آداب الزیارة

هویة الکتاب

آداب الزیارة

السید ماجد

آل السید علي خان المدني

الطبعة الثانية

امانة مسجد السهلة المعظم

موسسة مسجد السهلة المعظم

ص: 1

اشارة

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلاة وسلاما على اشرف الخلق سيدنا ابي القاسم محمد واله الطاهرين، الذين اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وبعد..

اقتضت مشيئة الله تعالى في خلقه ارسال الانبياء الى الناس، مبلغين ومرشدين، يدلونهم على مواطن الخير والصلاح، ليصلوا اسمى مراتب الكمال باستعمالهم الامثل للطاقة الخلاقة المبدعة، التي اودعها سبحانه فيهم، الا وهي العقول.

ولقد ورد عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) انه قال :"ولما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له اقبل فاقبل، ثم قال له ادبر فادبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو احب الي منك، ولا اكملتك الا فيمن احب، واما اني اياك امر واياك انهى واياك اعاقب واياك اثيب"(1).

ولم يكن العقل وحده هو المدار والمناط، بل عضد بفطرة نقية خالصة لم تدنسها قذارات المادة ونزعات الهوى.

يقول سبحانه: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)(2)

ان عبارة (فطرة تفسر لفظة الدين الواردة قبلها، والتي تدل بجلاء على ان الدين الذي هو الاعتقاد الجازم بخالق الكون، وان مصير كل شيء عائد اليه سبحانه وتحت قدرته وسلطانه، وهذا الاعتقاد نشا وخلق وجبل الانسان عليه، كما خلق وفطر على كثير من الميول والغرائز.

لقد حث الله سبحانه الانسان على تنمية ادراكاته الفطرية باتجاه ايجابي يسع الفرد والمجمتع، وهذه الادراكات اما ان تكون وليدة عوامل خارجة عن وجود الانسان، بحيث لولاها لما تبينها قط، مثل ما عرفه من قوانين كيماوية

ص: 2


1- الاصول من الكافي، ثقة يالاسلام ابي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي، الجزء الاول، مؤسسة دار الكتب الاسلامية طهران ص10
2- سورة الروم: 3

وفيزياوية وهندسية، او هي ادراكات نابعة من داخل الانسان وفطرته من دون تدخل عامل خارجي، فمعرفة الانسان نفسه وشعوره باللذة والالم والجوع والعطش وما عنده من ميل نحو مختلف الرغبات تنبع من ذاته واعماق وجوده، مما حدى ذلك بعلماء النفس الى ادعائهم بان التوجه الى المبدا الاعلى تبارك اسمه داخل تحت هذا النوع من العرفان.

والى هذا المعنى يشير تعالى فيقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)(1)، (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)(2)

ان معرفة النفس امر ركز عليه الوحي، وان الدين بصورته الكلية امر فطري ينمو مع نمو الانسان، ويرتقي بارتقائه، خاضعا للتربية مفتقرا الى التضحية، كما يخضع لسائر الميول والغرائز.

ولقد كان الاسلام سباقا في الحث على وجوب طلب المعرفة للوصول الى الواقع، فمعرفة الكون والطبيعة مما يؤكد القران الكريم على تحصيلها. يقول عز من قائل: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(3)

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)(4)

ويبقى جانب اخر مهم نظر اليه القران المجيد، ووقف عنده طويلا، وهو معرفة التاريخ بصفته مثارا للعبرة والعظة، يقول عز وجل: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(5) ويؤكد الاسلام العزيز على امور عديدة تقود بوساطتها الانسان الى الكمال في جميع مجالات حياته، والتي يعبر عنها بالدين، منها تقويم الافكار والعقائد وتهذيبها، وازالة ما علق بها من اوهام وخرافات، والتركيز على البعد الاخلاقي، وتنمية العلاقات الاجتماعية، والغاء الفوارق الطبقية والعنصرية.

ص: 3


1- سورة البلد: 4
2- سورة البلد: 8-10
3- سورة يونس: 101
4- سورة ال عمران: 190
5- سورة الاعراف: 176

ففي البعد الفكري العقيدي لا يمكن لمن جبل على التفكير من ان يعيش بلا عقيدة، حتى الملحدين المنكرين لكل الشرايع وما جاءت به هم في واقعهم لو تركوا لطبعهم القياد ما تمكنوا من العيش من دون عقيدة في تفسير الكون والحياة، ولا شك في ان الشرائع السماوية جاءت مفسرة لواقع الكون وجميع الانظمة المادية على انها من ابداع موجود خالق للمادة مصور ومحدد لها بقوانين وحدود، قد اخضعها لنظام دقيق لا يرقى لصناعته صانع، فالصانع عير المصنوع والخالق غير المخلوق.

وقد اكد الدين على ان البشرية لم تنشا عبثا ولهوا، ولم يخلق الانسان سدى، بل كانت الغاية العليا ومناط دعوات وتعاليم الانبياء والمصلحين الهداة المبعوثين مبشرين ومنذرين من قبل رب السموات والارض العزيز الحكيم.

فكانت العقيدة بما انزل الله تعالى من شرائع تساند الاصول الاجتماعية، فهي تترك الوعي والشعور والفعال في روح الانسان لتصبح مفردات الحياة تكاليف ملزمة يسير وفقها ليصل الى اعلى المراتب من خلال هذه المرحلة الدنيوية، والتي تعد في واقعها وحقيقتها مقدمة لوجود حياة اخرى ابدية لا تفنى فمن كانت مقدماته تؤهله للوصول الى الله تعالى فهو في فوز دائم ونعيم مقيم و (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)(1).

ان من المسلّمات عند المسلمين جميعا ان مصطلح الموت يتوجه الى ناحية واحدة من اثنتين، الا وهي المادة لا الى الجانب الثاني، وهو الروح وما وراءه، فانتقال الانسان الى مرحلة وسطى وحياة ما بين حياتي الدنيا والاخرة لا تعني بحال انقطاعه عما عمله في الاولى، بل يبقى معه يسايره، فيكون رفيق دربه يوصله الى شاطيء الامان تارة، اوالى منطقة الخطر تارة اخرى.

ان القران الكريم عبر عن ذلك بابلغ تعبير، اذ يصف حال الكافرين، بقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)(2).

ص: 4


1- سورة الصافات: 61
2- سورة النور: 39

فتكون نتيجة اعمالهم حسرة عليهم، يقول سبحانه: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا)(1).

ويقابل ذلك ما اعده تعالى للمؤمنين: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(2).

ويقول سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(3).

ويسترسل القران الكريم في بيان حال المتقين: (وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)(4).

مما تقدم تتضح حالة الامتداد اللابدي بين حياتين احداهما قصير اجلها واخرى لا يتطرق اليها تصرم وفناء.

ولنا في حديث رسول الله (صلى الله عليه واله) خير مصداق، فيقول (ًصلى الله عليه واله) : "اذا مات ابن ادم انقطع عمله الا من ثلاث، صدقة جارية، او علم ينتفع به، او ولد صالح يدعو له"(5)

ص: 5


1- سورة الاحزاب: 66-68
2- سورة الذاريات: 15-19
3- سورة الغاشية: 8-15
4- سورة الطور: 21-28
5- الشهيد الثاني، منية المريد، منشورات مكتبة امير المؤمنين في النجف ص25

ان هذا لدليل على وصول ثواب تلكم الاعمال الى الاموات، ولو كانوا امواتا حقيقين ما انتفعوا بها، لان الميت الذي انعدمت فيه الحياة انما هو عدم محض، لا ينتفع من شيء ولا ينفع في شيء.

ولذا وردت نصوص كثيرة عن الكتاب الكريم والسنة المطهرة تحث الناس على استذكار امواتهم، والترحم عليهم، وقراءة القران العزيز علم وزيارتهم، وانهم ينتظرون اهليهم، ويعرفون من يزورهم ويجدد العهد بهم.

وسناتي الى بيان ذلك مفصلا بمشيئته تعالى، ضمن طيات هذا الكتاب الذي يبحث في الاداب العامة لزيارة الاضرحة المقدسة، التي تضم الاجساد الطاهرة للانبياء والائمة(عليهم السلام) وقبور الاولياء والصالحين، بعد البرهنة على ان الموت بمعناه المتعارف منفي عقلا ونقلا.

وقد قسم الكتاب الى عدة فصول بعد المقدمة وهي:-

الفصل الاول: يبحث في الموت والحياة من وجهة نظر الاسلام.

الفصل الثاني: يستعرض فيه زيارة القبور وما يتعلق بها.

الفصل الثالث: في بيان فقه الزيارة على المذاهب الخمسة.

الفصل الرابع: في اداب الزيارة.

الفصل الخامس: في فضل زيارة ائمة المسلمين.

ص: 6

الفصل الاول : الموت والحياة في المنظور الاسلامي

تعود الانسان وفي نطاق تعامله مع المحسوسات النظر الى الحياة من حوله على انها الحركة، فاذا ما وصلت الى نهايتها وتوقفت وحل قبالتها السكون فانه الموت الذي حول تلك الاعضاء المتحركة الى جثة هامدة يقول علي(عليه السلام) : "بالامس انا صاحبكم، واليوم انا عبرة لكم، وغدا انا مفارقكم، وانما كنت جارا لكم، جاوركم بدني اياما،وستعقبون مني جثة خلاء، ساكنة بعد حركة، كاظمة بعد نطق، ليعضكم خفوت اطرافي، وسكون اطرافي، فانه اوعظ اليكم من الواعظ البليغ"(1).

ان كل فعالية وحركة لا تعدو كونها اثرا من اثار الروح، فاليد مجردة ليست فيها اي حركة انما الحركة الفعلية للروح تلك الطاقة اللامتناهية التي لم يتوصل الانسان بكل ما اوتي من علم وتقنية الى معرفتها (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)(2).

وقد ورد عن النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) انه قال: "الارواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف"(3).

وهذا مما يدل على ان (ارواح المؤمنين اذا خرجت من ابدانهم فيصعد بها الى السماء، ثم يؤتى بهم ويسكنون في روضات الجنات وياتلفون فيما بينهم، كما لهم ائتلاف في عالم الذر، ويزور بعضهم بعضا، ويجلسون فيما بينهم ويتحدثون).

قال يونس بن ظبيان: "دخلت على ابي عبد الله الصادق(عليه السلام) فقال: ما يقول في ارواح المؤمنين؟ قلت: يقولون: في حوصلة طيور خضر في قناديل تحت العرش. فقال ابو عبد الله (عليه السلام) سبحان الله، المؤمن اكرم على الله من ان يجعل في حوصلة طائر اخضر، يا يونس المؤمن اذا

ص: 7


1- نهج البلاغة
2- سورة الاسراء: 85
3- الشيخ محمد مهدي الحائري، شجرة طوبى، طبعة بيروت ص357

قبضه الله تعالى صير روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون، فاذا قدم عليهم القادم عرفوا تلك الصورة التي كانت في الدنيا"(1).

ولما كانت الروح هي مدار الوجود وقوام الحياة وشرط استمراريتها، اصبحت بذلك مؤهلة للوصول ما بين عالم الدنيا وعالم الاخرة، لاستحالة فناءها وانعدامها، لكن الفرق يبقى جليا بين العالمين، اذ ان الحياة المتكاملة عنده تبارك وتعالى ليست الدنيا، لفاقديتها اغلب صفات الكمال ان لم نقل كلها لما فيها من المنغصات الكثيرة من مرض وفقر وقهر وظلم وذل، على نقيض الحياة الاخرى الدائمة التي لا تزول (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ)(2)

(ان الحياة الاولى مؤقتة والثانية ابدية دائمية، وان التبدل في الصورة، فالاعمال في الدنيا خيرا كانت او شرا عرض قائم بالغير، وفي الاخرة جوهر قائم بالذات، فالعامل والعمل فيهما واحد، والاختلاف انما هو في صورة العمل، وان الحياة الاخرى اكمل من الاولى للانسان، وان عمل صالحا في الدنيا وادون ان كان شرا)(3).

ان للعمل انماطا اربعة متصورة من عمل الانسان، وهي عمله في الدنيا لنفسه، واتيانه جميع ما امر الله تعالى به من واجبات، وتركه ما نهى عنه من المحرمات، وتطوعه بعمل ما ندب اليه الشارع الاقدس من المستحبات كل ذلك يؤثر في نفس الانسان في الاخرة، فيجد ما عمل من خيرا محضرا وما عمل من شر محضرا.

يقول رسول الله(صلى الله عليه واله) "كان الاسكندر يقول: يا عباد الله انما الهكم الله الذي في السماء عند الكرب، والله لا يبلغني ان الله احب شيئا الا احببته واستعملته الى يوم اجلي، ولا ابغض شيئا الا ابغضته وهجرته الى يوم اجلي، ولا ابغض شيئا الا ابغضته وهجرته الى يوم اجلي، وقد انبئت ان الله يحب العدل في عباده، ويبغض الجور من بعضهم البعض، فويل للظالم من

ص: 8


1- ن.م ص358
2- سورة العنكبوت: 64.
3- السيد السبزواري، مواهب الرحمن، ج1، مطبعة الاداب 1404، ص168- 169

سيفي وسوطي، ومن ظهر منه العدل من عمالي فليتكيء في مجلسي كيف يشاء، فلن تخطئه امنيته ، والله المجازي كلا بعمله"(1).

والنمط الثاني عمله في الاخرة، وهذا ممكن، لانها دار حساب وجزاء، لا دار عمل، يقول امير المؤمنين(عليه السلام): "قد ظلت الحيل، وانقطع الامل، وهوت الافئدة كاظمة، وخشعت الاصوات مهيمنة، والجم العرق، وعظم الشفق، وارعدت الاسماع لزبرة الداعي الى فصل الخطاب، ومقابضة الجزاء، ونكال العقاب، ونوال الثواب".

والثالث تاثير عمل من في الدنيا لمن في الاخرة، وهذا كثير ، فقد دلت الروايات على انتفاع الاموات بما يعدي اليهم من الخيرات والصدقات، ولا سيما الارحام وقد ورد انه ربما يكون في ضيق فيوسع الله عليه بذلك الخير الذي يوصل اليه من اهل الدنيا.

وقد ذكر احد الاخوان انه راى في منامه بانه يضع في جيب والده ما شاء من الدراهم، وحينما سال احد العارفين من العلماء اجابه بان هذا من كثرة من يصله من البر عن طريقك، ومع اننا لا نلزم انفسنا بما يرى في المنامات الا اننا سقنا هذا المثال لغرض الاعتبار.

وقد يكون الانسان عاقا لوالديه مع كونه بارا بهما لنسيانه لهما بالصدقة او قراءة القران او زيارة قبريهما، او يكون مثار لعنة لهما بسوء عمله في الدنيا.

والنمط الرابع هو تاثير دعاء الميت لمن في دار الدنيا، وهذا ممكن الوقوع، وقد ورد في الاثر ان الولد ربما يكون بارا لوالديه ويصير عاقا بعد موتهما.

ويتحصل مما اسلفنا "ان ارتباط العوالم بعضها مع بعض ثابت عقلا ونقلا، وان كانت خصوصيات هذا الارتباط غير معلومة الا لعلام الغيوب، وقد يفيض الله تعالى لمعة من اشراقاته الى بعض اوليائه، فيتعلم اسرار التكوين بقدر ما يقاض عليه من المبدا الفياض"(2).

ومع انهيار وتداعي المادة تبقى الروح هي الاصرة الرابطة بين تلك العوالم، حيث ان "اكثر النظريات الفيزيائية حداثة تقدم تاكيدا اشد على تهافت

ص: 9


1- الامام محمود بن عمر الزمخشري، ربيع الابرار ونصوص الاخبار، تحقيق د. سليم النعيمي، ج3 ط بغداد
2- السيد السبزواري، المواهب، ج1 ص263

المادية، وتشير بلسان العلم المختبري والمعادلات الرياضية المركبة الى التواجد الروحي في قلب الكون وفي صميم الذرة"(1).

فسبحان الله الحي القيوم على ما انعم واعطى.

يقول د. عماد الدين خليل: "اننا لنقف هنا خاشعين امام واحد من جوانب الاعجاز القراني، تلك المجموعة من الايات الكريمة التي تحدثنا عن تسبيح الكون والذرات للخالق العظيم"

(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(2)، (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)(3) ، (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ)(4)

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)(5) (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ)(6)، (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ)(7)

ان التسبيح هاهنا (لا يقتصر على كون الذرات والاجسام الفضائية تخضع للنواميس التي وضعها الله فيها، فهي بهذا تسبح بحمد الله سبحانه فهنالك ما هو ابعد من هذا واقرب الى مفهوم التسبيح الحر او التقديس الواعي، ان هذه المواجيد المادية تملك ارواحا وهي تمارس تسبيحها وتقديسها بالروح ، وربما بالوعي الذي لا نستطيع استعياب ماهيته)(8).

فما من شيء الا ويسبح له (عز وجل) وكل بحسبه ، هذا التسبيح الروحي المرتبط بوحي من الخلق والابداع، الخلق الذي يبقى الانسان مادته الاساسية وغايته العليا.

ص: 10


1- العلم في مواجهة المادية، قراءة في كتاب حدود العلم لسوليفان، ط1 العراق نينوى، 1405ه-.
2- سورة الحديد: 1
3- سورة الاسراء: 44
4- سورة الرعد: 13
5- سورة النور: 41
6- سورة الانبياء: 79
7- سورة ص: 18
8- د. عماد الدين خليل، العلم في مواجهة المادية، ص66- 68

يقول سيدنا امير المؤمنين (عليه السلام) وهو يصف خلق ادم: "ثم جمع سبحانه من حزن الارض وسهلها ، وعذبها وسبخها، تربة سنها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات احناء ووصول، واعضاء وفصول، اجمدها حتى استمسكت، واصلدها حتى صلصلت، لوقت معدود، وامد معلوم، ثم نفخ فيها من روحه، فمثلت انسانا ذا اذهان يجليها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وادوات يقلبها، ومعرفة الفرق بها بين الحق والباطل، والاذواق والمشام، والالوان والاجناس، معجونا بطينة الالوان المختلفة، والاشباه المؤتلفة، والاضداد المتعادية، والاخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته اليهم، في الاذعان بالسجود له، والخشوع لتكرمته، فقال سبحانه: (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) اعترته الحمية، وغلبت عليه الشقوة"(1)

ولما كان الانسان هو الغاية المثلى فقد كرمه الله تعالى حينما امر ملائكته المقربين بالسجود له، والذي تمثل مصداقا بادم (عليه السلام)، وزاد في الاكرام والانعام، اذ جعله خليفة له في الارض، قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(2).

ان امره تعالى بالسجود للانسان هو نهاية نهايات التكريم والتفضيل، يقول عز وجل (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا)(3).

والسجود لغة هو التذلل والخضوع، وفي المصطلح الشرعي وضع الجبهة على الارض خضوعا لله الواحد الاحد، والجامع بينهما هو التذلل. والسجود تارة اختياري تعبدي على الوجه المعهود لدى المسلمين الذي يوجب الثواب على الموافقة والعقاب على المخالفة (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)(4).

ص: 11


1- نهج البلاغة ص. الحزن: الغليظ الخشن. السبخ: ما ملح من الارض. سن الماء: صبه. خلصت: صارت طينة خالصة. لاطها: عجنها. لزب: تداخل بعضه في بعض. الاحناء: جمع حنو، كل ما فيه اعوجاج من البدن، كالاضلاع، جبل: خلق، اصلدها: جلعها صلبة ملساء متينة، صلصلت: يبست فاذا هبت عليها الريح سمع لها صلصلة، وهو الصلصال: استأدى الملائكة: طلب منهم اداء الوديعة، الشقوة: ما حتم عليه من الشفاء.
2- سورة البقرة: 30
3- سورة البقرة: 34
4- سورة النجم: 62

واخرى تسخيري تكويني، كسجود المخلوقات، كما في قوله سبحانه: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا)(1).

ان السجود لادم (عليه السلام) وماهيته يتصور على وجوه:

اولا: ان يكون السجود شكرا لله تعالى لهذه النعمة العظمى، بعد ان عرفوا منزلة ادم (عليه السلام)، فينطبق عليه التهنئة لادم (عليه السلام) قهرا.

ثانيا: ان يكون السجود شكرا لله تعالى مع قصد التهنئة تبعا لشكره تعالى.

ثالثا: السجود لله محضا، وجعل ادم (عليه السلام) قبلة، كما نسجد شكرا لله تعالى الى القبلة، وهي مكة المكرمة قبلة المسلمين جميعا.

رابعا: السجود الحقيقي لادم (عليه السلام) في مقابل السجود لله تعالى.

خامسا: السجود لله تعالى فقط، وجعل ذلك من الضميمة الخارجية الراجحة، كالصلاة في المسجد مثلا هذا في مقام الثبوت(2)

واما في مقام الاثبات(3) فقد دل الدليل العقلي والنقلي على ان السجود غاية التذلل والخشوع، ولا يكون الا لمن هو في غاية العظمة والجلال. وبناء على هذا يتعين الوجه الخامس والاخير)(4)

ومن كل ما تقدم نلاحظ عظيم النعمة في الايجاد، وبديع الصنعة في الخلق، والغاية القصوى في الاكرام، افبعد كل هذا يكون مال الانسان الى التلاشي والزوال؟! فما الحكمة من الخلق اذا؟! وقد تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)(5).

ان الله تعالى خلق الارض وجعلها صالحة للانتفاع بها، ومن بعد خلق الناس وامرهم باعمارها واقامة الحضارة عليها، وانزل اليهم كتبه، وبعث الانبياء (عليهم السلام) مبشرين ومنذرين، ينقذونهم من ظلمات الجهل والتخلف الى انوار العلم والمعرفة في كافة مجالات حياتهم، وانزل الله

ص: 12


1- سورة الرعد: 15
2- التصورات الذهنية، المفاهيم
3- التصديق
4- السبزواري: المواهب ج1 ص197
5- سورة الدخان: 38

(سبحانه) شرائع تنظم العلاقات بين البشر انفسهم، وبينهم وبين سائر المخلوقات، وحدد ورسم معالم السير وفقها.

وما العبادات الا نقطة البدائة في تنظيم علاقة الانسان بالله الخالق العظيم، حتى يتمكن من ان ينسق بالتالي علاقته مع افراد جنسه ومجتمعه، ليسود الامن والرخاء والتطور، ومن يحد عن ذلك الطريق فهو الخاسر حتما، لانه جانب الحق وتبع الباطل.

(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(1) ولما كان الخلق الالهي والابداع الربوبي حقا وصدقا وعدلا، فلابد اذن ان تستمر مسير الانسان قدما لا تقف عند حد، فهي غير منحصرة باطار هذه الفترة الدنيوية القصيرة، بل تتعداها الى حياة خالدة دائمة، يجازى فيها الانسان على ما قدم في الدنيا لنفسه ولاهله ومجتمعه ، وبعكس هذا تنتفي كثير من المفاهيم والقيم التي جاءت بها شرائع السماء، وبلغ بها الانبياء واوصيائهم (عليهم السلام).

فالاستمرارية شرط يفرضه العقل السليم المعزز بالفطرة النقية، ويختلف الناس فيما بينهم بما يقدمون، وكل حسب درجته، فالانبياء (عليهم السلام) مقدمون على من سواهم المصطفون من دون سائر الخلق لتبليغ رسالات ربهم ، وليرشدوا الناس الى الطريق القويم المؤدي الى معرفته سبحانه ، فهم منارات الحق وعلامات الهدى، مدلين على الخير مستلهمين افاضات السماء ونفحات الايمان، اذ يمثلونها سلوكا نظرية وتطبيقا.

وقد منحهم الله (تعالى) ، نورا يمشون به بين الناس نتيجة ذلك الاستعداد الذاتي الذي تجسد في كل ذرة من كيانهم المقدس ، لتقبل الفيض الالهي اللامتناهي فراحوا ينظرون بثاقب البصيرة ابواب السموات والارض، وقد فتحت فلا حجب من بعد ولا استار ، فعبدوا الله العظيم حق العبادة بعقولهم وجوارحهم، فاستحقوا بذلك الدرجة العالية والمقام الرفيع، وتبعهم على نفس الطريق خلفائهم الذين اجتباهم الله تعالى وجعل منهم امتدادا لرسله وانبيائه ،

ص: 13


1- سورة ال عمران: 191

مفضلا اياهم على سائر الناس، ومن بعدهم ياتي العلماء الذين هم ورثة الانبياء، وهكذا الامثل فالامثل.

ان الرسالة لا تفنى بموت الرسول، والعلم لا يفنى بموت العالم، فقبسات الرسالة وانوار العلم تبقى على مر الاجيال تسير الناس نحو الخلود اللانهائي.

فعندما يقف الانسان امام بقعة بوركت بان حوت جسدا طاهرا لنبي او امام هدى او عالم عامل، فهو انما يقف على مهبط لملائكة الرحمن، وماوى لارواح المؤمنين ، مستذكرا مفردات الفضيلة ومعاني الشموخ ونقاء المبدأ والعقيدة ، والتي جاء بها اولئك المصلحون عبر رسالتهم وترتسم امام عينيه صور التضحية والفداء، وقد جسدها اولئك الافذاذ. موقفا جهاديا رائدا من اجل اعلاء (كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة) فكان الحد الادنى لديهم ان قدموا ارواحهم الطاهرة قرابين على مذبح العقيدة والعبودية لله وحده فاضحوا عنده سبحانه شهودا شهداء.

يقول تعالى : (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ)(1) (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)(2).

"سئل رسول الله (صلى الله عليه واله) عن الرجل يقاتل حمية ويقاتل رياء، اي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فذلك سبيل الله"(3).

ولقد كانت تربية النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) لاصحابه على درجة تعجز عن تصورها العقول، فهذا شهيد المحراب علي (عليه السلام) يقول في معرض بيان شرف الشهادة والشهيد، ما نصه : "ان اكرم الموت القتل ،

ص: 14


1- سورة البقرة: 154
2- سورة ال عمران: 169-171
3- الزمخشري، ربيع الابرار، ج3 ص340

والذي نفس ابن ابي طالب بيده لالف ضربة بالسيف اهون من ميتة على فراش"(1)

وروي ان جبرائيل هبط على رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال: "يا محمد ان اصحابك الذين بمؤتة قد قتلوا جميعا وصاروا الى الجنة، وان الله قد جعل لجعفر جناحين ابيضين قادمتاهما مضرجتان بالدماء، مكللتان باللؤلؤ والجوهر يطير بهما مع الملائكة في الجنة"(2)

وكان (عليه السلام) يردد: "ولقد كنا مع رسول الله نقتل ابائنا وابنائنا واخواننا واعمامنا ما يزيدنا ذلك الا ايمانا وتسليما ، ومضيا على اللقم، وصبرا على مضض الالم، وجدا في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا والاخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان انفسهما ، ايهما يسقي صاحبه كاس المنون، فمرة لنا من عدونا ، ومرة لعدونا منا، فلما راى الله صدقنا انزل بعدونا الكبت ، وانزل علينا النصر ، حتى استقر الاسلام ملقيا جرانه، ومتبوء اوطانه، ولعمري لو كان ناتي ما اتيتم ما قام للدين عمود، ولا اخضر للايمان هود، وايم الله لتحتلبنها دماء ولتتبعنها ندما"(3)

وروي ان عبد الله بن رواحة حين خرج الى مؤتة قيل له نسال الله ان يردك سالما ، فقال:

لكنني اسال الرحمن مغفرة

وضربة ذات فرغ تنضح الزبدا

او طعنة بيدي حران مجهزة

بحربة تنفذ الاحشاء والكبدا

حتى يقولوا اذا مروا على جدثي

يا أرشد الله من غاز وقد رشدا(4)

ومما يروى ايضا عن رسول الله (صلى الله عليه واله) انه قال يوم بدر: "قوموا الى جنة عرضها السموات والارض. فقال عمير بن الحمام

ص: 15


1- م.ن ص361
2- م. ن. ص364
3- نهج البلاغة ج1 ص104
4- الزمخشري، ربيع الابرار ج3 ص332

الانصاري: يا رسول الله جنة عرضها السموات والارض؟! قال: نعم بخ بخ. قال: فاخترج تمرات من قرابه فجعل ياكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى اكل تمراتي هذه انها لحياة طويلة، فرمى بما معه من التمر، ثم قاتل حتى قتل"(1)

ان الشهادة طريق رحبة توصل الى الله تعالى وسبيل الى مرضاته (سبحانه) وقد قيل للجهاد سبيل الله لانه طريق الى ثوابه (عز وجل)

والى هذا المعنى يشير امامنا وسيدنا علي (عليه السلام) بقوله: "ان الجهاد باب من ابواب الجنة، فتحه الله لخاصة اوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه البسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، وديث بالصغر والقماءة، وضرب على قلبه بالاسداد، واديل الحق منه بضتييع الجهاد، و سيم الخسف، ومنع النصف"(2)

وقد اشترى الله تعالى من المؤمنين المجاهدين اىنفسهم بعملية معاوضة، واكرم بها من معاوضة، واكرم بها من معاوضة بين الخالق والمخلوق، اذ يقول تعالى:

(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(3)

ونهى (سبحانه) ان يسمى من قتل مجاهدا ميتا، لانه الحي الحاضر دائما في ساحة قدسه (عز وعلى) (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ)(4)

ان الشهداء احياء يسمعون الكلام ويردون السلام، ولكن اهل الدنيا لا يشعرون بذلك عن طريق حواسهم، لانهم لا يستطيعون النظر الا من خلال حجاب، وخص في هذا الامر من امتحن الله تعالى قلبه للايمان، فراح ينظر

ص: 16


1- الزمخشري، ربيع الابرار ج3 ص333
2- نهج البلاغة، ج1 ص67-68 . جنته: وقياته. ديثه: ذللله . القماءة: الذل والصغر. الاسداد: جمع سد، ويريد بها الحجب الحائلة دون البصيرة: اديل اي صار. سيم الخسف: اولى الذل والمشقة. النصف: العدل.
3- سورة التوبة: 111
4- سورة البقرة: 154

بنور الله، فهو يرى ما لا يراه غيره، فانفتحت امامه افاق الكون واسراره، لمعرفته بربه حق المعرفة.

ومما تقدم يتبين ان الموت ليس نهاية الحياة، وانما هو جسر العبور الى حياة اخرى غاية في الكمال، وهذا اعتقاد لم ينفرد به المسلمون، بل هو عنصر اساسي في كل شريعة سماوية، وبدونه تصبح هذه الشرائع مجرد مناهج مادية جامدة، لا علاقة لها بالله تعالى. فالمجتمع الانساني باسره امن واعتنق فكرة بقاء الانسان بعد موته، وهذا ما اثبته علماء التاريخ على مر العصور.

ويتضح الامر عندما نستعرض امثلة لمجتمعات متفاوتة في الحضارة، فاهل البوادي مثلا على افتراض انهم عينة ممثلة للمجتمع البدائي المنقرض، كانت لهم طقوس في دفن موتاهم تدل على ايمانهم بعودة الارواح الى الاجسام المدفونة.

ومن عاداتهم انهم يضعون حجارة كبيرة على صدور موتاهم ويربطون اعضاءهم بالجبال ، منعا لحكتهم بعد عود الروح وخروجهم من اماكنهم.

اما المصريون القدماء، وهم اهل الحضارة وبناتها، فكانوا يعتقدون ان الروح بعد خروجها من البدن لابد من عودها اليه، لذلك كانوا يتركون منافذ القبور ليسهل دخول الروح اليها، واضعين الطعام والشراب الى جنب امواتهم، وبنوا الاهرامات العظيمة حفظا لموتاهم من السباع، حتى الفت اليوم من عجائب الدنيا، تدل الى عظمة الانسان وقوته وشدته.

ولا يختلف البراهمة عن غيرهم في هذا الامر، فهم يعتقدون بالهة ثلاثة براهما وهو الاله الخالق، وفيشتو الاله الحافظ، وسيفا الاله الهادم، فهم يعتقدون برجوع الروح بعد انحلال جسدها المادي الى العامل الارضي، لتتلبس بجسد جديد، سواء اكان هذا الجسد انسانيا او حيوانيا، وهذا يسمى التناسخ، وترجع هذه العقيدة الى حوالي ثلاثة الاف سنة.

ولا يشذ البوذيون عن غيرهم، فالبوذية منهج اختطه بوذا عن عود الارواح الى الابدان بالتناسخ، وتكاد فكرة بقاء الروح بعد الموت، تكون قدرا متيقنا في الاعم الاغلب من معتقدات الشعوب.

ص: 17

وعندما انزل الله تعالى شرائعه اتضحت الصورة وتبين الحال، ففي الاصحاح 26 الجملة 19 طبعة دار الكتاب المقدس، جاء ما نصه : "تحيا امواتك يوم تقوم الجثث استيقظوا تمرغوا يا سكان التراب". هذا في العهد القديم.

واما في نصوص العهد الجديد نجد ما ورد في انجيل مرقس الاصحاح 9 الجمل 42-49 ما نصه: "وان اعثرتك رجلك فاقطعها خير لك ان تدخل الحياة اعرج" الى قوله :"وان اعثرتك عينك فاقلعها خير ل كان تدخل ملكوت الله اعور".

ولما جاء الاسلام بين الغوامض وكشف الاسرار ورفع الحجب عبر رسالة عالمية خاطبت العقول، داعية التفكر والايمان الواعي، مؤكدة على وجود تلك العقائد.

فقد خاطب الله تعالى ادم(عليه السلام) بعدما اهبطه الى الارض: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)(1)

فبين (سبحانه) ان مكث الخلق على هذه الارض لا يكون الا لفترة محدودة، ليعود بعدها الى حياة اخرى دائمة، وما كان نزول ادم (عليه السلام) الا لهذه الغاية.

وهكذا خاطب الرب العظيم نوحا (عليه السلام) يدعوه الى عين تلك العقيدة، يقول تعالى : (وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا)(2)

وهكذا كانت الخطابات الالهية تتولى على الانبياء (عليهم السلام)، كابراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد (صلى الله عليه واله)، وهي تؤكد حقيقة بقاء الروح وخلودها، وانها قد اعدت لدخول عالم الكمال الذي لا ينفى.

وعلى هذا كان الايمان بما وراء الطبيعة والحس امرا لابد منه، فالانسان منذ ان كان نطفة فعلقة فمضغة، الى ان ولج عالم الوجود وفتح عينيه فيه، وهو في حركة دائبة مستمرة ليس له فيها قرار، فلابد من وجود يوم ينتهي عنه

ص: 18


1- سورة الاعراف: 24
2- سورة نوح: 18

هذا الوصف (اللاقرار)، فتكون خاتمة مطافه القرار والثبات، فهل تتوقف تلك الحركة بالموت؟ واين يكون ذلك السعي؟ والى اي اتجاه يسير؟.

والاجابة واضحة من ان الحركة قد توقفت بالموت بهذا موجب لبطلان الانسان وشخصيته، وهذا موجب لبطلان الغاية من حركته الدنيوية، وهذا مخالف لما انزل الله تعالى في كتبه وامر انبيائه (عليهم السلام) بتبليغه للناس.

ان حركة الانسان لا تكون الا بالروح المجردة عن المادة، وهذا التجرد ما هو الا نافذة نطل من خلالها الى افاق الغيب، ولذلك كان الايمان بالغيب من اساسيات العقيدة (ان حجر الزاوية في ديننا وفي كل دين سماوي هو الايمان بالغيب، لان الخالق سبحانه نفسه لا تدركه الابصار، فهو من الغيب، ولان اساليبه في الوحي الى الانبياء(عليهم السلام) تنأى عن ...، قدراتنا الحسية فهي من الغيب)(1)

الرؤية والمعرفة، لكن غياب هذه الاصوات والاضواء عن الادراك المباشر لا تجعل مجالا لرفضها باعتبارها امورا غيبية تند عن المعرفة اليقنية المباشرة.

ولنأخذ مثالا على ما ذكرناه انفا، نعلم ان جزئيات المواد جميعها حتى الحديد على صلابته مخلخة ومنفصلة بعضها عن الاخر، وحتى الجزيء ذاته مؤلف من ذرات منفصلة بعضها، ولو اكتمل حسنا البصري لمكننا ذلك من رؤية اي شيء من خلال الستار او الحاجز او الجدار، لان نسيجها مخلخل، ولو كنا نرى عن طريق اشعة اكس لا عن طريق النور العادي لرأينا بعضنا على شكل هياكل عظيمة، لان هذه الاشعة تخترق المسافات الجزيئية في اللحم فنراه في شفافية الزجاج، لكن رؤيتنا عاجزة لذلك، فانها ترى الجدران صماء، وليست وليست هي كذلك، بل هي مخلخلة الى اقصى الدرجات، ولكن وسائلنا المحدودة والاشعة التي نرى عن طريقها لا تنفذ فيها، وانما تعكس على سطوحها وتبدو لنا وكانها سدا يقف امام طريق رؤيتنا.

ص: 19


1- د. عماد الدين خليل، مالذي يعنيه علم الغيب

ان هذه كلها احكام نسبية، لانها منسوبة الى حواسنا، وهذه الحواس محدودة، فتكون الاحكام حينئذ غير حقيقية، وعالمنا الذي نراه ونتعامل معه ليس هو العالم الحقيقي المثالي، بل هو عالم اصطلاحي يتعايش مع الرموز التي يدلنا عليها العقل، فهناك ولا شك اكثر من دنيا كما هي في الحقيقة، وهذه لا نعرفه ولا يعرفه الا الله (تعالى) فالدنيا التي تراها الحشرة الصغيرة هي مختلفة تماما عن دنيانا، لان الجهاز العصبي لها مختلف تماما عن جهازنا العصبي، فهي ترى الشمس بطريقة مختلفة، وهي لا ترى الشجرة كما نراها نحن شجرة، وهي لا تميز الالوان، وهناك دنياكما تراها دودة الاسكارس تختلف عن دنيا تلك الحشرة الصغيرة، فهي تعيش دنيا ظلامية خالية من المناظر، ليس فيها الا احساسات في غاية البلادة، تنتقل عن طريق الجلد ، وعلى هذا فلكل مخلوق من مخلوقات القادر الحكيم (جل شأنه) تعيش دنيا خاصة بها.

ان العالم لا يستطيع معرفة حقيقة كل شيء، لكنه يلحظ كيفية تصرفه في ظروف معينة، وما مدى علاقته مع الاشياء الاخرى، لكنه لا يستطيع معرفة ماهية العلم او الضوء او الالكترون، وحينما يعرف الاشعة الضوئية على انها موجات كهرومغناطيسية او فوتونات، فانه ينتقل الى لغز اخر، واكثر علماء الطبيعة يؤكدون ذلك.

ان القدرات العقلية والحسية غير قادرة على ان تحيط بالحقيقة المطلقة، بل الامر متروك للعالم المطلق رب السموات والارض (سبحانه وتعالى) الذي احاط بكل شيء علما، وان المعرفة البشرية النسبية تفرض الاعتقاد بانه ليس كل ما لا تراه اجهزتنا ليس بموجود فالهواء نشعر جميعا بوجوده ونتحسس اثاره، ولا تقتضي الضرورة رؤيته حتى نبرهن على انه موجود.

ومن ثم يبدو واضحا ان رفض الغيب والتعامل مع المغيبات وفق التحليل العلمي نفسه جهالة مركبة.

وعلى هذا فان الروح من المغيبات التي استأثر الله (سبحانه وتعالى) العلم بها لذاته المقدسة، لكنه (تعالى) اشار اليها في مواضع عديدة من القران

ص: 20

المجيد يقول سبحانه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)(1)

الا ان السنة النبوية المطهرة لم تغفل الاشارة الى تفسير (ظاهرة الروح) ، معطية لمحات عنها مؤكدة على بقاءها الازلي، وانها مدار مبدأ الثواب والعقاب.

ان الادلة الكثيرة دلت على ان الروح مجرد عن كل شيء غير خاضعة او مرتبطة بالمادة واثرها، وذلك التجرد يعتبر عالما غيبيا مستقلا, وللبحث في مسالة تجرد الروح لابد من سلوك طريقين للوصول الى الحقيقة.

الاول: الطريق العقلي

الثاني: الطريق النقلي

الطريق العقلي

يعيش الانسان بما يضفيه على نفسه من مفردات مقومة لها مقومة لها تميزه عن سائر افراد جنسه، والتي تسمى بالشخصية، وهذه تبقى ثابتة ضمن دوامة من التغيرات الحادثة في جسده، وهذه الشخصية التي يعبر عنها الانسان ب- (الانا) لكنه لا يلحظها من خلال تعامله اليومي، بل تجري على لسانه دون تفكيرا او وعي، بالرغم من انه ينسب اليها كل ما يصدر منه من افعال، سواء اكانت بدنية ام ذهنية، فكل واحد منا يسنب اعضاءه الى نفسه: ويقول يدي، انفي ، انفي ، عيني، وفي عين الوقت ينسب افعاله اليها، كان يكون زرعت، رأيت، وهذا الامر ليس لاحد مجال للانكار فيه. وعندما يقول (انا) و (نفسي) فهو يستوحي حقيقة كونية يجسدها واقعا عمليا ، الا ان اشتغاله باعماله البدنية يصرفه عن التفكر في امر هذا المصدر. وقد يتخيل انه هو البدن ومع امعانه يرجع الى نسبة البدن باجمعه، الى تلك النفس اي الى (الانا) ويبقى شعور الفرد ببقاء نفسه على ما هي من الثبات، رغم التغيرات والتبدلات الطارئة على جسمه، عبر مراحل عمرية متطورة، يتحول فيها من مرحلة الى اخرى، فيتصف تارة بالطفولة، واخرى بالصبا، وثالثة بالشباب،

ص: 21


1- سورة الاسراء: 85

فالكهولة وكل هذه الحالات انما مالها الى شيء واحد، وهي الذات الحقيقية الباقية الثابتة التي لا تتغير مهما تغيرت الاحوال، وتصرمت الازمنة، فلو كانت تلك الذات من سنخ المادة بكل صفاتها لشملتها سنة التغير والتحول، ولما صح حمل تلك الصفات، على تلك الذات حق يقول: انا الذي كتبت هذه الكتابة ايام صباي او شبابي ولو لم يوجد شيء ثابت ومستمر الى زمان النطق للزم كذب قوله وعدم صحته، لان الشخصية التي كان الفرد فيها صبيا قد زالت وحدثت بعدها شخصية اخرى.

ان العلم اثبت ان التغير والتبدل من الاثار اللازمة للموجودات المادية وها هي خلايا الجسم البشري لا تنفك عن الغير بل خاضعة لعملية تغيير مستمر، وثبت ان التبدل يحدث شاملا للبدن كل عشر سنين , ومن هنا نرى ان عملية فناء الجسم المادي مستمرة، ولكن تبقى حقيقة واحدة في داخله الا وهي (الانا) لا تتغير ولو كانت حقيقة الانسان في نفس هذه الخلايا المتغيرة، لكان الاحساس بحضور (الانا) في جميع الاحوال باطلا.

وعلى مثل هذا لو اخذنا عقل الانسان وما فيه من قدرة على التفكير سواء اكان على نحو الايجاب ام السلب، لرأينا انه لو كان مادة مجردة للزم ان تمحى مل حادثة انطبعت فيه او انطبعت عليه، محض كلمات غير مفهومة المعنى، لاختلاط الكلمات بعضها فوق بعض، كالورقة البيضاء المكتوبة، وليس فيها مجال للكتابة عليها، فلو تكررت الكتابة الاولى لا يمكننا فهي شيء مما كتبناه.

فلو كان العقل ماديا لما استطاع استعياب هذه المعلومات التي لا عد لها ولا حصر، بل يكون حاله حال الورقة المكتوبة، ولكننا نجد ان هذا العقل الجبار الذي ابدعه الصانع القدير (سبحانه) كلما اخذ من المعلومات والمشاهدات استطاع اختزانها واستدعاءها في اي وقت يشاء ، مع بقاء مساحة واسعة لاستقبال وتحليل البيانات والمعلومات المستفادة من مواجهة الظواهر باجمعها، والانتقال عند البعض من ميدان المحسوس الى اللامحسوس.

ص: 22

تباركت ربنا وتعاليت ولك الحمد على ما انعمت وفي كل شيء له اية تدل على انه واحد (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(1)

يقول مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) : "الهي الم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق، فمن سالك بي.... في واضح الطريق"(2)

السير التكاملي على اختلاف استعداد الاشخاص، حسب طاقاتهم الموجودة فيهم، والشروط المتوفرة لديهم.

(فالمرتبة الاولى من المراتب هي النطفة، فهي عندما تفرغ رحم المراة او مطلق الرحم وتستقر فيه تلبس عليها نفس قريبة للقوى الطبيعية التي هي النطفة، وتلك النفس القريبة يعبر عنها ب- (النفس النباتية)(3)

التكامل فيها، وهذه هي المرتبة الثالثة للنفس، فتلبس هذه النفس الثالثة على النفس الثانية نفسا اخرى تسمى ب- (النفس الثالثة) المعبر عنها ب- (النفس الحيوانية) ، واللبس هذا لا يكون بنحو النزع والخلع ايضا، اي / النفس الثالثة لا تنزع ولا تخلع النفس الثانية باقية تحت اكساء النفس الثالثة لها، وهي مطيعة لها وتابعة للثانية, وهذه النفس الثالثة اقوى من النفس الثانية، ثم تاخذ هذه النفس الثالثة في السير التكاملي والتصاعدي نحو الرتقاء والتدرج شيئا فشيئا بعد وجود شرائط التكامل فيها، فلتبس عليها نفسا اخرى اقوى من النفس الثالثة وتسمى بالنفس الرابعة المعبر عنها ب (النفس الناطقة)، وهذه هي المرتبة الرابعة، واللبس هذا لا يكون ايضا بنحو النزع والخلع، اي لا تنزع هذه النفس الرابعة النفس الثالثة وتعدمها وتزيلها عنها حتى يكون اللبس لبسا جديدا، بل هي باقية تحت اكساء النفس الرابعة لاقوائيتها عنها واكمليتها بالنسبة اليها، كبقاء الثانية تحت الثالثة، والاولى تحت الثانية، وتكون الرابعة محيطة بها احاطة كاملة كاحاطة الثالثة على الثانية، وهي على الاولى، وهذه

ص: 23


1- سورة المؤمنون: 14
2- من دعاء الصباح للامام علي (عليه السلام)
3- التعبير عن النفس النباتية بعيد، فلو كان التعبير النابتة لكان اوفق، تقول: (نبت) الزرع نبتا ونباتا: نشأ وظهر من الارض، وانتبت الارض اخرجت النبات، وانبت الله البقل فهو منبوت، والمنبت موضع الانبات، والقياس فتح الباء، والجمع منابت، والنابتة: الغلام والجارية جاوزا حد الصغر ولم يجربا الامور بعد، والنابتة الحال التي ينبت عليها الشيء يقال: ما احسن نابتة فلان والجمع نواتب. والنبات الحي النامي لا يملك فراق منشئه ويعيش بجذوره ممتدة في الارض او الماء والنباتي الدارس لعلم نبات . ورجل نباتي يتغذى على النبات وحده. وعلم النبات يبحث في حياة النبات وتطوره وتفصيل انواعه (محدثة) ودهن نباتي مستخرج من بذور النبات والنبت: النبات، والنبتة: حالة النبات التي ينبت عليها، والنبوت: الفرع النابت من الشجر ويطلق على العصا الطويلة المستوية، ويقال: فلان ينال ما يطلب بالنبوت: بالقوة (محدثة)، والجمع نبابيت.

الرابعة يعبر عنها ب (النفس الناطقة) ، وتسمى ب (الروح) ، وهي المدركة للكليات والفاعلة للتصور والتفكر، وهذه الروح خارجة عن البدن غير حالة فيه ومجردة عن المادة وناظرة اليها مدبرة لامورها، فحكمها حكم سائق السيارة والسفينة والباخرة، ولهذه الناطقة اتصالات مع النفوس السابقة والتي هي (الطبعية، النباتية، الحيوانية)، فهي جامعة لتلك النفوس لجميع عوالمها(1)

وقد اشار الله (تعالى شانه) الى ذلك بقوله: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(2)

وتبقى معرفة (النفس) (الروح) امر يستحيل تصوره عقلا، بل هي مما استأثر به (تعالى) لذاته المقدسة.

قال كميل بن زياد (رضوان الله عليه): "سالت مولاي امير المؤمنين عليا (عليه السلام) فقلت: اريد ان تعرفني نفس؟ قال (عليه السلام): انما هي اربع النامية النباتية، الحسية الحيوانية، والناطقة القدسية، والكلية الالهية، ولكل من هذه خمس قوى وخاصيتان، فالنامية النباتية لها خمس قوى: جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة ومربية، ولها خاصيتان: الزيادة والنقصان وابتعائها من الكبد.

والحسية الحيوانية لها خمس قوى: سمع بصر وشم وذوق ولمس، ولها خاصيتان: الشهوة والغضب، وابتعائها من القلب.

والناطقة القدسية لها خمس قوى: فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة، وليس لها انبعاث، وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية، ولها خاصيتان: النزاهة والحكمة.

والكلية الالهية ولها خمس قوى: بقاء في فناء، ونعيم في شقاء وعز في ذل ، وغنى في فقر، وصبر في بلاء، ولها خاصيتان: الرضا والتسليم"(3)

ص: 24


1- السيد محمد كلانتر، مفتاح الفلاح ص90-92
2- سورة المؤمنون: 14
3- المحقق السبزواري، شرح الاسماء الحسنى ص34-35

وهذه مبدؤها من الله واليه تعود ، قال الله (تعالى): (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)(1)

وقال (تعالى): (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً)(2)

وقد ذكر الشيخ الطبرسي في الاحتجاج جواب سائل سأل امير المؤمنين عليا (عليه السلام) عن النفس والروح فقال: "النفس تفارق الانسان عند النوم فتريه الاحلام، والروح هي التي تفارقه بالموت".

يقول ابو العلاء المعري:

خلق الناس للبقاء فضلت

امة يحسبونها للنفاد

انما ينقلون من اعمال

الى دار شقوة او سعاد

ويقول الشمخري:

اين منك الروح في جوهرها

اتراها كيف تجول

اين منك العقل والعلم اذا

غلب النوم فقل لي يا جهول

هذه الانفاس لا تحصرها

لا ولا تدري متى عنك تزول

قال امير المؤمنين(عليه السلام) : "سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول: خلق الله الخلق على ثلاث طبقات، فانزلهم ثلاث منازل، فذلك قوله: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(3)

فاما ما ذكره الله (جل وعز) من السابقين السابقين فانهم انبياء مرسلين وغير مرسلين، جعل الله فيهم خمسة ارواح: روح القدس وروح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فبروح القدس بعثوا انبياء مرسلين، وبروح الايمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا، وبروح القدس جاهدوا عدوهم وعالجوا معائشتهم، وبروح الشهوة اصابوا لذيذ المطعم والمشرب ونكحوا الحلال من النساء ، وبروح البدن دبوا ودرجوا، فهؤلاء مغفورا لهم مصفوح عن ذنبهم. ثم قال (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ

ص: 25


1- سورة الحجر: 29
2- سورة الفجر: 37
3- سورة الواقعة: 9-12

وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)(1)، ثم قال في جماعتهم: (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(2)، يقول اكرمهم: بها وفضلهم على سواهم فهؤلاء مغفورا لهم.

ثم ذكر اصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا باعيانهم، فجعل فيهم اربعة ارواح: روح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فلا يزال العبد مستكملا هذه الارواح حتى تأتي عليه حالات:

اولهن ما الله (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا)(3) فهذا تنقص منه جميع الارواح، وليس بالذي يخرج من الايمان، لان الله الفاعل به ذلك، وراده الى ارذل العمر، فهو لا يعرف الصلاة ولا يستطيع التهجد بالليل ولا الصيام بالنهار، فهذا نقصان من روح الايمان وليس بضاره شيئا ان شاء الله.

وتنتقص منه روح البدن، فهو يدب بها ويدرج حتى ياتيه الموت، فهذا بحال خير الله الفاعل به ذلك.

