بطاقة تعريف: الطبرسي، أحمد بن علي، قرن ق 6
عنوان العقد: [الإحتجاج علی اهل اللجاج]
عنوان واسم المؤلف: الإحتجاج / تالیف العلامة أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي؛ تحقیق ابراهیم البهادري، محمدهادي به؛ باشراف جعفر سبحاني؛ [إلى] قسم التحقیق في منظمة الاوقاف و الشوون الخیریة
تحرير الحالة: [محرر ]2
تفاصيل المنشور: قم: منظمه الاوقات و الشئون الخیریة، دار الاسوة للطباعة و النشر، 1422ق. = 1380.
مواصفات المظهر: ج 2
ISBN : 964-6066-39-945000 ریال :(دوره) ؛ 964-6066-40-2(ج. 1) ؛ 964-6066-41-0(ج. )2
لسان: العربية
ملاحظة : الطبعة الثالثة: 1383؛ 24000 ریال
ملحوظة: کتابنامه
عنوان آخر: الاحتجاج علی اهل اللجاج
عنوان : الإسلام - الاحتجاجات
الشيعة -- احتجاجات
المعرف المضاف: بهادري، ابراهیم، محقق
المعرف المضاف: به، محمدهادي، محقق
المعرف المضاف: سبحاني تبریزي، جعفر، . - 1308
المعرف المضاف: منظمة الاوقاف و الشوون الخیریة. منشورات اسوة
المعرف المضاف: منظمة الاوقاف و الشوون الخیریة. قسم البحوث
ترتيب الكونجرس: BP228/4/ط2الف3 1380
تصنيف ديوي: 297/479
رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 80-5057
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ص: 5
ص: 6
ص: 7
ص: 8
بقلم:جعفر السبحاني
لم تزل المعارف الالهية منذ أن صدع بها القرآن الكريم و السنّة النبويّة،يتلاعب بها رجال بين آونة و اخرى،فمنهم من يبني عقائده الدينيّة على أساس الحسّ،فلايتورّع عن توصيفه سبحانه بأوصاف و أفعال لا تفترق عن التشبيه و التجسيم قدر شعرة،فيرى أنّ له صورة و جوارح،و أعضاء،من يد و رجل،و رأس و عينين.فهذه هي المجسّمة و المشبّهة تصفه سبحانه بما توحي إليهم القوّة الخياليّة،الأسيرة لعالم الحسّ و المادّة،و آخر ما عندهم في ساحة التنزيه:«انّ هذه الاعضاء بلا كيف،و أنّها لا تشابه ما لدى الانسان من أعضاء».
و منهم من يعطّل العقول عن الوصول إلى المعارف قائلا بأنّه لا يمكن للانسان إدراك عالم الغيب،فالواجب عليه:الإطلاق،و الإمرار،ثم السكوت،و هم الذين يقولون أنّ كلّ ما وصف اللّه به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته،و السكوت عليه(1).
ص: 9
و ربما يتفلسف و يقول:إنّما اعطينا العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبية،فمن شغل ما أعطي لإقامة العبودية في إدراك الربوبيّة،فاتته العبودية و لم يدرك الربوبية(1).
و كأنّه يتصوّر أنّ العبودية تنحصر في القيام و القعود لأداء الصلاة،و الإمساك للصوم،و لكنّه غفل عن أنّ ركنا من العبودية يرجع إلى العقل و القلب،و أقلّ وظيفته الإيمان بالغيب و ما فيه.
فإذا أمكن له استشعار الغيب و ما فيه من المعارف عن طريق الإمعان في الكتاب و السنّة،و الأقيسة العقليّة،فقد قام بوظيفة الربوبية.
و هذا يعرب عن أنّ كلتا الطائفتين تائهتان،و تسيران في واد مظلم،فالأولى تؤدّي إلى التجسيم و التشبيه،و الثانية إلى تعطيل و إيصاد باب المعرفة في وجه الإنسان.
فلو كان التفكّر العقلي في المعارف الإلهيّة أمرا ممنوعا،و كانت الوظيفة منحصرةفي القراءة و المرور،كما يقوله ابن قدامة المقدسي:«و على هذا درج السلف و الخلف،فهم متّفقون على الإقرار و الإمرار و الإثبات،لما ورد من الصفات في كتاب اللّه و سنّة رسوله من غير تعرّض لتأويله»(2)فما بال القرآن يثير في الإنسان التفكّرفي المعارف،و يأخذ بيده للوصول إلى غايتها الممكنة،و يقول:«لَوْ كََانَ فِيهِمََا آلِهَةٌ إِلاَّاَللََّهُ لَفَسَدَتََا فَسُبْحََانَ اَللََّهِ رَبِّ اَلْعَرْشِ عَمََّا يَصِفُونَ »(الأنبياء/22).
و قال سبحانه:«مَا اِتَّخَذَ اَللََّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ مََا كََانَ مَعَهُ مِنْ إِلََهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلََهٍ بِمََا خَلَقَ وَ لَعَلاََ بَعْضُهُمْ عَلى ََ بَعْضٍ سُبْحََانَ اَللََّهِ عَمََّا يَصِفُونَ »(المؤمنون/91).
و قال سبحانه:«أَمِ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هََاتُوا بُرْهََانَكُمْ هََذََا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاََ يَعْلَمُونَ اَلْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ »(الأنبياء/24).ة.
ص: 10
إنّ هناك أصولا يعتقد بها الإلهيّون جميعا،و في مقدّمتهم المسلمون خصوصا،و لايمكن للعلوم الطبيعية أن تساعدهم في فهمها و لا أن تهدي إليها البشر.كالبحث عن أنّ المصدر لهذا العالم و المبدع له،أزليّ أو حادث،واحد أو كثير،بسيط أو مركب،جامع لجميع صفات الجمال و الكمال أم لا؟هل لعلمه حدّ ينتهي إليه أم لا؟هل لقدرته نهاية أم لا؟هل هو أوّل الأشياء و آخرها أم لا؟هل هو ظاهر الأشياء و باطنها أم لا؟
فالاعتقاد بهذه المعارف عن طريق العلوم الطبيعيّة و الحسّية غير ممكن،و الاعتمادعلى الوحي للتعرّف عليها غير مقدور،مضافا إلى أنّه يجب معرفتها قبل معرفة الوحي و حامله،فكيف يتعرّف عليها عن طريق النبيّ و الوحي المنزل.
نرى أنّه سبحانه يذكر الفؤاد إلى جانب السمع و البصر و يقول:
«وَ اَللََّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهََاتِكُمْ لاََ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ اَلسَّمْعَ وَ اَلْأَبْصََارَوَ اَلْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ »(النحل/78).
و المراد من الشكر في ذيل الآية:صرف النعمة في مواضعها،فشكر السمع و البصرهو إدراك المسموعات و المبصرات بهما،و شكر الفؤاد هو درك المعقولات غيرالمشهودات به،فالآية تحرّض على استعمال الفؤاد و القلب و العقل في ما هو خارج عن إطار الحسّ و غير واقع في متناول أدواته.و لأجل أن يتّخذ القرآن في بعض المجالات موقف المعلّم فيعلّم المجتمع البشري كيفية البرهنة العقلية على توحيدالخالقية و التدبير فيقول:
«نَحْنُ خَلَقْنََاكُمْ فَلَوْ لاََ تُصَدِّقُونَ *`أَ فَرَأَيْتُمْ مََا تُمْنُونَ *`أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ اَلْخََالِقُونَ ...*أَ فَرَأَيْتُمْ مََا تَحْرُثُونَ *`أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ اَلزََّارِعُونَ *`لَوْ نَشََاءُ لَجَعَلْنََاهُ حُطََاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ *`إِنََّا لَمُغْرَمُونَ `بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ *`أَ فَرَأَيْتُمُ اَلْمََاءَ اَلَّذِي تَشْرَبُونَ *`أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ اَلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ اَلْمُنْزِلُونَ *`لَوْ نَشََاءُ جَعَلْنََاهُ أُجََاجاً فَلَوْ لاََ تَشْكُرُونَ *`أَ فَرَأَيْتُمُ اَلنََّارَ اَلَّتِي تُورُونَ *`أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهََا أَمْ نَحْنُ اَلْمُنْشِؤُنَ »(الواقعة/57-72).
ص: 11
إنّ تعطيل العقول عن المعارف الإلهيّة يجرّ الإنسان إلى التشبيه و التجسيم،و إن تبرأمنهما و انبرى إلى نفي هذه الوصمة عن نفسه و أهل ملّته(1).
إنّ هناك أثرين روائيّين الّفا في عصر متقارب،قام بتأليف واحد منهما الحافظمحمّد بن إسحاق بن خزيمة(223-311)أسماه كتاب«التوحيد و إثبات صفات الربّ عزّ و جلّ»،و قد بلغ في حشد الإسرائيليّات و الموضوعات المجعولات إلى حدّأثار حفيظة الرازي عليه،و قال في تفسير قوله«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ»:«و اعلم أنّ محمدبن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سمّاه بالتوحيد و هو في الحقيقة كتاب الشرك،و أعترض عليها،و أنا أذكر حاصل كلامه بعدحذف التطويلات،لأنّه كان رجلا مضطرب الكلام قليل الفهم،ناقص العقل»(2).
و لو سبر الإنسان فهرس هذا الكتاب الذي طبع في آخره،لوقف على أنّ الرجل من رؤوس المشبّهة،لكنّه تستّر في غير واحد من المقامات بقوله:«إنّا نثبت للّه ما أثبته اللّه لنفسه،نقرّ بذلك بألسنتنا،و نصدّق بذلك بقلوبنا،من غير أن نشبّه وجه خالقنابوجه أحد المخلوقين،و عزّ ربّنا أن يشبّه بالمخلوقين،و جلّ ربّنا عن مقالة المعطّلين».
و هذه واجهة الرجل و الغطاء الذي تستّر خلفه،لكنّه لمّا صار بصدد نقض التعطيل،وقع في ورطة التجسيم،فقد صار في كتابه إلى إثبات النفس و الوجه و العين و اليدو الرجل للّه سبحانه،و استوائه على العرش،و كونه في السماء بالمعنى الحرفي منها،و يكفيك نموذجا قوله في الأخير:
ص: 12
«قد ذكرنا استواء ربّنا على العرش في الباب قبله،فاسمعوا الآن ما أتلوا عليكم عن كتاب ربّنا الذي هو مسطور بين الدفّتين،مقروء في المحاريب و الكتاتيب،ممّا هومصرّح في التنزيل،انّ الربّ جلّ و علا في السماء،لا كما قالت الجهميّة المعطّلة إنّه في أسفل الأرضين،فهو في السماء،عليهم لعائن اللّه البالغة»(1).
و الكتاب الآخر قام بتأليفه صدوق الأمّة و محدّثها و حافظها محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه(306-381)و أسماه بالتوحيد،و الكتاب مطبوع منتشر،ترى أنّه جمع فيه الخطب و الروايات المأثورة عن الإمام علي أمير المؤمنين و عترته في مجال التوحيد و سائر المعارف،فهو يندّد بالمعطّلة الذين عطّلوا العقول عن المعارف،و يرون أنّ وظيفة الإنسان،هو توصيف الربّ بالصفات و السكوت عليها،كما يندّد بالمشبّهة،الذين نزّلوا الربّ درجة الجسم و الجسمانيّات،و فيه بحوث عقليّةو منطقيّة تتجاوب مع الفطرة و صريح المعقول.
قارن بين الكتابين،ثمّ اقض أيّهما ألصق بمقام الوحي و النبوّة،و أيّهما أليق بتعريف التوحيد للعالم.
إنّ كشف الحقائق و رفع الحجب عنها يتمّ بأمور ثلاثة،دعا إليها الكتاب العزيزو قال:«اُدْعُ إِلى ََ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ اَلْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ وَ جََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ »(النحل/125).
و المراد من الحكمة-و اللّه العالم-الحجّة التي تنتج الحقّ الذي لا مرية فيه و لاوهن و لا إبهام و القرآن ملي ء بها،خصوصا في مجال التنديد بالوثنيّة،و دحض الشرك،و قد تعرّفت على بعض الآيات في صدر المقال.0.
ص: 13
و الموعظة،هو البيان الذي تلين به النفس،و يرقّ له القلب،لما فيه صلاح حال السامع.
و الجدل هو الحجّة التي تستعمل لإفحام الخصم،عن طريق مسلّماته،أو مسلّمات الناس،فلعلّ الآية إشارة إلى ما يذكره أهل المنطق بالبرهان و الخطابة و الجدل.
غير أنّ القرآن يقيّد العظة و الجدل بالتي هي أحسن،مشيرا إلى أنّهما على قسمين،ثم إنّ مبدأ الكلام لو كان هو القسم الأوّل،فيقسّم بالبرهان،و إن كان هو القسم الثاني،فتوصف بالخطابة،و إن كان الثالث،فبالجدل.و الاحتجاج مقسم له أقسامه الثلاثةالماضية،و بعد دعوة القرآن الكريم إلى الاحتجاج بالطرق الثلاثة لا يبقى شكّ في مشروعيّة الاحتجاج في باب المعارف،سواء كان الهدف إقناع النفس و هدايتها،أوإقناع الغير.
أضف إليه أنّ النبيّ و العترة الطاهرة هم الاسوة في المجالات كلّها،و لهم مناظرات و مراجعات يقف عليها من سبر كتب الحديث و السيرة و التاريخ.
نعم،ربّما يتخيّل الغافل أنّ أئمّة أهل البيت،نهوا عن المناظرة و الاحتجاج،و لكنّه لو صحّ فإنّما هو متوجّه إلى من ليس له قدم ثابت في باب المعارف،و لا له معرفةبصناعة الكلام و إقامة البرهان،فيقع في قلبه عند المناظرة ما لا تحمد عاقبته.
كما أنّ الغاية من النهي عن الجدل،هو الجدل المبني على التعصّب و الأنانيّة لاالتعرّف على الواقع و كشف الحجب عن وجه الحقيقة.
هذا هو رئيس الشيعة و إمام مذهبهم الإمام الصادق،قد ربّى في حجره رجالاعارفين بصناعة المناظرة،فناظروا المخالفين في مجالات شتّى،و أفحموهم فخرجوامرفوعي الرؤوس،و هذا هشام بن الحكم ناظر عمرو بن عبيد(ت 142)رئيس المعتزلة في وقته،و هو جالس في مسجد البصرة و له حلقة كبيرة،و عليه شملة سوداءمن صوف متّزر بها،و شملة مرتد بها،و الناس يسألونه،فاستفرج هشام الناس،فأفرجوا
ص: 14
له،ثم قعد في آخر القوم،فقال له:أيّها العالم إنّي رجل غريب،تأذن لي في مسألة؟!..
و قد نقل مناظرته مع عمرو بن عبيد للإمام الصادق فضحك و قال:«يا هشام من علّمك هذا؟»،قال هشام:شي ء أخذته منك و ألفته(1).
لقد تخرّج على يدي الإمام الصادق رجال مهرة في المناظرة مع المخالفين،بارعون في الكلام،ناظروا المخالفين مناظرة مبنيّة على أسس صحيحة من الكتاب،و السنّة و العقل كحمران بن أعين،و قيس بن الماصر و مؤمن الطاق المعروف بالأحوال و غيرهم؛روى الكليني عن يونس بن يعقوب،قال:كنت عند أبي عبد اللّه،فورد عليه رجل من أهل الشام،فقال:إنّي رجل صاحب كلام و فقه،و فرائض،و قد جئت لمناظرةأصحابك...فالتفت أبو عبد اللّه إليّ و قال:«يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلّمته»قال يونس:فيالها من حسرة.ثم قال لي:«أخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلّمين فأدخله»قال:فأدخلت حمران بن أعين،و كان يحسن الكلام،و أدخلت الأحول،و كان يحسن الكلام،و أدخلت هشام بن سالم و كان يحسن الكلام،و أدخلت قيس بن الماصر و كان عندي أحسنهم كلاما،و كان قد تعلّم الكلام من علي بن الحسين(عليهما السّلام)-إلى أن قال-فورد هشام بن الحكم،و هو أوّل ما اختطّت لحيته،و ليس فينا إلاّ من هو أكبر سنّا منه،قال:فوسّع له أبو عبد اللّه و قال:«ناصرنا بقلبه و لسانه و يده-ثم قال-يا حمران كلّم الرجل»فكلّمه،فظهر عليه حمران،ثم قال:«يا طاقى كلّمه»فكلّمه فظهر عليه الأحوال،ثم قال:«يا هشام بن سالم كلّمه»فتعارفا(2).ثم قال أبو عبد اللّه لقيس الماصر:«كلّمه»فكلّمه،فأقبل أبوا.
ص: 15
عبد اللّه(عليه السّلام)يضحك من كلامهما،ممّا قد أصاب الشامي(1).
كلّ ذلك يعرب عن أنّه لو صدر نهي عن المناظرة،فإنّما هو لغايات أخرى،لوجودضعف في المناظر،و عدم تعرّفه على أصولها.
قال السيد المرتضى(355-436):قلت للشيخ المفيد(336-413)(أدام اللّه عزّه):إنّ المعتزلة و الحشوية يزعمون أنّ الذي نستعمله من المناظرة شي ء يخالف أصول الإمامية،و يخرج عن إجماعهم،لأنّ القوم لا يرون المناظرة دينا،و ينهون عنها،و يروون عن أئمتهم بتبديع فاعلها،و ذمّ مستعملها،فهل معك رواية عن أهل البيت(عليهم السّلام)في صحّتها،أم تعتمد على حجج العقول،و لا تلتفت إلى من خالفها،و إن كان عليه إجماع العصابة؟فقال:أخطأت المعتزلة و الحشوية فيما ادّعوه علينا من خلاف جماعةأهل مذهبنا في استعمال المناظرة،و أخطأ من ادّعى ذلك من الإماميّة أيضا،و تجاهل،لأنّ فقهاء الإماميّة و رؤساءهم في علم الدين كانوا يستعملون المناظرة،و يدينون بصحّتها،و تلقّى ذلك عنهم الخلف و دانوا به،و قد أشبعت القول في هذا الباب،و ذكرت أسماء المعروفين بالنظر و كتبهم و مدائح الأئمة لهم في كتابي«الكامل في علوم الدين»،و كتاب«الأركان في دعائم الدين»،و أنا أروي لك في هذا الوقت حديثا من جملة ما أوردت في ذلك إن شاء اللّه،ثم روى بسنده عن أبي جعفر محمّد بن النعمان عن أبي عبد اللّه الصادق قال:قال لي:«خاصموهم و بيّنوا لهم الهدى،الذي أنتم عليه،و بيّنوا لهم ضلالهم،و باهلوهم في عليّ(عليه السّلام)»(2).).
ص: 16
و يظهر من ديباجة كتاب الاحتجاج-الذي نحن بصدد التقديم له و التعريف به-أنّ هذه الفكرة قد كانت موجودة في عصره أيضا،و لأجل ذلك قام بتأليف كتاب الاحتجاج ردّا عليها،قال:
ثم إنّ الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب،عدول جماعة من الأصحاب،عن طريق الحجاج جدا،و عن سبيل الجدال و إن كان حقّا،و قولهم:«إنّ النبيّ(ص)و الأئمّة(ع)لم يجادلوا قطّ،و لا استعملوه و لا للشيعة فيه إجازة،بل نهوهم عنه و عابوه»فرأيت عمل كتاب يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع و الأصول،مع أهل الخلاف و ذوي الفضول،قد جادلوا فيها بالحقّ من الكلام،و بلغواغاية المرام.و انّهم(ع)إنّما نهوا عن ذلك الضعفاء و المساكين من أهل القصور عن بيان الدين،دون المبرزين في الاحتجاج،الغالبين لأهل اللجاج،فإنّهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة الخصوم،و مداواة الكلوم،فعلت بذلك منازلهم،و ارتفعت درجاتهم و انتشرت فضائلهم(1).
إنّ كتاب الاحتجاج ضمّ بين دفّتيه،احتجاجات النبيّ و الأئمّة في شتّى المجالات،و أناروا لطلبة الحقّ و الحقيقة طريق الهدى،كما قطعوا الطريق على أهل اللجاج،و بذلك انتشرت علومهم،و فضائلهم و ليس لهذا الكتاب مثيل في مؤلفات أصحابنا،حيث جمع في كتاب واحد ما وصل إليه من مناظراتهم،إلاّ أنّه ربّما يؤخذ عليه بعض
ص: 17
الأشياء،لا بأس بالتنويه عليها:
1-أكثر ما أورده في الكتاب من المناظرات مراسيل لا مسانيد.
إنّ المؤلف يجيب عن هذا الإشكال بقوله:«و لا نأتي في أكثر ما نورده من الأخباربإسناده،إمّا لوجود الإجماع عليه،أو موافقته لما دلّت العقول إليه،أو لاشتهاره في السير و الكتب بين المؤالف و المخالف،إلاّ ما أوردته عن أبي محمّد الحسن العسكري(عليه السّلام)فإنّه ليس في الاشتهار على حدّ ما سواه،و إن كان مشتملا على مثل الذي قدّمناه.فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أوّل جزء من ذلك دون غيره،لأنّ جميع ما رويت عنه،إنّما رويته بإسناد واحد من جملة الاخبار التي ذكرها(عليه السّلام)في تفسيره(1).
و السند الذي روى به احتجاجات الإمام العسكري ذكره في أوّل الكتاب على النحوالتالي:
حدّثني السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي(رضي اللّه عنه)قال:حدّثني الشيخ الصدوق أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد بن أحمد الدوريستي(2)(رحمة اللّه عليه)قال:حدّثني أبي محمّد بن أحمد،قال:حدّثني الشيخ السعيد أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(رحمه اللّه)قال:حدّثني أبو الحسن محمّد بن القاسم المفسّر الاسترابادي(3)قال:حدّثني أبو يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد و أبو الحسن علي بن محمّد سيّار و كانا من الشيعة الإماميةه.
ص: 18
قالا:حدّثنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري...
و بهذا الاسناد الذي ذكره في أوّل الكتاب،أخرج ما رواه عن الإمام العسكري و أشاراليه في الباب الخاصّ به.
سواء كان ما اعتذر به المؤلّف مقبولا أو غير مقبول،فقد عولجت هذه النقيصة في هذه الطبعة على القدر المستطاع،حيث قام المحقّقان لهذا الكتاب بإرجاع مراسيلهاإلى المسانيد،و ذلك بالغور في كتب مشايخنا الإمامية،كالكافي للشيخ الكليني،و كتب الصدوق المختلفة،و غيرهما،و بذلك أصبحت جلّ أحاديثه مسندة،خارجة عن الإرسال.
على أنّ ما اعتذر به المؤلف عذر مقبول؛و ذلك لأنّ المسائل العقائدية تختلف عن المسائل الفرعية العملية،فالمطلوب في الثانية هو العمل و إن لم يكن هناك يقين بالصحّة،و هذا بخلاف الحال في الأولى،فإنّ المطلوب فيها هو الاعتقاد و الإذعان،و هو رهن قوّة البرهان و رصانة الحجّة.فلو توفّرت فيه لنال الإنسان ضالّته المنشودةو إلاّ فلا،من غير فرق بين كونه مسندا أو مرسلا،فلأجل ذلك ترك المؤلف الإسناد،و رواها بالشكل المرسل اعتمادا على مضمون الحجّة،و قوّتها.
انّ موقف النبيّ و الأئمة في عامّة المناظرات،هو موقف المعلّم المحايد،و المرشدالناصح و هو يعتمد على قوة العارضة و حصافة الرأي،لا على كونه نبيّا موحى إليه أووصيّا قائما مقام النبيّ.و لو لا اتّخاذ ذلك الموقف لما أنتجت تلك المناظرات و صارت عقيمة،و على ضوء ذلك،فالاعتماد إنّما هو على المضمون و المحتوى،سواء أصحّ إسناده إلى المعصوم أو لا.
أضف إلى ذلك أنّه ليس علينا ردّ المراسيل بما أنّها مراسيل،و كيف يكون ذلك،فإنّ الامام الصادق(ع)يقول:«لا تكذّبوا الحديث إذا قام به مرجئىّ و لا قدريّ و لاحروريّ،ينسبه إلينا فإنّكم لا تدرون لعلّه شي ء من الحق،فيكذّب اللّه فوق
ص: 19
عرشه»(1).
2-نقل في ثنايا الكتاب رواية ظاهرة في وقوع التحريف في الذكر الحكيم.غيرأنّه أورد ما أورد،على سبيل التأليف،و ألقى التحقيق على عاتق القارى ء،كشأن كلّ كتاب كانت الغاية منه جمع الشوارد،و لمّ المتفرّقات،بغضّ النظر عن الصحّة و عدمها.
و لعلّ ما جاء في التعليق على هذا الموضع في هذه الطبعة ما يروي الغليل و يقطع السبيل،فلاحظ.
هذا بعض ما يمكن أن يقال في تقييم الكتاب،و أمّا ما يرجع إلى مادة الكتاب و ما فيه من البراهين الدامغة،و الحجج اللامعة في أبواب المعارف و الحكم فحدّث عنه و لا حرج.و يكفيك العيان عن البيان و لا نطيل الكلام،و أخصّ بالذكر مناظرات الإمام الطاهر عليّ بن موسى الرضا(عليهما السّلام)،ففيها الحجّة على رفعة منزلته و علوّ شأنه وسعة اطّلاعه على كتب العهدين.
المؤلّف هو أحمد بن عليّ بن أبي طالب المعروف بالطبرسي،من علماء القرن السادس من مشايخ ابن شهرآشوب،المتوفّى عام(588).
1-قال في معالم العلماء:«شيخي أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي،له كتاب الكافي في الفقه حسن،الاحتجاج،مفاخرة الطالبية،تاريخ الأئمة(ع)،فضائل الزهراء(ع)،كتاب الصلاة(2).
2-قال الشيخ الحرّ العامليّ في أمل الآمل:هو عالم فقيه،فاضل محدّث ثقة،له
ص: 20
كتاب الاحتجاج على أهل اللجاج،كثير الفوائد(ثم ذكر روايته عن الشيخ الصدوق بالطريق الذي ذكره هو في أول كتاب الاحتجاج و قد عرفت نصّه)(1).
3-قال أيضا في خاتمة كتاب الوسائل عند ذكر الكتب المعتمدة:كتاب الاحتجاج تأليف الشيخ الجليل أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي(2).
4-قال العلاّمة المجلسي:كتاب الاحتجاج و إن كان أكثر أخباره مراسيل لكنّه من الكتب المعروفة المتداولة،و قد أثنى السيد ابن طاووس على الكتاب و على مؤلّفه،و قد أخذ عنه أكثر المتأخّرين(3).
5-قال الفقيه البحراني:الفاضل العالم المعروف بالشيخ أبي منصور الطبرسي صاحب الاحتجاج و غيره،كان من أجلاّء العلماء و مشاهير الفضلاء(4).
و قال أيضا:«كثيرا ما ينقل الشيخ في شرح الإرشاد فتاواه و أقواله،فمن ذلك ما نقله في كتاب القصاص في شرح الإرشاد في مسألة أنّ للمولى القصاص من دون ضمان الدية للديان بهذه العبارة:و جمع الشيخ أبو منصور الطبرسي بين الروايتين في كتابه،بأنّ القائل...»(5).
6-قال الخونساريّ:إنّ هذا الرجل«أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي»من أجلاّء أصحابنا المتقدّمين،و إنّ كتاب الاحتجاج كتاب معتبر معروف بين الطائفة،مشتمل على كلّ ما اطّلع عليه من احتجاجات النبيّ و الأئمّة،بل كثير من أصحابهمه.
ص: 21
الأماجد مع جملة من المخالفين.و في خواتيمه توقيعات كثيرة خرجت من الناحيةالمقدّسة إلى بعض أكابر الشيعة(1).
7-و قال شيخنا المجيز الطهراني:أحمد بن علي بن أبي طالب الشيخ أبو منصورالطبرسي صاحب الاحتجاج و من مشايخ رشيد الدين محمّد بن علي بن شهرآشوب(ت 588)ترجمه و ذكر تصانيفه في معالم العلماء،و هو يروي عن السيدالعابد أبي جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي في أوّل الاحتجاج(2).
هذه كلمات مشايخ الإماميّة في حقّ الرجل و كتابه،و السابر كتب التراجم يجدنظير هذه الإطراءات في حقه،اكتفينا بهذا المقدار منها،و على كلّ تقدير فلم تعلم سنةولادته و لا عام وفاته،فهو من علماء القرن الخامس،أدرك أوائل القرن السادس،و لعلّه توفّي حوالي عام(520 ه-)أو أزيد بقليل.
إنّ لشيخنا المترجم تآليف ذكرها تلميذه ابن شهرآشوب في معالم العلماء،و قدعرفت نصّه.و اليك أسماءها:
1-الاحتجاج،هذا الكتاب الذي يزفّه الطبع إلى القرّاء بثوب جديد،و تحقيق عميق.
2-تاريخ الأئمة(عليهم السّلام).
3-كتاب الصلاة.
4-الكافي في الفقه،و وصفه تلميذه بأنّه حسن.
ص: 22
5-مفاخر الطالبية(1).
و من الأسف أنّ الدهر قد عفى على الجميع،فلم يبق منها إلاّ كتاب الاحتجاج،و لعلّ في بعض المكتبات توجد نسخة من بعضها.
و ربّما ينسب هذا الكتاب إلى الشيخ أبي علي الطبرسي مؤلّف«مجمع البيان»،و يظهر من روضات الجنّات أنّ ابن أبي جمهور الإحسائي مؤلّف«الغوالي»(ت 909)و المحدّث الأميني الاسترابادي(ت 1035)نسبا الكتاب إلى صاحب التفسير(2).
و قال العلاّمة المجلسيّ في مقدّمات البحار:و ينسب هذا الكتاب«الاحتجاج»إلى أبي علي الطبرسي و هو خطأ،بل هو تأليف أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب،كما صرّح به السيد ابن طاووس في كتاب«كشف المحجّة»(3)و ابن شهرآشوب في«معالم العلماء»(4).
و يكفي في المقام قول تلميذه ابن شهرآشوب،حيث عدّه من تآليفه،و هو أعرف بحال أستاذه من غيره،أضف الى ذلك أنّ ما ذكره من السند لروايات الامام العسكري-على ما عرفت-يدلّ على أنّه ليس من تآليف صاحب التفسير،إذ لم يعرف له مثل هذا السند.
ص: 23
و نقل السيد الأمين في«أعيان الشيعة»عن«رياض العلماء»،أنّ هذا الطبرسي المترجم غير صاحب«مجمع البيان»لكنّه معاصر له،و هما شيخا ابن شهرآشوب و أستاذاه،و ظنّي أنّ بينهما قرابة(1).
قد اشتهر لفيف من علماء الإماميّة بهذا اللقب:
1-أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي،مؤلّف هذا الكتاب.
2-أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي،مؤلّف مجمع البيان(471-548).
3-أبو نصر الحسن بن الفضل بن الحسن رضي الدين،صاحب مكارم الأخلاق،ابن أبي عليّ صاحب«مجمع البيان».
4-أبو الفضل علي بن الحسن بن الفضل بن الحسن،صاحب مشكاة الأنوار.
5-أبو علي محمّد بن الفضل الطبرسي،كما في«أمل الآمل»و قال:كان عالماصالحا عابدا يروي ابن شهرآشوب عنه،من تلاميذ الشيخ الطوسي(2).
6-أحمد بن علي عبد الجبار الطبرسي القاضي الراوي عن سعيد بن هبة اللّه القطب الراوندي(م 573)(3).
ص: 24
و هناك أعلام للطائفة اشتهروا بهذا الاسم لم نذكرهم روما للاختصار.
اشتهر على الألسن و ذاع بين الناس،و ذكرته بعض الكتب(1)أنّ الطبرسي نسبة إلى طبرستان المعروفة اليوم باسم«مازندران»و هي تشمل أكثر ما يقع على ضفاف بحرالخزر و لكن للنظر فيه مجال:
1-إنّ النسبة إلى المركّب المزجي تتحقّق بحذف الجزء الثاني،و إلحاق الياء إلى الجزء الأوّل،فيقال في«بعلبك»«بعليّ»،و في«معدي كرب»«معديّ»،قال ابن مالك في ألفيّته:
و انسب لصدر جملة و صدر ما ركّب مزجا و بثان تمّما إضافة مبدوءة بابن أو أب أو ماله التعريف بالثاني وجب قال ابن عقيل في شرحه:إذا نسب إلى الاسم المركّب،فإن كان مركّبا تركيب جملةأو تركيب مزج حذف عجزه و الحق صدره ياء النسبة،فتقول في«تأبّط شرّا»«تأبّطيّ»و في«بعلبك»«بعليّ»و إن كان مركّبا إضافة،فإن كان صدره ابنا أو أبا،أو كان معروفابعجزه،حذف صدره و الحق عجزه ياء النسبة،فتقول في«ابن الزبير»«زبيريّ»و في«أبي بكر»«بكريّ»و في«غلام زيد»«زيديّ»...(2).
و على ضوء ذلك،فالصحيح في النسبة إلى طبرستان هو«الطبريّ»لأنّها مركّبة من«طبر»الذي هو معرّب«تبر»في الفارسية بمعنى الفأس،و من«ستان»الذي بمعنى الناحية،فركّبا معا و قيل طبرستان و معناه المنطقة التي يكثر فيها الفأس،و ذلك لأنّ
ص: 25
أكثر أهلها كانوا يصطحبونه إمّا للدفاع عن أنفسهم من هجوم الوحوش المنتشرة في غاباتها الكثيرة،و إمّا لقطع الأشجار،فالصحيح عند النسبة حذف العجز أعني«ستان»و إدخال الياء على الصدر فتكون«الطبريّ».
هذا اذا كان المتكلّم بهذه النسبة هم العرب،و أمّا غيرهم فلا يتّبعون تلك القاعدةالعربيّة،فيدخلون الياء على جميع المركّب،فيقولون في«عربستان»«عربستاني»و في«تاكستان»«تاكستاني»و في المقام«طبرستاني»،فهذا يدلّ على أنّ لفظالطبرسي ليس منسوبا إلى طبرستان،لا عند العرب و لا عند غيرهم.
2-تصريح اللغويّين بذلك،قال في«تاج العروس»في مادة«طبر»:طبرستان بلادعظيمة،منها دهستان،و جرجان،و استرآباد،و آمل،و النسبة إليها«طبري»(1).
قال في«معجم البلدان»:النسبة إلى طبرستان«الطبريّ»،و أمّا«الطبريّة»فالنسبةإليها«الطبراني»على غير قياس،فكأنّه لمّا كثرت النسبة بالطبريّ إلى طبرستان أرادواالتفرقة بين النسبتين،فقالوا«طبراني»إلى طبرية،كما قالوا«صنعاني»بالنسبة إلى صنعاء(2).
فقد تحقّق بذلك أنّ الكلمة غير منسوبة إلى طبرستان،فيتعيّن كونها منسوبة إلى نفس«طبرس»و أمّا تعيين ذلك المكان و أين يقع من بلاد إيران،فيحدّثنا المؤرخ أبو الحسن علي بن زيد البيهقي المعروف بابن فندق المتوفّى سنة(565)في تاريخ بيهق المؤلّف باللغة الفارسيّة،أنّ«طبرس»رستاق واقع بين قاشان و أصفهان،و أنّ الشيخ الطبرسي صاحب التفسير من ذلك المكان(3).ر-
ص: 26
و قد ذكر الحسن بن محمّد بن الحسن القمي المعاصر لابن العميد في تاريخ قم،تلك الناحية فعبّر عنها ب-«طبرس»و أخرى رستاق«طبرش»و لعلّ في تبديل الشين الى السين و التلفّظ ب-«طبرس»مكان«طبرش»لأجل إكمال التعريب،و لا ينطبق هذاالمكان إلاّ على بلدة«تفرش»التي هي واقعة بين«قم»و«أراك»،و لعلّ تعبيرالبيهقي بأنّها واقعة بين قاشان و أصفهان،غير دقيق.و لكنّ الجاري على الألسن عندالتعبير عن هذه البلدة هو«تفريش»بكسر الراء و إضافة الياء،و لعلّ التغيير طرأ عندالتعريب(1).
قد طبع كتاب الاحتجاج طبعات عديدة في ايران،و العراق،و لبنان،و الطبعةالأخيرة نشرتها مؤسّسة الأعلمي في بيروت مع تعليقات و ملاحظات السيد محمّد باقرالموسوي الخرسان و قدّم لها العلاّمة الجليل السيد محمد بحر العلوم-دام ظلّه-،فقدقام المعلّق بواجبه الرسالي قدر المستطاع و مع ذلك فلم تخلو الطبعة من النقص في جانبها التحقيقيّ.و يظهر ذلك بملاحظة هذه الطبعة التي نقدّمها للقرّاء الكرام،بمزاياخاصّة لا توجد في الطبعة المتقدّمة نلخّصها في أمور:
ق-و يظهر من عبارته أنّه كان بينهما معاشرة،حيث أنّ الشيخ الطبرسي قطن في بيهق مدّة من الزمن،و استمرّت زمالتهما.
ص: 27
قد قوبلت مع أربع نسخ مصحّحة نذكر مواصفاتها و رموزها:
أ-صورة فوتوغرافية عن نسخة مخطوطة كتبها محمّد مؤمن المشهدي بن محمّدالحسيني،و فرغ منها في شهر رجب المرجّب عام(1016)،ثم قابلها محمّد طاهرالتوني عام(1107)و قال المقابل:قد تمّت بتوفيق اللّه سبحانه مقابلة هذا الكتاب من الفاتحة إلى الخاتمة و تصحيحه و التعليق على قدر الوسع و الطاقة عصر يوم السبت السابع و العشرين من شهر ربيع الثاني من شهور عام(1107).و يرمز إلى تلك النسخةفي الهامش بحرف«أ».
ب-صورة فوتوغرافية من نسخة مخطوطة لمكتبة مجلس الشورى الإسلامي،فرغ منها الكاتب محمّد شريف في شهر شوّال المكرّم سنة(1093)،و قوبلت النسخةمرّتين في عدّة مجالس،آخرها منتصف شهر ربيع الثاني سنة(1095)في مشهدالإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا(عليهما السّلام)و يرمز إليها في الهامش بحرف«ب».
ج--صورة فوتوغرافية ثالثة عن نسخة كتبها علي بن عبد اللّه بن ثابت،فرغ منهاالكاتب في السادس عشر من شهر رجب عام(1007)،على أبعاد 5/18*14 سم،قدوقفها فاضل خان(1065)،و هي موجودة في مكتبة المشهد الرضوي مسجّلة فيهابرقم(140340).و يرمز إليها بحرف«ج».
د-صورة فوتوغرافية رابعة أخذت عن نسخة كتبت في السادس عشر من رجب عام(1077)وقفها أيضا فاضل خان في العام السابق،و هي موجودة في مكتبة المشهدالرضوي أيضا مسجّلة برقم(14033)أبعادها 5/27*16 سم،و يرمز إليها بحرف«د»،و يظهر عند الملاحظة أنّ النسختين استنسختا عن نسخة واحدة.
ص: 28
و بالإضافة إلى هذه النسخ،فقد قوبلت هذه الطبعة مع النصوص الموجودة في«بحار الأنوار»حيث نقل العلاّمة المجلسي كثيرا من هذه الاحتجاجات في موسوعته،و ربّما علّق عليها بعض التعاليق و قد اعتبرت الطبعة الأخيرة،النسخة الأصل،و اشير في الهامش إلى مظانّ الاختلاف.
قد عرفت أنّ ممّا اخذ على الكتاب أنّ رواياته مراسيل لا مسانيد،إلاّ ما نقله عن الإمام العسكري(عليه السّلام).فسواء أصحّ ذلك النقد أو لا،فقد عولجت هذه النقيصة في هذه الطبعة ببذل الجهد و في ظلّ التتبّع في كتب مشايخنا المتقدّمين على صاحب الاحتجاج كالكافي للكليني،و الأمالي و عيون أخبار الرضا للصدوق،و الإرشاد للشيخ المفيد،و الأمالي للشيخ الطوسي،إلى غير ذلك من الكتب التي نقلت هذه الاحتجاجات و المناظرات فيها بصورة مسندة،و أخذ عنها صاحب الاحتجاج بحذف مسانيدها و نقلها مرسلة،و بذلك أصبحت مراسيله مسانيد و اخرج الكتاب بثوب جديد و حلّة قشيبة،يقف على قيمتها المتحرّقون لفهم الحقيقة.
لما كانت بعض الخطب و الاحتجاجات مشتملة على مفاهيم سامية،لا يقف على مغزاها من ليس له قدم راسخ في المعارف،علّق عليها بما يذلّل صعبها،و يوضّح مقاصدها.
إنّ الاحتجاجات تشتمل على كلمات صعبة،غير مأنوسة،فاستوضحت بالرجوع
ص: 29
إلى مصادر اللغة،كلسان العرب و غيره.
فنحن نبارك هذا المجهود الرسالي،الذي قام به العلمان الجليلان المحقّقان:الشيخ إبراهيم بهادري المراغي،و الشيخ محمد هادي به الأصفهاني دامت إفاضاتهما،فقدبذلا جهدهما في عرض الكتاب و تحقيقه تحقيقا يتجاوب مع ذوق عصرنا الحاضر،فشكر اللّه مساعيهما في إحياء مآثر أهل البيت و آثارهم.و تمّ تحقيقه في قم:مؤسسةالامام الصادق(عليه السّلام).
كما نتقدّم بالشكر الى منظمة الأوقاف و الشؤون الخيرية الايرانية المباركة،حيث قامت بنشر هذا الكتاب و ذلّلت الصعاب في طريق تحقيقه،و اللّه من وراء القصد.
قم-مؤسّسة الامام الصادق(ع)جعفر السبحاني
28/رمضان/1412 ه-.ق
ص: 30
قسم التحقيق في منظمة الاوقاف و الشّؤون الخيريّةالاحتجاج تأليف العلاّمة الخبير أبي منصور احمد بن علي بن أبي طالب الطّبرسي من علماء القرن السّادس طبعة مصحّحة و محقّقةتحقيق الشّيخ ابراهيم البهادري الشّيخ محمّد هادي به باشراف العلاّمة الشيخ جعفر السّبحاني الجزء الأوّل اسكن
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه المتعالي عن صفات المخلوقين،المنزّه عن نعوت الناعتين،المبرّأ ممّا لا يليق(1)بوحدانيّته،المرتفع عن الزوال و الفناءبوجوب الهيّته،الّذي استعبد الخلائق بحمد ما تواتر عليهم من نعمائه،وترادف لديهم من حسن بلائه(2)،و تتابع من أياديه و عواطفه،و تفاقم(3)من مواهبه و عوارفه،جمّ عن الاحصاء عددها،و فاق عن الاحاطة بهامددها،و خرست ألسن الناطقين بالشكر عليها عن أداء ما وجب من حقّهاو لديها(4).
الحمد للّه المتعالي عن صفات المخلوقين،المنزّه عن نعوت الناعتين،المبرّأ ممّا لا يليق(1)بوحدانيّته،المرتفع عن الزوال و الفناءبوجوب الهيّته،الّذي استعبد الخلائق بحمد ما تواتر عليهم من نعمائه،وترادف لديهم من حسن بلائه(2)،و تتابع من أياديه و عواطفه،و تفاقم(3)من مواهبه و عوارفه،جمّ عن الاحصاء عددها،و فاق عن الاحاطة بهامددها،و خرست ألسن الناطقين بالشكر عليها عن أداء ما وجب من حقّهاو لديها(4).
و أشهد أن لا اله الا اللّه وحده لا شريك له،شهادة يثقل بها ميزان العارفين،و تبيض بها وجوههم يوم الدين؛و أشهد أنّ محمّدا عبدها.
ص: 1
المصطفى و رسوله المجتبى،خاتم الرسل و الأنبياء و سيد الخلائق كلهم و الأصفياء؛و أنّ وصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام خير وصيّ وصّي و خيرامام ولّي(1)،و أنّ عترته الطاهرة خير العترة الائمة الهادية الاثني عشر،أمناء اللّه في بلاده و حججه على عباده،بهم تمّت علينا نعمته و علت كلمته،اختارهم الرّبّ للبريّة إظهارا للطفه و حكمته،و انارة لأعلام عدله و رحمته،فانزاحت بهم علة العبيد،و زهق باطل كلّ متكبّر عنيد(2)،بأن عصمهم من الذنوب و برّأهم من العيوب،حفظا منه للشرائع و الأحكام،وسياسة لهم،و هيبة لأهل المعاصي و الآثام،و زجرا عن التغاشم والتكالب(3)،و ردعا عن التظالم و التواثب،و تأديبا بهم لأهل العتوّو العدوان،و دفعا لما تدعو اليه دواعي الشيطان،و لم يهملهم سدى بلاحجة،فيهم معصوم:امّا ظاهر مشهور أو غائب مكتوم(4)،لئلا يكون للناس على اللّه حجّة بعد الحجّة،و لا يلتبس عليهم في دينه المحجّة،و لم يجعل اليهم اختياره لعله بأنّهم لا يعلمون أسراره،و لأنّه عز و جل متعال عن فعل شي ء لا يجوز عليه،مثل تكليف ما لا يهتدي العباد اليه،و قد نزّه نفسه عن أن يشرك به أحدا في الاختيار حيث قال:«وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مََا يَشََاءُر.
ص: 2
وَ يَخْتََارُ مََا كََانَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ سُبْحََانَ اَللََّهِ وَ تَعََالى ََ عَمََّا يُشْرِكُونَ »(1).
ثمّ انّ الذي دعاني الى تأليف هذا الكتاب،عدول جماعة من الأصحاب عن طريق الحجاج جدا،و عن سبيل الجدال و ان كان حقا،و قولهم:«إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الائمة عليهم السّلام لم يجادلوا قطّ،و لااستعملوه،و لا للشيعة فيه اجازة بل نهوهم عنه و عابوه»فرأيت عمل كتاب(2)يحتوي على ذكر جمل من محاوراتهم في الفروع و الاصول مع أهل الخلاف و ذوي الفضول،قد جادلوا فيها بالحق من الكلام و بلغوا غايةكلّ مرام،و أنّهم عليهم السّلام إنّما نهوا عن ذلك الضعفاء و المساكين من أهل القصور عن بيان الدين(3)دون المبرّزين في الاحتجاج الغالبين(4)لأهل اللّجاج،فانّهم كانوا مأمورين من قبلهم بمقاومة الخصوم و مداولة الكلوم،فعلت بذلك منازلهم،و ارتفعت درجاتهم و انتشرت فضائلهم.
و انا ابتدي ء في صدر هذا الكتاب بفصل ينطوي على ذكر آيات من القرآن التي أمر اللّه تعالى فيها بعض الانبياء بمحاجّة(5)ذوي العدوان،و يشتمل أيضا على عدّة أخبار في فضل الذابّين عن دين اللّه القويم و صراطه المستقيم،بالحجج القاهرة و البراهين الباهرة...
ص: 3
ثم نشرع في ذكر طرف من مجادلات النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الائمةعليهم السّلام.و ربّما يأتي في أثناء كلامهم كلام جماعة من الشيعة حيث تقتضي الحال ذكره.
و لا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار باسناده،إمّا لوجود الاجماع عليه،أو موافقته لما دلّت العقول اليه،(1)و لاشتهاره فى السير و الكتب بين المخالف و المؤالف؛إلاّ ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السّلام،فانّه ليس في الاشتهار على حدّ ما سواه،و إن كان مشتملا على مثل الذي قدّمناه،فلأجل ذلك ذكرت اسناده في اوّل خبر(2)من ذلك دون غيره،لأنّ جميع ما رويت عنه عليه السّلام إنّما رويته باسناد واحد من جملةالأخبار التي ذكرها عليه السّلام في تفسيره.
و اللّه المستعان فيما قصدناه و هو حسبنا و نعم الوكيل...
ص: 4
قال اللّه تبارك و تعالى في كتابه مخاطبا نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«وَ جََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »(1).
و قال عزّ من قائل:«وَ لاََ تُجََادِلُوا أَهْلَ اَلْكِتََابِ إِلاََّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »(2).
و قال اللّه تعالى:«أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِي حَاجَّ إِبْرََاهِيمَ فِي رَبِّهِ »الآية(3).
و قال سبحانه و تعالى حكاية عن ابراهيم عليه السّلام ايضا لمّا احتجّ على عبدة الكوكب المعروف بالزهرة،و عبدة الشمس و القمر جميعا بزوالهاو انتقالها و طلوعها و افولها على حدوثها و اثبات محدث لها و فاطر
ص: 5
ايّاها(1):«وَ كَذََلِكَ نُرِي إِبْرََاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ »الى قوله تعالى:«وَ تِلْكَ حُجَّتُنََا آتَيْنََاهََا إِبْرََاهِيمَ عَلى ََ قَوْمِهِ »(2)و غير ذلك من الآيات التي فيها الأمر بالاحتجاج،وسيأتي ذكر شرحها في مواضعها ان شاء اللّه تعالى.
[1]
و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال:«نحن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيا»(3).
و اما الأخبار في فضل العلماء فهي أكثر من أن تعدّ و تحصى،لكنّانذكر طرفا منها:
[2]
فمن ذلك ما حدثني به السيد العالم العابد ابو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي(4)رضي اللّه عنه قال:حدثني الشيخ الصدوق ابو3.
ص: 6
عبد اللّه جعفر بن محمد بن احمد الدوريستي(1)رحمة اللّه عليه قال:حدثني أبي:محمد بن احمد(2)قال:حدثني الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي(3)رحمه اللّه،قال:حدثني أبو الحسن محمدبن القاسم المفسّر الاسترابادي(4)،قال:حدثني أبو يعقوب يوسف بن،-
ص: 7
محمد بن زياد و ابو الحسن علي بن محمد بن سيار(1)-و كانا من الشيعةق-و أثبته بعض آخر و تلقّاه بعين القبول و أنه صدر من المعصوم منهم الشيخ الحرّ العاملي رحمه اللّه و حمل كلام النافين على غير هذا التفسير المنسوب الى الامام العسكري عليه السّلام.و إليك نصّه:
«هذا التفسير ليس هو الذي طعن فيه بعض علماء الرجال لأنّ ذاك يروى عن أبي الحسن الثالث عليه السّلام،و هذا عن أبي محمّد عليه السّلام!و ذاك يرويه سهل الديباجي عن أبيه...»-وسائل الشيعة 20/59.
فمن أراد الإطّلاع في ذلك فليراجع إلى الرسالة المستقلّة الّتي حوت آراء العلماءحول هذا التفسير و ما قيل فيه سلبا و ايجابا.و قد طبعت هذه الرسالة ذيلا للتفسيرالمنسوب إلى الإمام العسكري عليه السّلام،و هي من منشورات مدرسة الامام المهدي(ع).ه-
ص: 8
الامامية-،قالا:حدثنا ابو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام قال:حدثني أبي عن آبائه عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انه قال:أشدّمن يتم اليتيم الذي انقطع عن أمّه و أبيه يتم يتيم انقطع عن إمامه،و لا يقدرعلى الوصول اليه،و لا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه؛ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا،و هذا الجاهل(1)بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم فى حجره،ألا فمن هداه و أرشده و علّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى(2).
ق-تعالى به،ثم لا تحفلا بالسعاة و لا بوعيد المسعى إليه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقصم السعاةو يلجئهم إلى شفاعتكم فيهم عند من قد هربتم منه.
قال أبو يعقوب و أبو الحسن:فأتمرا لما أمرا و قد خرجا و خلّفانا هناك،و كنّانختلف اليه فيتلقّانا ببرّ الآباء و ذوي الأرحام الماسّة.
فقال لنا ذات يوم:إذا أتاكما خبر كفاية اللّه عزّ و جل أبويكما و إخزائه أعداءهماو صدق وعدي إيّاهما،جعلت من شكر اللّه عزّ و جلّ أن أفيدكما تفسير القرآن مشتملاعلى بعض أخبار آل محمّد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)فيعظّم اللّه تعالى بذلك شأنكما.
لاحظ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري(عليه السّلام)المطبوع حديثا،ص 9.6.
ص: 9
[3]
و بهذا الاسناد عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السّلام قال:قال علي بن أبي طالب عليه السّلام:من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا،فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم الى نور العلم الذى حبوناه به(1)،جاء يوم القيامة و على رأسه تاج من نور يضي ء لأهل جميع العرصات(2)،و حلّةلا يقوّم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها.ثم ينادي مناد:
«يا عباد اللّه!هذا عالم من تلامذة بعض علماء(3)آل محمد،ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبّث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمةهذه العرصات الى نزه الجنان»(4).
فيخرج كلّ من كان علمه في الدنيا خيرا،أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا،أو أوضح له عن شبهة(5).
[4]
و بهذا الاسناد عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام2.
ص: 10
قال:قال الحسن بن علي عليهما السّلام:فضل كافل يتيم آل محمد-المنقطع عن مواليه الناشب(1)في رتبة الجهل(2)يخرجه من جهله و يوضح له مااشتبه عليه-على فضل كافل يتيم يطعمه و يسقيه،كفضل الشمس على السّها(3)،(4).
[5]
و بهذا الاسناد عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام قال:قال الحسين بن علي عليهما السّلام:من كفل لنا يتيما قطعته عنا محنتناباستتارنا،فواساه من علومنا التي سقطت اليه حتى أرشده و هداه،قال اللّه عز و جل له:يا أيّها العبد الكريم المواسي لأخيه انا اولى بالكرم منك،اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كلّ حرف علّمه ألف ألف قصر،وضمّوا اليها ما يليق بها من سائر النعم(5).
[6]
و بهذا الاسناد عنه عليه السّلام قال:قال محمد بن علي الباقر عليهما السّلام:4.
ص: 11
العالم كمن معه شمعة تضي ء للناس،فكلّ من أبصر بشمعته دعا له بخير،كذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل و الحيرة،فكل من اضاءت له فخرج بها من حيرة،أو نجابها من جهل،فهو من عتقائه من النار،و اللّه يعوّضه عن ذلك بكل شعرة لمن أعتقه ما هو أفضل له من الصدقة بمائة الف قنطار(1)على غير الوجه الذي أمر اللّه عز و جل به،بل تلك الصدقة و بال على صاحبها،لكن يعطيه اللّه ما هو افضل من مائة ألف ركعة،يصلّيها من بين يدي الكعبة(2).
[7]
و بهذا الاسناد عنه عليه السّلام قال:قال جعفر بن محمد الصادق عليهماى.
ص: 12
السّلام:علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي ابليس و عفاريته،يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا،و عن أن يتسلط عليهم ابليس و شيعته النواصب،ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان افضل ممن جاهدالروم و الترك و الخزر(1)ألف ألف مرّة،لأنه يدفع عن أديان شيعتناو محبينا و ذلك يدفع عن أبدانهم(2).
[8]
و عنه عليه السّلام بالاسناد المتقدم قال:قال موسى بن جعفر عليهما السّلام:فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنا و عن مشاهدتنا بتعليم ما هومحتاج اليه أشدّ على ابليس من ألف(3)عابد،لأن العابد همّه ذات نفسه فقط،و هذا همّه مع ذات نفسه ذات عباد اللّه و امائه،لينقذهم من يد ابليس و مردته،فلذلك هو أفضل عند اللّه من ألف ألف عابد و ألف ألف عابدة(4)،(5).5.
ص: 13
[9]
و عنه عليه السّلام قال:قال علي بن موسى الرضا عليهما السّلام:يقال للعابديوم القيامة:«نعم الرجل كنت همّتك ذات نفسك و كفيت النّاس مؤونتك فادخل الجنة».
ألا إن الفقيه من أفاض على الناس خيره،و أنقذهم من أعدائهم،و وفّر عليهم نعم جنان اللّه تعالى،و حصّل لهم رضوان اللّه تعالى،و يقال للفقيه:«يا أيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبّيهم و مواليهم،قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلّم منك»فيقف فيدخل الجنة[و]معه فئاما و فئاما و فئاما(1)-حتى قال عشرا-و هم الذين أخذواعنه علومه و أخذوا عمن أخذ عنه و عمن أخذ عمن أخذ عنه الى يوم القيامة،فانظروا كم صرف ما(2)بين المنزلتين(3).
[10]
و عنه عليه السّلام قال:قال محمد بن علي الجواد عليهما السّلام:إنّ من تكفّل بأيتام آل محمّد،المنقطعين عن إمامهم،المتحيّرين في جهلهم الأسارى5.
ص: 14
في أيدي(1)شياطينهم،و في أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم و أخرجهم من حيرتهم،و قهر الشياطين بردّ و ساوسهم،و قهر الناصبين بحجج ربّهم و دلائل ائمتهم،ليفضّلون عند اللّه على العابد بأفضل المواقع،بأكثر(2)من فضل السماء على الأرض و العرش و الكرسي و الحجب على السماء،و فضلهم على هذا العابد(3)كفضل القمر ليلة البدرعلى أخفى كوكب في السماء(4).
[11]
و عنه عليه السّلام قال:قال علي بن محمد عليهما السّلام:لو لا من يبقى بعدغيبة قائمكم عليه السّلام من العلماء الداعين اليه،و الدالّين عليه،و الذابّين عن دينه بحجج اللّه،و المنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك ابليس و مردته،و من فخاخ النواصب لما بقي أحد الاّ ارتدّ عن دين اللّه عز و جل،و لكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة،كما يمسك صاحب السفينة سكّانها،اولئك هم الأفضلون عند اللّه عز و جل(5).6.
ص: 15
[12]
و عنه عليه السّلام قال:يأتي علماء شيعتنا القوّامون بضعفاء محبّينا و أهل ولايتنا يوم القيامة،و الأنوار تسطع من تيجانهم(1)،على رأس كل واحدمنهم تاج بهاء،قد انبثّت تلك الأنوار في عرصات القيامة(2)و دورهامسيرة ثلاثمائة ألف سنة،فشعاع تيجانهم ينبثّ فيها كلها،فلا يبقى هناك يتيم قد كفلوه،و من ظلمة الجهل أنقذوه(3)و من حيرة التيه أخرجوه،إلاّ تعلّق بشعبة من أنوارهم،فرفعتهم الى العلوّ حتّى يحاذى بهم فوق الجنان،ثم تنزلهم على منازلهم المعدّة في جوار أساتذتهم ومعلّميهم،و بحضرة ائمتهم الذين كانوا اليهم يدعون(4)،و لا يبقى ناصب من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان الاّ عميت عيناه،و صمّت اذناه،و أخرس لسانه و يحوّل عليه أشدّ من لهب النيران،فيحملهم حتى يدفعهم الى الزّبانية فيدعّونهم(5)الى سواء الجحيم(6).6.
ص: 16
[13]
و قال أيضا أبو محمد الحسن العسكري عليه السّلام:إن من محبّي آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مساكين،مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقراء،و هم الذين سكنت جوارحهم و ضعفت قواهم عن مقاتلة(1)أعداءاللّه الذين يعيّرونهم بدينهم،و يسفّهون أحلامهم،ألا فمن قوّاهم بفقهه و علمه حتى أزال مسكنتهم ثم يسلّطهم(2)على الأعداء الظاهرين:النواصب(3)و على الأعداء الباطنين:ابليس و مردته،حتّى يهزموهم عن دين اللّه،و يذودوهم(4)عن أولياء آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،حوّل اللّه تعالى تلك المسكنة الى شياطينهم فأعجزهم عن اضلالهم،قضى اللّه تعالى بذلك قضاء حقا على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(5).
[14]
و قال أبو محمّد الحسن العسكري عليهما السّلام:قال علي بن ابي طالب عليه السّلام:من قوّى مسكينا في دينه،ضعيفا في معرفته على ناصب مخالف7.
ص: 17
فأفحمه(1)لقّنه اللّه تعالى يوم يدلّى في قبره أن يقول:اللّه ربّي،و محمدنبيّي،و علي وليّي،و الكعبة قبلتي،و القرآن بهجتي و عدّتي،و المؤمنون إخواني.فيقول اللّه:أدليت بالحجّة(2)فوجبت لك أعالي درجات الجنة،فعند ذلك يتحوّل عليه قبره أنزه رياض الجنة(3).
[15]
و قال ابو محمد عليه السّلام:قالت فاطمة عليهاالسّلام و قد اختصم اليهاامرأتان،فتنازعتا في شي ء من أمر الدّين،احداهما معاندة،و الأخرى مؤمنة،ففتحت على المؤمنة حجّتها،فاستظهرت على المعاندة ففرحت فرحا شديدا.
فقالت فاطمة عليهاالسّلام:إنّ فرح الملائكة باستظهارك عليها أشدّ من فرحك،و إنّ حزن الشيطان و مردته بحزنها عنك أشدّ من حزنها،و إن اللّه عزّ و جل قال للملائكة:أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينةالاسيرة من الجنان ألف ألف ضعف ما كنت(4)أعددت لها،و اجعلوا هذه سنّة في كل من يفتح على أسير مسكين،فيغلب معاندا مثل ألف ألف..
ص: 18
ما كان له معدّا من الجنان(1).
[16]
و قال ابو محمد عليه السّلام:قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام-و قد حمل اليه رجل هدية-فقال له:أيّما أحبّ اليك؟أن أردّ عليك بدلهاعشرين ضعفا،عشرين ألف درهم(2)،أو أفتح لك بابا من العلم تقهر فلاناالناصبيّ في قريتك،تنقذ به ضعفاء أهل قريتك؟إن أحسنت الاختيارجمعت لك الأمرين،و إن أسأت الاختيار،خيّرتك لتأخذ أيّهما شئت.
فقال:يابن رسول اللّه فثوابي في قهري لذلك الناصب،و استنقاذي لأولئك الضّعفاء من يده،قدره عشرون ألف درهم؟
قال عليه السّلام:بل أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرّة!
فقال:يابن رسول اللّه فكيف أختار الأدون!بل أختار الأفضل:الكلمة التي أقهر بها عدوّ اللّه،و أذوده عن أولياء اللّه.
فقال الحسن بن علي عليهما السّلام:قد أحسنت الاختيار.و علّمه الكلمة،و أعطاه عشرين ألف درهم،فذهب فأفحم الرجل،فاتّصل خبره به عليه السّلام،فقال له اذ حضره(3):يا عبد اللّه!ما ربح أحد مثل ربحك،و لااكتسب أحد من الأودّاء مثل ما اكتسبت:مودّة اللّه أولا،و مودّة محمّد صلىه.
ص: 19
اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السّلام ثانيا،و مودّة الطيّبين من آلهما ثالثا،و مودّةملائكة اللّه تعالى[المقربين]رابعا،و مودّة إخوانك المؤمنين خامسا،و اكتسبت بعدد كل مؤمن و كافر ما هو أفضل من الدنيا ألف مرّة(1)،فهنيئالك هنيئا(2).
[17]
و قال ابو محمد عليه السّلام:قال جعفر بن محمد عليهما السّلام:من كان همّه في كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا،الموالين حميّة لنا أهل البيت،يكسرهم عنهم و يكشف عن مخازيهم و يبين عوراتهم،و يفخم أمرمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آله،جعل اللّه تعالى همّة املاك الجنان في بناءقصوره و دوره،يستعمل بكلّ حرف من حروف حججه على أعداء اللّه أكثر من عدد أهل الدنيا أملاكا(3)،قوّة كلّ واحد(4)تفضل عن حمل السماوات و الأرضين،فكم من بناء!و كم من نعمة!و كم من قصور!لا يعرف قدرها الا ربّ العالمين(5).0.
ص: 20
[18]
و قال أبو محمد عليه السّلام:قال علي بن موسى الرضا عليهما السّلام:أفضل ما يقدّمه العالم من محبّينا و موالينا أمامه ليوم فقره و فاقته و ذلّه و مسكنته،أن يغيث في الدنيا مسكينا من محبّينا من يد ناصب عدوّ للّه و لرسوله،يقوم من قبره،و الملائكة صفوف من شفير قبره الى موضع محله من جنان اللّه،فيحملونه على أجنحتهم يقولون له:مرحبا طوباك طوباك(1)يا دافع الكلاب عن الأبرار و يا أيها المتعصّب للأئمّة الأخيار(2).
[19]
و قال أبو محمد عليه السّلام-لبعض تلامذته-لمّا اجتمع اليه قوم من الموالي و المحبّين لآل محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بحضرته،و قالوا:يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،إنّ لنا جارا من النصّاب يؤذينا،و يحتجّ علينا في تفضيل الأول و الثاني و الثالث على أمير المؤمنين عليه السّلام،و يورد علينا حججا لا ندري كيف الجواب عنها و الخروج منها؟فقال الحسن عليه السّلام:أنا أبعث إليكم من يفحمه عنكم،و يصغّر شأنه لديكم.1.
ص: 21
فدعا برجل من تلامذته و قال:مرّ بهؤلاء إذا كانوا مجتمعين يتكلّمون فتسمّع عليهم،فسيستدعون منك الكلام فتكلم،و أفحم صاحبهم،و اكسر عزّته(1)،و فلّ حدّه(2)،و لا تبق له باقية.
فذهب الرجل،و حضر الموضع و حضروا،و كلّم الرجل فأفحمه،و صيّره لا يدري في السماء هو أو في الأرض.
قالوا:و وقع علينا من الفرح و السرور ما لا يعلمه الا اللّه تعالى،و على الرجل و المتعصبين له من الغمّ و الحزن مثل ما لحقنا من السرور.
فلمّا رجعنا الى الامام قال لنا:إن الذي في السماوات(3)من الفرح و الطرب بكسر هذا العدوّ للّه،كان أكثر مما كان بحضرتكم،و الذي كان بحضرة ابليس و عتاة مردته من الشياطين من الحزن و الغمّ أشدّ مما كان بحضرتهم.و لقد صلّى على هذا العبد الكاسر له،ملائكة السماء و الحجب و العرش و الكرسي،و قابلها اللّه تعالى بالاجابة فأكرم ايابه و عظّم ثوابه.و لقد لعنت تلك الاملاك عدو اللّه(4)المكسور،و قابلها اللّه بالاجابة،فشدّدحسابه و أطال عذابه(5).1.
ص: 22
فصل[في أنّ الجدال على قسمين](1)في ذكر طرف مما جاء عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم من الجدال و المحاجّة و المناظرة و ما يجري مجرى ذلك مع من خالف الاسلام و غيرهم
[20]
قال أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام:ذكر عندالصادق عليه السّلام الجدال في الدّين،و أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمةعليهم السّلام قد نهوا عنه.فقال الصادق عليه السّلام:لم ينه عنه مطلقا،و لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن،أما تسمعون اللّه عزّ و جل يقول:«وَ لاََتُجََادِلُوا أَهْلَ اَلْكِتََابِ إِلاََّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »(2)و قوله:«اُدْعُ إِلى ََ سَبِيلِ
ص: 23
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ اَلْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ وَ جََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »(1).
فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين،و الجدال بغير التي هي أحسن،محرّم،حرّمه اللّه على شيعتنا،و كيف يحرّم اللّه الجدال جملةو هو يقول:«وَ قََالُوا لَنْ يَدْخُلَ اَلْجَنَّةَ إِلاََّ مَنْ كََانَ هُوداً أَوْ نَصََارى ََ »(2)و قال اللّه تعالى:«تِلْكَ أَمََانِيُّهُمْ قُلْ هََاتُوا بُرْهََانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ »(3).
فجعل علم الصدق و الايمان بالبرهان،و هل يؤتى ببرهان إلاّ في الجدال بالّتي هي أحسن؟
فقيل:يابن رسول اللّه!فما الجدال بالتي هي أحسن و الّتي ليست بأحسن؟
قال:امّا الجدال بغير الّتي هي أحسن فأن تجادل[به]مبطلا فيوردعليك باطلا،فلا تردّه بحجة قد نصبها اللّه،و لكن تجحد قوله أو تجحدحقا،يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله،فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة،لأنك لا تدري كيف المخلص(2)منه،فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء اخوانهم و على المبطلين.
أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم اذا تعاطى مجادلته،و ضعف ما فى يده،حجة له على باطله.».
ص: 24
و أما الضعفاء منكم فتغمّ قلوبهم لما يرون من ضعف المحقّ في يدالمبطل.
و أما الجدال بالتي هي أحسن،فهو ما أمر اللّه تعالى به نبيّه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت و احياءه له،فقال اللّه تعالى حاكيا عنه:«وَ ضَرَبَ لَنََا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قََالَ مَنْ يُحْيِ اَلْعِظََامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ »(1)فقال اللّه تعالى في الردّ عليه:«قُلْ -يا محمد-يُحْيِيهَا اَلَّذِي أَنْشَأَهََا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَبِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ *`اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ اَلشَّجَرِ اَلْأَخْضَرِ نََاراً فَإِذََا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ »(2)الى آخر السورة.
فأراد اللّه من نبيّه أن يجادل المبطل الذي قال:كيف يجوز أن يبعث هذه العظام و هي رميم؟فقال اللّه تعالى:قل«يُحْيِيهَا اَلَّذِي أَنْشَأَهََا أَوَّلَ مَرَّةٍ »أفيعجز من ابتدأ به لا من شي ء،أن يعيده بعد أن يبلى؟بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته.
ثم قال:«اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ اَلشَّجَرِ اَلْأَخْضَرِ نََاراً»أي إذا أكمن(3)النار الحارّة في الشجر الأخضر الرطب،ثم يستخرجها فعرّفكم أنّه على إعادة ما بلي أقدر.
ثم قال:«أَ وَ لَيْسَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ بِقََادِرٍ عَلى ََ أَنْ يَخْلُقَ (1و2)يس 36/78-80.
(3)هكذا في النسخ الّتي بايدينا و لكن في المصدر:«أي اذا كان قد كمن».
كمن كمونا من باب قعد:توارى و إستخفى،و منه الكمين في الحرب-مجمع البحرين.
ص: 25
مِثْلَهُمْ بَلى ََ وَ هُوَ اَلْخَلاََّقُ اَلْعَلِيمُ »(1)أي اذا كان خلق السماوات و الأرض أعظم و أبعد في أوهامكم و قدّركم أن تقدروا عليه من اعادة البالي،فكيف جوّزتم من اللّه خلق هذا الأعجب عندكم،و الأصعب لديكم،و لم تجوّزوامنه[خلق]ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟
فقال الصادق عليه السّلام:فهذا الجدال بالّتي هي أحسن،لأن فيها قطع عذر الكافرين و ازالة شبههم.
و امّا الجدال بغير الّتي هي أحسن،فأن تجحد حقّا لا يمكنك أن تفرّق بينه و بين باطل من تجادله،و إنّما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحقّ،فهذا هوالمحرّم،لأنك مثله،جحد هو حقّا و جحدت أنت حقّا آخر.
و قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السّلام:فقام اليه رجل آخرو قال:يابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أفجادل رسول اللّه؟
فقال الصادق عليه السّلام:مهما ظننت برسول اللّه من شي ء فلا تظننّ(2)به مخالفة اللّه،أ ليس اللّه(3)قد قال:«وَ جََادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ »و قال:«قُلْ يُحْيِيهَا اَلَّذِي أَنْشَأَهََا أَوَّلَ مَرَّةٍ »لمن ضرب اللّه مثلا،أفتظن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خالف ما أمره اللّه به،فلم يجادل بما أمره اللّه به و لم يخبر عن[أمر]اللّه بما أمره أن يخبر به[عنه]؟(4)7.
ص: 26
و لقد حدثني أبي:الباقر عليه السّلام،عن جدّي علي بن الحسين،عن أبيه الحسين بن علي سيد الشهداء،عن أبيه أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم،أنه اجتمع يوما عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أهل خمسة أديان:اليهود،و النصارى،و الدهريّة،و الثنويّة،و مشركوا العرب(1).
فقالت اليهود:نحن نقول:عزيز ابن اللّه،و قد جئناك يا محمّد لننظرما تقول؟فان اتّبعتنا(2)فنحن أسبق الى الصواب منك و أفضل،و ان خالفتنا خصمناك.
و قالت النصارى:نحن نقول:إن المسيح ابن اللّه،اتّحد به،و قدجئناك لننظر ما تقول،فان اتّبعتنا فنحن أسبق الى الصواب منك و أفضل،ي.
ص: 27
و إن خالفتنا خصمناك.
و قالت الدهريّة:نحن نقول:الأشياء(1)لا بدء لها و هي دائمة،و قدجئناك لننظر فيما تقول،فان اتّبعتنا فنحن أسبق الى الصواب منك و أفضل،و إن خالفتنا خصمناك.
و قالت الثنويّة:نحن نقول إن النور و الظلمة هما المدبّران،و قدجئناك لننظر فيما تقول،فإن اتّبعتنا فنحن أسبق الى الصواب منك،و إن خالفتنا خصمناك(2).
و قال مشركوا العرب:نحن نقول:إنّ أوثاننا آلهة،و قد جئناك لننظر فيما تقول،فإن اتّبعتنا فنحن أسبق الى الصواب منك و أفضل،و إن خالفتنا خصمناك.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:آمنت باللّه وحده لا شريك له و كفرت[بالجبت و الطاغوت و](3)بكل معبود سواه.
ثم قال لهم:إن اللّه تعالى قد بعثني كافة للنّاس بشيرا و نذيرا و حجةعلى العالمين،و سيردّ كيد من يكيد دينه في نحره(4).
ثم قال لليهود:أ جئتموني لأقبل قولكم بغير حجة؟قالوا:لا.
قال:فما الذي دعاكم الى القول بأنّ عزيرا ابن اللّه؟ن.
ص: 28
قالوا:لأنه احيى لبني اسرائيل التوراة بعد ما ذهبت،و لم يفعل بها(1)هذا إلاّ لأنّه ابنه.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فكيف صار عزير ابن اللّه دون موسى،و هو الذي جاءهم بالتوراة و رؤي منه من المعجزات ما قد علمتم؟و لئن كان عزير إبن اللّه،لما ظهر من إكرامه بإحياء التوراة،فلقد كان موسى بالبنوّة أولى و أحق،و لئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له أنّه ابنه،فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجلّ من البنوة،لأنكم إن كنتم إنّما تريدون بالبنوّة الدلالة(2)على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الأمهات الأولاد بوطي ء آبائهم لهنّ،فقد كفرتم باللّه تعالى و شبّهتموه بخلقه،و أوجبتم فيه صفات المحدثين،و وجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا،و إن يكون له خالق صنعه و ابتدعه(3).
قالوا:لسنا نعني هذا،فإنّ هذا كفر كما ذكرت،و لكنّا نعني أنه ابنه على معنى الكرامة،و إن لم يكن هناك ولادة،كما قد يقول بعض علمائنالمن يريد إكرامه و إبانته بالمنزلة من غيره:«يا بنيّ»و«إنّه ابني»لا على إثبات ولادته منه،لأنه قد يقول ذلك لمن هو أجنبيّ لا نسب له بينه و بينه،و كذلك لمّا فعل اللّه تعالى بعزير ما فعل،كان قد اتخذه ابنا على الكرامة لاعلى الولادة.».
ص: 29
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فهذا ما قلته لكم،إنّه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه فانّ هذه المنزلة لموسى أولى،و إنّ اللّه تعالى يفضح كلّ مبطل بإقراره و يقلب عليه حجّته،إنّ الذي احتججتم(1)به يؤدّيكم الى ما هو أكبر ممّا ذكرته لكم،لأنّكم قلتم:إنّ عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه و بينه:«يا بنيّ»و«هذا ابني»لاعلى طريق الولادة،فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لأجنبيّ آخر:«هذاأخي»و لآخر:«هذا شيخي»و«أبي»و لآخر:«هذا سيّدي»و«يا سيّدي»على سبيل الإكرام،و إنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول،فإذايجوز عندكم أن يكون موسى أخا للّه،أو شيخا له،أو أبا،أو سيّدا،لأنه قدزاده في الإكرام ممّا لعزير(2)،كما أنّ من زاد رجلا في الإكرام فقال له:يا سيّدي و يا شيخي و يا عمّي و يا رئيسي[و يا أميري](3)على طريق الإكرام،و إنّ من زاده في الكرامة،زاده في مثل هذا القول.
أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا للّه،أو شيخا،أو عمّا،أو رئيسا،أو سيّدا،أو أميرا،لأنّه قد زاده في الإكرام على من قال له:يا شيخي أويا سيّدي أو يا عمّي أو يا رئيسي أو يا أميري؟
قال:فبهت القوم و تحيّروا و قالوا:يا محمّد!أجّلنا نتفكر فيما قد قلته لنا.فقال:انظروا فيه بقلوب معتقدة للانصاف،يهدكم اللّه تعالى.ر.
ص: 30
ثم أقبل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على النصارى،فقال لهم:و أنتم قلتم:إنّ القديم عزّ و جل،إتّحد بالمسيح ابنه،فما الذي أردتموه بهذا القول؟أردتم أن القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى؟أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو اللّه؟أو معنى قولكم:انه إتّحد به،أنّه اختصه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه؟
فإن أردتم أنّ القديم صار محدثا فقد أبطلتم،لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا،و إن أردتم أنّ المحدث صار قديما فقد أحلتم(1)لأن المحدث أيضا محال أن يصير قديما.
و إن أردتم أنّه اتحد به بأنه اختصه(2)و اصطفاه على سائر عباده،فقدأقررتم بحدوث عيسى و بحدوث المعنى الذي اتحد به من أجله،لأنه اذاكان عيسى محدثا و كان اللّه اتحد به-بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده-فقد صار عيسى و ذلك المعنى محدثين،و هذا خلاف ما بدأتم تقولونه.
قال:فقالت النصارى:يا محمّد،إن اللّه تعالى لمّا أظهر على يدعيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر،فقد اتخذوه ولدا على جهة الكرامة(3).
فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه.ة.
ص: 31
ثم أعاد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك كله،فسكتوا إلاّ رجلا واحدا منهم فقال له:يا محمد!أو لستم تقولون:إن ابراهيم خليل اللّه؟قال:قد قلنا ذلك.فقال:فاذا قلتم ذلك فلم منعتمونا من أن نقول إنّ عيسى ابن اللّه؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:انهما لن يشتبها(1)لأن قولنا:إنّ ابراهيم خليل اللّه،فإنّما هو مشتق من الخلّة أو الخلّة(2).فأما الخلّة فإنّمامعناها الفقر و الفاقة،فقد كان خليلا إلى ربّه فقيرا[إلى اللّه]و إليه منقطعا،و عن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا،و ذلك لمّا اريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث اللّه تعالى جبرئيل و قال له:أدرك عبدي،فجاءه فلقيه في الهواء،فقال:كلّفني ما بدا لك فقد بعثني اللّه لنصرتك.
فقال:بل حسبي اللّه و نعم الوكيل،إنّي لا أسأل غيره،و لا حاجة لي إلاّ إليه.فسمّاه خليله أي فقيره و محتاجه و المنقطع اليه عمّن سواه.
و اذا جعل معنى ذلك من الخلّة[العالم]و هو أنّه قد تخلّل معانيه(3)،و وقف على أسرار لم يقف عليها غيره،كان معناه(4)العالم به و بأموره،».
ص: 32
و لا يوجب ذلك تشبيه اللّه بخلقه،ألا ترون أنه إذا لم ينقطع اليه لم يكن خليله؟و إذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟و أنّ من يلده الرجل و إن أهانه و أقصاه لم يخرج[به]عن أن يكون ولده،لأن معنى الولادة قائم به؟
ثم إن وجب-لأنه قال لابراهيم خليلي(1)-أن تقيسوا أنتم فتقولوا:إنّ عيسى ابنه،وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى إنّه ابنه،فإنّ الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى،فقولوا:إنّ موسى أيضاابنه،و أن(2)يجوز أن تقولوا على هذا المعنى:إنّه شيخه و سيّده و عمّه و رئيسه و أميره كما قد ذكرته لليهود.
فقال بعضهم لبعض:و في الكتب المنزلة أنّ عيسى قال:«أذهب الى أبي»(3).
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فان كنتم بذلك الكتاب تعملون فانّ فيه«أذهب الى أبي و أبيكم»فقولوا:إنّ جميع الّذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء اللّه،كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنه،ثم إنّ ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا الذي زعمتم أنّ عيسى من جهةالاختصاص كان ابنا له،لأنّكم قلتم:إنّما قلنا:إنّه ابنه لأنّه اختصّه بما لم يختص به غيره،و أنتم تعلمون أنّ الذي خصّ به عيسى لم يخصّ به هؤلاءالقوم الذين قال لهم عيسى:«أذهب الى أبي و أبيكم»فبطل أن يكونم.
ص: 33
الاختصاص لعيسى،لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى،و أنتم إنّما حكيتم لفظة عيسى و تأوّلتموها على غيروجهها،لأنّه إذا قال:«أبي و أبيكم»(1)فقد أراد غير ما ذهبتم إليه و نحلتموه،و ما يدريكم لعلّه عنى أذهب الى آدم أو إلى نوح و إنّ اللّه يرفعني إليهم و يجمعني معهم،و آدم أبي و أبوكم و كذلك نوح،بل ما أراد غيرهذا.
قال:فسكت النصارى و قالوا:ما رأينا كاليوم مجادلا و لامخاصما[مثلك](2)و سننظر في أمورنا.
ثم أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الدهرية فقال:و أنتم فماالذي دعاكم الى القول بأنّ الأشياء لا بدو لها و هي دائمة لم تزل و لا تزال؟
فقالوا:لأنّا لا نحكم إلاّ بما نشاهد و لم نجد للأشياء حدثا فحكمنابأنّها لم تزل،و لم نجد لها انقضاء و فناء فحكمنا بأنّها لا تزال.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أفوجدتم لها قدما،أم وجدتم لهابقاء أبد الآبد؟(3)فان قلتم:إنّكم وجدتم ذلك أنهضتم(4)لأنفسكم أنكم لم تزالوا على هيئتكم و عقولكم بلا نهاية،و لا تزالون كذلك،و لئن قلتم هذا،دفعتم العيان و كذّبكم العالمون الذين يشاهدونكم.».
ص: 34
قالوا:بل لم نشاهد لها قدما و لا بقاء أبد الآبد.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم و البقاء دائما؟لأنّكم لم تشاهدوا حدوثها،و انقضاؤها أولى من تارك التّمييز لها مثلكم،فيحكم لها بالحدوث و الانقضاء و الانقطاع،لأنّه لم يشاهد لها قدما و لا بقاء أبد الابد.
أ و لستم تشاهدون اللّيل و النّهار و[أنّ]أحدهما بعد الآخر؟فقالوا:نعم.
فقال:أ ترونهما لم يزالا و لا يزالان؟فقالوا:نعم.
فقال:أ فيجوز عندكم اجتماع الليل و النهار؟فقالوا:لا.
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فاذا ينقطع(1)أحدهما عن الاخر فيسبق أحدهما و يكون الثاني جاريا بعده.قالوا:كذلك هو.
فقال:قد حكمتم بحدوث ما تقدّم من ليل و نهار(2)لم تشاهدوهما،فلا تنكروا للّه قدرة(3).ه-
ص: 35
ق-خالقها،أو لا تنكروا قدرة اللّه على إحداثها من كتم العدم و من غير مادّة.
ثم أخذ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في إقامة البرهان على حدوثها و هو يحتمل وجهين:
الأوّل:أن يكون الى آخر الكلام برهانا واحدا،حاصله أنّه لا يخلو من أن يكون الليل و النهار أي الزمان غير متناه من طرف الأزل،منتهيا الينا،او متناهيا من طرف الأزل أيضا،فعلى الثاني فالاشياء لحدوثها لا بد لها من صانع يتقدّمها ضرورة،فهذامعنى قوله:(فقد كان و لا شي ء منهما)أي كان الصانع قبل وجود شي ء منهما،ثم أخذصلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ابطال الشقّ الأوّل بأنّكم إنّما حكمتم بقدمها لئلاّ تحتاج الى صانع،و العقل السليم يحكم بأنّ القديم الّذي لا يحتاج الى صانع لا بد أن يكون مبائنا في الصفات و الحالات للحادث الّذي يحتاج إلى الصانع،مع أن ما حكمتم بقدمه لم يتميّزعن الحادث في شي ء من التغيّرات و الصّفات و الحالات،او المعنى أنّ ما يوجب الحكم في الحادث بكونه محتاجا إلى الصانع من التركّب و إعتوار الصفات المتضادّة عليه و كونها في معرض الإنحلال و الزوال كلّها موجودة فيما حكمتم بقدمه و عدم إحتجاجه إلى الصانع،فيجب أن يكون هذا أيضا حادثا مصنوعا.
الثاني:أن يكون قوله:(أتقولون)الى قوله:(قال لهم أقلتم)برهانا واحدا بأن يكون قوله:(فقد وصل اليكم آخر بلا نهاية لأوّله)إبطالا للشقّ الأوّل بالاحالة على الدلائل الّتي أقيمت على إبطال الأمور غير المتناهية المترتّبة،بناء على عدم إشتراطوجودها معا في إجرائها كما زعمه اكثر المتكلّمين،و يكون بعد ذلك دليلا واحدا كمامرّ سياقه،و يمكن أن يقرّر ما قبله أيضا برهانا ثالثا على اثبات الصانع بأن يكون المرادبقوله صلّى اللّه عليه و آله:(حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل و نهار)لبيان أن حكمهم بحدوث كل ليل و نهار يكفي لاحتياجها الى الصانع و لا ينفعكم قدم طبيعة الزّمان،فإنّ كل ليل و نهار لحدوثه بشخصه يكفي لاثبات ذلك-بحار الانوار 9/268.
ص: 36
ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أتقولون ما قبلكم من الليل و النهار متناه أم غير متناه؟فان قلتم:غير متناه،فكيف وصل اليكم(1)آخر بلا نهايةلأوّله؟
و إن قلتم:إنّه متناه فقد كان و لا شي ء منهما(2).قالوا:نعم.
قال لهم:أقلتم إنّ العالم قديم غير محدث،و أنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به،و بمعنى ما جحدتموه؟قالوا:نعم.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فهذا الذي تشاهدونه(3)من الأشياء بعضها الى بعض يفتقر(4)لأنّه لا قوام للبعض الاّ بما يتّصل به،ألاترى(5)البناء محتاجا بعض أجزائه الى بعض و إلاّ لم يتّسق،و لم يستحكم،و كذلك سائر ما ترون(6).
و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فاذا كان هذا المحتاج-بعضه الى بعض لقوّته و تمامه-هو القديم،فأخبروني أن لو كان محدثا،كيف كان يكون؟».
ص: 37
و ما ذا كانت تكون صفته؟
قال:فبهتوا و علموا أنّهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلاّو هي موجودة في هذا الذي زعموا أنّه قديم،فوجموا(1)و قالوا:سننظر في أمرنا.
ثم أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الثنويّة-الذين قالوا:النّورو الظلمة هما المدبّران-فقال:و أنتم فما الذي دعاكم الى ما قلتموه من هذا؟
فقالوا:لأنّا وجدنا العالم صنفين:خيرا و شرّا،و وجدنا الخير ضدّاللشر،فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشي ء و ضدّه،بل لكلّ واحدمنهما فاعل،أ لا ترى أنّ الثلج محال أن يسخن،كما أنّ النار محال أن تبرد،فأثبتنا لذلك صانعين قديمين:ظلمة و نورا.
فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أ فلستم قد وجدتم سواداو بياضا و حمرة و صفرة و خضرة و زرقة؟و كلّ واحدة ضدّ لسائرها،لاستحالة اجتماع اثنين منها في محل واحد،كما كان الحر و البرد ضدّين لاستحالة اجتماعهما في محلّ واحد؟قالوا:نعم.
قال:فهلاّ أثبتّم بعدد كلّ لون صانعا قديما،ليكون فاعل كل ضدّ من هذه الألوان غير فاعل الضدّ الآخر؟!قال:فسكتوا.3.
ص: 38
ثم قال:و كيف اختلط النّور و الظلمة(1)،و هذا من طبعه الصعود،و هذه من طبعها النزول؟أ رأيتم لو أنّ رجلا أخذ شرقا يمشي إليه و الآخرغربا،أكان يجوز عندكم أن يلتقيا ما داما سائرين على وجوههما(2)؟قالوا:لا.
قال:فوجب أن لا يختلط النور و الظلمة،لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر،فكيف حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال أن يمتزج؟بل هما مدبّران جميعا مخلوقان،فقالوا:سننظر في أمورنا.
ثم أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على مشركي العرب فقال:و أنتم فلم عبدتم الأصنام من دون اللّه؟فقالوا:نتقرّب بذلك الى اللّه تعالى.
فقال لهم:أو هي سامعة مطيعة لربّها،عابدة له،حتّى تتقربوا».
ص: 39
بتعظيمها الى اللّه؟
قالوا:لا.
قال:فأنتم الذين نحتّموها(1)بأيديكم؟قالوا:نعم.
قال:فلئن تعبدكم هي-لو كان تجوز منها العبادة-أحرى من أن تعبدوها!اذا لم يكن أمركم بتعظيمها،من هو العارف بمصالحكم و عواقبكم و الحكيم فيما يكلّفكم؟!
قال:فلمّا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذا[القول](2)إختلفوا،فقال بعضهم:إنّ اللّه قد حلّ(3)في هياكل رجال كانوا على هذه الصور(4)فصوّرنا هذه الصور،نعظّمها(5)لتعظيمنا تلك الصور التي حلّ فيها ربّنا.
و قال آخرون منهم:إنّ هذه صور أقوام سلفوا،كانوا مطيعين للّه قبلنا فمثّلنا صورهم و عبدناها تعظيما للّه.
و قال آخرون منهم:إنّ اللّه لمّا خلق آدم،و أمر الملائكة بالسجودله[فسجدوه تقربا باللّه](6)،كنّا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة،ر.
ص: 40
ففاتنا ذلك،فصوّرنا صورته فسجدنا لها تقرّبا الى اللّه،كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم الى اللّه تعالى،و كما أمرتم بالسجود-بزعمكم-الى جهة«مكة»ففعلتم،ثم نصبتم فى غير ذلك البلد بأيديكم محاريب(1)سجدتم اليها و قصدتم الكعبة لا محاريبكم،و قصدكم بالكعبة الى اللّه عزو جل لا اليها.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أخطأتم الطريق و ضللتم،أما أنتم-و هو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخاطب الذين قالوا:إنّ اللّه يحلّ في هياكل رجال كانوا على هذه الصور التى صوّرناها،فصوّرنا هذه الصور نعظّمهالتعظيمنا لتلك الصور التي حلّ فيها ربّنا-فقد وصفتم ربّكم بصفةالمخلوقات،أو يحلّ ربّكم في شي ء حتى يحيط به ذلك الشي ء،فأيّ فرق بينه إذا و بين سائر ما يحلّ فيه من لونه و طعمه و رائحته و لينه و خشونته و ثقله و خفته؟و لم صار هذا المحلول فيه محدثا و ذلك قديما،دون أن يكون ذلك محدثا و هذا قديما،و كيف يحتاج الى المحال من لم يزل قبل المحال،و هو عز و جل لا يزال كما لم يزل؟(2)و اذا وصفتموه بصفة المحدثات في».
ص: 41
الحلول،فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال[و الحدوث].
و اذا وصفتموه بالزوال و الحدوث،وصفتموه بالفناء!(1)لأن ذلك أجمع من صفات الحالّ و المحلول فيه،و جميع ذلك يغيّر الذات،فان كان لم يتغير ذات الباري تعالى بحلوله في شي ء جاز أن لا يتغير(2)بأن يتحرك و يسكن و يسوّد و يبيضّ و يحمرّ و يصفرّ و تحلّه الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها،حتّى يكون فيه جميع صفات المحدثين،و يكون محدثا-عزّ اللّه تعالى عن ذلك-(3).
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فإذا بطل ما ظننتموه من أن اللّه يحلّ في شي ء،فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم.
قال:فسكت القوم و قالوا:سننظر في أمورنا.
ثم أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الفريق الثاني فقال[لهم]:أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد اللّه فسجدتم لها و صلّيتم،فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب-بالسجود لها-فما الذي أبقيتم لرب العالمين؟أما علمتم أنّ من حقّ من يلزم تعظيمه و عبادته أن لا يساوى به عبده؟أ رأيتم ملكا أو عظيما إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم و الخشوع».
ص: 42
و الخضوع،أيكون في ذلك وضع من حق الكبير(1)كما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟فقالوا:نعم.
قال:أ فلا تعلمون أنّكم من حيث تعظّمون اللّه بتعظيم صور عباده المطيعين له،تزرون(2)على رب العالمين؟
قال:فسكت القوم بعد أن قالوا:سننظر في أمورنا(3).
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للفريق الثالث:لقد ضربتم لنامثلا،و شبهتمونا بأنفسكم و لسنا سواء(4)،و ذلك أنّا عباد اللّه مخلوقون مربوبون،نأتمر له فيما أمرنا،و ننزجز عما زجرنا،و نعبده من حيث يريده منّا،فاذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه و لم نتعدّ الى غيره ممّا لم يأمرنا[به]و لم يأذن لنا،لأنّا لا ندري لعلّه إن أراد منا الأوّل فهو يكره الثاني،و قد نهاناأن نتقدم بين يديه،فلمّا أمرنا أن نعبده بالتوجّه الى الكعبة أطعناه(5)،ثم أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان الّتي نكون بها فأطعناه،و لم نخرج في شي ء من ذلك من اتّباع أمره،و اللّه عزّ و جلّ حيث أمر بالسجودلآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره،فليس لكم أن تقيسوا ذلك».
ص: 43
عليه،لأنكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به.
ثم قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أ رأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوما بعينه،ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟أو لكم أن تدخلوا دارا له أخرى مثلها بغير أمره؟او وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه،أوعبدا من عبيده،أو دابّة من دوابّه،ألكم أن تأخذوا ذلك؟
قالوا:نعم.قال:فإن لم تأخذوه ألكم اخذ آخر مثله؟(1)قالوا:لالأنّه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن في الأول.
قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فأخبروني،اللّه أولى بأن لا يتقدم على ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين؟
قالوا:بل اللّه أولى بأن لا يتصرّف في ملكه بغير اذنه(2).
قال:فلم فعلتم و متى أمركم(3)أن تسجدوا لهذه الصور؟
قال:فقال القوم:سننظر في أمورنا،و سكتوا.
و قال الصادق عليه السّلام:فو الّذي بعثه بالحق نبيّا ما أتت على جماعتهم إلاّ ثلاثة أيّام حتى أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأسلموا،و كانوا خمسةو عشرين رجلا،من كلّ فرقة خمسة.
و قالوا:ما رأينا مثل حجّتك يا محمّد،نشهد أنّك رسول اللّه(4).5.
ص: 44
[21]
و قال الصادق عليه السّلام:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:فأنزل اللّه:«اَلْحَمْدُ لِلََّهِ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ جَعَلَ اَلظُّلُمََاتِ وَ اَلنُّورَ ثُمَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ »(1).فكان في هذه الآية ردّ على ثلاثة أصناف منهم،لمّا قال:«اَلْحَمْدُ لِلََّهِ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ »فكان ردّاعلى الدهرية الذين قالوا:إنّ الأشياء لا بدو لها و هي دائمة.
ثم قال:«وَ جَعَلَ اَلظُّلُمََاتِ وَ اَلنُّورَ»فكان ردّا على الثنويّة الذين قالوا:إن النور و الظلمة هما مدبّران.
ثم قال:«ثُمَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ »فكان ردّا على مشركي العرب الذين قالوا:إنّ أوثاننا آلهة.
ثم أنزل اللّه:«قُلْ هُوَ اَللََّهُ أَحَدٌ»الى آخرها،فكان ردّا على من ادّعى من دون اللّه ضدّا أو ندّا.
قال:فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأصحابه:قولوا:«إِيََّاكَ نَعْبُدُ»أي نعبد واحدا،لا نقول كما قالت الدهرية:إنّ الأشياء لا بدو لها
ص: 45
و هي دائمة،و لا كما قالت الثنويّة الذين قالوا:إنّ النّور و الظلمة هماالمدبّران،و لا كما قال مشركوا العرب:إنّ أوثاننا آلهة،فلا نشرك بك شيئا و لا ندعو من دونك إلها،كما يقول هؤلاء الكفّار،و لا نقول كما قالت اليهود و النصارى:إنّ لك ولدا،تعاليت عن ذلك[علوّا كبيرا].
قال:فذلك قوله:«وَ قََالُوا لَنْ يَدْخُلَ اَلْجَنَّةَ إِلاََّ مَنْ كََانَ هُوداً أَوْنَصََارى ََ ».
و قالت طائفة غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا،قال اللّه تعالى:يا محمد«تِلْكَ أَمََانِيُّهُمْ »التي يتمنّونها بلا حجة«قُلْ هََاتُوا بُرْهََانَكُمْ »و حجتكم على دعواكم«إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ »كما أتى محمّد ببراهينه التي سمعتموها.
ثم قال:«بَلى ََ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلََّهِ »تعالى يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا سمعوا براهينه و حججه(1)«وَ هُوَمُحْسِنٌ »في عمله للّه«فَلَهُ أَجْرُهُ »و ثوابه«عِنْدَ رَبِّهِ »يوم فصل القضاء،«وَ لاََ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ »حين يخاف الكافرون مما يشاهدونه من العقاب،«وَ لاََ هُمْ يَحْزَنُونَ »(2)عند الموت،لأنّ البشارة بالجنان تأتيهم(3).6.
ص: 46
[22]
عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السّلام أنه قال:قلت لأبي علي بن محمد عليهما السّلام:هل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يناظر اليهودو المشركين اذا عاتبوه،و يحاجّهم[إذا حاجّوه]؟
قال:بلى،مرارا كثيرة،منها ما حكى اللّه من قولهم:«وَ قََالُوامََا لِهََذَا اَلرَّسُولِ يَأْكُلُ اَلطَّعََامَ وَ يَمْشِي فِي اَلْأَسْوََاقِ لَوْ لاََ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ »إلى قوله:«رَجُلاً مَسْحُوراً»(1).
و قالوا:«لَوْ لاََ نُزِّلَ هََذَا اَلْقُرْآنُ عَلى ََ رَجُلٍ مِنَ اَلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ »(2).
[و قوله عزّ و جل:]«وَ قََالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتََّى تَفْجُرَ لَنََا مِنَ اَلْأَرْضِ يَنْبُوعاً»إلى قوله:«كِتََاباً نَقْرَؤُهُ »(3).
ثم قيل له فى آخر ذلك:لو كنت نبيّا كموسى لنزلت عليناالصاعقة(4)في مسألتنا إليك لأنّ مسألتنا أشدّ من مسائل قوم موسى لموسى عليه السّلام.
قال:و ذلك أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان قاعدا ذات يوم بمكةبفناء الكعبة،إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش،منهم:الوليد بن المغيرة».
ص: 47
المخزومي،و أبو البختري بن هشام،و ابو جهل بن هشام،و العاص بن وائل السهمي،و عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي،و كان معهم جمع ممّن يليهم كثير،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في نفر من أصحابه،يقرأ عليهم كتاب اللّه،و يؤدّي اليهم عن اللّه أمره و نهيه.
فقال المشركون بعضهم لبعض:لقد استفحل(1)أمر محمّد و عظم خطبه(2)،فتعالوا نبدأ بتقريعه و تبكيته و توبيخه،و الاحتجاج عليه،و ابطال ما جاء به،ليهون خطبه على أصحابه،و يصغر قدره عندهم،فلعلّه ينزع عما هو فيه من غيّه و باطله و تمرده و طغيانه،فان انتهى و الاّ عاملناه بالسيف الباتر(3).
قال أبو جهل:فمن ذا الذي يلي كلامه و مجادلته؟قال عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي:أنا الي ذلك،أفما ترضاني له قرنا حسيبا و مجادلا كفيا؟قال أبو جهل:بلى،فأتوه بأجمعهم،فابتدأ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي فقال:يا محمّد،لقد ادّعيت دعوى عظيمة،و قلت مقالا هائلا،زعمت أنّك رسول اللّه ربّ العالمين،و ما ينبغي لربّ العالمين و خالق الخلق أجمعين،أن يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا(4)،تأكل كما نأكل،و تشرب كمانشرب،و تمشي في الأسواق كما نمشي،فهذا ملك الروم،و هذا ملك».
ص: 48
الفرس لا يبعثان رسولا الاّ كثير المال،عظيم الحال،له قصور و دور وفساطيط(1)و خيام و عبيد و خدام،و ربّ العالمين فوق هؤلاءكلّهم[أجمعين]،فهم عبيده،و لو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدقك و نشاهده،بل لو أراد اللّه أن يبعث إلينا نبيّا لكان إنما يبعث إلينا ملكا،لابشرا مثلنا،ما أنت يا محمّد الاّ رجلا مسحورا،و لست بنبيّ.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:هل بقي من كلامك شي ء؟قال:بلى،لو أراد اللّه أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجلّ من فيما بيننا مالا،و أحسنه حالا(2)،فهلاّ نزّل هذا القرآن-الذي تزعم أنّ اللّه أنزله عليك،و ابتعثك به رسولا-على رجل من القريتين عظيم:إمّا الوليد بن المغيرةبمكة،و إمّا عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:هل بقي من كلامك شي ء ياعبد اللّه؟
فقال:بلى،لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكة هذه،فانها ذات أحجار و عرة(3)و جبال،تكسح أرضها(4)و تحفرها،و تجري فيها العيون،فانّنا الى ذلك محتاجون،أو تكون لك جنّة من نخيل و عنب،1.
ص: 49
فتأكل منها و تطعمنا،فتفجّر الأنهار خلالها-خلال تلك النخيل و الأعناب-تفجيرا،أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا(1)،فانك قلت لنا:«وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ اَلسَّمََاءِ سََاقِطاً يَقُولُوا سَحََابٌ مَرْكُومٌ »(2)فلعلّنا نقول ذلك.
ثم قال:[و لن نؤمن لك](3)أو تأتي باللّه و الملائكة قبيلا،تأتي به و بهم و هم لنا مقابلون،أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه،و تغنينا به فلعلّنا نطغى،فإنّك قلت لنا:«كَلاََّ إِنَّ اَلْإِنْسََانَ لَيَطْغى ََ `أَنْ رَآهُ اِسْتَغْنى ََ »(4).
ثم قال:أو ترقى في السماء-أي تصعد في السماء-و لن نؤمن لرقيّك-أي لصعودك-حتى تنزّل علينا كتابا نقرؤه:من اللّه العزيز الحكيم الى عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي و من معه،بأن آمنوا بمحمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب،فانّه رسولي و صدّقوه في مقاله فانه من عندي.
ثم لا أدري يا محمّد،إذا فعلت هذا كلّه،أؤمن بك أو لا أؤمن بك،بل لو رفعتنا الى السماء،و فتحت أبوابها و أدخلتناها لقلنا:إنّما سكرت أبصارنا(5)و سحرتنا.ه.
ص: 50
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا عبد اللّه!أبقي شي ء من كلامك؟
قال:يا محمّد!أو ليس فيما أوردته عليك كفاية و بلاغ؟ما بقي شي ءفقل ما بدا لك،و أفصح عن نفسك إن كانت لك حجة،و أتنا بما سألناك به.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:اللّهم أنت السامع لكلّ صوت،و العالم بكل شى ء تعلم ما قاله عبادك،فأنزل اللّه عليه:يا محمّد«وَ قََالُوامََا لِهََذَا اَلرَّسُولِ يَأْكُلُ اَلطَّعََامَ وَ يَمْشِي فِي اَلْأَسْوََاقِ »-الى قوله-«رَجُلاًمَسْحُوراً»(1).
ثم قال اللّه تعالى:«اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ اَلْأَمْثََالَ فَضَلُّوا فَلاََيَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً»(2).
ثم قال[اللّه]:يا محمد«تَبََارَكَ اَلَّذِي إِنْ شََاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذََلِكَ جَنََّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهََارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً»(3).
و أنزل عليه:يا محمد«فَلَعَلَّكَ تََارِكٌ بَعْضَ مََا يُوحى ََ إِلَيْكَ وَ ضََائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ »(4)الآية.
و أنزل اللّه عليه:يا محمّد«وَ قََالُوا لَوْ لاََ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَ لَوْ أَنْزَلْنََامَلَكاً لَقُضِيَ اَلْأَمْرُ»-الى قوله-:«وَ لَلَبَسْنََا عَلَيْهِمْ مََا يَلْبِسُونَ »(5).9.
ص: 51
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا عبد اللّه!أمّا ما ذكرت من أنّي آكل الطعام كما تأكلون،و زعمت أنّه لا يجوز لأجل هذا أن أكون للّه رسولا،فإنّما الأمر للّه تعالى يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،و هو محمود،و ليس لك و لا لأحد الاعتراض عليه ب-«لم»و«كيف».
أ لا ترى أنّ اللّه كيف أفقر بعضا،و أغنى بعضا،و أعزّ بعضا،و أذل بعضا،و أصحّ بعضا،و أسقم بعضا،و شرّف بعضا،و وضع بعضا،و كلّهم ممن يأكل الطعام.
ثم ليس للفقراء أن يقولوا:لم أفقرتنا و أغنيتهم؟و لا للوضعاء أن يقولوا:لم وضعتنا و شرّفتهم؟و لا للزمنى(1)و الضعفاء أن يقولوا:لم أزمنتنا و أضعفتنا و صححتهم؟و لا للأذلاّء أن يقولوا:لم أذللتنا و أعززتهم؟و لا لقباح الصّور أن يقولوا:لم قبّحتنا و جمّلتهم؟بل إن قالوا ذلك كانواعلى ربّهم رادّين،و له في أحكامه منازعين،و به كافرين،و لكان جوابه لهم:[انّي]أنا الملك،الخافض الرافع،المغني المفقر،المعزّ المذلّ،المصحّح المسقم،و أنتم العبيد ليس لكم إلاّ التسليم لي،و الانقيادلحكمي،فان سلّمتم كنتم عبادا مؤمنين،و ان أبيتم كنتم بي كافرين،و بعقوباتي من الهالكين.
ثم أنزل اللّه عليه:يا محمّد«قُلْ إِنَّمََا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ »يعني آكل الطعام«يُوحى ََ إِلَيَّ أَنَّمََا إِلََهُكُمْ إِلََهٌ وََاحِدٌ»(2)يعني قل لهم:أنا في البشريّة0.
ص: 52
مثلكم،و لكن ربّي خصّني بالنبوّة دونكم،كما يخصّ بعض البشر بالغنى و الصحّة و الجمال دون بعض من البشر،فلا تنكروا أن يخصّني أيضابالنبوّة[دونكم].
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و أمّا قولك:«[إنّ]هذا ملك الروم و ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلاّ كثير المال،عظيم الحال،له قصور و دورو فساطيط و خيام و عبيد و خدّام،و ربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده»فإنّ اللّه له التدبير و الحكم،لا يفعل على ظنّك و حسبانك،و لاباقتراحك،بل يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،و هو محمود(1).
يا عبد اللّه!إنّما بعث اللّه نبيّه ليعلّم الناس دينهم،و يدعوهم الى ربّهم،و يكدّ نفسه في ذلك آناء الليل و النهار(2)،فلو كان صاحب قصوريحتجب فيها،و عبيد و خدم يسترونه عن الناس،أ ليس كانت الرسالةتضيع و الأمور تتباطأ؟أو ما ترى الملوك إذا احتجبوا،كيف يجري الفسادو القبائح من حيث لا يعلمون به و لا يشعرون؟
يا عبد اللّه!إنّما بعثني اللّه و لا مال لي ليعرّفكم قدرته و قوّته،و أنه هوالناصر لرسوله،لا تقدرون على قتله و لا منعه من رسالته،فهذا أبين في قدرته و في عجزكم،و سوف يظفرنى اللّه بكم فأوسعكم قتلا و أسرا،ثم يظفرني اللّه ببلادكم،و يستولي عليها المؤمنون من دونكم،و دون من يوافقكم على دينكم.».
ص: 53
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و أما قولك لي:«و لو كنت نبيّالكان معك ملك يصدّقك و نشاهده،بل لو أراد اللّه أن يبعث الينا نبيّا لكان إنما يبعث ملكا لا بشرا مثلنا»فالملك لا تشاهده حواسّكم،لأنّه من جنس هذا الهواء،لا عيان منه،و لو شاهدتموه-بأن يزاد في قوى أبصاركم-لقلتم:ليس هذا ملكا،بل هذا بشر،لأنّه إنّما كان يظهر لكم بصورة البشرالذي[قد]ألفتموه لتفهموا عنه مقالته،و تعرفوا خطابه و مراده،فكيف كنتم تعلمون صدق الملك و أنّ ما يقوله حق؟بل إنّما بعث اللّه بشرا،و أظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم،فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة و أنّ ذلك شهادةمن اللّه تعالى بالصدق له،و لو ظهر لكم ملك،و ظهر على يده ما يعجزعنه(1)البشر،لم يكن في ذلك ما يدلّكم على أنّ ذلك ليس في طبائع سائرأجناسه من الملائكة،حتّى يصير ذلك معجزا.
ألا ترون أنّ الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز،لأنّ لها أجناسايقع منها مثل طيرانها،و لو أنّ آدميا طار كطيرانها كان(2)ذلك معجزا،فاللّه عز و جل سهّل عليكم الأمر،و جعله بحيث تقوم عليكم حجته،و انتم تقترحون عمل الصعب الذى لا حجة فيه.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و أمّا قولك:«ما أنت الاّ رجل مسحور»فكيف أكون كذلك و قد تعلمون أنّي في صحة التمييز و العقل..
ص: 54
فوقكم؟فهل جرّبتم عليّ منذ نشأت الى أن استكملت أربعين سنة،خزية(1)أو زلّة أو كذبة أو خيانة أو خطأ من القول،أو سفها من الرأي؟أتظنّون أنّ رجلا يعتصم طول هذه المدة بحول نفسه و قوّتها أو بحول اللّه و قوّته؟و ذلك ما قال اللّه تعالى:«اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ اَلْأَمْثََالَ فَضَلُّوا فَلاََيَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً»(2)الى أن يثبتوا عليك عمى بحجة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبين عليك تحصيل بطلانها.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و أما قولك:«لو لا نزل هذاالقرآن على رجل من القريتين عظيم:الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة[بن مسعود الثقفي]بالطائف»فانّ اللّه تعالى ليس يستعظم مال الدنيا كماتستعظمه أنت،و لا خطر(3)له عنده كما له عندك،بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة،لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء،و ليس قسمةرحمة اللّه اليك(4)بل اللّه هو القاسم للرحمات،و الفاعل لما يشاء في».
ص: 55
عبيده و إمائه،و ليس هو عزّ و جلّ ممن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله و حاله،فعرفته(1)بالنبوة لذلك،و لا ممن يطمع في أحد في ماله أو في حاله كما تطمع[أنت]فتخصّه بالنبوة لذلك،و لا ممن يحب أحدا محبة الهواءكما تحب أنت،فتقدّم من لا يستحق التقديم.
و انما معاملته بالعدل،فلا يؤثر أحدا لأفضل مراتب الدين و خلاله(2)،إلاّ الأفضل في طاعته و الأجدّ في خدمته،و كذلك لا يؤخر في مراتب الدين و خلاله(3)إلاّ أشدّهم تباطؤا عن طاعته.
و اذا كان هذا صفته لم ينظر الى مال و لا الى حال بل هذا المال و الحال من تفضّله،و ليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب(4)،فلا يقال له:اذا تفضّلت بالمال على عبد،فلا بدّ[من]أن تتفضّل عليه(5)بالنبوّةأيضا،لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده و لا إلزامه تفضّلا،لأنّه».
ص: 56
تفضّل قبله بنعمه.
ألا ترى يا عبد اللّه كيف أغنى واحدا و قبّح صورته؟و كيف حسّن صورة واحد و أفقره؟و كيف شرّف واحدا و أفقره؟و كيف أغنى واحداو وضعه؟ثم ليس لهذا الغنيّ أن يقول:«هلاّ أضيف الى يساري جمال فلان؟»و لا للجميل أن يقول:«هلاّ أضيف الى جمالي مال فلان؟»و لاللشريف أن يقول:«هلاّ أضيف الى شرفي مال فلان؟»و لا للوضيع أن يقول:«هلاّ أضيف الى ضعتي شرف فلان؟»ولكن الحكم للّه،يقسّم كيف يشاء و يفعل كما يشاء،و هو حكيم في أفعاله،محمود في أعماله،و ذلك قوله تعالى:«وَ قََالُوا لَوْ لاََ نُزِّلَ هََذَا اَلْقُرْآنُ عَلى ََ رَجُلٍ مِنَ اَلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ »-قال اللّه تعالى:-«أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ »-يا محمّد؟-«نَحْنُ قَسَمْنََا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي اَلْحَيََاةِ اَلدُّنْيََا»(1)فأحوجنا بعضا إلى بعض:أحوج هذا الرجل الى مال ذلك،و أحوج ذلك الى سلعة هذا أو الى خدمته(2)،فترى أجلّ الملوك و أغنى الأغنياء محتاجا الى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب:إمّا سلعة معه ليست معه،و إمّا خدمة يصلح لها،لا يتهيّأ لذلك الملك أن يستغني إلاّ به،و إمّا باب من العلوم و الحكم،هو».
ص: 57
فقير الى أن يستفيدها من هذا الفقير،فهذا الفقير يحتاج الى مال ذلك الملك الغني،و ذلك الملك يحتاج الى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته.
ثم ليس للملك أن يقول:هلاّ اجتمع الى مالي علم هذا الفقير،و لاللفقير أن يقول:هلاّ اجتمع الى رأيي و علمي و ما أتصرف فيه من فنون الحكم(1)مال هذا الملك الغني؟
ثم قال اللّه تعالى:«وَ رَفَعْنََا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجََاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا»-ثم قال:يا محمّد قل لهم-«وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمََّايَجْمَعُونَ »(2)أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و أما قولك:«لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتََّى تَفْجُرَ لَنََا مِنَ اَلْأَرْضِ يَنْبُوعاً»الى آخر ما قلته،فانّك[قد]اقترحت على محمّد رسول اللّه أشياء:
منها:ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوّته،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين،و يحتج عليهم بما لا حجّة فيه.
و منها:ما لو جاءك به كان معه هلاكك،و إنّما يؤتى بالحجج و البراهين ليلزم عباد اللّه الايمان بها،لا ليهلكوا بها،فإنّما اقترحت هلاكك،و ربّ العالمين أرحم بعباده،و أعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون(3).ن.
ص: 58
و منها:المحال الذي لا يصحّ و لا يجوز كونه،و رسول ربّ العالمين يعرّفك ذلك،و يقطع معاذيرك،و يضيّق عليك سبيل مخالفته،و يلجئك بحجج اللّه الى تصديقه،حتّى لا يكون لك عنه محيد و لا محيص(1).
و منها:ما قد اعترفت على نفسك انّك فيه معاند متمرّد،لا تقبل حجّةو لا تصغي الى برهان،و من كان كذلك فدواؤه عذاب اللّه(2)النازل من سمائه،أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه.
فأمّا قولك يا عبد اللّه:«لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعابمكة هذه فانها ذات أحجار و صخور و جبال،تكسح أرضها و تحفرها،و تجري فيها العيون،فاننا الى ذلك محتاجون»فانك سألت هذا و أنت جاهل بدلائل اللّه تعالى.
يا عبد اللّه أ رأيت لو فعلت هذا،أكنت من أجل هذا نبيّا؟قال:لا.قال رسول اللّه:أ رأيت(3)الطائف التي لك فيها بساتين؟أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها و ذلّلتها و كسحتها و أجريت فيها عيونااستنبطتها؟قال:بلى.».
ص: 59
قال:و هل لك في هذا نظراء؟قال:بلى.
قال:أفصرت بذلك أنت و هم أنبياء؟قال:لا.
قال:فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمّد لو فعله على نبوّته،فما هو الاّكقولك:لن نؤمن لك حتى تقوم و تمشي على الأرض[كما يمشي الناس]أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس.
و أمّا قولك يا عبد اللّه:«أو تكون لك جنة من نخيل و عنب فتأكل منها و تطعمنا و تفجر الأنهار خلالها تفجيرا»أ و ليس لك و لأصحابك جنات من نخيل و عنب بالطائف تأكلون و تطعمون منها،و تفجرون الأنهار خلالها تفجيرا؟أفصرتم أنبياء بهذا؟قال:لا.
قال:فما بال اقتراحكم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أشياء لوكانت كما تقترحون لما دلّت على صدقه،بل لو تعاطاها لدلّ تعاطيها على كذبه(1)،لأنه[حينئذ]يحتج بما لا حجة فيه،و يختدع الضعفاء عن عقولهم و أديانهم،و رسول رب العالمين يجل و يرتفع عن هذا.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا عبد اللّه!و أما قولك:«أوتسقط السماء كما زعمت علينا كسفا-فانك قلت:-و ان يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم»فانّ في سقوط السماء عليكم هلاككم و موتكم،فإنّما تريد بهذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يهلكك،و رسول رب العالمين أرحم[بك]من ذلك،[و]لا يهلكك،و لكنّه».
ص: 60
يقيم عليك حجج اللّه،و ليس حجج اللّه لنبيّه وحده على حسب اقتراح عباده.
لأن العباد جهّال بما يجوز من الصلاح،و بما لا يجوز من الفساد(1)،و قد يختلف اقتراحهم و يتضادّ حتى يستحيل وقوعه.[اذ لو كانت اقتراحاتهم واقعة لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السّماء عليكم،و يقترح غيرك أن لا تسقط عليكم السماء،بل أن ترفع الأرض الى السماء،و تقع السماء عليها،و كان ذلك يتضادّ،و يتنافى أو يستحيل وقوعه](2)و اللّه عزّ و جلّ لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و هل رأيت يا عبد اللّه طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم؟و إنّما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه(3)،أحبّه العليل أو كرهه،فأنتم المرضى و اللّه طبيبكم،فإن انقدتم(4)لدوائه شفاكم،و إن تمرّدتم عليه أسقمكم.
و بعد،فمتى رأيت يا عبد اللّه مدّعي حق[من]قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكّامهم-فيما مضى-بيّنة على دعواه على حسب اقتراح المدّعى عليه؟إذا ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى و لا حق،و لا كان بين ظالم و مظلوم و لا بين صادق و كاذب فرق.».
ص: 61
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا عبد اللّه!و أما قولك:«أو تأتي باللّه و الملائكة قبيلا يقابلوننا و نعاينهم»فانّ هذا من المحال الذي لا خفاءبه،لأنّ ربّنا عزّ و جلّ ليس كالمخلوقين يجي ء و يذهب،و يتحرك و يقابل شيئا حتّى يؤتى به،فقد سألتم بهذا المحال،و إنّما هذا الذي دعوت اليه،صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة الّتي لا تسمع و لا تبصر و لا تعلم و لا تغني عنكم شيئا و لا عن أحد.
يا عبد اللّه أو ليس لك ضياع و جنان بالطائف،و عقار بمكة و قوّام عليها؟قال:بلى،قال:أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك؟قال:بسفراء(1).قال:أ رأيت لو قال معاملوك و أكرتك(2)و خدمك لسفرائك:لا نصدقكم في هذه السفارة إلاّ أن تأتونا بعبد اللّه بن أبي أميّة لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها،كنت تسوغهم هذا،أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟قال:لا.
قال:فما الذي يجب على سفرائك؟أ ليس أن يأتوهم عنك بعلامةصحيحة تدلّهم على صدقهم،فيجب(3)عليهم أن يصدقوهم؟قال:بلى.
قال:يا عبد اللّه!أ رأيت سفيرك لو أنّه لمّا سمع منهم هذا،عاد اليك و قال[لك]:قم معي فإنّهم قد اقترحوا عليّ مجيئك[معي]،أ ليس يكون هذالك مخالفا،و تقول له:إنّما أنت رسول لا مشير و لا آمر؟قال:بلى...
ص: 62
قال:فكيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين ما لا تسوّغ لأكرتك و معامليك أن يقترحوه على رسولك اليهم؟و كيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذمّ الى ربّه،بأن يأمر عليه و ينهى،و أنت لا تسوّغ مثل هذا على رسولك الى أكرتك و قوّامك؟
هذه حجة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كلّ ما اقترحته يا عبد اللّه.
و أمّا قولك يا عبد اللّه:«أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ»و هو الذهب،أ ما بلغك أنّ لعزيز(1)مصر بيوتا من زخرف؟قال:بلى.
قال:أ فصار بذلك نبيّا؟قال:لا.
قال:فكذلك لا يوجب[ذلك]لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-لو كان له-نبوّة(2)،و محمد لا يغتنم جهلك بحجج اللّه.
و أمّا قولك يا عبد اللّه:«أو ترقى في السّماء»ثم قلت:«وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتََّى تُنَزِّلَ عَلَيْنََا كِتََاباً نَقْرَؤُهُ »يا عبد اللّه!الصعود الى السماءأصعب من النزول عنها،و اذا اعترفت على نفسك أنّك لا تؤمن اذا صعدت فكذلك حكم النزول.
ثم قلت:«حَتََّى تُنَزِّلَ عَلَيْنََا كِتََاباً نَقْرَؤُهُ »من بعد ذلك ثم لا أدري(3)أؤمن بك أو لا أؤمن بك،فأنت يا عبد اللّه مقرّ بأنّك تعاند حجّة اللّه عليك،فلا دواء لك إلاّ تأديبه لك على يد أوليائه من البشر،أو ملائكته الزبانية،و قدي.
ص: 63
أنزل اللّه عليّ حكمة بالغة جامعة لبطلان كل ما اقترحته.
فقال عزّ و جلّ:«قُلْ -يا محمد-سُبْحََانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاََّ بَشَراًرَسُولاً»(1)ما أبعد ربّي عن أن يفعل الأشياء على[قدر]ما يقترحه الجهّال،بما يجوز و بما لا يجوز،و هل كنت إلاّ بشرا رسولا،لا يلزمني إلاّ اقامةحجة اللّه التي أعطاني،و ليس لي أن آمر على ربّي و لا أنهى و لا أشير،فأكون كالرسول الذي بعثه ملك الى قوم من مخالفيه،فرجع اليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه.
فقال أبو جهل:يا محمّد،هاهنا واحدة،أ لست زعمت أنّ قوم موسى احترقوا بالصاعقة لمّا سألوه أن يريهم اللّه جهرة؟قال:بلى.
قال:فلو كنت نبيّا لاحترقنا نحن أيضا،فقد سألنا أشدّ ممّا سأل قوم موسى،لأنّهم كما زعمت قالوا(2):«أَرِنَا اَللََّهَ جَهْرَةً »و نحن نقول:«لن نؤمن لك حتى تأتي بالله و الملائكة قبيلانعاينهم ».».
ص: 64
[قصة رؤية ابراهيم عليه السّلام ملكوت السماوات و الأرض:](1)
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا أبا جهل،أما علمت قصةابراهيم الخليل لمّا رفع في الملكوت،و ذلك قول ربّي:«وَ كَذََلِكَ نُرِي إِبْرََاهِيمَ مَلَكُوتَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ اَلْمُوقِنِينَ »(2)قوّى اللّه بصره لمّا رفعه دون السّماء،حتّى أبصر الأرض و من عليها ظاهرين و مستترين،فرأى رجلا و امرأة على فاحشة،فدعا عليهما بالهلاك فهلكا،ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا(3)،ثم رأى آخرين فهمّ بالدعاء عليهما فأوحى اللّه اليه:يا إبراهيم!اكفف دعوتك عن عبادي و إمائي،فانّي أنا الغفور الرحيم الجبّار(4)الحليم،لا تضرّني ذنوب عبادي كما لا تنفعني طاعتهم،و لست أسوسهم(5)بشفاء الغيظ كسياستك،فاكفف دعوتك عن عبادي و إمائي،فإنّما أنت عبد نذير لا شريك في المملكة
ص: 65
و لا مهيمن عليّ،و لا عبادي،و عبادي معي بين خلال ثلاث:
إمّا تابوا إليّ فتبت عليهم،و غفرت ذنوبهم،و سترت عيوبهم.
و امّا كففت عنهم عذابي لعلمي بأنّه سيخرج من أصلابهم ذريّات مؤمنون،فأرفق بالآباء الكافرين،و أتأنّى بالأمّهات الكافرات،و أرفع عنهم عذابي ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم،فاذا تزايلوا حلّ بهم عذابي و حاق بهم بلائي.
و ان لم يكن هذا و لا هذا،فإنّ الذي أعددته لهم من عذابي أعظم ممّاتريده بهم،فإنّ عذابي لعبادي على حسب جلالي و كبريائي.
يا ابراهيم!فخلّ بيني و بين عبادي،فإنّي أرحم بهم منك،و خلّ بيني و بين عبادي فإنّي أنا الجبار الحليم العلاّم الحكيم،أدبّرهم بعلمي و أنفذفيهم قضائي و قدري.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ان اللّه تعالى-يا أبا جهل-انّمادفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذريّة طيبة:عكرمة ابنك،وسيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع اللّه و رسوله فيه كان عند اللّه جليلا،و الاّ فالعذاب نازل عليك.
و كذلك سائر قريش السائلين لمّا سألوا من هذا(1)إنّما أمهلوا،لأن اللّه علم أنّ بعضهم سيؤمن بمحمد،و ينال به السعادة،فهو[تعالى]لا يقطعه عن تلك السعادة و لا يبخل بها عليه،أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه».
ص: 66
لإيصال ابنه الى السعادة،و لو لا ذلك لنزل العذاب بكافّتكم.فانظر نحوالسّماء.
فنظر فاذا أبوابها مفتّحة،و اذا النيران نازلة منها مسامتة(1)لرؤوس القوم تدنو منهم حتّى وجدوا حرّها بين أكتافهم،فارتعدت فرائص(2)أبي جهل و الجماعة.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا تروعنكم فان اللّه لا يهلككم بها،و انّما أظهرها عبرة[لكم].
ثم نظروا الى السّماء،و إذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتهاو رفعتها و دفعتها حتى أعادتها في السماء كما جاءت منها.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ بعض هذه الأنوار أنوار من قدعلم اللّه أنه سيسعده بالايمان بي منكم من بعد،و بعضها أنوار ذريّة طيّبةستخرج من بعضكم ممن لا يؤمن و هم يؤمنون(3).9.
ص: 67
[في أنّ للرّسول صلّى اللّه عليه و آله من المعجزات ما كان للأنبياء عليهم السّلام](1)
[23]
و عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السّلام أنّه قال:قيل لأميرالمؤمنين:يا أمير المؤمنين،هل كان لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آية مثل آيةموسى في رفعه الجبل فوق رؤوس الممتنعين عن قبول ما أمروا به؟
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:إي و الّذي بعثه بالحق نبيّا،ما من آيةكانت لأحد من الأنبياء،من لدن آدم الى أن انتهى الى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم،إلاّ و قد كان لمحمّد مثلها أو أفضل منها(2)،و لقد كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نظير هذه الآية الى آيات أخر ظهرت له.
و ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا أظهر بمكة دعوته،و أبان-عن اللّه تعالى-مراده،رمته العرب عن قسيّ عداوتها بضروب مكائدهم(3)،و لقد قصدته يوما-لأنّي(4)كنت أوّل الناس إسلاما،بعث يوم الاثنين،و صليت معه يوم الثلاثاء،و بقيت معه أصلّي سبع سنين حتى
ص: 68
دخل نفر في الاسلام و أيد اللّه تعالى دينه من بعد-فجاءه قوم من المشركين فقالوا له:
يا محمّد!تزعم أنّك رسول ربّ العالمين،ثم أنك لا ترضى بذلك حتّى تزعم أنك سيّدهم و أفضلهم،فلئن(1)كنت نبيا فأتنا بآية كما تذكره عن الأنبياء قبلك:
مثل نوح الذي جاء بالغرق،و نجا في سفينته مع المؤمنين.
و ابراهيم الذي ذكرت أنّ النار جعلت عليه بردا و سلاما.
و موسى الذي زعمت أنّ الجبل رفع فوق رؤوس أصحابه حتّى انقادوا لما دعاهم اليه صاغرين داخرين.
و عيسى الذي كان ينبئهم بما يأكلون و ما يدّخرون في بيوتهم.
و صار هؤلاء المشركون فرقا أربعة:
هذه تقول:أظهر لنا آية نوح.
و هذه تقول:أظهر لنا آية موسى.
و هذه تقول:أظهر لنا آية ابراهيم.
و هذه تقول:أظهر لنا آية عيسى.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنّما أنا[لكم]نذير[و بشير]مبين،أتيتكم بآية مبيّنة:هذا القرآن الذي تعجزون أنتم و الأمم و سائر العرب عن معارضته،و هو بلغتكم،فهو حجة بيّنة عليكم(2)،و ما بعد ذلك فليس ليي-
ص: 69
الاقتراح على ربّي،و ما على الرسول الاّ البلاغ المبين الى المقرّين بحجةصدقه،و آية حقّه،و ليس عليه أن يقترح بعد قيام الحجة على ربّه ما يقترحه عليه المقترحون،الذين لا يعلمون هل الصلاح أو الفساد فيما يقترحون.
فجاءه جبرئيل عليه السّلام فقال:يا محمّد!انّ العليّ الأعلى يقرأ عليك السّلام،و يقول لك:إنّي سأظهر لهم هذه الآيات،و إنّهم يكفرون بها إلاّمن أعصمه منهم،و لكنّى أريهم ذلك زيادة في الأعذار و الايضاح لحججك.
فقل لهؤلاء المقترحين لآية نوح عليه السّلام:إمضوا الى جبل أبي قبيس،فإذا بلغتم سفحه(1)فسترون آية نوح،فاذا غشيكم الهلاك فاعتصموا بهذا و بطفلين يكونان بين يديه.
و قل للفريق الثاني المقترحين لآية ابراهيم عليه السّلام:امضوا الى حيث تريدون من ظاهر مكة،فسترون آية ابراهيم في النار،فاذا غشيكم البلاء(2)فسترون في الهواء امرأة قد أرسلت طرف خمارها فتعلّقوا به،لتنجّيكم من الهلكة،و تردّ عنكم النار.
و قل للفريق الثالث المقترحين لآية موسى:امضوا الى ظلّ الكعبة،فسترون آية موسى،و سينجيكم هناك عمّي حمزة.
ق-«ب»:«فهو حجة اللّه و حجة نبيّه عليكم».ر.
ص: 70
و قل للفريق الرابع و رئيسهم أبو جهل:و أنت يا أبا جهل فاثبت عندي ليتّصل بك أخبار هؤلاء الفرق الثلاث،فانّ الآية التي اقترحتها[انت]تكون بحضرتي.
فقال أبو جهل للفرق الثلاث:قوموا فتفرّقوا ليتبيّن لكم باطل قول محمّد[صلّى اللّه عليه و آله].
فذهبت الفرقة الأولى الى حضرة جبل أبي قبيس،و الثانية الى صحراء ملساء،و الثالثة الى ظلّ الكعبة،و رأوا ما وعدهم اللّه عزّ و جلّ،و رجعوا الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مؤمنين،و كلّما رجع فريق منهم اليه،و أخبروه بما شاهدوا،ألزمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الايمان باللّه.
فاستمهل أبو جهل الى أن يجي ء الفريق الآخر،حسب ما أوردناه في الكتاب الموسوم بمفاخر الفاطمية،تركنا ذكره هاهنا طلبا للايجازو الاختصار(1).
قال:فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:فلمّا جاءت الفرقة الثالثة،و أخبروابما شاهدوا عيانا،و هم مؤمنون باللّه و برسوله،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأبي جهل:هذه الفرقة الثالثة قد جاءتك و أخبرتك بما شاهدت.
فقال أبو جهل:لا أدري أصدق هؤلاء أم كذبوا؟أم حقّق لهم ذلك أم خيّل اليهم؟فان رأيت أنا ما اقترحته عليك من نحو آيات عيسى بن مريم9.
ص: 71
فقد لزمني الايمان بك،و الاّ فليس يلزمني تصديق هؤلاء على كثرتهم.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا أبا جهل،فان كان لا يلزمك تصديق هؤلاء على كثرتهم و شدّة تحصيلهم،فكيف تصدّق بمآثر آبائك و أجدادك،و مساوي ء أسلاف أعدائك؟
و كيف تصدّق عن الصين و العراق و الشام اذا حدّثت عنها؟و هل المخبرون عن ذلك(1)الاّ دون هؤلاء المخبرين لك عن هذه الآيات مع سائر من شاهدها منهم من الجمع الكثير(2)،الذين لا يجتمعون على باطل يتخرّصونه(3)،إلاّ اذا كان بإزائهم من يكذبهم و يخبر بضدّ اخبارهم؟ألاو كل فرقة محجوجون(4)بما شاهدوا،و أنت يا أبا جهل محجوج بماسمعت ممن شاهده(5).
ثم أخبره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما اقترح عليه من آيات عيسى عليه السّلام،من أكله لما أكل،و ادّخاره في بيته لما ادّخر،من دجاجة مشويّة،و إحياء اللّه تعالى إيّاها،و إنطاقها بما فعل بها أبو جهل،و غير ذلك على ما جاء في هذا الخبر.4.
ص: 72
فلم يصدّقه أبو جهل في ذلك كلّه،بل كان يكذبه و ينكر جميع ما كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخبره به من ذلك.الى أن قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأبي جهل:أما كفاك ما شاهدت؟آمن لتكون آمنا من عذاب اللّه عزّ و جلّ.
فقال أبو جهل:إنّي لأظنّ أن هذا تخييل و إيهام.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فهل تفرّق بين مشاهدتك لهذاو سماعك لكلامها-يعني الدجاجة المشوية التي أنطقها اللّه له-و بين مشاهدتك لنفسك و سائر قريش و العرب و سماعك كلامهم؟قال أبوجهل:لا.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فما يدريك إذا أنّ جميع ما تشاهدو تحسّ بحواسك تخييل؟قال أبو جهل:ما هو تخييل.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و لا هذا تخييل،و إلاّ فكيف تصحّح أنّك ترى في العالم شيئا أوثق منه؟-تمام الخبر-(1).7.
ص: 73
[24]
و هي أن قال بتهديد:يا محمّد!انّ الخبوط(1)الّتي في رأسك هي الّتي ضيّقت عليك مكة،و رمت بك الى يثرب،و إنّها لا تزال بك[حتّى]تنفرك(2)و تحثّك على ما يفسدك و يتلفك الى أن تفسدها على أهلها،و تصليهم حرّ نار[جهنّم]و تعدّيك طورك(3)،و ما أرى ذلك إلاّ و سيؤول الى
ص: 74
أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد لقصد آثارك،و دفع ضررك و بلائك،فتلقاهم بسفهائك المغترّين بك،و يساعدك على ذلك من هو كافر بك مبغض لك،فيلجئه الى مساعدتك و مظافرتك خوفه لأن يهلك(1)بهلاكك،و يعطب عياله بعطبك(2)،و يفتقر هو و من يليه بفقرك،و بفقر شيعتك(3)،اذ يعتقدون أن أعداءك اذا قهروك و دخلوا ديارهم عنوة لم يفرّقوا بين من والاك و عاداك،و اصطلموهم(4)باصطلامهم لك،و أتوا على عيالاتهم و أموالهم بالسبي و النهب،كما يأتون على أموالك و عيالك،و قد أعذر من أنذر و بالغ من أوضح.
فأدّيت هذه الرسالة الى محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و هو بظاهر المدينةبحضرة كافّة أصحابه و عامّة الكفّار(5)من يهود بني اسرائيل،و هكذا أمرالرسول ليجبّن المؤمنين و يغري(6)بالوثوب(7)عليه سائر من هناك من الكافرين.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للرسول:قد أطريت مقالتك؟2.
ص: 75
و استكملت رسالتك؟قال:بلى.
قال:فاسمع الجواب:انّ أبا جهل بالمكاره و العطب يتهدّدني،و ربّ العالمين بالنصر و الظفر يعدني،و خبر اللّه أصدق،و القبول من اللّه أحق،لن يضرّ محمّدا من خذله،أو يغضب عليه بعد أن ينصره اللّه تعالى،و يتفضّل بجوده و كرمه عليه.
قل له:يا أبا جهل!انّك راسلتني(1)بما ألقاه في خلدك(2)الشيطان،و أنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرّحمن:
إنّ الحرب بيننا و بينك كائنة الى تسعة و عشرين يوما،و إنّ اللّه سيقتلك فيها بأضعف أصحابي،و ستلقى أنت و عتبة و شيبة و الوليد و فلان و فلان-و ذكر عددا من قريش-في قليب»(3)بدر،مقتّلين،أقتل منكم سبعين،و آسر منكم سبعين،و أحملهم على الفداء[العظيم]الثقيل.
ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين و اليهود[و النصارى]و سائر الأخلاط:ألا تحبّون أن أريكم مصرع كل واحد من هؤلاء؟(4)قالوا:بلى.قال:هلمّوا الى بدر فان هناك الملتقى و المحشر،و هناك البلاءالأكبر،لأضع قدمي على مواضع مصارعهم،ثم ستجدونها لا تزيد و لا».
ص: 76
تنقص،و لا تتغيّر و لا تتقدّم و لا تتأخّر لحظة،و لا قليلا و لا كثيرا.
فلم يخف ذلك على أحد منهم،و لم يجبه إلاّ علي بن أبي طالب عليه السّلام وحده و قال:نعم بسم اللّه.
فقال الباقون:نحن نحتاج الى مركوب و آلات و نفقات،فلا يمكنناالخروج الى هناك و هو مسيرة أيام.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لسائر اليهود:فأنتم ما ذا تقولون؟قالوا:[يا محمّد]نحن نريد أن نستقر في بيوتنا،و لا حاجة لنا في مشاهدةما أنت في ادّعائه محيل(1).
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا نصب عليكم في المسير الى هناك،أخطو خطوة واحدة فإنّ اللّه يطوي الأرض لكم و يوصلكم في الخطوة الثانية الى هناك.
قال المؤمنون(2):صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلنشرّف بهذه الآية.
و قال الكافرون و المنافقون:سوف نمتحن هذا الكذّاب(3)،لينقطع عذر محمّد،و تصير دعواه حجّة عليه،و فاضحة له في كذبه.».
ص: 77
قال:فخطا القوم خطوة،ثم الثانية،فاذا هم عند بئر بدر،فعجبوا،فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:إجعلوا البئر العلامة،و اذرعوا من عندها كذا ذراعا.
فذرعوا فلما انتهوا الى آخرها قال:هذا مصرع أبي جهل،يجرحه فلان الأنصاري و يجهز عليه(1)عبد اللّه بن مسعود أضعف أصحابي.
ثم قال:اذرعوا من البئر من جانب آخر،ثم[من]جانب آخر،ثم[من]جانب آخر،كذا و كذا ذراعا و ذراعا،و ذكر أعداد الأذرع مختلفة.
فلما انتهى كل عدد الى آخره قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:هذامصرع عتبة،و هذا مصرع شيبة،و ذاك مصرع الوليد،و سيقتل فلان و فلان-الى أن سمّى تمام سبعين منهم بأسمائهم[و أسماء آبائهم]-و سيؤسر فلان و فلان الى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم و أسماء آبائهم و صفاتهم،و نسب المنسوبين الى الآباء منهم و نسب الموالي منهم الى مواليهم.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أوقفتم على ما أخبرتكم به؟قالوا:بلى.
قال:إنّ ذلك[من اللّه]لحقّ كائن بعد ثمانية و عشرين يوما[من اليوم]في اليوم التاسع و العشرين وعدا من اللّه مفعولا،و قضاء حتما لازما-تمام الخبر.».
ص: 78
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا معشر المسلمين و اليهود!اكتبوا بما سمعتم.
فقالوا:يا رسول اللّه!قد سمعنا و وعينا و لا ننسى.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:الكتابة[أفضل و]أذكر لكم.
فقالوا:يا رسول اللّه!و أين الدّواة و الكتف؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ذلك للملائكة،ثم قال:يا ملائكةربّي،أكتبوا ما سمعتم من هذه القصّة في أكتاف،و اجعلوا في كمّ(1)كلّ واحد منهم كتفا من ذلك.
ثم قال:يا معاشر المسلمين!تأمّلوا أكمامكم و ما فيها و أخرجوهاو اقرأوها،فتأمّلوها و اذا في كمّ كلّ واحد منهم صحيفة،قرأها،و اذا فيهاذكر ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ذلك سواء،لا يزيد و لا ينقص و لايتقدّم و لا يتأخّر.
فقال:أعيدوها(2)في أكمامكم،تكن حجة عليكم،و شرفا للمؤمنين منكم،و حجّة على أعدائكم(3)،فكانت معهم.
فلما كان يوم بدر،جرت الأمور كلّها ببدر،[و وجدوها]كما قال».
ص: 79
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يزيد و لا ينقص،قابلوها في كتبهم(1)فوجدوها كما كتبها الملائكة لا تزيد و لا تنقص و لا تتقدّم و لا تتأخّر،فقبل المسلمون ظاهرهم،و وكلوا باطنهم الى خالقهم(2).3.
ص: 80
[25]
قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السّلام:لمّا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكة،أمره اللّه تعالى أن يتوجه نحو بيت المقدس فى صلاته،و يجعل الكعبة بينه و بينها إذا أمكن،و إذا لم يمكن إستقبل بيت المقدس كيف كان.فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يفعل ذلك طول مقامه بهاثلاث عشرة سنة.
فلمّا كان بالمدينة،و كان متعبّدا باستقبال بيت المقدس،إستقبله و انحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا،أو ستة عشر شهرا(1)،و جعل قوم من مردة اليهود يقولون:و اللّه ما درى(2)محمّد كيف صلّى(3)حتّى صاريتوجّه الى قبلتنا،و يأخذ في صلاته بهدينا و نسكنا.
ص: 81
فاشتدّ ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما اتّصل به عنهم،وكره قبلتهم،و أحبّ الكعبة،فجاءه جبرئيل عليه السّلام فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم:يا جبرئيل!لوددت لو صرفني اللّه عن بيت المقدس الى الكعبة،فقد تأذّيت بما يتّصل بي من قبل اليهود من قبلتهم.
فقال جبرئيل عليه السّلام:فاسأل ربّك أن يحوّلك اليها فإنّه لا يردّك عن طلبتك،و لا يخيّبك من بغيتك.
فلمّا استتمّ دعاءه صعد جبرئيل عليه السّلام ثم عاد من ساعته فقال:إقرأ يامحمّد:
«قَدْ نَرى ََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي اَلسَّمََاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضََاهََا فَوَلِ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرََامِ وَ حَيْثُ مََا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ »(1)الآيات.
فقالت اليهود عند ذلك:«مََا وَلاََّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ اَلَّتِي كََانُوا عَلَيْهََا»؟
فأجابهم اللّه أحسن جواب فقال:«قُلْ لِلََّهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ »و هويملكهما و تكليفه التحوّل الى جانب،كتحويله لكم الى جانب آخر«يَهْدِي مَنْ يَشََاءُ إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ »(2)و هو أعلم بمصلحتهم(3)،و تؤدّيهم طاعتهم الى جنات النعيم.».
ص: 82
قال أبو محمد عليه السّلام:و جاء قوم من اليهود الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا:يا محمّد،هذه القبلة،بيت المقدس،قد صلّيت اليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن،أفحقّا كان ما كنت عليه؟فقد تركته الى باطل،فإنّما يخالف الحق الباطل(1)،أو باطلا كان ذلك؟فقد كنت عليه طول هذه المدّة،فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:بل ذلك كان حقّا،و هذا حقّ،يقول اللّه:«قُلْ لِلََّهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشََاءُ إِلى ََ صِرََاطٍ مُسْتَقِيمٍ ».
إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به،و إذاعرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به،و إن عرف صلاحكم فى غيرهما أمركم به،فلا تنكروا تدبير اللّه تعالى في عباده و قصده الى مصالحكم.
ثم قال[لهم]رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لقد تركتم العمل يوم السبت،ثم عملتم بعده[من]سائر الأيّام،ثم تركتموه في السبت،ثم عملتم بعده،أفتركتم الحق الى باطل(2)أو الباطل الى حق؟و الباطل الى باطل أوالحق الى حق؟قولوا كيف شئتم فهو قول محمّد و جوابه لكم،قالوا:بل ترك العمل في السبت حق و العمل بعده حق.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق،ثم قبلة الكعبة في وقته حق.».
ص: 83
فقالوا له:يا محمّد،أفبدا لربّك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاةالى بيت المقدس حتّى(1)نقلك الى الكعبة؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ما بدا له عن ذلك،فإنه العالم بالعواقب،و القادر على المصالح،لا يستدرك على نفسه غلطا،و لايستحدث رأيا بخلاف المتقدم،جلّ عن ذلك،و لا يقع عليه أيضا مانع يمنعه من مراده،و ليس يبدو إلاّ لمن كان هذا وصفه،و هو عزّ و جلّ يتعالى عن هذه الصفات علوّا كبيرا.
ثم قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أيها اليهود!أخبروني عن اللّه،أ ليس يمرض ثم يصحّ؟و يصحّ ثم يمرض؟أبدا له في ذلك؟أ ليس يحيي و يميت؟[أ ليس يأتي باللّيل في أثر النهار،و النهار في أثراللّيل؟](2)أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟قالوا:لا.
قال:فكذلك اللّه تعبّد نبيّه محمّدا بالصلاة الى الكعبة،بعد أن كان تعبّده بالصلاة الى بيت المقدس،و ما بدا له في الأول.
ثم قال:أ ليس اللّه يأتى بالشتاء في أثر الصيف،و الصيف في أثرالشتاء؟أبدا له في كل واحد من ذلك؟قالوا:لا.
قال:فكذلك لم يبد له في القبلة.
قال:ثم قال:أ ليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البردبالثياب الغليظة؟و ألزمكم في الصّيف أن تحترزوا من الحرّ؟أفبدا له فيا.
ص: 84
الصّيف حتّى أمركم بخلاف ما كان أمركم به فى الشتاء؟قالوا:لا.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فكذلكم اللّه تعبّدكم في وقت لصلاح يعلمه بشي ء،ثم تعبّدكم(1)في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشي ء آخر،فاذا أطعتم اللّه في الحالين(2)إستحققتم ثوابه،و أنزل اللّه تعالى:«وَ لِلََّهِ اَلْمَشْرِقُ وَ اَلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللََّهِ »(3)أي إذاتوجهتم بأمره،فثمّ الوجه الذي تقصدون منه اللّه و تأملون ثوابه.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا عباد اللّه،أنتم كالمرضى(4)،و اللّه رب العالمين كالطبيب،فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب،و يدبّره به،لا فيما يشتهيه المريض و يقترحه،ألا فسلّموا للّه أمره،تكونوامن الفائزين.
فقيل[له]:يا بن رسول اللّه،فلم أمر بالقبلة الأولى؟فقال:لمّا قال اللّه تعالى:«وَ مََا جَعَلْنَا اَلْقِبْلَةَ اَلَّتِي كُنْتَ عَلَيْهََا-و هي بيت المقدس -إِلاََّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ اَلرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى ََ عَقِبَيْهِ »(5)إلاّ لنعلم ذلك منه موجودا(6)،بعد أن علمناه سيوجد.».
ص: 85
و ذلك أنّ هوى أهل مكة كان فى الكعبة،فأراد اللّه أن يبيّن متّبعي محمّد ممن خالفه(1)باتّباع القبلة التي كرهها،و محمّد يأمر بها،و لمّاكان هوى أهل المدينة في بيت المقدس،أمرهم بمخالفتها و التوجّه الى الكعبة،ليبيّن(2)من يوافق محمّدا فيما يكرهه،فهو مصدّقه و موافقه.
ثم قال:«وَ إِنْ كََانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاََّ عَلَى اَلَّذِينَ هَدَى اَللََّهُ »(3)أي[إن]كان التوجّه الى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلاّ على من يهدي اللّه،فعرف أن اللّه يتعبّد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفةهواه(4).
و قال أبو محمد عليه السّلام:قال جابر بن عبد اللّه الأنصاري:سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبد اللّه بن صوريا-غلام يهودي أعور تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب اللّه و علوم أنبيائه-عن مسائل كثيرة يعنته فيها(5)،ن.
ص: 86
فأجابه عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما لم يجد الى إنكار شي ء منهاسبيلا.
فقال له:يا محمد!من يأتيك بهذه الأخبار عن اللّه؟قال:جبرئيل.
قال:لو كان غيره يأتيك بها لآمنت بك،و لكن جبرئيل عدوّنا من بين الملائكة،فلو كان ميكائيل أو غيره،سوى جبرئيل،يأتيك بها لآمنت بك.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و لم اتّخذتم جبرئيل عدوّا؟قال:لأنه ينزل بالبلاء و الشدّة على بني اسرائيل،و دفع«دانيال»عن قتل«بخت نصر»حتّى قوي أمره،و أهلك بني اسرائيل.و كذلك كلّ بأس و شدّة لا ينزلها الاّ جبرئيل،و ميكائيل يأتينا بالرّحمة.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ويحك أ جهلت أمر اللّه؟!و ما ذنب جبرئيل[الاّ]أن أطاع اللّه فيما يريده بكم؟أ رأيتم ملك الموت؟أ هوعدوّكم و قد وكّله اللّه بقبض أرواح الخلق[الذي أنتم منه](1)،أ رأيتم الآباءو الأمهات اذا أوجروا الأولاد الدواء الكريهة(2)لمصالحهم،أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك؟لا،و لكنكم باللّه جاهلون،و عند.
ص: 87
حكمه غافلون.أشهد أنّ جبرئيل و ميكائيل بأمر اللّه عاملان،و له مطيعان،و أنّه لا يعادي أحدهما إلاّ من عادى الآخر،و أنّ من زعم أنه يحب أحدهماو يبغض الآخر فقد[كفر و]كذب.
و كذلك محمد رسول اللّه و عليّ أخوان،كما أنّ جبرئيل و ميكائيل أخوان،فمن أحبّهما فهو من أولياء اللّه،و من أبغضهما فهو من أعداء اللّه،و من أبغض أحدهما و زعم أنّه يحب الآخر فقد كذب،و هما منه بريئان،[و كذلك من أبغض واحدا منّي و من عليّ،ثم زعم أنّه يحب الاخرفقد كذب،و كلانا منه بريئان](1)و اللّه تعالى و ملائكته و خيار خلقه منه براء(2).
[26]
و قال أبو محمد:الحسن بن علي العسكري عليه السّلام:كان سبب نزول قوله تعالى:«قُلْ مَنْ كََانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ -مَنْ كََانَ عَدُوًّا لِلََّهِ ...»الآيتين(3)ما كان من اليهود أعداء اللّه من قول سيّ ء في جبرئيل و ميكائيل،[و سائرملائكة اللّه](4)،و ما كان من أعداء اللّه النصّاب من قول أسوأ منه في اللّه و في جبرئيل و ميكائيل و سائر ملائكة اللّه،أما ما كان من النصّاب،فهو أنّر.
ص: 88
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا كان لا يزال يقول في عليّ عليه السّلام الفضائل التي خصّه اللّه عزّ و جلّ بها،و الشّرف الّذي أهّله اللّه(1)تعالى له،و كان في كلّ ذلك يقول:«أخبرني به جبرئيل عليه السّلام عن اللّه»،و يقول في بعض ذلك:جبرئيل عن يمينه،و ميكائيل عن يساره،و يفتخر جبرئيل على ميكائيل في أنّه عن يمين عليّ عليه السّلام الذي هو أفضل من اليسار،كمايفتخر نديم ملك عظيم في الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النّديم الآخرالذي يجلسه على يساره،و يفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة،و ملك الموت الذي أمامه بالخدمة،و أن اليمين و الشّمال(2)أشرف من ذلك،كافتخار حاشية الملك على زيادة قرب محلّهم من ملكهم.
[في أنّ أشرف الملائكة أشدّهم حبّا لعليّ عليه السّلام](3)
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول في بعض أحاديثه:إنّ الملائكة أشرفها عند اللّه أشدها لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام حبّا،و إنّ قسم
ص: 89
الملائكة فيما بينهم(1)،و الذي شرّف عليّا على جميع الورى بعد محمّدالمصطفى.
و يقول مرة[أخرى]:«إنّ ملائكة السماوات و الحجب ليشتاقون الى رؤية عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،كما تشتاق الوالدة الشفيقة الى ولدها البارالشفيق،آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم»فكان هؤلاء النصّاب يقولون:إلى متى يقول محمد:جبرئيل و ميكائيل و الملائكة كلّ ذلك تفخيما لعليّ و تعظيما لشأنه؟و يقول اللّه تعالى لعليّ خاصة من دون سائرالخلق؟برئنا من ربّ و من ملائكة و من جبرئيل و ميكائيل هم لعليّ بعدمحمّد مفضّلون.و برئنا من رسل اللّه الذين هم لعليّ[بن أبي طالب]بعدمحمّد مفضّلون.
و أما ما قاله اليهود،فهو أن اليهود-أعداء اللّه-لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المدينة أتوه بعبد اللّه بن صوريا،فقال:يا محمّد،كيف نومك؟فإنّا قد أخبرنا عن نوم النبيّ-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-الذي يأتي في آخر الزمان.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:تنام عيني و قلبي يقظان.قال:صدقت يا محمّد.
[ثم]قال:فأخبرني يا محمّد،الولد يكون من الرجل أو من المرأة؟فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أما العظام و العصب و العروق فمن الرجل،».
ص: 90
و أما اللحم و الدّم و الشعر فمن المرأة.قال:صدقت يا محمّد.
ثم قال:يا محمّد،فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شي ء،و يشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شي ء؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أيّهما علا ماؤه ماء صاحبه،كان الشّبه له.
قال:صدقت يا محمّد،فأخبرني عمّن لا يولد له،و من يولد له؟
فقال-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-:إذا مغرت النطفة لم يولد له-أي إذااحمرّت و كدرت-فإذا كانت صافية ولد له.
فقال:أخبرني عن ربّك ما هو؟فنزلت«قُلْ هُوَ اَللََّهُ أَحَدٌ»إلى آخرها.
فقال ابن صوريا:صدقت يا محمّد،فقد بقيت خصلة(1)إن قلتهاآمنت بك و اتّبعتك:أيّ ملك يأتيك بما تقوله عن اللّه؟قال:جبرئيل.
قال ابن صوريا:ذلك عدوّنا(2)من بين الملائكة،ينزل بالقتل(3)و الشدّة و الحرب،و رسولنا ميكائيل يأتي بالسرور و الرخاء،فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك،آمنّا بك لأنّه كان يشدّد ملكنا،و جبرئيل كان يهلك ملكنا(4)،فهو عدوّنا لذلك.».
ص: 91
فقال له سلمان الفارسي رضي اللّه عنه:و ما بدء عداوته لكم؟قال:نعم يا سلمان،عادانا مرارا كثيرة.و كان من أشد ذلك علينا،أنّ اللّه أنزل على أنبيائه أن بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له:«بخت نصّر»و في زمانه أخبرنا بالحين الذي يخرب فيه(1)،و اللّه يحدث الأمر بعد الأمرفيمحو ما يشاء و يثبت.
فلمّا بلغنا ذلك الخبر(2)الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس،بعث أوائلنا رجلا من أقوياء بني إسرائيل و أفاضلهم[نبيّا]-كان يعدّ من أنبيائهم-يقال له«دانيال»في طلب«بخت نصّر»ليقتله.
فحمل معه وقر(3)مال لينفقه في ذلك،فلمّا انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة و لا منعة(4)،فأخذه صاحبنا ليقتله،فدفع عنه جبرئيل و قال لصاحبنا:إن كان ربّكم هو الذي أمره بهلاككم،فإنّ اللّه لا يسلّطك عليه،و إن لم يكن هذا فعلى أيّ شي ء تقتله؟
فصدّقه صاحبنا،و تركه و رجع الينا فأخبرنا بذلك،و قوي«بخت نصّر»و ملك و غزانا و خرّب بيت المقدس،فلهذا نتّخذه عدوّا،و ميكائيلء.
ص: 92
عدوّ لجبرئيل.
فقال سلمان:يا بن صوريا،بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم،أ رأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل«بخت نصّر»و قد أخبر اللّه تعالى في كتبه على ألسنة رسله انّه يملك و يخرب بيت المقدس؟[و]أرادواتكذيب أنبياء اللّه في أخبارهم و اتهموهم في أخبارهم(1)أو صدقوهم في الخبر عن اللّه،و مع ذلك أرادوا مغالبة اللّه،هل كان هؤلاء و من وجّهوه إلاّكفّارا باللّه؟و أيّ عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل و هو يصدّ عن مغالبة اللّه عز و جل،و ينهى عن تكذيب خبر اللّه تعالى؟
فقال ابن صوريا:قد كان اللّه تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه،و لكنّه يمحو ما يشاء و يثبت.
قال سلمان:فإذا لا تثقوا(2)بشي ء مما في التوراة من الاخبار عمامضى و ما يستأنف فان اللّه يمحو ما يشاء و يثبت،و إذا لعلّ اللّه قد كان عزل موسى و هارون عن النبوّة و أبطلا في دعواهما لأن اللّه يمحو ما يشاءو يثبت،و لعلّ كلّما أخبراكم[به عن اللّه]أنه يكون لا يكون،و ما أخبراكم به أنّه لا يكون يكون،و كذلك ما أخبراكم عمّا كان لعلّه لم يكن،و ما أخبراكم أنّه لم يكن لعلّه كان،و لعلّ ما وعده من الثواب يمحوه و لعلّ ما توعده من العقاب يمحوه،فانّه يمحو ما يشاء و يثبت.إنّكم جهلتم معنى».
ص: 93
يمحو اللّه ما يشاء و يثبت(1).
فلذلك أنتم باللّه كافرون،و لأخباره عن الغيوب مكذّبون،و عن دين اللّه منسلخون.
ثم قال سلمان:فانّي أشهد أنّ من كان عدوّا لجبرئيل،فانّه عدوّلميكائيل،و إنّهما جميعا عدوّان لمن عاداهما،سلمان(2)لمن سالمهما،فأنزل اللّه تعالى عند ذلك موافقا لقول سلمان رحمة اللّه عليه:«قُلْ مَنْ كََانَ عَدُوًّالِجِبْرِيلَ »في مظاهرته لأولياء اللّه على أعداء اللّه،و نزوله بفضائل عليّ وليّ اللّه من عند اللّه:«فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ »فانّ جبرئيل نزّل هذا القرآن«عَلى ََ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اَللََّهِ -بأمر الله (3)-مُصَدِّقاً لِمََا بَيْنَ يَدَيْهِ »من سائر كتب اللّه«وَ هُدىً »من الضلالة«وَ بُشْرى ََ لِلْمُؤْمِنِينَ »(4)بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ولاية عليّ عليه السّلام،و من بعده من الأئمة بأنّهم أولياء اللّه حقا إذا ماتواعلى موالاتهم لمحمّد و عليّ و آلهما الطيبين.7.
ص: 94
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا سلمان!إنّ اللّه صدّق قيلك و وافق رأيك(1)،و إنّ جبرئيل عن اللّه تعالى يقول:يا محمّد،سلمان و المقداد أخوان متصافيان في ودادك و وداد عليّ أخيك و وصيّك و صفيّك،و هما في أصحابك كجبرئيل و ميكائيل في الملائكة،عدوّان لمن أبغض أحدهما،وليّان لمن والاهما،و والى محمّدا و عليّا،[و]عدوّان لمن عادى محمّدا و عليّا و أولياءهما،و لو أحبّ أهل الأرض سلمان و المقداد كماتحبهما ملائكة السماوات و الحجب و الكرسى و العرش،لمحض ودادهما لمحمّد و عليّ و موالاتهما لأوليائهما و معاداتهما لأعدائهما،لماعذّب اللّه تعالى أحدا منهم بعذاب البتة(2).
[27]
و قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السّلام:لمّا نزلت هذه الآية و هي:«ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذََلِكَ فَهِيَ كَالْحِجََارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً »(3)في حقّ اليهود و النّواصب فغلظ على اليهود ما وبّخهم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم،فقال جماعة من رؤسائهم و ذوي الألسن و البيان منهم:يا محمّد،انّك تهجونا و تدّعي على قلوبنا ما اللّه يعلم منها خلافه،إنّ فيها خيرا كثيرا:نصوم و نتصدّق و نواسي الفقراء.4.
ص: 95
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنّما الخير ما أريد به وجه اللّه تعالى و عمل على ما أمر اللّه تعالى[به].
و أمّا ما أريد به الرياء و السمعة،و معاندة(1)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم،و إظهار الغنى له(2)و التمالك و التشرّف عليه فليس بخير،بل هو الشرالخالص،و وبال على صاحبه،[و]يعذّبه اللّه به أشد العذاب.
فقالوا له:يا محمّد!أنت تقول هذا،و نحن نقول:بل ما ننفقه إلاّلإبطال أمرك،و دفع رياستك،و لتفريق أصحابك عنك و هو الجهادالأعظم،نأمل به من اللّه الثواب الأجلّ الأجسم،فأقلّ أحوالنا أنّك تساوينافي الدعاوي،فأيّ فضل لك علينا؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا إخوة اليهود،إنّ الدعاوي يتساوى فيها المحقّون و المبطلون،و لكن حجج اللّه و دلائله تفرّق بينهم،فتكشف عن تمويه المبطلين،و تبيّن عن حقائق المحقين،و رسول اللّه محمّد لا يغتم جهلكم،و لا يكلّفكم التسليم له بغير حجّة[اللّه]،و لكن يقيم عليكم حجة اللّه تعالى التي لا يمكنكم دفاعها،و لا تطيقون الامتناع من موجبها،و لو ذهب محمّد يريكم آية من عنده لشككتم،و قلتم:إنّه متكلّف مصنوع محتال فيه،معمول أو متواطى ء عليه،و اذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون،لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه أو متأتي بحيلةو مقدّمات،فما الذي تقترحون.».
ص: 96
فهذا ربّ العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم،و يزيد في بصائر المؤمنين منكم.
قالوا:قد أنصفتنا يا محمّد،فإن وفيت بما وعدت من نفسك من الانصاف،و إلاّ فأنت أوّل راجع من دعواك للنبوّة،و داخل في غمارالأمّة(1)،و مسلّم لحكم التوراة لعجزك عمّا نقترحه عليك،و ظهور باطل دعواك(2)فيما ترومه من جهتك(3).
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:الصدق ينبى ء عنكم لا الوعيد(4)،إقترحوا ما تقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون.1.
ص: 97
[معجزة عظيمة من معجزات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باقتراح اليهود](1)
فقالوا له:يا محمّد،زعمت أنه ما في قلوبنا شي ء من مواساة الفقراء،و معاونة الضعفاء و النفقة في إبطال الباطل و إحقاق الحق،و أن الاحجارألين من قلوبنا،و أطوع للّه منّا،و هذه الجبال بحضرتنا،فهلمّ بنا الى بعضها،فاستشهده(2)على تصديقك و تكذيبنا،فان نطق بتصديقك فأنت المحقّ،يلزمنا اتّباعك،و إن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يردّ جوابك،فاعلم بأنك المبطل في دعواك،المعاند لهواك.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:نعم هلمّوا بنا الى أيّها شئتم،أستشهده(3)ليشهد لي عليكم.
فخرجوا الى أوعر جبل رأوه،فقالوا:يا محمّد،هذا الجبل فاستشهده.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للجبل:إنّي أسألك بجاه محمّد
ص: 98
و آله الطيّبين الذين بذكر أسمائهم خفّف اللّه العرش على كواهل(1)ثمانية من الملائكة،بعد أن لم يقدروا على تحريكه،و هم خلق كثير،لا يعرف عددهم غير اللّه عزّ و جلّ.
و بحقّ محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب اللّه على آدم،و غفر خطيئته و أعاده الى مرتبته.
و بحقّ محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم و سؤال اللّه بهم رفع ادريس في الجنة مكانا عليّا،لمّا شهدت لمحمّد بما أودعك اللّه بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم،و تكذيبهم في جحدهم(2)لقول محمد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فتحرك الجبل و تزلزل،و فاض عنه(3)الماء و نادى:
يا محمّد،أشهد أنك رسول[اللّه]ربّ العالمين،و سيّد الخلق أجمعين(4).
و أشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة،لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجرا.
و أشهد أنّ هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقذفونك(5)من الفرية على).
ص: 99
ربّ العالمين.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و أسألك أيها الجبل،أمرك(1)اللّه بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمد و آله الطيبين؟الذين بهم نجّى اللّه نوحا عليه السّلام من الكرب العظيم،و برّد اللّه النار على ابراهيم عليه السّلام،و جعلها عليه بردا و سلاما،و مكّنه في جوف النار على سرير و فراش وثير(2)،لم تر تلك الطاغية(3)مثله لأحد من ملوك الأرض أجمعين،و أنبت حواليه من الأشجار الخضرة النضرة النزهة،و عمّا حوله من أنواع النور،ممّا لا يوجد إلاّ في فصول أربعة من جميع السنة(4)؟.
قال الجبل:بلى،أشهد لك يا محمّد بذلك،و أشهد أنك لو اقترحت على ربّك أن يجعل رجال الدّنيا قردة(5)و خنازير لفعل،أو يجعلهم ملائكةلفعل،أو يقلب النيران جليدا(6)أو الجليد نيرانا لفعل،أو يهبط السماءن.
ص: 100
الى الأرض،أو يرفع الأرض الى السماء لفعل،أو يصيّر أطراف المشارق و المغارب و الوهاد(1)كلّها صرة كصرّة الكيس لفعل،و انه قد جعل الأرض و السماء طوعك،و الجبال و البحار تنصرف(2)بأمرك،و سائرما خلق[اللّه]من الرياح و الصواعق و جوارح الانسان و أعضاء الحيوان لك مطيعة،و ما أمرتها به من شي ء ائتمرت.
فقالت اليهود:يا محمّد!أعلينا تلبّس و تشبّه؟(3)،قد أجلست مردةمن أصحابك خلف صخور[من]هذا الجبل،فهم ينطقون بهذا الكلام،و نحن لا ندري أنسمع من الرجال أم من الجبل؟!لا يغترّ بمثل هذا إلاّضعفاؤك الذين تبحبح في عقولهم(4)فإن كنت صادقا فتنحّ عن موضعك هذا الى ذلك القرار،و أمر هذا الجبل أن ينقلع من أصله،فيسير اليك الى هناك،فإذا حضرك و نحن نشاهده،فأمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه(5)،ثم ترتفع السفلى من قطعتيه فوق العليا،و تنخفض العليا تحت السفلى،فاذا أصل الجبل قلّته،و قلّته أصله،لنعلم أنّه من اللّه،لا يتفق[مثله]ا.
ص: 101
بمواطأة،و لا بمعاونة مموّهين(1)متمرّدين.
فقال(2)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:-و أشار الى حجر فيه قدرخمسة أرطال(3)-يا أيها الحجر تدحرج،فتدحرج.ثم قال لمخاطبه:خذه و قرّبه من أذنك،فسيعيد عليك ما سمعت،فانّ هذا جزء من ذلك الجبل.
فأخذه الرجل،فأدناه الى أذنه،فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل أوّلا:من تصديق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما ذكره عن قلوب اليهود،و فيما أخبر به(4)من أنّ نفقاتهم في دفع أمر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باطل،و وبال عليهم.
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أسمعت هذا؟أخلف هذا الحجرأحد يكلمك أو يوهمك،أو الحجر يكلّمك؟(5)قال:لا،فأتني بما».
ص: 102
اقترحت في الجبل.
فتباعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى فضاء واسع،ثم نادى الجبل و قال:يا أيها الجبل،بحقّ محمّد و آله الطيبين الّذين بجاههم و مسائلة عباداللّه بهم،أرسل اللّه على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية،تنزع النّاس كأنّهم أعجاز نخل خاوية،و أمر جبرئيل أن يصيح صيحة هائلة في قوم صالح عليه السّلام حتّى صاروا كهشيم المحتضر،لمّا انقلعت(1)من مكانك باذن اللّه،و جئت الى حضرتي هذه-و وضع يده على الأرض بين يديه-.
قال:فتزلزل الجبل و سار كالقارح الهملاج(2)حتى[صار بين يديه و]دنى من إصبعه[اصله]فلزق بها(3)،و وقف و نادى:ها أنا سامع لك مطيع يا رسول ربّ العالمين،و إن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين مرني بأمرك[يا رسول اللّه](4).
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ان هؤلاء[المعاندين]اقترحوا عليّ».
ص: 103
أن آمرك أن تنقلع من أصلك،فتصير نصفين،ثم ينحطّ أعلاك،و يرتفع أسفلك،فتصير ذروتك أصلك و أصلك ذروتك.
فقال الجبل:أفتأمرني بذلك يا رسول رب العالمين؟قال:بلى.فانقطع الجبل نصفين و انحطّ أعلاه الى الأرض،و ارتفع أسفله فوق أعلاه،فصار فرعه أصله،و أصله فرعه.
ثم نادى الجبل:يا معاشر اليهود!هذا الذي ترون دون معجزات موسى الذي تزعمون أنّكم به مؤمنون؟!
فنظر اليهود بعضهم الى بعض،فقال بعضهم:ما عن هذا محيص.
و قال آخرون منهم:هذا رجل مبخوت(1)يؤتى له[ما يريد]-و المبخوت يتأتّى له العجائب-(2)فلا يغرنكم ما تشاهدون[منه].
فناداهم الجبل:يا أعداء اللّه!قد أبطلتم بما تقولون نبوّة موسى عليه السّلام،هلاّ قلتم لموسى:إن قلب العصا ثعبانا،و انفلاق البحر طرقا،و وقوف الجبل كالظلّة فوقكم،إنّك يؤتى لك،يأتيك جدّك(3)بالعجائب فلا يغرنا ما نشاهده منك(4).ه.
ص: 104
[ذكر استشفاع أهل البيت صلوات اللّه عليهم أجمعين في دعوى الأنبياء(ع)](1)
[28]
و عن معمّر بن راشد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:أتى يهودي الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقام بين يديه يحدّ النظر اليه.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا يهوديّ ما حاجتك؟فقال:أنت أفضل أم موسى بن عمران النبيّ الذي كلّمه اللّه عزّ و جلّ،و أنزل عليه التوراة و العصا،و فلق له البحر و أظلّه بالغمام؟
فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه،و لكنّي أقول:إنّ آدم لمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال:«اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّد و آل محمّد لمّا(2)غفرت لي»فغفرها اللّه له.
و انّ نوحا لمّا ركب السفينة(3)و خاف الغرق،قال:«اللّهم إنّي
ص: 106
أسألك بحقّ محمّد و آل محمّد لمّا أنجيتني من الغرق»،فنجّاه(1)اللّه عزّ و جلّ.
و انّ ابراهيم لمّا ألقي في النار،قال:«اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّدو آل محمّد لمّا نجّيتني»(2)،فجعلها اللّه[عليه]بردا و سلاما.
و ان موسى لمّا ألقى عصاه،و أوجس في نفسه خيفة،قال:«اللّهم انّي أسألك بحقّ محمّد و آل محمّد لمّا آمنتني»قال اللّه تعالى:لا تخف إنّك أنت الأعلى.
يا يهوديّ،إنّ موسى لو أدركني(3)،ثم لم يؤمن بي و بنبوّتي لم ينفعه(4)ايمانه شيئا،و لا نفعته النبوة.يا يهوديّ،و من ذريّتي«المهدي»اذا خرج نزل عيسى بن مريم عليه السّلام لنصرته،فيقدّمه و يصلّي خلفه(5).9.
ص: 107
[احتجاج النبيّ مع أربعين رجلا من اليهودفي توراتهم و إثبات أفضليّته صلّى اللّه عليه و آله على سائر الأنبياء(ع)](1)
[29]
و عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال:خرج من المدينة أربعون رجلا من اليهود،قالوا:إنطلقوا بنا إلى هذا الكاهن الكذّاب،حتّى نوبّخه في وجهه و نكذّبه،فإنّه يقول:أنا رسول ربّ العالمين،و كيف يكون رسولا و آدم خير منه،و نوح خير منه؟-و ذكروا الانبياء عليهم السّلام-.
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعبد اللّه بن سلام:التوراة بيني و بينكم،فرضيت اليهود بالتوراة،فقال اليهود:آدم خير منك،لأن اللّه عزّ و جلّ خلقه بيده،و نفخ فيه من روحه،[و أسجد له ملائكته].
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:آدم النبيّ أبي و قد أعطيت أنا أفضل مما أعطي آدم.
قالت اليهود:و ما ذاك؟قال:إنّ المنادي ينادي كلّ يوم خمس مرات:«أشهد أن لا اله الاّ اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه»و لم يقل آدم رسول
ص: 108
اللّه.و لواء الحمد بيدي يوم القيامة و ليس بيد آدم عليه السّلام.
فقالت اليهود:صدقت يا محمد،و هو مكتوب في التوراة.قال:هذه واحدة.
قالت اليهود:موسى خير منك.قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و لم؟قالوا:لأنّ اللّه عزّ و جلّ كلّمه بأربعة آلاف كلمة،و لم يكلّمك بشي ء.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك،فقالوا:و ما ذاك؟قال:هو قول اللّه عزّ و جلّ:«سُبْحََانَ اَلَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرََامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى اَلَّذِي بََارَكْنََا حَوْلَهُ »(1)و حملت على جناح جبرئيل حتّى انتهيت الى السماء السابعة فجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى،حتّى تعلّقت بساق العرش فنوديت من ساق العرش:«إنّي أنا اللّه لا اله إلاّ أنا السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبرالرؤوف الرحيم»و رأيته بقلبي و ما رأيته بعيني،فهذا أفضل من ذلك.
قالت اليهود:صدقت يا محمّد،و هو مكتوب في التوراة.قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:هذه اثنتان.
قالوا:نوح خير منك.قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و لم ذاك؟قالوا:لأنه ركب السفينة،فجرت على الجودي.
قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك.قالوا:و ماذلك؟قال:إنّ اللّه عزّ و جلّ أعطاني نهرا في السّماء مجراه من تحت1.
ص: 109
العرش،و عليه ألف ألف قصر،لبنة من ذهب و لبنة من فضة،حشيشهاالزعفران،و رضراضها(1)الدرّ و الياقوت،و أرضها المسك الأبيض،فذلك خير لي و لأمّتي،و ذلك قوله تعالى:«إِنََّا أَعْطَيْنََاكَ اَلْكَوْثَرَ»(2)قالوا:صدقت يا محمد،و هو مكتوب في التوراة،[و]هذا خير من ذلك.قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:هذه ثلاثة.
قالوا:ابراهيم خير منك،قال:و لم ذاك؟قالوا:لأن اللّه اتّخذه خليلا،قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إن كان ابراهيم عليه السّلام خليله،فأنامحمّد حبيبه.
قالوا:و لم سمّيت محمّدا؟قال:سمّاني اللّه محمّدا و شقّ اسمي من اسمه،هو المحمود و أنا محمّد،و أمّتي الحامدون على كلّ حال.
فقالت اليهود:صدقت يا محمّد،هذا مكتوب في التوراة،هذا خيرمن ذلك.قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:هذه أربعة.
قالت اليهود:عيسى خير منك.قال:و لم ذاك؟قالوا:لأنّ عيسى بن مريم كان ذات يوم بعقبة بيت المقدس،فجاءته الشياطين ليحملوه،فأمراللّه عزّ و جلّ جبرئيل أن اضرب بجناحك الأيمن وجوه الشياطين و ألقهم في النار،فضرب بأجنحته وجوههم و ألقاهم في النار.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك.قالوا:و ما هو؟قال:أقبلت يوم بدر من قتال المشركين،و أنا جائع شديد1.
ص: 110
الجوع،فلما وردت المدينة استقبلتني امرأة يهوديّة و على رأسها جفنة(1)و في الجفنة جدي(2)مشويّ و في كمّها شي ء من سكّر.
فقالت:الحمد للّه الذي منحك السلامة و أعطاك النصر و الظفر على الأعداء،و إنّي قد كنت نذرت للّه نذرا إن أقبلت سالما غانما من غزاة بدرلأذبحنّ هذا الجدي و أشوينّه،و لأحملنّه إليك لتأكله.
فقال النبى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فنزلت عن بغلتي الشهباء فضربت بيدي إلى الجدي لآكله،فاستنطق اللّه تعالى الجدي،فاستوى على أربع قوائم،و قال:يا محمد!لا تأكلني فإنّي مسموم،قالوا:صدقت يا محمّد،هذا خيرمن ذلك.قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:هذه خمسة.
قالوا:بقيت واحدة ثم نقوم من عندك.قال:هاتوا.قالوا:سليمان خير منك.قال:و لم ذاك؟قالوا:لأنّ اللّه عز و جل سخّر له الشياطين و الانس و الجن و الطير و الرياح و السباع.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فقد سخّر اللّه لي البراق و هو خير من الدنيا بحذافيرها،و هي دابّة من دواب الجنة وجهها مثل وجه الآدمي(3)،و حوافرها مثل حوافر الخيل،و ذنبها مثل ذنب البقر و[هي]فوق الحمار ودون البغل،و سرجه من ياقوتة حمراء،و ركابه من درّة بيضاء،مزمومةي.
ص: 111
بسبعين ألف زمام من الذهب،عليها(1)جناحان مكلّلان بالدرّ و الياقوت و الزبرجد.مكتوب بين عينيه:«لا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له محمّدرسول اللّه»(2).
قالت اليهود:صدقت يا محمد،و هو مكتوب في التوراة[و]هذا خيرمن ذلك،يا محمّد نشهد أن لا اله الا اللّه و أنك رسول اللّه.
فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لقد أقام نوح في قومه و دعاهم ألف سنة إلاّ خمسين عاما،ثم وصفهم اللّه عز و جل فقلّلهم فقال:«وَ مََاآمَنَ مَعَهُ إِلاََّ قَلِيلٌ »(3)و لقد تبعني في سنّي القليل و عمري اليسير ما لم يتّبع نوحا عليه السّلام في طول عمره و كبر سنّه،و انّ في الجنّة عشرين و مائةصف،أمّتي منها ثمانون صفا،و أن اللّه عز و جل جعل كتابي المهيمن على كتب الأنبياء عليهم السّلام(4)الناسخ لها،و لقد جئت بتحليل ما حرّموا وبتحريم بعض ما أحلّوا.من ذلك أنّ موسى جاء بتحريم صيد الحيتان يوم السبت،حتى أن اللّه تعالى قال لمن اعتدى منهم في صيدها يوم السبت:«كُونُوا قِرَدَةً خََاسِئِينَ »(5)فكانوا،و لقد جئت بتحليل صيدها حتّى صارصيدها حلالا.قال اللّه تعالى:5.
ص: 112
«أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ اَلْبَحْرِ وَ طَعََامُهُ مَتََاعاً لَكُمْ »(1).
و جئت بتحليل الشحوم كلّها،و كنتم لا تأكلونها.
ثم إنّ اللّه عزّ و جلّ صلّى عليّ في كتابه العزيز،قال اللّه عزّ و جلّ:«إِنَّ اَللََّهَ وَ مَلاََئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً»(2).
ثم وصفني اللّه عز و جل بالرأفة و الرّحمة و ذكر في كتابه:«لَقَدْجََاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مََا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ »(3).
و أنزل اللّه تعالى أن لا يكلّموني[أصحابي]حتّى يتصدّقوا بصدقة،و ما كان ذلك لنبيّ قطّ،قال اللّه عز و جل:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نََاجَيْتُمُ اَلرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقَةً »(4)ثم وضعها عنهم-بعد أن فرضها عليهم-برحمته(5)،(6).8.
ص: 113
[30]
و عن ثوبان(1)قال:أن يهوديّا جاء الى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال[له]:يا محمد!أسألك فتخبرني،فركضه ثوبان برجله و قال[له]:قل يا رسول اللّه،فقال:لا أدعوه الاّ بما سمّاه أهله.فقال:أ رأيت قوله عز و جل:«يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّمََاوََاتُ »(2)أين الناس يومئذ؟فقال:في الظلمة دون المحشر،فقال:فما أوّل ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوها؟قال:كبد الحوت،قال:فما طعامهم على أثر ذلك؟قال:كبد الثور.قال:فما شرابهم على اثر ذلك؟قال:السلسبيل.قال:صدقت.
أ فلا أسألك عن شي ء لا يعلمه إلاّ نبيّ؟قال:و ما هو؟قال:[عن]شبه8.
ص: 114
الولد أباه و أمّه.
قال:ماء الرجل أبيض غليظ و ماء المرأة أصفر رقيق،فإذا علا ماءالرجل ماء المرأة،كان الولد ذكرا بإذن اللّه تعالى،و من(1)قبل ذلك يكون الشبه،و إذا علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد أنثى بإذن اللّه عزّ و جلّ،و من(2)قبل ذلك يكون الشبه.
ثم قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و الذي نفسي بيده ما كان عندي فيه شي ء ممّا سألتني عنه حتّى أنبأنيه اللّه عز و جل في مجلسي هذا[على لسان أخي جبرئيل](3).3.
ص: 115
[واقعة ليلة العقبة](1)ذكر ما جرى لرسول اللّه(ص)من الاحتجاج على المنافقين في طريق تبوك و غير ذلك من كيدهم لرسول اللّه(ص)على العقبة باللّيل
[31]
قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السّلام:لقد رامت الفجرة الكفرةليلة العقبة قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على العقبة،و رام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فما قدروا على مغالبة ربهم،حملهم على ذلك حسدهم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عليّ عليه السّلام لما فخّم من أمره،و عظّم من شأنه.
من ذلك:أنّه لمّا خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المدينة-و قد كان خلّفه عليها-و قال له:إنّ جبرئيل أتاني و قال لي:يا محمّد،إنّ العليّ
ص: 116
الأعلى يقرأ عليك السّلام(1)و يقول لك:يا محمّد،إمّا أن تخرج أنت و يقيم عليّ،أو تقيم أنت و يخرج عليّ(2)،لا بدّ من ذلك،فإنّ عليّا قد ندبته لاحدى اثنتين،لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما و عظيم ثوابه غيري.
فلمّا خلّفه،أكثر المنافقون الطعن فيه،فقالوا:ملّه و سئمه،و كره صحبته،فتبعه عليّ عليه السّلام حتّى لحقه-و قد وجد[غمّا شديدا]ممّا قالوافيه-.
في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا،ثم غطّوهابحصر(1)رقاق،و نثروا فوقها يسيرا من التراب،بقدر ما غطّوا[به]وجوه الحصر(2)،و كان ذلك على طريق عليّ عليه السّلام الذي لا بدّ له من سلوكه ليقع هو و دابّته في الحفيرة التي قد عمّقوها،و كان ما حوالي المحفورأرضا ذات حجارة،و دبّروا على أنّه إذا وقع مع دابّته فى ذلك المكان كبسوه(3)بالأحجار حتّى يقتلوه.
فلما بلغ عليّ عليه السّلام قرب المكان لوى(4)فرسه عنقه،و أطاله اللّه فبلغت جحفلته(5)أذنيه(6)و قال:يا أمير المؤمنين!قد حفر[لك]هاهنا و».
ص: 118
دبّر عليك الحتف(1)-و أنت أعلم-لا تمرّ فيه.
فقال له عليّ عليه السّلام:«جزاك اللّه من ناصح خيرا،كما تدبّربتدبيري(2)فإنّ اللّه عزّ و جلّ لا يخلّيك من صنعه الجميل».
و سار حتى شارف المكان،فتوقّف الفرس خوفا من المرور على المكان.
فقال عليّ عليه السّلام:سر بإذن اللّه سالما سويّا،عجيبا شأنك،بديعاأمرك.
فتبادرت الدابّة،فانّ اللّه عز و جل قد متّن الأرض(3)و صلّبها،و لأم(4)حفرها[كأنها لم تكن محفورة]و جعلها كسائر الأرض.
فلما جاوزها عليّ عليه السّلام لوى الفرس عنقه،و وضع جحفلته على أذنه،ثم قال:ما أكرمك على ربّ العالمين،أجازك(5)على هذا المكان».
ص: 119
الخاوي(1).
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:جازاك اللّه بهذه السلامة عن نصيحتك التي نصحتني بها(2).
ثم قلب وجه الدابّة إلى ما يلي كفلها(3)،و القوم معه بعضهم كان أمامه،و بعضهم[كان]خلفه،و قال:إكشفوا عن هذا المكان.فكشفوا عنه فاذا هو خاو،[و]لا يسير عليه أحد إلاّ وقع في الحفرة،فأظهر القوم الفزع و التعجب ممّا رأوا[منه].
فقال عليّ عليه السّلام للقوم:أتدرون من عمل هذا؟قالوا:لا ندري.قال عليه السّلام:لكن فرسي هذا يدري.و قال للفرس:يا أيها الفرس(4)كيف هذا؟و من دبّر هذا؟
فقال الفرس:يا أمير المؤمنين!إذا كان اللّه عز و جل يبرم ما يروم جهّال الخلق(5)نقضه،أو كان ينقض ما يروم جهّال الخلق إبرامه،فاللّه هو الغالب و الخلق هم المغلوبون،فعل هذا يا أمير المؤمنين فلان و فلان،إلى أن ذكر العشرة بمواطأة من أربعة و عشرين،هم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في طريقه.د.
ص: 120
ثم دبّروا رأيهم على أن يقتلوا(1)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على العقبة،و اللّه عز و جل من وراء حياطة(2)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وليّ اللّه لا يغلبه الكافرون.
فأشار بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام بأن يكاتب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك،و يبعث رسولا مسرعا،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:إنّ رسول اللّه الى محمّد رسوله أسرع،و كتابه اليه أسبق،فلايهمنكم هذا[اليه]،فلما قرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من العقبة التى بإزائها فضائح المنافقين و الكافرين،نزل دون العقبة،ثم جمعهم فقال لهم:هذا جبرئيل الروح الأمين(3)يخبرني:انّ عليّا دبّر عليه كذا و كذا،فدفع اللّه عزّ و جل عنه بألطافه(4)و عجائب معجزاته بكذا و كذا،إنّه(5)صلّب الأرض تحت حافر دابّته و أرجل أصحابه،ثم انقلب على ذلك الموضع عليّ عليه السّلام و كشف عنه،فرؤيت الحفيرة،ثم إن اللّه عزّ و جلّ لأمها كما كانت،لكرامته عليه،و انّه قيل له:كاتب بهذا و أرسل الى».
ص: 121
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقال[عليّ]:رسول اللّه إلى رسول اللّه أسرع و كتابه اليه أسبق.
و لم يخبرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما قال عليّ عليه السّلام على باب المدينة:«إنّ من مع رسول اللّه سيكيدونه(1)و يدفع اللّه عنه.
فلمّا سمع الأربعة و العشرون أصحاب العقبة ما قاله[رسول اللّه]صلى اللّه عليه و آله و سلّم في أمر عليّ عليه السّلام،قال بعضهم لبعض:ما أمهر محمّدابالمخرقة(2)،و ان فيجا(3)مسرعا أتاه،أو طيرا من المدينة من بعض أهله وقع عليه!؟انّ عليّا قتل بحيلة كذا و كذا،و هو الذي و اطأنا عليه أصحابنا،فهو الآن لمّا بلغه كتم الخبر،و قلبه الى ضدّه،يريد أن يسكّن من معه،لئلايمدّوا أيديهم عليه،و هيهات،و اللّه ما لبّث عليّا بالمدينة إلاّ حينه و لاأخرج محمّدا الى هيهنا إلاّ حينه،و قد هلك عليّ و هو هاهنا هالك لا محالة،و لكن تعالوا حتى نذهب اليه و نظهر له السرور بأمر عليّ ليكون أسكن لقلبه الينا،الى أن نمضي فيه تدبيرنا.
فحضروه و هنّأوه على سلامة عليّ من الورطة الّتي رامها أعداؤه.د.
ص: 122
[الاشارة إلى أنّ محبّي عليّ عليه السّلام أفضل من الملائكة](1)
ثم قالوا له:يا رسول اللّه!أخبرنا عن عليّ عليه السّلام أهو أفضل أم ملائكة اللّه المقرّبون؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و هل شرّفت الملائكة إلاّ بحبّها لمحمّد و عليّ و قبولها لولايتهما؟و إنّه لا أحد من محبّي عليّ[و قد]نظف قلبه من قذر الغش و الدغل و الغل و نجاسات الذنوب،إلاّ كان أطهر و أفضل من الملائكة.
و هل أمر اللّه الملائكة بالسجود لآدم إلاّ لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم؟انّه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها إلاّ-و هم يعنون أنفسهم-أفضل منه في الدين فضلا و أعلم باللّه و بدينه علما(2).
فأراد اللّه أن يعرفهم أنهم قد أخطأوا في ظنونهم و اعتقاداتهم،فخلق آدم و علّمه الأسماء كلّها،ثم عرضها عليهم،فعجزوا عن معرفتها،فأمرآدم عليه السّلام أن ينبئهم بها،و عرّفهم فضله في العلم عليهم.
ثم أخرج من صلب آدم ذرّيته،منهم الأنبياء و الرسل و الخيار من عباد اللّه،أفضلهم محمّد،ثم آل محمّد،و من الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمّد،و خيار أمة محمّد.
ص: 123
و عرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الأثقال و قاسوا ما هم فيه بعرض يعرض من أعوان الشياطين(1)و مجاهدة النفوس،و احتمال أذى ثقل العيال،و الاجتهاد في طلب الحلال،و معاناة مخاطر الخوف من الأعداء-من لصوص مخوّفين،و من سلاطين جورة قاهرين-و صعوبة في المسالك و[في]المضائق(2)و المخاوف،و الاجراع(3)و الجبال و التلال(4)لتحصيل أقوات الأنفس و العيال من الطيب الحلال،فعرّفهم اللّه عز و جل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا،و يتخلّصون منها،و يحاربون الشياطين و يهزمونهم،و يجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها،و يغلبونها مع ماركّب فيهم من شهوات(5)الفحولة،و حبّ اللّباس و الطعام،و العزّو الرئاسة و الفخر و الخيلاء،و مقاساة العناء و البلاء من ابليس-لعنه اللّه-».
ص: 124
و عفاريته،و خواطرهم و اغوائهم و استهوائهم،و دفع ما يكابدونه(1)من ألم الصبر(2)على سماع الطعن من أعداء اللّه،و سماع الملاهي و الشتم لأولياء اللّه،و مع ما يقاسونه فى أسفارهم،لطلب أقواتهم،و الهرب من أعداء دينهم،و الطلب(3)لمن يأملون معاملته من مخالفيهم في دينهم.
قال اللّه عز و جل:يا ملائكتي و أنتم من جميع ذلك بمعزل،لاشهوات الفحولة تزعجكم(4)،و لا شهوة الطعام تحقركم(5)،و لاخوف(6)من أعداء دينكم و دنياكم ينخب(7)في قلوبكم،و لا لإبليس في ملكوت سماواتي و أرضي شغل على إغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم.
يا ملائكتي،فمن أطاعني منهم و سلم دينه من هذه الآفات و النكبات فقد احتمل في جنب محبّتي ما لم تحتملوا و اكتسب من القربات[إليّ]ما لم2.
ص: 125
تكتسبوا(1).
فلمّا عرف اللّه ملائكته فضل خيار أمة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و شيعةعليّ و خلفائه عليهم السّلام(2)،و احتمالهم في جنب محبّة ربهم ما لا تحتمله الملائكة،أبان بني آدم الخيار المتّقين بالفضل عليهم.
ثم قال:فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الأفضلين.
و لم يكن سجودهم لآدم،إنّما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه للّه عزّ و جلّ،و كان بذلك معظّما له مبجّلا(3)،و لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحدمن دون اللّه،و يخضع له خضوعه للّه(4)و يعظمه-بالسجود له-كتعظيمه للّه،و لو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير اللّه،لأمرت ضعفاء شيعتنا و سائرالمكلفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسط في علوم عليّ وصيّ رسول اللّه،و محض وداد خير خلق اللّه عليّ بعد محمّد رسول اللّه،و احتمل المكاره و البلايا في التصريح باظهار حقوق اللّه،و لم ينكر عليّ حقّا أرقبه عليه(5)قد كان جهله أو أغفله.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:عصى اللّه ابليس،فهلك لما كان4.
ص: 126
معصيته بالكبر على آدم،و عصى اللّه آدم بأكل الشجرة،فسلم و لم يهلك،لما لم يقارن بمعصيته التكبّر على محمد و آله الطيبين،و ذلك أنّ اللّه تعالى قال له:
«يا آدم!عصاني فيك ابليس،و تكبّر عليك فهلك،و لو تواضع لك بأمري،و عظّم عزّ جلالي لأفلح كل الفلاح كما أفلحت،و أنت عصيتني بأكل الشجرة،و[عظمتني](1)بالتواضع لمحمد و آل محمد،فتفلح كل الفلاح،و تزول عنك و صمة الزلّة(2)فادعني بمحمد و آله الطيبين لذلك».
فدعا بهم،فأفلح كل الفلاح لمّا تمسك بعروتنا أهل البيت.
[أمره صلّى اللّه عليه و آله لحذيفةو ما جرى له](3)
ثم انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر بالرحيل في أول نصف اللّيل الأخير،و أمر مناديه فنادى:ألا لا يسبقنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحدالى العقبة،و لا يطأها حتّى يجاوزها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ص: 127
ثم أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة،فينظر من يمرّ بها(1)و يخبررسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و كان رسول اللّه أمره أن يتشبّه(2)بحجر.
فقال حذيفة:يا رسول اللّه!إنّي أتبيّن الشرّ في وجوه رؤساء عسكرك،و إنّي أخاف إن قعدت في أصل الجبل،و جاء منهم من أخاف أن يتقدّمك الى هناك للتدبير عليك،يحسّ بي،فيكشف(3)عنّي،فيعرفني و يعرف موضعي(4)من نصيحتك فيتّهمني و يخافني فيقتلني.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنّك اذا بلغت أصل العقبة،فاقصدأكبر صخرة هناك الى جانب أصل العقبة و قل لها:«إنّ رسول اللّه يأمرك أن تنفرجي لي حتّى أدخل[في]جوفك،ثم[إنّه]يأمرك أن تثقب(5)فيك ثقبة أبصر منها المارّين،و يدخل عليّ منها الروح لئلاّ أكون من الهالكين»فإنّها تصير الى ما تقول لها بإذن اللّه ربّ العالمين.
فأدّى حذيفة الرسالة و دخل جوف الصخرة،و جاء الأربعة و العشرون على جمالهم و بين أيديهم رجّالتهم(6)يقول بعضهم لبعض:
من رأيتموه هاهنا كائنا من كان فاقتلوه لئلاّ يخبروا محمّدا أنّهم قد0.
ص: 128
رأونا هاهنا فينكص(1)محمّد،و لا يصعد هذه العقبة إلاّ نهارا،فيبطل تدبيرنا عليه،و سمعها حذيفة،و استقصوا فلم يجدوا أحدا،و كان اللّه قدستر حذيفة بالحجر عنهم،فتفرّقوا،فبعضهم صعد على الجبل و عدل عن الطريق المسلوك،و بعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين و شمال،و هم يقولون:الآن ترون(2)حين محمّد كيف أغراه بأن يمنع الناس عن صعودالعقبة(3)حتّى يقطعها هو لنخلو به هيهنا فنمضي فيه تدبيرنا و أصحابه عنه بمعزل،و كلّ ذلك يوصله اللّه تعالى من قريب أو بعيد الى أذن حذيفةو يعيه(4)حذيفة.
فلما تمكنّ القوم على الجبل حيث أرادوا،كلّمت الصخرة حذيفةو قالت[له]:انطلق الآن الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأخبره بما رأيت و ما سمعت.
قال حذيفة:كيف أخرج عنك و إن رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي عليهم؟
قالت الصخرة:إنّ الذي مكّنك في جوفي،و أوصل اليك الروح من الثقبة التي أحدثها فيّ هو الذي يوصلك الى نبيّ اللّه و ينقذك من أعداء اللّه.7.
ص: 129
فنهض حذيفة ليخرج،فانفرجت(1)الصخرة،[بقدرة اللّه تعالى]،فحوّله اللّه طائرا فطار في الهواء محلّقا(2)حتى انقضّ(3)بين يدي رسول اللّه،ثم أعيد على صورته،فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما رأى و سمع.
فقال[له]رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أو عرفتهم بوجوههم؟قال:يا رسول اللّه كانوا متلثّمين(4)و كنت أعرف أكثرهم بجمالهم،فلمافتّشوا المواضع(5)فلم يجدوا أحدا،أحدروا(6)اللثام فرأيت وجوههم و عرفتهم بأعيانهم و أسمائهم فلان و فلان و فلان حتّى عدّ أربعة و عشرين.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا حذيفة(7)،اذا كان اللّه تعالى يثبت محمّدا،لم يقدر هؤلاء و لا الخلق أجمعون أن يزيلوه،إنّ اللّه تعالى بالغ في محمّد أمره و لو كره الكافرون.
ثم قال:يا حذيفة،فانهض بنا أنت و سلمان و عمّار،و توكّلوا على اللّه،فاذا جزنا الثنيّة(8)الصعبة فأذّنوا للناس أن يتبعونا.ه.
ص: 130
فصعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو على ناقته،و حذيفة و سلمان أحدهما آخذ بخطام(1)ناقته يقودها،و الآخر خلفها يسوقها،و عمّار إلى جانبها،و القوم على جمالهم و رجّالتهم منبثّون(2)حوالي الثنية على تلك العقبات،و قد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تقع به في المهوى الذي يهول الناظر إذا نظر اليه من بعده(3).
فلمّا قربت الدباب من ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أذن اللّه لها،فارتفعت ارتفاعا عظيما فجاوزت ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم سقطت في جانب المهوى،و لم يبق منها شي ء إلاّ صار كذلك،و ناقةرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كأنها لا تحس بشي ء من تلك القعقعات(4)التي كانت للدباب.
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّار:اصعد[الى]الجبل فاضرب-بعصاك هذه-وجوه رواحلهم فارم بها.ففعل ذلك عمّار،فنفرت بهم[رواحلهم]و سقط بعضهم فانكسر عضده،و منهم من انكسرت رجله و منهم من انكسر جنبه و اشتدّت لذلك أوجاعهم،فلمّاجبرت و اندملت،بقيت عليهم آثار الكسر إلى أن ماتوا.6.
ص: 131
و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-في حذيفة و أمير المؤمنين عليه السّلام-:«إنّهما أعلم الناس بالمنافقين»لقعوده في أصل الجبل(1)و مشاهدته من مرّ سابقا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و كفى اللّه رسوله أمر من قصد له،و عاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى المدينة[سالما]،فكسى اللّه الذلّ و العار من كان قعد عنه و ألبس الخزي من كان دبّر على عليّ عليه السّلام(2)دفع اللّه عنه(3).
*********2.
ص: 132
[32]
حدثني السيّد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي-رضي اللّه عنه-قال:أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن الشيخ السعيدأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي-رضي اللّه عنه-،قال:أخبرني الشيخ السعيد الوالد ابو جعفر-قدس اللّه روحه-،قال:أخبرني جماعة عن أبي محمدهارون بن موسى التلعكبري قال:أخبرنا أبو علي محمّد بن همّام،قال:أخبرنا عليّ السوري،قال:أخبرنا أبو محمد العلوي من ولد الأفطس-و كان من عباد اللّه الصالحين-قال:حدّثنا محمد بن موسى الهمداني،قال:حدثنا محمد بن خالد الطيالسي،قال:حدثنا سيف بن عميرة و صالح بن عقبة،جميعا عن قيس بن سمعان،عن علقمة بن محمّد الحضرمي،عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السّلام أنّه قال:حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من المدينة و قد بلّغ جميع الشرايع قومه غير الحجّ و الولاية،فأتاه جبرئيل عليه السّلام فقال له:يا محمّد!انّ اللّه جلّ اسمه يقرؤك السّلام و يقول
ص: 133
لك:إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي و لا رسولا من رسلي إلاّ بعد إكمال ديني و تأكيد حجّتي،و قد بقي عليك من ذاك فريضتان ممّا تحتاج أن تبلّغهماقومك:
فريضة الحج،و فريضة الولاية و الخلافة من بعدك،فانّي لم أخل أرضي من حجة،و لن أخليها أبدا،فانّ اللّه جلّ ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك الحجّ،و تحجّ و يحجّ معك من استطاع اليه سبيلا من أهل الحضرو الأطراف و الأعراب،و تعلّمهم من معالم حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم و زكاتهم و صيامهم،و توقفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع.
فنادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الناس:ألا إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يريد الحجّ،و ان يعلمكم من ذلك مثل الذي علّمكم من شرائع دينكم،و يوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره.
فخرج صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خرج معه الناس،و أصغوا اليه لينظرواما يصنع،فيصنعوا مثله،فحجّ بهم و بلغ من حجّ مع رسول اللّه-من أهل المدينة و أهل الأطراف و الأعراب-سبعين ألف انسان،أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى:السبعين ألفا(1)الذين أخذ عليهم بيعة هارون،فنكثوا و اتّبعوا العجل و السامريّ.
و كذلك أخذ رسول اللّه(ص)البيعة لعلىّ عليه السّلام بالخلافة على عدد».
ص: 134
أصحاب موسى،فنكثوا البيعة و اتبعوا العجل و السامري سنة بسنة(1)و مثلا بمثل،و اتّصلت التلبية ما بين مكة و المدينة.
فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السّلام عن اللّه عزّ و جلّ فقال:يا محمّد!إنّ اللّه عز و جل يقرؤك السّلام و يقول لك:إنّه قد دنا أجلك و مدّتك،و أنا مستقدمك على ما لا بدّ منه و لا عنه محيص،فاعهد عهدك و قدّم(2)وصيّتك،و اعمد الى ما عندك من العلم و ميراث علوم الأنبياء من قبلك،و السلاح و التابوت و جميع ما عندك من آيات الأنبياء،فسلّمه الى وصيّك و خليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي:عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،فأقمه للناس علّما و جدّد عهده و ميثاقه و بيعته،و ذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الذي واثقتهم به،و عهدي الذي عهدت اليهم من ولاية وليّي و مولاهم و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة:على بن أبي طالب عليه السّلام.
فإنّي لم أقبض نبيّا من الأنبياء إلاّ من بعد إكمال ديني[و حجتي]و إتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي،و ذلك كمال توحيدي و ديني و إتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليّي و طاعته،و ذلك أنّي لا أترك أرضي بغير وليّ و لا قيّم ليكون حجة لي على خلقي،فاليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا بولاية وليّي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة«عليّ»عبدي و وصيّ نبيي و الخليفة من بعده،و حجّتي».
ص: 135
البالغة على خلقي،مقرونة(1)طاعته بطاعة محمّد نبيّي و مقرونة طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي،من أطاعه فقد أطاعني،و من عصاه فقد عصاني،جعلته علما بيني و بين خلقي،من عرفه كان مؤمنا،و من أنكره كان كافرا،و من أشرك ببيعته كان مشركا،و من لقيني بولايته دخل الجنة،و من لقيني بعداوته دخل النار.
فأقم يا محمّد عليّا علما و خذ عليهم البيعة،و جدّد عهدي و ميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه(2)،فإنّي قابضك إليّ و مستقدمك عليّ.
فخشي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قومه و أهل النّفاق و الشّقاق أن يتفرّقوا و يرجعوا[الى]جاهلية،لما عرف من عداوتهم و لما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ عليه السّلام من العداوة و البغضاء.
و سأل(3)جبرئيل عليه السّلام أن يسأل ربه العصمة من الناس،ثم انتظر(4)أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن اللّه جلّ اسمه(5).
فأخّر ذلك الى أن بلغ مسجد الخيف(6)،فأتاه جبرئيل عليه السّلام فى2.
ص: 136
مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده و يقيم عليّا علما للناس،يهتدون به،و لم يأته بالعصمة من اللّه جلّ جلاله بالذي أراد حتّى بلغ كراع الغميم(1)بين مكة و المدينة،فأتاه جبرئيل و أمره(2)بالذي أتاه فيه من قبل اللّه،و لم يأته بالعصمة.
فقال:يا جبرئيل،إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني و لا يقبلوا قولي في عليّ عليه السّلام.
قال:فرحل النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3)،فلمّا بلغ غدير خم(4)قبل الجحفة(5)بثلاثة أميال،أتاه جبرئيل عليه السّلام على خمس ساعات مضت من النهار،بالزجر و الانتهار(6)و العصمة من الناس،فقال:يا محمد!إنّ7.
ص: 137
اللّه عزّ و جلّ يقرؤك السّلام و يقول لك:«يََا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ »في عليّ«وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمََا بَلَّغْتَ رِسََالَتَهُ وَ اَللََّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنََّاسِ »(1).
و كان أوائلهم قريبا من الجحفة،فأمره بأن يردّ من تقدم منهم و يحبس من تأخّر عنهم،في ذلك المكان ليقيم عليّا للناس علما و يبلغهم ما أنزل اللّه تعالى في عليّ عليه السّلام،و أخبره بأن اللّه عزّ و جلّ قد عصمه من الناس،فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-عند ما جاءته العصمة-منادياينادي في الناس بالصلاة جامعة،و يردّ من تقدّم منهم و يحبس من تأخّر،و تنحّى عن يمين الطريق الى جنب مسجد الغدير،أمره بذلك جبرئيل عن اللّه عزّ و جلّ،و كان في الموضع سلمات(2).
فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يقم(3)ما تحتهنّ و ينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على الناس،فتراجع الناس و احتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون.
فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فوق تلك الأحجار،ثم حمد اللّه تعالى و أثنى عليه فقال:
الحمد للّه الذي علا في توحّده،و دنا في تفرّده،و جلّ في سلطانه،ن.
ص: 138
و عظم في أركانه،و أحاط بكلّ شى ء علما و هو فى مكانه،و قهر جميع الخلق بقدرته و برهانه،مجيدا لم يزل،محمودا لا يزال،باري ءالمسموكات(1)و داحي المدحوّات(2)و جبّار الأرض و السماوات(3)،قدّوس سبّوح ربّ الملائكة و الروح،متفضّل على جميع من برأه،متطوّل على من أدناه(4)،يلحظ كلّ عين و العيون لا تراه،كريم حليم ذو أناة(5)،قد وسع كل شي ء رحمته،و منّ عليهم بنعمته،لا يعجل بانتقامه،و لا يبادراليهم بما استحقّوا من عذابه،قد فهم السرائر و علم الضمائر،و لم تخف عليه المكنونات،و لا اشتبهت عليه الخفيّات،له الاحاطة بكل شي ء،و الغلبة على كل شي ء،و القوة في كلّ شي ء،و القدرة على كل شي ء،و ليس مثله شي ء(6)،و هو منشي ء الشي ء حين لا شي ء،دائم قائم بالقسط،لا اله الاهو العزيز الحكيم،جلّ عن أن تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو».
ص: 139
اللّطيف الخبير،لا يلحق(1)أحد وصفه من معاينة،و لا يجد أحد كيف هومن سرّ و علانية إلاّ بما دلّ عز و جل على نفسه.
و أشهد بأنه اللّه الذي ملأ الدهر قدسه،و الذي يغشى الأبد نوره،و الذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير و لا معه شريك فى تقدير و لا تفاوت في تدبير،صوّر ما أبدع على غير مثال،و خلق ما خلق بلا معونة من أحد و لاتكلّف و لا احتيال،أنشأها فكانت،و برأها فبانت،فهو اللّه الذي لا اله إلاّهو المتقن الذي أحسن الصنيعة(2)،العدل الذي لا يجور،و الأكرم الذي ترجع اليه الأمور.
و أشهد انّه الذي تواضع كل شي ء لقدرته،و خضع كل شي ء لهيبته،مالك الأملاك(3)،و مفلك الأفلاك،و مسخّر الشمس و القمر،كلّ يجري لأجل مسمّى،يكوّر(4)الليل على النهار و يكوّر النهار على الليل يطلبه حثيثا(5)،قاصم كلّ جبار عنيد،و مهلك كلّ شيطان مريد،لم يكن معهن.
ص: 140
ضدّ و لا ندّ،أحد صمد لم يلد و لم يولد،و لم يكن له كفوا أحد،اله واحدو ربّ ماجد،يشاء فيمضي و يريد فيقضي،و يعلم فيحصي،و يميت و يحيي،و يفقر و يغني،و يضحك و يبكي،و يمنع و يعطي،له الملك و له الحمد بيده الخير و هو على كلّ شي ء قدير.
يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل لا اله إلاّ هو العزيزالغفّار،مجيب الدعاء(1)و مجزل العطاء،محصي الأنفاس و ربّ الجنّةو الناس،لا يشكل عليه شي ء و لا يضجره صراخ المستصرخين و لا يبرمه إلحاح الملحّين،العاصم للصالحين و الموفّق للمفلحين و مولى العالمين،الذي استحقّ من كلّ خلق أن يشكره و يحمده.
أحمده على السرّاء و الضرّاء و الشدّة و الرخاء،و أؤمن به و بملائكته و كتبه و رسله،أسمع أمره و أطيع و أبادر الى كل ما يرضاه،و أستسلم لقضائه رغبة في طاعته و خوفا من عقوبته،لأنّه اللّه الذي لا يؤمن مكره و لايخاف جوره،[و]أقرّ له على نفسي بالعبوديّة،و أشهد له بالرّبوبيّة،و أؤدّي ما أوحي إليّ حذرا من أن لا أفعل فتحلّ بي منه قارعة لا يدفعها عنّي أحد و إن عظمت حيلته.
