سيکولوجية الصورة الذاتية

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3013 لسنة 2018

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيفLC: BP232.65.M35 2018

المؤلف الشخصي: المالكي، مهدي - مؤلف.

العنوان: سيكولوجية الصورة الذاتية : دراسة مختصرة لمفهوم الصورة الذاتية وأثرها في السلوك الانساني وفق رؤية اسلامية وبرواية علوية

بيان المسؤولية: تأليف الشيخ مهدي المالكي ؛ تقديم السيد نبيل قدوري حسن الحسني.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 117 صفحة ؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 488).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 152 ).

سلسلة النشر: (سلسلة الدراسات والبحوث ؛ 17).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة-40 للهجرة - نظريته في علم النفس.

مصطلح موضوعي: الاسلام وعلم النفس.

مصطلح موضوعي: تحقيق الذات (علم نفس) - احاديث.

مصطلح موضوعی: الوعظ والارشاد.

مصطلح موضوعي: الاسلام والتنمية البشرية.

مصطلح موضوعي: الاسلام وبناء الشخصية.

مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، -1965 ، مقدم .

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

دراسة مختصر هو لمفهوم الصورةالذاتية

وأثرها في السلوك الإنساني

علی وفق رؤية اسلامية وبرواية علوية

ص: 2

سلسلة الدراسات والبحوث (17)

وحدة الدراسات التربوية والنفسية

سیکولوجیة الصورة الذاتیة

دراسة مختصرة لمفهوم الصورة الذاتية

وأثرها في السلوك الإنساني وفق رؤية إسلامية وبرواية علوية

تأليف: الشيخ مهدي المالكي

اصدار

موسسة علوم النهج البلاغة

في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439 ه_ – 2018م

العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728293900 - 7815012933.

الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Info@Inahj.org

تنویه:

ان الافکار و الآراء المذکورة فی هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر

کاتبها ، و لاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»

صدق الله العلي العظيم

سورة هود الآية 88

ص: 5

ص: 6

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بها ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلا للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يقتصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى : وما فرطنا في الكتاب من شيء ، كذا نجده يجري مجراه في الإمام المبين، كما في قوله تعالى : وكل شيء أحصيناه في إمام مبين، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضرا وشاهدا فيها، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد

ص: 7

أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات العلمية المختصة بعلوم کتاب نهج البلاغة، وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره، ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب (سلسلة الدراسات والبحوث العلمية)، التي يتم عبرها طباعة هذه الدراسات واصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه بغية إيصال هذه العلوم إلى الباحثين والدارسين واعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري، والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير على هدیه، وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة .

وما هذه الدراسة التي بين أيدينا الموسومة ب (سيكولوجية الصورة الذاتية دراسة مختصرة لمفهوم الصورة الذاتية وأثرها في السلوك الإنساني وفق رؤية إسلامية وبرواية علوية) لفضيلة الشيخ مهدي المالكي إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفق صاحبها للغوص في بحر علم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد أذن له بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزود منها بغية بيان أثر تلك المرويات العلوية، فبذل في ذلك جهده وعلى الله أجره.

والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

السید نبیل قدوری حسن الحسنی

ص: 8

تصدير

هذا الكتاب...

عزيزي القارئ الكريم ...

إن كنت من الذين يقتنون الكتب التي تتوافق وتتناغم مع الصورة التي كونوها في أذهانهم عن المجال الذي يتناوله الكتاب، حتى و إن كانت هذه الصورة ليست هي الصورة الواقعية عن هذا المجال، بل هي صورة سطحية وإطارية عنه، أكسبت من مصادر غير رصينة وغير دقيقة. كمن کوّن في ذهنه صورة عن علم التنمية البشرية، وعن وظيفته ودوره الأساسي في بناء وتطوير الشخصية الإنسانية المتوازنة، عن طريق الإعلانات التجارية المراكز التدريب وتطوير المهارات الاساسية المؤثرة في بناء الشخصية الإنسانية على المستويين الفردي والاجتماعي، أو من خلال كلمات وتجارب بعض المدربين التي قرأوها في كتيبات ومنشورات تضمّنت نصائح وتوصيات أخذها هؤلاء المدربون عن مدربيهم، وصاروا يردّدونها بصورة ببغائية وغير واعية، ومن دون معرفة مناشئ ومصادر هذه النصائح والتوصيات، أو من خلال المقتطفات التي يسمعونها ويقرأونها في مواقع الانترنيت التي

ص: 9

لاتقدم إلا (وجبات فكرية سريعة )، والتي اعتاد كثير من الناس في هذه الايام على تناولها في مطاعم (الفيسبوك) و(التويتر) وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، هذه الوجبات التي غالبا ما تتكوّن من أفكار ومسائل جزئية متفرّقة ومبعثرّة، ومن جانب وظيفي وإجرائي، دون بيان الأسس التي انطلقت منها هذه القواعد والتوصيات، وبغض النظر عن ملائمتها وموافقتها المعتقداتنا ومبادئنا وثقافتنا الخاصة، وبيئتنا الاجتماعية وثوابتنا الأساسية، وذلك لسهولة تحصيلها وعدم حاجتها إلى إعمال الذهن وشغل الفكر بالتأمل والتدقيق والملاحظة والمقارنة والتحليل والاستنتاج وغيرها من العمليات الفكرية التي تحتاج إلى وقت وجهد فكري وتفرغ ذهني ونفسي، وابتعاد عن العالم الوهمي الذي يظن الكثير - لغفلته وسطحيته - إنه العالم الحقيقي الذي يجب أن يتكيف للعيش فيه وتقبّله بكل ما فيه من صخب وضجيج وسرعة وسطحية، والا تحوّل إلى فرد شاذ و غريب عن عالمه، هذا الشعور السلبي أضعف من ثقة الإنسان المعاصر بنفسه وعقائده وقيمة الإنسانية، وجعله يعيش في حال دائم من الصراع الداخلي بين فطرته الإنسانية ودوافعه الحقيقية وضميره تقابلها دوافعه الوهمية وتسويلات نفسه الامارة بالسوء والقبح، الذي لم يجد - لانخفاض تقديره لذاته وضعف صورته الذاتية وهشاشة مرتكزاتها- مهربا منه إلا موافقة المحيط والبيئة الاجتماعية والفكرية السائدة، حتى وإن كانت فاسدة وسطحية، وإلا ما تماشى مع السائد الفكري والسلوكي والمعرفي العام. والا باستمداد قیمه وأفكاره واعتقاداته من مصادر إعداد الوجبات الفكرية السريعة، التي وإن

ص: 10

نجحت ظاهرة في سد الجوع والنهم الفكري والمعرفي ولمدة مؤقتة، إلا أن الحقيقية هو شبع کاذب وامتلاء خادع.

إذا كنت كذلك... وكان جلّ همّك زیادة قناعتك ويقينك بأنك على (صواب)، وأنك إنسان عصري ومتكيف تكيّفا ممتاز مع متطلبات عصر السرعة...

فهذا الكتاب ليس لك...

وأنصحك بعدم تضييع وقتك في قراءته...

لأن هذا الكتاب يدعوك إلى الملاحظة والتأمّل والتفكّر في ذاتك وفي ما يحيط بك...

يدعوك إلى التعرف على نفسك...

ومن ثم يحمّلك مسؤولية حياتك بالكامل...

ويقول لك: أنت الوحيد القادر على إنقاذ نفسك...

وأنت من تصنع مستقبلك...

وأنت من تحدد مصيرك في الدنيا و الآخرة...

أنت سجّان نفسك...

أنت الوحيد القادر على تحريرها من هذا السجن...

مهدي المالكي

النجف الأشرف / محرم / 1435ه

ص: 11

ص: 12

قبل البدء

لا تبع نفسك إلا لنفسك ؟

الصورة

هل سألت نفسك يوما: ما هو البيع الأكثر صعوبة والأكثر أهمية في العالم؟

قد يتبادر إلى ذهن أغلب الناس أنه بيع الدور والعقارات، أو أنه بيع السيارات الغالية الأثمان، أو بيع أسهم الشركات العملاقة، أو المصانع الفخمة المنتجة لسلع باهضة الأثمان، أو أنه بيع المصوغات الذهبية والحلي الماسية، إلى آخر ما يصل إليه الخيال البشري من أشياء مادية تعد الأغلى والأنفس والأندر في هذا العالم..

ولكن الحق إن أهم البيوع وأعظمها هو بيع الإنسان نفسه !!

فعليك قبل اتخاذ أهم قرار في حياتك، وهو قرار بيع النفس أن تفکر وتتأمّل ملياً، وأن تطرح على نفسك أسئلة كبيرة عديدة، أسئلة من العيار الثقيل، أسئلة يمكن اختزالها في سؤال واحد كبير :

ص: 13

ما هو ثمن نفسي، ومن هو المشتري الذي يستحق أن أبيعه هذه النفس؟!

والجواب: إن الثمن الذي يجب أن لا تقبل بسواه بديلا هو مرضات الله تعالى، وذلك ما يصرّح به القرآن الكريم في قوله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوفٌ بالعباده(1)

هذه الآية وإن نزلت بحق أعظم مصاديق الذين يبيعون أنفسهم للحصول على مرضات الله تعالى، وهو أميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) في الواقعة التاريخية المعروفة، التي تعد واحدة من مناقبه الكثيرة التي ملأت الخافقين وشهد له بها العدو قبل الصديق، إلا أن الذين يشرون أنفسهم ابتغاء مرضات الله موجودون في كل عصر، قبل زمان علي (عليه السلام) وبعده، ويؤكد هذا المعنى علي (عليه السلام) نفسه الذي ما انفك يوصي تابعيه بأن لايبيعوا أنفسهم بثمن بخس مهما بدا هذا الثمن كبيراً. تلك الانفس التي تفصح عن حقيقتها وقيمتها الواقعية أعمالهم وسلوكياتهم المترشحة عن منظومتهم المعرفية والقيمية الداخلية، التي تشكلها أفكارهم واعتقاداتهم وقيمهم وعاداتهم، إذ يقول (عليه السلام):

«بيعوا ما يفنی بها يبقى، وتعوضوا بنعيم الآخرة عن شقاء الدنيا»(2).

والمشتري الوحيد الذي يستحق أن تبيعه هذه النفس هو الله تعالى :

ص: 14


1- سورة البقرة: الآية 107
2- الغرر والدرر (2072)

إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة (1)

ولأن الله تعالى منزه عن الحاجة والفقر إلى الأشياء وإلى المخلوقات جميعا، وعن الفائدة التي ينشدها كل بائع أو مشتر وراء بيعه أو شرائه، فإن الفائدة والمصلحة تعود إلى العبد لا إلى الله تعالى، ولذا فإن المشتري الذي يستحق أن تبيعه نفسك هو نفسك !

فلا تبع نفسك الا لنفسك !

ولا تستخف بقدرك وقیمتك، ولا تبخس نفسك قدرها الحقيقي وقيمتها الواقعية، ولا تعارض الصوت المدوّي في أعماق ذاتك الذي يدعوك لأن تعرف قدر نفسك، أن تعرف ذاتك الحقيقية التي خلقت لأجل الوصول إليها، لتوصلك بدورها إلى الغاية العظمى من وجودك في هذا العالم، ولیکن شعارك الدائم الذي ترفعه بين المخلوقات إنك ( خليفة الله تعالى في أرضه)، خليفته الذي قِبل حمل الأمانة الكبرى بعد أن أشفقت من حملها سائر المخلوقات لعظم ثقلها، فكانت هذه الأمانة (مسؤولية الاختيار) هي المائز بين الإنسان وباقي المخلوقات، وهي العلامة الفارقة في هويته، وهي السبب في تشريفه وتكريمه وتفضيله عليها جميعا.

أما لماذا يبيع الناس أنفسهم بأبخس الأثمان؟

إنّ ذلك يعود لعدم ادراكهم لقيمتهم الحقيقية، وبأنهم خلفاء الله تعالى في الأرض، وأنّهم أكرم وأشرف المخلوقات.

ص: 15


1- سورة التوبة: الآية 111

السبب في عدم هذا الإدراك هو عدم امتلاك القدرة على اتخاذ القرار الحاسم والأهم في حياة الإنسان، وهو العزم على استكشاف قدرات النفس البشرية ومعرفة إمكاناتها الكبيرة التي أودعها الله تعالى في هذه النفس، فعدم النظر إلى الذات بقصد معرفتها معرفة تفصيلية وإدراك قواها واستعداداتها الداخلية، وعدم تجربة الغوص في أعماق النفس البشرية لاستكشاف عالمها الداخلي الكبير ( العالم الذي أبدعه الله تعالى في اجمل صورة و أكمل وجه واحسن تقویم، قبل أن يخلق ويبدع الإنسان بخلقته الطبيعية الطينية). هذا الأمر هو أهم أسباب ضعف التقدير الذاتي، إن الإنسان الذي لم يدخر جهداً ولم يترك وسيلة إلّا وتوسّل بها ولا طريقاً إلّا وسلكه لاستكشاف عالمه المادي الذاتي وعالمه الخارجي. عالمه الذاتي المتمثل بأجهزة ومكونات جسمه البشري التي حيّرت النفوس ببديع خلقتها ودقة صنعها، وأعجزت العقول البشرية عن تصور عظم قدرة وعلم وحكمة خالقها ومبدعها، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى استكشاف ما يحيط به من عوالم و مخلوقات، فغاص في أعماق البحار و وصل إلى نتائج مذهلة عن حقيقة عالم البحار، و ولج أعماق الأرض واستكشف حقائق كبيرة عن طبقاتها وتكويناتها وأسرارها، وحلّق فوق الغلاف الجوي بمئات الأميال واستكشف جانبا كبيرا ومبدعا من مجراتها وكواكبها ومنظوماتها الدقيقة الواسعة التي لم يعرف - رغم محاولاته المتكررة - حداً لها. غاص وتعمق واستكشف أغلب ما يحيط به من عوالم و مخلوقات، فعرف كثيراً من صفاتها وشؤونها وطبائعها و مكوناتها واسرارها، لكنّه لم يجهد نفسه ويجرّب مهارة الغوص إلى أعماقه واستكشاف بواطنه، ولم

ص: 16

يفكر مرة في سلوك الطريق الوحيد الذي يوصله إلى معرفة ذاته الحقيقية وهو التأمل في هذه الذات.

* فبالتأمل تنمو أعظم المعارف وتزدهر في نفوسنا وبه يمكن معرفة الذات.

* وبالتأمل تفتح أبواب عوالم جديدة لم نكن نطمع في التعرّف عليها يوماً، عوالم من الأفكار والرؤى الجديدة، تولد هذه الأفكار مشاعر وأحاسيساً جديدة لم نكن لنشعر بها لولا هذا التأمّل. مشاعر تدفعنا بقوة نحو الاتجاه وجهة جديدة. التوجّه نحو ذواتنا الحقيقية، التي يشكل الوصول إليها أعظم الإنجازات وأروع المكاسب التي يمكن أن يحصل عليها الإنسان، ليس في هذا العالم فحسب؛ بل في جميع عوالمه.

* ولولا هذا التأمل والتفكر والغوص في أعماق الذات لما تمكنا من الخروج من نطاق منطقة الراحة، أو السجن الذي بنيناه بسوء اختيارنا وسوء برمجتنا الداخلية، فأحاط ذواتنا ومنعها من الانطلاق والتحرّر والنمو. تلك المنطقة الخطرة التي يتوقف فيها وعي وإدراك ومعرفة الإنسان عن النمو والزيادة والثراء. المنطقة التي يشبهها أحد الكتاب بأنّها كالنقطة التي تشير فيها الثرموستات إلى عدم الحرارة وعدم البرودة أي ( نقطة العدم).

ولولا هذا التأمّل والتعمّق في الذات لما أمكن مواجهة التحديات التي تحيط بالإنسان من كل جانب.

ص: 17

* ولولا هذا التأمّل لما تمكن أحد من توسيع نطاق وعيه الداخلي، ولما أمكنه استثمار طاقاته وقدراته وإمكاناته الداخلية بما ينعكس على تحسين وضعه في الحياة الدنيا قبل الحياة الآخرة، يقول الدكتور (والتر ستابلس):

عندما تنمو في الوعي، وتبدأ في رؤية العالم المثير المحيط بك بطرق مختلفة وجديدة، تشرع في الحصول على رؤية أوسع لنفسك ولما تعتقد أنّ بوسعك انجازه في حياتك ).

لولا التأمّل والتعمّق والغوص في اعماق الذات لما كان لنا أن طمح في استكشاف أي حقيقة من حقائق هذا الكون، يقول (يو أس أندرسون) مؤلف کتاب (three magic words ):

( إن الحقيقة، كل الحقيقة، تكمن داخل الإنسان وليس في العالم المحيط به ابداً، إنّ الذي يدرس العالم الخارجي للإنسان يدرس الأثر، أما الذي يدرس عالمه الداخلي فإنّه يدرس السبب والمصدر لتحقيق الأشياء کما هي في الواقع).

وبالتأمّل والتعمّق والنظر الدقيق والمركّز في أعماق أنفسنا تفتح أمامنا أبوابة واسعة من النعم الإلهية والمواهب الربانية. تلك النعم والمواهب ما كانت لوهب لنا لولا اجتهادنا في شكر الله تعالى شكراً عملياً وقولياً لا ينقطع ولا يهدأ ولا تخمد وقدته في نفوسنا وألسنتنا وجوارحنا على ما أصابنا من نعم كبرى ومواهب عظمی تعجز العقول والنفوس عن أداء شكرها، ذلك الشكر الذي ستدام

ص: 18

وستنزل به النعم والهبات الإلهية شكر يتجدد کلا اكتشفنا وتعرفنا على هبة ونعمة لم نكن قد تعرفنا إليها من قبل، وبما أنّ نعم الله تعالى وهباته وعطاياه لا تنفد ولا تحصى ولا ينتهي تواردها، كذلك يجب أن يكون شكرنا لهذه النعم والمواهب والعطايا التي لا نجد في كثير من الأحيان - بل أغلبها- مانعبر به عن عظمتها وعن مدى شكرنا وامتناننا للمنعم تعالى، فهل تجد ما يمكن أن تعبر به عن شكرك لربك خالقك عن نعمة البصر أو السمع أو غيرها من النعم التي آلتها الجسمية العين أو الأذن أو الأنف أو الفم أو الكبد أو المعدة أو القلب...، أو غيرها من الأجهزة التي يشكّل كل منها معجزة متقنة محكمة دقيقة الصنع، تشهد على عظمة وقدرة مبدعها وخالقها وسعة علمه وحكمته. وتشكّل بمجموعها معجزة أعظم فهي تعمل كفريق متّحد وبدقة وتناسق عجیب، ونظام ليس هناك أعظم ولا أروع وأكثر إبداعا منه ومن خالقه ومبدعه.

وأعظم هذه النعم الإلهية وأكثرها روعة وأجلبها لمشاعر الاندهاش والانبهار بعظمة الخالق تعالى هو (العقل البشري بقسميه: الواعي واللاواعي؛ فالعقل البشري کما يقدّر العلماء يحتوي على أكثر من (150) مليار خلية عقلية، يذكر الدكتور ( هربرت سبنسر ) من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الامريكية في بحثه عن العقل البشري: إنا لو بدأنا العد من الرقم (1) إلى (150) ملیار فسوف نحتاج إلى (5000) سنة !!، العقل الذي حققت به البشرية أعظم الإنجازات

ص: 19

في مجالات الصناعة والطب والتكنلوجيا الحديثة و الاستكشافات المختلفة التي تزداد وتتعاظم كلما تقدم الزمن. هذا العقل ذو قدرات و امکانات غير محدودة. وقد ذكر العلماء في الخمسينيات من القرن الماضي أن البشر يستعملون حوالي ( 50٪) من قدراتهم، ثم قالوا في الستينات إنهم يستعملون فقط (20٪) منها، ثم قالوا في السبعينات إنهم يستعملون فقط (10٪)، ثم قالوا في الثمانينات إنّها ( 5% )، وانخفضت في التسعينات إلى (1٪)، ثم الآن ذكروا إنّها (0٫1 ٪) فقط من قدرات العقل البشري.

ولك أن تتخيل عظمة ما يمكن اكتشافه، وكيف ستكون طبيعة الحياة على سطح الأرض فيما لو اهتدى الإنسان إلى الطرق والأسرار الكفيلة بتنمية قدرات هذا العقل وتفعيلها لتصل درجة استعمالنا لقدرات هذا العقل وإمكاناته إلى (100٪) !!