وقد تاتي عليه حالات في قوته وشبابه يهم بالخطيئة فتشجعه روح القوة وتزين له روح الشهوة وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة، فاذا لامسها تفصى من الايمان وتفصى الايمان منه، فليس بعائد ابدا او يتوب، فان تاب وعرف الولاية تاب الله عليه، وان عاد وهو تارك للولاية ادخله الله نار جهنم.

واما اصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى، يقول الله سبحانه: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ (يعني محمدا والولاية في التوراة والانجيل) كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ (في منازلهم) وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(4) فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم الله بذلك، فسلبهم روح الايمان، واسكن ابدانهم ثلاثة ارواح: روح

ص: 26


1- سورة البقرة: 253
2- سورة المجادلة: 52
3- سورة الحجر: 70
4- سورة البقرة: 146-147

القوة وروح الشهوة وروح البدن، ثم اضافهم الى الانعام، قال: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ)(1)

لان الدابة تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن"(2)

يقول استاذنا السيد كلانتر(قدس سره): "واما الروح فكذلك تنقسم بنفس الاقسام التي في النفس، فهي مساوية للنفس. قالت الفلاسفة: ان النفس الناطقة متعلقة بالجسم المثالي، والجسم المثالي متعلق بالروح البخاري الدماغي الذي هو موضع العقل، ولذا يقال لمن قل عقله: ما اخف دماغك، والروح البخاري الدماغي متعلق بالبدن، فحينئذ تتصرف النفس الناطقة بالجسم والبدن"(3)

لكن العقل وسط الكل، فبه يعرف الله وبه يشكر ويعبد، (فليس هناك من شك او جدل في ان الانسان هو اسمى المخلوقات، واكثرها تعقيدا، ولا يعود هذا السمو والتعقيد الى تركيبه الجسمي والبايولوجي، والذي قد لا يختلف في كثر عن التركيب الجسمي والبايولوجي لكثير من الحيوانات العليا، وانما يعود ذلك بالدرجة الاولى الى ما خص به الانسان من مظاهر فريدة في حياته العقلية، واكثرها اعجازا هي مقدرة الانسان على تأمل ذاته من ناحية، وتأمل عالمه من ناحية اخرى، بالاضافة الا مقدرته او على الاقل محاولته الربط بينهما.

وقد تنشأ عن هذه المقدرة الفذة ان يتجه اهتمام الانسان الى معرفة نفسه ومحاولة فهم وتحديد طبيعة ومكان ذلك الذي يمكنه من مثل هذا الادراك والفهم لذاته ولعالمه، وهو ما اصطلح عليه باسم العقل.

والمتتبع لمسيرة الحضارة الانسانية منذ بزوغها وحتى الان يجد بان الاهتمامات الاولى للانسان قد اتجهت نحو محاولة فهم عقله، وقبل ان يحاول فهم ومعرفة جسده.

لقد تعددت وتنوعت الاراء حول طبيعة العقل وماهيته، ويمكن تصنيف الاراء جول هذا الموضوع على اوجه نظر متعددة ومن هذه راي اولئك الذين

ص: 27


1- سورة الفرقان: 44
2- الحراني، تحف العقول ص133-134
3- كلانتر، مفتاح الفلاح ص96

يرون بان العقل يقوم خارج الجسم، وبان علاقته بالجسم هي علاقة طارئة وعابرة، وتتحد خلال فترة الحياة فقط، وهذه نظرة تساوي الى حد كبير بين العقل والروح، وهناك وجهة نظر اخرى ترى بان للانسان جسما وعقلا، وبان الواحد يختلف عن الاخر نوعيا، غير ان بينهما رابطة مما يكون ربط النشاط الداخلي للعقل مع السلوك الظاهر للجسم.

ومعظم الاراء المشابهة لوجهة النظر الثالثة تنفي ان يكون الجسم او العقل حيثيه مستقلة، وانما ترى الاثنتين حيثية متكاملة واحدة، وبان لا وجود للواحد منها دون الاخر، ووجهة النظر الاخيرة لا ترى بان هنالك عقلا بمعنى الوجود العقلي، وبان ما نسميه بالعقل ما هو الا علامة وصفية للعمليات البايولوجية المتعددة التي يقوم بها الدماغ والتي تتكامل في حصيلة الاداء العقلي.

ووجهة النظر هذه هي التي يتبناها العلماء في العصر الحالي، والذين يدأبون على متابعة الابحاث التي تهدف الى تعيين وتحديد الاسس الفيزيائية للعقل.

ومن الواضح في وجهة النظر هذه انها تساوي بين ظاهرة العقل وبين مختلف العمليات البايولوجية التي يقوم بها الدماغ، والتي بدونها لا يمكن قيام حالة العقل"(1)

ان المتتبع لمسيرة البحث العلمي حول الظواهر العقلية سرعان ما يدرك باننا ابعد ما نكون عن بالتوصل الى كشف اسرار الظواهر العقلية المختلفة، ومع ان الحقائق والبيانات العلمية المتوفرة تبدو وكانها قد القت الكثير من الضوء على الكثير من العمليات العصيبية المكونة لبعض الظواهر العقلية، الا انها في الوقت نفسه قد زادت في مساحة وعمق الفجوة المظلمة التي ما زالت تحيط بالظاهر العقلية، وهو واقع يعطينا الشعور بان ابواب معرفة العقل ما زال مؤصدة امام الساعين الى فهم العقل وظواهره)(2)

ص: 28


1- د. كمال ، باب النوم والاحلام ص27-29
2- د. علي كمال، باب النوم والاحلام، ص29

(وقد يخلص الواحد منا الى قناعة، وهي اننا سنظل قاصرين عن فتح هذه الابواب، لا لانها ابواب موصدة، وانما لان فتحها يحتاج الى ما هو اعظم من الانسان قدرة، وهو امر يستحيل الا على الخالق)(1)

يقول السيد الاستاذ كلانتر: "واما العقل فقج عرفه الحكماء والفلاسفة، انه النفس الناطقة، فهو مجرد في ذاته، واما وصول امره في الاجسام فتكون بوساطة النفس الناطقة، ثم ان لهذه النفس الناطقة جهتين تمتاز بهما:

الاولى: علمها بمصالح الاشياء ومفاسدها، ويعبر عن هذه الجهة (بالقوة العلامة)

الثانية: عملها اي حركتها نحو ما علمته خيرا او شرا، وتسمى هذه الجهة (بالقوة الفعالة)، ولهذه النفس الانسانية صلاحية الاكمال والارتقاء من الحضيض الترابي الارضي الى الاوج النوري الرباني، وبين الامرين درجات متفاوتة.

ثم ان لحركة النفس الناطقة نحو درجاتها الكمالية حركة اختيارية بها تستحق الفضل والثناء, ولها مراحل ثلاث..

الاولى: التجلية. وهي عبارة عن جلاء النفس وصفاتها بوساطة متابعتها للاوامر والنواهي الالهية والشرائع السماوية المنزلة على الرسل والانبياء (عليهم السلام)، فان امتثال النفس لتلك الاوامر والنواهي يوجب تجليتها وتصفيتها.

الثانية: التخلية وهي عبارة عن اخلاء النفس وافراغها عن الرذائل وعن الصفات الشريرة، وعن كل ما يقرب الانسان الى السبعية والوحشية البربرية.

الثالثة: التحلية. هي عبارة عن تحلي النفس بحلي الزينة وتزيينها بالاخلاق الفاضلة والصفات الكاملة المرضية التي تقرب الانسان الى الفوز الاوفى، وهي السعادة الابدية السرمدية.

ص: 29


1- ن.م ص31

ثم ان لهذه النفس باعتبار صفاتها المذكورة في القران المجيد خمس مراحل:

الاولى: الامارة. اي انها دوما تامر بالسوء ، وهذه تابعة لهواها ومشتهياتها وملذاتها.

الثانية: اللوامة. وهي التي لا تزال تلوم النفس بتقصيرها، وان اجتهدت في الاحسان، وتلومها في تقصيرها في التعدي في الدنيا والاخرة، واليها اشار الرب الجليل

بقوله عز من قائل: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)(1)

الثالثة: المطمئنة. وهي التي تؤمن بالله ولا تاخذها فيه لومة لائم، المراد من المطمئنة الى الحق الذي يسكن الروح ويلجها اليقين، ولا يدخلها شك ولا وسوسة.

الرابعة: الراضية. وهي التي ترضى بما اوتيت او تؤتي.

الخامسة: المرضية. وهي التي تعمل الاعمال الحسنة المرضية عند الله (عز وجل)

والى هذه المراحل الثلاث اشار سبحانه بقوله: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي)(2)

وقيل: ان للنفس صفة اخرى هي الملهمة (بفتح الهاء) قال (تعالى) (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)(3) اي ان الله تعالى عرف النفس الناطقة طريق الفجور وطريق التقوى، وزهدها من الفجور ورغبها بالتقوى.

وهناك قول وهو ان المراد من الهام الباري (عز وجل) هو تعليم النفس بالطاعة ونهيها عن المعصية حتى لا ترتكبها. فعلى الانسان ان يداوم بذكر الله الذي هو كلمة التوحيد. وهو لا اله الا الله، لان المداومة على هذا الذكر

ص: 30


1- سورة القيامة: 2
2- سورة الفجر: 27-30
3- سورة الشمس: 10

العظيم توجب اطمئنان القلب(1) قال عز من قائل: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(2)

الطريق النقلي

ان القران الكريم ذكر ايات يستكشف منها خلود الروح وتجردها عما هو كل مادي، وكانت اشاراته اما تصريحا مرة او تلميحا مرة اخرى.

فمن الاشارات الصريحة قوله تعالى شأنه: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(3)

ان الدلالة مبنية على امعان النظر في لفظة التوفي، وهي بمعنى الاخذ والقبض لا الاماتة.

ان الاية لدالة على ان اللانسان وراء البدن شيئا يأخذه سبحانه حين الموت والنوم، فان كتب عليه الموت امسكه وان لم يكتب عليه ذلك ارسله الى اجل مسمى، فلو كان الانسان محض مادة فلا معنى للاخذ والامساك والارسال.

وقوله تعالى (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)(4)

ان الله (سبحانه) يحكم على ال فرعون بالعرض على النار في كل يوم وليلة قبل يوم القيامة بشهادة قوله بعده: (ويوم تقوم الساعة) فيكون العرض على النار قبلها، فلو كان الموت بطلانا للشخصية، واندثارا لها فلا يبقى للعرض على النار معنى.

وقوله سبحانه: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)(5)

ص: 31


1- مفتاح الفلاح ص96-98
2- سورة الرعد: 28
3- سورة الزمر: 42
4- سورة غافر: 45-46
5- سورة ياسين: 26-27

وقد جاء في تفسير الاية ان عيسى (عليه السلام) بعث رسولين من الحواريين الى مدينة انطاكية، فلقيا من اهلها ردا قاسيا الا واحدا من اهلها اسمه حبيب النجار، امن بهما واظهر ايمانه، وقال فيما يحكي عنه القران: (اني امنت بربكم فاسمعون)، فما كان من القوم الا ان وطؤه باقدامهم حتى مات، فكان جزاؤه من ربه الجنة فخوطب بقوله تبارك وتعالى : (ادخل الجنة) ، ثم انه (اي اجيب) تمنى لو ان قومه يعلمون بما اتاه الله تعالى من المغفرة، والثواب الجزيل، فقال القران حاكيا عنه (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ).

ان الاية تدل على ان الموت ليس بفناء للانسان، بل هو بعده يرزق في الجنة، ويتمنى ان يعلم قومه بما رزق من الكرامة، وقوله تعالى (ادخل الجنة) لا يمكن ان يكون خطابا للبدن لانه يوارى تحت التراب، فالمخاطب به شيء اخر وهو الروح.

ومن الايات التي تشير تلميحا الى تجرد الروح، وان كانت قابلة للحمل على معاني اخرى قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)(1)

ان الدلالة تتضح بامعان النظر في انه تعالى يخص النظر ببدن فرعون، ويقول (ببدنك) ، وهذا يعني ان هناك شيء اخر لا يشمله النجاة، ويقع مورد العذاب.

وكذا خطابه سبحانه: (ننجيك) فانه يدل على ان هناك واقعية غير البدن، يكملها ويخاطبها ويعلمها بان النجاة تشمل بدنها لا غيره. وقوله تعالى: (أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ)(2)

تامر الاية المباركة النبي (صلى الله عليه واله) ان يسال المتقدمين من الرسل في شان اختصاص العبادة بالله (تعالى) الذي يحكي عنه قوله (سبحانه) (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(3)

ص: 32


1- سورة يونس: 92
2- سورة الزخرف: 45
3- سورة النحل: 36

ان الاية تدل على وجود ارواح الانبياء، وامكان اتصال النبي (صلى الله عليه واله) بها، ويمكن ان يكون المراد هو سؤال علماء اهل الكتاب او اتباعهم، لقوله (تعالى) (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(1)

والغاية من السؤال هي الاحتجاج، وهذا الاحتمال على خلاف الظاهر.

وفي الايات ما يدل على ان الاية تامر النبي بالسؤال في ليلة المعراج، وعلى كل تقدير، فان الايات بقسميها تدل على خلود الروح وتجردها من اثار المادة وامكان الاتصال بها عقلا ونقلا.

وتاتي السنة النبوية لتكمل الشوط وتبين بعض الذي خفي عن انظارنا وحواسنا.. فقد روى الطبراني في الاوسط عن ابي تراب الانصاري ان رسول الله(ًصلى الله عليه واله) قال: "ان نفس المؤمن اذا قبضت تلقاها اهل الرحمة من عباد الله كما تلقون البشير من اهل الدنيا، فيقولون: انظروا صاحبكم ليستريح فانه في كرب شديد، ثم يسالونه ما فعل فلان؟ وفلانه هل تزوجت؟ فاذا سالوه عن الرجل وقد مات قبله فيقول: ايهات قد مات ذاك قبلي فيقولون: انا لله وانا اليه راجعون، ذهب له الى امه الهاوية، فبئست الام وبئست المربية"(2)

وقال (صلى الله عليه واله) "ان اعمالكم تعرض على اقاربكم وعشائركم من اهل الاخرة، فان كان خيرا فرحوا واستبشروا، وقالوا: اللهم هذا فضلك ورحمتك، فاتمم نعمتك عليه وامته عليها. ويعرض عليهم عمل المسيء، فيقولون: اللهم الهمه عملا صالحا ترضى به وتقر به اليك"(3)

وفي نوادر الاصول روى الترمذي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله): "تعرض الاعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله، وتعرض على الانبياء

ص: 33


1- سورة يونس: 94
2- الحاوي للتفاوي، السيوطي ج2 ص303-304
3- نفس المصدر ص304

وعلى الاباء والامهات يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضا واشراقا، فاتقوا الله ولا تؤذوا امواتكم"(1)

وعن سعيد بن جبير، قال : "اذا مات الميت استقبله ولده كما يستقبل الغائب"(2)

واخرج الامام احمد في سنده عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ًصلى الله عليه واله): "ان الميت يعرف من يغسله ويحمله ويدليه في قبره"(3)

ان الموت نافذة على الحياة الاخرى، يقول امير المؤمنين (عليه السلام) : "ايها الناس انا خلقنا واياكم للبقاء لا للفناء لكنكم من دار الى دار تنتقلون"(4)

ويعظ سيدنا علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) اصحابه فيقول: "ايها الناس اتقوا الله واعلموا انك ماليه راجعون، فتجد كل نفس ما علمت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان يبنها وبينه امدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه، ويحك يا ابن ادم الغافل وليس مغفولا عنه، ان اجلك اسرع شيء اليك قد اقبل نحوك حثيثا يطلبك ويوشك ان يدركك فكان قد اوفيت اجلك

وقد قبض الملك روحك وصيرت الى قبرك وحيدا، فرد اليك روحك، واقتحم عليك ملكاك منكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك.

الا وان اول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده، وعن نبيك الذي ارسل اليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن امامك الذي كنت تتولاه، وعن عمرك فيما افنيت، وعن مالك من اين اكتسبته وفيما انفقته.

فخذ حذرك وانظر لنفسك، واعد الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار، فان تك مؤمنا عارفا بدينك متبعا للصادقين مواليا لاولياء الله لقاك الله حجتك، وانطق لسانك بالصواب، فاحسنت الجواب وبشرت بالجنة والرضوان من الله، واستقبلك الملائكة بالروح والريحان، وان تكن كذلك

ص: 34


1- ن.م ص304
2- ن.م ص309
3- ص305
4- الارشاد، الشيخ المفيد ص127

تلجلج لسانك ودحضت حجتك ويميت عن الجواب وبشرت بالنار واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم"(1)

ويحذرهم(عليه السلام) من الركون الى الدنيا فيقول: "ولا تركنوا الى هذه الدنيا وما فيها وكون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان، فانها قلعة ومنزل بلغة ودار عمل، فتزودوا الاعمال الصالحة قبل تفرق ايامها، وقبل الاذن من الله في خرابها، فكان قد اخرجها الذي عمرها اول مرة وابتداها وهو ولي ميراثها"(2)

وكان الامام ابو عبد الله الحسين (عليه السلام) يحذر من جاء لقتاله من سوء عاقبة الركون الى الدنيا ونسيان الدار الاخرة، فيقول: "الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة باهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرته، والشقي من فتنته، فلا تغرنكم هذه الدنيا، فانها تقطع رجاء من ركن اليها، وتخيب طمع فيها"(3)

ص: 35


1- تحف العقول، الحراني ص180
2- تحف العقول، الحراني ص182
3- المجالس السنية، السيد محسن الامين ج1 ص28 الفصل الثاني.

الفصل الثاني : زيارة القبور في دائرة الضوء

مما تقدم تبين بادلة قاطعة لا شك معها ان الروح باقية بقاء الازل لذلك فهي مفتقرة الى رعاية تتناسب ووضعها الجديد مع ذوي الصلة بها من اهل وولد ومال.

فالاموات بوساطة ارواحهم يعلمون بزيارة الاحياء لهم، وانهم ينتظرون زيارة اهلهم والانفاق لاجلهم على الفقراء والمساكين. والادلة على هذا كثيرة.

قال رسول الله (ًصلى الله عليه واله) : "ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عليه الا استنأنس به ورد عليه حتى يقوم."(1)

وعنه (صلى الله عليه واله) "ما من احد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه الا عرفه ورد عليه السلام"(2)

وروى ابن ابي الدنيا في كتاب القبور عن محمد بن واسع، قال: "بلغني ان الموتى يعملون بزوارهم يوم الجمعة، ويوما قبله ويوم بعده".(3)

وعن الضحاك قال: "من زار قبرا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته قيل له: وكيف ذلك؟ قال: لمكان يوم الجمعة"(4)

لقد تعاهد الناس جيلا فجيلا زيارة الاموات وحافظوا عليها، لانها من الامور العاطفية التي تربط بني الانسان بعضهم ببعضهم الاخر، وقد استعملها العرب ان جاهليتهم وما بعدها للتفاخر فيما بينهم بكثرة الاموال والاولاد، لذلك ذمهم القران الكريم، حيث نزلت سورة التكاثر منددة بافعالهم، يقول تعالى : (الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) الى قوله (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم).

ص: 36


1- الحاوي للفتاوي، السيوطي ج2 ص302
2- م.ن ص302
3- م.ن ص303
4- م.ن ص304

لقد كانت القبائل تأتي الى المقابر مفتخرة على بعضها بكثرة من باد من رجالها مستذكرة امجادهم الغابرة، فجاء القران ليردعهم عن التمادي في ذلك بعد ان اصبحوا مسلمين، مما حدى بالنبي (ًصلى الله عليه واله) الى النهي عن زيارة القبور، لكن المسلمين سألوا النبي (صلى الله عليه واله) زيارة قبور موتاهم لقراءة القران وطلب المغفرة لهم ولتذكر الاخرة، فاجابهم(صلى الله عليه واله) فيما رواه عبد السلام بن عبد الله بن تيمية عن بريدة بقوله: "قد كنت نيتهكم عن زيارة القبور، فقد أذن لمحمد في زيارة قبر امه فزورها فانها تذكرة الاخرة".

ومن هنا كانت انطلاقة المسلمين في تعاهدهم زيارة امواتهم تأسيا بالنبي الاعظم (صلى الله عليه واله)، حيث كان (صلى الله عليه واله) (يزور قبور المؤمنين والشهداء والصالحين ويسلم عليهم ويدعو لهم)(1)

(وكان الصحابة يزورون قبر النبي (صلى الله عليه واله) ويتبركون به ويقبلونه ويستشفعون برسول الله (صلى الله عليه واله)، كما كانوا يستشفعون به في حياته، ولم ينكر ذلك احد من الصحابة ولا احد من التابعين او الاعلام)(2)

فقد روى المسلمون بجميع مذاهبهم ان رسول الله (صلى الله عليه واله) حيث على زيارة المؤمنين عامة وعلى زيارته خاصة بقوله : "من زارني بعد مماتي كان كم زارني في حياتي"(3)

وقد نقل الحديث بما يؤدي الى هذا المعنى على سبيل المثال لا الحصر، التي رواها عبد السلام بن عبد الله بن تيمية في كتابه (المنتقى من اخبار المصطفى) وما رواه غيره.

فعن ابي هريرة قال: "زار النبي (صلى الله عليه واله) قبر امه، فبكى وابكى من حوله، فقالت: استأذنت ربي في أن أزور قبرها، فأذن لي،

ص: 37


1- م.ن ص304
2- البيان في تفسير القران، الامام الخوئي، ص470
3- المنتقى ج2 ص116

فزوروا القبور فانها تذكر الموت"(1).

وعن عبد الله بن أبي مليكة :"ان عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن، فقلت لها: اليس كان نهى رسول الله (ًصلى الله عليه واله) عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، كان نهى عن زيارة القبور، ثم أمر بزيارتها"(2)

وعن بريدة قال: "كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يعلمهم اذا خرجوا الى المقابر أن يقول قائلهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لاحقون، نسأل لنا ولكم العافية"(3)

وروى ابن عمر عن رسول الله (صلى الله عليه واله) :"من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي"(4)

وعنه عن رسول الله (صلى الله عليه واله) : "من زار قبري وجبت له شفاعتي"(5)

وعن أنس عنه (صلى الله عليه واله) : "من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شهيدا او شفيعا يوم القيامة"(6)

وعن الامام الرضا (صلى الله عليه واله) :"من وقف على قبر أخيه وقرأ له سبع مرات انا انزلناه حشر امنا".

وكانت الزهراء فاطمة (عليه السلام) تزور عمها حمزة، وقبر أبيها (صلى الله عليه واله).

أما علي (عليه السلام) فكان يخرج الى وادي السلام، فيقف متأملا.

يقول حبة العرني: كنت أصحبه فقلت له سيدي هلا استرحت قليلا من وقوفك الطويل هذا فقال (عليه السلام): ان هي الا مزاحمة مؤمن، قلت: سيدي ما في المكان الا انت وانا؟ فقال: لو كشف عن بصرك لرأيتهم حلقا حول القبور، قلت: سيدي أبدان ام ارواح، قال: بل ارواح.

ص: 38


1- م.ن
2- م.ن
3- م.ن
4- سنن الدارقطني 2/278/ح192
5- سنن البيهقي.
6- كنز العمال ج2 ص99

وعند علي للنزيل حمايه *** وبشر وافق ضاحك برحابه

ثم أنه (عليه السلام) يستغفر لهم قائلا: السلام عليكم يا أهل الغربة، السلام عليكم يا أهل الوحشة، أما الديار فقد سكنت، وأما الاموال فقد قسمت، وأما النساء فقد زوجت .. الخ.

لقد لبى المسلمون نداء نبيهم (صلى الله عليه واله) واصبحت الزيارة ميزة تقدم الامامية على غيرهم، فقد اعتنوا بزيارة قبور النبي (صلى الله عليه واله) والائمة الاطهار عليهم السلام الذي اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ولا ريب فان تعظيم الانبياء والاوصياء والاولياء لمن افضل الطاعات التي يتقرب بها العبد الى الله تعالى بعد الواجبات، لكون ان تلك القبور من خير المواقع التي يستجاب فيها الدعاء، ويتجلى في ربوعها الانقطاع الى الله، لانها تجسد معاني الوفاء بالعهود التي اعطيناها واقررنا بها على انفسنا تجاه النبي والال الكرام عليهم السلام.

يقول الامام الرضا عليه السلام: "ان لكل امام عهدا في عنق اوليائه وشيعته وان من تمام الوفاء بالعهد وحسن الاداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان ائمتهم شفعائهم يوم القيامة"(1)

ان الزيارة انما هي تعظيم لشعائر الله تعالى يقول عز من قائل : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(2)

فزيارة القبور واقامة الماتم ليست من انواع التقرب الى غير الله تعالى في العبادة، كما توهم ذلك المتوهمون غفلة عن الحقائق او تغافلا، بل هي لا تخرج عن كونها نوعا من انواع التقرب الى الله سبحانه بالاعمال الصالحة، فعندما تعود مريضا فانت تتقرب اليه سبحانه بزيارة ذلك المريض. وقد ورد في باب زيارة المريض وعيادته الفضل الكثير.

يقول الامام الصادق عليه السلام: "اذا كان يوم القيامة نادى مناد العبد الى الله عز وجل فيحاسبه حسابا يسيرا ويقول: يا مؤمن ما منعك ان تعودني حين مرضت؟ فيقول المؤمن: انت ربي وانا عبدك، انت الحي القيوم الذي لا

ص: 39


1- العقائد، الحجة الشيخ محمد رضا المظفر.
2- سورة الحج: 32

يصيبك الم ولا نصب، فيقول عز وجل: من عاد مؤمنا فقد عادني ثم يقول له اتعرف فلان بن فلان؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول له: ما منعك ان تعوده حين مرض؟ اما انك لو عدته لعدتني ثم لو جدتني به وعنده، ثم لو سألتني حاجة لقضيتها لك لم اردك عنها"(1)

وروي عن النبي (صلى الله عليه واله) انه عاد سلمان المحمدي (رضي الله عنه) ولما اراد ان يقوم قال: "يا سلمان كشف الله ضرك وغفر ذنبك وحفظك في دينك وبدنك الى نتهى اجلك"(2)

وعن ابي عبد الله الصادق عليه السلام: "ايما مؤمن عاد اخاه في مرضه فان كان حين يصبح شيعه الف ملك فاذا قعد عنده غمرته الرحمة واستغفر له حتى يمسي، وان كان مساءا كان له مثل ذلك حتى صبح"(3)

وعن الباقر عليه السلام: "كان فيما ناجى به موسى عليه السلام ربه ان قال: يا رب ما بلغ من عيادة المريض من الاجر؟ فقال الله عز وجل: اوكل به ملكا يعوده في قبره الى محشره"(4)

وعن الامام الصادق عليه السلام: "من عاد مريضا نادى من السماء باسمه يا فلان طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة"(5).

وعلى هذا لم تكن في عيادة المريض اي شبهة في مسألة كون ذلك العمل هو تقرب الى غير الله ع وجل، فان عيادة المريض في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد الى الله تعالى، وليس هو تقربا الى المريض يوجب ان يجعل عمله لغير الله سبحانه او الشرك في عبادته.

ومثل ذلك تشييع الجنائز وزيارة الاخوان وزيارة العلماء فعن النبي صلى الله عليه واله قال: "ان لله مدينة تحت العرش من مسك أذفر على بابها ملك ينادي كل يوم الا من زار عالما فقد زار الرب"(6)

ص: 40


1- مكارم الاخلاق، الطبرسي، ص286
2- مكارم الاخلاق، ص387
3- مكارم الاخلاق، ص387
4- مكارم الاخلاق، ص387
5- م.ن ص388
6- الحاوي للفتاوي، السيوطي ج2 ص95

واما الزيارة للنبي ولاله فثوابها محقق، فقد قرن النبي صلى الله عليه واله زيارة المؤمن قبره الشريف بنيل شفاعته لهم، اذ يقول صلى الله عليه واله : "من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا"(1).

"من مات في احد الحرمين بعث من الامنين يوم القيامة، ومن زارني محتسبا الى المدينة كان في جواري يوم القيامة وكنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة"(2).

"من زارني ميتا فكأنما زارني حيا، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة، وما من احد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر"(3).

" من اتى المدينة زائرا لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة، ومن مات في احد الحرمين بعث آمنا"(4)

ان الله تعالى قد اذن بالشفاعة للنبي صلى الله عليه واله ولمن ارتضى سبحانه من عباده الصالحين، لان الاستشفاع بهم انما هو وجه من وجوه الخضوع والتذلل والعبودية له وحده لا شريك له تعالى، اذ يقول عز وجل: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)(5)

وقوله سبحانه: (وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)(6)، وقوله عز وجل: (لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا)(7)، وقوله تبارك اسمه: (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ)(8).

روى البرقي في المحاسن باسناده عن معاوية بن وهب قال: "سألت ابا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى: (لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) قال: نحن والله المأذون لهم في ذلك والقائلون صوابا

ص: 41


1- شمس الدين ابو عبد الله الدمشقي الحنبلي المعروف بابن القيم الجوزية، المتوفى 751ه-، زاد المعاد ج2، ص47
2- م.ن
3- العجلوني، المتوفى 1162ه-، كشف الخف ج3 ص278
4- وفاء الوفا للسمهودي ج2 ص402
5- سورة النساء: 64
6- سورة سبأ: 23
7- سورة مريم: 87
8- سورة طه: 109

قلت: جعلت فداك، وما تقولن اذا كلمتم؟ قال: نمجد ونصلي على نبينا ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا"(1)

وعنه صلى الله علىيه واله انه قال: "لكل نبي دعوة واردت ان شاء الله ان احتبئ دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة"(2)

وقال: "انا سيد ولد ادم (عليه السلام) يوم القيامة واول من ينشق عنه القبر واول شافع واول مشفع"(3)

وقال صلى الله عليه واله: "الشفعاء خمسة، القران والرحم وبالامانة ونبيكم واهل بيته"(4)

وعنه صلى الله عليه واله: "اعطيت خمسا لم يعطهن احد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الارض مسجدا وطهورا واحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي واعطيت الشفاعة"(5)

ان هذه الروايات كاشفة عن ان الشارع المقدس ندب الى الاستشفاع بالنبي واله الكرام والصالحين، وان ذلك لا يعد شركا لا من قريب ولا من بعيد.

فالاستشفاع بالنبي صلى الله عليه واله عليهم السلام امر محبب دعانا الله اليه لما لاولئك العظام من مكانة لا يسبقهم اليها سابق، ولا يلحقهم نحوها لاحق، لانهم الانوار التي شرف الله بها الوجود والى هذا يشير الشاعر والفيلسوف العربي المعري قائلا..

والشخوص التي اضاء سناها *** قبل خلق المريخ والميزان

قبل ان تحلق السموات والارض *** وتؤمر افلاكهن بالدوران(6)

ويقول نبينا صلى الله عليه واله: مكتوب على باب الجنة محمد رسول الله، علي اخو رسول الله قبل ان تخلق السموات بالفي عام"(7)

ص: 42


1- البحار، المجلسي، باب الشفاعة ج3ص301.
2- صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب1 ،ج7 ص145
3- صحيح مسلم، باب تفضيل نبينا على جميع الخلائق، ج7 ص59
4- كنز العمال، الشفاعة، ج7 ص214
5- م. ن. ج7 ص215. ومن هذه الروايات ما يزيد على ثنمانين رواية.
6- الشاعر الفيلسوف او العلاء المعري
7- الحاوي للفتاوي، السيوطي، ج2 ص104

ان زيارة عظماء الامة في مماتهم كزيارتهم حال حياتهم، كما تبين من الاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه واله الذي لا ينطق عن الهوى، فالزائر لهم يقف متأملا تلك الارواح الحاضرة ابدا في قدس الله تعالى وهي تسمع الكلام وترد السلام، ليؤدي واجبا شرعيا وسنة نبوية وسيرة سار العقلاء بموجبها عبر العصور تعظيما للشعائر واقتداء بالسنة واستلهاما لمعاني الفضيلة ليترجمها منهجا حياتيا متكامل المفردات.

لقد درج الناس تاسيا بالنبي صلى الله عليه واله على تكريم الاضرحة التي تحوي الاجساد الطاهرة للانبياء والائمة عليهم السلام، وهذا التكريم كتقبيل الاضرحة ليس المراد منه تقبيل البناء ، بل هو تكريم للمحتوى، كما فعل النبي (صلى الله عليه واله) ذلك مع الحجر الاسود.

اذ ورد عن ابن عمر قال: "كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يستلمه ويقبله، فقال السائل: ارايت ان زحمت؟ ارايت ان غلبت؟ قال: اجعل ارايت باليمن؟ رايت رسول الله (صلى الله عليه واله) يستلمه ويقبله"(1)

قال: رايت رسول الله (صلى الله عليه واله) فعل كذا"(2)

عن داود بن ابي صالح قال: "اقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر فاخذ برقبته وقال: اتدري ما تصنع؟ قال: نعم، فاقبل عليه فاذا هو ابو ايوب الانصاري (رضي الله عنه) فقال: جئت رسول الله (صلى الله عليه واله) ولم ات الحجر، سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول: لا تبكوا على الدين اذا وليه اهله ولكن ابكوا عليه اذا وليه غير اهله"(3)

واخرج الحافظ ابن عساكر: "ان فاطمة جاءت فوقفت على قبر رسول الله (صلى الله عليه واله) فاخذت قبضة من تراب القبر فوضعت على عينيها وبكت"(4)وعنه ايضا: "ان اعرابيا جاء الى قبر النبي (صلى الله عليه واله) وحث من ترابه على راسه وخاطبه وقال: وكان فيما انزل عليك: (ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاؤك)

ص: 43


1- البيان في تفسير القران، الامام الخوئي، ص520
2- م.ن
3- الحاكم في المستدرك، ج4 ص515
4- الغدير، الاميني، ج5 ص127- 128

وقد ظلمت وجئتك تستغفر لي، فنودي من القبر: قد غفر لك وكان هذا بمحضر امير المؤمنين"(1)

واخرج ايضا: "ان بلالا اتى قبر النبي (صلى الله عليه واله) وجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه فاقبل الحسن والحسين وجعل يضمهما ويقبلهما"(2)

لقد جرت سيرة العقلاء منذ عصر الصحابة الاولين والتابعين على زيارة قبور الانبياء والائمة والاولياء، وفي مقدمها قبر الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله) والصلاة والدعاء عندها، والتبرك بها، والتقرب الى الله في رحابها، حيث نقل عن علماء المسلمين ان النبي (صلى الله عليه واله) فضيلة وسنة مجمع عليها.

ف- (ما من يوم يطلع الا نزل سبعون الفا من الملائكة حتى يحفوا بقبره (ًصلى الله عليه واله) ويصلون عليه حتى اذا امسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك حتى اذا انشقت عنه الارض"(3)

يقول الشيخ تقي الدين السبكي في الشفاء ص96: "ان من المعلوم من الدين ويسير السلف الصالحين، فكيف بالانبياء المرسلين، ومن ادعى ان قبور الانبياء وغيرهم من اموات المسلمين سواء فقد اتى امرا عظيما نقطع ببطلانه وخطئه فيه ، وفيه حط لدرجة النبي (ًصلى الله عليه واله) الى درجة من سواه من المسلمين، وذلك كفر متيقن ، فان من حط رتبة النبي (صلى الله عليه واله) عما يجب له فقد كفر".

فقد روي عن ابي عبد الله محمد بن العلاء انه قال: "دخلت المدينة وقد غلب علي الجوع، فزرت قبر النبي (ًصلى الله عليه واله) وقلت : يا رسول الله جئت وبي من الفاقة والجوع ما لا يعلمه الا الله عز وجل، وانا ضيفك في هذه الليلة، ثم غلبني النوم، فرايت النبي (صلى الله عليه واله) في المنام فاعطاني رغيفا فأكلت نصفه ثم انتبهت من المنام وفي يدي نصفه الاخر، فتحقق عندي قول النبي (صلى الله عليه واله) من راني في المنام فقد راني

ص: 44


1- م.ن
2- م.ن
3- سنن الدارمي، ج1 ص44

حقا، فان الشيطان لا يتمثل بي ثم نوديت: يا ابا عبد الله لا يزور قبري احد الا غفر له ونال شفاعتي غدا"(1)

والى هذا المعنى اشار الشيخ شعيب الحريفييش بقوله:

من زار قبر محمد *** نال الشافعة في غد

بالله كرر ذكره *** وحديثه يا منشدي

واجعل صلاتك دائما *** جهرا عليه تهتدي

فهو الرسول المصطفى *** ذو الجود والكف الندي

وهو المشفع في الورى *** من هول يوم الموعد

والحوض مخصوص به *** في الحشر عذب المورد

صلى عليه ربنا *** ما لاح نجم الفرقد

ولقد الزهراء عليها السلام تردد:

قل للمغيب تحت اطباق الثرى

ان كنت تسمع صرختي وبكائيا

صبت علي مصائب الايام لو انها

صبت على الايام صرن لياليا

قد كنت ذات حمى بظل محمد

لا اخش من ضيم وكان جماليا

فاليوم اخشع للذليل واتقي

ضيمي وادفع ظالمي برادئيا

فاذا بكت قمرية في ليلها

شجنا على غصن بكيت صباحيا

فلاجعلن الحزن بعدك مؤنسي

ولاجعلن الدمع فيك وشاحيا

ماذا على من شم تربة احمد

ان لا يشم مدى الزمان غواليا

ص: 45


1- الشيخ شعيب الحريفيش، الروض الفائق ج2 ص138

فهذه سيدة نساء العالمين التي قال فيها ابوها (صلى الله عليه واله) "انما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما اذاها"(1)

وعنه (صلى الله عليه واله): "تبعث الانبياء يوم القيامة على الدواب ليوافوا بالمؤمنين من قومهم المحشر ويبعث صالح على ناقته وابعث على البراق خطوها عند اقصى طرفها وتبعث فاطمة امامي"(2)

الى غير ذلك من الاحاديث الصحيحة المتفق عليها عند عامة المسلمين، وهي العالمة العاملة بالتشريع ، وقد نزل في دارها وهي ادرى به من غيرها، تذهب لزيارة قبر ابيها (صلى الله عليه واله) ، وعمها حمزة (رضي الله عنه) ولو كان في زيارة القبور اشكال او منع لما كانت عليها السلام المبادرة الى اتيانها.

لقد تعاهد المسلمون على الزيارة وتوارثوا سننها وادابها، فهذا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري يزور قبر ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ، فعن الاعمش عن عطية العوقي قال: "خرجت مع جابر بن عبد الله الانصاري(رضي الله عنه) زائرا قبر الحسين (عليه السلام) فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطيء الفرات فاغتسل ثم إإتزر بإزار وارتدى باخر ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه لم يحط خطوة الا ذكر الله تعالى اذا دنا من القبر قال: يا عطية، فالمسته اياه فخر على القبر مغشيا عليه فرششت عليه شيئا من الماء، فلما افاق قال: يا حسين ثلاثا ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه ثم قال: وانى لك بالجواب وقد شخبت اوداجك على اثباجك وفرق بين بدنك وراسك اشهد انك ابن خير النبيين وابن سيد المرسلين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس اصحاب الكسا وابن سيد النقبا وابن فاطمة سيدة النسا ومالك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الايمان وفطمت بالاسلام فطبت حيا وطبت ميتا غير ان قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ولا شاكة في حياتك فعليك سلام الله ورضوانه واشهد انك مضيت عل ما مضى عليه اخوك يحيى بن زكريا

ص: 46


1- فضائل الخمسة من الصحاح السنة، ج3 ص122
2- مستدرك الصحيحين، ج3 ص153

(عليه السلام) ثم جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم ايتها الارواح التي حلت بفناء الحسين(عليه السلام) واناخت برحله اشهد انكم اقمتم الصلاة واتيتم الزكاة وامرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى اتاكم اليقين والذي بعث محمد بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

قال عطية: فقلت لجابر: وكيف ولم نهبط واديا ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين رؤوسهم وابدانهم واوتمت اولادهم وارملت الازواج؟!.

فقال لي: يا عطية سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول: من احب قوما حشر معهم ومن احب عمل قوم اشرك في عملهم والذي بعث محمدا (صلى الله عليه واله) بالحق نبيا ان نيتي ونية اصحابي على ما مضى عليه الحسين(عليه السلام) واصحابه"(1)

وقد تزامنت زيارة الصحابي الجليل جابر مع قدوم الركب الحسيني من بلاد الشام قاصدا مدينة الرسول (صلى الله عليه واله) مارا بكربلاء المقدسة.

قال عطية: "فبينما نحن كذلك واذا بسواد قد طلع علينا من ناحية الشام فقلت: يا جابر هذا سواد قد طلع علينا من ناحية الشام فقال جابر لعبده: انطلق الى هذا السواد وائتنا بخبره فان كانوا من اصحاب عمر بن سعد فارجع الينا لعلنا نلجأ الى ملجأ وان كان زين العابدين فانت حر لوجه لله تعالى. قال: فمضى العبد فما كان باسرع من ان رجع وهو يقول: يا جابر، قم واستقبل حرم رسول الله (ًصلى الله عليه واله) هذا زين العابدين قد جاء بعمامته واخواته"(2)فقام جابر يمشي حافي الاقدام مكشوف الراس الى ان دنا من زين العابدين(عليه السلام) فقال الامام لما وقع بصره على جابر بن عبد الله: يا جابر ههنا والله قتلت رجالنا وذبحت اطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا"(3)

وكانت هذه الزيارة الاولى لال بيت النبي(عليهم السلام) الى قبر ابي الشهداء(عليه السلام) ، فكان المأتم الاول، ومنه تعاهد الناس اقامة المأتم

ص: 47


1- المجالس السنية السيد محسن الامين، ج1 ص151-152
2- م.ن
3- م.ن

والزيارة في مختلف البقاع وهم يواسون ويعزون نبيهم بولده الامام الحسين سيد شباب اهل الجنة(عليه السلام) واهله واصحابه من المستشهدين بين يديه.

ان الامم العظيمة هي التي تستذكر الخالدين من ابناءها ذوي المواقف المتميزة مجسدة ذلك الاستذكار بطرائق شتى من معاني الاحترام ومن اولى من امة محمد (ًصلى الله عليه واله) سيد الكائنات بهذا الامر.

لقد اغنى الاسلام المحمدي الوجود بتراثه الفياض بالعلوم والاخلاق بوساطة رموز خلدها الدهر، وها هي الدنيا تنهل من ذلك المعين الذي لا ينضب الى قيام الساعة وفي مقدمة الرمز ائمة الهدى من اهل البيت(عليهم السلام) وما الزيارة الا تجسيدا لما تقدم من معاني عظيمة اذ دأب المسلمون وغيرهم الى عقد الندوات واقامة المهرجانات لاحياء ذكرى اولئك الافذاذ مستمدين بذلك طاقة للاستمرار على نهجهم مستوحين دروسا توصل حاضرهم بماضيهم المجيد ليعلموا الاجيال كيف تكون الحرية المضرجة بدماء الاحرار منارا يضيء للدنيا مشاعل الهداية.

ص: 48

الفصل الثالث : فقه الزيارة على المذاهب الخمسة

اشارة

فرض الله تعالى على العباد احكاما كلفهم بها وعن طريقها يعرف المؤمن من غيره والاحكام جمع حكم وهو خطاب الله سبحانه الذي يتعلق بافعال المكلفين وبيان ما يطلب منهم وسميت بالاحكام التكليفية ، لان فيها كلفة ومشقة على المامور وما الشريعة المحمدية المقدسة الا مجموعة احكام هدفها تنظيم سلوك الفرد بكل توجهاته ومنها علاقته بالموجودات المحيطة به ولا خلاف بين المسلمين في كون شريعة المصطفى (صلى الله عليه واله) هي الخاتمة للشرائع السابقة ، وان كل جيل جاء بعد البعثة النبوية المباركة مكلف بتطبيق الاحكام الالهية الى يوم القيامة. فالواجب على كل مكلف اذا معرفة احكامه ليتمكن من ان يجعلها واقعا عمليا في حياته اليومية.

والمكلف (هو الشخص الذي تعلق خطاب الشارع المقدس بفعله)(1)

وخطاب الشارع اما ان يكون امرا بفعل او نهيا عنه على نحو الالزام او على نحو الترجيح مستهدفا من تلكم الافعال مراعاة مصلحة العباد وداعيا الى ترك كل ما فيه مفسدة لهم في الدين والدنيا.

وهناك شروط عامة في المكلف المسلم، يجب توفرها جميعا وبدونها يسقط التكليف وهي:-

1- البلوغ

وهو لغة الوصول وشرعا الوصول الى حد من النضج الجسمي والعقلي يخول الشارع بتكليف ذلك البالغ بالتزام احكامه بشرط عدم وجود مانع كالجنون والجهل والعجز.

(ويبلغ الانسان الذكر مرتبة التكليف باحد امور:

الاول: الاثبات وهو ظهور الشعر الخشن على الوجه او في منطقة العانة، وهي فوق الذكر ومن جانبيه.

ص: 49


1- تيسير التحرير ج2 ص395.

الثاني: خروج المني سواء كان بالاحتلام ام بدونه، ولو في حال اليقظة.

الثالث: اكمال خمس عشرة سنة قمرية. اما في الانثى فتلبغ مرتبة التكليف باكمال تسع سنين قمرية)(1)

هذا عند الامامية. واما ما يحكى عن ابي حنيفة وما ينسب الى الشافعي فان البلوغ هو (اكمال ثماني عشرة سنة للغلام وسبع عشرة سنة للجارية)(2)

2- العقل

وقد عرفه صاحب القاموس المحيط بانه (قوة يكون بها التمييز بين القبيح والحسن)(3) وهو ما يقابل الجنون.

ولم يختلف المسلمون في استلزام هذين الشرطين لصحة التكليف، وقد رووا جميعا حديث الرفع عن النبي(صلى الله عليه واله) الاعظم، حيث قال: "رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقط، وعن الصبي حتى يحلم، وعن المجنون حتى يفيق"(4).

ان قدرة المكلف على اتيان الواجبات وترك المحرمات بمستطاعة للمكلف، وقد قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)(5)

فالذي يعجز عن اتيان الطاعة له المعذرية ويسقط عنه التكليف سواء اكان التكليف امرا والزاما بشيء قد عجز عنه كالمريض العاجز عن القيام في صلاته ام نهيا وتحريما لشيء قد عجز عن تركه كالغريق العاجز عن اجتناب الخطر.

وهذه الشروط اذا ارتفع اداها ارتفع بالتبع التكليف وبارتفاعه يرتفع العقاب على المخالفة وبتوفرها جميعا يصير الانسان مؤهلا للكتليف وعليه ان يسعى الى تحصيل احكامه الشرعية المنظمة لشؤون حياته باحد طرق ثلاثة، اما يكون مجتهدا، فيعمل باجتهاده، او يكون محتاطا او مقلدا، حتى لا يقع في مخالفة الواقع.

ص: 50


1- منهاج الصالحين، العبادات، السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم، ص5
2- الهداية ج3 ص284
3- القاموس المحيط ج4 ص18
4- الاشاد الساري في شرح صحيح البخاري، ج9 ص455
5- سورة البقرة: 286

وقد ورد انه (يجب على كل مكلف لم يبلغ رتبة الاجتهاد ان يكون في جميع عبادته ومعاملاته وسائر افعاله وتروكه مقلدا او محتاطا الا ان يحصل له العلم بانه لا يلزم من فعله او تركه مخالفة لحكم الزامي ولو مثل حرمة التشريع او يكون الحكم من ضروريات الدين او المذهب كما في بعض الواجبات والمحرمات وكثير من المستحبات والمباحات ويحصل له العلم الوجداني او الاطمئنان الحاصل من المناشيء العقلائية كالشياع او اخبار الخبير عليها بكونها منها)(1)

ومعنى ذلك ان الدين الاسلامي جاء عن الله تبارك وتعالى باوامر ونواه يسال العباد عنها، والوسيلة التي يعرف بها المكلف بانه قد ادى ما افترض عليه من فعل الامور المقربة الى الله تعالى وترك المخالفة اليه سبحانه.

1- مجتهدا في احكام الشريعة اي له القدرة العلمية على استخراج الحكم الشرعي من ادلته التفصيلية كالقران الكريم والسنة المطهرة والاجماع والعقل.

2- او محتاطا يستند في احتياطه الى عمله هو واجتهاده ا والى تقليد مجتهد بعينه.

ويعني الاحتياط اتيان المكلف بكل شيء يحتمل فيه الامر بالوجوب ولا يحتمل تحريمه مطلقا وتركه كل ما يحتمل النهي فيه والتحريم ولا يحتمل فيه الوجوب على الاطلاق.

3- او يكون مقلدا لمن هو اهل للتقليد والاقتداء به من المجتهدين العاملين.

وهذا كله في غير الضروريات اي البديهيات التي لا تحتاج الى تفكير والمسلمات الواضحة كوجوب الفرائض من صلاة وصوم وحرمة الزنا والربا وكالمسائل القطعية التي يمكن العلم بها بلا جهد ودرس كبعض الواجبات كوجوب النفقة على الابوين ووجوب العدة على زوجة المتوفي ومثل استحباب الاذكار والادعية وصلاة الليل واباحة الاكل المحلل كالعنب وغيره فان هذا النوع من الاحكام لا يخضع لاجتهاد او حتياط او تقليد.

ص: 51


1- منهاج الصالحين، العبادات، السيد علي السيستاني ص9

ولا تقليد ايضا في تطبيق الكليات على افرادها ومصاديقها الخارجية عند الشك هل السائل امامه خمر او ماء.

وكل عمل للمكلف بغير هذه الطرق باطل لا فائدة ترتجى منه الا اذا كان ذلك العمل مطابقا لرأي المجتهد الواجب عليه تقليده بشروطه المعتبرة والمذكورة في جميع كتب الفقه.

ولا تقليد في اصول الدين وهي التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد، لان الانسان مدعو فيها الى اعمال نظره وفكره للوصول الى حقيقتها ومعرفتها عن طريق العلم الجازم بها.

لهذا كله يكون على المكلف واجب معرفة الاحكام الشرعية حتى يعمل بها وفق منهج القران والسنة، وقد قسم الاصوليون الحكم التكليفي الى خمسة اقسام باستثناء الاحناف وهي..

1- الوجوب 2- الندب 3- التحريم 4- الكراهة 5- الاباحة

اما الاحناف فقد قسموا الحكم التكليفي الى ثمانية اقسام وهي:-

(1- الفرض 2- الواجب 3- الحرمة 4- السنة المؤكدة 5- السنة غير المؤكدة 6- كراهة التحريم 7- الكراهة التنزيهية 8- الاباحة)(1)

فالواجب ما فرض الله سبحانه فعله على المكلفين مع عدم اذنه بتركه، كالصوم والصلاة وضرورة اقتضاء الذات عينها لاشتغال الذمة بها ومنه الوجوب الشرعي الذي يستحق تاركه الذم والعقاب.

والمندوب ما حث الله تعالى المكلفين على فعله مع اذنه بتركه فهو الفعل الذي يرجح اتيانه على تركه كقراءة القران واطعام الطعام.

واما الحرام فهو ما نهى الله تبارك وتعالى المكلفين عنه مع عدم اذنه بفعله كالفواحش لقوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)(2)

والمكروه ما يجوز فعله، ولكن يرجح تركه والابتعاد عنه.

والمباح ما اباح الله فعله وتركه كالاكل والشرب ونكاح اكثر من زوجة الى اربع.

ص: 52


1- مباحث الحكم عند الاصوليين ج1 ص63 وما بعدها.
2- سورة الانعام: 151

ووفقا لتقسيم الحكم التكليفي، نجد ان المندوبات تاتي بعد الواجبات مباشرة، وقد حث الاسلام كثيرا على ضرورة التزود من الاعمال المستحبة والتي يؤجر الانسان على الاتيان بها بما لا عين رأت ولا اذن سمعت، وقد ورد في فضل صلاة الليل مثلا، وهي من الاعمال المندوبة، ان اقامتها من علائم الايمان، مضافا الى يستتبعها من اثر وضعي يؤثر في السلوك والتوجهات نحو الكمال والرقي النفسيين، وقد وردت ايات كثيرت تشير اليها، منها..