لا اله إلاّ هو،لأنّه قد أعلمني[أنّي]إن لم أبلّغ ما أنزل إليّ فما بلّغت رسالته،و قد ضمن لي تبارك و تعالى العصمة،و هو اللّه الكافي الكريم،فأوحى إليّ:بسم اللّه الرحمن الرحيم«يََا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ ».
ص: 141
رَبِّكَ »في عليّ-يعني في الخلافة لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام-«وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمََا بَلَّغْتَ رِسََالَتَهُ وَ اَللََّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنََّاسِ »(1).
معاشر الناس:ما قصّرت في تبليغ ما أنزل اللّه تعالى إليّ(2)،و أنامبيّن لكم سبب نزول هذه الآية(3)،إنّ جبرئيل عليه السّلام هبط إليّ مراراثلاثا(4)يأمرني عن السّلام ربّي-و هو السّلام-أن أقوم في هذا المشهدفأعلم كلّ أبيض و أسود أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أخي و وصيّي و خليفتي،و الإمام من بعدي،الذي محلّه منّي محلّ هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي،و هو وليّكم بعد اللّه و رسوله،و قد أنزل اللّه تبارك و تعالى عليّ بذلك آية من كتابه:«إِنَّمََا وَلِيُّكُمُ اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاََةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكََاةَ وَ هُمْ رََاكِعُونَ »(5).
و عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أقام الصلاة و آتى الزكاة و هو راكع يريد اللّه عز و جل في كلّ حال.
و سألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك اليكم أيها الناس،5.
ص: 142
لعلمي بقلّة المتقين و كثرة المنافقين و ادغال(1)الآثمين و ختل(2)المستهزئين بالاسلام الّذين وصفهم اللّه في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم و يحسبونه هيّنا و هو عند اللّه عظيم،و كثرة أذاهم لي غيرمرة(3)حتى سمّوني اذنا(4)،و زعموا أنّي كذلك لكثرة ملازمته إيّاي و اقبالي عليه،حتّى أنزل اللّه عزّ و جلّ في ذلك[قرآنا]:«وَ مِنْهُمُ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلنَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ -على الذين يزعمون أنه اذن-خَيْرٍلَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللََّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ »الآية(5).
و لو شئت أن أسمّي بأسمائهم لسمّيت،و أن أومي ء اليهم بأعيانهم لأومأت،و أن أدلّ عليهم لدللت،و لكني و اللّه في أمورهم قد تكرّمت،و كلّ ذلك لا يرضي اللّه منّي إلاّ أن أبلّغ ما أنزل إليّ،ثم تلى صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«يََا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مََا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ -في عليّ-وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمََا بَلَّغْتَ رِسََالَتَهُ وَ اَللََّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ اَلنََّاسِ ».فاعلموا معاشر الناس:انّ اللّه قد نصبه لكم وليّا و إماما مفترضا طاعته على المهاجرين و الأنصار و على1.
ص: 143
التابعين لهم بإحسان،و على البادي و الحاضر و على الأعجميّ(1)و العربيّ،و الحرّ و المملوك،و الصغير و الكبير،و على الأبيض و الأسود،و على كلّ موحّد،ماض حكمه،جائز قوله،نافذ أمره،ملعون من خالفه،مرحوم من تبعه،و من صدّقه فقد غفر اللّه(2)له و لمن سمع منه و أطاع له.
معاشر الناس:إنّه آخر مقام أقومه في هذا المشهد،فاسمعواو أطيعوا و انقادوا لأمر ربكم،فان اللّه عزّ و جلّ هو مولاكم و الهكم،ثم من دونه رسوله(3)محمد-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-وليّكم القائم المخاطب لكم،ثم من بعدي عليّ وليّكم و إمامكم بأمر اللّه ربّكم،ثم الإمامة في ذرّيتي من ولده الى يوم تلقون اللّه عز و جل و رسوله،لا حلال إلاّ ما أحلّه اللّه،و لا حرام إلاّما حرّمه اللّه،عرّفني الحلال و الحرام،و أنا أفضيت بما علّمني ربّي من كتابه و حلاله و حرامه إليه.
معاشر الناس:ما من علم إلاّ و قد أحصاه اللّه فيّ،و كلّ علم علّمت فقدأحصيته في امام المتّقين(4)،و ما من علم إلاّ علّمته عليّا،و هو الامام المبين.ن.
ص: 144
معاشر الناس:لا تضلّوا عنه و لا تنفروا منه،و لا تستنكفوا من ولايته(1)،فهو الذي يهدي الى الحقّ و يعمل به و يزهق الباطل و ينهى عنه،و لا تأخذه في اللّه لومة لائم،ثم إنّه أوّل من آمن باللّه و رسوله،و[هو]الذي فدى رسوله بنفسه،و[هو]الذي كان مع رسول اللّه و لا أحد يعبد اللّه مع رسوله من الرجال غيره(2).
معاشر الناس:فضّلوه فقد فضّله اللّه،و اقبلوه فقد نصبه اللّه.
معاشر الناس:إنّه إمام من اللّه،و لن يتوب اللّه على أحد أنكر ولايته،و لن يغفر اللّه له،حتما على اللّه أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه،و أن يعذّبه عذابا نكرا أبدا الابد(3)،و دهر الدهور،فاحذروا أن تخالفوه فتصلوانارا وقودها الناس و الحجارة أعدّت للكافرين.
أيّها النّاس:بي و اللّه بشّر الأوّلون من النبيّين و المرسلين،و أنا خاتم الأنبياء و المرسلين،و الحجّة على جميع المخلوقين من أهل السماوات و الأرضين،فمن شكّ في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى،و من شكّ في شي ء من قولي هذا فقد شكّ في الكلّ منه(4)،و الشاكّ في ذلك فله النار.
معاشر الناس:حباني اللّه بهذه الفضيلة منّا منه عليّ و إحسانا منه إليّ،و لا اله إلاّ هو،له الحمد منّي أبد الآبدين و دهر الداهرين على كلّ حال.ه.
ص: 145
معاشر الناس:فضّلوا عليّا فإنّه أفضل الناس بعدي من ذكر و أنثى،بناأنزل اللّه الرزق و بقي الخلق،ملعون ملعون مغضوب مغضوب من ردّ عليّ قولي هذا(1)و لم يوافقه،ألا إنّ جبرئيل خبّرني عن اللّه تعالى بذلك و يقول:من عادى عليّا و لم يتولّه فعليه لعنتي و غضبي،فلتنظر نفس ما قدّمت لغد،و اتّقوا اللّه أن تخالفوه فتزلّ قدم بعد ثبوتها إنّ اللّه خبير بما تعملون.
معاشر الناس:إنّه جنب اللّه الذي ذكر فى كتابه(2)فقال تعالى:«أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يََا حَسْرَتى ََ عَلى ََ مََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اَللََّهِ »(3).
معاشر الناس:تدبّروا القرآن و افهموا آياته،و انظروا الى محكماته،و لا تتّبعوا متشابهه،فو اللّه لن يبيّن لكم زواجره و لا يوضح(4)لكم تفسيره إلاّ الذي أنا آخذ بيده و مصعده إليّ-و شائل(5)بعضده-و معلمكم أنّ من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه،و هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أخي و وصيّي،و موالاته من اللّه عز و جل أنزلها عليّ.
معاشر الناس:إنّ عليّا و الطيّبين من ولدي هم الثقل الأصغر،..
ص: 146
و القرآن الثقل الأكبر،فكلّ واحد منبي ء(1)عن صاحبه و موافق له لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض،هم أمناء اللّه(2)في خلقه و حكماؤه في أرضه.
ألا و قد أدّيت،ألا و قد بلّغت،ألا و قد أسمعت،ألا و قد أوضحت،ألاو إنّ اللّه عز و جلّ قال و أنا قلت عن اللّه عز و جلّ،ألا إنّه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا،و لا تحلّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.
ثم ضرب بيده الى عضده فرفعه،و كان منذ أول ما صعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شال عليّا(3)حتّى صارت رجله مع ركبة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم،ثم قال:
معاشر الناس:هذا عليّ أخي و وصيّي و واعي علمي و خليفتي على أمّتي و على تفسير كتاب اللّه عز و جلّ و الداعي اليه،و العامل بما يرضاه،و المحارب لأعدائه،و الموالي على طاعته،و الناهي عن معصيته،خليفةرسول اللّه و أمير المؤمنين و الإمام الهادي،و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين بأمر اللّه،أقول ما يبدل القول لديّ بأمر ربّي،أقول:اللّهم وال من والاه،و عاد من عاداه،و العن من أنكره و اغضب على من جحد حقّه،ا.
ص: 147
اللّهم انّك أنزلت عليّ إنّ الامامة(1)بعدي لعليّ وليّك عند تبياني ذلك،و نصبي إيّاه بما أكملت لعبادك من دينهم و أتممت عليهم بنعمتك و رضيت لهم الاسلام دينا،فقلت:«وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اَلْإِسْلاََمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَفِي اَلْآخِرَةِ مِنَ اَلْخََاسِرِينَ »(2)اللهم إنّي أشهدك و كفى بك شهيدا أنّي قدبلّغت.
معاشر الناس:إنّما أكمل اللّه عزّ و جلّ دينكم بإمامته،فمن لم يأتمّ به و بمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه الى يوم القيامة و العرض على اللّه عزو جلّ،فأولئك الذين حبطت أعمالهم و في النار هم خالدون،لا يخفّف عنهم العذاب و لا هم ينظرون.
معاشر الناس:هذا عليّ أنصركم لي و أحقّكم بي و أقربكم إليّ و أعزّكم عليّ،و اللّه عزّ و جلّ و أنا عنه راضيان،و ما نزلت آية رضى إلاّ فيه،و ما خاطب اللّه الّذين آمنوا إلاّ بدأ به،و لا نزلت آية مدح في القرآن إلاّفيه،و لا شهد بالجنة في«هَلْ أَتى ََ عَلَى اَلْإِنْسََانِ »(3)إلاّ له،و لا أنزلها فى سواه،و لا مدح بها غيره.
معاشر الناس:هو ناصر دين اللّه و المجادل عن رسول اللّه،و هوالتقيّ النقيّ الهادي المهديّ،نبيّكم خير نبيّ و وصيكم خير وصيّ و بنوه خير الأوصياء.1.
ص: 148
معاشر الناس:ذريّة كلّ نبيّ من صلبه و ذرّيّتي من صلب عليّ.
معاشر الناس:إنّ إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد،فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم و تزلّ أقدامكم،فانّ آدم أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدةو هو صفوة اللّه عز و جلّ،فكيف بكم(1)و أنتم أنتم و منكم أعداء اللّه،ألاإنّه لا يبغض عليّا إلاّ شقيّ و لا يتوالى عليّا إلاّ تقيّ و لا يؤمن به إلاّ مؤمن مخلص(2)،و في عليّ و اللّه نزلت سورة[و]العصر:«بِسْمِ اَللََّهِ اَلرَّحْمََنِ اَلرَّحِيمِ .`وَ اَلْعَصْرِ `إِنَّ اَلْإِنْسََانَ لَفِي خُسْرٍ»إلى آخرها(3).
معاشر الناس:قد استشهدت اللّه و بلّغتكم رسالتي،و ما على الرّسول إلاّ البلاغ المبين.
معاشر الناس:«اِتَّقُوا اَللََّهَ حَقَّ تُقََاتِهِ وَ لاََ تَمُوتُنَّ إِلاََّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ »(4).
معاشر الناس:آمنوا باللّه و رسوله و النور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها.
معاشر الناس:النور من اللّه عز و جل فيّ مسلوك،ثم في عليّ(5)ثمّ.
ص: 149
في النسل منه الى القائم المهديّ الذي يأخذ بحقّ اللّه و بكل حقّ هو لنا،لأن اللّه عز و جلّ قد جعلنا حجّة على المقصّرين و المعاندين و المخالفين و الخائنين و الآثمين و الظالمين من جميع العالمين.
معاشر الناس:أنذركم أنّي رسول اللّه قد خلت من قبلي الرّسل أ فإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئاو سيجزي اللّه الشاكرين،ألا و إنّ عليّا[هو]الموصوف بالصبر و الشكر،ثم من بعده ولدي من صلبه.
معاشر الناس:لا تمنّوا على اللّه اسلامكم فيسخط عليكم و يصيبكم بعذاب من عنده إنه لبالمرصاد.
معاشر الناس:[إنّه]سيكون من بعدي أئمة يدعون الى النّار و يوم القيامة لا ينصرون.
معاشر الناس:إنّ اللّه و أنا بريئان منهم.
معاشر الناس:إنّهم و أنصارهم و أشياعهم و أتباعهم في الدرك الأسفل من النار و لبئس مثوى المتكبّرين،ألا إنّهم أصحاب الصحيفةفلينظر أحدكم في صحيفته.قال:فذهب على الناس إلاّ شرذمة منهم أمرالصحيفة.
معاشر الناس:إنّي أدعها إمامة(1)و وراثة في عقبي الى يوم القيامة،و قد بلّغت ما أمرت بتبليغه حجّة على كلّ حاضر و غائب و على كلّ أحدة.
ص: 150
ممن شهد أو لم يشهد ولد أو لم يولد،فليبلّغ الحاضر الغائب،و الوالدالولد الى يوم القيامة،و سيجعلونها ملكا و اغتصابا،ألا لعن اللّه الغاصبين و المغتصبين،و عندها سنفرغ لكم أيها الثقلان فيرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران.
معاشر الناس:إنّ اللّه عز و جلّ لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطيب،و ما كان اللّه ليطلعكم على الغيب.
معاشر الناس:إنّه ما من قرية إلاّ و اللّه مهلكها بتكذيبها،و كذلك يهلك القرى و هي ظالمة كما ذكر اللّه تعالى(1)،و هذا عليّ إمامكم ووليّكم،و هو مواعيد اللّه و اللّه يصدق ما وعده.
معاشر الناس:قد ضلّ قبلكم أكثر الأوّلين،و اللّه لقد أهلك(2)الأولين و هو مهلك الآخرين،قال اللّه تعالى:«أَ لَمْ نُهْلِكِ اَلْأَوَّلِينَ *`ثُمَ نُتْبِعُهُمُ اَلْآخِرِينَ *`كَذََلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ *`وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ »(3).
معاشر الناس:إنّ اللّه قد أمرني و نهاني،و قد أمرت عليّا و نهيته،فعلم الأمر و النهي من ربّه عزّ و جلّ،فاسمعوا لأمره تسلموا،و أطيعوه تهتدوا،و انتهوا لنهيه ترشدوا،و صيروا إلى مراده و لا تتفرّق بكم السّبل عن سبيله.9.
ص: 151
معاشر الناس:أنا صراط اللّه المستقيم الذي أمركم باتّباعه،ثم عليّ من بعدي،ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحقّ و به يعدلون،ثم قرأ:«اَلْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ اَلْعََالَمِينَ »إلى آخرها(1)و قال فيّ نزلت و فيهم نزلت و لهم عمّت و إيّاهم خصّت،أولئك أولياء اللّه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون.
ألا إنّ حزب اللّه هم الغالبون.
ألا إنّ أعداء عليّ هم أهل الشقاق و النفاق و الحادّون و هم العادّون(2)،و إخوان الشياطين الذين يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا.
ألا إنّ أولياءهم الذين ذكرهم اللّه في كتابه فقال عزّ و جل:«لاََ تَجِدُقَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ يُوََادُّونَ مَنْ حَادَّ اَللََّهَ وَ رَسُولَهُ »(3)إلى آخر الآية.
ألا إنّ أولياءهم الذين وصفهم اللّه عز و جلّ فقال:«و اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولََئِكَ لَهُمُ اَلْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ »(4).
ألا إنّ أولياءهم الذين(5)يدخلون الجنة آمنين،و تتلقّاهم الملائكةن.
ص: 152
بالتسليم أن:«طِبْتُمْ فَادْخُلُوهََا خََالِدِينَ »(1).
ألا إنّ أولياءهم الذين قال[لهم]اللّه عز و جلّ:«يَدْخُلُونَ اَلْجَنَّةَيُرْزَقُونَ فِيهََا بِغَيْرِ حِسََابٍ »(2).
ألا إنّ أعداءهم يصلون سعيرا.
ألا إنّ أعداءهم الذين يسمعون لجهنّم شهيقا و هي تفور و لها زفير.
ألا إنّ أعداءهم الذين قال اللّه فيهم:«كُلَّمََا(3)دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهََا»(4)الآية.
ألا إنّ أعداءهم الذين قال اللّه عز و جلّ:«كُلَّمََا أُلْقِيَ فِيهََا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهََا أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ*`قََالُوا بَلى ََ قَدْ جََاءَنََا نَذِيرٌ(5)فَكَذَّبْنََا وَ قُلْنََا مََا نَزَّلَ اَللََّهُ مِنْ شَيْ ءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاََّ فِي ضَلاََلٍ كَبِيرٍ»(6).
ألا إنّ أولياءهم الّذين يخشون ربّهم بالغيب لهم مغفرة و أجر كبير.
معاشر الناس:شتّان ما بين السعير و الجنة،عدوّنا من ذمّة اللّه و لعنه،و وليّنا من مدحه اللّه و أحبّه.9.
ص: 153
معاشر الناس:ألا و إنّي منذر و عليّ هاد.
معاشر الناس:إنّي نبيّ و عليّ وصيّي.
ألا إنّ خاتم الأئمة(1)منّا القائم المهدي-صلوات اللّه عليه-.
ألا إنّه الظاهر على الدّين.
ألا إنّه المنتقم من الظالمين.
ألا إنّه فاتح الحصون و هادمها.
ألا إنّه قاتل كلّ قبيلة من أهل الشرك.
ألا إنّه المدرك بكل ثار لأولياء اللّه عزّ و جلّ.
ألا إنّه الناصر لدين اللّه.
ألا إنّه الغرّاف(2)في بحر عميق.
ألا إنّه يسم(3)كلّ ذي فضل بفضله و كلّ ذي جهل بجهله.
ألا إنّه خيرة اللّه و مختاره.
ألا إنّه وارث كلّ علم و المحيط به.
ألا إنّه المخبر عن ربّه عزّ و جلّ و المنبّه بأمر إيمانه.
ألا إنّه الرشيد السّديد.ن.
ص: 154
ألا إنّه المفوّض اليه.
ألا إنّه قد بشّر به من سلف بين يديه.
ألا إنّه الباقي حجّة و لا حجّة بعده،و لا حقّ إلاّ معه،و لا نور إلاّ عنده.
ألا إنّه لا غالب له و لا منصور عليه.
ألا و إنّه وليّ اللّه في أرضه،و حكمه في خلقه،و أمينه في سرّه و علانيته.
معاشر الناس:قد بيّنت لكم و أفهمتكم،و هذا عليّ يفهمكم بعدي.
ألا و إنّي(1)عند انقضاء خطبتي أدعوكم الى مصافقتي(2)على بيعته و الإقرار به،ثم مصافقته بعدي.
ألا و إنّي قد بايعت اللّه و عليّ قد بايعني،و أنا آخذكم بالبيعة له عن اللّه عزّ و جلّ«فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمََا يَنْكُثُ عَلى ََ نَفْسِهِ »(3)الآية.
معاشر الناس:«إِنَّ اَلصَّفََا وَ اَلْمَرْوَةَ مِنْ شَعََائِرِ اَللََّهِ فَمَنْ حَجَّ اَلْبَيْتَ أَوِاِعْتَمَرَ فَلاََ جُنََاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمََا»(4)الآية(5).ة.
ص: 155
معاشر الناس:حجّوا البيت،فما ورده أهل بيت إلاّ استغنوا،و لا تخلّفوا عنه إلاّ افتقروا.
معاشر الناس:ما وقف بالموقف مؤمن إلاّ غفر اللّه له ما سلف من ذنبه الى وقته ذلك،فإذا انقضت حجته استؤنف عمله(1).
معاشر الناس:الحجّاج معانون(2)و نفقاتهم مخلفة(3)،و اللّه لا يضيع أجر المحسنين.
معاشر الناس:حجّوا البيت بكمال الدين و التفقه،و لا تنصرفوا(4)عن المشاهد الاّ بتوبة و اقلاع(5).
معاشر الناس:أقيموا الصلاة و آتوا الزّكاة كما أمركم اللّه عزّو جلّ،فلئن(6)طال عليكم الأمد فقصّرتم أو نسيتم،فعليّ وليّكم،و مبيّن لكم الذي نصبه اللّه عزّ و جلّ بعدي،و من خلّفه اللّه منّي و أنا منه،يخبركم بما تسألون عنه،و يبيّن لكم ما لا تعلمون...
ص: 156
ألا إنّ الحلال و الحرام أكثر من أن أحصيهما و أعرفهما،فآمربالحلال و أنهى عن الحرام في مقام واحد،فأمرت أن آخذ البيعة منكم و الصفقة لكم،بقبول ما جئت به عن اللّه عز و جلّ في عليّ أمير المؤمنين و الأئمة من بعده الذين هم منّي و منه،ائمة قائمة-منهم المهدي-(1)الى يوم القيامة الذي يقضي بالحقّ.
معاشر الناس:[و]كلّ حلال دللتكم عليه،و كلّ حرام(2)نهيتكم عنه،فانّي لم أرجع عن ذلك و لم أبدّل.
ألا فاذكروا ذلك و احفظوه و تواصوا به و لا تبدّلوه و لا تغيّروه.
ألا و إنّي أجدّد القول:ألا فأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و أمروابالمعروف و انهوا عن المنكر.
ألا و إنّ رأس الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:أن تنتهوا الى قولي و تبلّغوه من لم يحضر و تأمروه بقبوله و تنهوه عن مخالفته،فإنّه أمر من اللّه عزّ و جلّ و منّي،و لا أمر بمعروف و لا نهي عن منكر إلاّ مع إمام معصوم.
معاشر الناس:القرآن يعرّفكم أن الأئمة من بعده ولده،و عرّفتكم أنّهم منّي و منه(3)،حيث يقول اللّه فى كتابه:«وَ جَعَلَهََا كَلِمَةً بََاقِيَةً فِيم.
ص: 157
عَقِبِهِ »(1)و قلت:«لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما».
معاشر الناس:التقوى التقوى،إحذروا الساعة كما قال اللّه عزو جلّ:«إِنَّ زَلْزَلَةَ اَلسََّاعَةِ شَيْ ءٌ عَظِيمٌ »(2)،أذكروا الممات و الحساب و الموازين و المحاسبة بين يدي ربّ العالمين و الثواب و العقاب،فمن جاءبالحسنة أثيب(3)[عليها]و من جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب.
معاشر الناس:إنّكم أكثر من أن تصافقوني بكفّ واحدة،و قد أمرني اللّه عزّ و جلّ أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعليّ من إمرةالمؤمنين،و من جاء بعده من الأئمة منّي و منه على ما أعلمتكم:أنّ ذرّيتي من صلبه،فقولوا بأجمعكم:«إنّا سامعون مطيعون راضون منقادون لمابلّغت عن ربّنا و ربّك في أمر عليّ و أمر ولده من صلبه من الأئمة،نبايعك على ذلك بقلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا و أيدينا،على ذلك نحيى و نموت و نبعث،و لا نغيّر و لا نبدّل و لا نشكّ و لا نرتاب،و لا نرجع عن عهد و لاننقض الميثاق و نطيع اللّه و نطيعك و عليّا أمير المؤمنين و ولده الأئمّة الذين ذكرتهم من ذرّيتك من صلبه بعد الحسن و الحسين»اللّذين قد عرّفتكم مكانهما منّي و محلّهما عندي و منزلتهما من ربّي عز و جلّ،فقد أدّيت ذلك اليكم،و أنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة،و أنهما الامامان بعد أبيهما عليّ و أنا أبوهما قبله.».
ص: 158
و قولوا:«أطعنا اللّه بذلك و إيّاك و عليّا و الحسن و الحسين و الأئمةالذين ذكرت،عهدا و ميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا و أنفسناو ألسنتنا و مصافقة أيدينا(1)من أدركهما بيده و أقرّ بهما بلسانه و لا نبتغي بذلك بدلا و لا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا،أشهدنا اللّه(2)و كفى باللّه شهيدا،و أنت علينا به شهيد،و كلّ من أطاع ممن ظهر و استتر و ملائكةاللّه و جنوده و عبيده و اللّه أكبر من كلّ شهيد».
معاشر الناس:ما تقولون؟فإنّ اللّه يعلم كلّ صوت و خافية كلّ نفس«فَمَنِ اِهْتَدى ََ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّمََا يَضِلُّ عَلَيْهََا»(3)،و من بايع فإنّمايبايع اللّه«يَدُ اَللََّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ »(4).
معاشر الناس:فاتّقوا اللّه و بايعوا عليّا أمير المؤمنين و الحسن و الحسين و الأئمة كلمة طيبة باقية،يهلك اللّه من غدر،و يرحم اللّه من وفى،«فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمََا يَنْكُثُ عَلى ََ نَفْسِهِ »الآية(5).
معاشر الناس:قولوا الذي قلت لكم،و سلّموا على عليّ بإمرة0.
ص: 159
المؤمنين،و قولوا:«سَمِعْنََا وَ أَطَعْنََا غُفْرََانَكَ رَبَّنََا وَ إِلَيْكَ اَلْمَصِيرُ»(1)،و قولوا:«اَلْحَمْدُ لِلََّهِ اَلَّذِي هَدََانََا لِهََذََا وَ مََا كُنََّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لاََ أَنْ هَدََانَا اَللََّهُ »الآية(2).
معاشر الناس:إنّ فضائل عليّ بن أبي طالب-عليه السّلام-عند اللّه عزّو جلّ،و قد أنزلها في القرآن أكثر من أن أحصيها في مقام واحد،فمن أنبأكم بها و عرّفها فصدّقوه.
معاشر الناس:من يطع اللّه و رسوله و عليّا و الأئمة الذين ذكرتهم فقدفاز فوزا عظيما.
معاشر الناس:السّابقون[السّابقون]الى مبايعته و موالاته و التسليم عليه بإمرة المؤمنين،أولئك هم الفائزون في جنات النعيم.
معاشر الناس:قولوا ما يرضى اللّه به عنكم(3)من القول،فإن تكفرواأنتم و من في الأرض جميعا فلن يضرّ اللّه شيئا،اللّهم اغفر للمؤمنين و اغضب على الكافرين و الحمد للّه ربّ العالمين.
**********فناداه القوم:سمعنا و أطعنا على أمر اللّه و أمر رسوله بقلوبنا و ألسنتناو أيدينا،و تداكّوا(4)على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على عليّ عليه السّلام،ا.
ص: 160
فصافقوا بأيديهم،فكان أوّل من صافق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الأول و الثاني و الثالث و الرابع و الخامس و باقي المهاجرين و الأنصار،و باقي الناس على طبقاتهم و قدر منازلهم،إلى أن صلّيت المغرب و العتمة في وقت واحد،و واصلوا البيعة(1)و المصافقة ثلاثا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول-كلّما بايع قوم-:(الحمد للّه الذي فضّلنا على جميع العالمين».و صارت المصافقة سنّة و رسما،[و ربّما]يستعملها من ليس له حقّ فيها.
و روي عن الصادق عليه السّلام انه قال:لمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من هذه الخطبة رؤي في الناس رجل جميل بهيّ(2)طيّب الريح فقال:تاللّه(3)ما رأيت[محمّدا]كاليوم قطّ،[و]ما أشدّ ما يؤكّد لابن عمّه،و أنه يعقد عقدا لا يحلّه إلاّ كافر باللّه العظيم و برسوله،ويل طويل لمن حلّ عقده.
قال:[و]التفت اليه عمر بن الخطاب حين سمع كلامه فأعجبته هيأته،ثم التفت الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال:أما سمعت ما قال هذاالرجل،قال كذا و كذا؟(4)فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا عمر أتدري من..
ص: 161
ذاك الرجل؟قال:لا،قال:ذلك الروح الأمين جبرئيل،فإيّاك أن تحلّه،فإنّك إن فعلت فاللّه و رسوله و ملائكته و المؤمنون منك براء(1).
[33]
روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام أنه قال:قال أبي محمّد بن علي لجابر بن عبد اللّه الأنصاري:إنّ لي إليك حاجة،متى يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟فقال له جابر:في أيّ الأحوال أحببت(2)،فخلا به أبي في بعض الأوقات و قال له:يا جابر!أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد أمّي فاطمة عليهاالسّلام،و ما أخبرتك به أمّي أنّه في ذلك اللّوح مكتوب.
فقال جابر:أشهد باللّه أنّي دخلت على أمّك فاطمة صلوات اللّه عليها في
ص: 162
حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهنّيتها(1)بولادة الحسين عليه السّلام فرأيت فى يديها لوحا أخضر،فظننت أنّه من زمرّد،و رأيت فيه كتابا أبيض شبه نور الشّمس،فقلت لها:بأبي أنت و أمّي يا بنت رسول اللّه،ما هذا اللّوح في يدك؟
فقالت:[يا جابر]هذا اللوح أهداه اللّه تعالى الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فيه اسم أبي و اسم بعلي و اسم إبنيّ و أسماء الأوصياء من ولدي،فأعطانيه أبي ليسرّني بذلك.قال جابر:فأعطتنيه أمّك عليها السّلام فقرأته و استنسخته(2).
قال له أبي عليه السّلام(3):فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟فقال:نعم،فمشى معه أبي عليه السّلام حتّى انتهى الى منزل جابر،و أخرج أبي صحيفة(4)من رقّ(5)و قال:يا جابر انظر في كتابك لأقرأ عليك،فنظر جابر في نسخته و قرأه أبي،فما خالف حرف حرفا.قال جابر:فأشهد باللّه أنّي هكذا رأيت في اللّوح مكتوبا:ح.
ص: 163
بسم اللّه الرحمن الرحيم
هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم(1)لمحمّد نبيّه و رسوله و نوره و سفيره و حجابه و دليله،نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين.
عظّم يا محمّد أسمائي،و اشكر نعمائي،و لا تجحد آلائي،فإنّي أنا اللّه لا اله إلاّ أنا قاصم الجبّارين و مذلّ الظالمين و ديّان يوم الدين،لا اله إلاّ أنا،من رجا غير فضلي،أو خاف غير عدلي،عذّبته عذابا لاأعذّبه أحدا من العالمين،فإيّاي فاعبد،و عليّ فتوكّل.
ثم إنّي لم أبعث نبيّا فأكملت أيّامه و انقضت مدّته إلاّ جعلت له وصيّا،و إنّي فضّلتك على الأنبياء،و فضّلت وصيّك على الأوصياء،و أكرمتك بشبليك بعده و سبطيك:الحسن و الحسين،فجعلت حسنامعدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه،و جعلت حسينا خازن علمي،و أكرمته بالشهادة،و ختمت له بالسعادة،و هو أفضل من استشهد،و أرفع الشهداء درجة،و جعلت كلمتي التّامّة معه،و حجّتي البالغة عنده،بعترته أثيب و أعاقب:
أوّلهم عليّ سيد العابدين و زين أوليائي الماضين،و ابنه شبيه جدّه المحمود،محمّد الباقر لعلمي و المعدن لحكمتي،سيهلك المرتابون في جعفر الصادق،الرادّ عليه كالرادّ عليّ،حقّ القول منّيم.
ص: 164
لأكرمنّ مثوى جعفر،و لأسرّنه(1)في أشياعه و أنصاره و أوليائه،و انتجبت بعده موسى،و أتيح(2)بعده فتنة عمياء حندس(3).
ألا إنّ خيط فرضي لا ينقطع،و حجّتي لا تخفى،و إنّ اوليائي لا يشقون.
ألا و من جحد واحدا منهم فقد جحد نعمتي،و من غيّر آية من كتابي فقد افترى عليّ،و ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّةعبدي موسى و حبيبي و خيرتي.
ألا و إنّ المكذّب بالثّامن،مكذّب بكلّ أوليائي،عليّ وليّي و ناصري و من أضع عليه أعباء(4)النبوّة،و أمنحه بالاضطلاع(5)بها،يقتله عفريت مستكبر(6)،يدفن بالمدينة الّتي بناها العبد الصالح[:ذو القرنين]الى جنب شرّ خلقي،حقّ القول منّي لأقرّنّ عينه بمحمّدابنه و خليفته من بعده،و وارث علمه،فهو معدن علمي،و موضع سرّي،و حجّتي على خلقي،جعلت الجنّة مثواه(7)و شفّعته في سبعين منه.
ص: 165
أهل بيته كلّهم قد استوجب النار،و أختم بالسعادة لابنه عليّ وليّي و ناصري،و الشّاهد في خلقي،و أميني على وحيي،أخرج منه الدّاعي الى سبيلي،و الخازن لعلمي الحسن العسكري-عليه السّلام-،ثم أكمل ديني بابنه محمّد رحمة للعالمين(1)،عليه كمال موسى و بهاءعيسى و صبر أيّوب،سيّد أوليائي،سيذلّ أوليائي في زمانه،و تتهادى(2)رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك و الديلم،فيقتلون و يحرقون و يكونون خائفين مرعوبين وجلين،تصبغ الأرض بدمائهم،و يفشو الويل و الرنة(3)في نسائهم،اولئك أوليائي حقّا،بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس،و بهم أكشف الزلازل و أرفع الآصار(4)و الأغلال،اولئك عليهم صلوات من ربّهم و رحمة و اولئك هم المهتدون.
قال عبد الرحمن بن سالم:قال أبو بصير:لو لم تسمع فى دهرك إلاّهذا الحديث لكفاك،فصنه إلاّ عن أهله(5).د-
ص: 166
[34]
و عن عليّ بن أبي حمزة،عن جعفر بن محمد الصادق،عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة جلّ جلاله أنه قال:من علم أن لا اله إلاّ أنا وحدي،و أنّ محمّداعبدي و رسولي،و أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وليّي و خليفتي و حجّتي،و أنّ الأئمة الأطهار من ولده حججي،أدخلته الجنة برحمتي،و نجّيته من النّار بعفوي،و أبحت له جواري،فأوجبت له كرامتي،و أتممت عليه نعمتي،و جعلته من خاصّتي و خالصتي.إن ناداني لبّيته،و إن دعاني أجبته،و إن سألني أعطيته،و إن سكت ابتدأته،و إن أساء رحمته،و إن فرّمنّي دعوته،و إن رجع إليّ قبلته،و إن قرع بابي فتحته.
و من لم يشهد أن لا اله الاّ أنا وحدي،أو شهد بذلك و لم يشهد أنّ ق-اللّه،عن عبد اللّه بن جعفر،عن الحسن بن ظريف و عليّ بن محمّد،عن صالح بن أبي حمّاد،عن بكر بن صالح،عن عبد الرحمن بن سالم عن أبي بصير...(باختلاف قليل).
و رواه الصدوق(ره)في كمال الدين:ص 308،الباب 28،الحديث 1.
و رواه ايضا في عيون الاخبار ص 34،الباب 6،الحديث 2.
و النعماني في كتاب الغيبة ص 62،الباب 4،الحديث 5.
و الشيخ المفيد(ره)في الاختصاص ص 210.
و الشيخ الطوسي(ره)في الغيبة ص 53.
و نقله المجلسي في البحار:36/195-197.
ص: 167
محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبدي و رسولي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن عليّ بن أبي طالب خليفتي،أو شهد بذلك و لم يشهد أن الائمة الأطهار من ولده حججي فقد جحد نعمتي،و صغّر عظمتي،و كفر بآياتي و كتبي،إن قصدني حجبته،و إن سألني حرمته،و إن ناداني لم أسمع نداءه،و إن دعاني لم أستجب دعاءه،و إن رجاني خيّبته(1)،و ذلك جزاؤه منّي و ما أنابظلاّم للعبيد.
فقام جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا رسول اللّه!و من الأئمة من ولد عليّ بن أبي طالب؟فقال:الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة،ثم سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين،ثم الباقر محمّد بن عليّ،وستدركه يا جابر،فإذا أدركته فاقرأه منّي السّلام،ثم الصادق جعفر بن محمّد،ثم الكاظم موسى بن جعفر،ثم الرّضا عليّ بن موسى،ثم التقيّ الجواد محمّد بن عليّ،ثم النقيّ عليّ بن محمّد،ثم الزكيّ الحسن بن عليّ،ثم ابنه القائم بالحق مهديّ أمّتي محمّد بن الحسن صاحب الزمان-صلوات اللّه عليهم أجمعين-الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.
هؤلاء يا جابر خلفائي و أوصيائي و أولادي و عترتي،من أطاعهم فقدأطاعني،و من عصاهم فقد عصاني،و من أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقدأنكرني،بهم يمسك اللّه عز و جلّ السّماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه،و بهم يحفظ اللّه الأرض أن تميد بأهلها(2).:-
ص: 168
[35]
و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام:يا عليّ،لا يحبّك إلاّ من طابت ولادته،و لا يبغضك إلاّ من خبثت ولادته،و لايواليك إلاّ مؤمن،و لا يعاديك إلاّ كافر.
فقام اليه عبد اللّه بن مسعود فقال:يا رسول اللّه!فقد عرفنا(1)علامةخبث الولادة و الكافر في حياتك ببغض عليّ و عداوته،فما علامة خبث الولادة و الكافر بعدك(2)إذا أظهر الاسلام بلسانه و أخفى مكنون سريرته؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يابن مسعود،إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام إمامكم بعدي،و خليفتي عليكم،فإذا مضى فالحسن،ثم الحسين،إبناي إماماكم بعده،و خليفتيّ عليكم،ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعدواحد،أئمتكم و خلفائي عليكم،تاسعهم قائم أمّتي،يملأها قسطا و عدلاكما ملئت ظلما و جورا،لا يحبّهم إلاّ من طابت ولادته،و لا يبغضهم إلاّ من خبثت ولادته،و لا يواليهم إلاّ مؤمن،و لا يعاديهم إلاّ كافر،من أنكرق-حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضى اللّه عنه قال:حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي قال:حدثنا موسى بن عمران النّخعي عن عمّه الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمّد...و نقله المجلسي(ره)في البحار:36/251.ك.
ص: 169
واحدا منهم فقد أنكرني،و من أنكرني فقد أنكر اللّه عز و جل،و من جحدواحدا منهم فقد جحدني،و من جحدني فقد جحد اللّه عزّ و جلّ،لأن طاعتهم طاعتي،و طاعتي طاعة اللّه عزّ و جلّ،و معصيتهم معصيتي،و معصيتي معصية اللّه عزّ و جلّ.
يابن مسعود،إيّاك أن تجد فى نفسك حرجا ممّا قضيت فتكفر(1)،فوعزّة ربّي ما أنا متكلّف و لا أنا ناطق عن الهوى فى علىّ و الأئمة عليهم السّلام من ولده.
ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-و هو رافع يديه الى السماء:اللّهم وال من والى خلفائي و أئمة أمّتي من بعدي،و عاد من عاداهم،و انصر من نصرهم،و اخذل من خذلهم،و لا تخل الأرض من قائم منهم بحجّتك،إمّا ظاهرمشهور أو خائف مغمور،لئلاّ يبطل دينك و حجتك و بيّناتك.
ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يابن مسعود،قد جمعت لكم في مقامي هذاما إن فارقتموه هلكتم،و إن تمسّكتم به نجوتم،و السّلام على من اتّبع الهدى(2).7.
ص: 170
و الأخبار في هذا المعنى متواترة لا تحصى كثرة،ذكرنا طرفا منهاجلاء للأبصار و شفاء لما في الصدور و هدى لقوم ينصفون.
[شرح الوقايع التي حدثت بعد وفاةرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله](1)
ذكر طرف ممّا جرى بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من اللّجاج و الحجاج في أمر الخلافة من قبل من استحقّها و من لم يستحق،و الإشارة إلى شي ء من انكارمن أنكر على من تأمّر على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام تأمّره و كيد من كاده من قبل و من بعد
[36]
عن أبي المفضل محمّد بن عبد اللّه الشيباني باسناده الصحيح عن رجاله ثقة عن ثقة:أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خرج في مرضه الذي توفي فيه الى الصلاة متوكّئا على الفضل بن عبّاس و غلام له يقال له«ثوبان»،و هي الصلاة التي أراد التخلف عنها لثقله ثم[إنّه]حمل على نفسه-صلّى اللّه عليه
ص: 171
و آله و سلّم-و خرج،فلمّا صلّى عاد الى منزله،فقال لغلامه:إجلس على الباب و لا تحجب أحدا من الأنصار،و تجلاه الغشى(1)و جاءت الأنصارفأحدقوا بالباب و قالوا:استأذن لنا(2)على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقال:هو مغشي عليه،و عنده نساؤه،فجعلوا يبكون،فسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم البكاء فقال:من هؤلاء؟قالوا:الأنصار.فقال:من هاهنا من أهل بيتي؟قالوا:عليّ و العبّاس،فدعاهما و خرج متوكّئا عليهما،فاستندالى جذع من أساطين مسجده-و كان الجذع جريد نخل-فاجتمع الناس و خطب و قال في كلامه:
(معاشر الناس)انه لم يمت نبيّ قطّ إلاّ خلّف تركة،و قد خلّفت فيكم الثقلين كتاب اللّه و أهل بيتي،ألا فمن ضيّعهم ضيّعه اللّه،ألا و إنّ الأنصاركرشي و عيبتي(3)التي آوي اليها.
و انّي أوصيكم بتقوى اللّه و الإحسان اليهم،فاقبلوا من محسنهم».
ص: 172
و تجاوزوا عن مسيئهم.
ثم دعا أسامة بن زيد فقال:سر على بركة اللّه و النصر و العافية حيث أمّرتك(1)بمن أمّرتك عليه،و كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد أمّره على جماعة من المهاجرين و الأنصار،فيهم أبو بكر و عمر و جماعة من المهاجرين الأوّلين،و أمره أن يغير على مؤتة،واد في فلسطين(2).
فقال له أسامة:بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه،أتأذن لي في المقام أيّاماحتّى يشفيك اللّه تعالى،فإنّي متى خرجت و أنت على هذه الحالة خرجت و في قلبي منك قرحة.فقال:أنفذ يا أسامة لما أمرتك،فان القعود عن الجهاد لا يجب(3)في حال من الأحوال.
قال:فبلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ الناس قد طعنوا في عمله،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:بلغني أنّكم طعنتم في عمل أسامة و في عمل أبيه من قبل،و أيم اللّه انه لخليق للإمارة(4)و إنّ أباه كان خليقالها(5)،و أنّه و أباه من أحبّ الناس إليّ(6)فأوصيكم به خيرا،فلئن قلتم فيّ.
ص: 173
إمارته لقد قال قائلكم في إمارة أبيه.
ثم دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1)بيته،و خرج أسامة من يومه ذلك،حتّى عسكر على رأس فرسخ من المدينة،و نادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أن لا يتخلّف عن أسامة أحد ممّن أمّرته عليه(2)،فلحق الناس به،و كان اوّل من سارع إليه أبو بكر و عمر و أبو عبيدة بن الجرّاح،فنزلوا في زقاق(3)واحد مع جملة أهل العسكر.
قال:و ثقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فجعل الناس ممن لم يكن في بعث أسامة يدخلون عليه أرسالا(4)،و سعد بن عبادة يومئذ شاك(5)،فكان لا يدخل أحد من الأنصار على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ انصرف الى سعد[بن عبادة]يعوده.
قال:و قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وقت الضحى من يوم الاثنين بعد خروج أسامة الى معسكره بيومين،فرجع أهل العسكرو المدينة قد رجفت بأهلها،فأقبل أبو بكر على ناقة[له]حتّى وقف على باب المسجد،فقال:أيها الناس ما لكم تموجون،إن كان محمّد قد ماتن.
ص: 174
فربّ محمّد لم يمت«وَ مََا مُحَمَّدٌ إِلاََّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مََاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى ََ أَعْقََابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى ََ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللََّهَ شَيْئاً»(1).
ثم إنّه اجتمعت الأنصار مسرعة إلى سعد بن عبادة،و جاؤا به إلى سقيفة بني ساعدة،فلمّا سمع بذلك عمر،أخبر بذلك أبا بكر،فمضيامسرعين الى السقيفة و معهما أبو عبيدة بن الجرّاح،و في السقيفة خلق كثير من الأنصار و سعد بن عبادة بينهم مريض،فتنازعوا الأمر بينهم،فآل الأمر الى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار:إنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجرّاح أو إلى عمر،و كلاهما قد رضيت لهذا الأمر و كلاهماأراهما له أهلا.فقال عمر و أبو عبيدة:ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكر[و]أنت أقدمنا إسلاما،و أنت صاحب الغار و ثاني اثنين،فأنت أحقّ بهذاالأمر و أولى به.
فقالت الأنصار:نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا و لامنكم،فنجعل منّا أميرا و منكم أميرا،و نرضى به على أنّه إن هلك اخترناآخر من الأنصار(2).
فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين:و أنتم يا معاشر الأنصار ممّن لا ينكر فضلهم و لا نعمتهم(3)العظيمة في الاسلام،رضيكم اللّه أنصارام.
ص: 175
لدينه و كهفا لرسوله،و جعل اليكم مهاجرته،و فيكم محلّ أزواجه،فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأوّلين بمنزلتكم،فهم الأمراء و أنتم الوزراء.
فقام الحباب بن المنذر الأنصاري فقال:يا معشر الأنصار!أملكواعلى أيديكم،فإنّما الناس في فيئكم و ظلالكم،و لن يجترى ء(1)مجتر على خلافكم،و لن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم.و أثنى على الأنصار ثم قال:فان أبى هؤلاء تأميركم عليهم،فلسنا نرضى بتأميرهم علينا،و لا نقنع بدون أن يكون منّا أمير و منهم أمير.
فقام عمر بن الخطاب فقال:هيهات!لا يجتمع سيفان في غمدواحد،أنه لا ترضى العرب أن تؤمّركم(2)و نبيّها من غيركم،و لكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوة فيهم،و أولوا الأمر منهم،و لنابذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة،و السلطان البيّن،فما ينازعنا[في]سلطان محمّد و نحن أولياؤه و عشيرته،إلاّ مدلّ بباطل أو متجانف لإثم(3)،أو متورّط في الهلكة،محبّ للفتنة.
فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال:يا معشر الأنصار!أمسكوا علىن.
ص: 176
أيديكم،و لا تسمعوا مقالة هذا الجاهل و أصحابه،فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر،و إن أبوا أن يكون منّا أمير و منهم أمير،فاجلوهم عن بلادكم،و تولّوا هذا الأمر عليهم،فأنتم و اللّه أحقّ به منهم،فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها،و أنا جذيلها المحكك(1)و عذيقهاالمرجب(2)،و اللّه لئن أحد ردّ قولي لأحطمنّ أنفه بالسيف.
قال عمر بن الخطاب:فلمّا كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي(1و2)قال المجلسي(قده):قال في النهاية في حديث السقيفة:«أنا جذيلها المحكّك»هوتصغير جذل،و هو العود الّذي ينصب للإبل الجربي لتحتكّ به،و هو تصغير تعظيم أي أناممّن يستشفى برأيه كما تستشفي إبل الجربي بالاحتكاك بهذا العود-[النهاية 1/251].
و قال في المحكك بعد ذكر هذا المعنى،و العود المحكك هو الّذي كثر الاحتكاك به،و قيل:أراد أنّه شديد البأس صلب المكسر كالجذل المحكك،و قيل معناء:أنا دون الانصار جذل حكاك فبي تقرن الصّعبة و التصغير للتعظيم-نفس المصدر 1/418.
و قال:الرّجبة هو أن تعمد النخلة الكريمة ببناء من حجارة او خشب إذا خيف عليهالطولها و كثرة حملها أن تقع،و رجّبتها فهى مرجّبة.
و العذيق:تصغير العذق بالفتح و هي النخلة،و هو تصغير تعظيم،و قد يكون ترجيبها بأن يجعل حولها شوك لئلا يرقى اليها،و من الترجيب أن تعمد بخشبة ذات شعبتين.
و قيل:أراد بالترجيب التعظيم يقال:رجّب فلان مولاه أي عظّمه.[نفس المصدر2/197]اقول:فعلى الاوّل التشبيه بالعذيق المخصوص امّا لرفعته و كثرة حمله لما ينفع الناس من الآراء المتينة بزعمه،أو لأنّه يحتاج إلى من يعينه لينتفع به-بحار الانوار28/188.
ص: 177
معه كلام،و قد كان جرت(1)بيني و بينه منازعة في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فنهاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن مهاترته(2)،فحلفت أن لا أكلّمه أبدا.
ثم قال عمر لأبي عبيدة:يا أبا عبيدة،تكلّم.فقام أبو عبيدة بن الجرّاح،و تكلّم(3)بكلام كثير،ذكر فيه فضائل الأنصار،و كان بشير بن سعد سيّدا من سادات الأنصار،لمّا رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره،حسده و سعى في إفساد الأمر عليه،و تكلّم في ذلك و رضي بتأمير قريش و حثّ الناس كلّهم-[و]لا سيّما الأنصار-على الرّضا بمايفعله المهاجرون.
فقال أبو بكر:هذا عمر و أبو عبيدة شيخان من قريش،فبايعوا أيّهماشئتم.
فقال عمر و أبو عبيدة:ما نتولّى هذا الأمر عليك،أمدد يدك نبايعك.
فقال بشير بن سعد:و أنا ثالثكما،و كان سيّد الأوس(4)و سعد بن عبادة سيّد الخزرج،فلمّا رأت الأوس صنيع سيّدها:«بشير»و ما دعت0.
ص: 178
اليه الخزرج من تأمير«سعد»أكبّوا(1)على أبي بكر بالبيعة و تكاثروا على ذلك و تزاحموا،فجعلوا يطأون سعدا من شدة الزحمة و هو بينهم على فراشه مريض.فقال:قتلتموني.
قال عمر:اقتلوا سعدا قتله اللّه،فوثب قيس بن سعد و أخذ(2)بلحيةعمر و قال:و اللّه يابن صهاك[الحبشية]الجبان،الفرار في الحروب(3)،الليث في الملأ و الأمن،لو حركت منه شعرة ما رجعت و في وجهك واضحة(4).
فقال أبو بكر:مهلا يا عمر!مهلا فإنّ الرّفق أبلغ و أفضل.
فقال سعد:يابن صهاك-و كانت جدّة عمر حبشيّة-أما و اللّه لو أنّ لي قوّة على النهوض لسمعتما منّي في سككها(5)زئيرا(6)أزعجك(7)و أصحابك منها،و لألحقتكما بقوم كنتما فيهم أذنابا أذلاّء،تابعين غيرمتبوعين،لقد اجترأتما.
ثم قال للخزرج:احملوني من(8)مكان الفتنة،فحملوه فأدخلوه..
ص: 179
منزله،فلمّا كان بعد ذلك بعث اليه أبو بكر أن قد بايع الناس فبايع.
فقال:لا و اللّه حتّى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي و أخضب منكم سنان رمحي و أضربكم بسيفي ما اقلت يدي فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي و عشيرتي(1)ثم و أيم اللّه لو اجتمع الجن و الإنس عليّ لما بايعتكماأيّها الغاصبان،حتّى أعرض على ربّي و أعلم ما حسابي.
فلمّا جاءهم كلامه،قال عمر:لا بدّ من بيعته.فقال بشير بن سعد:انّه قد أبى و لجّ و ليس بمبايع أو يقتل،و ليس بمقتول حتى يقتل معه الخزرج و الأوس،فاتركوه فليس تركه بضائر.فقبلوا قوله و تركوا سعدا،فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم و لا يقضي بقضائهم،و لو وجد أعوانا لصال بهم و لقاتلهم،فلم يزل كذلك مدة ولاية أبي بكر حتّى هلك أبو بكر.ثم ولّي عمر فكان كذلك،فخشي سعد غائلة عمر،فخرج الى الشام فمات بحوران(2)في ولاية عمر و لم يبايع أحدا.
و كان سبب موته أن رمي بسهم فى الليل فقتله،و زعموا(3)أن الجن رموه.و قيل أيضا أن محمد بن سلمة الأنصاري تولّى ذلك بجعل جعل له..
ص: 180
عليه.و روي انه تولّى ذلك(1)المغيرة بن شعبة،و قيل خالد بن الوليد.
قال:و بايع الناس أبا بكر،من الأنصار(2)و من حضر من غيرهم،وعليّ بن أبي طالب مشغول بجهاز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فلمّا فرغ من ذلك و صلّى على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و النّاس يصلّون عليه،من بايع أبا بكر و من لم يبايع جلس في المسجد،فاجتمع اليه بنو هاشم و معهم الزبير بن العوّام،و اجتمعت بنو أمية الى عثمان بن عفان،و بنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف،فكانوا في المسجد كلّهم مجتمعين،إذ أقبل أبو بكر و معه عمر و أبو عبيدة بن الجرّاح فقالوا:ما لنا نراكم خلقا شتّى!قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار و الناس.
فقام عثمان و عبد الرحمن بن عوف و من معهما فبايعوا،و انصرف عليّ و بنو هاشم إلى منزل عليّ عليه السّلام و معهم الزبير.
قال:فذهب إليهم عمر فى جماعة ممن بايع،فيهم أسيد بن الحضيرو سلمة بن سلامة،فألفوهم مجتمعين،فقال لهم:بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس،فوثب الزبير إلى سيفه فقال[لهم]عمر:عليكم بالكلب[العقور]فاكفونا شرّه،فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمرفضرب به الأرض فكسره،و أحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم و مضوابجماعتهم إلى أبي بكر،فلمّا حضروا قالوا:بايعوا أبا بكر،فقد بايعه..
ص: 181
الناس،و أيم اللّه لئن أبيتم ذلك لنحا كمنّكم(1)بالسيف.
فلمّا رأى ذلك بنو هاشم،أقبل رجل رجل،فجعل يبايع حتّى لم يبق ممّن حضر إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،فقالوا له:بايع أبا بكر.فقال عليّ عليه السّلام:أنا أحقّ بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي،أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من الرسول،و تأخذونه(2)منّا أهل البيت غصبا،أ لستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم،لمكانكم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأعطوكم المقادة و سلّموا لكم الامارة،و أناأحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار،أنا أولى برسول اللّه حيّا وميّتا،و أنا وصيّه و وزيره و مستودع سرّه و علمه،و أنا الصدّيق الأكبرو الفاروق الأعظم و أول من آمن به و صدّقه،و أحسنكم بلاء فى جهادالمشركين،و أعرفكم بالكتاب و السنّة و أفقهكم في الدين و أعلمكم بعواقب الأمور،و أذربكم لسانا(3)و أثبتكم جنانا،فعلام تنازعونا هذاالأمر؟أنصفونا إن كنتم تخافون اللّه على أنفسكم(4)،ثم اعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكم،و إلاّ فبوؤا بالظلم و العدوان و أنتم تعلمون.
فقال عمر:يا عليّ!أما لك بأهل بيتك أسوة؟
فقال عليّ عليه السّلام:سلوهم عن ذلك،فابتدر القوم الذين بايعوا من..
ص: 182
بني هاشم فقالوا:و اللّه ما بيعتنا لكم بحجّة على عليّ عليه السّلام،و معاذ اللّه أن نقول:إنّا نوازيه في الهجرة و حسن الجهاد و المحلّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال عمر:إنّك لست متروكا حتّى تبايع طوعا أو كرها.
فقال له عليّ عليه السّلام:إحلب حلبا لك شطره،أشدد له اليوم ليردّ عليك غدا،إذا و اللّه لا أقبل قولك و لا أحفل بمقامك و لا أبايع.
فقال له أبو بكر:مهلا يا أبا الحسن،ما نشدّد عليك(1)و لا نكرهك.
فقام أبو عبيدة بن الجرّاح الى عليّ عليه السّلام فقال له:يا بن عمّ!لسناندفع قرابتك و لا سابقتك و لا علمك و لا نصرتك،و لكنك حدث السن-و كان لعليّ عليه السّلام يومئذ ثلاث و ثلاثون سنة-و أبو بكر شيخ من مشايخ قومك،و هو أحمل لثقل هذا الأمر،و قد مضى الأمر بما فيه فسلّم له،فإن عمّرك اللّه يسلموا(2)هذا الامر اليك،و لا يختلف فيك اثنان بعد هذا،إلاّو أنت به خليق و له حقيق،و لا تبعث الفتنة في غير أوانها(3)فقد عرفت ما في قلوب العرب و غيرهم عليك.
فقال[له]أمير المؤمنين عليه السّلام:يا معاشر المهاجرين و الأنصار،اللّه اللّه(4)لا تنسوا عهد نبيّكم اليكم في أمري،و لا تخرجوا سلطان محمّد صلى..
ص: 183
اللّه عليه و آله و سلّم من داره و قعر بيته إلى دوركم و قعر بيوتكم،و لا تدفعوا أهله عن حقّه و مقامه في الناس.
فو اللّه يا معاشر الجمع،إنّ اللّه قضى و حكم و نبيّه أعلم و أنتم تعلمون،أنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم،أما كان القاري ء منكم لكتاب اللّه(1)،الفقيه في دين اللّه،المضطلع(2)بأمر الرعيّة؟و اللّه انّه لفينا لا فيكم،فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا،و تفسدوا قديمكم بشرّ من حديثكم.
فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطّأ الأمر لأبي بكر و قالت جماعة من الأنصار:يا أبا الحسن لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصارقبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان.
فقال عليّ عليه السّلام:يا هؤلاء!أ كنت أدع(3)رسول اللّه مسجّى لاأواريه و أخرج أنازع في سلطانه؟و اللّه ما خفت أحدا يسمو له و ينازعنا أهل البيت فيه و يستحلّ ما استحللتموه،و لا علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ترك يوم غدير خم لأحد حجّة و لا لقائل مقالا،فأنشد اللّه رجلا سمع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم غدير خم يقول:«من كنت مولاه فهذا عليّ..
ص: 184
مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله»أن يشهد الآن بما سمع!!
قال زيد بن أرقم:فشهد إثنا عشر رجلا بدريّا بذلك و كنت ممّن سمع القول من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فكتمت الشهادة يومئذ،فدعا عليّ عليّ عليه السّلام فذهب بصري.
قال:و كثر الكلام في هذا المعنى و ارتفع الصوت و خشي عمر أن يصغي الناس إلى قول عليّ عليه السّلام،ففسخ المجلس(1)و قال:إنّ اللّه يقلّب القلوب،و لا تزال(2)يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة،فانصرفوايومهم ذلك(3).5.
ص: 185
[احتجاج الأثني عشر من الصحابة الذين أنكروا خلافة أبي بكر](1)
[37]
و عن أبان بن تغلب قال:قلت لأبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام:جعلت فداك،هل كان أحد في أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنكر على أبي بكر فعله و جلوسه[في]مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟فقال:نعم،كان الذي أنكر على أبي بكر إثنا عشر رجلا،من المهاجرين:خالد بن سعيد بن العاص و كان من بني أميّة،و سلمان الفارسي رضي اللّه عنه،و أبو ذر الغفاري،و المقداد بن الأسود الكندي،و عمّاربن ياسر،و بريدة الأسلمي.
و من الأنصار:أبو الهيثم بن التيهان،و سهل و عثمان ابنا حنيف،و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين،و أبيّ بن كعب،و أبو أيّوب الأنصاري رضي اللّه عنهم أجمعين.
قال:فلمّا صعد أبو بكر المنبر تشاوروا(2)بينهم،فقال بعضهم لبعض:و اللّه لنأتينّه و لننزلنّه عن منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و قال
ص: 186
آخرون منهم:و اللّه لئن فعلتم ذلك،إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال اللّه عزو جلّ:«وَ لاََ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى اَلتَّهْلُكَةِ »(1)،قالوا:فانطلقوا بنا إلى أميرالمؤمنين عليه السّلام لنستشيره و نستطلع رأيه.
فانطلق القوم الى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا:يا أمير المؤمنين!تركت حقّا أنت أحق به و أولى به من غيرك،لأنّا سمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول(2):«عليّ مع الحق و الحق مع عليّ يميل مع الحق كيفما مال»و لقد هممنا أن نصير اليه فننزله عن منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فجئناك نستشيرك و نستطلع رأيك فما تأمرنا؟(3).
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:و أيم اللّه لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلاّحربا،و لكنّكم كالملح في الزاد و كالكحل في العين،و أيم اللّه لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدّين للحرب و القتال و إذالأتوني(4)فقالوا لي:بايع و إلاّ قتلناك،فلا بدّ لي من أن أدفع القوم عن نفسي،و ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو عز إليّ قبل وفاته و قال لي:«يا أبا الحسن إنّ الأمّة ستغدر بك من بعدي و تنقض فيك عهدي و إنّك منّي بمنزلة هارون من موسى و إنّ الأمّة الهادية من بعدي كهارون و مني.
ص: 187
اتّبعه(1)،و الأمّة الضالّة من بعدي كالسامريّ(2)و من اتّبعه».
فقلت:يا رسول اللّه!فما تعهد إليّ إذا كان كذلك؟فقال:«إذاوجدت أعوانا فبادر اليهم و جاهدهم،و إن لم تجد أعوانا كفّ يدك و احقن دمك حتّى تلحق بي مظلوما».
فلمّا توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اشتغلت بغسله و تكفينه و الفراغ من شأنه،ثم آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلاّ للصلاةحتّى أجمع القرآن،ففعلت،ثم أخذت بيد فاطمة عليهاالسّلام و ابنيّ الحسن و الحسين عليهما السّلام فدرت(3)على أهل بدر و أهل السابقة،فناشدتهم حقّي و دعوتهم إلى نصرتي،فما أجابني منهم إلاّ أربعة رهط:سلمان،و عمّار،و أبو ذر،و المقداد رضي اللّه عنهم و لقد راودت في ذلك بقيّة أهل بيتي،فأبوا عليّ إلاّ السكوت لما علموا من وغارة(4)صدور القوم(5)و بغضهم للّه.-
ص: 188
و لرسوله و لأهل بيت نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرّفوه ما سمعتم من قول نبيّكم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليكون ذلك أوكدللحجّة،و أبلغ في قطع العذر(1)و أبعد لهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذا وردوا عليه.
فسار(2)القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-و كان يوم الجمعة-فلمّا صعد أبو بكر المنبر قال المهاجرون للأنصار:تقدّموا و تكلّموا!فقال الأنصار للمهاجرين:بل أنتم تقدّموا و تكلّموا!فإنّ اللّه عزّ و جلّ بدأ بكم فى الكتاب إذ قال اللّه عزّ و جلّ(3):«لَقَدْ تََابَ اَللََّهُ ق-و في«ب»:و لقد راودت في ذلك بقيّة أهل بيتي فاتقوا اللّه على السكوت لما علموامن زعارة صدور القوم.
و في البحار:و لقد راودت في ذلك تقييد بيّنتي فاتقوا اللّه على السكوت لما علمتم من وغر صدور القوم.
قال المجلسي في بيان قوله عليه السّلام:«و لقد راودت في ذلك تقييد بيّنتي»ما هذالفظه:كذا في اكثر النسخ،و لعل فيه تصحيفا،و على تقديره لعلّ المعنى:أنّي كنت أعلم أنّ ذلك لا ينفع،و لكن أردت بذلك أن لا تضيع و تضمحلّ حجّتي عليهم،و تكون مقيّدةمحفوظة مرّ الدّهور،ليعلموا بذلك أني ما بايعت طوعا،أو لضبط حجّتي عند اللّه تعالى.و في بعض النسخ:«و لقد راودت في ذلك نفسي»فيكون كناية عن التدبّر و التأمّل-بحارالانوار 28/203...
ص: 189
عَلَى اَلنَّبِيِ(1) وَ اَلْمُهََاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصََارِ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فِي سََاعَةِ اَلْعُسْرَةِ ».
قال أبان:فقلت له:يابن رسول اللّه!إنّ العامّة لا تقرأ كما عندك.فقال:و كيف تقرأ يا أبان؟قال:قلت:إنّها تقرأ:«لَقَدْ تََابَ اَللََّهُ عَلَى اَلنَّبِيِ وَ اَلْمُهََاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصََارِ»(2)فقال:ويلهم و أيّ ذنب كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى تاب اللّه عليه منه،إنّما تاب اللّه عزّ و جلّ به على أمّته،فأوّل من تكلّم به خالد بن سعيد بن العاص ثم باقي المهاجرين ثم[من]بعدهم الأنصار.
و روي أنّهم كانوا غيّبا عن وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقدمواو قد تولّى أبو بكر و هم يومئذ أعلام مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
1-فقام اليه خالد بن سعيد بن العاص و قال:إتّق اللّه يا أبا بكر فقدعلمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال-و نحن محتوشوه(3)يوم بني قريظة حين فتح اللّه عزّ و جلّ له باب النصر و قد قتل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يومئذ عدّة من صناديد رجالهم و أولي البأس و النجدة منهم-:
يا معاشر المهاجرين و الأنصار،إنّي موصيكم بوصيّة فاحفظوهاو[إنّي]مودعكم أمرا فاحفظوه،ألا إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أميركم بعدي و خليفتي فيكم،بذلك أوصاني ربّي،ألا و إنّكم إن لم تحفظوا فيهم.
ص: 190
وصيّتي و توازروه و تنصروه،اختلفتم في أحكامكم و اضطرب عليكم أمردينكم و وليكم شراركم،ألا إنّ أهل بيتي هم الوارثون لأمري و العالمون(1)بأمر أمّتي من بعدي،اللّهم من أطاعهم من أمّتي و حفظ فيهم وصيّتي فاحشرهم في زمرتي و اجعل لهم نصيبا من مرافقتي،يدركون به نور الآخرة،اللّهم و من أساء خلافتي في أهل بيتي فاحرمه الجنّة التي عرضها كعرض السماء(2)و الأرض.
فقال له عمر بن الخطاب:اسكت يا خالد،فلست من أهل المشورةو لا ممن يقتدى برأيه.فقال له خالد:بل اسكت أنت يا ابن الخطّاب،فإنّك تنطق على لسان غيرك،و أيم اللّه لقد علمت قريش أنّك من ألأمها حسباو أدناها منصبا،و أخسّها قدرا و أخملها(3)ذكرا و أقلّها غناء(4)عن اللّه و رسوله،و أنّك لجبان في الحروب[و]بخيل بالمال لئيم العنصر،ما لك في قريش من فخر و لا في الحروب من ذكر،و أنّك في هذا الأمر بمنزلةالشيطان«إِذْ قََالَ لِلْإِنْسََانِ اُكْفُرْ فَلَمََّا كَفَرَ قََالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخََافُ اَللََّهَ رَبَّ اَلْعََالَمِينَ *`فَكََانَ عََاقِبَتَهُمََا أَنَّهُمََا فِي اَلنََّارِ خََالِدَيْنِ فِيهََا وَ ذََلِكَ..
ص: 191
جَزََاءُ اَلظََّالِمِينَ »(1)،[قال:]فأبلس عمر(2)و جلس خالد بن سعيد.
2-ثم قام سلمان الفارسي رضي اللّه عنه و قال:«كرديد و نكرديد»(3)أي فعلتم و لم تفعلوا،و كان قد امتنع من البيعة قبل ذلك حتّى وجى ء(4)عنقه،فقال:يا أبا بكر!إلى من تسند(5)أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه؟و إلى من تفزع إذا سئلت عمّا لا تعلمه؟و ما عذرك في التقدّم على من هو أعلم منك و أقرب الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أعلم بتأويل كتاب اللّه عزّو جلّ و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و من قدّمه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حياته و أوصاكم به عند وفاته،فنبذتم قوله و تناسيتم وصيّته و أخلفتم الوعدو نقضتم العهد،و حللتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت رايةأسامة بن زيد حذرا من مثل ما أتيتموه و تنبيها للأمّة على عظيم ما اجترمتموه من مخالفة أمره،فعن قليل يصفو لك الأمر(6)و قد أثقلك الوزر و نقلت الى قبرك و حملت معك ما كسبت(7)يداك،فلو[أنّك]..
ص: 192
راجعت الحق من قريب و تلافيت نفسك،و تبت الى اللّه من عظيم ما اجترمت،كان ذلك أقرب الى نجاتك يوم تفرد في حفرتك و يسلمك ذوونصرتك،فقد سمعت كما سمعنا و رأيت كما رأينا،فلم يردعك ذلك عمّاأنت متشبّث به من هذا الأمر الذى لا عذر لك في تقلّده و لا حظّ للدّين و لاللمسلمين في قيامك به،فاللّه اللّه في نفسك،فقد أعذر من أنذر و لا تكن كمن أدبر و استكبر.
3-ثم قام[إليه]أبو ذر الغفاري رضي اللّه عنه فقال:يا معشر قريش!نصبتم قباعة(1)و تركتم قرابة،و اللّه لترتدنّ جماعة من العرب و لتشكنّ في هذا الدين،و لو جعلتم الأمر(2)في أهل بيت نبيّكم ما اختلف عليه سيفان،و اللّه لقد صارت لمن غلب،و لتطمحنّ(3)إليها عين من ليس من أهلها،و ليسفكنّ فى طلبها دماء كثيرة-فكان كما قال أبو ذر-.
ثم قال:لقد علمتم و علم خياركم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«الأمر[من]بعدي لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام ثم من بعده لا بنيّ[منه]الحسن و الحسين ثم للطاهرين من ذرّيّتي»(4)فاطّرحتم قول نبيّكم و تناسيتم ما عهد به إليكم،فأطعتم الدنيا الفانية و نسيتم الآخرة الباقية التيه.
ص: 193
لا يهرم شبابها،و لا يزول نعيمها و لا يحزن أهلها،و لا يموت سكّانهابالحقير التافه(1)الفاني الزائل،فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعدأنبيائها و نكصت على أعقابها و غيّرت و بدّلت و اختلفت،فساويتموهم حذو النعل بالنعل،و القذّة بالقذّة،و عمّا قليل تذوقون و بال أمركم،و تجزون بما قدّمت أيديكم،و ما اللّه بظلاّم للعبيد.
4-ثم قام المقداد بن الأسود رضي اللّه عنه فقال:يا أبا بكر!ارجع عن ظلمك،[و ردّ الأمر الى صاحبه،]و تب إلى ربّك و الزم بيتك،و ابك على خطيئتك،و سلّم الأمر إلى صاحبه الذي هو أولى به منك،فقد علمت ما عقده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عنقك من بيعته،و ألزمك من النفوذتحت راية أسامة بن زيد و هو مولاه،و نبّه على بطلان وجوب هذا الأمر لك و لمن عضدك عليه بضمّه لكما إلى علم النفاق و معدن الشنآن و الشقاق:عمرو بن العاص الذي أنزل اللّه على[لسان]نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إِنَ شََانِئَكَ هُوَ اَلْأَبْتَرُ»(2)فلا اختلاف بين أهل العلم أنّها نزلت في عمرو،و هو كان أميرا عليكما و على سائر المنافقين في الوقت الذي أنفذه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في غزاة ذات السلاسل،و إنّ عمرا قلّد كما حرس عسكره.فأين الحرس الى الخلافة،إتّق اللّه و بادر بالإستقالة قبل فوتها،فإنّ ذلك أسلم لك في حياتك و بعد وفاتك،و لا تركن إلى دنياك و لا تغرنّك قريش و غيرها،فعن قليل تضمحلّ عنك دنياك ثم تصير إلى ربّك فيجزيك3.
ص: 194
بعملك و قد علمت و تيقّنت أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبى طالب عليه السّلام هوصاحب هذا الأمر من بعد رسول اللّه،فسلّمه إليه بما جعله اللّه له فإنّه أتمّ لسترك و أخف لوزرك(1)،فقد و اللّه نصحت لك إن قبلت نصحي و إلى اللّه ترجع الأمور.
5-ثم قام إليه بريدة الأسلمي رضي اللّه عنه فقال:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،ما ذا لقي الحقّ من الباطل؟يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت[و خدعت]أم خدعتك نفسك أم سوّلت لك الأباطيل؟أو لم تذكر ما أمرنا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من تسمية عليّ عليه السّلام بإمرة المؤمنين و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين أظهرنا؟و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عدّة أوقات:«هذاعليّ أمير المؤمنين و قاتل الناكثين و المشركين و القاسطين و المارقين»؟فاتّق اللّه(2)و تدارك نفسك قبل أن لا تدركها(3)و أنقذها ممّا يهلكها،و اردد الأمر إلى من هو أحقّ به منك،و لا تتماد في اغتصابه،و راجع و أنت تستطيع أن تراجع،فقد محضتك النصح و دللتك على طريق النجاة،فلاتكوننّ ظهيرا للمجرمين.
6-ثم قام عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه فقال:يا معاشر قريش و يا معاشرالمسلمين!إن كنتم علمتم،و إلاّ فاعلموا(4)أنّ أهل بيت نبيّكم أولى به..
ص: 195
و أحقّ بإرثه و أقوم بأمور الدين و آمن على المؤمنين و أحفظ لملّته و أنصح لأمّته،فمروا صاحبكم فليردّ الحقّ إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم و يضعف أمركم،و يظهر شتاتكم و تعظم الفتنة بكم و تختلفوا(1)فيمابينكم و يطمع فيكم عدوّكم،فقد علمتم أنّ بني هاشم أولى بهذا الأمرمنكم،و عليّ أقرب منكم إلى نبيّكم و هو وليّكم(2)بعهد اللّه و رسوله و فرق ظاهر قد[علمتموه و]عرفتموه في حال بعد حال عند سدّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلّها غير بابه،و إيثاره إيّاه بكريمته فاطمة عليهاالسّلام دون سائر من خطبها إليه منكم،و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:
«أنا مدينة العلم و عليّ بابها فمن أراد[العلم و]الحكمة فليأتها من بابها»و إنّكم جميعا مضطرّون(3)فيما أشكل عليكم من أمور دينكم(4)إليه و هو مستغن[عن دينكم و]عن كلّ أحد منكم إلى ما له من السوابق التي ليست لأفضلكم عند نفسه،فما بالكم تحيدون عنه و تبتزّون(5)عليّاحقّه(6)،و تؤثرون الحياة الدّنيا على الآخرة،بئس للظالمين بدلا،اعطوه..
ص: 196
ما جعله اللّه له و لا تتولّوا عنه مدبرين،و لا ترتدّوا على أعقابكم فتنقلبواخاسرين.
7-ثم قام اليه أبيّ بن كعب رحمه اللّه فقال:يا أبا بكر!لا تجحد حقّاجعله اللّه لغيرك،و لا تكن أوّل من عصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وصيّه و صفيّه و صدف عن أمره(1)،و اردد الحقّ إلى أهله تسلم،و لا تتمادفي غيّك فتندم،و بادر الإنابة يخفّ وزرك،و لا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله اللّه لك نفسك،فتلقى وبال عملك،فعن قليل تفارق ما أنت فيه و تصير إلى ربّك،فيسألك عمّا جنيت و ما ربّك بظلاّم للعبيد.
8-ثم قام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال:أيّها الناس!أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل شهادتي وحدي و لم يرد معي غيري؟
قالوا:بلى.قال:فأشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«أهل بيتي يفرّقون بين الحق و الباطل و هم الأئمة الذين يقتدى بهم»و قد قلت ما سمعت[و علمت]،و ما على الرسول إلاّ البلاغ المبين.
9-ثم قام أبو الهيثم بن التّيهان رحمه اللّه فقال:و أنا أشهد[يا أبا بكر]على نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه أقام عليّا-يعنى فى يوم غدير خم-فقالت الأنصار:ما أقامه إلاّ للخلافة،و قال بعضهم:ما أقامه إلاّ ليعلم الناس أنّه مولى من كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مولاه،و كثر الخوض فى5.
ص: 197
ذلك،فبعثنا رجالا منّا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسألوه عن ذلك فقال:قولوا،لهم عليّ وليّ المؤمنين بعدي و أنصح الناس لأمّتي،و قدشهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر،إنّ يوم الفصل كان ميقاتا.
10-ثم قام سهل بن حنيف رضي اللّه عنه فحمد اللّه تعالى و أثنى عليه و صلّى على النبيّ محمّد و آله(1)ثم قال:يا معاشر قريش!إشهدوا عليّ أنّي(2)أشهد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد رأيته في هذا المكان-يعني الروضة-و قد أخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و هو يقول:أيهاالناس!هذا عليّ إمامكم من بعدي،و وصيّي في حياتي و بعد وفاتي،و قاضي ديني و منجز وعدي،و أول من يصافحني على حوضي،فطوبى لمن اتّبعه و نصره،و الويل لمن تخلّف عنه و خذله.
11-و قام معه أخوه عثمان بن حنيف فقال:سمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:أهل بيتي نجوم لأهل الأرض(3)،فلا تتقدّموهم و قدّموهم،فهم الولاة بعدي،فقام إليه رجل فقال:يا رسول اللّه و أيّ أهل بيتك؟فقال:عليّ و الطاهرون من ولده.و قد بيّن صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فلا تكن يا أبا بكر أوّل كافر به،و لا تخونوا اللّه و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون.ض.
ص: 198
12-ثم قام أبو أيّوب الأنصاري رضي اللّه عنه فقال:اتّقوا اللّه عباد اللّه في أهل بيت نبيّكم،و ارددوا إليهم حقّهم الذي جعله اللّه لهم،فقد سمعتم مثل ما سمع إخواننا في مقام بعد مقام لنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مجلس بعد مجلس(1)يقول:«أهل بيتي أئمتكم بعدي»و يومي ء إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و يقول:«[إنّ]هذا أمير البررة و قاتل الكفرة،مخذول من خذله،منصور من نصره»فتوبوا إلى اللّه من ظلمكم إيّاه إنّ اللّه توّاب رحيم،و لا تتولّوا عنه مدبرين و لا تتولّوا عنه معرضين.
قال الصادق:جعفر بن محمد عليه السّلام:فأفحم(2)أبو بكر على المنبرحتى لم يحر جوابا(3)،ثم قال:ولّيتكم و لست بخيركم،أقيلوني أقيلوني.
فقال له عمر بن الخطاب:انزل عنها يا لكع(4)إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام؟و اللّه لقد هممت أن أخلعك و أجعلها في سالم مولى أبي حذيفة.8.
ص: 199
قال:فنزل ثم أخذ بيده و انطلق[به]إلى منزله و بقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فلمّا كان اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد[المخزومي]و معه ألف رجل،فقال لهم:ماجلوسكم فقد طمع فيها و اللّه بنو هاشم؟و جاءهم سالم مولى أبي حذيفةو معه ألف رجل،و جاءهم معاذ بن جبل و معه ألف رجل،فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتّى اجتمع[لهم]أربعة آلاف رجل،فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتّى وقفوا بمسجد(1)رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم،فقال عمر:و اللّه يا أصحاب عليّ،لئن ذهب منكم رجل يتكلّم بالذي تكلّم بالأمس لنأخذنّ الذي فيه عيناه.
فقام اليه خالد بن سعيد بن العاص و قال:يا ابن صهّاك الحبشية،أ بأسيافكم تهدّدوننا أم بجمعكم تفزعوننا؟و اللّه إنّ أسيافنا أحدّ من أسيافكم و إنّا لأكثر منكم و إن كنّا قليلين لأنّ حجّة اللّه فينا،و اللّه لو لا أنّي أعلم أنّ طاعة اللّه و رسوله و طاعة إمامى أولى بي،لشهرت(2)سيفي و لجاهدتكم في اللّه[حقّ جهاده]إلى أن ابلي عذري(3).
فقال له أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام:اجلس يا خالد فقد عرف اللّه لك مقامك و شكر لك سعيك،فجلس و قام اليه سلمان الفارسي رضي اللّه عنه فقال:اللّه اكبر،اللّه اكبر،سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بهاتين[الأذنين]4.
ص: 200
و إلاّ صمّتا يقول:«بينما(1)أخي و ابن عمي:عليّ بن أبي طالب جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه(2)جماعة من كلاب أهل الناريريدون قتله و قتل من معه»فلست أشكّ أنّكم لأنتم هم(3).
[قال:]فهمّ به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و أخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض،ثم قال:يا ابن صهّاك الحبشيّة،لو لا كتاب من اللّه سبق،و عهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تقدّم،لأريتك أيّنا أضعف ناصرا و أقلّ عددا.
ثم التفت إلى أصحابه رضي اللّه عنهم فقال:إنصرفوا رحمكم اللّه،فو اللّه لا دخلت المسجد إلاّ كما دخل أخواي موسى و هارون،إذ قال له أصحابه:«فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقََاتِلاََ إِنََّا هََاهُنََا قََاعِدُونَ »(4).[ثم قال عليه السّلام:]و اللّه لا دخلته إلاّ لصلاة أو لزيارة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو لقضيّةأقضيها،فإنّه لا يجوز لحجّة أقامها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يترك الناس في حيرة.
و عن عبد اللّه بن عبد الرحمن قال:ثم إنّ عمر احتزم(5)بإزاره و جعل يطوف بالمدينة و ينادي:ألا إنّ أبا بكر قد بويع[له]فهلمّوا الى البيعة،ن.
ص: 201
فينثال(1)الناس عليه فيبايعون،فعرف أنّ جماعة في بيوت مستترون،[قال]فكان يقصدهم في جمع كثير و يكبسهم و يحضرهم[في]المسجدفيبايعون حتّى إذا مضت أيّام أقبل في جمع كثير إلى منزل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فطالبه بالخروج فأبى،فدعا عمر بحطب و نار و قال:و الّذي نفس عمر بيده ليخرجنّ أو لأحرقنّه على ما فيه.فقيل له:إنّ فيه فاطمة عليهاالسّلام بنت رسول اللّه،و فيه الحسن و الحسين ولدي رسول اللّه و آثار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه(2)،و أنكر الناس ذلك من قوله.
فلمّا عرف انكارهم قال:ما بالكم أتروني فعلت ذلك؟إنّما أردت التهويل،فراسلهم عليّ عليه السّلام أن ليس إلى خروجى حيلة لأنّي في جمع كتاب اللّه عزّ و جلّ الذي قد نبذتموه و ألهتكم الدّنيا عنه،و قد حلفت أن لا أخرج من بيتي و لا أضع ردائي(3)على عاتقي حتّى أجمع القرآن.
قال:و خرجت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليهم فوقفت خلف الباب(4)ثم قالت:لا عهد لي بقوم أسوأ محضرا منكم،تركتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جنازة بين أيدينا،و قطعتم أمركم فيما بينكم[و]لم تؤمّرونا و لم تروا لنا حقّا،كأنّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم،و اللّهب.
ص: 202
لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء،و لكنّكم قطعتم الأسباب بينكم و بين نبيّكم،و اللّه حسيب بيننا و بينكم في الدنياو الآخرة(1).
[38]
و في رواية سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه أنّه قال:أتيت عليّا عليه السّلام و هو يغسّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و قد4.
ص: 203
كان أوصى أن لا يغسّله غير عليّ عليه السّلام و أخبر أنّه لا يريد أن يقلّب منه عضوا إلاّ قلب له،و قد قال أمير المؤمنين عليه السّلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:من يعينني على غسلك(1)يا رسول اللّه؟قال:جبرئيل.
فلمّا غسّله و كفّنه،أدخلني و أدخل أبا ذر و المقداد و فاطمة و حسناو حسينا عليهم السّلام فتقدّم(2)و صففنا خلفه فصلّى عليه و عائشة في الحجرةلا تعلم،قد أخذ جبرئيل ببصرها،ثم أدخل عشرة من المهاجرين و عشرةمن الأنصار فيصلّون و يخرجون،حتّى لم يبق أحد من المهاجرين و الأنصار إلاّ صلّى عليه.
و قلت لعليّ عليه السّلام حين يغسّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ القوم قد صنعوا كذا و كذا و إنّ أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ما يرضى النّاس أن يبايعوا له بيد واحدة،إنّهم ليبايعون بيديه جميعايمينا و شمالا.
فقال عليّ عليه السّلام:يا سلمان!هل تدري من أوّل من يبايعه على منبررسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قلت:لا،إلاّ أنّي قد رأيته في ظلّة بني ساعدةحين خصمت الأنصار(3)،و كان أول من بايعه بشير بن سعد ثم أبو عبيدةبن الجرّاح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبى حذيفة[و معاذ بن جبل].ر.
ص: 204
قال:لست أسألك عن هذا،و لكن تدري من أول من بايعه حين صعدمنبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قلت:لا[أدري]،لكن رأيت شيخا كبيرامتوكئا على عصاه،بين عينيه سجّادة،شديد التشمير(1)قد صعد إليه و هويبكي و يقول:الحمد للّه الذي لم يمتني و لم يخرجني من الدنيا حتّى رأيتك في هذا المكان،ابسط يدك أبايعك،فبسط يده فبايعه(2)ثم نزل فخرج من المسجد.
فقال لي عليّ عليه السّلام يا سلمان،و هل تدري من هو؟قلت:لا،و لكنّي ساءتني مقالته،كأنه شامت بموت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال له عليّ عليه السّلام:إنّ ذلك ابليس لعنه اللّه،أخبرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ إبليس و رؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إيّاي يوم غدير خم بأمر اللّه تعالى،فأخبرهم بأنّي أولى بهم من أنفسهم،و أمرهم أن يبلّغ الشاهد الغائب،فأتاه أبالسة و مردة أصحابه،فقالوا:إنّ هذه أمّة مرحومة معصومة و ما لنا و لا لك عليهم سبيل،قد علمواإمامهم و مفزعهم بعد نبيّهم،[قال]فانطلق إبليس كئيبا حزينا،[و قال أميرالمؤمنين عليه السّلام:](3)فأخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن لو قبض،ر.
ص: 205
أنّ الناس سيبايعون أبا بكر في ظلّة بني ساعدة بعد أن تخاصمهم بحقّك و حجتك،ثم يأتون المسجد فيكون أوّل من يبايعه على منبري إبليس لعنه اللّه في صورة شيخ كبير مستبشر يقول:كذا و كذا،ثم تجتمع شياطينه و أبالسته،فينخر و يكسع(1)ثم يقول لهم:كذا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل،فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا أمر من أمرهم اللّه بطاعته و أمرهم رسوله(2).
فقال سلمان الفارسي رضي اللّه عنه:فلمّا كان اللّيل حمل عليّ عليه السّلام فاطمة عليهاالسّلام على حمار،و أخذ بيد ابنيه الحسن و الحسين عليهما السّلام،فلم يدع أحدا من أهل بدر[و بيعة الرضوان]من المهاجرين و لا من الأنصار إلاّأتاه في منزله و ذكر له حقّه(3)و دعاه إلى نصرته،فما استجاب له من جميعهم إلاّ أربعة و أربعون رجلا،فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلّقين رؤوسهم،معهم سلاحهم و قد بايعوه على الموت،قال:فأصبح و لم يوافه(4)منهم أحد غير أربعة...
ص: 206
قلت لسلمان:من الأربعة؟
قال:أنا و أبو ذر و المقداد و الزبير بن العوام.
[قال]ثم أتاهم من اللّيلة الثانية فناشدهم[اللّه]فقالوا:نصحبك بكرة،فما منهم أحد و فى غيرنا(1)،ثم أتاهم في اللّيلة الثالثة فما وفى أحد غيرنا.
فلما رأى عليّ عليه السّلام غدرهم و قلّة وفائهم،لزم بيته و أقبل على القرآن يؤلّفه و يجمعه،فلم يخرج حتّى جمعه كلّه،فكتبه على تنزيله و الناسخ و المنسوخ،فبعث اليه أبو بكر أن أخرج فبايع،فبعث إليه إنّي مشغول فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلاّ للصّلاة حتى أؤلّف القرآن و أجمعه،فجمعه في ثوب[واحد](2)و ختمه.
ثم خرج الى الناس و هم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنادى عليه السّلام بأعلى صوته:أيّها الناس،إنّي لم أزل منذقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مشغولا بغسله،ثم بالقرآن حتّى جمعته كلّه في هذا الثوب،فلم ينزل اللّه على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آية من القرآن إلاّ و قد جمعتها،و ليست منه آية إلاّ و قد أقرأنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علّمني تأويلها.
فقالوا:لا حاجة لنا به،عندنا مثله.
ثم دخل به بيته[و هو يتلو:«فَنَبَذُوهُ وَرََاءَ ظُهُورِهِمْ وَ اِشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناًب.
ص: 207
قَلِيلاً فَبِئْسَ مََا يَشْتَرُونَ »(1)]فقال عمر لأبي بكر:أرسل الى عليّ فليبايع فإنّا لسنا في شي ء حتّى يبايع،و لو قد بايع أمنّاه و غائلته.فأرسل اليه أبو بكر رسولا:أن أجب خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فأتاه الرسول فأخبره بذلك.
فقال عليّ عليه السّلام:ما أسرع ما كذبتم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم،إنّه ليعلم و يعلم الذين حوله أنّ اللّه و رسوله لم يستخلفا غيري،فذهب الرسول فأخبره بما قاله،فقال[له عمر]:إذهب فقل:أجب(2)أميرالمؤمنين أبا بكر،فأتاه فأخبره بذلك(3).
فقال عليّ عليه السّلام:سبحان اللّه،و اللّه ما طال العهد بالنبيّ منّي فينسى و إنّه ليعلم أنّ هذا الإسم لا يصلح إلاّ لي،و لقد أمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم[في]سابع سبعة فسلّموا عليّ بإمرة المؤمنين،فاستفهمه هو و صاحبه عمر من بين السبعة فقالا:أمن اللّه و رسوله(4)؟فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:نعم،ذلك حقّ من اللّه و رسوله بأنّه أمير المؤمنين و سيدالمسلمين و صاحب لواء الغرّ المحجّلين(5)،يقعده اللّه يوم القيامة علىء.
ص: 208
الصراط،فيدخل أولياءه الجنة و أعداءه النار.
قال:فانطلق الرسول إلى أبي بكر فأخبره بذلك،قال:فكفّوا عنه يومئذ(1).
[قال]فلمّا كان اللّيل حمل[عليّ بن أبي طالب عليه السّلام]فاطمة عليهاالسّلام على حمار ثم دعاهم إلى نصرته،فما استجاب له رجل غيرنا أربعة(2)،فإنّا حلقنا رؤوسنا و بذلنا[له]نفوسنا و نصرتنا.
و كان عليّ بن أبي طالب عليه السّلام لمّا رأى خذلان النّاس له،و تركهم نصرته،و اجتماع كلمة الناس مع أبي بكر و طاعتهم له و تعظيمهم له،جلس في بيته.
فقال أبو بكر:من نرسل إليه؟
فقال عمر:أرسل إليه قنفذا!-و كان عبدا فظّا غليظا(1)جافيا،من الطلقاء،أحدّ(2)بني تيم-فأرسله و أرسل معه أعوانا،فانطلق فاستأذن فأبى عليّ عليه السّلام أن يأذن له(3)،فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمرو هما في المسجد و الناس حولهما فقالوا:لم يأذن لنا.فقال عمر:هو إن أذن لكم و إلاّ فادخلوا عليه بغير إذنه!!
[قال:]فانطلقوا فاستأذنوا،فقالت فاطمة عليهاالسّلام:أحرّج عليكم(4)أن تدخلوا بيتي بغير إذني،فرجعوا و ثبت قنفذ،فقالوا:إنّ فاطمة قالت كذا و كذا فحرّجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها،فغضب عمرو قال:ما لنا و للنساء؟ثم أمر أناسا حوله فحملوا حطبا و حمل معهم عمر،فجعلوه حول منزله و فيه عليّ و فاطمة و ابناهما عليهم السّلام،ثم نادى عمربأعلى صوته حتى أسمع عليّا عليه السّلام:و اللّه لتخرجنّ و لتبايعنّ خليفةرسول اللّه-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-أو لأضرمنّ(5)عليك بيتك نارا،ثم رجع فقعد عند(6)أبي بكر و هو يخاف أن يخرج عليه عليّ[أمير المؤمنين عليه..
ص: 210
السّلام]بسيفه،لما قد عرف من بأسه و شدّته.ثم قال لقنفذ:إن خرج،و إلاّفاقتحم(1)عليه الدار،فإن امتنع،فأضرم عليهم بيتهم بالنار.
[قال]فانطلق قنفذ،فاقتحم الدار هو و أصحابه بغير إذن،فبادر عليّ عليه السّلام إلى سيفه(2)ليأخذه،فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم،فكثرواعليه فقبضوه(3)و ألقوا في عنقه حبلا أسود،و حالت فاطمة عليهاالسّلام).
ص: 211
بين زوجها و بينهم عند باب البيت(1)،فضربها قنفذ بالسوط على عضدها!!!،فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج(2)من ضرب قنفذإيّاها،فأرسل(3)أبو بكر إلى قنفذ:اضربها،فألجأها إلى عضادة(4)[باب]بيتها!!فدفعها فكسر(5)ضلعا من جنبها،و ألقت جنينا من بطنها،فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت من ذلك شهيدة(6)صلوات اللّه عليها.
ثم انطلقوا بعليّ عليه السّلام ملبّبا(7)بعتل(8)حتى انتهوا به إلى أبي بكر و عمر(9)قائم بالسيف على رأسه،و معه خالد بن الوليد المخزومي و أبو عبيدة بن الجرّاح و سالم و المغيرة بن شعبة و أسيد بن حصين و بشير بن..
ص: 212
سعد،و سائر الناس قعود حول أبي بكر و معهم السلاح(1).[و دخل عليّ عليه السّلام]و هو يقول:أما و اللّه لو وقع سيفي بيدي لعلمتم أنكم لن تصلواإلى هذا منّي و باللّه لا ألوم نفسي في جهد و لو كنت في أربعين رجلا لفرّقت جماعتكم،فلعن اللّه قوما بايعوني ثم خذلوني.
[قال:]فانتهره عمر بن الخطاب فقال له:بايع.فقال:و إن لم أفعل؟قال:إذا نقتلك ذلاّ و صغارا.قال:إذن تقتلون عبد اللّه و أخا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال أبو بكر:أمّا عبد اللّه فنعم،و أمّا أخو رسوله فلا نقرّ لك به.
قال عليه السّلام:أتجحدون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم آخى بين نفسه و بيني.فأعادوا عليه ذلك ثلاث مرات ثم أقبل[عليهم]عليّ عليه السّلام فقال:
يا معاشر المهاجرين و الأنصار!أنشدكم باللّه،أسمعتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم كذا و كذا،و في غزاة تبوك كذاو كذا؟(2)فلم يدع شيئا قاله فيه عليه السّلام علانية للعامة إلاّ ذكره.فقالوا:اللّهم نعم.
فلما خاف أبو بكر أن ينصروه(3)و يمنعوه،بادرهم فقال:كلّ..
ص: 213
ما قلته(1)قد سمعناه بآذاننا و وعته قلوبنا،و لكن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول بعد هذا:إنّا أهل بيت اصطفانا اللّه و أكرمنا و اختار لناالآخرة على الدنيا،و إنّ اللّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة و الخلافة.
فقال عليّ عليه السّلام:أما أحد من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شهد هذا معك؟فقال عمر:صدق خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،قدسمعنا هذا منه كما قال!،و قال أبو عبيدة و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل:صدق،قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال عليّ عليه السّلام:لقد وفيتم(2)بصحيفتكم الملعونة التي[قد]تعاقدتم عليها في الكعبة:إن قتل اللّه محمّدا أو أماته أن تزووا(3)هذا الأمرعنّا أهل البيت.
فقال أبو بكر:و ما علمك بذلك؟أطلعناك عليها؟قال عليّ عليه السّلام:يا زبير و يا سلمان و أنت يا مقداد أذكركم باللّه و بالإسلام،أسمعتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول ذلك لي:إنّ فلانا و فلانا-حتّى عدّ هؤلاءالخمسة-قد كتبوا بينهم كتابا و تعاهدوا و تعاقدوا على ما صنعوا؟
قالوا:اللّهم نعم،قد سمعناه يقول ذلك لك،فقلت له:بأبي أنت و أمّي3.
ص: 214
يا نبيّ اللّه،فما تأمرني أن أفعل إذا كان ذلك؟فقال لك:إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم و نابذهم،و إن لم تجد أعوانا فبايعهم[و اصبر]و احقن دمك.فقال عليّ عليه السّلام:أما و اللّه لو أنّ اولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني،وفوا لي لجاهدتكم في اللّه و للّه[حقّ جهاده]،أما و اللّه لا ينالهاأحد من عقبكم إلى يوم القيامة.
ثم نادى قبل أن يبايع[و أشار إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال]:«ابن أمّ،إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء».
ثم مدّوا يده و هو يقبضها،حتّى وضعوها فوق يد أبي بكر و قالوا:بايع،بايع،و صيح في المسجد:بايع،بايع أبو الحسن!!!(1).
ثم قيل للزبير:بايع الآن،فأبى،فوثب عليه عمر و خالد بن الوليدو المغيرة بن شعبة في أناس،فانتزعوا سيفه من يده،فضربوا به الأرض حتّى كسر،فقال الزبير-و عمر على صدره-:يا ابن صهّاك،أما و اللّه لوأنّ سيفي في يدي لحدت(2)عنّي،ثم بايع.
قال سلمان:ثم أخذوني فوجؤوا عنقي(3)حتى تركوها مثلن.
ص: 215
السلعة(1)ثم فتلوا(2)يدي،فبايعت مكرها،ثم بايع أبو ذر و المقدادمكرّهين،و ما من الأمّة أحد بايع مكرها غير عليّ و أربعتنا.
[بيان في تسمية عمر بن الخطاب بابن صهّاك](3)
و لم يكن أحد منّا أشدّ قولا من الزبير،فلما بايع قال:يا ابن صهّاك،أما و اللّه لو لا هؤلاء الطلقاء الذين أعانوك،ما كنت لتقدم عليّ و معي السيف،لما قد علمت من جبنك و لؤمك،و لكنّك قد وجدت أعوانا حتّى تتقوّى بهم(4)و تصول بهم،فغضب عمر فقال له:أتذكر صهّاكا؟فقال الزبير:و من صهّاك؟و ما يمنعني من ذلك،و إنّما كانت صهّاك أمّة حبشيّةلجدّي عبد المطلب،فزنى بها نفيل فولدت أباك الخطاب،فوهبهاعبد المطلب له بعد ما ولدته،فإنّه لعبد جدّي فولد زنا،[قال]فأصلح بينهماأبو بكر،و كفّ كل واحد منهما عن صاحبه.
فقال سليم:فقلت:يا سلمان!بايعت أبا بكر و لم تقل شيئا؟قال:قد
ص: 216
قلت بعد ما بايعت:تبّا لكم سائر الدهر،أتدرون ما ذا صنعتم بأنفسكم؟أصبتم و أخطأتم،أصبتم سنّة الأوّلين،و أخطأتم سنّة نبيّكم حتّى أخرجتموها من معدنها و أهلها.فقال لي عمر:أما إذا بايع صاحبك و بايعت فقل ما بدا لك،و ليقل ما بدا له.
قال:قلت:فإنّي أشهد أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:إنّ عليك و على صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمّته(1)إلى يوم القيامة و مثل عذابهم.و قال عمر:قل ما شئت،أ ليس قد بايع و لم تقرّعينك(2)بأن يليها صاحبك.قال:قلت:فإنّي أشهد أنّي قرأت في بعض كتب اللّه المنزلة أنّك(3)باسمك و نسبك و صفتك باب من أبواب جهنم.قال[عمر]:قل ما شئت،أ ليس قد عزلها اللّه عن أهل[هذا]البيت الذين قداتخذتموهم أربابا من دون اللّه.
قال:قلت:فأشهد(4)أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول و قد سألته عن هذه الآية:«فَيَوْمَئِذٍ لاََ يُعَذِّبُ عَذََابَهُ أَحَدٌ*`وَ لاََ يُوثِقُ وَثََاقَهُ أَحَدٌ»(5)فقال:إنّك أنت هو(6).فقال[لي]عمر:اسكت،أسكت اللّهو.
ص: 217
نأمتك(1)أيّها العبد ابن اللّخناء(2).
فقال لي عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام:اسكت يا سلمان،فسكتّ،فو اللّه لو لا أنّه أمرني بالسكوت لأخبرته بكلّ شي ء نزل فيه و في صاحبه،فلما رأى ذلك عمر أنّه قد سكت قال:إنّك له مطيع مسلّم و إذا لم يقل أبو ذرو المقداد شيئا كما قال سلمان.
قال عمر:يا سلمان!ألا تكفّ[عنّا]كما كفّ صاحباك؟فو اللّه ما أنت بأشدّ حبّا لأهل هذا البيت منهما،و لا أشدّ تعظيما لحقّهم،فقد كفّاكما ترى و بايعا.
فقال أبو ذر رضي اللّه عنه:أ فتعيّرنا يا عمر بحبّ آل محمّد و تعظيمهم؟!فلعن اللّه من أبغضهم و افترى(3)عليهم و ظلمهم حقّهم و حمل الناس على رقابهم و ردّ الناس على أدبارهم القهقرى و قد فعل ذلك بهم.
فقال عمر:آمين فلعن اللّه من ظلمهم حقّهم،لا و اللّه ما لهم فيها0.
ص: 218
حقّ،و ما هم و عرض الناس(1)في هذا الأمر إلاّ سواء.قال أبو ذر:فلم خاصمتهم بحقّهم و حجّتهم؟
فقال له عليّ عليه السّلام:يابن صهّاك!فليس لنا حق(2)و هو لك و لابن آكلة[الأكباد]الذباب(3).
فقال عمر:كفّ الآن يا أبا الحسن اذا بايعت(4)،فانّ العامة رضوابصاحبي و لم يرضوا بك فما ذنبي؟فقال عليّ عليه السّلام:لكنّ اللّه و رسوله لم يرضيا إلاّ بي فأبشر أنت و صاحبك و من اتّبعكما و وازركما بسخط من اللّه و عذابه و خزيه،ويلك يابن الخطّاب أو تدري ممّا خرجت و فيم دخلت و ما ذاجنيت على نفسك و على صاحبك؟فقال أبو بكر:يا عمر،أما اذا بايع و أمنّاشرّه و فتكه و غائلته فدعه يقول ما يشاء(5).
فقال عليّ عليه السّلام:لست بقائل غير شي ء واحد(6)،أذكّركم باللّه أيّها الأربعة-يعنيني و الزبير و أبا ذر و المقداد-أسمعتم رسول اللّه يقول:ا.
ص: 219
إنّ تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا،ستة من الأولين و ستة من الاخرين في جبّ في قعر جهنّم في تابوت مقفل،على ذلك الجبّ صخرة،إذا أراد اللّه أن يسعّر جهنم،كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب،فاستعاذت جهنم من وهج ذلك الجبّ،فسألناه عنهم و أنتم شهود،فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أماالأوّلون فابن آدم(1)الذي قتل أخاه،و فرعون الفراعنة و[نمرود]الذي حاجّ ابراهيم في ربّه،و رجلان من بني اسرائيل بدّلا كتابهم و غيّراسنّتهم،أمّا أحدهما فهوّد اليهود و الآخر نصّر النصارى(2)،و إبليس سادسهم،و الدجّال[اسمه]فى الآخرين،و هؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة الذين تعاهدوا و تعاقدوا على عداوتك يا أخي،و تظاهروا عليك بعدي هذا و هذا و هذا حتّى عدّهم و سمّاهم؟
قال سلمان رضي اللّه عنه:فقلنا له:صدقت يا أمير المؤمنين،نشهد أنّاسمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.فقال عثمان:يا أبا الحسن أماعندك و عند أصحابك هؤلاء فيّ حديث؟فقال عليه السّلام:بلى،قد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يلعنك ثم لم يستغفر اللّه لك مذ لعنك(3)!فغضب عثمان فقال:مالي و لك[يا عليّ]أما تدعني على حالي على عهد..
ص: 220
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا بعده.فقال الزبير:نعم فأرغم اللّه أنفك.فقال عثمان:فو اللّه لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:إنّ الزبير يقتل مرتدّا عن الاسلام.قال سلمان:فقال لي عليّ عليه السّلام فيما بيني و بينه:صدق عثمان،و ذلك أنّه يبايعني بعد قتل عثمان ثم ينكث بيعتي فيقتل مرتدّا عن الاسلام.
قال سليم[بن قيس الهلالي]:ثم أقبل عليّ سلمان فقال:إنّ القوم ارتدّوا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ من عصمه اللّه بآل محمد،إنّ الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمنزلة هارون و من تبعه و بمنزلةالعجل و من تبعه،فعليّ في سنّة هارون و عتيق في سنة السامري(1)،5.
ص: 221
و سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«لتركبنّ أمّتي سنّة بني اسرائيل حذو القذة بالقذة و حذو النعل بالنعل شبرا بشبر و ذراعا بذراع وباعا بباع»و في حديث آخر:«لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه»(1).
[39]
و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:لما استخرج أمير المؤمنين عليه السّلام من منزله،خرجت فاطمة صلوات اللّه عليها خلفه،فما بقيت إمرأةهاشميّة إلاّ خرجت معها،حتّى انتهت قريبا من القبر(2)فقالت لهم:..
ص: 222
خلّوا عن ابن عمّي فو الّذي بعث محمّدا أبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالحقّ[نبيّا]لئن لم تخلّوا عنه لأنشرنّ شعري و لأضعنّ قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم على رأسي و لأصرخنّ إلى اللّه تبارك و تعالى،فما ناقة صالح[نبيّ اللّه]بأكرم على اللّه منّي و لا الفصيل(1)بأكرم على اللّه من ولديّ.
قال سلمان رضي اللّه عنه:كنت قريبا منها،فرأيت و اللّه أساس حيطان مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تقلّعت(2)من أسفلها،حتّى لو أرادرجل أن ينفذ من تحتها لنفذ(3)،فدنوت منها فقلت:يا سيّدتي و مولاتي،إنّ اللّه تبارك و تعالى بعث أباك رحمة[للعالمين]،فلا تكوني[أنت]نقمة،فرجعت و رجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا(4).6.
ص: 223
[40]
و روي عن الباقر عليه السّلام أنّ عمر بن الخطاب قال لأبي بكر:اكتب إلى أسامة بن زيد يقدم عليك،فإنّ في قدومه قطع الشنعة(1)عنّا.فكتب أبو بكر إليه:
«من أبي بكر خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أسامة بن زيد.
أمّا بعد:فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إليّ أنت و من معك،فإنّ المسلمين قد اجتمعوا عليّ و ولّوني أمرهم فلا تتخلّفنّ فتعصي و يأتيك منّي ما تكره و السّلام».
قال:فكتب أسامة إليه جواب كتابه:«من أسامة بن زيد عامل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على غزوة الشام.أما بعد:فقد أتاني منك كتاب ينقض أوله آخره،ذكرت في أوّله أنّك خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ذكرت في آخره أنّ المسلمين قد اجتمعوا عليك فولّوك أمرهم و رضوابك،فاعلم أنّي و من معي من جماعة المسلمين و المهاجرين،فلا و اللّه ما رضينا بك و لا ولّيناك أمرنا،و انظر أن تدفع الحق إلى أهله و تخلّيهم و إيّاه،فإنّهم أحقّ به منك،فقد علمت ما كان من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عليّ عليه السّلام يوم الغدير،فما طال العهد فتنسى،أنظر بمركزك..
ص: 224
و لا تخالف فتعصي اللّه و رسوله و تعصي من استخلفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليك و على صاحبك،و لم يعزلني حتّى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إنّك و صاحبك رجعتما و عصيتما فأقمتما في المدينة بغير إذني».
فأراد أبو بكر(1)أن يخلعها من عنقه قال:فقال له عمر:لا تفعل،قميص قمّصك اللّه،لا تخلعه فتندم،و لكن ألحّ عليه بالكتب[و الرسائل]ومر فلانا و فلانا[و فلانا]أن يكتبوا إلى أسامة أن لا يفرّق جماعة المسلمين،و أن يدخل معهم فيما صنعوا.
قال:فكتب إليه أبو بكر و كتب إليه أناس من المنافقين:«أن أرض بما اجتمعنا،و إيّاك أن تشمل المسلمين فتنة من قبلك فإنّهم حديثوعهد(2)بالكفر».
قال:فلمّا وردت الكتب على أسامة،انصرف بمن معه حتّى دخل المدينة فلما رأى اجتماع الخلق على أبي بكر،انطلق إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال[له]:ما هذا؟قال له عليّ عليه السّلام:هذا ما ترى.قال له أسامة:فهل بايعته؟فقال:نعم يا أسامة.فقال له أسامة:طائعا أو كارها؟قال:لا،بل كارها.قال:فانطلق أسامة فدخل على أبي بكر و قال له:السّلام عليك يا خليفة المسلمين.قال:فردّ عليه أبو بكر و قال:السّلام عليك أيّها الأمير(3).»-
ص: 225
[41]
و روي أنّ أبا قحافة كان بالطائف لمّا قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بويع لأبي بكر،فكتب ابنه إليه كتابا عنوانه(1):«من خليفةرسول اللّه الى أبى قحافة.أما بعد:فإنّ الناس قد تراضوا بي.فإنّي اليوم خليفة اللّه،فلو قدمت علينا كان أقرّ لعينك»(2).
قال:فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول:ما منعكم من عليّ؟(3)قال[الرّسول]:هو حدث السن و قد أكثر القتل في قريش و غيرها،و أبو بكرأسنّ منه.قال أبو قحافة:إن كان الأمر في ذلك بالسنّ،فأنا أحقّ من أبي بكر،لقد ظلموا عليّا حقّه و قد بايع له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمرناببيعته!!.
ثم كتب إليه:«من أبي قحافة إلى ابنه أبي بكر.أما بعد،فقد أتاني كتابك فوجدته كتاب أحمق،ينقض بعضه بعضا،مرّة تقول:خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و مرّة تقول(4):خليفة اللّه،و مرّة تقول:تراضى بي ق-الباب 116،ص 95-نقلا عن كتاب البهار،للحسين بن سعيد الأهوازي،مسندا،باختلاف قليل.و نقله المجلسي قدس اللّه سره في بحار الأنوار 8/88،ط،القديم...
ص: 226
النّاس،و هو أمر(1)ملتبس،فلا تدخلنّ في أمر يصعب عليك الخروج منه غدا،و يكون عقباك منه إلى النار و الندامة و ملامة النفس اللوّامة لدى الحساب بيوم القيامة،فإنّ للأمور مداخل و مخارج و أنت تعرف من هوأولى بها منك،فراقب اللّه كأنّك تراه و لا تدعنّ صاحبها،فإنّ تركها اليوم أخفّ عليك و أسلم لك[و السّلام]»(2).
[42]
و عن عامر الشّعبي عن عروة بن الزبير[عن الزبير]بن العوّام قال:لمّاقال المنافقون إنّ أبا بكر تقدّم عليّا و هو يقول:أنا أولى بالمكان منه(3)،قام أبو بكر خطيبا فقال:صبرا على من ليس يؤول إلى دين،و لا يحتجب برعايةو لا يرعوي لولاية،أظهر الإيمان ذلة و أسرّ النفاق غلة،هؤلاء عصبةالشيطان،و جمع الطغيان يزعمون أنّي أقول إنّي أفضل من عليّ،و كيف أقول ذلك و ما لي سابقته و لا قرابته و لا خصوصيته؟وحّد اللّه و أنا ملحده،و عبده[عليّ]قبل أن أعبده،و والى الرسول و أنا عدوّه،و سبقني بساعاته.
ص: 227
لو انقطعت لم ألحق ثناءه(1)،و لم أقطع غباره(2)،و إنّ عليّ بن أبي طالب فاز و اللّه من اللّه بمحبة و من الرسول بقرابة و من الايمان برتبة،لو جهدالأوّلون و الآخرون إلاّ النبيّين،لم يبلغوا درجته و لم يسلكوا منهجه،بذل فى اللّه(3)مهجته،و لابن عمّه مودّته،كاشف الكرب و دامغ الرّيب(4)و قاطع السبب إلاّ سبب الرشاد،و قامع الشرك و مظهر ما تحت سويداء(5)حبة النفاق.
محنة لهذا العالم،لحق قبل أن يلاحق،و برز قبل أن يسابق،جمع العلم و الحلم و الفهم،و كان(6)جميع الخيرات لقلبه كنوزا لا يدّخر منهامثقال ذرة إلاّ أنفقه في بابه،فمن ذا يؤمل أن ينال درجته،و قد جعله اللّه..
ص: 228
و رسوله للمؤمنين وليّا و للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وصيّا و للخلافة راعياو بالإمامة قائما،أفيغترّ الجاهل بمقام قمته إذ أقامني و أطعته إذ أمرني،سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«الحق مع عليّ و عليّ مع الحق،من أطاع عليّا رشد،و من عصى عليّا فسد،و من أحبّه سعد،و من أبغضه شقى».
و اللّه لو لم يحب[عليّ]ابن أبي طالب إلاّ لأجل أنّه لم يواقع للّه محرّما،و لا عبد من دونه صنما،و لحاجة الناس إليه بعد نبيّهم،لكان في ذلك ما يجب،فكيف لأسباب أقلّها موجب و أهونها مرغب[له]،الرحم الماسة(1)بالرسول،و العلم بالدقيق و الجليل،و الرضا بالصبر الجميل،و المواساة في الكثير و القليل،و خلال(2)لا يبلغ عدّها و لا يدرك مجدها،ودّ المتمنّون أن لو كانوا تراب نعل(3)ابن أبي طالب،أ ليس هو صاحب لواء الحمد و الساقي يوم الورود و جامع كلّ كرم و عالم كلّ علم و الوسيلةإلى اللّه و إلى رسوله(4).
[43]
و عن محمد بن عمر بن عليّ،عن أبيه،عن أبي رافع قال:إنّي لعندم.
ص: 229
أبي بكر إذ طلع عليّ و العبّاس يتدافعان و يختصمان في ميراث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقال أبو بكر:يكفيكم القصير الطويل-يعنى بالقصير عليّاو بالطويل العبّاس-فقال العبّاس:أنا عمّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وارثه،و قد حال عليّ بيني و بين تركته.
فقال أبو بكر:فأين كنت يا عبّاس حين جمع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بني عبد المطّلب و أنت أحدهم فقال:«أيّكم يوازرني و يكون وصيّي و خليفتي في أهلي ينجز عدتي و يقضي ديني»فأحجمتم(1)عنها إلاّ عليّ،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أنت كذلك.
فقال العبّاس:فما أقعدك في مجلسك هذا تقدّمته و تأمّرت عليه؟قال[له]أبو بكر:اعذروني يا بني عبد المطلب(2).
[44]
و روى رافع بن أبي رافع الطائي عن أبي بكر-و قد صحبه في سفر-قال:قلت له:يا أبا بكر!علّمني شيئا ينفعني اللّه به.قال:قد كنت فاعلاو لو لم تسألني،لا تشرك باللّه شيئا،و أقم الصلاة،و آت الزكاة،و صم شهررمضان،و حجّ البيت و اعتمر،و لا تأمّرنّ(3)على اثنين من المسلمين...
ص: 230
قال:قلت له:أمّا ما أمرتني به من الإيمان و الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و العمرة فأنا أفعله،و أما الإمارة فإنّي رأيت الناس لا يصيبون هذاالشرف و هذا الغنى و العزّ و المنزلة عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ بها.
قال:إنّك استنصحتني فأجهدت نفسي لك.
فلما توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و استخلف أبو بكر،جئته و قلت له:يا أبا بكر!ألم تنهني أن أتأمّر على اثنين؟قال:بلى.قلت:فمابالك تأمّرت على أمّة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قال:اختلف الناس و خفت عليهم الضلالة و دعوني فلم أجد من ذلك بدّا(1).
[تواطؤ الخليفتين و خالد على قتل الامام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام](2)
[45]
و روي أنّ أبا بكر و عمر بعثا إلى خالد بن الوليد،فواعداه و فارقاه على قتل عليّ عليه السّلام،و ضمن ذلك لهما،فسمعت ذلك الخبر أسماء بنت عميس[الخثعمية]،امرأة أبي بكر،و هي في خدرها(3)،فأرسلت خادمة
ص: 231
لها و قالت:تردّدي في دار عليّ و قولي له:«إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك»(1)ففعلت الجارية و سمعها عليّ عليه السّلام(2)فقال:«رحمها اللّه قولي لمولاتك فمن(3)يقتل الناكثين و المارقين و القاسطين؟».
و وقعت المواعدة لصلاة الفجر إذ كان أخفى،و اختيرت للسدفة(4)و الشبهة[فانهم كانوا يغسلون(5)بالصلاة حتى لا تعرف المرأة من الرجل]و لكنّ اللّه بالغ أمره،و كان أبو بكر قال لخالد بن الوليد:إذاانصرفت من صلاة الفجر،فاضرب عنق عليّ عليه السّلام.فصلّى خالد الى جنبه لأجل ذلك و أبو بكر في الصلاة يفكر في العواقب فندم(6)فجلس في صلاته حتّى كادت الشمس تطلع يتعقّب الآراء و يخاف الفتنة و لا يأمن على نفسه.فقال قبل أن يسلّم في صلاته:يا خالد!لا تفعل ما أمرتك به-ثلاثا-و في رواية أخرى:لا يفعلنّ خالد ما أمرته[به].
فالتفت عليّ عليه السّلام فإذا خالد مشتمل على السيف إلى جانبه،فقال..
ص: 232
[له]:يا خالد[ما الّذي أمرك به؟قال:بقتلك يا أمير المؤمنين،قال:]أو كنت فاعلا[ذلك]؟فقال:إي و اللّه لو لا أنّه نهاني لوضعته في أكثرك(1)شعرا.
فقال له علىّ عليه السّلام:كذبت لا أمّ لك،من يفعله أضيق حلقة أست(2)منك،أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو لا ما سبق به القضاء لعلمت أيّ الفريقين شرّ مكانا و أضعف جندا(3).
[46]
و في رواية أخرى لأبي ذر رحمه اللّه أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أخذخالدا بإصبعيه السبابة و الوسطى في ذلك الوقت،فعصره عصرا فصاح خالد صيحة منكرة،ففزع الناس و همّتهم أنفسهم و أحدث خالد في ثيابه و جعل يضرب برجليه[الأرض]و لا يتكلّم.
فقال أبو بكر لعمر:هذه مشورتك المنكوسة،كأنّي كنت أنظر إلى هذا فأحمد اللّه على سلامتنا،[قال]و كلّما دنا[منه]أحد ليخلّصه من يده8.
ص: 233
عليه السّلام لحظة تنحّى عنه(1)رعبا،فبعث أبو بكر عمر(2)الى العباس فجاءو تشفّع إليه و أقسم عليه فقال:بحقّ هذا القبر و من فيه و بحقّ ولديه و أمّهماإلاّ تركته،ففعل ذلك و قبّل العباس[ما]بين عينيه(3).
[47]
عن حمّاد بن عثمان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا بويع أبو بكرو استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك(4)من
ص: 234
أخرج وكيل فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منها،فجاءت فاطمةالزهراء عليهاالسّلام إلى أبى بكر ثم قالت:لم تمنعني ميراثي[يا أبا بكر]من أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأمر اللّه تعالى؟
ق-ثلاثة،أفاءها اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-في سنة سبع صلحا...فهي ممالم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فكانت خالصة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-و فيها عين فوّارة و نخيل كثيرة و هي الّتي قالت فاطمة-سلام اللّه عليها-:إنّ رسول اللّه نحلنيها.
فقال أبو بكر:أريد لذلك شهودا...شهد لها علي بن أبي طالب-عليه السّلام-فسألها شاهدا آخر فشهدت لها أمّ أيمن مولاة النبي-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-فقال:قدعلمت يا بنت رسول اللّه أنه لا يجوز إلاّ شهادة رجلين أو رجل و أمرأتين...-معجم البلدان 4/238.
و فيه أيضا:فلمّا ولّي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره بردّفدك إلى ولد فاطمة-سلام اللّه عليها-فكانت في أيديهم في أيام عمر بن عبد العزيز،فلمّا ولّي يزيد بن عبد الملك قبضها فلم تزل في أيدي بني أميّة حتّى ولّي أبو العباس السفاح الخلافة فدفعها الى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب-عليهم السّلام-فكان هو القيّم عليها يفرّقها في بني علي بن أبي طالب،فلمّا ولّي المنصور و خرج عليه بنو الحسن قبضها عنهم،فلمّا ولّي المهدى بن المنصور الخلافة أعادها عليهم ثم قبضهاموسى الهادي و من بعده إلى ايام المأمون فجاءه رسول بني علي بن أبي طالب فطالب بهافأمر أن يسجّل لهم بها،فكتب السجلّ و قرى ء على المأمون فقام دعبل الشاعر و أنشد:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا بردّ مأمون هاشم فدكانفس المصدر 4/239
ص: 235
فقال لها:هاتي على ذلك بشهود،[قال]فجاءت بأمّ أيمن،فقالت له أمّ أيمن:لا أشهد يا أبا بكر حتّى أحتجّ عليك بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أنشدك باللّه،أ لست تعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«أمّ أيمن إمرأة من أهل الجنّة»(1)فقال:بلى،قالت:«فأشهد أنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«فَآتِ ذَا اَلْقُرْبى ََ حَقَّهُ »(2)فجعل فدكا لفاطمة(3)بأمر اللّه تعالى،فجاء عليّ عليه السّلام فشهد بمثل ذلك،فكتب لها كتابا و دفعه إليها،فدخل عمر فقال:ما هذا الكتاب؟فقال:إنّ فاطمة عليهاالسّلام ادّعت في فدك،و شهدت لها أمّ أيمن و عليّ-عليه السّلام-،فكتبته لها،فأخذ عمر الكتاب من فاطمة-عليهاالسّلام-فتفل فيه و مزّقه!!!(4)،فخرجت فاطمة-عليهاالسّلام-باكية و هي تقول:مزّق اللّهى-
ص: 236
بطنك كما مزّقت كتابي هذا،فلما كان بعد ذلك جاء عليّ عليه السّلام إلى أبي بكر و هو في المسجد و حوله المهاجرون و الأنصار فقال:يا أبا بكر!لم منعت فاطمة[بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حقّها و]ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟و قد ملكته فى حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟
فقال أبو بكر:هذا في ء للمسلمين،فإن أقامت شهودا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جعله لها و إلاّ فلا حقّ لها فيه.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:يا أبا بكر!أتحكم فينا بخلاف حكم اللّه تعالى في المسلمين؟قال:لا.قال:فإن كان في يد المسلمين شي ءيملكونه،ثم ادّعيت أنا فيه،من تسأل البيّنة؟قال:إيّاك كنت أسأل البيّنة،قال:فما بال فاطمة سألتها(1)البيّنة على ما في يديها؟و قد ملكته في حياةرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعده،و لم تسأل المسلمين بيّنة على ما ادّعوه شهودا(2)،كما سألتني على ما ادّعيت عليهم؟(3)فسكت أبو بكر فقال ق-رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأنّه قال:«إنا معاشر الانبياء لا نورث،ما تركناه صدقة»فإنّ عليّا زوجها يجرّ إلى نفسه،و أمّ أيمن فهي إمرأة صالحة لو كان معها غيرهالنظرنا فيه،فخرجت فاطمة عليهاالسّلام من عندهما باكية حزينة فلمّا كان بعد هذا جاءعلي عليه السّلام...-تفسير القمي 2/155.
و في«ط»:فخرجت فاطمة عليهاالسّلام تبكي فلمّا كان...ة-
ص: 237
عمر:يا عليّ!دعنا من كلامك،فإنّا لا نقوى على حجتك!،فإن أتيت بشهود عدول،و إلاّ فهو في ء للمسلمين لا حقّ لك و لا لفاطمة فيه!!
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:يا أبا بكر!تقرأ كتاب اللّه؟قال:نعم.قال:أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«إِنَّمََا يُرِيدُ اَللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(1)فيمن نزلت،فينا أم في غيرنا؟قال:بل فيكم،قال[يا أبا بكر]:فلو أنّ شهودا شهدوا على فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بفاحشة،ما كنت صانعا بها؟قال:كنت أقيم عليها الحدّ كما أقيمه على نساء المسلمين(2)،قال[له أمير المؤمنين علىّ عليه السّلام:يا أبا بكر]إذن كنت عند اللّه من الكافرين،قال:و لم(3)؟قال:لأنّك رددت شهادة اللّه بالطهارة،و قبلت شهادة الناس عليها،كما رددت حكم اللّه و حكم رسوله،أن جعل لها فدكا و قد قبضته في حياته،ثم قبلت شهادة اعرابيّ بائل(4)على عقبيه عليها،و أخذت منها فدكا،و زعمت أنّه في ءللمسلمين،و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«البيّنة على المدّعي،و اليمين على المدّعى عليه»فرددت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ق-رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعده-و لم تسأل المسلمين البيّنة على ما ادّعوا عليّ شهودا كما سألتني على ما إدّعيت عليهم...4.
ص: 238
البيّنة على من ادّعى،و اليمين على من ادّعي عليه،قال:فدمدم(1)الناس و أنكروا،و نظر بعضهم إلى بعض،و قالوا:«صدق و اللّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام»و رجع عليّ عليه السّلام إلى منزله.
قال:و دخلت فاطمة عليهاالسّلام المسجد و طافت بقبر أبيها و هي تقول(2):
إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها و اختلّ قومك فاشهدهم و لا تغب قد كان بعدك أنباء و هنبثة(3) لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب(4) قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا فغاب عنّا فكل الخير محتجب و كنت(5)بدرا و نورا يستضاء به عليك تنزل من ذي العزّة الكتب تجهّمتنا(6)رجال و استخفّ بنا اذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب فسوف نبكيك ما عشنا و ما بقيت منا العيون بتهمال(7)لها سكب(8)ب-
ص: 239
قال:فرجع أبو بكر و عمر الى منزلهما،و بعث أبو بكر إلى عمرفدعاه ثم قال له:أما رأيت مجلس عليّ منّا في هذا اليوم،و اللّه لئن قعدمقعدا آخر مثله ليفسدنّ علينا أمرنا،فما الرأي؟فقال عمر:الرأي أن تأمربقتله،قال:فمن يقتله؟؟قال:«خالد بن الوليد».
فبعثا إلى خالد بن الوليد فأتاهما،فقالا له:نريد أن نحملك على أمرعظيم،قال[لهما]:احملاني على ما شئتما،و لو على قتل عليّ بن أبي طالب،قالا:فهو ذاك،فقال خالد:متى أقتله؟قال أبو بكر:إحضر المسجدو قم بجنبه في الصلاة،فإذا سلّمت فقم إليه و اضرب عنقه،قال:نعم.
ق-أبدت رجال لنا فحوى صدورهم لمّا مضيت و حالت دونك الكثب فقد رزينا بما لم يرزه أحد من البريّة لا عجم و لا عرب و قد رزينا به محضا خليقته صافي الضرائب و الأعراق و النسب فأنت خير عباد اللّه كلهم و أصدق الناس حين الصدق و الكذب سيعلم المتولّي ظلم خامتنا يوم القيامة عنّي كيف ينقلب و في كشف الغمة:2/113 بزيادة البيتين:
ضاقت عليّ بلادي بعد ما رحبت و سيم سبطاك خسفا فيه لي نصب فليت قبلك كان الموت صادفنا قوم تمنّوا فأعطوا كلّما طلبواو زاد في شرح النهج لابن أبي الحديد 16/251:
فليت بعدك كان الموت صادفنا لما قضيت و حالت دونك الكتب و الاشعار لهند بنت أثاثة بن عبّاد بن المطّلب-تجد ترجمتها في:اعلام النساء5/216-فتمثّلت فاطمة عليهاالسّلام بقولها،على ما جاء في كشف الغمة 2/113،و شرح النهج لابن أبي الحديد 16/212.
ص: 240
فسمعت أسماء بنت عميس(1)و كانت تحت أبي بكر.فقالت لجاريتها:إذهبي إلى منزل عليّ و فاطمة عليهاالسّلام،و اقرئيهما السّلام،و قولي لعليّ:«إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنّي لك من الناصحين»فجاءت،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام(2):«قولي لها:إنّ اللّه يحول بينهم و بين ما يريدون»...
ص: 241
ثم قام و تهيّأ للصلاة،و حضر المسجد،و صلّى خلف أبي بكر،و خالد بن الوليد يصلّي بجنبه،و معه السيف،فلما جلس أبو بكر في التشهد،ندم على ما قال و خاف الفتنة،و عرف شدّة عليّ عليه السّلام و بأسه،فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلّم،حتّى ظنّ النّاس أنّه قد سها.
ثم التفت إلى خالد،فقال:يا خالد!لا تفعلنّ ما أمرتك و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:يا خالد!ما الذي أمرك به؟فقال:أمرني بضرب عنقك.قال:أو كنت فاعلا(1)؟!قال:اي و اللّه،لو لا أنّه قال لي لا تقتله قبل التسليم،لقتلتك.
قال:فأخذه عليّ عليه السّلام فجلد به الأرض،فاجتمع الناس عليه،فقال عمر:يقتله و رب الكعبة،فقال الناس:يا أبا الحسن!اللّه اللّه،بحقّ صاحب القبر،فخلّى عنه،ثم التفت إلى عمر،فأخذ بتلابيبه(2)و قال:يابن صهّاك،و اللّه لو لا عهد من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و كتاب من اللّه سبق،لعلمت أيّنا أضعف ناصرا و أقلّ عددا،و دخل منزله(3).م.
ص: 242
[48]رسالة أمير المؤمنين عليه السّلام إلى أبي بكر لمّا بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء عليهاالسّلام فدك
شقّوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم(1)سفن النجاة،و حطّواتيجان أهل الفخر بجمع أهل الغدر(2)،و استضاؤا بنور الأنوار،و اقتسموامواريث الطاهرات الأبرار،و احتقبوا(3)ثقل الأوزار،بغصبهم نحلة(4)6.
ص: 243
النبيّ المختار،فكأنّي بكم تتردّدون في العمى،كما يتردّد البعير في الطاحونة.أما و اللّه لو أذن لي بما ليس لكم به علم،لحصدت رؤسكم عن أجسادكم كحب الحصيد،بقواضب(1)من حديد،و لقلعت من جماجم(2)شجعانكم ما أقرح به آماقكم(3)،و أوحش به محالّكم،فانّي-منذ عرفت(4)-:مردي(5)العساكر،و مفني الجحافل(6)،و مبيدخضرائكم،و مخمد ضوضائكم(7)،و جزّار الدوارين(8)إذ أنتم فيم.
ص: 244
بيوتكم معتكفون،و إنّي لصاحبكم(1)بالأمس،لعمر أبي لن تحبّوا(2)أن تكون فينا الخلافة و النبوّة،و أنتم تذكرون أحقاد بدر،و ثارات أحد.
أما و اللّه،لو قلت ما سبق من اللّه فيكم،لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم كتداخل أسنان دوّارة الرحى،فإن نطقت تقولون حسد(3)،و إن سكتّ فيقال إنّ ابن أبي طالب جزع من الموت(4)،هيهات هيهات!!الساعة يقال لي هذا؟!!و أنا المميت المائت(5)،و خوّاض المنايا في جوف ليل حالك(6)،حامل السيفين الثقيلين،و الرمحين الطويلين،و منكّس الرايات(7)في غطامط الغمرات(8)،و مفرّج الكربات عن وجه خير البريّات،أيهنوا(9)فو اللّه،لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل»-
ص: 245
إلى محالب أمّه،هبلتكم الهوابل(1)لو بحت(2)بما أنزل اللّه سبحانه في كتابه فيكم،لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة(3)و لخرجتم من بيوتكم هاربين،و على وجوهكم هائمين(4)،و لكنّي أهوّن وجدي حتّى ألقى ربّي،بيد جذّاء(5)صفرا(6)من لذاتكم،خلوا من طحناتكم(7)،فما مثل دنياكم عندي إلاّ كمثل غيم علا فاستعلى ثم ق-المذكور فى كتب اللغة أنّ«ايه»كلمة يراد بها الاستزادة و هي مبنيّة على الكسر و اذاقلت ايها بالنصب فإنّما تأمره بالكفّ و السكوت،و لم أر فيها تجويز التثنية و الجمع و يظهر من الخبر جوازهما إن لم يكن فيه تصحيف.
و في مجمع البحرين:إسم سمّى به الفعل لان معناه الأمر يقال للرّجل إذا إستزدته من حديث او عمل:«إيه»بكسر الهاء و في الغريبين:إيها:تصديق كأنّه قال صدقت و يقال إيها عنّا أي كفّ عنّا.غ-
ص: 246
استغلظ فاستوى،ثم تمزّق فانجلى.
رويدا فعن قليل ينجلي لكم القسطل(1)و تجنون(2)ثمر فعلكم مرّا،و تحصدون غرس أيديكم ذعافا ممقرا(3)و سمّا قاتلا و كفى باللّه حكيما،و برسول اللّه خصيما،و بالقيامة موقفا،فلا أبعد اللّه فيها سواكم،و لاأتعس(4)فيها غيركم،و السّلام على من اتّبع الهدى.
فلمّا أن قرأ أبو بكر الكتاب،رعب من ذلك رعبا شديدا،و قال:يا سبحان اللّه ما أجرأه عليّ و أنكله عن غيري!
معاشر المهاجرين و الأنصار!تعلمون أنّي شاورتكم في ضياع فدك بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقلتم:إنّ الأنبياء لا يورثون،و إنّ هذه أموال يجب أن تضاف إلى مال الفي ء،و تصرف في ثمن الكراع(5)و السلاح،و أبواب الجهاد و مصالح الثغور،فأمضينا رأيكم و لم يمضه من ق-و في«أ»و«ب»و«د»:من طخيائكم.قال إبن الأثير:الطخاء:ثقل و غشي و أصل الطخى:الظلمة و الغيم-النهاية 3/116.ن.
ص: 247
يدّعيه،و هو ذا يبرق(1)وعيدا،و يرعد(2)تهديدا،إيلاء بحق نبيّه محمد-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-أن يمضخها(3)دما ذعافا،و اللّه لقد استقلت منها فلم أقل،و استعزلتها عن نفسي فلم أعزل،كل ذلك احترازا من كراهية عليّ بن أبي طالب،و هربا من نزاعه.مالي و لابن أبي طالب،هل نازعه أحدففلج(4)عليه؟
فقال له عمر[بن الخطاب]:أبيت أن تقول إلاّ هكذا؟فأنت ابن من لم يكن مقداما في الحروب،و لا سخيّا في الجدوب(5)،سبحان اللّه!ما أهلع(6)فؤادك و أصغر نفسك![قد]صفّيت لك سجالا(7)لتشربهافأبيت إلاّ أن تظمأ كظمائك،و أنخت(8)لك رقاب العرب،و ثبّت لكن.
ص: 248
امارة أهل الاشارة و التدبير(1)و لو لا ذلك لكان ابن أبي طالب قد صيّرعظامك رميما،فاحمد اللّه على ما قد وهب لك منّي،و اشكره على ذلك،فإنّه من رقى منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان حقيقا عليه أن يحدث للّه شكرا،و هذا عليّ بن أبي طالب الصّخرة الصمّاء(2)التي لا ينفجر ماؤهاإلاّ بعد كسرها،و الحيّة الرقشاء التى لا تجيب إلاّ بالرقى(3)،و الشجرةالمرّة التي لو طليت بالعسل لم تنبت إلاّ مرّا،قتل سادات قريش فأبادهم،و ألزم آخرهم العار ففضحهم،فطب عن نفسك نفسا،و لا تغرنّك صواعقه،و لا يهولنّك رواعده و بوارقه،فإنّي أسدّ بابه قبل أن يسدّ بابك.
فقال له أبو بكر:ناشدتك اللّه يا عمر،لمّا أن تركتني من أغاليطك و تربيدك(4)،فو اللّه لو همّ ابن أبي طالب بقتلى و قتلك لقتلنا بشماله دون يمينه،و ما ينجينا منه إلاّ[إحدى]ثلاث خصال:احداها:أنّه وحيد لاناصر له،و الثانية:أنّه يتّبع فينا وصيّة[ابن عمّه]رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آلهك.
ص: 249
و سلم،و الثالثة:أنّه ما من هذه القبائل أحد إلاّ و هو يتخضّمه(1)كتخضّم ثنيةالإبل نبات أوان الربيع،فتعلم لو لا ذلك لرجع الأمر إليه و إن كنّا له كارهين،أما إنّ هذه الدنيا أهون إليه من لقاء أحدنا الموت،أنسيت له يوم أحد؟و قد فررنا بأجمعنا و صعدنا الجبل!و قد أحاطت به ملوك القوم و صناديدهم موقنين بقتله،لا يجد محيصا للخروج من أوساطهم،فلما أن سدّد عليه القوم رماحهم،نكس نفسه عن دابّته حتى جاوزه طعان القوم،ثم قام قائما في ركابيه و قد طرق عن سرجه(2)و هو يقول:«يا اللّه يا اللّه يا جبرئيل يا جبرئيل يا محمّد يا محمّد النجاة النجاة»ثم عمد إلى رئيس القوم فضربه ضربة على أمّ رأسه فبقي على فكّ[واحد]و لسان،ثم عمد إلى صاحب الراية العظمى،فضربه ضربة على جمجمته ففلقها،و مرّ السيف يهوي في جسده فبراه و دابّته بنصفين،و لما أن نظر القوم إلى ذلك انجفلوا(3)من بين يديه،فجعل يمسحهم بسيفه مسحا حتى تركهم7.
ص: 250
جراثيم(1)جمودا على تلعة من الأرض،يتمرغون(2)في حسرات المنايا،يتجرعون كؤوس الموت،قد اختطف أرواحهم بسيفه،و نحن نتوقع منه أكثر من ذلك،و لم نكن نضبط أنفسنا من مخافته حتى ابتدأت منك إليه التفاتة(3)،و كان منه إليك ما تعلم،و لو لا أنّه نزلت آية من كتاب اللّه(4)لكنّا من الهالكين،و هو قوله تعالى:«وَ لَقَدْ عَفََا عَنْكُمْ »(5).
فاترك هذا الرجل ما تركك،و لا يغرنّك قول خالد أنّه يقتله،فإنّه لا يجسر على ذلك،و لو رامه(6)لكان أوّل مقتول بيده(7)،فإنّه من ولد عبده.
ص: 251
مناف،[الذين]إذا هاجوا هيبوا(1)،و إذا غضبوا أدموا(2)،و لا سيّما عليّ بن أبي طالب-عليه السّلام-نابها الأكبر،و سنامها الأطول،و هامتهاالأعظم(3)،و السّلام على من اتّبع الهدى(4).
********ه.
ص: 252
[خطبة فاطمة الزهراء عليهاالسّلام](1)احتجاج فاطمة الزهراء عليهاالسّلام على القوم لمّا منعوهافدك و قولها لهم عند الوفاة في الإمامة
[49]
روى عبد اللّه بن الحسن(2)بإسناده عن آبائه عليهم السّلام:أنّه لمّااجتمع(3)أبو بكر و عمر على منع فاطمة عليهاالسّلام فدكا،و بلغها ذلك،لاثت خمارها(4)على رأسها،و اشتملت بجلبابها(5)،و أقبلت في لمّة(6)
ص: 253
من حفدتها(1)و نساء قومها،تطأ ذيولها(2)،ما تخرم مشيتها مشية[أبيها]رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3)حتّى دخلت على أبي بكر و هو في حشد(4)من المهاجرين و الأنصار و غيرهم،فنيطت(5)دونها ملاءة(6)،فجلست،ثم أنّت أنّة أجهش(7)القوم لها بالبكاء،فارتجّ(8)المجلس،ثم أمهلت ق-في لمّة من نسائها...»أي في جماعة من نسائها،قيل:هي ما بين الثلاثة الى العشرة.و قيل:اللّمة:المثل في السن و التّرب.قال الجوهري:الهاء عوض من الهمزة الذاهبة من وسطه،و هو ممّا أخذت عينه،كسه و مذ و أصلها فعلة من الملائمة و هي الموافقة.انتهى كلام إبن الاثير.2.
ص: 254
هنيئة حتّى إذا سكن نشيج(1)القوم و هدأت(2)فورتهم(3)،افتتحت الكلام بحمد اللّه تعالى و الثناء عليه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فعاد القوم في بكائهم،فلما أمسكوا(4)عادت في كلامها،فقالت عليهاالسّلام:
الحمد للّه على ما أنعم،و له الشكر على ما ألهم،و الثناء بما قدّم،من عموم نعم ابتدأها،و سبوغ آلاء أسداها(5)،و تمام منن أولاها،جمّ عن الإحصاء عددها،و نأى عن الجزاء أمدها،و تفاوت عن الإدراك أبدها،و ندبهم(6)لاستزادتها بالشكر لاتصالها،و استحمد الى الخلائق باجزالها،و ثنى بالندب إلى أمثالها،و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،كلمة جعل الإخلاص تأويلها،و ضمّن القلوب موصولها،و أنار في التفكر معقولها،الممتنع من الأبصار رؤيته،و من الألسن صفته،و من الأوهام كيفيته،ابتدع الأشياء لا من شي ء كان قبلها،و أنشأها بلا احتذاءأمثلة(7)امتثلها،كوّنها بقدرته،و ذرأها بمشيّته،من غير حاجة منه إلى1.
ص: 255
تكوينها،و لا فائدة له في تصويرها،إلاّ تثبيتا لحكمته،و تنبيها على طاعته،و إظهارا لقدرته،و تعبّدا لبريّته و إعزازا لدعوته،ثم جعل الثواب على طاعته،و وضع العقاب على معصيته،ذيادة لعباده عن نقمته،وحياشة(1)لهم إلى جنته.
و أشهد أنّ أبي،محمّدا[النبيّ الأمّي]صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبده و رسوله اختاره و انتجبه قبل أن أرسله،و سمّاه قبل أن اجتباه،و اصطفاه قبل أن ابتعثه،إذ الخلائق بالغيب مكنونة،و بستر الأهاويل مصونة(2)،و بنهايةالعدم مقرونة علما من اللّه تعالى بمآيل الأمور،و احاطة بحوادث الدهور،و معرفة بمواقع المقدور(3).ر.
ص: 256
ابتعثه اللّه إتماما لأمره،و عزيمة على إمضاء حكمه،و إنفاذا لمقاديرحتمه(1)،فرأى الأمم فرقا في أديانها،عكّفا على نيرانها،عابدة لأوثانها،منكرة للّه مع عرفانها،فأنار اللّه بأبي،محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(2)ظلمها،و كشف عن القلوب بهمها(3)،و جلى عن الأبصار غممها(4)،و قام في الناس بالهداية،فأنقذهم من الغواية،و بصّرهم من العماية،و هداهم إلى الدّين القويم،و دعاهم الى الصّراط المستقيم.
ثم قبضه اللّه إليه قبض رأفة و اختيار،و رغبة و ايثار،فمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من تعب هذه الدار في راحة،قد حفّ بالملائكة الأبرار،و رضوان الربّ الغفّار،و مجاورة الملك الجبّار،صلّى اللّه على أبي،نبيّه و أمينه على الوحي،و صفيّه[في الذّكر]و خيرته من الخلق و رضيّه،و السّلام عليه و رحمة اللّه و بركاته.
ثم التفتت عليهاالسّلام إلى أهل المجلس و قالت:أنتم عباد اللّه نصب(5)أمره و نهيه،و حملة دينه و وحيه،و أمناء اللّه على أنفسكم،و بلغاءه إلى9.
ص: 257
الأمم،و زعمتم(1)حقّ لكم،للّه فيكم عهد،قدّمه إليكم(2)،و بقيّةاستخلفها عليكم:كتاب اللّه الناطق،و القرآن الصادق،و النور الساطع،و الضياء اللاّمع،بيّنة بصائره،منكشفة سرائره،منجلية(3)ظواهره،مغتبط به أشياعه،قائد الى الرضوان اتباعه،مؤدّ إلى النجاة استماعه،به تنال حجج اللّه المنوّرة،و عزائمة المفسّرة،و محارمه المحذرة،و بيّناته الجالية،و براهينه الكافية،و فضائله المندوبة،و رخصه الموهوبة،و شرائعه المكتوبة.
فجعل اللّه الإيمان تطهيرا لكم من الشرك،و الصلاة تنزيها لكم عن الكبر،و الزكاة تزكية للنفس و نماء في الرزق،و الصيام تثبيتا للإخلاص،و الحج تشييدا للدين،و العدل تنسيقا للقلوب،و طاعتنا نظاما للملّة،و إمامتنا أمانا من الفرقة،و الجهاد عزّا للاسلام[و ذلاّ لأهل الكفرو النفاق]،و الصبر معونة على استيجاب الأجر،و الأمر بالمعروف مصلحة..
ص: 258
للعامة،و برّ الوالدين وقاية من السخط،و صلة الأرحام منسأة(1)في العمرو منماة للعدد،و القصاص حقنا للدماء،و الوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة،و توفية المكاييل و الموازين تغييرا للبخس،و النهي عن شرب الخمرتنزيها عن الرجس،و اجتناب القذف حجابا عن اللّعنة،و ترك السرقةإيجابا للعفّة،و حرّم اللّه الشرك إخلاصا له بالربوبية فاتّقوا اللّه حقّ تقاته،و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون،و أطيعوا اللّه فيما أمركم به و[ما]نهاكم عنه،فإنّه إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء.
ثم قالت:أيّها الناس اعلموا:إنّي فاطمة و أبي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم،أقول عودا و بدوا و لا أقول ما أقول غلطا،و لا أفعل ما أفعل شططا(2)،لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.فان تعزوه(3)و تعرفوه،تجدوه أبي دون نسائكم،و أخا ابن عمّي دون رجالكم،و لنعم المعزى إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فبلّغ الرسالةصادعا بالنذارة،مائلا عن مدرجة المشركين(4)،ضاربا ثبجهم(5)،آخذا6.
ص: 259
بأكظامهم(1)،داعيا إلى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة،يكسرالأصنام(2)،و ينكث الهام(3)،حتى انهزم الجمع و ولّوا الدبر،حتى تفرّى(4)الليل عن صبحه و أسفر الحق عن محضه،و نطق زعيم الدين،و خرست شقاشق(5)الشياطين،و طاح(6)و شيظ النفاق(7)،و انحلّت عقد الكفر و الشقاق،و فهتم(8)بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص(9)[الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا]و كنتم:-
ص: 260
على شفا حفرة من النار،مذقة الشارب(1)و نهزة(2)الطامع و قبسة(3)العجلان،و موطى ء الأقدام،تشربون الطرق(4)،و تقتاتون القدّ(5)أذلّةخاسئين[صاغرين]،تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم،فأنقذكم اللّه ق-فلان خميص البطن من أموال الناس:أي عفيف عنها.
و المراد بالبيض الخماص:إمّا أهل البيت عليهم السّلام و يؤيده ما في كشف الغمة[2/111]:في نفر من البيض الخماص الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.
و وصفهم بالبيض لبياض وجوههم...و بالخماص لكونهم ضامري البطون بالصوم و قلة الأكل أو لعفّتهم عن أكل أموال الناس بالباطل.
أو المراد بهم من آمن من العجم كسلمان-رضى اللّه عنه-و غيره و يقال لأهل فارس:«بيض»لغلبة البياض على ألوانهم و اموالهم،إذ الغالب في أموالهم الفضّة...و الأول أظهر-بحار الانوار.ق.
ص: 261
تبارك و تعالى بأبي(1)محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد اللّتيّا و الّتي(2)،و بعدأن مني ببهم(3)الرجال و ذؤبان العرب،و مردة أهل الكتاب،كلّماأوقدوا نارا للحرب أطفأها اللّه،أو نجم قرن الشيطان(4)أو فغرت فاغرةمن المشركين(5)قذف أخاه في لهواتها(6)فلا ينكفى ء حتّى يطأصماخها بأخمصه(7)،و يخمد لهبها بسيفه،مكدودا في ذات اللّه،-
ص: 262
مجتهدا في أمر اللّه قريبا من رسول اللّه،سيّدا في أولياء اللّه،مشمّراناصحا،مجدّا كادحا،لا تأخذه في اللّه لومة لائم،و أنتم في رفاهية من العيش(1)،و ادعون(2)فاكهون آمنون،تتربّصون بنا الدوائر(3)،و تتوكّفون الأخبار(4)،و تنكصون عند النزال(5)،و تفرّون من القتال.
فلمّا اختار اللّه لنبيّه دار أنبيائه،و مأوى أصفيائه،ظهر فيكم حسكةق-الرأس و هو السمع و قيل:هو الأذن نفسها-مجمع البحرين،المصباح 1/419.و الأخمص من القدم:الموضع الّذي لا يلصق بالارض منها عند الوطى ء-النهاية 2/80.
و في«ط»:...جناحها بأخمصه.ر.
ص: 263
النّفاق(1)،و سمل جلباب الدين(2)،و نطق كاظم الغاوين،و نبغ خامل(3)الأقلّين(4)،و هدر فنيق المبطلين(5)،فخطر(6)في عرصاتكم،و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه(7)هاتفا بكم،فألفاكم لدعوته مستجيبين،و للعزّة(8)فيه ملاحظين،ثم استنهضكم فوجدكم خفافا،..
ص: 264
و أحمشكم(1)فألفاكم غضابا،فوسمتم غير إبلكم و وردتم غيرمشربكم(2).
هذا و العهد قريب و الكلم رحيب(3)،و الجرح لمّا يندمل،و الرّسول لمّا يقبر؛ابتدارا(4)زعمتم خوف الفتنة،ألا في الفتنة سقطواو إنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين،فهيهات منكم،و كيف بكم،و أنّى تؤفكون!و كتاب اللّه بين أظهركم،أموره ظاهرة و أحكامه زاهرة و أعلامه باهرة،و زواجره لايحة،و أوامره واضحة،[و]قد خلفتموه وراء ظهوركم،أرغبة عنه تريدون(5)؟أم بغيره تحكمون؟بئس للظالمين بدلا،و من يتّبع غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين،ثم لم تلبثواإلاّ ريث(6)أن تسكن نفرتها(7)و يسلس قيادها(8)ثم أخذتم تورونن-
ص: 265
و قدتها(1)و تهيّجون جمرتها،و تستجيبون لهتاف(2)الشيطان الغويّ،و إطفاء أنوار الدين الجليّ و إهماد(3)سنن النبيّ الصفيّ،تشربون حسوافي ارتغاء(4)و تمشون(5)لأهله و ولده في الخمرة و الضراء(6)و نصبر(7)ق-مجمع البحرين...
ص: 266
منكم على مثل حزّ المدى(1)و وخز السنان في الحشا(2)،و أنتم الآن تزعمون:أن لا إرث لنا،أفحكم الجاهليّة تبغون و من أحسن من اللّه حكمالقوم يوقنون؟!!أ فلا تعلمون؟بلى،قد تجلّى لكم كالشّمس الضاحية:أنّي ابنته.
أيّها المسلمون!أ أغلب على إرثيه(3)؟يا ابن أبي قحافة،أفي كتاب اللّه أن ترث أباك و لا أرث أبي؟لقد جئت شيئا فريّا[على اللّه و رسوله]!أفعلى عمد تركتم كتاب اللّه و نبذتموه وراء ظهوركم؟إذ يقول:«وَ وَرِثَ سُلَيْمََانُ دََاوُدَ»(4)،و قال فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريّا عليهما السّلام إذقال:«فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا `يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ »(5)،و قال5.
ص: 267
[أيضا]:«وَ أُولُوا اَلْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اَللََّهِ »(1)،و قال:«يُوصِيكُمُ اَللََّهُ فِي أَوْلاََدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ »(2)،و قال:«إِنْ تَرَكَ خَيْراً اَلْوَصِيَّةُ لِلْوََالِدَيْنِ وَ اَلْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى اَلْمُتَّقِينَ »(3)،و زعمتم:أن لاحظوه(4)لي و لا إرث من أبي و لا رحم بيننا،أفخصّكم اللّه بآية[من القرآن]أخرج أبي[محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم]منها(5)؟أم هل تقولون:إنّ أهل الملّتين لا يتوارثان(6)؟أ و لست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة؟أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمّي؟فدونكها(7)مخطومة مرحولة(8)تلقاك يوم حشرك،فنعم الحكم اللّه،و الزعيم محمّد-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-و الموعد القيامة،و عندالساعة يخسر المبطلون،و لا ينفعكم[ما قلتم]اذ تندمون،و لكل نبأ مستقرّن.
ص: 268
و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم.
ثم رمت(1)بطرفها نحو الأنصار فقالت[لهم]:يا معشر النقيبة(2)و أعضاد الملّة و حضنة الاسلام،ما هذه الغميزة(3)في حقّي و السنة(4)عن ظلامتي؟أما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبي يقول:«المرء يحفظ في ولده»؟سرعان ما أحدثتم،و عجلان ذا إهالة(5)و لكم طاقة بما أحاول،ه-
ص: 269
و قوّة على ما أطلب و أزاول،أ تقولون مات محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟فخطب جليل،استوسع وهنه(1)و استنهر فتقه(2)،و انفتق رتقه،و اظلمت الأرض لغيبته،و كسفت الشمس و القمر،و انتثرت النجوم لمصيبته،و أكدت(3)الامال،و خشعت الجبال،و أضيع الحريم،و أزيلت الحرمةعند مماته،فتلك و اللّه النازلة الكبرى،و المصيبة العظمى،لا مثلها نازلة،و لا بائقة(4)عاجلة،أعلن بها كتاب اللّه جلّ ثناؤه،في أفنيتكم(5)،في ممساكم(6)،و مصبحكم،[يهتف في أفنيتكم]هتافا،و صراخا(7)،و تلاوة،و ألحانا،و لقبله ما حلّ بأنبياء اللّه و رسله،حكم فصل و قضاء حتم:«وَ مََا مُحَمَّدٌ إِلاََّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مََاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى ََ أَعْقََابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى ََ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللََّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللََّهُ ق-البدعة من المفاسد الدينيّة و ذهاب الآثار النبويّة-بحار الانوار.ا.
ص: 270
اَلشََّاكِرِينَ »(1)،إيها(2)بني قيلة(3)،ءأهضم(4)تراث أبي(5)؟و أنتم بمرأى منّي و مسمع؟و منتدى(6)و مجمع؟تلبسكم الدعوة،و تشملكم الخبرة(7)،و أنتم ذوو العدد و العدّة،و الأداة و القوة و عندكم السلاح و الجنّة،توافيكم الدعوة فلا تجيبون،و تأتيكم الصرخة فلا تغيثون،و أنتم موصوفون بالكفاح(8)،معروفون بالخير و الصلاح،و النخبة التي انتخبت،و الخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.
قاتلتم العرب،و تحمّلتم الكد و التّعب،و ناطحتم(9)الأمم،و كافحتم البهم،لا نبرح أو تبرحون(10)،نأمركم فتأتمرون،حتّى إذادارت بنا رحى الإسلام،و درّ حلب الأيّام،و خضعت ثغرة(11)الشّرك،-
ص: 271
و سكتت فورة الإفك،و خمدت(1)نيران الكفر،و هدأت(2)دعوةالهرج[و المرج]،و استوسق(3)نظام الدين،فأنّى حرتم(4)بعد البيان؟و أسررتم بعد الإعلان؟و نكصتم(5)بعد الإقدام؟و أشركتم بعد الإيمان؟بؤسا لقوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم،و همّوا بإخراج الرسول،و هم بدأوكم أوّل مرّة،أتخشونهم فاللّه أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين.
ألا و قد أرى أن قد أخلدتم(6)إلى الخفض(7)و أبعدتم من هو أحقّ ق-المخافة من اطراف البلاد-النهاية 1/213 و في لسان العرب 4/104:الثغرة بالضمّ:نقرة النحر الّتي بين الترقوتين.
و هو كناية عن محق الشرك و سقوطه كالحيوان الساقط على الارض كما اشار اليه العلامة المجلسي رحمه اللّه.
و ما في المتن كان موجودا في النسخ الّتي بأيدينا و لكن في البحار نقلا عن الاحتجاج:«و خضعت نعرة الشرك»و النعرة بمعنى الخيشوم و الخيلاء و الكبر.5.
ص: 272
بالبسط و القبض(1)،و خلوتم بالدعة(2)و نحوتم بالضيق من السعة(3)،فمججتم(4)ما وعيتم،و دسعتم(5)الذي تسوغتم(6)فإن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فإنّ اللّه لغنيّ حميد.
ألا و قد قلت ما قلت هذا على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم(7)و الغدرة(8)التي استشعرتها(9)قلوبكم،و لكنّها فيضة النفس(10)،ر.
ص: 273
و نفثة(1)الغيظ،و خور(2)القناة(3)،و بثّة الصدر(4)،و تقدمةالحجّة(5)،فدونكموها فاحتقبوها دبرة(6)الظهر،نقبة الخف(7)باقيةالعار،موسومة بغضب اللّه(8)و شنار(9)الأبد،موصولة بنار اللّه الموقدةالتي تطّلع على الأفئدة،فبعين اللّه ما تفعلون،و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.و أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنّاعاملون،و انتظروا إنّا منتظرون...
ص: 274
فأجابها أبو بكر عبد اللّه بن عثمان،و قال:يا بنت رسول اللّه!لقدكان أبوك-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-بالمؤمنين عطوفا كريما،[و]رؤوفارحيما،و على الكافرين عذابا أليما،و عقابا عظيما،إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء،و أخا إلفك(1)دون الأخلاّء،آثره على كلّ حميم،و ساعده في كلّ أمر جسيم،لا يحبّكم إلاّ سعيد،و لا يبغضكم إلاّ شقيّ بعيد،فأنتم عترة رسول اللّه-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-الطيّبون،و الخيرةالمنتجبون،على الخير أدلّتنا،و إلى الجنّة مسالكنا،و أنت يا خيرة النساء،و ابنة خير الأنبياء،صادقة في قولك(2)،سابقة في وفور عقلك،غيرمردودة عن حقّك،و لا مصدودة عن صدقك،و اللّه ما عدوت رأي رسول4.
ص: 275
اللّه،و لا عملت إلاّ بإذنه،و إنّ الرائد لا يكذب أهله(1)،و إنّي أشهد اللّه و كفى به شهيدا،أنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهبا و لا فضّة،و لا دارا و لا عقارا و إنّما نورّث الكتاب و الحكمة و العلم و النبوّة،و ما كان لنا من طعمة فلوليّ الأمر(2)بعدنا أن يحكم فيه بحكمه»و قد جعلنا ما حاولته في الكراع(3)و السلاح،يقاتل بها المسلمون و يجاهدون الكفار،و يجالدون(4)المردة الفجّار،و ذلك بإجماع من المسلمين،لم أنفرد به وحدي،و لم أستبدّ بما كان الرأي عندي،و هذه حالي و مالي،هي لك[و]بين يديك،لا نزوي(5)عنك،و لاندّخر دونك،و أنت سيّدة أمّة أبيك،و الشجرة الطيّبة لبنيك،لا ندفع ما لك من فضلك،و لا نوضع(6)من فرعك و أصلك،حكمك نافذ فيما ملكت يداي،فهل ترين أنّي أخالف في ذلك أباك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقالت عليهاالسّلام:سبحان اللّه،ما كان أبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّمع.
ص: 276
عن كتاب اللّه صادفا(1)و لا لأحكامه مخالفا!بل كان يتّبع أثره،و يقتفي سوره(2)،أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور و البهتان،و هذا بعدوفاته شبيه بما بغي له من الغوائل(3)في حياته(4)،هذا كتاب اللّه حكماعدلا،و ناطقا فصلا يقول:«يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ »(5)[و يقول:]«وَ وَرِثَ سُلَيْمََانُ دََاوُدَ»(6)،فبيّن اللّه عزّ و جلّ فيما وزّع من الأقساط،و شرع من الفرائض و الميراث،و أباح من حظ الذكران و الإناث،ما أزاح(7)به علّة المبطلين،و أزال التظنّي(8)و الشبهات في الغابرين،كلاّ بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل و اللّه المستعان على ما تصفون.
فقال[لها]أبو بكر:صدق اللّه و صدق رسوله،و صدقت ابنته،أنت معدن الحكمة و موطن الهدى و الرحمة،و ركن الدين،و عين الحجّة،و لاّ.
ص: 277
أبعد صوابك،و لا أنكر خطابك،هؤلاء المسلمون بيني و بينك،قلّدوني ما تقلّدت،و باتّفاق منهم أخذت ما أخذت،غير مكابر و لا مستبد و لامستأثر،و هم بذلك شهود.
فالتفتت فاطمة عليهاالسّلام الى الناس و قالت:
معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل(1)المغضية(2)على الفعل[القبيح]الخاسر،أ فلا يتدبّرون(3)القرآن أم على قلوب أقفالها؟كلاّ بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم،فأخذ بسمعكم و أبصاركم،و لبئس ما تأوّلتم،و ساء ما به أشرتم،و شرّ ما منه اغتصبتم!(4)،لتجدنّ و اللّه محمله ثقيلا،و غبّه(5)و بيلا،إذا كشف لكم الغطاء،و بان ما ورائه[من البأساء و]الضرّاء،و بدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون،و خسرهنالك المبطلون.
ثم عطفت على قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قالت(6):ت:
ص: 278
قد كان بعدك أنباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها و اختلّ قومك فاشهدهم و لا تغب و كلّ أهل له قربى و منزلة عند الإله على الأدنين مقترب أبدت رجال لنا نجوى صدورهم لما مضيت و حالت دونك الترب تجهّمتنا رجال و استخفّ بنا لما فقدت و كلّ الأرث(1)مغتصب و كنت بدرا و نورا يستضاء به عليك ينزل من ذي العزّة الكتب و كان جبريل بالآيات يونسنا فقد فقدت و كل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا لما مضيت و حالت دونك الكثب(2) إنّا رزينا بما لم يرز ذو شجن من البريّة لا عجم و لا عربن.
ص: 279
ثم انكفأت عليهاالسّلام و أمير المؤمنين عليه السّلام يتوقع رجوعها اليه،و يتطلّع طلوعها عليه-عليهما السّلام،-فلما استقرت بها الدار،قالت لأميرالمؤمنين عليه السّلام:
يا ابن أبي طالب،اشتملت شملة الجنين،و قعدت حجرة الظنين،نقضت قادمة الأجدل(1)،فخانك ريش الأعزل(2)،هذا ابن أبي قحافةيبتزّني(3)نحلة أبي و بلغة(4)ابنيّ!لقد أجهد(5)في خصامي،و ألفيته ألدّ..
ص: 280
في كلامي حتّى حبستني قيلة نصرها(1)،و المهاجرة وصلها،و غضّت(2)الجماعة دوني طرفها،فلا دافع و لا مانع،خرجت كاظمةو عدت راغمة،أضرعت خدّك(3)يوم أضعت حدّك،إفترست الذئاب(4)،و افترشت التراب،ما كففت قائلا،و لا أغنيت طائلا(5)و لا خيار لي،ليتني متّ قبل هنيئتي(6)و دون ذلّتي،عذيري اللّه منك عاديا(7)و منك-
ص: 281
حاميا،ويلاي في كلّ شارق!ويلاي في كلّ غارب!مات العمد،و وهن العضد،شكواي إلى أبي!و عدواي(1)إلى ربّي!اللّهم أنت(2)أشدّ منهم قوّة و حولا،و أشدّ بأسا و تنكيلا(3).
فقال[لها]أمير المؤمنين عليه السّلام:لا ويل لك[يا بنت سيّد النبيّين]،بل الويل لشانئك(4)ثم نهنهي(5)عن وجدك(6)يا ابنة الصّفوة،و بقيّةالنبوّة،فما ونيت(7)عن ديني،و لا أخطأت مقدوري(8)،فإن كنت تريدين البلغة،فرزقك مضمون،و كفيلك مأمون،و ما أعدّ[اللّه]لك أفضل ممّا قطع عنك،فاحتسبي اللّه(9).
ق-بمعنى نصير.ن-
ص: 282
ق-عليه السّلام في ترك التعرض للخلافة و عدم نصرتها و تخطئته فيهما-مع علمها بإمامته و وجوب إتباعه و عصمته و أنه لم يفعل شيئا إلاّ بأمره تعالى و وصيّة الرسول صلّى اللّه عليه و آله-مما ينافي عصمتها و جلالتها.
فأقول:يمكن أن يجاب عنه بأن هذه الكلمات صدرت منها عليهاالسّلام لبعض المصالح و لم تكن واقعا منكرة لما فعله،بل كانت راضية،و إنما كان غرضها أن يتبيّن للناس قبح أعمالهم و شناعة أفعالهم،و أن سكوته عليه السّلام ليس لرضاه بما أتوا به و مثل هذا كثيرا ما يقع في العادات و المحاورات كما أنّ ملكا يعاتب بعض خواصه في أمر بعض الرّعايا مع علمه ببرائته من جنايتهم،ليظهر لهم عظم جرمهم و أنه ممّااستوجب به أخص الناس بالملك منه بالمعاتبة.
و نظير ذلك ما فعله موسى عليه السّلام لمّا رجع إلى قومه غضبان أسفا من إلقائه الالواح و أخذه برأس أخيه يجرّه اليه،و لم يكن غرضه الإنكار على هارون بل أراد بذلك أن يعرف القوم عظم جنايتهم و شدّة جرمهم.
و أمّا حمله على أنّ شدة الغضب و الأسف و الغيظ حملتها على ذلك-مع علمهابحقّيّة ما إرتكبه عليه السّلام-فلا ينفع في دفع الفساد و ينافي عصمتها و جلالتها الّتي عجزت عن إدراكها أحلام العباد.
بقي ها هنا إشكال آخر و هو:أنّ طلب الحق و المبالغة فيه و إن لم يكن منافياللعصمة لكن زهدها صلوات اللّه عليها و تركها للدنيا و عدم إعتدادها بنعيمها و لذاتهاو كمال عرفانها و يقينها بفناء الدنيا و توجّه نفسها القدسيّة و انصراف همتها العالية دائماإلى اللذات المعنوية و الدرجات الاخرويّة لا يناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك و الخروج إلى مجمع الناس و المنازعة مع المنافقين في تحصيله.
و الجواب عنه من وجهين:
الأوّل أن ذلك لم يكن حقّا مخصوصا لها بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين-
ص: 283
فقالت عليهاالسّلام:حسبي اللّه و نعم الوكيل و أمسكت(1).
ق-لها فيه فلم يكن يجوز لها المداهنة و المساهلة و المحاباة و عدم المبالاة في ذلك ليصيرسببا لتضييع حقوق جماعة من الأئمة الأعلام و الأشراف الكرام.نعم لو كان مختصّا بهاكان لها تركه و الزهد فيه و عدم التأثر من فوته.
الثاني:ان تلك الأمور لم تكن لمحبّة فدك و حبّ الدنيا بل كان الغرض إظهارظلمهم و جورهم و كفرهم و نفاقهم و هذا كان من أهم أمور الدين و أعظم الحقوق على المسلمين.
و يؤيده أنها صلوات اللّه عليها صرّحت في آخر الكلام حيث قالت«قلت ما قلت هذا على معرفة منّي بالخذلة»-بحار الانوار،ط القديم 8/123.
ص: 284
ق-قال أبو بكر:و حدثني أحمد بن محمّد يزيد،عن عبد اللّه بن محمّد بن سليمان،عن أبيه عن عبد اللّه بن حسن بن الحسن،قالوا جميعا:
لمّا بلغ فاطمة عليهاالسّلام إجماع أبي بكر على منعها فدك،لاثت خمارها...
لاحظ شرح النهج لابن أبي الحديد 16/210 و في ص 249 نقلها بأسناد آخر.
و بلاغات النساء لابي الفضل أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور المتوفى 380 ه-،ص 12 و اعلام النساء 4/116 و إحقاق الحق 10/296 و الغدير 7/195 و ذكرها الاربلي في كشف الغمة 2/108 نقلا عن كتاب السقيفة تأليف أبي بكر أحمد بن عبد العزيزالجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلّفها في ربيع الآخر سنة إثنتين و عشرين و ثلاثمأة.و«الشافي»للسيد المرتضى 4/69.
و في أمالي شيخ الطائفة ط القديم 2/69 قال أخبرنا ابو الحسن محمّد بن أحمد بن شاذان قال حدثني ابو الحسين محمد بن علي بن المفضل[و الصواب:الفضل]بن همام الكوفي قال حدثني محمّد بن علي بن معمّر الكوفي قال حدثني محمّد بن الحسين الزيّات الكوفي قال حدثنا أحمد بن محمّد عن أبان بن عثمان قال حدثني أبان بن تغلب عن جعفربن محمّد عليهما السّلام قال:لمّا انصرفت فاطمة عليهاالسّلام من عند أبي بكر أقبلت على أمير المؤمنين عليه السّلام فقالت:يابن أبي طالب إشتملت مشيمة الجنين...
و نقلها العلاّمة المجلسي قدس سره في البحار،ط القديم 8/106،عن الاحتجاج حيث قال...و رواها الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج مرسلا،و نحن نوردها بلفظه ثم نشير إلى موضع التخالف بين الروايات في أثناء شرحها.
ص: 285
[خطبة أخرى لها عليها السّلام][ألقتها على نساء المهاجرين و الأنصار عنداحتضارها](1)
[50]
و قال سويد بن غفلة:لما مرضت[سيّدتنا]فاطمة سلام اللّه عليها،المرضةالتي توفّيت فيها،اجتمعت اليها(2)نساء المهاجرين و الأنصار ليعدنها،فقلن لها:كيف أصبحت من علّتك يا ابنة[محمّد]رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم؟فحمدت اللّه و صلّت على أبيها صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم قالت:
أصبحت و اللّه عائفة(3)لدنيا كنّ،قالية(4)لرجالكنّ،لفظتهم(5)بعد أن عجمتهم(6)،و شنأتهم(7)بعد أن سبرتهم(8)،فقبحا لفلول(9)
ص: 286
الحدّ،و اللعب بعد الجدّ،و قرع الصفاة(1)و صدع(2)القناة(3)،و ختل الآراء(4)و زلل الأهواء،و بئس ما قدّمت لهم أنفسهم:أن سخط اللّه عليهم و في العذاب هم خالدون،لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها(5)،و حمّلتهم أوقتها(6)و شننت(7)عليهم غاراتها،فجدعا(8)و عقرا(9)و بعدا للقوم الظالمين.
و يحهم أنّى زعزعوها(10)عن رواسي الرسالة،و قواعد النبوةو الدلالة،و مهبط الروح الأمين(11)،و الطبين(12)بأمور الدّنيا و الدين؟!ألاب-
ص: 287
ذلك هو الخسران المبين.و ما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السّلام؟!نقموا(1)و اللّه منه،نكير سيفه،و قلّة مبالاته لحتفه،و شدّة وطأته(2)،و نكال(3)وقعته(4)،و تنمّره(5)في ذات اللّه،و تاللّه لو مالوا عن المحجّة اللايحة،و زالوا عن قبول الحجّة الواضحة،لردّهم إليها،و حملهم عليها،و لسار بهم سيرا سجحا(6)لا يكلم خشاشه(7)و لا يكلّ(8)ق-13/263.
و في«ج»و«د»:الظنين.8.
ص: 288
سائره و لا يملّ راكبه،و لأوردهم منهلا(1)نميرا(2)صافيا رويّا،تطفح(3)ضفتاه(4)و لا يترنق(5)جانباه،و لأصدرهم بطانا،و نصح لهم سرّاو إعلانا،و لم يكن يتحلّى من الغنى بطائل،و لا يحظى من الدّنيا بنائل(6)،غير ريّ الناهل(7)،و شبعة الكافل(8)،و لبان لهم الزاهد من الراغب،و الصادق من الكاذب،و لو أنّ أهل القرى آمنوا و اتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض،و لكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون،و الذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا و ما هم بمعجزين.
ألا هلمّ فاستمع!(9)و ما عشت أراك الدهر عجبا!!و إن تعجبع.
ص: 289
فعجب قولهم!ليت شعري إلى أيّ سناد(1)استندوا؟!و إلى أيّ عماداعتمدوا؟!و بأيّة عروة تمسّكوا؟!و على أيّة ذريّة أقدموا و احتنكوا(2)؟!لبئس المولى و لبئس العشير،و بئس للظالمين بدلا،استبدلوا و اللّه الذنابي(3)بالقوادم،و العجز(4)بالكاهل(5)،فرغما لمعاطس(6)قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا،ألا إنّهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون.ويحهم أ فمن يهدي إلى الحق أحقّ أن يتّبع،أم من لا يهدّي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون؟!أما لعمري لقد لقحت(7)،فنظرة(8)ريثما(9)تنتج،ثم احتلبوا مل ء القعب(10)دما عبيطا(11)و ذعافا مبيدا(12)،هنالكن.
ص: 290
يخسر المبطلون،و يعرف التالون(1)غبّ(2)ما أسّس الأوّلون،ثم طيبواعن دنياكم أنفسا،و اطمئنوا للفتنة جأشا(3)،و أبشروا بسيف صارم(4)،و سطوة معتد غاشم(5)،و بهرج شامل،و استبداد من الظالمين،يدع فيئكم(6)زهيدا(7)،و جمعكم حصيدا(8)،فيا حسرة لكم!و أنّى بكم و قد عميت عليكم،أنلزمكموها و أنتم لها كارهون.
قال سويد بن غفلة:فأعادت النساء قولها عليهاالسّلام على رجالهنّ،فجاء إليها قوم من وجوه المهاجرين و الأنصار معتذرين،و قالوا:يا سيّدةالنساء،لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن نبرم العهد،و نحكم العقد(9)،لما عدلنا عنه إلى غيره...
ص: 291
[51]
[روي]عن جعفر بن محمد،عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام قال:خطب الناس سلمان الفارسي رحمة اللّه عليه،بعد أن دفن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثلاثةأيام،فقال فيها:
ألا أيّها الناس!اسمعوا عنّي حديثي،ثم اعقلوه عنّي،ألا و إنّي قدأوتيت علما كثيرا،فلو حدثتكم بكلّ ما أعلم من فضايل أمير المؤمنين علي عليه السّلام،لقالت طائفة منكم:هو مجنون،و قالت طائفة أخرى:اللّهم اغفرلقاتل سلمان.
ألا إنّ لكم منايا،تتبعها بلايا،ألا و إنّ عند عليّ بن أبي طالب عليه السّلام علم المنايا و البلايا،و ميراث الوصايا و فصل الخطاب،و أصل الأنساب،على منهاج هارون بن عمران من موسى عليهما السّلام إذ يقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أنت وصيّي في أهل بيتي،و خليفتي في أمّتي،و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى،و لكنّكم أخذتم سنّة بني إسرائيل،فأخطأتم الحق و أنتم تعلمون فلا تعملون(1).
أما و اللّه لتركبنّ طبقا عن طبق على سنّة بني اسرائيل،حذو النعل بالنعل و القذّة بالقذّة(2)،أما و الذي نفس سلمان بيده:لو ولّيتموها عليّان-
ص: 294
لأكلتم من فوقكم،و من تحت أقدامكم(1)،و لو دعوتم الطير في جوّ السماءلأجابتكم،و لو دعوتم الحيتان من البحار لأتتكم،و لما عال(2)وليّ اللّه،و لا طاش(3)سهم من فرائض اللّه،و لا اختلف اثنان في حكم اللّه،و لكن أبيتم فولّيتموها غيره،فابشروا بالبلاء،و اقنطوا من الرخاء،و قد نابذتكم على سواء،فانقطعت العصمة فيما بيني و بينكم من الولاء.
عليكم بآل محمّد عليهم السّلام فإنّهم القادة الى الجنّة،و الدعاة إليها يوم القيامة.
عليكم بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،فو اللّه لقد سلّمناعليه بالولاية(4)و إمرة المؤمنين،مرارا جمّة مع نبيّنا[محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم]،كل ذلك يأمرنا به،و يؤكده علينا،فما بال القوم عرفوا فضله فحسدوه؟!و قد حسد قابيل هابيل فقتله،أو كفارا(5)قد ارتدّت أمّة موسى بن عمران عليه السّلام،فأمر هذه الأمّة كأمر بني اسرائيل،فأين يذهب بكم.
أيّها الناس ويحكم ما لنا و أبو فلان و فلان؟!أجهلتم أم تجاهلتم؟أم حسدتم أم تحاسدتم؟(6)و اللّه لترتدنّ كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ق-مجمع البحرين و النهاية 4/28.ن.
ص: 295
بالسيف،يشهد الشاهد على الناجي بالهلكة،و يشهد الشاهد على الكافربالنجاة،ألا و إنّي أظهرت أمري،و سلّمت لنبيّي،و اتّبعت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة،عليّا أمير المؤمنين عليه السّلام و سيّد الوصيّين،و قائد الغرّالمحجّلين و إمام الصدّيقين،و الشهداء و الصالحين(1).ج.
ص: 296
[خطبة أبيّ بن كعب](1)احتجاج لأبيّ بن كعب على القوم مثل ما احتجّ به سلمان رضي اللّه عنه
[52]
[روي]عن محمّد و يحيى ابني عبد اللّه بن الحسن،عن أبيهما،عن جدّهما،عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال:لمّا خطب أبو بكر قام إليه أبيّ بن كعب و كان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان فقال:
يا معشر المهاجرين الذين اتّبعوا مرضاة اللّه،و أثنى اللّه عليهم في القرآن،و يا معشر الأنصار الذين تبوّؤوا الدار و الإيمان،و أثنى اللّه عليهم في القرآن،تناسيتم أم نسيتم،أم بدّلتم،أم غيّرتم،أم خذلتم،أم عجزتم؟
أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قام فينا مقاما أقام فيه عليّا عليه السّلام فقال:«من كنت مولاه فهذا مولاه-يعنى عليّا-و من كنت نبيّه فهذا أميره»(2)؟
أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«يا عليّ!أنت
ص: 297
منّي بمنزلة هارون من موسى،طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي غير أنّه لا نبيّ بعدي»؟
أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«أوصيكم بأهل بيتي خيرا فقدّموهم و لا تقدّموهم،و أمّروهم و لا تأمّروا عليهم»؟
أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«أهل بيتي منارالهدى،و الدّالّون على اللّه»؟
أ لستم تعلمون(1)أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لعليّ عليه السّلام:أنت الهادي لمن ضلّ»؟
أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«عليّ المحيي لسنّتي[من بعدي]،و معلم أمّتي،و القائم بحجّتي،و خير من أخلف من بعدي،و سيّد أهل بيتي،و أحبّ الناس إليّ،طاعته كطاعتي على أمّتي»؟
أ لستم تعلمون أنّه(2)لم يولّ على عليّ أحدا منكم و ولاّه في كلّ غيبته عليكم؟
أ لستم تعلمون أنّه كان منزلهما في أسفارهما واحدا،و ارتحالهماواحدا،و أمرهما واحدا؟
أ لستم تعلمون أنّه(3)قال:«إذا غبت فخلّفت عليكم عليّا فقد خلّفت فيكم رجلا كنفسي»؟..
ص: 298
أ لستم تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة عليهاالسّلام فقال لنا:إنّ اللّه تعالى أوحى إلى موسى بن عمران أن اتّخذ أخا من أهلك فاجعله نبيّا،و اجعل أهله لك ولدا،أطهّرهم من الآفات،و أخلّصهم من الريب،فاتّخذ موسى هارون أخا،و ولده أئمةلبني اسرائيل من بعده،الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحلّ لموسى عليه السّلام،و أنّ اللّه تعالى أوحى إليّ أن اتخذ عليّا أخا،كما أنّ موسى اتخذهارون أخا،و اتخذ ولده ولدا،فقد طهّرتهم كما طهّرت ولد هارون،ألا[و]إنّي قد ختمت بك النبيّين فلا نبيّ بعدك»فهم الأئمة(1)الهادية.
أفما تبصرون،أفما تفهمون،أفما تسمعون؟!!ضرب عليكم الشبهات،فكان مثلكم كمثل رجل في سفر(2)فأصابه عطش شديد حتّى خشي أن يهلك،فلقي رجلا هاديا في الطريق،فسأله عن الماء،فقال له:أمامك عينان:إحداهما مالحة،و الأخرى عذبة،فإن أصبت المالحةضللت،و إن أصبت العذبة هديت(3)و رويت،فهذا مثلكم أيّتها الأمّةالمهملة كما زعمتم،و أيم اللّه ما أهملتم،لقد نصب لكم علم،يحل لكم الحلال،و يحرّم عليكم الحرام،و[اللّه]لو أطعتموه ما اختلفتم،و لاتدابرتم،[و لا تقاطعتم]،و لا تقاتلتم،و لا بري ء بعضكم من بعض،فو اللّه..
ص: 299
إنّكم بعده لناقضون عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1)،و إنّكم على عترته لمختلفون،إن سئل(2)هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه(3)،فقد أبعدتم،و تخارستم(4)و زعمتم أنّ الخلاف رحمة،هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم،يقول اللّه تعالى جدّه(5):«وَ لاََ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اِخْتَلَفُوامِنْ بَعْدِ مََا جََاءَهُمُ اَلْبَيِّنََاتُ وَ أُولََئِكَ لَهُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ »(6).
ثم أخبرنا باختلافكم،فقال سبحانه:«وَ لاََ يَزََالُونَ مُخْتَلِفِينَ `إِلاََّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذََلِكَ خَلَقَهُمْ »(7)أي للرّحمة و هم آل محمّد،سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:يا عليّ!أنت و شيعتك على الفطرة و الناس منهابراء،فهلاّ قبلتم من نبيّكم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم!كيف و هو خبّركم بانتكاصكم(8)عن وصيّه[عليّ بن أبي طالب عليه السّلام]و أمينه،و وزيره،م.
ص: 300
و أخيه،و وليّه[دونكم أجمعين!]و أطهركم قلبا،و أعلمكم علما،و أقدمكم سلما،و أعظمكم وعيا(1)عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أعطاه تراثه،و أوصاه بعداته،فاستخلفه على أمّته،و وضع عنده سرّه،فهو وليّه دونكم أجمعين(2)،و أحقّ به منكم أكتعين(3)،سيد الوصيين،و وصيّ خاتم المرسلين،و أفضل المتّقين،و أطوع الأمّة لربّ العالمين.
سلّمتم عليه بإمرة المؤمنين(4)في حياة سيّد النبيّين و خاتم المرسلين،فقد أعذر من أنذر،و أدّى النصيحة من وعظ،و بصّر من عمى،فقد سمعتم كما سمعنا،و رأيتم كما رأينا،و شهدتم كما شهدنا.
فقام اليه عبد الرحمن بن عوف،و أبو عبيدة بن الجرّاح،و معاذ بن جبل(5)فقالوا:يا أبيّ،أصابك خبل؟(6)أم بك جنّة؟فقال:بل الخبل فيكم،[و اللّه]كنت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوما،فألفيته يكلّم7.
ص: 301
رجلا أسمع كلامه(1)و لا أرى وجهه(2)،فقال[له]فيما يخاطبه:ما أنصحه لك(3)و لأمّتك و أعلمه بسنّتك،فقال[له]رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أفترى أمّتي تنقاد له من بعدي؟فقال:يا محمّد!يتبعه من أمّتك أبرارها،و يخالف عليه من أمّتك فجّارها،و كذلك أوصياء النبيّين من قبلك،يا محمّد!إنّ موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون،و كان أعلم بني اسرائيل و أخوفهم للّه(4)،و أطوعهم له،فأمره(5)اللّه عز و جل أن يتّخذه وصيّا،كما اتّخذت عليّا وصيّا،و كما أمرت بذلك،فحسده بنوإسرائيل،سبط موسى خاصة،فلعنوه و شتموه و عنّفوه و وضعوا له(6)،فإن أخذت أمّتك سنن بني إسرائيل،كذّبوا وصيّك،و جحدوا أمره(7)،و ابتزّوا(8)خلافته،و غالطوه في علمه.
فقلت:يا رسول اللّه من هذا؟فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«هذاملك من ملائكة ربّي عزّ و جلّ،ينبئني أنّ أمّتي تتخلّف على(9)وصيّي..
ص: 302
عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه.
و إنّي أوصيك يا أبيّ بوصيّة إن حفظتها لم تزل بخير،يا أبيّ عليك بعليّ(1)،فإنّه الهادي المهديّ،الناصح لأمّتي،المحيي لسنّتي،و هوإمامكم بعدي،فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه،يا أبيّ!و من غيّرأو بدّل(2)،لقيني ناكثا لبيعتي(3)،عاصيا أمري،جاحدا لنبوّتي،لا أشفع له عند ربّي،و لا أسقيه من حوضي».
فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا[له]:«أقعد رحمك اللّه يا أبيّ،فقد أدّيت ما سمعت و وفيت بعهدك»(4)،(5).
********ج.
ص: 303
[53]
عن جعفر بن محمّد،عن أبيه،عن جدّه عليهم السّلام،قال:لمّا كان من أمر أبي بكر و بيعة الناس له و فعلهم بعليّ عليه السّلام،لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط،و يرى منه الانقباض فكبر ذلك على أبي بكر،و أحبّ لقاءه و استخراج ما عنده،و المعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه،و تقليدهم إيّاه أمر الأمّة و قلّة رغبته في ذلك و زهده فيه.
أتاه في وقت غفلة و طلب منه الخلوة،فقال:يا أبا الحسن!و اللّه ما كان هذا الأمر عن مواطاة منّي و لا رغبة فيما وقعت فيه و لا حرص عليه(1)،و لا ثقة بنفسي فيما تحتاج اليه الأمّة،و لا قوة لي بمال و لا كثرةالعشيرة،و لا استيثار به دون غيري(2)فما لك تضمر عليّ ما لم أستحقّه منك،و تظهر لي الكراهة لما صرت فيه،و تنظر إليّ بعين الشنائة لي؟(3).
قال:فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:فما حملك عليه إذا لم ترغب
ص: 304
فيه(1)،و لا حرصت عليه و لا وثقت بنفسك فى القيام به؟!!
قال:فقال أبو بكر:حديث سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّه لا يجمع أمّتي على ضلال»فلمّا رأيت إجماعهم(2)اتّبعت قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أحلت أن يكون إجماعهم على خلاف الهدى من الضلال،فأعطيتهم قود(3)الإجابة،و لو علمت أنّ أحدا يتخلّف لامتنعت.
فقال عليّ عليه السّلام:أمّا ما ذكرت من حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّه لا يجمع أمّتي على ضلال»أفكنت من الأمّة أم لم أكن؟قال:بلى.
قال:و كذلك العصابة الممتنعة عنك:من سلمان،و عمّار،و أبي ذر،و المقداد،و ابن عبادة و من معه من الأنصار؟قال:كلّ من الأمّة.
قال عليّ عليه السّلام:فكيف تحتجّ بحديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمثال هؤلاء قد تخلّفوا عنك؟!و ليس للأمّة فيهم طعن و لا في صحبةالرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لصحبته منهم تقصير(4).قال:ما علمت بتخلّفهم إلاّ من بعد إبرام الأمر،و خفت إن قعدت عن الأمر،أن يرجع الناس مرتدّين عن الدين،و كان ممارستهم إليّ إن أجبتهم أهون مؤونةر.
ص: 305
على الدين و إبقاء له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعون كفارا،و علمت أنّك لست بدوني في الإبقاء عليهم و على أديانهم.
فقال عليّ عليه السّلام:أجل و لكن أخبرني عن الذي يستحقّ هذا الأمربما يستحقه؟
فقال(1)أبو بكر:بالنصيحة،و الوفاء،و دفع المداهنة،و المحاباة(2)،و حسن السيرة،و إظهار العدل،و العلم بالكتاب و السنّة،و فصل الخطاب،مع الزهد في الدنيا،و قلّة الرغبة فيها،و انتصاف المظلوم من الظالم للقريب و البعيد،ثم سكت.
فقال عليّ عليه السّلام:و السابقة،و القرابة.
فقال أبو بكر:و السابقة و القرابة.
فقال عليّ عليه السّلام:أنشدك باللّه يا أبا بكر،أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيّ؟(3).قال أبو بكر:بل فيك يا أبا الحسن.
قال:فأنشدك باللّه،أنا المجيب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل ذكران المسلمين(4)أم أنت؟قال:بل أنت(5).8.
ص: 306
قال عليّ عليه السّلام:فأنشدك باللّه،أنا صاحب الأذان لأهل الموسم و الجمع الأعظم للأمّة بسورة براءة أم أنت؟قال:بل أنت(1).
قال:فأنشدك باللّه[يا أبا بكر]،أنا وقيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بنفسي يوم الغار أم أنت؟قال:بل أنت(2).
قال:فأنشدك باللّه،أنا المولى لك و لكلّ مسلم بحديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم الغدير أم أنت؟قال:بل أنت(3).
قال:فأنشدك باللّه،ألي الولاية من اللّه مع ولاية رسوله في آيةالزكاة بالخاتم(4)أم لك؟قال:بل لك.
قال:فأنشدك باللّه،ألي الوزارة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المثل من هارون من موسى أم لك؟(5).قال:بل لك.
قال:فأنشدك باللّه،أبي برز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بأهلي و ولدي في مباهلة المشركين،أم بك و بأهلك و ولدك؟(6).قال:بل بكم.م.
ص: 307
قال:فأنشدك باللّه،ألي و لأهلي و ولدي آية التطهير من الرجس أم لك و لأهل بيتك؟(1)قال:بل لك و لأهل بيتك.
قال:فأنشدك باللّه،أنا صاحب دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهلي و ولدي يوم الكساء«اللّهم هؤلاء أهلي(2)إليك لا إلى النار»أم أنت؟(3)قال:بل أنت و أهلك و ولدك.
قال:فأنشدك باللّه،أنا صاحب آية:«يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخََافُونَ يَوْماًكََانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً»(4)أم أنت؟قال:بل أنت(5).
قال:فأنشدك باللّه،أنت الذي ردّت له(6)الشمس لوقت صلاته فصلاّها ثم توارت أم أنا؟(7).قال:بل أنت.
قال:فأنشدك باللّه،أنت الفتى الذي نودي من السماء:«لا سيف إلاّذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ»أم أنا؟(8).قال:بل أنت.ن-
ص: 308
قال:فأنشدك باللّه،أنت الذي حباك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم برايته يوم خيبر،ففتح اللّه له أم أنا؟قال:بل أنت(1).
قال:فأنشدك باللّه،أنت الذي نفّست عن رسول اللّه و عن المسلمين بقتل عمرو بن عبد ودّ أم أنا؟قال:بل أنت(2).
قال:فأنشدك باللّه،أنت الّذي ائتمنك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على رسالته إلى الجنّ فأجابت أم أنا؟قال:بل أنت(3).
قال:فأنشدك باللّه،أنا الذي طهّره اللّه من السّفاح(4)من لدن آدم إلى أبيه،بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«خرجت أنا و أنت من نكاح لامن سفاح،من لدن آدم إلى عبد المطلب»أم أنت؟قال:بل أنت(5).
قال:فأنشدك باللّه،أنا الذي اختارني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وزوّجني ابنته فاطمة عليهاالسّلام،و قال:«اللّه زوّجك إيّاها في السماء»أم أنت؟قال:بل أنت(6).
ق-المغازلي،ص 197-199.9.
ص: 309
قال:فأنشدك باللّه،أنا والد الحسن و الحسين سبطيه و ريحانتيه إذيقول:«هما سيّدا شباب أهل الجنّة و أبوهما خير منهما»أم أنت؟قال:بل أنت(1).
قال:فأنشدك باللّه،أخوك المزيّن بالجناحين يطير في الجنة مع الملائكة أم أخي؟قال:بل أخوك(2).
قال:فأنشدك باللّه،أنا ضمنت دين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ناديت في المواسم بإنجاز مواعده(3)أم أنت؟قال:بل أنت(4).
قال:فأنشدك باللّه،أنا الذي دعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الطّير عنده يريد أكله يقول:«اللّهم إيتني بأحبّ خلقك إليّ و إليك بعدي يأكل معي من هذا الطير»فلم يأته غيري أم أنت؟قال:بل أنت(5).
قال:فأنشدك باللّه،أنا الذي بشّرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقتال الناكثين،و القاسطين،و المارقين،على تأويل القرآن أم أنت؟قال:بل أنت(6).
قال:فأنشدك باللّه،أنا الّذي دلّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم0.
ص: 310
بعلم القضاء و فصل الخطاب بقوله:«عليّ أقضاكم»أم أنت؟قال:بل أنت(1).
قال:فأنشدك باللّه،أنا الذي أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أصحابه بالسلام عليه بالإمرة في حياته أم أنت؟(2)قال:بل أنت.
قال:فأنشدك باللّه،أنا الذي شهدت آخر كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و وليت غسله و دفنه أم أنت؟قال:بل أنت(3).
قال:فأنشدك باللّه،أنت الذي سبقت له القرابة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أم أنا؟قال:بل أنت(4).
قال:فأنشدك باللّه أنت الذي حباك اللّه بالدينار عند حاجته إليه وباعك جبرئيل،و أضفت محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأطعمت(5)ولده أم أنا؟قال:فبكى أبو بكر و قال(6):بل أنت(7).
قال:فأنشدك باللّه،أنت الذي جعلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم4.
ص: 311
على كتفه في طرح صنم الكعبة و كسره حتّى لو شئت أن أنال أفق السّماءلنلتها(1)أم أنا؟قال:بل أنت(2).
قال:فأنشدك باللّه،أنت الذي قال لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أنت صاحب لواي في الدنيا و الآخرة»أم أنا؟قال:بل أنت(3).
قال:فأنشدك باللّه،أنت الذي أمرك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بفتح بابه في مسجده عند ما أمر بسدّ أبواب جميع أهل بيته و أصحابه و أحلّ لك فيه ما أحلّ اللّه له أم أنا؟قال:بل أنت(4).
قال:فأنشدك باللّه،أنت الذي قدّمت بين يدي نجوى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم صدقة فناجيته إذ عاتب اللّه قوما فقال:«أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوابَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقََاتٍ »-(5)الآية،أم أنا؟قال:بل أنت(6).
قال:فأنشدك باللّه،أنت الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة:«زوّجتك أول الناس إيمانا،و أرجحهم إسلاما في كلام له»أم أنا؟قال:بل أنت(7).1.
ص: 312
قال:فأنشدك باللّه يا أبا بكر،أنت الذي سلّمت عليه ملائكة سبع سماوات يوم القليب(1)أم أنا؟قال:بل أنت(2).
قال:فلم يزل عليّ عليه السّلام يورد مناقبه التي جعل اللّه له و رسوله صلى اللّه عليه و آله و سلّم دونه،و دون غيره،و يقول له أبو بكر:بل أنت.
قال:فبهذا و شبهه يستحقّ(3)القيام بأمور أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم،فما الذي غرّك عن اللّه تعالى و عن رسوله و دينه و أنت خلوّ مما يحتاج إليه أهل دينه.
قال:فبكى أبو بكر و قال:صدقت يا أبا الحسن،أنظرني قيام يومي(4)فأدبّر ما أنا فيه و ما سمعت منك.
قال:فقال عليّ عليه السّلام:لك ذلك يا أبا بكر.
فرجع من عنده و طابت نفسه يومه و لم يأذن لأحد الى اللّيل،و عمريتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعليّ عليه السّلام،فبات في ليلته فرأى في منامه كأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تمثّل له في مجلسه فقام إليه أبو بكريسلّم عليه،فولّى عنه وجهه،فصار مقابل وجهه،فسلّم عليه فولّى وجهه..
ص: 313
عنه(1)،فقال أبو بكر:يا رسول اللّه!أمرت بأمر لم أفعله؟(2)فقال أردّ عليك السّلام،و قد عاديت من والاه اللّه و رسوله؟!ردّ الحقّ إلى أهله.فقلت:من أهله؟قال:من عاتبك عليه عليّ،قلت:فقد رددته عليه يا رسول اللّه ثم لم يره.
فأصبح و بكّر(3)إلى عليّ عليه السّلام و قال:ابسط يدك يا أبا الحسن أبايعك،و أخبره بما قد رأى،قال:فبسط عليّ يده فمسح عليها أبو بكرو بايعه و سلّم اليه و قال له:أخرج إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأخبرهم بما رأيت من ليلتي،و ما جرى بيني و بينك،و أخرج نفسي من هذا الأمر و أسلّمه إليك،قال:فقال عليّ عليه السّلام:نعم.
فخرج من عنده متغيّرا لونه عاتبا نفسه(4)،فصادفه عمر-و هو في طلبه-فقال له:ما لك يا خليفة رسول اللّه؟فأخبره بما كان و ما رأى و ماجرى بينه و بين عليّ،فقال له عمر:أنشدك باللّه،يا خليفة رسول اللّه و الإغترار بسحر بني هاشم و الثقة بهم فليس هذا بأول سحر منهم،فما زال به حتّى ردّه عن رأيه،و صرفه عن عزمه،و رغّبه فيما هو فيه بالثبات عليه(5)،و القيام به...
ص: 314
قال:فأتى عليّ عليه السّلام المسجد على الميعاد،فلم ير فيه منهم أحدافأحسّ بشي ء منهم،فقعد إلى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.قال:فمرّ به عمر،فقال:يا عليّ!دون ما تريد خرط القتاد(1)فعلم-عليه السّلام-بالأمرو رجع إلى بيته(2).
********م.
ص: 315
احتجاج سلمان الفارسي على عمر بن الخطاب في جواب كتاب كتبه اليه حين كان عامله على المداين بعد حذيفة بن اليمان(1)
ص: 316
[54]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
من سلمان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى عمر بن الخطاب.
أما بعد:فإنّه أتاني منك كتاب يا عمر،تؤنّبني(1)و تعيّرني،و تذكرفيه أنّك بعثتني أميرا على أهل المدائن،و أمرتني أن أقص أثر(2)حذيفةو أستقصي أيّام أعماله و سيره،ثم أعلمك قبيحها و حسنها،و قد نهاني اللّه عن ذلك يا عمر في محكم كتابه العزيز حيث قال-جلّ و علا-:«يََا أَيُّهَااَلَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ اَلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ اَلظَّنِّ إِثْمٌ وَ لاََ تَجَسَّسُواوَ لاََ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اِتَّقُوا اَللََّهَ إِنَّ اَللََّهَ تَوََّابٌ رَحِيمٌ »(3)و ما كنت لأعصي اللّه في أثر حذيفةو أطيعك.
و أمّا ما ذكرت أنّي أقبلت على سفّ الخوص(4)و أكل الشعير،فماهما ممّا يعيّر به(5)مؤمن و يؤنّب عليه،و أيم اللّه يا عمر،لأكل الشعير..
ص: 317
و سفّ الخوص،و الإستغناء بهما عن رفيع المطعم و المشرب،و عن غصب مؤمن حقه و ادّعاء ما ليس له بحقّ،أفضل و أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ و أقرب للتقوى،و لقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أصاب الشعيرأكله و فرح به و لم يسخطه.
و أمّا ما ذكرت من عطائي(1)فإنّي قدّمته ليوم[فقري و]فاقتي و حاجتي[اليه]،و ربّ العزّة يا عمر،ما أبالي إذا جاز طعامي لهواتي(2)و انساغ(3)في حلقي لباب البر(4)و مخ المعز(5)كان أو خشارة(6)الشعير.
و أما قولك:إنّي ضعّفت سلطان اللّه و هنته،و أذللت نفسي و امتهنتها(7)حتّى جهل أهل المدائن إمارتي،و اتّخذوني جسرا يمشون فوقي،و يحملون عليّ ثقل حمولتهم،و زعمت أنّ ذلك مما يوهن سلطان اللّه و يذلّه.5.
ص: 318
فاعلم:أنّ التذلل فى طاعة اللّه أحبّ إليّ من التعزز في معصيته،و قدعلمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم[كان]يتألّف الناس و يتقرب منهم،و يتقربون منه في نبوّته و سلطانه،حتّى كأنّه بعضهم في الدنوّ منهم،و قدكان يأكل الجشب(1)و يلبس الخشن،و كان الناس عنده قرشيّهم،[و هاشميّهم]،و عربيّهم،و أبيضهم،و أسودهم،سواء في الدين،و أشهد أنّي سمعته يقول:«من وليّ سبعة من المسلمين بعدي ثم لم يعدل فيهم لقيّ اللّه و هو عليه غضبان»فليتني يا عمر أسلم من عمارة المدائن مع ما ذكرت أنّي ذلّلت(2)نفسي و امتهنتها،فكيف يا عمر،حال من وليّ الأمّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟و إنّي سمعت اللّه تعالى يقول:«تِلْكَ اَلدََّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُهََا لِلَّذِينَ لاََ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لاََ فَسََاداً وَ اَلْعََاقِبَةُلِلْمُتَّقِينَ »(3).
اعلم أنّي لم أتوجّه،أسوسهم و أقيم حدود اللّه فيهم،إلاّ بإرشاد دليل عالم فنهجت فيهم بنهجه،و سرت فيهم بسيرته.
و اعلم أنّ اللّه تبارك و تعالى لو أراد بهذه الأمّة خيرا،أو أراد بهم رشدا،لولّى عليهم أعلمهم و أفضلهم،و لو كانت هذه الأمّة من اللّه خائفين،و لقول نبيّ اللّه متّبعين و بالحق عاملين،ما سمّوك أميرالمؤمنين!!،فاقض ما أنت قاض،إنّما تقضي هذه الحياة الدنيا،و لا تغتر3.
ص: 319
بطول عفو اللّه عنك و تمديده بذلك من تعجيل عقوبته(1).
و اعلم أنّه(2)سيدركك عواقب ظلمك في دنياك و آخرتك،و سوف تسأل عمّا قدّمت و أخّرت،و الحمد للّه وحده(3).
[55]
روى عمرو بن شمر،عن جابر الجعفي،عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه و على آبائه الصلاة و السّلام قال:إنّ عمر بن الخطاب لماحضرته الوفاة و أجمع على الشورى،بعث إلى ستة نفر من قريش:إلى عليّ بن أبي طالب-عليه السّلام-،و إلى عثمان بن عفان،و إلى الزبير بن العوّام،و إلى طلحة بن عبيد اللّه،و عبد الرحمن بن عوف،و سعد بن أبي وقّاص،و أمرهم أن يدخلوا إلى بيت و لا يخرجوا منه حتّى يبايعوا لأحدهم،فإن اجتمع أربعة على واحد،و أبى واحد أن يبايعهم قتل،و إن امتنع اثنان
ص: 320
و بايع ثلاثة قتلا.فاجتمع رأيهم على عثمان[بن عفان].
فلما رأى أمير المؤمنين عليه السّلام ما همّ القوم به من البيعة لعثمان،قام فيهم ليتخذ عليهم الحجّة فقال عليه السّلام لهم:
اسمعوا منّي كلامي فإن يك ما أقول حقّا فاقبلوا،و إن يك باطلافأنكروا،ثم قال لهم:
أنشدكم باللّه الذي يعلم صدقكم إن صدقتم،و يعلم كذبكم إن كذبتم،هل فيكم أحد صلّى القبلتين كلتيهما غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم(1)باللّه هل فيكم من بايع البيعتين كلتيهما:بيعةالفتح،و بيعة الرضوان غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه هل فيكم أحد أخوه المزيّن بالجناحين في الجنةغيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد عمّه سيد الشهداء غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد زوجته سيدة نساء العالمين(2)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد إبناه إبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هما سيدا شباب أهل الجنّة غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد عرف الناسخ من المنسوخ..
ص: 321
غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد أذهب اللّه عنه الرجس و طهّره تطهيرا غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد عاين جبرئيل في مثال دحيةالكلبي غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد أدّى الزكاة و هو راكع غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد مسح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عينيه،و أعطاه الراية يوم خيبر فلم يجد حرّا و لا بردا غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد نصبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم غدير خم بأمر اللّه تعالى،فقال:«من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد هو أخو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الحضر و رفيقه في السفر غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ود يوم الخندق و قتله غيري؟قال:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:
«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»غيري؟قالوا:لا.
ص: 322
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد سمّاه اللّه تعالى(1)في عشرآيات من القرآن مؤمنا غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد ناول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبضة من التراب،فرمى بها في وجوه الكفار فانهزموا،غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أحدحتّى ذهب الناس غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قضى دين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد،إشتاقت الجنّة إلى رؤيته غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد شهد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد غسّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كفّنه و لحّده غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد ورث سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رايته و خاتمه(2)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد جعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم..
ص: 323
طلاق نسائه بيده[بعده]غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد حمله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم على ظهره حتّى كسّر الأصنام على باب الكعبة غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد نودي باسمه من السماء يوم بدر:«لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ عليّ»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد أكل مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم من الطائر المشويّ الذي أهدي إليه غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت صاحب رايتي في الدنيا و صاحب لوائي في الآخرة»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قدّم بين يدي نجواه صدقةغيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد خصف نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنا أخوك و أنت أخي»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت أحبّ الخلق إليّ(1)و أقولهم بالحقّ»غيري؟قالوا:لا.ك.
ص: 324
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد استقى مائة دلو بمائة تمرة و جاءبالتمر،فأطعمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو جائع غيري؟(1)قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد سلّم عليه جبرئيل و ميكائيل و اسرافيل في ثلاثة آلاف(2)من الملائكة يوم بدر غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد غمّض عين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد وحّد اللّه قبلي غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد كان أول داخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آخر خارج من عنده غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد مشى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فمرّ على حديقة فقلت:ما أحسن هذه الحديقة!فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«و حديقتك في الجنّة أحسن من هذه»حتّى مررت على ثلاث حدائق،كلّ ذلك يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«حديقتك في الجنّة[أفضل و]أحسن من هذه»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله..
ص: 325
و سلم:«أنت أوّل من آمن بي و صدّقني و أوّل من يرد عليّ الحوض يوم القيامة»غيري؟(1)قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد،أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بيده و يد امرأته و ابنيه،حين أراد أن يباهل نصارى أهل نجران غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أوّل طالع يطلع عليكم من هذا الباب يا أنس،فإنّه أمير المؤمنين،و سيّد المسلمين،و خير الوصيّين،و أولى الناس بالناس»فقال أنس:اللّهم اجعله رجلا من الأنصار،فكنت أنا الطالع،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأنس:«ما أنت[يا أنس]بأوّل رجل أحبّ قومه»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية:«إِنَّمََا وَلِيُّكُمُ اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاََةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكََاةَ وَ هُمْ رََاكِعُونَ »(2)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد أنزل اللّه فيه و في ولده:«إِنَ اَلْأَبْرََارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كََانَ مِزََاجُهََا كََافُوراً»(3)إلى آخر السورة غيري؟قالوا:لا.5.
ص: 326
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد أنزل اللّه تعالى فيه:«أَ جَعَلْتُمْ سِقََايَةَ اَلْحََاجِّ وَ عِمََارَةَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرََامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللََّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ جََاهَدَفِي سَبِيلِ اَللََّهِ لاََ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اَللََّهِ »(1)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد علّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ألف كلمة،كلّ كلمة مفتاح ألف كلمة غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد ناجاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يوم الطائف فقال أبو بكر و عمر:«يا رسول اللّه ناجيت عليّا دوننا»فقال لهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ما أنا ناجيته بل اللّه أمرني بذلك»،غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد سقى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المهراس(2)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت أقرب الخلق منّي يوم القيامة،يدخل بشفاعتك الجنة أكثر من9.
ص: 327
عدد ربيعة و مضر»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«يا عليّ أنت تكسى حين أكسى»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت و شيعتك الفائزون يوم القيامة»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«كذب من زعم أنّه يحبّني و يبغض عليّا»(1)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«من أحبّ شعراتي(2)هذه فقد أحبّني،و من أحبّني فقد أحبّ اللّه-فقيل له:و ما شعراتك يا رسول اللّه؟-قال:عليّ،و الحسن،و الحسين،و فاطمة»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت خير البشر بعد النبيّين»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت الفاروق(3)تفرّق بين الحق و الباطل»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت أفضل الخلايق عملا يوم القيامة بعد النبيّين»غيري؟قالوا:لا...
ص: 328
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كساءه عليه و على زوجته و على ابنيه(1)ثم قال:«اللّهمّ أنا و أهل بيتي إليك لا إلى النّار»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الطعام و هو في الغار و يخبره الأخبار غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«لا سرّ دونك»(2)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت أخي و وزيري و صاحبي من أهلي»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أنت أقدمهم سلما و أفضلهم علما و أكثرهم حلما»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قتل مرحبا اليهوديّ،فارس اليهود مبارزة(3)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد عرض عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم الإسلام فقال له:«أنظرني حتّى ألقى والديّ»فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«فإنّها أمانة عندك فقلت:فإن كان أمانة عندي فقد أسلمت»غيري؟قالوا:لا...
ص: 329
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد احتمل باب خيبر حين فتحهافمشى به مائة ذراع ثم عالجه بعده أربعون رجلا فلم يطيقوه غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية:«يََا أَيُّهَااَلَّذِينَ آمَنُوا إِذََا نََاجَيْتُمُ اَلرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوََاكُمْ صَدَقَةً »(1)فكنت أنا الذي قدّم[الصدقة](2)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«من سبّ عليّا فقد سبّني،و من سبّني فقد سبّ اللّه»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«منزلي مواجه منزلك في الجنّة»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«قاتل اللّه من قاتلك و عادى اللّه من عاداك»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين أراد أن يسير إلى المدينة و وقاه بنفسه من المشركين حين أرادوا قتله غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت أولى النّاس بأمّتي بعدي»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».