هذا في حالة الوعي والشعور...

وأمّا في حال اللاوعي واللاشعور، فأن العقل اللاواعي يقوم بمهام معجزة. إذ له القدرة على استقبال أكثر من مليوني معلومة في الثانية الواحدة، وأنّ سرعة تفكير الإنسان تزيد على سرعة الضوء ( 300000كم/ثا). وللعقل اللاواعي مهام غير معقولة مستمرة طيلة عمر الإنسان، وبدون أي جهد من جانب هذا الإنسان، فهو مثلاً:

• یجعلنا نتنفس (23) ألف مرة، نستهلك فيها( 438) قدم مكعبة من الهواء شهيقاً و زفيراً.

ص: 20

• يجعل قلبنا يدق (100) ألف مرة، أو حوالي مليارين ونصف مرة خلال (70) عاماً.

• يجعل قلبنا يضخ (4300) جالون من الدم، بما يكفي لملئ (13) مليون برميل خلال العمر.

• يجعل دمنا يدور (1450 ) دورة كاملة خلال (600) ألف ميل من الشعيرات الدموية.

إن العقل اللاوعي مصمم بدقة متناهية، ومسخّر تسخيراً إلهياً لخدمة العقل الواعي. والعقل الواعي هو ما يحكم العقل اللاواعي أو العقل الباطن، فالعقل الواعي هو السيد المطاع والعقل اللاواعي هو الخادم المطيع، والعقل الواعي يملك من القدرات والإمكانات الهائلة ما يؤهله لاكتساب العلوم والمعارف والقيم والعادات التي تخزن في مخازن العقل اللاواعي. إذن برمجة النفس البشرية الداخلية تكون من خلال العقل الواعي، فالعقل الواعي يبرمج العقل اللاواعي المسؤول عن تحويل ما يختزن في مخازن ذاكرته من أفكار وقيم واعتقادات وعادات إلى مشاعر وأحاسيس تدفع نحو سلوكيات خارجية معينة تتناغم مع هذه الأفكار والقيم والاعتقادات والعادات. فإذا كانت برمجتنا الداخلية إيجابية أنتجت مشاعراً وأحاسيساً إيجابية، وقادت إلى مصير إيجابي في الدنيا والآخرة. وإذا كانت هذه البرمجة سلبية أنتجت مشاعراًوأحاسيس سلبية يرشح عنها سلوكيات سلبية وتنتهي بمصير سلبي.

فعلينا ولكي نستغل ونستثمر هذا النظام الداخلي المعجز في داخلنا، أن نجتهد في برمجة انفسنا برمجة إيجابية، وهذا لا يتم إلّا بمعرفة كيفية تنمية قدرات وقوى هذه النفس واستعداداتها ودوافعها تنمية إيجابية.

ص: 21

الخطوة الأولى نحو بناء شخصية انسانية ايجابية هي تحديد الأفكار و الاعتقادات والقيم والعادات التي تحكم وتأطّر الاهداف التي يجب تحقيقها، تمهيداً لإيصالنا إلى الغاية الكبرى من وجودنا في هذا العالم.

والخطوة الثانية هي تسخير كل إمكاناتنا وطاقاتنا وقدراتنا لتحويل هذه الأفكار و الاعتقادات والقيم والعادات إلى سلوكيات إيجابية متّسقة ومتواءمة معها.

والخطوة الثالثة هي التنبه والالتفات إلى حقيقة هامّة، هي: ليس المهم هو تكوين منظومة داخلية إيجابية عناصرها الأفكار والاعتقادات والقيم والعادات، بل المهم هو تحويل عناصر هذه المنظومة إلى واقع خارجي حيّ، وتفعيلها في سلوكياتنا الخارجية، فالجهل كل الجهل يكمن في الفصل بين المنظومة المعرفية والقيمية الداخلية والسلوكيات الخارجية.

فاحذر كل الحذر أن تكون من الجاهلين...

وأخيرا... بالتأمل والنظر في أعماق ذواتنا نستطيع إزالة الركام الكثيف الذي دفنت تحته قدراتنا وإمكاناتنا واستعداداتنا الداخلية الكبيرة؛ يقول (ویلیم رالف انج) الكاتب ورجل الدين الانكليزي:

( إن إمكانياتنا لاحدود لها، وتتحدّد شخصيتنا بقدر ما نكون قادرين على إدراك الثروة اللانهائية الدفينة في أعماق طبيعتنا الإنسانية السامية)،

هذا الركام الذي وجد نتيجة البرمجة السلبية لأنقسنا، تلك البرمجة التي ابتدأت بالتربية الفاسدة من الوالدين والمحيط الأسري وإن كانت في أغلب الأحوال من دون قصد بل بسبب الجهل بالأساليب والطرق والآليات

ص: 22

التربوية الصحيحة، (نتيجة بساطة الخلفية الثقافية والعلمية والمعرفية والدينية المعظم الآباء والأمهات، وخصوصاً في المجالات التربوية ). ثم البرمجة السيئة للمحيط الاجتماعي والمدرسة والأصدقاء، وفي ظل جو اجتماعي مشحون بالأعراف والتقاليد والقيم الاجتماعية والعشائرية السلبية. ثم يأتي دور برمجة وسائل الإعلام المختلفة بسلبياتها الكثيرة المتكررة يوماً بعد يوم مقارنة بإيجابياتها التي لا تكاد ثرى إلّا تحت مجهر دقیق ذو عدسات مکبرة فائقة لا يملكها أغلب الناس. هذه البرمجة السلبية المستقرة في مخازن لا وعينا ولا شعورنا جعلتنا لانرى الكنوز العظيمة المختبأة خلف حُجب طينية كثيفة هي مادة خلقنا الطبيعية. تلك الكنوز تتمثل في القدرات والإمكانات والاستعدادات الداخلية العظيمة التي ميّزنا الله تعالى بها على سائر مخلوقاته . التي باکتشافها والوقوف على صفاتها وآثارها والطرق الصحيحة والآليات الكفيلة لتنميتها وتطويرها نستطيع تغيير نوعية حياتنا ودرجة جودتها، وبالتالي تغيير مصيرنا في الدنيا والآخرة، يقول (أوريزون سویت ماردن ) مولف کتاب ( he can who thinks he can):

( في داخل أعماق الإنسان، تسكن تلك القوة الهاجعة، القوة التي يمكنها أن تدهشة، والتي لم يحلم قط بامتلاكها، القوة التي ستبدّل حياته تماماً إذا ما هي بزغت، ووضعت موضع التنفيذ).

وأمّا بجهلنا بها فلا يمكن لنا سوى أن نكون مخلوقات ترابية فاقدة للحياة الحقيقية، مخلوقات ليست أكثر من كتل طينية تمشي على طين ليس لها من القيمة أكثر مما يملكه هذا الطين. ذوات بشرية رخيصة الثمن يمكن

ص: 23

بيعها بأبخس وأحط الإثنان، وهذه الحقيقة تذكرني بقصة حدثت منذ أكثر من ألفي عام في بلاد الصين، التي قرّر أهلها نحت تمثال من الذهب یزید وزنه عن خمسة اطنان، ليخلّد عظمة حضارتهم، وليبقَ معلماً ماثلاً وشاهداً امام العالم على عظمة هذه الحضارة في تلك الحقبة الزمنية. وبعد الانتهاء من بناء هذا التمثال تعرضوا لغزو جيش ( البرمود) المعروف بشر استه ووحشيته، وخوف الكهنة على هذا التمثال قرروا تغطيته بطبقة كثيفة من الطين حتى لا يكون عرضة للنهب والسرقة ولا يطمع فيه طامع لرخص قيمته، وبالفعل فقد تركه جيش (البرمود) کما توقع الكهنة ولنفس السبب، فبقي التمثال شاخصاً ولم يتزحزح عن مكانه، ومنذ ما يقرب من مائتي عام قررت السلطات الصينية نقله من مكانه و وضعه في بكين عاصمة الصين باعتباره من الآثار المهمة دون أن يعلموا ما بداخله، فجهزوا المعدات الضخمة لنقله، وفي ظروف جوية صعبة حدث شرخ في هذا التمثال لم يجذب انتباه أحد غير کاهن عجوز له فطنة ودرجة عالية من حب الاستطلاع والفضول، دفعه إلى تركيز الضوء على مكان الشرخ فلاحظ انعكاساً ضوئياً لا يمكن أن يصدر عن الطين، فاحضر أدواته و وسع الشرخ فازداد الانعکاس مما زاد في فضوله ودفعه إلى طلب المساعدة من باقي الكهنة، فاستطاعوا بعد عشر ساعات من العمل المتواصل العثور على تمثالٍ من الذهب الخالص لا يُقدّر بثمن، أصابتهم رؤيته بالذهول والسعادة. ونقل التمثال بحرص شديد ورغبة أكبر إلى بكين، وهو موجود إلى الآن في الصين وبجنبه تسكن قصته، وقد كتب تحته حكمة صينية:

(بداخل الطين كنز)

ص: 24

وفي الختام أدعوكم - أحبتي - لسماع هذه الشقشقة من نفس متأملة متألمة:

أبت أغلب الذوات البشرية إلا أن تخلد إلى الأرض...

أبت إلا أن تعانق – وبشغف - هذا الطين...

أبت أن ترتفع عن مادة خلقتها الطينية ...

أبت أن تتحرّر من سجون جهلها وغفلتها عن ذاتها، لتنطلق محلّقة في سماء عزها وشرفها وكرامتها...

أبت تلك الذوات الغافلة إلّا أن تصم سمعها عن دعوات السماء وصرخات الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)...

أبت تلك الذوات الجاهلة بحقيقتها وقيمتها الواقعية إلّا أن ترفض كل محاولات المصلحين العظام للارتقاء بهم إلى ذواتهم الحقيقية...

وحاولت بكل جهلها وغفلتها تكسير تلك الأنامل المصلحة التي تمثلت بتعاليم و وصایا ورسالات السماء...

تلك الأنامل المبدعة التي أرادت إعادة تشكيل الذوات البشرية تشكيلاً إلهياً يتناسب مع شرف وفضل وعزة وكرامة ( خليفة الله )...

وبقيت تلك الذوات البشرية الطينية على طينيتها ...

بقيت رغم تلك الأنامل المخلصة:

(طينا تراكم فوق طين)

ص: 25

نقطة الإنطلاق

مفاتيح الجنان

الصورة

((أهم مفاتيح الحياة الإنسانية الطيبة))

ص: 26

((معرفة النفس، معرفة الله، العلم، علو الهمة)):

يحدّدها علي (عليه السلام) كأهم مفاتیح الحياة الإنسانية الطيبة، التي يجب على الإنسان الساعي لأن يحيا حياة إنسانية حقيقية طيبة بذل كامل وجوده لامتلاك هذه المفاتيح، التي هي عبارة أخرى عن النفس البشرية العارفة بنفسها، وربّها، العالمة، العالية الهمّة، ومن ثم فتح أبواب الجنان الدنيوية والأخروية، والولوج إلى عوالم النقاء والطهر والقداسة والنور، تلك العوالم المفعمة بالأمن والأمان والطمأنينة والسلام، عوالم الرضا والرضوان والقرب من ربّ الأرباب، ومرافقة كل من نجح في الوصول إلى کال إنسانيته من الأنبياء والمرسلين والائمة المعصومين (عليه السلام) والشهداء والصالحين ...

وحسُن أولئك رفيقاً....

ص: 27

تمهید

من أين نبدأ؟!

الصورة

قد يبدو لأول وهلة أن من الصعوبة بمكان تحديد نقطة البدء والانطلاق لدرب رحلتنا الطويل والشاق لبناء ذواتنا بناءً إيجابياً ، خصوصاً في مثل هذا الموضوع الشائك المتعدد الأبعاد الكثير التفاصيل، فضلاً عن حساسیته ودقته. ولكن هذه الصعوبة تتبدّد حال الالتفات إلى قانون العلة والمعلول (قانون العليّة) أو السبب والمسبّب، (السبب والنتيجة)، ما شئت فعبّر، يحكم كل ما في هذا الكون الواسع الفسيح؛ يقول الفيلسوف والكاتب الأمريكي (رالف والدو ایمرسون):

( كل عمل يكمن فيه جزاؤُه، من المستحيل فصل السبب عن النتيجة، أو الوسائل عن الغايات أو البذور عن النار، ذلك لأن النتيجة كامنة فعلياً في السبب، والغاية موجودة سلفاً في الوسيلة، والثمرة في قلب البذرة تنام).

وبما إنّ الإنسان هو العنصر المحوري الأهم في هذا الكون، كان مشمولاً

ص: 28

بالحركات الكونية الواسعة بنظامها المحكم الدقيق، وكانت كل سلوكياته وأفعاله وأفكاره ومعتقداته وكل ما يجول في عالمه الداخلي وما ينعكس عنه في عالمه الخارجي جزءاً من هذا النظام. ولهذا فإن ابتدأنا من البداية أو من النهاية فإنه يمكننا ترتيب أفكارنا ومعرفة موضع البداية عن موضع النهاية، إذ يمكن أن نبدأ من النهاية لنبلغ البداية، وكما يلي:

1. نتائج أعمالنا ومصيرنا في الدنيا والآخرة، تنبع من..

2. السلوكيات الإيجابية، والجهود المكثفة، والمبادرة إلى فعل الخيرات، والمثابرة والهمّة العالية، وكلها تنبع من...

3. الغاية السامية والقصوى لوجود الإنسان في هذا العالم، والأهداف الاستراتيجية الكبرى والأهداف التكتيكية التي توصل إلى هذه الغاية، وهي تنبع من...

4. المشاعر والأحاسيس الإيجابية تجاه الذات ( المتمثّلة في التقدير العالي اللذات ). وتنبع من.. .

5. الصورة الذاتية الإيجابية، التي تنبع من..

6. منظومة قيمية معرفية داخلية قوية، تنبع من...

7. أفكار ومعتقدات وقيم وعادات إيجابية ..

ص: 29

** ويمكن أن يكون ترتيب أفكارنا على عكس الترتيب السابق، أي من البداية حتى نبلغ النهاية، في سلسلة من المبادئ التي يترتب اللاحق منها على سابقه، في دورة تمثل دورة الحياة الإنسانية الطيبة، التي أحب أن أسميها:

((دورة النجاح والفلاح))

وهي تكون كالتالي : كل شيء يبدأ ب...

1. أفكارنا واعتقاداتنا وقيمنا وعاداتنا ( التي نكتسبها عن طريق استعداداتنا وقوانا وقدراتنا الداخلية، والتي كلما كانت درجة نموها أعلى انعكست على نوعية الأفكار والاعتقادات والقيم والعادات )، التي تؤدي إلى...

2. إحساسنا بذواتنا ومعرفتنا لأنفسنا ( من أنا؟)، والذي يؤدي إلى...

3. إحساسنا بقيمتنا الذاتية ( إلى أي مدى أحب ذاتي، وأقدرها وأقيمها؟)، الذي يؤدي إلى...

4. الرغبة المشتعلة، والحراسة الكبيرة، والهمّة العالية، والطاقة الداخلية المرتفعة، التي تؤدي إلى ...

5. إبراز أفكارنا واعتقاداتنا وقيمنا وعاداتنا في عالم الخارج بشكل سلوكيات إيجابية متناغمة ومتوافقة معها.

بتكرار هذه العملية ( مرة بعد أخرى وحتى نهاية حياتنا ) والعودة إلى النقطة (1) نكتسب المزيد من الأفكار والاعتقادات والقيم والعادات

ص: 30

الإيجابية، التي تقود إلى احساس أعظم بشأن انفسنا، وتقدير أعلى الذواتنا، وإلى المزيد من الحراسة الداخلية والرغبة المشتعلة، وهذا يؤدي إلى...

6. نتائج إيجابية، تقود إلى...

7. مصير إيجابي، وحياة طيبة في عالم الدنيا وما بعدها من عوالم مستقبلية .

ص: 31

سيكولوجية الصورة الذاتية

الصورة

يعد كثير من العلماء أنّ الكشف الأبرز للقرن العشرين هو اكتشاف:

المفهوم الذاتي) و (الصورة الذاتية)، ولذا كان من الضروري معرفة المزيد عن مفهوم صورة الذات، وكيف تؤثر هذه المعرفة على الطريقة التي تتشكّل بها ذواتنا، فالإنسان يقع دائماً وفي كل سلوكياته وأفعاله وأقواله تحت تأثير هذه الصورة، وما هذه الصورة إلّا انعكاس لمكونات الإنسان الداخلي ومنظومته المعرفية والقيمية التي كوّنها في مختلف الاتجاهات والأصعدة (الأفكار، الاعتقادات، القيم، العادات)، وبمقدار درجة حسن وکمال وحقانية هذه المكونات تكون درجة حسن و کمال وايجابية هذه الصورة، وتكمن أهمية الصورة التي يرسمها الإنسان بنفسه ويشكّلها بفكره وما اکتسبه من علوم ومعارف وقيم وعادات في أنّ مصير الإنسان وشكل حياته ونوعيتها في الدنيا والآخرة يعتمد على طبيعة هذه الصورة، ولذا كان الإنسان

ص: 32

مخلوقاً متميزاً ومتفرداً على باقي المخلوقات؛ يقول العالم البريطاني (جاکوب برونوسكي):

(الإنسان مخلوق متفرد، إنّ لديه مجموعة من المواهب التي تجعله فريداً بين المخلوقات الأخرى، لهذا فهو على عكسها ليس مجرد صورة في منظر طبيعي؛ بل هو مشکّل هذا المنظر)

هذه الصورة لا تنفك عن الإنسان، وتعدّ بمثابة السقف الذي فرضه الإنسان على الفعاليات والسلوكيات التي تظهر وتكشف عن درجة نمو قوى نفسه واستعداداته ودرجة إفادته من هذه القوى والاستعدادات، التي يرشح عنها سلوكيات خارجية تتحدّد بموجبها درجة إنسانيته وقيمته وقدره الواقعي، والتي تحدد بدورها طبيعة ونوعية وشكل حياة هذا الإنسان ومصيره في الدنيا والآخرة.

والمفهوم الذاتي استبطن بداخله الإدراك، وهذا الإدراك يعطي معنی فالمفهوم الذاتي إدراك المعنى الأشياء، والمعنى يكون لغة داخلية، هذه اللغة مصدرها أفكارك ومعتقداتك وقیمك وعاداتك التي تقوم ببرمجة عالمك الداخلي بحسابها . وهذا العالم يفرز السلوكيات الخارجية المتناسبة مع هذه البرمجة، وبهذه اللغة الداخلية نتصل مع أنفسنا ومع الآخرين. هذه اللغة تمثّل آراءنا و وجهات نظرنا تجاه الأشياء وبها نستكشف عالمنا الداخلي وعالمنا الخارجي.