قوله تعالى:(كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(1)

وقوله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)(2)

وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)(3)

وقوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)(4)

وقوله (صلى الله عليه واله): "شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناؤه عن الناس"(5)

"من صلى منكم بالليل فليهجر بقراءته فان الملائكة تصلي بصلاته وتسمع لقراءته، وان مؤمني الجن الذين يكونون في الهواء وجيرانه معه في مسكنه يصلون بصلاته ويستمعون قراءته. وانه ينطرد بجهره بقراءته عن داره وعن الدور التي حوله فساق الجن ومردة الشياطين"(6).

وعنه (صلى الله عليه واله): "حسب الرجل من الخيبة ان يبيت ليلة لا يصلي فيها ركعتين ولا يذكر الله فيها حتى يصبح"(7).

ص: 53


1- سورة الذاريات: 17-18
2- سورة الزمر: 9
3- سورة الفرقان: 64
4- سورة الاسراء: 79
5- ارشاد القلوب، ج1
6- الحاوي للفتاوي، السيوطي، ج2 ص30
7- ارشاد القلوب، ج1

ويقول (صلى الله عليه واله): "ان الله يقول: لا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل مخلصا لي حتى احبه، فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ان سألني اعطيه وان استعاذني اعذته"(1).

ولا شك ان من افضل النوافل والاعمال المقربة اليه تعالى ذكر النبي (صلى الله عليه واله) واله الاطهار عليهم السلام وزيارتهم واداء ما وجب علينا تجاههم تلبية لنداء القران والسنة، فمن المسلمين لا يرغب في قربه تعالى.

فهذا عالم مصر ومفتيها ومحدثها في عصره جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر بن محمد السيوطي يقول: "حياة النبي (صلى الله عليه واله) في قبره هو وسائر الانبياء معلومة عندنا علما قطعيا لما قام عندنا من الادلة في ذلك وتواترت به الاخبار، وقد الف البيهقي جزءا في حياة الانبياء في قبورهم"(2)

ثم يقول: "فهذه الاخبار دالة على حياة النبي (صلى الله عليه واله) وسائر الانبياء، وقد قال تعالى في الشهداء: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)

والانبياء اولى بذلك فهم اجل واعظم وما بني الا وقد جمع مع النبوة وصف الشهادة فيدخلون في عموم لفظ الاية"(3)

وفي التذكرة يقول القرطبي في حديث الصعقة نقلا عن شيخه: "الموت ليس بعدم محض، وانما انتقال من حال الى حال، ويدل على ذلك ان الشهداء بعد قتلهم احياء يرزقون فرحين مستبشرين، وهذه صفة الاحياء في الدنيا، واذا كان هذا في الشهداء، فالانبياء احق بذلك واولى، وقد صح ان الارض لا تأكل اجساد الانبياء، وانه (صلى الله عليه واله) اجتمع بالانبياء ليلة الاسراء في بيت المقدس، وفي السماء وراى موسى (عليه السلام) قائما يصلي في قبره واخبر صلى الله عليه واله بانه يرد السلام على كل من يسلم عليه الى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بان موت الانبياء انما هو راجع الى ان

ص: 54


1- م.ن
2- الحاوي للفتاوي، ج2 ص264
3- م.ن ص266-267 والاية في سورة ال عمران: 169

غيبوا عنا بحيث لا ندركهم، وان كانوا موجودين احياء وذلك كالحال في الملائكة، فانهم موجودن احياء ولا يراهم احد من نوعنا الا من خصه الله بكرامته من اوليائه"(1).

ان (الاولياء ترد عليهم احوال يشاهدون فيها ملكوت السموات والارض وينظرون الانبياء احياء غير اموات، كما نظر النبي (صلى الله عليه واله) الى موسى عليه السلام في قبره، قال: وقد تقرر ان ما جاز الانبياء معجزة جاز للاولياء كرامة)(2).

وفي مقدمة اولئك الاولياء ال النبي (صلى الله عليه واله) الذي قال القران في حق سيدهم امير المؤمنين عليه السلام: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(3).

وقد اشار الى ذلك شاعر الرسول (صلى الله عليه واله) حسان بن ثابت بقوله:

ابا حسنٍ تفديك نفسي ومهجتي

وكل بطيئ في الهوى ومسارع

فانت الذي اعطيت اذ كنت راكعا

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

ايذهب مدحي في البرية ضائعا

وما المدح في جنب الاله بضايع

فانزل فيك الله خير ولاية

وبينها في محكمات الشرايع

فهم اولياء الله حقا وصدقا، الذين قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى: "يوشك ا نياتي

ص: 55


1- م.ن ص267
2- م.ن ص268-269
3- سورة المائدة: 55

رسول ربي فاجيب واني تارك فيكم الثقلين اولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، واهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي، اذكركم الله في اهل بيتي"(1).

ان التمسك بالكتاب والعترة واجب على كل مسلم يقتضي منهم التواصل معهما ضمانة للدين والدنيا، وسيرا وفق منهجهما عملا وسلوكا، فالعترة الطاهرة عدل الكتاب، واحدهما يكمل الاخر، ولا يمكنهما ان ينفكا عن بعضهما ابدا حتى يردا على رسول الله(صلى الله عليه واله) الحوض، مما ينبغي على المسلمين التواصل معهما بتعاهدهما واستذكارهما، فتعاهد القران احترامه وتلاوته والتمعن والتفكر في معانيه ومضامينه واستلهام دروسه.

واما تعاهد العترة الطاهرة فيكون باحياء امرها والتوجه بها اليه تعالى وزيارة مقاماتها والدعاء والصلاة عندها لانها بقاع يحبها الله جل شانه وهي محال رحماته واستجابة الدعوات من قبله عز وجل.

يقول الجرجاني الشافعي بعد ذكره جملا من تعظيم النبي (صلى الله عليه واله): "فاما اليوم فمن تعظيمه زيارته"(2)

وقال اقضى القضاة ابو الحسن الماوردي المتوفى سنة405: "فاذا عاد ولي الحاج سار بهم على طريق المدينة لزيارة قبر رسول الله رعاية لحرمته وقياما بحقوق طاعته، وذلك وان لم يكن من فروض الحج فهو من مندوبات الشرع المستحب وعبادات الحجيج المستحسنة"(3).

وعنه في الحاوي: "اما زيارة قبر النبي (صلى الله عليه واله) فمأمور بها ومندوب اليها". وحكى عبد الحق بن محمد الصقلي المتوفى 466 في كتابه تهذيب الطالب عن الشيخ ابي عمران المالكي انه قال: "انما كره مالك ان يقال زرنا قبر النبي (صلى الله عليه واله) لان الزيارة عمن شاء فعلها ومن شاء تركها وزيارة قبر النبي واجبة".

وعن الامام القدوة ابن الحاج محمد بن محمد العبدري القيرواني المالكي المتوفي سنة 737 انه قال: "واما عظيم جناب الانبياء والرسل صلوات الله

ص: 56


1- صحيح مسلم، باب فضائل علي، ج5ص122/ صحيح الترمذي ج5ص328/ مستدرك الحاكم ج3 ص148، مسند الامام احمد بن حنبل ج3ص17
2- الجرجاني الشافعي، المتوفي سنة403، المنهاج في شعب الايمان.
3- الاحكام السلطانية ص155

وسلامه عليهم اجمعين فيأتي اليهم الزائر ويتعين عليه قصدهم من الاماكن البعيدة، فاذا جاء اليهم فليتصف بالذل والانكسار والمسكنة والفقر والفاقة والحاجة والاضطرار والخضوع ويحضر قلبه وخاطره اليهم والى مشاهدتهم بعين قلبه لا بعين بصره لانهم لا يبلون ولا يتغيرون ثم يثني على الله تعالى بما هو اهله ثم يصلي عليهم ثم يتوسل الى الله تعالى بهم في قضاء ماربه ومغفرة ذنوبه ويستغيث بها ويطلب حوائجه منهم ويجزم بالاجابة ببركتهم ويقوي حسن ظنه في ذلك فانهم باب الله المفتوح وجرت سنة الله سبحانه بقضاء الحوائج على ايديهم وبسببهم. ومن عجز عن الوصول فليرسل بالسلام عليهم ويذكر ما يحتاج اليه من حوائجه ومغفرة ذنوبه وستر عيوبه الى غير ذلك فانهم السادة الكرام لا يردون من سالهم ولا من توسل بهم ولا من قصدهم ولا من لجأ اليهم"(1).

يقول الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي المتوفي سنة756:

" لا حاجة الى تتبع كلام الاصحاب في ذلك مع العلم باجماعهم واجماع سائر العلماء عليه والحنفية قالوا: ان زيارة قبر النبي (صلى الله عليه واله) من افضل المندوبات والمستحبات، بل يقرب من درجة الواجبات"(2)

و (كيف يتخيل في احد السلف منعهم من زيارة المصطفى (صلى الله عليه واله) وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى)(3).

(ثم يحكي عن القاضي عياض وابي زكريا النووي اجماع العلماء والمسلمين على استحباب الزيارة)(4)

ويقول: "واذا استحب زيارة قبر غيره (صلى الله عليه واله) فقبره اولى لما له من الحق، ووجوب التعظيم، فان قلت: الفرق (يعني بين زيارة قبر النبي وغيره) ان غيره يزار للاستغفار له لاحتياجه له كما فعل النبي(صلى الله عليه واله) في زيارته اهل البقيع والنبي (صلى الله عليه واله) مستغن عن ذلك قلت: زيارته (صلى الله عليه واله) انما هي لتعظيمه والتبرك به ولتنالنا

ص: 57


1- المدخل ج1 ص257
2- شفاء السقام في زيارة خير الانام ص48
3- م.ن ص59
4- م.ن ص61

الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه، كما انا مأمورون بالصلاة عليه والتسليم وسؤال الوسيلة وغير ذلك.

فان قلت: الفرق ايضا ان غيره لا يخشى فيه محذور وقبره (صلى الله عليه واله) يخشى الافراط في تعظيمه ان يعبد قلت: هذا كلام تقشعر منه الجلود ولولا خشية اغترار الجهال به لما ذكرته فان فيه تركا لما دلت عليه الادلة الشرعية بالاراء الفاسدة الخيالية، وكيف تقدم على تخصيص قوله(صلى الله عليه واله): "زوروا القبور؟ وعلى ترك قوله: من زار قبري وجبت له شفاعتي؟ وعلى مخالفة اجماع السلف والخلف بمثل هذا الخيال الذي لم يشهد به كتاب ولا سنة بخلاف النهي عن اتخاذه مسجدا وكون الصحابة احترزوا على ذلك المعنى المذكور، لان ذلك قد ورد النهي فيه وليس لنا ان نشرع احكاما من قبلنا : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ).

فمن منع زيارة قبر النبي (صلى الله عليه واله) فقد شرع من الدين والتعظيم والوقوف عند الحد الذي لا يجوز مجاوزته بالادلة الشرعية، وبذلك يحصل الامر من عبادة غير الله تعالى ومن اراد ضلالة من افراد من الجهال فلن يستطيع احد هدايته فمن ترك شيئا من التعظيم المشروع لمنصب النبوة زاعما بذلك الادب مع الربوبية، فقد كذب على الله تعالى وضيع ما امر به في حق رسله، وليس في الزيارة المشروعة من التعظيم ما يقضي الى محذور"(1)

ويضيف الشيخ السبكي: "ان السفر الى الزيارة قربة مثبتا ذلك بالكتاب الكريم والسنة والاجماع والقياس"(2)

وقد استدل على ذلك بقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)(3). بتقريب صدق المجيء وعدم فرق بين حياته (صلى الله عليه واله) ومماته.

ص: 58


1- شفاء السقام، تقي الدين السبكي الشافعي ص63
2- م.ن ص63
3- سورة النساء: 64

ومن السنة بالعموم قوله (صلى الله عليه واله) : "من زار قبري .." وصريح صحيحه ابن السكن: "من جاءني زائرا لا تعمله حاجة الا زيارتي...".

وبما دل من السنة على خروج النبي من المدينة لزيارة القبور واذا جاز الخروج الى القريب جاز الى البعيد، فقد ثبت في الصحيح خروجه (صلى الله عليه واله) الى البقيع"(1)

(بامر من الله وتعليم عائشة كيفية السلام على اهل البقيع وخروجه الى قبور الشهداء)(2).

ثم قال: "الرابع الاجماع لاطباق السلف والخلق فان الناس لم يزالوا في كل عام اذا قضوا الحج يتوجهون الى زيارته (صلى الله عليه واله) ومنهم من يفعل ذلك قبل الحج هكذا شاهدناه وشاهده من قبلنا وحكاه العلماء عن الاعصار القديمة وذلك امر لا يرتاب فيه وكلهم يقصدون ذلك ويعرجون اليه وان لم يكن طريقهم ويقطعون فيه مسافة بعيدة وينفقون فيه الاموال ويبذلون فيه المهج معتقدين ان ذلك قربة وطاعة.

واطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الارض ومغاربها على مر السنين وفيهم العلماء والصلحاء وغيرهم يستحيل ان يكون خطأ وكلهم يفعلون ذلك على وجه التقرب الى الله عز وجل ومن تاخر عنه من المسلمين فانما يتأخر بعجز او تعويق المقادير مع تأسفه عليه ووده لو تيسر له ومن ادعى ان هذا الجمع العظيم مجمعون على خطأ فهو المخطيء"(3).

وعن السيد نور الدين السمهودي المتوفي سنة 911ه- (اجمع العلماء على استحباب زيارة القبور للرجال، كما حكاه النووي، بل قال بعض الظاهرية بوجوبها، وقد اختلفوا في النساء، وقد امتاز القبر الشريف بالادلة الخاصة،

ص: 59


1- شفاء السقام، ص63
2- م.ن
3- شفاء السقام، ص75 وما بعدها.

قال السبكي: ولهذا اقول انه لا فرق في زيارته(صلى الله عليه واله) بين الرجال والنساء"(1).

وقد اضاف الدمنهوري الكبير اليه : "قبور الاولياء والصالحين والشهداء ثم بسط القول في ان السفر للزيارة قربة كالزيارة نفسها"(2).

اما ابو عمران الفاسي، فقد قال في المدخل عن تهذيب الطالب، وهو كم المالكية انها واجبة، وعلى مذهب الشافعي تستحب زيارة القبور للرجال، واما النساء فعلى كراهة.

وقال ابن كج: اذا نذر زيارة قبر النبي (صلى الله عليه واله) لزمه الوفاء وجها واحدا. (وبالجملة فزيارة قبره (صلى الله عليه واله) من اعظم الطاعات وافضل القربات حتى ان بعضهم جرى على انها واجبة فينبغي ان يحرص عليها وليحذر كل الحذر من التخلف عنها مع القدرة وخصوصا بعد حجة الاسلام لان حقه على امته عظيم ولو ان احدهم يجيء على راسه او على بصره من ابعد موضع من الارض لزيارته (صلى الله عليه واله) لم يقم بالحق الذي عليه لنبيه ويسن لمن قصد المدينة الشريفة زيارة السيدة فاطمة واهل البقيع والمزارات المشهورة وهي نحو ثلاثين موضعا"(3).

ولقد ذكر الشيخ عبد الباسط بن الشيخ الكافوري مفتي بعض اداب الزيارة منها السلام على النبي(صلى الله عليه واله) واشار الى استحباب التبرك بالاسطوانات التي لها فضل وشرف وهي ثمانية..

اسطوانة محل صلاته (عليه السلام) واسطوانة القرعة، واسطوانة التوبة ، محل اعتكافه (صلى الله عليه واله)، واسطوانة السرير، واسطوانة علي (كرم الله وجهه). واسطوانة الوفود، واسطوانة جبرائيل (عليه السلام) ، واسطوانة التهجد)(4).

ص: 60


1- وفاء الوفاء للسمهودي ج2 ص412
2- م.ن
3- مصابيح الظلام، ج2 ص145
4- الكفاية لذوي العناتين ص125.

وقال الفقهاء المذاهب الاربعة المصريين: زيارة قبر النبي (صلى الله عليه واله) افضل المندوبات وقد ورد فيها احاديث ثم ذكروا ستة من الاحاديث وجملة من ادب الزائر وزيارة للنبي (صلى الله عليه واله)(1).

واختلف فقهاء المذاهب الاربعة في تقديم اي من الحج والزيارة على الاخر في (ان الافضل البداءة بالمدينة قبل مكة او بمكة قبل المدينة)(2).

وذكر الخلاف فيها الامام احمد في كتابه (المناسك الكبير)، وعن عطاء ومجاهد (اذ اردت مكة فلا تبدأ بمكة واذا قضيت حجك فامرر بالمدينة ان شئت، وعن الاسود انه قال: احب ان يكون نفقتي وجهازي وسفري ان ابدأ بمكة وعن ابراهيم النخعي اذا اردت مكة فاجعل كل شيء لها تبعا.

وعن ابي حنيفة: (انه كان الحج فرضا فالاحسن للحاج ان يبدأ بالحج ثم يثني بالزيارة، وان بدأ بالزيارة جاز وان كان الحج نفلا فهو بالخيار فيبدأ بأيهما شاء)(3).

ما يخص بالزيارة وان استوجر على حجة مضمونة في ذمته فهاهنا يرجع ويزور وقالت الشافعية: ان الاستيجار والجعالة ان وقعا على الدعاء عند قبر النبي (صلى الله عليه واله) او على ابلاغ السلام فلا شك في جواز الاجارة والجعالة وان كانا على الزيارة لا يصح"(4).

قال الشيخ الاميني (قدس سره): "ذكر ابو منصور الكرماني الجنفي والغزالي في (الاحياء) والفاخوري في (الكفاية) وشرنبلالي في مرافي الفلاح والسبكي والسمهودي والقسطلاني والحمزاوي العدوي وغيرهم ان النائب يقول: السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان يستشفع بك الى ربك بالرحمة والمغفرة فاشفع له"(5).

وفي ذكر وصف زيارة قبره (صلى الله عليه واله) يقول ابن بطة في كتابه الابانة

ص: 61


1- الفقه على المذاهب الاربعة ج1 ص590
2- شفاء السقام ص42
3- شرح المشكاة، الشيخ علي القارئ ج3 ص284
4- شفاء السقام ص50
5- الغدير، الاميني ج5 ص128

:"ثم تاتي القبر فتستقبله وتجعل القبلة وراء ظهرك"(1).

(واما النذر للمشي الى المسجد، ا والى مكة، فله اصل في الشرع وهو الحج والعمرة والى المدينة لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه واله) افضل من الكعبة ومن بيت المقدس، وليس عندهم حج ولا عمرة، فاذا نذر الى هذه الثلاثة لزمه، فالكعبة متفق عليها، واختلف اصحابنا وغيرهم في المسجدين الاخرين) ، هذا ما قاله العبدري المالكي في شرح رسالة ابن ابي زيد.

وقال ابن الحجاج في اشارة الى ما ذكر انفا. (وهذا الذي قال مسلم صحيح، لا يرتاب فيه الا مشرك او معاند لله ولرسوله (صلى الله عليه واله)"(2).

ومما تقدم فان (زيارة قبر النبي (صلى الله عليه واله) قربة لحث الشارع عليها وترغيبه فيها فيلزم القطع بلزومها بالنذر الحاقا بها بالعبادات المقصودة التي لا يؤتي بها الا على وجه العبادة كالصلاة والصدقة والصوم والاعتكاف"(3).

وافترقت الامامية الى فرقتين في مسالة الزيارة، فبعض اوجبها ولو لمرة واحدة، والاخر قال بانها من المستحبات المؤكدة، وقد اورد انه: "يستحب استحبابا اكيدا لكافة الناس ولا سيما للحجاج ان يتشرفوا بزيارة الروضة الطاهرة والعتبة المنورة لمفخرة الجهر مولانا سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وترك زيارته جفاء في حقه يوم القيامة.

وقال الشهيد (رحمه الله): فان ترك الناس زيارته جفاء محرم، وروى الصدوق عن الصادق(عليه السلام): اذا حج احدكم فليختم حجه بزيارتنا، لان ذلك من تمام الحج، وروى ايضا عن امير المؤمنين (عليه السلام) قال: اتموا برسول الله حجكم، فان تركه بعد الحج جفاء، وبذلك امرتم واتموه بالقبور التي الزمكم الله عز وجل وحقها واطلبوا الرزق عندها.

ص: 62


1- شفاء السقام ص45
2- المدخل ج1 ص256
3- شفاء السقام ص53

ورى ايضا عن ابي الصلت الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام) : يا بن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه اهل الحديث ان المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة، ويعني الراوي بسؤاله ان الرواية ان صحت فما معناها وهي بظاهرها تحتي على ما لا يستقيم مع الاعتقاد الحق فاجابه (عليه السلام) فقال يا ابا الصلت، ان الله تبارك وتعالى فضل محمدا (صلى الله عليه واله) على جميع خلقه من النبيين والملائكة وجعل طاعته طاعته ومبايعته مبايعته وزيارته زيارته، فقال الله عز وجل: (من يطع الرسول فقد اطاع الله) وقال : (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم) وقال (صلى الله عليه واله) من زارني في حياتي او بعد مماتي فقد زار الله تعالى...".

وروى الحميري في قرب الاسناد عن الصادق(عليه السلام) عن النبي صلى الله عليه واله قال: من زارني حيا او ميتا كنت له شفيعا يوم القيامة وفي الحديث انه شهد الصادق(عليه السلام) عيدا بالمدينة فانصرف فدخل على النبي صلى الله عليه واله فسلم عليه ثم قال: لمن حضره، اما لقد فضلنا على اهل البلدان كلهم بمكة فمن دونها لسلامنا على رسول الله صلى الله عليه واله وروى الطوسي رحمه الله في التهذيب عن يزيد بن عبد الملك عن ابيه عن جده انه قال: دخلت على فاطمة (سلام الله عليها) فبدأتني بالسلام، ثم قالت: انه من سلم عليه وعلي ثلاثة ايام اوجب الله له الجنة، قلت لها: في حياته وحياتك؟ قالت: نعم، وبعد موتنا.

قال العلامة المجلسي رحمه الله: روي في حديث معتبر عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: من زار الحسن عليه السلام بالبقيع ثبت قدمه على الصراط يوم تزول الاقدام وفي المقعنة عن الصادق عليه السلام: من زارني غفرت له ذنوبه ولم يصب بالفقر والفاقة" وروى الطوسي في التهذيب عن الامام الحسن العسكري عليه السلام قال: "من زار جعفر الصدق واباه لم يشك عينه ولم يصبه سقم ولم يمت مبتلى".

وروى ابن قولويه في الكامل في حديث طويل عن هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام انه اتاه رجل فقال : "هل يزار والدك؟ فقال: نعم، قال:

ص: 63

فما لمن زاره؟ قال: الجنة ان كان يأتم به، قال: فما لمن تركه رغبة عنه؟ قال: الحسرة يوم الحسرة"(1).

ولذلك (يستحب للحاج استحبابا مؤكدا ان يكون رجوعه من طريق المدينة المنورة ليزور الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله) والصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) وائمة البقيع (سلام الله عليهم اجمعين)(2).

واما ما يتعلق بالنذر ف- (لو نذر ان يحج او يزور الحسين عليه السلام ماشيا انعقد مع القدرة وعدم الضرب، فلم حج او زار راكبا مع القدرة على المشي فان كان النذر مطلقا ولم يعين الوقت اعاده ماشيا، وان عين وقتا وفات الوقت حنث بلا اكشال ولزمته الكفارة وهل يجب مع ذلك القضاء ماشيا ام لا؟ وجهان اقواهما العدم)(3).

(ولابد في متعلق اليمين والنذر والعهد من ان يكون مقدورا في وقته لم تنعقد، وان اعتقد المكلف القدرة عليه ثم ظهر عدمها انكشف عدم الانعقاد من اول الامر، اما اذا تجدد العجز عنه في اثناء وقته قبل الوفاء كما لو نذر مثلا ان يزور الحسين عليه السلام في شهر رمضان فتجدد العجز عن الزيارة من نصف شهر رمضان الى اخره، فهو لا يمنع من انعقاد اليمين والنذر والعهد، بل يوجب انحلالها من حينه، وحينئذ ان ظهرت امارات العجز قبل وقته وجبت المبادرة للاداء ما دام قادرا فان عامدا كان حانثا ووجب الكفارة، وان لم تظهر امارات العجز حتى فاجأه كان من الحنث غير المتعمد الذي لا كفارة فيه)(4).

و (لو نذر زيارة احد الائمة عليهم السلام او بعض الصالحين لزم ويكفي الحضور والسلام على المزور والظاهر عدم وجوب غسل الزيارة وصلاتها مع الاطلاق وعدم ذكرهما في النذر، وان عين اماما لم يجز زيارة غيره وان كانت زيارته افضل، كما انه اذا عجز عن زيارة من عينه لم يجب زيارة

ص: 64


1- مفاتيح الجنان ص467
2- الامام السيد السيستاني، مناسك الحج ص358
3- الامام السيد السيستاني، منهاج الصالحين ج3 ص235
4- الاحكام الفقهية، فتاوى السيد محمد سعيد الحكيم ص408

غيره بدلا عنه، وان عين للزيارة زمانا تعين، فلو تركها في وقتها عامدا حنث، وتجب الكفارة، وهل يجب معها القضاء ام لا؟ وجهان اقواهما العدم)(1).

و(ليس لمن نذر الحج او الزيارة ماشيا ان يركب البحر او يسلك طريقا يحتاج الى ركوب السفينة ونحوها، ولو لاجل العبور من النهر ونحوه الا اذا كان الطريق المتعارف برا منحصرا فيما يستوقف على ذلك ولو انحصر الطريق في البحر ، فان كان النذر موقتا لم ينعقد من الاول، وان كان مطلقا وتوقع فتح الطريق البري فيما بعد انتظر والا لا شيء عليه اذا كان المشي ملحوظا في نذره على نحو يتعدد المطلوب، لزمه في الصورتين الاتيان بالحج او الزيارة راكبا بعد تعذر المشي)(2).

و(لو طرأ لناذر المشي عنه في بعض الطريق دون البعض، فالاحوط وجوبا ان يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في البعض الاخر، ولا شيء عليه على الاقوى ولو اضطر الى ركوب السفينة فالاحوط الاولى ان يقوم فيها بقدر الامكان)(3).

و(من نذر شيئا للكعبة او المشهد، فان امكن الانتفاع به بعينه ي مصالح الكعبة او المشهد من سراج وفراش وتنظيف وعمارة، تعين والا بيع وصرف ثمنه في ذلك، وان تعذر الانتفاع به في ذلك ولو لظهور خيانة السدنة او عجزهم عن الحفظ بوجه متعارف صرف للمتحاجين من القاصدين والزائرين للكعبة والمشهد في الطعام ونفقة الطريق ونحوهما.

اما مع نذر المال للنبي (صلى الله عليه واله) او الامام عليه السلام او الولي بشخصه فانه ينفق في القربات والمبرات ويجعل ثوابها للمنذور له الا ان يكون الناذرة قد قصد وجها اخر من الانفاق فيتبع قصده، نعم نفوذ النذر في جميع ذلك مشروط بجعله لله تعالى والا جرى عليه حكم النذر لغير الله تعالى المتقدم)(4).

ص: 65


1- منهاج الصالحين، السيد السيستاني ج3 ص235
2- ن.م
3- ن.م ص236
4- الاحكام الفقهية ص410- 411

الفصل الرابع : في اداب الزيارة

ذكر المسلمون ادابا ينبغي مراعاتها عند الزيارة، فقد افرد جمال الدين عبد الله الفاكهي المكي الشافعي المتوفى سنة927 اداب زيارة النبي (صلى الله عليه واله) بالتاليف وسماه (حسن التوسل في اداب زيارة افضل الرسل) جمع فيها اربعا وتسعين ادبا من اداب الزائر، ولكن القدر المشترك عند فقهاء المذاهب الاربعة من الاداب الاتي:

1- اخلاص النبية وخلوص الطوية فانما الاعمال بالنيات فينوي التقرب الى الله تعالى بزيارة رسول الله(صلى الله عليه واله) ويستحب ان ينوي مع ذلك التقرب بالمسافرة الى مسجده(صلى الله عليه واله) وشد الرحال اليه والصلاة فيه(1).

2- ان يكون الزائر دائم الاشواق الى زيارة الحبيب الشفيع.

3- ان يقول اذا خرج من بيته : "بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة الا بالله اللهم اليك خرجت وانت اخرجتني اللهم سلمني وسلم مني وردني سالما في ديني كما اخرجتني اللهم اني اعوذ بك ان اضل او اضل او اذل او اذل او اظلم او اظلم او اجهل او يجهل علي عز جارك وجل ثناؤك وتبارك اسمك ولا اله غيرك".

4- الاكثار في المسير من الصلاة والتسليم على النبي(صلى الله عليه واله).

5- يتبع ما في طريقه من المساجد والاثار النبوية الى النبي (صلى الله عليه واله) فيحييها بالزيارة ويتبرك بالصلاة فيها.

6- اذا دنى من الحرم وشاهد اعلامها ورباها واكامها فليستحضر وظائف الخضوع وان كان على دابة فلا بأس بالترجل والمشي عند رؤية ذلك المحل الشريف وقد قال ابو سليمان دواد المالكي في

ص: 66


1- قال ابن الصلاح والنووي من الشافعية ونقله شيخ الحنفية الكمال بن الهمام عن مشايخهم

الانتصار: "ان ذلك يتأكد فعله لمن امكنه من الرجال وانه يستحب تواضعا لله تعالى واجلالا لنبيه (صلى الله عليه واله)".

7- اذا بلغ حرم المدينة فليقل بعد الصلاة والتسليم:

" اللهم هذا حرم رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي حرمته على لسانه ودعاك ان تجعل فيه من الخير والبركة مثلي ما في حرم البيت الحرام فحرمني على النار وامني من عذابك يوم تبعث عبادك وارزقني من بركاته ما زرقته اولياءك واهل طاعتك ووفقني لحسن الادب وفعل الخيرات وترك المنكرات" ثم تشتغل بالصلاة والتسليم.

قال الغزالي: (اذا وقع بصره على حيطان المدينة واشجارها قال: اللهم هذا حرم رسولك فاجعله لي وقاية من النار وامانا من العذاب وسوء الحساب)(1)

8- ان كانت طريقه على ذي الحليفة فلا يجاوز المعرس حتى ينخ به.

9- الغسل لدخول المدينة المنورة من بئر الحرة او غيرها والتطيب ولبس الزائر احسن ثيابه وقال الكرماني من الحنفية فان لم يغتسل خارج فليغتسل بعد دخولها.

10- ان يقول عند دخوله من باب البلد: "بسم الله ما شاء الله لا قوة الا بالله ردب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا حسبي الله امنت بالله توكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله اللهم اني اسالك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا اليك فاني لم اخرج بطرا ولا اشرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك اسأل كان تنقذني من النار وان تغفر لي ذنوبي انه لا يغفر الذنوب الا انت".

11- لزوم الخشوع والخضوع لما شاهد القبة مستحضرا عظمتها يمثل في نفسه مواقع اقدام رسول الله فلا يضع قدمه عليه الا مع الهيبة والسكينة والوقار.

ص: 67


1- احياء علوم الدين ج1 ص246

12- عدم الاخلال بشيء مما امكنه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب عند انتهاك حرمة من حرمه او تضييع شيء من حقوقه.

13- اذا شاهد المسجد والحرم الشريف فلزدد خضوعا وخشوعا يليق بهذا المقام ويقتضيه هذا المحل الذي ترتعد دونه الاقدام ويجتهد في ان يوفي للمقام حقه من التعظيم والقيام.

14- الافضل ان يدخل الزائر الى الحضرة الشريفة من باب جبرائيل وجرت عادة القادمين من ناحية باب السلام بالدخول.

15- (يقف بالباب لحظة لطيفة كما يقف المستأذن في الدخول على العظماء).(1)

16- اذا الدخول فليفرغ قلبه وليصف ضميره ويقدم رجله اليمنى ويقول: بسم الله وسلام على رسول الله السلام علينا من ربنا وصلى الله وملائكته على محمد رسول اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي ابواب رحمتك وجنتك واحفظني من الشيطان الرجيم.

17- قال القاضي في الشفاء: ثم اقصد الى الروضة وهي ما بين القبر والمنبر واركع فيها ركعتين قبل وقوفك بالقبر حامدا الله تعالى فيهما وتسأله تمام ما خرجت اليه والعون عليه وان كانت ركعتان في غير الروضة اجزأتاك وفي الروضة أفضل وقال القسطلاني في المواهب: يسحتب ان يصلي ركعتين قبل الزيارة.

18- ينبغي للزائر ان يكون واقفا وقت الزيارة كما هو الاليق بالادب فاذا طال فلا بأس متأدبا جاثيا على ركبتيه غامضا لطرفه في مقام الهيبة والاجلال فارغ القلب مستحضرا بقلبه جلالة موقفه وانه (صلى الله عليه واله) حي ناظر اليه ومطلع عليه.

19- يقف كما يقف في الصلاة.

ص: 68


1- حسن الادب ص56 الارشادات السنية ص261

20- يتوجه الى القبر الكريم مستعينا بالله تعالى في رعاية الادب في هذا الموقف العظيم فيقف ممثلا صورته الكريمة في خياله بخشوع وخضوع تامين بين يديه صلى الله عليه واله محاذاة الوجه الشريف مستدبر القبلة في حال وقوفه الى اسفل ما يستقبل من جدار الحجرة الشريفة ملتزما للحياء والادب التام في ظاهره وباطنه عالما بانه صلى الله عليه واله عالم بحضوره وقيامه وزيارته وانه يبلغه سلامه وصلاته، قال ابن حجر: استدبار القبلة واستقبال الوجه الشريف هو مذهبنا ومذهب جمهور العلماء.

21- لا يرفع في الزيارة صوته ولا يخفيه بل يقتصد ويخفض الصوت عنده صلى الله عليه واله ادب للجميع.

22- ويروى ان ابا جعفر المنصور ناظر مالكا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال له مالك: لا ترفع صوتك في هذا المسجد فان الله تعالى أدب قوما فقال (لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي) ومدح قوما فقال: (الذين يغضون اصواتكم عند رسول الله) وذم قومه فقال (ان الذين ينادونك من وراء الحجرات).

23- وان حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان لها ابو جعفر وقال: يا ابا عبد الله استقبل القبلة وادعو ام استقبل رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة ابيك ادم عليه السلام الى الله تلعاى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعك الله تعالى، قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ).

22- ومما اتفق عليه اعلام المذاهب الاربعة هذه الزيارة:

(السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته اشهد انك رسول الله فقد بلغت الرسالة واديت الامانة ونصحت الامة وجاهدت في امر الله حتى قبض الله روحك حميدا محمودا فجزاك الله عن صغيرنا وكبيرنا خير الجزاء وصلى عليك افضل الصلاة وازكاها واتم التحية وانماها اللهم اجعل نبينا يوم القيامة اقرب النبيين اليك واسقنا من كاسه

ص: 69

وارزقنا من شفاعته واجعلنا من رفقائه يوم القيامة اللهم لا تجعل هذا العهد بقبر نبينا صلى الله عليه واله وارزقنا العود اليه يا ذا الجلال والاكرام (الفقه على المذاهب الاربعة ج1 ص 591).

وهناك الكثير من الزيارات لا يسع المجال لذكرها رواها فقهاء المذاهب الاربعة كالزيارة التي حكاها ابن فرحون عن ابن حبيب القرطبي مصنف كتاب (الواضحة) ورواية الغزالي والقسطلاني والباجوري وشرنبلاي الحنفي وراية شيخ زاده في مجمع الانهر الفاكهي.

23- الدعاء عند راس النبي صلى الله عليه واله يقول: (نحن وفدك يا رسول الله وزوارك جئناك لقضاء حقك وللتبرك بزيارتك والاستشفاع بك مما اثقل ظهورنا واظلم قلوبنا)(1).

وزاد الشيخ علي القاري الحنفي في شرح الشمائل: (فليس لنا شفيع غيرك نؤمله ولا رجاء غيربابك نصله فاستغفر لنا واشفع لنا الى بك يا شفيع المذنبين واساله ان يجعلنا من عباده الصالحين).

24- الصلاة على النبي الطاهر صلى الله عليه واله:

فقد اخرج البخاري باسناده مرفوعا من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكا يبلغني وكفي امر دنياه واخرته وكنت له شفيعا او شهيدا يوم القيامة(2).

25- التوسل والاستشفاع بقبره الشريف صلى الله عليه واله.

ثم يرجع الزائر الى موقفه الاول قبالة وجه الرسول صلى الله عليه واله فيتوسل في حق نفسه ويستشفع به الى ربه سبحانه وتعالى ويكثر الاستغفار والتضرع.

قال الزرقاني في شرح المواخب ج8 ص317: وليتوسل به صلى الله عليه واله ويسال الله تعالى بجاهه في التوسل به صلى الله عليه واله اذ هو محط جبال الاوزار واثقال الذنوب لان بركة شفاعته

ص: 70


1- كنز المطالب ص216
2- الخطيب الشربيني، المغني ج1 ص494

وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب ومن اعتقد خلاف ذلك فهو المحروم الذي طمس الله بصيرته واضل سريرته الم يسمع قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ)(1) .

26- التبرك بالقبر الشريف:

( لم نجد في المقام قولا بالحرمة لاحد من اعلام المذاهب الاربعة ممن لهم ولارائهم قيمة في المجتمع وانما القائل بالنهي عنه من اولئك يراه تنزيها لا تحريما ويقول بالكراهة مستندا الى زعم ان الدنو من القبر الشريف يخالف حسن الادب ويحسب ان البعد منه اليق به وليس من شأن الفقيه النابه ان يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التي لا تبنى على اساس وتختلف باختلاف الانظار والاراء(2).

لذا نجد رموز الامة واعلامها كانوا لا يفتأون يزورون قبر نبيهم صلى الله عليه واله ويتعاهدونه فعن أبي الدرداء قال: "ان بلالا مؤذن النبي صلى الله عليه واله رأى في منامه رسول الله الله صلى الله عليه واله وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟ اما ان لك ان تزورني يا بلال؟ فانتبه حزينا وجلا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فاتى قبر النبي فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه فاقبل الحسن والحسين عليهما السلام فجعل يضمهما ويقبلهما(3)

ان رؤيته صلى الله عليه واله في المنام حقيقة، وان تزامن زيارة بلال مع زيارة الامامين الطاهرين الحسن والحسين عليهما السلام ليست محض صدفة بل هي اشارة منه صلى الله عليه واله الى ان زيارته لا تنفك عن زيارة اهل بيته وولديه الحسنين عليهما السلام انه كان خاضعا للتخطيط المسبق لعلمه صلى الله عليه واله بمن يزوره وليفهم الناس جميعا انه صلى الله عليه واله محفوظ في اهل بيته وان المرء يحفظ في ولده.

27- تقبيل القبر الشريف.

ص: 71


1- النساء: 64
2- الغدير، الاميني ج5 ص146
3- أخرجه الحافظ ابن عساكر في تأريخ الشام، ورواه الحافظ ابو محمد عبد الغني المقدسي في الكمال في ترجمة بلال، وابن الاثير في اسد الغابة ج1 ص208 وغيرهم.

28- سئل الامام احمد بن حنبل عن تقبيل قبر النبي صلى الله عليه والخ وتقبيل منبره فقال: لا بأس بذلك(1).

قال الحافظ ابو سعيد ابو العلا: (قد روينا عن الامام احمد انه غسل قميصا للشافعي وشرب الماء الذي غسله به)(2). واذا كان هذا تعظيما لاهل العلم فما بالك بمقادير الصحابة؟ وكيف باثار الانبياء عليهم السلام الصلاة والسلام؟ وما احسن ما قاله مجنون ليلى..

امر الله على الديار ديار ليلى *** اقبل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي *** ولكن حب من سكن الديارا(3).

ونقل الطيب الناشري عن محب الدين الطبري الشافعي: انه يجوز تقبيل القبر ومسه، قال: وعليه عمل العلماء الصالحين وانشد:

لو راينا لسليمي اثرا *** لسجدنا الف الف للاثر(4)

وما اروع قول القاضي في هذا المعنى في (الشفاء) اليك بعضه:

(وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل وتردد بها جبرائيل ومكائيل وعرجت منها الملائكة والروح وضجت عرصاتها بالتقديس والستبيح واشتملت تربتها على سيد البشر وانتشر عنها من دين الله وسنة نبيه ما انتشر مدارس ايات ومساجد وصلوات ومشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات ومناسك الدين ومشاعر المسلمين ومواقف سيد المرسلين ومتبوء خاتم النبيين حيث انفجرت النبوة واين فاض عبابها ومواطن تهبط الرسالة واول ارض مس جلد المصطفى ترابها ان تعظم عرصاتها وتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدرانها

يا دار خير المرسلين ومن به *** هدي الانام وخص بالايات

عندي لاجللك لوعة وصبابة *** وتشوق متوقد الجمرات

وعلي عهد ان ملأت محاجري *** من تلكم الجدران والعرصات

ص: 72


1- الغدير ، الاميني ج5 ص150
2- ابن الحوزي، مناقب احمد ص455/ ابن كثير في تاريخه ج10 ص151
3- الغدير، الاميني ج5 ص150-151
4- وفاء الوفاء، السمهودي ج2 ص444.

لاعفرن مصون شيبي بينها *** من كثرة التقبيل والرشفات

لولا العوادي والاعادي زرتها *** ابدا ولو سحبا على الوجنات

ونقل عن ابن ابي الصيف اليماني احد علماء مكة من الشافعية:

(جواز تقبيل المصحف واجزاء الحديث وقبور الصالحين) وقال الحافظ ابن حجر : (استنبط بعضهم مشروعية تقبيل الحجر الاسود جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من ادمي وغيره فاما تقبيل يد الادمي فسبق في الادب واما غيره فنقل عن احمد انه سال عن تقبيل منبر النبي (صلى الله عليه واله) وقبره فلم ير بأسا(1)

(ولا مرية حينئذ ان تقبيل القبر الشريف لم يكن الا للتبرك فهو اولى من جواز ذلك لقبور الاولياء عند قصد التبرك لا سيما وان قبره الشريف روضة من رياض الجنة)(2).

واخبر جمال الدين المحدث قال: (رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاكهاني(3) الى دمشق فقصد زيارة نعل سيدنا رسول الله (صلى الله عليه واله) التي بدار الحديث الاشرفية بدمشق وكنت معه فلما راى النعل المكرمة حسر عن راسه وجعل يقبله ويمرغ وجههه عليه ودموعه تسيل وانشد:

فلو قيل للمجنون ليلى ووصلها تريد ام الدنيا وما في طواياها لقال غبار من تراب نعالها احب الى نفسي واشفى لبلواها(4).

واخرج الطبري حديثا طويلا فيما اتفق بالابواء بين عمر بن الخطاب لما خرج حاجا في نفر من اصحابه وبين شيخ استغاث به وفيه: لما انصرف عمر ونزل ذلك المنزل واستخبر عن الشيخ وعرف موته فكأني أنظر الى عمر وقد وثب مباعدا ما بين خطاه حتى وقف على قبره ، قبر الشيخ، فصلى عليه ثم اعتنقه وبكى(5).

ص: 73


1- وفاء الوفاء للسمهودي.
2- الشيخ حسن العادوي الحمزاوي المالكي، كنز المطالبص20
3- الفقيه المتضلع له تالف قيمة توفى 734
4- الديباج المذهب ص187
5- محب الدين الطبري، الرياض النضرة ج2 ص54

ان الاهتمام بزيارة قبور الاولياء واعمارها وزخرفتها بالذهب والفضة ليس منحصرا بطائفة بعينها ولا هم بحرام فها هي مساجد المسلمين جميع البلاد الاسلامية وغيرها مزخرفة بالذهب والفضة ومنها مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله) في المدينة المنورة وبيت الله الحرام في مكة المكرمة والذي يكسى في كل عام بحلة ذهبية يصرف فيها الملايين اكراما واعظاما لشعائر الله فالتبرك بها والدعوة عندها امر مستحب محبوب له تعالى الا ان التبرك لو كان بدافع كون المزور يضر وينفع من دون الله لكان ذلك شركا صريحا. ولم نجد احدا من المسلمين يرى هذا ابدا انما المسلمون موحدون عالمون بان الله واحد لا شريك له هو الضار وهو النافع وانما يدعون الانبياء والائمة والاولياء ليكونوا وسيلتهم اليه سبحانه وهذا ليس من الشرك في شيء.

ويذكر ان الامام شرف الدين قدس سره وهو من علماء الامة المجتهدين لما حج البيت الحرام كان من جملة العلماء الذين دعوا الى قصر الملك لتهنئته بعيد الاضحى كما هي عادتهم هناك ولما وصل الدور اليه قدس سره وصافح الملك قدم اليه مصحفا ملفوفا في جلد فاخذه الملك عبد العزيز وقبله ووضعه على جبهته تعظيما له وتشريفا فقال له السيد شرف الدين عندئذ: ايها الملك لماذا تقبل الجلد وتعظمه وهو جلد ماعز؟ اجاب السيد: احسنت، فكذلك نفعل نحن عندما نقبل شباك الحجرة النبوية او بابها فانا نعلم انه حديد لا يضر ولا ينفع ولكننا نقصد ما وراء الحديد نقصد تعظيم رسول الله (صلى الله عليه واله) كقصدك في تعظيم القران الكريم فاخذ ذلك اثرا طيبا من الملك وسمح للحجاج بالتبرك باثار النبي (صلى الله عليه واله) في وقته.

28- الزيارة:

اتفقت المذاهب الاربعة على ان الزيارة واردة بالفاظ وكيفية مخصوصتين فوافقوا بذلك الامامية وذكرت زيارات كثيرة كزيارة القسطلاني والباجوري وابن حبيب والغزالي وباقي السلف(1).

ص: 74


1- الفقه على المذاهب الاربعة ج1 ص551

وهي زيارة مخصوصة للخلفاء والاولياء.

29- وداع الحرم المقدس:

و (اذا فرغ الزائر من اشغاله وعزم على الخروج من المدينة فالمستحب ا ن ياتي القبر الشريف ويعيد دعاء الزيارة كما سبق ويودع رسول الله (صلى الله عليه واله) ويسال عز وجل ان يرزقه العودة اليه ويسال السلامة في سفره ثم يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة وهي موضع مقام رسول الله (صلى الله عليه واله) قبل ان زيدت المقصورة في المسجد فاذا خرج فليخرج رجله اليسرى اولا ثم اليمنى وليقل "اللهم صل على محمد وعلى ال محمد ولا تجعله اخر العهد بنبيك وحط اوزاري بزيارته واصحبني في سفري السلامة ويسر رجوعي الى اهل ووطني سالما يا ارحم الراحمين"(1).

30- زيارة ائمة البقيع وبقية المزارات:

ويستحب بعد زيارته (صلى الله عليه واله) ان يخرج الزائر الى البقيع كل يوم ويوم الجمعة اكد كما قال الفاكهي، وفي احياء العلوم: يستحب ان يخرج كل يوم الى البقيع وكذا قال النووي والفاخوري وزاد الاخير: ويخص يوم الجمعة ياتي المشاهد والمزارات فيزور العباس ومعه الحسن بن علي وزين العابدين، وابنه محمد الباقر وابنه جعفر الصادق الخ، ثم يقول: "سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، سلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا انشاء الله بكم لاحقون ويقرأ اية الكرسي وسورة الاخلاص".

قال ابن الحاج: (هو بالخيار ان شاء يخرج الى البقيع ليزور من فيه اقتداء بالنبي(صلى الله عليه واله) الى قوله وينوي امتثال السنة في كونه عليه الصلاة والسلام كان يزور اهل الفرقد وهذا نص في الزيارة فدل على انها قربة بنفسها مستحبة معمول بها في الدين ظاهرة بركتها عند السلف والخلف)(2)

31- زيارة شهداء احد:

ص: 75


1- ابن الحاج ، المدخل ج1ص265
2- المصدر السابق.

يستحب للحاج ان يزور شهداء احد ، قال النووي وغيره افضلها واحسنها يوم الخميس خصوصا قبر سيدنا الحمزة وقال الفاخوري في الكفاية: ويخص بها يوم الاثنين ، وقال ابن حجر ويسن له ان ياتي متطهرا قبور الشهداء باحد ويبدا بسيد الشهداء حمزة.

وقال الفاكهي في حسن الادب ص38: وقد ورد: زوروهم وسلموا عليهم والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم احد الا ردوا عليه الى يوم القيامة ولا يخفى ان ردهم السلام دعاء بالسلامة ودعاؤهم مستجاب.

وعند زيارة حمزة عم النبي (صلى الله عليه واله) يقول وهو في غاية الادب والاجلال : (السلام عليك يا اسد رسول الله رضي الله عنك وارضاك وجعل الجنة منقلبك ومثواك، والسلام عليكم ايها الشهداء ورحمة الله وبركاته).

(وحول الشهداء بجبل احد تربة حمراء هي التربة التي تنسب الى حمزة ويتبرك الناس بها)(1).

ثم يتوجه الى قبور الشهداء و (يتوسل بهم الى الله في بلوغ اماله لان هذا المكان محل مهبط الرحمات الربانية وقد قال خير البرية عليه الصلاة وازكى التحية: ان لربكم في دهركم نفحات الا فتعرضوا لنفحات ربكم ولا شك ولا ريب ان هذا المكان محل هبوط الرحمات الالهية فينبغي للزائر ان يتعرض لهاتيك النفحات الاحسانية كيف لا! وهم الاحبة والوسيلة العظمى الى الله ورسوله فجدير لمن توسل بهم ان يبلغ المنى وينال بهم الدرجات فانهم الكرام لا يخيب قاصدهم وهم الاحياء ولا يرد من غير اكرام زائرهم)(2).

32- قال الكمال بن همام محقق الحنفية: ويزور جبل احد نفسه ففي الصحيح "احد جبل يحبنا ونحبه".

وجعل البخاري في صحيح في اخر غزوة احد بابا في حديث "احد يحبنا ونحبه"(3).

ص: 76


1- رحلة ابن جبير ص153
2- الحمزاوي، كنز المطالب ص230
3- الغدير، الاميني ج5 ص162

33- ويستحب استحبابا مؤكدا كما قال النووي ان يأتي مسجد قباء وفي يوم السبت اولى وقال الفاكهي: في السبت فالاثنين فالخميس اولى سيما صبيحة سابع عشر رمضان لحديث في ذلك فيصلي فيه ويقول بعد دعائه بما احب: (يا صريخ المستصرخين يا غياث المستغيثين يا مفرج كرب المكروبين يا مجيب دعوة المضطرين صل على محمد واله واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك حزنه وكربه في هذا المقام يا حنان يا منان يا كثير المعروف والاحسان يا دائم النعم يا ارحم الراحمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

34- قال الفاخوري ويستحب ان يستصحب معه هدية من تمر المدينة وماء ابارها من غير تكلف ولا مفاخرة واذا قفل منصرفا قاصدا وطنه كبر في طريقه على مرتفع ثلاثا ثم يقول: لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ائبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده واعز جنده وهزم الاحزاب وحده)(1).

35- ثم (ينصرف باكيا حزينا على فراق الحضرة النبوة)(2).

يقول الفيروز ابادي: ان من العادات النبوية زيارة القبور والدعاء والاستغفار ومثل هذه الزيارة مستحبة وقال: اذا رايتم المقابر فقولوا السلام عليكم اهل الديار الى اخر ما ذكر ثم قال: وكان يقرأ وقت الزيارة من نوع الدعاء الذي كان يقرؤه في صلاة الميت)(3).

