مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 3533

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

وبه نستعین

الحمد لله المحمود لآلائه ، المشکور لنعمائه ، المعبود لکماله ، المرهوب لجلالة ، الذی ارتفع شأنه عن مشابهة الأنام ، وتقدّس بکمال ذاته عن إحاطة دقائق الأفهام ، وتعالی فی عظمته عن أن تبلغ کنه حقیقته الأوهام ، وأفاض سحائب الإفضال علی جمیع البریة فشملهم سوابغ الأنعام أحمده علی ما منحه من إرشاده وهدایته ، وأسأله العصمة من الشیطان الرجیم وغوایته. وأصلی علی أشرف من بعثه ببرهانه وآیته ، وجعله سید متحملی رسالته ، سیدنا محمد صلی الله علیه و آله ، صاحب شریعته ودلالته ، وعلی ابن عمه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب صلوات الله علیه ، المختار لأخوّته ووصیته وخلافته ، وعلی الأئمّة من ذریته وعترته وسلالته.

وبعد فإنّ أحقّ الفضائل بالتعظیم ، وأحراها باستحقاق التقدیم ، وأتمّها فی استجلاب ثوابه الجسیم هو العلم بالأحکام الشرعیة والوظائف الدینیة ، إذ به تحصل السعادة الأبدیة ، ویتخلص من الشقاوة السرمدیة ، فوجب علی کل مکلّف صرف الهمة

مقدمة المؤلف

ص: 3

إلیه وإنفاق هذه المهلة الیسیرة علیه ، هذا وإنّ الله یقول فی کتابه المکنون ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِیَعْبُدُونِ ) (1).

وکما ان کتاب شرائع الإسلام فی مسائل الحلال والحرام من مصنفات الإمام المحقق ، والنحریر المدقق ، أفضل المتقدمین والمتأخرین ، نجم الملة والدین - سقی الله ضریحه میاه الرضوان ورفع قدره فی فرادیس الجنان - من أشرف الکتب الفقهیة ، وأحسن المصنفات الفرعیة ، لما فیه من التنبیهات الجلیلة الجلیة ، والتلویحات الدقیقة الخفیة ، کذلک شرحه للمولی الأعظم والإمام المعظم ، قدوة العلماء الراسخین وأفضل المتأخرین ، جدی العلامة الشهید الثانی - قدس الله نفسه الزکیة وأفاض علی تربته المراحم الربانیة - کتاب جلیل الشأن ، رفیع المکان ، لم یر مثله فی کتب الأولین ، ولم تسمح بما یدانیه أفکار المتأخرین ، ولذلک تداولته الفضلاء فی جمیع الأمصار ، واشتهر بینهم اشتهار الشمس فی رابعة النهار.

غیر أنّه - قدس سره - سلک فی أوائله (2) مسلک الاختصار ، فبقیت رموز تلک المحال مستورة علی حالها ، ومخفیات کنوزها لم یظفر ناظر بمحالها ، فالتمس منّی بعض إخوانی فی الدین أن أفصّل ما أجمله ، واستوفی ما أهمله ، فاستخرت الله تعالی ، وبادرت إلی مقتضی إرادته ، خوفا من الإخلال بمفترض إجابته.

وکان غایة مقصودی فی هذا التعلیق إنما هو تحریر المسائل الشرعیة ، واستخراجها من أدلتها التفصیلیة ، معرضا عن تطویل المقال بما یرد علی العبارات من القیل والقال ، راجیا من الله تعالی حسن التوفیق ، وإصابة الحق بالتحقیق.

ص: 4


1- الذاریات : (56).
2- فی « م » : أوله.

______________________________________________________

قوله - قدس الله نفسه وطهر رمسه - : کتاب الطهارة.

الکتاب مصدر ثالث لکتب (1) من الکتب وهو : الجمع قال جمع من المفسرین (2) : المراد بقوله سبحانه ( أُولئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الْإِیمانَ ) (3) جمعه فی قلوبهم حتی (4) آمنوا بجمیع ما یجب علیهم أی : استکملوا أجزاء الإیمان بحذافیرها لیسوا ممن یقولون ( نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَکْفُرُ بِبَعْضٍ ) (5).

وهو هنا إما بمعنی المفعول مثل : خلق الله أی مخلوقة ، فیکون بمعنی المکتوب فی الطهارة. ( أو بمعنی ما یفعل به ، کالنظام لما ینظم به ، فیکون بمعنی ما یجمع به الطهارة ) (6) أو یکون منقولا ( عرفیا ) (7).

وقد عرّفه شیخنا الشهید - رحمه الله - فی بعض فوائده بأنه اسم لما یجمع به المسائل المتحدة بالجنس المختلفة بالنوع.

قال : والمقصد اسم لما یطلب فیه المسائل المتحدة فی النوع المختلفة فی الصنف ، ومثله الباب والفصل. والمطلب هو المائز بین المسائل المتحدة فی الصنف المختلفة فی الشخص.

وما ذکره - رحمه الله - غیر مطرد. والحق أنّ هذه أمور اصطلاحیة ومناسبات

کتاب الطّهارة

معنی الکتاب

ص: 5


1- أی أحد المصادر الثلاثة لکتب ، قال فی الصحاح ( 1 : 208 ) کتبت کتبا ، وکتابا ، وکتابة.
2- منهم القرطبی فی الجامع لأحکام القرآن ( 17 : 308 ).
3- المجادلة : (22).
4- فی « س » : حین.
5- النساء : (150).
6- ما بین القوسین لیس فی « م ».
7- لیست فی « م ».

______________________________________________________

اعتباریة لا ینبغی المشاحة فیها. وغایة ما یستفاد من ملاحظة استعمالاتهم (1) أنّ المناسبة المعتبرة بین مسائل المقصد والفصل والمطلب ینبغی أن تکون أتم مما یعتبر بین مسائل الکتاب.

والطهارة لغة : النظافة والنزاهة ، قال الله تعالی ( إِنَّما یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً ) (2).

ذکر المفسرون : أن الطهارة هنا تأکید للمعنی المستفاد من ذهاب الرجس ، ومبالغة فی زوال أثره بالکلیة (3). والرجس فی الآیة مستعار للذنوب ، کما أنّ الطهارة مستعارة للعصمة منها.

وقد استعملها الشارع فی معنی آخر مناسب للمعنی اللغوی مناسبة السبب للمسبب ، وصارت حقیقة عند الفقهاء ، ولا یبعد کونه کذلک عند الشارع أیضا علی تفصیل ذکرناه فی محله.

واختلف الأصحاب فی المعنی المنقول إلیه لفظ الطهارة عندهم ، فمنهم من أطلقها علی المبیح للعبادة من الأقسام الثلاثة ، دون إزالة الخبث ، لأنه أمر عدمی ، والطهارة من الأمور الوجودیة (4). ومنهم من أطلقها علی إزالة الخبث أیضا. وربما ظهر من کلام بعض المتقدمین إطلاقها علی مطلق الوضوء والغسل والتیمم ، سواء کانت مبیحة أم لا (5). والأکثرون علی الأول.

معنی الطهارة اللغوی

ص: 6


1- فی « س » : اصطلاحهم.
2- الأحزاب : (33).
3- لاحظ تفسیر غرائب القرآن ( هامش جامع البیان للطبری ) ( 22 : 10 ) ، وتفسیر أبی السعود ( 7 : 103 ).
4- منهم المحقق فی الشرائع ( 1 : 1 ) ، والعلامة فی التحریر : (4) والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 2 ).
5- کما فی السرائر : (6).

الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التیمم علی وجه له تأثیر فی استباحة الصلاة. [1] وکل واحد منها ینقسم إلی واجب ومندوب.

______________________________________________________

ومن الإشکال العام أنهم یعتبرون فی التعریف قید الإباحة ثم یقسّمون الطهارة إلی واجبة ومندوبة ، ویقسّمون المندوبة إلی ما ( ترفع وما لا ترفع ، وما ) (1) تبیح وما لا تبیح فیدخلون فی التقسیم ما لا یدخلونه فی التعریف ، واللازم من ذلک إما اختلال التعریف أو فساد التقسیم ، ولا مخلص من ذلک إلاّ بالتزام کون المقسم أعم من المعرف.

وکیف کان فالأمر فی ذلک هیّن ، إذ لا جدوی له فیما یتعلق بالعمل إلاّ فیما ندر ، کالنذر علی بعض الوجوه.

وإنما المهم فی هذه المسألة بیان المبیح من الأنواع الثلاثة ، وسیأتی البحث فیه مفصلا إن شاء الله تعالی.

قوله : الطهارة اسم للوضوء أو الغسل أو التیمم ، علی وجه له تأثیر فی استباحة الصلاة.

یلوح من قوله : « اسم » أنّ التعریف لفظی علی قانون أهل اللغة ، وهو تبدیل اسم باسم آخر أظهر منه.

وربما ظهر من التعریف مقولیة الطهارة علی جزئیاتها بطریق الاشتراک ( لا الحقیقة والمجاز ، ولا التواطؤ والتشکیک ) (2) وإن احتملتهما أیضا علی بعد.

وقد أورد علی هذا التعریف أمور :

منها : أنه مشتمل علی التردید ، وهو مناف للتحدید.

وجوابه : أن التردید إنما یوجب نقصا فی التعریف إذا کان بمعنی أنّ الحد إما هذا أو ذاک ، والتردید هنا فی أقسام المحدود لا فی نفس الحد.

معنی الطهارة الشرعی

ص: 7


1- ما بین القوسین من « ق » و « ح ».
2- بدل ما بین القوسین فی « م ، ح ، ق » : أو الحقیقة والمجاز لا التواطؤ والتشکیک.

فالواجب من الوضوء ما کان لصلاة واجبة ،

______________________________________________________

وتحقیق ذلک : أنّه إذا وقع فی الحد تردید وتقسیم فإن أرید به أنّ حد هذا الشی ء إما هذا المفهوم أو هذا المفهوم (1) فهو معیب عندهم ، وإن أرید به أنّ حد هذا الشی ء هو هذا المفهوم ، لکن ما یصدق علیه هذا الحد قسمان أو أکثر ، وأشیر إلی ذلک فی ضمن التحدید ، فهو مقبول عندهم.

والحاصل : أنّ الحد فی الحقیقة هو مفهوم أحدها ولا تردید فیه.

ومنها : أنّ الطهارة جنس لکل واحد من الأنواع الثلاثة ، فتعریفها بها تعریف للجنس بالنوع ، وهو دور.

وجوابه - بعد تسلیم الجنسیة - أنّ التعریف لا یعتبر فیه أخذ الجنس إلاّ إذا أرید به التحدید ، أما مطلق التعریف الشامل للرسم فلا ، وحینئذ فیمکن رسم النوع علی وجه لا یتوقف علی الجنس ، فینتفی الدور.

ومنها : أنه إن أراد بکل من الثلاثة موضوعه الشرعی أغنی عن قید التأثیر ، لأنه لا یکون إلاّ مؤثرا ، وإن أراد اللغوی استعمل المجاز الشرعی.

وجوابه : اختیار الشق الأول ومنع الحصر. وفی المقام أبحاث قلیلة الفائدة بالنظر إلی ما هو المقصود من هذا التعلیق.

قوله : فالواجب من الوضوء ما کان لصلاة واجبة.

إنما قیّد الصلاة بالواجبة ، لعدم وجوب الوضوء للنافلة وإن کان شرطا فیها ، إذ لا یتصور وجوب الشرط لمشروط غیر واجب ، ولأنه یجوز ترکه لا إلی بدل ، ولا شی ء من الواجب کذلک.

وقد توهم بعض من لا تحقیق له وجوب الوضوء للنافلة ، لتوجه الذم إلی تارکه إذا أتی

الطهارات الواجبة والمندوبة

- الوضوء الواجب

وجوب الوضوء للصلاة الواجبة

ص: 8


1- کذا فی الأصل ، والأنسب : أمّا هذا المفهوم أو ذاک.

______________________________________________________

بالنافلة فی تلک الحال. وهو خطأ ، فإنّ الذم إنما یتوجه إلی الفعل المذکور لا الترک ، وأحدهما غیر الآخر.

نعم قد یطلق علی هذا النوع من الندب اسم الواجب تجوّزاً ، لمشابهته الواجب فی أنه لا بد منه بالنسبة إلی المشروط ، وإن کان فی حد ذاته مندوبا ، ویعبر عنه بالوجوب الشرطی إشارة إلی علاقة التجوّز.

وهذا الحکم - أعنی وجوب الوضوء للصلاة الواجبة - مجمع علیه بین المسلمین ، بل الظاهر أنه من ضروریات الدین. ویندرج فی الصلاة الواجبة ، الیومیة وغیرها من بقیة الصلوات الواجبة. ولا حاجة إلی استثناء صلاة الجنازة من ذلک ، إذ الحق أنّ اسم الصلاة إنما یقع حقیقة علی ذات الرکوع والسجود ، أو ما قام مقامهما ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

وألحق بالصلاة أجزاؤها المنسیّة ، لأنّ شرط الکل شرط لجزئه وسجود السهو ، لأنه مکمّل للصلاة ، وهو أحوط ، وإن کان فی تعیّنه نظر ، لضعف مأخذه.

واعلم : أنّ المعروف من مذهب الأصحاب أنّ الوضوء إنما یجب بالأصل عند اشتغال الذمة بمشروط به ، فقبله لا یکون إلاّ مندوبا ، تمسکا بمفهوم قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (1) ولیس المراد نفس القیام وإلاّ للزم تأخیر الوضوء عن الصلاة ، وهو باطل بالإجماع ، بل المراد - والله أعلم - : إذا أردتم القیام إلی الصلاة ، إطلاقا لاسم المسبب علی السبب ، فإنه مجاز مستفیض.

وقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا دخل الوقت وجب الطهور

وجوب الوضوء غیری

ص: 9


1- المائدة : (6).

______________________________________________________

والصلاة » (1) والمشروط عدم عند عدم الشرط.

ویتوجه علی الأول : أنّ أقصی ما تدل علیه الآیة الشریفة ترتب الأمر بالغسل والمسح علی إرادة القیام إلی الصلاة ، والإرادة تتحقق قبل الوقت وبعده ، إذ لا یعتبر فیها المقارنة للقیام إلی الصلاة ، وإلاّ لما کان الوضوء فی أول الوقت واجبا بالنسبة إلی من أراد الصلاة فی آخره.

وعلی الثانی : أنّ المشروط وجوب الطهور والصلاة معا ، وانتفاء هذا المجموع یتحقق بانتفاء أحد جزأیه ، فلا یتعین انتفاؤهما معا.

وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری قولا بوجوب الطهارات أجمع بحصول أسبابها ، وجوبا موسعا لا یتضیق إلاّ بظن الوفاة ، أو تضیق وقت العبادة المشروطة بها (2).

ویشهد له إطلاق الآیة وکثیر من الأخبار ، کصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إنّ علیا علیه السلام کان یقول : من وجد طعم النوم قاعدا أو قائما فقد وجب علیه الوضوء » (3).

وصحیحة زرارة حیث قال فیها : « فإن نامت العین والأذن والقلب فقد وجب الوضوء » (4).

وموثقة بکیر بن أعین ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا استیقنت أنک

ص: 10


1- الفقیه ( 1 : 22 - 67 ) ، التهذیب ( 2 : 140 - 546 ) ، الوسائل ( 1 : 261 ) أبواب الوضوء ب (4) ح (1).
2- الذکری : (23). قال : والراوندی وجماعة علی وجوبه ( الغسل ) لا بشرط - إلی أن قال - وربما قیل بطرد الخلاف فی کل الطهارات لأن الحکمة ظاهرة فی شرعیتها مستقلة.
3- الکافی ( 3 : 37 - 15 ) ، التهذیب ( 1 : 8 - 10 ) والاستبصار ( 1 : 80 - 252 ) مع اختلاف یسیر ، الوسائل ( 1 : 181 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (9).
4- التهذیب ( 1 : 8 - 11 ) مع اختلاف یسیر ، الوسائل ( 1 : 174 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (1).

أو طواف واجب ،

______________________________________________________

أحدثت فتوضأ » (1).

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یواقع أهله أینام علی ذلک؟ فقال علیه السلام : « إذا فرغ فلیغتسل » (2).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فیها شی ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شیئا فلتغتسل » (3).

ویؤیده خلو الأخبار بأسرها من هذا التفصیل مع عموم البلوی به ، وشدة الحاجة إلیه. ولو قلنا بعدم اشتراط نیة الوجه - کما هو الوجه - زال الإشکال من أصله ، وعندی أن هذا هو السر فی خلو الأخبار من ذلک ، فتأمل.

وجوب الوضوء للطواف الواجب

قوله : أو طواف واجب.

هذا الحکم إجماعی أیضا علی ما نقله جماعة (4) ، ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن رجل طاف طواف الفریضة وهو علی غیر طهر قال : « یتوضأ ویعید طوافه ، وإن کان تطوعا توضأ وصلی رکعتین » (5)

ص: 11


1- الکافی ( 3 : 33 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 102 - 268 ) بلفظ آخر ، الوسائل ( 1 : 176 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (7).
2- التهذیب ( 1 : 372 - 1137 ) ، الوسائل ( 1 : 501 ) أبواب الجنابة ب (25) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 80 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 161 - 460 ) ، الوسائل ( 2 : 562 ) أبواب الحیض ب (17) ح (1).
4- منهم الشیخ فی الخلاف ( 1 : 446 ) ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : (578) ، والعلامة فی المنتهی : (690).
5- الکافی ( 4 : 420 - 3 ) ، الفقیه ( 2 : 250 - 1202 ) ، التهذیب ( 5 : 116 - 380 ) ، الإستبصار ( 2 : 222 - 764 ) ، الوسائل ( 9 : 444 ) أبواب الطواف ب (38) ح (3).

أو لمسّ کتابة القرآن إن وجب. والمندوب ما عداه.

______________________________________________________

واستدل علیه جماعة من المتأخرین (1) بقوله علیه السلام : « الطواف بالبیت صلاة » (2) وهو غیر جید ، لأن سنده قاصر ومتنه مجمل.

ویستفاد من الروایة المتقدمة : عدم توقف الطواف المندوب علی الطهارة ، وهو کذلک علی الأصح.

قوله : أو لمسّ کتابة القرآن إن وجب.

لمّا ثبت أنّ وجوب الوضوء لغایة إنما یکون مع وجوبها ، وکانت هذه الغایة لا تجب غالبا إلاّ بسبب من قبل المکلف ، کنذر وما یجری مجراه ، شرط المصنف فی وجوبه وجوبها ، تنبیها علی ندور الفرض.

ولا یخفی أنّ وجوب الوضوء للمسّ مبنی علی القول بتحریمه علی المحدث ، وسیأتی تحقیقه إنشاء الله تعالی.

قوله : والمندوب ما عداه.

لم یتعرض المصنف - رحمه الله - لبیان ما یستحب له الوضوء ، والذی یجتمع من الأخبار (3) وکلام الأصحاب أنه یستحب للصلاة والطواف المندوبین ، ومسّ کتاب الله تعالی ، وقراءته ، وحمله ، ودخول المساجد ، واستدامة الطهارة ، وهو المراد بالکون علیها ، وللتأهب لصلاة الفریضة قبل دخول وقتها لیوقعها فی أول الوقت ، وللتجدید ، وصلاة الجنازة ، وطلب الحوائج ، وزیارة قبور المؤمنین ، وما لا یشترط فیه الطهارة من مناسک الحج ، وللنوم ویتأکد فی الجنب ، وجماع المحتلم قبل الغسل ، وذکر الحائض ، وجماع المرأة الحامل ، مخافة مجی ء الولد أعمی القلب ، بخیل الید بدونه ، وجماع غاسل المیت ولما

وجوب الوضوء لمس القرآن

الوضوء المندوب

ص: 12


1- کما فی التذکرة ( 1 : 361 ) ، والروض : (14).
2- عوالی اللئالی ( 2 : 167 ) ، وسنن النسائی ( 5 : 222 ) ، وسنن الدارمی ( 2 : 44 ).
3- الوسائل (1) : أبواب الوضوء ب ( 4 ، 6 ، 8 ) إلی (14).

______________________________________________________

یغتسل ، وإذا کان الغاسل جنبا ، ولمرید إدخال المیت قبره ، ووضوء المیت مضافا إلی غسله علی قول (1) ، ولإرادة وطء الجاریة بعد وطء اخری ، وبالمذی فی قول قوی (2) ، والرعاف ، والقی ء ، والتخلیل المخرج للدم إذا کرهها الطبع ، والخارج من الذّکر بعد الاستبراء ، والزیادة علی أربعة أبیات شعر باطل ، والقهقهة فی الصلاة عمدا ، والتقبیل بشهوة ، ومس الفرج ، وبعد الاستنجاء بالماء للمتوضئ قبله ولو کان قد استجمر.

وقد ورد بجمیع ذلک روایات (3) ، إلاّ أنّ فی کثیر منها قصورا من حیث السند. وما قیل من أنّ أدلة السنن یتسامح فیها بما لا یتسامح فی غیرها فمنظور فیه ، لأن الاستحباب حکم شرعی فیتوقف علی الدلیل الشرعی کسائر الأحکام ، وتفصیل القول فی ذلک یقتضی بسطا فی الکلام وسیجی ء جملة منه إذا اقتضاه المقام إنشاء الله تعالی.

والمستفاد من الأخبار الصحیحة المستفیضة (4) رجحان المسارعة إلی فعل الطهارة المائیة متی حصل شی ء من أسبابها ، وأنه لا یعتبر فیها قصد شی ء سوی امتثال أمر الله تعالی بها خاصة.

واعلم : أنّ الظاهر من مذهب الأصحاب جواز الدخول فی العبادة الواجبة المشروطة بالطهارة بالوضوء المندوب الذی لا یجامع الحدث الأکبر مطلقا (5) ، وادّعی بعضهم علیه

التسامح فی أدلة السنن

جواز الدخول فی العبادة الواجبة بوضوء مندوب

ص: 13


1- کما فی القواعد ( 1 : 18 ).
2- کما فی المختلف : (18).
3- الوسائل ( 1 : 185 ) أبواب نواقض الوضوء ب (6) ، وص (190) ب (8) ، وص (191) ب (9) ، وص (195) ب (12) ، وص (199) ب (13) ، وص (209) ب (18).
4- الوسائل ( 1 : 268 ) أبواب الوضوء ب (11) وفی ص (469) أبواب الجنابة ب (6) ، إرشاد القلوب : (60) ب (13) ، أمالی المفید : (60) ( المجلس السابع ).
5- ذکر هذا القید لأجل إخراج مثل وضوء الحائض والجنب وغیرهما من الوضوءات التی تجامع الحدث الأکبر.

______________________________________________________

الإجماع (1) ، واستدل علیه بأنه متی شرع الوضوء کان رافعا للحدث ، إذ لا معنی لصحة الوضوء إلاّ ذلک ، ومتی ثبت ارتفاع الحدث انتفی وجوب الوضوء قطعا.

وفیه بحث ، لجواز أن یکون الغرض من الوضوء وقوع تلک الغایة المترتبة علیه عقیبه وإن لم یقع رافعا ، کما فی الأغسال المندوبة عند الأکثر (2). ( ویعضده عموم قوله صلی الله علیه و آله : « وإنما لکل امرئ ما نوی » (3) ) (4).

والأجود الاستدلال علیه بعموم ما دلّ علی أنّ الوضوء لا ینتقض إلاّ بالحدث ، کقوله علیه السلام فی صحیحة إسحاق بن عبد الله الأشعری : « لا ینقض الوضوء إلاّ حدث » (5) وفی صحیحة زرارة : « لا ینقض الوضوء إلاّ ما خرج من طرفیک ، والنوم » (6) وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة (7).

ویؤیده ما رواه عبد الله بن بکیر فی الموثق عن أبیه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا استیقنت أنک أحدثت فتوضأ ، وإیاک أن تحدث وضوءا أبدا حتی تستیقن أنک قد أحدثت » (8).

ص: 14


1- منهم ابن إدریس فی السرائر : (17) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 73 ).
2- منهم الشیخ الطوسی فی المبسوط ( 1 : 40 ) ، والعلامة فی تحریر الأحکام ( 1 : 11 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (18) ، والسیوری فی التنقیح الرائع ( 1 : 129 ).
3- التهذیب ( 1 : 83 - 218 ) مع اختلاف یسیر ، الوسائل ( 1 : 34 ) أبواب مقدمة العبادات ب (5) ح (10) ، وأیضا ( 7 : 7 ) باب وجوب النیة ب (2) ح (12).
4- ما بین القوسین لیس فی « س » و « ق ».
5- التهذیب ( 1 : 6 - 5 ) ، الإستبصار ( 1 : 79 - 246 ) ، الوسائل ( 1 : 180 ) أبواب نواقض الوضوء ب (4).
6- الکافی ( 3 : 36 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 6 - 2 ) ، الإستبصار ( 1 : 79 - 244 ) الوسائل ( 1 : 179 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (1).
7- الوسائل ( 1 : 179 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3).
8- الکافی ( 3 : 33 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 102 - 268 ) ، الوسائل ( 1 : 176 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (7).

والواجب من الغسل ما کان لأحد الأمور الثلاثة ، أو لدخول المساجد أو لقراءة العزائم إن وجبا.

______________________________________________________

قوله : والواجب من الغسل ما کان لأحد الأمور الثلاثة ، أو لدخول المساجد أو لقراءة العزائم إن وجبا.

لا یخفی أنّ الغسل إنما یجب لدخول المساجد الواجب إذا حصل معه اللبث ، فی غیر مسجد مکة والمدینة ، لما سیأتی إن شاء الله تعالی من إباحة الاجتیاز للجنب فی المساجد عدا هذین المسجدین.

وربما ظهر من إطلاق العبارة : وجوب الغسل لهذه الأمور الخمسة فی جمیع الأحداث الموجبة له ، وهو مشکل.

وتفصیل المسألة : إنه لا خلاف فی وجوب غسل الجنابة لکل من هذه الأمور الخمسة علی ما نقله جماعة (1).

کما أنه لا خلاف فی وجوب غسل الحیض للغایات الثلاث المتقدمة. والمشهور من مذهب علمائنا وجوبه لدخول المساجد ، وقراءة العزائم أیضا استصحابا للمنع من ذلک إلی أن یتحقق الجواز ، وتمسکا بإطلاق الروایات المانعة من ذلک.

وقوی بعض متأخری الأصحاب عدم الوجوب واکتفی فی جواز ذلک لها بانقطاع الدم ، لانتفاء التسمیة بعده عرفا ، بل ولغة أیضا - وإن قلنا أن المشتق لا یشترط فی صدقه بقاء أصله - کما فی مثل الکافر والمؤمن ، والحلو والحامض ، کما قرر فی محله ( قال : ولهذا جاز طلاقها قبل الغسل ، ووطؤها ، وصومها فی قول قوی ) (2) (3).

الغسل الواجب

وجوب الغسل لما یجب له الوضوء

ص: 15


1- منهم الشهید الثانی فی روض الجنان : (16) ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 70 ).
2- لم نعثر علی هذا النص ویستفاد ذلک المعنی من مجمع الفائدة ( 1 : 150 ) حیث قال فیه : وأما عدم صحة الطلاق مع الشرط المذکور ، فالظاهر أنه حال الدم. وکذا تحریم اللبث. وکذا تحریم قراءة العزائم.
3- ما بین القوسین زیادة من « م » و « ح ».

وقد یجب إذا بقی لطلوع الفجر من یوم یجب صومه بقدر ما یغتسل الجنب ،

______________________________________________________

وما ذکره غیر بعید إلاّ أنّ المشهور أقرب.

وأما النفساء فقیل : إنها کالحائض إجماعا.

وأما غسل الاستحاضة ، فوجوبه للصلاة والطواف موضع وفاق. وفی المس قولان ، أظهرهما العدم ، وفی دخول المساجد وقراءة العزائم إشکال ، والأصح عدم توقفهما علی الغسل ، لأنه الأصل ، ولدلالة بعض الأخبار علیه ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

وأما غسل المس فلم أقف علی ما یقتضی اشتراطه فی شی ء من العبادات ، ولا مانع من أن یکون واجبا لنفسه ، کغسل الجمعة والإحرام عند من أوجبهما. نعم إن ثبت کون المس ناقضا للوضوء اتجه وجوبه للأمور الثلاثة المتقدمة ، إلاّ أنه غیر واضح.

وقد استدل علیه (1) بعموم قوله علیه السلام : « کل غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة » (2) وهو مع عدم صحة سنده (3) غیر صریح فی الوجوب کما اعترف به جماعة من الأصحاب (4) ، ومعارض بما هو أصح منه ، وسیجی ء تتمة الکلام فی هذه المسائل مفصلا إن شاء الله تعالی.

قوله : وقد یجب إذا بقی لطلوع الفجر من یوم یجب صومه بمقدار ما یغتسل الجنب.

أشار بقوله : « وقد یجب » إلی أنّ وقوع ذلک نادر ، وذلک لأن ضبط المکلف الوقت

وجوب الغسل للصوم الواجب

ص: 16


1- کما فی التذکرة ( 1 : 59 ) ، ومجمع الفائدة ( 1 : 126 ).
2- الکافی ( 3 : 45 - 13 ) ، التهذیب ( 1 : 139 - 391 ) ، الإستبصار ( 1 : 126 - 428 ) ، الوسائل ( 1 : 516 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (1).
3- لعل وجه عدم صحة السند هو الإرسال وإن کان المرسل هو ابن أبی عمیر ، وقد صرح بذلک فی ص (358) من هذا الکتاب.
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 258 ) ، والعلامة فی المختلف : (42) ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 128 ).

______________________________________________________

علی هذا الوجه من الأمور النادرة.

ومقتضی العبارة : أنّ المکلف إذا أراد تقدیمه وکانت ذمته بریئة من مشروطة بالطهارة ، نوی الندب إن اعتبرنا الوجه. وهو کذلک بناء علی القول بأنّ وجوبه لغیره.

ورجح بعض مشایخنا المعاصرین جواز إیقاعه بنیة الوجوب من أول اللیل وإن قلنا بوجوبه لغیره ، وکأنه أراد به الوجوب الشرطی ، وإلاّ فالوجوب بالمعنی المصطلح منتف علی هذا التقدیر قطعا.

وهذا الحکم أعنی : وجوب الغسل للصوم مذهب أکثر علمائنا (1) ، ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة أحمد بن محمد ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن رجل أصاب من أهله فی شهر رمضان ، أو أصابته جنابة ثم ینام حتی یصبح متعمدا ، قال : « یتم ذلک الیوم وعلیه قضاؤه » (2).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام ، قال ، قلت : فإنه استیقظ ثم نام حتی أصبح ، قال : « فلیقض ذلک الیوم عقوبة » (3) ، ونحوه روی الحلبی (4) ، ومحمد بن مسلم فی الصحیح أیضا (5) عن الصادق علیه السلام .

ونقل عن ابن بابویه - رحمه الله - القول بعدم الوجوب (6) ، ومال إلیه شیخنا

ص: 17


1- منهم الشیخ فی المبسوط ( 1 : 271 ) ، وابن إدریس فی السرائر : (84) ، والعلامة فی القواعد ( 1 : 2 ) ، والشهید الأول فی البیان : (3) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (16).
2- التهذیب ( 4 : 211 - 614 ) ، الإستبصار ( 2 : 86 - 268 ) ، الوسائل ( 7 : 42 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (15) ح (4).
3- التهذیب ( 4 : 212 - 615 ) ، الإستبصار ( 2 : 87 - 271 ) ، الوسائل ( 7 : 41 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (15) ح (1).
4- الکافی ( 4 : 105 - 1 ) ، الوسائل ( 7 : 42 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (16) ح (1).
5- الکافی ( 4 : 105 - 2 ) ، التهذیب ( 4 : 211 - 613 ) ، الإستبصار ( 2 : 86 - 270 ) ، الوسائل ( 7 : 41 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (15) ح (3).
6- الفقیه ( 2 : 74 - 322 ).

______________________________________________________

المعاصر (1) ، تمسکا بظاهر قوله تعالی ( أُحِلَّ لَکُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ ) (2) الآیة. وصحیحة حبیب الخثعمی ، عن الصادق علیه السلام قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلی صلاة اللیل فی شهر رمضان ، ثم یجنب ، ثم یؤخر الغسل متعمدا حتی یطلع الفجر » (3).

وجوابه : أنّ ظاهر الآیة مخصوص بما نقلناه من الأخبار. والروایة المذکورة محمولة علی التقیة ، لأنه علیه السلام أسند ذلک إلی عائشة علی ما ورد فی بعض الأخبار (4) ، أو التعجب. ویمکن حمل الفجر فیها علی الأول. وکیف کان فالمذهب هو الأول.

وأورد علی العبارة أمران :

الأول : إن مقتضی العبارة وجوب الغسل لصوم الجنب مطلقا ولیس کذلک ، فإن من نام بنیة الغسل حتی طلع الفجر لا یخاطب بوجوب الغسل ، ومثله من لم یعلم بالجنابة قبل طلوعه ، أو تعذر علیه الغسل.

وجوابه : انتفاء ما یدل علی العموم فی العبارة فلا محذور. أو یقال : أنّ الوجوب إنما یتوجه إلی من کان متأهلا له ، والنائم وغیر العالم ومن تعذر علیه الغسل لا یمکن توجه الخطاب إلیهم بذلک فی تلک الحال.

والثانی : صوم الحائض والنفساء - فی إیجاب الغسل - کصوم الجنب سواء ، فلا وجه لتخصیص الجنب بالذکر.

ص: 18


1- مجمع الفائدة ( 1 : 71 ).
2- البقرة : (187).
3- التهذیب ( 4 : 213 - 620 ) ، الإستبصار ( 2 : 88 - 276 ) ، الوسائل ( 7 : 44 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (16) ح (5).
4- التهذیب ( 4 : 210 - 610 ) ، الاستبصار ( 2 : 85 - 266 ) ، وروایة أخری فی ص ( 88 - 275 ) الوسائل ( 7 : 39 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (13) ح (6).

ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة. والمندوب ما عداه.

______________________________________________________

وجوابه : أنّ من یجب علیه الغسل غیر مذکور فی العبارة صریحا ، فیمکن تناوله للجمیع. مع أنّ المصنف فی المعتبر تردد فی مساواتهما للجنب فی ذلک (1) ، نظرا إلی ضعف النص الوارد به وهو روایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن طهرت بلیل من حیضها ، ثم توانت أن تغتسل فی رمضان حتی أصبحت ، علیها قضاء ذلک الیوم » (2). وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : ولصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة.

التقیید بالغمس یشمل حالتیها الوسطی والعلیا ، ویخرج القلیلة.

والمشهور بین الأصحاب (3) توقف صومها علی الأغسال النهاریة ، أعنی غسل صلاة الفجر وغسل صلاة (4) الظهرین ، سواء حدث الموجب له قبل الفجر أم بعده. وعدم توقف الصوم الماضی علی غسل اللیلة المستقبلة لسبق انعقاده. وفی توقفه علی غسل اللیلة الماضیة احتمالات ثالثها : إن قدمت غسل الفجر لیلا أجزأها عن غسل العشاءین ، وإلاّ بطل الصوم.

والأصل فی هذه الأحکام ما رواه الشیخ فی الصحیح عن علی بن مهزیار ، قال ، کتبت إلیه : امرأة طهرت من حیضها ، أو من دم نفاسها فی أول شهر رمضان ، ثم استحاضت وصلّت وصامت فی شهر رمضان کلّه من غیر أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لکل صلاتین ، هل یجوز صومها وصلاتها أم لا؟ قال : « تقضی صومها ولا تقضی صلاتها ، لأن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یأمر فاطمة علیهاالسلام

وجوب الغسل لصوم المستحاضة

ص: 19


1- المعتبر ( 1 : 226 ).
2- التهذیب ( 1 : 393 - 1213 ) ، الوسائل ( 7 : 48 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (21) ح (1).
3- منهم المحقق فی المعتبر ( 2 : 683 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (31) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (86).
4- لیست فی « ح ».

والواجب من التیمم ما کان لصلاة واجبة عند تضیّق وقتها ، وللجنب فی أحد المسجدین لیخرج به ،

______________________________________________________

والمؤمنات من نسائه بذلک » (1).

ویمکن الطعن فی هذه الروایة من حیث السند بجهالة المکتوب إلیه ، ومن حیث المتن بمخالفتها لما علیه الأصحاب من

وجوب قضاء الصوم دون الصلاة ، ومع ذلک فإنما تدل علی وجوب قضاء الصوم بترک جمیع الأغسال.

وظاهر الشیخ فی المبسوط التوقف فی هذه الأحکام (2) ، حیث أسندها إلی روایة الأصحاب ، وهو فی محله.

قوله : والواجب من التیمم ما کان لصلاة واجبة عند تضیق وقتها.

سیأتی تردد المصنف فی اشتراط تضیّق الوقت ، وأنّ الظاهر جوازه مع السعة إذا کان العذر غیر مرجو الزوال. ولا یخفی أنّ الصلوات الواجبة غیر المؤقتة خارجة من العبارة ، فلو أسقط الظرف وما بعده کان أشمل.

قوله : وللجنب فی أحد المسجدین لیخرج به.

هذا مذهب أکثر علمائنا (3) ، ومستنده صحیحة أبی حمزة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إذا کان الرجل نائما فی المسجد الحرام أو فی مسجد الرسول صلی الله علیه و آله فاحتلم فأصابته جنابة فلیتیمّم ، ولا یمر فی المسجد إلاّ متیمّما » (4).

ونقل عن ابن حمزة القول بالاستحباب (5) ، وهو ضعیف.

التیمم الواجب

وجوب التیمم للصلاة الواجبة

ص: 20


1- التهذیب ( 4 : 310 - 937 ) ، الوسائل ( 2 : 590 ) أبواب الحیض ب (41) ح (7).
2- المبسوط ( 1 : 68 ).
3- منهم العلامة فی القواعد ( 1 : 3 ) ، والشهید الأول فی الدروس : (1) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (19).
4- التهذیب ( 1 : 407 - 1280 ) ، الوسائل ( 1 : 485 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (6).
5- الوسیلة : (70).

______________________________________________________

وإطلاق الخبر یقتضی وجوب التیمّم مطلقا ، وإن أمکن الغسل فی المسجد ، وساوی زمانه زمان التیمم أو نقص عنه ، وبه قطع المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی حاشیة الکتاب.

ورجح جماعة (1) منهم جدی - قدس سره - فی جملة من کتبه (2) ، وجوب الغسل مع مساواة زمانه لزمان التیمّم ، أو نقصه عنه ، وعدم استلزامه تنجیس شی ء من المسجد أو آلاته.

واستدل علیه جدی - رحمه الله - فی روض الجنان بأنّ فیه جمعا بین ما دلّ علی الأمر بالتیمم مطلقا ، وهو صحیحة أبی حمزة السابقة ، وبین ما دلّ علی اشتراط عدم الماء فی جواز التیمم ، قال : وإنما قیّدنا جواز الغسل فی المسجد مع إمکانه بمساواة زمانه لزمان التیمم أو قصوره عنه مع أنّ الدلیل یقتضی تقدیمه مطلقا مع إمکانه ، لعدم القائل بتقدیمه مطلقاً ، وإلاّ لکان القول به متوجها.

وفیه نظر : فإنا لم نقف علی ما یقتضی اشتراط عدم الماء فی جواز التیمم لغیر الصلاة ، وأیضا فقد ثبت بالنصوص الصحیحة تحریم الکون للجنب فی المساجد مطلقا (3) ، وغایة ما علم استثناؤه من ذلک حالة التیمم بالنص السابق ، فیبقی غیره مندرجا تحت العموم.

والأظهر الاقتصار علی التیمم ، وقوفا علی ظاهر الخبر. وکما جاز أن یکون الأمر بالتیمم مبنیا علی الغالب من تعذر الغسل فی المسجدین فیجوز أن یکون وجهه اقتضاء الغسل فیهما إزالة النجاسة - فإنّ مورد الخبر المحتلم وهو ملازم للنجاسة - وقد أطلق

وجوب التیمم لخروج الجنب فی أحد المسجدین

ص: 21


1- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 189 ) ، والشهید الأول فی الدروس : (1).
2- المسالک ( 1 : 2 ) ، روض الجنان : (19).
3- الوسائل ( 1 : 484 ) أبواب الجنابة ب (15).

______________________________________________________

جماعة من الأصحاب تحریم إزالتها فی المسجد (1) ، وصرح بعضهم بعموم المنع وإن کانت الإزالة فی الکثیر (2).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : مورد الخبر کما عرفت هو المحتلم فی المسجد ، والحق به کل مجنب حصل فی المسجد ، لعدم تعقّل الفرق بینه وبین غیره. وفیه نظر ، فإنّ عدم تعقل الخصوصیة لا یقتضی عدمها فی نفس الأمر ، والذی ثبت کونه حجة فی هذا الباب مفهوم الموافقة ، ومنصوص العلة ، وما عداهما داخل فی القیاس الممنوع منه.

الثانی : قیل الحائض کالجنب فی ذلک (3) ، لمرفوعة محمد بن یحیی ، عن أبی حمزة ، عن الباقر علیه السلام ، حیث قال فیها بعد أن ذکر تیمم المحتلم للخروج : « وکذلک الحائض إذا أصابها الحیض تفعل کذلک » (4) وأنکر المصنف فی المعتبر الوجوب ، لقطع الروایة ، ولأنه لا سبیل لها إلی الطهارة بخلاف الجنب ، ثم حکم بالاستحباب (5).

وکأن وجهه ما ذکره - رحمه الله - من ضعف السند ، وما اشتهر بینهم من التسامح فی أدلة السنن. وبذلک یندفع ما أورده علیه فی الذکری : من أنه اجتهاد فی مقابلة النص ، وعارضه به من اعترافه بالاستحباب (6).

الثالث : لو صادف هذا التیمم فقد الماء ، فهل یکون مبیحا؟ الأظهر : نعم إن لم یکن المتیمم متمکنا من استعمال الماء حالة التیمم ، وحینئذ فلا یجب علیه المبادرة إلی

تنبیهات

ص: 22


1- منهم ابن إدریس فی السرائر : (60) ، والعلامة فی القواعد ( 1 : 29 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (157).
2- منهم المحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 97 ).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 4 ) ، والذکری : (25) ، والدروس : (1).
4- الکافی ( 3 : 73 - 14 ) ، الوسائل ( 1 : 485 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (3).
5- المعتبر ( 1 : 222 ).
6- الذکری : (25).

والمندوب ما عداه.

______________________________________________________

الخروج من المسجد ، وتصح له الصلاة فیه من هذه الجهة.

الرابع : لا یلحق باقی المساجد بالمسجدین فی شرعیة التیمم للخروج منها ، لعدم النص ، وتوقف العبادة علی التوقیف. وقرّب شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری استحباب التیمم فیها ، لما فیه من القرب إلی الطهارة ، وعدم زیادة الکون فیها له علی الکون له فی المسجدین (1). وهو ضعیف ودلیله مزیف.

الخامس : یکفی فی هذا التیمم ضربة واحدة ، لما سنبینه إن شاء الله تعالی من أجزائها فی مطلق التیمم ، ورجّح بعض المتأخرین وجوب المرتین فیه (2) ، والاستحباب فیه أولی.

قوله : والمندوب ما عداه.

هذا الإطلاق مناف لما سیصرح به من إباحة التیمم لکل ما تبیحه المائیة ، فإنه یقتضی وجوب التیمم عند وجوب ما لا یستباح إلاّ به. وقد عدل جمع من المتأخرین عن هذه العبارة إلی أنّ التیمم یجب لما تجب له الطهارتان (3) وهو مشکل أیضا ، لانتفاء الدلیل علیه.

والأظهر أنّ التیمم یبیح کلما تبیحه المائیة ، لقوله علیه السلام فی صحیحة جمیل : « إنّ الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (4) وفی صحیحة حماد : « هو بمنزلة

الأغسال المندوبة

ص: 23


1- الذکری : (25).
2- کما فی المنتقی ( 1 : 351 ) حیث أوجب الضربتین فی التیمم مطلقا.
3- منهم الشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 2 ).
4- (4) الفقیه ( 1 : 60 - 223 ) ، التهذیب ( 1 : 404 - 1264 ) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (23)

وقد تجب الطهارة بنذر وشبهه.

______________________________________________________

الماء » (1) وفی صحیحة محمد بن مسلم : « فقد فعل أحد الطهورین » (2).

فما ثبت توقفه علی مطلق الطهارة من العبادات یجب له التیمم ، وما ثبت توقفه علی نوع خاص منها ، کالغسل فی صوم الجنب مثلا ، فالأظهر عدم وجوب التیمم له مع تعذره ، إذ لا ملازمة بینهما. فتأمل.

فرع : هل یستحب التیمم بدلا من الغسل المستحب مع تعذره؟ فیه وجهان ، أظهرهما : العدم وإن قلنا أنه رافع للحدث ، لعدم النص ، وجزم جدی - قدس سره - بالاستحباب علی هذا التقدیر (3) وهو مشکل.

قوله : وقد تجب الطهارة بنذر وشبهه.

نذر الطهارة یتحقق بنذر الأمر الکلی ، وبنذر أحد جزئیاته ، فهنا مسألتان :

الاولی : أن ینذر الطهارة ، والواجب فعل ما یصدق علیه اللفظ حقیقة ، فإن قصد المعنی الشرعی بنی علی ثبوته واحتیج إلی تعیینه ، وإن قصد المعنی العرفی بنی علی ما تقدم من الخلاف فیه. وفی حمله علی المائیة خاصة أو الترابیة أو تخییره بینهما أوجه ، منشؤها أنّ مقولیة الطهارة علی الأنواع الثلاثة هل هو بطریق الاشتراک ، أو التواطؤ ، أو التشکیک ، أو الحقیقة والمجاز ، فعلی الأولین یتخیر. وکذا علی الثالث علی الأظهر ، ویحتمل انصرافه إلی الفرد الأقوی لأنه المتیقن ، وإلی الأضعف تمسکا بأصالة البراءة من الزائد ، وهما ضعیفان. وعلی الرابع یحمل علی المائیة خاصة ، إذ الأصل فی الإطلاق الحقیقة.

وجوب الطهارة بالنذر وشبهه

ص: 24


1- التهذیب ( 1 : 200 - 581 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 995 ) أبواب التیمم ب (23) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 197 - 571 ) ، الإستبصار ( 1 : 161 - 557 ) ، الوسائل ( 2 : 184 ) أبواب التیمم ب (14) ح (15).
3- روض الجنان : (20).

______________________________________________________

الثانیة : أن ینذر أحد أفرادها ، وشرطه أن یکون مشروعا ، فلو نذر الوضوء مع غسل الجنابة ، أو غسل الجمعة یوم الأربعاء ، أو التیمم للصلاة مع التمکن من استعمال الماء ، لم ینعقد قطعا. وإطلاق جماعة من الأصحاب أنّ الوضوء ینعقد نذره دائما (1) ، غیر واضح. والأجود حمل الوضوء والغسل مع الإطلاق ، علی الراجح شرعا وإن لم یکن رافعا ، والله أعلم.

ص: 25


1- منهم الشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 2 ) ، وروض الجنان : (20).

وهذا الکتاب یعتمد علی أربعة أرکان :

الأوّل : فی المیاه ، وفیه أطراف :

الأوّل : فی الماء المطلق :

وهو کل ما یستحق إطلاق اسم الماء علیه من غیر إضافة. وکله طاهر مزیل للحدث والخبث.

______________________________________________________

قوله : الرکن الأول ، فی المیاه.

جمعه باعتبار تعدد أفراده ، والمراد بها الأعم من الحقیقة والمجاز.

قوله : الأول ، فی الماء المطلق ، وهو : کل ما یستحق إطلاق اسم الماء علیه من غیر إضافة.

قد عرفت أنّ الغرض من هذه التعریفات إنما هو مجرد کشف معنی الاسم وإبدال اللفظ المجهول بلفظ معلوم ، فلا یرد علی هذا التعریف أنه فاسد ، لاشتماله علی لفظ الماء فیکون دوریا ، ولفظة : کل ، وهی لا تذکر فی التعریف لأنها لعموم الأفراد والتعریف إنما هو للماهیة.

ومعنی استحقاقه لإطلاق الاسم : أنّ ذلک الاسم موضوع بإزائه عند أهل العرف بحیث یستفاد منه من دون إضافة ، وجواز تقیید بعض أفراده کماء البحر ونحوه لا یخرجه عن الاستحقاق.

قوله : وکله طاهر مزیل للحدث والخبث.

أجمع العلماء کافة علی أنّ الماء المطلق طاهر فی نفسه ومطهر لغیره ، سواء نزل من السماء ، أو نبع من الأرض ، أو أذیب من الثلج والبرد ، أو کان ماء بحر ، أو غیره ،

المیاه

الماء المطلق وأقسامه

الماء المطلق طاهر مطهر

ص: 26

______________________________________________________

حکاه فی المنتهی (1). ویدل علیه قوله تعالی ( وَیُنَزِّلُ عَلَیْکُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِیُطَهِّرَکُمْ بِهِ ) (2) ، وقوله عز وجل ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (3).

والطهور یرد فی العربیة علی وجهین (4) : صفة ، کقولک : ماء طهور أی : طاهر ، واسم غیر صفة ، ومعناه : ما یتطهر به کالوضوء والوقود - بفتح الواو فیهما - لما یتوضأ به ویوقد به.

وإرادة المعنی الثانی هنا أولی ، لأن الآیة مسوقة فی معرض الإنعام ، فحمل الوصف فیها علی الفرد الأکمل أولی وأنسب.

أقول : وهذا التوجیه - مع إمکان المناقشة فیه ببعد إرادة المعنی الاسمی من الطهور من حیث اللفظ ، لوقوعه صفة للماء ، وابتنائه علی ثبوت الحقیقة الشرعیة للمطهر علی وجه یتناول الأمرین - فهو أولی مما ذکره الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب من أنّ الطهور لغة هو المطهّر ، لأن فعولا موضوع للمبالغة ، وکون الماء مما یتطهر به لیس مما یتکرر ویتزاید ، فینبغی أن یعتبر فیه غیر ذلک ، ولیس بعد ذلک إلاّ أنه مطهّر (5). لتوجه المنع إلی ذلک ، وعدم ثبوت الوضع بالاستدلال کما لا یخفی.

والمراد بالحدث فی عرف أهل الشرع : المانع من الصلاة ، الذی یتوقف رفعه علی

ص: 27


1- المنتهی ( 1 : 4 ).
2- الأنفال : (11).
3- الفرقان : (48).
4- راجع کتاب العین ( 4 : 19 ) ، والصحاح ( 2 : 727 ) ، والقاموس ( 2 : 82 ) ، والنهایة ( 3 : 147 ).
5- التهذیب ( 1 : 214 ).

وباعتبار وقوع النجاسة فیه ینقسم إلی : جار ، ومحقون ، وماء بئر.

أما الجاری : فلا ینجس إلا باستیلاء النجاسة علی أحد أوصافه.

______________________________________________________

النیة. وبالقید الأخیر یخرج الخبث ، والمراد به نفس النجاسة.

قوله : وباعتبار وقوع النجاسة فیه ینقسم إلی جار ، ومحقون ، وماء بئر.

إنما اختصت هذه الأقسام بالذکر لأن اختلاف الأحکام عنده منوط باختلافها ، وکان الأولی جعل ماء الحمام قسما رابعا ، حیث لم یشترط فی مادته الکریة ، فإنه بذلک یخالف غیره من المیاه.

قوله : أما الجاری ، فلا ینجس إلا باستیلاء النجاسة علی أحد أوصافه.

المراد بالجاری : النابع ، لأن الجاری لا عن مادة من أقسام الراکد اتفاقا. وقد اشتملت هذه العبارة علی مسألتین ، إحداهما بالمنطوق والأخری بالمفهوم :

الأولی : نجاسة الماء الجاری باستیلاء النجاسة علی أحد أوصافه ، والمراد بها : اللون ، أو الطعم ، أو الرائحة ، لا مطلق الصفات کالحرارة والبرودة ، وهذا مذهب العلماء کافة ، نقله فی المعتبر (1). والأصل فیه الأخبار المستفیضة کقوله صلی الله علیه و آله : « خلق الله الماء طهورا لا ینجسه شی ء إلاّ ما غیّر لونه ، أو طعمه ، أو ریحه » (2).

وما رواه حریز فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کلما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضأ منه واشرب ، فإذا تغیّر الماء أو تغیر الطعم فلا تتوضأ منه

الماء الجاری

أحکام الماء الجاری

ص: 28


1- المعتبر ( 1 : 40 ).
2- السرائر : (8) ، المعتبر ( 1 : 40 ) ، الوسائل ( 1 : 101 ) أبواب الماء المطلق ب (1) ح (9) ، لکن صرح فی المعتبر بأنه عامی وقال فی السرائر : قول الرسول صلی الله علیه و آله - المتفق علی روایة ظاهرة - : إنه خلق.

______________________________________________________

ولا تشرب » (1).

ویستفاد من العبارة من حیث الاستثناء من المنفی ، المقتضی لحصر الحکم فی المثبت ، أن تغیّر أحد أوصاف الماء بالمتنجس ، أو بمجاورة النجاسة لا یقتضی تنجیسه ، وهو کذلک.

وهل یعتبر فیه التغییر الحسی ، أم یکفی التقدیری مع توافق الماء والنجاسة فی الصفات؟ قولان : أظهرهما الأول ، لأن التغیر حقیقة فی الحسی ، لصدق السلب بدونه ، واللفظ إنما یحمل علی حقیقته.

وقیل بالثانی (2) ، واختاره العلامة فی جملة من کتبه (3) ، واحتج علیه فی المختلف بأنّ التغیر الذی هو مناط النجاسة دائر مع الأوصاف ، فإذا فقدت وجب تقدیرها. وهو إعادة للمدعی.

واحتج علیه ولده فی الشرح : بأنّ الماء مقهور بالنجاسة ، لأنه کل ما لم یصر الماء مقهورا لم یتغیر بها علی تقدیر المخالفة ، وینعکس بعکس النقیض إلی قولنا : کل ما تغیر علی تقدیر المخالفة کان مقهورا (4).

ویتوجه علیه : منع کلیة الأولی ، فإن المخالف یقول بعدم صیرورة الماء مقهورا مع تغیره بالنجاسة علی تقدیر المخالفة ، فکیف یکون عدم التغیر التقدیری لازما لعدم صیرورة الماء مقهورا ، لا ینفک عنه.

اعتبار التغییر الحسی

ص: 29


1- الکافی ( 3 : 4 - 3 ) الا أن فیه : وتغیر الطعم ، التهذیب ( 1 : 216 - 625 ) ، الإستبصار ( 1 : 12 - 19 ) ، الوسائل ( 1 : 102 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (1).
2- کما فی روض الجنان : (134) ، وجامع المقاصد ( 1 : 9 ).
3- المنتهی ( 1 : 8 ) ، القواعد ( 1 : 4 ).
4- إیضاح الفوائد ( 1 : 16 ).

______________________________________________________

هذا کله إذا لم تستهلک النجاسة الماء ، وإلاّ ثبت التنجیس قولا واحدا.

قال بعض المحققین : وهل یعتبر فیه أوصاف الماء وسطا ، نظرا إلی شدة اختلافها ، کالعذوبة والملوحة ، والرقة والغلظة ، والصفاء والکدرة ، فیه احتمال ، ولا یبعد اعتبارها ، لأنّ لها أثرا بیّنا فی قبول التغیر وعدمه (1). هذا کلامه رحمه الله .

ویتوجه علیه ما سبق ، ومن الجائز اختلاف المیاه فی الانفعال بالنجاسة الواحدة لاختلاف هذه الصفات ، حیث إنّ بعضها یقبل الانفعال والآخر لا یقبله.

فرع : لو خالفت النجاسة الجاری فی الصفات ، لکن منع من ظهورها مانع ، کما لو وقع فی الماء المتغیر بطاهر أحمر ، دم مثلا ، فینبغی القطع بنجاسته ، لتحقق التغیر حقیقة ، غایة الأمر ، أنه مستور عن الحس ، وقد نبه علی ذلک الشهید فی البیان (2).

الثانیة : إنّ الجاری لا ینجس بدون ذلک ، وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین قلیله وکثیره.

واعتبر العلامة - رحمه الله - فیه الکریة ، وحکم بنجاسة ما نقص عن الکر منه بالملاقاة کالمحقون (3). والمعتمد الأول ، ولنا علیه وجوه من الأدلة :

الأول : أصالة الطهارة ، فإنّ الأشیاء کلها علی الطهارة إلاّ ما نصّ الشارع علی نجاسته ، لأنها مخلوقة لمصالح العباد ، ولا یتم النفع إلاّ بطهارتها.

الثانی : الإجماع ، نقله المصنف فی المعتبر (4). وقال الشهید فی الذکری : إنه لم یقف فی ذلک علی مخالف ممن سلف (5). واستغربه جدی - قدس سره - لتصریح

ص: 30


1- جامع المقاصد ( 1 : 9 ).
2- البیان : (44).
3- کما فی المنتهی ( 1 : 6 ) ، والتذکرة ( 1 : 3 ).
4- المعتبر ( 1 : 41 ).
5- الذکری : (8).

______________________________________________________

العلامة باعتبار الکریة فیه (1). وهو غیر جید ، فإن مراده بمن سلف من تقدم علی العلامة ، لأنه نقل عنه اعتبار ذلک بعد هذه العبارة بغیر فصل.

الثالث : الأخبار ، کقول الصادق علیه السلام فیما روی عنه بطرق متعدد : « کل ماء طاهر حتی تعلم أنه قذر » (2).

وصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کلما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضّأ من الماء واشرب ، فإذا تغیر الماء أو تغیر الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (3).

وصحیحة أبی خالد القماط أنه سمع أبا عبد الله علیه السلام یقول : فی الماء یمرّ به الرجل وهو نقیع ، فیه المیتة والجیفة : « إن کان الماء قد تغیّر ریحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ منه ، وإن لم یتغیر ریحه أو طعمه فاشرب وتوضّأ » (4).

وحسنة محمد بن میسر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن الرجل الجنب ، ینتهی إلی الماء القلیل فی الطریق ، ویرید أن یغتسل منه ، ولیس معه إناء یغترف به ، ویداه قذرتان ، قال علیه السلام : « یضع یده ویتوضأ ویغتسل ، هذا مما قال الله عز وجل ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) » (5).

وصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « ماء البئر واسع لا یفسده شی ء إلاّ أن یتغیر ریحه أو طعمه ، فینزح حتی یذهب الریح ویطیب طعمه ،

ص: 31


1- کما فی روض الجنان : (135).
2- الوسائل ( 1 : 99 ) أبواب الماء المطلق ب (1).
3- المتقدمة فی ص (28).
4- التهذیب ( 1 : 40 - 112 ) ، الإستبصار ( 1 : 9 - 10 ) ، الوسائل ( 1 : 103 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (4).
5- الکافی ( 3 : 4 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 113 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (5) ، مع اختلاف یسیر.

______________________________________________________

لأن له مادة » (1).

وجه الدلالة : أنه علیه السلام جعل العلة فی عدم فساده بدون التغیر ، أو فی طهارته بزواله ، وجود المادة ، والعلة المنصوصة حجة کما تقرر فی الأصول.

وصحیحة الفضیل ، عن الصادق علیه السلام قال : « لا بأس بأن یبول الرجل فی الماء الجاری ، وکره أن یبول فی الراکد » (2) وفی الاستدلال بهذه الروایة نظر.

احتج العلامة (3) - رحمه الله - بعموم الأدلة الدالة علی اعتبار الکریة ، کقوله علیه السلام فی صحیحتی معاویة بن عمار (4) ، ومحمد بن مسلم (5) : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجّسه شی ء ».

والجواب أولا بمنع العموم ، لفقد اللفظ الدال علیه. سلّمنا العموم ، لکن نقول : عمومان تعارضا من وجه ، فیجب الجمع بینهما بتقیید أحدهما بالآخر ، والترجیح فی جانب الطهارة بالأصل ، والإجماع ، وقوة دلالة المنطوق علی المفهوم.

بقی هنا بحث ، وهو أنّ شیخنا الشهید - رحمه الله - قال فی الدروس فی حکم الجاری : ولا یشترط فیه الکریة علی الأصح ، نعم یشترط دوام النبع (6).

ص: 32


1- التهذیب (1) : 234 - 676 ) ، الإستبصار ( 1 : 33 - 87 ) ، الوسائل ( 1 : 105 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (12).
2- التهذیب ( 1 : 43 - 121 ) ، الإستبصار ( 1 : 13 - 23 ) ، الوسائل ( 1 : 107 ) أبواب الماء المطلق ب (5) ح (1).
3- لم نعثر علی هذا الاستدلال صریحا فی کتبه ، ولکن قال فی النهایة ( 1 : 229 ) : ولو قل الجاری عن الکر نجس ، لعموم نجاسة القلیل.
4- الکافی ( 3 : 2 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 40 - 108 ) ، الإستبصار ( 1 : 6 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 117 ) أبواب الماء المطلق ب (9) ح (2).
5- الکافی ( 3 : 2 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 39 - 107 ) ، الإستبصار ( 1 : 11 - 17 ) ، الوسائل ( 1 : 117 ) أبواب الماء المطلق ب (9) ح (1).
6- الدروس : (15).

ویطهر بکثرة الماء الطاهر علیه متدافعا حتی یزول تغیّره. ویلحق بحکمه ماء الحمام إذا کان له مادة.

______________________________________________________

وکلامه یحتمل أمرین :

أحدهما : وهو الظاهر ، أن یرید بدوام النبع استمراره حال ملاقاته للنجاسة ، ومرجعه إلی حصول المادة حینئذ ، وهو لا یزید علی اعتبار أصل النبع.

والثانی : أن یرید به عدم انقطاعه فی أثناء الزمان ککثیر من المیاه التی تخرج فی زمن الشتاء وتجفّ فی الصیف ، وقد حمل جل من تأخر عنه کلامه علی هذا المعنی.

وهو مما یقطع بفساده ، لأنه مخالف للنص ، والإجماع ، فیجب تنزیه کلام مثل هذا المحقق عنه.

واعلم أنه متی تغیر شی ء من الجاری اختص بالنجاسة ، دون ما فوقه ، وما تحته ، وما حاذاه ، إلاّ أن ینقص ما تحته عن الکر ویستوعب التغیر عمود الماء فینجس ما تحت المتغیر أیضا ، لانفصاله عما فوقه. ولو قلنا باشتراط کریته کان کالمحقون ، وسیأتی البحث فیه إن شاء الله تعالی.

قوله : ویطهر بکثرة الماء الطاهر علیه متدافعا حتی یزول تغیره.

لا یخفی أنّ توقف طهارة الجاری المتغیر بالنجاسة علی تدافع الماء الطاهر وتکاثره علیه حتی یزول التغیر إنما یتم إذا اعتبرنا فی تطهیر الماء النجس امتزاج الماء الطاهر به ، وإلاّ فالمتجه الاکتفاء فی طهارته بزوال تغیره مطلقا ، لمکان المادة.

ویجی ء علی قول العلامة - رحمه الله - باعتبار الکریة فی الجاری اشتراط کون الماء الطاهرة المتدافع علی النجس کراً فصاعدا ، ویلزمه أنه لو نقص عن الکریة یبقی ذلک الماء علی النجاسة إلی أن یطهر بغیره ، وهو بعید جدا.

قوله : ویلحق بحکمه ماء الحمام إذا کان له مادة.

المراد بماء الحمام ما فی حیاضه الصغار مما لا یبلغ الکر ، إذ حکم الکثیر منه حکم غیره.

تطهیر الماء الجاری

ماء الحمام

اعتبار کریة المادة فی عدم تنجس الحوض

الجاری مطهر ما دام إطلاق اسم الماء

ص: 33

______________________________________________________

وظاهر العبارة عدم اشتراط کثرة المادة. وبه صرح فی المعتبر ، فقال : ولا اعتبار بکثرة المادة وقلتها ، لکن لو تحقق نجاستها لم تطهر بالجریان (1).

ولعل مستنده إطلاق قول الباقر علیه السلام ، فی روایة بکر بن حبیب : « ماء الحمام لا بأس به إذا کان له مادة » (2).

وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة داود بن سرحان وقد سأله عن ماء الحمام : « هو بمنزلة الجاری » (3).

وهما مع ضعف سند الأولی بجهالة بکر بن حبیب (4) ، وعدم اعتبار المادة فی الثانیة ، لا یصلحان لمعارضة ما دل علی انفعال القلیل بالملاقاة ، إذ الغالب فی مادة ماء الحمام بلوغ الکریة ، فینزل علیه الإطلاق.

والمعتمد اعتبار الکریة ، لما سیجی ء من الأدلة الدالة علی انفعال القلیل بالملاقاة ، ولأن المادة الناقصة عن الکر کالعدم.

وتنقیح المسألة یتم ببیان أمور :

الأول : اشترط أکثر المتأخرین (5) فی عدم نجاسة ما فی الحیاض بلوغ المادة کرا بعد ملاقاة النجاسة للحوض. ومقتضی ذلک أنه لا یکفی بلوغ المجموع الکر.

ص: 34


1- المعتبر ( 1 : 42 ).
2- الکافی ( 3 : 14 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 378 - 1168 ) ، الوسائل ( 1 : 111 ) أبواب الماء المطلق ب (7) ح (4).
3- التهذیب ( 1 : 378 - 1170 ) ، الوسائل ( 1 : 110 ) أبواب الماء المطلق ب (7) ح (1).
4- لم ینص الأصحاب علیه بتوثیق ولا تضعیف. راجع رجال الطوسی : ( 4. 156 ) ، ومعجم رجال الحدیث ( 3 : 343 - 1840 ).
5- منهم العلامة فی التبصرة : (3) ، والشهید الأول فی البیان : (44) ، والسیوری فی التنقیح الرائع ( 1 : 38 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (137).

______________________________________________________

وقد ذکر المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (1) ، وغیره (2) : أنّ الغدیرین إذا وصل بینهما بساقیة کانا کالماء الواحد ، مع بلوغ المجموع منهما ومن الساقیة کرا. وهو بإطلاقه یقتضی عدم الفرق بین ما سطوحه مستویة أو مختلفة. بل صرح العلامة - رحمه الله - فی التذکرة بالاکتفاء ببلوغ المجموع الکر مع عدم تساوی السطوح ، بالنسبة إلی السافل (3). فیکون حکم الحمام أغلظ من غیره ، والحال یقتضی العکس ، کما صرحوا به (4).

والجمع بین الکلامین وإن کان ممکنا بحمل مسألة الغدیرین علی استواء السطوح ، أو کون الساقیة فی أرض منحدرة ، لا نازلة من میزاب ونحوه ، إلاّ أنّ فیه تقییدا للنص ، وکلام الأصحاب ، من غیر دلیل.

ورجح جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد الاکتفاء بکون المجموع من المادة وما فی الحوض کرا مع تواصلهما مطلقا ، لعموم قوله علیه السلام فی عدة أخبار صحیحة : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء » (5). وهو متجه ، وعلی هذا فلا فرق بین ماء الحمام وغیره. ومن العجب اعتبار العلامة فی التذکرة (6) وغیرها (7) فی ماء الحمام کریة المادة وتصریحه بتقوی الأسفل بالأعلی إذا بلغ المجموع الکر ، ثم استشکاله فی انسحاب حکم ماء الحمام إلی غیره.

ص: 35


1- المعتبر ( 1 : 50 ).
2- کما فی المنتهی ( 1 : 9 ) ، وتحریر الأحکام : (4).
3- التذکرة ( 1 : 4 ).
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 42 ) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 6 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 9 ) ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 263 ).
5- المتقدمة فی ص (32).
6- التذکرة ( 1 : 3 ).
7- کما فی المنتهی ( 1 : 6 ).

______________________________________________________

الثانی : لو تنجس ما فی الحیاض فهل یطهر بمجرد اتصال المادة به ، أم یشترط الامتزاج؟ فیه وجهان ، اختار أولهما العلامة فی التحریر ، والمنتهی ، والنهایة (1) ، فی مسألة الغدیرین ، فحکم بطهارة النجس منهما باتصاله بالبالغ کرا. ورجحه المحقق الشیخ علی (2) - رحمه الله - وجدی - قدس سره - فی جملة من کتبه (3). واختار ثانیهما العلامة فی التذکرة والمنتهی فی هذه المسألة (4).

احتج الأولون بأن اتصال القلیل بالکثیر قبل النجاسة کاف فی دفع النجاسة وإن لم یمتزج به ، فکذا بعدها ، لأن عدم قبول النجاسة فی الأول إنما هو لصیرورة الماءین ماءا واحدا بالاتصال.

وبأن الامتزاج إن أرید به امتزاج کل جزء من الماء النجس بجزء من الطاهر لم یمکن الحکم بالطهارة أصلا ، لعدم العلم بذلک ، وإن اکتفی بامتزاج البعض لم یکن المطهر للبعض الآخر هو الامتزاج ، بل مجرد الاتصال ، فیلزم إما القول بعدم طهارته أصلا ، أو القول بالاکتفاء بمجرد الاتصال.

قال فی المنتهی : الاتفاق واقع علی أنّ تطهیر ما نقص عن الکر بإلقاء الکر علیه ، ولا شک أنّ المداخلة ممتنعة ، فالمعتبر إذا الاتصال الموجود هنا (5).

وبأن الأجزاء الملاقیة للطاهر یجب الحکم بطهارتها ، عملا بعموم ما دل علی طهوریة الماء ، فتطهر الأجزاء التی تلیها کذلک ، وکذا الکلام فی بقیة الأجزاء. وهذا اعتبار حسن نبّه علیه المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی بعض فوائده ، وجدی - رحمه الله -

ص: 36


1- تحریر الأحکام ( 1 : 4 ) ، المنتهی ( 1 : 9 ) ، نهایة الأحکام ( 1 : 230 ).
2- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ).
3- کما فی روض الجنان : ( 138 و 141 ) ، والروضة البهیة ( 1 : 32 ).
4- التذکرة : ( 3 و 4 ) ، المنتهی ( 1 : 6 ).
5- المنتهی ( 1 : 9 ).

ولو مازجه طاهر فغیّره أو تغیر من قبل نفسه لم یخرج عن کونه مطهرا ، ما دام إطلاق الاسم باقیا علیه.

______________________________________________________

فی روض الجنان (1).

احتج المشترط بامتیاز الطاهر من النجس مع عدم الامتزاج ، وذلک یقتضی اختصاص کل بحکمه.

قلنا : ذلک محل النزاع ، فالاستدلال به مصادرة. والأولی الاستدلال علیه بأصالة عدم الطهارة بدونه. ویجاب بعموم الأدلة الدالة علی طهوریة الماء ، لکن فی إثبات العموم نظر.

الثالث : الظاهر الاکتفاء فی تطهیر ما فی الحیاض بکریة المادة ، ولا یشترط زیادتها عن الکر ، وبه صرح فی المنتهی فی مسألة الغدیرین (2). ویلوح من اشتراطهم فی تطهیر القلیل إلقاء الکر علیه دفعة واحدة اعتبار زیادة المادة عن الکر هنا. وسیأتی ما فیه إن شاء الله تعالی.

قوله : ولو مازجه طاهر فغیّره أو تغیر من قبل نفسه لم یخرج عن کونه مطهرا ما دام إطلاق اسم الماء باقیا علیه.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ووافقنا علیه أکثر العامة (3) ، تمسکا بعموم ما دلّ علی طهوریة الماء. ویندرج فی الطاهر ما لا یمکن التحرّز منه کالطحلب ، وما ینبت فی الماء ، وما یتساقط من أوراق الشجر ، وما یکون فی مقره أو ممره من النورة

ص: 37


1- روض الجنان : (138).
2- المنتهی ( 1 : 9 ).
3- منهم الشافعی فی کتاب الام ( 1 : 7 ) ، والجصاص فی أحکام القرآن ( 3 : 338 ) ، وابن قدامة فی المغنی ( 1 : 36 ) ، وابن رشد فی بدایة المجتهد ( 1 : 23 ) ، والمرداوی فی الإنصاف ( 1 : 22 ).

وأما المحقون : فما کان منه دون الکر فإنه ینجس بملاقاة النجاسة.

______________________________________________________

والملح. وما یمکن فیه ذلک کقلیل الزعفران ونحوه ، وخالف فی الثانی بعض العامة (1) ، ولا یعبأ به.

قوله : وأما المحقون ، فما کان منه دون الکر ، فإنه ینجس بملاقاة النجاسة.

أطبق علماؤنا إلاّ ابن أبی عقیل علی أنّ الماء القلیل - وهو ما نقص عن الکر - ینجس بملاقاة النجاسة له ، سواء تغیر بها أم لم یتغیر ، إلاّ ما استثنی.

وقال ابن أبی عقیل : لا ینجس إلاّ بتغیره بالنجاسة (2) ، وساوی بینه وبین الکثیر. والمعتمد الأول.

لنا : قوله علیه السلام فی صحیحتی محمد بن مسلم ومعاویة بن عمار : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء » (3) ولا یتحقق فائدة الشرط إلاّ بنجاسة ما دون الکر بدون التغیر فی الجملة.

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الحمامة والدجاجة وأشباههما تطأ العذرة ، ثم تدخل فی الماء ، یتوضأ منه للصلاة؟ قال : « لا ، إلاّ أن یکون الماء کثیرا قدر کر من ماء » (4) قیل : وجه المنع من استعمال الماء فی الوضوء منحصر فی سلب طهارته أو طهوریته ، والثانی منتف إجماعا ، فیثبت الأول (5).

الماء المحقون وأقسامه

الماء القلیل

ص: 38


1- منهم الشافعی فی کتاب الأم ( 1 : 7 ) ، وابن قدامة فی المغنی ( 1 : 36 ).
2- نقله عنه فی المختلف : (2).
3- تقدمتا فی ص (32).
4- التهذیب ( 1 : 419 - 1326 ) ، الإستبصار ( 1 : 21 - 49 ) ، الوسائل ( 1 : 115 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (13).
5- کما فی المعالم : (5).

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن أبی العباس الفضل بن عبد الملک ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه سأله عن فضل الهرة ، والشاة ، والبقرة ، وغیرها ، حتی انتهی إلی الکلب فقال : « رجس نجس ، لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلک الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ، ثم بالماء » (1).

وفی الحسن ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام ، عن الرجل یدخل یده فی الإناء وهی قذرة؟ قال : « یکفی الإناء » (2) وهو کنایة عن النجاسة.

احتج ابن أبی عقیل (3) بأنه قد تواتر عن الصادق علیه السلام : « إن الماء طاهر لا ینجسه إلاّ ما غیّر لونه ، أو طعمه ، أو رائحته » (4) وبقول الباقر علیه السلام وقد سئل عن الجرة والقربة تسقط فیها فأرة أو جرذ أو غیره فیموت فیها : « إذا غلبت رائحته علی طعم الماء أو لونه فأرقه ، وإن لم یغلب علیه فتوضأ منه واشرب » (5).

والجواب عن الأول منع العموم ، لفقد اللفظ الدال علیه ، ولو سلم العموم فالخاص مقدم.

فإن قلت : جهالة التاریخ تمنع ذلک ، قلنا : لا فرق ، فإن هذه الأخبار لا یتطرق إلیها النسخ ، مع أنّ أکثر الأصولیین علی تقدیم الخاص مطلقا ، وفیها بحث حررناه فی محله.

ص: 39


1- التهذیب ( 1 : 225 - 646 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 40 ) ، الوسائل ( 1 : 163 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 39 - 105 ) ، الوسائل ( 1 : 114 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (7).
3- نقله عنه فی المختلف : (2).
4- المستدرک ( 1 : 186 ) ، نقله عن درر اللئالی.
5- کما فی المعتبر ( 1 : 49 ).

ویطهر بإلقاء کر علیه فما زاد دفعة ،

______________________________________________________

وعن الثانی بالطعن فی السند ، وإمکان تأویلها بما یوافق المشهور. لکن لا یخفی أنه لیس فی شی ء من تلک الروایات دلالة علی انفعال القلیل بوروده علی النجاسة ، بل ولا علی انفعاله بکل ما یرد علیه من النجاسات ، ومن ثم ذهب المرتضی - رحمه الله - فی جواب المسائل الناصریة إلی عدم نجاسة القلیل بوروده علی النجاسة (1) ، وهو متجه.

وقد استثنی الأصحاب من هذه الکلیة أمورا یأتی الکلام علیها فی محلها إن شاء الله تعالی.

قوله : ویطهر بإلقاء کر علیه فما زاد دفعة.

المراد بالدفعة هنا وقوع جمیع أجزاء الکر فی زمان یسیر بحیث یصدق اسم الدفعة علیه عرفا ، لامتناع ملاقاة جمیع أجزاء الکر للماء النجس فی آن واحد.

واکتفی شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری بإلقاء کر علیه متصل ، ولم یشترط الدفعة (2). فاعترضه المحقق الشیخ علی - رحمه الله - بأن فیه تسامحا ، لأن وصول أول جزء منه إلی النجس یقتضی نقصانه عن الکر فلا یطهر ، ولورود النص بالدفعة ، وتصریح الأصحاب بها (3). وهو غیر جید ، فإنه یکفی فی الطهارة بلوغ المطهر الکر حال الاتصال إذا لم یتغیر بعضه بالنجاسة وإن نقص بعد ذلک ، مع أنّ مجرد الاتصال بالماء النجس لا یقتضی النقصان ، کما هو واضح.

وما ادّعاه من ورود النص بالدفعة منظور فیه ، فإنا لم نقف علیه فی کتب الحدیث ، ولا نقله ناقل فی کتب الاستدلال ، وتصریح الأصحاب لیس حجة ، مع أنّ العلامة - رحمه الله - فی التحریر ، والمنتهی اکتفی فی تطهیر الغدیر القلیل النجس باتصاله

طهارة القلیل بإلقاء کر علیه

ص: 40


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
2- الذکری : (8).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ).

ولا یطهر بإتمامه کرا علی الأظهر.

______________________________________________________

بالغدیر البالغ کرا (1) ، ومقتضی ذلک الاکتفاء فی طهارة القلیل باتصال الکر به وإن لم یلق کله ، فضلا عن کونه دفعة.

وقد صرح المحقق الشیخ علی (2) - رحمه الله - وغیره (3) بطهارته بوصول الماء الجاری الیه ، واتصال المادة المشتملة علی الکریة. وهو حسن إلاّ أنّ الاعتبار یقتضی عدم الفرق بین الکر وما زاد عنه ، وتخیّل نجاسة أوله باتصاله بالنجس فاسد ، لأن ذلک لیس أولی من طهارة النجس باتصاله به ، ولأن ذلک آت فی صورة الزیادة أیضا.

وبالجملة فکلام الأصحاب فی هذه المسألة غیر منقح ، وللبحث فیها مجال.

قوله : ولا یطهر بإتمامه کرا علی الأظهر.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الشیخ فی الخلاف (4) ، وابن الجنید (5) ، وأکثر المتأخرین (6) إلی بقائه علی النجاسة.

ونقل عن المرتضی (7) ، وابن إدریس (8) ، ویحیی بن سعید (9) القول بالطهارة. وصرح ابن إدریس علی ما نقل عنه بعدم الفرق بین إتمامه بالطاهر والنجس. وحکی

عدم طهارة القلیل بإتمامه کرا

الماء الکر

ص: 41


1- تحریر الأحکام ( 1 : 4 ). المنتهی ( 1 : 9 ).
2- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 11 ).
3- منهم الأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 261 ).
4- الخلاف ( 1 : 55 ).
5- نقله عنه فی المختلف : (3).
6- منهم المحقق الحلی فی المعتبر ( 1 : 51 ) ، وفخر المحققین فی إیضاح الفوائد ( 1 : 20 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ).
7- المسائل الرسیة ( رسائل الشریف المرتضی : المجموعة الثانیة ) : (361). وقد یظهر منه دعوی الإجماع علی ذلک لأنه قال : لأن بلوغ الماء عندنا هذا المبلغ مزیل لحکم النجاسة فتأمل.
8- السرائر : (8).
9- الجامع للشرائع : (18).

______________________________________________________

الشهید - رحمه الله - عن بعض الأصحاب اشتراط الإتمام بالطاهر (1) ، وربما نسب إلی ابن حمزة (2) والأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله .

لنا : إنه ماء محکوم بنجاسته شرعا ، فلا یرتفع هذا الحکم إلاّ بدلیل شرعی ولم یثبت.

احتج المرتضی - رضی الله عنه - بأن البلوغ یستهلک النجاسة فیستوی ملاقاتها قبل الکثرة وبعدها ، وبأنه لو لا الحکم بالطهارة مع البلوغ لما حکم بطهارة الماء الکثیر إذا وجد فیه نجاسة ، لإمکان سبقها علی کثرته.

واحتج ابن إدریس - رحمه الله - أیضا بعموم قوله علیه السلام : « إذا بلغ الماء کرا لم یحمل خبثا » فإنّ الماء متناول للطاهر والنجس ، والخبث نکرة فی سیاق النفی فتعم. ومعنی لم یحمل خبثا : لم یظهر فیه کما صرح به جماعة من أهل اللغة (3). وقال : إنّ هذه الروایة مجمع علیها عند المخالف والمؤالف (4).

والجواب عن الأول : أنّ تسویته بین الأمرین قیاس مع الفارق ، بقوة الماء بعد البلوغ وضعفه قبله.

وعن الثانی : بأن إمکان السبق لا یعارض أصالة الطهارة.

وأجاب المصنف فی المعتبر عن حجة ابن إدریس بدفع الخبر ، قال : فإنا لم نروه مسندا ، والذی رواه مرسلا : المرتضی ، والشیخ أبو جعفر ، وآحاد ممن جاء بعده ، والخبر المرسل لا یعمل به ، وکتب الحدیث عن الأئمة علیهم السلام خالیة عنه أصلا ، وأما المخالفون فلم أعرف به عاملا سوی ما یحکی عن ابن حی ، وهو زیدی منقطع

ص: 42


1- الذکری : (8).
2- وهو کذلک کما فی الوسیلة : (73).
3- منهم الفیروزآبادی فی القاموس ( 3 : 373 ) ( حمل ) ، وابن الأثیر فی النهایة ( 1 : 444 ).
4- السرائر : (8).

وما کان منه کرا فصاعدا لا ینجس ، إلا أن تغیّر النجاسة أحد أوصافه.

______________________________________________________

المذهب (1) ، وما رأیت أعجب ممن یدعی إجماع المخالف والمؤالف فیما لا یوجد إلاّ نادرا ، فإذا الروایة ساقطة (2). انتهی.

وأجاب المحقق الشیخ علی - رحمه الله - عن جمیع ذلک : بأن ابن إدریس - رحمه الله - نقل إجماع المخالف والمؤالف علی صحتها ، والإجماع المنقول بخبر الواحد حجة. وهو ضعیف ، فإن الإجماع إنما یکون حجة مع العلم القطعی بدخول قول المعصوم فی جملة أقوال المجمعین ، وهذا مما یقطع بتعذره فی زمن ابن إدریس وما شاکله ، بل بعد انتشار الإسلام مطلقا. ولو أرید بالإجماع معنی آخر وهو المشهور بین الأصحاب - کما ذکره بعضهم (3) - لم یکن حجة ، لانحصار الأدلة الشرعیة فی الکتاب والسنة والبراءة الأصلیة کما قرر فی محله ، وقد أشبعنا الکلام فی هذه المسألة فی رسالة مفردة.

قوله : وما کان منه کرا فصاعدا لا ینجس إلا أن تغیر النجاسة أحد أوصافه.

أجمع العلماء کافة علی أنّ الماء الکثیر الواقف لا ینجس بملاقاة النجاسة ، بل بتغیره بها فی أحد أوصافه الثلاثة ، حکاه فی المنتهی (4).

والأصل فیه : الأخبار المستفیضة ، کقول الصادق علیه السلام فی عدة أخبار صحیحة : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء » (5) وقوله علیه السلام فی صحیحة

عدم نجاسة الکر إلا بالتغیر

ص: 43


1- قال فی معجم المؤلفین ( 3 : 231 ) : الحسن بن صالح بن حی الشیعی الزیدی ، فقیه متکلم ، من تصانیفه التوحید ، إمامة ولد علی من فاطمة ، والجامع فی الفقه. وعدّه النوبختی فی فرق الشیعة 1. من رؤساء البتریة ، وهم ضعفاء الزیدیة.
2- المعتبر ( 1 : 52 ).
3- الذکری : (4).
4- المنتهی ( 1 : 6 ).
5- المتقدمة فی ص (32).

______________________________________________________

حریز : « کلما غلب الماء علی ریح الجیفة فتوضأ من الماء واشرب ، فإذا تغیر الماء وتغیر الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (1) وغیر ذلک من الأخبار (2).

ثم الماء المتغیر بعضه إما أن یکون سطوحه مستویة أو مختلفة. فإن کانت مستویة اختص المتغیر بالتنجیس إن کان الباقی کرا ، وإلاّ نجس الجمیع ، وإن کانت مختلفة لم ینجس ما فوق المتغیر مطلقا ، وکذا الأسفل إن بلغ کرا منفردا ، أو کان المجموع کرا ولم تقطع النجاسة عمود الماء ، وإلاّ نجس ما تحت المتغیر أیضا.

واعلم أنّ المصنف - رحمه الله - صرح فی المعتبر بأنّ الغدیرین إذا وصل بینهما بساقیة صارا کالماء الواحد ، فلو وقع فی أحدهما نجاسة لم ینجس وإن نقص عن الکر إذا بلغ المجموع منهما ومن الساقیة کرا (3). وتبعه فی ذلک العلامة فی المنتهی (4).

وإطلاق کلامهما یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین مساواة السطوح واختلافها ، فیکون کل من الأعلی والأسفل متقویا بالآخر. وینبغی القطع بذلک إذا کان جریان الماء فی أرض منحدرة ، لاندراجه تحت عموم قوله علیه السلام : « إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی ء » فإنه شامل لمتساوی السطوح ومختلفها.

وإنما یحصل التردد فیما إذا کان الأعلی متسنما علی الأسفل بمیزاب ونحوه ، لعدم صدق الوحدة عرفا. ولا یبعد التقوی فی ذلک أیضا ، کما اختاره جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد ، عملا بالعموم.

ص: 44


1- الکافی ( 3 : 4 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 216 - 625 ) ، وفیه : أو تغیر الطعم. الإستبصار ( 1 :1. 19 ) ، الوسائل ( 1 : 102 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (1).
2- الوسائل ( 1 : 102 ) أبواب الماء المطلق ب (3).
3- المعتبر ( 1 : 50 ).
4- المنتهی ( 1 : 9 ).

ویطهر بإلقاء کرّ علیه فکرّ حتی یزول التغیّر.

______________________________________________________

وجزم العلامة فی التذکرة (1) ، والشهید فی الذکری (2) فی مسألة الغدیرین ، بتقوی الأسفل بالأعلی دون العکس ، ورجحه المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی بعض فوائده.

واحتج علی عدم تقوی الأعلی بالأسفل بأنهما لو اتحدا فی الحکم للزم تنجیس کل أعلی متصل بأسفل مع القلة ، وهو معلوم البطلان.

وجوابه : أنّ الحکم بعدم نجاسة الأعلی بوقوع النجاسة فیه مع بلوغ المجموع منه ومن الأسفل الکر إنما کان لاندراجه تحت عموم الخبر ، ولیس فی هذا ما یستلزم نجاسة الأعلی بنجاسة الأسفل بوجه ، مع أنّ الإجماع منعقد علی أنّ النجاسة لا تسری إلی الأعلی مطلقا. ویلزمهم أن ینجس کل ما کان تحت النجاسة من الماء المنحدر إذا لم یکن فوقه کر ، وإن کان نهرا عظیما ، وهو معلوم البطلان.

وبالجملة : فالمستفاد من إطلاق الأخبار أنه متی کان الماء المتصل قدر کر لم ینفعل بالنجاسة إلاّ مع التغیر ، سواء کان متساوی السطوح أم مختلفها (3) ، والله تعالی أعلم.

قوله : ویطهر بإلقاء کر علیه فکر حتی یزول التغیر.

لا یخفی أنه إنما یجب إلقاء کر آخر إذا تغیر الکر الأول أو بعضه بالنجاسة ، فلو بقی علی حکمه فالمتغیر کنجاسة متصلة به ، فإذا امتزج أحدهما بالآخر وزال تغیر المتغیر حکم بالطهارة ولم یحتج إلی کر آخر ، کما هو الظاهر

طهارة الکر بإلقاء کر علیه

ص: 45


1- التذکرة ( 1 : 4 ).
2- الذکری : (9).
3- الوسائل ( 1 : 117 ) أبواب الماء المطلق ب (9).

ولا یطهر بزوال التغیّر من نفسه ، ولا بتصفیق الریاح ، ولا بوقوع أجسام طاهرة فیه تزیل عنه التغیّر.

______________________________________________________

قوله : ولا یطهر بزوال التغیر من نفسه ، ولا بتصفیق الریاح ، ولا بوقوع أجسام طاهرة فیه تزیل عنه التغیر.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم الاکتفاء فی طهارة الکثیر من المحقون المتغیر بالنجاسة بزوال تغیره بغیر المطهر أشهر القولین فی المسألة وأظهرهما ، استصحابا لبقاء حکم النجاسة إلی أن یثبت المزیل لها شرعا ، ومرجعه إلی عموم الأدلة الدالة علی نجاسته بالتغیر ، فإنها شاملة لتلک الحالة وما بعدها ، فیقف زوالها علی حصول ما عدّه الشارع مطهرا.

وذهب الفاضل یحیی بن سعید فی الجامع إلی أنه یطهر بذلک (1) ، بناء علی ما ذهب إلیه من أنّ الماء النجس یطهر بالإتمام ، وهو فی الحقیقة لازم لکل من قال بذلک. وربما صار بعض القائلین بعدم طهارة المتمم إلی الطهارة هنا أیضا ، مستدلا بأن الأصل فی الماء الطهارة ، والحکم بالنجاسة للتغیر ، فإذا زالت العلة انتفی المعلول. (2).

وأجیب عنه بأن المعلول هنا هو حدوث النجاسة لا بقاؤها ، وقد تقرر فی الأصول أن البقاء لا یحتاج إلی دلیل فی نفسه ، إذ الأصل أنّ ما ثبت دام إلی وجود قاطع ، وذلک معنی الاستصحاب. وفیه بحث ، فإن کل ما ثبت جاز أن یدوم وجاز أن لا یدوم ، فلا بد لدوامه من سبب ودلیل سوی دلیل الثبوت.

والحق أنّ الاستصحاب لیس بحجة إلاّ فی ما دل الدلیل علی ثبوته ودوامه ،

عدم طهارة الکر بزوال التغیر من نفسه

ص: 46


1- الجامع للشرائع : (18).
2- ذهب الی ذلک من العامة ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر علی متن المقنع ( 1 : 59 ، 64 ) ، ولم یذهب الی ذلک أحد من الخاصة ، کما هو المستفاد من کلام العلماء ، نعم احتمل العلامة فی النهایة ( 1 : 258 ) الطهارة هنا مع قوله بعدم طهارة القلیل بإتمامه کرا فی ص (257).

والکر ألف ومائتا رطل بالعراقی علی الأظهر.

______________________________________________________

کاستصحاب الملک عند جریان السبب المملک إلی أن یثبت الانتقال ، وکشغل الذمة عند جریان الإتلاف إلی أن تتحقق البراءة ، فإذا الاستصحاب عبارة عن التمسک بدلیل عقلی کأصالة البراءة ، أو شرعی کالأمثلة المتقدمة ، فتأمل.

قوله : والکر ألف ومائتا رطل بالعراقی علی الأظهر.

للأصحاب فی کمیة الکر طریقان :

أحدهما : الوزن ، وقدره : ألف ومائتا رطل ، لمرسلة ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الکر ألف ومائتا رطل » (1) قال المصنف فی المعتبر : وعلی هذه عمل الأصحاب (2). وظاهره اتفاق الأصحاب علی العمل بمضمونها فیکون الإجماع جابرا لإرسالها.

واختلف الأصحاب فی تعیین الأرطال ، فقال الأکثر ومنهم الشیخ فی النهایة والمبسوط (3) ، والمفید - رحمه الله - فی المقنعة (4) : إنه عراقی ، وقدره : مائة وثلاثون درهما علی الأشهر.

وقال المرتضی - رحمه الله - فی المصباح (5) ، وابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (6) : أنه مدنی ، وقدره : مائة وخمسة وتسعون درهما.

مقدار الکر بالوزن

ص: 47


1- الکافی ( 3 : 3 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 41 - 113 ) ، الاستبصار ( 1 : 10 - 15 ) ، المقنع : (10) ، الوسائل ( 1 : 123 ) أبواب الماء المطلق ب (11) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 47 ).
3- النهایة : (3) ، المبسوط ( 1 : 6 ).
4- المقنعة : (9).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 47 ).
6- الفقیه ( 1 : 6 ).

______________________________________________________

والأول أقرب ، لعموم قوله علیه السلام : « کل ماء طاهر حتی تعلم أنه قذر » (1) والعلم لا یتحقق مع الاحتمال ، ولأن الأقل متیقن والزائد مشکوک فیه فیجب نفیه بالأصل ، ولأن ذلک هو المناسب لروایة الأشبار الثلاثة الصحیحة (2) ، ولما فی ذلک من الجمع بین هذه الروایة وبین صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « والکر ستمائة رطل » (3) بحملها علی أرطال مکة ، إذ لا یجوز حملها علی غیرها من الأرطال العراقیة أو المدنیة ، لأن ذلک لم یعتبره أحد من أصحابنا کما ذکره الشیخ فی التهذیب (4).

احتج المرتضی - رضی الله عنه - علی ما نقل عنه بالاحتیاط ، وبأنهم علیهم السلام من أهل المدینة فینبغی حمل کلامهم علی عادة بلدهم (5).

والجواب : أن الاحتیاط لیس بدلیل شرعی ، مع أنه معارض بمثله. وجوابهم علی عادة بلدهم لیس أولی من الإجابة علی عادة بلد السائل ، ولا یبعد أن یکون من أهل العراق ، لأن المرسل عراقی (6).

ویمکن أن یحتج له أیضا بأن بلوغ الکریة شرط لعدم الانفعال فیجب العلم بحصوله ، وهو إنما یعلم بالزائد ، للشک فی حصوله بالأقل. وجوابه معلوم مما سبق.

ص: 48


1- الکافی ( 3 : 1 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 215 - 619 ) ، الوسائل ( 1 : 100 ) أبواب الماء المطلق ب (1) ح (5).
2- الکافی ( 3 : 3 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 41 - 115 ) ، الوسائل ( 1 : 118 ) أبواب الماء المطلق ب (9) ح (7).
3- التهذیب ( 1 : 414 - 1308 ) ، الإستبصار ( 1 : 11 - 17 ) ، الوسائل ( 1 : 124 ) أبواب الماء المطلق ب (11) ح (3).
4- لم نعثر علیه فی التهذیب ، بل وجدناه فی الاستبصار ( 1 : 11 ).
5- الانتصار : (9).
6- راجع رجال النجاشی : ( 326 - 887 ).

أو ما کان کل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا.

______________________________________________________

قوله : أو ما کان کل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا.

هذا هو الطریق الثانی لمعرفة الکر ، وهو اعتباره بالمساحة ، وما اختاره المصنف فیه هنا أشهر الأقوال فی المسألة.

ومستنده روایة أبی بصیر : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الکر من الماء کم یکون قدره؟ قال : « إذا کان الماء قدر ثلاثة أشبار ونصف فی مثله ، ثلاثة أشبار ونصف فی عمقه من الأرض فذلک الکر من الماء » (1) وهی ضعیفة السند بأحمد بن محمد بن یحیی فإنه مجهول (2) ، وعثمان بن عیسی فإنه واقفی (3) ، وأبی بصیر وهو مشترک بین الثقة والضعیف (4) ، وقد اعترف بذلک المصنف فی المعتبر ، فإنه قال : عثمان بن عیسی واقفی فروایته ساقطة ولا تصغ إلی من یدعی الإجماع فی محل الخلاف (5).

والثانی : وهو قول القمیین (6) ، واختاره العلامة فی المختلف (7) ، وجدی - قدس سره - فی الروضة (8) ، وشیخنا - سلمه الله تعالی (9) - : اعتبار الأشبار الثلاثة فی الأبعاد

مقدار الکر بالأشبار

ص: 49


1- الکافی ( 3 : 3 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 42 - 116 ) ، الإستبصار ( 1 : 10 - 14 ) ، الوسائل ( 1 : 122 ) أبواب الماء المطلق ب (10) ح (6). إلا أن فیها : « فی الأرض » بدل « من الأرض ».
2- لم ینص علیه الأصحاب بتوثیق ولا تضعیف راجع رجال الطوسی : (444) ، ومعجم رجال الحدیث ( 2 : 323 ).
3- راجع رجال النجاشی : ( 300 - 817 ) ، ورجال الطوسی : (355). قال النجاشی : کان شیخ الواقفة ووجهها وأحد الوکلاء المستبدین بمال موسی بن جعفر علیه السلام .
4- راجع هدایة المحدثین : (272).
5- المعتبر ( 1 : 46 ).
6- منهم الصدوق فی المقنع : (10) ، والفقیه ( 1 : 6 ) ، وحکاه عن القمیین فی المختلف : (9).
7- المختلف : (4).
8- الروضة البهیة ( 1 : 33 ).
9- کما فی مجمع الفائدة ( 1 : 259 ).

______________________________________________________

الثلاثة وإسقاط النصف ، لروایة إسماعیل بن جابر : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الماء الذی لا ینجسه شی ء ، قال : « کر » قلت : وما الکر؟ قال : « ثلاثة أشبار فی ثلاثة أشبار » (1).

وضعّفها المصنف فی المعتبر بقصورها عن اعتبارهم ، حیث إن فیها إخلالا بذکر البعد الثالث (2).

ولا یخفی أن ذلک وارد علی الروایة السابقة أیضا ، والجواب واحد ، وهو شیوع مثل هذا الإطلاق وإرادة الضرب فی الأبعاد الثلاثة.

نعم یمکن المناقشة فیها من حیث السند ، بأن الشیخ رواها فی التهذیب بطریقین ، فی أحدهما عبد الله بن سنان ، وفی الآخر محمد بن سنان ، والراوی عنهما واحد ، وهو محمد بن خالد البرقی ، والذی یظهر من کتب الرجال وتتبع الأحادیث أنّ ابن سنان الواقع فی طریق الروایة واحد وهو محمد (3) ، وأن ذکر عبد الله وهم ، فتکون الروایة ضعیفة لنص الشیخ ، والنجاشی علی تضعیفه (4).

( مع أنّ فی محمد بن خالد توقفا فإن النجاشی قال : إنه کان ضعیفا فی الحدیث (5). وإن کان الأقرب قبول قوله لنص الشیخ - رحمه الله - علی تعدیله (6) ، وعدم صراحة کلام النجاشی فی الطعن فیه نفسه.

ص: 50


1- الکافی ( 3 : 3 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 41 - 115 ) ، وص ( 37 - 101 ) ، الإستبصار ( 1 : 10 - 13 ) ، الوسائل ( 1 : 118 ) أبواب الماء المطلق ب (9) ح (7).
2- المعتبر ( 1 : 46 ).
3- راجع معجم رجال الحدیث ( 16 : 53 ، 58 ) ، والمنتقی ( 1 : 51 ).
4- کما فی رجال الشیخ : (386) ، والفهرست : (143) ، ورجال النجاشی : ( 424 - 1140 ) ، وص ( 328 - 888 ).
5- رجال النجاشی : ( 335 - 898 ).
6- کما فی رجال الشیخ : (386).

______________________________________________________

ویمکن أن یستشهد لهذا القول أیضا بما رواه زرارة فی الصحیح ، قال : « إذا کان الماء أکثر من راویة لم ینجسه شی ء » (1) وما رواه صفوان بن مهران الجمال فی الصحیح أیضا ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحیاض التی ما بین مکة والمدینة ، تردها السباع وتلغ فیها الکلاب وتشرب منها الحمیر ویغتسل منها الجنب ویتوضأ ، فقال : « وکم قدر الماء »؟ فقلت : إلی نصف الساق وإلی الرکبة ، فقال : « توضأ فیه » (2) وفی هاتین الروایتین إجمال إلاّ أنهما دالتان علی اتساع دائرة الکر فی الجملة ) (3).

وأوضح مما وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار متنا وسندا ما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح عن إسماعیل بن جابر ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الماء الذی لا ینجسه شی ء؟ قال : « ذراعان عمقه فی ذراع وشبر سعته » (4) إذ معنی اعتبار الذراع والشبر فی السعة اعتبارهما فی کل من البعدین (5). ویظهر من المصنف - رحمه الله - فی المعتبر المیل إلی العمل بهذه الروایة (6) ، وهو متجه.

ویحکی عن القطب الراوندی - رحمه الله - تحدیده بما بلغت أبعاده الثلاثة : عشر أشبار ونصف ، ولم یعتبر التکسیر (7).

ص: 51


1- الکافی ( 3 : 2 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 42 - 117 ) ، الإستبصار ( 1 : 6 - 4 ) ، الوسائل ( 1 : 104 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (9).
2- الکافی ( 3 : 4 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 417 - 1317 ) ، الإستبصار ( 1 : 22 - 54 ) ، الوسائل ( 1 : 119 ) أبواب الماء المطلق ب (9) ح (12).
3- ما بین القوسین من « ح ».
4- التهذیب ( 1 : 41 - 114 ) ، الاستبصار ( 1 : 10 - 12 ) ، المقنع : (10) ، الوسائل ( 1 : 121 ) أبواب الماء المطلق ب (10) ح (1).
5- هذه العبارة بتمامها من « ح ».
6- المعتبر ( 1 : 46 ).
7- حکاه عنه فی المختلف : (4) ، والذکری : (9).

ویستوی فی هذا الحکم میاه الغدران والحیاض والأوانی علی الأظهر.

وأما ماء البئر: فإنه ینجّس بتغیّره بالنجاسة إجماعا.

______________________________________________________

وعن ابن الجنید - رحمه الله - أنه ما بلغ تکسیره مائة شبر (1). ولم نقف علی مأخذهما ، قال فی المختلف : وما أشد تنافر ما بین هذین القولین (2).

ونقل عن السید المحقق جمال الدین بن طاوس - رحمه الله - الاکتفاء فی رفع النجاسة بکل ما روی ، وکأنه یحمل الزائد علی الندب ، ( ولا بأس به إذا صح السند ) (3).

قوله : ویستوی فی هذا الحکم میاه الغدران والحیاض والأوانی علی الأظهر.

هذا هو المعتمد ، عملا بالعمومات الدالة علی عدم انفعال الکثیر بالملاقاة مطلقا.

وذهب المفید - رحمه الله - فی المقنعة (4) ، وسلار (5) - رحمه الله - علی ما نقل عنه إلی نجاسة ماء الحیاض والأوانی بالملاقاة وإن کان کثیرا ، لإطلاق النهی عن استعمال ماء الأوانی مع ملاقاته النجاسة (6). وهو ضعیف جدا ، بل لا وجه له ، ولذلک قال فی المنتهی - ونعم ما قال - : والحق أنّ مرادهما بالکثرة ها هنا الکثرة العرفیة بالنسبة إلی الأوانی والحیاض التی تسقی منها الدواب ، وهی تقصر عن الکر غالبا (7). والله أعلم.

قوله : وأما ماء البئر.

عرفه شیخنا الشهید - رحمه الله - فی شرح الإرشاد بأنه مجمع ماء نابع من الأرض

- ماء البئر

ص: 52


1- نقله عنه فی المختلف : (3).
2- المختلف : (4).
3- بدل ما بین القوسین فی « ح » : وهو فی غایة القوة لکن بعد صحة المستند.
4- المقنعة : (9).
5- کما فی المراسم : (36).
6- الوسائل ( 1 : 112 ) أبواب الماء المطلق ب (8).
7- المنتهی ( 1 : 9 ).

وهل ینجّس بالملاقاة؟ فیه تردّد ، والأظهر التنجیس.

______________________________________________________

لا یتعداها غالبا ولا یخرج عن مسماها عرفا (1).

قیل : والقید الأخیر موجب لإجمال التعریف ، لأن العرف الواقع لا یظهر أی عرف هو ، أعرف زمانه صلی الله علیه و آله أم عرف غیره. وعلی الثانی فیراد العرف العام أو الأعم منه ومن الخاص ، مع أنه یشکل إرادة عرف غیره صلی الله علیه و آله ، وإلاّ لزم تغیّر الحکم بتغیر التسمیة فیثبت فی العین حکم البئر إذا سمیت باسمه ، وبطلانه ظاهر (2).

قلنا : قد ثبت فی الأصول أنّ الواجب حمل الخطاب علی الحقیقة الشرعیة إن ثبتت ، وإلاّ فعلی عرف زمانهم علیهم السلام خاصة إن علم ، وإن لم یعلم فعلی الحقیقة اللغویة إن ثبتت ، وإلاّ فعلی العرف العام ، إذ الأصل عدم تقدم وضع سابق علیه وعدم النقل عنه. ولما لم یثبت فی هذه المسألة شی ء من الحقائق الثلاثة المتقدمة وجب الحمل علی الحقیقة العرفیة العامة فی غیر ما علم عدم إطلاق ذلک اللفظ علیه فی عرف زمانهم علیهم السلام .

ومنه یعلم عدم تعلق الأحکام بالآبار الغیر النابعة کما فی بلاد الشام ، والجاریة تحت الأرض کما فی المشهد المشرف الغروی علی ساکنه السلام ، وعدم تغیر الحکم بتغیر التسمیة فتأمل.

قوله : وهل ینجس بالملاقاة؟ فیه تردد ، والأظهر التنجیس.

أجمع علماء الإسلام کافة علی نجاسة ماء البئر بتغیر أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة. واختلف علماؤنا فی نجاسته بالملاقاة علی أقوال :

عدم نجاسة البئر بملاقاة النجاسة

ص: 53


1- نقله عنه فی روض الجنان : (143).
2- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 10 ).

______________________________________________________

أحدها ، وهو المشهور بینهم - علی ما نقله جماعة (1) - : النجاسة مطلقا.

وثانیها : الطهارة واستحباب النزح ، ذهب إلیه من المتقدمین الحسن بن أبی عقیل (2) ، والشیخ رحمه الله (3) ، وشیخه الحسین بن عبید الله الغضائری ، والعلامة (4) ، وشیخه مفید الدین بن جهم (5) ، وولده فخر المحققین (6) ، وإلیه ذهب عامة المتأخرین (7).

وثالثها : الطهارة ووجوب النزح تعبدا ، ذهب إلیه العلامة فی المنتهی صریحا (8) ، والشیخ - رحمه الله - فی التهذیب فی ظاهر کلامه ، فإنه قال : لا یجب إعادة ما استعمله فیه من الوضوء والغسل وغسل الثیاب وإن کان لا یجوز استعماله إلاّ بعد تطهیره (9). وحمل کلامه علی ما ذکرناه مع تأویل بعضه أولی من إبقائه علی ظاهره وحمله علی القول بالنجاسة وعدم وجوب الإعادة کما ذکره جدی - قدس سره - فی الرسالة (10) ، فإنه بعید جدا.

ورابعها : الطهارة إن بلغ ماؤه کرا والنجاسة بدونه ، ذهب إلیه الشیخ أبو الحسن

ص: 54


1- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 10 ) ، والشهید فی الذکری : (9).
2- نقله عنه فی المختلف : (4).
3- التهذیب ( 1 : 232 ).
4- تحریر الأحکام : (4) ، نهایة الأحکام ( 1 : 235 ).
5- نقله عنه فی روض الجنان : (144).
6- إیضاح الفوائد ( 1 : 17 ).
7- منهم الفاضل المقداد فی التنقیح ( 1 : 44 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ).
8- المنتهی ( 1 : 12 ).
9- التهذیب ( 1 : 232 ).
10- رسائل الشهید الثانی : ( 2 ، 5 ).

______________________________________________________

محمد بن محمد البصروی من المتقدمین (1) ، وهو لازم للعلامة - رحمه الله - لأنه یعتبر الکریة فی مطلق الجاری (2) ، والبئر من أنواعه.

وأرجح الأقوال عندنا هو القول بالطهارة ، ویدل علیه - مضافا إلی الأصل والعمومات الدالة علی عدم انفعال الماء بالملاقاة مطلقا ، أو مع الکریة - روایات :

الأولی : صحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « ماء البئر واسع لا یفسده شی ء إلاّ أن یتغیر » (3).

وجه الاستدلال : إنه علیه السلام نفی الإفساد عنه بدون التغیر علی وجه العموم فتکون النجاسة منتفیة ، لأنها أقوی أنواع الإفساد ، بل الظاهر أنّ المراد بالإفساد هنا النجاسة کما یقتضیه المقام والوصف بالسعة.

الثانیة : صحیحة أخری له عنه علیه السلام ، قال : « ماء البئر واسع لا یفسده شی ء ، إلاّ أن یتغیر ریحه أو طعمه فینزح حتی یذهب الریح ویطیب طعمه ، لأن له مادة » (4).

وتقریب الاستدلال ما تقدم ، بل نقول : إنه یکفی فی الدلالة علی الطهارة ( اکتفاؤه علیه السلام فی طهارته مع التغیر بنزح ما یذهب الریح ویطیب الطعم ) (5) مطلقا ، فإنه شامل لما یزید مقدّرة علی ذلک (6) ، بل لما یجب له نزح الجمیع ، ولو لا أنه طاهر لوجب

- الروایات الدالة علی الطهارة

ص: 55


1- نقله عنه فی الذکری : (9).
2- کما فی التذکرة ( 1 : 3 ).
3- الکافی ( 3 : 5 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 409 - 1287 ) ، الوسائل ( 1 : 125 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 234 - 676 ) ، الإستبصار ( 1 : 33 - 87 ) ، الوسائل ( 1 : 127 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (7).
5- ما بین القوسین لیس فی : « س ، ح ».
6- أی : إنه شامل للنجاسات التی قدّر لها نزح ما یزید مقداره علی النزح المذهب للریح المطیب للطعم.

______________________________________________________

استیفاء المقدّر ونزح الجمیع فیما یجب فیه ذلک قطعا.

وأجاب عنها الشیخ - رحمه الله - فی الاستبصار : بأن المعنی أنه لا یفسده شی ء إفسادا لا یجوز الانتفاع بشی ء منه إلاّ بعد نزح جمیعه ، إلاّ ما یغیره ، فأما ما لم یتغیر فإنه ینزح منه مقدار وینتفع بالباقی (1). هذا لفظه.

ویرد علیه أنّ عدم جواز الانتفاع بشی ء منه یتحقق مع عدم التغیر أیضا فی کثیر من النجاسات عند القائلین بالتنجیس ، کما أنه قد یجوز الانتفاع ( بالبعض ) (2) مع التغیر فی بعض آخر ، فإطلاق القول بعدم جواز الانتفاع بشی ء منه مع التغیر ، وجوازه مطلقا بدونه ، غیر مستقیم.

قال بعض الفضلاء : ویتوجه علیه أنّ دلالة هذا الخبر علی عدم نجاسته بشی ء من قبیل دلالة اللفظ بعمومه ، ودلالة ما دل علی نجاسته بأشیاء مخصوصة خاص ، والخاص مقدم ، وأیضا فإنّ الحصر المستفاد منه متروک الظاهر ، للقطع بنجاسة الماء مطلقا بتغیر لونه (3).

وأقول : إن ما ادعاه من وجود الأدلة الخاصة علی نجاسته بأشیاء مخصوصة لم نقف علیه ، ولعله أشار بذلک إلی الروایات المتضمنة للأمر بالنزح لوقوع الأعیان المخصوصة فیه (4) ، وهو لا یدل علی النجاسة بشی ء من الدلالات ، لأن النزح لا ینحصر وجهه فی ذلک ، بل من الجائز أن یکون لطیبة الماء ، وزوال النفرة الحاصلة من وقوع تلک الأعیان

ص: 56


1- الاستبصار ( 1 : 33 ) ذ. ح 1. .
2- لیست فی : « س ».
3- لعله الحسن فی المعالم : (33).
4- الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب ( 15 - 22 ).

______________________________________________________

فیه ، وعلیه یحمل إسناد التطهیر إلی النزح فی روایة علی بن یقطین ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (1).

وأما ما ذکره من أن ظاهره متروک للقطع بنجاسته بتغیر لونه فیمکن الجواب عنه أولا : بأن تغیر اللون مقتض لتغیر الطعم ، ومع ثبوت الملازمة ینتفی المحذور ، أو یقال : إنه إذا ثبتت نجاسة الماء بتغیر طعمه أو ریحه وجب القطع بنجاسته بتغیر لونه ، لأنه أظهر فی الانفعال.

وثانیا : بأنا لم نقف فی روایات الأصحاب علی ما یدل علی نجاسة الماء بتغیر لونه ، وإنما الموجود فیها نجاسته بتغیر ریحه أو طعمه ، کما ورد فی صحیحتی أبی خالد القماط (2) ، وحریز بن عبد الله (3) ، عن الصادق علیه السلام ، وما تضمن ذلک عامی مرسل (4) ، فإن لم یثبت ما ذکرناه من الملازمة أو الأولویة أمکن المناقشة فی هذا الحکم ، ومع ذلک کله فغایة الأمر أنه عام مخصوص ، والعام المخصوص حجة فی الباقی کما ثبت فی الأصول.

الثالثة : صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن بئر ماء وقع فیها زنبیل من عذرة رطبة أو یابسة ، أو زنبیل من سرقین ، أیصلح الوضوء منها؟ قال : « لا بأس » (5).

ص: 57


1- فی ص (60).
2- التهذیب ( 1 : 40 - 112 ) ، الإستبصار ( 1 : 9 - 10 ) ، الوسائل ( 1 : 103 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 4 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 216 - 625 ) ، الإستبصار ( 1 : 12 - 19 ) ، الوسائل ( 1 : 102 ) أبواب الماء المطلق ب (3) ح (1).
4- غوالی اللآلی ( 3 : 9 - 6 ).
5- التهذیب ( 1 : 246 - 709 ) ، الاستبصار ( 1 : 42 - 118 ) ، قرب الإسناد : (84) ، الوسائل ( 1 : 127 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (8).

______________________________________________________

وأجاب عنها القائلون بالنجاسة : بأنّ العذرة والسرقین أعم من النجس فلا یدل علیه ، إذ العام لا یدل علی الخاص. وبأنّ السؤال وقع عن الزنبیل المشتمل علیهما ، ووقوعه فی البئر لا یستلزم إصابتهما الماء ، وإنما المتحقق إصابة الزنبیل خاصة. وبإمکان أن یراد : لا بأس بعد نزح الخمسین.

ولا یخفی ما فی هذه الأجوبة من البعد والمخالفة للظاهر ، لأن العذرة لغة وعرفا : فضلة الإنسان ، والسرقین وإن کان أعم منه إلاّ أنّ المراد به هنا النجس ، لأن الفقیه لا یسأل عن الطاهر. ولأن وقوع الزنبیل فی البئر یستلزم وصول ما فیه إلیها عادة. ولأن إرادة نفی البأس مع نزح المقدر ممتنع شرعا ، لما فیه من تأخیر البیان عن وقت الحاجة بل الألغاز المنافی للحکمة کما هو ظاهر.

الرابعة : صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال ، سمعته یقول : « لا یغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع فی البئر إلاّ أن ینتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر » (1).

أجاب عنها المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : بأن فی الطریق حمادا وهو مشترک بین الثقة والضعیف. وبأن لفظ البئر یقع علی النابعة والغدیر فیجوز أن یکون السؤال عن بئر ماؤها محقون (2).

وهما ضعیفان :

أما الأول : فللقطع بأن حمادا هذا هو ابن عیسی الثقة الصدوق ، لروایة الحسین بن سعید عنه وروایته عن ابن عمار ، وهذا السند متکرر فی کتب الأحادیث مع التصریح

ص: 58


1- التهذیب ( 1 : 232 - 670 ) ، الإستبصار ( 1 : 30 - 80 ) ، الوسائل ( 1 : 127 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (10).
2- المعتبر ( 1 : 57 ).

______________________________________________________

بأنه ابن عیسی علی وجه ( تسکن النفس إلی تعیّنه ) (1) کما یظهر للمتتبع.

وأما الثانی. فلأن البئر حقیقة فی النابعة ولهذا حملت الأحکام کلها علیها ، واللفظ إنما یحمل علی حقیقته لا علی مجازه.

الخامسة : صحیحة أخری لمعاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام : فی الفأرة تقع فی البئر فیتوضأ الرجل منها ویصلی وهو لا یعلم أیعید الصلاة ویغسل ثوبه؟ فقال : « لا یعید الصلاة ولا یغسل ثوبه » (2) والظاهر أنّ المراد بالفأرة المیتة کما یقتضیه التقیید بقوله : وهو لا یعلم.

السادسة : صحیحة أبی أسامة وأبی یوسف یعقوب بن عیثم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا وقع فی البئر الطیر والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء » قلنا : فما تقول فی صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثیابنا؟ فقال : « لا بأس به » (3).

احتج القائلون بالنجاسة (4) بصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : کتبت إلی رجل أسأله أن یسأل أبا الحسن الرضا علیه السلام عن البئر تکون فی المنزل للوضوء ، فتقطر فیها قطرات من بول أو دم ، أو یسقط فیها شی ء من عذرة کالبعرة ونحوها ، ما الذی یطهّرها حتی یحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع علیه السلام بخطه فی کتابی : « ینزح منها دلاء » (5) وهی فی قوة قوله : طهرها بأن ینزح منها دلاء ، لیتطابق السؤال

- الروایات التی استدل بها علی النجاسة وردها

ص: 59


1- بدل ما بین القوسین فی « م ، س » : لا یحصل شک فی أنه المراد مع الشک.
2- التهذیب ( 1 : 233 - 671 ) ، الإستبصار ( 1 : 31 - 81 ) ، الوسائل ( 1 : 127 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (9).
3- التهذیب ( 1 : 233 - 674 ) ، الإستبصار ( 1 : 31 - 84 ) ، الوسائل ( 1 : 128 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (12).
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 54 ، 55 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (9).
5- الکافی ( 3 : 5 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 244 - 705 ) ، الإستبصار ( 1 : 44 - 124 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (21).

______________________________________________________

والجواب ، وطهرها بالنزح یقتضی نجاستها قبله ، حذرا من لزوم اجتماع الأمثال أو تحصیل الحاصل.

وصحیحة علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی بن جعفر علیهماالسلام ، قال : سألته عن البئر یقع فیها الدجاجة ، والحمامة ، أو الفأرة ، أو الکلب ، أو الهرة؟ فقال : « یجزیک أن تنزح منها دلاء ، فإن ذلک یطهرها إن شاء الله تعالی » (1) والتقریب ما تقدم.

وصحیحة عبد الله بن أبی یعفور ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إذا أتیت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شیئا تغرف به فتیمم بالصعید ، فإنّ رب الماء رب الصعید ، ولا تقع فی البئر ولا تفسد علی القوم ماءهم » (2) والاستدلال به من وجهین :

أحدهما : الأمر بالتیمم ، فإنه مشروط بفقد الماء الطاهر ، فلا یکون الماء طاهرا بتقدیر وقوعه فیه واغتساله منه.

وثانیهما : النهی عن إفساد الماء والوقوع فیه ، والمفهوم من الإفساد هنا النجاسة کما اعترف به الخصم فی أخبار الطهارة.

ویمکن الجواب عن هذه الأخبار من حیث الجملة ومن حیث التفصیل :

أما الأول : فبأنّ هذه الأخبار وإن سلم دلالتها بحسب الظاهر علی النجاسة لکنها معارضة بالأخبار المستفیضة الدالة علی الطهارة (3) ، والترجیح فی جانبها بالکثرة ، وموافقة الأصل ، وعمومات الکتاب والسنة.

وأما الثانی : فیجوز حمل الطهارة فی الخبرین الأولین علی المعنی اللغوی - وإن سلم

ص: 60


1- التهذیب ( 1 : 237 - 686 ) ، الإستبصار ( 1 : 37 - 101 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (2) بتفاوت یسیر.
2- الکافی ( 3 : 65 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 149 - 426 ) ، الإستبصار ( 1 : 127 - 435 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (22) بتفاوت یسیر.
3- المتقدمة فی ص (55).

______________________________________________________

أنه مجاز شرعی - جمعا بین الأدلة ، وأیضا فإن ظاهرهما متروک عند القائلین بالنجاسة ، وذلک مما یضعّف الاستدلال بهما.

وأما خبر ابن أبی یعفور فلا دلالة له علی النجاسة بوجه ، لأن الأمر بالتیمم لا ینحصر وجهه فی نجاسة الماء إذ من الجائز أن یکون لتغیر الماء وفساده علی الشارب بنزول الجنب فیه ، وعلیه یحمل النهی الواقع فی الخبر.

فإن قلت : إنه قد ورد الإفساد فی أخبار الفریقین ، فمهما اعترض أحدهما فهو جواب الآخر.

قلت : الفرق بین المقامین ظاهر ، فإن الإفساد فی أخبار الطهارة وقع نکرة فی سیاق النفی فیعم ، وأما فی هذا الخبر فلا عموم فیه أصلا کما هو واضح ، وسیأتی لهذا البحث تتمة إن شاء الله تعالی.

احتج الموجبون للنزح خاصة (1) : بالأوامر الدالة علیه ، وهی حقیقة فی الوجوب ، کما ثبت فی الأصول.

وجوابه : المعارضة بصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع الدالة علی الاکتفاء فی الطهارة بنزح ما یزیل التغیر خاصة (2). مع أنّ الأخبار الواردة بالنزح متعارضة جدا علی وجه یشکل الجمع بینها والتوفیق بین متنافیاتها ، وأکثرها ضعیف السند مجمل الدلالة ، وعندی أنّ ذلک کله قرینة الاستحباب ، وأنّ النزح إنما هو لطیبة الماء وزوال النفرة الحاصلة من وقوع تلک الأعیان المستخبثة فیها خاصة.

وحجة القول الرابع وجوابها یعلم من مسألة اشتراط کریة الجاری وعدمه ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

- أدلة الموجبون للنزح

ص: 61


1- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 55 ) ، والشهید الأوّل فی الذکری : (9).
2- المتقدمة فی ص (55).

وطریق تطهیره : بنزح جمیعه إن وقع فیها مسکر

______________________________________________________

قوله : وطریق تطهیره بنزح جمیعه إن وقع فیها مسکر.

المراد بالمسکر هنا ما کان مائعا بالأصالة. وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین قلیل المسکر وکثیره ، وبه صرح المتأخرون (1) ، واحتج علیه فی المختلف (2) بصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی البئر یبول فیه الصبی أو یصب فیها بول أو خمر فقال : « ینزح الماء کله » (3).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن سقط فی البئر دابة صغیرة ، أو نزل فیها جنب نزح منها سبع دلاء ، فإن مات فیها ثور أو نحوه ، أو صب فیها خمر نزح الماء کله » (4).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سقط فی البئر شی ء صغیر فمات فیها فانزح منها دلاء ، قال : فإن وقع فیها جنب فانزح منها سبع دلاء ، وإن مات فیها بعیر أو صب فیها خمر فلینزح » (5).

وفیه نظر ، فإنّ هذه الأخبار کلها واردة بلفظ الصب وهو یؤذن بالغلبة والکثرة ، مع أنها مخالفة لما علیه الأصحاب فی حکم البول وموت الدابة الصغیرة وغیر ذلک ، وتأویلها بما یوافق المشهور بعید جدا.

منزوحات البئر

ما ینزح لوقوع المسکر فیه

ص: 62


1- منهم العلامة فی المختلف : (6) ، والشهید الأول فی الذکری : (10) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (147).
2- المختلف : (6).
3- التهذیب ( 1 : 241 - 696 ) ، الإستبصار ( 1 : 35 - 94 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (4).
4- التهذیب ( 1 : 241 - 695 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 93 ) ، الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 6 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 240 - 694 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 92 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (6).

______________________________________________________

ونقل عن ابن بابویه - رحمه الله - فی المقنع أنه أوجب فی القطرة من الخمر عشرین دلوا (1). وربما کان مستنده روایة زرارة ، عن الصادق علیه السلام : فی بئر قطر فیها قطرة دم أو خمر ، قال : « الدم والخمر والمیت ولحم الخنزیر فی ذلک کله واحد ینزح منها عشرون دلوا ، فإن غلبت الریح نزحت حتی تطیب » (2) وهی قاصرة من حیث السند ، لجهالة بعض رجالها (3) فلا یسوغ العمل بها ، وأیضا فإن ظاهرها الاکتفاء بالعشرین فی الخمر وما معه مطلقا ، ولا قائل به.

وبالجملة فالفرق بین قلیل الخمر وکثیره متجه ، إلاّ أنّ مقدار النزح فی القلیل غیر معلوم ، ولا یبعد إلحاقه بغیر المنصوص إن قلنا بنجاسة الخمر ، وإلاّ لم یجب فی القلیل شی ء ، وکان الکلام فی الکثیر کما فی اغتسال الجنب.

واعلم أنّ النصوص إنما تضمنت نزح الجمیع فی الخمر (4) ، إلاّ أنّ معظم الأصحاب لم یفرقوا بینه وبین سائر المسکرات فی هذا الحکم (5) ، واحتجوا علیه بإطلاق الخمر فی کثیر من الأخبار علی کل مسکر فیثبت له حکمه. وفیه بحث ، فإن الإطلاق أعم من الحقیقة ، والمجاز خیر من الاشتراک ، ومن ثم توقف فیه المصنف - رحمه الله - فی النافع حیث أسنده إلی الثلاثة (6) ، وهو فی محله.

ص: 63


1- المقنع : (11).
2- التهذیب ( 1 : 241 - 697 ) ، الإستبصار ( 1 : 35 - 96 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (3).
3- المراد بهذا البعض هو : نوح بن شعیب الخراسانی إذ لم یذکر فی کتب الرجال.
4- المتقدمة فی ص (62).
5- منهم المحقق الحلی فی المعتبر ( 1 : 58 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (10) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (147).
6- المختصر النافع : (2). والثلاثة هم : الشیخ المفید والشیخ الطوسی والسید المرتضی.

أو فقاع

______________________________________________________

قوله : أو فقاع.

قال فی القاموس : الفقاع کرمان ، هذا الذی یشرب ، سمّی بذلک لما یرتفع فی رأسه من الزبد (1). وذکر المرتضی - رحمه الله - فی الانتصار : أن الفقاع هو الشراب المتخذ من الشعیر (2). وینبغی الرجوع فیه إلی العرف لأنه المحکم فی مثله إذا لم یعلم إطلاقه علی ما علم حله وطهارته کماء الزبیب الذی لم یتغیر عن حقیقته مثلا ، لأن تسمیة ما علم حله بذلک لا یقتضی تنجیسه.

وهذا الحکم أعنی نزح الجمیع للفقاع ذکره الشیخ (3) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (4) ، قال فی المعتبر : ولم أقف علی حدیث یدل بنطقه علیه ، ویمکن أن یحتج لذلک بأنّ الفقاع خمر فیکون له حکمه (5) ، أما الثانیة (6) فظاهرة ، وأما الأولی (7) فلقول الصادق علیه السلام فی روایة هشام بن الحکم وقد سأله عن الفقاع : « إنه خمر مجهول » (8) وقول الکاظم علیه السلام : « هو خمرة استصغرها الناس » (9). ویتوجه علیه ما سبق من أنّ الإطلاق أعم من الحقیقة.

ما ینزح لوقوع الفقاع فیه

ص: 64


1- القاموس المحیط ( 3 : 66 ).
2- الانتصار : (199).
3- کما فی المبسوط ( 1 : 11 ) ، والنهایة : (6).
4- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 21 ) ، وابن زهرة فی الغنیة : ( الجوامع الفقهیة ) : (552) ، وابن إدریس فی السرائر : (10).
5- المعتبر ( 1 : 58 ).
6- المراد بالثانیة : هی الدعوی الثانیة ونتیجة الاحتجاج ، وهی أنّ للفقاع حکم الخمر.
7- المراد بالأولی : هی الدعوی الاولی والصغری فی الاحتجاج ، وهی أنّ الفقاع خمر.
8- الکافی ( 3 : 407 - 15 ) ، التهذیب ( 1 : 282 - 828 ) ، الإستبصار ( 4 : 96 - 373 ) ، الوسائل ( 2 : 1055 ) أبواب النجاسات ب (38) ح (5).
9- الکافی ( 6 : 423 - 9 ) ، التهذیب ( 9 : 125 - 540 ) ، الإستبصار ( 4 : 95 - 369 ) ، الوسائل ( 17 : 292 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (28) ح (1). فی جمیع المصادر : هی خمیرة.

أو منیّ أو أحد الدماء الثلاثة علی قول مشهور ،

______________________________________________________

ولا یلحق به العصیر العنبی بعد اشتداده وقبل ذهاب ثلثیه قطعا ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

قوله : أو منیّ.

الأجود إلحاق المنی بما لا نص فیه ، لتصریح جماعة من علمائنا المتقدمین (1) والمتأخرین (2) بأنه لم یرد فیه مقدّر شرعی. والمنی بإطلاقه متناول لمنی الإنسان وغیره مما له نفس سائلة ، وربما قیل باختصاصه بمنی الإنسان وأن غیره ملحق بما لا نص فیه ، وقد عرفت أنّ النوعین (3) من هذا الباب.

قوله : أو أحد الدماء الثلاثة علی قول مشهور.

القول للشیخ (4) - رحمه الله - ومن تبعه من المتأخرین (5) ، وقد اعترف جماعة من الأصحاب بأنه لم یرد فی هذه الدماء نص علی الخصوص (6).

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بعد أن عزی ذلک إلی الشیخ - رحمه الله - وأتباعه ، واعترف بعدم الوقوف علی نص فی ذلک : ولعل الشیخ نظر إلی اختصاص دم الحیض بوجوب إزالة قلیله وکثیره عن الثوب فغلّظ حکمه فی البئر ، وألحق به الدمین

ما ینزح لوقوع المنی أو أحد الدماء الثلاثة فیه

ص: 65


1- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 21 ) وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : (552) وابن إدریس فی السرائر : (10).
2- منهم المحقق الحلی فی المعتبر ( 1 : 59 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (147).
3- یعنی : منی الإنسان ومنی غیره.
4- المبسوط ( 1 : 11 ) ، والاقتصاد : (253) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (170).
5- منهم العلامة فی نهایة الأحکام ( 1 : 259 ) ، والمحقق الثانی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ) ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 35 ).
6- منهم العلامة فی المختلف : (6) ، والسیوری فی التنقیح الرائع ( 1 : 48 ) ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 36 ).

أو مات فیها بعیر.

______________________________________________________

الأخیرین ، لکن هذا التعلق (1) ضعیف ، فالأصل أن حکمه حکم بقیة الدماء ، عملا بالأحادیث المطلقة (2).

وما ذکره من ضعف التعلیل بهذا التوجیه حسن ، وتسویته بین هذه الدماء وبین غیرها متجه ، إلاّ أنّ فی ثبوت ما ذکره من ورود الأحادیث المطلقة لحکم الدماء نظرا ، وسیجی ء تمام تحقیق ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : أو مات فیها بعیر.

قیل : هو من الإبل بمنزلة الإنسان یشمل الذکر والأنثی والصغیر والکبیر. وینبغی الرجوع فیه إلی العرف ، لأنه المحکم فی مثله.

والحکم بنزح الجمیع فی موت البعیر مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ویدل علیه روایات کثیرة :

منها : صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وإن مات فیها بعیر أو صب فیها خمر فلینزح » (3).

والأظهر إلحاق الثور والبقرة به ، لصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وإن مات فیها ثور أو نحوه ، أو صب فیها خمر ینزح الماء کله » (4).

ونقل عن ابن إدریس - رحمه الله - أنه اکتفی فی الثور بکرّ (5) ، وعن الشیخین (6)

ما ینزح لموت البعیر فیه

ص: 66


1- فی « ح » : التعلیل.
2- المعتبر ( 1 : 59 ).
3- الکافی ( 3 : 6 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 240 - 694 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 92 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (6). مع اختلاف یسیر.
4- التهذیب ( 1 : 241 - 695 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 93 ) ، الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (1). بتفاوت یسیر.
5- السرائر : (10).
6- المفید فی المقنعة : (9) والشیخ فی المبسوط ( 1 : 11 ) ، والنهایة : (6).

فإن تعذر استیعاب مائها تراوح علیها أربعة رجال ، کل اثنین دفعة یوما إلی اللیل.

______________________________________________________

وأتباعهما (1) أنهم أوجبوا فی البقرة کرا ولم یتعرضوا للثور ، قال فی المعتبر : ونحن نطالبهم بدلیل ذلک (2).

قوله : فإن تعذر استیعاب مائها تراوح علیها ، أربعة رجال ، کل اثنین دفعة یوما إلی اللیل.

التراوح : تفاعل من الراحة ، لأن کل اثنین یریحان صاحبیهما.

وهذا الحکم - أعنی إجزاء التراوح مع تعذر نزح الجمیع - ذکره الشیخان وأتباعهما (3) ، واستدلوا علیه بروایة عمار الساباطی ، عن الصادق علیه السلام ، وهی طویلة قال فی آخرها : وسئل عن بئر وقع فیها کلب ، أو فأرة ، أو خنزیر ، قال : « تنزف کلها ، فإن غلب علیه الماء فلتنزف یوما إلی اللیل ، ثم یقام علیها قوم یتراوحون اثنین اثنین فینزفون یوما إلی اللیل وقد طهرت » (4).

والروایة ضعیفة السند (5) ، متروکة الظاهر ، متهافتة المتن ، ومع ذلک فموردها أعیان مخصوصة فلا تصلح مستندا لإثبات الحکم علی وجه العموم.

قال المصنف فی المعتبر : وهذه وإن ضعف سندها فالاعتبار یؤیدها من وجهین :

أحدهما : عمل الأصحاب علی روایة عمار لثقته حتی أنّ الشیخ - رحمه الله - ادعی

ص: 67


1- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 21 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).
2- المعتبر ( 1 : 61 ).
3- (3) العناوین المتقدمة فی ص (66) هامش (6) وهامش (1) من هذه الصفحة
4- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الوسائل ( 1 : 143 ) أبواب الماء المطلق ب (23) ح (1).
5- لعل وجه الضعف هو اشتمالها علی بعض الفطحیة هم ابن فضال وعمرو بن سعید ومصدق بن صدقة وعمار الساباطی.

______________________________________________________

فی العدة إجماع الإمامیة علی العمل بروایته وروایة أمثاله ممن عدّدهم (1).

الثانی : إنه إذا وجب نزح الماء کله وتعذر فالتعطیل غیر جائز ، والاقتصار علی نزح البعض تحکم ، والنزح یوما یتحقق معه زوال ما کان فی البئر ، فیکون العمل به لازما (2). هذا کلامه - رحمه الله - وللنظر فیه مجال ، لکن قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فی هذا الحکم مخالفا من القائلین بالتنجیس (3).

وتنقیح المقام یتم ببیان أمور :

الأول : صرح جماعة من الأصحاب بأنّ المراد بالیوم هنا : یوم الصوم (4) ، ویحتمل الاکتفاء فیه من أوله بما ینصرف إلیه الإطلاق فی الإجارة والنذر ونحوهما.

الثانی : قیل إنه یستثنی لهم الأکل جمیعا ، والصلاة جماعة (5). ولا بأس به لقضاء العرف بذلک.

الثالث : المشهور أنه لا یجزئ فی النزح غیر الرجال ، من النساء والصبیان والخناثی ، لاختصاص القوم بالرجال ، واجتزأ بهم بعض الأصحاب (6) ، وهو حسن مع عدم قصور نزحهم عن نزح الرجال.

الرابع : الظاهر إجزاء ما فوق الأربعة ما لم یتصور بطء بالکثرة ، مع احتماله مطلقا ، لإطلاق النص ، لا أخذا من باب مفهوم الموافقة کما ذکره فی الذکری (7).

ص: 68


1- عدة الأصول ( 1 : 181 ).
2- المعتبر ( 1 : 60 ).
3- المنتهی ( 1 : 12 ).
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 60 ) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 12 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 12 ).
5- کما فی الذکری : (10) ، وجامع المقاصد ( 1 : 12 ).
6- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 12 ).
7- الذکری : (10).

وبنزح کرّ إن مات فیها دابة

______________________________________________________

الخامس : المشهور أنه لا یجزئ نزح ما دون الأربعة ، فإن أقل عدد ینقسم اثنین اثنین هو الأربعة. واستقرب العلامة - رحمه الله - فی المنتهی الإجزاء إن علم مساواة نزحهم لنزح الأربعة (1) ، وهو قریب.

السادس : ذکر جدی - قدس سره - فی روض الجنان : أنّ أحد المتراوحین یکون فوق البئر یمتح (2) بالدلو والآخر فیها یملؤه (3). ومقتضی کلامه أنه مع عدم الحاجة إلی ذلک یکفی الواحد ، ولا أعرف مأخذه. والأولی أن یکونا معا فوق البئر یمتحان بالدلو کما هو المتعارف.

قوله : وبنزح کرّ إن مات فیها دابة.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ولم أقف له علی مستند ، والذی وقفت علیه فی ذلک صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم وبرید بن معاویة العجلی ، عن أبی عبد الله وأبی جعفر علیهماالسلام ، فی البئر یقع فیها الفأرة والدابة والکلب والطیر فیموت قال : « یخرج ، ثم ینزح من البئر دلاء ، ثم اشرب وتوضأ » (4).

ویندرج فی الدابة : البغل والفرس وغیرهما ، وقرّب المصنف - رحمه الله - فی المعتبر إلحاق الفرس بما لا نصّ فیه (5) ، وهو مشکل للقطع بدخولها فی مفهوم الدابة سواء قلنا : أنها ما یدب علی الأرض ، أو ذات الحوافر ، أو ما یرکب.

واعلم أنّ العلامة فی المنتهی حاول الاستدلال بهذه الروایة علی ما هو المشهور بین

ما ینزح لموت الدابة فیه

کلام للعلامة

ص: 69


1- المنتهی ( 1 : 13 ).
2- الماتح : المستقی ، وکذلک المتوح. تقول : متح الماء یمتحه متحا ، إذا نزعه ( الصحاح 1 : 403 ).
3- روض الجنان : (148).
4- التهذیب ( 1 : 236 - 682 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 99 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (5) بتفاوت یسیر.
5- المعتبر ( 1 : 62 ).

______________________________________________________

الأصحاب من نزح الکر للفرس والبقرة ، فقال بعد نقلها : قال صاحب الصحاح : الدابة اسم لکل ما یدب علی الأرض ، والدابة اسم لکل ما یرکب (1) ، فنقول : لا یمکن حمله علی المعنی الأول وإلا لعم وهو باطل لما یأتی فیجب حمله علی الثانی ، فنقول : الألف واللام فی الدابة لیست للعهد ، لعدم سبق معهود یرجع إلیه ، فإما أن تکون للعموم کما ذهب إلیه الجبائیان ، أو لتعریف الماهیة علی المذهب الحق ، وعلی التقدیرین یلزم العموم فی کل مرکوب ، أما الأول فظاهر ، وأما الثانی فلأن تعلیق الحکم علی الماهیة یستدعی ثبوته فی جمیع صور وجودها وإلا لم تکن علة ، هذا خلف ، وإذا ثبت العموم دخل فیه الحمار والفرس والبغال والإبل والبقر نادرا ، غیر أنّ الإبل والثور خرجا بما دلّ بمنطوقه علی نزح الجمیع فیکون الحکم ثابتا فی الباقی.

فإن قلت : یلزم التسویة بین ما عدّده الإمامان علیهماالسلام .

قلت : خرج ما استثنی بدلیل منفصل فیبقی الباقی لعدم المعارض ، وأیضا المساواة حاصلة من حیث الحکم بوجوب نزح الدلاء وإن افترقت بالقلة والکثرة ، وهذا شی ء لم یتعرضا له علیهماالسلام . إلا أنّ لقائل أن یقول : ما ذکرتموه لا یدل علی بلوغ الکریة.

ویمکن التمحّل بأن تحمل الدلاء علی ما یبلغ الکر ، جمعا بین المطلق والمقید ، خصوصا مع الإتیان بصیغة جمع الکثرة.

لا یقال : إن حمل الجمع علی الکثرة استحال إرادة القلة منه وإلا لزم الجمع بین إرادتی الحقیقة والمجاز ، وإن حمل علی القلة فکذلک.

لأنا نقول : لا نسلّم استحالة الثانی ، سلمناه لکن إن حمل علی إرادة معناه المجازی وهو مطلق الجمع لم یلزم ما ذکرتم ، علی أنّ لنا فی کون الصیغ المذکورة حقائق أو مجازات فی القلة والکثرة نظر (2). انتهی کلامه.

ص: 70


1- الصحاح ( 1 : 124 ).
2- المنتهی ( 1 : 13 ).

______________________________________________________

وفیه نظر من وجوه :

الأول :

مقتضی کلامه - رحمه الله - أنّ الدابة حقیقة فیما یرکب ، حیث حمل النص علیه ، وهو غیر واضح ، وکلام الجوهری لا یدل علیه ، فإن الإطلاق أعم من الحقیقة والمجاز ، وقد صرح بعض محققی أهل اللغة بأن أکثر اللغات مجازات ، مع أنه قد اشتهر أنّ الدّابة منقولة عرفا إلی ذات القوائم الأربع من الخیل والبغال والحمیر. وذکر جماعة أنها مختصة بالفرس (1).

سلمنا أنها حقیقة فیما ذکره ، لکن البقر إنما یرکب نادرا - کما اعترف به - والألفاظ إنما تحمل علی المعنی المتعارف منها لا النادر الغیر المشهور.

الثانی :

قوله - فی الاستدلال علی إفادة الألف واللام العموم علی التقدیر الثانی - : إن تعلیق الحکم علی الماهیة یستدعی وجوده فی جمیع صور وجودها وإلاّ لم تکن علة.

قلنا : تعلیق الحکم علی الماهیة لا یقتضی کونها علة فیه ، علی أنه لو تم ما ذکره لاقتضی إفادة المفرد المحلی بلام الجنس العموم مطلقا ، وهو لا یقول به.

الثالث :

قوله ، إن الإبل والثور خرجا بما دلّ بمنطوقه علی نزح الجمیع ، فیکون الحکم ثابتا فی الباقی.

قلنا : الذی دلّ بمنطوقه علی حکم الثور دل بمنطوقه علی حکم مثله (2) ، فإن اقتضی

رد کلام العلامة

ص: 71


1- لم نعثر علیه ولکن قال فی المصباح المنیر ( 1 : 188 ) : وأما تخصیص الفرس والبغل بالدابة عند الإطلاق فعرف طارئ.
2- الروایة التی دلت علی حکم الثور فإن فیها : الثور أو نحوه. وقد تقدمت فی ص : 2. .

______________________________________________________

الإخراج فی أحدهما اقتضاه فی الآخر ، وإلا فلا.

الرابع :

قوله ، خرج ما استثنی بدلیل منفصل فیبقی الباقی لعدم المعارض.

قلنا : الاستثناء والإخراج بدلیل إنما یکون من الألفاظ العامة أو ما فی حکمها ، لأن إطلاق اللفظ وإرادة بعض مدلوله معنی مجازی یصار إلیه بالقرینة ، والأمور المتعددة المدلول علی کل منها بالمطابقة إذا تعلق بها حکم واحد ثبت ذلک الحکم لکل منها علی انفراده نصا ، فإذا وجد ما ینافی ذلک فی بعض المدلولات تعارض الخبران ویصار إلی الترجیح ، لامتناع العمل بهما.

الخامس :

قوله ، وأیضا المساواة حاصلة من حیث الحکم بوجوب نزح الدلاء.

قلنا : هذا الخیال واضح الفساد فإنه لا یکاد یفهم من هذا الإطلاق إلا تساوی الأمور المذکورة فی قدر النزح ، فلو کانت مختلفة فی ذلک لزم الإغراء بالجهل ، والخطاب بما له ظاهر مع إرادة خلاف ظاهره ، وقد ثبت امتناعه فی الأصول.

السادس :

قوله ، ویمکن التمحل بأن تحمل الدلاء علی ما یبلغ الکر ، جمعا بین المطلق والمقید.

قلنا : هذا التمحل واضح الفساد أیضا ، فإن إطلاق لفظ الدلاء وإرادة الکر من غیر زیادة ولا نقصان یکاد أن یلحق بالهذر والهذیان فلا ینبغی أن ینسب إلی سادات الأنام ، وأبواب الملک العلام ، علیهم أفضل الصلاة والسلام ، ومع ذلک کله فالمقید الذی ادّعاه غیر موجود ، ولو ثبت وجوده لکان فیه غنیة عن هذه التمحلات الواهیة والتکلفات الباردة.

ص: 72

أو حمار أو بقرة ،

______________________________________________________

السابع :

قوله ، لا نسلم استحالة الثانی.

قلنا : استحالة الجمع بین المعنی الحقیقی والمجازی علی أن یکون کل منهما موردا للحکم ومناطا للنفی والإثبات مما قد تقرر فی الأصول ، وذلک لأن إرادة المعنی المجازی مشروطة بقیام قرینة مانعة عن إرادة المعنی الحقیقی ، فإرادتهما معا تفضی إلی التناقض ، وفیه بحث.

الثامن :

قوله ، سلمناه لکن إن حمل علی إرادة معناه المجازی وهو مطلق الجمع لم یلزم ما ذکرتم.

قلنا : هذا موقوف علی وجود العلاقة المجوّزة لذلک ، ولیس هنا إلا علاقة الکلیة والجزئیة ، وقد صرح الأصولیون (1) بأنها لا تعتبر مطلقا ، للقطع بامتناع إطلاق الأرض علی مجموع السماء والأرض ، وقد اختلفوا فی الشرط المسوغ لذلک ، وتمام تحقیق المسألة فی الأصول.

قوله : أو حمار أو بقرة.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من وجوب نزح الکر فی موت الحمار والبقرة مذهب الثلاثة (2) وأتباعهم (3) ، ولم نقف لهم فی البقرة علی دلیل کما اعترف به

ص: 73


1- منهم الحسن فی معالم الدین : (33).
2- السید کما نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 61 ) ، والمفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 11 ) ، والنهایة : (6).
3- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 21 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).

______________________________________________________

المصنف (1) - رحمه الله - وغیره (2).

أما الحمار ، فاحتجوا (3) علی وجوب نزح الکر فیه بما رواه الشیخ عن عمرو بن سعید بن هلال ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عما یقع فی البئر ما بین الفأرة والسنور إلی الشاة ففی کل ذلک یقول : « سبع دلاء » حتی بلغت الحمار والجمل فقال : « کر من ماء » (4).

وهذه الروایة بعینها نقلها المصنف فی المعتبر ، وفیها : حتی بلغت الحمار والجمل والبغل ، قال : « کر من ماء » (5).

وفی الاستدلال بها نظر ، أما أولا : فلأن عمرو بن سعید بن هلال لم ینص علیه علماؤنا بمدح ولا قدح (6) ، وذکر فی المختلف أن عمرو بن سعید هذا هو المدائنی الثقة (7). وهو غیر جید ، لأن المدائنی من رجال الرضا علیه السلام (8) ، وهذا کوفی من رجال الصادق علیه السلام علی ما ذکره الشیخ - رحمه الله - فی کتاب الرجال (9). والظاهر أنّ أبا جعفر المروی عنه هنا هو الباقر علیه السلام ، لأن الراوی عن عمرو بن

ما ینزح لموت الحمار أو البقرة فی البئر

ص: 74


1- المعتبر ( 1 : 62 ).
2- منهم الشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 3 ).
3- منهم الشیخ فی الاستبصار ( 1 : 35 ) ، والمحقق الحلی فی المعتبر ( 1 : 57 ) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 13 ) ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 270 ).
4- التهذیب ( 1 : 235 - 679 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 91 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (5).
5- المعتبر ( 1 : 57 ).
6- ذکره فی رجال الطوسی : (247) فی أصحاب الصادق علیه السلام ، وذکر أنه کوفی ولم یوثقه ، والنجاشی لم یذکره فی کتابه.
7- المختلف : (5).
8- راجع رجال النجاشی : ( 287 - 767 ) ، ومعجم رجال الحدیث : ( 13 : 104 - 8915 ).
9- تقدم فی هامش رقم (6).

وبنزح سبعین إن مات فیها إنسان ،

______________________________________________________

سعید هو عمر بن یزید ، وهو من رجال الصادق علیه السلام (1).

وأما ثانیا : فلأنها مخالفة لما علیه الأصحاب من إیجاب نزح الجمیع للجمل. والعمل ببعض الروایة وإسقاط الباقی غیر معقول. والقول بجواز أن یکون الجواب وقع عن الحمار والبغل دون الجمل فاسد قطعا ، لما فیه من التعمیة وتأخیر البیان عن وقت الحاجة.

والأجود إلحاق البقرة بالثور کما بیّناه فیما سبق ، بل یمکن إلحاق البغل والحمار به أیضا ، لاندراجهما فی لفظ : « ونحوه » الواقع فی الروایة (2). ویمکن الاکتفاء فیهما بالدلاء ، لشمول اسم الدابة لهما فیتناولهما النص الوارد بالدلاء فیها (3). وما أبعد ما بین هذین الوجهین وکل ذلک قرینة الاستحباب.

قوله : وبنزح سبعین إن مات فیها إنسان.

هذا مذهب الأصحاب ، ومستنده روایة عمار الساباطی ، عن الصادق علیه السلام ، وهی طویلة ، قال فیها : « وما سوی ذلک مما یقع فی بئر الماء فیموت فیه فأکبره الإنسان ینزح منها سبعون دلوا » (4) وفی طریقها جماعة من الفطحیة (5) ، لکن ظاهر المعتبر اتفاق الأصحاب علی العمل بمضمونها (6) ، فإن تم فهو الحجة وإلا فللتوقف فی هذا الحکم مجال.

والمشهور بین الأصحاب أنه لا فرق فی ذلک بین المسلم والکافر ، لأن الإنسان جنس معرف باللام ولیس هناک معهود ، وتعریف الحقیقة لیس بمراد ، فتکون للاستغراق ، وهو

ص: 75


1- راجع رجال النجاشی : ( 286 - 763 ) ، ومعجم رجال الحدیث ( 13 : 132 - 9006 ).
2- المتقدمة فی ص : (66) وفیها : أو نحوه.
3- المتقدم فی ص : (69).
4- التهذیب ( 1 : 234 - 678 ) ، الوسائل ( 1 : 141 ) أبواب الماء المطلق ب (21) ح (2).
5- وهم ابن فضال ، وعمر بن سعید المدائنی ، ومصدق بن صدقة ، وعمار الساباطی.
6- المعتبر ( 1 : 62 ).

______________________________________________________

مفید للعموم.

فإن قلت : إنّ إیجاب السبعین لنجاسة الموت لا ینافی إیجاب ما زاد علیها لنجاسة الکفر ، فلا یکون فی الخبر دلالة علی الاکتفاء بالسبعین مطلقا.

قلت : الظاهر من هذه الروایة أن نزح السبعین مقتض لطهارة البئر من موت الإنسان فیها علی وجه لا یحتاج معه إلی شی ء آخر ، فمتی سلّم عمومه علی وجه یتناول الکافر تعیّن الاجتزاء فیه بالسبعین.

وخالف فی ذلک ابن إدریس - رحمه الله - فاشترط الإسلام ، وأوجب فی موت الکافر نزح الجمیع ، واحتج علیه : بأن الکافر نجس فعند ملاقاته للماء حیا یجب له نزح الجمیع ، لأنه لم یرد فیه مقدر ، والموت غیر مطهر ، فلا یزول وجوب نزح الجمیع (1).

وأجاب عنه فی المعتبر بمنع وجوب نزح الجمیع مع وقوعه حیا ، قال : وقوله : إنه لم یرد فیه مقدر منصوص مدفوع بأنّ الإنسان إذا کان متناولا للمسلم والکافر جری مجری النطق بهما ، وإذا ثبت الاکتفاء بالسبعین فی موته فی البئر المقتضی لمباشرته له حیا ومیتا وجب الاکتفاء بها مع مباشرته فی حال الحیاة خاصة بطریق أولی (2).

ومقتضی هذا الاستدلال والجواب : أن محل الخلاف موت الکافر فی البئر ، وظاهر کلام العلامة - رحمه الله - فی المختلف یقتضی أنّ موضع الخلاف وقوعه فی الماء میتا ، فإنه حکی عن ابن إدریس - رحمه الله - الاحتجاج علی ذلک بأنّ الکافر حال حیاته ینزح له الماء أجمع فکذا بعد موته ، لأن الموت یزید نجاسته. ثم أجاب عن ذلک بالمنع من زیادة نجاسته بالموت ، فإن نجاسته إنما کانت بسبب اعتقاده وقد زال فیزول مسببه (3). وهو غیر جید.

ص: 76


1- السرائر : (10).
2- المعتبر ( 1 : 63 ).
3- المختلف : (6).

______________________________________________________

أما أولا : فلأن ذلک مخالف لما هو المفروض فی النص وکلام ابن إدریس وغیره (1) ، فإن موضوع المسألة فی کلامهم موت الإنسان فی البئر ، لا وقوعه فیه میتا ، کما لا یخفی علی من تتبع کلامهم.

وأما ثانیا : فلأن ابن إدریس لم یستدل علی وجوب نزح الجمیع فی هذه الحالة بمفهوم الموافقة لیتوجه علیه ما ذکره من المنع ، وإنما احتج علیه بثبوته فی حال الحیاة ، وعدم اقتضاء الموت التطهیر فلا یزول وجوب نزح الجمیع الثابت قبله. وهو استدلال جید لو سلم انتفاء التقدیر فیه ، وأنّ کل ما کان کذلک وجب فیه نزح الجمیع.

وأما ثالثا : فلأن زوال الاعتقاد المقتضی لنجاسة الکفر لا یقتضی زوال تلک النجاسة الحاصلة منه ، لما حققناه فیما سبق (2) من أنّ کل ما حکم الشارع بنجاسته فیجب الحکم ببقائه علی ذلک ( إلی أن یثبت المطهر له شرعا ، وأن هذا لیس من باب الاستصحاب بل مرجعه إلی الأدلة العامة الدالة علی ذلک فتأمل ) (3).

وفصل المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی شرح القواعد (4) ، وجدی - قدس سره - فی روض الجنان (5) فحکما بالاکتفاء بالسبعین فی الکافر إن وقع فی الماء میتا ، لعموم النص ، وأوجبا نزح الجمیع إن وقع حیا ثم مات ، لثبوت ذلک قبل الموت والموت لا یزیله.

وضعف هذا التفصیل ظاهر ، فإن مورد النص موت الإنسان فی البئر ، وهو ظاهر فی ملاقاته للماء حیا ، فإن سلم شموله للکافر وجب الاکتفاء فیه بالسبعین مطلقا وإلا

ص: 77


1- منهم الشیخ فی النهایة : (6) ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 37 ).
2- تقدم فی ص : (42).
3- ما بین القوسین لیس فی « س ».
4- جامع المقاصد ( 1 : 13 ).
5- روض الجنان : (149).

وبنزح خمسین إن وقعت فیها عذرة فذابت ، والمروی أربعون أو خمسون ،

______________________________________________________

فالجمیع کذلک ، وأما التفصیل فلا وجه له.

قوله : وبنزح خمسین إن وقعت فیها عذرة فذابت ، والمروی أربعون أو خمسون.

المراد بالعذرة : فضلة الإنسان ، وبالذوبان : تفرق أجزائها فی الماء وشیوعها فیه. والقول بوجوب الخمسین فی وقوع العذرة مع الذوبان للثلاثة (1) وأتباعهم (2) ، ولم أقف له علی شاهد. والروایة التی أشار إلیها المصنف هی روایة أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن العذرة تقع فی البئر قال : « ینزح منها عشر دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا » (3).

قال فی المختلف : ویمکن أن یقال : إیجاب أحدهما یستلزم إیجاب الأکثر ، لأنه مع الأقل غیر متیقن للبراءة ، وإنما یعلم الخروج عن العهدة بفعل الأکثر (4).

قلت : هذا غیر مستقیم ، فإن التخییر بین الأقل والأکثر یقتضی عدم وجوب الزائد عینا وإلا لم یکن للتخییر معنی ، فیجب أن یحصل یقین بالبراءة بالأقل ویکون الزائد مستحبا.

واعلم : أنّ فی هذه المسألة إشکالا ، لضعف دلیلها بعبد الله بن بحر ، واشتراک أبی بصیر ، مع أنه معارض بصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، إنه

ما ینزح لوقوع العذرة إذا ذابت

ص: 78


1- السید کما نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 65 ) ، والمفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
2- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 22 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).
3- التهذیب ( 1 : 244 - 702 ) ، الإستبصار ( 1 : 41 - 116 ) ، الوسائل ( 1 : 140 ) أبواب الماء المطلق ب (20) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
4- المختلف : (8).

أو کثیر الدم کذبح الشاة ، والمروی من ثلاثین إلی أربعین ،

______________________________________________________

سأله عن بئر ماء وقع فیها زنبیل من عذرة رطبة أو یابسة أیصلح الوضوء منها؟ قال : « لا بأس » (1) وصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع الدالة علی الاکتفاء فی طهارة البئر من وقوع العذرة فیها بنزح دلاء (2) ، وتقییدهما بهذه الروایة غیر جائز.

وعندی أنّ هذا الاختلاف إنما هو لاستحباب النزح ، واختلاف الآبار فیما تندفع به النفرة الحاصلة من وقوع تلک الأعیان المستخبثة فیها ، وتحصل به طیبة الماء ، باعتبار قلة الماء وکثرته ، وسعة المجری وضیقه ، والله تعالی أعلم.

قوله : أو کثیر الدم کذبح الشاة ، والمروی من ثلاثین إلی أربعین.

القول بوجوب الخمسین للشیخ (3) وأتباعه (4) ، ولم نقف لهم فیه علی مستند.

والروایة التی حکاها المصنف - رحمه الله - هی صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام : فی رجل ذبح شاة فوقعت فی بئر وأوداجها تشخب دما ، قال : « ینزح منها ما بین ثلاثین إلی أربعین ثم یتوضأ منها » (5).

وهل یستوی فی ذلک دم نجس العین وغیره؟ إطلاق الأصحاب یقتضیه ، والظاهر العدم ، لغلظ نجاسته ، واختصاص مورد الخبر بدم ذبح الشاة. بل یمکن تطرق الإشکال إلی غیره من الدماء ، ولا یبعد دخوله فی غیر المنصوص.

ما ینزح لوقوع کثیر الدم کذبح شاة

ص: 79


1- التهذیب ( 1 : 246 - 709 ) ، الإستبصار ( 1 : 42 - 118 ) ، الوسائل ( 1 : 127 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (8).
2- الکافی ( 3 : 5 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 244 - 705 ) ، الإستبصار ( 1 : 44 - 124 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (21).
3- کما فی المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
4- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 22 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).
5- الکافی ( 3 : 6 - 8 ) ، الفقیه ( 1 : 15 - 29 ) ، التهذیب ( 1 : 409 - 1288 ) ، الإستبصار ( 1 : 44 - 123 ) ، الوسائل ( 1 : 141 ) أبواب الماء المطلق ب (21) ح (1) ، بتفاوت یسیر.

وبنزح أربعین إن مات فیها ثعلب أو أرنب أو خنزیر أو سنّور أو کلب وشبهه ،

______________________________________________________

وعلی المشهور فالظاهر أنّ المعتبر فی کثرة الدم وقلته بالنسبة إلیه نفسه.