إنّ المفهوم الذاتي يجيب عن سؤال مهم وكبير وهو: (من أنا فيها أعتقد؟)، فالمفهوم الذاتي يمثّل نظام الاعتقاد الشخصي لكل إنسان، الذي

ص: 33

يشير إلى طبيعة العالم الداخلي له، ويلقي الضوء على حزمة المكونات الداخلية لهذا العالم ( الأفكار، القيم، العادات )، فصورة الإنسان عن نفسه هي نظام الاعتقاد الذي يتبناه، والذي يجيب عن سؤال:

كيف يرى الإنسان نفسه على مستوى الجوانب العديدة للحياة؟

من أنا؟

الصورة

ما درجة نمو استعدادات نفسي و قواها الداخلية؟

هل نجحت في الوصول إلى أفضل الطرق والآليات التنمية هذه القوى والاستعدادات؟

هل خطوت خطوات جادة وحقيقية في بناء وتطوير ذاتي ؟

هل اهتديت إلى أفضل معلّم و مرشد ومنمّي لقواي واستعداداتي؟

ما المفهوم الذي كونته عن الحياة والكون؟

ما هو موقعي في نظام هذا الكون الواسع الكبير؟

ما مفهومي عن الحياة الإنسانية الحقيقية؟

ص: 34

هل أحيا حياة طيبة ؟

هل أمتلك رؤية واضحة وشاملة للحياة؟

هل أمتلك رؤية واضحة عن الدين والاعتقادات الدينية التي أدين بها؟

هل اخترت هذه الاعتقادات عن وعي وإدراك؟

هل نجحت في الخطو خطوات عملية نحو الوصول إلى الغاية من خلقي و وجودي في هذه الحياة؟

هل أنا مؤهل لخلافة الله تعالى في الأرض كما أرادها الله تعالى لي ؟

هل أنا واع ومدرك لقيمتي الحقيقية وشرفي و تميزي على باقي المخلوقات؟

وهل أنا مدرك للمسؤوليات الجسيمة التي أملتها على هذه الشرفية وهذا التكريم والتميز؟

هل أنا على قدر مسؤوليات إعمار الأرض التي أوكلها الله تعالى للإنسان؟

هل أنا موظف ناجح في المشروع الإلهي الكبير والمقدس والشامل؟

هل نجحت في حمل الأمانة الكبرى التي أبت سائر مخلوقات الله تعالی حملها وأشفقن منها، أم أنا خائن لهذه الأمانة؟

هل أنا لائق ومؤهل لتحقيق حلم الأنبياء (عليهم السلام) والكون كعنصر فاعل ومؤثر في إقامة دولة العدل الإلهي، وإشاعة وتعميم مظاهر السلام والأمان، واجتثاث جذور الظلم والفساد والانحراف؟

هل أنا أب بار بأولادي، أمتلك منهج تربوية صحيحة لتربيتهم

ص: 35

و تعليمهم؟

هل أنا أم ناجحة قادرة على القيام بواجباتي بشكل ينعكس على طبيعة وشكل الحياة الأسرية للأسرة التي أنتمي اليها؟

هل أنا ابن باز بوالدي؟

هل أنا محب ومتقبّلٌ لنفسي على ما هي عليه الآن؟

هل يمكنني الاعتماد على ذاتي وما يختزن فيها من منظومة فكرية وقيمية وعقدية في إرشادي وتوجيهي وجهة ايجابية ترضي ربّي ؟

هل أنا ناجح في عملي، وقادر على أداء وظائفي المهنية بمهارة وفعالية؟

هل علاقتي بغيري من أبناء جنسي علاقة جيدة، ومبنية على الاحترام والودّ والمحبة في الله؟ أم أنها علاقة قائمة على أسس نفعية ومصلحية ضيقة؟

هل أنا ناجح في إدارة وقتي؟

هل أنا أهل لأن يثق بي غيري؟

هل إدارتي لملفي الصحي إدارة صحيحة؟

هل أنا قادر على كسب عيشي بطريقة كريمة؟ وهل خطواتي المهنية لتحسين وضعي المادي با ينعكس على التوسعة على من أعيلهم وأتولى الإنفاق عليهم خطوات جادة ومدروسة؟

هل لدي الشجاعة الكافية للتخلص من العادات السيئة وإبدالها بأخرى حسنة ؟

ص: 36

هل أنا دائم الرقابة لذاتي، ودائم الانشغال والتوسل بالوسائل التي تعیني على تنمية قدراتي واستعداداتي تنمية إيجابية تظهر آثارها على علاقتي بربي وبنفسي وبغيري من أبناء جنسي؟

إلى آخر هذه الاسئلة ونظائرها مما يتعلق بالأركان الأساسية للحياة الإنسانية الطيبة، التي تشكّل طبيعة الإجابة عنها قيمة وقدر الإنسان، ومدى نجاحه وفلاحه في استثمار طاقاته وقدراته وقواه واستعداداته الداخلية. ودرجة نجاحه في تنميتها وتطويرها وتحفيزها إيجاباً لتنتج نتائجاً إيجابية، وبالتالي تعود وتقيم درجة إنسانية هذا الإنسان ومصيره ومآله تبعاً لهذه الدرجة.

تنبيه

أرجو أن لا يصيبكم - أحبتي - الملل والسأم لكثرة ما ذكرته من أسئلة واستفهامات، وهي تقنية تعلّمتها من القرآن الكريم، وأتّبعها في كتاباتي كلّها أقتضى المقام ذلك، والسبب وراء أتباعي لهذه التقنية أنّ هذه السلسلة من الاسئلة والاستفهامات ليست مجرد طريقة لتحرير المشكلة وتحليل أجزائها، وإنّما الهدف منها التمهيد لإيجاد الحل لهذه المشكلة، فهذه التقنية تعد نوعاً من أنواع الحلول للمشاكل تسمى ب ( الحلول الإطارية )، والحل الإطاري هو ليس الحل النهائي للمشكلة، إلّا أنّه نوع من أنواع الحصر والتأطير لها بإطار معين ليسهل فهمها واستيعاب أبعادها وجوانبها المختلفة، وبالتالي توجيه الفكر وتركيز الذهن نحو ايجاد الحلول المناسبة لها، فالحل الإطاري يحفز

ص: 37

الطاقات والقوى الداخلية، ويجعل الإنسان أكثر قدرة على التحكم بمشاعره وانفعالاته وأفكاره، وبالتالي أقرب للوصول إلى الحلول المناسبة للمشكلة.

** فإذا كان الجواب عن هذا السؤال الكبير العميق (من أنا؟ ) جواباً واضحاً وصريحاً وقوياً وإيجابياً ودون أدنی تردد ويحكي بشفافية عما تستبطن (أنا) من أفكار واعتقادات، فذلك يشير إلى عملية تنمية ذاتية إيجابية وناجحة واعلم أنك تسير في الاتجاه الصحيح، ولكنّها ليست النهاية. فعملية التنمية عملية مستمرة، ومهما بلغ الإنسان من الدرجات التكاملية العالية نتيجة التنمية الإيجابية لقواه واستعداداته الداخلية، فإنّ فوق هذه الدرجات درجات ودرجات. ولذا عليك أن لا تتوقف عن البحث عن أساليب وآليات وطرق أخرى لإتمام مسيرتك التنموية بنجاح وفلاح، واكتساب المزيد من الأفكار والاعتقادات والقيم والعادات الإيجابية، وإثراء المنظومة القيمية والمعرفية الداخلية لإنتاج سلوكيات خارجية ذات جودة ونوعية أعلى وأكثر قيمة وأبلغ في الإيصال إلى الغاية الكبرى من وجود الإنسان في هذا العالم.

وأما التوقف وعدم الحراك فليس وراؤه إلّا العودة إلى الخلف، لأنّ كل ما حولنا يتحرّك ويتقدّم إلى أمام .

أما إذا لم يكن لديك جواب، أو أصابتك الحيرة وتلعثم لسانك، أو كان جوابك عن هذا (من أنا؟ ) جواباً سلبياً، فاعلم أنّك لا تستحق هذا التشريف والتكريم والإعزاز الإلهي، بأن ميزّك وفضّلك وشرّفك على باقي خلقه بالعقل وقوة الوعي الانتقائي والاختيار وغيرها من القوى والاستعدادات

ص: 38

والمواهب العظيمة، التي لم تحسن تنميتها، ولم تؤدّ حق شکرها بما يتلائم وعظمتها. فكنت عبداً كافراً بأنعم ربّه، ومنطبقاً لمصداق قوله تعالى :

و أوليك كالأنعام بل هم أضل (1).

ولكن هذا لا يعني فوات الفرصة لإصلاح ما فات وتعويضه، فما دام في الإنسان رمق من الحياة - وهذا من مظاهر سعة رحمته تعالى ورأفته ولطفه وحبّه لعباده - لا تزال هناك فرصة سانحة لينقذ الإنسان نفسه من المصير السيء الذي ينتظره بسبب سوء اختياراته وسوء تنميته لقدراته و استعداداته وقواه الداخلية. ولكن هذا الأمر يحتاج إلى قرارٍ قاطعٍ وحازمٍ و شجاع، ويحتاج إلى إرادة قوية وهمّة وحماسة عالية، لإدراك مافات ووضع القدمين على أول الطريق الصحيح للالتحاق بركب الإنسانية، والابتعاد عن عالم البهائم والحيوان والاقتراب من عالم الإنسان. كل ذلك مشفوعاً بالتوكل على الله تعالى، والتضرّع الدائم، والدعاء الذي لا ينقطع لهدايته سبل السلام و الاطمئنان والسعادة الحقيقية.

ما دمت اعتقدت إن خير سبيل لتحديد شخصية المرء منا هو اكتشاف التوجّه العقلي والأخلاقي الذي يحس بنفسه، وفي خضمّه، إنه نشطٌ وحيٌ إلى أقصى الحدود واشدها، فإنهّ في مثل تلك اللحظات يتحدث من داخله صوت جهوري قائلاً :

(ها أنا ذا على حقيقتي !).

(ویلیام جیمس) فیلسوف وعالم نفس امريكي

ص: 39


1- سورة الأعراف: الآية 179

التقدير الذاتي

أهم نظريات علماء النفس عن تقدير الذات

الصورة

ذکر ( إدوین فریدریك) أهم نظريات علماء النفس في معنى (تقدير الذات )(1)، وهي:

* نظرية (كوبر سميث) (1997): إن تقدير الذات أمر يصعب شرحه ؛ لأنه يتضمن دلالات نفسية داخلية في نظرة الإنسان لنفسه، وأخرى خارجية في تحليل الشخص لتأثيره على الآخرين ومدی تقبّلهم له. وهذه نظرة يشوبها كثير من العاطفة؛ لذلك فهي تتموّج بين الرفض والاستحسان.

* نظرية (هامشك) (1978): الذي يعتقد أنّ الأشخاص الذين يقدّرون

ص: 40


1- مفتاح السر (97،98)

أنفسهم هم الذين يرونها فاعلة ومهمة وذات تأثير واضح على الآخرين، وكذلك هم يثقون بصحة أفكارهم ولديهم شخصيات قيادية قوية ومثيرة للإنتباه، بينما يعتقد من لا يقدّر نفسه أنّه إنسان

غير مقبول وبالتالي يشعر بالعجز.

* نظرية (روزنبرغ) (1979): إنّ تقدير الذات هو مفهوم يعكس اتجاه الفرد نحو نفسه، وأنّ احترامه لذاته هو نتيجة اقتناعه بأهميتها و رفعتها المعنوية؛ فيعامل نفسه بمستوى عالٍ من التقدير والكرامة.

* نظرية (دیمو) (1980): إنّ تقدير الذات يدل على مشاعر إيجابية تجاه النفس، تقود الإنسان نحو النجاح، الذي بدوره يعزّز تقدير ذاته أكثر، مما ينعكس على الآخرين الذين يرحبون به أكثر من غيره، لذا فإنّ نجاح الشخص يبدأ من نظرته الخاصة لنفسه.

* نظرية (جاراد) (1980): إنّ الإنسان الذي يثق بنفسه ويقدّرها هو الأكثر فاعلية في المجتمع والأكثر نجاحا في نقل خبرات جديدة للآخرين، وهذا ينم عن نضج نفسي وعقلي عالي المستوى.

ليس بوسعك أن تدنو من بلوغ ثقتك التامة بنفسك ما لم تدرك قيمتك الحقّة كإنسان، ولن تكون قادرة على تحرير نفسك من القيود التي تفرضها على نفسك إلا بالدرجة التي تتعترّف بها على اهميتك الفريدة .

د. روبرت انتوني

ص: 41

معنى تقدير الذات

الصورة

تقدير الذات: هو مقدار ما يحمله الإنسان من تقييمات عن نفسه ونظرته لها، وكيف يرى سلبياتها وعيوبها، وكيف يرى إيجابياتها ومزاياها.

ولا يمكن أن يكون هذا التقدير تقديراً واقعياً صحيحاً ومنتجاً للآثار الكبيرة لتقدير الذات إن لم يكن المعيار والمقياس لهذا التقدير معیاراً إلهياً وليس معياراً أرضياً. فكثير من الذين سقطوا في فخاخ الأمراض النفسية الخطرة المدمّرة للنفس البشرية كالعُجب والغرور والتكبر والطغيان والتعالي كذلك الضعة والمهانة واحتقار الذات، كان السبب الأول في هذا السقوط هو غياب المعيار الصحيح لتقدير الذات عن ساحة أنفسهم، مما أنتج تصورات خاطئة عن تقديرهم لذواتهم، فاضطربت عندهم الأمور؛ فهم إما لم يروا إلّا مزاياهم وإيجابياتهم، أو إنهم لم يروا إلّا عيوبهم وسلبياتهم، بينما الصحيح أن يروا مزاياهم وإيجابياتهم بنفس الدرجة التي يرون فيها عيوبهم وسلبياتهم .

ص: 42

فتقدير الإنسان لذاته تقديراً خاطئاً يجعله أمام أحد أمرين:

الأول: ازدراء الذات والتقليل من قيمتها، فتسقط نفسه من عين نفسه، ويشعر شعورة سلبية تجاه هذه النفس، مما يكون له بالغ الأثر في تدمير ما تملكه من إيجابيات. وتضعف شخصيته وتغدو سلبية وخاملة لا عطاء لها و الانتاج، وتقل ثقته بنفسه فيصبح إنساناً وضيعاً جباناً ضعيف الهمة و فاقداً للحراسة.

الثاني: إعطاء النفس أكثر مما تستحقه، وهذا يؤدي إلى تورّم الذات وانتفاخها، وكل ما ازداد هذا التقدير الخاطئ أصبحت أكثر انتفاخاً، حتی تصل إلى مرحلة الانفجار والتلاشي والضياع والوقوع فريسة سهلة بين مطرقة العجب والغرور وسندان التكبّر والطغيان

ص: 43

علاقة تقدير الذات بمعرفتها

الصورة

كل مايقع من أخطاء في التصورات والتقديرات وكل آثارها السلبية المدمرة للنفس البشرية معلولة لجهل الإنسان بنفسه، فتقدير الذات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعرفة الذات. وجهل الإنسان بنفسه وقدراتها وإمكاناتها واستعداداتها يجعله يقيّم نفسه تقيّيماً خاطئاً، ولذا كانت من أعظم النعم الإلهية على الإنسان هي تلك المواهب والقوى والاستعدادات التي تميّزه عن مخلوقات الله تعالى الأخرى، ولكن الإنسان لجهله وغفلته وبعده عن ذاته لم يحسن استثمارها؛ لأنّه لم يحاول النظر إلى باطنه واستكشاف حدود القوى وإمكاناتها الداخلية، وهي الخطوة الأولى التي يجب على كل إنسان يحترم أنسانيته أن يخطوها ليصل إلى معرفة نفسه ومعرفة ربّه. والخطوة الأولى في سبيل الحياة حياة إنسانية طيبة تليق بشرفه وتميّزه على باقي المخلوقات . وهي خطوة للعيش بسعادة حقيقية وهناء واقعي والانتهاء إلى مصير إيجابي في الدنيا والآخرة. فجهل الإنسان بقدرات نفسه وإمكانياتها التي تشكّل

ص: 44

آلات تحصیل واكتساب الأفكار والمعتقدات والقيم والعادات الإيجابية، التي بدورها تمثل مبادئ ومنطلقات السلوكيات الإيجابية والأعمال الصالحة التي تؤدي إلى نتائج إيجابية ومصير إيجابي في الدنيا والآخرة، هذا الجهل هو المؤثر الأول والأكبر لتقييم الإنسان لنفسه تقییاً خاطئاً، وهذا التقييم الذي يجر ویلات و مصائب وتعاسات وشقاءات متلاحقة، تحيل حياة الفرد إلى جحيم الايطاق؛ لأنه يرفع من درجة جهله بنفسه ويخفض من درجة تقديره لذاته .

ص: 45

أهمية ارتفاع مستوى تقدير الذات

الصورة

من أهم شروط نجاح الإنسان وفلاحه في اختبارات هذه الحياة وابتلاءاتها والفوز والوصول إلى غايته الكبرى وهدفه الأسمى هو ارتفاع قيمته الواقعية وتقديره العالي لذاته، وأيّ انخفاض في هذا التقدير نتيجة خلل الصورة الذاتية لديه تكون مؤثرة تأثيراً كبيراً في إعاقته وعرقلته عن الوصول إلى هذه الغاية .

فمستوى تقدير الإنسان لذاته ينعكس على طبيعة تفكيره وسلوكياته المتنوعة، وكلّما ارتفع هذا المستوى كان تفكيره وسلوكياته أكثر إيجابية، وكان متطلّعاً بحماس كبير وهمّة عالية ليس للحفاظ على هذا المستوى فحسب؛ بل والارتقاء به ليكون مميزاً في المجموعة أو المحيط الاجتماعي الذي ينتمي اليه، وذلك بتميّزه أولاً في علاقته بربّه و بنفسه، وهو التميّز الحقيقي الذي يحق للإنسان أن يفخر ويباهي به، هذا الشعور بعد دافعاً له للقيام بأعمال أقل ما توصف إنها أعمال رفيعة ونبيلة ومنزّهة للذات عن الوقوع في مهاوي الرذيلة ومستنقعات الجهل والانحراف عن الفطرة الإنسانية السليمة وعن خط الأنبياء

ص: 46

وتعاليم ورسالات السماء. ولذا نرى أن الذين يقدرون ذواتهم ويحترمونها يتمتعون بمواصفات إيجابية خاصّة تميزهم عن غيرهم، تبرزها سلوكياتهم الخارجية من أفعال وأقوال تعكس طبيعة العالم الداخلي لهم، وما تجذّر واستقرّ فيهم من أفكار و اعتقادات وقيم وعادات؛ وأهم هذه المواصفات:

أهم صفات المقدرين لذاتهم

الصورة

1. هم من أصحاب المعرفة الإلهية الصادقة التي تبرز في سلوكياتهم الإيجابية التي تحكي صدق هذه المعرفة وعمقها.

2. هم أصحاب الإيمان الكبير بربّهم وأنبيائه ورسله وشرائعه وكتبه. هم الذين يشكلّون التجسيد الواقعي لنجاح أنبياء الله تعالى في اجتثاث رواسب الجاهلية من نفوس الناس، وتوجيههم نحو ما هو إنساني من السلوكيات.

3. هم المؤمنون إيماناً صادقاً بالوعد الإلهي بنصرة المؤمنين وإمدادهم بأسباب التوفيق والفلاح في الدنيا قبل الآخرة.

4. هم العاملون على الدوام لنيل رضا ربّهم وخالقهم، والشاكرون بلا

ص: 47

انقطاع لأنعمه ومواهبه شكراً عملياً وقولياً.

5. هم المسلّمون لله، والراضون بقضائه، والصابرون على بلائه .

6. هم الممتلئون رضاً وتسليماً لما يعترضهم وينزل في ساحتهم من مصائب ومصاعب وابتلاءات.

7. هم المتفائلون حتى في أقسى لحظات حياتهم، والراجون أبدا لرحمة ولطف ربهم. هم من ليس في نفوسهم مكان لمشاعر اليأس والجزع والتشاؤم والقنوط.

8. هم الذين يملكون أكثر أجهزة الانذار الداخلي تطوّراً وحساسية الأدنى مخالفة لأوامر ربّهم وخالقهم، وأيّ قطيعة بين عقيدتهم وسلوكهم.

9. هم المتسابقون لفعل الخيرات، والمبادرون دوماً لإيصال النفع للآخرين.

10. هم من استيقنت نفوسهم بحقيقة الموت، وبرز هذا اليقين صادقاً في أقوالهم وأفعالهم.

11. هم الذين تقع تكاليفهم والتزاماتهم الشرعية والإنسانية في أول قائمة اهتماماتهم.

12. هم المراقبون بدقة ووعي لأفكارهم وإيحاءات أنفسهم.

13. هم الأكثر سعادةً ورضاً بحياتهم الطيبة التي صنعتها أفكارهم و عقائدهم وقيمهم وعاداتهم الإيجابية.

14. هم المفتخرون بدينهم وعقائدهم، والمباهون به الأمم، والساعون إلى نشر

ص: 48

أفكاره وأحكامه وتعاليمه، والعاملون على صور الجمال والروعة فيه.

15. هم الناجحون بامتياز في سياسة أنفسهم، وتوجيهها نحو ما هو إيجابي وفيه الخير والجمال.

16. هم المراقبون أنفسهم بدقة، والمحاسبون لها بشدة.

17. هم الناجحون في رسم خريطة تحرّك حياتي واعية ومفصّلة، بعد أن حدّدوا فيها غايتهم وأهدافهم بدقة ووضوح.

18. هم الأكثر قدرة على التحكّم بمشاعرهم وأحاسيسهم، وضبط انفعالاتهم تجاه الأحداث الكبرى في حياتهم.

19. هم الأكثر براعة في فن الاتصال بالآخرين.

20. هم الأعظم قدرة على الاندماج والتكيّف مع الآخرين، والأعمق إحساساً و الأكثر اهتماماً بمشاكلهم ومعاناتهم، والأسرع مبادرة نحو تخليصهم منها.

21. هم أصحاب الهمم العالية والحراسة المشتعلة، والسعي الدؤوب نحو تحصيل الكمالات.