وورد عن عائشة عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: (اتاني جبرئيل فقال: ان ربك يامرك ان تاتي اهل البقيع فتستغفر لهم)(4).

وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) اذا اتى المقبرة يقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا انشاء الله بكم لاحقون)(5)

ص: 77


1- الكفاية لذوي العناية ص130
2- الشيخ زاده، مجمع الانهر ج1 ص158
3- القاموس المحيط، سفر السعادة ص57
4- البيقهي، السنن الكبرىج4 ص79
5- رواه مسلم وابو داود والنسائي

ومثله (صلى الله عليه واله) كان علي امير المؤمنين عليه السلام يزور القبور بظاهر الكوفة ويقول: ( السلام عليكم يا اهل الديار من المؤمنين والمسلمين انتم لنا سلف فارط ونحن لكم تبع عما قليل لاحق اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز عنا وعنهم طوبى لمن اراد المعاد وعمل الحسنات وقنع بالكفاف ورضى عن الله عز وجل)(1).

ووقف محمد بن الحنفية على قبر اخيه الامام الحسن عليه السلام فحنقته العبرة ثم قال: (رحمك الله ابا محمد فلئن عزت حياتك فلقد هدت وفاتك ولنعم الروح روح ضمه بدنك ولنعم البدن بدن ضمه كفنك وكيف لا يكون كذلك وانت بقية ولد الانبياء وسليل الهدى وخامس اصحاب الكساء غذتك اكف الحق وربيت في حجر الاسلام فطبت حيا وطبت ميتا وان كانت انفسنا غير طيبة بفراقك ولا شاكة في الخيار لك)(2).

ودخل الحسن البصري الى المقبرة فقال: (اللهم رب هذه الاجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة ادخل عليها روحا منك وسلاما منا)(3).

و (هناك الفاظ كثيرة في زيارة القبور غير ما ذكر نقلت عن الائمة واعلام المذاهب الاربعة تنبأنا عن ان الزائر في وسعه ان يزور الميت و يدعو له باي لفظ شاء واراد وله سرد ما يروقه من مناقبه وفضائله وذكر ما يوجه اليه عطف الموى سبحانه ويستوجب له رحمته)(4).

روى البخاري عن انس: ان عمر بن الخطاب كان اذا قحطوا استسقى بالعباس فقال: (اللهم كنا نتوسل اليك بنبيك (صلى الله عليه واله) فتسقينا وانا نتوسل اليك بعم نبيك فاسقنا ثم يتوسل باهل تلك المقابر اعني بالصالحين منهم في قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه ويجار بالدعاء عندهم ويكثر التوسل بهم الى الله تعالى لانه سبحانه وتعالى اجتباهم وشرفهم وكرمهم فكما نفع بهم في الدنيا

ص: 78


1- الطبراني، مجمع الزوائد ج9 ص299
2- العقد الفريد، ابن عبد ربه الاندلسي ج2 ص6
3- ن.م
4- الغدير ، الاميني ج5 ص172

ففي الاخرة اكثر فمن اراد حاجة فليذهب اليهم ويتوسل بهم فانهم الواسطة بين الله تعالى وخلقه)(1).

وخلاصة ما ذكره فقهاء المذاهب الاربعة (ان زيارة القبور مندوبة للاتعاض وتذكر الاخرة وتاكد يوم الجمعة ويوما قبلها ويوما بعدها حيث ان الحنابلة لا تتاكد الزيارة لديهم في يوم دون يوم بينما قال الشافعية بانها تتاكد من عصر يوم الحميس الى طلوع شمس يوم السبت وهذا راجح عند المالكية وينبغي للزائر الاشتغال بالدعاء والتضرع والاعتبار بالموتى وقراءة القران للميت فان ذلك ينفع الميت على الاصح ولا فرق في الزيارة بين كون المقابر قريبة او بعيدة بل يندب السفر لزيارة الموتى خصوصا مقابر الصالحين اما زيارة قبر النبي (صلى الله عليه واله) فهي من اعظم القرب وكما تندب زيارة القبور للرجال تندب ايضا للنساء والعجائز اللاتي لا يخشى منهن الفتنة لم ان تؤد زيارتهن الى الندب او النياحة والا كانت محرمة)(2).

ومما تقدم تجد ان الزيارة مندوبة عند المسلمين كافة ولم تكن الزيارة من مبتدعات الامامية كما يدعي المدعون بل انها من صميم ما ورد عن الشارع المقدس لما فيها من مضامين وابعاد اخلاقية وتربوية ومن القبور التي يقصدها المسلمون للزيارة والتبرك والتوسل بها الى الله تعالى ما ذكره ائمة المذاهب الاربعة هي:

1- بلال الحبشي رحمه الله مؤذن الرسول (صلى الله عليه واله) المتوفى سنة 20ه- بدمشق و(الدعاء في هذا الموضع المبارك مستجاب ، وقد جرب ذلك كثير من الاولياء واهل الخير المتبركين بزيارتهم)(3).

2- سلمان الفارسي الصحابي العظيم المتوفى سنة 36ه- (قبره الان ظاهر معروف بقرب ايوان كسى عليه بناء وهناك خادم مقيم لحفظ

ص: 79


1- ابن الحاج، المدخل ج1 ص254
2- الفقه على المذاهب الاربعة ج1 ص424
3- رحلة ابن جبير ص229

الموضع وعمارته والنظر في امر مصالحه وقد رايت الموضع وزرته غير مرة)(1).

3- طلحة بن عبيد الله المقتول يوم الجمل سنة 36ه- (مشهد طلحة بن عبيد الله وهو بداخل المدينة وعليه قبة ومسجد وزاوية فيها الطعام للوراد والصادر واهل البصرة يعظمونه تعظيما شديدا)(2).

4- الزبير بن العوام المتوفى سنة 36 قال ابن الجوزي : (فمن الحوادث في سنة 386ه- ان اهل البصرة في شهر المحرم ادعوا انهم كشفوا عن قبر عتيق فيه ميتا طريا بثيابه وسيفه وانه الزبير بن العوام فاخرجوه وكفنوه ودفنوه بالمربد بين الدربين وبنى عليه الاثير ابو المسك عنبر بناء وجعل الموضع مسجدا)(3)

5- ابو ايوب الانصاري الصحابي المتوفى 52ه- بالروم: (يتعاهدون قبره ويزورونه ويستسقون به اذا قحطوا)(4). و (على قبره مزار ومسجد وهم يعظمونه)(5).

(قال الخطيب البغدادي: قال الوليد: حدثني شيخ من اهل فلسطين انه راى بنية بيضاء دون حائط القسطنطينية فقالوا: هذا قبر ابي ايوب الانصاري صاحب النبي (صلى الله عليه واله)

فاتيت تلك البنية فرايت قبره في تلك البنية وعليه قنديل معلق بسلسلة(6) و (الروم تعظم قبره ويستغفرون الى اليوم به)(7)

6- راس الحسين (الامام السبط الشهيد) بمصر.

(هو في تابوت فضة مدفون تحت الارض قد بني عليه بنيان حفيل يقصر الوصف عنه ولا يحيط الادراك به مجلل بانواع الديباج محفوف بامثال العمد الكبار شمعا ابيض ومنه ما هو دون ذ1لك قد

ص: 80


1- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ج1 ص163
2- رحلة ابن بطوطة ج1 ص116
3- المنتظم ج7 ص187
4- الحاكم في المستدرك ج3 ص458
5- كثير في تاريخه ج8 ص59
6- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ج1 ص154
7- الذهبي، الدول الاسلامية ج1 ص22

وضع اكثرها في انوار فضة خالصة ومنها مذهبة وعلقت عليه قناديل فضة وحف اعلاه كله بامثال التفافيح ذهبا في مصنع يشبه الروضة يقيد الابصال حسنا وجمالا فيه من انواع الرخام المجزع الغريب الصفة البديع الترصيع ما لا يتخيله المتخيلون ولا يحق ادنى وصفة الواصفون والمدخل الى هذه الروضة على مسجد على مثالها في التانق والغرابة حيطانه كلها رخام على الصفة المذكورة.

وعن يمين الروضة المذكورة وشمالها بنيان من كليهما المدخل اليها وهما ايضا على تلك الصفة بعينها والاستار البديعة الصفة من الديباج معلقة على الجميع ومن اعجب ما شاهدناه في دخولنا الى هذا المسجد المبارك حجر موضوع في الجدار الذي يستقبله الداخل شديد السواد والبصيص يصف الاشخاص كلها كانه المراة الهندية الحديثة الصقل وشاهدنا من استلام الناس للقبر المبارك واحداقهم به وانكبابهم عليه وتمسحهم بالكسوة التي عليه وطوافهم حوله مزدحمين داعين باكين متوسلين الى الله سبحانه وتعالى ببركة التربة المقدسة ومتضرعين بما يذيب الاكباد ويصدع الجماد والامر فيه اعظم ومراى الحال اهول نفعنا الله ببركة ذلك المشهد الكريم وانما وقع الالماع بنبذة من صفته مستدلا على ما وراء ذلك اذ لا ينبغي لعاقل ان يتصدى لوصفه لانه يقف موفقق التقصير والعجز وبالجملة فما اظن في الوجود كله مصنعا احفل منه ولا مراى من البناء اعجب ولا ابداع قدس الله العضو الكريم الذي فيه بمنه وكرمه . وفي ليلة اليوم المذكور بتنا بالجبانة المعروفة بالقرافة وهي ايضا احدى عجائب الدنيا لما تحتوي عليه من مشاهد الانبياء (صلوات الله عليهم اجمعين) واهل البيت والصحابة (رضوان الله تعالى عليهم) والتابعين والعلماء والزهاد والاولياء ذوي الكرامات الشهيرة والانباء الغريبة وانما ذكرنا منها ما امكنتنا مشاهدته فمنها ..

ص: 81

قبر ابن النبي صالح وقبر روبيل بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم خليل الرحمن (صلوات الله عليهم اجمعين) ، وقبر اسيه امراة فرعون (رضي الله عنها).

ومشاهد اهل البيت مشاهد اربعة عشر من الرجال وخمس من النساء وعلى كل واحد منها بناء حفيل، فهي باسرها روضات بديعة الاتقان عجيبة البنيان، قد وكل بها قوم يسكنون فيها ويحفظونها ومنظرها منظر عجيب والجرايات متصلة لقوامها في كل شهر)(1).

وعقد الشبراوي الشيخ عبد الله الشافعي المتوفى 172ه- بابا في ذلك المشهد وذكر فيه زيارته وشطرا من الكرامات له واحياء يوم الثلاثاء بزيارته وقال:

(والبركات في هذا المشهد مشاهد مرئية والنفحات العائدة الى زائريه غير خفية وهي بصحة الدعوى ملية والاعمال بالنية , ولابي الخطاب بن دحية في ذلك جزء لطيف مؤلف واستفتي القاضي زكي الدين عبد العظيم في ذلك فقال: هذا مكان شريف وبركته ظاهرة والاعتقاد فيه خير والسلام، وما اجدر هذا المشهد الشريف والضريح الانور المنيف بقول القائل:

نفسي الفداء لمشهد اسراره *** من دونها ستر النبوة مسبل

ورواق عز فيه اشرف بقعة *** ظلت تحار لها العقول وتذهل

تغضي لبهجته النواظر هيبة *** ويرد عنه طرفه المتأمل

حسدت مكانته النجوم فود لو *** امسى يجاوره السماك الاعزل

وسما علوا ان تقبل تربه *** شفة فاضحى بالجباه يقبل

وذكر كراماته ومنها:

ان رجلا يقال له شمس الدين القهويني كان ساكنا بالقرب من المشهد وكان معلم الكسوة الشريفة حصل له ضرر في عينيه فكف بصره وكان كل يوم اذا صلى الصبح في مشهد الامام الحسين يقف

ص: 82


1- رحلة ابن جبير ص12

على باب الضريح الشريف ويقول: يا سيدي انا جارك قد كف بصري واطلب من الله بواسطتك ان يرد علي ولو عينا واحدة، فبينما هو نائم ذات ليلة اذ راى جماعة اتوا الى المشهد الشريف فسال عنهم فقيل له: هذا النبي (صلى الله عليه واله) وجمع معه جاء لزيارة السيد الحسين(عليه السلام) فدخل معهم ثم قال ما كان يقوله في اليقظة فالتفت الامام الحسين عليه السلام الى جده (صلى الله عليه واله) وذكر له ذلك على سبيل الشفاعة عنده في الرجال فقال النبي (صلى الله عليه واله) للامام علي (عليه السلام) : يا علي كحله فقال: سمعا وطاعة وابرز يده مكحلة ومرودا وقال له: تقدم حتى اكحلك؟ فتقدم فلوث المرود ووضعه في عينه اليمنى فاحس بحرقان عظيم فصرخ صرخة عظيمة فاستيقظ منها وهو يجد حرارة الكحل في عينه ففتحت عينه اليمنى فصار ينظر بها الى ان مات وهذا الذي كان يطلبه فاصطنع هذه البسط التي تفرش حتى تولى مصر الوزير المعظم محمد باشا الشريف من طرف حضرة مولانا السلطان محمد خان نصره الله فجدد بسطا اخرى وهي التي تفرش الى الان ثم ذكر كرامة اخرى وقعت للشيخ ابي الفضل نقيب السادة الخلوتية وقال بعد اختصاص يوم الثلاثاء بزيارة ذلك المشهد ولنذكر في هذا الباب نبذة من القصائد التي مدحت بها ال البيت الشريف وتوسلت فيها بساكن هذا المشهد المنيف فما قلت فيه:

ال طه ومن يقل ال طه *** مستجيرا بجاهكم لا يرد

حبكم مذهبي وعقد يقيني *** ليس لي مذهب سواه وعقد

منكم استمد بل كل من في *** الكون من فيض فضلكم يستمد

بيتكم مهبط الرسالة والوحي *** ومنكم ن النبوة يبدو

ولكم في العلا مقام رفيع *** ما لكم فيه ال يس ند

يابن بنت الرسول من ذا يضا *** هيك افتخارا وانت للفخر عقد

يا حسينا هل مثل امك ام *** لشريف او مثل جدك جد

رام قوم ان يلحقوك *** ولكن بينهم في العلا وبينك بعد

ص: 83

خصك الله بالسعادة في دن *** ياك ثم بالشهادة بعد

لك في القبر يا حسينا مقام *** ولاعداك فيه خزي وطرد

يا كريم الدارين يا من له ال *** دهر على رغم من يعاند عبد

انت سيف على عداك ولكن *** فيك حلم وما لفظك حد

كل من رام حصر فضلك غر *** فضل ال النبي ليس يعد

طيبة فاقت البقاع جميعا *** حين اضحى فيها لجدك لحد

ولمصر فخر على كل مصر *** ولها طالع بقبرك سعد مشهد

انت فيه مشهد مجد *** كم سعى نحوه جواد مجد

وضريح حوى علاك ضريح *** كله مندل يفوح وند

مدد ماله انتهاء وسر *** لا يضاهى ورونق لا يحد

رحمات للزائرين توالت *** وجزيل من العطاء ورفد

رضي الله عنكم ال طه *** ودعاء المقل مثلي جهد

وسلام عليكم كل وقت *** ما تغنت بكم تهام ونجد

انا في عرض تربة انت فيها *** يا حسينا وبعد حاشا ارد

انا في عرض جدك الطاهر الطه *** ر اذا ما الزمان بالخطب يعدو

انا في عرض من يعول كل *** كل الرسل عليه وما لهم عنه بد

انا في عرض من اتته غزال *** فحماها والخصيم خصم الد

انا في عرض جدك المصطفى من *** كل عام له الرحال تشد

وقلت فيهم ايضا

ال بيت النبي مالي سواكم *** ملجا ارتجيه للكرب في غد

لست اخشى ريب الزمان وانتم *** عدتي في الخطوب يا احمد

من يضاهي فخاركم ال طه *** وعليكم سرادق العز ممتد

كل فضل لغيركم فاليكم *** يا نبي الطهر بالاصالة يسند

لا عدمنا لكم موائد جود *** كل يوم لزائريكم تجدد

يا ملوكا لهم لواء المعالي *** وعليهم تاج السعادة يعقد

اي بيت كبيتكم ال طه *** طهر الله ساكنيه ومجد

روضة المجد والمفاخر انتم *** وعليكم طير المكارم غرد

ص: 84

ولكم في الكتاب ذكر جميل *** يهتدي منه كل قار ويسعد

وعليكم اثنى الكتاب وهل *** بعد ثناء الكتاب مجد وسؤدد

ولكم في الفخار يا ال طه *** منزل شامخ رفيع مشيد

قد قصدناك يا بن بنت رسول *** الله والخير من جنابك يقصد

يا حسينا بحق جدك عطفا *** لمحب بالخير منك تعود

كل وقت يود يلئم قبرا *** انت فيه بمقلتيه ويشهد

سادتي انجدوا محبا اتاكم *** مطلق الدمع في هواكم مقيد

واغيثوا مقصرا ما له غير *** حماكم ان اعضل الامر واشتد

فعليكم قصرت حبي وحاشا *** بعد حبي لكم اقابل بالرد

يا الهي ما لي سوى حب ال ال *** البيت ال النبي طه الممجد

انا عبد مقصر لست ارجو *** عملا غير حب ال محمد(1)

وقال في المشهد الحسيني:

ان مصرا لاحسن الارض عندي *** وعلى نيلها قصرت رجائي

وغرامي فيها وغاية قصدي *** ان ارى سادتي بني الزهراء

والى المشهد الحسيني اسعى *** داعيا راجيا قبول دعائي

يا بن بنت الرسول اني محب *** فتعطف واجعل قبولي جزائي

يا كرام الانام يا ال طه *** حبكم مذهبي وعقد ولائي

ليس لي ملجأ سواكم وذخر *** ارتجيه في شدتي ورخائي

وقال فيه ايضا:

يا ال طه من اتى حبكم *** مؤملا احسانكم لا يضام

لذنا بكم يا ال طه *** وهل يضام من لاذ بقوم كرام

تزدحم الناس باعتابكم *** والمنهل العذب كثير الزحام

من جاءكم مستمطر فضلكم *** فاز من الجود باقصى مرام

يا سادتي يا بضعة المصطفى *** يا من لهم في الفضل اعلى مقام

انتم ملاذي وعياذي ولي *** قلب بكم يا سادتي مستهام

ص: 85


1- الارتجاف بحب الاشرف ص45 وما بعدها.

وحقكم اني محب لكم *** محبة لا يعتريها الضرام

وقفت في اعتابكم هائما *** وما على من عام فيكم ملام

يا سبط طه يا حسينا *** على ضريحك المانوس مني السلام

مشهدك السامي غدا *** كعبة لنا طواف حوله واستلام

بيت جديد حل فيه الهدى *** فصار كالبيت العتيق الحرام

تفديك نفسي يا ضريحا حوى *** حسينا السبط الامام الهمام

اني توسلت بما فيك من *** عز ومجد شامخ واحتشام

يا زائرا هذا المقام اغتنم *** فكم لمن يسعى اليه اغتنام

ينشرح الصدر اذا زرته *** وينجلي عنه الهموم العظام

كم فيه من نور ومن رونق *** كانه روضة خير الانام

قال الحمزاوي العدوي المتوفى 1303ه- بعد كلام طويل حول مشهد الامام الحسين الشريف:

(واعلم انه ينبغي كثرة الزيارة لهذا المشهد العظيم متوسلا به الى الله ويطلب من هذا الامام ما كان يطلب منه في حياته فانه باب تفريح الكروب فبزيارته يزول عن الخطب الخطوب ويصل الى الله بانواره والتوسل به كل قلب محجوب ومن ذلك ما وقع لسيدي العارف بالله تعالى سيدي محمد شلبي شارح (العزية) الشهير بابن الست وهو انه قد سرقت كتبه جميعها من بيته قال: فتحير عقله واشتد كربه فاتى الى مقام ولي نعمتنا الحسين منشدا الابيات استغاث بها فتوجه الى بيته بعد الزيارة ومكثه في المقام مدة فوجد كتبه في محلها قد حضرت من غير نقص لكتاب منها وها هي الابيات:

ايحوم حول من التجأ لكم أذى *** او يشتكي ضيما وانتم سادته

حاشا يرد من انتمى لجنابكم *** يا ال احمد او تسر شوامته

لكم السيادة من الست بربكم *** ولكم نطاق العز دارت هالته

هل ثم باب للنبي سواكم *** من غيركم من ذي الورى ريحانته

تبا لطرف لا يشاهد مشهدا *** يحوي الحسين وتستلمه سلامته

فالزم رحابا ضم سبط محمد *** ما امه واج وعيقت حاجته

ها خادما للحب يرفع حاجة *** مما يلاقي من بلايا هالته

ص: 86

امدنا الله من فيض امداده ومتعنا من فيض قربه وتقبيل اعتابه)(1)

وذكر لبعضهم في ذلك المشهد قوله ..

منزل كمل الاله سناه *** تتوارى البدور عن لقاء

خصه ربنا بما شاء في الا *** رض تعالى منه في السماء اله

صانه زانه حماه وقاه *** وكساه بمنه ورضاه

ان غدا مسكنا لعزو ال ال *** بيت من ثم قدره وعلاه

الامام الحسين اشرف مولى *** ايد الدين سره ووقاه

مدحته اي الكتاب وجاءت *** سنة الهاشمي طرز حلاه(2)

وقد افرد المشهد المقدس بالتاليف الشيخ عبد الفتاح بن ابي بكر الشهير بالرسام الشافعي له رسالة (نور العين في مدفن راس الحسين).

واختلف في موضع دفن راس الامام الحسين (عليه السلام) فقد ذكر السيد بحر العلوم قدس سره (ذكر صاحب كتاب حبيب السير: ان يزيد بن معاوية سلم رؤوس الشهداء الى علي بن الحسين فالحقها بالابدان الطاهرة يوم العشرين من صفر ثم توجه الى المدينة الطيبة وقال: (هذا اصح الروايات الواردة في مدفن الراس المكرم).

وقال ابن الجوزي في تذكرته ص265 ط النجف : (واختلفوا في الراس على اقوال اشهرها انه رده الى المدينة مع السبايا ثم رد الى الجسد بكربلاء فدفن معه قال هشام وغيره) ثم استعرض الاقوال الاخر التي ذكرناها: انه دفن بالمدينة عند قبر امه فاطمة عليهما السلام وانه بدمشق وانه بمسجد الرقة على الفرات بالمدينة المشهورة وانه في القاهرة وعلى ذلك الراي المشهور ابن طاووس في لهوفه ص82 طبع النجف قال فيه: (واما راس الحسين فروي انه اعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف وكان عمل الطائفة على هذا المعنى المشار اليه ومثل ذلك يرى المجلسي في بحاره ج45 ص144 وكذلك يرى ابن نما الحلي في مثير الاحزان ص58 فانه بعد ان يذكر الاقوال المختلفة يقول: (والذي عليه المعول من الاقوال: انه اعيد الى الجسد بعد ان طيف به

ص: 87


1- مشارق الانوار ص92
2- م.ن

في البلاد ودفن معه) وكذلك يرى الفتال في كتابه روضة الواعظين ص192 والطبرسي في اعلام الورى ص151 ونور الله البحراني في مقتل العوالم ص154 والشبراوي في كتابه نفس المهموم ص 253 والبيروني في كتابه الاثار الباقية ج1 ص331 والقزويني في عجائب المخلوقات ص67 والمناوي في كتابه الكواكب الدرية ج1 ص57 وكذلك يرى ابن شهراشوب في منااقبه: انه المشهور بين الشيعة وينقل راي السيد المرتضى والشيخ الطوسي في ذلك الى غير هؤلاء من اقطاب التاريخ والمقاتل فلا يبقى لنا مجال للتشكيك في ذلك وكذلك الراي في بقية الرؤوس المحمولة الى الشام على اختلاف بين المؤرخين في عددها والله العالم)(1).

7- ذو النو المصري المتوفى سنة 246ه- ودفن في القرافة الصغرى وعلى قبره مشهد مبني وفي المشهد قبور جماعة من الصالحين وزرته غير مرة)(2).

8- بكار بن قتيبة بن اسد الثقفي البكراوي الحنفي الفقيه المتوفى بمصر سنة 270ه- (دفن بالقرافة وقبره مشهور يزار ويتبرك به ويقال ان الدعاء عند قبره مستجاب)(3).

9- ابراهيم الحربي المتوفى سنة 285ه- (دفن في بيته وقبره ظاهر يتبرك الناس به)(4).

10- اسماعيل بن يوسف ابو علي الديلمي (الناس يزورون قبره وراء قبر معروف الكرخي وبينهما قبور يسيرة وقد زرته مرارا)(5).

11- علي بن محمد بن بشار ابو الحسن المتوفى 312 و(قبره ببغداد اليوم ظاهر يتبرك به)(6)

ص: 88


1- مقتل الامام الحسين ص638-639
2- ابن خلكان في تاريخه ج1 ص109
3- الجواهر المضيئة ، محيي الدين ابن ابي الوفاء القرشي ج1 ص170
4- مناقب احمد لابن الجوزي ص509.
5- صفوة الصفوة لابي الفرج ابن الجوزي ج2 ص233
6- المنتظم لابن الجوزي ج6 ص199

12- يعقوب بن اسحاق ابو عوانة النسيابوري ثم الاسفرائيني الحافظ الشهير المتوفى 316ه- و(قبر ابي عوانة عليه مشهد مبني يا سفرائين يزار وهو بداخل المدينة)(1).

13- ابو محمد عبد الله بن احمد بن طباطبا المصري المتوفى سنة348 و (فدن بمصر وقبره معروف ومشهور باجابة الدعاء)(2).

14- عمر بن عبد العزيز الخليفة الاموي المتوفى سنة 101ه- (قبره بدير سمعان يزار)(3).

15- ابو حنيفة النعمان بن ثابت امام الحنفية المتوفى سنة 105ه- قبره في الاعظمية ببغداد مزار معروف ، روى الخطيب البغدادي عن علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي يقول ابي لاتبرك بابي حنيفة واجيء الى قبره كل يوم زائرا فاذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت الى قبره وسالت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد حتى تقضى)(4).

وقال بن خلكان : (قبره مشهور يزار بنى عليه المشهد والقبة سنة 459ه-)(5).

وقال ابن بطوطة: (قبره عليه قبة عظيمة وزاويته فيها الطعام للوارد والصادر)(6)

وقال الذهبي: (وقبره عليه مشهد كبير وقبة عالية ببغداد)(7).

وقيل: (ان الشافعي ايام كان هو ببغداد كان يتوسل بالامام ابي حنيفة ويجيء الى ضريحه يزور فيسلم عليه ثم يتوسل الى الله تعالى بك في قضاء حاجاته وقال: قد ثبت ان الامام احمد توسل بالامام الشافعي حتى تعجب ابنه عبد الله

ص: 89


1- الذهبي في تذكرته ج3 ص3.
2- م.ن ج1 ص282
3- طبقات الحفاظ ، شمس الدين الذهبي ج1 ص114.
4- تاريخ بغداد ج1 ص123
5- ابن خلكان في تاريخه ج2 ص297.
6- رحلة ابن جبير ص180
7- ).الدول لشمس الدين الذهبي ج1 ص79

بن الامام احمد فقال له ابوه: ان الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن ولما بلغ الامام الشافعي ان اهل المغرب يتوسلون بالامام مالك لم ينكر عليهم)(1).

16- مصعب بن الزبير المتوفى 157ه- ودفن بالقرافة الصغرى: (زارت العامة قبره)(2)

17- مالك بن انس امام المالكية المتوفى سنة 179ه- قبره ببقيع الغرقد في المدينة المنورة و (عليه قبة صغيرة مختصرة البناء)(3).

18- معروف الكرخي المتوفى سنة ؟؟؟ قال ابراهيم : (قبر معروف الترياق المجرب) وعن الزهري قال : (قبر معروف الكرخي مجرب لقضاء الحوائج) .

(وقبره ظاهر يتبرك به في بغداد) وقد بنيت تربة قبر معروف في ربيع الاول سنة 460ه- وعقد مشهدا راجا بالجص والاجر)(4).

19- عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام قال الخطيب البغدادي : (باب البرد ان فيها ايضا جماعة من اهل الفضل وعند المصلى المرسوم بصلاة العيد قبر كان يعرف بقبر النذور ويقال: ان المدفون فيه رجل من ولد علي بن ابي طالب عليه السلام يتبرك الناس بزيارته ويقصده ذوو الحاجة منهم لقضاء حاجته، حدثني القاضي ابو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: حدثني ابي قال: كنت جالسا بحضرة عضد الدولة ونحن مخيمون بالقرب من مصلى الاعياد في الجانب الشرقي من مدينة السلام نريد الخروج معه الى همذان في اول يوم نزل المعسكر فوقع طرفه على البناء الذي على قبر النذور فقال لي: ما هذا البناء؟ فقلت: هذا مشهد النذور ولم اقل قبره لعلمي بطيرته من دون هذا واستحسن اللفظة وقال: قد علمت انه قبر النذور وانما اردت شرح امره

فقلت: هذا يقال انه قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن

ص: 90


1- ابن حجر في الخيرات الحسان، مناقب الامام ابي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين حكاه عنه السيد احمد زيني دحلان في خلاصة الكلام ص252
2- المنتظم لابي الفرج ابن الجوزي ج7 ص206
3- الجواهر المضيئة لمحيي الدين ابن ابي الوفاء القرشي ج1 ص417
4- )

الحسين بن علي بن ابي طالب وان بعض الخلفاء اراد قتله خفيا فجعلت له هناك زبية وسير عليها وهو لا يعلم فوقع فيها وهيل عليه التراب حيا وانما شهر بقبر النذور لانه ما يكاد ينذر له نذر الا صح وبلغ الناذر ما يريد ولزمه الوفاء بالنذور وانا احد من نذر له مرارا لا احصيها كثرة نذورا ما يريد ولزمه الوفاء بالنذور احد من امور متعذرة فبلغتها ولزمني النذر فوفيت به فلم يتقبل هذا القول وتكلم بما دل على ان هذا انما يقع منه اليسير اتفاقا فيتسوق العامة باضعافه ويسيرون الاحاديث فيه فامسكت فلما كان بعد ايام يسيرة ونحن معسكرون في موضعنا استدعاني في غدوة يوم وقال: اركب معي الى مشهد النذور فركبت وركب في نفر من حاشيته الى ان جئت به الى الموضع فدخله وزار القبر وصلى عنده ركعتين سجد بعدهما سجدة اطال فيها المناجاة بما لم يسمعه احد ثم ركبنا معه الى خيمته واقمنا اياما ثم رحل ورحلنا معه يريد همذان فلبغناه واقمنا فيها معه شهورا فلما كان بعد ذلك استدعاني وقال لي: الست تذكر ما حدثتني به في امر مشهد النذور ببغداد؟ فقلت بلى، فقال: اني خاطبتك في معناه بدون ما كان في نفسي اعتمادا لاحسان عشرتك والذي كان في نفسي في الحقيقة ان جميع ما يقال في ه كذب فلما كان بعد ذلك بمديدة طرقني امر خشيت ان يقع ويتم واكملت فكري في الاحتيال لزواله ولو بجميع ما في بيوت اموالي وسائر عساكري فلم اجد لذلك فيه مذهبا فذكرت ما اخبرتني به في النذر لمقبرة النذور فقلت لم لا اجرب ذلك؟ فنذرت ان كفاني الله تعالى الامر ان احمل لصندوق هذا المشهد عشرة الاف درهما صحاحا فلما كان اليوم جاءتني الاخبار بكفايتي ذلك الامر فتقدمت الى ابي القاسم عبد العزيز بن يوسف يعني كاتبه ان يكتب الى ابي الريان وكان خليفته في بغداد يحملها

ص: 91

الى المشهد ثم التفت الى عبد العزيز وكان حاضرا فقال له عبد العزيز قد كتبت بذلك ونفذ الكتاب)(1).

20- السيدة نفسية ابنة ابي محمد الحسن بن زيد بن علي بن ابي طالب (توفيت سنة 208ه- ودفنت بدرب السباع وقبرها معروف باجابته الدعاء عنده وهو مجرب)(2).

21- احمد بن حنبل امام الحنابلة المتوفى 241ه- (قبره ظاهر مشهور يزار ويتبرك به )(3). وقال الذهبي (ضريحه يزار ببغداد)(4)

وقال ابن بطوطة : (قبره لا قبة عليه ويذكر انها بنيت على قبره مرارا فتهدمت بقدرة الله تعالى وقبره عند اهل بغداد معظم)(5).

وفي (اوائل جمادى الاخرة سنة 574ه- تقدم امير المؤمنين بعمل لوح ينصب على قبر الامام احمد بن حنبل فعمل ونقضت السترة جميعها باجر مقطوع جديدة وبنى له جانبان ووقع اللوح الجديد وفي راسه مكتوب: هذا ما امر بعمله سيدنا ومولانا المستضيء بامر الله امير المؤمنين)(6). ومن مناقبه (ان الله تعالى كان يزور احمد بن حنبل في كل عام)(7). (من زار قبر احمد فقد غفر له)(8) الى غير ذلك من المناقب الكثيرة التي ذكروها.

22- نور الدين محمود بن زنكي المتوفى 569ه- قال ابن كثير: (قبره بدمشق يزار ويخلق بشباكه ويطيب ويتبرك به كل مار)(9).

23- الشيخ احمد بن علي البدوي المتوفى 675ه- (دفن بطندنة وجعلوا قبره مقاما واشتهرت كراماته وكثرت النذور اليه)(10)

ص: 92


1- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ج1 ص123
2- وفيات الاعيان لابن خلكان ج2 ص302
3- مختصر طبقات الحنابلة ص11
4- دول الاسلام شمس الدين الذهبي ج1 ص114
5- رحلة ابن بطوطة ج1 ص142
6- المنتظم لابن الجوزي ج10 ص283
7- ابن الجوزي، مناقب احمد ص454.
8- البداية والنهاية ، عماد الدين ابن كثير ج12 ص323
9- تاريخ ابن كثير ج12 ص287
10- شذرات الذهب ج5 ص346

24- الامام الطاهر موسى بن جعفر عليه السلام المدفون بالكاظمية الشهيد سنة 183ه- اخرج الخطيب البغدادي باسناده عن احمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال: (سمعت الحسن بن ابراهيم ابا علي الخلال شيخ الحنابلة في عصره يقول: ما همني امر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به الا سهل الله تعالى لي ما احب)(1).

25- الامام الطاهر محمد الجواد بن الامام الرضا عليه السلام (توفي ببغداد الشريف ابو جعفر محمد الجواد ابن علي بن موسى الرضا الحسيني احد الاثنى عشر اماما ودفن عند جده موسى ومشهدهما ينتابه العامة بالزيارة)(2).

26- الامام الطاهر ابو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام. قال ابو بكر محمد بن ابن المؤمل: (خرجنا مع امام اهل الحديث ابي بكر بن خزيمة وعديله ابي علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا وهم اذ ذاك متوافرون الى علي بن موسى الرضا بطوس قال: فرايت من تعظيمه يعني ابن خزيمة لتلك البقعة وتواضعه لها وتضرعه عندها ما تحيرنا)(3).

ان ما ذكر غيض من فيض لما تداوله المسلمون منذ عهد الصحابة الاولين والتابعين ثم في ادوارهم المتتابعة من زيارة النبي (صلى الله عليه واله) واله الاطهار عليهم السلام والاولياء والصالحين والعلماء وتعظيم مراقدهم وشد الرحال اليها والتوسل والاستشفاع بها ونرى ان من بين الزائرين علماء الامة واعلام الملة وائمة يقتدي بهم المسلمون على اختلاف مذاهبهم فضلا عن ان من نقل هذه الاحاديث علماء وقادة ارتضوا بنقلهم هذا تلكم الاعمال في بيان فضيلة اولئك الاحياء عند الخالق تعالى وهذا هو التسالم بعينه بين طبقات الامة على ان كل ذلك مستحسن اقره الشرع والعقل وهو سنة متبعة اكرم بمن سنها وانعم.

ص: 93


1- تاريخ بغداد ج1 ص120
2- شذرات الذهب ج2 ص48
3- تهذيب التهذيب ج7 ص288

لقد اولى ائمة الهدى عليهم السلام الزيارة عناية فائقة فاكدوا على انها من افضل الطاعات والقربات بعد العبادات الواجبة ولا يخفى ما للزيارة من فوائد دينية واجتماعية فهي التي تزيد من رابطة الولاء والمحبة بين الائمة واولياءهم وتجدد في النفوس ذكر ماثرهم واخلاقهم اذ ان الزيارة تجمع في مواسمها اشتات المسلمين المتفرقة ليتعارفوا ويتالفوا ولتطبع في قلوبهم روح الانقياد الى الله تعالى والانقطاع اليه وطاعته سبحانه فما مفردات الزيارة الا تعريف لحقيقة التوحيد والاعتراف بقدسية الاسلام العزيز وشكر الله تعالى على الالائه ونعمائه وما زيارة امين الله المعروفة الا خير مثال على ذلك اذ اودعت فيها خلاصة معارف الائمة(عليهم السلام) والزيارات تلك تنبئ عن مواقف الائمة (عليهم السلام) وتضحياتهم في سبيل نصرة الحق واعلاء كلمة الدين وتجردهم لطاعة الله تعالى بما احتوت على معاني التوحيد السامية ودقائقه والدعاء والابتهال اليه تعالى ولذا افرد علمائنا ابوابا كاملة في الزيارات نذكرها بايجاز..

باب زيارة النبي (صلى الله عليه واله).

1- في الصحيح عن ابن ابي نجران "قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما لمن زار رسول الله (صلى الله عليه واله) متعمدا(1) فقال: له الجنة)(2).

2- في الموثق عن فضيل بن يسار قال: "ان زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه واله) وزيارة قبور الشهداء وزيارة قبر الحسين (عليه السلام) تعدل حجة مع رسول الله"(3).

باب اتباع الحج بالزيارة.

ففي حديث حسن عن زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: "انما امر الناس ان ياتوا هذه الاحجار فيطوفوا بها ثم ياتون فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم"(4).

ص: 94


1- متعمدا: قاصدا
2- المجلي، مراة العقول ج18 ص257
3- م.ن
4- م.ن ص258

باب دخول المدينة وزيارة النبي (صلى الله عليه واله) والدعاء عند قبره.

فعن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: "اذا دخلت المدينة فاغتسل قبل ان تدخلها او حين تدخلها ثم تاتي قبر النبي (صلى الله عليه واله) فتسلم على رسول الله (صلى الله عليه واله) ثم تقوم عند الاسطوانة المقدمة من جانب القبر الايمن عند راس القبر وانت مستقبل القبلة ومنكبك الايسر الى جانب القبر ومنكبك الايمن مما يلي المنبر فانه موضع راس رسول الله (صلى الله عليه واله) وتقول: "اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله واشهد انك رسول الله واشهد انك محمد بن عبد الله واشهد انك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لامتك وجاهدت في سبيل الله وعبدت الله مخلصا حتى اتاك اليقين بالحكمة والموعظة الحسنة واديت الذي عليك من الحق وانك قد رأفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين فبلغ الله بك افضل شرف محل المكرمين. الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكة المقربين وعبادك الصالحين وانبيائك المرسلين واهل السموات والارضين ومن سبح لك يا رب العالمين من الاولين والاخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وامينك ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك اللهم اعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الاولون والاخرون اللهم انك قلت: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) واني اتيت نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي واني اتوجه بك الى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي" وان كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي (صلى الله عليه واله) خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسال حاجتك فانها احرى ان تقضى ان شاء الله"(1).

باب المنبر والروضة ومقام النبي (صلى الله عليه واله)

قال ابو عبد الله عليه السلام : "اذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي (صلى الله عليه واله) فات المنبر فامسحه بيدك وخذ برمانتيه وهما السفلاوان وامسح

ص: 95


1- م.ن ص260

عينيك ووجهك به فانه يقال: ان شفاء العين وقم عنده فاحمد الله وائن عليه وسل حاجتك فان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة والترعة هي الباب الصغير ثم تاتي مقام النبي (صلى الله عليه واله) ثم تاتي مقام النبي (صلى الله عليه واله) فتصلي فيه ما بدا لك فاذا دخلت المسجد فصلي على النبي (صلى الله عليه واله) واذا خرجت فاصنع مثل ذلك واكثر من الصلاة في مسجد الرسول"(1).

وفي الصحيح عن معاوية بن وهب "قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) : هل قال رسول الله (صلى الله عليه واله) ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة؟ فقال نعم. وقال: بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) ما بين البيت الذي فيه النبي (صلى الله عليه واله) الى الباب الذي يحاذي الزقاق الى البقيع . قال: فلو دخلت من ذلك الباب والحائط مكانه اصاب منكبك الايسر ثم سمى سائر البيوت وقال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) الصلاة في مسجدي تعدل الف صلاة في غيره الا المسجد الحرام فهو افضل"(2).

وفي موثقة يونس بن يعقوب "قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) : الصلاة في بيت فاطمة (عليهما السلام) افضل او في الروضة؟ قال: في بيت فاطمة (عليها السلام)"(3).

باب مقام جبرائيل عليه السلام

في موثقة معاوية بن عمار "قال: قال ابو عبد الله عليه السلام: ائت مقام جبرائيل عليه السلام وهو تحت الميزاب فانه كان مقامه اذا استاذن على رسول الله (صلى الله عليه واله) وقل: اي جواد اي كريم اي قريب اي بعيد اسالك ان تصلي على محمد واهل بيته واسالك ان ترد علي نعمتك قال: وذلك

ص: 96


1- م.ن ص265
2- م.ن ص268
3- م.ن ص269

مقام لا تدعوا فيه حائض تستقبل القبلة ثم تدعو بدعاء الدم الا رأت الطهر ان شاء الله"(1).

باب فضل المقام بالمدينة والصوم والاعتكاف عند الاساطين

في حديث صحيح عن الحسن بن جهم "قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) اي ما افضل المقام بمكة او بالمدينة. فقال: اي شيء تقول انت؟ قال: فقلت: وما قولي من قولك؟ قال: ان قولك يردك الى قولي قال: فقلت له: انا فازعم ان المقام بالمدينة افضل من المقام بمكة قال: فقال: اما لئن قلت ذلك لقد قال ابو عبد الله (عليه السلام) ذاك يوم فطر وجاء الى رسول الله (صلى الله عليه واله) فسلم عليه في المسجد ثم قال: قد فضلنا الناس اليوم بسلامنا على رسول الله (صلى الله عليه واله)"(2).

وفي حديث حسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: "اذا دخلت المسجد فان استطعت ان تقيم ثلاثة ايام الاربعاء والخميس والجمعة فصل ما بين القبر والمنبر يوم الاربعاء عند الاسطوانة التي تلي القبر فتدعو الله عندها وتسأله كل حاجة تريدها في اخرة او دنيا واليوم الثاني عند اسطوانة التوبة ويوم الجمعة عند مقام النبي (صلى الله عليه واله) مقابل الاسطوانة الكثيرة الخلوق فتدعو الله عندهن لكل حاجة وتصوم تلك الثلاثة الايام"(3).

وفي حسنة معاوية بن عمار "قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام) : صم الاربعاء والخميس والجمعة وصل ليلة الاربعاء ويوم الاربعاء عند الاسطوانة التي تلي راس النبي(صلى الله عليه واله) وليلة الخميس ويوم الخميس عند اسطوانة ابي لبابة وليلة الجمعة ويوم الجمعة عند الاسطوانة التي تلي مقام النبي (صلى الله عليه واله) وادع بهذاء الدعاء لحاجتك وهو : اللهم اني اسئلك بعزتك وقوتك وقدرتك وجميع ما احاط علمك ان تصلي على محمد وال محمد وان تفعل بي كذا وكذا"(4).

باب زيارة من بالبقيع

ص: 97


1- م.ن
2- ن.م ص269
3- م.ن ص270
4- م.ن ص271

ما رواه ابن قولويه عن الباقر او الصادق (عليهما السلام) "اذا اتيت القبر الذي بالبقيع فاجعله بين يديك ثم تقول: السلام عليكم اهل التقوى السلام عليكم الحجة على اهل الدنيا السلام عليكم القوام في البرية بالقسط السلام عليكم اهل الصفوة السلام عليكم اهل النجوى اشهد انكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات الله وكذبتم واسيء اليكم فعفوتم واشهد انكم الائمة الراشدون المهديون وان طاعتكم مفروضة وان قولكم الصدق وانكم دعوتم فلم تجابوا وامرتم فلم تطاعوا وانكم دعائم الدين واركان الارض ولم تزالوا بعين الله ينسخكم في اصلاب كل مطهر وينقلكم في ارحام المطهرات لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ولم تشرك فيكم فتن الاهواء طبتم وطاب منبتكم من بكم علينا ديان الدين فجعلكم في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه وجعل صلواتنا عليكم رحمة لنا وكفارة لذنوبنا اذ اختاركم لنا وطيب خلقنا بما من به علينا من ولايتكم وكنا عنده مسمين بفضلكم معترفين بتصديقنا اياكم وهذا مقام من اسرف واخطأ واستكان واقر بما جنى ورجا بمقامه الخلاص وان يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى من الردى فكونوا لي شفعاء فقد وفدت اليكم اذا رغب عنكم اهل الدنيا واتخذوا ايات الله هزوا واستكبروا عنها يامن هو قائم لا يسهو ودائم لا يلهو ومحيط بكل شيء لك المن بما وفقتني وعرفتني مما ائتمنتني عليه اذ صد عنهم عبادك وجهلوا معرفتهم واستخفوا بحقهم ومالوا الى سواهم فكانت المنة منك علي مع اقوام خصصتهم بما خصصتني به فلك الحمد اذ كنت عندك في مقامي هذا مذكورا مكتوبا ولا تحرمني ما رجوت ولا تخيبني فيما دعوت وادع لنفسك بما احببت"(1).

باب اتيان المشاهد وقبور الشهداء

ففي حديث حسن عن معاوية بن عمار قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام) "لا تدع اتيان المشاهد كلها، مسجد قباء فانه المسجد الذي اسس على التقوى من اول يوم ومشربة ام ابراهيم ومسجد الفضيخ وقبور الشهداء ومسجد الاحزاب وهو مسجد الفتح قال: وبلغنا ان النبي (صلى الله عليه واله) كان اذا اتى قبور

ص: 98


1- م.ن ص271

الشهداء قال: السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، وليكن فيما تقول عند مسجد الفتح: يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين اكشف همي وغمي وكربي كما كشفت عن نبيك همه وغمه وكربه وكفيته هول عدوه في هذا المكان"(1).

وفي الصحيح عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه السلام) "قال: سمعته يقول: عاشت فاطمة (سلام الله عليها) بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة تاتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين والخميس فتقول: ههنا كان رسول الله (صلى الله عليه واله) وههنا كان المشركون"(2).

وفي الصحيح عن الحلبي "قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام): هل اتيتم مسجد قباء او مسجد الفضيخ او مشربة ام ابراهيم؟ قلت: نعم : قال: اما انه لم يبق من اثار رسول الله (صلى الله عليه واله) شيء الا وقد غير غير هذا"(3).

باب وداع النبي (صلى الله عليه واله)

في حديث حسن عن معاوية بن عمار "قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام) : اذا اردت ان تخرج من المدينة فاغتسل ثم ائت قبر النبي (صلى الله عليه واله) بعدما تفرغ من حوائجك واصنع مثل ما صنعت عند دخولك وقل: اللهم لا تجعله اخر العهد من زيارة قبر نبيك فان توفيتني قبل ذلك فاني اشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي ان لا اله الا انت وان محمدا عبدك ورسولك"(4).

وفي موثق يونس بن يعقوب "قال: سالت ابا عبد الله (عليه السلام) عن وداع قبر النبي (صلى الله عليه واله) قال: تقول :صلى الله عليك السلام عليك لا جعله الله اخر تسليمي عليك"(5).

باب تحريم المدينة

ص: 99


1- م.ن ص274
2- م.ن ص276
3- م.ن
4- م.ن ص277
5- م.ن

ورد في الصحيح عن حسان بن مهران قال: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال امير المؤمنين (عليه السلام) : مكة حرم الله والمدينة حرم رسول الله(صلى الله عليه واله) والكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة الا قصمه الله"(1).

وفي صحيحة ابن مسكان عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) "قال: حد ما حرم رسول الله (صلى الله عليه واله) من المدينة من ذباب الى واقم والعريض والنقب من قبل مكة"(2).

باب معرس النبي (صلى الله عليه واله)

التعريس: نزول القوم من اخر الليل يقعون فيه وقعة (اي يقفون فيه وقفة للاستراحة ثم يرتحلون) واعرسوا فيه لغة قليلة والموضع معرّس ومعرس)(3).

وقد سمي معرسا لنزول النبي(صلى الله عليه واله) فيه في اخر الليل ويستحب النزول والصلاة فيه تأسيا بالنبي (صلى الله عليه واله) ويستفاد من الاخبار ان التعريس انما يستحب عند العود من مكة الى المدينة والقول بالاستحباب عليه اجماع الاصحاب.

ففي حسنة معاوية بن عمار قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام): "اذا انصرفت من مكة الى المدينة وانتهيت الى ذي الحليفة وانت راجع الى المدينة من مكة فانت معرس النبي(صلى الله عليه واله) فان كنت في وقت صلاة مكتوبة او نافلة فصل فيه وان كان في غير وقت صلاة مكتوبة فانزل فيه قليلا فان رسول الله (صلى الله عليه واله) قد كان يعرس فيه ويصلي"(4).

وفي موثق محمد بن القاسم بن الفضيل قال: قلت لابي الحسن (عليه السلام) "جعلت فداك ان جمالنا مر بنا ولم ينزل المعرّس فقال: لابد ان ترجعوا اليه فرجعت اليه"(5). وهو يدل على استحباب العود للتعريس مع تجاوزه عمدا او جهلا او نسيانا.

ص: 100


1- م.ن
2- م.ن ص278
3- الصحاح للجوهري ج3 ص948
4- المجلسي ، مراة العقول ج18 ص281
5- م.ن

باب مسجد غدير خم

في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: "سالت ابا ابراهيم (عليه السلام) عن الصلاة في مسجد غدير خم بالنهار وانا مسافر فقال: صل فيه فان فيه فضلا وقد كان ابي يأمر بذلك"(1).

وعن حسان الجمال في الصحيح قال: "حملت ابا عبد الله عليه السلام من المدينة الى مكة فلما انتهينا الى مسجد الغدير نظر الى مسيرة المسجد فقال: ذلك موضع قدم رسول الله (صلى الله عليه واله) حيث قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم نظر الى الجانب الاخر فقال: ذلك موضع فسطاط فلان وفلان، فلما ان رأوه رافعا يديه قال بعضهم لبعض: انظروا الى عينيه تدور كانهما عينا مجنون فنزل جبرئيل عليه السلام بهذه الاية (َإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ( 51 )وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ).

باب زيارة امير المؤمنين عليه السلام

يعتبر مزار الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام من اوائل الاماكن التي تقصد للزيارة والتشرف والتبرك لها من قبل المسلمين وقد حازت النجف الاشرف على شرف احتضان الجسد الطاهر لولي الله الاعظم واخي رسوله الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) ، فهي ظهر الحيرة والكوفة ذلك المثلث الحضاري الذي يربط بين النجف والحيرة والكوفة حيث كان مهدا للحضارة منذ زمن بعيد فهي بهذا مهبط الاولياء ودار هجرة الانبياء وبها منزل نبي الله خليل الرحمن عليه السلام.