وقال القطب الراوندی : إن الاعتبار فی ذلک بماء البئر فی الغزارة والنزارة ، فربما کان دم الطیر کثیرا فی بئر یسیرا فی أخری (1). وهو الذی نقله القطب الرازی - رحمه الله - عن العلامة (2) - رحمه الله - وهو اعتبار حسن إلا أنّ النص لا یساعد علیه.

قوله : وبنزح أربعین إن مات فیها ثعلب أو أرنب أو خنزیر أو سنّور أو کلب وشبهه.

هذا مذهب الثلاثة (3) وأتباعهم (4).

استدل علیه الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب بروایة سماعة ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « وإن کان سنورا أو أکبر منه نزحت منها ثلاثین دلوا أو أربعین » (5) وروایة القاسم ، عن علی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « والسنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا والکلب وشبهه » (6).

وهما قاصرتان متنا وسندا ، مع أنه قد روی فی الصحیح عن زرارة ومحمد بن مسلم

ما ینزح لموت الثعلب أو الأرنب أو الخنزیر أو سنور أو کلب وشبهه فیه

ص: 80


1- نقله عنه الشهید الثانی فی روض الجنان : (150).
2- ذکر ذلک الشهید فی الروض : (150).
3- السید کما نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 66 ) ، والمفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی التهذیب ( 1 : 236 ) ، والمبسوط ( 1 : 11 ) ، والنهایة : (6).
4- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).
5- التهذیب ( 1 : 236 - 681 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 98 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (4).
6- التهذیب ( 1 : 235 - 860 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 97 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (3).

______________________________________________________

وبرید بن معاویة العجلی ، عن أبی عبد الله وأبی جعفر علیهماالسلام : فی البئر یقع فیها الدابة ، والفأرة ، والکلب ، والطیر ، فیموت قال : « یخرج ، ثم ینزح من البئر دلاء ، ثم اشرب وتوضأ » (1).

وفی الصحیح عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال : سألته عن البئر تقع فیها الحمامة ، والدجاجة ، أو الفأرة ، أو الکلب (2) ، أو الهرة فقال : « یجزیک أن تنزح منها دلاء ، فإن ذلک یطهرها إن شاء الله تعالی » (3).

وفی الصحیح عن أبی أسامة ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الفأرة ، والسنور ، والدجاجة ، والکلب ، والطیر ، قال : « إذا لم تتفسخ أو یتغیر طعم الماء فیکفیک خمس دلاء ، وإن تغیر الماء فخذ منه حتی یذهب الریح » (4).

والأقرب عندی العمل بما دلّت علیه هذه الأخبار الصحیحة والاکتفاء بنزح دلاء فی جمیع ذلک عدا الخنزیر ، فإن الأظهر نزح الجمیع له ، لصحیحة ابن سنان الواردة فی الثور ونحوه (5). وبالجملة فالأخبار فی هذه المسألة مختلفة جدا (6) وذلک کله دلیل الاستحباب.

ص: 81


1- التهذیب ( 1 : 236 - 682 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 99 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (5) ، مع اختلاف یسیر.
2- لیست فی : « م ».
3- التهذیب ( 1 : 237 - 686 ) ، الإستبصار ( 1 : 37 - 101 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (2).
4- الکافی ( 3 : 5 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 237 - 684 ) ، الإستبصار ( 1 : 37 - 102 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (7).
5- التهذیب ( 1 : 241 - 695 ) ، الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (1).
6- لاحظ الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب ( 15 ، 17 ، 18 ).

ولبول الرجل ،

______________________________________________________

قوله : ولبول الرجل.

هذا مذهب الخمسة (1) وأتباعهم (2) ، قاله فی المعتبر. ومستنده روایة علی بن أبی حمزة ، عن الصادق علیه السلام ، قلت : بول الرجل قال : « ینزح منه أربعون دلوا » (3) وهی ضعیفة بعلی بن أبی حمزة فإنه واقفی (4). واعتذر عن ذلک فی المعتبر بأن تغیره إنما هو فی زمن موسی علیه السلام فلا یقدح فیما قبله (5). وهو ضعیف جدا ، فإن الاعتبار فی عدالة الراوی بوقت الأداء لا التحمل ، ومن المعلوم انتفاء تحقق ذلک.

والأظهر نزح دلاء للقطرات من البول مطلقا ، لصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن الرضا علیه السلام (6). ونزح الجمیع لانصبابه فیها مطلقا ، لصحیحة معاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام : فی البئر یبول فیها الصبی أو یصب فیها بول أو خمر ، قال : « ینزح الماء کله » (7).

ما ینزح لوقوع بول الرجل فیه

ص: 82


1- وهم والد الصدوق والسید ، نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 67 ) ، والصدوق کما فی الفقیه ( 1 : 13 ) ، والمقنع : (10) ، والهدایة : (14) ، والمفید کما فی المقنعة : (9) ، والشیخ کما فی التهذیب ( 1 : 243 ) ، والمبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
2- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (35).
3- التهذیب ( 1 : 243 - 700 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 90 ) ، الوسائل ( 1 : 133 ) أبواب الماء المطلق ب (16) ح (2).
4- راجع رجال النجاشی : ( 249 - 656 ) ، ورجال الشیخ : (353) ، والفهرست : ( 96 - 408 ). والواقفة هم الذین وقفوا علی موسی بن جعفر علیه السلام وقالوا إنه الإمام القائم ولم یأتموا بعده بإمام. ( راجع فرق الشیعة للنوبختی : 81 ).
5- المعتبر ( 1 : 68 ).
6- الکافی ( 3 : 5 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 244 - 705 ) ، الإستبصار ( 1 : 44 - 124 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (21).
7- التهذیب ( 1 : 241 - 696 ) ، الإستبصار ( 1 : 35 - 94 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (4).

وبنزح عشر للعذرة الجامدة وقلیل الدم کدم الطیر والرعاف الیسیر ، والمروی دلاء یسیرة ،

______________________________________________________

قوله : وبنزح عشر للعذرة الجامدة.

المراد بالجامدة غیر الذائبة ، ومستنده خبر أبی بصیر وقد تقدم (1).

قوله : وقلیل الدم کدم الطیر والرعاف الیسیر ، والمروی دلاء یسیرة.

الراوی لذلک علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : وسألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت فی بئر ، هل یصلح أن یتوضأ منها؟ قال : « ینزح منها دلاء یسیرة ثم یتوضأ منها » (2).

قال الشیخ - رحمه الله - : وأکثر عدد یضاف إلی هذا الجمع عشرة فیجب أن یؤخذ به ، إذ لا دلیل علی ما دونه (3).

واعترضه المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : بأن ذلک إنما یکون مع الإضافة وأما مع تجریده عنها فلا ، إذ لا یعلم من قول القائل : عندی دراهم مثلا أنه لم یخبر عن زیادة عن عشرة ، ولا إذا قال : أعطه دراهم أنه لم یرد أکثر من عشرة (4).

وأجاب عنه فی المنتهی : بأن الإضافة هنا وإن جردت لفظا لکنها مقدرة وإلا لزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، ثم قال : ولا بد من إضمار عدد یضاف إلیه تقدیرا فیحمل علی العشرة التی هی أقل ما یصلح إضافته لهذا الجمع ، أخذا بالمتیقن وحوالة علی أصالة براءة الذمة (5).

ما ینزح لوقوع العذرة الجامدة أو قلیل الدم فیه

ص: 83


1- تقدم فی ص (78).
2- الکافی ( 3 : 6 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 409 - 1288 ) ، الوسائل ( 1 : 141 ) أبواب الماء المطلق ب (21) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 245 - 705 ) ذ. ح.
4- المعتبر ( 1 : 66 ).
5- المنتهی ( 1 : 14 ).

وبنزح سبع لموت الطیر.

______________________________________________________

وفیه نظر : إذ لا یلزم من عدم تقدیر الإضافة هنا تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، وإنما یلزم لو لم یکن له معنی بدون التقدیر ، والحال أنّ له معنی کسائر صیغ الجموع ، ولو سلم وجوب التقدیر لم یتعین العشرة. وقوله : إن أقل ما یصلح إضافته لهذا الجمع عشرة ممنوع ، وإنما أقله ثلاثة فیحمل علیها ، لأصالة البراءة من الزائد.

قال فی المختلف : ویمکن أن یحتج [ الشیخ ] (1) من وجه آخر وهو أن یقال : هذا جمع کثرة وأقله ما زاد علی العشرة بواحد فیحمل علیه عملا بالبراءة الأصلیة (2).

وفیه : إن هذا الدلیل لا ینطبق علی المدعی ، إذ مقتضاه وجوب أحد عشر والمدعی وجوب عشر ، مع أن فی ثبوت ما ذکره من الفرق بین جمع القلة والکثرة علی وجه الحقیقة نظرا.

قوله : وبنزح سبع لموت الطیر.

فسر بالحمامة والنعامة وما بینهما ، والقول بوجوب السبع فی موت الطیر للثلاثة (3) وأتباعهم (4) ، واستدلوا علیه بروایة علی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن الطیر والدجاجة تقع فی البئر ، قال : « سبع دلاء » (5) ومثلها روایة سماعة ، عن

ما ینزح لموت الطیر

ص: 84


1- أثبتناه من المصدر.
2- المختلف : (6).
3- السید کما نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 15 ) ، والمفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی النهایة : (7) ، والمبسوط ( 1 : 11 ).
4- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 22 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (36).
5- التهذیب ( 1 : 235 - 680 ) ، الاستبصار ( 1 : 36 - 97 ) ، المعتبر ( 1 : 70 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (3).

والفأرة إذا تفسّخت أو انتفخت ،

______________________________________________________

الصادق علیه السلام (1). وهما ضعیفتا السند (2).

والأظهر : الاکتفاء بالخمس کما اختاره فی المعتبر (3) ، لصحیحة أبی أسامة المتقدمة (4) ، وعلیه یحمل إطلاق لفظ الدلاء فی صحیحتی زرارة (5) ، وعلی بن یقطین (6). ویحتمل قویا الاکتفاء بمسمّی الدلاء وحمل الخمسة علی الاستحباب.

قوله : والفأرة إذا تفسخت أو انتفخت.

مستنده الجمع بین صحیحتی معاویة بن عمار (7) وعبد الله بن سنان (8) الدالتین علی الاکتفاء بنزح دلاء فی وقوع الفأرة فی البئر مطلقا ، وروایتی سماعة وأبی أسامة الدالتین علی السبع کذلک ، بحمل روایتی السبع علی حالتی التفسخ والانتفاخ وروایتی الدلاء علی عدمه.

ما ینزح لموت الفأرة إذا انتفخت أو تفسخت

ص: 85


1- التهذیب ( 1 : 236 - 681 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 98 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (4).
2- أما الأولی فلاشتمال سندها علی بعض الواقفیة کعلی بن أبی حمزة ، راجع رجال النجاشی : ( 249 - 656 ) ، ورجال الشیخ : (353) ، والفهرست : ( 96 - 408 ) ، وأما الثانیة فلان فی طریقها عثمان بن عیسی وهو واقفی ضعیف ، راجع رجال النجاشی : ( 300 - 817 ) ، ورجال الشیخ : (355).
3- المعتبر ( 1 : 70 ).
4- فی ص (81).
5- التهذیب ( 1 : 236 - 682 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 99 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (5).
6- التهذیب ( 1 : 237 - 686 ) ، الإستبصار ( 1 : 37 - 101 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (2).
7- التهذیب ( 1 : 238 - 688 ) ، الإستبصار ( 1 : 39 - 106 ) ، الوسائل ( 1 : 137 ) أبواب الماء المطلق ب (19) ح (2).
8- التهذیب ( 1 : 238 - 689 ) ، الإستبصار ( 1 : 39 - 107 ) ، الوسائل ( 1 : 137 ) أبواب الماء المطلق ب (19) ح (2).

ولبول الصبی الذی لم یبلغ ،

______________________________________________________

واستدل علی هذا الجمع بروایة أبی عیینة ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الفأرة تقع فی البئر فقال : « إذا خرجت فلا بأس ، وإن تفسخت فسبع دلاء » (1).

ولا یخفی ضعف هذا المستند ، فإن هذه الأخبار لیست متکافئة فی السند لیجب الجمع بینها. وأیضا فإنه لا وجه لإلحاق الانتفاخ بالتفسخ ، لعدم الدلیل علیه ، والمراد بالتفسخ تفرق الأجزاء. وحکی المصنف فی المعتبر - رحمه الله - عن بعض المتأخرین أنه جعل حد التفسخ الانتفاخ (2). وهو فاسد قطعا.

والأقرب الاکتفاء بالثلاث مطلقا وإن کان الأولی نزح السبع مع التفسخ والخمس بدونه ، لقوله علیه السلام فی صحیحة أبی أسامة الواردة فی الفأرة وما معها : « إذا لم تتفسخ أو یتغیر طعم الماء فیکفیک خمس دلاء » (3).

قوله : ولبول الصبی الذی لم یبلغ.

المراد بالصبی الفطیم الذی لم یبلغ.

وبالسبع قال الشیخان (4) وأتباعهما (5) ، واستدل علیه فی التهذیب بروایة منصور ابن حازم ، عن عدة من أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینزح منها سبع دلاء إذا بال فیها الصبی » (6) وهی مع إرسالها وقصور سندها معارضة بصحیحة معاویة

ما ینزح لبول الصبی

ص: 86


1- التهذیب ( 1 : 233 - 673 ) ، الإستبصار ( 1 : 31 - 83 ) ، الوسائل ( 1 : 128 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (13).
2- المعتبر ( 1 : 71 ).
3- المتقدمة فی ص (81).
4- المفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
5- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 22 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (36).
6- التهذیب ( 1 : 243 - 701 ) ، الإستبصار ( 1 : 33 - 89 ) ، الوسائل ( 1 : 133 ) أبواب الماء المطلق ب (16) ح (1).

ولاغتسال الجنب ،

______________________________________________________

ابن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام الدالة علی نزح البئر کلها بذلک (1).

وقال المرتضی - رحمه الله - فی المصباح : فی بول الصبی إذا أکل الطعام ثلاث دلاء (2). ونحوه قال ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (3) ، ولم نقف لهما علی شاهد.

قوله : ولاغتسال الجنب.

هذا الحکم مشهور بین الأصحاب ویدل علیه روایات :

الأولی : صحیحة الحلبی ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « فإن وقع فیها جنب فانزح منها سبع دلاء » (4).

الثانیة : صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء » (5).

الثالثة : صحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن سقط فی البئر دابة صغیرة ، أو نزل فیها جنب فانزح منها سبع دلاء » (6).

الرابعة : روایة أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یدخل فی

ما ینزح لاغتسال الجنب فیه

ص: 87


1- التهذیب ( 1 : 241 - 696 ) ، الإستبصار ( 1 : 35 - 94 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (4).
2- کما نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 72 ).
3- الفقیه ( 1 : 13 ).
4- الکافی ( 3 : 6 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 240 - 694 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 92 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (6) ، بتفاوت یسیر.
5- التهذیب ( 1 : 244 - 704 ) ، الوسائل ( 1 : 142 ) أبواب الماء المطلق ب (22) ح (3).
6- التهذیب ( 1 : 241 - 695 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 93 ) ، الوسائل ( 1 : 131 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (1) ، بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

البئر فیغتسل منها ، قال : « ینزح منها سبع دلاء » (1).

واعلم : أنّ البحث فی هذه المسألة یقع من وجوه :

الأول : هل المقتضی للنزح وقوع الجنب فی البئر ، أو اغتساله فیها ، أو ارتماسه؟

احتمالات ثلاثة ، أظهرها الأول ، لدلالة الأخبار الصحیحة علیه. ورجّح جدی - قدس سره - وجماعة : الثانی (2) ، لتعلیق الحکم علی الاغتسال فی روایة أبی بصیر ، والمطلق یحمل علی المقید. وفیه نظر ، لأن الروایة المذکورة مع ضعف سندها بعبد الله بن بحر (3) ، واشتراک أبی بصیر ، غیر منافیة للأخبار المطلقة ، فإن التقیید فیها من کلام السائل ، والجواب عن ذلک المقید لا یقتضی نفی الحکم عن ما عداه. ونقل عن ابن إدریس - رحمه الله - أنه خص الحکم بالارتماس مدعیا علیه الإجماع (4) ، وهو ضعیف.

الثانی : هل النزح لسلب الطهوریة ، أم لنجاسة البئر ، أم تعبد شرعی؟ صرح المصنف - رحمه الله - فی المعتبر ، والعلامة فی المختلف بالأول (5) ، وجدی - قدس سره - فی الشرح بالثانی (6) ، ویلوح من کلام جماعة الثالث. ویتوجه علی الأول أشیاء.

أ : إن قصاری ما تدل علیه الأخبار : وجوب النزح (7) ، وهو أعم من عدم الطهوریة ، فلا یدل علیه ، إذ العام لا یدل علی الخاص.

ص: 88


1- التهذیب ( 1 : 244 - 702 ) ، الوسائل ( 1 : 142 ) أبواب الماء المطلق ب (22) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
2- المسالک ( 1 : 3 ) ، روض الجنان : (153).
3- لجهالته ، إذ لم یذکره. کتبهم.
4- السرائر : (12).
5- المعتبر ( 1 : 70 ) ، المختلف : (10).
6- المسالک ( 1 : 3 ).
7- المتقدمة فی ص (87).

______________________________________________________

ب : إن ذلک إنما یتم أن لو کان الحکم معلقا علی الاغتسال ، وقد عرفت أن مقتضی الأخبار الصحیحة : ترتبه علی مجرد الدخول والوقوع ، وذلک بمجرده غیر مقتض لزوال الطهوریة إجماعا.

ج : صرح المصنف فی نکت النهایة (1) ، وغیره : بأن الماء الذی ینفعل بالاستعمال عند من قال به إنما هو القلیل غیر الجاری ، فیکون الحکم بزوال الطهوریة هنا مخالفا لما ذکر ثمة أو مخصصا له.

ویرد علی الثانی استلزامه النجاسة بغیر سبب یقتضی التنجیس ، وهو معلوم البطلان. وأن ماء البئر لیس أسوء حالا من القلیل والمضاف وهما لا ینجسان به إجماعا.

وما قیل من أنّ الاستبعاد مدفوع بالنص (2) فهو جید لو کان النص صالحا لإثبات ذلک ، أما بدونه فیجب القطع بفساده.

الثالث : هل یحکم بارتفاع الحدث عن هذا المغتسل أم لا؟ قیل بالأول ، لتحقق الامتثال ، وعدم استلزام الأمر بالنزح النهی عن الاستعمال (3).

وقیل بالثانی وهو اختیار المحقق الشیخ علی (4) - رحمه الله - واحتج علیه بأن خبر عبد الله بن أبی یعفور (5) صریح فی النهی عن الوقوع فی البئر ، وذلک مقتض لفساد الغسل.

وأجاب عنه جدی - رحمه الله - بمنع أنّ النهی عن العبادة ، بل عن الوقوع فی الماء

ص: 89


1- نکت النهایة : ( الجوامع الفقهیة ) : (375).
2- کما فی المسالک ( 1 : 3 ) ، وروض الجنان : (154).
3- کما فی المنتهی ( 1 : 19 ).
4- جامع المقاصد ( 1 : 13 ).
5- الکافی ( 3 : 65 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 149 - 426 ) ، الإستبصار ( 1 : 127 - 435 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (22).

______________________________________________________

وإفساده ، وهو إنما یتحقق بعد الحکم بطهر الجنب لا بمجرد دخوله فی البئر ، فلا یضر هذا النهی ، لتأخره وعدم کونه عن نفس العبادة ، قال : إلا أن یقال : الوسیلة إلی المحرم محرمة ، وإن کانت قبل زمانه (1).

وفیه نظر : فإنه - رحمه الله - قد حقق فیما سبق (2) أنّ المراد بالوقوع الغسل ، حملا للمطلق علی المقید ، فیکون النهی متوجها إلیه خاصة ، والفساد وإن کان مترتبا علی الغسل ومتأخرا عنه عند القائل به إلا أنّ المفسد له فی الحقیقة هو الغسل ، ولیس بعد تحققه فعل یمکن توجه النهی إلیه ، وإنما الموجود هو أثر ذلک الفعل المنهی عنه.

والحق أنّ الجمع بین الأخبار غیر جید کما بیناه ، وأن المنهی عنه فی خبر ابن أبی یعفور نفس الوقوع فی البئر ، لما فیه من تغیره بواسطة ثوران الحمأة (3) ونحوه فیمکن حمله علی الکراهة ، ولو حمل علی حقیقته وهو التحریم لم یلزم منه بطلان الغسل مطلقا ، بل إنما یلزم بطلانه إذا وقع الاغتسال مع نفس الوقوع المقتضی لتغیره ، لا متأخرا عنه فتأمل.

واعلم : أنه قد ذکر جماعة من الأصحاب تفریعا علی القول بالنجاسة أن الجنب إن اغتسل مرتمسا طهر بدنه من الحدث ونجس بالخبث ، وإن اغتسل مرتبا أجزأه غسل ما غسله قبل وصول الماء إلی البئر خاصة (4).

وللنظر فیه مجال ، لتعلیق الحکم عندهم علی الاغتسال وهو لا یتحقق إلا بالإکمال.

ص: 90


1- روض الجنان : (154).
2- المصدر السابق ص (153).
3- الحمأ : الطین الأسود ، قال الله تعالی ( مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) وکذلک الحمأة بالتسکین ، تقول منه : حمأت البئر حمأ ، بالتسکین ، إذا نزعت حمأتها. ( الصحاح 1 : 45 ).
4- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 19 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (154).

ولوقوع الکلب وخروجه حیا ،

______________________________________________________

الرابع : اشترط جماعة من الأصحاب (1) خلو بدن الجنب من نجاسة عینیة لیتم الاکتفاء بالسبع ، إذ لو کان علیه نجاسة لوجب لها مقدرها إن کان ، وإلا فعلی ما سیأتی من الخلاف.

وتوقف فی ذلک العلامة فی المنتهی فإنه عزی الاشتراط إلی ابن إدریس - رحمه الله - ثم قال : ونحن لما لم تقم عندنا دلالة علی وجوب النزح للمنی توقفنا عن هذا الاشتراط (2). واعترض علیه بأنه لا وجه لتوقفه فی ذلک مع کون النصوص واردة بمجرد دخول الجنب فی البئر للاغتسال ، ولیس من لوازم الجنابة النجاسة ، خصوصا مع اشتهار وجوب نزح الجمیع للمنی بین الأصحاب. وجوابه معلوم مما سبق.

والحق أن إجراء هذه الأخبار علی ظاهرها مشکل ، فیجب إما حملها علی نجاسة بدن الجنب ، أو علی التقیة لموافقتها لمذهب بعض العامة (3) ، أو علی أنّ الغرض من ذلک مجرد التنظیف من ثوران الحمأة التی نشأت من نزول الجنب إلی البئر وزوال النفرة الحاصلة من ذلک ، وهذا أقرب والله أعلم.

قوله : ولوقوع الکلب وخروجه حیا.

مستنده صحیحة أبی مریم : قال : حدثنا جعفر قال : کان أبو جعفر علیه السلام یقول : « إذا مات الکلب فی البئر نزحت » ، وقال جعفر : إذا وقع فیها ثم أخرج منها حیا نزح منها سبع دلاء (4).

ما ینزح لوقوع الکلب وخروجه حیا

ص: 91


1- منهم ابن إدریس فی السرائر : (12) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد : (13) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 3 ).
2- المنتهی ( 1 : 15 ).
3- منهم ابن حزم فی المحلی ( 1 : 185 ).
4- التهذیب ( 1 : 237 - 687 ) ، الإستبصار ( 1 : 38 - 103 ) ، الوسائل ( 1 : 134 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (1).

وبنزح خمس لذرق الدجاج الجلال ، وبنزح ثلاث لموت الحیّة والفأرة.

______________________________________________________

ویمکن القول بالاکتفاء فی ذلک بالخمس ، لصحیحة أبی أسامة (1) ، بل لو قیل بالاکتفاء بمسمی الدلاء ، لصحیحة علی بن یقطین (2) وحمل الخمس والسبع علی الاستحباب کان وجها قویا.

وأوجب ابن إدریس - رحمه الله - هنا نزح أربعین (3) ، إذ لا نص فیه عنده ، وإنما اکتفی فیه بالأربعین مع حکمه بنزح الجمیع لما لا نص فیه ، لأنها تجزئ لموته کما مر ، فلوقوعه حیا أولی.

قوله : وبنزح خمس لذرق الدجاج الجلال.

المراد بالجلال : المغتذی بعذرة الإنسان محضا إلی أن یسمی فی العرف جلالا. وأطلق الشیخ - رحمه الله - فی جملة من کتبه (4) نزح الخمس لذرق الدجاج بناء علی القول بنجاسته. وهو ضعیف جدا کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی. ولم أقف علی نص یقتضی النزح لذلک. واستقرب المصنف فی المعتبر دخوله فی قسم العذرة (5). وفیه بعد. ولو اکتفی فیه بنزح دلاء کما یشعر به صحیحة محمد بن إسماعیل (6) کان وجها حسنا.

قوله : وبنزح ثلاث لموت الحیة والفأرة.

أما نزح الثلاث للفأرة فمعلوم مما سبق.

ما ینزح لذرق الدجاج الجلال ولموت الحیة والفأرة

ص: 92


1- المتقدمة فی ص (81).
2- المتقدمة فی ص (81).
3- السرائر : (11).
4- کما فی المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
5- المعتبر ( 1 : 76 ).
6- الکافی ( 3 : 5 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 244 - 705 ) ، الإستبصار ( 1 : 44 - 124 ) ، الوسائل ( 1 : 130 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (21).

وبنزح دلو لموت العصفور وشبهه ،

______________________________________________________

وأما الحیة فقد اعترف الأصحاب بعدم ورود نص فیها علی الخصوص. وقال فی المعتبر : الذی أراه وجوب النزح فی الحیة ، لأن لها نفسا سائلة ومیتتها نجسة (1). واستبعده المتأخرون. والحکم بنزح الثلاث فیها للشیخ (2) وأتباعه (3). وحکی فی المعتبر عن علی بن بابویه - رحمه الله - فی رسالته أنه اکتفی فیها بدلو واحد (4). ونقل عنه فی المختلف أنه قال : ینزح منها سبع دلاء (5).

والأظهر الاکتفاء فیها بالثلاث ، بناء علی ما ذکره فی المعتبر من أنّ لها نفسا سائلة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن الصادق علیه السلام : قال : « إذا سقط فی البئر شی ء صغیر فمات فیها فانزح منها دلاء » (6).

قوله : وبنزح دلو لموت العصفور وشبهه.

مستنده روایة عمار ، عن الصادق علیه السلام حیث قال فیها : « وأقله العصفور ینزح منها دلو واحد » (7) وفی الطریق ضعف. وذکر الشارح - قدس سره - أنه یدخل فی شبهه کلما دون الحمامة فی الحجم ، وأنه لا یلحق به الطیر فی حال صغره (8). وهو مشکل والأجود قصر الحکم علی ما یصدق علیه اسم العصفور ، إذ لا دلیل علی إلحاق غیره

ما ینزح لموت العصفور وشبهه

ص: 93


1- المعتبر ( 1 : 75 ).
2- المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
3- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 22 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (130) ، وسلار فی المراسم : (36).
4- المعتبر ( 1 : 74 ).
5- المختلف : (9).
6- الکافی ( 3 : 6 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 240 - 694 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 92 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (6) ، مع اختلاف یسیر.
7- التهذیب ( 1 : 234 - 678 ) ، الوسائل ( 1 : 141 ) أبواب الماء المطلق ب (21) ح (2).
8- المسالک ( 1 : 3 ) ، وروض الجنان : (155).

ولبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام.

______________________________________________________

به ، وأولی به : نزح الخمس أو الثلاث للطیر مطلقا ، لصحیحتی الفضلاء (1) وعلی بن یقطین (2) ، عن الباقر والصادق والکاظم صلوات الله علیهم.

قوله : ولبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام.

اختلف الأصحاب فیما ینزح لبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام اغتذاء مستندا إلی إرادته وشهوته ، فذهب الشیخان (3) وابن البراج (4) - رحمهم الله - إلی أنه دلو واحد ، واستدل علیه فی التهذیب بروایة علی بن أبی حمزة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن بول الصبی الفطیم یقع فی البئر ، قال : « دلو واحد » (5) والظاهر أنه - رحمه الله - إنما استدل بمفهوم الروایة لا بمنطوقها ، فإن منطوقها بول الفطیم لکن إذا اکتفی فی بول الفطیم بدلو واحد فالرضیع أولی ، إلا أنّ منطوقها غیر معمول علیه عند الأصحاب.

وقال أبو الصلاح (6) وابن زهرة (7) : ینزح له ثلاث دلاء ، ولم أقف لهما علی مستند ، ومقتضی صحیحة معاویة بن عمار نزح الجمیع فی بول الصبی من غیر تفصیل (8).

ما ینزح لبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام

ص: 94


1- التهذیب ( 1 : 236 - 682 ) ، الإستبصار ( 1 : 36 - 99 ) ، الوسائل ( 1 : 135 ) أبواب الماء المطلق ب (17) ح (5).
2- المتقدمة فی ص (81).
3- المفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 12 ) ، والنهایة : (7).
4- المهذب ( 1 : 22 ).
5- التهذیب ( 1 : 243 - 700 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 90 ) ، الوسائل ( 1 : 133 ) أبواب الماء المطلق ب (16) ح (2).
6- الکافی فی الفقه : (130).
7- الغنیة : ( الجوامع الفقهیة ) : (552).
8- التهذیب ( 1 : 241 - 696 ) ، الإستبصار ( 1 : 35 - 94 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (4).

وفی ماء المطر وفیه البول والعذرة وخرء الکلاب ثلاثون دلوا.

______________________________________________________

قوله : وفی ماء المطر وفیه البول والعذرة وخرء الکلاب ثلاثون دلوا.

المستند فی ذلک روایة کردویه : قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن بئر یدخلها ماء المطر فیه البول ، والعذرة ، وأبوال الدواب ، وأرواثها ، وخرء الکلاب قال : « ینزح منها ثلاثون دلوا وإن کانت مبخرة » (1).

وأورد هنا إشکال : وهو أنّ العذرة وحدها مع الذوبان ینزح لها خمسون فإذا انضم إلیها غیرها من البول - وقد روی صحیحا أنه ینزح له الجمیع (2) - وأبوال الدواب وأرواثها وخرء الکلاب یتضاعف النجاسة فکیف یکتفی بالثلاثین؟! وأجیب عنه : بأنه یمکن تنزیل الروایة علی ماء المطر المخالط لهذه النجاسات مع استهلاک أعیانها (3). وفیه تکلف.

وأجاب عنه جدی - قدس سره - بجواز استناد التخفیف إلی مصاحبة ماء المطر ، قال : ومن نظر إلی ما ینفعل عنه البئر وما یطهر به ، واشتمالها علی جمع المتباینات کالهر والخنزیر ، وتفریق المتماثلات کالکلب والکافر والثور والبقرة ، یزول عنه استبعاد حکم هذه النجاسات منفردة عن ماء المطر ومصاحبة له (4).

وما ذکره - رحمه الله - جید مع وضوح المأخذ ، لکن الراوی لهذه الروایة وهو کردویه مجهول (5). وقیل : إنه لقب لمسمع بن عبد الملک ککردین. ومسمع غیر موثق (6) فلا

ما ینزح لماء المطر وفیه البول والعذرة وخرء الکلاب

ص: 95


1- الفقیه ( 1 : 16 - 35 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 413 - 1300 ) ، الإستبصار ( 1 : 43 - 120 ) ، الوسائل ( 1 : 133 ) أبواب الماء المطلق ب (16) ح (3).
2- الوسائل ( 1 : 140 ) أبواب الماء المطلق ب (20).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 13 ).
4- المسالک ( 1 : 3 ).
5- لم یذکره النجاشی ولا الشیخ بل لم ینص أحد علی توثیقه کما قال فی معجم رجال الحدیث ( 14 : 114 - 9722 ).
6- راجع رجال النجاشی : ( 420 - 1124 ) ، ورجال الشیخ : ( 321 ، 136 ).

والدلو التی ینزح بها ما جرت العادة باستعمالها.

______________________________________________________

تصلح لمعارضة الأخبار الواردة بنزح المقادیر المعینة لتلک النجاسات (1) ، والأجود اطراح هذه الروایة والعمل بما اقتضته الأخبار الصحیحة.

قوله : والدلو التی ینزح بها ما جرت العادة باستعمالها.

ینبغی أن یکون المرجع فی الدلو إلی العرف العام ، فإنه المحکّم فیما لم یثبت فیه وضع من الشارع ، ولا عبرة بما جرت العادة باستعماله فی تلک البئر إذا کان مخالفا له. ونقل عن بعض المتقدمین أنّ المراد بالدلو الهجریة (2) التی وزنها ثلاثون رطلا أو أربعون. وهو ضعیف.

ولو نزح بإناء عظیم ما تخرجه الدلاء المقدرة فقد قطع العلامة فی أکثر کتبه بالاجتزاء به (3) ، لحصول الغرض وهو إخراج ذلک القدر من الماء. واستقرب المصنف فی المعتبر عدم الإجزاء ، لعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، ولأن الحکمة تعلقت بالعدد ولا نعلم حصولها مع عدمه (4).

ولو غارت الماء ثم عادت سقط النزح ، لأن الظاهر من النصوص تعلق النزح بالماء الذی وقعت فیه النجاسة ، ولانتفاء القطع بنجاسة الماء العائد. ومن ذلک یعلم أنه لو لم یف الماء بنزح المقدرات المعینة اکتفی بنزح الجمیع.

الدلو التی ینزح بها

ص: 96


1- الوسائل ( 1 : 140 ) أبواب الماء المطلق ب (20) ، وص (131) ب (15) ، وص (133) ب (16).
2- هجر بفتحتین : بلد بقرب المدینة یذکر فیصرف وهو الأکثر ویؤنث فیمنع وإلیها تنسب القلال علی لفظها فیقال : هجریة وقلال هجر بالإضافة إلیها. والقلال جمع قلة : إناء للعرب کالجرة الکبیرة شبه الحب. ( المصباح المنیر : 2. 634 ).
3- کما فی التذکرة ( 1 : 4 ) ، والقواعد ( 1 : 6 ) ، وتحریر الأحکام : (5).
4- المعتبر ( 1 : 77 ).

فروع ثلاثة :

الأول : حکم صغیر الحیوان فی النزح حکم کبیره.

الثانی : اختلاف أجناس النجاسة موجب لتضاعف النزح ، وفی تضاعفه مع التماثل تردّد ، أحوطه التضعیف ،

______________________________________________________

قوله : فروع ثلاثة ، الأول ، حکم صغیر الحیوان فی النزح حکم کبیره.

ینبغی أن یراعی فی ذلک إطلاق الاسم. وروی الحلبی فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « إذا سقط فی البئر شی ء صغیر فمات فیها فانزح منها دلاء » (1).

ونقل عن الصهرشتی شارح النهایة أنه ألحق صغیر الطیور بالعصفور (2). وقد عرفت أنّ المتجه إلحاق الجمیع بالطیر (3).

قوله : الثانی ، اختلاف أنواع النجاسة موجب لتضاعف النزح ، وفی تضاعفه مع التماثل تردد ، أحوطه التضعیف.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة علی أقوال ، ففرق فی ثالثها بین المتخالفة والمتماثلة ، فیتضاعف فی الأول دون الثانی ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی هذا الکتاب ، واستدل علیه فی المعتبر : بأنّ النجاسة من الجنس الواحد لا تتزاید ، إذ النجاسة الکلبیة أو البولیة موجودة فی کل جزء فلا تتحقق زیادة توجب زیادة النزح ، ولا کذلک الأجناس المختلفة ، لاختلاف المقتضی (4).

- فروع

حکم صغیر الحیوان حکم کبیره

تضاعف النزح بتعدد الساقط فیه وعدمه

ص: 97


1- الکافی ( 3 : 6 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 240 - 694 ) ، الإستبصار ( 1 : 34 - 92 ) ، الوسائل ( 1 : 132 ) أبواب الماء المطلق ب (15) ح (6) ، بتفاوت یسیر.
2- نقل عنه فی المعتبر ( 1 : 73 ).
3- تقدم فی ص (93).
4- المعتبر ( 1 : 78 ).

إلا أن یکون بعضا من جملة لها مقدّر ، فلا یزید حکم أبعاضها عن جملتها.

______________________________________________________

والأحوط التضاعف مطلقا ، لأن الأصل عدم تداخل المسببات عند اختلاف الأسباب ، ولأن کثرة الواقع تزید مقدار النجاسة فیزید شیوعها فی الماء فیناسبه زیادة النزح. وإن کان القول بالتداخل مطلقا لیس بذلک البعید ، لأن نزح القدر المشترک بین الأمرین والأکثر منهما مقتض لامتثال الأمرین معا ، فیحصل الإجزاء ، علی حد ما یقال فی تداخل الأغسال والغسلات المعتبرة فی التطهیر ، وقد عرفت أنّ علل الشرع معرفات للأحکام فلا یضر تعددها علی معلول واحد.

وکیف کان فیجب القطع بالتداخل فیما إذا کانت النجاسة المتعددة مما یصدق اسمها علی القلیل والکثیر کالخمر والبول ونحوهما ، ولو کان الحکم فی ذلک مختلفا بالقلة والکثرة کالدم وحصلت الکثرة بالدفعة الثانیة مثلا وجب له منزوح الأکثر خاصة.

ولا یخفی أنّ موضع الخلاف ما لا یوجب نزح الجمیع من النجاسات أما فیها فلا ریب فی التداخل ، لما بیناه فیما سبق من عدم وجوب ما زاد علی نزح الجمیع (1). وفی الاکتفاء بتراوح الیوم الواحد مع تعذره وجهان.

قوله : إلا أن یکون بعضا من جملة لها مقدر ، فلا یزید حکم أبعاضها عن جملتها.

لا ریب فی عدم زیادة حکم الأبعاض عن الجملة ، وإنما الکلام فی وجوب منزوح الجملة للبعض ، فقیل بالوجوب (2) ، لتوقف القطع بیقین البراءة علیه. واحتمل المحقق الشیخ علی - رحمه الله - إلحاقه بغیر المنصوص ، لعدم تناول اسم الجملة له (3). وهو إنما یتم إذا کان منزوح غیر المنصوص أقل من منزوح الجملة ، إذ لا یعقل زیادة حکم الجزء

حکم سقوط أبعاض المقدر لها

ص: 98


1- تقدم فی ص (96).
2- کما فی الذکری : (10) فإنه قال : أبعاض المقدّر کالمقدّر.
3- جامع المقاصد ( 1 : 13 ).

الثالث : إذا لم یقدّر للنجاسة منزوح نزح جمیع مائها. فإن تعذّر نزحها لم تطهر إلا بالتراوح.

______________________________________________________

علی الکل.

ولو وجد جزءان وشک فی کونهما من واحد أو اثنین فالأقرب عدم التضاعف ، لأصالة عدم التعدد.

قوله : الثالث ، إذا لم یقدّر للنجاسة منزوح نزح جمیع مائها ، فإن تعذر نزحها لم تطهر إلا بالتراوح.

هذه المسألة لا تجری عند القائلین بالطهارة ، لأن استحباب النزح أو وجوبه تعبدا موقوف علی ورود الأمر به والمفروض عدمه.

أما القائلون بالنجاسة فقد اختلفوا فیها علی أقوال. أشهرها : ما اختاره المصنف - رحمه الله - من وجوب نزح الجمیع إن أمکن وإلا فالتراوح. أما وجوب نزح الجمیع فلتوقف القطع بجواز استعمال الماء علیه ، وأما الاکتفاء بالتراوح مع تعذره فلما تقدم (1).

وأورد علیه : أن ذلک غیر مقتض للقطع بجواز استعمال الماء أیضا ، لعدم ثبوت طهارة البئر نفسه بذلک. ویمکن دفعه : بأن الإجماع منعقد علی عدم اشتراط ما زاد علی نزح الجمیع.

وثانیها : وجوب نزح أربعین ، اختاره العلامة فی جملة من کتبه (2) ، وحکاه فی المختلف عن ابن حمزة (3) والشیخ فی المبسوط (4) ، محتجا بقولهم علیهم السلام : « ینزح

حکم النجاسات التی لم یقدر لها

ص: 99


1- فی ص (67).
2- کما فی الإرشاد ( مجمع الفائدة ) ( 1 : 270 ).
3- الوسیلة : (75).
4- المبسوط ( 1 : 12 ).

______________________________________________________

منها أربعون دلوا وإن صارت مبخرة ». وهذه الروایة لم نقف علیها فی شی ء من الأصول ، وصدرها المتضمن لبیان متعلق الأربعین غیر معلوم ، وظاهرها متروک ، فیسقط الاحتجاج بها رأسا.

وما قیل من أن الشیخ ثقة ثبت فلا یرسل إلا عن ثقة ، وأنه لو لا علمه بدلالة صدرها علی موضع النزاع لما احتج بها. فظاهر الفساد.

واحتج العلامة فی النهایة (1) علی هذا القول أیضا بروایة کردویه (2) ، وهو وهم. نعم یمکن الاستدلال علیه بصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع المتقدمة فی أدلة الطهارة (3) ، فإنها صریحة فی الاکتفاء فی طهارة البئر مع تغیره بنزح ما یزیل التغیر خاصة وعدم وجوب نزح الماء کله ، ومتی انتفی وجوب نزح الجمیع مع التغیر انتفی مع عدمه بطریق أوّلی فیثبت الأربعون ، لعدم الجزم بحصول الطهارة بالثلاثین. وفیه ما فیه.

وثالثها : الاکتفاء فیه بنزح ثلاثین ، حکاه شیخنا الشهید - رحمه الله - فی شرح الإرشاد عن السید جمال الدین بن طاوس - رحمه الله - فی البشری ونفی عنه البأس ، واحتج علیه بروایة کردویه. وهو عجیب ، إذ لا دلالة لها علی المتنازع بوجه فإن موردها نجاسات مخصوصة والکلام إنما هو فی غیر المنصوص.

والمسألة محل إشکال ، ولا ریب أن بنزح الجمیع یحصل یقین البراءة ، ویحتمل الاکتفاء بما یزول به التغیر لو کان ، لدلالة روایة ابن بزیع علی الاکتفاء فی طهارته مع التغیر بنزح ما یذهب الریح ویطیب الطعم مطلقا ، وما یکفی مع التغیر یکفی مع عدمه بطریق أولی.

ص: 100


1- نهایة الأحکام ( 1 : 260 ).
2- المتقدمة فی ص (95).
3- المتقدمة فی ص (55).

وإذا تغیّر أحد أوصاف مائها بالنجاسة ، قیل : ینزح حتی یزول التغیر ، وقیل : ینزح ماؤها. فإن تعذر لغزارته تراوح علیها أربعة رجال ، وهو الأولی.

______________________________________________________

واعلم : أنّ المراد بالنص هنا مطلق الدلیل النقلی سواء کان قولا أو فعلا ، نصا بالمعنی المصطلح علیه أو ظاهرا ، فیکون المراد بغیر المنصوص ما لم یثبت حکمه بدلیل نقلی. وعرّف الشهید - رحمه الله - النص هنا بأنه القول أو الفعل الصادر عن معصوم الراجح المانع من النقیض (1). وهو غیر جید.

قوله : وإذا تغیر أحد أوصاف مائها بالنجاسة ، قیل : ینزح حتی یزول التغیر ، وقیل : ینزح ماؤها ، فإن تعذر لغزارته تراوح علیها أربعة رجال ، وهو الأولی.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة علی أقوال منتشرة ، وأکثرها مستند إلی اعتبارات ضعیفة ، والأقوی تفریعا علی القول بعدم نجاسة البئر بالملاقاة الاکتفاء فی طهارته مع التغیر بزواله مطلقا ، لصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن الرضا علیه السلام (2) فإنها صریحة فی ذلک.

أما علی القول بالنجاسة فیتجه وجوب أکثر الأمرین من استیفاء المقدّر وما به یزول التغیر فی المقدّر ، ونزح الجمیع فی غیره إن أمکن وإلا فالتراوح ، ویحتمل قویا الاکتفاء فیه بزوال التغیر مطلقا ، لأن الخروج عن مقتضی النص الصحیح السند الصریح الدلالة لا یخلو من مجازفة. وإنما لم نتعرض لنقل بقیة الأقوال فی المسألة والکلام علیها ، لظهور ضعفها مما قررناه.

حکم البئر إذا تغیر أحد أو صاف مائها بالنجاسة

ص: 101


1- نقله عن شرح الإرشاد للشهید فی روض الجنان : (15).
2- التهذیب ( 1 : 234 - 676 ) ، الإستبصار ( 1 : 33 - 87 ) ، الوسائل ( 1 : 126 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (6).

ویستحب أن یکون بین البئر والبالوعة خمس أذرع إذا کانت الأرض صلبة أو کانت البئر فوق البالوعة ، وإن لم تکن کذلک فسبع.

______________________________________________________

تفریع : لو زال تغیر البئر بغیر النزح ونحوه من المطهرات طهرت علی المختار ، لمکان المادة. وعلی القول الآخر یحتمل وجوب نزح الجمیع ، لعدم أولویة البعض وتوقف الیقین علیه ، ویحتمل الاکتفاء بنزح المقدّر إن کان ، وإلا بما یتحقق به زوال التغیر علی تقدیر بقائه ، أخذا من باب مفهوم الموافقة ، ولعله الأقرب.

قوله : ویستحب أن یکون بین البئر والبالوعة خمس أذرع إذا کانت الأرض صلبة ، أو کانت البئر فوق البالوعة ، وإن لم یکن کذلک فسبع.

المراد بالبالوعة هنا : ما یرمی فیها ماء النزح ، أو غیره من النجاسات. ومعنی فوقیة البئر : أن یکون قرارها أعلی من قرار البالوعة ، بأن تکون البالوعة أعمق منها. ولا یخفی أنّ المراد بالذراع المذکورة هنا الذراع الهاشمیة المحدودة فی بیان المسافة. وما اختاره المصنف من الاکتفاء بالخمس مع صلابة الأرض أو فوقیة البئر وإلا فالسبع هو المشهور بین الأصحاب.

وقال ابن الجنید : إن کانت الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فلیکن بینهما اثنا عشر ذراعا ، وإن کانت الأرض صلبة أو کانت البئر فوق البالوعة فلیکن بینهما سبع (1) والمعتمد الأول.

لنا : إن فیه جمعا بین روایة الحسن بن رباط ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن البالوعة تکون فوق البئر فقال : « إذا کانت أسفل من البئر فخمسة أذرع ، وإن کانت فوق البئر فسبعة أذرع من کل ناحیة وذلک کثیر » (2) وروایة

المسافة التی تکون بین البئر والبالوعة

ص: 102


1- نقله عنه فی المختلف : (15).
2- الکافی ( 3 : 7 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 410 - 1290 ) ، الاستبصار ( 1 : 45 - 126 ) ، وفی الوسائل ( 1 : 145 ) أبواب الماء المطلق ب (24) ح (3) رواه عن الحسین بن أسباط ، والظاهر أنه تصحیف لعدم ثبوت وجود هکذا شخص ( راجع : معجم رجال الحدیث 5 : 235 - 3391 ).

______________________________________________________

قدامة ابن أبی زید الحمّار (1) ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته کم أدنی ما یکون بین البئر والبالوعة؟ فقال : « إن کانت سهلا فسبعة أذرع ، وإن کانت جبلا فخمسة أذرع » (2).

احتج العلامة فی المختلف (3) لابن الجنید بروایة محمد بن سلیمان الدیلمی ، عن أبیه ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البئر یکون إلی جنبها الکنیف فقال لی : « إنّ مجری العیون کلها مع مهب الشمال ، فإذا کانت النظیفة فوق الشمال والکنیف أسفل منها لم یضرها إذا کان بینهما أذرع ، وإن کان الکنیف فوق النظیفة فلا أقل من اثنی عشر ذراعا ، وإن کان تجاهها بحذاء القبلة وهما مستویان فی مهب الشمال فسبعة أذرع » (4).

وألحق جماعة من المتأخرین بالفوقیة الحسیة الفوقیة بالجهة ، فحکموا بالاکتفاء بالخمس مع استواء القرارین ورخاوة الأرض إذا کانت البئر فی جهة الشمال ، استنادا إلی هذه الروایة (5). وهی غیر دالة علی ذلک ، بل ولا علی ما ذکره ابن الجنید ، مع أنها ضعیفة جدا بمحمد بن سلیمان الدیلمی وأبیه ، فقد قیل : إن سلیمان کان غالیا

ص: 103


1- اختلف ضبطه فی کتب الرجال فقال فی معجم الرجال ( 10 : 249 ) : الحمّار ثم ذکر بدله الجمّال بلا ترجیح ، وفی جامع الرواة ( 1 : 496 ) : قدامة بن أبی یزید الجمّار ، بلا تعرض للاختلاف. ولم یتعرضه فی تنقیح المقال ، لا فی ترجمته ولا فی ترجمة عبد الله بن عثمان ( وهو الراوی عنه ) وکذا فی کتب القدماء.
2- الکافی ( 3 : 8 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 410 - 1291 ) ، الإستبصار ( 1 : 45 - 127 ) ، الوسائل ( 1 : 145 ) أبواب الماء المطلق ب (24) ح (2).
3- المختلف : (15).
4- التهذیب ( 1 : 410 - 1292 ) ، الوسائل ( 1 : 145 ) أبواب الماء المطلق ب (24) ح (6).
5- منهم الشهید الثانی فی روض الجنان : (156).

______________________________________________________

کذابا (1). وقال القتیبی : إنه کان من الغلاة الکبار (2). وقال النجاشی : إن ابنه محمدا ضعیف جدا لا یعول علیه فی شی ء (3). وأیضا فإنها مجملة الدلالة ، متروکة الظاهر ، مخالفة للاعتبار ، فالأجود اطراحها رأسا.

وبالجملة : فالأخبار الواردة فی هذه المسألة (4) کلها ضعیفة السند ، لکن المقام مقام استحباب فالأمر فیه هین.

واعلم : أنه علی ما اعتبره المتأخرون یتحصل فی المسألة أربع وعشرون صورة ، لأن امتداد البئر والبالوعة إما أن یکون فی جهة الجنوب والشمال ، أو فیما بین المشرق والمغرب ، وبکل تقدیر إما أن تکون الأرض صلبة أو رخوة ، فهذه ثمان صور ، ثم إما أن یستوی القراران حسا أو تکون البئر أعلی أو البالوعة.

فإن کانت البئر فی جهة الشمال فصوره ست.

الأولی : قرارها أعلی والأرض صلبة.

الثانیة : الصورة بحالها والأرض رخوة.

الثالثة : استواء القرارین والأرض صلبة.

الرابعة : الصورة بحالها والأرض رخوة.

الخامسة : قرار البالوعة أعلی والأرض صلبة. وفی هذه الصور الخمس یستحب التباعد عندهم بخمس.

السادسة : الصورة بحالها والأرض رخوة والتباعد هنا بسبع. ومنه یعلم حکم الصور

ص: 104


1- کما فی رجال النجاشی : ( 182 - 842 ).
2- کما فی رجال الکشی ( 2 : 673 - 704 ). ففیه : محمد بن مسعود ، قال ، قال علی بن محمد : سلیمان الدیلمی من الغلاة الکبار.
3- رجال النجاشی : ( 365 - 987 ).
4- الوسائل ( 1 : 144 ) أبواب الماء المطلق ب (24).

ولا یحکم بنجاسة البئر إلا أن یعلم وصول ماء البالوعة إلیها.

______________________________________________________

الباقیة إلا أنّ التباعد فی الصورة الرابعة یکون فیها بسبع ، فالتباعد بخمس فی سبع عشرة صورة وبسبع فی سبع.

قوله : ولا یحکم بنجاسة البئر إلا أن یعلم وصول ماء البالوعة إلیها.

بل الأظهر عدم نجاستها إلا بالتغیر ، وهذا الحکم معلوم مما سبق (1) ویدل علیه أیضا روایة محمد بن القاسم ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی البئر یکون بینها وبین الکنیف خمسة أذرع أو أقل أو أکثر یتوضأ منها؟ قال : « نعم ، لیس یکره من قرب ولا بعد ، یتوضأ منها ویغتسل » (2) ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر : قالوا : قلنا له : بئر یتوضأ منها یجری البول قریبا منها ، أینجسها؟ قال ، فقال : « إن کانت البئر فی أعلی الوادی یجری فیه البول من تحتها وکان بینهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ینجس ذلک شی ء. وإن کانت البئر فی أسفل الوادی ویمر الماء علیها وکان بین البئر وبینه تسعة أذرع لم ینجسها ، وما کان أقل من ذلک لم یتوضأ منه » قال زرارة : فقلت له : فإن کان مجری البول بلزقها وکان لا یلبث علی الأرض؟ فقال : « ما لم یکن له قرار فلیس به بأس وإن استقر منه قلیل فإنه لا یثقب الأرض ولا یغوله (3) حتی یبلغ البئر ولیس علی البئر منه بأس فتوضأ منه إنما ذلک إذا استنقع کله » (4) وزاد فی الکافی بعد قوله : لم ینجس ذلک شی ء : « وإذا کان

ص: 105


1- المتقدم فی ص (55).
2- الکافی ( 3 : 8 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 411 - 1294 ) ، الإستبصار ( 1 : 46 - 129 ) ، الوسائل ( 1 : 126 ) أبواب الماء المطلق ب (24) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
3- یغوله : یغلبه ( راجع مجمع البحرین 5 : 437 ).
4- التهذیب ( 1 : 410 - 1293 ) ، الإستبصار ( 1 : 46 - 128 ) ، الوسائل ( 1 : 144 ) أبواب الماء المطلق ب (24) ح (1).

وإذا حکم بنجاسة الماء لم یجز استعماله فی الطهارة مطلقا ، ولا فی الأکل والشرب إلا عند الضرورة.

______________________________________________________

أقل من ذلک نجّسها » (1).

لأنا نقول : یمکن تأویلها بما یوافق المشهور جمعا بین الأدلة بأن یحمل قوله : نجّسها ، علی المعنی اللغوی ، ویحمل النهی عن الوضوء منها علی التنزیه ، ویحمل البأس علی ما یتناول الکراهة.

ویمکن القدح فیها بالإضمار ، لعدم العلم بالمسؤول عنه فلعله ممّن لا یجب اتباع قوله. إلا أنّ ذلک غیر قادح عند التحقیق ، إذ الظاهر أن هؤلاء الأجلاء لا یروون إلا عن إمام.

فرع : قال فی المنتهی : لو تغیر ماؤها تغیرا یصلح استناده إلی البالوعة فهو علی الطهارة ما لم یحصل الیقین بالاستناد ، وکذا غیر البالوعة من النجاسات (2).

قوله : وإذا حکم بنجاسة الماء لم یجز استعماله فی الطهارة مطلقا ، ولا فی الأکل والشرب إلا عند الضرورة.

المراد بعدم الجواز هنا معناه المتعارف وهو التحریم بقرینة قوله : ولا فی الأکل والشرب. فإن استعماله فیهما محرم قطعا. وإنما کانت الطهارة بالنجس محرمة ، لأن استعمال المکلف النجس فیما یعده طهارة فی نظر الشارع أو إزالة نجاسة یتضمن إدخال ما لیس من الشرع فیه ، فیکون حراما لا محالة ، کما فی الصلاة بغیر طهارة.

ویحتمل أن یراد بعدم الجواز هنا عدم الاعتداد بالطهارة فی رفع الحدث ، وبه صرح العلامة - رحمه الله - فی النهایة ، حیث قال بعد أن حکم بتحریم ذلک : إنا لا نعنی

عدم جواز استعمال المحکوم بنجاسته

ص: 106


1- الکافی ( 3 : 7 - 2 ).
2- المنتهی ( 1 : 19 ).

ولو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما. وإن لم یجد غیر مائهما تیمّم.

______________________________________________________

بالتحریم حصول الإثم بذلک ، بل نعنی عدم الاعتداد به فی رفع الحدث (1).

والمراد بالإطلاق هنا شمول حالتی الاختیار والاضطرار مقابل القید الذی بعده ، فإنّ الماء النجس لا یصح الطهارة به إجماعا ، بل ینتقل معه إلی التیمم کما حکاه فی النهایة. ویحتمل أن یرید بالإطلاق أنه لا فرق فی ذلک بین الطهارة الحقیقیة والمجازیة لیشمل إزالة النجاسة.

قوله : ولو اشتبه الإناء النجس بالطاهر وجب الامتناع منهما ، وإن لم یجد غیر مائهما تیمم.

هذا مذهب الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن رجل معه إناءان فیهما ماء وقع فی أحدهما قذر لا یدری أیهما هو ، ولیس یقدر علی ماء غیره قال : « یهریقهما ویتیمم » (2) وهی ضعیفة السند بجماعة من الفطحیة (3).

واحتج علیه فی المختلف أیضا : بأن اجتناب النجس واجب قطعا ، وهو لا یتم إلا باجتنابهما معا ، وما لا یتم الواجب إلا به فهو واجب (4).

وفیه نظر : فإن اجتناب النجس لا یقطع بوجوبه إلاّ مع تحققه بعینه لا مع الشک فیه ، واستبعاد سقوط حکم هذه النجاسة شرعا إذا لم یحصل المباشرة بجمیع ما وقع فیه

حکم الإناءین المشتبهین

ص: 107


1- (1) نهایة الأحکام ( 1 : 246 )
2- التهذیب ( 1 : 248 - 712 ) ، ( 407 - 1281 ) ، الوسائل ( 1 : 116 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (14) ، بتفاوت یسیر.
3- وهم ابن فضال ، وعمرو بن سعید ، ومصدق بن صدقة ، وعمار الساباطی.
4- المختلف : (16).

______________________________________________________

الاشتباه غیر ملتفت إلیه ، وقد ثبت نظیره فی حکم واجدی المنی فی الثوب المشترک ، واعترف به الأصحاب فی غیر المحصور أیضا ، والفرق بینه وبین المحصور غیر واضح عند التأمل. ویستفاد من قواعد الأصحاب أنه لو تعلق الشک بوقوع النجاسة فی الماء وخارجه لم ینجس الماء بذلک ولم یمنع من استعماله. وهو مؤید لما ذکرناه.

وهنا أبحاث :

الأول : إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین ما لو کان الاشتباه حاصلا من حین العلم بوقوع النجاسة وبینما لو طرأ الاشتباه بعد تعیّن النجس فی نفسه. والفرق بینهما محتمل ، لتحقق المنع من استعمال ذلک المتعین فیستصحب إلی أن یثبت الناقل عنه.

الثانی : لو أصاب أحد الإناءین جسم طاهر بحیث ینجس بالملاقاة لو کان الملاقی معلوم النجاسة ، فهل یجب اجتنابه کالنجس أم یبقی علی أصل الطهارة؟ فیه وجهان أظهرهما : الثانی ، وبه قطع المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی حاشیة الکتاب ، ومال إلیه جدی - قدس سره - فی روض الجنان (1) ، لأن احتمال ملاقاة النجس لا یرفع الطهارة المتیقنة ، وقد روی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، أنه قال : « لیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبدا » (2).

وقیل بالأول ، وهو اختیار العلامة فی المنتهی محتجا بأن المشتبه بالنجس بحکم النجس (3). وضعفه ظاهر ، للقطع بأن موضع الملاقاة کان طاهرا فی الأصل ولم یعرض له ما یقتضی ظن ملاقاته للنجاسة فضلا عن الیقین.

ص: 108


1- روض الجنان : (156).
2- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الإستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، الوسائل ( 2 : 1061 ) أبواب النجاسات ب (41) ح (1).
3- المنتهی ( 1 : 30 ).

______________________________________________________

وقولهم : ان المشتبه بالنجس بحکم النجس ، لا یریدون به من جمیع الوجوه ، بل المراد صیرورته بحیث یمنع استعماله فی الطهارة خاصة. ولو صرحوا بإرادة المساواة من کل وجه کانت الدعوی خالیة من الدلیل ، إلا أن الاحتیاط یقتضی الاجتناب غالبا.

الثالث : مقتضی النص (1) وکلام الأصحاب وجوب التیمم والحال هذه إذا لم یکن المکلف متمکنا من الماء الطاهر مطلقا. وقد یخص ذلک بما إذا لم یمکن الصلاة بطهارة متیقنة بهما کما إذا أمکن الطهارة بأحدهما والصلاة ثم تطهیر الأعضاء مما لاقاه ماء الوضوء والوضوء بالآخر. لکن یرد علیه : أنّ هذین الماءین قد صارا محکوما بنجاستهما شرعا واستعمال النجس فی الطهارة مما لا یمکن التقرب به ، لأنه بدعة. وفیه ما فیه.

واعلم : أن المشتبه بالمغصوب کالمشتبه بالنجس فی وجوب الاجتناب وبطلان الطهارة به ، للنهی عن استعمال کل واحد منهما.

وأما المشتبه بالمضاف فقد قطع الأصحاب بوجوب الطهارة بکل واحد منهما ، وأنه مع انقلاب أحدهما یجب الوضوء بالآخر والتیمم ، مقدّما الأول علی الثانی.

وقد یقال : إن الماء الذی یجب استعماله فی الطهارة إن کان هو ما علم کونه ماءا مطلقا فالمتجه الاجتزاء بالتیمم وعدم وجوب الوضوء به کما هو الظاهر. وإن کان هو ما لا یعلم کونه مضافا اکتفی بالوضوء ، فالجمع بین الطهارتین غیر واضح. ومع ذلک فوجوب التیمم إنما هو لاحتمال کون المنقلب هو المطلق فلا یکون الوضوء بالآخر مجزیا ، وهذا لا یتفاوت الحال فیه بین تقدیم التیمم وتأخیره کما هو واضح.

ص: 109


1- الوسائل ( 2 : 966 ) أبواب التیمم ب (4).

الثانی فی المضاف :

وهو کل ما اعتصر من جسم أو مزج به مزجا یسلبه إطلاق الاسم. وهو طاهر لکن لا یزیل حدثا إجماعا ،

______________________________________________________

قوله : الثانی فی المضاف ، وهو : کل ما اعتصر من جسم أو مزج به مزجا یسلبه إطلاق الاسم.

قد بینا فیما سبق أنّ هذه التعریفات کلها لفظیة علی قانون أهل اللغة ، وهو تبدیل اسم باسم آخر أشهر منه ، وإن کان أعم من موضوعه (1). وحینئذ فلا یرد علی هذا التعریف أنه غیر مطرد ولا منعکس ، لانتقاضه طردا بالمصعّد ، وعکسا بالدم المعتصر مثلا ( مع إمکان اندفاع الثانی بقراءة : « ما » بالمد کما هو ظاهر ) (2).

قوله : وهو طاهر لکن لا یزیل حدثا إجماعاً ،

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وخالف فیه ابن بابویه - رحمه الله - فجوّز رفع الحدث بماء الورد (3). ولم یعتبر المصنف - رحمه الله - خلافه حیث ادّعی الإجماع علی عدم حصول الرفع به لمعلومیة نسبه ، أو لانعقاد الإجماع بعده. والمعتمد المشهور.

ولنا علیه وجوه :

الأول : قوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (4) أوجب التیمم عند فقد الماء المطلق ، لأن الماء حقیقة فیه ، واللفظ إنما یحمل علی حقیقته ، ولو کان الوضوء جائزا بغیره لم یجب التیمم عند فقده ، وذلک ظاهر.

- الماء المضاف

ص: 110


1- فی ص (7).
2- ما بین القوسین لیس فی : « س ».
3- الهدایة : (13) ، الفقیه ( 1 : 6 ) ، الأمالی : (514).
4- النساء : (43) ، المائدة : (6).

______________________________________________________

الثانی : قوله علیه السلام فی روایة أبی بصیر وقد سأله عن الوضوء باللبن : « لا إنما هو الماء والصعید » (1) نفی أن یکون غیر الماء والصعید مطهرا ، والتقریب ما تقدم.

الثالث : قوله تعالی ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) (2) وجه الاستدلال أنه تعالی خص التطهیر بالماء النازل من السماء ، فلا یکون غیره مطهرا.

أما المقدمة الأولی : فلأنه تعالی ذکر ذلک فی معرض الامتنان ، فلو حصلت الطهارة بغیره کان الامتنان بالأعم أولی ، ولم یظهر للتخصیص فائدة.

وأما الثانیة : فظاهرة ، کذا استدل فی المختلف (3).

وفیه نظر : لجواز أن یخصّ أحد الشیئین الممتنّ بهما بالذکر إذا کان أبلغ وأکثر وجودا وأعم نفعا ، وقد تقرر أنّ التخصیص بالذکر لا ینحصر فی التخصیص بالحکم.

الرابع : إن الحدث وهو المنع من الصلاة معنی مستفاد من الشارع فیجب استمراره إلی أن یثبت له رافع شرعی ، والذی ثبت التعبد باستعماله وکونه رافعا للحدث هو الماء المطلق ، فینتفی بدونه.

واحتج ابن بابویه - رحمه الله - بما رواه یونس ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی الرجل یغتسل بماء الورد ویتوضأ به للصلاة قال : « لا بأس بذلک » (4) وهو ضعیف ، لاشتمال سنده علی سهل بن زیاد وهو عامی (5) ومحمد بن عیسی عن یونس وقد نقل الصدوق - رحمه الله - عن شیخه ابن الولید - رحمه الله - أنه لا یعتمد علی حدیث محمد

ص: 111


1- التهذیب ( 1 : 188 - 540 ) ، الإستبصار ( 1 : 155 - 534 ) ، الوسائل ( 1 : 146 ) أبواب الماء المضاف ب (2) ح (1).
2- الفرقان : (48).
3- المختلف : (10).
4- الکافی ( 3 : 73 - 12 ) ، التهذیب ( 1 : 218 - 627 ) ، الإستبصار ( 1 : 14 - 27 ) ، الوسائل ( 1 : 148 ) أبواب الماء المضاف ب (3) ح (1).
5- تفرّد السید المؤلف بنسبة العامیة الیه ولم نجد من نسبها الیه غیره.

ولا خبثا علی الأظهر. ویجوز استعماله فیما عدا ذلک.

______________________________________________________

بن عیسی عن یونس (1).

وحکم الشیخ - رحمه الله - فی کتابی الأخبار (2) بشذوذ هذه الروایة ، وأن العصابة أجمعت علی ترک العمل بظاهرها. ثم أجاب عنها باحتمال أن یکون المراد بالوضوء التحسین والتنظیف ، أو بأن یکون المراد بماء الورد الماء الذی وقع فیه الورد دون أن یکون معتصرا منه. وما هذا شأنه فهو بالإعراض عنه حقیق.

ونقل المصنف فی المعتبر اتفاق الناس جمیعا علی أنه لا یجوز الوضوء بغیر ماء الورد من المائعات (3).

قوله : ولا خبثا علی الأظهر.

خالف فی ذلک المرتضی - رحمه الله - فی شرح الرسالة (4) ، والمفید - رحمه الله - فی المسائل الخلافیة (5) فجوزا إزالة الخبث به مطلقا.

والأصح عدمه کما اختاره المصنف (6) وأکثر الأصحاب ، لورود الأمر بغسل الثوب والبدن بالماء فی عدة أخبار (7) ، وهو حقیقة فی المطلق ، فیجب حمله علیه. ولا ینافی ذلک إطلاق الأمر بالغسل فی بعضها أیضا ، لأن المقید یحکّم علی المطلق کما هو مقرر فی الأصول.

ص: 112


1- کما فی رجال النجاشی : ( 333 - 896 ).
2- التهذیب ( 1 : 219 ) ، الاستبصار ( 1 : 14 ).
3- المعتبر ( 1 : 82 ).
4- نقله عن شرح الرسالة فی المعتبر ( 1 : 82 ) وهذا القول والاحتجاج الذی یلیه موجود فی المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (183).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 82 ).
6- المعتبر ( 1 : 82 ).
7- الوسائل ( 1 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1).

______________________________________________________

احتج المرتضی - رحمه الله - بإجماع الفرقة ، وبإطلاق قوله تعالی ( وَثِیابَکَ فَطَهِّرْ ) (1) وقوله علیه السلام : « إنما یغسل الثوب من المنی والدم » (2) والطهارة والغسل بحسب المفهوم متناول لما کان بالماء وغیره. ثم اعترض علی نفسه فی الأول : بالمنع من تناول الطهارة للغسل بغیر الماء.

وفی الثانی : بأن إطلاق الأمر بالغسل ینصرف إلی ما یغسل به فی العادة ، ولم تقض العادة بالغسل بغیر الماء.

وأجاب عن الأول : بأنّ تطهیر الثوب لیس بأکثر من إزالة النجاسة عنه وقد زالت بغسله بغیر الماء مشاهدة ، لأن الثوب لا تلحقه عبادة.

وعن الثانی : بالمنع من اختصاص الغسل بما یسمی الغاسل به غاسلا عادة ، ولو کان کذلک لوجب المنع من غسل الثوب بماء الکبریت والنفط وغیرهما مما لم تجر العادة بالغسل فیه ، ولما جاز ذلک - وإن لم یکن معتادا - إجماعا علمنا عدم الاشتراط بالعادة ، وأنّ المراد بالغسل ما یتناوله اسمه حقیقة من غیر اعتبار العادة (3). هذا کلامه - رحمه الله -.

ویرد علی الأول : المنع من تساوی المفهومین شرعا ، کیف وقد اشترط هو - رحمه الله - فی تطهیر النجس ورود الماء علیه ولم یکتف بوروده علی الماء (4). وأجمع علماؤنا علی أنّ إزالة النجاسة بالبصاق لا یفید طهارة المحل ، ولو اتحدا مفهوما للزم طهارة المحل بمجرد زوال النجاسة به مطلقا.

ص: 113


1- المدثر : (4).
2- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (183) ، المعتبر ( 1 : 415 ).
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (183).
4- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (183).

ومتی لاقته النجاسة نجس قلیله وکثیره ، ولم یجز استعماله فی أکل ولا شرب.

ولو مزج طاهره بالمطلق اعتبر فی رفع الحدث به إطلاق الاسم.

______________________________________________________

وعلی الثانی : أنّ الغسل إنما ینصرف إلی ما هو المعتاد الجاری علی ألسنة أهل العرف وهو الغسل بالماء المطلق ، کما فی قول القائل : اسقنی. ولئن سلم عدم تناوله لماء الکبریت ونحوه لم یقدح ذلک فی جواز الطهارة به ، لانعقاد الإجماع علی الجواز کما اعترف به هو - رحمه الله - ومع ذلک فوجوب حمل المطلق علی المقید یبطل التمسک بما ذکره من الظواهر.

قوله : ومتی لاقته نجاسة نجس قلیله وکثیره.

قال المصنف فی المعتبر : هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. واستدل علیه بأن المائع قابل للنجاسة ، والنجاسة موجبة لنجاسة ما لاقته ، فیظهر حکمها عند الملاقاة ثم تسری النجاسة بممازجة المائع بعضه بعضا (1) ، وهو حسن.

ولا تسری النجاسة مع اختلاف السطوح إلی الأعلی قطعا ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

ومتی حکم بنجاسة هذا الماء امتنع استعماله فی مشروط بالطهارة. ولا سبیل إلی طهارته إلا باختلاطه بالجاری أو الکثیر من الماء المطلق الطاهر وصیرورته ماءا مطلقا ، فیجوز استعماله حینئذ فیما یستعمل فیه المیاه المطلقة.

قوله : ولو مزج طاهره بالمطلق اعتبر فی رفع الحدث به إطلاق الاسم.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین ما إذا کان المضاف مخالفا للمطلق فی الصفات أو موافقا له کماء الورد المنقطع الرائحة.

والحکم باعتبار الاسم فی الأول مجمع علیه بین الأصحاب علی ما نقله جماعة (2).

نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة

لو مزج المضاف بطاهر

ص: 114


1- المعتبر ( 1 : 84 ).
2- منهم ابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : (552) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 3 ).

______________________________________________________

وإنما الخلاف فی الثانی فنقل عن الشیخ - رحمه الله - اعتبار الأکثر وجواز الاستعمال مع المساواة (1). وعن ابن البراج المنع من الاستعمال مع المساواة أیضا (2). واعتبر العلامة (3) المخالفة المقدرة کالحکومة فی الحر (4). قال فی الذکری : فحینئذ یعتبر الوسط فی المخالفة ولا یعتبر فی الطعم حدّة الخل ولا فی الرائحة ذکاء المسک (5). وهو حسن. ویحتمل اعتبار أقل ما یتحقق به المخالفة ، والأصح ما أطلقه المصنف - رحمه الله - من اعتبار الاسم ، لأنه مناط الأحکام.

إذا تقرر ذلک فاعلم : أنه لو کان مع المکلف ماء لا یکفیه للطهارة وأمکن تتمیمه بالمضاف مع بقاء الاسم وجب علیه ذلک علی الأظهر ، فإن ما لا یتم الواجب إلا به فهو واجب.

ونقل عن الشیخ - رحمه الله - أنه منع من وجوب التتمیم وحکم بأن فرضه التیمم ، مع أنه أوجب علیه الوضوء بعده (6). فألزمه العلامة بتنافی قولیه ، لأن الماء المطلق إن تحقق وجوده بالمزج صح الوضوء به ووجب المزج ، وإلا وجب الحکم بعدم صحة الوضوء (7).

وأجاب عنه ولده فی الشرح : بأنّ الطهارة واجب مشروط بوجود الماء والتمکن منه ، فلا یجب إیجاده ، لأن شرط الواجب المشروط غیر واجب ، أما مع وجوده فیتعین

ص: 115


1- المبسوط ( 1 : 8 ).
2- المهذب ( 1 : 24 ).
3- المنتهی ( 1 : 5 ) ، والتذکرة ( 1 : 3 ) ، والمختلف : (14).
4- أی : کما یقدر الحرّ عبدا فی الحکومة.
5- الذکری : (7).
6- المبسوط ( 1 : 9 ).
7- المختلف : (14).

وتکره الطهارة بماء أسخن بالشمس فی الآنیة ،

______________________________________________________

استعماله (1).

وفیه نظر : فإنه إن أراد بإیجاد الماء ما لا یدخل تحت قدرة المکلف فهو حق ولا ینفعه ، وإن أراد به الأعم فممنوع ، لأنه لو توقف وجود الماء علی حفر بئر ونحوه وجب قطعا ، فالتنافی بحاله.

قوله : وتکره الطهارة بماء أسخن بالشمس فی الآنیة.

الأصل فی ذلک ما رواه إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی الحسن علیه السلام : قال : « دخل رسول الله صلی الله علیه و آله علی عائشة وقد وضعت قمقمتها فی الشمس فقال : یا حمیراء ما هذا؟ فقالت : أغسل رأسی وجسدی ، فقال : لا تعودی فإنه یورث البرص » (2) وحکم المصنف فی المعتبر بصحة سند هذا الحدیث (3). وهو غیر واضح ، لأن فی طریقه إبراهیم بن عبد الحمید ، ودرست ، وهما واقفیان (4) ، ومحمد بن عیسی العبیدی وفیه کلام (5).

وما رواه إسماعیل بن أبی زیاد ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : الماء الذی یسخن بالشمس لا توضئوا به ولا تغتسلوا به ولا تعجنوا به ، فإنه یورث البرص » (6).

کراهة الطهارة بماء أسخن بالشمس

ص: 116


1- إیضاح الفوائد ( 1 : 18 ).
2- التهذیب ( 1 : 366 - 1113 ) ، الإستبصار ( 1 : 30 - 79 ) ، الوسائل ( 1 : 150 ) أبواب الماء المضاف ب (6) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 40 ).
4- راجع رجال الشیخ : ( 344 ، 348 ).
5- راجع معجم رجال الحدیث ( 17 : 113 - 11509 ).
6- الکافی ( 3 : 15 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 379 - 1177 ) ، الوسائل ( 1 : 150 ) أبواب الماء المضاف ب (6) ح (2). بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

وحملهما الأصحاب علی الکراهة ، لضعف سندهما ، ولما روی عن الصادق علیه السلام بطریق ضعیف أیضا أنه قال : « لا بأس أن یتوضأ بالماء الذی یوضع فی الشمس » (1).

وإطلاق الخبر الثانی یقتضی عموم الکراهة سواء کان الماء فی آنیة أو فی غیرها ، وسواء کانت الآنیة منطبعة أم لا ، وسواء قصد إلی تسخینه أو تسخن من قبل نفسه ، وسواء کانت البلاد حارة أو معتدلة ، وسواء استعمل فی الطهارة أو غیرها.

لکن قال العلامة فی النهایة : إن التعلیل بکونه یورث البرص یقتضی قصر الحکم علی الأوانی المنطبعة غیر الذهب والفضة ، فی البلاد الحارة ، لأن الشمس الحارة إذا أثرت فی تلک الأوانی استخرجت منها زهومة تعلو الماء ، ومنها یتولد المحذور. وقال : إنّ ما یسخن فی الحیاض والبرک لا تکره الطهارة به إجماعا (2).

واعلم : أنّ المراد بالمکروه هنا ما نهی الشارع عنه لرجحان ترکه علی فعله علی بعض الوجوه. وما قیل من أنّ مکروه العبادة عبارة عما کان أقل ثوابا من غیره (3). فغیر جید ، لانتقاضه بکثیر من المستحبات والواجبات.

وینبغی القطع بانتفاء الکراهة مع تعین استعمال ذلک الماء ، لتوجه الأمر باستعماله عینا المنافی لتعلق النهی به کما لا یخفی.

کراهة غسل الأموات بماء أسخن بالنار

- الماء المستعمل

ص: 117


1- التهذیب ( 1 : 366 - 1114 ) ، الإستبصار ( 1 : 30 - 78 ) ، الوسائل ( 1 : 151 ) أبواب الماء المضاف ب (6) ح (3) ، بتفاوت یسیر.
2- نهایة الأحکام ( 1 : 226 ).
3- کما فی المسالک ( 1 : 75 ) فإنه قال فی کراهة الصوم فی السفر : والمراد کونه أنقص ثوابا من الصوم فی الحضر کنظائره من مکروه العبادة.

وبماء أسخن بالنار فی غسل الأموات.

والماء المستعمل فی غسل الأخباث نجس ، سواء تغیر بالنجاسة أو لم یتغیر ،

______________________________________________________

قوله : وبماء أسخن بالنار فی غسل الأموات.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی (1). وتدل علیه صحیحة زرارة : قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « لا یسخن الماء للمیت ولا یعجل له النار » (2) والنهی وإن کان حقیقة فی التحریم لکنه محمول علی الکراهة ، لاتفاق الأصحاب علی أن ذلک غیر محرم.

قال الشیخ - رحمه الله - : ولو خشی الغاسل من البرد انتفت الکراهة (3). وهو حسن (4).

قوله : والماء المستعمل فی غسل الأخباث نجس ، سواء تغیر بالنجاسة أو لم یتغیر.

أما نجاسته مع التغیر فبإجماع الناس ، قاله فی المعتبر (5) ، لما تقدم من أنّ غلبة النجاسة علی الماء مقتضیة لتنجیسه. وأما إذا لم یتغیر فقد اختلف فیه کلام الأصحاب ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط : هو نجس ، وفی الناس من قال لا ینجس إذا لم

حکم الماء المستعمل فی غسل الأخباث

ص: 118


1- المنتهی ( 1 : 430 ).
2- لم نعثر علی حدیث لزرارة بهذا النص ، نعم یوجد « لا یسخن الماء للمیت » بدون ذیل الحدیث فی التهذیب ( 1 : 322 - 938 ) ، والوسائل ( 2 : 693 ) أبواب غسل المیت ب (10) ح (1) ، ووردت بتمامها بسند آخر عن یعقوب بن یزید عن عدة من أصحابنا عن أبی عبد الله علیه السلام فی الکافی ( 3 : 147 - 2 ) ، والتهذیب ( 1 : 322 - 937 ) ، والوسائل ( 2 : 693 ) أبواب غسل المیت ب (10) ح (3).
3- الخلاف ( 1 : 279 ) ، والمبسوط ( 1 : 177 ) ، والنهایة : (33).
4- فی « ح » زیادة : لما بیناه فی المسألة السابقة.
5- المعتبر ( 1 : 90 ).

______________________________________________________

تغلب النجاسة علی أحد أوصافه ، وهو قوی ، والأول أحوط (1). واختلف کلامه فی الخلاف ، فقال فی موضع منه : إذا أصاب الثوب نجاسة فغسل بالماء [ فانفصل الماء ] (2) عن المحل فأصاب الثوب أو البدن ، فإن کان من الغسلة الأولی فإنه نجس ویجب غسله والموضع الذی یصیبه ، وإن کان من الغسلة الثانیة لا یجب غسله إلا أن یکون متغیرا بالنجاسة (3). ثم قال فی موضع آخر منه : إذا أصاب من الماء الذی یغسل به الإناء من ولوغ الکلب ثوب الإنسان أو جسده لا یجب غسله سواء کان من الدفعة الأولی أو الثانیة أو الثالثة (4).

وقال السید المرتضی - رحمه الله - فی جواب المسائل الناصریة بعد أن نقل عن الشافعی الفرق بین ورود الماء علی النجاسة وورودها علیه ، واعتبار القلتین فی الثانی دون الأول : ویقوّی فی نفسی عاجلا إلی أن یقع التأمل صحة ما ذهب إلیه الشافعی (5). ومقتضاه عدم نجاسة الماء بوروده علی النجاسة مطلقا سواء فی ذلک ما یزال به النجاسة وغیره.

وحکی العلامة فی المختلف عن ابن إدریس القول بالطهارة (6). ولم أقف علی عبارته.

ص: 119


1- المبسوط ( 1 : 92 ). إلاّ أن فیه : « الأقوی » مکان « قوی ». وکذا فی النسخة الحجریة للمدارک.
2- ما بین المعقوفتین أثبتناه من المصدر.
3- الخلاف ( 1 : 48 ).
4- الخلاف ( 1 : 49 ).
5- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
6- المختلف : (13).

______________________________________________________

وقال ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : فأما الماء الذی یغسل به الثوب ، أو یغتسل به من الجنابة ، أو تزال به النجاسة فلا یتوضأ به (1). والتسویة بینه وبین رافع الأکبر یشعر بطهارته.

وقطع المصنف والعلامة (2) بالنجاسة مطلقا ، واستدل علیه فی المعتبر (3) : بأنه ماء قلیل لاقی نجاسة فیجب أن ینجس ، وبروایة العیص بن القاسم : قال : سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فیه وضوء فقال : « إن کان من بول أو قذر فیغسل ما أصابه » (4).

واحتج علیه فی المختلف (5) أیضا بما رواه عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الماء الذی یغسل به الثوب أو یغتسل به من الجنابة لا یجوز أن یتوضأ منه وأشباهه » (6).

وفی الجمیع نظر :

أما الأول : فلمنع کلیة کبراه ، کما بیناه فیما سبق. وأما الروایتان فضعیفتا السند کما اعترف به المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (7) ، قاصرتا الدلالة ، بل ربما کان فی الثانیة إشعار بالطهارة من حیث التسویة بین ما یغسل به الثوب ویغتسل به من الجنابة.

ص: 120


1- الفقیه ( 1 : 10 ).
2- المنتهی ( 1 : 24 ) ، والمختلف : (13) ، والتذکرة ( 1 : 5 ).
3- المعتبر ( 1 : 90 ).
4- المعتبر ( 1 : 90 ) ، الذکری : (9) ، الوسائل ( 1 : 156 ) أبواب الماء المضاف ب (9) ح (14).
5- المختلف : (13).
6- التهذیب ( 1 : 221 - 630 ) ، الإستبصار ( 1 : 27 - 71 ) ، الوسائل ( 1 : 155 ) أبواب الماء المضاف ب (9) ح (13) ، بتفاوت یسیر.
7- المعتبر ( 1 : 90 ).

______________________________________________________

احتج السید المرتضی (1) - رحمه الله - علی ما نقل عنه بأنا لو حکمنا بنجاسة الماء القلیل الوارد علی النجاسة لأدّی ذلک إلی أن الثوب لا یطهر من النجاسة إلاّ بإیراد کر من الماء علیه ، والتالی باطل بالمشقة المنتفیة بالأصل فالمقدم مثله. وبیان الشرطیة : أنّ الملاقی للثوب ماء قلیل فلو نجس حال الملاقاة لم یطهر الثوب ، لأن النجس لا یطهر غیره.

وأجاب عنه فی المختلف بالمنع من الملازمة ، قال : فإنا نحکم بتطهیر الثوب ، والنجاسة فی الماء بعد انفصاله عن المحل (2).

وضعفه ظاهر ، لأن ذلک یقتضی انفکاک المعلول عن العلة التامة ووجوده بدونها ، وهو معلوم البطلان. نعم یمکن أن یقال : إنه لا منافاة بین الحکم بطهارة الثوب المغسول وما یتصل به من البلل ، ونجاسة المنفصل خاصة إذا اقتضته الأدلة ، لکن یبقی الکلام فی إثبات ذلک.

احتج الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف علی نجاسة الغسلة الأولی بأنه ماء قلیل لاقی نجاسة فوجب الحکم بنجاسته. وعلی طهارة الثانیة بالأصل ، وانتفاء الدلیل علی النجاسة ، وبالروایات المتضمنة لطهارة ماء الاستنجاء (3). وعلی طهارة غسالة الإناء مطلقا بأن الحکم بنجاستها یحتاج إلی دلیل ولیس فی الشرع ما یدل علیه ، وبأنه لو کان المنفصل نجسا لما طهر الإناء ، لأنه کان یلزم نجاسة البلّة الباقیة بعد المنفصل ثم ینجس الماء الثانی بنجاسة البلة وکذا ما بعده (4).

ص: 121


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
2- المختلف : (13).
3- الوسائل ( 1 : 160 ) أبواب الماء المضاف ب (13).
4- الخلاف ( 1 : 50 ).

______________________________________________________

ولا یخفی ما فی هذه الأدلة من التدافع. والأجود الاستدلال علی الطهارة بالأصل السالم عما یصلح للمعارضة ، فإن الروایات المتضمنة لنجاسة القلیل بالملاقاة لا تتناول ذلک صریحا ولا ظاهرا ، وتخرج الروایات الدالة علی طهارة ماء الاستنجاء شاهدا.

ویظهر من الشهید فی الذکری المیل إلی ذلک ، فإنه اعترف بأنه لا دلیل علی النجاسة سوی الاحتیاط (1). ویرد علیه : أن الاحتیاط لیس بدلیل شرعی إلاّ أن المصیر إلیه أولی.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : ذکر جماعة من الأصحاب أنّ من قال بطهارة الغسالة اعتبر فیها ورود الماء علی النجاسة (2). وهو الذی صرح به المرتضی فی جواب المسائل الناصریة (3) ولا بأس به ، لأن أقصی ما یستفاد من الروایات انفعال القلیل بورود النجاسة علیه (4) فیکون غیره باقیا علی حکم الأصل.

وربما ظهر من کلام الشهید فی الذکری (5) عدم اعتبار ذلک ، فإنه مال إلی الطهارة مطلقا ، واستوجه عدم اعتبار الورود فی التطهیر. وهو مشکل ، لنجاسة الماء بورود النجاسة علیه عنده. اللهم إلاّ أن نقول : إن الروایات إنما تضمنت المنع من استعمال القلیل بعد ورود النجاسة علیه وذلک لا ینافی الحکم بطهارة المحل المغسول فیه ، لصدق الغسل مع الورود وعدمه. وسیجی ء تمام الکلام فی هذه المسألة إن شاء الله تعالی.

الثانی : اختلف القائلون بعدم نجاسة الغسالة فی أن ذلک هل هو علی سبیل العفو

ص: 122


1- الذکری : (9).
2- منهم الشهید الثانی فی روض الجنان : (159).
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
4- الوسائل ( 1 : 112 ) أبواب الماء المطلق ب (8).
5- الذکری : (9).

عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر ما لم یتغیر بالنجاسة أو تلاقیه نجاسة من خارج.

______________________________________________________

بمعنی الطهارة دون الطهوریة؟ أو تکون باقیة علی ما کانت علیه من الطهوریة؟ أو یکون حکمها حکم رافع الحدث الأکبر؟ فقال بکل قائل. وقال فی المعتبر : إنّ ما یزال به النجاسة لا یرفع به الحدث إجماعا (1).

الثالث : حکی شیخنا الشهید - رحمه الله - فی بعض ما ینسب إلیه قولا لبعض أصحابنا بنجاسة الغسالة مطلقا وإن زاد الغسل علی العدد الواجب (2). وهو باطل ، لمخالفته لأصول المذهب بل لا نعرف القائل به ، وربما نسب إلی المصنف والعلامة (3) وهو خطأ ، فإن المسألة فی کلامهما مفروضة فیما یزال به النجاسة وهو لا یصدق علی الماء المنفصل بعد الحکم بالطهارة.

قوله : عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر ما لم یتغیر بالنجاسة أو تلاقیه نجاسة من خارج.

استثنی الأصحاب من غسالة النجاسة ماء الاستنجاء من الحدثین فحکموا بعدم نجاسته. لما فی إیجاب التفصی منه من الحرج والعسر المنفیین بالآیة والروایة ، ولصحیحة عبد الملک بن عتبة الهاشمی : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقع ثوبه علی الماء الذی استنجی به أینجس ذلک ثوبه؟ قال : « لا » (4).

وصحیحة محمد بن النعمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال ، قلت له : استنجی ثم یقع ثوبی فیه وأنا جنب ، قال : « لا بأس به » (5).

طهارة ماء الاستنجاء

ص: 123


1- المعتبر ( 1 : 90 ).
2- الدروس : (16).
3- نسبه إلیهما الشهید فی الذکری : (9).
4- التهذیب ( 1 : 86 - 228 ) ، الوسائل ( 1 : 161 ) أبواب الماء المضاف ب (13) ح (5) ، إلاّ أنّ الروایة فیهما عن عبد الکریم بن عتبة الهاشمی.
5- التهذیب ( 1 : 86 - 227 ) ، الوسائل ( 1 : 161 ) أبواب الماء المضاف ب (13) ح (4).

______________________________________________________

وحسنة الأحول - وهو محمد بن النعمان - : قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أخرج من الخلاء فأستنجی فی الماء فیقع ثوبی فی ذلک الماء الذی استنجیت به ، قال : « لا بأس به » (1).

وشرط المصنف وغیره (2) فی الحکم بطهارته عدم تغیره بالنجاسة ، وعدم وقوعه علی نجاسة خارجة عن محله. واشتراطهما ظاهر.

واشترط بعض الأصحاب زیادة علی ذلک أن لا یخالط نجاسة الحدثین نجاسة أخری ، وأن لا ینفصل مع الماء أجزاء من النجاسة متمیزة ، لأنها کالنجاسة الخارجة ینجس بها الماء بعد مفارقة المحل. (3) واشتراطهما أحوط وإن کان للتوقف فیه مجال ، لإطلاق النص.

واعتبر شیخنا الشهید فی الذکری عدم زیادة وزنه (4). وتقدمه فی ذلک العلامة فی النهایة ، فجعل زیادة الوزن فی مطلق الغسالة کالتغیر (5). وهو بعید جدا.

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی ذلک بین المخرجین ، ولا بین الطبیعی وغیره ، ولا بین المتعدی وغیره إلاّ أن یتفاحش علی وجه لا یصدق علی إزالته اسم الاستنجاء.

وهل هو طاهر أم معفو عنه؟ الأظهر : الأول ، لأنه المستفاد من الأخبار (6) ، ونقل

ص: 124


1- الکافی ( 3 : 13 - 5 ) ، الفقیه ( 1 : 41 - 162 ) ، التهذیب ( 1 : 85 - 223 ) ، الوسائل ( 1 : 160 ) أبواب الماء المضاف ب (13) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
2- منهم العلامة فی القواعد ( 1 : 5 ) ، والتذکرة ( 1 : 5 ) ، وتحریر الأحکام ( 1 : 5 ).
3- منهم المحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 11 ).
4- الذکری : (9).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 244 ).
6- الوسائل ( 1 : 160 ) أبواب الماء المطلق ب (13).

______________________________________________________

علیه الإجماع.

وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری عن المصنف فی المعتبر أنه قال : لیس فی ماء الاستنجاء تصریح بالطهارة وإنما هو بالعفو (1). وتبعه فی ذلک المحقق الشیخ علی فی شرح القواعد (2). وقال جدی - قدس سره - فی روض الجنان : وفی المعتبر هو عفو (3).

ولم أقف علی ما نقلوه فی الکتاب المذکور ، بل کلامه فیه کالصریح فی الطهارة فإنه قال : وأما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشیخین ، وقال علم الهدی فی المصباح : لا بأس بما ینضح من ماء الاستنجاء علی الثوب والبدن. وکلامه صریح فی العفو ولیس بصریح فی الطهارة ، ویدل علی الطهارة ما رواه الأحول (4). ونقل الروایتین المتقدمتین (5).

واعلم أنّ إطلاق العفو عن ماء الاستنجاء یقتضی جواز مباشرته مطلقا ، وعدم وجوب إزالته عن الثوب والبدن للصلاة وغیرها ، وهذا معنی الطاهر بعینه فلا یستقیم ما نقله المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی حواشی الکتاب عن المصنف فی المعتبر أنه اختار کونه نجسا معفوا عنه. بل ولا جعل القول بالعفو عنه مقابلا للقول بطهارته.

والظاهر : أنّ مرادهم بالعفو هنا عدم الطهوریة کما یفهم من کلام شیخنا الشهید فی الذکری حیث قال بعد نقل القول بالطهارة والعفو : وتظهر الفائدة فی استعماله (6).

ص: 125


1- الذکری : (9).
2- جامع المقاصد ( 1 : 11 ).
3- روض الجنان : (160).
4- المعتبر ( 1 : 91 ). لکنه قال بعد نقل الروایتین : ولأن التفصی منه عسر فشرع العفو رفعا للعسر. وهو یفید العفو ، ولعل هذه العبارة کانت ساقطة من نسخته رحمه الله کما یستفاد ذلک من کلامه.
5- فی ص (123).
6- الذکری : (9).

والمستعمل فی الوضوء طاهر ومطهّر. وما استعمل فی الحدث الأکبر طاهر. وهل یرفع به الحدث ثانیا؟ فیه تردد ، والأحوط المنع.

______________________________________________________

وقد نقل المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی الإجماع علی عدم جواز رفع الحدث بما تزال به النجاسة مطلقا (1). فتنحصر فائدة الخلاف فی جواز إزالة النجاسة به ثانیا ، والأصح الجواز ، تمسکا بالعموم ، وصدق الامتثال باستعماله.

قوله : والمستعمل فی الوضوء طاهر مطهّر.

هذا الحکم إجماعی عندنا ، وخالف فیه أبو حنیفة - علیه ما یستحق - فحکم بأنه نجس نجاسة مغلظة حتی أنه إذا أصاب الثوب أکثر من درهم منع أداء الصلاة (2) - وهو علی إطلاقه باطل ، نعم - (3) وربما کان حقا بالنسبة إلیه.

قوله : وما استعمل فی رفع الحدث الأکبر طاهر ، وهل یرفع به الحدث ثانیا؟ فیه تردد ، والأحوط المنع.

اختلف الأصحاب فی الماء القلیل المستعمل فی الطهارة الکبری بعد اتفاقهم علی طهارته ، فقال الشیخان (4) وابنا بابویه (5) - رحمهم الله - إنه غیر رافع للحدث ، واحتاط به المصنف. وذهب المرتضی (6) وابن إدریس (7) - رحمهما الله - وأکثر

حکم الماء المستعمل فی الوضوء أو رفع الحدث الأکبر

ص: 126


1- المعتبر ( 1 : 90 ) ، المنتهی ( 1 : 24 ).
2- قال ابن قدامة فی المغنی ( 1 : 48 ) : قال أبو یوسف هو نجس وهو روایة عن أبی حنیفة. ولم أعثر علی من نسب الیه هذا القول سواه. وقال الشیخ فی الخلاف ( 1 : 46 ) وقال أبو یوسف الماء المستعمل نجس وکان یحکیه عن أبی حنیفة وأصحابه یدفعونه عنه.
3- ما بین القوسین من « ح ».
4- المفید فی المقنعة : (9) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 11 ).
5- کما فی الفقیه ( 1 : 10 ) ، ونقله عن ابنی بابویه فی المختلف : (12).
6- جمل العلم : (49) ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
7- السرائر : (32).

______________________________________________________

المتأخرین (1) إلی بقائه علی الطهوریة. وهو الأظهر ، لصدق الامتثال باستعماله ، ولأن واجده واجد للماء المطلق فلا یسوغ له التیمم أخذا بظاهر قوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (2).

ویشهد له أیضا ما رواه الفضیل بن یسار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : فی الرجل الجنب یغتسل فینتضح من الماء فی الإناء ، فقال : « لا بأس ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) » (3).

احتج المانع : بأن الماء المستعمل مشکوک فیه فلا یحصل معه تیقن البراءة ، وبقول الصادق علیه السلام فی روایة ابن سنان : « الماء الذی یغسل به الثوب أو یغتسل به الرجل من الجنابة لا یجوز أن یتوضأ منه وأشباهه » (4).

والجواب عن الأول : بمنع الشک مع صدق الإطلاق. وعن الثانی : بالطعن فی سند الحدیث وقد تقدم (5).

والمراد بالمستعمل : الماء القلیل المنفصل عن أعضاء الطهارة. فعلی هذا لو نوی المرتمس فی القلیل بعد تمام ارتماسه ارتفع حدثه ، وصار الماء مستعملا بالنسبة إلی غیره لا بالنسبة إلیه.

ص: 127


1- منهم فخر المحققین فی إیضاح الفوائد ( 1 : 19 ) ، والشهید الأول فی البیان : (47) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 11 ).
2- المائدة : (6).
3- الکافی ( 3 : 13 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 86 - 224 ) ، الوسائل ( 1 : 153 ) أبواب الماء المضاف ب (1) ح (5).
4- التهذیب ( 1 : 221 - 630 ) ، الإستبصار ( 1 : 27 - 71 ) ، الوسائل ( 1 : 155 ) أبواب الماء المضاف ب (9) ح (13).
5- فی ص (120).

الثالث فی الأسئار :

وهی کلها طاهرة عدا سؤر الکلب والخنزیر والکافر.

______________________________________________________

وظاهر العبارة : أنّ الخلاف إنما وقع فی رفع الحدث به ثانیا لا فی إزالة الخبث. وبه صرح العلامة فی المنتهی (1) ، وولده فی الشرح (2) فإنهما نقلا إجماع علمائنا علی جواز رفع الخبث به. وربما یظهر من عبارة الذکری تحقق الخلاف فی ذلک أیضا فإنه قال بعد أن نقل عن الشیخ والمصنف الجواز : وقیل : لا ، لأن قوته استوفیت فألحق بالمضاف (3).

وهو ضعیف جدا. وربما کان القول للعامة کما یشعر به التعلیل.

قوله : الثالث ، فی الأسئار.

الأسئار : جمع السؤر بالهمزة وهو لغة : الفضلة والبقیة قاله فی القاموس (4). وقال فی المعتبر : السؤر مهموزا بقیة المشروب (5). والأظهر فی تعریفه فی هذا الباب : أنه ماء قلیل لاقاه فم حیوان.

وعرفه الشهید (6) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (7) بأنه ماء قلیل باشره جسم حیوان.

وهو غیر جید. أما أولا : فلأنه مخالف لما نصّ علیه أهل اللغة ، ودل علیه العرف العام ، بل والخاص أیضا ، کما یظهر لمن تتبع الأخبار وکلام الأصحاب ، وإن ذکر بعضهم فی باب السؤر غیره استطرادا (8). وکون الغرض هنا بیان الطهارة والنجاسة

ص: 128


1- المنتهی ( 1 : 23 ).
2- إیضاح الفوائد ( 1 : 19 ).
3- الذکری : (12).
4- القاموس المحیط ( 2 : 44 ).
5- المعتبر ( 1 : 93 ).
6- البیان : (46).
7- منهم الشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 46 ).
8- منهم الأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 283 ).

وفی سؤر المسوخ تردد ، والطهارة أظهر. ومن عدا الخوارج والغلاة من أصناف المسلمین طاهر الجسد والسؤر.

______________________________________________________

لا یقتضی هذا التعمیم ، لأن حکم ما عدا السؤر یستفاد من مباحث إزالة النجاسات.

وأما ثانیا : فلأن الوجه الذی جعل لأجله السؤر قسیما للمطلق مع کونه قسما منه بحسب الحقیقة وقوع الخلاف فی نجاسة بعضه من طاهر العین وکراهة بعض آخر ، ولیس فی کلام القائلین بذلک دلالة علی اعتبار مطلق المباشرة ، بل کلامهم ودلیلهم کالصریح فی أنّ مرادهم بالسؤر المعنی الذی ذکرناه خاصة فتأمل.

قوله : وفی سؤر المسوخ تردد ، والطهارة أظهر.

منشأ التردد هنا غیر ظاهر ، إذ لیس لأصالة الطهارة معارض یعتد به.

ونقل عن الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف أنه حکم بنجاسة المسوخ لتحریم بیعها (1). وهو ضعیف جدا ، لمنع التحریم والملازمة. واستوجه المصنف فی المعتبر الکراهة رفعا لشبهة الاختلاف (2). وهو حسن.

قوله : ومن عدا الخوارج والغلاة من أصناف المسلمین طاهر الجسد والسؤر.

المراد بالخوارج : أهل النهروان ومن قال بمقالتهم. وبالغلاة : من قال بإلهیة علی علیه السلام ، أو أحد من الناس : والحق بهم النواصب ، وهم المبغضون لأهل البیت علیهم السلام . وألحق الشیخ - رحمه الله - المجبرة والمجسمة (3). وابن إدریس - رحمه الله - کل مخالف للحق (4). وعندی فی جمیع ذلک توقف ، وسیأتی تتمة الکلام فی ذلک

الاٴسئار

حکم سؤر المسوخ

طهارة سؤر المسلم عدا الخوارج والغلاة

ص: 129


1- الخلاف ( 1 : 587 ).
2- المعتبر ( 1 : 99 ).
3- المبسوط ( 1 : 14 ).
4- السرائر : (3).

ویکره سؤر الجلاّل ، وما أکل الجیف إذا خلا موضع الملاقاة من عین النجاسة ،

______________________________________________________

فی أحکام النجاسات إن شاء الله تعالی.

قوله : ویکره سؤر الجلاّل وما أکل الجیف إذا خلا موضع الملاقاة من عین النجاسة.

المراد بالجلال : المتغذی بعذرة الإنسان محضا إلی أن ینبت علیه لحمه واشتد عظمه بحیث یسمی فی العرف جلالا قبل أن یستبرأ بما یزیل الجلل. وبما أکل الجیف : ما من شأنه ذلک. وقوله : إذا خلا موضع الملاقاة من عین النجاسة ، قید فی کل واحد منهما. والحکم بطهارة سؤر هذین النوعین بالقید المذکور وکراهة مباشرته هو المشهور بین الأصحاب.

ویدل علی الطهارة مضافا إلی الأصل روایات کثیرة منها : روایة علی بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : « فضل الحمامة والدجاجة لا بأس به والطیر » (1).

وروایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن ماء یشرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال : « کل شی ء من الطیر یتوضأ مما یشرب منه ، إلاّ أن تری فی منقاره دما ، فإن رأیت فی منقاره دما فلا توضأ منه ولا تشرب » (2).

وصحیحة الفضل أبی العباس : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فضل الهرة ، والشاة ، والبقرة ، والإبل ، والحمار ، والخیل ، والبغال ، والوحش ، والسباع ، فلم

کراهة سؤر الجلال وما أکل الجیف

ص: 130


1- الکافی ( 3 : 9 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 228 - 659 ) ، الوسائل ( 1 : 166 ) أبواب الأسئار ب (4) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 9 - 5 ) ، الوسائل ( 1 : 166 ) أبواب الأسئار ب (4) ح (2).

______________________________________________________

أترک شیئا إلاّ سألته عنه فقال : « لا بأس به ». حتی انتهیت إلی الکلب فقال : « رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلک الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء » (1).

وصحیحة محمد ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الکلب یشرب من الإناء قال : « اغسل الإناء ». وعن السنور قال : « لا بأس أن تتوضأ بفضلها إنما هی من السباع » (2) وفی التعلیل إشعار بطهارة السباع کلها. ومثلها روی معاویة بن شریح فی الحسن (3) ، وزرارة فی الصحیح (4) ، عن الصادق علیه السلام .

أما الکراهة : فلم أقف فیها علی دلیل یعتد به ، نعم روی الحسن الوشاء ، عمن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه کان یکره سؤر کل شی ء لا یؤکل لحمه (5). وضعفها بالإرسال یمنع من العمل بها.

وخالف فی ذلک الشیخ فمنع فی المبسوط من سؤر آکل الجیف (6). وفی النهایة من سؤر الجلال (7). وظاهره فی کتابی الأخبار المنع من سؤر ما لا یؤکل لحمه عدا ما لا یمکن التحرز عنه کالهرة ، والفأرة ، والحیة (8).

ص: 131


1- التهذیب ( 1 : 225 - 646 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 40 ) ، الوسائل ( 1 : 163 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 225 - 644 ) ، الإستبصار ( 1 : 18 - 39 ) ، الوسائل ( 1 : 162 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (3) وفی الجمیع الروایة عن أبی عبد الله علیه السلام .
3- التهذیب ( 1 : 225 - 647 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 41 ) ، الوسائل ( 1 : 163 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (6).
4- الکافی ( 3 : 9 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 227 - 655 ) ، الوسائل ( 1 : 164 ) أبواب الأسئار ب (2) ح (2).
5- الکافی ( 3 : 10 - 7 ) ، الوسائل ( 1 : 167 ) أبواب الأسئار ب (5) ح (2).
6- الموجود فی المبسوط ( 1 : 10 ) هو المنع من سؤر ما یأکل المیتة والجلال من الطیر ، وما یمکن التحرز عنه من حیوان الحضر.
7- الموجود فی النهایة : (5) هو المنع من سؤر آکل الجیف من الطیر.
8- التهذیب ( 1 : 224 ) ، الاستبصار ( 1 : 26 ).

______________________________________________________

واحتج بما رواه عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عما یشرب الحمام منه فقال : « کل ما أکل لحمه یتوضأ من سؤره ویشرب » (1) وهو احتجاج ضعیف ، لضعف سند الروایة باشتماله علی جماعة من الفطحیة ، وقصور متنها عن الدلالة علی المطلوب ، ومعارضتها بما هو أصح منها سندا وأوضح دلالة.

والأصح طهارة الأسئار کلها عدا سؤر الکلب والخنزیر والکافر ، وهو اختیار المرتضی فی المصباح (2) ، والشیخ فی الخلاف (3) ، وإلیه ذهب عامة المتأخرین.

واعلم ، أنّ المصنف - رحمه الله - فی المعتبر احتج علی الطهارة بروایتی أبی بصیر وعمار المتقدمتین ثم قال : لا یقال علی بن أبی حمزة واقفی وعمار فطحی فلا یعمل بروایتهما. لأنا نقول : الوجه الذی لأجله عمل بروایة الثقة قبول الأصحاب أو انضمام القرینة ، لأنه لو لا ذلک لمنع العقل من العمل بخبر الثقة ، إذ لا قطع بقوله ، وهذا المعنی موجود هنا ، فإن الأصحاب عملوا بروایة هؤلاء کما عملوا هناک (4). هذا کلامه - رحمه الله - ولا یخلو من نظر :

أما أولا : فلأنا نمنع کون المقتضی للعمل بروایة الثقة ما ذکره ، فإنّ الأدلة علی ذلک کثیرة مقررة فی محالها ، وأیضا فإن عمل الأصحاب لیس حجة کما قرره فی مواضع من کتبه (5) ، والقرائن إن کانت حجة برأسها فلا حاجة إلی الخبر ، وإلا فلا فائدة فی انضمامها إلیه.

ص: 132


1- الکافی ( 3 : 9 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 224 - 642 ) ، الإستبصار ( 1 : 25 - 64 ) ، الوسائل ( 1 : 166 ) أبواب الأسئار ب (4) ح (2) ، بتفاوت یسیر.
2- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 93 ).
3- الخلاف ( 1 : 52 ).
4- المعتبر ( 1 : 94 ).
5- فی « ق » : کتابه.

______________________________________________________

وأما ثانیا : فلأن ما ذکره من منع العقل لو لا ذلک من العمل بخبر الثقة غیر مستقیم ، إذ العقل لا یحیل التعبد به ، ولأن اللازم من ذلک امتناع العمل به مطلقا ، وهو معلوم البطلان.

وأما ثالثا : فلأن ما ذکره من عمل الأصحاب بروایة هؤلاء مناف لما قرره فی الأصول من اشتراط إیمان الراوی ، وما أجاب به عن احتجاج الشیخ - رحمه الله - علی عدم اشتراط ذلک بأن الشیعة عملت بروایة بنی فضال والطاطریة (1) وأضرابهم : من أنه إلی الآن لم یعلم أنّ الشیعة عملت بأخبار هؤلاء (2).

وبالجملة : فکلام المصنف فی هذا المقام لا یخلو من اختلاف. ولتحقیق المسألة موضع آخر.

وهنا شی ء ینبغی التنبیه له وهو : إن مقتضی الأخبار المتضمنة لنفی البأس عن سؤر الهرة وغیرها من السباع (3) طهارتها بمجرد زوال العین ، لأنها لا تکاد تنفک عن النجاسات ، خصوصا الهرة ، فإن العلم بمباشرتها للنجاسة متحقق فی أکثر الأوقات ، ولو لا ذلک للزم صرف اللفظ الظاهر إلی الفرد النادر ، بل تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، وإنه ممتنع عقلا. وبذلک صرح المصنف فی المعتبر (4) ، والعلامة فی التذکرة والمنتهی (5) فإنهما قالا : إنّ الهرة لو أکلت میتة ثم شربت من الماء القلیل لم ینجس بذلک ، سواء غابت أو لم تغب. وقوّی العلامة فی النهایة نجاسة الماء حینئذ ، ثم جزم بأنها لو غابت

ص: 133


1- قال فی رجال النجاشی : ( 254 - 667 ) : علی بن الحسن بن محمد المعروف بالطاطری ، وإنما سمی بذلک لبیعه ثیابا یقال لها الطاطریة. وکان من وجوه الواقفة.
2- معارج الأصول : (149).
3- الوسائل ( 1 : 164 ) أبواب الأسئار ب (2).
4- المعتبر ( 1 : 99 ).
5- التذکرة ( 1 : 6 ) ، المنتهی ( 1 : 27 ).

والحائض التی لا تؤمن ،

______________________________________________________

عن العین واحتمل ولوغها فی ماء کثیر أو جار لم ینجس ، لأن الإناء معلوم الطهارة ولا یحکم بنجاسته بالشک (1). وهو مشکل.

وقد قطع جمع من المتأخرین بطهارة الحیوان غیر الآدمی بمجرد زوال العین (2) ، وهو حسن ، للأصل ، وعدم ثبوت التعبد بغسل النجاسة عنه. ولا یعتبر فیه الغیبة قطعا.

أما الآدمی فقد قیل : إنه یحکم بطهارته بغیبته زمانا یمکن فیه إزالة النجاسة (3).

وهو مشکل ، والأصح عدم الحکم بطهارته بذلک إلا مع تلبسه بما یشترط فیه الطهارة عنده ، علی تردد فی ذلک أیضا ، والله أعلم.

قوله : والحائض التی لا تؤمن.

أی لا تؤمن من عدم التحفظ من النجاسة. وأطلق المرتضی - رحمه الله - فی المصباح (4) ، والشیخ فی المبسوط (5) کراهیة سؤر الحائض ، وجمع فی کتابی الحدیث بین الأخبار تارة بالمنع من الوضوء بسؤر غیر المأمونة ، واخری بالاستحباب (6). والمعتمد ما اختاره المصنف من التفصیل.

لنا : إن فیه جمعا بین ما تضمن النهی عن الوضوء بسؤر الحائض ، کموثقة عنبسة بن مصعب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اشرب من سؤر الحائض ، ولا تتوضأ منه » (7).

کراهة سؤر الحائض التی لا تؤمن

ص: 134


1- نهایة الأحکام ( 1 : 239 ).
2- منهم ابن فهد فی المهذب البارع : (224).
3- حکاه فی مجمع الفائدة ( 1 : 297 ).
4- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 99 ).
5- المبسوط ( 1 : 10 ).
6- التهذیب ( 1 : 222 ) ، الإستبصار ( 1 : 17 ).
7- الکافی ( 3 : 10 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 222 - 634 ) ، الإستبصار ( 1 : 17 - 32 ) ، الوسائل ( 1 : 170 ) أبواب الأسئار ب (8) ح (1).

______________________________________________________

وروایة الحسین بن أبی العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض یشرب من سؤرها؟ قال : « نعم ، ولا یتوضأ » (1).

وبین ما ورد من الإذن فی سؤر المأمونة ، کموثقة عیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن سؤر الحائض ، قال : « توضأ به ، وتوضأ من سؤر الجنب إذا کانت مأمونة » (2).

وهذه الروایة مرویة فی الکافی بطریق یقرب من الصحیح ، وفیها قال : وسألته عن سؤر الحائض فقال : « لا توضأ منه ، وتوضأ من سؤر الجنب إذا کانت مأمونة » (3) ومقتضاها عموم الکراهة.

ویشهد لما ذکرناه من الجمع : ما رواه علی بن یقطین فی الموثق ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی الرجل یتوضأ بفضل وضوء الحائض فقال : « إذا کانت مأمونة لا بأس » (4).

واعلم : أنّ المستفاد من الأخبار إنما هو کراهة الوضوء بسؤر الحائض خاصة ، بل روایتا عنبسة والحسین بن أبی العلاء صریحتان فی عدم کراهة الشرب منه ، فإطلاق أکثر الأصحاب کراهة سؤرها المؤذن بالتعمیم غیر جید ، وکذا تعدیته إلی کل متهم.

وینبغی أن یعلم أیضا أن إناطة المصنف الکراهة بغیر المأمونة أولی من إناطتها

ص: 135


1- الکافی ( 3 : 10 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 222 - 635 ) ، الإستبصار ( 1 : 17 - 33 ) ، الوسائل ( 1 : 170 ) أبواب الأسئار ب (8) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 222 - 633 ) ، الإستبصار ( 1 : 17 - 31 ) ، الوسائل ( 1 : 168 ) أبواب الأسئار ب (7) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 10 - 2 ).
4- التهذیب ( 1 : 221 - 632 ) ، الإستبصار ( 1 : 16 - 30 ) ، الوسائل ( 1 : 170 ) أبواب الأسئار ب (8) ح (5).

وسؤر البغال والحمیر والفأرة.

______________________________________________________

بالمتهمة کما ذکره غیره ، لأن النص إنما یقتضی انتفاء المرجوحیة إذا کانت مأمونة ، وهو أخص من کونها غیر متهمة ، لتحقق الثانی فی ضمن من لا یعلم حالها دون الأول.

وما ذکره بعض المحققین - من أنّ غیر المأمونة هی المتهمة ، إذ لا واسطة بین المأمونة ومن لا أمانة لها ، والتی لا أمانة لها هی المتهمة - غیر جید ، فإن المتبادر من المأمونة من ظن تحفظها من النجاسات ، ونقیضها من لم یظن بها ذلک ، وهو أعم من المتهمة والمجهولة فتأمل.

قوله : وسؤر البغال والحمیر.

المراد بالحمیر : الأهلیة ، إذ الوحشیة لا کراهة فی سؤرها. وألحق بهما الدواب ، لکراهة لحم الجمیع. ونحن نطالبهم بإثبات الکبری.

قوله : والفأرة.

اختلف الأصحاب فی سؤر الفأرة فقال الشیخ - رحمه الله - فی النهایة فی باب المیاه : وإذا وقعت الفأرة والحیة فی الآنیة وشربتا منها ثم خرجتا منها لم یکن به بأس ، والأفضل ترک استعماله علی کل حال. وقال فی باب أحکام النجاسات : وإذا أصاب ثوب الإنسان کلب أو خنزیر أو ثعلب أو أرنب أو فأرة أو وزغة وکان رطبا وجب غسل الموضع الذی أصابه (1). وظاهر المصنف فی المعتبر عدم الکراهة (2). والمعتمد الطهارة وإن استحب غسل أثرها من الثوب.

لنا علی الطهارة : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن سعید الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفأرة تقع فی السمن أو الزیت ثم تخرج منه حیا؟ قال :

حکم سؤر البغال والحمیر والفأرة

ص: 136


1- النهایة : ( 6 و 52 ).
2- المعتبر ( 1 : 99 ).

والحیة ، وما مات فیه الوزغ والعقرب.

______________________________________________________

« لا بأس به » (1).

وفی الصحیح عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : قال : سألته عن فأرة رطبة قد وقعت فی حب دهن فأخرجت قبل أن تموت أنبیعه من مسلم؟ قال : « نعم وتدهن منه » (2).

ولنا علی استحباب غسل أثرها من الثوب ما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : وسألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت فی الماء تمشی علی الثیاب ، أیصلی فیها؟ قال : « اغسل ما رأیت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء » (3).

قوله : والحیة.

القول بکراهة سؤر الحیة للشیخ - رحمه الله - فی النهایة (4) وأتباعه. والأظهر انتفاء الکراهة کما اختاره فی المعتبر (5)، لصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن العظایة والحیة والوزغ تقع فی الماء فلا تموت ، أیتوضأ منه للصلاة؟ فقال : « لا بأس به » (6).

قوله : وما مات فیه الوزغ والعقرب.

الوزغ بالتحریک جمع وزغة به أیضا : دابة معروفة ، وسام أبرص من أصنافه. والقول

حکم سؤر الحیة وحکم ما مات فیه الوزغ والعقرب

ص: 137


1- الکافی ( 6 : 261 - 4 ) ، التهذیب ( 9 : 86 - 362 ) ، الوسائل ( 16 : 464 ) أبواب الأطعمة المباحة ب (45) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 419 - 1326 ) ، الاستبصار ( 1 : 24 - 61 ) ، قرب الإسناد : (113) ، الوسائل ( 1 : 171 ) أبواب الأسئار ب (9) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 60 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 261 - 761 ) ، الوسائل ( 2 : 1049 ) أبواب النجاسات ب (33) ح (2).
4- النهایة : (6).
5- المعتبر ( 1 : 100 ).
6- التهذیب ( 1 : 419 - 1326 ) ، الاستبصار ( 1 : 23 - 58 ) ، قرب الإسناد : (84) ، الوسائل ( 1 : 171 ) أبواب الأسئار ب (9) ح (1).

وینجس الماء بموت الحیوان ذی النفس السائلة دون ما لا نفس له.

______________________________________________________

بکراهة سؤرها وسؤر العقرب هو المشهور بین الأصحاب ، لورود النهی عنه ، وإنما حمل علی الکراهة لضعف سنده ، ومعارضته بصحیحة علی بن جعفر المتقدمة وغیرها من الأخبار (1). وربما قیل بالمنع منه (2). وهو ضعیف. وقال فی التذکرة : إنّ الکراهة من حیث الطب لا لنجاسة الماء (3). وهو حسن.

قوله : وینجس الماء بموت الحیوان ذی النفس السائلة ، دون ما لا نفس له.

المراد بالنفس السائلة : الدم الذی یخرج من عرق. والحکم بنجاسة المیتة من ذی النفس ونجاسة الماء القلیل به موضع وفاق ، وسیجی ء الکلام فیه فی باب إزالة النجاسات.

أما ما لا نفس له کالذباب والجراد فقال فی المعتبر : إنه لا ینجس بالموت عند علمائنا أجمع (4). ونحوه قال فی المنتهی (5). والمستند فیه أصالة الطهارة السالمة من المعارض ، والأخبار المستفیضة کقوله علیه السلام فی روایة حفص بن غیاث : « لا یفسد الماء إلا ما کانت له نفس سائلة » (6) وفی روایة عمار : « کل ما لیس له دم فلا بأس » (7) وفی روایة ابن مسکان : « کل شی ء یسقط فی البئر مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلک فلا

ص: 138


1- الوسائل ( 1 : 171 ) أبواب الأسئار ب (9).
2- کما فی المختلف : (58).
3- التذکرة ( 1 : 6 ).
4- المعتبر ( 1 : 101 ).
5- المنتهی ( 1 : 28 ).
6- التهذیب ( 1 : 231 - 669 ) ، الإستبصار ( 1 : 26 - 67 ) ، الوسائل ( 1 : 173 ) أبواب الأسئار ب (10) ح (2).
7- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الإستبصار ( 1 : 26 - 66 ) ، الوسائل ( 1 : 173 ) أبواب الأسئار ب (10) ح (1).

وما لا یدرک بالطرف من الدم لا ینجّس الماء ، وقیل : ینجّسه ، وهو الأحوط.

______________________________________________________

بأس » (1).

وهذه الروایات وإن ضعف سندها لکن لا بأس بالعمل بها ، لتأیدها بعمل الأصحاب ، ومطابقتها لمقتضی الأصل. وهو حجة بنفسه إذا خلا عن المعارض.

قوله : وما لا یدرکه الطرف من الدم لا ینجّس الماء ، وقیل : ینجسه ، وهو الأحوط.

المراد بما لا یدرکه الطرف : الدم القلیل الذی لا یکاد یدرکه الطرف ، فإن المشتمل علی لون متی وقع حس البصر علیه أدرکه. والقول بنجاسة الماء بذلک هو المشهور بین الأصحاب ، لأنه ماء قلیل لاقی نجاسة فینجس وقد تقدم الکلام فی ذلک.

والقائل بعدم النجاسة هو الشیخ (2) ، لصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل امتخط فصار الدم قطعا فأصاب إناءه هل یصلح الوضوء منه؟ فقال : « إن لم یکن شی ء یستبین فی الماء فلا بأس ، وإن کان شیئا بینا فلا تتوضأ منه » (3).

وأورد علیه أنه لیس فی الروایة تصریح بإصابة الدم الماء ، وإنما المتحقق إصابته الإناء ، وهو لا یستلزم إصابته الماء ، فیکون باقیا علی أصالة الطهارة.

وأجیب عنه بأن السائل هو علی بن جعفر جلیل القدر ، عظیم الشأن ، فلا یسأل عن حکم الماء بوصول النجاسة إلی الإناء.

حکم ما لا یدرکه الطرف من الدم

ص: 139


1- التهذیب ( 1 : 230 - 666 ) ، الإستبصار ( 1 : 26 - 68 ) ، الوسائل ( 1 : 173 ) أبواب الأسئار ب (10) ح (3).
2- کما فی الاستبصار ( 1 : 23 ).
3- الکافی ( 3 : 74 - 16 ) ، التهذیب ( 1 : 412 - 1299 ) ، الإستبصار ( 1 : 23 - 57 ) ، الوسائل ( 1 : 112 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (1).

______________________________________________________

وفیه نظر ، فإن إصابة النجاسة الإناء کما یتحقق مع العلم بوقوعها فی الماء أو فی خارجه ، کذا یتحقق مع انتفاء العلم بأحد الأمرین ، ومعه یحسن السؤال عن جواز استعمال الماء ، فإن القول بوجوب اجتنابه للقطع بوقوع النجاسة فی الإناء إما فی نفس الماء أو فی خارجه کما فی الإناءین المشتبهین محتمل.

فإن قلت : إنّ قوله علیه السلام : « إن لم یکن شی ء یستبین فی الماء » أعم من عدمه فی نفسه ، ووجوده مع عدم ظهوره ، فیجب انتفاء البأس علی التقدیرین عملا بعموم اللفظ إلی أن یظهر المخصص.

قلت : لما لم یکن فی السؤال تصریح بوقوع النجاسة فی الماء ، وکان مقتضی الأصل عدمه ، صح تعلیق الحکم بالطهارة علی عدم استبانته فیه ، فإنه إنما یعلم بذلک غالبا ، ومثل هذا الإطلاق متعارف.

ولقائل أن یقول : لما کان وقوع الدم فی الإناء یجامع العلم بوقوعه فی الماء وخارجه ، والشک بین الأمرین ، کان الحکم بنفی البأس مع عدم استبانته فیه دلیلا علی تساوی الاحتمالات ، حذرا من لزوم تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، فیترجح جانب الطهارة ، إلاّ أنّ القول بالنجاسة أحوط.

ص: 140

الرّکن الثانی : فی الطهارة المائیة ، وهی وضوء وغسل.

وفی الوضوء فصول :

الأوّل : فی الأحداث الموجبة للوضوء ، وهی ستة :

______________________________________________________

قوله : الأول ، فی الأحداث الموجبة للوضوء ، وهی ستة.

الحدث مقول بالاشتراک اللفظی علی الأمور التی یترتب علیها فعل الطهارة ، وعلی الأثر الحاصل من ذلک ، والمعنی الأول هو المراد هنا. وهذه الأمور قد یعبّر عنها بالأسباب ، وهی فی الأحکام الشرعیة عبارة عن المعرفات ، وقد یعبر عنها بالموجبات نظرا إلی ترتب الوجوب علیها مع وجوب الغایة ، وقد یعبر عنها بالنواقض باعتبار طروّها علی الطهارة ، والظاهر أنها مترادفة ، فإن وجه التسمیة لا یجب اطراده.

وذکر شیخنا الشهید - رحمه الله - فی حواشی القواعد أنّ الأول أعم مطلقا ، وأنّ بین الأخیرین عموما من وجه.

واعترضه بعض مشایخنا المعاصرین : بأن الجنابة ناقضة للوضوء ولیست سببا له ، وکذا وجود الماء بالنسبة إلی التیمم ، فلا یکون بین الناقض والسبب عموم مطلق بل من وجه.

وجوابه : أنّ الکلام إنما هو فی أسباب الطهارات وموجباتها ونواقضها کما هو المفروض فی عبارة القواعد (1) ، فالنقض بالجنابة غیر جید ، لأنها سبب فی الطهارة.

ویمکن التزام ذلک فی وجود الماء أیضا ، لأنه معرف لوجوبها. ویرد علیه أنّ النقض بالأمرین معا غیر مستقیم ، لأن البحث إن کان فی أسباب الوضوء ونواقضه وموجباته لم

ص: 141


1- القواعد ( 1 : 3 ).

خروج البول والغائط والریح من الموضع المعتاد.

______________________________________________________

یرد الثانی ، وإن کان فی الأعم لم یرد الأول ، کما هو ظاهر.

قوله : خروج البول والغائط والریح من الموضع المعتاد.

المراد بالمعتاد هنا هو الموضع الذی اعتید کونه مصرفا للفضلة المعلومة وهو المخرج الطبیعی بقرینة ما سیجی ء فی کلامه. والحکم بوجوب الوضوء بهذه الأمور الثلاثة إجماعی بین المسلمین ، والأخبار به مستفیضة (1) ، فمن ذلک :

روایة زکریا بن آدم ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « إنما ینقض الوضوء ثلاث : البول ، والغائط ، والریح » (2).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « إنّ الشیطان - علیه اللعنة - ینفخ فی دبر الإنسان حتی یخیّل إلیه أنه خرج منه ریح فلا ینقض وضوءه إلا ریح یسمعها ، أو یجد ریحها » (3).

وصحیحة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا یوجب الوضوء إلاّ بول ، أو غائط ، أو ضرطة تسمع صوتها ، أو فسوة تجد ریحها » (4) ومقتضی الروایة أنّ الریح لا یکون ناقضا إلا مع أحد الوصفین.

والجار فی قوله : من الموضع المعتاد ، یتعلق بالخروج المعتبر فی کل من الأمور

نواقض الوضوء

خروج البول والغائط والریح

ص: 142


1- الوسائل ( 1 : 177 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2).
2- الکافی ( 3 : 36 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 10 - 18 ) ، الاستبصار ( 1 : 86 - 272 ) ، عیون الأخبار ( 2 : 21 - 47 ) ، الوسائل ( 1 : 178 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2) ح (6).
3- الکافی ( 3 : 36 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 347 - 1017 ) ، الإستبصار ( 1 : 90 - 289 ) ، الوسائل ( 1 : 175 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (3).
4- التهذیب ( 1 : 10 - 16 ) ، الوسائل ( 1 : 175 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (2).

ولو خرج الغائط مما دون المعدة نقض فی قول ، والأشبه أنه لا ینقض.

______________________________________________________

الثلاثة ، فلا ینقض بخروج الریح من ذکر الرجل ولا من قبل المرأة فی أظهر الوجهین ، لانتفاء الاسمین عنه ، وهو اختیار العلامة فی المنتهی (1). وقطع فی التذکرة بنقض ما یخرج من قبل المرأة ، لأن له منفذا إلی الجوف (2). وهو ضعیف.

وینبغی أن یراد بالخروج : المتعارف ، وهو خروج الخارج بنفسه منفصلا عن حد الباطن ، لأنه الذی ینصرف إلیه الإطلاق. مع احتمال النقض بمطلق الخروج عملا بالعموم.

قوله : ولو خرج الغائط مما دون المعدة نقض فی قول ، والأشبه أنه لا ینقض.

المعدة للإنسان بمنزلة الکرش لکل مجترّ ، یقال : معدة ومعدة قاله الجوهری (3).

والقائل بنقض ما یخرج من تحت المعدة دون ما فوقها هو الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط والخلاف (4) ، ولم یعتبر الاعتیاد. واحتج علی النقض بالخارج من تحت المعدة بعموم قوله تعالی ( أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغائِطِ ) (5) وعلی عدم النقض بالخارج من فوقها بأنه لا یسمی غائطا.

وقال ابن إدریس : إذا خرج البول والغائط من غیر السبیلین نقض مطلقا (6). ولم یعتبر الاعتیاد ولا تحتیة المعدة ، تمسکا بإطلاق الآیة. وهما ضعیفان ، لأن الإطلاق إنما

ص: 143


1- المنتهی ( 1 : 31 ).
2- التذکرة ( 1 : 11 ).
3- الصحاح ( 2 : 539 ).
4- المبسوط ( 1 : 27 ) ، الخلاف ( 1 : 23 ).
5- المائدة : (6).
6- السرائر : (19).

ولو اتفق المخرج فی غیر الموضع المعتاد نقض ، وکذا لو خرج الحدث من جرح ثم صار معتادا ، والنوم الغالب علی الحاستین ،

______________________________________________________

ینصرف إلی المعتاد ، ولما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح عن زرارة : قال ، قلت لأبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام : ما ینقض الوضوء؟ فقال : « ما یخرج من طرفیک الأسفلین من الدبر والذکر » (1) الحدیث.

وعن سالم أبی الفضل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس ینقض الوضوء إلا ما خرج من طرفیک الأسفلین اللذین أنعم الله بهما علیک » (2).

قوله : ولو اتفق المخرج فی غیر الموضع المعتاد نقض.

هذا الحکم موضع وفاق ، وفی الأخبار بإطلاقها ما یدل علیه. وفی حکمه ما لو انسد المعتاد وانفتح غیره.

قوله : وکذا لو خرج الحدث من جرح ثم صار معتادا.

المرجع فی الاعتیاد إلی العرف ، لأنه المحکم فی مثله. وتحدیده بالمرتین تخمین ، وقیاسه علی العادة فی الحیض فاسد.

قوله : والنوم الغالب علی الحاستین.

أراد بهما حاستی السمع والبصر ، وإنما خصهما بالذکر لأنهما أعم الحواس إدراکا ، فإذا بطل إدراکهما بطل إدراک غیرهما بطریق أولی ، کذا ذکره جمع من الأصحاب.

حکم ما لو اتفق المخرج فی غیر الموضع المعتاد

النوم الغالب

ص: 144


1- الکافی ( 3 : 36 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 8 - 12 ) ، الوسائل ( 1 : 177 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 35 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 10 - 17 ) ، الإستبصار ( 1 : 85 - 271 ) ، الوسائل ( 1 : 177 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2) ح (4).

______________________________________________________

وفیه نظر.

والمشهور بین الأصحاب أنّ النقض بالنوم یعم جمیع الحالات سواء کان النائم قاعدا أو قائما أو راکعا ، منفرجا أو منضما.

وأورد ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه خبرا عن سماعة : إنه سأله عن الرجل یخفق رأسه وهو فی الصلاة قائما ، أو قاعدا (1) ، أو راکعا ، فقال : « لیس علیه وضوء » (2) وروایة أخری مرسلة عن الکاظم علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یرقد وهو قاعد فقال : « لا وضوء علیه ما دام قاعدا لم ینفرج » (3).

قال فی المختلف : وإن کانت هاتان الروایتان مذهبا له فقد صارت المسألة خلافیة ، ونقل عن أبیه أنه لم یعد النوم فی نواقض الوضوء (4). والأصح أنه ناقض مطلقا.

لنا : قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (5) ، قال ابن بکیر : قلت لأبی عبد الله علیه السلام قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ ) ما یعنی بذلک؟ قال : « إذا قمتم من النوم » (6) ونقل علیه فی المنتهی إجماع المفسرین (7).

ص: 145


1- لیست فی « س » ، « ق » ، والمصدر.
2- الفقیه ( 1 : 38 - 143 ) ، الوسائل ( 1 : 181 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (12) « بتفاوت یسیر ».
3- الفقیه ( 1 : 38 - 144 ) ، الوسائل ( 1 : 181 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (11).
4- المختلف : (17).
5- المائدة : (6).
6- التهذیب ( 1 : 7 - 9 ) ، الإستبصار ( 1 : 80 - 251 ) ، الوسائل ( 1 : 180 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (7).
7- المنتهی ( 1 : 33 ).

______________________________________________________

وصحیحة زرارة عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا ینقض الوضوء إلا ما خرج من طرفیک والنوم » (1).

وأورد علی ظاهرها إشکالات :

الأول : إنّ مقتضاه حصر الناقض فی الخارج والنوم ، مع حصوله بالسکر والإغماء إجماعا.

الثانی : إنه یقتضی کون مطلق الخارج ناقضا ، لأن : « ما » ، من أدوات العموم.

الثالث : إنّ قصر النقض علی الخارج من الطرفین یقتضی أنّ الخارج من أحدهما غیر ناقض.

ویمکن الجواب عن الأول : بأنّ حکم السکر والإغماء مستفاد من حکم النوم من باب التنبیه.

وعن الثانی : بأنّ الموصول کما یجی ء للعموم یجی ء للعهد ، والمعهود هنا هو المتعارف.

وعن الثالث : بأنّ المراد بالطرفین کل واحد منهما لا هما معا ، لامتناع خروج خارج منهما معا.

واستدل علیه أیضا بصحیحة إسحاق بن عبد الله الأشعری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : « لا ینقض الوضوء إلا حدث ، والنوم حدث » (2).

ص: 146


1- التهذیب ( 1 : 6 - 2 ) ، الإستبصار ( 1 : 79 - 244 ) ، الوسائل ( 1 : 177 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 6 - 5 ) ، الإستبصار ( 1 : 79 - 246 ) ، الوسائل ( 1 : 180 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (4).

______________________________________________________

وأورد علیها إشکال : وهو أنّ المقدمة الأولی مشتملة علی قضیتین مختلفتین کیفا إحداهما : لا ینقض الوضوء ما لیس بحدث. والثانیة : الناقض للوضوء حدث. وانتظام السالبة مع الکبری لا ینتج شیئا ، لعدم اتحاد الوسط. وکذا الموجبة ، لأن الموجبتین فی الشکل الثانی عقیم.

وأجاب عنه فی المختلف : بأن کل واحد من الأحداث فیه جهتا اشتراک وامتیاز ، وما به الاشتراک وهو مطلق الحدث مغایر لما به الامتیاز وهو خصوصیة کل حدث ، ولا شک أنّ تلک الخصوصیات لیست إحداثا وإلا لکان ما به الاشتراک داخلا فیما به الامتیاز فلا بد من مائز ، وننقل الکلام إلیه وذلک موجب للتسلسل ، فإذا انتفت الحدثیة عن الممیزات لم یکن لها مدخل فی النقض ، وإنما یستند النقض إلی المشترک الموجود فی النوم علی ما حکم به فی الثانیة ، ووجود العلة یستلزم وجود المعلول (1).

ویرد علیه أنه لا یلزم من انتفاء الحدثیة من الممیزات عدم مدخلیتها ، وإنما اللازم عدم کونها ناقضة ، وأما عدم مدخلیتها فلا.

فإن قلت : إنّ مدخلیتها منفیة بالأصل.

قلت : لما کان المراد من الحدث ما صدق علیه من الأفراد لم یعلم أنه لا مدخل للخصوصیات ، لجواز أن یراد بعضها ، إذ لا دلیل علی الکلیة ، وإلا لم یحتج إلی هذا البیان.

ویمکن (2) أن یقال : إنّ الحدث فی المقدمة الأولی لیس المراد به حدثا معینا ولا حدثا ما بمعونة المقام بل کل حدث ، وإذا ثبت عمومها کان مفادها أنّ کل حدث ناقض

ص: 147


1- المختلف : (17).
2- فی « ق » ، « ح » : والأظهر.

______________________________________________________

للوضوء فیمکن جعلها کبری للمقدمة الثانیة من باب الشکل الأول ، ویکون الغرض الإشارة إلی بیان المقدمتین مع قطع النظر عن ترتیبهما. ویجوز أن یجعل صغری للثانیة ویکون من باب الشکل الرابع ، لکون الحدث موضوعا فی الصغری محمولا فی الکبری وینتج منه : بعض الناقض نوم.

ولا یخفی ما فی ذلک کله من التکلف. والذی یقتضیه النظر أنّ الغرض المطلوب من الروایة : نفی النقض عما لیس بحدث لا إثبات کون الحدث ناقضا ، فإنّ ذلک ربما کان معلوما بالضرورة ، لکن لما کانت المقدمة المذکورة ربما توهم عدم کون النوم ناقضا ، لخفاء إطلاق اسم الحدث علیه وقع التصریح بکون النوم حدثا ، فلا یکون مندرجا فیما لا ینقض الوضوء فتأمل.

واعلم ، أنّ المستفاد من الأخبار المعتبرة تعلیق الحکم بالنقض علی النوم المذهب للعقل ، کقول أبی الحسن الرضا علیه السلام فی صحیحة عبد الله بن المغیرة : « إذا ذهب النوم بالعقل فلیعد الوضوء » (1) وقول أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام فی حسنة زرارة : « والنوم حتی یذهب العقل » (2) فإناطة الحکم به أولی.

فرع : قال فی التذکرة : لو شک فی النوم لم ینقض طهارته ، وکذا لو تخایل له شی ء ولم یعلم أنه منام أو حدیث النفس ، ولو تحقق أنه رؤیا نقض (3). وهو کذلک.

ص: 148


1- التهذیب ( 1 : 6 - 4 ) ، الإستبصار ( 1 : 79 - 245 ) ، الوسائل ( 1 : 180 ) أبواب نواقض الوضوء ب (3) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 36 - 6 ) ، الفقیه ( 1 : 37 - 137 ) ، التهذیب ( 1 : 8 - 12 ) ، الوسائل ( 1 : 177 ) أبواب نواقض الوضوء ب (2) ح (2).
3- التذکرة ( 1 : 11 ).

وفی معناه کلّ ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سکر ، والاستحاضة.

______________________________________________________

قوله : وفی معناه : کلّ ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سکر.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعلم فیه مخالفا (1). ونقل فیه الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب إجماع المسلمین (2) ، واستدل علیه بصحیحة معمر بن خلاد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل به علة لا یقدر علی الاضطجاع والوضوء یشتد علیه وهو قاعد مستند بالوسائد ، فربما أغفی وهو قاعد علی تلک الحال ، قال : « یتوضأ » ، قلت له : إنّ الوضوء یشتد علیه ، قال : « إذا خفی عنه الصوت فقد وجب علیه الوضوء » (3). وأورد علیه : أنّ الإغفاء لغة بمعنی النوم فلا یتم الاستدلال به علی المطلوب وأجیب عنه بأن قوله علیه السلام : « إذا خفی عنه الصوت » مطلق فلا یتقید بالمقدمة الخاصة. وفیه نظر ، فإن الضمیر فی قوله علیه السلام : « عنه » یرجع إلی الرجل المحدث عنه ، وهو الذی قد أغفی فیکون التقیید باقیا بحاله ( نعم ربما کان فی الأخبار الدالة علی تحدید النوم الناقض بالمزیل إشعار بالنقض بمطلق المزیل ) (4). والأجود الاستدلال علیه بما دل علی حکم النوم من باب التنبیه ، فإنه إذا وجب الوضوء بالنوم الذی یجوز معه الحدث وجب بالإغماء والسکر بطریق أولی ، ولعل ذلک هو الوجه فی قول المصنف - رحمه الله - : وفی معناه کلما أزال العقل.

قوله : والاستحاضة القلیلة.

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : وإنما قال : القلیلة ، وإن کان الصنفان

کل ما أزال العقل

الاستحاضة

ص: 149


1- المنتهی ( 1 : 34 ).
2- التهذیب ( 1 : 5 ).
3- الکافی ( 3 : 37 - 14 ) ، التهذیب ( 1 : 9 - 14 ) ، الوسائل ( 1 : 182 ) أبواب نواقض الوضوء ب (4) ح (1).
4- ما بین القوسین من « م ».

ولا ینقض الطهارة مذی

______________________________________________________

الآخران یوجبان الوضوء أیضا ، لأنه أراد ما یوجب الوضوء منفردا (1). والحکم بوجوب الوضوء خاصة بالاستحاضة القلیلة مذهب أکثر الأصحاب ، وهو المعتمد ، للأخبار الصحیحة الدالة علیه (2).

وقال ابن أبی عقیل : لا یجب فی هذه الحالة وضوء ولا غسل (3). وقال ابن الجنید - رحمه الله - بإیجابها غسلا واحدا فی الیوم واللیلة (4). وهما ضعیفان ، وسیأتی الکلام فی ذلک فی محله إن شاء الله تعالی.

وأورد علی نظیر العبارة شیخنا الشهید - رحمه الله - : أنه إن أراد الموجبات للوضوء لیس إلاّ فکان ینبغی ذکر القلیلة وأحد قسمی المتوسطة ، وهو فیما عدا الصبح ، وإن أراد ما یوجب الوضوء فی الجملة فکان ینبغی ذکر الموجبات الأحد عشر (5).

وجوابه : أنّ مراده الأول. والمتوسطة وإن کانت موجبة للوضوء وحده فی بعض الحالات إلا أنها موجبة للغسل أیضا ، مع أنه لا وجه لتخصیص الإیراد بالمتوسطة ، لأن الکثیرة کذلک بالنسبة إلی العصر والعشاء.

قوله : ولا ینقض الطهارة مذی.

قال الجوهری : المذی بالتسکین ما یخرج عند الملاعبة أو التقبیل (6). وما اختاره المصنف - رحمه الله - من أنه غیر ناقض للوضوء هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل علیه فی التذکرة الإجماع (7).

عدم نقض المذی

ص: 150


1- المعتبر ( 1 : 111 ).
2- الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1).
3- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 111 ) ، والمختلف : (40).
4- نقله عنه فی المختلف : (40) ، والذکری : (30).
5- کما فی الدروس : (2).
6- الصحاح ( 6 : 2490 ).
7- التذکرة ( 1 : 11 ).

______________________________________________________

وقال ابن الجنید : إن ما یخرج من المذی عقیب الشهوة یکون ناقضا (1).

والمعتمد الأول :

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زید الشحام قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المذی ینقض الوضوء؟ قال : « لا » (2).

وما رواه محمد بن إسماعیل فی الصحیح ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن المذی فأمرنی بالوضوء منه ، ثم أعدت علیه سنة أخری فأمرنی بالوضوء منه ، وقال : « إنّ علیا علیه السلام أمر المقداد أن یسأل رسول الله صلی الله علیه و آله ، واستحیا أن یسأله ، فقال : فیه الوضوء » قلت : فإن لم أتوضأ؟ قال : « لا بأس به » (3).

احتج العلامة فی المختلف لابن الجنید بصحیحة محمد بن إسماعیل هذه بحذف

قوله : قلت فإن لم أتوضأ. ثم أجاب عنها بأنّ تتمة الروایة موجودة فی خبر آخر ، وهو یقتضی أنه لیس بناقض ، وأن أمره بالوضوء علی جهة الاستحباب (4). وهو حسن.

نعم یمکن أن یستدل لابن الجنید - رحمه الله - بصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المذی أینقض الوضوء؟ قال : « إن کان من شهوة نقض » (5) وتحمل الأخبار المتضمنة لعدم النقض (6) علی المذی الذی لا یکون عقیب

ص: 151


1- نقله عنه فی المختلف : (18) والذکری : (26).
2- التهذیب ( 1 : 17 - 40 ) ، الإستبصار ( 1 : 91 - 293 ) ، الوسائل ( 1 : 196 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12) ح (5).
3- التهذیب ( 1 : 18 - 43 ) ، الإستبصار ( 1 : 92 - 296 ) ، الوسائل ( 1 : 197 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12) ح (9).
4- المختلف : (18).
5- التهذیب ( 1 : 19 - 45 ) ، الإستبصار ( 1 : 93 - 298 ) ، الوسائل ( 1 : 198 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12) ح (11).
6- الوسائل ( 1 : 195 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12).

ولا ودی ، ولا دم ولو خرج من أحد السبیلین عدا الدماء الثلاثة ،

______________________________________________________

شهوة ، لأنّ المقیّد یحکّم علی المطلق.

ویجاب : بأنها معارضة بما رواه ابن أبی عمیر فی الصحیح ، عن غیر واحد من أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس فی المذی من شهوة ، ولا من الإنعاظ ، ولا من القبلة ، ولا من مس الفرج ، ولا من المضاجعة وضوء » (1) ولا یضر إرسالها ، لأن فی قوله : عن غیر واحد من أصحابه. إشعارا ( باستفاضة ذلک ) (2) عنده. والاحتیاط هنا مما لا ینبغی ترکه ، لأن المسألة موضع تردد.

قوله : ولا ودی.

الودی بالدال المهملة الساکنة : ماء ثخین یخرج عقیب البول. وهو غیر ناقض للوضوء إجماعا قاله فی التذکرة (3). ویدل علیه روایات منها : صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم وزید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه قال : « لو سال من ذکرک شی ء من مذی أو ودی فلا تغسله ، ولا تقطع له الصلاة ، ولا تنقض له الوضوء ، إنما ذلک بمنزلة النخامة » (4).

قوله : ولا دم ولو خرج من أحد السبیلین ، عدا الدماء الثلاثة.

هذا الحکم مجمع علیه بین علمائنا ، ویدل علیه الحصر المستفاد من قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لا یوجب الوضوء إلا غائط ، أو بول ، أو ضرطة تسمع صوتها ، أو فسوة تجد ریحها » (5).

عدم نقض الودی ولا الدم الخارج من أحد السبیلین

ص: 152


1- التهذیب ( 1 : 19 - 47 ) ، الإستبصار ( 1 : 93 - 300 ) ، الوسائل ( 1 : 191 ) أبواب نواقض الوضوء ب (9) ح (2).
2- فی « ح » : بثبوت مدلولها.
3- التذکرة ( 1 : 11 ).
4- التهذیب ( 1 : 21 - 52 ) ، الإستبصار ( 1 : 94 - 305 ) ، الوسائل ( 1 : 196 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12) ح (2).
5- التهذیب ( 1 : 10 - 16 ) ، الوسائل ( 1 : 175 ) أبواب نواقض الوضوء ب (1) ح (2).

ولا قی ء ولا نخامة ، ولا تقلیم ظفر ولا حلق شعر ، ولا مس ذکر ولا قبل ولا دبر ،

______________________________________________________

وصحیحة إبراهیم بن أبی محمود ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن القی ء والرعاف والمدّة أینقض الوضوء أم لا؟ قال : « لا ینقض شیئا » (1).

ورد المصنف - رحمه الله - بقوله : ولو خرج من السبیلین ، علی الشافعی (2) وأبی حنیفة (3) حیث أوجبا الوضوء بالدم الخارج من السبیلین. ولا ریب فی بطلانه.

قوله : ولا قی ء ولا نخامة ولا تقلیم ظفر ولا حلق شعر.

الحکم بعدم وجوب الوضوء بهذه الأمور المذکورة مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی ما سبق حسنة زید الشحام قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القی ء هل ینقض الوضوء؟ قال : « لا » (4).

وصحیحة سعید بن عبد الله الأعرج ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : آخذ من أظفاری أو من شاربی وأحلق رأسی أفأغتسل؟ قال : « لیس علیک غسل » قلت : فأتوضأ؟ قال : « لیس علیک وضوء » (5).

قوله : ولا مسّ ذکر ولا قبل ولا دبر.

هذا هو المشهور بین الأصحاب. ونقل عن أبی جعفر ابن بابویه - رحمه الله - أنّ

عدم نقض القی والنخامة ولامس الذکر والقبل والدبر

ص: 153


1- التهذیب ( 1 : 16 - 34 ) ، الاستبصار ( 1 : 84 - 266 ) ، العیون ( 2 : 21 - 46 ) ، الوسائل ( 1 : 185 ) أبواب نواقض الوضوء ب (6) ح (6).
2- الام ( 1 : 17 ).
3- نقله عنه فی بدایة المجتهد ( 1 : 34 ).
4- الکافی ( 3 : 36 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 13 - 25 ) ، الإستبصار ( 1 : 83 - 259 ) ، الوسائل ( 1 : 185 ) أبواب نواقض الوضوء ب (6) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 346 - 1012 ) ، الإستبصار ( 1 : 95 - 309 ) ، الوسائل ( 1 : 203 ) أبواب نواقض الوضوء ب (14) ح (3).

ولا لمس امرأة ، ولا أکل ما مسّته النار ،

______________________________________________________

مس باطن الدبر والإحلیل ناقض للوضوء (1). وعن ابن الجنید : أنّ مس باطن الفرجین ناقض للوضوء مطلقا وکذا ظاهرهما إن کان محرما (2). وهما ضعیفان.

لنا : الأصل ، وقوله علیه السلام : « لیس ینقض الوضوء إلا ما خرج من طرفیک الأسفلین اللذین أنعم الله بهما علیک » (3).

وما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال : « لیس فی القبلة ولا مس الفرج ولا الملامسة وضوء » (4).

واحتج ابن بابویه وابن الجنید - رحمهما الله - علی ما نقل عنهما بروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا قبّل الرجل المرأة من شهوة أو لمس فرجها أعاد الوضوء » (5).

وقریب منها روایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام (6).

والجواب : أنهما ضعیفتا السند ، ولو کانتا صحیحتین لوجب حملهما علی الاستحباب جمعا بین الأدلة.

قوله : ولا لمس امرأة ، ولا أکل ما مسته النار.

هذان الحکمان إجماعیان عندنا ، منصوصان فی عدة روایات کصحیحة أبی مریم ،

عدم نقض لمس المرأة ولا أکل ما مسته النار

ص: 154


1- الفقیه ( 1 : 39 ).
2- (2) نقله عنه فی المختلف : (17) ، والمعتبر ( 1 : 114 )
3- تقدم فی ص (144).
4- الکافی ( 3 : 37 - 12 ) ، الفقیه ( 1 : 38 - 145 ) ، التهذیب ( 1 : 23 - 59 ) ، الإستبصار ( 1 : 87 - 277 ) ، الوسائل ( 1 : 192 ) أبواب نواقض الوضوء ب (9) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 22 - 56 ) ، الإستبصار ( 1 : 88 - 280 ) ، الوسائل ( 1 : 193 ) أبواب نواقض الوضوء ب (9) ح (9).
6- التهذیب ( 1 : 45 - 127 ) ، الإستبصار ( 1 : 88 - 284 ) ، الوسائل ( 1 : 193 ) أبواب نواقض الوضوء ب (9) ح (10).

ولا ما یخرج من السبیلین إلا أن یخالطه شی ء من النواقض.

______________________________________________________

عن أبی جعفر علیه السلام حیث قال فیها : « والله ما بذلک بأس - یعنی الملامسة وربما فعلته ، وما یعنی بهذا ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) إلا المواقعة دون الفرج » (1).

وصحیحة بکیر بن أعین : قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الوضوء مما غیرت النار فقال : « لیس علیک فیه وضوء وإنما الوضوء مما یخرج لیس مما یدخل » (2).

وخالف فی الحکمین بعض العامة (3). ولا عبرة بخلافهم.

قوله : ولا ما یخرج من السبیلین إلا أن یخالطه شی ء من النواقض.

أی ولا ینقض الوضوء ما یخرج من السبیلین فی حال من الأحوال إلا فی حال مخالطة شی ء من النواقض له. وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وخالف فیه أکثر العامة فحکموا بأنّ جمیع ما یخرج من السبیلین ینقض الوضوء سواء کان طاهرا أو نجسا (4). وبطلانه معلوم مما سبق.

ویتوجه علی العبارة مؤاخذة : فإن الخارج لا یکون ناقضا بوجه من الوجوه فلا یحسن استناد النقض إلیه ، بل الناقض هو ذلک المصاحب ، ففی العبارة تجوّز. وجعل جدی - قدس سره - فی الشرح الاستثناء هنا منقطعا (5). وهو غیر واضح.

ص: 155


1- التهذیب ( 1 : 22 - 55 ) ، الإستبصار ( 1 : 87 - 278 ) ، الوسائل ( 1 : 192 ) أبواب نواقض الوضوء ب (9) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 350 - 1034 ) ، الوسائل ( 1 : 205 ) أبواب نواقض الوضوء ب (15) ح (3).
3- منهم ابن حزم فی المحلی ( 1 : 241 ).
4- الام ( 1 : 18 ) ، السراج الوهاج : (11).
5- المسالک ( 1 : 4 ).

الثانی : فی أحکام الخلوة ، وهی ثلاثة :

الأول : فی کیفیة التخلی ، ویجب فیه ستر العورة ، ویستحب ستر البدن. ویحرم استقبال القبلة واستدبارها ، ویستوی فی ذلک الصحاری والأبنیة. ویجب الانحراف فی موضع قد بنی علی ذلک.

______________________________________________________

قوله : ویجب علی المتخلی ستر العورة.

أی جلوسه بحیث لا یری عورته من یحرم نظره إلیها ، فالزوجة والمملوکة التی یباح وطؤها ، والأطفال غیر الممیزین لا یجب الستر عنهم.

والمراد بالعورة : القبل والدبر والأنثیان علی الأظهر ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی القدر المجمع علیه ، ولما روی عن أبی الحسن الماضی علیه السلام أنه قال : « العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستورة بالألیتین فإذا سترت القضیب والبیضتین فقد سترت العورة » (1).

قوله : ویستحب ستر البدن.

المراد بالستر هنا جلوس المتخلی بحیث لا یراه (2) أحد ، بأن یبعد المذهب ، أو یلج حفیرة ، أو یدخل بناء ونحو ذلک. وإنما کان مستحبا لما فیه من التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله ، ولقوله علیه السلام : « من أتی الغائط فلیستتر » (3).

قوله : ویحرم استقبال القبلة واستدبارها ، ویستوی فی ذلک الصحاری والأبنیة ، ویجب الانحراف فی موضع قد بنی علی ذلک.

اختلف الأصحاب فی تحریم الاستقبال والاستدبار علی المتخلی ، فذهب الشیخ (4)

اٴحکام الخلوة

وجوب ستر العورة علی المتخلی واستحباب ستر البدن

حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلی

ص: 156


1- الکافی ( 6 : 501 - 26 ) ، التهذیب ( 1 : 374 - 1151 ) ، الوسائل ( 1 : 365 ) أبواب آداب الحمام ب (4) ح (2).
2- فی « م » : لا یری.
3- الوسائل ( 1 : 215 ) أبواب أحکام الخلوة ب (4) ح (4) ، وفیه عن شرح النفلیة : (17).
4- الخلاف ( 1 : 19 ) ، والنهایة : (9).

______________________________________________________

وابن البراج (1) وابن إدریس (2) إلی تحریمهما فی الصحاری والبنیان. وقال ابن الجنید : یستحب إذا أراد التغوط فی الصحراء أن یتجنب استقبال القبلة (3). ولم یتعرض للاستدبار. ونقل عن سلار الکراهة فی البنیان (4). ویلزم منه الکراهة فی الصحاری أیضا أو التحریم.

وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها. ثم قال بعد ذلک : فإن دخل دارا قد بنی فیها مقعد الغائط علی استقبال القبلة واستدبارها لم یکره الجلوس علیه ، وإنما یکره ذلک فی الصحاری والمواضع التی یتمکن فیها من الانحراف عن القبلة (5).

قال العلامة - رحمه الله - فی المختلف بعد حکایة ذلک : وهذا یعطی الکراهة فی الصحاری والإباحة فی البنیان (6). وهو غیر واضح.

احتج القائلون بالتحریم بروایة عیسی بن عبد الله الهاشمی ، عن أبیه ، عن جده ، عن علی علیه السلام ، قال : « قال النبی صلی الله علیه و آله : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولکن شرّقوا أو غرّبوا » (7).

ومرفوعة علی بن إبراهیم ، قال : خرج أبو حنیفة من عند أبی عبد الله علیه السلام

ص: 157


1- المهذب ( 1 : 41 ).
2- السرائر : (16).
3- نقله عنه فی المختلف : (19).
4- المراسم : (32).
5- المقنعة : (4).
6- المختلف : (19).
7- التهذیب ( 1 : 25 - 64 ) ، الإستبصار ( 1 : 47 - 130 ) ، الوسائل ( 1 : 213 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (5).

______________________________________________________

وأبو الحسن علیه السلام قائم وهو غلام فقال له أبو حنیفة : یا غلام أین یضع الغریب ببلدکم؟ فقال : « اجتنب أفنیة المساجد ، وشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، ومنازل النزال ، ولا تستقبل القبلة (1) بغائط ولا بول ، وارفع ثوبک وضع حیث شئت » (2).

ومرفوعة عبد الحمید بن أبی العلاء أو غیره ، قال : سئل الحسن بن علی علیه السلام ما حد الغائط؟ قال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الریح ولا تستدبرها » (3).

وهذه الأخبار کلها مشترکة فی ضعف السند ، فحملها علی الکراهة متعین ، لقصورها عن إثبات التحریم وربما کان فی الروایتین الأخیرتین إشعار بذلک ، ویشهد له أیضا حسنة محمد بن إسماعیل ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام إنه سمعه یقول : « من بال حذاء القبلة ثم ذکر فانحرف عنها إجلالا للقبلة وتعظیما لها لم یقم من مقعده ذلک حتی یغفر له » (4).

احتج العلامة - رحمه الله - فی المختلف (5) لسلار - رحمه الله - علی الجواز فی الأبنیة بروایة محمد بن إسماعیل ، قال : « دخلت علی أبی الحسن الرضا علیه السلام وفی منزله کنیف مستقبل القبلة (6). ولا دلالة لها علی المدعی ، إذ لا یلزم من کون الکنیف

ص: 158


1- فی « م » زیادة : ولا تستدبرها.
2- الکافی ( 3 : 16 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 30 - 79 ) ، الوسائل ( 1 : 212 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (1).
3- الفقیه ( 1 : 18 - 47 ) ، التهذیب ( 1 : 33 - 88 ) ، الإستبصار ( 1 : 47 - 131 ) ، الوسائل ( 1 : 213 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (6).
4- التهذیب ( 1 : 352 - 1043 ) ، المحاسن : ( 54 - 82 ) إلا أن الروایة فیه عن النبی صلی الله علیه و آله ، وبسند آخر ، الوسائل ( 1 : 213 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (7).
5- المختلف : (19).
6- التهذیب ( 1 : 26 - 66 ) ، الإستبصار ( 1 : 47 - 132 ) ، الوسائل ( 1 : 213 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (7).