22. هم الذين يرون عيوبهم بنفس المنظار والدرجة التي يرون بها مزاياهم.

23. هم المفتشون دوماً عن أفضل الطرق والآليات لتنمية قدراتهم و امكاناتهم واستعداداتهم الداخلية، والساعون بجد واجتهاد نحو الارتقاء بها إلى مستوى إيصالهم إلى کمال إنسانيتهم.

24. هم الذين لا يقيمون وزناً ولا اعتباراً لآراء الناس وتقييماتهم لسلوكياتهم

ص: 49

مالم تكن معاييرهم وموازينهم مصدرها السماء.

25. هم من كان تكليفهم الإلهي وشعورهم التفصيلي بالارتباط بالله تعالى رائدهم ودافعهم في توجهاتهم المختلفة.

26. هم البعيدون عن عقد المقارنات بين أوضاعهم المختلفة من وظيفية ومالية وعائلية ومستوياتهم العلمية والثقافية وبين أوضاع الآخرين، فلا يصيبهم الإحباط وشلل القدرات إذا لم تكن المقارنة لصالحهم.

27. هم القانعون با هم عليه من الشكل والهيئة والصفات الجسمية، وما یمتلكونه من قدرات عقلية ونفسية ومهارات بدنية، والناجحون في إقناع ذواتهم بأنها متميزة وذلك من خلال التركيز على معالم التميز والتفرد فيها.

28. هم الحازمون في قراراتهم، والمستعدون دوما لتحمل تبعاتها.

29. هم الذين لا يلومون أنفسهم على أخطائها دون السعي الجاد لرفع أسباب الوقوع فيها.

30. هم الناجحون في عملهم، والقائمون بوظائفهم على أكمل وجه وأفضل صورة وأعلى درجة من المهارة والإتقان.

العامل الوحيد الأشد بأسا في عملية ازدهار الوعي هو تقدير المرء لذاته :

أي الإيمان بقدرته على القيام بأي شيء،

وأنه يستحق ذلك،

وأنه سوف يحقق ذلك.

جيري جيللز

ص: 50

إعرف قيمة وقدر نفسك بنفسك

الصورة

إذا أردت - عزيزي القارئ - أن تعرف مستوى تقديرك لذاتك ودرجة احترامك لنفسك فعليك أن تجرب اتباع الخطوات التالية:

* أعد قراءة كل فقرة من الفقرات السابقة، ثم حاول صياغة سؤال مقابل كل واحدة منها.

*و تجرد عن ذاتك وتخيّل إنّها كائن آخر ماثل أمامك.

*و أطلب من هذه الذات الإجابة عن كل سؤال بموضوعية وصدقٍ وصراحةٍ ودقّةٍ. و أعط لكل واحدٍ من هذه الاسئلة درجة تتراوح من (0) إلى (1)، أي (1/4،0، 1/2، 3/4، 1)، هذه الدرجة تمثّل مستوی اتصافك بأيّ صفة من الصفات المذكورة في الفقرات السابقة.

* إجمع ناتج ما أعطيته من تقييمات لجميع الأسئلة، وستحصل على درجة نهائية من (30) تمثّل درجة قيمتك وقدرك.

ص: 51

مهما كانت هذه الدرجة فلا تجعل مشاعر اليأس والإحباط تغزو دهاليز نفسك، وكن على ثقة ويقين إنّ الله سبحانه وتعالى ولفرط حبّه وواسع رحمته وعظيم لطفه بعباده جعل من الحياة بأكملها میداناً واسعة لبني البشر؛ ليخوضوا امتحان الحياة وهم يملكون أكثر من فرصة للنجاح، فليس هناك دور أول أو دور ثان أو ثالث أو فرصة لتحسين المعدل كما في امتحانات أهل الدنيا، بل هناك فرص كثيرة ومتعدّدة لتحسين المعدل و أدوار لا منتهى لها إلا بانتهاء حياة الإنسان نفسها.

* و كرّر هذا الاختبار بصورة دورية (كل ستة أشهر).

تأكّد أنّه سيساعدك على التعمّق أكثر وأكثر في ذاتك لتفهم نفسك على حقيقتها، وتعرف قدرها وقيمتها الحقيقية، لتكون على بصيرة من أمرك، وعلى يقظة ووعي من نفسك، ولتتهيأ وتعدّ عدّتك وتغير من أفكارك وتعيش بعقليةٍ غير العقلية السابقة؛ لأنّ العيش بالأفكار والعقلية السابقة لايمكن أن ينتج إلّا النتائج السابقة.

(فاعمل على انقاذ نفسك بنفسك إذ لا أحد أقدر من نفسك على انقاذها)

ص: 52

نقطة ضوء ؟

ذكرنا في الصفحات السابقة أهم صفات ( المقدّرين لذاتهم )، وإذا أردت - عزيزي القارئ - أن تحدّد لهم وصفاً مختصراً ، وإن اردت معرفة هل أنت من هؤلاء الناس أم لا، فإليك الصفة التي تميزهم عن غيرهم من أبناء الجنس البشري وهي:

(إنهم يموتون في نفس اليوم الذي فيه يدفنون !)

فحياتهم حياة حقيقية، حياة طيبة ذات قيمة ومعنى،

«... استجیبوا لله و للرسول اذا دعاکم لما یحییکم ...»(1)،

استجابوا لنداء فطرتهم، ولبّوا دعوة ربّهم، وأتبّعوا أنبياءه ورسله

ص: 53


1- سورة الأنفال : الآية 24

وأوصياءه (عليهم السلام) اتّباع الفصيل لأمّه، ولأنهم نجحوا نجاحاً باهراً في إيقاع التصالح والانسجام التام بين (بوصلة قلوبهم ) التي ترى ما لا تراه حواسهم، بعيون البصيرة الفطرية التي ألهمها الله تعالى لهم، لتحدّد لهم المسارات التي يجب أن يسلكوها ليصلوا إلى کمال إنسانيتهم، مع (دفة عقولهم) التي ترى بعيون الحواس والتجربة وتستهدي بالوحي الإلهي، لتتخذ القرارات المصيرية في حياة الإنسان برؤية واضحة، فكان نتيجة ذلك هو أن يحيّوا حياة طيبة في دنياهم قبل أخراهم.

بخلاف الذين (لا يقدّرون ذواتهم)، فإنّهم يموتون قبل يوم دفنهم بمدة تحدّدها درجة بعدهم عن الله تعالى، فمنهم من يموت في الثلاثين ودفن في السبعين، ومنهم من يموت في العشرين ودفن في الثمانين، ومنهم...، وأسوء هؤلاء هو من يموت قبل دفنه بفترة قليلة، كساعة أو يوم أو شهر أو...، وهو من اختار لنفسه سوء العاقبة...

اللهم ارزقنا حسن العاقبة...

ص: 54

علاقة السلوك الإنساني بمستوى تقدير الذات

الصورة

يمكن تعريف السلوك الإنساني با يلي:

هو الانعكاس الخارجي لمقتضيات المنظومة المعرفية والقيمية الداخلية للفرد، التي تؤلفها أفكاره و اعتقاداته وقيمه وعاداته).

هذا السلوك يتأثر بمؤثرات ودوافع خارجية وداخلية تثير في الإنسان توتراً داخلياً، ولا يمكن لهذا التوتر أن ينقضي ويغادر النفس دون الاستجابة بفعل أو سلوك خارجي يهدف إلى إشباع الاحتياج الذي يثيره هذا المثير، وهذا الاشباع يتخذ شكله وطبيعته من شكل وطبيعة أفكار الإنسان واعتقاداته وقيمه وعاداته، التي أختزنت في باطنه وهيمنت على عالمه الداخلي ورسمت شکل سلوكياته وطبيعتها في عالمه الخارجي. ولذا فإنّ المثير الداخلي أو الخارجي إذا لم يشبع وتُسد احتياجاته في فعل وسلوك خارجي مترشّح ومتوافق مع طبيعة المنظومة المعرفية والقيمية للإنسان فإنّ هذا الإنسان ستعتريه مشاعر الإحباط والهزيمة. أما إذا أشبعت هذه الاحتياجات بالطريقة المتوافقة مع متطلبات تلك المنظومة فإن الإنسان سوف يشعر بالرضا عن نفسه، لأنه بفعله الخارجي حقّق التوافق والانسجام بين أفعاله الخارجية وبين ما يمكن أن نسميه ( نظام الاعتقاد الشخصي ) له، الذي تؤلفه أفكاره وقيمه واعتقاداته وعاداته، وكلما ارتفعت درجة التوافق والانسجام ارتفع مستوى تقدير الذات والعكس بالعكس، وكما في الشكل التالي:

ص: 55

الصورة

ص: 56

تبادلية العلاقة بين التقدير الذاتي ونظام الاعتقاد الشخصي

إنّ لطبيعة نظام الاعتقاد الشخصي بالغ الأثر في رفع أو خفض مستوى تقدير الذات، فإذا كان هذا النظام إيجابياً أنتج سلوكيات إيجابية تولّد بدورها تقدير اًذاتياً مرتفعاً. وإذا كان هذا النظام سلبياً أنتج سلوكيات سلبية لا يمكن أن تولّد إلّا تقدير اًذاتياً منخفضاً. وايضا فإنّ المستوى التقدير الذاتي دور مهم في التأثير على نظام الاعتقاد الشخصي، فإذا كان التقدير الذاتي مرتفعاً كان له دور مهم وفعّال في تعزيز وتقوية هذا النظام، وبالتالي انتاج سلوكيات خارجية أكثر إيجابية. وإذا كان مستوى التقدير الذاتي منخفضاً فإنه سوف يؤثر سلباً في هذا النظام، ويجعله أكثر سلبية مما ينتج سلوكيات خارجية متناسبة مع درجة هذه السلبية؛ وكما في الشكل التالي:

الصورة

ص: 57

أهم الآثار السلبية لضعف تقدير الذات

الصورة

تؤكد الدراسات إنّ ما يقارب(95٪) من الناس مصابون بحالة انخفاض مستوى تقدير الذات، وهذه الحالة لها آثار سلبية كثيرة مدمّرة للنفس البشرية؛ لأنها تحمل أصحابها دائماً على عقد المقارنات مع الآخرين مع معرفتهم سلفاً إنّ نتيجة هذه المقارنات لن تنقذهم ممّا هم فيه، بل تزيد الاعتقاد بأن الآخرين أفضل منهم على جميع المستويات والأصعدة: الصحيّة، المعيشية، المهنية، المهارية، العلمية، الثقافية، الأسرية، الاجتماعية.

إنّ تفاقم وتضخّم هذه الحالة وتركّزها في النفس يؤدي إلى تهديم البنية الداخلية لهذه الذات وإن لم يقصد أصحابها ذلك، لإنّها تدفعهم إلى تبديد قدراتهم وإمكاناتهم وطاقاتهم ومواهبهم المختلفة، لسيطرة النظرة السلبية إلى ذواتهم على ذواتهم، ممّا يصيبهم بأخطر الأمراض النفسية ذات الآثار المدمّرة على الفرد والمجتمع الإنساني، وهو مرض (التحقير الذاتي) أو ما يسمى ب_(عقدة الحقارة )، التي تشعرهم دائماً بالنقص والدونية والذلة والضعة والمهانة وما يترتب على ذلك من تنازل طوعي للإنسان عن قيمته ومكانته وتميزه الإنساني، وتصيبه بحالة دائمة من الشعور بالتشاؤم والاكتئاب والازدراء

ص: 58

و التحقير للذات، وتحكّم سلسلة من الأفكار السلبية بتحركاته وتوجهاته الحياتية المختلفة التي تشعره دائماً بأنه أقل قيمة وقدراً من الآخرين، وأنّه عاجز عن فعل ما يفعلون. و قد تنبّه (جيمس باتل) إلى قوة الترابط بين (الاكتئاب) و (الازدراء الذاتي)، فلقد اكتشف أنّه عند ازدياد الاكتئاب فإن تقدير الذات يقل، والعكس صحيح، ولهذا فإنّ من علاج حالات الاكتئاب تنمية المهارات الفردية المؤثرة في رفع مستوى تقدير الذات والمحافظة على الحالات المزاجية الديه.

يذكر الدكتور ( والتر سنابلس )(1) إنّ:

من المعتقدات الأساسية أن التقدير الذاتي المتدني هو عملياً أصل كلّ بلاء إنساني، وجميع السلوكيات الهدّامة، مثل الغضب، والوقاحة، والتهيّب، والصّلف، والغرق في الذات، والأنانية، والعدوانية، والإحباط، والانتحار، هي كلها أمثلة أساسية، وقد كتب الدكتور (ناثانيل براندن) وهو طبيب نفسي وضع تسعة كتب عن تقدير الذات قائلاً:

لا أستطيع التفكير في مشكلة نفسية وحيدة لا يمكن ارجاعها إلى تقدير الذات المتدني، إن تقدير الذات المتّسم بالايجابية يعد مطلب أساسا من أجل حياة مشبعة)).

ص: 59


1- کتاب (البحث عن ذاتك الحقيقية) ص 169

أهم الصفات النفسية والسلوكية لأصحاب التقدير الذاتي المنخفض

اشارة

ذكرنا آنفاً أن التقدير الذاتي المنخفض له آثار سلبية كبيرة على طبيعة وشكل الحياة الداخلية والخارجية للإنسان، تتوزع هذه الآثار على علاقته الأساسية في هذا العالم، وتنعكس بالنتيجة على طبيعة وشكل سلوكياته الخارجية التي تتحدّد بموجبها طبيعة وشكل الحياة التي يحياها هذا الإنسان، وعلى طبيعة المصير الذي سيلاقيه في عوالمه المستقبلية. ومن أهم الصفات التي سنصنفها تصنيفاً تابعة لأقسام علاقات الإنسان الاساسية في هذا العالم، هي:

أولا: ما يتعلق ب (علاقة الإنسان بنفسه)

وأبرزها:

1. الشعور بالنقص تجاه أنفسهم، والإحساس الدائم بالدونية والضعّة والمهانة، وما لهذه المشاعر من تداعيات خطرة، وما يلقيه من ظلال قائمة على طبيعة العلاقة مع الآخر.

2. فقدان الثقة بالنفس وقدراتها وامكاناتها، ولذا ترى غياب النشاط والحيوية والحماسة في تحرّكاتهم الحياتية المختلفة لاعتقادهم بعدم وجود فائدة من وراء هذه التحركات.

3. لوم النفس وبشدة لأتفه الأخطاء التي يقعون بها، والتي تعدّ عند غيرهم أموراً اعتيادية لا تستحق اللوم بهذه الدرجة.

4. الثناء والمديح للآخرين عند قيامهم بفعل يستحق الثناء وإن كان بسيطاً ومتواضعاً، في نفس الوقت الذي يشعرون به بعدم استحقاقهم للثناء من الآخرين حتى لو قاموا بفعل كبير وأكثر استحقاقاً للثناء

ص: 60

من أفعال الآخرين، لأنهم يعتقدون بعدم استحقاقهم للثناء لضعف تقديرهم لقدراتهم وإمكاناتهم.

5. عدم المبادرة إلى الدفاع عن أنفسهم عند تعرضهم للشتم والإهانة وذلك لإحساسهم الداخلي العميق بأنّهم يستحقون ذلك.

6. الشعور بالغضب وإرادة الثأر والانتقام من الآخرين، وهو سلوك عام لأصحاب التقدير الذاتي المنخفض، أنتج كثيراً من الطغاة والجبابرة الذين شوّهوا وجه البشرية بجرائمهم البشعة، لأنّهم يعانون من عقدة الحقارة والنقص والإحساس بالدونية.

7. البحث الدائم عن أخطاء وعيوب الآخرين، ولذا تراهم يشعرون بالفرح الغامر عند ارتكابهم للأخطاء والمخالفات العرفية.

8. عدم القدرة على إبداء الرأي في مسألة من المسائل التي تكون محلاً للنقاش، لخوفهم من رفض الآخرين لآراءهم وسخريتهم منها.

9. استيلاء اللامبالاة على نفوسهم وبروزها في سلوكياتهم، لغياب الهدفية عن ساحة وجودهم.

ثانيا: ما يتعلّق ب_ ( علاقة الإنسان بربّه)

وأبرزها:

1. الاضطراب والتشكيك في العقائد الحقّة، وعدم الإيمان الحقيقي الصادق المنتج للسلوكيات التي يريدها الله تعالى.

2. القطيعة الدائمة بين عقائدهم وسلوكياتهم الخارجية .

3. ضعف الإحساس بالرقابة الإلهية، وغياب روح الإيمان بالغيب.

ص: 61

4. الاضطراب والتخبّط على مستوى العمل، لجهلهم بالغاية من خلقهم و وجودهم في هذا العالم، وعدم وضوح الأهداف التي يجب عليهم الوصول إليها تمهيدا للوصول إلى هذه الغاية.

5. ضعف الالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية، وعدم الاهتمام الحقيقي و الجاد بتطبيق أحكام الله تعالى.

6. الجزع عند المصائب، وعدم التسليم لقضاء الله تعالى، واليأس والقنوط من رحمته، والاعتراض على احكامه وتكاليفه.

7. ضعف الارتباط بالرموز الدينية الحقيقية، وهشاشة العلاقة بالقادة الروحيين الذين يمثلهم المعصومون (عليهم السلام) وتابعوهم بإحسان من العلماء العارفين بربّهم العاملين بعلمهم، وعدم السعي من أجل التعرف على سيرتهم والاقتداء بهم وبشخصياتهم المباركة.

8. سرعة التأثّر بالتيارات الفكرية والدينية المنحرفة والشبهات العقائدية، الضعف المنظومة المعرفية وقلة البضاعة العلمية والفكرية.

9. ضعف المشاركة أو انعدامها في الفعاليات والشعائر الدينية ذات الأبعاد الفردية والاجتماعية لعدم الاعتقاد بفائدتها.

ثالثا: ما يتعلّق ب_(علاقة الإنسان بغيره من أبناء جنسه)

1. دوام الشكاية من ظروفهم، ورفض تقبّل أنّهم هم المسؤولون عن نتائج أفعالهم وأقوالهم.

2. استحکام عادة اللوم للآخرين على نفوسهم، وإلقاء تبعة أخطائهم

ص: 62

على هؤلاء؛ و وذلك لضعف قدراتهم على تحمّل المسؤولية .

3. افتقارهم إلى القدرة والكفاءة لإدارة حياتهم، وضعف فعاليتهم في تعاملاتهم مع مایعترضهم من مشکلات اجتماعية.

4. الإحساس الدائم بفقدان الاطمئنان النفسي والأمان الاجتماعي.

5. الاحتياج الدائم لجلب اهتمام واستحسان الآخرين لما يقومون به من أفعال، فإنّهم لا يرون أنفسهم إلّا بعيون غيرهم.

6. السعي الدائم لتحصيل المقبولية الاجتماعية وإن كانت مخالفة للموازين الشرعية.

7. المحاولة المستمرة لإثبات أنهم على صواب دائماً وفي كل ما يصدر عنهم من أفعال وأقوال، وذلك كنوع من التعويض وجبران نقص الذات والشعور الدائم بالدونية.

8. ضعف أنشطتهم ومشاركاتهم في المحافل والتجمعات والمناسبات العامّة، لخوفهم من الفشل في الاندماج والتبلور الاجتماعي.

9. ضعف استثارهم لقدراتهم وقابلياتهم، خوفاً من انتقاد الآخرين ورفضهم الآراءهم وسخريتهم منها وعدم اعتدادهم بانجازاتهم ونتاجاتهم.

10. التلوّن والتمظّهر بالمظهر الذي يلاقي الإعجاب والمقبولية الاجتماعية، ولذا تراهم يختبأون وراء أقنعة متعدّدة بتعدّد المجتمعات، وتعدّد معايير التقييم والتقدير.

ص: 63

طرائق وآليات تنمية مستوى تقدير الذات ورفعها

اشارة

الصورة

إنّ بناء صورة ذاتية إيجابية تقتضي تقديراً ذاتياً عالياً يمكن تشبيهه بکائن حي ينمو ويترعرع بأكمل وأجمل صورة في ظل رعايةٍ واهتمامٍ مستمرین بهذه الذات، وذلك من خلال طرائق وأساليب وآليات تنموية تتنوع بتنوع القدرات والقابليات والإمكانات الخاصّة لكل فرد من أبناء الجنس البشري، وأهمّ هذه الطرائق والآليات التي يجب اتباعها للارتقاء والنهوض بمستوى تقدير الذات، وعلاج الأمراض النفسية الخطرة المتسببة عن ضعف مستوى تقدير الذات، التي يمكن تصنيفها – أيضا – بحسب علاقات الإنسان الاساسية في هذا العالم، وكما يلي:

أولا: علاقة الإنسان بنفسه:

1. أن يتأمّل الإنسان في قيمته ومكانته عند الله تعالى، وبأنه فضّله وميزّه على باقي خلقه.