فعن ابي عبد الله عليه السلام قال: "ان ابراهيم عليه السلام كان مولده بكوثا (يعني قرية من قرى الكوفة) وكان ابوه من اهلها وكانت ام ابراهيم وام لوط اختين وهما ابنتان للاحج وكان لاحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا وان ابراهيم

ص: 101


1- م.ن ص283

تزوج سارة وهي ابنة خالته وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وارض واسعة وحال حسنة فملكته ابراهيم عليه السلام فقام فيه واصلحه ولما كسر اصنام نمرود وامر باحراقه ولم يحترق امرهم ان ينفوه من بلاده وان يمنعوه من الخروج بما يشتهيه وماله، فحاجهم ابراهيم فقال: ان اخذتم ماشيتي ومالي فان حقي عليكم ان تردوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم واختصموا الى قاضي نمرود فقضى ان الحق لابراهيم فخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله فاخرجوا ابراهيم ولوطا من بلادهم الى الشام الى بيت المقدس"(1).

وعن علي عليه السلام قال: "ان ابراهيم عليه السلام مر ببانقيا وكان ينزل بها فبات بها فاصبح القوم ولم يزلزل بهم فقالوا: ما هذا وليس حدث؟ قالوا: هاهنا شيخ ومعه غلام له قال: فاتوه فقالوا له: يا هذا انه كان يزلزل بنا كل ليلة ولم تزلزل بنا هذه الليلة فبت عندنا فبات لم يزلزل بعم فقالوا: اقم عندنا ونحن نجري عليك ما احببت، قال: لا ولكن تبيعوني هذا الظهر ولم يزلزل بكم، قالوا: هو لك ، قال: لا اخذه بالشراء، قالوا : خذه بما شئت فاشتراه بسبع نعاج واربع احمرة فلذلك سمي بانقيا لان النعاج بالنبطية نقيا، فقال له غلامه: يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر وليس فيه زرع ولا ضرع؟ فقال له: اسكت فان الله عز وجل يحشر من هذا الظهر سبعين الف يدخلون الجنة بغير حساب يشفع منهم لكذا وكذا"(2).

وبانقيا على ما في القاموس قرية بالكوفة والمراد هنا ظهر الكوفة وهو (النجف) وقد كان الظهر متنزها للساسانين والمناذرة وكانت ارضه خصبة تنبت الشقائق والاقحوان والشيخ والقيصوم ولذا نرى النصارى قد بنوا اديرتهم بهذه البقعة التي جذبت الملوك والامراء اليها وكان سكان النجف نصارى نسطورية وهم من العرب الاقحاح(3).

ص: 102


1- النور المبين، السيد نعمة الله الجزائري ص106.
2- م.ن ص117
3- ماضي النجف وحاضرها ، جعفر محبوبة ج1 ص16

وقد انتشرت الاديرة انذاك ومنها: دير مارت مريم ، وهو دير قديم من بناء المنذر(1)، دير حنة(2)، دير الحريق(3)، دير الاسكون(4)، دير هند الصغرى(5)، دير هند الكبرى(6)، دير اللج(7)، دير بني علقمة(8)، ديارات الساقف(9)، دير الجماجم(10)، دير حنظلة(11)، دير ابن مزعوق(12)، قبة الشنيق(13)

وقد ورد ان الطور الذي كلم الله تعالى فيه نبيه موسى عليه السلام انما هو النجف بالذات، وقيل ان الطور موقع الشام والذي هو جبل القدس ويقابل هذا قول ثالث هو: ان الطور كل جبل ينبت عليه التين وقد دلت الابحاث الجيولوجية ان النجف كان من منابت التي مع كون صورته الخارجية عبارة عن صحراء وكان التين ينبت الى جانب نهر يدعى الغدير من قبل بختنصر القائد البابلي وبعده والطور هو النجف بنص خاص.

وفيه وردت روايات اهل البيت عليهم السلام بكونه هو الطور وانه الوادي المقدس والى جانبه وادي السلام حيث ان الطور هو البقعة التي انس فيها موسى عليه السلام النار.

ويؤيد هذا ان مدين التي طلع منها موسى وحسب كتب الجغرافيين القدماء تقع بين المدينة والشام على طريق الحجاج وهو هذا الطريق الذي يمر بالطور اي النجف مع احتمال كون البئر الذي استقت منه بنت شعيب على مسافة ست مراحل من المدينة بالنسبة للقوافل فالاقرب كون الطور هو النجف بالذات وقد قيل: ان المراة تخرج من الحيرة وتضع مكتلها على راسها ولا تزود الا برغيف وتسير بمحاذاة بحر النجف وتصل الشام لان الطريق الذي يصل

ص: 103


1- موسوعة العتبات ج1 ص37
2- م.ن ص32
3- الديارات للشابشتي ص148
4- ماضي النجف وحاضرها ج1 ص17
5- الديارات ص157
6- م.ن
7- موسوعة العتبات ج1 ص41
8- م.ن ص48
9- الديارات ص152
10- ماضي النجف وحاضرها ج1ص207
11- م.ن
12- الديارات ص148
13- م.ن ص154-155

الحيرة بالشام لا يحتاج الى زاد والراحلة فهو عامر باشجار النخيل والاعناب والتين.

ولهذه البقعة المشرفة اسماء تاريخية منها: الغير، وادي السلام، بانقيا، اللسان، ظهر الكوفة، بحر النجف، المشهد ، الثوية.

ولم يكن اختيار امير المؤمنين علي عليه السلام الكوفة عاصمة ايام خلافته محض صدفة بل كان عن سابق علم ودراية بقدسية هذه الارض ولا سيما انها تضم رفاة العديد من انبياء الله عليهم السلام وفيها المكان الذي رست فيه سفينة نوح النبي عليه السلام ومن معه ايام الطوفان العظيم فاختارها عليه السلام لتضم فيما بعد جسده الطاهر بين حنايا رملها الطهور ولتكن انئذ ماوى لاوراح المؤمنين من شرق الارض وغربها.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي عليه السلام: "ثم ارض كوفان فتشرفها بقبرك يا علي فقال يا رسول الله اقبر بكوفان العراق فقال: نعم يا علي تقبر بظاهرها قتلا بين الغريين والذكوات البيض"(1).

وقد اشترى الامام عليه السملا ما بين الخورنق والى الحيرة والكوفة من الدهاقين باربعين الف درهم واشهد على الشراء، فقيل: يا امير المؤمنين تشتري بهذا المال وليس تنبت خمطا؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: كوفان يرد اولها على اخرها يحشر في ظهرها سبعون الف يدخلون الجنة بغير حساب واشتهيت ان يحشروا في قبري"(2).

وعن علي عليه السلام قال: "اول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة لما امر الله الملائكة ان يسجدوا لادم سجدوا على ظهر الكوفة"(3).

وعن ابي عبد الله الصادق عليه السلام "في قول الله عز وجل(وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) قال: الربوة نجف الكوفة ومعين الفرات"(4).

ص: 104


1- فرحة الغري بن طاووس ص18-19
2- م.ن ص20
3- تفسير العياشي ج1 ص34 ح18
4- الوسائل ، الحر العاملي ج10 ص314

وكانت وصيته عليه السلام لولديه الامامين الطاهرين الحسنين سيدي شباب اهل الجنة عليهما السلام بان يكون مدفنه الشريف في هذه البقعة المطهرة وكان له ما اراد.

حدثني سيدي واستاذي الكلانتر قدس سره باسناده الى الشيخ الاعظم محمد بن حسن الطوسي رحمه الله عن محمد بن احمد بن داود القمي قال: اخبرني محمد بن علي بن الفضل قال: اخبرني علي بن الحسين بن يعقوب بن خزيمة قراءة عليه قال: حدثني جعفر بن يوسف الازدي قال: حدثنا علي بن بزرج الخياط قال حدثنا عمرو قال: جاءني سعد الاسكاف قال: يا بني تحمل الحديث؟ قلت: نعم حدثني ابو عبد الله عليه السلام قال: لما اصيب امير المؤمنين قال للحسن والحسين صلوات الله عليهما: غسلاني وكفناني وحنطاني واحملاني على سريري واحملا مؤخره تكفيان مقدمه فانكما تنتهيان الى قبر محفور ولحد ملحود ولبن موضوع فالحداني واشرجا اللبن علي.

وحدثني الاستاذ العميد قدس سره باسانيده الى صفوان الجمال قال: " كنت انا وعامر وعبد الله بن جذاعة الازدي عند ابي عبد الله عليه السلام قال: فقال له عامر: جعلت فداك ان الناس يزعمون ان امير المؤمنين عليه السلام دفن بالرحبة؟ قال: لا ، قال: فاين دفن؟ قال: انه لما مات احتمله الحسن عليه السلام فاتى به ظهر الكوفة قريبا من النجف يسرة عن الغري يمنة عن الحيرة فدفنه بين ذكوات بيض. قال: فلما كان بعد ذهبت الى الموضع فتوهمت موضعا منه ثم اتيته فاخبرته فقال لي: اصبت رحمك الله (ثلاث مرات)".

وحدثني رحمه الله باسناده الى ثقة الاسلام قدس سره باسناده الى احمد بن محمد عن ابي عمير عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن سنان قال: اتاني عمر بن يزيد فقال لي: اركب فركبت معه فمضينا حتى اتينا منزل حفص الكناسي فاستخرجته فركب معنا ثم مضينا حتى اتينا الغري فانتهينا الى قبر فقال: انزلوا؟ هذا قبر امير المؤمنين فقلنا من اين علمت؟ فقال: اتيته مع ابي عبد الله عليه السلام حيث كان بالحيرة غير مرة وخبرني انه قبره وحدثني رحمه الله باسناده الى ثقة الاسلام قدس سره باسناده الى محمد بن يحيى عن

ص: 105

احمد بن محمد وعلي بن محمد عن سهل بن زياد عن ابن عبوب عن ابي حمزة عن ابي جعفر عليه السلام قال: "لما قبض امير المؤمنين عليه السلام قام الحسن بن علي عليه السلام في مسجد الكوفة فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه واله ثم قال: ايها الناس انه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الاولون ولا يدركه الاخرون انه كان لصحاب راية رسول الله صلى الله عليه واله عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل لا ينثني حتى يفتح الله له والله ما ترك بيضاء ولا حمراء الا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه اراد ان يشتري خادما لاهله والله لقد قبض في الليلة التي فيها قبض وصي موسى يوشع بن نون والليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم والليلة التي نزل فيها القران".

وحدثني سيدي العميد (اعلى الله مقامه) باسناده الى ثقة الاسلام الكليني قدس سره باسناده الى سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن عبد الله بكير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله عليه السلام انه سمعه يقول: "لما قبض امير المؤمنين عليه السلام اخرجه الحسن والحسين ورجلان اخران حتى اذا خرجوا من الكوفة تركوها عن ايمانهم ثم اخذوا في الجبانة حتى مروا به الى الغري فدفنوه وسووا قبره فانصروا".

و(قبر علي بن ابي طالب على فرسخين منها( يعني الكوفة) وقد شهر ابو الهيجاء بن حمدان هذا المكان وجعل عليه حصارا منيعا وابتنى على القبر قبة عظيمة مرتفعة الاركان كل جانب لها ابواب وسترها بفاخر الستور ودفن حولها جلة سادات ابي طالب)(1).

قال السهيلي : (بالفرع عينان يقال لاحدهما المريض وللاخرى النجف تسقيان عشرين الف نخلة وهو بظهر الكوفة كالمسناة تمنع مسيل الماء ان يعلو الكوفة ومقابرها وبالقرب من هذا الموضع قبر امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وقد تزايد السكن حول الضريح وانشئ على عمارة حسنة بقبة عظيمة في القرن الرابع بتشجيع البويهيين وبنيت المساجد وفي العهد

ص: 106


1- المدن في الاسلام حتى العصر العثماني ، شاكر مصطفى ج1 ص247-248

العباسي الاخير بذل الخليفة الناصر عناية فائقة بمدينة النجف وشملت المدينة حركة عمرانية واسعة وفتحت المدارس الدينية وازداد توسع النجف في العصريين الايلخاني والجلائري سواء في العمران او في اعمار المدارس والخانقاوات وشق الانهار وبناء الدور وتكاثر الاسواق)(1).

في رحاب الكرار

اي سعادة تغمر المرء عندما يحط رحاله في رحاب ابن عم الرسول صلى الله عليه واله وزوج البتول عليها السلام اول مولود في بيت الله الحرام في الثالث عشر من رجب المرجب ولم يولد في البيت احد سواه ولسان حاله يردد:

انا وجميع من فوق التراب *** فدا لتراب نعل ابي تراب

امام مدحه ذكري ودأي *** وقلبي نحوه ما عشت صاب

ابوه ابو طالب عليه السلام سيد البطحاء وشيخ قريش وزعيم مكة المعظمة، كافل الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وحاميه وناصره، لم يحتج النبي الاكرم بوجود عمه العظيم لله جرة ولم يختر الغربة عن الاهل والوطن حتى رحل ابو طالب عن دنياه حينها افتقر الرسول صلى الله عليه واله الى الناصر والمعين فكانت الهجرة من مكة الى المدينة

انا طالب ما كنت يوما حثالة *** ولا انت ممن يحتمي بالعساقل

ولكن عظيم القوم وابن زعيمها *** وعز قريش عين كل القبائل

وزادك تشريفا رعاية ماجد *** امين وفي السعد الالهي رافل

فانزلته منك الشفاف وعلته *** كما زقت الورقاء زغب الحواصل

وما زلت ترعاه وينمو على التقى *** وفوقكما يرعاه اكرم كافل

الى ان تجلى بالفضائل والحجا *** كما لا تناهي دونه كل كامل

ولما دعا الهادي الى خير شرعة *** وابلغ اي الله اصدق قائل

واذاه من جهل عشيرته التي *** يرجي فاضحى بين مؤذ وخاذل

وقاموا قريش شيبهم وشبابهم *** وقمت وحيدا في وجوه العراجل

هنالك كنت الحرز فاشتد ازره *** وكافأت بالسؤى بغاة المداخل

ص: 107


1- م.ن ص266-267

ويكفيك في الشعب الشهير شهادة *** بانك في الايمان قدوة باسل

وانك تحمي عن يقين وترتضي *** عذابا ولا ترضى اذاة العراهل

مررت على طه يصلي وخلفه *** علي وقد باء الدني باجل

فرحت العباس ترسل جعفرا *** وقلت وقلت له اشدد ازر طه وساجل

ابا طالب يا من نصرت محمدا *** وايدته حتى اطمأن بساحل

ولما تنله من قريش نكاية *** وقد كنت بالمرصاد القنابل

فلما توفاك الذي برأ الورى *** تقووا على تكدير صفو المناهل

وساء رسول الله موت خديجة *** وموتك في عام الاسى والبلابل

وسماه عام الحزن واشتد همه *** وهم بسوء كل نذل وخاتل

فهذي ثقيف تزدري سيد الورى *** فليقى اذى الاحجار من كل حامل

ولكنه يعفو وذلك شأنه *** جلوت بها نهج المديح لسائل

وابيض يستسقي الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للارامل

صدقت فوالله الذي حج بيته *** رجال الامن يوم الغوائل

لحب رسول الله منجى من اللظى *** ومدح رسول الله كنز لامل(1)

ان ابا طالب وعبد الله والد النبي صلى الله عليه واله والزبير كلهم من ام واحدة هي فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومي وحينما كان عمر رسول الله صلى الله عليه واله ثمان سنوات توفى الله عبد المطلب وقبل وفاته عليه السلام اوكل امره الى ابي طالب واوصاه برعايته مشددا عليه في ذلك ولم يأل الزعيم ابو طالب جهدا في نصرة النبي صلى الله عليه واله طيلة مدة حياته بلسانه وبيده وبقلبه ولقد كان سيدنا الاستاذ الكلانتر طالما يردد هذه العبارة عندما يرد ذكر هذا العظيم فيقول : (ان ابا طالب مستودع لوصايا الانبياء وامين عليها دفع بالوصايا الى النبي صلى الله عليه واله).

وكان عليه السلام يحث الاخرين على نصر رسول الله صلى الله عليه واله مبتدأ بولده علي عليه السلام اذ يقول له.

"يا بني الزم ابن عمك فانك تسلم به من كل بأس عاجل واجل ثم قال..

ص: 108


1- القصيدة المعروفة بالغراء في ايمان ابي طالب شيخ البطحاء ، نظم العلامة السيد احمد خيري الحسيني النسب الحنفي المذهب الخاوتي المشرب.

ان الوثيقة في لزوم محمد *** فاشدد بصحبته علي يديكا(1)

ومر ابو طالب عليه السلام بالنبي صلى الله عليه واله وهو يصلي وعلي الى جانبه فقال لابنه جعفر: يا بني صل جنح ابن عمك؟ فجاء جعفر فصلى مع النبي من الجانب الاخر فاحس بهما رسول الله صلى الله عليه واله فتقدمهما وصلى بهما جماعة وعندها فرح سيد مكة وقال..

ان عليا وجعفرا ثقتي *** عند ملم الزمان والنوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما *** اخي لامي من ينيهم وابي

والله لا اخذل النبي ولا *** يخذله بني ذو حسب

كان شيخ البطحاء يتفقد النبي صلى الله عليه واله صباح مساء ويحرسه من اعدائه ففقده يوما فلم يجده وجاء المساء ولم يره فساء حاله ذلك اليوم فلما اصبح يحث عنه فلم يجده فجمع اولاده وعبيده وقال لهم: اعلموا ان محمدا قد فقد ولا اظن الا ان قريشا قد اغتالته وكادته واني قد فتشت عنه في كل مكان الا جهة واحدة ثم اختار عشرين رجلا وقال لهم: امضوا واعدوا سكاكينكم وليجلس كل واحد منكم الى جانب رجل من سادات قريش وانا سامضي الى تلك الجهة فاطلب محمدا فان جئت ومحمد معي فلا تحدثن امرا وكونوا على رسلكم وان جئت وما محمد معي فليضرب كل رجل الرجل الذي بجانبه من سادات قريش فمضوا وشحذوا سكاكينهم ومضى ابو طالب الى الجهة التي اراد فوجده في اسفل مكة قائما يصلي الى جانب صخرة فسر بذلك فوقع عليه وقبله وقال له: يا بن اخي كدت ان تاتي على قومك ثم جاء به وقريش في ناديهم جلوس عند الكعبة فلما وقف عليهم والغضب في وجهه قال لرجاله: ابرزوا ما في ايديكم فابرز كل واحد منهم سكينه فقالت قريش: ما هذا يا ابا طالب: قال: منذ يومين لم ارى محمدا فخفت ان تكونوا كدتموه ببعض شأنكم فأمرت هؤلاء ان يجلسوا الى حيث ترون وقلت لهم ان جئت وما محمد معي فليضرب كل واحد منكم صاحبه الذي جنبه ولا يستأذني .. قالوا وهل كنت

ص: 109


1- المجلسي، البحار ج35 ص72

فاعلا؟ اي ورب الكعبة ثم اخذ بيد النبي صلى الله عليه واله ومضى وهو يقول..

اذهب بني فما عليك غضاضة *** اذهب وقر بذاك منك عيونا

والله لن يصلوا اليك بجمعهم *** حتى اوسد في التراب دفينا

ودعوتني وعلمت انك ناصحي *** ولقد صدقت وكنت قبل امينا

وذكرت دينا لا محالة انه *** من خير اديان البرية دينا(1)

حدثني استاذي الحجة السيد محمد كلانتر (رحمه الله) باسناده الى ثقة الاسلام الكيلني (اعلى الله مقامه) باسانيده ان رسول الله صلى الله واله كان يصلي يوما فاخذ كفار مكة فرثا ودما فالقوها على ثيابه الى عمه ابي طالب وقال: يا عم من انا؟ فقال لماذا؟ ما الذي حدث؟ فقص صلى الله عليه واله القصة عليه فغضب ابو طالب واخذ سيفه وقال لحمزة: تعال معي واحمل معك فرثا ثم دخل المسجد الحرام وجرد سيفه وقال: لا يقوم منكم احد الا ضربته بسيفي ثم امر حمزة ان يضع الفرث على لحى وشارب القوم ثم التفت الى النبي صلى الله عليه واله وقال: هذا حسبك ونسبك عندنا(2).

ومدح ابو طالب النبي صلى الله عليه واله في شعره وكان يحث الناس على اتباع دينه ومما يؤثر عنه قالوا..

يرجون ان نسخى بقتل محمد *** ولم نختضب سمر العوالي من الدم

كذبتم وبيت الله حتى تفلقوا *** جماجم تلقى بالحظيم وزمزم(3)

وقوله...

الم تعلموا انا وجدنا محمدا رسولا *** كموسى خط في اول الكتب

فلسنا وبيت الله نسلم احمد *** للعراء من عض الزمان ولا كرب(4)

ص: 110


1- م.ن ص123
2- الكافي ج1 ص449
3- المجلسي، البحار ج35 ص135
4- م.ن

وفي الخبر: ان ابا جهل بن هشام لعنه الله جاء الى رسول الله صلى الله عليه واله وهو ساجد وبيده حجر يريد ان يرضح به راسه صلى الله عليه واله فلصق الحجر بكفه فلم يستطع ما اراد فقال ابو طالب في ذلك..

واعجب من ذاك في امركم *** عجائب في الحجر الملصق

بكف الذي قام في خبثه *** الى الصابر الصادق المتقي

فاثبته الله في كفه *** على رغمة الخائن الاحمق(1)

لقد وظف هذا العبد الصالح شعره في خدمة النبي صلى الله عليه واله وارساء دعائم دينه الخاتم وكان علي امير المؤمنين عليه السلام يقول فيه: "تعلموه وعلموه اولادكم فانه كان على دين الله وفيه علم كثير"(2).

وام امير المؤمنين عليه السلام فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف كانت بمنزلة الام لرسول الله صلى الله عليه واله وما قدمته له اوضح من الشمس في رابعة النهار ولاحسانها عند رسول الله صلى الله عليه واله ومنزلة رفيعة فقد كانت عليها السلام من المؤمنات الاول بالنبي صلى الله عليه واله فقد امنت به بعد مولاتنا ام المؤمنين خديجة" (وهي من المهاجرات السابقات الى الهجرة وفاطمة بنت اسد هي ابنة عم رسول الله صلى الله عليه واله بل امه ولها من الفضل على المسلمين كبير على اساس سهرها وفنائها في خدمة النبي الامين صلى الله عليه واله وذوبانها في ذات الله استطاعت هذه المراة الصالحة ان تنسي رسول الله صلى الله عليه واله مرارة اليتم وان تعوضه ما فقد من حنان الامومة وحرارة الشعور بفقد الابويين الكريمين وقد اسلمت على يد النبي صلى الله عليه واله بعد اسلام خديجة عليها السلام.

وكان اسلامها منبعثا عن تفهم وتدبر وتعقل يتصل بما جبل عليه بنو هاشم من تمسك بمبادئ التوحيد الحق الذي ورثوه عن ابيهم ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام.

ص: 111


1- م.ن ص161
2- م.ن ص115

وكانت عليها السلام تتحدث بفضائل النبي صلى الله عليه واله الى عمه ابي طالب فيقول لها: "لم يكن ذلك كثيرا على محمد يا فاطمة فانه نبي هذه الامة وانتظري سبتا ستلدين وزيره ووصيه".

وبعد ثلاثين سنة وهو السبت عندهم ولدت السيدة فاطمة عليا عليه السلام.

ولقد صح عنها عليها السلام انها كانت تقول: عودت ولدي محمدا صلى الله عليه واله ان التقط له في كل صباح مقدارا من الرطب من نخلات كانت في دارنا حتى اذا جلس من نومه وجدها عند راسه فافطر عليها فانشغلت ذات يوم فنسيت ما اقوم به لمحمد كل يوم وتفطنت بعد مدة اني لم احضر فطور محمد حتى الان واسرعت الى النخلات فلم اعثر على شيء لا قليل ولا كثير وتبين لي اخيرا ان اطفال الجيران قد دخلوا الدار على حين غفلة مني فالتقطوا جميع ما تحت النخل من رطب فرجعت ادراجي وانا اردد واحيائي من محمد واخجلتاه منك يا محمد فتظاهرت بالنوم وانا اراقب محمدا ماذا يصنع فلما جلس صلى الله عليه واله نظر كعادته فلم يجد شيئا فقام واتجه نحو النخلات فخاطبها واني لاسمع كلامه فقال: ايتها النخلات اني لجائع فما كان الا والنخلات قد تقربت اليه وتدلت اغصانها حتى صار الجميع بمتناوله فاكل (صلى الله عليه واله) حتى اذا اكتفى حمد الله سبحانه وانتحى عن النخلات ناحية ففرحت بكرامة الله لمحمد (صلى الله عليه واله) وعنايته به.

وقد اظهر الله تعالى لهذه الولية المباركة كرامة رد بها الجميل على ما اسدته السيدة فاطمة عليها السلام لرسول الله (صلى الله عليه واله) من خدمات جليلة واثار كريمة حيث كانت ولادتها لعلي عليه السلام في الكعبة المقدسة ولينبري سيدنا الحميري فيقول..

ولدته في حرم الاله وامنه *** والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب نقية *** طابت وطاب وليدها والمولد

في ليلة غابت نحوس نجومها *** وبدا مع القمر المنير الاسعد

ما لف في خرق القوابل مثله *** الا ابن امنة النبي محمد

وقد ورى صاحب بشارة المصطفى والدليمي في ارشاده ج2 ص4 وغيرهما من المؤرخين عن يزيد بن قعنب انه قال: كنت جالسا مع العباس بن عبد

ص: 112

المطلب وفريق من بني عبد العزى بازاء بيت الله الحرام اذا اقبلت فاطمة بنت اسد ام علي بن ابي طالب وكانت حاملة به لتسعة اشهر فاخذها الطلق وجاءها المخاض فقالت: يا رب اني مؤمنة بك وبمن جاء من عندك من انبياء ورسل وصحف وكتب كما واني مصدقة بكلام جدي الخليل ابراهيم وانه الذي بنى بيتك العتيق فبحقك على نفسك يا الهي وبحق بيتك المعظم هذا وبحق الجنين الذي في بطني الجنين الذي استشعر منه الكرامة والسمو الا ما يسرت علي ولادتي وسهلت امري يا غياث المستغيثين.

قال: يزيد: فما شعرنا الا والبيت الحرام قد انشق لها من ظهره وانغلق لها من وسطه فدخلت فاطمة داخل الكعبة والتحم الحائط وعاد كما كان فعجبنا للحادث واستعظمناه كما اكبرناه كثيرا ثم قمنا لفتح اقفال البيت لنطلع الى ما يكون اليه امر فاطمة فصعب فتحها علينا فعالجنا ذلك فلم نفلح فعلمنا عند ذلك ان في الامر سرا وبقينا نرقب امر خروج فاطمة حتى كان اليوم الرابع فخرجت فاطمة وهي تحمل وليدها بين يديها وهي مستبشرة مسرورة وهي تقول: من مثلي وقد فضلني الله تعالى على من تقدمني من النساء لان اسية بنت مزاحم قد عبدت الله سرا في مكان لا يحب الله ان يعبد فيه الاضطرارا وان مريم ابنة عمران اوت الى بيت المقدس والتجئت اليه لتضع حملها فنوديت ان اخرجي يا مريم ان هذا البيت بيت عبادة الله لا بيت ولادة كما تكفلت فهزت النخلة فتساقط منها الرطب فتناولت منه كفايتها.

اما انا فدخلت بيت الله بامر من الله عز وجل ووضعت ولدي في ه بكل اطمئنان وكانت الحور العين يخدمنني ويقدمن لي من لحوم طيور الجنة وفواكهها مدة بقائي فيه ولما انقضت مهمتي وفرج الله عني وصرت اخرج من ضيافته في بيته الكريم اذ هتف بي هاتف يا فاطمة: سمي وليدك هذا عليا والله سبحانه هو العلي الاعلى(1) .

وما ان انتقلت سيدتنا فاطمة عليها السلام الى بارئها فاذا برسول الله (صلى الله عليه واله) يكفنها بقميصه وامر ان يحفر قبرها في البقيع فلما بلغوا لحدها

ص: 113


1- السيد محمد علي علي خان، ابو طالب وبنوه، الجزء الثالث

حفره (صلى الله عليه واله) بيده واخرج ترابه وعندما فرغ اضطجع فيه وهو يقول : "اللهم اغفر لامي فاطمة ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق محمد والانبياء من قبلي فانك ارحم الراحمين". فقيل: يا رسول الله رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه باحد قبلها؟ فقال (صلى الله عليه واله) :البستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة واضطجعت في قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبر لانها كانت من احسن خلق الله صنعا بي بعد ابي طالب وتربي علي"(1).

اجل لقد كان موقفها معززا بمواقف ابي طالب وابنه علي (عليه السلام) والذي يقول فيهما ابن ابي الحديد المعتزلي:

ولولا ابو طالب وابنه *** لما مثل الدين شخصا فقاما

فذاك بمكة اوى وحامى *** وهذا بيثرب خاض الحماما

تكفل عبد مناف بأمر واو *** دى يملي ختاما

فقل في ثبير مضى بعدما *** قضى ما قضاه شماما

فلله ذا فاتحا للهدى *** ولله ذا للمعالي ختاما

وما ضر مجد ابي طالب *** جهول لغي او بصير تاما

فمن مثلك يا ابنة اسد قد نالت من الكرامة ما نلت ومن مثلك زوجها الناصر والكفيل وابنها سيد المتقين وامام الغر المحجلين وامير المؤمنين ويبقى علي بين الاب والام يعيش في القلوب والضمائر حيث تهتز لتلتحم مع ذكراه التي تعبق نفحات قدسية اتية من افاق الملكوت فيتنفسها الزائرون لضريحه الطاهر المطهر عطرا وعبقا يفوح باريج الوصي عليه السلام الي ازر النبي صلى الله عليه واله في كل موطن ولم يتخلف عنه في حال وترحال وفي حضر وسفر الا غزوة تبوك حيث استخلفه (صلى الله عليه واله) على المدينة وحينها قال امير المؤمنين (عليه السلام) يا رسول الله اتخلفني في النساء والصبيان؟ فاذا برسول الله (صلى الله عليه واله) يقول له: (يا علي اما ترضى ان تكون بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي).

ص: 114


1- امالي الصدوقج1 ص119ح9

وروري عن رسول الله (صلى الله عليه واله) انه قال: (من كتب فضيلة من فضائل علي بن ابي طالب عليه السلام لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم ومن نظر الى كتابة في فضائله غفر الله له تلك الذنوب التي اكتسبها بالنظر).

ان فضائل امير المؤمنين (عليه السلام) لا يمكن احصائها ومن اراد ذلك فهو كالذي يريد كيل ماء المحيط بمغرفة كما يقال وقد ورد في الحديث "نحن الكلمات التي لا تدرك فضائلنا ولا تستقى".

يقول السيد علي خان (قدس سره)..

هيهات يأبى العذر لي نسب *** أغري به لعلي الطهر

خير الورى بعد الرسول ومن *** حاز العلى بمجامع الفخر

صنو النبي وزوج بضعته *** وامينه في السر والجهر

ان تنكر الاعداء رتبته *** شهدت به الايات في الذكر

شكرت حنين له مساعيه *** فيها وفي احد وفي بدر

سل عنه خيبر يوم نازلها *** تنبيك عن خبر وعن خبر

من هد منها بابها بيد *** ورمى بها بمهمة قفر

والطير اذ يدعو النبي له *** من جاء يسعى بلا نذر

وفراش احمد حين هم به *** جمع الطغاة وعصبة الكفر

من بات فيه بقيت محتسبا *** من غير ما خوف ولا ذعر

والكعبة الغراء حين رمى *** من فوقها الاصنام بالكسر

من راح يرفعه ليصدعها *** خير الورى منه على الظهر

والقوم من اروى غليلهم *** اذ يجأرون بمهمة قفر

والصخرة الصماء حولها *** عن نهر ماء تحتها يجري

والناكثين غداة امهم *** من رد امهم بلا نكر

والمارقين من استباحهم *** قتلا فلم يفلت سوى عشر

وغدير خم وهو اعظمها *** من نال فيه ولاية الامر

واذكر مباهلة النبي به *** وبزوجه وابنيه للنفر

واقرأ وانفسنا وانفسكم *** فكفى بها فخرا مدى الدهر

ص: 115

هذي المفاخر والمكارم لا *** قعبان من لبن ولا خمر

وطلب من الخليل بن احمد الفراهيدي صاحب العروض وهو الشاعر الفطن بيان فضائل علي (عليه السلام) فقال: "ماذا اقول في حق امرئ كتمت مناقبه اولياءه خوفا واعداؤه حسدا ثم ظهر بين الكتمانين ما ملا الخانقين".

روى ابن شهراشوب: ان اعرابية دخلت تزور مسجد الكوفة فقالت:

يا مشهورا في السماوات يا مشهورا في الارض ويا مشهورا في الاخرة ويا مشهورا في الدنيا جهدت الجبابرة والملوك على اطفاء نورك واخماد ذكرك فابى الله لذكرك الا علوا ولنورك الا ضياء وتماما ولو كره المشركون فقلت يا امة الله: ومن هذا الذي تصفينه بهذه الصفة؟ قالت: ذاك امير المؤمنين، قال فقلت لها: اي امير المؤمنين هو؟ قالت: علي بن ابي طالب الذي لا يجوز التوحيد الا به وبولايته قال: فالتفت اليها فلم ار احد(1).

ولقد جهد اعداء امير المؤمنين عليه السلام في اطفاء نور لكنهم لم ينالوا من ذلك الا الخزي في الدنيا والاخرة حيث ان نبي امية مثلا كانوا يتخذون من كنية ابي تراب وهي التي كنى بها رسول الله (صلى الله عليه واله) عليا عليه السلام وكانت من احب الكنى الى نفسه مجالا للسخرية والاستهزاء والانتقاص منه لكنهم بفعلهم هذا انما كانوا كانهم يكسونه بها الحلي والحلل.

وكان الشعبي عامر بن شراحيل بن عبد شمس المولود لست سنين خلت من خلافة عثمان المتوفى 105ه- وهو ابن سبع وسبعين يقول:

"كنت اسمع خطباء بني امية يسبون امير المؤمنين على المنابر ويذمونه ومع ذلك فان اقوالهم ساهمت في رفع منزلته واظهار فضائله وكنت اسمع مدائحهم لبني امية واسلافهم فكانوا كانما يكشفون عن جيفة نتنة"(2).

ان اخفاء فضائل امير المؤمنين كان ديدن اولئك المنافقين الذين دفعهم حقدهم وحسدهم الى تلكم المحاولات الرخيصة الوضعية للحط من كرامة الامام عليه السلام متناسين بان الفضيلة هي ذات علي ومنتداه ومنتهاه وكان عليه السلام يردد حتى اخر لحظة من حياته:

ص: 116


1- مناقب ابن شهراشوب ج4 ص400
2- المعارف لابن قتيبة ص255

تلكم قريش تمناني لتقتلني *** فلا وربك ما فازوا ولا ظفروا

فان بقيت فرهن ذمتي لهم *** بذات ودقين لا يعفو لها اثر

وان هلكت فاني سوف اورثهم *** ذل الممات فقد خانوا وقد غدروا

لكن الذين ناووا عليا توهموا بانهم نالوا منه ولم يعلموا بانه عليه السلام حي في القلوب والعقول بمواقفه التي كتبها الدهر على صفحاته باحرف من نور واضحى عليه السلام قبلة للناس ومنارة للاحرار يؤمونه بالزيارة ويتعاهدونه بالاستذكار وسيقى هو العلي الذي فوق العلى رفعا وكما العمري في عينيته:

انت العلي الذي فوق العلا رفعا *** ببطن مكة وسط البيت اذ وضعا

وانت حيدرة الغاب الذي اسد ال *** برج السماوي عنه خاسئا رجعا

وانت باب تعالى شان حارسه *** بغير راحة روح القدس ما قرعا

وانت نقطة باء مع توحدها *** بها جميع الذي في الذكر قد جمعا

وانت والحق يا اقضى الانام به *** غدا على الحوض حقا تحشران معا

وانت صنو نبي غير شرعته *** للانبياء اله العرش ما شرعا

وانت زوج ابنة الهادي الى سنن *** من حاد عنه عداه الرشد فانخدعا

وانت غوث وغيث في ردى وندى *** لخائف ولراج لاذ وانتجعا

وانت ركن يجير المستجير به *** وانت حصن لمن دهره فزعا

وانت انت الذي حطت له قدم *** في موضع يده الرحمن قد وضعا

لقد ترعرعت في حجر عليه لذي *** حجر براهين تعظيم بها قطعا ر

ربيب طه حبيب الله انت ومن *** كان المربي له طه فقد برعا

سمتك امك بنت الليث حيدرة *** اكرم بلبوة ليث انجبت سبعا

لك الكساء مع الهادي وبضعته *** وقرتي ناظريه ابنيك قد جمعا

ص: 117

ما فرق الله شيئا في خليقته *** من الفضائل الا عندك اجتمعا

عليك اسنى سلام الله ما غربت *** شمس وما قمر من افقه طلعا(1)

لقد اصبح المرقد المطهر لامير المؤمنين عليه السلام ماوى للارواح والافئدة ف- (ما من مؤمن يموت في شرق الارض وغربها الا ويقال لروحه الحقي بوادي السلام) لذا ترى المسلمين يجتهدون ليكونوا بجوار علي عليه السلام وقد نقل عن جماعة من الصالحين في النجف الاشرف:

ان شخصا رأى في المنام القبة الشريفة لحبل الله المتين امير المؤمنين عليه السلام وقد امتدت اليها واتصلت بها خيوط خارجة من القبور التي داخل ذلك المشهد الشريف وفي خارجه فانشد يقول:

اذا مت فنادني الى جنب حيدر *** ابي شبر اكرم به وشبير فلست اخاف

النار عند جواره *** ولا اتقي من منكر ونكير

فعار على حامي الحمى وهو في الحمى *** اذا ظل في البيدا عقال بعير

ويخاطب شيخنا اليعقوبي الكبير (قدس سره) وادي السلام وحمى الكرار عليه السلام فيقول..

اقرأ على وادي السلا *** م ومن ثوى فيه السلاما

ثم انعطف لضريح قد *** س قد حوى البطل الهمام

سترى الملاكة والملو *** ك حشدا وازدحاما

كالركن يختلف الحجي *** -ج عليه لثما واستلاما

طال الكواكب حيث حج- *** ب للهدى بدرا تماما

واهتف لديه عن حشى *** اورى المصاب بها ضراما

يا من على كتف النبي *** بفتح مكة قد تسامى

وبيوم خم للانا *** م اقامه الهادي اماما

فغدا باعناق الخلا *** ئق طوق ببيعته لزاما

هيهات شأوك لن ينا *** ل وطود مجدك لن يراما

ص: 118


1- من قصيدة عينية للشاعر عبد الباقي العمري المتولد في الموصل عام 1789 والمتوفى في بغداد 1861

مولاي يا من لم اطق *** احصي مواهبك الجساما

اويتني وحميتني *** يا خير من اوى وحامى

بك اتقي الخطب العظي- *** -م وادفع الكرب العظاما

وكيف لا يكون كذلك وقد قيل في امثال العرب: احمى من مجير الجراد حيث ان رجلا من اهل البادية من قبيلة طيء يسمى مدلج بن سويد كان ذات يوم في خيمته فاذا هو بقوم من طيء ومعهم اوعيتهم فقال: ما خطبكم؟ فقالوا: جراد وقع في فناءك فجئنا لناخذه فلما سمع مدلج ذلك ركب فرسه واخذ رحمه وقال: ايكون الجراد في جواري ثم تريدون اخذه؟ لا يكون ذلك فما زال يحرسه حتى حميت الشمس عليه وطار فقال: شأنكم الان فقد تحول عن جواري.

ان هذا المجير رجل عادي دافع عن جراد حط الى جواره وكان مستعدا للموت من اجل حمياته فكيف اذا كان الامر مع امير المؤمنين عليه السلام ابي الحسنين وقسيم الجنة والنار؟!

ابا حسن لو كان حبك مدخلي *** جهنم كان الفوز عند جحيمها

فكيف يخاف النار من كان موقنا *** بان امير المؤمنين قسيمها(1)

فسلام عليك سيدي ابدا ما بقيت وبقي الليل والنهار

امير المؤمنين فدتك نفسي *** لنا من شأنك العجب العجاب

تولاك الاولى سعدوا ففازوا *** وناواك الذي شقوا فخابوا

يمين الله لو كشف المغطى *** ووجه الله لو رفع الحجاب

خفيت عن العيون وانت شمس *** سمت عن ان يجللها سحاب

وليس على الصباح اذا تجلى *** ولم يبصره اعمى العين عاب

لسر ما دعاك ابا تراب *** محمد النبي المستطاب

فكان لكل من هو من تراب *** اليك وانت علته انتساب(2)

ان الزائر عندما يريد ارض النجف تبهره القبب السامقة التي تعانق السماء والى هذا يشير السيد علي خان (قدس سره) فيقول:

ص: 119


1- اشارة لقوله "انا قسيم الجنة والنار" والابيات قيل انها للصاحب بن عباد وقيل انها للمتنبي وورد الحديث عن المناقب لان المغازلي.
2- ص67 حديث 97

يا صاحب هذا المشهد الاقدس *** قرت به الاعين والانفس

والنجف الاشرف بانت لها *** اعلامه والمعهد الانفس

والقبة البيضاء قد اشرقت *** ينجاب عن لألائها الحندس

حضرة القدس لم ينل فضلها *** لا المسجد الاقصى والا المقدس

حلت بمن حل بها رتبة *** يقصر عنها الفلك الاطلس

تود لو كانت حمى ارضها *** شهب الدجى والكنس الخنس

وتحسد الاقدام منا على *** السعي الى اعتابها الارؤس

فقف بها والثم ثرى تربها *** ففي المقام الاطهر الاقدس

وقل صلاة وسلام على *** من ضوؤه نور الهدى يقبس

نفس النبي المصطفى احمد *** وصنوه والسيد الارأس

يا خيرة الله الذي خيره *** يشكره الناطق والاخرس

عبدك قد امك مستوحشا *** من ذنبه للعفو يستأنس

حتى أتى بابك مستبشرا *** ومن أتى بابك لا ييأس

ادعوك يا مولى الورى موقنا *** ان دعائي عنك لا يحبس

هذا ولولا املي فيك لم *** يقر بي مثوى ولا مجلس

صلى عليك الله من سيد *** مولاه في الدارين لا يوكس(1)

وقد دأب المسلمون على ان يكون اخر امرهم ومآل اجسادهم وارواحهم جوار علي عليه السلام حتى ان فقهاء المسلمين اجازوا نقل الجنائز الى وادي السلام من الاماكن البعيدة.

ولم ينفرد بهذا الامامية بل أجاز أهل المذاهب ذلك قالت المالكية:

(يجوز نقل الميت قبل الدفن وبعده من مكان الى اخر بشروط ثلاثة:

اولها: ان لا ينفجر حال نقله ، ثانيها: ان لا تنتهك حرمته بان ينقل على وجه يكون فيه تحقير له، ثالثها: ان يكون نقله لمصلحة كان يخشى من طغيان البحر على قبره او يراد نقله الى مكان اخر ترجى بركته او الى مكان قريب

ص: 120


1- السيد علي خان المدني، ديوان شعر، مخطوط

من اهله او لاجل زيارة اهله اياه، فان فقد شرط من هذه الشروط الثلاثة حرم النقل)(1).

وقالت الحنابلة : (لا باس بنقل الميت من الجهة التي مات فيها الى جهة بعيدة عنها بشرط ان يكون النقل لغرض صحيح كأن ينقل الى بقعة شريفة ليدفن بجوار رجل صالح وبشرط ان يؤمن تغير رائحته ولا فرق في ذلك بين ان يكون قبل الدفن او بعده)(2).

وقالت الشافعية: (يحرم نقل الميت الى بلد اخر ليدفن فيه وقيل يكره الا ان يكون بقرب مكة او المدينة او بيت المقدس او بقرب رجل صالح ولو اوصى بنقله الى احد الاماكن المذكورة لزم تنفيذ وصيته عند الامن من التغيير والمراد بمكة جميع الحرم لا نفس البلد).(3)

و (كان يوم نقل رفاة اولئك الرجال من المذاهب الاربعة يوما مشهودا تقام فيه حفلات مكتظة يحضر فيها حشد من العلماء والخطباء والقراء او اناس اخرين كل ذلك ينبأ عن جوازه واصفاف الامة الاسلامية عليه بل كان ذلك مطردا منذ عهد الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان بوصية من الميت او بترجيح من اوليائه وكاد ان يكون من المجمع عليه عملا عند فرق المسلمين في القرون الاسلامية ولو لم يكن كذلك لما اختلف الصحابة في دفن رسول الله (صلى الله عليه واله) بالمدينة او بمكة او عند جده ابراهيم الخليل)(4).

وكان النقل جائزا ومشروعا في الشرايع السابقة (فقد مات ادم عليه السلام بمكة وفن في غار ابي قبس ثم حمل نوح تابوته في السفينة ولما خرج منها دفنه في بيت المقدس)(5).

ولكن الوارد عن ائمة اهل البيت عليهم السلام انه دفن في النجف الاشرف وقد ورد في الزيارة (السلام عليك وعلى ضجيعيك ادم ونوح وجاريك هود وصالح).

ص: 121


1- الفقه على المذاهب الاربعة ج1 ص421
2- ن.م ص422
3- المناهج المطبوع بهامش شرح المغنى ج1 ص357
4- الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص21
5- تاريخ الطبري ج1 ص10

و (مات يعقوب عليه السلام بمصر ونقل الى الشام)(1). و(نقل النبي موسى عليه السلام جثة يوسف عليه السلام من مصر دفنه بها الى فلسطين مدفن ابائه)(2).

و (نقل يوسف عليه السلام جثمان ابيه يعقوب عليه السلام من مصر ودفنه عند اهله في حبرون في المغارة المعدة لدفن تلك الاسرة الشريفة)(3).

وفي دلائل النبوة: (ان اول من نقل من قبر الى قبر علي بن ابي طالب عليه السلام لما استشهد يوم الجمعة سابع عشر رمضان ومات بعد يومين وصلى عليه ابنه الحسن عليه السلام ودفن بدار الامارة بالكوفة وغيب قبره ونقل الى محل يقال له نجف فاظهره هارون الرشيد وبنى عليه عمائر حين مجد وحوشا تستأنس بذلك المحل وتقر اليه التجاءا من اهل الصيد فسأل عن سبب ذلك قرية قريبة هناك فاخبره شيخ من القرية بان فيه قبر امير المؤمنين علي عليه السلام مع قبر نوح(4).

وعندنا نحن الامامية لم يكن قبر الامام عليه السلام خافيا على شيعته ومواليه فضلا عن اهل بيته الاطهار فكل اولئك كانوا يأتون اليه يتعاهدون بالزيارة والتبرك.

وكان ممن نقلت جنازته قبل وبعد دفنه جمع كبير من صحابة وتابعين وائمة مذاهب منهم على سبيل المثال لا الحصر:

1- المقداد بن عمرو بن ثعلبة الصحابي المتوفى 33ه- توفي بالجرف على ثلاثة اميال من المدينة فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع(5).

2- عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق توفي بالحبشة سنة 52 حمل الى مكة ودفن فيها فقدمت عائشة المدينة واتت قبره وصلت عليه وتمثلت:

كنا كندماني جذيمة حقبة *** من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا

فلما تفرقنا كاني ومالكا *** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا(6)

ص: 122


1- حاشية ابي الخلاص الحنفي ج1 ص168
2- شرح الشمائل للقاري ص208
3- تاريخ الطبري ج1 ص161 ، معجم البلدان ج3 ص208
4- محاضرة الاوائل للسكتوري ص102 ط 1300
5- الاستيعاب ج1 ص280
6- معجم البلدان ج3 ص211

3- اسامة بن زيد توفي 54ه بالجرف وحمل الى المدينة(1).

4- ابو هريرة توفي 57، 58، او 59 ه توفي في العقيق وحمل الى المدينة المشرفة(2).

5- المعتمد على الله الخليفة العباسي توفي 297ه ببغداد فجأة وحمل الى سر من راى ودفن بها.

6- ابو بكر البيهقي الحافظ الكبير توفي بنيسابور سنة 458 ونقل تابوته الى بيهق(3).

7- ابو بكر احمد بن علي الحلبي الحنبلي توفي 503 في عرفات فحمل الى مكة وطيف به حول البيت ودفن بها الى جانب الفضيل بن عياض ولما بلغ خبره الى بغداد صلى الناس عليه صلاة الغائب فامتلأ الجامع من الناس(4).

8- ابو بكر محمود بن مسعود قاضي القضاة الشعيبي الحنفي المفتي توفي 514 بسمرقند وحمل تابوته الى بخارى(5).

واما من نقل من مدفن الى مدفن فمنهم:

1- عبد الله بن عمرو بن حزام الانصاري والد الصحابي العظيم جابر بن عبد الله استشهد هو وصديقه عمرو بن الجموح الانصاري باحد ودفنا في قبر واحد فلم تطب نفس جابر فاخرج اباه بعد ستة اشهر قال جابر: دفن مع ابي رجل فلم تطب نفسي حتى اخرجته فجعلته في قبر على حدة وزاد ابو داود والبيهقي: فاخرجته بعد ستة اشهر فما انكرت منه شيئا الا شعيرات كن في لحيته مما يلي الارض(6).

2- عبد الله بن سلمة بن مالك الانصاري استشهد باحد فجاءت امه انيسة بنت عدي الى رسول الله (صلى الله عليه واله) فقالت يا رسول الله ان ابني عبد الله بن سلمة وكان بدريا قتل يوم احد احببت ان انقله فانس بقربه فاذن لها رسول

ص: 123


1- صفوة الصفوة ج1 ص210
2- الاصابة ج4 ص210
3- المنتظم لابن الجوزي ج8 ص24
4- شذرات الذهب ج4 ص6
5- الجواهر المضيئة ج2 ص162
6- صحيح البخاري ج2 ص247

الله (صلى الله عليه واله) في نقله فعدلته بالمجذر بن ديار – او قيل زياد- على ناضح له في عباءة فمرت بهما فعجب لهما الناس وكان عبد الله ثقيلا جسيما وكان المجذر قليل اللحم فقال النبي (صلى الله عليه واله) سوى ما بينهما عملهما(1).

3- ابو عبد الله الدامغاني الحنفي قاضي القضاة الفقيه المالكي الكبير توفي 478ه ودفن بداره بدرب العلابين ثم نقل الى مشهد ابي حنيفة(2).

4- ابو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني امام الحرمين الفقيه الشافعي توفي 478 بنيسابور ودفن في داره ثم نقل بعد سنين الى مقبرة الحسين فدفن الى جانب والده وكان اصحابه المتقبسون من علمه نحو اربعمائة يطوفون في البلد وينوحون عليه(3).

5- محمد بن محمد ابو حازم الفقيه الحنبلي توفي 527ه ودفن بداره ببان الاترج ونقل سنة 534ه الى مقبرة احمد فدفن عند ابيه(4).

6- محمد بن هلال ابو الحسن الصابي الملقب بغرس النعمة المتوفي 480ه توفي ببغداد ودفن في داره بشارع ابن عوف ثم نقل الى مشهد علي عليه السلام(5).

7- شيخ الاسلام محمد بن محمد الخلمي المفتي الحنفي توفي 544ه ودفن ببلخ ثم نقل الى ناحية خلم فقبر بها(6)

8- جمال الدين محمد بن علي بن ابي منصور توفي 559ه ودفن بالموصل ثم حمل الى مكة وطيف به حول الكعبة وكان بعد ان صعدوا به ليلة الوقفة الى جبل عرفات وكانوا يطوفون به كل يوم مرارا مدة مقامهم بمكة ثم حمل الى المدينة المنورة ودفن بها في رباط بناه في شرقي مسجد النبي (صلى الله

ص: 124


1- مستدرك الحاكم ج3 ص203
2- المنتظم لابن الجوزي ج9 ص24
3- وفيات الاعيان ج1 ص313
4- مختصر طبقات الجنابلة ص33
5- المنتظم ج9 ص42
6- الجواهر المضيئة ج2 ص130

عليه واله) بعد ان طيف به حول حجرة الرسول (صلى الله عليه واله) مرارا(1).

