الرجالية والتاريخية والحديثية.
صدر في مدينة النجف الأشرف سنة 1424 ه.
* المؤمن في
تفسير سورة المؤمن.
تأليف : السيّد مرتضى الحسيني النجومي.
كتاب يشتمل على تفسير سورة غافر (المؤمن) - بتسلسل
40 ضمن سور القرآن الكريم - تضمّن شرحاً وبياناً لكلمات ومعاني آياتها ال- 85 ،
كتب بخطّ مؤلّفه ، وهو في الأصل محاضرات للمؤلّف في تفسير القرآن ، ألقاها على
بعض طلاّب كلية الآداب بجامعة الرازي في مدينة كرمانشاه.
نشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي -
قم / 1417 ه.
* بدائع
البحوث في علم الأُصول ، ج 1 و 2.
تأليف : علي أكبر السيفي المازندراني.
مباحث في علم الأُصول ، تضمّنت قواعد أُصولية جديدة
استلّها المؤلّف من الفروعات الفقهية ; إذ هي بنظره - وحسب
تحديده للفرق بين المسألة الأُصولية والقاعدة
الفقهية - ليست من القواعد الفقهية - التي تكون نتائجها بنفسها من الأحكام
الفرعية الكلّيّة - بل هي مُمهّدة لتحصيل الحجّة على الأحكام الفرعية الكلّيّة ،
وهي أكثر دخلا في الاستنباط وأشدّ مساساً بالاجتهاد ; فلذا تعدّ من المسائل
الأُصولية.
تضمّن الجزء الأوّل مباحث في : مبدأ علم الأُصول :
تعريفه ومسائله. الدلالات ، مباحث لغوية : المجاز ، التبادر ، الوضع ، الصحيح
والأعمّ. مباحث حول الإرادة ، ملاكات الأحكام والتعليلات الشرعية ، مباحث حول
الحكم ، منصّة العُرف في استنباط الأحكام ، وأخيراً دور الزمان والمكان في
الاجتهاد.
وتضمّن الثاني مباحث في : الحجج العقلائية وبناء
العقلاء ، الحجج العقلائية المحاورية : الظواهر ، قواعد في تعيين ظواهر الألفاظ
، المنطوق والمفهوم ، المفاهيم : الوصف ، الغاية ، الحصر ، والعدد واللقب ،
والتحديد والتعليل. وأخيراً مسألة المشتق.
نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرّسين في الحوزة العلمية - قم / 1424 ه.
ص: 443
* الشهادة الثالثة ، في دراسة فقهية.
تأليف : السيّد كاظم المصطفوي.
كتيب - بالحجم الجيبي - يشتمل على بحث علمي موضوعي
يهدف إلى بيان مشروعية الشهادة الثالثة بالولاية لأمير المؤمنين الإمام عليّ
(عليه السلام) في الأذان والإقامة ، وأنّ حكم الإتيان بها هو : الجواز ، لا
الوجوب ، ولا الحرمة.
تضمّن عدّة أدلّة على صحّة ومشروعية : «أشهد أنّ
عليّاً وليّ الله» في الأذان ، لا بقصد الجزئيّة ، مثل : الإجماع العملي ،
والأحاديث والروايات ، استلزام الشهادة الثانية لها ، واستدلال الفقهاء - 30
فقيهاً - على مشروعيتها وإفتائهم بها ، وكذلك الاستدلال على استحبابها وفق
القاعدة الفقهية : «التسامح في أدلّة السُنن» ، وعلى أساس تعظيم شعائر الله جلّ
شأنه التي تشمل كلّ عمل كان في سبيل طاعة الله تعالى ، وإعلاء كلمته عزّ وجلّ.
كما تضمّن معالجة ما أورده الشيخان الجليلان :
الصدوق (ت 381 ه) والطوسي (ت 460 ه) من إشكال في المسألة ، وردّ بعض إشكالات
أُخر فيها.
نشر : دار الفقه للطباعة والنشر - قم / 1425 ه.
* دروس من
الفقه الواضح.
تأليف : الشيخ محمّد علي البيابي.
مجموعة من الدروس الفقهية طبق فتاوى آية الله
العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (1317 - 1413 ه).
مع ملاحظة ومراجعة فتاوى سماحة المرجعين المعاصرَين
: السيّد علي السيستاني ، والميرزا الشيخ جواد التبريزي ، في ما يخالف رأيه (قدس
سره) في بعض المسائل.
تضمّن الكتاب 42 درساً - مع أسئلتها - هي القسم
الأوّل من هذه المجموعة ، وكانت عن : مصادر الشريع وأحكام التقليد وشروط المرجع
، كتاب الطهارة ومقدّمات الصلاة ، كتاب الصلاة : مبطلات الصلاة ، أحكام الخلل ،
صلاة الآيات ، صلاة المسافر ، صلاة الجماعة ، كتاب الصوم : نية الصوم ، شروط
وجوب الصوم ، المفطرات ، قضاء الصوم ، والكفّارة.
نشر
: مؤسسة منشورات مدين - قم / 1424 ه.
* الضمانات
الفقهية وأسبابها.
تأليف : الشيخ محمّد آصف المحسني.
مباحث فقهية - وفق اجتهاد المؤلّف - في بيان مسائل
الضمان العقدي ، بشكل
ص: 444
تعليقات على كتاب الضمان من كتاب العروة
الوثقى ، لمرجع الإمامية في عصره الفقيه المحقّق السيّد محمّد
كاظم اليزدي الطباطبائي (قدس سره) (1247 - 1337 ه) ، الذي يعدّ محوراً لكثير من
الأبحاث الاستدلالية والعلمية في الفقه لمَن جاء بعده من مراجع وفقهاء الطائفة ،
وعليه الكثير من التعليقات والحواشي والمباحث ..