______________________________________________________

علی القبلة جواز الجلوس علیه من غیر انحراف.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : المراد بالاستقبال والاستدبار هنا ما هو المتعارف فی (1) أبواب الفقه : وهو الاستقبال بالبدن والاستدبار به. وربما توهم بعض المتأخرین أنّ الاستقبال المحرم أو المکروه ما کان بالعورة حتی لو حرفها زال المنع (2). ولیس بشی ء.

الثانی : المستفاد من الأخبار وکلام الأصحاب اختصاص ذلک بحالة البول أو التغوط ، ویحتمل شموله لحالة الاستنجاء ، لروایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قلت له الرجل یرید أن یستنجی کیف یقعد؟ قال : « کما یقعد للغائط » (3) ولا ریب أنه أولی.

الثالث : الاستقبال والاستدبار بالنسبة إلی القائم والجالس معلوم ، وأما بالنسبة إلی المضطجع والمستلقی فقال بعض المحققین : إنه إن بلغ بهما العجز إلی هذا الحد فلا بحث فی أنّ الاستقبال والاستدبار بالنسبة إلیهما فی التخلی یحال علی استقبالهما فی الصلاة ، وإلا ففیه تردد ینشأ من أنّ هذه حالة استقبال واستدبار فی الجملة ، ومن أنّ ذلک إنما هو بالنسبة إلی العاجز وأما بالنظر إلی غیر العاجز فلا ، ولهذا لو حلف لیستقبلن لم یبرّ بهذه الحالة مع القدرة علی غیرها. ولعل هذا أقرب (4).

قلت : بل الأظهر تحقق الاستقبال والاستدبار بالنسبة إلی المضطجع والمستلقی بالمواجهة ومقابلها مطلقا ، إذ لا معنی لاستقبال القبلة إلا کون المستقبل مواجها لها ،

تنبیهات

ص: 159


1- فی « م » ، « ق » ، « ح » زیادة : جمیع.
2- منهم الفاضل المقداد فی التنقیح ( 1 : 69 ).
3- الکافی ( 3 : 18 - 11 ) ، التهذیب ( 1 : 355 - 1061 ) ، الوسائل ( 1 : 253 ) أبواب أحکام الخلوة ب (37) ح (2).
4- جامع المقاصد ( 1 : 7 ).

______________________________________________________

ویقابله الاستدبار ، وأما القیام والجلوس فلیس بداخل فی حقیقتهما قطعا.

الرابع : الظاهر استحباب التشریق أو التغریب (1) ، للأمر بهما فی روایة عیسی بن عبد الله الهاشمی المتقدمة (2). وقال بعض المحققین : إن ذلک واجب وإنه لا یجوز استقبال ما بین المشرق والمغرب والقبلة تمسکا بظاهر الأمر ، وأیده بقوله علیه السلام : « ما بین المشرق والمغرب قبلة » (3) ، وأن قبلة البعید هی الجهة وفیها اتساع فلا بد من المبالغة فی الانحراف لیبعد عن الاستقبال والاستدبار (4). وهو استدلال ضعیف.

أما أولا : فلقصور الروایة من حیث السند عن إثبات حکم مخالف للأصل.

وأما ثانیا : فلعدم الوقوف علی مصرّح بالوجوب ، ومن طریقة ذلک المحقق التوقف فی الفتوی علی وجود القائل وإن کان الحق خلافه کما بیناه فی محله.

وأما ثالثا : فلضعف ما أیده به من قوله علیه السلام : « ما بین المشرق والمغرب قبلة » لأنه مع سلامة سنده محمول علی الناسی ، أو مؤوّل بما یرجع إلی المشهور کما ستقف علیه فی محله إن شاء الله تعالی.

الخامس : لو قلنا بالتحریم ولم یعلم الجهة ، قیل : وجب الاجتهاد فی تحصیلها من باب المقدمة ، فإن حصل شیئا من الأمارات بنی علیه ، وإلا انتفت الکراهة أو التحریم. ویحتمل انتفاؤهما مطلقا للشک فی المقتضی ، وهو قریب.

السادس : لا فرق فی تحریم الاستدبار بین ما یلزم منه استقبال بیت المقدس وعدمه ، واحتمل العلامة فی النهایة اختصاص الحکم بالأول (5). وهو بعید.

ص: 160


1- فی « م » ، « س » ، « ق » : والتغریب.
2- فی ص (157).
3- الفقیه ( 1 : 180 - 855 ) ، الوسائل ( 3 : 217 ) أبواب القبلة ب (2) ح (9).
4- جامع المقاصد ( 1 : 7 ).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 79 ).

الثانی : فی الاستنجاء ، ویجب غسل موضع البول بالماء ، ولا یجزی غیره مع القدرة ،

______________________________________________________

السابع : إذا تعارض الاستقبال والاستدبار قدم الاستدبار ، ولو عارضهما مقابلة ناظر محترم وجب تقدیمهما قطعا.

قوله : الثانی : فی الاستنجاء ، ویجب غسل موضع البول بالماء ، ولا یجزی غیره مع القدرة.

أجمع علماؤنا کافة علی وجوب غسل مخرج البول بالماء ، وأنه لا یطهر بغیره ، حکاه المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (1) ، والعلامة - رحمه الله - فی التذکرة والمنتهی (2). والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا صلاة إلا بطهور ، ویجزیک من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، وبذلک جرت السنة من رسول الله صلی الله علیه و آله ، وأما البول فلا بد من غسله » (3).

وفی الصحیح عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انقطعت درّة البول فصب الماء » (4).

وعن برید بن معاویة ، عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال : « یجزی من الغائط المسح بالأحجار ، ولا یجزی من البول إلا الماء » (5).

الاستنجاء

وجوب غسل موضع البول بالماء

ص: 161


1- المعتبر ( 1 : 124 ).
2- التذکرة ( 1 : 13 ) ، المنتهی ( 1 : 42 ).
3- التهذیب ( 1 : 49 - 144 ) ، الإستبصار ( 1 : 55 - 160 ) ، الوسائل ( 1 : 222 ) أبواب أحکام الخلوة ب (9) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 17 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 356 - 1065 ) ، الوسائل ( 1 : 247 ) أبواب أحکام الخلوة ب (31) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 50 - 147 ) ، الإستبصار ( 1 : 57 - 166 ) ، الوسائل ( 1 : 223 ) أبواب أحکام الخلوة ب (9) ح (6).

وأقلّ ما یجزی مثلا ما علی المخرج.

______________________________________________________

ولا ینافی ذلک ما رواه حنان بن سدیر ، قال : سمعت رجلا یسأل أبا عبد الله علیه السلام : إنی ربما بلت فلا أقدر علی الماء ویشتد ذلک علیّ ، فقال : « إذا بلت وتمسحت فامسح ذکرک بریقک ، فإن وجدت شیئا فقل هذا من ذاک » (1).

لأنا نجیب عنها أولا : بالطعن فی السند ، بأن راویها وهو حنان بن سدیر واقفی علی ما نص علیه الشیخ - رحمه الله - (2).

وثانیا : بالحمل علی التقیة ، أو علی أنّ المراد نفی کون البلل الذی یظهر علی المحل ناقضا فتأمل.

وقد یتوهم من قول المصنف : ولا یجزئ غیره مع القدرة ، إجزاء غیره مع العجز عنه ، ولیس کذلک إذ الإجماع منعقد علی عدم طهارة المحل بغیر الماء.

ولعله أشار بذلک إلی ما ذکره - رحمه الله - فی المعتبر : من أنه إذا تعذر غسل المخرج لعدم الماء أو غیره من الأعذار وجب مسحه بما یزیل عین النجاسة. واحتج علیه بأنّ الواجب إزالة العین والأثر ، فإذا تعذر أحدهما یسقط ویبقی وجوب الآخر بحاله (3).

وفیه نظر ، فإنا لم نقف علی ما یقتضی وجوب إزالة النجاسة علی غیر الوجه المطهر ، وتخفیف النجاسة مع بقائها لا یعلم وجهه.

قوله : وأقل ما یجزی مثلا ما علی المخرج.

هذه العبارة مجملة ، والأصل فیها ما رواه الشیخ ، عن نشیط بن صالح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته کم یجزئ من الماء فی الاستنجاء من البول؟ فقال :

ما یجزی فی غسل المخرج

ص: 162


1- الکافی ( 3 : 20 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 41 - 160 ) ، التهذیب ( 1 : 353 - 1050 ) ، الوسائل ( 1 : 201 ) أبواب نواقض الوضوء ب (13) ح (7).
2- رجال الشیخ الطوسی : (346).
3- المعتبر ( 1 : 126 ).

______________________________________________________

« مثلا ما علی الحشفة من البلل » (1).

وهی ضعیفة الإسناد ، لأن من جملة رجالها الهیثم بن أبی مسروق ، ولم ینصّ علیه الأصحاب بمدح یعتدّ به (2) ، ومروک بن عبید ، ولم یثبت توثیقه (3).

واختلف الأصحاب فی المعنی المراد منها ، فقیل : إنّ المراد وجوب غسل مخرج البول مرتین ، والتعبیر بالمثلین لبیان أقل ما یجزئ (4). وفیه نظر ، فإنّ المثلین إذا اعتبرا غسلتین کان المثل الواحد غسلة ، وقد ثبت أنّ الغسلة لا بد فیها من أغلبیة مائها علی النجاسة واستیلائه علیها ، وذلک منتف مع کل واحد من المثلین ، فإنّ المماثل للبلل الذی علی الحشفة لا یکون غالبا علیه.

وذکر بعض المتأخرین (5) أنه یمکن اعتبار المماثلة بین الماء المغسول به وبین القطرة المتخلفة علی الحشفة بعد خروج البول ، فإنّ تلک القطرة یمکن إجراؤها علی المخرج ، وأغلبیتها علی البلل الذی یکون علی حواشیه. ولا یخفی ما فیه من التکلّف. مع أنّ راوی هذه الروایة وهو نشیط بن صالح روی أیضا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « یجزئ من البول أن یغسله بمثله » (6).

تحقیق معنی مثلا ما علی الحشفة

ص: 163


1- التهذیب ( 1 : 35 - 93 ) ، الإستبصار ( 1 : 49 - 139 ) ، الوسائل ( 1 : 242 ) أبواب أحکام الخلوة ب (26) ح (5).
2- راجع رجال النجاشی : ( 437 - 1175 ) ، ورجال الطوسی : (516) ، ومعجم رجال الحدیث ( 19 : 317 ).
3- راجع رجال النجاشی : ( 425 - 1142 ) ، ورجال الطوسی : (406) ، والفهرست (168) ، ومعجم رجال الحدیث ( 8 : 125 ، 126 ).
4- جامع المقاصد ( 1 : 6 ).
5- جامع المقاصد ( 1 : 6 ).
6- التهذیب ( 1 : 35 - 94 ) ، الإستبصار ( 1 : 49 - 140 ) ، الوسائل ( 1 : 243 ) أبواب أحکام الخلوة ب (26) ح (7).

______________________________________________________

وقیل : إن المثلین کنایة عن الغسلة الواحدة (1) ، لاشتراط الغلبة فی المطهر ، وهو لا یحصل بالمثل کما بیناه ، وهو قریب. ویشهد له إطلاق صحیحتی زرارة وجمیل السابقتین (2) ، وخصوص حسنة بن المغیرة ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال ، قلت له : للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتی ینقی ما ثمّة » (3) وهی لا تقصر عن الصحیح.

وموثقة یونس بن یعقوب قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الوضوء الذی افترضه الله تعالی علی العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال : « یغسل ذکره ویذهب الغائط ثم یتوضأ مرتین مرتین » (4).

ولا ریب أنّ الغسلتین أولی لما فیه من الاستظهار فی إزالة النجاسة ، والخروج من الخلاف. والثلاث أکمل لصحیحة زرارة ، قال : کان یستنجی من البول ثلاث مرات ، ومن الغائط بالمدر والخرق (5).

واعلم أنّ شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری (6) اعتبر هنا الفصل بین المثلین ، مع أنه اکتفی فی تحقق المرتین فی غیر الاستنجاء بالانفصال التقدیری. واستوجهه المحقق الشیخ علی فی الشرح فقال : وما اعتبره فی الذکری من اشتراط تخلل الفصل بین المثلین لتحقق تعدد الغسل حق ، لا لأنّ التعدد لا یتحقق إلاّ بذلک ، بل لأنّ التعدد المطلوب

ص: 164


1- قد یستفاد ذلک من المعتبر ( 1 : 127 ) حیث قال : ولأن غسل النجاسة بمثلها لا یحصل معه الیقین بغلبة المطهر علی النجاسة ولا کذا لو غسل بمثلیها.
2- فی ص (161).
3- الکافی ( 3 : 17 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 28 - 75 ) ، الوسائل ( 1 : 227 ) أبواب أحکام الخلوة ب (13) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 47 - 134 ) ، الإستبصار ( 1 : 52 - 151 ) ، الوسائل ( 1 : 223 ) أبواب أحکام الخلوة ب (9) ح (5).
5- التهذیب ( 1 : 209 - 606 ) ، الوسائل ( 1 : 242 ) أبواب أحکام الخلوة ب (26) ح (6).
6- الذکری : (21).

وغسل مخرج الغائط بالماء حتی یزول العین والأثر ،

______________________________________________________

بالمثلین لا یوجد بدون ذلک ، لأنّ ورود المثلین (1) دفعة واحدة غسلة واحدة. ولو غسل بأکثر من المثلین بحیث تتراخی أجزاء الغسل بعضها عن بعض فی الزمان لم یشترط الفصل قطعا (2). وفیه نظر یعلم مما سبق.

قوله : وغسل مخرج الغائط بالماء حتی یزول العین ، والأثر.

المستفاد من الأخبار المعتبرة (3) أنّ الواجب فی الاستنجاء من الغائط هو الإنقاء خاصة ، وهو الذی عبّر به المصنف - رحمه الله - فی النافع والمعتبر (4). وأما ما ذکره المصنف هنا وجمع من الأصحاب من وجوب إزالة الأثر مع العین فلم نقف فیه علی أثر ، مع اضطرابهم فی تفسیره ، فقیل : إنّ المراد به اللون ، لأنه عرض لا یقوم بنفسه فلا بد له من محل جوهری یقوم به ، إذ الانتقال علی الأعراض محال ، فوجوده دلیل علی وجود العین (5) ، وهو فاسد.

أما أولا : فلمنع الاستلزام (6) ، وجواز حصوله بالمجاورة کما فی الرائحة.

وأما ثانیا : فلتصریح الأصحاب بالعفو عن اللون فی سائر النجاسات ، ففی الاستنجاء أولی.

وقیل : إنّ المراد به ما یتخلف علی المحل عند مسح النجاسة وتنشیفها (7). وهو غیر واضح أیضا ، إلا أن الأمر فی ذلک هین بعد وضوح المأخذ.

وجوب غسل مخرج الغائط بالماء حتی زوال العین والأثر

ص: 165


1- یعنی به مقدار الماء الذی یجب غسل المخرج به ، وهو مثلا ما علی الحشفة المار ذکره.
2- جامع المقاصد ( 1 : 6 ).
3- الوسائل ( 1 : 227 ) أبواب أحکام الخلوة ب (13).
4- المختصر النافع : (5) ، المعتبر ( 1 : 127 ).
5- التنقیح الرائع ( 1 : 72 ).
6- یعنی به : استلزام وجود اللون لوجود العین.
7- جامع المقاصد ( 1 : 6 ).

ولا اعتبار بالرائحة. وإذا تعدی المخرج لم یجز إلا الماء.

______________________________________________________

قوله : ولا اعتبار بالرائحة.

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. ویدل علیه مضافا إلی الأصل حسنة عبد الله بن المغیرة السابقة ، عن أبی الحسن علیه السلام ، حیث قال فیها ، قلت : فإنه ینقی ما ثمّة ویبقی الریح ، قال : « الریح لا ینظر إلیها » (1).

واعترض علی ذلک شیخنا الشهید - رحمه الله - بأنّ وجود الرائحة یرفع أحد أوصاف الماء ، وذلک یقتضی النجاسة (2).

وأجاب عنه مرة بالعفو عن الرائحة ، وأخری بأنّ الرائحة إن کان محلها الماء نجس لانفعاله ، وإن کان محلها الید أو المخرج فلا ، وهذا أجود.

قوله : وإذا تعدی المخرج لم یجز إلا الماء.

ینبغی أن یراد بالتعدی : وصول النجاسة إلی محل لا یعتاد وصولها إلیه ، ولا یصدق علی إزالتها اسم الاستنجاء. وذکر جماعة من الأصحاب أنّ المراد به تجاوز النجاسة عن المخرج وإن لم یتفاحش ، وهو بعید. وهذا الحکم ، أعنی تعیّن الماء للإزالة مع التعدی مذهب أهل العلم ، قاله فی المعتبر (3) ، واستدل علیه بقوله علیه السلام : « یکفی أحدکم ثلاثة أحجار إذا لم یتجاوز محل العادة » (4) وعلی (5) ما فسرنا به التعدی. والأمر (6) واضح.

لا اعتبار بالرائحة

تعین الماء عند تعدی النجاسة المخرج

ص: 166


1- فی ص (164).
2- نسبه إلیه فی جامع المقاصد ( 1 : 6 ).
3- المعتبر ( 1 : 128 ).
4- تفرّد بروایتها المحقق فی المعتبر ( 1 : 128 ) ، ویوجد ما یقرب من هذا المعنی فی بعض مصادر العامة.
5- فی « س » : وغسل.
6- فی « ق » : فالأمر.

وإذا لم یتعدّ کان مخیّرا بین الماء والأحجار ، والماء أفضل ، والجمع أکمل ،

______________________________________________________

قوله : وإذا لم یتعدّ کان مخیّرا بین الماء والأحجار ، والماء أفضل.

هذا الحکم إجماعی بین العلماء ، ویدل علیه روایات کثیرة ، منها عموم حسنة عبد الله بن المغیرة ، وموثقة یونس بن یعقوب المتقدمتین (1) ، وخصوص صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ویجزیک من الاستنجاء ثلاثة أحجار » (2) وإنما کان الماء أفضل لأنه أبلغ فی التنظیف ، وربما کان فی صحیحة زرارة إشعار بذلک أیضا.

وأورد علی هذا الحکم أنّ الإزالة واجبة إما بالماء أو بالأحجار وجوبا تخییریا فکیف یکون أحدهما أفضل من الآخر ، بل قد صرحوا فی مثل ذلک باستحباب ذلک الفرد الأفضل ، ومنافاة المستحب للواجب واضحة (3).

وأجیب عنه بأن الوجوب التخییری لا ینافی الاستحباب العینی ، لأن متعلق الوجوب فی التخییری لیس أمرا معینا بل الأمر الکلی ، فتعلق الاستحباب بواحدة منهما (4) لا محذور فیه (5). وفیه نظر ، فإنه إن أرید بالاستحباب هنا المعنی العرفی ، وهو الراجح الذی یجوز ترکه لا الی بدل لم یکن تعلقه بشی ء من أفراد الواجب التخییری ، وإن أرید به کون أحد الفردین الواجبین أکثر ثوابا من الآخر فلا امتناع فیه کما هو ظاهر.

قوله : والجمع أکمل.

یدل علیه ما روی مرسلا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « جرت السنة فی

التخییر بین الماء والأحجار

ص: 167


1- فی ص (164).
2- المتقدمة فی ص (161).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 6 ).
4- فی « ق » ، « م » : منها.
5- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 6 ).

ولا یجزی أقلّ من ثلاثة أحجار.

______________________________________________________

الاستنجاء بثلاثة أحجار أبکار ویتبع بالماء » (1).

وینبغی تقدیم الأحجار لما فیه من تنزیه الید عن مباشرة النجاسة ، ولأنه المستفاد من الخبر.

وذکر المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : أنّ الجمع بین الماء والأحجار مستحب وإن تعدی الغائط ، لأنه جمع بین مطهرین (2) بتقدیر أن لا یتعدی ، وإکمال فی الاستظهار بتقدیر التعدی (3). وفیه ما فیه ، ولو لا الإجماع المنقول علی هذا الحکم لکان للمناقشة فیه من أصله (4) مجال.

قوله : ولا یجزی أقلّ من ثلاثة أحجار.

هذا هو المشهور بین الأصحاب لقوله علیه السلام : « ویجزیک من الاستنجاء ثلاثة أحجار » (5) فإنه یدل بمفهومه علی عدم إجزاء ما دونه ، ولأن زوال النجاسة حکم شرعی ، فیقف علی سببه الشرعی ، ولم یثبت کون ما نقص عن الأحجار الثلاثة سببا فیه.

وقیل : إنّ الواجب ما یحصل به النقاء وإن کان واحدا (6) ، اختاره المفید - رحمه الله - علی ما نقل عنه (7) ، والشیخ فی ظاهر کلامه (8). واستوجهه فی المختلف (9) ، وهو

عدم إجزاء أقل من ثلاثة أحجار

ص: 168


1- التهذیب ( 1 : 46 - 130 ) ، الوسائل ( 1 : 246 ) أبواب أحکام الخلوة ب (30) ح (4).
2- فی « ح » المطهرین.
3- المعتبر ( 1 : 136 ).
4- فی « س » أجله.
5- المتقدمة فی ص (161).
6- کما فی الجامع للشرائع : (27) ، ومجمع الفائدة والبرهان ( 1 : 92 ).
7- فی السرائر : (16).
8- کما فی المبسوط ( 1 : 16 ) ، والخلاف ( 1 : 20 ) ، والنهایة : (10).
9- المختلف : (19).

______________________________________________________

المعتمد.

لنا : قوله علیه السلام فی حسنة ابن المغیرة وقد سأله : هل للاستنجاء حدّ؟ « لا حتی ینقی ما ثمّة » (1).

والاستنجاء یطلق علی غسل موضع النجو ومسحه کما یشهد به الأخبار المستفیضة ونصّ أهل اللغة ، قال فی القاموس : النجو ما یخرج من البطن من ریح أو غائط ، واستنجی أی غسل بالماء منه ، أو تمسح بالحجر (2). وقال الجوهری : استنجی أی غسل موضع النجو ، أو مسحه (3).

ویدل علیه أیضا إطلاق قوله علیه السلام فی موثقة یونس بن یعقوب : « ویذهب الغائط » (4). وصحیحة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « کان الحسین علیه السلام یتمسح من الغائط بالکرسف ولا یغسل » (5) وروی زرارة أیضا فی الصحیح ، قال : کان یستنجی من البول ثلاث مرات ، ومن الغائط بالمدر والخرق (6).

ویمکن حمل روایة الأحجار علی الاستحباب ، أو علی أنّ الغالب عدم حصول النقاء بما دون الثلاثة ، مع أنها واردة فی صورة معیّنة ، فتعدیتها إلی ما عدا الأحجار ، والتزام عدم حصول الطهارة بالثوب المتصل إلا بعد قطعه ثلاثا مستبعد ، ومع ذلک فالأول أحوط.

ص: 169


1- المتقدمة فی ص (164).
2- القاموس ( 4 : 396 ).
3- الصحاح ( 6 : 2502 ).
4- المتقدمة فی ص (164).
5- التهذیب ( 1 : 354 - 1055 ) ، الوسائل ( 1 : 252 ) أبواب أحکام الخلوة ب (35) ح (3).
6- المتقدمة فی ص (164).

ویجب إمرار کل حجر علی موضع النجاسة. ویکفی معه إزالة العین دون الأثر. وإذا لم ینق بالثلاثة فلا بد من الزیادة حتی ینقی. ولو نقی بدونها أکملها وجوبا. ولا یکفی استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات

______________________________________________________

قوله : ویجب إمرار کل حجر علی موضع النجاسة.

بل الأصح ما اختاره فی المعتبر (1) من إجزاء التوزیع ، بمعنی أن یمسح ببعض أدوات الاستنجاء بعض محل النجاسة ، وببعض آخر بعضا آخر مع حصول النقاء المعتبر ، إذ لا دلیل علی وجوب استیعاب المحل کله بجمیع المسحات.

قوله : ویکفی معه إزالة العین دون الأثر.

قد عرفت أنّ الأثر لم یرد به خبر ، وأن المعتمد وجوب الإنقاء فی الحالین ، إذ لا یستفاد من الأخبار أزید منه. ونعنی بالإنقاء هنا زوال عین النجاسة ورطوبتها بحیث یخرج الحجر نقیا لیس علیه شی ء من أجزاء النجاسة.

قوله : وإذا لم ینق بالثلاثة فلا بد من الزیادة حتی ینقی.

هذا موضع وفاق بین العلماء ، ویستحب أن لا یقطع إلا علی وتر ، ذکره جماعة من الأصحاب ، وهو مروی فی بعض الأخبار (2).

قوله : ولو نقی بما دونها أکملها وجوبا.

قد تقدم البحث فی ذلک ، وإنما أعاده للرد علی المخالف صریحا.

قوله : ولا یکفی استعمال الحجر الواحد من ثلاث جهات.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم الاکتفاء باستعمال ذی الشعب من ثلاث

وجوب إمرار کل حجر علی موضع النجاسة وکفایة زوال العین

عدم کفایة استعمال الحجر الواحد من ثلاثة جهات

ص: 170


1- المعتبر ( 1 : 130 ).
2- التهذیب ( 1 : 45 - 126 ) ، الإستبصار ( 1 : 52 - 148 ) ، الوسائل ( 1 : 223 ) أبواب أحکام الخلوة ب (9) ح (4).

______________________________________________________

جهات أحد القولین فی المسألة ، تمسکا باستصحاب حکم النجاسة إلی (1) أن یعلم حصول المطهر لها شرعا. وإنما یعلم بالأحجار الثلاثة لقوله علیه السلام : « یجزیک من الاستنجاء ثلاثة أحجار » (2) والحجر الواحد لا یصدق علیه أنه ثلاثة.

وذهب شیخنا المفید ، وابن البراج (3) ، والعلامة فی جملة من کتبه (4) ، والشهید - رحمه الله - فی الذکری (5) إلی الاجتزاء بذلک ، لأن المراد ( من الأحجار ) (6) المسحات وإن کانت بحجر واحد ، کما لو قیل : اضربه عشرة أسواط ، فإن المراد عشر ضربات وإن کانت بسوط واحد. ولأنها إذا انفصلت أجزأت قطعا فکذا مع الاتصال ، قال فی المختلف : وأی عاقل یفرّق بین الحجر متصلا بغیره ومنفصلا (7).

ولقوله صلی الله علیه و آله (8) : « إذا جلس أحدکم لحاجة فلیمسح ثلاث مسحات » (9).

ویرد علی الأول أنّ إرادة المسحات من الأحجار یتوقف علی القرینة ، لأنه خلاف مدلول اللفظ ، والفارق بینه وبین ما شبّهه به وجود القرینة فیه علی إرادة المعنی المجازی وانتفاؤها هنا.

وعلی الثانی أنه مصادرة محضة ، والفارق بین الاتصال والانفصال هو النصّ ،

ص: 171


1- فی « م » : إلاّ.
2- المتقدم فی ص (161).
3- المهذب ( 1 : 40 ).
4- التذکرة ( 1 : 13 ) ، والقواعد ( 1 : 3 ) ، والمنتهی ( 1 : 45 ).
5- الذکری : (21).
6- فی « ح » : بالأحجار.
7- المختلف : (19).
8- فی « ح » : علیه السلام .
9- لم نقف علی هذا النص ، والذی وقفت علیه روایة بهذا المضمون فی مجمع الزوائد للهیثمی ( 1 : 211 ).

ولا یستعمل الحجر المستعمل ، ولا الأعیان النجسة ، ولا العظم ، ولا الروث ، ولا المطعوم ،

______________________________________________________

والغالب فی أبواب العبادات خصوصا الطهارة رعایة جانب التعبد ، ولهذا أوجب الأکثر إتمام الثلاثة مع النقاء بما دونها.

وأما الروایة الأخیرة فمجهولة الإسناد ، والظاهر أنها عامیة فلا یسوغ التعلق بها ، مع أنها مطلقة والخبر المتضمن للأحجار مقید ، والمقید یحکّم علی المطلق.

وبالجملة فالمتّجه - تفریعا علی المشهور من وجوب الإکمال مع النقاء بالأقل - عدم الإجزاء. ومع ذلک فینبغی القطع بإجزاء الخرقة الطویلة إذا استعملت من جهاتها الثلاثة ، تمسکا بالعموم.

قوله : ولا یستعمل الحجر المستعمل ، ولا الأعیان النجسة.

بل الأظهر جواز استعمال المستعمل إذا کان طاهرا ، کالمستعمل بعد النقاء والمطهّر ، للأصل وعدم المخرج عنه ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر (1). ویمکن التوفیق بینه وبین ما هنا بحمل المستعمل علی المتنجس ، وحمل الأعیان النجسة علی نجس العین. والحکم بعدم جواز الاستنجاء بالنجس مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی (2) ، ویدل علیه قوله علیه السلام : « جرت السنة فی الاستنجاء بثلاثة أحجار أبکار » (3) ولأن المحل ینجس بملاقاة الحجر النجس فلا یکون مطهرا.

قوله : ولا الروث ، ولا العظم ، ولا المطعوم.

أما المنع من استعمال العظم والروث فقال فی المعتبر إنّ علیه اتفاق الأصحاب (4) ، ویدل علیه ما رواه لیث المرادی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن

عدم کفایة الحجر المستعمل ولا الروث والعظم ولا المطعوم

ص: 172


1- المعتبر ( 1 : 131 ).
2- منتهی المطلب ( 1 : 46 ).
3- التهذیب ( 1 : 46 - 130 ) ، الوسائل ( 1 : 246 ) أبواب أحکام الخلوة ب (30) ح (4).
4- المعتبر ( 1 : 132 ).

ولا صیقل یزلق عن النجاسة. ولو استعمل ذلک لم یطهّره.

______________________________________________________

استنجاء الرجل بالعظم ، أو البعر ، أو العود قال : « أما العظم والروث فطعام الجن ، وذلک مما اشترطوا علی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال : لا یصلح لشی ء من ذلک » (1) وفی السند ضعف (2).

وأما المنع من المطعوم کالخبز والفاکهة فاستدل علیه فی المعتبر بأنّ له حرمة تمنع من الاستهانة به. وبأنّ طعام الجن منهی عنه ، فطعام أهل الصلاح أولی (3). وفیهما نظر.

وکیف کان فینبغی أن یراد بالمطعوم ما کان مطعوما بالفعل ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق إن تم ، وإلا فالأظهر الجواز فیما لم یثبت احترامه.

قوله : ولا صقیلا (4) یزلق عن النجاسة ، ولو استعمل ذلک لم یطهّره.

أما عدم حصول الطهارة بالصقیل (5) الذی یزلق عن النجاسة فواضح ، وأما غیره من المطعوم والعظم والروث الصلب القالع للنجاسة ففیه قولان ، أظهرهما الإجزاء ، لعموم ما دل علی الاکتفاء بما یحصل به النقاء ، ولا ینافی ذلک تعلق النهی به ، کما فی إزالة النجاسة بالماء المغصوب.

واستقرب المصنف فی المعتبر عدم الإجزاء ، لأنّ المنع من استصحاب النجاسة شرعی ، فیقف زواله علی الشرع (6). والجواب أنّ الاکتفاء بالنقاء ثابت بالشرع کما بیناه.

عدم إجزاء استعمال الصقیل

ص: 173


1- التهذیب ( 1 : 354 - 1053 ) ، الوسائل ( 1 : 251 ) أبواب أحکام الخلوة ب (35) ح (1).
2- لأن فیه أحمد بن عبدوس ولم یوثقه النجاشی ولا الشیخ ، راجع رجال النجاشی : (197) ، والفهرست (24) ، ورجال الطوسی : (447) وقد یکون هناک ضعف من ناحیة أخری.
3- المعتبر ( 1 : 132 ).
4- فی « ح » صیقلیا.
5- فی « ح » بالصیقل.
6- المعتبر ( 1 : 133 ).

الثالث : فی سنن الخلوة ، وهی مندوبات ومکروهات :

فالمندوبات : تغطیة الرأس ، والتسمیة ، وتقدیم الرجل الیسری ،

______________________________________________________

قوله : والمندوبات ، تغطیة الرأس.

أی إذا کان مکشوفا ، لأنه من سنن النبی صلی الله علیه و آله . قال فی المعتبر : وعلیه اتفاق الأصحاب (1). وذکر الشیخان (2) أنه یستحب التقنع فوق العمامة لما رواه علی بن أسباط مرسلا عن الصادق علیه السلام : إنه کان إذا دخل الکنیف یقنع رأسه (3).

قوله : والتسمیة.

لما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح عن معاویة بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا دخلت المخرج فقل : بسم الله ، اللهم إنی أعوذ بک من الخبیث المخبث ، الرجس النجس ، الشیطان الرجیم. وإذا خرجت فقل : بسم الله ، الحمد لله الذی عافانی من الخبیث المخبث وأماط عنی الأذی » (4).

قوله : وتقدیم الرجل الیسری.

أی عند دخوله إلی الخلاء ، وذلک فی البنیان ظاهر ، وأما فی الصحراء فیمکن أن یراد تقدیمها إلی موضع الجلوس کما ذکره العلامة - رحمه الله - فی النهایة (5). وهذا الحکم مشهور بین الأصحاب. قال فی المعتبر : ولم أجد به حجة غیر أن ما ذکره الشیخ

- مندوبات التخلی - تغطیة الرأس والتسمیة وتقدیم الرجل الیسری

ص: 174


1- المعتبر ( 1 : 133 ).
2- المقنعة : (3) ، المبسوط ( 1 : 18 ) ، النهایة : (9).
3- الفقیه ( 1 : 17 - 41 ) ( بتفاوت یسیر ) ، التهذیب ( 1 : 24 - 62 ) ، الوسائل ( 1 : 214 ) أبواب أحکام الخلوة ب (3) ح (2).
4- التهذیب ( 1 : 25 - 63 ) ، الوسائل ( 1 : 216 ) أبواب أحکام الخلوة ب (5) ح (1).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 81 ).

والاستبراء ، والدعاء عند الاستنجاء وعند الفراغ ، وتقدیم الیمنی عند الخروج ،

______________________________________________________

وجماعة من الأصحاب حسن (1).

قوله : والاستبراء.

إطلاق العبارة یقتضی استحباب الاستبراء للرجل والمرأة ، والأصح ( اختصاصه بالرجل ) (2). والقول بالاستحباب هو المشهور بین الأصحاب ، وقال الشیخ فی الاستبصار بوجوبه ، لصحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یبول ، قال : « ینتره ثلاثا ، ثم إن سال حتی یبلغ الساق فلا یبالی » (3) وسیأتی تمام البحث فی ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : والدعاء عند الاستنجاء.

وهو غسل الموضع أو مسحه فیستحب الدعاء بالحالین بقوله : « اللهمّ حصّن فرجی ، وأعفّه ، واستر عورتی ، وحرمنی علی النار » (4).

قوله : وعند الفراغ منه.

بقوله : « الحمد لله الذی عافانی من البلاء وأماط عنی الأذی » (5).

قوله : وتقدیم الیمنی عند الخروج.

والکلام فیه کما تقدم فی الدخول ، واتباع الأصحاب فی ذلک حسن إن شاء الله.

- الاستبراء والدعاء وتقدیم الیمنی عند الخروج

ص: 175


1- المعتبر ( 1 : 134 ).
2- فی « ح » : استحبابه للرجل.
3- الاستبصار ( 1 : 48 - 136 ) ، التهذیب ( 1 : 27 - 70 ) ، الوسائل ( 1 : 200 ) أبواب نواقض الوضوء ب (13) ح (3).
4- الکافی ( 3 : 70 - 6 ) ، الفقیه ( 1 : 26 - 84 ) ، ( مرسلا ) التهذیب ( 1 : 53 - 153 ) ، المقنع : (4) ، ثواب الأعمال (38) ، المحاسن : ( 45 - 61 ) ، أمالی الصدوق : ( 445 - 11 ) ، الوسائل ( 1 : 282 ) أبواب الوضوء ب (16) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 351 - 1038 ) ، الوسائل ( 1 : 216 ) أبواب أحکام الخلوة ب (5) ح (2).

والدعاء بعده.

والمکروهات : الجلوس فی الشوارع ، والمشارع ، وتحت الأشجار المثمرة ،

______________________________________________________

قوله : والدعاء بعده.

بما (1) تقدم فی صحیحة معاویة بن عمار (2).

قوله : والمکروهات ، الجلوس فی الشوارع ، والمشارع.

المشارع : جمع مشرعة ، وهی موارد المیاه ، کشطوط الأنهار ورؤس الآبار. والشوارع : جمع شارع وهو الطریق الأعظم ، قاله الجوهری (3). والمراد بها هنا مطلق الطرق النافذة ، لأن المرفوعة ملک لأربابها عند الأصحاب ، ویدل علی کراهة الجلوس فی هذین الموضعین أخبار کثیرة.

منها ، ما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح عن عاصم بن حمید عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قال رجل لعلی بن الحسین علیهماالسلام : أین یتوضأ الغرباء؟

قال : « یتقی شطوط الأنهار ، والطرق النافذة ، وتحت الأشجار المثمرة ، ومواضع اللعن » قیل له : وأین مواضع اللعن؟ قال : « أبواب الدور » (4).

قوله : وتحت الأشجار المثمرة.

قال بعض المحققین : لیس المراد بالمثمرة هنا المثمرة بالفعل ، بل ما من شأنها ذلک ، لأن المشتق لا یشترط فی صدقه بقاء أصله (5) ، وفیه نظر ، لأن صدق هذا المشتق إنما

- مکروهات التخلی

الجلوس فی الشوارع والمشارع وتحت الأشجار المثمرة

ص: 176


1- فی « س » ، « م » ، « ق » : لما وفی « ح » مما. والأنسب ما أثبتناه.
2- فی ص (174).
3- الصحاح ( 3 : 1236 ).
4- التهذیب ( 1 : 30 - 78 ) ، وأوردها فی الکافی ( 3 : 15 - 2 ) ، والفقیه ( 1 : 18 - 44 ) ، ومعانی الأخبار : ( 368 - 1 ) ، إلا أن الروایة فیه عن أبی خالد الکابلی ، والوسائل ( 1 : 228 ) أبواب أحکام الخلوة ب (15) ح (1).
5- کما فی روض الجنان : (25) ، وجامع المقاصد ( 1 : 7 ).

ومواطن النزال ، ومواضع اللعن ،

______________________________________________________

یقتضی جواز إطلاق المثمرة علی ما أثمرت فی وقت ما ، لا إطلاقها علی ما من شأنها ذلک. نعم یصح ارتکاب ما ذکره بضرب من التجوز. وإنما کان الجلوس تحت الأشجار المثمرة مکروها لورود النهی عنه فی عدة أخبار ، کصحیحة عاصم بن حمید المتقدمة (1) ، وروایة السکونی عن أبی جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یتغوط علی شفیر بئر ماء یستعذب منها ، أو نهر یستعذب ، أو تحت شجرة فیها ثمرتها » (2).

ومقتضی هذه الروایة اعتبار کون الثمرة موجودة علی الشجرة ، ویشهد له أیضا ما رواه الصدوق - رحمه الله - فی کتاب من لا یحضره الفقیه عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « وإنما نهی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یضرب أحد من المسلمین خلاء تحت شجرة ، أو نخلة قد أثمرت ، لمکان الملائکة الموکلین بها. قال : ولذلک یکون الشجر والنخل أنسا إذا کان فیه حمله ، لأنّ الملائکة تحضره » (3).

قوله : ومواطن النزال ، ومواضع اللعن.

المراد بمواطن النزال المواضع المعدة لنزول القوافل والمترددین. ومواضع اللعن هی أبواب الدور کما ورد فی الخبر المتقدم ، ویمکن أن یراد بها ما هو أعم من ذلک.

ویدل علی کراهة الجلوس فی هذین الموضعین مضافا الی ما سبق مرفوعة علی بن إبراهیم ، قال : خرج أبو حنیفة من عند أبی عبد الله علیه السلام وأبو الحسن موسی علیه

الجلوس فی مواطن النزال ومواضع اللعن

ص: 177


1- فی ص (176).
2- التهذیب ( 1 : 353 - 1048 ) ، الخصال : ( 97 - 43 ) ، الوسائل ( 1 : 228 ) أبواب أحکام الخلوة ب (15) ح (3).
3- الفقیه ( 1 : 22 - 64 ) ، علل الشرائع : ( 278 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 230 ) أبواب أحکام الخلوة ب (15) ح (8).

واستقبال الشمس والقمر بفرجه أو الریح بالبول ،

______________________________________________________

السلام قائم وهو غلام ، فقال أبو حنیفة : یا غلام أین یضع الغریب ببلدکم؟ قال : « اجتنب أفنیة المساجد ، وشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، ومنازل النزال ، ولا تستقبل القبلة بغائط ولا بول ، وارفع ثوبک ، وضع حیث شئت » (1).

قوله : واستقبال الشمس والقمر بفرجه.

إطلاق العبارة یقتضی تعمیم الحکم بالنسبة إلی الحدثین. والمروی عن الصادق علیه السلام : « أنّ النبی صلی الله علیه و آله نهی أن یستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو یبول » (2) وفی الطریق ضعف (3).

والمراد بالاستقبال هنا استقبال نفس القرص دون الجهة. وتزول الکراهة بالحائل ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی روایة الکاهلی : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « لا یبولن أحدکم وفرجه باد للقمر » (4).

والظاهر عدم کراهة استدبارهما إذ لا مقتضی له.

قوله : أو الریح بالبول.

للنهی عنه فی مرفوعة عبد الحمید بن أبی العلاء وغیره (5). قال : سئل الحسن بن علی علیه السلام ما حدّ الغائط؟ فقال : « لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الریح

استقبال الشمس بالفرج والریح بالبول

ص: 178


1- الکافی ( 3 : 16 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 30 - 79 ) ، الوسائل ( 1 : 228 ) أبواب أحکام الخلوة ب (15) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 34 - 91 ) ، الوسائل ( 1 : 241 ) أبواب أحکام الخلوة ب (25) ح (1).
3- لأن طریق الشیخ إلی أحمد البرقی لا یخلو من ضعف ، ذکره القهبائی فی مجمع الرجال ( 7 : 208 ).
4- التهذیب ( 1 : 34 - 92 ) ، بزیادة : یستقبل به ، الوسائل ( 1 : 241 ) أبواب أحکام الخلوة ب (25) ح (2).
5- فی « ق » أو غیره.

والبول فی الأرض الصلبة ، وفی ثقوب الحیوان ،

______________________________________________________

ولا تستدبرها » (1) ومقتضاها عموم الکراهة بالنسبة إلی الحدثین والی الاستقبال والاستدبار.

قوله : والبول فی الصلبة.

لئلا یعود الیه. وکذا ما فی معناها ، کالجلوس فی أسفل الأرض المنحدرة ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة.

منها ما رواه عبد الله بن مسکان فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله أشد الناس توقیا للبول ، کان إذا أراد البول یعمد الی مکان مرتفع من الأرض ، أو الی مکان من الأمکنة فیه التراب الکثیر کراهیة أن ینضح علیه البول » (2).

قوله : وفی ثقوب الحیوان.

وهی جحرتها (3) بکسر الجیم وفتح الحاء والراء المهملتین. وإنما کره ذلک لورود النهی عنه فی بعض الأخبار (4) ، ولأنه لا یؤمن من خروج حیوان یلسعه ، فقد حکی أنّ سعد بن عبادة بال فی جحر بالشام فاستلقی میتا ، فسمعت الجن تنوح علیه بالمدینة وتقول :

نحن قتلنا سید الخزرج سعد بن عبادة

ورمیناه بسهمین فلم نخط فؤاده (5)

البول فی الصلبة وفی ثقوب الحیوان

ص: 179


1- التهذیب ( 1 : 33 - 88 ) ، الإستبصار ( 1 : 47 - 131 ) ، الوسائل ( 1 : 213 ) أبواب أحکام الخلوة ب (2) ح (6).
2- الفقیه ( 1 : 16 - 36 ) ، التهذیب ( 1 : 33 - 87 ) ، علل الشرائع ( 1 : 278 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 238 ) أبواب أحکام الخلوة ب (22) ح (2).
3- جحرة : الجحر : کل شی ء یحتفره الهوام والسباع لا نفسها جمعها جحرة ( القاموس 1 : 400 ).
4- سنن أبی داود ( 1 : 8 - 29 ) ، سنن النسائی ( 1 : 33 ) ، مسند أحمد بن حنبل ( 5 : 82 ).
5- الطبقات الکبری لابن سعد ( 3 : 617 ).

وفی الماء جاریا وواقفا ، والأکل والشرب

______________________________________________________

قوله : وفی الماء جاریا وراکدا.

لورود النهی عنه ، وعللت الکراهة فی بعض الأخبار بأنّ للماء أهلا (1). وتشتد الکراهة فی الراکد. واستثنی من ذلک الماء المعد فی بیوت الخلاء لأخذ النجاسة واکتنافها ، کما یوجد فی الشام ، وما جری مجراها من البلاد الکثیرة الماء ، وهو مشکل ، لإطلاق النهی. وکیف کان فیجب القطع بانتفاء الکراهة مع الضرورة ، کما وقع التصریح به فی الخبر.

قوله : والأکل والشرب.

قال المصنف فی المعتبر : إنما کره الأکل والشرب لما یتضمن من الاستقذار الدال علی مهانة نفس معتمدة (2).

واحتج علیه فی المنتهی (3) أیضا بما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه ، قال : دخل أبو جعفر الباقر علیه السلام الخلاء فوجد لقمة خبز فی القذر فأخذها وغسلها ودفعها الی مملوک معه فقال : « تکون معک لآکلها إذا خرجت » فلما خرج قال للمملوک : « أین اللقمة »؟ قال : أکلتها یا بن رسول الله ، فقال : « إنها ما استقرت فی جوف أحد إلا وجبت له الجنة ، فاذهب فأنت حر لوجه الله ، فإنی أکره أن استخدم رجلا من أهل الجنة » (4).

وذلک لأنّ تأخیره علیه السلام لأکل تلک اللقمة مع ما فیه من الثواب العظیم

البول فی الماء

الأکل والشرب حال التخلی

ص: 180


1- التهذیب ( 1 : 34 - 90 ) ، الإستبصار ( 1 : 13 - 25 ) ، الوسائل ( 1 : 240 ) أبواب أحکام الخلوة ب (24) ح (3).
2- المعتبر ( 1 : 138 ).
3- منتهی المطلب ( 1 : 41 ).
4- الفقیه ( 1 : 18 - 49 ) ، الوسائل ( 1 : 254 ) أبواب أحکام الخلوة ب (39) ح (1).

والسواک ، والاستنجاء بالیمین ، وبالیسار وفیها خاتم علیه اسم الله سبحانه ، والکلام إلا بذکر الله تعالی ، أو آیة الکرسیّ ، أو حاجة یضرّ فوتها.

______________________________________________________

وتعلیقه علی الخروج یشعر بمرجوحیة الأکل فی تلک الحال ، وفی هذا الحدیث فوائد تظهر لمن تأملها.

قوله : والسواک.

لما رواه ابن بابویه عن الکاظم علیه السلام أنه قال : « السواک علی الخلاء یورث البخر » (1).

قوله : والاستنجاء بالیمین.

لما رواه ابن بابویه عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « من الجفاء الاستنجاء بالیمین » (2) وروی أیضا عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا بال الرجل فلا یمس ذکره بیمینه » (3).

قوله : وبالیسار وفیها خاتم علیه اسم الله سبحانه وتعالی.

لما رواه عمار الساباطی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا یمس الجنب درهما ولا دینارا علیه اسم الله ، ولا یستنجی وعلیه خاتم فیه اسم الله تعالی ، ولا یجامع وهو علیه ، ولا یدخل المخرج وهو علیه » (4).

وألحق به ما کان علیه اسم أحد الأنبیاء أو الأئمة علیهم السلام ، وهو حسن.

قوله : والکلام إلا بذکر الله تعالی ، أو آیة الکرسیّ ، أو حاجة یضرّ فوتها.

أما کراهة الکلام فیدل علیه ما رواه الشیخ عن صفوان بن یحیی ، عن أبی الحسن

السواک علی الخلاء

الاستنجاء بالیمین وبالیسار وعلیها خاتم علیه اسم الله سبحانه

الکلام علی الخلاء

ص: 181


1- الفقیه ( 1 : 32 - 110 ) ، الوسائل ( 1 : 237 ) أبواب أحکام الخلوة ب (21) ح (1).
2- الفقیه ( 1 : 19 - 51 ) ، الوسائل ( 1 : 226 ) أبواب أحکام الخلوة ب (12) ح (4).
3- الفقیه ( 1 : 19 - 55 ) ، الوسائل ( 1 : 226 ) أبواب أحکام الخلوة ب (12) ح (6).
4- التهذیب ( 1 : 31 - 82 ) ، الإستبصار ( 1 : 48 - 133 ) ، الوسائل ( 1 : 233 ) أبواب أحکام الخلوة ب (7) ح (5).

______________________________________________________

الرضا علیه السلام قال : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یجیب الرجل آخر وهو علی الغائط ، أو یکلمه حتی یفرغ » (1).

وقال ابن بابویه فی کتابه : ولا یجوز الکلام علی الخلاء لنهی النبی صلی الله علیه و آله عن ذلک ، وروی أنّ من تکلم علی الخلاء لم تقض حاجته (2).

واستثنی من ذلک الذکر ، لقول الصادق علیه السلام فی روایة الحلبی : « لا بأس بذکر الله وأنت تبول ، فإنّ ذکر الله حسن علی کل حال » (3) وآیة الکرسی لقوله علیه السلام فی صحیحة عمر بن زید وقد سأله عن التسبیح فی المخرج وقراءة القرآن : « لم یرخص فی الکنیف أکثر من آیة الکرسی ویحمد الله تعالی وآیة ( الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ ) » (4) ، وحالة الضرورة ، لما فی الامتناع من الکلام معها من الضرر المنفی بقوله تعالی ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (5).

ویستثنی من ذلک أیضا حکایة الأذان ، لما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی کتاب علل الشرائع والأحکام ، فی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « یا محمد لا تدع ذکر الله علی کل حال ، ولو سمعت المنادی ینادی بالأذان وأنت علی الخلاء فاذکر الله عز وجل ، وقل کما یقول » (6).

عدم کراهة حکایة الأذان علی الخلاء

ص: 182


1- التهذیب ( 1 : 27 - 69 ) ، الوسائل ( 1 : 218 ) أبواب أحکام الخلوة ب (6) ح (1).
2- الفقیه ( 1 : 21 ).
3- أصول الکافی ( 2 : 497 - 6 ) ، الوسائل ( 1 : 219 ) أبواب أحکام الخلوة ب (7) ح (2).
4- الفقیه ( 1 : 19 - 57 ) ، التهذیب ( 1 : 352 - 1042 ) ، الوسائل ( 1 : 220 ) أبواب أحکام الخلوة ب (7) ح (7) بتفاوت یسیر.
5- الحج : (78).
6- علل الشرائع : ( 284 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 221 ) أبواب أحکام الخلوة ب (8) ح (1).

الثالث : فی کیفیة الوضوء ، وفروضه خمسة :

______________________________________________________

ومن هنا یظهر أنّ ما ذکره جدی - قدس سره - فی روض الجنان (1) من إبدال الحیعلات (2) بالحوقلة (3) ، لکونها لیست ذکرا ، وعدم النص علی استحباب حکایته علی الخصوص غیر جید. ویجب ردّ السلام ، کما صرح به فی المنتهی (4). واستحب الحمد عند العطاس (5) ، واستحب التسمیت أیضا ، ولعل ترکه أولی ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : الثالث ، فی کیفیة الوضوء ، وفروضه خمسة.

الفروض جمع الفرض ، وهو لغة التقدیر ، قال الله تعالی ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (6) أی قدرتم. وعرفا : الواجب والمحتوم ، وخصّ الحنفیة الفرض بما ثبت بالدلیل القطعی ، والواجب بما ثبت بالظنی ، ولا مأخذ له. ولکن لا مشاحة فی الاصطلاح.

والمراد بالفروض المنحصرة فی الخمسة : الفروض الثابتة بنصّ الکتاب (7) ، لأن وجوب الترتیب والموالاة ونحوهما إنما یستفاد من السنة.

وجعل المصنف فی النافع (8) الفروض سبعة ، بإضافة الترتیب والموالاة الی هذه

الوضوء

- فروض الوضوء

ص: 183


1- روض الجنان : (245).
2- الحیعلة : حکایة قولک حیّ علی الصلاة حی علی الفلاح ( القاموس 3 : 376 ).
3- الحوقلة : قال فی النهایة ( 1 : 464 ) : الحوقلة لفظة مبنیة من لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال هکذا ذکره الجوهری بتقدیم اللام علی القاف وغیره یقول : الحوقلة بتقدیم القاف علی اللام ، والمراد من هذه الکلمة إظهار الفقر الی الله بطلب المعونة منه علی ما یحاول من الأمور وهو حقیقة العبودیة.
4- منتهی المطلب ( 1 : 41 ).
5- فی « ق » زیادة : ولا بأس به.
6- البقرة : (237).
7- المائدة : (6).
8- المختصر النافع : (5).

الأول : النیة ،

______________________________________________________

الخمسة. والظاهر أنه أراد بالفرض مطلق الواجب.

وذکر الشهید - رحمه الله - فی الذکری : أنّ الواجبات المستفادة من نص الکتاب العزیز ثمانیة : السبعة المذکورة مع المباشرة بنفسه (1) ، وهو غیر جید کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : الأول ، النیة.

مذهب الأصحاب وجوب النیة فی جمیع الطهارات ، وعزاه فی المعتبر إلی الثلاثة وأتباعهم ، ثم قال : ولم أعرف لقدمائنا فیه نصا علی التعیین (2). وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری عن ظاهر ابن الجنید الاستحباب (3).

والأصل فی وجوب النیة فی الطهارة وغیرها من العبادات قوله تعالی ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ ) (4) وقول النبی صلی الله علیه و آله : « إنما الأعمال بالنیات » (5) وقول علی بن الحسین علیهماالسلام فی حسنة أبی حمزة الثمالی : « لا عمل إلا بنیة » (6) وقول الرضا علیه السلام : « لا قول الا بعمل ، ولا عمل إلا بنیة » (7).

واعلم أن الفرق بین ما تجب فیه النیة من الطهارة ونحوها ، وما لا تجب من إزالة

- النیة

ص: 184


1- الذکری : (79).
2- المعتبر ( 1 : 138 ).
3- الذکری : (80).
4- البینة : (5).
5- أمالی الطوسی : (629) ، التهذیب ( 4 : 186 - 519 ) ، الوسائل ( 1 : 34 ) أبواب مقدمة العبادات ب (5) ح (10).
6- أصول الکافی ( 2 : 84 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 33 ) أبواب مقدمة العبادات ب (5) ح (1).
7- التهذیب ( 4 : 186 - 520 ) ، الوسائل ( 7 : 7 ) أبواب وجوب الصوم ونیته ب (2) ح (13).

وهی إرادة تفعل بالقلب. وکیفیتها أن ینوی الوجوب أو الندب والقربة. وهل یجب نیة رفع الحدث ، أو استباحة شی ء مما یشترط فیه الطهارة؟ الأظهر أنه لا یجب.

______________________________________________________

النجاسة وما شابهها ملتبس جدا ، لخلو الأخبار ( من هذا البیان ) (1). وما قیل من أنّ النیة إنما تجب فی الأفعال دون التروک منقوض بالصوم والإحرام (2) ، والجواب بأنّ الترک فیهما کالفعل تحکم. ولعل ذلک من أقوی الأدلة (3) علی سهولة الخطب فی النیة ، وأنّ المعتبر فیها تخیل المنوی بأدنی توجه ، وهذا القدر أمر لا ینفک عنه أحد من العقلاء ، کما یشهد به الوجدان. ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو کلّف الله تعالی بالصلاة أو غیرها من العبادات بغیر نیة کان تکلیفا بما لا یطاق. وهو کلام متین لمن تدبره والله الموفق.

قوله : وهی إرادة تفعل بالقلب.

الإرادة بمنزلة الجنس ، والوصف بمنزلة الفصل یخرج به إرادة الله تعالی.

ویعلم من ذلک أنّ النطق لا تعلق له بالنیة أصلا ، فإن القصد الی فعل من الأفعال لا یعقل توقفه علی اللفظ بوجه من الوجوه. ولا ریب فی عدم استحبابه أیضا ، لأن الوظائف الشرعیة موقوفة علی الشرع ، ومع فقده فلا توظیف ، بل ربما کان فعله علی وجه العبادة إدخالا فی الدین ما لیس منه ، فیکون تشریعا محرما.

قوله : وکیفیتها أن ینوی الوجوب أو الندب والقربة ، وهل یجب نیة رفع الحدث ، أو استباحة شی ء مما یشترط فیه الطهارة؟ الأظهر أنه لا یجب.

اختلف علماؤنا فی کیفیة النیة فی الوضوء علی أقوال ، فقیل بالاکتفاء بقصد

ماهیة النیة وکیفیتها

ص: 185


1- ما بین القوسین من « ق » ، « ح ».
2- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 21 ).
3- فی « م » دلالة.

______________________________________________________

الفعل للقربة ، وهو مذهب المفید فی المقنعة (1) والشیخ - رحمه الله - فی النهایة (2) ، والمصنف فی بعض رسائله.

وقیل بضم الوجوب أو الندب ، وهو اختیار المصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب ، والعلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه (3) ، وجمع من المتأخرین (4).

وقیل بضم الرفع أو الاستباحة إلی القربة ، وهو اختیار الشیخ فی المبسوط (5) ، والمصنف فی المعتبر (6).

وقیل بضم الأمرین ، وهو قول أبی الصلاح (7) ، وابن البراج (8) ، وابن حمزة (9).

والبحث فی هذه المسألة یقع فی مواضع.

الأول : اشتراط القربة ، وهو موضع وفاق. ومما استدل به علیه قوله تعالی : ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفاءَ ) (10) أی وما أمروا ( بما أمروا ) (11) به فی التوراة والإنجیل إلا لأجل أن یعبدوا الله علی حالة الإخلاص والمیل عن الأدیان

اشتراط القربة فی النیة

ص: 186


1- المقنعة : (48).
2- النهایة : (15).
3- کما فی منتهی المطلب ( 1 : 56 ) ، والتذکرة ( 1 : 14 ) ، والتحریر ( 1 : 9 ).
4- منهم الفاضل المقداد فی التنقیح ( 1 : 74 ).
5- المبسوط ( 1 : 19 ).
6- المعتبر ( 1 : 139 ).
7- الکافی فی الفقه : (132).
8- المهذب ( 1 : 43 ).
9- الوسیلة : (51).
10- البینة : (5).
11- لیست فی « م ».

______________________________________________________

الباطلة. وفی قوله عزّ وجل ( وَذلِکَ دِینُ الْقَیِّمَةِ ) (1) أی دین الملة القیمة ، دلالة علی أنّ الأمر المذکور ثابت فی شرعنا.

ولا ریب أنه لا یتحقق الإخلاص بالعبادة إلا مع ملاحظة التقرب بها. والمراد بالقربة إما موافقة إرادة الله تعالی ، أو القرب منه المتحقق بحصول (2) الرفعة عنده ونیل الثواب لدیه ، تشبیها بالقرب المکانی ، وکلاهما محصل للامتثال مخرج عن العهدة.

ویدل علی الثانیة ظواهر الآیات والأخبار کقوله تعالی ( یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَیَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ) (3) وما روی عنهم علیهم السلام فی الصحیح : أنّ من بلغه ثواب من الله علی عمل فعمله التماس ذلک الثواب أوتیه وإن لم یکن الحدیث کما بلغه (4).

ونقل الشهید - رحمه الله - فی قواعده عن الأصحاب بطلان العبادة بهذه الغایة (5) ، وبه قطع السید رضی الدین بن طاوس (6) - رحمه الله - وهو ضعیف.

ولو قصد المکلف بفعله طاعة الله تعالی أو موافقة إرادته من دون ملاحظة القربة کان کافیا قطعا ، بل ربما کان أولی ، وإنما آثر الأصحاب هذه الصیغة مع غموض معناها لتکررها فی الکتاب والسنة ، مثل قوله تعالی ( وَیَتَّخِذُ ما یُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ ) (7) وقوله علیه السلام : « أقرب ما یکون العبد الی ربه وهو ساجد » (8).

ص: 187


1- البینة : (5).
2- فی « ق » و « م » : لحصول.
3- السجدة : (16) ، الأنبیاء : (90).
4- أصول الکافی ( 2 : 87 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 60 ) أبواب مقدمة العبادات ب (18) ح (7).
5- القواعد والفوائد ( 1 : 77 ).
6- نقله عنه فی روض الجنان : (27).
7- التوبة : (99).
8- الکافی ( 3 : 264 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 134 - 628 ) ( مرسلا ) ، عیون أخبار الرضا علیه السلام ( 2 : 6 - 15 ) ، الوسائل ( 4 : 979 ) أبواب السجود ب (23) ح (5).

______________________________________________________

الثانی : اشتراط الوجوب أو الندب ، واستدل علیه من اعتبره بوجوب إیقاع الفعل علی وجهه (1) ، ولا یتم الا بذلک. وبأن الوضوء لما جاز وقوعه علی جهة الوجوب تارة وعلی جهة الندب اخری اشترط تخصیصه بإحداهما حیث یکون ذلک هو المطلوب.

ویرد علی الأول أنه إن أرید بوجوب إیقاع الفعل علی وجهه إیقاعه علی الوجه المأمور به شرعا فمسلّم ولا یستلزم المدعی ، وإن أرید به إیقاعه مع قصد الوجه (2) الذی هو الوجوب أو الندب کان مصادرة محضة ، وبالجملة فهذا الاستدلال لا محصل له.

وعلی الثانی أنّ الوضوء الواجب والمندوب لا یمکن اجتماعهما فی وقت واحد لیعتبر تمییز أحدهما عن الآخر ، لأن المکلف إذا کان مخاطبا بمشروط بالوضوء فلیس له الا نیّة الوجوب وإن لم یقصد فعل ما علیه من الواجب ، والا فلیس له الا نیة الندب کما ذکره المتأخرون (3) ، وإن لم یقم علی ذلک دلیل عندنا. سلّمنا الاجتماع لکن امتثال الأوامر الواردة بالوضوء من الکتاب والسنة یحصل بمجرد إیجاد الفعل طاعة لله تعالی فیجب حصول البراءة به.

والأظهر عدم الاشتراط کما اختاره المصنف فی بعض تحقیقاته ، فإنّه قال : الذی ظهر لی أنّ نیة الوجوب والندب لیست شرطا فی صحة الطهارة ، وإنما یفتقر الوضوء إلی نیة القربة ، وهو اختیار الشیخ أبی جعفر الطوسی - رحمه الله - فی النهایة ، وأنّ الإخلال بنیة الوجوب لیس مؤثرا فی بطلانه ، ولا إضافتها مضرّة ، ولو کانت غیر مطابقة لحال الوضوء فی وجوبه وندبه.

وما یقول المتکلمون من أنّ الإرادة تؤثّر فی حسن الفعل وقبحه ، فإذا نوی الوجوب

اشتراط قصد الوجوب أو الندب

ص: 188


1- کما فی التذکرة ( 1 : 14 ).
2- فی « ق » وجهه.
3- منهم الشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 71 ).

______________________________________________________

والوضوء مندوب فقد قصد إیقاع الفعل علی غیر وجهه کلام شعری ، ولو کان له حقیقة لکان الناوی مخطئا فی نیّته ، ولم تکن النیة مخرجة للوضوء عن التقرب به (1). هذا کلامه أعلی الله مقامه ، وهو فی غایة الجودة.

الثالث : اشتراط نیّة الرفع أو الاستباحة ، واحتج علیه المشترط بقوله تعالی ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (2) الآیة فإنّ المفهوم منه کون هذه (3) الأفعال لأجل الصلاة ، کما أنّ المفهوم من قولهم : إذا لقیت الأمیر فخذ أهبتک ، وإذا لقیت الأسد فخذ سلاحک. کون الأخذ لأجل لقاء الأمیر والأسد.

ویرد علیه أنّ کون هذه الأفعال لأجل الصلاة لا یقتضی وجوب إحضار النیّة عند فعلها کما فی المثالین المذکورین ، وکما فی قولک أعط الحاجب درهما لیأذن لک ، فإنه یکفی إعطاؤه فی التوسل الی الإذن ، ولا یشترط إحضار النیة وقت العطیة قطعا.

وأورد علیه أیضا أنه إن تمّ فإنما یدل علی وجوب قصد الاستباحة خاصة ، والمدعی وجوب أحدهما لا علی التعیین ، وهو لا یدل علیه.

وأجیب بأنّ وجوب الاستباحة لکونها أحد الأمرین الواجبین لا یخرجه عن الوجوب ، فإن الواجب المخیر واجب (4).

وضعف هذا الجواب ظاهر. ولقد أحسن السید السعید جمال الدین بن طاوس - رحمه الله - فی البشری حیث قال : لم أعرف نقلا متواترا ولا آحادا یقتضی القصد الی رفع الحدث واستباحة الصلاة ، لکن علمنا یقینا أنه لا بد من نیة القربة ، ولو لا ذلک

اشتراط نیة الرفع أو الاستباحة

ص: 189


1- کما فی المعتبر ( 1 : 139 ).
2- المائدة : (6).
3- فی « م » « س » « ق » ذلک.
4- کما فی المختلف : (20).

ولا تعتبر النیة فی طهارة الثیاب ، ولا غیر ذلک مما یقصد به رفع الخبث. ولو ضمّ إلی نیّة التقرب إرادة التبرّد ، أو غیر ذلک کانت طهارته مجزیة.

______________________________________________________

لکان هذا من باب اسکتوا عما سکت الله تعالی عنه (1).

واعلم أنّ المفهوم من معنی الحدث هنا : الحالة التی لا یباح معها الدخول فی الصلاة ونحوها مما یتوقف علی الطهارة ، فمتی زالت تلک الحالة فقد حصلت الإباحة والرفع ، فیکونان بمعنی واحد.

وذکر جمع من المتأخرین (2) أن المراد بالرفع إزالة المانع ، وبالاستباحة إزالة المنع ، وأنّ الثانی منفک عن الأول ، لتحقق الاستباحة فی دائم الحدث والمتیمم (3) مع عدم حصول الرفع لهما ، وهو غیر جید وسیجی ء تمام تحقیق المسألة إن شاء الله تعالی.

قوله : ولا تعتبر النیة فی طهارة الثیاب ، ولا غیر ذلک مما یقصد به رفع الخبث.

هذا مذهب العلماء کافة عدا ابن شریح من العامة ، حکاه فی المنتهی (4). والوجه فیه صدق الامتثال بمجرد إیجاد الماهیة ، وأصالة البراءة من وجوب النیة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ولو ضمّ إلی نیّة التقرب إرادة التبرّد أو غیر ذلک کانت طهارته مجزیة.

هذا الإطلاق مشکل ، والتفصیل أن الضمیمة إما أن تکون منافیة للقربة کالریاء

عدم اعتبار النیة فی تطهیر الثیاب

حکم الضمیمة

ص: 190


1- نقله فی روض الجنان : (28).
2- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 56 ) ، والمختلف ( 1 : 40 ) ، وولده فی الإیضاح ( 1 : 35 ) ، والمحقق الثانی فی جامع المقاصد ( 1 : 22 ).
3- فی « س » والتیمم.
4- منتهی المطلب ( 1 : 55 ).

ووقت النیّة عند غسل الکفین ، وتتضیّق عند غسل الوجه ،

______________________________________________________

أو لازمة للفعل کالتبرد والتثخن (1).

والضمیمة الأولی مبطلة للعبادة عند أکثر علمائنا ، لأنها منافیة للإخلاص ، ویحکی عن المرتضی رضی الله عنه أنّ عبادة الریاء تسقط الطلب عن المکلف ولا یستحق بها ثوابا (2) ، وهو بعید جدا.

وفی الثانیة قولان (3) : أشهرهما الصحة ، لعدم منافاة الضمیمة لنیة القربة فکان کنیّة الغازی القربة والغنیمة ، ولأن اللازم واجب الحصول فلا تزید نیته علی عدمها. وأحوطهما العدم ، لعدم تحقق معنی الإخلاص المعتبر فی العبادة.

واحتمل الشهید - رحمه الله - الصحة إن کان الباعث هو القربة ثم طرأت النیة الأخری ، والبطلان إن کان الباعث هو مجموع الأمرین ، لعدم الأولویة حینئذ (4).

هذا کله إذا لم تکن الضمیمة راجحة ، والا فالمتجه الصحة مطلقا. ومن هذا الباب قصد الإمام بإظهار تکبیرة الإحرام إعلام القوم ، وضم الصائم إلی نیة الصوم قصد الحمیة ، وقصد مظهر إخراج الزکاة اقتداء غیره به ، ونحو ذلک.

قوله : ووقت النیّة عند غسل الیدین ، وتتضیّق عند غسل الوجه.

المراد بغسل الیدین : الغسل المستحب للوضوء ، أو الواجب له کما صرح به جماعة من الأصحاب (5) ، فیخرج من ذلک الواجب والمستحب لغیره والمکروه والمباح. وهذا

وقت النیة

ص: 191


1- التثخّن : استثخن الرجل ثقل من نوم أو إعیاء ( لسان العرب 13 : 77 ).
2- الانتصار : (17).
3- اختار القول بالصحة المحقق فی المعتبر ( 1 : 140 ) ، والقول بالبطلان الأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 99 ).
4- کما فی القواعد والفوائد ( 1 : 80 ) ، الذکری : (81).
5- منهم ابن إدریس فی السرائر : (17) ، والمحقق فی المعتبر ( 1 : 140 ) ، والعلامة فی القواعد ( 1 : 22 ) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 5 ).

ویجب استدامة حکمها إلی الفراغ.

______________________________________________________

الحکم أعنی جواز تقدیم النیة فی هذه الحالة ذکره الشیخ (1) وأکثر الأصحاب (2) ، ونقل عن السید السعید جمال الدین بن طاوس فی البشری التوقف فی ذلک (3) ، وهو فی محله ، فإن غسل الیدین خارج عن حقیقة الوضوء وإن استحب فعله قبله کالسواک والتسمیة.

والأولی تأخیر النیة إلی غسل الوجه وإفراد المستحبات المتقدمة علیه بالنیة. وأما المستحبات الواقعة فی الأثناء فلا یجب التعرّض لها حال النیة فی جمیع العبادات (4) لجواز ترکها ، بل یکفی قصد القربة بها حال فعلها ، والله تعالی أعلم.

قوله : ویجب استدامة حکمها الی الفراغ.

بأن لا ینوی ما ینافی النیة الأولی ، ومتی أخلّ بالاستدامة بطل الفعل الواقع بعده قبل استدراک النیة ( فإن عاد إلی النیة الأولی قبل الإتیان بشی ء من أفعال الوضوء أو بعده قبل فوات الموالاة صح الوضوء ، لوقوعه بأسره فی حال النیة ، وعدم ثبوت تأثیر مثل ذلک فیه ) (5).

وربما بنی الحکم بالصحة هنا علی جواز تفریق النیة علی الأعضاء ، وفی البناء نظر ، وإن کان الأظهر جواز التفریق أیضا ( لکن تحققه مشکل ) (6).

واعلم أنّ شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری فسّر الاستدامة بأمر وجودی ، وهو البقاء علی حکمها والعزم علی مقتضاها. قال : وفسّر کثیر من الأصحاب الاستمرار علی

وجوب استدامة النیة حکما إلی الفراغ

ص: 192


1- کما فی المبسوط ( 1 : 19 ) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (158).
2- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 140 ) ، والشهید فی الذکری : (83).
3- نقله عنه فی التنقیح الرائع ( 1 : 77 ).
4- المقصود به : هو عدم وجوب إفراد کل مستحب بنیة علی حیاله.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » : فإن استدرکها قبل فوات الموالاة وإکمال الوضوء صح ، لوقوعه بأسره فی حال النیة وحالة عدم منافاة ذلک للصحة.
6- فی « ح » لکن فی تحققه بحث.

تفریع :

إذا اجتمعت أسباب مختلفة توجب الوضوء کفی وضوء واحد بنیّة التقرّب. ولا یفتقر إلی تعیین الحدث الذی یتطهر منه.

______________________________________________________

النیة بما قاله فی المبسوط ، وهو أن لا ینتقل من تلک النیة إلی نیة تخالفها. وکأنه بناء منهم علی أنّ الباقی مستغن عن المؤثر (1) ، وفیه نظر من وجوه :

الأول : أن ما فسر به الاستدامة الحکمیة هو بعینه ( معنی ) (2) الاستدامة الفعلیة التی نفاها أولا ، بل نفس النیة ، إذ هی عبارة عن العزم علی الوجه المخصوص کما تقدم.

الثانی : إن ذلک مقتض لبطلان عبادة الذاهل عن العزم المذکور فی أثناء العبادة ، وهو باطل قطعا.

الثالث : إنّ ما ذکره من البناء غیر مستقیم ، فإنّ أسباب الشرع علامات ومعرفات لا علل حقیقیة ، فیمکن القول بعدم استغناء الباقی عن المؤثر مع عدم اشتراط الاستدامة مطلقا ، فضلا عن الاکتفاء بالحکمیة.

وبالجملة فتطبیق المسائل الشرعیة علی القواعد الحکمیة لا یخلو من تعسّف.

قوله : تفریع ، إذا اجتمعت أسباب مختلفة توجب الوضوء کفی وضوء واحد بنیّة التقرب ، ولا یفتقر إلی تعیین الحدث الذی یتطهر منه.

هذا مذهب العلماء کافة ، والوجه فیه صدق الامتثال وأصالة البراءة من وجوب تعیین الحدث. ثم إن قلنا بالاکتفاء بالقربة وحدها أو مع الوجه فالأمر واضح ، وإن قلنا باشتراط القصد الی رفع الحدث فالواجب أن یقصد رفعه من حیث هو.

- کفایة وضوء واحد مع اجتماع أسباب مختلفة

ص: 193


1- الذکری : (81).
2- لیست فی « م ».

وکذا لو کان علیه أغسال ، وقیل : إذا نوی غسل الجنابة أجزأ عن غیره ، ولو نوی غیره لم یجز عنه ، ولیس بشی ء.

______________________________________________________

ولو نوی رفع حدث معین فقد قطع أکثر الأصحاب بارتفاع الجمیع ، لوجوب حصول المنوی ، وهو لا یحصل الا برفع الجمیع. وفیه إشکال ، لاتحاد معنی الحدث وعدم القصد الی رفعه. ویقوی الإشکال مع قصد النفی عن غیر المنوی ، ویتوجه البطلان هنا للتناقض. ویمکن أن یقال بالصحة وإن وقع الخطأ فی النیة لصدق الامتثال بذلک ، وهو حسن (1).

قوله : وکذا لو کان علیه أغسال ، وقیل : إذا نوی غسل الجنابة أجزأ عن غیره ، ولو نوی غیره لم یجز عنه ، ولیس بشی ء.

إذا اجتمع علی المکلف غسلان فصاعدا فإما أن یکون کلها واجبة ، أو مستحبة ، أو یجتمع الأمران.

الأول : أن یکون کلها واجبة ، والأظهر التداخل مع الاقتصار علی نیة القربة کما ذکره المصنف ، وکذا مع ضم الرفع أو الاستباحة مطلقا. ولو عیّن أحد الأحداث فإن کان المعین هو الجنابة فالمشهور إجزاؤه عن غیره ، بل قیل : إنه متفق علیه (2) ، وإن کان غیره ففیه قولان : أظهرهما أنه کالأول ، والفرق بینهما بالقوة والضعف ضعیف جدا. نعم قد یتوجه إلی صورتی التعیین الإشکال المتقدم فی تعیین الحدث الأصغر.

ویدل علی التداخل مضافا الی صدق الامتثال بالفعل الواحد ما رواه الکلینی - رضوان الله علیه - فی الحسن عن زرارة ، قال : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأک غسلک ذلک للجنابة ، والجمعة ، وعرفة ، والنحر ، والحلق ، والذبح ، والزیارة ، وإذا

تداخل الأغسال

ص: 194


1- لیست فی « م » و « س ».
2- کما فی السرائر : (23) ، والخلاف ( 1 : 67 ).

______________________________________________________

اجتمعت لله علیک حقوق أجزأک عنها غسل واحد قال ، ثم قال : وکذلک المرأة یجزئها غسل واحد لجنابتها ، وإحرامها ، وجمعتها ، وغسلها من حیضها أو عیدها » (1).

وهذه الروایة وإن کانت مضمرة فی الکافی إلا أنّ إسنادها فی التهذیب (2) ، وظهور أنّ هذا الراوی لا یروی عن غیر الإمام علیه السلام یجعلها فی قوة المسندة ، علی أنّ ابن إدریس - رحمه الله - أورد فی آخر سرائره جملة من الأحادیث المنتزعة من کتب المشیخة المتقدمین ، فنقل هذه الروایة من کتاب حریز بن عبد الله السجستانی - رحمه الله - ، فقال نقلا من الکتاب المذکور : وقال زرارة عن أبی جعفر علیه السلام : إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأک غسلک ذلک للجنابة والجمعة وعرفة. ونقل الحدیث الی آخره کما فی الکافی ثم قال بعد ما نقل ما أراده من الأحادیث المنتزعة من ذلک الکتاب : تمّت الأحادیث المنتزعة من کتاب حریز بن عبد الله السجستانی - رحمه الله - وکتاب حریز أصل معتمد معمول علیه (3). وعلی هذا فتکون الروایة صحیحة السند متصلة بالإمام علیه السلام وهی نص فی المطلوب.

ویشهد لهذا القول أیضا مرسلة جمیل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : « إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزأ عنه ذلک الغسل من کل غسل یلزمه فی ذلک الیوم » (4).

وصحیحة زرارة ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : میت مات وهو جنب کیف یغسل؟ وما یجزئه من الماء؟ قال : « یغسل غسلا واحدا یجزئ ذلک للجنابة ولغسل

ص: 195


1- الکافی ( 3 : 41 - 1 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 1 : 525 ) أبواب الجنابة ب (43) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 107 - 279 ).
3- السرائر : (480).
4- الکافی ( 3 : 41 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 526 ) أبواب الجنابة ب (43) ح (2).

______________________________________________________

المیت ، لأنهما حرمتان اجتمعتا فی حرمة » (1). والتعلیل یقتضی العموم.

وروی زرارة أیضا فی الموثق عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا حاضت المرأة وهی جنب أجزأها غسل واحد » (2) ونحوه روی عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

الثانی : أن تکون کلها مستحبة ، والأظهر التداخل مطلقا مع تعیین الأسباب أو الاقتصار علی القربة ، لفحوی الأخبار السابقة ، وصدق الامتثال. ومع تعیین البعض یتوجه الإشکال السابق ، وإن کان القول بالإجزاء غیر بعید أیضا.

الثالث : أن یکون بعضها واجبا وبعضها مستحبا ، والأجود التداخل لما تقدم (4).

ومعنی تداخل الواجب والمستحب : تأدی المستحب بفعل الواجب (5) کما تتأدی صلاة التحیة بقضاء الفریضة ، وصوم الأیام المسنون صومها بقضاء الواجب ونحو ذلک (6).

وعلی هذا فلا یرد أنّ ذلک ممتنع لتضاد وجهی الوجوب والندب ( إذ الواقع هو الغسل الواجب خاصة ، لکن الوظیفة المسنونة تأدت به ، لصدق الامتثال ولما تلوناه من الأخبار

ص: 196


1- الکافی ( 3 : 154 - 1 ) ( باختلاف یسیر ) ، التهذیب ( 1 : 432 - 1384 ) ، الإستبصار ( 1 : 194 - 680 ) ، الوسائل ( 2 : 721 ) أبواب غسل المیت ب (31) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 395 - 1225 ) « عن أبی جعفر علیه السلام » الاستبصار ( 1 : 146 - 502 ) السرائر : (485) ، الوسائل ( 1 : 526 ) أبواب الجنابة ب (43) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 83 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 395 - 1223 ) ، الوسائل ( 1 : 527 ) أبواب الجنابة ب (43) ح (9).
4- فی « م » « ق » : والأجود : الاجتزاء بالغسل الواحد أیضا.
5- فی « م » « ق » « ح » : تأدی إحدی الفریضتین بفعل الأخری.
6- فی « م » « ق » « ح » زیادة : لظهور تعلق الغرض بمجرد إیجاد الماهیة علی أی وجه اتفق ، وأسقطناها لأنها لا محل لها.

الفرض الثانی : غسل الوجه ، وهو ما بین منابت الشعر فی مقدّم الرأس إلی طرف الذقن طولا ، وما اشتملت علیه الإبهام والوسطی عرضا. وما خرج عن ذلک فلیس من الوجه.

______________________________________________________

هذا مع نیة الجمع بالمعنی الذی ذکرناه اما بدونها ) (1) ففی إجزاء کل من الواجب والندب عن الآخر وجهان.

ویشهد للإجزاء مضافا الی صدق الامتثال ما رواه الصدوق - رحمه الله - فی کتابه من لا یحضره الفقیه ، فی أبواب الصوم : « إنّ من جامع فی أول شهر رمضان ثم نسی الغسل حتی خرج شهر رمضان أن علیه أن یغتسل ویقضی صلاته وصومه الا أن یکون قد اغتسل للجمعة ، فإنه یقضی صلاته وصومه الی ذلک الیوم ، ولا یقضی ما بعد ذلک » (2) وقد ذکر - رحمه الله - فی أول الکتاب أنه إنما یورد فیه ما یفتی به ویحکم بصحته ویعتقد أنه حجة فیما بینه وبین ربه عز وجل (3).

قوله : الفرض الثانی ، غسل الوجه ، وهو ما بین منابت الشعر فی مقدّم الرأس إلی طرف الذقن طولا ، وما اشتملت علیه الإبهام والوسطی عرضا ، وما خرج عن ذلک فلیس من الوجه.

هذا التحدید مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه ما رواه زرارة فی الصحیح عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال له : أخبرنی عن حدّ الوجه الذی ینبغی أن یوضأ الذی قال الله عزّ وجل ، فقال : « الوجه الذی قال الله وأمر الله عز وجل بغسله ، الذی لا ینبغی لأحد أن یزید علیه ولا ینقص منه ، إن زاد علیه لم یؤجر ، وإن نقص منه أثم : ما دارت علیه الوسطی والإبهام من قصاص شعر الرأس إلی الذقن ، وما جرت علیه الإصبعان

- غسل الوجه حد الوجه الذی یجب غسله

ص: 197


1- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « ق » : ولو لم یلحظ التداخل فی النیة.
2- الفقیه ( 2 : 74 - 321 ) ، الوسائل ( 7 : 170 ) أبواب من یصح منه الصوم ب (30) ح (2).
3- الفقیه ( 1 : 3 ) المقدمة.

______________________________________________________

مستدیرا فهو من الوجه وما سوی ذلک فلیس من الوجه » قلت : الصدغ من الوجه؟ قال : « لا » (1) وهی نص فی المطلوب.

وربما ظهر من عدم وجوب غسل الصدغ عدم وجوب غسل العذار أیضا ، وهو الشعر النابت علی العظم الناتئ الذی یتصل أعلاه بالصدغ وأسفله بالعارض ، مع أنّ الإبهام والوسطی لا یصلان الیه غالبا. وصرح العلامة - رحمه الله - فی المنتهی بعدم استحباب غسله أیضا (2) ، بل قال فی التحریر : إنه یحرم إذا اعتقده (3). وقیل بالوجوب (4) ، واختاره المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی حواشی الکتاب ، واستحسنه الشارح - رحمه الله - (5) ، وهو ضعیف. ومنه یعلم عدم وجوب غسل البیاض الذی بین العذار والأذن بطریق أولی.

وأما العارض وهو الشعر المنحط عن القدر المحاذی للأذن ، فقد قطع الشهیدان - رحمهما الله - بوجوب غسله (6) ، وظاهر الشارح دعوی الإجماع علیه ، مع أنّ العلامة جزم فی المنتهی بعدم وجوب غسله من غیر نقل خلاف (7).

وقد یستدل علی الوجوب ببلوغ الإبهام والوسطی لهما ، فیکونان داخلین فی تحدید الوجه. وضعفه ظاهر ، فإنّ ذلک إنما یعتبر فی وسط التدویر من الوجه خاصة ، والا

ص: 198


1- الکافی ( 3 : 27 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 28 - 88 ) ( بزیادة ) التهذیب ( 1 : 54 - 154 ) ( باختلاف فی السند ) ، الوسائل ( 1 : 283 ) أبواب الوضوء ب (17) ح (1).
2- منتهی المطلب ( 1 : 57 ).
3- تحریر الأحکام ( 1 : 10 ).
4- کما فی الروضة البهیة ( 1 : 74 ).
5- کما فی المسالک ( 1 : 5 ).
6- الأول فی الذکری : (83) ، والدروس : (4). والثانی فی المسالک ( 1 : 5 ).
7- منتهی المطلب ( 1 : 57 ).

ولا عبرة بالأنزع ، ولا بالأغمّ ، ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه ، بل یرجع کلّ منهم إلی مستوی الخلقة ، فیغسل ما یغسله. ویجب أن یغسل من أعلی الوجه إلی الذقن ، ولو غسل منکوسا لم یجزه علی الأظهر.

______________________________________________________

لوجب غسل کل ما نالته الإبهام والوسطی وإن تجاوز العارض ، وهو باطل إجماعا.

ویستفاد من تحدید الوجه من أعلاه بمنابت شعر الرأس وجوب غسل مواضع التحذیف بالذال المعجمة ، وهی التی ینبت علیها الشعر الخفیف بین الصدغ بالضم والنزعة محرکة ، سمیت بذلک لکثرة حذف النساء والمترفین الشعر منها.

أما النزعتان وهما البیاضان المحیطان بالناصیة فلا یجب غسلهما ، کما لا یجب غسل الناصیة.

قوله : ولا عبرة بالأنزع ، ولا بالأغمّ ، ولا بمن تجاوزت أصابعه العذار أو قصرت عنه.

الوجه فی ذلک ظاهر فإن الواجب غسل الوجه دون ما زاد علیه أو نقص عنه ، والتحدید مبنی علی الغالب. والمراد بالأنزع : من انحسر الشعر عن بعض رأسه ، ویقابله الأغم : وهو الذی نبت الشعر علی بعض جبهته. وربما کان فی هذه العبارة إشعار بوجوب غسل العذار ، وقد عرفت ما فیه.

قوله : ویجب أن یغسل من أعلی الوجه إلی الذقن ، ولو غسل منکوسا لم یجزئه علی الأظهر.

هذا هو المشهور بین الأصحاب. واحتج علیه فی المنتهی بصحیحة زرارة ، قال : حکی لنا أبو جعفر علیه السلام وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ، فدعا بقدح من ماء

وجوب غسل الوجه من أعلاه

ص: 199

______________________________________________________

فأدخل یده الیمنی فأخذ کفا من ماء فأسدله علی وجهه من أعلی الوجه (1). قال : وفعله إذا کان بیانا للمجمل وجب اتباعه فیه ، وأیضا نقل عنه علیه السلام حین أکمل وضوءه أنه قال : « هذا وضوء لا یقبل الله الصلاة إلا به » (2) وأیضا لا شک أنه - علیه السلام - توضأ بیانا ، فإن کان قد ابتدأ بأسفل الوجه لزم وجوبه ولا قائل به ، ویکون قد فعل المکروه ، فإنّ القائل بجواز النکس وافق علی الکراهة ، وهو منزه عنه. وإن کان قد غسل من أعلاه وجب اتباعه (3).

وفی هذا الاستدلال نظر ، إذ من الجائز أن یکون ابتداؤه علیه السلام بالأعلی لکونه أحد جزئیات مطلق الغسل المأمور به ، لا لوجوبه بخصوصه ، فإنّ امتثال الأمر الکلی إنما یتحقق بفعل جزئی من جزئیاته. وقوله : إنّ فعله إذا وقع بیانا للمجمل یجب اتباعه فیه. مسلم الا انه لا إجمال فی غسل الوجه حتی یحتاج الی البیان ، مع أن أکثر الأخبار الواردة فی وصف وضوئه - صلی الله علیه و آله - خالیة من ذلک (4) ، وأما النقل الذی ذکره فمرسل.

ومن ذلک یعلم الجواب عن الثانی أیضا ، مع إمکان التزام جواز کون البدأة فی وضوئه صلی الله علیه و آله وقعت بالأسفل وإن کان مکروها ، لبیان الجواز ، وإنما (5) لم یتعین للنص والإجماع علی جواز البدأة بالأعلی.

ص: 200


1- الکافی ( 3 : 24 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 55 - 157 ) ( بتفاوت فی السند ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 171 ) ، الوسائل ( 1 : 274 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (6).
2- الفقیه ( 1 : 25 - 76 ) ، الوسائل ( 1 : 308 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (11).
3- منتهی المطلب ( 1 : 58 ).
4- الوسائل ( 1 : 271 ) أبواب الوضوء ب (15).
5- فی « م » وإلا.

ولا یجب غسل ما استرسل من اللحیة ،

______________________________________________________

وقال المرتضی (1) - رحمه الله - وابن إدریس (2) - رحمه الله - : إنّ البدأة بالأعلی مستحبة لا واجبة ، فلو نکس عمدا صحّ وضوؤه تمسکا بإطلاق الأمر بالغسل. واحتج لهما فی المختلف أیضا (3) بعموم قوله علیه السلام : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (4) وهو احتجاج ضعیف ، فإنّ المسح غیر الغسل.

واعلم أنّ أقصی ما یستفاد من الأخبار (5) وکلام الأصحاب (6) : وجوب البدأة بالأعلی بمعنی صب الماء علی أعلی الوجه ثم اتباعه بغسل الباقی.

وأما ما تخیله بعض القاصرین من عدم جواز غسل شی ء من الأسفل قبل غسل الأعلی وإن لم یکن فی سمته فهو من الخرافات الباردة والأوهام الفاسدة.

قوله : ولا یجب غسل ما استرسل من اللحیة.

المراد به الشعر الخارج عن حد الوجه طولا وعرضا. وقد أجمع علماؤنا وأکثر العامة علی عدم وجوب غسله (7) ، لخروجه عن مسمی الوجه ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة الواردة فی تحدید الوجه : « من قصاص شعر الرأس إلی الذقن » والذقن : مجمع اللحیین اللذین علیهما الأسنان السفلی من الجانبین ، فلا یجب غسل ما زاد علیه ، والا لم

- عدم وجوب غسل ما استرسل من اللحیة

ص: 201


1- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 143 ) ، والمختلف : (21).
2- السرائر : (17).
3- (3) المختلف (21)
4- التهذیب ( 1 : 58 - 161 ) ، الإستبصار ( 1 : 57 - 169 ) ، الوسائل ( 1 : 286 ) أبواب الوضوء ب (20) ح (1).
5- الوسائل ( 1 : 271 ) أبواب الوضوء ب (15) ، وص (283) ب (17).
6- کما فی المبسوط ( 1 : 20 ) ، والبیان : (8) ، وإیضاح الفوائد ( 1 : 39 ) ، وقواعد الأحکام ( 1 : 10 ).
7- لاحظ کتاب الأم ( 1 : 25 ) ، والسراج الوهاج : (16) ، والمحلی ( 2 : 51 ) ، وبدایة المجتهد ( 1 : 11 ) ، ومختصر المزنی : (2).

ولا تخلیلها ، بل یغسل الظاهر.

______________________________________________________

تکن الغایة غایة.

قوله : ولا تخلیلها ، بل یغسل الظاهر.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین اللحیة الکثیفة والخفیفة ، وهو أحد القولین فی المسألة وأظهرهما ، وبه صرح فی المعتبر فقال : لا یلزم تخلیل شعر اللحیة ، ولا الشارب ، ولا العنفقة (1) ، ولا الأهداب ، کثیفا کان الشعر أو خفیفا ، بل لا یستحب (2).

والمستند فی ذلک الأخبار الصحیحة المستفیضة الدالة علی الاجتزاء بالغرفة الواحدة فی غسل الوجه (3) ، فإنها لا تکاد تبلغ أصول الشعر ، خصوصا مع الکثافة.

وصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام ، قال ، قلت له : أرایت ما أحاط به الشعر؟ فقال : « کلما أحاط به الشعر فلیس علی العباد أن یطلبوه ولا یبحثوا عنه ، ولکن یجری علیه الماء » (4).

وصحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام : قال : سألته عن الرجل یتوضأ أیبطن لحیته؟ قال : « لا » (5) وهو شامل للخفیف والکثیف.

ونقل عن ظاهر ابن الجنید - رحمه الله - وجوب التخلیل فی الخفیفة (6) ، واختاره

- عدم وجوب تخلیل اللحیة

ص: 202


1- العنفقة : الشعر الذی فی الشفة السفلی وقیل الشعر الذی بینها وبین الذقن ( راجع النهایة لابن الأثیر 3 : 309 ).
2- المعتبر ( 1 : 142 ).
3- الوسائل ( 1 : 306 ) ب (31) من أبواب الوضوء.
4- الفقیه ( 1 : 28 - 88 ) ، الوسائل ( 1 : 335 ) أبواب الوضوء ب (46) ح (3).
5- الکافی ( 3 : 28 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 360 - 1084 ) مع اختلاف فی السند ، الوسائل ( 1 : 334 ) أبواب الوضوء ب (46) ح (1).
6- کما نقله فی المختلف : (21).

ولو نبت للمرأة لحیة لم یجب تخلیلها ، وکفی إفاضة الماء علی ظاهرها.

الفرض الثالث : غسل الیدین ، والواجب غسل الذراعین والمرفقین ،

______________________________________________________

العلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه (1) ، نظرا الی أنّ المواجهة لما لم یکن بالشعر الخفیف لم ینتقل الیه الحکم ، وهو احتجاج ضعیف ، فإنه إن تم فإنما یقتضی وجوب غسل ما لا شعر فیه من الوجه ، ولیس النزاع فیه ، وعلی هذا فیرتفع الخلاف.

قوله : ولو نبت للمرأة لحیة لم یجب تخلیلها ، وکفی إفاضة الماء علی ظاهرها.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا. وردّ به علی الشافعی حیث أوجب تخلیلها مطلقا ، لأنّ المرأة من شأنها أن لا یکون لها لحیة ، فکان وجهها فی الحقیقة نفس البشرة (2). وفساده ظاهر.

قوله : الفرض الثالث غسل الیدین ، والواجب غسل الذراعین والمرفقین.

المرفق کمنبر ومجلس : مفصل (3) الذراع والعضد ، ذکره فی القاموس (4). وقد قطع الأصحاب بوجوب غسل المرفقین إما لأن « الی » فی قوله تعالی ( وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ) (5) بمعنی « مع » کما ذکره المرتضی - رحمه الله - (6) وجماعة (7) ، أو لأن الغایة إذا لم تتمیز یجب دخولها فی المغیّا.

ویرد علی الأول أنه مجاز لا یصار الیه الا مع القرینة ، وهی منتفیة هنا. وعلی الثانی

غسل الیدین - ما یجب غسله من الیدین

ص: 203


1- کما فی المختلف (22) ، وقواعد الأحکام ( 1 : 10 ) ، والتذکرة ( 1 : 16 ).
2- السراج الوهاج : (16).
3- فی « ق » موصل.
4- القاموس ( 3 : 244 ).
5- المائدة : (6).
6- کما فی الانتصار : (18).
7- منهم الشیخ فی الخلاف ( 1 : 11 ) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 16 ) ، والشهید فی الذکری : (85).

والابتداء من المرفق. ولو غسل منکوسا لم یجزئ. ویجب البداءة بالیمین.

______________________________________________________

أنّ الحق عدم دخول الغایة فی المغیا مطلقا کما حقق فی محله.

ولقد أجاد الشیخ الإمام أبو علی الطبرسی - رحمه الله - فی تفسیره جوامع الجامع حیث قال : لا دلیل فی الآیة علی دخول المرافق فی الوضوء الا أنّ أکثر الفقهاء ذهبوا الی وجوب غسلها ، وهو مذهب أهل البیت علیهم السلام . ومن هنا ذهب العلامة فی المنتهی (1) وجمع من المتأخرین (2) الی أنّ غسلهما غیر واجب بالأصالة ، وإنما هو من باب المقدمة ، ولا بأس به ، لأنه المتیقن.

قوله : والابتداء من المرفق ، ولو غسل منکوسا لم یجزئه.

خالف فی ذلک المرتضی (3) وابن إدریس (4) فجوّزا النکس هنا أیضا علی کراهة ، تمسکا بإطلاق قوله تعالی ( وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ) (5).

( وقد نصّ المرتضی (6) - رحمه الله - وغیره (7) علی أنّ « الی » فی الآیة بمعنی « مع » لأنها تجی ء فی اللغة لهذا المعنی فیجب تنزیلها علی ذلک توفیقا بین الآیة والأخبار المتضمنة لوصف وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله (8) ، ویحتمل کونها للانتهاء ویکون التحدید للمغسول لا للغسل ) (9) ، وأما جعلها لانتهاء الغسل فباطل (10) ، لإجماع

- یجب الابتداء من المرافق فی غسل الیدین

ص: 204


1- منتهی المطلب ( 1 : 58 ).
2- منهم الشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 75 ).
3- کما فی الانتصار : (16).
4- السرائر : (17).
5- المائدة : (6).
6- کما فی الانتصار : (17).
7- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 143 ) ، والشهید فی الذکری : (85).
8- الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15).
9- بدل ما بین القوسین فی « م » : إما لما ذکره المرتضی من ان « الی » بمعنی حینئذ ، أو لأن التحدید للمغسول لا للغسل.
10- لیست فی « ق ».

ومن قطع بعض یده غسل ما بقی من المرفق ، فإن قطعت من المرفق سقط فرض غسلها.

______________________________________________________

المسلمین کافة علی جواز الابتداء بالمرافق ، ولعل هذا أولی (1) ، والکلام فی هذه المسألة کما سبق فی غسل الوجه.

قوله : ومن قطع بعض یده غسل ما بقی من المرفق ، فإن قطعت من المرفق سقط فرض غسلها.

قطع الید إما أن یکون من تحت المرفق أو من فوقه أو من نفس المفصل. وفی الأول یجب غسل الباقی إجماعا ، للأصل ، والاستصحاب ، وحسنة رفاعة عن أبی جعفر علیه السلام إنه سأله عن الأقطع الید والرجل کیف یتوضأ؟ قال : « یغسل ذلک المکان الذی قطع منه » (2) ونحوه روی محمد بن مسلم عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

وفی الثانی یسقط الغسل لفوات محله ، ونقل علیه فی المنتهی الإجماع (4). وفی صحیحة علی بن جعفر الواردة فی مقطوع الید من المرفق : « إنه یغسل ما بقی من عضده » (5) وظاهر ابن الجنید - رحمه الله - الإفتاء بمضمونها فإنه قال : إذا کان أقطع من مرفقه غسل ما بقی من عضده (6). ولم یعتبر العلامة فی المنتهی خلافه حیث أجاب

- حکم من قطع بعض یده

ص: 205


1- لیست فی « ق » ، « م ».
2- الکافی ( 3 : 29 - 8 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 359 - 1078 ) ، الوسائل ( 1 : 337 ) أبواب الوضوء ب (49) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 29 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 360 - 1085 ) ، الوسائل ( 1 : 337 ) أبواب الوضوء ب (49) ح (3). الا ان الروایة فیها عن أبی جعفر علیه السلام .
4- منتهی المطلب ( 1 : 59 ).
5- الکافی ( 3 : 29 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 360 - 1086 ) ، الوسائل ( 1 : 337 ) أبواب الوضوء ب (49) ح (2).
6- نقله عنه فی المختلف : (23).

ولو کان له ذراعان دون المرفق أو أصابع زائدة أو لحم نابت وجب غسل الجمیع ولو کان فوق المرفق لم یجب غسله. ولو کان له ید زائدة وجب غسلها.

______________________________________________________

عن هذه الروایة بأنها مخالفة للإجماع ، ثم حملها علی الاستحباب ، وهو حسن.

وفی الثالث یجب غسل رأس العضد ، بناء علی وجوب غسل المرفق أصالة. وعلی القول بأنّ وجوبه من باب المقدمة یسقط غسله ، وهو خیرة العلامة فی المنتهی (1). وقول المصنف - رحمه الله - : فإن قطعت من المرفق سقط غسلها. یرید به قطع المرفق بأسره بأن یتحقق معه قطع رأس العضد لأن مذهبه - رحمه الله - وجوب غسل المرفق أصالة ، ولتصریحه فی المعتبر بأنها لو قطعت وبقی المرفق وجب غسله (2).

قوله : ولو کان له ذراعان دون المرفق أو أصابع زائدة أو لحم نابت وجب غسل الجمیع ، ولو کان فوق المرفق لم یجب غسله.

لا ریب فی وجوب غسل ما دون المرفق کله لأنه کالجزء من الید ، سواء تمیّز الزائد أو لم یتمیّز. أما ما فوقه فلا إشکال فی عدم وجوب غسله ، لخروجه عن محل الغسل.

قوله : ولو کان له ید زائدة وجب غسلها.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین أن تکون الید تحت المرفق أو فوقه ، ولا بین أن تکون غیر متمیّزة من الأصلیة أو متمیّزة. وظاهر العلامة فی التذکرة والمنتهی (3) أن وجوب غسلها فی غیر الصورة الأخیرة مجمع علیه بین الأصحاب ، أما فیها فقیل بالوجوب أیضا (4) ، واختاره فی المختلف لإطلاق الاسم (5) ، وصحة التقسیم.

- حکم من کان له ذراعان أو کان له ید زائدة

ص: 206


1- منتهی المطلب ( 1 : 59 ).
2- المعتبر ( 1 : 144 ).
3- التذکرة ( 1 : 17 ) ، منتهی المطلب ( 1 : 59 ).
4- کما فی المبسوط ( 1 : 21 ) ، والذکری : (85).
5- المختلف : (23).

الفرض الرابع : مسح الرأس ، والواجب منه ما یسمی به ماسحا ، والمندوب مقدار ثلاث أصابع عرضا.

______________________________________________________

والأصح خلافه ، لأن المطلق إنما ینصرف الی الفرد المتعارف. ولو لم یکن للید الزائدة مرفق لم یجب غسلها قطعا.

قوله : الفرض الرابع : مسح الرأس ، والواجب منه ما یسمی به ماسحا. والمندوب مقدار ثلاث أصابع عرضا.

ما اختاره المصنف من أن الواجب فی المسح مسمّاه هو المشهور بین الأصحاب ، وقال الشیخ - رحمه الله - فی النهایة : والمسح بالرأس لا یجوز أقل من ثلاثة أصابع مضمومة مع الاختیار ، فإن خاف البرد من کشف الرأس أجزأه مقدار إصبع واحدة (1).

وقال ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه : حد مسح الرأس أن یمسح بثلاث أصابع مضمومة من مقدم الرأس (2) ، والمعتمد الأول.

لنا ما رواه زرارة فی الصحیح ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : الا تخبرنی من أین علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلین؟ فضحک ثم قال : « یا زرارة قاله رسول الله صلی الله علیه و آله ونزل به الکتاب من الله ، لأن الله عز وجل یقول : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ ) فعلمنا أنّ الوجه کله ینبغی أن یغسل ، ثم قال ( وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ) ثم فصل بین الکلامین فقال ( وَامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ ) فعرفنا حین قال : ( بِرُؤُسِکُمْ ) أنّ المسح ببعض الرأس لمکان الباء ، ثم وصل الرجلین بالرأس کما وصل الیدین بالوجه ، فقال ( وَأَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَیْنِ ) فعرفنا حین وصلها بالرأس أن المسح

- مسح الرأس

ص: 207


1- النهایة : (14).
2- الفقیه ( 1 : 28 ).

______________________________________________________

علی بعضها » (1).

وما رواه زرارة وأخوه بکیر فی الصحیح أیضا ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا مسحت بشی ء من رأسک أو بشی ء من قدمیک ما بین کعبیک إلی أطراف الأصابع فقد أجزأک » (2).

وما رواه حماد بن عیسی فی الصحیح عن بعض أصحابه عن أحدهما علیهماالسلام فی الرجل یتوضأ وعلیه العمامة ، قال : « یرفع العمامة بقدر ما یدخل إصبعه فیمسح علی مقدم رأسه » (3).

احتج العلامة - رحمه الله - فی المختلف (4) للقولین الأخیرین بصحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن المسح علی القدمین کیف هو؟ فوضع کفه علی الأصابع فمسحها الی الکعبین الی ظاهر القدم ، فقلت : جعلت فداک لو أنّ رجلا قال بإصبعین من أصابعه ، فقال : « لا الا بکفه » (5) ولا دلالة لها علی المدعی بوجه.

نعم یمکن أن یحتج للشیخ بصحیحة زرارة ، قال ، قال : أبو جعفر علیه السلام : « المرأة یجزیها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقی عنها

ص: 208


1- الفقیه ( 1 : 56 - 212 ) ، الکافی ( 3 : 30 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 61 - 168 ) علل الشرائع : ( 279 - 1 ) ، الإستبصار ( 1 : 62 - 186 ) ، الوسائل ( 1 : 290 ) أبواب الوضوء ب (23) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 90 - 237 ) ، الإستبصار ( 1 : 60 - 178 ) ، الوسائل ( 1 : 289 ) أبواب الوضوء ب (23) ح (4).
3- التهذیب ( 1 : 90 - 238 ) ، الإستبصار ( 1 : 60 - 178 ) ، الوسائل ( 1 : 289 ) أبواب الوضوء ب (22) ح (3).
4- المختلف : (23).
5- الکافی ( 3 : 30 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 91 - 243 ) ، الاستبصار ( 1 : 62 - 184 ) قرب الإسناد : (162) ، الوسائل ( 1 : 293 ) أبواب الوضوء ب (24) ح (4).

ویختص المسح بمقدم الرأس.

______________________________________________________

خمارها » (1) والإجزاء إنما یستعمل فی أقل الواجب.

وروایة معمر بن عمر عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یجزئ فی المسح علی الرأس موضع ثلاث أصابع ، وکذلک الرجل » (2).

والجمع بین الروایات یتحقق إما بتقیید الأخبار المتقدمة بهذین الخبرین ، أو بحملهما علی الاستحباب ، والمعتمد الثانی ، لقوة دلالة تلک الأخبار علی الاکتفاء بالمسمّی مع مطابقتها لمقتضی الأصل والعمومات.

واعلم أنّ القائلین بالاکتفاء بالأقل اختلفوا فی أنّ القدر الزائد علیه مع حصوله علی سبیل التدریج هل یوصف بالوجوب أو الاستحباب؟ والأظهر الثانی إن قصد الامتثال بالأقل أو لم یقصد شیئا ، لأن فعل الأقل علی هذا الوجه مخرج عن العهدة ومبرء للذمة ، وإنما یتوجه الإشکال مع قصد الامتثال بالمجموع ، ولا یبعد وصف الجمیع بالوجوب علی هذا التقدیر (3).

قوله : ویختص المسح بمقدم الرأس.

هذا مذهب الأصحاب ، وأخبارهم به مستفیضة ، فروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « مسح الرأس علی مقدّمة » (4).

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الحسن عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنّه ذکر المسح

محل المسح

ص: 209


1- الکافی ( 3 : 30 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 77 - 195 ) ، الوسائل ( 1 : 293 ) أبواب الوضوء ب (24) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 29 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 60 - 167 ) ، الإستبصار ( 1 : 60 - 177 ) ، الوسائل ( 1 : 294 ) أبواب الوضوء ب (24) ح (5).
3- لیست فی « س » ، وبدلها فی « ح » : وفرضه نادر ولا یبعد مساواته للأول.
4- التهذیب ( 1 : 62 - 171 ) ، الإستبصار ( 1 : 60 - 176 ) ، الوسائل ( 1 : 289 ) أبواب الوضوء ب (22) ح (1).

ویجب أن یکون بنداوة الوضوء. ولا یجوز استئناف ماء جدید له.

______________________________________________________

فقال : « امسح علی مقدم رأسک ، وامسح علی القدمین ، وابدأ بالشق الأیمن » (1) والأخبار المتضمنة لوصف وضوئه صلی الله علیه و آله ناطقة بذلک (2). وما ورد فی شواذ أخبارنا مما یخالف بظاهره ذلک فضعیف متروک بالإجماع.

قوله : ویجب أن یکون بنداوة الوضوء ، ولا یجوز استئناف ماء جدید له.

هذا ما استقر علیه مذهب الأصحاب بعد ابن الجنید (3) - رحمه الله - واحتجوا علیه بالأخبار الواردة فی وصف وضوء النبی صلی الله علیه و آله ، کقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ثم مسح ببقیة ما بقی فی یدیه رأسه ورجلیه ولم یعدها فی الإناء » (4).

وفی صحیحة زرارة وأخیه بکیر : « ثم مسح رأسه وقدمیه الی الکعبین بفضل کفیه لم یجدد ماء » (5).

وفی صحیحة أبی عبیدة الحذاء فی وصف وضوء الباقر علیه السلام : أنه صبّ علیه الماء - الی أن قال - ثم مسح بفضل النداء رأسه ورجلیه (6).

وفیه بحث ، إذ من الجائز أن یکون المسح ببقیة النداوة ، لکونه أحد أفراد الأمر

المسح بنداوة الوضوء

ص: 210


1- الکافی ( 3 : 29 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 294 ) أبواب الوضوء ب (25) ح (1).
2- الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15).
3- کما فی المختلف : (24).
4- التهذیب ( 1 : 55 - 157 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 171 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (10).
5- الکافی ( 3 : 25 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 56 - 158 ) ، الإستبصار ( 1 : 57 - 168 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (11).
6- التهذیب ( 1 : 58 - 162 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 172 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (8) ( بتفاوت یسیر ).

______________________________________________________

الکلی ، لا لتعینه فی نفسه ، کما تقدم فی المسألة البدأة بالأعلی.

والأجود الاستدلال علیه بصحیحة زرارة قال ، قال : أبو جعفر علیه السلام : « إنّ الله وتر یحب الوتر ، فقد یجزیک من الوضوء ثلاث غرفات ، واحدة للوجه ، واثنتان للذراعین ، وتمسح ببلة یمناک ناصیتک ، وما بقی من بلة یمناک ظهر قدمک الیمنی ، وتمسح ببلة یسراک ظهر قدمک الیسری » (1) فإنّ الجملة الخبریة هنا بمعنی الأمر ، وهو یقتضی الوجوب.

واستدل علیه فی المعتبر أیضا : بأنّ الأمر بالمسح مطلق ، والمطلق للفور ، والإتیان به ممکن من غیر استئناف ماء ، فیجب الاقتصار علیه تحصیلا للامتثال ، قال : ولا یلزم مثله فی غسل الیدین ، لأنّ الغسل یستلزم استئناف الماء (2). وهو استدلال ضعیف ، فإنّ تخلل مقدار استئناف الماء للمسح لا ینافی الفوریة قطعا.

احتج العلامة فی المختلف لابن الجنید - رحمه الله - علی جواز الاستئناف (3) بصحیحة معمر بن خلاد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام أیجزئ الرجل أن یمسح قدمیه بفضل رأسه؟ فقال : برأسه لا ، فقلت أبماء جدید؟ فقال : برأسه نعم (4).

وموثقة أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مسح الرأس ، قلت : أمسح بما فی یدی من الندی رأسی؟ قال : « لا بل تضع یدک فی الماء ثم تمسح » (5).

ص: 211


1- الکافی ( 3 : 25 - 4 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (2).
2- المعتبر ( 1 : 147 ).
3- المختلف : (25).
4- التهذیب ( 1 : 58 - 163 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 173 ) ، الوسائل ( 1 : 288 ) أبواب الوضوء ب (21) ح (5).
5- التهذیب ( 1 : 59 - 164 ) ، الإستبصار ( 1 : 59 - 174 ) ، الوسائل ( 1 : 287 ) أبواب الوضوء ب (21) ح (4).

______________________________________________________

والجواب : إنهما محمولان علی التقیة ، إذ لا خلاف بین علمائنا فی جواز المسح بالنداوة ، بل رجحانه. ویشهد له عدوله علیه السلام عن التصریح بالجواب إلی الإیماء.

فإن قلت : إنّ الروایة الأولی تأبی هذا الحمل ، لأنها متضمنة لمسح الرجلین ، وهم لا یقولون به.

قلت : إنهم معترفون بصحة إطلاق اسم المسح علی الغسل بزعمهم الفاسد ، وهو کاف فی تأدّی التقیة.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : یستفاد من صحیحة زرارة المتقدمة (1) أنّ الأولی مسح الناصیة وظهر القدم الیمنی بالید الیمنی ، والیسری بالیسری. والظاهر أنّ محل المسح باطن الید دون ظاهرها. نعم لو تعذر المسح بالباطن أجزأ الظاهر قطعا. وهل یشترط تأثیر المسح فی المحل؟ فیه وجهان ، أقربهما ذلک ، وهو خیرة العلامة فی النهایة (2).

الثانی : لو مسح العضو وعلیه بلل فهل یکون المسح مجزیا أم لا؟ قیل بالأول ، للأصل ، وإطلاق الأمر ، وصدق الامتثال ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی (3) ، وابن إدریس (4) ، بل صرح المصنف فی المعتبر بما هو أبلغ من ذلک فقال : لو کان فی ماء وغسل وجهه ویدیه ثم مسح برأسه ورجلیه جاز ، لأن یدیه لم تنفک عن ماء الوضوء ، ولم یضره ما کان علی قدمیه من الماء.

وقوّی العلامة فی المختلف المنع ، ونقله عن والده - رحمه الله - محتجا بأنه مع رطوبة

ص: 212


1- فی ص (211).
2- نهایة الأحکام ( 1 : 43 ).
3- المعتبر ( 1 : 160 ). المنتهی ( 1 : 64 ).
4- السرائر : (18).

ولو جف ما علی یده أخذ من لحیته وأشفار عینیه ، فإن لم یبق نداوة استأنف.

______________________________________________________

الرجلین یحصل المسح بماء جدید (1) ، وفیه منع.

وقال فی الذکری : لو غلب ماء المسح رطوبة الرجلین ارتفع الإشکال (2) ، وهو حسن.

الثالث : مذهب الأصحاب الاکتفاء فی الغسل بغمس العضو فی الماء ، لأن به یتحقق الامتثال. ونقل عن ظاهر ابن الجنید - رحمه الله - وجوب إمرار الید علی العضو ، لحکایة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ولأنه المعهود فی الغسل (3). وهو ضعیف ، لأن ذلک لا یصلح مقیدا لإطلاق القرآن. ومع الغمس فینبغی القطع بجواز المسح بذلک البلل الکائن علی العضو ان لم یستقر فی الماء عرفا بعد تحقق الغسل ، لصدق المسح ببلة الید ، وتحقق الامتثال بالنظر الی الأوامر الواردة بالمسح من الکتاب والسنة ، وانتفاء ما یصلح للتخصیص کما یعلم مما قدمناه.

ونقل عن السید جمال الدین بن طاوس فی البشری أنه منع من ذلک ، لاقتضاء الغمس بقاء العضو فی الماء آنا ما بعد الغسل فیلزم الاستئناف (4). وقواه فی الذکری (5).

وهو غیر واضح ، لعدم صدق الاستئناف عرفا ، وهو المحکم فی أمثال ذلک.

قوله : ولو جف ما علی یده أخذ من لحیته وأشفار عینیه.

الظاهر أنه لا یشترط فی الأخذ من هذه المواضع جفاف الید بل یجوز مطلقا ، والتعلیق فی عبارات الأصحاب یخرج مخرج الغالب. ولا یختص الأخذ بهذه المواضع بل یجوز من

حکم من جف ما علی یده

ص: 213


1- المختلف : (26).
2- الذکری : (89).
3- المختلف : (23).
4- یعنی به : انه یلزم کون المسح بماء جدید وکأن البقاء آنا ما هو بمثابة استئناف ماء جدید للمسح وهو باطل ومبطل.
5- نقله عن البشری فی الذکری : (85) ، وقواه.

والأفضل مسح الرأس مقبلا ، ویکره مدبرا علی الأشبه. ولو غسل موضع المسح لم یجز.

______________________________________________________

جمیع محال الوضوء ، وتخصیص الشعر لکونه مظنّة البلل.

قوله : والأفضل مسح الرأس مقبلا ، ویکره مدبرا علی الأشبه.

الأصح جواز کل من الأمرین ، أعنی استقبال الوجه بالمسح واستدباره به ، لإطلاق الآیة ، وخصوص صحیحة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا » (1).

وقال الشیخ فی النهایة والخلاف (2) ، والمرتضی فی الانتصار (3) إنه لا یجوز استقبال الشعر لوقوع الخلاف فیه ، فیجب فعل المتیقن وهو ضعیف.

وأما أفضلیة الاستقبال وکراهة الاستدبار فلم أقف فیهما علی دلیل یعتدّ به. ویظهر من المصنف فی المعتبر الاعتراف بذلک ، فإنه قال : وأما وجه الکراهة فللتفصی من الخلاف (4). ولا یخفی ما فی هذا الکلام من المسامحة ، فإنّ المقتضی للکراهة ینبغی أن یکون دلیل المخالف لا نفس الخلاف.

قوله : ولو غسل موضع المسح لم یجز.

لا ریب فی ذلک ، لعدم الإتیان بالمأمور به ، فیبقی المکلف تحت العهدة.

وذکر جماعة من الأصحاب أنّ بین حقیقتی الغسل والمسح تباینا ، لاشتراط الجریان فی الأول وعدمه فی الثانی (5). وفیه نظر ، لصدق المسح مع الجریان القلیل عرفا.

جواز مسح الرأس مدبرا

عدم جواز غسل موضع المسح

ص: 214


1- التهذیب ( 1 : 58 - 161 ) ، الإستبصار ( 1 : 57 - 169 ) ، الوسائل ( 1 : 286 ) أبواب الوضوء ب (20) ح (1).
2- النهایة : (14) ، الخلاف ( 1 : 13 ).
3- الانتصار : (19).
4- المعتبر ( 1 : 145 ).
5- منهم الشیخ فی الخلاف ( 1 : 14 ) ، والمحقق فی المعتبر ( 1 : 148 ) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 61 ) ، والتذکرة ( 1 : 17 ).

ویجوز المسح علی الشعر المختص بالمقدّم وعلی البشرة. ولو جمع علیه شعرا من غیره ومسح علیه لم یجز. وکذلک لو مسح علی العمامة أو غیرها مما یستر موضع المسح.

الفرض الخامس : مسح الرجلین ، ویجب مسح القدمین من رؤوس الأصابع

______________________________________________________

والأظهر أنّ بینهما عموما من وجه ، یجتمعان مع إمرار الید والجریان ، ویتحقق الغسل خاصة مع انتفاء الأول ، والمسح خاصة مع انتفاء الثانی.

وبما ذکرناه قطع الشهید - رحمه الله - فی الذکری حیث قال : ولا یقدح قصد إکثار الماء لأجل المسح ، لأنه من بلل الوضوء. وکذا لو مسح بماء جار علی العضو وإن أفرط فی الجریان ، لصدق الامتثال ، ولأنّ الغسل غیر مقصود (1). وفی التعلیل الأخیر نظر.

قوله : ویجوز المسح علی الشعر المختص بالمقدّم وعلی البشرة.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة محمد بن مسلم عن الصادق علیه السلام ، قال : « مسح الرأس علی مقدّمه » (2) وهو شامل للشعر والبشرة. وحسنة زرارة عن الباقر علیه السلام ، حیث قال فیها : « وتمسح ببلة یمناک ناصیتک » (3) ، وهی صادقة علی الشعر والبشرة أیضا.

والمراد بالمختص بالمقدم : النابت علیه الذی لا یخرج بمدّه عن حدّه.

قوله : الفرض الخامس مسح الرجلین.

وجوب مسح الرجلین فی الوضوء ثابت بالکتاب والسنة والإجماع.

قال الله تعالی ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ

- مسح الرجلین

ص: 215


1- الذکری : (87).
2- التهذیب ( 1 : 91 - 241 ) ، والاستبصار ( 1 : 60 - 176 ) ، والوسائل ( 1 : 289 ) أبواب الوضوء ب (22) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 25 - 4 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (2).

إلی الکعبین ، وهما قبّتا القدمین ،

______________________________________________________

إِلَی الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ ) (1) أما علی قراءة الجر فبالعطف علی الرؤوس ، وعطف الیدین علی الوجه موجب لاشتراکهما فی الغسل ، فیکون عطف الرجلین علی الرأس کذلک عملا بمقتضی العطف.

فإن قیل : لا نسلم أنّ خفض الأرجل بالعطف علی الرؤوس ، ولم لا یجوز أن یکون بالمجاورة ، وإن کان معطوفا علی الأیدی ، کما فی : حجر ضب خرب.

قلنا : الإعراب بالمجاورة نادر لا یقاس علیه ، بل قیل : إنه لم یجی ء فی کلام الفصحاء ، کما اعترف به جماعة (2) ، منهم المحقق النیشابوری فی تفسیره حیث قال : ولا یمکن أن یقال أنّه کسر علی الجوار کما فی قوله : جحر ضب خرب ، لأن ذلک لم یجی ء فی کلام الفصحاء فی السعة ، وأیضا أنه جاء حیث لا لبس ولا عطف بخلاف الآیة.

وأما القراءة بالنصب فیکون للعطف علی محل برؤوسکم. وبالجملة فهذا الحکم معلوم من مذهب أهل البیت علیهم السلام ضرورة ، فالبحث فیه خارج عن غرضنا (3) فی هذا التعلیق.

قوله : وهما قبّتا القدمین.

ما ذکره المصنف - رحمه الله - فی تفسیر الکعبین من أنهما قبتا القدمین هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل علیه المرتضی - رحمه الله - فی الانتصار ، والشیخ فی الخلاف الإجماع (4). وقال فی المعتبر : إنه مذهب فقهاء أهل البیت (5). واحتج علیه من

تحقیق معنی الکعبین

ص: 216


1- المائدة : (6).
2- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 148 ) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 64 ) ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة ( 1 : 76 ).
3- فی « ح » فرضنا.
4- الانتصار : (28) ، الخلاف ( 1 : 16 ).
5- المعتبر ( 1 : 148 ).

______________________________________________________

طریق الأصحاب بما رواه زرارة وبکیر ابنا أعین فی الصحیح عن أبی جعفر علیه السلام ، إنهما قالا له : أصلحک الله فأین الکعبان؟ قال : « ها هنا » یعنی المفصل دون عظم الساق (1). وهذه الروایة لا تدل علی ما ذکره صریحا. والظاهر أنه - رحمه الله - إنما احتج بها علی إبطال ما ذهب إلیه العامة من أنّ الکعبین هما العقدتان اللتان فی أسفل الساقین.

والأجود الاستدلال علیه مضافا الی الإجماع ونص أهل اللغة (2) بما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن المسح علی القدمین کیف هو؟ فوضع کفه علی الأصابع فمسحها الی الکعبین الی ظهر القدم (3).

وفی الحسن عن میسر ، عن أبی جعفر علیه السلام . قال : « الوضوء واحدة واحدة ، ووصف الکعب فی ظهر القدم » (4).

وفی روایة أخری له عنه علیه السلام : أنه وضع یده علی ظهر القدم ثم قال : « هذا هو الکعب » قال : وأومأ بیده الی أسفل العرقوب (5) ، ثم قال : « إن هذا هو

ص: 217


1- الکافی ( 3 : 26 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 76 - 191 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (3).
2- قال الخلیل فی کتاب العین ( 1 : 207 ) کعب الإنسان : ما أشرف فوق رسغه عند قدمه. انتهی ولم نجد أفضل من هذا فی کتب اللغة ، بل أنهم نسبوا القول بأنه قبتا القدم وأنه فی ظهر القدم إلی الشیعة. راجع النهایة ( 4 : 178 ) ، ولسان العرب ( 1 : 718 ) ، والمصباح المنیر : 2. .
3- التهذیب ( 1 : 64 - 179 ) ، الاستبصار ( 1 : 62 - 184 ) ، قرب الإسناد : (162) ، الوسائل ( 1 : 293 ) أبواب الوضوء ب (24) ح (4) ، ورواه أیضا فی الکافی ( 3 : 30 - 6 ).
4- الکافی ( 3 : 26 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 80 - 205 ) ، الإستبصار ( 1 : 69 - 210 ) ، الوسائل ( 1 : 306 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (1).
5- العرقوب : العصب الغلیظ الموتر فوق عقب الإنسان ( راجع الصحاح 1 : 180 ).

______________________________________________________

الظنبوب (1) » (2).

ویؤیده الأخبار الواردة بالمسح علی النعلین من دون استبطان الشراک ، کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : « إنّ علیا علیه السلام مسح علی النعلین ولم یستبطن الشراکین » (3) قال الشیخ - رحمه الله - : یعنی إذا کانا عربیین ، لأنهما لا یمنعان وصول الماء الی الرجل بقدر ما یجب فیه علیه.

وذهب العلامة فی المختلف الی أنّ الکعب هو المفصل بین الساق والقدم. ثم قال : وفی عبارة علمائنا اشتباه علی غیر المحصّل ، فإنّ الشیخ وأکثر الجماعة قالوا : إنّ الکعبین هما النابتان فی وسط القدم ، قاله الشیخ - رحمه الله - فی کتبه. وقال السید : الکعبان هما العظمان النابتان فی ظهر القدم عند الشراک. وقال أبو الصلاح : هما معقد الشراک. وقال المفید - رحمه الله - : الکعبان هما قبتا القدمین ، أمام الساقین ، ما بین المفصل والمشط. وقال ابن أبی عقیل : الکعبان فی ظهر القدم. وقال ابن الجنید - رحمه الله - : الکعب فی ظهر القدم دون عظم الساق ، وهو المفصل الذی قدام العرقوب (4).

قلت هذه العبارات صریحة فی خلاف ما ادعاه ، ناطقة بأنّ الکعبین هما العظمان النابتان فی وسط القدم ، غیر قابلة للتأویل بوجه ، فإنّ المفصل بین الساق والقدم لا یکون وسطا للقدم ، فقوله : إن فی عبارات الأصحاب اشتباها علی غیر المحصّل ، مریدا به أن المحصّل لا یشتبه علیه أنّ الکعب عند الأصحاب هو المفصل بین الساق والقدم ، عجیب.

وأعجب من ذلک أنّ شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری ( نسب العلامة

ص: 218


1- الظنبوب : العظم الیابس من قدم الساق ( راجع الصحاح 1 : 175 ).
2- التهذیب ( 1 : 75 - 190 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (9).
3- الفقیه ( 1 : 27 - 86 ) مرسلا ، التهذیب ( 1 : 64 - 182 ) ، الوسائل ( 1 : 294 ) أبواب الوضوء ب (24) ح (6).
4- المختلف : (24).

______________________________________________________

- رحمه الله - الی التفرد ) (1) بما ذکره من أنّ الکعب هو المفصل ، والی مخالفة إجماع الأمة (2) ، مع أنّه قال بمقالته فی الرسالة (3).

واحتج فی المختلف (4) علی أنّ الکعب هو المفصل بصحیحة ابنی أعین المتقدمة (5). وبما روی عن الباقر علیه السلام : إنه حکی وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله : « فمسح علی مقدم رأسه وظهر قدمیه » (6) قال : وهو یعطی استیعاب المسح لجمیع ظهر القدم ، وبأنه أقرب الی ما حدّه أهل اللغة.

ویمکن الجواب عن الروایة الأولی بأنها معارضة بصحیحة ابن أبی نصر المتقدمة (7) ، الدالة علی أنّ الکعب فی ظهر القدم ، فإنّ المفصل بین شیئین یمتنع کونه فی أحدهما ، فیمکن حمل ما تضمنته من إیصال (8) المسح الی المفصل علی الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بالمفصل ما قاربه بضرب من المجاز.

وعن الروایة الثانیة بالمنع من دلالتها علی وجوب الاستیعاب. سلّمنا ذلک ، لکنها معارضة بما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح ، عن زرارة وأخیه بکیر ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا مسحت بشی ء من رأسک ، أو بشی ء من قدمیک ما بین کعبیک إلی أطراف الأصابع فقد أجزأک » (9) ومع التعارض یجب الجمع بینهما بحمل

ص: 219


1- کذا فی جمیع النسخ ، والأنسب أن تکون العبارة هکذا : نسب إلی العلامة - رحمه الله - التفرد.
2- الذکری : (88).
3- الألفیة : (28).
4- المختلف : (24).
5- فی ص (217).
6- الکافی ( 3 : 25 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 24 - 74 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (2).
7- فی ص (217).
8- فی « س » اتصال.
9- المتقدمة فی ص (208).

______________________________________________________

الروایة الأولی علی الاستحباب.

وقوله : إن ما ذکره أقرب الی ما حدّه به أهل اللغة ضعیف جدا ، فإنّ أهل اللغة منّا متفقون علی أنّ الکعب هو الناتئ فی ظهر القدم ، حیث یقع معقد الشراک ، لأنه مأخوذ من کعب إذا ارتفع ، ومنه کعب ثدی الجاریة إذا علا ، بل الظاهر أنه لا خلاف بین أهل اللغة فی إطلاق الکعب علیه ، وإن ادّعی العامة إطلاقه علی غیره أیضا.

قال فی القاموس : الکعب : العظم الناشز فوق القدم والناشزان فی جانبیها (1). وقال ابن الأثیر فی نهایته : وکل شی ء علا وارتفع فهو کعب (2). ونحوه قال الهروی فی الغریبین ، قال : ومنه سمّیت الکعبة.

ونقل الشهید - رحمه الله - فی الذکری عن الفاضل اللغوی عمید الرؤساء أنه صنّف کتابا فی الکعب أکثر فیه من الشواهد علی أنّه الناشز فی ظهر القدم أمام الساق (3). وقد ظهر من ذلک أنّ الأصح ما ذهب إلیه أکثر الأصحاب (4).

بقی هنا شی ء ، وهو أنّ ظهر القدم هل هو محل للمسح کالمقدّم فی الرأس ، بحیث یجزی المسح علی جزء منه ، أم یجب إیصاله إلی الکعبین؟ فیه وجهان ، یلتفتان الی أنّ التحدید فی الرجلین للممسوح ، أو للمسح. ورجح المصنف فی المعتبر الثانی بعد التردد (5) ، ولا ریب أنه أحوط.

ص: 220


1- القاموس ( 1 : 129 ).
2- النهایة ( 4 : 179 ).
3- الذکری : (88).
4- منهم السید فی الانتصار : (28) ، والشیخ فی الخلاف ( 1 : 16 ) ، والمحقق فی المختصر النافع : (6) ، والشهید فی الذکری : (88).
5- المعتبر : ( 1 : 152 ).

ویجوز منکوسا ،

______________________________________________________

وعلی هذا فهل یعتبر إدخال الکعبین فی المسح ، قیل : نعم (1) ، لما تقدم فی المرفقین. وقیل : لا (2) ، لحدیث الأخوین (3) ، ولما تقدم من عدم وجوب استبطان الشراکین ، وهو خیرة المعتبر (4) ، ولا بأس به. ومع ذلک فالأولی إیصال المسح الی نفس المفصل ومسحه أیضا.

واعلم أنّ المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی التذکرة ، نقلا إجماع فقهاء أهل البیت علیهم السلام علی أنه یکفی فی مسح الرجلین مسمّاه ، ولو بإصبع واحدة (5) ، واستدلا علیه بصحیحة زرارة المتقدمة (6) ، ولو لا ذلک لأمکن القول بوجوب المسح بالکف کلها ، لصحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن الرضا علیه السلام حیث قال فیها ، فقلت : جعلت فداک لو أنّ رجلا قال بإصبعین من أصابعه هکذا قال : « لا الا بکفه » (7) فإنّ المقیّد یحکّم علی المطلق ، ومع ذلک فالاحتیاط هنا مما لا ینبغی ترکه ، لصحة الخبر وصراحته ، وإجمال ما ینافیه.

قوله : ویجوز منکوسا.

هذا هو الأقوی لصحیحة حماد بن عثمان المتقدمة فی مسح الرأس (8) ، وصحیحة أخری له عنه علیه السلام أنه قال : « لا بأس بمسح القدمین مقبلا ومدبرا » (9) وهو

جواز مسح الرجل منکوسا

ص: 221


1- کما فی التحریر ( 1 : 10 ).
2- کما فی الوسیلة : (50).
3- المتقدم فی ص (217).
4- المعتبر ( 1 : 152 ).
5- المعتبر ( 1 : 150 ) ، التذکرة ( 1 : 18 ).
6- فی ص (218).
7- المتقدمة فی ص (217).
8- فی ص (214).
9- التهذیب ( 1 : 83 - 217 ) ، الوسائل ( 1 : 286 ) أبواب الوضوء ب (20) ح (2).

ولیس بین الرجلین ترتیب ، وإذا قطع بعض موضع المسح مسح علی ما بقی ، ولو قطع من الکعب سقط المسح علی القدم.

______________________________________________________

نص فی الباب.

ونقل عن ظاهر ابن بابویه (1) والمرتضی (2) وجوب الابتداء من رؤوس الأصابع ، وبه قطع ابن إدریس (3) جعلا ل- « الی » فی الآیة الشریفة لانتهاء المسح لا الممسوح ، وهو ضعیف.

قوله : ولیس بین الرجلین ترتیب.

هذا هو المشهور بین الأصحاب (4) ، تمسکا بإطلاق الآیة الشریفة. ونقل عن ابن الجنید (5) وابنی بابویه (6) وجوب تقدیم الیمنی ، للوضوء البیانی. وعن آخرین جواز المعیة خاصة (7). والأظهر وجوب الترتیب لا لما ذکروه ، بل لما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه ذکر المسح فقال : « امسح علی مقدم رأسک وامسح علی القدمین وابدأ بالشق الأیمن » (8) والأمر للوجوب.

قوله : وإذا قطع بعض موضع المسح مسح علی ما بقی ، ولو قطع من الکعب سقط المسح علی القدم.

هذا إذا کان الکعب مقطوعا ، أو قلنا : إن مسحه من باب المقدمة ، وإلا وجب

عدم الترتیب بین الرجلین

حکم من قطع بعض موضع المسح

ص: 222


1- الفقیه ( 1 : 28 ).
2- کما فی الانتصار : (27).
3- السرائر : (17).
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 155 ) ، والعلامة فی القواعد ( 1 : 11 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (38).
5- نقله عنه فی المختلف : (25).
6- الفقیه ( 1 : 28 ). ونقله عنهما فی المختلف : 6. .
7- منهم المفید فی المقنعة : (4) ، والعلامة فی المختلف : (25).
8- الکافی ( 3 : 29 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 294 ) أبواب الوضوء ب (25) ح (1).

ویجب المسح علی بشرة القدم ، ولا یجوز علی حائل من خفّ أو غیره ، الا للتقیّة أو الضرورة ،

______________________________________________________

مسحه ، وقد تقدم فی الغسل ما یعلم منه هذه الأحکام.

قوله : ویجب المسح علی بشرة القدمین ولا یجوز علی حائل من خفّ أو غیره ، إلا للتقیّة أو الضرورة.

أجمع علماؤنا علی وجوب المسح فی الرجلین علی بشرة القدم ، وتحریمه علی الحائل من خف أو غیره اختیارا ، وأخبارهم ناطقة به تکاد أن تبلغ حد التواتر.

ویستثنی من ذلک الشراک إن أوجبنا المسح إلی المفصل ، قال فی التذکرة : وهل ینسحب إلی ما یشبهه کالسیر فی الخشب إشکال والأقرب العدم (1). وهو جید ، اقتصارا علی موضع النص.

وقد قطع الأصحاب بجواز المسح علی الحائل للتقیة إذا لم یتأدّ بالغسل (2) وهو مروی فی بعض الأخبار. وروی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « ثلاث لا أتقی فیهن أحدا » وعدّ منها المسح علی الخفین (3) ، وربما کان الوجه فی ذلک أنّ من خلع خفه وغسل رجلیه فلا إنکار علیه ، فلهذا أطلق علیه السلام عدم التقیة فیه.

وهل یشترط فی جواز التقیة عدم المندوحة؟ قیل : لا ، لإطلاق النص (4). وقیل : نعم ، لانتفاء الضرر مع وجودها ، فیزول المقتضی. وهو أقرب.

وجوب المسح علی بشرة القدمین

ص: 223


1- التذکرة ( 1 : 18 ).
2- منهم المحقق الحلی فی المختصر النافع : (6) ، والعلامة فی المنتهی ( 1 : 66 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (89) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 6 ).
3- الکافی ( 3 : 32 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 30 - 95 ) ( مرسلا ) ، التهذیب ( 1 : 362 - 1093 ) ، الإستبصار ( 1 : 76 - 237 ) ، الوسائل ( 1 : 321 ) أبواب الوضوء ب (38) ح (1).
4- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 26 ) ، وروض الجنان : (37).

وإذا زال السبب أعاد الطهارة علی قول ، وقیل : لا تجب الا لحدث ، والأول أحوط.

______________________________________________________

وذکر المصنف (1) وجمع من الأصحاب (2) أنه یجوز المسح علی الحائل أیضا مع الضرورة کالبرد وشبهه ، واستدلوا علیه بروایة أبی الورد ، عن أبی جعفر علیه السلام ، حیث قال فیها : « قلت : فهل فیهما - یعنی المسح علی الخفین - رخصة؟ فقال : لا ، إلا من عدو تتّقیه ، أو من ثلج تخاف علی رجلیک » (3) وأبو الورد مجهول ، والانتقال إلی التیمم والحال هذه محتمل ، لتعذر الوضوء المتحقق بتعذر جزئه ، والمسألة محل تردد.

قوله : وإذا زال السبب أعاد الطهارة علی قول ، وقیل : لا تجب إلا لحدث ، والأول أحوط.

الأظهر عدم الوجوب ، لأن امتثال الأمر یقتضی الإجزاء ، والإعادة علی خلاف الأصل فیتوقف علی الدلیل. والقول بالإعادة للشیخ (4) وجماعة (5) ، لأن هذه الطهارة طهارة ضروریة فیتقدر بقدر الضرورة. وهو ضعیف ، لأن تقدیر الطهارة بقدر الضرورة إن أرید به عدم جواز الطهارة کذلک بعد زوال الضرورة فحق ، وإن أرید به عدم إباحتها فلیس بحق ، فإن ذلک محل النزاع.

جواز المسح علی حائل عند التقیة والضرورة

ص: 224


1- المعتبر ( 1 : 154 ).
2- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 66 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (36).
3- التهذیب ( 1 : 362 - 1092 ) ، الإستبصار ( 1 : 76 - 236 ) ، الوسائل ( 1 : 322 ) أبواب الوضوء ب (38) ح (5).
4- المبسوط ( 1 : 22 ).
5- منهم المحقق الحلی فی المعتبر ( 1 : 154 ) ، والعلامة فی التذکرة : ( 1 : 18 ) ، وتحریر الأحکام ( 1 : 10 ).

مسائل ثمان :

الأولی : الترتیب واجب فی الوضوء : الوجه قبل الیمنی ، والیسری بعدها ، ومسح الرأس ثالثا ، والرجلین أخیرا. فلو خالف أعاد الوضوء - عمدا کان أو نسیانا - إن کان قد جف الوضوء ، وإن کان البلل باقیا أعاد علی ما یحصل معه الترتیب.

______________________________________________________

قوله : مسائل ثمان ، الأولی : الترتیب واجب فی الوضوء ، الوجه قبل الیمنی ، والیسری بعدها ، ومسح الرأس ثالثا ، والرجلین أخیرا. فلو خالف أعاد الوضوء - عمدا کان أو نسیانا - إن کان قد جف الوضوء ، وإن کان البلل باقیا أعاد علی ما یحصل معه الترتیب.

هذا مما لا خلاف فیه بین علمائنا ، والنصوص به مستفیضة ، فروی زرارة فی الصحیح قال : قال أبو جعفر علیه السلام : « تابع بین الوضوء کما قال الله عز وجل ابدأ بالوجه ، ثم بالیدین ، ثم امسح الرأس والرجلین ، ولا تقدمنّ شیئا بین یدی شی ء تخالف (1) ما أمرت به ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فاغسل الوجه وأعد علی الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح علی الرأس قبل الرجل ، ثم أعد علی الرجل ، ابدأ بما بدأ الله عز وجل به » (2).

وروی منصور بن حازم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یتوضأ

- الترتیب

ص: 225


1- فی « م ، س » : یخالف.
2- الکافی ( 3 : 34 - 5 ) ، الفقیه ( 1 : 28 - 89 ) ، التهذیب ( 1 : 97 - 251 ) ، الإستبصار ( 1 : 73 - 223 ) ، الوسائل ( 1 : 315 ) أبواب الوضوء ب (34) ح (1).

الثانیة : الموالاة واجبة ، وهی أن یغسل کل عضو قبل أن یجف ما تقدمه ، وقیل : بل هی المتابعة بین الأعضاء مع الاختیار ، ومراعاة الجفاف مع الاضطرار.

______________________________________________________

فیبدأ بالشمال قبل الیمین ، قال : « یغسل الیمین ویعید الیسار » (1) وروی الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا نسی الرجل أن یغسل یمینه فغسل شماله ومسح رأسه ورجلیه فذکر بعد ذلک ، غسل یمینه وشماله ومسح رأسه ورجلیه ، وإن کان إنما نسی شماله فلیعد شماله ولا یعید علی ما کان توضّأ ، وقال : اتبع وضوءک بعضه بعضا » (2).

قوله : الثانیة ، الموالاة واجبة ، وهی أن یغسل کل عضو قبل أن یجف ما تقدمه ، وقیل : بل هی المتابعة بین الأعضاء مع الاختیار ، ومراعاة الجفاف مع الاضطرار.

أجمع علماؤنا علی وجوب الموالاة فی الوضوء ، وإنما اختلفوا فی معناها ، فقال الشیخ فی الجمل : الموالاة أن توالی بین غسل الأعضاء ولا یؤخر بعضها عن بعض بمقدار ما یجف ما تقدم (3). وقریب منه عبارة المرتضی فی شرح الرسالة علی ما نقله فی المعتبر(4).

ومقتضی کلامهما الجفاف خاصة وهو اختیار أبی الصلاح (5) وابن

- الموالاة

ص: 226


1- التهذیب ( 1 : 97 - 253 ) ، الإستبصار ( 1 : 73 - 225 ) ، الوسائل ( 1 : 317 ) أبواب الوضوء ب (35) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 99 - 259 ) ، الإستبصار ( 1 : 74 - 228 ) ، الوسائل ( 1 : 318 ) أبواب الوضوء ب (35) ح (9).
3- الجمل والعقود : (159).
4- المعتبر ( 1 : 157 ).
5- الکافی فی الفقه : (133).

______________________________________________________

البراج (1) ، وابن حمزة (2) ، والکیدری محمد بن الحسن (3) ، وابن إدریس (4) ، والمصنف - رحمه الله - هنا وفی النافع (5) ، بل قال فی الذکری : إنّ اعتبار المتابعة منحصر فی المفید - رحمه الله - (6).

وقال الشیخ فی الخلاف : عندنا أنّ الموالاة واجبة ، وهی أن یتابع بین أعضاء الطهارة ولا یفرق بینهما إلا لعذر بانقطاع الماء ثم یعتبر إذا وصل إلیه الماء ، فإن جفّت أعضاء طهارته أعاد الوضوء ، وإن بقی فی یده نداوة بنی علیه (7).

وقریب منه کلامه - رحمه الله - فی النهایة (8) ، ولیس فیها تصریح بالبطلان مع الإخلال بالمتابعة اختیارا. ویظهر من المبسوط البطلان فإنه قال : الموالاة واجبة فی الوضوء ، وهی أن یتابع بین الأعضاء مع الاختیار فإن خالف لم یجزه (9).

وقد ظهر من ذلک أن الأقوال فی المسألة ثلاثة وأنها کلها للشیخ ، فما ذکره المحقق

ص: 227


1- المهذب ( 1 : 45 ).
2- الوسیلة : (50).
3- نسبة الی جده لأنه أبو الحسن محمد بن الحسین بن الحسن البیهقی النیسابوری صاحب کتاب الإصباح فی الفقه وشرح النهج وغیر ذلک ، والکیدر : قریة من قری بیهق. وعدل کاشف اللثام عن ذلک وضبطه بالنون کما فی نسخة « ق » ، وهی قریة بنیسابور وقریة قرب قزوین. کذا فی الکنی والألقاب ( 3 : 60 ). ونقله عنه فی الذکری : 3. .
4- السرائر (17).
5- المختصر النافع : (6).
6- لم نعثر علی هکذا تصریح له ، وإنما نقل عبارات الأصحاب وبیّن المستفاد منها فاستفاد وجوب المتابعة من کلام المفید فقط من القدماء وقال بعد ذلک. وأما الفاضلان فتبعا الشیخ المفید فی کتبهما ، الذکری : 6. .
7- الخلاف ( 1 : 17 ).
8- النهایة : (15).
9- المبسوط : ( 1 : 23 ).

______________________________________________________

الشیخ علی - رحمه الله - من إنکار القول الثالث (1) غیر جید. والمعتمد الأول.

لنا : أن إیجاب الموالاة بالمعنی الثانی أعنی المتابعة بین الأعضاء یقتضی زیادة تکلیف ، والأصل عدمه.

وأما البطلان مع الجفاف فیدل علیه مضافا إلی الإجماع صحیحة معاویة بن عمار ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام ربما توضّأت ونفد الماء فدعوت الجاریة فأبطأت علیّ بالماء فیجف وضوئی فقال : « أعده » (2).

وموثقة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا توضّأت بعض وضوئک فعرضت لک حاجة حتی یبس وضوؤک فأعد وضوؤک ، فإن الوضوء لا یتبعض » (3).

احتج القائلون (4) بوجوب المتابعة بأنّ الأمر بالغسل والمسح فی الآیة الشریفة للفور إجماعا ، وبأنه علیه السلام تابع فی الوضوء البیانی ، تفسیرا للأمر الإجمالی فیجب التأسی به ، وبقوله علیه السلام فی حسنة الحلبی المتقدمة : « اتبع وضوءک بعضه بعضا » (5).

والجواب عن الأول : منع الإجماع فی موضع النزاع ، فإن القائل بمراعاة الجفاف خاصة لا یقول بثبوت الفوریة فی الأمر بالغسل والمسح بهذا المعنی.

وعن الثانی : ما عرفته مرارا من عدم ثبوت الوضوء البیانی ، وجواز أن یکون المتابعة وقعت فیه اتفاقا لا لأنها واجبة.

ص: 228


1- جامع المقاصد ( 1 : 26 ).
2- التهذیب ( 1 : 87 - 231 ) ، الاستبصار ( 1 : 72 - 221 ) ، الذکری : (91) ، الوسائل ( 1 : 314 ) أبواب الوضوء ب (33) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 35 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 98 - 255 ) ، الاستبصار ( 1 : 72 - 220 ) ، علل الشرائع : ( 289 - 2 ) ، الوسائل ( 1 : 314 ) أبواب الوضوء ب (33) ح (2).
4- منهم المفید فی المقنعة : (5) ، والراوندی فی فقه القرآن ( 1 : 29 ) والعلامة فی المختلف : (25).
5- فی ص (226).

______________________________________________________

وعن الثالث : بأن صدر الروایة صریح فی أنّ المراد بالاتباع الترتیب.

قال المصنف فی المعتبر بعد أن حکم بوجوب المتابعة مع الاختیار ، واحتج علیه بنحو ما ذکرناه : لکن إذا أخلّ بالمتابعة اختیارا لم یبطل الوضوء إلاّ مع جفاف الأعضاء ، لأنه یتحقق الامتثال مع الإخلال بالمتابعة بغسل (1) المغسول ومسح الممسوح فلا یکون قادحا فی الصحة (2). ولقائل أن یقول : لا نسلم تحقق الامتثال بدون المتابعة علی تقدیر وجوبها ، لأن الامتثال إنما یتحقق إذا أتی بالمأمور به مشتملا علی جمیع الأمور المعتبرة فیه ، وهو لا یحصل بدون المتابعة. ویمکن دفعه بأن ثبوت الفوریة لا ینافی تحقق الامتثال بإیجاد الماهیة مع الإخلال بها ، کما فی الحج والزکاة وسائر الحقوق المالیة الفوریة إذا أتی بها علی التراخی. وفیه ما فیه.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : صرح ابن الجنید - رحمه الله - علی ما نقل عنه باشتراط بقاء البلل علی جمیع الأعضاء إلی مسح الرجلین (3). ونقل عن المرتضی (4) وابن إدریس (5) اعتبار العضو السابق. وظاهر الباقین أنّ المبطل جفاف الجمیع لا جفاف البعض ، وبه صرح فی المعتبر (6) ، وهو الأقوی ، ( لأنه المستفاد من ) (7) الأخبار الدالة علی البطلان بالجفاف.

واحتج علیه فی المعتبر أیضا باتفاق الأصحاب علی أنّ الناسی للمسح یأخذ من شعر

ص: 229


1- فی المصدر : فی غسل.
2- المعتبر ( 1 : 157 ).
3- نقله عنه فی المختلف : (27).
4- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (185).
5- السرائر : (17).
6- المعتبر ( 1 : 157 ).
7- بدل ما بین القوسین فی « ح » : لأن ذلک هو منطوق.

______________________________________________________

لحیته وأجفانه إن لم یبق فی یده نداوة (1).

ویمکن المناقشة فیه باحتمال اختصاص ذلک بالناسی ، أو أن یکون الجفاف للضرورة غیر مبطل.

الثانی : لو والی فی وضوئه فاتفق الجفاف أو التجفیف لم یقدح ذلک فی صحة الوضوء ، لأن الأخبار الواردة بالبطلان مع الجفاف مفروضة فیما حصل باعتبار التفریق ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ربما توضأت ونفد الماء فدعوت الجاریة فأبطأت علیّ بالماء فیجف وضوئی » (2) وکلام الأصحاب لا ینافی ذلک ، فما ذکره الشهید رحمه الله - فی الذکری من أن الأخبار الکثیرة بخلافه (3) ، غیر واضح.

الثالث : لو کان الهواء رطبا بحیث لو اعتدل لجف البلل لم یضر ، لوجود البلل حسا ، وکذا لو أسبغ الوضوء بحیث لو کان معتدلا لجف.

الرابع : لو تعذر بقاء البلل للمسح جاز الاستئناف ، للضرورة ، ونفی الحرج ، وصدق الامتثال ، واختصاص وجوب المسح بالبلل بحالة الإمکان ، ویحتمل الانتقال إلی التیمم ، لتعذر الوضوء.

الخامس : لو نذر المتابعة فی الوضوء الواجب أو الندب انعقد نذره قطعا ، لما فی ذلک من المسارعة إلی فعل الطاعة ، ومتی أخلّ بها أثم ولزمته الکفارة. والأصح صحة الوضوء ، لأن المنذور هنا أمر خارج عن حقیقته فلا یکون الإخلال به مؤثرا فی صحته ، کما لو نذر المکلف القنوت فی صلاة الفریضة أو تسبیحا زائدا علی القدر الواجب فی

ص: 230


1- المعتبر ( 1 : 157 ).
2- المتقدمة فی ص (228).
3- الذکری : (92).

الثالثة : الفرض فی الغسلات مرة واحدة ، والثانیة سنّة ،

______________________________________________________

الرکوع والسجود.

وقیل بالبطلان ، لأن المنذور یفسد بالإخلال بشی ء من صفاته (1). وهو ضعیف جدا. أما لو کان المنذور هو الوضوء المتتابع اتجه البطلان مع قصد المنذور ، لعدم المطابقة ، ولو نوی غیره أجزأ وکفرّ مع تشخیص الزمان.

قوله : الثالثة ، الفرض فی الغسلات مرة واحدة ، والثانیة سنّة.

ما اختاره المصنف من أنّ الفرض فی غسل الأعضاء المغسولة المرة الواحدة والثانیة سنة قول معظم الأصحاب (2) ، ونقل علیه ابن إدریس الإجماع (3).

أما الاجتزاء بالمرة فلإطلاق الآیة الشریفة ، والأخبار الصحیحة المستفیضة الواردة فی صفة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ، کصحیحة زرارة بن أعین ، قال : حکی لنا أبو جعفر علیه السلام وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله فدعا بقدح من ماء ، فأدخل یده الیمنی فأخذ کفّا من ماء فأسدلها علی وجهه من أعلی الوجه ، ثم مسح بیده الحاجبین (4) جمیعا ، ثم أعاد الیسری فی الإناء فأسدلها علی الیمنی ثم مسح جوانبها ، ثمّ أعاد الیمنی فی الإناء ثم صبّها علی الیسری فصنع بها کما صنع فی الیمنی ، ثم مسح ببقیة ما بقی فی یدیه رأسه ورجلیه (5).

وصحیحة أبی عبیدة الحذاء ، قال : وضّأت أبا جعفر بجمع وقد بال فناولته ماء

عدد الغسلات

ص: 231


1- کما فی الدروس : (4).
2- منهم السید المرتضی فی جمل العلم والعمل : (50) ، والراوندی فی فقه القرآن ( 1 : 24 ) ، والمحقق الحلی فی المختصر النافع : (6).
3- السرائر : (17).
4- فی بعض المصادر : الجانبین.
5- الکافی ( 3 : 24 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 55 - 157 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 171 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (10).

______________________________________________________

فاستنجی ، ثم صببت علیه کفّا فغسل به وجهه ، وکفّا غسل به ذراعه الأیمن ، وکفّا غسل به ذراعه الأیسر ، ثم مسح بفضلة الندی رأسه ورجلیه (1).

وصحیحة حماد بن عثمان ، قال : کنت قاعدا عند أبی عبد الله علیه السلام فدعا بماء فملأ به کفّه فعمّ به وجهه ، ثم ملأ کفّه فعمّ به یده الیمنی ، ثم ملأ کفّه فعمّ به یده الیسری ثم مسح علی رأسه ورجلیه وقال : « هذا وضوء من لم یحدث حدثا » یعنی به التعدی فی الوضوء (2).

وموثقة عبد الکریم : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوضوء فقال : « ما کان وضوء علی علیه السلام إلاّ مرة مرة » (3).

وما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « والله ما کان وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله إلاّ مرة مرة » (4).

وأما استحباب الثانیة فلما رواه الشیخ فی الصحیح عن معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : سألته عن الوضوء فقال : « مثنی مثنی » (5) وفی الصحیح عن صفوان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : « الوضوء مثنی مثنی » (6).

ص: 232


1- التهذیب ( 1 : 79 - 204 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 172 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (8).
2- الکافی ( 3 : 27 - 8 ) ، الوسائل ( 1 : 308 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (8).
3- الکافی ( 3 : 27 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 80 - 207 ) ، الإستبصار ( 1 : 70 - 212 ) ، السرائر : (473) ، الوسائل ( 1 : 307 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (7). بتفاوت یسیر.
4- الفقیه ( 1 : 25 - 76 ) ، الوسائل ( 1 : 308 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (10).
5- التهذیب ( 1 : 80 - 208 ) ، الإستبصار ( 1 : 70 - 213 ) ، الوسائل ( 1 : 310 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (28).
6- التهذیب ( 1 : 80 - 209 ) ، الإستبصار ( 1 : 70 - 214 ) ، الوسائل ( 1 : 310 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (29).

______________________________________________________

قال المصنف فی المعتبر : ولا یجوز أن یراد بذلک الوجوب ، لما سبق من جواز الاقتصار علی المرّة فتعین الاستحباب (1).

وعندی فی هذا الجمع نظر ، إذ من المستبعد اقتصار النبی والأئمة علیهم السلام علی المرّة مع استحباب المرّتین.

ونقل ابن إدریس عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی أنه قال فی نوادره : واعلم أن الفضل فی واحدة واحدة ومن زاد علی اثنین لم یؤجر (2).

وقال الکلینی - رحمه الله - فی الکافی بعد أن أورد روایة عبد الکریم المتقدمة (3) : هذا دلیل علی أنّ الوضوء إنما هو مرة مرة ، لأنه صلی الله علیه و آله کان إذا ورد علیه أمران کلاهما طاعة لله تعالی أخذ بأحوطهما وأشدهما علی بدنه ، وإن الذی جاء عنهم أنه قال : الوضوء مرتان إنما هو لمن لم یقنعه مرة فاستزاده فقال : مرتان ثم قال : ومن زاد علی مرتین لم یؤجر ، وهو أقصی غایة الحد فی الوضوء الذی من تجاوزه أثم ولم یکن له وضوء (4).

وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه : الوضوء مرة مرة ، ومن توضأ مرتین مرتین لم یؤجر ، ومن توضأ ثلاثا فقد أبدع (5).

ومقتضی کلام المشایخ الثلاثة - رضوان الله علیهم - أفضلیة المرّة الواحدة وهو الظاهر من النصوص ، وعلی هذا فیمکن حمل الأخبار المتضمنة للمرتین (6) علی أنّ المراد بها بیان نهایة الجواز ، ویشهد له صحیحة زرارة وبکیر المتقدمة ، عن أبی جعفر علیه

ص: 233


1- المعتبر ( 1 : 159 ).
2- السرائر : (473).
3- فی ص (232).
4- الکافی ( 3 : 27 ).
5- الفقیه ( 1 : 29 ).
6- المتقدمة فی ص (232).

والثالثة بدعة ،

______________________________________________________

السلام : قالا : قلنا له : أصلحک الله فالغرفة تجزئ للوجه وغرفة للذراع؟ فقال : « نعم إذا بالغت فیها ، والثنتان تأتیان علی ذلک کله » (1).

واعلم : أنّ المستفاد من کلام الأصحاب أن المستحب هو الغسل الثانی الواقع بعد إکمال الغسل الواجب ، وأنه لو وقع الغسل الواجب بغرفات متعددة لم یوصف باستحباب ولا تحریم. والأخبار (2) إنما تدل علی مقتضی ما ذکروه من الجمع ، علی أنّ المستحب کون الغسل الواجب بغرفتین ، والفرق بین الأمرین ظاهر.

تفریع : من زاد علی الواحدة معتقدا وجوبها لم یؤجر ولا یبطل وضوؤه بذلک ، أمّا الثانی فلصدق الامتثال ، وأما الأول فلقوله علیه السلام : « من لم یستیقن أنّ واحدة فی الوضوء تجزئه لم یؤجر علی الثنتین » (3) وعلیه یحمل قوله علیه السلام فی مرسلة ابن أبی عمیر : « الوضوء واحدة فرض ، واثنتان لم یؤجر ، والثالثة بدعة » (4).

قوله : والثالثة بدعة.

المراد بالبدعة : المحرم ، کما نص علیه فی المعتبر (5). ولا ریب فی تحریم الغسلة الثالثة ، لأنها لیست مشروعة فیکون فعلها علی وجه العبادة تشریعا محرما. وینبغی القطع ببطلان الوضوء إن مسح ببلتها. واستوجه المصنف فی المعتبر الجواز ، لأن الید

الغسلة الثالثة بدعة

ص: 234


1- الکافی ( 3 : 25 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 81 - 211 ) ، الإستبصار ( 1 : 71 - 216 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (3).
2- الوسائل ( 1 : 306 ) أبواب الوضوء ب (31).
3- التهذیب ( 1 : 81 - 213 ) ، الإستبصار ( 1 : 71 - 218 ) ، الوسائل ( 1 : 307 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (4).
4- التهذیب ( 1 : 81 - 212 ) ، الإستبصار ( 1 : 71 - 217 ) ، الوسائل ( 1 : 307 ) أبواب الوضوء ب (31) ح (3).
5- المعتبر ( 1 : 159 ).