9- ابو سعيد كوكبوري بن ابي الحسن مظفر الدين صاحب اربل توفي 630ه ونقل الى قلعة اربل ودفن بها ثم حمل بوصية منه الى مكة شرفها الله تعالى وكان قد اعد له بها قبة تحت الجبل يدفن فيها فلما توجه الركب الى الحجاز سنة 631ه سيروه في الصحبة فاتفق ان رجع الحاج تلك السنة من لينة ولم يصلوا الى مكة فردوه بالكوفة بالقرب من المشهد(2).

10- الخليفة المستنصر بالله العباسي المتوفى سنة 640ه دفن بدار الخلافة ثم نقل الى الترب من الرصافة(3).

11- الشيخ الحسن بن محمد بن الحسن العدوي العمري الامام الحنفي من ولد عمر بن الخطاب توفي 650ه ببغداد ودفن بداره في الحريم الطاهري ثم نقل الى مكة ودفن بها وكان اوصى بذلك وجعل لمن يحمله ويدفنه بمكة خمسين دينار(4).

12- سعد الدين التفتزاني المتوفى 791ه يوم الاثنين والعشرين من المحرم بسمرقند ثم نقل الى سرخس ودفن بها يوم الاربعاء التاسع من جمادى الاولى سنة 792ه(5).

13- الشيخ محمد بن سليمان الجزولي المالكي توفي سنة 870ه ونقل تابوته بعد سبع وسبعين سنة ولم يتغير منه شيء(6).

وما لم يذكر من الاسماء كثير جدا وكل ذلك يدل على جواز نقل الاموات قبل وبعد دفنهم عند كل مذاهب المسلمين ومنهم الامامية فقد ذكر الفقهاء السابقون واللاحقون منهم احكام الاموات بالتفصيل ومنها هذا الجانب.

يقول الامام السيد السيستاني في المسالة 323:

ص: 125


1- الكامل لابن الاثير ج11 ص124
2- وفيات الاعيان ج1 ص63
3- البداية والنهاية ج13 ص174
4- الجواهر المضيئة ج1 ص202
5- مفتاح السعادة ج1 ص177
6- نيل الابتهاج ج ص317

"يكره نقل الميت من بلد موته الى بلد اخر الا المشاهد المشرفة والمواضع المحترمة فانه يستحب ولا سيما الغري والحائر وفي بعض الروايات ان من خواص الاول اسقاط عذاب القبر ومحاسبة منكر ونكير ولكن اذا استلزم النقل اليها او الى غيرها تاخير الدفن الى حين فساد البدن الميت ففي جواز التاخير اشكال والاحوط تركه"

وفي المسالة 324: "لا فرق في جواز النقل في غير الصورة المذكورة بين ما قبل الدفن وما بعده اذا تحقق النبش وفي جواز النبش للنقل الى المشاهد المشرفة حتى مع وصية الميت به او اذن الولي فيه وعدم استلزامه هتك حرمته اشكال"(1).

وفي المسالة 325: "يحرم نبش قبر المؤمن على نحو يظهر جسده الا مع العلم باندراسه وصيرورته ترابا من دون فرق بين الصغير والكبير والعاقل والمجنون ويستثنى من ذلك موارد منها: ما اذا كان النبش لمصلحة الميت كما لو كان مدفونا في موضع يوجب مهانة كمزبلة او بالوعة او نحوهما او في موضع يتخوف فيه على بدنه من سيل او سبع او عدو ومنها ما لو عارضه امر راجح اهم كما اذا توقف دفع مفسدة عظيمة على رؤية جسده. ومنها: ما لو لزم من ترك نبشه ضرر مالي كما اذا دفن معه مال غصبه من غيره من خاتم ونحوه فينبش لدفع ذلك الضرر المالي ومثل ذلك ما اذا دفن في ملك الغير من دون اذنه او اجازته اذا لم يلزم من نبش قبره واخراجه محذور اشد كبقائه بلا دفن او تقطع اوصاله بالاخراج او نحوه والا لم يجز بل جوازه فيما اذا فرض كونه موجبا لهتك حرمته ولم يكن هو الغاصب محل اشكال فالاحوط للغاصب في مثل ذلك ارضاء المالك بابقائه في ارضه ولو ببذل عوض زائد اليه. ومنها: ما اذا دفن بلا غسل او بلا تكفين مع التمكن منهما او تبين بطلان غسله او بطلان تكفينه او كون دفنه على غير الوجه الشرعي لوضعه في القب على غير القبلة او في مكان اوصى بالدفن في غيره او نحو ذلك فيجوز نبشه في هذه الموارد اذا لم يلزم هتك لحرمته والا ففيه اشكال"(2).

ص: 126


1- منهاج الصالحين، العبادات ج1 ص114
2- ن.م ص114-115

وفي المسالة 326: "يشكل توديع الميت بوضعه على وجه الارض والبناء عليه تمهيدا لنقله الى المشاهد المشرفة مثلا ومثله في الاشكال وضعه في براد او نحوه لفترة طويلة من غير ضرورة تقتضيه"(1).

وافاد الامام السيد السعيد الحكيم في المقام فقال في المسألة 315: "يحرم دفن المؤمن في مكان يوجب هتك حرمته كالمزبلة والبالوعة كما يحرم الدفن في المكان الموقوف لجهة خاصة لا تعم الدفن ولا في المكان المملوك بغير اذن مالكه".

وفي المسالة 316: "يحرم دفن ميت في قبر ميت اخر حتى لو اتفق نبش ذلك القبر وفتح موضع الميت الاول الا في صورتين : الاولى: ان يبتنى دفن الميت الاول على عدم اختصاصه بالقبر بل على مجرد جعله فيه مع كونه في معرض دفن غيره معه. الثانية: ان يخرج الميت الاول من القبر وينقل عنه او يتلاشى فيه ويصير ترابا بحيث يكون قبره رمزا من رموز الدين وشعائره حتى بعد الاندراس او بعد نقله منه بحيث يكون نبشه دفن شخا اخر فيه هتكا له وتوهينا للدين حرم".

وفي المسالة 317: "ورد في بعض النصوص النهي عن نقل الميت من بلد موته ويحسن متابعتها وان كانت ضعيفة لكنه غير واجب بل يجوز النقل بلا اشكال كما جرت عليه سيرة المسلمين والمؤمنين من الصدر الاول بل يحسن النقل للبقاع الشريفة كحرم مكة ومشاهد المعصومين" (وخصوصا الغري والحائر الحسيني فقد تضمنت الاخبار ان من دفن في الحرم امن من الفزع الاكبر وان الدفن في الغري بل في جميع مشاهد المعصومين عليهم السلام مسقط لسؤال منكر ونكير"(2).

وفي المسالة 418: "يحرم نبش قبر الميت على نحو يظهر جسده اذا كان فيه هتك له بظهور رائحته وتغير صورته بل الاحوط وجوبا عدم نبشه بعد الدفن مطلقا، نعم يجوز النبش في موارد:

ص: 127


1- ن.م
2- منهاج الصالحين ، العبادات ، الامام السيد محمد سعيد الحكيم ص99-100

الاول: ما اذا دفن بلا غسل او بلا تكفين او مع وقوعهما على غير الوجه الشرعي فيجوز نبشه لذلك اذا كان دفنه قريبا بحيث لا يلزم من النبش هتك الميت بظهور رائحته وتغير صورته مع لزوم ذلك فيحرم النبش ويسقط التغسيل والتكفين كما انه لو طال العهد وجف الميت بحيث لا يلزم هتكه لم يجب النبش لتدارك التغسيل والتكفين.

الثاني: ما اذا كان النبش لمصلحة الميت كالنقل للبقاع الشريفة او لمقبرة عائلته اذا كان ذلك تعزيزا له او سببا لذكره بما ينفعه من قراءة القران او الاستغفار او نحو ذلك واللازم تجنب هتكه بانتظار جفافه والتكتم به مهما امكن بل قد يجب النقل كما اذا دفن في مكان يستلزم هتكه كالمزابل ونحوها واذا لزم منه ظهور رائحته او نحو ذلك مما يوجب هتكه لزم اختيار اقل المحذورين.

الثالث: ما اذا كان في النبش دفع عدوان محرم كما اذا دفن في ملك الغير بغير اذنه او دفن معه مال للغير او نحو ذلك ويراعى في ذلك عدم هتكه بظهور رائحته ونحوه مهما امكن واذا اصر ذو الحق على التعجيل فالاحوط وجوبا الترجيح بالاهمية.

الرابع: ما اذا توقف على النبش مصلحة مهمة او دفع مفسدة كذلك ويراعى في ذلك عدم هتكه بظهور رائحته ونحوه مهما امكن"(1).

ويبقى وادي السلام حماية للنزيل لينام من جاء ليحتمي بحامي الجوار علي عليه السلام قرير العين تحف به ملائكة الرحمن وتظلله انفاس امير المؤمنين عليه السلام فتطيب ريحه ويبيض وجهه ويسعد ببركات ولي الله ورسوله ومولى المؤمنين والمؤمنات.

سل الحجر الصوان والاثر العادي *** خليلي كم جيل قد احتضن الوادي

فيا صيحة الاجيال فيه اذا دعت *** ملايين اباء ملايين اولاد

ثلاثون جيلا قد ثوت في قرارة *** تزاحم في عرب وفرس واكراد

ففي الخمسة الاشبار دكت مدائن *** وقد طويت في حفرة الف بغداد

ص: 128


1- ن.م ص100-101

طلبت ابن عباد فالفيت صخرة *** وقد رقشت هذا ضريح ابن عباد

وكم كومة للترب من حول كومة *** معلمة هذا الزعيم وذا الهادي

فما الربوات البيض في ايمن الحمى *** وقد خشعت الا نضائد اكباد

خليلي هجا واختلاسا بخطوكم *** فلم تطأوا الا مراقد رقاد

فذو الزهو خلى الزهو عنه وقد ثوى *** وظلت على الغبرا سيادة اسياد

فكم من هموم في التراب وهمة *** وكم طويت فيه شمائل امجاد

اعقابك يا دنيا قميص وطمرة *** بحفرة ارض من خرابات زهاد

عبرت على الوادي وسفت عجاجة *** فكم من بلاد في الغبار وكم نادي

وابقيت لم انفض عن الراس تربة *** لارفع تكريما على الراس اجدادي

ذهبنا الى القلال نسعى كرامة *** اتقبل اجداد زيارة احفاد

وهل رادع للناس عن كسر قلة *** اذا عرفوها من ظلوع واعضاد

لقد هبطت روادنا خير منزل *** سماء لارواح وارض الاجساد

وجئنا لحي يضربون قبابهم *** على رائح عن حيهم وعلى الغادي

قباب عليها استهزأ الدهر ما بها *** سوى الحجر المدفون والحجر البادي

الا ايها الركب المجعجع في الحمى *** الى اين مسرى ضعنكم ومن الحادي

حدوج عليها روعة وكانها *** وقد سجدوا فيها محاريب عباد

غدا تنبت الاجساد عشبا على الثرى *** فهل تطلع الارواح مطلع اوراد

وهل لعبت بالراقدين حلومهم *** باطياف افراح واطياف انكاد

محال على الارواح دفن بتربة *** ولكنها هذي القبور لاجساد

وما هذه الاجساد من بعد نزعها *** سوى قفص خال وقد افلت السادي

مضت نشأة الارحام في ظلماتها *** واضوأ منها نشاتي بعد ميلادي

ولي نشأة احلى واغلى فانني *** بتهيئة في النشأتين واعداد

ص: 129

طباع الفتى فردوسه او جحيمه *** وفي طي اخلاقي نشوري وميلادي(1)

ويشير الى ذلك الوادي شاعر اخر فيقول:

دعها تجوب فدافد الانجاد *** وتشق ازياق الربى ووهاد

اغرى لها شوق الغري فلن ترى *** مرأى ومرعى غير ذاك الوادي

فاستشعر الملكوت عند مليكه *** مهما بدت قبسات نور النادي

وادبه الطور العظيم ومن له *** الطول العميم وعلة الايجاد

قطب الوجود وحجة المعبود جو *** د الجود قلب الكون غيث ايادي

هو نقطة العلم الغزير ومن له *** نص الغدير هو المهدي والهادي

هو اية الله العظيمة في الورى *** والصدر في الاصدار والايراد(2)

ان التربة التي شرفت سيد الموحدين وامام المتقين عليه السلام لحرية بان تحتضن ابنائها وتسلمهم من الاهوال لذا كان من خواصها ان من يدفن فيها يرفع عنه العذاب ولا شك في ذلك وقد اكد ال البيت عليهم السلام ذلك ولعل الذي جرى لامير المؤمنين علي عليه السلام مع اثيب خير دليل فقد كان اثيب من اهل اليمن زار عليا عليه السلام ايام خلافته في الكوفة ولازمه اياما وعلمه دعاء وعاد الى ارض اليمن واوصى ابنه ان يدفنه في ظهر الكوفة وبعد عشرة اشهر وبينما كان امير المؤمنين عليه السلام الفتى: من اين قادم يا فتى؟ وجنازة من تحمل والوقت ضحى؟.

قال الفتى: هذا ابي جئت به من اليمن قطعت فراسخ القفار ورايت هاجرة الصحراء وانا احث ناقتي بالحداء كي تعبر الصحراء وحب من احمله يلهمني السلوان واورقت في خاطري الواحات وابرقت مزنة النجاة وانا اطوي مسافات الطريق.

قال امير المؤمنين عليه السلام وهو يريد ان يسبر غور الفتى: لم لم تدفه هناك انها ارض اليمن فيها السعادة والكرم؟

ص: 130


1- ديوان علي الشرقي ط2 ص158
2- رياض المدح والرثاء ص130

قال الفتى: وصية اوصى بها والدي ان يدفن في ارض هي كالمسك تراب النجف يدفن فيها رجل يشفع لمضر وربيعة وللناس جميعا وحينها قال امير المؤمنين عليه السلام انا والله الرجل، انا والله الرجل، انا والله الرجل . وصلى عليه ثم شمر عن ساعديه ودفنه ودعا بالرحمة عليه

وابدا تبقى ارض النجف ارضا نحبها وتحبنا

لوصي طاب في تربته *** فهو كالمسك تراب النجف

ولا شك ان المؤمنين يتوقون للوفود الى الله تعالى عن طريق هذه التربة المباركة التي قال عنها علي عليه السلام : اول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة لما امر الله الملائكة ان يسجدوا لادم فسجدوا على ظهر الكوفة(1).

فضل زيارة امير المؤمنين عليه السلام

حدثني سيدي الاستاذ السيد محمد كلانتر (قدس سره) باسناده الى الشيخ المفيد (اعلى الله مقامه) باسانيد عن ابي بصير قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: "ان ولايتنا عرضت على السموات والارض والجبال والامصار فلم تقبلها قبول اهل الكوفة وان الى جانبهم لقبرا ما لقيه مكروب الا نفس الله كربته واجاب دعوته وقلبه الى اهله مسرورا"(2).

ويروى السيد الرضي عن الصادق عليه السلام عن ابائه عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: "من زار عليا عليه السلام بعد وفاته فله الجنة"(3).

ويروي السيد الرضي عن الصادق عليه السلام عن ابائه عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: "من زار عليا عليه السلام بعد وفاته فله الجنة"(4).

ولله در القائل:

استغفر الله ان الله غفار *** واعمل لاخراك فالاهرى هي الدار

دار المقامة في امن وفي دعة *** لا اثم فيها ولا غل واوضار

تلقاك فيها البتول الطهر فاطمة *** وبعلها والد السبطين كرار

ص: 131


1- مستدرك الوسائل ج10 ص206
2- ن.م ص212
3- الخصائص ص5
4- المصدر السابق

فتلك بضعة خير الخلق فاطمة *** وذاك سيف بكف الله بتار

لو لا هم لم تقم للدين قائمة *** واستعبد الناس اوباش واشرار

مطهرون بعين الله قد صنعوا *** منزهون فلا رجس ولا عار

كواكب تشرق الدنيا بزيتنها *** تشع منها على الافاق انوار

قف عندهم وقفة الراجي شفاعتهم *** يوم الجزاء اذا ما سعرت نار

واهتف علي اجرني من لظى سقر *** اني اليك بعين الذل نظار

باب الاله الذي ما خاب طارقها *** سحاب خير عميم الخير مدرار(1)

وعن الامام الصادق عليه السلام انه قال: "ما خلق الله خلقا اكثر من الملائكة وانه لينزل كل يوم وليلة سبعون الف ملك فيأتون البيت المعمور فيطوفون فاذا هم طافوا به نزلوا فطافوا بالكعبة فاذا طافوا بها قبر النبي (صلى الله عليه واله) فسلموا عليه ثم اتوا قبر امير المؤمنين عليه السلام فسلموا عليه ثم اتوا قبر الحسين عليه السلام فسلموا عليه ثم عرجوا وينزل مثلهم ابدا الى يوم القيامة"(2).

وحدثني استاذي الكلانتر (قدس سره) باسناده عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: "من زار امير المؤمنين عليه السلام عارفا بحقه غير متجبر ولا متكبر كتب الله له اجر مائة الف شهيد وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر وبعث من الامنين وهون عليه الحساب وتستقبله الملائكة فاذا انصرف شيعوه الى منزله فاذا مرض عادوه وان مات تبعوه بالاستغفار الى قبره"(3).

وعن اسحاق بن عمار قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: اتى اعرابي الى رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال: يا رسول الله ان منزلي ناء عن منزلك واني اشتاقك واشتاق الى زيارتك واقدم فلا اجدك واجد علي بن ابي طالب عليه السلام : من زار عليا عليه السلام فقد زارني ومن احبه فقد احبني

ص: 132


1- علاء السيد محمد علي السيد علي خان
2- بشارة المصطفى ، عماد الدين الطبري ص108
3- مستدرك الوسائل ج10 ص213

ومن ابغضه فقد ابغضني ابلغ قومك هذا عني ومن اتاه زائرا فقد اتاني وانا المجازي له يوم القيامة وجبرائيل وصالح المؤمنين(1).

وعن ابي عامر التباني واعظ اهل الحجاز قال: اتيت ابا عبد الله جعفر ابن محمد عليه السلام وقلت له: ما لمن زار قبره يعني امير المؤمنين عليه السلام وعمر تربته؟ قال: يا ابا عامر حدثني ابي عن ابيه عن جده الحسين بن علي عن علي عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه واله قال له: والله لتقتلن بارض العراق وتدفن بها، قلت يا رسول الله: ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعهدها؟ فقال لي: يا ابا الحسن ان الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها وان الله جعل قلوب نجباء من خلقة وصفوة من عباده تحن اليكم وتحتمل المذلة والاذى فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا منهم الى الله ومودة منهم لرسوله اولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي الورادون حوضي هم زواري غدا في الجنة يا علي من عمر قبوركم وتعاهدها فكانما اعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس ومن زار قبوركم عدل ذلك الثواب سبعين حجة بعد حجة الاسلام وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته امه فابشر وبشر اوليائك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عين رأت وأذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم مكا تعير الزانية اولئك شرار امتي لا انالهم الله شفاعتي ولا يردون حوضي"(2).

وقال ابن مارد لابي عبد الله الصادق عليه السلام : ما لمن زار جدك امير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: يا يا ابن مارد: من زار جدي عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حجة مقبولة وعمرة مبرورة والله يا ابن مارد ما تطعم النار قدما تغبرت في زيارة امير المؤمنين عليه السلام ماشيا كان او راكبا يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب(3).

ص: 133


1- مزار المشهدي ص14 ، البحار ج100 ص262
2- مستدرك الوسائل ج10 ص215
3- الوسائل ج5 ص294

وعن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال: نحن نقول: بظهر الكوفة قبر لا يلوذ به ذو عاهة الا شفاه الله(1).

يقول صفوان بن مهران الجمال: سار الامام الصادق وانا معه في القادسية حتى اشرف على النجف فقال: هذا هو الجبل الذي اعتصم به ابن جدي نوح فقال (سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ) فاوحى الله تعالى اليه ايعتصم بك مني احد فغار في الارض وتقطع الى الشام ثم قال: اعدل بنا؟ قال: فعدلت به فلم يزل سائرا حتى اتى الغري فوقف به ثم اتى القبر فساق السلام من ادم على نبي نبي عليهم السلام وانا اسوق معه السلام حتى وصل السلام الى النبي صلى الله عليه واله ثم خر على القبر فسلم عليه وعلا نحيبه ثم قام فصلى اربع ركعات – وفي خبر ست ركعات- وصليت معه فقلت يا ابن رسول الله صلى الله عليه واله ما هذا القبر؟ فقال: هذا قبر جدي علي بن ابي طالب(2).

وقد وردت الكراهة لمن ترك زيارة ولي الله وامينه في ارضه عليه السلام فعن الامام الصادق عليه السلام : "من ترك زيارة امير المؤمنين عليه السلام لم ينظر الله اليه ، الا تزورون من تزوره الملائكة"(3).

وحدثني السيد الاستاذ (قدس سره) باسنايد متعددة عن باقر اهل البيت عليهم السلام ان اباه الامام زين العابدين عليه السلام زار قبر جده امير المؤمنين عليه السلام بالزيارة المعروفة المشهورة (زيارة امين الله) وقال: بانه عليه السلام وضع خده على القبر مع انه لم يكن لامير المؤمنين عليه السلام قبل مجيء الامام الصادق سنة 132ه قبر ظاهر على سطح الارض.

وقد جزم الباحثون والمحققون في الزيارات المتواترة بان القبر المقدس لامير المؤمنين عليه السلام كان في مشهد كبير تحت الارض اي في سرداب كما المتبع ايامنا هذه وان امير المؤمنين عليه السلام هو الذي حفره مع الخلص من اصحابه الى جنب قبره الذي اخره له ابوه نوح عليه السلام وكان اولاده

ص: 134


1- ن.م ص295
2- ن.م ص296
3- ن.م ص294

والخلص من تابعيهم يتعاهدون زيارته في ذلك المشهد سرا ولما تعزز دور الامام الصادق عليه السلام ابان قيام الدولن العباسية عام 132ه وسكنا الحيرة فتح باب المشهد واصلحه ثم بنى عليه قبرا كبيرا على سطح الارض واذن للناس بزيارته وفي عام 137ه جاء عليه السلام وسكن النجف ودعا الشيعة الى الهجرة الى جوار جده عليه السلام فتكونت نواة المدينة في حياة الامام الصادق عليه السلام.

ومن مستحبات زيارة امير المؤمنين عليه السلام..

1- زيارته عليه السلام ماشيا ذهابا وعودا.

2- عمارة مشهد الامير عليه السلام والائمة عليهم السلام وتعاهدها وكثرة زيارتها لانها بقاع من الجنة واحكامها كاحكام المساجد.

3- زيارة ادم ونوح وابراهيم مع امير المؤمنين عليه السلام لما ورد عن المفضل بن عمر قال: دخلت علي ابي عبد الله عليه السلام فقلت له: اني اشتاق الى الغري، فقال: ما شوقك اليه ؟ فقلت له: اني احب ان ازور امير المؤمنين عليه السلام فقال: هل تعرف فضل زيارته؟ قلت: لا ، الا ان تعرفني، فقال: اذا زرت امير المؤمنين عليه السلام فاعلم انك زائر عظام ادم وبدن نوح وجسم علي بن ابي طالب عليه السلام فقلت: يا ابن رسول الله صلى الله عليه واله ان ادم هبط بسرانديب في مطلع الشمس وزعموا ان عظامه في بيت الله الحرام فكيف صارت عظامه في الكوفة.؟ فقال: ان الله اوحى الى نوح عليه السلام وهو في السفينة ان يطوف بالبيت اسبوعا فطاف بالبيت كما اوحى الله اليه ثم نزل في الماء الى ركبتيه فاستخرج تابوتا فيه عظام ادم فحمله في جوف السفينة حتى طاف ما شاء الله ان يطوف ثم ورد الى باب الكوفة في وسط مسجدها ففيها قال الله للارض: ابلعي ماءك فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدء الماء منه وتفرق الجمع الذي كان مع نوح في السفينة فاخذ نوح عليه السلام التابوت فدفنه في الغري وهو قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما وقدس عليه عيسى تقديسا واتخذ عليه ابراهيم خليلا واتخذ محمد صلى الله عليه واله حبيبا وجعله للبنيين سكنا والله ما سكن فيه بعد ابويه الطيبين ادم ونوح اكرم من امير المؤمنين.

ص: 135

فاذا زرت جانب النجف فزر عظام ادم وبدن نوح وجسم علي بن ابي طالب فانك زائر الاباء الاولين ومحمدا خاتم النبيين وعليا سيد الوصيين وان زائره تفتح له ابواب السماء عند دعوته فلا تكن عن الخير نواما(1).

وعن الامام الصادق عليه السلام "الكوفة روضة من رياض الجنة فيها قبر نوح وابراهيم وقبور ثلثمائة نبي وسبعين نبي وستمائة وصي وقبر سيد الاوصياء امير المؤمنين عليه السلام(2).

وعنه عليه السلام: "قبر علي هو في الغري ما بين صدر نوح ومفرق راسه مما يلي القبلة"(3).

4- يتاكد استحباب زيارة الامير عليه السلام يوم الغدير وكثرة الصدقة فيه فقد كان الامام الرضا عليه السلام يوصي ابن ابي نصر قائلا: "يا ابن ابي نصر اينما كنت فاحضر يوم الغدير عند امير المؤمنين عليه السلام فان الله يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة ويعتق من النار ضعف ما اعتق في شهر رمضان وفي ليلة القدر ولية الفطر والدرهم فيه بالف درهم لاخوانك العارفين فافضل على اخوانك في هذا اليوم وسر فيه كل مؤمن ومؤمنة.

ثم قال: يا اهل الكوفة لقد اعطيتم خيرا كثيرا وانكم لممن امتحن الله قلبه للايمان مستقلون مقهورون ممتحنون يصب البلاء عليكم صبا ثم يكشفه الكرب العظيم والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات ولولا اني اكره التطويل لذكرت من فضل هذا اليوم وما اعطى الله من عرفه ما لا يحصى بعدد"(4).

5- الغسل لزيارة الامير والائمة ويستحب الاغتسال بماء الفرات والشرب منه والتبرك والتحنيك(5)به.

ص: 136


1- الوسائل ج5 ص299
2- ن.م ص301
3- ن.م ص302
4- ن.م ج5 ص302
5- )

فعن الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام قال: "ان الله عز وجل يهبط ملكا في كل ليلة ومعه ثلاثة مثاقيل من مسك الجنة فيطرحه في فراتكم هذا وما من نهر في شرق الارض وغربها بركة منه(1).

وعن الامام الصادق عليه السلام قال: "لو كنته عنده –يعني الفرات- لاحببت ان اتيه طرفي النهار(2).

وعنه عليه السلام: "شاطي الوادي الايمن الذي ذكره الله تعالى في القران هو الفرات والبقعة المباركة هي كربلاء"(3).

و (لما قدم ابو عبد الله عليه السلام الكوفة في زمن ابي العباس جاء على دابة في ثياب سفره حتى وقف على جسر الكوفة ثم قال لغلامه: اسقني فاخذ كوز ملاح(4) فغرف فيه وسقاه فشرب الماء وهو يسيل على لحيته وثيابه ثم استزاده فحمد الله ثم قال: نهر ما اعظم بركته اما انه يسقط فيه كل ويم سبع قطرات من الجنة اما لو علم الناس ما فيه من البركة لضروا الاجنية على حافتيه ولو لا ما يدخله من الخطائين ما اغتمس فيه ذو عاهة الا برا"(5).

وعنه عليه السلام: "من شرب من ماء الفرات وحنك به فانه يحبنا اهل البيت"(6).

وعن علي (عليه السلام) : "الفرات سيد المياه في الدنيا والاخرة"(7).

6- المشي حافيا لابسا انظف ثيابه على سكينة ووقار ذاكرا الله يقصر خطاه ويكبر ثلاثين مرة او مائة مرة.

7- الزيارة بالماثور عن الائمة عليهم السلام.

8- زيارة انبياء الله هود وصالح عليهما السلام عند قبر امير المؤمنين عليه السلام.

ص: 137


1- بحار الانوار
2- ن.م
3- ن.م
4- ن.م
5- ن.م
6- ن.م
7- بحار الانوار

9- زيارة راس الحسين عن قبر امير المؤمنين عليه السلام والصلاة ركعتين لكل منهما.

10- يستحب التختم بالياقوت والقيق والفيروز والحديد الصيني وحصى الغري وكثرة النظر اليها.

فعن المفضل عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: "احب لكل مؤمن ان يتختم بخمسة خواتيم بالياقوت وهو افضله وبالعقيق وهو اخلصه لله ولنا والفيروز وهو نزهة الناظر من المؤمنين والمؤمنات وهو يقوي البصر ويزيد في قوة القلب وبالحديد الصيني وما احب التختم به ولا اكره لبسه عند لقاء اهل الشر ليطفئ شرهم واحب اتخاذه فانه يشرد المردة من الجن والانس وما يظهره الله بالذكوات البيض بالغريين(1).

قلت يا مولاي وما فيه من الفضل؟ قال: من تختم به ونظر اليه كتب الله بكل نظرة زوده اجرها اجر النبيين والصالحين ولو لا رحمة الله لشيعتنا لبلغ الفص منه ما لا يوجد من بالثمن ولمن الله رخصه عليهم ليتختم به غنيهم وفقيرهم"(2).

وذكر صاحب المفاتيح الاداب الاتية عند زيارة الائمة عليهم السلام منها..

1- الغسل قبل الخروج لسفر الزيارة

ان الغسل للزيارة من الاغسال المستحبة وكيفيته كغسل الجنابة وهذا يجب فيه امور ، منها النية وايصال الماء الى البشرة ومباشرة المغتسل لغسله واطلاق الماء وطهارته(3).

و (غسل تمام البدن والمشهور ان له صورتين لا يجوز الخروج عنهما: احداهما: الترتيب بان يغسل اولا تمام الراس والرقبة ثم الجانب الايمن من الجسد ثم الجانب الايسر منه ثانيتهما: الارتماس بتغطية البدن في الماء دفعة واحدة بحيث يحصل غسل تمام البدن حينها وهذا وان كان احوط الا ان

ص: 138


1- يعني در النجف
2- الوسائل ج5 ص313
3- منهاج الصالحين، العبادات ، السيد سعيد الحكيم ص60

الظاهر عدم تعين احدى الصورتين، غاية الامر انه لا يجوز تقديم الجسد على الراس ويجوز ما عدا ذلك.

فمن الصور الجائزة: غسل تمام البدن بالوقوف تحت المطر او الحنفية او نحوهما ومنها: صب الماء على الراس والجسد ثم امرار اليد حتى يستوعب الماء تمام الراس والجسد ولا بد من التاكد من وصول الماء لتمام الجسد، ومنها تقديم الشق الايمن من الراس والجسد على الشق الايسر منهما وغير ذلك من الصور الاخرى)(1).

وقد تشترك الاغسال المستحبة مع غسل الجنابة في بعض الاحكام

ففي المسالة 183: "اذا احدث بالاصغر في اثناء غسل الجنابة فالاحوط وجوبا الجمع بين استئناف الغسل لاحتمال بطلانه والوضوء وهكذا الحال في كل غسل غير غسل الجنابة"(2).

وفي المسالة 184: "غسل الجنابة يجزيء عن الوضوء وكذا كل غسل مشروع غير غسل الجنابة واجبا كان ام مستحبا نعم من اداب غسل الجنابة تقديم الوضوء عليه"(3).

وفي المسالة 185: "اذا اجتمعت اغسال متعددة واجبة او مستحبة او مختلفة اجزأ عنها غسل واحد سواء اتى المكلف بنية بعضها ام بنية الجميع ويجزيء عن الوضوء ولا سيما اذا كان المتغسل جنبا"(4).

وفي المسالة 333: "واما الغسل لزيارة النبي صلى الله عليه واله والائمة عليهم السلام فقد تضمنتها النصوص في زيارات خاصة يضيق المقام عن استقصائها وتحقيق حالها ولا مجال لاستفادة استحباب الفسل لك زيارة منها فالاولى الاتيان بالغسل في جميع الموارد المذكورة برجاء المطلوبية من دون ان يجتزأ به عن الوضوء"(5).

ص: 139


1- ن.م
2- ن.م ص61
3- ن.م
4- ن.م
5- ن.م

ويبقى الامر الاهم، هو ان يلحظ الزائر غسل نفسه من الادران عند زيارته اولياء الله تعالى الذي يسمعون الكلام ويردون السلام ويتجه اليهم بقلب سليم ونفس مطمئنة راضية تنطوي على سريرة نقية طاهرة.

يتوجه اليهم وقد امتثل اوامر الله العظيم مؤديا ما عليه من حقوق مقتديا بسيرة اولئاك الاطهار مستوحيا من خلال زيارته العضة والعبرة.

واذا ما جردت الزيارة عن معانيها السامية وافرغت من محتواها فلا يبقى لها قيمة او وزن بعيدة عن قبول الله تعالى ورسوله والائمة عليهم السلام وهي بهذا حجة على الزائر لا له. فكيف تقبل منه وهو المرابي في سوق المسلمين او المغتصب لحقوق العباد؟ ان الله سبحانه يحب من العباد ان يتقرب اليه بكل ما هو محبوب والعكس صحيح اذ قد يتقرب اليه تعاى بما هو مبغوض عنده عز وجل وعلى كلا الحالين امثلة نعيشها.

فعلى الاول: قد يتقرب الانسان اليه تعالى بالطيب يتصدق منه على الفقراء من خالص ماله الذي اتعب نفسه في طلبه وتحصيله من مضانه المشروعة حيث لا غش ولا غبن ولا سرقة ولا خيانة ولا مظلمة فيكون قبول ذلك لا ريب فيه وكذا تكون الزيارة مقبولة اذا كانت مقدماتها مرضية ففي صلاح المقدمة صلاح نتيجتها.

وعلى الثاني: ما اذا توهم الانسان من ان المال الاتي عن طريق الحرام كالرشوة والغش والاتجار المحرم والربا يمكن بوساطته بناء مسجد او مرفق خيري او عمارة مشهد يلاقي قبول الله تعالى فقد ضل ضلالا بعيدا لان الله سبحانه (لا يتقبل الا من المطيعين العاملين المتمسكين بفرائضه حيث لا يكون التقرب بالمبغوض الا وهما وهو في الحقيقة تقرب الى الشيطان والزائر بهذا المعنى انما ينصب شراكه باسم الدين ليصطاد بها الدنيا.

2- ان يتجنب في الطريق التكلم باللغو والخصام والجدال.

نهى الله تعالى عن اللغو والخصام والجدال لانها غالبا ما تؤدي الى الفسوق والفسوق والجدال من تروك الاحرام اثناء الحج حيث ان الفسوق يشمل الكذب والسب والمفاخرة المحرمة وان كان محرما في جميع الاحوال الا ان حرمته مؤكدة في حال الاحرام والمقصود بالمفاخرة التباهي امام الاخرين بالنسب او

ص: 140

المال او الجاه او ما اشبهها وهي محرمة اذا كانت مشتملة على اهانة المؤمن والحط من كرامته والا فلا باس بها ولا تحرم لا على المحرم ولا على غيره، ولا كفارة في الفسوق الا الاستغفار وان كان الاحوط التكفير ببقرة(1).

و (يحرم الجدال على المحرم ويختص بما كان مشتملا على الحلف بالله تعالى في الاخبار عن ثبوت امر او نفيه والاظهر عدم اعتبار ان يكون باحد اللفظين بلى والله، ولا والله بل يكفي مطلق اليمين بالله سواء كانت بلفظ الجلالة ام بغيره وسواء كانت مصدرة ب- (لا) و (بلى) ام لا فلا اثر له فضلا عن مثل قولهم (لا لعمري، بلى لعمري) كما لا اثر للحلف بالله تعالى لغير الاخبار كما في يمين المناشدة كقول القائل: (اسألك بالله ان تعطيني) ويمين العقد اي ما يقع تاكيدا لما التزم به من ايقاع امر او تركه في المستقبل كقوله (والله لاعطيك كذا).

وهل يعتبر في تحقق الجدال في اليمين الصادقة تكرارها ثلاث مرات ولاءا فلا يتحقق شرعا اذا لم تكن كذلك ام لا؟ اختار بعض الفقهاء ذلك وهو لا يخلو عن وجد وان كان الاحوط خلافه واما الجدال في اليمين الكاذبة فلا يعتبر فيه التعدد بلا اشكال(2).

ولا شك ان الخصال والجدال خروج عن طاعة الله تعالى في الحج او في غيره من زيارة او تعامل حياتي ينبغي على المسلم اجتنابهما.

3- الطهارة من الحدث الاكبر والاصغر.

الحدث الاكبر هو الجنابة والحيض والنفاس واما الاصغر فيصير الانسان محدثا به بامور هي: خروج البول والغائط والريح والنوم الغالب على العقل وكل ما غلب على العقل من جنون او اغماء او غيرها والاستحاضة.

4- ان يلبس ثيابا طاهرة ويحسن ان تكون بيضاء.

ان الذي اعتاده الناس ان احدهم اذا اراد ان يزور عزيزا او كبيرا او زعيما فانه ياخذ الاهبة والاستعداد لذلك كي يظهر على اكمل وجه ولما جاء الاسلام اعتنى بهذا الجانب واولاه رعايته وحث المسلم على ان يكون نظيفا طاهر

ص: 141


1- مناسك الحج، الامام السيستاني ص124
2- مناسك الحج، الامام السيد السيستاني ص124

البدن والثوب وقد تجلى هذا في موارد العبادات جميعا والتي من شرائط قبولها الطهارة وكذلك ما يترتب عليها من اثار اجتماعية ونفسية كبيرة.

قال الامام الصادق عليه السلام : "ان ابن عباس لما بعثه امير المؤمنين عليه السلام الى الخوارج ليس افضل ثيابه وتطيب باطيب طيبه وركب افضل مراكبه وخرج اليهم فوافقهم فقالوا: يا ابن عباس بينا انت خير الناس اذ اتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبهم فتلا عليهم هذه الاية (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) فالبس واتجمل فان الله يحب الجمال وليكن من حلال(1).

وورد في لبس الثياب البيض عن الامام الصادق عليه السلام عن امير المؤمنين عليه السلام: (البسوا من القطن فانه لباس رسول الله (صلى الله عليه واله) ولباسنا ولم يكن يلبس الصوف والشعر الا من علة)(2).

وعنه عليه السلام: "ان الله جميل يحب الجمال ويحب ان يرى اثر نعمته على عبده"(3).

وعنه عليه السلام: "الكتان من لباس الانبياء"(4).

وعن الباقر عليه السلام: "ليس من ثيابكم شيء احسن من البياض فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم"(5).

5- ان يتطيب بشيء من الطيب فيما عدا زيارة الحسين عليه السلام لقوله (صلى الله عليه واله) "الرائحة الطيبة تشد القلب".

وعن الامام الصادق عليه السلام : "ما انفقت في الطيب فليس بسرف".

وعن الامام الرضا عليه السلام: "كان يعرف موضع جعفر عليه السلام في المسجد بطيب ريحه وموضع سجوده".

ص: 142


1- مكارم الاخلاق، الطبرسي ص94- 95
2- ن.م ص102
3- ن.م
4- ن.م
5- ن.م

وعن ابي عبد الله الصادق عليه السلام: "ركعتان يصليهما متعطرا افضل من سبعين ركعة يصليها غير متعطر"(1).

6- ان يشغل لسانه وهو يمضي الى الحرم المطهر بالتكبير والتحميد والتسبيح والتهليل والتمجيد، ويعطر فاه بالصلاة على محمد وال محمد عليهم السلام.

فعن الامام سيد الساجدين علي بن الحسين عليه السلام: "وحق اللسان اكرامه عن الخنى وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة لها والبر بالناس وحسن القول فيهم"(2).

ومن اجلى مصاديق التعويد على الخير والبر الى الله تعالى ونبيه (صلى الله عليه واله) ذكر محمد واله (عليهم السلام) في كل حال لما لذلك من الثواب الكبير والفضل العميم.

7- ان يقف على باب الحرم الشريف ويستأذن ويجتهد لتصحيل الرقة والخضوع والانكسار والتفكير في عظمة صاحب ذلك المرقد المنور وجلالة وانه يرى مقامه ويسمع كلامه ويرد سلامه كما يشهد على ذلك كله عندما يقرا الاستئذان والتدبر في لطفه وحبهم لزائريهم والتامل في فساد حال نفسه وفي جفائه اتجاههم برفضه ما لا يحصى من تعاليمهم وفيما صدر عنه نفسه من الاذى لهم او لخاصتهم واحبابهم وهو في المال راجع اليهم عليهم السلام فلو التفت الى نفسه التفات تفكر وتدبر لتوقفت قدماه عن المسير وخشع قلبه ودمعت عيناه وهذا هو لب لباب اداب الزيارة ورحم الله السخاوي اذ يقول:

قالوا غدا نأتي ديار *** الحمى وينزل الركب بمغناهم

فكل من كان مطيعا لهم *** اصبح مسرورا بلقياهم

قلت فلي ذنر فما حيلتي *** باي وجه اتلقاهم

قالوا اليس العفو من شانهم *** لا سيما عمن ترجاهم

فجئتهم اسعى الى بابهم *** ارجوهم طورا واخشاهم

8- تقبيل العتبة العالية المباركة

ص: 143


1- مكارم الاخلاق ص40-ص41
2- ن.م ص456

قال الشيخ الشهيد (قدس سره): ولو سجد الزائر ونوى بالسجدة الشكر لله تعالى على بلوغه تلك البقعة كان اولى.

9- ان يقدم للدخول رجله اليمنى ويقدم للخروج رجله اليسرى كما يصنع عند دخول المساجد والخروج منها.

وتلحق المشاهد المشرفة للنبي والائمة عليهم السلام بالمساجد في الاحكام حيث (لا يجوز للجنب الدخول للمساجد لوضع شيء فيها، نعم يجوز له وضع شيء فيها حال الاجتياز كما يجوز اذا لم يستلزم الدخول فيها)(1).

وفي المسالة 175: (الاحوط وجوبا عدم مكث الجنب في مشاهد النبي صلى الله عليه واله والائمة عليهم السلام فيقتصر من اعوزته حاجة لذلك او اعجله امر الغسل على العبور فيها او الطواف بها مند دون مكث نعم لا بأس في المكث في الاروقة المطهرة التي هي خارج البنية التي فيها القبر الشريف)(2).

وفي المسالة 176: (اذا احتمل عدم مسجدية بعض اجزاء بناية المسجد كالساحة المكشوفة والمدخل جاز الدخول فيه والمكث ولم تجر عليه احكام المسجدية)(3).

وفي ما يتوقف صحته او جوازه على غسل الجنابة امور، منها: (اللبث في المساجد بل طلق الدخول فيها وان كان لوضع شيء فيها بل لا يجوز وضع شيء فيها حال الاجتياز فيها بالدخول من باب مثلا والخروج من اخر الا في المسجدين الشريفين الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه واله) والاحوط وجوبا الحاق المشاهد المشرفة للمعصومين عليهم السلام بالمساجد في الاحكام المذكورة ولا يلحق بها اروقتا فيما لم يثبت كونه مسجد كما ثبت في بعضها كما لا يلحق بها الصحن المطهر وان كان الالحاق احوط)(4).

10- ان يقف على الضريح بحيث عليه الالتصاق به وتوهم ان البعد ادب وهم فقد نص على الضريح وتقبيله.

ص: 144


1- منهاج الصالحين، العبادات، السيد محمد سعيد الحكيم، ص58
2- ن.م ص59
3- ن.م
4- منهاج الصالحين، الامام السيستاني ج1 ص64

11- ان يقف للزيارة مستقبلا القبر مستدبرا القبلة وهذا الادب مما يخص زيارة المعصوم على الظاهر فاذا فرغ من الزيارة فليضع خده الايمن على الضريح ويدعو الله بتضرع ثم ليضع الخد الايسر ويدعو الله بحق صاحب القبر ان يجعله من اهل شفاعته ويبالغ في الدعاء والالحاح ثم يمضي الى جانب الراس فيقف مستقبل القبلة فيدعو الله تعالى.

12- ان يزور وهو قائم على قدميه الا اذا كان له عذر من ضعف او وجع في الظهر او الرجل او غير ذلك من الاعذار.

13- ان يكبر اذا شاهد القبر المطهر قبل الشروع بالزيارة وفي رواية ان من كبر امام الامام عليه السلام وقال: لا اله الا الله وحده لا شريك له كتب له رضوان الله الاكبر.

14- ان يزور بالزيارات المأثورة المروية عن سادات الانام ويترك الزيارات المخترعة التي لفقها بعض الادعياء فقد روي عن الكليني رحمه الله عن عبد الرحيم القصير قال: دخلت على الصادق عليه السلام فقلت: جعلت فداك قد اخترعت دعاء في نفسي فقال عليه السلام دعني عن اختراعك اذا عرضتك حاجة فلذ برسول الله صلى الله عليه واله فليصل الصلاة في الروضة وان كانت لاحد الائمة فعند الراس ولو صلاها بمسجد المكان اي مسجد الحرم جاز.

وقال العلامة المجلسي رحمه الله: ان صلاة الزيارة وغيرها فيما ارض يفضل ان تؤتى خلف القبر او عند الراس الشريف.

وقال العلامة السيد بحر العلوم (قدس سره):

ومن حديث كربلا والكعبة *** لكربلا بان علو الرتبة

وغيرها من سائر المشاهد *** امثالها بالنقل ذي الشواهد

وراع فيهن اقتراب الرمس *** واثر الصلاة عند الراس

وصل خلف القبر فالصحيح *** كغيره في ندبها صريح

والفرق بين هذه القبور *** وغيرها كالنور فوق الطور

فالسعي للصلاة عندها *** ندب وقربها بل اللصوق قد طلب

ص: 145

16- تلاوة سورة يس في الركعة الاولى وسورة الرحمن في الثانية ان لم تكن صلاة الزيارة التي يصليها مأثورة على صفة خاصة وان يدعو بعدها بالمأثور او بما سنح له في امور دينه ودنياه وليعمم الدعاء فانه اقرب الى الاجابة.

قال الشهيد رحمه الله : ومن دخل المشهد والامام يصلي بدأ بالصلاة قبل الزيارة وكذلك لو كان قد حضر وقتها والا فالبدء بالزيارة اولى لانها غاية مقصده ولو اقيمت الصلاة استحب للزائرين قطع الزيارة والاقبال على الصلاة ويكره تركه وعلى ناظر الحرم امرهم بذلك.

17- ترك اللغو وما لا ينبغي من الكلام وترك الاشتغال بالتكلم في امور الدنيا فهو مذموم قبيح في كل زمان ومكان وهو مانع للرزق ومجلب للقساوة ولا سيما في هذه البقاع الطاهرة والقباب السامية التي اخبر الله تعالى بجلالها وعظمتها في سورة النور (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ).

18- ان لا يرفع صوته بما يزور به.

19- ان يودع الامام بالمأثور اذا اراد الخروج وان يتوب الى الله ويستغفر من ذنوبه وان يجعل اعماله بعد الزيارة خيرا من قبلها.

20- الانفاق على سدنة المشهد الشريف ومن هم في خدمة المرقد وعلى المجاورين لتلك البقعة من الفقراء والمساكين والمتعففين.

21- قال الشهد رحمه الله: ان من جملة الاداب تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة لتعظيم الحرمة وليشتد الشوق وقال ايضا: والنساء اذا زرن فليكن منفردات عن النساء والاولى ان يزرن ليلا متخفيات مستترات ولو زرن بين الرجال جاز وان كره.

22- ينبغي عند ازدحام الزائرين للسابقين الى الضريح ان يخففوا زيارتهم وينصرفوا ليفوز غيرهم بالدنو من الضريح الطاهر كما كانوا هم من الفائزين.

وعلى ذكر المراة ومن تروم زيارة ائمة الهدى عليهم السلام مراعاة كل ما يحفظ كرامتها وعفتها لتلقي زيارتها قبوله تعالى ، وذلك باتباع ما ياتي..

1- عدم التبرج واظهار الزينة.

ص: 146

2- ان لا تزاحم الرجال الاجانب في الحرم المطهر.

3- عدم الجلوس في قبلة المصلين.

4- عدم قراءة شيء من القران او الزيارة بصوت مرتفع.

5- ان تحافظ على نظافة واحترام المكان الذي تجلس فيه داخل المشهد المشرف.

6- ان تحترم المكان بعدم مجالسة الرجال مهما كانت صلتها بهم طيلة بقاءها في الحرم.

7- تقدم بعض النساء على ارضاع اطفالهن امام الناس هاتكة بذلك سترها وحيائها لجهلها بان في ذلك سخط الله تعالى.

8- تجنب رفع صوتها اثناء الصلاة حتى وان كانت الصلاة جهرية.

ففي المسالة 195 : (يجب الجهر على الرجال في الصبح وفي الاوليين من المغرب والعشاء ولا يجب على النساء بل يتخيرن بينه وبين الاخفات).

وفي المسالة 196: (يجب الاخفات على الرجال والنساء في الظهرين كما يجب عليهم جميعا الاخفات في ثالثة المغرب والركعتين الاخيرتين في الرباعية سواء اختار المصلي الذكر ام القراءة.

فمن المسألتين يتبين ما يجب على المراة في صلاتها من جهر او اخفات فقد خيرها الشارع المقدس بينهما صونا لها من ان يسمعها الاجنبي اذا كان حاضرا او قريبا منها فاباح لها الاخفات في موضع الجهر احتراما لها وتوقيرا الا ان تكون في بيتها وقد امنت الاجنبي فلها ان تفعل ما تشاء.

ولا يجوز للمسلم رجلا كان او امراة ان يرفع صوته في مثل هذه الاماكن المشرفة لان الله تعالى نهى الناس من ان يرفعوا اصواتهم فوق صوت النبي (صلى الله عليه واله) وسواء كان النبي صلى الله عليه واله حيا ام كان الى جوار ربه والائمة عليهم السلام هم نفس رسول الله وخاصته ودمه ولحمه فاحترامهم لازم واجب كاحترام النبي صلى الله عليه واله.

وما نراه اليوم من الهرج الذي تضج به مقامات واضرحة الاولياء عليهم السلام من بعض النساء بفرع اصواتهن بما يطلق عليه الهلاهل لهو قلة دين وحياء وانتهاك لمقام الامام المعصوم عليه السلام وقد تجد امورا اشد وطاة

ص: 147

على الدين واهله في هذه المشاهد حيث اتخذها بعض المهوسين وضعاف النفوس حرفة تدر عليهم السحت الحرام اذ راحوا يتصيدون البسطاء من النساء واستجداء الدراهم منهم وبصورة مبتكرة باستعمال المرضى وذوي العاهات للقيام بهذه المهمة وهذا الامر وعلى الرغم من انه وجه سلبي فهو في الوقت عينه شيء غير حضاري لما يبرزه من امراض نفسية وخلقية ينتهك حرمة المجتمع باكمله وقد عشش بعض الدجالين مستغلين الدين متسترين به ليقوموا باعمال تنافي الشرع وسيرة اهل البيت عليهم السلام فوجب على العارف بيان حالهم ليتم تجنب الوقوع في حبائلهم وهذا الواجب جزء من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما من اعظم الواجبات الدينية وبهما يصلح المجتمع ويقمع الفساد ويستدفع الشر.

قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وقال عز من قائل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وعن النبي صلى الله عليه واله انه قال: "اذا امتي تواكلت الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله" وعن الامام الرضا عليه السلام انه قال: "لتامرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر او ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم" وعن الامام الباقر عليه السلام انه قال: "ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصالحين فريضة عظيمة تقام بها الفرائض وتامن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الارض وينتصف من الاعداء ويستقيم الامر". وفي حديث قال النبي صلى الله عليه واله : "كيف بكم اذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تامروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟

قال: نعم، وشر من ذلك كيف بكم اذا امرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشر من ذلك كيف بكم اذا رايتم المعروف منكرا والمنكر معروفا؟"(1).