ص: 330
و سلم:«أنت يوم القيامة عن يمين العرش و اللّه تعالى يكسوك ثوبين:أحدهماأخضر و الآخر ورديّ»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد صلّى قبل الناس بسبع سنين و أشهر،غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنا يوم القيامة آخذ بحجزة ربّي و الحجزة النور و أنت آخذ بحجزتي و أهل بيتي آخذون بحجزتك»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت كنفسي و حبّك حبّي و بغضك بغضي»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«ولايتك كولايتي عهد عهده إليّ ربّي و أمرني أن أبلّغكموه»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«اللّهم اجعله لي عونا و عضدا و ناصرا»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«المال يعسوب الظلمة و أنت يعسوب المؤمنين»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«لأبعثنّ إليكم رجلا امتحن اللّه قلبه للإيمان»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد أطعمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم رمّانة و قال:«هذه من رمّان الجنة لا ينبغي أن يأكل منه إلاّ نبيّ أو وصيّ
ص: 331
نبيّ»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«ما سألت ربّي شيئا إلاّ أعطانيه،و لم أسأل ربّي شيئا(1)إلاّ سألت لك مثله»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت أقومهم بأمر اللّه و أوفاهم بعهد اللّه و أعلمهم بالقضية،و أقسمهم بالسوية و أعظمهم عند اللّه عزّ و جلّ مزيّة»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«فضلك على هذه الأمّة كفضل الشمس على القمر،و كفضل القمرعلى النجوم»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«[يا عليّ](2)يدخل اللّه وليّك الجنة و عدوّك النار»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«الناس من أشجار شتّى و أنا و أنت من شجرة واحدة»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنا سيّد ولد آدم و أنت سيّد العرب(3)و لا فخر»غيري؟قالوا:لا...
ص: 332
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد رضي اللّه عنه في آيتين من القرآن غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«موعدك موعدي و موعد شيعتك الحوض(1)إذا خافت الأمم و وضعت الموازين»(2)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«اللّهم إنّي أحبّه فأحبّه،اللّهم إنّي أستودعكه»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«أنت تحاجّ الناس فتحجّهم(3)بإقامة الصلاة،و إيتاء الزكاة،و الأمربالمعروف و النّهي عن المنكر،و إقام الحدود،و القسم بالسويّة»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بيده«يوم غدير خم»(4)فرفعها حتّى نظر الناس إلى بياض إبطيه و هويقول:«ألا إنّ هذا ابن عمّي و وزيري فوازروه و ناصحوه و صدّقوه فإنّه وليّكم من بعدي»غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية:«وَ يُؤْثِرُونَ ..
ص: 333
عَلى ََ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كََانَ بِهِمْ خَصََاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولََئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ »(1)غيري؟قالوا:لا.
قال:نشدتكم باللّه،فهل فيكم أحد كان جبرئيل-عليه السّلام-أحدضيفانه غيري؟قالوا:لا.
قال:(2)فهل فيكم أحد أعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حنوطامن حنوط الجنة ثم قال:(3)أقسمه أثلاثا:ثلثا لي تحنطني به،و ثلثالابنتي[فاطمة]،و ثلثا لك(4)،غيري؟قالوا:لا.
قال:فهل فيكم أحد كان إذا دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيّاه و أدناه و رحّب به و تهلّل له وجهه غيري؟قالوا:لا.
قال:فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أنا أفتخربك يوم القيامة إذا افتخرت الأنبياء بأوصيائها»غيري؟قالوا:لا.
قال:فهل فيكم أحد سرّحه(5)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسورةبراءة إلى المشركين من أهل مكة[بأمر اللّه](6)غيري؟قالوا:لا.
قال:فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّي».
ص: 334
لأرحمك من ضغائن(1)في صدور أقوام عليك لا يظهرونها حتّى يفقدوني(2)فإذا فقدوني خالفوا فيها»غيري؟قالوا:لا.
قال:فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم«أدّى اللّه عن أمانتك،أدّى اللّه عن ذمّتك»غيري؟قالوا:لا.
قال:فهل فيكم أحد قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أنت قسيم النار،تخرج منها من زكا و تذر فيها كلّ كافر»غيري؟قالوا:لا.
قال:فهل فيكم أحد،فتح حصن خيبر و سبى بنت مرحب فأدّاها(3)الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،غيري؟قالوا:لا.
قال:فهل فيكم أحد،قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ترد عليّ الحوض أنت و شيعتك رواء مرويين مبيضّة وجوههم،و يرد عليّ عدوّك ظماء مظمئين مقتحمين(4)مسودّة وجوههم»(5)غيري؟قالوا:لا.
ثم قال لهم أمير المؤمنين عليه السّلام:أما إذا أقررتم على أنفسكم،و استبان لكم ذلك من قول نبيّكم-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-،فعليكم بتقوى اللّه وحده لا شريك له،و أنهاكم عن سخطه و لا تعصوا أمره(6)،و ردّوا الحقه.
ص: 335
الى أهله،و اتّبعوا سنّة نبيّكم،فانّكم إن خالفتم،خالفتم اللّه فادفعوها إلى من هو أهلها و هي له.
قال:فتغامزوا فيما بينهم و تشاوروا و قالوا:«قد عرفنا فضله،و علمناأنّه أحقّ الناس بها،و لكنّه رجل لا يفضّل أحدا على أحد،فإن ولّيتموها إيّاه جعلكم و جميع الناس فيها شرعا سواء،و لكن ولّوها عثمان فإنّه يهوى الذي تهوون»فدفعوها اليه!!!(1).
********ا.
ص: 336
[56]
روي عن سليم بن قيس الهلالي أنّه قال:رأيت عليّا عليه السّلام في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،في خلافة عثمان و جماعة يتحدّثون و يتذاكرون العلم،فذكروا قريشا و فضلها و سوابقها و هجرتها،و ما قال فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الفضل،مثل قوله:«الأئمة من قريش»و قوله:«الناس تبع لقريش و قريش أئمة العرب»و قوله:«لا تسبّوا(1)قريشا»و قوله:«إنّ للقرشيّ مثل قوّة رجلين من غيرهم»و قوله:«من أبغض قريشا أبغضه اللّه»و قوله:«من أراد هوان قريش أهانه اللّه».
[و ذكروا المهاجرين،و ما ذكرهم اللّه في كتابه و تقديمهم على الأنصار،و ما أثنى اللّه عليهم عزّ و جل في كتابه و ما قال فيهم رسول اللّه صلى
ص: 337
اللّه عليه و آله و سلّم من الفضل](1).
و ذكروا الأنصار و فضلها و سوابقها و نصرتها،و ما أثنى اللّه عليهم في كتابه،و ما قال فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الفضل[مثل قوله:«الأنصار كرشي و عيبتي»و مثل قوله:«من أحبّ الأنصار أحبّه اللّه،و من أبغض الأنصار أبغضه اللّه»و مثل قوله(ص):«لا يبغض الأنصار رجل يؤمن باللّه و برسوله»و قوله:«لو سلك الناس شعبا لسلكت شعب الأنصار»](2).
و ذكروا ما قال[رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم]فى سعد بن معاذ في جنازته:و أنّ العرش اهتزّ لموته،و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا جي ء إليه بمناديل من اليمن فأعجب الناس بها،فقال:«لمناديل سعد في الجنّةأحسن منها»و الذي غسلته الملائكة،و الذي حمته الدبر(3)،فلم يدعواشيئا من فضلهم(4)،حتى قال كلّ حيّ[منها](5):«منّا فلان و فلان»،».
ص: 338
و قالت قريش:«منا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و منّا حمزة،و منّا جعفر،و منّا عبيدة بن الحارث،و زيد بن حارثة،و منّا أبو بكر،و عمر،و سعد،و أبو عبيدة،و سالم و ابن عوف»فلم يدعوا من الحيّين أحدا من أهل السابقةإلاّ سمّوه،و في الحلقة أكثر من مائتي رجل،فيهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و سعد بن أبي وقاص،و عبد الرحمن بن عوف،و طلحة،و الزبير،و عمار،و المقداد،و أبو ذر،و هاشم بن عتبة،و ابن عمر،و الحسن،و الحسين عليهما السّلام،و ابن عباس،و محمد بن أبي بكر،و عبد اللّه بن جعفر.
و من الأنصار:أبيّ بن كعب،و زيد بن ثابت،و أبو أيّوب الأنصاريّ،و أبو هيثم بن التيهان،و محمّد بن سلمة،و قيس بن سعد بن عبادة،و جابربن عبد اللّه،و أنس بن مالك،و زيد بن أرقم،و عبد اللّه بن أبي أوفى،و أبوليلى و معه ابنه:عبد الرحمن قاعد بجنبه(1)،غلام صبيح الوجه مديد القامةأمرد(2)،فجاء أبو الحسن البصري و معه ابنه الحسن غلام أمرد صبيح الوجه معتدل القامة،قال:فجعلت أنظر إليه و إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى،فلاأدري أيّهما أجمل،غير أنّ الحسن أعظمهما و أطولهما.
و أكثر القوم في الحديث،و ذلك من بكرة الى حين الزوال،و عثمان في داره لا يعلم بشي ء ممّا هم فيه،و عليّ بن أبي طالب-عليه السّلام-لا ينطقه.
ص: 339
هو و لا أحد من أهل بيته،فأقبل القوم عليه فقالوا:يا أبا الحسن!ما يمنعك أن تتكلم؟
فقال عليه السّلام لهم:ما من الحيّين أحد إلاّ و قد ذكر فضلا،و قال حقّا،فأنا أسألكم يا معشر قريش و الأنصار،بمن أعطاكم اللّه هذا الفضل،أبأنفسكم و عشائركم و أهل بيوتاتكم أم بغيركم؟
قالوا:بل أعطانا اللّه و منّ به علينا بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عشيرته،لا بأنفسنا و عشائرنا و لا بأهل بيوتنا(1).
قال:صدقتم يا معشر قريش و المهاجرين(2)و الأنصار،أتعلمون أنّ الذي نلتم به من خير الدنيا و الآخرة منّا أهل البيت خاصة دون غيرهم؟فإنّ ابن عمّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إنّي و أهل بيتي كنّا نورا بين يدي اللّه تبارك و تعالى قبل(3)أن يخلق اللّه عز و جل آدم بأربعة عشر ألف سنة،فلما خلق اللّه آدم وضع ذلك النور في صلبه و أهبطه إلى الأرض،ثم حمله في السفينة في صلب نوح عليه السّلام،ثم قذف به في النار في صلب ابراهيم عليه السّلام،ثم لم يزل اللّه عزّ و جلّ ينقلنا من الأصلاب الكريمة الى الأرحام الطاهرة،و من الأرحام الطاهرة الى الأصلاب الكريمة،من الاباءو الأمّهات،لم يلتق واحد منهم على سفاح قط»...
ص: 340
فقال أهل السابقة،و أهل بدر،و أهل أحد:نعم قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ثم قال:أنشدكم باللّه،أتعلمون أنّي أوّل الأمّة إيمانا باللّه و برسوله؟قالوا:اللّهم نعم.
قال:فأنشدكم باللّه،أتعلمون أنّ اللّه عزّ و جلّ فضّل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية،و أنّي لم يسبقني إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحد من هذه الأمّة؟قالوا:اللّهم نعم.
قال:فأنشدكم باللّه،أتعلمون حيث نزلت:«وَ اَلسََّابِقُونَ اَلْأَوَّلُونَ مِنَ اَلْمُهََاجِرِينَ وَ اَلْأَنْصََارِ»(1)«وَ اَلسََّابِقُونَ اَلسََّابِقُونَ `أُولََئِكَ اَلْمُقَرَّبُونَ »(2)سئل عنها(3)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:«أنزله اللّه عزّ و جلّ في الأنبياء و أوصيائهم،فأنا أفضل أنبياء اللّه و رسله،و عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وصيّي أفضل الأوصياء»قالوا:اللّهم نعم.
قال:فأنشدكم باللّه،أتعلمون حيث نزلت:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُواأَطِيعُوا اَللََّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ »(4)و حيث نزلت:«إِنَّمََاوَلِيُّكُمُ اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاََةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكََاةَ9.
ص: 341
وَ هُمْ رََاكِعُونَ »(1)و حيث نزلت:«وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اَللََّهِ وَ لاََ رَسُولِهِ وَ لاَاَلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً »(2)قال الناس:«يا رسول اللّه أخاصّة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟»فأمر اللّه عز و جل نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يعلمهم ولاة أمرهم،و أن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم،و زكاتهم،و صومهم،و حجّهم،فنصبني للناس علما بغدير خم.
ثم خطب فقال:«أيّها الناس إنّ اللّه تعالى أرسلني برسالة ضاق بهاصدري و ظننت(3)أنّ الناس مكذّبيّ فأوعدني لأبلغنّها أو ليعذّبني»ثم أمرفنودي بالصلاة جامعة،ثم خطب فقال:
«أيّها الناس أتعلمون أنّ اللّه عزّ و جلّ مولاي و أنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم من أنفسهم»قالوا:بلى يا رسول اللّه.قال:قم يا عليّ،فقمت فقال:«من كنت مولاه فعليّ مولاه،اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه».
فقام سلمان فقال:«يا رسول اللّه ولاءه كماذا؟»فقال:«ولاءه كولائي،فمن كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه»فأنزل اللّه عزّو جلّ:«اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ،وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي،وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاََمَ دِيناً»(4)فكبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال:«اللّه أكبر على3.
ص: 342
تمام نبوّتي(1)،و تمام دين اللّه،ولاية عليّ بعدي».
فقام أبو بكر و عمر فقالا:يا رسول اللّه!هذه الآيات(2)خاصّة في عليّ؟
قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«بلى،فيه و في أوصيائي إلى يوم القيامة».
قالا:«يا رسول اللّه بيّنهم لنا».
قال:عليّ أخي،و وزيري،و وارثي،و وصيّي،و خليفتي في أمّتي،مولى كلّ مؤمن و مؤمنة بعدي(3)،ثم ابني الحسن ثم ابني الحسين(4)،ثم تسعة من ولد الحسين واحدا بعد واحد،القرآن معهم و هم مع القرآن،لا يفارقونه و لا يفارقهم،حتّى يردوا عليّ الحوض.
فقالوا كلّهم:اللّهم نعم،قد سمعنا ذلك و شهدنا كما قلت سواء.و قال بعضهم:قد حفظنا جلّ ما قلت و لم نحفظ كلّه،و هؤلاء الذين حفظواأخيارنا و أفاضلنا.
فقال عليّ عليه السّلام:صدقتم،ليس كل الناس يستوي فى الحفظ.أنشدكم باللّه،من حفظ ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا قام و أخبربه؟
فقام زيد بن أرقم،و البراء بن عازب،و أبو ذر،و المقداد،و عمّار،..
ص: 343
فقالوا:نشهد لقد حفظنا قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو قائم على المنبر و أنت إلى جنبه و هو يقول:أيها الناس!أمرني اللّه أن أنصب لكم إمامكم و القائم فيكم بعدي و وصيّي و خليفتي،و الذي فرض اللّه على المؤمنين في كتابه طاعته،و قرنه بطاعته و طاعتي،و أمركم بولايته و إنّي راجعت ربّي خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم،فأوعدني ربّي لأبلّغنّها(1)أو ليعذّبني.
أيّها الناس!إنّ اللّه أمركم في كتابه بالصلاة فقد بيّنتها لكم،و الزكاة و الصوم و الحج فبيّنتها(2)لكم و فسّرتها،و أمركم بالولاية و إنّي أشهدكم أنّها لهذا خاصّة-و وضع يده على يد عليّ بن أبي طالب-ثم لابنيه من بعده،ثم للأوصياء من بعدهم من ولدهم عليهم السّلام لا يفارقون القرآن و لا يفارقهم القرآن،حتى يردوا عليّ الحوض.
أيّها الناس!قد بيّنت لكم مفزعكم بعدي،و إمامكم،و دليلكم،و هاديكم،و هو أخي(عليّ بن أبي طالب)و هو فيكم بمنزلتي فيكم،فقلّدوه دينكم،و أطيعوه في جميع أموركم،فانّ عنده جميع ما علّمني اللّه عزّو جلّ من علمه و حكمته،فاسألوه و تعلّموا منه و من أوصيائه بعده،و لاتعلّموهم،و لا تتقدّموهم،و لا تخلّفوا عنهم(3)،فإنّهم مع الحقّ و الحقّ معهم لا يزايلونه و لا يزايلهم».ثم جلسوا...
ص: 344
قال سليم:ثم قال عليّ عليه السّلام:
أيّها الناس،أتعلمون أنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل في كتابه:«إِنَّمََا يُرِيدُاَللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(1)فجمعني و فاطمة و ابنيه حسنا و حسينا،ثم ألقى علينا كساء فدكيّا و قال(2):«اللّهم هؤلاء أهل بيتي و لحمي(3)،يؤلمني ما يؤلمهم،و يجرحني ما يجرحهم،فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا»فقالت أم سلمة:و أنا يا رسول اللّه؟فقال:«أنت إلى خير،إنّما نزلت فيّ،و في أخي عليّ،و في ابنتي فاطمة،و في ابنيّ،و في تسعة من ولد الحسين خاصة،ليس معنا أحدغيرنا».
فقالوا كلّهم:نشهد أنّ أمّ سلمة حدّثتنا بذلك،فسألنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فحدّثنا كما حدّثتنا به أمّ سلمة.
ثم قال عليّ عليه السّلام:أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ اللّه تعالى أنزل:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللََّهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصََّادِقِينَ »؟(4)فقال سلمان:يا رسول اللّه!عامّة هذه الآية أم خاصّة؟فقال:«أمّا المأمورون،فعامّةالمؤمنين أمروا بذلك،و أما الصّادقون،فخاصّة لأخي عليّ و أوصيائي بعده إلى يوم القيامة»فقالوا:اللّهم نعم.9.
ص: 345
قال:أنشدكم باللّه،أتعلمون أنّي قلت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في غزاة تبوك:لم تخلّفني؟فقال(1):«إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك،و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»؟قالوا:اللّهم نعم.
قال:فأنشدكم(2)باللّه،أتعلمون أنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل في سورةالحج:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِرْكَعُوا وَ اُسْجُدُوا وَ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ اِفْعَلُوااَلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ »(3)إلى آخر السورة.
فقام سلمان فقال:يا رسول اللّه،من هؤلاء الّذين أنت عليهم شهيد،و هم شهداء على الناس،الذين اجتباهم اللّه،و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملّة أبيكم ابراهيم؟قال:«عنى بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصّة،دون هذه الأمّة».فقال سلمان:بيّنهم لنا يا رسول اللّه.فقال:«أنا و أخي عليّ و أحد عشر من ولدي»؟قالوا:اللّهم نعم.
قال:أنشدكم باللّه،أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قام خطيبا و لم يخطب بعد ذلك،فقال:«يا أيّها الناس،إنّي تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه،و عترتي أهل بيتي،فتمسّكوا بهما،لا تضلّوا،فإنّ اللطيف الخبير أخبرني و عهد إليّ أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».
فقام عمر بن الخطاب-و هو شبه المغضب-فقال:يا رسول اللّه،أكلّ أهل بيتك؟قال:«لا،و لكن أوصيائي منهم،أوّلهم أخي،و وزيري،7.
ص: 346
و خليفتي في أمّتي،و وليّ كلّ مؤمن و مؤمنة بعدي،هو أولهم،ثم ابني الحسن،ثم ابني الحسين،ثم تسعة من ولد الحسين،واحدا بعد واحد حتّى يردوا عليّ الحوض،شهداء اللّه(1)في أرضه،و حججه على خلقه،و خزّان علمه،و معادن حكمته،من أطاعهم فقد أطاع اللّه(2)،و من عصاهم فقدعصى اللّه».فقالوا كلّهم:نشهد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال ذلك.
ثم تمادى بعليّ عليه السّلام السؤال و المناشدة(3)،فما ترك شيئا إلاّناشدهم اللّه فيه و سألهم عنه،حتّى أتى عليّ عليه السّلام على أكثر مناقبه،و ماقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،كل ذلك يصدّقونه و يشهدون أنّه حق.
ثم قال حين فرغ:«اللّهم اشهد عليهم»و قالوا:اللّهم اشهد أنّا لم نقل إلاّ ما سمعناه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ما حدّثنا من نثق به من هؤلاء و غيرهم،أنّهم سمعوه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال:أتقرّون بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«من زعم أنّه يحبّني و يبغض عليّا فقد كذب و ليس يحبّني»و وضع يده على رأسي فقال له قائل:كيف ذلك يا رسول اللّه؟قال:«لأنّه منّي و أنا منه و من أحبّه فقدأحبّني،و من أحبّني فقد أحبّ اللّه،و من أبغضه فقد أبغضني،و من أبغضني فقد أبغض اللّه»؟قال نحو من عشرين رجلا من أفاضل الحيّين:اللّهم نعم،و سكت بقيتهم.».
ص: 347
فقال للسكوت:ما لكم سكتّم؟قالوا:هؤلاء الذين شهدوا عندنا ثقاةفي قولهم و فضلهم و سابقتهم،فقال:اللّهم اشهد عليهم.
فقال طلحة بن عبد اللّه-و كان يقال له«داهية قريش»-:فكيف نصنع بما ادّعى أبو بكر و أصحابه الذين صدّقوه،و شهدوا على مقالته يوم أتوه بك بعتل(1)،و في عنقك حبل،فقالوا لك:«بايع»فاحتججت بمااحتججت به،فصدّقوك جميعا ثم ادّعى أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول:أبى اللّه أن يجمع لنا-أهل البيت-النبوّة و الخلافة فصدّقه بذلك عمر،و أبو عبيدة،و سالم،و معاذ.ثم قال طلحة:كل الذي قلت و ادّعيت و احتججت به من السابقة و الفضل حق نقرّ به و نعرفه،و أماالخلافة(2)،فقد شهد اولئك الأربعة بما سمعت.
فقال عليّ عليه السّلام(3)عند ذلك،و غضب من مقالته،فأخرج شيئا قدكان يكتمه،و فسّر شيئا قال له عمر يوم مات،لم يدر ما عنى به،فأقبل على طلحة-و الناس يسمعون-فقال:أما و اللّه(4)يا طلحة،ما صحيفة ألقى اللّه بها يوم القيامة أحبّ اليّ من صحيفة الأربعة الذين تعاهدوا على الوفاء بها..
ص: 348
في الكعبة،إن قتل اللّه محمّدا أو توفّاه(1)أن يتوازروا عليّ(2)و يتظاهروافلا تصل(3)إليّ الخلافة.
و الدليل-و اللّه على باطل ما شهدوا و ما قلت يا طلحة-قول نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم غدير خم:«من كنت أولى به من نفسه فعليّ أولى به من نفسه».فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم و هم أمراء عليّ و حكّام؟(4)و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير النبوّة»فلو كان مع النبوّة غيرها لاستثناه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم.
و قوله:«إنّي تركت فيكم أمرين:كتاب اللّه و عترتي،لن تضلّواما تمسّكتم بهما،لا تتقدّموهم(5)و لا تخلّفوا عنهم(6)،و لا تعلّموهم،فإنّهم أعلم منكم،فينبغي(7)أن لا يكون الخليفة على الأمّة إلاّ أعلمهم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه،و قد قال اللّه عزّ و جلّ:«أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاََ يَهِدِّي إِلاََّ أَنْ يُهْدى ََ فَمََا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ »؟!(8)و قال5.
ص: 349
تعالى:«إِنَّ اَللََّهَ اِصْطَفََاهُ عَلَيْكُمْ وَ زََادَهُ بَسْطَةً فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْجِسْمِ »(1)و قال:«اِئْتُونِي بِكِتََابٍ مِنْ قَبْلِ هََذََا أَوْ أَثََارَةٍ مِنْ عِلْمٍ »(2)و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ما ولّت أمّة قطّ أمرها رجلا و فيهم من هو أعلم منه،إلاّ لم يزل يذهب أمرهم سفالا(3)حتّى يرجعوا إلى ما تركوا»فما الولاية غيرالإمارة؟(4).
و الدليل على كذبهم و باطلهم و فجورهم:أنّهم سلّموا عليّ بإمرةالمؤمنين بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.و من الحجّة عليهم و عليك خاصّة،و على هذا معك-يعني:الزبير-و على الأمّة،و على سعد بن أبي وقّاص،و ابن عوف،و خليفتكم هذا القائم-يعني عثمان-فإنّا معشرالشورى أحياء كلّنا،أن جعلني عمر بن الخطاب في الشورى إن كان قدصدق هو و أصحابه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أجعلنا في الشورى في الخلافة أم في غيرها؟فإن زعمتم أنّه جعلها شورى(5)في غير الإمارة،فليس لعثمان إمارة،و إنّما أمرنا أن نتشاور في غيرها،و إن كانت الشورى فيها،فلم أدخلني فيكم؟فهلا أخرجني و قد قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليهى.
ص: 350
و آله و سلّم أخرج أهل بيته من الخلافة،و أخبر أنّه ليس لهم فيها نصيب؟!و لم قال عمر-حين دعانا رجلا رجلا-فقال(1)لعبد اللّه:ابنه،و ها هو ذا:أنشدك باللّه،يا عبد اللّه بن عمر ما قال لك(2)حين خرجت؟
قال:أما إذ ناشدتني باللّه فإنّه قال:إن يتّبعوا أصلع(3)قريش،يحملهم على المحجّة البيضاء،و أقامهم على كتاب ربّهم و سنّة نبيّهم.
قال:يا ابن عمر!فما قلت له عند ذلك؟
قال:قلت له:فما يمنعك أن تستخلفه؟
قال:و ما ردّ عليك؟
قال:ردّ عليّ شيئا أكتمه.
قال عليّ عليه السّلام:فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخبرني(4)به في حياته،ثم أخبرني به ليلة مات أبوك في منامي،و من رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في نومه فقد رآه في يقظته(5).
قال:فما أخبرك به؟ه.
ص: 351
قال عليه السّلام:فأنشدك باللّه يا ابن عمر،لئن أخبرتك به لتصدقنّ.
قال:إذن أسكت(1).
قال:فإنّه قال لك حين قلت له:فما يمنعك أن تستخلفه؟قال:الصحيفة التي كتبناها بيننا،و العهد في الكعبة.فسكت ابن عمر،و قال:أسألك بحقّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا سكتّ عنّي؟(2).
قال سليم:فرأيت ابن عمر في ذلك المجلس قد خنقته العبرة و عيناه تسيلان.
و أقبل(3)أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام على طلحة،و الزبير،و ابن عوف،و سعد،فقال:لئن كان اولئك الخمسة أو الأربعة كذبوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ما يحلّ لكم ولايتهم،و إن كانوا صدقوا،ما حلّ لكم أيّها الخمسة أن تدخلوني معكم في الشورى لأنّ إدخالكم إيّاي فيها خلاف على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ردّ عليه.
ثم أقبل على الناس فقال:أخبروني عن منزلتي فيكم و ما تعرفوني به،أصادق أنا فيكم أم كاذب؟
قالوا:صدوق،لا و اللّه ما علمناك كذبت كذبة قطّ في الجاهلية و لاالاسلام...
ص: 352
قال:فو اللّه الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوّة و الخلافة(1)،و جعل منّامحمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أكرمنا بعده بأن جعلنا أئمة للمؤمنين،لا يبلّغ عنه غيرنا،و لا تصلح الإمامة و الخلافة إلاّ فينا،و لم يجعل لأحد من الناس فيها معنا أهل البيت نصيبا و لا حقّا،أما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاتم النبيّين ليس بعده نبيّ و لا رسول،ختم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الأنبياءإلى يوم القيامة،و جعلنا من بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خلفاء في أرضه و شهداء على خلقه،و فرض(2)طاعتنا في كتابه و قرننا بنفسه و نبيّه،في غير آية من القرآن،فاللّه عزّ و جلّ جعل محمّدا نبيّا،و جعلنا خلفاء من بعده في كتابه المنزل،ثم إنّ اللّه تبارك و تعالى أمر نبيّه أن يبلّغ ذلك أمّته،فبلّغهم كما أمره اللّه تعالى،فأيّنا(3)أحقّ بمجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و مكانه؟و قد سمعتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين بعثني ببراءة(4)فقال:«لا يبلّغ عنّي إلاّ رجل منّي»(5).أنشدكم باللّه،أسمعتم ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قالوا:اللّهم نعم،نشهد أنّا سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين بعثك ببراءة.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا يصلح لصاحبكم أن يبلّغ عنه صحيفةه.
ص: 353
أربع أصابع،و لن يصلح أن يكون المبلّغ عنه غيري،فأيّهما أحقّ بمجلسه و مكانه الذي سمّي بخاصّة أنه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو من حضرمجلسه من الأمّة؟
فقال طلحة:قد سمعنا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ففسّر لناكيف لا يصلح لأحد أن يبلّغ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غيرك؟و قدقال-لنا و لسائر الناس-:«ليبلّغ الشاهد الغائب»فقال-بعرفة في حجةالوداع-:«نصر اللّه امرء سمع(1)مقالتي فوعاها ثم بلّغها غيره،فربّ حامل فقه لا فقه له،و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه،ثلاث لا يحل عليهنّ قلب أمرء مسلم أخلص العمل للّه عزّ و جلّ:السمع،و الطاعة،و المناصحة لولاة الأمر و لزوم جماعتهم،فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم».و قال-في غير موطن-:«ليبلّغ الشاهد الغائب».
فقال عليّ عليه السّلام:إنّ الذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم غدير خم،و يوم عرفة في حجة الوداع في آخر خطبة خطبها حين قال:«إنّي قد تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما:كتاب اللّه،و أهل بيتي،فإنّ اللطيف الخبير قد عهد إليّ أنّهما لا يفترقان حتّى يرداعليّ الحوض،كهاتين و لا أقول كهاتين-فأشار الى سبابته و ابهامه-لأنّ أحدهما قدّام الاخر فتمسّكوا بهما لا تضلّوا و لا تزلّوا(2)،و لا تقدّموهم،ا.
ص: 354
و لا تخلّفوا عنهم،و لا تعلّموهم،فإنّهم أعلم منكم»إنّما أمر اللّه العامّةجميعا أن يبلّغوا من لقوا من العامّة إيجاب طاعة الأئمّة من آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إيجاب حقّهم،و لم يقل ذلك في شي ء من الأشياء غير ذلك،و إنّما أمر العامّة أن يبلّغوا العامّة،حجة من لا يبلّغ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جميع ما بعثه اللّه تعالى به غيرهم،أ لا ترى يا طلحة،أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لي-و أنتم تسمعون-:«يا أخي!إنّه لا يقضي عنّي ديني و لا يبري ء ذمّتي غيرك،تبري ء ذمّتي،و تؤدّي ديني و غراماتي،و تقاتل على سنّتي»فلما ولّي أبو بكر،قضى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عداته و دينه،فاتّبعتموه(1)جميعا،فقضيت دينه و عداته،و قد أخبرهم أنّه لا يقضي عنه دينه و عداته غيري،و لم يكن ما أعطاهم أبو بكر قضاء لدينه و عداته،و إنّما كان الذي قضى من الدّين(2)و العدة هو الذي أبرأه منه،و إنّما بلّغ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جميع ما جاء به من عند اللّه من بعده الأئمّة(3)الذين فرض اللّه في الكتاب طاعتهم و أمر بولايتهم،الذين من أطاعهم فقد أطاع اللّه،و من عصاهم فقد عصى اللّه.
فقال طلحة:فرّجت عنّي،ما كنت أدري ما عنى بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى فسّرته لي،فجزاك اللّه يا أبا الحسن عن جميع أمّة محمّد..
ص: 355
الجنة؛يا أبا الحسن!شيئا أريد أن أسألك عنه،رأيتك خرجت بثوب مختوم،فقلت:أيّها الناس،إنّي لم أزل مشتغلا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:بغسله،و كفنه،و دفنه،ثم اشتغلت بكتاب اللّه حتّى جمعته،فهذاكتاب اللّه عندي مجموعا لم يسقط عنّي حرف واحد(1)،و لم أر ذلك الذي كتبت و ألفت،و قد رأيت عمر بعث اليك أن ابعث به إليّ فأبيت أن تفعل،فدعا عمر الناس فإذا شهد رجلان على آية كتبها،و إن لم يشهد عليها غيررجل واحد أرجأها(2)فلم يكتب.
فقال عمر:و أنا أسمع أنّه قد قتل يوم القيامة قوم كانوا يقرأون قرآنالا يقرأه غيرهم،فقد ذهب و قد جاءت شاة إلى صحيفة و كتاب يكتبون فأكلتها و ذهب ما فيها و الكاتب يومئذ عثمان،و سمعت عمر و أصحابه الذين ألّفوا ما كتبوا على عهد عمر و على عهد عثمان يقولون:إنّ الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة،و إنّ النور ستون و مائة آية(3)،و الحجر تسعون و مائة آية،فما هذا؟و ما يمنعك يرحمك اللّه أن تخرج كتاب اللّه إلى الناس،و قد عهد عثمان حين أخذ ما ألّف عمر فجمع له الكتاب،و حمل الناس على قراءة واحدة،فمزق مصحف أبيّ بن كعب،و ابن مسعود،و أحرقهما بالنار؟
فقال له عليّ عليه السّلام:يا طلحة!إنّ كلّ آية أنزلها اللّه جلّ و علا علىة.
ص: 356
محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عندي بإملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خطّيدي،و تأويل كلّ آية أنزلها اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كلّ حرام و حلال أو حدّ أو حكم أو شي ء تحتاج إليه الأمّة إلى يوم القيامة مكتوب بإملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خطّ يدي،حتّى أرش الخدش.
قال طلحة:كلّ شي ء من صغير أو كبير أو خاصّ أو عامّ كان أويكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب؟
قال:نعم،و سوى ذلك،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أسرّ إليّ في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب،و لو أنّ الأمّةمنذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اتّبعوني و أطاعوني لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم.يا طلحة،أ لست قد شهدت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين دعا بالكتف ليكتب فيه ما لا تضلّ أمّته،فقال صاحبك:إنّ نبيّ اللّه يهجر،فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تركها؟فقال:بلى قد شهدته.
قال:فإنّكم لمّا خرجتم أخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالّذي أراد أن يكتب و يشهد عليه العامّة،فأخبره جبرئيل أنّ اللّه تعالى قد قضى على أمّتك الإختلاف و الفرقة ثم دعا بصحيفة فأملى عليّ ما أراد أن يكتب في الكتف،و أشهد على ذلك ثلاثة رهط:سلمان،و أبا ذر،و المقداد.و سمّى من يكون من أئمّة الهدى(1)الذين أمر اللّه بطاعتهم الى يوم القيامة،فسمّاني أوّلهم،ثم ابنيّ هذين-و أشار بيده إلى الحسن..
ص: 357
و الحسين-(1)ثم تسعة من ولد ابني الحسين،أكذلك كان يا أبا ذر و مقداد؟فقاما ثم قالا:نشهد بذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال طلحة:و اللّه لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«ما أقلّت الغبراء و لا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق و لا أبرّ عند اللّه من أبي ذر،و أنا أشهد أنّهما لم يشهدا إلاّ بالحقّ،و لأنت عندي أصدق و أبرّ منهما».
ثم أقبل عليّ عليه السّلام فقال:اتّق اللّه يا طلحة،و أنت يا زبير،و أنت ياسعد،و أنت يا ابن عوف.اتّقوا اللّه و آثروا رضاه،و اختاروا ما عنده،و لاتخافوا في اللّه لومة لائم.
ثم قال طلحة:لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عمّا سألتك عنه من أمرالقرآن ألا تظهره للناس؟
فقال:يا طلحة،عمدا كففت عن جوابك،فأخبرني(2)عمّا كتب عمر و عثمان،أقرآن كلّه أم فيه ما ليس بقرآن؟قال طلحة:بل قرآن كلّه.
قال:إن أخذتم بما فيه،نجوتم من النار و دخلتم الجنّة،فإنّ فيه حجّتنا و بيان حقّنا،و فرض طاعتنا.
قال طلحة:حسبي،أما إذا كان قرآنا فحسبي.
ثم قال طلحة:فأخبرني عمّا في يدك(3)من القرآن و تأويله،و علم..
ص: 358
الحلال و الحرام،إلى من تدفعه و من صاحبه بعدك؟
قال:إنّ الذي أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن أدفعه إليه وصيّي و أولى الناس بعدي بالناس:ابني الحسن،ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين،ثم يصير إلى واحد بعد واحد من ولد الحسين حتّى يرد آخرهم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حوضه،هم مع القرآن(1)لا يفارقونه و القرآن معهم لا يفارقهم،أما إنّ معاوية و ابنه سيليان بعد عثمان،ثم يليهاسبعة من ولد الحكم بن أبى العاص،واحد بعد واحد،تكملة اثني عشر امام ضلالة و هم الذين رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على منبره،يردّون الأمّةعلى أدبارهم القهقرى،عشرة منهم من بنى أميّة و رجلان أسّسا ذلك لهم و عليهما مثل جميع أوزار هذه الأمّة إلى يوم القيامة(2).3.
ص: 359
[57]
و في رواية أبي ذر الغفاري أنّه قال:لما توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم جمع عليّ عليه السّلام القرآن،و جاء به الى المهاجرين و الأنصار،و عرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فلمّا فتحه أبو بكر،خرج في أوّل صفحة فتحها فضائح القوم،فوثب عمر و قال:يا عليّ!اردده فلا حاجة لنا فيه،فأخذه عليه السّلام و انصرف.
ثم أحضروا زيد بن ثابت-و كان قاريا للقرآن-فقال له عمر:إنّ عليّا عليه السّلام جاءنا بالقرآن و فيه فضائح المهاجرين و الأنصار،و قد رأيناأن نؤلّف القرآن و نسقط منه ما كان فضيحة و هتكا(1)للمهاجرين و الأنصار،فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال لهم:فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم و أظهر عليّ القرآن الذي ألّفه أ ليس قد بطل كلّ ما عملتم؟ثم قال عمر:فما الحيلة؟قال زيد:أنتم أعلم بالحيلة،فقال عمر:ما حيلة دون أن نقتله و نستريح منه،فدبّر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك،و قد مضى شرح ذلك.
فلما استخلف عمر،سأل عليّا عليه السّلام أن يدفع اليهم القرآن فيحرّفوه فيما بينهم،فقال:يا أبا الحسن،إن جئت بالقرآن الذي كنت قدجئت به إلى أبى بكر حتّى نجتمع عليه،فقال عليه السّلام:هيهات،ليس إلىك.
ص: 360
ذلك سبيل،إنّما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجّة عليكم،و لا تقولوا يوم القيامة:إنّا كنّا عن هذا غافلين،أو تقولوا:ما جئتنا به،إنّ القرآن الذي عندي لا يمسّه إلاّ المطهّرون و الأوصياء من ولدي،فقال له عمر:فهل لإظهاره وقت معلوم(1)؟فقال عليّ عليه السّلام:نعم،إذا قام القائم من ولدي يظهره و يحمل الناس عليه،فتجري السنّة به صلوات اللّه عليه(2).
[58]
و قال سليم بن قيس:بينا أنا و حنش بن المعتمر(3)بمكة،إذ قام أبو ذر و أخذ بحلقة الباب،ثم نادى بأعلى صوته في الموسم:أيّها الناس،من عرفني فقد عرفني و من جهلني فأنا جندب بن جنادة،أنا أبو ذرالغفاري(4)،أيها الناس!إنّي قد سمعت نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:م.
ص: 361
«إنّ مثل أهل بيتي في أمّتي كمثل سفينة نوح في قومه،من ركبها نجاو من تركها غرق،و مثل باب حطة في بني اسرائيل».
أيّها الناس!إنّي سمعت نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«إنّي تركت(1)فيكم أمرين،لن تضلّوا ما تمسّكتم(2)بهما:كتاب اللّه و أهل بيتي»الى آخر الحديث.
فلما قدم المدينة(3)بعث إليه عثمان و قال له:ما حملك على ما قمت به في الموسم؟قال:عهد عهده إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمرني به،فقال:من يشهد بذلك؟فقام عليّ عليه السّلام و المقداد فشهدا،ثم انصرفوايمشون ثلاثتهم فقال عثمان:إنّ هذا و صاحبيه يحسبون أنّهم في شي ء(4).
[59]
و روي أنّ يوما من الأيام قال عثمان بن عفان لعليّ بن أبي طالب عليهث.
ص: 362
السّلام:إن تربّصت بي فقد تربّصت بمن هو خير منّي و منك.قال عليّ عليه السّلام:و من هو خير منّي؟قال:أبو بكر و عمر.فقال عليّ عليه السّلام:كذبت،أناخير منك و منهما،عبدت اللّه قبلكم و عبدته بعدكم(1).
[60]
قال سليم بن قيس:حدّثني سلمان و المقداد،و حدّثنيه بعد ذلك أبو ذر،ثم سمعته من عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،قالوا:إنّ رجلا فاخر عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-لمّا سمع به لعليّ بن أبى طالب عليه السّلام-:فاخر العرب فأنت أكرمهم ابن عمّ،و أكرمهم صهرا،و أكرمهم زوجة،و أكرمهم ولدا،و أكرمهم أخا،و أكرمهم عمّا،و أعظمهم حلما،و أكثرهم علما،و أقدمهم سلما،و أعظمهم غنى(2)بنفسك و مالك،و أنت أقرأهم بكتاب اللّه،و أعلمهم بسنّتي،و أشجعهم لقاء،و أجودهم كفّا،و أزهدهم في الدنيا،و أشهدهم اجتهادا،و أحسنهم خلقا،و أصدقهم لسانا،و أحبّهم إلى اللّه و إليّ،و ستبقى بعدي ثلاثين سنةتعبد اللّه و تصبر على ظلم قريش لك،ثمّ تجاهدهم في سبيل اللّه إذا وجدت أعوانا،فتقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت معي على تنزيله،ثم تقتل..
ص: 363
شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك،قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض إلى اللّه و البعد منه(1).
[61]
قال سليم بن قيس:جلست إلى سلمان و أبي ذر و المقداد،فجاء رجل من أهل الكوفة فجلس اليهم مسترشدا،فقال له سلمان:عليك بكتاب اللّه فالزمه و عليّ بن أبي طالب فإنّه مع الكتاب(2)لا يفارقه،فإنّا نشهد أنّاسمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«إنّ عليّا يدور مع الحق حيث دار،و إنّ عليّا هو الصدّيق و الفاروق،يفرق بين الحق و الباطل».
قال:فما بال الناس(3)يسمّون أبا بكر:الصديق،و عمر:الفاروق؟قال:نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إمرة المؤمنين،لقد أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمرهمامعنا،فسلّمنا جميعا على عليّ عليه السّلام بإمرة المؤمنين(4).-
ص: 364
[62]
و روى القاسم بن معاوية قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:هؤلاءيروون حديثا في معراجهم أنّه لما أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأى على العرش مكتوبا:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه،أبو بكر الصدّيق،فقال:«سبحان اللّه غيّروا كلّ شي ء حتّى هذا؟»قلت:نعم.
قال:«إنّ اللّه عزّ و جلّ لمّا خلق العرش كتب عليه:لا إله إلاّ اللّه،محمد رسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين.
و لمّا خلق اللّه عزّ و جلّ الماء،كتب(1)في مجراه:لا إله إلاّ اللّه،محمّد رسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين.
و لمّا خلق اللّه عزّ و جلّ الكرسيّ،كتب على قوائمه:لا إله إلاّ اللّه،محمّد رسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين.
و لمّا خلق اللّه عزّ و جلّ اللّوح،كتب فيه:لا إله إلاّ اللّه،محمّد رسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين.
و لمّا خلق اللّه اسرافيل،كتب على جبهته:لا إله إلاّ اللّه،محمّدرسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين.
و لمّا خلق اللّه جبرئيل،كتب على جناحيه:لا إله إلاّ اللّه،محمّدق-«الفضائل»لابن شاذان القمي ص 145.و نقل الحمويني في«فرائد السمطين»ملخّصا،1/139 و 176 مسندا...
ص: 365
رسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين.
و لمّا خلق اللّه عزّ و جلّ السماوات،كتب في أكنافها(1):لا إله إلاّاللّه،محمّد رسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين.
و لمّا خلق اللّه عزّ و جلّ الأرضين،كتب في أطباقها:لا إله إلاّ اللّه،محمّد رسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين.
و لمّا خلق اللّه عزّ و جلّ الجبال،كتب في رؤسها(2):لا إله إلاّ اللّه،محمّد رسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين.
و لمّا خلق اللّه عزّ و جلّ الشمس،كتب(3)عليها:لا إله إلاّ اللّه،محمّد رسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين.
و لمّا خلق اللّه عزّ و جلّ القمر،كتب عليه:لا إله إلاّ اللّه،محمّدرسول اللّه،عليّ أمير المؤمنين،و هو السواد الذي ترونه في القمر.
فإذا قال أحدكم:لا إله إلاّ اللّه،محمّد رسول اللّه،فليقل عليّ أميرالمؤمنين عليه السّلام»(4).6.
ص: 366
[63]
و عن عبد اللّه بن الصامت قال:رأيت أبا ذر آخذا بحلقة باب الكعبة،مقبلا بوجهه للناس و هو يقول:
أيّها الناس!من عرفني فقد عرفني،و من لم يعرفني فسأنبئه باسمي:أنا جندب بن السكن بن عبد اللّه،أنا أبو ذر الغفاري،أنا رابع أربعة ممن أسلم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول-و ذكر الحديث بطوله الى قوله-:
ألا أيّتها الامّة المتحيّرة بعد نبيّها،لو قدّمتم من قدّم اللّه(1)و أخّرتم من أخّر اللّه،و جعلتم الولاية حيث جعلها اللّه،لما عال وليّ اللّه،و لماضاع فرض من فرائض اللّه،و لا اختلف اثنان في حكم من أحكام اللّه،إلاّكان علم ذلك عند أهل بيت نبيّكم،فذوقوا و بال ما كسبتم،و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون(2).
[64]
و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:إنّ العلم الذي هبط به آدمف.
ص: 367
من الجنة و ما فضلت به النبيّون عليهم السّلام في عترة نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأين يتاه بكم؟(1).
[65]
قال سليم بن قيس:سأل رجل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال له-و أنا أسمع-:أخبرني بأفضل منقبة لك،قال:ما أنزل اللّه فى كتابه،قال:و ما أنزل اللّه فيك؟
قال:«أَ فَمَنْ كََانَ عَلى ََ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شََاهِدٌ مِنْهُ »(2)أنا الشاهدمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و قوله:«وَ يَقُولُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاًقُلْ كَفى ََ بِاللََّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلْكِتََابِ »(3)إيّاي عنى بمن عنده علم الكتاب،فلم يدع شيئا أنزله اللّه فيه إلاّ ذكره،مثل قوله:«إِنَّمََاوَلِيُّكُمُ اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاََةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكََاةَوَ هُمْ رََاكِعُونَ »(4)و قوله:«أَطِيعُوا اَللََّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِمِنْكُمْ »(5)و غير ذلك،قال:قلت:فأخبرني بأفضل منقبة لك من رسول اللّه9.
ص: 368
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقال:نصبه إيّاي يوم غدير خم،فقال لي بالولاية بأمر اللّه عزّ و جلّ و قوله:أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي،و سافرت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ليس له خادم غيري،و كان له لحاف ليس له لحاف غيره،و معه عائشة،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ينام بيني و بين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره،فإذا قام إلى صلاةاللّيل يحطّ بيده اللحاف من وسطه بيني و بين عائشة حتّى يمسّ اللحاف الفراش الذي تحتنا،فأخذتني الحمّى ليلة فأسهرتني فسهر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لسهري،فبات ليلته بينى و بين مصلاّه يصلّي ما قدّر له،ثم يأتيني يسألني(1)و ينظر إليّ فلم يزل ذلك دأبه حتّى أصبح،فلمّا صلّى بأصحابه الغداة قال:«اللّهم اشف عليّا و عافه،فإنّه أسهرني اللّيلة ممّا به».
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-بمسمع من أصحابه-:«أبشريا عليّ»قلت:بشّرك اللّه بخير يا رسول اللّه و جعلني فداك.
قال:«إنّي لم أسأل اللّه الليلة شيئا إلاّ أعطانيه و لم أسأله لنفسي شيئاإلاّ سألت لك مثله و إنّي دعوت اللّه عزّ و جلّ أن يؤاخي بيني و بينك ففعل،و سألته أن يجعلك وليّ كلّ مؤمن و مؤمنة ففعل،و سألته أن يجمع عليك أمّتي بعدي فأبى عليّ».
فقال رجلان أحدهما لصاحبه:أ رأيت ما سأل؟!فو اللّه لصاع من تمرخير ممّا سأل،و لو كان سأل ربّه أن ينزل عليه ملكا يعينه على عدوّه،أوي.
ص: 369
ينزل عليه كنزا ينفعه(1)و أصحابه،فإنّ بهم حاجة كان خيرا مما سأل.و ما دعا عليّا قطّ إلى خير إلاّ استجاب له(2).
[66]
فقال:إنّ اللّه ذا الجلال و الإكرام لمّا خلق الخلق(3)،و اختار خيرةمن خلقه،و اصطفى صفوة من عباده،و أرسل رسولا منهم،و أنزل عليه كتابه،و شرع له دينه و فرض فرائضه،فكانت الجملة قول اللّه عزّ و جلّ ذكره حيث أمر فقال:
«أَطِيعُوا اَللََّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ »(4)فهو لنا أهل البيت خاصّة دون غيرنا،فانقلبتم على أعقابكم،و ارتددتم و نقضتم الأمر،و نكثتم العهد،و لم تضرّوا اللّه شيئا،و قد أمركم اللّه أن تردّوا الأمر إلى اللّه
ص: 370
و إلى رسوله و الى أولي الأمر منكم المستنبطين للعلم،فأقررتم ثم جحدتم،و قد قال اللّه لكم:«أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيََّايَ فَارْهَبُونِ »(1).
إنّ أهل الكتاب و الحكمة و الإيمان آل ابراهيم عليه السّلام بيّنه اللّه لهم فحسدوا،فأنزل اللّه جلّ ذكره:«أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنََّاسَ عَلى ََ مََا آتََاهُمُ اَللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنََا آلَ إِبْرََاهِيمَ اَلْكِتََابَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ آتَيْنََاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً*`فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفى ََ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً»(2)فنحن آل ابراهيم فقد حسدنا كما حسد آباؤنا،و أوّل من حسد آدم الذي خلقه اللّه عزّ و جلّ بيده و نفخ فيه من روحه،و أسجد له ملائكته،و علّمه الأسماء كلّهاو اصطفاه على العالمين،فحسده الشيطان فكان من الغاوين،ثم حسد قابيل هابيل فقتله فكان من الخاسرين،و نوح حسده قومه فقالوا:«مََا هََذََا إِلاََّ بَشَرٌمِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمََّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمََّا تَشْرَبُونَ *`وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراًمِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخََاسِرُونَ »(3)و للّه الخيرة يختار من يشاء و يختصّ برحمته من يشاء و يؤتي الحكمة و العلم من يشاء.
ثم حسدوا نبيّنا محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ألا و نحن أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس،و نحن المحسودون كما حسد آباؤنا،قال اللّه عزّ و جلّ:«إِنَّ أَوْلَى اَلنََّاسِ بِإِبْرََاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هََذَا اَلنَّبِيُّ»(4)،و قال8.
ص: 371
تعالى:«وَ أُولُوا اَلْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََ بِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اَللََّهِ »(1).
فنحن أولى الناس بإبراهيم،و نحن ورثناه و نحن أولوا الأرحام الذين ورثنا الكعبة،و نحن آل ابراهيم،أفترغبون عن ملّة ابراهيم؟و قد قال اللّه تعالى:«فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي»(2).
يا قوم أدعوكم الى اللّه و إلى رسوله،و إلى كتابه،و إلى وليّ أمره،و إلى وصيّه و وارثه من بعده،فاستجيبوا لنا،و اتّبعوا آل ابراهيم،و اقتدوابنا،فإنّ ذلك لنا آل ابراهيم فرضا واجبا،و الأفئدة من الناس تهوي الينا،و ذلك دعوة ابراهيم عليه السّلام حيث قال:«فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ اَلنََّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ »(3)فهل نقمتم منّا إلاّ أن آمنّا باللّه و ما أنزل علينا و لا تتفرّقوافتضلّوا،و اللّه شهيد عليكم،قد أنذرتكم،و دعوتكم،و أرشدتكم،ثم أنتم و ما تختارون(4)،(5).
********6.
ص: 372
[67]
روي عن ابن عباس رحمه اللّه أنّه قال:كنت قاعدا عند عليّ عليه السّلام حين دخل عليه طلحة و الزبير،فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما،و قال:قد اعتمرتما،فأعادا عليه الكلام فأذن لهما،ثم التفت إليّ فقال:و اللّه ما يريدان العمرة،و إنّما يريدان الغدرة،قلت له:فلا تأذن لهما،فردّهما ثم قال لهما:و اللّه ما تريدان العمرة و ما تريدان إلاّ نكثا لبيعتكما،و فرقة لأمتكما(1)،فحلفا له،فأذن لهما ثم التفت إليّ فقال:و اللّه مايريدان العمرة،قلت:فلم أذنت لهما؟قال:حلفا لي باللّه،قال:فخرجاإلى مكّة فدخلا على عائشة،فلم يزالا بها حتّى أخرجاها(2).
ص: 373
[68]
و روي أنّه عليه السّلام قال-عند توجّههما إلى مكّة للاجتماع مع عائشة،للتأليب(1)عليه بعد أن حمد اللّه تعالى و أثنى عليه-:
أمّا بعد،فإنّ اللّه عز و جلّ بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للناس كافّة،و جعله رحمة للعالمين فصدع(2)بما أمر به و بلّغ رسالات ربّه،فلمّ(3)به الصدع(4)،و رتق به الفتق،و أمّن به السبل،و حقن به الدماء،و ألّف بين ذوي الإحن(5)،و العداوة و الوغر(6)في الصدور و الضغائن الراسخة في القلوب.
ثم قبضه اللّه اليه حميدا لم يقصّر في الغاية التي إليها أدّى الرسالة،و لا بلغ شيئا كان في التقصير عنه القصد،و كان من بعده ما كان من التنازع في الإمرة،و تولّى أبو بكر،و بعده عمر،ثم تولّى(7)عثمان،فلمّا..
ص: 374
كان من أمره ما كان،أتيتموني فقلتم:(بايعنا)فقلت:(لا أفعل)فقلتم:(بلى)فقلت:(لا)و قبضت يدي فبسطتموها،و نازعتكم فجذبتموها،و تداككتم عليّ تداكك الإبل اليهم(1)على حياضها يوم ورودها،حتى ظننت أنكم قاتلي و أن بعضكم قاتل بعض،فبسطت يدي فبايعتموني مختارين،و بايعني في أوّلكم طلحة و الزبير طائعين غير مكرهين،ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة،و اللّه يعلم أنّهما أرادا الغدرة،فجدّدت عليهما العهد في الطاعة،و أن لا يبغيا للأمّة الغوائل،فعاهداني،ثم لم يفيالي،و نكثا بيعتي،و نقضا عهدي،فعجبا من انقيادهما لأبي بكر و عمر،و خلافهما لي،و لست بدون أحد الرجلين،و لو شئت أن أقول لقلت:«اللّهم اغضب عليهما بما صنعا و ظفّرني بهما»(2).
[69]
و قال-عليه السّلام في أثناء كلام آخر-:
و هذا طلحة و الزبير ليسا من أهل النبوّة،و لا من ذريّة الرسول،حينج.
ص: 375
رأيا أنّ اللّه قد ردّ علينا حقّنا،بعد أعصر فلم يصبرا حولا كاملا،و لا شهراكاملا،حتّى وثبا على دأب الماضين قبلهما،ليذهبا بحقّي و يفرّقا جماعةالمسلمين عنّي،ثم دعا عليه السّلام عليهما(1).
[70]
و عن سليم بن قيس الهلالي قال:لما التقى أمير المؤمنين عليه السّلام أهل البصرة(2)يوم الجمل،نادى الزبير:يا أبا عبد اللّه(3)أخرج إليّ،فخرج الزبير و معه طلحة،فقال لهما:و اللّه إنّكما لتعلمان و أولوا العلم من آل محمّد و عائشة بنت أبي بكر،انّ كلّ أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد خاب من افترى.
قالا له:كيف نكون ملعونين و نحن أصحاب بدر و أهل الجنّة؟!فقال لهما عليّ عليه السّلام:لو علمت أنّكم من أهل الجنّة لما استحللت قتالكم،فقال له الزبير:أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل و هو يروي:أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«عشرة من قريش في الجنّة»؟فقال له عليّ عليه السّلام:قد سمعته يحدّث بذلك عثمان في خلافته،فقال له الزبير:أفتراه كذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟فقال له علي عليه السّلام:ه.
ص: 376
لست أخبرك بشي ء حتّى تسمّيهم،قال الزبير:أبو بكر،و عمر،و عثمان،و طلحة،و الزبير،و عبد الرحمن بن عوف،و سعد بن أبي وقاص،و أبو عبيدة بن الجرّاح،و سعيد بن عمرو بن نفيل.
فقال له علىّ عليه السّلام:عددت تسعة فمن العاشر؟قال له:أنت.
قال له علىّ عليه السّلام:قد أقررت أنّي من أهل الجنّة،و أمّا ما ادّعيت لنفسك و أصحابك فأنا به من الجاحدين الكافرين،قال له الزبير:أفتراه كذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قال عليه السّلام:ما أراه كذب،و لكنّه و اللّه،اليقين.
فقال عليّ عليه السّلام:و اللّه إنّ بعض من سمّيته لفي تابوت في شعب(1)في جبّ في أسفل درك من جهنم،على ذلك الجبّ صخرة إذا أراد اللّه أن يسعر جهنّم رفع تلك الصخرة،سمعت ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و إلاّ أظفرك اللّه بي و سفك دمي على يديك،و إلاّ أظفرني اللّه عليك و على أصحابك و سفك دماءكم على يدي و عجّل أرواحكم إلى النار،فرجع الزبير إلى أصحابه و هو يبكي(2).
[71]
و روى نصر بن مزاحم أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام حين وقع القتالج.
ص: 377
و قتل طلحة،تقدّم على بغلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الشهباء بين الصفّين،فدعا الزبير فدنى إليه حتّى اختلف أعناق دابّتيهما،فقال:يا زبير،أنشدك باللّه،أسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:إنّك ستقاتل عليّا و أنت له ظالم؟قال:اللّهم نعم،قال:فلم جئت؟قال:جئت لأصلح بين الناس،فأدبر الزبير و هو يقول:
ترك الأمور التي تخشى عواقبها للّه أجمل في الدنيا و في الدين أتى(1)عليّ بأمر كنت أعرفه قد كان عمر أبيك الخير مذ حين فقلت حسبك من عذل أبا حسن بعض الذي قلت هذا اليوم يكفيني فاخترت عارا على نار مؤججة أنّى يقوم لها خلق من الطين نبّئت طلحة وسط النقع(2)منجدلا مأوى الضيوف و مأوى كلّ مسكين قد كنت أنصر أحيانا و ينصرني في النائبات و يرمي من يرامينين.
ص: 378
حتّى ابتلينا بأمر ضاق مصدره فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني قال:و أقبل الزبير على عائشة(1)،فقال:يا أمّه،و اللّه ما لي في هذابصيرة،و أنا منصرف.
فقالت عائشة:يا أبا عبد اللّه،أفررت من سيوف ابن أبي طالب؟فقال:إنّها و اللّه طوال حداد،تحملها فتية أنجاد(2).ثم خرج راجعا فمرّبوادي السباع و فيه الأحنف بن قيس قد اعتزل من بني تميم،فأخبرالأحنف بانصرافه،فقال:ما أصنع به إن كان الزبير قد لفّ بين غارين(3)من المسلمين و قتل أحدهما بالآخر،ثم هو يريد اللّحاق بأهله.فسمعه ابن جرموز فخرج هو و رجلان معه-و قد كان لحق بالزبير رجل من كلب و معه غلامه-فلمّا أشرف ابن جرموز و صاحباه على الزبير،حرّك الرجلان رواحلهما،و خلفا الزبير وحده،فقال لهما الزبير:مالكما؟هم ثلاثةو نحن ثلاثة؟!ن.
ص: 379
فلما أقبل ابن جرموز قال له الزبير:مالك؟إليك عنّي،فقال ابن جرموز:يا أبا عبد اللّه!إنّي جئتك لأسألك عن أمور الناس.قال:تركت الناس على الركب،يضرب بعضهم وجوه بعضهم بالسيف.قال ابن جرموز:يا أبا عبد اللّه!أخبرني عن أشياء أسألك عنها؛قال:هات!
فقال:أخبرنى عن خذلك عثمان،و عن بيعتك عليّا و عن نقضك بيعته،و عن إخراجك أمّ المؤمنين عائشة،و عن صلاتك خلف ابنك،و عن هذه الحرب التي جنيتها،و عن لحوقك بأهلك؟
فقال:أمّا خذلي عثمان فأمر قدّم اللّه فيه الخطيئة،و أخّر فيه التوبة.
و أمّا بيعتي عليّا،فلم أجد منها بدّا،إذ بايعه المهاجرون و الأنصار.
و أمّا نقضي بيعته،فإنّما بايعته بيدي دون قلبي.
و أمّا إخراجي أمّ المؤمنين،فأردنا أمرا و أراد اللّه أمرا غيره.
و أمّا صلاتي خلف ابني فإنّ خالته قدّمته.
فتنحّى ابن جرموز عنه و قال:قتلني اللّه إن لم أقتلك(1).
[72]
و روي أنّه جي ء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام برأس الزبير و سيفه،فتناول سيفه و قال:طال و اللّه ما جلى(2)به الكرب عن وجه رسول اللّه صلى..
ص: 380
اللّه عليه و آله و سلّم،و لكنّ الحين(1)و مصارع السوء(2).
[73]
و روي أنّه عليه السّلام لمّا مرّ على طلحة من بين القتلى قال:أقعدوه،فأقعد،فقال:إنّه كانت لك سابقة(3)،لكنّ الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار(4).
[74]
و روي أنّه عليه السّلام مرّ عليه(5)فقال:هذا الناكث بيعتي،و المنشي ءللفتنة في الأمّة و المجلب(6)عليّ،الداعي إلى قتلي و قتل عترتي،أجلسواطلحة،فأجلس.فقال أمير المؤمنين:يا طلحة بن عبيد اللّه،قد وجدتن.
ص: 381
ما وعدني ربّي حقّا،فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا؟ثم قال:أضجعواطلحة،و سار فقال له بعض من كان معه:يا أمير المؤمنين!أتكلّم طلحة بعدقتله؟فقال:أما و اللّه،سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر.
و هكذا فعل عليه السّلام بكعب بن سور(1)القاضي لمّا مرّ به قتيلا،و قال:هذا الذي خرج علينا في عنقه المصحف،يزعم أنّه ناصر أمّه(2)يدعو الناس إلى ما فيه و هو لا يعلم ما فيه،ثم استفتح و خاب كلّ جبّارعنيد،أما إنّه دعا اللّه أن يقتلني فقتله اللّه(3).
[75]
و روي أن مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة بسهم رماه به(4).9.
ص: 382
و روي أيضا أنّ مروان بن الحكم يوم الجمل،كان يرمي بسهامه في العسكرين معا،و يقول:من أصبت منهما فهو فتح،لقلّة دينه،و تهمته للجميع.
و قيل:انّ اسم الجمل الذي ركبته يوم الجمل عائشة:«عسكر»من ولد ابليس اللعين و رؤي منه ذلك اليوم كلّ عجب،لأنّه كلّما أبين منه قائمةمن قوائمه،ثبت على أخرى حتّى نادى أمير المؤمنين عليه السّلام:اقتلواالجمل(1)فإنّه شيطان،و تولّى محمّد بن أبي بكر و عمّار بن ياسر رحمة اللّه عليهما عقره بعد طول دمائه(2)،(3).
[76]
و روى الواقدي:أنّ عمار بن ياسر رحمة اللّه عليه لمّا دخل على عائشةفقال لها:كيف رأيت ضرب بنيك على الحق؟فقالت:إستبصرت من أجل أنّك غلبت؟
فقال عمّار:أنا أشدّ استبصارا من ذلك.و اللّه لو ضربتمونا حتّى3.
ص: 383
تبلّغونا(1)سعيفات هجر(2)،لعلمنا أنّا على الحق،و أنّكم على الباطل.فقالت عائشة:هكذا يخيّل إليك،اتّق اللّه يا عمّار،أذهبت دينك لابن أبي طالب(3).
[77]
و روي عن الباقر عليه السّلام أنّه قال:لمّا كان يوم الجمل،و قد رشق(4)هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين عليه السّلام:و اللّه ما أراني إلاّ مطلّقها،فأنشد اللّه رجلا سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«يا عليّ!أمر5.
ص: 384
نسائي بيدك من بعدي»لمّا قام فشهد.
قال:فقام ثلاثة عشر رجلا،فيهم بدريّان فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام:«يا عليّ!أمر نسائي بيدك من بعدي»(1).
قال:فبكت عائشة عند ذلك حتّى سمعوا بكاءها.
فقال عليّ عليه السّلام:لقد أنبأني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنبإ فقال:إنّ اللّه تعالى يمدّك يا عليّ يوم الجمل بخمسة آلاف من الملائكةمسوّمين(2).
[78]
و روي أنّ ابن عباس قال لأمير المؤمنين عليه السّلام-حين أبت عائشة».
ص: 385
الرجوع-:دعها في البصرة و لا ترحّلها.فقال عليّ عليه السّلام:إنّها لا تألوشرّا(1)،و لكنّي أردّها إلى بيتها(2).
[79]
و روى محمّد بن اسحاق،أنّ عائشة لمّا وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة،لم تزل تحرّض الناس على أمير المؤمنين،و كتبت إلى معاويةو أهل الشام مع الأسود بن أبي البختري(3)،تحرّضهم عليه عليه السّلام(4)(5).
[80]
و روي أنّ عمرو بن العاص قال لعائشة:لوددت أنّك قتلت يوم الجمل!فقالت:و لم،لا أبا لك؟قال:كنت تموتين بأجلك و تدخلين الجنّة،7.
ص: 386
و نجعلك أكبر التشنيع على عليّ-عليه السّلام-(1).
[81]
روى الشعبي،عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي قال:كنت بمكةمع عبد اللّه بن الزبير و طلحة و الزبير،فأرسلا عبد اللّه بن الزبير و أنا معه فقالا له:إنّ عثمان قتل مظلوما،و إنّا نخاف أن ينقض(2)أمر أمّة محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم،فإن رأت عائشة أن تخرج معنا لعلّ اللّه أن يرتق بها فتقا،و يشعب بها صدعا(3).
قال:فخرجنا نمشي حتّى انتهينا اليها،فدخل عبد اللّه بن الزبيرمعها في سترها(4)و جلست(5)على الباب فأبلغها ما أرسلا به اليها،
ص: 387
فقالت:سبحان اللّه!ما أمرت بالخروج،و ما تحضرني من أمّهات المؤمنين إلاّ أمّ سلمة،فإن خرجت،خرجت معها.
فرجع اليهما فبلّغهما ذلك فقالا:إرجع اليها فلتأتها فهي أثقل عليها منّا،فرجع إليها فبلغها،فأقبلت حتّى دخلت على أمّ سلمة فقالت أمّ سلمة:مرحبا بعائشة،و اللّه ما كنت لي بزوّارة فما بدا لك؟قالت:قدم طلحة و الزبير فخبرا أنّ أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما.
قال:فصرخت أم سلمة صرخة أسمعت من في الدار فقالت:يا عائشة،أنت بالأمس تشهدين عليه بالكفر،و هو اليوم أمير المؤمنين قتل مظلوما!!فما تريدين؟!قالت:تخرجين معنا،فلعلّ اللّه أن يصلح بخروجناأمر أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قالت:يا عائشة أخرج(1)،و قد سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما سمعنا؟
نشدتك باللّه يا عائشة،الذي يعلم صدقك إن صدقت،أتذكرين يوماكان نوبتك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصنعت حريرة(2)في بيتي فأتيته بها و هو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:
(و اللّه لا تذهب اللّيالي و الأيّام حتّى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له:«الحوأب»(3)امرأة من نسائي في فئة باغية)فسقط الإناء من يدي،ة-
ص: 388
فرفع رأسه إليّ و قال:ما لك(1)يا أمّ سلمة؟فقلت:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ألا يسقط الإناء من يدي و أنت تقول ما تقول؟ما يؤمنني أن أكون هي أنا؟فضحكت أنت،فالتفت إليك فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ممّاتضحكين يا حمراء الساقّين؟(2)إنّي أحسبك هي(3).
و نشدتك باللّه يا عائشة،أتذكرين ليلة أسري بنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من مكان كذا و كذا و هو بيني و بين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يحدّثنا،فأدخلت جملك فحال بينه و بين عليّ عليه السّلام،فرفع مقرعة كانت معه يضرب بها وجه جملك و قال:أما و اللّه ما يومه منك بواحد،و لا بليّته منك بواحدة،أما إنّه لا يبغضه إلاّ منافق كذّاب؟
و أنشدك باللّه،أتذكرين مرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي قبض فيه،فأتاه أبوك يعوده و معه عمر-و قد كان عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يتعاهد ثوب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نعله و خفّه و يصلح ما و هى منها،فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي حضرميّة فهويخصفها خلف البيت-فاستأذنا عليه فأذن لهما،فقالا:
يا رسول اللّه،كيف أصبحت؟
فقال:أصبحت أحمد اللّه.
ق-و البصرة،و هو الذي نزلته عائشة لمّا جاءت إلى البصرة في وقعة الجمل-النهاية 1/456.ه.
ص: 389
قالا:لا بدّ من الموت؟
قال:أجل لا بدّ من الموت.
قالا:يا رسول اللّه!فهل استخلفت أحدا؟
قال:ما خليفتي عليكم إلاّ خاصف النعل.
فخرجا فمرّا على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و هو يخصف نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،كلّ ذلك تعرفينه يا عائشة و تشهدين عليه؟!
ثم قالت أمّ سلمة:يا عائشة!أنا أخرج على عليّ عليه السّلام بعد الّذي سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟!فرجعت عائشة إلى منزلهافقالت:يا ابن الزّبير!أبلغهما أنّي لست بخارجة من بعد الذي سمعته من أمّ سلمة،فرجع فبلّغهما؛قال:فما انتصف اللّيل حتّى سمعت رغاء(1)إبلهما ترتحل فارتحلت معهما(2).9.
ص: 390
[82]
و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:دخلت أمّ سلمة بنت أبي أميّة على عائشة لما أزمعت الخروج إلى البصرة،فحمدت اللّه و صلّت على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم قالت:يا هذه،إنّك سدة(1)بين رسول اللّه و بين أمّته،و حجابه عليك مضروب و على حرمته،و قد جمع القرآن ذيلك فلاتندحيه(2)،و ضمّ ظفرك فلا تنشريه،و شدّ عقيرتك فلا تصحريها(3)،إنّ اللّه من وراء هذه الأمّة و قد علم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مكانك لو أراد4.
ص: 391
أن يعهد إليك فعل،بل نهاك(1)عن الفرطة في البلاد(2)،إنّ عمود الدين لن يثاب بالنساء إن مال و لا يرأب بهنّ إن انصدع(3)،حمادى النساء(4)غض الأطراف،و ضم الذيول و الأعطاف،و ما كنت قائلة لو أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عارضك في بعض هذه الفلوات،و أنت ناصّة قعودا(5)من منهل الى منهل،و منزل الى منزل،و لغير اللّه مهواك،و على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تردين،و قد هتكت عنك سجافه(6)،و نكثت عهده،و باللّه أحلف أن لو سرت مسيرك،ثم قيل لي ادخلي الفردوس لاستحييت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن ألقاه هاتكة حجابا ضربه عليّ فاتّقي اللّه،و اجعليه حصنا،وقاعة الستر منزلا،حتّى تلقيه.إنّ أطوع ما تكونين لربّك ما قصرت عنه،و أنصح ما تكونين للّه ما لزمتيه،و أنصر ما تكونين للدّين ما قعدت عنه،و باللّه أحلف لو حدّثتك بحديث سمعته من رسول اللّه3.
ص: 392
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لنهشتني نهش الرقشاء المطرقة(1).
فقالت لها عائشة:ما أعرفني بموعظتك،و أقبلني لنصحك،ليس مسيري على ما تظنّين،ما أنا بالمغترّة،و لنعم المطّلع تطلّعت فيه،فرّقت بين فئتين متشاجرتين،فإن أقعد ففي غير حرج،و إن أخرج ففي ما لا غنى بي عنه من الإزدياد في الأجر(2).
قال الصادق عليه السّلام:فلمّا كان من ندمها أخذت أمّ سلمة تقول:
لو كان معتصما من زلّة أحد كانت لعائشة الرتبى على الناس من زوجة لرسول اللّه فاضلة و ذكر آي من القرآن مدراس و حكمة لم تكن إلاّ لهاجسها في الصدر يذهب عنها كلّ وسواس يستنزع اللّه من قوم عقولهم حتّى يمرّ الذي يقضي على الراس و يرحم اللّه أم المؤمنين لقد تبدّلت لي إيحاشا بإيناس فقالت لها عائشة:شتمتني يا أخت.فقالت لها أمّ سلمة:لا،و لكنّة.
ص: 393
الفتنة إذا أقبلت،غضّت عين البصير(1)،و إذا أدبرت،أبصرها العاقل و الجاهل(2).
احتجاج أمير المؤمنين عليه السّلام بعد دخوله البصرة بأيّام على من قال من أصحابه انّه ما قسّم الفي ء فينا بالسويّةو لا عدل في الرعيّة و غير ذلك من المسائل التي سئل عنها في خطبة خطبها عليه السّلام
[83]
روى يحيى بن عبد اللّه بن الحسن،عن أبيه عبد اللّه بن الحسن قال:كان أمير المؤمنين عليه السّلام يخطب بالبصرة بعد دخولها بأيّام فقام اليه رجل فقال:
يا أمير المؤمنين!أخبرني من أهل الجماعة،و من أهل الفرقة؟و من
ص: 394
أهل البدعة،و من أهل السنّة؟
فقال:ويحك أما إذا سألتني فافهم عنّي و لا عليك أن تسأل عنها أحدابعدي:
أمّا أهل الجماعة:فأنا و من اتّبعني و إن قلّوا،و ذلك الحق عن أمر اللّه تعالى و عن أمر رسوله.
و أمّا أهل الفرقة فهم المخالفون لي و لمن اتّبعنى و إن كثروا.
و أمّا أهل السّنّة فالمتمسّكون بما سنّه اللّه لهم و رسوله و إن قلّوا.
و أمّا أهل البدعة:فالمخالفون لأمر اللّه تعالى و لكتابه و لرسوله و العاملون برأيهم و أهوائهم و إن كثروا،و قد مضى منهم الفوج الأوّل و بقيت أفواج،و على اللّه قصمها(1)و استيصالها عن جدد الأرض(2).
فقام اليه عمّار فقال:يا أمير المؤمنين،إنّ الناس يذكرون الفي ءو يزعمون أنّ من قاتلنا فهو و ماله و ولده في ء لنا.
فقام إليه رجل من بكر بن وائل،يدعى عبّاد بن قيس،و كان ذاعارضة و لسان شديد،فقال:يا أمير المؤمنين!و اللّه ما قسمت بالسويّة،و لاعدلت في الرعيّة.
فقال:و لم ويحك؟!!
قال:لأنّك قسمت ما في العسكر و تركت الأموال و النساء و الذريّة.
فقال:أيّها الناس!من كانت به جراحة فليداوها بالسمن.5.
ص: 395
فقال عبّاد:جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترّهات!(1)فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:إن كنت كاذبا فلا أماتك اللّه حتّى يدركك غلام ثقيف،فقيل:و من غلام ثقيف؟فقال:رجل لا يدع للّه حرمة إلاّ انتهكها،فقيل:أفيموت أو يقتل؟فقال:يقصمه قاصم الجبّارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه.
يا أخا بكر،أنت امرؤ ضعيف الرأي،أ و ما علمت أنّا لا نأخذ الصغيربذنب الكبير،و أنّ الأموال كانت لهم قبل الفرقة،و تزوّجوا على رشدة،و ولدوا على فطرة،و إنّما لكم ما حوى عسكركم،و ما كان في دورهم فهوميراث.فإن عدا أحد منهم أخذناه بذنبه،و إن كفّ عنّا لم نحمل عليه ذنب غيره.
يا أخا بكر،لقد حكمت فيهم بحكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أهل مكّة،فقسّم ما حوى العسكر،و لم يتعرّض لما سوى ذلك،و إنّما اتّبعت أثره حذو النعل بالنعل.
يا أخا بكر،أما علمت أنّ دار الحرب يحلّ ما فيها،و أنّ دار الهجرةيحرّم ما فيها إلاّ بحق،فمهلا مهلا رحمكم اللّه،فان لم تصدّقوني و أكثرتم عليّ-و ذلك أنّه تكلم في هذا غير واحد-فأيّكم يأخذ عائشة بسهمه؟
فقالوا:يا أمير المؤمنين،أصبت و أخطأنا،و علمت و جهلنا،فنحن نستغفر اللّه تعالى،و نادى الناس من كلّ جانب:أصبت يا أمير المؤمنين،9.
ص: 396
أصاب اللّه بك الرشاد و السداد.
فقام عبّاد فقال:
أيّها الناس،إنّكم و اللّه إن اتّبعتموه(1)و أطعتموه لن يضلّ بكم عن منهل نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى قيس(2)شعرة،و كيف لا يكون ذلك(3)و قد استودعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علم المنايا و القضاياو فصل الخطاب على منهاج هارون عليه السّلام،و قال له:أنت منّي بمنزلةهارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي،فضلا خصّه اللّه تعالى به و إكراما منه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث أعطاه ما لم يعط أحدا من خلقه.
ثم قال أمير المؤمنين عليه السّلام:انظروا رحمكم اللّه ما تؤمرون فامضواله،فإنّ العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخسّ،فإنّي حاملكم إن شاء اللّه إن أطعتموني على سبيل النجاة،و إن كان فيه مشقّة شديدة،و مرارة عتيدة(4)،و الدنيا حلوة الحلاوة لمن اغترّ بها من الشقوة و الندامةعمّا قليل.
ثم إنّي أخبركم أنّ جيلا من بني إسرائيل أمرهم نبيّهم أن لا يشربوامن النهر،فلجوا في ترك أمره فشربوا منه إلاّ قليل منهم،فكونوا رحمكمة.
ص: 397
اللّه من اولئك الذين أطاعوا نبيّهم و لم يعصوا ربّهم،و أما عائشة فأدركهارأي النساء،و لها بعد ذلك حرمتها الأولى،و الحساب على اللّه،يعفو عمّن يشاء،و يعذّب من يشاء(1).
[84]
و روي عن الأصبغ بن نباتة قال:كنت واقفا مع أمير المؤمنين عليه السّلام يوم الجمل،فجاء رجل حتّى وقف بين يديه فقال:يا أمير المؤمنين!كبّر القوم و كبّرنا و هلّل القوم و هلّلنا،و صلّى القوم و صلّينا،فعلى مانقاتلهم؟(2)
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:على ما أنزل اللّه عزّ و جلّ في كتابه.
فقال:يا أمير المؤمنين!ليس كلّ ما أنزل اللّه في كتابه أعلمه،فعلّمنيه.
فقال عليّ عليه السّلام:ما أنزل اللّه في سورة البقرة.
فقال:يا أمير المؤمنين ليس كلّ ما أنزل اللّه في سورة البقرة أعلمه،فعلّمنيه.م.
ص: 398
فقال عليّ عليه السّلام:هذه الآية:«تِلْكَ اَلرُّسُلُ فَضَّلْنََا بَعْضَهُمْ عَلى ََبَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اَللََّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجََاتٍ وَ آتَيْنََا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ اَلْبَيِّنََاتِ وَ أَيَّدْنََاهُ بِرُوحِ اَلْقُدُسِ وَ لَوْ شََاءَ اَللََّهُ مَا اِقْتَتَلَ اَلَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مََا جََاءَتْهُمُ اَلْبَيِّنََاتُ وَ لََكِنِ اِخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْشََاءَ اَللََّهُ مَا اِقْتَتَلُوا وَ لََكِنَّ اَللََّهَ يَفْعَلُ مََا يُرِيدُ»(1)،فنحن الذين آمنّا و هم الذين كفروا.
فقال الرجل:كفر القوم و ربّ الكعبة.ثم حمل فقاتل حتى قتل رضوان اللّه عليه(2).
[85]
و عن المبارك بن فضالة عن رجل ذكره قال:أتى رجل أمير المؤمنين عليه السّلام بعد الجمل،فقال:يا أمير المؤمنين،رأيت في هذه الواقعة أمراهالني:من روح قد بانت،و جثّة قد زالت،و نفس قد فاتت،لا أعرف فيهم2.
ص: 399
مشركا باللّه تعالى،فاللّه اللّه ممّا يجلّلني(1)من هذا!إن يك شرّا فهذايتلقّى(2)بالتوبة،و إن يك خيرا ازددنا منه،أخبرني عن أمرك هذا الذي أنت عليه،أفتنة عرضت لك فأنت تنفح(3)الناس بسيفك،أم شي ء خصّك به رسول اللّه؟
فقال له عليه السّلام:إذن أخبرك،إذن أنبئك،إذن أحدّثك،إنّ ناسا من المشركين أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أسلموا،ثم قالوا لأبي بكر:استأذن لنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى نأتي قومنا فنأخذ أموالناثمّ نرجع.فدخل أبو بكر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاستأذن لهم،فقال عمر:يا رسول اللّه!أنرجع من الإسلام إلى الكفر؟
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و ما علمك يا عمر أن ينطلقوا فيأتوا بمثلهم معهم من قومهم؟ثم إنّهم أتوا أبا بكر في العام المقبل فسألوه أن يستأذن لهم على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاستأذن لهم،و عنده عمر فقال مثل قوله فغضب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم قال:و اللّه ما أراكم تنتهون حتّى يبعث اللّه عليكم رجلا من قريش يدعوكم إلى اللّه فتختلفون عنه اختلاف الغنم الشرد(4).7.
ص: 400
فقال له أبو بكر:فداك أبي و أمّي يا رسول اللّه أنا هو؟قال:لا.فقال عمر:أنا هو؟قال:لا.قال عمر:فمن هو يا رسول اللّه؟فأومأ إليّ و أناأخصف نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال:«هو خاصف النعل عندكما،ابن عمّي،و أخي،و صاحبي،و مبري ء ذمّتي،و المؤدّي عنّي ديني و عداتي،و المبلّغ عنّي رسالاتي،و معلّم الناس من بعدي،و مبيّنهم من تأويل القرآن ما لا يعلمون»فقال الرجل:أكتفي منك بهذا يا أميرالمؤمنين ما بقيت.
قال:فكان ذلك الرجل أشد أصحاب عليّ عليه السّلام فيما بعد على من خالفه(1).
[86]
عن ابن عباس رضى اللّه عنه قال:لمّا فرغ أمير المؤمنين عليه السّلام من قتال أهل البصرة،وضع قتبا على قتب(2)ثم صعد عليه فخطب،فحمد اللّهن.
ص: 401
و أثنى عليه فقال:
يا أهل البصرة،يا أهل المؤتفكة(1)،يا أهل الداء العضال،أتباع البهيمة،يا جند المرأة،رغا فأجبتم(2)،و عقر فهربتم،ماؤكم زعاق(3)،و دينكم نفاق،و أحلامكم(4)دقاق.ثم نزل يمشي بعد فراغه من خطبته،فمشينا معه فمرّ بالحسن البصري و هو يتوضّأ فقال:
يا حسن!أسبغ الوضوء.فقال:يا أمير المؤمنين!لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا اله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله،يصلّون الخمس،و يسبغون الوضوء،فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:قدكان ما رأيت،فما منعك أن تعين علينا عدوّنا؟!
فقال:و اللّه لأصدقنّك يا أمير المؤمنين،لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت و تحنّطت و صببت عليّ سلاحي(5)و أنا لا أشكّ في أنّ التخلف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر،فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة
نادى(1)مناد:«يا حسن إلى أين؟إرجع فإنّ القاتل و المقتول في النار»فرجعت ذعرا(2)و جلست في بيتي،فلمّا كان في اليوم الثاني لم أشكّ أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عائشة هو الكفر،فتحنّطت،و صببت عليّ سلاحى و خرجت أريد القتال،حتّى انتهيت الى موضع من الخريبة،فناداني مناد من خلفي:«يا حسن إلى أين مرّة بعد أخرى(3)فإنّ القاتل و المقتول في النار».
فقال عليّ عليه السّلام:صدقت،أفتدري من ذلك المنادي؟قال:لا.
قال عليّ عليه السّلام:ذاك أخوك إبليس،و صدقك إن القاتل و المقتول منهم في النار،فقال الحسن البصري:الآن عرفت يا أمير المؤمنين انّ القوم هلكى(4).
ق-المرزبان قد إبتنى به قصرا و خرب بعده فلمّا نزل المسلمون البصرة إبتنوا عنده و فيه أبنيةو سمّوها الخريبة-معجم البلدان 2/363.1.
ص: 403
[87]
و عن أبي يحيى الواسطي قال:لمّا افتتح أمير المؤمنين عليه السّلام اجتمع الناس عليه و فيهم الحسن البصري و معه الألواح،فكان كلّما لفظأمير المؤمنين عليه السّلام بكلمة كتبها،فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام-بأعلى صوته-:ما تصنع؟فقال:نكتب آثاركم لنحدّث بها بعدكم،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:أما إنّ لكلّ قوم سامريّ،و هذا سامريّ هذه الأمّة،أما إنّه لا يقول لا مساس و لكن يقول لا قتال.(1)
[88]
روي أنّه عليه السّلام لمّا عزم على المسير إلى الشام لقتال معاوية،قال-بعد حمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-:اتّقوااللّه عباد اللّه و أطيعوه،و أطيعوا إمامكم،فإنّ الرّعيّة الصالحة تنجو بالإمام العادل،ألا و إنّ الرعيّة الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر،و قد أصبح معاوية
ص: 404
غاصبا لما في يديه من حقّي،ناكثا لبيعتي،طاغيا في دين اللّه عزّ و جلّ،و قد علمتم أيّها المسلمون ما فعل الناس بالأمس،فجئتموني راغبين إليّ في أمركم،حتّى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني،فالتويت عليكم لأبلو ما عندكم فراددتموني القول مرارا و راددتكم،و تداككتم عليّ تداكك الإبل(1)اليهم(2)على حياضها حرصا على بيعتي،حتّى خفت أن يقتل بعضكم بعضا.
فلمّا رأيت ذلك منكم روّيت في أمركم و أمري،و قلت إن أنا لم أجبهم إلى القيام بأمرهم لم يصيبوا أحدا منهم يقوم فيهم مقامي و يعدل فيهم عدلي،و قلت:و اللّه لا لينّهم(3)و هم يعلمون حقّي و فضلي أحبّ إليّ من أن يلوني و هم لا يعرفون حقّي و فضلي،فبسطت لكم يدي فبايعتموني يا معشر المسلمين،و فيكم المهاجرون و الأنصار،و التابعون بإحسان،فأخذت عليكم عهد بيعتي،و واجب صفقتي،عهد اللّه و ميثاقه،و أشدّما أخذ على النبيّين من عهد و ميثاق لتقرّنّ لي،و لتسمعنّ لأمري،و لتطيعوني،و تناصحوني،و تقاتلون معي كلّ باغ عليّ أو مارق إن مرق،فأنعمتم لي بذلك جميعا،و أخذت عليكم عهد اللّه و ميثاقه،و ذمّة اللّه و ذمّة8.
ص: 405
رسوله فأجبتموني إلى ذلك(1)،و أشهدت اللّه عليكم،و أشهدت بعضكم على بعض،فقمت فيكم بكتاب اللّه،و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فالعجب من معاوية بن أبي سفيان ينازعني الخلافة،و يجحدني الإمامة(2)،و يزعم أنّه أحقّ بها منّي،جرأة منه على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،بغيرحقّ له فيها و لا حجّة،و لم يبايعه المهاجرون و لا سلم له الأنصارو المسلمون.
يا معشر المهاجرين(3)و الأنصار و جماعة من سمع كلامي:
أما أوجبتم لي على أنفسكم الطاعة؟
أما بايعتموني على الرغبة؟
أما أخذت عليكم العهد بالقبول لقولي؟
أما بيعتي لكم يومئذ أوكد من بيعة أبي بكر و عمر؟
فما بال من خالفني لم ينقض عليهما حتّى مضيا و نقض عليّ و لم يف لي؟!
أما يجب عليكم نصحي و يلزمكم أمري؟
أما تعلمون أنّ بيعتي يلزم الشاهد منكم و الغائب؟
فما بال معاوية و أصحابه طاعنون(4)في بيعتي؟و لم لم يفوا لي و أنان.
ص: 406
في قرابتي و سابقتي و صهري أولى بالأمر ممن تقدّمني؟
أما سمعتم قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم الغدير في ولايتي و موالاتي؟
فاتّقوا اللّه أيّها المسلمون و تحاثّوا على جهاد معاوية القاسطالناكث،و أصحابه القاسطين(1).اسمعوا ما أتلو عليكم من كتاب اللّه المنزل على نبيّه المرسل لتتّعظوا،فإنّه و اللّه أبلغ عظة لكم،فانتفعوابمواعظ اللّه،و ازدجروا عن معاصي اللّه،فقد وعظكم اللّه بغيركم فقال لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرََائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى ََ إِذْ قََالُوالِنَبِيٍّ لَهُمُ اِبْعَثْ لَنََا مَلِكاً نُقََاتِلْ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ قََالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلْقِتََالُ أَلاََّ تُقََاتِلُوا قََالُوا وَ مََا لَنََا أَلاََّ نُقََاتِلَ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنََا مِنْ دِيََارِنََا وَ أَبْنََائِنََا فَلَمََّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ اَلْقِتََالُ تَوَلَّوْا إِلاََّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَ اَللََّهُ عَلِيمٌ بِالظََّالِمِينَ `وَ قََالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اَللََّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طََالُوتَ مَلِكاً قََالُوا أَنََّى يَكُونُ لَهُ اَلْمُلْكُ عَلَيْنََا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ اَلْمََالِ قََالَ إِنَّ اَللََّهَ اِصْطَفََاهُ عَلَيْكُمْ وَ زََادَهُ بَسْطَةً فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْجِسْمِ وَ اَللََّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشََاءُوَ اَللََّهُ وََاسِعٌ عَلِيمٌ »(2).
أيّها الناس،إنّ لكم في هذه الآيات عبرة،لتعلموا أنّ اللّه جعل الخلافة و الإمرة من بعد الأنبياء في أعقابهم،و أنّه فضّل طالوت و قدّمه على7.
ص: 407
الجماعة باصطفائه إيّاه و زيادة بسطة في العلم و الجسم،فهل تجدون اللّه(1)اصطفى بني أميّة على بني هاشم و زاد معاوية عليّ بسطة في العلم و الجسم.
فاتّقوا اللّه عباد اللّه و جاهدوا في سبيله قبل أن ينالكم سخطه بعصيانكم له،قال اللّه سبحانه:«لُعِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرََائِيلَ عَلى ََلِسََانِ دََاوُدَ وَ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ ذََلِكَ بِمََا عَصَوْا وَ كََانُوا يَعْتَدُونَ `كََانُوالاََ يَتَنََاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مََا كََانُوا يَفْعَلُونَ (2)إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ آمَنُوا بِاللََّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتََابُوا وَ جََاهَدُوا بِأَمْوََالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ أُولََئِكَ هُمُ اَلصََّادِقُونَ »(3)و قال سبحانه:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى ََ تِجََارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذََابٍ أَلِيمٍ `تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجََاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ بِأَمْوََالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذََلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ `يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ يُدْخِلْكُمْ جَنََّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهََارُوَ مَسََاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنََّاتِ عَدْنٍ ذََلِكَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ »(4).
اتّقوا اللّه عباد اللّه و تحاثّوا على الجهاد مع إمامكم،فلو كان لي منكم عصابة بعدد أهل بدر،إذا أمرتهم أطاعوني و إذا استنهضتهم نهضوامعي،لاستغنيت بهم عن كثير منكم،و أسرعت النهوض إلى حرب2.
ص: 408
معاوية و أصحابه فإنّه الجهاد المفروض(1).
[89]
أيّها الناس،إنّي استنفرتكم لجهاد هؤلاء فلم تنفروا،و أسمعتكم فلم تجيبوا،و نصحت لكم فلم تقبلوا،شهود كالغيب(2)أتلو عليكم الحكمةفتعرضون عنها،و أعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون عنها،كأنّكم حمرمستنفرة فرّت من قسورة،و أحثّكم على جهاد أهل الجور،فما آتي على آخر قولي حتّى أراكم متفرقين أيادي سبأ(3)،ترجعون إلى مجالسكم
ص: 409
تتربّعون حلقا،تضربون الأمثال و تنشدون الأشعار،و تجسّسون الأخبار،حتّى إذا تفرّقتم تسألون عن الأشعار،جهلة(1)من غير علم،و غفلة من غيرورع،و تتبّعا من غير خوف،و نسيتم الحرب و الاستعداد لها،فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها،شغلتموها بالأعاليل و الأضاليل،فالعجب كلّ العجب،و كيف لا أعجب من اجتماع قوم على باطلهم،و تخاذلكم عن حقّكم.
يا أهل الكوفة،أنتم كأمّ مجالد حملت فأملصت(2)فمات قيّمهاو طال أيّمها(3)و ورثها أبعدها،و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة،إنّ من ورائكم الأعور الأدبر جهنم الدنيا لا تبقى و لا تذر،و من بعده النهّاس الفراس(4)الجموع المنوع ثم ليتوارثنّكم من بني أميّة عدّة،ما الآخر منهم بأرأف بكم من الأوّل،ما خلا رجلا واحدا(5).ر.
ص: 410
بلاء قضاه اللّه على هذه الأمّة لا محالة كائن،يقتلون أخياركم و يستعبدون أراذلكم،و يستخرجون كنوزكم و ذخايركم في جوف حجالكم،نقمة بما ضيّعتم(1)من أموركم،و صلاح أنفسكم و دينكم.
يا أهل الكوفة،أخبركم بما يكون قبل أن يكون،لتكونوا منه على حذر و لتنذروا به من اتّعظ و اعتبر،كأنّي بكم تقولون:إنّ عليّا يكذب،كماقالت قريش لنبيّها و سيّدها نبيّ الرحمة محمّد بن عبد اللّه-صلّى اللّه عليه و آله و سلم-حبيب اللّه،فياويلكم فعلى من أكذب؟أعلى اللّه فأنا أوّل من عبده و وحّده؟!أم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فأنا أوّل من آمن به و صدّقه و نصره!كلاّ و لكنّها لهجة خدعة!كنتم عنها أغنياء(2).
و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لتعلمنّ نبأها بعد حين،و ذلك إذاصيّركم إليها جهلكم،و لا ينفعكم عندها علمكم،فقبحا لكم يا أشباه الرجال و لا رجال،حلوم الأطفال و عقول ربّات الحجال.
أما و اللّه أيّها الشاهدة أبدانهم،الغائبة(3)عنهم عقولهم،المختلفةأهواؤهم،ما أعزّ اللّه نصر من دعاكم،و لا استراح قلب من قاساكم،و لاقرّت عين من آواكم،كلامكم يوهن الصمّ الصلاب،و فعلكم يطمع فيكم عدوّكم المرتاب...
ص: 411
يا ويحكم!أيّ دار بعد داركم تمنعون؟و مع أيّ امام بعدي تقاتلون؟المغرور و اللّه من غررتموه،و من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب!أصبحت لا أطمع في نصرتكم،و لا أصدقكم قولكم،فرّق اللّه بيني و بينكم و أعقبنى بكم من هو خير لي منكم(1)،و أعقبكم بي من هو شرّ لكم منّي.
إمامكم يطيع اللّه و أنتم تعصونه،و امام أهل الشام يعصي اللّه و هم يطيعونه!و اللّه لوددت أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم،فأخذ منّي عشرة منكم و أعطاني واحدا منهم،و اللّه لوددت أنّي لم أعرفكم،و لم تعرفوني،فانّها معرفة جرّت ندما.لقد ورّيتم(2)صدري غيظا و أفسدتم عليّ أمري بالخذلان و العصيان،حتّى لقد قالت قريش إنّ عليّا رجل شجاع لكن لا علم له بالحروب،للّه درّهم!هل كان فيهم أحد أطول لها مراسا(3)منّي،و أشدّ لها مقاساة(4)؟لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين،ثم ها أناذا(5)قد ذرفت على الستين(6)،و لكن لا أمر لمن لا يطاع(7).ع.
ص: 412
أما و اللّه لوددت أن ربّي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه،و انّ المنيّة لترصدني فما يمنع أشقاها أن يخضبها؟-و ترك يده على رأسه و لحيته-عهدا عهده إليّ النبيّ الأميّ و قد خاب من افترى،و نجا من اتّقى و صدّق بالحسنى.
يا أهل الكوفة،قد دعوتكم إلى جهاد هؤلاء ليلا و نهارا،و سرّاو اعلانا،و قلت لكم:اغزوهم فانّه ما غزي قوم في عقر دارهم(1)إلاّ ذلّوا،فتواكلتم(2)و تخاذلتم و ثقل عليكم قولي،و استصعب عليكم أمري،واتّخذتموه ورائكم ظهريا،حتّى شنّت عليكم الغارات(3)،و ظهرت فيكم الفواحش و المنكرات،تمسيكم و تصبحكم،كما فعل بأهل المثلات(4)من قبلكم،حيث أخبر اللّه عزّ و جلّ عن الجبابرة العتاة الطغاة،و المستضعفين الغواة،في قوله تعالى:«يُذَبِّحُونَ أَبْنََاءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِسََاءَكُمْ وَ فِي ذََلِكُمْ بَلاََءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ »(5)أما و الذي فلق الحبّة و برأالنسمة لقد حلّ بكم الذي توعدون.
عاتبتكم يا أهل الكوفة بمواعظ القرآن فلم أنتفع بكم،و أدّبتكم9.
ص: 413
بالدرّة(1)فلم تستقيموا لي،و عاقبتكم بالسوط الذي تقام به الحدود فلم ترعووا(2)،و لقد علمت انّ الذي يصلحكم هو السيف،و ما كنت متحرّياصلاحكم بفساد نفسي،و لكن سيسلّط عليكم سلطان صعب،لا يوقّركبيركم،و لا يرحم صغيركم،و لا يكرم عالمكم،و لا يقسّم الفي ء بالسويّةبينكم،و ليضربنّكم،و ليذلنّكم،و ليجهزنّكم(3)في المغازي،و ليقطعنّ سبلكم(4)،و ليحجبنّكم(5)على بابه(6)حتّى يأكل قويّكم ضعيفكم ثم لا يبعد اللّه إلاّ من ظلم،و لقلّ ما أدبر شي ء،فأقبل،و إنّي لأظنّكم على فترة،و ما عليّ إلاّ النصح لكم.
يا أهل الكوفة،منيت(7)منكم بثلاث و اثنتين:صمّ ذوو أسماع،و بكم ذوو ألسن،و عمي ذوو أبصار،لا اخوان صدق عند اللقاء،و لا اخوان ثقة عند البلاء.
اللهم انّي قد مللتهم و ملّوني،و سئمتهم و سئموني،اللّهم لا ترض عنهم أميرا و لا ترضهم عن أمير،و أمث قلوبهم كما يماث الملح بالماء،6.
ص: 414
اما و اللّه لو أجد بدّا من كلامكم و مراسلتكم ما فعلت(1)،و لقد عاتبتكم في رشدكم حتّى لقد سئمت الحياة،كلّ ذلك تراجعون بالهزء من القول،فرارا من الحق،و إلحادا إلى الباطل الذي لا يعزّ اللّه بأهله الدين،و انّي لأعلم أنكم(2)لا تزيدونني غير تخسير،كلّما أمرتكم بجهاد عدوّكم إثّاقلتم إلى الأرض و سألتموني التأخير دفاع ذي الدّين المطول(3).
إن قلت لكم في القيظ سيروا،قلتم الحرّ شديد،و إن قلت لكم في البرد سيروا،قلتم القرّ شديد،كلّ ذلك فرارا عن الحرب؛إذا كنتم عن الحرّو البرد تعجزون،فأنتم عن حرارة السيف أعجز و أعجز،فإنّا للّه و إنّا اليه راجعون.
يا أهل الكوفة،قد أتاني الصريح(4)يخبرني:أنّ أخا غامد(5)قد نزل4.
ص: 415
الأنبار(1)على أهلها ليلا في أربعة آلاف،فأغار عليهم كما يغار على الروم و الخزر،فقتل بها عاملي ابن حسّان،و قتل معه رجالا صالحين،ذوي فضل و عبادة و نجدة(2)،بوّأ اللّه لهم جنّات النعيم،و انّه أباحها.
و لقد بلغني أنّ العصبة(3)من أهل الشام كانوا يدخلون على المرأةالمسلمة و الأخرى المعاهدة،فيهتكون سترها،و يأخذون القناع من رأسها و الخرص من أذنها،و الأوضاح من يديها و رجليها و عضديها،و الخلخال و الميزر عن سوقها،فما تمتنع إلاّ بالاسترجاع و النداء:«يا للمسلمين!»فلا يغيثها مغيث،و لا ينصرها ناصر،فلو أنّ مؤمنا مات من دون هذا،ما كان عندي ملوما،بل كان عندي بارّا محسنا.
وا عجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم،و فشلكم عن حقّكم!قد صرتم غرضا يرمى و لا ترمون،و تغزون و لا تغزون،و يعصى اللّه و ترضون!فتربت(4)أيديكم يا أشباه الابل غاب عنها رعاتها،كلّمااجتمعت من جانب تفرّقت من جانب(5).د-
ص: 416
[90]
أما بعد،فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء اللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لدينه،و تأييده إيّاه بمن أيّده من أصحابه،فلقد خبّأ(1)لنا الدهرمنك عجبا،إذ طفقت(2)تخبرنا ببلاء اللّه عندنا،و نعمته علينا في نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم،فكنت في ذلك كناقل التمر الى هجر(3)،أو داعي مسدّده ق-قدس سره في أماليه:ص 146،المجلس 18.و اشار اليها في الغارات 1/31.و قريب منه ما أورده السيد الرضى رحمه اللّه في نهج البلاغة في باب الخطب رقم 27 و 97.و كتاب سليم بن قيس ص 98.
ص: 417
الى النضال(1)و زعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان و فلان،فذكرت أمرا إن تمّ اعتزلك كلّه،و إن نقص لم يلحقك ثلمه،و ما أنت و الفاضل و المفضول،و السايس و المسوس،و ما للطلقاء و أبناء الطلقاء و التمييز بين المهاجرين الأوّلين،و ترتيب درجاتهم،و تعريف طبقاتهم،هيهات لقدحنّ قدح ليس منها(2)و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها!ألا تربع أيها الانسان على ظلعك(3)!و تعرف قصور ذرعك،و تتأخّر حيث أخّرك4.
ص: 418
القدر،فما عليك غلبة المغلوب و لا لك ظفر الظافر.
فانّك لذهّاب(1)في التيه،روّاغ عن القصد(2)،ألا ترى-غير مخبرلك لكن بنعمة اللّه أحدّث-:أنّ قوما استشهدوا في سبيل اللّه من المهاجرين و لكلّ فضل،حتّى إذا استشهد شهيدنا قيل:«سيد الشهداء»و خصّه رسول اللّه بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه(3)؟أو لا ترى أنّ قوماقطّعت أيديهم في سبيل اللّه و لكلّ فضل،حتّى إذا فعل بواحدنا كمافعل(4)بواحدهم قيل:«الطيّار في الجنّة»و«ذو الجناحين»و لو لا ما نهى اللّه عن تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين،و لا تمجها(5)آذان السامعين،فدع عنك من مالت به الرمية(6)فانّا صنايعن.
ص: 419
ربّنا،و الناس بعد صنايع لنا(1)،لم يمنعنا قديم عزّنا،و لا عادي طولنا(2)على قومك ان خلطناكم بأنفسنا،فنكحنا و أنكحنا،فعل الأكفاء،و لستم هناك(3)ة-
ص: 420
و أنّى يكون ذلك كذلك و منّا النبيّ و منكم المكذّب(1)،و منّا أسداللّه و منكم أسد الأحلاف(2)،و منّا سيّدا شباب أهل الجنّة و منكم صبيةق-و حسبهما و أنّهما لا يصلحان للخلافة لقوله صلّى اللّه عليه و آله:الأئمة من قريش...
و قال مؤلف كتاب«الزام النواصب»:أمية لم يكن من صلب عبد الشمس و إنّما هومن الروم فاستلحقه عبد الشمس فنسب اليه،فبنو أمية ليسو من صميم قريش و إنّما هم يلحقون بهم و يصدّق ذلك قول أمير المؤمنين عليه السّلام إنّ بني أميّة لصاق و ليسواصحيحي النسب الى عبد مناف و لم يستطع معاوية إنكار ذلك-بحار الانوار 8/360،طالقديم.
و منهاج البراعة-18/276-عند قوله عليه السّلام-من المختار السابع عشر من كتبه-«...و لا الصريح كالّلصيق».
و أشار إلى ما في«الكامل البهائي»فقيه العصر سماحة آية اللّه الگلپايگاني مد ظله في«مجمع المسائل»1/382،تحت رقم 1175.و لاحظ الكامل البهائي 2/180.ه.
ص: 421
النار(1)،و منّا خير نساء العالمين و منكم حمّالة الحطب(2)!في كثير ممّالنا عليكم،فإسلامنا ما قد سمع،و جاهليّتكم(3)لا تدفع،و كتاب اللّه يجمع لنا ما شذّ عنّا،و هو قوله تعالى:«وَ أُولُوا اَلْأَرْحََامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى ََبِبَعْضٍ فِي كِتََابِ اَللََّهِ »(4)و قوله تعالى:«إِنَّ أَوْلَى اَلنََّاسِ بِإِبْرََاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هََذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللََّهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ »(5)فنحن مرّة أولى بالقرابة و تارة أولى بالطاعة.
ق-و قال العالم الشارح البحراني:هو أسد بن عبد العزّى،و الأحلاف هم عبد مناف و زهرة و أسد و تيم و الحارث بن فهر...
و الصواب:أن أسد الاحلاف هو عتبة بن ربيعة-منهاج البراعة 19/121-126.8.
ص: 422
و لما احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلجوا(1)عليهم،فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم،و إن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم(2).
و زعمت أنّي لكلّ الخلفاء حسدت،و على كلّهم بغيت،فإن يكن ذلك كذلك،فليس الجناية عليك،فيكون العذر إليك.
و تلك شكاة ظاهر عنك عارها(3)و قلت:إنّي كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش(4)حتّى أبايع،و لعمر اللّه لقد أردت أن تذمّ فمدحت،و أن تفضح فافتضحت.و ما على المسلم من غضاضة(5)في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكّا في دينه،و لان.
ص: 423
مرتابا بيقينه(1)،و هذه حجّتي إلى غيرك قصدها،و لكنّي أطلقت لك منهابقدر ما سنح من ذكرها.
ثم ذكرت ما كان من أمري(2)و أمر عثمان،فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه،فأيّنا كان أعدى له و أهدى الى مقاتلته،أم من بذل له نصرته فاستقعده و استكفّه،أم من استنصره فتراخى عنه و بثّ المنون إليه حتّى أتى عليه قدره؟كلاّ و اللّه لقد علم اللّه المعوقين منكم و القائلين لإخوانهم هلمّ إلينا،و لا يأتون البأس إلاّ قليلا،و ما كنت لأعتذر من أنّي كنت أنقم عليه أحداثا،فإن كان الذنب إليه ارشادي و هدايتي له،فربّ ملوم لا ذنب له(3)،و قد يستفيد الظنة المتنصح(4)،و ما أردت إلاّ الإصلاح ما استطعت،و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت و إليه أنيب.
و ذكرت أنّه ليس لي و لا لأصحابي عندك إلاّ السيف،فلقد(5)أضحكت بعد استعبار،متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين و بالسيوف مخوفين،فالبث قليلا يلحق الهيجا حمل(6)،فسيطلبك من:-
ص: 424
تطلب،و يقرب منك ما تستبعد،و أنا مرقل(1)نحوك في جحفل(2)من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان،شديد زحامهم،ساطع قتامهم(3)،متسربلين سرابيل الموت(4)أحبّ اللّقاء إليهم لقاء ربّهم،و قدصحبتهم ذريّة بدريّة،و سيوف هاشميّة،قد عرفت مواقع نصالها(5)في أخيك و خالك و جدّك(6)و أهلك،و ما هي من الظالمين ببعيد(7).
ق-لبث قليلا يلحق الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا الموت نزل و في لفظ:«ما أحسن الموت إذا حان الأجل».
قالوا:في«حمل»هواسم رجل شجاع حان يستظهر به في الحرب و لا يبعد أن يرادبه حمل بن بدر صاحب الغبراء يضربه من ناصره وراءه-لاحظ الأمثال 115.
و الهيجاء بالقصر و المدّ:الحرب-مجمع البحرين.7.
ص: 425
[91]
و كتب-عليه السّلام-أيضا-إلى معاوية-:
أما بعد،فإنّا كنّا نحن و أنتم(1)على ما ذكرت من الألفة و الجماعة،ففرّق بيننا و بينكم أمس(2):أنّا آمنّا و كفرتم،و اليوم:أنّا استقمنا و فتنتم،و ما أسلم مسلمكم إلاّ كرها و بعد أن كان أنف الإسلام(3)كلّه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حزبا.
و ذكرت أنّي قتلت طلحة و الزبير،و شردت(4)بعايشة،و نزلت بين المصرين(5)،و ذلك أمر غبت عنه،فلا الجناية عليك،و لا العذر فيه اليك،و ذكرت أنك زائري في المهاجرين و الأنصار،و قد(6)انقطعت الهجرةيوم أسر أخوك(7)فإن كان فيك عجل فاسترفه(8)فإنّي إن أزرك فذلكه.
ص: 426
جدير أن يكون اللّه عز و جل إنّما بعثني للنقمة منك،و إن تزرني فكما قال أخو بني أسد:
مستقبلين رياح الصّيف تضربهم بحاصب بين أغوار و جلمود(1)و عندي السيف الذي أعضضته(2)بجدّك و خالك و أخيك في مقام واحد،و إنّك و اللّه ما علمت،الأغلف القلب المقارب العقل،و الأولى أن يقال لك:إنّك رقيت سلّما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك،لأنّك نشدت غيرضالّتك و رعيت غير سائمتك و طلبت أمرا لست من أهله،و لا في معدنه،فما أبعد قولك من فعلك!!و قريب ما أشبهت من أعمام و أخوال حملتهم الشقاوة و تمنّي الباطل،على الجحود بمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فصرعوامصارعهم حيث علمت،لم يدفعوا عظيما،و لم يمنعوا حريما،بوقع8.
ص: 427
سيوف ما خلا منها الوغا(1)،فلم يماشها الهوينا(2)و قد أكثرت في قتلةعثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إليّ أحملك و إيّاهم على كتاب اللّه.
و أمّا تلك التي تريد،فانّها خدعة الصّبي(3)عن اللّبن في أول الفصال،و السّلام لأهله(4).
[92]
و كتب عليه السّلام إلى معاوية في كتاب آخر:
فسبحان اللّه ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة،و الحيرة المتّبعة،مع تضييع الحقايق،و اطراح الوثايق،التي هي للّه طلبة،و على عباده حجّة،فأمّا إكثارك الحجاج في عثمان و قتلته،فانّك إنّما نصرت(5)عثمان حيث..
ص: 428
كان النصر لك و خذلته حيث كان النصر له،و السّلام(1).
[93]
و روى أبو عبيدة قال:كتب معاوية الى أمير المؤمنين عليه السّلام:إنّ لي فضائل كثيرة،كان أبي سيّدا في الجاهليّة،و صرت ملكا في الإسلام،و أناصهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خال المؤمنين،و كاتب الوحي.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:أبالفضائل(2)يبغي عليّ ابن آكلةالأكباد؟!(3)اكتب إليه يا غلام:
محمّد النبيّ أخي و صنوي و حمزة سيد الشهداء عمّي و جعفر الذي يضحي و يمسي يطير مع الملائكة ابن أمّي و بنت محمّد سكني و عرسي مسوط لحمها بدمي و لحمي و سبطا أحمد ولداي منها فأيّكم له سهم كسهمي سبقتكم إلى الإسلام طرّا غلاما ما بلغت أوان حلمي و صلّيت الصّلاة و كنت طفلا مقرّا بالنبيّ في بطن أمّي و أوجب لي ولايته عليكم رسول اللّه يوم غدير خمّ أنا الرجل الذي لا تنكروه ليوم كريهه و ليوم سلم(4)م.
ص: 429
فويل ثمّ ويل ثمّ ويل لمن يلقى الإله غدا بظلمي(1)فقال معاوية:أخفوا هذا الكتاب،لا يقرأه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب عليه السّلام(2).
[94]
و روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:
لمّا قتل عمّار بن ياسر ارتعدت فرائص(3)خلق كثير(4)،و قالوا:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«عمّار تقتله الفئة الباغية»(5)فدخل عمرو بن العاص على معاوية و قال:يا أمير المؤمنين قد هاج النّاس..
ص: 430
و اضطربوا،قال:لما ذا؟قال:قتل عمّار.فقال:قتل عمّار،فماذا؟
قال:أ ليس قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«تقتله الفئة الباغية»؟.
فقال له معاوية:دحضت(1)في قولك،أنحن قتلناه؟إنّما قتله عليّ بن أبي طالب-عليه السّلام-لمّا ألقاه بين رماحنا(2).فاتّصل ذلك بعليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال:
فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو الذي قتل حمزة لمّا ألقاه بين رماح المشركين(3)..-
ص: 431
[95]
و كتب عليه السّلام إلى عمرو بن العاص في أثناء كتاب:
فإنّك جعلت دينك تبعا لدنيا امري ء ظاهر غيّه،مهتوك ستره،يشين الكريم بمجلسه،و يسفه الحليم بخلطته،فاتّبعت أثره،و طلبت فضله،اتّباع الكلب للضرغام(1)يلوذ إلى مخالبه،و ينتظر ما يلقي إليه من فضل فريسته،فأذهبت دنياك و آخرتك،و لو أخذت بالحقّ أدركت ما طلبت،فان يمكنّي اللّه(2)منك و من ابن أبي سفيان أخبرتكما بما قدّمتما،فان تعجزاو تبقيا(3)فما أمامكما شرّ لكما و السّلام(4).
ق-و نقله في البحار 33/7.5.
ص: 432
[96]
و قال عليه السّلام-في عمرو جوابا عمّا قال فيه-:
عجبا لابن النابغة(1)يزعم لأهل الشام أنّ فيّ دعابة و أنّي امرؤتلعابة(2)،أعافس(3)و أمارس؛لقد قال باطلا،و نطق آثما،أما و شرّالقول الكذب،إنّه يقول فيكذب،و يعد فيخلف،و يسأل فيلحف(4)،ويسأل فيبخل،و يخون العهد و يقطع الإلّ(5)،فاذا كان عند الحرب فأيّ زاجر و آمر هو ما لم تأخذ السيوف مآخذها(6)،فاذا كان ذلك كان أكبرمكيدته أن يمنح القوم سبته(7).أما و اللّه إنّي ليمنعني من اللّعب ذكره.
ص: 433
الموت،و إنّه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة،و إنّه(1)لم يبايع معاويةحتّى شرط(2)أن يؤتيه على البيعة أتيّة(3)،و يرضخ له(4)على ترك الدّين رضيخة(5).
********[97]
و كتب محمّد بن أبي بكر الى معاوية احتجاجا عليه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
من محمّد بن أبي بكر،إلى الغاوي معاوية بن صخر،سلام اللّه على أهل طاعة اللّه ممّن هو أهل دين اللّه و أهل ولاية اللّه.
أمّا بعد،فإنّ اللّه بجلاله و سلطانه خلق خلقا بلا عبث منه،و لا ضعف به في قوّة،و لكنّه خلقهم عبيدا،فمنهم شقيّ و سعيد،و غويّ و رشيد،ثم اختارهم على علم منه،و اصطفى و انتجب منهم محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اصطفاه لرسالته،و ائتمنه على وحيه فدعا الى سبيل ربّه بالحكمة1.
ص: 434
و الموعظة الحسنة،فكان أوّل من أجاب و أناب،و أسلم و سلم،أخوه و ابن عمّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فصدّقه بالغيب المكتوم،و آثره على كلّ حميم،و وقاه من كلّ مكروه(1)،و واساه بنفسه في كلّ خوف،و قد رأيتك تساويه و أنت أنت و هو هو،المبرز السابق في كلّ خير،و أنت اللّعين ابن اللّعين لم تزل أنت و أبوك تبغيان في دين اللّه(2)الغوائل،و تجتهدان على اطفاء نور اللّه،تجمعان الجموع على ذلك،و تبذلان فيه الأموال،و تحالفان عليه القبائل.على ذلك مات أبوك،و عليه خلفته أنت.
فكيف-لك الويل-تعدل عن عليّ و هو وارث علم رسول اللّه-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-و وصيّه،و أوّل الناس له اتّباعا و آخرهم به عهدا،و أنت عدوّه و ابن عدوّه،فتمتّع بباطلك ما استطعت،و تبدد(3)بابن العاص في غوايتك(4)فكان أجلك قد انقضى،و كيدك قد وهى،ثم تستبين لك لمنر.
ص: 435
تكون العاقبة العليا،و السّلام على من اتّبع الهدى.
[98]
فأجابه معاوية على هذا الكتاب:
من معاوية بن أبي سفيان هذا إلى الزاري(1)على أبيه محمّد بن أبي بكر،سلام على أهل طاعة اللّه.
أمّا بعد،فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما اللّه أهله في قدرته و سلطانه مع كلام ألفته و رصفته(2)لرأيك فيه،ذكرت حقّ عليّ(3)و قديم سوابقه و قرابته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نصرته و مواساته إيّاه في كلّ خوف و هول،و تفضيلك عليّا و عيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك،فالحمدللّه الذي صرف ذلك عنك و جعله لغيرك.
قد كنّا(4)و أبوك معنا في زمن نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نرى حقّ عليّ-عليه السّلام-لازما لنا،و سبقه مبرزا علينا،فلما اختار اللّه لنبيّه ما عنده و أتمّ له ما وعده،قبضه اللّه اليه(5)،و كان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزّه(6)2.
ص: 436
حقّه-عليه الصلاة و السّلام-و خالفه على ذلك،و اتّفقا ثمّ دعواه الى أنفسهما،فأبطأ عليهما،فهمّا به الهموم،و أرادا به العظيم،فبايع و سلّم لأمرهما،لايشركانه في أمرهما،و لا يطلعانه على سرّهما،حتّى قضى اللّه من أمرهماما قضى.
ثم قام بعدهما ثالثهما يهدي بهداهما،و يسير بسيرتهما،فعبته أنت و أصحابك حتّى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي حتّى بلغتما منه مناكما،أبوك(1)مهد مهاده فان يك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله،و إن يك جورا فأبوك سنّه،و نحن شركاؤه و بهديه اقتدينا،و لو لا ما سبقنا إليه أبوك،ما خالفنا عليّا و لسلّمنا له،و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك فأخذنا بمثاله(2)،فعب أباك أو دعه،و السّلام على من تاب و أناب(3).
********5.
ص: 437
[99]
روي أنّ رجلا من أصحابه قام إليه فقال:إنّك نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها،فما ندري أيّ الأمرين أرشد!!
فصفق عليه السّلام إحدى يديه على الأخرى ثم قال:
هذا جزاء من ترك العقدة(1)،أما و اللّه لو أنّي حين أمرتكم بما أمرتكم به،حملتكم(2)على المكروه الذي جعل اللّه فيه خيرا(3)فإن استقمتم هديتكم و إن اعوججتم قوّمتكم،و إن أبيتم تداركتكم لكانت الوثقى،و لكن بمن و إلى من أريد أن أداوي بكم و أنتم دائي؟!كناقش الشوكة
ص: 438
بالشوكة و هو يعلم أنّ ضلعها معها(1)،اللّهم قد ملّت أطبّاء هذا الداءالدويّ،و كلّت النزعة بأشطان الرّكيّ(2)(3).
[100]
و قال عليه السّلام لهم-و قد خرج إلى معسكرهم و هم مقيمون على إنكارالحكومة،بعد كلام طويل-:
ألم تقولوا-عند رفعهم المصاحف حيلة،و غيلة،و مكرا،و خديعة-:إخواننا،و أهل دعوتنا،استقالونا،و استراحوا إلى كتاب اللّه سبحانه،فالرّأي القبول منهم،و التنفيس عنهم(4)،فقلت لكم:هذا أمر ظاهره إيمان،و باطنه عدوان،و أوّله رحمة،و آخره ندامة،فأقيموا على شأنكم،6.
ص: 439
و الزموا طريقتكم،و عضّوا على الجهاد بنواجذكم(1)و لا تلتفتوا إلى ناعق نعق،إن أجيب أضلّ و إن ترك ذلّ،فلقد كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و إنّ القتل ليدور بين الآباء و الأبناء،و الإخوان و القرابات،فما نزدادعلى كلّ مصيبة و شدّة إلاّ إيمانا،و مضيّا على الحقّ،و تسليما للأمر،و صبرا على مضض الجراح(2)،و لكنّا إنّما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ و الإعوجاج و الشبهة و التأويل،فإذاطمعنا في خصلة يلمّ اللّه بها شعثنا(3)،و نتدانى بها الى البقيّة فيما بيننا،رغبنا فيها و أمسكنا عمّا سواها(4).
[101]
و قال عليه السّلام-في التحكيم-:
إنّا لم نحكّم الرّجال(5)و إنّما حكّمنا القرآن،و هذا القرآن إنّما هوب-
ص: 440
خطّ مسطور بين الدفتين،لا ينطق بلسان و لا بدّ له من ترجمان،و إنما ينطق عنه الرجال،و لمّا أن دعانا القوم إلى أن نحكّم بيننا(1)القرآن،لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب اللّه عز و جل و قد قال اللّه سبحانه:«فَإِنْ تَنََازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللََّهِ وَ اَلرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ»(2)فردّه إلى اللّه أن نحكم بكتابه،و ردّه إلى الرّسول أن نأخذبسنّته،فإذا حكم بالصّدق في كتاب اللّه عزّ و جلّ فنحن أحقّ الناس به و إذاحكم بسنّة رسوله فنحن أولاهم به.
و أمّا قولكم:لم جعلت بينك و بينهم أجلا في التحكيم؟فإنّما فعلت ذلك ليتبيّن الجاهل و يتثبت العالم،و لعلّ اللّه أن يصلح في هذه الهدنة أمرهذه الأمّة،و لا تؤخذ بأكظامها فتعجل عن تبيّن الحق و تنقاد لأوّل الغيّ؟(3).
ق-بعد أن رضي بالتحكيم.و تقدير الشبهة أنك رضيت بتحكيم رجلين في هذا الأمرو عاهدت على ذلك،و كلّ من رضي بأمر و عاهد عليه فليس له أن ينقض عهده.فقدح في صغرى هذه الشبهة بقوله:إنا لم نحكّم...-شرح النهج لابن ميثم 3/127.1.
ص: 441
[102]
و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أرسل عبد اللّه بن العباس إلى الخوارج،و كان بمرأى منهم و مسمع،قالوا له في الجواب:
إنّا نقمنا(1)يا ابن عباس على صاحبك خصالا كلّها مكفّرة،موبقة،تدعو إلى النار.
أما أوّلها:فانّه محى اسمه من إمرة المؤمنين ثم كتب بينه و بين معاوية،فاذا لم يكن أمير المؤمنين و نحن المؤمنون فلسنا(2)نرضى بأن يكون أميرنا.
و أما الثانية:فانه شكّ في نفسه حين قال للحكمين(3):«انظرا فإن كان معاوية أحقّ بها فأثبتاه،و إن كنت أولى بها فأثبتاني»فإذا هو شكّ في نفسه و لم يدر أ هو أحقّ(4)أم معاوية،فنحن فيه أشدّ شكّا.
و الثالثة:أنه جعل الحكم إلى غيره،و قد كان عندنا أحكم النّاس.
و الرابعة:أنه حكّم الرجال في دين اللّه و لم يكن ذلك إليه.
و الخامسة:أنه قسّم بيننا الكراع(5)و السلاح يوم البصرة،و منعنا7.
ص: 442
النساء و الذريّة.
و السادسة:أنه كان وصيّا فضيّع الوصيّة.
قال ابن عباس:قد سمعت يا أمير المؤمنين مقالة القوم،و أنت أحقّ بجوابهم،فقال:نعم.
ثم قال:يا ابن عباس!قل لهم أ لستم ترضون بحكم اللّه و حكم رسوله؟قالوا:نعم.
قال:أبدأ بما بدأتم به(1)في بدء الأمر.
ثم قال:كنت أكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الوحي و القضاياو الشروط و الأمان يوم صالح أبا سفيان،و سهيل بن عمرو فكتبت:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
هذا ما اصطلح عليه محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبا سفيان صخر بن حرب،و سهيل بن عمرو.
فقال سهيل:إنّا لا نعرف الرّحمن الرّحيم(2)،و لا نقرّ أنّك رسول اللّه-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-،و لكنّا نحسب ذلك شرفا لك أن تقدم اسمك على أسمائنا،و إن كنّا أسنّ منك و أبي أسنّ من أبيك.
فأمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:اكتب مكان بسم اللّه الرحمن الرحيم:«باسمك اللّهم»،فمحوت ذلك و كتبت:«باسمك..
ص: 443
اللّهم»و محوت«رسول اللّه»و كتبت«محمّد بن عبد اللّه»فقال لي:«إنّك تدعى إلى مثلها فتجيب و أنت مكره».
و هكذا كتبت بيني و بين معاوية و عمرو بن العاص:«هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين و معاوية و عمرو بن العاص»فقالا:لقد ظلمناك بأن أقررنا بأنّك أمير المؤمنين و قاتلناك،و لكن اكتب:«عليّ بن أبي طالب»فمحوت كما محى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فإن أبيتم ذلك فقدجحدتم،فقالوا:هذه لك خرجت منها.
قال:و أمّا قولكم:«إنّي شككت في نفسي حيث قلت للحكمين:انظرا فان كان معاوية أحقّ بها منّي فأثبتاه»فإنّ ذلك لم يكن شكّا منّي،و لكن أنصفت في القول،قال اللّه تعالى:«وَ إِنََّا أَوْ إِيََّاكُمْ لَعَلى ََ هُدىً أَوْ فِي ضَلاََلٍ مُبِينٍ »(1)و لم يكن ذلك شكّا و قد علم اللّه أن نبيّه على الحق،قالوا:و هذه لك.
قال:و أما قولكم:«إنّي جعلت الحكم إلى غيري و قد كنت عندكم أحكم الناس»فهذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد جعل الحكم إلى سعديوم بني قريظة و قد كان من أحكم الناس و قد(2)قال اللّه تعالى:«لَقَدْ كََانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اَللََّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ »(3)فتأسّيت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم،قالوا:و هذه لك بحجّتنا.1.
ص: 444
قال:و أمّا قولكم:«إنّي حكّمت في دين اللّه الرّجال»فما حكّمت الرّجال و إنّما حكّمت كلام ربّي،الذي جعله اللّه حكما بين أهله،و قدحكّم اللّه الرجال في طائر فقال:«وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزََاءٌ مِثْلُ مََا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ »(1)فدماء المسلمين أعظم من دم طائر.قالوا:و هذه لك بحجّتنا.
قال:و أمّا قولكم:«إنّي قسّمت يوم البصرة لمّا ظفّرني اللّه بأصحاب الجمل الكراع و السلاح،و منعتكم النساء و الذريّة»فإنّي مننت على أهل البصرة كما منّ رسول اللّه على أهل مكة،فإن عدوا علينا أخذناهم بذنوبهم،و لم نأخذ صغيرا بكبير،و بعد فأيّكم كان يأخذ عائشة في سهمه؟قالوا:و هذه لك بحجّتنا.
قال:و أمّا قولكم:«إنّي كنت وصيّا فضيّعت الوصيّة»فأنتم كفرتم و قدّمتم عليّ،و أزلتم الأمر عنّي،و ليس على الأوصياء الدعاء إلى أنفسهم،إنّما يبعث اللّه الأنبياء عليهم السّلام فيدعون إلى أنفسهم،و أما الوصيّ فمدلول عليه(2)مستغن عن الدعاء إلى نفسه،و ذلك لمن آمن باللّه و رسوله،و لقدقال اللّه جلّ ذكره:«وَ لِلََّهِ عَلَى اَلنََّاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطََاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»(3)فلو ترك الناس الحجّ لم يكن البيت ليكفر بتركهم إيّاه،و لكن كانوا يكفرون بتركهم،لأنّ اللّه تعالى قد نصبه لهم علما و كذلك نصبني7.
ص: 445
علما حيث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«يا عليّ أنت منّي[بمنزلةهارون من موسى و أنت منّي](1)بمنزلة الكعبة تؤتى و لا تأتي»فقالوا:و هذه لك بحجّتنا؛فأذعنوا فرجع بعضهم و بقي منهم أربعة آلاف لم يرجعوا ممّن كانوا قعدوا عنه فقاتلهم و قتلهم(2).
[موقفه عليه السّلام في قيامه و قعوده مع المخالفين](3)احتجاجه عليه السّلام في الاعتذار من قعوده عن قتال من تآمر عليه من الأوّلين و قيامه إلى قتال من بغى عليه من الناكثين و القاسطين و المارقين
[103]
روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان جالسا في بعض مجالسه،بعد
ص: 446
رجوعه من النهروان(1)فجرى الكلام حتى قيل له:لم لا حاربت أبا بكرو عمر كما حاربت طلحة و الزبير و معاوية؟
فقال عليّ عليه السّلام:إنّي كنت لم أزل مظلوما مستأثرا على حقّي.فقام إليه الأشعث بن قيس فقال:يا أمير المؤمنين،لم لم تضرب بسيفك،و لم تطلب بحقّك؟فقال:يا أشعث،قد قلت قولا فاسمع الجواب وعه،و استشعر الحجّة،إنّ لي أسوة بستّة من الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين:
أوّلهم:نوح عليه السّلام حيث قال:ربّ«فَدَعََا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ»(2)فإن قال قائل:إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر،و إلاّفالوصيّ أعذر.
و ثانيهم:لوط عليه السّلام حيث قال:«لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى ََرُكْنٍ شَدِيدٍ»(3)فإن قال قائل:إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر،و إلاّفالوصيّ أعذر.
و ثالثهم:إبراهيم خليل اللّه حيث قال:«وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ مََا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللََّهِ »(4)فإن قال قائل:إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر،و إلاّ8.
ص: 447
فالوصيّ أعذر.
و رابعهم:موسى عليه السّلام حيث قال:«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمََّاخِفْتُكُمْ »(1)فإن قال قائل:إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر،و إلاّفالوصيّ أعذر.
و خامسهم:أخوه هارون عليه السّلام حيث قال:[يا]«اِبْنَ أُمَّ إِنَّ اَلْقَوْمَ اِسْتَضْعَفُونِي وَ كََادُوا يَقْتُلُونَنِي»(2)فإن قال قائل:إنّه قال هذا لغير خوف فقد كفر،و إلاّ فالوصيّ أعذر.
و سادسهم:أخي محمّد خير البشر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث ذهب إلى الغار و نوّمني على فراشه فإن قال قائل:إنّه ذهب إلى الغار لغير خوف فقدكفر،و إلاّ فالوصيّ أعذر.
فقام إليه الناس(3)بأجمعهم فقالوا:يا أمير المؤمنين،قد علمنا أنّ القول قولك،و نحن المذنبون التائبون،و قد عذرك اللّه و رسوله و المؤمنون(4).م.
ص: 448
[104]
و عن اسحاق بن موسى،عن أبيه موسى بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمّد،عن آبائه عليهم السّلام قال:خطب أمير المؤمنين عليه السّلام خطبةبالكوفة،فلمّا كان في آخر كلامه قال:ألا و إنّي لأولى الناس(1)بالناس و مازلت مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقام الأشعث بن قيس-لعنه اللّه-(2)فقال:يا أمير المؤمنين!لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلاّ و قلت(3):«و اللّه إنّي لأولى الناس بالناس و مازلت مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم»و لما ولي تيم وعدي(4)،ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:يا ابن الخمّارة،قد قلت قولافاسمع(5).و اللّه ما منعني الجبن و لا كراهية الموت و لا منعني من ذلك إلاّي.
ص: 449
عهد أخي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خبّرني و قال لي:«يا أبا الحسن!إنّ الأمّة(1)ستغدر بك و تنقض عهدي،و إنّك منّي بمنزلة هارون من موسى»فقلت:يا رسول اللّه!فما تعهد إليّ إذا كان ذلك كذلك؟فقال:«إن وجدت أعوانا فبادر إليهم و جاهدهم،و إن لم تجد أعوانا فكفّ يدك و احقن دمك حتّى تلحق بي مظلوما».
فلما توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اشتغلت بدفنه و الفراغ من شأنه،ثم آليت يمينا أنّي لا أرتدي إلاّ للصلاة حتّى أجمع القرآن ففعلت،ثم أخذته و جئت به فاعرضته عليهم فقالوا:لا حاجة لنا به.
ثم أخذت بيد فاطمة،و ابنيّ الحسن و الحسين،ثم درت على أهل بدر،و أهل السابقة،فناشدتهم(2)حقّي،و دعوتهم إلى نصرتي،فماأجابني منهم إلاّ أربعة رهط:سلمان و عمّار و المقداد و أبو ذر،و ذهب من كنت أعتضد بهم على دين اللّه من أهل بيتي،و بقيت بين خفيرتين(3)قريبي العهد بجاهليّة:عقيل و العباس.ر.
ص: 450
فقال له الأشعث:يا أمير المؤمنين،كذلك كان عثمان لمّا لم يجدأعوانا،كفّ يده حتّى قتل مظلوما.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:يا ابن الخمّارة،ليس كما قست،إنّ عثمان لمّا جلس في غير مجلسه،و ارتدى بغير ردائه،صارع الحقّ فصرعه الحقّ،و الذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالحقّ،لو وجدت يوم بويع أخوتيم أربعين رهطا لجاهدتهم في اللّه إلى أن أبلي عذري.
ثم قال:
أيّها الناس!إنّ الأشعث لا يزن عند اللّه جناح بعوضة،و إنّه أقلّ في دين اللّه من عفطة عنز(1)(2).
[الخطبة المعروفة بالشقشقيّة](3)
[105]
و روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال:
ص: 451
كنت عند أمير المؤمنين عليه السّلام بالرحبة(1)فذكرت الخلافة و تقدّم من تقدّم عليه فتنفّس الصعداء،ثم قال:
أما و اللّه،لقد تقمّصها ابن أبي قحافة،و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى،ينحدر عنّي السيل،و لا يرقى إليّ الطير،فسدلت(2)دونها ثوبا،و طويت عنها كشحا(3)،و طفقت أرتأي(4)بين أن أصول بيدجذّاء(5)،أو أصبر على طخية عمياء(6)،يشيب فيها الصّغير،و يهرم فيهاالكبير،و يكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه،فرأيت أنّ الصبر على هاتاأحجى(7)،فصبرت و في العين قذى،و في الحلق شجا(8)،أرى تراثيت-
ص: 452
نهبا،حتّى إذا مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى عمر من بعده؛فيا عجبا،بينا هو يستقيلها في حياته،إذ عقدها لآخر بعد وفاته،لشدّ ما تشطّراضرعيها(1)-ثم تمثّل بقول الأعشى-:
شتّان ما يومي على كورها و يوم حيان أخي جابر(2)فصيّرها(3)في ناحية خشناء يخشن مسّها(4)،و يغلظ كلمها(5)،ق-في الحلق من عظم و نحوه فيغصّ به،و هما على ما قيل كنايتان عن النقمة و مرارة الصبرو التألم من الغبن-مجمع البحرين.0.
ص: 453
و يكثر فيها العثار،و يقلّ منها الاعتذار(1)،فصاحبها كراكب الصعبة(2)،إن أشنق لها خرم(3)،و إن أسلس لها تقّحم(4)،فمني(5)الناس لعمر اللّه بخبط و شماس(6)،و تلوّن و اعتراض،فصبرت على طول المدة،و شدّة المحنة،إلى أن حضرته الوفاة(7)،فجعلها شورى في جماعةزعم أنّي أحدهم(8)فياللّه و للشورى،متى اعترض الريب فيّ مع الأوّلم-
ص: 454
ق-فامّا سعد فلا يمنعني منه إلاّ عنفه و فظاظته،و امّا من عبد الرحمن بن عوف فلانّه قارون هذه الأمة و امّا من طلحة فتكبره و نخوته،و أمّا من الزبير فشحّه و لقد رأيته بالبقيع يقاتل على صاع من شعير و لا يصلح لهذا الأمر إلاّ رجل واسع الصدر،و أما من عثمان فحبّه لقومه و عصبيّته لهم،و أمّا من عليّ فحرصه على هذا الامر و دعابته فيه.
ثم قال:يصلّي صهيب بالناس ثلاثة أيام و تخلو الستة نفر في البيت ثلاثة أيام ليتفقواعلى رجل منهم فإن استقام أمر خمسة و أبى رجل فاقتلوه،و إن استقرّ أمر ثلاثة و أبى ثلاثةفكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف[قال الراوندي رحمه اللّه في شرح النهج:...فقال العباس لعليّ عليه السّلام:ذهب الأمر منّا و الرجل يريد أن يكون الأمرلعثمان.فقال عليّ عليه السّلام:أنا أعلم ذلك و لكنّي أدخل معهم في الشورى لأن عمر قداستأهلني الآن للإمامة و كان من قبل يقول:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:إن النبوّة و الامامة لا يجتمعان في بيت،و إني لأدخل في ذلك ليظهر أنه كذب نفسه بما روى اوّلا-منهاج البراعة،للراوندي 1/128].
فاقبل عبد الرحمن إلى عليّ عليه السّلام و أخذ بيده و قال:أبايعك على أن تعمل بكتاب اللّه و سنة رسوله و سيرة الخليفتين:أبي بكر و عمر.
فقال علي عليه السّلام:تبايعني على أن أعمل بكتاب اللّه و سنة رسوله و أجتهد رأيي فترك يده،ثم أقبل على عثمان فأخذ بيده و قال له مثل مقاله لعليّ عليه السّلام فقال:نعم.فكرّر القول على كلّ منهما ثلاثا فأجاب كلّ بما أجاب به اوّلا فبعدها قال عبد الرحمن:هي لك يا عثمان و بايعه ثم بايعه الناس-شرح نهج البلاغة للبحراني 1/260 و قريب منه مارواه إبن أبي الحديد في شرحه و اضاف في آخره:فلمّا رآى أن عليّا غير راجع عمّا قاله،و أنّ عثمان ينعم له بالإجابة صفق على يد عثمان،و قال:السّلام عليك يا أمير المؤمنين.-
ص: 455
منهم حتّى صرت الآن أقرن(1)إلى هذه النظائر،لكنّي أسففت إذ أسفّوا،و طرت إذ طاروا(2)،فصبرت على طول المحنة،و انقضاء المدّة،فمال رجل منهم لضغنه،و صغى الآخر لصهره(3)،مع هن و هن(4)إلى أن قام ق-فيقال:إنّ عليّا عليه السّلام قال له:و اللّه ما فعلتها إلاّ لأنك رجوت منه ما رجاصاحبكما من صاحبه،دقّ اللّه بينكما عطر منشم.
قيل:ففسد بعد ذلك بين عثمان و عبد الرحمن،فلم يكلم أحدهما صاحبه حتّى مات عبد الرحمن-شرح النهج 1/185.
و في الصحاح-5/2041-عن الأصمعي،قال:منشم بكسر الشين إسم إمرأة كانت بمكة عطّارة،و كانت خزاعة و جرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها،و كانوا إذا فعلواذلك كثرت القتلى فيما بينهم،فكان يقال:«أشأم من عطر منشم»فصار مثلا.ل-
ص: 456
ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه(1)،و قام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه تعالى خضم الإبل نبتة الربيع،إلى أن انتكث عليه فتله،و كبت به بطنته(2)،و أجهز عليه عمله(3)،فما راعني إلاّ و النّاس رسل إليّ كعرف(4)الضبع،ينثالون(5)عليّ من كلّ جانب،حتّى لقد وطي ءالحسنان،و شقّ عطفاي(6)مجتمعين حولي كربيضة الغنم(7)فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة،و مرقت أخرى،و قسط آخرون،كأنّهم لم يسمعوااللّه سبحانه و تعالى يقول:«تِلْكَ اَلدََّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُهََا لِلَّذِينَ لاََ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لاََ فَسََاداً وَ اَلْعََاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »(8)بل و اللّه لقد سمعوهاق-لأشياء أخرى يحتمل أن يكون نفاسة عليه و غبطة له بوصول هذا الأمر اليه أو غير ذلك.3.
ص: 457
و وعوها،و لكن حليت الدنيا في أعينهم،و راقهم زبرجها(1).
أما و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة،لو لا حضور الحاضر،و لزوم الحجّة(2)بوجود الناصر،و ما أخذ اللّه على أولياء الأمر:أن لا يقرّوا(3)على كظّة ظالم(4)،و لا سغب مظلوم(5)،لألقيت حبلها على غاربها،و لسقيت آخرها بكأس أوّلها،و لألفيتم دنياكم عندي أزهد من عفطةعنز(6).
قال:فقام إليه رجل من أهل السواد فناوله كتابا،فقطع(7)كلامه،فأقبل ينظر إليه،فلمّا فرغ من قراءته(8)؛قال ابن عباس:قلت له:يا أميرالمؤمنين،لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيتها...
ص: 458
قال:يا ابن عباس!هيهات هيهات!!تلك شقشقة هدرت ثم قرت(1).
قال ابن عباس:فما أسفت على شي ء و لا تفجّعت كتفجّعي على مافاتني من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام(2).ن-
ص: 459
ق-عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن إبن عباس:قال:ذكرت الخلافة عند أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال:أما و اللّه...
و قال الشيخ المفيد قدس سره:روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن إبن عباس قال كنت عند أمير المؤمنين عليه السّلام بالرحبة فذكرت الخلافة و تقدّم من تقدّم عليه فتنفّس الصعداء ثم قال:أم و اللّه لقد تقمّصها...-الارشاد ص 152.و نقله الشيخ الطوسي في أماليه مسندا 1/382.
و روى الشيخ قطب الدين الراوندي بسند آخر و قال:أخبرني أبو نصر الحسن بن محمّد بن إبراهيم عن الحاجب أبي الوفاء محمد بن بديع و أبي الحسين أحمد بن عبدالرحمن عن الحافظ أبي بكر بن مردويه الإصفهاني عن سليمان بن أحمد الطبراني عن أحمد بن علي الابار عن إسحاق بن سعيد ابي سلمة الدمشقي عن خليد بن دعلج عن عطاء بن أبي رياح عن إبن عباس قال كنا مع عليّ عليه السّلام بالرحبة...-منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 1/131،و نهج البلاغة،المختار من الخطب،الرقم 3.
و قال البحراني:هذه الخطبة قد اشتهرت بين العلماء قبل وجود الرضيّ،روى عن مصدق بن شبيب النحوي قال:لمّا قرأت هذه الخطبة على شيخي أبي محمّد بن الخشّاب و وصلت إلى قول إبن عباس«ما أسفت على شي ء قطّ كأسفي على هذا الكلام»قال:لوكنت حاضرا لقلت لابن عبّاس:و هل ترك إبن عمك في نفسه شيئا لم يقله في هذه الخطبة،فإنّه ما ترك لا الأوّلين و لا الآخرين.قال مصدق:و كانت فيه دعابة،فقلت له:يا سيدي فلعلّها منحولة اليه،فقال:لا و اللّه إني أعرف أنّها من كلامه كما أعرف أنّك مصدق.قال:فقلت:إنّ الناس ينسبونها إلى الشريف الرضي فقال:لا و اللّه و من أين للرضيّ هذاالكلام و هذا الأسلوب،فقد رأينا كلامه في نظمه و نثره لا يقرب من هذا الكلام و لا ينتظم-
ص: 460
و أمثال هذه الأخبار من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام كثيرة،أوردناطرفا منها للإيجاز و الإختصار.
[106]
و مما يوضّح ما أثبتناه،ما روي عن أمّ سلمة زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّها قالت:
كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تسع نسوة،و كانت ليلتي و يومي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فأتيت الباب فقلت:أدخل يا رسول اللّه؟فقال:لا.
قالت:فكبوت كبوة(1)شديدة،مخافة أن يكون ردّني من سخط(2)،أو نزل فيّ شي ء من السماء،ثم لم ألبث أن أتيت الباب ثانية فقلت:أدخل يا رسول اللّه؟فقال:لا.فكبوت كبوة أشدّ من الأولى.ثم لم ألبث أن أتيت الباب ثالثة فقلت:أدخل يا رسول اللّه؟
فقال:ادخلي يا أمّ سلمة،فدخلت و عليّ عليه السّلام جاث بين يديه و هويقول:فداك أبي و أمّي يا رسول اللّه،إذا كان كذا و كذا فما تأمرني؟فقال:ق-في سلكه،ألا إني قد رأيت هذه الخطبة بخطوط العلماء الموثوق بنقلهم من قبل أن يخلق أبو الرضيّ فضلا عنه-شرح النهج لابن ميثم 1/252.
و نقلها:إبن الجوزي في:تذكرة الخواص 117.ب.
ص: 461
آمرك بالصبر،ثم أعاد عليه القول ثانية،فأمره بالصبر،ثم أعاد عليه القول ثالثة(1)،فقال له:
يا عليّ،يا أخي،إذا كان ذلك منهم(2)فسلّ سيفك وضعه على عاتقك،و اضرب به قدما حتّى تلقاني و سيفك شاهر يقطر من دمائهم.
ثم التفت إليّ و قال:ما هذه الكآبة يا أمّ سلمة؟قلت:للّذي كان من ردّك إيّاي يا رسول اللّه،فقال لي:و اللّه ما رددتك إلاّ لشي ء خير(3)من اللّه و رسوله،و لكن أتيتني(4)و جبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون من بعدي(5)،و أمرني أن أوصي بذلك عليّا؛يا أمّ سلمة!اسمعي و اشهدي،هذا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وزيري في الدنيا،و وزيري في الآخرة،ياأمّ سلمة اسمعي و اشهدي،هذا علي بن أبي طالب وصيّي،و خليفتي من بعدي،و قاضي عداتي،و الذائد(6)عن حوضي؛يا أمّ سلمة!اسمعي و اشهدي،هذا عليّ بن أبي طالب سيّد المسلمين،و إمام المتّقين،و قائد7.
ص: 462
الغرّ المحجّلين،و قاتل الناكثين و المارقين و القاسطين.
قلت:يا رسول اللّه!من الناكثون؟
قال:الذين يبايعونه بالمدينة و ينكثون بالبصرة(1).
قلت:من القاسطون؟
قال:معاوية و أصحابه من أهل الشام.
قلت:من المارقون؟
قال:أصحاب النهروان(2).
********[107]
و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال في أثناء خطبة خطبها بعد فتح البصرة بأيّام:
حاكيا عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوله:يا عليّ!إنّك باق(3)بعدي،..
ص: 463
و مبتلى بأمّتي و مخاصم بين يدي اللّه،فأعدّ للخصومة جوابا،فقلت:بأبي أنت و أمّي،بيّن لي ما هذه الفتنة التي أبتلى بها؟و على ما أجاهد بعدك؟فقال لي:إنّك ستقاتل بعدي الناكثة و القاسطة و المارقة،و جلاهم(1)و سمّاهم رجلا رجلا،و تجاهد من أمّتي كلّ من خالف القرآن و سنّتي،ممّن يعمل في الدين بالرأي،و لا رأي في الدين إنّما هو أمر الربّ و نهيه.
فقلت:يا رسول اللّه!فأرشدني إلى الفلج عند الخصومة يوم القيامة.
فقال:نعم،إذا كان ذلك كذلك فاقتصر على الهدى،إذا قومك عطفوا الهدى على الهوى،و عطفوا القرآن على الرأي،فيتأوّلوه برأيهم بتتبع الحجج من القرآن لمشتهيات(2)الأشياء الطارية عند الطمأنينةإلى الدنيا،فاعطف أنت الرأي على القرآن،و إذا قومك حرّفوا الكلم عن مواضعه عند الأهواء الساهية(3)،و الأمراء الطاغية(4)،و القادة الناكثة،و الفرقة القاسطة،و الأخرى المارقة أهل الإفك المردي و الهوى المطغي،و الشبهة الخالفة،فلا تنكلنّ عن فضل العاقبة،فانّ العاقبة للمتّقين(5).ل.
ص: 464
[108]
و عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال:لمّا نزلت:«يََا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ جََاهِدِاَلْكُفََّارَ وَ اَلْمُنََافِقِينَ »...الخ(1)قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لأجاهدنّ العمالقة،يعني الكفّار و المنافقين،فأتاه جبرئيل فقال:أنت أو عليّ عليه السّلام(2).
[109]
و عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:إنّي كنت لأدناهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع بمنى فقال:لأعرفنّكم(3)ترجعون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض،و أيم اللّه لو فعلتموها(4)..
ص: 465
لتعرفنني في الكتيبة(1)التي تضاربكم،ثم التفت إلى خلفه،فقال:أوعليّا،أو عليّا ثلاثا(2)،فرأينا أن جبرئيل عليه السّلام غمزه،فأنزل اللّه تعالى على أثر ذلك:«فَإِمََّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنََّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ -بعليّ عليه السّلام-أَوْنُرِيَنَّكَ اَلَّذِي وَعَدْنََاهُمْ فَإِنََّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ »(3).
[110]
و عن ابن عباس(4)إنّ عليّا عليه السّلام كان يقول-في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-:إنّ اللّه يقول:«وَ مََا مُحَمَّدٌ إِلاََّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مََاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى ََ أَعْقََابِكُمْ »(5)و اللّه لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه،و اللّه لئن مات أو قتل لأقاتلنّ على ما قاتل عليه حتّى أموت،لأنّي أخوه و ابن عمّه،و وارثه،فمن أحقّ به منّي(6)؟.ل-
ص: 466
[111]
و عن أحمد بن همام[بن تغلبة الحسينى](1)قال:أتيت عبادة بن الصامت فى ولاية أبى بكر،فقلت:يا عبادة،أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف؟فقال:يا أبا ثعلبة(2)إذا سكتنا عنكم فاسكتوا،و لاتبحثونا،فو اللّه لعليّ بن أبي طالب كان أحقّ بالخلافة من أبي بكر،كماكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحقّ بالنبوّة من أبي جهل،قال:و أزيدكم إنّا كنّا ذات يوم عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فجاء عليّ عليه السّلام و أبو بكر و عمر إلى باب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فدخل أبو بكر،ثم دخل عمر،ثم دخل عليّ عليه السّلام على أثرهما،فكأنّما سفي على وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الرماد،ثم قال:يا عليّ!أ يتقدّمانك هذان،و قدأمّرك اللّه عليهما؟!
ق-قال:أخبرنا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري قراءة قال:حدثنا أبو كريب محمّد بن العلى و حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي بالرّي قال:حدثني ابو ذرعة:عبد اللّه بن عبدالكريم قالا:حدثنا عمر بن حمّاد بن طلحة القناد،قال حدثنا أسباط بن نضر عن سماك-يعني ابن حرب-عن عكرمة عن إبن عبّاس إن عليّا عليه السّلام كان يقول...
و رواه إبن البطريق في العمدة ص 444.و رواه احمد بن حنبل في فضائل الصحابة2/652،ح 1110...
ص: 467
فقال أبو بكر:نسيت يا رسول اللّه.و قال عمر:سهوت يا رسول اللّه.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ما نسيتما و لا سهوتما،و كأنّي بكما قد سلبتماه ملكه،و تحاربتما عليه،و أعانكما على ذلك أعداء اللّه،و أعداء رسوله،و كأنّي بكما قد تركتما المهاجرين و الأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا،و لكأنّي بأهل بيتي و هم المقهورون المشتّتون في أقطارها،و ذلك لأمر قد قضي.ثم بكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى سالت دموعه،ثم قال:يا عليّ الصبر!الصبر!حتّى ينزل الأمر،و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،فانّ لك من الأجر في كل يوم ما لا يحصيه كاتباك،فإذا أمكنك الأمر،فالسّيف السّيف!القتل القتل!حتّى يفيئوا إلى أمر اللّه،و أمر رسوله،فانك على الحق و من ناوأك على الباطل،و كذلك ذريّتك من بعدك إلى يوم القيامة(1).
[حديث الطّير المشوي](2)
[112]
و عن جعفر بن محمّد الصادق،عن أبيه،عن آبائه،عن عليّ عليهم السّلام قال:كنت أنا و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المسجد بعد أن صلّى
ص: 468
الفجر،ثم نهض و نهضت معه،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أرادأن يتّجه إلى موضع أعلمني بذلك،و كان إذا أبطأ في ذلك الموضع صرت إليه لأعرف خبره،لأنّه لا يتصابر قلبي(1)على فراقه ساعة واحدة،فقال لي:أنا متّجه إلى بيت عائشة،فمضى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مضيت إلى بيت فاطمة الزهراء عليهاالسّلام فلم أزل مع الحسن و الحسين فأنا و هي مسروران بهما،ثم أنّي نهضت و صرت(2)إلى باب عائشة،فطرقت الباب،فقالت لي عائشة:من هذا؟فقلت لها:أنا عليّ.فقالت:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم راقد،فانصرفت.
ثم قلت:النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم راقد و عائشة في الدار؟فرجعت و طرقت الباب فقالت لي:من هذا؟فقلت لها:أنا عليّ.فقالت:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حاجة،فانثنيت مستحييا من دقّي الباب(3)،و وجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبرا،فرجعت مسرعا فدققت الباب دقّا عنيفا،فقالت لي عائشة:من هذا؟فقلت:أنا عليّ،فسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:يا عائشة افتحي له الباب،ففتحت و دخلت،فقال لي:أقعد يا أبا الحسن أحدّثك بما أنا فيه،أو تحدّثني بإبطائك عنّي.ب.
ص: 469
فقلت:يا رسول اللّه!حدّثني فإنّ حديثك أحسن.
فقال:يا أبا الحسن!كنت في أمر كتمته من ألم الجوع،فلما دخلت بيت عائشة،و أطلت القعود ليس عندها شي ء تأتي به.فمددت يدي و سألت اللّه القريب المجيب،فهبط عليّ حبيبي جبرئيل عليه السّلام و معه هذا الطّير،و وضع اصبعه على طائر بين يديه،فقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إليّ أن آخذ هذا الطّير،و هو أطيب طعام في الجنّة فآتيك به يا محمّد،فحمدت اللّه عزّ و جلّ كثيرا،و عرج جبرئيل فرفعت يدي إلى السّماء فقلت:«اللّهم يسّر عبدا يحبك و يحبّني يأكل معي من هذا الطير»فمكثت مليّا فلم أرأحدا يطرق الباب،فرفعت يدي(1)ثم قلت:«اللّهم يسّر عبدا يحبّك و يحبّني و تحبّه و أحبّه يأكل معي من هذا الطير»فسمعت طرق الباب(2)و ارتفاع صوتك،فقلت لعائشة:أدخلي عليّا فدخلت،فلم أزل حامدا للّه حتّى بلغت إليّ إذ كنت تحبّ اللّه و تحبّني،و يحبّك اللّه و أحبّك،فكل يا عليّ.
فلمّا أكلت أنا و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الطائر،قال لي:يا عليّ حدّثني.فقلت:يا رسول اللّه،لم أزل منذ فارقتك أنا و فاطمة و الحسن و الحسين مسرورين جميعا،ثم نهضت أريدك فجئت فطرقت الباب فقالت..
ص: 470
لي عائشة:من هذا؟فقلت:أنا عليّ.فقالت لي:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم راقد،فانصرفت،فلمّا أن صرت إلى بعض الطريق الذي سلكته،رجعت فقلت:النبي(ص)راقد و عائشة في الدار؟!لا يكون هذا،فجئت فطرقت الباب فقالت لي:من هذا؟فقلت لها:أنا عليّ.فقالت:إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حاجة،فانصرفت مستحييا،فلمّا انتهيت إلى الموضع الذي رجعت منه أول مرّة،وجدت في قلبي ما لا أستطيع عليه صبرا و قلت:النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حاجة و عائشة في الدار؟!فرجعت فدققت الباب الدقّ الذي سمعته،فسمعتك يا رسول اللّه و أنت تقول لها:أدخلي عليّا.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أبى اللّه إلاّ أن يكون(1)الأمر هكذا،يا حميراء ما حملك على هذا؟!
قالت:يا رسول اللّه!اشتهيت أن يكون أبي يأكل من الطّير(2).
فقال لها:ما هو بأوّل ضغن بينك و بين عليّ،و قد وقفت على ما في قلبك لعليّ-إن شاء اللّه-لتقاتلينه(3).
فقالت:يا رسول اللّه،و تكون النساء يقاتلن الرجال؟
فقال لها:يا عائشة،إنّك لتقاتلين عليّا،و يصحبك(4)و يدعوك إلى..
ص: 471
هذا نفر من أصحابي(1)،فيحملونك عليه،و ليكوننّ في قتالك له أمريتحدّث به الأوّلون و الآخرون،و علامة ذلك أنّك تركبين الشيطان،ثم تبتلين قبل أن تبلغي إلى الموضع الذي يقصد بك اليه،فتنبح عليك كلاب الحوأب،فتسألين الرجوع فتشهد عندك قسامة أربعين رجلا:ما هي كلاب الحوأب،فتصيرين(2)إلى بلد أهله أنصارك،و هو أبعد بلاد على الأرض من السماء،و أقربها إلى الماء،و لترجعنّ و أنت صاغرة غير بالغة ما تريدين،و يكون هذا الذي يردّك مع من يثق به من أصحابه،و إنّه لك خير منك له،و لينذرنّك بما يكون الفراق بيني و بينك فى الآخرة،و كلّ من فرّق عليّ عليه السّلام بيني و بينه بعد وفاتي ففراقه جائز.
فقالت:يا رسول اللّه،ليتني متّ قبل أن يكون ما تعدني.
فقال لها:هيهات هيهات!!و الذي نفسي بيده ليكوننّ ما قلت،حقّ كأنّي أراه.
ثم قال لي:قم يا عليّ فقد وجبت صلاة الظهر،حتّى آمر بلالابالأذان،فأذّن بلال و أقام و صلّى و صلّيت معه و لم يزل في المسجد(3)..-
ص: 472
احتجاجه عليه السّلام فيما يتعلّق بتوحيد اللّه و تنزيهه عمّالا يليق به من صفات المصنوعين من الجبر و التشبيه و الرؤية و المجي ء و الذهاب و التغيير و الزوال و الانتقال من حال إلى حال في أثناء خطبه و مجاري كلامه و مخاطباته و محاوراته
[113]
الحمد للّه الذى لا يبلغ مدحته القائلون،و لا يحصي نعمه العادّون،و لا يؤدّي حقّه المجتهدون؛الذي لا يدركه بعد الهمم،و لا يناله غوص الفطن،الذي ليس لصفته حدّ محدود و لا نعت موجود،و لا وقت معدود،و لا أجل ممدود،فطر الخلايق بقدرته و نشر الرياح برحمته،و وتّدبالصخور ميدان أرضه،أوّل الدين معرفته،و كمال معرفته التصديق به،و كمال التصديق به توحيده(1)،و كمال توحيده الإخلاص له،و كمال ق-و نقله الصدوق رحمه اللّه في أماليه ص 521،المجلس 94 و الشيخ الطوسي قدس سره في أماليه 1/259 و نقله في بحار الانوار أيضا 32/277 و رواه إبن المغازلي في المناقب،ص 156-175 بأربعة و عشرين سندا و أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2/560 و ابن البطريق في كتاب العمدة ص 242.
ص: 473
الإخلاص له نفي الصفات عنه،لشهادة كلّ صفة أنها غير الموصوف،و شهادة كلّ موصوف أنه غير الصفة،فمن وصف اللّه سبحانه فقد قرنه،و من قرنه فقد ثنّاه،و من ثنّاه فقد جزّأه،و من جزّأه فقد جهله،و من جهله فقد أشار إليه،و من أشار اليه فقد حدّه،و من حدّه فقد عدّه،و من قال:«فيم؟»فقد ضمّنه،و من قال:«على م؟»فقد أخلى منه،كائن لا عن حدث،موجود لا عن عدم،مع كلّ شي ء لا بمقارنة،و غير كلّ شي ء لابمزايلة،فاعل لا بمعنى الحركات و الآلة،بصير إذ لا منظور إليه من خلقه،متوحّد إذ لا سكن يستأنس به،و لا يستوحش لفقده،أنشأ الخلق إنشاءو ابتدأه ابتداء بلا رويّة أجالها،و لا تجربة استفادها،و لا حركة أحدثها،و لا همامة نفس اضطرب فيها،أحال الأشياء(1)لأوقاتها،و لائم بين مختلفاتها،و غرّز غرائزها،و ألزمها أشباحها(2)،عالما بها قبل ابتدائها،محيطا بحدودها و انتهائها،عارفا بقرائنها و أحنائها(3)(4).
[114]
و قال عليه السّلام في خطبة أخرى:7.
ص: 474
أوّل عبادة اللّه معرفته،و أصل معرفته توحيده،و نظام توحيده نفي الصفات عنه،جلّ عن أن تحلّه الصفات بشهادة العقول:أنّ كل من حلّته الصفات فهو مصنوع،و شهادة العقول:أنّه جلّ جلاله صانع ليس بمصنوع،بصنع اللّه يستدلّ عليه،و بالعقول يعتقد معرفته،و بالفكر تثبت حجّته،جعل الخلق دليلا عليه،فكشف به عن ربوبيّته،هو الواحد الفرد في أزليّته،لا شريك له في إلهيّته(1)،و لا ندّ له في ربوبيّته،بمضادّته بين الأشياءالمتضادّة علم أن لا ضدّ له،و بمقارنته بين الأمور المقترنة علم أن لا قرين له(2).
[115]
و قال عليه السّلام في خطبة أخرى:
دليله آياته،و وجوده إثباته،و معرفته توحيده،و توحيده تمييزه من خلقه و حكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة،إنّه ربّ خالق غير مربوب3.
ص: 475
مخلوق،كلّما يتصوّر فهو بخلافه(1).
ثم قال-بعد ذلك-:
ليس بإله من عرف بنفسه هو الدالّ بالدليل عليه،و المؤدّي بالمعرفةإليه(2).
[116]
و قال عليه السّلام في خطبة أخرى:
لا يشمل بحدّ،و لا يحسب بعدّ،و إنّما تحدّ الأدوات أنفسها،و تشيرالآلات إلى نظائرها،منعتها منذ القدمة،و حمتها قدّ الأزلية،و جنبتها لو لاالتكملة،بها تجلّى صانعها للعقول،و بها امتنع عن نظر العيون(3)،لا تجري عليه الحركة و السكون،و كيف يجري عليه ما هو أجراه،و يعودفيه(4)ما هو أبدأه،و يحدث فيه ما هو أحدثه،إذا لتفاوتت ذاته،و لتجزّأكنهه،و لامتنع من الأزل معناه،و لكان له وراء إذا وجد له أمام،و لالتمس التّمام إذ لزمه النقصان،و إذا لقامت آية المصنوع فيه،و لتحوّل دليلا بعدأن كان مدلولا عليه،و خرج بسلطان الإمتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره،الذي لا يحول،و لا يزول،و لا يجوز عليه الأفول،لم يلد فيكون..
ص: 476
مولودا،و لم يولد فيصير محدودا،جلّ عن اتّخاذ الأبناء،و طهر عن ملامسةالنساء،لا تناله الأوهام فتقدره،و لا تتوهمه الفطن فتصوّره،و لا تدركه الحواس فتحسّه،و لا تلمسه الأيدي فتمسّه،و لا يتغيّر بحال،و لا يتبدّل في الأحوال،و لا تبليه اللّيالي و الأيّام،و لا يغيّره الضياء و الظلام،و لا يوصف بشي ء من الأجزاء،و لا بالجوارح و الأعضاء،و لا بعرض من الأعراض و لابالغيريّة و الأبعاض،و لا يقال له حدّ و لا نهاية،و لا انقطاع و لا غاية،و لا أنّ الأشياء تحويه،فتقلّه أو تهويه،و لا أنّ شيئا يحمله فيميله أو يعدله،ليس في الأشياء بوالج،و لا عنها بخارج،يخبر لا بلسان و لهوات،و يسمع لابخروق و أدوات،يقول و لا يلفظ و يحفظ و لا يتحفظ،و يريد و لا يضمر،يحبّ و يرضى من غير رقّة،و يبغض و يغضب من غير مشقّة،يقول-لماأراد كونه-:«كن فيكون»لا بصوت يقرع،و لا نداء يسمع،و إنّما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه و مثله لم يكن من قبل ذلك كائنا،و لو كان قديمالكان إلها ثانيا،و لا يقال له:«كان بعد أن لم يكن»فتجري عليه الصفات المحدثات(1)،و لا يكون بينه و بينها فصل،و لا له عليها فضل،فيستوي الصانع و المصنوع،و يتكافأ المبتدع و البديع،خلق الخلائق على غيرمثال خلا من غيره(2)،و لم يستعن على خلقها بأحد من خلقه.
و أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال،و أرساها(3)على غير قرار،ن.
ص: 477
و أقامها بغير قوائم،و رفعها بغير دعائم،و حصّنها من الأود و الاعوجاج،و منعها من التهافت(1)و الانفراج،أرسى أوتادها،و ضرب أسدادها،و استفاض عيونها،و خد أوديتها(2)فلم يهن ما بناه،و لا ضعف ما قواه،هو الظاهر(3)عليها بسلطانه و عظمته،و الباطن لها بعلمه و معرفته،و العالي على كلّ شي ء منها بجلاله(4)و عزّته،لا يعجزه شي ء منها طلبه،و لا يمتنع عليه فيغلبه،و لا يفوته السريع منها فيسبقه،و لا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه.
خضعت الأشياء له،و ظلّت مستكينة لعظمته،لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره،فتمتنع من نفعه و ضرّه،و لا كفؤ له فيكافئه،و لا نظير له فيساويه،هو المفني(5)لها بعد وجودها،حتّى يصير موجودهاكمفقودها،و ليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من انشائهاو اختراعها،و كيف!!و لو اجتمع جميع حيوانها:من طيرها،و بهائمها،و ما كان من مراحها و سائمها،و أصناف أشباحها و أجناسها،و متبلّدة(6)أممها و أكياسها على إحداث بعوضة،ما قدرت على..
ص: 478
إحداثها،و لا عرفت كيف السبيل إلى ايجادها،و لتحيّرت عقولها في علم ذلك و تاهت و عجزت قواها و تناهت،و رجعت خاسئة حسيرة،عارفة بأنّهامقهورة مقرّة بالعجز عن انشائها،مذعنة بالضعف عن إفنائها.
و إنّه يعود سبحانه بعد فناء الدّنيا وحده لا شي ء معه،كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها،بلا وقت و لا مكان،و لا حين و لا زمان،عدمت عند ذلك الآجال و الأوقات،و زالت السنون و الساعات،فلا شي ءإلاّ الواحد القهّار الذي إليه مصير جميع الأمور،بلا قدرة منها كان ابتداءخلقها،و بغير امتناع منها كان فناؤها،و لو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها،لم يتكأده صنع شي ء منها إذ صنعه،و لم يؤوده منها خلق ما برأه و خلقه،و لم يكوّنها لتشديد سلطان،و لا لخوف من زوال و نقصان،و لاللإستعانة بها على ندّ مكاثر،و لا للإحتراز بها من ضدّ مثاور(1)،و لاللإزدياد بها في ملكه و لا لمكاثرة شريك في شركته،و لا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها.
ثم هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه في تصريفها(2)و تدبيرها و لا لراحة واصلة إليه،و لا لثقل شي ء منها عليه،لا يملّه(3)طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها،لكنه سبحانه دبّرها بلطفه،و أمسكها..
ص: 479
بأمره،و أتقنها بقدرته،ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها،و لااستعانة بشي ء منها عليها،و لا لانصراف من حال وحشة إلى حال استيناس،و لا من حال جهل و عمى إلى حال علم و التماس(1)،و لا من فقرو حاجة إلى غنى و كثرة،و لا من ذلّ و ضعة إلى عزّ و قدرة(2).
[117]
و من خطبة له عليه السّلام:
الحمد للّه الذي لا تدركه الشواهد و لا تحويه المشاهد،و لا تراه النواظر و لا تحجبه السواتر،الدالّ على قدمه بحدوث خلقه،و بحدوث خلقه على وجوده و باشتباههم على أن لا شبه له،الذي صدق في ميعاده،و ارتفع عن ظلم عباده،و قام بالقسط في خلقه،و عدل عليهم في حكمه،مستشهد بحدوث الأشياء على أزليّته و بما وسمها به من العجز على قدرته،و بما اضطرّها إليه من الفناء على دوامه.
واحد لا بعدد،و دائم لا بأمد،و قائم لا بعمد،تتلقّاه الأذهان لابمشاعرة،و تشهد له المرائي لا بمحاضرة،لم تحط به الأوهام بل تجلّى لهابها،و بها امتنع منها،و إليها حاكمها،ليس بذي كبر امتدّت به9.
ص: 480
النهايات فكبرته تجسيما،و لا بذي عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيدا،بل كبر شأنا،و عظم سلطانا(1).
و لو فكّروا في عظيم القدرة،و جسيم النعمة،لرجعوا إلى الطريق،و خافوا عذاب الحريق،و لكنّ القلوب عليلة،و الأبصار مدخولة،أفلاينظرون إلى صغير ما خلق كيف أحكم خلقه،و أتقن تركيبه،و فلق له السمع و البصر،و سوّى له العظم و البشر.
انظروا إلى النّملة في صغر جثّتها،و لطافة هيئتها،لا تكاد تنال بلحظ البصر،و لا بمستدرك الفكر،كيف دبّت على أرضها،و صبت(2)على رزقها،تنقل الحبة إلى جحرها،و تعدها في مستقرّها،تجمع في حرّها لبردها،و في ورودها لصدورها(3)،مكفول برزقها(4)،مرزوقةبوفقها،لا يغفلها المنّان،و لا يحرمها الديّان،و لو في الصفاء اليابس،و الحجر الجامس(5).
ص: 481
و لو فكّرت في مجاري أكلها،و في علوّها و سفلها و ما في الجوف من شراسيف بطنها(1)،و ما في الرأس من عينها و أذنها،لقضيت من خلقها(2)عجبا،و لقيت من وصفها تعبا،فتعالى اللّه الذي(3)أقامها على قوائمها،و بناها على دعائمها،لم يشركه في فطرتها فاطر،و لم يعنه على خلقها قادر،و لو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته،ما دلّتك الدلالة إلاّعلى أنّ فاطر النملة هو فاطر النخلة(4)،لدقيق تفصيل كلّ شي ء،و غامض اختلاف كلّ حيّ،و ما الجليل و اللطيف و الثقيل و الخفيف و القويّ و الضعيف في خلقه إلاّ سواء.
و كذلك السماء و الهواء و الريح و الماء،فانظر إلى الشمس و القمر،و النبات و الشجر،و الماء و الحجر،و اختلاف هذا الليل و النهار،و تفجّرهذه البحار و الأنهار،و كثرة هذه الجبال،و طول هذه القلال،و تفرّق هذه اللّغات و الألسن المختلفات.
فالويل لمن أنكر المقدّر،و جحد المدبّر!زعموا أنهم كالنبات مالهم زارع(5)،و لا لاختلاف صورهم صانع،لم يلجأوا إلى حجّة فيما..
ص: 482
ادّعوا،و لا تحقيق لما أوعوا(1)،و هل يكون بناء من غير بان،أو جناية من غير جان؟
و ان شئت قلت في الجرادة:إذ خلق لها عينين حمراوين،و أسرج لها حدقتين قمراوين،و جعل لها السمع الخفيّ،و فتح لها الفم السويّ،و جعل لها الحس القويّ،و نابين بهما تقرض و منجلين(2)بهما تقبض،ترهبها الزرّاع في زرعهم،و لا يستطيعون ذبّها و لو أجلبوا(3)بجمعهم،حتّى ترد الحرث من نزواتها،و تقضي منه شهواتها،و خلقها كلّه لا يكون اصبعا مستدقة.
فتبارك اللّه الذي يسجد له من في السموات و الأرض طوعا و كرها،و يعفّر له خدّا و وجها،و يلقي بالطاعة له سلما و ضعفا،و يعطي له القيادةرهبة و خوفا،فالطّير(4)مسخّرة لأمره،أحصى عدد الريش منها و النفس،و أرسى قوائمها على الندى و اليبس،قدّر أقواتها و أحصى أجناسها،فهذاغراب،و هذا عقاب،و هذا حمام،و هذا نعام،دعا كل طائر باسمه،و كفل..
ص: 483
برزقه،و أنشأ السّحاب الثقال فأهطل(1)ديمها،و عدد قسمها،فبلّ الأرض بعد جفوفها،و أخرج نبتها بعد جدوبها(2).
[118]
و روي أنّه وفد وفد من بلاد الروم إلى المدينة على عهد أبي بكرو فيهم راهب من رهبان النصارى،فأتى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معه بختيّ(3)موقّر(4)ذهبا و فضة،و كان أبو بكر حاضرا و عنده جماعةمن المهاجرين و الأنصار.
فدخل عليهم و حيّاهم و رحّب بهم و تصفّح وجوههم،ثم قال:
أيّكم خليفة رسول اللّه و أمين دينكم؟
فأومي إلى أبي بكر فأقبل إليه بوجهه ثم قال:
أيّها الشيخ ما اسمك؟قال:إسمي عتيق.قال:ثم ما ذا؟قال:صدّيق.ن.
ص: 484
قال:ثم ما ذا؟(1)قال:لا أعرف لنفسي إسما غيره.
فقال:لست بصاحبي.
فقال له:و ما حاجتك؟قال:أنا من بلاد الروم جئت منها ببختيّ موقّرذهبا و فضّة،لأسأل أمين هذه الأمّة مسألة،إن أجابني عنها أسلمت،و بماأمرني أطعت،و هذا المال بينكم فرّقت،و إن عجز عنها رجعت إلى الوراءبما معي و لم أسلم.
فقال له أبو بكر:سل عمّا بدالك.
فقال الراهب:و اللّه لا أفتح الكلام ما لم تؤمنّي من سطوتك و سطوةأصحابك.
فقال أبو بكر:أنت آمن،و ليس عليك بأس،قل ما شئت.
فقال الراهب:أخبرني عن شي ء:ليس للّه،و لا من عند اللّه،و لايعلمه اللّه.
فارتعش أبو بكر و لم يحر جوابا،فلما كان بعد هنيئة قال-لبعض أصحابه-:ائتني بأبى حفص عمر.فجاء به فجلس عنده ثم قال:
أيّها الراهب،إسأله(2).فأقبل الراهب بوجهه إلى عمر و قال له مثل ما قال لأبي بكر فلم يحر جوابا...
ص: 485
ثم أتي بعثمان،فجرى بين الراهب و بين عثمان مثل ما جرى بينه و بين أبي بكر و عمر فلم يحر جوابا.
فقال الراهب:أشياخ كرام،ذووا فجاج(1)لاسلام.ثم نهض ليخرج.
فقال أبو بكر:يا عدوّ اللّه،لو لا العهد لخضبت الأرض بدمك.
فقام سلمان الفارسي رضي اللّه عنه و أتى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و هوجالس في صحن داره مع الحسن و الحسين عليهما السّلام و قصّ عليه القصّة.
فقام عليّ عليه السّلام و خرج و معه الحسن و الحسين عليهما السّلام حتّى أتى المسجد،فلما رأى القوم عليّا عليه السّلام كبّروا اللّه،و حمدوا اللّه،و قاموا إليه بأجمعهم(2)،فدخل عليّ عليه السّلام و جلس فقال أبو بكر:أيّها الراهب،سائله(3)فإنّه صاحبك و بغيتك.
فأقبل الراهب بوجهه إلى عليّ عليه السّلام ثم قال:يافتى،ما اسمك؟
قال:اسمي عند اليهود«إليا»و عند النصارى«ايليا»و عند والدي«عليّ»و عند أمّي«حيدرة».
قال:ما محلّك من نبيّكم؟ه.
ص: 486
قال:أخي و صهري و ابن عمّي لحا(1).
قال الراهب:أنت صاحبي و ربّ عيسى،أخبرني عن شي ء ليس اللّه،و لا من عند اللّه،و لا يعلمه اللّه.
قال عليه السّلام:على الخبير سقطت:
أمّا قولك«ما ليس اللّه»:فإنّ اللّه تعالى أحد ليس له صاحبة و لا ولد.
و أمّا قولك«و لا من عند اللّه»:فليس من عند اللّه ظلم لأحد.
و أما قولك«و لا يعلمه اللّه»:فإنّ اللّه لا يعلم له(2)شريكا في الملك.
فقام الراهب،و قطع زنّاره(3)،و أخذ رأسه،و قبّل ما بين عينيه،و قال:(أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا رسول اللّه،و أشهد أنّك أنت الخليفة(4)و أمين هذه الأمّة و معدن الدين و الحكمة،و منبع عين الحجة،لقد قرأت اسمك في التوراة«اليا»،و في الانجيل«ايليا»،و في القرآن«عليّا»،و في الكتب السابقة«حيدرة»،و وجدتك بعد النبيّ وصيّا،و للإمارة وليّا،و أنت أحقّ بهذا المجلس من غيرك،فأخبرني ما شأنك و شأن القوم؟
فأجابه بشي ء،فقام الراهب و سلّم المال إليه بأجمعه،فما برح عليّ..
ص: 487
عليه السّلام مكانه حتّى فرّقه في مساكين أهل المدينة،و محاويجهم،و انصرف الراهب إلى قومه مسلما(1).
[119]
و روي أنه اتصل بأمير المؤمنين عليه السّلام أنّ قوما من أصحابه خاضوافي التعديل و التجوير(2)فخرج حتّى صعد المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:
أيّها الناس!إنّ اللّه تبارك و تعالى لمّا خلق خلقه،أراد أن يكونوا على آداب رفيعة،و أخلاق شريفة،فعلم أنّهم لم يكونوا كذلك إلاّ بأن يعرّفهم مالهم و ما عليهم،و التعريف لا يكون إلاّ بالأمر و النهي،و الأمر و النهي لا يجتمعان إلاّ بالوعد و الوعيد،و الوعد لا يكون إلاّ بالترغيب،و الوعيدلا يكون إلاّ بالترهيب،و الترغيب لا يكون إلاّ بما تشتهيه أنفسهم و تلذّه أعينهم،و الترهيب لا يكون إلاّ بضدّ ذلك.ح.
ص: 488
ثم خلقهم في داره و أراهم طرفا من اللّذات،ليستدلّوا به على ما وراءهم من اللّذات الخالصة التي لا يشوبها ألم،ألا و هي الجنة،و أراهم طرفا من الآلام ليستدلّوا به على ما وراءهم من الآلام الخالصة التي لا يشوبهالذّة،ألا و هي النار،فمن أجل ذلك ترون نعيم الدنيا مخلوطا بمحنها،و سرورها ممزوجا بكدرها و همومها.
قيل:فحدّث الجاحظ بهذا الحديث،فقال:هو جماع الكلام الذي دوّنه الناس في كتبهم،و تحاوروه بينهم.
قيل:ثم سمع أبو علي الجبائي(1)بذلك،فقال:صدق الجاحظ،هذاما لا يحتمله الزيادة و النقصان(2).
[في القضاء و القدر](3)
[120]
و روي عن عليّ بن محمد العسكري عليهما السّلام-في رسالته إلى أهل
ص: 489
الأهواز في نفي الجبر و التفويض-أنه قال:
روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه سأله رجل بعد انصرافه من الشام فقال:
يا أمير المؤمنين!أخبرنا عن خروجنا إلى الشام،أبقضاء و قدر؟(1)
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:نعم يا شيخ،ما علوتم تلعة(2)و لاهبطتم بطن واد إلاّ بقضاء من اللّه و قدر(3).
فقال الرجل:عند اللّه أحتسب عنائي،و اللّه ما أرى لي من الأجرشيئا.
فقال عليّ عليه السّلام:بلى،فقد عظّم اللّه لكم الأجر في مسيركم و أنتم ذاهبون،و على منصرفكم و أنتم منقلبون،و لم تكونوا في شي ء من حالاتكم مكرهين،و لا إليه مضطرّين.
فقال الرجل:فكيف لا نكون مضطرّين و القضاء و القدر ساقانا،و عنهما كان مسيرنا؟!
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:لعلّك أردت قضاء لازما،و قدرا حتما،لوكان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب،و سقط الوعد و الوعيد،و الأمر من اللّه و النهي،و ما كانت تأتي من اللّه لائمة لمذنب،و لا محمدة لمحسن،و لا كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المذنب،و لا المذنب أولىر.
ص: 490
بعقوبة الذنب من المحسن،تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان،و جنودالشيطان،و خصماء الرحمن،و شهداء الزور و البهتان،و أهل العمى و الطغيان(1)،هم قدريّة هذه الأمّة و مجوسها،إنّ اللّه تعالى أمر تخييرا،و نهى تحذيرا،و كلّف يسيرا،و لم يعص مغلوبا،و لم يطع مكرها،و لم يرسل الرسل هزلا،و لم ينزل القرآن عبثا،و لم يخلق السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا،ذلك ظنّ الذين كفروا،فويل للذين كفروا من النار.
قال:ثم تلى عليهم:«وَ قَضى ََ رَبُّكَ أَلاََّ تَعْبُدُوا إِلاََّ إِيََّاهُ »(2)قال:فنهض الرجل مسرورا و هو يقول:
أنت الإمام الذى نرجو بطاعته يوم النشور من الرّحمن رضوانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا و ليس معذرة في فعل فاحشة قد كنت راكبها فسقا و عصيانا كلاّ و لا قائلا ناهيه أوقعه فيه عبدت إذا يا قوم شيطانا و لا أحبّ و لا شاء الفسوق و لا قتل الوليّ له ظلما و عدوانا أنّى يحبّ و قد صحّت عزيمته على الذي قال أعلن ذاك اعلانا(3)ن-
ص: 491
[121]
و روي أنّ الرجل(1)قال:فما القضاء و القدر الذي ذكرته يا أميرالمؤمنين؟
قال:الأمر بالطاعة،و النهي عن المعصية،و التمكين من فعل الحسنةو ترك المعصية،و المعونة على القربة إليه و الخذلان لمن عصاه،و الوعدو الوعيد،و الترغيب و الترهيب،كلّ ذلك قضاء اللّه في أفعالنا،و قدره لأعمالنا،و أما غير ذلك فلا تظنّه،فانّ الظنّ له محبط للأعمال.
فقال الرجل:فرّجت عنّي يا أمير المؤمنين فرّج اللّه عنك(2).
[122]
و روي أنّه سئل عليه السّلام عن القضاء و القدر فقال:
ق-أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن عليّ عليهم السّلام...
و رواه أيضا في التوحيد ص 380.و اصول الكافي 1/155.و تحف العقول ص 468.و الارشاد ص 120.و كنز الفوائد 1/363.و نقله المجلسي رحمه اللّه في بحار الانوار 5/95.و رواه إبن عساكر في ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام 3/231،الرقم 1291.6.
ص: 492
لا تقولوا:وكلهم اللّه إلى أنفسهم فتوهنوه،و لا تقولوا أجبرهم على المعاصي فتظلموه،و لكن قولوا:الخير بتوفيق اللّه،و الشرّ بخذلان اللّه،و كلّ سابق في علم اللّه(1).
[123]
و روى أهل السير:أنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:
يا أمير المؤمنين!أخبرني عن اللّه،أرأيته حين عبدته؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:لم أك بالذي أعبد من لم أره.
فقال له:كيف رأيته يا أمير المؤمنين؟
فقال له:يا ويحك(2)لم تره العيون بمشاهدة العيان،و لكن رأته العقول(3)بحقايق الإيمان،معروف بالدّلالات،منعوت بالعلامات،لايقاس بالناس،و لا يدرك بالحواس.
فانصرف الرجل و هو يقول:اللّه أعلم حيث يجعل رسالته(4).2.
ص: 493
[124]
و روي أن بعض أحبار اليهود(1)جاء إلى أبي بكر فقال له:أنت خليفة نبيّ هذه الأمّة؟فقال:نعم.
قال:فإنّا نجد في التوراة أنّ خلفاء الأنبياء أعلم أممهم،فخبّرني عن اللّه أين هو؟أفي السماء هو أم في الأرض؟(2).
فقال له أبو بكر:في السماء على العرش.
قال اليهودى:فأرى الأرض خالية منه،و أراه-على هذا القول-في مكان دون مكان.
فقال أبو بكر:هذا كلام الزنادقة،اعزب عنّي و إلاّ قتلتك.
فولّى الرجل متعجّبا يستهزي ء بالإسلام،فاستقبله أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له:يا يهوديّ قد عرفت ما سألت عنه(3)،و ما أجبت به،و إنّانقول:
إنّ اللّه عزّ و جلّ أيّن الأين فلا أين له،و جلّ عن أن يحويه مكان،و هوفي كلّ مكان،بغير مماسّة و لا مجاورة،يحيط علما بها(4)،و لا يخلو شي ءمن تدبيره تعالى،و إنّي مخبرك بما جاء في كتاب من كتبكم يصدّق..
ص: 494
ما ذكرته لك فان عرفته،أتؤمن به؟قال اليهودي:نعم.قال:
أ لستم تجدون في بعض كتبكم:أنّ موسى بن عمران كان ذات يوم جالسا إذ جاءه ملك من المشرق،فقال له:من أين جئت؟قال:من عند اللّه عزّ و جلّ،ثم جاءه ملك آخر من المغرب فقال له:من أين جئت؟فقال:من عند اللّه عزّ و جلّ،ثم جاءه ملك فقال له:من أين جئت؟فقال:قد جئتكم من السماء السابعة من عند اللّه عزّ و جلّ،و جاءه ملك آخر قال:قد جئتك من الأرض السابعة السفلى من عند اللّه عزّ و جلّ.
فقال موسى عليه السّلام:سبحان من لا يخلو منه مكان،و لا يكون إلى مكان أقرب من مكان.
فقال اليهوديّ:أشهد أنّ هذا هو الحقّ المبين،و أنّك أحقّ بمقام نبيّك ممّن استولى عليه(1).
[125]
و روى الشعبي أنّه:سمع أمير المؤمنين عليه السّلام رجلا يقول:«و الذي احتجب بسبع طباق»فعلاه بالدرّة(2)ثم قال له:
يا ويلك!إنّ اللّه أجلّ من أن يحتجب عن شي ء،أو يحتجب عنه شي ء،ن.
ص: 495
سبحان الذي لا يحويه مكان،و لا يخفى عليه شي ء في الأرض و لا في السماء!
فقال الرجل:أفأكفّر عن يميني يا أمير المؤمنين؟
قال:لا،لم تحلف باللّه(1)فيلزمك كفّارة،و انما حلفت بغيره(2).
[126]
و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام قال:جاء حبر من الأحبار إلى أميرالمؤمنين عليه السّلام فقال:يا أمير المؤمنين،متى كان ربّك؟
فقال له:ثكلتك أمّك،و متى لم يكن حتّى يقال:متى كان؟!!كان ربّي قبل القبل بلا قبل،و يكون بعد البعد بلا بعد،و لا غاية و لا منتهى لغايته،انقطعت الغايات عنده فهو منتهى كلّ غاية.
فقال:يا أمير المؤمنين،أ فنبيّ أنت؟
فقال:ويلك،إنّما أنا عبد من عبيد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3).ه-
ص: 496
[127]
روي عن موسى بن جعفر،عن آبائه عليهم السّلام،عن الحسين بن عليّ عليهما السّلام(1)قال:إنّ يهوديّا من يهود الشام و أحبارهم كان قد قرأ التوراةو الانجيل و الزبور و صحف الأنبياء عليهم السّلام و عرف دلائلهم،جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فيهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و ابن عباس،و ابن مسعود،و ابو معبد الجهني(2).
فقال:يا أمّة محمّد-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-ما تركتم لنبيّ درجة،و لاق-السّلام قال جاء حبر...الحديث و في أماليه ص 534،المجلس 96،الحديث 1،مثله.و نقله المجلسي رحمه اللّه في بحار الانوار 3/283.
ص: 497
لمرسل فضيلة،إلاّ نحلتموها نبيّكم،فهل تجيبوني عمّا أسألكم عنه؟فكاع القوم عنه(1).
فقال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:نعم،ما أعطى اللّه عزّ و جلّ نبيّادرجة،و لا مرسلا فضيلة،إلاّ و قد جمعها لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و زادمحمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الأنبياء أضعافا مضاعفة.
فقال له اليهوديّ:فهل أنت مجيبي؟
قال له:نعم،سأذكر لك اليوم من فضائل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يقرّ اللّه به أعين المؤمنين(2)،و يكون فيه إزالة لشكّ الشاكّين في فضائله(3)صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،إنّه كان إذا ذكر لنفسه فضيلة قال:«و لا فخر»و أنا أذكر لك فضائله غير مزر(4)بالأنبياء،و لا منتقص لهم،و لكن شكراللّه عزّ و جلّ على ما أعطى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثل ما أعطاهم،و مازاده اللّه و ما فضّله عليهم.
قال له اليهوديّ:إنّي أسألك فأعدّ له جوابا.
قال له عليّ عليه السّلام:هات!
قال اليهوديّ:هذا آدم عليه السّلام أسجد اللّه له ملائكته،فهل فعل بمحمّد شيئا من هذا؟ن.
ص: 498
فقال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و لئن أسجد اللّه(1)لآدم ملائكته،فانّ سجودهم له لم يكن سجود طاعة،إنهم عبدوا آدم من دون اللّه عزّ و جلّ،و لكن اعترافا بالفضيلة،و رحمة من اللّه له،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطيّ ما هو أفضل من هذا،إنّ اللّه عزّ و جلّ صلّى عليه في جبروته و الملائكة بأجمعها،و تعبّد المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهوديّ.
قال له اليهوديّ:فانّ آدم عليه السّلام تاب اللّه عليه من بعد خطيئته؟
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى،قال اللّه عزّ و جلّ:«لِيَغْفِرَ لَكَ اَللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مََا تَأَخَّرَ»(2)إنّ محمّدا غير مواف يوم القيامة بوزر،و لا مطلوب فيها بذنب.
قال اليهوديّ:فإنّ هذا إدريس عليه السّلام رفعه اللّه عزّ و جلّ مكانا عليّا،و أطعمه من تحف الجنة بعد وفاته.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من هذا،إنّ اللّه جلّ ثناؤه قال فيه:«وَ رَفَعْنََا لَكَ ذِكْرَكَ »(3)فكفى بهذا من اللّه رفعة،و لئن أطعم إدريس من تحف الجنة4.
ص: 499
بعد وفاته،فإنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أطعم في الدنيا في حياته:بينمايتضوّرون(1)جوعا،فأتاه جبرئيل عليه السّلام بجام من الجنّة فيه تحفة،فهلّل الجام و هلّلت التحفة في يده،و سبّحا،و كبّرا،و حمدا،فناولها أهل بيته،ففعلت الجام مثل ذلك(2)،فهمّ أن يناولها بعض أصحابه،فتناولهاجبرئيل عليه السّلام و قال له:كلها فانّها تحفة من تحف(3)الجنّة أتحفك اللّه بها،و إنّها(4)لا تصلح إلاّ لنبيّ أو وصيّ نبيّ،فأكل منها صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أكلنا معه،و إنّي لأجد حلاوتها ساعتي هذه.
قال له اليهوديّ:فهذا نوح عليه السّلام صبر في ذات اللّه تعالى،و أعذرقومه إذ كذّب.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صبرفي ذات اللّه عزّ و جلّ و أعذر قومه إذ كذّب،و شرّد،و حصب بالحصا(5)،و علاه أبو لهب بسلا ناقة و شاة(6)فأوحى اللّه تبارك و تعالى إلى جائيل(7)ل.
ص: 500
ملك الجبال:أن شقّ الجبال و انته إلى أمر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.فأتاه فقال له:انّي قد أمرت لك بالطاعة فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها!(1).
قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّما بعثت رحمة،ربّ اهد أمّتي فانهم لا يعلمون».ويحك يا يهوديّ،إنّ نوحا لمّا شاهد غرق قومه رقّ عليهم(2)رقّة القرابة،و أظهر عليهم شفقة فقال:«رَبِّ إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي»(3)فقال اللّه تعالى:«إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صََالِحٍ »(4)أراد اللّه جلّ ذكره أن يسلّيه بذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا غلبت عليه من قومه المعاندةشهر عليهم سيف النقمة،و لم تدركه فيهم رقّة القرابة،و لم ينظر إليهم بعين رحمة.
قال له اليهوديّ:فإنّ نوحا دعا ربّه،فهطلت السماء بماء منهمر.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و كانت دعوته دعوة غضب،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هطلت له السماء بماء منهمر رحمة،و ذلك أنّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم لما هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له:يا رسول اللّه-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-احتبس القطر،و اصفرّ العود،و تهافت6.
ص: 501
الورق،فرفع يده المباركة(1)حتى رئي بياض إبطيه،و ما ترى في السماءسحابة،فما برح حتّى سقاهم اللّه،حتّى أنّ الشابّ المعجب بشبابه لتهمّه(2)نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر على ذلك من شدّة السيل،فدام أسبوعا،فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا(3):يا رسول اللّه،تهدّمت الجدر،و احتبس الركب و السفر،فضحك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال:هذه سرعة ملالة ابن آدم،ثم قال:«اللّهم حوالينا و لا علينا،اللّهم في اصول الشيح و مراتع البقع»(4)فرئي حوالي المدينة المطر يقطر قطرا،و ما يقع بالمدينة قطرة،لكرامته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على اللّه عزّ و جلّ.
قال له اليهوديّ:فانّ هذا هود قد انتصر اللّه له من أعدائه بالريح،فهل فعل لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا من هذا؟
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من هذا،إنّ اللّه عزّ و جلّ قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق،إذ أرسل عليهم ريحا تذرو الحصى،و جنودا لم يروها،فزاداللّه تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على هود بثمانية آلاف ملك،و فضّله على هود بأنّ ريح عاد ريح سخط،و ريح محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ريحن.
ص: 502
رحمة،قال اللّه تعالى:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اُذْكُرُوا نِعْمَةَ اَللََّهِ عَلَيْكُمْ إِذْجََاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنََا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهََا»(1).
قال له اليهوديّ:فإنّ هذا صالحا(2)أخرج اللّه له ناقة جعلها لقومه عبرة!
قال عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من ذلك،إنّ ناقة صالح لم تكلّم صالحا،و لم تناطقه،و لم تشهدله بالنبوّة،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينما نحن معه في بعض غزواته،إذاهو ببعير قد دنا،ثم رغا فأنطقه اللّه عزّ و جلّ فقال:يا رسول اللّه،إنّ فلاناإستعملني حتّى كبرت،و يريد نحري،فأنا أستعيذ بك منه،فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى صاحبه فاستوهبه منه،فوهبه له و خلاّه،و لقد كنّامعه فاذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها،و قد استسلم للقطع لما زوّر عليه من الشهود،فنطقت الناقة فقالت:يا رسول اللّه!إنّ فلانا منّي بري ء،و إنّ الشهود يشهدون عليه بالزور،و إنّ سارقي فلان اليهودي.
قال له اليهوديّ:فانّ هذا ابراهيم قد تيقّظ بالاعتبار على معرفة اللّه تعالى و أحاطت دلالته بعلم الإيمان به!
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و أعطي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم أفضل منه(3)،[و قد تيقظ بالاعتبار على معرفة اللّه و أحاطت دلالته بعلم..
ص: 503
الايمان به](1)،و تيقظ ابراهيم و هو ابن خمسة عشر سنة و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان ابن سبع سنين(2)؛قدم تجّار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصفا و المروة،فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته و نعته،و خبر مبعثه و آياته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقالوا له:
يا غلام ما اسمك؟قال:محمّد.قالوا:ما اسم أبيك؟قال:عبد اللّه.
قالوا:ما اسم هذه؟-و أشاروا بأيديهم إلى الأرض-قال:الأرض.قالوا:و ما اسم هذه؟-و أشاروا بأيديهم إلى السماء-قال:السماء.
قالوا:فمن ربّهما؟قال:اللّه.ثم انتهرهم و قال:أتشكّكوني في اللّه عزّ و جلّ؟!
ويحك يا يهوديّ،لقد تيقّظ بالاعتبار على معرفة اللّه عزّ و جلّ مع كفر قومه إذ هو بينهم:يستقسمون بالأزلام،و يعبدون الأوثان،و هويقول:لا إله إلاّ اللّه.
قال له اليهوديّ:فانّ ابراهيم عليه السّلام حجب عن نمرود بحجب ثلاث.
قال عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجب عمّن أراد قتله بحجب خمس،فثلاثة بثلاثة و اثنان فضل،قال اللّه عزّ و جلّ-و هو يصف أمر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-:«وَ جَعَلْنََا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا»ن.
ص: 504
فهذا الحجاب الأوّل«وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا»فهذا الحجاب الثاني«فَأَغْشَيْنََاهُمْ فَهُمْ لاََ يُبْصِرُونَ »(1)فهذا الحجاب الثالث،ثم قال:«وَ إِذََاقَرَأْتَ اَلْقُرْآنَ جَعَلْنََا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اَلَّذِينَ لاََ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجََاباًمَسْتُوراً»(2)فهذا الحجاب الرابع،ثم قال:«فَهِيَ إِلَى اَلْأَذْقََانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ »(3)فهذه حجب خمس.
قال له اليهوديّ:فانّ ابراهيم عليه السّلام(4)قد بهت الذي كفر ببرهان نبوّته.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أتاه مكذّب بالبعث بعد الموت و هو:أبيّ بن خلف الجمحي،معه عظم نخرففركه(5)ثم قال:يا محمّد«مَنْ يُحْيِ اَلْعِظََامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ »(6)؟فأنطق اللّه محمّدا بمحكم آياته،و بهته ببرهان نبوّته،فقال:«قُلْ يُحْيِيهَا اَلَّذِي أَنْشَأَهََا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ »(7)فانصرف مبهوتا.9.
ص: 505
قال له اليهودي:فهذا إبراهيم جذّ أصنام(1)قومه غضبا للّه عزّ و جلّ؟
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قدنكس عن الكعبة ثلاثمائة و ستين صنما،و نفاها عن جزيرة العرب،و أذلّ من عبدها بالسيف.
قال له اليهوديّ:فانّ هذا إبراهيم عليه السّلام قد أضجع ولده و تلّه للجبين(2).
فقال عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و لقد أعطي إبراهيم عليه السّلام بعدالاضطجاع الفداء،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أصيب بأفجع منه فجيعة،إنّه وقف على عمّه حمزة،أسد اللّه و أسد رسوله و ناصر دينه،و قد فرّق بين روحه و جسده،فلم يبن عليه حرقة،و لم يفض عليه عبرة(3)،و لم ينظر إلى موضعه من قلبه و قلوب أهل بيته ليرضي اللّه عزّ و جلّ بصبره و يستسلم لأمره في جميع الفعال،و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لو لا أن تحزن صفيّةلتركته حتّى يحشر من بطون السباع،و حواصل الطّير،و لو لا أن يكون سنّة بعدي لفعلت ذلك.
قال له اليهوديّ:فانّ ابراهيم عليه السّلام قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر فجعل اللّه عزّ و جلّ عليه النار بردا و سلاما فهل فعل بمحمّد-صلّى اللّهن.
ص: 506
عليه و آله و سلّم-شيئا من ذلك؟
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّانزل بخيبر،سمّته اليهوديّة الخيبريّة(1)فصيّر اللّه السمّ في جوفه برداو سلاما إلى منتهى أجله،فالسم يحرق إذا استقر في الجوف كما أن النارتحرق،فهذا من قدرته لا تنكره.
قال له اليهوديّ:فانّ هذا يعقوب عليه السّلام أعظم في الخير نصيبه إذجعل الأسباط من سلالة صلبه،و مريم بنت عمران من بناته!
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعظم في الخير نصيبا منه إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته،و الحسن و الحسين من حفدته.
قال له اليهوديّ:فانّ يعقوب عليه السّلام(2)قد صبر على فراق ولده حتّى كاد يحرض(3)من الحزن.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و كان حزن يعقوب حزنا بعده تلاق،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبض ولده إبراهيم عليه السّلام قرّة عينه في حياته منه،فخصّه بالاختبار(4)،ليعظم له الادخار فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ر.
ص: 507
«يحزن النفس،و يجزع القلب،و إنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون،و لا نقول ما يسخط الربّ»في كلّ ذلك يؤثر الرضا عن اللّه عزّ و جلّ و الاستسلام له في جميع الفعال(1).
قال له اليهوديّ:فانّ هذا يوسف قاسى مرارة الفرقة،و حبس في السجن توقيّا للمعصية،و ألقي في الجبّ وحيدا.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قاسى مرارة الغربة،و فراق الأهل و الأولاد و المال،مهاجرا من حرم اللّه تعالى و أمنه،فلما رأى اللّه عز و جل كآبته و استشعاره الحزن،أراه اللّه تبارك اسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف في تأويلها و أبان للعالمين صدق تحقيقها،فقال:«لَقَدْ صَدَقَ اَللََّهُ رَسُولَهُ اَلرُّؤْيََا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ اَلْمَسْجِدَاَلْحَرََامَ إِنْ شََاءَ اَللََّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لاََ تَخََافُونَ »(2)و لئن كان يوسف عليه السّلام حبس في السجن،فلقد حبس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفسه في الشعب ثلاث سنين،و قطع منه أقاربه و ذوو الرّحم و ألجأوه إلى أضيق المضيق،و لقد كادهم اللّه عزّ ذكره له كيدا مستبينا،إذبعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه،و لئن كان يوسف ألقي في الجبّ،فلقد حبس محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3)نفسه..
ص: 508
مخافة عدوّه في الغار(1)حتّى قال لصاحبه:«لاََ تَحْزَنْ إِنَّ اَللََّهَ مَعَنََا»(2)و مدحه اللّه بذلك في كتابه.
فقال له اليهوديّ:فهذا موسى بن عمران آتاه اللّه عزّ و جلّ التوراةالتي فيها حكمه.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل منه،أعطي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سورة البقرة و المائدةبالانجيل،و طواسين و طه و نصف المفصل و الحواميم بالتوراة،و أعطي نصف المفصل و التسابيح بالزبور،و أعطي سورة بني إسرائيل و براءةبصحف ابراهيم و صحف موسى عليهما السّلام،و زاد اللّه عزّ و جلّ محمّداالسبع الطوال(3)و فاتحة الكتاب،و هي السبع المثاني و القرآن العظيم،و أعطي الكتاب و الحكمة.
قال له اليهوديّ:فانّ موسى عليه السّلام ناجاه اللّه عزّ و جلّ على طورسيناء.9.
ص: 509
فقال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و لقد أوحى اللّه إلى محمّدصلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند سدرة المنتهى،فمقامه في السماء محمود،و عندمنتهى العرش مذكور.
قال اليهوديّ:فقد(1)ألقى اللّه عزّ و جل على موسى بن عمران محبّة منه.
قال عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و لقد أعطي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم(2)ما هو أفضل من هذا،لقد ألقى اللّه عزّ و جلّ عليه محبّة منه فمن هذاالذي يشركه في هذا الاسم إذ تمّ من اللّه عزّ و جلّ به الشهادة فلا تتمّ الشهادةإلاّ أن يقال:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه»ينادى به على المنابر فلا يرفع صوت بذكر اللّه إلاّ رفع بذكر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم معه.
قال له اليهوديّ:فلقد أوحى اللّه إلى أمّ موسى لفضل منزلة موسى عليه السّلام عند اللّه عزّ و جلّ.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و لقد لطف اللّه جلّ ثناؤه لأمّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأن أوصل إليها اسمه،حتّى قالت:أشهدو العالمون أنّ محمّدا رسول اللّه منتظر،و شهد الملائكة على الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار،و بلطف من اللّه عزّ و جلّ ساقه إليها،و أوصل إليهااسمه لفضل منزلته عنده،حتّى رأت في المنام أنّه قيل لها:إنّ ما في بطنكه.
ص: 510
سيّد فاذا ولدته فسمّيه محمّدا،فاشتقّ اللّه له اسما من أسمائه،فاللّه المحمود و هذا محمّد(1).
قال له اليهوديّ:فإنّ هذا موسى بن عمران قد أرسله اللّه إلى فرعون و أراه الآية الكبرى.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أرسل إلى فراعنة شتّى،مثل أبي جهل بن هشام،و عتبة بن ربيعة،و شيبة،و أبي البخترى،و النضر بن الحرث،و أبيّ بن خلف،و منبّه و نبيه ابني الحجاج،و إلى الخمسة المستهزئين:الوليد بن المغيرة المخزومي،و العاص بن وائل السهمي،و الأسود بن عبد يغوث الزهري،و الأسود بن المطلب،و الحارث بن الطلاطلة(2)،فأراهم الآيات في الافاق و في أنفسهم حتّى يتبيّن لهم أنّه الحق.
قال له اليهوديّ:لقد انتقم اللّه عزّ و جلّ لموسى من فرعون.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و لقد انتقم(3)اللّه جلّ اسمه لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الفراعنة،فأما المستهزئون فقال اللّه عزّ و جلّ:«إِنََّا كَفَيْنََاكَ اَلْمُسْتَهْزِئِينَ »(4)فقتل اللّه خمستهم،كلّ واحد منهم بغير5.
ص: 511
قتلة صاحبه،في يوم واحد.
فامّا الوليد بن المغيرة:فمرّ بنبل(1)لرجل من خزاعة قد راشه(2)و وضعه في الطريق،فأصابه شظية(3)منه فانقطع أكحله(4)حتّى أدماه،فمات و هو يقول:«قتلني ربّ محمّد».
و أمّا العاص بن وائل السهمي:فانّه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده(5)تحته حجر،فسقط فتقطّع قطعة قطعة،فمات و هو يقول:«قتلني ربّ محمّد».
و أمّا الأسود بن عبد يغوث:فانّه خرج يستقبل ابنه زمعة،فاستظلّ بشجرة،فأتاه جبرئيل عليه السّلام فأخذ رأسه فنطح به الشجرة،فقال لغلامه:امنع هذا عنّي!فقال:ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلاّ نفسك،فقتله و هويقول:«قتلني ربّ محمّد».
و أما الأسود بن المطّلب:فانّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دعا عليه أن يعمي اللّه بصره،و أن يثكله ولده،فلمّا كان في ذلك اليوم خرج حتّى صارإلى موضع أتاه جبرئيل عليه السّلام بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي و بقي حتّى أثكله اللّه عزّ و جلّ ولده.3.
ص: 512
و أما الحارث بن الطلاطلة:فانّه خرج من بيته في السموم فتحوّل حبشيّا،فرجع إلى أهله فقال:أنا الحارث،فغضبوا عليه فقتلوه و هو يقول:«قتلني ربّ محمّد».
و روي أنّ الأسود بن الحرث أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش،فلم يزل يشرب الماء حتّى انشقّ بطنه،فمات و هو يقول:«قتلني ربّ محمّد»(1).
كلّ ذلك في ساعة واحدة،و ذلك أنّهم كانوا بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا له:يا محمّد!ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك و إلاّ قتلناك،فدخل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منزله فأغلق عليه بابه مغتمّالقولهم،فأتاه جبرئيل عن اللّه من ساعته فقال:
يا محمّد،السّلام يقرأ عليك السّلام و هو يقول لك:«فَاصْدَعْ بِمََاتُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ اَلْمُشْرِكِينَ »(2)يعني أظهر أمرك لأهل مكّة،و ادعهم إلى الايمان،قال:يا جبرئيل،كيف أصنع بالمستهزئين و ما أوعدوني؟قال له:«إِنََّا كَفَيْنََاكَ اَلْمُسْتَهْزِئِينَ »(3)،قال:يا جبرئيل،كانوا الساعة بين يدي،قال:قد كفيتهم،فأظهر أمره عند ذلك.5.
ص: 513
و أمّا بقيّتهم من الفراعنة(1):فقتلوا يوم بدر بالسيف،و هزم اللّه الجمع و ولّوا الدبر.
قال له اليهوديّ:فإنّ هذا موسى بن عمران قد أعطي العصا فكانت تتحوّل(2)ثعبانا.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من هذا،إنّ رجلا كان يطالب أبا جهل بن هشام بدين:ثمن جزور قد اشتراه،فاشتغل عنه و جلس يشرب،فطلبه الرجل فلم يقدرعليه،فقال له بعض المستهزئين:من تطلب؟فقال:عمرو بن هشام-يعنى أبا جهل-لي عليه دين،قال:فأدلّك على من يستخرج الحقوق(3)؟قال:نعم.