ثمّ بعد ذلك التعرّض لمباحث بقية أقسام الضمان ، ومباحث
أسبابها.
كتبه لتدريس طلاّبه في الحوزة العلمية بمدينة قم
المشرّفة.
نشر : «پيام مهر» - قم / 1382 ه. ش.
* التربية
الروحية.
تأليف : الشيخ مجيد الصائغ.
دراسة في الغذاء الروحي للنفس ، الذي لا بُدّ منه
لقوام الحياة فيها ، ويعدّ ضرورياً لسموّها وتهذيبها ، ولا يمكن الاستغناء عنه
لنموّها نموّاً سليماً وصحيحاً. وكذلك أثره على السلوك العملي للإنسان.
تهدف إلى بيان منهج عام في تربية الروح والنفس
والجوارح لتقوية ارتباط العبد بربّه وشدّه إلى بارئه سبحانه ، وتحذيره من كيد
الشياطين وإغواء
الغاوين ; إذ أنّ عمل الإنسان ومجاهدة هوى نفسه
الأمّارة بالسوء هو الذي يحدّد موقعه وكيفية حشره في يوم القيامة ..
في ستّة مباحث : تطهير النفس وطرقه. العبادة.
القرآن والغذاء الروحي. الدعاء. زيارة أهل القبور من الأنبياء والأولياء (عليهم
السلام) ، وزيارة الحسين (عليه السلام) ، والبكاء عليه (عليه السلام). والسادس
تضمّن : لقاء الإخوان والتودّد إليهم ، قضاء حوائجهم ، إدخال السرور على قلب
المؤمن ، نصح المؤمن وإرشاده ، صلة الرحم وأثرها الاجتماعي ، إفشاء السلام ووجوب
ردّه ، الصدقة وآثارها ، القناعة وأثرها على الفرد ، الغشّ وآثاره السلبية ،
ومحرِقات الحسنات.
نشر : مؤسسة البلاغ - بيروت / 1423 ه.
* معجم الآثار
المخطوطة حول الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
إعداد : حسين متّقي.
دليل بيبلوغرافي ل- «10000» مخطوطة ، محفوظة في
مكتبات العالم ، ممّا كُتب في سيرة وفضائل الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي
طالب (عليه السلام).
يشتمل على خمسة آلاف عنوان من الآثار المخطوطة ،
الواردة في عشرة آلاف
ص: 445
مخطوطة ، استُلّت - بعد بحث واستقصاء - من فهارس
المخطوطات المحفوظة في مكتبات إيران وسائر بلدان العالم.
مرتّبة هجائياً ، اقتصاراً على ذكر : اسم الكتاب أو
الرسالة مع ذكر اللغة إذا لم تكن عربية أو فارسية ، اسم مؤلّفها ، مكان ورقم
الحفظ في المكتبات ; بدءاً بمكتبات إيران ثمّ الدول الأُخرى.
في ثلاثة فصول ، الأوّل : في ما يختص بالإمام أمير
المؤمنين (عليه السلام) ، والثاني : ما يشترك مع الأئمّة المعصومين (عليهم
السلام) ، وما يشترك مع الخلفاء والصحابة ، مع فهرس لعناوين الكتب والرسائل ،
وفهرس لأسماء المؤلّفين وآثارهم.
نشر : مكتبة السيّد المرعشي (رحمه الله)الكبرى - قم
/ 1423 ه.
* حكم ومواعظ
من حياة الأنبياء (عليهم السلام) ، ج 1 و 2.
تأليف : السيّد مرتضى الميلاني.
استعراض مختصر لمقتطفات من السيرة المباركة لطائفة
من الأنبياء والأولياء والأوصياء (عليهم السلام) ، يتناول الحوادث والوقائع
والمِحن التي واجهوها في سبيل إعلاء
كلمة الله تعالى وتبليغ الرسالات السماوية ، ومن
أجل هداية الناس ونيل سعادة الدارين ، ومواقفهم ضدّ مناهج الكفر وعبدة الأوثان
والمستكبرين ; لاستخلاص الحكم ، والمواعظ ، والعِبَر ، والدروس القيّمة منها ،
والاستفادة منها في تهذيب النفس وتزكيتها وتحصينها من إغواء الشيطان ، وجعلهم
القُدوة المُثلى في مسيرة الحياة البشرية.
اشتمل الجزء الأوّل على سيرة مَن اختارهم الله عزّ
وجلّ على جميع أنبيائه ورسله ، وسمّاهم ب- : «أُولي العزم» ، وذكرهم تعالى
بأسمائهم : رسولنا الأكرم المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ، نوح ، إبراهيم ،
موسى ، وعيسى ، صلوات الله عليهم أجمعين.
واشتمل الجزء الثاني على سيرة وقصص : آدم وحوّاء
، إدريس ، هود ، صالح ، لوط ، ذي القرنين ، يوسف ، أيّوب ، لقمان الحكيم ،
داود ، سليمان ، زكريا ويحيى ، يونس بن متّى ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ،
وأخيراً مواعظ وحِكم من أخبار بني إسرائيل.
نشر : مؤسسة دار الكتاب الإسلامي - قم / 1423 ه.
* * *
ص: 446