2. التوجّه إلى الذات، ومحاولة استكشاف قدراتها، والإفادة منها بعد

ص: 64

تنميتها تنمية إيجابية بإشراف معلّم حاذق ومرشد خبير بالنفس البشرية ومحاولة تنمية قدراتها وطاقاتها.

3. تدريب النفس وإشعارها بقيمتها وأهميتها وتفردها دائماً، وتخيّل الإنسان أنّه الشخص الوحيد الذي كلّفه الله تعالى بإعمار الأرض وخلافته فيها، فإنّها من الطرق المهمة لتنمية روح الإحساس

بالمسؤولية الشرعية والإنسانية.

4. اختیار قدوة صالحة معصومة، ومحاولة الاقتداء بها معرفياً وأخلاقياً وسلوكياً، وهي من أهم المحفّزات للقيام بأعمال ترفع من قيمة وقدر الإنسان.

5. الالتزام بالواجبات والتكاليف الدينية عن معرفةٍ و وعي، وهذا من الدوافع المهمة التي تشعر الإنسان بقيمته وشرفه وتميّزه الإنساني وأنّ هذا التكليف هو التشريف بعينه. وأفضل ما يمنع الشعور الداخلي بالذنب وتأنيب الضمير هو جهاز الرقابة الداخلي ( الضمير ) أو (النفس اللوامة).

6. عدم النظر إلى الأخطاء بعدسات مكبّرة، لأن هذا السلوك وما يرافقه من لوم النفس بشدّة والمحاولات المستمرة لجلد الذات يضعف من ثقة الإنسان بنفسه، فتهتز صورته الذاتيّة، وبدلاً من ذلك عليه المحاولة الدائمة لإيجاد أفضل الطرق التي تمنع الوقوع في هذه الأخطاء، لتكون وسائلاً للتعلم والإفادة من التجارب السابقة بدلاً

ص: 65

من كونها أسباباً ومبررات لتعذيب النفس.

7. السعي الدائم لاكتساب العلوم والمعارف ومن أي مصدر متاح، فإنّ الالتزام بكون الإنسان تلميذاً دائماً في مدرسة هذه الحياة وسعيه الدائم لتحصيل العلوم والمعارف الضرورية والتسلح بها لاجتياز الاختبارات بنجاح وفلاح مما يرفع مستوى تقدير الذات، ومن أفضل ما يشعر الإنسان بأنّه أفضل حالاً ما سبق، ويجعله أكثر قدرة و أعظم كفاءة للتعامل مع الأمور بنضج أكبر ورؤية أوضح.

8. تركيز الإنسان على معالم التميّز الخاصّة في شخصيته، والعمل على تعزيز معرفته واطلاعه في الموضوع المحدّد أو المجال الخاص الذي يتميز به، ومع الوقت سيكون مرجعاً في هذا الموضوع أو المجال، وسيشعر بأهميته وثقته بنفسه وقدراته وبأنّه فرد متميزّ ٌونافع لغيره من أبناء جنسه.

9. الابتعاد عن مرافقة المتذمرين وكثيري الشكوى والمتشائمين، لإنّ مرافقتهم لا ولد في النفس إلّا مشاعر الإحباط والتشاؤم واليأس والقنوط وفقدان الشعور بالهدفية.

ثانيا: علاقة الإنسان بربّه:

1. تقوية روح الإيمان بالله تعالى من خلال الشعور التفصيلي بالارتباط به، وهي أقوى دعائم تعزيز ثقة الإنسان بنفسه، وأفضل منشطات الطاقة الداخلية العالية في نفسه، التي تشعره دائماً بالدفء والأمان

ص: 66

والاطمئنان النفسي، وتمده بالقدرة والقوة على مواجهة الصعاب؛ لأنّ من كان مع الله كان الله معه، ومن كان الله معه لا يمكن إلّا أن تمتلئ نفسه بمشاعر الرضا والعزّة والكرامة والاحترام والتقدير العالي

لذاته.

2. تفعيل الاعتقادات الدينية في السلوكيات الخارجية، والمراقبة الدائمة لدرجة تطابق السلوك مع الاعتقاد، والسعي الجاد والدائم لتحقيق حالة التوافق والانسجام بين الاعتقاد والسلوك.

3. ترويض النفس على الإيمان اليقيني والتسليم المطلق بأن كل ما يقوم به الإنسان من أفعال وما يتوسّل به من وسائل لبلوغ أهدافه وغاياته تبقى نتائجها متوقّفة ومرهونة بالإمضاء والمشيئة الإلهية.

ثالثا: علاقة الإنسان بغيره من أبناء جنسه:

1. تحكيم الموازين والمعايير الحقيقية لقياس درجة تقدير الذات، والتسليم والإذعان بأنّ المعيار الحقيقي لتقييم الذات هو المعيار الإلهي، وليست المعايير والمقاييس التي يضعها أناسٌ ناقصون، ويرتبونها بحسب ما يتلائم مع ميولهم وأهوائهم النفسية التي لا ثبات لها.

2. تعويد النفس وتدريبها على عدم اللجوء إلى عقد المقارنات مع الآخرين، خصوصاً في ما يرتبط بالجوانب الماديّة والوظيفية، لإن ذلك مما يوجب الإصابة بالدونية والضعّة ويستبطن الاعتراض على تقادیر الله تعالى.

ص: 67

3. تنمية المهارات الاجتماعية المطلوبة شرعاً والمتوافقة مع القيم الإنسانية العليا، وأهمّها: صلة الأرحام، كفالة اليتيم، إغاثة الملهوف، مساعدة ابن السبيل، والتعاطف ومد يد العون للفقراء والمعوزين، وغيرها من صور ومظاهر التكافل الاجتماعي والإنساني، وهي من أهم الأمور التي تعطي معنى لحياة الإنسان، وتشعره بإنسانيته، وترفع من درجة شعوره وإحساسه بالمسؤولية الاجتماعية، وكل ذلك يجب أن لا يكون بانتظار أي مردود مادي أو معنوي؛ ولذا نرى كثيراً من الشعوب حتى التي لا تدين بدين سماوي تنتشر فيها هذه المظاهر، وتهتم اهتماماً كبيراً بإشاعة روح الجماعة والعمل التطوّعي والإغاثي وسائر مظاهر التكافل الاجتماعي.

4. بناء علاقات إنسانية مع الآخرين تقوم على أعمدة نقية من الشوائب المصلحية والنفعية، وتسودها مشاعر الاحترام المتبادل وحسن الظن بالآخر والاستعداد الصادق لمد يد العون والمساعدة في كافة المجالات ومختلف الأصعدة.

5. المشاركة الفاعلة في المناسبات الدينية والمحافل والتجمعات التي تتطلب تبادل الأفكار والنقاشات الفكرية في المسائل المختلفة التي تصب نتائجها في مصلحة الفرد والمجتمع، فإنّها تسهم بشكل كبير في تنمية الاحساس بأنّ لكل إنساني دور مهم وفعّال في الحياة الاجتماعية، لا يمكن أن يقوم به غیره.

ص: 68

أقسام التقدير الذاتي

اشارة

قسّم علماء النفس التقدير الذاتي إلى قسمين (1):

1 . التقدير الذاتي المكتسب.

2. التقدير الذاتي الشامل.

وقالوا: إن التقدير الذاتي المكتسب هو التقدير الذي يكتسبه الشخص من خلال إنجازاته، فيحصل الرّضا بقدر ما أتى من نجاحات، وبناء التقدير الذاتي هنا يعتمد على ما يحققه الشخص من إنجازات ويحصل عليه من مكاسب.

وأما التقدير الذاتي الشامل فيعود إلى الحس العام للافتخار بالذات، فلا يبتني هذا التقدير على أساس مهارة محدّدة أو إنجاز معين، ولذا فإنّ الأشخاص الذين أخفقوا في حياتهم العملية لايزالون ينعمون بدفء التقدير الذاتي العام حتى وان لم يحققّوا أي مكسبٍ أو إنجاز.

الفرق الأساس بين التقديرين

إنّ المكتسب يأتي بعد الإنجاز، فالإنجاز أولاً ثم يتبعه التقدير الذاتي، بينما فكرة التقدير الشامل تبتني على أنّ التقدير الذاتي يكون أولاً ثم يتبعه الإنجاز.

ومنشأ هذا التقسيم: هو الاتفاق بين علماء النفس على وجود علاقة

ص: 69


1- أنظر ( مفتاح السر ) ل( إدون فريدريك) / 82

وثيقة بين ( تقدير الذات ) و ( النجاح ).

ولذا فإنّهم قالوا: إنّ التقدير الذاتي الشامل لا معنى له، وإنّه ذو تأثير ٍسلبي؛ لإنّ نظرتهم تتركّز على الانجاز الخارجي بغض النظر عن دوافعه وطبيعته، وعدّوا أنّ عدم وجود الإنجاز يقود إلى عدم الثقة في النفس وفي الآخرين، ويؤدي إلى استمرار جلب عطف الآخرين لتشجيعه وترميم ما تهدّم من ذاته وقيمته وتقديره، وهو نوع من إضفاء التقدير والثناء الزائف على الذات، بخلاف التقدير الذاتي الكسبي الذي يؤدي إلى زيادة الثقة بالنفس، وما يترتب عليها من مكاسب وانجازات كبيرة ترفع من قيمة الذات ومكانتها.

والذي يؤخذ على هذا الكلام:

إنّ علماء الغرب نظروا بعينٍ واحدة إلى حقيقة الإنجاز، اقتصر على الجانب الدنيوي منه، وأغفلوا النظر إلى الجانب الأخروي، فالمهم عندهم هو تحقيق النجاح الدنيوي القريب بغض النظر عن نتائجه وآثاره في العوالم الأخرى، دون التفات واعتناء بموافقته لشرائع السماء وتعاليم الأنبياء، في حين أنّ الرؤية الإسلامية ترى أنّ ( الفلاح) الشامل للنجاح في الدنيا والآخرة هو المطلب الأسمى وليس ( النجاح) کا يفهمونه، حتى لو كان هذا النجاح أمراً مطلوباً و مقصداً مهماً من مقاصد السماء ولم يكن في مسيرة الوصول إليه أيّة مخالفة لشرائع السماء، لأن السعادة الحقيقية والإنجاز الأعظم يكون بالالتزام بأوامر السماء والانتهاء عن نواهيها وتفعيل القيم والمبادئ الإنسانية الأصيلة

ص: 70

في كلّ تفاصيل ومفاصل حياة الإنسانية، وبهذا فقط يمكن الوصول والفوز ب_ ( الفلاح ) الذي تظهر آثاره ومعالمه ومعطياته في هذا العالم قبل العوالم الأخرى، ولهذا عدّت الديانات السماوية ( الفلاح ) هو المقصد والهدف من تنمية وتزكية وتهذيب النفس البشرية، يقول عزّ اسمه في كتابه الكريم:

«وقد أفلح من زكاها ».(1)

فمع أنّ الإنجازات الكبيرة لها فعل السحر في إذكاء دافعية المحركات الداخلية ( الدوافع ) وتنشيطها وتحفيزها واستثارتها لزيادة قوة دافعيتها وتحصيل المزيد من الإنجازات، بخلاف الفشل الذي يكون محبطاً ومثبطاً ومعوقاً للدوافع الداخلية، وموهناً لقوة دافعيتها. إلا أنه يجب التنّبه والالتفات إلى أنّ الفشل الحقيقي هو الفشل في التحرّك والانبعاث والتوجّه نحو مایریده الله تعالى، وما تمليه على الإنسان مكونات منظومته المعرفية والقيمية الداخلية بعد تحقيق حقانيتها وموافقتها لما يريده الله تعالى؛ لأنّ الفشل هو الفشل في الحصول على المكتسبات والانجازات الخارجية، لأنّ مجرد السعي للوصول إلى الأهداف التي يريد الله تعالى من الإنسان تحقيقها يعد انجازا كبيرة، لأنّ التوجّه والتحرّك نحو ما يستحق التوجّه والتحرّك هو ما يستحق الاحترام، ويكون موجباً لرفع درجة تقدير الذات بغض النظر عن تحقق هذا الهدف أو عدم تحققه خارجاً.

ولذا فإنّ الإنسان الذي يمتلك رؤية واضحة وشاملة عن نفسه وعن

ص: 71


1- سورة الشمس: الآية 9

دينه ومعتقده، والذي شعر شعوراً قوياً بأهميته وتفرّده وتميّزه على سائر خلق الله تعالى، ويعي دوره في هذه الحياة، بوصفه مكلفاً بإعمار الأرض وموظفاً في المشروع الإلهي المقدس فيها؛ الإنسان الذي يدرك أنه خليفة الله تعالى في الأرض، مثل هذا الإنسان وإن أخفق في الحصول على أيّ إنجاز أو نجاح في حياته العملية لا يمكن أن يغادره دفء التقدير الذاتي الشامل، لأنّ هذا التقدير ليس مبنياً على النتيجة الدنيوية؛ بل أنه مبني على التكليف الوظيفي الإلهي والإنساني الذي أنيط به.

فالمهم هو الشعور بالتقدير الذاتي الشامل، وإن كان التقدير الذاتي الكسبي مطلوباً؛ ولذا كان الأثر المعنوي للتقدير الاكتسابي بالغاً ولكنه سريع الزوال، وكان أثر التقدير الشامل معتدلاً ولا يزول بسهولة.

من هنا يتحصّل أنّ حقيقة الاحترام والتقدير للذات تنبع من النفس لا من الخارج، فالشخص الذي يجعل المعيار في قيمته وقدره تابعاً لما يحققه من انجازات خارجية تحظى بقبول وتقدير الآخرين لها ولصاحبها قد يأتي اليوم الذي يغيّر فيه هؤلاء المقيّمون نظرتهم لأسباب مختلفة قد تتعلق بهم أو بإنجازهم الذي قد يصل في أوقات معينة إلى درجة يكاد لا يرقى معها أن يسمى انجازاً، وبالتالي سيفقد هذا الشخص العامل الذي يستمد منه قيمته وقدره، ثم سيفقد هذه الذات. بخلاف ما لو كان مبعث هذا الشعور بالتقدير والاحترام هو ذات الإنسان، وما تقتضيه منظومته الداخلية القيمية والمعرفية، التي من أهم وظائفها مراقبة السلوكيات الخارجية وتحديد درجة تطابقها وتوافقها مع مقتضيات هذه المنظومة، بعد تحقيق حقانیتها وإنّها

ص: 72

مكتسبة من مصادر إلهية معصومة لايمكن أن يتطّرق إليها الفساد والخطأ. وبحسب هذه الدرجة تكون قيمة الإنسان وقدره، فحتى لو فقد الإنسان كلّ ما يملك، وأتت كلّ الأمور على خلاف ما يريده، ولم يحقق أي إنجاز يبقى حبه لنفسه وتقديره لذاته

وهذا هو المعيار الحقيقي لتقدير الذات.

يمثّل الرأي العام طاغية، لكنه ضعيف مقارنة بالرأي الشخصي الخاص بكل منّا، فإنّ ما يحدّد مصير الفرد هو رأيه في نفسه .

هنري دايفيد ثورو

(فیلسوف وعالم طبيعة أمريكي)

ص: 73

المقياس الحقيقي لتقدير الذات

اشارة

الصورة

إنّ قيمة الإنسان الحقيقية وقدره الواقعي هي قيمته ومقداره عند ربّه وخالقه، وأمّا قيمته واعتباره عند الناس و محلّه في نفوسهم فلا اعتداد بها - في الأغلب - ولا قيمة حقيقية لها. والسرّ في ذلك أنّ اختلاط المفاهيم واستيلاء الأمراض النفسية الفردية والاجتماعية على نفوس أغلب الناس جعلت معظم تقییهاتهم وتقديراتهم خاطئة ومنحرفة. وكان لهذه الظاهرة الاجتماعية الخطرة آثار سلبية سيئة على امتداد تاریخ المجتمعات البشرية، أثرت كثيراً في بنية هذه المجتمعات النفسيةو الثقافية والقيمية، وأنتجت مظاهر منحرفة، كتولي أشخاص وجهات وفئات اجتماعية مراكزاً ومقامات دينية واجتماعية وفكرية وسياسية لا تليق بقدراتها وإمكاناتها في نفس الوقت الذي أزاحت أهلها واللائقين بها عنها. وهذا من عوامل الخلل والاضطراب والظلم المهمة الذي عانت و ما زالت تعاني منه المجتمعات البشرية على جميع المستويات والأصعدة، فحتى درجة التدين والالتزام بأحكام الشريعة طالها هذا الانحراف في التقييم. و كلّ ذلك بسبب مجموعة من الأمراض النفسية

ص: 74

و الاجتماعية التي تغذيها وتمدّها بأسباب العي والعجز عن التقييم الصحيح والتقدير الموضوعي لمجموعة من الدوافع الوهمية المؤثرة في حرف الإنسان عن فطرته، ودفعه إلى التمرّد على عقله وعن القيم والمعايير الإلهية والإنسانية الأصيلة؛ ومن أهم هذه الدوافع:

تهديف اللذائذ المعنوية الوهمية

وهذا الدافع له تأثير كبير في دفع الإنسان وتوجيه حرکته نحو كل ما يجلب له لذة معنوية، بغض النظر عن طبيعة هذه اللذة، فحتى لو كانت هذه اللذة ناشئة من الإحساس بالتميّز على الآخرين بما لا يعدّ مميزاً حقيقياً، بل هي مميزات وهمية لا أثر لها على رفع مستوى تقدير الذات، كالتميّز في اللباس والمأكل والمسكن والشكل والهيئة وغير ذلك من الحاجات والمقتنيات والأشياء المادية أو المعنوية الوهمية التي لا أثر حقيقي وإيجابي لها في إغناء المنظومة المعرفية والقيمية للإنسان وبما ينعكس على سلوكياته الخارجية وعلاقاته الأساسية في هذا العالم. فكل هذه المميّزات لا يمكن عدّها أهدافاً ومطالباً واقعية لكل من يحترم نفسه ويقدّر ذاته الإنسانية الحقيقية، بل هي مطالب لمن انفلتت نفسه عن حدود الشرع والعقل والقيم الإنسانية الحقيقية، ومطمح من جهل نفسه وقيمته الحقّة وسار وراء أهواء نفسه الأمّارة بالسوء والقبح، والتي تدعوه إلى التوجّه نحو ما هو وهمي وزائل وغير منتج للحياة الإنسانية الطيبة.

ص: 75

تهديف التقدير الاجتماعي:

وهذا الدافع وظيفته توجيه الإنسان نحو تحصيل التقدير الاجتماعي. وهذه الحاجة وإن كانت حاجة لا يشكّل إشباعها خطأً وانحرافاً ما دام هذا الإشباع واقعاً ضمن دائرة المقبولية والمشروعية، وما دامت ضمن حدودها وإطارها الطبيعي، إلّا أنّ النظر إليها بوصفها هدفاً مستقلاً يحلّ بديلاً عن الغاية الحقيقية والهدف الأصلي، وهو الاحترام والتقدير الإلهي للفرد وذلك هو الخطأ والانحراف، فالتقدير الاجتماعي يجب أن لا يكون مطلوباً لذاته وفي عرض التقدير الإلهي؛ بل لابدّ أن يقع تبعاً له وفي طوله ومتفرعّاً عنه تفرعاً طبيعياً، وبهذا سيكون دافعاً ومحرّكاً للإنسان إلى الترفع عن كل ما هو قبيح ودنيء ولا يليق بإنسانيته، وحاجزاً له عن الوقوع في كثير من المفاسد النفسية كالذلة والمهانة والطمع والنفاق والتملّق ومحاولة إرضاء الناقص وغيرها من الأمراض النفسية التي تنشأ من تأليه المجتمع والنظر إليه بوصفه حاکم آمراً ناهياً مثيباً معاقباً، كل ذلك لأجل إشباع رغبة منحرفة وإرضاء نفس مريضة بحب التقدير والثناء الاجتماعي، والإشارة إليها بما يشبع نهم هذه الحاجة الوهمية، في حين أنّ التقدير الاجتماعي يمكن أن يتحقق بشكل طبيعي إذا نظر اليه كأمرٍ وغاية ثانوية وتبعية، وفي ظل التقدير والاحترام والاعزاز والتكريم الإلهي، وهو ما يحصّل للفرد المؤمن الذي يحصل الأمرين معاً: التقدير الإلهي ( الهدف المنظور )، التقدير الاجتماعي ( الحاصل بلا طلب ).