فدلّه على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان أبو جهل يقول:ليت لمحمّدإليّ حاجة فأسخر به و أردّه،فأتى الرجل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا محمّد،بلغني أنّ بينك و بين عمرو بن هشام حسن صداقة،و أنا أستشفع بك إليه،فقام معه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأتى بابه،فقال له:قم ياأبا جهل فأدّ إلى الرجل حقّه،و إنّما كنّاه بأبي جهل ذلك اليوم،فقام مسرعاحتّى أدّى إليه حقّه،فلمّا رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه:فعلت ذلكق.
ص: 514
فرقا(1)من محمّد،قال:ويحكم اعذروني،إنّه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم حراب(2)تتلألأ،و عن يساره ثعبانين تصطكّ أسنانهما،و تلمع النيران من أبصارهما،لو امتنعت(3)لم آمن أن يبعجوا(4)بالحراب بطني و تقضمني(5)الثعبانان.
هذا أكبر ممّا أعطي موسى عليه السّلام،ثعبان بثعبان موسى و زاد اللّه محمّدا ثعبانا و ثمانية أملاك معهم الحراب،و لقد كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يؤذي قريشا بالدعاء،فقام يوما فسفّه أحلامهم،و عاب دينهم،و شتم أصنامهم،و ضلّل آباءهم،فاغتمّوا من ذلك غمّا شديدا،فقال أبو جهل:و اللّه للموت خير لنا من الحياة،فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمّدا فيقتل به؟فقالوا:لا.قال:فأنا أقتله،فإن شاء(6)بنو عبد المطلب قتلوني به،و إلاّ تركوني،قال:إنّك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به،قال:إنّه كثير السجود حول الكعبة،فاذاجاء و سجد أخذت حجرا فشدخته(7)به.ن.
ص: 515
فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فطاف بالبيت أسبوعا،ثم صلّى و أطال السجود،فأخذ أبو جهل حجرا فأتاه من قبل رأسه،فلمّا أن قرب منه،أقبل فحل من قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فاغرا فاه نحوه(1)،فلما أن رآه أبو جهل فزع منه و ارتعدت يده،و طرح الحجر فشدخ رجله،فرجع مدمى،متغيّر اللّون،يفيض عرقا.
فقال له أصحابه:ما رأيناك كاليوم؟!قال:ويحكم اعذروني،فانه أقبل من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبتلعني،فرميت بالحجر فشدخت رجلي.
قال اليهوديّ:فانّ موسى قد أعطي اليد البيضاء،فهل فعل بمحمّدشيئا من هذا؟(2)
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من هذا،إنّ نورا كان يضي ء عن يمينه حيثما جلس،و عن يساره حيثما جلس،و كان يراه الناس كلّهم.
قال له اليهوديّ:فإنّ موسى عليه السّلام قد ضرب له طريق في البحر(3)،فهل فعل بمحمّد شي ء من هذا؟
فقال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من هذا،خرجنا معه إلى حنين فاذا نحن بوادا.
ص: 516
يشخب(1)،فقدّرناه فاذا هو أربعة عشر قامة،فقالوا:يا رسول اللّه،العدوّمن وراءنا و الوادي أمامنا،كما قال أصحاب موسى:«إِنََّا لَمُدْرَكُونَ »(2)فنزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم قال:«اللّهم إنّك جعلت لكلّ مرسل دلالة،فأرني قدرتك»و ركب صلوات اللّه عليه فعبرت الخيل لا تندى(3)حوافرها،و الابل لا تندى أخفافها،فرجعنا فكان فتحنا.
قال له اليهوديّ:فإنّ موسى عليه السّلام قد أعطي الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا.
قال عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا نزل الحديبيّة و حاصره أهل مكّة،قد أعطي ما هو أفضل من ذلك،و ذلك أنّ أصحابه شكوا إليه الظمأ و أصابهم ذلك حتّى التقت خواصر الخيل،فذكروا له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فدعا بركوة(4)يمانيّة ثم نصب يده المباركةفيها،فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء،فصدرنا و صدرت الخيل رواء،و ملأنا كلّ مزادة(5)و سقاء.
و لقد كنّا معه بالحديبيّة و إذا ثمّ قليب جافّة،فأخرج صلّى اللّه عليه و آله و سلّم4.
ص: 517
سهما من كنانته،فناوله البراء بن عازب و قال له:اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها،ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم.
و لقد كان يوم الميضاة(1)عبرة و علامة للمنكرين لنبوّته،كحجرموسى حيث دعا بالميضاة،فنصب يده فيها ففاضت بالماء و ارتفع،حتى توضّأ منه ثمانية آلاف رجل و شربوا حاجتهم،و سقوا دوابهم،و حملوا ماأرادوا.
قال له اليهوديّ:فإنّ موسى عليه السّلام قد أعطي(2)المنّ و السلوى فهل أعطي لمحمّد نظير هذا؟
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من هذا،إنّ اللّه عزّ و جلّ أحلّ له الغنائم و لأمّته،و لم تحلّ الغنائم لأحد غيره قبله،فهذا أفضل من المنّ و السلوى،ثم زاده أن جعل النيّة له و لأمّته[بلا عمل](3)عملا صالحا و لم يجعل لأحد من الأمم ذلك قبله،فاذا همّ أحدهم بحسنة و لم يعملها كتبت له حسنة،فان عملها كتبت له عشرة.
قال له اليهوديّ:إنّ موسى عليه السّلام قد ظلّل عليه الغمام.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و قد فعل ذلك بموسى في التيه،».
ص: 518
و أعطي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل من هذا،إنّ الغمامة كانت تظلّه من يوم ولد إلى يوم قبض في حضره و أسفاره.فهذا أفضل ممّا أعطي موسى.
قال له اليهوديّ:فهذا داود عليه السّلام قد ليّن اللّه له الحديد،فعمل منه الدروع.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قدأعطي ما هو أفضل من هذا،إنّه ليّن اللّه عزّ و جلّ له الصمّ الصخور الصلاب و جعلها غارا(1)،و لقد غارت الصخرة تحت يده ببيت المقدس لينة،حتّى صارت كهيئة العجين،قد رأينا ذلك و التمسناه تحت رايته.
قال له اليهوديّ:فانّ هذا داود عليه السّلام بكى على خطيئته حتّى سارت الجبال معه لخوفه.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من هذا،إنّه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره و جوفه أزيز كأزيز المرجل(2)على الأثافي من شدّة البكاء(3)،و قد آمنه اللّه عزّ3.
ص: 519
و جلّ من عقابه،فأراد أن يتخشّع لربّه ببكائه و يكون إماما لمن اقتدى به،و لقد قام صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عشر سنين على أطراف أصابعه،حتّى تورّمت قدماه و اصفرّ وجهه،يقوم اللّيل أجمع،حتّى عوتب في ذلك فقال اللّه عزّو جلّ:«طه `مََا أَنْزَلْنََا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقى ََ »(1)بل لتسعد به،و لقد كان يبكي حتّى يغشى عليه،فقيل له:يا رسول اللّه،أ ليس اللّه عزّ و جلّ قد غفرلك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟قال:بلى(2)،أ فلا أكون عبدا شكورا.
و لئن سارت الجبال و سبحت معه لقد عمل بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما هو أفضل من هذا،إذ كنّا معه على جبل حراء،إذ تحرّك الجبل فقال له:«قر فانّه ليس عليك إلاّ نبيّ أو صدّيق شهيد»فقرّ الجبل مجيبا لأمره(3)و منتهيا إلى طاعته،و لقد مررنا معه بجبل و إذ الدموع(4)تخرج من بعضه،فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ما يبكيك يا جبل؟»فقال:يا رسول اللّه،كان المسيح مرّ بي و هو يخوّف الناس من نار وقودها الناس و الحجارة،و أنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة،قال له(5):«لا تخف،تلك الحجارةالكبريت»فقرّ الجبل و سكن و هدأ و أجاب لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(6).ه.
ص: 520
قال له اليهوديّ:فانّ هذا سليمان أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده.
فقال عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من هذا،إنّه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله،و هوميكائيل فقال له:يا محمّد!عش ملكا منعّما،و هذه مفاتيح خزائن الأرض معك،و تسير معك جبالها ذهبا و فضّة،و لا ينقص لك مما ادّخر لك في الآخرة شي ء،فأومى إلى جبرئيل-و كان خليله من الملائكة-فأشار إليه أن تواضع،فقال:بل أعيش نبيّا عبدا آكل يوما و لا آكل يومين،و ألحق باخواني من الأنبياء،فزاده اللّه تبارك و تعالى الكوثر و أعطاه الشفاعة،و ذلك أعظم من ملك الدنيا من أوّلها إلى آخرها سبعين مرّة،و وعده المقام المحمود،فاذا كان يوم القيامة أقعده اللّه عزّ و جلّ على العرش،فهذاأفضل مما أعطي سليمان.
قال له اليهوديّ:فانّ هذا سليمان قد سخّرت له الرياح،فسارت به في بلاده،غدوها شهر و رواحها شهر.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من هذا،إنّه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجدالأقصى مسيرة شهر،و عرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام،في أقلّ من ثلث ليلة،حتّى انتهى إلى ساق العرش،فدنى بالعلم فتدلّى فدلّي له من الجنة رفرف أخضر(1)،و غشي النور بصره فرأى عظمة ربّه عزّ9.
ص: 521
و جلّ بفؤاده،و لم يرها بعينه،فكان كقاب قوسين بينه و بينها أو أدنى،فأوحى اللّه إلى عبده ما أوحى،فكان(1)فيما أوحى اليه:الآية التي في سورة البقرة قوله:«لِلََّهِ مََا فِي اَلسَّمََاوََاتِ وَ مََا فِي اَلْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا مََا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحََاسِبْكُمْ بِهِ اَللََّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشََاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشََاءُ وَ اَللََّهُ عَلى ََ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(2).
و كانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليه السّلام إلى أن بعث اللّه تبارك و تعالى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و عرضت على الأمم فأبواأن يقبلوها من ثقلها،و قبلها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عرضها على أمّته فقبلوها،فلمّا رأى اللّه تبارك و تعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها،فلمّا أن صار(3)إلى ساق العرش كرّر عليه الكلام ليفهمه،فقال:«آمَنَ اَلرَّسُولُ بِمََا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ -فأجاب صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مجيباعنه و عن أمّته-وَ اَلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللََّهِ وَ مَلاََئِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لاََ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ »(4)فقال جلّ ذكره:لهم الجنّة و المغفرة على أن فعلواذلك،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أما إذا فعلت ذلك بنا،فغفرانك ربّناو إليك المصير،يعني المرجع في الآخرة.5.
ص: 522
قال:فأجابه اللّه عزّ و جلّ قد فعلت(1)ذلك بك و بأمّتك،ثم قال عزّ و جلّ:أما إذا قبلت الآية بتشديدها و عظم ما فيها و قد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها و قبلتها أمّتك،فحقّ عليّ أن أرفعها عن أمّتك،و قال:«لاََ يُكَلِّفُ اَللََّهُ نَفْساً إِلاََّ وُسْعَهََا لَهََا مََا كَسَبَتْ -من خير-وَ عَلَيْهََامَا اِكْتَسَبَتْ »(2)من شرّ.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-لمّا سمع ذلك-:أما إذا فعلت ذلك بي و بأمّتي فزدني،قال:سل،قال:«رَبَّنََا لاََ تُؤََاخِذْنََا إِنْ نَسِينََا أَوْأَخْطَأْنََا»(3)،قال اللّه عزّ و جلّ:لست أؤاخذ أمّتك بالنسيان و الخطأ،لكرامتك عليّ،و كانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكّروا به فتحت عليهم أبواب العذاب،و قد رفعت ذلك عن أمّتك،و كانت الأمم السالفة إذا أخطأواأخذوا بالخطأ و عوقبوا عليه،و قد رفعت ذلك عن أمّتك لكرامتك عليّ.
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:اللّهم إذا أعطيتني ذلك فزدني.قال اللّه تبارك و تعالى له:سل،قال:«رَبَّنََا وَ لاََ تَحْمِلْ عَلَيْنََا إِصْراً كَمََا حَمَلْتَهُ عَلَى اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِنََا»(4)يعني بالإصر:الشدائد الّتي كانت على من كان قبلنا،فأجابه اللّه عزّ و جلّ إلى ذلك،فقال تبارك اسمه:قد رفعت عن أمّتك الآصارالتي كانت على الأمم السالفة:كنت لا أقبل صلاتهم إلاّ في بقاع معلومةمن الأرض اخترتها لهم و إن بعدت،و قد جعلت الأرض كلّها لأمّتك6.
ص: 523
مسجدا و(1)طهورا،فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها(2)عن أمّتك.
و كانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة،قرضوه من أجسادهم،و قد جعلت الماء لأمّتك طهورا،فهذا من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك.
و كانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس،فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته فرجع مسرورا،و من لم أقبل منه ذلك رجع مثبورا؛و قد جعلت قربان أمّتك في بطون فقرائهاو مساكينها،فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة،و من لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا،و قد رفعت ذلك عن أمّتك،و هي من الآصار التي كانت على الأمم السالفة قبلك(3).
و كانت الأمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم اللّيل و أنصاف النهار،و هي من الشدائد التي كانت عليهم،فرفعتها عن أمّتك،و فرضت عليهم صلواتهم في أطراف اللّيل و النهار،و في أوقات نشاطهم.
و كانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا،و هي من الآصار التي كانت عليهم،فرفعتها عن أمّتك و جعلتهاك.
ص: 524
خمسا في خمسة أوقات،و هي إحدى و خمسون ركعة،و جعلت لهم أجرخمسين صلاة.
و كانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة و سيّئتهم بسيّئة،و هي من الآصار التي كانت عليهم،فرفعتها عن أمّتك و جعلت الحسنة بعشرةو السيّئة بواحدة.
و كانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثم لم يعملها(1)لم تكتب له،و إن عملها كتبت له حسنة،و إنّ أمّتك(2)إذا همّ أحدهم بحسنة و لم يعملها(3)كتبت له حسنة،و إن عملها كتبت له عشرة،و هي من الآصارالتي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك.
و كانت الأمم السالفة إذا همّ أحدهم بسيّئة فلم يعملها لم تكتب عليه،و إن عملها كتبت عليه سيّئة،و إنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بسيّئة ثم لم يعملهاكتبت له حسنة،و هذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك.
و كانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم،و جعلت توبتهم من الذنوب أن حرّمت عليهم بعد التوبة أحبّ الطعام اليهم،و قدرفعت ذلك عن أمّتك و جعلت ذنوبهم فيما بيني و بينهم و جعلت عليهم ستورا كثيفة،و قبلت توبتهم بلا عقوبة،و لا أعاقبهم بأن أحرّم عليهم أحبّ الطعام إليهم...
ص: 525
و كانت الأمم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد إلى اللّه(1)مائةسنة،أو ثمانين سنة،أو خمسين سنة،ثم لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة،و هي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك،و انّ الرجل من أمّتك ليذنب عشرين سنة،أو ثلاثين سنة،أو أربعين سنة،أو مائةسنة ثم يتوب و يندم طرفة عين فأغفر ذلك كلّه.
فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:اللّهم إذا أعطيتني ذلك كلّه فزدني.قال:سل،قال:«رَبَّنََا وَ لاََ تُحَمِّلْنََا مََا لاََ طََاقَةَ لَنََا بِهِ »(2)قال تبارك اسمه:قدفعلت ذلك بأمّتك،و قد رفعت عنهم عظم بلايا الأمم،و ذلك حكمي في جميع الأمم:أن لا أكلّف خلقا فوق طاقتهم،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«وَ اُعْفُ عَنََّا وَ اِغْفِرْ لَنََا وَ اِرْحَمْنََا أَنْتَ مَوْلاََنََا»(3)قال اللّه عزّ و جلّ:قد فعلت ذلك بتأئبي أمّتك،ثم قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«فَانْصُرْنََا عَلَى اَلْقَوْمِ اَلْكََافِرِينَ »(4)قال اللّه جلّ اسمه:إنّ أمّتك في الأرض كالشامة(2)البيضاء في الثور الأسود،هم القادرون،و هم القاهرون،يستخدمون و لا يستخدمون،لكرامتك عليّ،و حقّ عليّ أن أظهر دينك على الأديان،حتّى لا يبقى في شرق الأرض و غربها(3)دين إلاّ..
ص: 526
دينك،أو يؤدّون(1)إلى أهل دينك الجزية.
قال اليهوديّ:فإنّ هذا سليمان سخّرت له الشياطين،يعملون له ما يشاء:من محاريب و تماثيل.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و لقد أعطي محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل من هذا،إنّ الشياطين سخّرت لسليمان و هي مقيمة على كفرها،و لقد سخّرت لنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الشياطين بالايمان،فأقبل إليه من الجنة التسعة من أشرافهم،واحد من جن نصيبين،و الثمان من بنى عمرو بن عامر من الأحجة(2)منهم شضاه،و مضاه(3)،و الهملكان،و المرزبان،و المازمان،و نضاه،و هاضب،و هضب،وعمرو،و هم الذين يقول اللّه تبارك اسمه فيهم:«وَ إِذْ صَرَفْنََا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ اَلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اَلْقُرْآنَ »(4)و هم التسعة،فأقبل إليه الجنّ و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحدا،و لقد أقبل إليه أحد و سبعون ألفا منهم فبايعوه على الصوم،و الصلاة،و الزكاة،و الحج،و الجهاد،و نصح المسلمين،و اعتذروا بأنّهم9.
ص: 527
قالوا على اللّه شططا،و هذا أفضل ممّا أعطي سليمان،فسبحان من سخّرهالنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد أن كانت تتمرّد،و تزعم أنّ للّه ولدا،فلقد(1)شمل مبعثه من الجنّ و الإنس ما لا يحصى.
قال له اليهوديّ:فهذا يحيى بن زكريّا عليه السّلام يقال:إنّه أوتي الحكم صبيّا و الحلم و الفهم(2)،و أنه كان يبكي من غير ذنب،و كان يواصل الصوم.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من هذا.إنّ يحيى بن زكريّا كان في عصر لا أوثان فيه و لا جاهليّة،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أوتي الحكم و الفهم صبيّا بين عبدةالأوثان و حزب الشيطان،فلم يرغب لهم في صنم قطّ و لم ينشط لأعيادهم،و لم ير منه كذب قط،و كان أمينا،صدوقا،حليما،و كان يواصل الصوم الأسبوع و الأقل و الأكثر فيقال له في ذلك فيقول:إنّي لست كأحدكم،إنّي أظلّ عند ربّي فيطعمني و يسقيني،و كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يبكي حتّى يبتلّ(3)مصلاّه خشية من اللّه عز و جل من غير جرم.
قال له اليهوديّ:فإنّ هذا عيسى بن مريم،يزعمون أنّه تكلّم(4)في المهد صبيّا...
ص: 528
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سقطمن بطن أمّه واضعا يده اليسرى على الأرض،و رافعا يده اليمنى إلى السماء،يحرّك شفتيه بالتوحيد و بدا من فيه نور رأى أهل مكة منه قصوربصرى من الشام و ما يليها،و القصور الحمر من أرض اليمن و ما يليها،و القصور البيض من إسطخر و ما يليها،و لقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى فزعت الجنّ و الانس و الشياطين،و قالوا حدث في الأرض حدث،و لقد رأى الملائكة ليلة ولد،تصعد و تنزل،و تسبّح و تقدّس،و تضطرب النجوم و تتساقط،علامة لميلاده.
و لقد همّ إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك اللّيلة،و كان له مقعد في السماء الثالثة و الشياطين يسترقون السمع،فلمارأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع،فاذا هم قد حجبوا من السماوات كلّها،و رموا بالشهب،دلالة لنبوّته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال له اليهوديّ:فإنّ عيسى عليه السّلام يزعمون أنّه قد أبرأ الأكمه و الأبرص بإذن اللّه عزّ و جلّ.
فقال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطي ما هو أفضل من ذلك،أبرأ ذا العاهة(1)من عاهته،بينما هو جالس صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا:يا رسول اللّه،إنّه قدصار من البلاء كهيئة الفرخ الذي لا ريش عليه(2)فأتاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّمه.
ص: 529
فاذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء،فقال له:قد كنت تدعو في صحتك دعاء؟قال:نعم،كنت أقول:«يا ربّ أيّما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فاجعلها لي(1)في الدنيا»فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ألا قلت:«اللّهم آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار»فقالهاالرجل فكأنّما نشط(2)من عقال،و قام صحيحا و خرج معنا.
و لقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطّع(3)من الجذام،فشكا إليه صلى اللّه عليه و آله و سلّم،فأخذ قدحا من ماء فتفل عليه،ثم قال:امسح به جسدك،ففعل فبري ء حتّى لم يوجد عليه شي ء(4).
و لقد أتي بعربيّ أبرص(5)فتفل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من فيه عليه فماقام(6)من عنده إلاّ صحيحا.
و لئن زعمت أنّ عيسى أبرأ ذوي العاهات من عاهاتهم،فانّ محمّدام.
ص: 530
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بينما هو في بعض أصحابه،إذ هو(1)بامرأة فقالت:يا رسول اللّه!إنّ ابني أشرف على حياض الموت،كلّما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب(2)،فقام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قمنا معه فلمّا أتيناه قال له:جانب يا عدوّ اللّه وليّ اللّه(3)،فأنا رسول اللّه،فجانبه الشيطان فقام صحيحا و هو معنا في عسكرنا.
و لئن زعمت أنّ عيسى عليه السّلام أبرأ العميان،فإنّ محمّدا قد فعل ما هوأكثر من هذا:إنّ(4)قتادة بن ربعي كان رجلا صحيحا،فلما أن كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته،فأخذها بيده ثم أتى بها إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا رسول اللّه،إنّ امرأتي الآن تبغضني،فأخذهارسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من يده ثم وضعها مكانها،فلم تكن تعرف إلاّبفضل حسنها و فضل ضوئها على العين الأخرى.
و لقد جرح عبد اللّه بن عبيد(5)و بانت يده يوم حنين،فجاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليلا فمسح عليه يده فلم تكن تعرف من اليد الأخرى.ك.
ص: 531
و لقد أصاب محمّد بن مسلمة يوم كعب بن الأشرف مثل ذلك في عينه و يده،فمسحه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم تستبينا.
و لقد أصاب عبد اللّه بن أنيس مثل ذلك في عينه،فمسحها فما عرفت من الأخرى،فهذه كلّها دلالة لنبوّته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال له اليهوديّ:فانّ عيسى يزعمون(1)أنه أحيى الموتى بإذن اللّه تعالى.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبحت في يده تسع حصيات،تسمع نغماتها في جمودها،و لا روح فيهالتمام حجّة نبوته،و لقد كلّمه الموتى من بعد موتهم،و استغاثوه ممّا خافواتبعته،و لقد صلّى بأصحابه ذات يوم فقال:ما هاهنا من بني النجّار أحد،و صاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي-و كان شهيدا-؟
و لئن زعمت أنّ عيسى كلّم الموتى،فلقد كان لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما هو أعجب من هذا،إنّ النبيّ لمّا نزل بالطايف و حاصر أهلها،بعثواإليه بشاة مسلوخة(2)مطليّة بسمّ،فنطق الذراع منها فقالت:يا رسول اللّه،لا تأكلني فإنّي مسمومة،فلو كلّمته البهيمة و هي حيّة لكانت من أعظم حجج اللّه عزّ ذكره على المنكرين لنبوّته،فكيف و قد كلّمته من بعد ذبح وة.
ص: 532
سلخ و شيّ(1)!
و لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يدعو بالشجرة فتجيبه،و تكلّمه البهيمة،و تكلّمه السباع،و تشهد له بالنبوة،و يحذّرهم(2)عصيانه فهذا أكثر ممّا أعطي عيسى عليه السّلام.
قال له اليهوديّ:إنّ عيسى يزعمون أنّه أنبأ قومه بما يأكلون و مايدّخرون في بيوتهم.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان له أكثر من هذا:إنّ عيسى أنبأ قومه بما كان من وراء الحايط،و محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنبأ عن مؤتة(3)و هو عنها غائب،و وصف حربهم و من استشهد منهم و بينه و بينهم مسيرة شهر،و كان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شي ء فيقول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:تقول أو أقول؟فيقول:بل قل يا رسول اللّه،فيقول:جئتني في كذا و كذا حتّى يفرغ من حاجته.
و لقد كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يخبر أهل مكّة بأسرارهم بمكّة حتى لا يترك من أسرارهم(4)شيئا...
ص: 533
منها ما كان بين صفوان بن أميّة و بين عمير بن وهب،إذ أتاه عميرفقال:جئت في فكاك ابني فقال له:كذبت بل قلت لصفوان و قد اجتمعتم في الحطيم و ذكرتم قتلى بدر و قلتم:و اللّه للموت أهون علينا من البقاء مع ما صنع محمّد بنا،و هل حياة بعد أهل القليب؟فقلت أنت:لو لا عيالي،ودين عليّ لأرحتك من محمّد،فقال صفوان:عليّ أن أقضي دينك،و أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهنّ ما يصيبهنّ من خير أو شر،فقلت أنت:فاكتمها عليّ و جهّزني حتّى أذهب فأقتله،فجئت لقتلي،فقال:صدقت يا رسول اللّه،فأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّك رسول اللّه.و أشباه هذا ممّالا يحصى.
قال له اليهوديّ:فانّ عيسى يزعمون أنّه خلق من الطّين كهيئة الطيرفنفخ(1)فيه فكان طيرا بإذن اللّه عزّ و جلّ.
فقال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قدفعل ما هو شبيه لهذا،إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحاو تقديسا،ثم قال للحجر:انفلق،فانفلق ثلاث فلق،نسمع(2)لكلّ فلقةمنها تسبيحا لا يسمع للأخرى.
و لقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته،و لكلّ غصن منها تسبيح و تهليل و تقديس،ثم قال لها:انشقّي،فانشقّت نصفين،ثم قال لها:..
ص: 534
التزقي،فالتزقت،ثم قال لها:اشهدي لي بالنبوّة،فشهدت ثم قال لها:ارجعي إلى مكانك بالتسبيح و التهليل و التقديس ففعلت،و كان موضعهاجنب الجزارين(1)بمكّة.
قال له اليهوديّ:فانّ عيسى يزعمون أنه كان سيّاحا.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كانت سياحته في الجهاد،و استنفر في عشر سنين ما لا يحصى من حاضرو باد،و أفنى فئاما من العرب من مبعوث(2)بالسيف لا يدارى بالكلام و لاينام إلاّ عن دم،و لا يسافر إلاّ و هو متجهّز لقتال عدوّه.
قال له اليهوديّ:فانّ عيسى عليه السّلام يزعمون أنّه كان زاهدا.
قال له عليّ عليه السّلام:لقد كان كذلك،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أزهدالأنبياء عليهم السّلام،كان له ثلاث عشرة زوجة سوى من يطيف به من الإماء،مارفعت له مائدة قطّ و عليها طعام،و لا أكل خبز برّ قطّ،و لا شبع من خبزشعير ثلاث ليال متواليات قطّ،توفيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و درعه مرهونة عند يهوديّ بأربعة دراهم،ما ترك صفراء و لا بيضاء مع ما وطّي ء له من البلاد(3)،و مكّن له من غنائم العباد،و لقد كان يقسم في اليوم الواحد1.
ص: 535
ثلاثمائة ألف و أربعمائة ألف و يأتيه السائل بالعشيّ فيقول:و الذي بعث محمّدا بالحقّ ما أمسى في آل محمّد صاع من شعير،و لا صاع من برّ،و لادرهم،و لا دينار.
قال له اليهوديّ:فانّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه و أشهد أنّه ما أعطى اللّه عزّ و جلّ نبيّا درجة و لا مرسلا فضيلة إلاّ و قدجمعها لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و زاد محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الأنبياءصلوات اللّه عليهم أجمعين أضعاف درجات(1).
فقال ابن عباس لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام:أشهد يا أبا الحسن أنّك من الراسخين في العلم.
فقال:ويحك،و ما لي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه اللّه عزّو جلّ في عظمته جلّت(2)فقال:«وَ إِنَّكَ لَعَلى ََ خُلُقٍ عَظِيمٍ »(3)(4).2.
ص: 536
احتجاجه عليه السّلام على بعض اليهود و غيره في أنواع شتّى من العلوم(1)
[128]
عن صالح بن عقبة،عن الصادق عليه السّلام قال:لمّا هلك أبو بكرو استخلف عمر،خرج عمر إلى المسجد فقعد،فدخل عليه رجل فقال:ياأمير المؤمنين،إنّي رجل من اليهود و أنا علاّمتهم،و قد أردت أن أسألك عن مسائل إن أخبرتني بها أسلمت.قال:و ما هي؟قال:ثلاث،و ثلاث،و واحدة،فان شئت سألتك،و إن كان في القوم أحد أعلم منك فأرشدني إليه،قال:عليك بذاك الشّاب-يعني عليّ بن أبي طالب عليه السّلام-.
فأتى عليّا عليه السّلام فسأل،فقال له:لم قلت:ثلاثا و ثلاثا و واحدة،ألاقلت سبعا؟قال:إنّي إذا لجاهل،إن لم تجبني في الثلاث اكتفيت،قال:فإن أجبتك تسلم؟قال:نعم.قال:سل.قال:أسألك عن أوّل حجر وضع على وجه الأرض،و أوّل عين نبعت،و أوّل شجرة نبتت؟
قال:يا يهوديّ،أنتم تقولون:أوّل حجر وضع على وجه الأرض،الحجر الذي في بيت المقدس،و كذبتم،هو(الحجر الأسود)الذي نزل مع
ص: 537
آدم عليه السّلام من الجنة.
قال:صدقت و اللّه،إنّه لبخطّ هارون و إملاء موسى عليهما السّلام.
قال أمير المؤمنين عليه السّلام:و أمّا العين،فأنتم تقولون:إنّ أوّل عين نبعت على وجه الأرض:العين التي ببيت المقدس،و كذبتم و هي(عين الحياة)التى غسل فيها موسى النون(1)،و هي العين التي شرب منها الخضر،و ليس يشرب منها أحد إلاّ حي(2).
قال:صدقت و اللّه،إنّه لبخطّ هارون و إملاء موسى عليهما السّلام.
قال عليّ عليه السّلام:و أمّا الشجرة،فأنتم تقولون:إنّ أوّل شجرة نبتت على وجه الأرض الزيتون و كذبتم،هي(العجوة)(3)نزل بها آدم عليه السّلام من الجنّة.
قال:صدقت و اللّه،إنه لبخطّ هارون و إملاء موسى عليهما السّلام.
قال:و الثلاث الأخرى،كم لهذه الأمة من إمام هدى،لا يضرّهم من خذلهم؟
قال:إثنا عشر إماما.
قال:صدقت و اللّه،إنّه لبخطّ هارون و إملاء موسى عليهما السّلام.8.
ص: 538
قال:و أين يسكن نبيّكم من الجنّة؟
قال:في أعلاها درجة،و أشرفها مكانا:في جنّات عدن.
قال:صدقت و اللّه،إنّه لبخطّ هارون و إملاء موسى عليهما السّلام.
قال:فمن ينزل معه في منزله؟
قال:إثنا عشر إماما.
قال:صدقت و اللّه،إنّه لبخطّ هارون و إملاء موسى عليهما السّلام.
قال:قد بقيت السابعة.
قال:كم يعيش وصيّه بعده؟
قال:ثلاثين سنة.
قال:ثم هو يموت أو يقتل؟
قال:يضرب على قرنه فتخضب لحيته.
قال:صدقت و اللّه،إنّه لبخطّ هارون و إملاء موسى.ثمّ أسلم و حسن إسلامه(1).4.
ص: 539
[129]
و عن أصبغ بن نباتة قال:كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السّلام فجاءه ابن الكوّا فقال:
يا أمير المؤمنين،من البيوت في قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ لَيْسَ اَلْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهََا وَ لََكِنَّ اَلْبِرَّ مَنِ اِتَّقى ََ وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوََابِهََا؟»(1)
قال عليّ عليه السّلام:نحن البيوت التي أمر اللّه بها أن تؤتى من أبوابها،نحن باب اللّه و بيوته التي يؤتى منه،فمن بايعنا و أقرّ بولايتنا(2)فقد أتى البيوت من أبوابها،و من خالفنا و فضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها.
فقال:يا أمير المؤمنين:«وَ عَلَى اَلْأَعْرََافِ رِجََالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّبِسِيمََاهُمْ »؟(3)
فقال عليّ عليه السّلام:نحن أصحاب الأعراف(4):نعرف أنصارنابسيماهم،و نحن الأعراف(5)يوم القيامة بين الجنة و النار،فلا يدخلف.
ص: 540
الجنّة إلاّ من عرفنا و عرفناه،و لا يدخل النار إلاّ من أنكرنا و أنكرناه،و ذلك بأنّ اللّه عزّ و جلّ لو شاء عرّف الناس نفسه حتّى يعرفوه وحده و يأتوه من بابه،و لكنّه جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله و بابه الذي يؤتى منه،فقال-فيمن عدل عن ولايتنا و فضّل علينا غيرنا-(1)فانهم«عَنِ اَلصِّرََاطِلَنََاكِبُونَ »(2)(3).
[130]
و عن الأصبغ بن نباتة أيضا قال:أتى ابن الكوّا أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:
و اللّه إنّ في كتاب اللّه آية اشتدّت على قلبي،و لقد شككت في ديني.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:ثكلتك أمّك و عدمتك!ما هي؟9.
ص: 541
قال:قول اللّه تبارك و تعالى:«وَ اَلطَّيْرُ صَافََّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاََتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ »(1)فما هذا الصف؟[و ما هذه الطيّور؟](2)و ما هذه الصلاة؟و ما هذا التسبيح؟
فقال عليّ عليه السّلام:ويحك يا ابن الكوّا!إنّ اللّه تعالى خلق الملائكةعلى صور شتّى،ألا و إنّ اللّه تعالى ملكا في صورة ديك أبح(3)أشهب،براثنه(4)في الأرضين السفلى،و عرفه مثنى تحت عرش الرحمن،له جناح بالمشرق من نار،و جناح بالمغرب من ثلج،فاذا حضر وقت كلّ صلاة قام على براثنه،ثم رفع عنقه من تحت العرش،ثم صفق بجناحيه كما تصفق الديكة في منازلكم،فلا الذي من نار يذيب الثلج،و لا الذي من الثلج يطفي ء النار،ثم ينادي:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله سيّد النبيّين،و أنّ وصيّه خير الوصيّين،سبّوح،قدّوس،ربّ الملائكة و الروح»قال:فتصفق الديكة بأجنحتها في منازلكم بنحو من قوله،و هو قول اللّه تعالى:«كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاََتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ »من الديكة في الأرض(5).ن-
ص: 542
[131]
و عن الأصبغ بن نباتة أيضا قال:سأل ابن الكوّا أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:أخبرني عن بصير باللّيل بصير بالنهار؟و عن أعمى باللّيل أعمى(1)بالنّهار؟و عن أعمى باللّيل بصير بالنهار و عن أعمى بالنهاربصير باللّيل؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:ويلك سل عمّا يعنيك،و لا تسأل عمّالا يعنيك(2)،ويلك أمّا بصير باللّيل بصير(3)بالنّهار:فهو رجل آمن بالرسل و الأوصياء الذين مضوا،و بالكتب و النبيّين،و آمن باللّه و نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أقرّ لي بالولاية فأبصر في ليله و نهاره.
و أما أعمى باللّيل أعمى بالنهار:فرجل جحد الأنبياء و الأوصياء،و الكتب التي مضت،و أدرك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلم يؤمن به،و لم يقرّق-محمّد بن أورمة عن أحمد بن الحسن الميثمي عن أبي الحسن الشعيري(أو الأشعري)عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال جاء...و قريب منه ما في تفسير فرات الكوفي ص 46 و رواه القمي في تفسيره 2/106 و تأويل الآيات الظاهرة 1/365.
و نقله العلامة المجلسي قدس سره في بحار الانوار 40/283 عن كتاب صفوة الأخبارو في 56/183 نقلا عن التوحيد و الاحتجاج...
ص: 543
بولايتي،فجحد اللّه عزّ و جلّ و نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فعمي باللّيل و عمي بالنهار.
و أما بصير باللّيل أعمى بالنهار:فرجل آمن بالأنبياء و الكتب،و جحد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ولايتي و أنكرني حقّي،فأبصر بالليل و عمي بالنهار.
و أما أعمى باللّيل و بصير بالنهار:فرجل جحد الأنبياء الذين مضوا،و الأوصياء و الكتب،و أدرك محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فآمن باللّه و برسوله محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آمن بامامتي و قبل ولايتي،فعمي باللّيل و أبصربالنهار.
ويلك يا ابن الكوّا،فنحن بنو أبي طالب،بنا فتح اللّه الاسلام و بنايختمه.
قال الأصبغ:فلمّا نزل أمير المؤمنين عليه السّلام من المنبر تبعته فقلت:يا سيّدي يا أمير المؤمنين قوّيت قلبى بما بيّنت.
فقال لي:يا أصبغ،من شكّ في ولايتي فقد شكّ في إيمانه،و من أقرّبولايتي فقد أقرّ بولاية اللّه عزّ و جلّ،و ولايتي متّصلة بولاية اللّه كهاتين-و جمع بين اصبعيه-يا أصبغ،من أقرّ بولايتي فقد فاز،و من أنكر ولايتي فقد خاب و خسر و هوى في النار،و من دخل في النار لبث فيها أحقابا(1).3.
ص: 544
[132]
و عن الأصبغ بن نباتة أيضا قال:قام ابن الكوّا إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و هو على المنبر فقال:
يا أمير المؤمنين،أخبرني عن ذي القرنين:أنبيّا كان أم ملكا؟و أخبرني عن قرنيه:أمن ذهب كانا أم من فضّة؟
فقال عليه السّلام:لم يكن نبيّا،و لا ملكا،و لم يكن قرناه من ذهب و لافضّة،و لكنه كان عبدا أحبّ اللّه فأحبّه اللّه،و نصح للّه فنصح اللّه له،و إنماسمّي(ذا القرنين)لأنّه دعا قومه إلى اللّه عزّ و جلّ فضربوه على قرنه،فغاب عنهم حينا ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر و فيكم مثله(1).2.
ص: 545
[133]
و عن الصادق،عن آبائه عليهم السّلام،انّ امير المؤمنين عليه السّلام كان ذات يوم جالسا في الرحبة،و الناس حوله مجتمعون،فقام اليه رجل فقال:
يا أمير المؤمنين،أنت بالمكان الذي أنزلك اللّه به و أبوك معذّب في النار؟
فقال له عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:مه،فضّ اللّه فاك!و الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا،لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه اللّه فيهم،أأبي معذّب في النار(1)و ابنه قسيم الجنّة و النار؟!!و الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا إنّ نور أبي يوم القيامة ليطفي ء أنوار الخلايق كلّهم إلاّخمسة أنوار:نور محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و نوري،و نور الحسن،و نورالحسين،و نور تسعة من ولد الحسين،فانّ نوره من نورنا،خلقه اللّه تعالى قبل أن يخلق آدم عليه السّلام بألفّي عام(2).ع.
ص: 546
[134]
و بالاسناد المقدم ذكره(1)عن أبي محمّد العسكريّ،عن عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام أنه قال:
كان أمير المؤمنين عليه السّلام قاعدا ذات يوم،فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدّعين للفلسفة و الطبّ،فقال له:
يا أبا الحسن،بلغني خبر صاحبك(2)و أنّ به جنونا،و جئت لأعالجه فلحقته قد مضى لسبيله،و فاتني ما أردت من ذلك،و قد قيل لي أنك ابن عمّه و صهره و أرى بك صفارا(3)قد علاك،و ساقين دقيقين،و ما أراهماتقلاّنك(4).
فأمّا الصفار فعندي دواؤه،و أما الساقان الدقيقان فلا حيلة لي
ص: 547
لتغليظهما،و الوجه أن ترفق بنفسك في المشي،تقلّله و لا تكثره،و فيماتحمله على ظهرك و تحتضنه(1)بصدرك،أن تقلّلهما و لا تكثرهما فانّ ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما(2).
و اما الصفار فدواؤه عندي و هو هذا-و أخرج دواء-و قال:
هذا لا يؤذيك و لا يخيسك(3)و لكنّه يلزمك حمية من اللّحم أربعين صباحا ثم يزيل صفارك.
فقال له عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:قد ذكرت نفع هذا الدّواءلصفاري،فهل تعرف شيئا يزيد فيه و يضرّه؟فقال الرجل:بلى،حبّة من هذا-و أشار إلى دواء معه-و قال:إن تناوله إنسان و به صفار أماته من ساعته،و إن كان لا صفار به صار به صفار حتّى يموت في يومه.
فقال عليّ عليه السّلام:فأرني هذا الضارّ،فأعطاه إيّاه.
فقال له:كم قدر هذا؟قال:قدر مثقالين سمّ ناقع،قدر كل حبّة منه يقتل رجلا.
فتناوله عليّ عليه السّلام فقمحه(4)و عرق عرقا خفيفا،و جعل الرجل يرتعد و يقول في نفسه:الآن أؤخذ بابن أبي طالب،و يقال لي:قتلته(5)و لاه.
ص: 548
يقبل منّي قولي:إنّه هو الجاني(1)على نفسه.
فتبسم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و قال:يا عبد اللّه!أصحّ(2)ما كنت بدنا الآن،لم يضرّني ما زعمت أنه سمّ.
ثم قال:فغمّض عينيك،فغمّض(3)،ثم قال:افتح عينيك ففتح(4)،و نظر إلى وجه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة فارتعد الرجل لما رآه(5)و تبسّم عليّ عليه السّلام و قال:أين الصفارالذي زعمت أنّه بي؟
فقال:و اللّه لكأنّك لست من رأيت،قبل(6)كنت مصفرّا(7)،فأنت الآن مورد.
فقال عليّ عليه السّلام:فزال عنّي الصفار بسمّك الذي تزعم(8)أنّه قاتلي.
و أما ساقاي هاتان-و مدّ رجليه و كشف عن ساقيه-فانّك زعمت أنّي..
ص: 549
أحتاج إلى أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل عليه،لئلا ينقصف الساقان،و أنا أريك أنّ طبّ اللّه عزّ و جلّ خلاف طبّك،و ضرب بيده إلى اسطوانةخشب عظيمة،على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه،و فوقه حجرتان،إحداهما فوق الأخرى،و حرّكها فاحتملها(1)فارتفع السطح و الحيطان و فوقهما الغرفتان،فغشي على اليونانيّ.
فقال عليّ عليه السّلام:صبّوا عليه ماء،فصبّوا عليه ماء فأفاق و هو يقول:و اللّه ما رأيت كاليوم عجبا.
فقال له عليّ عليه السّلام:هذه قوّة الساقين الدقيقين و احتمالهما،أفي طبّك هذا يا يونانيّ؟
فقال اليونانيّ:أمثلك كان محمّد؟
فقال عليّ عليه السّلام:و هل علمي إلاّ من علمه؟و عقلي إلاّ من عقله؟و قوّتي إلاّ من قوّته؟لقد(2)أتاه ثقفيّ كان أطبّ العرب،فقال له:
إن كان بك جنون داويتك.
فقال له محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أتحبّ أن أريك آية تعلم بها غناي عن طبّك و حاجتك إلى طبّي؟
قال:نعم.
قال:أيّ آية تريد؟..
ص: 550
قال:تدعو ذلك العذق-و أشار إلى نخلة سحوق-فدعاها،فانقلع أصلها من الأرض و هي تخدّ الأرض خدّا حتّى وقفت بين يديه.
فقال له:أكفاك؟
قال:لا.
قال:فتريد ما ذا؟
قال:تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت منه،و تستقرّ في مقرّها الذي انقلعت منه.
فأمرها،فرجعت،و استقرّت في مقرّها.
فقال اليونانيّ-لأمير المؤمنين عليه السّلام-:هذا الذي تذكره عن محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غائب عنّي،و أنا أقتصر(1)منك على أقلّ من ذلك،أنا أتباعد عنك فادعني و أنا لا أختار الإجابة،فان جئت بي إليك فهي آية.
قال أمير المؤمنين عليه السّلام:إنما يكون آية لك وحدك،لأنك تعلم من نفسك أنّك لم ترده،و اني أزلت اختيارك من غير أن باشرت منّي شيئا أوممّن أمرته بأن يباشرك،أو ممّن قصد إلى اختيارك(2)و إن لم آمره،إلاّما يكون من قدرة اللّه القاهرة،و أنت يا يوناني يمكنك أن تدّعي و يمكن غيرك أن يقول:إنّي و اطأتك على ذلك،فاقترح إن كنت مقترحا ما هو آيةلجميع العالمين.ك.
ص: 551
قال له اليوناني:إن جعلت(1)الاقتراح إليّ فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة،و تفرّقها و تباعد ما بينها،ثم تجمعها و تعيدها كماكانت.
فقال عليّ عليه السّلام:هذه آية و أنت رسولي إليها-يعني إلى النخلة-فقل لها:إنّ وصيّ محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأمر أجزاءك أن تتفرّق و تتباعد.
فذهب فقال لها ذلك،فتفاصلت(2)،و تهافتت،و تنثرت،و تصاغرت(3)أجزاؤها،حتّى لم ير لها عين و لا أثر،حتّى كأن لم تكن هناك نخلة قطّ.
فارتعدت فرائص اليوناني و قال:يا وصيّ محمّد رسول اللّه،قدأعطيتني اقتراحي الأول،فأعطني الآخر،فأمرها أن تجتمع و تعود كماكانت،فقال:أنت رسولي إليها فعد(4)و قل لها:يا أجزاء النخلة إنّ وصيّ محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يأمرك أن تجتمعي كما كنت و أن تعودي.
فنادى اليوناني فقال ذلك،فارتفعت في الهواء كهيئة الهباءالمنثور،ثم جعلت تجتمع جزأ جزأ منها،حتّى تصور لها القضبان،د.
ص: 552
و الأوراق،و أصول السعف و شماريخ(1)الأعذاق،ثم تألّفت،و تجمّعت،و استطالت،و عرضت،و استقرّ أصلها في مقرّها،و تمكّن عليها ساقها،و تركّب(2)على الساق قضبانها،و على القضبان أوراقها،و في أمكنتهاأعذاقها،و كانت في الابتداء شماريخها متجرّدة لبعدها من أوان الرطب،و البسر،و الخلال(3).
فقال اليوناني:و أخرى أحبّها أن تخرج(4)شماريخها خلالها،و تقلبها من خضرة إلى صفرة و حمرة،و ترطيب و بلوغ إناه،لتأكل و تطعمني و من حضرك منها.
فقال عليّ عليه السّلام:أنت رسولي إليها بذلك،فمرها به.
فقال لها اليوناني ما أمره أمير المؤمنين عليه السّلام فأخلّت،و أبسرت،و اصفرت و احمرت،و ترطبت(5)،و ثقلت أعذاقها برطبها.
فقال اليوناني:و أخرى أحبّها،تقرّب بين يدي(6)أعذاقها،أو..
ص: 553
تطول يدي لتنالها(1)،و أحبّ شي ء إليّ أن تنزل إليّ إحداهما،و تطول يدي إلى الأخرى التي هي أختها.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:مدّ اليد الّتي(2)تريد أن تنالها و قل:يا مقرّب البعيد قرّب يدي منها،و اقبض الأخرى التي تريد أن ينزل العذق إليها و قل:يا مسهّل العسير،سهّل لي تناول ما يبعد عنّي منها(3).
ففعل ذلك و قاله،فطالت يمناه فوصلت إلى العذق،و انحطّت الأعذاق الأخر فسقطت على الأرض و قد طالت عراجينها.
ثم قال أمير المؤمنين عليه السّلام:إنّك إن أكلت منها و لم تؤمن(4)بمن أظهر لك عجائبها،عجّل اللّه عزّ و جلّ إليك من العقوبة التي يبتليك بها مايعتبر به عقلاء خلقه و جهّالهم.
فقال اليونانيّ:إنّي إن كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في العناد،و تناهيت في التعرّض للهلاك،أشهد أنك من خاصّة اللّه،صادق في جميع أقاويلك عن اللّه،فأمرني بما تشاء أطعك.
قال عليّ عليه السّلام:آمرك أن تقرّ للّه بالوحدانيّة،و تشهد له بالجودو الحكمة و تنزّهه عن العبث و الفساد،و عن ظلم الإماء و العباد،و تشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي أنا وصيّه سيّد الأنام،و أفضل رتبة في دار..
ص: 554
السّلام(1)،و تشهد أنّ عليّا الذي أراك ما أراك،و أولاك من النعم ما أولاك،خير خلق اللّه بعد محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أحقّ خلق اللّه بمقام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعده،و بالقيام بشرايعه(2)و أحكامه،و تشهد أن أولياءه أولياء اللّه،و أعداءه(3)أعداء اللّه،و أنّ المؤمنين المشاركين لك فيما كلّفتك،المساعدين لك على ما به أمرتك،خير أمّة(4)محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صفوة شيعة عليّ.
و آمرك أن تواسي إخوانك المطابقين(5)لك على تصديق محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلّم،و تصديقي و الإنقياد له ولي،ممّا رزقك اللّه و فضّلك على من فضّلك به منهم،تسدّ فاقتهم،و تجبر كسرهم و خلّتهم،و من كان منهم في درجتك في الايمان ساويته من مالك بنفسك،و من كان منهم فاضلا عليك في دينك آثرته بمالك على نفسك،حتّى يعلم اللّه منك أنّ دينه آثر عندك من مالك،و أنّ أولياءه أكرم عليك من أهلك و عيالك.
و آمرك أن تصون دينك،و علمنا الذي(6)أودعناك،و أسرارنا التي..
ص: 555
حمّلناك،و لا تبد علومنا لمن يقابلها(1)بالعناد،و يقابلك من أجلهابالشتم،و اللعن،و التناول من العرض و البدن،و لا تفش سرّنا إلى من يشنع علينا عند الجاهلين بأحوالنا،و لا تعرض(2)أولياءنا لبوادر(3)الجهال.
و آمرك أن تستعمل التقيّة في دينك،فان اللّه عزّ و جلّ يقول:«لاََ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكََافِرِينَ أَوْلِيََاءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذََلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللََّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلاََّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقََاةً »(4)و قد أذنت لك في تفضيل أعدائنا[علينا](5)،إن ألجأك الخوف إليه،و في إظهار البراءة منّاإن حملك الوجل عليه،و في ترك الصلوات المكتوبات إن خشيت على حشاشتك(6)الآفات و العاهات،فانّ تفضيلك أعداءنا علينا عند خوفك،لاينفعهم و لا يضرّنا،و إنّ إظهارك براءتك منّا عند تقيّتك،لا يقدح فينا و لاينقصنا،و لئن تبرّأت(7)منّا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها،و مالها الذي به قيامها(8)،و جاهها..
ص: 556
الذي به تماسكها،و تصون من عرف بذلك(1)و عرفت به من أوليائناو إخواننا و أخواتنا من بعد ذلك بشهور و سنين،إلى أن يفرّج اللّه تلك(2)الكربة،و تزول به تلك الغمّة،فإنّ ذلك أفضل من أن تتعرّض للهلاك،و تنقطع به عن عمل في الدين و صلاح إخوانك المؤمنين.
و إيّاك ثم إيّاك أن تترك التقيّة التي أمرتك بها،فانّك شائط(3)بدمك و دماء إخوانك،معرض(4)لنعمك و نعمهم(5)للزوال،مذلّ لهم(6)في أيدي أعداء دين اللّه،و قد أمرك اللّه بإعزازهم،فانّك إن خالفت وصيّتي كان ضررك على نفسك و إخوانك أشدّ من ضرر الناصب(7)لنا،الكافربنا(8).8.
ص: 557
[135]
و عن سعيد بن جبير قال:استقبل أمير المؤمنين عليه السّلام دهقان(1)من دهاقين الفرس فقال له-بعد التهنية-:
يا أمير المؤمنين!تناحست النجوم الطالعات،و تناحست السعودبالنحوس،و اذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الإختفاء،و يومك هذا يوم صعب،قد إنقلب(2)فيه كوكبان،و انقدح من برجك النيران،و ليس لك الحرب بمكان.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:ويحك يا دهقان المنبي ء بالآثار(3)،المحذّر من الأقدار،ما قصّة صاحب الميزان؟و قصّة صاحب السرطان؟و كم المطالع من الأسد و الساعات من المحركات؟(4)و كم بين السراري و الذراري؟(5).ا-
ص: 558
قال:سأنظر-و أومى بيده إلى كمّه و أخرج منه اصطرلابا ينظر فيه-.
فتبسّم عليّ عليه السّلام و قال:أتدري ما حدث البارحة؟وقع بيت بالصين،و انفرج برج ماجين،و سقط سور سرنديب،و انهزم بطريق(1)الروم بأرمينية،و فقد ديان اليهود بابلة(2)،و هاج النمل بوادي النمل،و هلك ملك افريقية،أكنت عالما بهذا؟
قال:لا،يا أمير المؤمنين.
فقال:البارحة سعد سبعون ألف عالم،و ولد في كلّ عالم سبعون ألفا،و الليلة يموت مثلهم،و هذا منهم-و أومى بيده إلى سعد بن مسعدةالحارثي«لعنه اللّه»و كان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنين عليه السّلام-فظنّ الملعون أنه يقول:خذوه،فأخذ بنفسه فمات.
فخرّ الدهقان ساجدا.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:ألم أروك من عين التوفيق؟
قال:بلى،يا أمير المؤمنين.
ق-المنجّمون.و الغرض أنه لو كان هذا العلم حقّا فانّما يمكن الحكم به بعد الاحاطة بجميع اوضاع الكواكب و احوالها و خواصّها في كلّ آن و زمان،و المنجمون لم يرصدوا من الكواكب إلاّ اقلها،و مناط احكامهم اوضاع السيارات فقط مع عدم احاطتهم بأحوال تلك ايضا-بحار الانوار 55/222.7.
ص: 559
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:أنا و أصحابي لا شرقيّون و لاغربيّون(1)،نحن ناشئة القطب و أعلام الفلك.
و أمّا قولك:انقدح من برجك النيران،فكان الواجب عليك أن تحكم به لي لا عليّ؛أمّا نوره و ضياؤه فعندي،و أما حريقه و لهبه فذاهب عنّي،و هذه مسألة عميقة إحسبها إن كنت حاسبا(2).
[136]
و روي أنه عليه السّلام لمّا أراد المسير إلى الخوارج،قال له بعض أصحابه:إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم.
فقال عليه السّلام:أتزعم أنّك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء،و تخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ؟فمن صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن،و استغنى عن الاستعانة باللّه عزّ و جلّ في نيل المحبوب و دفع المكروه،و ينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمددون ربّه،لأنّك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع و أمن الضرّ.ل.
ص: 560
أيها الناس!إيّاكم و تعلّم النجوم،إلاّ ما يهتدى به في برّ أو بحر،فانّه يدعو إلى الكهانة؛المنجّم كالكاهن،و الكاهن كالساحر،و الساحركالكافر،و الكافر في النار؛سيروا على اسم اللّه و عونه؛و مضى فظفربمراده صلوات اللّه عليه(1).
[137]
جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و قال له:لو لا ما في القرآن من الاختلاف و التناقض لدخلت في دينكم.
فقال له عليه السّلام:و ما هو؟
قال:قوله تعالى:«نَسُوا اَللََّهَ فَنَسِيَهُمْ »(2)
و قوله:«فَالْيَوْمَ نَنْسََاهُمْ كَمََا نَسُوا لِقََاءَ يَوْمِهِمْ هََذََا»(3).
ص: 561
و قوله:«وَ مََا كََانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»(1)
و قوله:«يَوْمَ يَقُومُ اَلرُّوحُ وَ اَلْمَلاََئِكَةُ صَفًّا لاََ يَتَكَلَّمُونَ إِلاََّ مَنْ أَذِنَ لَهُ اَلرَّحْمََنُ وَ قََالَ صَوََاباً»(2)
و قوله:«وَ اَللََّهِ رَبِّنََا مََا كُنََّا مُشْرِكِينَ »(3)
و قوله تعالى:«يَوْمَ اَلْقِيََامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً»(4)
و قوله:«إِنَّ ذََلِكَ لَحَقٌّ تَخََاصُمُ أَهْلِ اَلنََّارِ»(5)
و قوله:«قََالَ لاََ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ»(6)
و قوله:«اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى ََ أَفْوََاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنََا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمََا كََانُوا يَكْسِبُونَ »(7)
و قوله تعالى:«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ `إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ »(8)
و قوله:«لاََ تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصََارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ اَلْأَبْصََارَ»(9)3.
ص: 562
و قوله:«وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ََ `عِنْدَ سِدْرَةِ اَلْمُنْتَهى ََ »(1)
و قوله:«لاََ تَنْفَعُ اَلشَّفََاعَةُ إِلاََّ مَنْ أَذِنَ لَهُ اَلرَّحْمََنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً»(2)
و قوله:«وَ مََا كََانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اَللََّهُ إِلاََّ وَحْياً»(3)
و قوله:«كَلاََّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ »(4)
و قوله:«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاََّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ اَلْمَلاََئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ »(5)
و قوله:«بَلْ هُمْ بِلِقََاءِ رَبِّهِمْ كََافِرُونَ »(6)
و قوله:«فَأَعْقَبَهُمْ نِفََاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى ََ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ »(7)
و قوله:«فَمَنْ كََانَ يَرْجُوا لِقََاءَ رَبِّهِ »(8)
و قوله:«وَ رَأَى اَلْمُجْرِمُونَ اَلنََّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوََاقِعُوهََا»(9)
و قوله:«وَ نَضَعُ اَلْمَوََازِينَ اَلْقِسْطَ لِيَوْمِ اَلْقِيََامَةِ »(10)7.
ص: 563
و قوله:«فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوََازِينُهُ ...وَ مَنْ خَفَّتْ مَوََازِينُهُ »(1).
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:فأمّا قوله تعالى:«نَسُوا اَللََّهَ فَنَسِيَهُمْ »إنّما يعني نسوا اللّه في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته،فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم من ثوابه شيئا،فصاروا منسيّين من الخير،و كذلك تفسيرقوله عز و جل:«فَالْيَوْمَ نَنْسََاهُمْ كَمََا نَسُوا لِقََاءَ يَوْمِهِمْ هََذََا»يعني بالنسيان:أنّه لم يثبهم كما يثيب أولياءه،الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به و برسوله و خافوه بالغيب.
و أمّا قوله:«وَ مََا كََانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»فانّ ربّنا تبارك و تعالى علوّا كبيراليس بالذي ينسى،و لا يغفل،بل هو الحفيظ العليم،و قد يقول العرب:قدنسينا فلان فلا يذكرنا،أي أنه لا يأمر لهم بخير،و لا يذكرهم به.
قال عليّ عليه السّلام:و أمّا قوله عزّ و جلّ:«يَوْمَ يَقُومُ اَلرُّوحُ وَ اَلْمَلاََئِكَةُصَفًّا لاََ يَتَكَلَّمُونَ إِلاََّ مَنْ أَذِنَ لَهُ اَلرَّحْمََنُ وَ قََالَ صَوََاباً»و قوله:«وَ اَللََّهِ رَبِّنََامََا كُنََّا مُشْرِكِينَ »و قوله عزّ و جلّ:«يَوْمَ اَلْقِيََامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً»و قوله:«إِنَّ ذََلِكَ لَحَقٌّ تَخََاصُمُ أَهْلِ اَلنََّارِ»و قوله:«قََالَ لاََ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ»و قوله:«اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى ََأَفْوََاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنََا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمََا كََانُوا يَكْسِبُونَ »فانّ ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة،و المراد:يكفر أهل المعاصي(2)بعضهم ببعض،و يلعن بعضهم..
ص: 564
بعضا،و الكفر في هذه الآية:«البراءة »يقول:فيبرأ(1)بعضهم من بعض،و نظيرها في سورة ابراهيم قول الشيطان:«إِنِّي كَفَرْتُ بِمََا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ »(2)و قول إبراهيم خليل الرحمن:«كَفَرْنََا بِكُمْ »(3)يعني تبرّأنامنكم.
ثم يجتمعون في مواطن أخر يبكون فيها،فلو أنّ تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأزالت جميع الخلق عن معايشهم،و انصدعت قلوبهم إلاّما شاء اللّه و لا يزالون يبكون حتّى يستنفذوا الدموع،و يفضوا إلى الدماء.
ثم يجتمعون فى مواطن أخر فيستنطقون فيه،فيقولون:«وَ اَللََّهِ رَبِّنََامََا كُنََّا مُشْرِكِينَ »و هؤلاء خاصة هم المقرّون في دار الدنيا بالتوحيد،فلم ينفعهم(4)إيمانهم باللّه لمخالفتهم رسله(5)،و شكّهم فيما أتوا به عن ربّهم،و نقضهم عهودهم في أوصيائهم و استبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير،فكذّبهم اللّه فيما انتحلوه من الايمان بقوله:«اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُواعَلى ََ أَنْفُسِهِمْ »(6)فيختم اللّه على أفواههم،و يستنطق الأيدي و الأرجل و الجلود،فتشهد بكلّ معصية كانت منهم،ثم يرفع عن ألسنتهم الختم4.
ص: 565
فيقولون لجلودهم:«لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنََا قََالُوا أَنْطَقَنَا اَللََّهُ اَلَّذِي أَنْطَقَ كُلَ شَيْ ءٍ»(1).
ثم يجتمعون في موطن آخر فيفرّ بعضهم من بعض،لهول مايشاهدونه من صعوبة الأمر،و عظم البلاء فذلك قوله عزّ و جلّ:«يَوْمَ يَفِرُّاَلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ `وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ `وَ صََاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ ...»الآية(2).
ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه أولياء اللّه و أصفياؤه،فلايتكلّم أحد إلاّ من أذن له الرّحمن و قال صوابا،فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات(3)التي حملوها إلى أممهم،فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم،و تسئل الأمم فتجحد كما قال اللّه تعالى:«فَلَنَسْئَلَنَّ اَلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ اَلْمُرْسَلِينَ »(4)فيقولون:«مََا جََاءَنََا مِنْ بَشِيرٍ وَ لاََنَذِيرٍ»(5)،فتشهد الرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيشهد بصدق الرسل،و تكذيب من جحدها من الأمم،فيقول-لكلّ أمّة منهم-:بلى«فَقَدْ جََاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اَللََّهُ عَلى ََ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(6)أي:مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم.و كذلك قال اللّه-لنبيّه-:«فَكَيْفَ إِذََا جِئْنََا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنََا بِكَ عَلى ََ هََؤُلاََءِ9.
ص: 566
شَهِيداً»(1)،فلا يستطيعون ردّ شهادته،خوفا من أن يختم اللّه على أفواههم،و أن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون،و يشهد على منافقي قومه،و أمّته،و كفارهم بإلحادهم،و عنادهم،و نقضهم عهده،و تغييرهم سنّته،و اعتدائهم على أهل بيته،و انقلابهم على أعقابهم،و ارتدادهم على أدبارهم،و احتذائهم في ذلك سنّة من تقدمهم من الأمم الظالمة،الخائنة لأنبيائها،فيقولون بأجمعهم:«قََالُوا رَبَّنََا غَلَبَتْ عَلَيْنََاشِقْوَتُنََا وَ كُنََّا قَوْماً ضََالِّينَ »(2).
ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو:(المقام المحمود)فيثني على اللّه عزّ و جلّ بما لم يثن عليه أحد قبله،ثم يثني على الملائكة كلّهم،فلا يبقى ملك إلاّ أثنى عليه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ثم يثني على الأنبياء بما لم يثن عليهم أحد قبله(3)،ثم يثني على كلّ مؤمن و مؤمنة،يبدأ بالصدّيقين و الشهداء،ثم بالصالحين(4)،فيحمده أهل السماوات و أهل الأرضين،فذلك قوله تعالى:«عَسى ََ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقََاماً مَحْمُوداً»(5)فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ و نصيب،و ويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ و لا نصيب.9.
ص: 567
ثم يجتمعون في موطن آخر و يزال بعضهم عن بعض(1)،و هذا كلّه قبل الحساب فاذا أخذ في الحساب شغل كلّ إنسان بما لديه،نسأل اللّه بركة ذلك اليوم.
قال عليّ عليه السّلام:و أمّا قوله:«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نََاضِرَةٌ `إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ »ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء اللّه عزّ و جلّ،بعد ما يفرغ من الحساب،إلى نهر يسمى«نهر الحيوان»فيغتسلون منه،و يشربون من آخر فتبيضّ وجوههم،فيذهب عنهم كلّ أذى و قذى و وعث(2)،ثم يؤمرون بدخول الجنة،فمن هذا المقام ينظرون إلى ربّهم كيف يثيبهم،و منه يدخلون الجنة فذلك قول اللّه عز و جل-في تسليم الملائكة عليهم-:«سَلاََمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهََا خََالِدِينَ »(3)فعند ذلك قوله تعالى:أثيبوا بدخول الجنةو النظر إلى ما وعدهم اللّه عزّ و جل،فذلك قوله تعالى:«إِلى ََ رَبِّهََا نََاظِرَةٌ »و الناظرة في بعض اللّغة هي:المنتظرة،ألم تسمع إلى قوله تعالى:«فَنََاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ اَلْمُرْسَلُونَ »(4)أي:منتظرة بم يرجع المرسلون؟5.
ص: 568
و أما قوله:«وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ََ `عِنْدَ سِدْرَةِ اَلْمُنْتَهى ََ »(1)يعني محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين كان عند سدرة المنتهى حيث لا يجاوزهاخلق من خلق اللّه عز و جل،و قوله-في آخر الآية-:«مََا زََاغَ اَلْبَصَرُ وَ مََاطَغى ََ `لَقَدْ رَأى ََ مِنْ آيََاتِ رَبِّهِ اَلْكُبْرى ََ »(2)رأى جبرئيل في صورته مرّتين:هذه المرّة و مرّة أخرى،و ذلك أنّ خلق جبرئيل خلق عظيم،فهو من الروحانيّين الذين لا يدرك خلقهم و لا صفتهم إلاّ اللّه ربّ العالمين.
قال عليّ عليه السّلام:و أمّا قوله:«وَ مََا كََانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اَللََّهُ إِلاََّ وَحْياًأَوْ مِنْ وَرََاءِ حِجََابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مََا يَشََاءُ»(3)كذلك قال اللّه تعالى،قد كان الرسول يوحي اليه رسل من السماء(4)فتبلغ رسل السماء إلى الأرض،و قد كان الكلام بين رسل أهل الأرض و بينه من غيرأن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء،و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم:«يا جبرئيل هل رأيت ربّك؟»فقال جبرئيل عليه السّلام:«إنّ ربّي لايرى».
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«من أين تأخذ الوحي»؟قال:«آخذه من إسرافيل»،قال:«و من أين يأخذه إسرافيل»؟قال:«يأخذه من ملك فوقه من الروحانيّين»،قال:«و من أين يأخذ ذلك الملك؟»قال:ء.
ص: 569
«يقذف في قلبه قذفا».
فهذا وحي،و هو كلام اللّه عزّ و جلّ،و كلام اللّه ليس بنحو واحد،منه:ما كلّم اللّه عز و جل به الرسل،و منه:ما قذف في قلوبهم،و منه:رؤيايراها الرسل،و منه:وحي و تنزيل يتلى و يقرأ فهو كلام اللّه عزّ و جل.
قال عليّ عليه السّلام:و أمّا قوله:«كَلاََّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍلَمَحْجُوبُونَ »(1)فانما يعني به:يوم القيامة عن ثواب ربّهم لمحجوبون.و قوله تعالى:«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاََّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ اَلْمَلاََئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيََاتِ رَبِّكَ »(2)يخبر محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن المشركين و المنافقين،الذين لم يستجيبوا للّه و لرسوله.فقال:«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاََّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ اَلْمَلاََئِكَةُ »حيث لم يستجيبوا للّه و لرسوله،«أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيََاتِ رَبِّكَ »يعني بذلك:العذاب يأتيهم في دار الدنياكما عذّب القرون الأولى،فهذا خبر يخبر به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنهم،ثم قال:«يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيََاتِ رَبِّكَ لاََ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمََانُهََا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ »الآية،يعني:لم تكن آمنت من قبل أن تأتي هذه الآية،و هذه الآية هي طلوع الشمس من مغربها،و قال-فى آية أخرى-:«فَأَتََاهُمُ اَللََّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا»(3)يعني:أرسل عليهم عذابا،و كذلك2.
ص: 570
إتيانه بنيانهم حيث قال:«فَأَتَى اَللََّهُ بُنْيََانَهُمْ مِنَ اَلْقَوََاعِدِ»(1)يعني:أرسل عليهم العذاب.
قال عليّ عليه السّلام:
و أما قوله عز و جل:«بَلْ هُمْ بِلِقََاءِ رَبِّهِمْ كََافِرُونَ »(2)و قوله:«اَلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاََقُوا رَبِّهِمْ »(3)و قوله:«إِلى ََ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ »(4)و قوله:«فَمَنْ كََانَ يَرْجُوا لِقََاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صََالِحاً»(5)يعني:البعث،فسمّاه اللّه لقاء(4)،و كذلك قوله:«مَنْ كََانَ يَرْجُوا لِقََاءَ اَللََّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اَللََّهِ لَآتٍ »(5)يعني:من كان يؤمن أنّه مبعوث فانّ وعد اللّه لآت:من الثواب و العقاب،فاللّقاء ها هنا ليس بالرؤية،و اللّقاء هو البعث،و كذلك قوله:«تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاََمٌ »(6)يعني:أنه لا يزول الايمان عن قلوبهم يوم يبعثون.
قال عليّ عليه السّلام:و أمّا قوله عز و جل:«وَ رَأَى اَلْمُجْرِمُونَ اَلنََّارَ4.
ص: 571
فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوََاقِعُوهََا»(1)يعني:تيقّنوا أنّهم يدخلونها،و كذلك قوله:«إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاََقٍ حِسََابِيَهْ »(2).
و أمّا قوله عز و جل-للمنافقين-:«وَ تَظُنُّونَ بِاللََّهِ اَلظُّنُونَا»(3)،فهو ظنّ شكّ و ليس ظنّ يقين.و الظنّ ظنّان:ظنّ شكّ،و ظنّ يقين،فما كان من أمر المعاد(4)من الظنّ فهو ظنّ يقين،و ما كان من أمر الدنيا فهو ظنّ شك.
قال عليّ عليه السّلام:و أمّا قوله عزّ و جلّ:«وَ نَضَعُ اَلْمَوََازِينَ اَلْقِسْطَلِيَوْمِ اَلْقِيََامَةِ فَلاََ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً»(5)فهو ميزان العدل،يؤخذ به الخلايق يوم القيامة بدين اللّه تبارك و تعالى،الخلايق بعضهم من بعض،و يجزيهم بأعمالهم و يقتصّ للمظلوم من الظالم.و معنى قوله:«فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوََازِينُهُ فَأُولََئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ،`وَ مَنْ خَفَّتْ مَوََازِينُهُ »(6)فهو:قلّة الحساب و كثرته،و الناس يومئذ على طبقات و منازل،فمنهم:من يحاسب حسابايسيرا و ينقلب إلى أهله مسرورا،و منهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب،لأنهم لم يتلبّسوا من أمر الدنيا بشي ء،و إنّما الحساب هناك على من تلبس بها ها هنا،و منهم من يحاسب على النقير و القطمير و يصير إلى عذابا.
ص: 572
السعير،و منهم أئمة الكفر و قادة الضلالة فأولئك لا يقيم لهم يوم القيامةوزنا،و لا يعبأ بهم لأنّهم لم يعبأوا بأمره و نهيه و يوم القيامة هم(1)«فِي جَهَنَّمَ خََالِدُونَ `تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ اَلنََّارُ وَ هُمْ فِيهََا كََالِحُونَ »(2).
و من سؤال هذا الزنديق أن قال:أجد اللّه يقول:«قُلْ يَتَوَفََّاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ »(3).
و في موضع آخر يقول:«اَللََّهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهََا»(4)و في آية أخرى يقول:«اَلَّذِينَ تَتَوَفََّاهُمُ اَلْمَلاََئِكَةُ طَيِّبِينَ »(5)و ما أشبه ذلك،فمرّة يجعل الفعل لنفسه،و مرّة لملك الموت،و مرّة للملائكة.
و أجده يقول:«فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ اَلصََّالِحََاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلاََ كُفْرََانَ لِسَعْيِهِ »(6)و يقول:«وَ إِنِّي لَغَفََّارٌ لِمَنْ تََابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صََالِحاً ثُمَ اِهْتَدى ََ »(7)أعلم في الآية الأولى أنّ الأعمال الصالحة لا تكفر،و أعلم في الآية الثانية أنّ الايمان و الأعمال الصالحة لا تنفع إلاّ بعد الاهتداء.2.
ص: 573
و أجده يقول:«و سئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا»(1)فكيف يسأل الحيّ من الأموات قبل البعث و النشور؟
و أجده يقول:«إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الانسان إنه كان ظلوماجهولا»(2)فما هذه الأمانة؟و من هذا الانسان؟و ليس من صفة العزيزالعليم،التلبيس(3)على عباده.
و أجده قد شهر هفوات أنبيائه بقوله:«و عصى آدم ربه فغوى »(4)،و بتكذيبه نوحا لما قال:«إن ابني من أهلي»(5)بقوله:«إنه ليس من أهلك »(6)،و بوصفه ابراهيم بأنه عبد كوكبا مرّة،و مرّة قمرا،و مرّةشمسا.و بقوله في يوسف:«و لقد همت به و هم بها لو لا أن رأى برهان ربه »(5)،و بتهجينه موسى عليه السّلام حيث قال:«رب أرني أنظر إليك قال لن تراني»الآية(6)،و ببعثه على داود جبرئيل و ميكائيل حيث تسوّرا3.
ص: 574
المحراب إلى آخر القصّة(1)،و بحبسه يونس في بطن الحوت حيث ذهب مغاضبا مذنبا؛و أظهر(2)خطأ الأنبياء و زللهم،ثم وارى اسم من اغترّ وفتن خلقا و ضلّ و أضلّ،و كنّى عن أسمائهم في قوله:«و يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا*يا ويلتى ليتني لم أتخذفلانا خليلا*لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني»(3)،فمن هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء؟
و أجده يقول:«و جاء ربك و الملك صفا صفا»(4)و«هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك »(5)«و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة »(6)فمرّة يجيئهم،و مرّةيجيئونه.
و أجده يخبر أنه يتلو نبيّه شاهد منه،و كان الذي تلاه،عبد الأصنام برهة من دهره.
و أجده يقول:«ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم »(7)فما هذا النعيم8.
ص: 575
الذي يسأل العباد عنه؟
و أجده يقول:«بَقِيَّتُ اَللََّهِ خَيْرٌ لَكُمْ »(1)ما هذه البقيّة؟
و أجده يقول:«يََا حَسْرَتى ََ عَلى ََ مََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اَللََّهِ »(2).
و أجده يقول:«فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللََّهِ »(3)و«كُلُّ شَيْ ءٍ هََالِكٌ إِلاََّ وَجْهَهُ »(4)و يقول:«وَ أَصْحََابُ اَلْيَمِينِ مََا أَصْحََابُ اَلْيَمِينِ »(5)«وَ أَصْحََابُ اَلشِّمََالِ مََا أَصْحََابُ اَلشِّمََالِ »(6)ما معنى:الجنب،و الوجه،و اليمين،و الشمال؟فإنّ الأمر في ذلك ملتبس جدا.
و أجده يقول:«اَلرَّحْمََنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى ََ »(5)و يقول:«أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي اَلسَّمََاءِ»(6)«وَ هُوَ اَلَّذِي فِي اَلسَّمََاءِ إِلََهٌ وَ فِي اَلْأَرْضِ إِلََهٌ »(7)«وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مََا كُنْتُمْ »(8)«وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ»(9)و6.
ص: 576
«مََا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ََ ثَلاََثَةٍ إِلاََّ هُوَ رََابِعُهُمْ »(1)الآية.
و أجده يقول:«وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاََّ تُقْسِطُوا فِي اَلْيَتََامى ََ فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّسََاءِ»(2)و ليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء،و لا كلّ النساء أيتام،فما معنى ذلك؟
و أجده يقول:«وَ مََا ظَلَمُونََا وَ لََكِنْ كََانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »(3)فكيف يظلم اللّه و من هؤلاء الظّلمة؟
و أجده يقول:«إِنَّمََا أَعِظُكُمْ بِوََاحِدَةٍ »(4)فما هذه الواحدة؟
و أجده يقول:«وَ مََا أَرْسَلْنََاكَ إِلاََّ رَحْمَةً لِلْعََالَمِينَ »(5)و قد أرى مخالفي الاسلام معتكفين على باطلهم،غير مقلعين عنه،و أرى غيرهم من أهل الفساد مختلفين في مذاهبهم،يلعن بعضهم بعضا،فأيّ موضع للرحمة العامّة لهم المشتملة عليهم؟
و أجده قد بيّن فضل نبيّه على سائر الأنبياء،ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الإزراء عليه،و انتقاص محلّه،و غير ذلك من تهجينه و تأنيبه(6)ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء،مثل قوله:«وَ لَوْ شََاءَ9.
ص: 577
اَللََّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى اَلْهُدى ََ فَلاََ تَكُونَنَّ مِنَ اَلْجََاهِلِينَ »(1)
و قوله:«وَ لَوْ لاََ أَنْ ثَبَّتْنََاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً»(2)
«إِذاً لَأَذَقْنََاكَ ضِعْفَ اَلْحَيََاةِ وَ ضِعْفَ اَلْمَمََاتِ ثُمَّ لاََ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنََانَصِيراً»(3)
و قوله:«وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اَللََّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى اَلنََّاسَ وَ اَللََّهُ أَحَقُ أَنْ تَخْشََاهُ »(2)
و قوله:«وَ مََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَ لاََ بِكُمْ »(3)
و قال:«مََا فَرَّطْنََا فِي اَلْكِتََابِ مِنْ شَيْ ءٍ»(4)«وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنََاهُ فِي إِمََامٍ مُبِينٍ »(5)فإذا كانت الأشياء تحصى في الإمام و هو وصيّ النبيّ،فالنبيّ أولى أن يكون بعيدا من الصفة التي قال فيها:«وَ مََا أَدْرِي مََا يُفْعَلُ بِي وَ لاََ بِكُمْ »و هذه كلّها صفات مختلفة،و أحوال متناقضة،و أمورمشكلة.فان يكن الرسول و الكتاب حقّا فقد هلكت لشكّي في ذلك،و إن كانا باطلين فما عليّ من بأس.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:سبّوح قدّوس،ربّ الملائكة و الروح،2.
ص: 578
تبارك اللّه و تعالى،هو الحيّ الدائم،القائم على كلّ نفس بما كسبت،هات أيضا ما شككت فيه.
قال:حسبي ما ذكرت يا أمير المؤمنين.
قال:سأنبئك بتأويل ما سألت،و ما توفيقي إلاّ باللّه،عليه توكّلت و إليه أنيب،و عليه فليتوكّل المتوكّلون.
فأمّا قوله:«اَللََّهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهََا»و قوله:«قُلْ يَتَوَفََّاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ »«و تَوَفَّتْهُ رُسُلُنََا»«اَلَّذِينَ تَتَوَفََّاهُمُ اَلْمَلاََئِكَةُ طَيِّبِينَ »«اَلَّذِينَ تَتَوَفََّاهُمُ اَلْمَلاََئِكَةُ ظََالِمِي أَنْفُسِهِمْ »فهو تبارك و تعالى أجلّ و أعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه،و فعل رسله و ملائكته فعله،لأنهم بأمره يعملون،فاصطفى جلّ ذكره من الملائكة رسلا و سفرة بينه و بين خلقه،و هم الذين قال اللّه تعالى فيهم:«اَللََّهُ يَصْطَفِي مِنَ اَلْمَلاََئِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ اَلنََّاسِ »فمن كان من أهل الطاعة تولّت قبض روحه ملائكة الرحمة،و من كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة النقمة،و لملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة و النقمة،يصدرون عن أمره،و فعلهم فعله،و كلّ ما يأتون به منسوب إليه و إذا كان فعلهم فعل ملك الموت،ففعل ملك الموت فعل اللّه،لأنه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء و يعطي و يمنع،و يثيب و يعاقب على يدمن يشاء،و إن فعل أمنائه فعله،«وَ مََا تَشََاؤُنَ إِلاََّ أَنْ يَشََاءَ اَللََّهُ »(1).
و أمّا قوله:«فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ اَلصََّالِحََاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلاََ كُفْرََانَ لِسَعْيِهِ »0.
ص: 579
و قوله:«وَ إِنِّي لَغَفََّارٌ لِمَنْ تََابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صََالِحاً ثُمَّ اِهْتَدى ََ »فانّ ذلك كله لا يغني إلاّ مع الاهتداء،و ليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة ممّا هلك به الغواة،و لو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد،و إقرارها باللّه و نجى سائر المقرّين بالوحدانيّة،من إبليس فمن دونه في الكفر،و قد بيّن اللّه ذلك بقوله:«اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمََانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولََئِكَ لَهُمُ اَلْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ »(1)و بقوله:«مِنَ اَلَّذِينَ قََالُوا آمَنََّا بِأَفْوََاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ »(2).
و للايمان حالات و منازل يطول شرحها،و من ذلك:ان الايمان قديكون على وجهين:إيمان بالقلب،و إيمان باللّسان،كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما قهرهم بالسيف و شملهم الخوف فانهم آمنوا بألسنتهم،و لم تؤمن قلوبهم،فالإيمان بالقلب هو التسليم للربّ،و من سلّم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره،كما استكبر إبليس عن السجود لآدم،و استكبر أكثر الأمم عن طاعةأنبيائهم،فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس(3)ذلك السجود الطويل،فانه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام،لم يرد بها غير زخرف الدنيا،و التمكين من النظرة،فكذلك لا تنفع الصلاة و الصدقة إلاّ مع الاهتداء إلى سبيل النجاة،و طرق الحق.س.
ص: 580
و قد قطع اللّه عذر عباده بتبيين آياته،و إرسال رسله،لئلا يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرسل،و لم يخل أرضه من عالم بما يحتاج إليه الخليقة،و متعلّم على سبيل النجاة،أولئك هم الأقلّون عددا.
و قد بيّن اللّه ذلك في أمم الأنبياء و جعلهم مثلا لمن تأخّر،مثل قوله-في قوم نوح-:«وَ مََا آمَنَ مَعَهُ إِلاََّ قَلِيلٌ »(1)و قوله-فيمن آمن من أمّة موسى-:«وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى ََ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ »(2)و قوله-في حواريّ عيسى حيث قال لسائر بني إسرائيل-:«مَنْ أَنْصََارِي إِلَى اَللََّهِ قََالَ اَلْحَوََارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصََارُ اَللََّهِ آمَنََّا بِاللََّهِ وَ اِشْهَدْ بِأَنََّا مُسْلِمُونَ »(3)يعني بأنّهم مسلّمون لأهل الفضل فضلهم و لا يستكبرون عن أمر ربّهم،فماأجابه منهم إلاّ الحواريّون،و قد جعل اللّه للعلم أهلا،و فرض على العبادطاعتهم بقوله تعالى:«أَطِيعُوا اَللََّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِمِنْكُمْ »(4)و بقوله:«وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى اَلرَّسُولِ وَ إِلى ََ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اَلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ »(5)و بقوله:«اِتَّقُوا اَللََّهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصََّادِقِينَ »(6)و بقوله:«وَ مََا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اَللََّهُ وَ اَلرََّاسِخُونَ فِي9.
ص: 581
اَلْعِلْمِ »26-262:120*(1)و بقوله:«وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوََابِهََا»(2)و البيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء،و أبوابها أوصياؤهم،و كلّ عمل من أعمال الخير يجري على غير أيدي(3)أهل الإصطفاء و عهودهم،و حدودهم،و شرائعهم،و سننهم،و معالم دينهم،مردود غير مقبول،و أهله بمحل كفر،و إن شملتهم صفة الإيمان؛ألم تسمع إلى قول اللّه تعالى:«وَ مََا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقََاتُهُمْ إِلاََّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللََّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لاََ يَأْتُونَ اَلصَّلاََةَ إِلاََّ وَ هُمْ كُسََالى ََ وَ لاََ يُنْفِقُونَ إِلاََّ وَ هُمْ كََارِهُونَ »؟(4).
فمن لم يهتد من أهل الإيمان إلى سبيل النجاة لم يغن عنه إيمانه باللّه مع دفعه حقّ أوليائه،و حبط عمله،و هو في الآخرة من الخاسرين،و كذلك قال اللّه سبحانه:«فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمََانُهُمْ لَمََّا رَأَوْا بَأْسَنََا»(5)و هذا كثيرفي كتاب اللّه عزّ و جلّ،و الهداية هي الولاية،كما قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ مَنْ يَتَوَلَّ اَللََّهَ وَ رَسُولَهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اَللََّهِ هُمُ اَلْغََالِبُونَ »(6)-و الذين آمنوا-في هذا الموضع:هم[الأئمة الذين دفع اللّه إليهم عهد6.
ص: 582
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم](1)المؤتمنون على الخلائق من الحجج،و الأوصياء في عصر بعد عصر.
و ليس كلّ من أقرّ أيضا من أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا،إنّ المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه،و يدفعون عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما عهد به من دين اللّه،و عزائمه،و براهين نبوّته،إلى وصيّه،و يضمرون من الكراهة(2)لذلك،و النقض لماأبرمه منه،عند إمكان الأمر لهم،فيما قد بيّنه اللّه(3)لنبيّه بقوله:«فَلاََوَ رَبِّكَ لاََ يُؤْمِنُونَ حَتََّى يُحَكِّمُوكَ فِيمََا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاََ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمََّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(4)و بقوله:«وَ مََا مُحَمَّدٌ إِلاََّ رَسُولٌ قَدْخَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مََاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى ََ أَعْقََابِكُمْ »(5)و مثل قوله:«لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ »(6)أي لتسلكنّ سبيل من كان قبلكم من الأمم،في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء،و هذا كثير في كتاب اللّه عزّو جل،و قد شقّ على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يؤول إليه عاقبة أمرهم،و إطلاع اللّه إيّاه على بوارهم،فأوحى اللّه عزّ و جل اليه:«فَلاََ تَذْهَبْ 9.
ص: 583
نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرََاتٍ »(1)«فَلاََ تَأْسَ عَلَى اَلْقَوْمِ اَلْكََافِرِينَ »(2).
و أمّا قوله:«وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنََا»فهذا من براهين نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم التي آتاه اللّه إيّاها،و أوجب به الحجّة على سائرخلقه،لأنه لمّا ختم به الأنبياء،و جعله اللّه رسولا إلى جميع الأمم،و سائرالملل،خصّه اللّه بالإرتقاء إلى السماء عند المعراج و جمع له يومئذالأنبياء،فعلم منهم ما أرسلوا به و حملوا من عزائم اللّه و آياته و براهينه،و أقرّوا أجمعين بفضله(3)،و فضل الأوصياء و الحجج في الأرض من بعده،و فضل شيعة وصيّه من المؤمنين و المؤمنات،الذين سلّموا لأهل الفضل فضلهم،و لم يستكبروا عن أمرهم،و عرف من أطاعهم و عصاهم من أممهم،و سائر من مضى و من غبر،أو تقدّم أو تأخّر.
و أما هفوات(4)الأنبياء عليهم السّلام و ما بيّنه اللّه في كتابه،و وقوع الكناية من أسماء من اجترم أعظم ممّا اجترمته الأنبياء،ممّن شهد الكتاب بظلمهم،فانّ ذلك من أدلّ الدلائل على حكمة اللّه عز و جل الباهرة،و قدرته القاهرة،و عزّته الظاهرة،لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء تكبر في صدورأممهم،و أنّ منهم من يتّخذ بعضهم إلها،كالذي كان من النصارى في ابن مريم،فذكرها دلالة على تخلّفهم عن الكمال الذي تفرّد به عزّ و جل،ألمن.
ص: 584
تسمع إلى قوله في صفة عيسى عليه السّلام حيث قال-فيه و في أمّه-:«كََانََايَأْكُلاََنِ اَلطَّعََامَ »(1)يعني أنّ من أكل الطعام كان له ثفل(2)،و من كان له ثفل فهو بعيد مما ادّعته النصارى لابن مريم،و لم يكنّ عن أسماء الأنبياءتجبّرا و تعزّزا(3)بل تعريفا لأهل الاستبصار.
إنّ الكناية عن أسماء ذوي الجرائر(4)العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى،و إنّها من فعل المغيّرين و المبدّلين،الذين جعلوا القرآن عضين و اعتاضوا الدنيا من الدين،و قد بيّن اللّه تعالى قصص المغيّرين بقوله:«فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ اَلْكِتََابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هََذََا مِنْ عِنْدِ اَللََّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً»(5)و بقوله:«وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتََابِ »(6)و بقوله:«إِذْ يُبَيِّتُونَ مََا لاََ يَرْضى ََ مِنَ اَلْقَوْلِ »(7)،بعد فقد الرسول ممّا يقيمون به أود باطلهم(8)حسب ما فعلته اليهودو النصارى بعد فقد موسى و عيسى عليهما السّلام من تغيير التوراة و الانجيل،ن.
ص: 585
و تحريف الكلم عن مواضعه،و بقوله:«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اَللََّهِ بِأَفْوََاهِهِمْ وَ يَأْبَى اَللََّهُ إِلاََّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكََافِرُونَ »(1)يعني أنّهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله اللّه ليلبسوا على الخليفة فأعمى اللّه قلوبهم حتّى تركوا فيه ما دلّ على ما أحدثوه فيه،و حرّفوا فيه(2)،و بيّن عن إفكهم،و تلبيسهم و كتمان ما علموه منه،و لذلك قال لهم:«لِمَ تَلْبِسُونَ اَلْحَقَّ بِالْبََاطِلِ »(3).
و ضرب مثلهم بقوله:«فَأَمَّا اَلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفََاءً وَ أَمََّا مََا يَنْفَعُ اَلنََّاسَ فَيَمْكُثُ فِي اَلْأَرْضِ »(4)فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن،فهو يضمحل،و يبطل و يتلاشى عند التحصيل،و الذي ينفع الناس منه،فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه،و لامن خلفه،و القلوب تقبله،و الأرض في هذا الموضع فهي محلّ العلم و قراره.
و ليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين،و لا الزيادةفي آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب،لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل و الكفر،و الملل المنحرفة عن قبلتنا،و إبطال هذا العلم7.
ص: 586
الظاهر الذي قد استكان له الموافق و المخالف بوقوع الاصطلاح على الايتمار لهم،و الرضا بهم،و لأنّ أهل الباطل في القديم و الحديث أكثرعددا من أهل الحق،و لأنّ الصبر(1)على ولاة الأمر مفروض لقول اللّه عزّ و جلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«فَاصْبِرْ كَمََا صَبَرَ أُولُوا اَلْعَزْمِ مِنَ اَلرُّسُلِ »(2)و إيجابه مثل ذلك على أوليائه(3)،و أهل طاعته،بقوله:«لَقَدْكََانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اَللََّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ »(4)فحسبك من الجواب عن هذاالموضع ما سمعت،فان شريعة التقيّة تحظر التصريح بأكثر منه.
و أما قوله:«وَ جََاءَ رَبُّكَ وَ اَلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا»و قوله:«وَ لَقَدْ جِئْتُمُونََافُرََادى ََ »و قوله:«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاََّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ اَلْمَلاََئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيََاتِ رَبِّكَ »فذلك كلّه حقّ،و ليست جيئته جلّ ذكره كجيئة خلقه،و أنّه ربّ شي ء من كتاب اللّه عز و جل يكون تأويله(5)على غير تنزيله،و لايشبه تأويله كلام البشر،و لا فعل البشر،و سأنبئك بمثال لذلك تكتفي به ان شاء اللّه تعالى،و هو حكاية اللّه عز و جل عن ابراهيم عليه السّلام حيث قال:«وَ قََالَ إِنِّي ذََاهِبٌ إِلى ََ رَبِّي سَيَهْدِينِ »(6)فذهابه الى ربّه توجّهه إليه في9.
ص: 587
عبادته و اجتهاده،ألا ترى انّ تأويله غير تنزيله،و قال:«وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ اَلْأَنْعََامِ ثَمََانِيَةَ أَزْوََاجٍ»(1)و قال:«وَ أَنْزَلْنَا اَلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ»(2)فانزاله ذلك:خلقه إيّاه.
و كذلك قوله:«قُلْ إِنْ كََانَ لِلرَّحْمََنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ اَلْعََابِدِينَ »(3)أي:الجاحدين،و التأويل في هذا القول باطنه مضادّ لظاهره.
و معنى قوله:«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاََّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ اَلْمَلاََئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْيَأْتِيَ بَعْضُ آيََاتِ رَبِّكَ »فانّما خاطب نبيّنا محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،هل ينتظر المنافقون و المشركون إلاّ أن تأتيهم الملائكة فيعاينونهم،أو يأتي ربّك أو يأتي بعض آيات ربّك،يعني بذلك:أمر ربّك،و الآيات هي العذاب في دار الدنيا كما عذّب الأمم السالفة و القرون الخالية،و قال:«أَ وَ لَمْ يَرَوْاأَنََّا نَأْتِي اَلْأَرْضَ نَنْقُصُهََا مِنْ أَطْرََافِهََا»(4)يعني بذلك:ما يهلك من القرون فسمّاه إتيانا،و قال:«قََاتَلَهُمُ اَللََّهُ أَنََّى يُؤْفَكُونَ »(5)أي لعنهم اللّه أنّى يؤفكون،فسمّى اللعنة قتالا،و كذلك قال:«قُتِلَ اَلْإِنْسََانُ مََا أَكْفَرَهُ »(6)أي:لعن الانسان،و قال:«فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لََكِنَّ اَللََّهَ قَتَلَهُمْ وَ مََا رَمَيْتَ إِذْ7.
ص: 588
رَمَيْتَ وَ لََكِنَّ اَللََّهَ رَمى ََ »(1)فسمّى فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فعلا له،ألاترى تأويله على غير تنزيله،و مثل قوله:«بَلْ هُمْ بِلِقََاءِ رَبِّهِمْ كََافِرُونَ »(2)فسمّى البعث:لقاء،و كذلك قوله:«اَلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاََقُوا رَبِّهِمْ »(3)أي:يوقنون انهم مبعوثون،و مثله قوله:«أَ لاََ يَظُنُّ أُولََئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ `لِيَوْمٍ عَظِيمٍ »(4)أي:أ ليس يوقنون انّهم مبعوثون،و اللقاء عند المؤمن:البعث،و عند الكافر:المعاينة و النظر.و قد يكون بعض ظنّ الكافر يقينا،و ذلك قوله:«وَ رَأَى اَلْمُجْرِمُونَ اَلنََّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوََاقِعُوهََا»أي:تيقّنواأنّهم مواقعوها.
و أما قوله فى المنافقين:«وَ تَظُنُّونَ بِاللََّهِ اَلظُّنُونَا»(5)فليس ذلك بيقين و لكنه شكّ،فاللفظ واحد في الظاهر،و مخالف في الباطن،و كذلك قوله:«اَلرَّحْمََنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى ََ »يعني:استوى تدبيره و علا أمره،و قوله:«وَ هُوَ اَلَّذِي فِي اَلسَّمََاءِ إِلََهٌ وَ فِي اَلْأَرْضِ إِلََهٌ »و قوله:«وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مََا كُنْتُمْ »و قوله:«مََا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ََ ثَلاََثَةٍ إِلاََّ هُوَ رََابِعُهُمْ »فانّما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة التي ركّبها فيهم على جميع خلقه،و ان فعله فعلهم(6).ه.
ص: 589
فافهم عنّي ما أقول لك،فانّي إنما أزيدك في الشرح لأثلج صدرك(1)و صدر من لعلّه بعد اليوم يشكّ في مثل ما شككت فيه،فلا يجد مجيبا عمّايسأل عنه،لعموم الطغيان،و الافتتان،و اضطرار أهل العلم بتأويل الكتاب،إلى الاكتتام و الاحتجاب،خيفة من أهل الظلم و البغي.
أما إنّه سيأتي على الناس زمان يكون الحقّ فيه مستورا،و الباطل ظاهرا مشهورا،و ذلك إذا كان أولى الناس بهم أعداهم له،و اقترب الوعدالحق،و عظم الإلحاد،و ظهر الفساد،هنالك ابتلي المؤمنون و زلزلوا زلزالاشديدا،و نحلهم الكفار(2)أسماء الأشرار،فيكون جهد المؤمن أن يحفظمهجته من أقرب الناس إليه ثم يتيح(3)اللّه الفرج لأوليائه،و يظهرصاحب الأمر على أعدائه.
و أما قوله:«وَ يَتْلُوهُ شََاهِدٌ مِنْهُ »(4)فذلك حجّة اللّه أقامها على خلقه،و عرّفهم أنه لا يستحقّ مجلس النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ من يقوم مقامه،و لايتلوه إلا من يكون في الطهارة مثله(5)،لئلاّ يتسع لمن ماسّه رجس الكفرفي وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم،و ليضيق العذر على من يعينه على إثمه و ظلمه،إذ كان اللّه قد حظرة.
ص: 590
على من ماسّه الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه و أوليائه،بقوله لابراهيم:«لاََ يَنََالُ عَهْدِي اَلظََّالِمِينَ »(1)أي المشركين،لأنه سمّى الشرك ظلما(2)بقوله:«إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ »(3)فلمّا علم ابراهيم عليه السّلام أنّ عهد اللّه تبارك و تعالى اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام،قال:«وَ اُجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ اَلْأَصْنََامَ »(4).
و اعلم أنّ من آثر المنافقين على الصادقين،و الكفّار على الأبرار،فقد افترى إثما عظيما،إذ كان قد بيّن في كتابه(5)الفرق بين المحقّ و المبطل،و الطاهر و النجس،و المؤمن و الكافر،و أنّه لا يتلو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند فقده إلاّ من حلّ محلّه صدقا و عدلا و طهارة و فضلا.
و أمّا الأمانة التي ذكرتها فهي الأمانة التي لا تجب و لا تجوز أن تكون إلاّ في الأنبياء و أوصيائهم،لأنّ اللّه تبارك و تعالى ائتمنهم على خلقه،و جعلهم حججا في أرضه،و السامريّ(6)و من أجمع(7)معه و أعانه من الكفّار على عبادة العجل عند غيبة موسى مآتم انتحال محلّ موسى من..
ص: 591
الطغام(1)،و الإحتمال لتلك الأمانة التي لا ينبغي إلاّ لطاهر من الرجس،فاحتمل وزرها و وزر من سلك سبيله من الظالمين و أعوانهم،و لذلك قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«و من استنّ بسنّة حقّ،كان له أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة،و من استنّ بسنّة باطل كان عليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة»،و لهذا القول من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شاهدمن كتاب اللّه،و هو قول اللّه عز و جل في قصّة قابيل قاتل أخيه:«مِنْ أَجْلِ ذََلِكَ كَتَبْنََا عَلى ََ بَنِي إِسْرََائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسََادٍ فِي اَلْأَرْضِ فَكَأَنَّمََا قَتَلَ اَلنََّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْيََاهََا فَكَأَنَّمََا أَحْيَا اَلنََّاسَ جَمِيعاً»(2)،و للإحياء في هذا الموضع تأويل في الباطن ليس كظاهره،و هو من هداها،لأن الهداية هي حياة الأبد،و من سمّاه اللّه حيّا لم يمت أبدا،إنّما ينقله من دار محنة إلى دار راحة و منحة.
و أما ما أراك من(3)الخطاب بالإنفراد مرّة و بالجمع مرّة،و هو من صفة الباري جلّ ذكره،فان اللّه تبارك و تعالى اسمه،على ما وصف به نفسه بالانفراد و الوحدانية،هو النور الأزلي القديم الذي ليس كمثله شي ء،لا يتغيّر،و يحكم ما يشاء و يختار،و لا معقّب لحكمه،و لا رادّ لقضائه،و لاما خلق زاد في ملكه و عزّه و لا نقص منه ما لم يخلقه،و إنّما أراد بالخلق،..
ص: 592
إظهار قدرته و إبداء سلطانه و تبيين براهين حكمته،فخلق ما شاء كما شاء،و أجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من أمنائه،و كان فعلهم فعله و أمرهم أمره،كما قال اللّه تعالى:«مَنْ يُطِعِ اَلرَّسُولَ فَقَدْ أَطََاعَ اَللََّهَ »(1)و جعل السماء و الأرض وعاء لمن يشاء من خلقه،ليميز الخبيث من الطيّب،مع سابق علمه بالفريقين من أهلهما(2)،و ليجعل ذلك مثالالأوليائه و أمنائه،و عرّف الخليقة فضل منزلة أوليائه،و فرض عليهم من طاعتهم مثل الذي فرضه منه لنفسه،و ألزمهم الحجة بأن خاطبهم خطابايدلّ على انفراده و توحّده،و بأنّ له أولياء تجري أفعالهم و أحكامهم مجرى فعله،فهم العباد المكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون،هوالذي(3)أيّدهم بروح منه و عرف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله:«عََالِمُ اَلْغَيْبِ فَلاََ يُظْهِرُ عَلى ََ غَيْبِهِ أَحَداً `إِلاََّ مَنِ اِرْتَضى ََ مِنْ رَسُولٍ »(4)و هم النعيم الذي يسأل العباد عنه،لأنّ اللّه تبارك و تعالى أنعم بهم على من اتّبعهم من أوليائهم.
قال السائل:من هؤلاء الحجج؟
قال:هم رسول اللّه،و من حلّ محلّه من أصفياء اللّه الذين قرنهم اللّه بنفسه و برسوله،و فرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم7.
ص: 593
منها لنفسه،هم ولاة الأمر الذين قال اللّه(1)فيهم:«أَطِيعُوا اَللََّهَ وَ أَطِيعُوااَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ »(2)و قال فيهم:«وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى اَلرَّسُولِ وَ إِلى ََأُولِي اَلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اَلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ »(3).
قال السائل:ما ذاك الأمر؟
قال عليّ عليه السّلام:الذي به تنزل الملائكة في الليلة التي يفرق فيهاكلّ أمر حكيم،من خلق و رزق و أجل و عمل و حياة و موت و علم غيب السماوات و الأرض،و المعجزات التي لا تنبغي إلاّ للّه و أصفيائه و السفرةبينه و بين خلقه،و هم وجه اللّه الذي قال:«فَأَيْنَمََا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اَللََّهِ »(4)هم بقية اللّه،يعني المهدي الذي يأتي عند انقضاء هذه النظرة،فيملأالأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.
و من آياته:الغيبة و الاكتتام عند عموم الطغيان،و حلول الانتقام،و لو كان هذا الأمر الذي عرّفتك بيانه للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دون غيره،لكان الخطاب يدلّ على فعل ماض غير دائم و لا مستقبل،و لقال:«نزلت الملائكة»و«فرق كل أمر حكيم»و لم يقل:«يُنَزِّلُ اَلْمَلاََئِكَةَ »(5)«فِيهََا4.
ص: 594
يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ »(1)و قد زاد جلّ ذكره في التبيان و إثبات الحجّةبقوله-في أصفيائه و أوليائه عليهم السّلام-:«أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يََا حَسْرَتى ََ عَلى ََمََا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اَللََّهِ »(2)تعريفا للخليفة قربهم،ألا ترى أنك تقول:«فلان إلى جنب فلان»إذا أردت أن تصف قربه منه؟
و إنما جعل اللّه تبارك و تعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمهاغيره و غير أنبيائه و حججه في أرضه،لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون،من إسقاط أسماء حججه منه،و تلبيسهم ذلك على الأمّة ليعينوهم على باطلهم،فأثبت فيه الرموز،و أعمى قلوبهم و أبصارهم،لما عليهم في تركها و ترك غيرها من الخطاب الدالّ على ما أحدثوه فيه،و جعل أهل الكتاب المقيمين به،و العالمين بظاهره و باطنه من شجرة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربها،أي يظهر مثل هذاالعلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت،و جعل أعداءها:أهل الشجرةالملعونة(3)الذين حاولوا إطفاء نور اللّه بأفواههم،فأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره.
و لو علم المنافقون لعنهم اللّه ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بيّنت لك تأويلها،لأسقطوها مع ما أسقطوا منه،و لكنّ اللّه تبارك اسمه ماض حكمه بإيجاب الحجّة على خلقه،كما قال اللّه تعالى:«قُلْ فَلِلََّهِ اَلْحُجَّةُ ..
ص: 595
اَلْبََالِغَةُ »(1)أغشى أبصارهم،و جعل على قلوبهم أكنّة عن تأمّل ذلك،فتركوه بحاله،و حجبوا عن تأكيد الملتبس(2)بابطاله،فالسعداءينتبهون(3)عليه،و الأشقياء يعمون عنه،و من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور.
ثم إنّ اللّه جلّ ذكره لسعة رحمته،و رأفته بخلقه،و علمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كتابه،قسّم كلامه ثلاثة أقسام:فجعل قسما منه يعرفه العالم و الجاهل،و قسما لا يعرفه إلاّ من صفى ذهنه و لطف حسّه و صحّ تمييزه ممّن شرح اللّه صدره للاسلام،و قسما لا يعرفه إلاّ اللّه و أمناؤه و الراسخون في العلم،و انّما فعل اللّه ذلك لئلاّ يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من علم الكتاب ما لم يجعله اللّه لهم،و ليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاّه اللّه أمرهم فاستكبروا عن طاعته،تعزرا و افتراء على اللّه عزّ و جل،و اغترارا بكثرة من ظاهرهم و عاونهم،و عاند اللّه عز و جل و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فأمّا ما علمه الجاهل و العالم من فضل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كتاب اللّه،فهو قول اللّه عز و جل:«مَنْ يُطِعِ اَلرَّسُولَ فَقَدْ أَطََاعَ اَللََّهَ »(4)و قوله:«إِنَّ اَللََّهَ وَ مَلاََئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى اَلنَّبِيِّ يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ 0.
ص: 596
وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً»(1)،و لهذه الآية ظاهر و باطن،فالظاهر قوله:«صَلُّواعَلَيْهِ »و الباطن قوله:«وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً»أي سلّموا لمن وصّاه و استخلفه عليكم،فضله(2)و ما عهد به إليه تسليما،و هذا ممّا أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلاّ من لطف حسّه،و صفى ذهنه،و صحّ تمييزه.و كذلك قوله:«سَلاََمٌ عَلى ََ إِلْ يََاسِينَ»(3)لأنّ اللّه سمّى به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث قال:«يس `وَ اَلْقُرْآنِ اَلْحَكِيمِ *`إِنَّكَ لَمِنَ اَلْمُرْسَلِينَ »(4)لعلمه بأنّهم يسقطون قول اللّه:سلام على آل محمّد كما أسقطوا غيره،و ما زال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يتألفهم،و يقرّبهم،و يجلسهم عن يمينه و شماله،حتّى أذن اللّه عزّ و جل له في إبعادهم بقوله:«وَ اُهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً»(5)و بقوله:«فَمََا لِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ *`عَنِ اَلْيَمِينِ وَ عَنِ اَلشِّمََالِ عِزِينَ *`أَ يَطْمَعُ كُلُّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ *`كَلاََّ إِنََّا خَلَقْنََاهُمْ مِمََّايَعْلَمُونَ »(6)و كذلك قال اللّه عز و جل:«يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنََاسٍ بِإِمََامِهِمْ »(7)و لم يسمّ بأسمائهم و أسماء آبائهم و أمّهاتهم.1.
ص: 597
و أمّا قوله:«كُلُّ شَيْ ءٍ هََالِكٌ إِلاََّ وَجْهَهُ »(1)فانّما أنزلت«كل شي ءهالك إلا دينه »لأنّه من المحال أن يهلك منه كل شي ء و يبقى الوجه،هوأجلّ و أكرم و أعظم من ذلك،إنّما يهلك من ليس منه،ألا ترى أنه قال:«كُلُ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ `وَ يَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو اَلْجَلاََلِ وَ اَلْإِكْرََامِ »؟1-1255:26-27(2)ففصل بين خلقه و وجهه.
و أمّا ظهورك على تناكر قوله:«وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاََّ تُقْسِطُوا فِي اَلْيَتََامى ََفَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّسََاءِ»(3)و ليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء،و لا كلّ النساء أيتام،فهو مما قدّمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن،و بين القول في اليتامى و بين نكاح النساء من الخطاب و القصص أكثر من ثلث القرآن،و هذا و ما أشبهه ممّا ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر و التأمّل.و وجد المعطلون و أهل الملل المخالفة للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن،و لو شرحت لك كلّما أسقط و حرّف و بدّل ممّا يجري هذا المجرى لطال،و ظهر ما تحظر التقيّة إظهاره من مناقب الأولياء،و مثالب الأعداء.(4).-
ص: 598
ق-و يضادّ أيضا تنصيص النبيّ الأكرم بأنّه ترك بين الأمّة الثقلين:الكتاب و العترةو أنهما لا يفترقان إلى يوم القيامة،الدالّ على وجوده كاملا بين الأمّة الاسلاميّة إلى يوم الميعاد و غير ذلك من النصوص.
و هذه الرواية أشبه بروايات الحشويّة بتحريف القرآن حيث رووا عن أبيّ بن كعب(رض)أنّ سورة الأحزاب كانت تعادل سورة البقرة أو أطول منها(راجع مسندأحمد 5/133 و الإتقان للسيوطي و تفسير القرطبي 14/113-في تفسير سورة الأحزاب).
فالإماميّة تردّ هذه الرواية و ما ماثلها و قد ألّفوا في هذا المضمار كتبا و رسائل لاتحصى.
أضف الى ذلك أن هذا الحديث المروي بطوله في هذا الكتاب حديث مرسل ليس له سند،و صياغته تدلّ على أنّه ليس من المعصوم بل هو صياغة أحد العلماء،فانّ للمعصومين صياغة خاصّة في الحديث.
و من أراد أن يقف على أن ما بين الدفّتين هو نفس ما نزل به الروح الأمين الى قلب سيّد المرسلين من دون زيادة و لا نقيصة فليرجع إلى الكتب المؤلّفة حول صيانة القرآن الكريم عن التحريف،و أخصّ بالذكر الكتب التالية:
1-آلاء الرحمن،لشيخنا المحقّق البلاغي ت:1352.
2-الميزان في تفسير القرآن،في تفسير قوله سبحانه:«إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَلذِّكْرَ وَ إِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ »(راجع الجزء 12،ص 101 إلى 132).
3-البيان في تفسير القرآن،للزعيم الديني آية اللّه العظمى السيد الخوئي(دامت بركاته).
و في كتاب صيانة القرآن عن التحريف للشيخ المحقق محمّد هادي معرفة(دام ظلّه)غنى و كفاية.
ثم إنّ سبب توهّم التحريف في الآية هو تخيّل الاقتضاب بين حمل الآية و عدم الصلة-
ص: 599
و أمّا قوله:«وَ مََا ظَلَمُونََا وَ لََكِنْ كََانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »(1)فهوتبارك اسمه أجلّ و أعظم من أن يظلم،و لكنه قرن أمناءه على خلقه بنفسه،و عرّف الخليقة جلالة قدرهم عنده،و أنّ ظلمهم ظلمه،بقوله:«وَ مََا ظَلَمُونََا»ببغضهم أولياءنا و معونة أعدائهم عليهم«وَ لََكِنْ كََانُواق-بين قوله:«وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاََّ تُقْسِطُوا فِي اَلْيَتََامى ََ »و قوله:«فَانْكِحُوا مََا طََابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّسََاءِ»حيث تصوّر أنّه لا صلة بين الجملتين و أن هناك اقتضاب سائد عليهما!!غير أنه غفل عن وجودها.
بيانه:أن القرآن يعتمد في إفهام مقاصده على القرائن الحاليّة او الحافّة بالكلام فيختار الإيجاز غير المخلّ للفصاحة،و قد بحث في الآية المتقدّمة الكلام حول الأيتام و قال:«وَ آتُوا اَلْيَتََامى ََ أَمْوََالَهُمْ وَ لاََ تَتَبَدَّلُوا اَلْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ »(النساء 4/2).فحثّ على حفظأموال الأيتام،هذا من جانب.
و من جانب آخر:كانت العرب تزوّج البنات الأيتام ذوات الأموال و الثروةفيأكلون أموالهنّ ثم يطلّقوهنّ!و قد أوعد القرآن على ذاك العمل بالنار و قال:«إِنَّ اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوََالَ اَلْيَتََامى ََ ظُلْماً إِنَّمََا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نََاراً»(النساء 2/10).
فلأجل ذا و ذاك حثّ القرآن على المؤمنين بأنّهم ان خافوا ألاّ تقسطوا في أموال اليتامى اذا تزوجوهن فذروهن و انكحوا النساء الاخر التي ليست فيهن تلك المظنّة.
أو المراد انّكم اذا خفتم ألاّ تقسطوا إذا تزوّجتم نساء و معهنّ أولاد أيتام و لهم أموال،فذروا تلك النساء و تزوّجوا غيرهنّ و يشهد لذاك التفسير قوله سبحانه في تلك السورة:«وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي اَلنِّسََاءِ قُلِ اَللََّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ مََا يُتْلى ََ عَلَيْكُمْ فِي اَلْكِتََابِ فِي يَتََامَى اَلنِّسََاءِ اَللاََّتِي لاََ تُؤْتُونَهُنَّ مََا كُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ اَلْوِلْدََانِ وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتََامى ََ بِالْقِسْطِ...»(النساء 2/127).7.
ص: 600
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »إذ حرموها الجنّة،و أوجبوا عليها خلود النار(1).
و أمّا قوله:«قُلْ إِنَّمََا أَعِظُكُمْ بِوََاحِدَةٍ »(2)فإنّ اللّه جلّ ذكره أنزل عزائم الشرائع و آيات الفرائض،في أوقات مختلفة،كما خلق السماوات و الأرض في ستّة أيّام،و لو شاء أن يخلقها في أقلّ من لمح البصر لخلق(3)،و لكنه جعل الأناة و المداراة مثالا(4)لأمنائه و إيجابا للحجّة على خلقه،فكان أول ما قيّدهم به:الإقرار بالوحدانية و الربوبية و الشهادة بأن لا إله إلاّاللّه،فلمّا أقرّوا بذلك تلاه بالاقرار لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالنبوّة،و الشهادةله بالرسالة،فلمّا انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحجّ ثم الجهاد ثم الزكاة ثم الصدقات و ما يجري مجراها من مال الفي ء،فقال المنافقون:هل بقي لربّك علينا بعد الذي فرضه،شي ء آخر يفترضه فتذكره لتسكن أنفسنا إلى أنّه لم يبق غيره؟فأنزل اللّه في ذلك:«قُلْ إِنَّمََاأَعِظُكُمْ بِوََاحِدَةٍ »يعني الولاية.
و أنزل:«إِنَّمََا وَلِيُّكُمُ اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاََةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكََاةَ وَ هُمْ رََاكِعُونَ »(5)،و ليس بين الأمّة خلاف أنه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد منهم و هو راكع غير رجل واحد،و لو ذكر اسمه5.
ص: 601
في الكتاب لأسقط مع ما أسقط من ذكره،و هذا و ما أشبهه من الرموز التي ذكرت لك ثبوتها في الكتاب،ليجهل معناها المحرّفون فيبلغ إليك و إلى أمثالك،و عند ذلك قال اللّه عزّ و جلّ:«اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاََمَ دِيناً»(1).
و أما قوله لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«وَ مََا أَرْسَلْنََاكَ إِلاََّ رَحْمَةًلِلْعََالَمِينَ »(2)و انّك ترى أهل الملل المخالفة للإيمان و من يجري مجراهم من الكفّار مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية،و أنّه لو كان رحمةعليهم لاهتدوا جميعا و نجوا من عذاب السعير،فانّ اللّه تبارك و تعالى إنّماعنى بذلك:أنّه جعله سببا(3)لانظار أهل هذه الدار،لأنّ الأنبياء قبله بعثوابالتصريح لا بالتعريض،فكان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منهم،إذا صدع بأمراللّه و أجابه قومه سلموا و سلم أهل دارهم من سائر الخليقة،و إن خالفوه هلكوا و هلك أهل دارهم بالآفة التي كان نبيّهم(4)يتوعّدهم بها،و يخوّفهم حلولها و نزولها بساحتهم،من خسف أو قذف أو رجف أو ريح أو زلزلة أوغير ذلك من أصناف العذاب التي هلكت بها الأمم الخالية.
و إنّ اللّه علم من نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من الحجج في الأرض:الصّبر على ما لم يطق من تقدّمهم من الأنبياء الصبر على مثله،فبعثه اللّه..
ص: 602
بالتعريض لا بالتصريح.و أثبت حجّة اللّه تعريضا لا تصريحا بقوله-في وصيّه-:«من كنت مولاه فهذا مولاه»و«هو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»و ليس من خليقة النبيّ و لا من شيمته(1)أن يقول قولا لا معنى له،فلزم الأمّة أن تعلم أنه لمّا كانت النبوّة و الأخوّةموجودتين في خلقة هارون(2)،و معدومتين فيمن جعله النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم بمنزلته،انّه قد استخلفه على أمّته كما استخلف موسى هارون،حيث قال له:«اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي»(3)و لو قال لهم:لا تقلّدوا الإمامة إلاّ فلانابعينه و إلاّ نزل بكم العذاب،لأتاهم العذاب و زال باب الإنظار و الإمهال.
و بما أمر(4)بسدّ باب الجميع و ترك بابه،ثم قال:ما سددت و لاتركت(5)و لكنّي أمرت فأطعت،فقالوا:سددت بابنا و تركت لأحدثناسنّا.فأمّا ما ذكروه من حداثة سنّه،فانّ اللّه لم يستصغر يوشع بن نون حيث أمر موسى أن يعهد بالوصيّة إليه،و هو في سنّ ابن سبع سنين،و لااستصغر يحيى و عيسى لمّا استودعهما عزائمه و براهين حكمته،و إنّمافعل ذلك جلّ ذكره لعلمه بعاقبة الأمور،و أنّ وصيّه لا يرجع بعده ضالاّ و لاكافرا...
ص: 603
و بأن عمد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى سورة براءة،فدفعها إلى من علم أنّ الأمّة تؤثره على وصيّه،و أمره بقراءتها على أهل مكّة،فلما ولّى من بين يديه أتبعه بوصيّه و أمره بارتجاعها منه،و النفوذ إلى مكّة ليقرأها على أهلها،و قال:«إنّ اللّه جلّ جلاله أوحى إليّ أن لا يؤدّي عنّي إلاّ رجل منّي»دلالة منه على خيانة من علم أن الأمّة اختارته على وصيّه.
ثم شفع ذلك بضمّ الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه،و من يوازره في تقدّم المحل عند الأمّة إلى علم النفاق(عمرو بن العاص)في غزاة ذات السلاسل،و ولاّهما عمرو:حرس عسكره.
و ختم أمرهما بأن ضمّهما عند وفاته إلى مولاه أسامة بن زيد،و أمرهما بطاعته،و التصريف بين أمره و نهيه،و كان آخر ما عهد به في أمرأمّته قوله:«أنفذوا جيش أسامة »يكرّر على أسماعهم،إيجابا للحجّةعليهم في إيثار المنافقين على الصادقين.
و لو عددت كلّ ما كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1)في إظهارمعائب المستولين على تراثه لطال،و انّ السابق منهم إلى تقلّد ما ليس له بأهل،قام هاتفا على المنبر لعجزه عن القيام بأمر الأمّة،مستقيلا(2)ممّاتقلّده(3)لقصور معرفته عن تأويل(4)ما كان يسأل عنه،و جهله بما يأتي و يذر...
ص: 604
ثم أقام على ظلمه،و لم يرض باحتقاب عظيم الوزر في ذلك حتّى عقدالأمر من بعده لغيره،فأتى التالي له(1)بتسفيه رأيه،و القدح و الطعن على أحكامه،و رفع السيف عمّن كان صاحبه وضعه عليه،و ردّ النساء اللاّتي كان سباهنّ،إلى أزواجهنّ و بعضهنّ حوامل،و قوله:«و قد نهيته عن قتال أهل القبلة فقال لي:إنّك لحدب على أهل الكفر»و كان هو في ظلمه لهم أولى باسم الكفر منهم.
و لم يزل يخطّئه،و يظهر الإزراء عليه،و يقول على المنبر:«كانت بيعة أبي بكر فلتة،وقى اللّه شرّها،فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه»و كان يقول قبل ذلك قولا ظاهرا:ليته حسنة من حسناته،و يودّ أنه كان شعرة في صدره،و غير ذلك من القول المتناقض المؤكّد لحجج الدافعين لدين الاسلام.
و أتى من أمر الشورى و تأكيده بها:عقد الظلم و الإلحاد،و الغيّ و الفساد،حتّى تقرّر على إرادته ما لم يخف على ذي لبّ موضع ضرره.
و لم تطق الأمّة الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل،فعاجلته بالقتل،فاتّسع بما جنوه من ذلك لمن وافقهم على ظلمهم و كفرهم و نفاقهم:محاولة مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمّة.
كلّ ذلك لتتمّ النظرة التي أوجبها اللّه تعالى لعدوّه ابليس،إلى أن يبلغ الكتاب أجله و يحقّ القول على الكافرين،و يقترب الوعد الحقّ،..
ص: 605
الذي بيّنه اللّه في كتابه بقوله:«وَعَدَ اَللََّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوااَلصََّالِحََاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ »(1)و ذلك إذا لم يبق من الإسلام إلاّ اسمه و من القرآن إلاّ رسمه،و غاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك،لاشتمال الفتنة على القلوب حتّى يكون أقرب الناس إليه أشدّهم عداوة له.
و عند ذلك يؤيّده اللّه بجنود لم تروها،و يظهر دين نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم-على يديه-على الدين كلّه و لو كره المشركون.
و أمّا ما ذكرته من الخطاب الدالّ على تهجين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الإزراء به،و التأنيب له،مع ما أظهره اللّه تعالى في كتابه من تفضيله إيّاه على سائر أنبيائه،فانّ اللّه عزّ و جل جعل لكلّ نبيّ عدوّا من المشركين،كما قال في كتابه و بحسب جلالة منزلة نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند ربّه،كذلك عظم محنته لعدوّه الذي عاد منه اليه في حال شقاقه و نفاقه كلّ أذى و مشقة لدفع نبوّته و تكذيبه إيّاه و سعيه في مكارهه و قصده لنقض كلّ ما أبرمه،و اجتهاده و من مالأه على كفره و عناده و نفاقه و إلحاده في إبطال دعواه و تغيير ملّته و مخالفة سنّته،و لم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيّه،و إيحاشهم منه و صدّهم عنه و إغرائهم بعداوته،و القصد لتغيير الكتاب الذي جاء به،و إسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل و كفر ذوي الكفر منه و ممّن وافقه على ظلمه،و بغيه و شركه.5.
ص: 606
و لقد علم اللّه ذلك منهم فقال:«إِنَّ اَلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيََاتِنََالاََ يَخْفَوْنَ عَلَيْنََا»(1)و قال:«يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاََمَ اَللََّهِ »(2)،و لقدأحضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل و التنزيل،و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ لم يسقط منه حرف الف و لا لام،فلمّا وقفواعلى ما بيّنه اللّه من أسماء أهل الحق و الباطل،و أن ذلك إن ظهر نقص ما عقدوه قالوا:لا حاجة لنا فيه،نحن مستغنون عنه بما عندنا و كذلك قال:«فَنَبَذُوهُ وَرََاءَ ظُهُورِهِمْ وَ اِشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مََا يَشْتَرُونَ »(3).
ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عمّا لا يعلمون تأويله،إلى جمعه و تأليفه و تضمينه من تلقائهم،ما يقيمون به دعائم كفرهم،فصرخ مناديهم:من كان عنده شي ء من القرآن فليأتنا به،و وكلوا تأليفه و نظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء اللّه،فألّفه على اختيارهم،و ما يدلّ للمتأمّل له على اختلال تمييزهم و افترائهم،و تركوا منه ما قدّروا أنّه لهم و هو عليهم،و زادوا فيه ما ظهر تناكره و تنافره،و علم اللّه أن ذلك يظهرو يبين،فقال:«ذََلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ اَلْعِلْمِ »(4)و انكشف لأهل الاستبصارعوارهم و افتراؤهم.(5)
و الذي بدا في الكتاب من الإزراء على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منب.
ص: 607
فرقة الملحدين و لذلك قال:«وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ اَلْقَوْلِ وَ زُوراً»(1)و يذكر جلّ ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما يحدثه عدوّه في كتابه من بعده بقوله:«وَ مََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لاََ نَبِيٍّ إِلاََّ إِذََا تَمَنََّى أَلْقَى اَلشَّيْطََانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اَللََّهُ مََا يُلْقِي اَلشَّيْطََانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اَللََّهُ آيََاتِهِ »(2)يعني أنّه:ما من نبيّ تمنّى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه و عقوقهم و الانتقال عنهم إلى دار الإقامة،إلاّ ألقى الشيطان المعرض بعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمّه و القدح فيه و الطعن عليه،فينسخ اللّه ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله،و لا تصغي إليه غير قلوب المنافقين و الجاهلين،و يحكم اللّه آياته بأن يحمي أولياءه من الضلال و العدوان،و مشايعة أهل الكفرو الطغيان،الذين لم يرض اللّه أن يجعلهم كالأنعام حتّى قال:«بَلْ هُمْ أَضَلُ سَبِيلاً»(3).
فافهم هذا و اعلمه،و اعمل به،و اعلم أنّك ما قد تركت ممّا يجب عليك السؤال عنه أكثر ممّا سألت عنه،و أنّي قد اقتصرت على تفسير يسيرمن كثير لعدم حملة العلم،و قلّة الراغبين في التماسه،و في دون ما بيّنت لك بلاغ لذوي الألباب.
قال السائل:حسبي ما سمعت يا أمير المؤمنين،شكر اللّه لك على4.
ص: 608
استنقاذي من عماية الشرك و طخية(1)الإفك،و أجزل على ذلك مثوبتك إنّه على كلّ شي ء قدير،و صلّى اللّه أوّلا و آخرا على أنوار الهدايات،و أعلام البريّات محمّد و آله أصحاب الدلالات الواضحات و سلّم تسليماكثيرا(2).
[138]
و عن الأصبغ بن نباتة قال:لمّا بويع أمير المؤمنين عليه السّلام،خرج إلى المسجد متعمّما بعمامة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،لابسا بردته،منتعلا بنعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و متقلّدا بسيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فصعد المنبر،فجلس متمكنا،ثم شبك بين أصابعه فوضعهاأسفل بطنه ثم قال:3.
ص: 609
يا معشر(1)الناس،سلوني قبل أن تفقدوني،و هذا سفط(2)العلم،هذا لعاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،هذا ما زقّني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم زقّا زقّا،سلوني فانّ عندي علم الأوّلين و الآخرين.
أما و اللّه،لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها،لأفتيت أهل التوراةبتوراتهم،و أهل الانجيل بإنجيلهم،و أهل الزبور بزبورهم،و أهل القرآن بقرآنهم،حتّى ينطق كلّ كتاب من كتب اللّه فيقول:«صدق عليّ،لقدأفتاكم بما أنزل اللّه فيّ»و أنتم تتلون القرآن ليلا و نهارا فهل فيكم أحديعلم ما أنزل اللّه فيه؟و لو لا آية في كتاب اللّه لأخبرتكم بما كان و ما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة و هي هذه الآية:«يَمْحُوا اَللََّهُ مََا يَشََاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ اَلْكِتََابِ »(3).
ثم قال:سلوني قبل أن تفقدوني،فو الّذي فلق الحبة و بري ء النسمة،لو سألتموني عن أيّة آية،في ليل أنزلت أم في نهار أنزلت،مكّيّهاو مدنيّها،سفريّها و حضريّها،ناسخها و منسوخها،و محكمهاو متشابهها،و تأويلها و تنزيلها لأنبأتكم.
فقام إليه رجل فقال:يا أمير المؤمنين،هل رأيت ربّك؟فأجابه بما9.
ص: 610
تقدّم ذكرنا إيّاه(1).
ثم قال:سلوني قبل أن تفقدوني.
فقام إليه رجل من أقصى المجلس(2)فقال:يا أمير المؤمنين،دلّنى على عمل ينجيني اللّه به من النار،و يدخلني به الجنّة!
قال:اسمع،ثم افهم،ثم استيقن،قامت الدنيا بثلاث(3):بعالم ناطق مستعمل لعلمه،و بغنيّ لا يبخل بماله على أهل دين اللّه،و بفقيرصابر.فإذا كتم العالم علمه،و بخل الغنيّ بماله،و لم يصبر الفقير على فقره،فعندها الويل و الثبور،و كادت الأرض(4)أن ترجع إلى الكفر بعدالإيمان.
أيّها السائل،لا تغترنّ بكثرة المساجد،و جماعة أقوام،أجسادهم(5)مجتمعة و قلوبهم متفرقة،فانّما الناس ثلاث:زاهد،و راغب،و صابر.
فأمّا الزاهد:فلا يفرح بالدنيا إذا أتته،و لا يحزن عليها إذا فاتته.و أمّاالصابر:فيتمنّاها بقلبه،فان أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لعلمه بسوءالعاقبة(6).و أمّا الراغب:فلا يبالي من حلّ أصابها أم من حرام...
ص: 611
فقال:يا أمير المؤمنين،فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟
قال:ينظر إلى وليّ اللّه فيتولاّه،و إلى عدوّ اللّه فيتبرّأ منه و إن كان حميما قريبا.
قال:صدقت و اللّه يا أمير المؤمنين.ثم غاب فلم ير.فقال:هذا أخي الخضر عليه السّلام...تمام الخبر(1).
[139]
و عن الأصبغ بن نباتة قال:خطبنا أمير المؤمنين عليه السّلام على منبرالكوفة،فحمد اللّه و أثنى عليه،ثم قال:
أيها الناس،سلوني فإنّ بين جوانحي علما جمّا.7.
ص: 612
فقام إليه ابن الكوّا(1)فقال:يا أمير المؤمنين،ما الذاريات ذروا؟
قال:الرياح.
قال:فما الحاملات وقرا؟
قال:السحاب.
قال:فما الجاريات يسرا؟
قال:السفن.
قال:فما المقسّمات أمرا؟
قال:الملائكة.
قال:يا أمير المؤمنين،وجدت كتاب اللّه ينقض بعضه بعضا.
قال:ثكلتك أمك يا ابن الكوّا!كتاب اللّه يصدق بعضه بعضا،و لا ينقض بعضه بعضا،فسل عمّا بدا لك.
قال:يا أمير المؤمنين،سمعته يقول:«رب اَلْمَشََارِقِ وَ اَلْمَغََارِبِ »(2)و قال في آية أخرى:«رَبُّ اَلْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُ اَلْمَغْرِبَيْنِ »(3)و قال في آية أخرى:«قََالَ رَبُّ اَلْمَشْرِقِ وَ اَلْمَغْرِبِ »(4).
قال:ثكلتك أمك يا ابن الكوّا!هذا المشرق و هذا المغرب،و أما9.
ص: 613
قوله:ربّ المشرقين و ربّ المغربين،فإنّ مشرق الشتاء على حدة،و مشرق الصيف على حدة،أما تعرف ذلك من قرب الشمس(1)و بعدها؟و أمّا قوله:ربّ المشارق و المغارب،فإنّ لها ثلثمائة و ستين برجا،تطلع كلّ يوم من برج،و تغيب في آخر،فلا تعود إليه إلاّ من قابل في ذلك اليوم.
قال:يا أمير المؤمنين،كم بين موضع قدمك إلى عرش ربّك؟
قال:ثكلتك أمك يا ابن الكوّا!سل متعلّما،و لا تسأل متعنّتا،من موضع قدمي إلى عرش ربّي أن يقول قائل-مخلصا-:«لا إله إلا اللّه».
قال:يا أمير المؤمنين،فما ثواب من قال:«لا إله إلاّ اللّه»؟
قال:من قال لا إله إلاّ اللّه مخلصا طمست ذنوبه،كما يطمس الحرف الأسود من الرق الأبيض،فان قال ثانية:لا إله إلاّ اللّه-مخلصا-خرقت أبواب السماوات و صفوف الملائكة،حتّى يقول الملائكة بعضها لبعض:اخشعوا لعظمة اللّه،فاذا قال ثالثة:لا إله إلاّ اللّه-مخلصا-تنهنه(2)دون العرش،فيقول الجليل:«اسكني،فو عزّتي و جلالي لأغفرنّ لقائلك بماكان فيه»ثم تلا هذه الآية:«إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلْكَلِمُ اَلطَّيِّبُ وَ اَلْعَمَلُ اَلصََّالِحُ يَرْفَعُهُ »(3)يعني إذا كان عمله صالحا ارتفع قوله و كلامه.
قال:يا أمير المؤمنين،أخبرني عن قوس قزح.0.
ص: 614
قال:ثكلتك أمّك يا ابن الكوّا!لا تقل:«قوس قزح»فان قزحا اسم شيطان(1)،و لكن قل:«قوس اللّه»،إذا بدت يبدو الخصب و الريف(2).
قال:أخبرني يا أمير المؤمنين عن المجرة التي تكون في السماء.
قال:هي شرج(3)في السماء،و أمان لأهل الأرض من الغرق،و منه غرق اللّه قوم نوح بماء منهمر.
قال:يا أمير المؤمنين،أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر.
قال عليه السّلام:اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر،رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء!أما سمعت اللّه تعالى يقول:«وَ جَعَلْنَا اَللَّيْلَ وَ اَلنَّهََارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنََا آيَةَ اَللَّيْلِ وَ جَعَلْنََا آيَةَ اَلنَّهََارِ مُبْصِرَةً »(4).
قال:يا أمير المؤمنين،أخبرني عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.2.
ص: 615
قال:عن أيّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تسألني؟
قال:يا أمير المؤمنين،أخبرني عن أبي ذر الغفاري(1).
قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«ما أظلّت الخضراءو لا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر».
قال:يا أمير المؤمنين،فأخبرني عن سلمان الفارسي.
قال:بخ بخ،سلمان منّا أهل البيت،و من لكم بمثل لقمان الحكيم،علم علم الأوّل و الآخر.
قال:يا أمير المؤمنين،أخبرني عن حذيفة بن اليماني.
قال:ذاك امرؤ علم أسماء المنافقين،إن تسألوه عن حدود اللّه تجدوه بها عالما.
قال:يا أمير المؤمنين،فأخبرني عن عمّار بن ياسر.
قال:ذاك امرؤ حرّم اللّه لحمه و دمه على النار أن تمسّ شيئا منهما.
قال:يا أمير المؤمنين،فأخبرني عن نفسك.
قال:كنت إذا سألت أعطيت،و إذا سكتّ ابتدئت.
قال:يا أمير المؤمنين،أخبرني عن قول اللّه عز و جل:«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمََالاً»(2)الآية.3.
ص: 616
قال:كفرة أهل الكتاب،اليهود و النصارى،و قد كانوا على الحقّ فابتدعوا في أديانهم،و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ثم نزل عن المنبر و ضرب بيده على منكب ابن الكوّا،ثم قال:
يا ابن الكوّا(1)و ما أهل النهروان منهم ببعيد.
فقال:يا أمير المؤمنين،ما أريد غيرك،و لا أسأل سواك.
قال:فرأينا ابن الكوّا يوم النهروان فقيل له:ثكلتك أمك!بالأمس تسأل أمير المؤمنين عمّا سألته،و أنت اليوم تقاتله(2)،فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتله(3).
[140]
و عن جعفر بن محمّد،عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام عن عليّ عليه السّلام قال:سلوني عن كتاب اللّه عزّ و جلّ،فو اللّه ما نزلت آية من كتاب اللّه في ليل و لا نهار،و لا مسير و لا مقام،إلاّ و قد أقرأنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و علّمني تأويلها.
فقام إليه ابن الكوّا فقال:يا أمير المؤمنين،فما كان ينزل عليه و أنت9.
ص: 617
غائب عنه؟
قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما كان ينزل عليه من القرآن و أنا غائب عنه،حتّى أقدم عليه،فيقرأنيه و يقول لي:يا عليّ(1)أنزل اللّه عليّ بعدك كذا و كذا،و تأويله كذا و كذا،فيعلّمني تنزيله و تأويله(2).
[141]
و جاء في الآثار:أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يخطب فقال في خطبته:سلوني قبل أن تفقدوني،فو اللّه لا تسألوني عن فتنة تضلّ مائةو تهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها و سائقها إلى يوم القيامة.
فقام إليه رجل(3)فقال:يا أمير المؤمنين،أخبرني كم في رأسي و لحيتي من طاقة شعر؟
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:و اللّه لقد حدّثني خليلي رسول اللّه صلىم.
ص: 618
اللّه عليه و آله و سلّم بما سألت عنه،و إنّ على كلّ طاقة شعر في رأسك ملكايلعنك،و على كلّ طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزّك،و إنّ في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ذلك(1)مصداق ما أخبرتك به،و لو لا أنّ الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به،و لكن آية ذلك ما نبّأتك به من لعنك(2)و سخلك(3)الملعون،و كان ابنه في ذلك الوقت صبيّاصغيرا يحبو(4)فلمّا كان من أمر الحسين عليه السّلام ما كان،تولّى قتله،و كان الأمر كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام(5).
******5.
ص: 619
احتجاجه عليه السّلام على من قال بالرأي في الشرع و الاختلاف في الفتوى و أن يتعرّض للحكم بين الناس من ليس لذلك بأهل و ذكر الوجه لاختلاف من اختلف في الدين و الرواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
[142]
روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه،ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله،ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم،فيصوّب آراءهم جميعا،و إلههم واحد،و نبيّهم واحد،و كتابهم واحد!أفأمرهم اللّه سبحانه بالاختلاف فأطاعوه؟أم نهاهم عنه فعصوه؟أم أنزل اللّه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه؟أم كانوا شركاءله فلهم أن يقولوا و عليه أن يرضى؟أم أنزل اللّه سبحانه دينا تامّا فقصرالرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن تبليغه و أدائه؟و اللّه سبحانه يقول:«مََا فَرَّطْنََافِي اَلْكِتََابِ مِنْ شَيْ ءٍ»(1)و فيه تبيان كلّ شي ء(2)و ذكر أنّ الكتاب يصدّق
ص: 620
بعضه بعضا،و أنه لا اختلاف فيه فقال سبحانه:«وَ لَوْ كََانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اَللََّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلاََفاً كَثِيراً»(1)و أن القرآن ظاهره أنيق،و باطنه عميق،لا تفنى عجائبه،و لا تنقضي غرائبه،و لا تكشف الظلمات إلاّ به(2).
[143]
و روي أنّه عليه السّلام قال:إنّ أبغض الخلايق إلى اللّه تعالى رجلان:
رجل وكله اللّه إلى نفسه،فهو جائر عن قصد السبيل،سائر بغير علم و لا دليل،مشغوف(3)بكلام بدعة،و دعاء ضلالة،فهو فتنة لمن افتتن به،ضالّ عن هدي من كان قبله،مضلّ لمن اقتدى به في حياته و بعد وفاته،حمّال خطايا غيره،رهن بخطيئته.
و رجل قمش(4)جهلا،فوضع(5)في جهال الأمّة،غاد في..
ص: 621
أغباش(1)الفتنة،[قد لهج منها بالصوم و الصلاة](2)عمي بما في عقدالهدنة،[سمّاه اللّه عاريا منسلخا](3)قد سمّاه أشباه الناس عالما و ليس به،[و لم يغن(2)في العلم يوما سالما](3)بكّر فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير ممّا كثر،حتّى إذا ارتوى من آجن،و أكثر من غير طائل،جلس بين الناس مفتيا قاضيا،ضامنا لتخليص(4)ما التبس على غيره،إن خالف من سبقه لم يؤمن من نقض حكمه من يأتي بعده،كفعله بمن كان قبله،فان نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشوا رثا(5)من رأيه،ثم قطع به،فهومن لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت،لا يدري(6)أصاب الحق أم أخطأ،إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ،و إن أخطأ رجا أن يكون قدأصاب،جاهل خبّاط جهالات،غاش ركّاب عشوات،فهو من رأيه في مثل نسج غزل العنكبوت الذي إذا مرّت به النار لم يعلم بها...
ص: 622
لم يعضّ على العلم(1)بضرس قاطع فيغنم،يذري الروايات إذراءالريح الهشيم،لاملي-و اللّه-بإصدار ما ورد عليه(2)،لا يحسب العلم في شي ء ممّا أنكره،و لا يرى أن من وراء(3)ما بلغ منه مذهبا لغيره،و ان قاس شيئا بشي ء لم يكذب رأيه،كيلا يقال له:لا يعلم شيئا،و إن خالف قاضياسبقه لم يؤمن فضيحته(4)حين خالفه،و إن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه،تصرخ من جور قضائه الدماء و تعجّ منه المواريث،إلى اللّه أشكو من معشر يعيشون جهّالا،و يموتون ضلاّلا،لا يعتذر ممّا لا يعلم فيسلم،و تولول منه الفتيا،و تبكي منه المواريث،و يحلّل بقضائه(5)الفرج الحرام،و يحرّم بقضائه الفرج الحلال،و يأخذ المال من أهله فيدفعه إلى غير أهله(6)..-
ص: 623
[144]
و روي أنه صلوات اللّه عليه قال-بعد ذلك-:
أيها الناس،عليكم بالطاعة و المعرفة بمن لا تعتذرون بجهالته،فإنّ العلم الذي هبط به آدم و جميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة نبيّكم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأنّى يتاه بكم؟!بل أين تذهبون؟!يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة،هذه مثلها فيكم فاركبوها،فكما نجى في هاتيك من نجى،فكذلك ينجو في هذه من دخلها،أنا رهين بذلك قسماحقّا و ما أنا من المتكلّفين،و الويل لمن تخلّف ثم الويل لمن تخلّف.
أما بلغكم ما قال فيكم نبيّكم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث يقول-في حجةالوداع-:«إنّي تارك فيكم الثقلين،ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض فانظرواكيف تخلّفوني فيهما»؟ألا هذا عذب فرات فاشربوا(1)،و هذا ملح اجاج فاجتنبوا(2).
ق-و رواه الشيخ المفيد رحمه اللّه في الإرشاد ص 123.و رواه في الكافي 1/54 باب البدع و الرأى و المقائيس،الحديث 6-مسندا.4.
ص: 624
[145]
و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال-لرأس اليهود-:على كم افترقتم؟فقال:على كذا و كذا فرقة.
فقال عليّ عليه السّلام:كذبت،ثم أقبل على الناس فقال:و اللّه لو ثنيت لي الوسادة(1)لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم،و بين أهل الانجيل بإنجيلهم،و بين أهل الزبور بزبورهم،و بين أهل القرآن بقرآنهم(2).
افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة،سبعون منها في النارو واحدة ناجية في الجنة،و هي التي اتّبعت يوشع بن نون وصيّ موسى عليه السّلام.
و افترقت النصارى على اثنين و سبعين فرقة:إحدى و سبعون فرقة في النار،و واحدة في الجنة و هي التى اتّبعت شمعون(3)وصيّ عيسى عليه السّلام.
و تفترق هذه الأمّة على ثلاث و سبعين فرقة:اثنتان و سبعون فرقة في النار و واحدة في الجنة،و هي التي اتبعت وصيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ضرب بيده على صدره ثم قال:
ثلاثة عشر فرقة من الثلاث و سبعين فرقة كلّها تنتحل مودّتي،..
ص: 625
و حبّي،واحدة منها في الجنة،و هي النمط الأوسط،و اثنتا عشرة في النار(1).
[146]
عن مسعدة بن صدقة،عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام قال:خطب أميرالمؤمنين عليه السّلام فقال:
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«كيف أنتم إذا ألبستم الفتنة،ينشأ فيها الوليد،و يهرم فيها الكبير،و يجري الناس عليها حتّى يتّخذوها سنّة،فاذا غيّر منها شي ء قيل أتى الناس بمنكر،غيّرت(2)السنّة،ثم تشتدّ البليّة،و تنشأ فيهم الذريّة،و تدقّهم الفتن كما تدقّ النارالحطب،و كما تدقّ الرحال بثفالها(3)،يتفقّه الناس لغير الدّين،و يتعلّمون،-
ص: 626
لغير العمل،و يطلبون الدنيا بعمل الآخرة؟».
ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السّلام و معه ناس من أهل بيته و خاصّ شيعته(1)،فصعد المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه،و صلّى على النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم قال:
لقد عملت الولاة قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمّدين لذلك،و لو حملت الناس على تركها و حوّلتها إلى مواضعها التي كانت عليها على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لتفرّق عنّي جندي،حتّى أبقى وحدي إلاّ قليلا من شيعتي،الذين عرفوا فضلي و إمامتي من كتاب اللّه و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السّلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم،و رددت فدك إلى ورثة فاطمة سلام اللّه عليها،و رددت صاع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و مدّه إلى ما كان،و أمضيت قطايع كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أقطعها لناس مسمّين،و رددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته و هدمتها و أخرجتها من المسجد،و رددت الخمس إلى أهله،و رددت قضاءكلّ من قضى بجور،و رددت سبي ذراري(2)بني تغلب،و رددت ما قسّم من أرض خيبر،و محوت ديوان العطاء،و أعطيت كما كان يعطي رسول اللّه ق-و المعنى:أنّها تدقهم دقّ الرحا للحبّ،اذا كانت مثفّلة،و لا تثفل الاّ عند الطحن-النهاية1/215...
ص: 627
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لم أجعلها دولة بين الأغنياء(1).
و اللّه،لقد أمرت الناس أن لا يجمعوا في شهر رمضان(2)إلاّ في فريضة؛فنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل و سيفه معي(3):«أنعى(4)الاسلام و أهله،غيّرت سنّة عمر!»و نهى أن يصلّي(5)في شهر رمضان في جماعة،حتّى خفت أن يثور في ناحية عسكري عليّ،أشكو إلى اللّه مالقيت و لقيت هذه الأمّة من أئمة الضلالة و الدّعاة إلى النار.
و أعظم من ذلك سهم ذوي القربى الذي قال اللّه تبارك و تعالى فيه:«وَ اِعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى ََوَ اَلْيَتََامى ََ وَ اَلْمَسََاكِينِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ »و ذلك لنا خاصّة«إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللََّهِ وَ مََا أَنْزَلْنََا عَلى ََ عَبْدِنََا يَوْمَ اَلْفُرْقََانِ »(6)نحن و اللّه،عنى بذوي القربى،الذين قرنهم اللّه بنفسه و نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقال:و لم يجعل لنا في الصدقة نصيبا،أكرم اللّه سبحانه و تعالى نبيّه و أكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس.
فقال له رجل:إنّي سمعت من سلمان و أبي ذر و المقداد،أشياء من1.
ص: 628
تفسير القرآن و الرواية عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و سمعت(1)منك تصديق ما سمعت منهم،و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسيرالقرآن و الأحاديث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أنتم تخالفونهم و تزعمون أنّ ذلك باطل،أفترى الناس يكذبون متعمّدين على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و يفسّرون القرآن بآرائهم؟
قال:فأقبل عليّ عليه السّلام فقال له:سألت(2)،فافهم الجواب:إنّ في أيدي الناس حقّا و باطلا،و صدقا و كذبا،و ناسخا و منسوخا،و خاصّاو عامّا،و محكما و متشابها،و حفظا و وهما،و قد كذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و هو حيّ،حتّى قام خطيبا فقال:
«أيها الناس،قد كثرت عليّ الكذابة،فمن كذب عليّ متعمّدافليتبوّأ مقعده من النار».
و انّما أتاك بالحديث:أربعة رجال ليس لهم خامس:
رجل منافق،مظهر للايمان،متصنّع بالاسلام،لا يتأثّم و لا يتحرّج،يكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم متعمّدا،فلو علم الناس أنّه منافق كاذب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوا قوله،و لكنهم قالوا:«صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رآه و سمع منه،و لقف عنه»،فيأخذون بقوله،و قدأخبرك اللّه تعالى عن المنافقين بما أخبرك،و وصفهم بما وصفهم به لك،..
ص: 629
ثم بقوا بعده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة،و الدّعاة إلى الناربالزور و البهتان،فولّوهم الأعمال و جعلوهم حكّاما على رقاب الناس و أكلوا بهم الدنيا،و إنّما الناس مع الملوك و الدنيا إلاّ من عصم اللّه تعالى(1)،فهذا أحد الأربعة.
و رجل سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا لم يحفظه على وجهه،فوهم فيه و لم يتعمّد كذبا فهو في يديه،يرويه و يعمل به و يقول:أنا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فلو علم المسلمون أنّه و هم فيه لم يقبلوه منه،و لو علم هو أنه كذلك،لرفضه.
و رجل ثالث سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا يأمر به ثم نهى عنه،و هو لا يعلم،أو سمعه نهى عن شي ء ثم أمر به و هو لا يعلم،فحفظالمنسوخ و لم يحفظ الناسخ،فلو علم أنه منسوخ لرفضه،و لو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه(2).
و آخر لم يكذب على اللّه و لا على رسوله،مبغض للكذب خوفا للّه تعالى،و تعظيما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لم يهمّ به(3)،بل حفظما سمع على وجهه،فجاء به على ما سمعه،لم يزد فيه و لم ينقص منه،و حفظ الناسخ فعمل به،و حفظ المنسوخ فجنّب عنه،و عرف الخاص و العام فوضع كلّ شي ء موضعه،و عرف المتشابه و المحكم...
ص: 630
و قد كان يكون من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الكلام له وجهان:فكلام خاص،و كلام عام،فيسمعه من لا يعرف ما عنى اللّه تعالى به،و لاما عنى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فيحمله السامع و يوجّهه على غيرمعرفة بمعناه و لا ما قصد به(1)و ما خرج من أجله،و ليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسأله(2)و يستفهمه،حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجى ء الأعرابي أو الطاري فيسأله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى يسمعوا كلامه،و كان لا يمرّ بي من ذلك شي ء إلاّ سألته عنه و حفظته؛فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم،و عللهم في رواياتهم و تفسيرهم(3).4.
ص: 631
[147]
و عن يحيى الحضرميّ(1)قال:سمعت عليّا عليه السّلام يقول:كنّاجلوسا عند النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو نائم و رأسه في حجري،فتذاكرواالدجّال.قيل لي:ما الدجّال؟
فاستيقظ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم محمرّا وجهه،فقال:فيما أنتم؟فقلت له:يا رسول اللّه،سألوني عن الدجّال.
فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لغير الدجّال أنا أخوف عليكم من الدجّال،فقلت:يا نبيّ اللّه و ما ذلك؟فقال:الأئمة الضالّون المضلّون يسفكون دماءعترتي من بعدي(2)،أنا حرب لمن حاربهم،و سلم لمن سالمهم(3).!.
ص: 632
1-فهرس الأعلام
2-فهرس الآيات القرآنيّة
3-فهرس الأشعار
4-فهرس الفرق و الطوائف و الأديان
5-فهرس البلدان و الأمكنة و البقاع
6-فهرس مصادر التحقيق
7-فهرس الموضوعات
8-فهرس الفهارس
اعداد:عبد الرحيم مبارك
ص: 633
ص: 634
حرف الألف«أ»آدم«ع»34،40،41،68،99،106،108،109،123،126،127،149،309،332،340،367،371،498،499،522،538،546،580.
أبان بن أبي عيّاش ه- 359.
أبان بن تغلب 186،190،285،ه- 460.
أبان بن عثمان ه- 85،ه- 459.
إبراهيم«ع»(الخليل)5،27،32،65،66،69،70،100،107،110،220،340،346،371،372،447،503،504،505،506،509،565،574،587،591،627.
إبراهيم(بن رسول اللّه«ص»)507،508.
إبراهيم بن عثمان ه- 631.
إبراهيم الكوفي ه- 631.
إبراهيم بن محمّد الثقفي 384.
إبراهيم بن موسى الفرّاء ه- 115.
إبليس 13،15،17،22،125،126،127،149،205،206،220،383،403،529،580،605.
ابن أبي الحديد:انظر المعتزلي.
أبيّ بن خلف الجمحي 505،511.
أبيّ بن كعب 186،197،297،301،303،339،356،ه- 599.
(ابن)الأثير ه- 199،247،ه- 250،
ص: 635
ه- 254،ه- 255،ه- 327،ه- 354،ه- 379،ه- 384،ه- 388،ه- 391،ه- 392،ه- 394،ه- 397،ه- 400،ه- 451،ه- 452،ه- 459،ه- 545،ه- 592.
أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي ه- 203،ه- 459،ه- 496.
أحمد بن أعثم الكوفي ه- 383.
أحمد بن التغلبي ه- 315.
أحمد بن الحسن القطّان ه- 315،ه- 609،ه- 612.
أحمد بن حنبل ه- 467،ه- 473.
أحمد بن الحسن الميثمي ه- 543.
أحمد بن الصّلت ه- 623.
أحمد بن عبد الحميد ه- 315.
أحمد بن عبد الرّحمن ه- 460.
أحمد بن عبد اللّه بن يونس ه- 612.
أحمد بن عبيد اللّه العدلي ه- 336.
أحمد بن علي الأبار ه- 460.
أحمد بن علي الخزّاز ه- 492.
أحمد بن عمّار بن خالد ه- 459.
أحمد بن محمّد ه- 285.
أحمد بن محمّد بن أبي نصر ه- 496.
أحمد بن محمّد الطبري ه- 203.
أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد الرّحمن بن أبي نجران ه- 619.
أحمد بن محمّد الهمداني ه- 170.
أحمد بن محمّد يزيد ه- 285.
أحمد بن هلال ه- 107.
أحمد بن همام بن تغلبة الحسيني 467.
أحمد بن يحيى ه- 609.
أحمد بن يحيى بن زكريا القطّان ه- 612.
أحمد بن يعقوب بن مطر ه- 609.
الأحنف بن قيس 379.
إدريس«ع»99،499.
(ابن)أذينه ه- 621.
أروى بنت كريز ه- 456.
الأزهري ه- 433.
أسامة بن زيد 173،174،192،194،224،225،ه- 236،604.
أسباط بن نضر ه- 467.
الاسترابادي(المفسّر)ه- 7،ه- 105،ه- 541.
(أبو)إسحاق ه- 623.
ص: 636
إسحاق بن إبراهيم الديري ه- 292.
(أبو)إسحاق السبيعي ه- 361.
إسحاق بن سعيد أبي سلمةالدمشقي ه- 460.
إسحاق بن موسى 449.
أسد بن عبد العزّى ه- 422.
إسرافيل 89،325،365،569.
أسماء بنت عميس 231،241.
إسماعيل بن إسحاق الراشدي ه- 465.
الأسود بن أبي البختري 386.
الأسود بن الحرث 513.
الأسود بن عبد يغوث الزهري 511،512.
الأسود بن المطّلب 511،512.
أسيد بن حصين 212.
أسيد بن حضير 181،ه- 211.
الأشعث بن قيس 447،449،451.
الأصبغ بن نباتة 398،ه- 399،540،541،543،544،545،609،612،ه- 619.
الأصمعي ه- 266،ه- 456.
الأعمش ه- 336.
آمنة بنت وهب«رض»ه- 236.
الأميني(العلاّمة)ه- 539،ه- 546.
أميّة بن عبد شمس ه- 420،ه- 421.
أنس(مولى رسول اللّه«ص»)326.
أنس بن مالك 339.
أوس بن الحدثان ه- 236.
أوس بن قيلة ه- 178.
(أم)أيمن ه- 235،236.
أيّوب(ع)166.
(أبو)أيّوب الأنصاري 186،199،339.
حرف الباء«ب»الباقر(محمّد بن عليّ«ع»)11،27،133،162،ه- 163،164،168،224،ه- 284،320،ه- 382،384،ه- 492.
البحراني،ابن ميثم ه- 409،ه- 419،ه- 422،ه- 425 ه- 433،ه- 440،ه- 448،ه- 453،ه- 454،ه- 456،ه- 460،ه- 483.
(أبو)البختري 511.
(أبو)البختري بن هشام 48.
ص: 637
بخت نصّر 87،92،93،ه- 416.
البراء بن عازب 343،518.
البرقي،أحمد بن أبي عبد اللّه:أنظر أحمدبن أبي عبد اللّه.
بريده الأسلمي 186،195.
بريده العجلي ه- 545.
بشير بن سعد 178،180،184،204،212.
(أبو)بصير 162،166،ه- 167.
(ابن)البطريق ه- 466،ه- 467،ه- 473.
(أبو)بكر 173،174،175،178،179،180،181،183،184،186،189،190،192،194،195،197،198،199،200،ه- 203،204،206،207،208،209،210،212،213،214،215،216،219،221،224،225،226،227،230،231،232،233،234،235،236،237،238،240،241،242،243،247،253،254،267،275،277،280،ه- 285،297،304،305،306،307،313،314،327،339،343،348،355،360،363،364،365،374،375،377،400،401،406،447،ه- 449،452،ه- 455،467،468،484،485،486،494،537،ه- 604،605.
(أبو)بكر أحمد بن عبد العزيز:انظرالجوهري.
بكر بن صالح ه- 167.
بكر بن عبد اللّه بن حبيب ه- 609.
(أبو)بكر بن مردويه الأصفهاني ه- 460.
(أبو)بكر الهذلي ه- 475.
بلال 472.
بنيه بن الحجّاج 511.
البهائي ه- 420.
البيهقي ه- 430.
حرف التاء«ت»تيم بن مرّة ه- 449.
حرف الثاء«ث»الثقفي ه- 617.
ص: 638
ثوبان(مولى الرسول«ص»)114،ه- 115،171.
حرف الجيم«ج»جائيل 500.
جابر بن عبد اللّه الأنصاري 86،162،163،168،339،465.
جابر بن يزيد الجعفي ه- 284،ه- 632.
الجاحظ 489.
الجبائي(أبو علي)ه- 459،489.
جبرئيل«ع»32،70،82،87،88،89،90،91،92،93،94،95،103،109،110،115،116،121،133،135،136،137،138،142،146،161،167،204،250،311،322،325،334،357،365،462،465،466،470،500،512،513،521،569،574.
(ابن)جرموز 379،380.
الجزري ه- 9،ه- 614،ه- 626.
جعفر بن أبي طالب الطيّار«رض»ه- 173،ه- 241،339،429،ه- 533،627.
جعفر بن محمّد بن أحمد الدوريستي ه- 6،7.
جعفر بن محمّد الصّادق«ع»:انظر الصّادق.
جعفر بن محمّد بن عمارة الكندي ه- 284.
جعفر بن محمّد الكوفي ه- 619.
(أم)جميل بنت حرب بن أميّة ه- 422.
(ابن)الجوزي ه- 252،ه- 459،ه- 461.
الجوهري،أحمد بن عبد العزيز ه- 11،ه- 244،ه- 248،ه- 250،ه- 254،ه- 280،ه- 284،ه- 285،ه- 292.
(أبو)جهل بن هشام 48،64،65،66،67،71،72،73،74،76،78،421،467،511،514،515،516.
الجهني(أبو سعيد)ه- 497.
حرف الحاء«ح»الحاجب،أبي الوفاء محمّد بن بديع ه- 460.
حاجب بن الوليد ه- 623.
حارثة بن ثعلبة ه- 178.
ص: 639
الحارث بن الطلاطلة 511،512.
الحبّاب بن المنذر 176،177.
الحجّاج ه- 410.
حذيفة بن اليمان ه- 13،127،128،129،130،131،132،316،317،616.
الحرّ العاملي ه- 7،ه- 8،ه- 230.
(ابن)حسّان 416.
الحسن البصري 339،402،403،404.
(أبو)الحسن البصري 339.
الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب«ع»ه- 235،ه- 253.
الحسن بن خرزاذ القمّي ه- 296.
الحسن بن زيد العلوي ه- 8.
الحسن بن ظريف ه- 167.
الحسن بن عبد اللّه بن سعيد العسكري ه- 459.
الحسن العسكري«ع»:انظر العسكري.
الحسن بن علي بن أبي حمزة ه- 169.
الحسن بن علي بن أبي طالب«ع»11،19،158،159،164،168،169،188،193،ه- 199،202،204،206،ه- 211،310،328،339،343،345،347،357،359،ه- 422،450،469،470،486،507،546.
الحسن بن علي بن زكريا العاصمي ه- 336.
الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني ه- 384.
الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى الكاظم«ع»ه- 431.
الحسن بن علي بن النحاس الكوفي ه- 203.
الحسن بن محمّد بن إبراهيم ه- 460.
الحسن بن محمّد بن شعبة الأنصاري ه- 632.
الحسن بن محمّد الفرزدق الفزاري 303.
(أبو)الحسن الموصلي ه- 496.
الحسين الشّهيد(أبو عبد اللّه«ع»)11،27،158،163،164،168،169،188،193،202،204،206،ه- 211،310،328،339،343،345،347،358،359،ه- 422،450،469،470،486،ه- 488،ه- 492،497،
ص: 640
507،546،ه- 618،619.
الحسين بن اشكيب(أبو عبد اللّه)ه- 296.
حسين بن أنس الفزاري ه- 465.
الحسين بن الحسن بن أبان ه- 542،ه- 545.
الحسين بن سعيد الأهوازي ه- 226.
الحسين بن صالح بن حيّ ه- 284.
الحسين بن عبيد اللّه ه- 546.
الحسين بن محمّد ه- 541.
الحسين بن محمّد الأشناني ه- 488.
الحسين بن يزيد ه- 169.
الحفّار ه- 292.
حفصة بنت عمر بن الخطّاب ه- 236.
حفص بن منصور العطّار ه- 315.
الحكم بن أبي العاص 359.
الحكم بن مسكين الثقفي ه- 539.
الحلّي(العلاّمة)ه- 211.
حمزة بن عبد المطّلب«رض»339،ه- 419،ه- 421،429،431،506.
حمزة بن القاسم العلوي ه- 115.
حمل بن بدر القشيري ه- 424،ه- 425.
حمّاد بن سليمان ه- 292.
حمّاد بن عثمان 234،ه- 242.
حمّاد بن عيسى ه- 359،ه- 631.
الحمويني الشافعي ه- 359،ه- 365.
حنش بن المعتمر الكناني 361،ه- 362.
حنظلة بن أبي سفيان ه- 425.
حرف الخاء«خ»خالد بن سعيد بن العاص 186،190،191،192،200.
خالد بن طلق ه- 623.
خالد بن الوليد المخزومي 181،200،212،215،231،232،233،240،242،251،360.
الخزّاز،أحمد بن علي:انظر أحمد بن علي.
خزيمة بن ثابت ذو الشّهادتين 186،197.
(ابن)الخشّاب(أبو محمّد)ه- 459،ه- 460.
الخضر«ع»538،612.
الخطّاب 216.
ص: 641
خلف بن سالم(أبو محمّد)ه- 203.
خليد بن دعلج ه- 460.
(ابن)خيزرانة ه- 211.
حرف الدال«د»دانيال 87،92.
داود بن سليمان«ع»ه- 488،519،574.
الدجّال 220.
دحية الكلبي 322.
دعبل الخزاعي ه- 235.
الدعبلي ه- 292.
حرف الذال«ذ»(أبو)ذر الغفاري 186،188،193،204،207،216،218،219،233،305،ه316،ه- 336،339،343،357،358،360،361،363،364،367،450،616،628.
ذو الشّهادتين:انظر خزيمة بن ثابت.
ذو القرنين 165،545.
(أبو)ذويب الهذلي ه- 423.
حرف الراء«ر»الربيع بن يسار ه- 336.
الراغب الأصفهاني ه- 140،ه- 144،ه- 266.
(أبو)رافع 229.
الرّضا،عليّ بن موسى«ع»14،21،165،168،ه- 190،ه- 475،ه- 488،ه- 491.
الرّضي،الشّريف ه- 252،ه- 417،ه- 432،ه- 460.
حرف الزاء«ز»الزبير بن العوّام 181،207،214،215،216،219،221،227،320،339،350،352،358،373،375،376،377،378،379،380،387،388،426،447،ه- 454،ه- 455.
الزجاجي ه- 402.
ص: 642
الزمخشري ه- 391،ه- 394،ه- 484.
زمعة بن الأسود بن عبد يغوث 512.
الزهري ه- 292،ه- 475.
(أبو)زيد ه- 266.
زيد بن أرقم 185،339،343.
زيد بن أسلم ه- 211.
زيد بن ثابت 339،360.
زيد بن حارثة ه- 236،339.
زيد بن المعدّل ه- 296.
زيد بن وهب ه- 203.
زينب بنت عليّ بن أبي طالب«ع»ه- 284.
حرف السين«س»سالم بن أبي الجعد ه- 336.
سالم بن جنادة،أبو الصائب ه- 632.
سالم مولى أبي حذيفة 199،200،204،212،214،339،348.
السامري 134،135،188.
سبأ بن يشجب بن يعرب ه- 409.
السري بن إسماعيل ه- 390.
سعد بن أبي وقاص 320،339،350،352،358،377،ه- 454،ه- 455،ه- 456،ه- 618.
سعد بن عبادة 174،175،178،179،180،ه- 218،305.
سعد بن عبد اللّه ه- 359،ه- 539.
سعد بن طريف ه- 543،ه- 619.
سعد بن مسعدة الحارثي 559.
سعد بن معاذ 338،444.
سعد الكناني ه- 612.
سعيد بن جبير 558.
سعيد بن زيد ه- 454.
سعيد بن عمرو بن نفيل 376،377.
(أبو)سفيان 421،443.
سفيان بن سعيد الثوري ه- 632.
سفيان بن عوف بن المغفل الغامدي ه- 415.
سلمان الفارسي«رض»92،93،94،95،130،131،186،188،192،200،203،204،205،206،207،214،215،216،218،220،221،223،ه- 261،293،294،ه- 296،297،305،316،317،342،345،346،
ص: 643
357،363،364،450،486،616،628.
(أم)سلمة 345،387،388،389،390،391،ه- 392،393،461،462.
سلمة بن أسلم ه- 211.
سلمة بن سلامة 181.
سليمان«ع»111،521،527،528.
سليمان بن أحمد الطبراني ه- 460.
سليمان بن الربيع ه- 399.
سليمان بن عبد الملك ه- 410.
سليم بن قيس الهلالي 203،216،221،337،345،ه- 359،361،363،364،368،376،ه- 618،ه- 626،ه- 631.
سماك،ابن حرب ه- 467.
سهل بن حنيف 186،198.
سهل الديباجي ه- 8.
(أبو)سهل الرفا ه- 292.
سهل بن زياد(أبو سعيد)ه- 491.
سهيل بن عمرو 443.
سويد بن غفلة 286،291.
سيف بن عميرة 133.
حرف الشين«ش»(ابن)شاذان القمّي ه- 117،ه- 488.
شضاه 527.
شعبة ه- 203.
الشعبي،عامر 227،387،ه- 390،495.
الشفيري،أبو الحسن ه- 543.
(ابن)شهرآشوب ه- 363،ه- 448،ه- 466.
الشّهيد الثاني ه- 7.
شيبة 76،78،511.
شمعون«ع»625.
صالح«ع»103،223،503.
صالح بن أبي حمّاد ه- 167.
صالح بن عقبة 133،537،ه- 539.
صالح بن فرج ه- 296.
صالح بن كيسان ه- 475.
الصّادق،جعفر بن محمّد«ع»12،20،23،26،44،45،106،161،162،163،164،167،168،ه--169،186،199،222،234،ه- 242،ه- 284،
ص: 644
285،294،ه- 296،304،ه- 315،365،391،393،430،ه- 431،449،ه- 463،468،ه- 492،496،537،539،ه- 541،546،617،ه- 618،ه- 621،626.
الصّدوق،محمّد بن علي بن بابويه ه- 6،7،ه- 12،ه- 167،ه- 168،ه- 170،ه- 293،ه- 359،ه- 362،ه- 431،ه- 448،ه- 459،ه- 463،ه- 473،ه- 488،ه- 491،ه- 493،496،ه- 539،542،ه- 545،ه- 561،ه- 609،ه- 612،ه- 619،ه- 631.
صفوان بن أميّة 534.
صفيّة 506.
حرف الطاء«ط»(ابن)طاووس ه- 225،303.
الطبرسي ه- 6،ه- 114،ه- 190،ه- 285.
أحمد بن علي بن أبي طالب ه- 296،ه- 402،ه- 466.
الطريحي ه- 452.
طلحة 355،356،357،358،426،447،ه- 449،ه- 454،ه- 455،ه- 456.
طلحة بن عبد اللّه 348،349،352،354.
طلحة بن عبيد اللّه 320،339،373،375،376،377،378،381،382،387،388.
طلحة بن يزيد ه- 609.
الطوسي،الشيخ ه- 7،ه- 167،ه- 293،ه- 362،ه- 384،ه- 398،ه- 399،ه- 460،ه- 465،ه- 466،ه- 473،ه- 546،ه- 618،ه- 626،ه- 623،ه- 631.
حرف العين«ع»عائشة بنت أبي بكر 204،ه- 236،369،373،374،376،379،380،ه- 382،383،384،385،386،387،388،389،390،391،393،396،398،402،403،426،445،469،471.
عاصم بن ثابت الأنصاري ه- 338.
ص: 645
العاص بن وائل السهمي 48،511،512.
عامر بن الطفيل ه- 453.
عبادة بن الصامت 467.
عبّاد بن قيس 395،396،397.
(أبو)العبّاس السّفاح ه- 235.
العبّاس بن عبد المطّلب 172،ه- 211،230،234،450،ه- 455.
عبّاس القمّي،المحدّث ه- 7.
(ابن)عبد ربّه ه- 211،ه- 459.
عبد شمس ه- 421،ه- 480.
عبد الرّحمن بن أبي ليلى 339.
عبد الرّحمن بن أبي حاتم الرازي ه- 467.
عبد الرّحمن بن سالم 166،ه- 167.
عبد الرّحمن بن عوف 181،301،320،339،350،352،358،377،ه- 454،ه- 455،ه- 456.
عبد الرّحمن بن محمّد الحسيني ه- 315.
عبد الرّحمن بن مسعود العبدي 387.
(أبو)عبد الرّحمن المسعودي ه- 390.
عبد الرّزاق ه- 292.
عبد السّلام بن محمّد،أبو هاشم ه- 489.
عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي 48،50،51،52،53،57،59،60،61،62،63.
عبد اللّه بن أبي أوفى 339.
عبد اللّه الأسلمي ه- 384.
عبد اللّه بن أنيس 532.
عبد اللّه بن الحسن المثنّى 253،ه- 285،ه- 292.
عبد اللّه بن الحسن 394.
عبد اللّه بن حكيم الجهني ه- 497.
عبد اللّه بن حمّاد بن سليمان ه- 292.
عبد اللّه بن جعفر ه- 167،ه- 241،339.
عبد اللّه بن الزبير 387،390.
عبد اللّه بن سلام 108.
عبد اللّه بن سنان ه- 296.
عبد اللّه بن الصامت 367.
عبد اللّه بن صوريا 86،90،91،93.
عبد اللّه بن عبّاس ه- 12،108،ه- 292،339،373،385،401،442،443،451،458،459،ه- 460،465،466،ه- 467،497،536.
عبد اللّه بن عبد الرّحمن 201،ه- 541.
عبد اللّه بن عبد الكريم(أبو ذرعة)ه- 467.
ص: 646
عبد اللّه بن عبيد 531،ه- 609.
عبد اللّه بن عتيك ه- 531.
عبد اللّه بن عمر ه- 339،351،352.
عبد اللّه بن محمّد بن سليمان ه- 285.
عبد اللّه بن مرّة ه- 115.
عبد اللّه بن مسعود 78،169،170،ه- 316،356،497.
عبد اللّه بن يحيى الحضرمي ه- 632.
عبد المطّلب 216،309.
عبد مناف 251،421.
عبيد اللّه بن عبد اللّه ه- 292.
عبيد اللّه السمين ه- 619.
عبيدة بن الحارث 339.
(أبو)عبيدة بن الجرّاح 174،175،178،181،183،204،212،214،301،339،348،377،429.
عتبة 76،78.
عتبة بن ربيعة ه- 422،ه- 425،511.
عتبة بن مسعود ه- 292.
عثمان بن حنيف 186،198.
عثمان بن عامر(أبو قحافة)ه- 221.
عثمان بن عفّان 181،220،221،320،321،336،337،339،350،356،359،362،374،376،377،380،387،388،ه- 420،424،428،451،ه- 454،ه- 455،ه- 456،486،ه- 489.
عثمان بن عمران العجيفي ه- 284.
عثمان بن عيسى ه- 242.
عثمان بن المغيرة ه- 203.
عدي بن كعب بن لؤي ه- 449.
عروة بن الزبير 227.
عروة بن مسعود الثقفي 49،55.
عزير«ع»27،29،30.
(ابن عساكر)ه- 492.
العسكري،الحسن«ع»4،ه- 8،9،10،11،17،18،19،20،21،23،26،47،68،74،81،83،86،88،95،116،166،168،ه- 170،547.
عطاء بن أبي رياح ه- 460.
عطيّة العوفي ه- 292.
عقبة بن أبي معيط ه- 422.
عقيل بن أبي طالب 450.
عكرمة بن أبي جهل 66،ه- 459،
ص: 647
ه- 460،ه- 467.
علقمة بن علاتة ه- 453.
علقمة بن محمّد الحضرمي 133.
علي بن إبراهيم القمّي ه- 242،ه- 366،ه- 543،ه- 617،ه- 631.
علي بن أبي حمزة 167.
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين«ع»مكرّر في أغلب صفحات الكتاب.
علي بن أحمد بن عبد اللّه البرقي ه- 203.
علي بن أحمد بن محمّد ه- 115.
علي بن أحمد بن محمّد الدقّاق ه- 491،ه- 612.
علي بن بلال المهلبي ه- 399.
علي بن جعفر الكوفي ه- 491.
أبو علي الجبائي:انظر الجبائي.
علي بن الحزور ه- 399.
علي بن الحسن السائح ه- 170.
علي بن الحسين البزّاز ه- 115.
علي بن الحسين السجّاد«ع»27،164،168،ه- 492،547.
علي بن الحسين السعدآبادي ه- 546.
علي بن الحسين الهمداني ه- 496.
علي بن خالد المراغي(أبو الحسن)ه- 623.
علي بن خزيمة ه- 459.
علي السوري 133.
علي بن الفارقي ه- 275.
علي بن محمد ه- 167.
علي بن محمّد بن سيّار(أبو الحسن)8،ه- 9.
علي بن محمّد الكاتب(أبو الحسن)ه- 384.
علي بن محمّد بن يسار ه- 431.
علي بن موسى«ع»:انظر الرّضا«ع».
علي بن موسى بن جعفر بن أبي جعفرالكميداني ه- 619.
علي بن مهرويه ه- 488.
علي الهادي«ع»:انظر الهادي«ع».
عمر بن أذينة ه- 359.
عمر بن حمّاد بن طلحة القنّاد ه- 467.
عمر بن الخطّاب 161،173،174،175،176،177،178،179،180،181،182،183،185،191،192،199،200،201،202،204،208،209،
ص: 648
210،ه- 211،212،213،214،215،216،217،218،219،ه221،224،225،231،234،236،238،240،242،248،249،253،313،314،315،316،317،318،319،320،327،339،343،346،348،350،356،360،363،364،374،375،377،389،400،401،406،447،ه- 449،453،454،ه- 455،467،468،485،486،537،628.
عمر بن عبد العزيز ه- 235،ه- 410.
عمّار بن ياسر 130،131،186،188،195،305،339،343،383،384،395،430،431،450،616.
عمرو بن أبي سفيان ه- 426.
عمرو الجني 527.
عمرو بن شمر 320.
عمرو بن العاص 194،386،430،ه- 431،432،433،435،444،604.
عمرو بن ودّ 309،322.
عمير بن وهب 534.
عون بن جعفر بن أبي طالب ه- 241.
عيسى بن راشد ه- 459.
عيسى بن زيد ه- 475.
عيسى بن مريم المسيح«ع»27،31،32،33،34،69،71،72،107،110،166،ه- 220،ه- 293،487،520،528،529،530،531،532،533،534،535،581،585،603،ه- 617،625.
حرف الغين«غ»(ابن)الغضائري ه- 7.
حرف الفاء«ف»فاطمة(الزّهراء«ع»)18،162،188،196،202،204،206،209،210،211،ه- 212،222،223،234،235،236،237،238،239،241،243،253،259،ه- 275،278،
ص: 649
ه- 285،286،ه- 292،299،309،312،328،334،345،450،469،470،507،627.
فاطمة بنت الحسين«ع»ه- 253،ه- 292.
فرعون 220.
الفضل بن دكين ه- 107.
الفضل بن عبّاس 171.
الفضل بن محمّد بن المسيب أبي محمّدالبيهقي الشعراني ه- 618،ه- 626.
الفيروزآبادي ه- 459،ه- 615.
الفيّومي ه- 155،ه- 531.
حرف القاف«ق»قابيل بن آدم 220،295،371،592.
القاسم بن عروة ه- 545.
القاسم بن معاوية 365.
قتادة بن ربعي 531.
(أبو)قحافة 226.
قطب الدّين الراوندي ه- 403،ه- 455،ه- 456،ه- 460.
قطب الدين الكيدري ه- 227.
قنفذ 209،210،211،212.
قيس بن سمعان 133.
قيلة بن كاهن ه- 271.
حرف الكاف«ك»الكاظم،موسى بن جعفر«ع»:انظر موسى بن جعفر«ع».
الكراجكي ه- 546.
الكشّي ه- 296.
كعب بن الأشرف 532.
كعب بن سور القاضي 382.
الكفعمي ه- 316.
الكلبايگاني(آية اللّه)ه- 421.
(أم)كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ه- 456.
الكليني ه- 222،ه- 416،ه- 631.
(ابن)الكوّا 540،541،542،543،544،545،613،614،615،617.
حرف اللاّم«ل»لقمان الحكيم 616.
ص: 650
لوط«ع»ه- 402،ه- 427،447.
(أبو)لهب 500.
(أبو)ليلى 339.
حرف الميم«م»المأمون ه- 235.
المازمان الجنّي 527.
مالك بن أهيب ه- 456.
المبارك بن فضالة 399.
محسن الأمين،السيّد ه- 6.
(أبو)محمّد ه- 546.
محمّد بن إبراهيم بن إسحاق ه- 170،ه- 459.
محمّد بن أبي بكر 339،383،434،436.
محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي ه- 169.
محمّد بن أبي عمير ه- 242،ه- 459.
محمّد بن أبي السري ه- 612.
محمّد بن أبي القاسم ه- 459،ه- 463.
محمّد بن أبي هارون العلاّف 303.
محمّد بن أحمد 7.
محمّد بن أحمد بن شاذان ه- 285.
محمّد بن أحمد بن العبّاس الدوريستي ه- 7.
محمّد بن إسحاق 386.
محمّد بن أورمة ه- 543،ه- 545.
محمّد بن ثور ه- 115.
محمّد بن جرير الطبري ه- 467.
محمّد بن جعفر ه- 203.
محمّد بن جعفر بن أبي طالب ه- 241.
محمّد بن جمهور ه- 541.
محمّد الجواد«ع»14،165،168،ه- 491.
محمّد بن الحسن ه- 359،ه- 491،ه- 539.
محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ه- 463،ه- 542.
محمّد بن الحسن بن عبد العزيزالجنديسابوري ه- 609.
محمّد بن الحسن الطوسي(أبو جعفر)133.
محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ه- 539.
محمّد بن الحسين بن حفص الخثعمي ه- 465.
محمّد بن الحسين بن حميداللخمي ه- 399.
ص: 651
محمّد بن الحسين الزيّات الكوفي ه- 285.
محمّد بن حمّاد الساسي ه- 296.
محمّد بن خالد البرقي ه- 546.
محمّد بن خالد الطيالسي 133.
محمّد بن زكريا ه- 284،ه- 292.
محمّد بن سلمة الأنصاري 180،339.
محمّد بن سنان ه- 463،ه- 546.
محمّد بن العبّاس ه- 612.
محمّد بن عبد الرّحمن المهلبي ه- 292.
محمّد بن عبد اللّه«ص»النّبيّ الأكرم تكرّر في معظم صفحات الكتاب.
محمّد بن عبد اللّه ه- 166.
محمّد بن عبد اللّه بن الحسن 297.
محمّد بن عبد الوهاب بن سلام(أبو علي الجبائي):انظر(الجبائي).
محمّد عبده،الشيخ ه- 421.
محمّد بن عثمان ه- 384.
محمّد بن العلي(أبو كريب)ه- 467.
(أبو)محمّد العلوي 133.
محمّد بن علي الباقر«ع»:انظر(الباقر«ع»).
محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي:انظر(الصّدوق).
محمّد بن علي الصيرفي ه- 463.
محمّد بن علي الهادي«ع»:انظر(الهادي«ع»).
محمّد بن عمر بن علي 229.
محمّد بن علي بن ماجيلويه ه- 107،ه- 459.
محمّد بن علي بن معمّر الكوفي ه- 285.
مصدّق بن شبيب النحوي ه- 460.
محمّد بن القاسم ه- 107،ه- 431.
محمّد بن القاسم الاسترابادي(المفسّر)7.
محمّد بن محمّد ه- 384،ه- 623.
محمّد بن مسعود ه- 296.
محمّد بن مسلم 532.
محمّد بن موسى بن المتوكّل ه- 169،ه- 496.
محمّد بن موسى الهمداني 133.
محمّد بن هشام ه- 170.
محمّد بن همام(أبو علي)133،ه- 546.
محمّد بن يحيى ه- 166.
محمّد بن يحيى العطّار ه- 542،ه- 545.
مخوّل بن إبراهيم 303.
ص: 652
مجاهد ه- 465.
المجلسي:تكرّر في أغلب الصفحات.
المجلسي الأول ه- 7.
مرحب اليهودي 329،335.
المرتضى،السيّد ه- 373،ه- 380،ه- 381،ه- 382،ه- 383،ه- 384،ه- 285،ه- 386،ه- 390.
المرزبان ه- 403،527.
المرعشي أبو جعفر مهدي بن أبي حرب 6،133.
مروان بن الحكم 382،383،ه- 422.
مريم بنت عمران 507.
مسعدة بن صدقة 626.
المسيح عيسى بن مريم:انظر عيسى بن مريم«ع».
المعتزلي،ابن أبي الحديد ه- 221،ه- 227،ه- 234،ه- 275،ه- 284،ه- 292،ه- 363،ه- 385،ه- 394،ه- 415،ه- 417،ه- 420،ه- 432،ه- 434،ه- 439،ه- 453،ه- 455،ه- 456.
مضاه الجنّي 527.
معاذ بن جبل 200،204،214،301،348.
معاوية بن أبي سفيان 359،386،404،406،407،408،409،412،417،ه- 420،426،ه- 427،428،429،430،431،432،434،436،442،444،447،463.
(أبو)معبد الجهني 497.
معلّى بن محمّد ه- 541.
معمّر ه- 115،ه- 292.
معمّر بن راشد 106،ه- 107.
(أبو)معمّر السعداني ه- 609.
(ابن)المغازلي ه- 446،ه- 466،ه- 473.
المغيرة بن شعبة 181،212،215.
(أبو)المفضل ه- 336،ه- 465،ه- 466،ه- 618،ه- 626،ه- 632.
أبو المفضّل محمّد الشيباني 171.
المفضّل بن عمر ه- 463،ه- 546.
المفيد،الشيخ ه- 7،ه- 167،ه- 368،ه- 373،ه- 375،ه- 381،ه- 382،ه- 399،ه- 416،ه- 437،ه- 460،ه- 475،ه- 492،ه- 493،ه- 495،
ص: 653
ه- 496،ه- 612،ه- 624.
المقداد بن الأسود 95،186،188،194،204،207،214،216،218،219،305،ه- 316،339،343،357،358،362،363،364،450،628.
(ابن)ملجم ه- 545.
منبّه بن الحجّاج 511.
المنصور الدوانيقي ه- 235.
المهدي المنتظر،الحجّة ابن الحسن«عج»ه- 7،15،107،150،154،157،166،168،169،594.
المهدي بن المنصور ه- 235.
موسى«ع»ه- 27،29،30،33،47،64،68،69،70،93،104،106،107،109،112،117،134،135،142،164،166،187،201،ه- 220،ه- 221،ه- 283،294،295،298،299،302،307،346،349،397،446،448،450،495،509،510،511،514،515،516،517،518،519،538،539،574،581،585،591،603،625.
موسى بن جعفر الكاظم«ع»13،168،448،ه- 491،497.
موسى بن عبد اللّه الأسدي ه- 384.
موسى بن عمران النخعي ه- 169.
موسى الهادي ه- 235.
الميداني ه- 97،ه- 228،ه- 262،ه- 266،ه- 269،ه- 315،ه- 418،ه- 459.
ميكائيل 87،88،89،90،91،92،94،95،325،521،574.
ميمون بن قيس(أعشى قيس)ه- 453.
حرف النون«ن»نائل بن نجيح بن عمير ه- 284.
النابغة ه- 433.
نشيبة بن محرث الهذلي ه- 423.
النعماني،الشيخ ه- 167.
نعمة اللّه الجزائري،السيّد ه- 361،ه- 366.
نصر بن مزاحم المنقري 377،ه- 399،ه- 432.
ص: 654
النضر بن الحرث 511.
نمرود 220،504.
النهيكي ه- 203.
نوح«ع»34،69،70،100،106،108،109،112،340،362،371،447،500،501،574،581،615.
النوري،المحدّث ه- 86،ه- 293،ه- 296،ه- 621.
هابيل 295،371.
الهادي،أبو الحسن علي بن محمّد«ع»ه- 8،15،47،166،168،489،ه- 491.
هارون 93،117،134،142،187،201،221،ه- 283،294،298،299،307،346،349،369،397،446،448،450،538،539،603.
هارون بن عمرو بن عبد العزيزالمجاشعي ه- 618،ه- 626.
هارون بن موسى التلعكبري(أبومحمّد)133.
هاشم بن عتبة 339.
هاضب الجنّي 527.
هشام بن عبد الملك ه- 410.
هضب الجنّي 527.
الهملكان الجنّي 527.
هند(أم معاوية)ه- 425،429.
هند بنت اثاثة بن عبّاد ه- 240.
هود«ع»ه- 420،502.
(أبو)الهيثم بن التيهان 186،197،339.
الهيثم بن واقد ه- 541.
حرف الواو«و»الواقدي 383.
الورّاق،أبو سعيد ه- 315.
الوصاف بن صالح ه- 623.
وكيع بن الجرّاح ه- 632.
الوليد 76،78.
الوليد بن عتبة ه- 425.
الوليد بن المغيرة المخزومي 47،49،55،511،512.
حرف الياء«ي»ياقوت الحموي ه- 234.
ص: 655
يحيى بن زكريا«ع»267،528،603.
يحيى بن أبي كثير ه- 115.
يحيى الحضرمي 632.
يحيى بن سلمة بن كهيل ه- 465.
يحيى بن عبد الحميد ه- 459.
يحيى بن عبد اللّه بن الحسن 297،394.
(أبو)يحيى الواسطي 404.
يحيى بن يعلى ه- 399.
يزيد بن عبد الملك ه- 235.
يعقوب«ع»ه- 507.
يعقوب بن يزيد ه- 359.
يوسف«ع»508،574،575.
يوسف بن محمّد بن زياد(أبو يعقوب)7،ه- 8،ه- 9،ه- 431.
يوشع بن نون«ع»302،603،625.
ص: 656
رقم الآية\الآية\الصفحة
2\الحمد لله رب العالمين \152.
40\أوفوا بعهدي أوف بعهدكم \371
46\الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم \571،589
49\يذبحون أبناءكم و يستحيون نساءكم \413
57\و ما ظلمونا و لكن كانوا أنفسهم يظلمون \600
65\كونوا قردة خاسئين \112
74\ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة \95
79\فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم \585
97\قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله ...\94
97-98\قل من كان عدوا،من كان عدوا لله \88
ص: 657
111\و قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم \24،46
112\بلى من أسلم وجهه لله و هو محسن \46.
115\و لله المشرق و المغرب فأينما تولوا\85،576،594
124\لا ينال عهدي الظالمين \591
142\قل لله المشرق و المغرب يهدي من يشاء\82،83
143\و ما جعلنا القبلة التي كنت عليها\85،86
144\قد نرى تقلب وجهك في السماء\82
158\ان الصفا و المروة من شعائر الله \155
180\إن ترك خيرا الوصية \268
189\و ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها\540،582
195\و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة \187
246\أ لم تر إلى الملأ من بني إسرائيل \407
247\إن الله اصطفاه عليكم و زاده ...\350،407
253\تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض \399
258\أ لم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه \5
284\لله ما في السماوات و ما في الأرض \522
285\آمن الرسول بما أنزل إليه ...سمعنا و أطعنا غفرانك \160،522
286\ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا...\523،526.
7\و ما يعلم تأويله إلا الله \582
ص: 658
28\لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء\556
52\من أنصاري إلى الله قال الحواريون \581.
68\أن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه \371،422
71\لم تلبسون الحق بالباطل \586
78\و ان منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب \585
85\و من يبتغ غير الإسلام دينا\148
97\و لله على الناس حج البيت \445
102\اتقوا الله حق تقاته \149
105\و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا\300
144\و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل \175،271،466،583
152\و لقد عفا عنكم \251
187\فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به \208،607
2\و آتوا اليتامى أموالهم و لا تتبدلوا\ه- 600
3\و إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى \577،598
10\إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما\ه- 600
11\يوصيكم الله في أولادكم \268
41\فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد\567
54-55\أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله \371
59\أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر\368،370،441،581،594
ص: 659
65\فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك \583
80\من يطع الرسول فقد أطاع الله \593،596
82\و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا\621
83\و لو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم \581،594
108\إذ يبيتون ما لا يرضى من القول \585
127\و يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم \ه- 600
3\اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي\342،602
19\فقد جاءكم بشير و نذير\566
24\فاذهب أنت و ربك فقاتلا\201
32\من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل \592
41\من الذين قالوا آمنا بأفواههم \580
55\إنما وليكم الله و الذين آمنوا...\142،326،342،368،601
56\و من يتول الله و رسوله و الذين آمنوا\582
67\يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك \137،142،143
68\فلا تأس على القوم الكافرين \584
75\كانا يأكلان الطعام \585
77-78\لعن الذين كفروا من بني اسرائيل \408
82\و الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم \152
95\و من قتله منكم متعمدا فجزاء\445
ص: 660
96\أحل لكم صيد البحر و طعامه \113
1\الحمد لله الذي خلق السماوات و الأرض \45
8-9\و قالوا لو لا نزل عليه ملك \51
23\و الله ربنا ما كنا مشركين \562
24\انظر كيف كذبوا على أنفسهم \565
35\و لو شاء الله لجمعهم على الهدى \578
38\ما فرطنا في الكتاب من شي ء\578،620
75-83\و كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض \6،65
82\الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم \580
94\و لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم \575،587
103\لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار\562
149\قل فلله الحجة البالغة \596
158\هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة \563،570،575،587،588
6\فلنسئلن الذين أرسل إليهم \566
8-9\فمن ثقلت موازينه ...و من خفت موازينه \564،572
38\كلما دخلت أمة لعنت أختها\153
43\الحمد لله الذي هدانا لهذا\160
ص: 661
46\و على الأعراف رجال \540
51\فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا\562
142\اخلفني في قومي\603
143\رب أرني أنظر إليك \574
150\ابن ام ان القوم استضعفوني\215،448
159\و من قوم موسى أمة يهدون بالحق \581
160\و ما ظلمونا و لكن كانوا أنفسهم يظلمون \577
17\فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم \589
41\و اعلموا انما غنمتم من شي ء فإن لله خمسه \628
75\و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض \268،422
16\و لم يتخذوا من دون الله و لا رسوله \342
19\أ جعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام \327
30\قاتلهم الله أنى يؤفكون \588
32\يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم \586
40\لا تحزن إن الله معنا\509
54\و ما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم \582
61\و منهم الذين يؤذون النبي\143
67\نسوا الله فنسيهم \561
ص: 662
73\يا أيها النبي جاهد الكفار و المنافقين \465
77\فأعقبهم نفاقا في قلوبهم \563،571
100\و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار\341
117\لقد تاب الله على النبي و المهاجرين و الأنصار\190
119\اتقوا الله و كونوا مع الصادقين \345
128\لقد جاءكم رسول من أنفسكم \113
35\أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع \349
12\فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك \51
17\ا فمن كان على بينة من ربه \368،590
40\و ما آمن معه إلا قليل \112،581
45\رب إن ابني من أهلي\501،574.
46\انه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح \501،574
80\لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد\447
86\بقية الله خير لكم \576
118-119\و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك \300
24\و لقد همت به و هم بها لو لا أن رأى \574
ص: 663
39\يمحوا الله ما يشاء و يثبت \610
41\أ و لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها\588
43\و يقول الذين كفروا لست مرسلا\368
22\اني كفرت بما اشركتمون من قبل \565
35\و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام \591
36\فمن تبعني فانه مني\372
37\فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم \372
48\يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات \114
9\انا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون \ه- 598
94\فاصدع بما تؤمر\513
95\إنا كفيناك المستهزئين \511،513
26\فأتى الله بنيانهم من القواعد\571
28\الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم \ه- 573
32\الذين تتوفاهم الملائكة طيبين \573
ص: 664
125\ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنةو جادلهم بالتي هي أحسن \5،24،26
1\سبحان الذي أسرى بعبده ليلا\109
12\و جعلنا الليل و النهار آيتين \615
23\و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه \491
45\و إذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لا يؤمنون \505
48\انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا\51
71\يوم ندعو كل أناس بإمامهم \597
74\و لو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن \578
75\إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات \578
79\عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا\567
90-93\و قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا\47
93\قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا\46
53\و رأى المجرمون النار فظنوا\563،572،589
103\قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا\616
110\قل إنما أنا بشر مثلكم \52
110\فمن كان يرجوا لقاء ربه \563،571
ص: 665
5-6\فهب لي من لدنك وليا يرثني\267
6\يرثني و يرث من آل يعقوب \277
48\و اعتزلكم و ما تدعون من دون الله \447
64\و ما كان ربك نسيا\562
1-2\طه *ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى \520
5\الرحمن على العرش استوى \576،589
82\و اني لغفار لمن تاب و آمن \573
109\لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له \563
121\و عصى آدم ربه فغوى \574
47\و نضع الموازين القسط ليوم القيامة \563،572
58\فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم \506
94\فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن \573
107\و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين \577،602
1\ان زلزلة الساعة شي ء عظيم \158
ص: 666
52\و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي\608
77\يا أيها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا\346
33-34\ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل \371
74\عن الصراط لناكبون \541
103-104\في جهنم خالدون \تلفح وجوههم النار\573
106\قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا\567
41\و الطير صافات كل قد علم صلاته و تسبيحه \542
55\وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات \606
7-8\قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام \47،51
9\انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا\55
10\تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك \51
15\قل أ ذلك خير أم جنة الخلد\ه- 273
27-29\و يوم يعض الظالم على يديه \575
44\بل هم أضل سبيلا\608
ص: 667
21\ففررت منكم لما خفتكم \448
61\إنا لمدركون \517
16\و ورث سليمان داود\267،277
35\فناظرة بم يرجع المرسلون \568
20\ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك \232،241
59\و ما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث\ه- 151
68\و ربك يخلق ما يشاء و يختار\3
83\تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا\319،457
88\كل شي ء هالك إلا وجهه \576،598
5\فمن كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت \571
25\يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض \562
46\و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن \5،23
ص: 668
38\فآت ذا القربى حقه \236
13\إن الشرك لظلم عظيم \591
10\بل هم بلقاء ربهم كافرون \563،571،589
11\قل يتوفاكم ملك الموت \573
6\و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض \372
9\يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله ...\فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها\ه- 421،503
10\و تظنون بالله الظنونا\572،589
21\لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة \444،587
33\إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا\238،345
37\و تخفي في نفسك ما الله مبديه \578
44\تحيتهم يوم يلقونه سلام \571
56\ان الله و ملائكته يصلون على النبي\113،597
ص: 669
72\إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض \574
24\و انا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين \444
46\إنما أعظكم بواحدة \577،601
8\فلا تذهب نفسك عليهم حسرات \584
10\إليه يصعد الكلم الطيب \614
1-3\يس *و القرآن الحكيم *إنك لمن المرسلين \597
8\فهي إلى الأذقان فهم مقمحون \505
9\و جعلنا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا\505
12\و كل شي ء أحصيناه في إمام مبين \578
65\اليوم نختم على أفواههم و تكلمنا أيديهم \562
78\من يحيي العظام و هي رميم \505
78-80\و ضرب لنا مثلا و نسي خلقه \25
79\قل يحييها الذي أنشاها أول مرة \26،505
81\أ و ليس الذي خلق السماوات و الأرض بقادر\26
ص: 670
99\و قال اني ذاهب إلى ربي سيهدين \587
130\سلام على آل يس \597
64\ان ذلك لحق تخاصم أهل النار\562
6\و أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج\588
39\فمن اهتدى فلنفسه و من ضل فعليها\159
42\الله يتوفى الأنفس حين موتها\573
56\أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت \146،576،595
73\طبتم فادخلوها خالدين \153،568
40\يدخلون الجنة يرزقون منها بغير حساب \153
85\فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا العذاب \582
21\لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله \566
40\ان الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا\607
ص: 671
43\لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه \ه- 598
51\و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا\563،569
28\و جعلها كلمة باقية في عقبه \158
31\و قالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين \47،57
32\أ هم يقسمون رحمة ربك ...و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات \57
41-42\فأما نذهبن بك فانا منهم منتقمون \466
45\و سئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا\574،584
81\قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين \588
84\و هو الذي في السماء إله و في الأرض إله \576،589
4\فيها يفرق كل أمر حكيم \595
4\ائتوني بكتاب من قبل هذا\350
9\و ما أدري ما يفعل بي و لا بكم \578
29\و إذ صرفنا إليك نفرا من الجن \527
ص: 672
35\فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل \587
2\ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر\499
10\يد الله فوق أيديهم \فمن نكث فإنما ينكث على نفسه \155،159
27\لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق \508
12\يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن \317
15\إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله \408
16\و نحن أقرب إليه من حبل الوريد\576
19\ذلك ما كنت منه تحيد\ه- 59
28\قال لا تختصموا لدي\562
13\يدعون إلى نار جهنم دعا\ه- 16
44\و إن يروا كسفا من السماء ساقطا\50
ص: 673
13-14\و لقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى \563،569
17-18\و ما زاغ البصر و ما طغى لقد رآه من آيات ربه \569
30\ذلك مبلغهم من العلم \607
10\فدعا ربه اني مغلوب فانتصر\447
17\رب المشرقين و رب المغربين \613
26-27\كل من عليها فان و يبقى وجه ربك \598
10-11\و السابقون السابقون أولئك المقربون \341
27\و أصحاب اليمين ما أصحاب اليمين \576
41\و أصحاب الشمال ما أصحاب الشمال \576
4\و هو معكم أينما كنتم \576،589
25\و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد\588
ص: 674
2\و انهم ليقولون منكرا من القول و زورا\608
7\ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم \577،589
12\يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول \113،330
13\أ أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات \312
22\لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر\يوادون من حاد الله و رسوله \152
2\فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا\570
9\و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة \324
16-17\إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال اني بري ء منك \192
4\كفرنا بكم \565
10-12\يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة ...تؤمنون بالله و رسوله \408
ص: 675
8-9\كلما ألقي فيها فوج سألهم ...قالوا بلى قد جاءنا نذير\153
16\أم أمنتم من في السماء\576
4\و انك لعلى خلق عظيم \536
20\اني ظننت اني ملاق حسابيه \572
36-39\فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين و عن الشمال عزين \597
40\رب المشارق و المغارب \613
26-27\عالم الغيب فلا يظهر على غيبه ...إلا من ارتضى من رسول \593
10\و اهجرهم هجرا جميلا\597
ص: 676
22-23\وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة \562
1\هل أتى على الإنسان حين من الدهر\148
5\ان الأبرار يشربون من كأس \326
7\يوفون بالنذر و يخافون يوما كان شره \308
30\و ما تشاؤن إلا أن يشاء الله \579
16-19\أ لم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين \151
38\يوم يقوم الروح و الملائكة صفا\562
17\قتل الإنسان ما أكفره \588
34-36\يوم يفر المرء من أخيه و امه و أبيه و صاحبته و بنيه \566
ص: 677
4-\أ لا يظن أولئك أنهم مبعوثون \589
15\كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون \563،570
22\و جاء ربك و الملك صفا\575،587
25-26\فيومئذ لا يعذب عذابه أحد و لا يوثق و ثاقه أحد\217
4\و رفعنا لك ذكرك \499
6-7\كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى \50
8\ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم \575
1-2\و العصر ان الإنسان لفي خسر\149
ص: 678
1\انا أعطيناك الكوثر\110
3\إن شانئك هو الأبتر\194
1\قل هو الله أحد\45،91
ص: 679
1\إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها\ب\6\فاطمة«ع»\239
2\فكلّ أهل له قرب و منزلة\ب\1\فاطمة«ع»\ه- 239
3\أبدت رجال لنا فحوى صدورهم\ب\8\فاطمة«ع»\240
4\قد كان بعدك أنباء و هنبثة\ب\9\فاطمة«ع»\279
5\مستقبلين رياح الصيف تضربهم\د\1\أمير المؤمنين«ع»\427
6\شتّان ما يومي على كورها\ر\1\أمير المؤمنين«ع»\453
7\شاقتك من قتلة احلالها\ر\1\الأعشى\ه- 453
8\لو كان معتصما من زلّة أحد\س\5\أم سلمة«رض»\393
9\أصبح وجه الزمان قد ضحكا\ك\1\دعبل الخزاعي\ه- 235
10\لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل\ل\1\حمل بن بدر القشيري\ه- 425
11\محمّد النّبيّ أخي و صنوي\م\8\أمير المؤمنين«ع»\429
12\فويل ثمّ ويل ثمّ ويل\م\1\أمير المؤمنين«ع»\430
13\ترك الأمور التي تخشى عواقبها\ن\6\الزّبير بن العوّام\378
14\حتّى ابتلينا بأمر ضاق مصدره\ن\1\الزّبير بن العوّام\379
15\أنت الإمام الذي نرجو بطاعته\ن\6\رجل شاميّ\491
16\هل الدهر إلاّ ليلة و نهارها\ه\3\أبو ذؤيب الهذلي\ه- 423
ص: 680
«أ»أسد ه- 422.
(بنو)إسرائيل 29،ه- 41،87،92،220،222،294،295،299،302،362،397،581.
الإماميّة(الشيعة)ه- 8،ه- 385.
(بنو)أميّة 181،186،ه- 235،ه- 250،359،408،410،ه- 420،ه- 421.
الأوس 178،180،ه- 271.
أهل بدر 450.
«ب»بكر بن وائل 395.
«ت»الترك 13.
(بنو)تغلب 627.
(بنو)تميم 379.
تيم ه- 422،449.
«ث»الثنويّة 27،28،38،39،45،46.
«ج»جديس ه- 262.
ص: 681
جرهم ه- 456.
جهينة 530.
«خ»خزاعة 512،ه- 456.
الخزر 13.
الخزرج 179،180،ه- 271.
الخوارج 438،442،ه- 447،559،560.
«د»الدهريّة 27،28،34،45.
«ر»ربيعة 328.
الروم 13.
«ز»بنو زهرة 181،ه- 422.
الزيديّة ه- 8.
«س»سبأ 409.
(أهل)السنّة 306.
«ش»الشيعة 3،4،8،15،16،20،24،ه- 203،306.
«ص»(قوم)صالح 103.
«ع»(قوم)عاد 103.
عاد ه- 420،502.
عبدة الزهرة 5.
عبدة الشّمس و القمر 5.
ص: 682
عبد مناف ه- 422.
(بنو)عبد المطّلب 424،515.
عديّ 449.
(بنو)عمرو بن عامر 527.
«ف»(أهل)فارس ه- 261.
«ق»قريش 75،76.
(بنو)قريظة 190،444.
(بنو)قيلة 271.
«ل»(قوم)لوط ه- 427.
«م»المانوية ه- 29،ه- 39.
المجوس ه- 27.
مشركو العرب 27،28،39،46.
المشركون 45،47،48.
مضر 328.
«ن»(بنو)النجّار 532.
النّصارى 27،31،34،46،76،486،ه- 487،504،617،585،625.
نصارى نجران 326.
النواصب 20.
(بنو)هاشم 181،182،183،196،200،ه- 226،253،314،408.
«ي»اليهود 27،28،31،45،47،76،77،79،80،81،82،83،84،86،88،90،95،96،98،99،100،101،102،104،108،109،110،112،486،ه- 487،494،497،537،580،585،617،625.
يهود بني إسرائيل 75.
ص: 683
ص: 684
«أ»ابلة 559.
أرمينية 559.
استراباد ه- 8.
اسطخر 529.
أفريقية 559.
الأنبار 416.
الأهواز 490.
«ب»بابل 92.
بدر 76،78،79.
البصرة 376،ه- 384،386،ه- 389،391،394،401،402،ه- 403،418،442،445،463،ه- 559.
بصرى ه- 180،529.
بغداد ه- 275،ه- 416،ه- 447.
بلاد الرّوم 484،485.
بيت المقدس 81،82،83،84،85،86،92،93،110،519،537،538.
«ت»تبوك 116،213،346.
تهامة ه- 293،427.
ص: 685
«ج»جبل أحد ه- 12.
جبل أبي قبيس 70،71.
الجحفة 137،138.
«ح»الحبشة ه- 241.
الحجاز ه- 137،ه- 234،ه- 265،ه- 533.
الحديبية 517.
الحرّة ه- 137.
الحطيم 534.
حنين 516.
الحوأب 388،472.
حوران 180.
«خ»الخريبة 402،403.
خيبر 309،322،330،335،507،627.
«د»دمشق ه- 180.
«ذ»ذات عرق ه- 427.
«ر»الرحبة 452،ه- 460،546.
الري ه- 7،ه- 467.
«س»سرنديب 559.
سقيفة بني ساعدة 175،ه- 218،423،و راجع أيضا(ظلّة بني ساعدة).
«ش»الشّام 72،ه- 137،ه- 173،180،224،
ص: 686
404،412،416،433،490،497،529،ه- 533.
«ص»الصين 72،559.
«ط»الطائف 49،55،226،327،532.
«ظ»ظلّة بني ساعدة(السقيفة)204،206.
العراق 72،388.
عرفة 354.
عسفان ه- 137.
العقبة(منزل في طريق مكّة)116،121،122،127،128،129.
«غ»غدير خمّ 137،138،184،197،202،205،213،333،342،349،354،369،429.
«ف»فدك 234،235،236،238،243،247،253،ه- 268،ه- 275،ه- 283،ه- 284،ه- 285،627.
فلسطين 173.
«ق»قصر أبي خلع(البصرة)ه- 384.
«ك»كراع الغميم 137.
الكرك ه- 533.
الكعبة 43،47،70،71،81،82،83،84،86،214،312،324،352،446،506،515.
الكوفة 410،411،413،414،415،
ص: 687
449،ه- 452،612.
«م»مأرب ه- 409.
ماجين 559.
المدائن 316،317،318.
المدينة 74،75،81،90،111،116،133،134،135،137،174،225،ه- 234،235،346،362،386،421،463،484،488،501،502.
المسجد الأقصى 109،521.
المسجد الحرام 109،521.
مسجد الخيف 136،137.
مسجد الرسول«ص»207،223،312،314،468،484.
مصر ه- 137.
مقام إبراهيم«ع»627.
مكّة 47،49،55،68،70،74،81،86،135،137،334،373،374،387،ه- 388،396،ه- 427،445،ه- 456،517،528،533،535.
منى ه- 136،465.
مؤتة 173،533.
«ن»نجد ه- 427.
نصيبين 527.
النهروان 447،463،617.
هجر 384،417.
الهند ه- 21.
«و»وادي السباع 379.
واسط ه- 447.
«ي»يثرب 74.
اليمن 338،529.
ص: 688
القرآن الكريم
حرف الالف 1-آلاء الرحمن في تفسير القرآن:البلاغي النجفي:محمد جواد(م 1352 ه-)مكتبةالوجداني،قم.
2-الاتقان:جلال الدين السيوطي(849-911 ه-)تحقيق الدكتور مصطفى،دار ابن كثير،بيروت.
3-اثبات الهداة:الحر العاملي:محمد بن الحسن(م 1104 ه-)المطبعة العلمية،قم.