ص: 148


1- تحف العقول

ومن الملاحظات التي يضعها زائر المراقد المشاهد المشرفة كثرة النائمين في داخل اروقتها وهذا امر بعيد عن الادب تجاه ائمتنا لان النائم عرضة للاحتلام وصدور ما يؤذي الزائرين متناسيا ان هذه الاماكن انما هي ملحقة بالمساجد في الاحكام لذا وجب احترامها بهذا الاعتبار اولا واحترام من تتضمنه باعتبار ثان، لان في ذلك احتراما لحرمات الله تعالى وتعظيما لشعائره.

وللفائدة نبين بعض الاحكام مضافا لما بينا سابقا..

فقد ورد في المسالة 78: "من سبق الى مكان المسجد او المشهد او غيرهما من الاماكن العامة فهو احق به وترجم مزاحمته فيه ولو قهره شخص ونحاه واخذ مكانه كان مكثه في المكان محرما ما دام الاول غير معرض عن المكان ووجب تمكينه منه فلو صلى فيه الغاصب بطلت صلاته نعم اذا اعرض الاول عنه بعد غصبه منه ولو لتجنب المشاكسة والاهتمام بقضاء وطره في مكان اخر حل المكث وصحت الصلاة فيه من الغاصب وغيره".

وفي المسالة 79: "لابد في سبق الشخص للمكان الموجب لاحقيته به من جلوسه فيه واشغاله في ما هو معد له من عبادة او نحوها ولا يكفي وضعه شيئا فيه كسجادة وسبحة فمن اكتفى بذلك جاز لغيره اشغال المكان نعم يحرم عليه التصرف في ذلك الشيء الموضوع فيه فاذا امكنه الانتفاع بالمكان بصلاة او غيرها من دون تصرف في ذلك الشيء الموضوع فيه جاز له وصح عمله بل اذا كان حجز المكان بالشيء الموضوع فيه موجبا لتعطيله عرفا لطول المدة ووجود من يحتاج لاشغاله فيه سقطت حرمة ذلك الشيء الموضوع فيه وجاز اشغال المكان وان اوجب التصرف فيه على مقدار الضرورة والحاجة التي يقتضيها الانتفاع بالمكان"(1).

وفي المسالة 84: " لا يجوز لمن يصلي عند قبر النبي وقبور الائمة عليهم السلام الصلاة امام القبر الشريف بحيث يكون القبر خلفه بل تكون الصلاة خلف القبر وعن يمينه وشماله ولاباس بالتقدم من الجانبين عن سمت القبر الشريف بحيث لا يصدق عرفا ان القبر خلف المصلي".

ص: 149


1- منهاج الصالحين، العبادات ، الامام السيد محمد سعيد الحكيم.

وفي المسالة 85: "يختص المنع عن الصلاة امام القبر بالصلاة في البنية التي فيها القبر الشريف دون ما خرج عنها من الاروقة المتصلة بها".

وفي المسالة 86: "لو تقدم المصلي على قبر المعصومين عليهم السلام جهلا بموضع القبر او بالحرمة او غفلة فالظاهر صحة الصلاة"(1).

وفي المسالة 87: "الاحوط وجوبا الحاق قبر الصديقة الزهراء عليها السلام بقبور النبي صلى الله عليه واله والائمة عليهم السلام في الحكم المذكور لو تسير العلم بموضعه بخلاف قبور غير المعصومين مهما ارتفع حتى الانبياء الاخرين عليهم السلام فانه يجوز التقدم عليها بالمعنى المذكور الا ان يستلزم التوهين وسوء الادب فيحرم وتبطل الصلاة مع الالتفات لذلك".

وفي المسالة 112: "تستحب الصلاة في مشاهد الائمة عليهم السلام وقد ورد ان الصلاة عند علي عليه السلام بمائتي الف صلاة"(2).

ومن هنا نرى ان هذه الاماكن انما هي اماكن عبادة لا للاكل وللنوم و الراحة فالواجب احترامها وتقديسها.

انتشرت في هذه الاماكن ظاهرة يدعيها المجانين ومن الجنسين وهي دعوى حلول روح المزور واتحادها مع ارواحهم وهذا الادعاء مردود ومخدوش واقل ما يقال لمدعيه انه قد تلبسه مس من الجن فاخذ يتصور اشياء في خياله المريض فيظنها حقيقة وما هي الا كسراب في صحراء يحسبه الضمان ماءا وكثيرا ما تجد هذه الظواهر عند الجاهلات من النساء المصطلح عليهن عرفا ب- (المطوعة) اي التي دخلها نور الولي الفلاني، ولا يخفى فان هذا لهو الدجل بعينه لان هدفهن الاول هو ابتزاز الناس في اموالهم واعراضهم ولا شيء غير هذا.

وقد ورد في المسالة 56 ما نصه: "والاخطر من ذلك والاكذب ما شاع في زماننا هذامن دعوى افاضة بعض الائمة عليهم السلام والاولياء على بعض الناس من انوارهم او حلول ارواحهم فيهم متلبسين بهم فينطقون عنهم مخبرين – كما يزعمون- ببعض الامور المجهولة او امرين او ناهين بنحو

ص: 150


1- ن.م ص188
2- ن.م ص182

يثير الانتباه ويلفت النظر ويستجلب بعض المغفلين السذج فيعملون على ذلك مطيعين مصدقين وكانهم يطيعون الامام او الولي ويصدقونه وقد راينا من قاده ذلك للسرقة وانتهاك الحرمات عن حسن نية ولو تامل قليلا لادرك التخليط في ذلك. والا فما بال هذه الذوات الطاهرة تفيض انوارها على النساء وضعاف البصيرة وتتجسد فيهم وتترك ذوي النفوس العالية والشخصية القوية من علماء الدين ورجال الفكر المتدينين على ان تجسد ارواحهم عليهم السلام في اشخاص غيرهم امر مرفوض دينيا وعقيديا اشد الرفض وليس ذلك الا من عمل الشيطان وكيده ووساوسه وتخييلاته ولذا شاع في الاوساط التي يضعف فيها الدين وتجهل تعاليمه وتخفى معالمه ويقل المرشدون حيث يكون ذلك مرتعا خصبا للشيطان وبيئة صالحة لكيده في تضليل الناس والعبث بهم نعوذ بالله من كيده ومكره".(1).

ان في الابتعاد عن السلبيات قبول العمل ورضا الامام عليه السلام فيحصل بذلك الاجر والثواب وبتكرار العمل يتكرر الاجر وقد ورد مثلا استحباب تكرار زيارة قبر الامام ابي عبد الحسين عليه السلام فعن الامام الصادق عليه السلام قال: "زوروا كربلا ولا تقطعوه فان خير اولاد الانبياء ضمنته الا وان الملائكة زارت كربلا الف عام من قبل ان يسكنه جدي الحسين عليه السلام وما من ليلة تمضي الا جبرائيل وميكائيل يزورانه فاجتهد يا يحيى ان لا تفقد من ذلك الموطن"(2).

ص: 151


1- منهاج الصالحين، المعاملات، ق1، ص22
2- مستدرك الوسائل ج1 ص262

في كيفية زيارة امير المؤمنين عليه السلام والصلاة في مرقده المطهر

الزيارة نوعان..

1- الزيارة المطلقة وهي الزيارات التي لا تقيد بزمان خاص وهي كثيرة رواها الشيخ المفيد والشهيد وابن طاووس وغيرهم وذكرها صاحب مفاتيح الجنان بادابها، حيث اورد سبع زيارات مطلقة مأثورة عن ائمة اهل البيت عليهم السلام.

2- الزيارات المخصوصة: وهي الزيارات التي يزار بها في اوقات معينة منها زيارة يوم الغدير في الثامن عشر من شهر ذي الحجة، وزيارة يوم ميلاد النبي صلى الله عليه واله في السابع عشر من شهر بيع الثاني، وزيارة ليلة المبعث في السابع عشر من رجب ويومه.

وقد وردت فيه ثلاث زيارات .. الاولى: الرجبية ، والثانية: زيارة السلام على ابي الائمة ومعدن النبوة، وزيارة ثالثة اوردها الشيخ المفيد والسيد والشهيد وتجد كل ذلك في مفاتيح الجنان وكتب الادعية والزيارات الاخرى.

الصلاة للزيارة

الصلاة ست ركعات ركعتان منها لزيارة امير المؤمنين عليه السلام تقرأ في الركعة الاولى فاتحة الكتاب وسورة الرحمن وفي الثانية الحمد وسورة يس وتشهد وسبح تسبيح الزهراء عليها السلام واستغفر الله عز وجل وادع لنفسك بالمأثور وقل: (اللهم لك صليت ولك ركعت ولك سجدت وحدك لا شريك لك لانه لا تكون الصلاة والركوع والسجود الا لك لانك انت الله لا اله الا انت) وتهدي الاربع ركعات الاخر الى ادم عليه السلام ونوح عليه السلام ثم تسجد سجدة الشكر والدعاء فيها بالماثور ثم الدعاء بعد الاستغفار.

ومن المعلوم انه: (يحرم السجود لغير الله تعالى من دون فرق بين المعصومين عليهم السلام والاولياء المقربين لله تعالى وسجود الملائكة ليس لادم عليه السلام بل لله عز وجل تكريما لادم وكذا سجود اخوة يوسف عليه السلام ليس له بل لله عز وجل ولا بأس بالسجود في المشاهد المشرفة له

ص: 152

تعالى شكرا على التوفيق لزيارتها والتشرف بالحضور فيها والدعاء فيها بقضاء الحوائج ببركتها وبركة من حل فيها والاستشفاع به الى الله تعالى"(1).

والتسبيح والدعاء وقراءة القران من معقبات الاعمال العبادية فرائض او نوافل ومنها: تسبيح الزهراء عليه السلام وهو (الله اكبر) اربعا وثلاثين مرة ثم (الحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة ثم (سبحان الله) ثلاثا وثلاثين ، وان يختمه بقول (لا اله الا الله).

ويستحب ان يكون التسبيح بسبحة من طين قبر الحسين عليه السلام وفي بعض الاخبار انها تسبح في يد من يديرها ويكتب ثواب تسبيحها له وان غفل عن التسبيح)(2).

ان مسك ختام هذا الفصل ما ارويه عن سيدي الاستاذ الكلانتر قدس سره عن اية الله الشيخ اغا بزرك الطهراني عن ثقة الاسلام الحاج ميرزا حسين النوري عن الاعظم الشيخ الانصاري عن المولى الشيخ النراقي عن الاجل السيد مهدي الطباطبائي (بحر العلوم) عن الاستاذ الاكبر محمد باقر البهبهاني عن ابيه محمد اكمل عن العلامة المجلسي عن الشيخ محمد العاملي عن والده الفقيه الحسين بن عبد الصمد الحارث عن الشيخ الشهيد الثاني عن الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي الميسي عن محمد الدين عن والده العلامة عن والده الشيخ يوسف عن السيد فخار بن معه عن شاذان بن جبرائيل عن ابي القاسم الطبري عن ابي الحسن بن محمد عن والده محمد بن الحسن الطوسي عن الشيخ المفيد عن الشيخ الصدوق رئيس المحدثين عن القطان عن عبد الرحمن بن محمد الحسيني عن محمد بن ابراهيم الفزاري عن عبد الله بن بحر عن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن الامام الكاظم عليه السلام عن الامام الصادق عليه السلام عن الامام الباقر عليه السلام عن الامام السجاد عليه السلام عن الامام الحسين عليه السلام عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله عن جبرائيل عن ميكائيل عن

ص: 153


1- منهاج الصالحين، العبادات ص228
2- ن.م ص226

اسرافيل عن اللوح عن القلم يقول الله عز وجل: ولاية علي بن ابي طالب حصني فمن دخل حصني امن عذابي.

الفصل الخامس : في فضل زيارة الائمة عليهم السلام

1- فضل الامام الحسن بن علي عليهما السلام..

وهو الثانمي من ائمة اهل البيت عليهم السلام ولقبه المجتبى ولد في مدينة النبي صلى الله عليه واله منتصف شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة وقيل الثالثة وانتقلت الامامة اليه وهو ابن خمس وثلاثين سنة واستشهد عليه السلام مسموما يوم 28صفر من عام 50 للهجرة عن سبع او ثمان واربعين سنة في المدينة المنورة ودفن في البقيع الفرقد جنب جدته السيدة فاطمة بنت اسد (رضي الله عنها).

ص: 154

وروي ان النبي صلى الله عليه واله قال لابي محمد الحسن عليه السلام: "تزورك طائفة من امتي يريدون به بري وصلتي فاذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف واخذت باعضادها فانجيتها من اهواله وشدائده"(1).

2- فضل زيارة سيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام

ولد الامام الحسين عليه السلام في المدينة المنورة في ثالث شعبان او الخامس منه من السنة الثالثة او الرابعة للهجرة واستشهد في العاشر من محرم سنة61ه-.

وقد ورد في فضل زيارته عليه السلام مما لا يبلغه بيان فهي تورث المغفرة وتخفيف الحساب وارتفاع الدرجات وطول العمر وزيادة الرزق وقضاء الحوائج ورفع الكربات ومن تركها عامدا فقد خفت موازينه لبعده عن حق عظيم من حقوق رسول الله صلى الله عليه واله.

فعن الامام علي بن الحسين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه واله في حديث طويل : "ان جبرائيل عليه السلام قال له بعد ذكر بعض ما جرى على الحسين عليه السلام في الطف وانه يدفن ويجعل له رسم قال: وتحفه ملائكة من كل سماء مائة الف ملك في كل يوم وليلة ويصلون عليه ويسبحون الله عنده ويستغفرون الله لزوراه ويكتبون اسماء ما ياتيه زائرا من امتك متقربا الى الله تعالى واليك بميسم نور عرش الله هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الانبياء فاذا كان يوم القيامة سطع في وجوههم من اثر ذلك الميسم تور تغشى منه الابصار ويدل عليهم ويعرفون به وكاني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل وعلي عليه السلام امامنا ومعنا من ملائكة الله ما لا يحصى عدده ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتى ينجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد او قبر اخيك او قبر سبطك لا يريد به غير الله جل وعز".

وعن ابي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: "من زار قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".

ص: 155


1- مستدرك الوسائل ج10 ص229-230

ويقول الامام الباقر عليه السلام: "ان الحسين عليه السلام صاحب كربلا قتل مظلوما مكروبا عطشانا لهفانا فالى الله عز وجل على نفسه ان لا يأتيه لهفان ولا مكروب ولا مذنب ولا مغموم ولا عطشان ولا من به عاهة ثم دعا عنده وتقرب بالحسين بن علي عليه السلام الى الله عز وجل الا نفس الله كربته واعطاه مسألته وغفر ذنبه ومد في عمره وبسط في رزقه فاعتبروا يا اولي الابصار".

وورد عن الامام الصادق عليه السلام قوله: "من زار الحسين عليه السلام محتسبا لا اشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة محصت ذنوبه كما يمحص الثوب في الماء فلا يبقى عليه دنس ويكتب له بكل خطوة حجة وكل ما رفع قدما عمرة".

وعنه عليه السلام : "لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السلام لخوف فان من ترك زيارته راى من الحسرة ما يتمنى ان قبره كان عنده اما تحب ان يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلى الله عليه واله وعلي وفاطمة والائمة".

ويتاكد استحباب زيارة ابي عبد الله عليه السلام في ايام مخصوصة منها: يوم عرفة، ليلة النصف من رجب وشعبان، ليلتي الفطر والاضحى، ليلة عاشوراء ويومها.

فعن الامام الصادق عليه السلام : "من زار قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة عارفا بحقه كتب الله له ثواب الف حجة والف عمرة والف غزوة مع نبي مرسل".

وعن الامام الباقر عليه السلام: "من بات ليلة عرفة بارض كربلا واقام بها حتى يعيد وينصرف وقاه الله شر سنته".

وعن البزنطي قال: سالت ابا الحسن الرضا عليه السلام عن فضل زيارة النصف من رجب وشعبان فاورد من الثواب والاجر ما لا نهاية له ولا حد".

وعن الامام الباقر عليه السلام: "من احب ان يصافحه مائة الف نبي واربعة وعشرون الف نبي فليزر قبر ابي عبد الله الحسين عليه السلام في النصف من شعبان فان ارواح النبيين يستأذنون الله تعالى في زيارته فياذن لهم منهم

ص: 156

خمسة اولو العزم من الرسل قلنا ومن هم؟ قال: نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه واله قلنا له: ما معنى اولو العزم؟ قال بعثوا الى شرق الارض وغربها جنها وانسها".

وعن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "اذا كان النصف من شعبان نادى مناد من الافق الاعلى زائري الحسين: ارجعوا مغفورا لكم ثوابكم على الله ربكم ومحمد نبيكم صلى الله عليه واله".

وعنه عليه السلام: "من زار ابا عبد الله عليه السلام ثلاث سنين متواليات لا فصل فيها في النصف من شعبان غفر له ذنوبه".

وعنه عليه السلام: "من زار قبر الحسين بن علي عليه السلام ليلة من ثلاث غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر، ليلة الفطر او ليلة الاضحى او ليلة النصف من شعبان".

وعن جابر الجعفي قال: دخلت على جعفر بن محمد عليه السلام في يوم عاشوراء فقال لي: "هؤلاء زوار الله وحق المزور ان يكرم الزائر من بات عند قبر الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء لقي الله يوم القيامة ملطخا بدمه كانما قتل معه في عرصته وقال: من زار قبر الحسين عليه السلام يوم عاشوراء او بات عنده كان كمن استشهد بين يديه".

ويتأكد استحباب الزيارة للامام الحسين عليه السلام كل ليلة جمعة وكل يوم جمعة فعن السيد علي بن طاووس قال: " روى ابو عبد الله بن حماد الانصاري في كتاب اصله في فضل زيارة الحسين عليه السلام فقال ما لفظه: عن الحسين بن ابي حمزة قال: خرجت في اخر زمان بني امية وانا اريد قبر الحسين عليه السلام فانتهيت الى الغاظرية حتى اذا نام الناس اغتلست ثم اقبلت اريد القبر حتى اذا كنت على باب الحاير خرج الي رجل جميل الوجه طيب الريح شديد بياض الثياب فقال: انصرف فانك لا تصل فانصرفت الى شاطيء الفرات فانست به حتى اذا كان نصف الليل اغتسلت ثم اقبلت اريد القبر فلما انتهيت الى باب الحائر خرج الي الرجل بعينه فقال: يا هذا انصرف فانك لا تصل فانصرفت فلما كان اخر الليل اغتسلت ثم اقبلت اريد القبر فلما انتهيت الى باب الحاير خرج الي ذلك الرجل فقال: يا هذا انصرف انك لا

ص: 157

تصل، فقلت: لم لا اصل الى ابن رسول الله صلى الله عليه واله وسيد شباب اهل الجنة وجئت امشي من الكوفة وهي ليلة الجمعة واخاف ان اصبح هاهنا وتقتلني مسلحة بني امية!

فقال: انصرف فانك لا تصل فقلت: ولم لا اصل؟ فقال: ان موسى بن عمران استأذن ربه في زيارة قبر الحسين عليه السلام فاذن له فاتاه وهو في سبعين الف فانصرف فاذا عرجوا السماء فقال: وجئت الى شاطيء الفرات حتى اذا طلع الفجر فاغتسلت وجئت ودخلت فلم ار عنده احدا فصليت عنده الفجر وخرجت الى الكوفة"(1).

وعن الشيخ محمد بن المشهدي باسناده الى الاعمش قال: كنت نازلا بالكوفة كان لي جار كثيرا ما كنت اقعد اليه وكانت ليلة الجمعة فقلت له: ما تقول في زيارة الحسين عليه السلام؟ فقال: بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فقمت من بين يديه وانا ممتلئ غضبا وقلت: اذا كان السحر اتيته وحدثته من فضائل امير المؤمنين عليه السلام ما يسخن الله به عينه، قال: فاتيته وقرعت عليه الباب فاذا انا بصوت من وراء الباب: انه قصد الزيارة في اول الليل فخرجت مسرعا فاتيت الحاير فاذا انا بالشيخ ساجد لا يمل من السجود والركوع، فقلت له: بالامس لي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار واليوم تزوره!

فقال: لي يا سيلمان لا تلمني، فاني ما كنت اثبت لاهل هذا البيت امامة حتى اذا كانت ليلتي هذه رايت رؤيا ارعبتني، فقلت: ما رأيت ايها الشيخ؟ قال: رأيت رجلا لا بالطويل الشاهق ولا بالقصير اللاصق لا احسن اصفه من حسنه وبهاءه ومعه اقوام يحفونه حفيفا ويزفونه زفا بين يديه فارس على فرس ذنوب على راسه تاج للتاج اربعة اركان في كل ركن جوهرة تضيء ثلاثة ايام فقت: من هذا؟ فقالوا: وصية علي بن ابي طالب عليه السلام ثم مددت عيني فاذا انا بناقة من نور عليها هودج من نور تطير بين السماء والارض فقلت: لمن هذه الناقة؟ قالوا: لخديحة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد

ص: 158


1- الاقبال ص568

صلى الله عليه واله قلت: والغلام؟ قالوا الحسن بن علي، قلت فاين يريدون؟ قال: يمضون باجمعهم الى زيارة المقتول ظلما بكربلاء الحسين بن علي، ثم قصدت الهودج واذا برقاع تساقط من السماء امان من الله جل ذكره لزوار الحسين بن علي ليلة الجمعة ثم هتف بنا هاتف: الا انا وشيعتنا في الدرجات العليا من الجنة والله يا سيلمان لا افارق هذا المكان حتى روحي جسدي"(1).

وعن حنان عن ابيه قال: قال ابو عبد الله الصادق عليه السلام: "يا سدير تزور قبر الحسين في كل يوم ! قلت: جعلت فداك لا ، قال: ما اجفاكم، فتزوره في كل شهر قلت: جعلت فداك لا، قال: فتزوره كل سنة! قلت: قد يكون ذلك ، قال: يا سدير ما اجفاكم بالحسين عليه السلام اما علمت ان لله الف الف ملك شعثا غبرا يبكون ويزورون لا يفترون.

وما عليك يا سدير ان تزور قبر الحسين عليه السلام في كل جمعة خمس مرات وفي كل يوم مرة قلت جعلت فداك ان بيننا وبينه فراسخ كثيرة! فقال: تصعد فوق سطحك ثم تلتفت يمنة ويسرة ثم ترفع رأسك الى السماء ثم تحول نحو قبر الحسين عليه السلام ثم تقول: السلام عليك يا ابا عبد الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته تكتب لك زورة والزورة حجة وعمرة، قال سدير: فربما فعلته في النهار اكثر من عشرين مرة"(2).

وتستحب الصلاة عند قبر الحسين عليه السلام فرضا ونفلا والاتمام فيه سفرا.

فقد ورد في المسالة 587: "يتخير المسافر بين القصر والتمام في الاماكن الاربعة الشريفة وهي مكة المكرمة والمدينة المشرفة والكوفة- ولا يلحق بها النجف الاشرف- وحرم الحسين عليه السلام والاحوط وجوبا فيه الاقتصار على البناء والذي فيه القبة الشريفة دون المسجد الملحق به من جانب الشمال".

وفي المسالة 588: "لا يلحق الصوم بالصلاة في التخير المذكور بل المواضع المذكورة كغيرها فيه".

ص: 159


1- مزار المشهدي ص481
2- كامل الزيارات ص287

وفي المسالة 589: "التخيير المذكور استمراري فاذا شرع في الصلاة بنية القصر كان له العدول للتمام وبالعكس، نعم الاحوط وجوبا الاستمرار في التمام مع القيام للركعة الثالثة فلا يشرع الهدم منه والرجوع للقصر".

وفي المسالة 590: "لا يجري التخيير في بقية المساجد ومشاهد المعصومين عليهم السلام ونحوها من المواضع الشريفة غير ما تقدم".

وفي المسالة 591: "لا يجري التخيير في الصلوات الفائتة قصرا بل الاحوط وجوبا عدم جريانه في الصلاة التي تفوت في المواضع المذكورة بل تعيين الاتيان بها قصرا".

وفي المسالة 592: "يستحب للمسافر ان يقول عقب كل صلاة مقصورة ثلاثين مرة –سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر".

وفي الحديث: ان ذلك من تمام الصلاة"(1).

ان اماكن التخيير تمتاز عن سائر الاماكن من ان المسلم اذا قصدها فهو مخير بين ان يلتزم بوظيفته كمسافر وحكمه التقصي وبين حكم المقيم وهو الاتمام في المسجد الحرام ويراد به المسجد المحيط بالكعبة المشرفة ومسجد النبي صلى الله عليه واله في المدينة المنورة بتمام مساحته بعد ان توسعت عمارته ومسجد الكوفة وهو الملحق بقبر سيدنا مسلم بن عقيل عليه السلام وهاني بن عروة وكان يسمى في السابق بالجامع الكبير وهو المسجد الذي كان يؤدي فيه الامام علي عليه السلام الصلوات وحرم الامام الحسين عليه السلام وهو المكان المحيط بقبر سيد شباب اهل الجنة وتشمل مواضع قبور الشهداء عليهم السلام وما حولها الى المكان الذي فيه قبر الصحابي الجليل الشهيد حبيب بن مظاهر الاسدي رضي الله عنه وعلى الزائر الانتباه الى ان مورد التخيير بين القصر والاتمام في الصلاة داخل الحرم المطهر هو ما يكون تحت القبة المشرفة وما يحيط بالقبر الشريف.

وعندما يشك الزائر بان المكان الذي هو فيه هل يجري عليه حكم التخيير اولا فهنا يجب عليه ان يقصر في صلاته.

ص: 160


1- منهاج الصالحين، العبادات، السيد محمد سعيد الحكيم ص312-313

وللصلاة حصة عند قبر ابي عبد الله الحسين عليه السلام.

فقد ورد عن الامام الباقر عليه السلام انه قال لرجل: "يا فلان ما يمنعك اذا عرضت لك حاجة ان تاتي قبر الحسين (صلوات الله عليه) فتصلي عنده اربع ركعات ثم تسال حاجتك فان الصلاة الفريضة عنده تعدل حجة والصلاة النافلة تعدل عمرة"(1).

وذكر السيد ابن طاووس صفة صلاة الزيارة للامام الحسين عليه السلام وهي اربع ركعات بالحمد وقل هو الله احد وقل يا ايها الكافرون"(2).

وهناك صفة صلاة اخرى عند راس الحسين عليه السلام وهما ركعتان بالرحمن وتبارك فمن صلاهما كتب الله خمسة وعشرين حجة مقبولة مبرورة متقبلة مع رسول الله صلى الله عليه واله(3).

ويستحب الاكثار من الدعاء وطلب الحوائد عند قبر الامام الحسين عليه السلام.

فقد روي عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: "من كانت له حاجة الى الله عز وجل فليقف عند راس الحسين عليه السلام وليقل: يا ابا عبد الله اشهد انك تشهد مقامي وتسمع كلامي وانك حي عند ربك ترزق فاسأل ربك وربي في قضاء حوائجي فانها تقضى ان شاء الله"(4).

وعنه عليه السلام انه قال: "ولا دعا عنده احد دعوة الا استجيب له عاجله واجله"(5).

وعن الامام الهادي عليه السلام قال: "ان رسول الله صلى الله عليه واله كان يطوف بالبيت ويقبل الحجر وحرمة النبي صلى الله عليه واله والمؤمن اعظم وامره الله ان يقف بعرفة انما هي من مواطن يحب الله ان يذكر فيها فانا احب ان يدعى لي حيث يحب الله ان يدعى فيها والحائر من تلك المواضع"(6).

ص: 161


1- كامل الزيارات ص251
2- البحار ج101 ص280
3- ن.م ص287
4- عدة الداعي ص56
5- كامل الزيارات ص252
6- ن.م ص273

ويقول ابو هاشم الجعفري: "دخلت على ابي الحسن علي بن محمد عليه السلام وهو محموم عليل فقال لي: يا ابا هاشم ابعث رجلا من موالينا الى الحير يدعو الله لي، فخرجت من عنده فاستقبلني علي بن بلال فاعلمته ما قال لي وسالته ان يكون الرجل الذي يخرج، فقال: السمع والطاعة، ولكني اقول: انع افضل من الحير اذا كان بمنزلة من في الحير ودعاؤه لنفسه افضل من دعائي له في بالحائر فاعلمته (صلوات الله عليه) ما قال، فقال لي: قل له: كان رسول الله صلى الله عليه واله افضل من البيت والحجر وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر وان لله تبارك وتعالى بقاعا يحب ان يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحائر منها.

ونقف قليلا مع الدعاء فهو عند اللغويين النداء ويقول بعضهم انه الرغبة الى الله تعالى امام الطائفة الثالثة فتقول انه بمعنى الاستعانة كما في قوله جل وعلا: (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(1).

ويفسر البعض الدعاء بالعبادة كما في قوله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ)(2).

وقسم بعض اهل اللغة الدعاء لله على ثلاثة وجوه منها..

الاول: توحيده تعالى والثناء عليه كقول (يا الله) و (لا اله الا انت) و (ربنا لك الحمد) وقد قال الله سبحانه (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(3).

الثاني: العفو والرحمة كما يقول الانسان بدعائه (اللهم اغفر لنا ولاخواننا).

الثالث: مسالة الحظ من الدنيا كدعاء الانسان بقوله: (ارزقنا المال والولد).

ومحصل ما ذكر من كلماتهم ان الدعاء هو النداء ولكن علله مختلفة، فمرة يراد به الاستعانة واخرى الاستغاثة وثالثة الرغبة ورابعة العبادة، وقد حثت الايات المباركات على الدعاء امرة به.

ص: 162


1- البقرة: 23
2- الاعراف: 194
3- غافر: 60

قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

وقد بين امير المؤمنين عليه السلام اهمية الدعاء وما يترتب عليه من الاثار في وصيته لولده الامام ابي محمد الحسن عليه السلام عند رجوعه من صفين ببلدة حاضرين فقال: (واعلم ان الذي بيده خزائن السموات والارض قد اذن لك في الدعاء وتكفل لك بالاجابة وامرك ان تساله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك ولم يدعل بينك وبينه من يحجبك عنه ولم يلجئك الى من يشفع لك اليه ولم يمنعك ان اسات من التوبة لم يعاجلك بالنقمة ولم يعيرك بالانابة ولم يفضحك حيث الفضيحة بك اولى ولم يشدد عليك في قبول الانابة ولم يناقشك بالجريمة ولم يؤيسك من الرحمة بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة وحسب سيئتك واحدة وحسب حسنتك عشرا وفتح لك باب المتاب فاذا ناديته سمع نداءك واذا ناجيته علم نجواك فافضيت اليه بحاجتك وبثثته ذات نفسك وشكوت اليه همومك واستكشفته كروبك واستعنته على امورك وسالته من خزائن رحمته ما لا يقدر على اعطائه غيره من زيادة الاعمار وصحة الابدان وسعة الارزاق ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما اذن لك من مسالته فمتى شئت استفتحت بالدعاء ابواب نعمته واستمطرت شابيب رحمته فلا يقطنك ابطاء اجابته فان العطية على قدر النية وربما اخرت عنك الاجابة ليكون ذلك اعظم لاجر السائل واجزل لعطاء الامل وربما سالت الشيء فلا تؤتاه واوتيت خيرا منه عاجلا او اجلا او صرف عنك لما هو خير لك فلرب قد طلبته فيه هلاك دينك لو اوتيته فلتكن مسالتك فيما يبقك لك جماله وينفى عنك وباله فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له).

ان كلام امير المؤمنين عليه السلام ما هو الا امتداد لما قال رسول الله صلى الله عليه واله حيث نقل صلى الله عليه واله عنه انه قال: "ان الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السموات والارض"(1).

ص: 163


1- اصول الكافي، كتاب الدعاء، باب الدعاء سلاح المؤمن ، ح1

واخرج الترمذي ان رسول الله صلى الله عليه واله قال: "ليس في شيء اكرم على الله من الدعاء"(1).

وعنه صلى الله عليه واله: "ان الله عز وجل حي كريم يستحي اذا بسط الرجل اليه يديه يردهما صفرا ليس فيهما شيء"(2).

وعنه صلى الله عليه واله: "الدعاء مخ العبادة"(3).

ولذا نجد ان الدعاء والذكر والمناجاة ديدن ذوي النفوس الكبيرة وفي مقدمتهم ائمة الهدى عليهم السلام فلنعش لحظات مع سيد الساجدين وزين العابدين وهو يدعو في الصلوات على اتباع الرسل ومصدقيهم فيقول:

(اللهم واتباع الرسل ومصدقوهم من اهل الارض بالغيب عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب والاشتياق الى المرسلين بحقائق الايمان في كل دهر وزمان ارسلت فيه رسولا واقمت لاهله دليلا من لدن ادم الى محمد صلى الله عليه واله من ائمة الهدى وقادة اهل التقى على جميعهم السلام فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان)(4).

ان تصفية النفس والاقبال في الدعاء هو حجر الزاوية للوصول الى الله تعالى ومن اداب الداعي ان يلح في الطلب فعن الامام الصادق عليه السلام انه قال: "ان الله عز وجل كره الحاح الناس بعضهم على بعض في المسالة واحب ذلك لنفسه ان الله عز وجل يجب ان يسال ويطلب ما عنده"(5).

وعنه عليه السلام: "رحم الله عبدا طلب من الله عز وجل حاجة فالح بالدعاء"(6).

ومن الاداب تيقن الاجابة كما وردت الاخبار: "واذا دعوت فاقبل بقلبك وظن حاجتك بالباب"(7).

ص: 164


1- احياء علوم الدين للعزالي ج1 ص396
2- التصرف الاسلامي في الاداب والاخلاق ج2 ص33
3- احياء علوم الدين ج1 ص396
4- الصحفية السجادية ص26
5- اصول الكافي، كتاب الدعاء، باب الالحاح في الدعاء ح4
6- ن.م ح6
7- ن.م باب الاقبال على الدعاء ح3

ومنها: ان لا يكون شديد النعاس ولا ممتلئ البطن لئلا ينصرف عن التوجه نحو ربه وخالقه ومولاه وللدعاء اداب هي:

1- اختيار الاوقات المناسبة وافضلها ما كان بعد صلاة مفروضة او في اوقات الليل ونزول المطر وعند زحف المسلمين لقتال الكافرين.

2- اختيار الاماكن المقدسة كالمساجد والمشاهد المقدسة.

3- افتتاح الدعاء بذكر الله تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي واله الاطهار.

4- استقبال القبلة.

5- رفع اليدين كهيئة السائل الذليل.

6- الترسل في المناجاة بعيدا عن التكلف فقد ورد عن النبي صلى الله عليه واله انه قال: "اياكم والسجع في الدعاء"(1).

7- خفض الصوت عند فقد ورد عن النبي صلى الله عليه واله انه صلى الله عليه واله لما دنا من المدينة كبر وكبر الناس ورفعوا اصواتهم فقال النبي صلى الله عليه واله: يا ايها الناس ان الذي تدعون ليس باصم ولا غائب ان الذين تدعون بينكم وبين اعناق ركابكم، والقنوت اي الدعاء مستحب في جميع الصلوات فريض كانت او نافلة على اشكال في الشفع وينبغي الاتيان برجاء المطلوبية ويتاكد استحبابه في الفرائض الجهرية خصوصا في الصبح والجمعة والمغرب وفي الوتر من النوافل والمستحب منه مرة بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية الا في الجمعة والعيدين والايات.

وفي المسالة 271: "يستحب القنوت في الوتر وان كانت الركعة واحدة بعد القراءة قبل الركوع بل قيل في استحباب قنوت اخر فيها بعد الركوع لكنه غير ثابت نعم ينبغي ان يدعو بما روي عن الامام ابي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام وهو :"هذا مقام من حسناته نعمة منك وشكره ضعيف وذنبه عظيم وليس لذلك الا رفقك ورحمتك فانك قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلى الله عليه واله (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا

ص: 165


1- احياء علوم الدين ج1 ص398

يَهْجَعُونَ ( 17 )وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) طال والله هجوعي وقل قيامي وهذا السحر وانا استغفرك لذنوبي استغفار من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياتا ولا نشورا".

وفي المسالة 272: "لا يشترط في القنوت قول مخصوص بل يكفي فيه ما تيسر من ذكر او دعاء او حمد او ثناء ويجزي سبحان الله خمسا او ثلاثا والاولى قراءة المأثور عن المعصومين عليهم السلام ولعل من افضله كلام الفرج وهي : (لا اله الا الله الحليم الكريم، لا اله الا الله العلي العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد رب العالمين).

وفي المسالة 273: "يستحب في قنوت الوتر ان يدعو بكلمات الفرج السابقة وان يستغفر لاربعين مؤمنا امواتا واحياء وان يقول لا اله الا هو مرة (استغفر الله ربي واتوب اليه) ثم يقول: (استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم ذو الجلال والاكرام لجميع ظلمي وجرمي واسرافي على نفسي واتوب اليه) سبع مرات ثم يقول سبع مرات (هذا مقام العائذ بك من النار) ثم يقول: (رب اسات وظلمت نفسي وبئس ما صنعت وهذي يدي جزاء بما كسبت وهذه رقبتي خاضعة لما اتيت وها انا ذا بين يديك فخذ لنفسك من نفسي الرضا حتى ترضى لك العتبى لا اعود) ثم يقول (العفو) ثلاثمائة مرة ويقول: (رب اغفر لي وارحمني وتب علي انك انت التواب الرحيم)(1).

عودا على بدء

ومن مستحبات زيارة الحسين عليه السلام صيام ثلاثة ايام اخرها الجمعة فعن الامام الصادق عليه السلام: "اذا اردت المسير الى قبر الحسين بن علي عليه السلام فصم يوم الاربعاء والخميس والجمعة فاذا اردت الخروج فاجمع اهلك وولدك وادع بدعاء السفر واغتسل قبل خروجك الى ان قال: ولا تدهن ولا تكتحل حتى تاتي الفرات واقل من الكلام والمزاح واكثر من ذكر الله تعالى واياك والمزاح والخصومة"(2).

ص: 166


1- منهاج الصالحين، العبادات، الامام السيد محمد سعيد الحكيم ص229-230
2- كامل الزيارات ص222

ان زيارة سيد الشهداء عليه السلام مصداق لمواساة جده الاعظم صلى الله عليه واله به وكذا مواساة لامير المؤمنين عليه السلام والسيدة الزهراء عليها السلام مضافا لما للزيارة من فضل وقد مر ذكر بعضه انفا.

يقول الامام الباقر عليه السلام: "لو يعلم الناس ما في زيارة قبر الحسين عليه السلام من الفضل لماتوا شوقا وتقطعت انفسهم عليه حسرات"(1).

وقد ورد ان (زيارة الامام الحسين عليه السلام من افضل ما يكون من الاعمال)(2).

ويواسي المسلمون نبيهم صلى الله عليه واله في اهل بيته عليهم السلام فهم يشاركونه المصاب والعزاء لما جرى عليهم اذ انه لا شك في ان ما ال اليه امر ولده الحسين عليه السلام ومن معه احزنه وافجعه صلى الله عليه واله.

روى ابو يعلى في مسنده وابن ابي شيبة وسعيد عن منصور في سننه عن مسند علي قال: "دخلت على النبي صلى الله عليه واله ذات يوم وعيناه تفضيان قلت: يا نبي الله اغضبك احد، ما شان عينيك تفضيان؟ قال: بلى قام من عندي جبرائيل قبل فحدثني ان الحسين يقتل بشط الفرات فقال: هل لك اشمك من تربته، قلت: نعم يده، فقبض من تراب فاعطانيها فلم املك عيني ان فاضتا"(3).

وروى الطبراني في (الكبير) عن ام سلمة قالت: اضطجع رسول الله صلى الله عليه واله ذات يوم فاستيقظ وهو خائر النفس وفي يده تربة حمراء قلبها فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: اخبرني جبرائيل ان هذا يقتل بارض العراق فقلت لجبرائيل ارني تربة الارض التي يقتل بها فهذه ترتبها ورواها ابن ابي شيبة عن ام سلمة مع اختلاف الفاظها وروى ابن ماجة والطيالسي وابو نعيم ما يقرب منها عن ام سلمة ابو نعيم عن انس ما يقرب من مضمونها ايضا(4).

ص: 167


1- ن.م ص142
2- الغايات، جعفر بن احمد القمي باب 48 ص71
3- كامل الزيارات ص142
4- كنز العمال ج7 ص105 ح106

والبكاء على مصاب الحسين ومن معه عليهم السلام من مصاديق المواساة ايضا ففي المواساة تلبية لنداء القران اذ يقول تعالى (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).

قال يونس بن ظبيان للامام الصادق عليه السلام: ان قلبه ليخفق عندما يتذكر الحسين عليه السلام ويهوي اليه فيرى الامام عليه السلام ذلك الاستعداد الولائي يأمره ويعلمه ان يقول: (السلام عليك يا ابا عبد الله) ثلاثا ثم يذكر له بعضا من اداب الزيارة.

وللبكاء حصة من الاستحباب عند زيارة الحسين عليه السلام لم يكن البكاء في يوم حالة شاذة اذ هو تعبير عاطفي ناتج عن مزيج من المشاعر والاحاسيس التي تندفع خارجة على شكل دموع ولكن ما وراء الدمع هو المدار فقد يكون الدمع مرة لاجل التخفيف عن الالم المرتكز في النفس ولاشيء وراء ذلك.. وقد تكون الدمعة استنكارا لواقع حياتي ظالم وثالثة قد تستهدف مواساة لقريب او عزيز وقد تكون الدمعة اعصار يهد اركان الظلم اينما وجد. ولا ريب في ان الدموع المنحدرة خوفا وخشية وتضرعا الى الله تعالى اشرف الدموع واقدسها فقد اوحى الله تعالى الى بعض الصديقين ان لي عبادا يحبوني واحبهم ويشتاقون الي واشتاق اليهم ويذكروني واذكرهم فان اخذت طريقتهم احببتك وان عدلت عنهم مقتك فقال: يا رب وما علاماتهم؟ قال: يراعون الظلال بالنهار كما يراعي الراعي الشفيق غنمه ويحنون الى غروب الشمس كما تحن الطير الى اوكارها عند الغروب فاذا جنهم الليل واختلط الظلام وفرشت الفرش ونصبت الاسرة وخلا كل حبيب بحبيبه نصبوا الي اقدامهم وافترشوا لي وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوني بانعامي ما بين صارخ وباك وما بين متأوه وشاك وبين قائم وقاعد وبين راكع وساجد بعيني ما يتحملون من اجلي وبسمعي ما يشكون من اقل ما اعطيهم ثلاثا:

الاول: اقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما اخبر عنهم.

الثاني: لو كانت السماوات والارضون وما فيهما في موازينهم لاستقللتها لهم.

ص: 168

الثالث: اقبل بوجهي عليهم افترى من اقبلت بوجهي عليه، يعلم احد ما اريد ان اعطيه(1).

ويؤكد الامام الصادق على اهمية البكاء بقوله: "اشهد ان دمك سكن في الخلد واقشعرت له اظلة العرش وبكى له جميع الخلائق".

ان دموع الخشية لتساوق دموع المواسات في الاجر والثواب عنده تعالى.

وعلى هذا جرت سيرة العقلاء على مر العصور والازمنة فقد بكى ادم على ولده هابيل ورثاه بابيات مشهور وحزن عليه كثيرا وهذا يعقوب النبي قد بكى على يوسف حتى ابيضت عيناه وهو يعلم انه حي.

ونرى سيدنا الامام علي بن الحسين عليه السلام وقد بكى على ابيه اربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فاذا حضر وقت الافطار جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه ويقول: كل يا مولاي فيقول: قتل ابن رسول الله جائعا، قتل ابن رسول الله عطشانا، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل(2).

وروى عنه بعض مواليه انه قال: برز الامام عليه السلام يوما الى الصحراء فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة فوقفت وانا اسمع شهيقه وبكاءه فاحصيت عليه الف مرة وهو يقول: (لا اله الا الله حقا حقا لا اله الا الله تعبدا ورقا لا اله الا الله ايمانا وصدقا) ثم رفع راسه من سجوده وان لحيته ووجهه قد غمر بالماء من دموع عينيه فقلت: يا سيدي ما ان لحزنك ان ينقضي ولبكائك ان يقل؟ فقال لي: ويحك ان يعقوب بن اسحق بن ابراهيم عليهما السلام كان نبيا ابن نبي ابن نبي له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم فشاب راسه من الحزن واحد ودب على ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا وانا رايت ابي واخي وسبعة عشر من اهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي(3).

ص: 169


1- مسكن الفؤاد، الشهيد الثاني ص28
2- اللهوف في قتل الطفوف ص87
3- ن.م ص88

لقد اكد ائمتنا عليهم السلام على الجانب العاطفي في استذكار ابي عبد الله الحسين عليه السلام فان الامام الصادق عليه السلام يشير الى هذا بقوله: "لما مضى ابو عبد الله الحسين عليه السلام بكى عليه جميع ما خلق الله".

وعنه عليه السلام: "كان جدي عليه السلام اذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته وحتى يبكي لبكائه رحمة له من راه وان الملائكة الذي عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة".

ويقول عليه السلام: "وما عين احب الى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه وما من باك يبكيه الا وقد وصل فاطمة واسعدها عليه ووصل رسول الله صلى الله عليه واله وادى حقنا وما من عبد يحشر الا وعيناه باكية الا الباكين على جدي الحسين عليه السلام فانه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه والسرور بين على وجهه والخلق في الفزعوهم امنون والخلق يعرضون وهم حداث الحسين عليه السلام تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء يوم الحساب يقال لهم: ادخلوا الجنة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه وان الحور لترسل اليهم انا اشتقناكم مع الولدان المخلدين فيما يرفعون رؤوسهم لما يرون في مجلسه عليه السلام من السرور والكرامة"(1).

وعن ابي جعفر عليه السلام من كلام طويل "ثم ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويامر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه ويقيم في داره مصيبة باظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضا في البيوت وليعز بعضهم بعضا بمصاب الحسين عليه السلام فانا ضامن لهم اذا فعلوا ذلك على الله عز وجل جميع هذا الثواب اي الفي حجة والفي عمرة والفي الف غزوة" ثم يقول عليه السلام: "انا الضامن لهم ذلك والزعيم لمن فعل ذلك".

ويساله سائل عن كيفية التعزية فيجيب عليه السلام: "يقولون عظم الله اجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا واياكم من الطالبين بثأره معه وليه الامام المهدي من ال محمد عليهم السلام" ثم يوصي السائل في ما ينبغي فعله يوم عاشوراء فيقول: "فان استطعت ان لا تنتشر يومك في حاجة فافعل فانه

ص: 170


1- كامل الزيارات ص80

يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن وان قضيت فانه من ادخر لمنزله شيئا في ذلك اليوم لم يبارك له فيما يدخره ولا يبارك له في اهله فمن فعل ذلك كتب له ثواب الف الف حجة والف الف عمرة والف الف غزوة كلها مع رسول الله صلى الله عليه واله وكان له ثواب مصيبة كل نبي ورسول وصديق وشهيد مات او قتل منذ خلق الله الدنيا الى يوم القيامة"(1).

ومن مناجاة النبي موسى عليه السلام ربه تعالى: "يا رب لم فضلت امة محمد صلى الله عليه واله على سائر الامم؟ فقال الله تعالى" فضلتهم لعشر خصال، قال موسى: وما تلك الخصال التي يعملونها حتى امر بني اسرائيل يعملونها؟ قال الله تعالى: الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة والقران والعلم والعاشوراء، قال موسى عليه السلام يا رب وما العاشوراء؟ قال: البكاء على سبط محمد صلى الله عليه واله والمرئية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى يا موسى: ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى وتعزى على ولد المصطفى صلى الله عليه واله الا وكانت له الجنة ثابتا فيها وما من عبد انفق من ماله في محبة ابن بنت نبيه طعاما وغير ذاك درهما الا وباركت له في الدار الدنيا الدرهم بسبعين درهما وكان معافا في الجنة وغفرت له ذنوبه وعزتي وجلالي ما من رجل او امراة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره قطرة واحدة الا وكتب له اجر مائة شهيد"(2).

وللبكاء والعزاء في الفقه احكام منها..

مسالة 58: "لا باس بالتكسب بالنياحة وبالتكسب بها وان كان الاولى عدم المشارطة في ذلك والرضا بما يدفع له: نعم قد تحرم النياحة لاشتمالها على خصوصية محرمة كالنياحة بالكذب او بالمدح بصفات مذمومة شرعا كالسلب والنهب وحسن الغناء ونحو ذلك مما يستلزم المدح به الترويج للحرام والتشجيع عليه وكذا اذا كان المرثي ممن يلزم من مدحه ترويج الباطل

ص: 171


1- كامل الزيارات ص174
2- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري ج10 ص318

وتقويته لكونه علما للضلال او مشهور بالفسق وانتهاك الحرمات او نحو ذلك"(1).

ان (مدح من لا يستحق المدح ان كان بنحو الخبر الكاذب حرم مطلقا وان كان بوجه اخر كالبيان المبني على المبالغة والتخييل والمدح بنحو الانشاء لا الاخبار فلا بأس به الا ان يترتب عليه محرم اخر كترويج الباطل والتشجيع عليه)(2).

وقد اوصى الامام الباقر عليه السلام (ان يندب في الموسم عشر سنين).

وعن الصادق عليه السلام قال: "قال لي ابو جعفر الباقر عليه السلام قف من مالي كذا وكذا لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى ايام منى".

وما الندبة الا لتنبيه الناس الى فضائله عليه السلام واظهارها لغرض الاقتداء بهم.

ان دين الاسلام دين محبة ومساواة وتكافل .. فيستحب مؤكدا للمسلم تعزية اخيه المسلم عند المصيبة وتسليته ومواساته بحسن التصبر والصبر على المصائب باسناد الامر الى الله تعالى ونسبته الى عدله وحكمته وذكر ما وعد الله تعالى الصابرين من الجزاء الجميل.

ويستحب الطعام لاهل المصيبة ثلاثة ايام ويستحب ان يبعث الطعام اليهم تاسيا بما فعله رسول الله صلى الله عليه واله مع ابناء شهداء مؤتة فقد كان رسول الله صلى الله عليه واله يوم مؤتة على منبره في المسجد النبوي حيث كشف له عن بصره فكان يرى الوقعة في مؤتة كمن هو فيها فراح صلى الله عليه واله ينقل مجريات المعركة الى المسلمين ثم نقل لهم واقعة استشهاد عبد الله بن رواحة ثم زيد بن حارثة ثم وصف لهم كيفية استشهاد جعفر بن ابي طالب ابن عمه عليه السلام واخبرهم بقطع يديه وان الله تعالى ابدلهما بجناحين فهو يطير بهما مع الملائكة في الجنة ثم احضر النبي صلى الله عليه واله ابناء الشهداء وامر المسلمين بتعزيتهم ومواساتهم وصنع وليمة لهم لانهم في شغل عن الطعام.

ص: 172


1- منهاج الصالحين، المعاملات، السيد محمد سعيد الحكيم ص58
2- ن.م ص50

وهكذا جرت سيرة الرسول الاعظم صلى الله عليه واله في مواساته لاصحابه وقراباته فمن واجبنا ان نواسيه باحب الخلق الى الله واليه اله الكرام وهو الذي سمع الحسنين يبكيان فقام فزعا ويؤرخ التاريخ لهذه الحادثة فيقول: "كان صلى الله عليه واله يخطب على المنبر فجاء الحسنان وعليهما قميصان احمران يمشيان ويعثران فنزل صلى الله عليه واله من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) فاذا كان بكاء الحسنين عليهما السلام وهما طفلان صغيران وعثورهما في ثوبيهما ازعج النبي صلى الله عليه واله كل هذا الازعاج حتى نزل عن المنبر فزعا مدهوشا وحملهما ووضعهما بين يديه فما كان يجري على النبي صلى الله عليه واله لو راى ولده الحسن يلفظ كبده قطعا من السم الذي دس اليه وما كان يجري لو راى ولده الحسين عليه السلام وقد احاط به ثلاثون الفا يرمونه بالسهام ويطعنونه بالرماح ويضربونه بالسيوف ويرشقونه بالحجارة حتى اثخن بالجراح وصارت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ حتى ذبحوه كما يذبح الكبش ونساؤه وعياله تنظر اليه اما كان النبي صلى الله عليه واله يبكي ويجزع ويتفطر قبله ويتصدع.