ولیس فی المسح تکرار.

الرابعة : یجزی فی الغسل ما یسمی به غاسلا ، وإن کان مثل الدهن.

______________________________________________________

لا تنفک من ماء الوضوء الأصلی (1). وهو بعید. ولو حملت الثالثة علی الغرفة الثالثة فالظاهر عدم التحریم ، تمسکا بالإطلاق.

قوله : ولیس فی المسح تکرار.

هذا مذهب علمائنا أجمع ، والمستند فیه صدق الامتثال بالمرة ، وتوقف التوظیف علی ورود الشرع ، ولو کرر مع اعتقاد الشرعیة أثم ، ولم یبطل وضوؤه إجماعا ، لتوجه النهی إلی أمر خارج عن العبادة.

قوله : الرابعة ، یجزی فی الغسل ما یسمی به غسلا وإن کان مثل الدهن.

الظاهر أن المرجع فی التسمیة إلی العرف ، لأنه المحکم فی مثل ذلک.

وقیل : إن أقل ما یحصل به المسمی أن یجری جزء من الماء علی جزءین من البشرة ولو بمعاون (2). وفی دلالة العرف علی ذلک نظر (3).

قال الشارح - رحمه الله - : والتشبیه بالدهن مبالغة فی الاجتزاء بالجریان القلیل علی وجه المجاز لا الحقیقة (4). وقد یقال : إنّه لا مانع من کونه علی سبیل الحقیقة ، لوروده فی الأخبار المعتمدة کصحیحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إنما الوضوء حد من حدود الله لیعلم الله من یطیعه ومن یعصیه ، وإن المؤمن لا ینجسه شی ء ، إنما یکفیه مثل الدهن » (5).

لا تکرار فی المسح

ص: 235


1- المعتبر ( 1 : 160 ).
2- کما فی روض الجنان : (31).
3- لیست فی « س » ، « ق ».
4- المسالک ( 1 : 6 ).
5- الکافی ( 3 : 21 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 25 - 78 ) ، التهذیب ( 1 : 138 - 387 ) ، علل الشرائع : ( 279 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 340 ) أبواب الوضوء ب (52) ح (1).

ومن فی یده خاتم أو سیر فعلیه إیصال الماء إلی ما تحته ، وإن کان واسعا استحب له تحریکه.

______________________________________________________

وروایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یأخذ أحدکم الراحة من الدهن فیملأ بها جسده ، والماء أوسع من ذلک » (1).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام فی الوضوء ، قال : « إذا مس جلدک الماء فحسبک » (2).

وتشهد له أیضا روایة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه قال : « إنّ لله ملکا یکتب سرف الوضوء کما یکتب عدوانه » (3).

قوله : ومن فی یده خاتم أو سیر فعلیه إیصال الماء إلی ما تحته ، ولو کان واسعا استحب له تحریکه.

أما وجوب إیصال الماء إلی ما تحت الخاتم والسیر علی وجه یحصل به مسمی الغسل فظاهر ، لعدم تحقق الامتثال بدونه ، ولما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام : قال : سألته عن المرأة علیها السوار والدملج فی بعض ذراعها ، لا تدری یجری الماء تحتهما أم لا ، کیف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟ قال : « تحرکه حتی یدخل الماء تحته أو تنزعه » (4).

ویعلم من ذلک وجوب إزالة الوسخ الکائن تحت الظفر المانع من وصول الماء إلی ما تحته إذا لم یکن فی حد الباطن ، واحتمل فی المنتهی عدم وجوب إزالته ، لأنه ساتر

إجزاء ما یسمی به غاسلا وجوب تحریک الخاتم والسیر فی الوضوء

ص: 236


1- الکافی ( 3 : 24 - 3 ) ، الوسائل ( 1 : 274 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (7).
2- الکافی ( 3 : 22 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 137 - 381 ) ، الإستبصار ( 1 : 123 - 417 ) ، الوسائل ( 1 : 341 ) أبواب الوضوء ب (52) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 22 - 9 ) ، الوسائل ( 1 : 340 ) أبواب الوضوء ب (52) ح (2).
4- الکافی ( 3 : 44 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 85 - 222 ) ، قرب الاسناد : (83) ، الوسائل ( 1 : 329 ) أبواب الوضوء ب (41) ح (1).

الخامسة : من کان علی بعض أعضاء طهارته جبائر ، فإن أمکنه نزعها أو تکرار الماء علیها حتی یصل البشرة وجب ، وإلا أجزأه المسح علیها ، سواء کان ما تحتها طاهرا أو نجسا.

______________________________________________________

عادة ، فلو وجب إزالته لبینه النبی صلی الله علیه و آله ، ولما لم یبینه دلّ علی عدم الوجوب (1). وهو ضعیف.

قال فی الذکری : ولو ثقبت یده وجب إدخال الماء الثقب ، لأنه صار ظاهرا (2). وهو غیر جید علی إطلاقه ، لأن الثقب إذا کان ضیقا لم یعدّ باطنه من الظواهر قطعا.

وأما استحباب التحریک مع السعة ، فاستدل علیه بأنّ فیه استظهارا للعبادة (3). ولا بأس به.

قوله : الخامسة ، من کان علی بعض أعضاء طهارته جبائر ، فإن أمکنه نزعها أو تکرار الماء علیها حتی یصل إلی البشرة وجب ، وإلا أجزأه المسح علیها ، سواء کان ما تحتها طاهرا أو نجسا.

الضمیر فی وجب یعود إلی أحد الأمرین ، والاکتفاء بأحدهما إنما یتم إذا کانت الجبیرة فی محل الغسل وکان ما تحتها طاهرا ، أو أمکن إیصال الماء إلیه علی وجه التطهیر ، وإلا تعین النزع مع الإمکان.

واکتفی بالمسح علی ظاهرها مع التعذر إن کانت طاهرة ، وإلاّ وضع علیها شیئا طاهرا ومسح علیه ، هذا کله مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، وقد ورد بذلک روایات ، منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یکون به القرحة فی ذراعه ، أو نحو ذلک فی موضع الوضوء فیعصبها بالخرقة ویتوضّأ ویمسح

- وضوء الجبیرة

ص: 237


1- المنتهی ( 1 : 59 ).
2- الذکری : (85).
3- الذکری : (85).

______________________________________________________

علیها إذا توضّأ؟ فقال : « إن کان یؤذیه الماء فلیمسح علی الخرقة ، وإن کان لا یؤذیه الماء فلینزع الخرقة ثم لیغسلها » قال : وسألته عن الجرح کیف نصنع به فی غسله؟ فقال : « اغسل ما حوله » (1).

ولو لا الإجماع المدعی علی وجوب المسح علی الجبیرة لأمکن القول بالاستحباب والاکتفاء بغسل ما حولها ، لصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج : قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الکسیر یکون علیه الجبائر ، أو یکون به الجراحة ، کیف یصنع بالوضوء وغسل الجنابة وغسل الجمعة؟ قال : « یغسل ما وصل إلیه الغسل مما ظهر مما لیس علیه الجبائر ، ویدع ما سوی ذلک مما لا یستطیع غسله ، ولا ینزع الجبائر ، ولا یعبث بجراحته » (2).

وروایة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : سألته عن الجرح کیف یصنع به صاحبه؟ قال : « یغسل ما حوله » (3).

وینبغی القطع بالسقوط فی غیر الجبیرة ، أما فیها فالمسح علیها أحوط.

واعلم : أن فی کلام الأصحاب فی هذه المسألة إجمالا ، فإنهم صرحوا هنا بإلحاق القرح والجرح بالجبیرة ، سواء کان علیهما خرقة أم لا. ونص جماعة منهم علی أنه لا فرق بین أن تکون الجبیرة مختصة بعضو ، أو شاملة للجمیع. وفی التیمم جعلوا من أسبابه

ص: 238


1- الکافی ( 3 : 33 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 362 - 1095 ) ، الإستبصار ( 1 : 77 - 239 ) ، الوسائل ( 1 : 326 ) أبواب الوضوء ب (39) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 362 - 1094 ) ، الإستبصار ( 1 : 77 - 238 ) ، إلا أن فیه سألت أبا الحسن علیه السلام ، ورواها بهذا النص عن أبی الحسن الرضا علیه السلام فی الکافی ( 3 : 32 - 1 ) ، والوسائل ( 1 : 326 ) أبواب الوضوء ب (39) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 32 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 363 - 1096 ) ، الوسائل ( 1 : 326 ) أبواب الوضوء ب (39) ح (3).

______________________________________________________

الخوف من استعمال الماء بسبب القرح والجرح والشین ، ولم یشترط أکثرهم فی ذلک تعذر وضع شی ء علیها والمسح علیه.

وأما الأخبار ففی بعضها إن من هذا شأنه یغسل ما حول الجرح وقد تقدم (1) ، وفی کثیر منها أنه ینتقل إلی التیمم ، کصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام ، عن الجنب تکون به القروح ، قال : « لا بأس بأن لا یغتسل ویتیمّم » (2).

وصحیحة أخری له عنه علیه السلام : قال : سألته عن الرجل یکون به القرح والجراحة یجنب ، قال : « لا بأس بأن لا یغتسل ویتیمم » (3).

وصحیحة داود بن سرحان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل تصیبه الجنابة وبه جروح أو قروح ، أو یخاف علی نفسه من البرد ، قال : « لا یغتسل ویتیمم » (4).

ویمکن الجمع بینهما إما بحمل أخبار التیمم علی ما إذا تضرر بغسل ما حولها ، أو بالتخییر بین الأمرین.

وکیف کان فینبغی الانتقال إلی التیمم فیما خرج عن مورد النص ، کما فی العضو المریض ، وهو خیرة المعتبر (5) ، تمسکا بعموم قوله تعالی : ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی - الی قوله - فَتَیَمَّمُوا ) (6).

ص: 239


1- فی ص (237).
2- التهذیب ( 1 : 184 - 530 ) ، الوسائل ( 2 : 967 ) أبواب التیمم ب (5) ح (5).
3- الفقیه ( 1 : 58 - 216 ) ، الوسائل ( 2 : 968 ) أبواب التیمم ب (5) ح (11) ، بتفاوت یسیر.
4- التهذیب ( 1 : 185 - 531 ) ، الوسائل ( 2 : 968 ) أبواب التیمم ب (5) ح (8).
5- المعتبر ( 1 : 365 ).
6- النساء : (43).

وإذا زال العذر استأنف الطهارة علی تردد فیه.

السادسة : لا یجوز أن یتولّی وضوءه غیره مع الاختیار ، ویجوز عند الاضطرار.

______________________________________________________

قوله : وإذا زال العذر أعاد الطهارة علی تردد فیه.

الأظهر عدم وجوب الإعادة.

قوله : السادسة ، لا یجوز أن یتولّی وضوءه غیره مع الاختیار ، ویجوز عند الاضطرار.

أما عدم جواز التولیة مع الاختیار ، فقال فی المنتهی : إنّه قول علمائنا أجمع (1). وقال المرتضی فی الانتصار : إنه مما انفرد به الإمامیة (2). وربما ظهر من کلام ابن الجنید - رحمه الله - الجواز (3). وهو ضعیف ، لأن الامتثال إنما یتحقق مع المباشرة للقطع بأنّ من وضّأه غیره لا یسمی غاسلا ولا ماسحا علی الحقیقة.

وأما جواز التولیة مع الاضطرار (4) فقال فی المعتبر : إنه متفق علیه بین الفقهاء ، واحتج علیه بأنه توصل إلی الطهارة بالقدر الممکن ، فیکون واجبا (5). وفیه نظر.

ویتحقق التولیة بمباشرة الغیر للغسل أو المسح (6) ، لا بصب الماء فی الید لیغسل به ، فإن ذلک خارج عن حقیقة العبادة الواجبة.

وتتعلق النیة بالمباشر ، لأنه الفاعل للوضوء حقیقة ، ولو نوی المضطر قبول الطهارة وتمکین غیره منها کان أولی.

ص: 240


1- المنتهی : ( 1 : 72 ).
2- الانتصار : (29).
3- نقله عنه فی المختلف : (25).
4- توجد فی « م » : بمعنی وجوبها.
5- المعتبر ( 1 : 175 ).
6- فی « م » : والمسح.

السابعة : لا یجوز للمحدث مس کتابة القرآن ، ویجوز له أن یمس ما عدا الکتابة.

______________________________________________________

قوله : السابعة ، لا یجوز للمحدث مس کتابة القرآن.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، واحتجوا علیه بقوله تعالی ( لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (1) وهو إنما یتم إذا قلنا أن الضمیر عائد إلی القرآن ، وأنّ الجملة الخبریة فی معنی النهی ، وحمل المطهر علی من حصل منه الطهارة الرافعة للحدث ، وفی جمیع هذه المقدمات نظر.

وبروایة أبی بصیر : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمن قرأ فی المصحف وهو علی غیر وضوء ، قال : « لا بأس ، ولا یمس الکتاب » (2) ومرسلة حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه قال لولده إسماعیل : « یا بنی اقرأ المصحف » فقال : إنی لست علی وضوء ، فقال : « لا تمس الکتاب ، ومس الورق واقرأ » (3).

وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : أنه سأله عن الرجل یحل له أن یکتب القرآن فی الألواح والصحیفة وهو علی غیر وضوء ، قال : « لا » (4).

ویتوجه علی الروایتین الأولیین الطعن فی السند بإرسال الثانیة ، وضعف بعض رجال الأولی. وعلی الروایة الثالثة عدم الدلالة علی المدعی صریحا ، وإمکان حملها علی الکراهة ، إذ لا نعلم بمضمونها قائلا ، وبالجملة : فالروایات کلها قاصرة ، والآیة

عدم جواز مس المحدث کتابة القرآن

ص: 241


1- الواقعة : (79).
2- الکافی ( 3 : 50 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 127 - 343 ) ، الإستبصار ( 1 : 113 - 377 ) ، الوسائل ( 1 : 269 ) أبواب الوضوء ب (12) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 126 - 342 ) ، الإستبصار ( 1 : 113 - 376 ) ، الوسائل ( 1 : 269 ) أبواب الوضوء ب (12) ح (2).
4- التهذیب ( 1 : 127 - 345 ) ، الوسائل ( 1 : 270 ) أبواب الوضوء ب (12) ح (4) ، البحار ( 10 : 277 ).

الثامنة : من به السلس ، قیل : یتوضأ لکل صلاة ،

______________________________________________________

الشریفة محتملة لغیر ذلک المعنی ، ومن ثم ذهب الشیخ فی المبسوط (1) ، وابن البراج (2) ، وابن إدریس إلی الکراهة. وهو متجه غیر أنّ المنع أحوط وأنسب بالتعظیم.

قوله : الثامنة ، من به السلس قیل : یتوضأ لکل صلاة.

صاحب السلس هو الذی لا یستمسک بوله ، والقول بوجوب الوضوء علیه لکل صلاة للشیخ فی الخلاف (3) ، نظرا إلی أنه بتجدد البول یصیر محدثا ، فیجب علیه الطهارة ، ویمنع من المشروط بها ، إلاّ أنّ ذلک لما امتنع اعتباره مطلقا لتعذر الصلاة حینئذ وجب علیه الوضوء لکل صلاة ، مراعاة لمقتضی الحدث بحسب الإمکان.

وقال فی المبسوط : إنه یصلی بوضوء واحد عدة صلوات ، لأن إلحاقه بالمستحاضة قیاس (4). وظاهر کلامه أنّ البول بالنسبة إلیه لا یکون حدثا ، وهو بعید جدا.

واستقرب العلامة فی المنتهی أنه یجوز له أن یجمع بین الظهر والعصر بوضوء واحد ، وبین المغرب والعشاء بوضوء ، وأوجب علیه تعدد الوضوء بتعدد الصلاة فی غیر ذلک (5) ، واحتج علی الثانی بنحو ما ذکرناه ، وعلی الأول بما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی الصحیح ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا کان الرجل یقطر منه البول والدم (6) إذا کان حین الصلاة اتخذ کیسا وجعل فیه قطنا ، ثم علّقه علیه وأدخل ذکره فیه ، ثم صلّی یجمع بین الصلاتین الظهر والعصر ، ویؤخر الظهر ویعجّل العصر بأذان وإقامتین ، ویؤخّر المغرب ویعجّل العشاء بأذان وإقامتین ، ویفعل ذلک فی

- حکم من به السلس

ص: 242


1- المبسوط ( 1 : 23 ).
2- المهذب ( 1 : 32 ).
3- الخلاف ( 1 : 79 ).
4- المبسوط ( 1 : 68 ).
5- المنتهی ( 1 : 73 ).
6- فی « ح » : أو الدم.

وقیل : من به البطن إذا تجدد حدثه فی الصلاة یتطهر ویبنی.

______________________________________________________

الصبح » (1) فإنّ الجمع بین الفریضتین ظاهر فی کونهما بوضوء واحد ، وما ذکره - رحمه الله - غیر بعید ، إلاّ أنّ تعدد الوضوء بتعدد الصلاة مطلقا أولی.

وتجب علیه المبادرة إلی الصلاة بعد الوضوء ، ویعفی عن الحدث الواقع قبلها وفیها إجماعا. هذا إذا لم تکن له فترة معتادة تسع الطهارة والصلاة ، وإلاّ وجب انتظارها لزوال الضرورة التی هی مناط التخفیف.

قوله : وقیل ، من به البطن إذا تجدد حدثه فی الصلاة تطهر وبنی.

هذا قول معظم الأصحاب ، واحتجوا علیه بموثقة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : قال : « صاحب البطن الغالب یتوضّأ ، ثم یرجع فی صلاته فیتم ما بقی » (2) وفی طریقها عبد الله بن بکیر وهو فطحی ، وذکر جدی - قدس سره - أنها من الصحیح ، وأنّ العمل بها متعین لذلک (3). وهو غیر جید.

وذهب العلامة فی المختلف إلی وجوب استئناف الطهارة والصلاة مع إمکان التحفظ بقدر زمانهما ، وإلاّ بنی بغیر طهارة ، لأن الحدث المذکور لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة ، لأن شرط الصلاة استمرار الطهارة ، وهو مصادرة علی المطلوب (4).

احتج المحقق الشیخ علی - رحمه الله - علی هذه المقدمة بالإجماع ، ثم قال : ولیس فی هذا مصادرة بوجه من الوجوه. وفیه نظر لمنع الاتفاق علی الشرطیة بالمعنی الذی ادّعاه فی موضع النزاع ، وإنما یتم ما ذکره لو أثبت الشرطیة بالنص ، والمسألة محل تردد ، وإن

- حکم من به البطن

ص: 243


1- الفقیه ( 1 : 38 - 146 ) ، الوسائل ( 1 : 210 ) أبواب نواقض الوضوء ب (19) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 350 - 1036 ) ، الوسائل ( 1 : 210 ) أبواب نواقض الوضوء ب (19) ح (4).
3- الروضة البهیة ( 1 : 358 ).
4- المختلف : (28).

وسنن الوضوء هی وضع الإناء علی الیمین ،

______________________________________________________

کان القول بالبناء لا یخلو من قرب عملا بمقتضی الروایة (1) المعتبرة السند ، المؤیدة بعمل الأصحاب ، المعتضدة بالأصل والعمومات والروایات الدالة علی البناء مع سبق الحدث فی الطهارة الترابیة وغیرها کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

واعلم : أنّ موضع الخلاف ما إذا شرع فی الصلاة متطهرا ثم طرأ الحدث فی الأثناء ، أما لو کان مستمرا فقد صرح المصنف فی المعتبر (2) ، والعلامة فی المنتهی (3) بأنه کالسلس فی وجوب تجدید الوضوء لکل صلاة ، والعفو عما یقع من ذلک فی الأثناء ، لمکان الضرورة. ولا ریب فی ذلک.

قوله : وسنن الوضوء : وضع الإناء علی الیمین.

هذا إذا کان الإناء مما یمکن الاغتراف منه بالید ، وإلاّ وضع علی الیسار لیصب منه فی الیمین للغسل بها ، أو للإدارة إلی الیسار ، وهذا الحکم مشهور بین الأصحاب ، واستدل علیه فی المعتبر (4) بأن ذلک أمکن فی الاستعمال ، وهو نوع من التدبیر ، وبما روی عن النبی صلی الله علیه و آله ، أنه قال : « إنّ الله تعالی یحب التیامن فی کل شی ء » (5).

وهو حسن وإن کان المروی فی صحیحة زرارة خلاف ذلک ، فإنه قال : إنّ أبا جعفر علیه السلام حکی وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله ، فدعا بقعب فیه شی ء من ماء ، ثم وضعه بین یدیه ثم حسر عن ذراعیه ، ثم غمس فیه کفّه الیمنی ، ثم قال : هذا إذا

سنن الوضوء

وضع الاناء علی الیمین

ص: 244


1- المتقدمة فی ص (243).
2- المعتبر ( 1 : 163 ).
3- المنتهی ( 1 : 74 ).
4- المعتبر ( 1 : 164 ).
5- عوالی اللآلی ( 2 : 200 - 101 ) ، مسند أحمد ( 6 : 94 ، 130 ، 202 ) ، سنن النسائی ( 1 : 78 ).

والاغتراف بها ، والتسمیة ، والدعاء.

______________________________________________________

کانت الکفّ طاهرة ، ثمّ غرف فملأها فوضعها علی جبینه (1). الحدیث. ولا ریب أنّ العمل بمقتضی هذه الروایة أولی.

قوله : والاغتراف بها.

لقول أبی جعفر علیه السلام فی حکایة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله : « إنّه أخذ کفّا من ماء فصبه علی وجهه ثم مسح علی حاجبیه (2) حتی مسحه کله ، ثم أخذ کفّا آخر بیمینه فصبه علی یساره ، ثم غسل به ذراعه الأیمن ، ثم أخذ کفّا آخر وغسل به ذراعه الأیسر » (3). وأقل مراتب ذلک الاستحباب.

قوله : والتسمیة والدعاء.

لما رواه زرارة فی الصحیح ، عن الباقر علیه السلام ، قال : « إذا وضعت یدک فی الماء فقل : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلنی من التوابین واجعلنی من المتطهرین ، فإذا فرغت فقل : الحمد لله رب العالمین » (4).

وروی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه کان یقول : « بسم الله وبالله وخیر الأسماء لله ، وأکبر الأسماء لله ، وقاهر لمن فی السماء وقاهر لمن فی الأرض ، الحمد لله الذی جعل من الماء کل شی ء حی ، وأحیا قلبی بالإیمان ، اللهم تب علیّ وطهّرنی واقض لی بالحسنی ، وأرنی کلّ الذی أحب ، وافتح لی بالخیرات من عندک یا سمیع الدعاء » (5).

ولو اقتصر علی بسم الله أجزأ ، لإطلاق قول الصادق علیه السلام : « إذا سمّیت فی

الاغتراف بالیمین والتسمیة والدعاء

ص: 245


1- الکافی ( 3 : 25 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 24 - 74 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 171 ) ، الوسائل ( 1 : 272 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (2).
2- وردت فی الکافی : جانبیه.
3- الکافی ( 3 : 24 - 3 ) ، الوسائل ( 1 : 274 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (7).
4- التهذیب ( 1 : 76 - 192 ) ، الوسائل ( 1 : 298 ) أبواب الوضوء ب (26) ح (2).
5- الفقیه ( 1 : 27 - 87 ) ، الوسائل ( 1 : 299 ) أبواب الوضوء ب (26) ح (7).

وغسل الیدین قبل إدخالهما الإناء من حدث النوم أو البول مرّة ومن الغائط مرتین،

______________________________________________________

الوضوء طهر جسدک کله ، وإذا لم تسم لم یطهر إلا ما أصابه الماء » (1).

وفی مرسل ابن أبی عمیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « أمر النبی صلی الله علیه و آله من توضّأ بإعادة وضوئه ثلاثا حتی سمّی » (2).

وأجاب عنه فی المعتبر بالطعن فی السند ، لمکان الإرسال قال : ولو قیل مراسیل ابن أبی عمیر یعمل بها الأصحاب منعنا ذلک ، لأن فی رجاله من طعن الأصحاب فیه ، فإذا أرسل احتمل أن یکون الراوی أحدهم. ثم حملها علی تأکد الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بالتسمیة نیة الاستباحة ، والأول أولی.

قوله : وغسل الیدین قبل إدخالهما الإناء ، من حدث النوم أو البول مرّة ، ومن الغائط مرتین.

هذا مذهب فقهائنا وأکثر أهل العلم ، قاله فی المعتبر (3). والمستند فیه ما رواه الکلینی - رحمه الله - فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : سئل کم یفرغ الرجل علی یده (4) قبل أن یدخلها فی الإناء؟ قال : واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة » (5).

- غسل الیدین قبل إدخالهما الاناء

ص: 246


1- الکافی ( 3 : 16 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 355 - 1060 ) ، الإستبصار ( 1 : 67 - 204 ) ، الوسائل ( 1 : 298 ) أبواب الوضوء ب (26) ح (5).
2- التهذیب ( 1 : 358 - 1075 ) ، الإستبصار ( 1 : 68 - 206 ) ، الوسائل ( 1 : 298 ) أبواب الوضوء ب (26) ح (6).
3- المعتبر ( 1 : 165 ).
4- وردت فی « س » : یدیه.
5- الکافی ( 3 : 12 - 5 ) ، الوسائل ( 1 : 301 ) أبواب الوضوء ب (27) ح (1).

والمضمضة والاستنشاق ،

______________________________________________________

وعن عبد الکریم بن عتبة : قال : سألت الشیخ عن الرجل یستیقظ من نومه ولم یبل ، أیدخل یده فی الإناء قبل أن یغسلها؟ قال : « لا ، لأنه لا یدری أین کانت یده فلیغسلها » (1) وفی الطریق محمد بن سنان ، وهو ضعیف جدا (2).

ومقتضی الروایتین : أنّ الغسل إنما یستحب إذا کان الوضوء من إناء یمکن الاغتراف منه ، وظاهرهما اختصاص الحکم بالقلیل ، لأنه الغالب فی الإناء ، وجزم الشارح بالتعمیم رعایة لجانب التعبد (3). وهو ضعیف. ولو تداخلت الأسباب دخل موجب الأقل تحت موجب الأکثر. والید هنا من الزند اقتصارا علی المتیقن.

قوله : والمضمضة والاستنشاق.

المضمضة هی إدارة الماء فی الفم ، والاستنشاق اجتذابه بالأنف. والحکم باستحبابهما هو المعروف من المذهب ، والنصوص به مستفیضة (4).

وقال ابن أبی عقیل : إنهما لیسا بفرض ولا سنة (5). وله شواهد من الأخبار ، إلا أنها مع ضعفها قابلة للتأویل ، نعم روی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « المضمضة والاستنشاق لیسا من الوضوء » (6) ونحن نقول بموجبها ، فإنهما لیسا من أفعال الوضوء وإن استحب فعلهما قبله ، کالسواک والتسمیة ونحوهما. هذا وقد

- المضمضة والاستنشاق والدعاء عند هما

ص: 247


1- الکافی ( 3 : 11 - 2 ) ، علل الشرائع : ( 282 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 301 ) أبواب الوضوء ب (27) ح (3).
2- رجال النجاشی : ( 328 - 888 ) ، وص ( 424 - 1140 ).
3- المسالک ( 1 : 6 ).
4- الوسائل ( 1 : 302 ) أبواب الوضوء ب (29).
5- نقله عنه فی المختلف : (21).
6- الکافی ( 3 : 23 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 78 - 199 ) ، الإستبصار ( 1 : 66 - 199 ) ، الوسائل ( 1 : 303 ) أبواب الوضوء ب (29) ح (5).

والدعاء عندهما وعند غسل الوجه والیدین وعند مسح الرأس والرجلین ،

______________________________________________________

اشتهر بین المتأخرین استحباب کونهما بثلاث أکف ثلاث أکف وأنه مع إعواز الماء یکفی الکف الواحدة (1) ولم أقف له علی شاهد.

واشترط جماعة من الأصحاب تقدیم المضمضة أولا ، وصرحوا باستحباب إعادة الاستنشاق مع العکس ، وقرب العلامة فی النهایة جواز الجمع بینهما ، بأن یتمضمض مرة ثم یستنشق مرة وهکذا ثلاثا (2). والکل حسن.

قوله : والدعاء عندهما ، وعند غسل الوجه والیدین ، وعند مسح الرأس والرجلین.

روی ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه من لا یحضره الفقیه ، عن الصادق علیه السلام : أنه قال : « بینا أمیر المؤمنین علیه السلام ذات یوم جالس مع محمد بن الحنفیة ، إذ قال : یا محمد ائتنی بإناء من ماء أتوضّأ للصلاة ، فأتاه محمد بالماء ، فأکفأ بیده الیمنی علی یده الیسری ، ثم قال : بسم الله ( وبالله ) (3) والحمد لله الذی جعل الماء طهورا ولم یجعله نجسا ، قال : ثم استنجی فقال : اللهم حصّن فرجی وأعفّه ، واستر عورتی ، وحرّمنی علی النار ، قال : ثم تمضمض فقال : اللهم لقّنی حجتی یوم ألقاک ، وأطلق لسانی بذکرک ، ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرّم علیّ ریح الجنة ، واجعلنی ممن یشمّ ریحها وروحها وطیبها ، قال : ثم غسل وجهه فقال : اللهم بیّض وجهی یوم تسود فیه الوجوه ، ولا تسوّد وجهی یوم تبیض فیه الوجوه ، ثم غسل یده الیمنی فقال : اللهم أعطنی

- الدعاء عند غسل الیدین والرجلین

ص: 248


1- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 51 ) ، والتذکرة ( 1 : 21 ) ، والشهید الأول فی البیان : (11) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 6 ).
2- نهایة الأحکام 1 : 56 ).
3- لیست فی : « س » ، « م » ، « ق ».

وأن یبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعیه وفی الثانیة بباطنهما ، والمرأة بالعکس ،

______________________________________________________

کتابی بیمینی والخلد فی الجنان بیساری ، وحاسبنی حسابا یسیرا ، ثم غسل یده الیسری فقال : اللهم لا تعطنی کتابی بیساری ، ولا تجعلها مغلولة إلی عنقی ، وأعوذ بک من مقطعات النیران ، ثم مسح رأسه فقال : اللهم غشّنی برحمتک وبرکاتک وعفوک ، ثم مسح رجلیه فقال : اللهم ثبتنی علی الصراط المستقیم یوم تزلّ فیه الأقدام ، واجعل سعیی فیما یرضیک عنی ، ثم رفع رأسه فنظر إلی محمد فقال : یا محمد من توضّأ مثل وضوئی وقال مثل قولی خلق الله تبارک وتعالی من کل قطرة ملکا یقدسه ویسبحه ویکبره ، فیکتب الله عز وجل ثواب ذلک له إلی یوم القیامة » (1).

وإذا فرغ المتوضی یستحب له أن یقول : الحمد لله رب العالمین ، رواه زرارة فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام (2).

وقال الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : وزکاة الوضوء أن یقول : اللهم إنی أسألک تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانک ، والجنة (3).

قوله : وأن یبدأ الرجل بغسل ظاهر ذراعیه ، وفی الثانیة بباطنهما ، والمرأة بالعکس.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من الفرق بین الغسلة الأولی والثانیة لم أقف له علی مستند ، ومقتضی کلام أکثر القدماء أنّ الثانیة کالأولی ، وهو خیرة المنتهی (4) ، وعلیه العمل ، لروایة محمد بن إسماعیل (5) عن الرضا علیه السلام أنه قال : « فرض الله

- بدأة الرجل بغسل ظاهر ذراعیه وفی الثانیة بباطنهما والمرأة بالعکس

ص: 249


1- الفقیه : ( 1 : 26 - 84 ) ، الوسائل ( 1 : 282 ) أبواب الوضوء ب (16) ح (1).
2- لم نعثر علی هکذا روایة عن الصادق علیه السلام ، والموجود عن الباقر علیه السلام وقد تقدم فی ص (245).
3- الفقیه ( 1 : 32 ).
4- المنتهی ( 1 : 51 ).
5- فی « م » : محمد بن إسماعیل بن بزیع.

وأن یکون الوضوء بمدّ.

______________________________________________________

علی النساء فی الوضوء أن یبدأن بباطن أذرعهن ، وفی الرجال بظاهر الذراع » (1) وفی السند إسحاق بن إبراهیم بن هاشم القمی ، وهو مجهول.

قوله : وأن یکون الوضوء بمدّ.

هذا قول علمائنا أجمع ، وأکثر أهل العلم ، قاله فی التذکرة (2). ویدل علیه روایات ، منها : صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یغتسل بصاع من ماء ، ویتوضّأ بمد من ماء » (3).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یتوضأ بمد ، ویغتسل بصاع ، والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (4).

والظاهر أنّ المراد بالرطل المدنی ، لأنه رطل بلدهما علیهماالسلام فیوافق ما علیه الأصحاب من أنه تسعة أرطال بالبغدادی.

وقال الشهید فی الذکری (5) : المدّ لا یکاد یبلغه الوضوء ، فیمکن أن یدخل فیه ماء الاستنجاء ، کما تضمنته روایة ابن کثیر ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام (6). وهو حسن ، وربما کان فی صحیحة أبی عبیدة الحذاء إشعار بذلک أیضا ، فإنه قال : وضّأت

- الوضوء بمد

ص: 250


1- الکافی ( 3 : 28 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 76 - 193 ) ، الوسائل ( 1 : 328 ) أبواب الوضوء ب (40) ح (1).
2- التذکرة ( 1 : 21 ).
3- التهذیب ( 1 : 136 - 377 ) ، الوسائل ( 1 : 338 ) أبواب الوضوء ب (50) ح (20).
4- التهذیب ( 1 : 136 - 379 ) ، الإستبصار ( 1 : 121 - 409 ) ، الوسائل ( 1 : 338 ) أبواب الوضوء ب (50) ح (1).
5- الذکری : (95).
6- الکافی ( 3 : 70 - 6 ) ، الفقیه ( 1 : 26 - 84 ) ، التهذیب ( 1 : 53 - 153 ) ، الوسائل ( 1 : 282 ) أبواب الوضوء ب (16) ح (1).

ویکره أن یستعین فی طهارته ،

______________________________________________________

أبا جعفر علیه السلام بجمع وقد بال فناولته ماء فاستنجی ، ثم صببت علیه کفا فغسل وجهه (1) الحدیث. ویؤیده دخول ماء الاستنجاء فی صاع الغسل علی ما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : ویکره أن یستعین فی طهارته.

المراد بالاستعانة هنا طلب الإعانة ، وألحق بها قبولها أیضا ، کما صرح به جمع من الأصحاب ودل علیه دلیلهم (2).

وتتحقق الإعانة بصب الماء فی الید لیغسل المتوضی به لا بصبه علی العضو ، فإنه تولیة محرّمة. وهل تتحقق بنحو إحضار الماء أو تسخینه حیث یحتاج إلیه؟ فیه وجهان أظهرهما أنه کذلک.

والحکم بکراهة الاستعانة هو المعروف من المذهب ، ویدل علیه روایة الحسن بن علی الوشّاء ، قال : دخلت علی الرضا علیه السلام وبین یدیه إبریق یرید أن یتهیأ منه للصلاة ، فدنوت لأصب علیه فأبی ذلک وقال : « مه یا حسن » فقلت : لم تنهانی أن أصب علی یدک تکره أن أوجر؟ فقال : « تؤجر أنت وأوزر أنا » قلت له : کیف ذلک؟ فقال : « أما سمعت قول الله یقول ( فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً ، وَلا یُشْرِکْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهی العبادة فأکره أن یشرکنی فیها أحد » (3).

مکروهات الوضوء

- الاستعانة فی الطهارة

ص: 251


1- التهذیب ( 1 : 58 - 162 ) ، الإستبصار ( 1 : 58 - 172 ) ، الوسائل ( 1 : 275 ) أبواب الوضوء ب (15) ح (8).
2- لیست فی « س ».
3- الکافی ( 3 : 69 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 365 - 1107 ) ، الوسائل ( 1 : 335 ) أبواب الوضوء ب (47) ح (1).

وأن یمسح بلل الوضوء عن أعضائه.

______________________________________________________

وما رواه ابن بابویه - رحمه الله - مرسلا : إن أمیر المؤمنین علیه السلام کان لا یدعهم یصبون الماء علیه ، ویقول : لا أحب أن أشرک فی صلواتی أحدا (1).

وعندی فی هذا الحکم توقف ، لضعف الروایة الثانیة بالإرسال ، والأولی بأنّ فی طریقها إبراهیم بن إسحاق الأحمری فإنه کان ضعیفا فی حدیثه ، متهما فی دینه ، علی ما ذکره الشیخ (2) والنجاشی (3) ، وفی متنها إشکالا ، مع أن مقتضی صحیحة أبی عبیدة الحذاء (4) انتفاء الکراهة ، حیث أنه صب علی أبی جعفر علیه السلام الماء للوضوء. ویمکن حملها علی الضرورة ، أو علی أنّ الغرض بیان الجواز ، إلا أن ذلک موقوف علی صحة المعارض.

قوله : وأن یمسح بلل الوضوء عن أعضائه.

هذا قول الشیخ فی أکثر کتبه (5) ، وجمع من الأصحاب ، والمستند فیه ما روی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من توضأ وتمندل کتب له حسنة ، ومن توضأ ولم یتمندل حتی یجف وضوءه کتب له ثلاثون حسنة » (6).

ونقل عن ظاهر المرتضی - رحمه الله - فی شرح الرسالة عدم کراهة التمندل (7) ، وهو

- مسح بلل الوضوء

ص: 252


1- الفقیه ( 1 : 27 - 85 ) ، المقنع : (4) ، الوسائل ( 1 : 335 ) أبواب الوضوء ب (47) ح (2).
2- الفهرست : (7).
3- رجال النجاشی : ( 19 - 21 ).
4- المتقدمة فی ص (250).
5- المبسوط ( 1 : 23 ) ، والنهایة : (16) ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (158).
6- الکافی ( 3 : 70 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 31 - 105 ) ، المحاسن ( 2 : 429 - 250 ) ، ثواب الأعمال : (39) ، الوسائل ( 1 : 334 ) أبواب الوضوء ب (45) ح (5).
7- نقله عنه فی الذکری : (95).

الرابع : فی أحکام الوضوء :

من تیقّن الحدث وشک فی الطهارة

______________________________________________________

أحد قولی الشیخ (1) ، استضعافا لدلیل الکراهة ، ویشهد له صحیحة محمد بن مسلم أنه قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المسح بالمندیل قبل أن یجف قال : « لا بأس به » (2).

وروایة منصور بن حازم : قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام وقد توضأ وهو محرم ، ثم أخذ مندیلا فمسح به وجهه (3).

وهل یلحق بالمسح تجفیف البلل بالنار أو الشمس؟ قیل : نعم ، لاشتراکهما فی إزالة أثر العبادة (4) ، ولإشعار قوله علیه السلام : « حتی یجف وضوءه » بذلک. وقیل : لا ، اقتصارا علی مدلول اللفظ (5). وهو قوّی ، بل لا یبعد اختصاص الکراهة بالمسح بالمندیل کما هو منطوق الروایة.

قوله : من تیقّن الحدث وشک فی الطهارة.

المراد بالحدث هنا ما یترتب علیه الطهارة أعنی نفس السبب ، لا الأثر الحاصل من ذلک ، وتیقن حصوله بهذا المعنی لا ینافی الشک فی وقوع الطهارة بعده وإن اتحد وقتهما ، وعلی هذا فلا یرد ما ذکره بعض المتأخرین من أنّ الیقین والشک یمتنع اجتماعهما فی وجود أمرین متنافیین فی زمان واحد ، لأن یقین وجود أحدهما یقتضی یقین عدم الآخر ،

اٴحکام الوضوء

حکم من تیقن الحدث وشک فی الطهارة

ص: 253


1- الخلاف ( 1 : 18 ).
2- التهذیب ( 1 : 364 - 1101 ) ، الوسائل ( 1 : 333 ) أبواب الوضوء ب (45) ح (1).
3- الفقیه ( 2 : 226 - 1065 ) ، الوسائل ( 1 : 333 ) أبواب الوضوء ب (45) ح (4).
4- کما فی روض الجنان : (42).
5- کما فی مجمع الفائدة والبرهان ( 1 : 119 ).

أو تیقنهما وشک فی المتأخر تطهّر.

______________________________________________________

والشک فی أحدهما یقتضی الشک فی الآخر ، ثم تکلّف الجواب بحمل الیقین علی الظن (1). وهو غیر واضح.

وهذا الحکم أعنی وجوب الطهارة مع الشک فیها وتیقن الحدث إجماعی بین المسلمین ، ویدل علیه مضافا إلی العمومات قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبدا » (2).

قوله : أو تیقنهما وشک فی المتأخر تطهر.

إذا تیقن الطهارة والحدث وشک فی اللاحق منهما فقد أطلق الأکثر خصوصا المتقدمین وجوب الطهارة ، تمسکا بعموم الأوامر الدالة علی وجوب الوضوء عند إرادة الصلاة من الکتاب (3) والسنة (4) ، خرج منه من حکم بطهارته ولو بالاستصحاب السالم من معارضة یقین الحدث ، فیبقی الباقی مندرجا تحت العموم.

وفی المسألة قولان آخران أحدهما : أنه ینظر إلی حاله قبل الطهارة المفروضة والحدث ، فإن جهلها تطهّر ، وإن علمها أخذ بضد ما علمه ، فإن علم أنه کان متطهرا فهو الآن محدث ، أو محدثا فهو الآن متطهر ، اختاره المحقق الشیخ علی (5) - رحمه الله - ، ویظهر من المصنف فی المعتبر المیل إلیه ، واحتج علیه بأنه إن کان محدثا فقد تیقن رفع ذلک الحدث بالطهارة المتیقنة مع الحدث الآخر ، لأنها إن کانت بعد الحدثین أو بینهما فقد ارتفعت الأحداث السابقة بها ، وانتقاضها بالحدث الآخر غیر معلوم ، للشک فی تأخره ،

حکم من تیقنهما وشک فی المتأخر

ص: 254


1- الشهید الأول فی الذکری : (98).
2- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الإستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، الوسائل ( 2 : 1053 ) أبواب النجاسات ب (37) ح (1).
3- المائدة : (6).
4- الوسائل ( 1 : 256 ) أبواب الوضوء ب (1).
5- جامع المقاصد ( 1 : 28 ).

______________________________________________________

فیکون متیقنا للطهارة شاکا فی الحدث. وإن کان متطهرا فقد تیقن أنه نقض تلک الطهارة بالحدث المتیقن مع الطهارة ، ورفعه بالطهارة الأخری غیر معلوم ، لجواز تقدمها علیه ، تجدیدا للطهارة السابقة ، أو مع الذهول عنها ، فیکون متیقنا للحدث شاکا فی الطهارة (1).

ویرد علیه فی الصورة الأولی : أنّ الأحداث السابقة وإن کانت قد ارتفعت قطعا ، إلا أن الحدث المفروض مع الطهارة متحقق الوقوع أیضا ، فلا بد من العلم برافعه ، وهو غیر معلوم ، لجواز تقدم الطهارة علیه.

وفی الثانیة : أنّ الطهارة المفروضة رافعة للأحداث السابقة قطعا ، وتأخر الحدث عنها غیر معلوم علی حد ما قرره فی الصورة الأولی ، ویتوجه علیه ما ذکرناه ، وبالجملة : فالفرق بین الصورتین غیر ظاهر.

وثانیهما : العمل بما علمه من حاله قبلهما ، إن کان متطهرا فهو الآن متطهر ، وإن کان محدثا فهو الآن محدث ، ذهب إلیه العلامة فی المختلف وهذه عبارته : مثاله إذا تیقن عند الزوال أنه نقض طهارة وتوضأ عن حدث ، وشک فی السابق ، فإنه یستصحب حاله السابق علی الزوال ، فإن کان فی تلک الحال متطهرا فهو علی طهارته ، لأنه تیقن أنه نقض تلک الطهارة ثم توضأ ، ولا یمکن أن یتوضأ عن حدث مع بقاء تلک الطهارة ، ونقض الطهارة الثانیة مشکوک فیه فلا یزول الیقین بالشک. وإن کان قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث ، لأنه تیقن أنه انتقل عنه إلی الطهارة ثم نقضها ، والطهارة بعد نقضها مشکوک فیها (2).

وأورد علیه : أنه یجوز توالی الطهارتین ، وتعاقب الحدثین ، فلا یتعیّن تأخر الطهارة فی

ص: 255


1- المعتبر ( 1 : 171 ).
2- المختلف ( 1 : 27 ).

وکذا لو تیقن ترک عضو أتی به وبما بعده ، وإن جف البلل استأنف. وإن شک فی شی ء من أفعال الطهارة وهو علی حاله أتی بما شک فیه ثم بما بعده.

______________________________________________________

الصورة الأولی ، والحدث فی الثانیة (1). وهو فاسد ، فإن عبارته - رحمه الله - ناطقة بکون الحدث ناقضا والطهارة رافعة ، وذلک مما یدفع احتمال التوالی والتعاقب ، لکن هذا التخصیص یخرج المسألة من باب الشک إلی الیقین ، فإیراد کلامه - رحمه الله - قولا فی أصل المسألة لیس علی ما ینبغی.

والذی یقتضیه النظر القول بوجوب الطهارة مطلقا ، إلا أن یعلم حاله قبلهما ویعلم من عادته شیئا فیبنی علیه ، وبه تخرج المسألة من مسائل الشک.

قوله : وکذا لو تیقن ترک عضو أتی به وبما بعده ، وإن جف البلل استأنف.

وذلک لفوات الموالاة المعتبرة فی الوضوء ، ویجی ء علی مذهب من فسرها بالمتابعة بطلانه بفواتها.

قوله : وإن شک فی شی ء من أفعال الطهارة وهو علی حاله أتی بما شک فیه ثم بما بعده.

المراد بحاله : الحال التی هو علیها ، وهو کونه متشاغلا بالطهارة ، ولا خلاف بین الأصحاب فی وجوب الإتیان بالمشکوک فیه ثم بما بعده إذا عرض الشک فی هذه الحالة ، لأصالة عدم فعله ، ولما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا کنت قاعدا علی وضوئک فلم تدر أغسلت ذراعیک أم لا فأعد علیهما ، وعلی جمیع ما شککت فیه أنک لم تغسله أو تمسحه مما سمّی الله ، ما دمت فی حال الوضوء ، فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت فی حال أخری فی الصلاة أو فی غیرها فشککت

حکم من تیقن ترک عضو

حکم من شک فی شئ من أفعال الوضوء قبل فوات المحل

ص: 256


1- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 28 ).

ولو تیقن الطهارة وشک فی الحدث أو فی شی ء من أفعال الوضوء بعد انصرافه لم یعد.

______________________________________________________

فی بعض ما سمی الله مما أوجب الله علیک فیه وضوءه لا شی ء علیک فیه » (1).

قال المحقق الشیخ علی - رحمه الله - : وإنما یعید علی المشکوک فیه وما بعده إذا لم یکثر شکه ، فإن کثر عادة لم تجب علیه الإعادة ، للحرج ، ولأنه لا یؤمن دوام عروض الشک (2). وهو غیر بعید ، وینبه علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة وأبی بصیر الواردة فیمن کثر شکه فی الصلاة بعد أن قال : یمضی فی شکه : « لا تعوّدوا الخبیث من أنفسکم بنقض (3) الصلاة فتطمعوه ، فإن الشیطان خبیث معتاد لما عوّد » (4) فإن ذلک بمنزلة التعلیل لوجوب المضی فی الصلاة فیتعدی إلی غیر المسؤول عنه ، کما قرر فی محله.

قوله : ولو تیقن الطهارة وشک فی الحدث أو فی شی ء من أفعال الوضوء بعد انصرافه لم یعد.

أما عدم وجوب إعادة الطهارة مع تیقنها والشک فی الحدث فإجماعی بین العلماء ، وأدلته معلومة مما سبق ، بل ظاهر الروایات (5) عدم مشروعیة الطهارة إلا مع تیقن الحدث. وأما عدم الالتفات إلی الشک فی شی ء من أفعال الوضوء بعد الانصراف من أفعاله وإن لم ینتقل عن محله فإجماعی أیضا ، ویدل علیه روایات منها : صحیحة زرارة

ص: 257


1- الکافی ( 3 : 33 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 100 - 261 ) ، الوسائل ( 1 : 330 ) أبواب الوضوء ب (42) ح (1).
2- جامع المقاصد ( 1 : 28 ).
3- فی « س » ، « ق » : بنقص.
4- الکافی ( 3 : 358 - 2 ) ، التهذیب ( 2 : 188 - 747 ) ، الإستبصار ( 1 : 374 - 1422 ) ، الوسائل ( 5 : 329 ) أبواب الخلل ب (16) ح (2).
5- الوسائل ( 1 : 330 ) أبواب الوضوء ب (42) ، (44).

ومن ترک غسل موضع النجو أو البول وصلی أعاد الصلاة ، عامدا کان أو ناسیا أو جاهلا.

______________________________________________________

المتقدمة (1) وصحیحة أخیه بکیر ، قال ، قلت : الرجل یشک بعد ما یتوضأ ، قال : « هو حین یتوضأ أذکر منه حین یشک » (2) وهذه أوضح دلالة من السابقة ، فإنها صریحة فی عدم الالتفات إلی شک بعد إکمال الوضوء ، وإن لم یحصل الانتقال إلی حالة اخری.

وقد یشکل مع تعلق الشک بالعضو الأخیر ، لعدم تحقق الإکمال ، والأولی تدارکه قبل الانصراف ومنه الجلوس وإن لم یطل زمانه ( علی الأظهر ) (3).

قوله : ومن ترک غسل موضع النجو أو البول وصلی أعاد الصلاة ، عامدا کان أو ناسیا أو جاهلا.

هذه المسألة جزئیة من جزئیات من صلی مع النجاسة ، وسیجی ء تفصیل حکمها إن شاء الله تعالی.

والحکم بإعادة الجاهل لا یتم علی إطلاقه فی جاهل الأصل عند المصنف - رحمه الله - ، ویمکن حمله علی جاهل الحکم ، فإنّ جهالة الأصل هنا أمر مستبعد.

وربما ظهر من ( إطلاق ) (4) العبارة عدم وجوب إعادة الوضوء بذلک فی الموضعین ، وهو اختیار الشیخ (5) ، وأکثر الأصحاب.

وذهب ابن بابویه - رحمه الله - إلی أنّ من ترک غسل موضع البول یلزمه إعادة الوضوء أیضا ، بخلاف مخرج الغائط ، فیقتصر فیه علی إعادة الصلاة (6). وکأنه استند فی

حکم من ترک غسل موضع النجو أو البول وصلی

ص: 258


1- فی ص (256).
2- التهذیب ( 1 : 101 - 265 ) ، الوسائل ( 1 : 331 ) أبواب الوضوء ب (42) ح (7).
3- لیست فی : « س » ، « ق ».
4- لیست فی : « س » ، « ق ».
5- المبسوط ( 1 : 24 ).
6- المقنع : (4).

ومن جدّد وضوءه بنیة الندب ثم صلی وذکر أنه أخلّ بعضو من إحدی الطهارتین ، فإن اقتصرنا علی نیة القربة فالطهارة والصلاة صحیحتان ، وإن أوجبنا نیة الاستباحة أعادهما.

______________________________________________________

إعادة الوضوء إلی روایة سلیمان بن خالد ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یتوضأ فینسی غسل ذکره ، قال : « یغسل ذکره ثم یعید الوضوء » (1).

والجواب - بعد تسلیم السند - بالحمل علی الاستحباب ، جمعا بینها وبین غیرها من الأخبار الکثیرة الدالة علی عدم وجوب إعادة الوضوء بذلک صریحا ، کصحیحة علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یبول فلا یغسل ذکره حتی یتوضأ وضوء الصلاة فقال : « یغسل ذکره ولا یعید وضوءه » (2).

وصحیحة عمرو بن أبی نصر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یبول فینسی أن یغسل ذکره ، ویتوضأ ، قال : « یغسل ذکره ولا یعید وضوءه » (3).

قوله : ومن جدد وضوءه بنیة الندب ثم صلی وذکر أنه أخل بعضو من إحدی الطهارتین ، فإن اقتصرنا علی نیة القربة فالطهارة والصلاة صحیحتان ، وإن أوجبنا نیة الاستباحة أعادهما.

أجمع علماؤنا علی استحباب تجدید الوضوء لکل صلاة علی ما نقله جماعة ، وإنما اختلفوا فی حصول الإباحة به لو ظهر فساد السابق ، فقال الشیخ فی المبسوط بذلک (4) ،

حکم من جدد وضوءا بنیة الندب وصلی وذکر أنه أخل بعضو من إحدی الطهارتین

ص: 259


1- التهذیب ( 1 : 49 - 142 ) ، الإستبصار ( 1 : 54 - 158 ) ، الوسائل ( 1 : 209 ) أبواب نواقض الوضوء ب (18) ح (9).
2- الکافی ( 3 : 18 - 15 ) ، التهذیب ( 1 : 48 - 138 ) ، الإستبصار ( 1 : 53 - 155 ) ، الوسائل ( 1 : 208 ) أبواب نواقض الوضوء ب (18) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 48 - 139 ) ، الإستبصار ( 1 : 54 - 156 ) ، الوسائل ( 1 : 208 ) أبواب نواقض الوضوء ب (18) ح (5).
4- المبسوط ( 1 : 24 ).

______________________________________________________

مع أنه اعتبر فیه فی نیة الوضوء الواجب الرفع أو الاستباحة ، وقواه فی الدروس (1) ، واستوجهه فی المعتبر (2) ، إلا أنه قیده بما إذا قصد به الصلاة ، أی نوی إیقاعها به علی الوجه الأکمل.

والأصح ما أطلقه فی المبسوط ، أما علی ما اخترناه من الاحتزاء بالقربة فظاهر ، وأما علی اعتبار الاستباحة فلأن نیتها إنما تکون معتبرة إذا کان المکلف ذاکرا للحدث ، لا مع اعتقاده حصول الإباحة بدونه ، ولأن الظاهر من فحاوی الأخبار أنّ شرعیة المجدد إنما هو لاستدراک ما وقع فی الأول من الخلل ، ویشهد له أیضا ما رواه الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه مع اعتقاده صحة مضمونه : من إجزاء غسل الجمعة عن غسل الجنابة مع نسیانه (3) ، وما أجمع علیه الأصحاب من إجزاء صوم یوم الشک بنیة الندب عن الواجب ، وما ورد من استحباب الغسل فی أول لیلة من شهر رمضان ، تلافیا لما عساه فات من الأغسال الواجبة (4) ، ونحو ذلک.

ومن هنا یندفع ما ذکره العلامة - رحمه الله - فی المختلف من التعجب من الشیخ حیث اعتبر فی النیة الاستباحة ، ولم یوجب إعادة الصلاة هنا (5).

إذا تقرر ذلک فنقول : إذا توضأ المکلف وضوءا رافعا للحدث فرضا أو نفلا ، ثم جدد وضوءا آخر بنیة الندب أو الوجوب ، ثم ذکر الإخلال بعضو من إحدی الطهارتین ، فإن اجتزأنا بالقربة لم یجب علیه إعادة الطهارة ولا الصلاة ، لأن إحدی الطهارتین صحیحة

ص: 260


1- الدروس : (2).
2- المعتبر ( 1 : 140 ).
3- الفقیه ( 2 : 74 - 321 ) ، الوسائل ( 7 : 170 ) أبواب من یصح منه الصوم ب (30) ح (2).
4- الوسائل ( 2 : 952 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (14).
5- المختلف : (27).

______________________________________________________

لا محالة. وکذا إن قلنا برفع المجدد. وإن اعتبرنا الوجه مع ذلک لم تجب الإعادة أیضا إن کان الوجه الملحوظ معتبرا علی تقدیر فساد الطهارة الأولی ، کما إذا وقع المجدد والمندوب فی وقت لا تجب فیه الطهارة ، وإلا وجب علیه إعادتهما ، لإمکان أن یکون الإخلال من الأولی ، والثانیة لا تبیح لعدم اشتمالها علی الوجه المعتبر ، مع احتمال الصحة مطلقا ، لاشتمال النیة علی الوجه فی الجملة ، وکون المکلف مأمورا بإیقاع الطهارة علی ذلک الوجه بحسب الظاهر.

وإن اعتبرنا الرفع أو الاستباحة وقلنا بعدم رفع المجدد وجب إعادتهما ، لإمکان أن یکون الإخلال من الأولی ، والثانیة غیر مبیحة.

وقوّی العلامة فی المنتهی عدم الالتفات إلی هذا الشک مطلقا ، لاندراجه تحت الشک فی الوضوء بعد الفراغ (1). ونقله الشهید - رحمه الله - فی البیان عن السید جمال الدین بن طاوس - رحمه الله - واستوجهه (2).

ویمکن الفرق بین الصورتین بأن الیقین هنا حاصل بالترک وإنما حصل الشک فی موضوعه ، بخلاف الشک بعد الفراغ فإنه لا یقین فیه بوجه. والمتبادر من الأخبار المتضمنة لعدم الالتفات إلی الشک فی الوضوء بعد الفراغ (3) : الوضوء المتجدد الذی حصل الشک فیه بعد الفراغ منه ، فتأمل.

ولا یخفی أنّ الطهارة المفروضة ثانیا یمکن فرضها بغیر التجدید ، ویتصور حینئذ اشتمالها علی جمیع الأمور المعتبرة فی النیة ، کما یتفق مع الذهول عن الطهارة السابقة والشک فی الطهارة مع تیقن الحدث ، إذا تبین وقوعها بعد فعلها ثانیا ، ومعه یجب القطع

ص: 261


1- المنتهی ( 1 : 75 ).
2- البیان : (12).
3- الوسائل ( 1 : 330 ) أبواب الوضوء ب (42).

______________________________________________________

بعدم الإعادة لوقوع إحدی الطهارتین مستجمعة لشرائط الصحة عند الجمیع.

والتفصیل فی المسألة أن یقال : الوضوءان إما واجبان ، أو مندوبان ، أو بالتفریق ، ثم إما أن یکون الثانی مجددا أو غیره ، فالصور ثمان :

الأولی : أن یکونا واجبین والثانی غیر مجدد ، کما لو توضأ للفریضة بعد دخول وقتها ، ثم ذهل عنه وتوضأ وضوءا واجبا ، ولا ریب فی عدم وجوب الإعادة عند الجمیع ، لحصول الإباحة بکل من الطهارتین.

الثانیة : أن یکونا واجبین والثانی مجدد بالنذر ، وینبغی القطع بالصحة إن اکتفینا بالقربة والوجه ، والفساد إن اعتبرنا الرفع مطلقا.

الثالثة : أن یکونا مندوبین والثانی غیر مجدد ، کما لو توضأ قبل دخول الوقت ، ثم ذهل عنه وتأهب للفریضة قبل دخول وقتها ، وحکمها کالأولی.

الرابعة : أن یکونا مندوبین والثانی مجددا ، وقد قیل بالصحة هنا أیضا بناء علی اعتبار الوجه (1). وهو إنما یتم إذا کان الوضوء الثانی واقعا فی حال البراءة من الواجب إلا علی ما ذکرناه من الاحتمال.

الخامسة : أن یکون الأول مندوبا والثانی واجبا مجددا بالنذر ، والحکم فیه کما فی الثانیة.

السادسة : الصورة بحالها والثانی غیر مجدد ، کما لو توضأ للتأهب ثم ذهل عنه وتوضأ للفریضة بعد دخول الوقت ، وحکمها کالأولی.

السابعة : أن یکون الأول واجبا والثانی مندوبا مجددا ، وحکمها کالرابعة.

الثامنة : الصورة بحالها والثانی غیر مجدد ، کما فی حالة الذهول عن الوضوء الواجب والتأهب للفریضة قبل دخول وقتها ، وحکمها کالأولی.

ص: 262


1- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 3 ).

ولو صلی بکل واحدة منهما صلاة أعاد الأولی بناء علی الأول.

ولو أحدث عقیب طهارة منهما ولم یعلمها بعینها أعاد الصلاتین إن اختلفتا عددا ، وإلا فصلاة واحدة ینوی بها ما فی ذمته. وکذا لو صلی بطهارة ثم أحدث وجدّد طهارة ثم صلی أخری وذکر أنه أخلّ بواجب من إحدی الطهارتین.

______________________________________________________

قوله : ولو صلی بکل واحدة منهما صلاة أعاد الأولی بناء علی الأول.

أی أعاد الصلاة الأولی خاصة بناء علی القول الأول ، وهو الاکتفاء بالقربة ، لاحتمال کون الخلل من الطهارة الأولی فتفسد الصلاة الأولی دون الثانیة ، لتعقبها الطهارة صحیحة. وعلی الثانی ، وهو اشتراط الاستباحة یعید الصلاتین معا ، لجواز أن یکون الخلل من الأولی ، والثانیة غیر رافعة.

قوله : ولو أحدث عقیب طهارة منهما ولم یعلمها بعینها أعاد الصلاتین إن اختلفتا عددا ، وإلا فصلاة واحدة ینوی بها ما فی ذمته.

إنما کان کذلک ، لأن الطهارتین مبیحتان للصلاة ، بناء علی الاکتفاء بالقربة ، لکن تخلل الحدث یفسد إحداهما ویترتب علیه اشتباه صلاتها فیجب إعادتهما معا مع الاختلاف عددا ، تحصیلا لیقین البراءة وإلا فذلک العدد. وعلی القول الثانی یعیدهما معا کما فی صورة الإخلال.

والفرق بین المسألتین : أنّ الحدث علی تقدیر وقوعه بعد الطهارة الثانیة یقتضی بطلان الطهارتین معا ، بخلاف الإخلال فإنه إنما یبطل الطهارة التی وقع فیها خاصة فتسلم له اخری.

والحکم بجواز الإطلاق مع اتفاق الصلاتین عددا قول معظم الأصحاب ، لصدق الامتثال بالتردید ، وأصالة البراءة من الزائد السالمة عن معارضة کونه مقدمة للواجب ،

حکم من أحدث عقیب طهارة منهما

ص: 263

ولو صلی الخمس بخمس طهارات وتیقن أنه أحدث عقیب إحدی الطهارات أعاد ثلاث فرائض : ثلاثا واثنین وأربعا ، وقیل : یعید خمسا ، والأول أشبه.

______________________________________________________

ولورود النص بجواز الإطلاق لمن نسی فریضة مجهولة من الخمس (1) ، والعلة فی الجمیع واحدة ، وفی هذا نظر.

وقال أبو الصلاح وابن زهرة : یعید الصلاتین کالمختلفتین ، لعدم جواز التردید فی النیة مع إمکان الجزم. وفیه منع.

واعلم : أنه یتصور کون الوضوءین واجبین ومندوبین وبالتفریق.

قیل : ویشکل فی صورة المندوبین ، کما إذا توضأ بری ء الذمة من مشروط به ، ثم صلی فریضة فی وقتها ، ثم تأهب للأخری قبل وقتها وصلی ، ثم ذکر الإخلال. وفی صورة المندوب بعد الواجب ، بفرض الوضوء الأول فی وقت اشتغال الذمة بمشروط به ، لعدم الجزم ببراءة الذمة لما توضأ ندبا ، لجواز أن یکون الخلل من الأولی فتفسد صلاته وتصیر فی الذمة ، فیقع المندوب فی غیر موضعه.

وعندی فی تأثیر مثل ذلک نظر ، إذ المکلف کان مأمورا بإیقاع الوضوء علی ذلک الوجه ، والامتثال یقتضی الإجزاء.

قوله : ولو صلی الخمس بخمس طهارات ، وتیقن أنه أحدث عقیب إحدی الطهارات ، أعاد ثلاث فرائض : ثلاثا واثنتین وأربعا ، وقیل : یعید خمسا ، والأول أشبه.

الأظهر الاجتزاء بالفرائض الثلاث ، وهی : صبح ومغرب ورباعیة مطلقة إطلاقا ثلاثیا بین الظهر والعصر والعشاء ، هذا إن کانت الفائتة من فرض المقیم ، وإن کانت

حکم من صلی الخمس بخمس طهارات وتیقن أنه أحدث عقیب إحداها

ص: 264


1- التهذیب ( 2 : 197 - 774 ) ، الوسائل ( 5 : 365 ) أبواب قضاء الصلوات ب (11) ح (1).

وأما الغسل ، ففیه الواجب والمندوب :

فالواجب ستة أغسال : غسل الجنابة ، والحیض ، والاستحاضة التی تثقب الکرسف ، والنفاس ، ومس الأموات من الناس قبل تغسیلهم وبعد بردهم ، وغسل الأموات.

وبیان ذلک فی خمسة فصول :

الأوّل : فی الجنابة والنظر فی السبب ، والحکم ، والغسل.

أما سبب الجنابة فأمران :

الإنزال : إذا علم أن الخارج منیّ ، فإن حصل ما یشتبه وکان دافقا تقارنه الشهوة وفتور الجسد وجب الغسل ،

______________________________________________________

من فرض المسافر أتی بصلاتین : مغربا معینة ، وثنائیة مطلقة إطلاقا رباعیا بین الصبح والظهر والعصر والعشاء ، لاتفاق عددهن ، ولا ترتیب فی واحدة من الصورتین ، لاتحاد الفائتة. ویتخیر فی الفریضة المردد فیها بین الجهر والإخفات ، وبین الأداء والقضاء إن وقعت کذلک.

قوله : الأول ، فی الجنابة ، والنظر فی السبب ، والحکم ، والغسل ، أما سبب الجنابة فأمران ، الإنزال إذا علم أن الخارج منیّ ، فإن حصل ما یشتبه به وکان دافقا تقارنه الشهوة وفتور الجسد وجب الغسل.

اتفق العلماء کافة علی أنّ الجنابة سبب فی الغسل ، والقرآن الکریم ناطق بذلک ، قال الله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) (1) وأجمعوا علی أنها تحصل بأمرین :

أحدهما : إنزال المنی ، فإذا تیقن أنّ الخارج منی وجب الغسل ، سواء خرج متدافقا

الغسل

- غسل الجنابة وأسبابه

السبب الأول : الانزال

صفات المنی

ص: 265


1- المائدة : (6).

______________________________________________________

أو متثاقلا ، بشهوة وغیرها ، فی نوم ویقظة. وتدل علیه الأخبار المستفیضة ، کصحیحة عنبسة بن مصعب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان علیّ علیه السلام لا یری فی شی ء الغسل إلا فی الماء الأکبر » (1) وروایة الحسین بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان علی علیه السلام یقول : إنما الغسل من الماء الأکبر » (2).

وحسنة عبید الله الحلبی : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المفخّذ علیه غسل؟ قال : « نعم إذا أنزل » (3).

وصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع : قال : سألت الرضا علیه السلام عن الرجل یجامع المرأة فیما دون الفرج وتنزل المرأة ، علیها غسل؟ قال : « نعم » (4).

ومع الاشتباه یعتبر باللذة ، والدفق ، وفتور البدن ، أی : انکسار الشهوة بعد خروجه ، لأنها صفات لازمة للمنی فی الأغلب فیرجع إلیها عند الاشتباه ، ولما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یلعب مع امرأته ویقبّلها فیخرج منه المنی فما علیه؟ قال : « إذا جاءت الشهوة ودفع (5) وفتر لخروجه فعلیه الغسل ، وإن کان إنما هو شی ء لم یجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » (6).

ص: 266


1- التهذیب ( 1 : 119 - 315 ) ، الإستبصار ( 1 : 109 - 361 ) ، الوسائل ( 1 : 473 ) أبواب الجنابة ب (7) ح (11).
2- الکافی ( 3 : 48 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 120 - 316 ) ، الإستبصار ( 1 : 109 - 362 ) ، الوسائل ( 1 : 479 ) أبواب الجنابة ب (9) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 46 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 119 - 313 ) ، الإستبصار ( 1 : 104 - 341 ) ، الوسائل ( 1 : 471 ) أبواب الجنابة ب (7) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 47 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 123 - 328 ) ، الإستبصار ( 1 : 108 - 355 ) ، الوسائل ( 1 : 471 ) أبواب الجنابة ب (7) ح (3).
5- فی « م » : ودفق.
6- التهذیب ( 1 : 120 - 317 ) ، الاستبصار ( 1 : 104 - 342 ) ، قرب الإسناد : (85) ، الوسائل ( 1 : 477 ) أبواب الجنابة ب (8) ح (1).

______________________________________________________

قال الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب : قوله علیه السلام : « وإن کان إنما هو شی ء لم یجد له فترة ولا شهوة فلا بأس » معناه : إذا لم یکن الخارج الماء الأکبر ، لأن من المستبعد فی العادة والطبائع أن یخرج المنی من الإنسان ولا یجد له شهوة ولا لذة ، وإنما أراد أنه إذا اشتبه علی الإنسان فاعتقد أنه منی ولم یکن فی الحقیقة منیا یعتبره بوجود الشهوة من نفسه ، فإذا وجد وجب علیه الغسل ، وإذا لم یجد علم أن الخارج منه لیس بمنی. وهو حسن.

ویشهد له : أنّ السائل رتّب خروج المنی علی الملاعبة والتقبیل ، مع أنّ الغالب حصول المذی عقیبهما لا المنی ، فبیّن علیه السلام حکم الخارج بقسمیه.

وذکر جماعة من الأصحاب أنّ من صفاته الخاصة التی یرجع إلیها عند الاشتباه قرب رائحته رطبا من رائحة الطلع والعجین ، وجافا من بیاض البیض. وهو مشکل ، لعدم النص ، وجواز عموم الوصف.

ولا فرق فی وجوب الغسل بالإنزال بین الرجل والمرأة بإجماع علماء الإسلام ، والأخبار الواردة به متضافرة :

فروی الحلبی فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری فی المنام ما یری الرجل؟ قال : « إن أنزلت فعلیها الغسل ، وإن لم تنزل فلیس علیها الغسل » (1).

وروی ابن سنان فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری

ص: 267


1- الکافی ( 3 : 48 - 5 ) ، الفقیه ( 1 : 48 - 190 ) ، التهذیب ( 1 : 123 - 331 ) ، الإستبصار ( 1 : 107 - 352 ) ، الوسائل ( 1 : 472 ) أبواب الجنابة ب (7) ح (5).

ولو کان مریضا کفت الشهوة وفتور الجسد فی وجوبه.

______________________________________________________

الرجل یجامعها فی المنام فی فرجها حتی تنزل ، قال : « تغتسل » (1) وما ورد فی بعض الأخبار مما یخالف بظاهره ذلک (2) فمأوّل أو مطروح.

فروع : الأول : لو خرج المنی من غیر الموضع الخلقی فهل یکون ناقضا مطلقا؟ أو یعتبر فیه الاعتیاد؟ أو انسداد الخلقی کالحدث الأصغر؟ قیل : بالأول (3) ، لعموم قوله علیه السلام : « إنما الماء من الماء » (4) وهو خیرة العلامة فی النهایة (5). وقیل : بالثانی (6) ، حملا للإطلاق علی ما هو الغالب ، وهو خیرة الذکری (7).

الثانی : یعتبر فی الخنثی خروج المنی من الفرجین معا لا من أحدهما إلا مع الاعتیاد ، ویجی ء علی قول النهایة عدم اعتبار الاعتیاد هنا مع تحقق المنی.

الثالث : لو خرج المنی بلون الدم لکثرة الوقاع فالأقرب وجوب الغسل به مع التحقق ، واحتمل العلامة فی النهایة عدمه ، لأن المنی دم فی الأصل فلما لم یستحل الحق بالدماء (8).

قوله : ولو کان مریضا کفت الشهوة وفتور الجسد.

یلوح من هذه العبارة اشتراط اجتماع الأوصاف الثلاثة فی الصحیح مع الاشتباه ،

کفایة المشهورة وفتور الجسد للمریض

ص: 268


1- الکافی ( 3 : 48 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 124 - 334 ) ، الإستبصار ( 1 : 108 - 357 ) ، الوسائل ( 1 : 472 ) أبواب الجنابة ب (7) ح (7).
2- الوسائل ( 1 : 474 ، 475 ) أبواب الجنابة ب (7) ح ( 18 - 22 ).
3- کما فی روض الجنان : (48).
4- عوالی اللئالی ( 2 : 203 - 112 ) ، وج ( 3 : 30 - 79 ) ، سنن الدارمی ( 1 : 194 ) ، سنن ابن ماجه ( 1 : 199 - 607 ).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 99 ).
6- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 35 ).
7- الذکری : (27).
8- نهایة الأحکام ( 1 : 98 ).

ولو تجرّد عن الشهوة والدفق مع اشتباهه لم یجب. وإن وجد علی جسده أو ثوبه منیّا وجب الغسل إذا لم یشرکه فی الثوب غیره.

______________________________________________________

وهو کذلک ، لروایة علی بن جعفر المتقدمة (1).

ویدل علی عدم اعتبار الدفق فی المریض صحیحة عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قلت له : الرجل یری فی المنام ویجد الشهوة فیستیقظ فینظر بللا فلا یجد شیئا ، ثم یمکث الهوینا بعد فیخرج ، قال : « إن کان مریضا فلیغتسل ، وإن لم یکن مریضا فلا شی ء علیه » قال ، قلت له : فما فرق بینهما؟ قال : « لأن الرجل إذا کان صحیحا جاء الماء بدفقة قویة ، وإن کان مریضا لم یجی ء إلا بعد » (2) ونحوه روی معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

قوله : وإن وجد علی جسده أو ثوبه منیّا وجب الغسل إذا لم یشرکه فی الثوب غیره.

ویتحقق الاشتراک بکونهما دفعة مجتمعین فیه ، کالکساء الذی یفرش أو یلتحف به. وفی حکمه : المختص إذا احتمل کون المنی الموجود علیه من غیره ، لأن الطهارة المتیقنة لا ترتفع بالشک فی الحدث بإجماع العلماء.

ولو کان الثوب مما یتناوبان علیه ، فهل یحکم بالجنابة علی ذی النوبة أم لا؟ الأظهر العدم ، لجواز التقدم ، ولو علم ذو النوبة السبق سقط عنه قطعا ، ولم یجب علی الأول إلا مع التحقق.

ص: 269


1- فی ص (266).
2- الکافی ( 3 : 48 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 369 - 1124 ) ، الإستبصار ( 1 : 110 - 365 ) ، الوسائل ( 1 : 478 ) أبواب الجنابة ب (8) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 48 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 368 - 1120 ) ، الإستبصار ( 1 : 109 - 363 ) ، الوسائل ( 1 : 477 ) أبواب الجنابة ب (8) ح (2) ، بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

وبالجملة : فالمعتبر العلم بکون المنی من واجده ، لعموم قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبدا » (1).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : الأظهر أنه إنما یحکم علی واجد المنی بالجنابة من آخر أوقات إمکانها ، تمسکا بأصالة عدم التقدم ، واستصحابا للطهارة المتیقنة إلی أن یتیقن الحدث ، وحینئذ یحکم علیه بکونه محدثا ، ویجب علیه قضاء ما یتوقف علی الطهارة من ذلک الوقت إلی أن یتحقق منه طهارة رافعة.

وأما النجاسة الخبثیة فإن تحققت بنیت الإعادة بسببها علی ما سیأتی فی مسألة جاهل النجاسة ، ومن ذلک یعلم أنه یمکن استناد البطلان إلیهما معا ، وإلی الخبثیة خاصة مع الغسل الرافع للحدث ، وإلی الحدثیة خاصة مع الغسل المزیل للنجاسة ولو اتفاقا. وذهب الشیخ فی المبسوط أولا إلی إعادة کل صلاة لا یعلم سبقها علی الحدث ، ثم قوّی ما اخترناه (2). وقوته ظاهرة.

الثانی : قد بیّنا أنّ وجود الجنابة فی الثوب المشترک لا یقتضی وجوب الغسل علی واحد من المشترکین ، لأن کلاّ منهم متیقن للطهارة ، شاک فی الحدث ، فیجوز لهم أن یفعلوا ما یفعله الطاهر من دخول المساجد وقراءة العزائم.

وفی جواز ایتمام أحدهما بالآخر ، وحصول عدد الجمعة بهما قولان : أظهرهما الجواز ، لصحة صلاة کل منهما شرعا ، وأصالة عدم اشتراط ما زاد علی ذلک. وقیل : بالعدم ، للقطع بحدث أحدهما (3). وهو ضعیف ، لأنا نمنع حصول الحدث إلا مع تحقق الإنزال

ص: 270


1- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الاستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، علل الشرائع : ( 361 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 1065 ) أبواب النجاسات ب (44) ح (1).
2- المبسوط ( 1 : 28 ).
3- کما فی البیان : (14).

والجماع : فإن جامع امرأة فی قبلها والتقی الختانان وجب الغسل وإن کانت الموطوءة میتة.

______________________________________________________

من شخص بعینه ، ولهذا ارتفع لازمه وهو وجوب الطهارة إجماعا.

الثالث : ذکر جماعة من الأصحاب منهم المصنف فی المعتبر استحباب الغسل هنا احتیاطا (1). ولا بأس به ، لعموم الأدلة المقتضیة لرجحان الاحتیاط فی الدین. وینبغی الاقتصار فیه علی نیة القربة ، ولو نوی الوجوب جاز إن أمکن ذلک ، ولو تبین الاحتیاج إلیه کان مجزئا علی الأظهر.

قوله : والجماع ، فإن جامع امرأة فی قبلها والتقی الختانان وجب الغسل ، وان کانت الموطوءة میتة.

هذا هو السبب الثانی للجنابة ، وقد اتفق العلماء کافة علی وجوب الغسل به ، والأصل فیه الأخبار المستفیضة ، کصحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته متی یجب الغسل علی الرجل والمرأة؟ قال : « إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم » (2).

وصحیحة محمد بن إسماعیل ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الرجل یجامع المرأة قریبا من الفرج فلا ینزلان ، متی یجب الغسل؟ فقال : « إذا التقی الختانان فقد وجب الغسل » قلت : التقاء الختانین هو غیبوبة الحشفة؟ قال : « نعم » (3).

وصحیحة زرارة ( عن أبی جعفر علیه السلام ) (4) قال : « جمع عمر بن الخطاب

السبب الثانی : الجماع

ص: 271


1- المعتبر ( 1 : 179 ).
2- الکافی ( 3 : 46 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 118 - 310 ) ، الإستبصار ( 1 : 108 - 358 ) ، السرائر : (19) ، الوسائل ( 1 : 469 ) أبواب الجنابة ب (6) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 46 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 118 - 311 ) ، الإستبصار ( 1 : 108 - 359 ) ، الوسائل ( 1 : 469 ) أبواب الجنابة ب (6) ح (2).
4- ما بین القوسین من « ح » والمصدر.

وإن جامع فی الدبر ولم ینزل وجب الغسل علی الأصحّ.

______________________________________________________

أصحاب النبی صلی الله علیه و آله فقال : ما تقولون فی الرجل یأتی أهله فیخالطها ولا ینزل؟ فقالت الأنصار : الماء من الماء ، وقال المهاجرون : إذا التقی الختانان فقد وجب علیه الغسل ، فقال عمر لعلیّ علیه السلام : ما تقول یا أبا الحسن؟ فقال علیّ علیه السلام : أتوجبون علیه الجلد والرجم ، ولا توجبون علیه صاعا من ماء!؟ إذا التقی الختانان فقد وجب علیه الغسل ، فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ، ودعوا ما قالت الأنصار » (1).

ورد المصنف بقوله : وإن کانت الموطوءة میتة. علی الحنفیة حیث لم یوجبوا الغسل بوطء المیتة (2) ، وهو باطل.

ومقطوع الحشفة یعتبر إیلاجه بقدرها ، علی ما ذکره الأصحاب ، ویمکن الاکتفاء بمسمی الدخول ، لظاهر صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة (3).

قوله : وإن جامع فی الدبر ولم ینزل وجب الغسل علی الأصح.

هذا قول معظم الأصحاب ، قال السید المرتضی - رحمه الله - : لا أعلم خلافا بین المسلمین فی أنّ الوطء فی الموضع المکروه من ذکر أو أنثی یجری مجری الوطء فی القبل مع الإیقاب وغیبوبة الحشفة فی وجوب الغسل علی الفاعل والمفعول به وإن لم یکن أنزل ، ولا وجدت فی الکتب المصنفة لأصحابنا الإمامیة إلاّ ذلک ، ولا سمعت من عاصرنی منهم من شیوخهم - نحوا من ستین سنة - یفتی إلاّ بذلک ، فهذه المسألة إجماعیة من الکل ، ولو شئت أن أقول : إنه معلوم بالضرورة من دین الرسول صلی الله علیه و آله أنه لا

حکم من جامع فی الدبر

ص: 272


1- التهذیب ( 1 : 119 - 314 ) ، السرائر : (19) ، الوسائل ( 1 : 470 ) أبواب الجنابة ب (6) ح (5).
2- نقله عن أبی حنیفة فی المغنی لابن قدامة ( 1 : 237 ).
3- فی ص (271).

______________________________________________________

خلاف بین الفرجین فی هذا الحکم (1).

قال العلامة - رحمه الله - فی المختلف بعد أن أورد ذلک : وهذا یدل علی أنّ الفتوی بذلک متظافرة مشهورة فی زمان السید المرتضی - رحمه الله - بل ادعاؤه الإجماع یقتضی وجوب العمل به ، لأنه صادق ونقل دلیلا قطعیا ، وخبر الواحد کما یحتج به فی نقل المظنون فکذا فی المقطوع به (2). ثم استدل علی الوجوب بعموم قوله تعالی ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) (3) وقوله علیه السلام : « إذا أدخله فقد وجب الغسل » (4) وفحوی قول علیّ علیه السلام منکرا علی الأنصار : « أتوجبون علیه الجلد والرجم ، ولا توجبون علیه صاعا من ماء » (5).

ومرسلة حفص بن سوقة ، عمن أخبره ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یأتی أهله من خلفها ، قال : « هو أحد المأتیین فیه الغسل » (6).

وذهب الشیخ فی الاستبصار والنهایة إلی عدم الوجوب (7) ، واستدل بصحیحة الحلبی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل یصیب المرأة فیما دون الفرج أعلیها غسل إن هو أنزل ولم تنزل هی؟ قال : « لیس علیها غسل ، وإن لم ینزل هو

ص: 273


1- نقله عنه فی المختلف : (31).
2- المختلف : (31).
3- النساء : (43) ، المائدة : (6).
4- المتقدم فی ص (271).
5- المتقدم فی ص (271).
6- التهذیب ( 7 : 414 - 1658 ) ، الإستبصار ( 1 : 112 - 373 ) ، الوسائل ( 1 : 481 ) أبواب الجنابة ب (12) ح (1).
7- الإستبصار ( 1 : - 111 ) ، النهایة : (19).

ولو وطئ غلاما فأوقبه ولم ینزل ، قال المرتضی رحمه الله : یجب الغسل ، معوّلا علی الإجماع المرکب ، ولم یثبت الإجماع.

______________________________________________________

فلیس علیه غسل » (1).

ومرفوعة البرقی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أتی الرجل المرأة فی دبرها فلم ینزل فلا غسل علیها ، فإن أنزل فعلیه الغسل ولا غسل علیها » (2).

وفی الأدلة من الجانبین نظر ، والمسألة محل تردد ، وإن کان القول بالوجوب لا یخلو من قرب (3).

قوله : ولو وطئ غلاما فأوقبه ولم ینزل ، قال المرتضی ; : یجب الغسل ، تعویلا علی الإجماع المرکب ، ولم یثبت.

الإجماع المرکب عبارة عن إطباق أهل الحل والعقد فی عصر من الأعصار علی قولین لا یتجاوزونهما إلی ثالث ، وفی جواز إحداث الثالث أقوال : ثالثها : أنه إن رفع شیئا متفقا علیه منع منه ، وإلاّ فلا ، واستوجهه بعض مشایخنا المعاصرین. وهو غیر جید ، لأنه إنما یتمشی علی قواعد العامة ، والمطابق لأصولنا هو المنع منه مطلقا کما حقق فی محله.

إذا تقرر ذلک فاعلم أنّ المرتضی - رحمه الله - ادعی أنّ کل من أوجب الغسل بالغیبوبة فی دبر المرأة أوجبه فی دبر الذکر ، وکل من نفی نفی (4). ولما کان الوجوب فی الأول ثابتا بالأدلة المتقدمة تبیّن (5) أنّ الإمام علیه السلام قائل به ، فیکون قائلا

حکم من وطأ غلاما

ص: 274


1- الفقیه ( 1 : 47 - 185 ) ، التهذیب ( 1 : 124 - 335 ) ، الإستبصار ( 1 : 111 - 370 ) ، الوسائل ( 1 : 481 ) أبواب الجنابة ب (11) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 47 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 125 - 336 ) ، الإستبصار ( 1 : 112 - 371 ) ، الوسائل ( 1 : 481 ) أبواب الجنابة ب (12) ح (2).
3- فی « ح » : ولا ریب أنّ الوجوب أولی.
4- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 181 ).
5- فی « م » ، « ح » ، « س » : وبینا ، وفی « ق » : بیننا ، والأنسب ما أثبتناه.

______________________________________________________

بالوجوب فی الثانی ، وهو المطلوب. وهذه حجة واضحة بعد ثبوتها ، لکن المصنف اعترضها بأن هذا الإجماع لم یثبت عنده. ورده المتأخرون بأن الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة ، وکفی بالسید ناقلا (1).

وأقول : إن توقف المصنف فی هذا ونظائره لیس لعدم قبول خبر الواحد عنده ، بل لاستبعاد تحقق الإجماع فی مثل ذلک ، لما صرح به هو (2) وغیره (3) : من أنّ الإجماع إنما یکون حجة مع العلم القطعی بدخول قول المعصوم فی أقوال العلماء ، وأنه لو خلا المائة من أصحابنا عن قوله لم یعتد بأقوالهم.

والتزم الشهید - رحمه الله - فی الذکری أنه لو جاز فی مجهول مظهر لمذهب أهل الخلاف أن یکون هو الإمام ، وأن إظهار ذلک المذهب علی سبیل التقیة اعتبر قوله فی تحقق الإجماع (4).

والسر فی ذلک ظاهر ، فإنه مع عدم العلم به علیه السلام بعینه لا یعلم قوله إلا بأن یعلم قول کل مجتهد مجهول فی تلک المسألة ، وهذا مما لا سبیل إلیه فی زماننا وما شابهه.

وإن قیل بجواز نقله عن الغیر إلی أن یتصل بزمان یمکن فیه ذلک. أجبنا عنه بأن ذلک یخرج الخبر من الإسناد إلی الإرسال ، وهو مما یمنع من العمل به کما حقق فی محله.

تفریع : إنما تحصل الجنابة للخنثی بالجماع بإیلاج الواضح فی دبرها بناء علی أنّ الوطء فی الدبر موجب للغسل مطلقا.

ص: 275


1- منهم المحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 32 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (48) ، والمسالک ( 1 : 7 ).
2- معارج الأصول : (133).
3- منهم السید المرتضی فی الذریعة إلی أصول الشریعة ( 2 : 631 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (4) ، والحسن ابن الشهید الثانی فی معالم الأصول : (178).
4- الذکری : (4).

ولا یجب الغسل بوطء البهیمة إذا لم ینزل.

تفریع :

الغسل یجب علی الکافر عند حصول سببه ، لکن لا یصحّ منه فی حال کفره ،

______________________________________________________

ولو أولج فی قبلها فقال فی التذکرة : یجب علیها الغسل ، لصدق التقاء الختانین (1).

وقیل بالعدم ، لجواز زیادته (2).

ولو توالج الخنثیان فلا غسل علیهما ، کما قطع به فی المعتبر (3).

ولو أولج الواضح فی قبلها ، وأولجت هی فی قبل امرأة ، فالخنثی جنب علی التقدیرین ، والرجل والمرأة کواجدی المنی فی الثوب المشترک.

قوله : ولا یجب الغسل بوطء البهیمة إذا لم ینزل.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم وجوب الغسل بوطء البهیمة إذا لم ینزل قول الشیخ فی المبسوط ، معترفا بأنه لا نصّ فیه فینبغی أن لا یتعلق به حکم ، لعدم الدلیل علیه (4) ، وإلیه ذهب أکثر الأصحاب. وقیل : بالوجوب (5) ، لفحوی إنکار علیّ علیه السلام علی الأنصار ، وهو أحوط.

قوله : تفریع ، الغسل یجب علی الکافر عند حصول سببه ، لکن لا یصحّ منه فی حال کفره.

أما الوجوب فمذهب علمائنا ، وأکثر العامة (6) ، تمسکا بعموم اللفظ المتناول للکافر

حکم من وطأ بهیمة

وجوب الغسل علی الکافر وعدم صحته منه

ص: 276


1- التذکرة ( 1 : 23 ).
2- کما فی المعتبر ( 1 : 181 ) ، وروض الجنان : (48).
3- المعتبر ( 1 : 181 ).
4- المبسوط ( 1 : 28 ).
5- کما فی المسالک ( 1 : 7 ).
6- منهم الشافعی فی الأم ( 1 : 38 ) ، وابن حزم فی المحلی ( 2 : 4 ) ، وابن قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 1 : 239 ).

فإذا أسلم وجب وصحّ منه. ولو اغتسل ثم ارتدّ ثم عاد لم یبطل غسله.

وأما الحکم :

فیحرم علیه قراءة کل واحدة من العزائم ، وقراءة بعضها حتی البسملة إذا نوی بها إحداها ،

______________________________________________________

وغیره. وزعم أبو حنیفة أنّ الکافر غیر مخاطب بشی ء من الفروع (1). ولا ریب فی بطلانه.

وأما عدم الصحة فثابت بإجماعنا ، بل ادعی جدّی - قدس سره - الإجماع علی اشتراط الإیمان أیضا (2) ، وفی النصوص دلالة علیه (3) ، فالقول به متعین.

قوله : فإذا أسلم وجب علیه وصحّ منه.

قیل ، قوله : وجب ، مستدرک ، لسبق ذکره. قلنا : فائدته رفع توهم سقوطه بالإسلام کما یسقط قضاء الصلاة. وینبغی أن یقید الوجوب بوجوب غایة مشروطة به بناء علی أنّ وجوب غسل الجنابة لغیره ، کما یقول به المصنف.

قوله : ولو اغتسل ثم ارتدّ ثم عاد لم یبطل غسله.

هذا مما (4) لا خلاف فیه بین العلماء ، ولا یخفی أنه لو قال : ولو اغتسل ثم ارتد لم یبطل غسله ، لکان أخصر وأظهر.

قوله : وأما الحکم ، فیحرم علیه قراءة کل واحدة من العزائم ، وقراءة بعضها حتی البسملة إذا نوی بها إحداها.

العزائم لغة : الفرائض ، کما نص علیه فی القاموس (5). والمراد بها هنا السور التی

اٴحکام الجنب

- المحرمات

قراءة العزائم وأبعاضها

ص: 277


1- نقله عنه فی المغنی والشرح الکبیر ( 1 : 239 ).
2- کما فی روض الجنان : (356).
3- الوسائل ( 1 : 90 ) أبواب مقدمة العبادات ب (29).
4- فی « م » : إجماعی.
5- القاموس المحیط ( 4 : 151 ) ( عزم ).

______________________________________________________

فیها السجدات الواجبة وهی : سجدة لقمان (1) ، وحم السجدة (2) ، والنجم (3) ، واقرأ باسم ربک (4) ، سمیت بذلک باعتبار إیجاب الله تعالی السجود عند قراءة ما یوجبه منها.

والحکم بتحریم قراءة هذه السور وأبعاضها علی الجنب هو المعروف من مذهب الأصحاب. قال المصنف فی المعتبر : ورواه البزنطی فی جامعه عن المثنی ، عن الحسن الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام (5).

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار روایتان : روی إحداهما زرارة ومحمد ابن مسلم فی الموثق ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : الحائض والجنب یقرآن شیئا؟ قال : « نعم ما شاء إلا السجدة » (6).

والأخری رواها محمد بن مسلم أیضا : قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الجنب والحائض یفتحان المصحف من وراء الثوب ویقرآن من القرآن ما شاءا إلا السجدة » (7).

ولیس فی هاتین الروایتین مع قصور سندهما دلالة علی تحریم قراءة ما عدا نفس السجدة إلا أنّ الأصحاب قاطعون بتحریم السور کلها ، ونقلوا علیه الإجماع (8) ، ولعله

ص: 278


1- السجدة : (15) ، والمراد بسجدة لقمان : سورة الم سجدة التی تلی سورة لقمان بلا فصل.
2- فصلت : (37).
3- النجم : (62).
4- العلق : (19).
5- المعتبر ( 1 : 187 ).
6- التهذیب ( 1 : 26 - 67 ) ، الاستبصار ( 1 : 115 - 384 ) ، علل الشرائع : ( 288 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 220 ) أبواب أحکام الخلوة ب (7) ح (6).
7- التهذیب ( 1 : 371 - 1132 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (7).
8- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 86 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (23) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (49) ، والمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 134 ).

ومسّ کتابة القرآن أو شی ء علیه اسم الله تعالی سبحانه ،

______________________________________________________

الحجة. وعلی هذا فیحرم قراءة أجزائها المختصة بها مطلقا ، والمشترکة بینها وبین غیرها مع النیة.

قوله : ومسّ کتابة القرآن.

المراد بکتابة القرآن صور الحروف ، ومنه التشدید والمد ، لا الإعراب. ویعرف کون المکتوب قرآنا بکونه لا یحتمل إلا ذلک ، وبالنیة ، وإن انتفی الأمران فلا تحریم. والمراد بالمسّ الملاقاة بجزء من البشرة. وفی الظفر والشعر وجهان.

والحکم بتحریم المس مذهب أکثر الأصحاب ، بل قیل : إنه إجماع (1) ، لظاهر قوله تعالی ( لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (2) وللنهی عنه فی أخبار متعددة (3).

وقال الشیخ فی المبسوط (4) وابن الجنید (5) بالکراهة ، وهو متجه ، لأنّ الأخبار التی استدل بها علی المنع لا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة ، والآیة الشریفة محتملة لمعان متعددة ، إلا أنّ المنع أحوط وأنسب بالتعظیم.

وهل یجب علی الولی منع الطفل من ذلک؟ فیه قولان ، أظهرهما : العدم. وجزم لمصنف فی المعتبر (6) ، والشهید - رحمه الله - فی الذکری (7) بالوجوب ، ولم نقف علی مأخذهما.

قوله : أو شی ء علیه اسم الله سبحانه.

أی نفس الشی ء الذی علیه الاسم ، وهو یرجع إلی نفس الاسم. وبما ذکرناه صرح

مس کتابة القرآن أو شئ علیه اسم الله

ص: 279


1- کما فی المنتهی ( 1 : 87 ) ، وروض الجنان : (49).
2- الواقعة : (79).
3- الوسائل ( 1 : 269 ) أبواب الوضوء ب (12).
4- المبسوط ( 1 : 29 ).
5- نقله عنه فی الذکری : (33).
6- المعتبر ( 1 : 176 ).
7- الذکری : (33).

والجلوس فی المساجد ،

______________________________________________________

فی المعتبر فقال : ویحرم علیه مسّ اسم الله سبحانه ولو کان علی درهم ودینار أو غیرهما.

واحتج علیه بروایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یمس الجنب درهما ولا دینارا علیه اسم الله » (1) ثم قال : والروایة وإن کانت ضعیفة السند ، لکن مضمونها مطابق لما یجب من تعظیم الله سبحانه (2).

وما ذکره - رحمه الله - وإن کان حسنا ، إلا أنّ فی صلاحیته لإثبات التحریم نظرا ، مع أنّ أبا الربیع روی عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الجنب یمس الدراهم وفیها اسم الله واسم رسوله صلی الله علیه و آله ، قال : « لا بأس به وربما فعلت ذلک » (3).

وألحق الشیخان باسم الله أسماء الأنبیاء والأئمة (4). قال فی المعتبر : ولا أعرف المستند ، ولا بأس بالکراهة لمناسبة التعظیم (5).

قوله : والجلوس فی المساجد.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه مخالفا إلاّ سلار ، فإنه کرهه (6).

والمعتمد التحریم ، لنا : قوله تعالی : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری ) إلی قوله : ( حَتَّی تَغْتَسِلُوا ) (7) والمراد مواضع الصلاة لیتحقق العبور والقربان.

الجلوس فی المساجد

ص: 280


1- التهذیب ( 1 : 31 - 82 ) ، الإستبصار ( 1 : 48 - 133 ) ، الوسائل ( 1 : 491 ) أبواب الجنابة ب (18) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 187 ).
3- المعتبر ( 1 : 188 ) ، الوسائل ( 1 : 492 ) أبواب الجنابة ب (18) ح (4).
4- المفید فی المقنعة : (6) ، والطوسی فی المبسوط ( 1 : 29 ).
5- المعتبر ( 1 : 188 ).
6- المنتهی ( 1 : 87 ).
7- سورة النساء : (43).

______________________________________________________

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : الحائض والجنب یدخلان المسجد أم لا؟ قال : « لا یدخلان المسجد إلاّ مجتازین ، إنّ الله تبارک وتعالی یقول ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِی سَبِیلٍ حَتَّی تَغْتَسِلُوا ) (1).

وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یجلس فی المساجد؟ قال : « لا ، ولکن یمر فیها ( کلها ) (2) إلا المسجد الحرام ( ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله ) (3) » (4).

وفی الصحیح ، عن أبی حمزة ، عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال فی الجنب : « ولا بأس أن یمر فی سائر المساجد ، ولا یجلس فی شی ء من المساجد » (5).

وعن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال فی الجنب والحائض : « ویدخلان المسجد مجتازین ولا یقعدان فیه ولا یقربان المسجدین الحرامین » (6).

ویستفاد من هذه الروایات جواز الاجتیاز للجنب فی المساجد عدا المسجد الحرام ومسجد النبی صلی الله علیه و آله ، وهو مجمع علیه بین الأصحاب. وربما ظهر منها جواز التردد له فی جوانبها أیضا ، لإطلاق الإذن فی المرور. ویشهد له أیضا ما رواه جمیل بن

ص: 281


1- علل الشرائع : (288) ، الوسائل ( 1 : 486 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (10) ، ورواها أیضا فی تفسیر القمی ( 1 : 139 ).
2- من « ح » ، والمصدر.
3- زیادة من « م » والمصدر.
4- التهذیب ( 1 : 125 - 338 ) ، الوسائل ( 1 : 485 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (2) ، ورواها فی الکافی ( 3 : 50 - 4 ).
5- التهذیب ( 1 : 407 - 1280 ) ، الوسائل ( 1 : 485 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (6).
6- التهذیب ( 1 : 371 - 1132 ) ، الوسائل ( 1 : 488 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (17) ، بتفاوت یسیر.

ووضع شی ء فیها. والجواز فی المسجد الحرام أو مسجد النبی علیه السلام خاصة ، ولو أجنب فیهما لم یقطعهما إلا بالتیمم.

______________________________________________________

دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « للجنب أن یمشی فی المساجد کلها ولا یجلس فیها ، إلا المسجد الحرام ومسجد النبی صلی الله علیه و آله » (1).

وألحق الشهیدان (2) بالمساجد فی هذا الحکم المشاهد المشرفة والضرائح المقدسة ، لاشتمالها علی فائدة المسجدیة ، وزیادة الشرف بمن نسبت إلیه. وللتوقف فیه مجال.

قوله : ووضع شی ء فیها.

هذا مذهب الأصحاب عدا سلاّر فإنه کره الوضع (3). ویدل علی التحریم روایات ، منها : ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب والحائض یتناولان من المسجد المتاع یکون فیه؟ قال : « نعم ، ولکن لا یضعان فی المسجد شیئا » (4).

وینبغی قصر التحریم علی الوضع من داخل المسجد ، لأنه المتبادر من اللفظ. ونص الشارح علی تحریم الوضع من خارجه أیضا ، تمسکا بإطلاق اللفظ (5). وهو أحوط.

قوله : والجواز فی المسجد الحرام ، أو مسجد النبی علیه السلام خاصة ، ولو أجنب فیهما لم یقطعهما إلا بالتیمم.

أما تحریم الجواز فی هذین المسجدین فهو قول علمائنا أجمع ، والأخبار به

وضع شئ فی المساجد

الجواز فی أحد المسجدین

ص: 282


1- الکافی ( 3 : 50 - 3 ) ، الوسائل ( 1 : 485 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
2- الشهید الأول فی الذکری : (35) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (81).
3- المراسم : (42).
4- الکافی ( 3 : 51 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 125 - 339 ) ، الوسائل ( 1 : 490 ) أبواب الجنابة ب (17) ح (1).
5- المسالک ( 1 : 8 ).

ویکره له الأکل والشرب وتخفّ الکراهیة بالمضمضة والاستنشاق ،

______________________________________________________

مستفیضة (1). وأما وجوب التیمم علی المجنب فیهما للخروج فهو اختیار الشیخ (2) وأکثر الأصحاب ، لصحیحة أبی حمزة الثمالی قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إذا کان الرجل نائما فی المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلی الله علیه و آله فاحتلم فأصابته جنابة فلیتیمم ، ولا یمر فی المسجد إلا متیمما ، ولا بأس أن یمر فی سائر المساجد ، ولا یجلس فی شی ء من المساجد » (3) ونقل عن ابن حمزة القول بالاستحباب (4) ، وهو ضعیف ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ویکره له الأکل والشرب ، وتخفّ الکراهة بالمضمضة والاستنشاق.

المستفاد من العبارة بقاء الکراهة مع المضمضة والاستنشاق أیضا ، وصرح الأکثر ومنهم المصنف فی النافع (5) بزوال الکراهة بهما.

وقال الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : والجنب إذا أراد أن یأکل أو یشرب قبل الغسل لم یجز له إلا أن یغسل یدیه ویتمضمض ویستنشق ، فإنه إن أکل أو شرب قبل أن یفعل ذلک خیف علیه من البرص ، قال : وروی أنّ الأکل علی الجنابة یورث الفقر (6).

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار المعتبرة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیأکل الجنب.

- المکروهات

الأکل والشرب

ص: 283


1- الوسائل ( 1 : 484 ) أبواب الجنابة ب (15).
2- المبسوط ( 1 : 29 ).
3- المتقدمة فی ص (281).
4- الوسیلة : (70).
5- المختصر النافع : (9).
6- الفقیه ( 1 : 46 ).

وقراءة ما زاد علی سبع آیات من غیر العزائم ، وأشدّ من ذلک قراءة سبعین ، وما زاد أغلظ کراهیة ،

______________________________________________________

قبل أن یتوضأ؟ قال : « إنا لنکسل ، ولکن یغسل یده ، والوضوء أفضل » (1).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الجنب إذا أراد أن یأکل ویشرب غسل یده وتمضمض وغسل وجهه وأکل وشرب » (2).

ومقتضی الروایة الأولی استحباب الوضوء لمرید الأکل والشرب ، أو غسل الید خاصة ، ومقتضی الثانیة الأمر بغسل الید والوجه والمضمضة ، ولیس فیهما دلالة علی کراهة الأکل والشرب بدون ذلک ، ولا علی توقف زوال الکراهة علی المضمضة والاستنشاق ، أو خفّتها بذلک. والأجود العمل بمقتضاهما ، والاکتفاء بغسل الید ، وأفضلیة المضمضة وغسل الوجه أو الوضوء کما اختاره المصنف فی المعتبر (3).

وینبغی أن یراعی فی الاعتداد بذلک عدم تراخی الأکل والشرب عنه کثیرا علی وجه لا یبقی بینهما ارتباط فی العادة ، ویتعدد بتعدد الأکل والشرب مع التراخی لا مع الاتصال.

قوله : وقراءة ما زاد علی سبع آیات من غیر العزائم ، وأشدّ من ذلک قراءة سبعین ، وما زاد أغلظ کراهیة.

اختلف الأصحاب فی جواز قراءة القرآن للجنب عدا العزائم ، فذهب الأکثر إلی الجواز ، ونقل علیه المرتضی - رحمه الله - فی الانتصار ، والشیخ فی الخلاف ، والمصنف

قراءة ما زاد علی سبع آیات

ص: 284


1- التهذیب ( 1 : 372 - 1137 ) ، الوسائل ( 1 : 496 ) أبواب الجنابة ب (20) ح (7) ، قال فی الوافی : ویشبه أن یکون ممّا صحف وکان « إنا لنغتسل ».
2- الکافی ( 3 : 50 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 129 - 354 ) ، الوسائل ( 1 : 495 ) أبواب الجنابة ب (20) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 191 ).

______________________________________________________

فی المعتبر : الإجماع (1). وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری (2) عن سلار فی الأبواب (3) تحریم القراءة مطلقا ، وعن ابن البراج (4) تحریم قراءة ما زاد علی سبع آیات ، ونسبه فی المختلف (5) إلی الشیخ فی کتابی الحدیث ، وکلامه فی الکتابین (6) غیر صریح فی ذلک خصوصا فی الاستبصار ، فإنه جمع بین الأخبار أولا بتخصیص الأخبار الدالة علی إباحة قراءة ما شاء بروایتی سماعة (7) الدالة إحداهما علی السبع ، والأخری علی السبعین ، ثم جمع بینها بحمل الاقتصار علی العدد علی الندب ، والباقی علی الجواز ، فعلم أنه غیر جازم بالتحریم ، بل ولا الکراهة أیضا ، والمعتمد : الجواز مطلقا.

لنا : أصالة الإباحة ، وعموم قوله تعالی ( فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنْهُ ) (8) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا بأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن » (9).

وفی الصحیح ، عن عبید الله بن علیّ الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال :

ص: 285


1- الانتصار : (31) ، والخلاف ( 1 : 19 ) ، والمعتبر ( 1 : 187 ).
2- الذکری : (34).
3- المراد بالأبواب هو کتاب الأبواب والفصول فی الفقه للشیخ الجلیل أبی یعلی الملقب بسلاّر. نسبه إلیه ابن داود فی رجاله وهو غیر مطبوع ظاهرا ( الذریعة 1 : 73 ).
4- المهذب ( 1 : 34 ).
5- المختلف : (32).
6- التهذیب ( 1 : 128 ) ، الاستبصار ( 1 : 115 ).
7- التهذیب ( 1 : 128 - 350 و 351 ) ، الاستبصار ( 1 : 114 - 383 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح ( 9 و 10 ).
8- سورة المزمل : (20).
9- التهذیب ( 1 : 128 - 347 ) ، الإستبصار ( 1 : 114 - 380 ) ، الوسائل ( 1 : 493 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (5).

______________________________________________________

سألته أتقرأ النفساء والحائض والجنب والرجل یتغوط (1) ، القرآن؟ فقال : « یقرؤن ما شاؤا » (2).

وفی الموثق عن ابن بکیر : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یأکل ویشرب ویقرأ القرآن؟ قال : « نعم یأکل ویشرب ویقرأ ویذکر الله عز وجل ما شاء » (3).

وأما ما ذکره المصنف من کراهة قراءة ما زاد علی السبع ، وتأکّد الکراهة فیما زاد علی السبعین ، فلم أقف فیه علی دلیل یعتد به ، وعزاه فی المعتبر إلی الشیخ فی المبسوط ، واستدل علیه بروایة سماعة : قال : سألته عن الجنب ( هل ) (4) یقرأ القرآن؟ قال : « ما بینه وبین سبع آیات » (5) قال : وفی روایة زرعة ، عن سماعة : سبعین آیة (6) ، ثم قال : وزرعة وسماعة واقفیان ، مع إرسال الروایة ، وروایتهما هذه منافیة لعموم الروایة المشهورة الدالة علی إطلاق الإذن فی قراءة ما شاء عدا السجدة (7) ، وإنما اخترنا ما ذهب إلیه الشیخ تفصیا من ارتکاب المختلف فیه (8).

ص: 286


1- فی « م » : بتغوط.
2- التهذیب ( 1 : 128 - 348 ) ، الإستبصار ( 1 : 114 - 381 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (6) ، بتفاوت یسیر.
3- الکافی ( 3 : 50 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 128 - 346 ) ، الإستبصار ( 1 : 114 - 379 ) ، الوسائل ( 1 : 493 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (2).
4- من « ق » والمصدر.
5- التهذیب ( 1 : 128 - 350 ) ، الإستبصار ( 1 : 114 - 383 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (9) ، بتفاوت یسیر.
6- التهذیب ( 1 : 128 - 351 ) ، الإستبصار ( 1 : 115 - 383 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (10).
7- الوسائل ( 1 : 493 ) أبواب الجنابة ب (19).
8- المعتبر ( 1 : 190 ).

ومسّ المصحف ، والنوم حتی یغتسل أو یتوضأ ،

______________________________________________________

قوله : ومسّ المصحف.

المراد بالمصحف هنا : ما عدا کتابة القرآن من الورق والجلد ، والحکم بکراهة مسه مذهب الشیخین (1) وأتباعهما (2) ، واستدلوا علیه بروایة إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « المصحف لا تمسه علی غیر طهر ولا جنبا ولا تمس خیطه (3) ولا تعلقه ، إن الله تعالی یقول ( لا یَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) » (4) وإنما حمل النهی علی الکراهة ، لضعف سند الروایة باشتماله علی عدة من المجاهیل والضعفاء فلا یبلغ حجة فی إثبات التحریم ، ونقل عن السید المرتضی - رحمه الله - المنع من ذلک (5) ، استنادا إلی هذه الروایة ، وهو بعید جدا.

وقال الصدوق فی کتابه : ومن کان جنبا أو علی غیر وضوء فلا یمس القرآن ، وجائز له أن یمس الورق (6). ولیس فی کلامه تصریح بالکراهة ، إلا أن المصیر إلیها أولی وإن ضعف سندها ، لمناسبة التعظیم.

قوله : والنوم حتی یغتسل أو یتوضأ.

أما کراهة النوم قبل الغسل فیدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یواقع أهله أینام علی

مس المصحف والنوم

ص: 287


1- المبسوط ( 1 : 29 ) ، ونقله فی المعتبر ( 1 : 190 ) عن المفید.
2- منهم : ابن البراج فی المهذب ( 1 : 34 ) ، وسلاّر فی المراسم : (42) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (55).
3- کذا فی جمیع النسخ ، وفی المصدر : خطّه.
4- التهذیب ( 1 : 127 - 344 ) ، الإستبصار ( 1 : 113 - 378 ) ، الوسائل ( 1 : 269 ) أبواب الوضوء ب (12) ح (3).
5- نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 87 ).
6- الفقیه ( 1 : 48 ).

والخضاب.

______________________________________________________

ذلک؟ قال : « إنّ الله یتوفی الأنفس فی منامها ، ولا یدری ما یطرقه من البلیة ، إذا فرغ فلیغتسل » (1).

وأما انتفاء الکراهة مع الوضوء فیدل علیه ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل أینبغی له أن ینام وهو جنب؟ قال : « یکره ذلک حتی یتوضأ » (2) قال ابن بابویه : وفی حدیث آخر قال : « أنا أنام علی ذلک حتی أصبح ، وذلک أنی أرید أن أعود » (3).

قوله : والخضاب.

الخضاب : ما یتلون به من حناء وغیره ، وقد اختلف الأصحاب فی کراهة الاختضاب للجنب ، فأثبتها المفید (4) والمرتضی (5) - رحمهما الله - والشیخ فی جملة من (6) کتبه. وقال ابن بابویه فی کتابه : ولا بأس أن یختضب الجنب ، ویجنب وهو مختضب ، ویحتجم ، ویتنور ، ویذکر الله ، ویذبح ، ویلبس الخاتم ، وینام فی المسجد ویمر فیه (7).

احتج القائلون بالکراهة بورود النهی عنه فی عدة أخبار (8) ، وفی بعضها : « لا أحب له ذلک » وهو صریح فی الکراهة ، وفی الجمیع قصور من حیث السند. وعلل المفید - رحمه الله - فی المقنعة الکراهة بأن الخضاب یمنع وصول الماء إلی ظاهر الجوارح التی

الخضاب

ص: 288


1- التهذیب ( 1 : 372 - 1137 ) ، الوسائل ( 1 : 501 ) أبواب الجنابة ب (25) ح (4).
2- الفقیه ( 1 : 47 - 179 ) ، الوسائل ( 1 : 501 ) أبواب الجنابة ب (25) ح (1).
3- الفقیه ( 1 : 47 - 180 ) ، الوسائل ( 1 : 501 ) أبواب الجنابة ب (25) ح (2).
4- المقنعة : (7).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 192 ).
6- الاستبصار ( 1 : 117 ) ، والنهایة : (28) ، والمبسوط ( 1 : 29 ).
7- الفقیه ( 1 : 48 ).
8- الوسائل ( 1 : 497 ) أبواب الجنابة ب (22) ح ( 8 - 12 ).

وأما الغسل :

فواجباته خمس : النیّة ،

______________________________________________________

علیها الخضاب (1). وهو غیر جید.

وقال المصنف فی المعتبر : وکأنّه - رحمه الله - نظر إلی أن اللون عرض لا ینتقل ، فیلزم حصول أجزاء من الخضاب فی محل اللون ، لیکون وجود اللون بوجودها ، لکنها خفیفة لا تمنع الماء منعا تاما ، فکرهت لذلک (2). ولا یخفی ما فی هذا التوجیه من التکلف.

احتج ابن بابویه بما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یختضب الرجل وهو جنب » (3) وهذه الروایة أجود ما وصل إلینا فی هذه المسألة.

قوله : وأما الغسل ، فواجباته خمس : النیّة.

لم یتعرض المصنف لبیان ما یعتبر فی النیة هنا ، اعتمادا علی ما قرره فی الوضوء ، فإن الحکم فی المسألتین واحد ، وقد بیّنّا هناک أن الأظهر الاکتفاء بالقربة ، والأحوط ضمّ الوجه مع الرفع أو الاستباحة.

وذکر جمع من المتأخرین (4) أنّ دائم الحدث کالمستحاضة یقتصر علی نیة الاستباحة وأنه لا یقع منه نیة الرفع ، لاستمرار حدثه ، وفرقوا بینهما بأن الاستباحة عبارة عن رفع

واجبات الغسل

الواجبات الأول : النیة

ص: 289


1- المقنعة : (7).
2- المعتبر ( 1 : 192 ).
3- الکافی ( 3 : 51 - 11 ) ، الوسائل ( 1 : 498 ) أبواب الجنابة ب (23) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
4- منهم العلامة فی القواعد ( 1 : 10 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (81) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 22 ).

واستدامة حکمها إلی آخر الغسل ،

______________________________________________________

المنع ، وهو غیر ممتنع منه ، بخلاف رفع الحدث فإن معناه رفع المانع ، وهو ممتنع لاستمراره ، ولهذا وجب علیه تجدید الوضوء لکل صلاة.

وعندی فی هذا الفرق نظر : فإنّ الحدث الذی یمکن رفعه لا یعلم له معنی فی الشرع سوی الحالة التی لا یسوغ معها للمکلف الدخول فی العبادة ، فمتی ساغ له ذلک علم زوال تلک الحالة ، وهو معنی الرفع ، غایة الأمر أنّ زوالها قد یکون إلی غایة کما فی المتیمم ودائم الحدث ، وقد یکون مطلقا کما فی غیرهما ، وهذا لا یکفی فی تخصیص کل قسم باسم بحیث لا ینصرف إلی غیره ، فلو قیل بجواز نیته مطلقا کما نقل عن شیخنا الشهید - رحمه الله - فی بعض تحقیقاته (1) کان حسنا.

تفریع : المبطون والسلس کالصحیح بالنسبة إلی الغسل ، إذ الحق عدم بطلانه بتخلل الحدث الأصغر کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی ، وعلی القول بالبطلان یحتمل هنا الصحة ، للضرورة - وهو خیرة الذکری (2) - والاجتزاء به فی الصلاة الواحدة کالوضوء. ویمکن أن یقال بوجوب الوضوء بعده ، لاستمرار الحدث ، وعدم الدلیل علی إلحاق الغسل بالوضوء فی هذا الحکم ( فتأمل ) (3).

قوله : واستدامة حکمها إلی آخر الغسل.

وقد تقدم البحث فی ذلک ، وأنّ الأظهر أنها أمر عدمی ، وهو أن لا ینوی ما ینافی النیة الأولی ، ومتی أخل بها لم یبطل ما فعله أولا ، وتوقف صحة الباقی علی استیناف النیة.

ولو أخل بالموالاة ثم عاد إلی إتمام الغسل قیل : یکفیه النیة السابقة ، ولم یحتج إلی

حکم المبطون والسلس

ص: 290


1- وجدناه فی الذکری : (81).
2- الذکری : (100).
3- لیست فی « س » و « ق ».

وغسل البشرة بما یسمی غسلا ،

______________________________________________________

نیة مستأنفة (1). وصرح العلامة فی النهایة بوجوب تجدید النیة متی أخر بما یعتد به (2). وجزم فی الذکری بعدم الوجوب إلا مع طول الزمان (3) ، وهو متجه.

قوله : وغسل البشرة بما یسمی غسلا.

المرجع فی التسمیة إلی العرف ، لأنه المحکّم فی مثله ، وقد قطع الأصحاب بأنه إنما یتحقق مع جریان الماء علی البشرة ولو بمعاون ، وهو حسن.

ویدل علی اعتبار الجریان هنا روایات ، منها : صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام إنه قال فی اغتسال الجنب : « فما جری علیه الماء فقد طهر » (4).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الجنب ما جری علیه الماء من جسده قلیله وکثیره فقد أجزأه » (5).

ویستفاد من قول المصنف : وغسل البشرة ، مع تأکیده بقوله : ویجب تخلیل ما لا یصل إلیه الماء إلا به ، أنه یجب تخلیل الشعور فی الغسل خفیفة کانت أو کثیفة ، وهو مذهب الأصحاب ، ویدل علیه صحیحة حجر بن زائدة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من ترک شعرة من الجنابة متعمدا فهو فی النار » (6).

الواجب الثانی : غسل البشرة

ص: 291


1- کما فی روض الجنان : (52).
2- نهایة الأحکام ( 1 : 107 ).
3- الذکری : (82).
4- الکافی ( 3 : 43 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 132 - 365 ) ، الإستبصار ( 1 : 123 - 420 ) ، الوسائل ( 1 : 502 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 21 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 137 - 380 ) ، الإستبصار ( 1 : 123 - 416 ) ، الوسائل ( 1 : 511 ) أبواب الجنابة ب (31) ح (3).
6- التهذیب ( 1 : 135 - 373 ) ، المجالس : ( 391 - 11 ) ، عقاب الأعمال : (272) ، الوسائل ( 1 : 463 ) أبواب الجنابة ب (1) ح (5).

وتخلیل ما لا یصل إلیه الماء إلا به ،

______________________________________________________

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها » (1).

أما الشعر فلا یجب غسله ، للأصل ، وخروجه عن مسمی الجسد. وظاهر المعتبر (2) أنه مجمع علیه ، ویدل علیه صحیحة الحلبی ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن أبیه ، عن علی علیه السلام قال : « لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة » (3).

قوله : وتخلیل ما لا یصل إلیه الماء إلا به.

الضمیر فی : إلیه ، یعود إلی البدن المدلول علیه بالبشرة ، ولو قال : وتخلیل ما لا یصل الماء إلی البشرة إلا بتخلیله کان أظهر. ولا ریب فی وجوب التخلیل حیث یتوقف إیصال الماء إلی البشرة الظاهرة علیه ، لوجوب استیعاب ما ظهر من البدن بالغسل إجماعا.

قال فی المنتهی : ویجب علیه إیصال الماء إلی جمیع الظاهر من بدنه دون الباطن بلا خلاف (4).

ومن البواطن : داخل الفم والأنف والأذن ، ومنه الثقب الذی یکون فی الأذن للحلقة إذا کان بحیث لا یری باطنه علی الأظهر ، وبه جزم شیخنا المعاصر سلمه الله تعالی ، وحکم المحقق الشیخ علی فی حاشیة الکتاب بوجوب إیصال الماء إلی باطنه مطلقا ، وهو بعید.

الواجب الثالث : تخلیل ما لا یصل إلیه الماء

ص: 292


1- الکافی ( 3 : 82 - 4 ) ، الوسائل ( 1 : 511 ) أبواب الجنابة ب (31) ح (4).
2- المعتبر ( 1 : 194 ).
3- الکافی ( 3 : 45 - 16 ) ، التهذیب ( 1 : 147 - 417 ) ، الوسائل ( 1 : 521 ) أبواب الجنابة ب (38) ح (4).
4- المنتهی ( 1 : 85 ).

والترتیب : یبدأ بالرأس ، ثم بالجانب الأیمن ، ثم الأیسر ،

______________________________________________________

قوله : والترتیب ، یبدأ بالرأس ، ثم الجانب الأیمن ، ثم الأیسر.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل الشیخ فی الخلاف فیه الإجماع (1) ، ولم یصرح الصدوقان (2) بوجوب الترتیب ولا بنفیه ، لکن الظاهر من عبارتهما عدم الوجوب ، حیث ذکرا کیفیة الغسل الواجبة والمستحبة ، ولم یذکرا الترتیب بوجه ، وهو الظاهر من کلام ابن الجنید أیضا (3).

احتج الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب علی وجوب الترتیب بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة فقال : « تبدأ بکفیک ، ثم تغسل فرجک ، ثم تصب علی رأسک ثلاثا ، ثم تصب علی سائر جسدک مرتین فما جری الماء علیه فقد طهره » (4).

وحسنة زرارة ، قال : قلت : کیف یغتسل الجنب؟ فقال : « إن لم یکن أصاب کفه شیئا غمسها فی الماء ، ثم بدأ بفرجه فأنقاه ، ثم صب علی رأسه ثلاث أکف ، ثم صب علی منکبه الأیمن مرتین وعلی منکبه الأیسر مرتین ، فما جری علیه الماء فقد أجزأه » (5).

وحسنة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من اغتسل من جنابة ولم یغسل رأسه ، ثم بدا له أن یغسل رأسه لم یجد بدّا من إعادة الغسل » (6).

الواجب الرابع : الترتیب

ص: 293


1- الخلاف ( 1 : 29 ).
2- الفقیه ( 1 : 46 ).
3- نقله عنه فی الذکری : (101).
4- المتقدمة فی ص (291).
5- الکافی ( 3 : 43 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 133 - 368 ) ، الوسائل ( 1 : 502 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (2) ، بتفاوت یسیر.
6- الکافی ( 3 : 44 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 133 - 369 ) ، الإستبصار ( 1 : 124 - 421 ) ، الوسائل ( 1 : 506 ) أبواب الجنابة ب (28) ح (3).

______________________________________________________

واعترضه المصنف فی المعتبر فقال : واعلم أنّ الروایات دلت علی وجوب تقدیم الرأس علی الجسد ، أما الیمین علی الشمال فغیر صریحة بذلک ، وروایة زرارة دلت علی تقدیم الرأس علی الیمین ولم تدل علی تقدیم الیمین علی الشمال ، لأن الواو لا یقتضی ترتیبا ، فإنک إذا قلت : قام زید ثم عمرو وخالد ، دل علی تقدیم قیام زید علی عمرو ، وأما تقدیم عمرو علی خالد فلا ، لکن فقهاءنا الیوم بأجمعهم یفتون بتقدیم الیمین علی الشمال ، ویجعلونه شرطا فی صحة الغسل ، وقد أفتی بذلک الثلاثة ، وأتباعهم (1). هذا کلامه - رحمه الله - وهو فی محله.

ویدل علی عدم وجوب الترتیب أیضا مضافا إلی الأصل ، وإطلاق القرآن (2) ، ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تبدأ فتغسل کفیک ، ثم تفرغ بیمینک علی شمالک فتغسل فرجک ، ثم تمضمض واستنشق ، ثم تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک » (3).

وفی الصحیح ، عن یعقوب بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « الجنب یغتسل یبدأ فیغسل یدیه إلی المرفقین قبل أن یغمسهما فی الماء (4) ، ثم یغسل ما أصابه من أذی ، ثم یصب الماء علی رأسه وعلی وجهه وعلی جسده کله ، ثم قد قضی الغسل ولا وضوء علیه » (5). ویستفاد من هذه الروایة إطلاق الرأس فی الغسل علی المنابت خاصة.

ص: 294


1- المعتبر ( 1 : 183 ).
2- المائدة : (6).
3- التهذیب ( 1 : 370 - 1131 ) ، الوسائل ( 1 : 503 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (5).
4- فی « ح » : الإناء.
5- التهذیب ( 1 : 142 - 402 ) ، الوسائل ( 1 : 515 ) أبواب الجنابة ب (34) ح (1) ، بتفاوت یسیر.

ویسقط الترتیب بارتماسة واحدة.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تغسل یدک الیمنی من المرفقین إلی أصابعک ، وتبول إن قدرت علی البول ، ثم تدخل یدک فی الإناء ، ثم اغسل ما أصابک منه ، ثم أفض علی رأسک وجسدک ولا وضوء فیه » (1).

وبالجملة : فهذه الروایات کالصریحة فی عدم وجوب الترتیب بین الجانبین ، لورودها فی مقام البیان المنافی للإجمال ، والعمل بها متجه ، إلاّ أنّ المصیر إلی ما علیه ( أکثر ) (2) الأصحاب أحوط.

قوله : ویسقط الترتیب بارتماسة واحدة.

الارتماس : شمول الماء للبدن دفعة واحدة. والمرجع فی الوحدة إلی العرف ، فلا ینافیه توقف إیصال الماء علی تخلیل ما یعتبر تخلیله من الشعر ونحوه.

ویدل علی سقوط الترتیب بالارتماسة الواحدة - مضافا إلی الأصل والإجماع وإطلاق القرآن - صحیحة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ولو أن رجلا جنبا ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک ، وإن لم یدلک جسده » (3).

وصحیحة الحلبی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا ارتمس الجنب فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک من غسله » (4).

قال الشهید - رحمه الله - فی الذکری : والخبران وإن وردا فی غسل الجنابة ، لکن

- الغسل الارتماسی

ص: 295


1- التهذیب ( 1 : 131 - 363 ) ، الإستبصار ( 1 : 123 - 419 ) ، الوسائل ( 1 : 515 ) أبواب الجنابة ب (34) ح (3) ، بتفاوت یسیر.
2- لیست فی « ح ».
3- التهذیب ( 1 : 370 - 1131 ) ، الوسائل ( 1 : 503 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (5).
4- الکافی ( 3 : 43 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 148 - 423 ) ، الإستبصار ( 1 : 125 - 424 ) ، الوسائل ( 1 : 504 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (12).

______________________________________________________

لم یفرق أحد بینه وبین غیره من الأغسال (1).

قلت : ویؤیده روایة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « غسل الجنابة والحیض واحد » (2).

ونقل الشیخ فی المبسوط (3) عن بعض الأصحاب أنه یترتب حکما ، قال فی الذکری : وما قاله الشیخ یحتمل أمرین :

أحدهما - وهو الذی عقله عنه الفاضل - : إنه یعتقد الترتیب حال الارتماس ، ویظهر ذلک من المعتبر حیث قال : وقال بعض الأصحاب : یرتب حکما ، فذکره بصیغة الفعل المتعدی ، وفیه ضمیر یعود إلی المغتسل.

الثانی : إنّ الغسل بالارتماس فی حکم الغسل المرتب بغیر الارتماس.

وتظهر الفائدة لو وجد لمعة (4) مغفلة فإنه یأتی بها وبما بعدها ، ولو قیل بسقوط الترتیب بالمرة أعاد الغسل من رأس ، لعدم الوحدة المذکورة فی الحدیث.

وفیما لو نذر الاغتسال مرتبا ، فإنه یبرأ بالارتماس ، لا علی معنی الاعتقاد المذکور ، لأنه ذکره بصورة اللازم المسند إلی الغسل ، أی : یترتب الغسل فی نفسه حکما وإن لم یکن فعلا (5).

وقال الشیخ - رحمه الله - فی الاستبصار : إن المرتمس یترتب حکما وإن لم یترتب فعلاً ، لأنه إذا خرج من الماء حکم له أولا بطهارة رأسه ، ثم جانبه الأیمن ، ثم جانبه

ص: 296


1- الذکری : (101).
2- التهذیب ( 1 : 162 - 463 ) ، الوسائل ( 2 : 566 ) أبواب الحیض ب (23) ح (1).
3- المبسوط ( 1 : 29 ).
4- اللمعة : الموضع الذی لا یصیبه الماء فی الغسل أو الوضوء من الجسد وهذا کأنه تشبیه بما قاله ابن الأعرابی : وفی الأرض لمعة من خلی : أی شی ء قلیل. المصباح المنیر : 4. ( لمع ).
5- الذکری : (102).

______________________________________________________

الأیسر (1).

وأقول : إن الترتیب الحکمی بمعانیه بعید جدا ، بل یکاد أن یکون مقطوعا ببطلانه ، إذ لیس فی شی ء من الأدلة العقلیة والنقلیة دلالة علیه بوجه ، وإنما المستفاد من الروایات (2) : الاجتزاء فی الغسل بالارتماسة الواحدة الشاملة للبدن ، وسقوط الترتیب فیه مطلقا ، وإثبات ما عدا ذلک زیادة لم تعلم من النص. وقد أطنب المتأخرون فی البحث فی هذه المسألة بما لا طائل تحته.

وألحق الشیخ فی المبسوط (3) بالارتماس الوقوف تحت المجری والمطر الغزیرین ، فأسقط الترتیب فیه ، واستدل بما رواه فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل هل یجزیه من غسل الجنابة أن یقوم فی المطر حتی یغسل رأسه وجسده ، وهو یقدر علی ما سوی ذلک؟ قال : « إن کان یغسله اغتسالة بالماء أجزأه ذلک » (4) وهی قاصرة عن إفادة ما ادعاه.

وقال فی المعتبر : هذا الخبر مطلق ، وینبغی أن یقید بالترتیب فی الغسل (5). وهو حسن (6) ، لأن الوقوف تحت المطر لا یتحقق معه الارتماس قطعا.

ص: 297


1- الإستبصار ( 1 : 125 ).
2- الوسائل ( 1 : 502 ) أبواب الجنابة ب (26).
3- المبسوط ( 1 : 29 ).
4- الفقیه ( 1 : 14 - 27 ) ، التهذیب ( 1 : 149 - 424 ) ، الاستبصار ( 1 : 125 - 425 ) ، قرب الإسناد : (85) ، الوسائل ( 1 : 504 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (10).
5- المعتبر ( 1 : 185 ).
6- فی « ح » : أحسن.

وسنن الغسل : تقدیم النیّة عند غسل الیدین وتتضیق عند غسل الرأس. وإمرار الید علی الجسد ، وتخلیل ما یصل إلیه الماء استظهارا. والبول أمام الغسل

______________________________________________________

قوله : وسنن الغسل : تقدیم النیّة عند غسل الیدین ، وتتضیق عند غسل الرأس.

بل الأجود تأخیرها إلی عند غسل الرأس.

قوله : وإمرار الید علی الجسد.

إنما استحب ذلک ، لما فیه من الاستظهار فی وصول الماء إلی البدن ، ولمفهوم قوله علیه السلام : « ولو أن رجلا ارتمس فی الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلک وإن لم یدلک جسده » (1).

ومن المستحبات أیضا : الموالاة ، لما فیها من الإسراع إلی فعل الطاعة ، وقد قطع الأصحاب بعدم وجوبها ، لصدق الامتثال بدونها ، ولصحیحة إبراهیم بن عمر الیمانی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن علیّا علیه السلام لم یر بأسا أن یغسل الجنب رأسه غدوة وسائر جسده عند الصلاة » (2).

قوله : والبول أمام الغسل.

ما اختاره المصنف من استحباب البول أمام الغسل هو المشهور بین المتأخرین ، وصرح الشیخ فی المبسوط والاستبصار بوجوبه (3) ، ونقله فی الذکری عن ابن حمزة وابن زهرة والکیدری (4) وأبی الصلاح وابن البراج ، ثم قال : ولا بأس بالوجوب ، محافظة علی

سنن الغسل

امرار الید علی الجسد

البول أمام الغسل

ص: 298


1- المتقدمة فی ص (295).
2- الکافی ( 3 : 44 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 134 - 272 ) ، الوسائل ( 1 : 509 ) أبواب الجنابة ب (29) ح (3) ، بتفاوت یسیر.
3- المبسوط ( 1 : 29 ) ، الإستبصار ( 1 : 118 ).
4- فی « ق » : والکندری ، ( وقد تقدم الکلام فی ذلک فی ص 225 ).

______________________________________________________

الغسل من طریان مزیله ، ومصیرا إلی قول معظم الأصحاب ، وأخذا بالاحتیاط (1).

واحتج علیه فی الاستبصار بالأخبار المتضمنة لإعادة الغسل مع الإخلال به إذا رأی المغتسل بللا بعد الغسل ، وهو خلاف المدعی.

نعم یمکن الاستدلال علیه بصحیحة أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تغسل یدک الیمنی من المرفقین (2) إلی أصابعک ، وتبول إن قدرت علی البول » (3) ویمکن حملها علی الاستحباب ، لعدم صراحة الجملة الخبریة فی الوجوب ، وخلو أکثر الأخبار الواردة فی بیان الغسل من ذلک. وکیف کان ، فالأولی أن لا یترک بحال ، وقد روی عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنه قال : « من ترک البول عقیب الجنابة أو شک [ أن ] (4) یتردد بقیة الماء فی بدنه ، فیورثه الداء الذی لا دواء له » (5).

وإنما یستحب البول للمنزل ، أما للمولج بغیر إنزال فلا.

والأظهر اختصاصه بالرجل کما هو مورد الخبر ، ولتغایر مخرجی البول والمنی من المرأة. وسوّی الشیخ - رحمه الله - فی النهایة (6) بین الرجل والمرأة فی الاستبراء بالبول والاجتهاد ، قال فی الذکری : ولعل المخرجین وإن تغایرا یؤثر خروج البول فی خروج ما تخلف فی المخرج الآخر إن کان (7). وهو أحوط.

ص: 299


1- الذکری : (103).
2- فی « ح » : المرفق.
3- المتقدمة فی ص (295).
4- أثبتناه من المصدر.
5- قرب الإسناد : (21) ، مستدرک الوسائل ( 1 : 71 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (1) ، بتفاوت فی المتن.
6- النهایة : (21).
7- الذکری : (104).

أو الاستبراء ، وکیفیته : أن یمسح من المقعدة إلی أصل القضیب ثلاثا ، ومنه إلی رأس الحشفة ثلاثا ، وینتره ثلاثا.

______________________________________________________

قوله : والاستبراء ، وکیفیته أن یمسح من المقعدة إلی أصل القضیب ثلاثا ، ومنه إلی رأس الحشفة ثلاثا ، وینتره ثلاثا.

استحباب الاستبراء للرجل المنزل بالاجتهاد مذهب السید المرتضی (1) ، وابن إدریس (2) ، وأکثر المتأخرین ، وقال الشیخ فی المبسوط والجمل بوجوبه (3). ولیس فی النصوص ما یتضمن الاستبراء بعد الإنزال ، وإنما الموجود فیها الأمر بالاستبراء بعد البول ، وربما لاح منها أنّ الغرض من الاستبراء عدم انتقاض الوضوء بالبلل الموجود بعده ، لا أنه واجب فی نفسه ، ولا ریب أنّ الوجوب أحوط.

واختلف الأصحاب فی کیفیته : فقال الشیخ فی المبسوط (4) باعتبار المسحات التسع التی ذکرها المصنف ، وقال فی النهایة : یمسح بإصبعه من عند مخرج النجو إلی أصل القضیب ثلاث مرات ، ثم یمرّ بإصبعه علی القضیب وینتره ثلاث مرات (5). وهو اختیار المصنف فی النافع (6) ، وقال المرتضی : ویستحب عند البول نتر الذکر من أصله إلی طرفه ثلاث مرات (7).

وما ذکره الشیخ فی المبسوط أبلغ فی الاستظهار ، إلا أنّ الأظهر الاکتفاء بما ذکره المرتضی من نتره من أصله إلی طرفه ثلاث مرات ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن

الاستبراء وکیفیته

ص: 300


1- نقله عنه فی المختلف : ( 32 ، 42 ) ، والمنتهی ( 1 : 85 ).
2- السرائر : (21).
3- المبسوط ( 1 : 29 ) ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (161).
4- المبسوط ( 1 : 17 ).
5- النهایة : (10).
6- المختصر النافع : (8).
7- نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 42 ).

وغسل الیدین ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ،

______________________________________________________

حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یبول ، قال : « ینتره ثلاثا ، ثم إن سال حتی یبلغ الساق فلا یبالی » (1).

وما رواه الکلینی - رحمه الله - فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل بال ولم یکن معه ماء قال : « یعصر أصل ذکره إلی طرفه ثلاث عصرات وینتر طرفه ، فإن خرج بعد ذلک شی ء فلیس من البول ، ولکنه من الحبائل » (2).

وهذه الروایة بعینها أوردها الشیخ فی التهذیب والاستبصار (3) ، وفیها قال : یعصر أصل ذکره إلی رأس ذکره ثلاث عصرات. وعلی هذا فیمکن الجمع بین الخبرین بالتخییر بین الأمرین ، لورودهما فی مقام البیان المنافی للإجمال.

وکیف کان ، فالعمل بما هو المشهور أولی ، لما فیه من المبالغة ، والاستظهار فی إزالة النجاسة.

وفی استحباب الاستبراء للمرأة قولان : أظهرهما : العدم ، وما تجده من البلل المشتبه فلا یترتب علیه وضوء ولا غسل ، لأن الیقین لا یرتفع بالشک ، ولاختصاص الروایات المتضمنة لإعادة الغسل أو الوضوء بذلک بالرجل ، کما ستقف علیه إن شاء الله تعالی.

قوله : وغسل الیدین ثلاثا قبل إدخالهما الإناء.

المستند فی ذلک روایات کثیرة :

منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن

غسل الیدین ثلاثاً قبل إدخالهما الاناء

ص: 301


1- التهذیب ( 1 : 27 - 70 ) ، الإستبصار ( 1 : 48 - 136 ) ، الوسائل ( 1 : 200 ) أبواب نواقض الوضوء ب (13) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 19 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 225 ) أبواب أحکام الخلوة ب (11) ح (2).
3- التهذیب ( 1 : 28 - 71 ) ، الاستبصار ( 1 : 49 - 137 ).

والمضمضة والاستنشاق ، والغسل بصاع.

______________________________________________________

الوضوء کم یفرغ الرجل علی یده الیمنی قبل أن یدخلها الإناء؟ فقال : « واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة » (1).

وظاهر الروایة اختصاص الحکم بما إذا کان الغسل فی القلیل ، وصرح العلامة - رحمه الله - فی بعض کتبه (2) بالاستحباب مطلقا وإن کان المغتسل مرتمسا ، أو تحت المطر ، أو یغتسل من إناء یصبه علیه من غیر إدخال الید. وهو غیر واضح.

والمشهور استحباب کون الغسل من الزندین ، والأولی غسلهما من المرفقین ، کما تضمنته صحیحة یعقوب بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام (3).

قوله : والمضمضة والاستنشاق.

استحباب المضمضة والاستنشاق أمام الغسل ثابت بإجماعنا ، ویدل علیه روایات کثیرة ، منها : صحیحة زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تبدأ بغسل کفیک ، ثم تفرغ بیمینک علی شمالک وتغسل فرجک ، ثم تمضمض واستنشق ، ثم تغسل جسدک من لدن قرنک إلی قدمیک » الحدیث (4).

قوله : والغسل بصاع.

أجمع علماؤنا وأکثر علماء العامة (5) علی أنه یستحب فی الغسل کونه بقدر صاع من الماء ، والمستند فیه من طریق الأصحاب ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یتوضأ بمد ، ویغتسل

المضمضة والاستنشاق

الغسل بصاع

ص: 302


1- الکافی ( 3 : 12 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 36 - 96 ) ، الاستبصار ( 1 : 50 - 141 ) ، بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 1 : 301 ) أبواب الوضوء ب (27) ح (1).
2- نهایة الأحکام ( 1 : 110 ) ، والمنتهی ( 1 : 85 ).
3- التهذیب ( 1 : 142 - 402 ) ، الوسائل ( 1 : 515 ) أبواب الجنابة ب (34) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 148 - 422 ) ، الوسائل ( 1 : 503 ) أبواب الجنابة ب (26) ح (5).
5- منهم الشافعی فی الأم ( 1 : 9 ) ، والشربینی فی مغنی المحتاج ( 1 : 74 ).

______________________________________________________

بصاع ، والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (1) قال الشیخ : أراد به أرطال المدینة ، فیکون تسعة أرطال بالعراقی (2).

وروی أیضا فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « توضأ رسول الله صلی الله علیه و آله بمد واغتسل بصاع ، ثم قال : اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء (3) واحد » قال زرارة : فقلت : کیف صنع هو؟ قال : « بدأ هو فضرب بیده فی الماء قبلها وأنقی فرجه ، ثم ضربت هی فأنقت فرجها ، ثم أفاض هو وأفاضت هی علی نفسها حتی فرغا ، فکان الذی اغتسل به رسول الله ثلاثة أمداد والذی اغتسلت به مدین ، وإنما أجزأ عنهما ، لأنهما اشترکا جمیعا ، ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع » (4).

قوله علیه السلام : « ومن انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع » محمول علی الاستحباب ، لما صح عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « الجنب ما جری علیه الماء من جسده قلیله وکثیره فقد أجزأه » (5) ویستفاد من صحیحة الفضلاء وغیرها (6) أن ماء الاستنجاء محسوب من الصاع.

ص: 303


1- التهذیب ( 1 : 136 - 378 ) ، الإستبصار ( 1 : 121 - 409 ) ، الوسائل ( 1 : 338 ) أبواب الوضوء ب (50) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 137 ).
3- فی « م » « ق » « س » : ماء.
4- التهذیب ( 1 : 370 - 1130 ) ، الوسائل ( 1 : 513 ) أبواب الجنابة ب (32) ح (5).
5- الکافی ( 3 : 21 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 137 - 380 ) ، الإستبصار ( 1 : 123 - 416 ) ، الوسائل ( 1 : 511 ) أبواب الجنابة ب (31) ح (3).
6- الوسائل ( 1 : 512 ) أبواب الجنابة ب (32).

مسائل ثلاث :

الأولی : إذا رأی المغتسل بللا مشتبها بعد الغسل ، فإن کان قد بال أو استبرأ لم یعد ، وإلا کان علیه الإعادة.

______________________________________________________

قوله : مسائل ثلاث ، الأولی : إذا رأی المغتسل بللا بعد الغسل ، فإن کان قد بال أو استبرأ لم یعد ، وإلا کان علیه الإعادة.

إذا رأی المغتسل بللا بعد الغسل ، فإن علمه منیا أو بولا لحقه حکمه إجماعا ، وإن انتفی العلم بذلک فقد قطع الأصحاب بأن المغتسل إن کان قد بال واستبرأ لم یلتفت ، وإن انتفی الأمران وجب علیه إعادة الغسل ، وإن انتفی أحدهما فإن کان هو البول أعاد الغسل أیضا مطلقا ، وقیل : إن الإعادة إنما تثبت إذا أمکنه البول (1). وإن کان هو الاستبراء وجب الوضوء خاصة ، فالصور خمس :

الأولی : بال واستبرأ ، ولا إعادة علیه إجماعا ، وقد تقدم من الأخبار (2) ما یدل علیه.

الثانیة : عکسه ، والأظهر فیه وجوب إعادة الغسل ، وهو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل ابن إدریس فیه الإجماع (3) ، ویدل علیه صحیحة سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن یبول فخرج منه شی ء ، قال : « یعید الغسل » (4).

اٴحکام الجنابة

حکم البلل المشتبه

ص: 304


1- کما فی روض الجنان : (55).
2- فی ص (301).
3- السرائر : (22).
4- الکافی ( 3 : 49 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 143 - 404 ) ، الاستبصار ( 1 : 118 - 399 ) ، علل الشرائع : ( 287 - 1 ) ، الوسائل ( 1 : 519 ) أبواب الجنابة ب (36) ح (10).

______________________________________________________

وصحیحة محمد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یخرج من إحلیله بعد ما اغتسل شی ء ، قال : « یغتسل ویعید الصلاة ، إلا أن یکون بال قبل أن یغتسل ، فإنه لا یعید غسله ».

قال محمد ، وقال أبو جعفر علیه السلام : « من اغتسل وهو جنب قبل أن یبول ، ثم وجد بللا فقد انتقض غسله ، وإن کان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فلیس ینقض غسله ، ولکن علیه الوضوء ، لأن البول لم یدع شیئا » (1).

ویظهر من الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه الاکتفاء فی هذه الصورة بالوضوء ، فإنه قال بعد أن أورد الخبر المتضمن لإعادة الغسل : وروی فی حدیث آخر : إن کان قد رأی بللا ولم یکن بال فلیتوضأ ولا یغتسل ، قال مصنف هذا الکتاب : إعادة الغسل أصل ، والخبر الثانی رخصة (2). وهو جید لو صح السند.

الثالثة : انتفی الأول مع إمکانه ، والحکم فیه کما فی الثانیة ، تمسکا بإطلاق روایتی سلیمان بن خالد ، ومحمد بن مسلم ، وما فی معناهما ، ویلوح من کلام المصنف هنا وفی النافع (3) عدم وجوب الإعادة فی هذه الصورة ، وهو بعید.

الرابعة : انتفی مع عدم إمکانه ، وفیه قولان : أظهرهما أنه کالذی قبله ، عملا بالإطلاق ، وقال الشیخ فی الاستبصار : لا یجب علیه الإعادة (4) ، لروایة زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أجنب ، ثم اغتسل قبل أن یبول ،

ص: 305


1- التهذیب ( 1 : 144 - 407 ) ، الإستبصار ( 1 : 119 - 402 ) ، الوسائل ( 1 : 518 ) أبواب الجنابة ب (36) ح ( 6 ، 7 ).
2- الفقیه ( 1 : 47 - 186 ).
3- المختصر النافع : (9).
4- الاستبصار ( 1 : 120 ).

______________________________________________________

ثم رأی شیئا ، قال : « لا یعید الغسل » (1) وهی مع ضعف سندها بالمفضل بن صالح غیر دالة علی اعتبار هذا القید.

ثم احتمل حملها علی ناسی البول ، واستدلّ بما رواه عن جمیل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل تصیبه الجنابة فینسی أن یبول حتی یغتسل ، ثم یری بعد الغسل شیئا أیغتسل أیضا؟ قال : « لا ، قد تعصرت ونزلت من الحبائل » (2) وهذه الروایة لا تعطی اعتبار قید النسیان أیضا ، لأن ذلک وقع فی کلام السائل. وربما کان فی قوله علیه السلام : « قد تعصرت ونزلت من الحبائل » دلالة علی عدم الفرق بین حالتی النسیان والعمد ، لکنها ضعیفة السند باشتماله علی علیّ بن السندی وهو مجهول ، فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحیحة الدالة علی وجوب الإعادة بترک البول مطلقا.

الخامسة : بال ولم یستبرئ ، والظاهر إعادة الوضوء خاصة ، لصحیحة محمد المتقدمة (3) ، ومفهوم قوله علیه السلام فی حسنة حفص بن البختری ، فی الرجل یبول : « ینتره ثلاثا ، ثم إن سال حتی یبلغ الساق فلا یبالی » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه عبد الله بن أبی یعفور فی الصحیح ، إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل بال ثم توضأ وقام إلی الصلاة فوجد بللا قال : « لا شی ء علیه ولا یتوضأ » (5) لأن هذه الروایة مطلقة ، والروایة السابقة مفصلة ، والمفصل یحکم علی

ص: 306


1- التهذیب ( 1 : 145 - 412 ) ، الإستبصار ( 1 : 119 - 405 ) ، الوسائل ( 1 : 519 ) أبواب الجنابة ب (36) ح (14).
2- التهذیب ( 1 : 145 - 409 ) ، الإستبصار ( 1 : 120 - 406 ) ، الوسائل ( 1 : 519 ) أبواب الجنابة ب (36) ح (11).
3- فی ص (305).
4- المتقدمة فی ص (301).
5- الکافی ( 3 : 19 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 38 - 147 ) ، الوسائل ( 1 : 200 ) أبواب نواقض الوضوء ب (13) ح (1) بتفاوت فی المتن.

الثانیة : إذا غسل بعض أعضائه ثم أحدث ، قیل : یعید الغسل من رأس ، وقیل : یقتصر علی إتمام الغسل ، وقیل : یتمّه ویتوضأ للصلاة ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

المطلق.

تنبیه : هذا المنی أو البول الموجود بعد الغسل حدث جدید ، فالعبادة الواقعة قبله صحیحة ، لاستجماعها للشرائط ، ونقل عن بعض القول بإعادة الصلاة الواقعة بعد الغسل (1) ، ولعل مستنده صحیحة محمد المتقدمة (2) ، وهی غیر صریحة ، لإمکان حملها علی من صلی بعد أن وجد البلل.

قوله : الثانیة ، إذا غسل بعض أعضائه ثم أحدث ، قیل : یعید من رأس ، وقیل : یقتصر علی إتمام الغسل ، وقیل : یتمّه ویتوضأ للصلاة ، وهو أشبه.

هذا قول السید المرتضی - رحمه الله - (3) ، وهو أمتن الأقوال دلیلا ، أما وجوب الإتمام فلأن الحدث الأصغر لیس موجبا للغسل ، ولا لبعضه قطعا ، فیسقط وجوب الإعادة. وأما وجوب الوضوء فلأن الحدث المتخلل لا بد له من رافع ، وهو إما الغسل بتمامه أو الوضوء ، والأول منتف لتقدم بعضه ، فتعین الثانی.

والقول بإتمام الغسل خاصة لابن إدریس (4) وابن البراج (5) ، واختاره المحقق الشیخ علی - رحمه الله - (6) ، واحتج علیه بأن الحدث الأصغر غیر موجب للغسل فلا معنی للإعادة ، والوضوء منفی مع غسل الجنابة بالنص والإجماع.

حکم من أحدث أثناء الغسل

ص: 307


1- منهم ابن إدریس فی السرائر : (23).
2- فی ص (301).
3- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 196 ).
4- السرائر : (22).
5- جواهر الفقه ( الجوامع الفقهیة ) : (473).
6- جامع المقاصد ( 1 : 35 ).

______________________________________________________

وفیه : إنّ الإجماع ممنوع فی موضع النزاع ، والأخبار لا عموم لها علی وجه یتناول هذه الصورة.

قال المصنف فی المعتبر : ویلزمهم أنه لو بقی من الغسل قدر درهم من الجانب الأیسر ثم تغوط أن یکتفی عن وضوئه بغسل موضع الدرهم ، وهو باطل (1).

والقول بالإعادة للشیخ فی النهایة والمبسوط (2) ، وابنی بابویه (3) ، وجماعة (4) ، ولا وجه له من حیث الاعتبار ، وأما ما استدل به علیه من أن الحدث الأصغر ناقض للطهارة بتمامها فلأبعاضها أولی ، أو أن الحدث المتخلل قد أبطل تأثیر ذلک البعض فی الرفع ، والباقی من الغسل غیر صالح للتأثیر ، ففساده ظاهر ، لمنع کونه ناقضا ومبطلا ، وإنما المتحقق وجوب الوضوء به خاصة.

ولعل مستندهم فی ذلک ما رواه الصدوق فی کتاب عرض المجالس ، عن الصادق علیه السلام قال : « لا بأس بتبعیض الغسل تغسل یدک وفرجک ورأسک ، وتؤخر غسل جسدک إلی وقت الصلاة ، ثم تغسل جسدک إذا أردت ذلک ، فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ریح أو منیّ بعد ما غسلت رأسک من قبل أن تغسل جسدک فأعد الغسل من أوله » (5).

ولو صحت هذه الروایة لما کان لنا عنها عدول ، لصراحتها فی المطلوب ، إلا أنی لم أقف علیها مسندة ، والواجب المصیر إلی الأول إلی أن یتضح السند.

ص: 308


1- المعتبر ( 1 : 197 ).
2- النهایة : (22) ، المبسوط ( 1 : 29 ).
3- الصدوق فی الهدایة : (21) ، ونقله عن والده فی المختلف : (33) ، وفی « ق » : وابن بابویه.
4- منهم یحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : (40) ، والعلامة فی المختلف : (33) ، والشهید الأول فی اللمعة : (20).
5- رواها فی الوسائل ( 1 : 509 ) أبواب الجنابة ب (29) ح (4) ، عن المدارک.

______________________________________________________

وتنقیح المسألة یتم ببیان أمور :

الأول : الظاهر عدم الفرق فی غسل الجنابة بین کونه غسل ترتیب أو ارتماس ، ویتصور ذلک فی غسل الارتماس بوقوع الحدث بعد النیة وقبل إتمام الغسل.

وقال فی الذکری : لو کان الحدث من المرتمس فإن قلنا بسقوط الترتیب حکما ، فإن وقع بعد ملاقاة الماء جمیع البدن أوجب الوضوء لا غیر ، وإلا فلیس له أثر (1). وهو مشکل ، لإمکان وقوعه فی الأثناء کما صورناه ، فینبغی أن یطّرد فیه الخلاف.

ثم قال : وإن قلنا بوجوب الترتیب الحکمی القصدی فهو کالمرتب ، وإن قلنا بحصوله فی نفسه وفسرناه بتفسیر الإستبصار أمکن انسحاب البحث إلیه (2).

قلت : أشار بذلک إلی ما ذکره الشیخ فی الاستبصار لما أورد الأخبار المتضمنة لوجوب الترتیب فی الغسل ، وأورد إجزاء الارتماس فقال : ولا ینافی ذلک ما قدمناه من وجوب الترتیب ، لأن المرتمس یترتب حکما وإن لم یترتب فعلا ، لأنه إذا خرج من الماء حکم له أولا بطهارة رأسه ، ثم جانبه الأیمن ، ثم جانبه الأیسر ، فیکون علی هذا التقدیر مرتبا (3). هذا کلامه - رحمه الله تعالی - ونحن قد بینا فیما سبق ضعف الترتیب الحکمی بمعانیه ، لانتفاء الدلیل علیه ، بل قیام الدلیل علی خلافه.

الثانی : لو تخلل الحدث لغیر غسل الجنابة من الأغسال الواجبة والمندوبة ، فإن قلنا بإجزائها عن الوضوء اطّرد الخلاف ، وإلا تعین إتمامه والوضوء.

الثالث : استقرب بعض المتأخرین - القائلین بوجوب الإتمام والوضوء - الاکتفاء باستئناف الغسل إذا نوی قطعه ، لبطلانه بذلک فیصیر الحدث متقدما علی الغسل ، وفیه

ص: 309


1- الذکری : (106).
2- الذکری : (106).
3- الاستبصار ( 1 : 125 ).

الثالثة : لا یجوز أن یغسّله غیره مع الإمکان ، ویکره أن یستعین فیه.

______________________________________________________

نظر ، لأن نیة القطع إنما تقتضی بطلان ما یقع بعدها من الأفعال لا ما سبق ، کما صرّح به المصنف (1) وغیره.

قوله : الثالثة ، لا یجوز أن یغسّله غیره مع الإمکان ، ویکره أن یستعین فیه.

الکلام فی هاتین المسألتین کما فی الوضوء ، وقد تقدم الکلام فیهما هناک مفصلا (2).

وجوب المباشرة فی الغسل

ص: 310


1- المعتبر ( 1 : 140 ).
2- فی ص ( 240 ، 251 ).

الفصل الثّانی :

فی الحیض

وهو یشتمل علی : بیانه ، وما یتعلق به.

أما الأول :

فالحیض : الدم الذی له تعلّق بانقضاء العدّة ولقلیله حدّ ،

______________________________________________________

قوله : الفصل الثّانی : فی الحیض ، وهو یشتمل علی بیانه ، وما یتعلق به ، أما الأول ، فالحیض هو الدم الذی له تعلق بانقضاء العدّة ولقلیله حدّ.

قد اشتهر فی کلام الأصحاب أنّ الحیض لغة هو السیل ، من قولهم : حاض الوادی : إذا سال بقوة ، وفی القاموس : حاضت المرأة تحیض حیضا : سال دمها (1). ولا یستبعد کونه حقیقة فی هذا المعنی ، للتبادر ، وأصالة عدم النقل.

وعرّفه المصنف اصطلاحا بأنه : الدم الذی له تعلق بانقضاء العدة ، ولقلیله حدّ ، فالدم بمنزلة الجنس ، وتعلقه بانقضاء العدة یخرج ما عدا النفاس من الدماء (2) ، فإن له تعلقا بانقضاء العدة فی الحامل من زنا. وخرج النفاس بالقید الأخیر ، ولیس فی هذا التعریف کثیر فائدة ، وکان یغنی عنه ذکر الأوصاف ، لأن بها یتمیز عن غیره من الدماء عند الاشتباه کما ذکره المصنف فی المعتبر (3).

الحیض

بیان الحیض

ص: 311


1- القاموس المحیط ( 2 : 341 ).
2- فی « م » : الدم.
3- المعتبر ( 1 : 197 ).

وفی الأغلب یکون أسود غلیظا حارا یخرج بحرقة.

______________________________________________________

قوله : وهو فی الأغلب یکون أسود عبیطا حارا یخرج بحرقة.

قید بالأغلب لأن دم الحیض قد یکون بخلاف ذلک ، لأن الحمرة والصفرة فی أیام الحیض حیض علی ما سیجی ء بیانه (1) ، والعبیط بالمهملتین : الطری ، والمراد بالحرقة هنا اللذع الحاصل للمخرج بسبب الدفع والحرارة.

والمستند فی هذه الأوصاف : الأخبار الکثیرة ، کحسنة حفص بن البختری ، قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام امرأة ، فسألته عن المرأة یستمر بها الدم فلا تدری حیض هو أم غیره ، قال ، فقال لها : « إنّ دم الحیض حارّ ، عبیط ، أسود ، له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا کان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » قال : فخرجت وهی تقول : والله لو کان امرأة ما زاد علی هذا (2).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « الحیض والاستحاضة لیس یخرجان من مکان واحد ، إن دم الاستحاضة بارد وإن دم الحیض حارّ » (3).

وصحیحة إسحاق بن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، وهی طویلة قال فی آخرها : « دم الحیض لیس به خفاء ، وهو دم حارّ تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم

- صفات دم الحیض

ص: 312


1- فی ص (324).
2- الکافی ( 3 : 91 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 429 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 91 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 430 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (1).

وقد یشتبه بدم العذرة ، فتعتبر بالقطنة ، فإن خرجت مطوّقة فهو العذرة.

______________________________________________________

فاسد بارد » (1).

ویستفاد من هذه الروایات أنّ هذه الأوصاف خاصة مرکبة للحیض فمتی وجدت حکم بکون الدم حیضا ، ومتی انتفت انتفی إلا بدلیل من خارج ، وإثبات هذا الأصل ینفع فی مسائل متعددة من هذا الباب.

قوله : وقد یشتبه بدم العذرة ، فتعتبر بالقطنة ، فإن خرجت القطنة مطوّقة فهو لعذرة.

العذرة بضم العین المهملة وسکون الذال المعجمة : البکارة بفتح الباء. وقد ذکر الشیخ (2) وغیره (3) من الأصحاب أنه متی اشتبه دم الحیض بدم العذرة حکم للعذرة بالتطوق وللحیض بغمس القطنة ، واستدلوا علیه بصحیحة زیاد بن سوقة ، قال : سئل أبو جعفر علیه السلام عن رجل افتض امرأته أو أمته فرأت دما کثیرا لا ینقطع عنها یومها کیف تصنع بالصلاة؟ قال : « تمسک الکرسف فإن خرجت القطنة مطوقة بالدم فإنه من العذرة تغتسل وتمسک معها قطنة وتصلی ، وإن خرج الکرسف منغمسا فهو من الطمث تقعد عن الصلاة أیام الحیض » (4).