4-احقاق الحق:الشهيد السيد نور اللّه الحسيني التستري(م 1091 ه-)المكتبة الإسلامية،طهران.
5-الاختصاص:أبو عبد اللّه:محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد-رحمه اللّه-(336-413 ه-)منشورات جماعة المدرسين في الحوزة
ص: 689
العلمية،قم.
6-الارشاد:المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(336-413 ه-)طبع قم-1402 ه-.
7-الاستيعاب:أبو عمر:يوسف بن عبد اللّه بن عبد البر،دار نهضة مصر،القاهرة.
8-اسد الغابة:ابن الاثير:أبو الحسن:علي بن أبي الكرم(م 630 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت.
9-الأعلام:خير الدين الزركلي(م 1396 ه-)دار العلم للملايين،بيروت،الطبعة السادسة-1404 ه-.
10-أعلام النساء:عمر رضا كحّالة،مؤسسة الرسالة،بيروت-1404 ه-.
11-اعلام الورى:أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي(471-548 ه-)طبع إيران.
12-أعيان الشيعة:السيد محسن الأمين العاملي(م 1371 ه-)دار التعارف،بيروت.
13-اكمال الدين:الشيخ الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)طهران-1405 ه-.
14-الأمالي:الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)مؤسسةالأعلمي للمطبوعات،بيروت،لبنان،الطبعة الخامسة-1400 ه-.
15-الأمالي:الطوسي:محمد بن الحسن(385-460 ه-)مؤسسة الوفاء،بيروت-1401 ه-.
16-الأمالي:المرتضى:علي بن الحسين الموسوي(355-436 ه-)دار احياء الكتب العربية،بيروت-1373 ه-.
17-الأمالي:المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(413 ه-)منشورات جماعة المدرسين،قم-1403 ه-.
18-الإمامة و السياسة:أبو محمد:عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري(م 276 ه-)مطبعة
ص: 690
مصطفى محمد،مصر.
19-الأمثال في نهج البلاغة:محمد الغروي،انتشارات فيروزآبادي،قم المقدسة-1401 ه-.
20-أمل الآمل:الحر العاملي:محمد بن الحسن(1023-1104 ه-)تحقيق السيد أحمدالحسيني،مكتبة الاندلس،بغداد-1385 ه-.
21-أنساب الأشراف:أحمد بن يحيى البلاذري(من أعلام القرن الثالث الهجري)مؤسسة الأعلمي،بيروت-1394 ه-.
22-أهل البيت:توفيق أبو علم،مطبعة السعادة،مصر.
حرف الباء23-بحار الأنوار:العلاّمة محمد باقر المجلسي الإصفهاني(م 1110 ه-)مؤسسة الوفاء،بيروت،الطبعة الثانية-1403 ه-.
و الجزءان 32 و 33 طبعا أخيرا في إيران.
24-البداية و النهاية:الحافظ أبو الفداء ابن كثير الشامي(م 774 ه-)دار الفكر،بيروت-1402 ه-.
25-البرهان القاطع:ابن خلف التبريزي:محمد حسين،تصحيح محمد عباسي،مطبعةپيروز،ايران-1336 ه-.ش.
26-بصائر الدرجات:أبو جعفر:محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار(م 290 ه-)الناشر:محمود رسيمانچي صادقي تبريزي،ايران،الطبعة الثانية-1380 ه-.
27-بلاغات النساء:ابن طيفور:أحمد بن أبي ظاهر(م 380 ه-)مكتبة بصيرتي،قم،ايران،طبعة بيروت.
ص: 691
28-البهار:حسين بن سعيد الأهوازي(من أصحاب الامام الرضا و الجواد و الهادي«عليهم السّلام»).
حرف التاء29-تاريخ الأمم و الملوك:أبو جعفر:محمد بن جرير الطبري(م 310 ه-)مؤسسةالأعلمي،بيروت.
30-تاريخ اليعقوبي:أحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي(من علماء القرن الثالث الهجري)المكتبة الحيدرية،النجف الاشرف-1384 ه-.
31-تأويل الآيات الظاهرة:السيد شرف الدين علي الحسيني الغروي(من أعلام القرن العاشر الهجري)،نشر و تحقيق:مدرسة الامام المهدي عليه السّلام،الطبعة الاولى-1407 ه-.
32-تحف العقول:الحرّاني:الحسن بن علي(من أعلام القرن الرابع الهجري)مؤسسةالأعلمي،بيروت-1394 ه-.
33-تذكرة الخواص:سبط ابن الجوزي(581-654 ه-)مؤسسة أهل البيت،بيروت-1401 ه-.
34-ترجمة الإمام علي:ابن عساكر:علي بن الحسن بن هبة اللّه(500-573 ه-)دارالتعارف،بيروت-1395 ه-.
35-تفسير الامام العسكري-عليه السّلام-:التحقيق و النشر في مدرسة الإمام المهدي«عليه السّلام»،قم،الطبعة الاولى المحقّقة-1409 ه-.
36-تفسير البرهان:السيد هاشم التوبلي البحراني(م 1107 ه-)قم-1375 ه-.
37-تفسير البيان:الخوئي:أبو القاسم الموسوي(1317-1413 ه-)مطبعة الآداب،
ص: 692
النجف الاشرف.
38-تفسير جامع أحكام القرآن:القرطبي:أبو عبد اللّه:محمد بن أحمد الأنصاري(م 671 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت-1405 ه-.
39-تفسير العياشي:محمد بن مسعود العياشي(م 320 ه-)المطبعة العلمية،قم.
40-تفسير فرات:فرات بن ابراهيم بن فرات الكوفي(من أعلام القرن الثالث الهجري)المطبعة الحيدرية،النجف الأشرف.
41-تفسير القمّي:أبو الحسن:علي بن ابراهيم القمّي(من أعلام القرنين الثالث و الرابع الهجري)مؤسسة دار الكتاب،قم،الطبعة الثالثة في جزأين-1404 ه-.
42-تفسير مجمع البيان:الطبرسي:الفضل بن الحسن(471-548 ه-)مطبعة العرفاني،صيدا-1354 ه-.
43-تفسير الميزان:العلاّمة الطباطبائي:محمد حسين(1321-1402 ه-)مؤسسةالأعلمي،بيروت-1403 ه-.
44-تلخيص الرياض:السيد علي خان الحسيني المدني الشيرازي(م 1120 ه-)مطبعةالحيدري،طهران-1381 ه-.
45-تلخيص الشافي:شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي:محمد بن الحسن(385-460 ه-)دار الكتب الاسلامية،قم المقدسة-1394 ه-/1974 م.
46-تنبيه الخواطر المسمّى ب-(مجموعة ورّام):أبو الحسين:ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري(م 605 ه-)دار الكتب الاسلامية،طهران-1409 ه-.
47-التهذيب:الشيخ الطوسي:محمد بن الحسن(م 460 ه-)دار الكتب الاسلامية،طهران-1390 ه-.
48-تهذيب التهذيب:العسقلاني:أحمد بن علي بن حجر(773-852 ه-)دار الفكر،
ص: 693
بيروت-1404 ه-.
49-التوحيد:الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)مكتبةالصدوق،طهران.
حرف الجيم 50-الجمل أو النصرة في حرب البصرة:الشيخ المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(م 413 ه-)منشورات مكتبة الداوري،قم المقدسة.
51-الجرح و التعديل:أبو حاتم الرازي(م 327 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت-1371 ه-.
حرف الحاء52-حلية الأبرار:السيد هاشم البحراني(م 1107 ه-)دار الكتب العلمية،قم،الطبعةالأولى في جزأين-1397 ه-.
حرف الخاء53-الخرائج و الجرائح:قطب الدين الراوندي(م 573 ه-)مؤسسة الإمام المهدي(عج)،قم-1409 ه-.
54-الخصال:الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية،قم-1403 ه-.
ص: 694
حرف الدال 55-الدر المنثور:جلال الدين السيوطي(849-911 ه-)دار الفكر،بيروت-1403 ه-.
56-دعائم الإسلام:أبو حنيفة:النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي(م 363 ه-)دار المعارف،القاهرة-1383 ه-/1963 م.
57-دلائل الإمامة:الطبري:أبو جعفر:محمد بن جرير بن رستم(من أعلام القرن الرابع الهجري)المطبعة الحيدرية،النجف الاشرف-1383 ه-/1963 م.
58-ديوان الأعشى:ميمون بن قيس الأعشى(م 7 ه-)المكتبة الثقافية،بيروت،لبنان.
حرف الذال 59-ذخائر العقبى:المحب الطبري:أحمد بن عبد اللّه(615-694 ه-)مكتبة القدسي،القاهرة-1356 ه-.
60-الذريعة:آقا بزرگ الطهراني(1293-1389 ه-)دار الأضواء،بيروت-1403 ه-.
حرف الراء61-ربيع الأبرار:الزمخشري:محمود بن عمر(467-538 ه-)منشورات الشريف الرضي،قم-1410 ه-.
62-الرجال:أبو عمرو الكشي:محمد بن عمر بن عبد العزيز(من أعلام القرن الرابع الهجري)مؤسسة الأعلمي،كربلاء،العراق.
63-الروائع المختارة من خطب الامام الحسن السبط«عليه السّلام»:السيد مصطفى محسن الموسوي،تعليق السيد مرتضى الرضوي،منشورات مكتبة مدرسة چهل
ص: 695
ستون،المسجد الجامع،طهران.
64-روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه:المولى محمد تقي المجلسي(1003-1070)مؤسسة الثقافة الإسلامية،المطبعة العلمية،قم.
65-روضة الواعظين:الفتّال النيسابوري:محمد بن علي(من علماء القرن السادس الهجري)تبريز-1333 ه-.
حرف السين 66-السبعة من السلف:السيد مرتضى السيد محمد الحسيني الفيروزآبادي،مكتبةالفيروزآبادي،قم المقدسة.
67-سفينة البحار:الشيخ عبّاس القمّي(1294-1359 ه-)طبعة حجر،النجف الاشرف.
68-السيرة النبوية:ابن هشام:أبو محمد:عبد الملك بن أيوب الحميري(م 213 أو 218 ه-)دار التراث العربي،بيروت.
حرف الشين 69-الشافي في الإمامة:الشريف المرتضى:علي بن الحسين الموسوي(م 436 ه-)تحقيق السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب،مؤسسة الصادق للطباعة و النشر،طهران-1410 ه-.
70-شرح قصيدة الحميري:الحاج الميرزا محمد رضا التبريزي،طبعة حجر،ايران-1301 ه-.
71-شرح نهج البلاغة:ابن أبي الحديد(م 655 ه-)دار إحياء الكتب العربية،القاهرة-1378 ه-.
ص: 696
72-شرح نهج البلاغة:ابن ميثم البحراني:كمال الدين ميثم بن علي(م 679 ه-)دار العالم الاسلامي،بيروت-1401 ه-/1981 م.
حرف الصاد73-الصحاح:اسماعيل بن حمّاد الجوهري،دار العلم للملايين،بيروت،الطبعة الرابعةفي ستة أجزاء،1407 ه--1987 م.
74-الصحيح:الترمذي:محمد بن عيسى بن سورة(209-279 ه-)دار إحياء التراث العربي،بيروت.
75-الصحيح:مسلم بن الحجاج القشيري(م 261 ه-)دار إحياء التراث العربي،بيروت.
حرف العين 76-العقد الفريد:ابن عبد ربّه الأندلسي(246-328 ه-)دار الكتب العلمية،بيروت-1404 ه-.
77-علل الشرائع:الشيخ الصدوق:أبو جعفر:محمد بن علي بن بابويه القمّي(م 381 ه-)المكتبة الحيدرية،النجف الأشرف،الطبعة الثانية في جزأين-1385 ه-.
78-العمدة:ابن البطريق:يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي(533-600 ه-)مؤسسة النشرالاسلامي،قم-1407 ه-.
79-عيون أخبار الرضا«عليه السّلام»:الصدوق:محمد بن علي بن بابويه القمّي(م 381 ه-)تحقيق السيد مهدي الحسيني اللاجوردي،الناشر:رضا مشهدي.
ص: 697
حرف الغين 80-الغارات:ابن هلال الثقفي الكوفي(م 283 ه-)دار الكتاب الإسلامي،قم-1411 ه-.
81-غاية المرام:السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل البحراني(م 1107 ه-)طبعة حجر،ايران.
82-الغدير:العلاّمة الأميني:عبد الحسين أحمد النجفي(1320-1390 ه-)دار الكتاب العربي،بيروت-1387 ه-.
83-غريب الحديث:الهروي:أبو عبيد:القاسم بن سلام(م 224 ه-)دار الكتب العلمية،بيروت-1406 ه-/1986 م.
84-غوالي اللئالي:محمد بن علي بن ابراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور،مطبعة سيد الشهداء،قم المقدسة-1403 ه-/1983 م.
85-الغيبة:الطوسي:أبو جعفر:محمد بن الحسن(م 460 ه-)مطبعة النعمان،النجف الأشرف.
86-الغيبة:النعماني:محمد بن ابراهيم(من أعلام القرن الرابع الهجري)مكتبة الصدوق،طهران،تحقيق علي أكبر غفّاري.
حرف الفاء87-الفائق:محمود بن عمر الزمخشري(467-538 ه-)،دار الفكر للطباعة و النشرو التوزيع،لبنان،الطبعة الثالثة 1399 ه-.
88-الفتوح:أبو محمد:أحمد بن أعثم الكوفي(م 314 ه-)دار الندوة الجديدة،بيروت،لبنان.
ص: 698
89-فرائد السمطين:ابراهيم بن محمد الحمويني(644-730 ه-)مؤسسة المحمودي للطباعة و النشر،بيروت،لبنان-الطبعة الاولى-1398 ه-.
90-الفصول المختارة:الشيخ المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(م 413 ه-)مكتبةالداوري،قم-1396 ه-.
91-فضائل الصحابة:أبو عبد اللّه:أحمد بن حنبل(164-441 ه-)جامعة أم القرى،المملكة العربية السعودية-1403 ه-.
92-الفضائل:ابن شاذان:أبو الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن أبي طالب القمّي(م 660 ه-)المطبعة الحيدرية،النجف الأشرف-1381 ه-/1962 م.
حرف القاف 93-قاموس اللغة:أبو طاهر:محمد بن يعقوب الفيروزآبادي(729-816 ه-)دار المعرفة،بيروت.
94-قرب الاسناد:الحميري القمّي:عبد اللّه بن جعفر(من أعلام القرن الثالث الهجري)مكتبة نينوى الحديثة،طهران.
حرف الكاف 95-الكافي:أبو جعفر الكليني:محمد بن يعقوب(9-328 ه-)تصحيح علي أكبر الغفّاري،دار الكتب الإسلامية،طهران،الطبعة الثانية في ثمانية أجزاء-1389 ه-.
96-كامل البهائي:الحسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسن الطبري،المشهورب-(عماد الدين الطبري)المكتبة المرتضوية،ايران.
97-كتاب سليم بن قيس:سليم بن قيس الكوفي الهلالي،صاحب أمير المؤمنين«عليه
ص: 699
السّلام»،نشر دار الكتب الإسلامية،قم.
98-كشف الغمة:الاربلي:علي بن عيسى(م 693 ه-)دار الأضواء،بيروت-1405 ه-.
99-الكنى و الألقاب:الشيخ عباس القمّي(1294-1359 ه-)مكتبة الصدر،طهران-1397 ه-.
100-كنز العمال:المتّقي الهندي(م 975 ه-)مؤسسة الرسالة،بيروت-1405 ه-.
101-كنز الفوائد:الشيخ محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي(م 449 ه-)تحقيق الشيخ عبد اللّه نعمة،دار الأضواء،بيروت،لبنان-1405 ه-/1985 م.
حرف اللام 102-لسان العرب:ابن منظور:محمد بن مكرم الإفريقي المصري(م 711 ه-)دار صادر،بيروت.
103-لسان الميزان:ابن حجر:شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني(م 852 ه-)مؤسسةالأعلمي،بيروت.
104-اللهوف على قتلى الطفوف:السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس(589-664 ه-)مطبعة العرفان،صيدا.
حرف الميم 105-مائة منقبة:أبو الحسن:محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمّي المعروف بابن شاذان(من أعلام القرنين الرابع و الخامس الهجري)مؤسسة الإمام المهدي«عليه السّلام»قم المقدسة-1407 ه-.
106-مباهج المهج:الكيدري،مخطوط في مكتبة مسجد أعظم،قم المقدسة.
ص: 700
107-مثير الأحزان:ابن نما الحلّي:نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة اللّه(567-645 ه-)تحقيق و نشر مؤسسة الامام المهدي«عليه السّلام»قم المقدسة-1406 ه-.
108-مجمع الأمثال:أبو الفضل:أحمد بن محمد احمد بن ابراهيم النيسابوري الميداني(م 518 ه-)المكتبة التجارية الكبرى،مصر،الطبعة الثانية في جزأين-1379 ه-/1959 م.
109-مجمع البحرين:المحدّث الفقيه الشيخ فخر الدين الطريحي(م 1085 ه-)المكتبةالرضوية،طهران.
110-مروج الذهب:علي بن الحسين المسعودي(م 345 ه-)منشورات الجامعة اللبنانية،بيروت-1965 م.
111-المزار الكبير:ابن المشهدي،مخطوط في مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي،قم،ايران.
112-المستدرك:الحاكم النيسابوري:محمد بن عبد اللّه(م 405 ه-)دار المعرفة،بيروت.
113-مستدرك الوسائل:النوري الطبرسي:الحسين بن محمد تقي(1254-1320 ه-)مؤسسة آل البيت،قم-1407 ه-.
114-مسند:أحمد بن حنبل(م 241 ه-)دار الفكر،بيروت.
115-المصباح المنير:أحمد بن محمد بن علي المقري الفيّومي(م 770 ه-)تصحيح:محمد محي الدين عبد الحميد المدرس بالقسم الثانوي بالجامع الأزهر.
116-معاني الأخبار:الشيخ الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)تحقيق علي أكبر الغفّاري،دار المعرفة،بيروت-1399 ه-/1979 م.
117-معجم البلدان:أبو عبد اللّه:ياقوت بن عبد اللّه الحموي الرومي البغدادي(م 262 ه-)
ص: 701
دار صادر،بيروت-1404 ه-/1984 م.
118-معجم رجال الحديث:السيد أبو القاسم الخوئي(1317-1413 ه-)بيروت-1403 ه-.
119-المفردات في غريب القرآن:أبو القاسم:الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني(م 502 ه-)الطبعة الثانية،المكتبة المرتضوية-1362 ه-.ش.
120-مقاتل الطالبيين:أبو الفرج الاصفهاني(284-356 ه-)مؤسسة دار الكتاب،قم.
121-الملل و النحل:الشهرستاني:محمد بن عبد الكريم(479-548 ه-)دار المعرفة،بيروت-1402 ه-.
122-مناقب آل أبي طالب:ابن شهرآشوب المازندراني:رشيد الدين محمد بن علي السروي(488-588 ه-)الطبعة العلمية،قم.
123-المناقب:ابن المغازلي:علي بن محمد الشافعي الواسطي(م 483 ه-)المكتبةالإسلامية،طهران-1403 ه-.
124-المناقب:الخوارزمي:أحمد بن محمد(م 568 ه-)مؤسسة النشر الاسلامي،قم-1411 ه-.
125-من لا يحضره الفقيه:الشيخ الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)دار الكتب الاسلامية،طهران-1390 ه-.
126-منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة:أبو الحسين:قطب الدين سعيد بن هبة اللّه الراوندي(م 573 ه-)منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي،قم المقدسة-1406 ه-.
ص: 702
حرف النون 127-نزهة الناظر و تنبيه الخاطر:الحسين بن محمد بن الحسن بن نصر الحلواني(من أعلام القرن الخامس الهجري)مؤسسة الامام المهدي«عليه السّلام»قم المقدسة-1408 ه-.
128-نفس الرحمن في فضائل سلمان:حسين نوري المازندراني،طبعة حجر،ايران.
129-النهاية في غريب الحديث و الأثر:ابن الأثير:مبارك بن محمد الجزري(544-606 ه-)مؤسسة اسماعيليان،قم،الطبعة الرابعة في خمسة أجزاء-1364 ه-.ش.
130-نهج البلاغة:مجموعة من كلام أمير المؤمنين«عليه السّلام»جمعه الشريف ابو الحسن محمد بن الحسن الرضي،تعليق الدكتور صبحي الصالح،بيروت،الطبعةالاولى-1387 ه-/1967 م.
131-نهج الحق و كشف الصدق:الحسن بن يوسف المطهّر الحلّي(648-746 ه-)مؤسسة دار الهجرة،قم،الطبعة الاولى-1407 ه-.
132-نهج السعادة:الشيخ محمد باقر المحمودي(المعاصر)مؤسسة الأعلمي،بيروت.
133-نور الثقلين:العروسي الحويزي:عبد علي بن جمعة(م 1112 ه-)مطبعة الحكمة،قم-1383 ه-.
حرف الواو134-وسائل الشيعة:الحر العاملي:محمد بن الحسن(1023-1104 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت-1403 ه-.
ص: 703
135-وقعة صفين:نصر بن مزاحم المنقري(م 212 ه-)دار إحياء الكتب العربية،القاهرة-1365 ه-.
حرف الياء136-اليقين في امرة أمير المؤمنين:السيد رضي الدين أبو القاسم:علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحلّي(589-664 ه-)المطبعة الحيدرية،النجف الأشرف-1369 ه-/1950 م.
137-ينابيع المودة:القندوزي:سليمان بن ابراهيم البلخي(م 1294 ه-)مطبعة اختر،اسلامبول-1301 ه-.
ص: 704
مقدّمة المؤلف 1
الأمر بالجدال بالتي هي أحسن 5
فضل العلماء 7
فضل من هدى جاهلا منقطعا 9
فضل من أخرج ضعيفا من ظلمة الجهل 10
فضل كافل يتيم آل محمد(ع)11
العالم كمن معه شمعة تزيل الجهل 12
علماء شيعتنا أفضل من المجاهدين 13
الفقيه يشفّع يوم القيامة 14
الفقيه أفضل من العابد 15
علماء الشيعة يوم القيامة 16
المواساة بالعلم 17
ثواب التقوية في الدين و الحجة 18
ثواب العلماء المجادلين الموالين 20
ص: 705
ملائكة السماء تصلّي على العالم المجادل 22
الجدال على قسمين 23
احتجاجات النبيّ(ص)25
احتجاج النبيّ(ص)على اليهود 29
احتجاج النبيّ(ص)على النصارى 31
احتجاج النبيّ(ص)على الدهريّة 34
احتجاج النبيّ(ص)على الثنويّة 38
احتجاج النبيّ(ص)على مشركي العرب 39
النبيّ(ص)يخصم محاججيه فيسلمون 44
احتجاج النبيّ(ص)على جماعة من المشركين 45
النبيّ(ص)كان يناظر اليهود و المشركين 47
محاججة النبيّ(ص)مع مشركي قريش 48
كلام عبد اللّه بن أبي اميّة المخزومي 49
نزول الآيات على النبيّ(ص)51
احتجاج النبيّ(ص)على عبد اللّه بن أبي اميّة 52
اعتراض أبي جهل 64
احتجاج النبيّ(ص)على أبي جهل 65
أمير المؤمنين(ع)يخبر بمعجزات النبيّ(ص)68
النبيّ(ص)و معجزات الأنبياء(ع)69
رسالة أبي جهل الى النبيّ(ص)74
جواب النبيّ(ص)لرسالة أبي جهل 76
النبيّ(ص)يري المؤمنين مصارع أبي جهل و أصحابه 77
ص: 706
النبيّ(ص)يشهد المسلمين و اليهود 79
إخبار النبيّ(ص)يتحقّق 80
احتجاجه(ص)على اليهود في جواز نسخ الشرائع 81
احتجاجه(ص)في تحويل القبلة 82
اليهود يكذّبون جبرئيل(ع)87
جبرئيل و ميكائيل(ع)أخوان 88
الملائكة تشتاق إلى عليّ(ع)90
احتجاجه(ص)على عبد اللّه بن صوريا 91
احتجاج سلمان(رض)على عبد اللّه بن صوريا 92
النبيّ(ص)يصدّق قول سلمان(رض)95
احتجاج النبيّ(ص)على اليهود 96
اليهود يقترحون معجزة على النبيّ(ص)98
إتيانه(ص)بمعجزة عظيمة باقتراح اليهود 99
استشفاع الأنبياء(ع)بأهل البيت(ع)106
احتجاجه(ص)على يهود المدينة 108
جوابه(ص)لسؤال يهوديّ 114
احتجاجه(ص)على المنافقين 116
حديث المنزلة 117
تدبير المنافقين لاغتيال أمير المؤمنين(ع)118
إخبار النبيّ(ص)بسلامة عليّ(ع)121
كيد المنافقين للنبيّ(ص)122
الاشارة الى فضل عليّ(ع)123
ص: 707
أمره(ص)لحذيفة و ما جرى له 127
اختباء حذيفة في العقبة 128
حذيفة يخبر النبيّ(ص)بالمنافقين 130
المنافقون يدحرجون الدباب 131
عودة النبيّ(ص)و عليّ(ص)الى المدينة 132
ما جرى في حجّة الوداع 133
الأمر بتبليغ فريضة الحجّ و فريضة الولاية 134
الأمر بتسليم عليّ(ص)مواريث الأنبياء 135
الأمر باقامة عليّ وليّا 136
النبيّ(ص)يؤمر بتبليغ الولاية بلا إبطاء 137
المناداة بالصلاة جامعة 138
خطبة النبيّ(ص)في غدير خم 139
«عليّ(ع)وليّ المؤمنين بعدي»142
تقريعه(ص)المنافقين 143
النبيّ(ص)يوصي الناس 144
الدعوة للتمسّك بعليّ(ع)145
الدعوة للتدبّر في القرآن 146
الثقل الأكبر و الثقل الأصغر 147
إكمال الدين بالإمامة 148
تحذيره(ص)الناس عن الانحراف عن عليّ(ع)149
«اسمعوا لعليّ(ع)تسلموا»151
ذريّة عليّ(ع)أئمة الهدى 152
ص: 708
أعداء عليّ(ع)هم الأخسرون أعمالا 153
فضائل و مناقب عليّ(ع)154
توصيته(ص)بالصلاة و الزكاة و الحجّ 156
حلال محمد(ص)حلال الى يوم القيامة 157
أخذ الإقرار بالسمع و الطاعة 158
مصافقة الناس للنبيّ(ص)161
لوح فاطمة(ع)162
تعيين الأئمة بأسمائهم 167
انّ طاعتهم(ع)طاعة اللّه 170
الوقائع التي جرت بعد الرسول(ص)171
توصيته(ص)بالثقلين 172
أمره(ص)اسامة بالمسير للعدوّ 173
وفاة رسول اللّه(ص)174
اجتماع الأنصار في السقيفة 175
ما جرى في السقيفة 176
كيفية البيعة لأبي بكر 178
اعتراض بشير بن سعد على البيعة 180
الإنكار على أبي بكر 181
احتجاج أمير المؤمنين(ع)بأحقيّته 182
إشهاده(ع)على حديث الغدير جماعة 185
احتجاج بعض الصحابة على أبي بكر 186
احتجاج خالد بن سعيد بن العاص على أبي بكر 190
ص: 709
عمر يسكت خالدا 191
احتجاج سلمان الفارسي(رض)192
احتجاج أبي ذر(رض)193
احتجاج المقداد بن الأسود(رض)194
احتجاج بريدة الأسلمي(رض)195
احتجاج عمّار بن ياسر(رض)196
احتجاج أبيّ بن كعب و ابن التّيهان(رض)197
احتجاج سهل بن حنيف و أخيه عثمان(رض)198
احتجاج أبي أيّوب الأنصاري(رض)199
اجتماع العصابة 200
اعتكاف أمير المؤمنين(ع)في داره 201
الهجوم على دار عليّ(ع)202
رواية سليم بن قيس الهلالي 203
تغسيل عليّ(ع)لرسول اللّه(ص)204
إبليس أوّل من بايع أبا بكر 205
عليّ(ع)يستنصر المهاجرين و الأنصار 206
أمير المؤمنين(ع)يجمع القرآن 207
القوم يدعون عليّا(ع)للبيعة 208
استنصار عليّ(ع)و فاطمة(ع)المهاجرين و الأنصار 209
هجوم قنفذ على بيت فاطمة(ع)210
قنفذ يضرب بضعة الرسول(ص)بالسوط 212
احتجاج أمير المؤمنين(ع)على القوم 213
ص: 710
إخباره(ع)ايّاهم بصحيفتهم الملعونة 214
«إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني»215
تسمية عمر بابن صهّاك 216
احتجاج سلمان(رض)على القوم 217
عمر يردّ على سلمان 218
امير المؤمنين(ع)يخبرهم بخبر التابوت 219
خبر تابوت النار 220
ارتداد الناس بعد رسول اللّه(ص)221
الزهراء(ع)تخرج خلف أمير المؤمنين(ع)222
سلمان(رض)يعيد الزهراء(ع)223
كتاب أبي بكر لاسامة و ردّه عليه 224
بيعة اسامة لأبي بكر 225
ردّ أبي قحافة على أبي بكر 226
اعتراف أبي بكر بأحقيّة أمير المؤمنين(ع)227
مخاصمة العباس لعليّ(ع)في ميراث النبيّ(ص)230
تواطؤ الخليفتين و خالد على اغتيال عليّ(ع)231
أبو بكر يخشى عاقبة اغتيال عليّ(ع)232
عليّ(ع)يؤدّب خالدا 233
احتجاج أمير المؤمنين(ع)في غصب فدك 234
الزهراء(ع)تحتجّ على غصب فدك 235
الخليفة يطلب شهودا 236
احتجاج عليّ(ع)على أبي بكر 237
ص: 711
احتجاجه(ع)بآية التطهير 238
الزهراء(ع)تبكي أباها رسول اللّه(ص)239
التواطؤ لقتل أمير المؤمنين(ع)240
أسماء بنت عميس تخبر عليّا(ع)241
فشل اغتيال أمير المؤمنين(ع)242
رسالة عليّ(ع)لأبي بكر حول فدك 243
هلع الخليفة من رسالة أمير المؤمنين(ع)248
خطبة الزهراء البتول(ع)253
الزهراء(ع)تخاطب الأنصار 269
جواب الخليفة للزهراء(ع)275
احتجاج الزهراء(ع)بآيات القرآن 277
الزهراء(ع)تخاطب معاشر المسلمين 278
الزهراء(ع)تتظلّم الى قبر أبيها(ص)279
مخاطبة الزهراء(ع)لأمير المؤمنين(ع)280
أمير المؤمنين(ع)يصبّر الزهراء(ع)و يواسيها 282
خطبة الزهراء(ع)على نساء المهاجرين و الأنصار 286
خطبة سلمان(رض)و احتجاجه على القوم 293
خطبة أبيّ بن كعب(رض)و احتجاجه على القوم 297
احتجاج أمير المؤمنين(ع)على أبي بكر 304
اعتذار أبي بكر بحديث(لا تجتمع أمّتي على ضلال)305
بيان بطلان الاحتجاج بالحديث لعدم حصول الاجتماع 306
احتجاج الامام(ع)على أبي بكر 307
ص: 712
الخليفة يعترف بخطئه 313
الخليفة يعد باصلاح خطئه 314
عمر يغيّر عزم الخليفة 315
احتجاج سلمان(رض)على عمر 316
جواب سلمان(رض)لرسالة عمر 317
احتجاج أمير المؤمنين(ع)على القوم بعد موت عمر 320
احتجاجه(ع)على أصحاب الشورى 321
اتّباع أصحاب الشورى هوى أنفسهم 336
احتجاجه(ع)على المهاجرين و الأنصار في الفضل و السابقة 337
مناشدته(ع)المهاجرين و الأنصار 341
كلام طلحة بن عبد اللّه 348
تذكيره(ع)ايّاهم بيوم الغدير 349
احتجاجه(ع)على أصحاب الشورى 350
سؤاله(ع)من ابن عمر 351
احتجاجه(ع)على أصحاب الشورى 352
احتجاجه(ع)على المهاجرين و الأنصار 352
احتجاجه(ع)بخطبة الرسول(ص)يوم الغدير و يوم عرفة 353
احتجاجه(ع)على المهاجرين و الأنصار 356
القرآن الذي جمعه عليّ(ع)360
خطبة أبي ذر(رض)361
النبيّ(ص)يأمر عليّا بمفاخرة العرب 363
الرجل الكوفي المسترشد 364
ص: 713
حديث معراج رسول اللّه(ص)365
خطبة أبي ذر(رض)367
أفضل منقبة لأمير المؤمنين(ع)368
احتجاجه(ع)على الناكثين 370
احتجاجه(ع)على طلحة و الزبير حين خرجا بذريعة العمرة 373
خطبته(ع)بعد توجّههما الى مكّة 374
احتجاجه(ع)على طلحة و الزبير يوم الجمل 376
احتجاجه(ع)على الزبير 378
انصراف الزبير 379
قتل الزبير على يد ابن جرموز 380
مخاطبة أمير المؤمنين(ع)لطلحة بعد قتله 381
مخاطبة عليّ(ع)كعب بن سور القتيل 382
عقر الجمل و هزيمة الناكثين 383
أمر نساء النبيّ(ص)من بعده بيد عليّ(ع)384
الملائكة تمدّ جيش أمير المؤمنين(ع)385
عائشة لم تكفّ عن تأليب الناس 386
احتجاج أم سلمة(رض)على عائشة 387
حديث نباح كلاب الحوأب امرأة من نساء النبيّ(ص)388
حديث آخر في فضل عليّ(ع)389
حديث خاصف النعل 390
احتجاج أم سلمة(رض)على عائشة 391
شعر أم سلمة(رض)393
ص: 714
احتجاج أمير المؤمنين(ع)بعد دخوله البصرة 394
احتجاجه(ع)في يوم الجمل 398
احتجاجه(ع)بعد واقعة الجمل 399
خطبة أمير المؤمنين(ع)و كلامه مع الحسن البصري 402
احتجاجه(ع)في الحثّ على المسير الى الشام 404
توبيخه(ع)أصحابه لتثاقلهم عن قتال معاوية 409
احتجاجه(ع)على معاوية في جواب كتابه 417
احتجاجه(ع)على معاوية أيضا 426
احتجاجه(ع)على معاوية شعرا 429
شهادة عمّار بن ياسر في صفّين 430
ادّعاء معاوية و ردّ أمير المؤمنين(ع)عليه 431
كتابه(ع)الى عمرو بن العاص 432
ردّه(ع)على قول عمرو بن العاص فيه 433
كتاب محمد بن أبي بكر(رض)الى معاوية محتجّا 434
جواب معاوية لكتاب محمد بن أبي بكر 436
احتجاج أمير المؤمنين(ع)على الخوارج في التحكيم 438
إرساله ابن عباس الى الخوارج 442
احتجاجه(ع)بصلح النبيّ(ص)مع المشركين 443
احتجاجه(ع)على الخوارج 444
موقفه(ع)في قيامه و قعوده مع المخالفين 446
ردّه(ع)على كلام الأشعث بن قيس 447
خطبته(ع)بالكوفة و ردّه على ابن الأشعث 449
ص: 715
الخطبة الشقشقيّة 451
حديث أم سلمة(رض)عن فضل عليّ(ع)461
الناكثون و القاسطون و المارقون 463
خطبة أمير المؤمنين(ع)في البصرة بعد فتحها 464
آية«...جََاهِدِ اَلْكُفََّارَ وَ اَلْمُنََافِقِينَ »4-79:73*465
آية«وَ مََا مُحَمَّدٌ إِلاََّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ ...»466
حديث في تقدّمه(ع)على الرجلين 467
حديث الطير المشوي 469
إخبار رسول اللّه(ص)عائشة بمقاتلتها لعليّ(ع)471
احتجاجات أمير المؤمنين(ع)في التوحيد 473
استدلاله(ع)بعجيب خلقه 481
قدوم وفد النصارى على أبي بكر 484
كلام أبي بكر و عمر مع وفد النصارى 485
إحتجاجه(ع)على الراهب النصراني 486
إسلام الراهب النصراني على يد عليّ(ع)487
كلامه(ع)في التعديل و التجوير 488
احتجاجه(ع)في القضاء و القدر 489
احتجاجه(ع)في التوحيد 493
احتجاجه(ع)على أحبار اليهود 494
احتجاجه(ع)على اليهود في علوم شتّى 537
احتجاجه(ع)على ابن الكوّا 540
احتجاجه(ع)بشأن ايمان أبيه 546
ص: 716
احتجاجه(ع)على الطبيب اليوناني 547
احتجاجه(ع)على علماء النجوم 558
احتجاجه(ع)على الزنديق في آى متشابهة 561
قوله(ع)سلوني قبل أن تفقدوني 609
موعظة لأمير المؤمنين(ع)611
احتجاجه(ع)على ابن الكوّا 613
ردّه على منافق 618
احتجاجه(ع)على من قال بالرأي في الشرع 620
أبغض الخلايق الى اللّه 621
احتجاجه(ع)على الناس في وجوب الطاعة 624
احتجاجه(ع)في مسائل شتّى 625
إيضاحه(ع)علّة اختلاف الأحاديث 629
إخبار النبيّ(ص)عن الدجّال 631
كلام النبيّ(ص)عامّ و خاصّ 632
فهرس الأعلام 635
فهرس الآيات القرآنية 657
فهرس الأشعار 680
فهرس الفرق و الطوائف و الأديان 681
فهرس البلدان و الأمكنة و البقاع 685
فهرس مصادر التحقيق 689
فهرس الموضوعات 705
ص: 717
بطاقة تعريف: الطبرسي، أحمد بن علي، قرن ق 6
عنوان العقد: [الإحتجاج علی اهل اللجاج]
عنوان واسم المؤلف: الإحتجاج / تالیف العلامة أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي؛ تحقیق ابراهیم البهادري، محمدهادي به؛ باشراف جعفر سبحاني؛ [إلى] قسم التحقیق في منظمة الاوقاف و الشوون الخیریة
تحرير الحالة: [محرر ]2
تفاصيل المنشور: قم: منظمه الاوقات و الشئون الخیریة، دار الاسوة للطباعة و النشر، 1422ق. = 1380.
مواصفات المظهر: ج 2
ISBN : 964-6066-39-945000 ریال :(دوره) ؛ 964-6066-40-2(ج. 1) ؛ 964-6066-41-0(ج. )2
لسان: العربية
ملاحظة : الطبعة الثالثة: 1383؛ 24000 ریال
ملحوظة: کتابنامه
عنوان آخر: الاحتجاج علی اهل اللجاج
عنوان : الإسلام - الاحتجاجات
الشيعة -- احتجاجات
المعرف المضاف: بهادري، ابراهیم، محقق
المعرف المضاف: به، محمدهادي، محقق
المعرف المضاف: سبحاني تبریزي، جعفر، . - 1308
المعرف المضاف: منظمة الاوقاف و الشوون الخیریة. منشورات اسوة
المعرف المضاف: منظمة الاوقاف و الشوون الخیریة. قسم البحوث
ترتيب الكونجرس: BP228/4/ط2الف3 1380
تصنيف ديوي: 297/479
رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 80-5057
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
ص: 5
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ص: 6
ص: 7
ص: 8
عن أبي هاشم داوود بن القاسم الجعفري عن أبي جعفر:محمّد بن علي الثاني عليهما السّلام قال:
أقبل أمير المؤمنين ذات يوم و معه الحسن بن علي عليهما السّلام و سلمان الفارسي رحمه اللّه و أمير المؤمنين عليه السّلام متكى ء على يد سلمان،فدخل المسجد الحرام فجلس،إذ أقبل(1)رجل حسن الهيئة و اللّباس فسلّم على أمير المؤمنين عليه السّلام،فردّ عليه السّلام،فجلس ثمّ قال:
يا أمير المؤمنين!أسألك عن ثلاث مسائل،إن أخبرتني بهنّ(2)علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما أفضى(3)إليهم أنّهم ليسوا بمأمونين في
ص: 9
دنياهم و لا في آخرتهم(1)،و ان تكن الأخرى علمت أنّك و هم شرع سواء.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:سلني عمّا بدالك.
فقال:أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟و عن الرجل كيف يذكر و ينسى؟و عن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام و الأخوال؟
فالتفت أمير المؤمنين عليه السّلام إلى أبي محمّد:الحسن بن علي عليهماالسّلام فقال:يا أبا محمّد أجبه،فقال عليه السّلام:
أمّا ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه،فإنّ روحه معلّقة(2)بالرّيح،و الرّيح معلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبهالليقظة،فإن أذن اللّه بردّ تلك الروح على صاحبها،جذبت تلك الروح الرّيح و جذبت تلك الرّيح الهواء،فرجعت[تلك الروح](3)فسكنت في بدن صاحبها و إن لم يأذن اللّه عزّ و جلّ بردّ تلك الرّوح على صاحبها،جذب الهواء الرّيح فجذبت الريح الرّوح،فلم ترد على صاحبها إلى وقت ما يبعث.
و أمّا ما ذكرت من أمر الذكر و النسيان:فإنّ قلب الرجل في حق،و على الحق طبق،فان صلّى الرجل عند ذلك على محمّد و آل محمّد صلاةتامّة،انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحق،فأضاء القلب(4)،و ذكر الرجل ماب.
ص: 10
كان نسي،و إن هو لم يصلّ على محمّد و آل محمّد،أو نقص من الصّلاةعليهم،انطبق ذلك الطبق على ذلك الحق فأظلم القلب،و نسي الرجل ماكان ذكره.
و أمّا ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه و أخواله:فإن الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن و عروق هادئة(1)و بدن غيرمضطرب،فاسكنت تلك النطفة جوف الرحم،خرج الولد يشبه أباه و أمه،و إن هو أتاها بقلب غير ساكن و عروق غير هادئة و بدن مضطرب،اضطربت النطفة فوقعت في حال اضطرابها على بعض العروق:فإن وقعت على عرق من عروق الأعمام،أشبه الولد أعمامه،و إن وقعت على عرق من عروق الأخوال،أشبه الولد أخواله.
فقال الرجل:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و لم أزل أشهد بها،و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه و لم أزل أشهد بذلك،و أشهد أنّك وصي رسول اللّه و القائم بحجّته-و أشار إلى أمير المؤمنين عليه السّلام-و لم أزل أشهد بها،و أشهد أنّك وصيّه و القائم بحجّته-و أشار(2)إلى الحسن عليه السّلام-و أشهدأنّ الحسين بن علي وصيّ أبيك و القائم بحجّته بعدك،و أشهد على علي بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده،و أشهد على محمّد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين بعده،و أشهد على جعفر بن محمّد أنّه القائم بأمر..
ص: 11
محمّد بن علي بعده(1)،و أشهد على موسى بن جعفر أنّه القائم بأمر جعفربن محمّد بعده،و أشهد على علي بن موسى الرّضا بأنّه القائم بأمر موسى بن جعفر بعده،و أشهد على محمّد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسى،و أشهد على علي بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد بن علي،و أشهد على الحسن بن علي أنّه القائم بأمر علي بن محمّد،و أشهد على رجل من ولدالحسن بن علي(2)لا يكنّى و لا يسمّى حتّى يظهر أمره فيملأها(3)قسطاو عدلا كما ملئت ظلما و جورا،و السّلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته،ثمّ قام فمضى.
فقال أمير المؤمنين للحسن عليهما السّلام:يا أبا محمّد!اتبعه فانظر أين يقصد؟
فخرج عليه السّلام في أثره فقال:فما كان إلاّ أن وضع رجله خارج المسجد فما دريت أين أخذ من أرض اللّه،فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فأعلمته.
فقال عليه السّلام:يا أبا محمّد أتعرفه؟قلت:اللّه و رسوله و أمير المؤمنين أعلم.قال:هو الخضر عليه السّلام(4).ى-
ص: 12
روى محمّد بن قيس عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام قال:
بينا أمير المؤمنين في الرحبة و النّاس عليه متراكمون،فمن بين مستفت و من بين مستعد(1)،إذ قام إليه رجل فقال:السّلام عليك يا أميرالمؤمنين و رحمة اللّه و بركاته.
فقال:و عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته،من أنت؟فقال:أنا رجل من رعيتك و أهل بلادك.
ق-العطار،و أحمد بن إدريس جميعا،قالوا:حدّثنا أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي قال:حدّثناأبو هاشم داود بن القاسم الجعفري،عن...
و رواه في العلل:ص 96،و إكمال الدّين:ص 313،و البرقي في المحاسن:ص 332،و نقله في بحار الأنوار 36/414 و 58/36.
ص: 13
فقال له:ما أنت من رعيتي(1)و أهل بلادي،و لو سلمت عليّ يوماواحدا ما خفيت عليّ.فقال:الأمان يا أمير المؤمنين.
فقال:هل أحدثت منذ دخلت مصري هذا؟قال:لا.
قال:فلعلك من رجال الحرب؟قال:نعم.
قال:إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس.
قال:أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلا لك،أسألك عن شي ء بعث به(2)ابن الأصفر إليه(3)،و قال له:إن كنت أحقّ بهذا الأمر و الخليفة بعدمحمّد فأجبني عمّا أسألك،فإنّك إن فعلت ذلك اتبعتك،و بعثت إليك بالجائزة،فلم يكن عنده جواب و قد أقلقه(4)فبعثني إليك لأسألك عنها.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:قاتل اللّه ابن آكلة الأكباد،ما أضلّه و أعماه و من معه،حكم اللّه بيني و بين هذه الأمّة(5)،قطعوا رحمي،و أضاعوا أيامي،و دفعوا حقي،و صغّروا عظيم منزلتي،و أجمعوا على منازعتي،عليّ(6)بالحسن و الحسين و محمّد فاحضروا...
ص: 14
فقال:يا شامي هذان ابنا رسول اللّه،و هذا ابني،فاسأل أيهم أحببت.
فقال:أسأل ذا الوفرة(1)يعني:الحسن عليه السّلام.
فقال له الحسن عليه السّلام:سلني عمّا بدا لك.
فقال الشّامي:كم بين الحقّ و الباطل؟و كم بين السّماء و الأرض؟و كم بين المشرق و المغرب؟و ما قوس قزح؟و ما العين التي تأوي إليهاأرواح المشركين و ما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين؟و ماالمؤنّث؟و ما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض؟
فقال الحسن عليه السّلام:بين الحّق و الباطل أربع أصابع،فما رأيته بعينك فهو الحقّ،و قد تسمع باذنيك باطلا كثيرا.فقال الشّامي:صدقت.
قال:و بين السّماء و الأرض دعوة المظلوم،و مدّ البصر،فمن قال لك غير هذا فكذّبه.قال:صدقت يا ابن رسول اللّه.
قال:و بين المشرق و المغرب مسيرة يوم للشّمس،تنظر إليها حين تطلع من مشرقها،و تنظر إليها حين تغيب في مغربها.قال الشّامي:صدقت.فما قوس قزح؟
قال:ويحك لا تقل قوس قزح فإنّ قزح اسم شيطان،و هو قوس اللّه و هذه علامة الخصب،و أمان لأهل الأرض من الغرق.
و أمّا العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها:«برهوت».0.
ص: 15
و أمّا العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها:«سلمى».
و أمّا المؤنّث:فهو الذي لا يدرى أذكر هو أم أنثى،فانّه ينتظر به فان كان ذكرا احتلم،و إن كان أنثى حاضت و بدا ثديها،و إلاّ قيل له:«بل على الحايط»فان أصاب بوله الحايط فهو ذكر،و إن انتكص بوله كماينتكص بول البعير فهي امرأة.
و أمّا عشرة أشياء بعضها أشد من بعض:فأشد شي ء خلقه اللّه الحجر،و أشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر،و أشد من الحديد النّار تذيب الحديد،و أشد من النّار الماء يطفى ء النّار،و أشد من الماء السّحاب يحمل الماء،و أشد من السّحاب الريح تحمل السّحاب،و أشد من الريح الملك الذي يرسلها،و أشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك،و أشد من ملك الموت،الموت الذي يميت ملك الموت،و أشد من الموت أمر اللّه الذي يميت الموت.
فقال الشّامي:أشهد أنّك ابن رسول اللّه حقّا،و أنّ عليا أولى بالأمرمن معاوية.ثمّ كتب هذه الجوابات و ذهب بها إلى معاوية فبعثها إلى ابن الأصفر.
فكتب إليه ابن الأصفر:يا معاوية!لم تكلمني بغير كلامك؟(1)و تجيبني بغير جوابك؟اقسم بالمسيح ما هذا جوابك!و ما هو إلاّ من معدنك.
ص: 16
النبوة،و موضع الرسالة،و أمّا أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك(1).
روي عن الشّعبي و أبي مخنف و يزيد بن أبي حبيب المصري أنّهم قالوا:لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم(2)اجتمعوا في محفل،أكثر ضجيجا و لا أعلى كلاما و لا أشد مبالغة في قول،من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان،عمرو بن عثمان بن عفان،و عمرو بن العاص،و عتبة بن أبي سفيان،و الوليد بن عقبة بن أبي معيط،و المغيرة بن شعبة،و قد تواطؤوا على أمر واحد.
فقال عمرو بن العاص لمعاوية:ألا تبعث إلى الحسن بن علي
ص: 17
فتحضره،فقد أحيا سيرة أبيه(1)،و خفقت النّعال خلفه،أمر فاطيع،و قال فصدّق(2)،و هذان يرفعان به(3)إلى ما هو أعظم منهما،فلو بعثت إليه فقصرنا به و بأبيه،و سببناه و سببنا أباه،و صغرنا بقدره و قدر أبيه،و قعدنالذلك حتّى صدّق لك فيه.
فقال لهم معاوية:إنّي أخاف أن يقلدكم قلائد يبقى عليكم عارهاحتّى يدخلكم قبوركم(4)،و اللّه ما رأيته قطّ إلاّ كرهت جنابه(5)،وهبت عتابه،و إنّي إن بعثت إليه لأنصفنه منكم.
قال عمرو بن العاص:أتخاف أن يتسامى(6)باطله على حقّنا،و مرضه على صحتنا؟قال:لا،قال:فابعث إذا إليه.
فقال عتبة:هذا رأي لا أعرفه،و اللّه ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر و لاأعظم ممّا في أنفسكم(7)عليه،و لا يلقاكم بأعظم ممّا في نفسه عليكم،و إنّه لأهل بيت خصم جدل.م.
ص: 18
فبعثوا إلى الحسن فلمّا أتاه الرسول قال له:يدعوك معاوية.قال:و من عنده؟
قال الرسول:عنده فلان و فلان،و سمّى كلا منهم باسمه.
فقال الحسن عليه السّلام:ما لهم خرّ عليهم السّقف من فوقهم،و أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون.ثمّ قال:يا جارية!أبلغيني ثيابي ثمّ قال:
«اللّهم إنّي أدرأ بك في نحورهم،و أعوذ بك من شرورهم،و أستعين بك عليهم،فاكفنيهم بما شئت،و أنّى شئت،من حولك و قوتك،يا أرحم الرّاحمين».و قال للرسول:هذا كلام الفرج.
فلمّا أتى معاوية رحّب به،و حيّاه و صافحه.
فقال الحسن عليه السّلام:إنّ الذي حييت به سلامة،و المصافحة أمن(1).
فقال معاوية:أجل إنّ هؤلاء بعثوا إليك و عصوني ليقرّروك(2):أنّ عثمان قتل مظلوما،و أنّ أباك قتله فاسمع منهم ثمّ أجبهم بمثل مايكلمونك،و لا يمنعك(3)مكاني من جوابهم.
فقال الحسن:سبحان اللّه البيت بيتك و الإذن فيه إليك!و اللّه لئن أجبتهم إلى ما أرادوا إنّي لأستحي لك من الفحش،و لئن كانوا غلبوك،إنّي(4)لأستحيي لك من الضّعف،فبأيهما تقرّ؟و من أيهما تعتذر؟أما أنّي..
ص: 19
لو علمت بمكانهم و اجتماعهم لجئت بعدّتهم من بني هاشم،مع أني مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم(1)،فإنّ اللّه عزّ و جلّ لوليّي اليوم و فيما بعد اليوم،فمرهم(2)فليقولوا فأسمع،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العليّ العظيم.
فتكلّم عمرو بن عثمان بن عفان فقال:ما سمعت كاليوم ان بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان،و كان ابن أختهم و الفاضل في الإسلام منزلة،و الخاص برسول اللّه إثرة(3)،فبئس كرامة اللّه حتّى سفكوا دمه اعتداء و طلبا للفتنة،و حسداو نفاسة و طلب ما ليسوا بأهلين لذلك،مع سوابقه و منزلته من اللّه و من رسوله و من الإسلام،فيا ذلاّه أن يكون حسن و ساير بني عبد المطلب قتلةعثمان،أحياء يمشون على مناكب الأرض و عثمان مضرج بدمه،مع أنّ لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني أميّة ببدر.
ثمّ تكلّم عمرو بن العاص:فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمّ قال:يا بن أبي تراب(4)!بعثنا إليك لنقررك أنّ أباك سمّ أبا بكر الصّديق،و اشترك(5)في..
ص: 20
قتل عمر الفاروق،و قتل عثمان ذي النورين مظلوما،و ادعى ما ليس له بحقّ و وقع فيه-و ذكر الفتنة و عيّره بشأنها-.
ثمّ قال:إنّكم يا بني عبد المطلب لم يكن اللّه ليعطيكم الملك فترتكبون فيه ما لا يحل لكم،ثمّ أنت يا حسن تحدّث نفسك بأنّك كائن أمير المؤمنين و ليس عندك عقل ذلك و لا رأيه،فكيف(1)و قد سلبته،و تركت أحمق في قريش،و ذلك لسوء عمل أبيك،و إنّما دعوناك لنسبّك و أباك.
ثمّ أنت لا تستطيع أن تعيب علينا و لا أن تكذبنا به،فان كنت ترى انّاكذبناك في شي ء و تقوّلنا عليك بالباطل،و ادّعينا عليك خلاف الحقّ فتكلم،و إلاّ فاعلم أنّك و أباك من شر خلق اللّه،فأمّا أبوك فقد كفانا اللّه قتله و تفرّد به،و أمّا أنت فانّك في أيدينا نتخيّر فيك،و اللّه أن لو قتلناك ما كان في قتلك إثم عند اللّه و لا عيب عند النّاس.
ثمّ تكلّم عتبة بن أبي سفيان،فكان أوّل ما ابتدأ به أن قال:
يا حسن!إنّ أباك كان شرّ قريش لقريش،أقطعه لأرحامها،و أسفكه لدمائها و إنّك لمن قتلة عثمان،و إنّ في الحقّ أن نقتلك به،و إنّ عليك القودفي كتاب اللّه عزّ و جلّ و إنا قاتلوك به،و أمّا أبوك فقد تفرّد اللّه بقتله فكفاناأمره(2)،و أمّا رجاؤك الخلافة فلست فيها،لا في قدحة(3)زندك،و لا في2.
ص: 21
رجحة ميزانك.
ثمّ تكلّم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه و قال:
يا معشر بني هاشم!كنتم أوّل من دب بعيب عثمان و جمع النّاس عليه،حتّى قتلتموه حرصا على الملك،و قطيعة للرحم،و استهلاك الأمّة،و سفك دمائها حرصا على الملك،و طلبا للدنيا الخسيسة و حبّا لها،و كان عثمان خالكم،فنعم الخال كان لكم،و كان صهركم فكان نعم الصهرلكم،قد كنتم أوّل من حسده و طعن عليه ثمّ وليتم قتله،فكيف رأيتم صنع اللّه بكم.
ثمّ تكلم المغيرة بن شعبة:فكان كلامه و قوله كلّه وقوعا في علي عليه السّلام ثمّ قال:
يا حسن!إنّ عثمان قتل مظلوما فلم يكن لأبيك في ذلك عذر بري ء و لااعتذار مذنب،غير أنا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمّه قتلة عثمان،و إيوائه لهم و ذبّه عنهم،أنّه بقتله راض،و كان و اللّه طويل السّيف و اللّسان،يقتل الحي و يعيب الميت،و بنو أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية،و معاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية،و قد كان أبوك ناصب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حياته،و أجلب عليه قبل موته،و أراد قتله،فعلم ذلك من أمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ثمّ كره أن يبايع أبا بكر حتّى أتي به ق-و قال العلاّمة المجلسي رحمه اللّه:هي كناية عن التدبير في الملك و استخراج الأموربالنظر-بحار الأنوار 44/86.
ص: 22
قودا،ثمّ دس عليه فسقاه سمّا فقتله،ثمّ نازع عمر حتّى همّ أن يضرب رقبته،فعمل في قتله،ثمّ طعن على عثمان(1)حتّى قتله،كل هؤلاء قد شرك في دمهم فأي منزلة له من اللّه يا حسن؟و قد جعل اللّه السّلطان لولي المقتول في كتابه المنزل.فمعاوية ولي المقتول بغير حقّ،فكان من الحقّ لو قتلناك و أخاك،و اللّه ما دم عليّ بأخطر من دم عثمان،و ما كان اللّه ليجمع فيكم يا بني عبد المطلب الملك و النبوة،ثمّ سكت.
فتكلّم أبو محمّد:الحسن بن علي عليهما السّلام فقال:
الحمد للّه الذي هدى أولكم بأولنا،و آخركم بآخرنا،و صلّى اللّه على جدي محمّد النبي و آله و سلّم.
اسمعوا مني مقالتي و أعيروني فهمكم،و بك أبدأ يا معاوية.
ثم قال لمعاوية:
إنّه لعمر اللّه يا أزرق ما شتمني غيرك و ما هؤلاء شتموني،و لا سبّني غيرك و ما هؤلاء سبّوني،و لكن شتمتني و سببتني،فحشا منك و سوء رأي،و بغيا و عدوانا،و حسدا علينا و عداوة لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قديماو حديثا،و إنّه و اللّه لو كنت أنا و هؤلاء يا أزرق مثاورين(2)في مسجدرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حولنا المهاجرون و الأنصار ما قدروا أنن.
ص: 23
يتكلموا بما تكلّموا به،و لا استقبلوني بما استقبلوني به.
فاسمعوا مني أيّها الملأ المجتمعون المتعاونون عليّ،و لا تكتمواحقّا علمتوه،و لا تصدقوا بباطل إن نطقت به،و سأبدأ بك يا معاوية فلاأقول فيك إلاّ دون ما فيك.
أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ الرجل الذي شتمتموه صلّى[مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم](1)القبلتين كلتيهما و أنت تراهما جميعا و أنت في ضلالة تعبد اللاّت و العزى!و بايع البيعتين كلتيهما بيعة الرضوان و بيعةالفتح،و أنت يا معاوية بالأولى كافر،و بالأخرى ناكث؟
ثمّ قال:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ ما أقول حقّا،إنّه لقيكم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم بدر و معه راية النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و المؤمنين،و معك يا معاوية راية المشركين و أنت تعبد اللاّت و العزى،و ترى حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرضا واجبا؟و لقيكم يوم أحدو معه راية النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و معك يا معاوية راية المشركين؟و لقيكم يوم الأحزاب و معه راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و معك يامعاوية راية المشركين؟كل ذلك يفلج اللّه(2)حجّته و يحقّ دعوته،و يصدقن.
ص: 24
أحدوثته و ينصر رايته،و كل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يرى عنه راضيا في المواطن كلّها ساخطا عليك.
ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حاصربني قريظة و بني النّضير(1)،ثم بعث عمر بن الخطّاب و معه رايةالمهاجرين،و سعد بن معاذ و معه راية الأنصار.
فأمّا سعد بن معاذ فجرح و حمل جريحا،و أمّا عمر فرجع هاربا و هويجبن و يجبّن أصحابه و يجبّنه أصحابه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله،كرّار غيرفرّار،ثمّ لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يديه».
فتعرض لها أبو بكر و عمر،و غيرهما من المهاجرين و الأنصار4.
ص: 25
و عليّ يومئذ أرمد شديد الرمد،فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتفل في عينه فبرأ من رمده،فأعطاه الراية(1)فمضى و لم يثن(2)حتى فتح اللّه عليه بمنّه و طوله،و أنت يؤمئذ بمكّة عدو للّه و لرسوله؟فهل يستوي(3)بين رجل نصح للّه و لرسوله،و رجل عادى اللّه و رسوله؟
ثمّ أقسم باللّه ما أسلم قلبك(4)بعد،و لكن اللّسان خائف فهو يتكلم بما ليس في القلب!!
أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استخلفه على المدينة في غزاة تبوك و لا سخط ذلك و لا كرهه،و تكلّم فيه المنافقون فقال:لا تخلفني يا رسول اللّه فانّي لم اتخلّف عنك في غزوة قطّ،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أنت وصيّي و خليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى..
ص: 26
ثمّ أخذ بيد علي عليه السّلام فقال:أيّها النّاس من تولاّني فقد تولى اللّه،و من تولّى عليّا فقد تولاّني،و من أطاعني فقد أطاع اللّه،و من أطاع عليّا فقدأطاعني،و من أحبني فقد أحب اللّه،و من أحب عليّا فقد أحبني.
[ثمّ قال:](1)انشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال-في حجّة الوداع-:أيّها النّاس إنّي قد تركت فيكم ما لم تضلّوا بعده:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،فأحلّوا حلاله(2)،و حرّموا حرامه،و اعملوابمحكمه،و آمنوا بمتشابهه،و قولوا:آمنا بما أنزل اللّه من الكتاب،و أحبّوا أهل بيتي و عترتي،و والوا من والاهم و انصروهم على من عاداهم،و إنّهما لن يزالا فيكم حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة.
ثمّ دعا-و هو على المنبر-عليّا فاجتذبه بيده فقال:اللّهم وال من والاه،و عاد من عاداه،اللّهم من عادى عليّا فلا تجعل له في الأرض مقعدا،و لا في السّماء مصعدا،و اجعله في أسفل درك من النّار؟
و أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال له:أنت الذائد(3)عن حوضي يوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط ابله؟
انشدكم باللّه أتعلمون أنّه دخل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في6.
ص: 27
مرضه الذي توفي فيه فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال علي عليه السّلام:ما يبكيك يا رسول اللّه؟
فقال:«يبكيني أنّي أعلم أنّ لك في قلوب رجال من أمتي ضغائن،لايبدونها لك حتّى أتولّى عنك»؟
أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين حضرته الوفاة و اجتمع عليه أهل بيته قال:«اللّهم هؤلاء أهل بيتي و عترتي،اللّهم وال من والاهم و انصرهم على من عاداهم»(1)و قال:«إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح:من دخل فيها نجى و من تخلّف عنها غرق»؟
أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قدسلّموا عليه بالولاية في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و حياته؟
و أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ عليّا أوّل من حرّم الشهوات كلّها على نفسه من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأنزل اللّه عزّ و جلّ:«يََا أَيُّهَااَلَّذِينَ آمَنُوا لاََ تُحَرِّمُوا طَيِّبََاتِ مََا أَحَلَّ اَللََّهُ لَكُمْ وَ لاََ تَعْتَدُوا إِنَّ اَللََّهَ لاََ يُحِبُ اَلْمُعْتَدِينَ*`وَ كُلُوا مِمََّا رَزَقَكُمُ اَللََّهُ حَلاََلاً طَيِّباً وَ اِتَّقُوا اَللََّهَ اَلَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ»(2)و كان عنده علم المنايا،و علم القضايا،و فصل الخطاب،و رسوخ العلم،و منزل القرآن،و كان رهط لا تعلمهم يتمّون(3)عشرة..
ص: 28
نبأهم اللّه أنّهم مؤمنون،و أنتم في رهط قريب من عدّة أولئك لعنوا على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فأشهد لكم و أشهد عليكم:أنّكم لعناءاللّه على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلّكم.
و أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعث إليك لتكتب له لبني خزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال:«هو يأكل»فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه و يقول:«هو يأكل»فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«اللّهم لا تشبع بطنه»فهي و اللّه في نهمتك(1)و أكلك إلى يوم القيامة.
ثمّ قال:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ ما أقول حقّا إنّك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر و يقوده أخوك هذا القاعد،و هذا يوم الأحزاب فلعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القائد و الراكب و السّائق،فكان أبوك الرّاكب،و أنت يا أزرق السّائق،و أخوك هذا القاعد القائد؟
ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعن أباسفيان في سبعة مواطن:
أوّلهن:حين خرج من مكّة إلى المدينة و أبو سفيان جاء من الشّام،فوقع فيه أبو سفيان فسبّه و أوعده و همّ أن يبطش به ثمّ صرفه اللّه عزّ و جلّ عنه.4.
ص: 29
و الثانية:يوم العير حيث طردها(1)أبو سفيان ليحرزها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و الثالثة:يوم أحد يوم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:اللّه مولانا و لامولى لكم و قال أبو سفيان:لنا العزى و لا عزى لكم،فلعنه اللّه و ملائكته و رسله و المؤمنون أجمعون.
و الرابعة:يوم حنين يوم جاء أبو سفيان بجمع من قريش(2)و هوازن و جاء عيينة بغطفان و اليهود،فردّهم اللّه بغيظهم لم ينالوا خيرا،هذا قول اللّه عزّ و جلّ أنزله في سورتين في كلتيهما يسمّي أبا سفيان و أصحابه كفارا و أنت يا معاوية يؤمئذ مشرك على رأي أبيك بمكّة،و عليّ يومئذ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على رأيه و دينه.
و الخامسة:قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ اَلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ»(3)و صددت أنت و أبوك و مشركوا قريش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فلعنه اللّه لعنة شملته و ذريته إلى يوم القيامة.
و السادسة:يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش،و جاءعيينة بن حصين بن بدر بغطفان،فلعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم القادةو الأتباع،و السّاقة إلى يوم القيامة.5.
ص: 30
فقيل:يا رسول اللّه!اما في الأتباع مؤمن؟
قال:لا تصيب اللّعنة مؤمنا من الأتباع،و أمّا القادة فليس فيهم مؤمن،و لا مجيب،و لا ناج.
و السابعة:يوم الثنية(1)،يوم شدّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اثناعشر رجلا،سبعة منهم من بني أميّة،و خمسة من سائر قريش،فلعن اللّه تبارك و تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من حل الثنيّة غير النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سائقه و قائده.
ثمّ أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:
يا ابن أخي!هل علينا من عين؟
فقال:لا.
فقال أبو سفيان:تداولوا الخلافة يا فتيان(2)بني أميّة فو الذي نفس أبي سفيان بيده،ما من جنّة و لا نار؟!
و أنشدكم باللّه أتعلمون ان أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان و قال:يا ابن أخي اخرج معي إلى بقيع الغرقد(3)،فخرج حتّى إذا2.
ص: 31
توسّط القبور إجتره فصاح بأعلى صوته:
يا أهل القبور!الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا و أنتم رميم.
فقال الحسين بن علي عليهما السّلام:قبّح اللّه شيبتك،و قبّح وجهك(1)،ثمّ نتر(2)يده و تركه،فلولا النّعمان بن بشير أخذ بيده و ردّه إلى المدينة لهلك.
فهذا لك يا معاوية،فهل تستطيع أن ترد علينا شيئا،و من لعنتك يامعاوية أنّ أباك أبا سفيان كان يهمّ أن يسلم،فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش و غيرهم،تنهاه عن الإسلام(3)و تصدّه.
و منها:أن عمر بن الخطاب ولاّك الشّام فخنت به،و ولاّك عثمان فتربصت به ريب المنون(4)،ثمّ أعظم من ذلك جرأتك على اللّه و رسوله أنّك قاتلت عليّا عليه السّلام و قد عرفته و سوابقه(5)،و فضله و علمه على أمر هوأولى به منك،و من غيرك عند اللّه و عند النّاس،و لا دنيّة(6)بل أوطأت النّاس عشوة(7)،و أرقت دماء خلق من خلق اللّه بخدعك و كيدكا-
ص: 32
و تمويهك،فعل من لا يؤمن بالمعاد،و لا يخشى العقاب،فلمّا بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى،و عليّ إلى خير منقلب،و اللّه لك بالمرصاد.
فهذا لك يا معاوية خاصّة،و ما أمسكت عنه من مساويك و عيوبك فقدكرهت به التطويل.
و أمّا أنت يا عمرو بن عثمان!فلم تكن حقيقا لحمقك(1)،ان تتبع هذه الأمور فانّما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنّخلة:استمسكي فانّي أريدأن أنزل عنك(2)،فقالت لها النّخلة:ما شعرت بوقوعك،فكيف يشقّ عليّ نزولك؟!و إنّي و اللّه ما شعرت أنّك تجسر أن تعادي لي(3)فيشقّ عليّ ذلك،و إنّي لمجيبك في الذي قلت،إنّ سبّك عليّا عليه السّلام:أبنقص في حسبه؟أو تباعده من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟أو بسوء بلاء في الإسلام؟(4)أو بجور في حكم؟أو رغبة في الدنيا؟فإن قلت واحدة منهاق-الصّحاح 6/2427..-
ص: 33
فقد كذبت.
و أمّا قولك:إنّ لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني أميّة ببدر،فإنّ اللّه و رسوله قتلهم،و لعمري ليقتلن من بني هاشم تسعة عشر و ثلاثة بعدتسعة عشر ثمّ يقتل من بني أميّة تسعة عشر و تسعة عشر في موطن واحدسوى ما قتل من بني أميّة لا يحصي عددهم إلاّ اللّه.
إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا،أخذوا مال اللّه بينهم دولا،و عباده خولا،و كتابه دخلا(1)،فإذا بلغواثلثمائة و عشر حقّت اللّعنة عليهم و لهم،فإذا بلغوا أربعمائة و خمسةو سبعين كان هلاكهم أسرع من لوك(2)تمرة،فأقبل الحكم بن أبي العاص و هم في ذلك الذكر و الكلام فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إخفضوا أصواتكم فإن الوزغ يسمع،و ذلك حين رآهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من يملك بعده منهم أمر هذه الأمّة-يعني في المنام-فساءه ذلك ق-و في«ط»:إنّ سبّك عليّا أينقص في حسبه أو يباعده من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو يسوء بلاءه في الإسلام.4.
ص: 34
و شقّ عليه،فأنزل اللّه عزّ و جلّ في كتابه:«وَ مََا جَعَلْنَا اَلرُّؤْيَا اَلَّتِي أَرَيْنََاكَ إِلاََّ فِتْنَةً لِلنََّاسِ وَ اَلشَّجَرَةَ اَلْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ»(1)يعني:بني أميّة،و أنزل أيضا:«لَيْلَةُ اَلْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(2)فأشهد لكم،و أشهد عليكم،ماسلطانكم بعد قتل عليّ إلاّ ألف شهر التي أجّلها اللّه عزّ و جلّ في كتابه.
و أمّا أنت يا عمرو بن العاص!الشّاني ء اللّعين الأبتر،فإنّما أنت كلب،أوّل أمرك إنّ أمّك بغيّة،و إنّك ولدت على فراش مشترك،فتحاكمت فيك رجال قريش منهم:أبو سفيان بن الحرب،و الوليد بن المغيرة،و عثمان بن الحرث،و النّضر بن الحرث بن كلدة،و العاص بن وائل،كلّهم يزعم أنّك ابنه،فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا،و أخبثهم منصبا،و أعظمهم بغية،ثمّ قمت خطيبا و قلت:أنا شاني محمّد،و قال العاص بن وائل:إنّ محمّدا رجل أبتر لا ولد له،فلو قد مات انقطع ذكره،فأنزل اللّه تبارك و تعالى:«إِنَّ شََانِئَكَ هُوَ اَلْأَبْتَرُ»(3)و كانت أمّك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية،تأتيهم في دورهم و في رحالهم(4)و بطون أوديتهم ثمّ كنت في كل مشهد يشهده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من عدوه أشدهم له عداوة،و أشدهم له تكذيبا ثمّ كنت في أصحاب السّفينة..
ص: 35
الذين أتوا النّجاشي و المهجر الخارج(1)إلى الحبشة في الإشاطة(2)بدم جعفر بن أبي طالب و ساير المهاجرين إلى النّجاشي،فحاق المكر السيّى ءبك،و جعل جدك(3)الأسفل،و أبطل أمنيتك،و خيب سعيك،و أكذب احدوثتك،و جعل كلمة الذين كفروا السفلى،و كلمة اللّه هي العليا.
و أمّا قولك في عثمان،فأنت يا قليل الحياء و الدّين،ألهبت عليه نارا،ثمّ هربت إلى فلسطين تتربّص به الدوائر(4)،فلمّا أتاك خبر قتله حبست نفسك على معاوية،فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك،و لسنا نلومك على بغضنا،و لا نعاتبك(5)على حبّنا،و أنت عدوّ لبني هاشم في الجاهليةو الإسلام.و قد هجوت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسبعين بيتا من شعر،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«اللّهم إنّي لا أحسن الشّعر،و لا ينبغي..
ص: 36
لي أن أقوله فالعن عمرو بن العاص بكل بيت ألف لعنة»(1)ثمّ أنت يا عمروالمؤثر دنيا غيرك على دينك(2)أهديت إلى النّجاشي الهدايا،و رحلت إليه رحلتك الثانية،و لم تنهك الأولى عن الثانية،كل ذلك ترجع مغلولا(3)،حسيرا تريد بذلك هلاك جعفر[بن أبي طالب](4)و أصحابه،فلمّا أخطأك ما رجوت و أمّلت،أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد.
و أمّا أنت يا وليد بن عقبة!فو اللّه ما ألومك أن تبغض عليّا و قد جلدك في الخمر ثمانين جلدة،و قتل أباك صبرا بيده يوم بدر،أم كيف تسبّه و قدسمّاه اللّه مؤمنا في عشرة آيات من القرآن،و سمّاك فاسقا،و هو قول اللّه عزّ و جلّ:«أَ فَمَنْ كََانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كََانَ فََاسِقاً لاََ يَسْتَوُونَ»(5)،و قوله:«إِنْ جََاءَكُمْ فََاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهََالَةٍ فَتُصْبِحُواعَلى ََ مََا فَعَلْتُمْ نََادِمِينَ»(6)و ما أنت و ذكر قريش و إنّما أنت إبن علج(7)..
ص: 37
من أهل صفورية(1)اسمه:«ذكوان».
و أمّا زعمك أنّا قتلنا عثمان فو اللّه ما استطاع طلحة،و الزّبير،و عائشة،أن يقولوا ذلك لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام فكيف تقوله أنت؟و لوسألت أمّك من أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط،إكتسبت بذلك عند نفسها سناء و رفعة،مع ما أعدّ اللّه لك و لأبيك و لأمّك من العار و الخزي في الدنيا و الآخرة،و ما اللّه بظلاّم للعبيد.
ثمّ أنت يا وليد و اللّه أكبر في الميلاد(2)ممّن تدعى له،فكيف تسب عليّا و لو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك(3)إلى أبيك لا إلى من تدعى له،و لقد قالت لك أمّك:«يا بنيّ أبوك و اللّه ألأم و أخبث من عقبة»!
و أمّا أنت يا عتبة بن أبي سفيان!فو اللّه ما أنت بحصيف(4)4.
ص: 38
فاجاوبك،و لا عاقل فأعاتبك(1)،و ما عندك خير يرجى و لا شر يخشى،و ما كنت و لو سببت عليّا لأعيّر به عليك(2)،لأنّك عندي لست بكفؤ لعبدعبد علي بن أبي طالب(3)فاردّ عليك،و أعاتبك،و لكن اللّه عزّ و جلّ لك و لأبيك و أمّك و أخيك لبالمرصاد،فأنت ذرية آبائك الذين ذكرهم اللّه في القرآن فقال:«عََامِلَةٌ نََاصِبَةٌ*`تَصْلى ََ نََاراً حََامِيَةً*`تُسْقى ََ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ-إلى قوله-مِنْ جُوعٍ»(4).
و أمّا وعيدك إياي بقتلي(5)،فهلاّ قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك،و قد غلبك على فرجها و شركك في ولدها(6)حتّى ألصق بك ولدا ليس لك،ويلا لك!لو شغلت نفسك بطلب ثارك منه كنت جديرا،و بذلك حريّا،إذ تسومني القتل و توعدني به.
و لا ألومك أن تسبّ عليّا و قد قتل أخاك مبارزة،و اشترك هو و حمزةابن عبد المطّلب في قتل جدّك حتّى أصلاهما اللّه على أيديهما نار جهنّم و أذاقهما العذاب الأليم،و نفى عمّك بأمر رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و أمّا رجائي الخلافة،فلعمر اللّه إن رجوتها فإنّ لي فيها لملتمسا،..
ص: 39
و ما أنت بنظير أخيك،و لا بخليفة أبيك،لأنّ أخاك أكثر تمرّدا على اللّه،و أشد طلبا لاهراقه دماء المسلمين،و طلب ما ليس له بأهل،يخادع النّاس و يمكرهم،و يمكر اللّه و اللّه خير الماكرين.
و أمّا قولك:«إنّ عليّا كان شر قريش لقريش»،فو اللّه ما حقّرمرحوما و لا قتل مظلوما.
و أمّا أنت يا مغيرة بن شعبة!فإنّك للّه عدوّ،و لكتابه نابذ،و لنبيّه مكذّب و أنت الزاني و قد وجب عليك الرجم،و شهد عليك العدول البررةالأتقياء،فأخّر رجمك،و دفع الحقّ بالباطل(1)،و الصدق بالأغاليط و ذلك لما أعدّ اللّه لك من العذاب الأليم،و الخزي في الحياة الدنيا(2)،و لعذاب الآخرة أخزى،و أنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى أدميتها و ألقت ما في بطنها،استذلالا منك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و مخالفة منك لأمره،و انتها كالحرمته و قد قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«[يا فاطمة](3)أنت سيدة نساء أهل الجنّة»و اللّه مصيّرك إلى النّار،و جاعل و بال ما نطقت به عليك،فبأي الثلاثة(4)سببت عليّا،أنقصا8.
ص: 40
في نسبه،أم بعدا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أم سوء(1)بلاء في الإسلام،أم جورا في حكم،أم رغبة في الدنيا؟!ان قلت بها فقد كذبت و كذبك النّاس.
أتزعم أن عليّا عليه السّلام قتل عثمان مظلوما؟!فعليّ و اللّه أتقى و أنقى من لائمه في ذلك،و لعمري إن كان(2)علي قتل عثمان مظلوما فو اللّه ماأنت في ذلك من شي ء(3)،فما نصرته حيّا و لا تعصبت له ميتا،و ما زالت الطائف دارك تتبع البغايا،و تحيي أمر الجاهلية،و تميت الإسلام،حتّى كان في الأمس ما كان(4).
و أمّا اعتراضك في بني هاشم و بني أميّة فهو ادعاؤك إلى معاوية.
و أمّا قولك في شأن الإمارة و قول أصحابك في الملك الذي ملكتموه،فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة،و موسى و هارون نبيان مرسلان عليهماالسّلام يلقيان ما يلقيان[من الأذى](5)و هو ملك اللّه يعطيه البرّ و الفاجر،و قال اللّه:«وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتََاعٌ إِلى ََ حِينٍ»(6)،و قال:«وَ إِذََا أَرَدْنََا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنََا مُتْرَفِيهََا فَفَسَقُوا فِيهََا فَحَقَّ عَلَيْهَا اَلْقَوْلُ1.
ص: 41
فَدَمَّرْنََاهََا تَدْمِيراً»(1).
ثمّ قام الحسن عليه السّلام فنفض ثيابه و هو يقول:«اَلْخَبِيثََاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ اَلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثََاتِ»هم و اللّه يا معاوية:أنت و أصحابك هؤلاءو شيعتك،«وَ اَلطَّيِّبََاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ اَلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبََاتِ أُولََئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمََّايَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ»(2)هم:علي بن أبي طالب عليه السّلام و أصحابه و شيعته.
ثمّ خرج و هو يقول(3):ذق و بال ما كسبت يداك و ما جنيت،و ما قدأعد اللّه لك و لهم من الخزي في الحياة الدنيا و العذاب الأليم في الآخرة.
فقال معاوية لأصحابه:و أنتم فذوقوا و بال ما جنيتم.
فقال الوليد بن عقبة:و اللّه ما ذقنا إلاّ كما ذقت،و لا اجترأ إلاّ عليك.
فقال معاوية:ألم أقل لكم أنّكم لن تنتقصوا(4)من الرجل فهلاّأطعتموني أوّل مرّة و انتصرتم(5)من الرجل إذ فضحكم،و اللّه ما قام حتّى أظلم عليّ البيت،و هممت أن أسطو به فليس فيكم خير اليوم و لا بعد اليوم.
قال:و سمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية و أصحابه المذكورون..
ص: 42
من الحسن بن علي عليهما السّلام.فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم:
ما الذي بلغني عن الحسن و زعله؟(1)
قالوا:قد كان كذلك.
فقال لهم مروان:أفلا(2)احضرتموني ذلك،فو اللّه لأسبّنّه و لأسبّنّ أباه و أهل البيت سبّا تتغنّى به الاماء و العبيد.
فقال معاوية و القوم:لم يفتك شي ء و هم يعلمون من مروان بذؤ لسان و فحش.
فقال مروان:فأرسل إليه يا معاوية،فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي عليهما السّلام.
فلمّا جاءه الرسول قال له الحسن عليه السّلام:ما يريد هذا الطّاغية منّي؟و اللّه لئن أعاد الكلام لأوقرنّ مسامعه ما يبقى عليه عاره و شناره إلى يوم القيامة.
فأقبل الحسن عليه السّلام فلمّا أن جاءهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها،غير أنّ مروان قد حضر معهم في هذا الوقت،فمشى الحسن عليه السّلام حتّى جلس على السرير مع معاوية و عمرو بن العاص.
ثمّ قال الحسن عليه السّلام لمعاوية:لم أرسلت إليّ؟..
ص: 43
قال:لست أنا أرسلت إليك و لكن مروان الذي أرسل إليك.
فقال له مروان:أنت يا حسن السّبّاب(1)لرجال قريش؟
فقال له الحسن عليه السّلام:و ما الذي أردت؟
فقال مروان:و اللّه لأسبّنّك و أباك و أهل بيتك سبّا تتغنّى به الاماءو العبيد.
فقال الحسن عليه السّلام:أمّا أنت يا مروان فلست أنا سببتك(2)و لاسببت أباك،و لكن اللّه عزّ و جلّ لعنك و لعن أباك،و أهل بيتك،و ذريتك،و ما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة،على لسان نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و اللّه يا مروان لا تنكر أنت و لا أحد ممّن حضر،هذه اللّعنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لك و لأبيك من قبلك،و ما زادك اللّه يا مروان بماخوفك إلاّ طغيانا كبيرا،و صدق اللّه و صدق رسوله.يقول اللّه تبارك و تعالى:«وَ اَلشَّجَرَةَ اَلْمَلْعُونَةَ فِي اَلْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَمََا يَزِيدُهُمْ إِلاََّ طُغْيََاناًكَبِيراً»(3)و أنت يا مروان و ذريتك الشّجرة الملعونة في القرآن،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(4).
فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن عليه السّلام و قال:يا أبا محمّد!ّ.
ص: 44
ما كنت فحّاشا(1)،فنفض الحسن عليه السّلام ثوبه،و قام و خرج،فتفرّق القوم عن المجلس بغيظ و حزن،و سواد الوجوه(2)(3).
قيل:وفد الحسن بن علي عليهما السّلام على معاوية فحضر مجلسه،و إذاعنده هؤلاء القوم،ففخر كل واحد منهم على بني هاشم،فوضعوا منهم،و ذكروا أشياء ساءت الحسن بن علي عليهما السّلام و بلغت منه.
فقال الحسن بن علي عليهما السّلام:أنا شعبة من خير الشّعب،آبائي أكرم العرب،لنا الفخر و النسب،و السّماحة عند الحسب،من خير
ص: 45
شجرة(1)أنبتت فروعا نامية،و أثمارا زاكية،و أبدانا قائمة،فيها أصل الإسلام،و علم النبوّة،فعلونا حين شمخ بنا الفخر،و استطلنا حين امتنع بنا العزّ،[و نحن](2)بحور زاخرة لا تنزف و جبال شامخة لا تقهر.
فقال مروان بن الحكم:مدحت نفسك،و شمخت بأنفك،هيهات هيهات يا حسن،نحن و اللّه الملوك السّادة،و الأعزّة القادة،لا ننحجز(3)فليس لك عزّ مثل عزّنا،و لا فخر كفخرنا،ثمّ أنشأ يقول:
شفينا أنفسا طابت وقورا فنالت عزّها فيمن يلينا فأبنا(4)بالغنيمة حين(5)ابنا و ابنا بالملوك مقرنيناثمّ تكلّم مغيرة بن شعبة،فقال:نصحت لأبيك فلم يقبل النّصح،و لولاكراهية(6)قطع القرابة لكنت في جملة أهل الشّام،فكان يعلم أبوك أنّي أصدر الوارد(7)عن مناهلها،بزعارّة(8)قيس،و حلم ثقيف،و تجاربها0.
ص: 46
للأمور على القبائل.
فتكلّم الحسن عليه السّلام،فقال:يا مروان أجبنا،و خورا،و ضعفا،و عجزا؟أتزعم أنّي مدحت نفسي،و أنا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و شمخت بأنفي و أنا سيد شباب(1)أهل الجنّة و إنّما يبذخ(2)و يتكبّر-ويلك-من يريد رفع نفسه،و يتبجح(3)من يريد الاستطالة فأمّا نحن فأهل بيت الرحمة،و معدن الكرامة،و موضع الخيرة،و كنز الإيمان و رمح الإسلام،و سيف الدّين،ألا تصمت ثكلتك أمّك(4)قبل أن أرميك بالهوائل،و أسمّك بميسم تستغني به عن اسمك.
فأمّا إيابك بالنهاب و الملوك:أفي اليوم الذي ولّيت فيه مهزوما،و انحجزت مذعورا،فكانت غنيمتك هزيمتك،و غدرك بطلحة حين غدرت به فقتلته،قبحا لك ما أغلظ جلدة وجهك!!
فنكس مروان رأسه،و بقي المغيرة مبهوتا.
فالتفت إليه الحسن عليه السّلام،فقال:يا أعور ثقيف!ما أنت من قريش فأفاخرك،أجهلتني يا ويحك؟!!و أنا ابن خيرة الإماء،و سيّدة النّساء،ل.
ص: 47
غذّانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعلم اللّه تبارك و تعالى،فعلّمنا تأويل القرآن،و مشكلات الأحكام،لنا العزّة الغلباء و الكلمة العلياء(1)و الفخرو السّناء،و أنت من قوم لم يثبت لهم في الجاهلية نسب،و لا لهم في الإسلام نصيب،عبد آبق،ما له و الافتخار عند مصادمة اللّيوث،و مجاحشة(2)الأقران،نحن السّادة،و نحن المذاويد(3)القادة،نحمي الذمار(4)،و ننفي عن ساحتنا العار،و أنا ابن نجيبات الأبكار.
ثمّ اشرت زعمت إلى خير وصي خير الأنبياء،و كان هو بعجزك أبصر،و بجورك أعلم و كنت للرّد عليك منه أهلا لو غرّك(5)في صدرك،و بدو الغدر في عينك،هيهات لم يكن ليتّخذ المضلّين عضدا،و زعمت لوأنّك كنت بصفين بزعارة قيس،و حلم ثقيف(6)،فبما ذا ثكلتك أمّك؟!أبعجزك عند المقامات،و فرارك عند المجاحشات؟ف.
ص: 48
أما و اللّه لو التفّت عليك من أمير المؤمنين الأشاجع(1)،لعلمت أنّه لا يمنعه منك الموانع(2)،و لقامت عليك المرنات(3)الهوالع(4).
و أمّا زعارة قيس:فما أنت و قيسا؟!إنّما أنت عبد آبق فثقف فسمّي ثقيفا فاحتل لنفسك من غيرها،فلست من رجالها،أنت بمعالجة الشّرك(5)و موالج الزرائب(6)أعرف منك بالحروب.
فأمّا الحلم فأيّ الحلم عند العبيد القيون؟(7)ثمّ تمنّيت لقاء أميرالمؤمنين عليه السّلام فذاك من قد عرفت:أسد باسل(8)،و سم قاتل،لا تقاومه الأبالسة عند الطعن و المخالسة(9)،فكيف ترومه الضبعان،و تناوله1.
ص: 49
الجعلان،بمشيتها القهقرى.
و أمّا وصلتك:فمنكورة،و قرابتك:فمجهولة،و ما رحمك منه إلاّكبنات الماء من خشفان الظّباء،بل أنت أبعد منه نسبا.
فوثب المغيرة،و الحسن عليه السّلام يقول(1):اعذرنا من بني أميّة إن تجاوزنا(2)بعد مناطقة القيون،و مفاخرة العبيد.
فقال معاوية:ارجع يا مغيرة،فهؤلاء بنو عبد مناف،لا تقاومهم الصناديد و لا تفاخرهم المذاويد.
ثمّ أقسم على الحسن عليه السّلام بالسكوت فسكت(3).
و روي أنّ عمرو بن العاص قال-لمعاوية-:ابعث إلى الحسن بن علي فمره أن يصعد المنبر يخطب النّاس،لعلّه أن يحصر فيكون ذلك ممّا
ص: 50
نعيّره به في كل محفل،فبعث إليه معاوية فأصعده المنبر،و قد جمع له النّاس،و رؤساء أهل الشّام،فحمد اللّه الحسن بن علي صلوات اللّه عليه و أثنى عليه،ثمّ قال:
أيّها النّاس!من عرفني فأنا الذي يعرف،و من لم يعرفني فأنا الحسن ابن علي بن أبي طالب،ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أوّل المسلمين إسلاما،و أمّي فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و جدّي محمّد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبيّ الرحمة،أنا ابن البشير،أنا ابن النّذير،أناابن السّراج المنير،أنا ابن من بعث رحمة للعالمين،أنا ابن من بعث إلى الجن و الإنس أجمعين.
فقال معاوية(1):يا أبا محمّد!حدّثنا في نعت الرّطب(2)-أرادبذلك تخجيله-.
فقال الحسن عليه السّلام:نعم،الرّيح تنفخه،و الحرّ ينضجه،و اللّيل يبرده و يطيبه.
ثمّ أقبل الحسن عليه السّلام فرجع في كلامه الأوّل،فقال:
أنا ابن مستجاب الدعوة،أنا ابن الشّفيع المطاع،أنا ابن أوّل من ينفض عن رأسه التّراب،أنا ابن من يقرع باب الجنّة فيفتح له(3)،أنا ابن..
ص: 51
من قاتل معه الملائكة،و أحل له المغنم و نصر بالرعب من مسيرة شهر.
فأكثر في هذا النوع من الكلام،و لم يزل به حتّى أظلمت الدنيا على معاوية،و عرف الحسن عليه السّلام من لم يكن يعرفه من أهل الشّام و غيرهم ثمّ نزل.فقال له معاوية:أمّا انّك يا حسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة،و لست هناك.
فقال الحسن عليه السّلام:أمّا الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و عمل بطاعة اللّه عزّ و جلّ،ليس(1)الخليفة من سار بالجور،و عطّل السنن،و اتّخذ الدنيا أمّا و أبا،و لكن ذلك(2)أمر ملك أصاب ملكافتمتّع به(3)قليلا،و كان قد انقطع عنه،فاتخم(4)لذّته و بقيت عليه تبعته،و كان كما قال اللّه تبارك و تعالى:«وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتََاعٌ إِلى ََحِينٍ»(5)،و أومأ بيده إلى معاوية،ثمّ قام فانصرف.فقال معاوية لعمرو:و اللّه ما أردت إلاّ شيني حين أمرتني بما أمرتني،و اللّه ما كان يرى أهل الشّام أن أحدا مثلي في حسب و لا غيره،حتّى قال الحسن-عليه السّلام-ما7.
ص: 52
قال،قال عمرو:و هذا شي ء لا يستطاع دفنه،و لا تغييره،لشهرته في النّاس،و اتّضاحه،فسكت معاوية(1).
و روى الشّعبي:أن معاوية قدم المدينة فقام خطيبا فنال من علي بن أبي طالب(2).
فقام الحسن بن علي عليهما السّلام فخطب و حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:
انّه لم يبعث نبي إلاّ جعل له وصي(3)من أهل بيته،و لم يكن نبي إلاّو له عدو من المجرمين،و إنّ عليّا عليه السّلام كان وصي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من بعده،و أنا ابن علي،و أنت ابن صخر،و جدّك حرب،و جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أمّك هند و أمي فاطمة،و جدّتي خديجةو جدّتك نثيلة،فلعن اللّه ألأمنا حسبا،و أقدمنا كفرا،و أخملنا ذكرا،
ص: 53
و أشدنا نفاقا،فقال عامة أهل المجلس:آمين.فنزل معاوية فقطع خطبته(1).
و روي أنّه لما قدم معاوية بالكوفة قيل له:إنّ الحسن بن علي مرتفع في أنفس النّاس،فلو أمرته أن يقوم دون مقامك على المنبر فتدركه الحداثةو العي فيسقط من أنفس النّاس(2)،فأبى عليهم و أبوا عليه إلاّ أن يأمره بذلك،فأمره،فقام دون مقامه في المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمّ قال:
أمّا بعد،[أيها النّاس](3)فإنّكم لو طلبتم ما بين كذا و كذا لتجدوارجلا جدّه نبي لم تجدوه غيري و غير أخي،و انّا أعطينا صفقتنا هذاالطّاغية-و أشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية و هو في مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المنبر-و رأينا حقن دماء المسلمين(4)أفضل من إهراقها،و إن أدري لعلّه فتنة لكم و متاع إلى حين-و أشار بيده الى معاوية-.
فقال له معاوية:ما أردت بقولك هذا؟
ص: 54
فقال:أردت به ما أراد اللّه عزّ و جلّ(1).
فقام معاوية فخطب خطبة عيية(2)فاحشة،فثلب(3)فيها أميرالمؤمنين عليه الصّلاة و السّلام.
فقام الحسن بن علي عليهما السّلام فقال له-و هو على المنبر-:يا ابن(4)آكلة الأكباد!أو أنت تسبّ أمير المؤمنين عليه السّلام و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«من سبّ عليّا فقد سبّني،و من سبّني فقد سبّ اللّه،و من سبّ اللّه أدخله اللّه نار جهنم خالدا فيها مخلدا و له عذاب مقيم»؟
ثمّ انحدر الحسن عليه السّلام عن المنبر فدخل داره،و لم يصل[هناك بعدذلك أبدا](5)(6).1.
ص: 55
و قد جرى قبل ذلك إيراد كثير من الحجج لعبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب و عبد اللّه بن عبّاس و غيرهما،على معاوية في الإمامة و غيرها،بمحضر من الحسن عليه السّلام و الفضل بن عباس و غيرهما.
روى سليم بن قيس قال:سمعت عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب قال:قال لي معاوية:
ما أشد تعظيمك للحسن و الحسين،ما هما بخير منك و لا أبوهمابخير من أبيك،و لو لا أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لقلت:ماأمّك أسماء بنت عميس بدون منها.(1)
قال:فغضبت من مقالته،و أخذني ما لا أملك،فقلت:إنّك لقليل
ص: 56
المعرفة بهما و بأبيهما و أمّهما،بلى و اللّه إنّهما خير منّي و أبوهما خير من أبي و أمهما خير من أمّي،و لقد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول فيهما و في أبيهما و أنا غلام فحفظته منه و وعيته.
فقال معاوية-و ليس في المجلس غير الحسن و الحسين عليهما السّلام و ابن جعفر رحمه اللّه و ابن عبّاس و أخيه الفضل-:هات ما سمعت!فو اللّه ماأنت بكذاب،فقال:إنّه أعظم ممّا في نفسك.
قال:و إن كان(1)أعظم من أحد و حرى،فإنّه(2)ما لم يكن أحد من أهل الشّام[فلا أبالي](3)!!أمّا إذا قتل اللّه طاغيتكم و فرّق جمعكم و صارالأمر في أهله و معدنه،فما نبالي ما قلتم و لا يضرنا ما ادّعيتم.
قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فمن كنت أولى به من نفسه فأنت يا أخي أولى به من نفسه»و عليّ بين يديه في البيت و الحسن و الحسين و عمر بن أم سلمة و أسامة بن زيد،و في البيت فاطمة عليها السّلام و أم أيمن و أبو ذر و المقداد و الزّبير بن العوّام،و ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عضده و أعاد ما قال فيه ثلاثا،ثمّ نصّ بالإمامة على الأئمة تمام الاثني عشر عليهم السّلام ثمّ قال صلوات اللّه عليه:ر.
ص: 57
«لأمّتي(1)إثنا عشر إمام ضلالة،كلّهم ضالّ مضلّ:عشرة من بني أميّة،و رجلان من قريش،وزر جميع الاثني عشر و ما أضلوا في أعناقهما،ثمّ سمّاهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سمّى العشرة معهما».
قال:فسمّهم لنا:قال:فلان و فلان و فلان،و صاحب السلسلة و ابنه من آل أبي سفيان،و سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص،أوّلهم مروان.
قال معاوية:لئن كان ما قلت حقّا لقد هلكت،و هلكت الثلاثة قبلي و جميع من تولاهم من هذه الأمّة،و لقد هلك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المهاجرين و الأنصار و التابعين غيركم(2)أهل البيت و شيعتكم.
قال ابن جعفر:فإنّ الذي قلت و اللّه حقّ سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال معاوية-للحسن و الحسين و ابن عبّاس-:ما يقول ابن جعفر؟(3).
قال ابن عبّاس-و معاوية بالمدينة أوّل سنة اجتمع عليه النّاس بعدقتل علي عليه السّلام-:أرسل إلى الذين سمّى(4)،فأرسل إلى عمر بن أم سلمة..
ص: 58
و أسامة،فشهدوا جميعا أنّ الذي قال ابن جعفر حقّ،قد سمعوا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما سمعه.
ثمّ أقبل معاوية إلى الحسن و الحسين و ابن عبّاس و الفضل و ابن أم سلمة و أسامة.
فقال:كلّكم على ما قال ابن جعفر؟
قالوا:نعم.
قال معاوية:فانّكم يا بني عبد المطّلب لتدّعون أمرا،و تحتجون بحجّة قويّة إن كانت حقّا،و إنّكم لتصبرون(1)على أمر و تسترونه و النّاس في غفلة و عمى،و لئن كان ما تقولونه حقّا لقد هلكت الأمّة،و رجعت عن دينها.و كفرت بربها،و جحدت نبيّها،إلاّ أنتم أهل البيت و من قال بقولكم،و أولئك قليل في النّاس.
فأقبل ابن عبّاس على معاوية فقال:قال اللّه تعالى:«وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبََادِيَ اَلشَّكُورُ»(2)،و قال:«وَ قَلِيلٌ مََا هُمْ»(3).
و ما تعجب مني يا معاوية اعجب من بني إسرائيل:إنّ السّحرة قالوالفرعون:«فَاقْضِ مََا أَنْتَ قََاضٍ»(4)فآمنوا بموسى و صدّقوه،ثمّ سار بهم2.
ص: 59
و من اتّبعهم من بني إسرائيل فأقطعهم البحر،و أراهم العجائب،و هم مصدقون بموسى و بالتوراة يقرّون له بدينه،ثمّ مرّوا بأصنام تعبد فقالوا:«يََا مُوسَى اِجْعَلْ لَنََا إِلََهاً كَمََا لَهُمْ آلِهَةٌ قََالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»(1)و عكفواعلى العجل جميعا غير هارون فقالوا:«هََذََا إِلََهُكُمْ وَ إِلََهُ مُوسى ََ»(2)و قال لهم موسى-بعد ذلك-:«اُدْخُلُوا اَلْأَرْضَ اَلْمُقَدَّسَةَ»(3)فكان من جوابهم ما قصّ اللّه عزّ و جلّ عليهم فقال موسى عليه السّلام:«رَبِّ إِنِّي لاََ أَمْلِكُ إِلاََّنَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنََا وَ بَيْنَ اَلْقَوْمِ اَلْفََاسِقِينَ»(4).
فما اتباع هذه الأمّة رجالا سوّدوهم و أطاعوهم،لهم سوابق مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و منازل قريبة منه،و أصهار مقرّين بدين محمّدصلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بالقرآن،حملهم الكبر و الحسد أن خالفوا إمامهم و وليهم،بأعجب من قوم صاغوا من حليهم عجلا ثمّ عكفوا عليه(5)يعبدونه،و يسجدون له،و يزعمون أنّه ربّ العالمين،و اجتمعوا على ذلك كلّهم غير هارون وحده،و قد بقي مع صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلةهارون من موسى من أهل بيته ناس:[منهم](6)سلمان و أبو ذر و المقداد».
ص: 60
و الزّبير،ثمّ رجع الزّبير و ثبت هؤلاء الثلاثة مع إمامهم حتّى لقوا اللّه.
و تعجب يا معاوية أن سمّى اللّه من الأئمة واحدا بعد واحد،و قد نص عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(بغدير خمّ)و في غير موطن،و احتجّ بهم عليهم،و أمرهم بطاعتهم،و أخبر أنّ أوّلهم علي بن أبي طالب وليّ كلّ مؤمن و مؤمنة من بعده،و أنّه خليفته فيهم و وصيه و قد بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جيشا يوم مؤتة فقال:عليكم بجعفر،فان هلك فزيد،فإن هلك فعبد اللّه بن رواحة،فقتلوا جميعا،أفتراه يترك الأمّة و لم يبيّن لهم من الخليفة بعده،ليختاروا هم لأنفسهم الخليفة،كأنّ رأيهم لأنفسهم أهدى لهم و أرشد من رأيه و اختياره؟و ما ركب القوم ما ركبوا إلاّ بعد ما بيّنه،و ماتركهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في عمى و لا شبهة.
فأمّا ما قال الرهط الأربعة الذين تظاهروا على علي عليه السّلام و كذبواعلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و زعموا أنّه قال:إن اللّه لم يكن ليجمع(1)لنا أهل البيت،النبوّة و الخلافة فقد شبّهوا على النّاس بشهادتهم و كذبهم و مكرهم.
قال معاوية:ما تقول يا حسن؟
قال:يا معاوية!قد سمعت ما قلت و ما قال ابن عبّاس،العجب منك يامعاوية و من قلّة حيائك،و من جرأتك على اللّه حين قلت:«قد قتل اللّه طاغيتكم،ورد الأمر إلى معدنه»فأنت يا معاوية معدن الخلافة دوننا؟!ويل..
ص: 61
لك يا معاوية و للثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس،و سنّوا لك هذه السنّة،لأقولنّ كلاما ما أنت أهله،و لكنّي أقول ليسمعه بنوا أبي هؤلاءحولي:
إنّ النّاس قد اجتمعوا على أمور كثيرة ليس بينهم اختلاف فيها،و لا تنازع و لا فرقة،على:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا رسول اللّه و عبده،و الصلوات الخمس،و الزّكاة المفروضة،و صوم شهر رمضان،و حجّ البيت،ثمّ أشياء كثيرة من طاعة اللّه عزّ و جلّ لا تحصى و لا يعدّها إلاّاللّه،و اجتمعوا على تحريم الزّنا[و شرب الخمر](1)،و السّرقة،و الكذب،و القطيعة،و الخيانة،و أشياء كثيرة من معاصي اللّه لا تحصى و لا يعدّها إلاّاللّه.
و اختلفوا في سنن اقتتلوا فيها و صاروا فرقا يلعن بعضهم بعضا،و هي:«الولاية»و يتبرّأ بعضهم من بعض،و يقتل بعضهم بعضا،أيّهم أحقّ و أولى بها،إلاّ فرقة تتبع كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فمن أخذبما عليه أهل القبلة الذي ليس فيه اختلاف،و ردّ علم ما اختلفوا فيه إلى اللّه،سلم و نجا به من النّار و دخل الجنّة،و من وفّقه اللّه و منّ عليه و احتج عليه بأن نوّر قلبه بمعرفة ولاة الأمر من أئمتهم و معدن العلم أين هو،فهوعند اللّه سعيد و للّه ولي و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«رحم اللّه امرءا علم حقّا فقال فغنم أو سكت فسلم».».
ص: 62
نحن نقول أهل البيت:إنّ الأئمة منّا،و إنّ الخلافة لا تصلح إلاّفينا(1)،و إنّ اللّه تبارك و تعالى جعلنا أهلها في كتابه و سنّة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إنّ العلم فينا و نحن أهله،و هو عندنا مجموع كلّه بحذافيره،و إنّه لا يحدث شي ء إلى يوم القيامة حتّى أرش الخدش إلاّ و هو عندنا مكتوب بإملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خط علي عليه السّلام بيده(2).
و زعم قوم أنّهم أولى بذلك منّا حتّى أنت يا ابن هند تدّعي ذلك و تزعم أنّ عمر أرسل إلى أبي[و قال:](3)إنّي أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إليّ بما كتبت من القرآن،فأتاه فقال:تضرب و اللّه عنقي قبل أن يصل إليك.قال:و لم؟
قال:لأنّ اللّه تعالى قال:«وَ اَلرََّاسِخُونَ فِي اَلْعِلْمِ»(4)إياي عنى و لم يعنك و لا أصحابك،فغضب عمر ثمّ قال:
يا ابن أبي طالب!تحسب أنّ أحدا ليس عنده علم غيرك،من كان7.
ص: 63
يقرأ من القرآن شيئا فليأتني به،فإذا جاء رجل يقرأ شيئا منه فشهد آخركتبه و إلاّ فلم يكتبه(1).
ثمّ قالوا:قد ضاع منه قرآن كثير،بل كذبوا و اللّه بل هو مجموع محفوظ عند أهله.
ثمّ أمر عمر قضاته و ولاته:اجتهدوا آراءكم و اقضوا بما ترون أنّه الحقّ،فلا يزال هو و بعض ولاته قد وقعوا في عظيمة،فيخرجهم منها أبي ليحتج عليهم بها،فتجمّع القضاة عند خليفتهم و قد حكموا في شي ءواحد بقضايا مختلفة فأجاز لهم،لأنّ اللّه تعالى لم يؤته الحكمة و فصل الخطاب،و زعم كل صنف من مخالفينا من أهل هذه القبلة أنّهم معدن(2)الخلافة و العلم دوننا،فنستعين باللّه على من ظلمنا و جحدنا حقّنا و ركب رقابنا و سنّ للنّاس علينا ما يحتج به مثلك،و حسبنا اللّه و نعم الوكيل.
إنّما النّاس ثلاثة:مؤمن يعرف حقّنا و يسلم لنا و يأتم بنا،فذلك ناج محبّ للّه ولي.
و ناصب لنا العداوة يتبرّأ منّا ويلعننا،و يستحل دماءنا و يجحد حقّنا،و يدين اللّه بالبراءة منّا،فهذا كافر مشرك فاسق،و إنّما كفر و أشرك من حيث لا يعلم كما يسبّوا اللّه عدوا بغير علم،كذلك يشرك باللّه بغير علم...
ص: 64
و رجل أخذ بما لا يختلف فيه،و ردّ علم ما أشكل عليه إلى اللّه،مع ولايتنا و لا يأتم بنا و لا يعادينا و لا يعرف حقّنا،فنحن نرجو أن يغفر اللّه له،و يدخله الجنّة،فهذا مسلم ضعيف.
فلمّا سمع معاوية أمر لكلّ واحد منهم بمائة ألف درهم،غير الحسن و الحسين و ابن جعفر،فانّه أمر لكلّ واحد منهم بألف ألف درهم(1).9.
ص: 65
احتجاجه عليه السّلام على من أنكر عليه مصالحة معاويةو نسبه إلى التقصير في طلب حقّه عن سليم بن قيس،قال:لمّا قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسّلام على المنبر حين اجتمع مع معاوية،فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:
أيّها النّاس إنّ معاوية زعم أنّي رأيته للخلافة أهلا و لم أر نفسي لهاأهلا و كذب معاوية،أنا أولى النّاس بالنّاس في كتاب اللّه و على لسان نبي اللّه،فأقسم باللّه لو أنّ النّاس بايعوني و أطاعوني و نصروني،لأعطتهم السّماء قطرها و الأرض بركتها،و لما طمعت فيها يا معاوية(1)،و قدقال(2)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ما ولّت أمّة أمرها رجلا قطّ و فيهم من هو أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ملّة عبدةالعجل»(3).
و قد ترك بنو إسرائيل هارون و اعتكفوا على العجل و هم يعلمون أنّ هارون خليفة موسى،و قد تركت الأمّة عليّا عليه السّلام و قد سمعوا رسول اللّه
ص: 66
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول لعليّ:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى غيرالنبوّة فلا نبي بعدي»و قد هرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قومه و هويدعوهم إلى اللّه حتّى فرّ إلى الغار،و لو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم،و لو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية.
و قد جعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه و كادوا يقتلونه،و لم يجد عليهم أعوانا،و قد جعل اللّه النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سعة حين فرّمن قومه لمّا لم يجد أعوانا عليهم و كذلك أنا و أبي في سعة من اللّه حين تركتنا الأمّة و بايعت غيرنا و لم نجد أعوانا،و إنّما هي السّنن و الأمثال يتّبع بعضها بعضا.
أيّها النّاس!إنّكم لو ألتمستم فيما بين المشرق و المغرب لم تجدوارجلا من ولد نبيّ(1)غيري و غير أخي(2).
و عن حنان بن سدير عن أبيه سدير بن حكيم عن أبيه عن أبي سعيدعقيصي قال:لمّا صالح الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام معاوية بن
ص: 67
أبي سفيان دخل عليه النّاس فلامه بعضهم على بيعته فقال عليه السّلام:
و يحكم ما تدرون ما عملت،و اللّه للذي عملت لشيعتي خير ممّاطلعت عليه الشّمس أو غربت،ألا تعلمون أنّي إمامكم،و مفترض الطّاعةعليكم،و أحد سيديّ شباب أهل الجنّة بنص من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ؟
قالوا:بلى.
قال:أمّا علمتم أنّ الخضر لمّا خرق السّفينة،و أقام الجدار،و قتل الغلام كان ذلك سخطا لموسى بن عمران عليه السّلام إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك،و كان ذلك عند اللّه تعالى ذكره حكمة و صوابا؟أمّاعلمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم-عجّل اللّه فرجه-؟الذي يصلّي خلفه روح اللّه عيسى بن مريم عليهما السّلام،فإنّ اللّه عزّو جلّ يخفي ولادته و يغيّب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج،ذاك التّاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الاماء،يطيل اللّه عمره في غيبته ثمّ يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة،ذلك ليعلم أنّ اللّه على كلّ شي ء قدير(1).9.
ص: 68
و عن زيد بن وهب الجهنيّ،قال:لمّا طعن الحسن بن علي عليهما السّلام بالمدائن أتيته و هو متوجّع،فقلت:ما ترى يا ابن رسول اللّه فإنّ النّاس متحيّرون؟
فقال:أرى و اللّه أنّ معاوية خير لي من هؤلاء،يزعمون أنهم لي شيعةابتغوا قتلي و انتهبوا ثقلي(1)و أخذوا مالي،و اللّه لئن آخذ من معاوية عهداأحقن به دمي و آمن(2)به في أهلي،خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي و أهلي،و اللّه لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلما.
فو اللّه لئن أسالمه و أنا عزيز خير من أن يقتلني و أنا أسير،أو يمنّ عليّ فيكون سبّة(3)على بني هاشم إلى آخر الدّهر و لمعاوية لا يزال يمنّ بها و عقبه على الحيّ منّا و الميت.
قال:قلت:تترك يا ابن رسول اللّه شيعتك كالغنم ليس لها راع؟
قال:و ما أصنع يا أخا جهينة؟إنّي و اللّه أعلم بأمر قد أدّي به إليّ عن
ص: 69
ثقاته إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال لي-ذات يوم و قد رآني فرحا(1)-:ياحسن أتفرح كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟!أم كيف بك إذا ولي هذا الأمربنو أميّة،و أميرها الرحب البلعوم(2)،الواسع الأعفاج(3)،يأكل و لايشبع،يموت و ليس له في السّماء ناصر و لا في الأرض عاذر،ثمّ يستولي على غربها و شرقها،يدين له العباد و يطول ملكه،يستنّ بسنن(4)البدع و الضّلال،و يميت الحقّ و سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
يقسّم المال في أهل ولايته،و يمنعه من هو أحقّ به،و يذلّ في ملكه المؤمن،و يقوى في سلطانه الفاسق،و يجعل المال بين أنصاره دولا،و يتّخذ عباد اللّه خولا.
يدرس في سلطانه الحقّ،و يظهر الباطل،و يلعن الصالحون،و يقتل من ناواه على الحقّ،و يدين من والاه على الباطل.
فكذلك حتّى يبعث اللّه رجلا في آخر الزمان و كلب من الدّهر(5)و جهل من النّاس،يؤيده اللّه بملائكته و يعصم أنصاره و ينصره بآياته،و يظهره على أهل الأرض حتّى يدينوا طوعا و كرها،يملأ الأرض قسطا5.
ص: 70
و عدلا و نورا و برهانا،يدين له عرض البلاد و طولها،لا يبقى كافر إلاّ آمن به و لا طالح إلاّ صلح،و تصطلح في ملكه السّباع،و تخرج الأرض نبتها،و تنزل السّماء بركتها،و تظهر له الكنوز،يملك ما بين الخافقين(1)أربعين عاما(2)،فطوبى لمن أدرك أيامه و سمع كلامه(3).
و عن الأعمش،عن سالم بن أبي الجعد،قال:حدّثني رجل منّا قال:أتيت الحسن بن علي عليهما السّلام فقلت:يا ابن رسول اللّه!أذللت رقابنا،و جعلتنا معشر الشّيعة عبيدا،ما بقي معك رجل.
قال:وممّ ذاك؟قال:قلت:بتسليمك الأمر لهذا الطّاغية.
قال:و اللّه ما سلّمت الأمر إليه إلاّ أنّي لم أجد أنصارا،و لو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي و نهاري حتّى يحكم اللّه بيني و بينه،و لكنّي عرفت أهل
ص: 71
الكوفة و بلوتهم،و لا يصلح لي منهم ما كان(1)فاسدا،إنّهم لا وفاء لهم و لاذمّة في قول و لا فعل،إنّهم لمختلفون،و يقولون لنا:إنّ قلوبهم معنا و إنّ سيوفهم لمشهورة علينا.
قال:و هو يكلّمني إذ تنخع(2)الدم،فدعا بطست فحمل من بين يديه ملآنا ممّا خرج من جوفه من الدم.
فقلت له:ما هذا يا ابن رسول اللّه إنّي لأراك وجعا؟
قال:أجل دسّ إليّ هذا الطّاغية من سقاني سمّا فقد وقع على كبدي فهو يخرج قطعا كما ترى.
قلت:أ فلا تتداوى؟(3)
قال:قد سقاني مرّتين و هذه الثالثة لا أجد لها دواء.
و لقد رقى إليّ أنّه كتب إلى ملك الرّوم يسأله أن يوجّه إليه من السّمّ القتّال شربة،فكتب إليه ملك الرّوم:إنّه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا.
فكتب إليه:إنّ هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة،و قد خرج يطلب ملك أبيه،و أنا أريد أن أدسّ إليه(4)من يسقيه ذلك فاريح العبادو البلاد منه،و وجّه إليه بهدايا و ألطاف فوجّه إليه ملك الرّوم بهذه الشّربة..
ص: 72
التي دسّ بها إليّ فسقيتها و اشترط عليه في ذلك شروطا(1).
و روي أنّ معاوية دفع السّم إلى امرأة الحسن بن علي عليهما السّلام جعدةبنت الأشعث و قال لها:«اسقيه فإذا مات هو زوّجتك بابني(2)يزيد»فلمّاسقته السّم و مات عليه السّلام جاءت الملعونة إلى معاوية المعلون فقالت:
«زوّجني يزيد»،فقال:«اذهبي فإنّ امرأة لا تصلح(3)للحسن بن علي لا تصلح لابني يزيد»(4).
ص: 73
ص: 74
ص: 75
ص: 76
روي أنّ عمر بن الخطّاب كان يخطب النّاس على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فذكر في خطبته أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم،فقال له الحسين عليه السّلام-من ناحية المسجد-:
إنزل أيّها الكذّاب عن منبر أبي رسول اللّه لا منبر أبيك!
فقال له عمر:فمنبر أبيك يا حسين لعمري لا منبر أبي،من علّمك هذا أبوك علي بن أبي طالب؟
فقال له الحسين عليه السّلام:إن اطع أبي فيما أمرني فلعمري إنّه لهادو أنا مهتد به،و له في رقاب النّاس البيعة على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزل بها جبرئيل من عند اللّه تعالى لا ينكرها إلاّ جاحد بالكتاب،قدعرفها النّاس بقلوبهم و أنكروها بألسنتهم و ويل للمنكرين حقّنا أهل البيت،ما ذا يلقاهم به محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من إدامة الغضب و شدّة العذاب!!
ص: 77
فقال له عمر:يا حسين!من أنكر حقّ أبيك فعليه لعنة اللّه،أمّرناالنّاس فتأمّرنا و لو أمّروا أباك لأطعنا.
فقال له الحسين:يا ابن الخطّاب!فأي النّاس أمّرك على نفسه قبل أن تؤمر أبا بكر على نفسك ليؤمّرك على النّاس بلا حجّة من نبي و لا رضى من آل محمّد،فرضاكم كان لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رضى؟أو رضا أهله كان له سخطا؟!أما و اللّه لو أنّ للّسان مقالا يطول تصديقه و فعلا يعينه المؤمنون،لما تخطأت رقاب آل محمّد،ترقى منبرهم،و صرت الحاكم عليهم بكتاب نزل فيهم لا تعرف معجمه،و لا تدري تأويله إلاّ سماع الآذان،المخطى ء و المصيب عندك سواء،فجزاك اللّه جزاك،و سألك عمّاأحدثت سؤالا حفيّا.
قال:فنزل عمر مغضبا،و مشى معه أناس من أصحابه حتّى أتى باب أمير المؤمنين عليه السّلام فاستأذن عليه فأذن له،فدخل فقال:
يا أبا الحسن!ما لقيت اليوم من ابنك الحسين،يجهرنا بالصّوت(1)في مسجد رسول اللّه و يحرّض عليّ الطغام و أهل المدينة.
فقال له الحسن عليه السّلام:على مثل الحسين ابن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يشخب(2)بمن لا حكم له،أو يقول بالطغام(3)على أهل دينه؟أما4.
ص: 78
و اللّه ما نلت إلاّ بالطغام،فلعن اللّه من حرّض الطّغام.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:مهلا يا أبا محمّد فانّك لن تكون قريب الغضب و لا لئيم الحسب،و لا فيك عروق من السّودان،اسمع كلامي و لا تعجل بالكلام.
فقال له عمر:يا أبا الحسن!إنّهما ليهمّان في أنفسهما بما لا يرى بغير الخلافة.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:هما أقرب نسبا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أن يهمّا،أما فأرضهما يا ابن الخطّاب بحقّهما يرض عنك من بعدهما.قال:و ما رضاهما يا أبا الحسن؟
قال:رضاهما الرجعة عن الخطيئة و التقيّة عن المعصية بالتّوبة.
فقال له عمر:أدّب يا أبا الحسن ابنك أن لا يتعاطى السلاطين الذين هم الحكام(1)في الأرض.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:أنا اؤدب أهل المعاصي على معاصيهم،و من أخاف عليه الزلّة و الهلكة،فأمّا من والده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نحله أدبه فانّه لا ينتقل إلى أدب خير له منه،أما فارضهما يا ابن الخطّاب!
قال:فخرج عمر فاستقبله عثمان بن عفّان،و عبد الرّحمن بن عوف.فقال له عبد الرّحمن:يا أبا حفص!ما صنعت فقد طالت بكما الحجّة؟..
ص: 79
فقال له عمر:و هل حجّة مع ابن أبي طالب و شبليه؟!
فقال له عثمان:يا ابن الخطّاب!هم بنو عبد مناف،الأسمنون و النّاس عجاف.
فقال له عمر:ما اعد(1)ما صرت اليه فخرا فخرت به بحمقك،فقبض عثمان على مجامع ثيابه ثمّ جذبه وردّه،ثم قال له:يا ابن الخطّاب!كأنّك تنكر ماأقول،فدخل بينهما عبد الرّحمن بن عوف و فرّق بينهما و افترق القوم(2).
عن سليم بن قيس،قال:قدم معاوية بن أبي سفيان حاجّا في خلافته فاستقبله أهل المدينة،فنظر فإذا الذين استقبلوه ما فيهم أحد من قريش،فلمّا نزل قال:ما فعلت الأنصار و ما بالها لم تستقبلني؟
ص: 80
فقيل له:إنّهم محتاجون ليس لهم دواب.
فقال معاوية:فأين نواضحهم؟(1)
فقال قيس بن سعد بن عبادة-و كان سيّد الأنصار و ابن سيّدها-:أفنوها يوم بدر و أحد و ما بعدهما من مشاهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،حين ضربوك و أباك على الإسلام حتّى ظهر أمر اللّه و أنتم له كارهون،فسكت معاوية،فقال قيس:أمّا إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عهد إلينا أنّاسنلقى بعده أثرة(2).
فقال معاوية:فما أمركم به؟فقال:أمرنا أن نصبر حتّى نلقاه.
قال:فاصبروا حتّى تلقوه!ثمّ إنّ معاوية مرّ بحلقة من قريش فلمّا رأوه قاموا غير عبد اللّه بن عبّاس فقال له:
يا ابن عبّاس!ما منعك من القيام كما قام أصحابك،إلاّ لموجدة(3)أنّي قاتلتكم بصفين(4)،فلا تجد من ذلك يا ابن عبّاس!فإن ابن عمي عثمان قد قتل مظلوما!ن.
ص: 81
قال ابن عبّاس:فعمر بن الخطّاب قد قتل مظلوما؟قال:إنّ عمر قتله كافر.
قال ابن عبّاس:فمن قتل عثمان؟قال:قتله المسلمون.
قال:فذاك أدحض لحجّتك.
قال:فإنّا قد كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ و أهل بيته،فكفّ لسانك.فقال:يا معاوية!أتنهانا عن قراءة القرآن؟!قال:لا.
قال:افتنهانا عن تأويله؟!قال:نعم.
قال:فنقرؤه و لا نسأل عمّا عنى اللّه به؟ثمّ قال:فأيهما أوجب عليناقراءته أو العمل به؟قال:العمل به.
قال:فكيف نعمل به و لا نعلم ما عنى اللّه[به](1)؟!قال:سل عن ذلك من يتأوّله على غير ما تتأوّله أنت و أهل بيتك.
قال:إنّما أنزل اللّه القرآن على أهل بيتي أفأسأل(2)عنه آل أبي سفيان؟!يا معاوية!أتنهانا أن نعبد اللّه بالقرآن بما فيه من حلال و حرام؟!فان لم تسأل الأمّة عن ذلك حتّى تعلم تهلك و تختلف.
قال:اقرؤا القرآن و تأوّلوه و لا ترووا شيئا ممّا أنزل اللّه فيكم،و ارووا ما سوى ذلك.
قال:فإنّ اللّه يقول في القرآن:«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اَللََّهِ بِأَفْوََاهِهِمْ..
ص: 82
وَ يَأْبَى اَللََّهُ إِلاََّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ اَلْكََافِرُونَ»(1).
قال:يا ابن عبّاس إربع(2)على نفسك و كفّ لسانك،و إن كنت لا بدّفاعلا فليكن ذلك سرّا لا تسمعه أحد علانية ثمّ رجع إلى بيته فبعث إليه بمائة ألف درهم(3).
[علل اشتهار الأحاديث الباطلة و متروكيةالأحاديث الحقّة](4)
و نادى منادي معاوية:أن قد برئت الذمّة ممّن يروي حديثا من مناقب علي و فضل أهل بيته،و كان أشد النّاس بلية أهل الكوفة،لكثرة من بها من الشّيعة،فاستعمل زياد ابن أبيه و ضمّ إليه العراقين:الكوفة و البصرة،فجعل يتتبع الشّيعة و هو بهم عارف،يقتلهم تحت كل حجر و مدر،و أخافهم و قطع الأيدي و الأرجل و صلبهم في جذوع النّخل،و سمل(5)أعينهم
ص: 83
و طردهم و شرّدهم،حتّى نفوا عن(1)العراق فلم يبق بها(2)أحد معروف مشهور،فهم بين مقتول أو مصلوب أو محبوس أو طريد أو شريد.
و كتب معاوية إلى جميع عمّاله في جميع الأمصار:أن لا تجيزوالأحد من شيعة عليّ و أهل بيته شهادة،و انظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبّيه و محبّي أهل بيته و أهل ولايته،و الذين يروون فضله و مناقبه فأدنوامجالسهم و قرّبوهم و أكرموهم،و اكتبوا من يروي من مناقبه باسمه(3)و اسم أبيه و قبيلته،ففعلوا،حتّى كثرت الرواية في عثمان،و افتعلوها لماكان يبعث إليهم من الصّلات و الخلع و القطايع من العرب و الموالي،فكثر ذلك في كل مصر،و تنافسوا في الأموال و الدنيا،فليس أحد يجي ء من مصر من الأمصار فيروي في عثمان منقبة أو فضيلة إلاّ كتب اسمه و قرب و اجيز،فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.
ثمّ كتب إلى عمّاله:إنّ الحديث في عثمان قد كثر و فشا في كل مصر،فادعوا النّاس إلى الرواية في معاوية و فضله و سوابقه،فانّ ذلك أحب إلينا،و أقرّ لأعيننا،و أدحض لحجّة أهل هذا البيت و أشدّ عليهم،فقرأ كل أمير وقاض كتابه على النّاس،فأخذ النّاس في الروايات في فضائل..
ص: 84
معاوية(1)على المنبر في كل كورة و كل مسجد زورا،و ألقوا ذلك إلى معلمي الكتاتيب فعلّموا ذلك صبيانهم،كما يعلّمونهم القرآن حتّى علّموه بناتهم و نساءهم و حشمهم،فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.
و كتب زياد بن أبيه إليه في حق الحضرميين:إنّهم على دين عليّ و على رأيه فكتب إليه معاوية:اقتل كلّ من كان على دين عليّ و رأيه فقتلهم و مثّل بهم.
و كتب معاوية إلى جميع البلدان:أنظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحب عليّا و أهل بيته فامحوه من الديوان.
و كتب كتابا آخر:انظروا من قبلكم من شيعة عليّ أو اتهمتموه بحبه فاقتلوه و إن لم تقم عليه البيّنة.فقتلوهم على التهمة(2)و الظّنّة و الشّبهة،تحت كلّ حجر،حتّى لو كان الرّجل تسقط منه كلمة ضرب عنقه(3)،حتّى لو كان الرجل يرمى بالزندقة و الكفر كان يكرّم و يعظّم و لا يتعرّض له بمكروه،و الرجل من الشّيعة لا يأمن على نفسه في بلد من البلدان لا سيّماالكوفة و البصرة،حتّى لو انّ أحدا منهم أراد أن يلقي سرّا إلى من يثق به لأتاه في بيته فيخاف خادمه و مملوكه،فلا يحدّثه إلاّ بعد أن يأخذ عليهه.
ص: 85
الأيمان المغلظة ليكتمنّ عليه،ثمّ لا يزداد الأمر إلاّ شدّة،حتّى كثرت و ظهرت(1)أحاديثهم الكاذبة،و نشأ عليها الصّبيان يتعلّمون ذلك.
و كان أشدّ النّاس في ذلك القرّاء المراءون المتصنّعون الذين يظهرون الخشوع و الورع،فكذبوا و انتحلوا الأحاديث و ولّدوها فيحظون بذلك عند الولاة و القضاة و يدنون مجالسهم،و يصيبون بذلك الأموال و القطايع و المنازل،حتّى صارت أحاديثهم و رواياتهم عندهم حقّاو صدقا،فرووها و قبلوها و تعلّموها و علّموها،و أحبّوا عليها و أبغضوا من ردّها أو شك فيها،فاجتمعت على ذلك جماعتهم،و صارت في أيدي المتنسّكين و المتديّنين منهم الذين لا يستحلّون الإفتعال(2)لمثلها(3)،فقبلوها و هم يرون أنّها حقّ،و لو علموا بطلانها و تيقّنوا أنّها مفتعلةلأعرضوا عن روايتها و لم يتديّنوا بها(4)،و لم يبغضوا من خالفها،فصارالحقّ في ذلك الزمان عندهم باطلا و الباطل حقّا،و الكذب صدقا و الصّدق كذبا.
فلمّا مات الحسن بن علي عليهما السّلام ازداد البلاء و الفتنة،فلم يبق للّه وليّ إلاّ خائف على نفسه،أو مقتول أو طريد أو شريد،فلمّا كان قبل موتا.
ص: 86
معاوية بسنتين حجّ الحسين بن علي عليهما السّلام و عبد اللّه بن جعفر و عبد اللّه ابن عبّاس معه.و قد جمع الحسين بن علي عليهما السّلام بني هاشم رجالهم و نساءهم و مواليهم و شيعتهم،من حجّ منهم و من لم يحج،و من الأنصار(1)ممّن يعرفونه و أهل بيته،ثمّ لم يدع أحدا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من أبنائهم و التابعين،و من الأنصار المعروفين بالصّلاح و النسك إلاّ جمعهم فاجتمع إليه(2)بمنى أكثر من ألف رجل،و الحسين عليه السّلام في سرادقه عامتهم التابعون و أبناء الصحابة،فقام الحسين عليه السّلام فيهم خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:
أمّا بعد:فإنّ هذا الطّاغية قد صنع بنا و بشيعتنا ما قد علمتم و رأيتم و شهدتم و بلغكم،و إنّي أريد أن أسألكم عن أشياء فإن صدقت فصدّقوني،و إن كذبت فكذّبوني،اسمعوا مقالتي و اكتموا قولي،ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم و قبائلكم و من أمنتموه و وثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون،فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ و يذهب،و اللّه متمّ نوره و لو كره الكافرون.
فما ترك الحسين عليه السّلام شيئا أنزل اللّه فيهم من القرآن إلاّ قاله و فسّره،و لا شيئا قاله الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أبيه و أمّه و أهل بيته إلاّرواه،و في كل ذلك يقول الصحابة:«اللّهم نعم،قد سمعناه و شهدناه»م.
ص: 87
و يقول التّابعون:«اللّهم[نعم](1)قد حدّثناه من نصدّقه و نأتمنه»حتّى لم يترك شيئا إلاّ قاله،ثمّ قال:
أنشدكم باللّه إلاّ رجعتم و حدّثتم به من تثقون به،ثمّ نزل و تفرّق النّاس على ذلك(2).
عن صالح بن كيسان،قال:لمّا قتل معاوية حجر بن عديّ و أصحابه حجّ ذلك العام فلقي الحسين بن علي عليهما السّلام فقال:
يا أبا عبد اللّه!هل بلغك ما صنعنا بحجر و أصحابه و أشياعه و شيعةأبيك؟
فقال عليه السّلام:و ما صنعت بهم؟
قال:قتلناهم،و كفّناهم،و صلّينا عليهم.
فضحك الحسين عليه السّلام،ثم قال:خصمك القوم يا معاوية،لكنّنا لو
ص: 88
قتلنا شيعتك ما كفّناهم و لا صلّينا عليهم و لا قبرناهم،و لقد بلغني وقيعتك(1)في عليّ و قيامك ببغضنا،و اعتراضك بني هاشم بالعيوب،فإذافعلت ذلك فارجع إلى نفسك،ثمّ سلها الحقّ عليها و لها،فان لم تجدهاأعظم عيبا فما أصغر عيبك فيك،فقد ظلمناك يا معاوية فلا توترنّ غيرقوسك(2)،و لا ترمينّ غير غرضك،و لا ترمنا بالعداوة من مكان قريب،فانّك و اللّه لقد أطعت فينا رجلا ما قدم إسلامه،و لا حدث نفاقه،و لا نظرلك فانظر لنفسك أودع-يعني:«عمرو بن العاص»-(3).
و قال عليه السّلام-في جواب كتاب كتب اليه معاوية على طريق الاحتجاج-:أمّا بعد:فقد بلغني كتابك أنّه بلغك(4)عني أمور أنّ بي عنها غنى،و زعمت أنّي راغب فيها،و أنا بغيرها عنك جدير،[و](5)أمّا ما رقى إليك عني،فإنّه إنّما رقاه إليك الملاّقون المشّاءون بالنمائم،المفرّقون بين
ص: 89
الجمع،كذب السّاعون الواشون ما أردت حربك و لا خلافا عليك و أيم اللّه إنّي لأخاف اللّه عزّ ذكره في ترك ذلك،و ما أظنّ اللّه تبارك و تعالى براض عني بتركه و لا عاذري بدون الاعتذار إليه فيك و في أوليائك القاسطين المجلبين حزب الظالمين،بأولياء الشّيطان الرّجيم.
أ لست قاتل حجر بن عديّ أخي كندة و أصحابه الصّالحين المطيعين العابدين،كانوا ينكرون الظلم و يستعظمون المنكر و البدع،و يؤثرون حكم الكتاب،و لا يخافون في اللّه لومة لائم،فقتلتهم ظلما و عدوانا من بعدما كنت أعطيتهم[الأمان و](1)الأيمان المغلظة و المواثيق المؤكّدة.لاتأخذهم بحدث كان بينك و بينهم،و لا بإحنة(2)تجدها في صدرك عليهم.
أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفرت لونه،و نحلت جسمه،بعد أن أمنته و أعطيته من عهود اللّه عزّ و جلّ و ميثاقه ما لو أعطيته العصم(3)ففهمته لنزلت إليك من شعف الجبال(4)،ثمّ قتلته جرأة على اللّه عزّ و جلّ و استخفافا بذلك العهد؟7.
ص: 90
أو لست المدعي زياد بن سميّة،المولود على فراش عبيد:عبدثقيف،فزعمت أنّه ابن أبيك،و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«الولدللفراش و للعاهر الحجر»فتركت سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و اتّبعت هواك بغير هدى من اللّه،ثمّ سلّطته على أهل العراق فقطع أيدي المسلمين و أرجلهم و سمل أعينهم،و صلبهم على جذوع النّخل كأنّك لست من هذه الأمّة،و ليسوا منك؟
أو لست صاحب الحضرميّين الذين كتب إليك فيهم ابن سميّة أنّهم على دين عليّ و رأيه،فكتبت إليه:اقتل كلّ من كان على دين عليّ و رأيه،فقتلهم و مثّل بهم بأمرك،و دين عليّ و اللّه و ابن عليّ الذي كان يضرب عليه أباك،و هو أجلسك مجلسك الذي أنت فيه و لو لا ذلك لكان أفضل شرفك و شرف أبيك تجشم الرّحلتين اللّتين بنا منّ اللّه عليكم فوضعهما عنكم؟
و قلت فيما تقول:انظر لنفسك و لدينك و لأمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و اتّق شقّ عصا هذه الأمّة و أن تردهم في فتنة.فلا أعرف فتنة أعظم من ولايتك عليها،و لا أعلم نظرا لنفسي و ولدي و أمّة جدّي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل من جهادك،فان فعلته فهو قربة إلى اللّه عزّ و جلّ،و إن تركته فأستغفر اللّه لذنبي و أسأله توفيقي لإرشاد أموري.
و قلت فيما تقول:إن انكرك تنكرني،و إن أكدك تكدني،و هل رأيك إلاّ كيد الصالحين منذ خلقت؟فكدني ما بدالك إن شئت فانّي أرجو أن لايضرّني كيدك،و أن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك،على أنّك تكيدفتوقظ عدوك،و توبق نفسك،كفعلك بهؤلاء الذين قتلتهم و مثّلت بهم بعد
ص: 91
الصلح و الإيمان و العهد و الميثاق فقتلتهم من غير أن يكونوا قتلوا إلاّلذكرهم فضلنا،و تعظيمهم حقّنا بما به شرفت و عرفت،مخافة أمر لعلّك لولم تقتلهم مت(1)قبل أن يفعلوا،أو ماتوا قبل أن يدركوا.
أبشر يا معاوية بالقصاص،و استعدّ للحساب،و اعلم أنّ للّه عزّ و جلّ كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلاّ أحصاها،و ليس اللّه تبارك و تعالى بناس أخذك بالظّنّة،و قتلك أولياءه بالتّهمة،و نفيك إيّاهم من دار الهجرةإلى الغربة و الوحشة،و أخذك النّاس ببيعة ابنك غلام من الغلمان،يشرب الشّراب،و يلعب بالكعاب(2)،لا اعلمك إلاّ قد خسرت نفسك و شريت دينك و غششت رعيّتك،و خنت أمانتك(3)،و سمعت مقالة السّفيه الجاهل و أخفت التقي الورع الحليم(4).
قال:فلمّا قرأ معاوية كتاب الحسين عليه السّلام قال:لقد كان في نفسه ضبّ(5)عليّ،ما كنت أشعر به...
ص: 92
فقال له ابنه يزيد،و عبد اللّه بن أبي عمر بن حفص(1):أجبه جواباشديدا تصغر إليه نفسه،و تذكر أباه بأسوأ فعله و آثاره.
فقال:كلاّ أرأيتما لو انّي أردت أن أعيب عليّا محقّا ما عسيت أن أقول،إنّ مثلي لا يحسن به أن يعيب بالباطل و ما لا يعرف النّاس،و متى عبت رجلا بما لا يعرف النّاس لم يحفل به صاحبه و لم يره شيئا،و ماعسيت أن أعيب حسينا و ما أرى للعيب فيه موضعا،إلاّ إنّي قد أردت أن أكتب إليه و أتوعّده و أهدده و أجهله ثمّ رأيت أن لا أفعل.
قال:فما كتب إليه بشي ء يسوؤه،و لا قطع عنه شيئا كان يصله به،كان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف درهم سوى عروض و هدايا من كل ضرب(2)(3).4.
ص: 93
عن موسى بن عقبة،أنّه قال:لقد قيل لمعاوية:إنّ النّاس قد رموابأبصارهم(1)إلى الحسين عليه السّلام فلو قد أمرته يصعد المنبر فيخطب(2)فانّ فيه حصرا و في لسانه كلالة.
فقال لهم معاوية:قد ظنّنا ذلك بالحسن،فلم يزل حتّى عظم في أعين النّاس و فضحنا،فلم يزالوا به حتّى قال للحسين:يا ابا عبد اللّه!لو صعدت المنبر فخطبت.
فصعد الحسين عليه السّلام المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه،و صلّى على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسمع رجلا يقول:من هذا الذي يخطب؟
فقال الحسين عليه السّلام:نحن حزب اللّه الغالبون،و عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الأقربون،و أهل بيته الطيّبون،و أحد الثقلين اللّذين جعلنارسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثاني كتاب اللّه تبارك و تعالى،الذي فيه تفصيل
ص: 94
كلّ شي ء،لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،و المعوّل علينا في تفسيره،لا يبطئنا تأويله،بل نتّبع حقايقه.
فأطيعونا فانّ طاعتنا مفروضة،إذ كانت بطاعة اللّه و رسوله مقرونة.قال اللّه عزّ و جلّ:«أَطِيعُوا اَللََّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنََازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللََّهِ وَ اَلرَّسُولِ»(1)،و قال:«وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى اَلرَّسُولِ وَ إِلى ََ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اَلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لاََ فَضْلُ اَللََّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ اَلشَّيْطََانَ إِلاََّ قَلِيلاً»(2).
و أحذّركم الإصغاء إلى هتوف(3)الشّيطان بكم فإنّه لكم عدو مبين،فتكونوا كأوليائه الذين قال لهم:«لاََ غََالِبَ لَكُمُ اَلْيَوْمَ مِنَ اَلنََّاسِ وَ إِنِّي جََارٌلَكُمْ فَلَمََّا تَرََاءَتِ اَلْفِئَتََانِ نَكَصَ عَلى ََ عَقِبَيْهِ وَ قََالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ»(4)فتلقون للسّيوف ضربا و للرّماح وردا و للعمد حطما و للسّهام غرضا،ثمّ لايقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا.
قال معاوية:حسبك يا أبا عبد اللّه فقد أبلغت(5).5.
ص: 95
و عن محمّد بن السّايب أنّه قال:قال مروان بن الحكم يوما للحسين بن علي عليهما السّلام:لولا فخركم بفاطمة بم كنتم تفتخرون علينا؟
فوثب الحسين عليه السّلام-و كان عليه السّلام شديد القبضة-فقبض على حلقه فعصره،و لوّى عمامته على عنقه حتّى غشي عليه،ثمّ تركه و أقبل الحسين عليه السّلام على جماعة من قريش فقال:
أنشدكم باللّه الاّ صدّقتموني إن صدقت،أتعلمون أنّ في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مني و من أخي؟أو على ظهر الأرض ابن بنت نبيّ غيري و غير أخي؟قالوا:اللّهم لا.
قال:و إنّي لا أعلم أنّ في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا و أبيه.طريدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1)،و اللّه ما بين(جابرس و جابلق)(2)
ص: 96
أحدهما بباب المشرق و الآخر بباب المغرب رجلان ممّن ينتحل الإسلام أعدى للّه و لرسوله و لأهل بيته منك و من أبيك إذ كان و علامة قولي فيك أنك إذا غضبت سقط رداؤك عن منكبك(1).
قال:فو اللّه ما قام مروان من مجلسه حتّى غضب فانتفض و سقطرداؤه عن عاتقه(2).
استصر ختمونا ولهين،فأصرخناكم موجفين،فشحذتم(1)علينا سيفاكان في أيدينا،و حششتم(2)علينا نارا أضرمناها على عدوّكم و عدوّنا،فأصبحتم إلبا(3)على أوليائكم،ويدا لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم،و لا أمل أصبح لكم فيهم،و لا ذنب كان منّا إليكم.
فهلاّ،لكم الويلات إذ كرهتمونا و السّيف مشيّم(4)،و الجأش(5)طامن،و الرأي لم يستحصف(6)و لكنّكم إستسرعتم(7)إلى بيعتنا كطيرةالدّبا(8)،و تهافتّم إليها كتهافت الفراش،ثمّ نقضتموها سفها و ضلّة،فبعدا و سحقا(9)لطواغيت هذه الأمّة!و بقية الأحزاب و نبذة الكتاب،و مطفئي السّنن،و مؤاخي المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين،و عصاة..
ص: 98
الإمام،و ملحقي العهرة(1)بالنسب،لبئس(2)ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم و في العذاب هم خالدون.
أفهؤلاء تعضدون،و عنّا تتخاذلون!!أجل و اللّه،خذل فيكم معروف،نبتت عليه أصولكم،و تأزرت(3)عليه عروقكم،فكنتم أخبث[ثمر](4)شجر للنّاظر،و أكلة للغاصب(5)ألا لعنة اللّه على الظّالمين الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها و قد جعلتم اللّه عليكم كفيلا(6).
ألا و إنّ الدّعيّ(7)ابن الدّعيّ قد تركني بين السّلّة و الذّلّة و هيهات له ذلك مني!هيهات منّا الذّلّة!!أبى اللّه ذلك لنا و رسوله و المؤمنون و حجورطهرت و جدود طابت(8)،أن نؤثر(9)طاعة اللّئام على مصارع الكرام،..
ص: 99
ألا و إنّي زاحف(1)بهذه الأسرة على قلّة العدد(2)،و كثرة العدو،و خذلةالنّاصر،ثمّ تمثّل فقال:
فإن نهزم فهزّامون قدما و إن نهزم فغير مهزمينا (3)و ما إن طبّنا جبن و لكن منايانا و دولة آخرينا فلو خلد الملوك إذا خلدنا و لو بقي الكرام إذا بقينا فقل للشّامتين بنا أفيقوا سيلقى الشّامتون كما لقينا(4)(5)8.
ص: 100
و قيل:إنّه لمّا قتل أصحاب الحسين عليه السّلام و أقاربه و بقي[وحيدا](1)فريدا ليس معه إلاّ ابنه علي زين العابدين عليهما السّلام،و ابن آخرفي الرضا ع اسمه عبد اللّه،فتقدّم الحسين عليه السّلام إلى باب الخيمة فقال:
ناولوني ذلك الطفل(2)حتّى أودّعه!فناولوه الصّبيّ،فجعل يقبّله و هويقول:يا بني ويل لهؤلاء القوم إذا كان خصمهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قيل:فإذا بسهم قد أقبل حتّى وقع في لبّة(3)الصّبي فقتله،فنزل الحسين عليه السّلام عن فرسه و حفر للصّبيّ بجفن(4)سيفه و رمّله(5)بدمه و دفنه،ثمّ وثب قائما و هو يقول:
كفر القوم و قدما رغبوا عن ثواب اللّه ربّ الثّقلين قتلوا قدما عليّا و ابنه حسن الخير كريم الطّرفين حنقا منهم و قالوا أجمعوا نفتك(6)الآن جميعا بالحسين
ص: 101
يا لقوم من أناس رذّل جمعوا الجمع لأهل الحرمين ثمّ صاروا و تواصوا كلّهم باجتياحي(1)لرضاء الملحدين لم يخافوا اللّه في سفك دمي لعبيد اللّه نسل الكافرين و ابن سعد قد رماني عنوة بجنود كوكوف الهاطلين(2) لا لشي ء كان مني قبل ذا غير فخري بضياء الفرقدين بعليّ الخير من بعد النّبيّ و النّبيّ القرشيّ الوالدين خيرة اللّه من الخلق أبي ثمّ أمّي فأنا ابن الخيرتين فضّة قد خلصت(3)من ذهب فأنا الفضّة و ابن الذهبين من له جدّ كجدّي في الورى أو كشيخي فأنا ابن القمرين فاطم الزّهراء أمّي و أبي قاصم الكفر ببدر و حنين عروة الدّين عليّ المرتضى هازم(4)الجيش مصلّي القبلتين و له في يوم أحد وقعة شفت الغلّ بقبض العسكرين ثمّ بالأحزاب و الفتح معا كان فيها حتف أهل الفيلقين(5)ن.
ص: 102
في سبيل اللّه ما ذا صنعت أمّة السّوء معا بالعترتين عترة البرّ النّبي(1)المصطفى و عليّ القرم(2)يوم الجحفلين عبد اللّه غلاما يافعا و قريش يعبدون الوثنين و قلى الأوثان لم يسجد لها مع قريش لا و لا طرفة عين طعن الأبطال لمّا برزوا يوم بدر و تبوك و حنين ثمّ تقدّم الحسين عليه السّلام حتّى وقف قبالة القوم و سيفه مصلت في يده آيسا من نفسه،عازما على الموت،و هو يقول:
أنا ابن عليّ الطهر(3)من آل هاشم كفاني بهذا مفخرا حين أفخر و جدّي رسول اللّه أكرم من مشى و نحن سراج اللّه في الخلق نزهر(4) و فاطم أمّي من سلالة أحمد و عمّي يدعى ذا الجناحين جعفر و فينا كتاب اللّه أنزل صادقا و فينا الهدى و الوحي بالخير يذكرر.
ص: 103
و نحن أمان اللّه للنّاس كلّهم نطول بهذا في الأنام و نجهر و نحن ولاة الحوض(1)نسقي ولاتنا بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر و شيعتنا في النّاس(2)أكرم شيعة و مبغضنا يوم القيامة يخسر(3)(4) [169]احتجاج فاطمة الصّغرى على أهل الكوفة
عن زيد بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:
خطبت فاطمة الصّغرى عليها السّلام بعد أن ردت من كربلاء فقالت:الحمد للّه عدد الرّمل و الحصى،وزنة العرش إلى الثّرى،أحمده3.
ص: 104
و أو من به و أتوكّل عليه،و أشهد أن لا اله الاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّ(1)محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أن أولاده ذبحوا بشطّ الفرات من غير ذحل و لا تراث(2).
اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب،و أن أقول خلاف ماأنزلت عليه من أخذ العهود لوصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،المسلوب حقّه،المقتول من غير ذنب،كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت اللّه،و بها معشر مسلمة بألسنتهم،تعسا لرؤوسهم!ما دفعت عنه ضيما(3)في حياته و لا عند مماته،حتّى قبضته إليك محمود النقيبة،طيّب الضريبة(4)،معروف المناقب،مشهور المذاهب،لم تأخذه فيك لومة لائم،و لا عذل(5)ن.
ص: 105
عاذل،هديته يا رب للإسلام صغيرا،و حمدت مناقبه كبيرا،و لم يزل ناصحا لك و لرسولك صلواتك عليه و آله حتّى قبضته إليك،زاهدا في الدنياغير حريص عليها،راغبا في الآخرة مجاهدا لك في سبيلك،رضيته فاخترته،و هديته إلى صراط مستقيم(1).
أمّا بعد يا أهل الكوفة!يا أهل المكر و الغدر و الخيلاء،إنّا أهل بيت ابتلانا اللّه بكم،و ابتلاكم بنا،فجعل بلاءنا حسنا،و جعل علمه عندناو فهمه لدينا،فنحن عيبة علمه،و وعاء فهمه و حكمته،و حجّته في الأرض في بلاده لعباده،أكرمنا اللّه بكرامته،و فضّلنا بنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على كثير من خلقه تفضيلا،فكذّبتمونا،و كفّرتمونا،و رأيتم قتالنا حلالا،و أموالنا نهبا،كأنّا أولاد(2)الترك أو كابل،كما قتلتم جدّنا بالأمس،و سيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم،قرّت بذلك عيونكم،و فرحت به قلوبكم اجتراءا منكم على اللّه(3)و مكرا مكرتم و اللّه خيرالماكرين،فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل(4)بما أصبتم من دمائناو نالت أيديكم من أموالنا،فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة،و الرزاياالعظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على اللّه يسير لكيلا تأسواعلى ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم و اللّه لا يحبّ كل مختال فخور.ن.
ص: 106
تبّا لكم!فانظروا اللّعنة و العذاب،فكأنّها قد حلّت بكم(1)،و تواترت من السّماء نقمات فيسحتكم بما كسبتم(2)و يذيق بعضكم بأس بعض،ثمّ تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا،ألا لعنة اللّه على الظالمين.
ويل لكم(3)أتدرون أيّة يد طاعنتنا منكم،و أيّة(4)نفس نزعت إلى قتالنا،أم بأية رجل مشيتم إلينا،تبغون محاربتنا؟!قست قلوبكم،و غلظت أكبادكم،و طبع على أفئدتكم و ختم على سمعكم و بصركم،و سوّل لكم الشّيطان و أملى لكم و جعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.
تبّا لكم يا أهل الكوفة!كم ترات لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبلكم،و ذحول له لديكم ثمّ غدرتم بأخيه عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام جدّي،و بنيه عترة(5)النّبي الطيبين الأخيار و افتخر بذلك مفتخر فقال:
نحن قتلنا عليّا و بني عليّ بسيوف هندية و رماح و سبينا نساءهم(6)سبي ترك و نطحناهم فأيّ نطاح(7)ن.
ص: 107
[فقالت:](1)بفيك أيّها القائل الكثكث(2)و لك الأثلب(3)افتخرت بقتل قوم زكّاهم اللّه و طهّرهم،و أذهب عنهم الرّجس،فاكظم واقع كماأقعى أبوك،و إنّما لكلّ امرى ء ما قدمت يداه،حسدتمونا ويلا لكم على مافضّلنا اللّه.
فما ذنبنا إن جاش دهر بحورنا و بحرك ساج لا يواري الدعا مصا(4)ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم و من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور.
قال:فارتفعت الأصوات بالبكاء و قالوا:حبسك يا بنت الطّيبين!فقدأحرقت قلوبنا،و أنضجت نحورنا،و أضرمت أجوافنا،فسكتت عليهاو على أبيها و جدّيها السّلام(5).7.
ص: 108
[170]خطبة زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السّلام بحضرةأهل الكوفة[بعد أن ردّت من كربلاء](1)في ذلك اليوم تقريعا لهم و تأنيبا
عن حذيم بن شريك الأسدي(2)قال:لمّا أتى عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام بالنسوة من كربلاء،و كان مريضا،و اذا نساء أهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب،و الرّجال معهنّ يبكون.
فقال زين العابدين عليه السّلام-بصوت ضئيل(3)و قد نهكته العلّة-:إنّ هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم.فأومت زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام إلى النّاس بالسكوت.
قال حذيم الأسدي:لم أر و اللّه خفرة(4)قطّ أنطق منها،كأنّها تنطق و تفرغ على لسان أمير المؤمنين عليه السّلام،و قد أشارت إلى النّاس بأن أنصتوا فارتدّت الأنفاس و سكنت الأجراس،ثمّ قالت-بعد حمد اللّه تعالى
ص: 109
و الصّلاة على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-:
أمّا بعد يا أهل الكوفة،يا أهل الختل(1)و الغدر و الخذل و المكر،ألافلا رقأت العبرة(2)و لا هدأت الزفرة(3)،إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم،هل فيكم إلاّالصّلف(4)و العجب،و الشنف(5)و الكذب،و ملق الاماء(6)و غمرالأعداء(7)أو كمرعى على دمنة(8)أو كفضة على ملحودة(9)،ألا بئس ماقدّمت لكم أنفسكم أن سخط اللّه عليكم و في العذاب أنتم خالدون.8.
ص: 110
أتبكون أخي؟!أجل و اللّه فابكوا فانّكم و اللّه أحرياء بالبكاء(1)فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا،فقد بليتم بعارها،و منيتم بشنارها و لن ترحضوها أبدا(2)و أنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة،و معدن الرسالة،و سيّد شباب أهل الجنّة،و ملاذ حريمكم(3)،و معاذ حزبكم،و مقر سلمكم،و آسي كلمكم(4)و مفزع نازلتكم،و المرجع إليه عندمقاتلتكم،و مدرة حججكم(5)و منار محجتكم،ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم،و ساء ما تزرون ليوم بعثكم.
فتعسا تعسا!و نكسا نكسا!لقد خاب السّعي،و تبّت الأيدي،و خسرت الصفقة،و بؤتم(6)بغضب من اللّه،و ضربت عليكم الذّلّةو المسكنة.
أتدرون ويلكم أيّ كبد لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرثتم؟!(7)و أيّد-
ص: 111
عهد نكثتم؟!و أيّ كريمة له أبرزتم؟!و أيّ حرمة له هتكتم؟!و أيّ دم له سفكتم؟!لقد جئتم شيئا إدّا(1)تكاد السّموات يتفطّرن منه و تنشق الأرض و تخرّ الجبال هدّا!
لقد جئتم،بها شوهاء(2)،[صلعاء،عنقاء،سوداء،فقماء](3)،خرقاء(4)طلاع الأرض(5)و السّماء(6)،أفعجبتم أن تمطر السّماء(7)دما،و لعذاب الآخرة أخزى و هم لا ينصرون،فلا يستخفّنّكم المهل،فانّه عزّو جلّ لا يخفره البدار(8)و لا يخشى عليه فوت الثار كلاّ إنّ ربّك لنا و لهم لبالمرصاد،ثمّ أنشأت تقول عليها السّلام:
ق-فرثتم لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».الفرث:تفتيت الكبد بالغم و الأذى-النهاية3/422،و مجمع البحرين.و في«ج»و بحار الأنوار و مثير الأحزان:فريتم...ر.
ص: 112
ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ما ذا صنعتم(1)و أنتم آخر الأمم بأهل بيتي و أولادي و تكرمتي(2) منهم أسارى و منهم ضرّجوا بدم ما كان ذاك جزائي(3)إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي إنّي لأخشى عليكم أن يحلّ بكم مثل العذاب الذي أودى(4)على إرم ثمّ ولّت عنهم.
قال حذيم:فرأيت النّاس حيارى قد ردوا أيديهم في أفواههم،فالتفتّ إلى شيخ إلى جانبي(5)يبكي و قد اخضلّت لحيته بالبكاء،و يده مرفوعة إلى السّماء،و هو يقول:بأبي و أمّي كهولكم خير الكهول،و نساؤكم خير النّساء،و شبابكم خير الشباب،و نسلكم نسل كريم،و فضلكم فضل عظيم(6)،ثمّ أنشد:،-
ص: 113
كهولكم خير الكهول و نسلكم إذا عدّ نسل لا يبور و لا يخزى(1)فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:يا عمّة!اسكتي ففي الباقي عن الماضي اعتبار،و أنت بحمد اللّه عالمة غير معلّمة،فهمة غير مفهّمة،إنّ البكاء و الحنين لا يردّان من قد أباده الدّهر،فسكتت.ثم نزل عليه السّلام و ضرب فسطاطه،و أنزل نساءه و دخل الفسطاط(2).
ق-و نسلهم نسل كريم،و فضلهم فضل عظيم.3.
ص: 114
ص: 115
ص: 116
قال حذيم بن شريك الأسدي:خرج زين العابدين عليه السّلام إلى النّاس و أومى إليهم أن اسكتوا فسكتوا،و هو قائم،فحمد اللّه و أثنى عليه،و صلّى على نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ثم قال:
أيّها النّاس!من عرفني فقد عرفني،و من لم يعرفني فأنا عليّ بن الحسين المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحل و لا ترات،أنا ابن من انتهك حريمه،و سلب نعيمه،و انتهب ماله،و سبي عياله،أنا ابن من قتل صبرا(1)،فكفى بذلك فخرا.
ص: 117
أيّها النّاس!ناشدتكم باللّه هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي و خدعتموه؟و أعطيتموه من أنفسكم العهد و الميثاق و البيعة؟و قاتلتموه(1)و خذلتموه؟فتبّا لكم ما قدّمتم لأنفسكم و سوأة لرأيكم(2)،بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،إذ يقول لكم قتلتم عترتي،و انتهكتم حرمتي،فلستم من أمّتي؟
قال:فارتفعت أصوات النّاس بالبكاء،و يدعو بعضهم بعضا:هلكتم و ما تعلمون.
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:رحم اللّه امرءا قبل نصيحتي،و حفظ وصيتي في اللّه و في رسوله،و في أهل بيته،فإنّ لنا في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اسوة حسنة.
فقالوا بأجمعهم:نحن كلّنا يا ابن رسول اللّه سامعون مطيعون حافظون لذمامك،غير زاهدين فيك و لا راغبين عنك،فمرنا بأمرك رحمك اللّه فانّا حرب لحربك،و سلم لسلمك،فلنأخذنّ ترتك و ترتنا،ممّن ظلمك و ظلمنا.
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:هيهات!أيّتها الغدرة(3)المكرة،حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم،أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى..
ص: 118
آبائي من قبل؟كلا و رب الراقصات إلى منى،فإنّ الجرح لمّا يندمل!!قتل أبي بالأمس و أهل بيته معه،فلم ينسني ثكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ثكل أبي و بني أبي و جدّي،شقّ لهازمي(1)و مرارته بين حناجري و حلقي،و غصصه تجري في فراش صدري.و مسألتي أن لا تكونوا لنا و لاعلينا.
ثمّ قال عليه السّلام:
لا غرو(2)إن قتل الحسين و شيخه قد كان خيرا من حسين و أكرما فلا تفرحوا يا أهل كوفة بالّذي أصيب حسين كان ذلك أعظما قتيل بشطّ النّهر نفسي فداؤه جزاء الذي أرداه(3)،نار جهنّما(4)2.
ص: 119
و عن ديلم بن عمر قال:كنت بالشّام حتّى أتي بسبايا آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فاقيموا على باب المسجد حيث تقام السبايا،و فيهم عليّ بن الحسين عليهما السّلام فأتاهم شيخ من أشياخ أهل الشّام فقال:
الحمد للّه الذي قتلكم و أهلككم و قطع قرن الفتنة(1).فلم يأل(2)عن[سبّهم و](3)شتمهم،فلمّا انقضى كلامه.
قال له علي بن الحسين عليهما السّلام:إنّي قد أنصت لك حتّى فرغت من منطقك،و أظهرت ما في نفسك من العداوة و البغضاء،فانصت لي كماأنصت لك.فقال له:هات.
فقال له علي بن الحسين عليهما السّلام:أما قرأت كتاب اللّه عزّ و جلّ؟قال:نعم.
فقال له عليه السّلام:أما قرأت هذه الآية:قُلْ لاََ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ
ص: 120
«اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبى ََ»(1).قال:بلى.
فقال له علي بن الحسين عليهما السّلام:فنحن أولئك،فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقّا خاصّة دون المسلمين؟فقال:لا.
فقال عليه السّلام:أما قرأت هذه الآية:«وَ آتِ ذَا اَلْقُرْبى ََ حَقَّهُ»(2)؟قال:نعم.
قال عليّ عليه السّلام:فنحن اولئك الذين أمر اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يؤتيهم حقّهم.
فقال الشّامي:إنّكم لأنتم هم؟
فقال له علي عليه السّلام:نعم،نحن هم.فهل قرأت هذه الآية:«وَ اِعْلَمُوا أَنَّمََا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلََّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي اَلْقُرْبى ََ»(3)؟فقال له الشّامي:بلى.
فقال عليّ عليه السّلام:فنحن ذو القربى،فهل تجد لنا في سورةالأحزاب حقّا خاصّة دون المسلمين؟فقال:لا.
فقال علي بن الحسين عليه السّلام:أما قرأت هذه الآية:«إِنَّمََا يُرِيدُ اَللََّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(4)؟قال:فرفع الشّامي يده إلى السّماء ثمّ قال:3.
ص: 121
اللّهمّ إنّي أتوب إليك!ثلاث مرات،اللّهم إنّي أتوب إليك من عداوةآل محمّد،و أبرؤ إليك ممّن قتل أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لقدقرأت القرآن منذ دهر فما شعرت بهذا(1)قبل اليوم(2).
[173]احتجاج زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام حين رأت يزيد لعنه اللّه يضرب ثنايا الحسين عليه السّلام بالمخصرة(3)
روى شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم و غيره من النّاس أنّه لمّا دخل عليّ بن الحسين عليهما السّلام و حرمه على يزيد لعنه اللّه،و جي ء برأس الحسين عليه السّلام و وضع بين يديه في طست،فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده،و هو يقول:
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل
ص: 122
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل(1) لأهلّوا و استهلّوا فرحا و لقالوا يا يزيد لا تشل فجزيناهم(2)ببدر مثلا و أقمنا مثل بدر فاعتدل لست من خندف(3)إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل[قالوا:فلما رأت زينب ذلك فأهوت إلى جيبها فشقّته،ثمّ نادت بصوت حزين تقرع القلوب،يا حسيناه!يا حبيب رسول اللّه!يا ابن مكّةو منى!يا ابن فاطمة الزّهراء سيّدة النّساء!يا ابن محمّد المصطفى.
قال:فأبكت و اللّه كلّ من كان،و يزيد ساكت،ثمّ قامت على قدميها،و أشرفت على المجلس،و شرعت في الخطبة،إظهارا لكمالات محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إعلانا بأنّا نصبر لرضاء اللّه،لا لخوف و لادهشة](4).
فقامت إليه زينب بنت عليّ و أمّها فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قالت:
الحمد للّه رب العالمين،و الصّلاة على جدّي سيّد المرسلين،صدق».
ص: 123
اللّه سبحانه كذلك يقول:«ثُمَّ كََانَ عََاقِبَةَ اَلَّذِينَ أَسََاؤُا اَلسُّواى ََ أَنْ كَذَّبُوابِآيََاتِ اَللََّهِ وَ كََانُوا بِهََا يَسْتَهْزِؤُنَ»(1).
أظننت يا يزيد أنّك حين أخذت علينا أقطار الأرض،و ضيّقت عليناآفاق السّماء،فأصبحنا لك في إسار[الذّل](2)،نساق إليك سوقا في قطار،و أنت علينا ذو اقتدار أنّ بنا من اللّه هوانا و عليك منه كرامة و امتنانا،و أنّ ذلك لعظم خطرك و جلالة قدرك،فشمخت بأنفك،و نظرت في عطفك(3)،تضرب أصدريك(4)فرحا و تنقض مذرويك(5)مرحا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة و الأمور لديك متّسقة و حين صفا لك ملكنا،و خلص لك سلطاننا،فمهلا مهلا لا تطش جهلا!أنسيت قول اللّه عزّ و جلّ(6):«وَ لاََ يَحْسَبَنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمََا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمََا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدََادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ..
ص: 124
عَذََابٌ مُهِينٌ»؟(1)
أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماءك،و سوقك بنات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبايا،قد هتكت ستورهنّ،و أبديت وجوههنّ،يحدوا(2)بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد،و يستشرفهنّ أهل المناقل،و يبرزن لأهل المناهل(3)،و يتصفّح وجوههنّ القريب و البعيد،و الغائب و الشّهيد،و الشّريف و الوضيع،و الدنيّ و الرفيع ليس معهن من رجالهنّ وليّ،و لا من حماتهنّ حميم(4)،عتوّا منك على اللّه و جحودالرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و دفعا لما جاء به من عند اللّه،و لا غرو منك و لا عجب من فعلك،و أنّى يرتجى الخير ممّن(5)لفظ فوه أكباد الشّهداء،و نبت لحمه بدماء السّعداء،و نصب الحرب لسيّد الأنبياء،و جمع الأحزاب،و شهر الحراب،و هزّ السّيوف في وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أشدّ العرب للّه جحودا،و أنكرهم له رسولا،و أظهرهم له عدوانا(6)و أعتاهم على الرّبّ كفرا و طغيانا.ة.
ص: 125
ألا إنّها نتيجة خلال الكفر،و ضبّ يجر جر في الصّدر(1)لقتلى يوم بدر،فلا يستبطى ء في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفا و شنآنا(2)و إحنا و أضغانا،يظهر كفره برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يفصح ذلك بلسانه،و هو يقول-فرحا بقتل ولده و سبي ذريته،غير متحوّب(3)و لامستعظم يهتف بأشياخه-:لأهلّوا و استهلّوا فرحا و لقالوا يا يزيد لا تشل منتحيا(4)على ثنايا أبي عبد اللّه-و كان مقبّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-ينكتها بمخصرته(5)قد التمع السرور بوجهه.
لعمري لقد نكأت(6)القرحة و استأصلت الشأفة(7)،بإراقتك دم(8)..
ص: 126
سيّد شباب أهل الجنّة،و ابن يعسوب العرب(1)،و شمس آل عبد المطّلب،و هتفت بأشياخك،و تقرّبت بدمه إلى الكفرة من أسلافك،ثمّ صرخت بندائك،و لعمري لقد ناديتهم لو شهدوك!و وشيكا(2)تشهدهم و لم يشهدوك،و لتودّ يمينك كما زعمت شلّت بك عن مرفقها و جذّت،و[أحببت](3)أمك لم تحملك و أباك لم يلدك حين(4)تصير إلى سخط اللّه و مخاصمك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
اللّهم خذ بحقّنا،و انتقم من ظالمنا،و احلل غضبك(5)على من(6)سفك دماءنا و نقض ذمارنا(7)،و قتل حماتنا،و هتك عنّا سدولنا(8).
و فعلت فعلتك التي فعلت،و ما فريت إلاّ جلدك،و ما جززت(9)إلاّلحمك،و سترد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما تحملت من دم ذريته،د.
ص: 127
و انتهكت من حرمته،و سفكت من دماء عترته و لحمته،حيث يجمع به شملهم،و يلمّ به شعثهم،و ينتقم من ظالمهم(1)،و يأخذ لهم بحقّهم من أعدائهم،فلا يستفزنّك الفرح بقتلهم(2)،«وَ لاََ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللََّهِ أَمْوََاتاً بَلْ أَحْيََاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*`فَرِحِينَ بِمََا آتََاهُمُ اَللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ»(3)و حسبك باللّه وليّا و حاكما و برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خصيما،و بجبرئيل ظهيرا(4).
و سيعلم من بوّأك و مكّنك من رقاب المسلمين أن بئس للظّالمين بدلا،و أيكم(5)شر مكانا و أضلّ سبيلا،و ما استصغاري قدرك،و لااستعظامي تقريعك(6)توهما لانتجاع(7)الخطاب فيك بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى،و صدورهم عند ذكره حرّى(8)،فتلك قلوب قاسية،و نفوس طاغية و أجسام محشوّة بسخط اللّه(9)و لعنة الرسول،قد..
ص: 128
عشّش فيها الشّيطان(1)و فرّخ،و من هناك مثلك ما درج و نهض.
فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء،و أسباط الأنبياء،و سليل الأوصياء،بأيدي الطّلقاء الخبيثة.و نسل العهرة الفجرة،تنطف(2)أكفّهم من دمائنا و تتحلب(3)أفواههم من لحومنا،تلك الجثث الزّاكية(4)على الجيوب(5)الضاحية،تنتابها العواسل(6)،و تعفّرها[أمهات]الفراعل(7)،فلئن اتّخذتنا مغنما لتجد بنا و شيكا مغرما،حين لا تجد إلاّ ماقدمت يداك،و ما اللّه بظلاّم للعبيد.ف.
ص: 129
فإلى اللّه المشتكى و المعوّل،و إليه الملجأ و المؤمل،ثمّ كد كيدك،و اجهد جهدك فو[اللّه]الذي(1)شرّفنا بالوحي و الكتاب،و النبوّةو الانتجاب(2)،لا تدرك أمدنا،و لا تبلغ غايتنا،و لا تمحو ذكرنا،و لايرحض(3)عنك عارنا،و هل رأيك إلاّ فند(4)،و أيامك إلاّ عدد و جمعك إلاّ بدد(5)،يوم ينادي المنادي ألا لعن الظالم العادي(6).
و الحمد للّه الذي حكم(7)لأوليائه بالسّعادة،و ختم لأصفيائه(8)ببلوغ الإرادة،و نقلهم إلى الرّحمة و الرّأفة،و الرّضوان و المغفرة،و لم يشق بهم غيرك،و لا ابتلى بهم سواك،و نسأله أن يكمل لهم الأجر،و يجزل لهم الثواب و الذخر و نسأله حسن الخلافة،و جميل الإنابة،إنّه رحيم ودود(9).
فقال يزيد مجيبا لها:د.
ص: 130
يا صيحة تحمد من صوايح ما أهون الموت على النوائح ثمّ أمر بردّهم(1).
و قيل:إنّ فاطمة بنت الحسين عليه السّلام كانت و ضيئة الوجه(2)،و كانت جالسة بين النّساء،فقام إلى يزيد رجل من أهل الشّام أحمر فقال:
يا أمير المؤمنين(3)هب لي هذه الجارية!يعني:فاطمة بنت الحسين،فأخذت(4)بثياب عمّتها زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقالت:أوتم و أستخدم؟!
فقالت زينب للشّامي:كذبت و لؤمت،و اللّه ما ذاك(5)لك و لا له،فغضب يزيد ثمّ قال:إنّ ذلك لي و لو شئت أن أفعل لفعلت.
قالت زينب:كلاّ،و اللّه ما جعل اللّه ذلك لك،إلاّ أن تخرج من ملّتناو تدين بغير ديننا.فقال يزيد:إنّما خرج من الدين أبوك،و أخوك.
قالت زينب:بدين اللّه،و دين أبي،و دين أخي،اهتديت أنت إن
ص: 131
كنت مسلما.
قال يزيد:كذبت يا عدوّة اللّه.
فقالت زينب:أنت أمير تشتم ظلما،و تقهر بسلطانك.
فكأنّه استحيى فسكت فعاد الشّامي(1)فقال:يا أمير المؤمنين!هب لي هذه الجارية.فقال يزيد:اعزب وهب اللّه لك حتفا(2)قاضيا(3).
روت ثقاة الرواة و عدولهم،أنّه لمّا أدخل عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام في جملة من حمل إلى الشّام سبايا من أولاد الحسين بن عليّ عليهما السّلام و أهاليه على يزيد لعنه اللّه قال له:
ص: 132
يا عليّ!الحمد للّه الذي قتل أباك!
قال علي عليه السّلام:قتل أبي النّاس.
قال يزيد:الحمد للّه الذي قتله فكفانيه!
قال عليّ عليه السّلام:على من قتل أبي لعنة اللّه،أفتراني لعنت اللّه عزّو جلّ؟(1).
قال يزيد:يا عليّ!اصعد المنبر فأعلم النّاس حال الفتنة،و ما رزق اللّه أمير المؤمنين من الظفر!
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:ما أعرفني بما تريد.فصعد المنبرفحمد اللّه و أثنى عليه،و صلّى على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال:
أيّها النّاس!من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي:
أنا ابن مكّة و منى،أنا ابن المروة و الصّفا(2)،أنا ابن محمّدالمصطفى،أنا ابن من لا يخفى،أنا ابن من علا فاستعلى فجاز سدرةالمنتهى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى.
فضج أهل الشّام(3)بالبكاء حتّى خشي يزيد أن يؤخذ من مقعده(4)،..
ص: 133
فقال-للمؤذّن-:أذّن،فلمّا قال المؤذّن:«اللّه أكبر،اللّه أكبر»جلس عليّ بن الحسين على المنبر.فقال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه.بكى عليّ بن الحسين عليه السّلام ثمّ التفت إلى يزيد فقال:يا يزيد!هذا أبوك أم أبي؟
قال:بل أبوك،فانزل،فنزل عليه السّلام فأخذ ناحية(1)باب المسجد،فلقيه مكحول صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:كيف أمسيت ياابن رسول اللّه؟
قال:أمسينا بينكم مثل بني إسرائيل في آل فرعون،يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم،و في ذلكم بلاء من ربكم عظيم.
فلمّا انصرف يزيد إلى منزله،دعا بعليّ بن الحسين عليهما السّلام و قال(2):يا عليّ أتصارع ابني خالدا؟
قال عليه السّلام:و ما تصنع بمصارعتي إيّاه،أعطني سكينا و اعطه سكينا فليقتل أقوانا أضعفنا،فضمّه يزيد إلى صدره،ثمّ قال:
[شنشنة أعرفها من أخزم](3).1.
ص: 134
لا تلد الحيّة إلاّ الحيّة،أشهد أنّك ابن علي بن أبي طالب-عليه السّلام-.
ثمّ قال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام:يا يزيد!بلغني أنّك تريد قتلي،فإن كنت لا بدّ قاتلي،فوجّه مع هؤلاء النسوة من يردهنّ(1)إلى حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فقال له يزيد لعنه اللّه:لا يردهنّ غيرك،لعن اللّه ابن مرجانة،فو اللّه ماأمرته بقتل أبيك،و لو كنت متولّيا لقتاله ما قتلته!ثمّ أحسن جائزته و حمله و النّساء إلى المدينة(2).
جاء رجل من أهل البصرة إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال:
يا عليّ بن الحسين!إنّ جدك عليّ بن أبي طالب قتل المؤمنين،فهملت(3)عينا علي بن الحسين عليهما السّلام دموعا حتّى امتلأت كفّه منها،
ص: 135
ثمّ ضرب بها على الحصى،ثمّ قال:
يا أخا أهل البصرة!لا و اللّه ما قتل عليّ مؤمنا،و لا قتل مسلما،و ماأسلم القوم و لكن استسلموا و كتموا الكفر و أظهروا الإسلام،فلمّا وجدواعلى الكفر أعوانا أظهروه،و قد علمت صاحبة الخدب(1)و المستحفظون من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ أصحاب الجمل و أصحاب صفين و أصحاب النهروان لعنوا على لسان النّبيّ الأمي و قد خاب من افترى.
فقال شيخ من أهل الكوفة:يا عليّ بن الحسين!إنّ جدك كان يقول:«إخواننا بغوا علينا».
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:أما تقرأ كتاب اللّه:«وَ إِلى ََ عََادٍأَخََاهُمْ هُوداً»(2)فهم مثلهم،أنجى اللّه عزّ و جلّ هودا و الذين معه،و أهلك عادا بالرّيح العقيم(3).
و بالإسناد المقدّم ذكره أنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يذكرحال من مسخهم اللّه قردة من بني إسرائيل ويحكي قصتهم،فلمّا بلغ
ص: 136
آخرها قال:إنّ اللّه تعالى مسخ اولئك القوم لاصطيادهم السّمك،فكيف ترى عند اللّه عزّ و جلّ يكون حال من قتل أولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هتك حريمه؟!إنّ اللّه تعالى و إن لم يمسخهم في الدنيا فان المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ.
فقيل له:يا ابن رسول اللّه!فإنا قد سمعنا منك هذا الحديث،فقال لنابعض النّصاب:فان كان قتل الحسين عليه السّلام باطلا فهو أعظم من(1)صيدالسّمك في السّبت أفما كان اللّه يغضب(2)على قاتليه كما غضب على صيادي السّمك؟
قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:قل لهؤلاء النصاب فان كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر باغوائه فأهلك اللّه من شاء منهم،كقوم:نوح و فرعون،و لم يهلك إبليس،و هو أولى بالهلاك،فما باله أهلك هؤلاءالذين قصروا عن إبليس في عمل الموبقات،و أمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيّات(3).
ألا كان ربنا عزّ و جلّ حكيما بتدبيره و حكمه فيمن أهلك و فيمن استبقى؟فكذلك هؤلاء الصائدون في السّبت،و هؤلاء القاتلون للحسين عليه السّلام،يفعل في الفريقين ما يعلم أنّه أولى بالصّواب و الحكمة،لا يسأل عمّا).
ص: 137
يفعل و عباده يسألون.
و قال الباقر عليه السّلام:فلمّا حدّث عليّ بن الحسين عليه السّلام بهذاالحديث قال له بعض من في مجلسه:يا ابن رسول اللّه!كيف يعاقب اللّه و يوبخ هولاء الأخلاف على قبائح أتى بها أسلافهم-و هو يقول:«وَ لاََ تَزِرُوََازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ََ»(1)؟
فقال زين العابدين عليه السّلام:إنّ القرآن نزل بلغة العرب فهو يخاطب فيه أهل اللّسان بلغتهم،يقول الرجل التميمي-قد أغار قومه على بلدو قتلوا من فيه-:أغرتم على بلد كذا و فعلتم كذا،و يقول العربى:نحن فعلناببني فلان،و نحن سبينا آل فلان،و نحن خربنا بلد كذا.لا يريد أنّهم باشروا ذلك،و لكن يريد هؤلاء بالعذل(2)و اولئك بالإمتحان(3):أنّ قومهم فعلوا كذا.
و قول اللّه عزّ و جلّ في هذه الآيات إنّما هو توبيخ لأسلافهم،و توبيخ العذل على هؤلاء الموجودين،لأنّ ذلك هو اللّغة التي نزل بها القرآن،و لأنّ هؤلاء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم،مصوّبون ذلك لهم،فجازأن يقال لهم:أنتم فعلتم،أي:إذ رضيتم قبيح فعلهم(4).5.
ص: 138
و عن أبي حمزة الثمالي قال:دخل قاض من قضاة أهل الكوفة على عليّ بن الحسين عليهما السّلام فقال له:
جعلني اللّه فداك!أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ جَعَلْنََا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ اَلْقُرَى اَلَّتِي بََارَكْنََا فِيهََا قُرىً ظََاهِرَةً وَ قَدَّرْنََا فِيهَا اَلسَّيْرَ سِيرُوا فِيهََالَيََالِيَ وَ أَيََّاماً آمِنِينَ»(1).قال له:ما يقول النّاس فيها قبلكم بالعراق؟قال:يقولون:إنّها مكّة.
فقال:و هل رأيت السّرق في موضع أكثر منه بمكّة.قال:فما هو؟
قال:إنّما عنى الرّجال.قال:و أين ذلك في كتاب اللّه؟
فقال:أو ما تسمع إلى قوله عزّ و جلّ:«وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِرَبِّهََا وَ رُسُلِهِ»(2)و قال:«وَ تِلْكَ اَلْقُرى ََ أَهْلَكْنََاهُمْ لَمََّا ظَلَمُوا»(3)و قال:«وَ سْئَلِ اَلْقَرْيَةَ اَلَّتِي كُنََّا فِيهََا وَ اَلْعِيرَ اَلَّتِي أَقْبَلْنََا فِيهََا»(4)أفيسأل القرية أوالرّجال أو العير؟
قال:و تلا عليه آيات في هذا المعنى.قال:جعلت فداك!فمن هم؟
ص: 139
قال:نحن هم.فقال:أو ما تسمع إلى قوله:«سِيرُوا فِيهََا لَيََالِيَ وَ أَيََّاماً آمِنِينَ»؟
قال:آمنين من الزّيغ(1).
و روي أنّ زين العابدين عليه السّلام مرّ بالحسن البصري،و هو يعظ النّاس بمنى فوقف عليه السّلام ثمّ قال[له](2):أمسك أسألك عن الحال التي أنت عليها مقيم،أترضاها لنفسك فيما بينك و بين اللّه للموت إذا نزل بك غدا؟قال:لا.
قال:أفتحدث نفسك بالتحوّل و الانتقال عن الحال التي(3)لاترضاها لنفسك إلى الحال التي ترضاها؟
قال:فأطرق مليّا ثمّ قال:إنّي أقول ذلك بلا حقيقة.
قال:أفترجو نبيّا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكون لك معه سابقة؟قال:لا.
ص: 140
قال:أفترجو دارا غير الدّار التي أنت فيها ترد إليها فتعمل فيها؟(1)قال:لا.
قال:أفرأيت أحدا به مسكة(2)عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا؟إنّك على حال لا ترضاها و لا تحدّث نفسك بالانتقال إلى حال ترضاها على حقيقة،و لا ترجو نبيّا بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3)،و لا دارا غير الدارالتي أنت فيها فترد إليها فتعمل فيها،و أنت تعظ النّاس.
[و في رواية أخرى فلم تشغل النّاس عن العمل و أنت تعظالنّاس؟](4).
قال:فلمّا ولّى عليه السّلام قال الحسن البصري:من هذا؟قالوا:عليّ بن الحسين.
قال:أهل بيت علم فما رئي الحسن البصري بعد ذلك يعظ النّاس(5).9.
ص: 141
و عن أبي حمزة الثمالي قال:سمعت عليّ بن الحسين عليهما السّلام يحدّث رجلا من قريش قال:
لمّا تاب اللّه على آدم واقع حواء و لم يكن غشيها منذ خلق و خلقت إلاّ في الأرض،و ذلك بعد ما تاب اللّه عليه،قال:و كان آدم يعظّم البيت و ماحوله من حرمة البيت(1)،فكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم و أخرجها معه،فإذا جاز الحرم غشيها في الحل،ثمّ يغتسلان إعظاما منه للحرم.ثمّ يرجع إلى فناء البيت.
قال فولد لآدم من حواء عشرون ذكرا و عشرون أنثى،فولد له في كل بطن ذكر و أنثى،فأوّل بطن ولدت حواء:«هابيل»و معه جارية يقال لها:«اقليما»،قال:و ولدت في البطن الثاني:«قابيل»و معه جارية يقال لها«لوزا»و كانت لوزا أجمل بنات آدم.
قال:فلمّا أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة(2)فدعاهم إليه فقال:أريدأن انكحك يا هابيل لوزا،و انكحك يا قابيل إقليما.
قال قابيل:ما أرضى بهذا أتنكحني أخت هابيل القبيحة؛و تنكح
ص: 142
هابيل أختي الجميلة.
قال:فأنا أقرع بينكما،فان خرج سهمك يا قابيل على لوزا،و خرج سهمك يا هابيل على إقليما،زوّجت كل واحد منكما التي يخرج سهمه عليها.
قال:فرضيا بذلك،فاقترعا(1).
قال:فخرج سهم هابيل على لوزا أخت قابيل،و خرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل،قال:فزوّجهما على ما خرج لهما من عند اللّه.
قال:ثمّ حرّم اللّه نكاح الأخوات بعد ذلك.
قال:فقال له القرشي:فأولداهما؟قال:نعم،فقال له القرشي:فهذافعل المجوس اليوم!
قال:فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إنّ المجوس إنّما فعلوا ذلك بعد التحريم من اللّه.
ثمّ قال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام:لا تنكر هذا،إنّما هي شرايع جرت،أ ليس اللّه قد خلق زوجة آدم منه ثمّ أحلها له،فكان ذلك(2)شريعةمن شرايعهم،ثمّ أنزل اللّه التّحريم بعد ذلك(3).ر-
ص: 143
[181][اعتراض عباد البصري على عليّ بن الحسين عليهما السّلام](1)
لقي عبّاد البصري عليّ بن الحسين عليهما السّلام في طريق مكّة فقال له:يا عليّ بن الحسين!تركت الجهاد و صعوبته،و أقبلت على الحجّ و لينه،و إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:«إِنَّ اَللََّهَ اِشْتَرى ََ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوََالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقََاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللََّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ-إلى قوله-وَ بَشِّرِ اَلْمُؤْمِنِينَ»(2).
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحجّ(3).
ق-تعارضها،و هي تدل على أنّهم تزوّجوا بمن نزل إليهم من الحور و الجانّ،و قد عرفت الحقّ في ذلك»-انظر:الميزان في تفسير القرآن 4/147.
ص: 144
و سئل عليه السّلام عن النبيذ فقال:قد شربه قوم و حرّمه قوم صالحون،فكان شهادة الذين دفعوا بشهادتهم شهواتهم أولى أن تقبل من الذين جرّوا بشهادتهم شهواتهم(1).
و عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
قال رجل لعليّ بن الحسين عليه السّلام:إنّ فلانا ينسبك إلى أنّك ضال مبتدع!
فقال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام:ما رعيت حقّ مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه،و لا أديت حقّي حيث أبلغتني عن أخي ما لست أعلمه،إنّ الموت يعمّنا،و البعث محشرنا،و القيامة موعدنا،و اللّه يحكم بيننا،إيّاكم(2)و الغيبة!فانّها أدام كلاب النّار.
ص: 145
و اعلم أنّ من أكثر عيوب النّاس شهد عليه الإكثار أنّه إنّما يطلبهابقدر ما فيه(1).
و سئل عليه السّلام عن الكلام و السّكوت أيهما أفضل؟فقال عليه السّلام:لكل واحد منهما آفات،فإذا سلما من الآفات،فالكلام أفضل من السّكوت.
قيل:و كيف ذاك يا ابن رسول اللّه؟قال:لأنّ اللّه عزّ و جلّ ما بعث الأنبياء و الأوصياء بالسكوت،إنّما بعثهم[اللّه](2)بالكلام،و لا استحقّت الجنّة بالسّكوت،و لا استوجبت ولاية اللّه بالسكوت،و لا توقيت النّاربالسّكوت،و لا تجنّب سخط اللّه بالسّكوت،إنّما ذلك كلّه بالكلام و ماكنت لأعدل القمر بالشّمس،إنّك تصف فضل السّكوت بالكلام،و لست تصف فضل الكلام بالسّكوت(3).
ص: 146
روي عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:لمّا قتل الحسين بن علي عليهماالسّلام أرسل محمّد بن الحنفية إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام فخلا به ثمّ قال:
يا ابن أخي!قد علمت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان جعل الوصية و الإمامة من بعده لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام ثمّ إلى الحسن ثمّ إلى الحسين عليهما السّلام،و قد قتل أبوك رضي اللّه عنه و صلّى عليه(1)و لم يوص،و أناعمّك و صنو أبيك،و أنا في سني و قدمتي أحقّ بها منك في حداثتك،فلاتنازعني الوصية و الإمامة و لا تخالفني(2).
فقال له عليّ بن الحسين عليه السّلام:يا عمّ!اتّق اللّه و لا تدّع ما ليس لك بحقّ،إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين،يا عمّ!إنّ أبي صلوات اللّه عليه أوصى إليّ قبل أن يتوجّه إلى العراق،و عهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة،و هذا سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عندي،فلا تعرض(3)لهذا فانّي أخاف عليك بنقص العمر،و تشتّت الحال و إنّ اللّه تبارك و تعالى آلى أن لايجعل الوصية و الإمامة إلاّ في عقب الحسين عليه السّلام(4)،فإن أردت أن تعلم
ص: 147
فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتّى نتحاكم إليه و نسأله عن ذلك.
قال الباقر عليه السّلام:و كان الكلام بينهما و هما يومئذ بمكّة،فانطلقاحتّى أتيا الحجر الأسود فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام لمحمّد:
إبدأ فابتهل إلى اللّه و اسأله أن ينطق لك الحجر.ثمّ أسأله(1).
فابتهل محمّد في الدعاء(2)و سأل اللّه ثمّ دعا الحجر[الاسود](3)فلم يجبه.
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:أما إنّك يا عمّ لو كنت وصيا و إمامالأجابك!
فقال له محمّد:فادع أنت يا ابن أخي!فدعا اللّه عليّ بن الحسين عليهماالسّلام بما أراد ثمّ قال:«أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء و ميثاق الأوصياء و ميثاق النّاس أجمعين،لمّا أخبرتنا بلسان عربي مبين:من الوصي و الإمام بعد الحسين بن عليّ؟فتحرّك الحجر حتّى كاد أن يزول عن موضعه ثمّ أنطقه اللّه بلسان عربي مبين فقال:
اللّهمّ إنّ الوصية و الإمامة بعد الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى عليّ ابن الحسين(4)بن عليّ بن أبي طالب،و ابن فاطمة الزّهراء بنت رسول اللّه..
ص: 148
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
فانصرف محمّد بن الحنفيّة و هو يتولّى عليّ بن الحسين عليهما السّلام(1).
و عن ثابت البناني قال:كنت حاجّا و جماعة من عباد البصرة مثل:أيوب السجستاني و صالح المري(2)و عتبة الغلام و حبيب الفارسي و مالك ابن دينار،فلمّا أن دخلنا مكّة رأينا الماء ضيّقا،و قد اشتدّ بالنّاس العطش لقلّة الغيث ففزع إلينا أهل مكّة و الحجّاج يسألوننا أن نستسقي لهم،فأتيناالكعبة و طفنا بها ثمّ سألنا اللّه خاضعين متضرّعين بها(3)فمنعنا الإجابة.
ص: 149
فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل و قد أكربته أحزانه،و أقلقته أشجانه(1)،فطاف بالكعبة أشواطا ثمّ أقبل علينا فقال:
يا مالك بن دينار!و يا ثابت البناني!و يا أيوب السجستاني!و يا صالح المري!و يا عتبة الغلام!و يا حبيب الفارسي!و يا سعد!و يا عمر!(2)و ياصالح الأعمى!و يا رابعة!و يا سعدانه!و يا جعفر بن سليمان!فقلنا:لبيك و سعديك يا فتى!
فقال:أمّا فيكم أحد يحبّه الرّحمن؟فقلنا:يا فتى علينا الدّعاء و عليه الإجابة.
فقال:ابعدوا عن الكعبة فلو كان فيكم أحد يحبّه الرّحمن لأجابه،ثمّ أتى الكعبة فخرّ ساجدا فسمعته يقول-في سجوده-:«سيدي بحبّك لي الاّسقيتهم الغيث».
قال:فما استتم الكلام حتّى أتاهم الغيث كأفواه القرب.
فقلت:يا فتى!من أين علمت أنّه يحبك؟قال:لو لم يحبّني لم يستزرني،فلمّا استزارني علمت أنّه يحبّني،فسألته بحبّه لي فأجابني،ثمّ ولّى عنّا و أنشا يقول:
من عرف الرّب فلم تغنه معرفة الرب فذاك الشّقي ما ضرّ في الطاعة ما ناله في طاعة اللّه و ما ذا لقي..
ص: 150
ما يصنع العبد بغير التّقى و العزّ كل العزّ للمتّقي فقلت يا أهل مكّة!من هذا الفتى؟
قالوا:عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين(1).
و عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليّ بن الحسين عليهم السّلام قال:
نحن أئمة المسلمين،و حجج اللّه على العالمين،و سادة المؤمنين،و قادة الغرّ المحجّلين،و موالي المؤمنين،و نحن أمان لأهل الأرض،كماأنّ النّجوم أمان لأهل السّماء،و نحن الذين بنا يمسك اللّه السّماء(2)أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه،و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها،و بنا ينزل الغيث،و ينشر الرّحمة،و يخرج بركات الأرض و لو لا ما في الأرض منّالساخت الأرض بأهلها.
ثمّ قال:و لم تخل الأرض منذ خلق اللّه آدم من حجّة للّه فيها ظاهرمشهور أو غائب مستور،و لا تخلوا إلى أن تقوم السّاعة من حجّة اللّه(3)،و لو لا ذلك لم يعبد اللّه(4).
ص: 151
و عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي قال:
دخلت على سيدي عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما السّلام فقلت له:
يابن رسول اللّه!أخبرني بالذين فرض اللّه طاعتهم و مودّتهم،و أوجب على عباده(1)الإقتداء بهم بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟
فقال لي:يا أبا كنكر!إنّ أولي الأمر الذين جعلهم اللّه أئمة للنّاس و أوجب عليهم طاعتهم:أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب،ثمّ الحسن،ثمّ الحسين ابنا علي بن أبي طالب-عليهم السّلام-،ثمّ انتهى الأمر إلينا،ثمّ سكت.
فقلت له:يا سيدي!روي لنا عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال:«لاتخلو الأرض من حجّة للّه على عباده»فمن الحجّة و الإمام بعدك؟
ق-الباب 21 برقم 22:عن محمّد بن أحمد،عن أحمد بن يحيى بن زكريا،عن بكر بن عبد اللّه ابن حبيب،عن الفضل بن الصقر العبدي،عن أبي معاوية،عن سليمان بن مهران الأعمش،عن الصّادق عليه السّلام...و في آخر الحديث:قال سليمان:فقلت للصّادق عليه السّلام:فكيف ينتفع النّاس بالحّجة الغائب المستور؟قال:كما ينتفعون بالشّمس إذا سترها السّحاب.
و نقله في بحار الأنوار 23/5.
ص: 152
فقال:إبني(محمّد)و اسمه في التّوراة(باقر)يبقر العلم بقرا،هوالحجّة و الإمام بعدي،و من بعد محمّد ابنه(جعفر)و اسمه عند أهل السّماء(الصّادق).
فقلت له:يا سيدي!فكيف صار اسمه:الصّادق،و كلّكم صادقون؟
فقال حدّثني أبي عن أبيه عليهم السّلام:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب،فسمّوه الصّادق،فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراء على اللّه،و كذبا عليه،فهو عند اللّه(جعفر الكذّاب)المفتري على اللّه،المدّعي لما ليس له بأهل،المخالف على أبيه و الحاسدلأخيه،ذلك الذي يكشف ستر اللّه(1)عند غيبة ولي اللّه».
ثمّ بكى عليّ بن الحسين عليهما السّلام بكاءا شديدا،ثمّ قال:
كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه(2)على تفتيش أمر وليّ اللّه،و المغيّب في حفظ اللّه،و التّوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته،و حرصا على قتله إن ظفر به،طمعا في ميراث أبيه حتّى يأخذه بغير(3)حقّه.
قال أبو خالد:فقلت له:يا ابن رسول اللّه!و إنّ ذلك لكائن؟..
ص: 153
فقال:إي و ربّي إنّ ذلك لمكتوب(1)عندنا في الصحيفة التي فيهاذكر المحن(2)التي تجري علينا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال أبو خالد:فقلت له:يا ابن رسول اللّه!ثمّ يكون ما ذا؟
قال:ثمّ تمتد الغيبة بوليّ اللّه الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه و الأئمة بعده.يا أبا خالد!إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته و المنتظرين لظهوره،أفضل أهل كل زمان،لأنّ اللّه تعالى ذكره أعطاهم من العقول و الأفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة،و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالسّيف،اولئك المخلصون حقّا و شيعتنا صدقا،و الدّعاة إلى دين اللّه سرّاو جهرا.و قال عليه السّلام:انتظار الفرج من أعظم الفرج(3).
و بالإسناد المتقدّم ذكره عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام في تفسير قوله
ص: 154
تعالى:«وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصََاصِ حَيََاةٌ»(1)الآية«وَ لَكُمْ»يا أمّة محمّد«فِي اَلْقِصََاصِ حَيََاةٌ»لأنّ من همّ بالقتل فعرف أنّه يقتص منه فكفّ لذلك عن القتل،كان حياة للذي كان همّ بقتله،و حياة لهذا الجاني الذي أراد أن يقتل،و حياة لغيرهما من النّاس،إذا علموا أنّ القصاص واجب لايجسرون(2)على القتل مخافة القصاص«يََا أُولِي اَلْأَلْبََابِ»أولي العقول«لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
ثمّ قال عليه السّلام:عباد اللّه!هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا،و تفنون روحه،أولا أنبئكم(3)بأعظم من هذا القتل،و ما يوجبه اللّه(4)على قاتله ممّا هو أعظم من هذا القصاص؟
قالوا:بلى يا ابن رسول اللّه.
قال:أعظم من هذا القتل أن يقتله قتلا لا يجبر و لا يحيا بعده أبدا.قالوا:ما هو؟
قال:أن يضلّه عن نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و عن ولاية عليّ بن ق-و في آخر الحديث رواه بسند آخر.
و نقله العلامة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 36/386 و 50/227.و الراوندي في الخرائج 1/262...
ص: 155
أبي طالب عليه السّلام،ويسلك به غير سبيل اللّه،و يغريه(1)باتّباع طريق أعداءعليّ عليه السّلام و القول بإمامتهم،و دفع عليّ عن حقّه و جحد فضله،و أن لايبالي باعطائه واجب تعظيمه،فهذا هو القتل الذي هو تخليد المقتول في نار جهنّم خالدا مخلّدا أبدا،فجزاء هذا القتل مثل ذلك الخلود في نارجهنّم(2).
و قال أبو محمّد الحسن العسكري صلوات اللّه عليه:إنّ رجلا جاء إلى عليّ بن الحسين عليهما السّلام برجل يزعم أنّه قاتل أبيه،فاعترف فأوجب عليه القصاص،و سأله أن يعفو عنه ليعظم اللّه ثوابه،فكأن نفسه لم تطب بذلك.
فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام-للمدّعي للدم الذي هو الولي(3)المستحق للقصاص-:إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك فضلا فهب له هذه الجناية،و اغفر له هذا الذنب.
قال:يابن رسول اللّه!له عليّ حقّ،و لكن لم يبلغ به أن أعفو له عن قتل والدي.قال:فتريد ما ذا؟
ص: 156
قال:أريد القود،فإن أراد لحقّه عليّ أن أصالحه على الدّية صالحته و عفوت عنه.
قال عليّ بن الحسين عليه السّلام:فماذا حقّه عليك؟
قال:يابن رسول اللّه!لقنني توحيد اللّه،و نبوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إمامة علي و الأئمة عليهم السّلام.
فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:فهذا لا يفي بدم أبيك؟بلى و اللّه هذا يفي بدماء أهل الأرض كلّهم من الأولين و الآخرين سوى الأنبياءو الأئمة عليهم السّلام،إن قتلوا فانّه لا يفي بدمائهم شي ء.تمام الخبر(1).
و بالإسناد المقدم ذكره أنّ محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام قال:دخل محمّد بن مسلم بن شهاب الزّهري على عليّ بن الحسين عليهما السّلام،و هوكئيب حزين فقال له زين العابدين عليه السّلام:ما بالك مغموما؟
قال:يابن رسول اللّه!غموم و هموم تتوالى عليّ لما امتحنت به من جهة حسّاد نعمتي(2)،و الطامعين فيّ،و ممّن أرجوه و ممّن أحسنت إليه
ص: 157
فيخلف ظنّي.
فقال له عليّ بن الحسين عليهما السّلام:إحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك.
قال الزّهري:يا بن رسول اللّه!إنّي أحسن إليهم بما يبدر من كلامي.قال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:هيهات هيهات!إيّاك أن تعجب من نفسك بذلك و إيّاك أن تتكلّم بما يسبق إلى القلوب إنكاره.و إن كان عندك اعتذاره،فليس كل من تسمعه نكرا(1)يمكنك أن توسعه عذرا.ثمّ قال:
يا زهري!من لم يكن عقله من أكمل ما فيه،كان هلاكه من أيسر ما فيه.
ثمّ قال:يا زهري!أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك فتجعل كبيرهم منك بمنزلة والدك،و تجعل صغيرهم منك بمنزلةولدك،و تجعل تربك(2)منهم بمنزلة أخيك.فأيّ هؤلاء تحب أن تظلم،و أيّ هؤلاء تحب أن تدعو عليه،و أيّ هؤلاء تحب أن تهتك ستره.
و إن عرض لك إبليس لعنه اللّه بأنّ لك فضلا على أحد من أهل القبلة،فانظر إن كان أكبر منك فقل:قد سبقني بالإيمان و العمل الصّالح فهو خيرمني،و إن كان أصغر منك فقل:قد سبقته بالمعاصي و الذنوب فهو خيرمني،و إن كان تربك فقل:أنا على يقين من ذنبي و في شك من أمره فمالي أدع يقيني لشكي.9.
ص: 158
و إن رأيت المسلمين يعظمونك و يوقرونك و يبجلونك فقل:هذافضل أخذوا به،و إن رأيت منهم جفاء و انقباضا عنك(1)فقل:هذا لذنب أحدثته،فإنّك إذا فعلت ذلك سهّل اللّه عليك عيشك،و كثّر أصدقاءك،و قلّ أعداءك،و فرحت بما يكون من برّهم و لم تأسف على ما يكون من جفائهم.
و اعلم أنّ أكرم النّاس على النّاس من كان خيره عليهم فايضا،و كان عنهم مستغنيا متعفّفا،و أكرم النّاس بعده عليهم من كان عنهم متعفّفا،و إن كان إليهم محتاجا فإنّما أهل الدنيا يعشقون(2)الأموال،فمن لم يزاحمهم فيما يعشقونه كرم عليهم،و من لم يزاحمهم فيها و مكّنهم من بعضها كان أعزّ عليهم و أكرم(3).
و بالإسناد المقدّم ذكره عن الرّضا عليه السّلام أنّه قال:
قال عليّ بن الحسين:إذا رأيتم الرّجل قد حسن سمته و هديه(4)،
ص: 159
و تماوت في منطقه(1)،و تخاضع في حركاته،فرويدا لا يغرنّكم فما أكثرمن يعجزه تناول الدنيا و ركوب المحارم(2)منها لضعف نيّته و مهانته،و جبن قلبه،فنصب الدّين فخّا(3)لها،فهو لا يزال يختل النّاس بظاهره فان تمكّن من حرام اقتحمه.
و إذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام،فرويدا لا يغرنّكم فإنّ شهوات الخلق مختلفة،فما أكثر من ينبو(4)عن المال الحرام و إن كثر،و يحمل نفسه على شوهاء(5)قبيحة،فيأتي منها محرما.
فإذا وجدتموه يعفّ عن ذلك،فرويدا لا يغرنّكم،حتّى تنظروا ماعقدة عقله،فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثمّ لا يرجع إلى عقل متين،فيكون ما يفسده بجهله أكثر ممّا يصلحه بعقله.
فإذا وجدتم عقله متينا،فرويدا لا يغرنّكم(6)!حتّى تنظروا أمع هواه ق-المصدر 4/403...
ص: 160
يكون على عقله؟أو يكون مع عقله على هواه؟و كيف محبّته للرياسات الباطلة و زهده فيها؟
فان في النّاس من خسر الدنيا و الآخرة،يترك الدنيا للدنيا،و يرى أنّ لذّة الرياسة الباطلة أفضل من لذّة الأموال و النعم المباحة المحللة.فيترك ذلك أجمع طلبا للرياسة الباطلة،حتّى إذا قيل له:اتق اللّه،أخذته العزّةبالإثم،فحسبه جهنّم و لبئس المهاد.
فهو يخبط خبط عشواء(1)،يقوده أول باطل(2)إلى أبعد غايات الخسارة،و يمدّه ربه(3)بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه،فهو يحل ماحرّم اللّه،و يحرّم ما أحل اللّه،لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي(4)قد شقي من أجلها،فاولئك الذين غضب اللّه عليهم و لعنهم و أعدّلهم عذابا مهينا...
ص: 161
و لكنّ الرجل كل الرجل،نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمراللّه،و قواه مبذولة في رضى اللّه،يرى الذّل مع الحقّ أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل،و يعلم أنّ قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد و لا تنفد،و أنّ كثير ما يلحقه من سرّائها إن اتّبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له و لا زوال(1).
فذلكم الرّجل نعم الرجل!فبه فتمسّكوا و بسنّته فاقتدوا،و إلى ربكم فبه(2)فتوسّلوا!فإنّه لا ترد له دعوة و لا تخيب(3)له طلبة(4).4.
ص: 162
ص: 163
ص: 164
عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام في قوله تعالى:«وَ مَنْ كََانَ فِي هََذِهِ أَعْمى ََ فَهُوَ فِي اَلْآخِرَةِ أَعْمى ََ»(1)قال:من لم يدله خلق السّموات و الأرض،و اختلاف اللّيل و النّهار،و دوران الفلك بالشّمس و القمر،و الآيات العجيبات!على أنّ وراء ذلك أمرا هو أعظم منها(2)،فهو في الآخرة أعمى.
قال:فهو عمّا لم يعاين أعمى و أضلّ سبيلا(3).
ص: 165
سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر عليه السّلام قال:أخبرني عن اللّه عزّ و جلّ متى كان؟
فقال:متى لم يكن حتّى أخبرك متى كان؟!سبحان من لم يزل و لايزال فردا صمدا لم يتّخذ صاحبة و لا ولدا(1).
عن عبد اللّه بن سنان،عن أبيه قال:حضرت أبا جعفر عليه السّلام و قددخل عليه رجل من الخوارج فقال له:يا أبا جعفر أي شي ء تعبد؟
قال:اللّه.
قال:رأيته؟
قال:بلى.لم تره العيون بمشاهدة الأبصار،و لكن رأته القلوب
ص: 166
بحقائق الإيمان،لا يعرف بالقياس،و لا يدرك بالحواس،و لا يشبه بالنّاس،موصوف بالآيات،معروف بالدلالات،لا يجور في حكمه،ذلك اللّه لا إله إلاّ هو.
قال:فخرج الرجل و هو يقول:اللّه أعلم حيث يجعل رسالته(1).
و روى محمّد بن مسلم،عن أبي جعفر عليه السّلام قال-في صفة القديم-:إنّه واحد صمد،أحديّ المعنى،ليس بمعان كثيرة مختلفة.
قال:قلت:جعلت فداك إنّه يزعم قوم من أهل العراق أنّه يسمع بغيرالذي يبصر،و يبصر بغير الذي يسمع.
قال:فقال:كذبوا و ألحدوا،و شبّهوا اللّه تعالى(2)إنّه سميع بصير،يسمع بما به يبصر،و يبصر بما به يسمع.
ص: 167
قال:فقلت:يزعمون(1)أنّه بصير على ما يعقله(2).
قال:فقال:تعالى اللّه إنّما يعقل من كان بصفة المخلوق(3)و ليس اللّه كذلك(4).
و روى بعض أصحابنا أنّ عمرو بن عبيد دخل على الباقر عليه السّلام
ص: 168
فقال له:جعلت فداك!(1)قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْهَوى ََ»(2)ما ذلك الغضب؟
قال:العذاب يا عمرو!و إنّما يغضب المخلوق الذي يأتيه الشّي ءفيستفزّه،و يغيّره عن الحال التي(3)هو بها إلى غيرها،فمن زعم أنّ اللّه يغيّره الغضب و الرّضا،و يزول من هذا إلى هذا،فقد وصفه بصفةالمخلوق(4).
و عن أبي الجارود قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:إذا حدّثتكم بشي ءفاسألوني من كتاب اللّه ثمّ قال-في بعض حديثه-:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن القيل و القال،و فساد المال،و كثرة السؤال.
ص: 169
فقيل له:يا ابن رسول اللّه!أين هذا من كتاب اللّه عزّ و جلّ؟
قال:قوله:«لاََ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوََاهُمْ إِلاََّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْمَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاََحٍ بَيْنَ اَلنََّاسِ»(1)،و قال:«وَ لاََ تُؤْتُوا اَلسُّفَهََاءَ أَمْوََالَكُمُ اَلَّتِي جَعَلَ اَللََّهُ لَكُمْ قِيََاماً»(2)،و قال:«لاََ تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيََاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(3)(4).
و عن محمّد بن مسلم قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّو جلّ:«وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي»(1)كيف هذا النفخ؟
فقال:إنّ الرّوح متحرّك كالرّيح،و إنّما سمّي روحا لأنّه اشتق اسمه من الرّيح و إنّما أخرجه على لفظة الرّوح(2)لأنّ الرّوح متجانس(3)للرّيح،و إنّما أضافه إلى نفسه لأنّه اصطفاه على سائر الأرواح،كما اصطفى بيتامن البيوت.فقال:«بيتي»و قال-لرسول من الرّسل-:«خليلي»و أشباه ذلك،و كلّ ذلك مخلوق مصنوع مربوب مدبّر(4).
ق-ثعلبة،عن حمران...و بحار الأنوار 4/12.
و قريب منه ما رواه الصّدوق رحمه اللّه في التّوحيد ص 172.
ص: 171
و عن محمّد بن مسلم أيضا قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عمّاروي(1):«أنّ اللّه خلق آدم على صورته»؟
فقال:هي صورة محدثة مخلوقة،اصطفاها اللّه و اختارها،على سائرالصور(2)المختلفة،فأضافها إلى نفسه،كما أضاف الكعبة إلى نفسه،و الرّوح إلى نفسه،فقال:«بيتي»و قال:«وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي»(3).
و عن عبد الرّحمن بن عبد الزّهري قال:حجّ هشام بن عبد الملك،فدخل المسجد الحرام متكيا على يد سالم مولاه،و محمّد بن عليّ بن ق-عبد اللّه عليه السّلام.
و نقله المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 4/11 و 58/28.