الا يحق لكل محمدي ان يذوب اسا وحزنا لما جرى على عترة النبي صلى الله عليه واله ويعمل بحد المواساة الادنى وهو البكاء او الذي اشرفه ما اذا كان لهدف نبيل تكون الدمعة من خلاله دمعة واعية غايتها رضا الله تعالى ومن هذا المنطلق كانت مواساة المسلمين لنبيهم صلى الله عليه واله في اله الطاهرين عليهم السلام الذي قدموا كل شيء من اجل ترسيخ مبادئ الاسلام التي ارساها الرسول الاكرم صلى الله عليه واله فكان من عدل الله ورحمته ان رفع ذكرهم وجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وشرف الارض التي احتضنت اجسادهم فحباهم الله تعالى من الكرامة اوفرها ومن العزة ابلغها وشرف البقاع التي استشهدوا عليها فعن كربلاء يقول الامام الباقر عليه السلام : "خلق الله ارض كربلاء قبل ان يخلق ارض الكعبة باربعة وعشرين الف عام وقدسها وبارك عليها فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدسة مباركة لا

ص: 173

تزال كذلك حتى يجعلها الله افضل ارض في الجنة وافضل منزل ومسكن يسكن الله فيه اولياءه في الجنة"(1).

وعن سيد الساجدين الامام علي بن الحسين عليه السلام: "اتخذ الله ارض كربلاء حرما امنا مباركا قبل ان يخلق ارض الكعبة باربعة وعشرين الف عام وانها اذا بدل الله الارضين رفعها كما هي برمتها نورانية صافية فجعلت في افضل روضة من رياض الجنة وافضل مسكن في الجنة لا يسكنها الا النبيون والمرسلون او قال: اولوا العزمو من الرسل وانها لتزهر من رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري لاهل الارض يغشى نورها نور ابصار اهل الجنة جميعا وهي تنادي انا ارض الله المقدسة والطينة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء وشباب اهل الجنة".

وعن امير المؤمنين عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه واله: يقبر ابني بارض يقال لها كربلاء هي البقعة التي كانت فيها قبة الاسلام التي نجا الله عليها المؤمنين الذين امنوا مع نوح عليه السلام في الطوفان".

وعن الامام الصادق عليه السلام: "يوضع قبر الحسين عليه السلام ترعة من ترع الجنة".

وعن ام ايمن عن النبي صلى الله عليه واله في حديث طويل انه قال: "قال جبرائيل: وان سبطك هذا واومأ بيده الى الحسين عليه السلام مقتول في عصابة من ذريتك واهل بيتك واخيار من امتك بضفة الفرات بارض تدعى كربلاء من اجلها يكثر الكرب والبلاء على اعداءك واعداء ذريتك في اليوم الذي لا ينقضي كربه ولا تنقضي حسرتهن وخي اطيب بقاع الارض واعظمها حرمة وانها لمن بطحاء الجنة".

ولخصوصية هذه التربة المباركة استحب الاستشفاء والتبرك بها وتقبيلها وتحنيك الاولاد بها واستصحابها عند الخوف والمرض فعن ابن ابي يعفور قال: قلت لابي عبد الله الصادق عليه السلام: ياخذ الانسان من طين قبر

ص: 174


1- مستدرك الوسائل ج10 ص322

الحسين عليه السلام فينتفع به وياخذ غيره فلا ينتفع به فقال: والله الذي لا اله الا هو ما ياخذه احد وهو يرى ان الله ينفعه به الا نفعه الله به(1).

وعنه عليه السلام: "في طين قبر الحسين عليه السلام الشفاء من كل داء وهو الدواء الاكبر"(2).

وعن جابر عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه واله في حديث "الا وان الاجابة تحت قبته والشفاء في تربته والائمة عليهم السلام من ولده".

ولهذا كله اتخذ المسلمون كربلاء مسكنا ومدفنا فقد اوصى الشيخ ابراهيم العاملي الكفعمي اهله بدفنه في الحائر المقدس بارض تسمى عقير فيقول:

سالتكم بالله ان تدفنونني اذا مت *** في قبر بارض عقير

اني به جار الشهيد بكربلا *** سليل رسول الله خير مجير

اني به في حفرتي غير خائف *** لا مرية من منكر ونكير

امنت به في موقفي وقيامتي *** اذا الناس خافوا من لظى وسعير

اني رايت العرب يحمي نزيلها *** يمنعه من ان يصاب بضير

كيف بسبط المصطفى ان يذود من بحائره ثاو بغير نصير

عار على حامي الحمى وهو في لحمي اذا ضل في البيدا عقال بعير(3).

من قصيدة اخرى يقول:

اتيت الامام الحسين الشهيد *** قلب حزين ودمع غزير

اتيت ضريحا شريفا به *** عود الضرير كمثل البصير

اتيت الامام الهدى سيدي *** الى الحائر الجار للمستجير

ارجي الممات ودفن العظام *** ارض الطفوف بتلك القبور

علي افوز بسكنى الجنان *** حور قصون اعالي القصور

فطرس سمي عتيق الحسين *** رد الجناحين بعد الهصور(4)

ص: 175


1- كامل الزيارات ص275
2- ن.م
3- اعيان الشيعة، السيد محسن الامين ج5 ص288
4- روضات الجنات، السيد محمد باقر الخونساري ج1 ص63

وتبقى منازل ال البيت عليهم السلام ماوى القلوب والارواح.

هذي منازل ال بيت المصطفى *** الثم ثراها واكتحل بغبارها

هي بقعة الوادي المقدس فاخلع ال- *** نعلين ان اصبحت من حضارها

هي مهبط الاملاك والارض التي *** جبريل عبد من عبيد مزارها(1)

فطوبى للمؤمنين الذين تعاهدوا زيارة اولياء الله عليهم السلام ليكونوا من المشمولين ببركة دعاء الامام الصادق عليه السلام.

فعن معاوية بن وهب قال: "دخلت على ابي عبد الله عليه السلام وهو في مصلاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه ويقول:

يا من خصنا بالكرامة ووعدنا الشفاعة وحملنا الرسالة وجعلنا ورثة الانبياء وختم بنا الامم السالفة وخصنا بالوصية واعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي وجعل افئدة من الناس تهوي الينا اغفر لي ولاخواني وزوار قبر ابي عبد الله الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) الذين انفقوا اموالهم اشخصوا ابدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسرورا ادخلوه على نبيك محمد صلى الله عليه واله واجابة منهم لامرنا وغيظا ادخلوه على عدونا ارادوا بذلك رضوانك فكافهم عنا بالرضوان واكلاهم بالليل والنهار واخلف على اهاليهم واولادهم الذين خلفوا باحسن الخلف واصبحهم واكفهم شر كل جبار عنيد وكل ضعيف من خلقك او شديد وشر شياطين الانس والجن واعطهم افضل ما املوا منك في غربتهم عن اوطانهم وما اثرونا على ابنائهم واهاليهم وقراباتهم لله

ان اعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص الينا خلافا عليهم فارحم تلك الخدود التي تقلب على قبر ابي عبد الله عليه السلام وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا اللهم اني استودعك تلك الانفس وتلك الابدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش.

ص: 176


1- للشاعر السيد محمد زيني الحائري 1148ه1216ه-

فما زال (صلوات الله عليه) يدعو بهذا الدعاء وهو ساجد فلما انصرف قلت له: جعلت فداك لو ان هذا الذي سمعته منك كان لمن لا يعرف الله لظننت ان النار لا تطعم منه شيئا ابدا والله لقد تمنيت اني زرته ولم احج، فقال لي: ما اقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته؟ يا معاوية: لا تدع ذلك.

قلت: جعلت فداك فلم ادر ان الامر يبلغ هذا كله فقال: يا معاوية ومن يدعو لزواره في السماء اكثر ممن يدعو لهم في الارض لا تدعه لخوف من احد فمن تركه لخوف را ى الحسرة ما يتمنى ان قبره كان بيده .

اما تحب ان تكون ممن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو رسول الله صلى الله عليه واله؟ اما تحب ان تكون غدا ممن تصافحه الملائكة؟ اما تحب ان تكون غدا فيمن ياتي وليس ذنب فيتبع به؟ اما تحب ان تكون غدا فيمن يصافح رسول الله صلى الله عليه واله؟"(1).

3- في فضل زيارة ائمة البقيع عليهم السلام..

وائمة البقيع (عليهم صلوات الله) الحسن بن علي وعلي بن الحسين والباقر والصادق وقد روي في فضل زيارتهم من ان رسول الله صلى الله عليه واله قال للحسن عليه السلام: "من زارك بعد موتك او زار اباك او زار اخاك فله الجنة"(2).

واتى رجل الى الامام الصادق عليه السلام فقال له: هل يزار والدك؟ فقال: نعم قال: فما لمن زاره؟ قال: الجنة ان كان ياتم به قال: فما لمن تركه رغبة عنه؟ قال: الحسرة يوم الحسرة"(3).

وعنه عليه السلام قال: "تقول عند قبر علي بن الحسين عليه السلام ما احببت"(4)

وعنه عليه السلام قال: "وتزور قبور السادة في المدينة وانت على غسل انشاء الله"(5).

ص: 177


1- مستدرك الوسائل ج10 ص231-232
2- الفصول، السيد المرتضى ص95
3- كامل الزيارات ص194ح7
4- كامل الزيارات ج55 ح3
5- فقه الرضا ص30

وعنه عليه السلام: "ما من رجل يزورنا او يزور قبورنا الا غشيته الرحمة وغفرت له ذنوبه"(1).

وعن الامام العسكري عليه السلام: "من زار جعفرا او اباه لم يشتك عينه ولم يصبه سقم ولم يمت مبتلا"(2).

4- فضل زيارة قبر الامام موسى بن جعفر الصادق عليه السلام..

عن الحسين بن يسار الواسطي قال: " سالت ابا الحسن الرضا عليه السلام: ما لمن زار قبر ابيك؟ قال: فقال: زره. قال: قلت: واي شيء فيه من الفضل؟ قال: فقال: فيه من الفضل كفضل من زار والده رسول الله صلى الله عليه واله قلت: فان خفت ولم يكن لي الدخول داخلا؟ قال: سلم من وراء الجدار"(3).

وعن عبد الرحم بن ابي نجران قال: " سالت ابا جعفر عليه السلام عمن زار رسول الله صلى الله عليه واله قاصدا قال: له الجنة ومن زار قبر ابي الحسن عليه السلام فله الجنة"(4).

وعن الوشاء قال: "سالت الرضا عليه السلام عن زيارة قبر ابي الحسن عليه السلام امثل زيارة قبر الحسين عليه السلام؟ قال: نعم"(5).

وسئل الامام الرضا عليه السلام عن ايان قبر ابي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال: "صلوا في المساجد حوله ويجزئ في المواضع كلها ان تقول: السلام على انصار الله واصفيائه، السلام على امناء الله واحبائه، السلام على انصار الله وخلفائه، السلام على محال معرفة الله، السلام على مساكن ذكر الله، السلام على مظهري امر الله ونهيه، السلام على الدعاة الى الله، السلام على المستقرين في مرضاة الله، السلام على الممحصين في طاعة الله، السلام على الادلاء على الله، السلام على الذين من والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى الله، ومن عرفهم فقد عرف الله، ومن جهلهم فقد جهل الله، ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ومن تخلى منهم فقد تخلى من الله، اشهد اني

ص: 178


1- بحار الانوار ج102 ص302 ح1
2- المقنعة، الشيخ المفيد ص72
3- كامل الزيارات ص299ح5
4- يعني بابي الحسن الامام الكاظم . الوسائل ج5 ص429
5- كامل الزيارات ج298

سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم مؤمن بسركم وعلانيتكم، مفوض في ذلك كله اليكم، لعن الله عدو ال محمد من الجن والانس وابرا الى الله منهم وصلى الله على محمد واله الطاهرين. وهذا يجزيء في بعض الزيارات كلها وتكثر من الصلاة على محمد وال محمد وتسمي واحدا باسمائهم وتبرأ من اعدائهم وتخير ما شئت من الدعاء لنفسك والمؤمنين والمؤمنات"(1).

5- فضل زيارة قبر الرضا عليه السلام..

عن حمدان الدسوائي قال: "دخلت على ابي جعفر الثاني عليه السلام –يعني الامام الجواد عليه السلام- فقلت له: ما لمن زار اباك بطوس؟ فقال: من زار قبر ابي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تاخر"(2).

وعنه عليه السلام "من زار قبر ابي فله الجنة"(3)

وعن الامام ابي الحسن الرضا عليه السلام قال: "من زارني على بعد داري وشطون مزاري اتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى اخلصه من اهوالها.

وعن الامام الكاظم عليه السلام: "ان ابني هذا يموت في ارض غربة فمن زاره مسلما لامره عارفا بحقه كان عند الله عز وجل كشهداء بدر"(4).

وعن الامام الرضا عليه السلام "وهذه البقعة روضة من رياض الجنة ومختلف الملائكة لا يزال فوج ينزل من السماء وفوج يصعد الى ان ينفخ في الصور"(5).

وعن يحيى بن سليمان المازني عن الامام الكاظم عليه السلام انه قال: "من زار ولدي الى ان قال او بات ليلة كان كمن زار الله في عرشه قلت: كمن زار الله في عرش!؟ قال: نعم، اذا كان يوم القيامة كان على عرش الله اربعة من الاولين واربعة من الاخرين فاما الاربعة الذين هم من الاولين فنوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام واما الاربعة الذين هم من الاخرين فمحمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام ثم يمد المضمار فيقعد معنا من زار

ص: 179


1- كامل الزيارات ص315.
2- كامل الزيارات ص304
3- ن.م ص303
4- ن.م ص304
5- بحار الانوار ج102 ص44

قبور الائمة عليهم السلام الا ان اهلام درجة واقربهم حبوة زواري قبر ولدي علي عليه السلام"(1).

وعن الرضا عليه السلام : "من زارني وهو يعرف ما اوجب الله تعالى من حقي وطاعتي فانا وابائي شفعاؤه يوم القيامة وما كنا شفعاءه نجى ولو كان على عليه مثل وزر الثقلين الجن والانس"(2).

وعنه عن رسول الله صلى الله عليه واله: "ستدفن بضعة مني بخراسان لا يزورها مؤمن الا اوجب الله له الجنة وحرم جسده على النار"(3).

وعن الامام الجواد عليه السلام "ضمنت لمن زار قبر ابي الرضا عليه السلام بطوس عارفا بحقه الجنة على الله تعالى"(4).

وعن الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه واله: "ستدفن بضعة مني بارض خراسان ما زارها مكروب الا نفس الله كربته ولا مذنب الا غفر الله ذنوبه"(5).

وسمع الامام الرضا عليه السلام يقول: " والذي اكرمنا بعد محمد صلى الله عليه واله بالامامة وخصنا بالوصية ان زوار قبري اكرم الوفود على الله عز وجل يوم القيامة وما من مؤمن يزورني فتصيب وجهه قطرة من الماء الا حرم الله جسده على النار"(6).

6- فضل زيارة ابي جعفر الثاني الامام الجواد عليه السلام..

عن ابراهيم بن عقبة قال: "كتبت الى ابي الحسن الثالث عليه السلام اساله عن زيارة ابي عبد الله الحسين وعن زيارة ابي الحسن وابي جعفر وعن الائمة فكتب الي: ابو عبد الله (صلوات الله عليه) المقدم وهذا اجمع واعظم اجرا"(7).

7- فضل زيارة الائمة الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام..

ص: 180


1- بحار الانوار ج102 ص44
2- عيون الاخبار ص363
3- الفقيه ج1 ص185
4- عيون الاخبار ص362
5- ن.م ص362
6- ن.م ص342
7- فروع الكافي ج1 ص325

عن يزيد الشحام قال: "قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما لمن زار واحدا منكم؟ قال: كمن زار رسول الله صلى عليه واله"(1).

وعن ابي هاشم الجعفري قال: قال ابو محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام: "قبري بسر من رأى امان لاهل الجانبين"(2).

وروي عن الامام الصادق عليه السلام: "من اراد ان يزور قبر رسول الله صلى الله عليه واله وقبر امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج عليهم السلام وهو في بلده فليغتسل في يوم الجمعة وليلبس ثوبين نظيفين وليخرج الى فلاة من الارض ثم يصلي اربع ركعات يقرأ فيهن ما تيسر من القران فاذا تشهد وسلم فليقم مستقبل القبلة وليقل: السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك ايها النبي المرسل والوصي المرتضى والسيدة الكبرى والسيدة الزهراء والسبطان المنتجبان والاولاد الاعلام والامناء المنتجبون جئت انقطاعا اليكم والى ابائكم وولدكم الخلف على بركة الحق فقلبي لكم مسلم ونصرتي لكم معدة حتى يحكم الله بدينه فمعكم معكم لا مع عدوكم اني لمن القائلين بفضلكم مقر برجعتكم لا انكر الله قدرة ولا ازعم الا ما شاء الله سبحانه ذي الملك والملكوت يسبح الله باسمائه جميع حلقه والسلام على ارواحكم واجسادكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"(3).

وكان الائمة عليهم السلام يوصون اصحابهم بضرورة لقاء الاخوان وتكافلهم وتعاونهم في سبيل رفعة الاسلام وصلاح المسلمين لما في ذلك من احياء لامرهم عليهم السلام.

يقول الامام الكاظم عليه السلام: "من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي اخواننا يكتب له ثواب زيارتنا ومن لم يقدر على صلتنا فليزر صالحي اخوانه تكتب له ثواب صلته"(4).

ص: 181


1- وسائل الشيعة ج5 ص448
2- ن.م
3- كامل الزيارات ص288
4- وسائل الشيعة ج5 ص458

وعن خيثمة قال: "دخلت على ابي جعفر عليه السلام اودعه فقال: يا خيثمة ابلغ من ترى من موالينا السلام واوصهم بتقوى الله العظيم وان يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم وان يشد حيههم جنازة ميتهم وان يتلاقوا في بيوتهم فاذا لقي بعضهم بعضا حياة لامرنا رحم الله من احيا امرنا"(1).

ان احياء امر ائمة الهدى عليهم السلام انما هو احياء لامر رسول الله صلى الله عليه واله ويكون بالسير على نهجهم وتتبع اثارهم واستذكار مناقبهم واتسلهام مبادئهم دروسا تبني الفرد والمجتمع وتعمر الديار والاوطان ومن العوامل المساعدة على احياء امر ائمة الهدى عليهم السلام استذكارهم وانشاد الشعر مدحا ورثاء بحقهم والبكاء عند ذكر ماسيهم.

فقد ورد ان ابا عبد الله الصادق عليه السلام قال لجعفر بن عفان الطائي: بلغني انك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتجيده قال: نعم، فانشده فبكى ومن حوله حتى سالت الدموع على وجهه ولحيته ثم قال: يا جعفر والله لقد شهد ملائكة الله المقربون ههنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام ولقد بكوا كما بكينا واكثر ولقد اوجب الله لك يا جعفر في ساعتك الجنة باسرها وغفر لك فقال: الا ازيدك؟ قال: نعم يا سيدي، قال: ما من احد قال في الحسين عليه السلام شعرا فبكى وابكى به الا اوجب الله له الجنة وغفر له(2).

وعن الكميت بن زياد قال: "دخلت على ابي جعفر عليه السلام فقال: والله يا كميت لو كان عندنا مال لاعطيناك منه ولكن لم ما قال رسول الله صلى الله عليه واله لحسان: لا يزال معك روح القدس ما ذببت عنا"(3).

وعن ابي هارون المكفوف قال: "قال لي ابو عبد الله عليه السلام: يا ابا هارون انشدنا في الحسين عليه السلام فانشدته فقال: انشدني كما تنشدون- يعني بالرقة قال فانشدته"

امرر على جدث الحسين *** فقل لاعظمه الزكية

ص: 182


1- الخصال ج1 ص63
2- وسائل الشيعة ج5 ص464
3- رجال الكشي ج136

قال: فبكى ثم قال: زدني . فانشدته القصيدة الاخرى، قال: فبكى فسمعت بكاء من خلف الستر فلما فرغت قال: يا ابا هارون قال صلى الله عليه واله من انشد في الحسين شعرا فبكى وابكى واحدا كتبت لهما الجنة ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح الذباب كان ثوابه على الله ولم يرض بدون الجنة"(1).

وعن الامام الصادق عليه السلام قال: "من قال فينا بيت شعر بنى الله تعالى له بيتا في الجنة"(2).

وعنه عليه السلام: "ما قال فينا قائل بيت شعر حتى يؤيد بروح القدس"(3).

وعن الامام الرضا عليه السلام قال: "ما قال فينا مؤمن شعر يمدحنا به الا بنى الله له في الجنة اوسع من الدنيا سبع مرات يزوره فيها كل ملك مقرب وكل نبي مرسل"(4).

وقال عبد الله بن الصلت: كتبت الى ابي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام فاذن لي ان ارثي ابا عبد الله الحسين عليه السلام اعني اباه، قال: وكتبت الي اندبني واندب ابي"(5).

وعن الامام الصادق عليه السلام: "الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد الينا ويمدحنا ويرثي لنا"(6).

لقد نادى الائمة عليهم السلام باحياء الامر فقد قال الامام الباقر والصادق عليهما السلام: "احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا".

واتضحت اهمية الاحياء بعد ان دار الزمن وهجرت احكام القران وانحرف الناس عن جادة الاسلام وتخلقوا بغير ادابه فتغير المجتمع الاسلامي من مجتمع موحد الى مجتمع مشتت تتقاذفه المغريات والاهواء لقد كانت نظرة الائمة عليهم السلام بعيدة المدى استوعبت الزمن باكمله لتنبيه المسلمين الى دورهم وانهم سادة الكون وقادة الامم اذا تمسكوا واعتصموا بخطى صاحب

ص: 183


1- ثواب الاعمال ص47
2- عيون الاخبار ص5
3- ن.م ص5
4- وسائل الشيعة ج5 ص467
5- ن.م ص467
6- ن.م

الرسالة محمد صلى الله عليه واله وقد قال الله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).

والتزموا بمبدا حدده تعالى في بناء الفرد والمجتمع بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).

مسترشدين بسنة النبي صلى الله عليه واله وقوله: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

حيث يستكشف من الحديث الشريف (كلكم راع) هنا مسؤولية (رعاية) وكلكم مسؤول عن رعيته وهنا مسؤولية (حماية) والمسؤوليتان متداخلتان لا فواصل بينهما شانهما جميع المفاهيم الاسلامية الاجتماعية الاخرى حيث تلمس التلاحم والارتباط بينها بحيث ترد في النهاية الى فكرة الاسلام الكلية عن الكون والحياة والانسان اي الى (التوحيد) قاعدة الاسلام التي يرتكز على اساسها صرح كيانه الحضاري والتشريعي فمسؤولية الرعاية لا تعدو كونها عملية توعية ووعظ وتذكير اي بمعنى (الترغيب) و (الترهيب) لا تتعداه الى الالزام الا بالقدر الاصلاحي الضيق الذي هو الاخر بحاجة الى ديمومة واستمرارية ليس على مستوى الكلام والسلوك فقط بل على مستوى جميع الاجهزة التي تباشر فعلا عملية التفسير الاجتماعي.

ولم يكن احياء امرهم عليهم السلام عاطفة مجردة بل هو في حقيقته احياء للشريعة بكل مفرداتها اذ هو يتمثل بجانبين:

جانب نظري واخر عملي تطبيقي فالاول لا يعدو عن كونه غوص في اعماق الكلمات التي سطرتها كتب التاريخ والتي تبين احوالهم عليهم السلام والاطلاع على ما ورثوه من تراث جدهم صلى الله عليه واله.

واما الثاني ففيه تمام الفائدة في ترجمته النظرية الى تطبيق وواقع عملي تؤول نتيجته ثمرة علمية عملية تصب منافعها في روافد خدمة الفرد والمجتمع الانساني.

ان في حياة الانسان طريقتين في العمل والسلوك واسلوبين للتفكير يطبعان شخصيته وحياته ويحددان موقفه من كل ما يجري اماه ولذلك كان اختلاف الناس ظاهرا بل قد يختلف الواحد فيهما اذا اجمعا في شخصيته فيؤثر احدهما

ص: 184

في جانب معين من حياته بينما يؤثر الاخر في الجانب الثاني منها وهذان الاسلوبان فيهما الايجابية في العمل والسلوك والسلبية فاذا كان الانسان سلبي السلوك فان ذلك يعني انه لم يختر الطريق القويم وانما اسلم نفسه للعواصف وتركها تلعب به ذات اليمين وذات الشمال من دون ان يشعر بالطريق الى اين ينتهي واما اذا كان ايجابي السلوك فذلك يعني انه اختار طريقه بوعي وحدد الغاية للوصول الى هدفه واخضع العقبات تحت ارادته وقد اختار الاسلام لاتباعه الايجابية في العمل والسلوك والتفكير اسلوبا في الحياة واكد هذا النبي الاكرم صلى الله عليه واله وائمة الهدى عليهم السلام من بعده فرفعوا شعار احياء الامر دعوة انسانية شاملة تهدم القيم الفاسدة وتبني القيم الرصينة وتعزيزا وتثبيتا لمضامينها الخلاقة فهي دعوة ايجابية للفكر والحياة تبتغي خلق الانسان العامل المفكر المبدع من خلال فطرة سلمية تنطلق بواسطتها الافكار وتتسامى الارواح وتتحر العقول من رقبة العبودية الا له وحده لا شريك له كما ان في ذلك دعوة للانسان الى ان لا يقف من حقائق الكون والحياة موقف لا مبالاة وجمود حيث لا تعني له الحياة الا اللهو واللعب بل عليه ان يقف منها موقف المتأمل وهو يحاول معرفة موقفه ومركزه في خضم هذا الوجود وبين هذه الموجودات وليشعر عندها بارتباطه بالكون وارتباط الكون به وبما يترتب عليه من مسؤولية كبيرة تجاهه في البناء والابداع فكانت الدعوة للوقوف مع النفس والفطرة هي اللبنة الاساس لكل ذلك.

ان ايجابية السلوك والعمل في احياء امرهم عليهم السلام تتمحور في تجسيد مبادئ الاسلام تجسيدا واقعيا لتطبيق ما افترضه الله تعالى من احكام وهذا الامر هو المعني بقولهم عليهم السلام "احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا".

وبهذا المعنى تكون مصاديق هذا المفهوم كثيرة منها ومن اجلاها فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي تعني الزام المسلم بترك اللامبالاة في حياته تجاه المحيطين به اذ انها تجعله ينظر الى الحياة من زاوية ضيقة تجعله لا يرى الا نفسه فلا يهتم بما يجري حوله وبما يفعله الاخرون وما يرتكبون من موبقات تاتي نارا تاكل الاخضر واليابس.

ص: 185

(ان اول ما يجب علينا من القوانين الاسلامية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما الواجبان اللذان يعدان من اعظم الواجبات الاسلامية خطرا واهمها اثرا ونفعا ولعلها من اجل اسرا بعثة الانبياء واكبر بواعث التشريع لما يرميان اليه من مغاز اصلاحية ومعان حيوية ولما يستهدفانه من نشر الثقافة الصحيحة في النفوس وتشييد الفضيلة في المجتمع والمحافظة على النظام الذي به تكون الراحة وسعادة الناس وبه تحفظ الحقوق ويسود الامن وينتسب الاطمئنان على المجموعة البشرية وبه يصان الانسان عن كل ما ينافي الانسانية وعن كل ما يبعده عن الحضارة والتمدن الاسلاميين الى غير ذلك من الدروس والتعاليم والمثل العليا الناتجة من تطبيقهما والسير على ضوء اشعتهما الوهاجة ولو انا امعنا النظر ودرسنا كل ما عنيا به وتكفلاه عما انطوى تحتهما من الخير العميم والفلاح الدائم لحصلنا ببركتهما من الفوائد الكثيرة والنفع العام ما يجعلنا من اسمى امثلة النبل والكمال واعلى العناوين للرقي والخلق العظيم)(1).

ان من الاهداف السامية الاخرى لشعار الاحيا الحث على استمرارية العمل وفق المنظور الاسلامي الديناميكي للحياة وجعل الانسان المسلم يتعايش مع الواقع وتطويعه لخدمة الانسانية ضمن اطار خلقي وقاد فالعامل الخلقي اهم عامل تمثله الائمة عليهم السلام للانطلاق بالمجتمع نحو المدنية وحمايته من هجمات المادية البغضية وشرورها.

ولقد كانت رسالة الامام الحسن العسكري عليه السلام الى اسحاق بن اسماعيل النيسابوري عالية المضامين والمعاني في معالجتها الحياة وما يجب ان يكون عليه المسلمون من تحمل لمسؤولياتهم تجاه الخالق تعالى والمخلوق فهي بهذا المعنى تعد برنامج عمل متكامل يضع الانسان والمجتمع في مواجهة مباشرة امام مسؤولياته في الدين والحياة للقيام بوظيفة الاحياء باحسن وجه فمن كتابه عليه السلام:

ص: 186


1- النشاط الثقافي، العدد 2 ، السنة الثانية، 1377ه- -1957م- السيد محمد علي علي خان ، ص109

"سترنا الله وإياك بستره وتولاك في جميع أمورك بصنعه ، فهمت كتابك يرحمك الله ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرق على أوليائنا ونسر بتتابع إحسان الله إليهم وفضله لديهم . ونعتد بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم ، فأتم الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك - ممن قد رحمه الله وبصره بصيرتك - نعمته . وقدر تمام نعمته دخول الجنة . وليس من نعمة وإن جل أمرها وعظم خطرها إلا و " الحمد لله " تقدست أسماؤه عليها مؤد شكرها ، وأنا أقول الحمد لله أفضل ما حمده حامده إلى أبد الأبد بما من الله عليك من رحمته ونجاك من الهلكة وسهل سبيلك على العقبة . وأيم الله إنها لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، قديم في الزبر الأولى ذكرها . ولقد كانت منكم في أيام الماضي عليه السلام إلى أن مضى لسبيله وفي أيامي هذه أمور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسددي التوفيق.

فاعلم يقينا يا إسحاق أنه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا يا إسحاق ليس تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول : " رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى " . وأي آية أعظم من حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الأولين النبيين وآبائه الآخرين الوصيين عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته .فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالانعام على وجوهكم ، عن الحق تصدفون وبالباطل تؤمنون وبنعمة الله تكفرون أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فما جزاء

من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلا خزي في الحياة الدنيا وطول عذاب في الآخرة الباقية .وذلك والله الخزي العظيم . إن الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل برحمة منه - لا إله إلا هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم ، لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل

ص: 187

منازلكم في جنته ، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم بابا تستفتحون به أبواب الفرائض ومفتاحا إلى سبيله ، لولا محمد صلى الله عليه وآله والأوصياء من ولده لكنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضا من الفرائض وهل تدخل مدينة إلا من بابها ، فلما من عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم ، قال الله في كتابه : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) ففرض عليكم لأوليائه حقوقا أمركم بأدائها ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم ، قال الله : (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) واعلموا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء ، لا إله إلا هو . ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم . ولولا ما يحب الله من تمام النعمة من الله عليكم لما رأيتم لي خطا ولا سمعتم مني حرفا من بعد مضي الماضي عليه السلام وأنتم في غفلة مما إليه معادكم . ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبدة وكتابي الذي حمله إليكم محمد بن موسى النيسابوري والله المستعان على كل حال . وإياكم أن تفرطوا في جنب الله فتكونوا من الخاسرين . فبعدا وسحقا لمن رغب عن طاعة الله ولم يقبل مواعظ أوليائه . فقد أمركم الله بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الامر ، رحم الله ضعفكم وغفلتكم وصبركم على أمركم فما أغر الانسان

بربه الكريم ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب لتصدعت قلقا وخوفا من خشية الله ورجوعا إلى طاعة الله ، اعملوا ما شئتم " فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.

ان الائمة خير من يامر بالمعروف وينهى عن المنكر لان هذه الفريضة انما هي لب لباب عملية الاحياء الذي امرونا بها (حيث يجب على الامر بالمعروف والناهي عن المنكر اختيار الوجه الاكمل في التاثير والسبب الاوثق في بلوغ المراد وان من اهم اسباب تاثير الامر والنهي في الناس شعورهم بصدق الامر والناهي في دعوته واخلاصه في اداء رساله ولذا قيل ان الموعظة اذا خرجت من القلب دخلت الى القلب واذا خرجت من اللسان لم

ص: 188

تتجاوز الاذان ومن هنا كان لائمتنا من التاثير ما ليس لغيرهم فاللازم على شيعتهم التاسي بهم والاهتداء بهديهم والتادب بادابهم فان لكل ماموم اماما يقتدي به ويتبع اثره وان من اهم دواعي تصديق الناس للامر والناهي وشعورهم باخلاصه اتعاظه بما وعظ بما وعظ فلا يامر بمعروف الا فعله ولا ينهي عن منكر الا وقد اجتنبنه فهو بعضهم بعمله قبل قوله وبسيرته قبل دعوته على ان من دعى للحق بلسانه وخالفه بعمله ان كانت رياء ونفاق كانت وبالا عليه وسببا لشقائه وان كانت صادقة وقد خالفها تسامحا وتفريطا فيالها من حسرة يوم القيامة حين يرى انه قد اسعد الناس وانقذهم واشقى نفسه واهلكها قال تعالى: (َتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).

وعن النبي صلى الله عليه واله في وصيته لابي ذر : "يا أبا ذر يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون : ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة لفضل تأديبكم وتعليمكم ، فيقولون : إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله".

وعن خيثمة: قال ابو جعفر عليه السلام: "ابلغ شيعتنا انه لن ينال من عند الله الا بعمل وابلغ شيعتنا ان اعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثم يخالفه الى غيره.

نساله سبحانه ان يعيذنا وجميع المؤمنين من ذلك ويسددنا لما يحب ويرضى وهو ارحم الراحمين.

حدثني سيدي الاستاذ السيد محمد كلانتر (قدس سره) باسناده الى ثقة الاسلام الكليني رحمه الله عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عبد الله بن بكير عن رجل عن ابي جعفر الباقر عليه السلام قال: دخلنا عليه جماعة فقلنا: يا ابن رسول الله انا نريد العراق فاوصنا، فقال ابو جعفر عليه السلام: ليقوي شديدكم ضعيفكم وليعد غنيكم على فقيركم ولا تبثوا سرنا ولا تذيعوا امرنا واذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا او شاهدين من كتاب الله فخذوا به والا فقفوا عنده ثم ردوه الينا حتى يستبين لكم واعلموا ان المنتظر لهذا الامر له مثل اجر الصائم ومن ادرك قائمنا فخرج معه فقتل

ص: 189

عدونا كان له مثل اجر عشرين شهيد ومن قتل مع قائمنا كان له مثل اجر خمسة وعشرين شهيدا.

ولاريب ان في هذا تمام الاحياء وكماله ولمثله فليعمل العاملون وصلى الله تعالى على اشرف خلقه سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد واله الطاهرين الطيبين واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

ص: 190

الخاتمة : في رحاب السيد الحكيم (دام ظله)

تميزت مدرسة آل محمد بالديناميكية في خلق عناصر الإبداع الفكري بمجالاته المتنوعة في مهمة توائم فيها بين المستويين النظري والتطبيقي في مختلف العلوم معبرة عن منهجية الإسلام وأصالته وحيويته، فامتدت مدرستهم بتأثيرها وفعاليتها وحركيتها إلى يومنا هذا ، بوساطة العلماء العاملين الذين قدموا كل غال من اجل أن يصلوا غاياتهم النبيلة لإعادة رسم منهجية الإسلام العلوي الأصيل.

لقد تحملت مرجعياتهم الفكرية الصعاب، وتقحّمت الأهوال ،ودخلت مكافحة سوح النضال كي تبقى رسالة النبي(صلى الله عليه واله) خالدة، غير آبهة بالعقبات ومتحدية للتبعات وهي تتطلع إلى غدها بكل ثقة وثبات، تعيد إلى (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) بالإسلام قيمها ومبادئها و أخلاقها .... عقيدة وانتماء..

ولم تكن المسيرة سهلة يسيرة بل حفت بالمخاطر والمصاعب والآلام .. والآمال .... في تصديها لقوى الضلال والهمجية بما امتلكت من أدوات محدودة في إمكانياتها اتجاه الطاغوت وماكنته الشيطانية...

لقد وقف أعلام الأمة بقوة وحزم بوجه الانحراف فكانوا بحق أهلا لتحمل المسؤولية لخلق جيل رسالي متمسك برؤاه الناصعة فأضحى درعا حصينة يقي المجتمع من الانجراف أمام تيارات الذيلية والتبعية...

ص: 191

وقد ساهمت المرجعيات بعلمائها ومفكريها بفعالية في إعادة هيكلة الأمة لتساير العصر مع تأكيدها على الحفاظ على الجوهر الأصيل له .. بعد التنقيب في ما تركه لنا المعصوم (عليه السلام) من ارث معرفي وإظهاره بحلته النقية التي لا تشوبها شائبة ... بدينها وكرامتها .. متبعة الحق ... منتهجة العدل ... تنشد المساواة ...

إن من ابرز المرجعيات بل من أهمها كانت مرجعية زعيم الطائفة الإمام السيد المحسن الحكيم(قده) .. والتي كان لها قصب السبق في هذا المضمار حيث لعبت المؤسسات التي أمر سماحته بإقامتها في العراق والعالم دورا طليعيا في نشر الثقافة الإسلامية وأدب المعصوم (عليه السلام) لصناعة جيل مسلح بالعلم والمعرفة ... ولا سيما مجال الثقافة الحسينية وبيان الخزين التراثي لثورة سيد الشهداء (عليه السلام) التجديدية الكبرى والتي أعادت بها كتابة التاريخ من جديد...

لقد تصدت مرجعية الإمام الحكيم (قده) بكل ما أوتيت من قوة لتثبيت ركائز الثورة الحسينية لكل عصر ومصر... وتبلورت فكرة الدفاع عن وجودها باعتبارها وجود للإسلام الأصيل مهما كلف ذلك من تضحيات وهذا ما اتضح جليا في سبعينيات القرن الماضي ... حيث تحول موسم زيارة أربعينية الإمام الحسين(عليه السلام) إلى موسم للانقضاض على صروح الظلم ومعاقل الظالمين فروت دماء الشهداء ارض الوطن مستكملة طريق التضحية التي خطه الإمام الشهيد الحسين (عليه السلام) في مقارعة الطاغوت..

ص: 192

وقد أبلى المجاهدون البلاء الحسن في ثباتهم على الحق وإصرارهم على إحياء الأمر فنالوا بهذا من جور الظلمة الكثير قتلا وسجنا وتهجيرا .... وما عانته أسرة المرجع الأعلى الإمام الحكيم خير دليل على ما نقول ... حيث قدمت خيرة أبناءها فداء للإسلام وفي مقدمتهم آية الله السيد المهدي وآية الله السيد محمد باقر (رحمهما الله) ولم يكن الأمر ببعيد عن مرجعية الإمام السيد محمد سعيد الحكيم(مد ظله) وهي الامتداد الطبيعي لمرجعية جده المقدس ... فقد أولت الحسين(عليه السلام) وشعائر استذكاره اهتمامها الأول لأنها ترى في الحسين وثورته بقاء الإسلام وهو الحق وكانت لتوجيهات المرجع الكبير أثرها في النفوس والعقول وهي تستنهض الهمم لإحياء الإسلام بإقامة الشعائر الحسينية المجيدة لأنها الدين في حقيقة الأمر وطريق الإحياء لا يتم اجتيازه إلا بالتوكل على الله (سبحانه) ....

والى هذا المعنى يشير سيدنا الحكيم (دام ظله) بقوله :

(فعلى العاقل الرشيد المؤمن بدينه ومثله والمعتز بشخصيته وكرامته أن يربأ بنفسه عن أن يكون عبدا لهواه ، بل يتوكل على الله ويستمد العون منه ويتهيأ للصراع من اجل الحفاظ على دينه ومثله وإنسانيته وكرامته ولا يخدع عنها بالمغريات مهما كانت)(1)

ولما كانت الشعائر والحفاظ عليها جزء لا يتجزأ من الدين بل واجب لترسيخ العقيدة كان من الضروري العناية بإحيائها وإبقاء جذوتها متقدة في الضمائر والعقول .. فان حقيقة إحياء شعائر

ص: 193


1- من رسالة المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الحكيم إلى الشعب العراقي العزيز (ص29) / مؤسسة المرشد /لبنان.

الحسين(عليه السلام) هي نبذ كل مظاهر الهوى والانا والتجرد عما يسخط الله تعالى ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام).

وبهذا يوصي السيد الإمام (مد ظله) المسلمين فيقول:

(فحقيق بالشيعة وفقهم الله تعالى وخصوصا المثقفين منهم وذوي المعرفة أن يتواصل مع التراث الرفيع الذي تركه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لهم وحفظه علماؤنا المخلصون وعبر العصور الطويلة والمحن العسيرة وليتعرفوا على عظمة ذلك التراث وينهلوا من نيره ويهتدوا في ظلمات الفتن ودياجي الشبهات التي يعيشها العالم اليوم لتزكى بذلك نفوسهم وتتكامل شخصيتهم وتستقيم مسيرتهم)(1)

إن التواصل مع تراث الأمة هو تواصل مع ثورة الإمام الحسين وضرورة بيانها وإحياءها باعتبارها الرصيد الذي لا ينضب لرفد المجتمع بالطاقة المتجددة والحيوية لبقاء المبادئ التي جاء بها الإسلام غضة صالحة لكل مكان وزمان...

إن ثورة الإمام (عليه السلام) كانت نعمة انعم الله بها على الأمة في إحداث تحول وانقلاب على يد الأمويين وحلفائهم ... فهي النعمة المستحقة للشكر فقد ورد في الحديث:

(إن الله تعالى إذا انعم على عبد نعمة أحب أن يظهر أثرها عليه)(2)

وبما إن ثورة أبي الشهداء نعمة .. كان الواجب إظهارها وإحياءها وذلك بإقامة شعائرها والتي هي في الحقيقة تعظيم لله في إقامتها تمسكا بالمنهج القويم الذي جاء به المصطفى (صلى الله عليه واله) وسار في طريقه الإمام السبط (عليه السلام).

ص: 194


1- ن م .ص18
2- مستدرك الوسائل ، ج2 ، ص236

إن من تمامية الشكر للنعم هو الانتفاع بها ونفع الآخرين سيما وان الأئمة (عليهم السلام) مطلعون على كل صغيرة وكبيرة بأمر الله تعالى ففي حديث سماحته عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: سمعته يقول: (مالكم تسوؤون رسول الله(صلى الله عليه واله؟!))

فقال رجل: كيف نسوؤه؟

فقال: أما تعلمون إن أعمالكم تعرض عليه فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك فلا تسوؤا رسول الله اله وسرّوه)(1)

ولا شك إن سرور النبي في رؤياه (صلى الله عليه واله) لامته وهي تحيي أمر الأئمة من بعده وتستذكر أيام الحسين(عليه السلام) على وجه الخصوص لأن فيه تطبيق لما يريده القران من تعظيم لشعائر الله.

ويشير سماحة سيدنا المقدس الإمام الحكيم (مد ظله) إلى دور الشعائر وإحيائها ببيان مفرداتها .... فيقول : (إن إحياءها يكون بزيارة مشاهدهم في مواسمها المعهودة وبتجمعاتها الحاشدة وبإحياء مناسباتهم في مواليدهم ووفياتهم بمراسيمها الصارخة الملفتة لأنظار عموم الناس وبمجالسها المعهودة الغنية بالتثقيف الديني في التعريف بمقام أهل البيت(عليهم السلام) والتأكيد على مظلوميتهم وانتهاك حرماتهم وعلى جرائم ظالميهم وتفاهتهم وعلى ما قاساه شيعتهم على مر التاريخ من اجل الثبات على ولائهم وأدائهم لفروض هذا الولاء وقيامهم بمظاهره ثم نشر تعاليم أهل البيت (عليهم السلام)

ص: 195


1- الكافي ، ج1، ص219

والحث على التمسك بهم وبها .. وغير ذلك مما يتناسب مع إحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام)(1)

ويبين سماحته الدروس المستنبطة من الإحياء فيقول:

(إن للإحياء اكبر الأثر في شد الشيعة لأهل البيت (عليهم السلام) عقيديا وعاطفيا وتفاعلهم بهم وجدانيا وسلوكيا فيتأسون بهم في الإصرار على مبادئهم وفي الصبر على ما يصيبهم من مصائب وكوارث بل يهون عليهم وقعها أسوة بهم(عليهم السلام) كما إن لهم أعظم الأثر في التحقير من ظالمي أهل البيت (عليهم السلام) ومن جميع الظالمين وتبشيع صورتهم والإنكار عليهم والرفض لطريقتهم)(2)

ولاشك فان تلك الفعاليات والمهرجانات التي تستقطب ملايين الموالين أصبحت هدفا لكل من في قلبه مرض العداء لآل محمد والى هذا يشير السيد الحكيم (مد ظله) ...

وقد (صارت هذه الفعاليات هدفا لأعداء أهل البيت (عليهم السلام) ومن سار على خطهم عبر التاريخ الطويل وصبوا جام غضبهم عليها وجدّوا في مقاومتها ومنعها بمختلف الوسائل ولولا عناية الله تعالى بها وانشداد المؤمنين لها وإصرارهم على إقامتها وتضحياتهم الجسام في سبيل ذلك لقضي عليها ولم يبق لها عين ولا اثر)(3)

إن لإحياء أمر الأئمة(عليهم السلام) والإمام الحسين(عليه السلام) خاصة اثر بالغ في حفظ كيان التشيع ابد الدهر امتثالا لقول

ص: 196


1- الرسالة التوجيهية لسماحة المرجع الكبير، ص35
2- ن . م ، ص35
3- الرسالة التوجيهية / السيد الحكيم (مد ظله) ، ص35

الحق (تبارك اسمه): "وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ "

لما في تعظيمها من البركة العميقة والثواب الجزيل وطريق للتعريف بمبادئ الآل (عليهم السلام) ومنهجهم ودعوة للآخرين للتعرف عليها .. بالإضافة إلى إنها مواسم تعارف وتعاون وتكاتف وتكافل ومن هذا المنطلق ..

فقد دعا سيدنا المفدى إلى ضرورة إتباع ما يأتي:

1) الحفاظ على قدسيتها – أي الشعائر- ونزاهتها وحسن سلوك القائمين بها والتزامهم الديني والخلقي.

2) عدم الخروج بها عما شرعت له من إحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام) في التذكير بمظلوميتهم ورفع مقامهم ونشر تعاليمهم(1)

ومن هنا فان إحياء أمر الآل (عليهم السلام) منطلق لبناء شخصية الفرد الولائية وخلق المجتمع الإيماني وتربيتهما –الفرد والمجتمع- تربية مفعمة بحب النبي(صلى الله عليه واله) واله (عليهم السلام) لينال الإنسان بذلك المقام الرفيع في الدنيا والآخرة....

حفظ الله سماحة سيدنا المفدى المرجع الديني الكبير الإمام السيد محمد السعيد الحكيم (مد ظله العالي) ونفع بوجوده المبارك الإسلام والمسلمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ... وصلى الله وسلم على محمد واله الطاهرين الطيبين ...

ص: 197


1- م . س ، ص38-39

المراجع

(1) القران الكريم

(2) نهج البلاغة

(3) العلم في مواجهة المادية

(4) مواهب الرحمن

(5) مختار الصحاح

(6) مفتاح الفلاح

(7) شرح الاسماء الحسنى

(8) تحف العقول

(9) باب النوم والاحلام

(10) الحاوي للفتاوي

(11) الارشاد

(12) المجالس الحسينية

(13) البيان في تفسير القران

(14) صحيح مسلم

(15) سنن الدار قطني

(16) سنن البيهقي

(17) كنز العمال

(18) عقائد الامامية

(19) مكارم الاخلاق

(20) زاد المعاد

(21) كشف الخف

(22) وفاء الوفا

(23) البحار

(24) صحيح البخاري

ص: 198

(25) م.ن

(26) الحاكم في المستدرك

(27) الغدير

(28) سنن الدارمي

(29) الروض الفائق

(30) فضائل الخمسة من الصحاح الستة

(31) مستدرك الصحيحين

(32) تيسير التحرير

(33) منهاج الصالحين/ العبادات – السيد محمد سعيد الحكيم-

(34) الهداية

(35) القاموس المحيط

(36) الارشاد الساري في تصحيح البخاري

(37) منهاج الصالحين/ العبادات –السيد علي السيستاني-

(38) مباحث الحكم عند الاصوليين

(39) ارشاد القلوب

(40) المنهاج في شعب الايمان

(41) الاحكام السلطانية

(42) المدخل

(43) شفاء السقام في زيارة خير الانام

(44) مصابيح الظلام

(45) الفقه على المذاهب الاربعة

(46) شرح المشكاة

(47) مفاتيح الجنان

(48) مناسك الحج/ السيد علي السيستاني

(49) الاحكام الفقهية

(50) احياء علوم الدين

(51) حسن الادب

ص: 199

(52) الارشادات السنية

(53) كنز المطالب

(54) المغني

(55) مناقب احمد

(56) الديباج المذهب

(57) الرياض النظرة

(58) رحلة ابن جبير

(59) الكفاية لذوي العناية

(60) مجمع الانهر

(61) السنن الكبرى

(62) العقد الفريد

(63) تاريخ بغداد

(64) رحلة ابن بطوطة

(65) المنتظم

(66) تاريخ ابن كثير

(67) الدول الاسلامية

(68) الارتجاف بحب الاشراف

(69) مشارق الانوار

(70) مقتل الحسين

(71) تاريخ ابن خلكان

(72) الجواهر المضيئة

(73) مناقب احمد

(74) صفوة الصفوة

(75) وفيات الاعيان

(76) طبقات الحفاظ

(77) دول الاسلام

(78) الخيرات الحسان

ص: 200

(79) مختصر طبقات الحنابلة

(80) البداية والنهاية

(81) شذرات الذهب

(82) تهذيب التهذيب

(83) مراة العقول

(84) الصحاح

(85) النور المبين

(86) ماضي النجف وحاضرها

(87) موسوعة العتبات

(88) الديارات

(89) فرحة الغري

(90) تفسير العياشي

(91) الوسائل

(92) المدن في الاسلام حتى العصر العثماني

(93) اصول الكافي

(94) مناقب ابن شهراشوب

(95) المعارف

(96) الملل والنحل

(97) محاضرة الاوائل

(98) محاضرة الاوائل

(99) الاستيعاب

(100) الاصابة

(101) مفتاح السعادة

(102) نيل الابتهاج

(103) ديوان علي الشرقي

(104) رياض المدح والرثاء

(105) الخصائص

ص: 201

(106) مزار المشهدي

(107) كامل الزيارات

(108) عدة الداعي

(109) الصحيفة السجادية

(110) الغايات

(111) مسكن الفؤاد

(112) اللهوف في قتلى الطفوف

(113) روضات الجنات

(114) الفصول

(115) فقه الرضا

(116) المقنعة

(117) عيون الاخبار

(118) الفقيه

(119) فروع الكافي

(120) الخصال

(121) رجال الكشي

(122) ثواب الاعمال

(123) النشاط الثقافي

ص: 202

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.