وصحیحة خلف بن حماد ، عن الکاظم علیه السلام ، وهی طویلة قال فی آخرها :

تمییز دم الحیض عن دم العذرة

ص: 313


1- الکافی ( 3 : 91 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 431 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (3).
2- النهایة : (23).
3- منهم العلامة فی نهایة الأحکام ( 1 : 116 ).
4- الکافی ( 3 : 94 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 152 - 432 ) ، المحاسن : ( 307 - 21 ) ، الوسائل ( 2 : 536 ) أبواب الحیض ب (2) ح (2).

______________________________________________________

« تستدخل القطنة ثم تدعها ملیّا ثم تخرجها إخراجا رفیقا ، فإن کان الدم مطوقا فی القطنة فهو من العذرة ، وإن کان مستنقعا فی القطنة فهو من الحیض » (1).

ویظهر من المصنف هنا وفی النافع (2) التوقف فی الحکم بکون الدم حیضا مع الاستنقاع ، حیث اقتصر علی الحکم به للعذرة مع التطوق ، وبذلک صرح فی المعتبر فقال : لا ریب أنها إذا خرجت مطوقة کان من العذرة ، وإن خرجت مستنقعة فهو محتمل ، فإذن یقضی أنه من العذرة مع التطوق قطعا (3). فلهذا اقتصر فی الکتاب علی الطرف المتیقن ، وفی هذا الکلام نظر من وجهین.

أحدهما : أنّ المسألة فی کلامه - رحمه الله - فی المعتبر مفروضة فیما إذا جاء الدم بصفة دم الحیض ، ومعه لا وجه للتوقف فی کونه مع الاستنقاع حیضا ، لاعتبار سند الخبرین ، وصراحتهما فی الدلالة علی الحکمین ، ومطابقتهما للروایات الدالة علی اعتبار الأوصاف (4).

وثانیهما : أنه صرح بعد ذلک بأنّ ما تراه المرأة من الثلاثة إلی العشرة یحکم بکونه حیضا ، وأنه لا عبرة بلونه ما لم یعلم أنه لقرح أو عذرة ونقل علیه الإجماع (5) ، وهو مناف لما ذکره هنا من التوقف فی هذه المسألة ، إذ المفروض فیها انتفاء العلم بکون الدم للعذرة بل انتفاء الظن بذلک باعتبار استنقاعه کما هو واضح ( فتأمل ) (6).

ص: 314


1- الکافی ( 3 : 92 - 1 ) ، المحاسن : ( 307 - 22 ) ، الوسائل ( 2 : 535 ) أبواب الحیض ب (2) ح (1).
2- المختصر النافع : (9).
3- المعتبر ( 1 : 198 ).
4- الوسائل ( 2 : 535 ) أبواب الحیض ب (2).
5- المعتبر ( 1 : 203 ).
6- لیست فی « س » و « ق ».

وکل ما تراه الصبیّة قبل بلوغها تسعا فلیس بحیض ،

______________________________________________________

وذکر الشارح - رحمه الله - فی الشرح (1) أن طریق معرفة التطوق وعدمه أن تضع قطنة بعد أن تستلقی علی ظهرها وترفع رجلیها ثم تصبر هنیئة ثم تخرج القطنة إخراجا رفیقا (2). وقال فی روض الجنان : إن مستند هذا الحکم روایات عن أهل البیت علیهم السلام ، لکن فی بعضها الأمر باستدخال القطنة من غیر تقیید بالاستلقاء ، وفی بعضها إدخال الإصبع مع الاستلقاء ، وطریق الجمع : حمل المطلق علی المقید ، والتخییر بین الإصبع والکرسف ، إلاّ أن الکرسف أظهر فی الدلالة (3).

وما ذکره - رحمه الله - لم أقف علیه فی شی ء من الأصول ولا نقله ناقل فی کتب الاستدلال ، والذی وقفت علیه فی هذه المسألة روایتا زیاد بن سوقة وخلف بن حمّاد المتقدمتان (4) ، وهما خالیتان عن قید الاستلقاء وإدخال الإصبع ، فالأظهر الاکتفاء بما تضمنته الروایة الثانیة من وضع القطنة والصبر هنیئة ثم إخراجها برفق.

وفی الروایة (5) : إنه علیه السلام التفت یمینا وشمالا فی الفسطاط مخافة أن یسمع کلامه أحد قال : ثم نهد إلیّ فقال : « یا خلف سرّ الله سرّ الله فلا تذیعوه ، ولا تعلّموا هذا الخلق أصول دین الله ، بل ارضوا بما رضی الله لهم من ضلال » قلت : هذا الکلام وارد علی سبیل المجاز ، والمراد أنه رضی لهم الاختیار الموصل لهم إلی الضلال.

قوله : وکل ما تراه الصبیّة قبل بلوغها تسعا فلیس بحیض.

المراد ببلوغ التسع إکمالها ، کما صرح به الأصحاب ونطقت به الأخبار ، الحکم

حکم الدم الذی تراه الصبیة قبل البلوغ

ص: 315


1- المسالک ( 1 : 8 ).
2- فی « ق » : رقیقا.
3- روض الجنان : (60).
4- فی ص (313).
5- أی الروایة الثانیة ، وهی روایة خلف بن حماد.

وکذا قیل فیما یخرج من الجانب الأیمن.

______________________________________________________

بانتفاء الحیض عما تراه الصبیة قبل إکمال التسع مذهب العلماء (1) کافة حکاه فی المنتهی (2) ، ویدل علیه روایات ، منها : صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ثلاث یتزوجن علی کل حال » وعدّ منها التی لم تحض ومثلها لا تحیض قال : قلت : وما حدّها؟ قال : « إذا أتی لها أقل من تسع سنین » (3) وفی روایة أخری له عنه علیه السلام قال : « إذا کمل لها تسع سنین أمکن حیضها » (4).

وهنا سؤال مشهور وهو أنّ المصنف - رحمه الله - وغیره ذکروا أنّ الحیض للمرأة دلیل علی بلوغها فکیف یجتمع ذلک مع حکمهم هنا بأنّ ما تراه قبل التسع فلیس بحیض!؟ وما الدم الذی یعلم به البلوغ؟.

وأجیب عنه بحمل ما هنا علی من علم سنّها فإنه لا یحکم بکون الدم السابق علی إکمال التسع حیضا ، وحمل ما سیأتی علی من جهل سنّها مع خروج الدم الجامع لأوصاف الحیض فإنه یحکم بکونه حیضا ویعلم به البلوغ ، کما ذکره الأصحاب ونقلوا فیه الإجماع.

قوله : وکذا قیل فیما یخرج من الجانب الأیمن.

أی وکذا قیل فیما یخرج من الجانب الأیمن : إنه لیس بحیض ، لأن مجری الحیض هو الأیسر ، والقائل بذلک هو الصدوق فی من لا یحضره الفقیه (5) ، والشیخ فی

حکم الدم الذی یخرج من الجانب الأیسر

ص: 316


1- فی « ح » : علمائنا.
2- المنتهی ( 1 : 95 ).
3- الکافی ( 6 : 85 - 4 ) ، الوسائل ( 15 : 406 ) أبواب العدد ب (2) ح (4).
4- لم نعثر علی هذا النص ، ولکن وردت روایة بهذا المضمون فی الوسائل ( 15 : 409 ) أبواب العدد ب (3) ح (5).
5- الفقیه ( 1 : 54 ).

______________________________________________________

النهایة (1) ، وأتباعه (2).

وعکس أبو علی ابن الجنید فقال : دم الحیض أسود عبیط تعلوه حمرة ، یخرج من الجانب الأیمن وتحس المرأة بخروجه ، ودم الاستحاضة بارد رقیق یخرج من الجانب الأیسر (3).

واختلف کلام الشهید فی هذه المسألة فأفتی فی البیان بالأول (4) ، وفی الذکری والدروس بالثانی (5).

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف متن الروایة ، فروی شیخنا الجلیل محمد بن یعقوب - رحمه الله - فی الکافی ، عن محمد بن یحیی ، رفعه عن أبان ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : فتاة منّا بها قرحة فی جوفها والدم سائل ، لا تدری من دم الحیض أم من دم القرحة؟ فقال : « مرها فلتستلق علی ظهرها ثم ترفع رجلیها ثم تستدخل إصبعها الوسطی فإن خرج الدم من الجانب الأیمن فهو من الحیض ، وإن خرج من الجانب الأیسر فهو من القرحة » (6).

ونقل الشیخ فی التهذیب الروایة بعینها ، وساق الحدیث إلی أن قال : « فإن خرج من الجانب الأیسر فهو من الحیض ، وإن خرج من الجانب الأیمن فهو من القرحة » (7).

ص: 317


1- النهایة : (24).
2- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 35 ) ، وابن إدریس فی السرائر : (28) ، والعلامة فی المختلف : (36).
3- نقله عنه فی المختلف : (36).
4- البیان : (16).
5- الذکری : (28) ، الدروس : (6).
6- الکافی ( 3 : 94 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 560 ) أبواب الحیض ب (16) ح (1).
7- التهذیب ( 1 : 385 - 1185 ).

______________________________________________________

قیل (1) : ویمکن ترجیح روایة التهذیب بأن الشیخ أعرف بوجوه الحدیث وأضبط ، خصوصا مع فتواه بمضمونها فی النهایة والمبسوط (2). وفیهما معاً نظر بیّن یعرفه من یقف علی أحوال الشیخ ووجوه فتواه ، نعم یمکن ترجیحها بإفتاء الصدوق - رحمه الله - فی کتابه بمضمونها (3) ، مع أن عادته فیه نقل متون الأخبار.

ویمکن ترجیح روایة الکلینی - رحمه الله - بتقدمه ، وحسن ضبطه کما یعلم من کتابه الذی لا یوجد مثله ، وبأن الشهید - رحمه الله - ذکر فی الذکری أنه وجد الروایة فی کثیر من نسخ التهذیب کما فی الکافی ، وظاهر کلام ابن طاوس - رحمه الله - أن نسخ التهذیب القدیمة کلها موافقة له أیضا (4).

وکیف کان : فالأجود اطراح هذه الروایة - کما ذکره المصنف فی المعتبر (5) لضعفها ، وإرسالها ، واضطرابها ، ومخالفتها للاعتبار ، لأن القرحة یحتمل کونها فی کل من الجانبین ، والأولی الرجوع إلی حکم الأصل واعتبار الأوصاف.

بقی هنا شی ء : وهو أنّ الروایة مع تسلیم العمل بها إنما تدل علی الرجوع إلی الجانب مع اشتباه الدم بالقرحة ، وظاهر کلام المصنف هنا وصریح غیره (6) یقتضی اعتبار الجانب مطلقا ، وهو غیر بعید ، فإن الجانب إن کان له مدخل فی حقیقة الحیض وجب اطّراده ، وإلا فلا.

ص: 318


1- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 36 ).
2- النهایة : (24) ، المبسوط ( 1 : 43 ).
3- الفقیه ( 1 : 54 ).
4- الذکری : (28).
5- المعتبر ( 1 : 199 ).
6- منهم الصدوق فی الفقیه ( 1 : 54 ) ، وابن إدریس فی السرائر : (28) ، والعلامة فی المختلف : (36).

وأقل الحیض ثلاثة أیام ، وأکثره عشرة ، وکذا أقل الطهر. وهل یشترط التوالی فی الثلاثة أم یکفی کونها فی جملة عشرة؟ الأظهر الأول.

______________________________________________________

قوله : وأقل الحیض ثلاثة أیام ، وأکثره عشرة ، وکذا أقل الطهر.

هذه الأحکام عندنا إجماعیة ، والنصوص بها مستفیضة ، فروی یعقوب بن یقطین فی الصحیح ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : « أدنی الحیض ثلاثة ، وأقصاه عشرة » (1).

وروی صفوان بن یحیی فی الصحیح أیضا ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن أدنی ما یکون من الحیض ، فقال : « أدناه ثلاثة ، وأبعده عشرة » (2).

وروی محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا رأت الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضة الأولی ، وإن کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة » (3).

قوله : وهل یشترط التوالی فی الثلاثة ، أم یکفی کونها فی جملة عشرة؟ الأظهر الأول.

اختلف الأصحاب فی اشتراط التوالی فی الأیام الثلاثة ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی الجمل : أقلّه ثلاثة أیام متوالیات (4) ، وهو اختیار المرتضی (5) وابنی بابویه (6)

أقل الحیض وأکثره

ص: 319


1- التهذیب ( 1 : 156 - 447 ) ، الإستبصار ( 1 : 130 - 448 ) ، الوسائل ( 2 : 552 ) أبواب الحیض ب (10) ح (10).
2- الکافی ( 3 : 75 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 156 - 446 ) ، الإستبصار ( 1 : 130 - 447 ) ، الوسائل ( 2 : 551 ) أبواب الحیض ب (10) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 77 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 159 - 454 ) ، الوسائل ( 2 : 554 ) أبواب الحیض ب (11) ح (3).
4- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (163).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 202 ).
6- الفقیه ( 1 : 50 ) ، ونقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 202 ).

______________________________________________________

- رحمهم الله -. وقال فی النهایة : إن رأت یوما أو یومین ، ثم رأت قبل انقضاء العشرة ما یتمّ به ثلاثة فهو حیض ، وإن لم تر حتی تمضی عشرة فلیس بحیض (1). والمعتمد الأول.

لنا أنّ الصلاة ثابتة فی الذمة بیقین ، فلا یسقط التکلیف بها الا مع تیقن السبب ، ولا یقین بثبوته مع انتفاء التوالی. ولنا أیضا أنّ المتبادر من قولهم : أدنی الحیض ثلاثة ، وأقلّه ثلاثة ، کونها متوالیة.

احتج الشیخ بما رواه عن یونس ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ولا یکون أقلّ من ثلاثة أیام ، فإذا رأت المرأة الدم فی أیام حیضها ترکت الصلاة ، فإن استمر بها الدم ثلاثة أیام فهی حائض ، وإن انقطع الدم بعد ما رأته یوما أو یومین اغتسلت وصلّت وانتظرت من یوم رأت الدم إلی عشرة أیام ، فإن رأت فی تلک العشرة أیام من یوم رأت الدم یوما أو یومین حتی تمّ لها ثلاثة أیام ، فذلک الذی رأته فی أول الأمر مع هذا الذی رأته بعد ذلک فی العشرة هو من الحیض ، وإن مرّ بها من یوم رأت عشرة أیام ولم تر الدم فذلک الیوم والیومان الذی رأته لم یکن من الحیض إنما کان من علة » (2) الحدیث.

وما رواه فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضة الأولی ، وإن کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة » (3).

ص: 320


1- النهایة : (26).
2- الکافی ( 3 : 76 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 157 - 452 ) ، الوسائل ( 2 : 555 ) أبواب الحیض ب (12) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 77 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 159 - 454 ) ، الوسائل ( 2 : 554 ) أبواب الحیض ب (11) ح (3).

______________________________________________________

والجواب أنّ الروایة الأولی ضعیفة مرسلة. والثانیة غیر دالة علی المطلوب صریحا ، إذ مقتضاها أنّ ما تراه فی العشرة فهو من الحیضة الأولی ، ولا نزاع فیه لکن لا بد من تحقق الحیض أوّلا.

قال فی المعتبر بعد أن ذکر نحو ذلک : ونحن لا نسمّی حیضا الا ما کان ثلاثة فصاعدا ، فمن رأت ثلاثة ثم انقطع ثم جاء فی العشرة ولم یتجاوز فهو من الحیضة الأولی ، لا أنّه حیض مستأنف ، لأنه لا یکون بین الحیضتین أقل من عشرة (1). وهو حسن.

واعلم أنّ جدی - قدس سره - قال فی روض الجنان : وعلی هذا القول - یعنی عدم اعتبار التوالی - لو رأت الأول والخامس والعاشر فالثلاثة حیض لا غیر ، فإذا رأت الدم یوما وانقطع فإن کان یغمس القطنة وجب الغسل ، لأنه إن کان حیضا فقد وجب الغسل ، للحکم بأنّ أیام النقاء طهر ، وإن لم یکن حیضا فهو استحاضة ، والغامس منها یوجب الغسل ، وإن لم یغمسها وجب الوضوء خاصة ، لاحتمال کونه استحاضة ، فإن رأته مرة ثانیة یوما مثلا وانقطع فکذلک ، فإذا رأته ثالثة فی العشرة ثبت أنّ الأول حیض وتبیّن بطلان ما فعلت (2) بالوضوء ، إذ قد ثبت أنّ الدم حیض یوجب انقطاعه الغسل ، فلا یجزئ عنه الوضوء. ولو اغتسلت للأولین احتیاطا ففی إجزائه نظر (3) هذا کلامه - رحمه الله . ومقتضاه أنّ أیام النقاء المتخللة بین أیام رؤیة الدم تکون طهرا. وهو مشکل ، لأن الطهر لا یکون أقل من عشرة أیام إجماعا. وأیضا فقد صرح المصنف فی

ص: 321


1- المعتبر ( 1 : 203 ).
2- فی « ح » فعلته.
3- روض الجنان : (63).

وما تراه المرأة بعد یأسها لا یکون حیضا. وتیئس المرأة ببلوغ ستین ، وقیل : فی غیر القرشیّة والنبطیّة ببلوغ خمسین سنة.

______________________________________________________

المعتبر (1) ، والعلامة فی المنتهی (2) ، وغیرهما من الأصحاب (3) : بأنها لو رأت ثلاثة ثم رأت العاشر کانت الأیام الأربعة وما بینها من أیام النقاء حیضا. والحکم فی المسألتین واحد.

واختلف الأصحاب فی المعنی المراد من التوالی ، فظاهر الأکثر الاکتفاء فیه برؤیة الدم فی کل یوم من الأیام الثلاثة وقتا ما ، عملا بالعموم. وقیل : یشترط اتصاله فی مجموع الأیام الثلاثة (4). ورجّح بعض المتأخرین اعتبار حصوله فی أول الأول وآخر الآخر ، وفی أی جزء کان من الوسط. وهو بعید.

قوله : وما تراه المرأة بعد یأسها لا یکون حیضا ، وتیئس المرأة ببلوغ ستین ، وقیل : فی غیر القرشیّة والنبطیّة ببلوغ خمسین سنة.

المراد بالقرشیة : من انتسبت الی قریش بأبیها ، کما هو المختار فی نظائره. ویحتمل الاکتفاء بالأم هنا ، لأن لها مدخلا فی ذلک بسبب تقارب الأمزجة. ومن ثم اعتبرت الخالات وبناتهن فی المبتدأة کما سیأتی.

وأما النبطیة (5) فذکرها المفید ومن تبعه معترفین بعدم النصّ علیها ظاهرا. واختلفوا

حکم ما تراه المرأة من الدم بعد یأسها

ص: 322


1- المعتبر ( 1 : 203 ).
2- المنتهی ( 1 : 98 ).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 37 ).
4- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 37 ).
5- النبط : قوم أو جیل ینزلون بالبطائح بین العراقین. وقد یطلق علی غیرهم ( راجع الصحاح ( 3 : 1162 ) ، والقاموس ( 2 : 402 ) ، والنهایة ( 5 : 9 ) ، ومجمع البحرین 4 : 275 )

______________________________________________________

فی تعیینها. والأجود عدم الفرق بینها وبین غیرها.

وقد أجمع الأصحاب وغیرهم علی أنّ ما تراه المرأة بعد یأسها لا یکون حیضا. وإنما الخلاف فیما یتحقق به الیأس ، وقد اختلف فیه کلام المصنف ، فجزم هنا باعتبار بلوغ ستین مطلقا ، واختار فی باب الطلاق من هذا الکتاب اعتبار الخمسین کذلک (1) ، وجعله فی النافع أشهر الروایتین (2).

ورجّح فی المعتبر الفرق بین القرشیة وغیرها ، واعتبار الستین فیها خاصة ، والاکتفاء فی غیرها بالخمسین (3). واحتج علیه بمرسلة ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا بلغت المرأة خمسین سنة لم تر حمرة ، الا أن تکون امرأة من قریش » (4) وهی مع قصور سندها لا تدل علی المدعی صریحا.

والأجود اعتبار الخمسین مطلقا ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « حدّ التی یئست من المحیض خمسون سنة » (5).

قال فی المعتبر : ورواه أیضا أحمد بن محمد بن أبی نصر فی کتابه ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام (6).

ص: 323


1- الشرائع ( 3 : 35 ).
2- المختصر النافع : (200).
3- المعتبر ( 1 : 200 ).
4- الکافی ( 3 : 107 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 397 - 1236 ) ، الوسائل ( 2 : 580 ) أبواب الحیض ب (31) ح (2).
5- الکافی ( 3 : 107 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 397 - 1237 ) ، الوسائل ( 2 : 580 ) أبواب الحیض ب (31) ح (1).
6- المعتبر ( 1 : 199 ).

وکل دم رأته المرأة دون ثلاثة فلیس بحیض ، مبتدئة کانت أو ذات عادة. وما تراه من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، تجانس أو اختلف.

______________________________________________________

وقد ورد بالستین روایة أخری عن عبد الرحمن بن الحجاج أیضا عن الصادق علیه السلام (1) ، وفی طریقها ضعف (2) ، فالعمل بالأولی متعیّن.

ثم إن قلنا بالفرق بین القرشیة وغیرها ، فکل امرأة علم انتسابها الی قریش ، وهو النضر بن کنانة ، أو انتفاؤها عنه فحکمها واضح. ومن اشتبه نسبها کما هو الأغلب فی هذا الزمان من عدم العلم بنسب غیر الهاشمیین فالأصل یقتضی عدم کونها قرشیة ، ویعضده استصحاب التکلیف بالعبادة الی أن یتحقق المسقط.

قوله : وما تراه من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا فهو حیض ، تجانس أو اختلف.

هذا الحکم ذکره الأصحاب کذلک ، وقال فی المعتبر : إنه إجماع (3). وهو مشکل جدا من حیث ترک المعلوم ثبوته فی الذمة (4) تعویلا علی مجرد الإمکان. والأظهر أنه إنما یحکم بکونه حیضا إذا کان بصفة دم الحیض ، لقوله (5) علیه السلام : « إذا کان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (6).

حکم ما تراه المرأة من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا

ص: 324


1- التهذیب ( 7 : 469 - 1881 ) ، الوسائل ( 2 : 581 ) أبواب الحیض ب (31) ح (8).
2- لأن الشیخ رواها عن علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی ، وطریق الشیخ الیه ضعیف بعلی بن محمد ابن الزبیر ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 337 ).
3- المعتبر ( 1 : 203 ).
4- من العبادات التی لا تعملها الحائض کالصلاة.
5- فی « ح » : لعموم قوله. وما أثبتناه من باقی النسخ أنسب لأن ذلک مستفاد من مفهوم الشرط لا من العموم.
6- الکافی ( 3 : 91 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 429 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (2).

وتصیر المرأة ذات عادة بأن تری الدم دفعة ثم ینقطع علی أقل الطهر فصاعدا ، ثم تراه ثانیا بمثل تلک العدّة ، ولا عبرة باختلاف لون الدم.

______________________________________________________

أو کان فی العادة ، لصحیحة محمد بن مسلم. قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری الصفرة فی أیامها ، قال : « لا تصلی حتی تنقضی أیامها ، فإذا رأت الصفرة فی غیر أیامها توضأت وصلّت » (1).

وقال الشارح - قدس سره - : المراد بالإمکان هنا معناه العام ، وهو سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحکم ، فیدخل فیه ما تحقق کونه حیضا ، لاجتماع شرائطه وارتفاع موانعه ، کرؤیة ما زاد علی الثلاثة فی زمن العادة الزائدة عنها بصفة دم الحیض وانقطاعه علیها وما احتمله کرؤیته بعد انقطاعه علی العادة ، ومضی أقلّ الطهر متقدما علی العادة ، فإنه یحکم بکونه حیضا لإمکانه. ویتحقق عدم الإمکان بقصور السنّ عن تسع ، وزیادته عن الخمسین أو الستین ، وبسبق حیض محقق لم یتخلل بینهما أقلّ الطهر ، أو نفاس کذلک ، وکونها حاملا علی مذهب المصنف وغیر ذلک (2). هذا کلامه - رحمه الله - ، وللتوقف فیه مجال.

قوله : وتصیر المرأة ذات عادة بأن تری الدم دفعة ثم ینقطع علی أقل الطهر فصاعدا ، ثم تراه ثانیا بمثل تلک العدّة.

أجمع علماؤنا وأکثر العامة علی أنّ العادة فی الحیض إنما تثبت بالمرتین. وقال بعض العامّة : إنها تثبت بالمرة الواحدة (3). وهو باطل ، لأن العادة مأخوذة من العود ، وهو لا یتحقق بالمرة الواحدة قطعا. ویدل علی ثبوتها بالمرتین مضافا الی الإجماع ما رواه الشیخ

ما تصیر به المرأة ذات عادة

ص: 325


1- الکافی ( 3 : 78 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 396 - 1230 ) ، الوسائل ( 2 : 540 ) أبواب الحیض ب (4) ح (1).
2- المسالک ( 1 : 9 ).
3- نقله عن الشافعی ابن قدامة فی المغنی ( 1 : 363 ).

______________________________________________________

عن یونس ، عن غیر واحد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول حتی توالت علیها حیضتان أو ثلاث فقد علم أنّ ذلک صار لها وقتا وخلقا معروفا » (1).

وعن سماعة بن مهران عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فإذا اتفق شهران عدة أیام سواء فتلک عادتها » (2).

ثم العادة إما أن تکون عددیة وقتیة ، أو عددیة خاصة ، أو وقتیة کذلک. فالأقسام ثلاثة :

الأول : أن تتفق وقتا وعددا ، کما لو رأت أول الشهر سبعة وانقطع الی أن دخل الثانی ، ثم رأت سبعة. وهذه أنفع العادات ، فإنها تتحیض برؤیة الدم ، وترجع إلیها عند التجاوز.

الثانی : أن تتفق عددا لا غیر ، کما لو رأت السبعة الأولی من الشهر ، ثم رأت سبعة أخری من الشهر ، بعد مضی أقل الطهر ، فتستقر عددا ، لکن تکون بحسب الوقت کالمضطربة ، فإذا رأت الدم الثالث بعد مضی أقل الطهر وتجاوز العشرة رجعت الی السبعة. وهذان القسمان داخلان فی تعریف المصنف.

الثالث : أن تتفق فی الوقت خاصة ، کما لو رأت سبعة من أول الشهر ، ثم ثمانیة من أول الآخر. وهذه تتحیض برؤیته بعد ذلک فی وقته ، لکن هل یحکم لها بتکرر أقل العددین ، أو تکون مضطربة فی العدد؟ قیل بالأول لتکرر الأقل (3). وقیل بالثانی لعدم

ص: 326


1- الکافی ( 3 : 83 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 381 - 1183 ) ، الوسائل ( 2 : 546 ) أبواب الحیض ب (7) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 79 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 380 - 1178 ) ، الوسائل ( 2 : 559 ) أبواب الحیض ب (14) ح (1).
3- کما فی منتهی المطلب ( 1 : 103 ) ، والذکری : (28).

مسائل خمس :

الأولی : ذات العادة تترک الصلاة والصوم برؤیة الدم إجماعا ،

______________________________________________________

صدق الاستواء والاستقامة (1) ، وهو حسن.

قوله : مسائل خمس ، الأولی : ذات العادة تترک الصلاة والصوم برؤیة الدم إجماعا.

قال الشارح - رحمه الله - : هذا إنما یتم فی القسم الأول من أقسام العادة بالنسبة الی ما یدخل فی تعریف المصنف. وفی القسم الثالث بشرط أن تراه فیهما فی أیام العادة کما لا یخفی. وأما القسم المتوسط وما تراه متقدما عنها فهو کرؤیة المبتدأة والمضطربة (2) (3) هذا کلامه - قدس سره - وهو یقتضی ثبوت الاحتیاط لذات العادة فی أغلب الأحوال ، بناء علی وجوبه فی المبتدأة ، لندرة الاتفاق فی الوقت. وهو مع ما فیه من الحرج مخالف لظاهر الأخبار المستفیضة کما ستقف علیه.

وقال الشیخ فی المبسوط : إذا استقرت العادة ثم تقدمها أو تأخر عنها الدم بیوم أو یومین إلی العشرة حکم بأنه حیض ، وإن زاد علی العشرة فلا (4) (5) ویلوح من کلام المصنف فی کتبه الثلاثة عدم وجوب الاحتیاط لذات العادة مطلقا (6).

والأظهر أنّ ما تجده المعتادة فی أیام العادة یحکم بکونه حیضا ، لصحیحة محمد بن

ذات العادة تترک الصلاة برؤیة الدم

ص: 327


1- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 37 ).
2- المسالک ( 1 : 9 ).
3- وهما القسم الأول والثانی من أقسام ذوات العادة.
4- المبسوط ( 1 : 43 ).
5- فی « ح » زیادة : وهو غیر بعید الا أن فی التحدید بالعشرة نظرا.
6- المعتبر ( 1 : 213 ) ، المختصر النافع : (9).

وفی المبتدئة تردد ، والأظهر أنها تحتاط للعبادة حتی تمضی لها ثلاثة أیام.

______________________________________________________

مسلم. قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری الصفرة فی أیامها ، فقال : « لا تصلی حتی تنقضی أیامها ، فإن رأت الصفرة فی غیر أیامها توضأت وصلت » (1).

وکذا المتقدم والمتأخر مع کونه بصفة الحیض ، لعموم قوله علیه السلام فی حسنة حفص بن البختری : « فإذا کان للدم دفع وحرارة وسواد فلتدع الصلاة » (2).

وتشهد له أیضا صحیحة العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة ذهب طمثها سنین ثم عاد إلیها شی ء ، قال : « تترک الصلاة حتی تطهر » (3).

وموثقه سماعة ، قال : سألته عن المرأة تری الدم قبل وقت حیضها ، قال : « فلتدع الصلاة ، فإنه ربما تعجّل بها الوقت » (4).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المرأة تری الصفرة ، فقال : « إن کان قبل الحیض بیومین فهو من الحیض ، وإن کان بعد الحیض بیومین فهو من الحیض » (5).

قوله : وفی المبتدئة تردد ، والأظهر أنها تحتاط للعبادة حتی تمضی لها ثلاثة أیام.

موضع الخلاف ما إذا کان الدم المرئی بصفة دم الحیض ، کما صرح به العلامة فی

متی تترک المبتدأة العبادة

ص: 328


1- المتقدمة فی ص (325).
2- الکافی ( 3 : 91 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 429 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 107 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 397 - 1234 ) ، الوسائل ( 2 : 582 ) أبواب الحیض ب (32) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 77 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 158 - 453 ) ، الوسائل ( 2 : 556 ) أبواب الحیض ب (13) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 78 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 396 - 1231 ) ، الوسائل ( 2 : 540 ) أبواب الحیض ب (4) ح (2). فی جمیع المصادر : ( وإن کان بعد الحیض بیومین فلیس من الحیض ) وهو الصحیح کما هو مستفاد من باقی الروایات والقرائن القطعیة. وهذه الجملة بأکملها غیر موجودة فی « م ».

______________________________________________________

المختلف (1) وغیره.

والأصح أنها تتحیض برؤیته ، لعموم قوله علیه السلام : « فإذا کان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (2).

وتشهد له صحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أی ساعة رأت الدم فهی تفطر الصائمة » (3). وموثقة عبد الله بن بکیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المرأة إذا رأت الدم فی أول حیضها واستمر الدم ترکت الصلاة عشرة أیام ، ثم تصلی عشرین یوما » (4).

وقال السید المرتضی - رحمه الله - فی المصباح : والجاریة التی یبتدئ بها الحیض لا تترک الصلاة حتی یستمر لها ثلاثة أیام (5). وهو اختیار ابن الجنید (6) ، وأبی الصلاح (7) ، وسلار ، والمصنف فی کتبه الثلاثة (8).

واحتج علیه فی المعتبر بأنّ مقتضی الدلیل لزوم العبادة حتی تیقن المسقط ولا تیقن قبل استمراره ثلاثة. ویرد علیه منع اشتراط تیقن المسقط ، بل یکفی ظهوره ، وهو حاصل بما ذکرناه من الأدلة. ثم قال : ولو قیل لو لزم ما ذکرته قبل الثلاثة لزم بعدها ،

ص: 329


1- المختلف ( 1 : 37 ).
2- تقدم فی ص (324).
3- التهذیب ( 1 : 394 - 1218 ) ، الإستبصار ( 1 : 146 - 499 ) ، الوسائل ( 2 : 601 ) أبواب الحیض ب (50) ح (3).
4- التهذیب ( 1 : 381 - 1182 ) ، الإستبصار ( 1 : 137 - 469 ) ، الوسائل ( 2 : 549 ) أبواب الحیض ب (8) ح (6).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 213 ).
6- نقله عنه فی المختلف : (38).
7- الکافی فی الفقه : (128).
8- المعتبر ( 1 : 213 ) ، المختصر النافع : (10).

الثانیة : لو رأت الدم ثلاثة ثم انقطع ورأت قبل العاشر کان الکل حیضا. ولو تجاوز العشرة رجعت إلی التفصیل الذی نذکره ، ولو تأخر بمقدار عشرة أیام ثم رأته کان الأول حیضا منفردا ، والثانی یمکن أن یکون حیضا مستأنفا.

______________________________________________________

لجواز أن تری ما هو أسود ویتجاوز فیکون هو حیضها لا الثلاثة. قلنا : الفرق أنّ الیوم والیومین لیس حیضا حتی تستکمل ثلاثا ، والأصل عدم التتمة حتی یتحقق. أما إذا استمر ثلاثا فقد کمل ما یصلح أن یکون حیضا ، ولا یبطل هذا الا مع التجاوز ، والأصل عدمه ما لم یتحقق (1). وما ذکره - رحمه الله - جید الا أنّ أصالة العدم لا تکفی فی حصول الیقین الذی قد اعتبره سابقا فتأمل.

قوله : الثانیة ، لو رأت الدم ثلاثة أیام ثم انقطع ورأت قبل العاشر کان الکل حیضا.

المراد أنها لو رأت الدم ثلاثة ثم انقطع وعاد قبل تمام العاشر وجب الحکم بکون الدمین مع النقاء حیضا. أما الدمان فظاهر ، وأما النقاء المحفوف بهما ، فلنقصانه عن العشرة ، فلا یمکن أن یکون طهرا. وقد صرح بذلک فی المعتبر ، فقال : ولو رأت ثلاثة ثم انقطع ، ثم رأت یوم العاشر أو ما دون کان الدمان وما بینهما من النقاء حیضا کالدم الجاری (2). واستدل علیه بما رواه محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أیام فهو من الحیضة الأولی ، وإن کان بعد العشرة فهو من الحیضة المستقبلة » (3).

قوله : ولو تأخر بمقدار عشرة أیام ثم رأته کان الأول حیضا منفردا ، والثانی یمکن أن یکون حیضا مستأنفا.

حکم من تری الدم ثلاثة ثم ینقطع ثم یعود قبل العاشر

ص: 330


1- کما فی المعتبر ( 1 : 213 ).
2- المعتبر ( 1 : 203 ).
3- الکافی ( 3 : 77 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 159 - 454 ) ، الوسائل ( 2 : 554 ) أبواب الحیض ب (11) ح (3).

الثالثة : إذا انقطع لدون عشرة فعلیها الاستبراء بالقطنة ، فإن خرجت نقیّة اغتسلت ، وإن کانت متلطخة صبرت المبتدئة حتی تنقی أو تمضی عشرة. وذات العادة تغتسل بعد یوم أو یومین من عادتها ، فإن استمر إلی العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم ، وإن تجاوز کان ما أتت به مجزیا.

______________________________________________________

إنما کان کذلک لمضی أقل الطهر بینهما ، فإن ثبتت الکلیة المدعاة فی کلامهم تحیضت برؤیته ، والا وجب مراعاة الصفات علی ما تقدم من التفصیل.

قوله : الثالثة ، إذا انقطع لدون عشرة فعلیها الاستبراء بالقطنة ، فإن خرجت نقیّة اغتسلت ، وإن کانت ملطخة صبرت المبتدئة حتی تنقی أو تمضی عشرة أیام ، وذات العادة تغتسل بعد یوم أو یومین من عادتها ، فإن استمر إلی العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم ، وإن تجاوز کان ما أتت به مجزیا.

البحث فی هذه المسألة یقع فی مواضع :

الأول : إن الحائض متی انقطع دمها ظاهرا لدون العشرة وجب علیها الاستبراء ، وهو طلب براءة الرحم من الدم بإدخال القطنة والصبر هنیئة ، ثم إخراجها لتعلم النقاء أو عدمه والظاهر حصوله بأی کیفیة اتفق ، لإطلاق قوله علیه السلام فی صحیحة محمد ابن مسلم : « إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فیها شی ء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم تر شیئا فلتغتسل » (1).

والأولی أن تعتمد برجلها الیسری علی حائط أو شبهه وتستدخل القطنة بیدها الیمنی ، لروایة شرحبیل ، عن الصادق علیه السلام ، قال ، قلت : کیف تعرف الطامث طهرها ، قال : « تعتمد برجلها الیسری علی الحائط وتستدخل الکرسف بیدها

الاستظهار

ص: 331


1- الکافی ( 3 : 80 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 161 - 460 ) ، الوسائل ( 2 : 562 ) أبواب الحیض ب (17) ح (1).

______________________________________________________

الیمنی ، فإن کان مثل رأس الذباب خرج علی الکرسف » (1).

الثانی : إنه متی حصل النقاء وجب علیها الغسل ، وهو إجماعی منصوص. ولو اعتادت النقاء فی أثناء العادة ثم رؤیة الدم بعده فالظاهر عدم وجوب الغسل معه ، لاطراد العادة ، واستلزام وجوبه الحرج والضرر بتکرر الغسل مع تکرر النقاء. ویحتمل الوجوب للعموم واحتمال عدم العود.

الثالث : إنّ المبتدئة یجب علیها الصبر مع استمرار الدم الی النقاء ، أو مضی عشرة أیام ، وهو إجماع. وأوجب علیها الشهید فی الذکری مع رجوعها إلی عادة نسائها الاستظهار بیوم (2) ، لقوله علیه السلام فی روایة محمد بن مسلم وزرارة : « یجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدی بأقرائها ثم تستظهر علی ذلک بیوم » (3) وفی السند ضعف (4).

الرابع : أجمع علماؤنا علی ثبوت (5) الاستظهار لذات العادة مع استمرار الدم إذا کانت عادتها دون العشرة ، قاله فی المعتبر (6).

والمراد بالاستظهار طلب ظهور الحال فی کون الدم حیضا أو طهرا بترک العبادة بعد العادة یوما أو أکثر ، ثم الغسل بعدها. وقد وقع الخلاف هنا فی موضعین :

ص: 332


1- الکافی ( 3 : 80 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 161 - 461 ) ، الوسائل ( 2 : 562 ) أبواب الحیض ب (17) ح (3).
2- الذکری : (29).
3- التهذیب ( 1 : 401 - 1252 ) ، الإستبصار ( 1 : 138 - 472 ) ، الوسائل ( 2 : 546 ) أبواب الحیض ب (8) ح (1).
4- لأن الشیخ رواها عن علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی وطریق الشیخ الیه ضعیف بعلی بن محمد بن الزبیر ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 337 ).
5- فی « ح » : علی أنّ ثبوت.
6- المعتبر ( 1 : 215 ).

______________________________________________________

أحدهما : إنّ هذا الاستظهار هل هو علی سبیل الوجوب أو الاستحباب؟ ظاهر کلام الشیخ فی النهایة والجمل (1) ، والمرتضی فی المصباح (2) الوجوب. وقیل بالاستحباب ، وإلیه ذهب عامة المتأخرین (3).

احتج الأولون بورود الأمر به فی عدة أخبار ، وهو حقیقة فی الوجوب. فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : « فی الحائض إذا رأت دما بعد أیامها التی کانت تری الدم فیها فلتقعد عن الصلاة یوما أو یومین ، ثم تمسک قطنة ، فإن صبغ القطنة دم لا ینقطع فلتجمع بین کل صلاتین بغسل » (4).

وفی الصحیح عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الحائض کم تستظهر؟ فقال : « تستظهر بیوم ، أو یومین ، أو ثلاثة » (5).

وفی الصحیح عن محمد بن عمرو بن سعید ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الطامث کم حدّ جلوسها؟ فقال : « تنتظر عدّة ما کانت تحیض ، ثم تستظهر بثلاثة أیام ، ثم هی مستحاضة » (6).

ص: 333


1- النهایة : (24) ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (163).
2- نقل کلامه فی المعتبر ( 1 : 214 ).
3- منهم العلامة فی التذکرة ( 1 : 29 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (29) ، والکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 45 ).
4- المعتبر ( 1 : 215 ) ، الوسائل ( 2 : 558 ) أبواب الحیض ب (13) ح (15).
5- التهذیب ( 1 : 171 - 489 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 514 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (9).
6- التهذیب ( 1 : 172 - 491 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 515 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (10).

______________________________________________________

وأجاب المصنف (1) ومن تأخر عنه (2) عن هذه الروایات بالحمل علی الاستحباب ، جمعا بینها وبین قوله علیه السلام : « تحیضی أیام أقرائک » (3) وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « المستحاضة تنتظر أیامها فلا تصل فیها ولا یقربها بعلها ، فإذا جازت أیامها ورأت دما یثقب الکرسف اغتسلت للظهر والعصر » (4) وفی روایة ابن أبی یعفور : « المستحاضة إذا مضت أیام أقرائها اغتسلت » (5).

ویمکن الجمع بینها أیضا بحمل أخبار الاستظهار علی ما إذا کان الدم بصفة دم الحیض ، والأخبار المتضمنة للعدم علی ما إذا لم یکن کذلک ، واحتمله المصنف فی المعتبر (6). وکیف کان فالاستظهار أولی.

ثم إن قلنا بالاستحباب واختارت فعل العبادة ففی وصفها بالوجوب نظر ، من حیث جواز ترکها لا إلی بدل ، ولا شی ء من الواجب کذلک. اللهم إلا أن یلتزم بوجوب العبادة بمجرد الاغتسال ، وفیه ما فیه.

وثانیهما : فی قدر زمان الاستظهار. فقال الشیخ فی النهایة : تستظهر بعد العادة بیوم أو یومین (7) ، وهو قول ابن بابویه والمفید (8). وقال فی الجمل : إن خرجت ملوثة بالدم

ص: 334


1- المعتبر ( 1 : 216 ).
2- منهم الشهید الأول فی الذکری : (29) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (73). (3) الکافی ( 3 : 83 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 381 - 1183 ) ، الوسائل ( 2 : 548 ) أبواب الحیض ب (8) ح
3- .
4- الکافی ( 3 : 88 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 106 - 277 ) ، الوسائل ( 2 : 542 ) أبواب الحیض ب (15) ح (2).
5- التهذیب ( 1 : 402 - 1258 ) ، الوسائل ( 2 : 608 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (13).
6- المعتبر ( 1 : 207 ).
7- النهایة : (24).
8- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 214 ).

______________________________________________________

فهی بعد حائض تصبر حتی تنقی (1). وقال المرتضی فی المصباح : تستظهر عند استمرار الدم إلی عشرة أیام ، فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة (2).

والمعتمد جواز استظهارها بیوم أو یومین أو ثلاثة ، لصحیحتی البزنطی (3) ومحمد بن عمرو بن سعید (4) عن الرضا علیه السلام ، وقد سلفتا.

ویشهد لما ذکره المرتضی : روایة عبد الله بن المغیرة ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المرأة تری الدم ، فقال : « إن کان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة » (5).

وروایة یونس بن یعقوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الحائض إذا تجاوز دمها الوقت ، قال : « تنتظر (6) عدتها التی کانت تجلس ، ثم تستظهر بعشرة أیام ، فإن رأت دما صبیبا فلتغتسل فی وقت کل صلاة » (7).

قال الشیخ - رحمه الله - : معنی قوله : بعشرة أیام : إلی عشرة أیام ، وحروف

ص: 335


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (163).
2- نقل کلامه فی المعتبر ( 1 : 214 ).
3- التهذیب ( 1 : 171 - 489 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 514 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (9).
4- التهذیب ( 1 : 172 - 491 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 515 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (10).
5- التهذیب ( 1 : 172 - 493 ) ، الإستبصار ( 1 : 150 - 517 ) ، الوسائل ( 2 : 558 ) أبواب الحیض ب (13) ح (11).
6- فی « ق » : تنظر.
7- التهذیب ( 1 : 402 - 1259 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 516 ) ، الوسائل ( 2 : 558 ) أبواب الحیض ب (13) ح (12).

الرابعة : إذا طهرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل علی کراهیة.

______________________________________________________

الصفات یقوم بعضها مقام بعض (1). وهو حسن ، لکن فی طریق الروایة الأولی ضعف (2) وإرسال ، وفی یونس بن یعقوب کلام (3) ، فیشکل الخروج بهما عن مقتضی الأدلة الدالة علی لزوم العبادة. ولا ریب أنّ الاقتصار علی الثلاثة أحوط.

الخامس : ذکر المصنف (4) - رحمه الله - وغیره (5) : أنّ الدم متی انقطع علی العاشر تبین کون الجمیع حیضا ، فیجب علیها قضاء صوم العشرة ، وإن کانت قد صامت بعد انقضاء العادة ، لتبیّن فساده ، دون الصلاة. وإن تجاوز العشرة تبین أنّ ما زاد عن العادة طهر کله ، فیجب علیها قضاء ما أخلّت به من العبادة فی ذلک الزمان ، ویجزئها ما أتت به من الصلاة والصیام ، لتبیّن کونها طاهرا.

وعندی فی جمیع هذه الأحکام توقف ، لعدم الظفر بما یدل علیها من النصوص.

والمستفاد من الأخبار أن ما بعد أیام الاستظهار استحاضة ، وأنّه لا یجب قضاء ما فاتها فی أیام الاستظهار مطلقا (6) ، والله أعلم.

قوله : الرابعة ، إذا طهرت جاز لزوجها وطؤها قبل الغسل علی کراهة.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من جواز وطء الحائض إذا طهرت قبل الغسل علی کراهة هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل عن الصدوق - رحمه الله - القول بتحریمه قبل

جواز وطء الحائض قبل أن تغتسل

ص: 336


1- التهذیب ( 1 : 402 ).
2- لأن فی طریقها أحمد بن هلال وقد قال عنه الشیخ فی الفهرست : ( 36 - 97 ) انه کان غالیا متهما فی دینه.
3- راجع رجال النجاشی : ( 446 - 1207 ).
4- کما فی المعتبر ( 1 : 203 ).
5- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 104 ).
6- الوسائل ( 2 : 556 ) أبواب الحیض ب (13).

______________________________________________________

الغسل (1) ، وکلامه فی کتابه من لا یحضره الفقیه لا یعطی ذلک ، فإنه قال : ولا یجوز مجامعة المرأة فی حیضها ، لأن الله عز وجل نهی عن ذلک ، فقال ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ ) (2) یعنی بذلک الغسل من الحیض ، فإن کان الرجل شبقا وقد طهرت المرأة وأراد زوجها أن یجامعها قبل الغسل أمرها أن تغسل فرجها ثم یجامعها (3). هذا کلامه - رحمه الله . وهو صریح فی جواز الوطء قبل الغسل إذا کان الزوج شبقا وغسلت فرجها ، فلا یتم إسناد التحریم إلیه مطلقا. والمعتمد الکراهة.

لنا : أصالة الإباحة ، وقوله تعالی ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ ) بالتخفیف ، کما قرأ به السبعة ، أی یخرجن من الحیض. یقال : طهرت المرأة إذا انقطع حیضها. جعل سبحانه وتعالی غایة التحریم انقطاع الدم فیثبت الحل بعده ، عملا بمفهوم الغایة ، لأن الحق أنه حجة ، بل صرّح الأصولیون بأنه أقوی من مفهوم الشرط.

ولا ینافی ذلک قراءة التشدید. أما أولا ، فلأن « تفعل » قد جاء فی کلامهم بمعنی « فعل » کقولهم تبیّن ، وتبسّم ، وتطعّم بمعنی : بان ، وبسم ، وطعم. قیل (4) : ومن هذا الباب المتکبّر فی أسماء الله تعالی ، بمعنی الکبیر (5). وإذا ثبت إطلاق هذه البنیة (6) علی هذا المعنی کان الحمل علیه أولی ، صونا للقرائتین ( عن التنافی ) (7).

وأما ثانیا ، فلإمکان حمل النهی فی هذه القراءة علی الکراهة ، توفیقا بین القراءتین،

ص: 337


1- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 235 ).
2- البقرة : (222).
3- الفقیه ( 1 : 53 ).
4- لیست فی « م ».
5- کما فی المعتبر ( 1 : 236 ) ، وروض الجنان : (79) ، وجامع المقاصد ( 1 : 45 ).
6- فی « ح » : الهیئة.
7- لیست فی « س ».

______________________________________________________

ویکون المنهی عنه المباشرة بعد انقطاع الدم ، لسبق العلم بتحریمها حالة الحیض من صدر الآیة ، أعنی قوله تعالی ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِی الْمَحِیضِ ) (1) وإلی هذا أشار فی المعتبر ، حیث قال : ولو قیل : قد قرئ بالتضعیف فی یطهرن ، قلنا : فیجب أن یحمل علی الاستحباب ، توفیقا بین القراءتین ، ودفعا للتنافی بینهما (2).

ولا یعارض بمفهوم قوله تعالی ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (3) حیث شرط فی إباحة الوطء التطهر (4) الذی هو الغسل. لأنا نقول مفهومه انتفاء رجحان الوطء مع عدم التطهر (5) ، وهو أعم من التحریم ، فیحتمل الإباحة.

سلّمنا أنّ الأمر هنا للإباحة ، لکنا نمنع إرادة الغسل من التطهر (6) ، لأنه یتوقف علی ثبوت وضعه له شرعا ، وهو ممنوع ، بل یتعیّن حمله علی الطهر ، لوروده بمعناه لغة کما تقدم ، أو علی المعنی اللغوی المتحقق بغسل الفرج خاصة.

سلمنا أنّ المراد بالتطهر الغسل ، لکن نقول مفهومان تعارضا ، فإن لم یرجح (7) أقواهما تساقطا ویبقی حکم الأصل سالما من المعارض.

ویدل علی الجواز أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی المرأة ینقطع عنها دم الحیض فی آخر أیامها ، فقال : « إذا أصاب زوجها شبق فلیأمرها بغسل فرجها ثم یمسّها إن شاء قبل أن تغتسل » (8).

ص: 338


1- البقرة : (222).
2- المعتبر ( 1 : 235 ).
3- البقرة : (222).
4- فی « م » ، « س » ، « ق » : التطهیر.
5- فی « م » ، « س » ، « ق » : التطهیر.
6- فی « م » ، « س » ، « ق » : التطهیر.
7- فی « ق » ، « س » : نرجح.
8- الکافی ( 5 : 539 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 166 - 475 ) ، الإستبصار ( 1 : 135 - 463 ) ، الوسائل ( 2 : 572 ) أبواب الحیض ب (27) ح (1) ، ( مع اختلاف یسیر فی التهذیب والاستبصار ).

______________________________________________________

وفی الموثق عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن الحائض تری الطهر فیقع علیها زوجها قبل أن تغتسل ، قال : « لا بأس ، وبعد الغسل أحبّ الیّ » (1).

واحتج القائلون بالتحریم بقوله تعالی ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ ) (2) بالتشدید. وبما رواه الشیخ عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة کانت طامثا فرأت الطهر أیقع علیها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا حتی تغتسل » (3).

وعن عبد الرحمن ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة حاضت ثم طهرت فی سفر فلم تجد الماء یومین أو ثلاثة ، هل لزوجها أن یقع علیها؟ قال : « لا یصلح لزوجها أن یقع علیها حتی تغتسل » (4).

وعن سعید بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال ، قلت له : المرأة تحرم علیها الصلاة ثم تطهر فتوضأ من غیر أن تغتسل ، أفلزوجها أن یأتیها قبل أن تغتسل؟ قال : « لا حتی تغتسل » (5).

دلیل القائلین بالتحریم

ص: 339


1- الکافی ( 5 : 539 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 167 - 481 ) ، ( بتفاوت یسیر ) ، الإستبصار ( 1 : 136 - 468 ) ، الوسائل ( 2 : 573 ) أبواب الحیض ب (27) ح (5).
2- البقرة : (222).
3- التهذیب ( 1 : 166 - 478 ) ، الإستبصار ( 1 : 136 - 465 ) ، الوسائل ( 2 : 573 ) أبواب الحیض ب (27) ح (6).
4- التهذیب ( 1 : 399 - 1244 ) ، الوسائل ( 2 : 565 ) أبواب الحیض ب (21) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 167 - 479 ) ، الإستبصار ( 1 : 136 - 466 ) ، الوسائل ( 2 : 574 ) أبواب الحیض ب (27) ح (7).

الخامسة : إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضی مقدار الطهارة والصلاة وجب علیها القضاء ،

______________________________________________________

والجواب عن الآیة ما تقدم (1) ، وعن الروایات أولا بالطعن فی السند (2) ، وثانیا بالحمل علی الکراهة جمعا بین الأدلة. ومن هنا یعلم أنّ ما ذکره جدی - قدس سره - فی روض الجنان (3) من قوة ما ذهب إلیه الصدوق - رحمه الله - لدلالة ظاهر الآیة علیه ، وورود الأخبار الصحیحة به وإن عارضها ما لا یساویها ، محل نظر.

قوله : الخامسة ، إذا دخل وقت الصلاة فحاضت وقد مضی مقدار الطهارة والصلاة وجب علیها القضاء.

هذا مذهب الأصحاب. واحتجوا (4) علیه بموثقة یونس بن یعقوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام . قال فی امرأة دخل وقت الصلاة وهی طاهر ، فأخرت الصلاة حتی حاضت ، قال : « تقضی إذا طهرت » (5).

وروایة عبد الرحمن بن الحجاج : قال : سألته عن المرأة طمثت بعد أن تزول الشمس ولم تصل الظهر ، هل علیها قضاء تلک الصلاة؟ قال : « نعم » (6) وفی سند الروایتین

حکم من حاضت بعد دخول وقت الصلاة

ص: 340


1- فی ص (334).
2- اما الأولی والثالثة فلأن الشیخ رواهما عن علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی وطریق الشیخ الیه ضعیف بعلی بن محمد بن الزبیر ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 337 ) وأما الثانیة فیمکن أن یکون الطعن فیها لکون بعض رواتها فطحیا.
3- روض الجنان : (80).
4- کما فی منتهی المطلب ( 1 : 113 ).
5- التهذیب ( 1 : 392 - 1211 ) ، الإستبصار ( 1 : 144 - 493 ) ، الوسائل ( 2 : 597 ) أبواب الحیض ب (48) ح (4).
6- التهذیب ( 1 : 394 - 1221 ) ، الإستبصار ( 1 : 144 - 494 ) ، الوسائل ( 2 : 597 ) أبواب الحیض ب (48) ح (5).

وإن کان قبل ذلک لم یجب.

______________________________________________________

ضعف (1) إلا أنهما مؤیدتان بعموم ما دل علی وجوب قضاء الفوائت (2).

وروی أبو الورد قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المرأة التی تکون فی صلاة الظهر وقد صلّت رکعتین ثم تری الدم ، قال : « تقوم من مسجدها ولا تقضی الرکعتین ، قال : فإن رأت الدم وهی فی صلاة المغرب وقد صلّت رکعتین فلتقم من مسجدها ، فإذا طهرت فلتقض الرکعة التی فاتتها من المغرب » (3) وبمضمون هذه الروایة أفتی الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (4). وهی ضعیفة بجهالة الراوی (5). والمعتمد ما علیه الأصحاب.

قوله : ولو کان قبل ذلک لم یجب.

هذا قول معظم الأصحاب تمسّکا بمقتضی الأصل السالم عن المعارض. واستدل علیه فی المنتهی بأنّ وجوب الأداء ساقط ، لاستحالة تکلیف ما لا یطاق ، ووجوب القضاء تابع لوجوب الأداء (6). وهو استدلال ضعیف ، أما أولا فلأنه منقوض بوجوب قضاء الصلاة علی الساهی والنائم ، وقضاء الصوم علی الحائض ، مع سقوط الأداء بالنسبة الی

ص: 341


1- أما الأولی فلأن الشیخ رواها عن علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی وطریق الشیخ الیه ضعیف ، ومن ثم أن فی یونس بن یعقوب کلام ( راجع معجم رجال الحدیث ( 11 : 337 ) ، ورجال النجاشی : 446 1207 ). وأما الثانیة فلأن الشیخ رواها عن أحمد بن محمد بن عیسی وللشیخ الیه طریقان کلاهما ضعیف أحدهما بأحمد بن محمد بن یحیی والآخر بأحمد بن محمد بن الحسن بن الولید ( راجع معجم رجال الحدیث 2 : 299 ).
2- الوسائل ( 5 : 347 ) أبواب قضاء الفوائت ب (1).
3- الکافی ( 3 : 103 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 392 - 1210 ) ، الإستبصار ( 1 : 144 - 495 ) ، الوسائل ( 2 : 597 ) أبواب الحیض ب (48) ح (3).
4- الفقیه ( 1 : 52 ).
5- راجع معجم رجال الحدیث ( 22 : 66 - 14876 ).
6- منتهی المطلب ( 1 : 209 ).

وإن طهرت قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة وأداء رکعة وجب علیها الأداء ، ومع الإخلال القضاء.

______________________________________________________

الجمیع.

وأما ثانیا فلأن الحق أنّ القضاء إنما یجب بأمر جدید ، فمتی وجد ثبت الوجوب ، ومتی انتفی انتفی ، ولا ارتباط له بوجوب الأداء کما حقّق فی محلّه.

ونقل عن ظاهر المرتضی (1) وابن بابویه (2) الاکتفاء فی وجوب القضاء بخلو أول الوقت عن الحیض بمقدار أکثر الصلاة ، ولم نقف علی مأخذه.

قوله : وإن طهرت قبل آخر الوقت بمقدار الطهارة وأداء رکعة وجب علیها الأداء ، ومع الإخلال القضاء.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، بل قال فی المنتهی إنه لا خلاف فیه بین أهل العلم (3). ویدل علیه عموم قول النبی صلی الله علیه و آله : « من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الکل »(4).

وروی الشیخ فی الصحیح عن معمر بن یحیی ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الحائض تطهر عند العصر ، تصلی الأولی؟ قال : « لا إنما تصلی التی تطهر عندها » (5) ویمکن حملها علی ما إذا لم تدرک من آخر الوقت إلا مقدار أربع رکعات ،

حکم من طهرت قبل آخر الوقت بقلیل

ص: 342


1- جمل العلم والعمل : (67).
2- لم نعثر علیه بهذه الصراحة : لکن قال فی المقنع : (17) ، والفقیه ( 1 : 52 ) : وإذا صلّت المرأة من الظهر رکعتین فحاضت قامت من مجلسها ولم یکن علیها إذا طهرت قضاء الرکعتین وان کانت فی صلاة المغرب وقد صلّت رکعتین فحاضت ، قامت من مجلسها فإذا طهرت قضت الرکعة.
3- منتهی المطلب ( 1 : 209 ).
4- جامع الأصول ( 5 : 251 - 3325 ) ، سنن النسائی ( 1 : 274 ) ، صحیح البخاری ( 1 : 151 ).
5- الکافی ( 3 : 102 - 2 ) ، الاستبصار ( 1 : 141 - 484 ) ، التهذیب ( 1 : 389 - 1198 ) ، الوسائل ( 2 : 599 ) أبواب الحیض ب (49) ح (3).

وأما ما یتعلق به فأشیاء :

الأول : یحرم علیها کل ما یشترط فیه الطهارة ، کالصلاة والطواف ومسّ کتابة القرآن. یکره حمل المصحف ولمس هامشه. ولو تطهّرت لم یرتفع حدثها.

______________________________________________________

فإنه یختصّ بالعصر ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : وأما ما یتعلق به فأشیاء ، الأول : یحرم علیها کل ما یشترط فیه الطهارة ، کالصلاة والطواف ومسّ کتابة القرآن.

أما تحریم الصلاة والطواف فموضع وفاق بین العلماء. وأما تحریم المسّ ، فمذهب الأکثر ، بل قیل : إنّه إجماع (1). وقال ابن الجنید : إنه مکروه (2) ، ولعله یرید بالکراهة الحرمة. والکلام فیه کما فی الجنب.

قوله : ویکره حمل المصحف ولمس هامشه.

لورود النهی عنهما فی روایة إبراهیم بن عبد الحمید (3). ویلوح من کلام المرتضی - رحمه الله - التحریم (4) ، وهو ضعیف.

قوله : ولو تطهرت لم یرتفع حدثها.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المعتبر (5) ، واستدل علیه بأنّ الطهارة ضدّ الحیض فلا تتحقق مع وجوده ، وبقوله علیه السلام فی حسنة ابن مسلم ، وقد سأله عن الحائض تطهّر یوم الجمعة وتذکر الله : « أما الطهر فلا ، ولکن تتوضأ وقت

اٴحکام الحائض

حرمة ما یشترط فیه الطهارة علیها

کراهة حمل المصحف ولمس هامشه

عدم ارتفاع حدثها بالطهارة

ص: 343


1- کما فی منتهی المطلب ( 1 : 110 ).
2- نقله عنه فی المختلف : (36).
3- التهذیب ( 1 : 127 - 344 ) ، الإستبصار ( 1 : 113 - 378 ) ، الوسائل ( 1 : 269 ) أبواب الوضوء ب (12) ح (3).
4- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 234 ).
5- المعتبر ( 1 : 221 ).

الثانی : لا یصح منها الصوم.

______________________________________________________

کل صلاة » (1) الحدیث.

وما رواه عبد الله بن یحیی الکاهلی فی الحسن عن الصادق علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة یجامعها زوجها فتحیض وهی فی المغتسل أفلا تغتسل؟ قال : « قد جائها ما یفسد الصلاة فلا تغتسل » (2).

قال بعض المحققین : وفی هذا الخبر دلالة علی وجوب غسل الجنابة لغیره وإلا لم یکن لتأخیر الغسل معنی (3). وفیه نظر ، لان (4) طرو المانع من فعل الواجب الموسع فی وقت معیّن لا یخرجه عن کونه واجبا.

ویلوح من کلام الشیخ فی کتابی الحدیث جواز الاغتسال والحال هذه (5) ، لموثقة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه سأله عن المرأة یواقعها زوجها ثم تحیض قبل أن تغتسل : قال : « إن شاءت أن تغتسل فعلت ، وإن لم تفعل فلیس علیها شی ء ، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للحیض والجنابة » (6).

قوله : الثانی ، لا یصح منها الصوم.

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، والنصوص به من الطرفین مستفیضة (7). وفی

عدم صحة الصوم منها

ص: 344


1- الکافی ( 3 : 100 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 566 ) أبواب الحیض ب (22) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 83 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 370 - 1128 ) ، وص ( 395 - 1224 ) ، الوسائل ( 2 : 565 ) أبواب الحیض ب (22) ح (1). ( مع اختلاف یسیر فی التهذیب والکافی ).
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 33 ).
4- فی « ق » « م » « س » : فأن.
5- التهذیب ( 1 : 396 ) ، والاستبصار ( 1 : 147 ).
6- التهذیب ( 1 : 396 - 1229 ) ، الاستبصار ( 1 : 147 - 506 ) ( مع اختلاف یسیر فیهما ) ، الوسائل ( 1 : 527 ) أبواب الجنابة ب (43) ح (7).
7- الوسائل ( 2 : 586 ) أبواب الحیض ب (39) ح ( 2 ، 3 ، 4 ).

الثالث : لا یجوز لها الجلوس فی المسجد ،

______________________________________________________

توقف صومها علی الغسل قولان : أشهرهما ذلک ، لروایة أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن طهرت بلیل من حیضها ثم توانت أن تغتسل فی رمضان حتی أصبحت علیها قضاء ذلک الیوم » (1) وفی الطریق علی بن الحسن وعلی بن أسباط وهما فطحیان (2). ومن ثم تردد فی ذلک المصنف فی المعتبر (3). وجزم العلامة فی النهایة بعدم الوجوب (4) ، ولا یخلو من قوة.

قال الشارح : وإنما غیّر أسلوب العبارة وحکم فی الصلاة بالتحریم وفی الصوم بعدم الصحة للتنبیه علی اختلاف هذه الغایات بالنسبة إلی الحائض ، فإنّ غایة تحریم الصلاة الطهارة ، وکذا ما أشبهها من الطواف ، ومسّ کتابة القرآن ، ودخول المساجد ، وقراءة العزائم. وغایة تحریم الطلاق انقطاع الدم وإن لم تغتسل. واختلف فی غایة الصوم ، فقیل : غایته الأولی ، وقیل : غایته الثانیة ، فلذا غایر بینهما (5) (6).

قوله : الثالث ، لا یجوز لها الجلوس فی المسجد.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه مذهب عامة أهل العلم (7). وتخصیص المصنف التحریم بالجلوس یؤذن بجواز التردد فی ( جوانب ) (8)

عدم جواز جلوسها فی المساجد

ص: 345


1- التهذیب ( 1 : 393 - 1213 ) ، الوسائل ( 2 : 534 ) أبواب الحیض ب (1) ح (1).
2- راجع رجال النجاشی : ( 252 - 663 ) ، ( 257 - 675 ) والفطحیة : هم القائلون بأن الإمامة بعد جعفر الصادق - علیه السلام - فی ابنه عبد الله بن جعفر الأفطح وسمّی الأفطح لأنه کان افطح الرأس ( راجع فرق الشیعة للنوبختی : 77 ).
3- المعتبر ( 1 : 226 ).
4- نهایة الأحکام ( 1 : 119 ).
5- المسالک ( 1 : 9 ).
6- فی « ح » زیادة : ویمکن المناقشة فی ذلک الا أنّ الأمر فیه هیّن.
7- منتهی المطلب ( 1 : 110 ).
8- لیست فی « س ».

ویکره الجواز فیه.

______________________________________________________

المسجد ، وهو کذلک. والحکم مختص بحالة الاختیار ، فلو اضطرت إلی ذلک لخوف من لصّ أو سبع جاز لها فعله من دون تیمم علی الأقوی ، عملا بالأصل ، وظاهر قوله علیه السلام فی روایة ابن مسلم : « أما الطهر فلا » (1).

وفی الجنب وجهان ، تقدمت الإشارة إلیهما. ومتی دخل الجنب المسجد متیمما جاز له اللبث فیه إلی أن ینتقض تیممه. وفی جواز النوم له فیه اختیارا قولان : أظهرهما الجواز ، لأنه قبل النوم متطهّر وبعده غیر مکلف. وقیل بالمنع ولا نعلم مأخذه.

ولم یذکر المصنف فی هذا الکتاب أنه یحرم علی الحائض وضع شی ء فی المسجد ، وقد قطع به فی النافع والمعتبر (2). وتدل علیه صحیحة ابن سنان الواردة بالمنع من ذلک فی الجنب والحائض (3) ، وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته کیف صارت الحائض تأخذ ما فی المسجد ولا تضع فیه؟ فقال : « لأن الحائض تستطیع أن تضع ما فی یدها فی غیره ، ولا تستطیع أن تأخذ ما فیه إلا منه » (4).

قوله : ویکره الجواز فیه.

هذا قول الشیخ فی الخلاف (5) وأتباعه. قال فی المنتهی : ولم نقف فیه علی حجة ، ثم احتمل کون سبب الکراهة إما جعل المسجد طریقا ، وإما إدخال النجاسة إلیه (6).

حرمة وضع شئ فی المسجد علیها

کراهة الجواز فی المسجد علیها

ص: 346


1- الکافی ( 3 : 100 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 566 ) أبواب الحیض ب (22) ح (3).
2- المختصر النافع : (10) ، المعتبر ( 1 : 223 ).
3- الکافی ( 3 : 51 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 125 - 339 ) ، الوسائل ( 1 : 490 ) أبواب الجنابة ب (17) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 106 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 397 - 1233 ) ، الوسائل ( 2 : 583 ) أبواب الحیض ب (35) ح (1).
5- الخلاف ( 1 : 196 ).
6- منتهی المطلب ( 1 : 110 ).

الرابع : لا یجوز لها قراءة شی ء من العزائم. ویکره لها ما عدا ذلک.

______________________________________________________

ویرد علی الأول أنه لا وجه لتخصیص الکراهة حینئذ بالحائض ، بل یعمّ کل مجتاز. وعلی الثانی أنّ ذلک محرم عنده فکیف یکون سببا فی الکراهة.

ونقل عن الشیخ فی المبسوط (1) ، والمرتضی فی المصباح (2) أنهما ذکرا إباحة الاجتیاز ولم یتعرضا للکراهة. وهو حسن.

هذا کله فیما عدا المسجدین ، أما هما فقد قطع الأصحاب بتحریم الدخول إلیهما (3) مطلقا ، لقوله علیه السلام فی روایة ابن مسلم : « ولا یقربان المسجدین الحرامین » (4) (5).

ویظهر من المصنف فی المعتبر التوقف فی ذلک ، حیث قال : وأما تحریم المسجدین اجتیازا فقد جری فی کلام الثلاثة وأتباعهم ، ولعله لزیادة حرمتهما علی غیرهما من المساجد ، وتشبیها للحائض بالجنب ، فلیس حالها بأخفّ من حاله (6). وهو فی محله.

قوله : الرابع : لا یجوز لها قراءة شی ء من العزائم ، ویکره لها ما عدا ذلک.

الکلام فی هذین الحکمین کما تقدم فی الجنب. ویستفاد من العبارة کراهة السبع المستثناة للجنب ، واستحسنه الشارح (7) ، لانتفاء النصّ المقتضی للتخصیص ، ( وهو غیر جید ، بل المتجه قراءة ما عدا العزائم من غیر کراهة بالنسبة إلیها مطلقا ، لانتفاء ما یدل علی الکراهة بطریق الإطلاق أو التعمیم حتی یحتاج استثناء السبع

حکم اجتیازها فی أحد المسجدین

حرمة قراءة العزائم وکراهة غیرها علیها

ص: 347


1- المبسوط ( 1 : 41 ).
2- نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 110 ) ، والمعتبر ( 1 : 222 ).
3- کذا ، والأنسب : فیهما.
4- فی « م » « س » « ق » : الحرمین.
5- التهذیب ( 1 : 371 - 1132 ) ، الوسائل ( 1 : 488 ) أبواب الجنابة ب (15) ح (17).
6- المعتبر ( 1 : 222 ).
7- المسالک ( 1 : 9 ).

وتسجد لو تلت السجدة ، وکذا إن استمعت علی الأظهر.

______________________________________________________

إلی المخصص ) (1).

وروایة سماعة (2) التی هی الأصل فی کراهة قراءة ما زاد علی السبع مختصة بالجنب ، فتبقی الأخبار الصحیحة المتضمنة لإباحة قراءة الحائض ما شاءت.

قوله : وتسجد لو تلت السجدة ، وکذا لو استمعت علی الأظهر.

خالف فی ذلک الشیخ فحرم علیها السجود (3) ، بناء علی اشتراط الطهارة فیه ، ونقل علیه فی التهذیب الإجماع (4). والمعتمد عدم الاشتراط ، تمسکا بإطلاق الأمر الخالی من التقیید ، وخصوص صحیحة أبی عبیدة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الطامث تسمع السجدة ، فقال : « إن کانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها » (5).

وروایة أبی بصیر قال ، قال : « إذا قرئ شی ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن کنت علی غیر وضوء ، وإن کنت جنبا ، وإن کانت المرأة لا تصلی » (6).

والعجب أنّ الشیخ فی التهذیب حمل هذین الخبرین علی الاستحباب بعد أن حکم

وجوب السجود علیها إذا قرأت أو سمعت السجدة

ص: 348


1- بدل ما بین القوسین فی « س » و « ح » : وهو غیر جید لانتفاء ما یدل علی الکراهة هنا رأسا ، ولإطلاق الإذن لها فی قراءة ما شاءت من القرآن. فلو قیل ( بانتفاء ) ما یدل علی الکراهة فی قراءتها ما عدا العزائم ( من ) القرآن کان قویا. ( ما بین الأقواس من « ح » ).
2- التهذیب ( 1 : 128 - 350 ) ، الإستبصار ( 1 : 114 - 383 ) ، الوسائل ( 1 : 494 ) أبواب الجنابة ب (19) ح (9).
3- کما فی النهایة : (25).
4- التهذیب ( 1 : 129 ).
5- الکافی ( 3 : 106 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 129 - 353 ) ، الإستبصار ( 1 : 115 - 385 ) ، الوسائل ( 2 : 584 ) أبواب الحیض ب (36) ح (1).
6- الکافی ( 3 : 318 - 2 ) ، التهذیب ( 2 : 291 - 1171 ) ، الوسائل ( 2 : 584 ) أبواب الحیض ب (36) ح (2).

______________________________________________________

بالمنع من السجود ، وقال : إنه لا یجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات بلا خلاف ، واستدل علیه بما رواه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال : « تقرأ ولا تسجد » (1).

وأجاب العلامة فی المختلف عن هذه الروایة [ بالحمل ] (2) علی المنع من قراءة العزائم ، ثم قال : وکأنه علیه السلام قال : « تقرأ القرآن ولا تسجد » أی لا تقرأ العزیمة التی تسجد لها ، وإطلاق المسبب علی السبب مجاز جائز (3). وهو تأویل بعید.

وأجاب عنها المتأخرون أیضا بالحمل علی السجدات المستحبة بدلیل قوله : « تقرأ ». والدلالة منتفیة.

ویمکن حملها علی السماع الذی لا یکون معه استماع ، فإن صحیحة أبی عبیدة (4) إنما تضمنت وجوب السجود علیها مع الاستماع ، ولعل ذلک هو السرّ فی تعبیر المصنف بالاستماع. وصرح المصنف فی المعتبر بعدم وجوب السجود بالسماع الذی لا یکون معه إصغاء (5). والمسألة محل تردد.

واعلم أنّ تقیید المصنف السجود بالاستماع الذی یکون معه الإصغاء یفهم منه عدم الوجوب بالسماع ، وبه صرح فی المعتبر ، واستدل بما رواه عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل سمع السجدة قال : « لا یسجد إلا أن یکون منصتا

عدم وجوب السجود بمجرد سماع السجدة

ص: 349


1- التهذیب ( 2 : 292 - 1172 ) ، الإستبصار ( 1 : 320 - 1193 ) ، الوسائل ( 2 : 584 ) أبواب الحیض ب (36) ح (4).
2- من المصدر.
3- المختلف : (34).
4- المتقدمة فی ص (348).
5- المعتبر ( 1 : 229 ).

الخامس : یحرم علی زوجها وطؤها حتی تطهر ،

______________________________________________________

لقراءة مستمعا لها ، أو یصلی بصلاته ، فأما أن یکون فی ناحیة وأنت فی أخری فلا تسجد إذا سمعت » (1) وفی الطریق محمد بن عیسی عن یونس وفیه کلام مشهور (2) ، وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : الخامس ، یحرم علی زوجها وطؤها حتی تطهر.

أجمع علماء الإسلام علی تحریم وطء الحائض قبلا ، بل صرح جمع من الأصحاب بکفر مستحله ما لم یدّع شبهة محتملة ، لإنکاره ما علم من الدین ضرورة.

ولا ریب فی فسق الواطئ بذلک ، ووجوب تعزیره بما یراه الحاکم ، مع علمه بالحیض وحکمه. ویحکی عن أبی علی ولد الشیخ تقدیره بثمن حدّ الزانیّ (3) ، ولم نقف علی مأخذه. ولو جهل الحیض أو نسیه ، أو جهل الحکم أو نسیه فلا شی ء علیه.

ولو اشتبه الحال ، فإن کان لتحیّرها فسیأتی حکمه ، وإن کان لغیره کما فی الزائد عن العادة فالأصل الإباحة. وأوجب علیه فی المنتهی الامتناع ، قال : لأن الاجتناب حالة الحیض واجب ، والوطء حالة الطهر مباح ، فیحتاط بتغلیب الحرام ، لأن الباب باب الفروج (4). وهو حسن إلا أنه لا یبلغ حدّ الوجوب.

ولو أخبرت المرأة بالحیض فالظاهر وجوب القبول إن لم تتهم بتضییع حقّه ، لقوله

حرمة وطء الحائض

ص: 350


1- الکافی ( 3 : 318 - 3 ) ، التهذیب ( 2 : 291 - 1169 ) ( بتفاوت یسیر ) ، الوسائل ( 4 : 882 ) أبواب قراءة القرآن ب (43) ح (1).
2- ما ذکره أبو جعفر بن بابویه ، عن ابن الولید أنه قال : ما تفرد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه ( راجع رجال النجاشی 333 - 896 ).
3- نقله عنه فی روض الجنان : (77).
4- منتهی المطلب ( 1 : 117 ).

ویجوز له الاستمتاع بما عدا القبل.

______________________________________________________

تعالی ( وَلا یَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یَکْتُمْنَ ) (1) ولو لا وجوب القبول لما حرم الکتمان. ولما رواه زرارة فی الحسن عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « العدة والحیض إلی النساء ، إذا ادعت صدقت » (2).

قوله : ویجوز له الاستمتاع بما عدا القبل.

اتفق العلماء کافة علی جواز الاستمتاع من الحائض بما فوق السرة وتحت الرکبة. واختلفوا فیما بینهما خلا موضع الدم ، فذهب الأکثر إلی جواز الاستمتاع به أیضا. وقال السید المرتضی - رحمه الله - فی شرح الرسالة لا یحل الاستمتاع منها إلا بما فوق المئزر (3) ، ومنه الوطء فی الدبر.

احتج المجوزون بأصالة الإباحة ، وقوله تعالی ( وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ ) (4) وهو صریح فی نفی اللوم عن الاستمتاع کیف کان ، ترک العمل به فی موضع الحیض بالإجماع فیبقی ما عداه علی الجواز.

ولا ینافیه قوله تعالی ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِی الْمَحِیضِ ) (5) لأن المراد بالمحیض موضع الحیض کالمبیت والمقیل ، لأنه قیاس اللفظ ، ولسلامته من الإضمار والتخصیص اللازمین بحمله علی المصدر ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة ، کموثقة عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا حاضت المرأة فلیأتها

جواز الاستمتاع بما عدا القبل

ص: 351


1- البقرة : (228).
2- الکافی ( 6 : 101 - 1 ) ، التهذیب ( 8 : 165 - 573 ) ، الإستبصار ( 3 : 356 - 1276 ) ، الوسائل ( 2 : 596 ) أبواب الحیض ب (47) ح (1).
3- نقله عنه فی المختلف ( 1 : 35 ) ، والمعتبر ( 1 : 224 ).
4- المؤمنون : (5).
5- البقرة : (221).

______________________________________________________

زوجها حیث شاء ما اتقی موضع الدم » (1).

وروایة عبد الملک بن عمرو قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عما لصاحب المرأة الحائض منها؟ قال : « کل شی ء ما عدا القبل بعینه » (2).

وصحیحة عمر بن یزید قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما للرجل من الحائض؟ قال : « ما بین إلیتیها ولا یوقب » (3).

احتج المرتضی (4) - رحمه الله - بإطلاق قوله تعالی ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ ) (5) وخصوص صحیحة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام عن الحائض ما یحلّ لزوجها منها؟ قال : « تتزر بإزار إلی الرکبتین فتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار » (6).

وأجیب عن الآیة بأنّ النهی عن حقیقة القرب غیر مراد إجماعا ، وسوق الآیة یقتضی أنّ المراد به الوطء فی القبل خاصة (7).

وذکر المفسرون فی سبب النزول أنّ الیهود کانوا یعتزلون النساء فلا یؤاکلوهن

ص: 352


1- التهذیب ( 1 : 154 - 436 ) ، الإستبصار ( 1 : 128 - 437 ) ، الوسائل ( 2 : 570 ) أبواب الحیض ب (25) ح (5).
2- الکافی ( 5 : 538 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 154 - 437 ) ، الإستبصار ( 1 : 128 - 438 ) ، الوسائل ( 2 : 570 ) أبواب الحیض ب (25) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 155 - 443 ) ، الإستبصار ( 1 : 129 - 441 ) ، الوسائل ( 2 : 571 ) أبواب الحیض ب (25) ح (8).
4- نقله عن شرح الرسالة للمرتضی فی المختلف : (35).
5- البقرة : (222).
6- الفقیه ( 1 : 54 - 204 ) ، ورواها بسند آخر فی التهذیب ( 1 : 154 - 349 ) ، والاستبصار ( 1 : 129 - 442 ) ، الوسائل ( 2 : 571 ) أبواب الحیض ب (26) ح (1).
7- المختلف : (35).

فإن وطئ عامدا عالما وجب علیه الکفارة ، وقیل : لا تجب ، والأول أحوط.

______________________________________________________

ولا یشاربوهن مدة الحیض ، فسئل النبی صلی الله علیه و آله عن ذلک فنزلت هذه الآیة (1) فقال النبی ( ص ) : « اصنعوا کل شی ء إلا النکاح » (2).

وعن الخبر بأنّ دلالته من باب مفهوم الخطاب ، وهو ضعیف. وفی هذا نظر ، إذ الظاهر أنّ دلالته من باب مفهوم الحصر ، وهو حجة. نعم یمکن حمله علی التقیة ، لأنه موافق لمذهب العامة ، أو تأویله بحمل الحلال علی معناه المتعارف عند الفقهاء والأصولیین ، أعنی : المتساوی الطرفین ، ونفیه لا یستلزم الحرمة ، فیحتمل الکراهة.

وهذا وإن کان خلاف الظاهر إلا أنه یمکن المصیر الیه ، جمعا بین الأدلة.

قوله : فإن وطئ عامدا عالما وجب علیه الکفارة ، وقیل : لا تجب ، والأول أحوط.

القولان للشیخ - رحمه الله - أولهما فی الخلاف والمبسوط (3) ، وثانیهما فی النهایة (4) ، وبه قطع فی المعتبر (5) ، وهو الأظهر ، لضعف أدلة الوجوب ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح عن عیص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل واقع امرأته وهی طامث ، قال : « لا یلتمس فعل ذلک ، قد نهی الله أن یقربها » قلت : فإن فعل أعلیه کفارة؟ قال : « لا أعلم فیه شیئا ، یستغفر الله » (6).

وجوب الکفارة بوطء الحائض

ص: 353


1- مجمع البیان ( 1 : 319 ) ، تفسیر القرطبی ( 3 : 81 ) ، التفسیر الکبیر ( 5 : 66 ).
2- صحیح مسلم ( 1 : 246 - 302 ).
3- الخلاف ( 1 : 69 ) ، المبسوط ( 1 : 41 ).
4- النهایة : (26).
5- المعتبر ( 1 : 231 ).
6- التهذیب ( 1 : 164 - 472 ) ، الإستبصار ( 1 : 134 - 460 ) ، الوسائل ( 2 : 576 ) أبواب الحیض ب (29) ح (1).

والکفارة فی أوّله دینار ، وفی وسطه نصف وفی آخره ربع.

______________________________________________________

قوله : والکفارة فی أوّله دینار ، وفی وسطه نصف ، وفی آخره ربع.

هذا التقدیر مستفاد من مرسلة داود بن فرقد ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی کفارة الطمث : « أنه یتصدق إذا کان فی أوله بدینار ، وفی وسطه بنصف دینار ، وفی آخره ربع دینار » قلت : فإن لم یکن عنده ما یکفر؟ قال : « فلیتصدق علی مسکین واحد ، وإلا استغفر الله ولا یعود » (1) وعلیه یحمل ما أطلق فیه من الأخبار التصدق بدینار ونصف دینار (2).

والأخبار الواردة بذلک کلها ضعیفة السند ، لکن قال المصنف فی المعتبر : ولا یمنعنا ضعف طریقها عن تنزیلها علی الاستحباب ، لاتفاق الأصحاب علی اختصاصها بالمصلحة الراجحة إما وجوبا أو استحبابا ، فنحن بالتحقیق عاملون بالإجماع لا بالروایة (3). وهو حسن.

وأما التفصیل بالمضطر وغیره والشاب وغیره کما قاله الراوندی (4) فلا عبرة به.

قال السید المرتضی فی الانتصار : ویمکن أن یکون الوجه فی ترتیب هذه الکفارة أنّ الواطئ فی أول الحیض لا مشقة علیه فی ترک الجماع لقرب عهده به فغلظت کفارته ، والواطئ فی آخره مشقته شدیدة لتطاول عهده فکفارته أنقص ، وکفارة الواطئ فی نصف الحیض متوسطة بین الأمرین (5).

واعلم : أنّ الأول والوسط والآخر یختلف بحسب عادة المرأة ، فالأول لذات الثلاثة

کفارة وطء الحائض

ص: 354


1- التهذیب ( 1 : 164 - 471 ) ، الإستبصار ( 1 : 134 - 459 ) ، الوسائل ( 2 : 574 ) أبواب الحیض ب (28) ح (1).
2- الوسائل ( 2 : 574 ) أبواب الحیض ب (28).
3- المعتبر ( 1 : 232 ).
4- نقله عنه فی الذکری : (34).
5- الانتصار ( 1 : 34 ).

ولو تکرّر منه الوطء فی وقت لا تختلف فیه الکفارة لم تتکرر ، وقیل : بل تتکرر ، والأول أقوی. وإن اختلفت تکررت.

______________________________________________________

الیوم الأول ، ولذات الأربعة هو مع ثلث الثانی ، ولذات الخمسة هو مع ثلثیه ، ولذات الستة الیومان الأولان ، وعلی هذا قیاس (1) الوسط والآخر.

وقال سلار - رحمه الله - : الوسط ما بین الخمسة إلی السبعة (2). واعتبر الراوندی العشرة دون العادة (3). فعندهما قد یخلو بعض العادات من الوسط والآخر ، وهما ضعیفان.

والمراد بالدینار : المثقال من الذهب الخالص المضروب ، وذکر أن قیمته عشرة دراهم جیاد (4).

وقطع العلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه بعدم إجزاء القیمة کما فی سائر الکفارات (5) ، وهو حسن.

ومصرف هذه الکفارة مصرف غیرها من الکفارات ، ولا یشترط التعدد فی المعطی لإطلاق النص.

تفریع : قیل : النفساء فی ذلک کالحائض. وعلیه فیمکن اجتماع زمانین أو ثلاثة فی وطء واحد (6).

قوله : ولو تکرّر منه الوطء فی وقت لا تختلف فیه الکفارة لم تتکرر ، وقیل : بل تتکرر ، والأول أقوی ، وإن اختلفت تکررت.

ص: 355


1- فی « ح » : القیاس.
2- المراسم : (44).
3- فقه القرآن ( 1 : 54 ).
4- جیاد : جمع جیّد.
5- منتهی المطلب ( 1 : 117 ) ، والتحریر ( 1 : 15 ).
6- روض الجنان : (77).

السادس : لا یصح طلاقها إذا کانت مدخولا بها وزوجها حاضر معها.

______________________________________________________

الأصح عدم التکرر مطلقا إلا مع اختلاف الزمان أو سبق التکفیر عن الأول ، لأن الوطء یصدق علی القلیل والکثیر ، والامتثال یحصل من إیجاد (1) المأمور به بالفعل الواحد.

قوله : السادس ، لا یصح طلاقها إذا کانت مدخولا بها وزوجها حاضر معها.

هذا مذهب علمائنا أجمع ، قال فی المعتبر : وقد أجمع فقهاء الإسلام علی تحریمه ، وإنما اختلفوا فی وقوعه ، فعندنا لا یقع وقال الشافعی وأبو حنیفة وأحمد ومالک : یقع (2). وأخبارنا ناطقة بتحریمه وبطلانه (3).

والحکم مختص بالحاضر ، وفی حکمه الغائب الذی یمکنه استعلام حالها أو لم تبلغ غیبته الحدّ المسوغ للجواز.

وقد اختلف فیه علماؤنا ، فقیل : إنه ثلاثة أشهر ، ذهب إلیه ابن الجنید (4) - رحمه الله - من المتقدمین ، والعلامة (5) - رحمه الله - من المتأخرین. وقیل : شهر ، وهو مذهب الشیخ (6). وقیل : المعتبر أن یعلم انتقالها من الطهر الذی واقعها فیه إلی آخر بحسب عادتها ، وهو خیرة ابن (7) إدریس (8) - رحمه الله - وإلیه ذهب عامة

عدم صحة طلاق الحائض

ص: 356


1- فی « ق » « م » « س » : اتحاد.
2- المعتبر ( 1 : 226 ).
3- الوسائل ( 15 : 276 ) أبواب الطلاق ب (8).
4- نقله عنه فی المختلف : (587).
5- فی المختلف : (587).
6- کما فی النهایة : (517).
7- فی « م » : خیرة المصنف وابن.
8- السرائر : (327).

السابع : إذا طهرت وجب علیها الغسل ، وکیفیته مثل غسل الجنابة ، لکن لا بد معه من الوضوء قبله أو بعده ،

______________________________________________________

المتأخرین. وسیأتی تحریر الأقوال مع أدلتها فی کتاب الطلاق إن شاء الله تعالی.

قوله : السابع ، إذا طهرت وجب علیها الغسل.

قال بعض المحققین : ظاهر أن وجوب الغسل علیها مشروط بوجوب الغایة ، فإنه لا خلاف فی أن غیر غسل الجنابة لا یجب لنفسه ، وإطلاق المصنف الوجوب اعتمادا علی ظهور المراد (1).

وأقول : إنّ مقتضی عبارة الشهید - رحمه الله - فی الذکری (2) تحقق الخلاف فی ذلک کما بیناه فیما سبق. ویظهر من العلامة فی المنتهی التوقف فی ذلک ، حیث قال فی هذه المسألة بعد أن ذکر أن وجوب الغسل علیها مشروط بوجوب الغایة : وإن کان للنظر فیه مجال ، إذ الأمر ورد مطلقا بالوجوب (3). ( وقوته ظاهرة ) (4) وقد تقدم الکلام فی ذلک. وبالجملة فإیقاع هذه الأغسال الواجبة علی وجه الاستحباب مشکل جدا والله أعلم.

قوله : وکیفیته : مثل غسل الجنابة.

هذا مذهب العلماء کافة ، ویدل علیه مضافا إلی الإطلاقات خصوص موثقة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « غسل الجنابة والحیض واحد » (5).

قوله : لکن لا بد معه من الوضوء قبله أو بعده.

أجمع علماؤنا علی أنّ غسل الجنابة یجزئ عن الوضوء ، واختلف فی غیره من

وجوب الغسل علیها إذا طهرت

غسل الحیض

کیفیة غسل الحیض

لزوم الوضوء مع غسل الحیض

ص: 357


1- جامع المقاصد ( 1 : 44 ).
2- الذکری : (24).
3- منتهی المطلب ( 1 : 112 ).
4- لیست فی « ق » « س ».
5- التهذیب ( 1 : 162 - 463 ) ، الوسائل ( 2 : 566 ) أبواب الحیض ب (23) ح (1).

______________________________________________________

الأغسال ، فالمشهور أنه لا یکفی ، بل یجب معه الوضوء للصلاة ، سواء کان فرضا أو سنة. وقال المرتضی - رحمه الله - : لا یجب الوضوء مع الغسل ، سواء کان فرضا أو نفلاً (1) ، وهو اختیار ابن الجنید (2) ، وقواه شیخنا المعاصر (3) سلّمه الله تعالی.

احتج الأولون (4) بعموم (5) قوله تعالی ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) (6) فإنه شامل لمن اغتسل وغیره ، خرج منه الجنب بالنصّ والإجماع ، فیبقی الباقی علی عمومه. وما رواه ابن أبی عمیر ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة » (7).

وفی الحسن عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « فی کل غسل وضوء إلا غسل الجنابة » (8) کذا استدل فی المختلف (9).

والموجود فی التهذیب (10) : روایة ابن أبی عمیر بطریقین أحدهما عن رجل والآخر عن حماد بن عثمان أو غیره ، فهی فی الحقیقة روایة واحدة مرسلة ، فلا ینبغی عدّها روایتین ، ولا جعل الثانیة من الحسن کما لا یخفی.

ص: 358


1- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 196 ) ، والمختلف : (33) ، والموجود فی جمل العلم والعمل : (51) ( ویستبیح بالغسل الواجب للصلاة من غیر وضوء ، وإنما الوضوء فی غیر الأغسال الواجبة ).
2- نقله عنه فی المختلف ( 1 : 33 ).
3- مجمع الفائدة والبرهان ( 1 : 132 ).
4- کما فی المختلف : (33).
5- فی « ح » : بتعمیم.
6- المائدة : (6).
7- الکافی ( 3 : 45 - 13 ) ، التهذیب ( 1 : 139 - 391 ) ، الإستبصار ( 1 : 126 - 428 ) ، الوسائل ( 1 : 516 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (1).
8- التهذیب ( 1 : 143 - 403 ) ، ( 303 - 881 ) ، الوسائل ( 1 : 516 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (3).
9- المختلف : (33).
10- التهذیب ( 1 : 139 - 391 ).

______________________________________________________

وأجیب عنه (1) بأن الآیة بعد تسلیم عمومها مخصوصة بما سیجی ء من الأدلة ، والروایة قاصرة السند بالإرسال وإن کان المرسل لها ابن أبی عمیر ، کما صرح به المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (2) ، وجدی - قدس سره - فی الدرایة (3). ومتنها غیر صریح فی الوجوب ، کما اعترف به المصنف فی مسألة وضوء المیت ، حیث قال : ولا یقال : روایة ابن أبی عمیر عن حماد أو غیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « فی کل غسل وضوء إلا غسل الجنابة » تدل علی الوجوب ، لأنا نقول : لا یلزم من کون الوضوء فی الغسل أن یکون واجبا ، بل من الجائز أن یکون غسل الجنابة لا یجوز فعل الوضوء فیه ، وغیره یجوز ، ولا یلزم من الجواز الوجوب (4). وتبعه علی ذلک العلامة فی المختلف (5) ، وجدی - قدس الله سره - فی روض الجنان (6).

احتج القائلون بعدم الوجوب (7) بالأصل وما رواه الشیخ فی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الغسل یجزئ عن الوضوء ، وأی وضوء أطهر من الغسل » (8).

والتعریف فی الغسل لیس للعهد ، لعدم تقدم معهود ، ولا للعهد الذهنی ، إذ لا فائدة فیه ، فیکون للاستغراق. ویؤکده التعلیل المستفاد من قوله : « وأی وضوء أطهر من

ص: 359


1- کما فی مجمع الفائدة والبرهان ( 1 : 126 ).
2- المعتبر ( 1 : 165 ).
3- الدرایة : (49).
4- المعتبر ( 1 : 267 ).
5- المختلف : (34). قال بعد ذکر الحدیث : إنه محمول علی الاستحباب.
6- روض الجنان : (101).
7- منهم العلامة فی المختلف : (34).
8- التهذیب ( 1 : 139 - 390 ) ، الإستبصار ( 1 : 126 - 427 ) ، الوسائل ( 1 : 513 ) أبواب الجنابة ب (33) ح (1).

______________________________________________________

الغسل » فإنه ظاهر فی العموم ، إذ لا خصوصیة لغسل الجنابة فی هذا الوصف بالنسبة إلی غیره من الأغسال. وقد ورد هذا التعلیل بعینه فی غسل الجمعة فی مرسلة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یغتسل للجمعة أو غیر ذلک أیجزیه عن الوضوء؟ فقال : « وأی وضوء أطهر من الغسل » (1).

وفی الصحیح عن حکم بن حکیم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن غسل الجنابة ، ثم وصفه. قال ، قلت : إنّ الناس یقولون یتوضأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحک وقال : « أی وضوء أنقی من الغسل وأبلغ » (2) وتقریب الاستدلال ما ذکرناه ، وروی الشیخ فی عدة أخبار أنّ الوضوء بعد الغسل بدعة (3).

وروی أیضا فی الموثق عن عمار الساباطی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابة ، أو فی یوم جمعة ، أو یوم عید ، هل علیه الوضوء قبل ذلک أو بعده؟ فقال : « لا لیس علیه قبل ولا بعد ، قد أجزأه الغسل. والمرأة مثل ذلک إذا اغتسلت من حیض أو غیر ذلک فلیس علیها الوضوء لا قبل ولا بعد ، فقد أجزأها الغسل » (4).

وحملها الشیخ علی ما إذا اجتمعت هذه الأغسال مع غسل الجنابة ، فإنه یسقط الوضوء ، قال : فإذا انفردت هذه الأغسال أو شی ء منها عن غسل الجنابة فإنّ الوضوء

ص: 360


1- التهذیب ( 1 : 141 - 399 ) ، الإستبصار ( 1 : 127 - 433 ) ، الوسائل ( 1 : 514 ) أبواب الجنابة ب (33) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 139 - 392 ) ، الوسائل ( 1 : 515 ) أبواب الجنابة ب (34) ح (4).
3- التهذیب ( 1 : 140 - 395 ، 396 ) ، الوسائل ( 1 : 514 ) أبواب الجنابة ب (33) ح ( 6 ، 9 ، 10 ).
4- التهذیب ( 1 : 141 - 398 ) ، الإستبصار ( 1 : 127 - 432 ) ، الوسائل ( 1 : 514 ) أبواب الجنابة ب (34) ح (3).

______________________________________________________

واجب قبلها (1). وهو تأویل بعید جدا ، بل مقطوع بفساده.

ویشهد لهذا القول أیضا قوله علیه السلام فی صحیحة حسین بن نعیم الصحاف : « فإن انقطع الدم عنها قبل ذلک فلتغتسل ولتصل » (2).

وفی موثقة یونس بن یعقوب : « تغتسل وتصلی » (3).

وفی صحیحة زرارة : « فإن جاز الدم الکرسف تعصّبت واغتسلت ثم صلّت »(4).

وفی صحیحة ابن سنان : « المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلی الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب وتصلی المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح وتصلی الفجر » (5).

وبالجملة فلیس فی الأخبار المتضمنة لوجوب الأغسال علی المستحاضة (6) - مع استفاضتها - دلالة علی وجوب الوضوء معها بوجه ، مع أنها واردة فی مقام البیان. ومن ذلک یظهر رجحان ما ذهب إلیه المرتضی (7) - رحمه الله - ، إلا أنّ المصیر إلی ما علیه أکثر الأصحاب أحوط.

تنبیه : حدث الحیض وغیره من الأحداث الموجبة للوضوء والغسل عند القائل به ،

ص: 361


1- التهذیب ( 1 : 141 ) ، الإستبصار ( 1 : 127 ).
2- الکافی ( 3 : 95 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 168 - 482 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 482 ) ، الوسائل ( 2 : 606 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (7).
3- الکافی ( 3 : 99 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 175 - 500 ) ، الإستبصار ( 1 : 150 - 520 ) ، الوسائل ( 2 : 613 ) أبواب النفاس ب (3) ح (8).
4- الکافی ( 3 : 99 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 173 - 496 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (5).
5- الکافی ( 3 : 90 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 171 - 487 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (4).
6- الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1).
7- تقدم فی ص (358).

وقضاء الصوم دون الصلاة.

الثامن : یستحب أن تتوضأ فی وقت کل صلاة وتجلس بمقدار زمان صلاتها ذاکرة الله تعالی ،

______________________________________________________

هل هو حدث واحد أکبر لا یرتفع إلا بالوضوء والغسل؟ أو حدثان أکبر وأصغر؟

ثم إن قلنا بالتعدد فهل الوضوء ینصرف إلی الأصغر والغسل إلی الأکبر؟ أم هما معا یرفعان الحدثین علی سبیل الاشتراک؟ احتمالات ثلاثة ، ولیس فی النصوص دلالة علی شی ء من ذلک.

قوله : وقضاء الصوم دون الصلاة.

هذا الحکم إجماعی منصوص فی عدة أخبار (1) ، والفارق النصّ. وفی بعض الأخبار تصریح بعدم التعلیل وبطلان القیاس (2). والظاهر عدم الفرق بین الصلاة الیومیة وغیرها. واستثنی من ذلک الزلزلة ، لأن وقتها العمر. وفی الاستثناء نظر یظهر من التعلیل.

قوله : الثامن ، یستحب أن تتوضأ فی وقت کل صلاة ، وتجلس بمقدار زمان صلاتها ذاکرة لله تعالی.

المستند فی ذلک حسنة زید الشحام ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « ینبغی للحائض أن تتوضأ عند وقت کل صلاة ثم تستقبل القبلة فتذکر الله عز وجل بمقدار ما کانت تصلی » (3) ولفظ ینبغی ظاهر فی الاستحباب.

ونقل عن ابن بابویه القول بالوجوب (4) ، لحسنة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ،

وجوب قضاء الصوم علی الحائض

استحباب الوضوء وذکر الله للحائض

ص: 362


1- الوسائل ( 2 : 589 ) أبواب الحیض ب (41).
2- الوسائل ( 7 : 23 ) أبواب ما یمسک عنه الصائم ب (3) ح (5).
3- الکافی ( 3 : 101 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 159 - 455 ) ، الوسائل ( 2 : 587 ) أبواب الحیض ب (40) ح (3).
4- الفقیه ( 1 : 50 ) ، الهدایة : (22).

ویکره لها الخضاب.

______________________________________________________

قال : « إذا کانت المرأة طامثا فلا تحلّ لها الصلاة ، وعلیها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت کل صلاة ، ثم تقعد فی موضع طاهر فتذکر الله عز وجل وتسبحه وتحمده وتهلله کمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها » (1) وهو مع عدم صراحته فی الوجوب محمول علی الاستحباب ، جمعا بین الأدلة. ولو لم تتمکن من الوضوء ففی مشروعیة التیمم لها قولان ، أظهرهما العدم.

قوله : ویکره لها الخضاب.

لورود النهی عنه فی عدّة أخبار (2) ، وعللت الکراهة فی روایة أبی بصیر بخوف الشیطان علی الحائض (3) ، والکلام فیه کما سبق فی الجنب.

کراهة الخضاب للحائض

ص: 363


1- الکافی ( 3 : 101 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 159 - 456 ) ، الوسائل ( 2 : 587 ) أبواب الحیض ب (40) ح (2).
2- الوسائل ( 2 : 593 ) أبواب الحیض ب (42).
3- التهذیب ( 1 : 181 - 520 ) ، الوسائل ( 2 : 593 ) أبواب الحیض ب (42) ح (4).

ص: 364

الفهرست

مقدمة المؤلف................................................................. 3

کتاب الطهارة.................................................................. 5

معنی الکتاب.................................................................. 5

معنی الطهارة اللغوی........................................................... 6

معنی الطهارة الشرعی.......................................................... 7

الطهارات الواجبة والمندوبة

- الوضوء الواجب........................................................... 8

وجوب الوضوء للصلاة الواجبة................................................. 8

وجوب الوضوء غیری......................................................... 9

وجوب الوضوء للطواف الواجب.............................................. 11

وجوب الوضوء لمس القرآن................................................... 12

الوضوء المندوب............................................................. 12

التسامح فی أدلة السنن....................................................... 13

جواز الدخول فی العبادة الواجبة بوضوء مندوب................................. 13

الغسل الواجب.............................................................. 15

وجوب الغسل لما یجب له الوضوء............................................. 15

ص: 365

وجوب الغسل للصوم الواجب................................................ 16

وجوب الغسل لصوم المستحاضة.............................................. 19

التیمم الواجب.............................................................. 20

وجوب التیمم للصلاة الواجبة................................................. 20

وجوب التیمم لخروج الجنب فی أحد المسجدین................................. 21

تنبیهات.................................................................... 22

الأغسال المندوبة............................................................. 23

وجوب الطهارة بالنذر وشبهه................................................. 24

المیاه

الماء المطلق وأقسامه.......................................................... 26

الماء المطلق طاهر مطهر....................................................... 26

الماء الجاری................................................................. 28

أحکام الماء الجاری........................................................... 28

اعتبار التغییر الحسی......................................................... 29

تطهیر الماء الجاری........................................................... 33

ماء الحمام .....................................................................

اعتبار کریة المادة فی عدم تنجس الحوض ..........................................

الجاری مطهر ما دام إطلاق اسم الماء.......................................... 33

الماء المحقون وأقسامه......................................................... 38

الماء القلیل.................................................................. 38

طهارة القلیل بإلقاء کر علیه.................................................. 40

عدم طهارة القلیل بإتمامه کرا................................................. 41

الماء الکر ......................................................................

عدم نجاسة الکر إلا بالتغیر................................................... 43

طهارة الکر بإلقاء کر علیه................................................... 45

عدم طهارة الکر بزوال التغیر من نفسه......................................... 46

ص: 366

مقدار الکر بالوزن........................................................... 47

مقدار الکر بالأشبار......................................................... 49

- ماء البئر................................................................. 52

عدم نجاسة البئر بملاقاة النجاسة............................................... 53

- الروایات الدالة علی الطهارة............................................... 55

- الروایات التی استدل بها علی النجاسة وردها................................. 59

- أدلة الموجبون للنزح....................................................... 61

منزوحات البئر

ما ینزح لوقوع المسکر فیه.................................................... 62

ما ینزح لوقوع الفقاع فیه.................................................... 64

ما ینزح لوقوع المنی أو أحد الدماء الثلاثة فیه................................... 65

ما ینزح لموت البعیر فیه....................................................... 66

ما ینزح لموت الدابة فیه...................................................... 69

کلام للعلامة................................................................ 69

رد کلام العلامة............................................................. 71

ما ینزح لموت الحمار أو البقرة فی البئر......................................... 74

ما ینزح لوقوع العذرة إذا ذابت............................................... 78

ما ینزح لوقوع کثیر الدم کذبح شاة........................................... 79

ما ینزح لموت الثعلب أو الأرنب أو الخنزیر أو سنور أو کلب وشبهه فیه........... 80

ما ینزح لوقوع بول الرجل فیه................................................ 82

ما ینزح لوقوع العذرة الجامدة أو قلیل الدم فیه.................................. 83

ما ینزح لموت الطیر.......................................................... 84

ما ینزح لموت الفأرة إذا انتفخت أو تفسخت................................... 85

ما ینزح لبول الصبی.......................................................... 86

ما ینزح لاغتسال الجنب فیه.................................................. 87

ما ینزح لوقوع الکلب وخروجه حیا........................................... 91

ص: 367

ما ینزح لذرق الدجاج الجلال ولموت الحیة والفأرة.............................. 92

ما ینزح لموت العصفور وشبهه................................................ 93

ما ینزح لبول الصبی الذی لم یغتذ بالطعام...................................... 94

ما ینزح لماء المطر وفیه البول والعذرة وخرء الکلاب............................. 95

الدلو التی ینزح بها........................................................... 96

- فروع................................................................... 97

حکم صغیر الحیوان حکم کبیره............................................... 97

تضاعف النزح بتعدد الساقط فیه وعدمه....................................... 97

حکم سقوط أبعاض المقدر لها................................................. 98

حکم النجاسات التی لم یقدر لها............................................... 99

حکم البئر إذا تغیر أحد أو صاف مائها بالنجاسة.............................. 101

المسافة التی تکون بین البئر والبالوعة......................................... 102

عدم جواز استعمال المحکوم بنجاسته......................................... 106

حکم الإناءین المشتبهین..................................................... 107

- الماء المضاف............................................................ 110

نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة............................................... 114

لو مزج المضاف بطاهر..................................................... 114

کراهة الطهارة بماء أسخن بالشمس.......................................... 116

کراهة غسل الأموات بماء أسخن بالنار....................................... 118

- الماء المستعمل .......................................................... 117

حکم الماء المستعمل فی غسل الأخباث........................................ 118

طهارة ماء الاستنجاء....................................................... 123

حکم الماء المستعمل فی الوضوء أو رفع الحدث الأکبر.......................... 126

الأسئار

حکم سؤر المسوخ......................................................... 129

طهارة سؤر المسلم عدا الخوارج والغلاة....................................... 129

ص: 368

کراهة سؤر الجلال وما أکل الجیف.......................................... 130

کراهة سؤر الحائض التی لا تؤمن............................................ 134

حکم سؤر البغال والحمیر والفأرة............................................ 136

حکم سؤر الحیة وحکم ما مات فیه الوزغ والعقرب........................... 137

حکم ما لا یدرکه الطرف من الدم.......................................... 139

نواقض الوضوء

خروج البول والغائط والریح................................................ 142

حکم ما لو اتفق المخرج فی غیر الموضع المعتاد................................. 144

النوم الغالب............................................................... 144

کل ما أزال العقل.......................................................... 149

الاستحاضة............................................................... 149

عدم نقض المذی........................................................... 150

عدم نقض الودی ولا الدم الخارج من أحد السبیلین........................... 152

عدم نقض القی والنخامة ولامس الذکر والقبل والدبر......................... 153

عدم نقض لمس المرأة ولا أکل ما مسته النار................................... 154

أحکام الخلوة

وجوب ستر العورة علی المتخلی واستحباب ستر البدن......................... 156

حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلی.................................. 156

تنبیهات................................................................... 159

الاستنجاء

وجوب غسل موضع البول بالماء............................................. 161

ما یجزی فی غسل المخرج................................................... 162

تحقیق معنی مثلا ما علی الحشفة.............................................. 163

وجوب غسل مخرج الغائط بالماء حتی زوال العین والأثر........................ 165

لا اعتبار بالرائحة.......................................................... 166

تعین الماء عند تعدی النجاسة المخرج......................................... 166

ص: 369

التخییر بین الماء والأحجار.................................................. 167

عدم إجزاء أقل من ثلاثة أحجار............................................. 168

وجوب إمرار کل حجر علی موضع النجاسة وکفایة زوال العین................ 170

عدم کفایة استعمال الحجر الواحد من ثلاثة جهات............................ 170

عدم کفایة الحجر المستعمل ولا الروث والعظم ولا المطعوم..................... 172

عدم إجزاء استعمال الصقیل................................................ 173

- مندوبات التخلی - تغطیة الرأس والتسمیة وتقدیم الرجل الیسری............ 174

- الاستبراء والدعاء وتقدیم الیمنی عند الخروج............................... 175

- مکروهات التخلی ..................................................... 176

الجلوس فی الشوارع والمشارع وتحت الأشجار المثمرة.......................... 176

الجلوس فی مواطن النزال ومواضع اللعن....................................... 177

استقبال الشمس بالفرج والریح بالبول....................................... 178

البول فی الصلبة وفی ثقوب الحیوان........................................... 179

البول فی الماء.............................................................. 180

الأکل والشرب حال التخلی................................................ 180

السواک علی الخلاء......................................................... 181

الاستنجاء بالیمین وبالیسار وعلیها خاتم علیه اسم الله سبحانه................... 181

الکلام علی الخلاء......................................................... 181

عدم کراهة حکایة الأذان علی الخلاء........................................ 182

الوضوء

- فروض الوضوء......................................................... 183

- النیة................................................................... 184

ماهیة النیة وکیفیتها........................................................ 185

اشتراط القربة فی النیة...................................................... 186

اشتراط قصد الوجوب أو الندب............................................ 188

ص: 370

اشتراط نیة الرفع أو الاستباحة.............................................. 189

عدم اعتبار النیة فی تطهیر الثیاب............................................. 190

حکم الضمیمة............................................................ 190

وقت النیة................................................................. 191

وجوب استدامة النیة حکما إلی الفراغ....................................... 192

- کفایة وضوء واحد مع اجتماع أسباب مختلفة.............................. 193

تداخل الأغسال........................................................... 194

- غسل الوجه حد الوجه الذی یجب غسله.................................. 197

وجوب غسل الوجه من أعلاه............................................... 199

- عدم وجوب غسل ما استرسل من اللحیة.................................. 201

- عدم وجوب تخلیل اللحیة................................................ 202

غسل الیدین - ما یجب غسله من الیدین..................................... 203

- یجب الابتداء من المرافق فی غسل الیدین................................... 204

- حکم من قطع بعض یده................................................. 205

- حکم من کان له ذراعان أو کان له ید زائدة.............................. 206

- مسح الرأس............................................................ 207

محل المسح................................................................. 209

المسح بنداوة الوضوء....................................................... 210

حکم من جف ما علی یده.................................................. 213

جواز مسح الرأس مدبرا.................................................... 214

عدم جواز غسل موضع المسح............................................... 214

- مسح الرجلین.......................................................... 215

تحقیق معنی الکعبین........................................................ 216

جواز مسح الرجل منکوسا.................................................. 221

ص: 371

عدم الترتیب بین الرجلین................................................... 222

حکم من قطع بعض موضع المسح........................................... 222

وجوب المسح علی بشرة القدمین............................................ 223

جواز المسح علی حائل عند التقیة والضرورة.................................. 224

- الترتیب................................................................ 225

- الموالاة................................................................. 226

عدد الغسلات............................................................. 231

الغسلة الثالثة بدعة......................................................... 234

لا تکرار فی المسح......................................................... 235

إجزاء ما یسمی به غاسلا وجوب تحریک الخاتم والسیر فی الوضوء............... 236

- وضوء الجبیرة........................................................... 237

عدم جواز مس المحدث کتابة القرآن......................................... 241

- حکم من به السلس..................................................... 242

- حکم من به البطن...................................................... 243

سنن الوضوء

وضع الاناء علی الیمین..................................................... 244

الاغتراف بالیمین والتسمیة والدعاء.......................................... 245

- غسل الیدین قبل إدخالهما الاناء.......................................... 246

- المضمضة والاستنشاق والدعاء عند هما.................................... 247

- الدعاء عند غسل الیدین والرجلین........................................ 248

- بدأة الرجل بغسل ظاهر ذراعیه وفی الثانیة بباطنهما والمرأة بالعکس........... 249

- الوضوء بمد............................................................. 250

مکروهات الوضوء

- الاستعانة فی الطهارة..................................................... 251

- مسح بلل الوضوء....................................................... 252

أحکام الوضوء

ص: 372

حکم من تیقن الحدث وشک فی الطهارة...................................... 253

حکم من تیقنهما وشک فی المتأخر........................................... 254

حکم من تیقن ترک عضو................................................... 256

حکم من شک فی شئ من أفعال الوضوء قبل فوات المحل........................ 256

حکم من ترک غسل موضع النجو أو البول وصلی............................. 258

حکم من جدد وضوءا بنیة الندب وصلی وذکر أنه أخل بعضو من إحدی الطهارتین 259

حکم من أحدث عقیب طهارة منهما........................................ 263

حکم من صلی الخمس بخمس طهارات وتیقن أنه أحدث عقیب إحداها.......... 264

الغسل

- غسل الجنابة وأسبابه.................................................... 265

السبب الأول : الانزال..................................................... 265

صفات المنی............................................................... 265

کفایة المشهورة وفتور الجسد للمریض........................................ 268

السبب الثانی : الجماع..................................................... 271

حکم من جامع فی الدبر.................................................... 272

حکم من وطأ غلاما....................................................... 274

حکم من وطأ بهیمة........................................................ 276

وجوب الغسل علی الکافر وعدم صحته منه.................................. 276

أحکام الجنب

- المحرمات .............................................................. 277

قراءة العزائم وأبعاضها...................................................... 277

مس کتابة القرآن أو شئ علیه اسم الله....................................... 279

الجلوس فی المساجد......................................................... 280

وضع شئ فی المساجد...................................................... 282

الجواز فی أحد المسجدین.................................................... 282

ص: 373

- المکروهات ............................................................ 283

الأکل والشرب............................................................ 283

قراءة ما زاد علی سبع آیات................................................. 284

مس المصحف والنوم....................................................... 287

الخضاب.................................................................. 288

واجبات الغسل

الواجبات الأول : النیة..................................................... 289

حکم المبطون والسلس...................................................... 290

الواجب الثانی : غسل البشرة............................................... 291

الواجب الثالث : تخلیل ما لا یصل إلیه الماء................................... 292

الواجب الرابع : الترتیب................................................... 293

- الغسل الارتماسی........................................................ 295

سنن الغسل

امرار الید علی الجسد...................................................... 298

البول أمام الغسل.......................................................... 298

الاستبراء وکیفیته.......................................................... 300

غسل الیدین ثلاثاً قبل إدخالهما الاناء......................................... 301

المضمضة والاستنشاق...................................................... 302

الغسل بصاع.............................................................. 302

أحکام الجنابة

حکم البلل المشتبه.......................................................... 304

حکم من أحدث أثناء الغسل................................................ 307

وجوب المباشرة فی الغسل................................................... 310

الحیض

بیان الحیض............................................................... 311

- صفات دم الحیض....................................................... 312

ص: 374

تمییز دم الحیض عن دم العذرة............................................... 313

حکم الدم الذی تراه الصبیة قبل البلوغ...................................... 315

حکم الدم الذی یخرج من الجانب الأیسر..................................... 316

أقل الحیض وأکثره......................................................... 319

حکم ما تراه المرأة من الدم بعد یأسها........................................ 322

حکم ما تراه المرأة من الثلاثة إلی العشرة مما یمکن أن یکون حیضا............... 324

ما تصیر به المرأة ذات عادة................................................. 325

ذات العادة تترک الصلاة برؤیة الدم.......................................... 327

متی تترک المبتدأة العبادة..................................................... 328

حکم من تری الدم ثلاثة ثم ینقطع ثم یعود قبل العاشر.......................... 330

الاستظهار................................................................ 331

جواز وطء الحائض قبل أن تغتسل........................................... 336

دلیل القائلین بالتحریم...................................................... 339

حکم من حاضت بعد دخول وقت الصلاة................................... 340

حکم من طهرت قبل آخر الوقت بقلیل...................................... 342

أحکام الحائض

حرمة ما یشترط فیه الطهارة علیها........................................... 343

کراهة حمل المصحف ولمس هامشه.......................................... 343

عدم ارتفاع حدثها بالطهارة................................................. 343

عدم صحة الصوم منها..................................................... 344

عدم جواز جلوسها فی المساجد.............................................. 345

حرمة وضع شئ فی المسجد علیها............................................ 346

کراهة الجواز فی المسجد علیها............................................... 346

حکم اجتیازها فی أحد المسجدین............................................ 347

حرمة قراءة العزائم وکراهة غیرها علیها...................................... 347

ص: 375

وجوب السجود علیها إذا قرأت أو سمعت السجدة............................ 348

عدم وجوب السجود بمجرد سماع السجدة................................... 349

حرمة وطء الحائض........................................................ 350

جواز الاستمتاع بما عدا القبل............................................... 351

وجوب الکفارة بوطء الحائض............................................... 353

کفارة وطء الحائض........................................................ 354

عدم صحة طلاق الحائض................................................... 356

وجوب الغسل علیها إذا طهرت............................................. 357

غسل الحیض

کیفیة غسل الحیض........................................................ 357

لزوم الوضوء مع غسل الحیض............................................... 357

وجوب قضاء الصوم علی الحائض........................................... 362

استحباب الوضوء وذکر الله للحائض........................................ 362

کراهة الخضاب للحائض................................................... 363

ص: 376

المجلد 2

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

وهو یشتمل علی أقسامها ، وأحکامها.

أما الأول :

فدم الاستحاضة فی الأغلب أصفر بارد رقیق یخرج بفتور.

______________________________________________________

قوله : أما الأول ، فدم الاستحاضة فی الأغلب أصفر بارد رقیق یخرج بفتور.

الاستحاضة فی الأصل استفعال من الحیض ، یقال استحیضت علی وزن استقیمت بالبناء للمجهول ، فهی تستحاض لا تستحیض : إذا استمر بها الدم بعد أیامها فهی مستحاضة. کذا ذکره الجوهری (1) ، ومقتضاه عدم سماع المادة مبنیة لغیر المجهول ، ثم استعمل لفظ الاستحاضة فی دم فاسد یخرج من عرق فی أدنی الرحم یسمّی العاذل.

وما ذکره المصنف من الصفات خاصة مرکبة له ، وهی مستفادة من الأخبار. وأما الصفرة والبرودة فمن حسنة حفص بن البختری عن الصادق علیه السلام ، قال : « ودم الاستحاضة أصفر بارد » (2).

وأما الرقة فمن قوله علیه السلام فی خبر علی بن یقطین : « تدع الصلاة ما دامت تری

الاستحاضة

صفة دم الاستحاضة

ص: 7


1- الصحاح ( 3 : 1073 ).
2- الکافی ( 3 : 91 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 429 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (2).

وقد یتفق بمثل هذا الوصف حیضا ، إذ الصفرة والکدرة فی أیام الحیض حیض ، وفی أیام الطهر طهر.

______________________________________________________

الدم الغلیط ، فإذا رقّ وکانت صفرة اغتسلت » (1).

وأما الخروج بفتور ، أی ضعف وتثاقل فلم أقف له علی مستند.

قال المصنف فی المعتبر : وإنما قیّدنا بالأغلب لأنه قد یتفق الأصفر حیضا ، کما إذا رأته فی العادة (2). وهو غیر جید ، فإنّ القید إنما تعلق بدم الاستحاضة ، لا بالدم الأصفر.

والأولی أن یقال : إن فائدته التنبیه علی أنّ دم الاستحاضة قد یکون أسود أو أحمر ، کالموجود بعد أکثر الحیض والنفاس ، فإنه یحکم بکونه استحاضة ، وإن کان بصفة الحیض.

وینبغی أن یعلم أنه لما ثبت أنّ دم الاستحاضة هو ما کان جامعا للأوصاف المذکورة وجب الاقتصار فی إلحاق ما عداه به علی مورد النصّ خاصة ، وکلام الأصحاب فی هذه المسألة غیر منقح (3).

قوله : وقد یتفق بمثل هذا الوصف حیضا ، إذ الصفرة والکدرة فی أیام الحیض حیض ، وفی أیام الطهر طهر.

قال الشارح - رحمه الله - : المراد بأیام الحیض : ما یحکم علی الدم الواقع فیها بأنه حیض ، سواء کانت أیام العادة أو غیرها ، فتدخل المبتدئة ومن تعقب عادتها دم بعد أقل

دم الحیض قد یکون بصفة دم الاستحاضة

ص: 8


1- التهذیب ( 1 : 174 - 497 ) الوسائل ( 2 : 615 ) أبواب النفاس ب (3) ح (16).
2- المعتبر ( 1 : 241 ).
3- فی « س » : واضح.

وکل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة أیام ولم یکن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة. وکذا ما یزید عن العادة ویتجاوز العشرة ، أو یزید عن أیام النفاس ، أو یکون مع الحمل علی الأظهر ، أو مع الیأس ، أو قبل البلوغ.

______________________________________________________

الطهر. وضابطه ما أمکن کونه حیضا ، وربما فسرت بأیام العادة (1). هذا کلامه رحمه الله تعالی.

وأقول : إن هذا التفسیر أولی ، إذ الظاهر اعتبار الأوصاف فی غیر العادة مطلقا ، کما بیناه.

قوله : وکل دم تراه المرأة أقل من ثلاثة ولم یکن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة.

هذه الکلیة إنما تتم إذا استثنی دم النفاس ، ومع ذلک فلا بد من تقییدها بما إذا کان الدم بصفة دم الاستحاضة ، إلا فیما دلّ الدلیل علی خلافه کما تقدم.

قوله : وکذا ما یزید عن العادة ویتجاوز العشرة.

قد تقدم الکلام فی ذلک ، وأنّ المستفاد من الأخبار أنّ ما تجده المرأة بعد العادة وأیام الاستظهار فهو استحاضة مطلقا. وأما أنه مع التجاوز یکون ما تجده فی أیام الاستظهار استحاضة ، حتی أنه یجب علیها قضاء ما أخلت به فیها من العبادات فلم أقف علی دلیله ، ولا ریب أنه أحوط.

قوله : أو یکون مع الحمل علی الأظهر.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة فذهب الأکثر الی أنّ الحامل قد تحیض

ما قل عن ثلاثة وما تجاوز العشرة فهو استحاضة

حکم ما اجتمع مع الحمل من الدم

ص: 9


1- المسالک ( 1 : 10 ).

______________________________________________________

کالحائل (1) ، وهو اختیار أبی جعفر بن بابویه (2) والسید المرتضی (3).

قال الشیخ فی النهایة وکتابی الأخبار : وما تجده المرأة الحامل فی أیام عادتها یحکم بکونه حیضا. وما تراه بعد عادتها بعشرین یوما فلیس بحیض (4).

وقال فی الخلاف : إنه حیض قبل أن یستبین الحمل لا بعده. ونقل فیه الإجماع (5).

وقال المفید (6) - رحمه الله - وابن الجنید (7) - رحمه الله - : لا یجتمع حیض مع حمل.

ویدفع هذا القول صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، إنه سئل عن الحبلی تری الدم أتترک الصلاة؟ قال : « نعم ، إنّ الحبلی ربما قذفت الدم » (8).

وفی الصحیح عن صفوان ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الحبلی تری الدم

ص: 10


1- الحائل : کل حامل ینقطع عنها الحمل سنة أو سنوات ( لسان العرب 11 : 189 ).
2- المقنع : (16).
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (191).
4- النهایة : (25) ، التهذیب ( 1 : 388 ) ، الاستبصار ( 1 : 140 ).
5- الخلاف ( 1 : 74 ).
6- نقله فی منتهی المطلب ( 1 : 96 ) ، والمعتبر ( 1 : 200 ).
7- نقله فی المختلف : (36).
8- الکافی ( 3 : 97 - 5 ) التهذیب ( 1 : 386 - 1187 ) ، الإستبصار ( 1 : 138 - 474 ) ، الوسائل ( 2 : 576 ) أبواب الحیض ب (30) ح (1).

______________________________________________________

ثلاثة أیام أو أربعة أیام أتصلی؟ قال : « تمسک عن الصلاة » (1).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن الحبلی تری الدم کما کانت تری أیام حیضها مستقیما فی کل شهر؟ قال : « تمسک عن الصلاة کما کانت تصنع فی حیضها ، فإذا طهرت صلّت » (2).

وروی الکلینی فی الحسن عن سلیمان بن خالد ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ، الحبلی ربما طمثت ، فقال : « نعم ، وذلک أنّ الولد فی بطن امه غذاؤه الدم فربما کثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفعته ، فإذا دفعته حرمت علیها الصلاة » (3).

قال : وفی روایة أخری : إذا کان کذلک تأخّر الولادة (4). وبهذه الروایات احتج القائلون بأنّ الحامل تحیض کالحائل.

احتج الشیخ فی کتابی الأخبار علی القول الثانی بصحیحة الحسین بن نعیم الصحاف ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنّ أم ولدی تری الدم وهی حامل کیف تصنع بالصلاة؟ فقال : « إذا رأت الحامل الدم بعد ما یمضی عشرون یوما من الوقت الذی کانت تری فیه الدم فی الشهر الذی کانت تقعد فیه فإنّ ذلک لیس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ ولتحتش وتصلّ ، فإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذی

ص: 11


1- التهذیب ( 1 : 387 - 1193 ) ، الإستبصار ( 1 : 139 - 478 ) ، الوسائل ( 2 : 577 ) أبواب الحیض ب (30) ح (4).
2- الکافی (3) : 97 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 387 - 1194 ) ، الإستبصار ( 1 : 139 - 479 ) ، الوسائل ( 2 : 578 ) أبواب الحیض ب (30) ح (7).
3- الکافی ( 3 : 97 - 6 ) ، الوسائل ( 2 : 579 ) أبواب الحیض ب (30) ح (14).
4- الکافی ( 3 : 97 - 6 ) ، الوسائل ( 2 : 579 ) أبواب الحیض ب (30) ح (15).

وإذا تجاوز الدم عشرة أیام وهی ممّن تحیض فقد امتزج حیضها بطهرها فهی إما مبتدئة ، وإما ذات عادة ، مستقرة أو مضطربة.

______________________________________________________

کانت تری فیه الدم بقلیل أو فی الوقت من ذلک الشهر فإنه من الحیضة » (1). وهی مع صحتها صریحة فی المدعی فیتجه (2) العمل بها ، وإن کان القول الأول لا یخلو من قوة.

وأما القول الثالث فلم أقف له علی مستند.

احتج المفید - رحمه الله - بروایة السکونی عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال : « قال النبی صلی الله علیه و آله : ما کان الله لیجعل حیضا مع حبل » (3) وصحیحة حمید بن المثنی ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الحبلی تری الدفعة والدفعتین من الدم فی الأیام وفی الشهر والشهرین ، فقال : « تلک الهراقة ، لیس تمسک هذه عن الصلاة » (4).

والجواب أن الروایة الأولی ضعیفة السند ، والثانیة فی غیر موضع النزاع ، لأن الدم المذکور لم یجمع شرائط الحیض.

قوله : وإذا تجاوز الدم عشرة أیام وهی ممّن تحیض فقد امتزج حیضها بطهرها ، فهی إما مبتدئة وإما ذات عادة مستقرة أو مضطربة.

قد تقدم الکلام فی ذات العادة. والمبتدئة بکسر الدال وفتحها اسم فاعل أو اسم مفعول : هی التی ابتدأت الحیض ، أو ابتدأ بها الحیض. وفسرها المصنف فی المعتبر بأنها

حکم الحائض إذا تجاوز دمها العشرة

ص: 12


1- الکافی ( 3 : 95 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 388 - 1197 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 482 ) ، الوسائل ( 2 : 577 ) أبواب الحیض ب (30) ح (3).
2- فی « ح » : فیتعین.
3- التهذیب ( 1 : 387 - 1196 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 481 ) ، الوسائل ( 2 : 579 ) أبواب الحیض ب (30) ح (12).
4- التهذیب ( 1 : 387 - 1195 ) ، الإستبصار ( 1 : 139 - 480 ) ، الوسائل ( 2 : 578 ) أبواب الحیض ب (3) ح (8).

______________________________________________________

التی رأت الدم أول مرة. وفسر المضطربة بأنها التی لم تستقر لها عادة ، وجعل الناسیة للعادة قسیما لهما (1).

ویظهر من کلام المصنف فی هذا الکتاب أن المبتدئة من لم تستقر لها عادة ، والمضطربة من استقر لها عادة ثم اضطرب علیها الدم ونسیتها ، وهو الذی صرح به العلامة (2) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (3). والاختلاف فی ذلک لفظی.

وما قیل من أنّ فائدته رجوع هذا النوع من المبتدئة ، أعنی التی لم تستقر لها عادة إلی الأقارب والأقران ، فإنه إنما یکون علی الثانی دون الأول (4) فضعیف جدا ، لأن الحکم فی النصوص الواردة بذلک لیس منوطا بالمبتدئة لیرجع إلی تفسیرها ، ویختلف الحکم باختلافه کما ستقف علیه إن شاء الله تعالی.

إذا تقرر ذلک فنقول : إذا تجاوز الدم العشرة فقد امتزج الحیض بالطهر ، ولا یخلو إما أن تکون المرأة مبتدئة ، أو ذات عادة عددیة ووقتیة ، أو عددیة فقط ، أو وقتیة کذلک ، أو مضطربة ناسیة للوقت والعدد ، أو للعدد خاصة مع ذکر أول الوقت أو وسطه أو آخره أو وقت منه فی الجملة ، أو ناسیة للوقت خاصة ، وعلی هذا فالعدد المحفوظ إما أن یتحقق له إضلال فی وقت یقصر نصفه من العدد أو لا. وعلی التقادیر فإما أن یتحقق لها تمییز أو لا. فهذه أقسام المستحاضات ، وسیجی ء أحکامها مفصلة إن شاء الله تعالی.

ص: 13


1- المعتبر ( 1 : 204 ).
2- کما فی المختلف : (37).
3- منهم الشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 10 ).
4- کما فی الروضة البهیة ( 1 : 104 ).

فالمبتدئة : ترجع إلی اعتبار الدم ، فما شابه دم الحیض فهو حیض وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة ، بشرط أن یکون ما شابه دم الحیض لا ینقص عن ثلاثة ولا یزید عن عشرة.

______________________________________________________

قوله : فالمبتدئة ترجع إلی اعتبار الدم ، فما شابه دم الحیض فهو حیض ، وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة ، بشرط أن یکون ما شابه دم الحیض لا ینقص عن ثلاثة ولا یزید عن عشرة.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، قاله فی المعتبر (1) ، واستدل علیه بالروایات المتضمنة لأوصاف الحیض ، کقوله علیه السلام فی روایة إسحاق بن جریر (2) : « إنّ دم الحیض لیس به خفاء ، هو دم حار تجد له حرقة » (3) وفی روایة حفص بن البختری :« إنّ دم الحیض حار عبیط أسود وله دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد. فإذا کان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » (4).

واشترط المصنف (5) وغیره (6) فی العمل بالتمییز أن لا یقصر ما شابه دم الحیض عن أقله ، ولا یتجاوز أکثره ، واشتراطهما ظاهر. ویعتبر فیه أیضا توالی الأیام الثلاثة علی مذهب من یعتبر التوالی.

حکم المبتدئة رجوع المبتدئة إلی التمییز

ص: 14


1- المعتبر ( 1 : 204 ).
2- الروایة هکذا فی « ق » « م » والکافی ، وفی التهذیب الروایة عن إسحاق بن جریر عن حریز. والظاهر أن الصحیح ما أثبتناه ، لعدم ثبوت روایة إسحاق بن جریر عن حریز ( راجع معجم رجال الحدیث 3 : 2. 41 ).
3- الکافی ( 3 : 91 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 431 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (3).
4- الکافی ( 3 : 91 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 151 - 429 ) ، الوسائل ( 2 : 537 ) أبواب الحیض ب (3) ح (2).
5- المعتبر ( 1 : 205 ).
6- منهم العلامة فی نهایة الأحکام ( 1 : 134 ).

فإن کان لونا واحدا أو لم یحصل فیه شریطتا التمیز رجعت إلی عادة نسائها إن اتفقن ،

______________________________________________________

وهل یعتبر فیه بلوغ الدم الضعیف مع أیام النقاء أقلّ الطهر؟ وجهان : أحدهما نعم ، وبه قطع العلامة فی النهایة (1) ، لأنا إذا جعلنا القوی حیضا کان الضعیف طهرا ، لأنه مقابله. والثانی لا ، للعموم ، وضعفه ظاهر. فلو رأت خمسة أسود ثم أربعة أصفر ثم عاد الأسود عشرة فعلی الأول لا تمییز لها ، وعلی الثانی حیضها خمسة.

ثم إنّ المشابهة تحصل باللون ، فالأسود قوی الأحمر ، وهو قوی الأشقر ، وهو قوی الأصفر. والقوام ، فالثخین قوی الرقیق. والرائحة ، فالمنتن قوی بالنسبة إلی غیره. ومتی اجتمع فی دم خصلة وفی آخر ثنتان فهو أقوی. ولو استوی العدد مع الاختلاف ، کما لو کان فی أحدهما الثخانة وفی الآخر الرائحة فلا تمییز لها.

فرعان : الأول : لا یشترط فی التمییز التکرار ، لأنه علامة الحیض ، فیکفی امتیازه بخلاف العادة. وظاهر المنتهی أنه موضع وفاق بین العلماء (2) ، فلو رأت فی شهر ثلاثة أسود ( وفی آخر أربعة ) (3) وفی آخر خمسة ، فما هو بالصفة حیض والباقی طهر.

الثانی : العادة کما تحصل بالأخذ والانقطاع کذا تحصل بالتمییز ، فلو مرّ بها شهران رأت فیهما سواء ، ثم اختلف الدم فی باقی الأشهر رجعت إلی عادتها فی الشهرین ، ولا تنظر إلی اختلاف الدم ، لأنّ الأول صار عادة.

قوله :فإن کان لونا واحدا أو لم یحصل فیه شرطا التمیز رجعت الی عادة نسائها إن اتفقن.

المراد بالنساء هنا : الأقارب من الأبوین أو أحدهما ، ولا یعتبر العصبة ، لأنّ المعتبر

رجوع المبتدئة إلی عادة نسائها أو أقرانها عند فقد التمییز

ص: 15


1- نهایة الأحکام ( 1 : 135 ).
2- منتهی المطلب ( 1 : 104 ).
3- بین القوسین لیست فی « م ».

______________________________________________________

الطبیعة ، وهی جاذبة (1) من الطرفین.

وهذا الحکم أعنی رجوع المبتدئة مع فقد التمییز إلی عادة نسائها هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وعزاه فی المعتبر إلی الخمسة وأتباعهم.

واحتج علیه بأنّ الحیض یعمل فیه بالعادة وبالأمارة ، کما یرجع إلی صفات الدم ، ومع اتفاقهن یغلب أنها کإحداهن ، إذ من النادر أن تشذ واحدة عن جمیع الأهل (2).

وبما رواه الشیخ عن سماعة ، قال : سألته عن جاریة حاضت أول حیضها فدام دمها ثلاثة أشهر وهی لا تعرف أیام أقرائها ، قال : « أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن کان نساؤها مختلفات فأکثر جلوسها عشرة أیام ، وأقله ثلاثة أیام » (3).

وعن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدی بأقرائها ثم تستظهر علی ذلک بیوم » (4).

وفی الروایتین قصور من حیث السند. أما الأولی فبالإرسال ، والإضمار ، واشتمال سندها علی عدة من الواقفیة (5).

ص: 16


1- فی « س » حادثة.
2- المعتبر ( 1 : 207 ).
3- التهذیب ( 1 : 380 - 1181 ) ، الإستبصار ( 1 : 138 - 471 ) ، الوسائل ( 2 : 547 ) أبواب الحیض ب (8) ح (2) وقد رواها فی الکافی ( 3 : 79 - 3 ).
4- التهذیب ( 1 : 401 - 1252 ) ، الإستبصار ( 1 : 138 - 472 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (5).
5- منهم زرعة بن محمد راجع رجال النجاشی : ( 176 - 466 ) ، وسماعة بن مهران راجع رجال الصادق ( ع ) (351) ، والواقفیة هم الذین وقفوا علی موسی بن جعفر علیه السلام وقالوا أنه الإمام القائم وأنه راجع فرق الشیعة للنوبختی : (81).

وقیل : أو عادة ذوات أسنانها من بلدها ،

______________________________________________________

وأما الثانیة فلأن فی طریقها علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی ، وأیضا فإنها تتضمن الرجوع إلی بعض نسائها ، وهو خلاف الفتوی. لکن الشیخ فی الخلاف نقل علی صحة الروایة الأولی إجماع الفرقة (1) ، فإن تمّ فهو الحجة ، وإلاّ أمکن التوقف فی هذا الحکم لضعف مستنده.

ومقتضی کلام المصنف هنا وفی المعتبر أنّ رجوعها إلی نسائها مشروط باتفاقهن (2) ، وبه صرح العلامة فی النهایة وقال : حتی لو کنّ عشرا فاتفق فیهن تسع رجعت إلی الأقران (3).

ورجح الشهید - رحمه الله - اعتبار الأغلب مع الاختلاف (4). وهو ضعیف جدا ، لأنه إن استند فی الحکم إلی مقطوعة سماعة وجب القطع بالانتقال عن نسائها بمجرد الاختلاف کما هو منطوق الروایة ، وإن استند إلی روایة زرارة ومحمد بن مسلم وجب القول برجوعها إلی بعض نسائها مطلقا ولا قائل به.

قوله : وقیل ، أو عادة ذوات أسنانها من بلدها.

هذا الحکم ذکره الشیخ فی المبسوط (5) ، وجمع من الأصحاب. قال المصنف فی المعتبر : ونحن نطالب بدلیله ، فإنه لم یثبت. ولو قال کما یغلب فی الظن أنها کنسائها

ص: 17


1- راجع رجال النجاشی : ( 257 - 676 ). والفطحیة : هم الذین قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر الأفطح بعد أبیه جعفر بن محمد الصادق 7. وسمی الأفطح لأنه کان أفطح الرأس. ( راجع فرق الشیعة للنوبختی : 77 ).
2- الخلاف ( 1 : 73 ).
3- المعتبر ( 1 : 208 ).
4- نهایة الأحکام ( 1 : 139 ).
5- کما فی الذکری : (30).

تحیض المبتدئة بسبعة أیام عند اختلاف نسائها

فإن کنّ مختلفات جعلت حیضها فی کل شهر سبعة أیام ، أو عشرة من شهر وثلاثة من الآخر ، مخیّرة فیهما ، وقیل : عشرة ، وقیل : ثلاثة ، والأول أظهر

______________________________________________________

مع اتفاقهن یغلب فی الأقران منعنا ذلک ، فانّ ذوات القرابة بینها مشابهة فی الطباع والجنسیة والأصل ، فقوی الظن مع اتفاقهن بمساواتها لهن ، ولا کذا الأقران ، إذ لا مناسبة تقتضیه لأنا نری النسب یعطی شبها ولا نری المقارنة لها أثر فیه (1).

واعترضه الشهید - رحمه الله - فی الذکری بأنّ لفظ نسائها دالّ علیه ، لأن الإضافة تصدق بأدنی ملابسة ، قال : ولما لا بسنها فی السن والبلد صدق علیهن النساء ، وأما المشاکلة فمع اتحاد السن واتحاد البلد تحصل غالبا (2). وهذا کلامه - رحمه الله . ولا یخلو من نظر ، لأن ذلک خلاف المتبادر من اللفظ ، ولأن اللازم مما ذکره الاکتفاء باتحاد البلد أو السن ، لصدق الملابسة معه ، ولا قائل به.

هذا کله علی تقدیر العمل بالخبرین الأولین ، وإلاّ فالبحث ساقط من أصله.

قوله : فإن کنّ مختلفات جعلت حیضها فی کل شهر سبعة أیام ، أو عشرة من شهر وثلاثة من الآخر ، مخیّرة فیهما ، وقیل : عشرة ، وقیل : ثلاثة ، والأول أظهر.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ فی الجمل فی المبتدئة : إذا فقدت الأقارب والأقران ، أو اختلفن إنها تترک الصلاة فی الشهر الأول أقل أیام الحیض ، وفی الشهر الثانی أکثر أیام الحیض ، أو تترک الصلاة فی کل شهر سبعة أیام (3). ونحوه قال

ص: 18


1- المعتبر ( 1 : 208 ).
2- الذکری : (30).
3- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (163) ، لکن الموجود فی النسخة التی عندنا هذه العبارة فقط : فلتترک الصلاة فی کل شهر سبعة أیام مخیرة فی ذلک.

______________________________________________________

فی المبسوط (1). وقال فی موضع آخر منه : إنها مع استمرار الدم تتحیض عشرة أیام ، ثم تجعل طهرا عشرة أیام ، ثم حیضا عشرة أیام وهکذا (2).

وحکی فی المعتبر عن بعض فقهائنا أنها تجلس فی کل شهر عشرا وهو أکثر أیام الحیض ، لأنه زمان یمکن أن یکون حیضا (3).

وقال المرتضی - رحمه الله - : تجلس من ثلاثة إلی عشرة (4).

وقال ابن الجنید - رحمه الله - : إنها تترک الصلاة فی کل شهر ثلاثة أیام ، وتصلی سبعة وعشرین یوما (5).

احتج الشیخ ومن تبعه علی التحیّض بالسبعة بمرسلة یونس عن الصادق علیه السلام : قال : « وتحیضی فی کل شهر فی علم الله سبعة أیام أو ستة أیام » (6) ومقتضاها التخییر بین الستة والسبعة ، فلا وجه للاقتصار علی السبعة.

واستدلوا علی تحیّضها بالثلاثة والعشرة بما رواه الشیخ عن الحسن بن علی بن فضّال ، عن عبد الله بن بکیر ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « المرأة إذا رأت الدم فی أول حیضها واستمر الدم ترکت الصلاة عشرة أیام ثم تصلی عشرین یوما ، فإن استمر بها الدم بعد ذلک ترکت الصلاة ثلاثة أیام وصلّت سبعة وعشرین یوما » قال الحسن ، وقال

ص: 19


1- المبسوط ( 1 : 47 ).
2- المبسوط ( 1 : 46 ).
3- المعتبر ( 1 : 209 ).
4- نقله عنه فی التنقیح الرائع ( 1 : 104 ).
5- نقله عنه فی المختلف : (38).
6- الکافی ( 3 : 83 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 381 - 1183 ) ، الوسائل ( 2 : 547 ) أبواب الحیض ب (8) ح (3).

______________________________________________________

ابن بکیر : هذا مما لا یجدون منه بدا (1).

وعن عبد الله بن بکیر أیضا قال : فی الجاریة أول ما تحیض یدفع علیها الدم فتکون مستحاضة إنها تنتظر بالصلاة فلا تصلی حتی یمضی أکثر ما یکون من الحیض ، فإذا مضی ذلک وهو عشرة أیام فعلت ما تفعله المستحاضة ، ثم صلّت فمکثت تصلی بقیة شهرها ، ثم تترک الصلاة فی المرة الثانیة أقل ما تترک امرأة الصلاة وتجلس أقلّ ما یکون من الطمث وهو ثلاثة أیام ، فإن دام علیها الحیض صلّت فی وقت الصلاة التی صلت وجعلت وقت طهرها أکثر ما یکون من الطهر وترکها الصلاة أقل ما یکون من الحیض (2).

والأخبار الواردة فی هذا الباب کلها ضعیفة السند ، کما اعترف به المصنف فی المعتبر (3) ، والعلامة فی المختلف (4). ومع ذلک فمقتضی روایتی ابن بکیر التحیّض بالثلاثة دائما فی غیر الدور الأول ، ولا دلالة لهما علی التحیّض بالعشرة بعد الثلاثة کما ذکره الشیخ (5) وأتباعه (6).

قال المصنف فی المعتبر بعد أن حکم بضعف الروایات الواردة فی هذا الباب : والوجه عندی أن تتحیض کل واحدة منهما - یعنی المبتدئة والمضطربة بالتفسیر الذی ذکره - ثلاثة أیام ، لأنه المتیقن فی الحیض ، وتصلی وتصوم بقیة الشهر استظهارا ،

ص: 20


1- التهذیب ( 1 : 381 - 1182 ) ، الإستبصار ( 1 : 137 - 469 ) ، الوسائل ( 2 : 549 ) أبواب الحیض ب (8) ح (6).
2- التهذیب ( 1 : 400 - 1251 ) ، الإستبصار ( 1 : 137 - 470 ) ، الوسائل ( 2 : 549 ) أبواب الحیض ب (8) ح (5).
3- المعتبر ( 1 : 210 ).
4- المختلف : (38).
5- الاستبصار ( 1 : 137 ) ، والمبسوط ( 1 : 47 ) ، والنهایة : (25).
6- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 37 ).

- حکم ذات العادة

وذات العادة تجعل عادتها حیضا وما سواه استحاضة ، فإن اجتمع لها مع العادة تمییز ، قیل : تعمل علی العادة ، وقیل : علی التمییز ، وقیل : بالتخییر والأول أظهر.

______________________________________________________

وعملا بالأصل فی لزوم العبادة (1). هذا کلامه - رحمه الله . ولا یخلو من قوة ، ویؤیده الروایتان المتقدمتان والإجماع ، فإن الخلاف إنما وقع فی الزائد عن الثلاثة.

واعلم أنّ مقتضی مرسلة یونس المتقدمة (2) : تخییرها بین الستة والسبعة ، وبه قطع فی المعتبر بناء علی العمل بالروایة. وقوّی العلامة فی النهایة وجوب العمل بما یؤدی اجتهادها إلیه ، لئلاّ یلزم التخییر فی السابع بین وجوب الصلاة وعدمه (3). وهو منقوض بأیام الاستظهار. وقال فی المعتبر : إنه لا مانع من ذلک ، إذ قد یقع التخییر فی الواجب ، کما یتخیر المسافر بین الإتمام والقصر فی بعض المواضع (4).

ومتی اختارت عددا کان لها وضعه حیث شاءت من الشهر ، ولا یتعین أوله وإن کان أولی.

ومقتضی خبری ابن بکیر أخذ الثلاثة بعد العشرة ، ثم أخذها بعد السبعة والعشرین دائما ، ولا ریب أنه أولی.

قوله : وذات العادة تجعل عادتها حیضا وما سواه استحاضة ، فإن اجتمع لها مع العادة تمییز ، قیل : تعمل علی العادة ، وقیل : علی التمییز ، وقیل بالتخییر ، والأول أظهر.

إذا اجتمعت العادة والتمییز فإن توافقا فی الوقت ، أو مضی بینهما أقلّ الطهر فلا

ص: 21


1- المعتبر ( 1 : 210 ).
2- فی ص (19).
3- نهایة الأحکام ( 1 : 138 ).
4- المعتبر ( 1 : 211 ).

______________________________________________________

بحث. وإن اختلفا ولم یمکن الجمع بینهما ، کما إذا رأت فی العادة صفرة وقبلها أو بعدها بصفة الحیض وتجاوز المجموع العشرة أو لم یتخلل بینهما أقلّ الطهر ، فقال الشیخ فی الجمل ، والمبسوط : ترجع إلی العادة (1) ، وهو مذهب المفید ، والمرتضی (2) ، وأتباعهم. وقال فی النهایة : ترجع إلی التمییز (3). وحکی المصنف هنا قولا بالتخییر ، ولم یذکره فی المعتبر ولا غیره من الأصحاب. والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار الکثیرة الدالة علی اعتبار العادة مطلقا من غیر تقیید بانتفاء التمییز ، کقوله علیه السلام فی صحیحة الحسین الصحاف : « فلتمسک عن الصلاة عدد أیامها » (4).

وفی صحیحة محمد بن عمرو بن سعید : « تنتظر عدة ما کانت تحیض ، ثم تستظهر بثلاثة أیام ، ثم هی مستحاضة » (5).

احتج الشیخ - رحمه الله - علی الرجوع إلی التمییز بقوله علیه السلام فی حسنة حفص بن البختری : « إن دم الحیض حار عبیط أسود » (6) وغیر ذلک من الأخبار المتضمنة لبیان الأوصاف (7).

ص: 22


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (163) ، والمبسوط ( 1 : 49 ).
2- نقله عنهما فی المختلف : (39).
3- النهایة : (24).
4- الکافی ( 3 : 95 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 388 - 1197 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 482 ) ، الوسائل ( 2 : 543 ) أبواب الحیض ب (5) ح (6).
5- التهذیب ( 1 : 172 - 491 ) ، الإستبصار ( 1 : 149 - 515 ) ، الوسائل ( 2 : 557 ) أبواب الحیض ب (13) ح (10).
6- المتقدمة فی ص (14).
7- الوسائل ( 2 : 534 ، 535 ) أبواب الحیض ب ( 1 ، 2 ).

وهاهنا مسائل :

الأولی : إذا کانت عادتها مستقرة عددا ووقتا. فرأت ذلک العدد متقدما علی ذلک الوقت أو متأخرا عنه تحیّضت بالعدد وألغت الوقت ، لأن العادة تتقدم وتتأخر ، وسواء رأته بصفة دم الحیض أو لم یکن.

الثانیة : رأت الدم قبل العادة وفی العادة ، فإن لم یتجاوز العشرة فالکل

______________________________________________________

والجواب : أنّ صفة الدم یسقط اعتبارها مع العادة ، لأن العادة أقوی فی الدلالة ، ولما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تری الصفرة والکدرة فی أیامها ، قال : « لا تصل حتی تنقضی أیامها ، فإن رأت الصفرة فی غیر أیامها توضأت وصلّت » (1).

ورجح المحقق الشیخ علی - رحمه الله - تقدیم العادة المستفادة من الأخذ والانقطاع ، دون المستفادة من التمییز ، حذرا من لزوم زیادة الفرع علی أصله (2). وهو ضعیف.

قوله : الأولی ، إذا کانت عادتها مستقرة عددا ووقتا فرأت ذلک العدد متقدما علی ذلک الوقت أو متأخرا عنه تحیّضت بالعدد وألقت الوقت ، لأن العادة تتقدم وتتأخر ، سواء رأته بصفة دم الحیض أو لم یکن.

إطلاق العبارة یقتضی عدم وجوب الاحتیاط إلی الثلاثة فی ذات العادة مطلقا ، وربما قیل بوجوبه علی من تقدم دمها العادة إلی أن تمضی الثلاثة ، أو یحضر الوقت. وهو ضعیف. وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ص: 23


1- الکافی ( 3 : 78 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 396 - 1230 ) ، الوسائل ( 2 : 540 ) أبواب الحیض ب (4) ح (1).
2- جامع المقاصد ( 1 : 39 ).

حیض ، وإن تجاوز جعلت العادة حیضا ، وکان ما تقدّمها استحاضة. وکذا لو رأت فی وقت العادة وبعدها. ولو رأت قبل العادة وفی العادة وبعدها ، فإن لم یتجاوز فالجمیع حیض ، وإن زاد علی العشرة فالحیض وقت العادة والطرفان استحاضة.

الثالثة : لو کانت عادتها فی کل شهر مرة واحدة عددا معینا فرأت فی شهر مرتین بعدد أیام العادة کان ذلک حیضا. ولو جاء فی کل مرة أزید من العادة لکان ذلک حیضا إذا لم یتجاوز العشرة ، فإن تجاوز تحیّضت بقدر عادتها وکان الباقی استحاضة.

- حکم المضطربة رجوع المضطربة إلی التمییز

والمضطربة العادة ترجع إلی التمییز فتعمل علیه ،

______________________________________________________

قوله : والمضطربة العادة ترجع إلی التمییز فتعمل علیه.

یلوح من قول المصنف : فإن فقدت التمییز. أنّ المضطربة هی التی اضطرب علیها الدم ونسیت عادتها. وصرح فی المعتبر (1) فی هذه المسألة بأنّ المضطربة من لم تستقر لها عادة. والأظهر رجوعها بتفسیریها إلی التمییز ، لعموم الأدلة الدالة علی ذلک.

قال بعض المحققین - وقد تقدم - : إن المضطربة من نسیت عادتها إما عددا ، أو وقتا ، أو عددا ووقتا. والحکم برجوعها إلی التمییز مطلقا لا یستقیم (2) ، لأن ذاکرة العدد الناسیة للوقت لو عارض تمییزها عدد أیام العادة لم ترجع إلی التمییز ، بناء علی ترجیح العادة علی التمییز ، وکذا القول فی ذاکرة الوقت ناسیة العدد. ویمکن الاعتذار عنه بأنّ المراد برجوعها إلی التمییز ما إذا طابق تمییزها العادة ، بدلیل ما ذکر من ترجیح العادة علی التمییز (3). هذا کلامه رحمه الله .

ص: 24


1- المعتبر ( 1 : 204 ).
2- فی « ق » ، « م » ، « س » ، والمصدر : لا یستمر.
3- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 39 ).

ولا تترک هذه الصلاة إلا بعد مضی ثلاثة أیام علی الأظهر ، فإن فقدت التمیز فهنا مسائل ثلاث :

الأولی : ذکرت العدد ونسیت الوقت ، قیل : تعمل فی الزمان کلّه ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحیض فی کل وقت یحتمل انقطاع الدم فیه ، وتقضی صوم عادتها.

______________________________________________________

ولا یخفی أنه علی هذا الاعتذار لا یظهر لاعتبار التمییز فائدة. ویمکن أن یقال باعتبار التمییز فی الطرف المنسی خاصة ، أو تخصیص المضطربة بالناسیة للوقت والعدد (1).

قوله : ولا تترک هذه الصلاة إلا بعد مضی ثلاثة أیام علی الأظهر.

الضمیر یعود إلی المضطربة الشاملة لأقسامها الثلاثة. والحکم بوجوب الاحتیاط علیها إنما یتم فی ناسیة الوقت ، أما ذاکرته فإنها تتحیض برؤیة الدم قطعا. وقد تقدم أنّ الأظهر تحیّض الجمیع برؤیة الدم إذا کان بصفة الحیض.

قوله : فإن فقدت التمییز فهنا مسائل ثلاث ، الأولی : ذکرت العدد ونسیت الوقت قیل : تعمل فی الزمان کلّه ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحیض فی کل وقت یحتمل انقطاع الدم فیه ، وتقضی صوم عادتها.

القائل بذلک : هو الشیخ فی المبسوط (2) ، ولم یکتف بذلک بل أوجب علیها أیضا اجتناب ما تجتنبه الحائض ، أخذا بمجامع الاحتیاط. وذهب الأکثر إلی أنها تتخیر فی وضع عددها فی أی وقت شاءت من الشهر.

وموضع الخلاف ما إذا لم یحصل لها وقت معلوم فی الجملة ، بأن تضل العدد فی وقت

حکم ذاکرة العدد ناسیة الوقت إذا فقدت التمییز

ص: 25


1- فی « ح » زیادة : ولعل هذا أولی.
2- المبسوط ( 1 : 51 ).

الثانیة : ذکرت الوقت ونسیت العدد ، فإن ذکرت أول حیضها أکملته ثلاثة ،

______________________________________________________

یزید نصفه عن ذلک العدد ، أو یساویه. أما لو زاد العدد علی نصف الزمان الذی تعلق به الإضلال ، فإنه یتعین کون الزائد وضعفه حیضا بیقین ، وحینئذ فلا تعمل فی الجمیع عمل المستحاضة.

مثال الأول : إذا أضلّت خمسة أو أربعة فی عشرة ، فإنه لا حیض لها بیقین ، لمساواة العدد لنصف الزمان أو نقصانه عنه.

ومثال الثانی : ما إذا أضلّت ستة فی العشرة ، فإن الخامس والسادس حیض بیقین ، لاندراجهما بتقدیر تقدم الحیض وتأخره وتوسطه.

ومن هنا یعلم أحکام مسائل المزج ، فمنها ما لو قالت : الحیض ستة وکنت أمزج أحد نصفی الشهر بالآخر بیوم ، فهذه أضلت ستة فی العشرة الأواسط ، فلها یومان حیض بیقین ، وهما الخامس عشر والسادس عشر. والعشرة الاولی من الشهر طهر بیقین ، ویتعلق احتمال الانقطاع بالسادس عشر إلی العشرین ، فعلی الاحتیاط تجمع فی الأربعة الأولی (1) بین أفعال المستحاضة وتروک الحائض ، وفی الأربعة الثانیة (2) بینهما وبین غسل الانقطاع عند کل صلاة. وعلی المشهور تضمّ إلی الیومین بقیة العدد متقدما أو متأخرا أو بالتفریق. ورتّب علی ذلک ما یرد علیک من نظائر هذه الأمثلة.

قوله : الثانیة : ذکرت الوقت ونسیت العدد ، فإن ذکرت أول حیضها أکملته ثلاثة.

لتیقن کونها حیضا ، ویبقی الزائد عنها إلی تمام العشرة مشکوکا فیه ، فعلی الاحتیاط تجمع بین التکالیف الثلاثة ، وعلی القول برجوعها إلی الروایات تأخذ منها

حکم ذاکرة العدد ناسیة الوقت إذا فقدت التمییز

ص: 26


1- أی : من الیوم الحادی عشر إلی الرابع عشر.
2- أی : من الیوم السابع عشر إلی العشرین.

وإن ذکرت آخره جعلته نهایة الثلاثة ، وعملت فی بقیة الزمان ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحیض فی کل زمان یفرض فیه الانقطاع ، وتقضی صوم عشرة أیام احتیاطا ، ما لم یقصر الوقت الذی عرفته.

______________________________________________________

ما تختاره ویکون الباقی استحاضة. ورجح المصنف فی المعتبر الاقتصار علی الثلاثة ، والتعبّد فی باقی الشهر ، أخذا بالمتیقن (1). وهو حسن.

قوله : وإن ذکرت آخره جعلته نهایة الثلاثة ، وعملت فی بقیة الزمان ما تعمله المستحاضة ، وتغتسل للحیض فی کل زمان تفرض فیه الانقطاع.