ص: 172
الحسين عليهم السّلام جالس في المسجد فقال له سالم:
يا أمير المؤمنين!هذا محمّد بن علي بن الحسين.
فقال له هشام:المفتون به أهل العراق؟قال:نعم.
قال:إذهب إليه فقل له:يقول لك أمير المؤمنين ما الذي يأكل النّاس و يشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:يحشر النّاس على مثل قرصة البر النقي فيهاأنهار متفجّرة يأكلون و يشربون حتّى يفرغ من الحساب.
قال:فرأى هشام أنّه قد ظفر به فقال:اللّه أكبر اذهب إليه فقل له:ماأشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟!
فقال له أبو جعفر عليه السّلام:فهم في النّار أشغل،و لم يشغلوا عن أن قالوا:«أَفِيضُوا عَلَيْنََا مِنَ اَلْمََاءِ أَوْ مِمََّا رَزَقَكُمُ اَللََّهُ»(1).فسكت هشام لايرجع كلاما(2).5.
ص: 173
و روي أنّ نافع بن الأزرق جاء إلى محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام،فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال و الحرام.فقال له أبوجعفر-في عرض كلامه-:قل لهذه المارقة:بما استحللتم فراق أميرالمؤمنين عليه السّلام،و قد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته،و القربة إلى اللّه تعالى بنصرته؟فيسقولون لك:إنّه حكم في دين اللّه،فقل لهم:
قد حكّم اللّه تعالى في شريعة نبيّه رجلين من خلقه،فقال جلّ اسمه:«فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهََا إِنْ يُرِيدََا إِصْلاََحاً يُوَفِّقِ اَللََّهُ بَيْنَهُمََا»(1)و حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سعد بن معاذ في بني قريظة،فحكم فيهم بما أمضاه اللّه تعالى أو ما علمتم أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام إنّما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن و لا يتعدّياه و اشترط ردّ ما خالف القرآن من أحكام الرجال؟و قال حين قالوا له:حكمت على نفسك من حكم عليك!
فقال:ما حكّمت مخلوقا،و إنّما حكّمت كتاب اللّه فأين تجدالمارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن؟و اشترط ردّ ما خالفه لولا(2)
ص: 174
ارتكابهم في بدعتهم البهتان[و المحال](1).
فقال نافع بن الأزرق:هذا و اللّه كلام ما طرق بسمعي قط،و لا خطرمني ببال و هو الحقّ إن شاء اللّه تعالى(2).
و عن أبي الجارود قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:يا أبا الجارود!مايقولون في الحسن و الحسين عليهما السّلام؟قلت:ينكرون علينا أنّهما إبنارسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال:فبأي شي ء احتججتم عليهم؟
قال:قلت:بقول اللّه في عيسى بن مريم عليهما السّلام:«وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دََاوُدَ-إلى قوله-كُلٌّ مِنَ اَلصََّالِحِينَ»(3)فجعل عيسى من ذرية إبراهيم،و احتججنا عليهم بقوله تعالى:«فَقُلْ تَعََالَوْا نَدْعُ أَبْنََاءَنََا وَ أَبْنََاءَكُمْ وَ نِسََاءَنََاوَ نِسََاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنََا وَ أَنْفُسَكُمْ»(4).
ص: 175
ثمّ قال:فأيّ شي ء قالوا؟
قال:قلت:قالوا:قد يكون ولد البنت من الولد و لا يكون من الصلب.
قال:فقال أبو جعفر عليه السّلام:و اللّه يا أبا الجارود!لأعطينكها(1)من كتاب اللّه آية تسمّيهما أنّهما لصلب(2)رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لايردها إلاّ كافر.
قال:قلت:جعلت فداك و اين؟
قال:قال:حيث قال اللّه تعالى:«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ وَ بَنََاتُكُمْ وَ أَخَوََاتُكُمْ-إلى قوله-وَ حَلاََئِلُ أَبْنََائِكُمُ اَلَّذِينَ مِنْ أَصْلاََبِكُمْ»(3)فسلهم يا أبا الجارود هل يحلّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نكاح حليلتيهما؟فان قالوا:نعم.فكذبوا و اللّه،و إن قالوا:لا.فهما و اللّه إبنارسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لصلبه،و ما حرّ من عليه إلاّ للصلب(4).0.
ص: 176
و عن أبي حمزة الثمالي عن أبي الربيع قال:حججت مع أبي جعفرعليه السّلام في السّنة التي حجّ فيها هشام بن عبد الملك،و كان معه نافع مولى عمر بن الخطّاب فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه السّلام في ركن البيت و قداجتمع عليه الخلق فقال:يا أمير المؤمنين!من هذا الذي قد تكافأ عليه النّاس؟
فقال:هذا محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام.
قال:لآتينه و لأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلاّ نبي أو وصيّ نبي.
قال:فاذهب إليه لعلّك تخجله(1)،فجاء نافع حتّى اتكأ على النّاس و أشرف على أبي جعفر عليه السّلام فقال:
يا محمّد بن عليّ!إنّي قرأت التّوراة و الإنجيل و الزّبور و الفرقان،و قد عرفت حلالها و حرامها،و قد جئت أسألك(2)عن مسائل لا يجيبني فيها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبي أو ابن نبيّ،فرفع أبو جعفر عليه السّلام رأسه فقال:سل عمّا بدالك!
قال:أخبرني كم بين عيسى و محمّد من سنة؟قال:اجيبك بقولك أم بقولي؟
ص: 177
قال:أجبني بالقولين!قال:أمّا بقولي فخمسمائة سنة،و أمّا بقولك فستمائة سنة.
قال:فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنََا أَ جَعَلْنََا مِنْ دُونِ اَلرَّحْمََنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ»(1)من الذي سأل محمّدو كان بينه و بين عيسى خمسمائة سنة؟قال:فتلا أبو جعفر عليه السّلام هذه الآية:«سُبْحََانَ اَلَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرََامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِاَلْأَقْصَى اَلَّذِي بََارَكْنََا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيََاتِنََا»(2)كان من الآيات التي أراهامحمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث أسرى به إلى بيت المقدس،أنّه حشر اللّه الأولين و الآخرين،من النبيّين و المرسلين،ثمّ أمر جبرئيل عليه السّلام فأذّن شفعا و أقام شفعا و قال في أذانه:(حيّ على خير العمل)ثمّ تقدّم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصلّى بالقوم،فلمّا انصرف قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنََا أَ جَعَلْنََا مِنْ دُونِ اَلرَّحْمََنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ»(3).
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:على من تشهدون؟و ما كنتم تعبدون؟
قالوا:نشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّك رسول اللّه،أخذت على ذلك عهودنا و مواثيقنا.فقال:صدقت يا أبا جعفر!5.
ص: 178
قال:فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّمََاوََاتُ»(1)،أيّ أرض تبدّل؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:خبزة بيضاء يأكلونها(2)حتّى يفرغ اللّه من حساب الخلائق.فقال:إنّهم عن الأكل لمشغولون.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:إنّهم حينئذ(3)أشغل أم هم في النّار؟قال نافع:بل هم في النّار.
قال:فقد قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ نََادى ََ أَصْحََابُ اَلنََّارِ أَصْحََابَ اَلْجَنَّةِأَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنََا مِنَ اَلْمََاءِ أَوْ مِمََّا رَزَقَكُمُ اَللََّهُ»(4)ما أشغلهم إذ دعوا(5)بالطّعام فاطعموا الزّقوم،و دعوا بالشّراب فسقوا من الحميم!!
فقال:صدقت يا ابن رسول اللّه!و بقيت مسألة واحدة.قال:و ما هي؟
قال:فأخبرني متى كان اللّه؟قال:ويلك أخبرني متى لم يكن حتّى أخبرك متى كان؟!سبحان من لم يزل و لا يزال،فردا صمدا لم يتّخذصاحبة و لا ولدا.
ثمّ أتى هشام بن عبد الملك فقال:ما صنعت؟قال دعني من كلامك،..
ص: 179
هو و اللّه أعلم النّاس و هو ابن رسول اللّه حقّا(1).
و عن أبان بن تغلب قال:دخل طاووس اليماني إلى الطّواف و معه صاحب له،فإذا هو بأبي جعفر عليه السّلام يطوف أمامه و هو شاب حدث،فقال طاووس لصاحبه:«إنّ هذا الفتى لعالم»فلمّا فرغ من طوافه صلّى ركعتين،ثمّ جلس و أتاه النّاس فقال طاووس لصاحبه:نذهب إلى أبي جعفر عليه السّلام و نسأله عن مسألة لا أدري عنده فيها شي ء أم لا،فأتياه فسلّماعليه ثمّ قال له طاووس:
يا أبا جعفر!هل تعلم أيّ يوم مات ثلث النّاس؟
فقال:يا أبا عبد الرّحمن!لم يمت ثلث النّاس قطّ،إنّما أردت ربع النّاس.قال:و كيف ذلك؟
ص: 180
قال:كان آدم و حواء،و قابيل و هابيل،فقتل قابيل هابيل،فذلك ربع النّاس.قال:صدقت!
قال أبو جعفر عليه السّلام:هل تدري ما صنع بقابيل؟قال:لا.
قال:علّق بالشّمس ينضح(1)بالماء الحار إلى أن تقوم السّاعة(2).
و روي أنّ عمرو بن عبيد،وفد على محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام لامتحانه بالسؤال عنه فقال له:جعلت فداك ما معنى قوله تعالى:«أَ وَ لَمْ يَرَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ كََانَتََا رَتْقاً فَفَتَقْنََاهُمََا»(3)ما هذاالرتق و الفتق؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:كانت السّماء رتقا لا تنزل القطر،و كانت الأرض رتقا لا تخرج النبات،ففتق اللّه السّماء بالقطر،و فتق الأرض بالنبات،فانقطع عمرو و لم يجد اعتراضا،و مضى ثمّ عاد إليه فقال:
ص: 181
أخبرني جعلت فداك عن قوله تعالى:«وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْهَوى ََ»(1)ما غضب اللّه عزّ و جلّ؟
فقال له أبو جعفر عليه السّلام:غضب اللّه تعالى عقابه يا عمرو،و من ظنّ أنّ اللّه يغيّره شي ء فقد كفر(2).
و عن أبي حمزة الثمالي قال:أتى الحسن البصري أبا جعفر عليه السّلام فقال:
جئتك لأسألك عن أشياء من كتاب اللّه تعالى.
فقال له أبو جعفر عليه السّلام:أ لست فقيه أهل البصرة؟قال:قد يقال ذلك.
فقال له أبو جعفر عليه السّلام:هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟قال:لا.
قال:فجميع أهل البصرة يأخذون عنك؟قال:نعم.
ص: 182
فقال أبو جعفر عليه السّلام:سبحان اللّه لقد تقلّدت عظيما من الأمر(1)،بلغني عنك أمر فما أدري أ كذاك(2)أنت؟أم يكذب عليك؟قال:ما هو؟
قال:زعموا أنّك تقول:إنّ اللّه خلق العباد ففوّض إليهم أمورهم.قال:فسكت الحسن.
فقال:أفرأيت من قال اللّه له في كتابه:إنّك آمن،هل عليه خوف بعدهذا القول منه؟فقال الحسن:لا.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:فإنّي أعرض عليك آية و انهي إليك خطابا،و لا أحسبك إلاّ و قد فسّرته على غير وجهه،فان كنت فعلت ذلك فقدهلكت و أهلكت.
فقال له:و ما هو؟
قال:أ رأيت حيث يقول:«وَ جَعَلْنََا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ اَلْقُرَى اَلَّتِي بََارَكْنََافِيهََا قُرىً ظََاهِرَةً وَ قَدَّرْنََا فِيهَا اَلسَّيْرَ سِيرُوا فِيهََا لَيََالِيَ وَ أَيََّاماً آمِنِينَ»(3)ياحسن!بلغني أنّك أفتيت النّاس فقلت:هي مكّة.فقال أبو جعفر عليه السّلام فهل يقطع على من حجّ مكّة و هل يخاف أهل مكّة،و هل تذهب أموالهم؟قال:بلى.
قال:فمتى يكونون آمنين؟بل فينا ضرب اللّه الأمثال في القرآن.8.
ص: 183
فنحن القرى التي بارك اللّه فيها،و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ،فمن أقرّ بفضلناحيث أمرهم اللّه أن يأتونا،فقال:«وَ جَعَلْنََا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ اَلْقُرَى اَلَّتِي بََارَكْنََافِيهََا»أي:جعلنا بينهم و بين شيعتهم القرى التي باركنا فيها،قرى ظاهرة،و القرى الظاهرة:الرسل،و النقلة عنّا إلى شيعتنا،و فقهاء شيعتناإلى شيعتنا،و قوله تعالى:«وَ قَدَّرْنََا فِيهَا اَلسَّيْرَ»فالسّير مثل للعلم،«سِيرُوافِيهََا لَيََالِيَ وَ أَيََّاماً»،مثل لما يسير من العلم في اللّيالي و الأيّام عنّا إليهم،في الحلال و الحرام،و الفرائض و الأحكام،آمنين فيها إذا أخذوا من معدنها الذي أمروا أن يأخذوا منه.«آمِنِينَ»من الشّك و الضّلال،و النقلةمن الحرام إلى الحلال،لأنّهم أخذوا العلم ممّن وجب لهم بأخذهم إياه عنهم،المغفرة(1)،لأنّهم أهل ميراث العلم من آدم إلى حيث انتهوا،ذريةمصطفاة بعضها من بعض،فلم ينته الاصطفاء إليكم،بل إلينا انتهى،و نحن تلك الذرية المصطفاة،لا أنت و لا أشباهك يا حسن،فلو قلت لك-حين ادعيت ما ليس لك،و ليس إليك-:يا جاهل أهل البصرة!لم أقل فيك إلاّ ماعلمته منك،و ظهر لي عنك،و إيّاك أن تقول بالتفويض،فان اللّه عزّ و جلّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه،و هنا منه و ضعفا،و لا أجبرهم على معاصيه ظلما.
و الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2)..-
ص: 184
و روي أنّ سالما دخل على أبي جعفر عليه السّلام فقال:
جئت أكلّمك في أمر هذا الرجل.
قال:أيما رجل؟قال:عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
قال:في أي أموره؟قال:في أحداثه.
قال أبو جعفر عليه السّلام:انظر ما استقرّ عندك ممّا جاءت به الرّواة عن آبائهم.
قال:ثمّ نسبهم،ثمّ قال:يا سالم!أبلغك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعث سعد بن معاذ(1)براية الأنصار إلى خيبر،فرجع منهزما،ثمّ بعث عمر بن الخطاب براية المهاجرين و الأنصار،فأتى سعد جريحا و جاء عمريجبّن أصحابه و يجبّنونه.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«هكذا يفعل المهاجرون و الأنصار»حتّى قالها ثلاثا ثمّ قال:«لأعطينّ الراية غدا رجلاكرّار ليس بفرّار،يحبّه اللّه و رسوله،و يحب اللّه و رسوله»؟
قال:نعم.و قال القوم جميعا أيضا.
ق-و تفسير البرهان 3/348.
و نقله المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 24/232 و في:5/17،قطعة منه.
ص: 185
فقال أبو جعفر:يا سالم!إن قلت:إنّ اللّه عزّ و جلّ أحبه و هو لا يعلم ما هو صانع فقد كفرت،و إن قلت:إنّ اللّه عزّ و جلّ أحبّه و هو يعلم ما هوصانع،فأيّ حدث ترى له.
فقال:أعد عليّ!
فأعاد عليه،فقال سالم:عبدت اللّه(1)على ضلالة سبعين سنة(2).
و عن أبي بصير قال:كان مولانا أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهماالسّلام جالسا في الحرم و حوله عصابة من أوليائه،إذ أقبل طاووس اليماني في جماعة من أصحابه ثمّ قال لأبي جعفر عليه السّلام:
أتأذن لي في السؤال؟فقال:أذنّا لك فاسأل!قال:أخبرني متى هلك ثلث النّاس؟
قال:و همت يا شيخ!أردت أن تقول:«متى هلك ربع النّاس»؟و ذلك يوم قتل قابيل هابيل،كانوا أربعة:آدم و حواء و قابيل و هابيل فهلك ربعهم.
ص: 186
فقال:أصبت و وهمت أنا،فأيّهما كان أبا للنّاس القاتل أوالمقتول؟قال:لا واحد منهما،بل أبوهم شيث بن آدم.
قال:فلم سمّي آدم آدم؟قال:لأنّه رفعت طينته من أديم الأرض السّفلى.
قال:فلم سمّيت حواء حواء؟قال:لأنّها خلقت من ضلع حي،يعني ضلع آدم.
قال:فلم سمّي إبليس إبليس؟قال:لأنّه أبلس(1)من رحمة اللّه عزّو جلّ فلا يرجوها.
قال:فلم سمّي الجن جنّا؟قال:لأنّهم استجنوا فلم يروا.
قال:فأخبرني عن كذبة كذبت،من صاحبها؟قال:إبليس حين قال:«أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نََارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ».
قال:فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحقّ و كانوا كاذبين؟
قال:المنافقون حين قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:نشهد أنّك لرسول اللّه،فأنزل اللّه عزّ و جلّ:«إِذََا جََاءَكَ اَلْمُنََافِقُونَ قََالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اَللََّهِ وَ اَللََّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اَللََّهُ يَشْهَدُ إِنَّ اَلْمُنََافِقِينَ لَكََاذِبُونَ»(2).
قال:فأخبرني عن طائر طار مرّة و لم يطر قبلها و لا بعدها،ذكره اللّه عزّ و جلّ في القرآن ما هو؟1.
ص: 187
فقال:طور سيناء،أطاره اللّه عزّ و جلّ على بني إسرائيل حين أظلّهم بجناح منه،فيه ألوان العذاب،حتّى قبلوا التّوراة،و ذلك قوله عزّ و جلّ:«وَ إِذْ نَتَقْنَا اَلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ وََاقِعٌ بِهِمْ»الآية(1).
قال:فأخبرني عن رسول بعثه اللّه تعالى ليس من الجن،و لا من الإنس،و لا من الملائكة،ذكره اللّه تعالى في كتابه؟
قال:الغراب،حين بعثه اللّه عزّ و جلّ ليري قابيل كيف يواري سوأةأخيه هابيل حين قتله...قال اللّه عزّ و جلّ:«فَبَعَثَ اَللََّهُ غُرََاباً يَبْحَثُ فِي اَلْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوََارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ»(2).
قال:فأخبرني عمّن أنذر قومه ليس من الجن و لا من الإنس و لا من الملائكة،ذكره اللّه عزّ و جلّ في كتابه؟
قال:النّملة حين قالت:«يََا أَيُّهَا اَلنَّمْلُ اُدْخُلُوا مَسََاكِنَكُمْ لاََ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمََانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لاََ يَشْعُرُونَ»(3).
قال فأخبرني عمّن كذب عليه،ليس من الجنّ و لا من الإنس و لا من الملائكة،ذكره اللّه عزّ و جلّ في كتابه؟قال:الذئب الذي كذب عليه أخوة يوسف.
قال:فأخبرني عن شي ء قليله حلال و كثيره حرام،ذكره اللّه عزّ8.
ص: 188
و جلّ في كتابه؟
قال:نهر طالوت،قال اللّه عزّ و جلّ:«إِلاََّ مَنِ اِغْتَرَفَ غُرْفَةًبِيَدِهِ»(1).
قال:فأخبرني عن صلاة مفروضة تصلّى بغير وضوء،و عن صوم لايحجز عن أكل و لا شرب؟
قال:أمّا الصّلاة بغير وضوء:فالصّلاة على النّبيّ و آله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أمّا الصّوم:فقول اللّه عزّ و جلّ:«إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمََنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اَلْيَوْمَ إِنْسِيًّا»(2).
قال:فأخبرني عن شي ء يزيد و ينقص،و عن شي ء يزيد و لا ينقص،و عن شي ء ينقص و لا يزيد؟
فقال الباقر عليه السّلام:امّا الشي ء الذي يزيد و ينقص فهو:القمرو الشّي ء الذي يزيد و لا ينقص فهو:البحر،و الشّي ء الذي ينقص و لا يزيدفهو:العمر(3).
و قد تكرّر إيراد أوّل هذا الخبر لما في آخره من الفوائد.3.
ص: 189
و بالإسناد المقدّم ذكره عن أبي محمّد الحسن العسكري عليهما السّلام أنّه قال:كان عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام جالسا في مجلسه(1)فقال يوما في مجلسه إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا أمر بالمسير إلى تبوك،أمر بأن يخلف عليّا بالمدينة.فقال عليّ عليه السّلام:يا رسول اللّه!ما كنت أحب أن اتخلّف عنك في شي ء من أمورك،و أن أغيب عن مشاهدتك و النظرإلى هديك و سمتك.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا علي!أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي،تقيم يا عليّ و إنّ لك في مقامك من الأجر مثل الذي يكون لك لو خرجت مع رسول اللّه،و لك مثل اجور كلّ من خرج مع رسول اللّه موقنا طائعا،و إنّ لك على اللّه يا عليّ لمحبتك أن تشاهد من محمّد سمته في ساير أحواله،بأن يأمر جبرئيل في جميع مسيرنا هذا أن يرفع الأرض التي نسير عليها،و الأرض التي تكون أنت عليها،و يقوي بصرك حتّى تشاهد محمّدا و أصحابه في ساير أحوالك و أحوالهم،فلا يفوتك الانس من رؤيته و رؤية أصحابه و يغنيك ذلك عن المكاتبة و المراسلة.
ص: 190
فقام رجل من مجلس زين العابدين عليه السّلام لما ذكر هذا و قال له:يابن رسول اللّه!كيف يكون هذا لعليّ؟إنّما يكون هذا للأنبياء لا لغيرهم.
فقال زين العابدين عليه السّلام:هذا هو معجزة لمحمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا لغيره،لأنّ اللّه تعالى إنّما رفعه بدعاء محمّد،و زاد في نوربصره أيضا بدعاء محمّد،حتّى شاهد ما شاهد و أدرك ما أدرك.
ثمّ قال له الباقر عليه السّلام:يا عبد اللّه!ما أكثر ظلم كثير من هذه الأمّةلعليّ بن أبي طالب عليه السّلام،و أقل إنصافهم له؟!يمنعون عليّا ما يعطونه ساير الصحابة،و عليّ أفضلهم،فكيف يمنع منزلة يعطونها غيره؟
قيل:و كيف ذاك يابن رسول اللّه؟
قال:لأنّكم تتولّون محبّي أبي بكر بن أبي قحافة،و تبرؤون(1)من أعدائه كائنا من كان،و كذلك تتولون عمر بن الخطّاب،و تتبرؤون من أعدائه كائنا من كان،و تتولون عثمان بن عفان و تتبرؤون من أعدائه كائنامن كان،حتّى إذا صار إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،قالوا:نتولّى محبيه،و لا نتبرأ من أعدائه بل نحبهم.
فكيف يجوز هذا لهم،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول في علي عليه السّلام:«اللّهم وال من والاه،و عاد من عاداه،و انصر من نصره،و اخذل من خذله»أفترونه لا يعادي من عاداه؟!و لا يخذل من خذله؟!ليس هذابانصاف.ن.
ص: 191
ثمّ أخرى:أنّهم إذا ذكر لهم ما اختصّ(1)اللّه به عليّا عليه السّلام بدعاءرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و كرامته على ربّه تعالى جحدوه،و هم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من الصحابة،فما الذي منع عليّا عليه السّلام ما جعله لسائر أصحاب رسول اللّه؟
هذا عمر بن الخطّاب.إذا قيل لهم:إنّه كان على المنبر بالمدينةيخطب إذ نادى في خلال خطبته:يا سارية(2)الجبل!عجبت الصحابة(3)و قالوا ما هذا الكلام الذي في هذه الخطبة؟فلمّا قضى الخطبة و الصّلاةقالوا:ما قولك في خطبتك يا سارية الجبل؟
فقال:اعلموا أنّي و أنا أخطب إذ رميت ببصري نحو الناحية التي خرج فيها إخوانكم إلى غزو الكافرين بنهاوند،و عليهم سعد بن أبي وقّاص،ففتح اللّه لي الأستار و الحجب،و قوى بصري حتّى رأيتهم و قداصطفوا بين يدي جبل هناك،و قد جاء بعض الكفار ليدور خلف سارية،و ساير من معه من المسلمين،فيحيطوا بهم فيقتلوهم،فقلت يا ساريةالجبل،ليلتجئ إليه،فيمنعهم ذلك من أن يحطيوا به،ثمّ يقاتلوا،و منح اللّه اخوانكم المؤمنين أكناف الكافرين،و فتح اللّه عليهم بلادهم،فاحفظواهذا الوقت،فسيرد عليكم الخبر بذلك،و كان بين المدينة و نهاوند مسيرة..
ص: 192
أكثر من خمسين يوما.
قال الباقر عليه السّلام:فإذا كان مثل هذا لعمر،فكيف لا يكون مثل هذالعليّ بن أبي طالب عليه السّلام؟!و لكنّهم قوم لا ينصفون بل يكابرون(1).
و عن عبد اللّه بن سليمان قال:كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فقال له رجل من أهل البصرة-يقال له«عثمان الأعمى»-:
إنّ الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم من يدخل النّار.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:فهلك إذا مؤمن آل فرعون،و اللّه مدحه بذلك،و ما زال العلم مكتوما منذ بعث اللّه عزّ و جلّ رسوله نوحا،فليذهب الحسن يمينا و شمالا،فو اللّه ما يوجد العلم إلاّ ها هنا،و كان عليه السّلام يقول:محنة النّاس علينا عظيمة،ان دعوناهم لم يجيبونا،و إن تركناهم لم يهتدوابغيرنا(2).
ص: 193
ص: 194
ص: 195
ص: 196
روي عن هشام بن الحكم أنّه قال:كان من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد اللّه عليه السّلام أن قال:
ما الدليل على صانع العالم؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:وجود الأفاعيل التي دلت على أنّ صانعهاصنعها،ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني،علمت أنّ له بانيا و إن كنت لم تر الباني،و لم تشاهده.
قال:فما هو؟
قال:هو شي ء بخلاف الأشياء،ارجع بقولي شي ء إلى إثباته،و انّه شي ء بحقيقته الشّيئية،غير أنّه لا جسم،و لا صورة،و لا يحس،و لايجس(1)،و لا يدرك بالحواس الخمس،لا تدركه الأوهام،و لا تنقصه
ص: 197
الدهور،و لا يغيّره الزمان.
قال السائل:فانّا لم نجد موهوما إلاّ مخلوقا.
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لو كان ذلك كما تقول،لكان التوحيد منّامرتفعا لأنّا لم نكلّف(1)أن نعتقد غير موهوم،لكنّا نقول:كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا،فهو مخلوق،و لا بدّ من إثبات كون صانع الأشياء خارجا من الجهتين المذمومتين:احداهما النفي إذكان(2)النفي هو الإبطال و العدم.و الجهة الثانية التشبيه بصفة المخلوق الظاهر التركيب و التأليف،فلم يكن بدّ من إثبات الصانع لوجودالمصنوعين،و الاضطرار منهم إليه،إنّهم مصنوعون،و إنّ صانعهم غيرهم و ليس مثلهم،إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب و التأليف و فيمايجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا،و تنقلهم من صغر إلى كبر،و سواد إلى بياض،و قوة إلى ضعف،و أحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لثباتها و وجودها.
قال السائل:فأنت قد حدّدته إذ أثبتّ وجوده!
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لم أحده(3)و لكن أثبتّه،إذ لم يكن بين الإثبات و النفي منزلة...
ص: 198
قال السائل:فقوله:«اَلرَّحْمََنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى ََ»(1)؟
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:بذلك وصف نفسه،و كذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه،من غير أن يكون العرش حاملا له و لا أن العرش حاوله و لا أن العرش محل له،لكنّا نقول:هو حامل العرش،و ممسك العرش(2)،و نقول في ذلك ما قال:«وَسِعَ كُرْسِيُّهُ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ»(3)فثبتنا من العرش و الكرسي ما ثبته،و نفينا أن يكون العرش و الكرسي حاويا له،و أن يكون عزّ و جلّ محتاجا إلى مكان،أو إلى شي ء ممّا خلق،بل خلقه محتاجون إليه.
قال السائل:فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السّماء و بين أن تخفضوها نحو الأرض؟
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ذلك في علمه و إحاطته و قدرته سواء،و لكنّه عزّ و جلّ أمر أولياءه و عباده برفع أيديهم إلى السّماء نحو العرش،لأنّه جعله معدن الرزق،فثبتنا ما ثبته القرآن و الأخبار عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،حين قال:«ارفعوا أيديكم إلى اللّه عزّ و جلّ»و هذا تجمع عليه فرق الأمّةكلّها.
و من سؤاله أن قال:لم لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟5.
ص: 199
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لا يخلو قولك:إنّهما اثنان من أن يكوناقديمين قويين أو يكونا ضعيفين،أو يكون أحدهما قويا،و الآخر ضعيفا،فان كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه،و يتفرّد بالربوبية،و إن زعمت أنّ أحدهما قوي و الآخر ضعيف،ثبت أنّه واحد كما نقول للعجز الظّاهر في الثاني،و إن قلت:انّهما اثنان،لم يخل من أن يكونامتّفقين من كلّ جهة،أو متفرقين من كلّ جهة،فلمّا رأينا الخلق منتظما،و الفلك جاريا،و اختلاف اللّيل و النّهار و الشّمس و القمر،دلّ ذلك على صحة الأمر و التدبير،و ائتلاف الأمر،و أنّ المدبّر واحد(1).
و عن هشام بن الحكم قال:دخل ابن أبي العوجاء على الصّادق عليه السّلام فقال له الصادق عليه السّلام:
يابن أبي العوجاء!أ مصنوع أنت أم غير مصنوع؟فقال:لست بمصنوع.
ص: 200
فقال له الصّادق عليه السّلام:فلو كنت مصنوعا كيف كنت تكون؟فلم يحر ابن أبي العوجاء جوابا،و قام و خرج(1).
قال:دخل أبو شاكر الديصاني-و هو زنديق-(2)على أبي عبد اللّه عليه السّلام و قال:يا جعفر بن محمّد دلّني على معبودي!
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:اجلس!فإذا غلام صغير في كفّه بيضةيلعب بها،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ناولني يا غلام البيضة!(3)فناوله إيّاها،فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا ديصاني!هذا حصن مكنون،له جلد
ص: 201
غليظ،و تحت الجلد الغليظ جلد رقيق،و تحت الجلد الرّقيق ذهبة مايعة،و فضة ذائبة،فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة،و لا الفضّة الذائبةتختلط بالذهبة المايعة،فهي على حالها،لم يخرج(1)منها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها،و لم يدخل فيها داخل(2)مفسد فيخبر عن إفسادها،لا يدرى للذكر خلقت أم للأنثى،تنفلق عن مثل ألوان الطواويس،أترى له مدبّرا؟
قال:فأطرق مليّا ثمّ قال:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمّدا عبده و رسوله،و أنّك إمام و حجّة من اللّه على خلقه،و أناتائب[إلى اللّه تعالى](3)ممّا كنت فيه(4).1.
ص: 202
و عن هشام بن الحكم قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن أسماء اللّه عزّ ذكره و اشتقاقها،فقلت:اللّه،ممّا هو مشتق؟
قال:يا هشام!اللّه:مشتق من إله،و إله يقتضي مألوها،و الاسم غيرالمسمّى،فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر و لم يعبد شيئا،و من عبدالاسم و المعنى فقد كفر و عبد الاثنين،و من عبد المعنى دون الاسم فذاك التّوحيد أفهمت يا هشام؟
قال:فقلت:زدني!فقال:إنّ للّه عزّ و جلّ تسعة و تسعين إسما،فلوكان الاسم هو المسمّى لكان كل اسم منها إلها،و لكن اللّه(1)معنى يدل عليه فهذه الأسماء كلّها غيره،يا هشام!الخبز إسم للمأكول،و الماء إسم للمشروب،و الثوب إسم للملبوس،و النّار إسم للمحرق أفهمت يا هشام فهما تدفع به و تناضل(2)به أعداءنا،و المتّخذين مع اللّه عزّ و جلّ غيره؟قلت:نعم.
قال:فقال:نفعك اللّه به،و ثبّتك!
ص: 203
قال هشام:فو اللّه ما قهرني أحد في علم التّوحيد حتّى قمت مقامي هذا(1).
و عن هشام بن الحكم،قال:كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام علم،فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها،و قيل:هو بمكّة،فخرج إلى مكّة و نحن مع أبي عبد اللّه عليه السّلام.فانتهى إليه-و هو في الطّواف-فدنا منه و سلّم عليه.
فقال له أبو عبد اللّه:ما أسمك؟قال:عبد الملك.
قال:فما كنيتك؟قال:أبو عبد اللّه.
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فمن ذا الملك الذي أنت عبده،أ من ملوك الأرض أم من ملوك السّماء؟و أخبرني عن ابنك أ عبد إله السّماء،أم عبد إله الأرض؟فسكت.فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:قل!فسكت.
فقال:إذا فرغت من الطّواف فائتنا،فلمّا فرغ أبو عبد اللّه عليه السّلام من الطّواف أتاه الزنديق،فقعد بين يديه و نحن مجتمعون عنده.
ص: 204
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أتعلم أنّ للأرض تحتا و فوقا؟فقال:نعم.
قال:فدخلت تحتها؟قال:لا.
قال:فهل تدري ما تحتها؟قال:لا أدري إلاّ أنّي أظن أن ليس تحتهاشي ء.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فالظنّ عجز ما لم تستيقن،ثمّ قال له:صعدت إلى السّماء؟قال:لا،قال أفتدري ما فيها؟قال:لا.
قال:فأتيت المشرق و المغرب فنظرت ما خلفهما؟قال:لا.
قال:فالعجب لك!لم تبلغ المشرق،و لم تبلغ المغرب،و لم تنزل تحت الأرض،و لم تصعد إلى السّماء،و لم تخبر ما هناك(1)فتعرف ماخلفهنّ،و أنت جاحد بما فيهنّ،و هل يجحد العاقل ما لا يعرف؟!فقال الزنديق:ما كلّمني بهذا غيرك.
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فأنت من ذلك في شك،فلعلّ هو و لعلّ ليس هو.قال:و لعل ذلك.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أيّها الرجل!ليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم،و لا حجّة للجاهل على العالم،يا أخا أهل مصر،تفهّم عني،أماترى الشّمس و القمر و اللّيل و النّهار يلجان و لا يستبقان،يذهبان و يرجعان،قد اضطرّا ليس لهما مكان إلاّ مكانهما،فان كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان؟و إن كانا غير مضطرين فلم لا يصير اللّيل نهارا..
ص: 205
و النّهار ليلا؟اضطرّا و اللّه يا أخا أهل مصر.
إنّ الذي تذهبون إليه و تظنّون من الدّهر،فان كان هو يذهبهم،فلم لايردهم؟و إن كان يردهم،فلم لا يذهب بهم؟أما ترى السّماء مرفوعة،و الأرض موضوعة،لا تسقط السّماء على الأرض،و لا تنحدر الأرض فوق ما تحتها،أمسكها و اللّه خالقها و مدبّرها.
قال:فآمن الزنديق على يدي أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لهشام:خذه إليك و علّمه(1).
عن عيسى بن يونس قال:كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري،فانحرف عن التّوحيد،فقيل له:تركت مذهب صاحبك و دخلت فيما لا أصل له و لا حقيقة؟!
ص: 206
قال:انّ صاحبي كان مخلطا،يقول طورا بالقدر و طورا بالجبر،فماأعلمه اعتقد مذهبا دام عليه،فقدم مكّة متمرّدا،و إنكارا على من يحجّه،و كان تكره العلماء مجالسته لخبث لسانه،و فساد ضميره،فأتى أبا عبد اللّه عليه السّلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه،فقال:
يا أبا عبد اللّه!إنّ المجالس بالأمانات،و لا بدّ لكلّ من به سعال(1)أن يسعل أفتأذن لي في الكلام؟فقال:تكلّم.
فقال:إلى كم تدوسون هذا البيدر(2)،و تلوذون بهذا الحجر،و تعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب(3)و المدر،و تهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر،إنّ من فكر في هذا و قدّر(4)،علم أنّ هذا فعل اسّسه غير حكيم و لا ذي نظر،فقل فانّك رأس هذا الأمر و سنامه،و أبوك أسّه و نظامه!
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّ من أضلّه اللّه و أعمى قلبه،استوخم الحقّ و لم يستعذبه و صار الشّيطان وليّه،يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره،و هذا بيت استعبد اللّه به عباده ليختبر طاعتهم في إتيانه،فحثّهم على تعظيمه و زيارته و جعله محل أنبيائه و قبلة للمصلين له،فهو شعبة من..
ص: 207
رضوانه،و طريق يؤدي إلى غفرانه،منصوب على استواء الكمال،و مجتمع العظمة و الجلال،خلقه اللّه قبل دحو الأرض بألفي عام،فأحق من أطيع فيما أمر و انتهى عمّا نهى عنه و زجر،اللّه المنشى ء للأرواح و الصور.
فقال ابن أبي العوجاء:ذكرت اللّه فأحلت على غائب.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ويلك!!كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد و إليهم أقرب من حبل الوريد،يسمع كلامهم و يرى أشخاصهم،و يعلم أسرارهم؟!
فقال ابن أبي العوجاء:فهو في كل مكان،أ ليس إذا كان في السّماءكيف يكون في الأرض و إذا كان في الأرض كيف يكون في السّماء؟
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان،و خلا منه مكان،فلا يدري في المكان الذي صارإليه ما حدث في المكان الذي كان فيه،فأمّا اللّه العظيم الشأن،الملك الديّان،فلا يخلو منه مكان و لا يشتغل به مكان،و لا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان(1).،-
ص: 208
و روي أنّ الصادق عليه السّلام قال لابن أبي العوجاء:إن يكن الأمر كماتقول-و ليس كما تقول-نجونا و نجوت،و إن يكن الأمر كما نقول-و هو كما نقول-نجونا و هلكت(1).
و روي أيضا أنّ ابن أبي العوجاء سأل الصّادق عليه السّلام عن حدث العالم(2)،فقال له عليه السّلام:ما وجدت شيئا صغيرا و لا كبيرا إلاّ و إذا ضمّ إليه مثله صار أكبر،و في ذلك زوال و انتقال عن الحالة الأولى،و لو كان ق-أيضا.و الفقيه 2/162،الباب 64،برقم 32.
و الشيخ المفيد قدّس سرّه في الإرشاد ص 280.
و انظر كنز الفوائد 2/75.و نقله في بحار الأنوار 3/33،96/28 و 29.
ص: 209
قديما ما زال و لا حال،لأنّ الذي يزول و يحول يجوز أن يوجد و يبطل،فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدوث،و في كونه في الأزل دخول في القدم،و لن تجتمع صفة الحدوث و القدم في شي ء واحد.
قال ابن أبي العوجاء:هبك(1)علمك في جري الحالتين و الزمانين على ما ذكرت استدللت على حدوثها،فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثها؟
فقال عليه السّلام:إنّما(2)نتكلّم على هذا العالم الموضوع،فلو رفعناه و وضعنا عالما آخر كان لا شي ء أدلّ على الحدث(3)من رفعنا إيّاه و وضعناغيره،و لكن أجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا،فنقول:
إنّ الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنّه متى ضمّ شي ء منه إلى شي ء منه(4)كان أكبر،و في جواز التغيير عليه خروجه من القدم،كماأنّ في تغيره دخوله في الحدث،ليس لك و راءه شي ء يا عبد الكريم(5).2.
ص: 210
و عن يونس بن ظبيان قال:دخل رجل على أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:أ رأيت اللّه حين عبدته؟
قال له:ما كنت أعبد شيئا لم أره.
قال:فكيف رأيته؟
قال:لم تره الأبصار بمشاهدة العيان،و لكن رأته القلوب بحقايق الإيمان.لا يدرك بالحواس،و لا يقاس بالنّاس،معروف بغير تشبيه.(1)
و عن عبد اللّه بن سنان،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى:«لاََتُدْرِكُهُ اَلْأَبْصََارُ»(2)قال:إحاطة الوهم،ألا ترى إلى قوله:«قَدْ جََاءَكُمْ
ص: 211
«بَصََائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ»(1)ليس يعني بصر العيون،«فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ»و ليس يعني من أبصر نفسه(2)«وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهََا»ليس يعني عمي العيون،إنّما عنى:إحاطة الوهم-كما يقال:فلان بصير بالشّعر و فلان بصير بالفقه و فلان بصير بالدراهم و فلان بصير بالثّياب-اللّه أعظم من أن يرى بالعين(3).
ثمّ الرسل و آياتها و الكتب و محكماتها،و اقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته.
قال:أ ليس هو قادر أن يظهر لهم حتّى يروه فيعرفوه فيعبد على يقين؟قال:ليس للمحال جواب.
قال:فمن أين أثبت أنبياء و رسلا؟
قال عليه السّلام:إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا و عن جميع ما خلق(1)،و كان ذلك الصانع حكيما،لم يجز أن يشاهده خلقه،و لا أن يلامسوه و لا أن يباشرهم و يباشروه و يحاجهم و يحاجوه،ثبت أنّ له سفراءفي خلقه و عباده يدلونهم على مصالحهم و منافعهم،و ما به بقاؤهم،و في تركه فناؤهم،فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه،و ثبت عند ذلك أنّ له معبّرين و هم الأنبياء و صفوته(2)من خلقه،حكماء مؤدّبين بالحكمة،مبعوثين عنه،مشاركين للنّاس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب،مؤيّدين(3)من عند الحكيم العليم،بالحكمةو الدلائل و البراهين و الشّواهد:من إحياء الموتى،و إبراء الأكمه و الأبرص فلا تخلو الأرض من حجّة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسّول و وجوب عدالته(4).ا-
ص: 213
ثمّ قال عليه السّلام-بعد ذلك-:نحن نزعم أنّ الأرض لا تخلو من حجّة،و لا تكون الحجّة إلاّ من عقب الأنبياء،و ما بعث اللّه نبيّا قطّ من غير نسل الأنبياء،و ذلك أنّ اللّه شرع لبني آدم طريقا منيرا،و أخرج من آدم نسلاطاهرا طيبا،أخرج منه الأنبياء و الرسل،هم صفوة اللّه،و خلص الجوهر،طهروا في الأصلاب،و حفظوا في الأرحام،لم يصبهم سفاح الجاهلية،و لا شاب أنسابهم،لأنّ اللّه عزّ و جلّ جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة و شرفا منه،فمن كان خازن علم اللّه،و أمين غيبه و مستودع سرّه،و حجّته على خلقه،و ترجمانه و لسانه،لا يكون إلاّ بهذه الصّفة فالحجّة لاتكون إلاّ من نسلهم،يقوم مقام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الخلق بالعلم الذي عنده و ورثه عن الرسول،إن جحده النّاس سكت،و كان بقاء ما عليه النّاس قليلا ممّا في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه،قدق-توجد متفرّقة في أبواب مختلفة من كتب الحديث.يقول العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 10/188 بعد نقل الحديث:«هذا الخبر و إن كان مرسلا لكنّ اكثر أجزائه أوردهاالكليني و الصّدوق متفرّقة في المواضع المناسبة لها،و سياقه شاهد صدق على حقّيته».
و هذا ما دعانا إلى أن نذيّل كل جزء من الرواية بمصدره عند العثور عليه.
إلى هنا رواه الكليني قدّس سرّه في الكافي 1/168،عن عليّ بن إبراهيم،عن أبيه،عن العبّاس بن عمر الفقيمي،عن هشام بن الحكم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبت الأنبياء و الرسل؟قال:إنّا لمّا أثبتنا...و الصّدوق رحمه اللّه في العلل ص 120،الباب 99،برقم 3.و التّوحيد ص 249،الباب 36،برقم 1،في ضمن الحديث.
ص: 214
أقاموا بينهم الرأي و القياس و إنّهم إن أقروا به و أطاعوه و أخذوا عنه،ظهرالعدل و ذهب الاختلاف و التّشاجر و استوى الأمر و أبان الدّين،و غلب على الشك اليقين،و لا يكاد أن يقرّ النّاس به و لا يطيعوا له أو يحفظوا له(1)بعدفقد الرسول،و ما مضى رسول و لا نبي قطّ إلاّ و قد تختلف(2)أمّته من بعده،و إنّما كان علّة اختلافهم خلافهم على الحجّة و تركهم إياه.
قال:فما يصنع بالحجّة إذا كان بهذه الصّفة؟قال:قد يقتدى به و يخرج عنه الشي ء بعد الشّي ء مكانه منفعة الخلق(3)و صلاحهم،فان أحدثوا في دين اللّه شيئا أعلمهم و إن زادوا فيه أخبرهم،و إن نقصوا منه شيئا أفادهم.
ثمّ قال الزنديق:من أي شي ء خلق اللّه الأشياء؟قال عليه السّلام:من لاشي ء.
فقال:كيف يجي ء من لا شي ء شي ء؟
قال عليه السّلام:إنّ الأشياء لا تخلو أن تكون(4)خلقت من شي ء أو من غير شي ء،فان كانت خلقت من شي ء كان معه،فإنّ ذلك الشّي ء قديم،و القديم لا يكون حديثا و لا يفنى و لا يتغيّر،و لا يخلو ذلك الشّي ء من أن يكون جوهرا واحدا و لونا واحدا،فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة،..
ص: 215
و الجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتّى؟و من أين جاءالموت ان كان الشّي ء الذي أنشئت منه الأشياء حيّا؟و من أين جاءت الحياة ان كان ذلك الشّي ء ميتا؟و لا يجوز أن يكون من حيّ و ميت قديمين لم يزالا،لأنّ الحي لا يجي ء منه ميت و هو لم يزل حيّا،و لا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل بما هو(1)به من الموت،لأنّ الميت لا قدرة له و لا بقاء.
قال:فمن أين قالوا إنّ الأشياء أزلية؟قال:هذه مقالة قوم جحدوامدبر الأشياء فكذبوا الرسل،و مقالتهم(2)،و الأنبياء و ما أنبأوا عنه،و سمّوا كتبهم أساطير،و وضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم و استحسانهم،إنّ الأشياء تدل على حدوثها،من دوران الفلك بما فيه،و هي تسعة أفلاك(3)و تحرك الأرض و من عليها و انقلاب الأزمنة،و اختلاف الوقت،و الحوادث التي تحدث في العالم من زيادة و نقصان و موت و بلاء(4)و اضطرار النفس إلى الإقرار بأنّ لها صانعا و مدبّرا،أما ترى الحلو يصيرحامضا،و العذب مرّا،و الجديد باليا،و كل إلى تغير و فناء؟!
قال:فلم يزل صانع العالم عالما بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها؟
قال:فلم يزل يعلم فخلق ما علم.قال:أمختلف هو أم مؤتلف؟..
ص: 216
قال:لا يليق به الاختلاف و لا الايتلاف،انّما يختلف المتجزي،و يأتلف المتبعّض،فلا يقال له:مؤتلف و لا مختلف.
قال:فكيف هو اللّه الواحد؟قال:واحد في ذاته،فلا واحد كواحد،لأنّ ما سواه من الواحد متجزي و هو تبارك و تعالى واحد لا يتجزى،و لايقع عليه العدّ.
قال:فلأي علّة خلق الخلق و هو غير محتاج إليهم،و لا مضطر إلى خلقهم،و لا يليق به التعبث بنا؟(1).
قال:خلقهم لإظهار حكمته و إنفاذ علمه و إمضاء تدبيره.
قال:و كيف لا يقتصر على هذه الدّار فيجعلها دار ثوابه و محتبس عقابه؟
قال:إنّ هذه الدّار دار ابتلاء،و متجر الثواب و مكتسب الرّحمة،ملئت آفات،و طبقت شهوات،ليختبر فيها عبيده بالطّاعة،فلا يكون دارعمل دار جزاء.
قال:أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا،و قد كان و لا عدو له،فخلق كما زعمت«إبليس»فسلّطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته،و يأمرهم بمعصيته و جعل له من القوة كما زعمت،يصل(2)بلطف الحيلةإلى قلوبهم،فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم،و يلبّس عليهم دينهم،فيزيلهم عن معرفته،حتّى أنكر قوم لمّا وسوس إليهم ربوبيته و عبدوا..
ص: 217
سواه،فلم سلّط عدوّه على عبيده،و جعل له السّبيل إلى إغوائهم؟
قال:إنّ هذا العدوّ الذي ذكرت لا تضره عداوته،و لا تنفعه ولايته.و عداوته لا تنقص من ملكه شيئا،و ولايته لا تزيد فيه شيئا،و إنّما يتّقى العدو إذا كان في قوة يضر و ينفع،إن همّ بملك أخذه،أو بسلطان قهره،فأمّا إبليس فعبد،خلقه ليعبده و يوحّده،و قد علم حين خلقه ما هو و إلى مايصير إليه،فلم يزل يعبده مع ملائكته حتّى امتحنه بسجود آدم،فامتنع من ذلك حسدا،و شقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك،و أخرجه عن صفوف الملائكة،و أنزله إلى الأرض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم و ولده بذلك السبب،و ما له من السلطنة على ولده إلاّ الوسوسة،و الدعاء إلى غير السبيل،و قد أقرّ مع معصيته لربّه بربوبيته.
قال:أفيصلح السّجود لغير اللّه؟قال:لا.
قال:فكيف أمر اللّه الملائكة بالسّجود لآدم؟
فقال:انّ من سجد بأمر اللّه فقد سجد للّه،فكان سجوده للّه اذا كان عن أمر اللّه تعالى.
قال:فمن أين أصل الكهانة،و من أين يخبر النّاس بما يحدث؟
قال:إنّ الكهانة كانت في الجاهلية،في كل حين فترة من الرسل،كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأموربينهم،فيخبرهم عن أشياء(1)تحدث،و ذلك من وجوه شتّى:فراسة العين،..
ص: 218
و ذكاء القلب،و وسوسة النفس،و فتنة الرّوح،مع قذف في قلبه،لأنّ مايحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة:فذلك يعلم الشّيطان و يؤديه إلى الكاهن،و يخبره بما يحدث في(1)المنازل و الأطراف.
و أمّا أخبار السّماء،فإنّ الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك،و هي لا تحجب،و لا ترجم بالنجوم،و إنّما منعت من استراق السّمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السّماء،و يلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن اللّه،لإثبات الحجّة،و نفي الشبهة.و كان الشّيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السّماء بما يحدث من اللّه في خلقه،فيختطفها،ثمّ يهبط بها إلى الأرض،فيقذفها إلى الكاهن،فإذا قدزاد كلمات من عنده،فيخلط الحقّ بالباطل،فما أصاب الكاهن من خبرممّا كان يخبر به،فهو ما أداه إليه شيطانه ممّا سمعه(2)،و ما أخطأ فيه،فهو من باطل ما زاد فيه،فمذ منعت(3)الشّياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة،و اليوم إنمّا تؤدي الشّياطين إلى كهانها أخباراللنّاس(4)ممّا يتحدّثون به،و ما يحدثونه،و الشّياطين تؤدي إلى الشّياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق،و من قاتل قتل،و منس.
ص: 219
غائب غاب،و هم بمنزلة[أمثال](1)النّاس أيضا،صدوق و كذوب.
قال:فكيف صعدت الشّياطين إلى السّماء،و هم أمثال النّاس في الخلقة و الكثافة و قد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليهما السّلام من البناء مايعجز عنه ولد آدم؟
قال:غلظوا لسليمان كما سخروا و هم خلق رقيق،غذاؤهم النسيم.و الدليل على ذلك(2)صعودهم إلى السّماء لاستراق السمع،و لا يقدرالجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلاّ بسلّم أو بسبب.
قال:فأخبرني عن السحر ما أصله؟و كيف يقدر السّاحر على مايوصف من عجائبه،و ما يفعل؟
قال عليه السّلام:إنّ السّحر على وجوه شتّى:وجه منها:بمنزلة الطبّ،كما أنّ الأطباء وضعوا لكل داء دواء،فكذلك علم السّحر،احتالوا لكل صحة آفة،و لكل عافية عاهة،و لكل معنى حيلة.
و نوع منه آخر(3):خطفة و سرعة و مخاريق و خفّة.
و نوع منه:ما يأخذ أولياء الشّياطين عنهم.
قال:فمن أين علم الشّياطين السّحر؟
قال:من حيث عرف الأطباء الطبّ،بعضه تجربة و بعضه علاج...
ص: 220
قال:فما تقول في الملكين:هاروت و ماروت؟و ما يقول النّاس بأنّهما يعلّمان النّاس السحر؟
قال:إنّهما موضع ابتلاء و موقف فتنة(1)،تسبيحهما:اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا،و لو يعالج بكذا و كذا لصار كذا،أصناف السّحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما،فيقولان لهم:إنّما نحن فتنة فلاتأخذوا عنّا ما يضرّكم و لا ينفعكم.
قال:أفيقدر السّاحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب أوالحمار أو غير ذلك؟
قال:هو أعجز من ذلك،و أضعف من أن يغيّر خلق اللّه،إنّ من أبطل ما ركّبه اللّه و صوره و غيّره فهو شريك اللّه في خلقه،تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.لو قدر السّاحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفةو الأمراض،و لنفى البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته،و إنّ من أكبرالسحر النميمة،يفرّق بها بين المتحابين،و يجلب العداوة على المتصافيين،و يسفك بها الدماء،و يهدم بها الدور و يكشف بها الستور،و النّمام أشرّ من وطى ء الأرض(2)بقدم،فأقرب أقاويل السحر من الصّواب أنّه بمنزلة الطب،إنّ السّاحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النّساء فجاءالطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج،فأبرى ء(3).ه.
ص: 221
قال:فما بال ولد آدم فيهم شريف و وضيع؟قال:الشريف المطيع،و الوضيع العاصي.
قال:أ ليس فيهم فاضل و مفضول؟قال:إنّما يتفاضلون بالتقوى.
قال:فتقول إنّ ولد آدم كلّهم سواء في الأصل لا يتفاضلون إلاّبالتّقوى؟
قال:نعم.إنّي وجدت أصل الخلق التّراب،و الأب آدم و الأم حواء،خلقهم إله واحد،و هم عبيده،إنّ اللّه عزّ و جلّ اختار من ولد آدم أناسا طهرميلادهم،و طيّب أبدانهم،و حفظهم في أصلاب الرجال و أرحام النّساء،أخرج منهم الأنبياء و الرسل،فهم أزكى فروع آدم،ما فعل ذلك لأمر(1)استحقّوه من اللّه عزّ و جلّ و لكن علم اللّه منهم-حين ذرأهم-أنّهم يطيعونه و يعبدونه و لا يشركون به شيئا فهؤلاء بالطاعة نالوا من اللّه الكرامة و المنزلةالرفيعة عنده،و هؤلاء الذين لهم الشرف و الفضل و الحسب،و ساير النّاس سواء،ألا من اتّقى اللّه أكرمه،و من أطاعه أحبه،و من أحبه لم يعذّبه بالنار!!
قال:فأخبرني عن اللّه عزّ و جلّ كيف لم يخلق الخلق كلّهم مطيعين موحّدين و كان على ذلك قادرا؟
قال عليه السّلام:لو خلقهم(2)مطيعين لم يكن لهم ثواب،لأنّ الطّاعةإذا ما كانت فعلهم لم تكن جنّة و لا نار،و لكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته..
ص: 222
و نهاهم عن معصيته و احتج عليهم برسله و قطع عذرهم بكتبه،ليكونوا هم الذين يطيعون و يعصون و يستوجبون بطاعتهم له الثواب و بمعصيتهم إيّاه العقاب.
قال:فالعمل الصّالح من العبد هو فعله،و العمل الشّر من العبد هوفعله؟
قال:العمل الصّالح من العبد بفعله و اللّه به أمره،و العمل الشرّ من العبد بفعله و اللّه عنه نهاه.
قال:أ ليس فعله بالآلة التي ركبها فيه؟
قال:نعم.و لكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر على الشرّ الذي نهاه عنه.
قال:فإلى العبد من الأمر شي ء؟
قال:ما نهاه اللّه عن شي ء إلاّ و قد علم أنّه يطيق تركه،و لا أمره بشي ءإلاّ و قد علم أنّه يستطيع فعله،لأنّه ليس من صفته الجور و العبث و الظلم و تكليف العباد ما لا يطيقون.
قال:فمن خلقه اللّه كافرا أيستطيع الإيمان و له عليه بتركه الإيمان حجّة؟
قال عليه السّلام:انّ اللّه خلق خلقه جميعا مسلمين،أمرهم و نهاهم،و الكفراسم يلحق الفاعل(1)حين يفعله العبد،و لم يخلق اللّه العبد حين خلقه..
ص: 223
كافرا،إنّه إنّما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحّجة من اللّه،فعرض عليه الحقّ فجحده فبإنكاره الحقّ صار كافرا.
قال:أفيجوز أن يقدر على العبد الشرّ،و يأمره بالخير و هو لا يستطيع الخير أن يعمله،و يعذّبه عليه؟
قال:إنّه لا يليق بعدل اللّه و رأفته أن يقدر على العبد الشرّ و يريده منه،ثمّ يأمره بما يعلم أنّه لا يستطيع أخذه،و الانزاع عمّا لا يقدر على تركه،ثمّ يعذبه على تركه أمره الذي علم أنّه لا يستطيع أخذه.
قال:بماذا استحق الذين أغناهم و أوسع عليهم من رزقه الغناءو السعة،و بماذا استحق الفقير التقتير و الضيق؟(1).
قال:اختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم،و الفقراء بمامنعهم(2)لينظر كيف صبرهم.
و وجه آخر:انّه عجل لقوم في حياتهم،و لقوم آخر ليوم حاجتهم إليه.
و وجه آخر:فانّه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم،و لو كان الخلق كلّهم أغنياء لخربت الدنيا و فسد التدبير،و صار أهلها إلى الفناء و لكن جعل بعضهم لبعض عونا،و جعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال و أنواع الصناعات،و ذلك أدوم في البقاء و أصح في التدبير،ثم..
ص: 224
اختبر الأغنياء بالاستعطاف على الفقراء،كل ذلك لطف و رحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره.
قال:فبما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع و الأمراض بلا ذنب عمله،و لا جرم سلف منه؟
قال:إنّ المرض على وجوه شتّى:مرض بلوى و مرض عقوبة،و مرض جعل علّة للفناء،و أنت تزعم أنّ ذلك من أغذية رديّة،و أشربةوبية(1)،أو علّة كانت بأمه،و تزعم أنّ من أحسن السياسة لبدنه،و أجمل النظر في أحوال نفسه و عرف الضّار ممّا يأكل من النافع لم يمرض،و تميل في قولك إلى من يزعم أنّه لا يكون المرض و الموت إلاّ من المطعم و المشرب!قد مات ارسطاطاليس معلّم الأطباء،و افلاطون رئيس الحكماء،و جالينوس شاخ(2)و دق بصره و ما دفع الموت حين نزل بساحته،و لم يألوا حفظ أنفسهم،و النظر لما يوافقها.كم من مريض(3)قدزاده المعالج سقما،و كم من طبيب عالم،و بصير بالأدواء و الأدوية ماهر،مات،و عاش الجاهل بالطب بعده زمانا،فلا ذاك نفعه علمه بطبّه عند انقطاع مدّته و حضور أجله،و لا هذا ضرّه الجهل بالطبّ مع بقاء المدّة و تأخر الأجل.
ثمّ قال عليه السّلام:إنّ أكثر الأطباء قالوا:إنّ علم الطب لم تعرفه..
ص: 225
الأنبياء،فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج اللّه على خلقه،و أمناءه في أرضه،و خزّان علمه،و ورثةحكمته،و الأدلاّء عليه،و الدّعاة إلى طاعته؟
ثمّ إنّي وجدت أكثرهم يتنكب(1)في مذهبه سبل الأنبياء و يكذّب الكتب المنزلة عليهم من اللّه تبارك و تعالى،فهذا الذي أزهدني في طلبه و حامليه.
قال:فكيف تزهد في قوم و أنت مؤدبهم و كبيرهم؟
قال عليه السّلام:إنّي لمّا رأيت الرجل الماهر في طبّه إذا سألته لم يقف على حدود نفسه و تأليف بدنه و تركيب أعضائه و مجرى الأغذية في جوارحه،و مخرج نفسه و حركة لسانه،و مستقر كلامه و نور بصره و انتشارذكره،و اختلاف شهواته و انسكاب عبراته،و مجمع سمعه و موضع عقله،و مسكن روحه و مخرج عطسته،و هيج غمومه و أسباب سروره،و علّة ما حدث فيه من بكم و صمم و غير ذلك،لم يكن عندهم في ذلك أكثرمن أقاويل استحسنوها،و علل فيما بينهم جوّزوها.
قال:فأخبرني عن اللّه عزّ و جلّ أله شريك في ملكه،أو مضادّ له في تدبيره؟قال:لا.
قال:فما هذا الفساد الموجود في هذا العالم:من سباع ضارية،و هوام مخوّفة و خلق كثير مشوهة،و دود و بعوض و حيّات و عقارب0.
ص: 226
و زعمت أنّه لا يخلق شيئا إلاّ لعلّة،لأنّه لا يعبث؟!
قال:أ لست تزعم أنّ العقارب تنفع من وجع المثانة و الحصاة،و لمن يبول في الفراش،و أنّ أفضل الترياق ما عولج من لحوم الأفاعي،فانّ لحومها إذا أكلها المجذوم بشبّ(1)نفعه،و تزعم أنّ الدود الأحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للآكلة؟قال:نعم.
قال عليه السّلام:فأمّا البعوض و البق فبعض سببه أنّه جعل أرزاق بعض الطير(2)،و أهان بها جبّارا تمرّد على اللّه و تجبّر،و أنكر ربوبيته،فسلّطاللّه عليه أضعف خلقه ليريه قدرته و عظمته،و هي البعوضة(3)فدخلت في منخره حتّى وصلت إلى دماغه فقتلته.و اعلم أنّا لو وقفنا على كلّ شي ءخلقه اللّه تعالى لم خلقه؟و لأي شي ء أنشأه؟لكنّا قد ساويناه في علمه،و علمنا كلّما يعلم و استغنينا عنه،و كنّا و هو في العلم سواء.
قال:فأخبرني هل يعاب شي ء من خلق اللّه و تدبيره؟قال:لا.
قال:فإنّ اللّه خلق خلقه غرلا(4)،أ ذلك منه حكمة أم عبث؟(5)قال:بل حكمة منه(6).ة.
ص: 227
قال:غيرتم خلق اللّه،و جعلتم فعلكم في قطع الغلفة أصوب ممّاخلق اللّه لها،و عبتم الأغلف و اللّه خلقه،و مدحتم الختان و هو فعلكم.أم تقولون انّ ذلك من اللّه كان خطأ غير حكمة؟!
قال عليه السّلام:ذلك من اللّه حكمة و صواب،غير أنّه سنّ ذلك و أوجبه على خلقه،كما أنّ المولود إذا خرج من بطن أمّه وجدنا سرّته متصلة بسرةأمّه كذلك خلقها الحكيم فأمر العباد بقطعها،و في تركها فساد بيّن للمولودو الأمّ.و كذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت أن تقلم،و كان قادرا يوم دبّرخلق الإنسان أن يخلقها خلقة لا تطول،و كذلك الشّعر من الشّارب و الرّأس يطول فيجز،و كذلك الثيران خلقها اللّه فحولة و اخصاؤها أوفق،و ليس في ذلك عيب(1)في تقدير اللّه عزّ و جلّ.
قال:أ لست تقول:إنّ اللّه تعالى قال:«اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(2)و قد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له،و المظلوم(3)يستنصره على عدوه فلا ينصره؟
قال:ويحك!ما يدعوه أحد إلاّ استجاب له،أمّا الظّالم فدعاؤه مردودإلى أن يتوب إلى اللّه،و أمّا المحقّ فانّه إذا دعاه استجاب له،و صرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه،أو ادخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه،و إن لم).
ص: 228
يكن الأمر الذي سأل العبد خيرا له إن أعطاه أمسك عنه،و المؤمن العارف باللّه ربّما عزّ عليه أن يدعوه فيما لا يدري أ صواب ذلك أم خطأ،و قد يسأل العبد ربه إهلاك من لم تنقطع مدّته،و يسأل(1)المطر وقتا و لعلّه أو ان لايصلح فيه المطر،لأنّه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه،و أشباه ذلك كثيرةفافهم هذا.
قال:فأخبرني أيّها الحكيم،ما بال السّماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد و لا يصعد من الأرض إليها بشر،و لا طريق إليها،و لا مسلك،فلو نظرالعباد في كل دهر مرّة من يصعد إليها و ينزل،لكان ذلك أثبت في الربوبيّةو أنفى للشّك و أقوى لليقين،و أجدر أن يعلم العباد أنّ هناك مدبّرا إليه يصعدالصاعد و من عنده يهبط الهابط؟!
قال عليه السّلام:إنّ كل ما ترى في الأرض من التدبير إنّما هو ينزل من السّماء،و منها يظهر،أما ترى الشّمس منها تطلع،و هي نور النّهار،و منها قوام(2)الدنيا،و لو حبست حار من عليها و هلك،و القمر منهايطلع،و هو نور اللّيل،و به يعلم عدد السنين و الحساب،و الشهور و الأيام،و لو حبس لحار من عليها و فسد التّدبير،و في السّماء النّجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر و البحر،و من السّماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شي ء:من الزرع و النبات و الأنعام،و كل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا،..
ص: 229
و الرّيح لو حبست أيّاما لفسدت الأشياء جميعا و تغيّرت،ثمّ الغيم و الرعدو البرق و الصواعق،كل ذلك إنّما هو دليل على أنّ هناك مدبّرا يدبّر كل شي ء و من عنده ينزل،و قد كلّم اللّه موسى و ناجاه،و رفع اللّه عيسى بن مريم و الملائكة تنزل من عنده،غير أنّك لا تؤمن بما لم تره بعينك،و فيماتراه بعينك كفاية إن تفهم و تعقل.
قال:فلو أنّ اللّه تعالى ردّ إلينا من الأموات في كل مائة عام واحدالنسأله عمّن مضى منّا.إلى ما صاروا و كيف حالهم،و ما ذا لقوا بعدالموت،و أي شي ء صنع بهم،ليعمل النّاس على اليقين،و اضمحل الشّك،و ذهب الغل عن القلوب.
قال:إنّ هذه مقالة من أنكر الرسل و كذّبهم،و لم يصدق بما جاءوا به من عند اللّه،إذ أخبروا و قالوا:إنّ اللّه أخبر في كتابه عزّ و جلّ على لسان أنبيائه،حال من مات منّا،أ فيكون أحد أصدق من اللّه قولا و من رسله.
و قد رجع إلى الدنيا ممّن مات خلق كثير،منهم«أصحاب الكهف»أماتهم اللّه ثلاثمائة عام و تسعة،ثمّ بعثهم في زمان قوم أنكرواالبعث،ليقطع حجّتهم،و ليريهم قدرته و ليعلموا أنّ البعث حقّ.
و أمات اللّه«أرمياء»النّبيّ عليه السّلام الذي نظر إلى خراب بيت المقدس و ما حوله حين غزاهم بخت نصّر(1)،و قال:«أَنََّى يُحْيِي هََذِهِ اَللََّهُ3.
ص: 230
بَعْدَ مَوْتِهََا فَأَمََاتَهُ اَللََّهُ مِائَةَ عََامٍ»(1)ثمّ أحياه و نظر إلى أعضائه كيف تلتئم،و كيف تلبس اللّحم،و إلى مفاصله و عروقه كيف توصل،فلمّا استوى قاعدا قال:«أَعْلَمُ أَنَّ اَللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(2).
و أحيا اللّه قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم،فأماتهم اللّه دهرا طويلا حتّى بليت عظامهم،و تقطعت أوصالهم و صاروا ترابا،فبعث اللّه في وقت أحبّ أن يري خلقه قدرته نبيا يقال له:«حزقيل»(3)فدعاهم فاجتمعت أبدانهم،و رجعت فيها أرواحهم،و قامواكهيئة يوم ماتوا،لا يفقدون(4)من أعدادهم رجلا،فعاشوا بعد ذلك دهراطويلا(5).
و إنّ اللّه أمات قوما خرجوا مع موسى عليه السّلام حين توجّه إلى اللّه عزّو جلّ فقالوا:أَرِنَا اَللََّهَ جَهْرَةً»(6)«فأماتهم اللّه ثمّ أحياهم».
قال:فأخبرني عمّن قال بتناسخ الأرواح،من أيّ شي ء قالوا ذلك،و بأيّ حجّة قاموا على مذاهبهم؟
قال:إنّ أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدّين،و زيّنوا3.
ص: 231
لأنفسهم الضلالات،و أمرجوا(1)أنفسهم في الشّهوات و زعموا أنّ السّماء خاوية ما فيها شي ء ممّا يوصف،و أنّ مدبر هذا العالم في صورةالمخلوقين،بحجّة من روى أنّ اللّه عزّ و جلّ خلق آدم على صورته،و أنّه لاجنّة و لا نار،و لا بعث و لا نشور،و القيامة عندهم خروج الروح من قالبه و ولوجه في قالب آخر،إن كان(2)محسنا في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلى درجة من الدنيا،و إن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا،أو هوام مشوهة الخلقة و ليس عليهم صوم و لا صلاة،و لا شي ء من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليهم معرفته و كل شي ء من شهوات الدنيا مباح لهم:من فروج النّساء و غير ذلك من الأخوات و البنات و الخالات و ذوات البعولة.
و كذلك الميتة،و الخمر،و الدم،فاستقبح مقالتهم كل الفرق،و لعنهم كل الأمم،فلمّا سئلوا الحجّة زاغوا و حادوا،فكذّب مقالتهم التوارة،و لعنهم الفرقان،و زعموا مع ذلك أنّ إلههم ينتقل من قالب إلى قالب،و أنّ الأرواح الأزلية هي التي كانت في آدم،ثمّ هلمّ جرا تجري إلى يومنا هذا في واحد بعد آخر،فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبمايستدل على أنّ أحدهما خالق صاحبه؟!
و قالوا:إنّ الملائكة من ولد آدم كل من صار في أعلى درجة من..
ص: 232
دينهم خرج من منزلة الامتحان و التصفية فهو ملك،فطورا تخالهم(1)نصارى في أشياء،و طورا دهرية يقولون:إنّ الأشياء على غير الحقيقة،فقدكان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان،لأنّ الدوابّ كلّها عندهم من ولد آدم حولوا من صورهم(2)،فلا يجوز أكل لحوم القرابات.
قال:و من زعم أنّ اللّه لم يزل و معه طينة مؤذية،فلم يستطع التفصي منها إلاّ بامتزاجه بها و دخوله فيها،فمن تلك الطينة خلق الأشياء!!
قال:سبحان اللّه و تعالى!!ما أعجز إلها يوصف بالقدرة،لا يستطيع التفصي من الطينة!إن كانت الطينة حيّة أزلية،فكانا إلهين قديمين فامتزجا و دبّرا العالم من أنفسهما،فان كان ذلك كذلك،فمن أين جاءالموت و الفناء؟و إن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم،و الميت لا يجي ء منه حي.و هذه مقالة الديصانية(3)،أشدّ الزنادقة قولا و..
ص: 233
أمهنهم(1)مثلا،نظروا في كتب قد صنّفتها أوائلهم،و حبروها لهم(2)بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت،و لا حجّة توجب اثبات ما ادّعوا،كلّ ذلك خلافا على اللّه و على رسله و تكذيبا بما جاءوا به عن اللّه تعالى.
فأمّا من زعم أنّ الأبدان ظلمة،و الأرواح نور،و أنّ النّور لا يعمل الشر و الظلمة لا تعمل الخير،فلا يجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصيةو لا ركوب حرمة(3)و لا إتيان فاحشة،و إنّ ذلك على الظلمة غير مستنكر،لأنّ ذلك فعلها و لا له أن يدعو ربّا،و لا يتضرع إليه،لأنّ النور ربّ،و الرّب لا يتضرع إلى نفسه و لا يستعيذ(4)بغيره،و لا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول:«أحسنت»يا محسن أو«أسأت»لأنّ الإساءة من فعل الظلمة و ذلك فعلها،و الإحسان من النور(5)،و لا يقول النور لنفسه أحسنت يا محسن،و ليس هناك ثالث،فكانت الظلمة على قياس قولهم،أحكم فعلا و أتقن تدبيرا و أعزّ أركانا من النور،لأنّ الأبدان محكمة،فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة؟
و كل شي ء يرى ظاهرا من الزهر و الأشجار و الثمار و الطيورق-الملل و النحل 1/250.و انظر بحار الأنوار 3/211.ر.
ص: 234
و الدواب يجب أن يكون إلها،ثمّ حبست النور في حبسها و الدولة لها،و أمّا ما ادعوا بأنّ العاقبة سوف تكون للنور،فدعوى،و ينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل،لأنّه أسير،و ليس له سلطان،فلا فعل له و لاتدبير،و إن كان له مع الظلمة تدبير،فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز،فان لم يكن كذلك و كان أسير الظلمة،فانه يظهر في هذا العالم إحسان و خيرمع فساد و شر،فهذا يدل على أنّ الظلمة تحسن الخير و تفعله،كما تحسن الشّر و تفعله،فإن قالوا محال ذلك فلا نور يثبت و لا ظلمة،و بطلت دعواهم(1)،و رجع الأمر إلى أنّ اللّه واحد و ما سواه باطل،فهذه مقالةماني الزنديق و أصحابه(2).
و أمّا من قال:النّور و الظلمة بينهما(3)حكم،فلا بدّ من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم،لأنّه لا يحتاج إلى الحاكم إلاّ مغلوب أو جاهل أومظلوم،و هذه مقالة المانوية(4)و الحكاية عنهم تطول...
ص: 235
قال:فما قصة ماني؟
قال:متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية،فأخطأالملتين و لم يصب مذهبا واحدا منهما،و زعم أنّ العالم دبّر من إلهين،نورو ظلمة،و أنّ النور في حصار من الظلمة على ما حكينا عنه،فكذبته النصارى،و قبلته المجوس.
قال:فأخبرني عن المجوس أبعث اللّه إليهم نبيّا؟فإنّي أجد لهم كتبا محكمة و مواعظ بليغة،و أمثالا شافية،يقرّون بالثواب و العقاب،و لهم شرايع يعملون بها.
قال عليه السّلام:ما من أمّة إلاّ خلا فيها نذير،و قد بعث إليهم نبي بكتاب من عند اللّه،فأنكروه و جحدوا كتابه.
قال:و من هو فان النّاس يزعمون أنّه خالد بن سنان؟
قال عليه السّلام:إنّ خالدا كان عربيا بدويا،ما كان نبيا،و إنّما ذلك شي ء يقوله النّاس.
قال:أفزردشت؟
قال:إنّ زردشت أتاهم بزمزمة،و ادّعى النبوّة،فآمن منهم قوم و جحده قوم،فأخرجوه فأكلته السّباع في برية من الأرض.
قال:فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلى الصّواب في دهرهم(1)،أم العرب؟م.
ص: 236
قال:العرب في الجاهلية،كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس و ذلك أنّ المجوس كفرت بكل الأنبياء و جحدت كتبهم،و أنكرت براهينهم و لم تأخذ بشي ء من سننهم و آثارهم(1)،و إنّ كيخسروملك المجوس في الدهر الأول قتل ثلاثمائة نبي؛و كانت المجوس لاتغتسل من الجنابة،و العرب كانت تغتسل و الإغتسال من خالص شرايع الحنيفية؛و كانت المجوس لا تختتن و العرب تختتن و هو من سنن الأنبياء،و أنّ أوّل من فعل ذلك إبراهيم خليل اللّه؛و كانت المجوس لاتغسل موتاها و لا تكفنها،و كانت العرب تفعل ذلك؛و كانت المجوس ترمي موتاها في الصّحارى و النواويس و العرب تواريها في قبورهاو تلحدها(2)،و كذلك السّنة على الرسل،إنّ أول من حفر له قبر آدم أبوالبشر،و ألحد له لحد؛و كانت المجوس تأتي الأمّهات و تنكح البنات و الاخوات،و حرمت ذلك العرب؛و أنكرت المجوس بيت اللّه و سمّته بيت الشّيطان،و العرب كانت تحجّه و تعظمه،و تقول:بيت ربنا،و تقرّبالتوراة و الإنجيل،و تسأل أهل الكتاب و تأخذ عنهم،و كانت العرب في كل الأسباب أقرب إلى الدين الحنيفي(3)من المجوس.
قال:فانّهم احتجوا باتيان الأخوات أنّها سنة من آدم.ة.
ص: 237
قال:فما حجّتهم في إتيان البنات و الأمّهات و قد حرّم ذلك آدم،و كذلك نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و سائر الأنبياء،و كل ما جاء عن اللّه عزّ و جلّ.
قال:فلم حرّم اللّه الخمر و لا لذّة أفضل منها؟
قال:حرّمها لأنّها أمّ الخبائث،و رأس كلّ شر،يأتي على شاربهاساعة يسلب لبه،و لا يعرف ربه،و لا يترك معصية إلاّ ركبها و لا حرمة إلاّانتهكها و لا رحما ماسة(1)إلاّ قطعها،و لا فاحشة إلاّ أتاها،و السكران زمامه بيد الشّيطان،إن أمره أن يسجد للأوثان سجد،و ينقاد حيث ما قاده.
قال:فلم حرّم الدم المسفوح؟
قال:لأنّه يورث القساوة،و يسلب الفؤاد رحمته،و يعفن البدن و يغيّراللّون و أكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من أكل الدم.
قال:فأكل الغدد؟قال:يورث الجذام.
قال:فالميتة لم حرّمها؟قال:فرقا بينها و بين ما يذكّى و يذكر عليه اسم اللّه(2)،و الميتة قد جمد فيها الدم و تراجع إلى بدنها،فلحمها ثقيل غير مري ء لأنّها يؤكل لحمها بدمها.
قال:فالسّمك ميتة؟قال:إنّ السّمك ذكاته إخراجه حيّا من الماء،ثمّ يترك حتّى يموت من ذات نفسه،و ذلك أنّه ليس له دم،و كذلك الجراد.ه.
ص: 238
قال:فلم حرّم الزنا؟قال:لما فيه من الفساد و ذهاب المواريث و انقطاع الأنساب،لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها،و لا المولود يعلم من أبوه،و لا أرحام موصولة،و لا قرابة معروفة.
قال:فلم حرّم اللّواط؟قال:من أجل أنّه لو كان إتيان الغلام حلالالاستغنى الرجال عن النساء و كان فيه قطع النسل،و تعطيل الفروج،و كان في إجازة ذلك فساد كثير.
قال:فلم حرّم إتيان البهيمة؟
قال:كره أن يضيع الرجل ماءه و يأتي غير شكله(1)،و لو أباح ذلك لربط كل رجل أتانا(2)يركب ظهرها و يغشى فرجها،فيكون(3)في ذلك فساد كثير فأباح ظهورها،و حرّم عليهم فروجها،و خلق للرجال النّساءليأنسوا بهنّ و يسكنوا إليهنّ،و يكنّ موضع شهواتهم،و أمهات أولادهم.
قال:فما علّة الغسل من الجنابة،و إنّما أتى حلالا و ليس في الحلال تدنيس؟
قال عليه السّلام:إنّ الجنابة بمنزلة الحيض،و ذلك أنّ النطفة دم لم يستحكم و لا يكون الجماع إلاّ بحركة شديدة و شهوة غالبة،فإذا فرغ[الرجل](4)تنفس البدن و وجد الرّجل من نفسه رائحة كريهة،فوجب».
ص: 239
الغسل لذلك،و غسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن اللّه عليها عبيده ليختبرهم بها(1).
قال:أيّها الحكيم!فما تقول فيمن زعم أنّ هذا التدبير الذي يظهر في العالم تدبير النّجوم السّبعة؟
قال عليه السّلام:يحتاجون إلى دليل،أنّ هذا العالم الأكبر و العالم الأصغر من تدبير النّجوم التي تسبح في الفلك،و تدور حيث دارت متعبة لاتفتر،و سائرة لا تقف.
ثمّ قال:و إنّ لكل نجم منها موكل مدبّر،فهي بمنزلة العبيدالمأمورين المنهيين،فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال.
قال:فمن قال بالطبايع؟
قال:القدرية،فذلك قول من لم يملك البقاء،و لا صرف الحوادث و غيرته الأيام و الليالي،لا يرد الهرم،و لا يدفع الأجل،ما يدري ما يصنع به(2).
قال:فأخبرني عمّن زعم(3)أنّ الخلق لم يزل يتناسلون و يتوالدون و يذهب قرن و يجي ء قرن،تفنيهم(4)الأمراض و الأعراض و صنوف الآفات،و يخبرك الآخر عن الأول،و ينبئك الخلف عن السلف،و القرون..
ص: 240
عن القرون،أنّهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر و النبات،في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة النّاس،بصير بتأليف الكلام،و يصنّف كتابا قد حبره بفطنته،و حسنه بحكمته،قد جعله حاجزا بين النّاس،يأمرهم بالخير و يحثّهم عليه،و ينهاهم عن السوء و الفساد(1)و يزجرهم عنه،لئلا يتهارشوا(2)،و لا يقتل بعضهم بعضا؟
قال عليه السّلام:ويحك!إنّ من خرج من بطن أمّه أمس،و يرحل عن الدنيا غدا لا علم له بما كان قبله و لا ما يكون بعده،ثمّ إنّه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه أو خلقه غيره،أو لم يزل موجودا،فما ليس بشي ء لايقدر(3)أن يخلق شيئا و هو ليس بشي ء،و كذلك ما لم يكن فيكون شيئا،يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه.و لو كان الإنسان أزليّا لم تحدث فيه الحوادث،لأنّ الأزلي لا تغيّره الأيّام،و لا يأتي عليه الفناء،مع أنّا لم نجدبناءا من غير بان،و لا أثرا من غير مؤثر،و لا تأليفا من غير مؤلف،فمن زعم أنّ أباه خلقه،قيل:فمن خلق أباه؟و لو أنّ الأب هو الذي خلق ابنه لخلقه على شهوته،و صوره على محبّته و لملك حياته،و لجاز فيه حكمه،و لكنّه إن مرض فلم ينفعه،و إن مات فعجز عن ردّه،إنّ من استطاع أن يخلق خلقاو ينفخ فيه روحا حتّى يمشي على رجليه سويا،يقدر أن يدفع عنه الفساد...
ص: 241
قال:فما تقول في علم النّجوم؟
قال:هو علم قلّت منافعه،و كثرت مضراته،لأنّه لا يدفع به المقدورو لا يتّقى به المحذور،إن أخبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرّز من القضاء،و إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله،و إن حدث به سوء لم يمكنه صرفه،و المنجم يضاد اللّه في علمه،بزعمه أنّه يردّ قضاء اللّه عن خلقه.
قال:فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه؟
قال:بل الرسول أفضل.
قال:فما علّة الملائكة الموكّلين بعباده،يكتبون ما عليهم و لهم،و اللّه تعالى عالم السّر و ما هو أخفى؟
قال:استعبدهم بذلك و جعلهم شهودا على خلقه،ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة اللّه مواظبة،و عن معصيته أشد انقباضا،و كم من عبديهمّ بمعصية(1)فذكر مكانهما فارعوى(2)و كف،فيقول ربّي يراني،و حفظتي عليّ بذلك تشهد،و إنّ اللّه برأفته و لطفه أيضا و كّلهم بعباده،يذبّون عنهم مردة الشيطان و هوامّ الارض،و آفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن اللّه إلى أن يجي ء أمر اللّه عزّ و جلّ.
قال:فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب؟
قال:خلقهم للرحمة،و كان في علمه قبل خلقه إيّاهم،أنّ قوما منهمن.
ص: 242
يصيرون إلى عذابه بأعمالهم الردية و جحدهم به(1).
قال:يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بإنكاره[من خلقه](2)فبم يعذب من وحّده و عرفه؟
قال:يعذب المنكر لإلهيّته عذاب الأبد،و يعذّب المقرّ به عذاب عقوبة لمعصيته إيّاه فيما فرض عليه،ثمّ يخرج،و لا يظلم ربك أحدا.
قال:فبين الكفر و الإيمان منزلة؟قال عليه السّلام:لا.
قال:فما الإيمان و ما الكفر؟قال عليه السّلام:الإيمان:أن يصدّق اللّه فيما غاب عنه من عظمة اللّه،كتصديقه بما شاهد من ذلك و عاين،و الكفر:الجحود.
قال:فما الشرك و ما الشّك؟قال عليه السّلام:الشّرك هو أن يضمّ إلى الواحد الذي ليس كمثله شي ء آخر،و الشّك:ما لم يعتقد قلبه شيئا.
قال:أفيكون العالم جاهلا؟قال عليه السّلام:عالم بما يعلم،و جاهل بمايجهل.
قال:فما السّعادة و ما الشقاوة؟قال:السّعادة:سبب خير،تمسك به السّعيد فيجرّه إلى النّجاة،و الشّقاوة:سبب خذلان،تمسك به الشّقي فيجرّه إلى الهلكة،و كل بعلم اللّه.
قال:أخبرني عن السراج إذا انطفى أين يذهب نوره؟قال عليه».
ص: 243
السّلام:يذهب فلا يعود.
قال:فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات و فارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدا إذا انطفى؟
قال:لم تصب القياس،إنّ النّار في الأجسام كامنة،و الأجسام قائمةبأعيانها كالحجر و الحديد،فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت من بينهمانار،يقتبس منها سراج له ضوء،فالنّار ثابتة في أجسامها و الضوء ذاهب،و الرّوح:جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا،و ليس بمنزلة السراج الذي ذكرت.إنّ الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف،و ركب فيه ضروبامختلفة من عروق و عصب و أسنان و شعر و عظام و غير ذلك،و هو يحييه بعدموته،و يعيده بعد فنائه.
قال:فأين الرّوح؟قال:في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث.
قال:فمن صلب فأين روحه؟
قال:في كف الملك الذي قبضها حتّى يودعها الأرض.
قال:فأخبرني عن الرّوح أ غير الدم؟
قال:نعم،الرّوح على ما وصفت لك:مادتها من الدم،و من الدم رطوبة الجسم و صفاء اللّون و حسن الصّوت،و كثرة الضحك،فإذا جمدالدم فارق الروح البدن.
قال:فهل يوصف بخفّة و ثقل و وزن؟
قال:الروح بمنزلة الرّيح في الزق،إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها،
ص: 244
فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه،و لا ينقصها خروجها منه،كذلك الروح ليس لها ثقل و لا وزن.
قال:فأخبرني ما جوهر الرّيح؟
قال:الرّيح هواء إذا تحرّك يسمّى ريحا،فإذا سكن يسمّى هواء،و به قوام الدنيا،و لو كفّت الرّيح ثلاثة أيّام لفسد كلّ شي ء على وجه الأرض و نتن،و ذلك أنّ الرّيح بمنزلة المروحة،تذبّ و تدفع الفساد عن كلّ شي ءو تطيّبه،فهي بمنزلة الرّوح إذا خرج عن البدن نتن البدن و تغيّر،تبارك اللّه أحسن الخالقين.
قال:أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟
قال:بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور،فعند ذلك تبطل الأشياءو تفنى،فلا حس و لا محسوس،ثمّ أعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها،و ذلك أربعمائة سنة يسبت(1)فيها الخلق و ذلك بين النفختين.
قال:و أنّى له بالبعث و البدن قد بلي،و الأعضاء قد تفرّقت،فعضوببلدة يأكلها سباعها،و عضو بأخرى تمزّقه هوامها،و عضو قد صار ترابابني به مع الطين حائط!!(2)
قال عليه السّلام:إنّ الذي أنشأه من غير شي ء،و صوّره على غير مثال كان سبق إليه،قادر أن يعيده كما بدأه.قال:أوضح لي ذلك!ط.
ص: 245
قال:إنّ الروح مقيمة في مكانها،روح المحسن في ضياء و فسحة،و روح المسي ء في ضيق و ظلمة،و البدن يصير ترابا كما منه خلق،و ماتقذف به السّباع و الهوام من أجوافها ممّا أكلته و مزّقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض،و يعلم عدد الأشياء و وزنها،و إنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التّراب،فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور،فتربو الأرض ثمّ تمخضوا مخض(1)السقاء،فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء،و الزبد من اللبن إذا مخض،فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه،فينتقل بإذن اللّه القادر إلى حيث الرّوح،فتعود الصور بإذن المصوّركهيئتها،و تلج الرّوح فيها،فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا.
قال:فأخبرني عن النّاس يحشرون يوم القيامة عراة؟قال عليه السّلام:بل يحشرون في أكفانهم.
قال:أنّى لهم بالأكفان و قد بليت؟!قال عليه السّلام:إنّ الذي أحياأبدانهم جدّد أكفانهم.
قال:فمن مات بلا كفن؟قال عليه السّلام:يستر اللّه عورته بما يشاء من عنده.
قال:أفيعرضون صفوفا؟قال عليه السّلام:نعم،هم يؤمئذ عشرون و مائةألف صف في عرض الأرض.3.
ص: 246
قال:أو ليس توزن الأعمال؟
قال عليه السّلام:لا،إنّ الأعمال ليست بأجسام،و إنّما هي صفة ماعملوا،و إنّما يحتاج إلى وزن الشّي ء من جهل عدد الأشياء،و لا يعرف ثقلها و خفّتها،و إنّ اللّه لا يخفى عليه شي ء.
قال:فما معنى الميزان؟قال عليه السّلام:العدل.
قال:فما معناه في كتابه:«فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوََازِينُهُ»؟(1)
قال عليه السّلام:فمن رجح عمله.
قال:فأخبرني أو ليس في النّار مقنع(2)أن يعذب خلقه بها دون الحيّات و العقارب؟
قال عليه السّلام:إنّما يعذب بها قوما زعموا أنّها ليست من خلقه،إنّماشريكه الذي يخلقه،فيسلّط اللّه عليهم العقارب و الحيات في النّار ليذيقهم بها وبال ما كذبوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه.
قال:فمن أين قالوا:إنّ أهل الجنّة يأتي الرجل منهم إلى ثمرةيتناولها فإذا أكلها عادت كهيئتها؟
قال عليه السّلام:نعم،ذلك على قياس السراج يأتي القابس فيقتبس منه،فلا ينقص من ضوئه شي ء،و قد امتلت الدنيا منه سراجا.
قال:أليسوا يأكلون و يشربون،و تزعم أنّه لا يكون لهم الحاجة؟..
ص: 247
قال عليه السّلام:بلى،لأنّ(1)غذاءهم رقيق لا ثقل له،بل يخرج من أجسادهم بالعرق.
قال:فكيف تكون الحوراء في جميع ما أتاها زوجها عذراء؟
قال عليه السّلام:لأنّها خلقت من الطّيب لا تعتريها عاهة،و لا تخالطجسمها آفة و لا يجري في ثقبها شي ء،و لا يدنّسها حيض،فالرحم ملتزقة[ملدم](2)،إذ ليس فيه لسوى الإحليل مجرى.
قال:فهي تلبس سبعين حلّة،و يرى زوجها مخ ساقيها(3)من وراءحللها و بدنها؟
قال عليه السّلام:نعم،كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قدر رمح(4).
قال:فكيف تنعم أهل الجنّة بما فيها من النعيم،و ما منهم أحد إلاّو قد إفتقد(5)ابنه أو أباه أو حميمه أو أمّه،فإذا افتقدوهم في الجنّة لم يشكّوا في مصيرهم إلى النّار،فما يصنع بالنعيم من يعلم أنّ حميمه في..
ص: 248
النّار يعذّب؟
قال عليه السّلام:إنّ أهل العلم قالوا:إنّهم ينسون ذكرهم.و قال بعضهم:انتظروا قدومهم،و رجوا أن يكونوا بين الجنّة و النّار في أصحاب الأعراف.
قال:فأخبرني عن الشّمس أين تغيب؟
قال عليه السّلام:إنّ بعض العلماء قال:إذا انحدرت أسفل القبّة دار بهاالفلك إلى بطن السّماء صاعدة أبدا،إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها يعني:أنّها تغيب في عين حامئة ثمّ تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها،فتحير تحت العرش حتّى يؤذن لها بالطّلوع،و يسلب نورها كل يوم،و تجلل نورا آخر.
قال:فالكرسي أكبر أم العرش؟
قال عليه السّلام:كلّ شي ء خلقه اللّه في جوف الكرسي،ما خلا عرشه فانّه أعظم من أن يحيط به الكرسي.
قال:فخلق النّهار قبل اللّيل؟
قال عليه السّلام:نعم،خلق النّهار قبل اللّيل،و الشّمس قبل القمر،و الأرض قبل السّماء،و وضع الأرض على الحوت،و الحوت في الماء،و الماء في صخرة(1)مجوفة،و الصخرة على عاتق ملك،و الملك على الثرى،و الثرى على الرّيح العقيم،و الرّيح على الهواء،و الهواء تمسكهة.
ص: 249
القدرة،و ليس تحت الرّيح العقيم إلاّ الهواء و الظلمات،و لا وراء ذلك سعةو لا ضيق،و لا شي ء يتوهم،ثم خلق الكرسي فحشاه السّماوات و الأرض و الكرسي أكبر من كلّ شي ء خلقه اللّه(1)،ثمّ خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي(2).
و عن أبان بن تغلب أنّه قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام،إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن،فسلّم عليه فردّه أبو عبد اللّه عليه السّلام،فقال له:مرحبا يا سعد!فقال له الرجل:بهذا الاسم سمّتني أمّي،و ما أقلّ من يعرفني به،فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت يا سعد المولى!فقال
ص: 250
الرجل:جعلت فداك!بهذا[اللّقب](1)كنت ألقّب.فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:لا خير في اللقب،إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول في كتابه:«وَ لاََتَنََابَزُوا بِالْأَلْقََابِ بِئْسَ اَلاِسْمُ اَلْفُسُوقُ بَعْدَ اَلْإِيمََانِ»(2).
ما صناعتك يا سعد؟فقال:جعلت فداك!إنّا أهل بيت ننظر في النّجوم،لا يقال إنّ باليمن أحدا أعلم بالنّجوم منّا.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فكم يزيد ضوء الشّمس على ضوء القمردرجة؟فقال اليماني:لا أدري.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت.قال:فكم ضوء القمر يزيد على ضوء المشتري درجة؟قال اليماني:لا أدري!قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت!
قال:فكم يزيد ضوء المشتري على ضوء عطارد درجة؟قال اليماني:لا أدري!فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت!
قال:فكم ضوء عطارد يزيد درجة على الزهرة؟قال اليماني:لاأدري!قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت!
قال:فما اسم النّجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟فقال اليماني:لاأدري!فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت!
قال:فما اسم النّجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟فقال اليماني:لا1.
ص: 251
أدري!فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت!
قال:فما اسم النّجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟فقال اليماني:لاأدري!
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:صدقت في قولك لا أدري!فما زحل عندكم في النّجوم؟
فقال اليماني:نجم نحس.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لا تقل هذا فانّه نجم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و هو نجم الأوصياء عليهم السّلام،و هو النّجم الثاقب الذي قال اللّه تعالى في كتابه(1).
فقال له اليماني:فما معنى الثاقب؟
فقال:إنّ مطلعه في السّماء السابعة،فانّه ثقب بضوئه حتّى أضاء في السّماء الدنيا،فمن ثمّ سمّاه اللّه النّجم الثاقب.
ثمّ قال:يا أخا العرب!أعندكم عالم؟فقال اليماني:نعم جعلت فداك!إنّ باليمن قوما ليسوا كأحد النّاس في علمهم.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:و ما يبلغ من علم عالمهم؟فقال اليماني:إنّ عالمهم ليزجر الطير،و يقفو الأثر في ساعة واحدة مسيرة شهر للراكب المحث(2).4.
ص: 252
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فإنّ عالم المدينة أعلم من عالم اليمن.قال اليماني:و ما يبلغ من علم عالم المدينة؟
قال:إنّ علم عالم المدينة ينتهي إلى أن لا يقفو الأثر،و لا يزجرالطير(1)و يعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشّمس،تقطع اثني عشربرجا،و اثني عشر برا،و اثني عشر بحرا،و اثني عشر عالما.
فقال له اليماني:ما ظننت أنّ أحدا يعلم هذا،و ما يدري ما كنهه!
قال:ثمّ قام اليماني فخرج(2).
و عن سعيد بن أبي الخضيب قال:دخلت أنا و ابن أبي ليلى المدينة،فبينا نحن في مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذ دخل جعفر بن محمّد عليهماالسّلام،فقمنا إليه فسألني عن نفسي و أهلي ثمّ قال:من هذا معك؟
فقلت:ابن أبي ليلى قاضي المسلمين!فقال:نعم.ثمّ قال له:
ص: 253
أتاخذ مال هذا فتعطيه هذا،و تفرّق بين المرء و زوجه،و لا تخاف في هذا أحدا؟قال:نعم.
قال:فبأي شي ء تقضي؟
قال:بما بلغني عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و عن أبي بكر،و عمر.
قال:فبلغك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«أقضاكم علي بعدي»؟قال:نعم.
قال:فكيف تقضي بغير قضاء عليّ عليه السّلام،و قد بلغك هذا؟
قال:فاصفر وجه ابن أبي ليلى ثمّ قال:التمس مثلا لنفسك،فو اللّه لاأكلمك من رأسي كلمة أبدا(1).
و عن الحسين بن زيد عن جعفر الصّادق عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه
ص: 254
عليه و آله و سلّم قال لفاطمة عليها السّلام:يا فاطمة!إنّ اللّه عزّ و جلّ يغضب لغضبك و يرضى لرضاك.
قال:فقال المحدّثون بها.قال:فأتاه ابن جريح فقال:يا أبا عبد اللّه!حدّثنا اليوم حديثا استهزأه النّاس(1).
قال:و ما هو؟
قال:حدّثت أنّ رسول اللّه قال لفاطمة:«إنّ اللّه ليغضب لغضبك،و يرضى لرضاك».
قال:فقال عليه السّلام:نعم،إنّ اللّه ليغضب فيما تروون لعبده المؤمن و يرضى لرضاه؟فقال:نعم.
قال عليه السّلام:فما تنكر أن تكون ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مؤمنة،يرضى اللّه لرضاها،و يغضب لغضبها.قال:صدقت!اللّه أعلم حيث يجعل رسالته(2).3.
ص: 255
و عن حفص بن غياث،قال:شهدت المسجد الحرام و ابن أبي العوجاء يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله تعالى:«كُلَّمََا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنََاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهََا لِيَذُوقُوا اَلْعَذََابَ»(1)ما ذنب الغير؟
قال عليه السّلام:ويحك هي هي و هي غيرها!
قال:فمثّل لي[فى](2)ذلك شيئا من أمر الدنيا!قال:نعم،أ رأيت لوأنّ رجلا أخذ لبنة فكسرها،ثمّ ردّها في ملبنها(3)،فهي هي و هي غيرها(4).
و روي أنّه سئل الصّادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ في قصة إبراهيم
ص: 256
عليه السّلام:«قََالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هََذََا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كََانُوا يَنْطِقُونَ»(1)قال:ما فعله كبيرهم و ما كذب إبراهيم عليه السّلام.قيل:و كيف ذلك؟
فقال:إنّما قال إبراهيم:فاسألوهم إن كانوا ينطقون.فان نطقوافكبيرهم فعل،و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا،فما نطقوا،و ماكذب إبراهيم عليه السّلام.
فسئل عن قوله تعالى في سورة يوسف:«أَيَّتُهَا اَلْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسََارِقُونَ»(2)؟
قال:إنّهم سرقوا يوسف من أبيه.ألا ترى أنّه قال لهم حين قالوا:«مََا ذََا تَفْقِدُونَ `قََالُوا نَفْقِدُ صُوََاعَ اَلْمَلِكِ»(3)،و لم يقل سرقتم صواع الملك.إنّما سرقوا يوسف من أبيه(4).
فسئل عن قول إبراهيم:«فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي اَلنُّجُومِ `فَقََالَ إِنِّي سَقِيمٌ»(5)،قال:ما كان إبراهيم سقيما،و ما كذب،إنّما عنى سقيما في دينه،أي:مرتادا(6).،-
ص: 257
و عن عبد المؤمن الأنصاري قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ قومارووا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«اختلاف أمّتي رحمة»؟فقال:صدقوا.
قلت:إن كان اختلافهم رحمة،فاجتماعهم عذاب؟
قال:ليس حيث تذهب و ذهبوا،إنّما أراد قول اللّه عزّ و جلّ:«فَلَوْ لاََنَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طََائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذََا رَجَعُواإِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»(1)أمرهم أن ينفروا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و يختلفوا إليه،و يتعلّموا،ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم،إنّما أراداختلافهم في البلدان لا اختلافا في دين اللّه،إنّما الدّين واحد(2).
ق-عن محمّد بن أحمد،عن أبي إسحاق:إبراهيم بن هاشم،عن صالح بن سعيد،عن رجل من أصحابنا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام...و نقله في بحار الأنوار 11/76 و 69/240.
ص: 258
و روي عنه صلوات اللّه عليه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:ما وجدتم في كتاب اللّه عزّ و جلّ فالعمل لكم به لا عذر لكم في تركه،و ما لم يكن في كتاب اللّه عزّ و جلّ و كانت في سنّة مني فلا عذر لكم في ترك سنّتي،و مالم يكن فيه سنّة مني فما قال أصحابي فقولوا،فإنّما مثل أصحابي فيكم كمثل النّجوم،بأيّها أخذ اهتدي و بأيّ أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم،و اختلاف أصحابي لكم رحمة.
قيل:يا رسول اللّه و من أصحابك؟قال:أهل بيتي.
قال محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي رضي اللّه عنه:إنّ أهل البيت لا يختلفون و لكن يفتون الشيعة بمرّ الحقّ،و ربما أفتوهم بالتقية فمايختلف من قولهم فهو للتقية،و التقية رحمة للشيعة(1).
و يؤيد تأويله رضي اللّه عنه أخبار كثيرة.
ص: 259
منها:ما رواه محمّد بن سنان،عن نصر الخثعمي قال سمعت أباعبد اللّه عليه السّلام يقول:من عرف من أمرنا أن لا نقول إلاّ حقّا،فليكتف بمايعلم منّا،فان سمع منّا خلاف ما يعلم،فليعلم أنّ ذلك منّا دفاع و اختيارله(1).
و عن عمر بن حنظلة،قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث،فتحاكما إلى السّلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك؟
قال عليه السّلام:من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فانّما تحاكم إلى الجبت و الطّاغوت المنهي عنه،و ما حكم له به فانّما يأخذ سحتا و إن كان حقّه ثابتا له لأنّه أخذه بحكم الطّاغوت،و من أمر اللّه عزّ و جلّ أن يكفر به،
ص: 260
قال اللّه عزّ و جلّ:«يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحََاكَمُوا إِلَى اَلطََّاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ»(1).
قلت:فكيف يصنعان و قد اختلفا؟
قال:ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا،و نظر في حلالناو حرامنا(2)و عرف أحكامنا،فليرضيا به حكما،فانّي قد جعلته عليكم حاكما،فإذا حكم بحكم و لم يقبله منه،فانّما بحكم اللّه استخف و عليناردّ،و الرّاد علينا كافر و راد على اللّه،و هو على حدّ من الشرك باللّه.
قلت:فان كان كل واحد منهما اختار رجلا من أصحابنا،فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما فاختلفا فيما حكما،فان الحكمين اختلفا في حديثكم؟
قال:إنّ الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما،و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.
قلت:فانّهما عدلان مرضيان،عرفا بذلك لا يفضل أحدهما على صاحبه؟(3)
قال:ينظر الآن إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما،المجمع عليه بين أصحابك،فيؤخذ به من حكمهما و يترك الشّاذ الذير.
ص: 261
ليس بمشهور عند أصحابك،فان المجمع عليه لا ريب فيه،و إنّما الأمورثلاثة:أمر بيّن رشده فيتّبع،و أمر بيّن غيه فيجتنب،و أمر مشكل يرد حكمه إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى رسوله،و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:حلال بيّن،و حرام بيّن،و شبهات تتردد بين ذلك،فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات،و من أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لايعلم.
قلت:فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقاة عنكم؟
قال:ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذبه،و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة.
قلت:جعلت فداك!أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة،ثمّ وجدنا أحد الخبرين يوافق العامة،و الآخر يخالف،بأيهمانأخذ من الخبرين؟
قال:ينظر إلى ما هم إليه يميلون،فان ما خالف العامة ففيه الرشاد.
قلت:جعلت فداك!فان وافقهم الخبران جميعا؟
قال:انظروا إلى ما تميل إليه حكامهم و قضاتهم،فاتركوا جانباو خذوا بغيره(1).
قلت:فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ر.
ص: 262
قال:إذا كان كذلك فارجه وقف عنده،حتّى تلقى إمامك،فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات،و اللّه تعالى هوالمرشد(1).
جاء هذا الخبر على سبيل التقدير،لأنّه قلّما يتّفق في الآثار أن يردخبران مختلفان في حكم من الأحكام،موافقين للكتاب و السنّة،و ذلك مثل الحكم في غسل الوجه و اليدين في الوضوء لأنّ الأخبار جاءت بغسلهما مرّة مرّة،و بغسلهما مرتين مرتين و ظاهر القرآن لا يقتضي خلاف ذلك،بل يحتمل كلتا الروايتين،و مثل ذلك يوجد(2)في أحكام الشرع.
و أمّا قوله عليه السّلام-للسائل-:«أرجه وقف عنده حتّى تلقى إمامك»أمره بذلك عند تمكّنه من الوصول إلى الإمام،فأما إذا كان غائبا و لا يتمكن من الوصول إليه،و الأصحاب كلّهم مجمعون على الخبرين،و لم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما على رواة الآخر بالكثرة و العدالة،كان الحكم بهما من باب التّخيير...
ص: 263
يدل على ما قلناه:ما روي عن الحسن بن الجهم،عن الرّضا عليه السّلام،قال:قلت للرّضا عليه السّلام:تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة.
قال:ما جاءك عنّا فقسه على كتاب اللّه عزّ و جلّ و أحاديثنا،فان كان يشبههما فهو منّا و إن لم يكن يشبههما فليس منّا.
قلت:يجيئنا الرجلان،و كلاهما ثقة،بحديثين مختلفين،فلا نعلم أيّهما الحقّ؟
فقال:إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت(1).
و ما رواه الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إذا سمعت من أصحابك الحديث و كلّهم ثقة،فموسّع عليك حتّى ترى القائم فتردّه إليه(2).
ص: 264
و روى سماعة بن مهران قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام قلت:يردعلينا حديثان،واحد يأمرنا بالأخذ به،و الآخر ينهانا عنه؟
قال:لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأله عنه.
قال:قلت:لا بدّ من أن نعمل(1)بأحدهما.
قال:خذ بما فيه خلاف العامة(2).
فقد أمر عليه السّلام بترك ما وافق العامة،لأنّه يحتمل أن يكون قد وردمورد التقية،و ما خالفهم لا يحتمل ذلك.
و روي عنهم عليهم السّلام أيضا أنّهم قالوا:إذا اختلف أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا،فانّه لا ريب فيه.و أمثال هذه الأخباركثيرة لا يحتمل ذكرها هاهنا،و ما أوردناه عارض ليس هنا(3)موضعه.
ص: 265
و عن بشير بن يحيى العامري،عن ابن أبي ليلى،قال:دخلت أناو النّعمان أبو حنيفة على جعفر بن محمّد عليهما السّلام فرحّب بنا و قال:
يابن أبي ليلى!من هذا الرجل؟
فقلت:جعلت فداك!من أهل الكوفة له رأي و بصيرة و نفاذ.
قال:فلعلّه الذي يقيس الأشياء برأيه؟ثمّ قال:يا نعمان!هل تحسن أن تقيس رأسك؟قال:لا.
قال:ما أراك تحسن أن تقيس شيئا فهل عرفت الملوحة في العينين،و المرارة في الأذنين،و البرودة في المنخرين،و العذوبة في الفم؟قال:لا.
قال:فهل عرفت كلمة أولها كفر و آخرها إيمان؟قال:لا.
قال ابن أبي ليلى:فقلت:جعلت فداك!لا تدعنا في عمياء ممّاوصفت.
قال:نعم،حدّثني أبي عن آبائه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:إنّ اللّه تعالى خلق عيني ابن آدم شحمتين فجعل فيهما الملوحة،فلولا ذلك لذابتا و لم يقع فيهما شي ء من القذى إلاّ أذابه،و الملوحة تلفظ مايقع في العينين من القذى،و جعل المرارة في الأذنين حجابا للدماغ،و ليس من دابة تقع في الأذن إلاّ التمست الخروج،و لو لا ذلك لوصلت إلى الدماغ فأفسدته،و جعل اللّه البرودة في المنخرين حجابا للدماغ و لو لا ذلك
ص: 266
لسال الدماغ،و جعل العذوبة في الفم منّا من اللّه تعالى على ابن آدم ليجدلذّة الطّعام و الشّراب.
و أمّا كلمة أولها كفر و آخرها إيمان فقول لا إله إلاّ اللّه.ثمّ قال:يانعمان!إيّاك و القياس،فان أبي حدّثني عن آبائه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:من قاس شيئا من الدّين برأيه قرنه اللّه تبارك و تعالى مع إبليس،فانّه أوّل من قاس حيث قال:خلقتني من نار و خلقته من طين،فدعوا الرأي(1)و القياس فان دين اللّه لم يوضع على القياس(2).
و في رواية أخرى أنّ الصّادق عليه السّلام قال لأبي حنيفة لما دخل عليه:من أنت؟قال:أبو حنيفة.
قال عليه السّلام:مفتي أهل العراق؟قال:نعم.
قال:بما تفتيهم؟قال:بكتاب اللّه.
ص: 267
قال عليه السّلام:و إنّك(1)لعالم بكتاب اللّه،ناسخه و منسوخه،و محكمه و متشابهه؟قال:نعم.
قال:فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ قَدَّرْنََا فِيهَا اَلسَّيْرَ سِيرُوافِيهََا لَيََالِيَ وَ أَيََّاماً آمِنِينَ»(2)،أيّ موضع هو؟
قال أبو حنيفة:هو ما بين مكّة و المدينة،فالتفت أبو عبد اللّه إلى جلسائه و قال:
نشدتكم باللّه هل تسيرون بين مكّة و المدينة و لا تأمنون على دمائكم من القتل،و على أموالكم من السرق؟
فقالوا:اللّهم نعم.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ويحك يا أبا حنيفة!إنّ اللّه لا يقول إلاّحقّا؛أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ مَنْ دَخَلَهُ كََانَ آمِناً»(3)،أيّ موضع هو؟قال:ذلك بيت اللّه الحرام،فالتفت أبو عبد اللّه عليه السّلام إلى جلسائه و قال لهم:نشدتكم باللّه هل تعلمون أنّ عبد اللّه بن الزّبير و سعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟
قالوا:اللّهم نعم.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ويحك يا أبا حنيفة!إنّ اللّه لا يقول إلاّحقّا.7.
ص: 268
فقال أبو حنيفة:ليس لي علم بكتاب اللّه،إنّما أنا صاحب قياس.
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فانظر في قياسك إن كنت مقيسا أيّما أعظم عند اللّه القتل أو الزنا؟
قال:بل القتل.
قال:فكيف رضى اللّه تعالى في القتل بشاهدين،و لم يرض في الزناإلاّ بأربعة؟ثمّ قال له:الصّلاة أفضل أم الصيام؟قال:بل الصّلاة أفضل.
قال عليه السّلام:فيجب على قياس قولك على الحايض قضاء ما فاتها من الصّلاة في حال حيضها دون الصيام،و قد أوجب اللّه تعالى عليها قضاءالصوم دون الصّلاة.
قال له عليه السّلام:البول أقذر أم المني؟
قال:البول أقذر.
قال عليه السّلام:يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني،و قد أوجب اللّه تعالى الغسل من المني دون البول.
قال:إنّما أنا صاحب رأي.
قال عليه السّلام:فما ترى في رجل كان له عبد فتزوّج و زوّج عبده في ليلة واحدة،فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة ثمّ سافرا و جعلا امرأتيهمافي بيت واحد فولدتا غلامين فسقط البيت عليهم،فقتل المرأتين و بقي الغلامان،أيّهما في رأيك المالك و أيّهما المملوك و أيّهما الوارث و أيّهماالموروث؟
قال:إنّما أنا صاحب حدود.
ص: 269
قال:فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح و اقطع قطع يد رجل،كيف يقام عليهما الحد.
قال:إنّما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء.
قال:فأخبرني عن قول اللّه تعالى لموسى و هارون حين بعثهما إلى فرعون:«لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ََ»(1)و لعلّ منك شك؟قال:نعم.
قال:و كذلك من اللّه شك إذ قال:«لعلّه»؟قال أبو حنيفة:لا علم لي.
قال عليه السّلام:تزعم أنّك تفتي بكتاب اللّه و لست ممّن ورثه،و تزعم أنّك صاحب قياس،و أول من قاس إبليس لعنه اللّه،و لم يبن دين الإسلام على القياس،و تزعم أنّك صاحب رأي و كان الرأي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صوابا،و من دونه خطأ،لأنّ اللّه تعالى قال:«فاحكم بينهم بما أراك اللّه»(2)و لم يقل ذلك لغيره،و تزعم أنّك صاحب حدود،و من أنزلت عليه أولى بعلمها منك،و تزعم أنّك عالم بمباعث الأنبياء،و لخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك،و لو لا أن يقال:دخل على ابن رسول اللّه فلم يسأله عن شي ء،ما سألتك عن شي ء،فقس إن كنت مقيسا.
قال أبو حنيفة:لا أتكلّم(3)بالرأي و القياس في دين اللّه بعد هذاالمجلس...
ص: 270
قال الإمام عليه السّلام:كلا،إنّ حب الرياسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك.تمام الخبر(1).
و عن عيسى بن عبد اللّه القرشي قال دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له:يا أبا حنيفة!قد بلغني أنّك تقيس!فقال:نعم.
فقال:لا تقس فانّ أوّل من قاس إبليس لعنه اللّه حين قال:«خَلَقْتَنِي مِنْ نََارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(2)فقاس ما بين النّار و الطين،و لو قاس نورية آدم بنورية النّار،عرف ما بين النورين(3)،و صفاء أحدهما على الآخر(4).
ص: 271
و عن الحسن بن محبوب،عن سماعة،قال:قال أبو حنيفة لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كم بين المشرق و المغرب؟
قال:مسيرة يوم للشّمس بل أقلّ من ذلك،قال:فاستعظمه.
فقال:يا عاجز!لم تنكر هذا إنّ الشّمس تطلع من المشرق،و تغرب في المغرب في أقل من يوم.تمام الخبر(1).
عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بمكّة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة،فيهم عمرو بن عبيد و واصل بن عطاءو حفص بن سالم،و أناس من رؤسائهم،و ذلك حين قتل الوليد،و اختلاف(2)أهل الشّام بينهم،فتكلّموا فأكثروا و خطبوا فأطالوا.
فقال لهم أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام:إنّكم قد أكثرتم عليّ و أطلتم فأسندوا أمركم إلى رجل منكم،فليتكلّم بحجّتكم و ليوجز.
ص: 272
فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد،فأبلغ و أطال،فكان فيما قال أن قال:
قتل أهل الشّام خليفتهم،و ضرب اللّه بعضهم ببعض،و تشتّت أمرهم،فنظرنا فوجدنا رجلا له دين و عقل و مروة،و معدن للخلافة،و هومحمّد بن عبد اللّه بن الحسن فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه ثمّ نظهر أمرنامعه،و ندعو النّاس إليه،فمن بايعه كنّا معه و كان منّا،و من اعتزلنا كففناعنه،و من نصب لنا جاهدناه و نصبنا له على بغيه و نرده إلى الحقّ و أهله،و قد أحببنا أن نعرض ذلك عليك،فانّه لا غنى بنا عن مثلك،لفضلك و كثرةشيعتك،فلمّا فرغ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أكلكم على مثل ما قال عمرو؟
قالوا:نعم،فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال:إنّما نسخط إذا عصي اللّه،فإذا اطيع اللّه رضينا،أخبرني يا عمرو!لو أن الأمّة قلّدتك أمرها فملكته بغير قتال و لا مؤونة،فقيل لك:«ولّها من شئت»من كنت تولّي؟
قال:كنت أجعلها شورى بين المسلمين.قال:بين كلّهم؟قال:نعم.
قال:بين فقهائهم و خيارهم؟قال:نعم.
قال:قريش و غيرهم؟قال:العرب و العجم؟قال:نعم.
قال:فأخبرني يا عمرو!أتتولّى أبا بكر و عمر أو تتبرّأ منهما؟قال:أتولاهما.
قال عليه السّلام:يا عمرو!إن كنت رجلا تتبرّأ منهما،فانّه يجوز لك
ص: 273
الخلاف عليهما و إن كنت تتولاهما فقد خالفتهما،قد عهد(1)عمر إلى أبي بكر فبايعه و لم يشاور أحدا،ثمّ ردّها أبو بكر عليه و لم يشاور أحدا،ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة.فأخرج منها الأنصار غير اولئك الستّة من قريش،ثمّ أوصى النّاس فيهم بشي ء ما أراك ترضى أنت و لا أصحابك.قال:و ما صنع؟
قال أمر صهيبا أن يصلّي بالنّاس ثلاثة أيام و أن يتشاور اولئك الستّةليس فيهم أحد سواهم إلاّ ابن عمر و يشاورونه(2)و ليس له من الأمر شي ء،و أوصى من بحضرته(3)من المهاجرين و الأنصار إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا و يبايعوا،أن يضرب أعناق الستّة جميعا،و إن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيام و خالف اثنان،أن يضرب أعناق الاثنين؛أفترضون بهذا فيما تجعلون من الشورى في المسلمين؟قالوا:لا.
قال عليه السّلام:يا عمرو!دع ذا،أ رأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو إليه،ثمّ اجتمعت لكم الأمّة و لم يختلف عليكم منها رجلان،فأفضيتم إلى المشركين الذين لم يسلموا و لم يؤدوا الجزية،كان عندكم و عند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيهم بسيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المشركين في الجزية؟(4)قالوا:نعم.ه.
ص: 274
قال:فتصنعون ما ذا؟قالوا:ندعوهم إلى الإسلام،فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية.
قال:و إن كانوا مجوسا و أهل كتاب؟قالوا:و إن كانوا مجوساو أهل كتاب،قال:و إن كانوا أهل الأوثان و عبدة النيران و البهائم و ليسوابأهل كتاب؟قالوا:سواء.
قال:فأخبرني عن القرآن أتقرؤه؟قال:نعم.
قال:اقرأ«قََاتِلُوا اَلَّذِينَ لاََ يُؤْمِنُونَ بِاللََّهِ وَ لاََ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ لاََيُحَرِّمُونَ مََا حَرَّمَ اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لاََ يَدِينُونَ دِينَ اَلْحَقِّ مِنَ اَلَّذِينَ أُوتُوااَلْكِتََابَ حَتََّى يُعْطُوا اَلْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صََاغِرُونَ»(1)قال:فاستثنى اللّه عزّ و جلّ و اشترط من الذين اوتوا الكتاب،فهم و الذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟قال:نعم.
قال عليه السّلام:عمّن أخذت هذا؟قال:سمعت النّاس يقولونه.
قال:فدع ذا،فانّهم إن أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت(2)عليهم.كيف تصنع بالغنيمة؟قال:اخرج الخمس و اقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليها.
قال:تقسمه بين جميع من قاتل عليها؟قال:نعم.
قال:فقد خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في فعله و في سيرته،..
ص: 275
و بيني و بينك فقهاء أهل المدينة و مشيختهم،فسلهم فانّهم لا يختلفون و لايتنازعون في أنّ رسول اللّه إنّما صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم و أن لا يهاجروا،على أنّه إن دهمه من عدوه دهم فيستفزهم فيقاتل بهم،و ليس لهم من الغنيمة نصيب،و أنت تقول بين جميعهم،فقد خالفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سيرته في المشركين.دع ذا ما تقول في الصدقة؟
قال:فقرأ عليه هذه الآية:«إِنَّمَا اَلصَّدَقََاتُ لِلْفُقَرََاءِ وَ اَلْمَسََاكِينِ وَ اَلْعََامِلِينَ عَلَيْهََا...»(1)الى آخرها،قال:نعم،فكيف تقسم بينهم؟
قال:اقسمها على ثمانية أجزاء،فأعطي كلّ جزء من الثمانية جزءا.
فقال عليه السّلام:إن كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف رجلا واحداأو رجلين أو ثلاثة،جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة آلاف؟قال:نعم.
قال:و ما تصنع بين صدقات أهل الحضر و أهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟قال:نعم.
قال:فخالفت رسول اللّه في كل ما أتى به في سيرته،كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي،و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر،و لا يقسم بينهم بالسوية و إنّما يقسمه على(2)قدر..
ص: 276
ما يحضره منهم،و على ما يرى،و على قدر ما يحضره.فان كان في نفسك شي ء ممّا قلت لك فإنّ فقهاء أهل المدينة و مشيختهم،كلّهم لا يختلفون في أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذا كان يصنع،ثمّ أقبل على عمرو و قال:
إتّق اللّه يا عمرو و أنتم أيّها الرّهط!فاتّقوا اللّه،فانّ أبي حدّثني-و كان خير أهل الأرض و أعلمهم بكتاب اللّه و سنّة رسوله-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«من ضرب النّاس بسيفه،و دعاهم إلى نفسه،و في المسلمين من هو أعلم منه،فهو ضال متكلف»(1).
و روي عن يونس بن يعقوب قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فوردعليه رجل من أهل الشّام فقال:إنّي رجل صاحب كلام و فقه و فرائض،و قدجئت لمناظرة أصحابك.
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:كلامك هذا من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو من عندك؟فقال:من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعضه
ص: 277
و من عندي بعضه.
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:فأنت إذا شريك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟!قال:لا.
قال:فسمعت الوحي عن اللّه تعالى؟قال:لا.
قال:فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قال:لا.
قال:فالتفت إليّ أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:يا يونس!هذا خصم نفسه قبل أن يتكلّم،ثمّ قال:يا يونس!لو كنت تحسن الكلام كلّمته.قال يونس:فيالها من حسرة.فقلت:جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام،و تقول:ويل لأصحاب الكلام،يقولون:هذا ينقاد و هذا لا ينقاد و هذاينساق و هذا لا ينساق و هذا نعقله و هذا لا نعقله!
فقال:أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّما قلت ويل لقوم تركوا قولي بالكلام،و ذهبوا إلى ما يريدون به.
ثمّ قال:اخرج إلى الباب،من ترى(1)من المتكلّمين فأدخله!
قال:فخرجت فوجدت حمران بن أعين و كان يحسن الكلام،و محمّد بن نعمان الأحول و كان متكلّما،و هشام بن سالم و قيس الماصرو كانا متكلّمين و كان قيس عندي أحسنهم كلاما،و كان قد تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين عليهما السّلام،فأدخلتهم عليه،فلمّا استقرّ بنا المجلس..
ص: 278
و كنّا في خيمة لأبي عبد اللّه عليه السّلام،في طرف جبل في طريق الحرم،و ذلك قبل الحجّ بأيّام،فأخرج أبو عبد اللّه رأسه من الخيمة فإذا هو ببعيريخب(1)فقال:هشام و رب الكعبة.
قال:و كنّا ظننا أنّ هشاما رجل من ولد عقيل،كان شديد المحبّةلأبي عبد اللّه عليه السّلام فإذا هشام بن الحكم قد ورد،و هو أول ما اختطت لحيته،و ليس فينا إلاّ من هو أكبر سنا منه،قال:فوسع له أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال:«ناصرنا بقلبه و لسانه و يده»ثمّ قال لحمران:كلّم الرجل-يعني:الشّامي.
فكلّمه حمران فظهر عليه ثمّ قال:يا طاقي كلّمه!فكلّمه فظهر عليه محمّد بن نعمان.ثمّ قال لهشام بن سالم:كلّمه!فتعارفا ثمّ قال لقيس الماصر:كلّمه[فكلّمه](2)فأقبل أبو عبد اللّه عليه السّلام يتبسم من كلامهماو قد استخذل الشّامي في يده ثمّ قال للشّامي:كلّم هذا الغلام!يعني:هشام ابن الحكم فقال:نعم.
ثمّ قال الشّامي لهشام:يا غلام!سلني في إمامة هذا-يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام-.
فغضب هشام حتّى ارتعد ثمّ قال له:أخبرني يا هذا!أربّك أنظري.
ص: 279
لخلقه،أم خلقه لأنفسهم؟(1)فقال الشّامي:بل ربي أنظر لخلقه!
قال:ففعل بنظره لهم في دينهم ما ذا؟قال:كلّفهم و أقام لهم حجّةو دليلا على ما كلّفهم به،و أزاح في ذلك عللهم.
فقال له هشام:فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟قال الشّامي:هورسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
قال هشام:فبعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من؟قال:الكتاب و السنّة.
فقال هشام:فهل نفعنا اليوم الكتاب و السنّة فيما اختلفنا فيه،حتّى رفع عنّا الاختلاف،و مكّننا من الاتفاق؟فقال الشّامي:نعم.
قال هشام:فلم اختلفنا نحن و أنت،جئتنا من الشّام تخالفنا،و تزعم أنّ الرأي طريق الدّين،و أنت مقرّ بأنّ الرأي لا يجمع على القول الواحدالمختلفين؟
فسكت الشّامي كالمفكّر.فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ما لك لا تتكلّم؟
قال:إن قلت:إنّا ما اختلفنا،كابرت،و إن قلت:إنّ الكتاب و السنّةيرفعان عنّا الاختلاف أبطلت،لأنّهما يحتملان الوجوه،و لكن لي عليه مثل ذلك.
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:سله تجده مليّا!فقال الشّامي لهشام:من أنظر للخلق،ربهم أم أنفسهم؟فقال:بل ربهم أنظر لهم.م.
ص: 280
فقال الشّامي:فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم و يرفع اختلافهم و يبيّن لهم حقّهم من باطلهم؟فقال هشام:نعم.
قال الشّامي:من هو؟قال هشام:أمّا في ابتداء الشريعة فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أمّا بعد النّبي فعترته.
قال الشّامي:من هو عترة النّبي(1)القائم مقامه في حجّته؟قال هشام:في وقتنا هذا أم قبله؟
قال الشّامي:بل في وقتنا هذا.قال هشام:هذا الجالس-يعني أباعبد اللّه عليه السّلام-الذي تشدّ إليه الرّحال و يخبرنا بأخبار السّماء وراثة عن أبيه عن جدّه.
قال الشّامي:و كيف لي بعلم ذلك؟فقال هشام:سله عمّا بدالك.
قال الشّامي:قطعت عذري،فعليّ السؤال.فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أنا أكفيك المسألة يا شامي،أخبرك عن مسيرك و سفرك،خرجت يوم كذا،و كان طريقك كذا،و مررت على كذا،و مرّ بك كذا،فأقبل الشّامي كلّماوصف له شيئا من أمره يقول:«صدقت و اللّه».
ثمّ قال الشّامي:أسلمت للّه السّاعة!
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام:بل آمنت باللّه السّاعة،إنّ الإسلام قبل الإيمان و عليه يتوارثون و يتناكحون،و الإيمان عليه يثابون.قال الشّامي:..
ص: 281
صدقت،فأنا السّاعة أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه،و أنّك وصي الأنبياء.
قال:فأقبل أبو عبد اللّه عليه السّلام على حمران فقال:يا حمران تجري الكلام على الأثر فتصيب،فالتفت إلى هشام بن سالم فقال:تريد الأثر و لاتعرف!ثمّ التفت إلى الأحوال فقال:قيّاس رواغ(1)،تكسر باطلا بباطل،إلاّ أنّ باطلك أظهر.
ثمّ التفت إلى قيس الماصر فقال:تتكلّم و أقرب ما تكون من الخبرعن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبعد ما تكون منه،تمزج الحقّ بالباطل،و قليل الحقّ يكفي من كثير الباطل؛أنت و الأحول قفازان(2)حاذقان.
قال يونس بن يعقوب:فظننت و اللّه أنّه يقول لهشام،قريبا ممّا قال لهما.فقال:يا هشام!لا تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت(3)،مثلك فليكلّم النّاس،اتّق الزّلة،و الشفاعة من ورائك(4).د-
ص: 282
و عن يونس بن يعقوب قال:كان عند أبي عبد اللّه عليه السّلام جماعة من أصحابه فيهم حمران بن أعين و مؤمن الطّاق و هشام بن سالم و الطّيارو جماعة من أصحابه،فيهم هشام بن الحكم و هو شاب فقال أبو عبد اللّه:ياهشام!قال:لبيك يا ابن رسول اللّه!
قال:ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد و كيف سألته؟قال هشام:جعلت فداك يا ابن رسول اللّه،إنّي اجلّك و استحييك،و لا يعمل لساني بين يديك.
فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إذا أمرتكم بشي ء فافعلوه!
قال هشام:بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجدالبصرة،فعظم(1)ذلك عليّ فخرجت إليه،و دخلت البصرة يوم الجمعةو أتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة،و إذا بعمرو بن عبيد عليه شملةسوداء مؤتزر بها من صوف و شملة مرتد بها،و النّاس يسألونه فاستفرجت النّاس فأفرجوا لي،ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتي ثمّ قلت:
ق-ص 278 مثله.و ابن شهر آشوب في المناقب 4/243،و انظر:اعلام الورى ص 280.و بحارالأنوار 23/9 و 47/157.
ص: 283
أيّها العالم!أنا رجل غريب،أتأذن لي فأسألك عن مسألة؟قال:سل!قلت له:ألك عين؟قال:يا بني أي شي ء هذا من السؤال،إذا كيف تسأل عنه؟فقلت:هذا مسألتي.فقال:يا بني!سل و إن كانت مسألتك حمقاء.قلت:أجبني فيها،قال:فقال لي:سل،قلت:ألك عين؟قال:نعم.
قال:قلت:فما تصنع بها؟قال:أرى بها الألوان و الأشخاص.
قال:قلت:ألك أنف؟قال:نعم.قال:قلت:فما تصنع به؟قال:أشمّ به الرائحة.
قال:قلت:ألك لسان؟قال:نعم.قلت:فما تصنع به؟قال:أتكلم به.
قال:قلت:ألك أذن؟قال:نعم.قلت:فما تصنع بها؟قال:أسمع بها الأصوات.
قال:قلت:ألك يدان؟قال:نعم.قلت:فما تصنع بهما؟قال:أبطش بهما،و أعرف بهما الليّن من الخشن.
قال:قلت:ألك رجلان؟قال:نعم.قال:قلت:فما تصنع بهما؟قال:انتقل بهما من مكان إلى مكان.
قال:قلت:ألك فم؟قال:نعم.قال:قلت:فما تصنع به؟قال:أعرف به المطاعم و المشارب على اختلافها.
قال:قلت:ألك قلب؟قال:نعم.
قال:قلت:فما تصنع به؟قال:أميز به كلّما ورد على هذه الجوارح.
قال:قلت:أ فليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟قال:لا.
قلت:و كيف ذاك و هي صحيحة سليمة؟
ص: 284
قال:يا بني!إنّ الجوارح إذا شكت في شي ء شمته أو رأته أو ذاقته،ردته إلى القلب،فتيقن لها اليقين(1)و أبطل الشّك.
قال:فقلت:فإنّما أقام اللّه عزّ و جلّ القلب لشك الجوارح؟قال:نعم.
قلت:لابدّ من القلب و إلاّ لم تستيقن الجوارح؟قال:نعم.
قلت:يا أبا مروان!إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يترك جوارحكم حتّى جعل لها إماما،يصحح لها الصحيح و ينفي ما شكت فيه،و يترك هذاالخلق كلّه في حيرتهم و شكّهم و اختلافهم،لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكّهم و حيرتهم و يقيم لك إماما لجوارحك،ترد إليه حيرتك و شكّك؟!
قال:فسكت و لم يقل لي شيئا.قال:ثمّ التفت إليّ.فقال لي:أنت هشام بن الحكم؟فقلت:لا.فقال لي:أجالسته؟فقلت:لا.
قال:فمن أين أنت؟قلت:من أهل الكوفة.
قال:فأنت إذا هو.ثمّ ضمّني إليه و أقعدني في مجلسه و ما نطق حتّى قمت،فضحك أبو عبد اللّه عليه السّلام،ثمّ قال:يا هشام!من علّمك هذا؟
قلت:يابن رسول اللّه!جرى على لساني.قال:يا هشام!هذا و اللّه مكتوب في صحف إبراهيم و موسى(2).6.
ص: 285
و بالإسناد المقدّم ذكره،عن الصّادق عليه السّلام أنّه قال:قوله عزّ و جلّ:«اِهْدِنَا اَلصِّرََاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ»(1)يقول:أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك و المبلّغ إلى جنتك من أن نتبع أهواءنا فنعطب،أو نأخذ بآرائنافنهلك،فإنّ من اتّبع هواه و اعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء النّاس تعظمه و تصفه،فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره و محله،فرأيته في موضع قد أحدق به جماعة من غثاء العامة فوقفت منتبذا عنهم متغشيا بلثام أنظر إليه و إليهم،فما زال يراوغهم حتّى خالف طريقهم و فارقهم،و لم يقرّ.فتفرّقت العوام عنه لحوائجهم(2).
و تبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مرّ بخبّاز فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة،فتعجبت منه ثمّ قلت في نفسي:لعلّه معامله،ثمّ مرّ بعده بصاحب رمان فما زال به حتّى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة فتعجبت منه،ثمّ قلت في نفسي:لعلّه معامله ثمّ أقول و ما حاجته إذا إلى المسارقة،ثمّ لم أزل أتبعه حتّى مرّ بمريض،فوضع الرغيفين و الرمانتين بين يديه،و مضى
ص: 286
و تبعته حتّى استقر في بقعة من صحراء،فقلت له:
يا عبد اللّه!لقد سمعت بك و أحببت لقاءك،فلقيتك لكنّي رأيت منك ما شغل قلبي،و إنّي سائلك عنه ليزول به شغل قلبي.قال:ما هو؟
قلت:رأيتك مررت بخباز و سرقت منه رغيفين،ثمّ بصاحب الرمان فسرقت منه رمانتين.فقال لي:قبل كل شي ء حدّثني من أنت؟قلت:رجل من ولد آدم من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.قال:حدّثني ممّن أنت؟قلت:رجل من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.قال:أين بلدك؟قلت:المدينة.
قال:لعلّك جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام؟قلت:بلى.
قال لي:فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به وتركك علم جدك و أبيك،لئلاّ تنكر ما يجب أن يحمد و يمدح فاعله.
قلت:و ما هو؟قال:القرآن كتاب اللّه.قلت:و ما الذي جهلت؟
قال:قول اللّه عزّ و جلّ:«مَنْ جََاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثََالِهََا وَ مَنْ جََاءَبِالسَّيِّئَةِ فَلاََ يُجْزى ََ إِلاََّ مِثْلَهََا»(1)و إنّي لمّا سرقت الرغيفين كانت سيئتين،و لمّا سرقت الرمانتين كانت سيئتين،فهذه أربع سيئات،فلمّا تصدّقت بكل واحد منها كانت أربعين حسنة،فانقص من أربعين حسنة أربع سيئات،بقي لي ست و ثلاثون حسنة.0.
ص: 287
قلت:ثكلتك امك!أنت الجاهل بكتاب اللّه!أما سمعت قول اللّه عزّو جلّ:«إِنَّمََا يَتَقَبَّلُ اَللََّهُ مِنَ اَلْمُتَّقِينَ»(1)إنّك لمّا سرقت رغيفين كانت سيئتين،و لمّا سرقت الرمانتين كانت سيئتين،و لمّا دفعتهما إلى غيرصاحبهما بغير أمر صاحبهما كنت إنّما أضفت أربع سيئات إلى أربع سيئات،و لم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات،فجعل يلاحظني(2)فانصرفت و تركته(3).
و بالإسناد الذي تقدّم،عن أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليه السّلام أنّه قال:قال بعض المخالفين بحضرة الصّادق عليه السّلام لرجل من الشّيعة:ما تقول في العشرة من الصحابة؟
قال:أقول فيهم الخير الجميل الذي يحط اللّه به سيئاتي،و يرفع به درجاتي.
ص: 288
قال السّائل:الحمد للّه على ما أنقذني من بغضك،كنت أظنّك رافضيا تبغض الصحابة.فقال الرجل:ألا من أبغض واحدا من الصحابةفعليه لعنة اللّه.
قال:لعلّك تتأوّل ما تقول،قل فمن أبغض العشرة من الصحابة؟
فقال:من أبغض العشرة من الصحابة فعليه لعنة اللّه و الملائكةو النّاس أجمعين.فوثب[الرجل](1)فقبّل رأسه و قال:اجعلني في حلّ ممّاقذفتك به من الرفض قبل اليوم.
قال:أنت في حلّ و أنت أخي ثمّ انصرف السائل،فقال له الصّادق عليه السّلام:جودت للّه درك!لقد عجبت الملائكة من حسن توريتك و تلفظك بماخلصك و لم تثلم دينك،زاد اللّه في قلوب مخالفينا غمّا إلى غمّ و حجب عنهم مراد منتحلي مودّتنا في تقيّتهم.
فقال بعض أصحاب الصّادق عليه السّلام:يابن رسول اللّه!ما عقلنا من كلام هذا إلاّ موافقته لهذا المتعنّت الناصب.
فقال الصّادق عليه السّلام:لئن كنتم لم تفهموا ما عنى فقد فهمناه نحن،و قد شكره اللّه له،إنّ ولينا الموالي لأوليائنا المعادي لأعدائنا إذا ابتلاه اللّه بمن يمتحنه من مخالفيه،وفّقه لجواب يسلم معه دينه و عرضه،و يعظم اللّه بالتقية ثوابه.إنّ صاحبكم هذا قال:
من عاب واحدا منهم فعليه لعنة اللّه،أي:من عاب واحدا منهم،هو:ر.
ص: 289
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
و قال في الثانية:من عابهم أو شتمهم فعليه لعنة اللّه،و قد صدق لأنّ من عابهم فقد عاب عليّا عليه السّلام لأنّه أحدهم،فإذا لم يعب عليّا و لم يذمه فلم يعبهم جميعا و إنّما عاب بعضهم،و لقد كان لحزقيل المؤمن مع قوم فرعون الذين وشوا(1)به إلى فرعون مثل هذه التورية،كان حزقيل يدعوهم إلى توحيد اللّه و نبوّة موسى،و تفضيل محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على جميع رسل اللّه و خلقه،و تفضيل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و الخيار من الأئمة على سائر أوصياء النبيّين،و إلى البراءة من ربوبيّةفرعون،فوشى به واشون إلى فرعون و قالوا:إنّ حزقيل يدعو إلى مخالفتك،و يعين أعداءك على مضادتك.
فقال لهم فرعون:ابن عمّي و خليفتي على ملكي(2)و ولي عهدي،إن فعل ما قلتم(3)فقد استحق العذاب على كفره نعمتي،و إن كنتم عليه كاذبين فقد استحققتم أشد العذاب لايثاركم الدخول في مساءته.
فجاء بحزقيل و جاء بهم فكاشفوه و قالوا:أنت تجحد ربوبية فرعون الملك و تكفر نعماءه؟
فقال حزقيل:أيّها الملك!هل جربت عليّ كذبا قط.قال:لا...
ص: 290
قال:فسلهم من ربهم؟قالوا:فرعون.قال:و من خالقكم؟قالوا:فرعون هذا.
قال:و من رازقكم الكافل لمعايشكم،و الدافع عنكم مكارهكم؟قالوا:فرعون هذا.
قال حزقيل:أيّها الملك!فأشهدك و كل من حضرك:أنّ ربهم هوربي،و خالقهم هو خالقي،و رازقهم هو رازقي،و مصلح معايشهم هومصلح معايشي،لا ربّ لي و لا خالق و لا رازق غير ربهم و خالقهم و رازقهم.
و اشهدك و من حضرك:انّ كل ربّ و خالق و رازق سوى ربهم و خالقهم و رازقهم فأنا بري ء منه و من ربوبيته و كافر بإلهيته.
يقول حزقيل هذا و هو يعني:أنّ ربهم هو اللّه ربي و لم يقل إنّ الذي قالوا:هم أنّه ربهم هو ربي،و خفي هذا المعنى على فرعون و من حضره،[و توهم](1)و توهموا أنّه يقول:فرعون ربي و خالقي و رازقي.
فقال لهم:يا رجال السوء و يا طلاب الفساد في ملكي و مريدي الفتنةبيني و بين ابن عمّي و هو عضدي،أنتم المستحقون لعذابي،لإرادتكم فسادأمري و هلاك ابن عمّي(2)و الفتّ في عضدي(3)ثمّ أمر بالأوتاد فجعل في9.
ص: 291
ساق كل واحد منهم وتد و في صدره وتد،و أمر أصحاب أمشاط الحديدفشقوا بها لحومهم من أبدانهم،فذلك ما قال اللّه تعالى:«فَوَقََاهُ اَللََّهُ سَيِّئََاتِ مََا مَكَرُوا»لما وشوا به إلى فرعون ليهلكوه«وَ حََاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ اَلْعَذََابِ»(1)و هم الذين وشوا بحزقيل إليه لمّا أوتد فيهم الأوتاد،و مشط عن أبدانهم لحومها بالأمشاط(2).
و مثل هذه التورية قد كانت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في مواضع كثيرة.
فمن ذلك ما رواه معاوية بن وهب عن سعيد بن سمّان قال:كنت عندأبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه رجلان من الزيديّة(3)،فقالا له:أفيكم إمام
ص: 292
مفترض طاعته؟(1)قال:فقال:لا.
فقالا له:قد أخبرنا عنك الثقاة أنّك تقول به،و سمّوا قوما و قالوا:هم أصحاب ورع و تشمير(2)،و هم ممّن لا يكذب،فغضب أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال:ما أمرتهم بهذا،فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا.
فقال لي:أتعرف هذين؟قلت:هما من أهل سوقنا و هما من الزيديّة،و هما يزعمان أنّ سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عند عبد اللّه بن الحسن.
فقال:كذبا لعنهما اللّه،و اللّه ما رآه عبد اللّه بن الحسن بعينيه،و لابواحدة من عينيه.و لا رآه أبوه اللّهم إلاّ أن يكون رآه عند عليّ بن الحسين عليهما السّلام،فان كانا صادقين فما علامة في مقبضه؟و ما أثر في موضع مضربه؟
و إنّ عندي لسيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إنّ عندي لرايةرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و درعه و لامته(3)و مغفره فإن كانا صادقين فماعلامة من درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟و إنّ عندي لراية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المغلبة،و إنّ عندي ألواح موسى و عصاه،و إنّ عندي لخاتم سليمان بن داود،و إنّ عندي الطست الذي كان موسى يقرّب به القربان،و إنّ عندي الاسم الذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا وضعه بين0.
ص: 293
المسلمين و المشركين،لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة(1).
و إنّ عندي لمثل التابوت الذي جاءت به الملائكة،و مثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل،كانت بنو إسرائيل في أي أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اوتوا النبوّة،و من صار إليه السلاح منّا اوتى الإمامة،و لقد لبس أبي درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخطت على الأرض خطيطا،و لبستها أنّا و كانت تخط على الأرض-يعني:طويلة-مثل ما كانت على أبي،و قائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء اللّه تعالى(2).
و كان الصّادق عليه السّلام يقول:علمنا غابر و مزبور،و نكت في القلوب و نقر في الأسماع،و إنّ عندنا الجفر الأحمر و الجفر الأبيض و مصحف فاطمة عليها السّلام،و عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج إليه النّاس.
ص: 294
فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال:أمّا الغابر فالعلم بما يكون،و أمّاالمزبور فالعلم بما كان،و أمّا النكت في القلوب فهو الإلهام،و أمّا النقرفي الأسماع(1)فحديث الملائكة،نسمع كلامهم و لا نرى أشخاصهم،و أمّا الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لن يخرج حتّى يقوم قائمنا أهل البيت عليهم السّلام،و أمّا الجفر الأبيض فوعاء فيه توراةموسى،و إنجيل عيسى،و زبور داود،و كتب اللّه الأولى.
و أمّا مصحف فاطمة عليها السّلام ففيه ما يكون من حادث،و أسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة.
و أمّا الجامعة فهو كتاب طوله سبعون ذراعا،إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من فلق فيه(2)و خطّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بيده،فيه و اللّه جميع ما يحتاج النّاس إليه إلى يوم القيامة،حتّى أنّ فيه أرش الخدش،و الجلدة و نصف الجلدة(3).
و لقد كان زيد بن عليّ بن الحسين يطمع أن يوصي إليه أخوه الباقرعليه السّلام و يقيمه مقامه في الخلافة بعده،مثل ما كان يطمع في ذلك محمّد8.
ص: 295
ابن الحنفيّة بعد وفاة أخيه الحسين صلوات اللّه عليه،حتّى رأى من ابن أخيه زين العابدين عليه السّلام من المعجزة الدالة على إمامته ما رأى،و قد تقدّم ذكره في هذا الكتاب(1)،فكذلك زيد رجا أن يكون قائما مقام أخيه الباقر صلوات اللّه عليه،حتّى سمع ما سمع من أخيه و رأى ما رأى من ابن أخيه أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام.
فمن ذلك:ما رواه صدقة بن أبي موسى،عن أبي بصير قال:لمّا حضرأبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام الوفاة،دعا بابنه الصّادق عليه السّلام ليعهد إليه عهدا،فقال له أخوه زيد بن علي:
لمّا امتثلت فيّ مثال الحسن و الحسين عليهما السّلام رجوت أن لا تكون أتيت منكرا.
فقال له الباقر عليه السّلام:يا أبا الحسن!إنّ الأمانات ليست بالمثال،و لا العهود بالرسوم،و إنّما هي أمور سابقة عن حجج اللّه تبارك و تعالى،ثمّ دعا بجابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال:يا جابر!حدّثنا بما عاينت من الصحيفة؟
فقال له جابر:نعم يا أبا جعفر،دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول
ص: 296
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لاهنيها بولادة الحسين عليه السّلام(1)،فإذا بيدهاصحيفة بيضاء من درّة،فقلت:يا سيدة النسوان!ما هذه الصحيفة التي أراهامعك؟قالت:فيها أسماء الأئمة من ولدي.
قلت لها:ناوليني لأنظر فيها!قالت:يا جابر!لولا النهي لكنت أفعل،و لكنّه قد نهي أن يمسها إلاّ نبي أو وصي نبي،أو أهل بيت نبي،و لكنّه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.
قال جابر:فقرأت فإذا فيها:
أبو القاسم محمّد بن عبد اللّه المصطفى[بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف](2)أمّه آمنة.
أبو الحسن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام المرتضى،أمّه فاطمة بنت أسدابن هاشم بن عبد مناف.
أبو محمّد الحسن بن عليّ البر التقي.
أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ،أمهما فاطمة بنت محمّد.
أبو محمّد عليّ بن الحسين العدل،أمه شهر بانويه بنت يزدجرد بن شهريار(3).).
ص: 297
أبو جعفر محمّد بن علي الباقر،أمّه«أم عبد اللّه»بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب.
أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق،أمّه«أمّ فروة»بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر.
أبو ابراهيم موسى بن جعفر الثّقة،أمّه جارية اسمها«حميدة»المصفاة.
أبو الحسن عليّ بن موسى الرّضا،أمّه جارية اسمها:«نجمة».
أبو جعفر محمّد بن عليّ الزكي،أمّه جارية اسمها:«خيزران».
أبو الحسن عليّ بن محمّد الأمين،أمّه جارية اسمها:«سوسن».
أبو محمّد الحسن بن عليّ الرّضي(1)،أمّه جارية اسمها:«سمانة»تكنّى أم الحسن.
أبو القاسم محمّد بن الحسن و هو حجّة اللّه القائم،أمّه جارية اسمها:«نرجس»صلوات اللّه عليهم أجمعين(2).3.
ص: 298
و عن زرارة بن أعين قال:قال لي زيد بن عليّ و أنا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام:يا فتى!ما تقول في رجل من آل محمّد استنصرك؟
قال:قلت:إن كان مفروض الطّاعة نصرته،و إن كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل و لي أن لا أفعل.
فلمّا خرج قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أخذته و اللّه من بين يديه و من خلفه و ما تركت له مخرجا(1).
و قيل للصّادق عليه السّلام:ما يزال يخرج رجل منكم أهل البيت فيقتل و يقتل معه بشر كثير فأطرق طويلا ثمّ قال:انّ فيهم الكذابين و في غيرهم المكذبين(2).
ص: 299
و روي عنه صلوات اللّه عليه أنّه قال:ليس منّا أحد إلاّ و له عدو من أهل بيته.فقيل له:بنو الحسن لا يعرفون لمن الحقّ؟
و بهذا الإسناد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:لو توفي الحسن ابن الحسن على الزنا و الربا و شرب الخمر،كان خيرا له ممّا توفي عليه(1).
و عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذه الآية:«ثُمَ أَوْرَثْنَا اَلْكِتََابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنََا مِنْ عِبََادِنََا»(2)قال:أي شي ء تقول؟قلت:إنّي أقول إنّها خاصة لولد فاطمة.
فقال عليه السّلام:أمّا من سل سيفه(3)و دعا النّاس إلى نفسه إلى الضلال من ولد فاطمة و غيرهم فليس بداخل في هذه الآية.
قلت:من يدخل فيها؟قال:الظالم لنفسه الذي لا يدعو النّاس إلى ضلال و لا هدى،و المقتصد منّا أهل البيت:هو العارف حقّ الإمام،و السابق بالخيرات:هو الإمام(4).
ص: 301
عن محمّد بن أبي عمير الكوفي عن عبد اللّه بن الوليد السمّان قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ما يقول النّاس في أولي العزم و صاحبكم أميرالمؤمنين عليه السّلام؟قال:قلت:ما يقدّمون على أولي العزم أحدا.
قال:فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّ اللّه تبارك و تعالى قال لموسى عليه السّلام:«وَ كَتَبْنََا لَهُ فِي اَلْأَلْوََاحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْعِظَةً»(1)و لم يقل كل شي ءموعظة.و قال لعيسى عليه السّلام:«وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ اَلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ»(2)و لم يقل كل شي ء.و قال لصاحبكم أمير المؤمنين عليه السّلام:«قُلْ كَفى ََ بِاللََّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلْكِتََابِ»(3)و قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ لاََرَطْبٍ وَ لاََ يََابِسٍ إِلاََّ فِي كِتََابٍ مُبِينٍ»(4)،و قال:«وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنََاهُ فِي إِمََامٍ مُبِينٍ»(5)،و علم هذا الكتاب عنده(6).
ق-في بحار الأنوار 23/215 و 46/180.
ص: 302
و عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال:سمعت الصّادق عليه السّلام يقول:إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها،يرتاب فيها كل مبطل،قلت له:و لم،جعلت فداك؟
قال:لأمر لا يؤذن لي في كشفه لكم.قلت:فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال:وجه الحكمة في غيبته،وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج اللّه تعالى ذكره،إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعدظهوره،كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السّلام من خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار لموسى عليه السّلام إلى وقت افتراقهما.
يابن الفضل!إنّ هذا الأمر أمر من اللّه(1)و سرّ من سرّ اللّه و غيب من غيب اللّه،و متى علمنا أنّه عزّ و جلّ حكيم صدقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة،و إن كان وجهها غير منكشف(2).
ق-ابن عمر،عن عبد اللّه بن الوليد.
و نقله في بحار الأنوار 35/429 و 433.
ص: 303
و عن عليّ بن الحكم،عن أبان قال:أخبرني الأحول أبو جعفر محمّدابن النّعمان الملقب بمؤمن الطّاق أنّ زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السّلام بعث إليه و هو مختف قال:فأتيته فقال لي:يا أبا جعفر!ما تقول إن طرقك طارق منّا أتخرج معه؟
قال:قلت له:إن كان أبوك أو أخوك(1)خرجت معه.
قال:فقال لي:فأنا أريد أن أخرج و أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي!قال:قلت:لا أفعل جعلت فداك!
قال:فقال لي:أترغب بنفسك عنّي؟قال:فقلت له:إنّما هي نفس واحدة،فان كان للّه تعالى في الأرض حجّة فالمتخلّف عنك ناج و الخارج معك هالك،و إن لم يكن للّه في الأرض حجّة فالمتخلّف عنك و الخارج معك سواء.
قال:فقال لي:يا أبا جعفر!كنت أجلس مع أبي على الخوان،فيلقمني اللقمة السمينة،و يبرّد لي اللّقمة الحارّة حتّى تبرد،شفقة عليّ،ق-سليمان النيسابوري،عن أحمد بن عبد اللّه بن جعفر المدائني،عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي...
و نقله في حلية الأبرار 2/589.
ص: 304
و لم يشفق عليّ من حرّ النار إذ أخبرك بالدّين و لم يخبرني به.
قال:قلت له:من شفقته عليك من حرّ النار لم يخبرك،خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار و أخبرني،فان قبلته نجوت و إن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار،ثمّ قلت له:
جعلت فداك أنتم أفضل أم الأنبياء؟قال:بل الأنبياء.
قلت:يقول يعقوب ليوسف:«يََا بُنَيَّ لاََ تَقْصُصْ رُؤْيََاكَ عَلى ََ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً»(1)لم لم يخبرهم حتّى كانوا لا يكيدونه و لكن كتمهم،و كذا أبوك كتمك لأنّه خاف عليك.
قال:فقال:أمّا و اللّه لئن قلت ذلك لقد حدّثني صاحبك بالمدينة أنّي اقتل و اصلب بالكناسة،و إنّ عنده لصحيفة فيها قتلي و صلبي.
قال:فحججت فحدثت أبا عبد اللّه عليه السّلام بمقالة زيد و ما قلت له فقال لي:أخذته من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن يساره و من فوق رأسه و من تحت قدميه،و لم تترك له مسلكا يسلكه(2).0.
ص: 305
و عن هشام بن الحكم قال:اجتمع ابن أبي العوجاء و أبو شاكرالديصاني الزنديق و عبد الملك البصري و ابن المقفع عند بيت اللّه الحرام،يستهزءون بالحاج و يطعنون على القرآن.
فقال ابن أبي العوجاء:تعالوا ننقض كل واحد منّا ربع القرآن و ميعادنا من قابل في هذا الموضع،نجتمع فيه و قد نقضنا القرآن كلّه،فإنّ في نقض القرآن إبطال نبوّة محمّد،و في إبطال نبوته إبطال الإسلام و إثبات ما نحن فيه،فاتفقوا على ذلك و افترقوا،فلمّا كان من قابل اجتمعوا عندبيت اللّه الحرام فقال ابن أبي العوجاء:
أمّا أنا فمفكّر منذ افترقنا في هذه الآية:«فَلَمَّا اِسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوانَجِيًّا»(1)فما أقدر أن أضمّ إليها في فصاحتها و جمع معانيها شيئا،فشغلتني هذه الآية عن التفكر فيما سواها.
فقال عبد الملك:و أنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية:«يََا أَيُّهَااَلنََّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ اَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللََّهِ لَنْ يَخْلُقُواذُبََاباً وَ لَوِ اِجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ اَلذُّبََابُ شَيْئاً لاََ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ اَلطََّالِبُ وَ اَلْمَطْلُوبُ»(2)و لم أقدر على الإتيان بمثلها.
ص: 306
فقال أبو شاكر:و أنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية:«لَوْ كََانَ فِيهِمََاآلِهَةٌ إِلاَّ اَللََّهُ لَفَسَدَتََا»(1)لم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفع:يا قوم!إنّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر،و أنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية:«وَ قِيلَ يََا أَرْضُ اِبْلَعِي مََاءَكِ وَ يََاسَمََاءُ أَقْلِعِي وَ غِيضَ اَلْمََاءُ وَ قُضِيَ اَلْأَمْرُ وَ اِسْتَوَتْ عَلَى اَلْجُودِيِّ وَ قِيلَ بُعْداًلِلْقَوْمِ اَلظََّالِمِينَ»(2)لم أبلغ المعرفة بها،و لم أقدر على الإتيان بمثلها.
قال هشام بن الحكم:فبينما هم في ذلك.إذ مرّ بهم جعفر بن محمّدالصّادق عليهما السّلام فقال:«قُلْ لَئِنِ اِجْتَمَعَتِ اَلْإِنْسُ وَ اَلْجِنُّ عَلى ََ أَنْ يَأْتُوابِمِثْلِ هََذَا اَلْقُرْآنِ لاََ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كََانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»(3)فنظرالقوم بعضهم إلى بعض و قالوا:لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمروصية محمّد-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-إلاّ إلى جعفر بن محمّد،و اللّه ما رأيناه قطّ إلاّ هبناه و اقشعرّت جلودنا لهيبته،ثمّ تفرّقوا مقرّين بالعجز(4).6.
ص: 307
و عن أحمد بن عبد اللّه البرقي،عن أبيه،عن شريك بن عبد اللّه،عن الأعمش قال:اجتمعت الشيعة و المحكمة(1)عند أبي نعيم النخعي بالكوفةو أبو جعفر محمّد بن النّعمان مؤمن الطّاق حاضر،فقال ابن أبي حذرة:
أنا اقرر معكم أيّتها الشيعة أنّ أبا بكر أفضل من عليّ و من جميع أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأربع خصال لا يقدر على دفعها أحد من النّاس:هو ثان مع رسول اللّه(2)في بيته مدفون،و هو ثاني اثنين معه في الغار،و هو ثاني اثنين صلّى بالنّاس آخر صلاة قبض بعدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و هو ثاني اثنين الصّديق من هذه الأمّة.
قال أبو جعفر مؤمن الطّاق رحمة اللّه عليه:يابن أبي حذرة!و أنا أقررمعك أنّ عليّا عليه السّلام أفضل من أبي بكر و جميع أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بهذه الخصال التي وصفتها و أنّها مثلبة(3)لصاحبك و الزمك طاعة
ص: 308
علي عليه السّلام من ثلاث جهات:من القرآن وصفا،و من خبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصّا،و من حجّة العقل اعتبارا،و وقع الاتّفاق على إبراهيم النخعي و على أبي إسحاق السبيعي،و على سليمان بن مهران الأعمش.
فقال أبو جعفر مؤمن الطّاق:أخبرني يابن أبي حذرة عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيف ترك بيوته-التي أضافها اللّه تعالى إليه،و نهى النّاس عن دخولها إلاّ بإذنه-ميراثا لأهله و ولده،أو تركها صدقة على جميع المسلمين؟قل ما شئت.
فانقطع ابن أبي حذرة لما أورد عليه ذلك و عرف خطأ ما فيه.
فقال أبو جعفر مؤمن الطّاق:إن تركها ميراثا لولده و أزواجه فانّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبض عن تسع نسوة،و إنّما لعائشة بنت أبي بكر تسع ثمن هذا البيت(1)الذي دفن فيه صاحبك،و لا يصيبها من البيت ذراع في ذراع،و لهذا الأمر قال محمّد بن أبي بكر لعائشة في خبر عجيب شعرا:
تجمّلت تبغّلت و ان عشت تفيّلت لك التسع من الثمن و بالكلّ تملّكت(2)..
ص: 309
و إن كان[تركها](1)صدقة فالبلية أطمّ و أعظم فانّه لم يصب له من البيت إلاّ ما لأدنى رجل من المسلمين،فدخول بيت النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بغير إذنه في حياته و بعد وفاته معصية إلاّ لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام و ولده،فانّ اللّه عزّ و جلّ أحل لهم ما أحل للنّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
ثمّ قال لهم:إنّكم تعلمون أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر بسدّ أبواب جميع النّاس التي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب عليّ عليه السّلام فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأبى عليه،و غضب عمّه العبّاس من ذلك فخطب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خطبة و قال:
انّ اللّه تبارك و تعالى أمر لموسى و هارون أن تبوءا لقومكما بمصربيوتا،و أمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب،و لا يقرب فيه النّساء إلاّموسى و هارون و ذريتهما،و إنّ عليّا منّي هو بمنزلة هارون من موسى،و ذريته كذرية هارون،و لا يحل لأحد أن يقرب النّساء في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لا يبيت فيه جنب إلاّ علي و ذريّته عليهم السّلام.فقالوابأجمعهم:كذلك كان.
قال أبو جعفر:ذهب ربع دينك يابن أبي حذرة،و هذه منقبةلصاحبي ليس لأحد مثلها،و مثلبة لصاحبك.
و أمّا قولك:ثاني اثنين إذ هما في الغار،أخبرني هل أنزل اللّه سكينته على».
ص: 310
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على المؤمنين في غير الغار؟قال ابن أبي حذرة:نعم.
قال أبو جعفر:فقد أخرج صاحبك في الغار من السكينة،و خصّه بالحزن و مكان عليّ في هذه اللّيلة على فراش النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و بذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك في الغار.فقال النّاس:صدقت.
فقال أبو جعفر:يابن أبي حذرة!ذهب نصف دينك.
و أمّا قولك ثاني اثنين الصّديق من الأمّة،فقد أوجب اللّه على صاحبك الاستغفار،لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ:«وَ اَلَّذِينَ جََاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنََا وَ لِإِخْوََانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونََابِالْإِيمََانِ»(1)إلى آخر الآية و الذي ادّعيت إنّما هو شي ء سمّاه النّاس و من سمّاه القرآن و شهد له بالصدق و التصديق أولى به ممّن سمّاه النّاس،و قدقال عليّ عليه السّلام على منبر البصرة:أنا الصّديق الاكبر،آمنت قبل أن آمن أبو بكر و صدّقت قبله.قال النّاس:صدقت.
قال أبو جعفر مؤمن الطّاق:يا ابن أبي حذرة!ذهب ثلاثة أرباع دينك.
و أمّا قولك في الصّلاة بالنّاس،كنت ادّعيت لصاحبك فضيلة لم تتم له،و إنّها إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة،فلو كان ذلك بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما عزله عن تلك الصّلاة بعينها،أما علمت أنّه لمّا تقدّم0.
ص: 311
أبو بكر ليصلّي بالنّاس خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتقدّم و صلّى بالنّاس و عزله عنها،و لا تخلو هذه الصّلاة من أحد وجهين:
إمّا أن تكون حيلة وقعت منه،فلمّا أحس النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك خرج مبادرا مع علّته فنحّاه عنها لكيلا يحتج بها بعده على أمّته فيكونوا في ذلك معذورين.
و إمّا أن يكون هو الذي أمره بذلك،و كان ذلك مفوّضا إليه كما في قصة تبليغ براءة،فنزل جبرئيل عليه السّلام و قال:لا يؤديها إلاّ أنت أو رجل منك،فبعث عليّا في طلبه و أخذها منه و عزله عنها و عن تبليغها،فكذلك كانت قصة الصّلاة،و في الحالتين هو مذموم لأنّه كشف عنه ما كان مستورا عليه،و في ذلك دليل واضح أنّه لا يصلح للاستخلاف بعده،و لا هومأمون على شي ء من أمر الدّين.فقال النّاس:صدقت.
قال أبو جعفر مؤمن الطّاق:يا ابن أبي حذرة!ذهب دينك كلّه،و فضحت حيث مدحت.
فقال النّاس لأبي جعفر:هات حجّتك فيما ادّعيت من طاعة عليّ عليه السّلام،فقال أبو جعفر مؤمن الطّاق:
أمّا من القرآن وصفا فقوله عزّ و جلّ:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللََّهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصََّادِقِينَ»(1)فوجدنا عليّا عليه السّلام بهذه الصفة في القرآن في قوله عزّ و جلّ:«وَ اَلصََّابِرِينَ فِي اَلْبَأْسََاءِ وَ اَلضَّرََّاءِ وَ حِينَ اَلْبَأْسِ-يعني في9.
ص: 312
الحرب و الشغب-أُولََئِكَ اَلَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولََئِكَ هُمُ اَلْمُتَّقُونَ»(1)،فوقع الإجماع من الأمّة بأنّ عليّا عليه السّلام أولى بهذا الأمر من غيره،لأنّه لم يفرّ من زحف قطّ كما فرّ غيره في غير موضع.فقال النّاس:صدقت.
قال:و أمّا الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصّا،فقال:(إنّي تارك فيكم الثقلين،ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،فانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض)،قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:(إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح،من ركبها نجا،و من تخلّف عنها غرق،و من تقدّمها مرق،و من لزمها لحق)فالمتمسك بأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هاد مهتد بشهادة من الرسول و المتمسك بغيرها ضال مضل.
قال النّاس:صدقت يا أبا جعفر!و أمّا حجّة العقل فإنّ النّاس كلّهم يستعبدون بطاعة العالم،و وجدنا الإجماع قد وقع على عليّ عليه السّلام بأنّه كان أعلم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و كان النّاس يسألونه و يحتاجون إليه،و كان عليّ عليه السّلام مستغنيا عنهم،و هذا من الشّاهدو الدليل عليه من القرآن قوله عزّ و جلّ:«أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاََ يَهِدِّي إِلاََّ أَنْ يُهْدى ََ فَمََا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(2).
فما اتّفق يوم أحسن منه،و دخل في هذا الأمر عالم كثير.
و قد كانت لأبي جعفر مؤمن الطّاق مقامات مع أبي حنيفة.فمن5.
ص: 313
ذلك:ما روي أنّه قال يوما من الأيام لمؤمن الطّاق:إنّكم تقولون بالرجعة؟قال:نعم.
قال أبو حنيفة:فأعطني الآن ألف درهم حتّى أعطيك ألف دينار إذارجعنا.
قال الطّاقي لأبي حنيفة:فأعطني كفيلا بأنّك ترجع إنسانا و لا ترجع خنزيرا.
و قال له يوما آخر:لم لم يطالب عليّ بن أبي طالب بحقّه بعد وفاةرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إن كان له حقّ؟
فأجابه مؤمن الطّاق فقال:خاف أن يقتله الجنّ كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة،و في رواية بسهم خالد بن الوليد.
و كان أبو حنيفة يوما آخر يتماشى مع مؤمن الطّاق في سكّة من سكك الكوفة،إذا بمناد ينادي:من يدلّني على صبيّ ضال؟
فقال مؤمن الطّاق:امّا الصبي الضال فلم نره.و إن أردت شيخا ضالاّفخذ هذا-عنى به أبا حنيفه-.
و لمّا مات الصّادق عليه السّلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطّاق فقال له:
مات إمامك؟
فقال مؤمن الطّاق:نعم.و امّا إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم(1).6.
ص: 314
و روي انّه مرّ فضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة و هو في جمع كثير،يملي عليهم شيئا من فقهه و حديثه،فقال-لصاحب كان معه-:و اللّه لا أبرح حتّى أخجل أبا حنيفة.
فقال صاحبه الذي كان معه:إنّ أبا حنيفة ممّن قد علمت حاله،و ظهرت حجّته.
قال:مه!(1)هل رأيت حجّة ضال علت على حجّة مؤمن؟!ثمّ دنا منه فسلّم عليه،فردها،و ردّ القوم السّلام بأجمعهم.فقال:
يا أبا حنيفة!إنّ أخا لي يقول:إنّ خير النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام،و أنا أقول:أبو بكر خير النّاس و بعده عمر.فما تقول أنت رحمك اللّه؟
فأطرق مليّا ثمّ رفع رأسه فقال:كفى بمكانهما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كرما و فخرا،أما علمت أنّهما ضجيعاه في قبره،فأيّ حجّة تريدأوضح من هذا؟
فقال له فضال:إنّي قد قلت ذلك لأخي فقال:و اللّه لئن كان الموضع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس
ص: 315
لهما فيه حقّ،و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لقد أساءا و ما أحسنا،إذ رجعا في هبتهما و نسيا عهدهما.
فأطرق أبو حنيفة ساعة ثمّ قال له:لم يكن له و لا لهما خاصة،و لكنّهما نظرا في حقّ عائشة و حفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما.
فقال له فضال:قد قلت له ذلك فقال:أنت تعلم أنّ النّبي مات عن تسع نساء،و نظرنا فإذا لكلّ واحدة منهنّ تسع الثمن،ثمّ نظرنا في تسع الثمن،فإذا هو شبر في شبر،فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك،و بعد فما بال عائشة و حفصة ترثان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و فاطمة بنته تمنع الميراث؟!
فقال أبو حنيفة:يا قوم!نحّوه عني فانّه رافضي خبيث(1).
دخلت الرّقة(1)فذكر لي أنّ(بديرزكيّ)(2)رجلا مجنونا حسن الكلام،فأتيته فإذا أنا بشيخ حسن الهيئة جالس على وسادة يسرّح رأسه و لحيته،فسلّمت عليه فردّ عليّ السّلام و قال:ممّن يكون الرجل؟قال:قلت:من أهل العراق،قال:نعم،أهل الظرف(3)و الأدب.
قال:من أيّها أنت؟قلت:من أهل البصرة.قال:أهل التّجارب و العلم.
قال:فمن أيّهم أنت؟قلت:أبو الهذيل العلاف.قال:المتكلّم؟قلت:بلى.
فوثب عن وسادته و أجلسني عليها ثمّ قال-بعد كلام جرى بيننا-:ماتقولون في الإمامة؟قلت:أيّ الإمامة تريد؟
قال:من تقدّمون بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قلت:من قدّم رسول ق-آخر عمره،و توفي بسامراء،له كتب كثيرة منها كتاب سمّاه«ميلاس»على اسم مجوسي أسلم على يده-الأعلام للزركلي 7/131،و انظر لسان الميزان 5/413،و مروج الذهب 2/298،و تاريخ بغداد 3/366،و أمالي المرتضى 1/178،و دائرة المعارف الإسلامية1/416.0.
ص: 317
اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.قال:و من هو؟
قلت:أبا بكر.
قال لي:يا أبا الهذيل!و لم قدّمتم أبا بكر؟
قال:قلت:لأنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«قدّموا خيركم و ولّواأفضلكم»،و تراضى النّاس به جميعا.فقال:يا أبا الهذيل!هاهنا وقعت.
أمّا قولك إنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«قدّموا خيركم و ولّواأفضلكم»فانّي أوجدك أنّ أبا بكر صعد المنبر و قال:«وليتكم و لست بخيركم و عليّ فيكم»فان كانوا كذبوا عليه فقد خالفوا أمر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إن كان هو الكاذب على نفسه فمنبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يصعده الكاذبون.
و أمّا قولك إنّ النّاس تراضوا به،فان أكثر الأنصار قالوا:منّا أميرو منكم أمير،و أمّا المهاجرون فإنّ الزّبير بن العوام قال:لا أبايع إلاّ عليّا،فأمر به فكسر سيفه،و جاء أبو سفيان بن حرب و قال:يا أبا الحسن!لوشئت(1)لأملأنّها خيلا و رجالا-يعني المدينة-و خرج سلمان فقال بالفارسي:«كرديد و نكرديد،و ندانيد كه چه كرديد»(2)و المقداد و أبوذر،فهؤلاء المهاجرون و الأنصار.
أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام أبي بكر على المنبر و قوله:إنّ ليم.
ص: 318
شيطانا يعتريني،فإذا رأيتموني مغضبا فاحذروني،لا أقع في أشعاركم و أبشاركم(1).فهو يخبركم على المنبر أنّه مجنون(2)،فكيف يحل لكم أن تولّوا مجنونا؟!
و أخبرني يا أبا الهذيل عن قيام عمر على المنبر و قوله:وددت أنّي شعرة في صدر أبي بكر،ثمّ قام بعدها بجمعة فقال:«إنّ بيعة أبي بكركانت فلتة وقى اللّه شرّها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه»(3)فبينما هو يودأن يكون شعرة في صدره(4)،و بينما هو يأمر بقتل من بايع مثله.
فأخبرني يا أبا الهذيل بالذي زعم أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يستخلف،و أن أبا بكر استخلف عمر،و أنّ عمر لم يستخلف،فأرى أمركم بينكم متناقضا.
فأخبرني يا أبا الهذيل عن عمر حين صيّرها شورى بين ستّة،و زعم أنّهم من أهل الجنّة فقال:«إن خالف اثنان لأربعة فاقتلوا الاثنين،و إن خالف ثلاثة لثلاثة،فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرّحمن بن عوف»فهذه ديانة أن يأمر بقتل أهل الجنّة؟!
و أخبرني يا أبا الهذيل عن عمر لمّا طعن دخل عليه عبد اللّه بن عبّاسر.
ص: 319
قال:فرأيته جزعا فقلت:يا أمير المؤمنين!ما هذا الجزع؟
قال:يابن عبّاس!ما جزعي لأجلي و لكن جزعي لهذا الأمر من يليه بعدي.
قال:قلت:ولّها طلحة بن عبيد اللّه.
قال:رجل له حدة،كان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يعرفه فلا أولّي أمرالمسلمين حديدا.
قال:قلت:ولّها زبير بن العوام.قال:رجل بخيل،رأيته يماكس أمراته في كبة من غزل،فلا أولّي أمور المسلمين بخيلا.
قال:قلت:ولّها سعد بن أبي وقّاص.قال:رجل صاحب فرس و قوس،و ليس من أحلاس الخلافة(1).
قال:قلت:ولّها عبد الرّحمن بن عوف.قال:رجل ليس يحسن أن يكفي عياله.
قال:قلت:ولّها عبد اللّه بن عمر.فاستوى جالسا ثمّ قال:يا بن عبّاس!ما اللّه أردت بهذا،أولّي رجلا لم يحسن أن يطلّق امرأته؟!
قال:قلت:ولّها عثمان بن عفان.قال:و اللّه لئن ولّيته ليحملنّ آل أبي معيط(2)على رقاب المسلمين،و يوشك إن فعلها أن يقتلوه(3).قالهاه.
ص: 320
ثلاثا.قال:ثمّ سكت لما أعرف من معاندته(1)لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
فقال لي:يا بن عبّاس!اذكر صاحبك.قال:قلت:فولّها عليّا.
قال:فو اللّه ما جزعي إلاّ لما أخذت الحقّ(2)من أربابه!!و اللّه لئن ولّيته ليحملنّهم على المحجّة العظمى،و إن يطيعوه يدخلهم الجنّة!
فهو يقول هذا،ثمّ صيّرها شورى بين الستة فويل له من ربه!!
قال أبو الهذيل:فو اللّه بينما هو يكلّمني إذ اختلط،و ذهب عقله،فأخبرت المأمون بقصته،و كان من قصته أن ذهب بماله و ضياعه حيلةو غدرا،فبعث إليه المأمون،فجاء به و عالجه و كان قد ذهب عقله بما صنع به(3)،فرد عليه ماله و ضياعه و صيّره نديما،فكان المأمون يتشيع لذلك،و الحمد للّه على كل حال(4).
و قد جاءت الآثار عن الأئمّة الأبرار عليهم السّلام بفضل من نصب نفسه من علماء شيعتهم لمنع أهل البدعة و الضلال عن التسلّط على ضعفاءالشيعة و مساكينهم و قمعهم بحسب تمكّنهم و طاقتهم،فمن ذلك ما:
روي عن أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ عليهما السّلام أنّه قال:م.
ص: 321
قال جعفر بن محمّد عليهما السّلام:علماء شيعتنا مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس و عفاريته،يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا،و عن أن يتسلّط عليهم إبليس و شيعته النواصب،ألا فمن انتصب لذلك من شيعتناكان أفضل ممّن جاهد الرّوم و الترك و الخزر ألف ألف مرّة لأنّه يدفع عن أديان محبينا،و ذلك يدفع عن أبدانهم(1).
ص: 322
ص: 323
ص: 324
الحسن بن عبد الرّحمن الحماني قال:قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام:انّ هشام بن الحكم زعم أنّ اللّه تعالى جسم ليس كمثله شي ء،عالم،سميع،بصير،قادر،متكلّم،ناطق،و الكلام و القدرة و العلم يجري مجرى واحد،ليس شي ء منها مخلوقا.
فقال:قاتله اللّه!أمّا علم أنّ الجسم محدود؟!و الكلام غير المتكلّم؟معاذ اللّه و أبرأ إلى اللّه من هذا القول.لا جسم،و لا صورة،و لا تحديد،و كل شي ء سواه مخلوق و إنّما تكون الأشياء بإرادته و مشيئته من غير كلام و لا تردد في نفس و لا نطق بلسان(1).
ص: 325
و عن يعقوب بن جعفر عن أبي إبراهيم عليه السّلام أنّه قال:لا أقول إنّه قائم فازيله عن مكان،و لا أحدّه بمكان يكون فيه،و لا أحدّه أن يتحرّك في شي ء من الأركان(1)و الجوارح،و لا أحدّه بلفظ شق فم،و لكن كما قال عزّو جلّ:«إِنَّمََا أَمْرُهُ إِذََا أَرََادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(2)بمشيئته من غير تردد في نفس،صمدا فردا لم يحتج إلى شريك يدبّر له ملكه(3)،و لايفتح له أبواب علمه(4).
و عن يعقوب بن جعفر الجعفري أيضا،عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال:ذكر عنده قوم زعموا أنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل إلى السّماء الدنيا فقال:
ص: 326
إنّ اللّه لا ينزل و لا يحتاج إلى أن ينزل(1)إنّما منظره في القرب و البعد سواء،لم يبعد منه بعيد،و لم يقرب منه قريب و لم يحتج إلى شي ء بل يحتاج إليه كل شي ء،و هو ذو الطّول لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم!
أمّا قول الواصفين إنّه ينزل[تبارك اللّه و تعالى عن ذلك علواكبيرا](2)،فانّما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة.و كل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به،فمن ظنّ باللّه الظنون فقد هلك،فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد تحدونه بنقص أو زيادة،أوتحريك أو تحرك،أو زوال أو استنزال،أو نهوض أو قعود،فإنّ اللّه جلّ و عزّ عن صفة الواصفين و نعت الناعتين و توهم المتوهمين(3).
و عن الحسن بن راشد قال:سئل أبو الحسن موسى عليه السّلام عن معنى
ص: 327
قول اللّه تعالى:«اَلرَّحْمََنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى ََ»(1)فقال:استولى على مادقّ و جلّ(2).
و عن يعقوب بن جعفر الجعفري قال:سأل رجل-يقال له عبد الغفارالسلمي-أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السّلام عن قول اللّه تعالى:«ثُمَّ دَنََافَتَدَلََّى*`فَكََانَ قََابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ََ»(3)قال:أرى هاهنا خروجا من حجب و تدليا إلى الأرض،و أرى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأى ربّه بقلبه،و نسب إلى بصره فكيف هذا؟
فقال أبو إبراهيم عليه السّلام:دنى فتدلى،فانّه لم يزل عن موضع و لم يتدل ببدن(4).
فقال عبد الغفار:اصفه بما وصف به نفسه حيث قال:«دَنََا فَتَدَلََّى»فلم يتدل عن مجلسه إلاّ و قد زال عنه،و لو لا ذلك لم يصف بذلك نفسه.
ص: 328
فقال أبو إبراهيم عليه السّلام:إنّ هذه لغة في قريش إذا أراد الرجل منهم أن يقول:قد سمعت يقول:قد تدليت،و إنّما التدلي:الفهم(1).
و عن داود بن قبيصة قال:سمعت الرّضا عليه السّلام يقول:سئل أبي عليه السّلام هل منع اللّه عمّا أمر به،و هل نهى عمّا أراد،و هل أعان على ما لم يرد؟
فقال عليه السّلام:أمّا ما سألت:«هل منع اللّه عمّا أمر به؟»فلا يجوزذلك،و لو جاز ذلك لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم،و لو منع إبليس لعذره و لم يلعنه.
و أمّا ما سألت:«هل نهى عمّا أراد؟»فلا يجوز ذلك،و لو جاز ذلك لكان حيث نهى آدم عليه السّلام عن أكل الشّجرة أراد منه أكلها،و لو أراد منه أكلها لما نادى عليه صبيان الكتاتيب:«وَ عَصى ََ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ََ»(2)و اللّه تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشي ء و يريد غيره.
و أمّا ما سألت عنه من قولك:«هل أعان على ما لم يرد؟»فلا يجوزذلك و جلّ اللّه تعالى عن أن يعين على قتل الأنبياء و تكذيبهم،و قتل
ص: 329
الحسين بن علي عليهما السّلام و الفضلاء من ولده،و كيف يعين على ما لم يردو قد أعدّ جهنم لمخالفيه،و لعنهم على تكذيبهم لطاعته،و ارتكابهم لمخالفته؟!و لو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره و ادّعائه أنّه رب العالمين،أفترى أراد اللّه من فرعون أن يدّعي الربوبيّة؟يستتاب قائل هذا القول،فان تاب من كذبه على اللّه و إلاّ ضربت عنقه(1).
و روي عن أبي محمّد الحسن بن علي بن محمّد العسكري عليهم السّلام أنّ أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:
إنّ اللّه خلق الخلق فعلم ما هم إليه صايرون فأمرهم و نهاهم،فماأمرهم به من شي ء فقد جعل لهم السبيل إلى الأخذ به،و ما نهاههم عنه من شي ء فقد جعل لهم السبيل إلى تركه،و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلاّباذنه،و ما جبر اللّه أحدا من خلقه على معصيته،بل اختبرهم بالبلوى كماقال تعالى:«لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»(2)(3).
ص: 330
قوله عليه السّلام:و لا يكونون آخذين و لا تاركين إلاّ بإذنه،أي:بتخليته و علمه.
و روي أنّه دخل أبو حنيفة المدينة و معه عبد اللّه بن مسلم فقال له:
يا أبا حنيفة!إنّ هاهنا جعفر بن محمّد من علماء آل محمّد فاذهب بناإليه نقتبس منه علما(1)،فلمّا أتيا إذا هما بجماعة من علماء شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه،فبينما هم كذلك إذ خرج غلام حدث فقام النّاس هيبة له،فالتفت أبو حنيفة فقال:
يابن مسلم!من هذا؟
قال:موسى ابنه.
قال:و اللّه لأجبهنّه(2)بين يدي شيعته.قال:مه!لن تقدر على ذلك.
قال:و اللّه لأفعلنّه،ثمّ التفت إلى موسى عليه السّلام فقال:يا غلام!أين يضع الغريب في بلدتكم هذه؟
قال:يتوارى خلف الجدار،و يتوقّى أعين الجار،و شطوط الأنهار،
ص: 331
و مسقط الثمار،و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها،فحينئذ يضع حيث شاء.
ثمّ قال:يا غلام!ممّن المعصية؟قال:يا شيخ!لا تخلو من ثلاث:
إمّا أن تكون من اللّه و ليس من العبد شي ء،فليس للحكيم أن يأخذعبده بما لم يفعله.
و إمّا أن تكون من العبد و من اللّه،و اللّه أقوى الشريكين فليس للشريك الاكبر أن يأخذ الشريك الأصغر بذنبه.
و إمّا أن تكون من العبد و ليس من اللّه شي ء،فإن شاء عفى و إن شاءعاقب.
قال:فأصابت أبا حنيفة سكتة كأنّما ألقم فوه الحجر.
قال:فقلت له:ألم أقل لك لا تتعرّض لأولاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و في ذلك يقول الشّاعر:
لم تخل أفعالنا اللاّتي نذم بها إحدى ثلاث معان حين نأتيها أمّا تفرّد بارينا بصنعتها فيسقط اللّوم عنّا حين ننشيها أو كان يشركنا فيها فيلحقه ما سوف يلحقنا من لائم فيها أو لم يكن لإلهي في جنايتها ذنب فما الذنب إلاّ ذنب جانيها(1)2.
ص: 332
و روي عن عليّ بن يقطين أنّه قال:أمر أبو جعفر الدوانيقي(1)يقطين أن يحفر له بئرا بقصر العبادي(2)،فلم يزل يقطين في حفرها حتّى مات أبوجعفر و لم يستنبط منها الماء،فأخبر المهدي بذلك فقال له:احفر أبداحتّى يستنبط الماء و لو انفقت عليها جميع ما في بيت المال.
قال:فوجّه يقطين أخاه أبا موسى في حفرها،فلم يزل يحفرها حتّى ثقبوا ثقبا في أسفل الأرض فخرجت منه الرّيح،قال:فهالهم ذلك،فأخبروا به أبا موسى.
فقال:أنزلوني،قال:فأنزل و كان رأس البئر أربعين ذراعا في أربعين ذراع،فاجلس في شق محمل و دلي في البئر،فلمّا صار في قعرها نظر إلى هول،و سمع دوي الرّيح في أسفل ذلك،فأمرهم أن يوسعوا الخرق فجعلوه شبه الباب العظيم،ثمّ دلى فيه رجلان في شق محمل فقال:ايتوني بخبر
ص: 333
هذا ما هو؟
قال:فنزلا في شق محمل فمكثا مليّا ثمّ حركا الحبل فاصعدا،فقال لهما:
ما رأيتما؟
قالا:أمرا عظيما،رجالا و نساء و بيوتا و آنية و متاعا،كلّه ممسوخ من حجارة(1)،فأمّا الرجال و النّساء فعليهم ثيابهم،فمن بين قاعد و مضطجع و متكى ء،فلمّا مسسناهم،إذا ثيابهم تتفشّى شبه الهباء،و منازل قائمة،قال:فكتب بذلك أبو موسى إلى المهدي،فكتب المهدي إلى المدينة إلى موسى بن جعفر عليه السّلام يسأله أن يقدم عليه فقدم عليه،فأخبره فبكى بكاءاشديدا و قال:يا أمير المؤمنين!هؤلاء بقية قوم عاد،غضب اللّه عليهم فساخت بهم منازلهم،هؤلاء أصحاب الأحقاف.
قال:فقال له المهدي:يا أبا الحسن!و ما الأحقاف؟قال:الرمل(2).4.
ص: 334
و حدث أبو أحمد هاني بن محمّد العبدي،قال:حدّثني أبو محمّد،رفعه إلى موسى بن جعفر عليهما السّلام قال:لما أدخلت على الرشيد سلمت عليه فردعليّ السّلام ثمّ قال:يا موسى بن جعفر،خليفتين(1)يجبى إليهماالخراج؟
فقلت:يا أمير المؤمنين!أعيذك باللّه أن تبوء بإثمي و إثمك،و تقبل الباطل من أعدائنا علينا،فقد علمت بأنه قد كذب علينا منذ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،كما علم ذلك عندك(2)،فان رأيت بقرابتك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن تأذن لي أحدّثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟فقال:قد أذنت لك.
فقلت:أخبرني أبي عن آبائه عن جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:«إنّ الرحم إذا مست الرحم تحركت و اضطربت»فناولني يدك جعلني اللّه فداك.
قال:ادن مني!فدنوت منه،فأخذ بيدي ثمّ جذبني إلى نفسه و عانقني طويلا ثمّ تركني و قال:«اجلس يا موسى!فليس عليك بأس،فنظرت إليه
ص: 335
فإذا به قد دمعت عيناه،فرجعت إليّ نفسي فقال:صدقت و صدق جدّك صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،لقد تحرك دمي و اضطربت عروقي حتّى غلبت عليّ الرقةو فاضت عيناي و أنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين لم أسأل عنها أحدا،فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك و لم أقبل قول أحدفيك،و قد بلغني عنك أنّك لم تكذب قطّ فأصدقني فيما أسألك ممّا في قلبي.
فقلت:ما كان علمه عندي فانّي مخبرك به إن أنت أمنتني.
قال:لك الأمان إن صدقتني و تركت التقية التي تعرفون بها معشربني فاطمة،فقلت:ليسأل أمير المؤمنين عمّا يشاء.
قال:أخبرني لم فضلّتم علينا و نحن و أنتم من شجرة واحدة،و بنوعبد المطّلب و نحن و أنتم واحد،إنّا بنو عبّاس و أنتم ولد أبي طالب،و هماعمّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قرابتهما منه سواء؟
فقلت:نحن أقرب.قال:و كيف ذلك؟
قلت:لأنّ عبد اللّه و أبا طالب لأب و أم،و أبوكم العبّاس ليس هو من أم عبد اللّه و لا من أمّ أبي طالب.
قال:فلم ادعيتم أنّكم ورثتم النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و العم يحجب ابن العم،و قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد توفي أبو طالب قبله و العباس عمّه حي؟
فقلت له:إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة،و يسألني عن كل باب سواه يريده.فقال:لا،أو تجيب.
ص: 336
فقلت:فآمني.قال:قد آمنتك قبل الكلام.
فقلت:إنّ في قول عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:إنّه ليس مع ولدالصلب ذكرا كان أو أنثى لأحد سهم إلاّ الأبوين و الزوج و الزوجة،و لم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث،و لم ينطق به الكتاب[العزيز و السنة](1)إلاّ أنّ تيما و عديا و بني أميّة قالوا:«العم والد»رأيا منهم بلا حقيقة و لا أثرعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و من قال بقول عليّ من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء،هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول عليّ عليه السّلام و قد حكم به،و قد ولاّه أمير المؤمنين المصرين الكوفة و البصرة و قدقضى به،فانهى إلى أمير المؤمنين فأمر بإحضاره و إحضار من يقول بخلاف قوله،منهم:سفيان الثوري،و إبراهيم المدني(2)،و الفضيل بن عياض،فشهدوا أنّه قول عليّ عليه السّلام في هذه المسألة.فقال لهم فيماأبلغني بعض العلماء من أهل الحجاز:لم لا تفتون و قد قضى به نوح بن دراج؟
فقالوا:جسر و جبنّا(3).و قد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدماءالعامة عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:«أقضاكم عليّ»و كذلك عمر بن الخطّاب قال:«عليّ أقضانا»و هو اسم جامع،لأنّ جميع ما مدح به النّبيا.
ص: 337
صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أصحابه من القرابة و الفرائض و العلم داخل في القضاء.
قال:زدني يا موسى!قلت:المجالس بالأمانات و خاصة مجلسك.فقال:لا بأس به.
فقلت:إنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يورث من لم يهاجر،و لا أثبت له ولاية حتّى يهاجر.فقال:ما حجّتك فيه؟
قلت:قول اللّه تبارك و تعالى:«وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يُهََاجِرُوا مََا لَكُمْ مِنْ وَلاََيَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ حَتََّى يُهََاجِرُوا»(1)و إنّ عمّي العبّاس لم يهاجر.
فقال لي:إنّي أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا،أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشي ء؟فقلت:اللّهم لا.و ماسألني عنها إلاّ أمير المؤمنين.
ثمّ قال لي:لم جوّزتم للعامّة و الخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يقولوا لكم:يا بني رسول اللّه!و أنتم بنو علي و إنّما ينسب المرء إلى أبيه،و فاطمة إنّما هي وعاء و النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جدكم من قبل أمكم؟
فقلت:يا أمير المؤمنين!لو أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟فقال:سبحان اللّه!و لم لا أجيبه بل أفتخرعلى العرب و العجم و قريش بذلك.
فقلت له:لكنّه لا يخطب إليّ و لا أزوّجه.فقال:و لم؟فقلت:لأنّه2.
ص: 338
ولّدني و لم يلدك.
فقال:أحسنت يا موسى!ثمّ قال:كيف قلتم إنّا ذرية النّبي و النّبي لم يعقب و إنّما العقب للذكر لا للأنثى،و أنتم ولد الابنة و لا يكون لها عقب له.فقلت:أسألك بحقّ القرابة و القبر و من فيه،إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة.
فقال:لا،أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي!و أنت يا موسى يعسوبهم و إمام زمانهم،كذا انهي إليّ،و لست أعفيك في كل ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب اللّه،و أنتم تدعون معشر ولد عليّ أنّه لايسقط عنكم منه شي ء ألف و لا واو إلاّ تأويله عندكم.و احتججتم بقوله عزّو جلّ:«مََا فَرَّطْنََا فِي اَلْكِتََابِ مِنْ شَيْ ءٍ»(1)و استغنيتم عن رأي العلماءو قياسهم.
فقلت:تأذن لي في الجواب؟قال:هات.
فقلت:أعوذ باللّه من الشّيطان الرّجيم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم«وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دََاوُدَ وَ سُلَيْمََانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى ََ وَ هََارُونَ وَ كَذََلِكَ نَجْزِي اَلْمُحْسِنِينَ*`وَ زَكَرِيََّا وَ يَحْيى ََ وَ عِيسى ََ وَ إِلْيََاسَ كُلٌّ مِنَ اَلصََّالِحِينَ»(2)من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟فقال:ليس لعيسى أب.
فقلت:إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم السّلام من طريق مريم عليها السّلام5.
ص: 339
و كذلك الحقنا بذراري النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قبل امّنا فاطمة عليها السّلام،ازيدك يا أمير المؤمنين؟قال:هات.
قلت:قول اللّه عزّ و جلّ:«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مََا جََاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ فَقُلْ تَعََالَوْا نَدْعُ أَبْنََاءَنََا وَ أَبْنََاءَكُمْ وَ نِسََاءَنََا وَ نِسََاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنََا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اَللََّهِ عَلَى اَلْكََاذِبِينَ»(1)و لم يدّع أحد أنّه أدخل(2)النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تحت الكساء عند مباهلة النّصارى إلاّ عليّ بن أبي طالب،و فاطمة،و الحسن و الحسين فأبناءنا الحسن و الحسين،و نساءنا فاطمة،و أنفسنا عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام،على أنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ جبرئيل قال يوم أحد:«يا محمّد!إنّ هذه لهي المواساة من عليّ»قال:«لأنّه مني و أنا منه».
فقال جبرئيل:«و أنا منكما يا رسول اللّه»ثمّ قال:«لا سيف إلاّ ذوالفقار و لا فتى إلاّ عليّ»فكان كما مدح اللّه عزّ و جلّ به خليله عليه السّلام إذيقول:«قََالُوا سَمِعْنََا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقََالُ لَهُ إِبْرََاهِيمُ»(3)إنّا نفتخر بقول جبرئيل أنّه منّا.فقال:أحسنت يا موسى!إرفع إلينا حوائجك.
فقلت له:إنّ أول حاجة لي أن تأذن لابن عمّك أن يرجع إلى حرم جده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إلى عياله.فقال:ننظر إن شاء اللّه(4)..-
ص: 340
و روي أنّ المأمون قال لقومه:أتدرون من علمني التشيع؟فقال القوم:لا و اللّه ما نعلم ذلك.
قال:علّمنيه الرشيد!قيل له:و كيف ذلك،و الرشيد كان يقتل أهل هذا البيت؟!
قال:كان يقتلهم على الملك،لأنّ الملك عقيم،ثمّ قال:إنّه دخل موسى بن جعفر عليهما السّلام على الرشيد يوما فقام إليه الرّشيد،و استقبله و أجلسه في الصدر و قعد بين يديه،و جرى بينهما أشياء.ثمّ قال موسى بن جعفر عليهما السّلام لأبي:يا أمير المؤمنين!إنّ اللّه عزّ و جلّ قد فرض على ولاةعهده:أن ينعشوا(1)فقراء الأمّة(2)و يقضوا عن الغارمين،و يؤدوا عن المثقل،و يكسوا العاري،و يحسنوا إلى العاني(3)،و أنت أولى من يفعل ذلك.فقال:أفعل يا أبا الحسن.
ثمّ قام فقام الرشيد لقيامه.و قبّل ما بين عينيه و وجهه ثمّ أقبل عليّ ق-و نقله في بحار الأنوار 48/125 و 101/334 و 93/240.
ص: 341
و على الأمين و على المؤتمن(1)فقال:يا عبد اللّه!و يا محمّد!و يا إبراهيم!امشوا بين يدي ابن عمّكم و سيدكم،خذوا بركابه و سوّوا عليه ثيابه و شيّعوه إلى منزله،فأقبل إليّ أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام سرّابيني و بينه فبشرني بالخلافة،و قال لي:«إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي».
ثمّ انصرفنا و كنت أجرأ ولد أبي عليه،فلمّا خلا المجلس قلت:
يا أمير المؤمنين!و من هذا الرجل الذي أعظمته و أجللته،و قمت من مجلسك إليه فاستقبلته و أقعدته في صدر المجلس و جلست دونه،ثمّ أمرتنابأخذ الركاب له؟
قال:هذا إمام النّاس و حجة اللّه على خلقه،و خليفته على عباده!
فقلت:يا أمير المؤمنين!أو ليست هذه الصفات كلّها لك و فيك؟فقال:أنا إمام الجماعة في الظّاهر بالغلبة و القهر،و موسى بن جعفر إمام حقّ،و اللّه يا بني إنّه لأحقّ بمقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مني و من الخلق جميعا،و و اللّه لو نازعتني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك،لأنّ الملك عقيم.
فلمّا أراد الرحيل من المدينة إلى مكّة أمر بصرّة سوداء فيها مائتادينار ثمّ أقبل على الفضل فقال له:إذهب إلى موسى بن جعفر و قل له:يقول لك أمير المؤمنين:نحن في ضيقة و سيأتيك برّنا بعد هذا الوقت.ن.
ص: 342
فقمت في وجهه فقلت:يا أمير المؤمنين!تعطي أبناء المهاجرين و الأنصار و سائر قريش و بني هاشم و من لا تعرف حسبه و نسبه:خمسةآلاف دينار إلى ما دونها و تعطي موسى بن جعفر و قد عظّمته و أجللته مائتي دينار،و أخسّ عطية أعطيتها أحدا من النّاس؟
فقال:اسكت لا أمّ لك!فاني لو أعطيته هذا ما ضمنته له،ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غدا بمائة ألف سيف من شيعته و مواليه،و فقر هذاو أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم و إغنائهم(1).
و قيل:و لمّا دخل هارون الرشيد المدينة توجّه لزيارة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معه النّاس،فتقدّم إلى قبر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:السّلام عليك يا رسول اللّه،السّلام عليك يا ابن عمّ،مفتخرا بذلك على غيره.
ص: 343
فتقدّم أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام إلى القبر فقال:السّلام عليك يا رسول اللّه،السّلام عليك يا أبه.فتغيّر وجه الرشيد و تبيّن الغيظفيه(1).
و روي عن أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليهما السّلام أنّه قال:لماسمعت بهذا البيت-و هو لمروان بن أبي حفصة-:أنّى يكون و لا يكون و لم يكن لبني البنات وراثة الأعمام دار في ذلك ليلتي فنمت تلك اللّيلة فسمعت هاتفا في منامي يقول:أنّى يكون و لا يكون و لم يكن للمشركين دعائم الإسلام لبني البنات نصيبهم من جدهم و العم متروك بغير سهام
ص: 344
ما للطليق و للتراث و إنّما سجد الطليق مخافة الصمصام(1) و بقى ابن نثلة(2)واقفا متلددا فيه و يمنعه ذوو الأرحام إنّ ابن فاطمة المنوّه باسمه حاز التراث سوى بني الأعمام(3) [275]احتجاج الكاظم(ع)على محمّد بن الحسن في مسألة المحرم
و سأل محمّد بن الحسن أبا الحسن موسى عليه السّلام-بمحضر من الرشيد و هم بمكّة-فقال له:أ يجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟فقال له موسى عليه السّلام:لا يجوز له ذلك مع الاختيار.
فقال له محمّد بن الحسن:أ فيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟فقال له:نعم.9.
ص: 345
فتضاحك محمّد بن الحسن من ذلك.فقال له أبو الحسن موسى عليه السّلام:أتعجب من سنة النّبي و تستهزي بها،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كشف ظلاله في إحرامه،و مشى تحت الظلال و هو محرم،إنّ أحكام اللّه تعالى يا محمّد لا تقاس،فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل عن السبيل.فسكت محمّد بن الحسن لا يرجع جوابا(1).
و قد جرى لأبي يوسف مع أبي الحسن موسى صلوات اللّه عليه بحضرةالمهدي ما يقرب من ذلك،و هو أنّ موسى عليه السّلام سأل أبا يوسف عن مسألة ليس عنده فيها شي ء،فقال لأبي الحسن موسى عليه السّلام:إنّي أريد أن أسألك عن شي ء.قال:هات.
فقال:ما تقول في التظليل للمحرم؟قال:لا يصلح.
قال:فيضرب الخباء في الأرض فيدخل فيه؟قال:نعم.
قال:فما فرق بين هذا و ذاك؟
قال:أبو الحسن موسى عليه السّلام:ما تقول في(الطامث)تقضي الصّلاة؟قال:لا.قال:تقضي الصّوم؟قال:نعم.قال:و لم؟قال:إنّ هذا
ص: 346
كذا جاء.
قال أبو الحسن عليه السّلام:و كذلك هذا.
قال المهدي لأبي يوسف:ما أراك صنعت شيئا!قال:يا أميرالمؤمنين!رماني بحجّة(1).
و عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام قال:قال رجل من خواص الشيعة لموسى بن جعفر عليهما السّلام-و هو يرتعد بعد ما خلا به-:
يابن رسول اللّه-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-ما أخوفني أن يكون فلان ابن فلان ينافقك في إظهاره اعتقاد وصيتك و إمامتك.فقال موسى عليه السّلام:و كيف ذاك؟
قال:لأنّي حضرت معه اليوم في مجلس فلان،و كان معه رجل من كبار أهل بغداد،فقال له صاحب المجلس:أنت تزعم أنّ صاحبك موسى ابن جعفر إمام دون هذا الخليفة القاعد على سريره؟
قال له صاحبك هذا:ما أقول هذا،بل أزعم أنّ موسى بن جعفر غير
ص: 347
إمام،و إن لم أكن أعتقد أنّه غير إمام،فعليّ و على من لم يعتقد ذلك لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين.
فقال له صاحب المجلس:جزاك اللّه خيرا،و لعن اللّه من وشى بك إليّ.
فقال له موسى بن جعفر عليهما السّلام:ليس كما ظننت،و لكن صاحبك أفقه منك.إنّما قال:موسى غير إمام،أي إنّ الذي هو غير إمام فموسى غيره،فهو إذا إمام،فإنّما أثبت بقوله هذا إمامتي و نفى إمامة غيري،ياعبد اللّه!متى يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك هذا من النفاق،تب إلى اللّه.ففهم الرجل ما قاله و اغتم،ثمّ قال:
يابن رسول اللّه!ما لي مال فارضيه به،و لكن قد وهبت له شطر عملي كلّه من تعبدي و صلاتي عليكم أهل البيت و من لعنتي لأعدائكم.
قال موسى عليه السّلام:الآن خرجت من النار(1).
و روي أيضا عنه عليه السّلام:أنّه قال:
فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا بتعلم ما هو
ص: 348
محتاج إليه،أشد على إبليس من ألف عابد،لأنّ العابد همّه ذات نفسه فقط،و هذا همّه مع ذات نفسه ذات عباد اللّه و إمائه،لينقذهم من يد إبليس و مردته،و لذلك هو أفضل عند اللّه من ألف عابد،و ألف ألف عابد(1).
و روي أنّه عليه السّلام كان حسن الصوت،حسن القراءة،فقال يوما من الأيام:إنّ عليّ بن الحسين عليهما السّلام كان يقرأ القرآن فربّما مرّ به المارفصعق من حسن صوته و إن الإمام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله النّاس.
قيل له:
أ لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يصلي بالنّاس و يرفع صوته بالقرآن؟فقال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يحمّل من خلفه مايطيقون(2).
ص: 349
ص: 350
ص: 351
ص: 352
دخل عليه رجل فقال له:يابن رسول اللّه!ما الدليل على حدوث العالم.
فقال:إنّك لم تكن ثمّ كنت،و قد علمت أنّك لم تكوّن نفسك،و لاكوّنك من هو مثلك(1).
ص: 353
و عن محمّد بن عبد اللّه الخراساني خادم الرّضا عليه السّلام قال:دخل رجل من الزنادقة على الرّضا عليه السّلام و عنده جماعة.
فقال له أبو الحسن عليه السّلام:أ رأيت إن كان القول قولكم-و ليس هوكما تقولون-ألسنا و إيّاكم شرعا سواء،و لا يضرنا ما صلّينا و صمناو زكّينا و أقررنا؟
فسكت فقال أبو الحسن عليه السّلام:و إن لم يكن القول قولنا-و هوكما نقول-أ لستم قد هلكتم و نجونا.
قال الزنديق:رحمك اللّه فأوجدني كيف هو،و أين هو؟
قال:ويلك!إنّ الذي ذهبت إليه غلط،هو أيّن(1)الأين،و كان و لاأين،و هو كيّف الكيف و كان و لا كيف،و لا يعرف بكيفوفية،و لابأينونية،و لا يدرك بحاسة،و لا يقاس بشي ء.
قال الرجل:فاذن إنه لا شي ء،إذ لم يدرك بحاسة من الحواس.
فقال أبو الحسن عليه السّلام:ويلك!لمّا عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته و نحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا،و أنّه شي ء بخلاف الأشياء.
ص: 354
قال الرجل:فأخبرني متى كان؟
قال أبو الحسن عليه السّلام:أخبرني متى لم يكن،فاخبرك متى كان؟!
قال الرجل:فما الدليل عليه؟
قال أبو الحسن:إنّي لمّا نظرت إلى جسدي فلم يمكنّي فيه زيادة و لانقصان في العرض و الطول،و دفع المكاره عنه و جرّ المنفعة إليه،علمت أنّ لهذا البنيان بانيا فأقررت به،مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته.و إنشاء السحاب،و تصريف الرّياح،و مجرى الشّمس و القمر و النّجوم،و غير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات،علمت أنّ لهذا مقدّرا و منشئا.
قال الرجل:فلم لا تدركه حاسة البصر؟
قال:للفرق بينه و بين خلقه الذين تدركهم حاسة الأبصار منهم و من غيرهم،ثمّ هو أجل من أن يدركه بصر،أو يحيط به وهم،أو يضبطه عقل.
قال:فحدّه لي!قال:لا حدّ له.قال:و لم؟
قال:لأنّ كلّ محدود متناه،و إذا احتمل التحديد احتمل الزيادة،و إذا احتمل الزيادة احتمل النقصان،فهو غير محدود،و لا متزايد و لامتناقص،و لا متجزي،و لا متوهّم.
قال الرجل:فأخبرني عن قولكم:إنّه لطيف و سميع و بصير و عليم و حكيم،أ يكون السميع إلاّ بالأذن،و البصير إلاّ بالعين،و اللّطيف إلاّبعمل اليدين،و الحكيم إلاّ بالصنعة؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:انّ اللطيف منّا على حدّ اتّخاذ الصنعة،أو ما رأيت أنّ الرجل يتّخذ شيئا فيلطف في اتّخاذه،فيقال:ما ألطف فلانا،
ص: 355
فكيف لا يقال للخالق الجليل:لطيف إذ خلق خلقا لطيفا و جليلا،و ركب في الحيوان منه أرواحها،و خلق كل جنس مباينا من جنسه في الصورة،و لا يشبه بعضه بعضا فكل به لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته.
ثمّ نظرنا إلى الأشجار و حملها أطايبها(1)،المأكولة منها و غيرالمأكولة،فقلنا عند ذلك:إنّ خالقنا لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم،و قلنا:إنّه سميع لأنّه لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى،من الذرة إلى أكبر منها(2)في برها و بحرها،و لا تشتبه عليه لغاتها،فقلناعند ذلك:إنّه سميع لا بأذن،و قلنا:إنّه بصير لا ببصر،لأنّه يرى أثر الذرةالسحماء(3)في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء(4)،و يرى دبيب النمل في اللّيل الدجية(5)،و يرى مضارها و منافعها،و أثر سفادها،و فراخهاو نسلها،فقلنا عند ذلك:انّه بصير لا كبصر خلقه.قال:فما برح حتّى أسلم(6).و فيه كلام غير هذا.ي-
ص: 356
و روي عنه عليه السّلام في خبر آخر،أنّه قال:
إنّما يسمّى اللّه تعالى(1)بالعالم لغير علم حادث،علم به الأشياءو استعان به على حفظ ما يستقبل من أمره،و الروية فيما يخلق،و إنّما سمي العالم من الخلق:عالما لعلم حادث(2)،إذ كان قبله جاهلا،و ربّما فارقهم العلم بالأشياء فصار إلى الجهل،و إنّما سمّي اللّه:عالما لأنّه لا يجهل شيئا،فقد جمع الخالق و المخلوق اسم العالم،و اختلف المعنى،و هو اللّه تعالى قائم ليس(3)على معنى انتصاب و قيام على ساق في كبد،كماقامت الأشياء،و لكن أخبر أنّه قائم يخبر أنّه حافظ(4)كقولك:فلان القائم بأمرنا و هو عزّ و جلّ القائم على كل نفس بما كسبت،و القائم أيضا في كلام النّاس:الباقي و القائم أيضا:الكافي كقولك للرجل:قم بأمر كذا،ق-الصيرفي،عن محمّد بن عبد اللّه الخراساني:خادم الرّضا عليه السّلام...
و انظر الكافي 1/78،الباب 1،برقم 3.و نقله المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار3/31 و 4/175.
ص: 357
أي:اكفه.و القائم منّا قائم على ساق،فقد جمعنا الاسم و لم يجمعناالمعنى.