ص: 76

طلب الاعتراف بالأهمية

ويعبّر عن هذا الدافع أيضاً بتعابير أخرى نحو ( الحاجة إلى توكيد الذات) أو ( الإحساس بالامتياز ) أو (حب الظهور ) إلى آخر التعبيرات التي يجمعها میل الفرد إلى إرضاء إحساسه بوجوده وأهميته في المجتمع، وحاجته إلى الحصول على درجة عالية من التقييم الذي يعطيه الآخرون لذاته، فيدفعه ذلك الشعور إلى التمظهر بمظاهر مختلفة، إيجابية كانت أم سلبية، لا فرق في ذلك؛ لأنّ المهم أنّ المظهر الذي يظهر به والصبغة التي تصطبغ بها شخصيته تتناسب مع ما هو متعارف و مقبول ومطلوب لدى من يقوم بعملية التقييم ویسارس وظيفة الحكم على الآخرين، وتبرز هذه السلوكيات بشكلٍ واضح في المجتمعات غير المتدينة تديّناً واقعياً وغير الأصيلة في ثقافاتها.

وهذا الدافع هو المؤثر الأكبر في إيجاد وإنماء كثير من المشاعر السلبية في النفس البشرية، أهمها الغرور والكبر والعجب والأخطر منها جميعاً وهو مرض النفاق، الذي أهم أعراضه تلّون الفرد بألوان مختلفة باختلاف ألوان المجتمعات وثقافاتها ومعاييرها وموازينها في التقييم.

* ولذا فإننا عندما نقول: إنّ التقدير الذاتي هو ما يحمله الإنسان من تقديرات عن نفسه، وكيف يرى هذه النفس بعيوبها ومزاياها، وهل هي الاثقة بأن يقدرها ويحترمها، فإنّنا نقصد بهذه الرؤية التي تكون بعيونٍ مرتبطة بنظام الإعتقاد الشخصي للإنسان، والذي يتألف من أفكاره واعتقاداته وقيمه وعاداته التي كوّنها باختياره و بهدي من رسالات السماء وتعاليم ووصايا

ص: 77

وتوجيهات المعصومين (عليهم السلام)، فتلك العيون فقط هي التي تستطيع رؤية الذات بصورة واضحة وغير مشوّهة، وبالتالي يكون تقدير الإنسان وتقييمه لذاته تقييماً حقيقياً، بخلاف العيون التي توجّهها الدوافع الوهمية في النفس البشرية التي لا ترى إلّا ما يتوافق ويتناغم مع مرادات هذه النفس وأهوائها المنحرفة وما يشبع نهمها وطمعها نحو تحصیل ماهو وهمي وزائل من اللذائذ الماديّة والمعنوية الوهمية. فهذه العيون لا يمكنها إلّا أن ترى الجمال قبحاً والقبح جمالاً، والحقيقة وهماً والوهم حقيقة، والمزايا عيوباً والعيوب مزایا۔

وعلى ذلك فإنّ المعيار والميزان الذي لا يستمد قواعده ومقررّاته من منبع صافٍ ومعينٍ معصوم فإنه يزن الأمور ويبني الآراء والتقييات تبعاً الميزان السماء، ومثل هذا الميزان لا يمكن أن ينجح في إعطاء صورة واقعية وتقدير حقيقي للإنسان.

فالتقييم الحقيقي يجب أن يكون بواسطة موازين ومعايير معصومة ومفاهيم إنسانية أصيلة وغير منحرفة عن حقيقتها التي حددها الله تعالى وبينّها المعصومون (عليهم السلام)، کما سنذكرها - إن شاء الله تعالى تحت عنوان (مفاتیح الجنان)، التي سنذكر فيها أهم الموازين والمعايير التي حدّدها علي (عليه السلام) بدقة و وضوح، والتي يشكّل كل واحد منها مفتاحاً لفتح مغاليق النفس البشرية، ومحدداً واقعياً وموضوعياً لقدر الإنسان وقيمته الواقعية.

ص: 78

مفاتيح الجنان

اشارة

((أهم مفاتيح الحياة الإنسانية الطيبة))

الصورة

النفس البشرية المتجملة بكل ما هو جميل وإيجابي

وذو ألق ونور من الأفكار والاعتقادات والقيم والعادات،

النفس العارفة بنفسها و ربّها، النفس العالمة العاملة

بعلمها، النفس ذات الهمة العالية والحماسة المشتعلة،

هي المفتاح لكل الجنان ...

فلا تبحث عن مفاتيح جنانك خارج حدود هذه النفس..

مهدي المالكي

ص: 79

المفتاح الأول: معرفة الله تعالى

* ملاحظة * / / نظراً لأنّنا تكلمنا بنحوٍ من التفصيل عن (معرفة الله ) و (معرفة النفس) في القسم الأول ( التنمية العقائدية )، والقسم الثاني ( التنمية الذاتية) سنكتفي هنا بذكر طرفٍ من كلمات أميرالمؤمنين (عليه السلام) حول هذين المعنيين.

يقول علي (عليه السلام):

* «أول الدين معرفته».(1)

* «من عرف الله كملت معرفته»(2).

* معرفة الله سبحانه أغلى المعارف»(3).

* «ثمرة العلم معرفة الله»(4).

* «من كان بالله أغرف كان من الله أخوف»(5).

* «تيسير الغرفة وجب التزهد في الدنيا»(6).

ص: 80


1- ÷نهج البلاغة / خطبة 1
2- الغرر و الدرر / 7999
3- الغرر والدرر / 9864
4- الغرر والدرر / 4586
5- البحار: 397/70 / 64
6- الغرر والدرر / 10986

المفتاح الثاني: معرفة النفس

*«أفضل العقل معرفه الإنسان نفسه، فمن عرف نفسه عقل، ومن جهلها ضل»(1).

* «من عرف نفسه فقد عرف ربّه» (2).

* «أعرفکم بنفسه اعرفکم بربّه».

* «نال الفوز الأكبر من ظفر بمعرفة النفس».

* «من عجز عن معرفة تفيه فهو عن معرفة خالقه أعجر»(3).

* «عجب لمن ينشد ضالتّه وقد أضلّ نفسه فلا يطلبها».

*«عرفت الله سبحانه لفسخ العزائم، وحلّ العقود ونقض الهمم»(4).

* «میدانكم الأول أنفسكم، إن قدرتم عليها فأنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها فأنتم عن غيرها أعجز».

* «من أهمل نفسه ضيّع أمره» .

ص: 81


1- الغرر والدرر / 993
2- الکافی : ج 3 / ص23
3- نهج البلاغة / الحكمة 27
4- نهج البلاغة / الحكمة 250

المفتاح الثالث: العلم

يقول الإمام علي (عليه السلام):

یا مؤمن إنّ هذا العلم والأدب ثمن نفسك، فاجتهد في تعلّمه، فما يزيد من علمك يزيد في ثمنك وقدرك»(1).

وقال (عليه السلام):

«إنّما الناس عالم ومتعلّم وما سواهما فهمج»(2) .

مع أنّ مفردة ( الناس) نطلقها على جميع فئات المجتمع البشري المتحضّرة والوحشية، المتعلّمة والجاهلة، المؤمنة والكافرة، الصالحة والطالحة، إلّا إنّ الإمام علي (عليه السلام) أطلقها هنا وخصّ بها ( العلماء والمتعلمين )، ورأى إنّها لا تليق إلّا بهم، فهم وهم فقط من يستحق أن يطلق عليه هذه الكلمة، وإطلاقها على غيرهم إنّما هو من باب المجاز والتسامح في التعبير . فمن لم یکن عالماٌ أو متعلّم ليس جديراً بالدخول في زمرة (الناس)، لأنّه فاقد للحياة الإنسانية الحقيقية التي لا يمكن له أن يعيشها دون علم ومعرفةٍ وتفعيل هذه المعرفة في حيثيات الحياة وتفاصيلها، ولذا نرى أن القرآن الكريم يصّرح في سورة الرحمن المباركة بأنّ من يستحق أن نطلق عليه لفظة (إنسان) هو المتأدب بآداب ومعارف القرآن، ولذا قال تعالى:

الم علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان . (3)

ص: 82


1- مشکاة الانوار: 135
2- الغرر والدرر / 297
3- سورة الرحمن : الآیات 1-4

فقدّم سبحانه وتعالى ( علّم القرآن ) على ( خلق الإنسان ) مع أنّ مقتضى الترتيب الطبيعي أن ( یخلق الإنسان ) ثم بعد ذلك ( يتعلّم القرآن )، وفي هذا إشارة بليغة أنّ غير المتعلم وغير المتأدب بمعارف القرآن لا يستحق أن نطلق عليه (إنسان ) إلّا على نحو التجوّز والمسامحة؛ ولذات السبب يصنّف الإمام الصادق (عليه السلام) الناس إلى ثلاث طوائف في قوله (عليه السلام):

«الناس ثلاثة: عالم ومتعلم وغثاء»(1).

فالإمام (عليه السلام) يشبّه المجتمع البشري بالنهر الممتلئ، فطبقة العلماء والمتعلمين هم أمواج وسيل هذا النهر، الأمواج المتحرّكة بوعي وانسجام وفي مسار مرسومٍ بدقةٍ وإتقان، الوعي الذي نمی وتعاظم في نفوسهم نتيجة علمهم ومعرفتهم بأنفسهم وبرهم وبما يحيط بهم من موجودات. هذه الحركة الواعية هي التي يعوّل عليها لبناء عالم مليء بالسعادة والهناء وإعار النفوس قبل الإعار الخارجي لهذه الحياة. وأمّا سواهم فمنهم الجهلة وغير المتعلمين بل الرافضين لكل ما يمكن أن يرفع جهلهم ويبصّرهم در بهم فهم (غثاء ) بتعبير الإمام (عليه السلام)، وهذا ( الغثاء ) ليست له قدرة ذاتية على التحرّك والسير والانتقال إلّا بحركة الأمواج وسيل الماء، بل أكثر من ذلك، فهذا الغثاء وما يحتويه من أحجار و أعشاب وأوساخ متجمّعة قد تتّحد محاولة سد الطريق أمام حركة هذه الأمواج ومنع تدفقها و جریانها، لإنّهم يرون في هذه الأمواج عدواً لهم يجب إيقافه بالطرق والوسائل الممكنة.

ص: 83


1- الكافي ج 1 ص 34 (الغثاء: ما يحمله السيل من الزبد والوسخ والطفيليات والأحجار الراكدة وغيرها)

ويؤكد الإمام علي (عليه السلام) هذا المعنى بقوله:

«الناس أعداء ما جهلوا»(1).

ولذا فعل الإنسان أن يدرك أنّ قيمته الحقيقية تكون بقدر حركته الواعية التي تنطلق من أرضية ما يمتلكه من علم، والذي يتحول في القنوات النفسية الصالحة والنقية إلى معرفة تملى العالم بالخير والجمال والسعادة والاطمئنان.

فأهمية العلم تكمن في وصفه مقدمةً للمعرفة؛ ويشير الإمام علي (عليه السلام) إلى هذا المعنى بقوله:

«العلم أول دليلٍ، والمعرفة أخر نهاية» (2) .

فالعلم لا قيمة ذاتية له، تكمن قيمته الحقيقية في كونه كذلك: فما لم تكن غاية العلم هي المعرفة التي يجب أن تنعكس على سلوكيات الإنسان وأفعاله الخارجية وأفكاره وتوجهاته، وتكون حاضرة في كل حركاته وسكناته فإن العلم سيكون وبالاً على صاحبه، ويكون حاجباً يحجزه عن معرفة نفسه ومعرفة ربه؛ ويؤكد هذه الحقيقة الإمام علي (عليه السلام) في مواضع كثيرة، منها في كلام له مع كميل بن زياد النخعي (رضوان الله عليه) إذ يقول (عليه السلام):

یا کمیل، ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة»(3) .

ص: 84


1- نهج البلاغة / الحكمة 172
2- الغرر والدرر / 103
3- تحف العقول / 171

وقوله (عليه السلام):

«غاية العلم الخوف من الله تعالى»(1).

وقوله (عليه السلام):

علم لا ينفع كدواء لا ينجع»(2) .

وقوله (عليه السلام):

« العالم بلا عمل کالرامي بلا وتر»(3).

هذا هو السبب الرئيس في التأكيد الشديد والمستمر على أهمية العلم من قبل الديانات السماوية وتعاليم وتوصيات الأنبياء والأوصياء (عليه السلام) وجميع المصلحين والمفكرين على امتداد تاريخ البشرية. فأهميته تكمن في أنه مقدم ومشروع معرفة، فالعلم الذي يكون في أوعية نفسية صالحة وقنوات ذهنية نظيفة ينقلب إلى معرفة، كما اتفق كثير من العلماء في العلوم الطبيعية والطب والفلك وغيرها من أقسام العلوم، فإنّهم عرفوا الله تعالى من خلال علومهم. وأمّا إذا وجد هذا العلم في قنوات ذهنية ونفسية ملوثة فإنه لا يمكن أن يكون إلا نقمةً وعقوبةً عاجلة حلّت بحامل هذا العلم، وهذا المعنى نلاحظه كثيراً في عالمنا المعاصر، فكثير من الناس يعيشون في حال مزر من الناحية المعرفية المؤثّرة في فهمهم لأنفسهم ولربّهم وللكون الواسع

ص: 85


1- الغرر والدرر / 222
2- الغرر والدرر / 220

الذي يحتضنهم. علی رغم من محاولاتهم لإخفاء هذا الجهل وراء واجهات وعنوانات لا ينخدع بها إلّا السذج من أنصاف الناس الذين تخدعهم العنوانات الوهمية والأقنعة الزائفة التي يرتديها هؤلاء الجهلة الذين يعتاشون على خداع أنفسهم وخداع الآخرين شاكلتهم؛ لأنّهم يجهلون تماماً عدم واقعية علومهم وعدم فائدتها لهم، وأنّها النقم التي حلّت بهم وهي ليست من النعمة في شيء، لإنّ النعمة التي تقود إلى النقمة هي شر النقم؛ كما يصفها الإمام علي (عليه السلام) بقوله:

«نعمة الجاهل کروضة في مزبلة»(1).

ص: 86


1- نهج البلاغة / الكليات القصار

المفتاح الرابع: علو الهمة (الحماسة المشتعلة)

الصورة

يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

«قدر الرجل على قدر همته»(1).

في هذه الكلمة الرائعة - وكل كلماته رائعة بل تتبارى مع بعضها بعضاً في الجمال والروعة - يحدّد (عليه السلام) مفتاحاً آخراً يُعدّ من مفاتیح الحياة الإنسانية الطيبة، فبقدر همّة الرجل ودرجة حماسته ( التي توصف بالعلو والسفول وما بينها من المراتب والدرجات ) تكون قيمته وقدره، وتكون طبيعة حياة الإنسان ونوعيتها وشكلها.

و( الهمّة) هي الباعث نحو الفعل والدافع نحوه دفعاً شديداً ، والهمّة العالية هي التي تلهب إرادة الإنسان وتقوّي عزيمته نحو فعل ماهو كبيرٌ وذو قيمة وأهميّة ويوصل لله تعالى. وهذه الهمّة تلح إلحاحاً شدياً على صاحبها لإيجاد هذا الفعل في الخارج، لإنّ في هذا الفعل وما يسانخه من الأفعال سرّ نجاح وفلاح الإنسان، وسرّ السعادة الحقيقية، وسرّ التمتّع بتقدير ٍعالٍ للذات

ص: 87


1- نهج البلاغة / الحكمة 477

وما يترتب على هذا التقدير من ثمراتٍ ومعطياتٍ عظيمة وعميمة.

وسواءً عبّرنا عن هذا المفتاح به ( الهمّة ) أو ( الحماسة ) فلا فرق من الناحية العملية وإن اختلفت معانيها اللغوية اختلافاً بسيطاً(1) ، فالهمّة والحراسة تعطيان نفس المعنى الاصطلاحي الذي عبّر عنهما بتعبیرات مختلفة تتفق جميعاً في جوهرها وإن اختلفت ألفاظها. فأصل كلمة (ماس) أو (حماسة ) هو (Enthusiasm ) المشتقة من اللغة اليونانية من كلمة (Enthusiasmos)، التي تعني حرفياً أن يكون الإنسان (ملكاً لله) أو أنّها تعني ( الحميّة التي يلهمها الإله ). فهي تعني أنّ صاحب الهمّة العالية يكون ذو اعتقادٍ صادقٍ بأنّه عبدٌ مملوكٌ لله تعالى، وأنّه ملهم بدرجةٍ كبيرة، وأنّه صاحب حميّة ملتهبة نحو القيام بما يقربه إلى هذا المالك بعد أن هيمنت على نفسه رغبةٌ كبيرةٌ و مسعى حثيث وسعي دائم للوصول إلى ما وعد الله تعالى أصحاب الهمم العالية من الجنان المعنوية في عوالم الإنسان المختلفة التي لا منغص لها و لا شبیه بها؛ لأنّهم أيقنوا أنّ الدنيا ليست إلا طريق ومزرعة للآخرة، فلم يجعلوا طلبها منتهی هممهم وغاية سعيهم؛ بل استولت على نفوسهم إرادة الآخرة فملأت وجودهم طاعةً خالصةً واعية لربهم، وخضوعاً وتسليماً مطلقاً لإرادته و أمره ونهيه:

«ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن أولك كان سعيهم مشكورا »(2).

ص: 88


1- الهمة: ما هم به من أمر ليفعل.، الحراسة: الشدة والشجاعة، تحمس للأمر إشتدت رغبته فيه.
2- سورة الإسراء: الآية 19

وأمّا أصحاب الهمم السفلى والحراسة المسعورة نحو طلب الدنيا ومتعلقاتها وسفاسفها، الذين أضاعوا أوقاتهم وجهودهم وأفنوا أعمارهم وبدّدوا طاقاتهم وإمكاناتهم في سبيل تحصيل المزيد من المقتنيات والمتع الدنيوية الرخيصة، فإنّهم سيظلّون لاهثين متكالبين نحو دنياهم إلى نهاية أعمارهم دون أن يسدّوا جوع نفوسهم الطامعة الجائعة جوعاً لا يشبعه شيء، فكلمّا حصّلوا على المزيد والمزيد من مطامع نفوسهم ومطالبها التي لا تنتهي ( مال، وظيفة ذات مردود مادي و معنوي كبير، مكان اجتماعي، شهرة، مساکن فسيحة، أثاث فاخر، سيارات فارهة، أرصدة في البنوك...... إلى آخر قائمة الرغبات الدنيوية ) زاد جوعهم و اشتّد نهمهم إلى ما يلهب هممهم السفلى وحماستهم الحيوانية المسعورة، التي لا تزيد الإنسان إلّا بعد عن ربّه وخالقه، وقرباً من مصير سلبي أسود. وانغماساً في جهنم الدنيا قبل جهنم الآخرة:

«من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً»(1).

إن الله تعالى لشدة حبّه لعباده وعظم لطفه بهم وتنزيهاً لهم عن الوقوع في مهاوي الرذيلة والانحراف و نقصان تقدير الذات شرع أحكام كثيرة؛ بل كل أحكامه وتشريعاته جاءت لتبعد الإنسان عن الانجرار وراء ما هو وهمي و زائل من المتع الدنيوية التي يمقتها الله تعالى ويمقت من استولت الهمّة في تحصيلها على نفسه وروحه وجعلت منه عبداً لها؛ وفي ذلك يقول الرسول

ص: 89


1- سورة الإسراء: الآية 18

الاكرم (صلى الله عليه وآله):

«إن الله تعالى يحبُّ معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها»(1).