الکلام فیه کما سبق فی ذاکرة الأول ، غیر أنها تقتصر فی السبعة المتقدمة علی أفعال المستحاضة ، لعدم إمکان الانقطاع.

ولو علمت وسط الحیض ، وهو ما بین الطرفین ، فإن ذکرت یوما واحدا حفّته بیومین حیضا متیقنا. ولو ذکرت یومین حفتهما بآخرین ، وکان الحکم فی بقیة الزمان کما تقدم.

ولو ذکرت وقتا فی الجملة فهو الحیض المتیقن ، فعلی الاحتیاط تکمّله عشرة ، تجمع فیها بین التکالیف الثلاثة ، أو تجعله نهایة عشرة تجمع فیها بین تکلیفی الحائض والمستحاضة خاصة. وعلی القول برجوعها إلی الروایات تجعله إحداهما (2) إن قصر عنها ، قبله أو بعده ، أو بالتفریق ، وإن ساوی إحداها (3) کان لها الاقتصار علیه.

قوله : وتقضی صوم عشرة أیام احتیاطا ، ما لم یقصر الوقت الذی عرفته عن العشرة.

کما لو تیقّنت أنّ حیضها یکون فی کل شهر فی التسعة الأولی ، فإنه لا یجب قضاء

ص: 27


1- المعتبر ( 1 : 220 ).
2- قد تقرأ فی بعض النسخ : إحداهما.
3- فی « م » ، « س » ، « ح » : إحداهما.

الثالثة : نسیتهما جمیعا ، فهذه تتحیض فی کل شهر سبعة أیام أو ستة ، أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر ، ما دام الاشتباه باقیا.

______________________________________________________

العاشر ، أو فی الثمانیة الاولی ، فلا تقضی التاسع ، وهکذا. هذا إذا علمت انتفاء الکسر ، وإلاّ تعیّن علیها قضاء أحد عشر ، وزیادة یوم علی العدد المحفوظ ، لاحتمال التلفیق فیفسد الیومان.

قوله : الثالثة ، نسیتهما جمیعا فهذه تتحیض فی کل شهر سبعة أیام أو ستة ، أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر ، ما دام الاشتباه باقیا.

هذه هی المشهورة بین الفقهاء بالمتحیرة ، والقول برجوعها إلی الروایات هو المعروف من المذهب ، ونقل علیه فی الخلاف الإجماع (1) ، مع أنه أفتی فی المبسوط (2) بوجوب الاحتیاط علیها ، والجمع بین التکالیف. وکلا القولین مشکل.

أما الأول : فلضعف مستنده (3) بالإرسال ، وبأنّ فی طریقه محمد بن عیسی عن یونس (4). قال فی الذکری : والشهرة فی النقل والإفتاء بمضمونه حتی عدّ إجماعا تدفعهما (5). ویؤیده أنّ حکمة الباری أجلّ من أن یدع أمرا مبهما تعم به البلوی ، فی کل زمان ومکان ، ولم یبینه علی لسان صاحب الشرع.

وأما الثانی : فلما فیه من العسر والحرج المنفیین بالآیة (6) والروایة (7).

حکم ناسیة الوقت والعدد إذا فقدت التمییز

ص: 28


1- الخلاف ( 1 : 76 ).
2- المبسوط ( 1 : 51 ).
3- الذی یظهر أنّ مستنده هو روایة یونس الطویلة.
4- قال فی رجال النجاشی : ( 333 - 896 ) : وذکر أبو جعفر بن بابویه ، عن ابن الولید أنه قال : ما تفرد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه.
5- الذکری : (32).
6- الحج : (78).
7- التهذیب ( 1 : 37 - 100 ) ، الإستبصار ( 1 : 20 - 46 ) ، الوسائل ( 1 : 175 ) أبواب الماء المطلق ب (8) ح (11).

وأما الأحکام فنقول :

دم الاستحاضة إما أن لا یثقب الکرسف ، أو یثقبه ولا یسیل ، أو یسیل.

وفی الأول : یلزمها تغییر القطنة ، وتجدید الوضوء عند کل صلاة ، ولا تجمع بین صلاتین بوضوء واحد.

وفی الثانی : یلزمها مع ذلک تغییر الخرقة ، والغسل لصلاة الغداة.

وفی الثالث : یلزمها مع ذلک غسلان ، غسل للظهر والعصر تجمع بینهما ، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بینهما.

______________________________________________________

ورجح المصنف فی المعتبر أنها تتحیض بثلاثة أیام ، وتصلی وتصوم بقیة الشهر استظهارا ، وعملا بالأصل فی لزوم العبادة (1). وهو متجه.

قوله : وأما أحکامها فنقول : دم الاستحاضة إما أن لا یثقب الکرسف ، أو یثقبه ولا یسیل ، أو یسیل ، وفی الأول یلزمها تغییر القطنة وتجدید الوضوء عند کل صلاة ولا تجمع بین الصلاتین بوضوء واحد ، وفی الثانی یلزمها مع ذلک تغییر الخرقة والغسل لصلاة الغداة وفی الثالث یلزمها مع ذلک غسلان ، غسل للظهر والعصر تجمع بینهما ، وغسل للمغرب والعشاء تجمع بینهما.

المشهور بین الأصحاب أنّ لدم الاستحاضة ثلاث مراتب : القلة ، والتوسط ، والکثرة ، فیجب علی المستحاضة أن تعتبر نفسها ، فإن لطّخ الدم باطن القطنة ولم یثقبها إلی ظاهرها ، فالاستحاضة قلیلة ، وإن غمسها ظاهرا وباطنا ولم یسل منها إلی غیرها فمتوسطة ، وإلاّ فکثیرة. فهنا مسائل ثلاث :

الاولی : أن لا یثقب الدم الکرسف إلی ظاهره ، وقد ذکر المصنف أنه یجب علیها

أقسام الاستحاضة وأحکامها

- أقسام الاستحاضة

الاستحاضة القلیلة

ص: 29


1- المعتبر ( 1 : 210 ).

______________________________________________________

تغییر القطنة ، والوضوء لکل صلاة.

أما وجوب تغییر القطنة : فعلّل بعدم العفو عن هذا الدم فی الصلاة ، قلیله وکثیره.

وهو غیر جید لما سیجی ء - ان شاء الله تعالی - من العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فیه مطلقا. ویظهر من العلامة - رحمه الله - فی المنتهی دعوی الإجماع علی ذلک ، فإنه قال : ولا خلاف عندنا فی وجوب الإبدال (1) ، ولعله الحجة.

وأما الوضوء لکل صلاة : فقال فی المعتبر : إنه مذهب الخمسة وأتباعهم. وقال ابن أبی عقیل : لا یجب فی هذه الحالة وضوء ولا غسل (2). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام فی المستحاضة ، قال : « تصلی کل صلاة بوضوء ما لم ینفذ الدم » (3).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « وإن کان الدم لا یثقب الکرسف توضأت ، ودخلت المسجد ، وصلّت کل صلاة بوضوء » (4).

واحتج ابن أبی عقیل - علی ما نقل عنه - بصحیحة ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلی الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب ، وتصلی المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح ، وتصلی الفجر » (5). قال : وترک الوضوء یدل علی عدم وجوبه (6).

ص: 30


1- منتهی المطلب ( 1 : 120 ).
2- المعتبر ( 1 : 242 ).
3- التهذیب ( 1 : 169 - 483 ) ، الوسائل ( 2 : 607 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (9).
4- الکافی ( 3 : 88 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 107 - 277 ) ، ( 170 - 484 ) ، الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 90 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 171 - 487 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (4).
6- نقله عنه فی المختلف : (40).

______________________________________________________

والجواب : أنّ هذه الروایة إنما تدل علی سقوط الوضوء مع الاغتسال ، وهو غیر محل النزاع.

وقوله - رحمه الله - : ولا تجمع بین صلاتین بوضوء تأکید للکلام السابق.

قال الشارح - قدس سره - : وفیه ردّ علی المفید - رحمه الله - حیث اکتفی بوضوء واحد للظهرین ، ووضوء للعشاءین کالغسل (1). وفیه نظر فإن المفید لا یقول بالاجتزاء بالوضوء الواحد للظهرین والعشاءین فی هذا القسم ، وإنما اجتزأ به مع الغسل ، کما هو صریح عبارة المقنعة (2) وسیجی ء الکلام فیه.

الثانیة : أن یثقب الدم الکرسف ولا یسیل. وذکر المصنف أنه یجب علیها مع ذلک تغییر الخرقة ، والغسل لصلاة الغداة. أما تغییر الخرقة فالکلام فیه کما سبق.

وأما الغسل لصلاة الغداة ، والوضوء للصلوات الأربع ، فقال فی المعتبر : إنه مذهب شیخنا المفید - رحمه الله - فی المقنعة ، والطوسی فی النهایة والمبسوط والخلاف ، والمرتضی ، وابنی بابویه (3).

ونقل عن ابن الجنید ، وابن أبی عقیل : أنهما سویّا بین هذا القسم وبین الثالث فی وجوب ثلاثة أغسال (4). وبه جزم المصنف فی المعتبر ، فقال : والذی ظهر لی : أنه إن ظهر الدم علی الکرسف وجب ثلاثة أغسال ، وإن لم یظهر لم یکن علیها غسل ، وکان علیها الوضوء لکل صلاة (5). ورجحه العلامة فی المنتهی أیضا (6). وإلیه ذهب شیخنا

الاستحاضة المتوسطة

ص: 31


1- المسالک ( 1 : 11 ).
2- المقنعة : (7).
3- المعتبر ( 1 : 243 ).
4- (4) نقله عنهما فی المختلف : (40)
5- المعتبر ( 1 : 245 ).
6- منتهی المطلب ( 1 : 120 ).

______________________________________________________

المعاصر (1). وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المستحاضة تنتظر أیامها فلا تصلی فیها ولا یقربها بعلها ، فإذا جازت أیامها ورأت الدم یثقب الکرسف اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلا ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وتغتسل للصبح » (2).

وما رواه الکلینی - رحمه الله - فی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلی الظهر والعصر ، ثم تغتسل عند المغرب ، فتصلی المغرب والعشاء ، ثم تغتسل عند الصبح فتصلی الفجر ، ولا بأس أن یأتیها بعلها إذا شاء ، إلاّ أیام حیضها فیعتزلها زوجها ، قال ، وقال : لم تفعله امرأة احتسابا إلا عوفیت من ذلک » (3). وهی مطلقة فی وجوب الأغسال الثلاثة ، خرج منها من لم یثقب دمها الکرسف بالنصوص المتقدمة فیبقی الباقی مندرجا فی الإطلاق.

ومثلها صحیحة صفوان بن یحیی ، عن أبی الحسن علیه السلام قال ، قلت له : جعلت فداک إذا مکثت المرأة عشرة أیام تری الدم ثم طهرت ، فمکثت ثلاثة أیام طاهرا ثم رأت الدم بعد ذلک ، أتمسک عن الصلاة؟ قال : « لا ، هذه مستحاضة ، تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة ، وتجمع بین صلاتین بغسل ، ویأتیها زوجها إذا أراد » (4).

ص: 32


1- مجمع الفائدة والبرهان ( 1 : 155 ).
2- التهذیب ( 1 : 106 - 277 ) ، و ( 170 - 484 ) ( بتفاوت یسیر ) ، الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (1). رواها أیضا فی الکافی ( 3 :2. 2 ).
3- الکافی ( 3 : 90 - 5 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (4) ، رواها أیضا فی التهذیب ( 1 : 171 - 487 ).
4- الکافی ( 3 : 90 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 170 - 486 ) ، الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (3).

______________________________________________________

احتج المفصلون بصحیحة الحسین بن نعیم الصحاف ، عن أبی عبد الله علیه السلام حیث قال فیها : « ثم لتنظر ، فإن کان الدم فیما بینها وبین المغرب لا یسیل من خلف الکرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت کل صلاة ما لم تطرح الکرسف ، فإن طرحت الکرسف عنها وسال الدم وجب علیها الغسل. وإن طرحت الکرسف ولم یسل الدم فلتتوضأ ولتصل ولا غسل علیها. قال : وإن کان الدم إذا أمسکت الکرسف یسیل من خلف الکرسف صبیبا لا یرقی فإنّ علیها أن تغتسل فی کل یوم ولیلة ثلاث مرات » (1).

وصحیحة زرارة قال ، قلت : النفساء متی تصلی؟ قال : « تقعد قدر حیضها وتستظهر بیومین ، فإن انقطع الدم وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، فإن جاز الدم الکرسف تعصبت واغتسلت ، ثم صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم یجز الکرسف صلّت بغسل واحد » (2).

والجواب عن الروایة الاولی : أنّ موضع الدلالة فیها قوله علیه السلام : « فإن طرحت الکرسف عنها وسال الدم وجب علیها الغسل ». وهو غیر محل النزاع ، فإنّ موضع الخلاف ما إذا لم یحصل السیلان ، مع أنّه لا إشعار فی الخبر بکون الغسل للفجر ، فحمله علی ذلک تحکم ، ولا یبعد حمله علی الجنس ، ویکون تتمة الخبر کالمبیّن له.

وعن الروایة الثانیة : أنها قاصرة من حیث السند بالإضمار ، ومن حیث المتن : بأنها لا تدل علی ما ذکروه نصا ، فإنّ الغسل لا یتعیّن کونه لصلاة الفجر ، بل ولا للاستحاضة ، لجواز أن یکون المراد به غسل النفاس ، فیمکن الاستدلال بها علی المساواة بین القسمین.

ص: 33


1- الکافی ( 3 : 95 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 168 - 482 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 482 ) ، الوسائل ( 2 : 606 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (7).
2- الکافی ( 3 : 99 - 4 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (5).

______________________________________________________

الثالثة : أن یسیل الدم ، بأن یتعدّی الکرسف إلی غیره بنفسه. وقد أجمع الأصحاب علی وجوب الأغسال الثلاثة فی هذا القسم ، وإنما الخلاف فی وجوب الوضوء معها ، وتعدّده بتعدد الصلاة ، فاقتصر الشیخ فی النهایة والمبسوط علی الأغسال (1) ، وکذا المرتضی (2) ، وابنا بابویه (3) ، وابن الجنید (4). وقال المفید - رحمه الله - : تصلی بوضوئها وغسلها الظهر والعصر معا علی الاجتماع ، وتفعل مثل ذلک فی المغرب والعشاء ، وتفعل مثل ذلک لصلاة اللیل والغداة (5).

ونقل عن ابن إدریس أنه أوجب علی هذه مع الأغسال الثلاثة الوضوء لکل صلاة (6) ، وإلیه ذهب عامة المتأخرین ، تمسکا بعموم قوله تعالی : ( إذا قمتم إلی الصلاة فاغسلوا ) (7). وهو متمسک ضعیف ، إذ من المعلوم تقیید الأمر بمن کان محدثا ، ولم یثبت کون الدم الخارج بعد الغسل علی هذا الوجه حدثا ، لأن ذلک إنما یستفاد بتوقیف الشارع ، وهو منتف.

وقد بالغ المصنف فی المعتبر فی نفی هذا القول والتشنیع علی قائله فقال : وظنّ غالط من المتأخرین أنه یجب علی هذه مع هذه الأغسال وضوء مع کل صلاة ، ولم یذهب إلی ذلک أحد من طائفتنا. ویمکن أن یکون غلطه لما ذکره الشیخ فی المبسوط والخلاف : إنّ المستحاضة لا تجمع بین فرضین بوضوء ، فظن انسحابه علی مواضعها ، ولیس علی ما ظن ،

الاستحاضة الکثیرة

ص: 34


1- النهایة : (28) ، المبسوط : ( 1 : 67 ).
2- کما فی المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (188).
3- الفقیه ( 1 : 50 ) ، المقنع : (15) ، ونقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 247 ).
4- نقله عنه فی المختلف : (40) ، والمعتبر ( 1 : 244 ).
5- کما فی المقنعة : (7).
6- السرائر : (30).
7- المائدة : (6).

______________________________________________________

بل ذلک مختص بالموضع الذی یقتصر فیه علی الوضوء (1).

ویدل علی الاجتزاء بالأغسال هنا مضافا إلی العمومات الدالة علی ذلک ظاهر قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « فإن جاز الدم الکرسف تعصّبت واغتسلت ثم صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل » (2). وفی صحیحة ابن سنان : « تغتسل عند صلاة الظهر وتصلی. » (3).

ولم أقف لمن أوجب الوضوء هنا علی حجة سوی عموم قوله علیه السلام : « فی کل غسل وضوء الا غسل الجنابة » (4) وقد تقدم الکلام علیه متنا وسندا (5).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : اعتبار الجمع بین الصلاتین إنما هو لیحصل الاکتفاء بغسل واحد ، فلو أفردت کل صلاة بغسل جاز قطعا ، وجزم فی المنتهی باستحبابه (6).

الثانی : اشترط جماعة من الأصحاب فی صحة صلاتها معاقبتها للغسل ، وهو حسن. ولا یقدح فی ذلک الاشتغال بنحو الاستقبال والأذان والإقامة من مقدمات الصلاة.

وفی اعتبار معاقبة الصلاة للوضوء قولان ، أحدهما : نعم ، لاستمرار الحدث (7).

ص: 35


1- المعتبر ( 1 : 247 ).
2- الکافی ( 3 : 99 - 4 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (5).
3- الکافی ( 3 : 90 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 171 - 487 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (4).
4- التهذیب ( 1 : 143 - 403 ) ، ( 303 - 881 ) ، الوسائل ( 1 : 516 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (2).
5- فی ج 1 ص (358).
6- منتهی المطلب ( 1 : 122 ).
7- کما فی السرائر : (30) ، والمبسوط ( 1 : 68 ).

______________________________________________________

والثانی : لا ، للأصل ، وهو خیرة المختلف (1).

الثالث : قیل : المعتبر فی قلة الدم وکثرته بأوقات الصلاة ، وهو خیرة الشهید فی الدروس (2). وقیل : إنه کغیره من الأحداث ، متی حصل کفی فی وجوب موجبه ، واختاره الشهید فی البیان (3) ، وقواه جدی فی روض الجنان (4) ، تمسکا بإطلاق الروایات المتضمنة لکون الاستحاضة موجبة للوضوء أو الغسل (5) ، وبقوله علیه السلام فی خبر الصحاف : « فلتغتسل وتصلی الظهرین ثم لتنظر ، فإن کان الدم لا یسیل فیما بینها وبین المغرب فلتتوضأ ولا غسل علیها ، وإن کان إذا أمسکت یسیل من خلفه صبیبا فعلیها الغسل » (6).

وذکر شیخنا الشهید فی الذکری : إن هذه الروایة مشعرة باعتبار وقت الصلاة (7). وهو غیر واضح ، ولا ریب أنّ الأول أحوط (8).

ویتفرع علیهما : ما لو کثر قبل الوقت ثم طرأت القلة ، فعلی الثانی یجب الغسل للکثرة المتقدمة ، وعلی الأول لا غسل علیها ما لم یوجد فی الوقت متصلا أو طارئا ، ولو تجددت الکثرة بعد صلاة الظهرین وانقطعت قبل الغروب وجب علیها الغسل علی الثانی دون الأول.

ص: 36


1- المختلف : (41).
2- الدروس : (7).
3- البیان : (21).
4- روض الجنان : (85).
5- الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1).
6- الکافی ( 3 : 95 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 168 - 482 ) ، الإستبصار ( 1 : 140 - 482 ) ، الوسائل ( 2 : 606 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (7).
7- الذکری : (30).
8- فی « م » : أجود.

وإذا فعلت ذلک صارت بحکم الطاهر.

______________________________________________________

الرابع : لم یتعرض الأصحاب لبیان زمان اعتبار الدم ولا لقدر القطنة ، مع أنّ الحال قد یختلف بذلک. والظاهر أنّ المرجع فیهما إلی العادة.

قوله : وإذا فعلت ذلک کانت بحکم الطاهرة.

الظاهر أنّ المشار إلیه بذلک : جمیع ما تقدم من الغسل والوضوء وتغییر القطنة والخرقة بحسب اختلاف حال الدم.

والمراد من کونها بحکم الطاهر : أنّ جمیع ما یصحّ من الطاهر من الأمور المشروطة بالطهارة یصح منها ، فتصح صلاتها وصومها ودخولها المساجد مطلقا ، ویأتیها زوجها إن شاء. وهذا مما لا خلاف فیه بین العلماء. والأظهر جواز دخولها المساجد بدون ذلک.

وفی جواز إتیانها قبله أقوال ، أظهرها : الجواز مطلقا ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر (1) ، لعموم قوله تعالی ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ) (2) ، وقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « ولا بأس أن یأتیها بعلها متی شاء إلاّ فی أیام حیضها » (3) ، وفی صحیحة صفوان بن یحیی : « ویأتیها زوجها إذا أراد » (4).

وقیل بتوقفه علی الغسل خاصة (5) ، لقوله علیه السلام فی روایة عبد الملک بن أعین :

- أحکام المستحاضة

اشارة

ص: 37


1- المعتبر ( 1 : 249 ).
2- البقرة : (222).
3- الکافی ( 3 : 90 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 171 - 487 ) ، الوسائل ( 2 : 605 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (4).
4- الکافی ( 3 : 90 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 170 - 486 ) ، الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (3).
5- کما فی الهدایة : (22).

وإن أخلّت بذلک لم تصحّ صلاتها ، وإن أخلّت بالأغسال لم یصحّ صومها.

______________________________________________________

فی المستحاضة : « ولا یغشاها حتی یأمرها بالغسل » (1) وفی السند ضعف (2) ، وفی المتن احتمال لأن یکون الغسل المأمور به غسل الحیض.

وقیل باشتراط الوضوء أیضا (3) لقوله علیه السلام فی روایة زرارة وفضیل : « فإذا أحلت لها الصلاة حلّ لزوجها أن یغشاها » (4) وهی مع ضعف سندها (5) وخلوها من ذکر الوضوء لا تدل علی المطلوب ، بل ربما دلّت علی نقیضه ، إذ الظاهر أنّ المراد من حلّ الصلاة : الخروج من الحیض ، کما یقال : لا تحلّ الصلاة فی الدار المغصوبة ، فإذا خرجت حلّت ، فان معناه : زوال المانع الغصبی ، وإن افتقر بعد الخروج منها إلی الطهارة وغیرها من الشرائط.

قوله : وإن أخلّت بذلک لم تصحّ صلاتها.

وذلک لأنها إما محدثة أو ذات نجاسة لم یعف عنها. وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : وإن أخلّت بالأغسال لم یصحّ صومها.

هذا مذهب الأصحاب ، والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح عن علی بن مهزیار ، قال ، کتبت إلیه : امرأة طهرت من حیضها أو نفاسها من أول شهر رمضان ، ثم استحاضت وصلّت وصامت شهر رمضان من غیر أن تعمل ما تعمله المستحاضة : من

عدم صحة صلاة المستحاضة لو أخلت بما علیها
حکم صوم المستحاضة لو أخلت بالأغسال

ص: 38


1- التهذیب ( 1 : 402 - 1257 ) ، الوسائل ( 2 : 609 ) أبواب الاستحاضة ب (3) ح (1). ( والموجود هو روایة علی بن رئاب عن مالک بن أعین والظاهر هو الصواب. ( راجع معجم رجال الحدیث ( 12 : 18 ) وجامع الرواة 2 : 37 ).
2- لعل وجه الضعف هو وقوع علی بن الحسن بن فضال فی طریقها وهو فطحی ، وطریق الشیخ إلیه ضعیف بعلی بن محمد بن الزبیر ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 337 ).
3- کما فی المبسوط ( 1 : 67 ).
4- التهذیب ( 1 : 401 - 1253 ) ، الوسائل ( 2 : 608 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (12).
5- الوجه المتقدم فی هامش (2).

______________________________________________________

الغسل لکل صلاتین ، فهل یجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فکتب : « تقضی صومها ولا تقضی صلاتها ، لأن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یأمر فاطمة علیهاالسلام والمؤمنات من نسائه بذلک » (1). وهی مع کونها مضمرة ، متروکة الظاهر ، من حیث تضمّنها إیجاب قضاء الصوم دون الصلاة.

قال الشیخ فی التهذیب : قال محمد بن الحسن : لم یأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ علیها لکل صلاتین غسلا ، ولا تعلم ما یلزم المستحاضة ، فأما مع العلم بذلک والترک له علی العمد یلزمها القضاء (2).

وفیه إنه إن بقی الفرق بین الصوم والصلاة فالإشکال بحاله ، وإن حکم بالمساواة بینهما ونزل قضاء الصوم علی حالة العلم وعدم قضاء الصلاة علی حالة الجهل فتعسف ظاهر. وحملها شیخنا المعاصر علی أنّ المراد أنه لا یجب علیها قضاء جمیع الصلوات ، لأن منها ما کان واقعا فی الحیض (3) ، وهو بعید أیضا.

ویظهر من الشیخ فی المبسوط التوقف فی هذا الحکم ، حیث أسنده إلی روایة الأصحاب (4) ، وهو فی محله.

واعلم أنّ إطلاق العبارة یقتضی أنّ إخلال المستحاضة بشی ء من الأغسال مقتض لفساد الصوم ( وهو مشکل ، وقیدها الشارحون (5) بالأغسال النهاریة ، وقطعوا بعدم

ص: 39


1- الکافی ( 4 : 136 - 6 ) ، التهذیب ( 4 : 310 - 937 ) ، الفقیه ( 2 : 94 - 419 ) ، الوسائل ( 2 : 590 ) أبواب الحیض ب (41) ح (7) ( بتفاوت یسیر ).
2- التهذیب ( 4 : 311 ).
3- مجمع الفائدة والبرهان ( 5 : 48 ).
4- المبسوط ( 1 : 68 ).
5- کما فی المسالک ( 1 : 11 ).

______________________________________________________

توقف صوم الیوم علی غسل اللیلة المستقبلة وترددوا فی غسل اللیلة الماضیة ) (1).

وفصّل جدی فی روض الجنان فقال : والحق أنها إن قدّمت غسل الفجر لیلا أجزأها عن غسل العشاءین بالنسبة إلی الصوم ، وإن أخّرته إلی الفجر بطل الصوم هنا ( وإن لم نبطله لو لم یکن غیره ) (2) (3).

والمسألة محل توقف ، فإنّ الروایة مع تسلیم سندها إنما تدل علی فساد الصوم بترک الأغسال کلها ، فإثبات هذه الأحکام (4) مشکل. وکیف کان فیجب القطع بعدم وجوب تقدیم غسل الفجر علیه ، بل یکفی فعله للصلاة ، وأنّ الإخلال بما یجب علیها من الأغسال إنما یوجب القضاء خاصة ، والله أعلم.

وهنا مباحث :

الأول : نقل عن الشیخ أنه حکم بأنّ انقطاع دم الاستحاضة موجب للوضوء (5).

وقیّده بعض الأصحاب بکونه انقطع للبرء ، أی الشفاء (6). وهو حسن ، لکن لا یخفی أنّ الموجب له فی الحقیقة هو الدم السابق علی الانقطاع ، لا نفس الانقطاع ، وأنّ دم الاستحاضة یوجب الوضوء تارة والغسل أخری ، فإسناد الإیجاب إلی الانقطاع ،

بعض أحکام المستحاضة

ص: 40


1- بدل ما بین القوسین فی « س » : وربما قیل باختصاص الحکم بالأغسال النهاریة. دون اللیلیة. وصرح جدی - قدس سره - فی جملة من کتبه بعدم توقف الصوم الماضی علی غسل اللیلة المستقبلة لسبق.
2- روض الجنان : (87).
3- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « ق » ، « ح » : وإن کان تقدیم الغسل علی الفجر هنا غیر واجب لولا ذلک. وما أثبتناه هو المطابق للمصدر. ومعناها : وإن لم نقل بأنّ تأخیر غسل الفجر خاصة موجب لبطلان الصوم.
4- فی « س » : ما زاد علی ذلک.
5- المبسوط ( 1 : 68 ).
6- کما فی التحریر ( 1 : 16 ).

______________________________________________________

والاقتصار علی إیجاب الوضوء خاصة لا یستقیم.

قال فی الذکری : وهذه المسألة لم نظفر فیها بنص من قبل أهل البیت علیهم السلام ، ولکن ما أفتی به الشیخ هو قول العامة ، بناء منهم علی أنّ حدث الاستحاضة یوجب الوضوء لا غیر ، فإذا انقطع بقی علی ما کان علیه ، ولما کان الأصحاب یوجبون به الغسل فلیکن مستمرا (1). هذا کلامه - رحمه الله . ومحصله أنّ الحدث هو دم الاستحاضة ، فینبغی أن یترتب علیه مسببه ، وضوءا کان أو غسلا. ولو قلنا إنّ المعتبر فیه وقوعه فی أوقات (2) الصلاة وجب اعتباره هنا.

الثانی : لو توضأت ودمها بحاله ، فانقطع بعد الطهارة قبل الدخول فی الصلاة ، قال فی المبسوط (3) : استأنفت الوضوء ، لأن دمها حدث وقد زال العذر وظهر حکم الحدث ، ولو انقطع بعد الدخول فی الصلاة لم یجب الاستیناف ، لأنها دخلت فی الصلاة دخولا مشروعا ولا دلیل علی إیجاب الخروج. وفی الفرق نظر ، إذ الوجه المقتضی لوجوب الاستئناف فی الصورة الأولی موجود فی الثانیة ، لأن الحدث کما یمنع من ابتداء الدخول فی الصلاة یمنع من استدامتها ، والتمسک بالاستصحاب ضعیف کما سبق تقریره مرارا.ومال فی المعتبر إلی عدم وجوب الاستئناف مطلقا (4) ، لأن خروج دمها بعد الطهارة معفو عنه ، فلم یکن مؤثرا فی نقضها ، والانقطاع لیس بحدث. وهو متجه.

وما أورده علیه فی الذکری (5) ، من أنّ العفو عن الدم الخارج بعد الطهارة إنما هو مع

ص: 41


1- الذکری : (31).
2- فی « س » و « ح » : فی أول أوقات.
3- المبسوط ( 1 : 68 ).
4- المعتبر ( 1 : 250 ).
5- الذکری : (31).

الفصل الرابع : فی النفاس

النفاس : دم الولادة ،

______________________________________________________

استمرار الدم لا مع الانقطاع ، مدفوع بعموم الإذن لها فی الصلاة بعد الوضوء ، المقتضی للعفو عما یخرج منها من الدم بعد ذلک مطلقا.

الثالث : یجب علی المستحاضة الاستظهار فی منع الدم من التعدی بقدر الإمکان ، کما یدل علیه الأمر فی الأخبار بالاحتشاء والاستثفار. وکذا یلزم من به السلس والبطن ، لقوله علیه السلام وقد سئل عن الرجل یقطر منه البول : « یجعل خریطة إذا صلی » (1).

قال فی المعتبر : ولا یجب علی من به السلس أو جرح لا یرقی أن یغیر الشداد عند کل صلاة ، وإن وجب ذلک فی المستحاضة ، لاختصاص الاستحاضة بالنقل ، والتعدی قیاس (2).

قوله : النفاس دم الولادة.

النفاس بالکسر : ولادة المرأة ، یقال : نفست المرأة ، ونفست ، بضم النون وفتحها ، وفی الحیض ، بالفتح لا غیر ، قاله الهروی فی الغریبین (3).

وهو مأخوذ إما من النفس : وهو الدم أو الولد ، أو من تنفس الرحم بالدم. وقد نقله الفقهاء عن معناه اللغوی إلی معنی آخر ، وهو الدم الخارج من الرحم عقیب الولادة أو معها ، قاله الشیخ فی المبسوط والخلاف (4). وقال المرتضی فی المصباح : النفاس هو

النفاس

بیان النفاس

ص: 42


1- التهذیب ( 1 : 351 - 1037 ) ، الوسائل ( 1 : 211 ) أبواب نواقض الوضوء ب (19) ح (5).
2- المعتبر ( 1 : 251 ).
3- الغریبین « نفس ».
4- المبسوط ( 1 : 68 ) ، الخلاف ( 1 : 78 ).

______________________________________________________

الدم الذی تراه المرأة عقیب الولادة. ونحوه کلام الشیخ فی الجمل (1).

ومقتضی ذلک أنّ الخارج مع الولادة لا یکون نفاسا. وهو بعید ، لحصول المعنی المشتق منه ، وخروجه بسبب الولادة ، فیتناوله إطلاق النصوص.

قال المصنف فی المعتبر بعد إیراد القولین : والتحقیق أنّ ما تراه مع الطلق لیس بنفاس ، وکذا ما تراه عند الولادة قبل خروج الولد ، أما ما یخرج بعد ظهور شی ء من الولد فهو نفاس (2). وکأنه - رحمه الله - أراد بذلک رفع الخلاف ، وبه صرح فی المختلف فإنه قال : والظاهر أنه لا منافاة بینهما ، فإن کلام الشیخ فی الجمل محمول علی الغالب ، لا أنّ النفاس یجب أن یکون عقیب الولادة (3). وهو حسن.

وتصدق الولادة بخروج جزء مما یعدّ آدمیا ، أو مبدأ نشوء آدمی ، ولو کان مضغة مع الیقین ، علی ما قطع به المصنف وغیره. أما العلقة والنطفة فقد قطع المصنف فی المعتبر (4) ، والعلامة فی المنتهی (5) بعدم ترتب الحکم علیهما.

وقال فی الذکری : إنه لو فرض العلم بکونه مبدأ نشوء إنسان بقول أربع من القوابل کان نفاسا (6). وتوقف فیه بعض المحققین ، لانتفاء التسمیة (7). واعترضه جدی : بأنّه لا وجه للتوقف بعد فرض العلم (8). وفیه : إنّ منشأ التوقف عدم صدق الولادة عرفا ، وإن علم أنه علقة ، فالتوقف فی محله.

ص: 43


1- الجمل والعقود « الرسائل العشر » : (165).
2- المعتبر ( 1 : 252 ).
3- المختلف : (41).
4- المعتبر ( 1 : 252 ).
5- منتهی المطلب ( 1 : 123 ).
6- الذکری : (33).
7- منهم المحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 47 ).
8- روض الجنان : (88).

ولیس لقلیله حدّ ، فجائز أن یکون لحظة واحدة. ولو ولدت ولم تر دما لم یکن لها نفاس. ولو رأت قبل الولادة کان طهرا.

______________________________________________________

قوله : ولیس لقلیله حدّ ، فجائز أن یکون لحظة واحدة.

هذا مذهب علمائنا وأکثر العامة ، لأن الشرع لم یقدره ، فیرجع فیه إلی الوجود ، ولما رواه علی بن یقطین فی الصحیح عن أبی الحسن علیه السلام ، إنه سأله عن النفساء ، قال : « تدع الصلاة ما دامت تری الدم العبیط » (1).

قوله : ولو ولدت ولم تر دما لم یکن لها نفاس.

المراد أنها لم تر دما فی الأیام المحکوم بکون الدم الموجود فیها نفاسا. وقد أجمع الأصحاب علی أنّ النفاس لا یکون إلاّ مع الدم ، لأصالة البراءة مما لم یقم دلیل علی ثبوته.

وخالف فی ذلک بعض العامة ، فأوجب الغسل بخروج الولد (2) ، وجعله بعضهم حدثا أصغر (3). وکلاهما باطل ، لأنه إیجاب شی ء لا دلیل علیه. وحکی المصنف فی المعتبر : أنّ امرأة ولدت علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فلم تر دما ، فسمّیت الجفوف (4).

قوله : ولو رأت قبل الولادة کان طهرا.

لأنه لیس بنفاس إجماعا ، ولا حیض عند المصنف ومن قال بمقالته (5). وعلی ما اخترناه یجب الحکم بکونه حیضا مع إمکانه.

وفی اشتراط تخلّل أقل الطهر بینه وبین النفاس قولان ، أظهرهما : العدم ، وهو خیرة

أقل النفاس

حکم من ولدت ولم تر دما

حکم من تری الدم قبل الولادة

ص: 44


1- التهذیب ( 1 : 174 - 497 ) ، الوسائل ( 2 : 615 ) أبواب النفاس ب (3) ح (16).
2- منهم الزهری فی السراج الوهاج : (33).
3- منهم المرداوی فی الإنصاف ( 1 : 386 ).
4- المعتبر ( 1 : 253 ).
5- أی : من قال بعدم اجتماع الحیض مع الحمل.

وأکثر النفاس عشرة أیام علی الأظهر.

______________________________________________________

العلامة فی التذکرة والمنتهی(1)

قوله : وأکثر النفاس عشرة أیام علی الأظهر.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ فی النهایة : ولا یجوز لها ترک الصلاة ولا الصوم إلاّ فی الأیام التی کانت تعتاد فیها الحیض - ثم قال بعد ذلک - : ولا یکون حکم نفاسها أکثر من عشرة أیام(2) ، ونحوه قال فی الجمل والمبسوط(3)

وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : وأکثر النفاس ثمانیة عشر یوما - ثم قال - : وقد جاءت الأخبار المعتمدة أن أقصی مدة النفاس عشرة أیام ، وعلیها أعمل لوضوحها عندی (4)

وقال المرتضی : أکثر أیام النفاس ثمانیة عشر یوما (5). وهو اختیار ابن الجنید(6) ، وابن بابویه فی کتابه(7). وقال ابن أبی عقیل فی کتابه المتمسک(8) : أیامها عند آل الرسول صلی الله علیه و آله أیام حیضها ، وأکثره أحد وعشرون یوما ، فإن انقطع دمها فی تمام حیضها صلّت وصامت ، وإن لم ینقطع صبرت ثمانیة عشر یوما ، ثم استظهرت

أکثر النفاس

ص: 45


1- التذکرة ( 1 : 36 ) ، ومنتهی المطلب ( 1 : 97 ).
2- النهایة : (29).
3- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (165) ، المبسوط ( 1 : 69 ).
4- المقنعة : (7).
5- الانتصار : (35).
6- نقله عنه فی المختلف : (41).
7- الفقیه ( 1 : 55 ).
8- قال فی رجال النجاشی : ( 48 - 100 ) فی معرض ترجمة ابن أبی عقیل ما نصه : الحسن بن علی بن أبی عقیل : أبو محمد العمانی الحذاء ، فقیه متکلم ثقة له کتب فی الفقه والکلام منها : کتاب المتمسک بحبل آل الرسول کتاب مشهور فی الطائفة ، وقیل ما ورد حاج من خراسان إلا طلب واشتری منه نسخ.

______________________________________________________

بیوم أو یومین. وإن کانت کثیرة الدم صبرت ثلاثة أیام ثم اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت (1).

وذهب جماعة منهم : العلامة فی جملة من کتبه (2) ، والشهید فی الذکری (3) إلی أنّ ذات العادة المستقرة فی الحیض تتنفس بقدر عادتها ، والمبتدئة بعشرة أیام. واختار فی المختلف أنّ ذات العادة ترجع إلی عادتها ، والمبتدئة تصبر ثمانیة عشر یوما (4).

والأخبار الواردة فی هذه المسألة (5) مختلفة جدا علی وجه یشکل الجمع بینها ، فمنها : ما یدل علی أن أیام النفاس هی أیام الحیض ، وهی کثیرة ، فمن ذلک : ما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « النفساء تکفّ عن الصلاة أیامها التی کانت تمکث فیها ، ثم تغتسل کما تغتسل المستحاضة » (6).

وفی الصحیح أیضا عن زرارة قال ، قلت له : النفساء متی تصلی؟ قال : « تقعد بقدر حیضها ، وتستظهر بیومین ، فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت » (7).

وفی الحسن عن الفضیل بن یسار وزرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « النفساء تکفّ عن الصلاة أیام أقرائها التی کانت تمکث فیها ، ثم تغتسل وتعمل کما

ص: 46


1- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 253 ).
2- المختلف : (41) ، والقواعد ( 1 : 16 ).
3- الذکری : (33).
4- المختلف : (41).
5- الوسائل ( 2 : 611 ) أبواب النفاس ب (3).
6- التهذیب ( 1 : 173 - 495 ) ، الوسائل ( 2 : 611 ) أبواب النفاس ب (3) ح (1).
7- الکافی ( 3 : 99 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 173 - 496 ) ، الوسائل ( 2 : 616 ) أبواب النفاس ب (3) ح (2).

______________________________________________________

تعمله المستحاضة » (1).

وفی الصحیح ، عن یونس بن یعقوب ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « النفساء تجلس أیام حیضها التی کانت تحیض ، ثم تستظهر وتغتسل وتصلی » (2).

وعن مالک بن أعین ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء یغشاها زوجها وهی فی نفاسها من الدم؟ قال : « نعم إذا مضی لها منذ یوم وضعت بقدر عدة أیام حیضها ثم تستظهر بیوم فلا بأس بعد أن یغشاها زوجها ، یأمرها فتغتسل ثم یغشاها إن أحب » (3).

قال الشیخ فی التهذیب والاستبصار : وقد روینا عن ابن سنان أن أیام النفاس مثل أیام الحیض (4). ولم نقف علی هذه الروایة فی الکتابین.

ومنها : ما یدل علی أنّ أیام النفاس ثمانیة عشر یوما کصحیحة محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : کم تقعد النفساء حتی تصلّی؟ قال : « ثمانی عشرة سبع عشرة ، ثم تغتسل وتحتشی وتصلی » (5).

وصحیحة أخری له أیضا عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن النفساء

ص: 47


1- الکافی ( 3 : 97 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 175 - 499 ) ، الاستبصار ( 1 : 150 - 519 ) ، وفی الوسائل ( 2 : 611 ) أبواب النفاس ب (3) ح (1) ( بتفاوت فی المتن ).
2- الکافی ( 3 : 99 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 175 - 500 ) ، الإستبصار ( 1 : 150 - 520 ) ، الوسائل ( 2 : 613 ) أبواب النفاس ب (3) ح (8).
3- التهذیب ( 1 : 176 - 505 ) ، الإستبصار ( 1 : 152 - 525 ) ، الوسائل ( 2 : 612 ) أبواب النفاس ب (3) ح (4).
4- التهذیب ( 1 : 178 ) ، والاستبصار ( 1 : 153 ).
5- التهذیب ( 1 : 177 - 508 ) ، الإستبصار ( 1 : 152 - 528 ) ، الوسائل ( 2 : 614 ) أبواب النفاس ب (3) ح (12).

______________________________________________________

کم تقعد؟ فقال : « إن أسماء بنت عمیس أمرها رسول الله أن تغتسل لثمان عشرة ، ولا بأس أن تستظهر بیومین » (1).

وصحیحة ابن سنان قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « تقعد النفساء تسع عشرة لیلة ، فإن رأت دما صنعت کما تصنع المستحاضة » (2).

وأجاب المصنف فی المعتبر عن هذه الروایات وما فی معناها : بأنها لا تصلح لمعارضة الأخبار المتضمنة للرجوع إلی العادة ، لأنها أکثر ، والکثرة أمارة الرجحان ، ولأن العمل بها أحوط للعبادة ، وأشبه بمقتضی الدلیل (3). وهو حسن.

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی (4) الأخبار بوجوه أقربها الحمل علی التقیة.

ویمکن الجمع بینهما أیضا بحمل الأخبار الواردة بالثمانیة عشر علی المبتدئة کما اختاره فی المختلف (5) ، أو بالتخییر بین الغسل بعد انقضاء العادة والصبر إلی انقضاء الثمانیة عشر.

وکیف کان ، فلا ریب فی أن للمعتادة الرجوع إلی العادة ، لاستفاضة الروایات الواردة بذلک وصراحتها. وإنما یحصل التردد فی المبتدئة خاصة من الروایات الواردة بالثمانیة عشر ، ومن أن مقتضی رجوع المعتادة إلی العادة کون النفاس حیضا فی المعنی ، فیکون أقصاه عشرة ، وطریق الاحتیاط بالنسبة إلیها واضح.

ص: 48


1- التهذیب ( 1 : 178 - 511 ) ، الإستبصار ( 1 : 153 - 531 ) ، الوسائل ( 2 : 615 ) أبواب النفاس ب (3) ح (15) ، ( بتفاوت یسیر ).
2- التهذیب ( 1 : 177 - 510 ) ، الإستبصار ( 1 : 152 - 530 ) ، الوسائل ( 2 : 615 ) أبواب النفاس ب (3) ح (14).
3- المعتبر ( 1 : 254 ).
4- التهذیب ( 1 : 178 ) ، والاستبصار ( 1 : 153 ).
5- المختلف : (41).

ولو کانت حاملا باثنین وتراخت ولادة أحدهما کان ابتداء نفاسها من الأول ، وعدد أیامها من وضع الأخیر.

______________________________________________________

وقد ورد فی المسألة روایات أخر دالة علی اعتبار ما زاد علی ذلک کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تقعد النفساء إذا لم ینقطع عنها الدم ثلاثین أربعین یوما إلی خمسین یوما » (1).

وصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن الماضی عن النفساء وکم یجب علیها ترک الصلاة؟ قال : « تدع الصلاة ما دامت تری الدم العبیط إلی ثلاثین یوما ، فإذا رقّ وکانت صفرة اغتسلت وصلّت إن شاء الله » (2).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی التقیة (3) ، وهو حسن.

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : والأخبار التی رویت فی قعودها أربعین یوما وما زاد إلی أن تطهر معلولة کلها ، وردت للتقیة ، لا یفتی بها إلا أهل الخلاف (4).

قوله : ولو کانت حاملا باثنین وتأخرت ولادة أحدهما کان ابتداء نفاسها من وضع الأول ، وعدد أیامها من وضع الأخیر.

الظاهر أن ما تراه المرأة من الدم بعد الولادة کل منهما یحکم بکونه نفاسا مستقلا لتعدد العلة فیعطی کل نفاس حکمه ، فتکون نفساء من وضع الأول ، ومع ولادة الثانی یتحقق لها نفاس آخر فیعتبر العدد من وضعه. ویمکن تخلل الطهر بینهما کما إذا کانت ولادة الثانی بعد مضی أکثر النفاس من وضع الأول ، وإن کان بعیدا.

حکم الحامل باثنین

ص: 49


1- التهذیب ( 1 : 177 - 509 ) ، الإستبصار ( 1 : 152 - 529 ) ، الوسائل ( 2 : 614 ) أبواب النفاس ب (3) ح (13).
2- التهذیب ( 1 : 174 - 497 ) ، الوسائل ( 2 : 615 ) أبواب النفاس ب (3) ح (16).
3- التهذیب ( 1 : 178 ) ، والاستبصار ( 1 : 153 ).
4- الفقیه ( 1 : 56 ).

ولو ولدت ولم تر دما ثم رأت فی العاشر کان ذلک نفاسا.

ولو رأت عقیب الولادة ثم طهرت ثم رأت العاشر أو قبله کان الدمان وما بینهما نفاسا.

ویحرم علی النفساء ما یحرم علی الحائض ، وکذا ما یکره لها.

______________________________________________________

قوله : ولو لم تر دما ثم رأت فی العاشر کان ذلک نفاسا.

هذا التفریع جید علی ما ذهب إلیه المصنف من اعتبار العشرة مطلقا ، والمتجه تفریعا علی ما اخترناه تقییدها بما إذا کانت عادتها عشرة أو دونها وانقطع علی العاشر علی ما ذکره المصنف (1) وغیره (2).

واعلم ، أن هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وهو محل إشکال ، لعدم العلم بإسناد هذا الدم إلی الولادة ، وعدم ثبوت الإضافة إلیها عرفا.

قوله : ویحرم علی النفساء ما یحرم علی الحائض.

هذا مذهب الأصحاب ، بل قال فی المعتبر : إنه مذهب أهل العلم کافة (3). ولعله الحجة ، وذکر جمع من الأصحاب (4) أن النفساء کالحائض فی جمیع الأحکام ، واستثنی من ذلک أمور :

الأول : الأقل ، إجماعا.

الثانی : الأکثر ، فإن فی أکثر النفاس خلافا مشهورا بخلاف الحیض.

الثالث : إن الحیض قد یدل علی البلوغ بخلاف النفاس.

حکم من لم تر الدم إلا فی العاشر

أحکام النفساء

ص: 50


1- المعتبر ( 1 : 256 ).
2- منهم الشهید الثانی فی روض الجنان : (91).
3- المعتبر ( 1 : 257 ).
4- منهم ابن إدریس فی السرائر : (30) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (90) ، والمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 170 ).

ولا یصحّ طلاقها. وغسلها کغسل الحائض سواء.

______________________________________________________

الرابع : انقضاء العدة بالحیض دون النفاس غالبا ، ولو حملت من زنا ورأت قرائن فی زمان الحمل حسب النفاس قرءا آخر وانقضت العدة به.

الخامس : أنه لا یشترط فی النفاسین مضی أقل الطهر کما فی التوأمین بخلاف الحیض.

السادس : أن النفساء لا ترجع إلی عادتها فی النفاس ولا إلی عادة نسائها بخلاف الحیض.

قوله : وغسلها کغسل الحائض سواء.

هذا مذهب العلماء کافة قاله فی المعتبر (1) ، ویدل علیه إطلاق الأمر بالغسل ، والکلام فی اکتفائها بالغسل عن الوضوء کما تقدم فی غسل الحیض (2).

غسل النفساء

ص: 51


1- المعتبر ( 1 : 257 ).
2- فی ج ( 1 ( ص ) 256 ).

الفصل الخامس

فی أحکام الأموات

وهی خمسة :

الأول : فی الاحتضار

ویجب فیه توجیه المیت إلی القبلة ، بأن یلقی علی ظهره ویجعل وجهه وباطن رجلیه إلی القبلة.

______________________________________________________

قوله : الفصل الخامس فی أحکام الأموات ، وهی خمسة ، الأول : الاحتضار.

الاحتضار : هو السوق - أعاننا الله علیه وثبتنا بالقول الصادق لدیه - سمّی به إما لحضور الملائکة عنده ، أو لحضور أهله وأقاربه ، أو لحضور المؤمنین عنده لیشیعوه ، أو لاستحضاره عقله کما ورد فی الحدیث (1).

قوله : ویجب فیه توجیه المیت إلی القبلة ، بأن یلقی علی ظهره ویجعل وجهه وباطن قدمیه إلی القبلة.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، قال جدّی - رحمه الله - : ومستنده من الأخبار السلیمة سندا ومتنا ما رواه محمد بن یعقوب الکلینی - رحمه الله - عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن سلیمان بن خالد ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام قال : « إذا مات لأحدکم میّت فسجّوه تجاه القبلة ، وکذلک إذا

أحکام الأموات

- الاحتضار

توجیه المحتضر إلی القبلة

ص: 52


1- الفقیه ( 1 : 79 - 7 ) ، علل الشرائع : ( 297 - 1 ) ، ثواب الأعمال : (231) ، الوسائل ( 2 : 662 ) أبواب الاحتضار ب (35) ح (6).

______________________________________________________

غسل یحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة ، فیکون مستقبل باطن قدمیه ووجهه إلی القبلة » (1) وأما غیره من الأخبار التی استدل بها علی الوجوب فلا یخلو من شی ء إما فی السند أو الدلالة (2). هذا کلامه - رحمه الله .

ویمکن المناقشة فی هذه الروایة من حیث السند بإبراهیم بن هاشم حیث لم ینص علماؤنا علی توثیقه ، وبأن راویها وهو سلیمان بن خالد فی توثیقه کلام (3). ومن حیث المتن بأنّ المتبادر منها أنّ التسجیة تجاه القبلة إنما یکون بعد الموت لا قبله ، ومن ثم ذهب جمع من الأصحاب (4) منهم المصنف فی المعتبر (5) إلی الاستحباب ، استضعافا لأدلة الوجوب ، وهو متجه.

وکیفیة التوجیه ما ذکره المصنف - رحمه الله - من أنه یلقی علی ظهره ویجعل وجهه وباطن قدمیه إلی القبلة بحیث لو جلس لکان مستقبلا ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة : منها : روایة سلیمان بن خالد المتقدمة. وما رواه الشیخ عن إبراهیم الشعیری ، عن غیر واحد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی توجیه المیت قال : « تستقبل بوجهه القبلة

کیفیة التوجیه إلی القبلة

ص: 53


1- الکافی ( 3 : 127 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 661 ) أبواب الاحتضار ب (35) ح (2) ورواها فی التهذیب ( 1 : 286 - 835 ). إلا أنّ فیها : مستقبلا بباطن.
2- روض الجنان : (93).
3- لعل منشأ هذا الکلام عنده هو ما رواه الکشی فی اختیار معرفة الرجال ( 2 : 641 - 662 ). ولأن أبا داود ذکره فی قسم الضعفاء فی کتاب الرجال : (3. 221 ).
4- منهم الشیخ فی الخلاف ( 1 : 279 ) ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة ( 1 : 173 ).
5- المعتبر ( 1 : 258 ).

وهو فرض کفایة ، وقیل : هو مستحب.

______________________________________________________

وتجعل قدمیه مما یلی القبلة » (1).

ویسقط الاستقبال به مع اشتباه القبلة ، لعدم إمکان توجیهه فی حالة واحدة إلی الجهات المختلفة.

وهل یسقط بالموت أو یجب دوام الاستقبال به حیث یمکن؟ یحتمل الأول ، لصدق الامتثال ، وأصالة البراءة من الزائد. والثانی ، لإطلاق روایة سلیمان بن خالد المتقدمة وغیرها من الأخبار (2).

وقال فی الذکری : إنّ ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بموته ، وأنّ الواجب أن یموت إلی القبلة ، قال : وفی بعضها احتمال دوام الاستقبال ، ونبّه علیه ذکره حالة الغسل ووجوبه حال الصلاة والدفن ، وإن اختلفت الهیئة عندنا (3).

ولم أقف علی ما ذکره - رحمه الله - من الأخبار المتضمنة للسقوط. وکیف کان فالأولی دوام الاستقبال به ، وینبغی أن یکون کحالة الاحتضار ، لأنه المستفاد من الروایات المتضمنة لذلک.

قوله : وهو فرض علی الکفایة.

اعلم : أنّ غرض الشارع قد یتعلق بتحصیل الفعل من کل واحد من المکلفین بعینه ،

عدم سقوط التوجیه بالموت
التوجیه فرض کفایة

ص: 54


1- الکافی ( 3 : 126 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 285 - 833 ) ، الوسائل ( 2 : 662 ) أبواب الاحتضار ب (35) ح (3).
2- الوسائل ( 2 : 661 ) أبواب الاحتضار ب (35).
3- الذکری : (37) ، وذکر هیئته حال الصلاة والدفن فی ص ( 61 ، 64 ).

ویستحب تلقینه الشهادتین ، والإقرار بالنبی والأئمة علیهم السلام ، وکلمات الفرج ،

______________________________________________________

ویسمی وجوبا علی الأعیان کالصلاة والصوم ، وقد یتعلق بتحصیله لا من مباشر معیّن ، ویسمی وجوبا علی الکفایة. وهل یجب علی الجمیع ویسقط بفعل البعض أو یجب علی البعض خاصة؟ قیل بالأول (1) ، لأن الجمیع إذا ترکوه یأثمون ، وقیل بالثانی ، لأنه لو وجب علی الجمیع لما سقط بفعل البعض ، وتحقیق المسألة فی الأصول. والظاهر بقاء الوجوب إلی أن یثبت وقوع الفعل شرعا ، وربما قیل بسقوطه بظن قیام الغیر به مطلقا (2) ، وهو ضعیف.

قوله : ویستحب تلقینه الشهادتین والإقرار بالنبی والأئمة علیهم السلام .

لا یخفی أن تلقینه الإقرار بالنبی صلی الله علیه و آله فی العبارة مکرر ، لأنه داخل فی تلقینه الشهادتین. ویدل علی هذا الحکم روایات : منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا حضرت المیت قبل أن یموت فلقنه شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شریک له ، وأن محمدا عبده ورسوله » (3).

وفی خبر أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « لقنوا موتاکم عند الموت شهادة أن لا إله إلاّ الله والولایة » (4).

قوله : وکلمات الفرج.

استحباب تلقین المحتضر

ص: 55


1- کما فی المنتهی ( 1 : 443 ).
2- کما فی معارج الأصول : (75) ، ومبادئ الأصول : (111).
3- الکافی ( 3 : 121 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 286 - 836 ) ، الوسائل ( 2 : 662 ) أبواب الاحتضار ب (36) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 123 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 287 - 838 ) ، الوسائل ( 2 : 665 ) أبواب الاحتضار ب (37) ح (2).

ونقله إلی مصلاه ،

______________________________________________________

روی زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا أدرکت الرجل عند النزع فلقّنه کلمات الفرج : لا إله إلا الله الحلیم الکریم ، لا إله إلا الله العلی العظیم ، سبحان الله رب السماوات السبع ، ورب الأرضین السبع ، وما فیهن وما بینهن ورب العرش العظیم ، والحمد لله رب العالمین » (1).

ویستحب للمحتضر متابعة الملقّن فی ذلک ، لما رواه الحلبی فی الحسن ، عن الصادق علیه السلام : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله دخل علی رجل من بنی هاشم وهو یقضی ، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله : قل ذلک ، یعنی هذه الکلمات فقالها ، فقال رسول الله : الحمد لله الذی استنقذه من النار » (2).

ویستحب للمحتضر أن یقول : اللهم اغفر لی الکثیر من معاصیک ، واقبل منی الیسیر من طاعتک ، وروی عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إذا حضرتم میتا فقولوا له هذا الکلام لیقوله » (3).

ولیکن آخر کلامه : لا إله إلا الله ، فقد روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال : « من کان آخر کلامه لا إله إلا الله دخل الجنة » (4).

قوله : ونقله إلی مصلاه.

وهو الموضع الذی کان یکثر الصلاة فیه أو علیه ، وإنما یستحب ذلک إذا تعسّر علیه الموت واشتد به النزع لا مطلقا ، لما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن الصادق علیه

استحباب نقل المحتضر إلی مصلاه

ص: 56


1- الکافی ( 3 : 122 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 288 - 839 ) ، الوسائل ( 2 : 666 ) أبواب الاحتضار ب (38) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 124 - 9 ) ، الفقیه ( 1 : 77 - 346 ) ، الوسائل ( 2 : 666 ) أبواب الاحتضار ب (38) ح (2) بتفاوت یسیر.
3- الکافی ( 3 : 124 - 10 ) ، الوسائل ( 2 : 667 ) أبواب الاحتضار ب (39) ح (1).
4- الفقیه ( 1 : 78 - 348 ) ، الوسائل ( 2 : 664 ) أبواب الاحتضار ب (36) ح (6).

ویکون عنده مصباح إن مات لیلا ، ومن یقرأ القرآن. وإذا مات غمّضت عیناه ، وأطبق فوه ،

______________________________________________________

السلام ، قال : « إذا عسر علی المیت موته ونزعه قرّب إلی مصلاه الذی کان یصلی فیه » (1).

وما رواه زرارة فی الحسن ، قال : « إذا اشتد علیه النزع فضعه فی مصلاه الذی کان یصلی فیه أو علیه » (2).

قوله : ویکون عنده مصباح ان مات لیلا.

ذکره الشیخان (3) ، واستدل علیه فی التهذیب بما روی أنه لما قبض أبو جعفر علیه السلام أمر أبو عبد الله علیه السلام بالسراج فی البیت الذی کان یسکنه حتی قبض أبو عبد الله علیه السلام (4).

واعترضه المحقق الشیخ علی - رحمه الله - بأنّ ما دل علیه الحدیث غیر المدعی ، قال : إلاّ أن اشتهار الحکم بینهم کاف فی ثبوته ، للتسامح فی أدلة السنن (5).

وقد یقال : إنّ ما تضمنه الحدیث یندرج فیه المدعی ، أو یقال : إنّ استحباب ذلک یقتضی استحباب الإسراج عند المیت بطریق أولی ، فالدلالة واضحة ، لکن السند ضعیف جدا.

قوله : وإذا مات غمّضت عیناه ، وأطبق فوه.

لئلا یقبح منظره ، ولروایة أبی کهمش ، قال : حضرت موت إسماعیل بن جعفر

استحباب الاسراج عند المیت لیلا
استحباب تغمیض عینی المحتضر وطبق فیه

ص: 57


1- الکافی ( 3 : 125 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 427 - 1356 ) ، الوسائل ( 2 : 669 ) أبواب الاحتضار ب (40) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 126 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 427 - 1357 ) ، الوسائل ( 2 : 669 ) أبواب الاحتضار ب (40) ح (2).
3- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی النهایة : (30).
4- التهذیب ( 1 : 289 - 843 ) ، الوسائل ( 2 : 673 ) أبواب الاحتضار ب (45) ح (1).
5- جامع المقاصد ( 1 : 48 ).

ومدّت یداه إلی جنبیه ، وغطی بثوب. ویعجّل تجهیزه إلا أن یکون حاله مشتبهة ، فیستبرأ بعلامات الموت ، أو یصبر علیه ثلاثة أیام.

ویکره أن یطرح علی بطنه حدید ،

______________________________________________________

علیه السلام وأبوه جالس عنده فلما حضره الموت شدّ لحییه ، وغمّضه ، وغطی علیه الملحفة (1).

قوله : ومدّت یداه إلی جنبیه.

ذکره الأصحاب ، قال فی المعتبر : ولا أعرف فیه نقلا عن أئمتنا علیهم السلام ، لکن لیکون أطوع للغاسل وأسهل للإدراج (2).

قوله : ویعجّل تجهیزه.

لا خلاف فی استحباب التعجیل ، وقد روی جابر عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : یا معشر الناس لا ألفینّ رجلا مات له میت لیلا فانتظر به الصبح ، ولا رجلا مات له میت نهارا فانتظر به اللیل ، لا تنتظروا بموتاکم طلوع الشمس ولا غروبها ، عجّلوا بهم إلی مضاجعهم رحمکم الله تعالی ، قال الناس : وأنت یا رسول الله یرحمک الله » (3).

وهذا فی غیر من اشتبه موته ، أما من اشتبه فیجب التربص به إلی أن یتحقق موته ، وقد ذکر من علاماته : انخساف صدغیه ، ومیل أنفه ، وامتداد جلدة وجهه ، وانخلاع کفه من ذراعه ، واسترخاء قدمیه ، إلی غیر ذلک من العلامات.

قوله : ویکره أن یطرح علی بطنه حدید.

ذکره المفید - رحمه الله - (4) ، وقال الشیخ فی التهذیب : سمعنا ذلک مذاکرة من

استحباب مد یدی المحتضر
کراهة طرح حدیدة علی بطن المیت

ص: 58


1- التهذیب ( 1 : 289 - 842 ) ، الوسائل ( 2 : 672 ) أبواب الاحتضار ب (44) ح (3).
2- المعتبر ( 1 : 261 ).
3- الکافی ( 3 : 137 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 85 - 389 ) ، التهذیب ( 1 : 427 - 1359 ) ، الوسائل ( 2 : 674 ) أبواب الاحتضار ب (47) ح (1).
4- المقنعة : (11).

وأن یحضره جنب أو حائض. الثانی : فی التغسیل

وهو فرض علی الکفایة ، وکذا تکفینه ودفنه والصلاة علیه. وأولی الناس به أولاهم بمیراثه.

______________________________________________________

الشیوخ رحمهم الله (1).

قوله : وأن یحضره جنب أو حائض.

قال المصنف فی المعتبر : إنما أخرنا هذا الحکم وهو متقدم فی الترتیب ، لما وضعنا علیه قاعدة الکتاب من البدأة فی کل قسم بالواجب ، واتباعه بالندب ، وتأخر المکروه ، فاقتضی ذلک تأخیر هذا الحکم ، وبکراهة ذلک قال أهل العلم (2).

ویدل علیه روایات ، منها : روایة یونس بن یعقوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تحضر الحائض المیت ولا الجنب عند التلقین ، ولا بأس أن یلیا غسله » (3) وعلل فی بعض الأخبار بأنّ الملائکة تتأذی بذلک (4).

قوله : الثانی ، التغسیل ، وهو فرض علی الکفایة وأولی الناس به أولاهم بمیراثه.

المراد أنّ من یرث أولی ممن لا یرث ، فالطبقة الاولی متقدمة علی الثانیة وهکذا ، ویمکن أن یراد بالأولویة فی المیراث کثرة النصیب فیه ، إذ یصدق علی الأکثر نصیبا أنه أولی بالمیراث ، لکن لم یعتبر الأصحاب ذلک کما سیجی ء تحقیقه.

کراهة حضور الجنب والحائض عند المحتضر

- التغسیل

أولاهم بمیراثه أولاهم بتغسیله

ص: 59


1- التهذیب ( 1 : 290 ).
2- المعتبر ( 1 : 263 ).
3- التهذیب ( 1 : 428 - 1362 ) ، الوسائل ( 2 : 671 ) أبواب الاحتضار ب (43) ح (2).
4- الکافی ( 3 : 138 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 428 - 1361 ) ، قرب الإسناد : (129) ، علل الشرائع : ( 298 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 671 ) أبواب الاحتضار ب (43) ح ( 1 ، 3 ).

وإذا کان الأولیاء رجالا ونساء فالرجال أولی ، والزوج أولی بالمرأة من کل أحد فی أحکامه کلّها.

______________________________________________________

والأصل فی هذه المسألة روایة غیاث بن إبراهیم الرزامی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علی علیهم السلام ، قال : « یغسل المیت أولی الناس به » (1) وهی مع ضعف سندها غیر دالة علی أنّ المراد بالأولویة الأولویة فی المیراث ، ولا یبعد أن یراد بالأولی بالمیت هنا أشد الناس به علاقة ، لأنه المتبادر ، والمسألة محل توقف.

قوله : وإذا کان الأولیاء رجالا ونساء فالرجال أولی.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی هذا الحکم بین کون المیت رجلا أو امرأة ، وبهذا التعمیم جزم المتأخرون ، وذکروا أنه لو کان المیت امرأة لا یمکن الولی الذکر مباشرة تغسیلها أذن للمماثل ، فلا یصح فعله بدون ذلک. وقیل : إن ذلک مخصوص بالرجل ، أما النساء فالنساء أولی بغسلهن (2). ورده جدی - رحمه الله - بعدم ثبوت مستنده (3).

وقد یقال : إنّ الروایة المتقدمة التی هی الأصل فی هذا الحکم إنما تتناول من یمکن وقوع الغسل منه ، ومتی انتفت دلالتها علی العموم وجب الرجوع فی غیر ما تضمنته إلی الأصل والعمومات.

قوله : والزوج أولی بالمرأة من کل أحد فی أحکامها کلّها.

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الزوج أحق بالمرأة حتی یضعها فی قبرها » (4).

الزوج أولی بالمرأة

ص: 60


1- التهذیب ( 1 : 431 - 1376 ) ، الوسائل ( 2 : 718 ) أبواب غسل المیت ب (26) ح (1).
2- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 49 ، 56 ).
3- روض الجنان : (96).
4- الکافی ( 3 : 194 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 325 - 949 ) ، الوسائل ( 2 : 715 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (9).

______________________________________________________

قال فی المعتبر : ومضمون الروایة متفق علیه (1).

قلت : إن کانت المسألة إجماعیة فلا بحث ، وإلاّ أمکن المناقشة فیها ، لضعف المستند ، ولأنه معارض بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أیهما یصلی علیها؟ فقال : « أخوها أحق بالصلاة علیها » (2) وأجاب الشیخ عن هذه الروایة بالحمل علی التقیة (3) ، وهو إنما یتم مع التکافؤ فی السند کما لا یخفی.

واختلف الأصحاب فی جواز تغسیل کل من الزوجین الآخر فی حال الاختیار ، فقال السید المرتضی فی شرح الرسالة (4) ، والشیخ فی الخلاف (5) ، وابن الجنید ، والجعفی (6) : یجوز لکل منهما تغسیل الآخر مجردا ، مع وجود المحارم وعدمهم. وقال فی النهایة بالجواز أیضا إلا أنه اعتبر فیه کونه من وراء الثیاب (7) ، وقال فی کتابی الأخبار : إن ذلک مختص بحال الاضطرار دون الاختیار (8).

والأظهر جواز تغسیل کل منهما الآخر مجردا وإن کان الأفضل کونه من وراء القمیص کما فی مطلق التغسیل.

ص: 61


1- المعتبر ( 1 : 264 ).
2- التهذیب ( 3 : 205 - 486 ) ، الإستبصار ( 1 : 486 - 1885 ) ، الوسائل ( 2 : 802 ) أبواب صلاة الجنازة ب (24) ح (4).
3- التهذیب ( 3 : 205 ).
4- لم نعثر علی ناقل عن شرح الرسالة ولکن نقله عن المرتضی فی الذکری : (38).
5- الخلاف ( 1 : 282 ).
6- نقله عنهما فی الذکری : (38).
7- النهایة : (42).
8- التهذیب ( 1 : 440 ) ، الاستبصار ( 1 : 199 ). واعتبر فیهما الغسل من وراء الثیاب أیضا فی التهذیب ( 1 : 438 ) ، الاستبصار ( 1 : 198 ).

______________________________________________________

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصلح له أن ینظر إلی امرأته حین تموت؟ أو یغسلها إن لم یکن عندها (1) من یغسلها ، وعن المرأة هل تنظر إلی مثل ذلک من زوجها حین یموت؟ فقال : « لا بأس بذلک ، إنما یفعل ذلک أهل المرأة کراهة أن ینظر زوجها إلی شی ء یکرهونه » (2).

وفی الصحیح عن منصور قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل یخرج فی السفر ومعه امرأته [ فتموت ] یغسلها؟ قال : « نعم وامه وأخته ونحو هذا ، یلقی علی عورتها خرقة » (3) وفی الحسن ، عن محمد بن مسلم قال : سألته عن الرجل یغسل امرأته؟ قال : « نعم ، إنما یمنعها أهلها تعصبا » (4).

ویدل علی أن الأفضل کونه من وراء الثیاب روایات کثیرة ، منها : صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الرجل یموت ولیس عنده من یغسّله إلاّ النساء قال : « تغسله امرأته أو ذو قرابة إن کانت له ، وتصبّ النساء الماء علیه صبّا ، وفی المرأة إذا ماتت یدخل زوجها یده تحت قمیصها فیغسلها » (5).

وصحیحة محمد بن مسلم قال : سألته عن الرجل یغسل امرأته؟ قال : « نعم من

ص: 62


1- فی « ق » وبعض المصادر : عنده.
2- الکافی ( 3 : 157 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 86 - 401 ) ، التهذیب ( 1 : 439 - 1417 ) ، الإستبصار ( 1 : 198 - 698 ) ، الوسائل ( 2 : 713 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (1). فیما عدا التهذیب : یکرهونه منها.
3- الکافی ( 3 : 158 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 439 - 1418 ) ، الإستبصار ( 1 : 199 - 699 ) ، الوسائل ( 2 : 705 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 158 - 11 ) ، التهذیب ( 1 : 439 - 1419 ) ، الإستبصار ( 1 : 199 - 700 ) ، الوسائل ( 2 : 714 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (4).
5- الکافی ( 3 : 157 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 437 - 1410 ) ، الإستبصار ( 1 : 196 - 689 ) ، الوسائل ( 2 : 714 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (3).

______________________________________________________

وراء الثوب » (1).

وصحیحة أبی الصباح الکنانی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الرجل یموت فی السفر فی أرض لیس معه إلا النساء؟ قال : « یدفن ولا یغسل ، والمرأة تکون مع الرجل بتلک المنزلة تدفن ولا تغسل ، إلاّ أن یکون زوجها معها ، فإن کان زوجها معها غسلها من فوق الدرع » (2).

والجمع بین الأخبار وإن أمکن بتقیید الأخبار المطلقة بهذه الأحادیث ، إلاّ أن حمل هذه علی الاستحباب أولی ، لظهور تلک الأخبار فی الجواز مطلقا ، وثبوت استحباب ذلک فی مطلق التغسیل علی ما سنبینه.

واعلم أنّ إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الزوجة بین الحرة والأمة ، ولا بین الدائم والمنقطع. والمطلقة رجعیة زوجة بخلاف البائن.

قال فی الذکری : ولا عبرة بانقضاء عدة المرأة عندنا ، بل لو نکحت جاز لها تغسیله وإن کان الفرض بعیدا (3). وهو کذلک أخذا بالإطلاق.

ویجوز تغسیل السید لأمته قطعا ، والأظهر عدم جواز العکس مطلقا ، لانتقالها إلی غیره فحرم علیها النظر إلیه ، وربما فرّق بین أم الولد وغیرها ، لما روی من إیصاء زین العابدین علیه السلام أن تغسّله أم ولده (4) ، وفی الطریق ضعف.

ص: 63


1- الکافی ( 3 : 157 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 438 - 1411 ) ، الإستبصار ( 1 : 196 - 690 ) ، الوسائل ( 2 : 714 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 438 - 1414 ) ، الإستبصار ( 1 : 197 - 693 ) ، الوسائل ( 2 : 716 ) أبواب غسل المیت ب (24) ح (12).
3- الذکری : (40).
4- التهذیب ( 1 : 444 - 1437 ) ، الإستبصار ( 1 : 200 - 704 ) ، الوسائل ( 2 : 717 ) أبواب غسل المیت ب (25) ح (1).

ویجوز أن یغسل الکافر المسلم إذا لم یحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم.

وکذا تغسل الکافرة المسلمة إذا لم تکن مسلمة ولا ذو رحم.

______________________________________________________

قوله : ویجوز أن یغسل الکافر المسلم إذا لم یحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم. وکذا تغسل الکافرة المسلمة إذا لم تکن مسلمة ولا ذو رحم.

هذا الحکم ذکره الشیخان (1) وأتباعهما (2) ، واستدل علیه فی التهذیب بروایة عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فإن مات رجل مسلم ولیس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوی قرابته ، ومعه رجال نصاری ونساء مسلمات لیس بینه وبینهنّ قرابة ، قال : « یغتسل النصاری ثم یغسّلونه فقد اضطر » وعن المرأة المسلمة تموت ولیس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوی قرابتها ، ومعها نصرانیة ورجال مسلمون؟ قال : « تغتسل النصرانیة ثم تغسّلها » (3).

وروی عمرو بن خالد ، عن زید بن علی ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام ، قال : « أتی رسول الله صلی الله علیه و آله نفر فقالوا : إنّ امرأة توفت معنا ولیس معها ذو محرم؟ فقال : کیف صنعتم؟ فقالوا : صببنا علیها الماء صبا فقال : أما وجدتم امرأة من أهل الکتاب تغسلها؟ فقالوا : لا ، قال : أفلا یمّمتموها؟ » (4) وهما ضعیفتا السند جدا.

ومن ثم توقف فی هذا الحکم المصنف فی المعتبر (5) ، واستقرب الدفن من غیر غسل ، لأن الغسل مفتقر إلی النیة ، والکافر لا تصح منه نیة القربة.

الکافر یغسل المسلم إذا لم یکن مسلم

ص: 64


1- المفید فی المقنعة : (13) ، والشیخ فی النهایة : (42).
2- منهم سلار فی المراسم : (50) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (63).
3- التهذیب ( 1 : 340 - 997 ) ، الوسائل ( 2 : 704 ) أبواب غسل المیت ب (19) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 443 - 1433 ) ، الإستبصار ( 1 : 203 - 718 ) ، الوسائل ( 2 : 710 ) أبواب غسل المیت ب (22) ح (4).
5- المعتبر ( 1 : 326 ).

ویغسل الرجل محارمه من وراء الثیاب إذا لم تکن مسلمة. وکذا المرأة.

ولا یغسل الرجل من لیست له بمحرم

______________________________________________________

والحق أنه متی ثبت نجاسة الذمی ، أو توقف الغسل علی النیة تعین المصیر إلی ما قاله فی المعتبر ، وإن نوزع فیهما أمکن إثبات هذا الحکم بالعمومات لا بخصوص هذین الخبرین.

قوله : ویغسل الرجل محارمه من وراء الثیاب إذا لم تکن مسلمة ، وکذا المرأة.

المراد بالمحرم : من حرم نکاحه مؤبدا بنسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة. ومقتضی العبارة المنع من تغسیل الرجل محارمه فی حال الاختیار ، وجوّزه فی المنتهی من فوق الثیاب (1) ، والأظهر الجواز مطلقا ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وصحیحة منصور ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یخرج فی السفر ومعه امرأته [ فتموت ] یغسلها؟ قال : « نعم ، وامه وأخته ونحو هذا ، یلقی علی عورتها خرقة » (2).

والعجب أنّ العلامة فی المنتهی (3) استدل بهذا الخبر علی جواز الغسل من فوق الثیاب ، مع صراحته فی جواز التغسیل مجردا مع ستر العورة.

قوله : ولا یغسل الرجل من لیست بمحرم.

هذا الحکم مقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، ونقل علیه المصنف فی المعتبر الإجماع (4). وصرح الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف بسقوط التیمم والحال هذه

یغسل الرجل محارمه فقط

ص: 65


1- المنتهی ( 1 : 437 ).
2- الکافی ( 3 : 158 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 439 - 1418 ) ، الإستبصار ( 1 : 199 - 699 ) ، الوسائل ( 2 : 705 ) أبواب غسل المیت ب (20) ح (1).
3- المنتهی ( 1 : 437 ).
4- المعتبر ( 1 : 323 ).

______________________________________________________

أیضا (1) ، وبه قطع فی المعتبر ، قال : لأن المانع من الغسل مانع من التیمم وإن کان الاطلاع مع التیمم أقل ، لکن النظر محرّم قلیله وکثیره (2). وحکی عن المفید - رحمه الله - أنه أوجب التغسیل من وراء الثیاب (3) ، وعن ابن زهرة أنه شرط تغمیض العینین (4). والمعتمد سقوط الغسل والتیمم مع انتفاء المماثلة والمحرمیة مطلقا.

لنا : ما رواه الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سأله عن المرأة تموت فی سفر ولیس معها ذو محرم ولا نساء؟ قال : « تدفن کما هی بثیابها » وعن الرجل یموت ولیس معه ذو محرم ولا رجال؟ قال : « یدفن کما هو فی ثیابه » (5).

وما رواه عبد الله بن أبی یعفور فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یموت فی السفر مع النساء لیس معهن رجل کیف یصنعن به؟ قال : « یلففنه لفّا فی ثیابه ویدفنه ولا یغسّلنه » (6).

وما رواه أبو الصباح الکنانی فی الصحیح أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قال فی الرجل یموت فی السفر فی أرض لیس معه إلاّ النساء ، قال : « یدفن ولا یغسل ، والمرأة تکون مع الرجال بتلک المنزلة تدفن ولا تغسل » (7) وهذه الأخبار صریحة فی سقوط

ص: 66


1- النهایة : (42) ، المبسوط ( 1 : 175 ) ، الخلاف ( 1 : 282 ).
2- المعتبر ( 1 : 325 ).
3- حکاه فی الذکری : (39). والموجود فی المقنعة : 3. ما نصه : فإن ماتت صبیة بین رجال مسلمین لیس لها فیهم محرم - الی أن قال - وإن کانت أکثر من ثلاث سنین غسلوها فی ثیابها وصبوا علیها الماء صبا.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : (563).
5- الفقیه ( 1 : 94 - 430 ) ، التهذیب ( 1 : 440 - 1423 ) ، الإستبصار ( 1 : 200 - 706 ) ، الوسائل ( 2 : 708 ) أبواب غسل المیت ب (21) ح (1).
6- الفقیه ( 1 : 94 - 429 ) ، التهذیب ( 1 : 441 - 1424 ) ، الإستبصار ( 1 : 201 - 707 ) ، الوسائل ( 2 : 708 ) أبواب غسل المیت ب (21) ح (2).
7- التهذیب ( 1 : 438 - 1414 ) ، الإستبصار ( 1 : 201 - 709 ) ، الوسائل ( 2 : 709 ) أبواب غسل المیت ب (21) ح (4).

إلا ولها دون ثلاث سنین - وکذا المرأة - ویغسلها مجرّدة.

______________________________________________________

التغسیل ، وظاهرها سقوط التیمم أیضا وإلاّ لذکر ، إذ المقام مقام البیان.

وفی مقابل هذه الروایات روایتان ضعیفتا السند جدّا ، تضمنت إحداهما : « إن المرأة إذا ماتت بین رجال أجانب یصبّون علیها الماء من وراء الثیاب » (1). وتضمنت الأخری : « أنهم یغسلون منها ما أوجب الله تعالی علیه التیمم » (2). وضعفهما مع وجود المعارض السلیم یمنع من العمل بهما ، وحملهما الشیخ فی التهذیب علی الاستحباب (3) ، وهو مشکل.

قوله : إلا ولها دون ثلاث سنین ، وکذا المرأة.

أی : لا تغسل من لیس لها بمحرم إلاّ من کان له دون ثلاث سنین. وهذا الحکم مستثنی من منع تغسیل غیر المماثل ، وإطلاق العبارة یقتضی جواز ذلک اختیارا ، وشرط الشیخ فی النهایة فیه عدم المماثل (4) ، وجوز المفید (5) وسلار (6) للمرأة تغسیل ابن خمس سنین مجردا ، والصدوق بنت أقل من خمس سنین مجردة (7) ، ومنع المصنف فی المعتبر من تغسیل الرجل الصبیة مطلقا ، وجوز للمرأة تغسیل ابن الثلاث اختیارا أو اضطرارا ، فارقا بینهما بأن الشرع أذن فی اطلاع النساء علی الصبی ، لافتقاره إلیهن فی التربیة ، ولیس

یغسل الرجل من لها دون ثلاث سنین

ص: 67


1- التهذیب ( 1 : 442 - 1427 ) ، الإستبصار ( 1 : 202 - 712 ) ، الوسائل ( 2 : 711 ) أبواب غسل المیت ب (22) ح (5).
2- التهذیب ( 1 : 442 - 1429 ) ، الإستبصار ( 1 : 202 - 714 ) ، الوسائل ( 2 : 709 ) أبواب غسل المیت ب (22) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 442 ).
4- النهایة : (42).
5- المقنعة : (13).
6- المراسم : (50).
7- المقنع : (19).

______________________________________________________

کذلک الصبیة ، قال : والأصل حرمة النظر (1). وفیه نظر.

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار ما رواه الکلینی - رحمه الله - عن أبی (2) النمیر مولی الحارث بن المغیرة النضری قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : حدثنی عن الصبی إلی کم تغسّله النساء؟ فقال : « إلی ثلاث سنین » (3).

وما رواه الشیخ فی التهذیب عن محمد بن أحمد بن یحیی مرسلا ، قال : روی فی الجاریة تموت مع الرجل ، فقال : « إذا کانت بنت أقل من خمس سنین أو ست دفنت ولم تغسل » (4) وقال ابن طاوس : إن لفظة « أقل » هنا وهم (5).

وحکی فی الذکری أنّ الموجود فی جامع محمد بن الحسن : إذا کانت بنت أکثر من خمس أو ست دفنت ولم تغسل ، فإن کانت بنت أقل من خمس غسّلت (6).

وکیف کان فالروایتان ضعیفتا السند جدا ، فلا یجوز التمسک بهما. ومع ذلک فلا بأس بالعمل بمضمونهما ، لاعتضادهما بالأصل والعمومات ، مضافا إلی عدم ثبوت تحریم اللمس والنظر إلی الصغیر والصغیرة. ومن هنا تظهر قوة القول بالتحدید بالخمس.

وبالجملة فینبغی أن یکون ذلک تابعا لجواز النظر واللمس ، ولتحقیق المسألة محل آخر.

ص: 68


1- المعتبر ( 1 : 324 ).
2- فی الکافی : ابن.
3- الکافی ( 3 : 160 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 712 ) أبواب غسل المیت ب (23) ح (1). ورواها فی الفقیه ( 1 :3. 431 ) ، والتهذیب ( 1 : 341 - 998 ).
4- التهذیب ( 1 : 341 - 999 ) ، الوسائل ( 2 : 713 ) أبواب غسل المیت ب (23) ح (3).
5- نقل کلامه فی الذکری : (39).
6- الذکری : (39).

وکل مظهر للشهادتین وإن لم یکن معتقدا للحق یجوز تغسیله ، عدا الخوارج والغلاة. والشهید الذی قتل بین یدی الإمام ومات فی المعرکة لا یغسل ولا یکفن ، ویصلّی علیه.

______________________________________________________

قوله : وکل مظهر للشهادتین وإن لم یکن معتقدا للحق یجوز تغسیله ، عدا الخوارج والغلاة.

خالف فی ذلک المفید - رحمه الله - فی المقنعة ، فقال : ولا یجوز لأحد من أهل الإیمان أن یغسل مخالفا للحق فی الولایة ، ولا یصلی علیه إلاّ أن تدعوه ضرورة إلی ذلک من جهة التقیة (1).

واستدل له الشیخ فی التهذیب بأن المخالف لأهل الحق کافر ، فیجب أن یکون حکمه حکم الکفار إلاّ ما خرج بالدلیل. وإذا کان غسل الکافر لا یجوز فیجب أن یکون غسل المخالفین أیضا غیر جائز. ثم قال : والذی یدل علی أنّ غسل الکافر لا یجوز إجماع الأمة ، لأنه لا خلاف بینهم فی أنّ ذلک محظور فی الشریعة (2).

والمسألة قویة الإشکال ، وإن کان الأظهر عدم وجوب تغسیل غیر المؤمن.

ویلحق بالمسلم : الطفل المتولد منه ، والمجنون ، ومسبیّة فی قول مشهور ، ولقیط دار الإسلام. قیل : وکذا دار الکفر إذا أمکن تولده من مسلم (3) ، وللنظر فی هذا مجال.

قوله : والشهید الذی قتل بین یدی الإمام ومات فی المعرکة لا یغسل ولا یکفن ویصلّی علیه.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المعتبر : إنه إجماع أهل العلم خلا

جواز تغسیل المسلم
عدم تغسیل الشهید

ص: 69


1- المقنعة : (13).
2- التهذیب ( 1 : 335 ).
3- کما فی اللمعة الدمشقیة ( 1 : 120 ) ، وروض الجنان : (92).

______________________________________________________

سعید بن المسیب والحسن ، فإنهما أوجبا غسله ، لأن المیت لا یموت حتی یجنب. قال : ولا عبرة بکلامهما (1).

وقد أطلقت الشهادة فی الأخبار علی المقتول دون أهله وماله ، وعلی المطعون (2) والغریق وغیرهم. والمراد بها هنا ما هو أخص من ذلک. وفسره المصنف بأنه المقتول بین یدی الإمام إذا مات فی المعرکة. والمراد بقتله بین یدی الإمام : قتله فی عسکره ، وبموته فی المعرکة : موته فی موضع القتال.

والأصل فی هذه المسألة من طریق الأصحاب ما رواه الشیخ فی الحسن عن أبان بن تغلب ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « الذی یقتل فی سبیل الله یدفن فی ثیابه ، ولا یغسّل إلاّ أن یدرکه المسلمون وبه رمق ثم یموت بعد ، فإنه یغسّل ویکفّن ویحنّط. إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کفّن حمزة علیه السلام فی ثیابه ولم یغسله ولکنه صلی علیه » (3).

وفی الحسن عن إسماعیل بن جابر وزرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : کیف رأیت الشهید یدفن بدمائه؟ قال : « نعم فی ثیابه بدمائه ، ولا یحنّط ولا یغسّل ویدفن کما هو » (4) وفی هاتین الروایتین مخالفة لما ذکره المصنف فی هذا الکتاب وغیره من الأصحاب من وجهین :

أحدهما : أنهما متناولتان لکل مقتول فی سبیل الله ، فیشمل من قتل بین یدی الإمام وغیره ممن قتل فی عسکر المسلمین إذا دهمهم عدو یخاف منه علی بیضة الإسلام

ص: 70


1- المعتبر ( 1 : 309 ).
2- فی « ح » : المبطون.
3- التهذیب ( 1 : 332 - 973 ) ، الوسائل ( 2 : 700 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (9).
4- الکافی ( 3 : 211 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 331 - 970 ) ، الإستبصار ( 1 : 214 - 756 ) ، الوسائل ( 2 : 700 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (8).

وکذا من وجب علیه القتل یؤمر بالاغتسال قبل قتله ، ثم لا یغسل بعد ذلک.

______________________________________________________

واضطروا إلی قتاله ، فلا وجه لقصر الحکم علی من قتل بین یدی الإمام. وبما ذکرناه قطع المصنف فی المعتبر ، فإنه قال بعد أن عزی اشتراط ذلک إلی الشیخین : والأقرب اشتراط الجهاد السائغ حسب ، فقد یجب الجهاد وإن لم یکن الإمام علیه السلام موجودا. ثم قال : واشتراط ما ذکره الشیخان زیادة لم تعلم من النص (1).

وثانیهما : أن ظاهر الروایة الاولی أنّ وجوب التغسیل فی الشهید منوط بإدراک المسلمین إیاه وبه رمق ، وأن من لم یدرک کذلک یسقط تغسیله وإن لم یمت فی المعرکة ، وهو خلاف ما ذکره الأصحاب من إناطة الفرق بالموت فی المعرکة وعدمه.

واعلم أنّ إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی هذا الحکم بین الصغیر والکبیر ، ولا بین المقتول بالحدید وغیره ، ولا بین من عاد سلاحه إلیه فقتله وغیره (2).

وفی الفرق بین الجنب وغیره قولان ، أظهرهما : العدم ، لإطلاق النص. ونقل عن المرتضی - رحمه الله - أنه أوجب تغسیل الجنب (3) ، وهو ضعیف.

قوله : وکذا من وجب علیه القتل یؤمر بالاغتسال قبل قتله ثم لا یغسل بعد ذلک.

المراد أمره بأن یغتسل غسل الأموات ثلاثا مع الخلیطین ، وکذا یجب أمره بالحنوط

کفایة اغتسال من یجب علیه القتل

ص: 71


1- المعتبر ( 1 : 311 ).
2- الجواهر ( 4 : 91 ). بل وکذا لو داسته خیول المسلمین أو رمته فرسه فی نهر أو بئر بسبب جهاد الکفار ، لصدق کونه قتیلا فی سبیل الله.
3- فی المعتبر ( 1 : 31 ) ، والذکری : (41).

وإذا وجد بعض المیت ، فإن کان فیه الصدر أو الصدر وحده غسّل وکفّن وصلّی علیه ودفن.

______________________________________________________

کما صرح به الشیخ (1) وأتباعه (2). وزاد ابنا بابویه (3) والمفید (4) - رحمهم الله - تقدیم التکفین أیضا.

والمستند فی ذلک کله روایة مسمع کردین ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المرجوم والمرجومة یغسّلان ویحنطان ویلبسان الکفن قبل ذلک ، ثم یرجمان ویصلی علیهما. والمقتص منه بمنزلة ذلک ، یغتسل ویتحنط ویلبس الکفن ویصلی علیه » (5).

وهی ضعیفة السند جدا. لکن قال فی المعتبر : إنّ الخمسة وأتباعهم أفتوا بذلک ، وإنه لا یعلم فیه للأصحاب خلافا (6).

وأما عدم وجوب تغسیل من هذا شأنه بعد ذلک فظاهر ، لعدم مشروعیة التعدد.

وفی وجوب الغسل بمسه بعد الموت تردد ، أقربه : العدم ، لأن الغسل إنما یجب بمس المیت قبل غسله ، وهذا قد غسل.

قوله : وإذا وجد بعض المیت فإن کان فیه الصدر أو الصدر وحده غسّل وکفّن وصلّی علیه ودفن.

هذا الحکم ذکره الشیخ (7) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب. وأطلق العلامة

حکم أبعاض المیت

ص: 72


1- المبسوط ( 1 : 181 ) ، والنهایة : (40).
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 55 ).
3- الصدوق فی المقنع : (20) ، ونقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 347 ).
4- المقنعة : (13).
5- الکافی ( 3 : 214 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 96 - 443 ) ، التهذیب ( 1 : 334 - 978 ) ، وفیه : یغتسلان ویتحنطان ، الوسائل ( 2 : 703 ) أبواب غسل المیت ب (17) ح (1).
6- المعتبر ( 1 : 347 ).
7- المبسوط ( 1 : 182 ).

______________________________________________________

- رحمه الله - فی جملة من کتبه أنّ صدر المیت کالمیت فی جمیع أحکامه (1).

واستدل علیه بروایة الفضل بن عثمان الأعور عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یقتل فیوجد رأسه فی قبیلة ، قال : « دیته علی من یوجد فی قبیلته صدره ویداه ، والصلاة علیه » (2).

ومرسلة أحمد بن محمد بن عیسی رفعه ، قال : « المقتول إذا قطع أعضاؤه یصلّی علی العضو الذی فیه القلب » (3) وهاتان الروایتان - مع ضعف سندهما - إنما تدلان علی وجوب الصلاة علی الصدر والیدین ، أو العضو الذی فیه القلب خاصة ، واستلزام ذلک لوجوب الغسل والتکفین ممنوع.

واعلم أنا لم نقف فی حکم الأبعاض علی شی ء من النصوص التی یعتمد علیها سوی روایتین : روی إحداهما علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یأکله السبع والطیر فیبقی عظامه بغیر لحم کیف یصنع به؟ قال : « یغسّل ویکفّن ویصلی علیه ویدفن ، وإذا کان المیت نصفین صلی علی النصف الذی فیه القلب » (4).

والأخری رواها محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إذا قتل قتیل فلم یوجد إلاّ لحم بلا عظم لم یصل علیه ، فإن وجد عظم بلا لحم صلی

ص: 73


1- المختلف : (46) ، وتحریر الأحکام ( 1 : 17 ).
2- الفقیه ( 1 : 104 - 484 ) ، التهذیب ( 3 : 329 - 1030 ) ، الوسائل ( 2 : 815 ) أبواب صلاة الجنازة ب (38) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
3- المعتبر ( 1 : 317 ) ، الوسائل ( 2 : 817 ) أبواب صلاة الجنازة ب (38) ح (12) ، وفیه : البزنطی عن بعض أصحابنا رفعه.
4- الکافی ( 3 : 212 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 336 - 983 ) ، الوسائل ( 2 : 816 ) أبواب صلاة الجنازة ب (38) ح (6).

وإن لم یکن وکان فیه عظم غسل ولفّ فی خرقة ودفن ،

______________________________________________________

علیه » (1).

ومقتضی الروایة الأولی أن الباقی جمیع عظام المیت ، لأن إضافة الجمع تفید العموم ، وأن الصلاة إنما تجب علی النصف الذی فیه القلب. وظاهر الثانیة وجوب الصلاة علی مطلق العظم ، ویمکن حملها علی الاستحباب.

والأجود : إلحاق عظام المیت به فی جمیع الأحکام إلاّ الحنوط لعدم ذکره فی الخبر ، ووجوب الصلاة علی النصف الذی فیه القلب خاصة. وإلحاق ما فیه القلب مطلقا أو الصدر والیدان بذلک - کما ذکره فی المعتبر (2) - أحوط ، لورود الأمر بالصلاة علیهما فی الخبرین الأولیین (3) وإن ضعف سندهما.

قوله : وإن لم یکن وکان فیه عظم غسل ولف فی خرقة ودفن.

هذا الحکم ذکره الشیخان (4) وأتباعهما (5). واحتج علیه فی الخلاف (6) بإجماع الفرقة. واعترف جمع من الأصحاب بعدم الوقوف فی ذلک علی نص. لکن قال جدی - قدس سره - : إنّ نقل الإجماع من الشیخ کاف فی ثبوت الحکم ، بل ربما کان أقوی من النص (7). وهو مناف لما صرح به - رحمه الله - فی عدة مواضع من التشنیع علی مثل هذا الإجماع والمبالغة فی إنکاره. وقد تقدم منا البحث فی ذلک مرارا.

ص: 74


1- الکافی ( 3 : 212 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 336 - 984 ) ، الوسائل ( 2 : 816 ) أبواب صلاة الجنازة ب (38) ح (8).
2- المعتبر ( 1 : 317 ).
3- المتقدمین فی ص (73).
4- المفید فی المقنعة : (13) ، والشیخ فی النهایة : (40) ، والمبسوط ( 1 : 182 ).
5- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 55 ) ، وسلار فی المراسم : (46).
6- الخلاف ( 1 : 291 ).
7- روض الجنان : (112).

وکذا السقط إذا کان له أربعة أشهر فصاعدا.

______________________________________________________

قال فی الذکری : ویلوح ما ذکره الشیخان من خبر علی بن جعفر (1) ، لصدق العظام علی التامة والناقصة (2). وهو غیر جید ، لما بیناه من وجوب حملها علی التامة. علی أنه لو سلم تناولها للناقصة لم یتم الاستدلال بها علی ما ذکره الشیخان ، لتضمنها وجوب الصلاة وتصریحهما بنفیها.

وظاهر العبارة أنّ الحکم مقصور علی المبانة من المیت خاصة ، وبه صرح فی المعتبر وقطع بدفن المبانة من الحی بغیر غسل محتجا بأنها من جملة لا تغسل ولا تصلی علیها (3).

واستقرب الشهید - رحمه الله - فی الذکری مساواتها للمبانة من المیت ، وأجاب عن حجة المعتبر بأن الجملة لم یحصل فیها الموت بخلاف القطعة (4). وهو ضعیف وجوابه قاصر.

قوله : وکذا السقط إذا کان له أربعة أشهر فصاعدا.

أی یجب تغسیله الغسل المعهود ولفّه فی خرقة ودفنه. وأوجب الشهید (5) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (6) تکفینه بالقطع الثلاث وتحنیطه أیضا.

والمستند فی ذلک مرفوعة أحمد بن محمد ، قال : « إذا تم للسقط أربعة أشهر غسل » (7).

وموثقة سماعة عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن السقط إذا استوت

حکم السقط

ص: 75


1- المتقدم فی ص (73).
2- الذکری : (40).
3- المعتبر ( 1 : 319 ).
4- الذکری : (40).
5- الذکری : (40) ، والدروس : (9).
6- منهم الشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 12 ). والمحقق الثانی فی جامع المقاصد ( 1 : 48 ).
7- التهذیب ( 1 : 328 - 960 ) ، الوسائل ( 2 : 695 ) أبواب غسل المیت ب (12) ح (2).

وإن لم یکن فیه عظم اقتصر علی لفّه فی خرقة ودفنه ، وکذا السقط إذا لم تلجه الروح.

______________________________________________________

خلقته یجب علیه الغسل واللحد والکفن؟ قال : « نعم کل ذلک یجب إذا استوی » (1).

قال فی المعتبر : ولا یطعن علی الروایتین بانقطاع سند الاولی وضعف سماعة فی طریق الثانیة ، لأنه لا معارض لهما مع قبول الأصحاب لهما (2). وفیه ما فیه.

ثم لا یخفی أنّ الحکم فی الروایة الثانیة وقع معلقا علی استواء الخلقة لا علی بلوغ الأربعة ، اللهم إلاّ أن یدعی التلازم بین الأمرین ، وإثباته مشکل. ومقتضاها وجوب التکفین بالقطع الثلاثة ، لأنه المتبادر من الکفن عند الإطلاق.

أما الصلاة علیه فإنها غیر واجبة ولا مستحبة باتفاق علمائنا ، قاله فی المعتبر (3).

قوله : فإن لم یکن فیه عظم اقتصر علی لفّه فی خرقة ودفنه.

الأظهر عدم وجوب اللف کما اختاره فی المعتبر (4) ، لانتفاء الدلیل علیه رأسا.

قوله : وکذا السقط إذا لم تلجه الروح.

أی یجب لفه فی خرقة ودفنه. وینبغی أن یکون المرجع فی معرفة ذلک إلی قول أهل الخبرة. وذکر الشارح - رحمه الله - أنّ المراد بمن لم تلجه الروح من نقص سنّه عن أربعة أشهر (5). وهو ظاهر المصنف هنا وفی النافع (6) وصریح المعتبر ، فإنه قال فیه : ولو کان للسقط أقل من أربعة أشهر لم یغسل ولم یکفن ولم یصل علیه بل یلف فی خرقة ویدفن ، ذکر ذلک الشیخان ، وهو مذهب العلماء خلا ابن سیرین ولا عبرة فی خلافه ،

ص: 76


1- الکافی ( 3 : 258 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 329 - 962 ) ، الوسائل ( 2 : 695 ) أبواب غسل المیت ب (12) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 319 ).
3- المعتبر ( 1 : 319 ).
4- المعتبر ( 1 : 319 ).
5- المسالک ( 1 : 12 ).
6- المختصر النافع : (15).

وإذا لم یحضر المیت مسلم ولا کافر ولا محرم من النساء دفن بغیر غسل ، ولا تقربه الکافرة. وکذا المرأة. وروی أنهم یغسلون وجهها ویدیها.

______________________________________________________

لأن المعنی الموجب للغسل وهو الموت مفقود هنا (1). ثم استدل علیه من طریق الأصحاب بما رواه الشیخ عن محمد بن الفضیل ، قال : کتبت إلی أبی جعفر علیه السلام أسأله عن السقط کیف یصنع به؟ قال : « السقط یدفن بدمه فی موضعه » (2). وهذه الروایة مع ضعف سندها خالیة من ذکر اللف فی الخرقة ، بل الظاهر أنه یدفن مجردا.

قوله : وإذا لم یحضر المیت مسلم ولا کافر ولا محرم من النساء دفن بغیر غسل ، ولا تقربه الکافرة ، وکذا المرأة ، وروی أنهم یغسّلون وجهها ویدیها.

قد تقدم البحث فی ذلک ، وأنّ الأظهر أنه متی تعذر المماثل والمحرم وجب الدفن بغیر غسل ولا تیمم.

وأما الروایة التی أشار إلیها المصنف فهی روایة المفضل بن عمر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ما تقول فی امرأة تکون فی السفر مع الرجال لیس معهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة ، فتموت المرأة ، ما یصنع بها؟ قال : « یغسل منها ما أوجب الله علیه التیمم ، ولا تمس ولا یکشف لها شی ء من محاسنها التی أمر الله بستره » قلت : وکیف یصنع بها؟ قال : « یغسل بطن کفیها ، ثم یغسل وجهها ، ثم یغسل ظهر کفیها » (3) وهی ضعیفة السند جدا ، وفی مقابلها أخبار صحیحة دالة علی خلاف ما تضمنته هی (4) ، فوجب اطراحها رأسا.

عدم تغسیل الأجنبیة الرجل

ص: 77


1- المعتبر ( 1 : 320 ).
2- الکافی ( 3 : 208 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 329 - 961 ) ، الوسائل ( 2 : 696 ) أبواب غسل المیت ب (12) ح (5).
3- الکافی ( 3 : 159 - 13 ) ، الفقیه ( 1 : 95 - 438 ) ، التهذیب ( 1 : 342 - 1002 ) ، الإستبصار ( 1 : 202 - 714 ) ، الوسائل ( 2 : 709 ) أبواب غسل المیت ب (22) ح (1).
4- الوسائل ( 2 : 708 ) أبواب غسل المیت ب (21).

ویجب إزالة النجاسة عن بدنه أولا ،

______________________________________________________

قوله : ویجب إزالة النجاسة أولا.

أی قبل الشروع فی الغسل. وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب بل قال فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه بین العلماء (1). ویدل علیه روایات منها : قوله علیه السلام فی روایة الکاهلی : « ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات » (2).

وفی روایة یونس : « واغسل فرجه وانقه ، ثم اغسل رأسه بالرغوة » (3).

وقد یناقش فی هذا الحکم بأنّ اللازم منه طهارة المحل الواحد من نجاسة دون نجاسة ، وهو غیر معقول.

ویجاب بعدم الالتفات إلی هذا الاستبعاد بعد ثبوت الحکم بالنص والإجماع. أو یقال : إنّ النجاسة العارضة إنما تطهر بما یطهر غیرها من النجاسات ، بخلاف نجاسة الموت ، فإنما تزول بالغسل وإن لم یکن مطهرا لغیرها من النجاسات ، فاعتبر إزالتها أولا لتطهّر المیت بالغسل. وهذا أولی مما ذکره فی المعتبر من أنّ تقدیم الإزالة لئلاّ ینجس ماء الغسل بملاقاتها ، أو لأنه إذا وجب إزالة الحکمیة فالعینیة أولی (4).

قال جدی - قدس سره - : وهذا الإشکال منتف علی قول السید المرتضی - رضی الله عنه - لأنه ذهب إلی کون بدن المیت لیس بخبث ، بل الموت عنده من قبیل

غسل المیت

- کیفیة غسل المیت

اشارة

ص: 78


1- المنتهی ( 1 : 428 ).
2- الحرض : الأشنان ، وهو شجر یستعمل هو أو رماده فی غسل الثیاب والأیدی ( الإفصاح 1 : 387 ).
3- الکافی ( 3 : 140 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 298 - 873 ) ، الوسائل ( 2 : 681 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (5).
4- الکافی ( 3 : 142 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 301 - 877 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (3).

ثم یغسل بماء السدر ، یبدأ برأسه ثم بجانبه الأیمن ثم الأیسر ،

______________________________________________________

الأحداث کالجنابة ، فحینئذ یجب إزالة النجاسة الملاقیة لبدن المیت کما إذا لاقت بدن الجنب (1). هذا کلامه - رحمه الله - ، ومقتضاه أنه لا یجب تقدیم الإزالة علی الشروع فی الغسل ، بل یکفی طهارة کل جزء من البدن قبل غسله ، وهو خلاف ما صرحوا به هنا. مع أنّ فی تحقق الخلاف فی نجاسة بدن المیت نظرا ، فإن المنقول عن المرتضی - رحمه الله - عدم وجوب غسل المس (2) ، لا عدم نجاسة المیت. بل حکی المصنف فی المعتبر عنه فی شرح الرسالة التصریح بنجاسته (3). وعن الشیخ فی الخلاف أنه نقل علی ذلک إجماع الفرقة (4). وسیجی ء تتمة الکلام فیه إن شاء الله.

قوله : ثم یغسل بماء السدر ، یبدأ برأسه ثم بجانبه الأیمن ثم الأیسر.

مذهب الأصحاب - خلا سلاّر (5) - : أنه یجب تغسیل المیت ثلاث غسلات : بماء السدر ، ثم بماء الکافور ، ثم بماء القراح. وحجتهم فی ذلک الأخبار المستفیضة عن أئمة الهدی علیهم السلام . فمن ذلک ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت غسل المیت فاجعل بینک وبینه ثوبا یستر عورته ، إما قمیصا أو غیره ، ثم تبدأ بکفیه وتغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ، ثم سائر جسده ، وابدأ بشقه الأیمن. فإذا أردت أن تغسل فرجه فخذ خرقة نظیفة فلفّها علی یدک الیسری ، ثم ادخل یدک من تحت الثوب الذی علی فرج المیت فاغسله من غیر أن تری عورته ، فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخری بماء وکافور وشی ء من حنوط ، ثم اغسله بماء بحت غسلة

تغسیله بماء السدر

ص: 79


1- روض الجنان : (98).
2- فی المعتبر ( 1 : 351 ).
3- المعتبر ( 1 : 348 ).
4- الخلاف ( 1 : 283 ).
5- المراسم : (47).

______________________________________________________

أخری » (1).

وما رواه ابن مسکان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المیت فقلت : أغسله بماء وسدر؟ ثم أغسله علی أثر ذلک غسلة اخری بماء وکافور وذریرة إن کانت؟ وأغسله المرة الثالثة بماء قراح ثلاث غسلات لجسده کله؟ قال : « نعم ». قلت : یکون علیه ثوب إذا غسّل؟ قال : « إن استطعت أن یکون علیه قمیص تغسله من تحته » (2). والأخبار فی ذلک کثیرة جدا.

واحتجاج سلار (3) علی وجوب المرة الواحدة بالقراح خاصة بالأصل ، وبقوله علیه السلام - وقد سئل عن المیت یموت وهو جنب - : « یغسل غسلا واحدا » (4) ضعیف.

والأظهر وجوب الترتیب فی الغسلات وبینها. وقول ابن حمزة (5) باستحباب الترتیب بینها ضعیف.

وذکر جماعة من المتأخرین (6) أنه یسقط الترتیب فی الغسل بغمس المیت فی الماء غمسة واحدة ، تعویلا علی روایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال :

ص: 80


1- الکافی ( 3 : 138 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 299 - 874 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 139 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 300 - 875 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
3- نقل احتجاجه فی المختلف : (42) ، والذکری : (45).
4- الکافی ( 3 : 154 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 432 - 1384 ) ، الإستبصار ( 1 : 194 - 680 ) ، الوسائل ( 2 : 721 ) أبواب غسل المیت ب (31) ح (1).
5- الوسیلة : (64).
6- منهم فخر المحققین فی إیضاح الفوائد ( 1 : 60 ) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 12 ).

______________________________________________________

« غسل المیت مثل غسل الجنب » (1). وهی ضعیفة السند (2) ، فالخروج بها عن مقتضی الأخبار المستفیضة الواردة فی کیفیة الغسل مشکل.

ویجب فی هذا الغسل النیة کغیره من الأغسال عند أکثر الأصحاب. ونقل عن المرتضی - رحمه الله - التصریح بعدم الوجوب (3) ، لأن هذا الغسل تطهیر للمیت من نجاسة الموت ، فکان کغسل الثوب. وتردد فی المعتبر (4). وهو فی محله.

وکیف کان ، فینبغی القطع بالاکتفاء بنیة واحدة للأغسال الثلاثة ، لأنه فی الحقیقة فعل واحد مرکب منها.

ویعتبر فی النیة وقوعها من الغاسل ، أعنی الصابّ للماء ، لأنه الغاسل حقیقة. ولو اشترک جماعة فی غسله ، فإن ترتبوا بأن غسل کل واحد بعضها اعتبرت النیة من کل واحد عند أول فعله ، لامتناع ابتناء فعل مکلف علی نیة مکلف آخر. وإن اجتمعوا فی الصبّ فالظاهر اعتبار النیة من الجمیع ، لأن الغسل مستند إلی جمیعهم ولا أولویة ولو کان بعضهم یصبّ الماء والبعض یقلب اعتبرت نیة الصابّ ، واکتفی فی الذکری بنیة المقلب (5). وهو بعید (6).

ص: 81


1- الفقیه ( 1 : 122 - 586 ) ، التهذیب ( 1 : 447 - 1447 ) ، الوسائل ( 2 : 685 ) أبواب غسل المیت ب (3) ح (1).
2- لعل وجهه وقوع إبراهیم بن مهزیار فی السند ولم یوثقه النجاشی والشیخ - رجال النجاشی : ( 16 - 17 ) ، رجال الطوسی : ( 410 - 10 ).
3- نقله عنه فی مجمع الفائدة ( 1 : 182 ).
4- المعتبر ( 1 : 265 ).
5- الذکری : (44) وعلله فیه : بأن الصاب کالآلة.
6- الجواهر ( 4 : 121 ). لظهور أن الغسل هو إجراء الماء ولا مدخلیة للمقلب فیه.

وأقلّ ما یلقی فی الماء من السدر ما یقع علیه الاسم ، وقیل : مقدار سبع ورقات وبعده بماء الکافور علی الصفة ، وبماء القراح أخیرا کما یغتسل من الجنابة.

______________________________________________________

قوله : وأقلّ ما یلقی فی الماء من السدر ما یقع علیه الاسم ، وقیل : مقدار سبع ورقات ، وبعده بماء الکافور علی الصفة المذکورة. وبماء القراح أخیرا ، کما یغتسل من الجنابة.

المشهور بین الأصحاب أنه یکفی من الخلیط أعنی السدر والکافور مسماه وقدّر المفید (1) - رحمه الله - السدر برطل ، وابن البراج برطل ونصف (2) ، واعتبر بعضهم سبع ورقات (3). والأصح اعتبار ما یصدق علیه الاسم ، أعنی ما یتحقق معه کون ذلک الماء ماء سدر وماء کافور. فلو کان السدر ورقا غیر مطحون ولا ممروس لم یجز ، وکذا لو کان قلیلا علی وجه لا یصدق علی الماء الذی قد وضع فیه الاسم المذکور.

ولو خرج الماء بالخلیط عن کونه مطلقا ففی جواز التغسیل به قولان. وإطلاق الأخبار واتفاق الأصحاب علی ترغیة السدر - کما نقله فی الذکری (4) - یقتضیان الجواز.

والمراد بالقراح هنا : الماء المطلق ، واعتبر بعضهم خلوه من السدر والکافور وإن بقی الإطلاق (5). وربما قیل باشتراط خلوه من کل شی ء حتی التراب (6) ، ولا وجه له.

مقدار السدر
تغسیله بماء الکافور
تغسیله بماء القراح

ص: 82


1- المقنعة : (11).
2- المهذب ( 1 : 56 ).
3- منهم العلامة فی التذکرة ( 1 : 38 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (99).
4- الذکری : (46).
5- کالشهید الثانی فی روض الجنان : (99).
6- کما فی السرائر : (32).

وفی وضوء المیت تردد ، والأشبه أنه لا یجب. ولا یجوز الاقتصار علی أقل من الغسلات المذکورة ، إلا عند الضرورة.

______________________________________________________

قوله : وفی وضوء المیت تردد ، والأشبه أنه لا یجب.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل. النقل المستفیض عن أهل البیت علیهم السلام فی کیفیة الغسل وانتقالهم من تلیین أصابعه وغسل یدیه إلی غسل رأسه وجسده ، ومن غسله إلی تکفینه من غیر ذکر الوضوء (1). بل صحیحة یعقوب ابن یقطین کالصریحة فی ذلک ، فإنه قال : سألت العبد الصالح علیه السلام عن غسل المیت ، أفیه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال : « غسل المیت : یبدأ بمرافقه فیغسل بالحرض ، ثم یغسل وجهه ورأسه بالسدر » إلی أن قال : « ثم یغسل الذی غسله یده قبل أن یکفنه إلی المنکبین ، ثم إذا کفنه اغتسل » (2).

ونقل عن ظاهر أبی الصلاح القول بالوجوب (3) ، لمرسلة ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فی کل غسل وضوء إلاّ غسل الجنابة » (4).

وأجاب عنها المصنف فی المعتبر بعدم الصراحة فی الوجوب ، فإنه کما یحتمله کذا یحتمل الاستحباب (5). ولا یخفی أنّ هذا الجواب مناف لاستدلاله بهذه الروایة علی وجوب الوضوء مع الغسل فی غیر موضع کما بیناه.

استحباب توضیة المیت

ص: 83


1- الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2).
2- التهذیب ( 1 : 446 - 1444 ) ، الإستبصار ( 1 : 208 - 731 ) ، الوسائل ( 2 : 683 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (7).
3- الکافی فی الفقه : (134).
4- الکافی ( 3 : 45 - 13 ) ، التهذیب ( 1 : 143 - 403 ) ، ( 303 - 881 ) ، الإستبصار ( 1 : 209 - 733 ) ، الوسائل ( 1 : 516 ) أبواب الجنابة ب (35) ح (2) ، بتفاوت یسیر.
5- المعتبر ( 1 : 267 ).

ولو عدم الکافور والسّدر غسل بالماء. وقیل : لا تسقط الغسلة بفوات ما یطرح فیها ، وفیه تردد.

______________________________________________________

والأولی الطعن فیها من حیث السند بالإرسال وإن کان المرسل لها ابن أبی عمیر.وقد بینا ذلک کله فیما سبق.

نعم یمکن أن یستدل لأبی الصلاح بصحیحة حریز ، قال : أخبرنی أبو عبد الله علیه السلام ، قال : « المیت یبدأ بفرجه ثم یوضأ وضوء الصلاة » (1) الحدیث ، فإن الجملة الخبریة هنا بمعنی الأمر وهو حقیقة فی الوجوب. ویجاب بالحمل علی الاستحباب جمعا بین الأدلة.

قوله : ولو عدم الکافور والسّدر غسل بالماء القراح. وقیل : لا تسقط الغسلة بفوات ما یطرح فیها ، وفیه تردد.

منشأ التردد : من تعذر المأمور به - أعنی تغسیله بماء السدر وماء الکافور - المقتضی لسقوط التکلیف به ، ومن أنه مأمور بالغسلات الثلاث علی هیئتها ، وهی کون الاولی بماء السدر ، والثانیة بماء الکافور ، والثالثة بالقراح ، فیکون مطلق الغسلات واجبا ، ضرورة استلزام وجوب المرکب وجوب أجزائه. ویتوجه علی هذا أنّ المتحقق فی ضمن المقید حصة من المطلق مقومة له لا نفس الماهیة کما هو الظاهر. ومن هنا یظهر قوة القول بالاکتفاء بالغسلة الواحدة ، کما جزم به فی المعتبر (2).

ولو وجد الخلیطان قبل الدفن ففی وجوب إعادة الغسل وجهان : أحوطهما ذلک ، وأظهرهما العدم لتحقق الامتثال ، المقتضی للإجزاء.

التغسیل بالقراح عند عدم السدر أو الکافور

ص: 84


1- التهذیب ( 1 : 302 - 879 ) ، الاستبصار ( 1 : 207 - 727 ) ، بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 689 ) أبواب غسل المیت ب (6) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 266 ).

ولو خیف من تغسیله تناثر جلده - کالمحترق والمجدور - یتیمم بالتراب کما یؤمم الحی العاجز.

______________________________________________________

قوله : ولو خیف من تغسیله تناثر جلده - کالمحترق والمجدور - یمّم بالتراب.

هذا مذهب الأصحاب ، قال الشیخ فی التهذیب : وبه قال جمیع الفقهاء إلاّ الأوزاعی (1). واستدل علیه بما رواه عن عمرو بن خالد ، عن زید بن علی ، عن آبائه ، عن علی علیه السلام قال : « إن قوما أتوا رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا : یا رسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور فإن غسلناه تسلّخ ، فقال : یمّموه » (2). وهی ضعیفة السند باشتمالها علی جماعة من الزیدیة. فإن کانت المسألة إجماعیة علی وجه لا یجوز مخالفته فلا بحث ، وإلاّ أمکن التوقف فی ذلک ، لأن إیجاب التیمم زیادة تکلیف ، والأصل عدمه. خصوصا إن قلنا أن الغسل إزالة نجاسة ، کما یقوله المرتضی - رحمه الله - (3).

وربما ظهر من بعض الروایات عدم الوجوب أیضا ، کصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی الجنب والمحدث والمیت إذا حضرت الصلاة ولم یکن معهم من الماء إلاّ بقدر ما یکفی أحدهم ، قال : « یغتسل الجنب ، ویدفن المیت (4) ، ویتیمم الذی هو علی غیر وضوء ، لأن الغسل من الجنابة فریضة وغسل المیت سنة ، والتیمم للآخر جائز » (5). ومع ذلک فالعمل علی المشهور. وینبغی القطع

تیمیم المیت إذا کان جلده یتناثر بالغسل

ص: 85


1- لم نعثر علیه فی التهذیب ، بل وجدناه فی الخلاف ( 1 : 291 ).
2- التهذیب ( 1 : 333 - 977 ) ، الوسائل ( 2 : 702 ) أبواب غسل المیت ب (16) ح (3).
3- المتقدم فی ص (81).
4- فی الفقیه والوسائل زیادة : بتیمم.
5- الفقیه ( 1 : 59 - 222 ) ، التهذیب ( 1 : 109 - 285 ) ، الإستبصار ( 1 : 101 - 329 ) ، الوسائل ( 2 : 987 ) أبواب التیمم ب (18) ح (1) ، فی جمیع المصادر : عبد الرحمن بن أبی نجران. ولعل ما فی المتن سهو منه ، ویؤیده أنه نقل الروایة بعینها عن عبد الرحمن بن أبی نجران فی ص 5. من نفس الکتاب ، وأشار الی ذلک فی الحدائق ( 3 : 473 ).

وسنن الغسل أن یوضع علی ساجة مستقبل القبلة ،

______________________________________________________

بالاکتفاء بتیمم واحد ، واحتمال التعدد بتعدد الغسلات بعید (1).

قوله : وسنن الغسل أن یوضع علی ساجة.

والمراد بالساجة هنا مطلق اللوح. وإنما استحب ذلک لما فیه من صیانة المیت عن التلطخ. وینبغی کونه علی مرتفع ، وأن یکون مکان الرجلین أخفض حذرا من اجتماع الماء تحته.

قوله : مستقبل القبلة.

هذا قول الشیخ (2) وأکثر الأصحاب ، بل قال فی المعتبر : إنه اتفاق أهل العلم (3). للأمر به فی عدة روایات ، وإنما حمل علی الندب جمعا بینها وبین ما رواه یعقوب بن یقطین فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن المیت کیف یوضع علی المغتسل ، موجها وجهه نحو القبلة؟ أو یوضع علی یمینه ووجهه نحو القبلة؟ قال : « یوضع کیف تیسر » (4).

ونقل عن ظاهر الشیخ فی المبسوط وجوب الاستقبال (5) ، ورجحه المحقق الشیخ علی - رحمه الله - محتجا بورود الأمر به. ثم قال : ولا ینافیه ما سبق - یعنی خبر یعقوب بن یقطین - لأن ما تعسر لا یجب (6). وهو غیر جید ، لأن مقتضی الروایة أجزاء أیّ جهة اتفقت ، فالمنافاة واضحة ، وحمل الأمر علی الاستحباب متعیّن.

- سنن الغسل

تغسیله علی ساجة مستقبل القبلة

ص: 86


1- الجواهر ( 4 : 143 ). ینبغی القطع به إذا جعلنا التطهیر بماء القراح.
2- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (165).
3- المعتبر ( 1 : 269 ).
4- التهذیب ( 1 : 298 - 871 ) ، الوسائل ( 2 : 688 ) أبواب غسل المیت ب (5) ح (2).
5- المبسوط ( 1 : 77 ).
6- جامع المقاصد ( 1 : 51 ).

وأن یغسل تحت الظلال ، وأن تجعل للماء حفیرة ویکره إرساله فی الکنیف ، ولا بأس بالبالوعة

______________________________________________________

قوله : وأن یغسل تحت الظلال.

لصحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن المیت یغسل فی الفضاء؟ قال : « لا بأس ، وإن یستتر فهو أحب إلی » (1).

قوله : وأن یجعل للماء حفیرة ، ویکره إرساله فی الکنیف ، ولا بأس بالبالوعة.

الکنیف : الموضع المعد لقضاء الحاجة. والبالوعة : ما یعد لإراقة الماء ونحوه فی المنزل.

ویدل علی کراهة صب الماء فی الکنیف دون البالوعة : صحیحة محمد بن الحسن الصفار ، قال : کتبت إلی أبی محمد علیه السلام : هل یغسل المیت وماؤه الذی یصب علیه یدخل فی بئر کنیف؟ فوقّع : « یکون ذلک فی البلالیع » (2).

وإنما کانت الحفیرة أولی من البالوعة لقوله علیه السلام فی حسنة سلیمان بن خالد : « وکذلک إذا غسل یحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة ، فیکون مستقبل باطن قدمیه ووجهه القبلة » (3).

تغسیله تحت الظلال
إرسال الماء فی حفیرة

ص: 87


1- الکافی ( 3 : 142 - 6 ) ، الفقیه ( 1 : 86 - 400 ) ، التهذیب ( 1 : 431 - 1379 ) ، قرب الإسناد : (85) ، الوسائل ( 2 : 720 ) أبواب غسل المیت ب (30) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
2- الکافی ( 3 : 150 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 431 - 1378 ) ، الوسائل ( 2 : 720 ) أبواب غسل المیت ب (29) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 127 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 123 - 591 ) رواه مرسلا وبتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 286 - 835 ) ، الوسائل ( 2 : 661 ) أبواب الاحتضار ب (35) ح (2). الا ان فیها : مستقبلا بباطن.

وأن یفتق قمیصه وینزع من تحته ، وتستر عورته ،

______________________________________________________

قوله : وأن یفتق قمیصه ، وینزع من تحته.

ذکر ذلک الشیخان (1) وأتباعهما (2). وإنما استحب ذلک لأن إخراج القمیص علی هذا الوجه أسهل علی المیت ، ولئلاّ یکون فیه نجاسة تلطخ أعالی بدنه. ولا خفاء فی أن ذلک مشروط بإذن الورثة ، فلو تعذر لصغر أو غیبة لم یجز.

وهل الأفضل تجریده من القمیص وتغسیله عاریا مستور العورة؟ أو تغسیله فی قمیصه؟ الأظهر الثانی ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن مسکان : « وإن استطعت أن یکون علیه قمیص فغسله من تحته » (3).

وفی حسنة سلیمان بن خالد : « وإن استطعت أن یکون علیه قمیص یغسل من تحت القمیص » (4).

وفی صحیحة یعقوب بن یقطین : « ولا تغسله إلاّ فی قمیص » (5). وظاهر هذه الأخبار طهارة القمیص وإن لم یعصر.

قوله : وأن تستر عورته.

لما فیه من أمن المغسل من النظر المحرم ، ولدلالة الأخبار علیه أیضا (6).

فتق قمیصه ونزعه
ستر عورته

ص: 88


1- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 178 ) ، والنهایة : (33).
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 57 ) ، وسلار فی المراسم : (48) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (65).
3- الکافی ( 3 : 139 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 108 - 282 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 446 - 1443 ) ، الوسائل ، ( 2 : 682 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (6).
5- التهذیب ( 1 : 446 - 1444 ) بتفاوت یسیر ، الإستبصار ( 1 : 208 - 731 ) ، الوسائل ( 2 : 683 ) أبواب غسل المیت به (2) ح (7).
6- الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2). قال صاحب الجواهر ( 4 : 149 ). لا یوجد ما یقتضی الوجوب کما لو کان المغسل أعمی.

وتلیّن أصابعه برفق.

ویغسل رأسه برغوة السدر أما الغسل ، ویغسل فرجه بالسدر والحرض ،

______________________________________________________

قوله : وتلیّن أصابعه.

لقوله علیه السلام فی خبر الکاهلی : « ثم تلین مفاصله » (1). ونقل علیه فی المعتبر الإجماع (2).

وقیل بالمنع (3) ، لقوله علیه السلام فی خبر طلحة بن زید : « ولا تغمز له مفصلا » (4) ونزله الشیخ علی ما بعد الغسل (5) ، وهو حسن.

قوله : ویغسل رأسه برغوة السدر أمام الغسل.

المستفاد من الأخبار : أنّ تغسیل الرأس برغوة السدر محسوب من الغسل الواجب ، لا أنه مستحب متقدم علیه. فروی الحلبی فی الحسن عن الصادق علیه السلام ، قال : « إذا أردت غسل المیت فاجعل بینک وبینه ثوبا یستر عورته إما قمیصا وإما غیره ، ثم تبدأ بکفیه ، وتغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر ، ثم سائر جسده وابدأ بشقه الأیمن » (6).

وروی الکاهلی عن الصادق علیه السلام أنه قال : « استقبل بباطن قدمیه القبلة حتی یکون وجهه مستقبل القبلة ، ثم تلیّن مفاصله ، فإن امتنعت علیک فدعها ، ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض ، فاغسله ثلاث غسلات ، وأکثر من الماء ، وامسح بطنه

تلیین أصابعه
غسل رأسه برغوة السدر

ص: 89


1- المتقدم فی ص (78).
2- المعتبر ( 1 : 272 ).
3- نقله عن ابن أبی عقیل فی المختلف : (42).
4- الکافی ( 3 : 156 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 323 - 941 ) ، الوسائل ( 2 : 694 ) أبواب غسل المیت ب (11) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
5- الخلاف ( 1 : 281 ).
6- الکافی ( 3 : 138 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 299 - 874 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (2).

وتغسل یداه ، ویبدأ بشقّ رأسه الأیمن ، ویغسل کل عضو منه ثلاث مرّات فی کل غسلة ، ویمسح بطنه فی الغسلتین الأولتین إلاّ أن یکون المیت امرأة حاملا ، وأن یکون الغاسل منه علی الجانب الأیمن ، ویغسل الغاسل یدیه مع کل غسلة ،

______________________________________________________

مسحا رفیقا ، ثم تحوّل إلی رأسه فابدأ بشقه الأیمن من لحیته ورأسه ثم تثنی بشقه الأیسر من رأسه ولحیته ووجهه فاغسله برفق ، وإیاک والعنف ، واغسله غسلا ناعما ، ثم أضجعه علی شقه الأیسر لیبدو لک الأیمن ، فاغسله بماء من قرنه إلی قدمه » (1) الحدیث.

وفی روایة یونس : « ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ فی ذلک ، واجتهد أن لا یدخل الماء منخریه ومسامعه ثم أضجعه علی جانبه الأیسر وصبّ الماء من نصف رأسه إلی قدمیه ثلاث مرات » (2) الحدیث.

قوله : وتغسل یداه.

أی یدا المیت ثلاثا إلی نصف الذراع ، لخبر یونس عن الصادق علیه السلام .

قوله : ویبدأ بشقّ رأسه الأیمن ، ویغسل کل عضو ثلاث مرّات ، ویمسح بطنه فی الغسلتین الأولتین.

هذه الأحکام کلها مستفادة من روایتی الکاهلی (3) ویونس عنهم علیهم السلام . وفی روایة یونس : أنه یستحب للغاسل غسل یدیه من المرفقین بعد الغسلتین الأولیین.

قوله : إلا أن تکون المرأة حاملا.

حذرا من الإجهاض ، قال فی البیان : ولو أجهضت بذلک فعلیه عشر دیة أمه (4).

غسل یدی المیت
البدأة بالأیمن والتثلیث ومسح بطه

ص: 90


1- المتقدمة فی ص (78).
2- الکافی ( 3 : 141 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 301 - 877 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (3).
3- المتقدمة فی ص (78).
4- قال فی جامع المقاصد ( 1 : 51 ) ولا یمسح بطن الحامل التی مات ولدها حذرا من الإجهاض ، ولو أجهضت فعشر دیة أمه ، نبه علی ذلک فی البیان انتهی. ولم نجده فی البیان وإنما قال فی ص : 4. ، إلا الحامل وقد مات ولدها.

ثم ینشفه بثوب بعد الفراغ.

ویکره أن یجعل المیت بین رجلیه ، وأن یقعده ، وأن یقصّ أظفاره ، وأن یرجّل شعره ، وأن یغسل مخالفا ، فإن اضطرّ غسله غسل أهل الخلاف.

______________________________________________________

قوله : ویکره أن یجعل المیت بین رجلیه.

لقوله علیه السلام فی خبر عمار : « ولا یجعله بین رجلیه فی غسله ، بل یقف من جانبه » (1).

قوله : وأن یقعده.

نقل الشیخ فی الخلاف علی هذا الحکم إجماع الفرقة وعملهم (2). وقد ورد فی عدة روایات الأمر بإقعاده (3) ، وحملها الشیخ علی التقیة. ومال فی المعتبر إلی العمل بمضمونها ، فقال : وأنا أقول : لیس العمل بهذه الأخبار بعیدا ، ولا معنی لتنزیلها علی التقیة ، لکن لا بأس أن یعمل بما ذکره الشیخ من تجنب ذلک ، والاقتصار علی ما اتفق علی جوازه (4).

قوله : وأن یقصّ أظفاره ویرجّل شعره.

لورود النهی عنهما فی مرسلة ابن أبی عمیر ، عن الصادق علیه السلام (5). وقیل بالمنع منهما (6) أخذا بظاهر النهی ، وهو أحوط.

قوله : وأن یغسل مخالفا ، فإن اضطرّ غسله غسل أهل الخلاف.

- مکروهات الغسل

جعل الغاسل المیت بین رجلیه
اقعاده وقص أظفاره وترجیل شعره
کراهة تغسیل المخالف

ص: 91


1- المعتبر ( 1 : 277 ).
2- الخلاف ( 1 : 280 ).
3- منها المروی فی التهذیب ( 1 : 446 - 1442 ) ، الإستبصار ( 1 : 206 - 724 ) ، الوسائل ( 2 : 683 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (9).
4- المعتبر ( 1 : 278 ).
5- الکافی ( 3 : 155 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 323 - 940 ) ، الوسائل ( 2 : 694 ) أبواب غسل المیت ب (11) ح (1).
6- کما فی الوسیلة : (65).

الثالث : فی تکفینه

ویجب أن یکفّن فی ثلاثة أقطاع : مئزر وقمیص وإزار.

______________________________________________________

المراد بالکراهة هنا معناها المتعارف فی العبادات إن ثبت وجوب تغسیل المخالف ،وإلاّ کان تغسیله مکروها بالمعنی المصطلح أو محرما. وقد تقدم الکلام فی ذلک.

وأما تغسیله غسل أهل الخلاف فربما کان مستنده ما اشتهر من قولهم علیهم السلام : « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم » (1). ولا بأس به.

قوله : ویجب أن یکفّن فی ثلاث قطع : مئزر وقمیص وإزار.

هذا هو المشهور بین الأصحاب بل قال فی المعتبر : إنه مذهب فقهائنا أجمع خلا سلار ، فإنه اقتصر علی ثوب واحد (2).

والمستند فی ذلک موثقة سماعة ، قال : سألته عما یکفن به المیت ، فقال : « ثلاثة أثواب ، وإنما کفّن رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثلاثة أثواب : ثوبین صحاریین وثوب حبرة - والصحاریة تکون بالیمامة - وکفن أبو جعفر علیه السلام فی ثلاثة أثواب » (3).

ومرسلة یونس عن بعض رجاله عن أبی عبد الله وأبی جعفر علیهماالسلام ، قال : « الکفن فریضته للرجال ثلاثة أثواب ، والعمامة والخرقة سنة ، وأما النساء ففریضته خمسة أثواب » (4).

وحسنة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کتب أبی فی وصیته أن أکفنه بثلاثة أثواب : أحدها رداء له حبرة کان یصلی فیه یوم الجمعة ، وثوب آخر ،

التکفین

- واجبات التکفین

التکفین بثلاث قطع

ص: 92


1- التهذیب ( 9 : 322 - 1156 ) ، الإستبصار ( 4 : 148 - 555 ) ، الوسائل ( 17 : 485 ) أبواب میراث الاخوة والأجداد ب (4) ح (5) ، بتفاوت یسیر.
2- المعتبر ( 1 : 279 ).
3- التهذیب ( 1 : 291 - 850 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (6).
4- التهذیب ( 1 : 291 - 851 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (7).

______________________________________________________

وقمیص. فقلت لأبی : لم تکتب هذا؟ فقال : أخاف أن یغلبک الناس ، فإن قالوا :کفّنه فی أربعة أو خمسة فلا تفعل » وقال : « وعممه بعد بعمامة ، ولیس تعد العمامة من الکفن إنما یعدّ ما یلفّ به الجسد » (1).

وصحیحة أبی مریم الأنصاری ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « کفن رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة ، وثوبین أبیضین صحاریین » (2).

وصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : العمامة للمیت من الکفن؟ قال : « لا ، إنما الکفن المفروض ثلاثة أثواب تام لا أقل منه یواری فیه جسده کله ، فما زاد فهو سنة إلی أن یبلغ خمسة ، فما زاد فمبتدع ، والعمامة سنة » (3). کذا فی کثیر من نسخ التهذیب ، وقد نقله کذلک المصنف فی المعتبر (4) ، والعلامة فی جملة من کتبه (5).

وفی بعض نسخ التهذیب : « ثلاثة أثواب وثوب تام لا أقل منه » وحمله الشهید فی الذکری علی التقیة ، أو علی أنه من باب عطف الخاص علی العام (6) ، وهو بعید.

ولم نقف لسلار علی حجة یعتد بها. واحتج له فی الذکری بهذه الروایة ، وهو إنما یتم إذا کانت الواو بمعنی أو ، لیفید التخییر بین الأثواب الثلاثة والثوب التام ، وهو غیر

ص: 93


1- الکافی ( 3 : 144 - 7 ) ، الفقیه ( 1 : 93 - 423 ) ، التهذیب ( 1 : 293 - 857 ) ، الوسائل ( 2 : 728 ) أبواب التکفین ب (2) ح (10). الا أن فی الکافی والتهذیب : وعممنی.
2- التهذیب ( 1 : 296 - 869 ) ، الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2) ح (3).
3- التهذیب ( 1 : 292 - 854 ) ، الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2) ح (1) ولکن فیهما : ثلاثة أثواب أو ثوب تام.
4- المعتبر ( 1 : 279 ) وفیه : ثلاثة أثواب أو ثوب تام.
5- التذکرة ( 1 : 43 ) ، ونهایة الأحکام ( 2 : 244 ).
6- الذکری : (46).

______________________________________________________

واضح.

وبالجملة الأخبار الواردة بالأثواب الثلاثة مستفیضة ولا معارض لها ، فیتعین العمل بها.

ویستفاد من هذه الروایات التخییر فی الواجب بین الأثواب الثلاثة وبین القمیص والثوبین ، وهو اختیار ابن الجنید (1) ، والمصنف فی المعتبر (2). وقال الشیخان (3) ، والمرتضی (4) ، وابن بابویه (5) : یتعین القمیص ، لوصیة الباقر علیه السلام به (6) ، ولما رواه الشیخ عن الحسن بن محبوب ، عن أبی أیوب ، عن حمران بن أعین ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فالکفن؟ قال : « تؤخذ خرقة فلیشدّ بها سفله ، ویضم فخذیه بها لیضم ما هناک ، وما یصنع من القطن أفضل ، ثم یکفن بقمیص ولفافة وبرد یجمع فیه الکفن » (7) وهو محمول علی الاستحباب ، کما یدل علیه روایة محمد بن سهل ، عن أبیه ، عن أبی الحسن علیه السلام قال ، قلت : یدرج فی ثلاثة أثواب؟ قال : « لا بأس به ، والقمیص أحب إلی » (8).

وأما المئزر ، فقد ذکره الشیخان (9) وأتباعهما (10) وجعلوه أحد الأثواب الثلاثة

ص: 94


1- نقله عنه المحقق فی المعتبر ( 1 : 279 ) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 43 ).
2- المعتبر ( 1 : 279 ).
3- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی النهایة : (31) ، والمبسوط ( 1 : 176 ) ، والخلاف ( 1 : 284 ).
4- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 297 ).
5- المقنع : (18) ، الفقیه ( 1 : 92 ).
6- المتقدمة فی ص (92).
7- التهذیب ( 1 : 447 - 1445 ) ، الإستبصار ( 1 : 205 - 723 ) ، الوسائل ( 2 : 745 ) أبواب التکفین ب (14) ح (5).
8- التهذیب ( 1 : 292 - 855 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (5).
9- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی النهایة : (31) ، والمبسوط ( 1 : 176 ) ، والخلاف ( 1 : 284 ).
10- منهم القاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 60 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (237).

ویجزی عند الضرورة قطعة. ولا یجوز التکفین بالحریر.

______________________________________________________

المفروضة. ولم أقف فی الروایات علی ما یعطی ذلک ، بل المستفاد منها اعتبار القمیص والثوبین الشاملین للجسد ، أو الأثواب الثلاثة ، وبمضمونها أفتی ابن الجنید فی کتابه فقال : لا بأس أن یکون الکفن ثلاثة أثواب یدرج فیها إدراجا ، أو ثوبین وقمیصا (1).

وقریب منه عبارة الصدوق فی من لا یحضره الفقیه ، فإنه قال : والکفن المفروض ثلاثة : قمیص وإزار ولفافة ، سوی العمامة والخرقة فلا تعدان من الکفن. وذکر قبل ذلک : أنّ المغسل للمیت قبل أن یلبسه القمیص یأخذ شیئا من القطن ، وینثر علیه ذریرة ، ویجعل شیئا من القطن علی قبله ، ویضم رجلیه جمیعا ، ویشد فخذیه إلی ورکه بالمئزر شدا جیدا لئلا یخرج منه شی ء (2). ومقتضاه أنّ المئزر عبارة عن الخرقة المشقوقة التی یشد بها الفخذان.

والمسألة قویة الإشکال ، ولا ریب أنّ الاقتصار علی القمیص واللفافتین ، أو الأثواب الثلاثة الشاملة للجسد مع العمامة والخرقة التی یشد بها الفخذان أولی.

قوله : ویجزی عند الضرورة قطعة.

وذلک لأن الضرورة تجوّز دفنه بغیر کفن فبعضه أولی.

قوله : ولا یجوز التکفین بالحریر.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا قاله فی المعتبر (3). ویدل علیه روایة الحسن بن راشد ، قال : سألته عن ثیاب تعمل بالبصرة علی عمل العصب الیمانی من قز وقطن ، هل یصلح أن یکفن فیها الموتی؟ قال : « إذا کان القطن أکثر من القزّ فلا بأس » (4) وجه الدلالة

کفایة قطعة عند الضرورة
حرمة التکفین بالحریر

ص: 95


1- نقله عنه المحقق فی المعتبر ( 1 : 297 ) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 43 ).
2- الفقیه ( 1 : 92 ).
3- المعتبر ( 1 : 280 ).
4- الکافی ( 3 : 149 - 12 ) ، الفقیه ( 1 : 90 - 415 ) ، التهذیب ( 1 : 435 - 1396 ) ، الإستبصار ( 1 : 211 - 744 ) ، الوسائل ( 2 : 752 ) أبواب التکفین ب (23) ح (1). إلا أنّ الراوی فی الکافی هو :الحسین بن راشد ، وما فی المتن هو الموافق للتهذیب ، وهو الصحیح ( راجع معجم رجال الحدیث 5 : 234 )

ویجب أن یمسح مساجده بما تیسّر من الکافور ،

______________________________________________________

أنه علیه السلام شرط فی رفع البأس أن یکون القطن أکثر ، فعلم منه أنه لو کان القزّ صرفا لم یجز. قال فی المعتبر : والعصب ضرب من برود الیمن ، سمّی بذلک لأنه یصبغ بالعصب وهو نبت بالیمن (1).

وإطلاق الخبر وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین الرجل والمرأة ، واحتمل العلامة فی النهایة کراهته للمرأة ، لإباحته لها فی حال الحیاة (2) ، وهو ضعیف.

والأظهر عدم جواز التکفین بالجلد ، لأن الثوب إنما یطلق فی العرف علی المنسوج. أما الشعر والوبر فمنعه ابن الجنید (3) ، وأجازه فی المعتبر (4) ، لصدق اسم الثوب علیه ، وانتفاء المانع منه ، والاجتناب أولی.

قوله : ویجب أن یمسح مساجده بما تیسّر من الکافور.

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل علیه (5) الشیخ فی الخلاف إجماع الفرقة (6) ، وأضاف المفید إلی المساجد السبعة : طرف الأنف الذی کان یرغم فی السجود (7) ، وألحق الصدوق : السمع ، والبصر ، والفم ، والمغابن ، وهی الآباط وأصول الأفخاذ (8). والأخبار فی ذلک مختلفة جدا ، فروی عبد الله بن سنان فی الصحیح ، قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : کیف یصنع بالحنوط؟ قال : « تضع فی فمه ،

وجوب مسح مساجده بالکافور

ص: 96


1- المعتبر ( 1 : 281 ).
2- نهایة الأحکام ( 1 : 242 ).
3- نقله عنه المحقق فی المعتبر ( 1 : 280 ) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 43 ).
4- المعتبر ( 1 : 280 ).
5- فی « م » : عن.
6- الخلاف ( 1 : 285 ).
7- المقنعة : (11).
8- الفقیه ( 1 : 91 ) ، المقنع : (18).

إلا أن یکون المیت محرما ، فلا یقر به الکافور. وأقل الفضل فی مقدار درهم.

وأفضل منه أربعة دراهم ، وأکمله ثلاثة عشر درهما وثلثا. وعند الضرورة یدفن

______________________________________________________

ومسامعه ، وآثار السجود من وجهه ویدیه ورکبتیه » (1).

وروی الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أردت أن تحنط المیت فاعمد إلی الکافور فامسح به آثار السجود منه ، ومفاصله کلها ، ورأسه ، ولحیته ، وعلی صدره من الحنوط » وقال : « الحنوط للرجل والمرأة سواء » (2).

وروی یونس عنهم علیهم السلام قال : « ثم اعمد إلی کافور مسحوق فضعه علی جبهته موضع سجوده ، وامسح بالکافور علی جمیع مغابنه من الیدین والرجلین ، ومسّ وسط راحتیه » (3) وینبغی العمل علی الروایة الأولی ، لصحة سندها.

قوله : إلا أن یکون المیت محرما فلا یقربه الکافور.

أی فی غسل ولا حنوط ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام ، قال : سألتهما عن المحرم کیف یصنع به إذا مات؟ قال : « یغطی وجهه ویصنع به کما یصنع بالحلال غیر أنه لا یقرب طیبا » (4).

قوله : وأقل الفضل فی مقدار درهم ، وأفضل منه أربعة دراهم ، وأکمله ثلاثة عشر درهما وثلثا.

ص: 97


1- التهذیب ( 1 : 307 - 891 ) ، الإستبصار ( 1 : 212 - 749 ) ، الوسائل ( 2 : 747 ) أبواب التکفین ب (16) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 143 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 307 - 890 ) ، الإستبصار ( 1 : 212 - 746 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) أبواب التکفین ب (14) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 143 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 307 - 888 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) ، أبواب التکفین ب (14) ح (3) ، بتفاوت یسیر.
4- التهذیب ( 1 : 330 - 965 ) ، الوسائل ( 2 : 697 ) أبواب غسل المیت ب (13) ح (4).

بغیر کافور. ولا یجوز تطییبه بغیر الکافور والذریرة.

______________________________________________________

اختلف الأصحاب فی تقدیر الأفضل ، فقال الشیخان (1) وابن بابویه (2) - رحمهم الله - : أقله مثقال ، وأوسطه أربعة دراهم ، وأکمل منه وزن ثلاثة عشر درهما وثلث. وقال الجعفی : أقله مثقال وثلث (3). وقال ابن الجنید : أقله مثقال ونصف ، وأوسطه أربعة مثاقیل (4).

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار ، فروی ابن أبی نجران عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أقل ما یجزی من الکافور للمیت مثقال » (5).

وروی أیضا عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أقل ما یجزی من الکافور للمیت مثقال ونصف » (6).

وروی الکاهلی وحسین بن المختار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الفضل من ذلک أربعة مثاقیل » (7).

وروی علی بن إبراهیم رفعه قال : « السنة فی الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أکثره (8) » (9).

مقدار الکافور المندوب

ص: 98


1- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 177 ) ، والنهایة : (32) ، والخلاف ( 1 : 285 ).
2- الفقیه ( 1 : 91 ) ، والمقنع : (18).
3- نقله عنه فی الذکری : (46).
4- نقله عنه فی الذکری : (46).
5- الکافی ( 3 : 151 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 291 - 846 ) ، الوسائل ( 2 : 730 ) أبواب التکفین ب (3) ح (2).
6- التهذیب ( 1 : 291 - 849 ) ، الوسائل ( 2 : 731 ) أبواب التکفین ب (3) ح (5).
7- الکافی ( 3 : 151 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 291 - 847 ) ، الوسائل ( 2 : 730 ) أبواب التکفین ب (3) ح (3) ، بتفاوت یسیر.
8- لفظة : أکثره ، لیست فی « س ».
9- الکافی ( 3 : 151 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 290 - 845 ) ، الوسائل ( 2 : 730 ) أبواب التکفین ب (3) ح (1).

وسنن هذا القسم :

أن یغتسل الغاسل قبل تکفینه ، أو یتوضأ وضوء الصلاة.

وأن یزاد الرجل حبرة عبریّة غیر مطرّزة بالذهب ،

______________________________________________________

قال فی المعتبر بعد أن أورد هذه الأخبار : وفی الروایات کلها ضعف ، فإذا الواجب الاقتصار علی ما یحصل به الامتثال ، ویحمل ذلک علی الفضیلة (1). ونقل عن ابن إدریس أنه فسر المثاقیل الواردة فی الروایات بالدراهم ، نظرا إلی قول الأصحاب (2). وطالبه ابن طاوس بالمستند (3).

واختلف الأصحاب فی مشارکة الغسل للحنوط فی هذه المقادیر ، فنفاها الأکثر ، لمرفوعة علی بن إبراهیم المتقدمة ، وحکی ابن إدریس عن بعض الأصحاب المشارکة ، وقال : إن الأظهر بینهم خلافه (4).

قوله : وسنن هذا القسم أن یغتسل الغاسل قبل تکفینه أو یتوضأ وضوء الصلاة.

بل الأولی تقدیم التکفین علی الغسل ، لقوله علیه السلام فی صحیحة محمّد بن مسلم : « یغسل یدیه من العاتق ثم یکفنه ثم یغتسل » (5).

وأما الوضوء فلیس فی النص ما یدل علیه أصلا فضلا عن تقدیمه أو تأخیره.

قوله : وان یزاد الرجل حبرة عبریّة غیر مطرزّة بالذهب.

الحبرة بکسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة : ثوب یمنیة ، من التحبیر وهو التحسین

سنن التکفین

اغتسال الغاسل قبل التکفین
إضافة حبرة للرجل

ص: 99


1- المعتبر ( 1 : 281 ).
2- السرائر : (32).
3- نقله عنه فی الذکری : (46).
4- السرائر : (32).
5- الکافی ( 3 : 160 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 428 - 1364 ) ، الوسائل ( 2 : 760 ) أبواب التکفین ب (35) ح (1) ، بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

والتزیین. وعبریة منسوبة إلی العبر : وهو جانب الوادی ، قاله فی المعتبر ، ثم قال : وهذا - یعنی استحباب زیادة الحبرة - مذهب علمائنا وأنکرها من عداهم (1) ، واستدل علیه بما رواه أبو مریم الأنصاری فی الصحیح ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « کفّن رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة ، وثوبین أبیضین صحاریین » ثم قال ، وقال : « إن الحسن بن علی علیهماالسلام کفّن أسامة بن زید فی برد أحمر حبرة ، وإن علیّا علیه السلام کفّن سهل بن حنیف فی برد أحمر حبرة » (2).

وما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کتب أبی فی وصیته : أن أکفنه بثلاثة أثواب أحدها : رداء له حبرة کان یصلی فیه یوم الجمعة ، وثوب آخر وقمیص ، فقلت لأبی : لم تکتب هذا؟ فقال : أخاف أن یغلبک الناس فإن قالوا : کفّنه فی أربعة أو خمسة فلا تفعل ، قال : وعمّمه بعد بعمامة ، ولیس تعد العمامة من الکفن ، إنّما یعد ما یلفّ به الجسد » (3).

وما رواه سماعة فی الموثق ، قال : سألته عما یکفن به المیت؟ فقال : « ثلاثة أثواب ، وإنما کفن رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثلاثة أثواب : ثوبین صحاریین ، وثوب حبرة ، والصحاریة تکون بالیمامة » (4).

وأنت خبیر بأن هذه الروایات إنما تدل علی استحباب کون الحبرة إحدی الأثواب الثلاثة ، لا علی استحباب جعلها زیادة علی الثلاثة کما ذکرها المتأخرون ، وبما ذکرناه

ص: 100


1- المعتبر ( 1 : 282 ).
2- التهذیب ( 1 : 296 - 869 ) ، الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 144 - 7 ) ، الفقیه ( 1 : 93 - 423 ) ، التهذیب ( 1 : 293 - 857 ) ، الوسائل ( 2 : 728 ) أبواب التکفین ب (2) ح (10) ، إلا أن فی الکافی والتهذیب : وعممنی.
4- التهذیب ( 1 : 291 - 850 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (6).

وخرقة لفخذیه ، یکون طولها ثلاثة أذرع ونصفا فی عرض شبر تقریبا ، ویشدّ طرفاها علی حقویه ، ویلف بما استرسل منها فخذاه لفّا شدیدا ، بعد أن یجعل بین إلیتیه شی ء من القطن ، وإن خشی خروج شی ء فلا بأس أن یحشی فی دبره ،

______________________________________________________

صرح ابن أبی عقیل فی کتابه المتمسک علی ما نقل عنه فإنه قال : السنة فی اللفافة أن تکون حبرة یمانیة ، فإن أعوزهم فثوب بیاض (1). وقریب منه عبارة أبی الصلاح فإنه قال : الأفضل أن تکون اللفافة ثلاثا إحداهن حبرة یمانیة (2). وهذا هو المعتمد.

قال فی المعتبر : وإنما شرطنا أن لا یکون مطرزة بالذهب ولا الحریر ، لأنه تضییع غیر مأذون فیه ، وقد ذکر الفتوی بذلک الشیخ فی المبسوط والنهایة (3).

قوله : وخرقة لفخذیه یکون طولها ثلاثة أذرع ونصفا فی عرض شبر تقریبا ، فیشدّ طرفاها علی حقویه ، ویلف بما استرسل منها فخذاه لفّا شدیدا ، بعد أن یجعل بین إلیتیه شی ء من القطن ، وإن خشی خروج شی ء فلا بأس أن یحشی فی دبره قطنا.

هذه الخرقة تسمّی الخامسة (4) ، وقد قطع الأصحاب باستحبابها ، والمستند فیها ما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المیت یکفن فی ثلاثة ، سوی العمامة والخرقة یشد بها ورکیه لکیلا یبدو منه شی ء ، والخرقة والعمامة لا بد منهما ولیستا من الکفن » (5).

إضافة خرقة للرجل

ص: 101


1- نقله عنه فی الذکری : (48).
2- الکافی فی الفقه : (237).
3- المعتبر ( 1 : 282 ) ، وفیه : تصنیع بدل تضییع.
4- الجواهر ( 4 : 202 ). لأنها خامسة الأکفان المشترکة بین الرجل والمرأة.
5- الکافی ( 3 : 144 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 293 - 856 ) ، الوسائل ( 2 : 728 ) أبواب التکفین ب (2) ح (12).

وعمامة یعمّم بها محنّکا ، یلف رأسه بها لفا ویخرج طرفاها من تحت الحنک ، ویلقیان علی صدره.

______________________________________________________

وعن یونس عنهم علیهم السلام ، قال : « واحش القطن فی دبره ، لئلا یخرج منه شی ء ، وخذ خرقة طویلة عرضها شبر فشدها من حقویه ، وضمّ فخذیه ضمّا شدیدا ولفها فی فخذیه ، ثم اخرج رأسها من تحت رجلیه إلی الجانب الأیمن وأغمزها فی الموضع الذی لففت فیه الخرقة ، وتکون الخرقة طویلة ، تلفّ فخذیه من حقویه إلی رکبتیه لفا شدیدا » (1).

وعن عبد الله الکاهلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ثم أذفره بالخرقة ویکون تحتها القطن تذفره بها إذفارا قطنا کثیرا ، ثم تشد فخذیه علی القطن بالخرقة شدا شدیدا حتی لا یخاف أن یظهر شی ء » (2).

وهذه الروایات وإن کانت ما بین ضعیف ومرسل إلاّ أنها مؤیّدة بعمل الأصحاب ، فلا تقصر عن إثبات حکم مستحب. وقد ظهر من مجموعها أنّ صورة وضع هذه الخرقة أن یربط أحد طرفیها فی وسط المیت إما بأن یشق رأسها ، أو بأن یجعل فیها خیط ونحوه ، ثم یدخل الخرقة بین فخذیه ، ویضم بها عورته ضما شدیدا ویخرجها من تحت الشداد الذی علی وسطه ، ثم یلف حقویه وفخذیه بما بقی لفا شدیدا ، فإذا انتهت فأدخل طرفها تحت الجزء الذی انتهت عنده منها.

قوله : وعمامة یعمّم بها محنّکا ، یلف رأسه بها لفا ، ویخرج طرفاها من تحت الحنک ، ویلقیان علی صدره.

تعمیم الرجل

ص: 102


1- الکافی ( 3 : 141 - 5 ) ، التهدیب ( 1 : 301 - 877 ) ، الوسائل ( 2 : 680 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 140 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 298 - 873 ) ، الوسائل ( 2 : 681 ) أبواب غسل المیت ب (2) ح (5) ، بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

أما استحباب العمامة للمیت ، فقال فی المعتبر : إنه متفق علیه بین الأصحاب (1). وهو مروی فی عدة أخبار کحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وعممه بعد بعمامة ، ولیس تعدّ العمامة من الکفن ، إنّما یعدّ ما یلفّ به الجسد » (2).

وصحیحة زرارة قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : العمامة للمیت من الکفن هی؟ قال : « لا ، إنما الکفن المفروض ثلاثة أثواب » ثم قال : « والعمامة سنة » وقال : « أمر النبی صلی الله علیه و آله بالعمامة ، وعمم النبی صلی الله علیه و آله » (3).

وأما استحباب التحنیک ، فیدل علیه ما رواه ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی العمامة للمیت ، قال : « حنّکه » (4).

وأما استحباب إخراج طرفی العمامة من تحت الحنک وإلقائهما علی صدره ، فمستنده روایة یونس عنهم علیهم السلام ، قال : « ثم یعمم ویؤخذ وسط العمامة فیثنی علی رأسه بالتدویر ، ثم یلقی فضل الأیمن علی الأیسر ، والأیسر علی الأیمن ، ویمد علی صدره » (5).

وقد ورد فی ذلک کیفیات أخر : ففی روایة معاویة بن وهب ، عن الصادق علیه السلام : « وعمامة یعتم بها ، ویلقی فضلها علی وجهه » (6).

ص: 103


1- المعتبر ( 1 : 283 ).
2- الکافی ( 3 : 144 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 293 - 857 ) ، الوسائل ( 2 : 728 ) أبواب التکفین ب (2) ح (10) ، بتفاوت یسیر.
3- التهذیب ( 1 : 292 - 854 ) ، الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 145 - 10 ) ، التهذیب ( 1 : 308 - 895 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) أبواب التکفین ب (14) ح (2).
5- الکافی ( 3 : 143 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 306 - 888 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) أبواب التکفین ب (14) ح (3).
6- الکافی ( 3 : 145 - 11 ) ( بتفاوت یسیر ) ، التهذیب ( 1 : 310 - 900 ) ، الوسائل ( 2 : 728 ) أبواب التکفین ب (2) ح (13).

وتزاد المرأة علی کفن الرجل لفافة لثدییها ونمطا ،

______________________________________________________

وفی روایة عثمان النوّاء ، عن الصادق علیه السلام : « وإذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابی - قلت : کیف أصنع؟ - قال : خذ العمامة من وسطها وانشرها علی رأسه ، ثم ردها إلی خلفه واطرح طرفیها علی ظهره » (1).

وفی صحیحة عبد الله بن سنان : « وعمامة یعصب بها رأسه ویرد فضلها علی رجلیه » (2). والروایة الأولی هی المشهورة بین الأصحاب.

وذکر الشارح - قدس سره - : أنه لا مقدّر للعمامة شرعا ، فیعتبر فی طولها ما یؤدی هذه الهیئة ، وفی عرضها ما یطلق معه علیها اسم العمامة (3).

قوله : وتزاد للمرأة علی کفن الرجل لفافة لثدییها.

هذا الحکم ذکره الشیخان فی المقنعة ، والنهایة والمبسوط (4) ، وأتباعهما (5) ، ومستنده روایة سهل بن زیاد ، عن بعض أصحابه رفعه ، قال : سألته کیف تکفن المرأة؟ قال : « کما یکفن الرجل ، غیر أنه یشد علی ثدییها خرقة تضم الثدی إلی الصدر وتشد إلی ظهرها » (6) وهذه الروایة ضعیفة جدا ، إلاّ أنی لا أعلم لها رادا.

قوله : ونمطا.

النمط لغة : ضرب من البسط ، أو ثوب فیه خطط ، مأخوذ من الأنماط ، وهی

إضافة لفافة للمرأة ونمطا

ص: 104


1- الکافی ( 3 : 144 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 309 - 899 ) ، الوسائل ( 2 : 747 ) أبواب التکفین ب (16) ح (2) ، بتفاوت یسیر.
2- الکافی ( 3 : 144 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 308 - 894 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (8).
3- المسالک ( 1 : 13 ).
4- المقنعة : (12) ، النهایة : (41) ، المبسوط ( 1 : 176 ).
5- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 61 ) ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (237) ، وسلار فی المراسم : (47) ، وابن حمزة فی الوسیلة : ص (66).
6- الکافی ( 3 : 147 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 324 - 944 ) ، الوسائل ( 2 : 729 ) أبواب التکفین ب (2) ح (16).