و أمّا الخبير:فالذي لا يعزب عنه شي ء و لا يفوته،و ليس بالتجربةو الاعتبار بالأشياء فتفيده التجربة و الاعتبار علما لو لا هما لما علم،لأنّ من كان كذلك كان جاهلا،و اللّه تعالى لم يزل خبيرا بما يخلق،و الخبير من النّاس المستخبر(1)،فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.
و أمّا الظّاهر:فليس من أنّه علا الأشياء بركوب فوقها و قعود عليهاو تسنّم(2)لذراها،و لكن ذلك لقهره و غلبته الأشياء و قدرته عليها كقول الرجل:ظهرت على أعدائي،و أظهرني اللّه على خصمي،إذا أخبر عن الفلج و الظفر،فهكذا ظهور اللّه على الأشياء.
و وجه آخر:أنّه الظّاهر لمن أراده لا يخفى عليه،لمكان الدليل و البرهان على وجوده في كل ما دبّره و صنعه ممّا يرى،فأي ظاهر أظهرو أوضح أمرا من اللّه تبارك و تعالى،فانّك لا تعدم صنعه(3)حيثما توجهت،و فيك من آثاره ما يغنيك.
و الظّاهر منّا البارز بنفسه المعلوم بحدّه،فقد جمعنا الاسم و لم يجمعنا المعنى...
ص: 358
و أمّا الباطن:فليس على معنى الاستبطان للأشياء بأن يغور فيها،و لكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما و حفظا و تدبيرا،كقول القائل:بطنته بمعنى:خبرته و علمت مكتوم سرّه(1)،و الباطن منّا الغاير في الشّي ءالمستتر فيه(2)،فقد جمعنا الاسم و اختلف المعنى.
قال:و هكذا جميع الأسماء و إن كنّا لم نسمها كلّها(3).
هاشم فقال:إنّي أريد أن استعمل الرّضا عليه السّلام على هذا الأمر من بعدي.
فحسده بنو هاشم و قالوا:أ تولّي رجلا جاهلا.ليس له بصيرة(1)بتدبير الخلافة؟فابعث إليه يأتنا فترى من جهله ما تستدل به!
فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم:يا أبا الحسن!اصعد المنبرو انصب لنا علما نعبد اللّه عليه،فصعد عليه السّلام المنبر فقعد مليّا لا يتكلم مطرقا ثمّ انتفض انتفاضة فاستوى قائما و حمد اللّه تعالى و أثنى عليه،و صلّى على نبيّه و أهل بيته ثمّ قال:
أول عبادة اللّه معرفته،و أصل معرفة اللّه توحيده،و نظام توحيده نفي الصفات عنه،لشهادة العقول(2)أنّ كل صفة و موصوف مخلوق،و شهادةكل مخلوق أنّ له خالقا ليس بصفة و لا موصوف،و شهادة كل صفةو موصوف بالاقتران،و شهادة الاقتران بالحدث،و شهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث،فليس اللّه عرف من عرف بالتشبيه ذاته(3)،و لا إيّاه وحد من اكتنهه،و لا حقيقته أصاب من مثّله،و لا به صدّق من نهّاه،و لا صمد صمده من أشار إليه و لا إيّاه عنى من شبّهه،و لا له تذلّل من بعّضه(4)،و لا إيّاه أراد من توهّمه.كل معروف بنفسه مصنوع،و كل قائم في سواه معلول،بصنع اللّه يستدل عليه،و بالعقوله.
ص: 360
يعتقد معرفته،و بالفطرة تثبت حجّته(1)،خلق اللّه الخلق حجاب(2)بينه و بينهم،و مفارقته إيّاهم مباينة بينه و بينهم،و ابتداؤه إيّاهم دليل على أن لاابتداء له،لعجز كل مبتدإ عن ابتداء غيره،و ادوه إياهم(3)دليل على أن لاأداة فيه،لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين.
فأسماؤه تعبير،و أفعاله تفهيم،و ذاته حقيقة،و كنهه تفريق بينه و بين خلقه،و غيوره(4)تحديد لما سواه،فقد جهل اللّه من استوصفه،و قد تعدّاه من استمثله،و قد أخطأه من اكتنهه،و من قال:«كيف»فقد شبهه،و من قال:«لم»فقد علّله،و من قال:«متى»فقد وقّته،و من قال:«فيم»فقد..
ص: 361
ضمّنه،و من قال:«إلى م»فقد نهّاه،و من قال:«حتى م»فقد غيّاه،و من غيّاه فقد غاياه،و من غاياه فقد جزّأه،و من جزّأه فقد وصفه،و من وصفه فقدألحد فيه،و لا يتغير اللّه بتغير المخلوقين(1)،كما لا يتحدد بتحديدالمحدود(2).
أحد لا بتأويل عدد،ظاهر لا بتأويل المباشرة،متجل لا باستهلال رؤية،باطن لا بمزايلة،مباين لا بمسافة،قريب لا بمداناة،لطيف لابتجسّم،موجود لا بعد عدم،فاعل لا باضطرار،مقدّر لا بحول فكرة(3)،مدبّر لا بحركة،مريد لا بهمامة،شاء لا بهمة،مدرك لا بحاسة(4)،سميع لا بآلة،بصير لا بأداة،لا تصحبه الأوقات،و لا تضمنه الأماكن،و لا تأخذه السنات،و لا تحدّه الصفات و لا تقيّده الأدوات.
سبق الأوقات كونه،و العدم وجوده،و الإبتداء أزله،بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له،و بتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له،و بمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له،و بمقارنته بين الأمور عرف أن لاقرين له.ة.
ص: 362
ضادّ النور بالظلمة،و الجلاية بالبهمة،و الجسو بالبلل(1)،و الصردبالحرور(2)،مؤلف بين متعادياتها،مفرّق بين متدانياتها،دالة بتفريقهاعلى مفرقها،و بتأليفها على مؤلفها ذلك قوله عزّ و جلّ:«وَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍخَلَقْنََا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(3)ففرّق بين[كلّ](4)قبل و بعد ليعلم أن لا قبل له و لا بعد.
شاهدة بغرائزها:أن لا غريزة لمغرزها،دالة بتفاوتها:أن لا تفاوت لمفاوتها،مخبرة بتوقيتها:أن لا وقت لموقتها،حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه و بينها غيرها،له معنى الربوبية إذ لا مربوب،و حقيقة[حدّ](5)الآلهية إذ لا مألوه،و معنى العالم و لا معلوم(6)،و معنى الخالق و لا مخلوق،و تأويل السمع و لا مسموع.
ليس منذ خلق استحق معنى الخالق و لا باحداثه البرايا استفاد معنى البارئية،كيف و لا تغيّبه:«مذ»و لا تدنيه:«قد»و لا تحجبه:«لعلّ»و لاتوقته:«متى»و لا تشتمله:«حين»و لا تقارنه:«مع»إنّما تحد الأدوات..
ص: 363
أنفسها،و تشير الآلة(1)إلى نظائرها،و في الأشياء يوجد فعالها.
منعتها«منذ»القدمة،و حمتها«قد»الأزلية،و جنبتها«لولا»التكملة.
افترقت فدلّت على مفرقها،و تباينت فاعربت عن مباينها،بها تجلّى صانعها للعقول و بها احتجب عن الرؤية،و إليها تحاكم الأوهام،و فيهااثبت غيره،و منها انبط الدليل،و بها عرف الإقرار،و بالعقول يعتقدالتّصديق باللّه،و بالإقرار يكمل الإيمان به.
لا ديانة إلاّ بعد معرفته،و لا معرفة إلاّ بالإخلاص،و لا إخلاص مع التشبيه،و لا نفي مع إثبات الصفات للتّشبيه،و كل ما في الخلق لا يوجدفي خالقه،و كل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه.
و لا تجري عليه الحركة و السكون،و كيف يجري عليه ما هو أجراه،أو يعود فيه ما هو ابتداه،إذا لتفاوتت ذاته،و لتجزى كنهه،و لا متنع من الأزل معناه،و لما كان للباري معنى غير المبروء،و لو وجد له وراء وجد له أمام(2)،و لا التمس(3)له التمام إذ لزمه النقصان.كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث؟أم كيف ينشى ء الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء؟إذالقامت عليه آية المصنوع،و لتحوّل دليلا بعد ما كان مدلولا عليه،ليس في..
ص: 364
محالّ القول حجّة،و لا في المسألة عنه جواب،و لا في معناه للّه تعظيم،و لافي إبانته عن الحقّ ضيم إلاّ بامتناع الأزلي أن يثنى،و لما لا بدء له أن يبدى ءلا إله إلاّ اللّه العليّ العظيم كذب العادلون باللّه و ضلوا ضلالا بعيدا،و خسروا خسرانا مبينا،و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين(1).
و روي عن الحسن بن محمّد النوفلي أنّه كان يقول:قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه و وصله،ثمّ قال له:إنّ ابن عمي عليّ بن موسى الرّضا قدم عليّ-من الحجاز-يحب الكلام و أصحابه،فعليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته.
فقال سليمان:يا أمير المؤمنين!إنّي أكره أن أسأل مثله في مجلسك
ص: 365
في جماعة من بني هاشم،فينتقص عند القوم إذا كلّمني و لا يجوزالاستقصاء عليه.
قال المأمون:إنّما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك،و ليس مرادي إلاّأن تقطعه عن حجّة واحدة فقط.
فقال سليمان:حسبك يا أمير المؤمنين!إجمع بيني و بينه،و خلّني و إيّاه.
فوجّه المأمون إلى الرّضا عليه السّلام فقال له:إنّه قدم علينا رجل من أهل مرو-و هو واحد خراسان-من أصحاب الكلام،فان خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت.
فنهض عليه السّلام للوضوء ثمّ حضر مجلس المأمون،و جرى بينه و بين سليمان المروزي كلام في البداء بمعنى الظهور،لتغير المصلحة،و استشهد عليه السّلام بآي كثيرة من القرآن على صحة ذلك،مثل قوله تعالى:«اَللََّهُ يَبْدَؤُا اَلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ»(1)و«يَزِيدُ فِي اَلْخَلْقِ مََا يَشََاءُ»(2)و«يَمْحُوا اَللََّهُ مََا يَشََاءُ وَ يُثْبِتُ»(3)و«مََا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لاََ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ»(4)و«آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اَللََّهِ»(5)و أمثال ذلك.6.
ص: 366
فقال سليمان:يا أمير المؤمنين!لا أنكر بعد يومي هذا البداء،و لاأكذب به إن شاء اللّه.
فقال المأمون:يا سليمان!سل أبا الحسن عمّا بدا لك،و عليك بحسن الاستماع و الإنصاف!
قال سليمان:يا سيدي!ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما و صفة،مثل:حي،و سميع،و بصير،و قدير؟
قال الرّضا عليه السّلام:إنّما قلتم حدثت الأشياء و اختلفت،لأنّه شاءو أراد،و لم تقولوا:حدثت و اختلفت»لأنّه سميع بصير،فهذا دليل على أنّها ليست مثل سميع و بصير و لا قدير.
قال سليمان:فانّه لم يزل مريدا؟
قال:يا سليمان!فإرادته غيره؟قال:نعم.
قال:قد أثبتّ معه شيئا غيره لم يزل!قال سليمان:ما أثبت؟
قال الرّضا عليه السّلام:أ هي محدثة؟
قال سليمان:لا،ما هي محدثة!فصاح به المأمون و قال يا سليمان!مثله يعايا أو يكابر،عليك بالانصاف ألا ترى من حولك من أهل النظر.
ثمّ قال:كلّمه يا أبا الحسن،فإنّه متكلم خراسان.فأعاد عليه المسألةفقال:هي محدثة يا سليمان؟فان الشّي ء إذا لم يكن أزليا كان محدثا،و إذالم يكن محدثا كان أزليا.
قال سليمان:إرادته منه كما أنّ سمعه و بصره و علمه منه.
قال الرّضا عليه السّلام:فإرادته نفسه؟قال:لا.
ص: 367
قال:فليس المريد مثل السميع و البصير.
قال سليمان:إنّما أراد نفسه،و أبصر نفسه،و علم نفسه.
قال الرّضا عليه السّلام:ما معنى أراد نفسه،أراد أن يكون شيئا،أو أرادأن يكون حيّا،أو سميعا،أو بصيرا أو قديرا؟قال:نعم.
قال الرّضا عليه السّلام:أ فبإرادته كان كذلك؟قال سليمان:لا(1).
قال الرّضا عليه السّلام:فليس لقولك أراد أن يكون حيّا سميعا بصيرامعنى،إذ لم يكن ذلك بإرادته.قال سليمان:بلى قد كان ذلك بإرادته.
فضحك المأمون و من و حوله،و ضحك الرّضا عليه السّلام،ثم قال لهم:ارفقوا بمتكلم خراسان!
فقال يا سليمان:فقد حال عندكم عن حاله و تغيّر عنها،و هذا ممّا لايوصف اللّه عزّ و جلّ به،فانقطع.
ثمّ قال الرّضا عليه السّلام:يا سليمان!أسألك عن مسألة؟قال:سل جعلت فداك!
قال:أخبرني عنك و عن أصحابك،تكلمون النّاس بما تفقهون و تعرفون،أو بما لا تفقهون و تعرفون؟فقال:بل بما نفقهه و نعلم(2).
قال الرّضا عليه السّلام:فالذي يعلم النّاس:أنّ المريد غير الإرادة،و أنّن.
ص: 368
المريد قبل الإرادة،و أنّ الفاعل قبل المفعول،و هذا يبطل قولكم:إنّ الإرادة و المريد شي ء واحد.
قال:جعلت فداك!ليس ذلك منه على ما يعرف النّاس،و لا على مايفقهون.
قال:فأراكم ادّعيتم علم ذلك(1)بلا معرفة،و قلتم:الإرادة كالسمع و البصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف و لا يعقل.فلم يحر جوابا.
ثم قال الرّضا عليه السّلام:هل يعلم اللّه تعالى جميع ما في الجنّة و النّار؟قال سليمان:نعم.
قال:فيكون ما علم اللّه عزّ و جلّ أنّه يكون من ذلك؟قال:نعم.
قال:فإذا كان حتّى لا يبقى منه شي ء إلاّ كان،أ يزيدهم أو يطويه عنهم؟قال سليمان:بل يزيدهم.
قال:فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون.
قال:جعلت فداك!فالمزيد لا غاية له.
قال:فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غايةذلك،و إذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون،تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا!!
قال سليمان:إنّما قلت:لا يعلمه،لأنّه لا غاية لهذا،لأنّ اللّه عزّ و جلّ وصفهما بالخلود،و كرهنا أن نجعل لهما انقطاعا.ك.
ص: 369
قال الرّضا عليه السّلام:ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم،لأنّه قد يعلم ذلك ثمّ يزيدهم ثمّ لا يقطعه عنهم،و لذلك قال عزّ و جلّ في كتابه:«كُلَّمََا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنََاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهََا لِيَذُوقُوا اَلْعَذََابَ»(1)و قال لأهل الجنّة:«عَطََاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»(2)و قال عزّ و جلّ:«وَ فََاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ `لاََمَقْطُوعَةٍ وَ لاََ مَمْنُوعَةٍ»(3)فهو عزّ و جلّ يعلم ذلك و لا يقطع عنهم الزيادة،أ رأيت ما أكل أهل الجنّة و ما شربوا أ ليس يخلف مكانه؟قال:بلى.
قال:أ فيكون يقطع ذلك عنهم و قد أخلف مكانه؟قال سليمان:لا.
قال:فكذلك كلّما يكون فيها(4)إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم.
قال سليمان:بلى،يقطعه عنهم و لا يزيدهم.
قال الرّضا عليه السّلام:إذا يبيد ما فيها،و هذا يا سليمان إبطال الخلودو خلاف الكتاب،لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:«لَهُمْ مََا يَشََاؤُنَ فِيهََا وَ لَدَيْنََامَزِيدٌ»(5)و يقول عزّ و جلّ:«عَطََاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ»(6)و يقول عزّ و جلّ:8.
ص: 370
«وَ مََا هُمْ مِنْهََا بِمُخْرَجِينَ»(1)و يقول اللّه عزّ و جلّ:«خََالِدِينَ فِيهََا أَبَداً»(2)و يقول عزّ و جلّ:«وَ فََاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ*`لاََ مَقْطُوعَةٍ وَ لاََ مَمْنُوعَةٍ»(3)فلم يحرجوابا.
ثمّ قال الرّضا عليه السّلام:ألا تخبرني عن الإرادة،فعل أم هي غير فعل؟قال:بل هي فعل.
قال:فهي محدثة لأنّ الفعل كلّه محدث!قال:ليست بفعل.
قال:فمعه غيره لم يزل؟قال سليمان:الإرادة هي الإنشاء.
قال:يا سليمان!هذا الذي عبتموه على ضرار و أصحابه من قولهم:إنّ كل ما خلق اللّه عزّ و جلّ في سماء أو أرض أو بحر أو برّ،من كلب أوخنزير أو قرد أو إنسان أو دابة:إرادة اللّه،و إنّ إرادة اللّه تحيا و تموت،و تذهب،و تأكل و تشرب،و تنكح و تلد،و تظلم و تفعل الفواحش،و تكفرو تشرك،فتبرأ منها و تعاديها و هذا حدّها.
قال سليمان:إنّها كالسمع و البصر و العلم.
قال الرّضا عليه السّلام:قد رجعت إلى هذا ثانية،فأخبرني عن السمع و البصر و العلم أ مصنوع؟قال سليمان:لا.
قال الرّضا عليه السّلام:فكيف نفيتموه؟فمرة قلتم لم يرد،و مرّة قلتم3.
ص: 371
أراد،و ليست بمفعول له.قال سليمان:إنّما ذلك كقولنا مرّة علم و مرّة لم يعلم.
قال الرّضا عليه السّلام:ليس ذلك سواء لأنّ نفي المعلوم ليس بنفي العلم،و نفي المراد نفي الإرادة أن تكون،لأنّ الشي ء إذا لم يرد لم تكن إرادة،و قد يكون العلم ثابتا و إن لم يكن المعلوم،بمنزلة البصر:فقد يكون الإنسان بصيرا و إن لم يكن المبصر،و يكون العلم ثابتا و إن لم يكن المعلوم.
فلم يزل سليمان يردد المسألة و ينقطع فيها و يستأنف،و ينكر ماكان أقرّ به،و يقرّ بما أنكر و ينتقل من شي ء إلى شي ء،و الرّضا صلوات اللّه عليه ينقض عليه ذلك حتّى طال الكلام بينهما،و ظهر لكل أحد انقطاعه مرّات كثيرة،تركنا إيراد ذلك مخافة التطويل،فآل الأمر إلى أن قال سليمان:إنّ الإرادة هي القدرة.
قال الرّضا عليه السّلام:و هو عزّ و جلّ يقدر على ما لا يريده أبدا و لا بدّمن ذلك(1)لأنّه قال تبارك و تعالى:«وَ لَئِنْ شِئْنََا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنََاإِلَيْكَ»(2)فلو كانت الإرادة هي القدرة،كان قد أراد أن يذهب به لقدرته.
فانقطع سليمان و ترك الكلام عند هذا الانقطاع،ثمّ تفرّق القوم(3).ة-
ص: 372
و عن صفوان بن يحيى قال:سألني أبو قرّة المحدّث صاحب شبرمةأن أدخله على أبي الحسن الرّضا عليه السّلام،فاستأذنه فأذن له،فدخل فسأله عن أشياء من الحلال و الحرام و الفرائض و الأحكام حتّى بلغ سؤاله إلى التّوحيد فقال له:أخبرني-جعلني اللّه فداك-عن كلام اللّه لموسى؟
فقال:اللّه أعلم و رسوله بأيّ لسان كلّمه،بالسريانية أم بالعبرانيّة.فأخذ أبو قرة بلسانه فقال:إنّما أسألك عن هذا اللّسان!
فقال أبو الحسن:سبحان اللّه عمّا تقول!و معاذ اللّه أن يشبه خلقه،أويتكلم بمثل ما هم به متكلمون،و لكنّه تبارك و تعالى ليس كمثله شي ء،و لاكمثله قائل و لا فاعل.قال:كيف ذلك؟
قال:كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق(1)،و لايلفظ بشق فم و لسان،و لكن يقول له:«كن»فكان بمشيته ما خاطب به موسى عليه السّلام من الأمر و النهي من غير تردد في نفس.
ق-القمّي،عن أبي عمرو:محمّد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجيّ،قال:حدّثني من سمع الحسن بن محمّد النوفلي يقول:قدم سليمان المروزي...
و نقله العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 10/329-338.مع شرح الحديث.
ص: 373
فقال أبو قرة:فما تقول في الكتب؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان،و كل كتاب أنزل كان كلام اللّه أنزله للعالمين نورا و هدى،و هي كلّها محدثة،و هي غير اللّه حيث يقول:«أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً»(1)،و قال:«مََا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اِسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ»(2)و اللّه أحدث الكتب كلّها التي أنزلها.
فقال أبو قرة:فهل تفنى؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:أجمع المسلمون على أنّ ما سوى اللّه فان،و ما سوى اللّه فعل اللّه،و التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان فعل اللّه،أ لم تسمع النّاس يقولون:«ربّ القرآن»و أنّ القرآن يقول يوم القيامة:«يارب هذا فلان-و هو أعرف به منه-قد أظمأت نهاره و أسهرت ليله فشفّعني فيه»و كذلك التوراة و الإنجيل و الزبور،و هي كلّها محدثةمربوبة،أحدثها من ليس كمثله شي ء هدى لقوم يعقلون،فمن زعم أنهنّ لم يزلن معه فقد أظهر أنّ اللّه ليس بأول قديم،و لا واحد و أنّ الكلام لم يزل معه و ليس له بدؤ و ليس بإله.
قال أبو قرة:و إنا(3)روينا:أنّ الكتب كلّها تجي ء يوم القيامة..
ص: 374
و النّاس في صعيد واحد صفوف قيام لربّ العالمين ينظرون حتّى ترجع فيه،لأنّها منه و هي جزء منه،فإليه تصير.
قال أبو الحسن عليه السّلام:فهكذا قالت النّصارى في المسيح:إنّه روحه[و](1)جزء منه و يرجع فيه،و كذلك قالت المجوس-في النّارو الشّمس-:إنّهما جزء منه و يرجع فيه،تعالى ربّنا أن يكون متجزيا أومختلفا و إنّما يختلف و يأتلف المتجزي،لأنّ كل متجز متوهم،و الكثرةو القلّة مخلوقة دالة على خالق خلقها.
فقال أبو قرّة:فإنّا روينا:أنّ اللّه قسّم الرؤية و الكلام بين نبيّين،فقسّم لموسى عليه السّلام الكلام و لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الرؤية.
فقال أبو الحسن عليه السّلام:فمن المبلّغ عن اللّه إلى الثقلين الجن و الإنس أنّه لا تدركه الأبصار و لا يحيطون به علما و ليس كمثله شي ء،أ ليس محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قال:بلى.
قال أبو الحسن عليه السّلام:فكيف يجي ء رجل إلى الخلق جميعافيخبرهم أنّه جاء من عند اللّه،و أنّه يدعوهم إلى اللّه بأمر اللّه،و يقول:إنّه لاتدركه الأبصار و لا يحيطون به علما و ليس كمثله شي ء،ثمّ يقول:أنا رأيته بعيني و أحطت به علما و هو على صورة البشر،أما تستحيون؟!ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا:أن يكون أتى عن اللّه بأمر ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر.».
ص: 375
فقال أبو قرة:إنّه يقول:«وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ََ»(1).
فقال أبو الحسن عليه السّلام:إنّ بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال:«مََا كَذَبَ اَلْفُؤََادُ مََا رَأى ََ»(2)يقول:ما كذب فؤاد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما رأت عيناه ثمّ أخبر بما رأت عيناه فقال:«لَقَدْ رَأى ََ مِنْ آيََاتِ رَبِّهِ اَلْكُبْرى ََ»(3)فآيات اللّه غير اللّه،و قال:«وَ لاََ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً»(4)فإذارأته الأبصار فقد أحاط به العلم و وقعت المعرفة.فقال أبو قرة:فتكذب بالرواية؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذبتها،و ما أجمع المسلمون عليه إنّه لا يحاط به علما،و لا تدركه الأبصار،و ليس كمثله شي ء.
و سأله عن قول اللّه:«سُبْحََانَ اَلَّذِي أَسْرى ََ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِاَلْحَرََامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى»(5)فقال أبو الحسن عليه السّلام:قد أخبر اللّه تعالى:أنّه أسرى به،ثمّ أخبر:لم أسرى به،فقال:«لِنُرِيَهُ مِنْ آيََاتِنََا»(6)فآيات اللّه غير اللّه،فقد أعذر و بيّن لم فعل به ذلك،و ما رآه و قال:«فَبِأَيِ1.
ص: 376
حَدِيثٍ بَعْدَ اَللََّهِ وَ آيََاتِهِ يُؤْمِنُونَ»(1)فأخبر أنّه غير اللّه.
فقال أبو قرة:فأين اللّه؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:الأين مكان،و هذه مسألة شاهد عن غايب،فاللّه تعالى ليس بغائب،و لا يقدمه قادم،و هو بكل مكان موجود مدبّرصانع حافظ ممسك السّماوات و الأرض.
فقال أبو قرة:أ ليس هو فوق السّماء دون ما سواها؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:هو اللّه في السّماوات و في الأرض،و هوالذي في السّماء إله و في الأرض إله،و هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء و هو معكم أينما كنتم،و هو الذي استوى إلى السّماء و هي دخان،و هو الذي استوى إلى السّماء فسواهنّ سبع سماوات و هو الذي استوى على العرش،قد كان و لا خلق و هو كما كان إذ لا خلق،لم ينتقل مع المنتقلين.
فقال أبو قرة:فما بالكم إذ دعوتم رفعتم أيديكم إلى السّماء؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:إنّ اللّه استعبد خلقه بضروب من العبادة،و للّه مفازع يفزعون إليه،و مستعبد فاستعبد عباده بالقول،و العلم و العمل و التوجّه و نحو ذلك.استعبدهم بتوجه الصّلاة إلى الكعبة،و وجه إليهاالحجّ و العمرة،و استعبد خلقه عند الدعاء و الطلب و التّضرع،ببسط الأيدي و رفعها إلى السّماء لحال الاستكانة و علامة العبودية و التذلّل له.6.
ص: 377
قال أبو قرة:فمن أقرب إلى اللّه:الملائكة،أو أهل الأرض؟
قال أبو الحسن عليه السّلام:إن كنت تقول بالشبر و الذراع،فإنّ الأشياءكلّها باب واحد هي فعله لا يشغل(1)ببعضها عن بعض،يدبّر أعلى الخلق من حيث يدبّر أسفله،و يدبّر أوّله من حيث يدبّر آخره من غير عناء و لا كلفةو لا مؤونة و لا مشاورة و لا نصب،و إن كنت تقول من أقرب إليه في الوسيلة،فأطوعهم له و أنتم تروون أنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللّه و هوساجد،و رويتم أنّ أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق،و أحدهم من أسفل الخلق،و أحدهم من شرق الخلق و أحدهم من غرب الخلق،فسأل بعضهم بعضا فكلّهم قال:«من عند اللّه»أرسلني بكذا و كذا،ففي هذادليل على أنّ ذلك في المنزلة دون التشبيه و التمثيل.
فقال أبو قرة:أتقرّ أنّ اللّه محمول؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:كل محمول مفعول،و مضاف إلى غيره محتاج،فالمحمول اسم نقص في اللفظ،و الحامل فاعل و هو في اللفظممدوح،و كذلك قول القائل:فوق و تحت و أعلى و أسفل،و قد قال اللّه تعالى:«وَ لِلََّهِ اَلْأَسْمََاءُ اَلْحُسْنى ََ فَادْعُوهُ بِهََا»(2)و لم يقل في شي ء من كتبه إنّه محمول،بل هو الحامل في البر و البحر،و الممسك للسّماوات و الأرض،و المحمول ما سوى اللّه،و لم نسمع أحدا آمن باللّه و عظمه قطّ0.
ص: 378
قال في دعائه:«يا محمول».
قال أبو قرّة:أفتكذب بالرواية:إنّ اللّه إذا غضب إنّما يعرف غضبه الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرّون سجّدا،فإذا ذهب الغضب خفّ فرجعوا إلى مواقفهم؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام:أخبرني عن اللّه تبارك و تعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا و إلى يوم القيامة غضبان هو على إبليس و أوليائه أوراض عنهم؟
فقال:نعم هو غضبان عليه.
قال:فمتى رضي فخف و هو في صفتك لم يزل غضبانا عليه و على أتباعه؟ثمّ قال:ويحك كيف تجتري أن تصف ربك بالتغير(1)من حال إلى حال،و أنّه يجري عليه ما يجري على المخلوقين؟!سبحانه لم يزل مع الزائلين و لم يتغيّر مع المتغيّرين.
قال صفوان:فتحيّر أبو قرة و لم يحر جوابا حتّى قام و خرج(2).6.
ص: 379
عن عبد السّلام بن صالح الهروي قال:قلت لعليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام:يابن رسول اللّه!ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث:إنّ المؤمنين يزورون ربّهم من منازلهم في الجنّة؟
فقال عليه السّلام:يا أبا الصّلت!إنّ اللّه تبارك و تعالى فضّل نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على جميع خلقه من النبيّين و الملائكة،و جعل طاعته طاعته،و مبايعته مبايعته،و زيارته في الدنيا و الآخرة زيارته،فقال عزّ و جلّ:«مَنْ يُطِعِ اَلرَّسُولَ فَقَدْ أَطََاعَ اَللََّهَ»(1)و قال:«إِنَّ اَلَّذِينَ يُبََايِعُونَكَ إِنَّمََا يُبََايِعُونَ اَللََّهَ يَدُ اَللََّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»(2)و قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار اللّه»و درجة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الجنّةأرفع الدرجات،فمن زاره في درجته في الجنّة من منزله فقد زار اللّه تبارك و تعالى.
قال:قلت:يابن رسول اللّه!فما معنى الخبر الذي رووه:أنّ ثواب لاإله اللّه النظر إلى وجه اللّه؟
فقال عليه السّلام:يا أبا الصّلت!فمن وصف اللّه بوجه كالوجوه فقد
ص: 380
كفر،و لكن وجه اللّه أنبياؤه و رسله و حججه صلوات اللّه عليهم أجمعين،هم الذين بهم يتوجه إلى اللّه عزّ و جلّ و إلى دينه و معرفته،و قد قال اللّه عزّ و جلّ:«كُلُّ مَنْ عَلَيْهََا فََانٍ*`وَ يَبْقى ََ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو اَلْجَلاََلِ وَ اَلْإِكْرََامِ»(1)و قال اللّه عزّو جلّ:«كُلُّ شَيْ ءٍ هََالِكٌ إِلاََّ وَجْهَهُ»(2)فالنظر إلى أنبياء اللّه و رسله و حججه عليهم السّلام في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة،و قد قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«من أبغض أهل بيتي و عترتي لم يرني و لم أره يوم القيامة»و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ فيكم من لا يراني بعد أن يفارقني».ياأبا الصّلت!إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يوصف بمكان و لا يدرك بالأبصارو الأوهام.
قال:قلت له:يابن رسول اللّه!فأخبرني عن الجنّة و النّار:أهما اليوم مخلوقتان؟
فقال:نعم و إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد دخل الجنّة و رأى النّارلمّا عرج به إلى السّماء.
قال:فقلت له:إنّ قوما يقولون:إنّهما اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين؟
فقال عليه السّلام:ما أولئك منّا و لا نحن منهم،من أنكر خلق الجنّةو النّار فقد كذب النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذبنا،و ليس من ولايتنا على شي ء،و يخلد في نار جهنّم قال اللّه عزّ و جلّ:«هََذِهِ جَهَنَّمُ اَلَّتِي يُكَذِّبُ8.
ص: 381
بِهَا اَلْمُجْرِمُونَ*`يَطُوفُونَ بَيْنَهََا وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ»(1)و قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لمّا عرج بي إلى السّماء أخذ بيدي جبرئيل عليه السّلام فأدخلني الجنّة فناولني من رطبها فأكلته،فتحوّل ذلك نطفة في صلبي،فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت فاطمة عليها السّلام ففاطمةحوراء إنسية،فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمةعليها السّلام»(2).
و قال عليه السّلام:إنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«قال اللّه جلّ جلاله:ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي،و ما عرفني من شبّهني بخلقي،و ما على ديني من استعمل القياس في ديني».(1)
و قال عليه السّلام:«من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراطق-عمران الدقّاق،عن محمّد بن هارون الصوفي،عن عبيد اللّه بن موسى الرؤياني،عن عبد العظيم بن عبد اللّه بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام،عن إبراهيم بن أبي محمود،قال:قال علي بن موسى الرّضا عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جل...
و نقله في بحار الأنوار 4/28،و فسّر الآية.
ص: 383
مستقيم».
ثمّ قال عليه السّلام:إنّ في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن،و محكماكمحكم القرآن،فردّوا متشابهها إلى محكمها،و لا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا(1).
و قال عليه السّلام:من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك،و من نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر(2).
و عن الحسين بن خالد قال:سمعت الرّضا عليه السّلام يقول:لم يزل اللّه
ص: 384
عزّ و جلّ عالما قادرا حيّا قديما سميعا بصيرا.
فقلت له:يا ابن رسول اللّه!انّ قوما يقولون:لم يزل عالما بعلم،و قادرا بقدرة،و حيّا بحياة،و قديما بقدم،و سميعا بسمع،و بصيرا ببصر.
فقال عليه السّلام:من قال ذلك و دان به فقد اتّخذ مع اللّه آلهة أخرى،و ليس من ولايتنا على شي ء ثمّ قال عليه السّلام:لم يزل اللّه عزّ و جلّ عليماقادرا حيّا قديما سميعا بصيرا لذاته،تعالى عمّا يقول المشركون و المشبّهون علوّا كبيرا(1).
و عن الحسين بن خالد قال:قلت للرّضا عليه السّلام:يابن رسول اللّه!إنّ النّاس يروون:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إنّ اللّه خلق آدم على صورته».
فقال:قاتلهم اللّه!لقد حذفوا أوّل الحديث،إنّ رسول اللّه مرّ برجلين يتسابان،فسمع أحدهما يقول لصاحبه:«قبّح اللّه وجهك و وجه من
ص: 385
يشبهك».فقال له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«يا عبد اللّه لا تقل هذا لأخيك!فإنّ اللّه عزّ و جلّ خلق آدم على صورته»(1).
و عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قلت للرّضا عليه السّلام:يابن رسول اللّه!ما تقول في الحديث الذي يرويه النّاس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل كل ليلة إلى السّماء الدنيا»؟
فقال عليه السّلام:لعن اللّه المحرّفين الكلم عن مواضعه،و اللّه ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كذلك إنّما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّه تبارك و تعالى ينزل ملكا إلى السّماء كلّ ليلة في الثلث الأخير و ليلة الجمعةفي أول اللّيل،فيأمره فينادي:هل من سائل فأعطيه؟هل من تائب فأتوب عليه؟هل من مستغفر فأغفر له؟يا طالب الخير أقبل،يا طالب الشّر أقصر!فلا يزال ينادي بهذا حتّى يطلع الفجر،فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السّماء».
ص: 386
حدّثني بذلك أبي،عن جدّي،عن آبائه،عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1).
و عن محمّد بن سنان قال:سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام:هل كان اللّه عارفا بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟قال:نعم.
قلت:يراها و يسمعها؟قال:ما كان محتاجا إلى ذلك لأنّه لم يكن يسألها و لا يطلب منها شيئا،هو نفسه،و نفسه هو،قدرته نافذة،فليس يحتاج إلى أن يسمّي نفسه،و لكنّه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها،لأنّه إذا لم يدع باسمه لم يعرف،فأول ما اختار لنفسه«العليّ العظيم»لأنّه أعلى الأشياء كلّها،فمعناه:«اللّه»و اسمه:«العليّ العظيم»هو أول أسمائه لأنّه عليّ علا كلّ شي ء(2).
ص: 387
و قال عليه السّلام في قوله:«يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سََاقٍ»(1)فساق حجاب من نور يكشف فيقع المؤمنون سجدا،و تدمج(2)أصلاب المنافقين فلايستطيعون السّجود(3).
و سئل عن قوله عزّ و جلّ:«كَلاََّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍق-باب معنى الاسم،برقم 2.و العيون 1/129،الباب 11،برقم 24:عن أبيه،عن أحمد بن إدريس،عن الحسين بن عبيد اللّه،عن محمّد بن عبد اللّه؛و موسى بن عمرو؛و الحسن بن علي بن أبي عثمان،عن ابن سنان:قال:سألت...
و نقله في بحار الأنوار 4/175.
ص: 388
لَمَحْجُوبُونَ»(1)فقال:إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده،و لكنّه يعني:عن ثواب ربهم لمحجوبون(2).
و سئل عن قوله عزّ و جلّ:«وَ جََاءَ رَبُّكَ وَ اَلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا»(3)فقال:إنّ اللّه لا يوصف بالمجي ء و الذهاب و الانتقال،إنّما يعني بذلك:و جاء أمر ربك(4).
و سئل عن قوله:«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاََّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اَللََّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ اَلْغَمََامِ
ص: 389
وَ اَلْمَلاََئِكَةُ»(1)قال:معناه:هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه بالملائكة في ظلل من الغمام و هكذا نزلت(2).
و سئل عن قوله عزّ و جلّ:«سَخِرَ اَللََّهُ مِنْهُمْ»(3)و عن قوله:«اَللََّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ»(4)و عن قوله:«وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اَللََّهُ وَ اَللََّهُ خَيْرُاَلْمََاكِرِينَ»(5)و عن قوله:«يُخََادِعُونَ اَللََّهَ وَ هُوَ خََادِعُهُمْ»(6).
فقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يسخر و لا يستهزى ء و لا يمكر و لا يخادع و لكنّه عزّ و جلّ يجازيهم جزاء السخرية و جزاء الاستهزاء و جزاء المكرو جزاء الخديعة،تعالى اللّه عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا(7).
ص: 390
و سئل عن قوله عزّ و جلّ:«نَسُوا اَللََّهَ فَنَسِيَهُمْ»(1)فقال:إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يسهو،و لا ينسى و إنّما ينسى و يسهو المخلوق المحدث،ألا تسمعه عزّ و جلّ يقول:«وَ مََا كََانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»(2)،و إنّما يجازي من نسيه و نسي لقاء يومه،بأن ينسيهم أنفسهم،كما قال:«نَسُوا اَللََّهَ فَأَنْسََاهُمْ أَنْفُسَهُمْ»(3)،و قال:«فَالْيَوْمَ نَنْسََاهُمْ كَمََا نَسُوا لِقََاءَ يَوْمِهِمْ هََذََا»(4)أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا(5)،أي نجازيهم على ذلك.
ص: 391
و سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ:«فَمَنْ يُرِدِ اَللََّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلاََمِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمََا يَصَّعَّدُ فِي اَلسَّمََاءِ»(1)قال:من يرد اللّه أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته و داركرامته في الآخرة،يشرح صدره للتسليم للّه و الثقة به و السكون إلى ماوعده من ثوابه حتّى يطمئن إليه،و من يرد أن يضلّه عن جنته و دار كرامته في الآخرة-لكفره به و عصيانه له في الدنيا-يجعل صدره ضيقا حرجا،حتّى يشك في كفره و يضطرب عن اعتقاده قلبه حتّى يصير كأنّما يصعد في السّماء،كذلك يجعل اللّه الرجس على الذين لا يؤمنون(2).
ص: 392
أبو الصّلت الهروي قال:سأل المأمون الرّضا عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيََّامٍ وَ كََانَ عَرْشُهُ عَلَى اَلْمََاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»؟(1).
فقال:إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق العرش و الماء و الملائكة قبل السّماوات و الأرض،فكانت الملائكة تستدل بأنفسها و بالعرش و بالماءعلى اللّه عزّ و جلّ ثمّ جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكةفتعلم(2)أنّه على كل شي ء قدير،ثمّ رفع العرش بقدرته و نقله فجعله فوق السّماوات السبع،ثمّ خلق السّماوات و الأرض في ستة أيّام و هو مستول على عرشه،و كان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين،و لكنّه عزّ و جلّ خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شي ء،فتستدل بحدوث ما يحدث على اللّه تعالى مرّة بعد مرّة،و لم يخلق العرش لحاجة به إليه،لأنّه غني عن العرش و عن جميع ما خلق،لا يوصف بالكون على العرش،لأنّه ليس بجسم،تعالى اللّه عن صفة خلقه علوّا كبيرا.
و أمّا قوله:«لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»فانّه عزّ و جلّ خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته و عبادته،لا على سبيل الامتحان و التجربة،لأنّه لم
ص: 393
يزل عليما بكل شي ء.
فقال المأمون:فرّجت عني يا أبا الحسن فرّج اللّه عنك.
ثمّ قال له:يابن رسول اللّه!فما معنى قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ لَوْ شََاءَرَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ اَلنََّاسَ حَتََّى يَكُونُوامُؤْمِنِينَ*`وَ مََا كََانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاََّ بِإِذْنِ اَللََّهِ»(1).
فقال الرّضا عليه السّلام:حدّثني أبي موسى بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمّد،عن أبيه محمّد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين ابن عليّ،عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السّلام قال:إنّ المسلمين قالوالرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لو أكرهت يا رسول اللّه من قدرت عليه من النّاس على الإسلام لكثر عددنا و قوينا على عدونا.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ما كنت لألقى اللّه عزّ و جلّ ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئا و ما أنا من المتكلّفين»فأنزل اللّه تعالى عليه:يا محمّد«وَ لَوْ شََاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً»على سبيل الالجاء و الاضطرار في الدنيا،كما يؤمن عند المعاينة و رؤية البأس في الآخرة،و لو فعلت ذلك بهم لم يستحقوا مني ثوابا و لا مدحا،و لكنّي أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين،ليستحقوا مني الزلفى و الكرامة،و دوام الخلود في جنّة الخلد«أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ اَلنََّاسَ حَتََّى يَكُونُوامُؤْمِنِينَ».0.
ص: 394
و أمّا قوله عزّ و جلّ:«وَ مََا كََانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاََّ بِإِذْنِ اَللََّهِ»فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها،و لكن على معنى أنّها ما كانت لتؤمن إلاّ بإذن اللّه،و إذنه أمره لها بالإيمان بما كانت مكلّفة متعبدة بها،و إلجاؤه إياها إلى الإيمان عند زوال التكلف و التعبد عنها.
فقال المأمون:فرّجت عني فرّج اللّه عنك فأخبرني عن قول اللّه عزّو جلّ:«اَلَّذِينَ كََانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطََاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كََانُوا لاََ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً»(1).
فقال:إنّ غطاء العين لا يمنع من الذكر،و الذكر لا يرى بالعين،و لكن اللّه عزّ و جلّ شبّه الكافرين بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بالعميان،لأنّهم كانوا يستثقلون قول النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه،و لايستطيعون له سمعا.
فقال المأمون:فرّجت عني فرّج اللّه عنك(2).2.
ص: 395
و عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني رضي اللّه عنه عن إبراهيم بن أبي محمود قال:سألت أبا الحسن الرّضا عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ«وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُمََاتٍ لاََ يُبْصِرُونَ»(1)فقال:إنّ اللّه تبارك و تعالى لايوصف بالترك كما يوصف خلقه،و لكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر و الضلال منعهم المعاونة و اللّطف،و خلّى بينهم و بين اختيارهم.
قال:و سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ:«خَتَمَ اَللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى ََسَمْعِهِمْ»(2).
قال:الختم:هو«الطبع»على قلوب الكفار عقوبة[لهم](3)على كفرهم،كما قال عزّ و جلّ:«بَلْ طَبَعَ اَللََّهُ عَلَيْهََا بِكُفْرِهِمْ فَلاََ يُؤْمِنُونَ إِلاََّقَلِيلاً»(4).
قال:و سألته عن اللّه عزّ و جلّ هل يجبر عباده على المعاصي؟
فقال:لا،بل يخيرهم،و يمهلهم حتّى يتوبوا.
قلت:فهل يكلّف عباده ما لا يطيقون؟
ص: 396
فقال:كيف يفعل ذلك و هو يقول:«وَ مََا رَبُّكَ بِظَلاََّمٍ لِلْعَبِيدِ»؟(1)
ثمّ قال عليه السّلام:حدّثني أبي موسى بن جعفر،عن أبيه جعفر بن محمد،[عن أبيه محمّد بن علي،عن أبيه علي بن الحسين،عن أبيه الحسين بن علي،عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام](2)أنّه قال:من زعم أنّ اللّه يجبر عباده على المعاصي أو يكلّفهم ما لا يطيقون فلا تأكلواذبيحته،و لا تقبلوا شهادته،و لا تصلّوا وراءه،و لا تعطوه من الزّكاةشيئا(3).
و عن يزيد بن عمير بن معاوية الشّامي قال:دخلت على عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام بمرو،فقلت له:يابن رسول اللّه!روي لنا عن الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام أنّه قال:«لا جبر و لا تفويض،بل أمر بين الأمرين»ما معناه؟
ص: 397
فقال:من زعم أنّ اللّه يفعل أفعالنا ثمّ يعذّبنا عليها،فقد قال«بالجبر»،و من زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ فوّض أمر الخلق و الرزق إلى حججه عليهم السّلام فقد قال«بالتفويض»و القائل بالجبر كافر،و القائل بالتفويض مشرك.
فقلت:يابن رسول اللّه!فما أمر بين الأمرين؟
فقال:وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به،و ترك ما نهوا عنه.
قلت له:و هل للّه مشية و إرادة في ذلك؟
فقال:أمّا الطّاعات،فإرادة اللّه و مشيته فيها الأمر بها و الرّضا لهاو المعاونة عليها،و إرادته و مشيته في المعاصي:النهي عنها و السّخط لهاو الخذلان عليها.
قلت:فللّه عزّ و جلّ فيها القضاء؟
قال:نعم.ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلاّ و للّه فيه قضاء.قلت:ما معنى هذا القضاء؟
قال:الحكم عليهم بما يستحقونه من الثواب و العقاب في الدنياو الآخرة(1).1.
ص: 398
و روي أنّه ذكر عنده الجبر و التفويض فقال:إنّ اللّه لم يطع بإكراه،و لم يعص بغلبة،و لم يهمل العباد في ملكه،هو المالك لما ملكهم(1)و القادر على ما أقدرهم عليه،فان ائتمر العباد بطاعة لم يكن اللّه عنها صاداو لا منها مانعا،و ان ائتمروا بمعصية فشاء أن يحول بينهم و بين ذلك فعل،و إن لم يحل و فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه.ثمّ قال عليه السّلام:من يضبطحدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه(2).
و عن الحسين بن خالد،عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام قال:قلت له:
ص: 399
يابن رسول اللّه!انّ النّاس ينسبوننا الى القول بالتشبيه و الجبر،لما روي من الأخبار في ذلك عن أبائك الأئمة عليهم السّلام.
فقال:يابن خالد!أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي الأئمةعليهم السّلام في الجبر و التشبيه أكثر أم الأخبار التي رويت عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في ذلك؟
فقلت:بل ما رويت عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أكثر.
قال:فليقولوا:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يقول بالتشبيه و الجبر.
فقلت له:إنهم يقولون:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يقل شيئامن ذلك و إنّما روي عليه.
قال:فليقولوا في آبائي الأئمة عليهم السّلام:إنّهم لم يقولوا من ذلك شيئاو إنّما روي عليهم ثمّ قال عليه السّلام:من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافرمشرك،و نحن منه براء في الدنيا و الآخرة،يابن خالد!إنّما وضع الأخبارعنّا في التشبيه و الجبر«الغلاة»الذين صغروا عظمة اللّه،فمن أحبهم فقدأبغضنا،و من أبغضهم فقد أحبّنا،و من والاهم فقد عادانا،و من عاداهم فقدوالانا،و من وصلهم فقد قطعنا،و من قطعهم فقد وصلنا،و من جفاهم فقدبرّنا،و من برّهم فقد جفانا،و من أكرمهم فقد أهاننا،و من أهانهم فقدأكرمنا،و من قبلهم فقد ردّنا،و من ردّهم فقد قبلنا،و من أحسن إليهم فقدأساء إلينا،و من أساء إليهم فقد أحسن إلينا،و من صدقهم فقد كذّبنا،و من كذّبهم فقد صدّقنا،و من أعطاهم فقد حرمنا،و من حرمهم فقد أعطانا.
ص: 400
يابن خالد!من كان من شيعتنا فلا يتّخذنّ منهم وليّا و لا نصيرا(1).
روي عن الحسن بن محمّد النوفلي أنّه قال:لمّا قدم عليّ بن موسى الرّضا صلوات اللّه عليه على المأمون،أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات،مثل:الجاثليق،و رأس الجالوت،و رؤساء الصابئين،و الهربذالأكبر،و أصحاب زردشت و قسطاس الرّومي،و المتكلّمين،ليسمع كلامه و كلامهم،فجمعهم الفضل بن سهل ثمّ أعلم المأمون باجتماعهم فقال:أدخلهم عليّ ففعل،فرحّب بهم المأمون ثمّ قال لهم:
إنّما جمعتكم لخير،و أحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدني القادم عليّ فإذا كان بكرة غد فاغدوا عليّ و لا يتخلّف منكم أحد.
فقالوا:السّمع و الطاعة يا أمير المؤمنين،نحن مبكرون إن شاء اللّه.
قال الحسن بن محمّد النوفلي:فبينا نحن في حديث لنا عند أبي
ص: 401
الحسن الرّضا عليه السّلام إذ دخل علينا ياسر الخادم-و كان يتولّى أمر أبي الحسن عليه السّلام-فقال:يا سيدي!إنّ أمير المؤمنين يقرؤك السّلام و يقول:فداك أخوك،إنّه اجتمع إليّ أصحاب المقالات و أهل الأديان و المتكلّمون من جميع أهل الملل،فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم،و إن كرهت ذلك فلا تتجشّم،و إن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا.
فقال أبو الحسن عليه السّلام:أبلغه السّلام و قل له:قد علمت ما أردت،و أنا صائر إليك بكرة إن شاء اللّه.
قال الحسن بن محمّد النوفلي:فلمّا مضى ياسر التفت إلينا ثمّ قال لي:يا نوفلي!أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة،فما عندك في جمع ابن عمّي علينا أهل الشرك و أصحاب المقالات؟
فقلت:جعلت فداك!يريد الامتحان،و يحب أن يعرف ما عندك،و لقد بنى على أساس غير وثيق البنيان،و بئس و اللّه ما بنى.
فقال لي:و ما بناؤه في هذا الباب؟
قلت:إنّ أصحاب الكلام و البدع خلاف العلماء،و ذلك أنّ العالم لاينكر غير المنكر،و أصحاب المقالات و المتكلّمون و أهل الشّرك أصحاب إنكار و مباهتة،إن احتججت عليهم بأنّ اللّه واحد قالوا:صحّح وحدانيّته،و إن قلت:إنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رسول اللّه،قالوا:أثبت رسالته،ثمّ يباهتون الرجل-و هو يطل عليهم(1)بحجّته-و يغالطونه حتّى..
ص: 402
يترك قوله،فاحذرهم جعلت فداك!
قال:فتبسّم عليه السّلام ثمّ قال:يا نوفلي!أتخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟!
قلت:لا و اللّه ما خفت عليك قطّ،و إنّي لأرجو أن يظفرك اللّه بهم إن شاء اللّه تعالى.
فقال لي:يا نوفلي!أتحب أن تعلم متى يندم المأمون؟قلت:نعم.
قال:إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم،و على أهل الإنجيل بإنجيلهم،و على أهل الزبور بزبورهم،و على الصابئين بعبرانيتهم،و على الهرابذة بفارسيتهم،و على أهل الرّوم بروميتهم،و على أهل المقالات بلغاتهم،فإذا قطعت كل صنف و دحضت حجّته و ترك مقالته و رجع إلى قولي،علم المأمون أنّ الموضع الذي هو بسبيله ليس بمستحق له،فعند ذلك تكون الندامة منه،و لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العليّ العظيم.
فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له:جعلت فداك!انّ ابن عمّك ينتظرك،و قد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟
فقال له الرّضا عليه السّلام:تقدّمني فاني سائر إلى ناحيتكم إن شاء اللّه،ثمّ توضأ عليه السّلام وضوء الصّلاة،و شرب شربة سويق و سقانا،ثمّ خرج و خرجنا معه حتّى دخلنا على المأمون،و إذا المجلس غاص بأهله،و محمّدابن جعفر في جماعة الطالبيين و الهاشميين و القواد حضور.
فلمّا دخل الرّضا عليه السّلام،قام المأمون و قام محمّد بن جعفر و جميع
ص: 403
بني هاشم فما زالوا وقوفا-و الرّضا عليه السّلام جالس مع المأمون-حتّى أمرهم بالجلوس فجلسوا فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدّثه ساعة،ثمّ التفت إلى الجاثليق فقال:
يا جاثليق!هذا ابن عمّي عليّ بن موسى بن جعفر و هو من ولد فاطمةبنت نبينا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ابن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فأحب أن تكلّمه و تحاجه و تنصفه.
فقال الجاثليق:يا أمير المؤمنين!كيف أحاج رجلا يحتجّ عليّ بكتاب أنا منكره،و نبيّ لا أؤمن به؟
فقال الرّضا عليه السّلام:يا نصراني!فان احتججت عليك بإنجيلك أتقرّبه؟
قال الجاثليق:و هل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل،نعم و اللّه أقرّبه على رغم أنفي.
فقال له الرّضا عليه السّلام:سل عمّا بدالك و اسمع الجواب.
قال الجاثليق:ما تقول في نبوة عيسى و كتابه،هل تنكر منهماشيئا؟
قال الرّضا عليه السّلام:أنا مقرّ بنبوّة عيسى و كتابه،و ما بشّر به أمّته،و أقرّت به الحواريون،و كافر بنبوّة كل عيسى لم يقرّ بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كتابه،و لم يبشّر به أمّته!
قال الجاثليق:أ ليس إنّما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟قال:بلى.
قال:فأقم شاهدين من غير أهل ملّتك على نبوة محمّد ممّن لا تنكره
ص: 404
النصرانية و سلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا.
قال الرّضا عليه السّلام:الآن جئت بالنصفة يا نصراني!ألا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسى بن مريم عليهما السّلام؟قال الجاثليق:و من هذا العدل سمّه لي؟
قال:ما تقول في(يوحنّا)الديلمي؟قال:بخ بخ!ذكرت أحب النّاس إلى المسيح.
قال:فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنّا قال:إنّ المسيح أخبرني بدين محمّد العربي و بشّرني به أنّه يكون من بعدي،فبشّرت به الحواريين فآمنوا به؟
قال الجاثليق:قد ذكر ذلك يوحنّا عن المسيح،و بشر بنبوة رجل و بأهل بيته و وصيه و أهل بيته،و لم يلخّص متى يكون ذلك،و لم يسمّ لناالقوم فنعرفهم.
قال الرّضا عليه السّلام:فان جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكرمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته و أمّته أتؤمن به؟قال:سديدا(1).
قال الرّضا لقسطاس الرّومي:كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟
قال:ما أحفظني له،ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال عليه السّلام:أ لست تقرأ الإنجيل؟قال:بلى لعمري.د.
ص: 405
قال:فخذ عليّ السفر الثالث،فان كان فيه ذكر محمّد و أهل بيته و أمّته فاشهدوا لي،و إن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي!
ثمّ قرأ عليه السّلام السفر الثالث حتّى بلغ ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،وقف ثمّ قال:يا نصراني!إنّي أسألك بحقّ المسيح و أمّه،أ تعلم أنّي عالم بالإنجيل؟
قال:نعم،ثمّ تلا علينا ذكر محمّد و أهل بيته و أمّته،ثمّ قال:ما تقول يا نصراني؟هذا قول عيسى بن مريم،فان كذبت ما ينطق به الإنجيل فقدكذبت موسى و عيسى عليهما السّلام،و متى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل،لأنّك تكون قد كفرت بربّك و نبيّك و بكتابك.
قال الجاثليق:لا أنكر ما قد بان لي من الإنجيل،و إنّي لمقرّ به.
قال الرّضا عليه السّلام:اشهدوا على إقراره.
ثمّ قال:يا جاثليق!سل عمّا بدالك،قال الجاثليق:أخبرني عن حواريّ عيسى بن مريم عليهما السّلام كم كان عدّتهم؟و عن علماء الإنجيل كم كانوا؟
قال الرّضا عليه السّلام:على الخبير سقطت،أمّا الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا،و كان أفضلهم و أعلمهم(لوقا)(1)و أمّا علماء النّصارى فكانواثلاثة رجال(يوحنّا)الأكبر-باحى(2)-و(يوحنّا)بقرقيسيا و(يوحنّا)ي.
ص: 406
الديلمي بزجار(1)و عنده كان ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ذكر أهل بيته و هو الذي بشّر أمّة عيسى و بني إسرائيل به.
ثمّ قال:يا نصرانيّ!و اللّه إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.و ما ننقم على عيساكم شيئا إلاّ ضعفه و قلّة صيامه و صلاته.
قال الجاثليق:أفسدت و اللّه علمك و ضعفت أمرك و ما كنت ظننت إلاّ أنّك أعلم أهل الإسلام.
قال الرّضا عليه السّلام:و كيف ذلك؟قال الجاثليق:من قولك إنّ عيسى كان ضعيفا قليل الصيام و الصّلاة،و ما أفطر عيسى يوما قطّ،و لا نام بليل قطّ،و ما زال صائم الدّهر قائم اللّيل.
قال الرّضا عليه السّلام:فلمن كان يصوم و يصلي؟فخرس الجاثليق و انقطع.
قال الرّضا عليه السّلام:يا نصراني!إنّي أسألك عن مسألة.قال:سل!فان كان عندي علمها أجبتك.
قال الرّضا عليه السّلام:ما أنكرت أنّ عيسى كان يحيي الموتى بإذن اللّه عزّ و جلّ.
قال الجاثليق:أنكرت ذلك من قبل،إنّ من أحيى الموتى و أبرأالأكمه و الأبرص،فهو(ربّ)مستحق لأن يعبد.
قال الرّضا صلوات اللّه عليه:فان اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى عليهر.
ص: 407
السّلام:مشى على الماء و أحيى الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص،فلم تتّخذه أمّته ربّا و لم يعبده أحد من دون اللّه عزّ و جلّ؟و لقد صنع حزقيل النّبي مثل ما صنع عيسى بن مريم،فأحيى خمسة و ثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة،ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال له:يا رأس الجالوت!أ تجدهؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة،اختارهم(بخت نصر)من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس،ثمّ انصرف بهم إلى بابل،فأرسله اللّه عزّ و جلّ إليهم فأحياهم،هذا في التوراة لا يدفعه إلاّ كافر منكم.
قال رأس الجالوت:قد سمعنا به و عرفناه.قال:صدقت.
ثمّ قال:يا يهودي!خذ على هذا السفر من التوراة،فتلا عليه من التوراة آيات،فأقبل اليهودي يترجح لقراءته،و يتعجب ثمّ أقبل على النصراني فقال:يا نصراني!أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟
قال:بل كانوا قبله.
قال الرّضا عليه السّلام:لقد اجتمعت قريش إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسألوه أن يحيي لهم موتاهم،فوجّه معهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال له:«اذهب إلى الجبانة(1)،فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك،يا فلان،و يا فلان،و يا فلان،يقول لكم محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قوموا بإذن اللّه عزّ و جلّ».8.
ص: 408
فناداهم فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم،ثمّ أخبروهم أنّ محمّدا قد بعث نبيا فقالوا:وددنا أن أدركناه فنؤمن به،و لقد أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين،و لقد كلمته البهائم و الطير و الجن و الشّياطين،و لم نتخذه ربا من دون اللّه،و لم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم،فان اتّخذتم عيسى ربا جاز لكم أن تتخذوا اليسع و حزقيل ربّين،لأنّهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى بن مريم من إحياء الموتى و غيره.
ثمّ أنّ قوما من بني إسرائيل خرجوا من بلادهم من الطاعون و هم ألوف حذر الموت فأماتهم اللّه في ساعة واحدة،فعمد أهل تلك القريةفحظّروا عليهم حظيرة،فلم يزالوا فيها حتّى نخرت عظامهم و صاروارميما،فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجب منهم و من كثرة العظام البالية،فأوحى اللّه عزّ و جلّ إليه أ تحب أن احييهم لك فتنذرهم؟
قال:نعم يا ربّ.
فأوحى اللّه إليه أن نادهم فقال:أيّتها العظام البالية قومي بإذن اللّه عزّو جل!فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم،ثمّ إبراهيم خليل الرّحمان عليه السّلام حين اتّخذ الطير فقطعهنّ قطعا،ثمّ وضع على كل جبل منهنّ جزء،ثمّ ناداهنّ فأقبلن سعيا إليه،ثمّ موسى بن عمران و أصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له:إنّك قد رأيت اللّه فأرناه كما رأيته.
فقال لهم:إنّي لم أره.
ص: 409
فقالوا:لن نؤمن لك حتّى نرى اللّه جهرة،فأخذتهم الصاعقة[بظلمهم](1)فاحترقوا عن آخرهم و بقي موسى وحيدا.
فقال:يا رب!اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم،فأرجع وحدي(2)،فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به،فلو شئت أهلكتهم من قبل و إيّاي أ فتهلكنا بما فعل السفهاء منّا؟
فأحياهم اللّه عزّ و جلّ من بعد موتهم،و كل شي ء ذكرته لك من هذا لاتقدر على دفعه،لأنّ التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان قد نطقت به،فان كان كل من أحيى الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين يتخذ ربّا من دون اللّه تعالى فاتّخذ هؤلاء كلّهم أربابا!ما تقول يا نصراني؟!
فقال الجاثليق:القول قولك،و لا إله إلاّ اللّه.
ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال:يا يهودي!أقبل عليّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران عليه السّلام(3)هل تجد في التوارة مكتوبا نبأ محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمّته إذا جاءت الأمّة الأخيرةأتباع راكب البعير،يسبّحون الرّب جدا جدا،تسبيحا جديدا في الكنايس الجدد،فليفزع بنو إسرائيل إليهم و إلى ملكهم لتطمئن قلوبهم فان بأيديهم سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض،هكذا هو فيد.
ص: 410
التوارة مكتوب؟
قال رأس الجالوت:نعم.إنّا لنجد ذلك كذلك.
ثمّ قال للجاثليق:يا نصراني!كيف علمك بكتاب شعيا؟قال:أعرفه حرفا حرفا.
قال لهما:أ تعرفان هذا من كلامه؟يا قوم إنّي رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور،و رأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر؟فقالا:قد قال ذلك شعيا.
قال الرّضا عليه السّلام:يا نصراني!أ هل تعرف في الإنجيل قول عيسى:إني ذاهب إلى ربكم و ربي،و(البارقليطا)(1)جائي هو الذي يشهد لي بالحقّ كما شهدت له،و هو الذي يفسّر لكم كل شي ء،و هو الذي يبدي فضايح الأمم،و هو الذي يكسر عمود الكفر؟
فقال الجاثليق:ما ذكرت شيئا من الإنجيل إلاّ و نحن مقرّون به.
فقال عليه السّلام:أ تجد هذا في الإنجيل ثابتا؟قال:نعم.
قال الرّضا عليه السّلام:يا جاثليق!ألا تخبرني عن الإنجيل الأول حين افتقدتموه،عند من وجدتموه؟و من وضع لكم هذا الإنجيل؟
قال له:ما افتقدنا الإنجيل إلاّ يوما واحدا حتّى وجدناه غضّا طريافأخرجه إلينا يوحنّا و متّى.
فقال الرّضا عليه السّلام:ما أقل معرفتك بسنن الإنجيل و علمائه،فانا.
ص: 411
كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل؟و إنّما وقع الاختلاف في هذاالإنجيل الذي في أيديكم اليوم،فلو كان على العهد الأول لم تختلفوا فيه،و لكنّي مفيدك علم ذلك،إعلم انّه لمّا افتقد الإنجيل الأول اجتمعت النّصارى إلى علمائهم فقالوا لهم:قتل عيسى بن مريم و افتقدنا الإنجيل،و أنتم العلماء فما عندكم؟
فقال لهم الوقا و مرقانوس و يوحنّا و متّى:إنّ الإنجيل في صدورناو نحن العلماء نخرجه إليكم سفرا سفرا،في كل أحد،فلا تحزنوا عليه و لاتخلوا الكنايس،فانا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتّى نجمعه كلّه.
فقال الرّضا عليه السّلام:إنّ الوقا و مرقانوس و يوحنّا و متّى وضعوا لكم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأول،و إنّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذتلاميذ الأولين،أعلمت ذلك؟
قال الجاثليق:أمّا قبل هذا فلم أعلمه و قد علمته الآن،و قد بان لي من فضل علمك بالإنجيل و سمعت(1)أشياء ممّا علمته شهد قلبي أنّها حقّ،و استزدت كثيرا من الفهم.
فقال الرّضا عليه السّلام:فكيف شهادة هؤلاء عندك؟
قال:جائزة،هؤلاء علماء الانجيل،و كلّ ما شهدوا به فهو حقّ.
فقال الرّضا عليه السّلام-للمأمون و من حضره من أهل بيته و من غيرهم..
ص: 412
-:اشهدوا عليه!
قالوا:قد شهدنا.
ثمّ قال للجاثليق:بحقّ الابن و أمّه،هل تعلم أنّ(متّى)قال في نسبةعيسى:إنّ المسيح بن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهود بن خضرون؟(1)و قال(مرقانوس)في نسبة عيسى بن مريم عليهما السّلام:إنّه كلمةاللّه أحلها في جسد الآدمي فصارت إنسانا؟و قال(الوقا):إنّ عيسى بن مريم و أمّه كانا إنسانين من لحم و دم فدخل فيهما روح القدس؟ثمّ إنّك تقول من شهادة عيسى على نفسه حقّا أقول لكم إنّه لا يصعد إلى السّماء إلاّ من نزل منها إلاّ راكب البعير خاتم الأنبياء،فانّه يصعد إلى السّماء و ينزل فما تقول في هذا القول؟
قال الجاثليق:هذا قول عيسى لا ننكره.
قال الرّضا عليه السّلام:فما تقول في شهادة الوقا و مرقانوس و متّى على عيسى و ما نسبوه إليه؟قال الجاثليق:كذبوا على عيسى.
قال الرّضا عليه السّلام:يا قوم!أ ليس قد زكاهم و شهد أنّهم علماءالإنجيل و قولهم حقّ؟فقال الجاثليق:يا عالم المسلمين!أحب أن تعفيني من أمر هؤلاء.
قال الرّضا عليه السّلام:فإنّا قد فعلنا.سل يا نصراني عمّا بدالك؟
فقال الجاثليق:ليسألك غيري،فو اللّه ما ظننت أنّ في علماءن.
ص: 413
المسلمين مثلك.
فالتفت الرّضا عليه السّلام إلى رأس الجالوت فقال له:تسألني أو أسألك؟فقال:بل أسألك و لست أقبل منك حجّة إلاّ من التوراة،أو من الإنجيل أومن زبور داود،أو ما في صحف إبراهيم و موسى.
فقال الرّضا عليه السّلام:لا تقبل مني حجّة إلاّ بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران عليه السّلام،و الإنجيل على لسان عيسى بن مريم عليهماالسّلام،و الزبور على لسان داود عليه السّلام.
فقال رأس الجالوت:من أين تثبت نبوّة محمّد-صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-؟
قال الرّضا عليه السّلام:شهد بنبوته موسى بن عمران،و عيسى بن مريم،و داود خليفة اللّه في الأرض عليهم السّلام.
فقال له:أثبت قول موسى بن عمران!
قال الرّضا عليه السّلام:تعلم يا يهودي أنّ موسى أوصى بني إسرائيل فقال له:إنّه سيأتيكم نبي من إخوانكم فيه فصدقوا،و منه فاسمعوا،فهل تعلم أنّ لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابةإسرائيل من إسماعيل و النسب الذي(1)بينهما من قبل إبراهيم عليه السّلام؟
فقال رأس الجالوت:هذا قول موسى لا ندفعه.
فقال له الرّضا عليه السّلام:هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبيّ غير..
ص: 414
محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟قال:لا.
فقال الرّضا عليه السّلام:أ فليس قد صحّ هذا عندكم؟
قال:نعم،و لكنّي احب أن تصححه لي من التوراة.
فقال له الرّضا عليه السّلام:هل تنكر أنّ التوراة تقول لكم:جاء النور من قبل طور سيناء،و أضاء للنّاس من جبل ساعير،و استعلن علينا من جبل فاران؟قال رأس الجالوت:أعرف هذه الكلمات و ما أعرف تفسيرها.
قال الرّضا عليه السّلام:أنا أخبرك به،أمّا قوله:«جاء النور من قبل طورسيناء»:فذلك وحي اللّه تبارك و تعالى الذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء،و أمّا قوله:«و أضاء النّاس في جبل ساعير»فهو:الجبل الذي أوحى اللّه عزّ و جلّ إلى عيسى بن مريم عليهما السّلام و هو عليه،و أمّا قوله:«و استعلن علينا من جبل فاران»:فذاك جبل من جبال مكّة،و بينه و بينهايومان أو يوم.
قال شعيا النبي-فيما تقول أنت و أصحابك في التوراة-رأيت راكبين أضاء لهما الأرض،أحدهما على حمار،و الآخر على جمل،فمن راكب الحمار و من راكب الجمل؟قال رأس الجالوت:لا أعرفهمافخبرني بهما؟
قال عليه السّلام:أما راكب الحمار فعيسى،و أمّا راكب الجمل فمحمّدصلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أ تنكر هذا من التوراة؟قال:لا،ما أنكره.
ثمّ قال الرّضا عليه السّلام:هل تعرف حيقوق النّبي عليه السّلام؟قال:نعم إنّي به لعارف!
ص: 415
قال:فانه قال-و كتابكم ينطق به-:جاء اللّه تعالى بالبيان من جبل فاران،و امتلأت السّماوات من تسبيح أحمد و أمّته،يحمل خيله في البحركما يحمل في البر،يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس،-يعني بالكتاب:القرآن-أ تعرف هذا و تؤمن به؟
قال رأس الجالوت:قد قال ذلك حيقوق النّبي عليه السّلام و لا ننكر قوله.
قال الرّضا عليه السّلام:فقد قال داود عليه السّلام في زبوره-و أنت تقرأه-:اللّهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة،فهل تعرف نبيا أقام السنّة بعد الفترة غيرمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟
قال رأس الجالوت:هذا قول داود نعرفه و لا ننكره،و لكن عنى بذلك:عيسى عليه السّلام،و أيّامه هي الفترة.
قال الرّضا عليه السّلام:جهلت إنّ عيسى لم يخالف السنة،و كان موافقالسنة التوراة حتّى رفعه اللّه إليه،و في الإنجيل مكتوب:إنّ ابن البرة ذاهب و(الفارقليطا)جائي من بعده و هو يخفّف الآصار،و يفسّر لكم كل شي ء،و يشهد لي كما شهدت له،أنا جئتكم بالأمثال و هو يأتيكم بالتأويل،أ تؤمن بهذا في الإنجيل؟قال:نعم،لا أنكره.
فقال الرّضا عليه السّلام:أسألك عن نبيك موسى بن عمران عليه السّلام.فقال:سل!
قال:ما الحجّة على أنّ موسى ثبتت نبوّته؟قال اليهودي:إنّه جاء بمالم يجي ء أحد من الأنبياء قبله.
قال له عليه السّلام:مثل ما ذا؟
ص: 416
قال:مثل فلق البحر،و قلبه العصا حيّة تسعى،و ضربه الحجرفانفجرت منه العيون،و إخراجه يده بيضاء للناظرين،و علامات لا يقدرالخلق على مثلها.
قال له الرّضا عليه السّلام:صدقت في أنّها كانت حجته على نبوته،إنّه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله،أ فليس كل من ادّعى أنّه نبي،ثمّ جاء بما لايقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟
قال:لا.لأنّ موسى لم يكن له نظير لمكانه من ربه و قربه منه،و لايجب علينا الإقرار بنبوّة من ادّعاها،حتّى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء.
قال الرّضا عليه السّلام:فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى عليه السّلام،و لم يفلقوا البحر و لم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عينا،و لم يخرجوا أيديهم مثل إخراج موسى يده بيضاء،و لم يقلبوا العصا حيّةتسعى؟!
قال له اليهودي:قد خبرتك أنّه متى جاءوا على نبوتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله،و لو جاءوا بمثل ما لم يجى ء به موسى،أوكانوا على ما جاء به موسى وجب تصديقهم.
قال الرّضا عليه السّلام:يا رأس الجالوت!فما يمنعك من الإقرار بعيسى ابن مريم و كان يحيي الموتى،و يبرى ء الأكمه و الأبرص،و يخلق من الطّين كهيئة الطير ثمّ ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن اللّه تعالى؟!
قال رأس الجالوت:يقال:إنّه فعل ذلك و لم نشهده.
قال الرّضا عليه السّلام:أ رأيت ما جاء به موسى عليه السّلام من الآيات
ص: 417
و شاهدته،أ ليس إنّما جاءت الأخبار من ثقاة أصحاب موسى أنّه فعل ذلك؟قال:بلى.
قال:فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم،فكيف صدّقتم بموسى و لم تصدّقوا بعيسى؟!فلم يحر جوابا.
فقال الرّضا عليه السّلام:و كذلك أمر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما جاء به،و أمر كل نبي بعثه اللّه،و من آياته أنّه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلم كتابا،و لم يختلف إلى معلم ثمّ جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء عليهم السّلام و أخبارهم حرفا حرفا،و أخبار من مضى و من بقي إلى يوم القيامة،ثمّ كان يخبرهم بأسرارهم و ما يعملون في بيوتهم،و جاء بآيات كثيرة لاتحصى.
قال رأس الجالوت:لم يصح عندنا خبر عيسى،و لا خبر محمّد،و لايجوز لنا أن نقرّ لهما بما لا يصح عندنا.
قال الرّضا عليه السّلام:فالشّاهد الذي يشهد لعيسى عليه السّلام و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شاهد زور؟فلم يحر جوابا.
ثمّ دعا بالهربذ الأكبر،فقال له الرّضا عليه السّلام:أخبرني عن زردشت الذي تزعم أنّه نبي،ما حجّتك على نبوته؟
قال:إنّه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله،و لم نشهده،و لكنّ الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنّه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه.
قال:أ فليس إنّما أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟قال:بلى.
قال:فكذلك سائر الأمم السالفة،أتتهم الأخبار بما أتى به النبيون،
ص: 418
و أتى به موسى و عيسى و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليهم السّلام،فما عذركم في ترك الإقرار بهم،إذ كنتم إنّما أقررتم بزردشت من قبل الأخبار المتواترةبأنّه جاء بما لم يجى ء به غيره؟فانقطع الهربذ مكانه.
فقال الرّضا عليه السّلام:يا قوم!إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام و أراد أن يسأل فليسأل غير محتشم!(1)
فقام إليه عمران الصابي-و كان واحدا من المتكلمين-فقال:ياعالم النّاس!لولا أنّك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل،و لقددخلت الكوفة و البصرة و الشّام و الجزيرة،و لقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحدا ليس غيره قائما بوحدانيته،أ فتأذن لي أن أسألك؟
قال الرّضا عليه السّلام:إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو!قال:أنا هو.
قال:سل يا عمران و عليك بالنصفة،و إيّاك و الخطل(2)و الجور!
فقال:و اللّه يا سيدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئا أتعلق به،فلاأجوزه!
قال:سل عمّا بدالك!فازدحم النّاس و انضمّ بعضهم إلى بعض.فقال:أخبرني عن الكائن الأول و عمّا خلق؟
قال:سألت فافهم الجواب!9.
ص: 419
أمّا الواحد:فلم يزل كائنا واحدا،لا شي ء معه،بلا حدود،و لاأعراض و لا يزال كذلك،ثمّ خلق خلقا مبتدعا مختلفا،بأعراض و حدودمختلفة،لا في شي ء أقامه،و لا في شي ء حدّه،و لا على شي ء حذاه و مثله،فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة و غير صفوة(1)،و اختلافا و ايتلافا،و ألوانا و ذوقا و طعما(2)،لا لحاجة كانت منه إلى ذلك،و لا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به،و لا رأى لنفسه فيما خلق زيادة و لا نقصانا،تعقل هذا ياعمران؟قال:نعم و اللّه يا سيدي.
قال:و اعلم يا عمران!أنّه لو كان خلق ما خلق لحاجة،لم يخلق إلاّمن يستعين به على حاجته،و لكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق،لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى.
-ثمّ طال السؤال و الجواب بين الرّضا عليه السّلام و بين عمران الصابي،و ألزمه عليه السّلام في أكثر مسائله حتّى انتهت الحال إلى أن قال-:يا سيدي!أشهد أنّه كما وصفت و لكن بقيت مسألة!
قال:سل عمّا أردت!
قال:أسألك عن(الحكيم)في أي شي ء هو؟و هل يحيط به شي ء؟و هل يتحول من شي ء إلى شي ء؟أو به حاجة إلى شي ء؟
قال الرّضا عليه السّلام:اخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه،فانه من..
ص: 420
أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم،و ليس يفهمه المتفاوت عقله(1)العازب حلمه،و لا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون.
أمّا أول ذلك:فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه،لجاز لقائل أن يقول:يتحوّل إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك،و لكنّه عزّ و جلّ لم يخلق شيئا لحاجة،و لم يزل ثابتا لا في شي ء[و لا على شي ء](2)،إلاّ أنّ الخلق يمسك بعضه بعضا و يدخل بعضه في بعض و يخرج منه.و اللّه جلّ و تقدّس بقدرته يمسك ذلك كلّه،و ليس يدخل في شي ء و لا يخرج منه و لا يؤوده حفظه،و لا يعجزعن إمساكه،و لا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلاّ اللّه عزّ و جلّ و من أطلعه من رسله و أهل سرّه و المستحفظين لأمره و خزّانه القائمين بشريعته،و إنّما أمره كلمح البصر أو هو أقرب،إذا شاء شيئا فانّما يقول له:كن فيكون بمشيئته و إرادته،و ليس شي ء من خلقه أقرب إليه من شي ء،و لا شي ءأبعد منه من شي ء،أ فهمت يا عمران؟
قال:نعم يا سيدي قد فهمت،و أشهد أنّ اللّه على ما وصفت و وحدت،و أنّ محمّدا عبده المبعوث بالهدى و دين الحق،ثمّ خرّ ساجدانحو القبلة و أسلم.
قال الحسن بن محمّد النوفلي:فلمّا نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي-و كان جدلا لم يقطعه عن حجّته أحد قطّ-لم يدن مند.
ص: 421
الرّضا عليه السّلام أحد منهم و لم يسألوه عن شي ء،و أمسينا فنهض المأمون و الرّضا عليه السّلام فدخلا و انصرف النّاس.
ثمّ قال الرّضا عليه السّلام-بعد أن عاد إلى منزله-:يا غلام!صر إلى عمران الصابي فأتني به.
فقلت:جعلت فداك!أنا أعرف موضعه و هو عند بعض إخواننا من الشّيعة.قال:فلا بأس قربوا إليه دابة.فصرت إلى عمران فأتيته به،فرحّب به،و دعا بكسوة فخلعها عليه(1)،و دعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها.
فقلت:جعلت فداك!حكيت فعل جدّك أمير المؤمنين عليه السّلام.
قال:هكذا يجب.ثمّ دعا عليه السّلام بالعشاء(2)فأجلسني عن يمينه،و أجلس عمران عن يساره،حتّى إذا فرغنا قال لعمران:إنصرف مصاحباو بكّر علينا نطعمك من طعام المدينة.
فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل عليهم أمرهم حتّى اجتنبوه،و وصله المأمون بعشرة آلاف درهم،و أعطاه الفضل مالا جزيلا،و ولاّه الرّضا عليه السّلام صدقات بلخ فأصاب الرغائب(3)(4).ن-
ص: 422
و روي عن عليّ بن الجهم أنّه قال:حضرت مجلس المأمون و عنده الرّضا عليه السّلام فقال له المأمون:
يا ابن رسول اللّه!أ ليس من قولك:«إنّ الأنبياء معصومون»؟قال:بلى.
قال:فما معنى قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ عَصى ََ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ََ»؟(1)
فقال عليه السّلام:إنّ اللّه تبارك و تعالى قال لآدم عليه السّلام:«اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ اَلْجَنَّةَ وَ كُلاََ مِنْهََا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمََا وَ لاََ تَقْرَبََا هََذِهِ اَلشَّجَرَةَ فَتَكُونََامِنَ اَلظََّالِمِينَ»(2)و لم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشّجرة،و لا ممّا كان من جنسها،فلم يقربا تلك الشّجرة و إنّما أكلا من غيرها إذا وسوس الشيطان إليهما و قال:«مََا نَهََاكُمََا رَبُّكُمََا عَنْ هََذِهِ اَلشَّجَرَةِ»(3)و إنّما نهاكماق-محمّد بن علي بن صدقة القمّي،عن أبي عمرو:محمّد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي،قال:حدّثني من سمع الحسن بن محمّد النوفلي ثمّ الهاشمي،يقول:لما قدم...و نقله العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار 10/299-328 مع شرح و توضيح،13/386 و 401 و 347،14/279 و 162 و 331 و 42،63/279.
ص: 423
أن تقربا غيرها،و لم ينهكما عن الأكل منها:«إِلاََّ أَنْ تَكُونََا مَلَكَيْنِ أَوْتَكُونََا مِنَ اَلْخََالِدِينَ»(1)«وَ قََاسَمَهُمََا إِنِّي لَكُمََا لَمِنَ اَلنََّاصِحِينَ»(2)و لم يكن آدم و حوا شاهدا قبل ذلك من يحلف باللّه كاذبا،«فَدَلاََّهُمََابِغُرُورٍ»(3)فأكلا منها ثقة بيمينه باللّه،و كان ذلك من آدم قبل النبوّة،و لم يكن ذلك بذنب كبير استحق دخول النّار به،و إنّما كان من الصغائرالموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم،فلمّا اجتباه اللّه تعالى و جعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة و لا كبيرة.قال اللّه تعالى:«وَ عَصى ََ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ََ*`ثُمَّ اِجْتَبََاهُ رَبُّهُ فَتََابَ عَلَيْهِ وَ هَدى ََ»(4)و قال اللّه عزّو جلّ:«إِنَّ اَللََّهَ اِصْطَفى ََ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرََاهِيمَ وَ آلَ عِمْرََانَ عَلَى اَلْعََالَمِينَ»(5).
قال المصنّف رحمه اللّه:لعلّ الرّضا صلوات اللّه عليه أراد(بالصغائرالموهوبة):ترك المندوب و ارتكاب المكروه من الفعل،دون الفعل القبيح الصغير بالإضافة إلى ما هو أعظم منه،لاقتضاء أدلة العقول و الأثر المنقول لذلك،و رجعنا إلى سياق الحديث.
ثمّ قال المأمون:فما معنى قول اللّه عزّ و جلّ:«فَلَمََّا آتََاهُمََا صََالِحاًجَعَلاََ لَهُ شُرَكََاءَ فِيمََا آتََاهُمََا»؟(6)
(1-2-3)الأعراف 7/20-22.
(4)طه 20/121 و 122.
(5)آل عمران 3/33.
(6)الأعراف 7/190.
ص: 424
فقال الرّضا عليه السّلام:إنّ حواء ولدت لآدم خمسمائة بطن،في كل بطن ذكر و أنثى و إنّ آدم و حواء عاهدا اللّه عزّ و جلّ و دعواه و قالا:«لَئِنْ آتَيْتَنََا صََالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ اَلشََّاكِرِينَ»(1)فلمّا آتاهما صالحا من النسل،خلقا سويا بريئا من الزمانة و العاهة،كان ما آتاهما صنفين،صنفا ذكراناو صنفا إناثا،فجعل الصنفان للّه تعالى شركاء فيما آتاهما و لم يشكراه كشكر أبويهما له عزّ و جلّ،قال اللّه تعالى:«فَتَعََالَى اَللََّهُ عَمََّا يُشْرِكُونَ»(2).
فقال المأمون:أشهد أنّك ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حقّا،فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ في إبراهيم:«فَلَمََّا جَنَّ عَلَيْهِ اَللَّيْلُ رَأى ََكَوْكَباً قََالَ هََذََا رَبِّي»؟(3)
فقال الرّضا عليه السّلام:إنّ إبراهيم وقع على ثلاثة أصناف:صنف يعبد(الزهرة)،و صنف يعبد(القمر)،و صنف يعبد(الشّمس)ذلك حين خرج من السرب(4)الذي اخفي فيه(5).
فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى(الزهرة)قال:«هََذََا رَبِّي»؟!على الإنكارو الاستخبار.«فَلَمََّا أَفَلَ-الكوكب-قََالَ لاََ أُحِبُّ اَلْآفِلِينَ»(6)لأنّ الأفول(1-2)الأعراف 7/189-190.
(3)الأنعام 6/76.
(4)السرب،بالتحريك:جحر الوحشي و الحفير تحت الأرض و القناة يدخل منها الماءالحائط-القاموس 1/81.
(5)في«أ»و«ب»و«ج»و«د»:اختفى فيه.
(6)الأنعام 6/76.
ص: 425
من صفات المحدث و ليس من صفات القديم.
«فَلَمََّا رَأَى اَلْقَمَرَ بََازِغاً قََالَ هََذََا رَبِّي»(1)؟!على الإنكارو الاستخبار«فَلَمََّا أَفَلَ قََالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ اَلْقَوْمِ اَلضََّالِّينَ»(2)يقول:لو لم يهدني ربّي لكنت من القوم الضالّين.
«فَلَمََّا-أصبح-رَأَى اَلشَّمْسَ بََازِغَةً قََالَ هََذََا رَبِّي هََذََا أَكْبَرُ»(3)من الزهرة و القمر؟!على الإنكار و الاستخبار،لا على الاخبار و الاقرار(4).
«فَلَمََّا أَفَلَتْ قال-للأصناف الثلاثة من:عبدة الزهرة،و القمر،و الشّمس-يََا قَوْمِ إِنِّي بَرِي ءٌ مِمََّا تُشْرِكُونَ*`إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَاَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ حَنِيفاً وَ مََا أَنَا مِنَ اَلْمُشْرِكِينَ»(5)و إنّما أراد إبراهيم عليه السّلام بما قال أن يبيّن لهم بطلان دينهم،و يثبت عندهم،أنّ العبادة لاتحقّ لما كان بصفة الزهرة و القمر و الشّمس،و إنّما تحقّ العبادة لخالقهاخالق السّماوات و الأرض،و كان ما احتج به على قومه ممّا ألهمه اللّه عزّو جلّ و آتاه،كما قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ تِلْكَ حُجَّتُنََا آتَيْنََاهََا إِبْرََاهِيمَ عَلى ََقَوْمِهِ»(6).
فقال المأمون:للّه درّك يابن رسول!فأخبرني عن قول إبراهيم:«رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتى ََ قََالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قََالَ بَلى ََ وَ لََكِنْ لِيَطْمَئِنَ(1-2-3)الانعام 6/77-78.
(4)في«أ»:لا على الإجلال و الإصرار.و في«ط»:لا على سبيل الإخبار و الإقرار.
(5)الأنعام 6/78 و 79.
(6)الأنعام 6/83.
ص: 426
قَلْبِي»(1).
قال الرّضا عليه السّلام:إنّ اللّه تبارك و تعالى كان أوحى إلى إبراهيم على السّلام«إنّي متّخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته»(2)فوقع في نفس إبراهيم أنّه ذلك الخليل فقال:ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى و لكن ليطمئنّ قلبي على الخلة:«قََالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ اَلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اِجْعَلْ عَلى ََ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَللََّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»(3).
فأخذ إبراهيم عليه السّلام نسرا و بطا و طاووسا و ديكا،فقطّعهنّ و خلطهنّ ثمّ جعل على كل جبل من الجبال التي حوله-و كانت عشرة-منهنّ جزءا،و جعل مناقيرهنّ بين أصابعه،ثمّ دعاهنّ باسمائهنّ،و وضع عنده حبّا و ماءا،فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتّى استوت الأبدان،و جاء كل بدن حتّى انضمّ إلى رقبته و رأسه فخلّى إبراهيم عليه السّلام عن مناقيرهن،فطرن ثمّ وقعن فشربن من ذلك الماء و التقطن من ذلك الحب!و قلن:يا نبي اللّه أحييتنا أحياك اللّه!
فقال إبراهيم عليه السّلام:بل اللّه يحيي و يميت و هو على كل شي ءقدير.0.
ص: 427
فقال المأمون:بارك اللّه فيك يا أبا الحسن!فأخبرني عن قول اللّه عزّو جلّ:«فَوَكَزَهُ مُوسى ََ فَقَضى ََ عَلَيْهِ قََالَ هََذََا مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطََانِ»(1).
قال الرّضا عليه السّلام:إنّ موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها-و ذلك بين المغرب و العشاء-«فَوَجَدَ فِيهََا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاََنِ هََذََا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هََذََا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغََاثَهُ اَلَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى اَلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى ََ فَقَضى ََ»(2)موسى على العدو بحكم اللّه تعالى ذكره،فوكزه فمات.فقال:«هََذََا مِنْ عَمَلِ اَلشَّيْطََانِ»(3)يعني:الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين،لا ما فعله موسى من قتله إيّاه«إِنَّهُ-يعني:الشيطان-عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ»(4).
قال المأمون فما معنى قول موسى عليه السّلام:«رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي»(5)؟
قال:يقول:إنّي وضعت نفسي غير موضعها،بدخولي هذه المدينة«فَاغْفِرْ لِي»أي:استرني من أعدائك لئلا يظفروا بى فيقتلوني«فَغَفَرَلَهُ»(6)أي:ستره من عدوه،«إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ»(7)قال موسى عليه السّلام:«رَبِّ بِمََا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ»(8)من القوة حتّى قتلت رجلا بوكزة،«فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ»(9)بل أجاهد في سبيلك بهذه القوّة(1-2-3-4)القصص 28/15.
(5-6-7)القصص 28/16.
(8-9)القصص 28/17.
ص: 428
حتّى ترضى.«فَأَصْبَحَ موسى فِي اَلْمَدِينَةِ خََائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا اَلَّذِي اِسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قََالَ لَهُ مُوسى ََ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ»(1)قاتلت رجلا بالأمس،و تقاتل هذا اليوم لأؤدبنّك،و أراد أن يبطش به«فَلَمََّا أَنْ أَرََادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمََا»و هو من شيعته(2)«قََالَ يََا مُوسى ََأَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمََا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاََّ أَنْ تَكُونَ جَبََّاراً فِي اَلْأَرْضِ وَ مََا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ اَلْمُصْلِحِينَ»(3).
قال المأمون:جزاك اللّه عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن!فما معنى قول موسى لفرعون:«فَعَلْتُهََا إِذاً وَ أَنَا مِنَ اَلضََّالِّينَ»(4)؟
قال الرّضا عليه السّلام:إنّ فرعون قال لموسى لمّا أتاه:«وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ اَلَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ اَلْكََافِرِينَ»(5)قال موسى«فَعَلْتُهََا إِذاً وَ أَنَا مِنَ اَلضََّالِّينَ»عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك،«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمََّاخِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ»(4).و قد قال اللّه عزّو جلّ لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ََ»(5)يقول:أ لم يجدك وحيدا فآوى إليك النّاس؟«وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ»يعني:عند قومك6.
ص: 429
«فَهَدى ََ»(1)أي:هداهم إلى معرفتك«وَ وَجَدَكَ عََائِلاً فَأَغْنى ََ»(2)،يقول:أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا.
قال المأمون:بارك اللّه فيك يابن رسول اللّه!فما معنى قول اللّه:«وَ لَمََّا جََاءَ مُوسى ََ لِمِيقََاتِنََا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قََالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قََالَ لَنْ تَرََانِي»الآية(3)كيف يجوز أن يكون كليم اللّه موسى بن عمران لا يعلم أنّ اللّه تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتّى يسأله هذا السؤال؟!
فقال الرّضا عليه السّلام:إنّ كليم اللّه موسى بن عمران علم أنّ اللّه عزّو جلّ عن أن يرى بالأبصار،و لكنّه لمّا كلّمه اللّه تعالى و قرّبه نجيا،رجع إلى قومه فأخبرهم إنّ اللّه عزّ و جلّ كلّمه و قرّبه و ناجاه،فقالوا:لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه كما سمعت،و كان القوم سبعمائة ألف رجل،فاختارمنهم سبعين ألفا،ثمّ اختار منهم سبعة آلاف،ثمّ اختار منهم سبعمائة،ثمّ اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه،فخرج بهم إلى طور سيناء،فأقامهم في سفح الجبل و صعد موسى إلى الطور،و سأل اللّه عزّ و جلّ أن يكلّمه و يسمعهم كلامه،فكلّمه اللّه تعالى ذكره و سمعوا كلامه من فوق و أسفل و يمين و شمال،و وراء و أمام،لأنّ اللّه عزّ و جلّ أحدثه في الشّجرة،ثمّ جعله منبعثا منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه.فقالوا:لن نؤمن لك بأنّ هذاالذي سمعناه كلام اللّه حتّى نرى اللّه جهرة،فلمّا قالوا هذا القول العظيم(1-2)الضحى 93/7 و 8.
(3)الأعراف 7/143.
ص: 430
و استكبروا و عتوا،بعث اللّه عزّ و جلّ عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا.
فقال موسى:يا رب!ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم و قالوا:إنّك ذهبت بهم فقتلتهم لأنّك لم تكن صادقا فيما ادّعيت من مناجاة اللّه عزّو جلّ إيّاك؟
فأحياهم اللّه و بعثهم معه،فقالوا:إنّك لو سألت اللّه أن يريك أن تنظرإليه لأجابك،و كنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حقّ معرفته.
فقال موسى عليه السّلام:يا قوم!إنّ اللّه تعالى لا يرى بالأبصار و لا كيفيةله،و إنّما يعرف بآياته و يعلم باعلامه(1).
فقالوا:لن نؤمن لك حتّى تسأله.
فقال موسى عليه السّلام:يا ربّ!انّك قد سمعت مقالة بني اسرائيل و أنت أعلم بصلاحهم،فأوحى اللّه جلّ جلاله إليه:يا موسى!سلني ما سألوك فلن اؤاخذك بجهلهم،فعند ذلك قال موسى:«رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ*قََالَ لَنْ تَرََانِي وَ لََكِنِ اُنْظُرْ إِلَى اَلْجَبَلِ فَإِنِ اِسْتَقَرَّ مَكََانَهُ-و هو يهوي-فَسَوْفَ تَرََانِي فَلَمََّا تَجَلََّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ-»بآية من آياته-جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى ََ صَعِقاًفَلَمََّا أَفََاقَ قََالَ سُبْحََانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ»يقول:رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي،«وَ أَنَا أَوَّلُ اَلْمُؤْمِنِينَ»(2)منهم بأنّك لا ترى.3.
ص: 431
فقال المأمون:للّه درك يا أبا الحسن!فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهََا لَوْ لاََ أَنْ رَأى ََ بُرْهََانَ رَبِّهِ»(1)؟
فقال الرّضا عليه السّلام:و لقد همّت به،و لو لا أن رأى برهان ربّه لهمّ بهاكما همّت به،لكنّه كان معصوما،و المعصوم لا يهمّ بذنب و لا يأتيه،و لقدحدّثني أبي عن أبيه الصّادق عليهما السّلام أنّه قال:همّت بأن تفعل و همّ بأن لايفعل.
فقال المأمون:للّه درك يا أبا الحسن!فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«وَ ذَا اَلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغََاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ»الآية(2)؟
فقال الرّضا عليه السّلام:ذلك يونس بن متّى ذهب مغاضبا لقومه،فظن بمعنى:استيقن أن لن نقدر عليه،أي:لن نضيق عليه رزقه،و منه قوله عزّو جلّ:«وَ أَمََّا إِذََا مَا اِبْتَلاََهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ»(3)،أي:ضيّق عليه و قتر،«فَنََادى ََ فِي اَلظُّلُمََاتِ»ظلمة اللّيل و ظلمة البحر و ظلمة بطن الحوت،«أَنْ لاََ إِلََهَ إِلاََّ أَنْتَ سُبْحََانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظََّالِمِينَ»بتركي هذه العبادة التي قدقرّت عيني بها في بطن الحوت.فاستجاب اللّه له.و قال عزّ و جلّ:«فَلَوْ لاََأَنَّهُ كََانَ مِنَ اَلْمُسَبِّحِينَ*`لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى ََ يَوْمِ يُبْعَثُونَ»(4).4.
ص: 432
فقال المأمون:للّه درك يا أبا الحسن!أخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«حَتََّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ اَلرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جََاءَهُمْ نَصْرُنََا»(1).
قال الرّضا عليه السّلام:يقول اللّه:حتّى إذا استيأس الرسل من قومهم،و ظن قومهم أنّ الرسل قد كذبوا،جاء الرسل نصرنا.
فقال المأمون:للّه درك يا أبا الحسن!فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«لِيَغْفِرَ لَكَ اَللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مََا تَأَخَّرَ»(2)؟
قال الرّضا عليه السّلام:لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنبا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،لأنّهم كانوا يعبدون من دون اللّه ثلاثمائةو ستين صنما،فلمّا جاءهم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالدعوة إلى كلمةالإخلاص كبر ذلك عليهم و عظم،و قالوا:«أَ جَعَلَ اَلْآلِهَةَ إِلََهاً وََاحِداً إِنَّ هََذََالَشَيْ ءٌ عُجََابٌ*`وَ اِنْطَلَقَ اَلْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ اِمْشُوا وَ اِصْبِرُوا عَلى ََ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هََذََالَشَيْ ءٌ يُرََادُ*`مََا سَمِعْنََا بِهََذََا فِي اَلْمِلَّةِ اَلْآخِرَةِ إِنْ هََذََا إِلاَّ اِخْتِلاََقٌ»(3)فلمّافتح اللّه عزّ و جلّ على نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مكّة قال له:يا محمّد«إِنََّافَتَحْنََا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً `لِيَغْفِرَ لَكَ اَللََّهُ مََا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مََا تَأَخَّرَ»عندمشركي أهل مكّة بدعائك إيّاهم إلى توحيد اللّه فيما تقدّم و ما تأخّر،لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم و خرج بعضهم عن مكّة،و من بقي منهم لم يقدر7.
ص: 433
على إنكار التّوحيد عليه إذا دعى النّاس إليه،فصار ذنبه عندهم مغفورابظهوره عليهم.
فقال المأمون:للّه درك يا أبا الحسن!فأخبرني عن قول اللّه عزّ و جلّ:«عَفَا اَللََّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ»(1).
فقال الرّضا عليه السّلام:هذا ممّا نزل(بإيّاك أعني و اسمعي ياجارة)(2)خاطب اللّه عزّ و جلّ بذلك نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أراد به أمّته،و كذلك قوله تعالى:«لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ اَلْخََاسِرِينَ»(3)و قوله عزّ و جلّ:«وَ لَوْ لاََ أَنْ ثَبَّتْنََاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً»(4).
قال المأمون:صدقت يابن رسول اللّه،فأخبرني عن قول اللّه عزّو جلّ:«وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اَللََّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اِتَّقِ اَللََّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اَللََّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى اَلنََّاسَ وَ اَللََّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشََاهُ»(5).
قال الرّضا عليه السّلام:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قصد دار زيد بن7.
ص: 434
حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده،فرأى امرأته تغتسل فقال لها:«سبحان الذي خلقك»و إنّما أراد بذلك تنزيه اللّه تعالى عن قول من زعم أنّ الملائكة بنات اللّه،فقال اللّه عزّ و جلّ:«أَ فَأَصْفََاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَ اِتَّخَذَمِنَ اَلْمَلاََئِكَةِ إِنََاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً»(1)فقال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-لما رآها تغتسل-:«سبحان الذي خلقك»أن يتّخذ ولدا يحتاج إلى هذا التطهير و الاغتسال،فلمّا عاد زيد إلى منزله أخبرته أمرأته بمجي ءرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و قوله لها:سبحان الذي خلقك،فلم يعلم زيدما أراد بذلك و ظنّ أنّه قال ذلك لما أعجبه من حسنها،فجاء إلى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا رسول اللّه!إنّ امرأتي في خلقها سوء،و إنّي أريدطلاقها.
فقال له النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أمسك عليك زوجك و اتّق اللّه»و قدكان اللّه عزّ و جلّ عرفه عدد أزواجه و أنّ تلك المرأة منهنّ،فأخفى ذلك في نفسه و لم يبده لزيد،و خشي النّاس أن يقولوا:إنّ محمّدا يقول لمولاه إنّ امرأتك ستكون لي زوجة،فيعيبونه بذلك،فأنزل اللّه عزّ و جلّ:«وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اَللََّهُ عَلَيْهِ»يعني:بالإسلام«وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ»يعني:بالعتق«أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اِتَّقِ اَللََّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اَللََّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى اَلنََّاسَ وَ اَللََّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشََاهُ»(2)ثمّ أنّ زيد بن حارثة طلّقها و اعتدت منه7.
ص: 435
فزوّجها اللّه عزّ و جلّ من نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أنزل بذلك قرآنافقال عزّ و جلّ:«فَلَمََّا قَضى ََ زَيْدٌ مِنْهََا وَطَراً زَوَّجْنََاكَهََا لِكَيْ لاََ يَكُونَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوََاجِ أَدْعِيََائِهِمْ إِذََا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كََانَ أَمْرُ اَللََّهِ مَفْعُولاً»(1)ثمّ علم اللّه عزّ و جلّ أنّ المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل اللّه:«مََا كََانَ عَلَى اَلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمََا فَرَضَ اَللََّهُ لَهُ»(2).
فقال المأمون:لقد شفيت صدري يابن رسول اللّه،و أوضحت لي ماكان ملتبسا عليّ فجزاك اللّه عن أنبيائه و عن الإسلام خيرا.
قال عليّ بن الجهم:فقام المأمون إلى الصّلاة،و أخذ بيد محمّد بن جعفر بن محمّد-و كان حاضر المجلس-و تبعتهما فقال له المأمون:كيف رأيت ابن أخيك؟
فقال:عالم.و لم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم.
فقال المأمون:إنّ ابن أخيك من أهل بيت النبوة الذين قال فيهم النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ألا إنّ أبرار عترتي،و أطايب ارومتي(3)،أحلم النّاس صغارا،و أعلم النّاس كبارا فلا تعلموهم فانّهم أعلم منكم،لايخرجونكم من باب هدى و لا يدخلونكم في باب ضلالة».
و انصرف الرّضا عليه السّلام إلى منزله،فلمّا كان من الغد غدوت عليه،و أعلمته ما كان من قول المأمون و جواب عمّه محمّد بن جعفر له،فضحك(1-2)الاحزاب 33/37 و 38.
(3)الأرومة،و تضمّ:الأصل-القاموس 4/74.
ص: 436
الرّضا عليه السّلام ثمّ قال:يابن الجهم!لا يغرنّك ما سمعته منه،فانّه سيغتالني،و اللّه ينتقم لي منه(1).
[309]إحتجاجه صلوات اللّه عليه فيما يتعلّق بالإمامة و صفات من خصّه اللّه تعالى بها و بيان الطريق إلى من كان عليهاو ذم من يجوز اختيار الإمام و لؤم من غلافيه و أمرالشّيعة بالتورية و التقية عند الحاجة إليهما و حسن التأدب
أبو يعقوب البغدادي قال:إنّ ابن السّكّيت قال-لأبي الحسن الرّضاعليه السّلام-:
لماذا بعث اللّه موسى بن عمران بيده البيضاء،و آلة السّحر،و بعث عيسى بآية الطب،و بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالكلام و الخطب؟
فقال له أبو الحسن عليه السّلام:إنّ اللّه لمّا بعث موسى عليه السّلام كان
ص: 437
الغالب على أهل عصره«السّحر»فأتاهم من عند اللّه بما لم يكن في وسع القوم مثله،و بما أبطل به سحرهم،و أثبت به الحجّة عليهم.
و إنّ اللّه بعث عيسى عليه السّلام في وقت قد ظهرت فيه«الزمانات»،و احتاج النّاس إلى الطب،فأتاهم من عند اللّه بما لم يكن عندهم مثله،و بماأحيى لهم الموتى و أبرأ لهم الأكمه و الأبرص بإذن اللّه،و أثبت به الحجّة عليهم.
و إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وقت كان الأغلب على أهل عصره«الخطب و الكلام»-و أظنّه قال:و الشّعر-فأتاهم من عند اللّه عزّ و جلّ من مواعظه و أحكامه ما أبطل به قولهم و أثبت به الحجّة عليهم.
قال:فما زال ابن السّكّيت يقول له:و اللّه ما رأيت مثلك قطّ!فماالحجّة على الخلق اليوم؟
فقال عليه السّلام:العقل،يعرف به الصّادق على اللّه فيصدقه،و الكاذب على اللّه فيكذبه.
فقال ابن السّكّيت:هذا و اللّه هو الجواب.
قد ضمن الرّضا عليه السّلام في كلامه هذا:أنّ العالم لا يخلو في زمان التكليف من صادق من قبل اللّه تعالى يلتجى ء المكلّف إليه فيما اشتبه عليه من أمر الشريعة،صاحب دلالة تدل على صدقه عليه تعالى،يتوصل المكلّف إلى معرفته بالعقل،و لولاه لما عرف الصّادق من الكاذب،فهوحجّة اللّه تعالى على الخلق أولا.
( رواه الصّدوق رحمه اللّه في علل الشرايع ص 121،الباب 99،برقم 6.و العيون 2/79،-)
ص: 438
و عن القاسم بن مسلم،عن أخيه عبد العزيز بن مسلم قال:
كنّا في أيّام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام بمرو،فاجتمعنا في مسجدجامعها في يوم جمعة في بدو مقدمنا،فأدار النّاس أمر الإمامة و ذكرواكثرة اختلاف النّاس فيها فدخلت على سيدي و مولاي الرّضا عليه السّلام فأعلمته ما خاض النّاس فيه،فتبسّم ثمّ قال:
يا عبد العزيز!جهل القوم و خدعوا عن أديانهم،إنّ اللّه تبارك و تعالى لم يقبض نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى أكمل له الدّين،و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شي ء،بيّن فيه الحلال و الحرام،و الحدود و الأحكام،و جميع ما يحتاج إليه كملا فقال عزّ و جلّ:«مََا فَرَّطْنََا فِي اَلْكِتََابِ مِنْ شَيْ ءٍ»(1)و أنزل في حجّة الوداع و هو آخر عمره:«اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاََمَ دِيناً»(2)فأمر الإمامةمن تمام الدّين،و لم يمض صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى بيّن لأمّته معالم دينهم ق-الباب 32،برقم 12:عن جعفر بن محمّد بن مسرور،عن الحسين بن محمّد بن علي[عامر]،عن أبي عبد اللّه السيّاري،عن أبي يعقوب البغدادي...
و نقله في بحار الأنوار 11/70 و 1/105.
ص: 439
و أوضح لهم سبيلهم(1)،و تركهم على قصد الحقّ،و أقام لهم عليّا عليه السّلام علما و إماما و ما ترك شيئا تحتاج إليه الأمّة إلاّ بيّنه،فمن زعم أنّ اللّه عزّو جلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه عزّ و جلّ،و من رد كتاب اللّه فهوكافر.
هل تعرفون قدر الإمامة و محلها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟
إنّ الإمامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلى مكانا و أمنع جانبا و أبعدغورا من أن يبلغها النّاس بعقولهم،أو ينالونها بآرائهم،فيقيموا إماماباختيارهم.
إنّ الإمامة خصّ اللّه عزّ و جلّ بها إبراهيم الخليل بعد النبوّة و الخلّة،مرتبة ثالثة و فضيلة شرّفه اللّه بها،و أشاد بها ذكره(2)فقال عزّ و جلّ:«إِنِّي جََاعِلُكَ لِلنََّاسِ إِمََاماً»(3)،فقال الخليل-سرورا بها-:«وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي»(4)قال اللّه عزّ و جلّ:«لاََ يَنََالُ عَهْدِي اَلظََّالِمِينَ»(5)فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة،و صارت في الصّفوة،ثمّ أكرمه اللّه عزّو جلّ[بها](3)بأن جعل في ذريته أهل الصفوة و الطهارة،فقال تعالى:«وَ وَهَبْنََا لَهُ إِسْحََاقَ وَ يَعْقُوبَ نََافِلَةً وَ كُلاًّ جَعَلْنََا صََالِحِينَ*`وَ جَعَلْنََاهُمْ أَئِمَّةً».
ص: 440
يَهْدُونَ بِأَمْرِنََا وَ أَوْحَيْنََا إِلَيْهِمْ فِعْلَ اَلْخَيْرََاتِ وَ إِقََامَ اَلصَّلاََةِ وَ إِيتََاءَ اَلزَّكََاةِوَ كََانُوا لَنََا عََابِدِينَ»(1).
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا،حتّى ورثها النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال اللّه عزّ و جلّ:«إِنَّ أَوْلَى اَلنََّاسِ بِإِبْرََاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هََذَا اَلنَّبِيُّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ اَللََّهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ»(2)فكانت له خاصّةفقلّدها النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السّلام بأمر اللّه عزّ و جلّ على رسم مافرضها اللّه،فصارت في ذريّته الأصفياء الذين آتاهم اللّه العلم و الإيمان بقوله عزّ و جلّ:«وَ قََالَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ وَ اَلْإِيمََانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتََابِ اَللََّهِ إِلى ََ يَوْمِ اَلْبَعْثِ»(3)فهي في ولد عليّ عليه السّلام خاصّة إلى يوم القيامة إذ لانبيّ بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟
إنّ الإمامة:هي منزلة الأنبياء و إرث الأوصياء.
إنّ الإمامة:خلافة اللّه عزّ و جلّ،و خلافة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و مقام أمير المؤمنين و ميراث الحسن و الحسين عليهم السّلام.
إنّ الإمامة:زمام الدّين،و نظام المسلمين،و صلاح الدنيا،و عزّالمؤمنين.
إنّ الإمامة:أس الإسلام النامي،و فرعه السامي.6.
ص: 441
بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام،و الحجّ و الجهاد،و توفيرالفي ء و الصّدقات،و إمضاء الحدود و الأحكام،و منع الثغور و الأطراف.
الإمام:يحلّ حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه،و يقيم حدود اللّه،و يذبّ عن دين اللّه،و يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجّةالبالغة.
الإمام:كالشّمس الطالعة للعالم و هي في الأفق،بحيث لا تنالهاالأيدي و الأبصار.
الإمام:البدر المنير،و السراج الزاهر،و النور الساطع،و النجم الهادي في غياهب الدجى،و البيداء القفار،و لجج البحار.
الإمام:الماء العذب على الظّماء،و الدال على الهدى،و المنجي من الردى.
الإمام:النّار على اليفاع(1)الحارّة لمن اصطلى،و الدليل في المهالك(2)،من فارقه فهالك(3).
الإمام:السّحاب الماطر،و الغيث الهاطل،و الشّمس المضيئة،و الأرض البسيطة،و العين الغزيرة،و الغدير و الروضة.
الإمام:الأمين الرفيق،و الوالد الشفيق،و الأخ الشقيق،و مفزعك.
ص: 442
العباد في الدّاهية.
الإمام:أمين اللّه في أرضه،و حجته على عباده،و خليفته في بلاده،الدّاعي إلى اللّه،و الذابّ عن حريم اللّه.
الإمام:المطهر من الذنوب،المبرأ من العيوب،مخصوص بالعلم،موسوم بالحلم،نظام الدين،و عزّ المسلمين،و غيظ المنافقين(1)،و بوارالكافرين.
الإمام:واحد دهره لا يدانيه أحد،و لا يعادله عدل،و لا يوجد له بدل و لا له مثل و لا نظير،مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له،و لااكتساب،بل اختصاص من المتفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفةالإمام و يمكنه اختياره؟
هيهات هيهات!!
ضلّت العقول،و تاهت الحلوم،و حارت الألباب،و حسرت العيون و تصاغرت العظماء،و تحيرت الحكماء،و تقاصرت الحلماء،و حصرت الخطباء،و جهلت الألباء،و كلّت الشّعراء،و عجزت الأدباء،و عيت البلغاء،عن وصف شأن من شأنه،أو فضيلة من فضائله،فأقرت بالعجز و التقصير.
و كيف يوصف أو ينعت بكنهه،أو يفهم شي ء من أمره،أو يوجد من يقوم مقامه،و يغني غناه؟
لا و كيف و أنّى؟!و هو بحيث النّجم من أيدي المتناولين،و وصفن.
ص: 443
الواصفين!!فأين الاختيار من هذا؟!و أين العقول عن هذا؟!و أين يوجدمثل هذا؟!
أ ظنّوا أنّ ذلك يوجد في غير آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟كذّبتهم و اللّه أنفسهم و منّتهم الأباطيل(1)،فارتقوا مرتقى صعبا دحضا تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم،راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة و آراءمضلّة،فلم يزدادوا منه إلاّ بعدا.
قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون!لقد راموا صعبا،و قالوا إفكا،و ضلّوا ضلالابعيدا و وقعوا في الحيرة،إذ تركوا الإمام عن غير بصيرة،و زيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل و كانوا مستبصرين.
رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسوله،إلى اختيارهم و القرآن يناديهم:«وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مََا يَشََاءُ وَ يَخْتََارُ مََا كََانَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ سُبْحََانَ اَللََّهِ وَ تَعََالى ََ عَمََّا يُشْرِكُونَ»(2)و قال عزّ و جلّ:«وَ مََا كََانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاََ مُؤْمِنَةٍ إِذََاقَضَى اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ اَلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ»(3)و قال عزّو جلّ:«مََا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ*`أَمْ لَكُمْ كِتََابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ*`إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمََا تَخَيَّرُونَ*`أَمْ لَكُمْ أَيْمََانٌ عَلَيْنََا بََالِغَةٌ إِلى ََ يَوْمِ اَلْقِيََامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمََاتَحْكُمُونَ*`سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذََلِكَ زَعِيمٌ*`أَمْ لَهُمْ شُرَكََاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكََائِهِمْ إِنْ.
ص: 444
كََانُوا صََادِقِينَ»(1).
و قال عزّ و جلّ:«أَ فَلاََ يَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ أَمْ عَلى ََ قُلُوبٍ أَقْفََالُهََا»(2)أم«طَبَعَ اَللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاََ يَعْلَمُونَ»(3)أم«قََالُوا سَمِعْنََا وَ هُمْ لاََيَسْمَعُونَ*`إِنَّ شَرَّ اَلدَّوَابِّ عِنْدَ اَللََّهِ اَلصُّمُّ اَلْبُكْمُ اَلَّذِينَ لاََ يَعْقِلُونَ*`وَ لَوْ عَلِمَ اَللََّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ»(4)«قََالُواسَمِعْنََا وَ عَصَيْنََا»(5)بل هو فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم.
فكيف لهم باختيار الإمام؟!و الإمام عالم لا يجهل،راع لا ينكل،معدن القدس و الطهارة،و النسك و الزهادة،و العلم و العبادة،مخصوص بدعوة الرّسول و هو نسل المطهرة البتول،لا مغمز فيه في نسب،و لا يدانيه ذو حسب،في البيت من قريش،و الذروة من هاشم و العترة من آل الرّسول،و الرّضا من اللّه،شرف الأشراف،و الفرع من عبد مناف،نامي العلم،كامل الحلم،مضطلع بالإمامة،عالم بالسّياسة،مفروض الطّاعة،قائم بأمراللّه،ناصح لعباد اللّه،حافظ لدين اللّه.
إنّ الأنبياء و الأئمة يوفقهم اللّه و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه مالا يؤتيه غيرهم،فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله عزّ و جلّ:3.
ص: 445
«أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاََ يَهِدِّي إِلاََّ أَنْ يُهْدى ََ فَمََا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(1)و قوله عزّ و جلّ:«وَ مَنْ يُؤْتَ اَلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراًكَثِيراً»(2)و قوله عزّ و جلّ-في طالوت-:«إِنَّ اَللََّهَ اِصْطَفََاهُ عَلَيْكُمْ وَ زََادَهُ بَسْطَةً فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْجِسْمِ وَ اَللََّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشََاءُ وَ اَللََّهُ وََاسِعٌ عَلِيمٌ»(3)و قال عزّ و جلّ لنبيّه:«وَ كََانَ فَضْلُ اَللََّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً»(4).
و قال عزّ و جلّ-في الأئمة من أهل بيته و عترته-:«أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنََّاسَ عَلى ََ مََا آتََاهُمُ اَللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنََا آلَ إِبْرََاهِيمَ اَلْكِتََابَ وَ اَلْحِكْمَةَوَ آتَيْنََاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً*`فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفى ََ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً»(5).
و إنّ العبد إذا اختاره اللّه عزّ و جلّ لأمور عباده،شرح صدره لذلك،و أودع قلبه ينابيع الحكمة،و ألهمه العلم إلهاما،فلم يعي بعده بجواب،و لا يحير فيه عن الصواب.
و هو معصوم مؤيد،موفق مسدد،قد أمن الخطايا و الزلل و العثار،فخصّه اللّه بذلك ليكون حجّته على عباده،و شاهده على خلقه،و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم،فهل يقدرون على مثل هذا5.
ص: 446
فيختاروه؟أو يكون مختارهم بهذه الصّفة فيقدموه؟
تعدوا-و بيت اللّه-الحقّ،و نبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون،و في كتاب اللّه:الهدى و الشفاء فنبذوه و اتّبعوا أهواءهم فذمّهم اللّه و مقتهم و أتعسهم.
فقال عزّ و جلّ:«وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اِتَّبَعَ هَوََاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اَللََّهِ إِنَّ اَللََّهَ لاََ يَهْدِي اَلْقَوْمَ اَلظََّالِمِينَ»(1)و قال عزّ و جلّ:«فَتَعْساًلَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمََالَهُمْ)(2)و قال عزّ و جلّ:«كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللََّهِ وَ عِنْدَ اَلَّذِينَ آمَنُوا كَذََلِكَ يَطْبَعُ اَللََّهُ عَلى ََ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبََّارٍ»(3)(4).0.
ص: 447
و روي عن الحسن بن عليّ بن فضال عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام أنّه قال:للإمام علامات:يكون أعلم النّاس،و أحكم النّاس،و أتقى النّاس،و أحلم النّاس،و أشجع النّاس،و أسخى النّاس،و أعبد النّاس،و يولد مختونا،و يكون مطهّرا،و يرى من خلفه كما يرى من من بين يديه،و لا يكون له ظل،و إذا وقع إلى الأرض(1)من بطن أمّه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشّهادتين،و لا يحتلم،و تنام عينه و لا ينام قلبه،و يكون محدّثا و يستوي عليه درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لا يرى له بول و لا غائط،لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد و كلّ الأرض بابتلاع ما يخرج منه.
و تكون رائحته أطيب من رائحة المسك،و يكون أولى النّاس منهم بأنفسهم،و أشفق عليهم من آبائهم و أمهاتهم،و يكون أشد النّاس تواضعاللّه عزّ و جلّ،و يكون آخذ النّاس بما يأمرهم به و أكف النّاس عمّا ينهى عنه،و يكون دعاؤه مستجابا،حتّى أنّه لو دعى على صخرة لانشقت بنصفين.
و يكون عنده سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و سيفه ذو الفقار(2)،
ص: 448
و تكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة،و صحيفة فيهاأسماء أعدائه إلى يوم القيامة،و يكون عنده الجامعة،و هي صحيفة طولهاسبعون ذراعا،فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم،و يكون عنده الجفرالأكبر و الأصغر،و هو إهاب كبش فيها جميع العلوم حتّى أرش الخدش،و حتّى الجلدة و نصف الجلدة و ثلث الجلدة،و يكون عنده مصحف فاطمةعليها السّلام(1).
و روى خالد بن أبي الهيثم الفارسيّ قال:قلت لأبي الحسن الرّضا عليه السّلام:إنّ النّاس يزعمون أنّ في الأرض أبدالا فمن هؤلاء الأبدال؟
قال:صدقوا،الأبدال هم:الأوصياء،جعلهم اللّه عزّ و جلّ في
ص: 449
الأرض بدل الأنبياء إذا رفع الأنبياء و ختمهم بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1).
و قد روي عن أبي الحسن الرّضا عليه السّلام من ذمّ الغلاةو المفوضة و تكفيرهم و تضليلهم و البراءة منهم و ممّن والاهم،و ذكر علّة مادعاهم إلى ذلك الاعتقاد الفاسد الباطل ما قد تقدّم ذكر طرف منه في هذاالكتاب.
و كذلك روي عن آبائه و أبنائه عليهم السّلام في حقّهم و الأمر بلعنهم،و البراءة منهم و إشاعة حالهم،و الكشف عن سوء اعتقادهم،كي لا يغتربمقالتهم ضعفاء الشّيعة،و لا يعتقد من خالف هذه الطائفة أنّ الشّيعةالإمامية بأسرهم على ذلك،نعوذ باللّه منه و ممّن اعتقده و ذهب إليه،فمماذكره الرّضا عليه السّلام من علّة وجه خطأهم و ضلالهم عن الدّين القيم.
ما رويناه بالإسناد الذي تقدم ذكره عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام:أنّ الرّضا عليه السّلام و الصّلوات و التّحيات قال:
إنّ هؤلاء الضلاّل الكفرة ما أتوا إلاّ من قبل جهلهم بمقدار أنفسهم،حتّى اشتد إعجابهم بها،و كثرة تعظيمهم لما يكون منها،فاستبدوابآرائهم الفاسدة،و اقتصروا على عقولهم المسلوك بها غير سبيل
ص: 450
الواجب،حتّى استصغروا قدر اللّه و احتقروا أمره،و تهاونوا بعظيم شأنه،إذ لم يعلموا أنّه القادر بنفسه الغني بذاته،الذي ليست قدرته مستعارة و لاغناه مستفادا،و الذي من شاء أفقره و من شاء أغناه،و من شاء أعجزه بعدالقدرة،و أفقره بعد الغنى.
فنظروا إلى عبد قد اختصّه اللّه بقدرة ليبين بها فضله عنده،و آثره بكرامته ليوجب بها حجّته على خلقه،و ليجعل ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته،و باعثا على اتّباع أمره،و مؤمنا عباده المكلّفين من غلط من نصبه عليهم حجّة و لهم قدوة،فكانوا كطلاّب ملك من ملوك الدنيا ينتجعون فضله و يؤملون نائله،و يرجون التفيؤ بظلّه و الانتعاش بمعروفه،و الانقلاب إلى أهليهم بجزيل عطائه الذي يعينهم على طلب الدنيا،و ينقذهم من التعرّض لدنيّ المكاسب و خسيس المطالب،فبيناهم يسألون عن طريق الملك ليترصّدوه و قد وجهوا الرغبة نحوه،و تعلّقت قلوبهم برؤيته،إذ قيل لهم:سيطلع عليكم في جيوشه و مواكبه و خيله و رجله،فإذا رأيتموه فأعطوه من التعظيم حقّه،و من الإقرار(1)بالمملكة واجبه،و إيّاكم أن تسمّوا باسمه غيره،أو تعظموا سواه كتعظيمه،فتكونوا قد بخستم الملك حقّه و أزريتم عليه،و استحققتم بذلك منه عظيم عقوبته.فقالوا:نحن كذلك فاعلون جهدنا و طاقتنا،فما لبثوا أن طلع عليهم بعض عبيد الملك في خيل قد ضمّها إليه سيده،و رجل قد جعلهم في جملته و أموال قد حباه..
ص: 451
بها فنظر هؤلاء-و هم للملك طالبون-فاستكثروا ما رأوه بهذا العبد من نعم سيده،و رفعوه أن يكون هو من المنعم عليه بما وجدوا معه عبدا.
فاقبلوا(1)يحيّونه تحية الملك و يسمّونه بإسمه و يجحدون أن يكون فوقه ملك أو له مالك،فأقبل عليهم العبد المنعم عليه و سائر جنوده بالزجرو النهي عن ذلك،و البراءة ممّا يسمّونه به،و يخبرونهم بأنّ الملك هو الذي أنعم بهذا عليه و اختصه به،و أنّ قولكم ما تقولون يوجب عليكم سخطالملك و عذابه،و يفوتكم كلّما أمّلتموه من جهته،و أقبل هؤلاء القوم يكذبونهم و يردون عليهم قولهم،فما زال(2)كذلك حتّى غضب عليهم الملك لما وجد هؤلاء قد سوّوا به عبده،و أزروا عليه في مملكته و بخسوه حقّ تعظيمه،فحشرهم أجمعين إلى حبسه،و وكّل بهم من يسومهم سوءالعذاب.
فكذلك هؤلاء وجدوا(3)أمير المؤمنين عليه السّلام عبدا أكرمه اللّه ليبين فضله،و يقيم حجّته،فصغروا عندهم خالقهم أن يكون جعل عليّا له عبدا،و أكبروا عليّا عن أن يكون اللّه عزّ و جلّ له ربّا،فسمّوه بغير اسمه فنهاهم هو و أتباعه من أهل ملّته و شيعته و قالوا لهم:يا هؤلاء!إنّ عليّا و ولده عبادمكرمون مخلوقون مدبّرون لا يقدرون إلاّ على ما أقدرهم اللّه عليه رب..
ص: 452
العالمين،و لا يملكون إلاّ ما ملكهم،و لا يملكون موتا و لا حياة و لانشورا،و لا قبضا و لا بسطا،و لا حركة و لا سكونا إلاّ ما أقدرهم عليه و طوقهم،و أنّ ربهم و خالقهم يجلّ عن صفات المحدثين،و يتعالى عن نعوت المحدودين(1)،و إنّ من اتّخذهم أو واحدا منهم أربابا من دون اللّه فهو من الكافرين و قد ضلّ سواء السبيل.
فأبى القوم إلاّ جماحا(2)و امتدوا في طغيانهم يعمهون،فبطلت أمانيهم،و خابت مطالبهم،و بقوا في العذاب الأليم(3).
و روينا أيضا بالإسناد المقدّم ذكره عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام:أنّ أبا الحسن الرّضا عليه السّلام قال:
إنّ من تجاوز بأمير المؤمنين عليه السّلام العبودية فهو من المغضوب عليهم و من الضّالين.
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:لا تتجاوزوا بنا العبودية،ثمّ قولوا ما
ص: 453
شئتم(1)و لن تبلغوا(2)،و إيّاكم و الغلو كغلو النّصارى فإنّي بري ء من الغالين.
فقام إليه رجل فقال له:يابن رسول اللّه!صف لنا ربك فإنّ من قبلنا قداختلفوا علينا.
فوصفه الرّضا عليه السّلام أحسن وصف،و مجّده و نزّهه عمّا لا يليق به تعالى.
فقال الرجل:بأبي أنت و أمي يابن رسول اللّه!فإنّ معي من ينتحل موالاتكم و يزعم أنّ هذه كلّها من صفات عليّ عليه السّلام،و أنّه هو اللّه رب العالمين.
قال:فلمّا سمعها الرّضا عليه السّلام،ارتعدت فرائصه و تصبب عرقاو قال:سبحان اللّه عمّا يقول الظالمون و الكافرون علوّا كبيرا!!أو ليس علي كان آكلا في الاكلين،و شاربا في الشّاربين،و ناكحا في الناكحين،و محدثا في المحدثين؟و كان مع ذلك مصلّيا خاضعا،بين يدي اللّه ذليلا،و إليه أوّاها(3)منيبا أفمن هذه صفته يكون الها؟!فان كان هذا إلها فليسن.
ص: 454
منكم أحد إلاّ و هو إله لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدوث كل موصوف بها.
فقال الرجل:يابن رسول اللّه!إنّهم يزعمون أنّ عليّا لمّا أظهر من نفسه المعجزات التي لا يقدر عليها غير اللّه،دلّ على أنّه إله،و لما ظهرلهم بصفات المحدثين العاجزين لبس ذلك عليهم،و امتحنهم ليعرفوه،و ليكون إيمانهم اختيارا من أنفسهم.
فقال الرّضا عليه السّلام:أول ما هاهنا أنّهم لا ينفصلون ممّن قلب هذاعليهم فقال:لمّا ظهر منه(الفقر و الفاقة)دلّ على أنّ من هذه صفاته و شاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله،فعلم بهذا أنّ الذي أظهره من المعجزات إنّما كانت فعل القادر الذي لا يشبه المخلوقين،لا فعل المحدث المحتاج المشارك للضعفاء في صفات الضعف(1).
و روي أنّ المأمون كان يحب في الباطن سقطات أبي الحسن الرّضاعليه السّلام و أن يغلبه المحتج،و يظهر عليه غيره(2)،فاجتمع يوما عنده
ص: 455
الفقهاء و المتكلّمون،فدسّ إليهم:أن ناظروه في الإمامة!
فقال لهم الرّضا عليه السّلام:إقتصروا على واحد منكم يلزمكم ما يلزمه.
فرضوا برجل يعرف بيحيى بن الضّحاك السمرقندي،و لم يكن بخراسان مثله.
فقال الرّضا عليه السّلام:يا يحيى!أخبرني عمّن صدق كاذبا على نفسه،أو كذب صادقا على نفسه،أيكون محقّا مصيبا،أم مبطلا مخطيا؟فسكت يحيى.
فقال له المأمون:أجبه!فقال:يعفيني أمير المؤمنين من جوابه.
فقال المأمون:يا أبا الحسن!عرّفنا الغرض في هذه المسألة؟
فقال عليه السّلام:لا بدّ ليحيى من أن يخبرني عن أئمته،أنّهم كذبواعلى أنفسهم أو صدقوا؟فان زعم أنّهم كذبوا فلا إمامة لكذّاب،و إن زعم أنّهم صدقوا فقد قال أولهم:«أقيلوني ولّيتكم و لست بخيركم»و قال ثانيهم(1):«كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها،فمن عاد لمثلهافاقتلوه»(2)فو اللّه ما رضي لمن فعل مثل فعله إلاّ بالقتل،فمن لم يكن بخيرالنّاس و الخيرية لا تقع إلاّ بنعوت،منها:العلم،و منها:الجهاد،و منها:ساير الفضائل و ليست فيه.
و من كانت بيعته فلتة،يجب القتل على من فعل مثلها،كيف يقبل..
ص: 456
عهده إلى غيره و هذه صورته؟(1)ثمّ يقول على المنبر:إنّ لي شيطانايعتريني،فإذا مال بي فقوّموني،و إذا أخطأت فأرشدوني،فليسوا أئمة إن صدقوا و إن كذبوا(2)فما عند يحيى شي ء في هذا.
فعجب المأمون من كلامه عليه السّلام و قال:يا أبا الحسن!ما في الأرض من يحسن هذا سواك!(3)
و روي عنه عليه السّلام أنّه قال:أفضل ما يقدّمه العالم من محبينا و مواليناأمامه ليوم فقره وفاقته،و ذلّه و مسكنته،أن يغيث في الدنيا مسكينا من محبّينا من يد ناصب عدو للّه و لرسوله،فيقوم من قبره و الملائكة صفوف،من شفير قبره إلى موضع محله من جنان اللّه،فيحملونه على أجنحتهم،و يقولون له:طوبى لك طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الأبرار،و يا أيّهاالمتعصّب للأئمة الأخيار(4).
ص: 457
و بالإسناد الذي تكرّر عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام قال:دخل على أبي الحسن الرّضا عليه السّلام رجل فقال:يابن رسول اللّه!لقدرأيت اليوم شيئا عجبت منه.
قال:و ما هو؟
قال:رجل كان معنا يظهر لنا أنّه من الموالين لآل محمّد المتبرئين من أعدائهم فرأيته اليوم و عليه ثياب قد خلعت عليه،و هو ذا يطاف به ببغداد،و ينادي المنادون بين يديه:معاشر المسلمين!اسمعوا توبة هذه الرّجل الرافضيّ.ثمّ يقولون له:قل!فقال:«خير النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبا بكر»فإذا قال ذلك ضجّوا و قالوا:قد تاب،و فضّل أبا بكرعلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
فقال الرّضا عليه السّلام:إذا خلوت فأعد عليّ هذا الحديث!فلمّا خلى أعاد عليه.فقال له:
إنّما لم افسر لك معنى كلام الرجل بحضرة هذا الخلق المنكوس،كراهة أن ينقل إليهم فيعرفوه و يؤذوه،لم يقل الرّجل خير النّاس بعدرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم«أبو بكر»فيكون قد فضّل أبا بكر على عليّ ق-و نقله في بحار الأنوار 2/11 و 7/226.
ص: 458
عليه السّلام،و لكن قال:خير النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم«أبا بكر»فجعله نداءا لأبي بكر ليرضى من يمشي بين يديه من بعض هؤلاء الجهلة،ليتوارى من شرورهم.إنّ اللّه تعالى جعل هذه التورية ممّا رحم به شيعتناو محبّينا(1).
و بهذا الإسناد عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام أنّه قال:لما جعل إلى عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام ولاية العهد،دخل عليه آذنه فقال:
إنّ قوما بالباب يستأذنون عليك،يقولون:«نحن من شيعة عليّ عليه السّلام».
فقال:أنا مشغول فاصرفهم!
فصرفهم إلى أن جاءوا هكذا يقولون و يصرفهم شهرين،ثمّ أيسوا من الوصول فقالوا:«قل لمولانا إنّا شيعة أبيك عليّ بن أبي طالب»عليه السّلام قدشمت بنا أعداؤنا في حجابك لنا،و نحن ننصرف هذه الكرة،و نهرب من بلدنا خجلا و أنفة ممّا لحقنا،و عجزا عن احتمال مضض ما يلحقنا بشماتةأعدائنا».
ص: 459
فقال عليّ بن موسى عليه السّلام:إئذن لهم ليدخلوا،فدخلوا عليه فسلّموا عليه فلم يرد عليهم و لم يأذن لهم بالجلوس،فبقوا قياما.
فقالوا:يابن رسول اللّه!ما هذا الجفاء العظيم،و الاستخفاف بعد هذاالحجاب الصعب،أيّ باقية تبقى منّا بعد هذا؟
فقال الرّضا عليه السّلام:اقرؤا«وَ مََا أَصََابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمََا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ»(1)و اللّه ما اقتديت إلاّ بربّي عزّ و جلّ و برسوله و بأمير المؤمنين و من بعده من آبائي الطّاهرين عليهم السّلام،عتبوا عليكم فاقتديت بهم.
قالوا:لماذا يابن رسول اللّه؟
قال:لدعواكم أنّكم شيعة أمير المؤمنين!و يحكم إنّما شيعته:الحسن و الحسين و سلمان و أبو ذر و المقداد و عمّار و محمّد بن أبي بكر،الذين لم يخالفوا شيئا من أوامره،و أنتم في أكثر أعمالكم له مخالفون،و تقصرون في كثير من الفرائض و تتهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في اللّه،و تتقون حيث لا تجب التقية،و تتركون التّقية حيث لا بدّ من التقية،لو قلتم:إنّكم مواليه و محبّوه،و الموالون لأوليائه و المعادون لأعدائه،لم أنكره من قولكم،و لكن هذه مرتبة شريفة ادعيتموها،إن لم تصدقوا قولكم بفعلكم هلكتم،إلاّ أن تتدارككم رحمة ربكم.
قالوا:يابن رسول اللّه!فانّا نستغفر اللّه و نتوب إليه من قولنا بل نقول0.
ص: 460
كما علّمنا مولانا:نحن محبوكم و محبوا أوليائكم،و معادوا أعدائكم.
قال الرّضا عليه السّلام:فمرحبا بكم إخواني و أهل ودّي ارتفعوا!فمازال يرفعهم حتّى ألصقهم بنفسه.ثمّ قال لحاجبه:
كم مرّة حجبتهم؟قال:ستين مرّة.
قال:فاختلف إليهم ستين مرّة متوالية،فسلّم عليهم و اقرأهم سلامي فقد محوا ما كان من ذنوبهم باستغفارهم و توبتهم،و استحقوا الكرامةلمحبّتهم لنا و موالاتهم،و تفقد أمورهم و أمور عيالاتهم،فأوسعهم نفقات و مبرّات و صلات و دفع معرّات(1).8.
ص: 461
ص: 462
ص: 463
ص: 464
روى أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري(1)قال:قلت لأبي جعفرالثاني عليه السّلام:قل هو اللّه أحد،ما معنى الأحد؟
قال:المجمع عليه بالوحدانية،أما سمعته يقول:«وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ سَخَّرَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اَللََّهُ»(2)ثمّ يقولون بعد ذلك:له شريك و صاحبة.
فقلت:قوله:«لاََ تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصََارُ»(3)؟
قال:يا أبا هاشم!أوهام القلوب أدق من أبصار العيون،أنت قد تدرك
ص: 465
بوهمك السند و الهند و البلدان التي لم تدخلها،و لا تدرك(1)ببصرك ذلك،فأوهام القلوب لا تدركه،فكيف تدركه الأبصار(2).
و سئل عليه السّلام:أيجوز أن يقال للّه:إنّه شي ء؟
فقال:نعم.تخرجه من الحدّين:حدّ الإبطال،و حدّ التشبيه(3).
ص: 466
و عن أبي هاشم الجعفري قال:كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السّلام فسأله رجل فقال:
أخبرني عن الربّ تبارك و تعالى،أله أسماء و صفات في كتابه؟و هل أسماؤه و صفاته هي هو؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:إنّ لهذا الكلام وجهين:إن كنت تقول:«هي هو»أنّه ذو عدد و كثرة،فتعالى اللّه عن ذلك،و إن كنت تقول:هذه الصفات و الأسماء لم تزل فان(لم تزل)(1)محتمل على معنيين:فان قلت:لم تزل عنده في علمه و هو يستحقها،فنعم.و إن كنت تقول:لم تزل صورها و هجاؤها و تقطيع حروفها فمعاذ اللّه أن يكون معه شي ء غيره،بل كان اللّه تعالى ذكره و لا خلق،ثمّ خلقها وسيلة بينه و بين خلقه،يتضرّعون بها إليه و يعبدونه،و هي:(ذكره)و كان اللّه سبحانه و لا ذكر،و المذكوربالذكر هو اللّه القديم الذي لم يزل و الأسماء و الصفات مخلوقات،و المعني بها هو اللّه،الذي لا يليق به الاختلاف و لا الايتلاف،و إنّما يختلف و يتألف المتجزى ء.
ص: 467
و لا يقال له قليل و لا كثير،و لكنّه القديم في ذاته،لأنّ ما سوى الواحد متجزى ء و اللّه واحد،لا متجزي،و لا متوهم بالقلّة و الكثرة و كل متجزي أو متوهم بالقلّة و الكثرة فهو مخلوق دال على خالق له،فقولك:(إنّ اللّه تعالى قدير)خبرت انّه لا يعجزه شي ء،فنفيت بالكلمة العجز،و جعلت العجز لسواه.و كذلك قولك:(عالم)إنّما نفيت بالكلمة الجهل،و جعلت الجهل لسواه،فإذا أفنى اللّه الأشياء أفنى(الصورة و الهجاءو التقطيع)فلا يزال من لم يزل عالما.
فقال الرجل:فكيف سمّينا ربنا سميعا؟
فقال:لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع،و لم نصفه بالسمع المعقول في الرأس،و كذلك سمّيناه(بصيرا)لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك،و لم نصفه ببصر طرفة العين،و كذلك سمّيناه(لطيفا)لعلمه بالشّي ء اللّطيف مثل(البعوضة)و ما هو أخفى من ذلك،و موضع المشي منها و الشهود و السفاد،و الحدب على أولادها،و إقامة بعضها على بعض،و نقلها الطعام و الشراب إلى أولادها في الجبال و المفاوز و الأودية و القفار،فعلمنا بذلك أنّ خالقها لطيف بلا كيف،إذالكيفية للمخلوق المكيف،و كذلك سمّينا ربّنا(قويا)بلا قوة البطش المعروف من الخلق،و لو كانت قوته قوّة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه و احتمل الزيادة،و ما احتمل الزيادة احتمل النقصان،و ما كان ناقصا كان غير قديم،و ما كان غير قديم كان عاجزا،فربنا تبارك و تعالى لاشبه له،و لا ضدّ و لا ند،و لا كيفية،و لا نهاية،و لا تصاريف،محرم على
ص: 468
القلوب أن تحمله(1)و على الأوهام أن تحده،و على الضمائر أن تصوره،جلّ و عزّ عن أداة خلقه،و سمات بريته،تعالى عن ذلك علوّا كبيرا(2).
و عن الرّيان بن شبيب قال:لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ ذلك عليهم،و استنكروه منه و خافوا أن ينتهي الأمر معه الى ما انتهى مع الرّضا عليه السّلام،فخاضوا في ذلك و اجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه،فقالوا ننشدك اللّه ياأمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا عليه السّلام فإنا نخاف أن يخرج به عنّا أمر قد ملكناه اللّه عزّ و جلّ،و تنزع منّا عزا قد ألبسناه اللّه عزّ و جلّ،و قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاءالقوم قديما و حديثا و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم
ص: 469
و التصغير بهم،و قد كنّا في وهلة(1)من عملك مع الرضا ما عملت،فكفانا اللّه المهمّ عن ذلك فاللّه اللّه أن تردنا إلى غمّ قد انحسر عنّا،و اصرف رأيك عن ابن الرضا عليه السّلام و اعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون:أمّا ما بينكم و بين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه،و لو أنصفتم القوم لكان أولى بكم،و أمّا ما كان يفعله من قبلي بهم،فقدكان به قاطعا للرحم،و أعوذ باللّه من ذلك،و و اللّه ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرّضا و لقد سألته أن يقوم بالأمر و انزعه عن نفسي فأبى،و كان أمر اللّه قدرا مقدورا.
و أمّا أبو جعفر محمّد بن عليّ،فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم و الفضل،مع صغر سنه و الاعجوبة فيه بذلك،و أنا أرجو أن يظهر للنّاس ما قد عرفته منه،فيعلموا أنّ الرأي ما رأيت.
فقالوا:إنّ هذا الفتى و إن راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له و لا فقه فأمهله ليتأدّب ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم:و يحكم إنّي أعرف بهذا الفتى منكم،و إنّ هذا من أهل بيت،علمهم من اللّه تعالى و مواده و إلهامه،لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدّين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال،فان شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبيّن لكم به ما وصفت لكم من حاله.6.
ص: 470
قالوا:لقد رضينا لك يا أمير المؤمنين و لأنفسنا بامتحانه،فخلّ بينناو بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة،فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره،و ظهر للخاصة و العامة سديدرأي أمير المؤمنين فيه،و إن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه.
فقال لهم المأمون:شأنكم و ذلك متى أردتم.
فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم-و هو يومئذ قاضي الزمان-على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها،و وعدوه بأموال نفيسة على ذلك،و عادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك،فاجتمعوا في اليوم الذي اتّفقوا عليه،و حضر معهم يحيى بن أكثم،و أمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست(1)و يجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك،و خرج أبو جعفر عليه السّلام و هو يومئذ ابن تسع سنين و أشهر،فجلس بين المسورتين،و جلس يحيى بن أكثم بين يديه،و قام النّاس في مراتبهم،و المأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السّلام.
فقال يحيى بن أكثم للمأمون:أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أباجعفر عن مسألة؟
فقال المأمون:استأذنه في ذلك.
فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال:أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟7.
ص: 471
فقال أبو جعفر عليه السّلام:سل إن شئت!
فقال يحيى:ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:قتله في حل أو حرم،عالما كان المحرم أوجاهلا،قتله عمدا أو خطأ،حرا كان المحرم أم عبدا،صغيرا كان أم كبيرا،مبتدئا بالقتل أو معيدا،من ذوات الطّير كان الصيد أم من غيرها،من صغار الصيد أم من كباره،مصرّا على ما فعل أو نادما،في الليل كان قتله للصيد أم في النّهار،محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرما؟
فتحيّر يحيى بن أكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع،و لجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس عجزه.
فقال المأمون:الحمد للّه على هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي،ثمّ نظر إلى أهل بيته فقال لهم:أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه،ثمّ أقبل على أبي جعفر فقال له:أتخطب يا أبا جعفر؟
قال:نعم يا أمير المؤمنين.
فقال له المأمون:إخطب لنفسك جعلت فداك!فقد رضيتك لنفسي و أنا مزوّجك أم الفضل ابنتي و إن رغم أنوف قوم لذلك.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:الحمد للّه إقرارا بنعمته،و لا إله إلاّ اللّه إخلاصا لوحدانيته،و صلّى اللّه على محمّد سيد بريّته،و الأصفياء من عترته.
أمّا بعد:فقد كان من فضل اللّه على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه:«وَ أَنْكِحُوا اَلْأَيََامى ََ مِنْكُمْ وَ اَلصََّالِحِينَ مِنْ عِبََادِكُمْ
ص: 472
وَ إِمََائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرََاءَ يُغْنِهِمُ اَللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اَللََّهُ وََاسِعٌ عَلِيمٌ»(1)ثمّ إنّ محمّد بن عليّ بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد اللّه المأمون،و قدبذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمّد عليهما السّلام،و هو(خمسمائة درهم)جيادا فهل زوّجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟
قال المأمون:نعم قد زوّجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور،فهل قبلت النكاح؟
قال أبو جعفر عليه السّلام:نعم،قد قبلت ذلك و رضيت به.
فأمر المأمون أن يقعد النّاس على مراتبهم من الخاصة و العامة.
قال الرّيان:و لم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاّحين في محاوراتهم،فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضّة تشد بالحبال من الابريسم،على عجل(2)مملوة من الغالية(3)،فأمر المأمون أن تخضب لحى الخاصة من تلك الغالية[ففعلوا ذلك](4)،ثمّ مدّت إلى دار العامة فتطيبوامنها،و وضعت الموائد فأكل النّاس،و خرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم.
فلمّا تفرّق النّاس و بقي من الخاصة من بقي،قال المأمون لأبي جعفر».
ص: 473
عليه السّلام:إن رأيت جعلت فداك!أن تذكر الفقه فيما فصّلته من وجوه قتل المحرم لنعلمه و نستفيده.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:نعم.إنّ المحرم إذا قتل صيدا في الحل و كان الصيد من ذوات الطير و كان من كبارها فعليه شاة،فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا،و إذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن،فإذا قتله في الحرم فعليه الحمل و قيمة الفرخ،فإذا كان من الوحش و كان حمار وحش فعليه بقرة،و إن كان نعامة فعليه بدنة،و إن كان ظبيافعليه شاة،فان كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديابالغ الكعبة،و إذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه و كان إحرامه بالحج نحره بمنى،و إن كان إحرامه بالعمرة(1)نحره بمكّة و جزاء الصيد على العالم و الجاهل سواء،و في العمد عليه المأثم،و هو موضوع عنه في الخطأ،و الكفارة على الحر في نفسه،و على السيد في عبده،و الصغير لا كفارةعليه،و هي على الكبير واجبة،و النادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة،و المصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة.
فقال له المأمون:أحسنت يا أبا جعفر أحسن اللّه إليك.فان رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام ليحيى:أسألك؟
قال:ذلك إليك جعلت فداك،فان عرفت جواب ما تسألني عنه و إلاّ..
ص: 474
استفدته منك.
فقال أبو جعفر عليه السّلام:أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النّهار فكان نظره إليها حراما عليه،فلمّا ارتفع النّهار حلت له،فلمّا زالت الشّمس حرمت عليه،فلمّا كان وقت العصر حلّت له،فلمّا غربت الشّمس حرمت عليه،فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له،فلمّا كان وقت انتصاف اللّيل حرمت عليه،فلمّا طلع الفجر حلّت له،ما حال هذه المرأة؟و بماذا حلّت له و حرمت عليه؟
فقال له يحيى بن أكثم:لا و اللّه لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال،و لا أعرف الوجه فيه،فان رأيت أن تفيدناه؟
فقال أبو جعفر عليه السّلام:هذه أمة لرجل من النّاس،نظر إليها أجنبي في أول النّهار فكان نظره إليها حراما عليه،فلمّا ارتفع النّهار ابتاعها من مولاها فحلت له،فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه،فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلت له،فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منهافحرمت عليه،فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلت له،فلمّا كان في نصف اللّيل طلّقها تطليقة واحدة فحرمت عليه،فلمّا كان عندالفجر راجعها فحلّت له.
قال:فأقبل المأمون على من حضر من أهل بيته و قال لهم:هل فيكم من يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب؟أو يعرف القول فيما تقدّم من السؤال؟
قالوا:لا و اللّه،إنّ أمير المؤمنين أعلم بما رأى.
ص: 475
فقال:ويحكم إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل،و إنّ صغر السّنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال،أما علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و هو ابن عشر سنين،و قبل منه الإسلام و حكم له به،و لم يدع أحدافي سنه غيره،و بايع الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما دون الست سنين و لم يبايع صبيّا غيرهما؟أولا تعلمون الآن ما اختص اللّه به هؤلاء القوم و أنّهم ذريّة بعضها من بعض،يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم؟
قالوا:صدقت يا أمير المؤمنين.
ثمّ نهض القوم،فلمّا كان من الغد حضر النّاس(1)و حضر أبو جعفرعليه السّلام،و صار القواد و الحجاب و الخاصة و العمال لتهنئة المأمون و أبي جعفر عليه السّلام فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة،فيها بنادق مسك و زعفران معجون في أجواف تلك البنادق رقاع(2)مكتوبة بأموال جزيلة و عطاياسنية و إقطاعات.فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته،فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها و التمسه فاطلق له،و وضعت البدر فنثر ما فيها على القواد و غيرهم،و انصرف النّاس و هم أغنياءبالجوائز و العطايا،و تقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين و لم يزل..
ص: 476
مكرما لأبي جعفر عليه السّلام معظما لقدره مدة حياته،يؤثره(1)على ولده و جماعة أهل بيته(2).
و روي أنّ المأمون بعد ما زوّج ابنته أم الفضل أبا جعفر عليه السّلام،كان في مجلس و عنده أبو جعفر عليه السّلام و يحيى بن أكثم و جماعة كثيرة.
فقال له يحيى بن أكثم:ما تقول يابن رسول اللّه في الخبر الذي روي:أنّه«نزل جبرئيل عليه السّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال:يامحمّد!إنّ اللّه عزّ و جلّ يقرؤك السّلام و يقول لك:سل أبا بكر هل هو عنّي راض فانّي عنه راض».
فقال أبو جعفر عليه السّلام:لست بمنكر فضل أبي بكر و لكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حجّة الوداع:«قد كثرت عليّ الكذابة و ستكثر بعدي فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النّار فإذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه على
ص: 477
كتاب اللّه عزّ و جلّ و سنتي،فما وافق كتاب اللّه و سنتي فخذوا به،و ماخالف كتاب اللّه و سنتي فلا تأخذوا به»و ليس يوافق هذا الخبر كتاب اللّه،قال اللّه تعالى:«وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسََانَ وَ نَعْلَمُ مََا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ اَلْوَرِيدِ»(1)فاللّه عزّ و جلّ خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سرّه،هذا مستحيل في العقول.
ثمّ قال يحيى بن أكثم:و قد روي:«أنّ مثل أبي بكر و عمر في الأرض كمثل جبرئيل و ميكائيل في السّماء».
فقال عليه السّلام:و هذا أيضا يجب أن ينظر فيه،لأنّ جبرئيل و ميكائيل ملكان اللّه مقربان لم يعصيا اللّه قطّ،و لم يفارقا طاعته لحظة واحدة،و هماقد أشركا باللّه عزّ و جلّ و إن أسلما بعد الشرك.فكان أكثر أيامهما الشرك باللّه فمحال أن يشبّههما بهما.
قال يحيى:و قد روي أيضا:«أنّهما سيدا كهول أهل الجنّة»(2)فماتقول فيه؟
فقال عليه السّلام و هذا الخبر محال أيضا،لأنّ أهل الجنّة كلّهم يكونون9.
ص: 478
شبانا(1)و لا يكون فيهم كهل و هذا الخبر وضعه بنو أميّة لمضادة الخبرالذي قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الحسن و الحسين عليهما السّلام بأنّهما«سيدا شباب أهل الجنّة».
فقال يحيى بن أكثم:و روي:«أنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة».
فقال عليه السّلام:و هذا أيضا محال،لأنّ في الجنّة ملائكة اللّه المقربين،و آدم و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و جميع الأنبياء و المرسلين،لاتضي ء الجنة بأنوارهم حتّى تضي ء بنور عمر؟!
فقال يحيى بن أكثم:و قد روي:«أنّ السكينة تنطق على لسان عمر».
فقال عليه السّلام:لست بمنكر فضل عمر،و لكن أبا بكر أفضل من عمر،فقال-على رأس المنبر-:«إنّ لي شيطانا يعتريني،فإذا ملت فسددوني».
فقال يحيى:قد روي أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«لو لم ابعث لبعث عمر».
فقال عليه السّلام:كتاب اللّه أصدق من هذا الحديث،يقول اللّه في كتابه:«وَ إِذْ أَخَذْنََا مِنَ اَلنَّبِيِّينَ مِيثََاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ»(2)فقد أخذ اللّه ميثاق النبيّين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه،و كل الأنبياء عليهم السّلام لم7.
ص: 479
يشركوا باللّه طرفة عين،فكيف يبعث بالنبوة من أشرك و كان أكثر أيامه مع الشرك باللّه،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«نبئت و آدم بين الروح و الجسد».
فقال يحيى بن أكثم:و قد روي أيضا أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«ما احتبس عني الوحي قطّ إلاّ ظننته قد نزل على آل الخطّاب»(1).
فقال عليه السّلام:و هذا محال أيضا،لأنّه لا يجوز أن يشك النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في نبوته،قال اللّه تعالى:«اَللََّهُ يَصْطَفِي مِنَ اَلْمَلاََئِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ اَلنََّاسِ»(2)فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممّن اصطفاه اللّه تعالى إلى من أشرك به.
قال يحيى:روي أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«لو نزل العذاب لمانجى منه إلاّ عمر».
فقال عليه السّلام:و هذا محال أيضا،لأنّ اللّه تعالى يقول:«وَ مََا كََانَ اَللََّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مََا كََانَ اَللََّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(3)فأخبرسبحانه أنّه لا يعذّب أحدا ما دام فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما داموايستغفرون اللّه(4).5.
ص: 480
و عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني رضي اللّه عنه قال:قلت لمحمّد بن علي بن موسى عليهم السّلام:يا مولاي!انّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.
فقال عليه السّلام:ما منّا إلاّ قائم بأمر اللّه،و هاد إلى دين اللّه.و لكنّ القائم الذي يطهّر اللّه به الأرض من أهل الكفر و الجحود و يملأها قسطاو عدلا هو الذي يخفى على النّاس ولادته،و يغيب عنهم شخصه،و يحرم عليهم تسميته،و هو سمّي رسول اللّه و كنيّه،و هو الذي تطوى له الأرض،و يذل له كل صعب،يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر:(ثلاثمائة و ثلاثةعشر)رجلا من أقاصي الأرض و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ:«أَيْنَ مََا تَكُونُوايَأْتِ بِكُمُ اَللََّهُ جَمِيعاً إِنَّ اَللََّهَ عَلى ََ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ»(1)فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص،أظهر اللّه أمره،فإذا كمل له العقد و هو(عشرة آلاف)رجل،خرج بإذن اللّه تعالى،فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتّى يرضى اللّه عزّ و جلّ.
قال عبد العظيم:فقلت له:يا سيدي!و كيف يعلم أنّ اللّه تعالى قدرضي؟
ص: 481
قال:يلقي في قلبه الرحمة.فإذا دخل المدينة أخرج اللاّت و العزى فأحرقهما(1).3.
ص: 482
ص: 483
ص: 484
سئل أبو الحسن عليه السّلام عن التّوحيد فقيل له:لم يزل اللّه وحده لاشي ء معه ثمّ خلق الأشياء بديعا(1)و اختار لنفسه الأسماء،و لم تزل الأسماءو الحروف له معه قديمة؟
فكتب:لم يزل اللّه موجودا ثمّ كوّن ما أراد،لا رادّ لقضائه،و لامعقّب لحكمه،تاهت أوهام المتوهمين،و قصر(2)طرف الطارفين،و تلاشت أوصاف الواصفين و اضمحلّت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنه(3)،أو الوقوع بالبلوغ على علو مكانه،فهو بالموضع الذي
ص: 485
لا يتناهى،و بالمكان الذي لم يقع عليه عيون باشارة(1)و لا عبارة،هيهات هيهات!!(2)
و حدّثنا أحمد بن إسحاق قال:كتبت إلى أبي الحسن عليّ بن محمّدالعسكري عليهما السّلام أسأله عن الرؤية و ما فيه الخلق فكتب:
لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواء ينفذه البصر،فمتى انقطع الهواء و عدم الضياء لم تصح الرؤية،و في وجوب اتصال الضياء بين الرائي و المرئي وجوب الإشتباه،و اللّه تعالى منزّه عن الإشتباه،فثبت أنّه لا يجوز عليه سبحانه الرؤية بالأبصار،لأنّ الأسباب لابدّ من اتّصالها بالمسببات(3).
ص: 486
و عن العبّاس بن هلال قال:سألت أبا الحسن[عليّ بن محمّد عليهماالسّلام](1)عن قول اللّه عزّ و جلّ:«اَللََّهُ نُورُ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضِ»(2).فقال عليه السّلام:هادي من في السّماوات و هادي من في الأرض(3).
و ممّا أجاب به أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري عليهما السّلام في رسالته إلى أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر و التفويض أن قال:اجتمعت الأمّة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك:أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عندجميع فرقها.فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون،و على تصديق ماأنزل اللّه مهتدون،لقول النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تجتمع أمّتي على
ص: 487
ضلالة»فأخبر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ ما اجتمعت عليه الأمّة و لم يخالف بعضها بعضا هو الحقّ،فهذا معنى الحديث لا ما تأوّله الجاهلون،و لا ماقاله المعاندون من إبطال حكم الكتاب و اتّباع حكم الأحاديث المزوّرةو الروايات المزخرفة،و اتّباع الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب،و تحقيق الآيات الواضحات النيّرات.و نحن نسأل اللّه أن يوفّقناللصواب،و يهدينا إلى الرشاد.
ثمّ قال عليه السّلام:فإذا شهد الكتاب بتصديق خبر و تحقيقه فأنكرته طائفة من الأمّة و عارضته بحديث من هذه الأحاديث المزوّرة،فصارت بإنكارها و دفعها الكتاب كفارا ضلاّلا،و أصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث قال:«إنّي مستخلف فيكم خليفتين:كتاب اللّه و عترتي،ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي،و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»و اللفظةالأخرى عنه في هذا المعنى بعينه،قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّي تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،و إنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ما إن تمسكتم(1)بهما لن تضلوا»فلمّا وجدنا شواهد هذاالحديث نصّا في كتاب اللّه تعالى مثل قوله:«إِنَّمََا وَلِيُّكُمُ اَللََّهُ وَ رَسُولُهُ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاََةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكََاةَ وَ هُمْ رََاكِعُونَ»(2)ثمّ5.
ص: 488
اتّفقت روايات العلماء في ذلك لأمير المؤمنين عليه السّلام:أنّه تصدّق بخاتمه و هو راكع فشكر اللّه ذلك له و أنزل الآية فيه(1)،ثمّ وجدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة:«من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه»(2)و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«عليّ يقضي ديني و ينجز موعدي و هو خليفتي عليكم بعدي»(3)و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث استخلفه على المدينة فقال:
يا رسول اللّه!أتخلفني مع النّساء و الصبيان؟
فقال:«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لانبي بعدي»(4)فعلمنا أنّ الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار،و تحقيق هذه الشواهد،فلزم الأمّة الإقرار بها إذ كانت هذه الأخبار وافقت القرآن،و وافق القرآن هذه الأخبار فلمّا وجدنا ذلك موافقا لكتاب اللّه،و وجدناكتاب اللّه لهذه الأخبار موافقا،و عليها دليلا،كان الإقتداء بهذه الأخبارفرضا لا يتعداه إلاّ أهل العناد و الفساد.
ثمّ قال عليه السّلام:و مرادنا و قصدنا الكلام في الجبر و التفويض و شرحهما و بيانهما و إنّما قدمنا ما قدمنا ليكون اتّفاق الكتاب و الخبر إذااتّفقا دليلا لما أردناه،و قوة لما نحن مبينوه من ذلك إن شاء اللّه تعالى.6.
ص: 489
فقال:الجبر و التفويض بقول الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام عند ما سئل عن ذلك فقال:لا جبر و لا تفويض،بل أمر بين أمرين(1).
قيل:فماذا يابن رسول اللّه؟
فقال:صحة العقل،و تخلية السرب(2)و المهلة في الوقت،و الزّادقبل الراحلة و السبب المهيج للفاعل على فعله،فهذه خمسة أشياء فإذانقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطرحا بحسبه،و أنا أضرب لكل باب من هذه الأبواب الثلاثة و هي:الجبر،و التفويض،و المنزلة بين المنزلتين،مثلا يقرب المعنى للطالب،و يستهل له البحث من شرحه،و يشهد به القرآن بمحكم آياته،و يحقق تصديقه عند ذوي الألباب،و باللّه العصمة و التوفيق.
ثمّ قال عليه السّلام:فأمّا الجبر فهو قول من زعم أنّ اللّه عزّ و جلّ جبرالعباد على المعاصي و عاقبهم عليها.و من قال بهذا القول فقد ظلم اللّه و كذبه،و ردّ عليه قوله:«وَ لاََ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً»(3)و قوله جلّ ذكره:ذََلِكَ بِمََا قَدَّمَتْ يَدََاكَ وَ أَنَّ اَللََّهَ لَيْسَ بِظَلاََّمٍ لِلْعَبِيدِ»(4)مع آي كثيرة في مثل هذا،فمن زعم أنّه مجبور(5)على المعاصي فقد أحال بذنبه على اللّه و ظلّمه..
ص: 490
في عقوبته له(1)،و من ظلم ربه فقد كذّب كتابه،و من كذّب كتابه لزمه(الكفر)بإجماع الأمّة،فالمثل المضروب في ذلك مثل رجل ملك عبدامملوكا لا يملك إلاّ نفسه،و لا يملك عرضا من عروض الدنيا و يعلم مولاه ذلك منه،فأمره-على علم منه بالمصير-إلى السوق لحاجة يأتيه بها و لم يملكه ثمن ما يأتيه به،و علم المالك أنّ على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلاّ بما يرضى به من الثمن،و قد وصف(2)مالك هذا العبد نفسه بالعدل و النصفة و إظهار الحكمة و نفي الجور،فأوعد عبده إن لم يأته بالحاجة أن يعاقبه،فلمّا صار العبد إلى السوق،و حاول أخذ الحاجةالتي(3)بعثه المولى للاتيان بها،وجد عليها مانعا يمنعه منها إلاّ بالثمن و لا يملك العبد ثمنها،فانصرف إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجة،فاغتاظمولاه لذلك و عاقبه على ذلك،فانّه كان ظالما متعديا مبطلا لما وصف من عدله و حكمته و نصفته،و إن لم يعاقبه كذب نفسه،أ ليس يجب أن لا يعاقبه و الكذب و الظلم ينفيان العدل و الحكمة،تعالى اللّه عمّا يقول المجبرة علواكبيرا.
ثمّ قال العالم عليه السّلام-بعد كلام طويل-:فأمّا التفويض الذي أبطله الصّادق عليه السّلام و خطأ من دان به،فهو قول القائل:«إنّ اللّه عزّ و جلّ فوّضي.
ص: 491
إلى العباد اختيار أمره و نهيه و أهملهم».
و في هذا كلام(1)دقيق لم يذهب إلى غوره و دقّته إلاّ الأئمة المهديةعليهم السّلام من عترة آل الرسول صلوات اللّه عليهم فانّهم قالوا:«لو فوّض اللّه أمره إليهم على جهة الإهمال لكان لازما له رضاء ما اختاروه و استوجبوا به منه الثواب،و لم يكن عليهم فيما اجترموا العقاب إذ كان الإهمال واقعا،و تنصرف هذه المقالة على معنيين:إمّا أن تكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم-ضرورة-كره ذلك أم أحب،فقد لزمه الوهن،أو يكون جلّ و تقدّس عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي عن إرادته ففوّض أمره و نهيه إليهم،و أجراهما على محبتهم إذ عجز عن تعبدهم بالأمر و النهي على إرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر و الإيمان،و مثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه و يعرف له فضل ولايته،و يقف عندأمره و نهيه و ادّعى مالك العبد أنّه قاهر قادر عزيز حكيم،فأمر عبده،و نهاه،و وعده على اتّباع أمره عظيم الثواب و أوعده على معصيته أليم العقاب،فخالف العبد إرادة مالكه،و لم يقف عند أمره و نهيه،فأيّ أمر أمره به أونهي نهاه عنه لم يأتمر(2)على إرادة المولى،بل كان العبد يتبع إرادة نفسه و بعثه في بعض حوائجه و فيما الحاجة له فصار العبد(3)بغير تلك الحاجة..
ص: 492
خلافا على مولاه و قصد إرادة نفسه و اتّبع هواه،فلمّا رجع إلى مولاه نظرإلى ما أتاه فإذا هو خلاف ما أمره فقال العبد:اتكلت على تفويضك الأمرإليّ،فاتّبعت هواي و إرادتي لأنّ المفوّض إليه غير محظور عليه لاستحالةاجتماع التفويض و التحظير.
ثمّ قال عليه السّلام:فمن زعم أنّ اللّه فوّض قبول أمره و نهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز و أوجب عليه قبول كلّ ما عملوا من خير أو شرو أبطل أمر اللّه و نهيه.
ثمّ قال عليه السّلام:إنّ اللّه خلق الخلق بقدرته و ملكهم استطاعة ماتعبّدهم به من الأمر و النهي،و قبل منهم اتّباع أمره و نهيه و رضي بذلك لهم،و نهاهم عن معصيته و ذم من عصاه و عاقبه عليها،و للّه الخيرة في الأمر و النّهي،يختار ما يريد(1)و يأمر به،و ينهى عمّا يكره و يثيب و يعاقب بالاستطاعة التي ملكها(2)عباده لاتّباع أمره و اجتناب معاصيه لأنّه العدل و منه النصفة و الحكومة،بالغ الحجّة بالإعذار و الإنذار،و إليه الصفوةيصطفي من يشاء من عباده،اصطفى محمّدا صلوات اللّه عليه و آله و بعثه بالرسالةإلى خلقه و لو فوّض اختيار أموره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أميّة بن أبي الصّلت و أبي مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا قالوا:«لَوْ لاََ نُزِّلَ هََذَا اَلْقُرْآنُ عَلى ََ رَجُلٍ مِنَ اَلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ»(3)1.
ص: 493
يعنونهما بذلك فهذا هو:(القول بين القولين)ليس بجبر و لا تفويض،بذلك أخبر أمير المؤمنين عليه السّلام حين سأله عباية بن ربعي الأسدي عن الاستطاعة.
فقال أمير المؤمنين:تملكها من دون اللّه أو مع اللّه؟فسكت عبايةابن ربعي.
فقال له:قل يا عباية؟قال:و ما أقول يا أمير المؤمنين؟
قال:إن قلت تملكها مع اللّه قتلتك،و إن قلت تملكها من دون اللّه قتلتك.
قال:و ما أقول يا أمير المؤمنين؟
قال:تقول تملكها باللّه الذي يملكها من دونك،فان ملككها كان ذلك من عطائه،و إن سلبكها كان ذلك من بلائه،و هو المالك لما ملكك،و المالك لما عليه أقدرك،أما سمعت النّاس يسألون الحول و القوّة حيث يقولون:(لا حول و لا قوة إلاّ باللّه العليّ العظيم).
فقال الرجل:و ما تأويلها يا أمير المؤمنين؟قال:لا حول لنا عن معاصي اللّه إلاّ بعصمة اللّه،و لا قوة لنا على طاعة اللّه إلاّ بعون اللّه.قال:فوثب الرجل فقبّل يديه و رجليه.
ثمّ قال عليه السّلام في قوله تعالى:«وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتََّى نَعْلَمَ اَلْمُجََاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ اَلصََّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبََارَكُمْ»(1)و في قوله:«سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ1.
ص: 494
لاََ يَعْلَمُونَ»(1)و في قوله:«أَنْ يَقُولُوا آمَنََّا وَ هُمْ لاََ يُفْتَنُونَ»(2)و في قوله:«وَ لَقَدْ فَتَنََّا سُلَيْمََانَ»(3)و قوله:«فَإِنََّا قَدْ فَتَنََّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ اَلسََّامِرِيُّ»(4)و قول موسى عليه السّلام:«إِنْ هِيَ إِلاََّ فِتْنَتُكَ»(5)و قوله:«لِيَبْلُوَكُمْ فِي مََا آتََاكُمْ»(6)و قوله:«ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ»(7)و قوله:«إِنََّا بَلَوْنََاهُمْ كَمََا بَلَوْنََا أَصْحََابَ اَلْجَنَّةِ»(8)و قوله:«لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»(9)و قوله:«وَ إِذِ اِبْتَلى ََ إِبْرََاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمََاتٍ»(10)و قوله:«وَ لَوْ يَشََاءُ اَللََّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لََكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ»(11)إنّ جميعها جاءت في القرآن بمعنى الاختبار.
ثمّ قال عليه السّلام:فان قالوا ما الحجّة في قول اللّه تعالى:يُضِلُّ مَنْ4.
ص: 495
يَشََاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشََاءُ»(1)و ما أشبه ذلك؟
قلنا:فعلى مجاز هذه الآية يقتضي معنيين:أحدهما أنّه إخبار عن كونه تعالى قادرا على هداية من يشاء و ضلالة من يشاء،و لو أجبرهم على أحدهما لم يجب لهم ثواب و لا عليهم عقاب على ما شرحناه.و المعنى الآخر:أنّ الهداية منه(التعريف)كقوله تعالى:«وَ أَمََّا ثَمُودُ فَهَدَيْنََاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا اَلْعَمى ََ عَلَى اَلْهُدى ََ»(2)و ليس كل آية مشتبهة في القرآن كانت الآية حجّة على حكم الآيات اللاّتي أمر بالأخذ بها و تقليدها،و هي قوله:«هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ اَلْكِتََابَ مِنْهُ آيََاتٌ مُحْكَمََاتٌ هُنَّ أُمُّ اَلْكِتََابِ وَ أُخَرُمُتَشََابِهََاتٌ فَأَمَّا اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مََا تَشََابَهَ مِنْهُ اِبْتِغََاءَ اَلْفِتْنَةِوَ اِبْتِغََاءَ تَأْوِيلِهِ»الآية(3)و قال:فَبَشِّرْ عِبََادِ*`اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولََئِكَ اَلَّذِينَ هَدََاهُمُ اَللََّهُ وَ أُولََئِكَ هُمْ أُولُوا اَلْأَلْبََابِ»(4)وفّقنا اللّه و إيّاكم لما يحب و يرضى،و يقرّب لنا و لكم الكرامة و الزلفى،و هدانا لما هو لنا و لكم خير و أبقى،إنّه الفعال لما يريد،الحكيم الجوادالمجيد(5).4.
ص: 496
عن أبي عبد اللّه الزيادي قال:لما سم المتوكل،نذر للّه إن رزقه اللّه العافية أن يتصدّق بمال كثير،فلمّا سلم و عوفي سأل الفقهاء عن حد(المال الكثير)كم يكون؟فاختلفوا عليه.فقال بعضهم:(ألف درهم)و قال بعضهم:(عشرة آلاف)درهم،و قال بعضهم:(مائة ألف)درهم فاشتبه عليه هذا.
فقال له الحسن حاجبه:إن أتيتك يا أمير المؤمنين من الخلق برجل يخبرك بالصّواب(1)فما لي عندك؟
فقال المتوكّل:إن أتيت بالحقّ فلك عشرة آلاف درهم،و إلاّ أضربك مائة مقرعة.
قال:قد رضيت،فأتى أبا الحسن العسكري عليه السّلام فسأله عن ذلك.
فقال له أبو الحسن عليه السّلام:قل له:يتصدّق بثمانين درهما.فرجع إلى المتوكّل فأخبره فقال:سله ما العلّة في ذلك؟
فأتاه فسأله فقال:إنّ اللّه عزّ و جلّ قال لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لَقَدْنَصَرَكُمُ اَللََّهُ فِي مَوََاطِنَ كَثِيرَةٍ»(2)فعددنا مواطن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله
ص: 497
و سلّم فبلغت ثمانين موطنا.
فرجع إليه فأخبره ففرح،و أعطاه عشرة آلاف درهم(1).
و عن جعفر بن رزق اللّه قال:قدم إلى المتوكّل رجل نصراني فجربامرأة مسلمة،فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم.
فقال يحيى بن أكثم:قد هدم إيمانه شركه و فعله،و قال بعضهم:يضرب ثلاثة حدود،و قال بعضهم:يفعل به كذا و كذا.
فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن العسكري عليه السّلام و سؤاله عن ذلك.
فلمّا قرأ الكتاب كتب عليه السّلام:يضرب حتّى يموت،فأنكر يحيى و أنكر فقهاء العسكر ذلك،فقالوا:يا أمير المؤمنين!سله عن ذلك فانّه شي ءلم ينطق به كتاب،و لم يجى ء به سنة.
فكتب إليه:إنّ الفقهاء قد أنكروا هذا،و قالوا:لم يجى ء به سنة و لم ينطق به كتاب،فبيّن لنا لم أوجبت عليه الضرب حتّى يموت؟
ص: 498
فكتب:«بِسْمِ اَللََّهِ اَلرَّحْمََنِ اَلرَّحِيمِ:فَلَمََّا رَأَوْا بَأْسَنََا قََالُوا آمَنََّا بِاللََّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنََا بِمََا كُنََّا بِهِ مُشْرِكِينَ `فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمََانُهُمْ لَمََّا رَأَوْا بَأْسَنََا»الآية(1)قال:فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات(2).
سأل يحيي بن أكثم أبا الحسن العالم عليه السّلام عن قوله تعالى:«سَبْعَةُأَبْحُرٍ مََا نَفِدَتْ كَلِمََاتُ اَللََّهِ»(3)ما هي؟
فقال:هي(عين الكبريت)و(عين اليمن)و(عين البرهوت)و(عين الطبرية)و(حمّة(4)ما سيدان)و جمة(إفريقا)و(عين با حروان)(5)و نحن
ص: 499
الكلمات التي لا تدرك فضائلنا و لا تستقصى(1).
و روي عن الحسن العسكري عليه السّلام أنّه اتّصل بأبي الحسن عليّ بن محمّد العسكري عليهما السّلام:أنّ رجلا من فقهاء شيعته كلّم بعض النصاب فأفهمه بحجّته حتّى أبان عن فضيحته،فدخل إلى عليّ بن محمّد عليهما السّلام و في صدر مجلسه دست عظيم منصوب و هو قاعد خارج الدست،و بحضرته خلق من العلويين و بني هاشم،فما زال يرفعه حتّى أجلسه في ذلك الدست،و أقبل عليه فاشتد ذلك على أولئك الأشراف،فأما العلويةفأجلوه عن العتاب،و أمّا الهاشميّون فقال له شيخهم:يا بن رسول اللّه!هكذا تؤثر عاميا على سادات بني هاشم من الطالبيين و العباسيين؟!
فقال عليه السّلام:إيّاكم و أن تكونوا من الذين قال اللّه تعالى فيهم:«أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ اَلْكِتََابِ يُدْعَوْنَ إِلى ََ كِتََابِ اَللََّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلََّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ»(2)أترضون بكتاب اللّه عزّ و جلّ حكما؟قالوا:بلى.
ص: 500
قال:أ ليس اللّه تعالى يقول:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي اَلْمَجََالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اَللََّهُ لَكُمْ وَ إِذََا قِيلَ اُنْشُزُوا فَانْشُزُوايَرْفَعِ اَللََّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ دَرَجََاتٍ»(1)فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع على المؤمن غير العالم،كما لم يرض للمؤمن إلاّأن يرفع على من ليس بمؤمن،أخبروني عنه قال:«يَرْفَعِ اَللََّهُ اَلَّذِينَ آمَنُوامِنْكُمْ وَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اَلْعِلْمَ دَرَجََاتٍ»؟أو قال:يرفع اللّه الذين أوتوا شرف النسب درجات؟أو ليس قال اللّه:«هَلْ يَسْتَوِي اَلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ اَلَّذِينَ لاََيَعْلَمُونَ»(2)فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه اللّه؟!إنّ كسر هذا(لفلان)الناصب بحجج اللّه التي علّمه إيّاها،لأفضل له من كل شرف في النسب.
فقال العباسيّ:يابن رسول اللّه!قد أشرفت علينا هو ذا يقصر بناعمّن ليس له نسب كنسبنا،و ما زال منذ أوّل الإسلام يقدم الأفضل في الشرف على من دونه فيه.
فقال عليه السّلام:سبحان اللّه!أ ليس عبّاس بايع لأبي بكر و هو(تيمي)و العبّاس(هاشمي)؟أو ليس عبد اللّه بن عبّاس كان يخدم عمر بن الخطّاب و هو(هاشمي)أبو الخلفاء و عمر(عدوي)؟!و ما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشّورى و لم يدخل العبّاس؟فان كان رفعنا لمن ليس بهاشمي9.
ص: 501
على هاشمي منكرا فأنكروا على العبّاس بيعته لأبي بكر،و على عبد اللّه بن عبّاس خدمته لعمر بعد بيعته،فإن كان ذلك جائزا فهذا جائز،فكأنّما ألقم الهاشميّ حجرا(1).
و روي عن عليّ بن محمّد الهادى عليهما السّلام أنّه قال:لولا من يبقى بعدغيبة قائمكم عليه السّلام من العلماء الداعين إليه،و الدالين عليه،و الذابين عن دينه بحجج اللّه و المنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك إبليس و مردته،و من فخاخ(2)النواصب،لما بقي أحد إلاّ ارتد عن دين اللّه،و لكنّهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها،أولئك هم الأفضلون عند اللّه عزّ و جلّ(3).
ص: 502
ص: 503
ص: 504
و بالإسناد المقدم ذكره:إنّ أبا محمّد العسكري عليه السّلام قال-في قوله تعالى-:«خَتَمَ اَللََّهُ عَلى ََ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى ََ سَمْعِهِمْ وَ عَلى ََ أَبْصََارِهِمْ غِشََاوَةٌوَ لَهُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ»(1)،أي:و سمها بسمة يعرفها من يشاء من ملائكته إذانظر(2)إليها بأنّهم الذين لا يؤمنون«وَ عَلى ََ سَمْعِهِمْ»كذلك بسمات«وَ عَلى ََ أَبْصََارِهِمْ غِشََاوَةٌ»و ذلك بأنّهم لمّا أعرضوا عن النظر فيما كلّفوه،و قصروا فيما أريد منهم،و جهلوا ما لزمهم الإيمان به،فصاروا كمن على عينيه غطاء لا يبصر ما أمامه،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يتعالى عن العبث و الفسادو عن مطالبة العباد بما منعهم بالقهر منه،فلا يأمرهم بمغالبته،و لا بالمصيرإلى ما قد صدّهم بالقسر عنه،ثمّ قال:«وَ لَهُمْ عَذََابٌ عَظِيمٌ»يعني:في
ص: 505
الآخرة العذاب المعد للكافرين،و في الدنيا أيضا لمن يريد أن يستصلحه بما ينزل به من عذاب الاستصلاح لينبّهه لطاعته،أو من عذاب الإصطلام(1)ليصيّره إلى عدله و حكمته(2).
و روى أبو محمّد العسكري عليه السّلام مثل ما قال هو في تأويل هذه الآيةمن المراد بالختم على قلوب الكفّار عن الصّادق عليه السّلام بزيادة شرح لم نذكره مخافة التطويل لهذا الكتاب(3).
و بالإسناد المقدّم ذكره المتكرر عن أبي محمّد عليه السّلام أنّه قال في تفسير قوله تعالى:«اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اَلْأَرْضَ فِرََاشاً...»الآية(4)جعلهاملائمة لطبايعكم،موافقة لأجسادكم،لم يجعلها شديدة الحمى و الحرارة
ص: 506
فتحرقكم،و لا شديدة البرودة فتجمّدكم،و لا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم،و لا شديدة النتن فتعطبكم،و لا شديدة اللّين كالماء فتغرقكم،و لا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في حرثكم و أبنيتكم و دفن موتاكم،و لكنّه جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به،و تتماسكون و تتماسك عليهاأبدانكم و بنيانكم،و جعل فيها من اللّين ما تنقاد به لحرتكم و قبوركم و كثير من منافعكم،فلذلك جعل الأرض فراشا لكم.
ثمّ قال:«وَ اَلسَّمََاءَ بِنََاءً»يعني:سقفا من فوقكم محفوظا يدير فيهاشمسها و قمرها و نجومها لمنافعكم.
ثمّ قال:«وَ أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّمََاءِ مََاءً»يعني:المطر ينزله من علا(1)ليبلغ قلل جبالكم و تلالكم و هضابكم(2)و أوهادكم(3)،ثمّ فرّقه رذاذا(4)و وابلا و هطلا و طلاّ،لينشفه(5)أرضوكم،و لم يجعل ذلك المطر نازلاعليكم قطعة واحدة،فتفسد أرضيكم و أشجاركم و زروعكم و ثماركم.
ثمّ قال:«فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ اَلثَّمَرََاتِ رِزْقاً لَكُمْ»يعني:ممّا يخرجه من2.
ص: 507
الأرض رزقا لكم،«فَلاََ تَجْعَلُوا لِلََّهِ أَنْدََاداً»أي:أشباها و أمثالا من الأصنام التي لا تعقل و لا تسمع و لا تبصر،و لا تقدر على شي ء،«وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»أنّها لا تقدر على شي ء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم(1).
و بالإسناد الذي مضى ذكره عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام في قوله تعالى:«وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاََ يَعْلَمُونَ اَلْكِتََابَ إِلاََّ أَمََانِيَّ»(2)إنّ الأميّ منسوب إلى(أمه)،أي:هو كما خرج من بطن أمه،لا يقرأ و لا يكتب،«لاََيَعْلَمُونَ اَلْكِتََابَ»المنزل من السّماء و لا المكذب به(3)،و لا يميّزون
ص: 508
بينهما«إِلاََّ أَمََانِيَّ»،أي:إلاّ أن يقرأ عليهم و يقال لهم:إنّ هذا كتاب اللّه و كلامه،لا يعرفون إن قرى ء من الكتاب خلاف ما فيه(1)،«وَ إِنْ هُمْ إِلاََّيَظُنُّونَ»،أي:ما يقرأ عليهم(2)رؤساؤهم من تكذيب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في نبوته و إمامة عليّ عليه السّلام سيد عترته،و هم يقلّدونهم مع أنّه«محرّم عليهم» تقليدهم،«فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ اَلْكِتََابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَ يَقُولُونَ هََذََا مِنْ عِنْدِ اَللََّهِ...»الخ(3).
قال عليه السّلام:هذا القوم من اليهود(4)،كتبوا صفة زعموا أنّها صفةمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هي خلاف صفته،و قالوا للمستضعفين منهم:هذه صفة النّبي المبعوث في آخر الزمان:إنّه طويل عظيم البدن و البطن،أهدف،أصهب الشعر(5)،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بخلافه،و هو يجي ءبعد هذا الزمان بخمسمائة سنة،و إنّما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رياستهم،و تدوم لهم إصابتهم(6)،و يكفوا أنفسهم مؤنة خدمةرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و خدمة عليّ و أهل بيته و خاصّته عليهم السّلام.فقال..
ص: 509
اللّه عزّ و جلّ:«فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمََّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمََّا يَكْسِبُونَ».من هذه الصفات المحرّفات المخالفات لصفة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ عليه السّلام:الشدة(1)لهم من العذاب في أسوء بقاع جهنّم،«وَ وَيْلٌ لَهُمْ»الشّدة من العذاب ثانية مضافة إلى الأولى،ممّا يكسبونه من الأموال التي يأخذونها إذا ثبتوا عوامهم على الكفر بمحمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و الجحد لوصيّه و أخيه عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وليّ اللّه.
ثمّ قال عليه السّلام:قال رجل للصّادق عليه السّلام:فإذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب إلاّ بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره،فكيف ذمّهم بتقليدهم و القبول من علمائهم،و هل عوام اليهود إلاّكعوامنا يقلّدون علماءهم؟
فقال عليه السّلام:بين عوامنا و علمائنا و بين عوام اليهود و علمائهم،فرق من جهة و تسوية من جهة.
أمّا من حيث[أنهم](2)استووا:فإنّ اللّه قد ذمّ عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذمّ عوامهم،و أمّا من حيث[أنّهم]افترقوا فلا.
قال:بيّن لي يابن رسول اللّه!
قال عليه السّلام:إنّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح(3)،و بأكل الحرام و الرشاء،و بتغيير الأحكام عن واجبها.-
ص: 510
بالشفاعات و العنايات و المصانعات،و عرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم،و أنّهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه،و أعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم،و ظلموهم من أجلهم،و عرفوهم يقارفون المحرّمات،و اضطروا بمعارف قلوبهم إلى أنّ من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على اللّه و لا على الوسائطبين الخلق و بين اللّه،فلذلك ذمّهم لمّا قلّدوا من قد عرفوه و من قد علموا أنّه لا يجوز قبول خبره و لا تصديقه في حكايته،و لا العمل بما يؤديه إليهم عمّن لم يشاهدوه و وجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى،و أشهر من أن لا تظهر لهم.
و كذلك عوام أمّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر،و العصبيّةالشديدة و التكالب على حطام الدنيا و حرامها،و إهلاك من يتعصبون عليه و إن كان لإصلاح أمره مستحقا،و بالترفرف(1)بالبر و الإحسان على من تعصبوا له و ان كان للإذلال و الإهانة مستحقا،فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمّهم اللّه بالتقليد لفسقة فقهائهم،فأمّامن كان من الفقهاء صائنا لنفسه،حافظا لدينه مخالفا على هواه،مطيعالأمر مولاه،فللعوام أن يقلدوه،و ذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لاجميعهم،فانّه من ركب من القبايح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامةق-و الإسم:الصراحة-القاموس 1/233.5.
ص: 511
فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا،و لا كرامة،و إنّما كثر التخليط فيما يتحمل عنّاأهل البيت لذلك،لأنّ الفسقة يتحملون عنّا فيحرفونه بأسره لجهلهم،و يضعون الأشياء على غير وجوهها لقلة معرفتهم،و آخرون(1)يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنّم.
و منهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا،يتعلمون بعض علومناالصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا،و ينتقصون بنا(2)عند نصابنا،ثمّ يضيفون إليه أضعافه و أضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براءمنها،فيتقبله المستسلمون(3)من شيعتنا،على أنّه من علومنا،فضلواو أضلوا و هم أضر على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي عليهما السّلام و أصحابه،فانّهم يسلبونهم الأرواح و الأموال.
و هؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنّهم لنا موالون،و لأعدائنا معادون،يدخلون الشك و الشبهة على ضعفاء شيعتنا فيضلونهم و يمنعونهم عن قصد الحق المصيب،لا جرم أنّ من علم اللّه من قلبه من هؤلاء العوام(4)انه لا يريد إلاّ صيانة دينه و تعظيم وليه لم يتركه في يد هذاالمتلبس الكافر،و لكنّه يقيّض له مؤمنا يقف به على الصواب،ثمّ يوفقه اللّه للقبول منه،فيجمع اللّه له بذلك خير الدنيا و الآخرة،و يجمع على من..
ص: 512
أضله لعن الدنيا و عذاب الآخرة.
ثمّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أشرار علماء أمّتنا:المضلون عنّا،القاطعون للطرق إلينا،المسمّون أضدادنا بأسمائنا،الملقبون أندادنا بألقابنا،يصلّون عليهم و هم للعن مستحقون،و يلعنونناو نحن بكرامات اللّه مغمورون،و بصلوات اللّه و صلوات ملائكته المقرّبين علينا عن صلواتهم علينا مستغنون».
ثمّ قال:قيل لأمير المؤمنين عليه السّلام:من خير خلق اللّه بعد أئمةالهدى،و مصابيح الدجى؟قال:العلماء إذا صلحوا.
قيل:فمن شرار خلق اللّه بعد إبليس و فرعون و نمرود،و بعدالمتسمّين بأسمائكم،و المتلقبين بألقابكم،و الآخذين لأمكنتكم،و المتأمرين في ممالككم؟
قال:العلماء إذا فسدوا،هم المظهرون للأباطيل،الكاتمون للحقايق،و فيهم قال اللّه عزّ و جلّ:«أُولََئِكَ يَلْعَنُهُمُ اَللََّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اَللاََّعِنُونَ*`إِلاَّ اَلَّذِينَ تََابُوا»الآية(1)(2).
و بالإسناد المقدّم ذكره:عن أبي يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد،
ص: 513
و أبي الحسن عليّ بن محمّد بن سيار،أنّهما قالا:قلنا للحسن أبي القائم عليهما السّلام:إنّ قوما عندنا يزعمون أنّ هاروت و ماروت ملكان اختارتهماالملائكة لمّا كثر عصيان بن آدم و أنزلهما اللّه مع ثالث لهما إلى الدنيا،و أنّهما افتتنا بالزهرة و أرادا الزنا بها،و شربا الخمر،و قتلا النفس المحرمة،و أنّ اللّه يعذبهما ببابل،و أنّ السحرة منهما يتعلمون السحر،و أنّ اللّه مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو(الزهرة).
فقال الإمام عليه السّلام:معاذ اللّه من ذلك،إنّ ملائكة اللّه معصومون محفوظون من الكفر و القبائح،بألطاف اللّه تعالى،فقال عزّ و جلّ فيهم:«لاََ يَعْصُونَ اَللََّهَ مََا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مََا يُؤْمَرُونَ»(1)و قال:«وَ لَهُ مَنْ فِي اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ-يعني:الملائكة-لاََ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبََادَتِهِ وَ لاََ يَسْتَحْسِرُونَ*`يُسَبِّحُونَ اَللَّيْلَ وَ اَلنَّهََارَ لاََ يَفْتُرُونَ»(2)و قال في الملائكة:«بَلْ عِبََادٌ مُكْرَمُونَ `لاََ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ -إلى قوله-مُشْفِقُونَ»(3)كان اللّه قد جعل هؤلاء الملائكة خلفاءه في الأرض،و كانوا كالأنبياء في الدنيا،و كالأئمة،أفيكون من الأنبياءو الأئمة قتل النفس و الزنا و شرب الخمر؟!
ثمّ قال:أو لست تعلم أنّ اللّه لم يخل الدنيا من نبي أو إمام من البشر؟8.
ص: 514
أو ليس اللّه تعالى يقول:«وَ مََا أَرْسَلْنََا مِنْ قَبْلِكَ-يعني إلى الخلق-إِلاََّرِجََالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ اَلْقُرى ََ»(1)فأخبر أنّه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة و حكاما،و إنّما أرسلوا إلى أنبياء اللّه.
قالا:قلنا له عليه السّلام:فعلى هذا لم يكن إبليس ملكا!
فقال:لا،بل كان من الجن!أما تسمعان اللّه تعالى يقول:«وَ إِذْ قُلْنََالِلْمَلاََئِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاََّ إِبْلِيسَ كََانَ مِنَ اَلْجِنِّ»(2)فأخبرأنّه كان من الجن،و هو الذي قال:«وَ اَلْجَانَّ خَلَقْنََاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نََارِاَلسَّمُومِ»(3).
و قال الإمام عليه السّلام:يحدّثني أبي عن جدي عن الرّضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّ اللّه اختارنامعاشر آل محمّد،و اختار النبيين،و اختار الملائكة المقرّبين،و مااختارهم إلاّ على علم منه بهم:أنّهم لا يواقعون ما يخرجون به عن ولايته،و ينقطعون به عن عصمته،و ينضمون به إلى المستحقين لعذابه و نقمته.
قالا:فقلنا فقد روي لنا أنّ عليّا صلوات اللّه عليه لمّا نص عليه رسول اللّه بالإمامة(4)،عرض اللّه ولايته على فئام و فئام من الملائكة فأبوها،فمسخهم اللّه ضفادع.ة.
ص: 515
فقال:معاذ اللّه!هؤلاء المكذبون علينا،الملائكة هم رسل اللّه كساير أنبياء اللّه إلى الخلق،أفيكون منهم الكفر باللّه؟قلنا:لا.
قال:فكذلك الملائكة!إنّ شأن الملائكة عظيم،و إنّ خطبهم لجليل(1).
و بالإسناد الذي تكرر عن أبي يعقوب و أبي الحسن أيضا أنّهما قالا:حضرنا عند الحسن بن عليّ أب القائم عليهما السّلام فقال له بعض أصحابه:جاءني رجل من إخواننا الشيعة قد امتحن بجهال العامة،يمتحنونه في الإمامة و يحلفونه،فكيف يصنع حتّى يتخلص منهم؟
فقلت له:كيف يقولون؟
قال:يقولون:«أتقول إنّ فلانا هو الإمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم»؟فلا بدّ لي أن أقول نعم و إلاّ أثخنوني ضربا،فإذا قلت:(نعم)قالوا
ص: 516
لي:قل:(و اللّه)فقلت لهم:(نعم)و أريد به(نعما)من الأنعام:من(الإبل و البقر و الغنم).
قلت:فإذا قالوا و اللّه فقل ولّى،أي:ولّى-تريد-عن أمر كذا،فانّهم لا يميزون و قد سلمت.
فقال لي:فان حققوا عليّ و قالوا قل:(و اللّه)و بيّن الهاء.
فقلت:قل و اللّه برفع الهاء،فانّه لا يكون يمينا إذا لم يخفض،فذهب ثمّ رجع إليّ فقال:عرضوا عليّ و حلفوني،و قلت:كما لقنتني.
فقال له الحسن عليه السّلام:أنت كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«الدال على الخير كفاعله»لقد كتب اللّه لصاحبك بتقيته بعدد كلّ من استعمل التقية من شيعتنا و موالينا و محبينا حسنة،و بعدد من ترك التقيةمنهم حسنة،أدناها حسنة لو قوبل بها ذنوب مائة سنة لغفرت،و لك بأرشادك إيّاه مثل ماله(1).
و بالإسناد المتكرر ذكره عن الحسن العسكري عليه السّلام أنّه قال:أعرف النّاس بحقوق إخوانه و أشدهم قضاء لها أعظمهم عند اللّه شأنا،
ص: 517
و من تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند اللّه من الصدّيقين و من شيعة عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام حقّا،و لقد ورد على أمير المؤمنين عليه السّلام أخوان له مؤمنان أب و ابن،فقام إليهما،و أكرمهما و أجلسهما في صدر مجلسه،و جلس بين أيديهما،ثمّ أمر بطعام(1)فأحضر،فأكلا منه ثمّ جاء قنبربطست و إبريق خشب و منديل لييبس(2)و جاء ليصب على يد الرجل ماءافوثب أمير المؤمنين عليه السّلام فأخذ الابريق ليصب على يد الرجل فتمرّغ الرجل في التراب و قال:
يا أمير المؤمنين!اللّه يراني و أنت تصب على يدي؟!
قال:اقعد و اغسل يدك فانّ اللّه عزّ و جلّ يراك و أخوك الذي لا يتميزمنك و لا يتفضل عليك يخدمك،يريد بذلك خدمة في الجنّة(3)مثل عشرةأضعاف عدد أهل الدنيا و على حسب ذلك في ممالكه فيها.فقعد الرجل فقال له علي عليه السّلام:أقسمت عليك بعظيم حقّي الذي عرفته و بجلته و تواضعك للّه حتّى جازاك عنه بأن ندبني لما شرفك به من خدمتي لك،لماغسلت[يدك](4)مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبرا،ففعل الرجل ذلك.
فلمّا فرغ ناول الابريق محمّد بن الحنفية و قال:يا بني!لو كان هذا».
ص: 518
الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده،و لكنّ اللّه عزّ و جلّ يأبى أن يسوّي(1)بين ابن و أبيه إذا جمعهما مكان،لكن قد صبّ الأب على الأب،فليصب الابن على الابن،فصب محمّد بن الحنفية على الابن.
ثمّ قال الحسن بن علي العسكري عليه السّلام:فمن اتّبع عليّا عليه السّلام على ذلك فهو الشيعي حقّا(2).5.
ص: 519
ص: 520
ص: 521
ص: 522
سعد بن عبد اللّه القمّي الأشعري قال:بليت بأشد النواصب منازعةفقال لي يوما-بعد ما ناظرته-:تبّا لك و لأصحابك!أنتم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين و الأنصار بالطعن عليهم،و بالجحود لمحبة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لهم،فالصّدّيق هو فوق الصحابة بسبب سبق الإسلام،ألاتعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما ذهب به ليلة الغار لأنّه خاف عليه كما خاف على نفسه،و لما علم أنّه يكون الخليفة في أمّته و أراد أن يصون نفسه كما يصون صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاصة نفسه،كي لا يختل حال الدين من بعده و يكون الإسلام منتظما؟و قد أقام عليّا عليه السّلام على فراشه لمّا كان في علمه أنّه لو قتل لا يختل الإسلام بقتله،لأنّه يكون من الصحابةمن يقوم مقامه لا جرم لم يبال من قتله؟!
قال سعد:إنّي قلت على ذلك أجوبة لكنّها غير مسكتة.
ثمّ قال:معاشر الروافض تقولون:إنّ(الأول و الثاني)كانا
ص: 523
منافقين(1)،و تستدلون على ذلك بليلة العقبة.
ثمّ قال لي:أخبرني عن إسلامهما،كان عن طوع و رغبة أو كان عن إكراه و إجبار؟فاحترزت عن جواب ذلك و قلت مع نفسي:إن كنت أجبته بأنّه كان عن طوع فيقول:لا يكون على هذا الوجه إيمانهما عن نفاق،و إن قلت كان عن إكراه و إجبار لم يكن في ذلك الوقت للإسلام قوة حتّى يكون إسلامهما بإكراه و قهر،فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي،فأخذت طومارا و كتبت بضعا و أربعين مسألة من المسائل الغامضة التي لم يكن عندي جوابها فقلت:ادفعها إلى صاحب مولاي أبي محمّد الحسن ابن عليّ العسكري عليهما السّلام الذي كان في قم أحمد بن إسحاق فلمّا طلبته كان هو[الذي](2)قد ذهب فمشيت على أثره فأدركته و قلت الحال معه.
فقال لي:جى ء معي إلى سر من رأى حتّى نسأل عن هذه المسائل مولانا الحسن بن عليّ عليهما السّلام.
فذهبت معه إلى سرّ من رأى ثمّ جئنا إلى باب دار مولانا عليه السّلام فاستأذنا للدخول عليه فأذن لنا،فدخلنا الدار و كان مع أحمد بن إسحاق جراب قد ستره بكساء طبري،و كان فيه مائة و ستون صرّة من الذهب و الورق،على كل واحدة منها خاتم صاحبها الذي دفعها إليه،و لمّا دخلناو وقعت أعيننا على وجه أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام كان وجهه».
ص: 524
كالقمر ليلة البدر و قد رأينا على فخذه غلاما يشبه المشتري في الحسن و الجمال،و كان على رأسه ذوابتان،و كان بين يديه رمان من الذهب قدحلي بالفصوص و الجواهر الثمينة قد أهداه واحد من رؤساء البصرة،و كان في يده قلم يكتب به شيئا على قرطاس،فكلّما أراد أن يكتب شيئا أخذالغلام يده فألقى الرمان حتى يذهب الغلام إليه و يجي به فلمّا ترك يده يكتب ما شاء.
ثمّ فتح أحمد بن إسحاق الكساء و وضع الجراب بين يدي العسكري عليه السّلام فنظر العسكري إلى الغلام فقال:فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك و مواليك!
فقال:يا مولاي!أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة و أموال رجسة؟!
ثمّ قال:يابن إسحاق!اخرج ما في الجراب ليميز بين الحلال و الحرام!ثمّ أخرج صرّة،فقال الغلام:هذا لفلان بن فلان من محلة كذابقم،تشتمل على اثنين و ستين دينارا(1)،فيها من ثمن حجيرة باعهاو كانت ارثا عن أبيه خمسة و أربعون دينارا،و من أثمان سبعة أثواب أربعةعشر دينارا،و فيه من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا عليه السّلام:صدقت يا بني!دلّ الرجل على الحرام منها.
فقال الغلام:في هذه العين دينار بسكة الري تاريخه في سنة كذا قدا.
ص: 525
ذهب نصف نقشه منه(1)،و ثلاثة أقطاع قراضة بالوزن دانق و نصف دانق في هذه الصرّة الحرام هذا القدر فان صاحب هذه الصرّة في سنة كذا في شهركذا كان له عند نساج-و هو من جملة جيرانه-من الغزل منّ و ربع،فأتى على ذلك زمان كثير فسرقه سارق من عنده فأخبره النساج بذلك فما صدقه و أخذ الغرامة بغزل أدق منه مبلغ منّ و نصف،ثمّ أمر حتّى نسج منه ثوب و هذا الدينار و القراضة من ثمنه.ثمّ حلّ عقدها فوجد الدينار و القراضة كماأخبر،ثمّ أخرج صرّة أخرى.
فقال الغلام:هذا لفلان بن فلان من المحلّة الفلانية بقم و العين فيهاخمسون دينارا و لا ينبغي لنا أن ندني أيدينا إليها.
قال:لم؟فقال:من أجل أنّ هذه الدنانير من ثمن الحنطة،و كانت هذه الحنطة بينه و بين حراث له،فأخذ نصيبه بكيل كامل و أعطى نصيبهم بكيل ناقص،فقال مولانا الحسن بن علي عليهما السّلام:صدقت يا بني.
ثمّ قال:يابن إسحاق!احمل هذه الصرر و بلغ أصحابها أو اوص بتبليغها إلى أصحابها،فانّه لا حاجة بنا إليها.
ثمّ قال:جى ء إليّ بثوب تلك العجوز.
فقال أحمد بن إسحاق:كان ذلك في حقيبة فنسيته.ثمّ مشى أحمدابن اسحاق ليجي ء بذلك فنظر إليّ مولانا أبي محمّد العسكري عليه السّلام و قال:ما جاء بك يا سعد؟..
ص: 526
فقلت:شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا،قال عليه السّلام:فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟قلت:على حالها يا مولاي.قال:فاسأل قرّة عيني-و أومى إلى الغلام-عمّا بدالك!
فقلت:يا مولانا و ابن مولانا روي لنا:أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جعل طلاق نسائه إلى أمير المؤمنين،حتّى أنّه بعث في يوم الجمل رسولاإلى عائشة و قال:إنّك أدخلت الهلاك على الإسلام و أهله بالغش الذي حصل منك،و أوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة،فان امتنعت و إلاّ طلّقتك،فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطلاق الذي فوّض حكمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أمير المؤمنين عليه السّلام؟
فقال عليه السّلام:إنّ اللّه تقدّس اسمه عظم شأن نساء النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فخصهنّ بشرف الأمهات فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا أباالحسن!إنّ هذا شرف باق ما دمن للّه على طاعة،فأيتهنّ عصت اللّه بعدي بالخروج عليك فطلّقها من الأزواج و أسقطها من شرف أمّية المؤمنين.
ثمّ قلت:أخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا فعلت المرأة تلك يجوزلبعلها أن يخرجها من بيته في أيّام عدّتها؟
فقال عليه السّلام:تلك الفاحشة السّحق و ليست بالزنا لأنّها إذا زنت(1)يقام عليها الحد،و ليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحد الذي أقيم عليها،و أمّا إذا ساحقت فيجب عليها الرجم،و الرجم هو..
ص: 527
الخزي،و من أمر اللّه تعالى برجمها فقد أخزاها ليس لأحد أن يقربها.
ثمّ قلت:أخبرني يابن رسول اللّه عن قول اللّه تعالى لنبيّه موسى عليه السّلام:«فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوََادِ اَلْمُقَدَّسِ طُوىً»(1)فانّ فقهاء الفريقين يزعمون أنّها كانت من إهاب الميتة؟
فقال عليه السّلام:من قال ذلك افترى على موسى و استجهله(2)في نبوته،لأنّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين(3):اما ان كانت صلاة موسى فيها جائزة أو غير جائزة،فان كانت صلاة موسى جائزة فيها،فجازلموسى أن يكون لابسها في تلك البقعة و إن كانت مقدّسة مطهّرة،و إن كانت صلاته غير جائزة فيها فقد أوجب أنّ موسى لم يعرف الحلال و الحرام،و لم يعلم ما جازت الصّلاة فيه ممّا لم يجز و هذا كفر.
قلت:فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها؟
قال:إنّ موسى عليه السّلام كان بالوادي المقدس فقال:يا رب إنّي أخلصت لك المحبة مني و غسلت قلبي عمّن سواك،و كان شديد الحب لأهله.فقال اللّه تبارك و تعالى:«فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ»،أي:انزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة و قلبك من الميل إلى من سواي مغسولا...
ص: 528
فقلت:أخبرني عن تأويل«كهيعص»؟
قال:هذه الحروف من أنباء الغيب،اطلع اللّه عليها عبده زكريا ثمّ قصّها على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذلك أنّ زكريا عليه السّلام سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة،فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إيّاها،فكان زكريا إذاذكر محمّدا و عليّا و فاطمة و الحسن صلوات اللّه و سلامه عليهم سرى عنه همّه،و انجلى كربه،و إذا ذكر اسم الحسين عليه السّلام خنقته العبرة،و وقعت عليه البهرة.
فقال-ذات يوم-:إلهي!ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي،و إذا ذكرت الحسين تدمع عيني و تثور زفرتي،فأنبأه اللّه تبارك و تعالى عن قصته فقال:(كهيعص)فالكاف اسم(كربلاء)،و الهاء هلاك(العترة)،و الياء(يزيد)و هو ظالم الحسين،و العين(عطشه)،و الصّاد(صبره)،فلمّا سمع بذلك زكريا عليه السّلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام و منع فيهنّ النّاس من الدخول عليه و أقبل على البكاء و النحيب،و كان يرثيه:
إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده؟
إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟
إلهي أتلبس عليّا و فاطمة ثياب هذه المصيبة؟
إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما؟
ثمّ كان يقول:إلهي ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر،فإذارزقتنيه فافتنّي بحبّه،ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدا حبيبك بولده.
ص: 529
فرزقه اللّه يحيى و فجعه به و كان حمل يحيى ستة أشهر و حمل الحسين كذلك.
فقلت:أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟
قال:مصلح أو مفسد؟فقلت:مصلح.
قال:هل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد مايخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟قلت:بلى.
قال:فهي(العلّة)أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك.قلت:نعم.
قال:أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللّه و أنزل عليهم الكتب،و أيدهم بالوحي و العصمة،اذ هم أعلام الأمم،فاهدي إلى بيت الاختيار،منهم موسى و عيسى عليهما السّلام هل يجوز مع وفور عقلهما،و كمال علمهما،إذ همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق،و هما يظنان أنّه مؤمن؟قلت:لا.
قال:فهذا موسى كليم اللّه مع وفور عقله و كمال علمه،و نزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاممّن لم يشك في إيمانهم و إخلاصهم،فوقعت خيرته على المنافقين قال اللّه عزّ و جلّ:«وَ اِخْتََارَ مُوسى ََ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقََاتِنََا»الآية(1)فلمّاوجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه للنبوّة(2)واقعا على الأفسد دون الأصلح،..
ص: 530
و هو يظن أنّه الأصلح دون الأفسد،علمنا أن لا اختيار إلاّ لمن يعلم ما تخفي الصدور(1)و ما تكن الضمائر،و تنصرف عنه السرائر(2)،و ان لا خطرلاختيار المهاجرين و الأنصار،بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفسادلما أرادوا أهل الصلاح.
ثمّ قال مولانا عليه السّلام:يا سعد!إنّ من ادعى أنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-و هو خصمك-ذهب بمختار هذه الأمّة مع نفسه إلى الغار فانّه خاف عليه كما خاف على نفسه لما علم أنّه الخليفة من بعده على أمّته،لأنّه لم يكن من حكم الاختفاء أن يذهب بغيره معه و إنّما أقام عليّا عليه السّلام على مبيته لأنّه علم أنّه إن قتل لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر،لأنّه يكون لعلي من يقوم مقامه في الأمور،لم لا تنقض(3)عليه بقولك:أولستم تقولون إنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إنّ الخلافة من بعدي ثلاثون سنة»و صيّرها موقوفة على أعمار هؤلاء الأربعة(4):(أبي بكر،و عمر،و عثمان،و علي)فانّهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟فان خصمك لم يجد بدا من قوله:بلى.
قلت له:فإذا كان الأمر كذلك فكما كان أبو بكر(5)الخليفة من بعده..