فهذه السفاسف والمطالب الوهمية لا يمكن أن تجعل من الإنسان فرداً سعیداً سعادةً حقيقية، ولا يمكن لها إلّا أن ترهق نفسه، وتجعله يعيش تحت وطأة الضغوطات الدنيوية المتتابعة والإخفاقات المتوالية والتسارع المحموم نحو لذائذ وقتية زائلة. بخلاف ما لو كانت همة الإنسان وحماسته عالية فإنها لا توجهه إلّا نحو معالي الأمور وما فيه خير و صلاحه في الدنيا والآخرة، وتدفعه للوصول إلى الأهداف السامية التي تنتج له السعادة الحقيقية والاطمئنان الواقعي والمتعة النقية الطاهرة في الدنيا والآخرة، لأنها تقع تحت جناح الرضا الإلهي، وتجعل من الإنسان سلطاناً وحاكماً على نفسه وشهواتها وملذاتها ودوافعها، بحيث لا تتّجه هذه النفوس إلا صوب مايرضي الله تعالى، في الوقت نفسه الذي يشعر فيه صاحبها بالرضاعن هذه النفس والتقدير العالي لها.

ص: 90


1- کنز العمال / 43021

من أين تأتي الهمة العالية والحماسة المشتعلة؟

اشارة

الصورة

يمكن القول إنّ الهمة تنقسم على قسمين:

1. الهمّة الوهبية

وهي رزق معنوي يهبه الله تعالى لكل الناس على حدٍ سواء، وبغض النظر عن وجهتها : الدنيوية المحضة أو الدنيوية الطريقية نحو الآخرة فهي مسؤولية العبد واختياره، وهي من مظاهر رحمة الله - سبحانه - الواسعة بعباده، ولولاها لما تحرّك حجر على وجه الأرض من مكانه، ولما كانت هناك حياة، فكل حركةٍ وكل نشاطٍ وفعالية بشرية الهدف منها إدامة الحياة يكون مبدؤها والباعث نحوها هو هذه الهمّة، ومانراه من مظاهر انعدام الهمّة وغيابها من نفوس كثير من أبناء الجنس البشري ليس مؤشراً على خطأ هذا الكلام؛ بل إنه مظهرٌ من مظاهر كفر النعمة الإلهية. هذا الخُلق وهذا السلوك السائد والغالب على النفوس البشرية التي هُزمت أمام دوافعها الوهمية يعضدها ويشد من أزرها الشيطان وجنوده،

ص: 91

فأهملوا رعايتها وتنميتها ولم يحسنوا استثمارها وتوجيهها الوجهة الصحيحة التي أراد الله - تعالى - التوجّه نحوها، والتي فيها خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة، فضيّعوا هذه النعمة و أضاعوها من

نفوسهم بسوء اختيارهم.

2. الهمّة الکسبیة

اشارة

وهي الهمة التي يوجدها نظام الاعتقاد الشخصي للإنسان والمؤلف من أفكاره واعتقاداته وقيمه وعاداته. وكلما كان هذا النظام أكثر قوةً، ومتانة، وأشد ارتباطاً بالمنبع الصافي والمعين العذب للافكار والاعتقادات والقيم والعادات الأصيلة متمثلاً بالأنبياء

والعلاقة بين علو الهمّة الكسبية وبين تطور ومتانة نظام الاعتقاد الشخصي علاقة تبادلية، فكل منهما يؤثر في الآخر سلباً أو إيجاباً، وكلمّا كانت الهمة أعلى والحماسة أكبر كان نظام الاعتقاد الشخصي أكثر إيجابية، وكلما كان هذا النظام أكثر إيجابية كانت الهمة أعلى، والعكس صحيح.

يقول (دينيس ويتلي ) مؤلف كتاب (سيكولوجية الدوافع):

(تتحكّم قوّة رغباتنا في دوافعنا، وبالتالي في تصرفاتنا).

فالهمّة العالية والحماسة الكبيرة والرغبة الشديدة في التميّز الإنساني ومحاولة إبرازه إلى الخارج في شكل سلوكياتٍ إيجابية وإنسانية هو الدافع

ص: 92

والمحرك الذي يلهب حماسة الإنسان ويقوّي عزمه وإرادته وحمیّته نحو سلوك أفعال خارجية إيجابية على امتداد مسيرة حياته البشرية. وبذلك يحافظ على هذه الصورة الإنسانية التي تشعره بالقُرب من ربّه ومن ذاته الحقيقية، وكلما كانت الهمّة أعلى قويت هذه الدوافع والمحركات، وعظمت طاقتها، وصلبت واشتدت الأرضية الفكرية والعقدية والقيمية المنتجة للأفعال والسلوكيات الإيجابية.

قصة ومغزی

ذهب شاب إلى أحد حكماء الصين ليتعلّم منه، وسأله:

هل تستطيع أن تذكر لي سر النجاح؟

فرد عليه الحكيم الصيني بهدوء قائلاً: سر النجاح هو الدوافع.

فسأله الشاب : ومن أين تأتي هذه الدوافع؟

فرد عليه الحكيم: من رغباتك المشتعلة.

وباستغراب، سأله الشاب : وكيف تكون عندنا رغبات مشتعلة؟

وهنا استأذن الحكيم الصيني لعدّة دقائق، وعاد ومعه وعاء كبير مليء بالماء، وسأل الشاب: هل أنت متأكد من أنّك تريد معرفة مصدر الرغبات المشتعلة؟

فأجابه بلهفة: طبعاً.

فطلب الحكيم منه أن يقترب من وعاء الماء وينظر فيه، فنظر الشاب عن قرب، وفجأةً ضغط الحكيم بكلتا يديه على رأس الشاب ووضعه داخل

ص: 93

وعاء الماء، ومرّت عدّة ثواني، ولم يتحرّك الشاب، ثم بدأ ببطء محاولة إخراج رأسه من الماء، ولمّا بدء يشعر بالاختناق بدأ يقاوم الحكيم الصيني وسأله بغضب: ما هذا الذي فعلته؟

فرد وهو ما زال محتفظ بهدوئه قائلاً: ما الذي تعلمته من التجربة؟

قال الشاب: لم أتعلم شيئا !!

فنظر إليه الحكيم قائلا: لا يا بني، لقد تعلمت كثيراً، ففي خلال الثواني الأولى أردت أن تخلص نفسك من الماء ولكن دوافعك لم تكن كافية لفعل ذلك، وبعد ذلك كنت راغباً في تخليص نفسك فبدأت بالتحرّك والمقاومة ولكن ببطء، إذ إن دوافعك لم تكن قد وصلت بعد لأعلى درجاتها، وأخيراً شارفت على الاختناق أصبح عندك الرغبة المشتعلة لتخليص نفسك، وعندئذ فقط نجحت، لإنّه لم تكن هناك أيَ قوة في استطاعتها أن توقفك، ثم أضاف الحكيم الذي لم تفارقه ابتسامته الهادئة:

(عندما يكون لديك الرغبة المشتعلة للنجاح فلن يستطيع أحد إيقافك).

الصورة

ص: 94

لماذا في علوّ الهمّة مدّ وجزر؟

إنّ الهمّة تنبع من مكانٍ عميقٍ بداخل النفس البشرية، ولذا فإنّ علو الهمّة الحقيقي والحراسة الأصيلة لا يمكن تزييفها كما في حماسة المؤمنين من الناس إيماناً صادقاً، لأنّها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمصدر إلهي مُلهم يدفعها ويحرّكها نحو معالي الأمور وأشرافها، ولإنّ طاقتها مستمدة من القوة القادرة العالمة الحيّة اللامحدودة و اللامتناهية، التي تدفعها دفعاً حثيثاً متواصلاً بتواصل هذا الارتباط والاتصال نحو كل ماهو خيرٌ وصلاحٌ وفلاحٌ ومنتج للأفكار الإيجابية الخلاقّة والمبدعة، التي تولّد مشاعراً وأحاسيساً ايجابية تنتج افعالاً وسلوكيات خارجية ايجابية كمنشأها، وتفتح الأبواب مشرعة أمام صاحبها التحقيق المزيد من الإنجازات الكبيرة التي تقود إلى مصير إيجابي في الدنيا والآخرة، وتجعل حياة الإنسان حياةً طيبةً مثمرةً غنيةً بكلِّ ما هو خيرٌ وحسنٌ وجمال، بخلاف الحماسة الزائفة التي تظهر بشكل كلمات وأفعال وإيراءات مصطنعة، سرعان ما تخبو وینکشف زيفها وخداعها.

ص: 95

رغم ذلك فإنّ الحماسة الأصيلة قد تتعرض إلى هجوم ومثبطات، فتفتر قليلاً، وتقلّ كفاءتها، وتضُعف طاقاتها، وتصاب النفس بحالة جزر الهمة، ويضطر صاحبها إلى انتظار قدوم المدّمرة أخرى، وهذه الحالة نلاحظها كثيراً، فنرى أناسا في يوم من الأيام ونظن أنّهم سيفعلون المعجزات، وربّما نجدهم في اليوم التالي مباشرة تعتلي وجوههم إمارات التشاؤم وتعكّر المزاج، فيتراجع مستوى أدائهم، وتنفد طاقتهم، وتتراجع حركتهم ونشاطهم حتى يحصلوا على إمدادات جديدة من الطاقة..

فلماذا هذا المدّ والجزر في مستويات الهمّة والحماسة؟

السبب الرئيس في ذلك هو استيلاء الأفكار السلبية على النفس البشرية بفعل عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية يجمعها جامع إرادة الدنيا، وطلب الاستزادة من لذاتها ومتعها والابتعاد عن الغاية الاصيلة من وجود الإنسان في هذا العالم والانحراف عن طلب الآخرة. فهذه الأفكار هي القاتل للحماسة الذي يبدّد حيوية ونشاط الإنسان، ويخفّض مزاجه إلى درجة لا يشعُر معها بالرغبة في فعل أيٌّ شيء يرتبط بإرادة الآخرة وبها هو معنوي و غيبي. ولذا فإنّ تأجيج جذوة الحساسة في النفس يحتاج إلى إبعاد هذه الأفكار السلبية - عن النفس كخطوة أولى، يتبعها تركيز الذهن على الشيء الذي تود انجازه بكلّ عزم وإصرار، والتعهّد أمام الذات بعدم وجود قدرة على الأرض تستطيع حجز الإنسان عن مواصلة دربه نحو تحقيق أهدافه السامية التي تقع في طريق وصوله إلى غايته الكبرى في هذا العالم.

ص: 96

أهم ثمرات الهمّة العالية ومواصفات أصحابها

العلو الهمّة والحراسة المشتعلة ثمار كبيرة ومعطيات عظيمة وآثار عميقة في النفس البشرية، وأبرز ثمارها وأهم ما تضفيه إلى النفوس من خصائص وصفات وسمات تفصح عن نفسها بصدق وصراحة وألق في سلوكيات وأفعال وأقوال أصحابها، ومن هذه الصفات کما ذکرها من كان مفتاح التعرّف على شخصيته المباركة عند كثير من الساعين وراء التعرف عليها والتزود منها هو (الحماسة والعرفان)، فالحماسة والعرفان وبأعلى مستوياتها الممكنة ملأت أرجاء النفس الإنسانية الكبرى لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهما مفتاح شخصيته المباركة، وهو مفتاح واحد لا مفتاحين مستقلين- کا قد يتصور - لوثاقة الارتباط بينها. فلا حماسة حقيقية بدون عرفان حقيقي ولا عرفان حقيقي دون حماسة حقيقية، إذ لا بينونة ولا فصل بینها، فكما أنّ الحماسة تعني التوجه التام والشديد نحو مايريده الله تعالى، ذلك التوجّه الواعي نحو ( الآخرة ) ونحو معالي الأمور وأشرافها، والتحرر من جميع المطالب الدنيوية والمتع الفانية الرخيصة، والإنشداد المركّز نحو تحصیل ما عند الله تعالى، وعدم رؤية غاية تستحق بذل الغالي والنفيس في سبيل الوصول اليها من أجل لقاء الله تعالى والفوز برضوانه الأكبر. كذلك العرفان فهو التوجّه الباطني المستمر نحو مركز العلم والحياة والقدرة، ومنبع الرحمة والمحبّة واللطف والعطاء اللامتناهي، ومجمع كلّ صفات الجمال والجلال والكمال. وإرادة الوصول إليه ولقائه، والتنعم بثمرات هذا اللقاء.

ص: 97

ولذا تجد أنّ العارف لا يهدأ له بالٌ، و لا تسكن له نفس إلّا بالوصول إلى غايته، مهما كان طريق الوصول صعباً ومليئاً بالعقبات والتحديات، فحرقة نفسه لا تزول ولا تهدأ ، وشعلتها لا تفتر و لا تخمد بغير هذا اللقاء، كما يشير إلى هذه الحقيقة صاحب الحماسة التي لم تهدأ أبداً ورمز العرفان الأصيل علي بن أبي طالب (عليه السلام) بقوله:

«لم تسكن حرقة الحرمان حتى يتحقق الوجدان»(1).

أهم صفات أصحاب الهمم العالية كما يحددها علي (عليه السلام)

1.الحلم والأناة

يقول الإمام علي (عليه السلام):

«الحلم والأناة توأمان يتبعها علو الهمّة»(2).

وتكمن أهمية الحلم والأناة وأثرهما النفسي الإيجابي الكبير على النفس البشرية في أنها يوفران الجو النفسي اللازم لممارسة أعظم الفعاليات فائدةً ونفعاً للإنسان ، و هي عادة ( التأمّل والتفكّر )، التي لا يمكن أن تُوجد إلّا في ظل أجواء الاسترخاء النفسي التامّ الذي يهيئه ( الحلم ) وتوأمه من حيث الطبيعة والأثر ( الأناقة )، الحلم الذي يصفه الإمام الحسن (عليه السلام) بانّه: «كظم الغيض وملك النفس»(3).

ص: 98


1- الغرر والدرر / 64
2- نهج البلاغة / الحكمة 460
3- بحارالانوار : 2/102/78

و هو الوليد الشرعي لوفرة العقل؛ يقول الإمام علي (عليه السلام):

«بوفور العقل يتوفر الحلم»(1).

والثمرة الطيبة للعلم

«عليك بالحلم فإنه ثمرة العلم» (2) .

فالتأمّل والتفكّر يجعلان الإنسان على بصيرةٍ من أمره، ومن كان على بصيرة من أمره ومعرفةً بدربه انفتحت أمامه سبل الخير والتكامل والصلاح، وانكشفت له حقائق جديدة لم تكن لتنكشف لولا التأمّل والتفكّر، وكان أعرف الناس بالطرق الصحيحة التي يجب أن يسلكها بعد أن يستجمع طاقاته ويحفّز إمكاناته وقدراته الكامنة ويستثمر مواهبه الداخلية أكمل وأفضل استثمار لإيصاله إلى غايته الكبرى من وجوده في هذا العالم.

فعلو الهمّة المنتج للحلم والأناة، اللذان يهيئان الجو النفسي للإنسان للتأمّل والتفكّر وانفتاح البصيرة من أعظم المفاتيح وأكثرها إلهاباً وإشعالاً لحماسة الإنسان وشدّ عزمه وتقوية إرادته نحو حركةٍ إنسانية واعيةٍ لا تفتر ولا تهدأ دون وصول الإنسان إلى أهدافه وغايته. وهي الدافع الأول والمؤثر الأكبر في توجيه دفّة النفس البشرية نحو الاستقرار في أرض الأفكار والاعتقادات والقيم والعادات الإيجابية. وأن لا يقبل عنها عوضاً وبدلاً مها عرضت عليه أو عرضت له المطالب الدنيوية التي تبقی رخيصة ووضيعة وإن

ص: 99


1- الغرر والدرر: 6276
2- الغرر والدرر: 6084

عظمت و مهما حاول أهل الدنيا تعظيمها وتزويق وتلميع وزخرفة صورتها.

2. الشجاعة

وفيها يقول (عليه السلام):

«شجاعة الرجل على قدر همته»(1).

وأروع وأعظم صور الشجاعة هي الشجاعة في ميدان الصراع الداخلي، الصراع بين القوى الخيّرة في النفس البشرية التي يمثلها العقل والدوافع الحقيقية، يقابلها القوى الشريرة في هذه النفس ممثلة بالنفس الأمّارة بالسوء و دوافعها الوهمية ؛ ولذا يقول الإمام علي (عليه السلام) :

«أقوى الناس أعظمهم سلطان على نفسه»(2).

فالانتصار في هذا الميدان هو حليف من كان شجاعاً شجاعةً تعكس قدر همته العالية وحماسته الشديدة التي تشده إلى محاربة ما هو وهمي وزائل و منتج للرذيلة والشر والفساد.

والمظهر الآخر من مظاهر الشجاعة، الذي يكون وليداً لعلو الهمّة و الشجاعة في ميدان الفكر والرأي هو القدرة الكبيرة على اتخاذ القرارات الصائبة في اللحظات العصيبة و المفاصل الحياتية الضاغطة التي تحتاج إلى قرار شجاع ومصيري مؤثر في رسم صورة مشرقة للحياة الإنسانية الطيبة كأعظم القرارات في حياة الإنسان وهو قرار الالتزام التام بأحكام السماء

ص: 100


1- الغرر والدرر / 7850
2- الغرر والدرر / 3188

وتعاليم الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام) ووصاياهم. والسعي الصادق والجاد نحو تحقيق الغاية من وجود الإنسان في هذه الحياة وهي الفوز الأكبر برضوان الله تعالى، ومثل هذه القرارات الكبيرة لا يمكن أن يقطع بها وأن يلتزم بمضامينها إلاً من كان على ثقة تامةٍ بقدراته وإمكاناته الفكرية

والعلمية، التي تعكس بشكل واضح علوّ همته وطاقته الفكرية العالية وشجاعته الكبيرة التي لا يمتلكها الا أصحاب العقول الحصيفة والنفوس المتأمّلة؛ كما يقرر ذلك الامام علي (عليه السلام) بقوله:

«لا أشجع من لبيب»(1).

3. الکرم

وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام):

«الكرم نتيجة علو الهمّة»(2).

والكرم يرتبط ارتباطا وثيقاً بالشجاع؛ حتى عدّ علي (عليه السلام) أنّ من كان أكثر كرماً وأكبر عطاء هو أشجع الناس في قوله (عليه السلام):

«أشجع الناس أسخاهم»(3)

فأصحاب الهمم العالية مدفوعون بحماس شدید نحو العطاء و ایصال النفع و الخیر للآخرین . و لذا فهم یعدون من اکثر الناس انسانیةً لتمتعهم

ص: 101


1- الغرر والدرر / 10591
2- الغرر والدرر / 1477
3- الغرر والدرر / 2899

بأسمى القيم الإنسانية وأعلاها و(هي قيمة ايصال النفع والخير للآخرين). و لشدّة تركيز هذه القيمة في نفوسهم تجد أن مستويات الطاقة العطائية عندهم تبقى دائماً في أعلى مستوياتها، فهم لا يملون ولا يكلون ولا يتذمرون ولا تجف ينابيع العطاء والكرم في نفوسهم لأنها متّصلة بنبع العطاء والخير اللامتناهي. هذا الاتصال هو الذي يبقي حرارة الإحساس والشعور بالآخرين مرتفعة دائماً في نفوسهم، ولذا تراهم دائماً على أهبة الاستعداد و بأعلى مستويات الأريحية والصدق لمدّ يد العون للآخرين وإغاثتهم مادياً ومعنوياً وعلمياً وفكرياً ومعرفياً، حتى يصل العطاء إلى أعلى درجاته وأسمى مستوياته حين يجود المرء بنفسه العزيزة الكريمة لأجل إحياء نفوس الآخرين بعد أن شارفت على الهلاك والسقوط في مهاوي الكفر والانحراف والرذيلة والفساد. كما فعل الإمام الحسين (عليه السلام) أبان نهضته المباركة في كربلاء الشهادة والجود والعطاء، وبذل نفسه الشريفة قرباناً لربه،فكان قدوةً وأنموذجاً فريداً يشعل بمواقفه المتألّقة حماسة أصحاب النفوس الكبيرة والهمّم العالية. تلك النفوس التي لا يمكن للتعب والملل واليأس والقنوط والارهاق والفتور أن يطالها، النفوس التي تأبى السكون والهدوء حتى تصل إلى مركز السعادة الحقيقیة والجنة الواقعية، وهي ذواتهم الحقيقية ذات الصبغة الإلهية، التي تمنحهم السعادة والرضا، وتمدهم بالأمل المستمر لإمكان الوصول إلى الرضا الإلهي، والتقدير والاحترام الحقيقي لهذه الذوات، وبالتالي الحصول على أعلى مستويات تقدير الذات(1).