ویوضع لها بدلا عن العمامة قناع.

وأن یکون الکفن قطنا ،

______________________________________________________

الطرائق ، ونقل عن ابن إدریس أنه فسره بالحبرة (1) ، لدلالة الاسمین علی الزینة ، وظاهر الأکثر مغایرته لها. وقد قطع الأصحاب باستحبابه للمرأة ، واستدلوا علیه بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یکفن الرجل فی ثلاثة أثواب ، والمرأة إذا کانت عظیمة فی خمسة : درع ، ومنطق ، وخمار ، ولفافتین » (2) ولیس فیها دلالة علی المطلوب بوجه ، فإن المراد بالدرع القمیص. والمنطق بکسر المیم : ما یشد به الوسط ، ولعل المراد به هنا ما یشد به الثدیان. والخمار : القناع ، لأنه یخمر به الرأس ، ولیس فیها ذکر للنمط ، بل ولا دلالة علی استحباب زیادة المرأة لفافة عن کفن الرجل ، لما بیناه فیما سبق من أنّ مقتضی الروایات اعتبار الدرع واللفافتین أو ثلاث لفائف فی مطلق الکفن.

قوله : ویوضع لها بدلا من العمامة قناع.

هذا مذهب الأصحاب ، ومستنده صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة ، وغیرها من الأخبار (3).

قوله : وأن یکون الکفن قطنا.

هذا مذهب العلماء کافة ، قاله فی المعتبر (4) ، ویدل علیه روایات : منها : روایة أبی خدیجة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الکتان کان لبنی إسرائیل یکفنون

إضافة قناع للمرأة
کون الکفن من القطن

ص: 105


1- السرائر : (31).
2- الکافی ( 3 : 147 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 324 - 945 ) ، الوسائل ( 2 : 727 ) أبواب التکفین ب (2) ح (9).
3- الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2).
4- المعتبر ( 1 : 284 ).

وتنثر علی الحبرة واللفافة والقمیص ذریرة.

______________________________________________________

به ، والقطن لامة محمد صلی الله علیه و آله » (1).

ویستحب کونه أبیض إلاّ الحبرة ، لقول أبی جعفر علیه السلام : « کفن رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثلاثة أثواب : برد أحمر حبرة ، وثوبین أبیضین صحاریین » (2).

قوله : وتنثر علی الحبرة واللفافة والقمیص ذریرة.

الذریرة : هی الطیب المسحوق ، قاله فی المعتبر (3) ، والظاهر أنّ المراد به طیب خاص معروف بهذا الاسم الآن فی بغداد وما والاها ، وقال الشیخ فی التبیان : هی فتات قصب الطیب ، وهو قصب یجاء به من الهند کأنه قصب النشاب (4). وقال فی المبسوط : یعرف بالقمّحة بضم القاف وتشدید المیم المفتوحة والحاء المهملة (5).

قال فی المعتبر : وقد اتفق العلماء کافة علی استحباب تطییب الکفن بالذریرة (6) ، ویدل علیه روایات ، منها : قوله علیه السلام فی روایة عمار الساباطی : « ویجعل علی کل ثوب شیئا من الکافور ، ویطرح علی کفنه ذریرة » (7).

وفی روایة سماعة : « إذا کفنت المیت فذر علی کل ثوب شیئا من ذریرة » (8).

قال الشیخ فی المبسوط : ویجعل الذریرة أیضا علی القطن الذی یوضع علی

نثر الذریرة علی الکفن

ص: 106


1- الکافی ( 3 : 149 - 7 ) ، الفقیه ( 1 : 89 - 414 ) ، التهذیب ( 1 : 434 - 1392 ) ، الإستبصار ( 1 : 210 - 741 ) ، الوسائل ( 2 : 751 ) أبواب التکفین ب (20) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 296 - 869 ) ، الوسائل ( 2 : 726 ) أبواب التکفین ب (2) ح (3).
3- المعتبر ( 1 : 284 ).
4- التبیان ( 1 : 448 ).
5- المبسوط ( 1 : 177 ).
6- المعتبر ( 1 : 285 ).
7- التهذیب ( 1 : 305 - 887 ) ، الوسائل ( 2 : 745 ) أبواب التکفین ب (14) ح (4).
8- الکافی ( 3 : 143 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 307 - 889 ) ، الوسائل ( 2 : 746 ) أبواب التکفین ب (15) ح (1).

وتکون الحبرة فوق اللفافة ، والقمیص باطنها. ویکتب علی الحبرة والقمیص والإزار والجریدتین اسمه ، وأنه یشهد الشهادتین ، وإن ذکر الأئمة علیهم السلام وعدّدهم إلی آخرهم کان حسنا ، ویکون ذلک بتربة الحسین علیه السلام ، فإن لم توجد فبالإصبع. فإن فقدت الحبرة تجعل بدلها لفافة أخری.

______________________________________________________

الفرجین (1). ولم نقف علی مستنده.

قوله : ویکتب علی الحبرة والقمیص والإزار والجریدتین اسمه ، وأنه یشهد الشهادتین ، وإن ذکر الأئمة : وعدّدهم إلی آخرهم کان حسنا ، ویکون ذلک بتربة الحسین علیه السلام ، فإن لم توجد فبالإصبع.

الأصل فی هذه المسألة ما رواه أبو کهمش ، قال : حضرت موت إسماعیل وأبو عبد الله علیه السلام جالس عنده ، فلما حضره الموت شد لحییه وغمضه وغطی علیه الملحفة ، ثم أمر بتهیئته ، فلما فرغ من أمره دعا بکفنه فکتب فی حاشیة الکفن :إسماعیل یشهد أن لا إله إلا الله (2).

وزاد الأصحاب فی المکتوب والمکتوب علیه ، ولا بأس به ، وإن کان الاقتصار علی ما ورد به النقل أولی.

وذکر المصنف هنا أن الکتابة تکون بتربة الحسین علیه السلام ، فإن لم یوجد فبالإصبع ، وقال فی المعتبر : إنها تکون بالطین والماء (3). وأسند ما اختاره هنا إلی الشیخین ، والنص خال من تعیین ما یکتب به ، ولا ریب أنّ الکتابة بتربة الحسین علیه

کتابة الشهادتین علی الکفن

ص: 107


1- المبسوط ( 1 : 179 ).
2- التهذیب ( 1 : 289 - 842 ) ، إکمال الدین : (72) ، الوسائل ( 2 : 757 ) أبواب التکفین ب (29) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 285 ).

وأن یخاط الکفن بخیوط منه ، ولا یبلّ بالریق ، ویجعل معه جریدتان من سعف النخل ،

______________________________________________________

السلام أولی.

والظاهر اشتراط التأثیر فی الکتابة ، لأنه هو المعهود ، وأما الکتابة بالإصبع مع تعذر التربة أو الطین فذکره الشیخان (1) ، ولا أعرف مأخذه.

قوله : وأن یخاط الکفن بخیوط منه ، ولا یبلّ بالریق.

ذکر ذلک الشیخ (2) وأتباعه (3) ، ولا أعرف المستند ، قال المصنف فی المعتبر - بعد أن عزی کراهة بلّ الخیوط بالریق إلی الشیخ - : ورأیت الأصحاب یجتنبونه ولا بأس بمتابعتهم ، لإزالة الاحتمال ، ووقوفا علی موضع الوفاق (4).

أما بلّها بغیر الریق فالظاهر عدم کراهته ، للأصل ، ولإشعار التخصیص بالریق بإباحة غیره.

قوله : ویجعل معه جریدتان من سعف النخل.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ولم یستحبه من عداهم ، قال الشیخ المفید فی المقنعة : والأصل فی وضع الجریدة مع المیت أن الله لما أهبط آدم علیه السلام من جنته إلی الأرض استوحش ، فسأل الله تعالی أن یؤنسه بشی ء من أشجار الجنة ، فأنزل الله إلیه النخلة ، فکان یأنس بها فی حیاته ، فلما حضرته الوفاة قال لولده : إنی کنت آنس بها فی حیاتی وأرجو الأنس بها بعد وفاتی ، فإذا متّ فخذوا منها جریدا ، وشقّوه بنصفین ، وضعوهما معی فی أکفانی ، ففعل ولده ذلک ، وفعلته الأنبیاء بعده ، ثم اندرس ذلک فی

خیاطة الکفن بخیوطه وعدم بله بالریق
جعل جریدتین فی الکفن

ص: 108


1- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 177 ).
2- المبسوط ( 1 : 177 ).
3- منهم ابن حمزة فی الوسیلة : ص (66).
4- المعتبر ( 1 : 289 ).

______________________________________________________

الجاهلیة فأحیاه النبی صلی الله علیه و آله وفعله ، وصارت سنة متبعة (1).

والروایات الواردة بذلک من الطرفین مستفیضة ، فمن ذلک صحیحة زرارة ، قال :قلت لأبی جعفر علیه السلام : أرأیت المیت إذا مات لم یجعل معه الجریدة؟ فقال : « یتجافی عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا ، إنما الحساب والعذاب کله فی یوم واحد فی ساعة واحدة قدر ما یدخل القبر ویرجع القوم ، وإنما جعلت السعفتان لذلک فلا یصیبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما إن شاء الله » (2).

وحسنة الحسن بن زیاد الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یوضع للمیت جریدة واحدة فی الیمین ، والأخری فی الیسار » قال : « فإن الجریدة تنفع المؤمن والکافر » (3).

وحسنة عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال : قیل لأبی عبد الله علیه السلام : لأی شی ء یکون مع المیت الجریدة؟ قال : « إنه یتجافی عنه العذاب ما دامت رطبة » (4).

قال المرتضی - رحمه الله - : والتعجب من ذلک کتعجب الملاحدة من الطواف والرمی وتقبیل الحجر ، بل من غسل المیت وتکفینه مع سقوط التکلیف عنه ، وکثیر من الشرائع مجهولة العلل (5).

ص: 109


1- المقنعة : (12).
2- الکافی ( 3 : 152 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 89 - 410 ) ، علل الشرائع : ( 302 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 736 ) أبواب التکفین ب (7) ح (1).
3- الکافی ( 3 : 151 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 89 - 409 ) ، التهذیب ( 1 : 327 - 954 ) ، الوسائل ( 2 : 737 ) أبواب التکفین ب (7) ح (6) ، بتفاوت یسیر.
4- الکافی ( 3 : 153 - 7 ) ، التهذیب ( 1 : 327 - 955 ) ، الوسائل ( 2 : 737 ) أبواب التکفین ب (7) ح (7).
5- الانتصار : (36).

فإن لم یوجد فمن السدر ، فإن لم یوجد فمن الخلاف ، وإلا فمن شجر رطب ،

______________________________________________________

قوله : فإن لم یوجد فمن السدر ، فإن لم یوجد فمن الخلاف ، وإلا فمن شجر رطب.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وإلیه ذهب الشیخ فی النهایة والمبسوط (1) ، وقال فی الخلاف : یستحب أن یوضع مع المیت جریدتان خضراوان من النخل أو غیرها من الأشجار (2). ونحوه قال ابن إدریس (3) ، وقدم المفید الخلاف علی السدر (4).

والمستند فی ذلک ما رواه سهل بن زیاد ، عن غیر واحد من أصحابه ، قالوا : قلنا له : جعلنا فداک إن لم نقدر علی الجریدة؟ فقال : « عود السدر » قلنا : فإن لم نقدر؟ قال : « عود الخلاف » (5) وهذه الروایة کما فی النهایة.

وروی علیّ بن بلال فی الحسن أنه کتب إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام : الرجل یموت فی بلاد لیس فیها نخل فهل یجوز مکان الجریدة شی ء من الشجر غیر النخل؟ فأجاب : « یجوز من شجر آخر رطب » (6) وهذه الروایة معتبرة السند ، والروایة الاولی وإن کانت ضعیفة لکنها مطابقة لمدلول هذه الروایة وهی مفصلة ، فکان العمل بمضمونها أولی.

ص: 110


1- النهایة : (32) ، المبسوط ( 1 : 177 ).
2- الخلاف ( 1 : 285 ).
3- السرائر : (32).
4- المقنعة : (11).
5- الکافی ( 3 : 153 - 10 ) ، التهذیب ( 1 : 294 - 859 ) ، الوسائل ( 2 : 739 ) أبواب التکفین ب (8) ح (3).
6- الفقیه ( 1 : 88 - 407 ) ، الوسائل ( 2 : 738 ) أبواب التکفین ب (8) ح (1).

ویجعل إحداهما من جانبه - الأیمن مع ترقوته ، یلصقها بجلده ، والأخری من الجانب الیسار بین القمیص والإزار.

______________________________________________________

قوله : ویجعل إحداهما من جانبه الأیمن مع ترقوته یلصقها بجلده ، والأخری من الجانب الأیسر بین القمیص والإزار.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ذهب إلیه المفید فی المقنعة (1) ، وابن بابویه فی المقنع (2) ، والشیخ فی النهایة والمبسوط (3) ، ومستنده حسنة الحسن بن زیاد المتقدمة (4) ، وحسنة جمیل بن دراج قال ، قال : « إنّ الجریدة قدر شبر ، توضع واحدة من عند الترقوة إلی ما بلغت مما یلی الجلد الأیمن ، والأخری فی الأیسر من عند الترقوة إلی ما بلغت من فوق القمیص » (5).

وقال الصدوقان : تجعل الیمنی مع ترقوته ملصقة بجلده ، والیسری عند ورکه بین القمیص والإزار (6). ولم نقف علی مأخذهما.

وقال ابن أبی عقیل : واحدة تحت إبطه الیمنی (7).

وقال الجعفی : إحداهما تحت إبطه الأیمن ، والأخری نصف مما یلی الساق ونصف مما یلی الفخذ (8). وهو بعینه روایة یونس عنهم علیهم السلام (9).

ص: 111


1- المقنعة : (11).
2- المقنع : (18).
3- النهایة : (36) ، المبسوط ( 1 : 179 ).
4- فی ص (109).
5- الکافی ( 3 : 152 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 309 - 897 ) ، الوسائل ( 2 : 740 ) أبواب التکفین ب (10) ح (2).
6- الفقیه ( 1 : 91 ) ، ونقله عن والد الصدوق فی المختلف : (44).
7- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 288 ).
8- نقله عنه فی الذکری : (49).
9- الکافی ( 3 : 143 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 740 ) أبواب التکفین ب (10) ح (5).

وأن یسحق الکافور بیده ، ویجعل ما یفضل عن مساجده علی صدره ،

______________________________________________________

قال المصنف - بعد أن ضعف الروایات الواردة بذلک - : ومع اختلاف الروایات والأقوال یجب الجزم بالقدر المشترک بینها وهو استحباب وضعها مع المیت فی کفنه أو فی قبره بأیّ هذه الصور شئت (1). وهو حسن.

ولم یتعرض المصنف فی هذا الکتاب لذکر قدر الجریدة ، وقد اختلف فیه الأصحاب ، فقال الشیخان : یکون طولهما قدر عظم الذراع (2). وقال ابن أبی عقیل : مقدار کل واحدة أربع أصابع إلی ما فوقها (3). وقال الصدوق : طول کل واحدة قدر عظم الذراع ، وإن کانت شبرا فلا بأس (4).

والروایات فی ذلک مختلفة أیضا ، ففی حسنة جمیل أنها قدر شبر ، وفی روایة یونس قدر ذراع ، والکل حسن ، لثبوت الشرعیة مع عدم القاطع علی قدر معین.

وهل تشق أو تکون صحیحة؟ الأظهر الثانی ، نظرا إلی التعلیل ، واستضعافا لروایة الشق (5). وذکر الأصحاب استحباب وضع القطن علی الجریدتین ، ولعله لاستبقاء الرطوبة.

قوله : وأن یسحق الکافور بیده ، ویجعل ما یفضل من مساجده علی صدره.

أما اختصاص السحق بالید فذکره الشیخان (6) وأتباعهما (7) ، قال فی المعتبر : ولم أتحقق مستنده (8). وأما وضع ما یفضل من الکافور عن المساجد علی صدره فذکره

سحق الکافور بالید
جعل ما یفضل من الکافور علی الصدر

ص: 112


1- المعتبر ( 1 : 288 ).
2- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی التهذیب ( 1 : 293 ).
3- نقله عنه فی المختلف : (44).
4- الفقیه ( 1 : 87 ).
5- الفقیه ( 1 : 88 - 405 ) ، الوسائل ( 2 : 741 ) أبواب التکفین ب (11) ح (4).
6- المفید فی المقنعة : (11) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 179 ).
7- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 61 ) ، وسلار فی المراسم : (49).
8- المعتبر ( 1 : 286 ).

وأن یطوی جانب اللفافة الأیسر علی الأیمن ، والأیمن علی الأیسر.

ویکره تکفینه فی الکتان ،

______________________________________________________

جماعة من الأصحاب ، ویمکن أن یستدل علیه بحسنة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت أن تحنط المیت فاعمد إلی الکافور فامسح به آثار السجود منه ، ومفاصله کلها ، ورأسه ، ولحیته ، وعلی صدره من الحنوط » (1) لکن لا یخفی أنّ هذه الروایة إنما تضمنت الأمر بوضع شی ء من الکافور علی الصدر ، لا اختصاصه بالفاضل (2).

قوله : وأن یطوی جانب اللفافة الأیسر علی الأیمن ، والأیمن علی الأیسر.

المراد بالأیمن الذی یطوی جانب اللفافة علیه أیمن المیت ، وبالثانی جانب اللفافة الأیمن ، ولم أقف فی هذا الحکم علی أثر ، ولعل وجهه التیمن بالیمین.

قوله : ویکره تکفینه فی الکتان.

هو بفتح الکاف ، والمشهور بین الأصحاب کراهة التکفین فیه ، وقال ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : ولا یجوز أن یکفن المیت فی کتان ولا إبریسم ولکن فی القطن (3). والأصل فی ذلک نهی الصادق علیه السلام فی مرسلة یعقوب بن یزید عن تکفین المیت فی الکتان (4) ، وقوله علیه السلام : « الکتان کان لبنی إسرائیل یکفنون به ، والقطن لامة محمد صلی الله علیه و آله » (5) وضعف السند مقتض للحمل

طوی جانب اللفافة

- مکروهات التکفین

التکفین بالکتان

ص: 113


1- الکافی ( 3 : 143 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 307 - 890 ) ، الإستبصار ( 1 : 212 - 746 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) أبواب التکفین ب (14) ح (1).
2- فی « س » ، « م » ، « ح » : لا علی اختصاصه.
3- الفقیه ( 1 : 89 ).
4- (4) التهذیب ( 1 : 451 - 1465 ) ، الإستبصار ( 1 : 211 - 745 ) ، الوسائل ( 2 : 751 ) أبواب التکفین ب (20) ح (2)
5- الکافی ( 3 : 149 - 7 ) ، الفقیه ( 1 : 89 - 414 ) ، التهذیب ( 1 : 434 - 1392 ) ، الإستبصار ( 1 : 210 - 741 ) ، الوسائل ( 2 : 751 ) أبواب التکفین ب (20) ح (1).

وأن یعمل للأکفان المبتدأة أکمام ، وأن یکتب علیها بالسواد ، وأن یجعل فی سمعه أو بصره شیئا من الکافور.

______________________________________________________

علی الکراهة.

قوله : وأن یعمل للأکفان المبتدأة أکمام.

یدل علی ذلک ما رواه محمد بن سنان ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : الرجل یکون له القمیص أیکفن فیه؟ فقال : « اقطع أزراره » قلت : وکمّه؟ قال : « لا ، إنما ذاک إذا قطع له وهو جدید لم یجعل له کمّا ، فأما إذا کان ثوبا لبیسا فلا یقطع منه إلاّ الأزرار » (1).

ویشهد لانتفاء الکراهة فی غیر الأکفان المبتدأة : صحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام أن یأمر لی بقمیص أعدّه لکفنی ، فبعث به إلیّ ، فقلت : کیف أصنع؟ فقال : « أنزع أزراره » (2).

قوله : وأن یکتب علیها بالسواد.

ذکر ذلک الشیخ فی النهایة (3) والمبسوط (4) ، قال فی المعتبر : وهو حسن ، لأن فی ذلک نوع استبشاع ، ولأن وظائف المیت متلقاة توقیفا فیتوقف علی الدلالة (5).

قوله : وأن یجعل فی سمعه أو بصره شیئا من الکافور.

هذا قول الأکثرین ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی روایة یونس : « ولا تجعل فی

عمل أکمام للکفن والکتابة علیه بالسواد
جعل الکافور فی مسامع المیت

ص: 114


1- الفقیه ( 1 : 90 - 418 ) ، التهذیب ( 1 : 305 - 886 ) ، الوسائل ( 2 : 756 ) أبواب التکفین ب (28) ح (2).
2- التهذیب ( 1 : 304 - 885 ) ، الوسائل ( 2 : 756 ) أبواب التکفین ب (28) ح (1).
3- النهایة : (32).
4- المبسوط ( 1 : 177 ).
5- المعتبر ( 1 : 290 ).

______________________________________________________

منخریه ولا فی بصره ومسامعه ولا وجهه قطنا ولا کافورا » (1).

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قال : « لا تجعل فی مسامع المیت حنوطا » (2) وفی الروایة الأولی إرسال ، وفی الثانیة قطع.

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ویجعل الکافور علی بصره ، وأنفه ، وفی مسامعه ، وفیه ، ویدیه ، ورکبتیه ، ومفاصله کلها ، وعلی أثر السجود منه (3).

ولعل مستنده صحیحة عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : کیف أصنع بالحنوط؟ قال : « تضع فی فمه ، ومسامعه ، وآثار السجود من وجهه ویدیه ورکبتیه » (4) وقوله علیه السلام فی روایة سماعة : « إذا کفّنت المیت فذر علی کل ثوب شیئا من الذریرة والکافور ، واجعل شیئا من الحنوط علی مسامعه ومساجده » (5) وفی خبر عمّار : « واجعل الکافور فی مسامعه ، وأثر السجود منه ، وفیه » (6).

وحمل المصنف فی المعتبر هذه الروایات علی الجواز ، وتلک علی الکراهة (7) ، وهو بعید ، لأن الأمر ظاهر فی الوجوب أو الاستحباب.

ص: 115


1- الکافی ( 3 : 143 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 306 - 888 ) ، الوسائل ( 2 : 744 ) أبواب التکفین ب (14) ح (3).
2- التهذیب ( 1 : 308 - 893 ) ، الإستبصار ( 1 : 212 - 748 ) ، الوسائل ( 2 : 747 ) أبواب التکفین ب (16) ح (4).
3- الفقیه ( 1 : 91 ).
4- التهذیب ( 1 : 307 - 891 ) ، الإستبصار ( 1 : 212 - 749 ) ، الوسائل ( 2 : 747 ) أبواب التکفین ب (16) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 435 - 1399 ) ، الوسائل ( 2 : 746 ) أبواب التکفین ب (15) ح (2).
6- التهذیب ( 1 : 305 - 887 ) ، الوسائل ( 2 : 745 ) أبواب التکفین ب (14) ح (4).
7- المعتبر ( 1 : 290 ).

مسائل ثلاث :

الأولی : إذا خرج من المیت نجاسة بعد تکفینه ، فإن لاقت جسده غسلت بالماء ، وإن لاقت کفنه فکذلک ، إلا أن یکون بعد طرحه فی القبر فإنها تقرض. ومنهم من أوجب قرضها مطلقا ، والأوّل أولی.

______________________________________________________

قوله : الأولی ، إذا خرج من المیت نجاسة بعد تکفینه ، فإن لاقت جسده غسلت بالماء ، وإن لاقت کفنه فکذلک ، إلا أن یکون بعد طرحه فی القبر فإنها تقرض ، ومنهم من أوجب قرضها مطلقا ، والأوّل أولی.

إذا خرج من المیت نجاسة بعد الغسل ، فإن لاقت ظاهر جسده وجب غسلها ولم یجب إعادة الغسل مطلقا عند الأکثر. أما وجوب الغسل فاحتج علیه فی الذکری بوجوب إزالة النجاسة عن بدن المیت (1) ، وهو إعادة للمدعی. نعم یمکن الاستدلال علیه بما رواه الشیخ ، عن روح بن عبد الرحیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن بدا من المیت شی ء بعد غسله فاغسل الذی بدا منه ولا تعد الغسل » (2) وفی السند ضعف.

وأما عدم وجوب إعادة الغسل فلصدق الامتثال المقتضی لخروج المکلف عن العهدة.

وقال ابن أبی عقیل : فان انتقض منه شی ء استقبل به الغسل استقبالا (3). واحتج له فی المختلف بأن الحدث ناقض للغسل فوجب إعادته. وضعفه ظاهر.

وإن لاقت النجاسة الکفن قال الصدوقان (4) وأکثر الأصحاب : وجب غسلها ما لم یطرح المیت فی القبر ، وقرضها بعده. وهو حسن ، لأن فی القرض إتلافا للمال وهو منهی

- بعض مسائل التکفین

حکم النجاسة الخارجة من المیت

ص: 116


1- الذکری : (45).
2- التهذیب ( 1 : 449 - 1456 ) ، الوسائل ( 2 : 723 ) أبواب غسل المیت ب (32) ح (1).
3- نقله عنه فی المختلف : (43).
4- الصدوق فی الفقیه ( 1 : 92 ) ، ونقله عن والده فی المختلف : (43).

الثانیة : کفن المرأة علی زوجها وإن کانت ذات مال ، لکن لا یلزمه زیادة علی الواجب.

______________________________________________________

عنه ، فیقتصر فیه علی موضع الوفاق.

ونقل عن الشیخ أنه أطلق وجوب قرض المحل (1) ، وربما کان مستنده روایة عبد الله بن یحیی الکاهلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا خرج من منخر المیت الدم أو الشی ء بعد الغسل فأصاب العمامة أو الکفن قرض بالمقراض » (2).

وروایة ابن أبی عمیر وأحمد بن محمد ، عن غیر واحد من أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا خرج من المیت شی ء بعد ما یکفّن فأصاب الکفن قرض من الکفن » (3).

والجواب أولا : بالطعن فی السند بإرسال الثانیة ، وعدم توثیق الکاهلی.

وثانیا : بالمعارضة بروایة روح المتقدمة المتضمنة للغسل ، ولو لا تخیل الإجماع علی هذا الحکم لأمکن القول بعدم وجوب القرض والغسل مطلقا ، تمسکا بمقتضی الأصل ، واستضعافا للروایات الواردة بذلک.

قوله : الثانیة ، کفن المرأة علی زوجها وإن کانت ذات مال ، لکن لا یلزمه زیادة علی الواجب.

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، ونقل فیه الشیخ فی الخلاف الإجماع (4) ، واحتج علیه فی المعتبر (5) : بأن الزوجیة باقیة إلی حین الوفاة ، ومن ثم حلّ تغسیلها

کفن المرأة علی الزوج

ص: 117


1- المبسوط ( 1 : 181 ).
2- الکافی ( 3 : 156 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 449 - 1457 ) ، الوسائل ( 2 : 723 ) أبواب غسل المیت ب (32) ح (4).
3- التهذیب ( 1 : 450 - 1458 ) ، الوسائل ( 2 : 754 ) أبواب التکفین ب (24) ح (4).
4- الخلاف ( 1 : 287 ).
5- المعتبر ( 1 : 307 ).

______________________________________________________

ورؤیتها وجاز میراثها فتجب مؤنتها لأنها من أحکام الزوجیة ، والکفن من جملة ذلک ، وبما رواه السکونی عن الصادق عن آبائه علیهم السلام : « إنّ علیّا علیه السلام قال : علی الزوج کفن امرأته إذا ماتت » (1) وفی الدلیلین نظر.

والأجود الاستدلال علی ذلک بما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الکفن من جمیع المال » وقال علیه السلام : « کفن المرأة علی زوجها إذا ماتت » (2).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی الزوجة بین الدائم والمستمتع بها ، ولا بین المطیعة والناشزة ، ولا بین الحرة والأمة ، ویحتمل اختصاصه بالدائم ، لأنها التی ینصرف إلیها الذهن عند الإطلاق.

والحکم مختص بالزوج الموسر فیما قطع به الأصحاب ، ویحتمل شموله لغیره أیضا مع الإمکان ، لإطلاق النص.

والحق بالکفن بقیة المؤن الواجبة ، کماء الغسل والسدر والکافور ، وفیه توقف.

ولا یلحق واجب النفقة بالزوجة ، تمسکا بمقتضی الأصل ، إلاّ المملوک فإن کفنه علی مولاه ، للإجماع علیه وإن کان مدبّرا ، أو مکاتبا مشروطا ، أو مطلقا لم یتحرر منه شی ء ، أو أم ولد. وإن تحرر منه شی ء فبالنسبة. ولو أوصت بالکفن فهو من الثلث ، ومع النفوذ یسقط عنه.

ص: 118


1- التهذیب ( 1 : 445 - 1439 ) ، الوسائل ( 2 : 759 ) أبواب التکفین ب (32) ح (2).
2- الفقیه ( 4 : 143 - 490 ، 491 ) ، الوسائل ( 2 : 758 ) أبواب التکفین ب (31) ح (1) ، وص (759) أبواب التکفین ب (32) ح (1).

ویؤخذ کفن الرجل من أصل ترکته ، مقدما علی الدیون والوصایا ، فإن لم یکن له کفن دفن عریانا ، ولا یجب علی المسلمین بذل الکفن ، بل یستحب.

______________________________________________________

قوله : ویؤخذ کفن الرجل من أصل ترکته ، مقدما علی الدیون والوصایا. هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، والمستند فیه روایات ، منها : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الکفن من جمیع المال » (1).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل مات وعلیه دین وخلف قدر ثمن کفنه ، قال : « یجعل ما ترک فی ثمن کفنه ، إلا أن یتّجر علیه إنسان یکفّنه ، ویقضی دینه مما ترک » (2).

وعن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أول شی ء یبدأ به من المال الکفن ، ثم الدین ، ثم الوصیة ، ثم المیراث » (3).

وإطلاق تقدیم الکفن علی الدین فی الأخبار وکلام الأصحاب یقتضی تقدیمه علی حق المرتهن وغرماء المفلس ، وهو کذلک. وإنما یقدم الکفن الواجب ، أما المندوب فمع الوصیة به یکون من الثلث إلا مع الإجازة.

قوله : فإن لم یکن له کفن دفن عریانا ، ولا یجب علی المسلمین بذل کفنه ، بل یستحب.

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، أما انتفاء الوجوب فللأصل السالم عن

کفن الرجل من الترکة

ص: 119


1- المتقدم فی ص (118).
2- الکافی ( 7 : 23 - 2 ) ، الفقیه ( 4 : 143 - 492 ) ، التهذیب ( 9 : 171 - 697 ) ، الوسائل ( 13 : 98 ) أبواب الدین والقرض ب (13) ح (1).
3- الکافی ( 7 : 23 - 3 ) ، الفقیه ( 4 : 143 - 488 ) ، التهذیب ( 9 : 171 - 698 ) ، الوسائل ( 13 : 98 ) أبواب الدین والقرض ب (13) ح (2).

______________________________________________________

المعارض ، وأما استحباب البذل فیدل علیه روایات ، منها : حسنة سعد بن طریف (1) ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « من کفن مؤمنا کان کمن ضمن کسوته إلی یوم القیامة » (2).

وذکر جمع من الأصحاب أنه یجوز تکفین المیت من الزکاة مع احتیاجه إلی ذلک ، بل صرّح بعضهم بالوجوب (3) ، لما رواه الشیخ عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن الفضل بن یونس الکاتب ، قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام فقلت له : ما تری فی رجل من أصحابنا یموت ولم یترک ما یکفن به ، أشتری له کفنه من الزکاة؟ فقال : « أعط عیاله من الزکاة قدر ما یجهّزونه فیکونون هم الذین یجهّزونه » قلت : فإن لم یکن له ولد ولا أحد یقوم بأمره فأجهّزه أنا من الزکاة؟ قال : « إن أبی کان یقول : إن حرمة بدن المؤمن میتا کحرمته حیا ، فوار بدنه وعورته ، وجهّزه ، وکفّنه ، وحنّطه ، واحتسب بذلک من الزکاة » (4).

وعندی فی هذا الحکم توقف ، لنص الشیخ علی أن الفضل بن یونس کان واقفیا (5) ، إلا أن یقال : إن جواز قضاء الدین عن المیت الذی لم یترک ما یوفّی منه دینه

ص: 120


1- فی « م » : سعد بن ظریف ، وفی « س » : سعید بن طریف ، وما أثبتناه من « ق » هو الموافق للمصادر وهو الأرجح - « راجع معجم رجال الحدیث 708 ، 120 ).
2- الکافی ( 3 : 164 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 92 - 419 ) مرسلا ، التهذیب ( 1 : 450 - 1461 ) ، الوسائل ( 2 : 754 ) أبواب التکفین ب (26) ح (1).
3- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 442 ) ، والکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 55 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (110).
4- التهذیب ( 1 : 445 - 1440 ) ، قرب الإسناد : (129) ، الوسائل ( 2 : 759 ) أبواب التکفین ب (33) ح (1).
5- رجال الشیخ : (357).

وکذا ما یحتاج إلیه المیت من کافور وسدر وغیره.

الثالثة : إذا سقط من المیت شی ء من شعره أو جسمه وجب أن یطرح معه فی کفنه.

______________________________________________________

من الزکاة یقتضی جواز تکفینه منها بطریق أولی. وفیه ما فیه (1).

قوله : وکذا ما یحتاج إلیه المیت من کافور وسدر وغیره.

أی : یجب من أصل المال مقدما علی الدیون ، وأنه مع انتفاء ذلک لا یجب علی المؤمنین بذله بل یستحب. أما الوجوب من أصل المال فظاهر ، لأن الوجوب متحقق ، ولا محل له سوی الترکة إجماعا. وأما انتفاء الوجوب مع فقد الترکة واستحباب البذل حینئذ فوجهه معلوم مما سبق (2).

قوله : الثالثة ، إذا سقط من المیت شی ء من شعره أو جسده وجب أن یطرح معه فی کفنه.

هذا مذهب العلماء کافة ، نقله فی التذکرة (3) ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یمس من المیت شعر ولا ظفر ، وإن سقط منه شی ء فاجعله فی کفنه » (4).

وعن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المیت یکون علیه الشعر فیحلق عنه أو یقلم؟ قال : « لا یمس منه شی ء ، اغسله وادفنه » (5).

حکم ما یسقط من المیت

ص: 121


1- زیادة من « ح ».
2- فی ص (119).
3- التذکرة ( 1 : 45 ).
4- الکافی ( 3 : 155 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 323 - 940 ) ، الوسائل ( 2 : 694 ) أبواب غسل المیت ب (11) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 156 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 323 - 942 ) ، الوسائل ( 2 : 694 ) أبواب غسل المیت ب (11) ح (3).

الرابع : فی مواراته فی الأرض

وله مقدّمات مسنونة کلها : أن یمشی المشیّع وراء الجنازة ، أو إلی أحد جانبیها ،

______________________________________________________

قوله : الرابع ، فی مواراته فی الأرض ، وله مقدّمات مسنونة کلها : أن یمشی المشیّع وراء الجنازة أو إلی أحد جانبیها.

أجمع العلماء کافة علی استحباب تشییع الجنازة (1) ، وفیه ثواب جسیم وأجر عظیم ، فروی جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من شیّع میتا حتی یصلی علیه کان له قیراط من الأجر ، ومن بلغ معه إلی قبره حتی یدفن کان له قیراطان من الأجر ، والقیراط مثل جبل أحد » (2).

وروی أیضا عنه علیه السلام قال : « إذا دخل المؤمن قبره نودی : ألا إنّ أول حبائک الجنة ، ألا وأول حباء من تبعک المغفرة » (3).

وروی میسر ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « من تبع جنازة مسلم أعطی یوم القیامة أربع شفاعات ، ولم یقل شیئا إلاّ وقال الملک : ولک مثل ذلک » (4).

وروی داود الرقی ، عن رجل من أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من شیّع جنازة مؤمن حتی یدفن فی قبره وکلّ الله عزّ وجلّ به سبعین ملکا من المشیعین

الدفن

- التشییع

استحباب المشی خلف الجنازة

ص: 122


1- الجواهر ( 4 : 264 ). الظاهر المنساق من الأخبار : أنّ استحباب التشییع إنما هو فیما إذا کان محل الدفن محتاجا إلی النقل ، أما إذا لم یکن کذلک ، کما لو کان مثلا فی محل تجهیزه ، فلا یستحب إخراجه ونقله للتشییع، ثم إرجاعه إلیه.
2- الکافی ( 3 : 173 - 4 ) ، الوسائل ( 2 : 823 ) أبواب الدفن ب (3) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 172 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 99 - 460 ) ، الوسائل ( 2 : 820 ) أبواب الدفن ب (2) ح (3).
4- الکافی ( 3 : 173 - 6 ) ، الفقیه ( 1 : 99 - 456 ) ، التهذیب ( 1 : 455 - 1483 ) ، أمالی الصدوق : ( 181 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 820 ) أبواب الدفن ب (2) ح (1).

______________________________________________________

یشیعونه ویستغفرون له إذا خرج من قبره إلی الموقف » (1) والأخبار الواردة فی ذلک (2) أکثر من أن تحصی.

والمعروف من مذهب الأصحاب أنّ مشی المشیع وراء الجنازة أو أحد جانبیها أفضل من المشی أمامها. ونصّ فی المعتبر علی أنّ تقدمها لیس بمکروه بل هو مباح (3) ، وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری عن کثیر من الأصحاب أنه یری کراهة المشی أمامها (4).

وقال ابن أبی عقیل : یجب التأخر خلف جنازة المعادی لذی القربی (5) ، لما ورد من استقبال ملائکة العذاب إیاه (6).

وقال ابن الجنید : یمشی صاحب الجنازة بین یدیها ، والباقون وراءها (7) ، لما روی من أنّ الصادق علیه السلام : تقدم سریر ابنه إسماعیل بلا حذاء ولا رداء (8).

واستدل فی المعتبر (9) علی أفضلیة التبع لها ، أو المشی إلی جانبیها بما رواه إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المشی خلف الجنازة أفضل من المشی بین

ص: 123


1- الکافی ( 3 : 173 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 99 - 458 ) ، أمالی الصدوق : ( 180 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 822 ) أبواب الدفن ب (3) ح (2).
2- الوسائل ( 2 : 820 ) أبواب الدفن ب ( 2 ، 3 ).
3- المعتبر ( 1 : 293 ).
4- الذکری : (52).
5- نقله عنه فی الذکری : (52).
6- الوسائل ( 2 : 825 ) أبواب الدفن ب (5).
7- نقله عنه فی الذکری : (52).
8- الکافی ( 3 : 204 - 5 ) ، الفقیه ( 1 : 112 - 524 ) ، التهذیب ( 1 : 463 - 1513 ) ، الوسائل ( 2 : 654 ) أبواب الاحتضار ب (27) ح (3).
9- المعتبر ( 1 : 293 ).

______________________________________________________

یدیها ، ولا بأس أن یمشی بین یدیها » (1).

وما رواه سدیر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من أحب أن یمشی مشی الکرام الکاتبین فلیمش جنبی السریر » (2).

والدلالة واضحة لکن فی السند ضعف ، مع أنّ الشیخ - رحمه الله - روی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن المشی مع الجنازة ، فقال : « بین یدیها ، وعن یمینها ، وعن شمالها ، وخلفها » (3) وهذه الروایة أصح ما بلغنا فی هذا الباب.

ویستحب للمشیع أن یحضر قلبه التفکر فی مآله ، والتخشع والاتعاظ بالموت ، ویکره له الضحک واللهو ، لما روی أن النبی صلی الله علیه و آله أو علیّا علیه السلام شیّع جنازة فسمع رجلا یضحک فقال له : « کأنّ الموت فیها علی غیرنا کتب » (4) الحدیث (5).

ویکره للمشیع الجلوس قبل أن یوضع المیت فی لحده ، لما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی لمن شیّع جنازة أن لا یجلس

کراهة الجلوس للمشیع

ص: 124


1- الکافی ( 3 : 169 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 100 - 464 ) وفیه عن أبی جعفر علیه السلام مع تفاوت فی اللفظ ، التهذیب ( 1 : 311 - 902 ) ، الوسائل ( 2 : 824 ) أبواب الدفن ب (4) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 170 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 311 - 904 ) ، الوسائل ( 2 : 825 ) أبواب الدفن ب (4) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 169 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 100 - 467 ) ، الوسائل ( 2 : 825 ) أبواب الدفن ب (5) ح (1).
4- نهج البلاغة ( 3 : 179 - 122 ) ، مستدرک الوسائل ( 2 : 377 ) أبواب الدفن ب (53) ح (2).
5- قال الصادق علیه السلام فی خبر عجلان أبی صالح : یا أبا صالح إذا أنت حملت جنازة فاذکر کأنک المحمول ، وکأنک سألت الرجوع الی الدنیا ففعل فانظر ماذا تستأنف؟ قال ثم قال : عجیب لقوم حبس أولهم عن آخرهم ثم نودی فیهم بالرحیل وهم یلعبون الکافی ( 3 : 258 - 29 ) ، الوسائل ( 2 : 883 ) أبواب الدفن ب (59) ح (1).

وأن تربّع الجنازة ، ویبدأ بمقدمها الأیمن ، ثم یدور من ورائها إلی الجانب الأیسر.

______________________________________________________

حتی یوضع فی لحده ، فإذا وضع فی لحده فلا بأس » (1) وظاهر الشیخ فی الخلاف (2) ، وابن الجنید (3) انتفاء الکراهة ، وهو ضعیف.

قوله : وأن تربّع الجنازة ، ویبدأ بمقدمها الأیمن ، ثم یدور من ورائها إلی الجانب الأیسر.

التربیع : حمل الجنازة من جوانبها الأربعة. وقد أجمع الأصحاب علی استحبابه ، قال فی الذکری : ولیس فیه دنوة ولا سقوط مروة ، فقد حمل النبی صلی الله علیه و آله جنازة سعد بن معاذ ، ولم یزل الصحابة والتابعون علی ذلک ، لما فیه من البر والإکرام للمؤمن (4).

وفیه فضل عظیم ، فروی جابر فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر [ الله ] (5) له أربعین کبیرة » (6).

وروی سلیمان بن خالد ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أخذ بقائمة السریر غفر الله له خمسا وعشرین کبیرة ، وإذا ربّع خرج من الذنوب » (7).

استحباب تربیع الجنازة

ص: 125


1- التهذیب ( 1 : 462 - 1509 ) ، الوسائل ( 2 : 871 ) أبواب الدفن ب (45) ح (1).
2- الخلاف ( 1 : 292 ).
3- نقله عنه فی المختلف : (122).
4- الذکری : (51).
5- أثبتناها من المصدر.
6- الکافی ( 3 : 174 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 454 - 1479 ) ، الوسائل ( 2 : 827 ) أبواب الدفن ب (7) ح (1).
7- الکافی ( 3 : 174 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 99 - 462 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 828 ) أبواب الدفن ب (7) ح (4).

______________________________________________________

والمراد بالتربیع حمل السریر من جوانبه الأربعة کیف اتفق بأربعة رجال ، وأفضله أن یبدأ بمقدم السریر الأیمن ، ثم یمرّ علیه إلی مؤخره ، ثم بمؤخر السریر الأیسر ، ویمرّ علیه إلی مقدمه دور الرّحی ، ذکر ذلک الشیخ فی المبسوط والنهایة (1) ، وادعی علیه الإجماع ، وقال فی الخلاف : یحمل بمیامنه مقدم السریر الأیسر ، ثم یدور حوله حتی یرجع إلی المقدم (2).

والروایات الواردة فی ذلک مختلفة ، فروی العلاء بن سیابة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یبدأ فی حمل السریر من الجانب الأیمن ، ثم یمر علیه من خلفه إلی الجانب الآخر ، ثم یمر حتی یرجع إلی المقدم ، کذلک دوران الرحی علیه » (3).

ومثله روی الفضل (4) بن یونس ، عن الکاظم علیه السلام ، قال : « فإن لم تکن تتقی فیه فإن تربیع الجنازة التی جرت به السنة أن تبدأ بالید الیمنی ، ثم بالرجل الیمنی ، ثم بالرجل الیسری ، ثم بالید الیسری حتی تدور حولها » (5) وعلی هاتین الروایتین عمل الشیخ فی النهایة والمبسوط (6).

وروی علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال : سمعته یقول :

ص: 126


1- المبسوط ( 1 : 183 ) ، والنهایة : (37).
2- الخلاف ( 1 : 292 ).
3- الکافی ( 3 : 169 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 453 - 1474 ) ، الإستبصار ( 1 : 216 - 763 ) ، الوسائل ( 2 : 830 ) أبواب الدفن ب (8) ح (5).
4- فی « س » : الفضیل ، وفی التهذیب : المفضل ، والصحیح ما أثبتناه - ( راجع معجم رجال الحدیث 18 : 309 ).
5- الکافی ( 3 : 168 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 452 - 1473 ) ، الوسائل ( 2 : 829 ) أبواب الدفن ب (8) ح (3).
6- النهایة : (37) ، والمبسوط ( 1 : 183 ).

______________________________________________________

« السنة فی حمل الجنازة أن تستقبل جانب السریر بشقک الأیمن فتلزم الأیسر بکفک (1) الأیمن ، ثم تمر علیه إلی الجانب الآخر وتدور من خلفه إلی الجانب الثالث من السریر ، ثم تمر علیه إلی الجانب الرابع مما یلی یسارک » (2) وبهذه الروایة أخذ الشیخ فی الخلاف (3).

وقال الشهید فی الذکری : ویمکن حمله علی التربیع المشهور ، لأن الشیخ ادّعی علیه الإجماع فکیف یخالف دعواه ، ولأنه قال فی الخلاف : یدور دور الرحی کما فی الروایة ، وهو لا یتصور إلاّ علی البدأة بمقدم السریر الأیمن والختم بمقدم الأیسر ، والإضافة هنا قد تتعاکس (4). هذا کلامه - رحمه الله - وما ذکره من الجمع بین الکلامین مشکل جدّا.

والروایات کلّها قاصرة من حیث السند ، مع أن ابن بابویه روی فی الصحیح عن الحسین بن سعید : أنه کتب إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام یسأله عن سریر المیت یحمل ، إله جانب یبدأ به فی الحمل من جوانبه الأربع؟ أو ما خفّ علی الرجل یحمل من أیّ الجوانب شاء؟ فکتب : « من أیّها شاء » (5).

وروی جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « السنة أن یحمل السریر من جوانبه الأربع ، وما کان بعد ذلک من حمل فهو تطوع » (6).

ص: 127


1- فی « م » والکافی : بکتفک.
2- الکافی ( 3 : 168 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 453 - 1475 ) ، الإستبصار ( 1 : 216 - 764 ) ، الوسائل ( 2 : 830 ) أبواب الدفن ب (8) ح (4).
3- الخلاف ( 1 : 292 ).
4- الذکری : (51).
5- الفقیه ( 1 : 100 - 465 ) ، التهذیب ( 1 : 453 - 1477 ) ، الإستبصار ( 1 : 216 - 766 ) ، الوسائل ( 2 : 829 ) أبواب الدفن ب (8) ح (1).
6- الکافی ( 3 : 168 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 453 - 1476 ) ، الإستبصار ( 1 : 216 - 765 ) ، الوسائل ( 2 : 828 ) أبواب الدفن ب (7) ح (2).

ویعلم المؤمنون بموت المؤمن. وأن یقول المشاهد للجنازة : الحمد لله الذی لم یجعلنی من السواد المخترم.

______________________________________________________

قوله : وأن یقول المشاهد للجنازة : الحمد لله الذی لم یجعلنی من السواد المخترم.

المستند فی ذلک ما رواه أبو حمزة ، قال : کان علیّ بن الحسین علیهماالسلام إذا رأی جنازة قد أقبلت قال : « الحمد لله الذی لم یجعلنی من السواد المخترم » (1) وقد روی ذلک أیضا من فعل الباقر علیه السلام (2). والسواد : الشخص ، والمخترم : المستأصل أو الهالک.

ولا ینافی هذا حبّ لقاء الله ، لأنه غیر مقید بوقت فیحمل علی حال الاحتضار ، لما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ، ومن کره لقاء الله کره الله لقاءه » فقیل له صلی الله علیه و آله : إنا لنکره الموت؟ فقال : « لیس ذلک ، ولکن المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله تعالی وکرامته ، فلیس شی ء أحب إلیه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وأنّ الکافر إذا حضره الموت بشّر بعذاب الله ، فلیس شی ء أکره إلیه مما أمامه ، کره لقاء الله فکره الله لقاءه » (3).

وبقیة عمر المؤمن نفیسة لا ثمن لها ، کما ورد فی الخبر عن أمیر المؤمنین علیه السلام .

وقال النبی صلی الله علیه و آله : « لا یتمنّ أحدکم الموت ، ولا یدع به من قبل أن

استحباب إعلام المؤمنین بموت المؤمن

ص: 128


1- الکافی ( 3 : 167 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 113 - 525 ) ، التهذیب ( 1 : 452 - 1472 ) ، الوسائل ( 2 : 830 ) أبواب الدفن ب (9) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 167 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 831 ) أبواب الدفن ب (9) ح (3).
3- سنن النسائی ( 4 : 9 ).

وأن یضع الجنازة علی الأرض إذا وصل إلی القبر مما یلی رجلیه ، والمرأة مما یلی القبلة ، وأن ینقله فی ثلاث دفعات ،

______________________________________________________

یأتیه ، إنه إذا مات انقطع عمله ، وأنه لا یزید المؤمن عمره إلا خیرا » (1).

ویستحب أن یقول المشاهد للجنازة : الله أکبر ، هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، اللهم زدنا إیمانا وتسلیما ، الحمد لله الذی تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت. فعن الصادق علیه السلام : « إن النبی صلی الله علیه و آله قال : من قال ذلک لم یبق فی السماء ملک إلا بکی رحمة لصوته » (2).

قوله : وأن یضع الجنازة علی الأرض إذا وصل إلی القبر مما یلی رجلیه ، والمرأة ما یلی القبلة.

علّل بأن ذلک أیسر فی فعل ما هو الأولی من إرسال الرجل سابقا برأسه ، والمرأة عرضا ، واختیار جهة القبلة لشرفها ، ولم أقف فی ذلک علی نص بالخصوص.

قوله : وأن ینقله فی ثلاث دفعات.

ظاهر العبارة أنّ النقل ثلاثا بعد وصوله إلی القبر ، فعلی هذا یکون إنزاله إلیه فی ثلاث دفعات. وذکر ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : أنه یوضع قریبا من القبر ویصبر علیه هنیئة ، ثم یقرّب قلیلا ویصبر علیه هنیئة لیأخذ أهبته ، ثم یقدّم إلی شفیر القبر ویدخل فیه (3). ونحوه قال الشیخ فی المبسوط (4). والظاهر أن ذلک هو مراد المصنف کما صرّح به فی المعتبر (5) ، وإن کانت العبارة قاصرة عن تأدیة المطلوب.

استحباب وضع الجنازة إذا وصل القبر

ص: 129


1- صحیح مسلم ( 4 : 2065 - 2682 ) ، السنن الکبری للبیهقی ( 3 : 377 ).
2- الکافی ( 3 : 167 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 452 - 1471 ) ، الوسائل ( 2 : 830 ) أبواب الدفن ب (9) ح (2).
3- الفقیه ( 1 : 107 ).
4- المبسوط ( 1 : 186 ).
5- المعتبر ( 1 : 297 ).

وأن یرسله إلی القبر سابقا برأسه ، والمرأة عرضا ،

______________________________________________________

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الروایات صحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی أن یوضع المیت دون القبر هنیئة ثم واره » (1).

ومرسلة محمد بن عطیة ، قال : « إذا أتیت بأخیک القبر فلا تفدحه به ، ضعه أسفل من القبر بذراعین أو ثلاثة حتی یأخذ أهبته ، ثم ضعه فی لحده » (2).

وروایة محمد بن عجلان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تفدح میتک بالقبر ، ولکن ضعه أسفل منه بذراعین أو ثلاثة ودعه حتی یأخذ أهبته » (3).

ولا یخفی انتفاء دلالة هذه الروایات علی ما ذکره الأصحاب ، بل إنما تدل علی استحباب وضعه دون القبر هنیئة ثم دفنه ، وبمضمونها أفتی ابن الجنید (4) ، والمصنف فی آخر کلامه فی المعتبر (5) ، وهو المعتمد.

قوله : وأن یرسله إلی القبر سابقا برأسه ، والمرأة عرضا.

المستند فی ذلک مرفوعة عبد الصمد بن هارون قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام :« إذا أدخلت المیت القبر : إن کان رجلا سلّ سلاّ (6) ، والمرأة تؤخذ عرضا ، فإنه أستر » (7).

وأکثر الأخبار واردة بسلّ المیت من قبل الرجلین من غیر فرق بین الرجل والمرأة ،

کیفیة إرسال المیت فی القبر

ص: 130


1- التهذیب ( 1 : 313 - 908 ) ، الوسائل ( 2 : 837 ) أبواب الدفن ب (16) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 312 - 907 ) ، الوسائل ( 2 : 838 ) أبواب الدفن ب (16) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 191 - 1 ) ، علل الشرائع : ( 306 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 838 ) أبواب الدفن ب (16) ح (5).
4- نقله عنه فی الذکری : (65).
5- المعتبر ( 1 : 298 ).
6- السّلّ : انتزاعک الشی ء وإخراجه برفق ومنه حدیث المیت فی إدخاله القبر « یسلّ سلالا » ( مجمع البحرین 5 : 398 ).
7- التهذیب ( 1 : 325 - 950 ) ، الوسائل ( 2 : 865 ) أبواب الدفن ب (38) ح (1).

وأن ینزل من یتناوله حافیا ، ویکشف رأسه ، ویحلّ أزراره. ویکره أن یتولی ذلک الأقارب ، إلا فی المرأة.

______________________________________________________

کحسنة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أتیت بالمیت القبر فسلّه من قبل رجلیه ، فإذا وضعته فی القبر فاقرأ آیة الکرسی » (1) الحدیث ، وروایة محمد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن المیت فقال : « تسلّه من قبل الرجلین » (2).

قوله : وأن ینزل من یتناوله حافیا ، ویکشف رأسه ، ویحلّ أزراره.

هذا مذهب الأصحاب ، ومستنده حسنة علی بن یقطین ، قال : سمعت أبا الحسن علیه السلام یقول : « لا تنزل فی القبر وعلیک العمامة والقلنسوة ، ولا الحذاء ولا الطیلسان ، وحلّ أزرارک ، وبذلک سنّة رسول الله صلی الله علیه و آله جرت » (3).

وروایة ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا ینبغی لأحد أن یدخل القبر فی نعلین ، ولا خفین ، ولا عمامة ، ولا رداء ، ولا قلنسوة » (4) وفی روایة سیف بن عمیرة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فالخف؟ قال : « لا بأس بالخف ، فإن فی خلع الخف شناعة » (5).

قوله : ویکره أن یتولی ذلک الأقارب إلا فی المرأة.

قال المصنف فی المعتبر : أما فی الرجل فلأن ذلک یقسّی القلب ، والرحمة صفة مرادة لله تعالی. وأما فی المرأة فیستحب للرحم ، لأنها عورة (6).

استحباب تحفی النازل فی القبر
کراهة تولی الأقارب دفن المیت

ص: 131


1- الکافی ( 3 : 194 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 315 - 915 ) ، الوسائل ( 2 : 845 ) أبواب الدفن ب (21) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 195 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 315 - 916 ) ، الوسائل ( 2 : 848 ) أبواب الدفن ب (22) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 192 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 480 ) أبواب الدفن ب (18) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
4- الکافی ( 3 : 192 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 314 - 913 ) ، الوسائل ( 2 : 840 ) أبواب الدفن ب (18) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 313 - 910 ) ، الوسائل ( 2 : 841 ) أبواب الدفن ب (18) ح (5).
6- المعتبر ( 1 : 297 ).

ویستحب أن یدعو عند إنزاله القبر.

______________________________________________________

ویدل علیه مضافا إلی ذلک حسنة حفص بن البختری ، وغیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یکره للرجل أن ینزل فی قبر ولده » (1).

وروایة السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : مضت السنة من رسول الله صلی الله علیه و آله أنّ المرأة لا یدخل قبرها إلا من کان یراها فی حیاتها » (2).

وقد ورد فی بعض الروایات نفی البأس عن دفن الولد أباه (3) ، وحمل علی نفی الکراهة المؤکّدة ، وهو إنما یتم مع ثبوت المعارض.

ولو تعذر المحرم للمرأة فامرأة صالحة ، ثم أجنبی صالح ، وإن کان شیخا فهو أولی.

ویدخل القبر من شاء الولی ، إن شاء شفعا وإن شاء وترا ، روی ذلک زرارة عن الصادق علیه السلام (4).

قوله : ویستحب : أن یدعو عند إنزاله فی القبر.

قد ورد فی کیفیة الدعاء روایات ، منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أتیت بالمیت القبر فسلّه من قبل رجلیه ، فإذا وضعته فی القبر فاقرأ آیة الکرسی ، وقل : بسم الله [ وبالله ] وفی سبیل الله ، وعلی ملة رسول الله ، اللهم صلّ علی محمد وآله ، اللهم افسح له فی قبره وألحقه بنبیه صلی الله علیه و آله ، وقل کما قلت فی الصلاة علیه مرة واحدة من عند : اللهم إن کان محسنا فزد فی إحسانه ، وإن کان مسیئا

استحباب الدعاء عند إنزال المیت القبر

ص: 132


1- الکافی ( 3 : 193 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 851 ) أبواب الدفن ب (25) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 193 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 325 - 948 ) ، الوسائل ( 2 : 853 ) أبواب الدفن ب (26) ح (1).
3- الوسائل ( 2 : 851 ) أبواب الدفن ب (25).
4- الکافی ( 3 : 193 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 314 - 914 ) ، الوسائل ( 2 : 850 ) أبواب الدفن ب (24) ح (1).

وفی الدفن فروض وسنن :

فالفرض أن یواری فی الأرض مع القدرة.

______________________________________________________

فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، واستغفر له ما استطعت » قال : « وکان علی بن الحسین علیهماالسلام إذا دخل القبر قال : اللهم جاف الأرض عن جنبیه ، وصاعد عمله ، ولقّه منک رضوانا » (1).

قوله : وفی الدفن فروض وسنن ، فالفرض أن یواری فی الأرض مع القدرة.

أجمع العلماء کافة علی وجوب الدفن ، لأمر النبی صلی الله علیه و آله به ، وفعله. وقد قطع الأصحاب (2) وغیرهم (3) بأن الواجب وضعه فی حفیرة تستر عن الإنس ریحه وعن السباع بدنه ، بحیث یعسر نبشها غالبا ، لأن فائدة الدفن إنما تتم بذلک ، وظاهرهم تعیّن الحفیرة فلا یجزی التابوت والأزج (4) الکائنان علی وجه الأرض ، وبه قطع فی الذکری (5) ، لأنه مخالف لما أمر به النبی صلی الله علیه و آله من الحفر ، ولأنه علیه السلام دفن ودفن کذلک ، وهو عمل الصحابة والتابعین.

واحترز بالقدرة عما لو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو کثرة الثلج ونحو ذلک ، فإنه یجزی مواراته بحسب الإمکان ، ویجب مراعاة تحصیل الغرض من الدفن بجمع الوصفین إن أمکن وإلا سقط. ولو دفن بالتابوت فی الأرض جاز لکنه مکروه إجماعا نقله فی

فروض الدفن المواراة فی الأرض

ص: 133


1- الکافی ( 3 : 194 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 315 - 915 ) ، الوسائل ( 2 : 845 ) أبواب الدفن ب (21) ح (1).
2- منهم العلامة فی القواعد ( 1 : 21 ) ، والشهید الأول فی الدروس : (13) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 14 ).
3- منهم الشافعی فی الأم ( 1 : 276 ) ، وابن حزم فی المحلی ( 5 : 116 ، 132 ) ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 2 : 375 ).
4- الأزج بالتحریک : ضرب من الأبنیة وهو بیت یبنی طولا ، وجمعه : أزآج ، مثل سبب وأسباب. : وأزجّ أیضا - مجمع البحرین ( 2 : 275 ).
5- الذکری : (65).

وراکب البحر یلقی فیه ، إما مثقلا أو مستورا فی وعاء کالخابیة أو شبهها مع تعذر الوصول إلی البر ،

______________________________________________________

المبسوط (1) ، وقیل : إنه لا فرق فی الکراهة بین أنواع التابوت (2).

قوله : وراکب البحر یلقی فیه ، إما مثقلا أو مستورا فی وعاء کالخابیة ونحوها مع تعذر الوصول إلی البر.

المراد بالتعذر ما یشق معه الوصول إلی البر عادة ، وقد قطع الشیخ (3) وأکثر الأصحاب (4) : بأن من مات فی سفینة فی البحر یغسّل ، ویحنّط ، ویکفّن ، ویصلّی علیه ، وینقل إلی البرّ مع المکنة ، فإن تعذّر لم یتربّص به بل یوضع فی خابیة أو نحوها ویشذ (5) رأسها ویلقی ، أو یثقّل لیرسب فی الماء ثم یلقی فیه. وظاهر المفید فی المقنعة (6) ، والمصنف فی المعتبر (7) جواز ذلک ابتداء وإن لم یتعذّر البرّ.

وقد ورد بالأول أعنی الوضع فی الإناء صحیحة أیوب بن الحر قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل مات وهو فی السفینة فی البحر کیف یصنع به؟ قال : « یوضع فی خابیة ویوکأ رأسها ویطرح فی الماء » (8).

وبالثانی ما رواه أبان ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی الرجل

کیفیة دفن راکب البحر

ص: 134


1- المبسوط ( 1 : 187 ).
2- کما فی الذکری : (65).
3- المبسوط ( 1 : 181 ).
4- منهم ابن إدریس فی السرائر (34) ، والعلامة فی القواعد ( 1 : 21 ).
5- فی « م » و « ق » : ویسد.
6- المقنعة : (13).
7- المعتبر ( 1 : 291 ).
8- الکافی ( 3 : 213 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 442 ) : مرسلة ، التهذیب ( 1 : 340 - 996 ) ، الإستبصار ( 1 : 215 - 762 ) ، الوسائل ( 2 : 866 ) أبواب الدفن ب (40) ح (1).

______________________________________________________

یموت مع القوم فی البحر فقال : « یغسّل ، ویکفّن ، ویصلی علیه ، ویثقّل ، ویرمی به فی البحر » (1).

ومثلها مرفوعة سهل بن زیاد (2) ، وروایة أبی البختری عن الصادق علیه السلام (3).

وهذه الأخبار کلّها ضعیفة السند ، کما اعترف به المصنف فی المعتبر حیث قال : وأما التثقیل ففیه أحادیث فیها ضعف ، لکن العمل بها یتضمن ستر المیت وصیانته عن بقائه بین ظهرانی صحبه (4).

وقد یقال : إن الستر لا یتعین أن یکون بالتثقیل ، لتحققه مع الوضع فی الإناء کما تضمنته صحیحة أیوب بن الحر ، فکان الاقتصار علی العمل بمضمونها أولی.

وینبغی استقبال القبلة به حالة الإلقاء ، وأوجبه ابن الجنید (5) والشهیدان (6) ، لأنه دفن حیث یحصل به مقصود الدفن ، وهو أحوط.

وأوجب بعض العامة (7) جعله بین لو حین رجاء لوصوله البر فیدفنه المسلمون ، وهو باطل ، لأن فیه تعریضا لهتک معلوم بإزاء أمر موهوم.

ص: 135


1- الکافی ( 3 : 214 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 339 - 993 ) ، الإستبصار ( 1 : 215 - 759 ) ، الوسائل ( 2 : 867 ) أبواب الدفن ب (40) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 214 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 339 - 994 ) ، الإستبصار ( 1 : 215 - 760 ) ، الوسائل ( 2 : 867 ) أبواب الدفن ب (40) ح (4).
3- الفقیه ( 1 : 96 - 441 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 339 - 995 ) ، الإستبصار ( 1 : 215 - 761 ) ، الوسائل ( 2 : 866 ) أبواب الدفن ب (40) ح (2).
4- المعتبر ( 1 : 292 ).
5- نقله عنه فی الذکری : (64).
6- الشهید الأول فی الدروس : (13) ، والذکری : (64) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 15 ) ، وروض الجنان : (316).
7- منهم الشافعی فی الأم ( 1 : 266 ) ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 2 : 377 ).

وأن یضجعه علی جانبه الأیمن مستقبل القبلة ، إلا أن تکون امرأة غیر مسلمة حاملا من مسلم فیستدبر بها القبلة.

______________________________________________________

قوله : وأن یضجعه علی جانبه الأیمن مستقبل القبلة.

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا منهم ، سوی ابن حمزة حیث عدّ ذلک مستحبا (1) ، والأصل فی هذا الحکم التأسّی بالنبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ، وما رواه معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان البراء بن معرور التمیمی الأنصاری بالمدینة ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله بمکة ، وإنه حضره الموت وکان رسول الله صلی الله علیه و آله والمسلمون یصلّون إلی بیت المقدس فأوصی البراء إذا دفن أن یجعل وجهه إلی رسول الله صلی الله علیه و آله إلی القبلة فجرت به السنّة ، وأنه أوصی بثلث ماله فنزل به الکتاب وجرت به السنّة » (2).

قوله : إلا أن تکون امرأة غیر مسلمة حاملا من مسلم فیستدبر بها القبلة.

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء قاله فی التذکرة (3) ، وإنما وجب الاستدبار بها لیکون وجه الولد إلی القبلة ، لأن وجهه إلی ظهرها ، وهو المقصود بالدفن ، وقد صرح الشیخان (4) وأتباعهما (5) بأنها تدفن فی مقابر المسلمین إکراما للولد ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه أحمد بن أشیم ، عن یونس ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الرجل تکون له الجاریة الیهودیة والنصرانیة فیواقعها فتحمل ، ثم یدعوها إلی أن تسلم فتأبی علیه ، فدنی ولادتها فماتت وهی تطلق والولد فی بطنها ومات الولد ، أیدفن معها علی

اضجاع المیت علی الجانب الأیمن مستقبل القبلة
الاستدبار بغیر المسلمة الحاملة من مسلم

ص: 136


1- الوسیلة : (68).
2- الکافی ( 3 : 254 - 16 ) ، الفقیه ( 4 : 137 - 479 ) ، التهذیب ( 9 : 192 - 771 ) ، علل الشرائع ( 2 : 566 - 1 ) ، الوسائل ( 13 : 361 ) أبواب فی أحکام الوصایا ب 10 ح 1.
3- التذکرة ( 1 : 52 ، 56 ).
4- المفید فی المقنعة : (13) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 180 ) ، والخلاف ( 1 : 297 ) ، والنهایة : (42).
5- منهم ابن حمزة فی الوسیلة : (68).

والسنن : أن یحفر القبر قدر القامة أو إلی الترقوة ،

______________________________________________________

النصرانیة؟ أو یخرج منها ویدفن علی فطرة الإسلام؟ فکتب : « یدفن معها » (1).

قال فی المعتبر : ولست أری فی هذا حجة ، أما أولا : فلأن ابن أشیم ضعیف جدا علی ما ذکره النجاشی فی کتاب المصنفین ، والشیخ - رحمه الله . وأما ثانیا : فلأن دفنه معها لا یتضمن دفنها فی مقبرة المسلمین ، بل ظاهر اللفظ یدل علی أنه یدفن معها حیث تدفن هی ، ولا إشعار فی الروایة بموضع دفنها.

والوجه أنّ الولد لما کان محکوما له بأحکام المسلمین لم یجز دفنه فی مقابر أهل الذمة ، وإخراجه مع موتهما غیر جائز ، فیتعین دفنها معه (2). هذا کلامه - رحمه الله - وهو حسن. وقال بعض العامة : إنها تدفن بین مقبرة المسلمین والنصاری ویستدبر بها (3) ، وقال آخرون کما قلناه (4).

قوله : والسنن أن یحفر القبر قدر قامة أو إلی الترقوة.

هذا مذهب الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه مرسلا عن الصادق علیه السلام ، قال : « حد القبر إلی الترقوة » (5).

وما رواه الشیخ عن سعد بن عبد الله ، عن یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « حد القبر إلی الترقوة » (6) ، وقال بعضهم إلی الثدی ، وقال بعضهم قامة الرجل حتی یمدّ الثوب علی رأس من فی القبر ، وأما اللحد فبقدر ما یمکن فیه الجلوس والظاهر أنّ هذا من محکی ابن أبی عمیر ، لأن

- سنن الدفن

حفر القبر قدر قامة

ص: 137


1- التهذیب ( 1 : 334 - 980 ) ، الوسائل ( 2 : 866 ) أبواب الدفن ب (39) ح (2).
2- المعتبر ( 1 : 292 ).
3- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 2 : 416 ، 423 ).
4- منهم ابن حزم فی المحلی ( 5 : 142 ، 143 ).
5- الفقیه ( 1 : 107 - 498 ) ، الوسائل ( 2 : 836 ) أبواب الدفن ب (14) ح (2).
6- التهذیب ( 1 : 451 - 1469 ) ، الوسائل ( 2 : 836 ) أبواب الدفن ب (14) ح (2).

ویجعل له لحد مما یلی القبلة.

ویحلّ عقد الأکفان من قبل رأسه ورجلیه ،

______________________________________________________

الإمام لا یحکی قول أحد ، والکلینی أسنده إلی سهل بن زیاد ، قال - یعنی سهل - : روی أصحابنا أنّ حدّ القبر إلی آخره (1).

وروی السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام : « أنّ النبی صلی الله علیه و آله نهی أن یعمّق القبر فوق ثلاثة أذرع » (2).

قوله : ویجعل له لحد مما یلی القبلة.

قال المصنف فی المعتبر (3) : معناه أن الحافر إذا انتهی إلی أرض القبر حفر مما یلی القبلة حفیرا واسعا قدر ما یجلس فیه الجالس ، وإنما استحب ذلک لقوله علیه السلام : « اللحد لنا والشق لغیرنا » (4) ولروایة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « أن رسول الله صلی الله علیه و آله لحّد له أبو طلحة الأنصاری » (5) ولو کانت الأرض رخوة لا تحمل اللحد یعمل له شبه اللحد من بناء تحصیلا للفضیلة ، قاله فی المعتبر (6).

قوله : ویحلّ عقد الأکفان من قبل رأسه ورجلیه.

المستند فی ذلک بعد الإجماع ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی حمزة قال ، قلت لأحدهما علیهماالسلام : یحلّ کفن المیت؟ قال : « نعم ، ویبرز وجهه » (7).

عمل اللحد مما یلی القبلة
حل عقد الأکفان

ص: 138


1- الکافی ( 3 : 165 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 836 ) أبواب الدفن ب (14) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 166 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 451 - 1466 ) ، الوسائل ( 2 : 836 ) أبواب الدفن ب (14) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 296 ).
4- سنن البیهقی ( 3 : 408 ).
5- الکافی ( 3 : 166 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 451 - 1467 ) ، الوسائل ( 2 : 836 ) أبواب الدفن ب (15) ح (1).
6- المعتبر ( 1 : 296 ).
7- التهذیب ( 1 : 457 - 1491 ) ، الوسائل ( 2 : 841 ) أبواب الدفن ب (19) ح (1).

ویجعل معه شی ء من تربة الحسین علیه السلام ،

______________________________________________________

وعن محفوظ الإسکاف ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت أن تدفن المیت فلیکن أعقل من ینزل فی قبره عند رأسه ، ولیکشف عن خدّه الأیمن حتی یفضی به إلی الأرض » (1) ومقتضی الروایتین أنه یستحب مع حلّ العقد إبراز الوجه والإفضاء بالخد إلی الأرض.

وروی ابن أبی عمیر فی الصحیح ، عن غیر واحد من أصحابه ، وعن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یشق الکفن من عند رأس المیت إذا أدخل قبره » (2) قال فی المعتبر : وهذه الروایة مخالفة لما علیه الأصحاب ، ولأن ذلک إفساد للمال علی وجه غیر مشروع (3). وقد یقال : إنّ مخالفة الخبر لما علیه الأصحاب لا یقتضی رده إذا سلم السند من الطعن. والإفساد غیر ضائر ، فإن الجمیع ضائع ، خصوصا مع إذن الشرع فیه.

وأجاب عنه فی الذکری : بإمکان أن یراد بالشق الفتح لیبدو وجهه ، فإن الکفن کان منضمّا ، قال : فعلی هذا فلا مخالفة ولا إفساد (4). وهو غیر بعید ، فإن مثل هذا الإطلاق مستعمل عند أهل العرف.

قوله : ویجعل معه شی ء من تربة الحسین علیه السلام .

ذکر ذلک الشیخان (5) ( ولم أقف لهما علی مأخذ سوی التبرک بها ، ولعلّه کاف فی

جعل شئ من تربة الحسین مع المیت

ص: 139


1- الکافی ( 3 : 195 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 317 - 923 ) ، الوسائل ( 2 : 843 ) أبواب الدفن ب (20) ح (4).
2- الکافی ( 3 : 196 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 317 - 921 ) ، وص ( 458 - 1493 ) ، الوسائل ( 2 : 842 ، 841 ) أبواب الدفن ب (19) ح ( 6 ، 2 ).
3- المعتبر ( 1 : 301 ).
4- الذکری : (66).
5- نقله عن الشیخ المفید فی السرائر : (33) ، والمعتبر ( 1 : 301 ) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 186 ) ، والنهایة : (38) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (167).

ویلقّنه ویدعو له ،

______________________________________________________

ذلک ) (1) واختلف قولهما فی موضع جعلها ، فقال المفید فی المقنعة : یوضع تحت خدّه (2). وقال الشیخ - رحمه الله - : تلقاء وجهه (3). وقیل : فی کفنه (4). قال فی المختلف : والکل عندی جائز ، لأن التبرک موجود فی الجمیع (5).

ونقل أنّ امرأة قذفها القبر مرارا لأنها کانت تزنی وتحرق أولادها ، وأن أمّها أخبرت الصادق علیه السلام بذلک فقال : « إنها کانت تعذب خلق الله بعذاب الله ، اجعلوا معها شیئا من تربة الحسین علیه السلام فاستقرّت » (6) قال الشیخ نجیب الدین فی درسه : یصلح أن یکون هذا متمسکا ، حکاه فی الذکری (7) ، وفیه ما فیه (8).

قوله : ویلقّنه ، ویدعو له.

یستحب لملحد المیت أن یلقّنه الشهادتین ، وأسماء الأئمة علیهم السلام ، ویدعو له ، والأخبار بذلک مستفیضة ، بل قال فی الذکری : إنها تکاد أن تبلغ التواتر (9). فروی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قال : « إذا وضعت المیت فی لحده فقل : بسم الله ، وفی سبیل الله ، وعلی ملة رسول الله صلی الله علیه و آله ، واقرأ آیة الکرسی ،

تلقین المیت

ص: 140


1- ما بین القوسین لیس فی « س ».
2- نقله عن المقنعة فی الذکری : (66).
3- الاقتصاد : (250).
4- کما فی الذکری : (66).
5- المختلف : (121).
6- المنتهی ( 1 : 461 ) ، الوسائل ( 2 : 742 ) أبواب التکفین ب (12) ح (2).
7- الذکری : (66).
8- فی « س » ، « ح » زیادة : ویدل علی استحباب جعل التربة مع المیت صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن جعفر الحمیری قال : کتبت إلی الفقیه أسأله عن طین القبر یوضع مع المیت فی قبره هل یجوز ذلک أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقیع ومنه نسخت : « یوضع مع المیت فی قبره ویخلط بحنوطه انّ شاء الله » وینبغی خلط الحنوط بالتربة کما تضمنته الروایة.
9- الذکری : (66).

ثم یشرج اللبن ،

______________________________________________________

واضرب بیدک علی منکبه الأیمن ثم قال : یا فلان ابن فلان قل : رضیت بالله ربّا ، وبالإسلام دینا ، وبمحمّد رسولا ، وبعلیّ إماما ، وتسمی إمام زمانه » (1).

وروی محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « إذا وضع المیت فی لحده فقل : بسم الله ، وفی سبیل الله ، وعلی ملة رسول الله صلی الله علیه و آله ، عبدک ابن عبدک نزل بک وأنت خیر منزول به ، اللهم افسح له فی قبره ، وألحقه بنبیه ، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خیرا وأنت أعلم به. فإذا وضعت علیه اللّبن فقل : اللهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، واسکن إلیه من رحمتک رحمة تغنیه عن رحمة من سواک. وإذا خرجت من قبره فقل : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ ) ، والحمد لله رب العالمین ، اللهم ارفع درجته فی أعلی علیین ، واخلف علی عقبه فی الغابرین ، یا ربّ العالمین » (2).

قوله : ثم یشرج اللبن.

أی : تنضده بالطین وشبهه علی وجه یمنع وصول التراب إلی المیت ، وقد أجمع الأصحاب علی استحبابه ، ورواه جماعة منهم إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ثم تضع الطین واللّبن ، فما دمت تضع الطین واللّبن تقول : اللهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، واسکن إلیه من رحمتک رحمة تغنیه بها عن رحمة من سواک ، فإنما رحمتک للظالمین » (3). وروی أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله لحد رجلا فرأی فرجة فسواها بیده ، ثم قال : « إذا عمل أحدکم عملا فلیتقن » (4).

شرج اللبن

ص: 141


1- الکافی ( 3 : 196 - 7 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 457 - 1490 ) ، الوسائل ( 2 : 844 ) أبواب الدفن ب (20) ح (6).
2- الکافی ( 3 : 196 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 316 - 920 ) ، الوسائل ( 2 : 845 ) أبواب الدفن ب (21) ح (2).
3- التهذیب ( 1 : 457 - 1492 ) ، الوسائل ( 2 : 847 ) أبواب الدفن ب (21) ح (6).
4- الکافی ( 3 : 262 - 45 ) ، الوسائل ( 2 : 883 ) أبواب الدفن ب (60) ح (1) بتفاوت یسیر.

ویخرج من قبل رجلی القبر ، ویهیل الحاضرون التراب بظهور الأکفّ قائلین ، إنّا لله وإنا إلیه راجعون ،

______________________________________________________

قوله : ویخرج من قبل رجلی القبر.

احتراما للمیت ، ولقول النبی صلی الله علیه و آله : « إنّ لکل بیت بابا ، وإن باب القبر من قبل الرجلین » (1) وقول الصادق علیه السلام : « من دخل القبر فلا یخرج إلا من قبل الرجلین » (2) وإطلاق الروایات یقتضی عدم الفرق بین الرجل والمرأة ، وبه قال أکثر الأصحاب.

وقال ابن الجنید : فی المرأة یخرج من عند رأسها (3) ، ولم نقف فیه علی أثر ولعله للبعد عن العورة.

قوله : ویهیل الحاضرون علیه التراب بظهور الأکفّ ، قائلین : إنّا لله وإنا إلیه راجعون.

قال فی القاموس : هال علیه التراب یهیل هیلا ، وإهالة فانهال ، وهیّله فتهیّل : صبّه فانصبّ (4).

ویدل علی استحباب الإهالة روایات کثیرة ، منها : حسنة داود بن النعمان ، قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام یقول : « ما شاء الله لا ما شاء الناس » فلمّا انتهی إلی القبر تنحی فجلس ، فلما ادخل المیت لحده قام فحثا علیه التراب ثلاث مرات بیده (5).

الخروج من قبل رجلی القبر
إهالة التراب بظهور الأکف

ص: 142


1- الکافی ( 3 : 193 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 316 - 918 ) ، الوسائل ( 2 : 849 ) أبواب الدفن ب (22) ح ( 4 ، 7 ).
2- الکافی ( 3 : 193 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 316 - 917 ) ، الوسائل ( 2 : 850 ) أبواب الدفن ب (23) ح (1).
3- نقله عنه فی المختلف : (121).
4- القاموس المحیط ( 4 : 73 ).
5- الکافی ( 3 : 198 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 854 ) أبواب الدفن ب (29) ح (1).

ویرفع القبر مقدار أربع أصابع ، ویربّع ،

______________________________________________________

وحسنة عمر بن أذینة ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام یطرح التراب علی المیت فیمسکه ساعة فی یده ثم یطرحه ، ولا یزید علی ثلاثة أکف ، قال : فسألته عن ذلک فقال : « یا عمر کنت أقول : إیمانا بک وتصدیقا ببعثک ، هذا ما وعدنا الله ورسوله - إلی قوله - : تسلیما ، هکذا کان یفعل رسول الله صلی الله علیه و آله ، وبه جرت السنة » (1).

وروایة السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا حثوت التراب علی المیت فقل : إیمانا بک وتصدیقا ببعثک ، هذا ما وعدنا الله ورسوله » قال : « وقال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : من حثا علی میت وقال هذا القول أعطاه الله بکل ذرة حسنة » (2).

وذکر الأصحاب استحباب کون الإهالة بظهور الأکف ، والترجیع فی تلک الحالة ، ولم أقف فیها علی أثر.

قوله : ویرفع القبر مقدار أربع أصابع ، ویربّع.

یدل علی ذلک مضافا إلی إجماع الأصحاب روایة محمد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن المیت ، فقال : « تسلّه من قبل الرجلین ، وتلزق القبر بالأرض إلاّ قدر أربع أصابع مفرجات ، وتربّع قبره » (3).

رفع القبر مقدار أربع أصابع

ص: 143


1- الکافی ( 3 : 198 - 4 ) ، الوسائل ( 2 : 854 ) أبواب الدفن ب (29) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 198 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 319 - 926 ) ، الوسائل ( 2 : 855 ) أبواب الدفن ب (29) ح (4).
3- الکافی ( 3 : 195 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 315 - 916 ) ، و ( 458 - 1494 ) ، الوسائل ( 2 : 848 ) أبواب الدفن ب (22) ح (2).

ویصب علیه الماء من قبل رأسه ، ثم یدور علیه ، فإن فضل من الماء شی ء ألقاه علی وسط القبر ،

______________________________________________________

قوله : ویصبّ علیه الماء من قبل رأسه ، ثم یدور علیه ، فإن فضل من الماء شی ء ألقاه علی وسط القبر.

لا خلاف فی استحباب رشّ القبر بالماء بعد الفراغ منه ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة ، منها : حسنة زرارة قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا فرغت من القبر فانضحه ، ثم ضع یدک عند رأسه وتغمز بیدک بعد النضح » (1).

وحسنة حمّاد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن أبی قال لی ذات یوم فی مرضه : یا بنیّ أدخل أناسا من قریش من أهل المدینة حتی أشهدهم ، قال : فأدخلت علیه أناسا منهم ، فقال : یا جعفر إذا أنا متّ فغسّلنی وکفّنّی وارفع قبری أربع أصابع ورشّه بالماء ، فلمّا خرجوا قلت : یا أبة لو أمرتنی بهذا صنعته ولم ترد أن ادخل علیک قوما تشهدهم؟ فقال : یا بنیّ أردت أن لا تنازع » (2).

وروایة ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رشّ الماء علی القبر ، قال : « یتجافی عنه العذاب ما دام الندی فی التراب » (3).

ومقتضی هذه الروایات إجزاء النضح کیف اتفق ، لکن الأولی فی کیفیته ما رواه موسی بن أکیل النمیری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « السنة فی رشّ الماء علی القبر أن یستقبل القبلة ویبدأ من عند الرأس إلی عند الرجل ، ثم یدور علی القبر من

صب الماء علی القبر

ص: 144


1- الکافی ( 3 : 200 - 8 ) ، الوسائل ( 2 : 859 ) أبواب الدفن ب (32) ح (4) ، بتفاوت یسیر.
2- الکافی ( 3 : 200 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 320 - 933 ) ، الوسائل ( 2 : 857 ) أبواب الدفن ب (31) ح (5).
3- الکافی ( 3 : 200 - 6 ) ، علل الشرائع : ( 307 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 859 ) أبواب الدفن ب (32) ح (2).

وتوضع الید علی القبر ، ویترحم علی المیت ، ویلقنه الولی بعد انصراف الناس بأرفع صوته ،

______________________________________________________

الجانب الآخر ، ثم یرش علی وسط القبر فذلک السنة » (1) ولا یخفی قصور العبارة عن تأدیة هذا المعنی.

قوله : وتوضع الید علی القبر ، ویترحم علی المیت.

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه محمد بن مسلم ، قال : کنت مع أبی جعفر علیه السلام فی جنازة رجل من أصحابنا فلمّا دفنوه قام علیه السلام إلی قبره فحثا علیه مما یلی رأسه ثلاثا بکفه ، ثم بسط کفّه علی القبر ، ثم قال : « اللهم جاف الأرض عن جنبیه ، واصعد إلیک روحه ، ولقّه منک رضوانا ، واسکن قبره من رحمتک ما تغنیه به عن رحمة من سواک » ثم مضی (2).

قوله : ویلقنه الولی بعد انصراف الناس بأرفع صوته.

هذا هو التلقین الثالث ، قال فی المعتبر : واستحبابه مذهب علمائنا أجمع ، وأنکر ذلک من سواهم من الفقهاء الأربعة (3).

ویدل علی ذلک أخبار کثیرة ، منها : ما رواه جابر بن یزید ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ما علی أحدکم إذا دفن میّته وسوی علیه وانصرف عن قبره أن یتخلّف عند قبره ثم یقول : یا فلان ابن فلان أنت علی العهد الذی عهدناک به من شهادة أنّ لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا رسول الله صلی الله علیه و آله ، وأنّ علیّا أمیر المؤمنین علیه السلام إمامک وفلان حتی یأتی علی آخرهم ، فإنه إذا فعل ذلک قال أحد الملکین

وضع الید علی القبر والترحم علی المیت
تلقین الولی المیت بعد انصراف الناس

ص: 145


1- التهذیب ( 1 : 320 - 931 ) ، الوسائل ( 2 : 859 ) أبواب الدفن ب (32) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 198 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 319 - 927 ) ، الوسائل ( 2 : 855 ) أبواب الدفن ب (29) ح (3).
3- المعتبر ( 1 : 303 ).

والتعزیة مستحبة ، وهی جائزة قبل الدفن وبعده ، ویکفی أن یراه صاحبها

______________________________________________________

لصاحبه : قد کفینا الوصول إلیه ومسألتنا إیاه فإنه قد لقّن ، فینصرفان عنه ولا یدخلان إلیه » (1).

ولم یتعرض المصنف لکیفیة وقوف الملقّن ، وقال ابن إدریس : إنه یستقبل القبلة والقبر (2). وقال أبو الصلاح ، وابن البراج ، والشیخ یحیی بن سعید : یستدبر القبلة ، والقبر أمامه (3). والکل حسن إنّ شاء الله ، لإطلاق الروایات المتناولة لذلک ولغیره.

قوله : والتعزیة مستحبة ، وهی جائزة قبل الدفن وبعده.

التعزیة تفعلة من العزاء وهو الصبر ، والمراد به : طلب التسلی عن المصاب بإسناد الأمر إلی الله تعالی ، ونسبته إلی عدله وحکمته ، وذکر ما أوعد الله علی الصبر ، مع الدعاء للمیت. وأقلّها أن یراه صاحب المصیبة. وقد أجمع العلماء کافة علی استحبابها ، وثوابها عظیم ، فعن الصادق علیه السلام أنه قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من عزّی حزینا کسی فی الموقف حلة یحبی بها » (4) وعنه صلی الله علیه و آله أنه قال : « من عزّی مصابا کان له مثل أجره من غیر أن ینقص من أجر المصاب شی ء » (5).

وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : « من عزّی الثکلی أظلّه الله فی ظلّ عرشه یوم لا ظلّ إلا ظلّه » (6).

التعزیة

ص: 146


1- التهذیب ( 1 : 459 - 1496 ) ، الوسائل ( 2 : 863 ) أبواب الدفن ب (35) ح (2).
2- السرائر : (33).
3- أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (239) ، وابن البراج فی المهذب ( 1 : 64 ) ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : (55).
4- الکافی ( 3 : 226 - 2 ) ، ثواب الأعمال : ( 235 - 2 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 872 ) أبواب الدفن ب (46) ح (4).
5- الکافی ( 3 : 205 ، 227 - 2 ، 4 ) ، قرب الاسناد : (72) ، ثواب الأعمال : ( 236 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 871 ) أبواب الدفن ب (46) ح (2).
6- الکافی ( 3 : 227 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 872 ) أبواب الدفن ب (46) ح (5).

ویکره فرش القبر بالساج إلا عند الضرورة ،

______________________________________________________

وقال أبو جعفر علیه السلام : « کان فیما ناجی به موسی ربه فقال : یا ربّ ما لمن عزّی الثکلی؟ قال : أظلّه فی ظلّی یوم لا ظلّ إلا ظلّی » (1).

وتجوز قبل الدفن وبعده ، لما رواه هشام بن الحکم فی الصحیح ، قال : رأیت موسی بن جعفر علیه السلام یعزی قبل الدفن وبعده (2). والأفضل کونها بعد الدفن عند الشیخ (3) والمصنف (4) وأکثر الأصحاب ، لما رواه ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « التعزیة لأهل المصیبة بعد ما یدفن » (5).

وذکر الشیخ فی المبسوط : أنه یکره الجلوس للتعزیة یومین وثلاثة إجماعا (6). ومنعه ابن إدریس وقال : أیّ کراهة فی جلوس الإنسان فی داره للقاء إخوانه والتسلیم علیهم واستجلاب الثواب لهم فی لقائه وعزائه (7). وهو حسن ، إلاّ أن یتضمن ذلک الجزع وترک الصبر فیکره لذلک.

قوله : ویکره فرش القبر بالساج إلا عند الضرورة.

أمّا الکراهة مع انتفاء الضرورة فلأنه إتلاف للمال غیر مأذون فیه من الشرع فیکون مرجوحا ، وأمّا انتفاء الکراهة مع الضرورة فلما رواه علی بن محمد القاسانی قال : کتب

- مکروهات الدفن

فرش القبر بالساج

ص: 147


1- الکافی ( 3 : 226 - 1 ) ، ثواب الأعمال : (231) ، الوسائل ( 2 : 871 ) أبواب الدفن ب (46) ح (3).
2- الکافی ( 3 : 205 - 9 ) ، الفقیه ( 1 : 110 - 503 ) ، التهذیب ( 1 : 463 - 1516 ) ، الإستبصار ( 1 : 217 - 769 ) ، الوسائل ( 2 : 873 ) أبواب الدفن ب (47) ح (1).
3- الخلاف ( 1 : 297 ).
4- المعتبر ( 1 : 342 ).
5- الکافی ( 3 : 204 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 463 - 1512 ) ، الإستبصار ( 1 : 217 - 770 ) ، الوسائل ( 2 :873 ) أبواب الدفن ب (48) ح (1).
6- المبسوط ( 1 : 189 ).
7- السرائر : (34).

وأن یهیل ذو الرحم علی رحمه ،

______________________________________________________

علیّ بن بلال إلی أبی الحسن علیه السلام : أنّه ربما مات المیّت عندنا وتکون الأرض ندیّة فنفرش القبر بالساج أو نطبق علیه فهل یجوز ذلک؟ فکتب : « ذلک جائز » (1).

قال فی الذکری (2) : أمّا وضع الفرش علیه والمخدّة فلا نصّ فیه ، نعم روی ابن عباس من طرقهم أنه جعل فی قبر النبیّ صلی الله علیه و آله قطیفة حمراء (3).

قلت : وقد روی الکلینی - رحمه الله - بسنده إلی یحیی بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام نحو ذلک ، فإنه قال : « ألقی شقران مولی رسول الله صلی الله علیه و آله فی قبره القطیفة » (4).

قوله : وأن یهیل ذو الرحم علی رحمه.

ذکر ذلک الشیخان (5) وأتباعهما (6) ، قال فی المعتبر : وعلیه فتوی الأصحاب (7). ویدل علیه موثقة عبید بن زرارة ، قال : مات لبعض أصحاب أبی عبد الله علیه السلام ولد ، فحضر أبو عبد الله علیه السلام فلمّا الحد تقدم أبوه فطرح علیه التراب فأخذ أبو عبد الله علیه السلام بکفّیه وقال : « لا تطرح علیه التراب ، ومن کان منه ذا رحم فلا یطرح علیه التراب ، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله نهی أن یطرح الوالد أو ذو رحم علی میّته التراب » فقلنا : یا بن رسول الله ، أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال : « أنها کم أن

إهالة ذی الرحم علی رحمه

ص: 148


1- الکافی ( 3 : 197 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 456 - 1488 ) ، الوسائل ( 2 : 853 ) أبواب الدفن ب (27) ح (1).
2- الذکری : (66).
3- السیرة النبویة لابن کثیر ( 4 : 534 ).
4- الکافی ( 3 : 197 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 853 ) أبواب الدفن ب (27) ح (2).
5- المفید فی المقنعة : (12) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 187 ) ، والنهایة : (39).
6- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 65 ) ، وسلار فی المراسم : (51) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (68).
7- المعتبر ( 1 : 300 ).

وتجصیص القبور

______________________________________________________

تطرحوا التراب علی ذوی أرحامکم ، فإن ذلک یورث القسوة فی القلب ومن قسا قلبه بعد من ربه » (1).

قوله : وتجصیص القبور.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، قاله ( الشیخ فی المبسوط (2) والعلامة ) (3) فی التذکرة (4) ، ویدل علیه ما رواه علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن البناء علی القبر والجلوس علیه هل یصلح؟ فقال : « لا یصلح البناء علی القبر ولا الجلوس ، ولا تجصیصه ، ولا تطیینه » (5).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی کراهة التجصیص بین وقوعه ابتداء أو بعد الاندراس ، وقال الشیخ (6) - رحمه الله - : لا بأس بالتجصیص ابتداء ، وإنما المکروه إعادتها بعد اندراسها ، لما روی من أنّ الکاظم علیه السلام أمر بعض موالیه بتجصیص قبر ابنة له ماتت بفید وهو قاصد إلی المدینة ، وکتابة اسمها علی لوح ، وجعله فی القبر (7). وسند الروایتین قاصر.

تجصیص القبور

ص: 149


1- الکافی ( 3 : 199 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 319 - 928 ) ، علل الشرائع : ( 304 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 855 ) أبواب الدفن ب (30) ح (1).
2- المبسوط ( 1 : 187 ).
3- ما بین القوسین من « ح ».
4- التذکرة ( 1 : 56 ).
5- التهذیب ( 1 : 461 - 1503 ) ، الإستبصار ( 1 : 217 - 767 ) ، الوسائل ( 2 : 869 ) أبواب الدفن ب (44) ح (1).
6- المبسوط ( 1 : 187 ) ، والنهایة : (44).
7- الکافی ( 3 : 202 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 461 - 1501 ) ، الإستبصار ( 1 : 217 - 768 ) ، الوسائل ( 2 : 864 ) أبواب الدفن ب (37) ح (2). وفید : منزل بطریق مکة ( الصحاح 2 : 521 ).

وتجدیدها ،

______________________________________________________

وکیف کان فیستثنی من ذلک قبور الأنبیاء والأئمة علیهم السلام ، لإطباق الناس علی البناء علی قبورهم من غیر نکیر ، واستفاضة الروایات بالترغیب فی ذلک ، بل لا یبعد استثناء قبور العلماء والصلحاء أیضا ، استضعافا لخبر المنع ، والتفاتا إلی أنّ فی ذلک تعظیما لشعائر الإسلام ، وتحصیلا لکثیر من المصالح الدینیة کما لا یخفی.

قوله : وتجدیدها.

أی بعد اندراسها. والمستند ما روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال : « من جدّد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج من الإسلام » (1).

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : واختلف مشایخنا فی معنی هذا الخبر فقال محمد بن الحسن الصفّار : هو جدّد بالجیم لا غیر ، وکان شیخنا محمّد بن الحسن بن الولید یحکی عنه أنّه قال : لا یجوز تجدید القبر ولا تطیین جمیعه بعد مرور الأیام وبعد ما طیّن فی الأوّل ، ولکن إذا مات میت فطیّن قبره ، فجائز أن یرمّ سائر القبور من غیر أن تجدّد. وذکر عن سعد بن عبد الله أنه کان یقول : إنما هو من حدّد قبرا بالحاء غیر المعجمة یعنی به : من سنّم قبرا. وذکر عن أحمد بن أبی عبد الله البرقی أنه قال : إنما هو جدّث قبرا ، وتفسیر الجدث بالقبر فلا ندری ما عنی به. والذی أذهب إلیه أنه جدّد بالجیم ومعناه : نبش قبرا ، لأن من نبش قبرا فقد جدّده ، وأحوج إلی تجدیده ، وقد جعله جدثا محفورا.

وأقول : إنّ التجدید علی المعنی الذی ذهب إلیه محمد بن الحسن الصفّار ، والتحدید بالحاء غیر المعجمة الذی ذهب إلیه سعد بن عبد الله ، والذی ذهب إلیه البرقی کلّه داخل فی معنی الحدیث ، وإن من خالف الإمام علیه السلام فی التجدید والتسنیم

تجدید القبور

ص: 150


1- الفقیه ( 1 : 120 - 579 ) ، التهذیب ( 1 : 459 - 1497 ) ، الوسائل ( 2 : 868 ) أبواب الدفن ب (43) ح (1).

ودفن میتین فی قبر واحد ،

______________________________________________________

والنبش واستحلّ شیئا من ذلک فقد خرج من الإسلام (1). هذا کلامه - رحمه الله . وفیه نظر من وجوه.

ولقد أحسن المصنف فی المعتبر حیث قال : وهذا الخبر رواه محمّد بن سنان ، عن أبی الجارود ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن علیّ علیه السلام ، ومحمّد بن سنان ضعیف ، وکذا أبو الجارود فإذا الروایة ساقطة فلا ضرورة إلی التشاغل بتحقیق متنها (2).

قوله : ودفن میتین فی قبر واحد.

لقولهم علیهم السلام : « لا یدفن فی قبر واحد اثنان » نقله الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط مرسلا (3). ومع الضرورة تزول الکراهة قطعا ، وقد روی عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنه قال للأنصار یوم أحد : « احفروا وأوسعوا وعمّقوا واجعلوا الاثنین والثلاثة فی القبر الواحد » (4).

هذا إذا دفنا ابتداء ، أمّا إذا دفن أحدهما ثم أرید نبشه ودفن آخر فیه فقال فی المبسوط بکراهته أیضا (5) ، وقیل بالمنع ، لتحریم النبش ، ولأنّ القبر صار حقا للأول بدفنه فیه فلم یجز مزاحمة الثانی (6).

ویرد علی الأول : أنّ الکلام فی إباحة الدفن نفسه لا النبش ، وأحدهما غیر الآخر.

وعلی الثانی : أنّا لا نسلّم ثبوت حق للأوّل فی ذلک المحل ینافی دفن الثانی فیه.

دفن میتین فی قبر واحد

ص: 151


1- الفقیه ( 1 : 120 ).
2- المعتبر ( 1 : 304 ).
3- المبسوط ( 1 : 187 ).
4- مسند أحمد بن حنبل ( 4 : 19 ) ، سنن ابن ماجة ( 1 : 497 - 1560 ) ، سنن النسائی ( 4 : 83 ).
5- المبسوط ( 1 : 187 ).
6- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 62 ).

وأن ینقل المیت من بلد إلی آخر إلا إلی أحد المشاهد ، وأن یستند إلی قبر أو یمشی علیه.

______________________________________________________

هذا کلّه فی غیر السّرب (1) ، أمّا فیه فیجوز مطلقا ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق.

قوله : وأن ینقل المیت من بلد إلی آخر إلا إلی أحد المشاهد.

أمّا کراهة نقل المیت إلی غیر بلد موته فی غیر المشاهد المشرفة فقال فی المعتبر : إنّ علیه العلماء أجمع ، واستدل علیه بقول النبی صلی الله علیه و آله : « عجّلوهم إلی مضاجعهم » (2) وهو دلیل علی الاقتصار علی المواضع القریبة المعهودة بالدفن (3).

وأما جواز النقل إلی المشاهد المشرفة بل استحبابه ، فقال : إنه مذهب علمائنا خاصة قال : وعلیه عمل الأصحاب من زمن الأئمة علیهم السلام إلی الآن ، وهو مشهور بینهم لا یتناکرونه ، ولأنه یقصد بذلک التمسک بمن له أهلیة الشفاعة ، وهو حسن فی الأحیاء توصّلا إلی فوائد الدنیا ، فالتوصل إلی فوائد الآخرة ، أولی. وهو جیّد ، لانتفاء المعارض.

قال فی الذکری : ولو کان هناک مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء استحب النقل إلیها أیضا لیناله برکتهم (4). ولا بأس به.

قوله : وأن یستند إلی قبر أو یمشی علیه.

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، بل قال الشیخ فی الخلاف : إنه قول العلماء أجمع (5) ، واستدلّ بقوله علیه السلام : « لإن یجلس أحدکم علی جمر فیحرق ثیابه

نقل المیت إلی بلد آخر
الاستناد إلی القبر والمشی علیه

ص: 152


1- السّرب : بیت فی الأرض ( الصحاح 1 : 147 ).
2- الکافی ( 3 : 137 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 85 - 389 ) ، التهذیب ( 1 : 427 - 1359 ) ، الوسائل ( 2 : 674 ) أبواب الاحتضار ب (47) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 307 ).
4- الذکری : (65).
5- الخلاف ( 1 : 287 ).

الخامس : فی اللواحق ، وهی مسائل أربع :

الاولی : لا یجوز نبش القبور ،

______________________________________________________

فتصل النار إلی بدنه أحبّ إلیّ من أن یجلس علی قبر » (1) وبقول الکاظم علیه السلام : « لا یصلح البناء علی القبر ولا الجلوس » (2).

ویتوجّه علیه أنّ النهی فی هاتین الروایتین إنما تعلّق بالجلوس خاصّة فینبغی قصر الکراهة علیه ، مع أن ابن بابویه - رحمه الله - روی فی کتابه مرسلا عن الکاظم علیه السلام أنه قال : « إذا دخلت المقابر فطأ القبور ، فمن کان مؤمنا استراح ومن کان منافقا وجد ألمه » (3) وحمله الشهید - رحمه الله - فی الذکری علی القاصد زیارتهم بحیث لا یتوصل إلی قبر إلاّ بالمشی علی آخر (4). وهو یتوقف علی المعارض.

قوله : الخامس : فی اللواحق ، وهی مسائل أربع ، الاولی : لا یجوز نبش القبور.

لا ریب فی تحریم النبش ، لأنه مثلة بالمیت وهتک له ، قال فی المعتبر : وعلی تحریم نبشه إجماع المسلمین إلاّ فی صور نذکرها ، وعدّ أربعا :

الأولی : إذا وقع فی القبر ما له قیمة فإنه یجوز نبشه لأخذه صیانة للمال عن الإضاعة.

الثانیة : إذا غصبت أرض ودفن فیها فلمالکها قلعه ، لأنه عدوان فیجب إزالته ، وکذا لو کفّن فی الثوب المغصوب.

- لواقح

حرمة نبش القبور

ص: 153


1- سنن البیهقی ( 4 : 79 ) ، بتفاوت یسیر.
2- التهذیب ( 1 : 461 - 1503 ) ، الإستبصار ( 1 : 217 - 767 ) ، الوسائل ( 2 : 869 ) أبواب الدفن ب (44) ح (1).
3- الفقیه ( 1 : 115 - 539 ) ، الوسائل ( 2 : 885 ) أبواب الدفن ب (62) ح (1).
4- الذکری : (69).

ولا نقل الموتی بعد دفنهم ،

______________________________________________________

الثالثة : لو دفن ولم یغسّل ، قال الشافعی : نبش وغسّل وصلی علیه إذا لم یخش فساده فی نفسه. وقال الشیخ فی الخلاف : لا ینبش ، وهو الوجه ، لأنّ النبش مثلة فلا یستدرک الغسل بالمثلة.

الرابعة : لو دفن ولم یکفّن ولم یصلّ علیه ، فالوجه أنّه لا ینبش ، لأن الصلاة تستدرک بالصلاة علی قبره ، والکفن أغنی عنه الدفن ، لحصول الستر به (1). هذا کلامه - رحمه الله .

والذی یظهر قوّة ما ذهب إلیه الشافعی من وجوب النبش لاستدراک الغسل والتکفین إذا لم یخش فساد المیت ، لتوقف الواجب علیه ، والمثلة مع عدم خوف الفساد لم یثبت کونها مسقطة لذلک.

قوله : ولا نقل الموتی بعد دفنهم.

هذا قول الشیخ (2) وأکثر الأصحاب ، قال الشیخ - رحمه الله - : وقد ورد روایة بجواز نقله إلی بعض مشاهد الأئمة علیهم السلام سمعناها مذاکرة ، والأصل ما ذکرناه (3). وقال ابن إدریس : لا یجوز نقله ، وهو بدعة فی شریعة الإسلام ، سواء کان النقل إلی مشهد أو غیره (4). وجعله ابن حمزة مکروها (5) ، وقال ابن الجنید : لا بأس بتحویل الموتی من الأرض المغصوبة علیها ، ولصلاح یراد بالمیت (6).

ولم أقف للمانعین من النقل علی مستند سوی توقفه علی النبش المحرّم ، واستدعائه الهتک.

حرمة نقل الموتی بعد الدفن

ص: 154


1- المعتبر ( 1 : 308 ).
2- النهایة : (44).
3- النهایة : (44).
4- السرائر : (34).
5- الوسیلة : (69).
6- نقله عنه فی المختلف : (123). وفیه : المغصوب علیها.

ولا شقّ الثوب علی غیر الأب والأخ.

الثانیة : الشهید یدفن بثیابه ، وینزع عنه الخفّان أصابهما الدم أو لم یصبهما علی الأظهر ، ولا فرق بین أن یقتل بحدید أو بغیره.

______________________________________________________

ویرد علی الأول : أنه خروج عن موضع النزاع ، مع أنّ النبش قد یتحقق بغیر فعل المکلف ، أو بفعله خطأ أو نسیانا.

وعلی الثانی : إجمال الصغری وعدم کلیّة الکبری ، والأصل یقتضی الجواز إلی أن یثبت دلیل المنع.

قوله : ولا شقّ الثوب علی غیر الأب والأخ.

أی : ولا یجوز شقّ الثوب علی غیر الأب والأخ. أمّا علیهما فیجوز ، وعلی ذلک فتوی الأصحاب. وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین الرجل والمرأة ، وقیل بجواز ذلک للنساء مطلقا (1) ، وهو اختیار العلاّمة فی النهایة (2) ، وفی روایة الحسن الصیقل : « لا ینبغی الصیاح علی المیت ولا شقّ الثیاب » (3) وهو ظاهر فی الکراهة ، ومقتضی الأصل الجواز إن لم یثبت النهی عن إضاعة المال علی وجه العموم.

قوله : الثانیة ، الشهید یدفن بثیابه ، وینزع عنه الخفّان ، أصابهما الدم أو لم یصبهما علی الأظهر.

أجمع العلماء کافة علی أنّ الشهید یدفن مع جمیع ثیابه أصابها الدم أو لم یصبها ، والأصل فیه قول النبیّ صلی الله علیه و آله : « ادفنوهم بثیابهم » (4) وقول الصادق علیه

حرمة شق الثوب
- حکم الشهید

ص: 155


1- کما فی الذکری : (72) ، والبیان : (32).
2- نهایة الأحکام ( 1 : 290 ).
3- الکافی ( 3 : 225 - 8 ) ، الوسائل ( 2 : 916 ) أبواب الدفن ب (84) ح (2) ، وفیهما : عن امرأة الحسن الصیقل. وهو الصحیح ( راجع معجم رجال الحدیث 23 : 3. وج 5 : 164 ).
4- دعائم الإسلام ( 1 : 229 - 6 ) بتفاوت یسیر ، مستدرک الوسائل ( 2 : 178 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (2) ، مسند أحمد بن حنبل ( 1 : 247 ) ، سنن البیهقی ( 4 : 14 ).

______________________________________________________

السلام فی روایة أبان بن تغلب وقد سأله عن الشهید : « یدفن کما هو فی ثیابه » (1).

وما رواه زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال ، قلت له : کیف رأیت ، الشهید یدفن بدمائه؟ قال : « نعم فی ثیابه بدمائه » ثم قال : « دفن رسول الله صلی الله علیه و آله عمّه حمزة فی ثیابه بدمائه التی أصیب فیها ، وزاده النبیّ بردا فقصر عن رجلیه فدعی له بإذخر (2) فطرحه علیه » (3).

واختلف الأصحاب فیما یجب نزعه عنه ، فقال الشیخ فی الخلاف : لا ینزع عنه إلاّ الجلود (4). وقال فی المبسوط : یدفن معه جمیع ما علیه إلاّ الخفّین (5). وقال المفید فی المقنعة : ینزع عنه السراویل والفرو والقلنسوة إذا لم یصبها دم ، فإن أصابها دم دفنت معه (6). وهو روایة عمرو بن خالد ، عن زید بن علیّ ، عن آبائه علیهم السلام (7).

والمعتمد وجوب نزع ما لم یصدق علیه اسم الثوب ، لأنّ دفن ما عدا الثیاب تضییع لم یعتبره الشرع. وإنما یحصل الإشکال فی الثوب المعمول من الجلد ، من صدق التسمیة ، ومن أنّ المعهود فی العرف من الثیاب المنسوجة ، فینصرف إلیها الإطلاق.

ص: 156


1- الکافی ( 3 : 210 - 1 ) ، الفقیه ( 1 : 97 - 447 ) ، التهذیب ( 1 : 331 - 969 ) ، الإستبصار ( 1 : 214 - 755 ) ، الوسائل ( 2 : 700 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (7).
2- الإذخر : حشیش طیّب الریح أطول من الثیل ( لسان العرب 4 : 303 ).
3- الکافی ( 3 : 211 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 331 - 970 ) ، الاستبصار ( 1 : 214 - 756 ) ، بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 700 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (8).
4- الخلاف ( 1 : 288 ).
5- المبسوط ( 1 : 181 ).
6- المقنعة : (12).
7- الکافی ( 3 : 211 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 97 - 449 ) ، التهذیب ( 1 : 332 - 972 ) ، الوسائل ( 2 : 701 ) أبواب غسل المیت ب (14) ح (10).

الثالثة : حکم الصبیّ والمجنون إذا قتلا شهیدین حکم البالغ العاقل.

الرابعة : إذا مات ولد الحامل قطع واخرج ،

______________________________________________________

قوله : الثالثة ، حکم الصبیّ والمجنون إذا قتلا شهیدین حکم البالغ العاقل.

الوجه فی ذلک التمسک بإطلاق اللفظ ، وما روی من أنّه کان فی قتلی بدر وأحد أطفال کحارثة بن النعمان وعمر بن أبی وقّاص (1) ، وقتل مع الحسین علیه السلام ولده الرضیع ، ولم ینقل فی ذلک کلّه غسل.

قوله : الرابعة ، إذا مات ولد الحامل قطّع واخرج.

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل فیه الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف الإجماع (2) ، واستدل علیه بروایة وهب بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی المرأة یموت فی بطنها الولد فیتخوّف علیها ، قال : لا بأس أن یدخل الرجل یده فیقطعه ویخرجه إذا لم ترفق به النساء » (3).

قال المصنف فی المعتبر : ووهب هذا عامیّ ضعیف لا یعمل بما یتفرد به ، والوجه أنه إن أمکن التوصّل إلی إسقاطه صحیحا بشی ء من العلاجات ، وإلاّ توصّل إلی إخراجه بالأرفق فالأرفق ، ویتولّی ذلک النساء ، فإن تعذّر النساء فالرجال المحارم ، فإن تعذّر جاز أن یتولاّه غیرهم دفعا عن نفس الحیّ (4). وهو حسن ، والروایة لا تنافی ذلک (5).

- تقطیع الحمل وإخراجه إذا مات

ص: 157


1- طبقات ابن سعد ( 2 : 18 ) ، أعلام الوری : ( 77 ، 78 ).
2- الخلاف ( 1 : 297 ).
3- الکافی ( 3 : 155 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 344 - 1008 ) ، قرب الإسناد : (64) ، الوسائل ( 2 : 673 ) أبواب الاحتضار ب (46) ح (3).
4- المعتبر ( 1 : 316 ).
5- دفع بهذا الکلام توهم المصنف فی المعتبر منافاة ذلک لإطلاق الروایة ، کما هو مستفاد من کلامه.

وإن ماتت هی شقّ جوفها وانتزع ، وخیط الموضع.

______________________________________________________

قوله : وان ماتت هی شقّ جوفها من الجانب الأیسر وانتزع وخیط الموضع.

إذا ماتت الامّ وبقی الولد فی جوفها حیّا علی الیقین فالمشهور بین الأصحاب أنه یجب شقّ جوفها وإخراجه ، توصّلا إلی بقاء الحیّ ، ولا عبرة بکونه ممّا یعیش عادة کما نصّ علیه المصنف (1) وغیره (2) ، تمسکا بالإطلاق. نعم لو علم موته حال القطع انتفی وجوبه.

وقد ورد بذلک روایات ، منها : صحیحة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن المرأة تموت وولدها فی بطنها یتحرک ، قال : « یشق عن الولد » (3).

وإطلاق الروایات یقتضی عدم الفرق فی الجانب بین الأیمن والأیسر. وقیّده الشیخان فی المقنعة والنهایة وابن بابویه بالأیسر (4) ، ولا أعرف وجهه. وأمّا خیاطة المحل بعد القطع فقد نص علیه المفید فی المقنعة ، والشیخ فی المبسوط (5) ، وأتباعهما (6) ، وهو روایة ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة (7) ، وردّها المصنف فی المعتبر بالقطع ، وبأنه لا ضرورة إلی ذلک ، فإنّ المصیر إلی البلاء (8). وهو حسن ، لکن الخیاطة أولی ، لما فیها من ستر المیت وحفظه عن التبدّد ، وهو أولی من وضع القطن علی الدبر.

شق بطن الحامل واخراج الحمل إذا ماتت

ص: 158


1- المعتبر ( 1 : 316 ).
2- کالشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 15 ).
3- التهذیب ( 1 : 343 - 1004 ) ، الوسائل ( 2 : 674 ) أبواب الاحتضار ب (46) ح (6).
4- المقنعة : (13) ، والنهایة : (42) ، والفقیه ( 1 : 97 ).
5- المقنعة : (13) ، والمبسوط ( 1 : 180 ).
6- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 55 ) ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : (49).
7- التهذیب ( 1 : 344 - 1007 ) ، الوسائل ( 2 : 674 ) أبواب الاحتضار ب (46) ح (7).
8- المعتبر ( 1 : 316 ).

وأما الأغسال المسنونة ، فالمشهور منها ثمانیة وعشرون غسلا :

ستة عشر للوقت :

وهی غسل یوم الجمعة ،

______________________________________________________

قوله : وأما الأغسال المسنونة فالمشهور منها ثمانیة وعشرون غسلا :

استحباب هذه الأغسال مشهور فی الأخبار وکلام الأصحاب ، وقد ورد فی بعض الأخبار استحباب الغسل لغیر ذلک (1) وذکر الشهید - رحمه الله - فی النفلیّة أنها خمسون (2).

قوله : وهی : غسل الجمعة.

أجمع العلماء کافة علی مشروعیة غسل الجمعة ورجحانه ، وإنما الخلاف بینهم فی استحبابه ووجوبه ، فذهب الأکثر إلی الاستحباب ، وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : وغسل یوم الجمعة واجب علی الرجال والنساء فی السفر والحضر ، إلاّ أنه رخّص للنساء فی السفر لقلّة الماء ، ثم قال بعد ذلک : وغسل یوم الجمعة سنة واجبة (3).

والمعتمد الاستحباب ، لنا : أصالة البراءة ممّا لم یقم دلیل علی وجوبه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الغسل فی الجمعة ، والأضحی ، والفطر ، قال : « سنّة ولیس بفریضة » (4).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن غسل

الأغسال المسنونة

- أغسال الوقت

غسل الجمعة

ص: 159


1- الوسائل (2) أبواب الأغسال المسنونة ب ( 19 ، 22 ، 26 ، 30 ).
2- النفلیة : (8).
3- الفقیه ( 1 : 61 ).
4- التهذیب ( 1 : 112 - 295 ) ، الإستبصار ( 1 : 102 - 333 ) ، الوسائل ( 2 : 944 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (9).

______________________________________________________

الجمعة ، فقال : « سنّة فی السفر والحضر إلاّ أن یخاف المسافر علی نفسه القرّ » (1) والمفهوم فی اللغة والعرف من السنّة المستحب ، ومن الفریضة الواجب. وحمل السنّة هنا علی ما ثبت بالسنّة بعید جدّا ، إذ السؤال إنما وقع عن تحتّم فعله وعدمه ، لا عن مأخذ حکمه کما هو ظاهر.

احتج ابن بابویه بحسنة عبد الله بن المغیرة ، عن أبی الحسن الرّضا علیه السلام ، قال : سألته عن الغسل یوم الجمعة ، فقال : « واجب علی کلّ ذکر وأنثی من عبد أو حرّ » (2).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الغسل واجب یوم الجمعة » (3).

وصحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الغسل یوم الجمعة علی الرجال والنساء فی الحضر ، وعلی الرجال فی السفر » (4).

والجواب عن الروایتین الأولیین منع الدلالة ، لعدم ثبوت کون الوجوب حقیقة شرعیة فی المعنی المصطلح علیه بین الفقهاء والأصولیین ، ولإن سلّمنا ذلک فلا نسلّم إرادته هنا ، لاقتضائه التنافی بین الأخبار ، فیتعیّن حمله علی الاستحباب جمعا بین الأدلّة ، وکذا الکلام فی الروایة الثالثة.

ومع ذلک فالاحتیاط للدین یقتضی المواظبة علی هذه السنة الأکیدة وعدم ترکها

ص: 160


1- التهذیب ( 1 : 112 - 296 ) ، الإستبصار ( 1 : 102 - 334 ) ، الوسائل ( 2 : 945 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (10).
2- الکافی ( 3 : 41 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 111 - 291 ) ، الإستبصار ( 1 : 103 - 336 ) ، الوسائل ( 2 : 943 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (3).
3- الکافی ( 3 : 417 - 4 ) ، الوسائل ( 2 : 943 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (5).
4- الکافی ( 3 : 42 - 3 ) ، ( 417 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 943 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (1).

ووقته ما بین طلوع الفجر إلی زوال الشمس ، وکلّما قرب من الزوال کان أفضل ،

______________________________________________________

بحال ، للحثّ العظیم علی فعلها ، وکثرة اللوم والتعنیف علی إهمالها وترکها ، فقد روی عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « غسل یوم الجمعة طهر وکفّارة لما بینهما من الذنوب من الجمعة إلی الجمعة » (1).

وعن الکاظم علیه السلام أنّه قال : « إنّ الله تعالی أتمّ صلاة الفریضة بصلاة النافلة ، وأتمّ صیام الفریضة بصیام النافلة ، وأتمّ وضوء الفریضة بغسل الجمعة ما کان فی ذلک من سهو أو تقصیر أو نقصان » (2).

وعن الأصبغ قال : کان أمیر المؤمنین علی علیه السلام إذا أراد أن یوبّخ الرّجل یقول له : « والله لأنت أعجز من تارک الغسل یوم الجمعة ، فإنه لا یزال فی طهر إلی یوم الجمعة الأخری » (3) والأخبار فی ذلک أکثر من أن تحصی (4).

قوله : ووقته ما بین طلوع الفجر إلی زوال الشمس ، وکلّما قرب من الزوال کان أفضل.

أمّا أن أوّل وقته طلوع الفجر فیدل علیه أنّ الغسل وقع مضافا إلی الیوم وهو یتحقق بطلوع الفجر ، ویؤیّده ما رواه زرارة والفضیل فی الصحیح قالا ، قلنا : أیجزی إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ قال : « نعم » (5).

وقت غسل الجمعة

ص: 161


1- الفقیه ( 1 : 61 - 239 ) ، الوسائل ( 2 : 945 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (14).
2- الکافی ( 3 : 42 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 111 - 293 ) ، ( 366 - 1111 ) ، المحاسن : ( 313 - 30 ) ، علل الشرائع : ( 285 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 944 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (7).
3- الکافی ( 3 : 42 - 5 ) ، التهذیب ( 3 : 9 - 30 ) ، المقنعة : (26) ، علل الشرائع : ( 285 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 947 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (7) ح (2).
4- الوسائل ( 2 : 943 ) أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ، وص (947) ب (7).
5- الکافی ( 3 : 418 - 8 ) ، التهذیب ( 3 : 236 - 621 ) ، السرائر : 480 ، الوسائل 2 : 950 أبواب الأغسال المسنونة ب (11) ح (1).

ویجوز تعجیله یوم الخمیس لمن خاف عوز الماء ،

______________________________________________________

وأمّا اختصاصه بما قبل الزوال فقال فی المعتبر : إنّ علیه إجماع الناس (1). ویدل علیه حسنة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « لا تدع الغسل یوم الجمعة فإنّه سنّة ، وشمّ الطیب ، والبس صالح ثیابک ، ولیکن فراغک من الغسل قبل الزوال ، فإذا زالت فقم وعلیک السکینة والوقار » (2).

وقال الشیخ فی الخلاف : یمتدّ إلی أن یصلّی الجمعة (3). وهو حسن ، تمسّکا بمقتضی الإطلاق ، والتفاتا إلی أنّ ذلک محصّل للغرض المطلوب من الغسل ، وحملا للأمر بإیقاعه قبل الزوال فی الروایة السابقة علی ( تأکد ) (4) الاستحباب ( کما فی الأوامر المتقدمة علیه والمتأخرة عنه ) (5).

وأما أنه کلّما قرب من الزوال کان أفضل فعلل بتأکد الغرض ، ولا یخفی ما فیه.

قوله : ویجوز تعجیله یوم الخمیس لمن خاف عوز الماء.

المستند فی ذلک ما رواه أحمد بن محمد ، عن الحسین بن موسی ، عن امّه ، وأمّ أحمد بن موسی بن جعفر ، قالتا : کنّا بالبادیة ونحن نرید بغداد ، فقال لنا یوم الخمیس : « اغتسلا الیوم لغد یوم الجمعة ، فإنّ الماء غدا بها قلیل » فاغتسلنا یوم الخمیس لیوم الجمعة (6).

وما رواه محمد بن الحسین ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه قال

جواز تعجیله یوم الخمیس

ص: 162


1- المعتبر 1 : 354.
2- الکافی 3 : 417 - 4 ، الوسائل 2 : 943 أبواب الأغسال المسنونة ب (6) ح (5).
3- الخلاف 1 : 242.
4- لیست فی « ق » ، « م ».
5- ما بین القوسین لیس فی « س ».
6- الکافی 3 : 42 - 6 ، الفقیه 1 : 61 - 227 ، التهذیب 1 : 365 - 1110 ، الوسائل 2 : 949 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ح 2.

وقضاؤه یوم السبت ،

______________________________________________________

لأصحابه : « إنّکم تأتون غدا منزلا لیس فیه ماء فاغتسلوا الیوم لغد » فاغتسلنا یوم الخمیس للجمعة (1).

وجوّز الشیخ - رحمه الله - التقدیم مع خوف الفوات مطلقا (2) ، واختاره جدّی - قدس سره - فی أکثر کتبه (3) ، ومستنده غیر واضح ، ولو لا ما اشتهر من التسامح فی أدلّة السنن لأمکن المناقشة فی هذا الحکم من أصله ، لضعف مستنده.

والظاهر أنّ لیلة الجمعة کیوم الخمیس فلا یجوز تقدیمه فیها إلاّ إذا خاف عوز الماء ، وبه قطع فی الخلاف مدّعیا علیه الإجماع (4).

ولو تمکّن من قدّم غسله یوم الخمیس من الإتیان به یوم الجمعة استحب له ذلک ، کما صرح به الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (5) ، وغیره (6) ، تمسکا بالإطلاق.

قوله : وقضاؤه یوم السبت.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین کون الفوات عمدا ونسیانا ، لعذر وغیره ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (7) ، وقال ابن بابویه فی کتابه : ومن نسی الغسل أو فاته

جواز قضائه یوم السبت

ص: 163


1- التهذیب 1 : 365 - 1109 ، الوسائل 2 : 948 أبواب الأغسال المسنونة ب 9 ج 1.
2- الخلاف 1 : 242 ، والمبسوط 1 : 40.
3- المسالک 1 : 15 ، وروض الجنان : 17.
4- الخلاف 1 : 242.
5- الفقیه 1 : 61.
6- کالعلامة فی المنتهی 1 : 129.
7- النهایة : 104.

وستة فی شهر رمضان : أول لیلة منه ،

______________________________________________________

لعذر فلیغتسل بعد العصر أو یوم السبت (1). فشرط العذر والأخبار مطلقة. فروی سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : وقد سئل عن الرجل لا یغتسل یوم الجمعة فی أول النهار ، قال : « یقضیه من آخر النهار ، فإن لم یجد فلیقضه یوم السبت » (2) وفی معناها روایة عبد الله بن بکیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

ومقتضی الروایات (4) استحباب قضائه من وقت فوات الأداء إلی آخر السبت ، فلا وجه لإخلال المصنف بذلک.

ویمکن المناقشة فی هذا الحکم بضعف سنده ، وبأنّه معارض بما رواه الشیخ فی التهذیب ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسین ، عن معاویة بن حکیم ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن ذریح ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل هل یقضی غسل الجمعة؟ قال : « لا » (5) ومقتضاه عدم مشروعیة القضاء مطلقا ، وهو أوضح سندا من الخبرین السابقین ، إلاّ أنّ عمل الأصحاب علیهما.

قوله : وستة فی شهر رمضان : أول لیلة منه.

لما رواه سماعة ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « وغسل أوّل لیلة من شهر رمضان یستحب » (6).

أغسال شهر رمضان

ص: 164


1- الفقیه 1 : 61 ، والهدایة : 23.
2- التهذیب 1 : 113 - 300 ، الإستبصار 1 : 104 - 340 ، الوسائل 2 : 949 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 3.
3- التهذیب 1 : 113 - 301 ، الوسائل 2 : 950 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 4.
4- الوسائل 2 : 949 أبواب الأغسال المسنونة - ب 10.
5- التهذیب 3 : 241 - 646 ، الوسائل 2 : 950 أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 5.
6- الکافی 3 : 40 - 2 ، الفقیه 1 : 45 - 176 ، التهذیب 1 : 104 - 270 ، الوسائل 2 : 937 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

ولیلة النصف ، وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدی وعشرین ، وثلاث وعشرین.

______________________________________________________

قوله : ولیلة النصف.

استحباب الغسل فی هذه اللیلة مذهب الثلاثة (1) وأتباعهم (2) ، ولم أقف فیه علی نص ، قال فی المعتبر : ولعلّه لشرف تلک اللیلة فاقترانها بالطهر حسن (3). وقیل باستحباب الغسل فی فرادی شهر رمضان مطلقا (4).

قوله : وسبع عشرة ، وتسع عشرة ، وإحدی وعشرین ، وثلاث وعشرین. المستند فی ذلک روایات کثیرة ، منها : صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « الغسل فی سبعة عشر موطنا : لیلة سبع عشرة من شهر رمضان وهی لیلة التقی الجمعان ، ولیلة تسع عشرة وفیها یکتب الوفد وفد السّنة ، ولیلة إحدی وعشرین ، وهی اللیلة التی أصیب فیها أوصیاء الأنبیاء ، وفیها رفع عیسی بن مریم ، وقبض موسی علیه السلام ، ولیلة ثلاث وعشرین یرجی فیها لیلة القدر ، ویوم العیدین » (5) الحدیث.

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام أنّه قال : « یغتسل فی ثلاث لیال من شهر رمضان : فی تسع عشرة ، وإحدی وعشرین ، وثلاث وعشرین » وقال : « الغسل أوّل اللیل وهو یجزی إلی آخره » (6).

وروی زرارة وفضیل فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الغسل فی

ص: 165


1- المفید فی المقنعة : 50 ، ونقله عن السید المرتضی فی المعتبر 1 : 355 ، والشیخ فی الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 168.
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 33 ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 135 ، وسلار فی المراسم : 52 ، وابن حمزة فی الوسیلة : (54).
3- المعتبر 1 : 355.
4- کما فی الذکری : 24.
5- التهذیب 1 : 114 - 302 ، الوسائل 2 : 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
6- الکافی 4 : 154 - 4 ، الفقیه 2 : 100 - 446 ، الوسائل 2 : 942 أبواب الأغسال المسنونة ب 4 ح 1.

ولیلة الفطر ، ویومی العیدین ، ویوم عرفة ،

______________________________________________________

شهر رمضان عند وجوب الشمس قبیله ، ثم یصلّی ویفطر » (1).

قوله : ولیلة الفطر.

لروایة الحسن بن راشد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما ینبغی لنا أن نعمل فی لیلة الفطر؟ فقال : « إذا غربت الشمس فاغتسل ، فإذا صلّیت الثلاث رکعات فارفع یدیک وقل » (2) تمام الحدیث.

قوله : ویومی العیدین.

استحباب الغسل فی هذین الیومین مذهب العلماء کافّة ، ویدلّ علیه صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة (3) ، وصحیحة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الغسل فی الجمعة والأضحی والفطر ، قال : « سنّة ولیس بفریضة » (4).

والظاهر امتداد وقت هذا الغسل بامتداد الیوم ، عملا بإطلاق اللفظ. قال فی الذکری : ویتخرج من تعلیل الجمعة أنه إلی الصلاة أو إلی الزوال الذی هو وقت صلاة العید ، وهو ظاهر الأصحاب (5).

قوله : وعرفة.

استحباب الغسل فی یوم عرفة مجمع علیه بین الأصحاب ، وهو مرویّ فی عدّة أخبار ، منها : ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال :

غسل العیدین وعرفة

ص: 166


1- الکافی 4 : 153 - 1 ، الفقیه 2 : 100 - 448 ، الوسائل 2 : 952 أبواب الأغسال المسنونة ب 13 ح 2. ووجبت الشمس : ای غابت ( الصحاح 1 : 232 )
2- الکافی 4 : 167 - 3 ، الفقیه 2 : 109 - 466 ، التهذیب 1 : 115 - 303 ، علل الشرائع : 388 - 1 ، الوسائل 2 : 954 أبواب الأغسال المسنونة - ب 15 ح 1.
3- فی ص (165).
4- التهذیب 1 : 112 - 295 ، الإستبصار 1 : 102 - 333 ، الوسائل 2 : 955 أبواب الأغسال المسنونة ب 16 ح 1.
5- الذکری : 24.

ولیلة النصف من رجب ، ویوم السابع والعشرین منه ، ولیلة النصف من شعبان ، ویوم الغدیر ،

______________________________________________________

« الغسل من الجنابة ویوم الجمعة ویوم الفطر ویوم الأضحی ویوم عرفة عند زوال الشمس » (1).

قوله : ولیلة النصف من رجب ، ویوم السابع والعشرین منه.

ذکرهما الشیخ فی الجمل والمصباح (2). قال المصنف : وربما کان لشرف الوقتین ، والغسل مستحب مطلقا فلا بأس بالمتابعة فیه (3).

قوله : ولیلة النصف من شعبان.

لما رواه الشیخ عن هارون بن موسی ، بسنده إلی أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صوموا شعبان واغتسلوا لیلة النصف منه » (4) وفی سند هذه الروایة أحمد بن هلال ، وهو ضعیف (5).

قوله : ویوم الغدیر.

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل فیه الشیخ فی التهذیب إجماع الفرقة (6) ، وفی روایة علیّ بن الحسین العبدی قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « من صلّی فیه رکعتین یغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة » وساق الحدیث إلی قوله : « ما سأل الله حاجة من حوائج الدنیا والآخرة إلاّ قضیت له کائنة

أغسال شهر رجب وشعبان
غسل یوم الغدیر

ص: 167


1- التهذیب 1 : 110 - 290 ، الوسائل : 2 : 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 10.
2- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 167 ، مصباح المتهجد : 11.
3- المعتبر 1 : 356.
4- التهذیب 1 : 117 - 308 ، الوسائل 2 : 959 أبواب الأغسال المسنونة ب 23 ح 1.
5- راجع رجال الشیخ : 410 ، والفهرست : 36 - 97.
6- التهذیب 1 : 114.

ویوم المباهلة.

وسبعة للفعل :

وهی غسل الإحرام ،

______________________________________________________

ما کانت » (1).

قوله : ویوم المباهلة.

وهو رابع عشرین ذی الحجة (2) ، وقیل : خامس عشرین (3). ویدل علی استحباب الغسل فیه روایة سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « غسل المباهلة واجب » (4) والمراد تأکّد الاستحباب.

قوله : وسبعة للفعل ، وهی غسل الإحرام.

هذا قول معظم الأصحاب ، وقال الشیخ فی التهذیب : إنه سنّة بغیر خلاف (5).

ونقل عن ابن أبی عقیل أنّه واجب (6) ، والمعتمد الاستحباب.

لنا : أصالة البراءة مما لم یثبت وجوبه ، وما رواه معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انتهیت إلی العقیق من قبل العراق ، أو إلی وقت من هذه المواقیت وأنت ترید الإحرام إن شاء الله فانتف إبطیک ، وقلّم أظفارک ، وخذ من شاربک » إلی أن قال : « ثم استک واغتسل والبس ثوبیک » (7) والظاهر أنّ الأمر

غسل یوم المباهلة

- أغسال الفعل

غسل الاحرام

ص: 168


1- التهذیب 3 : 143 - 317 ، الوسائل 2 : 961 أبواب الأغسال المسنونة ب 28 ح 1.
2- کذا فی جمیع النسخ.
3- کما فی المعتبر 1 : 357.
4- الفقیه 1 : 45 - 176 ، التهذیب 1 : 104 - 270 ، الوسائل 2 : 937 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
5- التهذیب 1 : 113.
6- المختلف : 28.
7- الکافی 4 : 326 - 1 ، الفقیه 2 : 200 - 914 ، الوسائل 9 : 9 أبواب الإحرام ب 6 ح 4.

وغسل زیارة النبیّ صلی الله علیه و آله ، والأئمة علیهم السلام ، وغسل المفرّط فی صلاة الکسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها علی الأظهر ،

______________________________________________________

بالغسل للاستحباب کما یشعر به الأوامر المتقدمة علیه فإنّها للندب بغیر خلاف.

قال المصنف - رحمه الله - : ولعلّ القائل بالوجوب استند إلی ما رواه محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الغسل فی سبعة عشر موطنا : الفرض ثلاثة : غسل الجنابة ، وغسل من غسّل میّتا ، والغسل للإحرام » (1) ومحمّد بن عیسی ضعیف ، وما یرویه عن یونس لا یعمل به ابن الولید کما ذکره ابن بابویه ، مع أنّه مرسل فسقط الاحتجاج به (2).

قوله : وغسل زیارة النبیّ صلی الله علیه و آله ، والأئمة علیهم السلام .

لقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم الواردة فی تعداد الأغسال : « ویوم الزیارة » (3) وروی سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « وغسل الزیارة واجب » (4) وهو محمول علی تأکّد الاستحباب.

قوله : وغسل المفرّط فی صلاة الکسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها علی الأظهر.

اختلف الأصحاب فی غسل قاضی الکسوف ، فقال الشیخ فی الجمل باستحبابه إذا

غسل الزیارة
غسل تارک صلاة الکسوف

ص: 169


1- التهذیب 1 : 105 - 271 ، الإستبصار 1 : 98 - 316 ، الوسائل : 2 : 930 أبواب غسل المسّ ب 1 ح 17.
2- المعتبر 1 : 358.
3- الفقیه 1 : 44 - 172 ، التهذیب 1 : 114 - 302 ، الوسائل 2 : 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
4- الکافی 3 : 40 - 2 ، الفقیه 1 : 45 - 176 ، التهذیب 1 : 104 - 270 ، الوسائل 2 : 937 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

______________________________________________________

احترق القرص کلّه وترک الصلاة متعمّدا (1) ، واقتصر المفید فی المقنعة (2) ، والمرتضی فی المصباح (3) علی الترک متعمّدا ولم یذکرا استیعاب الاحتراق ، وقال سلاّر بوجوب الغسل والحال هذه (4).

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار روایتان ، روی إحداهما حریز ، عمّن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انکسف القمر فاستیقظ الرجل ولم یصلّ فلیغتسل من غد ولیقض الصلاة ، وإن لم یستیقظ ولم یعلم بانکساف القمر فلیس علیه إلاّ القضاء بغیر غسل » (5).

والثانیة : رواها محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، وهی طویلة قال فی آخرها : « وغسل الکسوف ، إذا احترق القرص کلّه فاغتسل » (6) ولیس فی هذه الروایة إشعار بکون الغسل للقضاء ، بل المستفاد من ظاهرها أنّ الغسل للأداء.

والروایة الأولی قاصرة من حیث السند ، وخالیة من قید الاستیعاب ، لکن سیجی ء إن شاء الله تعالی : أنّ القضاء إنما یثبت مع ذلک ، والأحوط الغسل للقضاء مع تعمّد الترک أخذا بظاهر الروایة المتقدمة وإن ضعف سندها.

أمّا الغسل للأداء مع استیعاب الاحتراق ( فلا ریب فی استحبابه لصحة

ص: 170


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 168.
2- المقنعة : 6.
3- نقله عنه فی المعتبر 1 : 358.
4- المراسم : 81.
5- التهذیب 1 : 117 - 309 ، الإستبصار 1 : 453 - 1758 ، الوسائل 2 : 960 أبواب الأغسال المسنونة ب 25 ح 1.
6- التهذیب 1 : 114 - 302 ، الوسائل 2 : 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.

وغسل التوبة سواء کان عن فسق أو کفر ، وصلاة الحاجة ، وصلاة الاستخارة.

وخمسة للمکان :

وهی غسل دخول الحرم ، والمسجد الحرام ، والکعبة ، والمدینة ، ومسجد النبی صلی الله علیه و آله .

______________________________________________________

مستنده ) (1).

قوله : وغسل التوبة ، سواء کان عن فسق أو کفر.

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی التهذیب مرسلا عن الصادق علیه السلام : أنه قال لمن ذکر أنه یستمع الغناء من جوار مغنیات : « قم فاغتسل وصلّ ما بدا لک ، واستغفر الله ، واسأله التوبة » (2) قال المصنف : وهذه مرسلة ، وهی متناولة صورة معینة فلا تتناول غیرها ، والعمدة فتوی الأصحاب ، منضمّا إلی أنّ الغسل خیر فیکون مرادا ، ولأنّه تفأل بغسل الذنب والخروج من دنسه (3).

قوله : وصلاة الحاجة ، وصلاة الاستخارة.

لیس المراد أیّ صلاة أوقعها المکلّف لأحد الأمرین ، بل صلوات مخصوصة ورد النص باستحباب الغسل قبلها ، ولها مظانّ فلیطلب منها.

قوله : وخمسة للمکان ، وهی : غسل دخول الحرم والمسجد الحرام والکعبة والمدینة ومسجد النبی صلی الله علیه و آله .

یدل علی ذلک قول الصادق علیه السلام فی صحیحة محمّد بن مسلم : « وإذا دخلت

غسل التوبة

- أغسال المکان

غسل دخول الحرم والمسجد والکعبة
غسل دخول المدینة ومسجدها

ص: 171


1- بدل ما بین القوسین فی « س » و « ح » : فالأولی أن لا یترک بحال ، لصحة مستنده وتضمنه الأمر بالغسل مع انتفاء ما یقتضی الحمل علی الاستحباب ، والله أعلم.
2- التهذیب 1 : 116 - 304 ، الوسائل 2 : 957 أبواب الأغسال المسنونة ب 18 ح 1.
3- المعتبر 1 : 359.

مسائل أربع :

الأولی : ما یستحب للفعل والمکان یقدّم علیهما ، وما یستحب للزمان یکون بعد دخوله.

______________________________________________________

الحرمین ، ویوم تدخل البیت » (1) وفی روایة أخری « وإذا أردت دخول البیت الحرام ، وإذا أردت دخول مسجد الرسول صلی الله علیه و آله » (2).

قوله : الأولی ، ما یستحب للفعل أو المکان یقدّم علیهما ، وما یستحب للزمان یکون بعد دخوله.

لا یخفی أنّ ما یستحب للمکان فی معنی ما یستحب للفعل ، لأنّه یستحب لدخوله ، ولا ریب فی اعتبار تقدیم ما یستحب للفعل علیه ، لیحصل به الغرض المطلوب من الغسل ، وهو إیقاع ذلک الفعل الذی شرّع لأجله الغسل علی الوجه الأکمل ، ولأنه المستفاد من النص. أمّا ما یستحب للزمان فیعتبر إیقاعه فیه ، لأنّ معنی استحبابه للزمان استحبابه فیه.

واستثنی بعض الأصحاب (3) من ذلک غسل تارک صلاة الکسوف بالقیدین ، وغسل التوبة ، وغسل السعی إلی رؤیة المصلوب ، وغسل قتل الوزغ ، فإنّ الغسل فی هذه المواضع للفعل مع تأخّره عنه. وهو غیر جید ، لأنّ الظاهر أنّ اللام فی قوله : « للفعل » للغایة ، والمراد أنّ الغسل الذی یکون غایته الفعل یقدّم علیه ، وحینئذ فلا استثناء ، لأنّ غسل تارک الکسوف إنما هو لأجل القضاء ، وغسل التوبة للصلاة التی یوقعها المکلّف بعده کما یدل علیه الروایة. وأمّا رؤیة المصلوب وقتل الوزغ فإنّها أسباب للغسل لا غایات

- مسائل

محل الغسل

ص: 172


1- الفقیه 1 : 44 - 172 ، التهذیب 1 : 114 - 302 ، الخصال 2 : 508 ، الوسائل 2 : 939 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 11.
2- التهذیب 1 : 105 - 272 ، الوسائل 2 : 940 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 12 بتفاوت یسیر.
3- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 3.

الثانیة : إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تکفی نیة القربة ما لم ینو السبب. وقیل : إذا انضمّ إلیها غسل واجب کفاه نیّة القربة ، والأوّل أولی.

الثالثة والرابعة : قال بعض فقهائنا بوجوب غسل من سعی إلی مصلوب لیراه عامدا بعد ثلاثة أیام.

______________________________________________________

له (1) ، واستحباب الغسل لنفسه ، فیکون خارجا من القسمین کما هو ظاهر.

قوله : الثانیة ، إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تکفی نیة القربة ما لم ینو السبب ، وقیل : ان انضمّ إلیها غسل واجب کفاه نیته ، والأوّل أظهر.

القول للشیخ - رحمه الله - (2) ، والمعتمد تداخل الأغسال الواجبة والمندوبة مطلقا ، والاکتفاء فیها بنیة القربة وإن کان التعرض لنیّة السبب أولی ، وقد تقدّم البحث فی ذلک مفصّلا فلا نعیده.

قوله : الثالثة والرابعة ، قال بعض فقهائنا بوجوب غسل من سعی إلی مصلوب لیراه عامدا بعد ثلاثة أیام.

القول بالوجوب لأبی الصّلاح (3) علی ما نقل عنه ، والظاهر أنّ مجرّد السعی إلی الرؤیة لا یکفی فی الوجوب أو الاستحباب کما قد توهمه العبارة ، بل السعی مع الرؤیة.والمستند فی ذلک ما رواه ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه مرسلا : « أن من قصد إلی مصلوب فنظر إلیه وجب علیه الغسل عقوبة » (4) ولم أقف فی ذلک علی نصّ سوی هذه

تداخل الأغسال
حکم غسل السعی لرؤیة المصلوب

ص: 173


1- کذا والأنسب أن یکون : فإنهما سببان للغسل لا غایتین له.
2- المبسوط : 40.
3- الکافی فی الفقه : 135.
4- الفقیه 1 : 45 - 175 ، الوسائل : 2 : 958 أبواب الأغسال المسنونة ب 19 ح 3.

وکذلک غسل المولود. والأظهر الاستحباب.

______________________________________________________

الروایة ، وهی ضعیفة بالإرسال وجهالة المرویّ عنه ، ولا بأس بالمصیر إلی الاستحباب ، تمسّکا بمقتضی البراءة الأصلیة ، وموافقة لفتوی فضلاء الأصحاب.

قوله : وکذلک غسل المولود ، والأظهر الاستحباب.

المستند فی ذلک روایة سماعة ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « وغسل النفساء واجب ، وغسل المولود واجب ، وغسل المیّت واجب » (1) وهی ضعیفة السند بعثمان بن عیسی وسماعة ، فإنهما واقفیان ، والمعتمد الاستحباب ، ووقته حین الولادة.

حکم غسل المولود

ص: 174


1- الکافی 240:3 الفقیه 45:1 176 ، التهذیب 104:1 270 ، الوسائل : 937:2 أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.

الرّکن الثالث :

فی الطهارة الترابیة ،

والنظر فی أطراف أربعة :

______________________________________________________

قوله : الرّکن الثالث فی الطهارة الترابیة.

الطهارة تنقسم إلی قسمین مائیّة وترابیّة ، وتسمّی الاولی : اختیاریة ، والثانیة : اضطراریة. والطهارة الترابیة هی التیمم ، وهو لغة : القصد قال الله تعالی ( وَلا تَیَمَّمُوا الْخَبِیثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (1) أی : لا تقصدوا الردی ء من المال تنفقون منه ، وقال عزّ وجلّ : ( فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً ) (2) أی : اقصدوا. ونقل فی الشرع إلی الضرب علی الأرض والمسح بالوجه والیدین علی وجه القربة.

وهو ثابت بالکتاب والسنّة والإجماع :

قال الله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْکُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ ) (3) ذکر جمع (4) من المفسرین أنّ أو فی قوله تعالی ( أَوْ جاءَ ) بمعنی الواو ، کقوله ( وَأَرْسَلْناهُ إِلی مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ یَزِیدُونَ ) (5). یعنی : وجاء أحدکم من الغائط ، لأنّ المجی ء من الغائط

التیمم

معنی التیمم

ص: 175


1- البقرة : 267.
2- المائدة : 6.
3- النساء : 43 ، المائدة : 6.
4- منهم الطبرسی فی مجمع البیان 2 : 52 ، والقرطبی فی الجامع لأحکام القرآن 5 : 220.
5- الصافات : 147.

______________________________________________________

لیس من جنس المرض والسفر حتی یصح عطفه علیهما فإنّهما سبب لإباحة التیمم ، والمجی ء من الغائط سبب لإیجاب الطهارة.

وقال القاضی البیضاوی : وجه هذا التقسیم أنّ المترخص بالتیمم إمّا محدث أو جنب ، والحال المقتضیة له فی غالب الأمر مرض أو سفر ، والجنب لمّا سبق ذکره اقتصر علی بیان حاله ، والمحدث لمّا لم یجر ذکره ذکر أسبابه وما یحدث بالذات وما یحدث بالعرض ، واستغنی عن تفصیل أحواله بتفصیل حال الجنب وبیان العدد مجملا ، فکأنّه قیل : وإن کنتم جنبا مرضی أو علی سفر أو محدثین جئتم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتیمموا (1).

وهو جیّد لو لا ما ثبت عندنا من أنّ الملامسة کنایة عن الجماع.

وأمّا الأخبار فکثیرة جدّا ، منها : قول النبیّ صلی الله علیه و آله : « الصعید الطیّب طهور المسلم وإن لم یجد الماء عشر سنین » (2).

وقول الصادق علیه السلام : « إنّ الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (3).

وأمّا الإجماع فمن المسلمین کافّة.

ص: 176


1- تفسیر البیضاوی 2 : 89.
2- سنن أبی داود 1 : 91 - 332 ، سنن البیهقی 1 : 212.
3- الفقیه 1 : 60 - 223 ، التهذیب 1 : 404 - 1264 ، الوسائل 2 : 995 أبواب التیمم ب 24 ح 2. وصدرها فی الکافی 3 :3. 3.

الأوّل : ما یصح معه التیمم ، وهو ضروب :

الأول : عدم الماء.

______________________________________________________

قوله : الأوّل ، فی ما یصح معه التیمم ، وهو ضروب :

ذکر المصنف أنّ مسوغات التیمم ثلاثة : عدم الماء ، وعدم الوصلة إلیه ، والخوف من استعماله ، ومرجعها إلی أمر واحد : وهو العجز عن استعمال الماء. وجعل العلاّمة فی المنتهی أسباب العجز ثمانیة : فقد الماء ، والخوف من استعماله ، والاحتیاج إلیه للعطش ، والمرض والجرح ، وفقد الآلة التی یتوصّل بها إلی الماء ، والضعف عن الحرکة ، وخوف الزحام یوم الجمعة أو عرفة ، وضیق الوقت عن استعمال الماء (1).

ولا یخفی اندراج الجمیع فی الأسباب الثلاثة التی ذکرها المصنف عدا ضیق الوقت ، وقد صرّح المصنف فی المعتبر بأنّه غیر مسوّغ للتیمم (2) ، وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله.

قوله : الأول ، عدم الماء.

أجمع العلماء کافّة إلاّ من شذّ علی وجوب التیمم للصلاة مع فقد الماء ، سواء فی ذلک الحاضر والمسافر. ویدل علیه مضافا إلی الآیة الشریفة روایات کثیرة ، کصحیحة ابن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا لم یجد الرجل طهورا وکان جنبا فلیمسح من الأرض ولیصلّ ، فإذا وجد الماء فلیغتسل وقد أجزأته صلاته التی صلی » (3) وهو عامّ فی کلّ فاقد.

- مایصح معه التیمم

الأول : عدم الماء
اشارة

ص: 177


1- المنتهی 1 : 132.
2- المعتبر 1 : 363.
3- التهذیب 1 : 193 - 556 ، 197 - 572 ، والاستبصار 1 : 161 - 558 ، الوسائل 2 : 983 أبواب التیمم ب 14 ح 7.

ویجب عنده الطلب ، فیضرب غلوة سهمین فی کل جهة من جهاته الأربع إن کانت الأرض سهلة ، وغلوة سهم إن کانت حزنة.

______________________________________________________

وصحیحة جمیل بن دراج : إنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن إمام قوم أجنب ولیس معه من الماء ما یکفیه للغسل ، ومعهم ما یتوضّئون به ، یتوضّأ بعضهم ویؤمّهم؟ قال : « لا ، ولکن یتیمم الإمام ویؤمّهم ، إنّ الله عز وجل جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (1).

وصحیحة حمّاد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یجد الماء ، أیتیمم لکل صلاة؟ فقال : « لا ، هو بمنزلة الماء » (2).

وقال بعض العامّة : الصحیح الحاضر إذا عدم الماء - کالمحبوس ومن انقطع عنه الماء - یترک التیمم والصّلاة ، لأنّ التیمم مشروط بالسفر کما یدل علیه قوله ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ ) (3).

وبطلانه ظاهر ، لأنّ ذکر السفر فی الآیة یخرج مخرج الغالب ، لأنّ عدم الماء فی الحضر نادر ، وإذا خرج الوصف مخرج الغالب انتفت دلالته علی نفی الحکم عما عدا محل الوصف ، کما حقّق فی محلّه.

قوله : ویجب عنده الطلب ، فیضرب غلوة سهمین فی کل جهة من جهاته الأربع إن کانت الأرض سهلة ، وغلوة سهم إن کانت حزنة.

أجمع علماؤنا وأکثر العامة (4) علی أنّ من کان عذره عدم الماء لا یسوغ له التیمم إلاّ

وجوب الطلب عند عدم الماء ومقداره

ص: 178


1- الکافی 3 : 66 - 3 بتفاوت یسیر ، الفقیه 1 : 60 - 223 ، التهذیب 1 : 404 - 1264 ، الوسائل 2 : 995 أبواب التیمم ب 24 ح 2.
2- التهذیب 1 : 200 - 581 ، الإستبصار 1 : 163 - 566 ، الوسائل 2 : 990 أبواب التیمم ب 20 ح 3.
3- نقله عن زفر فی تفسیر القرطبی 5 : 218 ، والمحلی 2 : 118 ، وعمدة القاری 4 : 7. ونقله عن أبی حنیفة فی الشرح الکبیر ( المغنی ) 1 : 3. وبدایة المجتهد 1 : 63.
4- منهم الکاشانی فی بدائع الصنائع 1 : 47 ، وابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 65.

______________________________________________________

بعد الطلب إذا أمّل الإصابة وکان فی الوقت سعة ، حکی ذلک المصنف فی المعتبر ، والعلاّمة فی المنتهی (1). ویدل علیه ظاهر قوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) فإنّ عدم الوجدان لا یتحقق عرفا إلاّ بعد الطلب ، أو تیقن عدم الإصابة ، وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إذا لم یجد المسافر الماء فلیطلب ما دام فی الوقت ، فإذا خاف أن یفوته الوقت فلیتیمم ولیصلّ فی آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء علیه ، ولیتوضّأ لما یستقبل » (2).

وعن السکونی ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن علیّ علیه السلام قال : « یطلب الماء فی السفر ، إن کانت الحزونة فغلوة ، وإن کانت سهولة فغلوتین ، لا یطلب أکثر من ذلک » (3).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن داود الرّقی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أکون فی السفر وتحضر الصلاة ولیس معی ماء ویقال : إنّ الماء قریب منّا ، فأطلب الماء وأنا فی وقت یمینا وشمالا؟ قال : « لا تطلب الماء ولکن تیمّم فإنّی أخاف علیک التخلف عن أصحابک فتضلّ ویأکلک السبع » (4).

وعن یعقوب بن سالم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یکون معه ماء ، والماء عن یمین الطریق ویساره غلوتین أو نحو ذلک؟ قال : « لا آمره أن یغرّر بنفسه

ص: 179


1- المعتبر 1 : 392 ، والمنتهی 1 : 138.
2- التهذیب 1 : 192 - 555 و203 - 589 ، الاستبصار 1 : 159 - 548 و165 - 574 ، الوسائل 2 : 963 أبواب التیمم ب 1 ح 1.
3- التهذیب 1 : 202 - 586 ، الإستبصار 1 : 165 - 571 ، الوسائل 2 : 963 أبواب التیمم ب 1 ح 2.
4- التهذیب 1 : 185 - 536 ، الوسائل 2 : 964 أبواب التیمم ب 2 ح 1.

______________________________________________________

فیعرض له لصّ أو سبع » (1) لأنّا نجیب عنهما :

أوّلا : بالطعن فی السند ، فإنّ داود الرّقی ضعیف جدّا علی ما قاله النجاشی (2) ، وفی طریق الروایة الثانیة معلیّ بن محمّد ، وقال النجاشی : إنّه مضطرب الحدیث والمذهب (3).

وثانیا : بالقول بالموجب ، فإن مقتضاهما سقوط الطلب مع الخوف علی النفس أو المال ونحن نقول به.

واختلف الأصحاب فی کیفیة الطلب وحدّه ، فقال الشیخ فی المبسوط : والطلب واجب قبل تضیّق الوقت فی رحله وعن یمینه وعن یساره وسائر جوانبه رمیة سهم أو سهمین إذا لم یکن هناک خوف (4).

وقال فی النهایة : ولا یجوز له التیمم فی آخر الوقت إلاّ بعد طلب الماء فی رحله وعن یمینه ویساره مقدار رمیة أو رمیتین إذا لم یکن هناک خوف (5). ولم یفرّق فی الأرض بین السهلة والحزنة.

وقال المفید فی المقنعة : ومن فقد الماء فلا یتیمم حتی یدخل وقت الصلاة ، ثم یطلبه أمامه وعن یمینه وعن شماله مقدار رمیة سهمین من کلّ جهة إن کانت الأرض سهلة ،

ص: 180


1- الکافی 3 : 65 - 8 ، التهذیب 1 : 184 - 528 ، الوسائل 2 : 964 أبواب التیمم ب 2 ح 2.
2- رجال النجاشی : 156 - 410.
3- رجال النجاشی : 418 - 1117.
4- المبسوط 1 : 31.
5- النهایة : 48.

______________________________________________________

وإن کانت حزنة یطلبه من کل جهة مقدار رمیة سهم واحد (1).

وقال ابن إدریس : وحدّ ما وردت به الروایات وتواتر به النقل فی طلبه إذا کانت الأرض سهلة : غلوة سهمین ، وإذا کانت حزنة : فغلوة سهم (2).

ولم یقدّره السید المرتضی فی الجمل (3) ولا الشیخ فی الخلاف (4) بقدر ، ولم أقف فی الروایات علی ما یعطی هذا التحدید سوی روایة السکونی المتقدمة (5) ، وهی ضعیفة السند جدّا کما اعترف به المصنف فی المعتبر فإنّه قال : والتقدیر بالغلوة والغلوتین روایة السکونی وهو ضعیف ، غیر أنّ الجماعة عملوا بها ، والوجه أنّه یطلب من کلّ جهة یرجو فیها الإصابة ولا یکلّف التباعد بما یشق ، وروایة زرارة (6) تدل علی أنّه یطلب دائما ما دام فی الوقت حتی یخشی الفوات ، وهو حسن والروایة واضحة السند والمعنی (7).

هذا کلامه - رحمه الله - وهو فی محلّه ، لکن سیأتی إن شاء الله (8) أنّ مقتضی کثیر من الروایات جواز التیمم مع السعة ، فیمکن حمل ما تضمنته روایة زرارة من الأمر بالطلب إلی أن یتضیق الوقت علی الاستحباب. والمعتمد اعتبار الطلب من کل جهة یرجو فیها الإصابة بحیث یتحقق عرفا عدم وجدان الماء.

ص: 181


1- المقنعة : 8.
2- السرائر : 26.
3- جمل العلم والعمل : 61.
4- الخلاف 1 : 35.
5- فی ص 179.
6- المتقدمة فی ص 179.
7- المعتبر 1 : 393.
8- (8) فی ص 210

______________________________________________________

وینبغی التنبیه لأمور :

الأوّل : إنما یجب الطلب مطلقا أو فی (1) الجهات الأربع مع احتمال الظفر ، فلو تیقّن عدم الإصابة فی بعض الجهات أو مطلقا فلا طلب ، لانتفاء الفائدة ، ولو غلب علی ظنه ذلک لم یسقط ، لجواز کذبه.

وقال بعض العامّة : یجب الطلب وإن تیقّن عدم الماء (2). وهو خطأ ، لأنّ الطلب مع تیقّن عدم الإصابة عبث لا یقع الأمر به من الشارع.

الثانی : لو تیقن وجود الماء لزمه السعی إلیه ما دام الوقت باقیا والمکنة حاصلة ، سواء کان قریبا أم بعیدا ، وسواء استلزم السعی فوات مطلوبه - إذا لم یکن مضرّا بحاله - أم لا ، لقدرته علی الماء.

وقال فی المعتبر : من تکرّر خروجه من مصره کالحطّاب والحشّاش لو حضرته الصلاة ولا ماء ، فإن أمکنه العود ولمّا یفت مطلوبه عاد ولو تیمم لم یجزئه ، وإن لم یمکنه إلاّ بفوات مطلوبه ففی التیمم تردّد أشبهه الجواز دفعا للضرر (3).

الثالث : لو خاف علی نفسه أو ماله لو فارق مکانه لم یجب الطلب ، دفعا للحرج اللازم من وجوب السعی معه ، ویدل علیه روایتا داود الرقّی ویعقوب بن سالم المتقدمتان (4) ، وفحوی صحیحة الحلبی : أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یمرّ

عدم الاعتداد بالطلب قبل الوقت

ص: 182


1- فی « ح » زیادة : بعض.
2- کالشافعی فی الأم 1 : 46.
3- المعتبر 1 : 365.
4- فی ص 179.