ص: 531
كان هذه الثلاثة خلفاء أمّته من بعده،فلم ذهب بخليفة واحد و هو(أبو بكر)إلى الغار و لم يذهب بهذه الثلاثة؟فعلى هذا الأساس يكون النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مستخفا بهم دون أبي بكر فانّه يجب عليه أن يفعل بهم مثل ما فعل بأبي بكر،فلمّا لم يفعل ذلك بهم يكون متهاونا بحقوقهم و تاركا للشفقةعليهم بعد أن كان يجب عليه أن يفعل بهم جميعا على ترتيب خلافتهم مافعل بأبي بكر.
و أمّا ما قال لك الخصم بأنّهما أسلما طوعا أو كرها،لم لم تقل بل إنّهما أسلما طمعا،و ذلك أنّهما يخالطان مع اليهود و يخبران بخروج محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و استيلائه على العرب من التوراة و الكتب المتقدمةو ملاحم قصة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و يقولون لهما:يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء(بخت نصر)على بني إسرائيل إلاّ أنّه يدّعي النبوةو لا يكون من النبوة في شي ء،فلمّا ظهر أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ساعدا معه على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه طمعا أن يجدامن جهة رسول اللّه ولاية بلد إذا انتظم أمره،و حسن باله،و استقامت ولايته،فلمّا أيسا من ذلك وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة و تلثما مثل من تلثم منهم،و نفروا بدابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لتسقطه و يصير هالكابسقوطه بعد أن صعد العقبة فيمن صعد،فحفظ اللّه تعالى نبيه من كيدهم و لم يقدروا أن يفعلوا شيئا،و كان حالهما كحال طلحة و الزبير إذ جاءا عليّا عليه السّلام و بايعاه طمعا أن تكون لكل واحد منهما ولاية،فلمّا لم يكن ذلك و أيسا من الولاية،نكثا بيعته و خرجا عليه،حتّى آل أمر كل واحد منهما
ص: 532
إلى ما يؤول أمر من ينكث العهود و المواثيق.
ثمّ قام مولانا الحسن بن علي عليهما السّلام لصلاته و قام القائم عليه السّلام معه،فرجعت من عندهما و طلبت أحمد بن إسحاق،فاستقبلني باكيافقلت:ما أبطأك و ما أبكاك؟
قال:قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره.قلت:لا بأس عليك فأخبره!
فدخل عليه و انصرف من عنده متبسما و هو يصلي على محمّد و أهل بيته.فقلت:ما الخبر؟فقال:وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليه السّلام يصلي عليه.
قال سعد:فحمدنا اللّه جلّ ذكره على ذلك،و جعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا عليه السّلام أيّاما فلا نرى الغلام بين يديه،فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا و أحمد بن إسحاق و كهلان من أهل بلدنا،فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما و قال:
يابن رسول اللّه!قد دنت الرحلة،و اشتدت المحنة،فنحن نسأل اللّه أن يصلي على المصطفى جدك،و على المرتضى أبيك،و على سيّدة النّساءأمّك فاطمة الزهراء و على سيدي شباب أهل الجنّة عمّك و أبيك،و على الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك،و أن يصلّي عليك و على ولدك،و نرغب إليه أن يعلي كعبك،و يكبت عدوك،و لا جعل اللّه هذا آخر عهدنا من لقائك.
قال:فلمّا قال هذه الكلمة استعبر مولانا عليه السّلام،حتى استهملت
ص: 533
دموعه و تقاطرت عبراته،ثمّ قال:
يابن إسحاق!لا تكلف في دعائك شططا،فانّك ملاق اللّه في صدرك(1)هذا،فخرّ أحمد مغشيا عليه،فلمّا أفاق قال:
سألتك باللّه و بحرمة جدك إلاّ ما شرفتني بخرقة أجعلها كفنا،فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال:
خذها و لا تنفق على نفسك غيرها فانّك لن تعدم ما سألت،و اللّه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
قال سعد:فلمّا صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا عليه السّلام من حلوان على ثلاثة فراسخ،حمّ أحمد بن إسحاق و ثارت عليه علّة صعبةأيس من حياته فيها(2)فلمّا وردنا حلوان و نزلنا في بعض الخانات،دعاأحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطنا بها(3)ثمّ قال:تفرّقوا عني هذه اللّيلة و اتركوني وحدي!فانصرفنا عنه و رجع كل واحد منّا إلى مرقده.
قال سعد:فلمّا حان أن ينكشف اللّيل عن الصبح أصابتني فكرةففتحت عيني،فإذا أنا بكافور الخادم خادم مولانا أبي محمّد عليه السّلام و هويقول:أحسن اللّه بالخير عزاكم،و ختم بالمحبوب رزيّتكم،قد فرغنا من2.
ص: 534
غسل صاحبكم و من تكفينه،فقوموا لدفنه فانّه من أكرمكم محلاّ عندسيّدكم،ثمّ غاب عن أعيننا،فاجتمعنا على رأسه بالبكاء و النحيب و العويل حتّى قضينا حقّه و فرغنا من أمره رحمه اللّه(1).
و عن الشيخ الموثوق أبي عمرو العمري رحمه اللّه(2)قال:تشاجر ابن أبي غانم القزويني و جماعة من الشيعة في(الخلف)فذكر ابن أبي غانم أنّ أبا محمّد عليه السّلام مضى و لا خلف له،ثمّ أنّهم كتبوا في ذلك كتابا و أنفذوه
ص: 535
إلى الناحية،و أعلموه بما تشاجروا فيه.
فورد جواب كتابهم بخطّه صلّى اللّه عليه و على آبائه:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
عافانا اللّه و إياكم من الفتن،و وهب لنا و لكم روح اليقين،و أجارناو إيّاكم من سوء المنقلب،أنّه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدّين،و مادخلهم من الشك و الحيرة في ولاة أمرهم،فغمّنا ذلك لكم لا لنا،و ساءنافيكم لافينا،لأنّ اللّه معنا فلا فاقة بنا إلى غيره،و الحقّ معنا فلن يوحشنامن قعد عنّا،و نحن صنايع ربّنا و الخلق بعد صنايعنا.
يا هؤلاء!ما لكم في الريب تترددون،و في الحيرة تنعكسون(1)،أوما سمعتم اللّه يقول:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللََّهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ»(2)أو ما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون و يحدث في أئمتكم،على الماضين و الباقين منهم عليهم السّلام؟أو ما رأيتم كيف جعل اللّه لكم معاقل تأوون إليها،و أعلاما تهتدون بها،من لدن آدم عليه السّلام إلى أن ظهر الماضي عليه السّلام،كلّما غاب علم بدا علم،و إذا أفل نجم طلع نجم،فلمّا قبضه اللّه إليه ظننتم أنّ اللّه أبطل دينه،و قطع السبب بينه و بين خلقه،كلاّ ما كان ذلك و لا يكون،حتّى تقوم السّاعة و يظهر أمر اللّه9.
ص: 536
و هم كارهون،و إنّ الماضي عليه السّلام مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه عليهم السّلام،(حذو النعل بالنعل)و فينا وصيّته و علمه،و منه خلفه و من يسدمسده،و لا ينازعنا موضعه(1)إلاّ ظالم آثم،و لا يدعيه دوننا إلاّ جاحدكافر،و لو لا أنّ أمر اللّه لا يغلب،و سرّه لا يظهر و لا يعلن لظهر لكم من حقّنا ما تبين منه عقولكم(2)،و يزيل شكوككم و لكنّه ما شاء اللّه كان،و لكل أجل كتاب،فاتقوا اللّه و سلموا لنا وردوا الأمر إلينا فعلينا الاصداركما كان منّا الإيراد،و لا تحاولوا كشف ما غطي عنكم،و لا تميلوا عن اليمين و تعدلوا إلى اليسار،و اجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة على السنّةالواضحة فقد نصحت لكم،و اللّه شاهد عليّ و عليكم،و لو لا ما عندنا من محبة صاحبكم و رحمتكم،و الاشفاق عليكم،لكنّا عن مخاطبتكم في شغل ممّا قد امتحنا به من منازعة الظالم،العتل الضال،المتتابع في غيّه،المضاد لربه المدّعي ما ليس له،الجاحد حقّ من افترض اللّه طاعته،الظالم الغاصب.
و في ابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اسوة حسنة(3)،و سيردى الجاهل رداء عمله،و سيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
عصمنا اللّه و إيّاكم من المهالك و الأسواء و الآفات و العاهات كلّهاة.
ص: 537
برحمته،فإنّه وليّ ذلك و القادر على ما يشاء،و كان لنا و لكم وليّا و حافظا،و السّلام على جميع الأوصياء و الأولياء و المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته،و صلّى اللّه على النّبيّ محمّد و آله و سلّم تسليما(1).
و عن سعد بن عبد اللّه الأشعريّ،عن الشّيخ الصدوق أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعريّ رحمة اللّه عليه:أنّه جاءه بعض أصحابنا يعلمه أنّ جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرّفه نفسه،و يعلمه أنّه القيّم بعد أخيه،و أنّ عنده من علم الحلال و الحرام ما يحتاج إليه،و غير ذلك من العلوم كلّها.
قال أحمد بن إسحاق:فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان صلوات اللّه عليه و صيّرت كتاب جعفر في درجه،فخرج إليّ الجواب في ذلك:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
أتاني كتابك أبقاك اللّه و الكتاب الذي أنفذته درجه(2)،و أحاطت
ص: 538
معرفتي بجميع ما تضمّنه على اختلاف ألفاظه،و تكرر الخطأ فيه،و لوتدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه،و الحمد للّه ربّ العالمين حمدالا شريك له على إحسانه إلينا و فضله علينا،أبى اللّه عزّ و جلّ للحقّ إلاّإتماما،و للباطل إلاّ زهوقا،و هو شاهد عليّ بما أذكره،ولي عليكم بماأقوله،إذا اجتمعنا لليوم الذي لا ريب فيه،و يسألنا عمّا نحن فيه مختلفون.
و إنّه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه و لا عليك و لا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة،و لا طاعة و لا ذمة،و سأبيّن لكم جملةتكتفون بها إن شاء اللّه تعالى.
يا هذا يرحمك اللّه إنّ اللّه تعالى لم يخلق الخلق عبثا،و لا أهملهم سدى بل خلقهم بقدرته،و جعل لهم أسماعا و أبصارا و قلوبا و ألبابا،ثمّ بعث إليهم النبيين عليهم السّلام مبشرين و منذرين،يأمرونهم بطاعته و ينهونهم عن معصيته،و يعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم و دينهم،و أنزل عليهم كتابا،و بعث إليهم ملائكة،و باين بينهم و بين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم،و ما آتاهم اللّه من الدلائل الظاهرة و البراهين الباهرة،و الآيات الغالبة،فمنهم:من جعل النّار عليه بردا و سلاما و اتّخذه خليلا،و منهم:من كلّمه تكليما و جعل عصاه ثعبانا مبينا،و منهم:من أحيى الموتى بإذن اللّه و أبرأ الأكمه و الأبرص بإذن اللّه،و منهم:من علّمه منطق الطير و أوتي من كلّ شي ء.
ثمّ بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رحمة للعالمين و تمّم به نعمته،و ختم به أنبياءه و أرسله إلى النّاس كافة،و أظهر من صدقه ما أظهر،و بيّن
ص: 539
من آياته و علاماته ما بيّن،ثمّ قبضه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حميدا فقيدا سعيدا،و جعل الأمر من بعده إلى أخيه و ابن عمّه و وصيّه و وارثه علي بن أبي طالب عليه السّلام،ثمّ إلى الأوصياء من ولده واحدا بعد واحد أحيى بهم دينه،و أتمّ بهم نوره،و جعل بينهم و بين إخوتهم و بني عمّهم و الأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بيّنا،تعرف به الحجّة من المحجوج،و الإمام من المأموم:بأن عصمهم من الذنوب،و برأهم من العيوب،و طهّرهم من الدنس،و نزّههم من اللّبس،و جعلهم خزان علمه،و مستودع حكمته،و موضع سرّه،و أيّدهم بالدلائل و لو لا ذلك لكان النّاس على سواء،و لأدعى أمر اللّه عزّ و جلّ كل أحد،و لما عرف الحقّ من الباطل،و لا العلم من الجهل.
و قد ادّعى هذا المبطل المدعي على اللّه الكذب بما ادّعاه،فلا أدري بأيّة حالة هي له،رجا أن يتم دعواه،أ بفقه في دين اللّه؟!فو اللّه ما يعرف حلالا من حرام،و لا يفرّق بين خطأ و صواب،أم بعلم؟!فما يعلم حقّا من باطل،و لا محكما من متشابه،و لا يعرف حد الصّلاة و وقتها،أم بورع؟فاللّه شهيد على تركه الصّلاة الفرض(أربعين يوما)يزعم ذلك لطلب الشعوذة(1)،و لعلّ خبره تأدّى إليكم(2)و هاتيك ظروف مسكرة منصوبة،و آثارعصيانه للّه عزّ و جلّ مشهورة قائمة،أم بآية؟فليأت بها،أم بحجّة؟!م.
ص: 540
فليقمها،أم بدلالة؟فليذكرها.قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه:«بِسْمِ اَللََّهِ اَلرَّحْمََنِ اَلرَّحِيمِ حم*`تَنْزِيلُ اَلْكِتََابِ مِنَ اَللََّهِ اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ*`مََا خَلَقْنَااَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مََا بَيْنَهُمََا إِلاََّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا عَمََّاأُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ*`قُلْ أَ رَأَيْتُمْ مََا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اَللََّهِ أَرُونِي مََا ذََا خَلَقُوا مِنَ اَلْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي اَلسَّمََاوََاتِ اِئْتُونِي بِكِتََابٍ مِنْ قَبْلِ هََذََا أَوْ أَثََارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صََادِقِينَ*`وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اَللََّهِ مَنْ لاََ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى ََ يَوْمِ اَلْقِيََامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعََائِهِمْ غََافِلُونَ*`وَ إِذََا حُشِرَ اَلنََّاسُ كََانُوا لَهُمْ أَعْدََاءً وَ كََانُوا بِعِبََادَتِهِمْ كََافِرِينَ»(1).
فالتمس-تولّى اللّه توفيقك-من هذا الظالم ما ذكرت لك،و امتحنه و اسأله عن آية من كتاب اللّه يفسّرها،أو صلاة يبيّن حدودها و ما يجب فيها،لتعلم حاله و مقداره،و يظهر لك عواره و نقصانه،و اللّه حسيبه.
حفظ اللّه الحقّ على أهله،و أقرّه في مستقره،و قد أبى اللّه عزّ و جلّ أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن و الحسين(2)،و إذا أذن اللّه لنا في القول ظهر الحقّ و اضمحل الباطل،و انحسر عنكم.و إلى اللّه أرغب في الكفاية،و جميل الصنع و الولاية و حسبنا اللّه و نعم الوكيل،و صلّى اللّه على محمّد و آل محمّد(3).،-
ص: 541
محمّد بن يعقوب الكليني،عن إسحاق بن يعقوب قال:سألت محمّدابن عثمان العمري رحمه اللّه(1)أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه السّلام:
أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبتك،و وقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا و بني عمّنا.
فاعلم أنّه ليس بين اللّه عزّ و جلّ و بين أحد قرابة،و من أنكرني فليس مني و سبيله سبيل ابن نوح.
و أمّا سبيل عمّي جعفر و ولده،فسبيل اخوة يوسف عليه السّلام.
و أمّا الفقاع فشربه حرام و لا بأس بالشلماب(2).
ق-عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي،عن سعد بن عبد اللّه الأشعري،عن الشيخ الصّدوق:أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري،أنّه جاءه...
و انظر:بحار الأنوار 25/181 و 50/228.
ص: 542
و أمّا أموالكم فما نقبلها إلاّ لتطهروا،فمن شاء فليصل و من شاءفليقطع،فما آتانا اللّه خير ممّا آتاكم.
و أمّا ظهور الفرج:فانّه إلى اللّه و كذب الوقاتون.
و أما قول من زعم أنّ الحسين لم يقتل،فكفر و تكذيب و ضلال.
و أما الحوادث الواقعة،فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا،فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه.
و أمّا محمّد بن عثمان العمري،فرضي اللّه عنه و عن أبيه من قبل،فانّه ثقتي و كتابه كتابي.
و أمّا محمّد بن علي بن مهزيار الأهوازي،فسيصلح اللّه قلبه،و يزيل عنه شكّه.
و أمّا ما وصلتنا به،فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب و طهر،و ثمن المغنّيةحرام.
و أما محمّد بن شاذان بن نعيم،فانّه رجل من شيعتنا أهل البيت.
و أما أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأجدع،ملعون و أصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم،فانّي منهم بري ء،و آبائي عليهم السّلام منهم براء.
ق-الشلماب شراب يتّخذ من الشيلم،و هو حبّ شبيه بالشعير،و فيه تخدير نظير البنج،و إن اتّفق وقوعه في الحنطة و عمل منه الخبز،أورث السدر و الدوار و النوم،و يكثر نباته في مزرع الحنطة،و يتوهم حرمته،لمكان التّخدير،و اشتباه التخدير بالإسكار عند العوام.انتهى.
ص: 543
و أمّا المتلبسون بأموالنا،فمن استحل منها شيئا فأكله،فإنّما يأكل النيران.
و أمّا الخمس،فقد ابيح لشيعتنا و جعلوا منه في حل إلى وقت ظهورأمرنا لتطيب ولادتهم،و لا تخبث(1).
و أمّا ندامة قوم شكّوا في دين اللّه على ما وصلونا به،فقد أقلنا من استقال و لا حاجة إلى صلة الشاكين.
و أمّا علة ما وقع من الغيبة،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول:«يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاََ تَسْئَلُوا عَنْ أَشْيََاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(2)إنّه لم يكن أحد من آبائي1.
ص: 544
إلاّ و قد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه،و إنّي أخرج حين أخرج و لا بيعةلأحد من الطواغيت في عنقي.
و أمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي،فكالانتفاع بالشّمس إذا غيبتهاعن الأبصار السحاب،و إنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النّجوم أمان لأهل السماء،فاغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم،و لا تتكلّفوا علم ما قدكفيتم،و أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان ذلك فرجكم،و السّلام عليك ياإسحاق بن يعقوب و على من اتّبع الهدى(1).
أبو الحسن عليّ بن أحمد الدلاّل القمّي قال:اختلف جماعة من الشيعة في أن اللّه عزّ و جلّ فوّض إلى الأئمة صلوات اللّه عليهم أن يخلقواو يرزقوا،فقال قوم:هذا محال لا يجوز على اللّه تعالى،لأنّ الأجسام لايقدر على خلقها غير اللّه عزّ و جلّ،و قال آخرون:بل اللّه أقدر الأئمة على ذلك و فوّض إليهم فخلقوا و رزقوا،و تنازعوا في ذلك تنازعا شديدا،فقال
ص: 545
قائل:ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان فتسألونه عن ذلك ليوضح لكم الحقّ فيه،فانّه الطريق إلى صاحب الأمر،فرضيت الجماعةبأبي جعفر و سلمت و أجابت إلى قوله،فكتبوا المسألة و أنفذوها إليه،فخرج إليهم من جهته توقيع،نسخته:
إنّ اللّه تعالى هو الذي خلق الأجسام،و قسم الأرزاق،لأنّه ليس بجسم و لا حالّ في جسم،ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير.
و أمّا(1)الأئمة عليهم السّلام،فانّهم يسألون اللّه تعالى فيخلق،و يسألونه فيرزق إيجابا لمسألتهم و إعظاما لحقّهم(2).
عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي-رحمه اللّه-قال:حدّثني محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال:كنت عند الشّيخ
ص: 546
أبي القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنه(1)مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري،فقام إليه رجل فقال له:إنّي أريد أن أسألك عن شي ء،فقال له:سل عمّا بدالك.
فقال الرجل:أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السّلام أ هو وليّ اللّه؟قال:نعم.
قال:أخبرني عن قاتله لعنه اللّه أ هو عدو اللّه؟قال:نعم.
قال الرجل:فهل يجوز أن يسلط اللّه عزّ و جلّ عدوه على وليّه؟
فقال له أبو القاسم قدّس اللّه روحه:إفهم عني ما أقول لك!إعلم أنّ اللّه تعالى لا يخاطب النّاس بمشاهدة العيان،و لا يشافههم بالكلام،و لكنّه جلّت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم و أصنافهم بشرا مثلهم،و لو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم،و لم يقبلوا منهم،فلمّاجاءوهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق،قالوالهم:أنتم مثلنا(2)لا نقبل منكم حتّى تأتونا بشي ء نعجز عن أن نأتي بمثله،فنعلم أنّكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه،فجعل اللّه عزّ و جلّ لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها.
فمنهم:من جاء بالطوفان بعد الإعذار و الإنذار فغرق جميع من طغى و تمرّد...
ص: 547
و منهم:من ألقي في النّار فكانت عليه بردا و سلاما.
و منهم:من أخرج من الحجر الصلد النّاقة(1)،و أجرى من ضرعهالبنا.
و منهم:من فلق له البحر و فجر له من العيون،و جعل له العصا اليابسةثعبانا تلقف ما يأفكون.
و منهم:من أبرأ الأكمه و الأبرص و أحيى الموتى بإذن اللّه،و أنبأهم بما يأكلون و ما يدّخرون في بيوتهم.
و منهم:من انشق له القمر و كلّمته البهائم،مثل البعير و الذئب و غيرذلك.فلمّا أتوا بمثل ذلك و عجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله،كان من تقدير اللّه جلّ جلاله و لطفه بعباده و حكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين و أخرى مغلوبين،و في حال قاهرين و أخرى مقهورين،و لو جعلهم اللّه في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين،و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتّخذهم النّاس آلهة من دون اللّه عزّ و جلّ،و لماعرف فضل صبرهم على البلاء و المحن و الاختبار،و لكنّه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم،ليكونوا في حال المحنة و البلوى صابرين و في حال العافية و الظهور على الأعداء شاكرين،و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين و لا متجبّرين،و ليعلم العباد أنّ لهم عليهم السّلام إلهاهو خالقهم و مدبرهم فيعبدوه و يطيعوا رسله،و تكون حجّة اللّه ثابتة علىة.
ص: 548
من تجاوز الحد فيهم،و ادّعى لهم الربوبية،أو عاند و خالف،و عصى و جحد،بما أتت به الأنبياء و الرسل،و ليهلك من هلك عن بيّنة،و يحيا من حيّ عن بيّنة.
قال محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضى اللّه عنه:فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنه في الغد و أنا أقول في نفسي:أ تراه ذكر لناما ذكر يوم أمس من عند نفسه؟
فابتدأني و قال:يا محمّد بن إبراهيم!لئن أخرّ من السّماء فتختطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليّ من أن أقول في دين اللّه برأيي،و من عند نفسي؛بل ذلك عن الأصل،و مسموع من الحجّة صلوات اللّه عليه و سلامه(1).
و ممّا خرج عن صاحب الزمان صلوات اللّه عليه،ردّا على الغلاة من التوقيع جوابا لكتاب كتب اليه على يد(2)محمّد بن عليّ بن هلال الكرخي.
ص: 549
يا محمّد بن عليّ!تعالى اللّه عزّ و جلّ عمّا يصفون،سبحانه و بحمده،ليس نحن شركاؤه في علمه و لا في قدرته،بل لا يعلم الغيب غيره،كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه:«قُلْ لاََ يَعْلَمُ مَنْ فِي اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضِ اَلْغَيْبَ إِلاَّ اَللََّهُ»(1).
و أنا و جميع آبائي من الأولين:آدم و نوح و إبراهيم و موسى،و غيرهم من النبيّين،و من الآخرين محمّد رسول اللّه و عليّ بن أبي طالب و غيرهماممّن مضى من الأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين،إلى مبلغ أيامي و منتهى عصري عبيد اللّه عزّ و جلّ،يقول اللّه عزّ و جلّ:«وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ اَلْقِيََامَةِ أَعْمى ََ*`قََالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى ََ وَ قَدْكُنْتُ بَصِيراً*`قََالَ كَذََلِكَ أَتَتْكَ آيََاتُنََا فَنَسِيتَهََا وَ كَذََلِكَ اَلْيَوْمَ تُنْسى ََ»(2).
يا محمّد بن علي!قد آذانا جهلاء الشّيعة و حمقاؤهم،و من دينه جناح البعوضة أرجح منه.
فأشهد اللّه الذي لا إله إلاّ هو و كفى به شهيدا،و رسوله محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ملائكته و أنبياءه،و أولياءه عليهم السّلام.
و أشهدك،و أشهد كل من سمع كتابي هذا أنّي بري ء إلى اللّه و إلى رسوله ممّن يقول:إنّا نعلم الغيب(3)،أو نشارك اللّه في ملكه،أو يحلناء-
ص: 550
محلاّ سوى المحل الذي رضيه اللّه لنا و خلقنا له،أو يتعدّى بنا عمّا قدفسّرته لك و بيّنته في صدر كتابي.
و أشهدكم:أنّ كل من نبرأ منه فإنّ اللّه يبرأ منه و ملائكته و رسله و أولياؤه و جعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك و عنق من سمعه أن لا يكتمه من أحد من مواليّ و شيعتي،حتّى يظهر على هذاالتوقيع الكلّ من الموالي لعلّ اللّه عزّ و جلّ يتلافاهم فيرجعون إلى دين اللّه الحقّ،و ينتهون عمّا لا يعلمون منتهى أمره،و لا يبلغ منتهاه،فكل من فهم كتابي و لم يرجع(1)إلى ما قد أمرته و نهيته،فقد حلت عليه اللّعنة من اللّه و ممّن ذكرت من عباده الصّالحين(2).
ق-و الأوصياء عليهم السّلام الإخبار عن المغيبات،و قد استثناهم اللّه تعالى في قوله:«إِلاََّ مَنِ اِرْتَضى ََ مِنْ رَسُولٍ...»الجنّ 72/27-انتهى.و بعبارة أخرى:«علم الغيب من مصطلح القرآن و الحديث،هو العلم بالمغيبات بلا اكتساب و لا تعليم و هو يختص باللّه سبحانه،و أمّا العلم المأخوذ من اللّه في ذلك المجال«فإنّما هو تعلم من ذي علم».كما عبّر به الإمام علي عليه السّلام في بعض خطبه.6.
ص: 551
[ذكر المذمومين الذين إدّعوا البابيّة و السفارةكذبا و افتراء](1)
روى أصحابنا أنّ أبا محمّد الحسن الشريعي(2)،كان من أصحاب أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهما السّلام ثمّ الحسن بن علي عليهما السّلام و هو أول من ادّعى مقاما لم يجعله اللّه فيه من قبل صاحب الزمان عليه السّلام و كذب على اللّه و على حججه عليهم السّلام و نسب إليهم ما لا يليق بهم و ما هم منه براء،ثمّ ظهر منه القول بالكفر و الالحاد.
و كذلك كان محمّد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمّدالحسن عليه السّلام،فلمّا توفي ادّعى النيابة(3)لصاحب الزمان،ففضحه اللّه تعالى بما ظهر منه من الإلحاد و الغلو و القول بالتناسخ،و كان أيضا يدّعي أنّه رسول نبي أرسله عليّ بن محمّد عليهما السّلام و يقول فيه بالربوبية،و يقول بالإباحة للمحارم.
و كان أيضا من جملة الغلاة:أحمد بن هلال الكرخي،و قد كان من قبل في عداد أصحاب أبي محمّد عليه السّلام،ثمّ تغيّر عمّا كان عليه و أنكر
ص: 552
نيابة أبي جعفر محمّد بن عثمان،فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر و بالبراءة منه،في جملة من لعن و تبرأ منه.
و كذلك كان أبو طاهر محمّد بن عليّ بن بلال،و الحسين بن منصورالحلاج،و محمّد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر،لعنهم اللّه،فخرج التوقيع بلعنهم و البراءة منهم جميعا،على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه اللّه و نسخته:
عرّف-أطال اللّه بقاك!و عرفك اللّه الخير كلّه و ختم به عملك-من تثق بدينه و تسكن إلى نيّته،من إخواننا أدام اللّه سعادتهم بأنّ(محمّد بن عليّ المعروف بالشلمغاني)عجّل اللّه له النقمة و لا أمهله،قد ارتدّ عن الإسلام و فارقه،و ألحد في دين اللّه و ادّعى:ما كفر معه بالخالق جلّ و تعالى،و افترى كذبا و زورا،و قال بهتانا و إثما عظيما كذب العادلون باللّه و ضلّوا ضلالا بعيدا،و خسروا خسرانا مبينا.
و إنّا برئنا إلى اللّه تعالى و إلى رسوله صلوات اللّه عليه و سلامه و رحمته و بركاته منه(1)،و لعناه،عليه(2)لعاين اللّه تترى،في الظّاهر منّا و الباطن،في السرّ
ص: 553
و الجهر،و في كل وقت،و على كل حال،و على من شايعه و بلغه هذا القول منّا فأقام على تولاه بعده.
اعلمهم-تولاكم اللّه(1)-:إنّنا في التوقي و المحاذرة منه على مثل ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه،من:(الشريعي،و النميري،و الهلالي،و البلالي)و غيرهم(2)و عادة اللّه جلّ ثناؤه مع ذلك قبله و بعده عندناجميلة،و به نثق و إيّاه نستعين و هو حسبنا في كل أمورنا و نعم الوكيل(3).
فأولهم:الشّيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمريّ:نصبه أوّلا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري،ثمّ ابنه أبو محمّد الحسن،فتولّى القيام بأمورهما حال حياتهما عليهما السّلام،ثمّ بعد ذلك قام بأمر صاحب
ص: 554
الزمان صلوات اللّه عليه و كانت توقيعاته و جواب المسائل(1)تخرج على يديه.
فلمّا مضى لسبيله،قام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه(2)،و ناب منابه في جميع ذلك.
فلمّا مضى هو،قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت،فلمّا مضى هو،قام مقامه أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري و لم يقم أحدمنهم بذلك إلاّ بنص عليه من قبل صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه،و نصب صاحبه الذي تقدّم عليه،و لم تقبل الشيعة قولهم إلاّ بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر صلوات اللّه عليه،تدل على صدق مقالتهم،و صحة بابيتهم(3)فلمّا حان رحيل(4)أبي الحسن السمري من الدنيا و قرب أجله قيل له:إلى من توصي؟
فأخرج إليهم توقيعا نسخته:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
يا عليّ بن محمّد السمري!أعظم اللّه أجر إخوانك فيك،فانّك ميت ما
ص: 555
بينك و بين ستة أيّام،فاجمع أمرك و لا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعدوفاتك،فقد وقعت الغيبة التامّة،فلا ظهور إلاّ بعد إذن اللّه تعالى ذكره،و ذلك بعد طول الأمد و قسوة القلوب،و امتلاء الأرض ظلما و جورا.
و سيأتي إلى شيعتي من يدّعي المشاهدة،ألا فمن ادّعى المشاهدةقبل خروج السفياني و الصيحة فهو كذاب مفتر(1)،و لا حول و لا قوة إلاّباللّه العليّ العظيم.
فنسخوا هذا التوقيع و خرجوا،فلمّا كان اليوم السادس عادوا إليه و هو يجود بنفسه.
فقال له بعض النّاس:من وصيك من بعدك؟
فقال:للّه أمر هو بالغه،و قضى.فهذا آخر كلام سمع منه رضي اللّه عنه و أرضاه(2).1.
ص: 556
عن محمّد بن يعقوب الكليني،رفعه عن الزهري،قال طلبت هذاالأمر طلبا شافيا حتّى ذهب لي فيه مال صالح،فوقعت إلى العمري و خدمته و لزمته،فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان عليه السّلام.
قال:ليس إلى ذلك وصول،فخضعت له.فقال لي:بكّر بالغداة.
فوافيت،فاستقبلني و معه شاب من أحسن النّاس وجها،و أطيبهم ريحا و في كمّه شي ء كهيئة التجار،فلمّا نظرت إليه دنوت من العمري،فأومى إليه فعدلت إليه و سألته فأجابني عن كل ما أردت.
ثمّ مر ليدخل الدّار و كانت من الدور التي لا يكترث بها.
فقال العمري:إن أردت أن تسأل فاسأل فانّك لا تراه بعد ذلك(1).
فذهبت لأسأل،فلم يستمع و دخل الدار و ما كلّمني بأكثر من أن قال:
ملعون ملعون من أخّر العشاء إلى أن تشتبك النّجوم،ملعون ملعون
ص: 557
من أخّر الغداة إلى أن تنفضّ النّجوم،و دخل الدّار(1).
و عن أبي الحسن محمّد بن جعفر الأسدي قال:كان فيما ورد عليّ من الشّيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان صلوات اللّه و سلامه عليه:
أمّا ما سألت عنه من الصّلاة عند طلوع الشّمس و عند غروبها،فلئن كان كما يقول النّاس:«أنّ الشّمس تطلع بين قرني شيطان و تغرب بين قرني شيطان»فما أرغم أنف الشيطان شي ء أفضل من الصّلاة،فصلّهاو ارغم الشّيطان أنفه.
و أمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا،و ما يجعل لنا ثمّ يحتاج إليه صاحبه،فكل ما لم يسلم فصاحبه فيه بالخيار،و كل ما سلم فلاخيار لصاحبه فيه إحتاج أو لم يحتج،افتقر إليه أو استغنى عنه.
و أمّا ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا و يتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا،فمن فعل ذلك فهو ملعون،و نحن خصماؤه يوم القيامة،و قد قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«المستحل من
ص: 558
عترتي ما حرّم اللّه،ملعون على لساني و لسان كل نبيّ مجاب»فمن ظلمناكان في جملة الظالمين لنا،و كانت لعنة اللّه عليه لقوله عزّ و جلّ:«أَلاََ لَعْنَةُاَللََّهِ عَلَى اَلظََّالِمِينَ»(1).
و أمّا ما سألت عنه من أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرّةأخرى فانّه يجب أن يقطع غلفته فإنّ الأرض تضجّ إلى اللّه تعالى من بول الأغلف أربعين صباحا.
و أمّا ما سألت عنه من أمر المصلّي و النّار و الصورة و السراج بين يديه،هل تجوز صلاته؟فإنّ النّاس قد اختلفوا في ذلك قبلك،فانّه جائزلمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام و النيران(2)أن يصلي و النّار و الصورةو السراج بين يديه،و لا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان و النيران.
و أمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا،هل يجوز القيام بعمارتها و أداء الخراج منها،و صرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية،احتسابا للأجر،و تقرّبا إليكم؟فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه،فكيف يحل ذلك في مالنا.من فعل شيئا من ذلك بغير أمرنا فقداستحلّ منّا ما حرّم اللّه عليه،و من أكل من أموالنا شيئا فإنّما يأكل في بطنه نارا و سيصلى سعيرا.ن.
ص: 559
و أمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة،و يسلمها من قيم يقوم بها و يعمرها،و يؤدي من دخلها خراجها و مؤنتها،و يجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا فإنّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعةقيّما عليها،إنّما لا يجوز ذلك لغيره.
و أمّا ما سألت عنه من الثمار من أموالنا يمرّ به المار فيتناول منه و يأكل،هل يحل له ذلك؟فانّه يحلّ له أكله و يحرم عليه حمله(1).
و عن أبي الحسين الأسدي أيضا قال:ورد عليّ توقيع من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري-قدّس اللّه روحه-ابتداء لم يتقدّمه سؤال عنه،نسخته:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين،على من استحلّ من أموالنادرهما.
ص: 560
قال أبو الحسين الأسدي رضى اللّه عنه:فوقع في نفسي أنّ ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل،و قلت في نفسي:إنّ ذلك في جميع من استحلّ محرّما،فأيّ فضل في ذلك للحجّة عليه السّلام على غيره؟!
قال:فو الذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالحقّ بشيرا،لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما كان في نفسي:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين على من أكل من مالنا درهما حراما(1).
و قال أبو جعفر بن بابويه-في الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أنّ عليه ثلاث كفارات-:فانّي أفتي به فيمن أفطربجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه لوجود ذلك في روايات أبي الحسن الأسدي رحمه اللّه فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري(2).0.
ص: 561
و عن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال:خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه في التعزية بأبيه رضى اللّه عنه في فصل من الكتاب:
إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،تسليما لأمره،و رضا بقضائه،عاش أبوك سعيدا و مات حميدا،فرحمه اللّه و ألحقه بأوليائه و مواليه عليهم السّلام فلم يزل مجتهدا في أمرهم ساعيا فيما يقرّبه إلى اللّه عزّ و جلّ نضر اللّه وجهه(1)،و أقاله عثرته.
و في فصل آخر:أجزل اللّه لك الثواب،و أحسن لك العزاء،رزيت و رزينا و أوحشك فراقه و أوحشنا،فسرّه اللّه في منقلبه،و كان من كمال سعادته أن رزقه اللّه ولدا مثلك يخلفه من بعده،و يقوم مقامه بأمره،و يترحّم عليه(2)،و أقول:الحمد للّه،فإنّ الأنفس طيبة بمكانك،و ما جعله اللّه عزّو جلّ فيك و عندك،أعانك اللّه و قوّاك،و عضدك و وفقك،و كان لك وليّاو حافظا،و راعيا و كافيا(3).
ص: 562
و ممّا خرج عن صاحب الزمان صلوات اللّه عليه من جوابات المسائل الفقهية أيضا:ممّا سأله عنها محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري فيماكتب إليه و هو:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
أطال اللّه بقاك،و أدام اللّه عزّك و تأييدك و سعادتك و سلامتك،و أتمّ نعمته عليك،و زاد في إحسانه إليك،و جميل مواهبه لديك،و فضله عندك،و جعلني من السوء فداك،و قدّمني قبلك النّاس يتنافسون في الدرجات،فمن قبلتموه كان مقبولا،و من دفعتموه كان وضيعا،و الخامل من وضعتموه،و نعوذ باللّه من ذلك و ببلدنا-أيّدك اللّه-جماعة من الوجوه يتساوون و يتنافسون في المنزلة،و ورد-أيدك اللّه-كتابك إلى جماعةمنهم في أمر أمرتهم به من معاونة(ص)(1).
ق-ابن موسى بن بابويه،عن أحمد بن هارون الفامي،قال:حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن جعفرالحميري،عن أبيه:عبد اللّه بن جعفر،قال:خرج التوقيع...
و انظر كمال الدّين 2/510،الباب 45،برقم 41.و بحار الأنوار 51/349.
ص: 563
و أخرج عليّ بن محمّد بن الحسين بن ملك(1)المعروف بملك بادوكة،و هو ختن(ص)رحمه اللّه من بينهم فاغتمّ بذلك،و سألني أيدك اللّه أن أعلمك ما ناله من ذلك،فان كان من ذنب فأستغفر اللّه منه،و إن يكن غير ذلك عرفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء اللّه التوقيع(2):لم نكاتب إلاّ من كاتبنا.
و قد عودتني أدام اللّه عزك من تفضلك ما أنت أهل أن تجريني(3)على العادة و قبلك أعزك اللّه فقهاء(4)أنا محتاج إلى أشياء(5)تسأل لي عنها:
و روي لنا عن العالم عليه السّلام:أنّه سئل عن إمام قوم صلّى بهم بعض صلاتهم،و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟
فقال:يؤخر،و يتقدّم بعضهم و يتمّ صلاتهم،و يغتسل من مسّه.
التوقيع:ليس على من نحاه إلاّ غسل اليد،و إذا لم تحدث حادثةتقطع الصّلاة تممّ صلاته مع القوم.
و روي عن العالم عليه السّلام:أنّ من مسّ ميتا بحرارته غسل يده،و من..
ص: 564
مسّه و قد برد فعليه الغسل،و هذا الإمام في هذه الحالة لا يكون[مسه](1)إلاّبحرارته،فالعمل في ذلك على ما هو،و لعلّه ينحيه بثيابه و لا يمسه،فكيف يجب عليه الغسل؟
التوقيع:إذا مسّه على هذه الحالة لم يكن عليه إلاّ غسل يده.
و عن صلاة جعفر:إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود،أو ركوع أوسجود و ذكره في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة،هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟
التوقيع:إذا سها في حالة من ذلك ثمّ ذكر في حالة أخرى،قضى مافاته في الحالة التي ذكره.
و عن المرأة:يموت زوجها،هل يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا؟
التوقيع:تخرج في جنازته.
و هل يجوز لها و هي في عدّتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟
التوقيع:تزور قبر زوجها و لا تبيت عن بيتها.
و هل يجوز لها أن تخرج في قضاء حقّ يلزمها،أم لا تبرح(2)من بيتها و هي في عدّتها؟..
ص: 565
التوقيع:إذا كان حقّ خرجت فيه و قضته،و إن كانت لها حاجة و لم يكن لها من ينظر فيها،خرجت لها حتّى تقضيها،و لا تبيت عن منزلها(1).
و روي في ثواب القرآن في الفرائض و غيرها:أنّ العالم عليه السّلام قال:عجبا لمن لم يقرأ في صلاته«إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ»كيف تقبل صلاته؟
و روي:ما زكت صلاة لم يقرأ(2)فيها«قُلْ هُوَ اَللََّهُ أَحَدٌ».
و روي أنّ من قرأ في فرائضه(الهمزة)أعطي من الثواب قدرالدنيا(3)،فهل يجوز أن يقرأ(الهمزة)و يدع هذه السور التي ذكرناها،مع ما قد روي:أنّه لا تقبل صلاة(4)و لا تزكوها إلاّ بهما؟
التوقيع:الثواب في السور على ما قد روي،و إذا ترك سورة ممّا فيهاالثواب و قرأ«قُلْ هُوَ اَللََّهُ أَحَدٌ»و«إِنََّا أَنْزَلْنََاهُ»لفضلهما أعطي ثواب ماقرأ،و ثواب السورة التي ترك،و يجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين و تكون صلاته تامّة،و لكن يكون قد ترك الفضل(5).ل.
ص: 566
و عن وداع شهر رمضان:متى يكون؟فقد اختلف فيه أصحابنا،فبعضهم يقول:يقرأ في آخر ليلة منه،و بعضهم يقول:هو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال؟
التوقيع:العمل في شهر رمضان في لياليه و الوداع يقع في آخر ليلةمنه،فان خاف(1)أن ينقص الشهر جعله في ليلتين.
و عن قول اللّه عزّ و جلّ:«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ»أ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المعني به؟«ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي اَلْعَرْشِ مَكِينٍ»ما هذه القوّة؟!«مُطََاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ»(2)ما هذه الطاعة و أين هي؟ما خرج لهذه المسألةجواب.
فرأيك أدام اللّه عزّك بالتفضل عليّ بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل فأجابني(3)عنها منعما مع ما تشرحه لي من أمر عليّ بن محمّد بن الحسين بن الملك المقدّم ذكره بما يسكن إليه،و يعتد بنعمة اللّه عنده،و تفضل عليّ بدعاء جامع لي و لإخواني للدنيا(4)و الآخرة فعلت مثابا إن شاء اللّه تعالى.ا.
ص: 567
التوقيع:جمع اللّه لك و لإخوانك خير الدنيا و الآخرة(1).
كتاب آخر لمحمّد بن عبد اللّه الحميري أيضا إليه عليه السّلام في مثل ذلك:
فرأيك أدام اللّه عزّك في تأمّل رقعتي و التفضّل بما سهل(2)من ذلك لا ضيفه إلى ساير أياديك عندي و مننك(3)عليّ،و احتجت أدام اللّه عزّك أن يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة
ص: 568
الثالثة،هل يجب عليه أن يكبّر؟فان بعض أصحابنا قال:لا يجب عليه التكبير،و يجزيه أن يقول بحول اللّه و قوته أقوم و أقعد؟
الجواب:إنّ فيه حديثين:
أمّا أحدهما:فانّه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير.
و أمّا الآخر:فانّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير،و كذلك التشهدالأول(1)يجري هذا المجرى،و بأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا.
و عن الفص الخماهن:(2)هل يجوز فيه الصلاة إذا كان في اصبعه؟
الجواب:فيه كراهية أن يصلي فيه،و أيضا فيه إطلاق و العمل على الكراهة.
و عن رجل اشترى هديا لرجل غايب عنه،و سأله أن ينحر عنه هديابمنى،فلمّا أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل و نحر الهدي،ثمّ ذكره بعدذلك،أ يجزي عن الرجل أم لا؟ص.
ص: 569
الجواب:لا بأس بذلك،و قد أجزأ عن صاحبه.
و عندنا حاكة(1)مجوس،يأكلون الميتة،و لا يغتسلون من الجنابة،و ينسجون لنا ثيابا،فهل تجوز الصّلاة فيها من قبل أن تغسل؟
الجواب:لا بأس بالصلاة فيها.
و عن المصلّي يكون في صلاة اللّيل في ظلمة،فإذا سجد يغلطبالسجادة و يضع جبهته على مسح أو نطع(2)فإذا رفع رأسه وجدالسجادة،هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟
الجواب:ما لم يستو جالسا فلا شي ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة(3).
و عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسيةو يرفع الجناحين أم لا؟
الجواب:لا شي ء عليه في ترك رفع الخشب.
و عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره،حذرا على ثيابه و مافي محمله أن يبتل،فهل يجوز ذلك؟ن.
ص: 570
الجواب:إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه،فعليه دم.
و الرجل يحجّ عن أحد(1)هل يحتاج أن يذكر الذي حجّ عنه عند عقدإحرامه أم لا؟و هل يجب أن يذبح عمّن حجّ عنه و عن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟
الجواب:قد يجزيه هدي واحد،و إن لم يفصل فلا بأس.
و هل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خز أم لا؟
الجواب:لا بأس بذلك،و قد فعله قوم صالحون.
و هل يجوز للرجل أن يصلي و في رجليه بطيط(2)لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟
الجواب:جائز.
و يصلي الرجل و في كمّه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوزذلك؟
الجواب:جائز.
و عن الرجل يكون معه بعض هؤلاء و يكون متصلا بهم،يحجّ و يأخذعلى الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ،فهل يجوز لهذا الرجل أن يؤخرإحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز إلاّ أن يحرم من المسلخ؟1.
ص: 571
الجواب:يحرم من ميقاته ثمّ يلبس الثياب،و يلبي في نفسه،فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر(1).
و عن لبس النعل المعطون(2)،فإنّ بعض أصحابنا يذكر أنّ لبسه كريه؟(3)
الجواب:جايز(4)،و لا بأس به.
و عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده،لا يرع عن أخذماله ربّما نزلت في قريته و هو فيها،أو ادخل منزله-و قد حضر طعامه-فيدعوني إليه فان لم آكل من طعامه،عاداني عليه و قال:فلان لا يستحل أن يأكل من طعامنا،فهل يجوز لي أن آكل من طعامه و أ تصدّق بصدقة؟و كم مقدار الصدقة؟و إن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضرفيدعوني إلى أن أنال منها،و أنا أعلم أن الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده،فهل عليّ فيه شي ء إن أنا نلت منها؟
الجواب:إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده،فكل طعامه و أقبل بره،و إلاّ فلا.
و عن الرجل ممّن يقول بالحقّ و يرى المتعة،و يقول بالرجعة،إلاّ أنّ..
ص: 572
له أهلا موافقة له في جميع أموره،و قد عاهدها أن لا يتزوج عليها،و لايتمتع،و لا يتسرى و قد فعل هذا منذ تسعة عشر سنة و وفى بقوله،فربّماغاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع و لا تتحرك نفسه أيضا لذلك،و يرى أن وقوف من معه من أخ و ولد و غلام و وكيل و حاشية ممّا يقلله في أعينهم،و يحب المقام على ما هو عليه محبة لأهله و ميلا إليها،و صيانة لها و لنفسه،لا لتحريم المتعة(1)بل يدين اللّه بها،فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟
الجواب:يستحب له أن يطيع اللّه تعالى بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية و لو مرة واحدة(2).
و في كتاب آخر لمحمّد بن عبد اللّه الحميري إلى صاحب الزمان صلوات اللّه و سلامه عليه من جواب(3)مسائله التي سأله عنها،في سنة سبع و ثلاثمائة.
سأل عن المحرم:يجوز أن يشدّ الميزر من خلفه على عقبه بالطول،
ص: 573
و يرفع طرفيه إلى حقويه و يجمعهما في خاصرته و يعقدهما،و يخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه و يرفعهما إلى خاصرته،و يشدّ طرفيه إلى وركيه،فيكون مثل السراويل يستر ما هناك،فان الميزر الأول كنّا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك،و هذا ستر؟
فأجاب عليه السّلام:جاز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثا بمقراظ و لا إبرة يخرجه به عن حد الميزر،و غرزه غرزا(1)و لم يعقده،و لم يشد بعضه ببعض،و إذا(2)غطّى سرته و ركبتيه كلاهما فان السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السّرة و الركبتين،و الأحب إليناو الأفضل لكل أحد شدّه على السبيل المألوفة المعروفة للنّاس جميعا إن شاء اللّه.
و سأل:هل يجوز أن يشدّ عليه مكان العقد تكة؟
فأجاب عليه السّلام:لا يجوز شدّ الميزر بشي ء سواه من تكة و لا غيرها.
و سأل عن التوجه للصلاة أن يقول على ملّة إبراهيم و دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله،فان بعض أصحابنا ذكر:أنّه إذا قال على دين محمّد فقد أبدع،لأنّا لم نجده في شي ء من كتب الصّلاة خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم ابن محمّد عن جده عن الحسن بن راشد(3):ان الصّادق عليه السّلام قال للحسن:د.
ص: 574
كيف تتوجه؟
فقال:أقول لبّيك و سعديك.
فقال له الصّادق عليه السّلام:ليس عن هذا أسألك.كيف تقول وجهت وجهي للذي فطر السّماوات و الأرض حنيفا مسلما؟
قال الحسن:أقوله.
فقال الصّادق عليه السّلام:إذا قلت ذلك فقل:على ملّة إبراهيم،و دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله و منهاج علي بن أبي طالب عليه السّلام،و الايتمام بآل محمّد،حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين.
فأجاب عليه السّلام:التوجّه كلّه ليس بفريضة،و السنّة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه:وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض،حنيفا مسلما على ملّة إبراهيم و دين محمّد و هدي أميرالمؤمنين،و ما أنا من المشركين.إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي للّه رب العالمين،لا شريك له و بذلك امرت و أنا من المسلمين اللّهم اجعلني من المسلمين،أعوذ باللّه السميع العليم من الشّيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم ثمّ تقرأ الحمد.
قال الفقيه الذي لا يشك في علمه:[إنّ](1)الدّين لمحمّد و الهدايةلعليّ أمير المؤمنين لأنها له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في عقبه باقية إلى يوم القيامة،فمن كان كذلك فهو من المهتدين،و من شكّ فلا دين له،و نعوذ».
ص: 575
باللّه من الضلالة بعد الهدى.
و سأله:عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه،[يجوز](1)أن يرديديه على وجهه و صدره للحديث الذي روي:«أن اللّه عزّ و جلّ أجلّ من أن يرد يدي عبده صفرا بل يملأها من رحمته»أم لا يجوز؟فان بعض أصحابناذكر أنّه عمل في الصّلاة.
فأجاب عليه السّلام:ردّ اليدين من القنوت على الرأس و الوجه غير جائزفي الفرائض.و الذي عليه العمل فيه،إذا رفع يده في قنوت الفريضة و فرغ من الدعاء ان يرد بطن راحتيه على صدره(2)تلقاء ركبتيه على تمهل،و يكبّر و يركع،و الخبر صحيح و هو في نوافل النّهار و الليل دون الفرائض،و العمل به فيها أفضل.
و سأل:عن سجدة الشكر بعد الفريضة،فان بعض أصحابنا ذكر أنّهابدعة فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟و إن جاز ففي صلاةالمغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟
فأجاب عليه السّلام:سجدة الشكر من ألزم السنن و أوجبها،و لم يقل أن هذه السجدة بدعة إلاّ من أراد أن يحدث في دين اللّه بدعة.
فأمّا الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب و الاختلاف في أنّها بعدالثلاث أو بعد الأربع فان فضل الدعاء و التسبيح بعد الفرائض على الدعاء..
ص: 576
بعقيب النوافل(1)كفضل الفرائض على النوافل،و السجدة دعاء و تسبيح فالأفضل أن يكون بعد الفرض فان جعلت بعد النوافل أيضا جاز.
و سأل:إنّ لبعض إخواننا ممّن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعةخراب للسلطان فيها حصة و اكرته بما زرعوا حدودها و توذيهم عمال السلطان و يتعرضون في الكل من غلات ضيعته،و ليس لها قيمة لخرابهاو إنّما هي بائرة منذ عشرين سنة،و هو يتحرّج(2)من شرائها لأنّه يقال انّ هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديما للسلطان،فان جاز شراؤها من السلطان،و كان ذلك صوابا،كان ذلك صونا و صلاحاو عمارة لضيعته،و انّه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة بفضل(3)ماءضيعته العامرة،و ينحسم عنه طمع أولياء السلطان،و إن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء اللّه تعالى؟
فأجاب عليه السّلام:الضيعة لا يجوز ابتياعها إلاّ من مالكها أو بأمره أورضاء منه(4).
و سأل:عن رجل استحل بامرأة خارجة من حجابها،و كان يحترزمن أن يقع[له](5)ولد فجاءت بابن،فتحرّج الرجل أن لا يقبله فقبله و هو».
ص: 577
شاك فيه،و جعل يجري النفقة على أمّه و عليه حتّى ماتت الأمّ،و هو ذايجري عليه غير انّه شاك فيه ليس يخلطه بنفسه،فان كان ممّن يجب أن يخلطه بنفسه و يجعله كساير ولده فعل ذلك و إن جاز أن يجعل له شيئا من ماله دون حقّه فعل؟
فأجاب عليه السّلام:الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه،و الجواب يختلف فيها فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال به مشروحا ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء اللّه.
و سأله الدعاء له فخرج الجواب:
جاد اللّه عليه بما هو جلّ و تعالى أهله،إيجابنا لحقّه،و رعايتنا لأبيه رحمه اللّه و قربه منّا،و قد رضينا بما علمناه من جميل نيّته،و وقفنا عليه من مخاطبته(1)،المقرّبة له من اللّه التي ترضي اللّه عزّ و جلّ و رسوله و أولياءه عليهم السّلام،و الرحمة بما بدأنا نسأل اللّه بمسألته ما أمّله من كل خير عاجل و آجل،و ان يصلح له من أمر دينه و دنياه ما يحب صلاحه،إنّه وليّ قدير(2).ظ.
ص: 578
و كتب إليه صلوات اللّه عليه أيضا في سنة ثمان و ثلاثمائة كتابا سأله فيه عن مسائل أخرى كتب فيه:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
أطال اللّه بقاءك و أدام عزّك و كرامتك و سعادتك و سلامتك،و أتمّ نعمته عليك،و زاد في إحسانه إليك،و جميل مواهبه لديك،و فضله عليك،و جزيل قسمه لك و جعلني من السوء كلّه فداك،و قدمني قبلك.
إنّ قبلنا مشايخ و عجايز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة و أكثر،و يصلون بشعبان و شهر رمضان.
و روى لهم بعض أصحابنا:أن صومه معصية؟
فأجاب عليه السّلام:قال الفقيه:يصوم منه أيّاما إلى خمسة عشر يوما ثمّ يقطعه،إلاّ أن يصومه عن الثلاثة الأيام الفائتة،للحديث(1):«انّ نعم شهرالقضاء رجب».
و سأل:عن رجل يكون في محمله و الثلج كثير بقامة رجل،فيتخوف إن نزل الغوص فيه،و ربما يسقط الثلج و هو على تلك الحال(2)و لا يستوي
ص: 579
له أن يلبد(1)شيئا منه لكثرته و تهافته،هل يجوز أن يصلي في المحمل الفريضة؟فقد فعلنا ذلك أيّاما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:لا بأس به عند الضرورة و الشدة.
و سأل:عن الرجل يلحق الإمام و هو راكع فيركع معه و يحتسب تلك الركعة.فإن بعض أصحابنا قال:إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة؟
فأجاب عليه السّلام:إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحةواحدة إعتد بتلك الركعة و إن لم يسمع تكبيرة الركوع.
و سأل:عن رجل صلّى الظهر و دخل في صلاة العصر،فلمّا أن صلّى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين،كيف يصنع؟
فأجاب عليه السّلام:إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بهاالصّلاة أعاد الصلاتين،و إن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الآخرتين تتمّة لصلاة الظهر،و صلّى العصر بعد ذلك.
و سأل:عن أهل الجنّة هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:إنّ الجنّة لا حمل فيها للنّساء و لا ولادة،و لا طمث و لا نفاس و لا شقاء بالطفولية،و فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين،كما9.
ص: 580
قال سبحانه(1)،فإذا(2)اشتهى المؤمن ولدا خلقه اللّه عزّ و جلّ بغير حمل و لا ولادة على الصورة التي يريد،كما خلق آدم عبرة.
و سأل:عن رجل تزوج امرأة بشي ء معلوم إلى وقت معلوم،و بقي له عليها وقت،فجعلها في حلّ ممّا بقي له عليها و قد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من أيّامها بثلاثة أيّام،أ يجوز أن يتزوجها رجل آخر بشي ءمعلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة،أو يستقبل بها حيضةأخرى؟
فأجاب عليه السّلام:يستقبل حيضة غير تلك الحيضة،لأن أقلّ تلك العدة(3)حيضة و طهرة تامّة.
و سأل:عن الأبرص و المجذوم و صاحب الفالج هل يجوز شهادتهم فقد روي لنا أنّهم لا يؤمون الأصحاء.
فأجاب عليه السّلام:إن كان ما بهم حادثا جازت شهادتهم،و إن كان ولادة لم تجز.
و سأل:هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته؟
فأجاب عليه السّلام:إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز،و إن لم تكن ربيت في حجره و كانت أمها في غير حباله(4)فقد روي:أنّه جائز.).
ص: 581
و سأل:هل يجوز أن يتزوج بنت ابنة امرأة ثمّ يتزوج جدّتها بعد ذلك أم لا يجوز؟
فأجاب عليه السّلام:قد نهي عن ذلك.
و سأل:عن رجل ادّعى على رجل ألف درهم و أقام به البيّنة العادلة،و ادّعى عليه أيضا خمسمائة درهم في صك آخر،و له بذلك كلّه بيّنة عادلة،و ادّعى عليه أيضا ثلاثمائة درهم في صك آخر،و مائتي درهم في صك آخر،و له بذلك كلّه بيّنة عادلة.و يزعم المدّعى عليه أنّ هذه الصكاك كلّها قددخلت في الصّك الذي بألف درهم،و المدعي منكر أن يكون كما زعم،فهل يجب عليه الألف الدرهم مرّة واحدة أو يجب عليه كما(1)يقيم البيّنة به؟و ليس في الصكاك استثناء إنّما هي صكاك على وجهها.
فأجاب عليه السّلام:يؤخذ من المدّعى عليه ألف درهم مرّة واحدة و هي التي لا شبهة فيها،و يرد اليمين في الألف الباقي على المدعي فان نكل فلاحقّ له.
و سأل عن طين القبر:يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:يوضع مع الميت في قبره،و يخلط بحنوطه إن شاءاللّه.
و سأل فقال:روي لنا عن الصّادق عليه السّلام انّه كتب على أزاره.
ص: 582
إسماعيل إبنه:«إسماعيل يشهد:أن لا إله إلاّ اللّه»،فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟
فأجاب عليه السّلام:يجوز ذلك.
و سأل:هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر،و هل فيه فضل؟
فأجاب عليه السّلام:يسبح به(1)فما من شي ء من التسبيح أفضل منه،و من فضله أنّ الرجل ينسى التسبيح و يدير السبحة فيكتب له التسبيح.
و سأل:عن السجدة على لوح من طين القبر،و هل فيه فضل؟
فأجاب:يجوز ذلك و فيه الفضل.
و سأل:عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السّلام،هل يجوز أن يسجدعلى القبر أم لا؟و هل يجوز لمن صلّى عند بعض قبورهم عليهم السّلام أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة،أم يقوم عند رأسه أو رجليه؟و هل يجوز أن يتقدّم القبر و يصلي و يجعل القبر خلفه أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:أمّا السّجود على القبر،فلا يجوز فى نافلة و لافريضة و لا زيارة،و الذي عليه العمل أن يضع خده الأيمن على القبر.
و أمّا الصّلاة فانها خلفه،و يجعل القبر أمامه،و لا يجوز أن يصلّي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره،لأنّ الإمام عليه السّلام لا يتقدّم و لا يساوى.
و سأل فقال:هل يجوز للرّجل إذا صلّى الفريضة أو النافلة و بيده السبحة أن يديرها و هو في الصّلاة؟ه.
ص: 583
فأجاب عليه السّلام:يجوز ذلك إذا خاف السهو و الغلط.
و سأل:هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبح،أو لا يجوز؟
فأجاب عليه السّلام:يجوز ذلك و الحمد للّه[ربّ العالمين](1).
و سأل فقال:روي عن الفقيه عليه السّلام في بيع الوقوف خبر مأثور:«إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم و أعقابهم،فاجتمع أهل الوقف على بيعه و كان ذلك اصلح،لهم أن يبيعوه»و هل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع،أم لا يجوز إلاّ أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟
فأجاب عليه السّلام:إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه،و إن كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرّقين إن شاء اللّه.
و سأل:هل يجوز للمحرم أن يصيّر على ابطه المرتك أو التوتيا(2)لريح العرق أم لا يجوز؟
فأجاب عليه السّلام:يجوز ذلك و باللّه التوفيق.
و سأل:عن الضّرير إذا أشهد في حال صحته على شهادة،ثمّ كفّ8.
ص: 584
بصره و لا يرى خطه فيعرفه،هل تجوز شهادته،أم لا؟و إن ذكر هذا الضريرالشّهادة،هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز؟
فأجاب عليه السّلام:إذا حفظ الشهادة و حفظ الوقت،جازت شهادته.
و سأل:عن الرجل يوقف ضيعة أو دابة و يشهد على نفسه بأسم بعض وكلاء الوقف،ثمّ يموت هذا الوكيل أو يتغيّر امره و يتولّى غيره(1)،هل يجوز أن يشهد الشّاهد لهذا الذي أقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أم لا يجوز ذلك؟
فأجاب عليه السّلام:لا يجوز غير ذلك،لأنّ الشهادة لم تقم للوكيل و إنّما قامت للمالك و قد قال اللّه تعالى:«وَ أَقِيمُوا اَلشَّهََادَةَ لِلََّهِ»(2).
و سأل:عن الركعتين الأخيرتين(3)قد كثرت فيهما الروايات فبعض يروي:أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل،و بعض يروي:أنّ التسبيح فيهما أفضل،فالفضل لأيّهما لنستعمله؟
فأجاب عليه السّلام:قد نسخت قراءة أمّ الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح،و الذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السّلام:كل صلاة لا قراءة فيهان.
ص: 585
فهي خداج(1)إلاّ للعليل(2)،أو يكثر عليه السهو فيتخوّف بطلان الصّلاةعليه.
و سأل فقال:يتّخذ عندنا رب الجوز لوجع الحلق و البحبحة،يؤخذالجوز الرطب من قبل أن ينعقد و يدق دقا ناعما،و يعصر ماؤه و يصفى و يطبخ على النصف و يترك يوما و ليلة ثمّ ينصب على النّار،و يلقى على كل ستة أرطال منه رطل عسل و يغلى و ينزع رغوته،و يسحق من النوشادرو الشب اليماني(3)من كل واحدة نصف مثقال و يداف(4)بذلك الماء،و يلقى فيه درهم زعفران مسحوق،و يغلى و يؤخذ رغوته و يطبخ حتّى يصيرمثل العسل ثخينا،ثمّ ينزل عن النّار و يبرد و يشرب منه،فهل يجوز شربه أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:إذا كان كثيره يسكر أو يغيّر،فقليله و كثيره حرام،و إن كان لا يسكر فهو حلال.
و سأل:عن الرجل تعرض له الحاجة ممّا لا يدري أن يفعلها أم لا،فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما:(نعم افعل)و في الآخر:(لا تفعل)1.
ص: 586
فيستخير اللّه مرارا،ثمّ يرى فيهما،فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج،فهل يجوز ذلك أم لا؟و العامل به و التارك له أ هو مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك؟
فأجاب عليه السّلام:الذي سنّه العالم عليه السّلام في هذه الاستخارة بالرقاع و الصّلاة.
و سأل:عن صلاة جعفر بن أبي طالب عليهما السّلام في أي أوقاتها أفضل أن تصلّى فيه،و هل فيها قنوت؟و إن كان ففي أي ركعة منها؟
فأجاب عليه السّلام:أفضل أوقاتها صدر النّهار من يوم الجمعة،ثمّ في أي الأيام شئت،و أي وقت صلّيتها من ليل أو نهار فهو جائز،و القنوت فيها مرّتان:في الثانية قبل الركوع،و في الرابعة(1).
و سأل:عن الرجل ينوي إخراج شي ء من ماله و أن يدفعه إلى رجل من إخوانه ثمّ يجد في أقربائه محتاجا،أ يصرف ذلك عمّن نواه له إلى قرابته؟(2)
فأجاب عليه السّلام:يصرفه إلى أدناهما و أقربهما من مذهبه،فان ذهب إلى قول العالم عليه السّلام:«لا يقبل اللّه الصدقة و ذو رحم محتاج»(3)فليقسما.
ص: 587
بين القرابة و بين الذي نوى حتّى يكون قد أخذ بالفضل كلّه.
و سأل فقال:قد اختلف أصحابنا في مهر المرأة.فقال بعضهم:إذادخل بها سقط عنه المهر و لا شي ء عليه(1).و قال بعضهم:هو لازم(2)في الدنيا و الآخرة،فكيف ذلك؟و ما الذي يجب فيه؟
فأجاب عليه السّلام:إن كان عليه بالمهر كتاب فيه ذكر دين فهو لازم له في الدنيا و الآخره،و إن كان عليه كتاب فيه ذكر الصداق(3)سقط إذا دخل بها،و إن لم يكن عليه كتاب،فإذا دخل بها سقط باقي الصداق(4).ى.
ص: 588
و سأل فقال:روي لنا عن صاحب العسكر عليه السّلام أنّه سئل عن الصّلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقع:يجوز،و روي عنه أيضا:انّه لا يجوز،فأيّ الخبرين نعمل به؟
فأجاب عليه السّلام:إنّما حرّم في هذه الأوبار و الجلود فأمّا الأوباروحدها فكل حلال.
و قد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصّادق عليه السّلام:لا يصلّى في الثعلب و لا في الأرنب،و لا في الثوب الذي يليه،فقال عليه السّلام:إنّما عنى الجلود دون غيرها.
و سأل فقال:يتّخذ باصفهان ثياب عنابية(1)على عمل الوشي(2)من قز و إبريسم(3)هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:لا تجوز الصلاة إلاّ في ثوب سداه أو لحمته(4)قطن أو كتان.
و سأل:عن المسح على الرجلين،بأيّهما يبدأ،باليمين أو يمسح عليهما جميعا معا؟4.
ص: 589
فأجاب عليه السّلام:يمسح عليهما جميعا(1)معا فان بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبتدى ء إلاّ باليمين.
و سأل:عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن تصلى أم لا؟
فأجاب عليه السّلام:يجوز ذلك.
و سأل:عن تسبيح فاطمة عليها السّلام من سها فجاز التكبير أكثر من أربع و ثلاثين،هل يرجع إلى أربع و ثلاثين أو يستأنف؟و إذا سبح تمام سبعة و ستين هل يرجع إلى ستة و ستين أو يستأنف؟و ما الذي يجب في ذلك؟
فأجاب عليه السّلام:إذا سها في التكبير حتّى تجاوز أربع و ثلاثين عادإلى ثلاث و ثلاثين و يبنى عليها،و إذا سها في التسبيح فتجاوز سبعا.و ستين تسبيحة عاد إلى ستة و ستين و بنى عليها،فإذا جاوز التحميد مائةفلا شي ء عليه(2).ي.
ص: 590
و عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميرى انّه قال:خرج التوقيع من النّاحية المقدسة حرسها اللّه تعالى-بعد المسائل-:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
لا لأمر اللّه تعقلون،و لا من أوليائه تقبلون،حكمة بالغة فما تغني[النذر](1)عن قوم لا يؤمنون.
السّلام علينا و على عباد اللّه الصّالحين.
إذا أردتم التوجّه بنا إلى اللّه و إلينا،فقولوا كما قال اللّه تعالى:
«سَلاََمٌ عَلى ََ إِلْ يََاسِينَ»(2).
ص: 591
السّلام عليك يا داعي اللّه و ربّاني آياته.
السّلام عليك يا باب اللّه و ديّان دينه.
السّلام عليك يا خليفة اللّه و ناصر حقّه.
السّلام عليك يا حجّة اللّه و دليل إرادته.
السّلام عليك يا تالي كتاب اللّه و ترجمانه.
السّلام عليك في آناء ليلك و أطراف نهارك.
السّلام عليك يا بقيّة اللّه في أرضه.
السّلام عليك يا ميثاق اللّه الذي أخذه و وكده.
السّلام عليك يا وعد اللّه الذي ضمنه.
السّلام عليك أيّها العلم المنصوب و العلم المصبوب،و الغوث و الرحمة الواسعة وعدا غير مكذوب.
السّلام عليك حين تقوم،السّلام عليك حين تقعد.
السّلام عليك حين تقرأ و تبيّن.
السّلام عليك حين تصلي و تقنت.
السّلام عليك حين تركع و تسجد.
السّلام عليك حين تهلّل و تكبّر.
السّلام عليك حين تحمد و تستغفر.
ق-و روى أيضا أنّ عمر بن الخطّاب كان يقرأ:سلام على آل ياسين،قال أبو عبد الرّحمن السلمى-راوى الحديث-آل ياسين:آل محمّد عليهم السّلام-نفس المصدر،برقم 5.
ص: 592
السّلام عليك حين تصبح و تمسي.
السّلام عليك في اللّيل إذا يغشى و النّهار إذا تجلّى.
السّلام عليك أيّها الإمام المأمون.
السّلام عليك أيّها المقدّم المأمول.
السّلام عليك بجوامع السّلام.
أشهدك يا مولاي أنّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أن محمّدا عبده و رسوله لا حبيب إلاّ هو و أهله،و أشهد أن أمير المؤمنين حجّته،و الحسن حجّته،و الحسين حجّته،و علي بن الحسين حجّته،و محمّد بن علي حجّته،و جعفر بن محمّد حجّته،و موسى بن جعفر حجّته،و علي بن موسى حجّته،و محمّد بن علي حجّته،و علي بن محمّد حجّته،و الحسن بن علي حجّته،و أشهد أنّك حجّة اللّه.
أنتم الأول و الآخر،و أنّ رجعتكم حقّ لا شكّ فيها،يوم لا ينفع نفساإيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا،و أن الموت حقّ،و أن ناكرا و نكيرا حقّ،و أشهد أن النشر و البعث حقّ،و أن الصراطو المرصاد حقّ،و الميزان و الحساب حقّ،و الجنّة حقّ و النّار حقّ،و الوعدو الوعيد بهما حقّ.
يا مولاي!شقي من خالفكم و سعد من أطاعكم.
فاشهد عليّ ما أشهدتك عليه،و أنا ولي لك برى ء من عدوك،فالحقّ ما رضيتموه،و الباطل ما سخطتموه،و المعروف ما أمرتم به،و المنكر مانهيتم عنه فنفسي مؤمنة باللّه وحده لا شريك له،و برسوله،و بأمير
ص: 593
المؤمنين،و بأئمّة المؤمنين و بكم يا مولاي أولكم و آخركم،و نصرتي معدةلكم،و مودّتي خالصة لكم آمين آمين.
الدعاء عقيب هذا القول:
بسم اللّه الرّحمن الرحيم
اللّهم إنّي اسألك أن تصلي على محمّد نبيّ رحمتك و كلمة نورك،و أن تملأ قلبي نور اليقين،و صدري نور الإيمان،و فكري نور الثبات،و عزمي نور العلم،و قوتي نور العمل،و لساني نور الصدق،و ديني نورالبصائر من عندك،و بصري نور الضياء،و سمعي نور وعي الحكمة،و مودّتي نور الموالاة لمحمّد و آله عليهم السّلام،حتّى ألقاك و قد وفيت بعهدك و ميثاقك،فتسعني(1)رحمتك يا وليّ يا حميد.
اللّهم صلّ على(2)حجتّك في أرضك،و خليفتك في بلادك،و الدّاعي إلى سبيلك و القائم بقسطك،و الثائر بأمرك،ولي المؤمنين،و بوارالكافرين،و مجلي الظلمة و منير الحقّ،و الساطع بالحكمة و الصدق،و كلمتك التامّة في أرضك،المرتقب الخائف و الولي الناصح،سفينةالنجاة،و علم الهدى،و نور أبصار الورى،و خير من تقمّص و ارتدى،و مجلي العمى،الذى يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جوراإنّك على كل شي ء قدير...
ص: 594
اللّهم صلّ على وليك و ابن أوليائك الذين فرضت طاعتهم،و أوجبت حقّهم و اذهبت عنهم الرجس و طهرتهم تطهيرا.
اللّهم انصر و انتصر به أولياءك و أولياءه،و شيعته و انصاره و اجعلنامنهم.
اللّهم أعذه من شرّ كل باغ و طاغ،و من شرّ جميع خلقك،و احفظه من بين يديه و من خلفه،و عن يمينه و عن شماله،و احرسه،و امنعه،من أن يوصل إليه بسوء و احفظ فيه رسولك و آل رسولك،و أظهر به العدل و أيده بالنصر،و أنصر ناصريه و اخذل خاذليه،و اقصم به جبابرة الكفرة(1)،و اقتل به الكفار و المنافقين و جميع الملحدين،حيث كانوا في(2)مشارق الأرض و مغاربها،برّها و بحرها،و املأ به الأرض عدلا،و أظهر به دين نبيك،و اجعلني اللّهم من أنصاره و أعوانه،و أتباعه و شيعته،و أرني في آل محمّد عليهم السّلام ما يأملون،و في عدوهم ما يحذرون إله الحقّ آمين يا ذاالجلال و الإكرام،يا أرحم الراحمين(3).ا-
ص: 595
ذكر كتاب ورد من الناحية المقدّسة-حرسها اللّه ورعاها-في أيّام ق-الشيخ الأمين أبو عبد اللّه:الحسين بن أحمد بن محمّد بن علي بن طحّال المقدادي رحمه اللّه بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في الطرز الكبيرالذي عند رأس الإمام عليه السّلام في العشر الأواخر من ذي الحجّة سنة تسع و ثلاثين و خمس مأة،قال:حدّثنا الشيخ الأجلّ المفيد أبو علي الحسن بن محمّد الطوسي بالمشهد المذكور على صاحبه أفضل السّلام في الطرز المذكور في العشر الأواخر من ذي القعدة سنة تسع و خمس مأة.
قال:حدّثنا السيّد السعيد الوالد أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رضي اللّه عنه،عن محمّد بن إسماعيل،عن محمّد بن أشناس البزاز،قال:أخبرنا أبو الحسين:محمّد بن أحمد بن يحيى القمّي،قال:حدّثنا محمّد بن علي بن زنجويه القمّي،قال:حدّثنا أبوجعفر:محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري.
قال أبو علي:الحسن بن أشناس:و أخبرنا أبو المفضّل:محمّد بن عبد اللّه الشيباني أنّ أبا جعفر محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري أخبره و أجاز له جميع ما رواه أنّه خرج إليه من الناحية المقدّسة حرسها اللّه بعد المسائل!و الصّلاة و التوجّه أوّله:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،لا لأمر اللّه تعقلون...
و اعلم أن العلاّمة المجلسي قدّس اللّه سرّه نقل هذه التوقيعات-التي مرت برقم:356و 357 و 358-في بحار الأنوار 53/159 إلى 173 متواليا،و قال في ذيل الأخير بعد نقل السند المذكور ما هذا نصّه:«و إنّما أوردنا سنده هاهنا ليعلم أسانيد تلك التوقيعات».و نقل التوقيع الأخير أيضا في بحار الأنوار 91/36.
ص: 596
بقيت من صفر سنة عشر و أربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النّعمان قدّس اللّه روحه و نوّر ضريحه،ذكر موصله أنّه يحمله(1)من ناحية متصلة بالحجار،نسخته:
للأخ السديد،و الولي الرشيد،الشيخ المفيد،أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النّعمان أدام اللّه اعزازه،من مستودع العهد المأخوذ على العباد.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
أمّا بعد:سلام عليك(2)أيّها الوليّ المخلص في الدّين،المخصوص فينا باليقين فانّا نحمد إليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو،و نسأله الصلاة على سيدنا و مولانا و نبيّنا محمّد و آله الطاهرين،و نعلمك-أدام اللّه توفيقك لنصرة الحقّ،و أجزل مثوبتك على نطقك عنّا بالصدق-:انّه قد اذن لنا في تشريفك بالمكاتبة،و تكليفك فيها بما تؤديه عنّا إلى موالينا قبلك،أعزّهم اللّه بطاعته،و كفاهم المهم برعايته لهم و حراسته فقف أيدك اللّه بعونه على أعدائه المارقين عن دينه(3)على ما نذكره،و أعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء اللّه تعالى.
نحن و إن كنّا ثاوين(4)بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين،حسب الذي اراناه اللّه تعالى لنا من الصلاح و لشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامتن.
ص: 597
دولة الدنيا للفاسقين فإنّا نحيط علما بأنبائكم،و لا يعزب عنّا شي ء من أخباركم،و معرفتنا بالإذلال الذي(1)أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ماكان السلف الصالح عنه شاسعا(2)،و نبذوا العهد المأخوذ منهم وراءظهورهم كأنّهم لا يعلمون.
إنّا غير مهملين لمراعاتكم،و لا ناسين لذكركم،و لو لا ذلك لنزل بكم اللأواء(3)و اصطلمكم الأعداء(4)فاتّقوا اللّه جلّ جلاله و ظاهرونا على انتياشكم(5)من فتنة[نونسها](6)قد انافت عليكم(7)يهلك فيها من حم أجله(8)و يحمى عنها من أدرك أمله،و هي إمارة لازوف حركتنا(9)و مباثتكم بأمرنا و نهينا،و اللّه متمّ نوره و لو كره المشركون.
اعتصموا بالتقية!من شب نار الجاهلية يحششها(10)عصب اموية،1.
ص: 598
يهول بها فرقة مهديّة،أنا زعيم بنجاة من لم يرم[منكم](1)فيها المواطن الخفيّة،و سلك في الظعن(2)منها السبل المرضية،إذا حلّ جمادي الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه و استيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه.
ستظهر لكم من السّماء آية جلية،و من الأرض مثلها بالسوية،و يحدث في أرض المشرق ما يحزن و يقلق،و يغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق،تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق،ثمّ تنفرج الغمّة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار،ثمّ يسرّ بهلاكه المتّقون الأخيار،و يتفق لمريدي الحجّ من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم و اتفاق،و لنا في تيسير حجّهم على الاختيار منهم و الوفاق شأن يظهر على نظام و اتساق.
فليعمل كل امرء منكم بما يقرب به من محبتنا،و ليتجنب(3)مايدنيه من كراهتنا و سخطنا فانّ أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة و لا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة(4)و اللّه يلهمكم الرشد،و يلطف لكم في التّوفيق برحمته.ن.
ص: 599
نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السّلام:
هذا كتابنا إليك أيّها الأخ الوليّ،و المخلص في ودّنا الصفيّ و الناصر لنا الوفي حرسك اللّه بعينه التي لا تنام،فاحتفظ به!(1)و لا تظهرعلى خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحدا!و أدّ ما فيه إلى من تسكن إليه،و أوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء اللّه،و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين(2).
و ورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات اللّه عليه،يوم الخميس الثالث و العشرين من ذي الحجّة،سنة اثنتي عشرة و أربعمائة.نسخته:من عبد اللّه المرابط في سبيله إلى ملهم الحقّ و دليله.
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سلام اللّه عليك أيّها النّاصر للحقّ،الدّاعي إليه بكلمة الصدق،فانانحمد اللّه إليك الذي لا إله إلاّ هو،إلهنا و إله آبائنا الأولين،و نسأله الصلاةعلى نبيّنا و سيدنا و مولانا محمّد خاتم النبيّين،و على أهل بيته الطاهرين.
و بعد:فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك اللّه بالسبب الذي وهبه اللّه
ص: 600
لك من أوليائه،و حرسك به من كيد أعدائه،و شفعنا ذلك الآن من مستقر لناينصب في شمراخ(1)،من بهماء(2)صرنا إليه آنفا من غماليل(3)ألجأناإليه السباريت(4)من الإيمان و يوشك أن يكون هبوطنا منه إلى صحصح(5)من غير بعد من الدهر و لا تطاول من الزمان و يأتيك نبأ منا بمايتجدد لنا من حال،فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال،و اللّه موفقك لذلك برحمته،فلتكن حرسك اللّه بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تبسل(6)نفوس قوم حرثت(7)باطلا لاسترهاب المبطلين و يبتهج لدمارها المؤمنون،و يحزن لذلك المجرمون...
ص: 601
و آية حركتنا من هذه اللوثة(1)حادثة بالحرم المعظّم من رجس منافق مذمم،مستحل للدم المحرم،يعمد بكيده أهل الإيمان و لا يبلغ بذلك غرضه من الظلم لهم و العدوان،لأنّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لايحجب عن ملك الأرض و السّماء،فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب،و ليثقوا بالكفاية منه،و ان راعتهم بهم الخطوب(2)و العاقبة بجميل صنع اللّه سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهي عنه من الذنوب.
و نحن نعهد إليك أيّها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين،أيدك اللّه بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصّالحين،انّه من اتّقى ربه من إخوانك في الدّين و اخرج ممّا عليه إلى مستحقيه،كان آمنا من الفتنةالمطلة(3)،و محنها المظلمة المظلة،و من بخل منهم بما أعاره اللّه من نعمته على من أمره بصلته،فانّه يكون خاسرا بذلك لأولاه و آخرته،و لو أن أشياعنا وفّقهم اللّه لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا،و لتعجلت لهم السّعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة و صدقها منهم بنا،فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتصل بنا ممّا نكرهه و لا نؤثره منهم،و اللّه المستعان و هو حسبنا و نعم الوكيل،و صلواته على سيّدنا البشير النذير محمّد و آله الطاهرين و سّلم.ة.
ص: 602
و كتب في غرّة شوال من سنة اثنتي عشرة و أربعمائة نسخة التوقيع باليد العليا صلوات اللّه على صاحبها:
هذا كتابنا إليك أيّها الولي الملهم للحقّ العليّ،بإملائنا و خطّثقتنا،فاخفه عن كل أحد،و اطوه و اجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم اللّه تعالى ببركتنا و دعائنا إن شاء اللّه.
و الحمد للّه و الصلاة على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين(1).6.
ص: 603
ص: 604
ص: 605
ص: 606
حدّث الشيخ أبو علي الحسن بن معمّر الرقي(1)بالرملة في شوال سنة ثلاث و عشرين و أربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النّعمان رضي اللّه عنه أنّه قال:
رأيت في المنام سنة من السنين كأنّي قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير،فقلت:
ما هذا؟
قالوا:هذه حلقة فيها رجل يعظ(2).
فقلت:من هو؟
قالوا:عمر بن الخطّاب.
ص: 607
ففرّقت النّاس و دخلت الحلقة،فإذا أنا برجل يتكلّم على النّاس بشي ءلم أحصله،فقطعت عليه الكلام،و قلت:
أيّها الشّيخ!أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكرعتيق بن أبي قحافة من قول اللّه تعالى:«ثََانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُمََا فِي اَلْغََارِ»(1)؟
فقال:وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع:
الأول:ان اللّه تعالى ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ذكر أبا بكر فجعله ثانيه،فقال:«ثََانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُمََا فِي اَلْغََارِ».
و الثاني:أنّه وصفهما بالاجتماع في مكان واحد،لتأليفه(2)بينهمافقال:«إِذْ هُمََا فِي اَلْغََارِ».
و الثالث:انّه أضافه إليه بذكر الصحبة ليجمع بينهما فيما يقتضي الرتبة،فقال:«إِذْ يَقُولُ لِصََاحِبِهِ».
و الرابع:انّه أخبر عن شفقة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عليه و رفقه به لموضعه عنده فقال:«لاََ تَحْزَنْ».
و الخامس:انّه أخبر أنّ اللّه معهما على حد سواء،ناصرا لهما و دافعاعنهما فقال:«إِنَّ اَللََّهَ مَعَنََا».
و السادس:أنّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم تفارقه السكينة قطّ،فقال:«فَأَنْزَلَ اَللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ»...
ص: 608
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار،لا يمكنك و لا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له:قد حبرت(1)كلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه،و انّي بعون اللّه سأجعل جميع ما أتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
أما قولك:ان اللّه تعالى ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و جعل أبا بكرثانيه،فهو إخبار عن العدد،لعمري لقد كانا اثنين،فما في ذلك من الفضل؟!و نحن نعلم ضرورة أن مؤمنا و مؤمنا،أو مؤمنا و كافرا،أو كافراو كافرا،اثنان فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.
و أمّا قولك:انّه وصفهما بالاجتماع في المكان،فانّه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن و الكافر كما يجمع العدد المؤمنين و الكفار،و أيضا:فان مسجد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أشرف من الغار،و قد جمع المؤمنين و المنافقين و الكفار،و في ذلك قوله عزّ و جلّ:«فَمََا لِ اَلَّذِينَ كَفَرُواقِبَلَكَ مُهْطِعِينَ*`عَنِ اَلْيَمِينِ وَ عَنِ اَلشِّمََالِ عِزِينَ»(2)و أيضا:فان سفينة نوح قد جمعت النّبي و الشّيطان و البهيمة و الكلب،و المكان لا يدل على ماأوجبت من الفضيلة،فبطل فضلان.7.
ص: 609
و أمّا قولك:انّه أضافه إليه بذكر الصحبة،فانّه أضعف من الفضلين الأوّلين،لأن اسم الصحبة يجمع المؤمن و الكافر(1)،و الدليل على ذلك قوله تعالى:«قََالَ لَهُ صََاحِبُهُ وَ هُوَ يُحََاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرََابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوََّاكَ رَجُلاً»(2)و أيضا:فان اسم الصحبة يطلق بين العاقل و البهيمة،و الدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم،فقال اللّه عزّ و جلّ:«وَ مََا أَرْسَلْنََا مِنْ رَسُولٍ إِلاََّ بِلِسََانِ قَوْمِهِ»(3)أنّهم سمّوا الحمار صاحبا فقالوا:
ان الحمار مع الحمار مطية فإذا خلوت به فبئس الصاحب و أيضا:قد سمّوا الجماد مع الحي صاحبا،قالوا ذلك في السّيف فقالوا شعرا:
زرت هندا و ذاك غير اختيان و معي صاحب كتوم اللسان يعني:السّيف،فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن و الكافر،و بين العاقل و البهيمة،و بين الحيوان و الجماد،فأيّ حجّة لصاحبك فيه؟!
و أمّا قولك:انّه قال:«لاََ تَحْزَنْ»فانّه و بال عليه و منقصة له،و دليل على خطائه،لأن قوله:«لاََ تَحْزَنْ»نهي،و صورة النهي قول القائل:(لاتفعل)فلا يخلو إمّا أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية،فان4.
ص: 610
كان(طاعة)فان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بهاو يدعو إليها،و إن كان(معصية)فقد نهاه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنها،و قدشهدت الآية بعصيانه بدليل انّه نهاه.
و أمّا قولك:انّه قال:«إِنَّ اَللََّهَ مَعَنََا»فان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قدأخبر أن اللّه معه،و عبّر عن نفسه بلفظ الجمع،كقوله:«إِنََّا نَحْنُ نَزَّلْنَااَلذِّكْرَ وَ إِنََّا لَهُ لَحََافِظُونَ»(1)و قد قيل أيضا في هذا:ان أبا بكر قال:«يارسول اللّه!حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه»فقال له النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لاََ تَحْزَنْ إِنَّ اَللََّهَ مَعَنََا»،أي:معي و مع أخي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
و أمّا قولك:إنّ السّكينة نزلت على أبي بكر،فانّه ترك للظّاهر لأنّ الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيّده بالجنود،كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله:
«فَأَنْزَلَ اَللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهََا»(2)فان كان أبوبكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود،و في هذا إخراج النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(3)من النبوة على أن هذا الموضع لو كتمته على صاحبك كان خيرا له لأنّ اللّه تعالى أنزل السكينة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيم.
ص: 611
موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها،فقال-في أحد الموضعين-:«فَأَنْزَلَ اَللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلى ََ رَسُولِهِ وَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَاَلتَّقْوى ََ»(1)و قال في الموضع الآخر:«ثُمَّ أَنْزَلَ اَللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلى ََ رَسُولِهِ وَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهََا»(2)و لما كان في هذا الموضع خصّه وحده بالسكينة فقال:«فَأَنْزَلَ اَللََّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ»فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين،فدل إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان،فلم يحر جوابا و تفرق النّاس و استيقظت من نومي(3).
دخل أبو العلاء المعري على السيد المرتضى قدّس اللّه روحه فقال له:أيّها السيد!ما قولك في الكل؟
ص: 612
قال السيد:ما قولك في الجزء؟
فقال:ما قولك في الشعرى؟
فقال:ما قولك في التدوير؟
قال:ما قولك في عدم الانتهاء؟
قال:ما قولك في التحيز و الناعورة؟(1)
فقال:ما قولك في السبع؟
فقال:ما قولك في الزايد البري على السبع؟(2)
فقال:ما قولك في الأربع؟
فقال:ما قولك في الواحد و الاثنين؟
فقال:ما قولك في المؤثر؟
فقال:ما قولك في المؤثرات؟
فقال:ما قولك في النحسين؟
فقال:ما قولك في السعدين؟فبهت أبو العلاء.
(قال):فقال السيد المرتضى قدّس اللّه روحه-عند ذلك-:ألا كل ملحدملهد!
فقال أبو العلاء:من أين أخذته؟ع.
ص: 613
قال:من كتاب اللّه«يََا بُنَيَّ لاََ تُشْرِكْ بِاللََّهِ إِنَّ اَلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»(1).
و قام و خرج فقال السيّد رضي اللّه عنه:قد غاب عنّا الرجل و بعد هذا لايرانا.
فسئل السيد رحمه اللّه عن شرح(2)هذه الرموز و الإشارات فقال:
سألني عن الكل،و عنده الكل قديم،و يشير بذلك إلى عالم سمّاه(العالم الكبير)فقال لي:ما قولك فيه؟أراد أنّه قديم.
فأجبته عن ذلك و قلت له:ما قولك في الجزء؟لأنّ عندهم الجزء(محدث)و هو متولّد عن(العالم الكبير)و هذا الجزء هو(العالم الصغير)عندهم و كان مرادي بذلك:انّه إذا صحّ أن هذا العالم محدث،فذلك الذي أشار إليه إن صح فهو محدث أيضا،لأن هذا من جنسه على زعمه،و الشي ءالواحد لا يكون بعضه قديما و بعضه محدثا،فسكت لمّا سمع ما قلته.
و أمّا الشعرى:أراد أنّها ليست من الكواكب السيارة.
فقلت له:ما قولك في التدوير؟أردت أن(الفلك)في التدويرو الدوران و الشعرى(3)لا يقدح في ذلك.
و اما عدم الانتهاء.أراد بذلك أن العالم لا ينتهي لأنّه قديم.ك.
ص: 614
فقلت له:قد صح عندي(التحيز و التدوير)و كلاهما يدلان على الانتهاء.
و امّا السبع:أراد بذلك(النجوم السيارة)التي هي عندهم ذوات الأحكام فقلت له:هذا باطل بالزايد البري الذي يحكم فيه بحكم لا يكون ذلك الحكم منوطا بهذه النجوم(1)السيارة التي هي:(الزهرة،و المشتري،و المريخ،و عطارد،و الشمس،و القمر،و زحل).
و أمّا الأربع أراد بها(الطبايع).
فقلت له:ما قولك في الطبيعة الواحدة النارية يتولد منها دابة بجلدهاتمس الأيدي ثمّ يطرح ذلك الجلد على النار فتحرق الزهومات،و يبقى الجلد صحيحا،لأنّ الدابة خلقها اللّه تعالى على طبيعة النّار،و النّار لاتحرق النار،و الثلج أيضا يتولّد فيه الديدان(2)و هو على طبيعة واحدة،و الماء في البحر على طبيعتين يتولّد منه السموك و الضفادع و الحيات و السلاحف و غيرها.و عنده لا يحصل الحيوان إلاّ بالأربع فهذا مناقض بهذا.
و أمّا المؤثر،أراد به(الزحل).
فقلت له:ما قولك في المؤثرات أردت بذلك:ان المؤثرات كلّهن عنده مؤثرات،فالمؤثر القديم كيف يكون مؤثرا؟!ن.
ص: 615
و أمّا النحسين:أراد بهما:انّهما من النّجوم السيارة،إذا اجتمعايخرج من بينهما سعد.
فقلت له:ما قولك في السعدين؟إذا اجتمعا يخرج من بينهما نحس،هذا حكم أبطله اللّه تعالى،ليعلم الناظر أن الأحكام لا يتعلق بالمسخرات،لأن الشاهد يشهد على أن(العسل و السكر)إذا اجتمعا لا يحصل منهماالحنظل و العلقم(1)،و الحنظل و العلقم إذا اجتمعا لا يحصل منهما(الدبس و السكر)هذا دليل على بطلان قولهم.
و أمّا قولي ألا كل ملحد ملهد،أردت:ان كل مشرك ظالم،لأن في اللغة:ألحد الرجل إذا عدل من الدّين(2)؛و ألهد إذا ظلم،فعلم أبو العلاءذلك فقال أخبرني عن علمه بذلك(3)،فقرأت:«يََا بُنَيَّ لاََ تُشْرِكْ بِاللََّهِ»الآية.
و قيل:ان المعري لما خرج عن العراق سئل عن السيد المرتضى رحمه اللّه فقال:..
ص: 616
يا سائلي عنه لما جئت أسأله ألا هو الرجل العاري من العار لو جئته لرأيت النّاس في رجل و الدهر في ساعة و الأرض في دار(1) [363]إحتجاجه قدّس اللّه روحه في التعظيم و التقديم لأئمتنا عليهم السّلام على سائر الورى ما عدا نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بطريقة لم يسبقه إليها أحد ذكرها في رسالته الموسومةبالرسالة الباهرة في فضل العترة الطاهرة
قال:و ممّا يدل أيضا على تقديمهم و تعظيمهم على البشر:ان اللّه تعالى دلّنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى،في أنّها:(إيمان و إسلام)و أن الجهل بهم و الشك فيهم كالجهل به و الشك فيه،في انّه(كفرو خروج من الإيمان)و هذه منزلة ليس لأحد من البشر إلاّ لنبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و بعده لأمير المؤمنين و الأئمة من ولده على جماعتهم السّلام،لأن المعرفة بنبوة الأنبياء المتقدمين من آدم إلى عيسى عليهم السّلام غير واجبةعلينا،و لا تعلق لها بشي ء من تكاليفنا،و لو لا أن القرآن ورد بنبوة من سمّي6.
ص: 617
فيه من الأنبياء المتقدمين فعرفناهم تصديقا للقرآن.و إلاّ فلا وجه لوجوب معرفتهم علينا،و لا تعلق لها بشي ء من أحوال تكاليفنا.
و بقي علينا أن ندل على أنّ الأمر على ما ادعيناه.
و الذي يدل على أن المعرفة بإمامة من ذكرناه عليهم السّلام من جملةالإيمان و أنّ الإخلال بها كفر و رجوع عن الإيمان:(إجماع)الشيعةالإمامية على ذلك فانّهم لا يختلفون فيه،و إجماعهم حجّة،بدلالة أن قول الحجّة المعصوم الذي قد دلت العقول على وجوده في كل زمان في جملتهم و في زمرتهم،و قد دللنا على هذه الطريقة في مواضع كثيرة من كتبنا،و استوفينا ذلك في جواب المسائل التبانيات خاصة،و في كتاب نصرة ما انفردت به الشيعة الإمامية من المسائل الفقهية،فان هذا الكتاب مبني على صحة هذا الأصل.
و يمكن أن يستدل على وجوب المعرفة بهم عليهم السّلام(بإجماع الأمّة)مضافا إلى ما بيّناه من إجماع الإمامية.
و ذلك ان جميع أصحاب الشافعي يذهبون إلى أنّ الصلاة على نبيناصلّى اللّه عليه و آله و سلّم في التشهد الأخير فرض واجب،و ركن من أركان الصّلاة،متى أخلّ بها الإنسان فلا صلاة له و أكثرهم يقول:ان الصّلاة في هذا التشهد على آل النّبي عليهم الصّلاة و السّلام في الوجوب و اللزوم و وقوف إجزاء الصّلاة عليهم كالصّلاة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
و الباقون منهم يذهبون إلى أنّ الصّلاة على الآل مستحبة و ليست بواجبة،فعلى القول الأوّل لا بدّ لكل من وجبت عليه الصّلاة من معرفتهم
ص: 618
من حيث كان واجبا عليه الصلاة عليهم،فان الصلاة عليهم فرع على المعرفة بهم،و من ذهب إلى أنّ ذلك مستحب فهو من جملة العبادة،و إن كان مسنونا مستحبا،و التعبد به يقتضي التعبد بما لا يتم إلاّ به من المعرفة.
و من عدى أصحاب الشافعي لا ينكرون أنّ الصلاة على النبيّ و آله صلوات اللّه عليهم أجمعين في التشهد مستحبة،و أي شبهة تبقى مع هذا في أنّهم عليهم السّلام أفضل النّاس و أجلّهم،و ذكرهم واجب في الصلاة،و عند أكثر الأمّةمن الشيعة الإمامية،و جمهور أصحاب الشافعي:أن الصّلاة تبطل بتركه،و هل مثل هذه الفضيلة لمخلوق سواهم أو تتعداهم.
و ممّا يمكن الاستدلال به على ذلك:أنّ اللّه تعالى قد ألهم جميع القلوب و غرس في كل النفوس تعظيم شأنهم،و إجلال قدرهم،على تباين مذاهبهم،و اختلاف دياناتهم و نحلهم،و ما أجمع هؤلاء المختلفون المتباينون مع تشتت الأهواء و تشعب الآراء على شي ء كإجماعهم على تعظيم من ذكرناه و أكثرهم أنّهم يزورون(1)قبورهم و يقصدون من شاحطالبلاد و شاطها(2)مشاهدهم و مدافنهم و المواضع التي وسمت(3)بصلاتهم فيها و حلولهم بها،و ينفقون في ذلك الأموال،و يستنفدون الأحوال...
ص: 619
فقد أخبرني من لا احصيه كثرة أن أهل نيسابور و من والاها من تلك البلدان يخرجون في كل سنة إلى طوس لزيارة الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرّضا صلوات اللّه عليهما بالجمال الكثيرة،و الاهب التي لا يوجد(1)مثلها إلاّ للحجّ إلى بيت اللّه الحرام،هذا مع أن المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة،و ازورارهم(2)عن هذا الشعب،و ما تسخيرهذه القلوب القاسية،و عطف هذه الأمم النائية،إلاّ كالخارق للعادات،و الخارج عن الأمور المألوفات،و إلاّ فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة،المنحازين عن هذه الجملة،على أن يراوحوا هذه المشاهد و يغادوها،و يستنزلوا عندها من اللّه تعالى الأرزاق،و يستفتحوا بها الاغلاق،و يطلبواببركاتها الحاجات،و يستدفعوا البليات،و الأحوال الظاهرة كلّها لاتوجب ذلك،و لا تقتضيه و لا تستدعيه،و إلاّ فعلوا ذلك فيمن يعتقدونهم،و أكثرههم يعتقدون إمامته و فرض طاعته(3)،و انّه في الديانة موافق لهم غير مخالف،و مساعد غير معاند،و من المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا،فان الدنيا عند غير هذه الطائفة موجودة،و عندها هي مفقودة،و لا لتقية و استصلاح،فان التقية هي فيهم لا منهم،و لا خوف من جهتهم،و لا سلطان لهم،و كل خوف إنّما هو عليهم،فلم يبق إلاّ داعيه.
ص: 620
الدّين(1)،و ذلك هو الأمر الغريب العجيب الذي لا ينفذ في مثله إلاّ مشيةاللّه،و قدرة القادر القهار التي تذلل الصعاب،و تقود بأزمتها الرقاب.
و ليس لمن جهل هذه المزية أو تجاهلها أو تعامى عنها و هويبصرها،أن يقول:ان العلّة في تعظيم غير فرق الشيعة لهؤلاء القوم ليست ما عظمتموه و فخمتموه و ادعيتم خرقه للعادة و خروجه عن الطبيعة،بل هي لأن هؤلاء القوم من عترة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و كل من عظّم النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا بدّ أن يكون لعترته و أهل بيته معظّما و مكرّما،و إذا انضاف إلى القرابة الزهد،و هجر الدنيا و العفة و العلم،زاد الإجلال و الإكرام(2)لزيادة أسبابها.
و الجواب عن هذه الشبهة الضعيفة:ان قد شارك(3)أئمتنا عليهم السّلام في نسبهم و حسبهم و قرابتهم من النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غيرهم،و كانت لكثير منهم عبادات ظاهرة و زهادة في الدنيا بادية و سمات جميلة و صفات حسنة،من ولد أبيهم عليه و آله السّلام و من ولد عمّهم العبّاس رضوان اللّه عليه،فمارأينا من الإجماع على تعظيمهم،و زيارة مدافنهم،و الاستشفاع بهم في الأغراض و الاستدفاع بمكانهم للأغراض و الأمراض،و ما وجدنا مشاهدامعاينا في هذا الاشتراك،و إلاّ فمن ذا الذي أجمع على فرط إعظامهك.
ص: 621
و إجلاله من ساير صنوف العترة في هذه الحالة يجري مجرى الباقرو الصّادق و الكاظم و الرّضا صلوات اللّه عليهم أجمعين،لأنّ من عدا من ذكرنا من صلحاء العترة و زهادها ممّن يعظمه فريق من الأمّة و يعرض عنه فريق،و من عظمه منهم و قدمه لا ينتهي في الإجلال و الإعظام إلى الغاية التي ينتهي إليها من ذكرناه(1)و لو لا أن تفصيل هذه الجملة ملحوظ معلوم لفصلناهاعلى طول ذلك،و لسمّينا من كنينا عنه،و نظرنا بين كل معظّم مقدّم من العترة،ليعلم أنّ الذي ذكرناه هو الحقّ الواضح و ما عداه هو الباطل الماضح(2).
و بعد:فمعلوم ضرورة إنّ الباقر و الصّادق و من والاهما من أئمة(3)ابنائهما عليهم السّلام كانوا في الديانة و الاعتقاد و ما يفتون به من حلال و حرام على خلاف ما يذهب إليه مخالفوا الإمامية،و ان ظهر شك في ذلك كلّه فلاشك و لا شبهة على منصف في أنّهم لم يكونوا على مذاهب الفرق المختلفةالمجمعة على تعظيمهم و التقرب إلى اللّه تعالى بهم،و كيف يعترض ريب فيما ذكرناه؟!و معلوم ضرورة أن شيوخ الإمامية و سلفهم في تلك الأزمان كانوا بطانة للباقر و للصّادق صلوات اللّه عليهما و من والاهما أجمعين السّلام،و ملازمين لهم و متمسكين بهم و مظهرين ان كل شي ء يعتقدونه و ينتحلونه..
ص: 622
و يصححونه أو يبطلونه فعنهم تلقّوه(1)و منهم أخذوه،فلو لم يكونوا عليهم السّلام عنهم بذلك راضين و عليه مقرّين لأبوا عليهم نسبة تلك المذاهب إليهم،و هم منها بريئون خليون،و لنفوا ما بينهم من مواصلة و مجالسة،و ملازمة و موالاة،و مصافاة،و مدح و اطراء و ثناء،و لأبدلوه باللّوم و الذم(2)،و البراءة و العداوة،فلو لم يكونوا عليهم السّلام(3)لهذه المذاهب معتقدون و بها راضون،لبان لنا و اتّضح،و لو لم يكن إلاّ هذه الدلالة لكفت و أغنت.
و كيف يطيب قلب عاقل،أو يسوغ في الدين لأحد أن يعظّم في الدّين من هو على خلاف ما يعتقد أنّه الحقّ و ما سواه باطل،ثمّ ينتهي في التعظيمات و الكرامات إلى أبعد الغايات و أقصى النهايات،و هل جرت بمثل ذلك عادة؟أو مضت عليه سنة؟أو لا يرون أنّ الإمامية لا تلتفت إلى من خالفها من العترة،و حاد عن جادّتها في الديانة،و محجتها في الولاية،و لا تسمح له بشي ء من المدح و التعظيم،فضلا عن غايته و أقصى نهايته،بل تبرأ منه و تعاديه،و تجريه في جميع الأحكام مجرى من لا نسب له و لاحسب،و لا قرابة و لا علقة،و هذا يوقظ على أن اللّه تعالى خرق في هذه العصابة العادات،و قلب الجبلات،ليبين من عظيم منزلتهم،و شريفم.
ص: 623
مرتبتهم،و هذه فضيلة تزيد على الفضائل،و تربي(1)على جميع الخصائص و المناقب،و كفى بها برهانا لائحا و ميزانا راجحا(2)و الحمدللّه ربّ العالمين(3).
قطعنا هذا الكتاب على كلام السيد علم الهدى قدّس اللّه روحه،و الحمدللّه رب العالمين،و الصّلاة و السّلام على خير خلقه محمّد و آله الطيبين الطاهرين المعصومين،و حسبنا اللّه و نعم الوكيل.2.
ص: 624
1-فهرس الأعلام
2-فهرس الآيات القرآنيّة
3-فهرس الأشعار
4-فهرس الفرق و الطوائف و الأديان
5-فهرس البلدان و الأمكنة و البقاع
6-فهرس مصادر التحقيق
7-فهرس الموضوعات
8-فهرس الفهارس
اعداد:عبد الرحيم مبارك
ص: 625
ص: 626
آدم«ع»142،143،151،170،172،181،184،186،187،214،218،220،222،232،233،237،238،271،287،329،385،386،423،424،425،449،479،480.
آمنة بنت وهب«ع»297.
أبان 304.
أبان بن تغلب 180،250،ه- 253،ه- 305.
أبان بن عثمان ه- 193.
أبان بن أبي عيّاش ه- 65.
ابن الأثير ه- 111.
إبراهيم الخليل«ع»175،237،238،256،257،285،340،409،413،414،425،426،427،440.
إبراهيم بن أبي زياد ه- 154.
إبراهيم بن عمر ه- 65.
إبراهيم بن الفضل ه- 253.
إبراهيم المازني ه- 337.
إبراهيم بن أبي محمود ه- 383،386،ه- 387،396،ه- 397.
إبراهيم المدني 337.
إبراهيم المؤتمن 342.
إبراهيم النخعي 309.
إبراهيم بن هاشم القمّي ه- 17،ه- 65،
ص: 627
ه- 144،ه- 167،ه- 170،ه- 200،ه- 201،ه- 204،ه- 206،ه- 258،ه- 343،ه- 347،ه- 353،ه- 382،ه- 383،ه- 384،ه- 386،ه- 401.
إبليس 137،158،187،217،218،267،270،271،322،329،349،379،502،513،515.
أحمد بن إدريس ه- 13،ه- 379،ه- 388،ه- 486.
أحمد بن إسحاق 486،524،525،526،527.
أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ه- 201،ه- 343،ه- 382،ه- 386.
أحمد بن أبو عبد اللّه ه- 267.
أحمد بن عبد اللّه بن جعفر المدائني ه- 304.
أحمد بن عبد اللّه العقيلي ه- 271.
أحمد بن عبد اللّه العلوي ه- 365.
أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم ه- 167،ه- 343.
أحمد بن علي الأنصاري ه- 395،ه- 398.
أحمد بن محسن الهيثمي ه- 208.
أحمد بن محمّد ه- 65،ه- 149،ه- 166.
أحمد بن محمّد البرقي:انظر البرقي.
أحمد بن محمّد بن خالد ه- 172،ه- 176،ه- 180،ه- 209،ه- 399.
أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة ه- 449.
أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي الهمداني ه- 389.
أحمد بن محمّد بن عيسى ه- 165،ه- 170،ه- 213،ه- 254،ه- 260،ه- 294،ه- 305.
أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ه- 353.
أحمد بن هارون الفامي ه- 401.
أحمد بن هلال ه- 65،ه- 258.
أحمد بن يحيى بن زكريا 152.
أخزم الطائي ه- 134.
أبو أخزم الطائي ه- 134.
الأربلي ه- 73،ه- 80،ه- 89،ه- 104.
ارسطا طاليس 225.
إرميا النبيّ«ع»230.
اسامة بن زيد 57،59.
إسحاق«ع»413،440.
إسحاق الخفّاف ه- 202.
ص: 628
إسحاق بن عمّار ه- 259.
الأسدي ه- 189.
إسرائيل 414.
أسماء بنت عميس 56.
إسماعيل«ع»414.
ابن الأصفر 14،16.
الأصفر بن روم بن يعصو ه- 14.
ابن أعثم ه- 104،ه- 114،ه- 135.
الأعمش 71،308.
افلاطون 225.
اقليما 142،143.
ألوقا 412.
الياس«ع»339.
الياس بن مضر ه- 123.
اليسع 407،409.
العلامة الأميني ه- 93.
أميّة بن أبي الصّلت 493.
أم أيمن 57.
أيّوب«ع»339.
أبو أيّوب الخرّاز ه- 172.
أيوب السجستاني 149،150.
أبو أيّوب الشاذكوني المنقري ه- 256.
البارقليطا 411.
الباقر،محمّد بن علي«ع»11،12،13،17،ه- 25،138،147،148،ه- 149،151،153،157،163،165،166،167،168،170،171،172،173،174،175،176،177،178،179،180،181،182،183،185،186،189،193،295،296،298،ه- 449،ه- 508.
البحراني:انظر هاشم البحراني.
بخت نصر ه- 96،230،408.
البرقي،أحمد بن أبي عبد اللّه ه- 13،ه- 169،ه- 170،ه- 253،ه- 271،308.
بريد بن عمير بن معاوية الشّامي ه- 398.
بشير بن حزيم الأسدي ه- 109.
بشير بن يحيى العامري 266،ه- 267.
أبو بصير 186،189،296،301.
أبو بكر(الخليفة)20،22،25،78،191،
ص: 629
254،273،274،308،310،311،312،315،318،319،456،458،459،477،478،479،501،502،523.
بكر بن صالح ه- 171،ه- 388،ه- 466.
بكر بن عبد اللّه بن حبيب 152.
بهرام بن هرمز بن سابور ه- 235.
أبو تراب-علي«ع»20.
تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي ه- 395،ه- 398،ه- 437.
ثابت البناني 149،150.
ثعلبة ه- 171.
الثمالي،أبو حمزة 142،177،ه- 180.
جابر بن عبد اللّه الأنصاري 296،297.
الجاثليق 401،404،405،406،407،410،411،412،413.
أبو الجارود 169،ه- 170،175،176.
جالينوس 225.
جبرئيل«ع»ه- 44،77،178،190،312،340،382،477،478،529.
جبرئيل بن أحمد ه- 68.
ابن جريح 255.
الجزري ه- 160.
جعدة بنت الأشعث 73.
أبو جعفر الدوانيقي-عبد اللّه بن محمّد 333.
جعفر بن رزق اللّه 498،ه- 499.
جعفر بن سليمان 150.
جعفر بن أبي طالب 36،37،61،103.
جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمّي(أبو محمّد)ه- 372،ه- 422.
جعفر الكذّاب 153.
ص: 630
جعفر بن محمّد بن مسرور ه- 439.
الجواد،محمّد بن علي«ع»9،12،298،394،397،463،465،ه- 466،467،469،470،471،472،473،474،475،476،477،481،ه- 508،ه- 516.
ابن الجوزي ه- 38،ه- 45.
الجوهري(صاحب الصحاح)ه- 48.
الحارث بن مغيرة 264.
حبيب بن أبي ثابت ه- 54.
حبيب الفارسي 149،150.
ابن الحجّاج(الشّاعر البغدادي)ه- 309.
الحجّال ه- 170.
حجر بن عدي 88،90.
حذام بن بشير الأسدي ه- 109.
ابن أبي الحذرة 308،309،310،311،312.
حذلم بن ستير ه- 109.
حذيم بن شريك الأسدي 109،113،117.
حرب(جدّ معاوية)53.
الحرّاني،الحسن بن شعبة ه- 53،ه- 447،ه- 496،ه- 500.
حريز 168.
حزقيل النبيّ«ع»231،408،409.
حزقيل المؤمن 290،291.
حسّان بن ثابت ه- 26.
الحسن(حاجب المتوكّل)497.
أبو الحسن 516.
الحسن بن إبراهيم ه- 285.
الحسن بن إسماعيل ه- 298.
الحسن البصري 140،141،182،183،184،193،206.
الحسن بن الجهم 264.
الحسن بن الحسن بن علي 300،301.
الحسن بن راشد ه- 299،ه- 326،327،ه- 328.
الحسن بن ظريف ه- 176.
الحسن بن عبد الرّحمن الحماني 325.
الحسن بن علي المجتبى«ع»9،10،11،12،13،14،15،16،17،19،20،21،22،23،42،43،44،45،46،
ص: 631
47،50،51،52،53،54،55،56،57،58،59،61،65،66،67،69،70،71،73،78،79،86،94،ه96،101،147،152،175،292،296،297،298،340،441،460،476،ه- 478،479،529.
الحسن بن علي بن عاصم الزفري ه- 256.
الحسن بن علي بن أبي عثمان ه- 388.
الحسن بن علي بن فضال ه- 389،448،ه- 449.
الحسن بن علي الوشّاء ه- 299.
الحسن بن قاسم الرقّام ه- 391،ه- 447.
الحسن بن محبوب ه- 165،ه- 166،ه- 180،272.
الحسن بن محمّد الشريف،أبو محمّد ه- 173.
الحسن بن محمّد الصيرفي ه- 68.
الحسن بن محمّد بن علي بن صدقة ه- 372،ه- 423.
الحسن بن محمّد النوفلي 365،ه- 373،401،402،403،421،ه- 423.
الحسن بن موسى الخشّاب ه- 259.
الحسين«ع»(سيّد الشّهداء)11،14،31،32،56،57،58،59،65،68،75،77،78،80،87،88،92،ه- 93،94،95،96،97،101،103،117،119،122،123،126،132،137،147،148،152،175،292،296،297،330،340،394،397،441،460،476،ه- 478،479،512،529،530.
الحسين بن إبراهيم بن تاتانه ه- 343.
الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام ه- 343.
الحسين بن أحمد بن إدريس ه- 486.
الحسين بن أحمد البيهقي(الحاكم أبوعلي)ه- 457.
الحسين بن الحسن ه- 171،ه- 200،ه- 388،ه- 466.
الحسين بن خالد ه- 353،ه- 359،384،385،ه- 386،399،400،401.
الحسين بن زيد 254.
الحسين بن سعيد ه- 254،ه- 388،ه- 466.
ص: 632
الحسين بن عبيد اللّه ه- 388.
الحسين بن محمّد ه- 193.
الحسين بن محمّد بن علي ه- 439.
حضرون ه- 413.
حفص بن سالم 272.
حفص بن غياث القاضي ه- 256.
حفصّة 316.
الحكم بن أبي العاص 34،58.
حمّاد ه- 168،ه- 170.
حمّاد بن عيسى ه- 65.
حمدان بن سليمان النيسابوري ه- 303،ه- 392،ه- 437.
حمران بن أعين 170،278،279،282،283.
أبو حمزة 166.
حمزة بن عبد المطّلب 39.
حمزة بن محمّد العلوي ه- 168.
حمزة بن القاسم-أبو القاسم العلوي ه- 200،ه- 208.
حمزة بن المرتفع المشرقي ه- 169.
الحموي ه- 96،ه- 499.
الحمويني ه- 68.
حميدة المصفّاة 298.
حنان بن سدير ه- 67،ه- 68.
أبو حنيفة،النّعمان 266،267،268،269،270،271،272،313،314،315،316،331،332.
حوّاء(ام البشر)142،181،186،187،222،424،425.
حيقوق النّبيّ«ع»415،416.
أبو خالد ه- 299.
خالد بن سنان 236.
أبو خالد الكابلي 152،153،154.
خالد بن أبي الهيثم الفارسي 449.
خالد بن الوليد 29،314.
خالد بن يزيد بن معاوية 134.
أبو خداش ه- 299.
خديجة«ع»53،382.
الخضر«ع»9،12،68،303،ه- 499.
خضرون«ع»413.
خندف-امرأة الياس بن مضر 123.
ص: 633
خيزران 298.
داود«ع»175،295،339،413،414،416.
داود بن الحصين ه- 263.
داود بن عبد اللّه،أبو سليمان ه- 208.
داود بن فرقد ه- 254.
أبو داود بن القاسم الجعفري ه- 465.
داود بن القاسم الجعفري،أبو هاشم 9،13،465،467.
داود بن قبيصة 329.
الداونيقي،أبو جعفر:راجع أبو جعفرالدوانيقي.
ديلم بن عمر 120.
أبو ذر 57،60،318،460.
ذكوان(أب الوليد بن عقبة)38.
رابعة 150.
رأس الجالوت 401،405،408،410،411،414،415،416،418.
الراغب الأصفهاني ه- 110.
الراوندي،قطب الدّين ه- 53،ه- 155،ه- 307،ه- 309.
أبو الربيع 177،ه- 108.
الرشيد،هارون 335،341،343،344،345.
الرّضا،علي بن موسى«ع»12،159،264،
298،329،ه- 345،351،353،354،355،ه- 357،359،360،365،366،367،368،369،370،371،372،373،374،375،376،377،378،379،380،382،383،384،385،386،387،ه- 388،ه- 389،ه- 391،ه- 392،393،394،396،397،399،401،402،403،404،405،406،407،408،
ص: 634
411،412،413،414،415،416،417،418،419،420،422،423،424،425،427،428،429،432،433،434،436،437،438،439،448،449،450،453،454،455،456،ه- 457،458،459،460،461،469،470،ه- 487،ه- 508،515،ه- 516.
أبو روح ه- 96.
ابن الريّان ه- 299.
الريّان بن شبيب 469،473.
الريّان بن الصّلت ه- 383.
الزبير بن بكار ه- 45.
الزبير بن أبي بكار ه- 173.
الزبير بن العوّام 38،57،61،318،320.
زرارة بن أعين ه- 149،ه- 277،299.
زردشت 236،418،419.
زكريّا«ع»339،529.
الزهرة 514.
أبو زهير بن شبيب بن أنس ه- 271.
زياد بن أبيه 83،85.
زياد بن سميّة(نبز لزياد بن أبيه)90.
زيد بن حارثة 61.
زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي 435.
زيد بن علي الشّهيد«رض»292،295،296،299،304،305.
زيد بن موسى بن جعفر«ع»104.
زيد بن وهب الجهني 69.
زينب بنت علي«ع»109،122،123،131،132.
سابور بن أردشير ه- 235.
سارية بن زنيم الدئلي 192.
سالم 185،186،187.
سالم بن أبي الجعد 71.
سالم مولى هشام بن عبد الملك 172،173.
سدير بن حكيم ه- 67.
سعد(من العبّاد)150.
ص: 635
سعدانة 150.
سعد بن عبادة ه- 25،ه- 185،314.
سعد بن عبد اللّه ه- 12،ه- 165،ه- 271،ه- 328،ه- 353،ه- 399،ه- 487.
سعد بن عبد اللّه القمّي الأشعري 523،526.
سعد بن معاذ 25،174،185.
سعد المولى 250.
سعد بن أبي وقّاص 192،320.
سعيد بن جبير 268.
سعيد بن أبي الخضيب البجلي 253،ه- 254.
سعيد بن سمّان 292.
سعيد بن محمّد بن نصر القطّان ه- 298.
سفيان الثوري 337.
أبو سفيان بن حرب 29،30،31،32،35،318.
سفيان بن نزار ه- 343.
ابن السّكّيت 437،438.
سلمان الفارسي«رض»9،60،318،460.
سلمة بن الخطّاب ه- 328.
سليمان«ع»بن داود 188،220،ه- 256،293،339.
سليمان بن جعفر الجعفي ه- 399.
سليمان المروزي 365،366،367،368،369،370،371،372،ه- 373.
سليمان بن مهران الأعمش 152،309.
سليم بن قيس 56،ه- 65،66،80،ه- 88.
سماعة ه- 144،272.
سماعة بن مهران 265.
سمانة(أم الحسن)298.
سنان 166،ه- 167.
ابن سنان ه- 388.
سندل 255.
سهل بن زياد ه- 349،ه- 482.
سهل بن زياد الآدمي ه- 397.
سهل بن مالك الفزاري ه- 434.
سوسن 298.
أبو شاكر الديصاني 201،306،307.
شبرمة 373.
ص: 636
شريك بن عبد اللّه 308.
الشعبي 17،53.
شعيا،النبيّ«ع»411،415.
ابن شهر آشوب ه- 80،ه- 95،ه- 97،ه- 104،ه- 114،ه- 135،ه- 140،ه- 141،ه- 181،ه- 186،ه- 189،ه- 253،ه- 283،ه- 477،ه- 499،ه- 500.
شهربانويه بنت يزدجرد 297.
الشهرستاني ه- 233.
شيث بن آدم«ع»187.
الصّادق«ع»،جعفر بن محمّد 11،12،ه- 63،ه- 144،145،ه- 149،151،152،153،ه- 171،195،197،198،199،200،201،203،204،205،206،207،208،209،211،213،ه- 214،250،251،252،253،254،255،256،258،ه- 259،260،264،265،266،267،268،269،271،272،273،277،278،279،280،281،282،283،285،286،287،288،289،292،293،294،296،298،299،300،301،302،303،305،307،314،322،ه- 330،331،394،397،432،490،491،506،ه- 508،510،ه- 516.
صالح الأعمى 150.
صالح بن أبي حمّاد(أبو الخير)ه- 258.
صالح بن سعيد ه- 258.
صالح بن كيسان 88.
صالح المري 149،150.
صخر بن حرب 53.
صدقة بن أبي موسى 296،ه- 298.
الصّدوق(ره)،محمّد بن علي بن بابويه ه- 12،ه- 17،ه- 65،ه- 68،ه- 122،ه- 132،ه- 151،ه- 154،ه- 165،ه- 166،ه- 167،ه- 168،ه- 169،ه- 171،ه- 172،ه- 182،ه- 189،ه- 200،ه- 201،ه- 202،ه- 204،ه- 206،ه- 208،ه- 210،ه- 211،
ص: 637
ه- 213،ه- 214،ه- 253،ه- 257،ه- 258،259،ه- 263،ه- 267،ه- 271،ه- 285،ه- 288،ه- 298،ه- 303،ه- 330،ه- 340،ه- 343،ه- 345،ه- 347،ه- 353،ه- 356،ه- 359،ه- 365،ه- 372،ه- 379،ه- 382،ه- 383،ه- 384،ه- 385،ه- 386،ه- 387،ه- 388،ه- 389،ه- 390،ه- 391،ه- 392،ه- 395،ه- 397،ه- 398،ه- 399،ه- 401،ه- 422،ه- 437،ه- 438،ه- 447،ه- 449،ه- 457،ه- 466،ه- 469،ه- 482،ه- 486،ه- 487،ه- 508،ه- 516.
الصفّار ه- 149،ه- 259،ه- 294،ه- 302.
صفوان 379.
صفوان بن دلف ه- 384.
صفوان بن يحيى ه- 154،ه- 263،373،ه- 379.
الصقر بن دلف ه- 384.
صهيب الرومي 274.
ضحّاك ه- 96.
ضرار 371.
أبو طالب 336.
طالوت ه- 96،189،446.
ابن طاووس ه- 108،ه- 114،119،ه- 122،ه- 132.
طاووس اليماني 180،186.
الطباطبائي(ره)،العّلامة ه- 143.
الطبرسي ه- 36،ه- 132.
الطريحي ه- 111،ه- 333.
طلحة 38،47.
طلحة بن عبد اللّه 320.
الطوسي،شيخ الطائفة ه- 65،ه- 67،ه- 80،ه- 114،ه- 149،ه- 255،ه- 256،ه- 263،ه- 267،ه- 277،ه- 478،ه- 498.
ص: 638
الطيّار(أحد أصحاب الصّادق«ع»)283.
ابن طيفور ه- 114.
عاصم بن حميد ه- 17.
العاص بن وائل 35.
عائشة 38،309،316،527.
عبّاد البصري 144.
العبّاس بن عبد المطّلب 310،336،338،ه- 345،501،502.
العبّاس بن أبي عمر ه- 298.
العبّاس بن عمر الفقيمي ه- 200،ه- 201،ه- 214.
العبّاس بن هلال 487.
عباية بن ربعي الأسدي 294.
عبد الحميد الطائي ه- 171.
عبد الرّحمن بن عبد الزهري 172،ه- 173.
عبد الرّحمن بن عوف 79،80،319،320.
عبد الرّحمن بن محمّد بن أبي هاشم ه- 208.
عبد الرّحمن بن أبي نجران ه- 17.
عبد السّلام بن صالح الهروي(أبوالصّلت)380،381،ه- 382،393،ه- 395.
عبد الصّمد بن بشير ه- 176.
عبد العزيز بن مسلم ه- 391،439،ه- 447.
عبد العظيم الحسني ه- 154،ه- 383،ه- 387،396،ه- 397،481،ه- 482.
عبد الغفّار السلمي 328.
عبد القيس ه- 316.
عبد الكريم بن عتبة الهاشمي 272،ه- 277.
عبد اللّه بن بحر ه- 172.
عبد اللّه بن تميم القرشي ه- 395،ه- 398،ه- 437.
عبد اللّه بن جعفر 56،57،58،59،65،87.
عبد اللّه بن جعفر الحميري ه- 12.
عبد اللّه بن الحسن 293.
عبد اللّه بن الحسين«ع»(الرضيع)101.
عبد اللّه بن رواحة 61.
ص: 639
عبد اللّه بن الزّبير 268.
أبو عبد اللّه الزيادي 497.
عبد اللّه بن سليمان 193.
عبد اللّه بن سنان ه- 63،145،166،ه- 167،ه- 170،211،ه- 213.
أبو عبد اللّه السياري ه- 439.
عبد اللّه بن عبّاس 56،57،58،59،61،81،82،83،87،ه- 96،319،320،321،501،502.
عبد اللّه بن عبد المطّلب 336.
عبد اللّه بن عمر 274،320.
عبد اللّه بن أبي عمر بن حفص 92.
عبد اللّه بن عمرو بن العاص ه- 92.
عبد اللّه بن الفضل الهاشمي 303،ه- 304.
عبد اللّه بن محمّد بن خالد الطيالسي ه- 299.
عبد اللّه بن محمّد السلمي ه- 298.
عبد اللّه بن مسلم 331.
عبد اللّه بن موسى ه- 154.
عبد اللّه بن نافع الأزرق ه- 186.
عبد اللّه بن الوليد السمّان 302.
عبد الملك البصري 306.
عبد مناف 445.
عبد المؤمن الأنصاري 258.
عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار ه- 303،ه- 392.
عبيد(عبد ثقيف)90.
أبو عبيدة ه- 149.
عبيد اللّه بن زياد 102.
عبيد اللّه بن موسى الرؤياني ه- 383،ه- 387.
عتبة بن أبي سفيان 17،18،21،38،45.
عتبة الغلام 149،150.
عثمان الأعمى 193.
عثمان بن الحرث 35.
عثمان بن عفّان 19،20،21،22،23،31،32،36،38،41،79،80،81،82،84،191،320.
عثمان بن عيسى ه- 144،ه- 343،ه- 347.
العزّى 24،482.
العسكري«ع»،الحسن بن علي 12،156،159،190،288،321،330،347،450،453،458،459،500،503،
ص: 640
505،506،508،509،516،517،519،524،525،526.
عقبة بن أبي معيط 38.
عقيل بن أبي طالب ه- 38.
العلاء بن رزين ه- 165.
علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي ه- 17،ه- 65،ه- 144،ه- 166،ه- 167،ه- 168،ه- 170،ه- 176،ه- 180،ه- 201،ه- 202،ه- 204،ه- 206،ه- 214،ه- 271،ه- 277،ه- 282،ه- 285،ه- 343،ه- 347،ه- 382،ه- 383،ه- 384،ه- 386،ه- 477.
علي بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق ه- 171،ه- 200،ه- 208،ه- 258،ه- 359،ه- 382،ه- 385،ه- 387،ه- 388،ه- 466،ه- 469.
علي بن أحمد بن موسى ه- 385،ه- 387.
علي بن إسماعيل ه- 299.
علي بن بابويه(أب الشيخ الصّدوق)ه- 12،ه- 165،ه- 388،ه- 399،ه- 487.
علي بن الجهم 423،436،437.
علي بن الحسن بن علي بن فضال ه- 389،ه- 449.
علي بن الحسين«ع»زين العابدين 11،101،109،114،115،117،118،120،121،122،132،133،134،135،136،137،138،139،140،141،142،143،144،145،147،149،151،152،153،154،156،157،158،159،190،191،278،293،296،297،349،394،397،ه- 508.
علي بن الحسين السعدآبادي ه- 253.
علي بن الحكم ه- 294،304،ه- 305.
السيّد علي خان المدني ه- 93.
علي بن رئاب ه- 149.
علي بن سالم ه- 189.
علي بن شعبة ه- 100.
علي بن أبي طالب«ع»،أمير المؤمنين 9،10،11،12،13،14،16،22،23،26،27،28،30،32،33،35،37،38،39،40،41،49،51،53،55،58،61،62،63،67،77،78،79،80،83،84،85،88،89،91،93،
ص: 641
101،102،103،105،107،109،123،135،136،147،152،155،156،174،185،190،191،192،193،ه- 211،252،254،290،295،297،302،308،309،310،311،312،313،314،315،316،318،321،337،338،339،340،ه- 383،394،395،397،404،408،422،440،441،452،453،454،455،458،459،460،476،489،494،509،510،513،515،518،519،523،527،529.
علي بن العبّاس ه- 325،ه- 327.
علي بن عبد اللّه الورّاق ه- 154،ه- 343.
علي بن محمّد ه- 65،ه- 359.
علي بن محمّد(المعروف بعلان)ه- 391.
علي بن محمّد بن الجهم ه- 437.
علي بن محمّد بن سيّار ه- 508،514،ه- 516.
علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ه- 303،ه- 392،ه- 396.
علي بن محمّد القمّي ه- 299.
علي بن محمّد النوفلي ه- 349.
علي بن معبد ه- 167،ه- 353،ه- 386،ه- 401.
علي بن منصور ه- 206.
علي بن يقطين 333.
عمّار بن ياسر 460.
عمارة بن الوليد 37.
عمر(من العبّاد)150.
عمر بن اذينة ه- 65،ه- 277.
عمران الصابي 419،420،421،422.
عمران بن موسى بن إبراهيم،أبو حامده- 391،ه- 447.
عمر بن حنظلة 260،ه- 263.
عمر بن الخطّاب 21،23،25،32،63،64،77،78،79،80،82،185،191،192،273،274،315،319،337،478،479،480،501،502.
عمر بن سعد 102.
عمر بن أم سلمة 57،58،59.
عمر بن محمّد ه- 208.
عمرو بن الحمق 90،ه- 93.
عمرو بن العاص 17،18،20،35،37،
ص: 642
43،50،52،53،89.
عمرو بن عبيد 168،169،181،182،272،273،274،277،283،285.
عمرو بن عثمان بن عفّان 17،20،33.
ابن أبي عمير:انظر محمّد بن أبي عمير.
ابن أبي العوجاء 200،201،206،208،209،210،256،306.
العيّاشي ه- 264.
عيسى بن عبد اللّه القرشي 271.
عيسى بن مريم«ع»16،68،170،175،177،178،230،ه- 235،238،295،302،339،375،404،405،406،407،408،409،411،412،413،414،415،416،417،418،419،438.
عيسى بن يونس 206،ه- 208.
عيينة بن حصين بن بدر 30.
غياث بن كلوب ه- 259.
الفارقليطا ه- 411،416.
فاطمة الزهراء«ع»40،51،53،56،57،96،102،103،123،148،255،292،294،295،296،297،301،316،336،338،340،345،382،404،445،449،473،529.
فاطمة بنت أسد«رض»297.
فاطمة بنت الحسن 298.
فاطمة الصغرى 104.
فاطمة بنت الحسين«ع»131،ه- 132.
الفتال النيسابوري ه- 132،ه- 332.
فرات الكوفي ه- 301.
أبو الفرج الأصفهاني 54.
فرعون 41،59،137،270،290،291،330،428،429،513.
أم فروة بنت القاسم 298.
فروة بن مسيك المرادي ه- 100.
فضال بن الحسن بن الفضال الكوفي 315.
ص: 643
فضالة بن أيّوب ه- 254.
الفضل 422.
ام الفضل-زوجة الجواد«ع»469،472،473،477.
الفضل بن سليمان الكوفي ه- 385.
الفضل بن سهل 342،401،403.
الفضل بن الصقر العبدي ه- 152.
الفضل بن العبّاس 56،57،59.
الفضيل بن عياض 337.
الفيروزآبادي ه- 14،ه- 201،ه- 230،ه- 248.
الفيومي ه- 110،ه- 279.
قابيل 142،143،181،186،188.
القاسم بن أيوب العلوي ه- 365.
القاسم بن عروة ه- 171.
القاسم بن العلاء(أبو محمّد)ه- 447.
القاسم بن محمّد بن علي المروزي(أبوأحمد)ه- 447.
القاسم بن مسلم ه- 447،ه- 391،439.
القاسم بن يحيى ه- 328.
ابن قتيبة ه- 93.
أبو قرّة المحدّث 373،374،375،376،377،378،379.
فسطاط الرومي 401،405.
قنبر مولى أمير المؤمنين«ع»ه- 14،518.
قيس بن سعد بن عبادة 81.
قيس الماصر 278،279،282.
الكاظم«ع»،موسى بن جعفر:12،104،ه- 264،298،323،325،326،327،328،329،330،331،334،335،338،339،340،341،342،343،344،345،346،347،348،349،394،397،432،ه- 508،ه- 516.
الكراجكي ه- 316.
الكشي 93،ه- 299.
ابن الكلبي ه- 134.
ام كلثوم بنت علي«ع»ه- 111.
ص: 644
الكليني،محمّد بن يعقوب ه- 65،ه- 149،ه- 166،ه- 167،ه- 168،ه- 169،ه- 170،ه- 171،ه- 172،ه- 173،ه- 176،180،ه- 186،ه- 193،ه- 202،ه- 204،ه- 206،ه- 209،ه- 210،ه- 211،ه- 213،ه- 214،ه- 254،ه- 260،ه- 263،ه- 271،ه- 277،ه- 282،ه- 285،ه- 294،ه- 295،ه- 300،ه- 305،ه- 349،ه- 359،ه- 379،ه- 391،ه- 447،ه- 466،ه- 469،ه- 498،ه- 499.
كيخسر 237.
اللاّت 24،482.
لوزا 142،143.
لوقا 6.
ابن أبي ليلى 253،254،266،ه- 267.
ماروت 221،514.
مالك بن دينار 149،150.
المأمون،عبد اللّه 321،341،342،ه- 343،359،365،366،367،368،393،394،395،401،403،404،412،422،423،424،425،426،428،429،430،432،433،434،436،455،456،457،469،470،471،472،473،474،475،476،477.
ماني الزنديق 235،236.
ابن المتوكّل ه- 189.
المتوكّل العباسي 497،498،499.
متّى 411،413.
المجلسي،محمّد باقر:مكرّر في معظم الصفحات.
ابن محبوب ه- 149.
أبو محمّد 335.
محمّد بن إبراهيم بن إسحاق(أبو العبّاس)
ص: 645
ه- 298،ه- 447،ه- 449.
محمّد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ه- 389.
محمّد بن أحمد 152،ه- 258،ه- 499.
محمّد بن أحمد السناني ه- 397.
محمّد بن أحمد الشيباني ه- 482.
محمّد بن أحمد بن يحيى ه- 299.
محمّد بن إسماعيل البرمكي ه- 171،ه- 200،ه- 208،ه- 325،ه- 327،ه- 385،ه- 388،ه- 466.
محمّد بن إسحاق الخفّاف ه- 202.
محمّد الأمين 342.
محمّد بن بشر ه- 469.
محمّد بن أبي بكر 309،460.
محمّد بن جعفر الأحول 304.
محمّد بن جعفر بن محمّد 403،436.
محمّد بن الحسن ه- 271،345،346.
محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد 12،ه- 259،ه- 365.
محمّد بن حسن بن شمون ه- 349.
محمّد بن الحسن الصفّار ه- 259.
محمّد بن الحسين ه- 149،ه- 263،ه- 477.
محمّد بن الحنفيّة 14،147،148،149،296،518،519.
محمّد بن خالد ه- 172،ه- 399.
محمّد بن زياد ه- 508،ه- 516.
محمّد بن أبي زياد الجدي ه- 365.
محمّد بن زياد القلزمي ه- 365.
محمّد بن السايب 96.
محمّد بن سعيد ه- 298.
محمّد بن سليمان الصنعاني ه- 253.
محمّد بن سنان 260،387.
محمّد بن سيار ه- 508،ه- 516.
محمّد بن العبّاس الماهيار ه- 184.
محمّد بن عبد الجبّار ه- 379.
محمّد بن عبد الرّحمن ه- 298.
محمّد بن عبد اللّه«ص»خاتم الأنبياء:تكرّر اسمه الشريف في أغلب الصفحات.
محمّد بن عبد اللّه ه- 388.
محمّد بن عبد اللّه بن جعفرالحميري ه- 401.
محمّد بن عبد اللّه بن الحسن 273.
ص: 646
محمّد بن عبد اللّه الخراساني-خادم الرّضا«ع»354،ه- 357.
محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي ه- 171،ه- 258،ه- 325،ه- 326،ه- 327،ه- 385،ه- 388،ه- 397،ه- 466،ه- 469،ه- 482.
محمّد بن علي ه- 208.
محمّد بن علي بن ماجيلويه ه- 343،ه- 356.
محمّد بن علي الصيرفي،أبو سمينة ه- 356.
محمّد بن عمر ه- 302.
محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكجي ه- 373،ه- 423.
محمّد بن عمرو الكاتب ه- 365.
محمّد بن أبي عمير 65،ه- 258،ه- 277،302.
محمّد بن عون النصيبي ه- 477.
محمّد بن عيسى ه- 169،ه- 170،ه- 263،ه- 359.
محمّد بن عيسى بن عبيد ه- 168.
محمّد بن أبي القاسم-أبو الحسن الجرجاني ه- 356،ه- 508،ه- 516.
محمّد بن قيس 13،17.
محمّد بن محمّد بن عصام الكليني ه- 391.
محمّد بن مسعود ه- 68،ه- 299.
محمّد بن مسلم 165،167،ه- 168،171،172.
محمّد بن مسلم بن شهاب الزهري 157،158.
محمّد بن موسى بن المتوكّل ه- 253،ه- 343،ه- 383،ه- 384،ه- 447.
محمّد بن نعمان الأحول 278،279،282،283،308،309.
محمّد مؤمن الطّاق 310،311،312،313،314.
محمّد بن هارون الصوفي ه- 154،ه- 383،ه- 387.
محمّد بن يحيى ه- 65،ه- 149،ه- 166،ه- 213،ه- 260،ه- 263،ه- 499.
محمّد بن يحيى الصولي ه- 457.
محمّد بن يحيى العطّار ه- 12،ه- 257.
محمّد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب«ع»ه- 365.
محمّد بن يعقوب ه- 447.
ص: 647
أبو مخنف 17.
ابن مرجانة(نبز لعبيد اللّه بن زياد)135.
مرقانوس 412،413.
مروان بن الحكم 42،43،44،45،46،47،58،96،97.
مريم«ع»339.
أبو مسعود الثقفي 493.
المسيح«ع»:انظر عيسى بن مريم«ع».
مصعب بن عبد اللّه 97.
المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي ه- 68.
معاذ بن عبد اللّه ه- 267.
أبو معاوية 152.
معاوية بن أبي سفيان 14،16،17،18،19،22،23،24،29،30،32،33،36،41،42،43،44،45،50،51،52،53،54،55،56،57،58،59،61،62،63،65،66،67،69،73،80،81،82،83،84،85،88،89،92،ه- 93،94،95.
معاوية بن وهب 292،ه- 294.
المعتزلي،ابن أبي الحديد ه- 45.
معلّى بن محمّد ه- 193.
المغيرة بن شعبة 17،22،40،45،46،47،50،314.
المفيد،الشيخ ه- 73،ه- 114،ه- 173،ه- 175،ه- 182،ه- 209،ه- 271،ه- 282،ه- 294،ه- 295،ه- 344،ه- 346،ه- 365،ه- 399،ه- 477،ه- 500.
أبو المفضل ه- 256.
المقداد 57،60،318،460.
ابن المقفع 306،307.
مكحول-صاحب رسول اللّه«ص»134.
أبو منصور ه- 180.
أبو منصور المتطبّب ه- 209.
ابن منظور ه- 92.
المهدي المنتظر«عج»298،502،514،516،521،523.
المهدي العبّاسي 333،334،346،347.
موسى«ع»26،41،59،60،66،67،68،ه- 96،190،230،231،238،270،285،290،293،295،302،303،310،339،373،406،409،410،414،415،416،417،418،
ص: 648
419،428،429،430،431،437،489،528،530.
أبو موسى-أخ يقطين 333،334.
موسى بن جعفر البغدادي ه- 68.
موسى بن عقبة 94.
موسى بن عمرو ه- 388.
الميداني ه- 134.
ميكائيل 478.
نافع بن الأزرق 166،174،175.
نافع،مولى عمر بن الخطّاب 177.
ابن نثلة(نبز للعبّاس)345.
نثلة-ام العبّاس ه- 345.
نثيلة-جدّة معاوية 53.
النجاشي 36،37.
ابن أبي نجران ه- 213.
نجمة 298.
النخعي ه- 189.
النخعي،ابن أبي نعيم 308.
نرجس 298.
نصر الخثعمي 260.
أبو نضرة ه- 298.
النضر بن الحرث بن كلدة 35.
النضر بن سويد ه- 204.
النّعمان بن بشير 32.
ابن نما ه- 108،ه- 114،ه- 119،ه- 132،ه- 135.
نمرود 513.
نوح«ع»28،137،193،238،313،424،479.
نوح بن دراج 337.
نور اللّه التستري،القاضي ه- 53.
النوفلي ه- 189.
هابيل 142،163،182،186،188.
الهادي«ع»،علي بن محمّد 12،298،483،485،486،487،497،498،499،500،502،ه- 508،ه- 516.
هاروت 514.
هارون«ع»،بن عمران 26،41،60،66،
ص: 649
67،190،221،270،310،339،489.
هاشم-جدّ النبيّ«ص»445.
هاشم البحراني،السيّد ه- 55،ه- 73،ه- 184،ه- 519.
أبو هاشم الجعفري ه- 469.
هاني بن محمّد العبدي(أبو محمّد)335.
أبو الهذيل العلاّف 316،317،318،319،321.
الهربذ الأكبر 401،418،419.
هشام بن الحكم 197،200،ه- 201،203،204،206،ه- 214،279،280،281،282،283،285،ه- 306،307،325.
هشام بن سالم 278،279،282،283.
هشام بن عبد الملك 172،173،177،179.
هند-ام معاوية 53،63.
هود«ع»136.
واصل بن عطاء 272.
الوشّاء ه- 193.
الوليد بن عقبة بن أبي معيط 17،22،37،38،45.
الوليد بن المغيرة 35.
الوليد بن يزيد،أمير الشّام 272.
ياسر،خادم الرّضا«ع»ه- 384،402.
يحيى«ع»،النبيّ 339،530.
يحيى بن أكثم 471،472،474،475،477،478،479،480،498،499.
يحيى بن الضحّاك السمرقندي 456،457.
يزيد بن أبي حبيب المصري 17.
يزيد بن عمير بن معاوية الشامي 397.
يزيد بن معاوية 73،92،120،122،123،124،126،131،132،133،
ص: 650
134،135،512،529.
أبو يعفور 300.
يعقوب«ع»305،413،440.
أبو يعقوب-أحد أصحاب الصّادق«ع»ه- 300.
أبو يعقوب البغدادي 437،ه- 439.
يعقوب بن جعفر الجعفي 326،ه- 327،328.
يعقوب بن يزيد ه- 487.
يقطين-أب عليّ بن يقطين 333.
يهودا«ع»413.
يوحنا 411،412.
يوحنا الأكبر-بأج ه- 406.
يوحنا الأكبر-باحي 406.
يوحنا-بقرقيسا 406.
يوحنا الديلمي 405.
يوحنا الديلمي-بزجار 407.
يوسف«ع»188،257،305،339.
أبو يوسف 346،347.
يوسف بن محمّد بن زياد(أبو يعقوب)ه- 508،513،516.
يونس«ع»432.
يونس ه- 170.
يونس بن ظبيان 211.
يونس بن عبد الرّحمن ه- 206.
يونس بن يعقوب 277،278،ه- 282،283،ه- 285.
ص: 651
ص: 652
رقم الآية\الآية\الصفحة
6\اهدنا الصراط المستقيم\286.
7\ختم اللّه على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة\396،505
15\اللّه يستهزى ء بهم...\390
17\و تركهم في ظلمات لا يبصرون\396
22\الذي جعل لكم الأرض فراشا\506
35\اسكن أنت و زوجك الجنّة و كلا منها رغدا...\423
78\و منهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ\508
79\فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذامن عند اللّه...\509
ص: 653
93\و قالوا سمعنا و عصينا...\445
124\إنّي جاعلك للنّاس إماما...\440
148\أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعا...\481
159-160\اولئك يلعنهم اللّه و يلعنهم اللاعنون...\513
177\و الصّابرين في البأساء و الضّرّاء و حين البأس\313
179\و لكم في القصاص حياة...\155
210\هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم اللّه في ظلل من الغمام و الملائكة\390
247\إنّ اللّه اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم\446
249\إلاّ من اغترف غرفة بيده\189
255\وسع كرسيّه السّماوات و الأرض\199
259\أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها\231
260\ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أ و لم تؤمن...\427
269\و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا\446
7\هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات...\63،496
23\أ لم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب...\500
33\إنّ اللّه اصطفى آدم و نوحا و آل إبراهيم و آل عمران على العالمين\424
54\و مكروا و مكر اللّه و اللّه خير الماكرين\390
61\فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم...\175،340
ص: 654
68\إنّ أولى النّاس بإبراهيم للذين اتّبعوه و هذا النبيّ...\441
97\و من دخله كان آمنا\268
152\ثمّ صرفكم عنهم ليبتليكم\495
169-170\و لا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا...\128
178\و لا يحسبنّ الذين كفروا أنّما نملي لهم خير لأنفسهم...\125
4\و اتوا النّساء صدقاتهنّ نحلة\ه- 588
5\و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللّه لكم قياما\170
20\و اتيتم إحداهنّ قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا\ه- 588
23\حرّمت عليكم امّهاتكم و بناتكم و أخواتكم...و حلائل ابنائكم الذين من أصلابكم\176
35\فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها إن يريداإصلاحا...\174
54-55\أم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله...و كفى بجهنّم سعيرا\446
56\كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرهاليذوقوا العذاب\370
57\...خالدين فيها أبدا\371
59\يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللّه و أطيعوا الرسول و اولي الأمر منكم\95،536
60\...يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت...\261
ص: 655
80\من يطع الرسول فقد أطاع اللّه\380
83\...و لو ردّوه إلى الرسول و إلى اولي الأمر لعلمه الذين يستنبطونه\95
105\فاحكم بينهم بما أراك اللّه\270
113\و كان فضل اللّه عليك عظيما\446
114\لا خير في كثير من نجواهم إلاّ من أمر بصدقة أومعروف أو إصلاح\170
142\يخادعون اللّه و هو خادعهم\390
153\...أرنا اللّه جهرة\231
155\...بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلا\396
171\...و روح منه\170
3\اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي...\439
21\ادخلوا الأرض المقدّسة\60
25\ربّ إنّي لا أملك إلاّ نفسي و أخي\60
27\إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين\288
31\فبعث اللّه غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه\188
55\إنّما وليكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا...\488
87-88\يا أيّها الذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم...\28
ص: 656
101\يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم\170،544
38\ما فرّطنا في الكتاب من شي ء\339،439
59\و لا رطب و لا يابس إلاّ في كتاب مبين\302
76\فلمّا جنّ عليه اللّيل رأى كوكبا قال هذا ربّي...\425،426
77\فلمّا أفل قال لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الظالمين\426
78\فلمّا رأى الشّمس بازغة قال هذا ربّي هذا أكبر\426
78-79\فلمّا أفلت قال يا قوم إنّي بري ء ممّا تشركون إنّي وجّهت وجهي\426
83\و تلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه\426
84-85\و من ذرّيّته داود و سليمان و أيّوب...\175،339
103\لا تدركه الأبصار\211،465
104\قد جاءكم بصائر من ربّكم\212
125\فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للاسلام\392
164\و لا تزر وازرة وزر اخرى\138
165\ليبلوكم فيما آتاكم\495
ص: 657
12\خلقتني من نار و خلقته من طين\271
20\ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكوناملكين...\423
20-22\ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا...فدلاّهما بغرور\424
50\و نادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضواعلينا من الماء\173،179
51\فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا\391
65\و إلى عاد أخاهم هودا\136
138\يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة\60
143\و لمّا جاء موسى لميقاتنا و كلّمه ربّه...\430،431
145\و كتبنا له في الألواح من كلّ شي ء موعظة\302
155\و اختار موسى قومه سبعين رجلا ليمقاتنا...إن هي إلاّ فتنتك\495،530
171\و إذ نتقنا الجبل فوقهم كأنّه ظلّة\188
180\و للّه الأسماء الحسنى فادعوه بها\378
182\سنستدرجهم من حيث لا يعلمون\495
189-190\لئن آتيتنا صالحا لنكوننّ من الشاكرين...فتعالى اللّه عمّا يشركون\425
ص: 658
190\فلمّا آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عمّا يشركون\424
21-23\قالوا سمعنا و هم لا يسمعون*إن شرّ الدّواب...لتولّوا و هم معرضون\445
33\و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم...\480
41\و اعلموا انّما غنمتم من شي ء فأنّ للّه خمسه و للرسول و لذي القربى\121
48\لا غالب لكم اليوم من النّاس و إنّي جار لكم\95
72\و الذين آمنوا و لم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شي ء...\338
25\لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة\497
26\ثمّ أنزل اللّه سكينته على رسوله و على المؤمنين...\612
29\قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه و لا باليوم الآخر\257
32\يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم\83
40\ثاني اثنين إذ هما في الغار فأنزل اللّه سكينته عليه...\608،611
43\عفا اللّه عنك لم أذنت لهم...\434
60\إنّما الصدقات للفقراء و المساكين\276
67\نسوا اللّه فنسيهم\391
ص: 659
79\سخر اللّه منهم\390
93\طبع اللّه على قلوبهم فهم لا يفقهون\445
106\و آخرون مرجون لأمر اللّه\366
111-112\انّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم...\144
119\يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللّه...\312
122\فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة\258
35\أ فمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع...\313،446
99-100\و لو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم...و يجعل الرجس على الذين لا يعقلون\394
100\و ما كان لنفس أن تؤمن إلاّ بإذن اللّه...\395
7\و هو الذي خلق السّماوات و الأرض...ليبلوكم أيّكم أحسن عملا\330،393،495
18\ألا لعنة اللّه على الظالمين\559
44\و قيل يا أرض ابلعي ماءك\307
108\عطاء غير مجذوذ\370
ص: 660
5\يا بنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك\305
24\و لقد همّت به و همّ بها لو لا أن رأى برهان ربّه\432
70\أيّتها العير إنّكم لسارقون\257
80\فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّا\306
82\و اسأل القرية التي كنّا فيها و العير التي أقبلنا فيها\139
109\و ما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالا نوحي إليهم\515
110\حتّى إذا استيأس الرسل و ظنّوا أنّهم قد كذبوا...\433
39\يمحو اللّه ما يشاء و يثبت\366
43\كفى باللّه شهيدا بيني و بينكم\302
4\و ما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه\610
42\و لا تحسبنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظالمون\ه- 124
48\يوم تبدّل الأرض غير الأرض و السّماوات\179
9\انّا نحن نزّلنا الذكر و إنّا له لحافظون\611
29\و نفخت فيه من روحي\171،172
ص: 661
48\و ما هم منها بمخرجين\371
93\فيضلّ من يشاء و يهدي من يشاء\496
1\سبحان الذي أسرى بعبده ليلا...لنريه من آياتنا\178،376
16\و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها\42
26\و آت ذا القربى حقّه\121
40\أ فأصفاكم ربّكم بالبنين و اتّخذ من الملائكة إناثا...\435
60\و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للنّاس...و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوّفهم...\35،44
72\و من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى\165
74\و لو لا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم...\434
86\و لئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك\372
88\قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا...\307
37\قال له صاحبه و هو يحاوره أ كفرت بالذي خلقك...\610
49\و لا يظلم ربّك أحدا\490
50\و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس\515
59\و تلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا\139
ص: 662
101\الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري\395
26\إنّي نذرت للرّحمن صوما فلن أكلّم اليوم إنسيّا\189
64\و ما كان ربّك نسيّا\391
5\الرّحمن على العرش استوى\199،328
12\فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدّس طوى\528
44\لعلّه يتذكّر أو يخشى\270
72\فاقض ما أنت قاض\59
81\و من يحلل عليه غضبي فقد هوى\169،182
85\فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك و أضلّهم السامري\495
110\و لا يحيطون به علما\376
113\أو يحدث لهم ذكرا\374
121\و عصى آدم ربّه فغوى\329،423
121-122\و عصى آدم ربّه...فتاب عليه و هدى\424
124-126\و من أعرض عن ذكري...و كذلك اليوم تنسى\550
ص: 663
19-20\و له من في السّماوات و الأرض...يسبّحون اللّيل و النّهار لا يفترون\514
22\لو كان فيهما آلهة إلاّ اللّه لفسدتا\307
27-28\بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول...\514
30\أ و لم ير الذين كفروا انّ السّماوات و الأرض كانتارتقا ففتقناهما\181
60\قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم\340
63\قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم...\257
72-73\و وهبنا له إسحاق و يعقوب...و جعلناهم أئمّةيهدون بأمرنا\441
87\و ذا النون إذ ذهب مغاضبا...\432
111\و إن أدري لعلّه فتنة لكم...\41،52
10\ذلك بما قدّمت يداك و انّ اللّه ليس بظلاّم للعبيد\490
73\يا أيّها النّاس ضرب مثل فاستمعوا له\306
75\اللّه يصطفي من الملائكة رسلا و من النّاس\480
102\فمن ثقلت موازينه\247
ص: 664
26\و الطيّبات للطيبين و الطيّبون للطيّبات...\42
32\و انكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم\473
35\اللّه نور السّماوات و الأرض مثل نوره كمشكاة...\487
19\و فعلت فعلتك التي فعلت...\429
20\قال فعلتها إذا و أنا من الضّالين\429
21\ففررت منكم لمّا خفتكم فوهب لي ربّي حكما\429
206\ثمّ جاءهم ما كانوا يوعدون\ه- 52
207\ما أغنى عنهم ما كانوا يمتّعون\ه- 52
18\يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان و جنوده\188
65\قل لا يعلم من في السّماوات و الأرض الغيب إلاّ اللّه\550
15\فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته...هذا من عمل الشّيطان إنّه عدوّ مضلّ مبين\428
16\ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنّه هو
ص: 665
الغفور الرحيم\428
17\ربّ بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين\428
18\فأصبح في المدينة خائفا يترقّب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه\429
19\فلمّا أراد أن يبطش...أ تريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس\429
50\و من أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من اللّه...\447
68\و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة\444
88\كل شي ء هالك إلاّ وجهه\381
2\أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون\495
61\و لئن سألتهم من خلق السّماوات و الأرض...\465
10\ثمّ كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذّبوا...\124
11\اللّه يبدؤا الخلق ثمّ يعيده\366
56\و قال الذين اوتوا العلم و الايمان لقد لبثتم في كتاب اللّه...\441
13\يا بنيّ لا تشرك باللّه إنّ الشّرك لظلم عظيم\614
ص: 666
28\...سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه\499
18\أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون\37
7\و إذ أخذنا من النبيّين ميثاقهم و منك و من نوح\479
33\إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا\121
36\و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى اللّه و رسوله...\444
37\و إذ تقول للذي أنعم اللّه عليه و أنعمت عليه أمسك عليك زوجك\434،435
37-38\فلمّا قضى زيد منها وطرا زوّجناكها...ما كان على النبيّ من حرج...\436
13\و قليل من عبادي الشكور\59
18\و جعلنا بينهم و بين القرى...و قدّرنا فيها السير\139،183،268
1\يزيد في الخلق ما يشاء\366
11\و ما يعمّر من معمّر و لا ينقص من عمره\366
ص: 667
32\ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا\301
12\و كل شي ء أحصيناه في إمام مبين\302
82\انّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون\326
88-98\فنظر نظرة في النّجوم*فقال انّي سقيم\257
103\سلام على ال ياسين\591
143\فلولا أنّه كان من المسبّحين\432
144\للبث في بطنه إلى يوم يبعثون\432
5\أ جعل الآلهة إلها واحدا إنّ هذا لشي ء عجاب\433
6\و انطلق الملأ منهم أن امشوا و اصبروا...\433
7\ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة\433
24\...و قليل ما هم...\59
34\و لقد فتنّا سليمان...\495
9\هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون\501
17\فبشّر عباد الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه\496
65\لئن أشركت ليحبطنّ عملك و لتكوننّ من الخاسرين\434
ص: 668
35\كبر مقتا عند اللّه و عند الذين آمنوا...\447
45\فوقاه اللّه سيّئات ما مكروا...\292
60\ادعوني أستجب لكم...\228
17\و أمّا ثمود فهديناهم فاستحبّوا العمى على الهدى\496
46\و ما ربّك بظلاّم للعبيد\397
23\قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى\121
30\و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم\460
31\لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم\493
45\و سئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا...\178
63\و لابيّن لكم بعض الذي تختلفون فيه\302
71\و فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين\ه- 581
5\فبأيّ حديث بعد اللّه و آياته يؤمنون\377
ص: 669
1-2\حم*تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم\541
3\ما خلقنا السّماوات و الأرض و ما بينهما إلاّ بالحقّ...\541
4\قل أ رأيتم ما تدعون من دون اللّه...\541
5\و من أضلّ ممّن يدعوا من دون اللّه...\541
6\و إذا حشر النّاس كانوا لهم أعداء...\541
4\و لو يشاء اللّه لانتصر منهم...\495
8\فتعسا لهم و أضلّ أعمالهم\447
24\أ فلا يتدبّرون القرآن...\445
31\و لنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم...\494
1-2\إنّا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك اللّه...\433
10\انّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه...\380
25\و الهدي معكوفا أن يبلغ محلّه\30
26\فأنزل اللّه سكينته على رسوله و على المؤمنين...\612
6\إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا\37
ص: 670
11\و لا تنابزوا بالألقاب\251
16\و لقد خلقنا الانسان و نعلم ما توسوس به نفسه\478
35\لهم ما يشاءون فيها و لدينا مزيد\370
49\و من كلّ شي ء خلقنا زوجين\363
8-9\ثمّ دنا فتدلّى*فكان قاب قوسين أو أدنى\328
13\و لقد رآه نزلة أخرى\376
26-27\كلّ من عليها فان و يبقى وجه ربّك...\381
43-44\هذه جهنّم التي يكذّب بها المجرمون*يطوفون بينها و بين حميم آن\382
32-33\و فاكهة كثيرة*لا مقطوعة و لا ممنوعة\370،371
ص: 671
11\يا أيّها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسّحوا...\501
10\و الذين جاءوا من بعدهم يقولون...\311
19\نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم\391
1\إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد...\187.
2\و أقيموا الشّهادة للّه\585
8\و كأيّن من قرية عتت عن أمر ربّها و رسله\139
66\لا يعصون اللّه ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون\514
17\إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنّة\495
36-37\ما لكم كيف تحكمون*أم لكم كتاب فيه تدرسون\445
38-41\إنّ لكم فيه لما تخيّرون...أم لهم شركاء فليأتوا
ص: 672
بشركائهم\445
42\يوم يكشف عن ساق و يدعون إلى السجود\388
36-37\فمال الذين كفروا قبلك مهطعين*عن اليمين...\609
27\إلاّ من ارتضى من رسول\ه- 551
22-23\وجوه يومئذ ناضرة*إلى ربّها ناظرة\382
19-21\إنّه لقول رسول كريم...مطاع ثمّ أمين\567
15\كلاّ إنّهم عن ربّهم يومئذ لمحجوبون\389
3\النّجم الثاقب\252
ص: 673
3-7\عاملة ناصبة...لا يسمن و لا يغني من جوع\39
16\و أمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه\432
22\و جاء ربّك و الملك صفّا صفّا\389
6\أ لم يجدك يتيما فآوى\429
7\و وجدك ضالاّ فهدى\430
8\و وجدك عائلا فأغنى\430
1\إنّا أنزلناه في ليلة القدر\566
3\ليلة القدر خير من ألف شهر\35
3\إن شانئك هو الأبتر\35
1\قل هو اللّه أحد\566
ص: 674
القافية\عدد\القائل\الصفحة
الأبيات
1\كهولكم خير الكهول و نسلكم...\أ\1\رجل\114
2\انّ الحمار مع الحمار مطيّة...\ب\1\مثل\610
3\تجمّلت تبغّلت و إن عشت تفيّلت\ت\1\محمّد بن أبي بكر\309
4\نحن قتلنا عليّا و بني عليّ...\ح\2\رجل\107
5\أنا ابن عليّ الطهر من آل هاشم...\ر\4\الحسين«ع»\104
6\و نحن أمان اللّه للنّاس كلّهم...\ر\3\الحسين«ع»\104
7\يا سائلي عنه لمّا جئت أسأله\ر\2\أبو العلاء المعرّي\617
8\فما ذنبنا إن جاش بحر بحورنا\ص\1\فاطمة الصغرى«ع»\108
9\من عرف الربّ فلم تغنه...\ق\2\زين العابدين«ع»\150
10\ما يصنع العبد بغير التّقى...\ق\1\زين العابدين«ع»\151
11\لعبت هاشم بالملك فلا...\ل\1\يزيد بن معاوية\122
12\ليت أشياخي ببدر شهدوا...\ل\4\يزيد بن معاوية\123
13\لأهلّوا و استهلّوا فرحا...\ل\1\يزيد بن معاوية\126
14\ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم\م\4\زينب بنت عليّ«ع»\113
15\لا غرو إن قتل الحسين و شيخه...\م\3\زين العابدين«ع»\119
ص: 675
16\أنّى يكون و لا يكون و لم يكن\م\1\مروان ابن أبي حفصة\344
17\أنّى يكون و لا يكون و لم يكن...\م\2\هاتف في المنام\344
18\ما للطليق و للتراث و إنّما...\م\3\هاتف في المنام\345
19\شفينا أنفسا طابت و فورا\ن\2\مروان بن الحكم\46
20\فان نهزم فهزّامون قدما...\ن\4\الحسين«ع»\100
21\كفر القوم و قدما رغبوا...\ن\3\الحسين«ع»\101
22\يا لقوم من اناس رذّل...\ن\13\الحسين«ع»\102
23\في سبيل اللّه ما ذا صنعت...\ن\5\الحسين«ع»\103
24\زرت هندا و ذاك غير اختيان...\ن\1\شعر للعرب\610
25\لم تخل أفعالنا اللاّتي نذمّ بها...\ه\4\عبد اللّه بن مسلم\332
26\و قال ساعطي الراية اليوم صارما...\ي\3\حسّان بن ثابت\ه- 26
ص: 676
آل إبراهيم 424،446.
إرم 113.
بنو إسرائيل 59،60،61،121،134،136،188،294،407،408،409،410،414،431،532.
بنو الأصفر ه- 14.
بنو أميّة 20،22،31،34،41،50،58،70،337،ه- 478،479.
الأنصار 23،25،58،80،81،185،274،318،343،523،531.
أهل بدر 481.
أهل البصرة 317.
الترك 322.
تيم 337.
ثقيف 46،47،48.
ص: 677
ثمود ه- 96.
أهل الحجاز 327.
الحضرميين 85،91.
الحواريّين 404،405،406.
الخزر 322.
الخزرج 123.
بنو خزيمة 29.
آل الخطّاب 480.
الخوارج 166.
الديصانيّة 233.
آل الرسول 444،445،491.
الرّوم 322.
أصحاب زردشت 401.
الزنادقة 233،354،375.
الزيديّة 292،293.
آل أبي سفيان 58،82.
أهل الشّام 51،52،57،272،273،277.
الشيعة 83،502،511،516،550،551،555،556،618،619،621.
شيعة علي 85،518.
الصابئين 401،403.
ص: 678
آل أبي طالب 470.
الطالبيّين 403،500.
عاد ه- 96،136،334.
بني العبّاس ه- 333،336.
العبّاسيّين 469،500.
عبد قيس 35.
آل عبد المطّلب 127.
بنو عبد المطّلب 20،21،59،336.
بنو عبد مناف 80.
عدي 337.
أهل العراق 317.
العلويّين 500.
آل عمران 424.
غطفان 30.
الغلاة 400،549،552.
آل فرعون 134،137،193،290.
قريش 21،30،31،32،35،37،40،44،47،58،80،81،142،273،274،329،338،343،408،409،445،493،501.
بنو قريظة 25،174.
قيس 46،48،49.
أصحاب الكهف 230.
أهل الكوفة 97،104،106،107،109،110،117،119،285.
ص: 679
المانوية 235.
المتقويّة ه- 235.
المجوس 143،236،237،275،375،401،570.
المجوسيّة ه- 235،236.
آل محمّد«ع»78،120،122،136،331،515،575،595.
آل بيت محمّد«ع»481.
أهل المدينة 276،277.
آل أبي معيط 320.
أهل مكّة 433.
المهاجرون 23،25،58،185،274،318،343،523،531.
آل النبيّ«ع»618.
النّصارى 340،375،406،412،454.
النّصرانية ه- 235،236،405.
بنو النضير 25.
بنو نوبخت 555.
قوم نوح 137.
آل هاشم 103.
بنو هاشم 20،22،34،36،41،45،69،87،89،122،343،360،366،404،500.
الهاشميّين 403.
الهرابذة 403.
هوازن 30.
اليهود 30،ه- 96،509،510،511،532.
يهود المدينة ه- 25.
ص: 680
الأردن ه- 38.
أصفهان 589.
الأهواز 487.
باب الأبواب ه- 499.
بابل 408،514.
باجروان ه- 499.
بدر 20،34،123.
البصرة 83،135،136،149،182،184،193،283،311،ه- 316،317،337،419،525.
بغداد ه- 344،347،458،ه- 538،ه- 556.
بقيع الغرقد 31.
بلاد الجزيرة ه- 317.
بلخ 422.
بيت اللّه الحرام 237،268،620.
بيت المقدس 178،230،408،416.
تبوك 26،190.
تهامة 72.
جابرس 96.
جابلق 96.
جبل ساعير 415.
جبل فاران 415،416.
الجزيرة 419.
ص: 681
جمة افريقا 499.
الحبشة 36.
الحجاز 365،597.
الحجر الأسود 148.
حران ه- 317.
الحلة ه- 595.
حلوان 534.
حمة ماسيدان 499.
خراسان 365،366،367،368،456،620.
دير زكن ه- 317.
دير زكي 317.
الرحبة 13.
الرقّة 317.
الرملة 607.
الروم 13،72.
الرّي 525.
زكية ه- 317.
زمزم ه- 133.
سامراء ه- 317.
سرّ من رأى 524.
السند 466.
الشّام 13،29،32،ه- 38،46،120،131،132،133،ه- 206،272،273،277،280،419.
شروان ه- 499.
الصّفا 133.
صفورية 38.
صفين 48،81،136.
الطائف 41.
طبرية ه- 38.
طور سيناء 188،415،430.
طوس 620.
ص: 682
العذيب ه- 333.
العراق 84،91،139،147،167،173،267،317،599،616.
العراقين 83.
عكّا ه- 38.
عين باحروان 499.
عين باحوران ه- 499.
عين بحرون ه- 499.
عين برهوت 10،499.
عين سلمى 16.
عين الطبرية 499.
عين الكبريت 499.
عين اليمن 499.
غدير خمّ 61.
فسا 192.
فلسطين 36.
القادسية ه- 333.
قبر العبادي ه- 333.
قبر النبيّ«ص»343.
قصر العبادي 333.
قم 524،526،ه- 568،ه- 595.
كربلاء 97،104،109،529.
الكعبة 149،150،172،377،474.
الكوفة 54،83،136،139،266،285،308،314،ه- 333،337،419.
اللّجون ه- 38.
المدينة 26،29،ه- 31،32،53،58،80،135،192،204،253،268،276،287،318،334،342،343،422،482،489.
مرو 366،397،439.
المروة 133.
مسجد البصرة 283.
المسجد الحرام 172،173،178،256.
مسجد رسول اللّه«ص»23،253،310،609.
مصر 41،204،205،206.
ص: 683
المغرب ه- 333.
مكّة 26،29،30،123،133،139،144،148،149،151،183،204،207،268،272،ه- 333،342،345،415،423،474.
منى 119،123،133،140،474.
نهاوند 192.
النهروان 136.
نيسابور 392،620.
الهند 466.
الوادي المقدّس 528.
واسط ه- 317.
اليمن 250،251،252،253.
ص: 684
1-آلاء الرحمن في تفسير القرآن:البلاغي النجفي:محمد جواد(م 1352 ه-)مكتبةالوجداني،قم.
2-الاتقان:جلال الدين السيوطي(849-911 ه-)تحقيق الدكتور مصطفى،دار ابن كثير،بيروت.
3-اثبات الهداة:الحر العاملي:محمد بن الحسن(م 1104 ه-)المطبعة العلمية،قم.
4-احقاق الحق:الشهيد السيد نور اللّه الحسيني التستري(م 1091 ه-)المكتبة الإسلامية،طهران.
5-الاختصاص:أبو عبد اللّه:محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد-رحمه اللّه-(336-413 ه-)منشورات جماعة المدرسين في الحوزة
ص: 685
العلمية،قم.
6-الارشاد:المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(336-413 ه-)طبع قم-1402 ه-.
7-الاستيعاب:أبو عمر:يوسف بن عبد اللّه بن عبد البر،دار نهضة مصر،القاهرة.
8-اسد الغابة:ابن الاثير:أبو الحسن:علي بن أبي الكرم(م 630 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت.
9-الأعلام:خير الدين الزركلي(م 1396 ه-)دار العلم للملايين،بيروت،الطبعة السادسة-1404 ه-.
10-أعلام النساء:عمر رضا كحّالة،مؤسسة الرسالة،بيروت-1404 ه-.
11-اعلام الورى:أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي(471-548 ه-)طبع إيران.
12-أعيان الشيعة:السيد محسن الأمين العاملي(م 1371 ه-)دار التعارف،بيروت.
13-اكمال الدين:الشيخ الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)طهران-1405 ه-.
14-الأمالي:الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)مؤسسةالأعلمي للمطبوعات،بيروت،لبنان،الطبعة الخامسة-1400 ه-.
15-الأمالي:الطوسي:محمد بن الحسن(385-460 ه-)مؤسسة الوفاء،بيروت-1401 ه-.
16-الأمالي:المرتضى:علي بن الحسين الموسوي(355-436 ه-)دار احياء الكتب العربية،بيروت-1373 ه-.
17-الأمالي:المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(413 ه-)منشورات جماعة المدرسين،قم-1403 ه-.
18-الإمامة و السياسة:أبو محمد:عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري(م 276 ه-)مطبعة
ص: 686
مصطفى محمد،مصر.
19-الأمثال في نهج البلاغة:محمد الغروي،انتشارات فيروزآبادي،قم المقدسة-1401 ه-.
20-أمل الآمل:الحر العاملي:محمد بن الحسن(1023-1104 ه-)تحقيق السيد أحمدالحسيني،مكتبة الاندلس،بغداد-1385 ه-.
21-أنساب الأشراف:أحمد بن يحيى البلاذري(من أعلام القرن الثالث الهجري)مؤسسة الأعلمي،بيروت-1394 ه-.
22-أهل البيت:توفيق أبو علم،مطبعة السعادة،مصر.
23-بحار الأنوار:العلاّمة محمد باقر المجلسي الإصفهاني(م 1110 ه-)مؤسسة الوفاء،بيروت،الطبعة الثانية-1403 ه-.
و الجزءان 32 و 33 طبعا أخيرا في ايران.
24-البداية و النهاية:الحافظ أبو الفداء ابن كثير الشامي(م 774 ه-)دار الفكر،بيروت-1402 ه-.
25-البرهان القاطع:ابن خلف التبريزي:محمد حسين،تصحيح محمد عباسي،مطبعةپيروز،ايران-1336 ه-.ش.
26-بصائر الدرجات:أبو جعفر:محمد بن الحسن بن فروخ الصفّار(م 290 ه-)الناشر:محمود رسيمانچي صادقي تبريزي،ايران،الطبعة الثانية-1380 ه-.
27-بلاغات النساء:ابن طيفور:أحمد بن أبي ظاهر(م 380 ه-)مكتبة بصيرتي،قم،ايران،طبعة بيروت.
ص: 687
28-البهار:حسين بن سعيد الأهوازي(من أصحاب الامام الرضا و الجواد و الهادي«عليهم السّلام»).
29-تاريخ الأمم و الملوك:أبو جعفر:محمد بن جرير الطبري(م 310 ه-)مؤسسةالأعلمي،بيروت.
30-تاريخ اليعقوبي:أحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي(من علماء القرن الثالث الهجري)المكتبة الحيدرية،النجف الاشرف-1384 ه-.
31-تأويل الآيات الظاهرة:السيد شرف الدين علي الحسيني الغروي(من أعلام القرن العاشر الهجري)،نشر و تحقيق:مدرسة الامام المهدي عليه السّلام،الطبعة الاولى-1407 ه-.
32-تحف العقول:الحرّاني:الحسن بن علي(من أعلام القرن الرابع الهجري)مؤسسةالأعلمي،بيروت-1394 ه-.
33-تذكرة الخواص:سبط ابن الجوزي(581-654 ه-)مؤسسة أهل البيت،بيروت-1401 ه-.
34-ترجمة الإمام علي:ابن عساكر:علي بن الحسن بن هبة اللّه(500-573 ه-)دارالتعارف،بيروت-1395 ه-.
35-تفسير الامام العسكري-عليه السّلام-:التحقيق و النشر في مدرسة الإمام المهدي«عليه السّلام»،قم،الطبعة الاولى المحقّقة-1409 ه-.
36-تفسير البرهان:السيد هاشم التوبلي البحراني(م 1107 ه-)قم-1375 ه-.
37-تفسير البيان:الخوئي:أبو القاسم الموسوي(1317-1413 ه-)مطبعة الآداب،
ص: 688
النجف الاشرف.
38-تفسير جامع أحكام القرآن:القرطبي:أبو عبد اللّه:محمد بن أحمد الأنصاري(م 671 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت-1405 ه-.
39-تفسير العياشي:محمد بن مسعود العياشي(م 320 ه-)المطبعة العلمية،قم.
40-تفسير فرات:فرات بن ابراهيم بن فرات الكوفي(من أعلام القرن الثالث الهجري)المطبعة الحيدرية،النجف الأشرف.
41-تفسير القمّي:أبو الحسن:علي بن ابراهيم القمّي(من أعلام القرنين الثالث و الرابع الهجري)مؤسسة دار الكتاب،قم،الطبعة الثالثة في جزأين-1404 ه-.
42-تفسير مجمع البيان:الطبرسي:الفضل بن الحسن(471-548 ه-)مطبعة العرفاني،صيدا-1354 ه-.
43-تفسير الميزان:العلاّمة الطباطبائي:محمد حسين(1321-1402 ه-)مؤسسةالأعلمي،بيروت-1403 ه-.
44-تلخيص الرياض:السيد علي خان الحسيني المدني الشيرازي(م 1120 ه-)مطبعةالحيدري،طهران-1381 ه-.
45-تلخيص الشافي:شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي:محمد بن الحسن(385-460 ه-)دار الكتب الاسلامية،قم المقدسة-1394 ه-/1974 م.
46-تنبيه الخواطر المسمّى ب-(مجموعة ورّام):أبو الحسين:ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري(م 605 ه-)دار الكتب الاسلامية،طهران-1409 ه-.
47-التهذيب:الشيخ الطوسي:محمد بن الحسن(م 460 ه-)دار الكتب الاسلامية،طهران-1390 ه-.
48-تهذيب التهذيب:العسقلاني:أحمد بن علي بن حجر(773-852 ه-)دار الفكر،
ص: 689
بيروت-1404 ه-.
49-التوحيد:الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)مكتبةالصدوق،طهران.
50-الجمل أو النصرة في حرب البصرة:الشيخ المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(م 413 ه-)منشورات مكتبة الداوري،قم المقدسة.
51-الجرح و التعديل:أبو حاتم الرازي(م 327 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت-1371 ه-.
52-حلية الأبرار:السيد هاشم البحراني(م 1107 ه-)دار الكتب العلمية،قم،الطبعةالأولى في جزأين-1397 ه-.
53-الخرائج و الجرائح:قطب الدين الراوندي(م 573 ه-)مؤسسة الإمام المهدي(عج)،قم-1409 ه-.
54-الخصال:الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية،قم-1403 ه-.
ص: 690
55-الدر المنثور:جلال الدين السيوطي(849-911 ه-)دار الفكر،بيروت-1403 ه-.
56-دعائم الإسلام:أبو حنيفة:النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي(م 363 ه-)دار المعارف،القاهرة-1383 ه-/1963 م.
57-دلائل الإمامة:الطبري:أبو جعفر:محمد بن جرير بن رستم(من أعلام القرن الرابع الهجري)المطبعة الحيدرية،النجف الاشرف-1383 ه-/1963 م.
58-ديوان الأعشى:ميمون بن قيس الأعشى(م 7 ه-)المكتبة الثقافية،بيروت،لبنان.
59-ذخائر العقبى:المحب الطبري:أحمد بن عبد اللّه(615-694 ه-)مكتبة القدسي،القاهرة-1356 ه-.
60-الذريعة:آقا بزرگ الطهراني(1293-1389 ه-)دار الأضواء،بيروت-1403 ه-.
61-ربيع الأبرار:الزمخشري:محمود بن عمر(467-538 ه-)منشورات الشريف الرضي،قم-1410 ه-.
62-الرجال:أبو عمرو الكشي:محمد بن عمر بن عبد العزيز(من أعلام القرن الرابع الهجري)مؤسسة الأعلمي،كربلاء،العراق.
63-الروائع المختارة من خطب الامام الحسن السبط«عليه السّلام»:السيد مصطفى محسن الموسوي،تعليق السيد مرتضى الرضوي،منشورات مكتبة مدرسة چهل
ص: 691
ستون،المسجد الجامع،طهران.
64-روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه:المولى محمد تقي المجلسي(1003-1070)مؤسسة الثقافة الإسلامية،المطبعة العلمية،قم.
65-روضة الواعظين:الفتّال النيسابوري:محمد بن علي(من علماء القرن السادس الهجري)تبريز-1333 ه-.
66-السبعة من السلف:السيد مرتضى السيد محمد الحسيني الفيروزآبادي،مكتبةالفيروزآبادي،قم المقدسة.
67-سفينة البحار:الشيخ عباس القمّي(1294-1359 ه-)طبعة حجر،النجف الاشرف.
68-السيرة النبوية:ابن هشام:أبو محمد:عبد الملك بن أيوب الحميري(م 213 أو 218 ه-)دار التراث العربي،بيروت.
69-الشافي في الإمامة:الشريف المرتضى:علي بن الحسين الموسوي(م 436 ه-)تحقيق السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب،مؤسسة الصادق للطباعة و النشر،طهران-1410 ه-.
70-شرح قصيدة الحميري:الحاج الميرزا محمد رضا التبريزي،طبعة حجر،ايران-1301 ه-.
71-شرح نهج البلاغة:ابن أبي الحديد(م 655 ه-)دار إحياء الكتب العربية،القاهرة-1378 ه-.
ص: 692
72-شرح نهج البلاغة:ابن ميثم البحراني:كمال الدين ميثم بن علي(م 679 ه-)دار العالم الاسلامي،بيروت-1401 ه-/1981 م.
73-الصحاح:اسماعيل بن حمّاد الجوهري،دار العلم للملايين،بيروت،الطبعة الرابعةفي ستة أجزاء،1407 ه--1987 م.
74-الصحيح:الترمذي:محمد بن عيسى بن سورة(209-279 ه-)دار إحياء التراث العربي،بيروت.
75-الصحيح:مسلم بن الحجاج القشيري(م 261 ه-)دار إحياء التراث العربي،بيروت.
76-العقد الفريد:ابن عبد ربّه الأندلسي(246-328 ه-)دار الكتب العلمية،بيروت-1404 ه-.
77-علل الشرائع:الشيخ الصدوق:أبو جعفر:محمد بن علي بن بابويه القمّي(م 381 ه-)المكتبة الحيدرية،النجف الأشرف،الطبعة الثانية في جزأين-1385 ه-.
78-العمدة:ابن البطريق:يحيى بن الحسن الأسدي الحلّي(533-600 ه-)مؤسسة النشرالاسلامي،قم-1407 ه-.
79-عيون أخبار الرضا«عليه السّلام»:الصدوق:محمد بن علي بن بابويه القمّي(م 381 ه-)تحقيق السيد مهدي الحسيني اللاجوردي،الناشر:رضا مشهدي.
ص: 693
80-الغارات:ابن هلال الثقفي الكوفي(م 283 ه-)دار الكتاب الإسلامي،قم-1411 ه-.
81-غاية المرام:السيد هاشم بن سليمان بن إسماعيل البحراني(م 1107 ه-)طبعة حجر،ايران.
82-الغدير:العلاّمة الأميني:عبد الحسين أحمد النجفي(1320-1390 ه-)دار الكتاب العربي،بيروت-1387 ه-.
83-غريب الحديث:الهروي:أبو عبيد:القاسم بن سلام(م 224 ه-)دار الكتب العلمية،بيروت-1406 ه-/1986 م.
84-غوالي اللئالي:محمد بن علي بن ابراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور،مطبعة سيد الشهداء،قم المقدسة-1403 ه-/1983 م.
85-الغيبة:الطوسي:أبو جعفر:محمد بن الحسن(م 460 ه-)مطبعة النعمان،النجف الأشرف.
86-الغيبة:النعماني:محمد بن ابراهيم(من أعلام القرن الرابع الهجري)مكتبة الصدوق،طهران،تحقيق علي أكبر غفّاري.
87-الفائق:محمود بن عمر الزمخشري(467-538 ه-)،دار الفكر للطباعة و النشرو التوزيع،لبنان،الطبعة الثالثة 1399 ه-.
88-الفتوح:أبو محمد:أحمد بن أعثم الكوفي(م 314 ه-)دار الندوة الجديدة،بيروت،لبنان.
ص: 694
89-فرائد السمطين:ابراهيم بن محمد الحمويني(644-730 ه-)مؤسسة المحمودي للطباعة و النشر،بيروت،لبنان-الطبعة الاولى-1398 ه-.
90-الفصول المختارة:الشيخ المفيد:محمد بن محمد بن النعمان(م 413 ه-)مكتبةالداوري،قم-1396 ه-.
91-فضائل الصحابة:أبو عبد اللّه:أحمد بن حنبل(164-441 ه-)جامعة ام القرى،المملكة العربية السعودية-1403 ه-.
92-الفضائل:ابن شاذان:أبو الفضل سديد الدين شاذان بن جبرائيل بن أبي طالب القمّي(م 660 ه-)المطبعة الحيدرية،النجف الأشرف-1381 ه-/1962 م.
93-قاموس اللغة:أبو طاهر:محمد بن يعقوب الفيروزآبادي(729-816 ه-)دار المعرفة،بيروت.
94-قرب الاسناد:الحميري القمّي:عبد اللّه بن جعفر(من أعلام القرن الثالث الهجري)مكتبة نينوى الحديثة،طهران.
95-الكافي:أبو جعفر الكليني:محمد بن يعقوب(9-328 ه-)تصحيح علي أكبر الغفّاري،دار الكتب الإسلامية،طهران،الطبعة الثانية في ثمانية أجزاء-1389 ه-.
96-كامل البهائي:الحسن بن علي بن محمد بن علي بن الحسن الطبري،المشهورب-(عماد الدين الطبري)المكتبة المرتضوية،ايران.
97-كتاب سليم بن قيس:سليم بن قيس الكوفي الهلالي،صاحب أمير المؤمنين«عليه
ص: 695
السّلام»،نشر دار الكتب الإسلامية،قم.
98-كشف الغمة:الاربلي:علي بن عيسى(م 693 ه-)دار الأضواء،بيروت-1405 ه-.
99-الكنى و الألقاب:الشيخ عباس القمّي(1294-1359 ه-)مكتبة الصدر،طهران-1397 ه-.
100-كنز العمال:المتّقي الهندي(م 975 ه-)مؤسسة الرسالة،بيروت-1405 ه-.
101-كنز الفوائد:الشيخ محمد بن علي بن عثمان الكراجكي الطرابلسي(م 449 ه-)تحقيق الشيخ عبد اللّه نعمة،دار الأضواء،بيروت،لبنان-1405 ه-/1985 م.
102-لسان العرب:ابن منظور:محمد بن مكرم الإفريقي المصري(م 711 ه-)دار صادر،بيروت.
103-لسان الميزان:ابن حجر:شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني(م 852 ه-)مؤسسةالأعلمي،بيروت.
104-اللهوف على قتلى الطفوف:السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس(589-664 ه-)مطبعة العرفان،صيدا.
105-مائة منقبة:أبو الحسن:محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمّي المعروف بابن شاذان(من أعلام القرنين الرابع و الخامس الهجري)مؤسسة الإمام المهدي«عليه السّلام»قم المقدسة-1407 ه-.
106-مباهج المهج:الكيدري،مخطوط في مكتبة مسجد أعظم،قم المقدسة.
ص: 696
107-مثير الأحزان:ابن نما الحلّي:نجم الدين جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة اللّه(567-645 ه-)تحقيق و نشر مؤسسة الامام المهدي«عليه السّلام»قم المقدسة-1406 ه-.
108-مجمع الأمثال:أبو الفضل:أحمد بن محمد احمد بن ابراهيم النيسابوري الميداني(م 518 ه-)المكتبة التجارية الكبرى،مصر،الطبعة الثانية في جزأين-1379 ه-/1959 م.
109-مجمع البحرين:المحدّث الفقيه الشيخ فخر الدين الطريحي(م 1085 ه-)المكتبةالرضوية،طهران.
110-مروج الذهب:علي بن الحسين المسعودي(م 345 ه-)منشورات الجامعة اللبنانية،بيروت-1965 م.
111-المزار الكبير:ابن المشهدي،مخطوط في مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي،قم،ايران.
112-المستدرك:الحاكم النيسابوري:محمد بن عبد اللّه(م 405 ه-)دار المعرفة،بيروت.
113-مستدرك الوسائل:النوري الطبرسي:الحسين بن محمد تقي(1254-1320 ه-)مؤسسة آل البيت،قم-1407 ه-.
114-مسند:أحمد بن حنبل(م 241 ه-)دار الفكر،بيروت.
115-المصباح المنير:أحمد بن محمد بن علي المقري الفيّومي(م 770 ه-)تصحيح:محمد محي الدين عبد الحميد المدرس بالقسم الثانوي بالجامع الأزهر.
116-معاني الأخبار:الشيخ الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)تحقيق علي أكبر الغفّاري،دار المعرفة،بيروت-1399 ه-/1979 م.
117-معجم البلدان:أبو عبد اللّه:ياقوت بن عبد اللّه الحموي الرومي البغدادي(م 262 ه-)
ص: 697
دار صادر،بيروت-1404 ه-/1984 م.
118-معجم رجال الحديث:السيد أبو القاسم الخوئي(1317-1413 ه-)بيروت-1403 ه-.
119-المفردات في غريب القرآن:أبو القاسم:الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني(م 502 ه-)الطبعة الثانية،المكتبة المرتضوية-1362 ه-.ش.
120-مقاتل الطالبيين:أبو الفرج الاصفهاني(284-356 ه-)مؤسسة دار الكتاب،قم.
121-الملل و النحل:الشهرستاني:محمد بن عبد الكريم(479-548 ه-)دار المعرفة،بيروت-1402 ه-.
122-مناقب آل أبي طالب:ابن شهر آشوب المازندراني:رشيد الدين محمد بن علي السروي(488-588 ه-)المطبعة العلمية،قم.
123-المناقب:ابن المغازلي:علي بن محمد الشافعي الواسطي(م 483 ه-)المكتبةالإسلامية،طهران-1403 ه-.
124-المناقب:الخوارزمي:أحمد بن محمد(م 568 ه-)مؤسسة النشر الاسلامي،قم-1411 ه-.
125-من لا يحضره الفقيه:الشيخ الصدوق:محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي(م 381 ه-)دار الكتب الاسلامية،طهران-1390 ه-.
126-منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة:أبو الحسين:قطب الدين سعيد بن هبة اللّه الراوندي(م 573 ه-)منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي،قم المقدسة-1406 ه-.
ص: 698
127-نزهة الناظر و تنبيه الخاطر:الحسين بن محمد بن الحسن بن نصر الحلواني(من أعلام القرن الخامس الهجري)مؤسسة الامام المهدي«عليه السّلام»قم المقدسة-1408 ه-.
128-نفس الرحمن في فضائل سلمان:حسين نوري المازندراني،طبعة حجر،ايران.
129-النهاية في غريب الحديث و الأثر:ابن الأثير:مبارك بن محمد الجزري(544-606 ه-)مؤسسة اسماعيليان،قم،الطبعة الرابعة في خمسة أجزاء-1364 ه-.ش.
130-نهج البلاغة:مجموعة من كلام أمير المؤمنين«عليه السّلام»جمعه الشريف ابو الحسن محمد بن الحسن الرضي،تعليق الدكتور صبحي الصالح،بيروت،الطبعةالاولى-1387 ه-/1967 م.
131-نهج الحق و كشف الصدق:الحسن بن يوسف المطهّر الحلّي(648-746 ه-)مؤسسة دار الهجرة،قم،الطبعة الاولى-1407 ه-.
132-نهج السعادة:الشيخ محمد باقر المحمودي(المعاصر)مؤسسة الأعلمي،بيروت.
133-نور الثقلين:العروسي الحويزي:عبد علي بن جمعة(م 1112 ه-)مطبعة الحكمة،قم-1383 ه-.
134-وسائل الشيعة:الحر العاملي:محمد بن الحسن(1023-1104 ه-)دار احياء التراث العربي،بيروت-1403 ه-.
ص: 699
135-وقعة صفين:نصر بن مزاحم المنقري(م 212 ه-)دار إحياء الكتب العربية،القاهرة-1365 ه-.
136-اليقين في امرة أمير المؤمنين:السيد رضي الدين أبو القاسم:علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحلّي(589-664 ه-)المطبعة الحيدرية،النجف الأشرف-1369 ه-/1950 م.
137-ينابيع المودة:القندوزي:سليمان بن ابراهيم البلخي(م 1294 ه-)مطبعة اختر،اسلامبول-1301 ه-.
ص: 700
جواب الحسن بن علي(ع)لمسائل الخضر(ع)بحضرة أبيه 9
جواب الحسن(ع)عن مسائل جاءت من الرّوم و الشّام 13
احتجاج الحسن(ع)على جماعة من منكري فضله و فضل أبيه 17
كلام عمرو بن عثمان بن عفّان 20
كلام عمرو بن العاص و عتبة بن أبي سفيان 21
كلام الوليد بن عقبة و المغيرة بن شعبة 22
احتجاج الحسن(ع)عليهم و عدّه فضائل أمير المؤمنين(ع)23
ذكر الحسن(ع)مثالب معاوية و أبي سفيان 29
ردّ الحسن(ع)على عمرو بن عثمان بن عفّان 33
ردّ الحسن(ع)على عمرو بن العاص 35
ردّ الحسن(ع)على الوليد بن عقبة بن أبي معيط 37
ردّ الحسن(ع)على عتبة بن أبي سفيان 39
ردّ الحسن(ع)على المغيرة بن شعبة 40
مروان بن الحكم يحاول الانتقاص من الحسن(ع)و أبيه 43
ص: 701
ردّ الحسن(ع)على مروان بن الحكم 44
مفاخرة الحسن بن علي(ع)على معاوية و جماعة 1
كلام مروان بن الحكم و المغيرة بن شعبة 46
ردّ الحسن(ع)على مروان بن الحكم و إفحامه إيّاه 47
ردّ الحسن(ع)على المغيرة بن شعبة 48
خطبة الحسن(ع)بمحضر معاوية و عمرو بن العاص 51
ردّ الحسن(ع)على معاوية عند انتقاصه لأمير المؤمنين(ع)53
ثلب معاوية لأمير المؤمنين(ع)و ردّ الحسن(ع)عليه 54
احتجاج الحسن(ع)على معاوية فيمن يستحقّ الإمامة 56
احتجاج الحسن(ع)على من أنكر عليه مصالحة معاوية 66
معاوية يسمّ الحسن بن علي(ع)72
معاوية يدسّ السمّ إلى الحسن(ع)عن طريق زوجته 73
احتجاجات الإمام السّبط الشّهيد الحسين بن علي(ع)75
احتجاج الحسين(ع)على عمر بن الخطّاب في الإمامة و الخلافة 77
احتجاج الحسين(ع)بذكر مناقب عليّ(ع)حين أمر معاوية بلعنه 80
علل اشتهار الأحاديث الباطلة و متروكيّة الحقّة 83
احتجاجه(ع)على معاوية توبيخا له على قتل حجر و أصحابه 88
احتجاجه(ع)بإمامته على معاوية و غيره 94
ردّه(ع)على مروان بن الحكم 96
احتجاجه(ع)على أهل الكوفة بكربلاء 97
كلامه(ع)مع أهل الكوفة و مقتل عبد اللّه الرضيع(ع)101
احتجاج فاطمة الصغرى على أهل الكوفة 104
ص: 702
خطبة زينب بنت علي(ع)على أهل الكوفة بعد واقعة الطفّ 109
احتجاجات الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع)115
احتجاج زين العابدين(ع)على أهل الكوفة و توبيخه لهم 117
احتجاجه(ع)بالشّام على بعض أهلها 120
احتجاج زينب(ع)حين رأت يزيدا يضرب ثنايا الحسين(ع)122
احتجاج زين العابدين(ع)على يزيد بن معاوية 132
احتجاجه(ع)في أشياء شتّى من علوم الدّين 135
زين العابدين(ع)يعظ الحسن البصري 140
ذكره(ع)لكيفيّة ولادة البشر و تكاثرهم 142
احتجاجه(ع)على عبّاد البصري 144
قوله(ع)في النبيذ و ردّه على رجل 145
كلامه(ع)عن الكلام و السّكوت و أيّهما أفضل 146
احتجاجه(ع)على محمّد بن الحنفيّة في الإمامة 147
استسقاؤه(ع)لأهل مكّة 149
الأئمّة(ع)أمان لأهل الأرض 151
كلامه(ع)في اولي الأمر المفترضي الطّاعة 152
تفسيره(ع)لآية«و لكم في القصاص حياة»155
كلامه(ع)مع رجل قتل أبيه و يريد قصاصه 156
كلامه(ع)مع الزهري و وعظه إيّاه 157
وصفه(ع)للزّاهد و المتزهّد 160
احتجاجات الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر(ع)163
احتجاجه(ع)في شي ء ممّا يتعلّق بالاصول و الفروع 165
ص: 703
جوابه(ع)من سأله عن اللّه عزّ و جلّ 166
كلامه(ع)في صفة الخالق 167
تفسيره(ع)لمعنى(غضب اللّه)169
استدلاله(ع)على النهي عن القيل و القال 170
كلامه(ع)في كيفية نفخ الروح في آدم(ع)171
كلامه(ع)في معنى خلق اللّه لآدم(ع)على صورته 172
احتجاجه(ع)على هشام بن عبد الملك في مكّة 173
احتجاجه(ع)على نافع الأزرق 174
احتجاجه(ع)في انّ الحسنين(ع)ابنا رسول اللّه 175
احتجاجه(ع)على نافع مولى عمر بن الخطّاب 177
احتجاجه(ع)على طاوس اليماني 180
احتجاجه(ع)على عمرو بن عبيد 181
احتجاجه(ع)على الحسن البصري 182
احتجاجه(ع)على سالم في إمامة أمير المؤمنين(ع)185
أجوبته(ع)على مسائل طاوس اليماني 186
ذكر منقبة لأمير المؤمنين(ع)190
ذكر منقبة مختلقة لعمر 192
ردّ الباقر(ع)على قول الحسن البصري 193
احتجاجات الإمام جعفر بن محمّد الصّادق(ع)195
احتجاج الصّادق(ع)في أنواع شتّى من العلوم الدينيّة 197
احتجاجه(ع)على ابن أبي العوجاء 200
احتجاجه(ع)على أبي شاكر الديصاني 201
ص: 704
أسماء اللّه و اشتقاقها 203
احتجاجه(ع)على الزنديق المصري 204
احتجاجه(ع)على ابن أبي العوجاء 206
احتجاجه(ع)على ابن أبي العوجاء في حدوث العالم 209
احتجاجه(ع)في معرفة اللّه و صفاته 211
في أن الأرض لا تخلو من حجّة 214
كيفيّة خلق الأشياء من لا شي ء 215
ردّه(ع)على مقالة(ان الأشياء أزليّة)216
كلامه(ع)في حكمة اللّه 217
كلامه(ع)في حكمة سجود الملائكة لآدم(ع)218
كلامه(ع)في الكهانة و أخبار السّماء 219
كلامه(ع)في السّحر 220
كلامه(ع)في هاروت و ماروت 221
أصل تفاضل الخلق 222
كلامه(ع)في الأمراض و عللها 225
كلامه في حكمة الخالق و تدبيره 226
ردّه(ع)على مقالة أصحاب التناسخ 232
ردّه(ع)على مقالة الديصانيّة 234
ردّه(ع)على مقالة المانويّة 235
ذكره(ع)قصّة ماني و زردشت 236
ذكره(ع)قصّة المجوس 237
ذكره(ع)علّة تحريم بعض الأشياء 238
ص: 705
احتجاجه(ع)على مقولة تدبير النّجوم السبعة 240
احتجاجه(ع)على مقولة القدريّة 241
أجوبته(ع)على بعض الأسئلة 242
احتجاجه(ع)على سعد المولى اليماني المنجّم 250
احتجاجه(ع)على ابن أبي ليلى 253
احتجاجه(ع)على ابن جريح 255
تفسيره(ع)لآية«كلّما نضجت جلودهم...»256
تفسيره(ع)لقول إبراهيم(ع)«بل فعله كبيرهم هذا...»257
تفسيره(ع)قوله(ص):(اختلاف امّتي رحمة)258
قوله(ع):(مثل أصحابي فيكم كمثل النّجوم...)259
قوله(ع)في مسألة التحاكم إلى السّلطان 260
ردّ الأحاديث الواردة إلى كتاب اللّه 264
ترك ما وافق العامّة 265
احتجاجه(ع)على أبي حنيفة النّعمان 266
احتجاجه(ع)على عمرو بن عبيد 272
احتجاجه(ع)على الرجل الشّامي 277
احتجاج هشام بن الحكم على الشّامي 280
احتجاج هشام بن الحكم على عمرو بن عبيد 283
تفسيره(ع)لآية«اهدنا الصّراط المستقيم»286
كلامه(ع)في القياس و أثره المهلك 287
مناظرة بحضرة الصّادق(ع)بين شيعي و مخالف 288
الصّادق(ع)يطري تورية شيعي و محاججته 289
ص: 706
الصّادق(ع)يذكر تورية حزقيل 290
احتجاجه(ع)مع رجلين من الزيديّة 292
كلامه(ع)في علم الأئمّة(ع)294
كلامه(ع)في الجفر الأحمر و مصحف فاطمة و الجامعة 295
وصيّة الباقر للصّادق(ع)و كلام زيد بن علي(ع)296
ذكر صحيفة فاطمة(ع)و ما فيها 297
احتجاجه(ع)على زيد بن علي(ع)299
ردّ الصّادق(ع)على مقالة الحسن المثنى 300
تفسيره(ع)آية«ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا...»301
قوله(ع)في المفاضلة بين أمير المؤمنين(ع)و اولي العزم 302
كلامه(ع)في وجه الحكمة في غيبة المهدي(ع)303
احتجاج مؤمن الطّاق على زيد بن علي بن الحسين(ع)304
احتجاجه(ع)على جماعة من الزنادقة 306
احتجاج مؤمن الطّاق على ابن أبي حذرة 308
احتجاج مؤمن الطّاق على أبي حنيفة 314
احتجاج فضال بن الحسن بن فضال على أبي حنيفة 315
احتجاج رجل على أبي الهذيل العلاّف 317
فضل علماء الشّيعة 322
احتجاجات الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع)323
احتجاج الإمام الكاظم(ع)في أشياء شتّى على المخالفين 325
كلام الكاظم(ع)في صفة الخالق عزّ و جلّ 326
ردّه(ع)على قول من قال:(انّ اللّه ينزل إلى السّماء الدنيا)327
ص: 707
تفسيره(ع)آية«ثمّ دنا فتدلّى*فكان قاب قوسين...»328
كلام الكاظم(ع)في أمر اللّه و نهيه 329
كلام الكاظم(ع)في خلق الخلق و ابتلائهم 330
احتجاجه(ع)على أبي حنيفة 331
كلامه(ع)في قصّة أصحاب الأحقاف 333
أجوبة الإمام موسى بن جعفر(ع)لأسئلة الرشيد 335
المأمون يتعلّم التشيّع من الرشيد 341
احتجاج الكاظم(ع)على الرشيد في أنّه ابن رسول اللّه 343
أبيات من قصيدة مروان بن أبي حفصة 344
احتجاج الكاظم(ع)على محمّد بن الحسن في مسألة المحرم 345
احتجاجه(ع)على أبي يوسف 346
كلامه(ع)في التورية و التقيّة 347
فضل فقيه الشّيعة 349
احتجاجات الإمام الرّضا(ع)351
احتجاج الإمام الرّضا(ع)في التّوحيد و العدل و غيرهما 353
كلامه(ع)في معنى علم اللّه و صفاته 357
خطبته(ع)في التّوحيد في مجلس المأمون 359
احتجاجه(ع)على المروزي متكلّم خراسان في مجلس المأمون 365
احتجاجه(ع)على أبي قرّة المحدّث 373
أجوبته(ع)على أسئلة أبي الصّلت الهروي 380
كلامه(ع)في القياس 383
كلامه(ع)في المحكم و المتشابه و في التشبيه 384
ص: 708
كلامه(ع)في صفات اللّه عزّ و جل 385
كلامه(ع)في قول:(إنّ اللّه خلق آدم على صورته)386
كلامه(ع)في قول:(إنّ اللّه ينزل إلى السّماء الدنيا)386
كلامه(ع)في معرفة اللّه بنفسه 387
تفسيره(ع)آية«يوم يكشف عن ساق»388
تفسيره(ع)لعدّة آيات قرآنية 389
تفسيره(ع)لمعنى«سخر اللّه منهم»و«و مكروا و مكر اللّه»390
تفسيره(ع)لآية«نسوا اللّه فنسيهم»391
تفسيره(ع)لمعنى الهداية و شرح الصّدر 392
جوابه(ع)لأسئلة المأمون عن خلق السّماوات و الأرض و غيرها 393
أجوبته(ع)لأسئلة عبد العظيم الحسني في نفي الجبر و التّفويض 396
كلامه(ع)في نفي الجبر و التّفويض 398
كلامه(ع)في التّشبيه و الجبر 400
احتجاجه(ع)على أهل الكتاب و المجوس و الصابئة 401
احتجاجه(ع)على أهل الكتاب(النّصارى)403
احتجاجه(ع)على أهل الكتاب(اليهود)408
احتجاجه(ع)على النّصارى 411
احتجاجه(ع)على اليهود 414
احتجاجه(ع)على اتباع زردشت 418
احتجاجه(ع)على عمران الصابي 419
أجوبته(ع)على مسائل المأمون 423
احتجاجه(ع)فيما يتعلّق بالإمامة و صفات من خصّة اللّه بها 437
ص: 709
كلام له(ع)في صفات الإمام 448
الأبدال هم الأوصياء(ع)450
كلامه(ع)في ذمّ الغلاة و المفوّضة 451
احتجاجه(ع)على يحيى بن الضحّاك بمحضر المأمون 456
فضل العالم الذي يغيث محبّي الأئمّة(ع)457
كلامه(ع)في مدح التورية 458
كلامه(ع)في معنى(شيعة أمير المؤمنين«ع»)459
احتجاجات الإمام أبي جعفر محمّد بن علي الجواد(ع)463
احتجاج الجواد(ع)في أنواع شتّى من العلوم الدينيّة 465
أجوبته(ع)على مسائل يحيى بن أكثم في مجلس المأمون 469
كلامه(ع)مع عبد العظيم الحسني في أوصاف القائم(عج)481
احتجاجات الإمام علي بن محمّد الهادي(ع)483
احتجاج الهادي(ع)في شي ء من التّوحيد و غير ذلك من العلوم 485
رسالته(ع)إلى أهل الأهواز في نفي الجبر و التّفويض 487
إجابته(ع)سؤال المتوكّل عن حدّ(المال الكثير)497
إفتاء الإمام(ع)في النّصراني الذي فجر بمسلمة 498
تفسيره(ع)لآية«سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه»499
تعظيمه(ع)فقيها احتجّ على ناصب فأفحمه 500
دور العلماء في إنقاذ الضعفاء 502
احتجاجات الإمام الحسن بن علي العسكري(ع)503
احتجاجه(ع)في أنواع شتّى من علوم الدّين 505
كلامه(ع)في هاروت و ماروت و الملائكة 514
ص: 710
كلامه(ع)و ترغيبه في التقيّة 516
كلامه(ع)في حقوق الاخوان 518
احتجاجات الإمام المنتظر المهدي(ع)521
أجوبته(ع)لأسئلة سعد بن عبد اللّه القمّي 523
في ذكر توقيع له(ع)عند اختلاف الشّيعة في أمر(الخلف)535
كتابه(ع)جوابا على كتاب أحمد بن إسحاق حول إدّعاء جعفر 538
في ذكر توقيع له(ع)جوابا على أسئلة إسحاق بن يعقوب 542
في ذكر توقيع له(ع)حول تفويض الأئمّة(ع)545
ما خرج منه(ع)ردّا على الغلاة 550
في ذمّ الذين ادّعوا البابيّة و السّفارة كذبا 552
في ذكر توقيع له(ع)في لعن من ادّعى البابيّة 553
في ذكر الأبواب و السفراء الممدوحين في زمن الغيبة 554
في ذكر توقيع له(ع)يؤذن بالغيبة الكبرى 555
في ذكر طرف ممّا خرج عنه(ع)من المسائل الفقهيّة و غيرها 557
في ذكر توقيع ورد لأبي الحسين الأسدي إبتداء 560
في ذكر توقيع في تعزية الشيخ محمّد بن عثمان العمري بأبيه 562
في ذكر أجوبته(ع)لمسائل محمّد بن عبد اللّه الحميري الفقهيّة 563
في ذكر كتاب آخر للحميري إليه(ع)و أجوبته(ع)عليه 568
في ذكر كتاب آخر للحميري إلى الحجّة(ع)سنة 307 ه- 573
في ذكر كتاب آخر للحميري إليه(ع)سنة 308 ه- 579
توقيع من الناحية المقدّسة فيه آداب التوجّه بهم(ع)إلى اللّه 591
ذكر توقيع منه(ع)إلى الشيخ المفيد سنة 410 ه- 596
ص: 711
ذكر توقيع آخر منه(ع)إلى الشيخ المفيد سنة 412 ه- 600
احتجاجات اخرى 605
احتجاج الشيخ المفيد أبي عبد اللّه محمّد بن النّعمان 607
احتجاج السيّد المرتضى على أبي العلاء المعرّي 612
احتجاج السيّد المرتضى في تعظيم و تقديم الأئمّة(ع)617
فهرس الأعلام 627
فهرس الآيات القرآنية 653
فهرس الأشعار 675
فهرس الفرق و الطوائف و الأديان 677
فهرس البلدان و الأمكنة و البقاع 681
فهرس مصادر التحقيق 685
فهرس الموضوعات 701