ص: 102


1- وافق كتابة هذه الكلمات يوم العاشر من محرم الحرام، يوم شهادة الامام الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، أصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية،وفي لحظات ازدحام ذاكرتي بصور الحلم والشجاعة والاباء والشهادة والفداء والعشق الآلهي والنبل والعطاء في واقعة الطف التي تضيق عن استيعاب صورها المشرقة كل ذاكرة، بل تضيق عنها كل ذاكرة البشرية لعظمتها وسعتها وعمقها وتفردها وتنوع مظاهر العطاء والجود فيها، فالسلام على الحسين، وعلى أبي الفضل العباس، و على أولاد الحسين، و على أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجم دون الحسين (عليه السلام).

أهم مظاهر سفول الهمة ومواصفات أصحابها

الصورة

يلخص الإمام علي (عليه السلام) مظاهر سفول وتدني الهمّة بكلمة واحدة جامعة تنطوي تحتها جميع المظاهر السلبية لسفول الهمّة وضعف الحماسة بقوله:

«من صغرت همّته بطلت فضيلته»(1).

فعلي (عليه السلام) يقرّر أن مظاهر الفساد والانحراف الأخلاقي والفكري والسلوكي التي تذهب بفضيلة الإنسان وتميّزه وتفرّده على باقي

ص: 103


1- الغرر والدرر / 8019

المخلوقات، وتحيله إلى كائن بشري مشوّه الهوية وممسوخ الإنسانية معلولة لسفول الهمّة. هذه المظاهر التي يجمعها عنوان (الرذيلة). الرذيلة على مستوى الفكر والسلوك، فانحراف الفكر وفساده هو من أرذل الرذائل، وهو المنتج لكل رذيلة سلوكية وأخلاقية خارجية، وكذلك الحال فإن مظاهر الجال والكمال والحسن، ومكارم الأفعال ومحاسن الصفات منشؤها ومبدؤها حسن وجمال وكمال و فضيلة الفكر والعلم الذي يصفه الإمام علي (عليه السلام) بوصف رائع بقوله:

«غاية الفضائل العلم»(1).

لإنّ الفضائل جميعها تقف وتنتهي عند العلم، وما نعنيه بالعلم هو ليس كل علم، بل خصوص العلم الذي ينتهي إلى المعرفة. فهذا العلم هو مصدر كل الفضائل والكمالات النفسية والسلوكية جميعها.

فبالعلم تكون العادة عادةً إيجابية واعية.

وبالعلم ندرك حسن وجمال الكرم والشجاعة.

وبالعلم نترفّع عن مجازاة الآخرين بالسوء.

وبالعلم نتحلّى بالإنصاف.

وبالعلم نحفظ ألسنتنا.

وبالعلم ندرك أنّ الإحسان أفضل الفضائل.

ص: 104


1- الغرر والدرر / 6379

وبالعلم نملك أنفسنا عند الغضب .

وبالعلم نمیت شهواتنا غير المنضبطة، ونقمع أهواء أنفسنا المنحرفة.

وهكذا بقية الفضائل والكمالات التي يذكرها الإمام علي (عليه السلام) في كلماته تحت عنوان (الفضيلة)(1).

* هذه أهم مظاهر سفول الهمّة.

* أما مواصفات أصحابها:

فهي - أيضاً - ممّا يختزله الإمام علي (عليه السلام) بكلمة واحدة جامعة، تُعد مبدأً لكل الصفات النفسية والسلوكية السلبية لأصحاب الهمّم المتدنية، وهي قوله (عليه السلام):

«لا همة لمهين»(2).

ف__ ( المهين ) هو الوصف الذي يطلقه الإمام علي (عليه السلام) على أصحاب الدنيا، وعلي (عليه السلام) عندما ينفي جنس الهمة ب_ (لا) النافية للجنس فإنه يؤكّد على حقيقة مهمة وهي: أن (المهين) لا يمتلك حتى أضعف مراتب (الهمّة) لإنّ نفي جنسها يستلزم نفيها بجميع مراتبها ودرجاتها ومستوياتها، فما هي صفة هذا (المهين)؟

ص: 105


1- نهج البلاغة / الخطبة 193، الغرر والدرر (1925، 6559، 5139، 8907، 7179،4899،805، 10625، 5237 )
2- بحار الأنوار: 78/ 10/ 67

( المهين ): هو من هانت عليه نفسه.

ولا تهون النفس على صاحبها إلا إذا كان هذا الصاحب جاهلاً بقدراتها و إمكاناتها ومواهبها الإلهية العظيمة، جاهلاً بقيمتها وقدرها عند بارئها الذي فضلها وميزها على باقي مخلوقاته، و ذلك بسبب انقيادها وانجذابها واتجّاهها إلى ما يلبي مطالبها ويشبع رغباتها اللامتناهية، حتى لو كانت هذه المطالب والرغبات غير مشروعة ومخالفةٍ لقيم السماء والأرض، وكانت مطالباً ورغباتٍ وهمية وزائلة ولا قيمة واقعية لها.

فالمهين هو ذليل النفس ذو صورةٍ ذاتيةٍ سلبيةٍ، وصاحب أدنى درجات التقدير الذاتي. ولإنّ الأشياء تعرف بأضدادها فإنّ أوضح وصف يمكن اعطاءه للمهين يتبين بعد معرفة ضده وهو (كريم النفس)، الذي يصفه الإمام علي (عليه السلام) بأوصاف واضحة جلية يمكن بمعرفتها معرفة ضده (مهين النفس ) بنفس درجة الوضوح والجلاء، وهذه الأوصاف هي:

«من کرمت عليه نفسه لم يهنها بالمعصية»(1).

«من گرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته»(2).

«من گرمت نفسه صغرت الدنيا في عينيه»(3) .

ولأهمية هذه الصفة ودورها الكبير والمحوري في رفع مستوى تقدير الذات

ص: 106


1- الغرر والدرر / 8730
2- الغرر والدرر / 8771
3- المصدر السابق

ركّزت عليها شرائع السماء وأولتها اهتماماً واسعاً وخاصاً، وبالخصوص خاتمة هذه الشرائع وأكملها التي أكدت على مسألة( الكرامة الإنسانية ) و ( عزّة النفس ). هذا الاهتمام الواسع والمركز انعكس حتى على التشريعات والأحكام التي أولتها عناية فائقة؛ فكانت هناك أحكام خاصة في موارد كثيرة الهدف منها صيانة كرامة الإنسان والحفاظ على عزّة نفسه وصورته الذاتية وتقديره لها، وضمان عدم وقوعه في الذلة والمهانة ونقص تقدير الذات، أو استلزم الحكم الشرعي ايقاعه في ذلك، فحرمت على الفرد المسلم تعريض نفسه للذلة والمهانة بعد أن كرمه الله: «ولقد كرمنا بني آدم..... »(1) .

فالله تعالى جعل العزة والكرامة والشرف جزءاً من الخلقة الإنسانية، وهذا يقتضي من الإنسان الحفاظ على هذه النعمة الإلهية الكبرى، وأن لا يقهر ويغلب أمام شهوات نفسه ودوافعه الوهمية، بل عليه أن يكون هو القاهر لها والمسيّر لها بالوجهة التي يحكمها العقل والتوجه نحوها. وقد بيّن الشارع المقدس كيفياتها في تشريعاته للأحكام والسنن والآداب .

فالإنسان صاحب العزة والكرامة، وصاحب التقدير العالي لذاته يكون أقرب إلى ربه وإلى نفسه من غيره، لأن شعوره هذا يدعوه للالتفات والتوجه الدائم إلى ذاته وحقيقته الإنسانية. ومن كان كذلك یكون قد وضع أقدامه الفكرية والمعرفية على الخطوة الأولى من سلم التكامل النفسي والعقلي، الذي ينتهي بدرجات عالية من معرفة النفس ومعرفة الله تعالى، ومستويات عالية من تقدير الذات.

ص: 107


1- سورة الإسراء: الآية 70.

أهم طرق وآليات تنمية تقدير الذات

1. الخطوة الأولى من خطوات تحفيز الهمة ورفع مستوى الحاسة هي اعتراف الإنسان بضعف همته عن المستوى الذي يتناسب مع أهمية الإنسان ومحوريته في عالم الوجود وعظم مسؤولياته المتناسبة مع هذه الأهمية، وهذه الخطوة أهم الخطى في رفع مستوى الهمة والحماسة لأنّها تعد النفس والفكر وتهيئها للاعتقاد بضرورة رفع مستوى الهمة والحاسة، بعد التسليم بإمكان هذه العملية مصحوباً بالدعاء الصادق و الالتجاء إلى الله تعالى وطلب العون والتوفيق والسداد لإتمام هذه العملية.

2. الثقة التامّة بإمكانية رفع مستوى الهمة والحماسة، وبالقدرات والامكانات الحالية، و عدم الالتفات إلى الهزائم والاخفاقات السابقة أو الاستسلام لضغوطاتها النفسية وعدم تذكّر ما أحيط بها من انتقادات من الأهل والأقارب والأصحاب وزملاء العمل. لأنّ

ص: 108

النظر إلى الوراء والشك في القدرات والامكانات بفعل انتقادات وكلات الآخرين من أسباب التعثّر في طريق تنمية الهمّة والحماسة.

3. الإفادة من الأخطاء والتجارب والاخفاقات السلبية، واقناع النفس بأن ليس ثمة فشلٌ في الماضى وإنما هي تجارب وخبرات سابقة، ودوام النظر وما فيه من آفاق رحبة وفرص جديدة تستحق التوجّه نحوها بهمّة وحماسة عالية.

4. التنافس بين الشخص وهمتّه، وذلك بأنّ يحمل الإنسان نفسه أعباء وآمالاً وأهدافاً كبيرة و يلزمها الوصول اليها، وهذا الأمر له فعل السحر في إيقاد جذوة الحماسة والتحدّي في نفسه، مع الالتفات إلى أن لا تكون هذه الآمال والأهداف مما لا تسعه قدرة النفس البشرية وطاقاتها والا انقلبت الهمّة و الحماسة إلى إحباط.

5. السعي الجاد والدؤوب لتحصيل المزيد من الكمالات المعنوية والمعرفية، واعداد عدة تحصيل العلوم والمعارف المختلفة، خصوصاً فيما يتعلق بالأمور الشرعية وأولها الاعتقادات الحقة وما تبعها و يتعلق بها من أحكام شرعية وأمور الحلال والحرام والسنن والآداب . فالعلم ضروري ولا بد منه ليس فقط في حال طلب الآخرة؛ بل حتى في طلب الدنيا التي لا تتعارض مع الأخرة، وإهمال هذا الأمر سيقلب الهمّة و الحماسة التي يجب أن تكون عن وعي وإدراك إلى همّة وحماسة سفلى مسعورة وغير واعية، وسيكون صاحبها من الذين

ص: 109

ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً وهو حال كثير من أبناء الجنس البشري.

6. التيقظ والحذر الدائم من الإصابة بحالة فتور وتشظي الهمّة وتبّدد وتبعثر الحماسة، و سببها عدم وضوح الأهداف و الغايات التي يجب توجيه الهمّة والحماسة نحو الوصول إليها وتحقيقها، فإن عدم وضوح الأهداف تجعل الرؤية المستقبلية غير واضحة مما يؤدي إلى التخبّط والعشوائية وضياع الجهود وتبدّد القدرات والامكانات.

7. مرافقة ومصاحبة أصحاب الهمّم العالية والحماسة المشتعلة من الذين صغرت الدنيا في أعينهم وعظم طلب ما عند الله في نفوسهم، وهذه المرافقة والمصاحبة تكون مع الأحياء ومع الأموات، وذلك بقراءة سيرتهم، والاطلاع على ما قاموا به من أعمال وإنجازات كبيرة تكشف عن علو همّمهم وشدة حماستهم، ولهذا الأمر قوة تحفيزية كبيرة تلهب حماسة الإنسان وتشد من عزمه و تقوّي إرادته وترفع قدرته واستعداده إلى مستويات عالية؛ و ذلك لأن الحماسة كما يقولون: ( معدية )، والعدوى من أصحاب الهمّم العالية والحماسة المشتعلة إذا ما قرّر الإنسان مصاحبتهم والاقتداء بهم سيصاب بها حتى قبل أن يدرك ذلك، وحتى لو حاول -جدلاً - تحصين نفسه ضدها، فإنها تظهر في سلوكياته، وعلى قسمات وجهه، وعلى صوته، وعلى حركته وطريقة مشيته. فالحماسة معدية ولها القدرة على السرایة والانتقال في كل تفاصيل ومفاصل حياة الإنسان.

ص: 110

8. ترك حياة الراحة والدعة والكسل، واغتنام فرص الخير، والأخذ بزمام المبادرة، والتحرّك النشط والفعال لإنجاز الأعمال الموصلة إلى الأهداف بعد جدولتها جدول تراعي الأولويات.

9. طلب معالي الأمور وأشرافها، والابتعاد والهروب من سفاسفها، و ( المعالي ) هي كل ما يؤثر تأثيراً إيجابياً على النفس البشرية. ويظهر هذا التأثير جلياً في سلوكيات الإنسان الخارجية التي تكون إيجابية وتقوده إلى مصير إيجابي في الدنيا والآخرة. و ( السفاسف ) هي ما ليس لها هذا التأثير، أو أنها تؤثر سلباً وإن كانت مباحة وغير محرمة شرعاً - من حيث هي هي -، إلّا إنّ آثارها تتراكم وتتجمع فتؤثر بالنتيجة أثراً لا يريده الله تعالى للإنسان، لأنّ هذه السفاسف تؤدّي إلى تضييع الكثير من فرص الخير التي يهديها الله تعالى للإنسان من أجل تطوير ذاته وتحسين شكل ونوعية حياته؛ يقول بروس بارتون:(أحيانا عندما أتأمّل العواقب العظيمة التي تتمخّض عن صغائر الأمور... أميل إلى التفكير أنه لا وجود لصغائر الأمور).

* ومن أمثلة هذه السفاسف التي يجب على كل ساعٍ نحو تنمية همّته و رفع درجة حماسته أن يبتعد عنها هي:

1. كثرة الزيارات للأقارب والأصدقاء دون هدف مطلوب شرعاً، أو حتى دون هدف دنيوي ذو فائدة أو أثر إيجابي على النفس؛ بل إنّ غالب مايدور من أحاديث ونقاشات في مثل هذه الزيارات من

ص: 111

الأحاديث المكررة عشرات المرات والنقاشات المستهلكة التي لا ثمرة فيها.

2. كثرة المكالمات والرسائل الهاتفية، وقضاء كثير من الوقت في التواصل معهم في مواقع التواصل الاجتماعي ک_(الفيس بوك، التويتر، الجات، الوات ساب، الفايبر ) وغيرها من مواقع الإنترنيت دون فائدة وثمرة حقيقية، لمجرد قتل واغتيال الوقت، و دعوى الابتعاد عن عالم الملل والرتابة دون أن يدركوا أنّهم - وكثير على شاكلتهم- هم من وضعوا أنفسهم في هذا العالم الضيق.

3. الإنشداد للقنوات الفضائية، ومتابعة البرامج التلفزيونية والمسلسلات والأفلام السينمائية غير المفيدة طيلة ساعات اليوم أو أغلبها.

4. الانشغال وتضييع الوقت في الحديث والنقاش حول أمور ومواضيع لا تستحق النقاش وتضييع الوقت عليها، كالحديث عن آخر صيحات الموضة والأزياء، وآخر موديلات السيارات وتسريحات الشعر، وأخبار الفنانين والرياضيين وآخر الانتقالات للاعبين المحترفين في الأندية العالمية ومقدار عقودهم، وغيرها من التفاهات التي لا طائل من ورائها.

5. كثرة التمتّع بالمباحات، بدعوى الترويح عن النفس، کالسفر إلى الأماكن السياحية، و ارتياد لمتنزهات ومدن الألعاب وحدائق الحيوان، والتسكّع في الشوارع التجارية و(مقاهي الكوفي شوب ،

ص: 112

المولات، النوادي الترفيهية، صالات ألعاب البليارد).

6 . الانهاك في تحصيل الأموال بالتجارة أو تكليف الموظف نفسه بعملين (صباحي ومسائي) بدعوى تحسين أحواله المعيشية والتوسعة على العيال ثم ينقلب الأمر إلى عادة وطلب محض للدنيا إغراءاتها المادية.

* يقول المتخصص والخبير العالمي في فن التحفيز الدكتور (ماردین )(1) في معرض كلامه عن الناجحين الذين يستثمرون كل لحظة من لحظات حياتهم التحقيق انجازات ونجاحات كبيرة غابت فرص تحقيقها عن معظم الناس اللذين لا يمتلكون مهارة إدارة أوقاتهم و اللذين تفوتهم الفرص الكبيرة والكثيرة التي ضيعوها ولم يحسنوا استغلالها بسبب جهلهم لكيفية امتلاك مفاتيح هذه المهارة:

( كل رجل ناجح لديه نوع من الشباك يلتقط به نحاتات و قراضات الزمان، ونعني بها فضلات الأيام والأجزاء الصغيرة من الساعات مما يكنسه معظم الناس بين مهملات الحياة، وأن الرجل الذي يدّخر كل الدقائق المفردة، وأنصاف الساعات، والأعياد غير المنتظرة، والفسحات التي بين وقت ٍ وآخر، والفترات التي تنقضي في انتظار أشخاص يتأخرون عن مواعيد مضروبة لهم، ويستعمل كل هذه الأوقات، ويفيد منها ليأتي بنتائج باهرة يدهش لها الذين لم يفطنوا إلى هذا السر العظيم الشأن).

ص: 113


1- سبيلك إلى النجاح / 56

ص: 114

المحتويات

ص: 115

ص: 116

المحتويات

مقدمة المؤسسة :...7

تصدیر : ...9

قبل البدء: ...13

نقطة الانطلاق: ... 26

تمهید : ...28

من أین نبدأ؟...28

سیکولوجیة الصورة الذاتیة:...32

من أنا؟:...34

تنبیه :...37

التقدیر الذاتی : ...40

أهم الظریات علماء النفس : ... 40

معنی التقدیر الذاتی :...42

علاقة تقدیر الذات بمعرفتها : ...44

أهمیة ارتفاع مستوی تقدیر الذات : ... 46

أهم مواصفات المقدرین لذاتهم : ... 47

اعرف قیمة و قدر نفسک بنفسک :...51

نقطة الضوء :... 53

ص: 117

علاقة السلوک الإنسانی بمستوی تقدیر الذات :...55

تبادلیة العلاقة بین التقدیر الذاتی و نظام الاعتقاد الشخصی : ...57

أهم الصفات النفسیة و السلوکیة لأصحاب التقدیر الذاتی المنخفض :... 60

اولاً : ما یتعلق ب_ ( علاقه الإنسان بنفسه ) :...60

ثانیاً : مایتعلق ب_ ( علاقة الإنسان بربّه):...61

ثالثاً : ما یتعلق ب_ ( علاقة الإنسان بغیره من أبناء جنسه ):...62

طرائق و آلیات تنمیه مستوی تقدیر الذات و رفعها:...64

اولاً: علاقة الإنسان نفسه : ...64

ثانیاً: علاقه الإنسان بربه :... 66

ثالثاً : علاقة الانسان بغیره من أبناء جنسه : ...67

اقسام التقدیر الذاتی: ...69

التقدیر الذاتی المکتسب : ...69

التقدیر الذاتی المکتسب : ...69

الفرق الاساسی بین التقدیرین : ...69

المقیاس الحقیقی لتقدیر الذات :...74

تهدیف اللذائذ المعنویه الوهمیه :...75

تهدیف التقدیر الاجتماعی:...76

طلب الاعتراف بالأهمیّه :...77

مفاتیح الجنان : ...79

ص: 118

المفتاح الأول : معرفة الله تعالی :...80

المفتاح الثانی : معرفة النفس: ...81

المفتاح الثالث : العلم :...82

المفتاح الرابع : علو الهمّه (الحماسة المشتعلة):...87

من أین تأتی الهمّه العالیة و الحماسة المشتعلة ؟:...91

1- الهمة الوهبیه :...91

2- الهمّة الکسبیة : ...92

قصة و مغزی :...93

لماذا فی علو الهمّة مد و جزر؟:...95

فلماذا هذا المد و الجزر فی مستویات الهمّة و الحماسة ؟:...96

أهم ثمرات الهمّة العالیة و مواصفات اصحابها:...97

أهم مواصفات اصحاب الهمّم العالیة کما یذکرها علی (علیه السلام ):...98

1- الحلم و الاناة:...98

2-شجاعة : 100

3- الکرم :...101

أهم مظاهر سفول الهمّة و مواصفات اصحابها:...103

أهم طرق و آلیات تنمیه تقدیر الذات :...108

ص: 119

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

ص: 120

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.