ولو أخلّ بالطلب حتی ضاق الوقت أخطأ وصحّ تیمّمه وصلاته علی الأظهر.

______________________________________________________

بالرکیّة (1) ولیس معه دلو ، قال : « لیس علیه أن یدخل الرکیّة ، لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فلیتیمّم » (2).

الرابع : قال فی المنتهی : لو طلب قبل الوقت لم یعتدّ به ووجب إعادته ، لأنّه طلب قبل المخاطبة بالتیمم فلم یسقط فرضه ، ثم اعترف بأنّ ذلک إنما هو إذا أمکن تجدّد الماء فی موضع الطلب ، وإلاّ لم یجب علیه الطلب ثانیا (3).

وهو جیّد إن قلنا أنّ الطلب إنما هو فی الغلوات کما هو روایة السکونی ، وأمّا علی روایة زرارة فیجب الطلب ما أمّل الإصابة فی الوقت سواء کان قد طلب قبل الوقت أم لا.

قوله : ولو أخلّ بالطلب حتی ضاق الوقت أخطأ وصحّ تیمّمه وصلاته علی الأظهر.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، والوجه فیه أنّ الطلب یسقط مع ضیق الوقت عنه ویجب علی المکلّف التیمم ، لأنّه غیر واجد للماء کما هو المقدّر ، وأداء الصلاة بتلک الطهارة ، وقد امتثل لأنّه المفروض ، والأمر یقتضی الإجزاء.

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : لو أخلّ بالطلب لم یصح تیممه (4). ویلزم علی قوله لو تیمّم وصلّی أن یعید الصلاة ، وبه قطع الشهید - رحمه الله - فی الدروس

حکم من أخل بالطلب

ص: 183


1- الرّکیّة : البئر. وجمعها رکیّ ورکایا - الصحاح 6 : 2361.
2- الفقیه 1 : 57 - 213 ، المحاسن : 372 - 133 ، الوسائل 2 : 965 أبواب التیمم ب 3 ح 1.
3- المنتهی 1 : 139.
4- المبسوط 1 : 31 ، والخلاف 1 : 35.

______________________________________________________

والبیان (1).

واستشکله المصنف فی المعتبر : بأنّه مع ضیق الوقت یسقط الطلب ویتحتّم التیمّم فیکون مجزیا وإن أخلّ بالطلب وقت السعة ، لأنّه یکون مؤدّیا فرضه بطهارة صحیحة وصلاة مأمور بها (2). وهو حسن.

ویمکن أن یحمل کلام الشیخ علی ما إذا أخلّ بالطلب وتیمّم مع السعة فإنّ تیمّمه لا یصح قطعا.

وقال فی المنتهی : لو کان بقرب المکلّف ماء وتمکّن من استعماله وأهمل حتی ضاق الوقت فصار لو مشی إلیه خرج الوقت فإنه یتیمّم ، وفی الإعادة وجهان أقربهما الوجوب (3). ویتوجّه علیه ما سبق.

فروع :

الأوّل : لو أخلّ بالطلب وضاق الوقت فتیمّم وصلّی ثم وجد الماء فی محل الطلب فالأظهر أنّه کعدمه ، لما ذکرناه من الدلیل. وقیل بوجوب الإعادة هنا (4) ، تعویلا علی روایة أبی بصیر ، قال : سألته عن رجل کان فی سفر وکان معه ماء فنسیه وتیمّم وصلّی ثم ذکر أنّ معه ماء قبل أن یخرج الوقت ، قال : « علیه أن یتوضّأ ویعید الصلاة » (5).

ص: 184


1- الدروس : 11 ، والبیان : 34.
2- المعتبر 1 : 365.
3- المنتهی 1 : 152.
4- کما فی الدروس : 19 ، والبیان : 34.
5- الکافی 3 : 65 - 10 ، التهذیب 1 : 212 - 616 ، الوسائل 2 : 982 أبواب التیمم ب 14 ح 5.

______________________________________________________

وهی مع ضعف سندها بعثمان بن عیسی ، واشتراک أبی بصیر ، وجهالة المسئول ، إنما تدلّ علی الإعادة إذا نسی الماء فی رحله وتیمّم وصلی ثمّ ذکر فی الوقت ، وهو خلاف محل النزاع.

الثانی : لو کان معه ماء فأراقه قبل الوقت ، أو مرّ بماء فلم یتطهّر ، ودخل الوقت ولا ماء تیمّم وصلّی ولا إعادة إجماعا قاله فی المنتهی (1). ولو کان ذلک بعد دخول الوقت فکذلک علی الأظهر وإن علم باستمرار الفقد ، لأنّه صلّی صلاة مأمورا بها بتیمم مشروع فکانت مجزیة. وقطع الشهید فی الدروس والبیان بوجوب الإعادة هنا للتفریط (2). وجعله العلاّمة فی التذکرة احتمالا ، قال : فحینئذ یعید واحدة لا ما بعدها کما لو أراق قبل الوقت ، ویحتمل قضاء کلّ صلاة یؤدّیها بوضوء واحد فی عادته (3).

والأصحّ السقوط مطلقا ، وظاهر المعتبر أنّه لا خلاف فیه بین الأصحاب (4).

الثالث : لو کان الماء موجودا عنده فأخلّ باستعماله حتی ضاق الوقت عن الطهارة المائیة والأداء ، فهل یتطهر ویقضی أو یتیمم ویؤدّی؟ فیه قولان ، أظهرهما الأوّل ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر (5) ، لأنّ الصلاة واجب مشروط بالطهارة ، والتیمم إنما یسوغ مع العجز عن استعمال الماء ، والحال أنّ المکلّف واجد للماء ، متمکّن من استعماله ، غایة الأمر أنّ الوقت لا یتسع لذلک ولم یثبت کون ذلک مسوّغا للتیمم.

وقال العلاّمة فی المنتهی : یجب التیمم والأداء ، لقوله علیه السلام فی صحیحة حمّاد

ص: 185


1- المنتهی 1 : 152.
2- الدروس : 19 ، والبیان : 34.
3- التذکرة 1 : 61.
4- المعتبر 1 : 366.
5- المعتبر 1 : 366.

ولا فرق بین عدم الماء أصلا ووجود ماء لا یکفیه لطهارته.

______________________________________________________

ابن عثمان : « هو بمنزلة الماء » (1) قال : وإنما یکون بمنزلته لو ساواه فی أحکامه ، ولا ریب أنّه لو وجد الماء وتمکّن من استعماله وجب علیه الأداء فکذا لو وجد ما ساواه (2).

قلت : ویدل علیه فحوی قول الصادق علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض » (3) وفی صحیحة جمیل : « إنّ الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (4) وهذا القول لا یخلو من رجحان ، ولا ریب أنّ التیمم والأداء ثم القضاء بالطهارة المائیة أحوط.

قوله : ولا فرق بین عدم الماء أصلا ووجود ماء لا یکفیه لطهارته.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الطهارة بین الوضوء والغسل ، وبهذا التعمیم صرّح فی المنتهی والتذکرة وأسنده إلی علمائنا (5) ، والوجه فیه قوله تعالی ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً ) (6) إذ المتبادر منه نفی وجدان ما یکفی فی الطهارة ، کقوله تعالی فی کفارة الیمین : ( فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ ) (7) فإنّ المراد - والله أعلم - : فمن لم یجد إطعام عشرة مساکین ، ولهذا لم یجب إطعام البعض لو تمکّن منه.

وجود الماء الغیر الکافی کعدمه

ص: 186


1- المتقدمة فی ص (178).
2- المنتهی ( 1 : 137 ).
3- الفقیه ( 1 : 57 - 213 ) ، المحاسن : ( 372 - 133 ) ، الوسائل ( 2 : 965 ) أبواب التیمم ب (3) ح (1).
4- المتقدمة فی ص (178).
5- المنتهی ( 1 : 133 ) ، التذکرة ( 1 : 65 ).
6- النساء : (43) ، المائدة : (6).
7- المائدة : (89).

______________________________________________________

وقال بعض العامة : الجنب إذا وجد ماءا لا یکفیه لطهارته استعمل الماء وتیمم (1). وحکی فی المنتهی عن بعض الشافعیة ذلک فی الحدث الأصغر أیضا (2) ، لأنّه واجد للماء فلا یسوغ له التیمم قبل استعماله. وجوابه منع الوجدان کما بیناه.

وقطع العلاّمة فی النهایة بأنّ المحدث لو وجد من الماء ما لا یکفیه لطهارته لم یجب علیه استعماله بل تیمم ، واحتمل فی الجنب مساواته للمحدث ، ووجوب صرف الماء إلی بعض أعضائه ، لجواز وجود ما یکمل به الطهارة ، قال : والموالاة ساقطة هنا بخلاف المحدث (3).

وجزم فی التذکرة بعدم وجوب استعمال ما لا یکفی فی الطهارة ، سواء فی ذلک الجنب وغیره ، وأسنده إلی الأصحاب (4). وهو المعتمد ، إذ التکلیف بالغسل إنّما یتوجّه مع التمکن منه ، وإنّما یتحقق بالتمکن من جمیع أجزائه ، ویؤیّده ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی رجل أجنب فی سفر ومعه ماء قدر ما یتوضّأ به ، قال : « یتیمم ولا یتوضّأ » (5) ونحوه روی الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام (6). ولو کان غسل البعض واجبا مع التمکن منه لبیّنه علیه السلام .

ص: 187


1- منهم ابن حزم فی المحلی ( 2 : 137 ) ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 1 : 270 ، 281 ).
2- المنتهی ( 1 : 134 ).
3- نهایة الأحکام ( 1 : 186 ).
4- التذکرة ( 1 : 65 ).
5- التهذیب ( 1 : 405 - 1272 ) ، الوسائل ( 2 : 996 ) أبواب التیمم ب (24) ح (4).
6- التهذیب ( 1 : 405 - 1273 ) ، الوسائل ( 2 : 996 ) أبواب التیمم ب (24) ح (4).

الثانی : عدم الوصلة إلیه. فمن عدم الثمن فهو کمن عدم الماء ، وکذا إن وجده بثمن یضرّ به فی الحال.

______________________________________________________

قال المصنف فی المعتبر : وکذا لو تضرر بعض أعضائه بالمرض تیمم ولم یغسل الصحیح ، وکذا لو کان بعض أعضائه نجسا ولا یقدر علی طهارته بالماء تیمم وصلی ، ولا إعادة فی شی ء من ذلک (1). وهو جید ، لأن الوضوء والغسل مرکب ، ومن شأن المرکب الارتفاع بارتفاع جزئه فینتقل إلی بدله لتعذره ، ولا ینتقض بالجبیرة ، لخروجها بنص خاص کما بیناه (2).

قوله : الثانی ، عدم الوصلة إلیه ، فمن عدم الثمن فهو کمن عدم الماء ، وکذا إن وجده بثمن یضرّ به فی الحال.

ظاهر العبارة وصریح المعتبر (3) أنّ المراد بالحال هنا ما قابل المآل (4) ، وقیل : إنّ المراد به حال المکلّف لیعم الاستقبال ، حیث لا یتوقع المکلف حصول مال فیه عادة ، لاشتراکهما فی الضرر (5).

أمّا جواز التیمم مع فقد الثمن حیث یتوقف حصول الماء علیه فظاهر ، لأنّ من هذا شأنه لا یکون واجدا للماء المباح ، فینتقل فرضه إلی التیمم.

وأمّا جوازه مع وجود الماء بثمن یضرّ به فی الحال فأسنده فی المعتبر إلی فتوی الأصحاب (6) ، واستدلّ علیه بأنّ من خشی من لصّ أخذ ما یجحف به لم یجب علیه السعی وتعریض المال للتلف ، وإذا ساغ التیمم هناک دفعا للضرر ساغ هنا. وبروایة

الثانی : عدم الوصلة إلیه

ص: 188


1- المعتبر ( 1 : 369 ).
2- فی ص (235).
3- المعتبر ( 1 : 369 ).
4- الجواهر ( 5 : 99 ). لعدم العلم بالبقاء الی وقته ، ولإمکان حصول مال فیه علی تقدیر البقاء.
5- کما فی المسالک ( 1 : 16 ).
6- المعتبر ( 1 : 370 ).

وإن لم یکن مضرا فی الحال لزمه شراؤه ولو کان بأضعاف ثمنه المعتاد. وکذا القول فی الآلة.

______________________________________________________

یعقوب بن سالم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یکون معه ماء والماء عن یمین الطریق ویساره غلوتین أو نحو ذلک ، قال : « لا آمره أن یغرّر بنفسه فیعرض له لصّ أو سبع » (1) وهو حسن.

ویؤیّده عموم قوله تعالی ( وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (2) وقوله عز وجل : ( یُرِیدُ اللهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلا یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ ) (3).

قوله : وإن لم یکن مضرّا به فی الحال لزمه شراؤه وإن کان بأضعاف ثمنه المعتاد.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وقال ابن الجنید : إذا کان الثمن غالیا تیمّم وصلّی ، وأعاد إذا وجد الماء (4). وهو ضعیف.

لنا : أنّه واجد للماء لقدرته علیه بالثمن المتمکّن منه فلا یسوغ له التیمم ، کما فی خصال الکفارة المرتبة ، وما رواه صفوان فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل احتاج إلی الوضوء للصلاة وهو لا یقدر علی الماء ، فوجد قدر ما یتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها ، یشتری ویتوضّأ أو یتیمّم؟ قال : « لا ، بل یشتری ، قد أصابنی مثل هذا فاشتریت وتوضّأت ، وما یشتری بذلک مال کثیر » (5).

ص: 189


1- الکافی ( 3 : 65 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 184 - 528 ) ، الوسائل ( 2 : 964 ) أبواب التیمم ب (2) ح (2).
2- الحج : (78).
3- البقرة : (185).
4- نقله فی المعتبر ( 1 : 369 ).
5- الکافی ( 3 : 74 - 17 ) ، الفقیه ( 1 : 23 - 71 ) ، التهذیب ( 1 : 406 - 1276 ) ، الوسائل ( 2 : 997 ) أبواب التیمم ب (26) ح (1).

الثالث : الخوف ، ولا فرق فی جواز التیمّم بین أن یخاف لصا أو سبعا أو یخاف ضیاع مال.

______________________________________________________

ولو بذل له المال أو وهب منه (1) وجب القبول ولا یسوغ له التیمم ، لأنّه واجد للماء ، ولو بذل له بثمن ولیس معه فبذل له الثمن قال الشیخ : یجب قبوله ، لأنّه متمکّن منه (2). واستشکله المصنف فی المعتبر بأنّ فیه منّة بالعادة ولا یجب تحمّل المنّة (3). وهو ضعیف ، لجواز انتفاء المنّة ، ومنع عدم وجوب تحمّلها إذا توقف الواجب علیه.

ولو امتنع من قبول الهبة لم یصح تیممه ما دام الماء أو الثمن باقیا فی ید المالک المقیم علی البذل.

قوله : الثالث ، الخوف : ولا فرق فی جواز التیمّم بین أن یخاف لصا أو سبعا أو یخاف ضیاع مال.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب علی ما نقله جماعة (4) ، بل قال فی المنتهی : إنّه لا یعرف فیه خلافا بین أهل العلم (5). وقد ورد به روایات کثیرة ، منها : روایتا یعقوب بن سالم وداود الرّقّی المتقدمتان (6).

وصحیحة الحلبی : أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یمرّ بالرکیّة ولیس معه دلو؟ قال : « لیس علیه أن یدخل الرکیّة ، لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض فلیتیمم » (7).

الثالث : الخوف
الخوف من اللص والسبع أو ضیاع المال

ص: 190


1- کذا ، والأنسب أن یکون : له. ویعنی به : الماء.
2- المبسوط ( 1 : 31 ).
3- المعتبر ( 1 : 371 ).
4- منهم المحقق فی المعتبر ( 1 : 366 ) ، والعلامة فی التذکرة ( 1 : 61 ).
5- المنتهی ( 1 : 134 ).
6- فی ص (179).
7- المتقدمة فی ص (182).

وکذا لو خشی المرض الشدید أو الشین باستعماله الماء جاز له التیمّم.

______________________________________________________

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنّه لا فرق فی الخوف بین أن یکون علی النفس أو المال أو البضع ، ولا فی الخوف بین أن یکون لسبب أو لمجرد الجبن ، ولا فی المال الذی یخاف تلفه بین القلیل والکثیر ، المضر فوته وعدمه. وبهذا التعمیم جزم الشارح - قدس سره - قال : والفارق بینه وبین الأمر ببذل المال الکثیر لشراء الماء النص ، لا کون الحاصل فی مقابلة الأوّل هو الثواب لبذله فی عبادة اختیارا ، وفی الثانی العوض وهو منقطع (1) ، لأنّ تارک المال للصّ وغیره طلبا للماء داخل فی موجب الثواب أیضا (2).

قلت : وکأنه أشار بالنص إلی روایتی یعقوب بن سالم ، وداود الرقی (3) الدالتین علی جواز التیمم مع الخوف من اللصّ ، المتناولتین بإطلاقهما للخوف عن فوات المال القلیل والکثیر ، وصحیحة صفوان (4) المتضمنة للأمر بشراء ماء الوضوء وإن کان بألف درهم مع التمکّن منه.

وفی سند الروایتین الأولیین ضعف ، وفی دلالتهما قصور ، إلاّ أنهما مؤیّدتان بعموم ما دلّ علی رفع الحرج والعسر ، ولا ریب أنّ فی تعریض النفس والمال للصوص حرجا عظیما ومهانة علی النفس ، بخلاف بذل المال اختیارا ، فإنّه لا غضاضة فیه علی أهل المروّة بوجه ، ولعلّ ذلک هو الفارق بین الموضعین.

قوله : وکذا لو خشی المرض الشدید أو الشین باستعمال الماء جاز له التیمّم.

المرض الشدید باستعمال الماء یتحقق بخوف حدوثه ، أو زیادته ، أو بطء برئه ،

خوف المرض والشین

ص: 191


1- یعنی به : أنّ الحاصل فی مقابله هو عوضه وثمنه فیکون فی ذمة السارق ، بخلاف الأول فإنّ الحاصل فی مقابله هو الثواب.
2- المسالک ( 1 : 16 ).
3- المتقدمتین فی ص (179).
4- المتقدمة فی ص (189).

______________________________________________________

ویشمل ما کان عامّا لجمیع البدن أو مختصا بعضو. ویدل علی جواز التیمم للمریض بأنواعه إذا خاف الضرر باستعمال الماء قوله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی ) (1) إذ المراد - والله أعلم - : وإن کنتم مرضی ، مرضا تخافون معه من استعمال الماء ، أو یشق علیکم معه استعماله. ویؤیّده ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجنب تکون به القروح ، قال : « لا بأس بأن لا یغتسل ، یتیمم » (2).

أما الجواز مع خوف حدوث المرض الشدید باستعمال الماء فیدل علیه عموم قوله تعالی ( وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (3) وقوله عز وجل ( وَلا تُلْقُوا بِأَیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ ) (4).

وصحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام : فی الرجل تصیبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو یکون یخاف علی نفسه البرد ، قال : « لا یغتسل ، یتیمم » (5).

وصحیحة داود بن سرحان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل تصیبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو یخاف علی نفسه من البرد ، قال : « لا یغتسل ، ویتیمم » (6).

ولو کان المرض یسیرا کوجع الرأس والضرس فهو غیر مسوغ للتیمم عند المصنف (7)

عدم تسویغ المرض الیسیر

ص: 192


1- المائدة : (6).
2- التهذیب ( 1 : 184 - 530 ) ، الوسائل ( 2 : 967 ) أبواب التیمم ب (5) ح ( 5 ، 11 ) بتفاوت یسیر.
3- الحج : (78).
4- البقرة : (195).
5- التهذیب ( 1 : 196 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 968 ) أبواب التیمم ب (5) ح (7).
6- التهذیب ( 1 : 185 - 531 ) ، الوسائل ( 2 : 968 ) أبواب التیمم ب (5) ح (8).
7- المعتبر ( 1 : 365 ).

______________________________________________________

والعلاّمة (1) ، لانتفاء الضرر معه. واستشکله الشهید - رحمه الله - فی الذکری (2) بالعسر والحرج ، وقول النبیّ صلی الله علیه و آله : « لا حرج » (3).

وربما کان الخلاف مرتفعا فی المعنی ، فإنّه مع الضرورة والمشقة الشدیدة یجوز التیمم عند الجمیع ، لأنّ المرض والحال هذه لا یکون یسیرا ، ومع انتفاء المشقة وسهولة المرض لا یسوغ التیمم عند الجمیع أیضا.

وإطلاق النص وکلام أکثر الأصحاب یقتضی أنّه لا فرق فی هذا الحکم بین متعمّد الجنابة وغیره ، ویؤیّده أنّ الجنابة علی هذا التقدیر غیر محرّمة إجماعا کما نقله فی المعتبر (4) ، فلا یترتب علی فاعله عقوبة (5) ، و [ فی ] ارتکاب التغریر بالنفس عقوبة.

وقال الشیخان : إن أجنب نفسه مختارا لم یجز له التیمم وإن خاف التلف أو الزیادة فی المرض (6) ، واستدل علیه فی الخلاف بصحیحة (7) عبد الله بن سلیمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل تخوف أن یغتسل فیصیبه عنت ، قال : « یغتسل وإن أصابه ما أصابه » (8).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل تصیبه الجنابة فی

حکم من أجنب نفسه مع عدم الماء

ص: 193


1- المنتهی ( 1 : 136 ) ، والتذکرة ( 1 : 62 ).
2- الذکری : (22).
3- سنن ابن ماجة ( 2 : 1013 - 3049 ، 3052 ) ، سنن أبی داود ( 2 : 211 - 2014 ، 2015 ).
4- المعتبر ( 1 : 363 ).
5- الجواهر ( 5 : 108 ). مع أن المتجه علی مذهب الخصم حرمة الجنابة والحال هذه.
6- المفید فی المقنعة : (8) ، والشیخ فی الخلاف ( 1 : 39 ) ، والمبسوط ( 1 : 30 ) ، والنهایة : (46).
7- فی « س » و « ح » : بروایة.
8- التهذیب ( 1 : 198 - 575 ) ، الإستبصار ( 1 : 162 - 563 ) ، الوسائل ( 2 : 986 ) أبواب التیمم ب (17) ح (3).

______________________________________________________

اللیلة الباردة ، قال : « اغتسل علی ما کان ، فإنّه لا بدّ من الغسل » (1).

وأجاب عنهما فی المعتبر بعدم الصراحة فی الدلالة ، لأنّ العنت المشقة ، ولیس کلّ مشقة تلفا ، ولأنّ قوله علیه السلام : « علی ما کان » لیس حجة فی موضع النزاع وإن دل بإطلاقه ، فدفع الضرر المظنون واجب عقلا لا یرتفع بإطلاق الروایة ، ولا یخصّ بها عموم نفی الحرج (2). وهو جید.

ویتوجه علیهما أیضا أنّهما متروکتا الظاهر ، إذ لا تقیید فیهما بتعمّد الجنابة ، ولا قائل بمضمونهما علی الإطلاق.

نعم روی الکلینی - رحمه الله تعالی - عن علیّ بن إبراهیم رفعه قال : « إن أجنب نفسه فعلیه أن یغتسل علی ما کان منه ، وإن احتلم تیمّم » (3).

وعن علیّ بن أحمد رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن مجدور أصابته جنابة ، قال : « إن کان أجنب هو فلیغتسل ، وإن کان احتلم فلیتیمّم » (4) وضعف سندهما یمنع من التمسک بهما.

ویرجع المریض فی معرفة التضرر باستعمال الماء إلی الظنّ الحاصل من التجربة ، أو إخبار العارف وإن کان فاسقا ، إذ غایة ما تقیّد به الآیة الشریفة اعتبار ظنّ الضرر فیکفی حصوله بأیّ وجه اتفق.

وأمّا الشین فقیل : إنّه عبارة عمّا یعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة ، الناشئة من

ص: 194


1- التهذیب ( 1 : 198 - 576 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 564 ) ، الوسائل ( 2 : 987 ) أبواب التیمم ب (17) ح (4).
2- المعتبر ( 1 : 397 ).
3- الکافی ( 3 : 67 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 986 ) أبواب التیمم ب (17) ح (2).
4- الکافی ( 3 : 68 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 59 - 219 ) ، التهذیب ( 1 : 198 - 574 ) ، الإستبصار ( 1 : 162 - 562 ) ، الوسائل ( 2 : 986 ) أبواب التیمم ب (17) ح (1).

وکذا لو کان معه ماء للشرب وخاف العطش إن استعمله.

______________________________________________________

استعمال الماء فی البرد الشدید ، وربما بلغت تشقق الجلد وخروج الدم (1). وقد طع الأصحاب بجواز التیمم مع ذلک ، دفعا للضرر اللازم من وجوب استعمال الماء معه. واعتبر فیه العلاّمة فی المنتهی التفاحش (2) ، ولا بأس به.

قوله : وکذا لو کان معه ماء للشرب وخاف العطش إن استعمله فی الحال أو المآل.

هذا مذهب العلماء کافّة قاله فی المعتبر (3) ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنّه قال فی رجل أصابته جنابة فی السفر ولیس معه إلاّ ماء قلیل یخاف إن هو اغتسل أن یعطش ، قال : « إن خاف عطشا فلا یهرق منه قطرة ، ولیتیمم بالصعید ، فإنّ الصعید أحبّ إلیّ » (4).

وفی الصحیح ، عن محمد الحلبی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الجنب یکون معه الماء القلیل ، فإن هو اغتسل به خاف العطش ، أیغتسل به أو یتیمّم؟ قال : « بل یتیمّم ، وکذلک إذا أراد الوضوء » (5).

قال فی المعتبر : ولو خشی العطش علی رفیقه أو دوابّه استبقی الماء ویتیمّم ، لأنّ حرمة أخیه المسلم کحرمته ، ولأنّ حرمة المسلم آکد من حرمة الصلاة ، والخوف علی الدواب خوف علی المال ، ومعه یجوز التیمم (6). هذا کلامه - رحمه الله تعالی.

خوف العطش

ص: 195


1- کما فی المسالک ( 1 : 16 ).
2- المنتهی ( 1 : 135 ).
3- المعتبر ( 1 : 367 ).
4- التهذیب ( 1 : 404 - 1267 ) ، الوسائل ( 2 : 996 ) أبواب التیمم ب (25) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 406 - 1275 ) ، الوسائل ( 2 : 997 ) أبواب التیمم ب (25) ح (2).
6- المعتبر ( 1 : 368 ).

الطّرف الثّانی : فیما یجوز التیمم به :

وهو کل ما یقع علیه اسم الأرض.

______________________________________________________

وهو جید بالنظر إلی الرفیق المسلم ، لأن حفظ المسلم أرجح فی نظر الشرع من الصلاة ، بدلیل أنها تقطع لحفظ المسلم من الغرق والحرق وإن ضاق وقتها.

أما بالنظر إلی الدواب فمشکل علی إطلاقه ، لأن مطلق ذهاب المال غیر مسوغ للتیمم ، ولهذا وجب صرف المال الکثیر الذی لا یضر فوته فی شراء الماء ( ومنه الدواب لو توقف الشراء علیه ) (1) فیمکن القول بوجوب ذبح الدابة ( أو إتلافها ) (2) واستعمال الماء ، لأنه واجد له غیر مضطر إلیه ، فلا یسوغ له التیمم.

فرع : لو کان معه ماءان طاهر ونجس ، وخشی العطش ، فقد قطع الأصحاب بأنه یستبقی الطاهر لشربه ویتیمم ، لأنه قادر علی شرب الطاهر فلا یستبیح النجس ، فجری وجوده مجری عدمه. وهو جید إن ثبت تحریم شرب النجس مطلقا.

قوله : الطّرف الثّانی ، فیما یجوز التیمم به ، وهو : کل ما یقع علیه اسم الأرض.

اختلفت عبارات الأصحاب فیما یجوز التیمم به ، فقال الشیخ فی المبسوط : لا یجوز التیمم إلاّ بما یقع علیه اسم الأرض إطلاقا ، سواء کان علیه تراب أو کان حجرا أو جصّا أو غیر ذلک (3) ، وبمعناه قال فی الجمل والخلاف (4) ، ونحوه قال المرتضی فی المصباح (5).

وقال فی شرح الرسالة : لا یجزئ فی التیمم إلاّ التراب الخالص أی الصافی من مخالطة ما لا یقع علیه اسم الأرض ، کالکحل والزرنیخ وأنواع المعادن (6). ونحوه قال

- ما یجوز التیمم به

ما یقع علیه اسم الأرض

ص: 196


1- ما بین القوسین زیادة من « ح ».
2- من « ح ».
3- المبسوط ( 1 : 31 ).
4- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (168). الخلاف ( 1 : 30 ).
5- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 372 ).
6- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 372 ).

______________________________________________________

المفید فی المقنعة (1) ، وأبو الصلاح (2).

ونقل عن ابن أبی عقیل أنه جوّز التیمم بالأرض وبکل ما کان من جنسها ، کالکحل والزرنیخ ، واستحسنه فی المعتبر (3).

والمعتمد اعتبار ما یقع علیه اسم الأرض.

لنا : قوله تعالی ( فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً ) (4) والصعید : وجه الأرض علی ما نص علیه الخلیل (5) والزجاج (6) ، ونقله ثعلب عن ابن الأعرابی. ویدل علیه قوله تعالی : ( فَتُصْبِحَ صَعِیداً زَلَقاً ) (7) أی أرضا ملساء یزلق علیها باستیصال نباتها وأشجارها.

وقول النبی صلی الله علیه و آله : « یحشر الناس یوم القیامة حفاة عراة علی صعید واحد » (8) أی أرض واحدة.

ویدل علی جواز التیمم بالأرض الأخبار المستفیضة ، کقول الصادق علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « إذا لم یجد الرجل طهورا وکان جنبا فلیمسح من الأرض ولیصلّ » (9) وفی صحیحة الحلبی : « إنّ رب الماء هو رب الأرض فلیتیمم » (10) وفی

ص: 197


1- المقنعة : (7).
2- الکافی فی الفقه : (136).
3- المعتبر ( 1 : 372 ).
4- النساء : (43).
5- کتاب العین ( 1 : 290 ).
6- نقله عنه فی المصباح المنیر : (340) ، ومجمع البحرین ( 3 : 85 ) ، ونقلا عنه قوله : أنه لا یعلم فیه اختلافا بین أهل اللغة.
7- الکهف : (40).
8- المعتبر ( 1 : 373 ).
9- التهذیب ( 1 : 193 - 556 ) ، الإستبصار ( 1 : 159 - 549 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (7).
10- الفقیه ( 1 : 57 - 213 ) ، المحاسن : ( 372 - 133 ) ، الوسائل ( 2 : 965 ) أبواب التیمم ب (3) ح (1) ، بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

صحیحة محمد بن مسلم : « فإن فاتک الماء لم تفتک الأرض » (1) وإنما یکون وجدان الأرض نافعا لو جاز التیمم بها.

احتج السید المرتضی - رحمه الله - علی ما نقل عنه (2) بقوله تعالی ( فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً ) والصعید هو التراب بالنقل عن أهل اللغة (3) ، حکاه ابن درید عن أبی عبیدة.

وبقوله علیه السلام : « جعلت الأرض لی مسجدا وترابها طهورا » (4) ولو کانت الأرض طهورا وإن لم تکن ترابا لکان لفظ ترابها لغوا.

وأجاب عنه فی المعتبر بأنه لا یلزم من تسمیة التراب صعیدا أن لا یسمی به الأرض ، بل جعله اسما للأرض أولی ، لأنه یستعمل فیهما فیجعل حقیقة فی القدر المشترک بینهما وهو الأرضیة ، دفعا للاشتراک والمجاز. فیکون التراب صعیدا باعتبار کونه أرضا ، لا باعتبار کونه ترابا.

وعن الروایة بأنّ التمسک بها تمسک بدلالة الخطاب وهی متروکة فی معرض النص إجماعا. وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری (5) أنّ الروایة موجودة بحذف ترابها.

وکیف کان فهذه الروایة الضعیفة لا تعارض الأخبار المستفیضة الصحیحة السند المتضمنة لجواز التیمم بما یسمی أرضا.

ص: 198


1- الکافی ( 3 : 63 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 203 - 588 ) ، الإستبصار ( 1 : 165 - 573 ) ، الوسائل ( 2 : 993 ) أبواب التیمم ب (22) ح (1).
2- فی المعتبر ( 1 : 372 ).
3- کما فی القاموس المحیط ( 1 : 318 ) ، والصحاح ( 2 : 498 ).
4- الفقیه ( 1 : 155 - 724 ) ، الخصال : ( 292 - 56 ) ، الوسائل ( 2 : 969 ) أبواب التیمم ب (7) ح (2).
5- الذکری : (21).

______________________________________________________

واختلف الأصحاب فی جواز التیمم بالحجر الصلد الذی لا غبار علیه کالرخام والبرام (1). فقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط والخلاف : یجوز التیمم به اختیارا (2). وقال فی النهایة : ولا بأس بالتیمم بالأحجار وأرض النورة وأرض الجصّ إذا لم یقدر علی التراب (3).

وقریب منه کلام المفید - رحمه الله - فی المقنعة ، فإنه قال : وإن کان فی أرض صخر وأحجار لیس علیها تراب وضع یده أیضا علیها ومسح وجهه وکفیه کما ذکرنا فی تیممه بالتراب ، ولیس علیه حرج فی الصلاة بذلک ، لموضع الاضطرار (4).

وقال ابن إدریس - رحمه الله - : ولا یعدل إلی الحجر إلاّ إذا فقد التراب (5).

وربما أشعر کلام ابن الجنید - رحمه الله - بالمنع من التیمم مطلقا ، فإنه قال : ولا یجوز من السبخ ، ولا مما أحیل عن معنی الأرض المخلوقة بالطبخ والتحجیر خاصة (6).

والمعتمد جواز التیمم به اختیارا ، لأنه أرض إجماعا کما حکاه فی المعتبر (7) ، ودل علیه اللغة والعرف ، ومتی ثبت کونه أرضا تناولته الأدلة الدالة علی جواز التیمم بالأرض.

حکم التیمم بالحجر

ص: 199


1- الرخام : حجر أبیض رخو - الصحاح ( 5 : 1930 ) ، البرام : الظاهر أنه حجر معروف بالحجاز والیمن یصنع منه القدور کما یستفاد من لسان العرب ( 12 : 45 ).
2- المبسوط ( 1 : 32 ) ، والخلاف ( 1 : 30 ).
3- النهایة : (49).
4- المقنعة : (8).
5- السرائر : (26).
6- نقله عنه فی المختلف : (48).
7- المعتبر ( 1 : 376 ).

ولا یجوز التیمّم بالمعادن ولا بالرماد ،

______________________________________________________

ولم أقف للقائلین بجواز التیمم به مع الاضطرار دون الاختیار علی حجة یعتد بها. فإنّ الحجر إن صدق علیه اسم الأرض جاز التیمم به ، مع وجود التراب وعدمه ، وإلاّ امتنع کذلک ، کما هو ظاهر عبارة ابن الجنید. أما التفصیل فلا وجه له. ومع ذلک کله فلا ریب أنّ التیمم بالتراب الخالص أولی وأحوط.

قوله : ولا یجوز التیمّم بالمعادن.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل علیه العلامة - رحمه الله - فی المنتهی الإجماع (1).

وقال ابن أبی عقیل - رحمه الله - : یجوز التیمم بالأرض وبکل ما کان من جنسها ، کالکحل والزرنیخ ، لأنه یخرج من الأرض (2). وهو ضعیف ، لأن الجواز تعلق بما یسمی أرضا لا بما یخرج من الأرض.

والأولی اعتبار الاسم ، کما اختاره فی المعتبر (3).

قوله : ولا بالرماد.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، حکاه فی المنتهی (4). وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین رماد التراب وغیره ، لأنه لا یسمی أرضا. واستقرب العلامة - رحمه الله - فی النهایة جواز التیمم بالرماد المتخذ من التراب (5). وقال فی التذکرة : لو احترق التراب حتی صار رمادا ، فإن کان خرج عن اسم الأرض لم یصح التیمم به (6). وهو أولی ، إذ

حکم التیمم بالمعادن والرماد

ص: 200


1- المنتهی ( 1 : 141 ).
2- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 372 ).
3- المعتبر ( 1 : 374 ).
4- المنتهی ( 1 : 142 ).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 199 ).
6- التذکرة ( 1 : 54 ).

ولا بالنبات المنسحق کالأشنان والدقیق. ویجوز التیمّم بأرض النورة ، والجص ،

______________________________________________________

المعتبر ما یقع علیه اسم الأرض.

قوله : ولا بالنبات المنسحق ، کالأشنان (1) والدقیق.

هذا قول علمائنا أجمع ، وخالف فیه بعض العامة (2) ، فأجاز التیمم بما اتصل بالأرض من الشجر والنبات. ولا ریب فی بطلانه.

قوله : ویجوز التیمّم بأرض النورة ، والجص.

لا ریب فی جواز التیمم بأرض النورة والجصّ قبل الإحراق ، لأن اسم الأرض یقع علیهما حقیقة ، ومتی ثبت ذلک جاز التیمم بهما مطلقا.

واعتبر الشیخ - رحمه الله - فی النهایة فی جواز التیمم بهما وبالحجر فقد التراب (3). وهو ضعیف جدا. لأن اسم الأرض إن صدق علیهما حقیقة جاز التیمم بهما مع وجود التراب وعدمه ، وإلاّ امتنع کذلک.

أما نفس النورة والجصّ بعد الإحراق ، فذهب الشیخان (4) وأتباعهما (5) إلی المنع من التیمم بهما لخروجهما بالإحراق ، عن اسم الأرض. وقال المرتضی - رحمه الله - فی المصباح ، وسلار (6) : یجوز التیمم بهما.

قال فی المعتبر : ما ذکره علم الهدی هو روایة السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن

حکم التیمم بالنبات المنسحق
حکم التیمم بأرض النورة والجص

ص: 201


1- الأشنان : شجر ینبت فی الأرض الرملیة ، یستعمل هو أو رماده فی غسل الثیاب والأیدی - الإفصاح ( 1 : 387 ).
2- منهم القرطبی فی الجامع لأحکام القرآن ( 5 : 237 ).
3- النهایة : (49).
4- المفید فی المقنعة : (7) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 32 ) ، والخلاف ( 1 : 30 ).
5- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : (136) ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : (552) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (71).
6- المراسم : (54).

______________________________________________________

علی علیهم السلام : إنه سئل عن التیمم بالجصّ ، فقال : « نعم » فقیل : بالنورة؟ فقال : « نعم » فقیل : بالرماد؟ فقال : « لا ، إنه لا یخرج من الأرض ، إنما یخرج من الشجر » (1) - وهذا السکونی ضعیف لکن روایته حسنة - لأنه (2) أرض فلا یخرج باللون والخاصیة عن اسم الأرض ، کما لا یخرج الأرض الصفراء والحمراء (3). هذا کلامه - رحمه الله تعالی. والأولی اعتبار الاسم کما اختاره فی المنتهی (4).

واختلف الأصحاب فی جواز التیمم بالخزف ، فقال ابن الجنید والمصنف - رحمه الله - فی المعتبر : لا یجوز التیمم به ، لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض (5).

وقیل بالجواز (6) ، للشک فی تحقق الاستحالة. ولأن الأرض المحترقة ( قد ) (7) یقع علیها اسم الأرض حقیقة. والمنع أحوط.

وقال المصنف فی المعتبر بعد أن قطع بخروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض : ولا یعارض بجواز السجود ، لأنه قد یجوز السجود علی ما لیس بأرض کالکاغذ.

ویتوجه علیه : أن مقتضی الروایات الصحیحة المنع من السجود علی غیر الأرض ونباتها الذی لم یؤکل أو یلبس (8) فمتی سلم خروج الخزف بالطبخ عن اسم الأرض ، وجب القول بامتناع السجود علیه إلی أن یثبت دلیل الجواز فیه ، کما ثبت فی الکاغذ

حکم التیمم بالخزف

ص: 202


1- التهذیب ( 1 : 187 - 539 ) ، الوسائل ( 2 : 971 ) أبواب التیمم ب (8) ح (1).
2- هذا دلیل علی ما اختاره فی المعتبر من جواز التیمم بأرض الجص والنورة.
3- المعتبر ( 1 : 376 ).
4- المنتهی ( 1 : 142 ).
5- المعتبر ( 1 : 375 ) ، ونقله عن ابن الجنید أیضا.
6- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 67 ) ، ومجمع الفائدة ( 1 : 222 ).
7- لیست فی « م » و « س ».
8- الوسائل ( 3 : 591 ) أبواب ما یسجد علیه ب (1).

وتراب القبر ، وبالتراب المستعمل فی التیمّم. ولا یصحّ التیمّم بالتراب المغصوب ،

______________________________________________________

وسیجی ء تمام تحقیق المسألة إن شاء الله تعالی.

قوله : وتراب القبر.

مذهب الأصحاب جواز التیمم بتراب القبر ، سواء کان منبوشا أو غیر منبوش ، إلاّ أن یعلم فیه نجاسة ، لتناول اسم الصعید له ، وعدم تحقق المانع من استعماله.

وقال الشافعی : المقبرة إذا تکرر نبشها لا یجوز التیمم بترابها ، لاختلاطه بصدید الموتی ، وإن لم یتکرر جاز (1). ولا ریب فی بطلانه.

قوله : والتراب المستعمل فی التیمّم.

فسر المستعمل بالممسوح به ، أو المتساقط عن محل الضرب ، لا المضروب علیه ، فإنه لیس بمستعمل عند الجمیع. وقد أجمع الأصحاب علی جواز التیمم بالتراب المستعمل ، لأنّه لم یخرج بالاستعمال عن اسم الصعید. وخالف فیه بعض العامة ، فمنع من جواز التیمم به ثانیا قیاسا علی الماء المستعمل فی الطهارة (2). وهو قیاس مع الفارق.

قوله : ولا یصحّ التیمّم بالتراب المغصوب.

للنهی عنه المقتضی للفساد. والمراد بالمغصوب ما لم یکن مملوکا ولا مأذونا فیه ، خصوصا أو عموما أو بشاهد الحال.

ولو تیمم فی المکان المغصوب فالأصح أنه لا یبطل تیممه إذا کان التراب المضروب علیه مباحا ، لتوجه النهی إلی أمر خارج عن العبادة ، فإن الکون لیس من أفعال التیمم ، وإنما هو من ضروریات الجسم.

حکم التیمم بتراب القبر والمستعمل والمغصوب

ص: 203


1- قال فی کتاب الام ( 1 : 51 ). ولا یتیمم بتراب المقابر لاختلاطها بصدید الموتی ولحومهم وعظامهم.
2- منهم الغمراوی فی السراج الوهاج : (37). والخطیب الشربینی فی مغنی المحتاج ( 1 : 96 ).

ولا بالنجس ، ولا بالوحل مع وجود التراب.

وإذا مزج التراب بشی ء من المعادن ، فإن استهلکه التراب وإلا لم یجز.

______________________________________________________

قوله : ولا النجس.

هذا مذهب الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه مخالفا (1) ، واستدل علیه بقوله تعالی ( فَتَیَمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً ) والطیب هو الطاهر.

وهو جید ، إن ثبت کون الطیب هو الطاهر بالمعنی الشرعی ، لکن یبقی الکلام فی إثبات ذلک.

قوله : ولا بالوحل مع وجود التراب.

هو بسکون الحاء وفتحها : الطین الرقیق. نصّ علیه فی الصحاح (2). وقال فی القاموس : الوحل : الطین ترتطم فیه الدواب (3). والظاهر أنّ مطلق الطین لا یجوز التیمم به اختیارا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة رفاعة : « إذا کانت الأرض مبتلّة لیس فیها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتیمم منه ، فإن ذلک توسیع من الله عزّ وجلّ » ثم قال : « وإن کان فی موضع لا یجد إلاّ الطین فلا بأس أن یتیمم منه » (4) ونحوه روی أبو بصیر فی الحسن عن أبی عبد الله علیه السلام (5).

قوله : وإذا مزج التراب بشی ء من المعادن فإن استهلکه التراب جاز ، وإلا لم یجز.

ینبغی أن یراد بالاستهلاک أن لا یتمیز الخلیط ، ویصدق علی الممتزج اسم التراب

حرمة التیمم بالنجس والطین مع وجود التراب

ص: 204


1- المنتهی ( 1 : 144 ).
2- الصحاح ( 5 : 1840 ).
3- القاموس المحیط ( 4 : 65 ).
4- التهذیب ( 1 : 189 - 546 ) ، الإستبصار ( 1 : 156 - 539 ) ، الوسائل ( 2 : 972 ) أبواب التیمم ب (9) ح (4).
5- الکافی ( 3 : 67 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 189 - 543 ) ، الإستبصار ( 1 : 156 - 537 ) ، الوسائل ( 2 : 973 ) أبواب التیمم ب (9) ح (7).

ویکره بالسبخة والرمل.

______________________________________________________

الصرف ، وحینئذ فلا ریب فی جواز التیمم به ، لصدق التیمم بالصعید.

وقال فی المنتهی : لو اختلط التراب بما لا یتعلق بالید کالشعر جاز التیمم منه ، لأن التراب موجود فیه والحائل لا یمنع من التصاق الید به (1).

وهو مشکل ، إذ المعتبر مماسة باطن الکفین بأسرهما للصعید ، وما أصاب الخلیط من الید لم یماس التراب.

قوله : ویکره بالسبخة والرمل.

المراد بالسبخة الأرض المالحة النشّاشة (2). والحکم بجواز التیمم بالأرض السبخة والرمل علی کراهة فیهما مذهب فقهائنا أجمع ، عدا ابن الجنید ، فإنه منع من السبخ. حکی ذلک المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (3).

أما الجواز ، فلأن اسم الأرض یقع علیهما حقیقة ، فإنّ الرمل أجزاء أرضیة اکتسبت حرارة أوجبت لها التشتت. والسبخة أرض اکتسبت حرارة أوجبت لها تغیرا ما فی الکیفیة ، لا تخرج به عن الحقیقة الأرضیة ، ومتی ثبت کونهما أرضا جاز التیمم بهما ، تمسکا بظاهر الآیة والنصوص التی تلوناها سابقا.

وأما الکراهة ، فلم أقف فیها علی أثر. وربما کان الوجه فیها التفصی من احتمال خروجها بتلک الحرارة المکتسبة عن الحقیقة الأرضیة ، أو الخروج من خلاف ابن الجنید فی السبخ ، وخلاف بعض العامة فی الرمل (4).

کراهة التیمم بالسبخة والرمل

ص: 205


1- المنتهی ( 1 : 142 ).
2- سبخة نشاشة : ما یظهر من ماء السباخ أی المالحة فینشّ فیها - أی أخذ الماء فی النضوب - حتی یعود ملحا - الصحاح ( 3 : 1021 ) ، النهایة لابن الأثیر ( 5 : 57 ).
3- المعتبر ( 1 : 374 ).
4- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر ( 1 : 282 ، 288 ) ، والمرداوی فی الانصاف ( 1 : 284 ).

ویستحب أن یکون من ربا الأرض وعوالیها. ومع فقد التراب یتیمّم بغبار ثوبه ، أو لبد سرجه ، أو عرف دابته.

______________________________________________________

قوله : ویستحب أن یکون من ربا الأرض وعوالیها.

لأنها أبعد عن ملاقاة النجاسة من المهابط ، ولروایة غیاث بن إبراهیم عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « نهی أمیر المؤمنین علیه السلام أن یتیمم الرجل بتراب من أثر الطریق » (1).

قوله : ومع فقد التراب یتیمّم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته.

إذا فقد التراب وما فی معناه وجب التیمم بغبار الثوب ، أو عرف الدابة ، أو لبد السرج ، أو غیر ذلک مما فیه غبار. قال فی المعتبر : وهو مذهب علمائنا وأکثر العامة (2).

والمستند فیه : روایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت فی حال لا تقدر إلاّ علی الطین فتیمم به ، فإن الله أولی بالعذر إذا لم یکن معک ثوب جافّ ولا لبد تقدر علی أن تنفضه وتتیمم به » (3).

وصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أرأیت المواقف ، إن لم یکن علی وضوء کیف یصنع ولا یقدر علی النزول؟ قال : « یتیمم من لبد سرجه أو معرفة دابته ، فإن فیها غبارا ، ویصلی » (4).

وصحیحة رفاعة عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فإن کان فی ثلج فلینظر فی

استحباب التیمم من ربا الأرض
التیمم من غبار الثوب أو لبد السرج أو عرف الدابة

ص: 206


1- الکافی ( 3 : 62 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 187 - 538 ) ، الوسائل ( 2 : 969 ) أبواب التیمم ب (6) ح (2).
2- المعتبر ( 1 : 376 ).
3- الکافی ( 3 : 67 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 189 - 543 ) ، الإستبصار ( 1 : 156 - 537 ) ، الوسائل ( 2 : 973 ) أبواب التیمم ب (9) ح (7).
4- التهذیب ( 1 : 189 - 544 ) ، الإستبصار ( 1 : 157 - 541 ) ، السرائر : (480) ، الوسائل ( 2 : 972 ) أبواب التیمم ب (9) ح (1) بتفاوت یسیر.

ومع فقدان ذلک یتیمّم بالوحل.

______________________________________________________

لبد سرجه ، فلیتیمم من غباره ، أو شی ء مغبر. وإن کان فی موضع لا یجد إلاّ الطین فلا بأس أن یتیمم منه » (1).

وإنما یجوز التیمم بالغبار مع فقد التراب ، کما نصّ علیه الشیخ (2) وأکثر الأصحاب. وربما ظهر من عبارة المرتضی - رحمه الله - فی الجمل جواز التیمم به مع وجود التراب أیضا (3). وهو بعید ، لأنه لا یسمی صعیدا. بل یمکن المناقشة فی جواز التیمم به مع إمکان التیمم بالطین ، لضعف الروایة الاولی (4) ، واختصاص الروایة الثانیة بالمواقف الذی لا یتمکن من النزول إلی الأرض ، والثالثة بحال الثلج المانعة من الوصول إلی الأرض. إلاّ أنّ الأصحاب قاطعون بتقدیم الغبار علی الوحل ، وظاهرهم الاتفاق علیه.

قوله : ومع فقد ذلک یتیمّم بالوحل.

المستند فی ذلک بعد الإجماع : روایتا أبی بصیر ورفاعة المتقدمتان. ولو أمکن تجفیف الوحل بحیث یصیر ترابا والتیمم به وجب ذلک ، وقدم علی الغبار قطعا.

واختلف الأصحاب فی کیفیة التیمم بالوحل ، فقال الشیخان : إنه یضع یدیه علی الأرض ثم یفرکهما ویتیمم به (5). وهو خیرة المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (6) عملا بظاهر الأمر. وقال آخرون : یضع یدیه علی الوحل ویتربص ، فإذا یبس تیمم به (7).

التیمم بالوحل

ص: 207


1- المتقدمة فی ص (204).
2- المبسوط ( 1 : 32 ) ، والنهایة : (49).
3- جمل العلم والعمل : (52).
4- لعل وجه الضعف اشتراک أبی بصیر بین الثقة والضعیف. کما صرح به فی ص [36] من هذا الکتاب.
5- الشیخ المفید فی المقنعة : (8) ، قال : فلیضع یدیه علی الوحل ثم یرفعهما فیمسح إحداهما علی الأخری حتی لا یبقی فیهما نداوة ولیمسح بهما وجهه. والشیخ الطوسی فی المبسوط ( 1 : 32 ).
6- المعتبر ( 1 : 377 ).
7- (7) منهم ابن حمزة فی الوسیلة : (71) ، والعلامة فی التحریر : (22)

الطّرف الثالث : فی کیفیة التیمم

ولا یصحّ التیمّم قبل دخول الوقت ، ویصح مع تضیّقه. وهل یصح مع سعته؟ فیه تردد ، والأحوط المنع.

______________________________________________________

واستوجهه فی التذکرة إن لم یخف فوت الوقت (1). وهو بعید.

ولو فقد الوحل سقط فرض أداء الصلاة عند أکثر الأصحاب. وظاهر المرتضی (2) وابن الجنید (3) جواز التیمم بالثلج. وهو مشکل ، لأن الثلج لیس بأرض ، فلا یسوغ التیمم به.

وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : وإن کان فی أرض قد غطاها الثلج ، ولا سبیل له إلی التراب ، فلیکسره ولیتوضأ به مثل الدهن (4). ومقتضاه أنّ الواجب الوضوء به لا التیمم ، إلاّ أنه یشکل بأنه إن تحقق به الغسل فلا وجه لتقدیم التراب علیه ، وإلاّ لم یعتبر أصلا.

والحق أنه إن أمکن الطهارة بالثلج بحیث یتحقق به الغسل الشرعی کان مقدما علی التراب ومساویا للماء فی جواز الاستعمال. وإن قصر عن ذلک سقط اعتباره مطلقا ، أما فی الوضوء والغسل ، فلعدم إمکان الغسل به کما هو المفروض ، وأما فی التیمم ، فلأنه لیس أرضا ، فلا یجوز التیمم به.

قوله : الطّرف الثالث ، فی کیفیة التیمم : ولا یصحّ التیمّم قبل دخول الوقت ، ویصح مع تضیّقه ، وهل یصح مع سعته؟ فیه تردد ، والأحوط المنع.

أجمع الأصحاب علی عدم جواز التیمم للفریضة الموقتة قبل دخول الوقت ، کما

- کیفیة التیمم

وقت التیمم

ص: 208


1- التذکرة ( 1 : 61 ).
2- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 377 ).
3- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 377 ).
4- المقنعة : (8).

______________________________________________________

أطبقوا أیضا علی وجوبه مع تضیقه ولو ظنا. وإنما الخلاف فی جوازه مع السعة. فذهب الشیخ (1) ، والسید المرتضی (2) - رحمهما الله - وجمع من الأصحاب (3) إلی أنه لا یصح إلاّ فی آخر الوقت ، ونقل علیه السید الإجماع فی الناصریة والانتصار. وذهب الصدوق - رحمه الله تعالی - إلی جوازه فی أول الوقت (4) ، وقواه فی المنتهی (5) ، واستقر به فی البیان (6).

وقال ابن الجنید : إن وقع الیقین بفوت الماء آخر الوقت أو غلب الظن ، فالتیمم فی أول الوقت أحب إلیّ (7). واستجوده المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (8) ، واختاره العلامة - رحمه الله - فی أکثر کتبه (9).

احتج الشیخ (10) والمرتضی (11) بالإجماع ، وحسنة زرارة عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إذا لم یجد المسافر الماء فلیطلب ما دام فی الوقت ، فإن خاف أن یفوته الوقت

ص: 209


1- المبسوط ( 1 : 31 ) ، الخلاف ( 1 : 35 ).
2- الانتصار : (31) ، المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (189).
3- منهم ابن البراج فی المهذب ( 1 : 47 ) ، وابن حمزة فی الوسیلة : (70) ، وابن إدریس فی السرائر : (26).
4- قال فی الهدایة : (18). من کان جنبا أو علی غیر وضوء ووجبت الصلاة ولم یجد الماء فلیتیمم. ولم یذکر التأخیر. ولکن قال فی المقنع : 4. . أعلم أنه لا تیمم للرجل حتی یکون فی آخر الوقت.
5- المنتهی ( 1 : 140 ).
6- البیان : (34).
7- نقله عنه فی المختلف : (47).
8- المعتبر ( 1 : 384 ).
9- المختلف : (47) ، والتذکرة ( 1 : 63 ).
10- الخلاف ( 1 : 35 ).
11- الانتصار : (32).

______________________________________________________

فلیتیمم ولیصلّ فی آخر الوقت » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سمعته یقول : « إذا لم تجد ماءا وأردت التیمم فأخّر التیمم إلی آخر الوقت ، فإن فاتک الماء لم تفتک الأرض » (2).

وفی الجمیع نظر : أما الإجماع ، فبالمنع منه فی موضع النزاع. وأما الروایة الأولی ، فلأن مقتضاها أنّ المسافر یطلب الماء ما دام فی الوقت ، والطلب یؤذن بإمکان الظفر وإلاّ لکان عبثا. وکذا الکلام فی الثانیة ، فإن قوله علیه السلام : « فإن فاتک الماء لم تفتک الأرض » یقتضی الشک فی الفوات. فلا یتم الاحتجاج بهما علی اعتبار التضیق مطلقا.

ویمکن حملهما علی الاستحباب ، لقصورهما من حیث السند عن إثبات الوجوب بإضمار الثانیة ، وعدم بلوغ الأولی مرتبة الصحیح ، مع أنها متروکة الظاهر ، إذ لا نعلم قائلا بوجوب الطلب فی مجموع الوقت سوی المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (3) ، فإنه یفهم من کلامه المیل إلیه.

ویشهد لهذا الحمل قول الصادق علیه السلام فی صحیحة محمد بن حمران : « واعلم أنه لیس ینبغی لأحد أن یتیمم إلاّ فی آخر الوقت » (4) فإن لفظ « لا ینبغی » و « لیس ینبغی » ظاهر فی الکراهة.

حجة القول الثانی : قوله تعالی ( إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) إلی قوله :

ص: 210


1- الکافی ( 3 : 63 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 203 - 589 ) ، الإستبصار ( 1 : 165 - 574 ) ، الوسائل ( 2 : 993 ) أبواب التیمم ب (22) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 63 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 203 - 588 ) ، الإستبصار ( 1 : 165 - 573 ) ، الوسائل ( 2 : 993 ) أبواب التیمم ب (22) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 382 ).
4- التهذیب ( 1 : 203 - 590 ) ، الإستبصار ( 1 : 166 - 575 ) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (21) ح (3) ، ب (22) ح (5).

______________________________________________________

( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (1) أوجب التیمم علی المکلف عند إرادة القیام إلی الصلاة إذا لم یجد الماء ، فلا یتقید بغیره عملا بالأصل.

وقول النبی صلی الله علیه و آله لأبی ذر : « یکفیک الصعید عشر سنین » (2) وقول الصادق علیه السلام : « هو بمنزلة الماء » (3) و « إن الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (4).

وتدل علیه الأخبار الکثیرة الدالة علی أنّ التیمم إذا صلی ثم وجد الماء فی الوقت لا تجب علیه الإعادة ، کصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : فإن أصاب الماء وقد صلی بتیمم وهو فی وقت؟ قال : « تمت صلاته ولا إعادة علیه » (5).

وموثقة یعقوب بن سالم عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل تیمم وصلّی ، ثم أصاب الماء وهو فی وقت ، قال : « قد مضت صلاته ولیتطهر » (6). وترک الاستفصال فی جواب السؤال مع قیام الاحتمال یفید العموم.

وأجاب الشیخ عن هذه الأخبار بجواز أن یکون قوله : « وهو فی وقت » إشارة إلی أنه

ص: 211


1- المائدة : (6).
2- الفقیه ( 1 : 59 - 221 ) ، التهذیب ( 1 : 194 - 561 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (12).
3- التهذیب ( 1 : 200 - 581 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (3).
4- الکافی ( 3 : 66 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 60 - 223 ) ، التهذیب ( 1 : 404 - 1264 ) ، الوسائل ( 1 : 99 ) أبواب الماء المطلق ب (1) ح (1) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (23) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 194 - 562 ) ، الإستبصار ( 1 : 160 - 552 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (9).
6- التهذیب ( 1 : 195 - 563 ) ، الإستبصار ( 1 : 160 - 553 ) ، الوسائل ( 2 : 984 ) أبواب التیمم ب (14) ح (14).

______________________________________________________

صلی فی وقت ، لا أنه أصاب الماء بعد الصلاة فی وقتها (1). وهو بعید جدا.

وأجیب عنها أیضا بالحمل علی ما إذا ظن المکلف الضیق ثم انکشف فساد ظنه (2). وهو خروج عن الظاهر أیضا.

وقد ظهر من ذلک کله أنّ اعتبار المضایقة مطلقا لا دلیل علیه أصلا.

أما التفصیل بمعنی تأخیر التیمم مع الطمع فی وجود الماء إلی آخر الوقت عرفا - وإن زاد عن قدر التیمم والصلاة - فلا بأس به ، لدلالة روایتی زرارة ومحمد بن مسلم (3) علیه ، وإن کان القول بالتوسعة مطلقا لا یخلو من قوة.

وهنا مباحث :

الأول : لو دخل وقت الصلاة وهو متیمم فهل یجوز له أداء الصلاة فی أول وقتها علی القول بالمضایقة أم لا؟ الأظهر : الجواز ، وهو اختیار الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (4) ، والمصنف - رحمه الله - فی المعتبر (5) ، لأن المانع من الصلاة فی أول الوقت إنما هو ورود الأمر بتأخیر التیمم إلی آخر الوقت ، وهو لا یتناول المتیمم.

وتشهد له صحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : یصلی الرجل بتیمم واحد صلاة اللیل والنهار کلها؟ فقال : « نعم » (6). وصحیحة أخری له عنه علیه السلام : فی الرجل یتیمم ، قال : « یجزیه ذلک إلی أن یجد الماء » (7).

ص: 212


1- التهذیب ( 1 : 195 ) ، والاستبصار ( 1 : 160 ).
2- کما فی الذکری : (107).
3- المتقدمتین فی ص ( 209 ، 210 ).
4- المبسوط ( 1 : 33 ).
5- المعتبر ( 1 : 383 ).
6- الکافی ( 3 : 63 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 200 - 580 ) ، الإستبصار ( 1 : 164 - 570 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (1).
7- التهذیب ( 1 : 200 - 579 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (2).

______________________________________________________

وقیل بالثانی (1) ، لأن المقتضی للتأخیر إمکان وجود الماء فی الوقت ، وهو متحقق. ولا یخفی ضعفه.

الثانی : من علیه فائتة فالأوقات کلها صالحة لتیممه ، لعموم قوله علیه السلام : « ومتی ذکرت صلاة فاتتک صلیتها » (2). ویجوز الدخول به فی الفرائض المؤداة قطعا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة حماد بن عثمان - وقد سأله عن الرجل لا یجد الماء أیتیمم لکل صلاة؟ - : « هو بمنزلة الماء » (3).

وفی صحیحة جمیل : « إن الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (4). ومقتضی ذلک أنه یثبت له جمیع أحکام الماء إلاّ ما خرج بالدلیل.

وکذا یتیمم للنافلة متی أراد فعلها ، موقتة کانت أو مبتدأة ، وإن کان فی الأوقات المکروهة ، لأن الکراهة بالمعنی المصطلح علیه عند الفقهاء لا ینافی الانعقاد. وقطع المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (5) ، والعلامة فی التذکرة (6) بعدم جواز التیمم فی أوقات النهی. وهو غیر جید. ویصح الدخول به فی الفرائض لما قدمناه.

وعلی هذا فینتفی اعتبار فائدة (7) التضییق إن قلنا بجواز أداء الموقتة فی أول وقتها

ص: 213


1- حکی عن السید کما فی کشف اللثام ( 1 : 149 ).
2- الکافی ( 3 : 291 - 1 ) ، التهذیب ( 3 : 158 - 340 ) ، الوسائل ( 3 : 211 ) أبواب المواقیت ب (63) ح (1) ، بتفاوت یسیر.
3- التهذیب ( 1 : 200 - 581 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (3) ، وص (995) أبواب التیمم ب (23) ح (2) ، بتفاوت یسیر.
4- الکافی ( 3 : 66 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 60 - 223 ) ، التهذیب ( 1 : 404 - 1264 ) ، الوسائل ( 1 : 99 ) أبواب الماء المطلق ب (1) ح (1) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (23) ح (1).
5- المعتبر ( 1 : 383 ).
6- التذکرة ( 1 : 63 ).
7- کذا ، والأنسب أن یکون : فائدة اعتبار.

والواجب فی التیمم النیة ، واستدامة حکمها ، والترتیب : یضع یدیه علی الأرض ، ثم یمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلی طرف أنفه ، ثم یمسح ظاهر الکفّین ، وقیل : باستیعاب مسح الوجه والذراعین ، والأول أظهر.

______________________________________________________

بالتیمم السابق ، کما ذکره الشیخ فی المبسوط (1).

وذکر جدی - قدس سره - أنّ من أراد أن یصلی الموقتة مع السعة فالحیلة له - بناء علی اعتبار التضییق - أن ینذر صلاة رکعتین فی تلک الحالة ویتیمم لهما ، ثم یصلی الحاضرة مع سعة الوقت (2).

وهو حسن ، لکن لا فائدة فی النذر إلاّ صیرورة التیمم واجبا ، وقد صرح هو وغیره بجواز الدخول فی الفریضة بتیمم النافلة (3) ، ونقل علیه فی المنتهی الإجماع (4). اللهم إلاّ أن یقول بمنع النافلة المبتدئة بالتیمم ، وصحة النذر ، وإن لم یکن متعلقة مشروعا قبل النذر ، أو مع إمکان شرعیته فی ثانی الحال. وهو بعید.

الثالث : یتیمم للآیة کالکسوف بحصولها. وللجنازة بحضورها ، ویمکن دخول وقتها (5) بتغسیل المیت ، لإباحة الصلاة حینئذ وللاستسقاء باجتماع الناس فی المصلی ، واستقرب الشهید - رحمه الله - جوازه بإرادة الخروج إلی الصحراء ، بل بطلوع الشمس فی الیوم الثالث ، لأنه وقت الخروج إلی الصلاة (6). وهو مشکل ، والأولی إیقاعه عند إرادة الصلاة.

قوله : والواجب فی التیمم : النیة. واستدامة حکمها. والترتیب : یضع یدیه علی الأرض ، ثم یمسح الجبهة بهما من قصاص الشعر إلی طرف أنفه ،

ص: 214


1- المتقدم فی ص (212).
2- روض الجنان : (122).
3- روض الجنان : (122).
4- المنتهی ( 1 : 145 ).
5- کذا فی جمیع النسخ ، والأنسب : وقته. أی وقت التیمم.
6- الذکری : (106).

______________________________________________________

ثم یمسح ظاهر الکفّین ، وقیل : باستیعاب مسح الوجه والذراعین ، والأول أظهر.

ذکر المصنف - رحمه الله - ثم أنه یجب فی التیمم أمور :

- واجبات التیمم

الأول : النیة
اشارة

الأول : النیة ، وهی شرط فی صحة التیمم بإجماع العلماء ، قاله فی المعتبر (1). ومعناها القصد بالقلب إلیه. ویعتبر فیها قصد الطاعة والامتثال لأمر الله عز وجل ، لعدم تحقق الإخلاص بدونه. وفی اعتبار ملاحظة الوجه والاستباحة القولان المتقدمان فی الوضوء.

وذکر جمع من الأصحاب - منهم العلامة فی المنتهی - أنه لا یجوز للمتیمم نیة رفع الحدث ، لإجماع العلماء کافة علی أنه غیر رافع ، ومتی لم یرفع امتنعت نیته شرعا (2).

وجوّز الشهید - رحمه الله - فی قواعده نیة الرفع فیه إلی غایة معیّنة : إما الحدث أو وجود الماء. وهو حسن ، إذ لا معنی للحدث الذی یمکن رفعه إلاّ الحالة التی لا یصح معها الدخول فی الصلاة ونحوها مما یتوقف علی الطهارة ، فمتی زالت تلک الحالة حصلت الاستباحة والرفع. غایة ما فی الباب أنّ الرفع قد یکون مطلقا ، کما فی طهارة المختار ، وقد یکون إلی غایة ، کما فی التیمم وطهارة دائم الحدث. والإجماع لم ینعقد علی أنّ التیمم لا یرفع الحدث بهذا المعنی ، وإنما انعقد علی أنه لا یرفعه مطلقا علی وجه لا ینتقض بوجود الماء ، ولا کلام فیه.

وفی اعتبار نیة البدلیة عن الوضوء أو الغسل فیما کان بدلا عنهما أقوال ، ثالثها : اعتبار ذلک إن قلنا باختلاف الهیئتین ، وعدمه إن قلنا باتحادهما. وهو ظاهر اختیار

عدم اعتبار نیة البدلیة عن الوضوء أو الغسل

ص: 215


1- المعتبر ( 1 : 390 ).
2- المنتهی ( 1 : 145 ).

______________________________________________________

الشهید فی الذکری (1) ، ونقله عن المصنف فی المعتبر ، وکلامه لا یدل علیه صریحا ، فإنه قال : لو نسی الجنابة فتیمم للحدث ، فإن قلنا بالضربة الواحدة فیهما أجزأه ، لأن الطهارتین واحدة ، وإن قلنا بالتفصیل لم یجزئه (2).

وقال الشیخ فی الخلاف : الذی یقتضیه المذهب أنه لا یجوز ، لأنه یشترط أن ینویه بدلا من الوضوء أو بدلا من الجنابة ولم ینو ذلک (3). هذا کلامه - رحمه الله تعالی - ولیس فیه دلالة علی أنّ عدم الإجزاء - علی القول بالتفصیل - لفوات نیة البدلیة ، بل الظاهر أنه لعدم تحقق الضربتین المعتبرتین فیما کان بدلا من الغسل. ویتفرع علی ذلک أنه لو ذکر الجنابة بعد النیة وضرب مرة ثانیة للیدین أجزأه ، کما لو قلنا بالاتحاد.

والأصح عدم اعتبار ذلک مطلقا ، للأصل ، وصدق الامتثال بإیجاد الماهیة التی تعلق بها الخطاب.

واختلف الأصحاب فی محل النیة. فذهب الأکثر إلی أنه عند الضرب علی الأرض ، لأنه أول أفعال التیمم. وبه قطع العلامة فی المنتهی (4).

وجوّز فی النهایة تأخیرها إلی عند مسح الجبهة ، تنزیلا للضرب منزلة أخذ الماء للطهارة المائیة (5). وهو مشکل ، لأن الضرب أحد الواجبات التی تعلق بها الأمر ، کمسح الجبهة والیدین ، بخلاف أخذ الماء فی الطهارة المائیة ، فإنه إنما یجب إذا توقف الغسل علیه. ولهذا لو غمس الأعضاء المغسولة فی الماء أجزأه ، بخلاف مسح الأعضاء الممسوحة بالتراب ، فإنه غیر مجز قطعا.

محل النیة

ص: 216


1- الذکری : (107).
2- المعتبر ( 1 : 391 ).
3- الخلاف ( 1 : 32 ).
4- المنتهی ( 1 : 145 ).
5- نهایة الأحکام ( 1 : 204 ).

______________________________________________________

ویتفرع علی القولین ما لو أحدث بعد الضرب وقبل مسح الجبهة ، فعلی الأول یستأنف الضرب دون الثانی. والأصح الاستئناف ، لأن مقتضی الحدث المنع من الدخول فی العبادة إلی أن یحصل المبیح ، ولا یعلم حصوله بمجرد المسح ، لجواز أن یکون بعض المبیح.

وجزم العلامة فی النهایة (1) بعدم بطلان الضرب بطرو الحدث بعده ، مع اعترافه بأن أول أفعال التیمم المفروضة الضرب بالیدین علی الأرض. وبینهما تدافع.

الثانی : استدامة النیة

الواجب الثانی : استدامة حکمها حتی یفرغ من التیمم ، بمعنی أن لا ینوی نیة تنافی النیة الأولی. ولا ریب فی اعتبارها بهذا المعنی ، لبطلان النیة السابقة باللاحقة ، فیصیر الفعل الواقع بعدها بغیر نیة ، فلا یکون مجزیا.

ویبطل السابق مع فوات الموالاة إن اعتبرناها هنا. والکلام فی هذه المسألة کما تقدم فی الوضوء.

الثالث : وضع الیدین علی الأرض
اشارة

الواجب الثالث : وضع الیدین معا علی الأرض. وقد أجمع الأصحاب علی وجوبه وشرطیته فی التیمم ، فلو استقبل العواصف حتی لصق صعیدها بوجهه ویدیه لم یجزئه ، لتوقف الوظائف الشرعیة علی النقل ، والمنقول فی کیفیة التیمم وضع الیدین علی الأرض أولا ، فیکون ما عداه تشریعا محرما.

والأظهر اعتبار الضرب ، وهو الوضع المشتمل علی الاعتماد الذی یحصل به مسماه عرفا ، فلا یکفی الوضع المجرد عنه ، لورود الأمر بالضرب فی عدة أخبار صحیحة ، کقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « تضرب بیدیک ثم تنفضهما مرة للوجه ومرة

عدم اشتراط علوق التراب بالید

ص: 217


1- نهایة الأحکام ( 1 : 203 ).

______________________________________________________

للیدین » (1) وفی صحیحة إسماعیل بن همام : « التیمم ضربة للوجه وضربة للکفین » (2).

ولا ینافی ذلک ما ورد فی بعض الأخبار المتضمنة لوصف تیمم النبی صلی الله علیه و آله ، من أنه أهوی بیدیه إلی الأرض فوضعهما علی الصعید (3) ، لأن الفعل المثبت لا عموم له - کما حقق فی محله - ولو ثبت إفادته العموم لوجب حمله علی الخاص جمعا بین الأدلة.

واکتفی الشهید - رحمه الله - فی الذکری بمسمّی الوضع وإن لم یحصل معه اعتماد ، محتجا بأنّ الغرض قصد الصعید ، وهو حاصل بالوضع (4). وضعفه ظاهر ، فإنا نمنع حصول الغرض بالوضع مع قیام الدلیل علی الضرب.

ویعتبر فی الضرب کونه بباطن الکفین ، لأنه المعهود من الضرب والوضع. وکونه علی ما یجوز التیمم به. ولا یعتبر فیه کونه موضوعا علی الأرض ، فلو کان التراب علی بدنه أو بدن غیره وضرب علیه أجزأ.

ولو کان علی وجهه تراب صالح للضرب فضرب علیه ، ففی الإجزاء تردد ، أقربه العدم ، لتوقف العبادة علی النقل ، والمنقول خلافه.

ولا یشترط علوق شی ء من التراب علی یدیه لیستعمله فی الأعضاء الممسوحة ، لانتفاء الدلیل علیه ، ولإجماع علمائنا علی استحباب نفض الیدین بعد الضرب ، وورود الأخبار

ص: 218


1- التهذیب ( 1 : 210 - 611 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 599 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 210 - 609 ) ، الإستبصار ( 1 : 171 - 597 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (3).
3- الفقیه ( 1 : 57 - 212 ) ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (8).
4- الذکری : (108).

______________________________________________________

الصحیحة به (1) ، ولو کان العلوق معتبرا لما أمر الشارع بفعل ما کان عرضة لزواله ، ولأنا بینا أنّ الصعید وجه الأرض لا التراب ، فیسقط اعتبار حمله ، ولأن الضربة الواحدة کافیة مطلقا علی ما سنبینه ، ولو کان المسح بالتراب معتبرا لما حصل الاکتفاء بها ، إذ الغالب عدم بقاء الغبار من الضربة الواحدة للیدین.

ونقل عن ظاهر ابن الجنید - رحمه الله - وجوب المسح بالمرتفع علی الیدین ، واحتج له فی المختلف (2) بقوله تعالی ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ مِنْهُ ) (3) أی من التراب.

والجواب : المنع من عود الضمیر إلی الصعید ، بل المروی فی صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام أنه یعود إلی التیمم ، فإنه علیه السلام قال : « فلما أن وضع الوضوء عمن لم یجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ، لأنه قال ( بِوُجُوهِکُمْ ) ثم وصل بها ( وَأَیْدِیکُمْ مِنْهُ ) أی من ذلک التیمم ، لأنه علم أنّ ذلک أجمع لم یجر علی الوجه ، لأنه یعلق من ذلک الصعید ببعض الکف ولا یعلق ببعضها » (4).

الواجب الرابع : مسح الجبهة من قصاص شعر الرأس إلی طرف الأنف ، والمراد به الأعلی کما سنبینه. قال فی الذکری : وهذا القدر متفق علیه بین الأصحاب (5). وأوجب الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه مسح الجبینین والحاجبین أیضا (6). وقال أبوه - رحمه الله تعالی - : یمسح الوجه بأجمعه (7).

الرابع : مسح الجبهة

ص: 219


1- الوسائل ( 2 : 999 ) أبواب التیمم ب (29).
2- المختلف : (50).
3- المائدة : (6).
4- الکافی ( 3 : 30 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 56 - 212 ) ، التهذیب ( 1 : 61 - 168 ) ، علل الشرائع : ( 279 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 980 ) أبواب التیمم ب (13) ح (1).
5- الذکری : (108).
6- الفقیه ( 1 : 57 ).
7- نقله فی المختلف : (50).

______________________________________________________

والمعتمد وجوب مسح الجبهة والجبینین خاصة.

لنا : قوله تعالی ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ مِنْهُ ) (1) والباء للتبعیض بالنص الصحیح علیه من أبی جعفر الباقر علیه السلام (2).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح عن زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله ذات یوم لعمار فی سفر له : یا عمار بلغنا أنک أجنبت فکیف صنعت؟ قال : تمرغت یا رسول الله فی التراب. قال ، فقال له : کذلک یتمرغ الحمار ، أفلا صنعت کذا؟ ثم أهوی بیدیه إلی الأرض فوضعهما علی الصعید ، ثم مسح جبینیه بأصابعه وکفّیه إحداهما بالأخری ، ثم لم یعد ذلک » (3).

وتشهد له أیضا موثقة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن التیمم ، فضرب بیدیه الأرض ، ثم رفعهما فنفضهما ، ثم مسح بهما جبهته وکفّیه مرة واحدة (4).

وروایة عمرو بن أبی المقدام (5) ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه وصف التیمم ، فضرب بیدیه علی الأرض ثم رفعهما فنفضهما ، ثم مسح علی جبینیه وکفیه مرة واحدة (6).

ص: 220


1- المائدة : (6).
2- الکافی ( 3 : 30 - 4 ) ، الفقیه ( 1 : 56 - 212 ) ، التهذیب ( 1 : 61 - 168 ) ، علل الشرائع : ( 279 - 1 ) الوسائل ( 2 : 980 ) أبواب التیمم ب (13) ح (1) ، وقال فیها : « وامسحوا برؤوسکم » : إن المسح ببعض الرأس لمکان الباء.
3- المتقدمة فی ص (218) ه (3).
4- الکافی ( 3 : 61 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 207 - 601 ) ، الاستبصار ( 1 : 170 - 590 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 976 ) أبواب التیمم ب (11) ح (3).
5- فی التهذیب المطبوع : المقدم ، والمثبت هو الصحیح ( راجع معجم رجال الحدیث 13 : 72 ، وج 9 : 107 ).
6- التهذیب ( 1 : 212 - 614 ) ، الإستبصار ( 1 : 171 - 594 ) ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (6).

______________________________________________________

وفی مقابل هذه الأخبار روایات کثیرة دالة بظاهرها علی وجوب مسح الوجه کله ، کصحیحة داود بن النعمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التیمم ، قال : « إن عمارا أصابته جنابة ، فتمعّک (1) کما تتمعک الدابة ، فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله - وهو یهزأ به - : یا عمار تمعکت کما تتمعک الدابة؟ فقلنا له : فکیف التیمم؟ فوضع یدیه علی الأرض ، ثم رفعهما ، فمسح وجهه ویدیه فوق الکف قلیلا » (2).

وصحیحة زرارة : قال سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : - وذکر التیمم وما صنع عمار - فوضع أبو جعفر علیه السلام کفیه فی الأرض ، ثم مسح وجهه وکفیه ولم یمسح الذراعین بشی ء (3).

وحسنة الکاهلی ، قال : سألته عن التیمم ، قال : فضرب ( بیده علی البساط ، فمسح بها ) (4) وجهه ، ثم مسح کفیه إحداهما علی ظهر الأخری (5).

وبهذه الروایات أخذ علی بن بابویه - رحمه الله تعالی.

ویمکن الجواب عنهما بالحمل علی الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بمسح الوجه مسح بعضه.

قال فی المعتبر : والجواب الحق العمل بالخبرین ، فیکون مخیرا بین مسح الوجه

ص: 221


1- أی : تمرّغ ، والمراد أنه ماسّ التراب بجمیع بدنه - مجمع البحرین ( 5 : 288 ).
2- التهذیب ( 1 : 207 - 598 ) ، الإستبصار ( 1 : 170 - 591 ) ، الوسائل ( 2 : 976 ) أبواب التیمم ب (11) ح (4).
3- التهذیب ( 1 : 208 - 603 ) ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (5).
4- کذا فی النسخ الخطیة والمصدر ، وفی « ح » : بیدیه. بهما.
5- الکافی ( 3 : 62 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 207 - 600 ) ، الإستبصار ( 1 : 170 - 589 ) ، الوسائل ( 2 : 976 ) أبواب التیمم ب (11) ح (1).

______________________________________________________

وبعضه ، لکن لا یقتصر علی أقل من الجبهة (1). وهو حسن.

أما مسح الحاجبین بخصوصهما فلم أقف علی مستنده.

ومن هنا یظهر أنّ المراد بطرف الأنف : الأعلی لا الأسفل ، إذ النصوص وردت بمسح الجبهة ومسح الجبینین ومسح الوجه ، فلا وجه لإدخال الأنف فیه بخصوصه.

وینبغی البدأة فی مسح الجبهة والوجه بالأعلی احتیاطا. وقیل (2) بالوجوب إما لمساواة الوضوء ، أو تبعا للتیمم البیانی. وضعفهما ظاهر.

واعتبر أکثر الأصحاب کون المسح بباطن الکفین معا. ونقل عن ابن الجنید أنه اجتزأ بالید الیمنی ، لصدق المسح (3) وفی صحیحة زرارة : « إن النبی صلی الله علیه و آله مسح جبینه بأصابعه » (4).

والأولی المسح بمجموع الکفین ( عملا بجمیع الأخبار ) (5).

الواجب الخامس : مسح ظاهر الکفین ، وحدهما الزند بفتح الزاء وهو : موصل الکف فی الذراع ، ویسمی الرسغ بضم الراء فالسین المهملة : فالغین المعجمة ، قاله فی الجمهرة (6).

ونقل ابن إدریس - رحمه الله - عن بعض الأصحاب : أنّ المسح علی الیدین من أصول الأصابع إلی رؤوسها (7).

الخامس : مسح ظاهر الکفین
اشارة

ص: 222


1- المعتبر ( 1 : 386 ).
2- کما فی الذکری : (109) ، وروض الجنان : (126).
3- فی الذکری : (109).
4- الفقیه ( 1 : 57 - 212 ) ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (8).
5- ما بین القوسین زیادة من « ح ».
6- الجمهرة : فی اللغة علی منوال عین الخلیل ، لأبی بکر محمد بن الحسن بن درید الأزدی المتوفی (321) ( معجم الأدباء 18 : 127 ، والذریعة 5 : 146 ).
7- السرائر : (26).

______________________________________________________

وقال علی بن بابویه - رحمه الله تعالی - : امسح یدیک من المرفقین إلی الأصابع (1). والمعتمد : الأول.

لنا : قوله تعالی ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ ) (2) والباء للتبعیض کما بیناه. وأیضا : فإنّ الید هی الکف إلی الرسغ ، یدل علیه قوله تعالی ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما ) (3) والإجماع منّا ومن العامة منعقد علی أنها لا تقطع من فوق الرسغ ، وما ذاک إلاّ لعدم تناول الید له حقیقة.

ویدل علیه أیضا الأخبار المستفیضة ، کقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : ثم مسح وجهه وکفیه ، ولم یمسح الذراعین بشی ء (4).

وقول الرضا علیه السلام فی صحیحة إسماعیل بن همام : « التیمم ضربة للوجه وضربة للکفین » (5).

وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة داود بن النعمان : « فمسح وجهه ویدیه فوق الکف قلیلا » (6) وإدخال الرسغ فی المسح من باب المقدمة یستلزم المسح من فوق الکف بقلیل.

وفهم العلامة فی المختلف من هذا الخبر وجوب تجاوز الرسغ ، فتأوله بأن المراد

ص: 223


1- نقله فی المختلف : (50).
2- النساء : (43) ، المائدة : (6).
3- المائدة : (38).
4- التهذیب ( 1 : 208 - 603 ) ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (5).
5- التهذیب ( 1 : 210 - 609 ) ، الإستبصار ( 1 : 171 - 597 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (3).
6- التهذیب ( 1 : 207 - 598 ) ، الإستبصار ( 1 : 170 - 591 ) ، الوسائل ( 2 : 976 ) أبواب التیمم ب (11) ح (4).

______________________________________________________

بقوله : « قلیلا » أنه لا یجب إیصال الغبار إلی جمیع العضو وإن وجب استیعابه بالمسح. أو یکون الراوی رأی الإمام علیه السلام ماسحا من أصل الکف فتوهم المسح من بعض الذراع (1). وهو تکلف مستغنی عنه.

وبإزاء هذه الروایات روایات أخر دالة بظاهرها علی وجوب المسح من المرفقین ، کروایة سماعة ، قال : سألته کیف التیمم؟ فوضع ( یده علی الأرض فمسح بها ) (2) وجهه وذراعیه إلی المرفقین (3).

وروایة لیث المرادی عن أبی عبد الله علیه السلام فی التیمم قال : « تضرب بکفیک علی الأرض مرتین ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهک وذراعیک » (4).

وصحیحة محمد - وهو ابن مسلم - قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التیمم ، فضرب بکفیه الأرض ، ثم مسح بهما وجهه ، ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلی أطراف الأصابع واحدة علی ظهرها وواحدة علی بطنها ، ثم ضرب بیمینه الأرض ثم صنع بشماله کما صنع بیمینه ، ثم قال : « هذا التیمم علی ما کان فیه الغسل ، وفی الوضوء الوجه والیدین إلی المرفقین ، والقی ما کان علیه مسح الرأس والقدمین ، فلا یؤمم بالصعید » (5).

ص: 224


1- المختلف : (51).
2- کذا فی المصدر والنسخ الخطیة ، وفی « ح » : یدیه. بهما.
3- التهذیب ( 1 : 208 - 602 ) ، الإستبصار ( 1 : 170 - 592 ) ، الوسائل ( 2 : 981 ) أبواب التیمم ب (13) ح (3).
4- التهذیب ( 1 : 209 - 608 ) ، الإستبصار ( 1 : 171 - 596 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (2).
5- التهذیب ( 1 : 210 - 612 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 600 ) ، الوسائل ( 2 : 979 ) أبواب التیمم ب (12) ح (5).

______________________________________________________

وأجاب الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب عن هذه الأخبار بأنّ المراد بالمسح إلی المرفق الحکم لا الفعل ، لأنه إذا مسح ظاهر الکف فکأنه غسل ذراعیه فی الوضوء ، فیحصل له بمسح الکفین فی التیمم حکم غسل الذراعین فی الوضوء (1). وهو حمل بعید ، مع أنه لا یجری فی صحیحة محمد بن مسلم ونحوها مما کان فیه التیمم بدلا من الغسل کما لا یخفی.

ویمکن حملها علی الاستحباب کما ذکره المصنف فی المعتبر ، فإنه قال : ثم الحق عندی أنّ مسح ظاهر الکفین لازم. ولو مسح الذراعین جاز أیضا عملا بالأخبار کلها ، لکن الکفان علی الوجوب وما زاد علی الجواز ، لأنه أخذ بالمتیقن (2).

أما القائل بوجوب المسح من أصول الأصابع ، فربما کان مستنده روایة حماد بن عیسی (3) ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن التیمم فتلا هذه الآیة ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیْدِیَهُما ) (4) وقال ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیْدِیَکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ ) (5) وقال : وامسح علی کفیک من حیث موضع القطع وقال : ( وَما کانَ رَبُّکَ نَسِیًّا ) (6). وموضع القطع من أصول الأصابع عند الأصحاب.

وهذه الروایة - مع ضعف سندها بالإرسال - معارضة بالأخبار المستفیضة الدالة علی وجوب مسح الکف کله (7) ، فلا تعویل علیها.

ص: 225


1- التهذیب ( 1 : 208 ).
2- المعتبر ( 1 : 387 ).
3- الکافی ( 3 : 62 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 207 - 599 ) ، الإستبصار ( 1 : 170 - 588 ) ، الوسائل ( 2 : 980 ) أبواب التیمم ب (13) ح (2).
4- المائدة : (38).
5- المائدة : (6).
6- مریم : (64).
7- الوسائل ( 2 : 975 ) أبواب التیمم ب (11).

______________________________________________________

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : المشهور بین الأصحاب أنّ محل المسح فی الکفین ظهورهما لا بطونهما. بل ظاهر کلامهم أنّ ذلک مجمع علیه من القائلین بعدم وجوب الاستیعاب. ویدل علیه حسنة الکاهلی المتقدمة (1). وأکثر الأخبار المعتبرة إنما تضمنت مسح الکفین من غیر تصریح بأن الممسوح ظهورهما ، إلاّ أنّ الظاهر تحقق الامتثال بذلک ، إذ لا دلالة لها علی وجوب الاستیعاب.

الثانی : ذکر العلامة (2) ومن تأخر عنه (3) أنه یجب البدأة فی مسح الکف بالزند إلی أطراف الأصابع لمساواة الوضوء. والکلام فیه کما تقدم فی الوجه (4).

الثالث : یجب تقدیم الیمنی علی الیسری بإجماعنا قاله فی التذکرة (5) ، لأنّه بدل مما یجب فیه التقدیم. وربما کان فی صحیحة ابن مسلم المتقدمة (6) إشعار به.

الرابع : یعتبر فی المسح کونه بباطن الکف اختیارا ، لأنه المعهود ، فلو مسح بالظهر اختیارا أو بآلة لم یجز. نعم لو تعذر المسح بالباطن أجزأ الظاهر مع احتمال وجوب التولیة.

الخامس : لو کان له ید زائدة فکما سلف فی الوضوء. ولو مسح بالید الزائدة التی لا یجب مسحها فالأقرب عدم الإجزاء ، لأن اللفظ إنما ینصرف إلی المعهود المتعارف.

الواجب السادس : الترتیب ، وصورته أن یبدأ بالضرب علی الأرض ، ثم یمسح

تنبیهات
السادس : الترتیب
اشارة

ص: 226


1- فی ص (221).
2- المنتهی ( 1 : 147 ) ، والمختلف : (50) ، والقواعد ( 1 : 23 ).
3- کالشهید الأول فی اللمعة ( 1 : 158 ) ، والکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 69 ).
4- فی ص (222).
5- التذکرة ( 1 : 63 ).
6- فی ص (224).

______________________________________________________

وجهه أولا ، ثم یده الیمنی ، ثم الیسری. وهو مجمع علیه بین الأصحاب ، قاله فی التذکرة والمنتهی (1). واحتج علیه فی التذکرة بقوله تعالی ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِکُمْ وَأَیْدِیکُمْ ) (2) فإن الواو للترتیب عند الفراء ، وبأن التقدیم لفظا یستدعی سببا ، لاستحالة الترجیح من غیر مرجح ، ولا سبب إلاّ التقدیم وجوبا ، وبأنه علیه السلام رتب فی مقابلة الامتثال فیکون واجبا (3).

وفی الجمیع نظر ، إلاّ أنّ المصیر إلی ما أجمع علیه الأصحاب ودلت علیه ظواهر النصوص متعین.

وقال المرتضی - رضی الله عنه - : کل من أوجب الترتیب فی المائیة أوجبه هنا ، فالتفرقة منتفیة بالإجماع ، وقد ثبت وجوبه هناک فیثبت هنا (4).

وبقی من الواجبات المباشرة بنفسه ، ولا ریب فی وجوبها لقوله تعالی ( فَتَیَمَّمُوا ) فإن الخطاب للمصلین ، وحقیقة الأمر طلب الفعل من المأمور.

ویجب الاستنابة عند الضرورة فی الأفعال دون النیة عند علمائنا ، ولم أقف فیه علی دلیل نقلی. وعلی هذا فیضرب المعین بیدی العلیل إن أمکن وإلاّ فبیدی نفسه.

والموالاة ، وقد قطع الأصحاب باعتبارهما ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا ، واحتج علیه بقوله تعالی ( فَتَیَمَّمُوا ) أوجب علینا التیمم عقیب إرادة القیام إلی الصلاة ، ولا یتحقق إلاّ بمجموع أجزائه ، فیجب فعلها عقیب الإرادة بقدر الإمکان (5).

اعتبار الموالاة

ص: 227


1- التذکرة ( 1 : 63 ) ، والمنتهی ( 1 : 147 ).
2- النساء : (43).
3- التذکرة ( 1 : 63 ).
4- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 393 ).
5- المنتهی ( 1 : 149 ).

______________________________________________________

وهو غیر جید ، إذ من المعلوم أنّ المراد بالتیمم هنا المعنی اللغوی وهو القصد ، لا التیمم بالمعنی الشرعی.

واستدل علیه فی الذکری : بأنّ التیمم البیانی عن النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام توبع فیه فیجب ، للتأسی (1).

وفیه نظر ، إذ التأسی إنما یجب فیما یعلم وجوبه ، وهو منتف هنا ، إذ من الجائز أن تکون المتابعة إنما وقعت اتفاقا ، لا لاعتبارها بخصوصها.

ولو قلنا باختصاص التیمم بآخر الوقت بالمعنی الذی ذکروه کانت الموالاة من ضروریات صحته ، لتقع الصلاة فی الوقت.

ولو أخلّ بالمتابعة بما لا یعد تفریقا لم یضر قطعا. وإن طال الفصل أمکن القول بالبطلان لفوات الواجب ، والصحة لصدق التیمم المأمور به.

وذکر جمع من الأصحاب : أنّ من الواجبات أیضا طهارة مواضع المسح من النجاسة ، واستدل علیه فی الذکری : بأنّ التراب ینجس بملاقاة النجس ، فلا یکون طیبا ، وبمساواته أعضاء الطهارة المائیة (2).

ولا یخفی أنّ الدلیل الأول أخص من المدعی ، والثانی قیاس محض.

ومقتضی الأصل عدم الاشتراط. والمصرح باعتبار ذلک قلیل من الأصحاب ، إلاّ أن الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکروه.

ولو تعذرت الإزالة سقط اعتبارها ووجب التیمم وإن تعدت النجاسة إلی التراب. ولو کانت حائلة بین الماسح والممسوح أزالها مع الإمکان ، ومع التعذر یتیمم کذلک.

ص: 228


1- الذکری : (109).
2- الذکری : (109).

ویجزیه فی الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر کفیه. ولا بد فیما هو بدل من الغسل من ضربتین. وقیل : فی الکل ضربتان. وقیل : ضربة واحدة ، والتفصیل أظهر.

______________________________________________________

قوله : ویجزیه فی الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر کفیه : ولا بد فیما هو بدل من الغسل من ضربتین ، وقیل : فی الکل ضربتان ، وقیل : ضربة واحدة ، والتفصیل أظهر.

اختلف الأصحاب فی عدد الضربات فی التیمم ، فقال الشیخان فی النهایة والمبسوط والمقنعة : ضربة للوضوء وضربتان للغسل (1). وهو اختیار ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (2) ، وسلار (3) ، وأبی الصلاح (4) ، وابن إدریس (5) ، وأکثر المتأخرین (6).

وقال السید المرتضی - رحمه الله تعالی - فی شرح الرسالة : الواجب (7) ضربة واحدة فی الجمیع (8). وهو اختیار ابن الجنید (9) ، وابن أبی عقیل (10) ، والمفید فی المسائل الغریة (11).

ونقل عن المفید فی الأرکان اعتبار الضربتین فی الجمیع (12) ، وحکاه المصنف

عدد الضربات فی التیمم

ص: 229


1- النهایة : ( 49 ، 50 ) ، والمبسوط ( 1 : 33 ) ، والمقنعة : (8).
2- الفقیه ( 1 : 57 ).
3- المراسم : (54).
4- الکافی فی الفقه : (136).
5- السرائر : (26).
6- کالعلامة فی المنتهی ( 1 : 148 ) ، والکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 69 ).
7- لیست فی « ح ».
8- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 388 ).
9- نقله عنهم فی المختلف : (50).
10- نقله عنهم فی المختلف : (50).
11- نقله عنهم فی المختلف : (50).
12- نقله فی الذکری : (108).

______________________________________________________

رحمه الله - فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی والمختلف عن علی بن بابویه - رحمه الله تعالی - (1). ومقتضی کلامه فی الرسالة اعتبار ثلاث ضربات ، فإنه قال : إذا أردت ذلک فاضرب بیدیک علی الأرض مرة واحدة وانفضهما وامسح بهما وجهک ، ثم اضرب بیسارک الأرض فامسح بها یمینک من المرفق إلی أطراف الأصابع ، ثم اضرب بیمینک الأرض وامسح بها یسارک من المرفق إلی أطراف الأصابع (2). ولم یفرق بین الوضوء والغسل.

وحکی فی المعتبر القول بالضربات الثلاث عن قوم منا بعد أن نقل عن علی بن بابویه المرتین فی الجمیع (3).

ومنشأ الخلاف فی هذه المسألة اختلاف الأخبار ظاهرا ، فمنها ما تضمن المرة ، کصحیحتی زرارة ، وداود بن النعمان الواردتین فی قضیة عمار (4) ، وغیرهما من الأخبار (5).

ومنها ما تضمّن المرتین مطلقا ، کصحیحة إسماعیل بن همام ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « التیمم ضربة للوجه وضربة للکفین » (6).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن التیمم ،

ص: 230


1- المعتبر ( 1 : 388 ) ، والمنتهی ( 1 : 148 ) ، والمختلف : (50).
2- نقله فی الذکری : (108).
3- المعتبر ( 1 : 388 ).
4- المتقدمتین فی ص ( 220 ، 221 ).
5- الوسائل ( 2 : 975 ) أبواب التیمم ب (11).
6- التهذیب ( 1 : 210 - 609 ) ، الإستبصار ( 1 : 171 - 597 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (3).

______________________________________________________

فقال : « مرتین مرتین للوجه والیدین » (1).

وجمع المفصلون بینهما بتخصیص ما تضمن الضربة بما کان بدلا من الوضوء ، وما تضمن الضربتین بما کان بدلا من الغسل.

واستدلوا علی هذا الجمع بروایة محمد - وهو ابن مسلم - المتضمنة للمسح من المرفقین (2) ، وبما رواه زرارة فی الصحیح عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : کیف التیمم؟ قال : « هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بیدیک ثم تنفضهما مرة للوجه ومرة للیدین ، ومتی أصبت الماء فعلیک الغسل إن کنت جنبا والوضوء إن لم تکن جنبا » (3). وجه الدلالة أن ینزل علی تمام الکلام عند قوله : « ضرب واحد للوضوء » ویبتدأ بقوله : « والغسل من الجنابة » ویکون جملة قوله : « تضرب بیدیک » خبرا عنه. وفیه بعد وتکلف ، والمتبادر منها کون الغسل معطوفا علی الوضوء ، والمراد أن التیمم نوع واحد للوضوء والغسل ، وصورته ما بیّنه علیه السلام بقوله : « تضرب. ».

وفی هذا الجمع نظر من وجوه :

الأول : إنّ کلا من الأخبار المتضمنة للضربة والضربتین واردة فی مقام البیان عند السؤال عن کیفیة التیمم ، المتناول لما کان بدلا من الوضوء وبدلا من الغسل. فحملها علی بعض أفراده یجری مجری الأخبار بالخاص عن العام ، وإنه غیر جائز.

ص: 231


1- التهذیب ( 1 : 210 - 610 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 598 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (1).
2- المتقدمة فی ص (224).
3- التهذیب ( 1 : 210 - 611 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 599 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (4).

______________________________________________________

الثانی : إنّ مقتضی صحیحتی زرارة وداود بن النعمان الواردتین فی قضیة عمار (1) إجزاء المرة الواحدة فی التیمم من الجنابة ، وذلک مما ینقض هذا الجمع.

الثالث : إنّ ما استدل به علی هذا الجمع لا دلالة علیه. أما روایة زرارة ، فقد تقدم الکلام فیها. وأما روایة محمد بن مسلم ، فلا دلالة لها علی هذا التفصیل بوجه ، بل الظاهر منها اعتبار الثلاث فی الجمیع ، کما اختاره ابن بابویه - رحمه الله -.

والمتجه الاکتفاء بالمرة فی الجمیع ، وحمل ما دل علی المرتین علی الاستحباب ، کما ذکره المرتضی فی شرح الرسالة (2) ، واستحسنه المصنف - رحمه الله - فی المعتبر ، وأجاز العمل بما تضمنته روایة ابن مسلم من الضربات الثلاث (3). وهو حسن ، والأحوط أن لا یترک المرتان فی الوضوء والغسل بحال ، لصحة مستنده وصراحته ، وإجمال ما ینافیه (4).

وما قیل من احتمال فوات الموالاة بالضربة الثانیة لو قلنا بالمرة (5) فضعیف جدا ، لأن ذلک غیر قادح فی تحققها لو ثبت اعتبارها کما بیناه.

واعلم أنّ ظاهر کلام الأصحاب یقتضی تساوی الأغسال فی کمیة (6) التیمم ، وبه صرح المفید فی المقنعة فقال (7) بعد ذکر تیمم الجنب : وکذلک تصنع الحائض والنفساء

ص: 232


1- المتقدمتین فی ص ( 220 ، 221 ).
2- المتقدم فی ص (229).
3- المعتبر ( 1 : 388 ).
4- لیست فی « ق » و « م ».
5- کما فی روض الجنان : (126).
6- فی « س » : کیفیة.
7- فی « ق » و « م » و « س » : وهو الظاهر من کلام المفید فی المقنعة فإنه قال.

______________________________________________________

والمستحاضة بدلا من الغسل (1). ولم یذکر التیمم بدلا من الوضوء.

واستدل له الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب بما رواه عن أبی بصیر ، قال : وسألته عن تیمم الحائض والجنب سواء إذا لم یجدا ماءا؟ قال : « نعم » (2). وعن عمار الساباطی مثله (3).

قال فی الذکری : وخرّج بعض الأصحاب وجوب تیممین علی غیر الجنب بناء علی وجوب الوضوء هنالک ، ولا بأس به ، والخبران غیر مانعین منه ، لجواز التسویة فی الکیفیة لا الکمیة (4).

وما ذکره أحوط وإن کان الأظهر الاکتفاء بالتیمم الواحد بناء علی ما اخترناه من اتحاد الکیفیة (5) ( وعدم اعتبار نیة البدلیة ) (6) فیکون جاریا مجری أسباب الوضوء أو الغسل المختلفة.

ولو قلنا بإجزاء الغسل مطلقا عن الوضوء - کما ذهب إلیه المرتضی (7) رضی الله عنه - ثبت التساوی مطلقا من غیر إشکال.

بقی هنا شی ء ینبغی التنبیه له ، وهو أنّ العلامة - رحمه الله تعالی - فی المنتهی استدل علی القول بالتفصیل بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام :

ص: 233


1- المقنعة : (8).
2- التهذیب ( 1 : 212 - 616 ) ، الوسائل ( 2 : 979 ) أبواب التیمم ب (12) ح (7).
3- الفقیه ( 1 : 58 - 215 ) ، التهذیب ( 1 : 212 - 617 ) ، الوسائل ( 2 : 979 ) أبواب التیمم ب (12) ح (6).
4- الذکری : (108).
5- أی کیفیة التیمم بدلا من الغسل وبدلا من الوضوء.
6- ما بین القوسین لیس فی « س ».
7- جمل العلم والعمل : (51).

وإن قطعت کفاه سقط مسحهما واقتصر علی الجبهة. ولو قطع بعضهما مسح علی ما بقی.

______________________________________________________

« إن التیمم من الوضوء مرة ومن الجنابة مرتان » (1). وهذه الروایة غیر موجودة فی کتب الحدیث. وعندی أنّ ذلک وهم نشأ من عبارة الشیخ - رحمه الله تعالی - فی التهذیب ، فإنه قال - بعد أن أورد الأخبار المتضمنة للمرة والمرتین ، وجمع بینهما بالتفصیل - : مع أنا قد أوردنا خبرین مفسرین لهذه الأخبار : أحدهما عن حریز ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، والآخر عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إن التیمم من الوضوء مرة واحدة ، ومن الجنابة مرتان (2).والخبر المروی عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة ، عن ابن مسلم هو الخبر المتقدم المتضمن للضربات الثلاث مطلقا (3) ، وکأنه - رحمه الله تعالی - نقل حاصل ما فهمه من معناه ، فظن العلامة - رحمه الله تعالی - أنه حدیث آخر مغایر للحدیث الأول ، ولهذا لم یذکره فی المختلف ولا نقله غیره. فینبغی التنبیه لأمثال ذلک وعدم الاعتماد علی الظواهر. والله الموفق.

قوله : وإن قطعت کفّاه سقط مسحهما واقتصر علی الجبهة أو لو قطع بعضهما مسح علی ما بقی.

أما سقوط مسح الفائت فظاهر ، إذ لا تکلیف بالممتنع ، وأمّا وجوب مسح الجبهة والباقی من الکف فلأن الواجب مسح الجمیع مع وجوده ، فإذا سقط التکلیف بمسح البعض لامتناعه لم یسقط البعض الآخر.

وقال الشیخ فی المبسوط : وإذا کان مقطوع الیدین من الذراعین سقط عنه فرض

حکم من قطعت کفاه

ص: 234


1- المنتهی ( 1 : 148 ، 149 ) ، الوسائل ( 2 : 980 ) أبواب التیمم ب (12) ح (8).
2- التهذیب ( 1 : 211 ).
3- فی ص (224).

ویجب استیعاب مواضع المسح فی التیمم ، فلو أبقی منها لم یصح.

ویستحب نفض الیدین بعد ضربهما علی الأرض.

______________________________________________________

التیمم ، ویستحب أن یمسح ما بقی (1). والظاهر أنّ مراده باستحباب مسح ما بقی من الذراعین وبسقوط فرض التیمم سقوطه بالنسبة إلی ظاهر الکفین لا مطلقا ، إذ لو کان فرض التیمم من أصله ساقطا لسقطت الصلاة عنه ، وهو معلوم البطلان.

قوله : ویجب استیعاب مواضع المسح فی التیمم ، فلو أبقی منها شیئا لم یصح.

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، قاله فی المنتهی (2). لأن الإخلال بمسح البعض إخلال بالکیفیة المنقولة ، فلا یکون الآتی بذلک آتیا بالتیمم المشروع.

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین أن یکون الإخلال بمسح البعض عمدا أو نسیانا ، ولا فی البعض بین القلیل والکثیر. وبذلک صرح فی المعتبر ، ونقل عن بعض العامة الفرق بین العمد والنسیان ، وعن بعض آخر جواز إبقاء ما دون الدرهم (3). وبطلانهما ظاهر.

قوله : ویستحب نفض الیدین بعد ضربهما علی الأرض.

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا (4) مؤذنا بدعوی الإجماع علیه.

والمستند فیه الأخبار المستفیضة ، کقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة :« تضرب بیدیک مرتین ثم تنفضهما ، مرة للوجه ومرة للیدین » (5).

وجوب استیعاب مواضع المسح
استحباب نفض الیدین

ص: 235


1- المبسوط ( 1 : 33 ).
2- المنتهی ( 1 : 147 ).
3- المعتبر ( 1 : 389 ).
4- المنتهی ( 1 : 147 ).
5- التهذیب ( 1 : 210 - 611 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 599 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (4).

ولو تیمم وعلی جسده نجاسة صح تیممه ، کما لو تطهر بالماء وعلیه نجاسة ، لکن فی التیمم یراعی ضیق الوقت.

______________________________________________________

وما رواه عمرو بن أبی المقدام ، عن الصادق علیه السلام أنه وصف التیمم : فضرب بیدیه علی الأرض ، ثم رفعهما فنفضهما ، ثم مسح علی جبینه (1).

وقد أجمع الأصحاب علی عدم وجوبه ، قاله فی التذکرة (2). واستحب الشیخ - رحمه الله تعالی - مسح إحدی الیدین بالأخری بعد النفض (3) ، ولا نعلم مستنده.

ومن المستحبات أیضا : التسمیة ، وتفریج الأصابع عند الضرب لیتمکن من الصعید. قال فی الذکری : ولا یستحب تخلیلها فی المسح ، للأصل (4).

قوله : ولو تیمم وعلی جسده نجاسة صح تیممه ، کما لو تطهر بالماء وعلیه نجاسة ، لکن فی التیمم یراعی ضیق الوقت.

إذا کان علی جسد المتیمم نجاسة فی غیر الأعضاء الماسحة والممسوحة فلا ریب فی صحة تیممه من هذه الجهة ، کما لو توضأ وعلی جسده نجاسة ، إذ المعتبر طهارة الأعضاء التی تتعلق بها الطهارة خاصة.

ثم إن قلنا بجواز التیمم مع السعة فکالوضوء ، وإن قلنا باختصاصه بآخر الوقت وجب إزالة النجاسة أولا مع الإمکان ، إذ لو وقع قبل الإزالة فات شرطه وهو مراعاة الضیق ، إذ المعتبر عندهم ضیق الوقت عما عدا التیمم والصلاة خاصة. وبهذا المعنی صرح فی المعتبر (5). وعلی هذا فلیس له التیمم مع النجاسة إلاّ إذا ضاق الوقت عما عدا

حکم من تیمم وعلی جسده نجاسة

ص: 236


1- التهذیب ( 1 : 212 - 614 ) ، الاستبصار ( 1 : 171 - 594 ) ، وفیهما بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 977 ) أبواب التیمم ب (11) ح (6).
2- التذکرة ( 1 : 64 ).
3- المبسوط ( 1 : 33 ) ، والنهایة : (49).
4- الذکری : (109) وفیه : تحلیلها.
5- المعتبر ( 1 : 394 ).

الطّرف الرّابع : فی أحکامه ، وهی عشرة :

الأول : من صلی بتیممه لا یعید ، سواء کان فی سفر أو حضر.

______________________________________________________

التیمم والصلاة ، لسقوط التکلیف بإزالتها حینئذ.

واستقرب الشهید - رحمه الله تعالی - فی الذکری جواز التیمم قبل الإزالة علی القولین ، إذ المراد بضیق الوقت ضیقه عن أداء الصلاة وشرائطها التی منها إزالة النجاسة (1). وبه جزم الشیخ الشارح قدس الله سره ، وحمل علیه العبارة ، فقال : لا منافاة بین جواز التیمم قبل إزالة النجاسة وبین مراعاة ضیق الوقت فی جوازه ، لأن المراد عدم زیادته عن الصلاة وشرائطها التی من جملتها التیمم وإزالة النجاسة (2).

وهذا الحمل - مع بعده فی نفسه - مخالف لما صرح به فی المعتبر من عدم جواز التیمم قبل إزالة النجاسة علی القول بالتضیق ، لفوات الشرط.

قوله : الطّرف الرّابع فی أحکامه ، وهی عشرة ، الأول : من صلی بتیممه لا یعید سواء کان فی حضر أو سفر.

المراد بالإعادة هنا ما یتناول الإعادة فی الوقت والقضاء فی خارجه. فهنا مسألتان :

الاولی : إنّ من تیمم تیمما صحیحا وصلی ، ثم خرج الوقت لم یجب علیه القضاء.

قال فی المنتهی : وعلیه إجماع أهل العلم (3). ونقل عن السید المرتضی - رحمه الله تعالی - فی شرح الرسالة : إنّ الحاضر إذا تیمم لفقد الماء وجب علیه الإعادة إذا وجده (4). ولم نقف له فی ذلک علی حجة. والمعتمد سقوط القضاء مطلقا.

- أحکام التیمم

إجاء الصلاة بالتیمم

ص: 237


1- الذکری : (109).
2- المسالک ( 1 : 16 ).
3- المنتهی ( 1 : 151 ).
4- المعتبر ( 1 : 365 ).

______________________________________________________

لنا : إنه صلی صلاة مأمورا بها ، والأمر یقتضی الإجزاء ، وإنّ القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلالة ولا دلالة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن ابن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا لم یجد الرجل طهورا وکان جنبا فلیمسح من الأرض ولیصلّ ، فإذا وجد ماءا فلیغتسل وقد أجزأته صلاته التی صلی » (1).

وفی الحسن عن زرارة عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إذا لم یجد المسافر الماء فلیطلب ما دام فی الوقت ، فإذا خاف أن یفوته الوقت فلیتیمم ولیصل فی آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء علیه ، ولیتوضأ لما یستقبل » (2).

الثانیة : لو تیمم وصلی مع سعة الوقت ثم وجد الماء فی الوقت ، فإن قلنا باختصاص التیمم بآخر الوقت بطلت صلاته مطلقا ، وإن قلنا بجوازه مع السعة فالأصح عدم الإعادة ، وهو خیرة المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (3) ، والشهید فی الذکری (4). ونقل عن ابن الجنید ، وابن أبی عقیل - رحمهما الله - القول بوجوب الإعادة (5) ، وهو ضعیف.

لنا : إنّه صلی بتیمم مشروع صلاة مأمورا بها فتکون مجزیة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : فإن أصاب الماء وقد صلی

ص: 238


1- التهذیب ( 1 : 193 - 556 ) ، الإستبصار ( 1 : 159 - 549 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (7).
2- الکافی ( 3 : 63 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 194 - 560 ) بتفاوت یسیر ، الإستبصار ( 1 : 159 - 548 ) ، الوسائل ( 2 : 963 ) أبواب التیمم ب (1) ح (1).
3- المعتبر ( 1 : 396 ).
4- الذکری : (110).
5- نقله عن ابن الجنید فی الذکری : (110) ، وعن ابن أبی عقیل فی المختلف : (54).

وقیل فیمن تعمّد الجنابة وخشی علی نفسه من استعمال الماء : یتیمم ویصلّی ثم یعید.

______________________________________________________

بتیمم وهو فی وقت؟ قال : « تمت صلاته ولا إعادة علیه » (1).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أجنب فتیمم بالصعید وصلی ، ثم وجد الماء ، فقال : « لا یعید ، إنّ رب الماء رب الصعید ، فقد فعل أحد الطهورین » (2).

وفی الصحیح عن العیص ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یأتی الماء وهو جنب وقد صلی ، قال : « یغتسل ولا یعید الصلاة » (3).

احتج المخالف (4) بما رواه یعقوب بن یقطین فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل تیمم فصلی فأصاب بعد صلاته ماءا ، أیتوضأ ویعید الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال : « إذا وجد الماء قبل أن یمضی الوقت توضأ وأعاد ، فإن مضی الوقت فلا إعادة علیه » (5). والجواب بالحمل علی الاستحباب جمعا بین الأدلة.

قوله : وقیل فیمن تعمّد الجنابة وخشی علی نفسه من استعمال الماء یتیمم ویصلّی ثم یعید.

القول للشیخ (6) - رحمه الله تعالی - واحتج علیه بما رواه عن جعفر بن بشیر ، عن

ص: 239


1- التهذیب ( 1 : 194 - 562 ) ، الإستبصار ( 1 : 160 - 552 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (9).
2- التهذیب ( 1 : 197 - 571 ) ، الإستبصار ( 1 : 161 - 557 ) ، الوسائل ( 2 : 984 ) أبواب التیمم ب (14) ح (15).
3- التهذیب ( 1 : 197 - 569 ) ، الإستبصار ( 1 : 161 - 556 ) ، الوسائل ( 2 : 984 ) أبواب التیمم ب (14) ح (16).
4- نقله عن ابن الجنید وابن أبی عقیل فی الذکری : (110).
5- التهذیب ( 1 : 193 - 559 ) ، الإستبصار ( 1 : 159 - 551 ) ، الوسائل ( 2 : 983 ) أبواب التیمم ب (14) ح (8).
6- المبسوط ( 1 : 30 ).

وفیمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلک.

______________________________________________________

أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة فی لیلة باردة یخاف علی نفسه التلف إن اغتسل ، قال : « یتیمم ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (1). وهی مع ضعف سندها بالإرسال لا تدل علی ما اعتبره من القید ، أعنی کون الجنابة وقعت عمدا.

ویمکن أن یستدل له أیضا بما رواه ابن بابویه فی الصحیح عن عبد الله بن سنان : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل تصیبه الجنابة فی اللیلة الباردة ویخاف علی نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : « یتیمم ویصلی ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (2).وهی لا تدل علی ما اعتبره من القید أیضا. والأجود حملها علی الاستحباب ، لأن مثل هذا المجاز أولی من التخصیص ، وإن کان القول بالوجوب لا یخلو من رجحان.

فرع : من عدم الماء مطلقا أو تعذر علیه استعماله یجوز له الجماع ، لعدم وجوب الطهارة المائیة علیه. ولو کان معه ما یکفیه للوضوء فکذلک قبل دخول الوقت ، أما بعده فجزم العلامة - رحمه الله تعالی - فی المنتهی بتحریمه ، لأنه یفوت الواجب وهو الصلاة بالمائیة (3). ویشکل بأن مقتضی العمومات جواز تأخیر الصلاة إلی آخر الوقت ، ومتی جاز التأخیر أمکن القول بعدم وجوب الصلاة بالمائیة إلاّ مع التمکن منها فی جمیع الوقت.

قوله : وفیمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلک.

القول للشیخ - رحمه الله تعالی - فی النهایة والمبسوط (4) ، وابن الجنید (5). وربما

ص: 240


1- التهذیب ( 1 : 196 - 567 ) ، الإستبصار ( 1 : 161 - 559 ) ، الوسائل ( 2 : 986 ) أبواب التیمم ب (16) ح (1).
2- الفقیه ( 1 : 60 - 224 ) ، الوسائل ( 2 : 986 ) أبواب التیمم ب (16) ح (1).
3- المنتهی ( 1 : 153 ).
4- النهایة : (47) ، والمبسوط ( 1 : 31 ).
5- نقله عنه فی المختلف : (52).

وکذا من کان علی جسده نجاسة ولم یکن معه ماء لإزالتها ، والأظهر عدم الإعادة.

الثانی : یجب علیه طلب الماء فإن أخلّ بالطلب وصلّی ثم وجد الماء فی

______________________________________________________

یکون مستنده روایة السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه : إنه سئل عن الرجل یکون فی وسط الزحام یوم الجمعة أو یوم عرفة لا یستطیع الخروج من المسجد من کثرة الناس ، قال : « یتیمم ویصلی معهم ، ویعید إذا انصرف » (1). وهی ضعیفة السند جدا. والأجود عدم الإعادة ، لأنه صلی صلاة مأمورا بها ، إذ التقدیر عدم التمکن من استعمال الماء قبل فوات الجمعة.

قوله : وکذا من کان علی جسده نجاسة ولم یکن معه ماء لإزالتها ، والأظهر عدم الإعادة.

القول للشیخ - رحمه الله - فی النهایة والمبسوط (2) ، إلاّ أنّ المسألة فی کلامه مفروضة فی نجاسة الثوب لا البدن. ولعل مستنده روایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن رجل لیس علیه إلاّ ثوب ولا تحل الصلاة فیه ، ولیس یجد ماءا یغسله کیف یصنع؟ قال : « یتیمم ویصلی ، فإذا أصاب ماءا غسله وأعاد الصلاة » (3). وهی ضعیفة السند ، لأن رجالها فطحیة. والأصح أنه لا إعادة علیه ، لأنه صلی صلاة مأمورا بها ، والأمر یقتضی الإجزاء.

قوله : الثانی ، یجب علیه طلب الماء ، فإن أخلّ بالطلب وصلّی ثم وجد الماء

من أخل بالطلب یعید الصلاة

ص: 241


1- التهذیب ( 1 : 185 - 534 ) ، الإستبصار ( 1 : 81 - 254 ) ، الوسائل ( 2 : 985 ) أبواب التیمم ب (15) ح (1).
2- النهایة : (55) ، والمبسوط ( 1 : 35 ).
3- التهذیب ( 1 : 407 - 1279 ) ، و ( ج 2 : 224 - 886 ) ، الإستبصار ( 1 : 169 - 587 ) ، الوسائل ( 2 : 1000 ) أبواب التیمم ب (30) ح (1).

رحله أو مع أصحابه تطهّر وأعاد الصلاة.

الثالث : من عدم الماء وما یتیمّم به لقید أو حبس فی موضع نجس ، قیل : یصلی ویعید ، وقیل : یؤخر الصلاة حتی یرتفع العذر ، فإن خرج الوقت قضی ، وقیل : یسقط الفرض أداء وقضاء ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

فی رحله أو مع أصحابه تطهّر وأعاد الصلاة.

قد تقدم الکلام فی ذلک ، وأنّ الأظهر عدم وجوب الإعادة متی کان التیمم مشروعا والصلاة مأمورا بها ، لأن الأمر یقتضی الإجزاء. ولو لم یکن کذلک وقعت الصلاة باطلة ووجب إعادتها سواء وجد الماء فی محل الطلب أم لا.

قوله : الثالث ، من عدم الماء وما یتیمّم به لقید أو حبس فی موضع نجس ، قیل : یصلی ویعید ، وقیل : یؤخر الصلاة حتی یرتفع العذر ، فإن خرج الوقت قضی ، وقیل : یسقط الفرض ، أداء وقضاء ، وهو أشبه.

أما سقوط الأداء فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا صریحا ، لأن الطهارة شرط فی الصلاة مطلقا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لا صلاة إلاّ بطهور » (1) وقد تعذرت فیسقط التکلیف بها ، ویلزم من سقوط التکلیف بها سقوط التکلیف بالمشروط ، وإلاّ فإن بقی الاشتراط لزم تکلیف ما لا یطاق ، وإن انتفی خرج المشروط مطلقا عن کونه مشروطا ( مطلقا ) (2) وهو باطل.

وما حکاه المصنف - رحمه الله تعالی - من القول بالصلاة والإعادة لا أعلم به قائلا ، ولعله أشار بذلک إلی ما ذکره الشیخ - رحمه الله تعالی - فی المبسوط من تخییره بین

سقوط الصلاة مع عدم التمکن من التیمم

ص: 242


1- التهذیب ( 1 : 49 - 144 ) و ( ص 209 - 605 ) و ( ج 2 : 140 - 545 ) ، الإستبصار ( 1 : 55 - 160 ) ، الوسائل ( 1 : 256 ) أبواب الوضوء ب (1) ح (1).
2- لیست فی « ق » و « م ».

______________________________________________________

تأخیر الصلاة أو الصلاة والإعادة (1) ، وهو - مع ضعفه - لا یدل علی تعین الأداء.

ونقل عن المفید - رحمه الله - فی رسالته إلی ولده أنه قال : وعلیه أن یذکر الله تعالی فی أوقات الصلاة بمقدار صلاته (2).

وأما القضاء ففیه للأصحاب قولان : أحدهما السقوط ، اختاره المصنف - رحمه الله - هنا ، وفی المعتبر ، ونقله عن المفید فی أحد قولیه. واحتج علیه بأنها صلاة سقطت بحدث لا یمکن إزالته ، فلا یجب قضاؤها کصلاة الحائض ، وبأن القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلالة ولا دلالة (3).

والثانی الوجوب ، اختاره المفید - رحمه الله - فی المقنعة (4) ، والشیخ فی المبسوط (5) ، والسید المرتضی فی المسائل الناصریة (6) ، وابن إدریس (7) - رحمهم الله .

وهو الأظهر ، لعموم ما دل علی وجوب قضاء الفوائت ، کقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ومتی [ ما ] (8) ذکرت صلاة فاتتک صلیتها » (9).

وفی صحیحة أخری لزرارة : « أربع صلوات یصلیها الرجل فی کل ساعة : صلاة

ص: 243


1- المبسوط ( 1 : 31 ).
2- المختلف : (149).
3- المعتبر ( 1 : 380 ).
4- المقنعة : (8).
5- المبسوط ( 1 : 31 ).
6- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (190).
7- السرائر : (26).
8- من المصدر.
9- الکافی ( 3 : 291 - 1 ) ، التهذیب ( 3 : 158 - 340 ) ، الوسائل ( 3 : 211 ) أبواب المواقیت ب (63) ح (1).

الرابع : إذا وجد الماء قبل دخوله فی الصلاة تطهّر. وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب الإعادة. وإن وجده وهو فی الصلاة ، قیل : یرجع ما لم یرکع ، وقیل : یمضی فی صلاته ولو تلبس بتکبیرة الإحرام حسب ، وهو الأظهر.

______________________________________________________

فاتتک ، فمتی ما ذکرتها أدیتها » (1) الحدیث.

وما قیل من أنّ سقوط الأداء یستلزم سقوط القضاء (2) ، فدعوی مجردة عن الدلیل ، مع انتقاضها بوجوب القضاء علی الساهی والنائم ، ووجوب قضاء الصوم علی الحائض.

قوله : الرابع ، إذا وجد الماء قبل دخوله فی الصلاة تطهّر ، وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب الإعادة ، وإن وجده وهو فی الصلاة ، قیل : یرجع ما لم یرکع ، وقیل : یمضی فی صلاته ولو تلبّس بتکبیرة الإحرام حسب ، وهو الأظهر.

إذا وجد المتیمم الماء وتمکن من استعماله فله صور :

إحداها : أن یجده قبل الشروع فی الصلاة فینتقض تیممه ویجب علیه استعمال الماء ، فلو فقده بعد التمکن من ذلک أعاد التیمم. قال فی المعتبر : وهو إجماع أهل العلم (3).

وإطلاق کلامهم یقتضی أنه لا فرق فی ذلک بین أن یبقی من الوقت مقدار ما یسع الطهارة والصلاة وعدمه ، وهو مؤید لما ذکرناه فیما سبق من أنّ من أخلّ باستعمال الماء حتی ضاق الوقت یجب علیه الطهارة المائیة والقضاء ، لا التیمم والأداء.

وثانیتها : أن یجده بعد الصلاة ولا إعادة علیه لما سبق ، لکن ینتقض تیممه لما یأتی. قال فی المعتبر : وهو وفاق أیضا (4).

حکم من تیمم ثم وجد الماء

ص: 244


1- الفقیه ( 1 : 278 - 1265 ) ، الوسائل ( 5 : 350 ) أبواب قضاء الصلوات ب (2) ح (1).
2- المختلف : (53).
3- المعتبر ( 1 : 399 ).
4- المعتبر ( 1 : 399 ).

______________________________________________________

وثالثتها : أن یجده فی أثناء الصلاة. وقد اختلف فیه کلام الأصحاب ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط والخلاف : یمضی فی صلاته ولو تلبس بتکبیرة الإحرام (1). وهو اختیار المرتضی فی مسائل الخلاف (2) ، وابن إدریس - رحمه الله - (3) ، للأصل ، ولما رواه الشیخ عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، قال : حدثنی محمد بن سماعة ، عن محمد بن حمران ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : رجل تیمم ثم دخل فی الصلاة وقد کان طلب الماء فلم یقدر علیه ، ثم یؤتی بالماء حین یدخل فی الصلاة قال : « یمضی فی الصلاة ، واعلم أنه لیس ینبغی لأحد أن یتیمم إلاّ فی آخر الوقت » (4).

وقال الشیخ فی النهایة : یرجع ما لم یرکع (5). وهو اختیار ابن أبی عقیل (6) ، وأبی جعفر ابن بابویه (7) ، والمرتضی فی شرح الرسالة (8). لما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : فإن أصاب الماء وقد دخل فی الصلاة؟ قال : « فلینصرف فلیتوضأ ما لم یرکع ، فإن کان قد رکع فلیمض فی صلاته ، فإنّ التیمم أحد الطهورین » (9).

وعن عبد الله بن عاصم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یجد

ص: 245


1- المبسوط ( 1 : 33 ) ، والخلاف ( 1 : 33 ).
2- نقله عنه فی السرائر : (27) ، والمعتبر ( 1 : 400 ).
3- السرائر : (27).
4- التهذیب ( 1 : 203 - 590 ) ، الإستبصار ( 1 : 166 - 575 ) ، الوسائل ( 2 : 992 ) أبواب التیمم ب (21) ح (3).
5- النهایة : (48).
6- نقله عنه فی المختلف : (51).
7- المقنع : (9).
8- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 400 ) ، والذکری : (110).
9- التهذیب ( 1 : 200 - 580 ) ، الوسائل ( 2 : 991 ) أبواب التیمم ب (21) ح (1).

______________________________________________________

الماء فیتیمم ویقوم فی الصلاة ، فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء ، فقال : « إن کان لم یرکع فلینصرف ولیتوضأ ، وإن کان قد رکع فلیمض فی صلاته » (1). وهذه الروایة مرویة فی التهذیب بثلاث طرق ، أقربها إلی الصحة ما رواه الشیخ ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن الحسن بن الحسین اللؤلؤی ، عن جعفر بن بشیر ، عن عبد الله بن عاصم. وفی الحسن بن الحسین اللؤلؤی توقف وإن وثّقه النجاشی (2) ، لقول الشیخ : إن ابن بابویه ضعفه (3).

قال المصنف فی المعتبر : وروایة ابن حمران أرجح من وجوه ، منها : أنه أشهر فی العلم والعدالة من عبد الله بن عاصم ، والأعدل مقدم. ومنها : أنه أخف وأیسر ، والیسر مراد لله تبارک وتعالی. ومنها : أنّ مع العمل بروایة محمد یمکن العمل بروایة عبد الله بالتنزیل علی الاستحباب ، ولو عمل بروایته لم یکن لروایة محمد محمل (4).

قلت : ویؤیدها أیضا مطابقتها لمقتضی الأصل ، والعمومات الدالة علی تحریم قطع الصلاة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ومحمد بن مسلم قال ، قلت : فی رجل لم یصب الماء وحضرت الصلاة فتیمم وصلّی رکعتین ، ثم أصاب الماء ، أینقض الرکعتین أو یقطعهما ویتوضأ ثم یصلی؟ قال : « لا ، ولکنه یمضی فی صلاته ، ولا ینقضها لمکان أنه دخلها علی طهور بتیمم » (5) فإن التعلیل یقتضی وجوب المضی فی الصلاة مع الدخول فیها ولو بتکبیرة الإحرام.

ص: 246


1- الکافی ( 3 : 64 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 204 - 591 ، 592 ، 593 ) ، الإستبصار ( 1 : 166 - 576 ) ، السرائر : (486) ، الوسائل ( 2 : 992 ) أبواب التیمم ب (21) ح (2).
2- رجال النجاشی : ( 40 - 83 ).
3- رجال الشیخ : ( 469 - 45 ).
4- فی « ق » ، « م » : محتمل.
5- الفقیه ( 1 : 58 - 214 ) ، التهذیب ( 1 : 205 - 595 ) ، الإستبصار ( 1 : 167 - 580 ) ، الوسائل ( 2 : 992 ) أبواب التیمم ب (21) ح (4).

______________________________________________________

وأجاب العلامة - رحمه الله تعالی - فی المنتهی عن روایتی زرارة وعبد الله بن عاصم بالحمل علی الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بالدخول فی الصلاة الشروع فی مقدماتها کالأذان ، وبقوله : « ما لم یرکع » ما لم یتلبس بالصلاة ، وبقوله : « وإن کان قد رکع » دخوله فیها ، إطلاقا لاسم الجزء علی الکل (1). ولا یخفی ما فی هذا الحمل من البعد وشدة المخالفة للظاهر. أما الأول فلا بأس به.

ویمکن الجمع بین الروایات أیضا بحمل المطلق علی المقید ، إلاّ أنّ ظاهر قوله فی روایة محمد بن حمران : ثم یؤتی بالماء حین یدخل فی الصلاة ، یأباه ، إذ المتبادر منه أول وقت الدخول ، وکذا التعلیل المستفاد من روایة زرارة ، فإنه شامل لما قبل الرکوع وبعده. وفی المسألة أقوال أخر نادرة لا عمل علیها.

وهنا مباحث :

الأول : إذا حکمنا بإتمام الصلاة مع وجود الماء - إما لکونه قد تجاوز محل القطع أو قلنا بالاکتفاء بالشروع - فهل یعید التیمم لو فقد الماء قبل فراغه من الصلاة أم لا؟ فیه قولان أظهرهما عدم الإعادة ، وهو اختیار المصنف فی المعتبر (2) ، لأن المانع الشرعی کالمانع الحسی بل أقوی ، ولأنه یجب الحکم باستمرار التیمم إلی الفراغ قطعا ، وعند الفراغ لا تمکّن من استعمال الماء لأنه المقدر.

وقال الشیخ فی المبسوط : إنه ینتقض تیممه بالنسبة إلی غیرها من الصلوات (3) ، وقواه فی المنتهی (4) ، ومال إلیه فی التذکرة ، لأنه تمکن عقلا من استعمال الماء ، قال :

ص: 247


1- المنتهی ( 1 : 155 ).
2- المعتبر ( 1 : 401 ).
3- المبسوط ( 1 : 33 ).
4- المنتهی ( 1 : 155 ).

______________________________________________________

والمنع الشرعی لا یرفع القدرة ، لأنها صفة حقیقة والحکم معلق علیها (1). وضعفه ظاهر.

وفرّع بعض الفقهاء علی هذا القول أنه لا یجوز للمصلی العدول إلی فائتة سابقه ، لانتقاض التیمم بالنسبة إلی کل صلاة غیر هذه. وهو بعید جدا.

ولو قلنا باستحباب القطع قبل الرکوع فأتم ، فالأظهر أنه کذلک ، لما ذکرناه من استمرار الإباحة إلی الفراغ ، ویقوّی قول الشیخ هنا ، لانتفاء المنع من الاستعمال عقلا وشرعا (2).

الثانی : لو کان فی نافلة ثم وجد الماء احتمل مساواته للفریضة ، لإطلاق الأخبار المتناولة للفریضة والنافلة ، وبه جزم الشهید فی البیان (3) ، وجدی - قدس سره - فی الشرح (4). ویحتمل قویا انتقاض تیممه بوجود الماء ، لجواز قطع النافلة اختیارا ، فینتفی المانع من استعماله عقلا وشرعا.

الثالث : المستفاد من الأخبار وکلام الأصحاب تحریم الرجوع بعد فوات محله ، سواء قلنا أنه التلبس بالصلاة أو الرکوع أو غیرهما.

واستقرب العلامة - رحمه الله تعالی - فی التذکرة جواز العدول إلی النفل مع سعة الوقت ، لأن فیه الجمع بین صیانة الفریضة عن الإبطال وأداء الفریضة بأکمل الطهارتین (5). والأصح المنع ، لأن حمله علی ناسی الأذان ، ومرید فضیلة الجماعة قیاس

ص: 248


1- التذکرة ( 1 : 65 ).
2- فی « ق » ، « م » : عرفا.
3- البیان : (36).
4- المسالک ( 1 : 17 ).
5- التذکرة ( 1 : 65 ).

الخامس : المتیمّم یستبیح ما یستبیحه المتطهر بالماء.

______________________________________________________

باطل ، ولأنه لو جاز العدول إلی النفل لجاز الإبطال بغیر واسطة ، وهو لا یقول به. ولو ضاق الوقت حرم ذلک قطعا.

قوله : الخامس ، المتیمّم یستبیح ما یستبیحه المتطهر بالماء.

یندرج فی ذلک الصلاة ، والطواف ، ودخول المساجد ، وقراءة العزائم ، ومسّ کتابة المصحف ، وغیر ذلک مما یستبیحه المتطهر بالماء. وبهذا التعمیم صرح العلامة - رحمه الله - فی المنتهی من غیر نقل خلاف إلاّ من الأوزاعی ، فإنه نقل عنه کراهة مسّ المصحف للمتیمم (1).

ومنع ولده فخر المحققین - رحمه الله تعالی - من استباحة اللبث به فی المساجد ، لقوله تعالی ( وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِی سَبِیلٍ حَتَّی تَغْتَسِلُوا ) (2) حیث جعل نهایة التحریم الغسل فلا یستباح بغیره ، وإلاّ لم تکن الغایة غایة ، وألحق به مس کتابة القرآن لعدم فرق الأمة بینهما [ هنا ] (3).

والأصح أنه مبیح للجمیع ، لقول (4) النبی صلی الله علیه و آله لأبی ذر : « یا أبا ذر یکفیک الصعید عشر سنین » (5) وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة حماد : « هو بمنزلة الماء » (6) وفی صحیحة محمد بن مسلم : « قد فعل أحد الطهورین » (7) وفی صحیحة

استباحة المتیمم ما یستبیحه المتطهر

ص: 249


1- المنتهی ( 1 : 156 ).
2- النساء : (43).
3- إیضاح الفوائد ( 1 : 66 ) ، وما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
4- فی « ح » : لعموم قول.
5- الفقیه ( 1 : 59 - 221 ) ، التهذیب ( 1 : 194 - 561 ) ، الوسائل ( 2 : 995 ) أبواب التیمم ب (23) ح (4).
6- التهذیب ( 1 : 200 - 581 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 995 ) أبواب التیمم ب (23) ح (2).
7- التهذیب ( 1 : 197 - 571 ) ، الإستبصار ( 1 : 161 - 557 ) ، الوسائل ( 2 : 995 ) أبواب التیمم ب (23) ح (6).

السادس : إذا اجتمع میت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما یکفی أحدهم ، فإن کان ملکا لأحدهم اختص به ، وإن کان ملکا لهم جمیعا أو لا مالک له أو مع مالک یسمح ببذله فالأفضل تخصیص الجنب به. وقیل : بل یختص به المیت ، وفی ذلک تردد.

______________________________________________________

جمیل : « إنّ الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (1).

والجواب عن الآیة بالمنع من دلالتها علی ما ذکره ، لأن إرادة المساجد من الصلاة مجاز لا یصار إلیه إلاّ مع القرینة ، مع احتمالها لغیر ذلک المعنی احتمالا ظاهرا ، وهو أن یکون متعلق النهی الصلاة فی أحوال الجنابة إلاّ فی حال السفر ، لجواز تأدیتها حینئذ بالتیمم. وأیضا : فإن ذلک لا ینافی حصول الإباحة بدلیل من خارج ، وهو ثابت کما بیناه.

قوله : السادس ، إذا اجتمع میت وجنب ومحدث ومعهم من الماء ما یکفی أحدهم. فإن کان ملکا لأحدهم اختص به ، وإن کان ملکا لهم جمیعا أو لا مالک له أو لمالک یسمح ببذله فالأفضل تخصیص الجنب به. وقیل : بل یختص به المیت ، وفی ذلک تردد.

إذا اجتمع میت ومحدث وجنب ومعهم من الماء ما یکفی أحدهم ، فإن کان ملکا لأحدهم اختص به ولم یکن له بذله لغیره مع مخاطبته باستعماله ، لوجوب صرفه فی طهارته.

ولو کان مباحا وجب علی کل من المحدث والجنب المبادرة إلی حیازته ، فإن سبق إلیه أحدهما اختص به ، ولو توافیا دفعة اشترکا ، ولو تغلب أحدهما أثم وملک.

وإن کان ملکا لهم جمیعا أو لمالک یسمح ببذله ، فلا ریب أن لملاّکه الخیرة فی

حکم اجتماع المیت والجنب والمحدث مع کفایة الماء لأحدهم

ص: 250


1- الفقیه ( 1 : 60 - 223 ) ، التهذیب ( 1 : 404 - 1264 ) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (23) ح (1) ، وص (995) ب (24) ح (2) ، وفی الکافی ( 3 : 66 - 3 ) صدر الحدیث.

______________________________________________________

تخصیص من شاؤوا به ، وإنما الکلام فی من الأولی؟ فقال الشیخ - رحمه الله - فی النهایة إنه الجنب (1). وقیل : المیت ، حکاه المصنف - رحمه الله - ، ولا أعرف قائله.

وقال الشیخ فی الخلاف : إن کان الماء لأحدهم فهو أحق به ، وإن لم یکن لواحد بعینه تخیروا فی التخصیص ، لأنها فروض اجتمعت ولیس بعضها أولی من بعض فتعین التخییر ، ولأن الروایات اختلفت علی وجه لا ترجیح ، فتحمل علی التخییر (2). ومقتضی ذلک انتفاء الأولویة.

والأصح ما اختاره المصنف من أفضلیة تخصیص الجنب به ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی نجران : إنه سأل أبا الحسن موسی بن جعفر علیهماالسلام عن ثلاثة نفر کانوا فی سفر أحدهم جنب ، والثانی میت ، والثالث علی غیر وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما یکفی أحدهم ، من یأخذ الماء؟ وکیف یصنعون؟ فقال : « یغتسل الجنب ، ویدفن المیت (3) ، ویتیمم الذی هو علی غیر وضوء ، لأن الغسل من الجنابة فریضة ، وغسل المیت سنة ، والتیمم للآخر جائز » (4).

احتج القائل بتقدیم المیت بأنّ الجنب یستدرک طهارته والمیت لا استدراک لطهارته ، وبما رواه محمد بن علی عن بعض أصحابه : قلت : المیت والجنب یتفقان ولا یکون الماء إلاّ بقدر کفایة أحدهما أیهما أولی؟ قال : « یتیمم الجنب ویغتسل المیت » (5).

والجواب عن الأول بأن الاعتبار لا یعارض النص ، مع أنه معارض بتعبد الجنب

ص: 251


1- النهایة : (50).
2- الخلاف ( 1 : 43 ).
3- فی المصدر زیادة : بتیمم.
4- الفقیه ( 1 : 59 - 222 ) ، الوسائل ( 2 : 987 ) أبواب التیمم ب (18) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 110 - 288 ) ، الإستبصار ( 1 : 102 - 332 ) ، الوسائل ( 2 : 988 ) أبواب التیمم ب (18) ح (5).

السابع : الجنب إذا تیمّم بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التیمم بدلا من الغسل ، سواء کان حدثه أصغر أو أکبر.

______________________________________________________

بطهارته بخلاف المیت ، وبأن للجنب غایتین : استباحة الصلاة ، وطهارة بدنه من الحدث. وللمیت الثانیة لا غیر.

وعن الروایة بالطعن فی سندها بالضعف والإرسال والإضمار ، فلا تصلح لمعارضة الخبر الصحیح.

ولو کان الماء مع غیرهم والتمس الأولی ، أو أوصی بصرفه إلی الأولی دفعه إلی الجنب.

ولو کفی الحدث خاصة اختص به ، ویمکن صرفه إلی بعض أعضاء الجنب توقعا للباقی. أما لو قصر عنهما تعین الجنب ، لاشتراط الموالاة فی الوضوء دون الغسل ، فلو استعمله وتعذر الإکمال یتیمم.

ولو أمکن الجمع بأن یتوضأ المحدث ، ثم یجمع الماء ویغتسل به الجنب الخالی بدنه من النجاسة ، ثم یجمع ماؤه ویغسّل به المیت وجب.

ولو جامعهم ذات دم ، أو ماسّ میت ، أو مزیل طیب للإحرام فإشکال ، والتخییر حسن ، واستعمال القرعة أولی. أما العطشان فإنه أولی من الجمیع قطعا.

قوله : السابع : الجنب إذا تیمّم بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التیمم بدلا من الغسل ، سواء کان حدثه أصغر أو أکبر.

أجمع العلماء کافة علی أنّ التیمم لا یرفع الحدث ، حکاه فی المعتبر ، واحتج علیه بأن المتیمم یجب علیه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق ، فلو لم یکن الحدث السابق باقیا لکان وجوب الطهارة لوجود الماء إذ لا وجه غیره ، ووجود الماء لیس حدثا بالإجماع. ولأنه لو کان حدثا لوجب استواء المتیممین فی موجبه ضرورة استوائهم فیه ،

حکم المتیمم بدل الغسل إذا أحدث

ص: 252

______________________________________________________

لکن هذا باطل لأن المحدث لا یغتسل والمجنب لا یتوضأ (1).

ولا ریب فیما ذکره ، لکن لا یلزم منه امتناع الرفع فیه إلی غایة معینة وهو الحدث أو وجود الماء ، وهو المعبر عنهم فی کلامهم بالاستباحة.

إذا تقرر ذلک فنقول : إذا تیمم الجنب بدلا من الغسل ثم أحدث حدثا أصغر ، فذهب أکثر الأصحاب إلی أنّ الواجب علیه التیمم بدلا من الغسل ، لأن الجنابة باقیة ، والاستباحة زالت بالحدث الأصغر ، فیجب التیمم بدلا من الغسل. ویدل علیه أیضا قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ومتی أصبت الماء فعلیک الغسل إن کنت جنبا ، والوضوء إن لم تکن جنبا » (2).

واستدل علیه فی المختلف (3) بصحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام : فی رجل أجنب فی سفر ومعه ماء قدر ما یتوضأ به ، قال : « یتیمم ولا یتوضأ » (4). وهی إنما تدل علی النهی عن الوضوء قبل التیمم عن الجنابة فلا یلزم مثله فیما بعده.

وقال السید المرتضی - رحمه الله تعالی - فی شرح الرسالة : إن المجنب إذا تیمم ثم أحدث حدثا أصغر ، ووجد ما یکفیه للوضوء توضأ به ، لأن حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما یوجب الصغری ، وقد وجد من الماء ما یکفیه لها فیجب علیه استعماله (5). والظاهر أنّ مراده بارتفاع حدثه ارتفاعه إلی أن یتمکن من الغسل ، لا ارتفاعه مطلقا ، وإلاّ لما وجب الغسل عند التمکن من استعمال الماء لأنه لیس حدثا إجماعا.

ص: 253


1- المعتبر ( 1 : 394 ).
2- التهذیب ( 1 : 210 - 611 ) ، الإستبصار ( 1 : 172 - 599 ) ، الوسائل ( 2 : 978 ) أبواب التیمم ب (12) ح (4).
3- المختلف : (55).
4- التهذیب ( 1 : 405 - 1272 ) ، الوسائل ( 2 : 996 ) أبواب التیمم ب (24) ح (4).
5- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 395 ) ، والمختلف : (55).

الثامن : إذا تمکن من استعمال الماء انتقض تیمّمه. ولو فقده بعد ذلک افتقر إلی تجدید التیمم.

______________________________________________________

وجوابه : المنع من ارتفاع الحدث السابق إلی أن یتمکن من الغسل ، بل القدر المتحقق ارتفاعه إلی أن یحصل أحد الأمرین : إما التمکن من الغسل أو الحدث ، ومع حصول أحدهما ینتهی الرفع ویظهر أثر الحدث السابق.

قوله : الثامن ، إذا تمکن من استعمال الماء انتقض تیمّمه ، ولو فقده بعد ذلک افتقر الی تجدید التیمم.

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، والنصوص الواردة به مستفیضة (1). والمراد بالتمکن أن لا یکون له مانع حسی ولا شرعی یمنعه من الاستعمال.

وهل یعتبر فی انتقاض التیمم مضی زمان یتمکن فیه من فعل الطهارة المائیة أم لا؟

فیه وجهان أحدهما : نعم ، لامتناع التکلیف بعبادة فی وقت لا یسعها ، فإذا تلف الماء مثلا قبل مضی زمان یتمکن فیه من فعل الطهارة تبین عدم التکلیف ( فیه ) (2) باستعمال الماء ، فیلزم بقاء التیمم ، لأن النقض إنما یتحقق بتمکنه من المبدل.

والثانی : لا یعتبر ، لصدق التمکن من استعمال الماء بحسب الظاهر. ولعل الأول أولی.

فرعان : الأول : لو وجد جماعة متیممون ماءا مباحا یکفی أحدهم ، قال فی المنتهی : انتقض تیممهم جمیعا ، لوجود الدلیل الدال علی انتقاض التیمم بوجود الماء ، وهو صادق فی حق کل واحد منهم (3).

وینبغی تقییده بما إذا حصل التمکن من استعماله للجمیع ، أما لو تبادروا إلی

انتقاض التیمم بالتمکن من الماء

ص: 254


1- الوسائل ( 2 : 981 ) أبواب التیمم ب (14).
2- من « ح ».
3- المنتهی ( 1 : 158 ).

ولا ینتقض التیمم بخروج الوقت ما لم یحدث أو یجد الماء.

______________________________________________________

حیازته فسبق أحدهم انتقض تیممه خاصة ، ولم ینتقض تیمم الباقین إلاّ إذا بذله لهم.

الثانی : لو لم یجد الماء إلاّ فی المسجد وکان جنبا فالأظهر أنه یجوز له الدخول والأخذ من الماء والاغتسال خارجا. ولو لم یکن معه ما یغرف به فقد استقرب فی المنتهی جواز اغتساله فی المسجد (1). وهو حسن إن لم یتحقق معه الجلوس ، للأصل ( واختصاص النهی بالجلوس فی المسجد ، کما بیناه فی ما سبق ) (2).

قوله : ولا ینتقض التیمم بخروج الوقت ، ما لم یحدث أو یجد الماء.

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وأخبارهم به ناطقة. فروی حماد بن عثمان فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یجد الماء ، أیتیمم لکل صلاة؟ فقال : « لا ، هو بمنزلة الماء » (3).

وروی زرارة فی الصحیح قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : یصلی الرجل بتیمم واحد صلاة اللیل والنهار کلها؟ فقال : « نعم ما لم یحدث أو یصیب ماءا » قلت : فإن أصاب الماء ورجا أن یقدر علی ماء آخر وظنّ أنه یقدر علیه ، فلما أراده تعسر ذلک علیه؟ قال : « ینقض ذلک تیممه وعلیه أن یعید التیمم » (4).

وقال بعض العامة : ینتقض التیمم بخروج الوقت ، لأنها طهارة ضروریة فیتقدر بالوقت کالمستحاضة (5). ولا ریب فی بطلانه.

عدم انتقاض التیمم بخروج الوقت

ص: 255


1- المنتهی ( 1 : 158 ).
2- ما بین القوسین من « ح ».
3- التهذیب ( 1 : 200 - 581 ) ، الإستبصار ( 1 : 163 - 566 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (3).
4- التهذیب ( 1 : 200 - 580 ) ، الإستبصار ( 1 : 164 - 570 ) ، الوسائل ( 2 : 990 ) أبواب التیمم ب (20) ح (1).
5- نقله عن أبی ثور فی المحلی ( 2 : 131 ).

التاسع : من کان بعض أعضائه مریضا لا یقدر علی غسله بالماء ولا مسحه جاز له التیمم ، ولا یبعّض الطهارة.

العاشر : یجوز التیمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء بنیة الندب ، ولا یجوز له الدخول به فی غیر ذلک من أنواع الصلاة.

______________________________________________________

قوله : التاسع ، من کان بعض أعضائه مریضا لا یقدر علی غسله بالماء ولا مسحه جاز له التیمم ، ولا یبعّض الطهارة.

رد بذلک علی الشافعی حیث قال : إنّ من هذا شأنه یغسل الأعضاء التی یقدر علی غسلها ویتیمم عن العضو المریض ، فتتلفق طهارته من المائیة والترابیة (1). وهو باطل ، لأن تقسیم الطهارة إلی الوضوء والغسل ، والتیمم یقطع الشرکة بینها.

وقول المصنف - رحمه الله - : لا یقدر علی غسله بالماء ولا مسحه ، یمکن أن یرید به انتفاء القدرة علی غسل العضو إن کان مغسولا ، ومسحه إن کان ممسوحا ، ولا ینافی ذلک ما ذکره فی أحکام الجبیرة من أنها لو عمّت عضوا کاملا مسح علیه ، ولا ینتقل الی التیمم لاختلاف موضوع المسألتین ، واختصاص النص المتضمن لذلک الحکم بالجبیرة فلا یتعدی الی غیرها.

ویمکن أن یرید به تعذر مسح العضو المریض ولو علی الخرقة وإن کان مغسولا ، وعلی هذا فلا تنافی بین المسألتین إلاّ أنّ المتجه الانتقال إلی التیمم فی هذه الصورة لتعذر الطهارة المائیة المتحقق بتعذر جزئها. وعموم قوله تعالی ( وَإِنْ کُنْتُمْ مَرْضی أَوْ عَلی سَفَرٍ ) . ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) (2).

قوله : العاشر : یجوز التیمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء بنیة الندب.

هذا الحکم ذکره الشیخ فی أکثر کتبه (3) ، واحتج علیه بإجماع الفرقة ، وبما رواه

تیمم من تمرض عضو منه ولم یمکن مسحه
جواز التیمم لصلاة الجنازة

ص: 256


1- الام ( 1 : 49 ) ، مختصر المزنی : (7).
2- المائدة : (6).
3- المبسوط ( 1 : 35 ) ، النهایة : (146) ، الخلاف ( 1 : 41 ).

______________________________________________________

زرعة عن سماعة ، قال : سألته عن رجل مرت به جنازة وهو علی غیر طهر ، قال : « یضرب بیدیه علی حائط اللبن (1) فیتیمم » (2).

واستشکله المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بأن الإجماع لا نعلمه ، والروایة لیست صریحة فی الجواز مع وجود الماء ، لکن لو قیل : إذا فاجأته الجنازة وخشی فواتها مع الطهارة [ تیمم ] (3) لها کان حسنا ، لأن الطهارة لما لم تکن شرطا وکان التیمم أحد الطهورین فمع خوف الفوت لا بأس بالتیمم ، لأن حال المتیمم أقرب إلی شبه المتطهرین من الخالی منه (4).

قلت : ویدل علی استحباب التیمم فی هذه الحالة أیضا : ما رواه الحلبی فی الحسن ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل تدرکه الجنازة وهو علی غیر وضوء ، فإن ذهب یتوضأ فاتته الصلاة علیها ، قال : « یتیمم ویصلی » (5)

ص: 257


1- فی جمیع النسخ : لبن. وصححناه کما فی المصدر.
2- الکافی ( 3 : 178 - 5 ) ، التهذیب ( 3 : 203 - 477 ) ، الوسائل ( 2 : 799 ) أبواب صلاة الجنازة ب (21) ح (5).
3- أثبتناه من المصدر.
4- المعتبر ( 1 : 405 ).
5- الکافی ( 3 : 178 - 2 ) ، الوسائل ( 2 : 799 ) أبواب صلاة الجنازة ب (21) ح (6).

الرّکن الرّابع :

فی النجاسات وأحکامها

القول فی النجاسات ، وهی عشرة أنواع :

الأول والثانی : البول والغائط مما لا یؤکل لحمه ، إذا کان للحیوان نفس سائلة ، سواء کان جنسه حراما کالأسد ، أو عرض له التحریم کالجلال.

______________________________________________________

قوله : الأول والثانی : البول والغائط مما لا یؤکل لحمه ، إذا کان للحیوان نفس سائلة ، سواء کان جنسه حراما کالأسد ، أو عرض له التحریم کالجلاّل.

أجمع علماء الإسلام علی نجاسة البول والغائط ممّا لا یؤکل لحمه ، سواء کان ذلک من الإنسان أو غیره إذا کان ذا نفس سائلة ، قاله فی المعتبر (1).

والمراد بالنفس السائلة : الدم الذی یجتمع فی العروق ویخرج إذا قطع شی ء منها بقوة ودفع. ویقابله ما لا نفس له ، وهو الذی یخرج دمه ترشحا کالسمک.

والأخبار الواردة بنجاسة البول فی الجملة مستفیضة (2) ، إلاّ أنّ المتبادر منه بول الإنسان.

ویدل علی نجاسته من غیر المأکول مطلقا ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن عبد الله بن

النجاسات

- أنواع النجاسات

- البول والغائط
اشارة

ص: 258


1- المعتبر ( 1 : 410 ).
2- الوسائل ( 2 : 1007 ) أبواب النجاسات ب (8).

______________________________________________________

سنان ، قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « اغسل ثوبک من أبوال ما لا یؤکل لحمه » (1) وجه الدلالة أنّ الأمر حقیقة فی الوجوب ، وإضافة الجمع تفید العموم ، ومتی ثبت وجوب الغسل فی الثوب وجب فی غیره ، إذ لا قائل بالفصل ، ولا معنی للنجس شرعا إلاّ ما وجب غسل الملاقی له ، بل سائر الأعیان النجسة إنما استفید نجاستها من أمر الشارع بغسل الثوب أو البدن من ملاقاتها ، مضافا إلی الإجماع المنقول فی أکثر الموارد کما ستقف علیه فی تضاعیف هذه المباحث.

أمّا الأرواث فلم أقف فیها علی نص یقتضی نجاستها من غیر المأکول علی وجه العموم ، ولعلّ الإجماع فی موضع لم یتحقق فیه المخالف کاف فی ذلک.

وقد وقع الخلاف فی هذه المسألة فی موضعین :

أحدهما : رجیع (2) الطیر ، فذهب ابن بابویه وابن أبی عقیل والجعفی - رحمهم الله تعالی - إلی طهارته مطلقا (3). وقال الشیخ فی المبسوط : بول الطیور وذرقها کلّها طاهر إلاّ الخفّاش (4). وقال فی الخلاف : ما أکل فذرقه طاهر ، وما لم یؤکل فذرقه نجس (5).

حکم رجیع الطیر

ص: 259


1- الکافی ( 3 : 57 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 264 - 770 ) ، الوسائل ( 2 : 1008 ) أبواب النجاسات ب (8) ح (2).
2- الرجیع : الروث والعذرة فعیل بمعنی فاعل لأنه رجع عن حالته الاولی بعد أن کان طعاما أو علفا - المصباح المنیر : (220).
3- الفقیه ( 1 : 41 ) ، والمقنع : (5) ، ونقله عن ابن أبی عقیل فی المختلف : (56) ، وعن الجعفی فی الذکری : (13).
4- المبسوط ( 1 : 39 ).
5- الخلاف ( 1 : 181 ).

______________________________________________________

وبه قال أکثر الأصحاب. واحتج علیه فی المعتبر بما دل علی نجاسة العذرة مما لا یؤکل لحمه ، قال : فإنه یتناول موضع النزاع ، لأن الخرء العذرة (1).

وهو غیر جید ، لما بیناه من انتفاء ما یدل علی العموم ، ولأنّ العذرة لیست مرادفة للخرء ، بل الظاهر اختصاصها بفضلة الإنسان کما دل علیه العرف ، ونصّ علیه أهل اللغة ، قال الهروی : العذرة أصلها فناء الدار ، وسمیت عذرة الناس بهذا ، لأنها کانت تلقی فی الأفنیة فکنّی عنها باسم الفناء (2).

واستدل فی المختلف علی هذا القول أیضا بحسنة عبد الله بن سنان المتقدمة (3) ، قال : وهی عامة فی صورة النزاع (4). ویشکل بأنها إنما تضمنت نجاسة البول وهو خلاف الذرق.

حجة القائلین بالطهارة : الأصل ، وقوله علیه السلام : « کل شی ء طاهر حتی یعلم أنّه قذر » (5) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : إنّه سأله عن الرجل یری فی ثوبه خرء الطیر أو غیره هل یحکّه وهو فی صلاته؟ قال : « لا بأس » (6) وترک الاستفصال مع قیام الاحتمال یفید العموم.

ص: 260


1- المعتبر ( 1 : 411 ).
2- نقله عن أبی عبید الهروی فی لسان العرب ( 4 : 554 ).
3- فی ص (259).
4- المختلف : (56).
5- المقنع : (5) ، والمستدرک 2 : 583 ب 30 ح 4 النجاسات والأوانی ب 2 : 583 ب 30 ح 4 ، ذکرت من دون نسبتها الی المعصوم.
6- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ ، بل وجدناها فی الفقیه ( 1 : 164 - 775 ) ، قرب الإسناد : (89) ، الوسائل ( 4 : 1277 ) أبواب قواطع الصلاة ب (27) ح (1).

______________________________________________________

وفی الحسن عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کلّ شی ء یطیر لا بأس بخرئه وبوله » (1) وهی متناولة للمأکول وغیره.

وأجاب العلاّمة - رحمه الله - فی المختلف عن هذه الروایة : بأنّها مخصوصة بالخشاف إجماعا فیختص بما شارکه فی العلة ، وهو عدم کونه مأکولا (2).

وفساده واضح أمّا أوّلا : فلمنع الإجماع علی تخصیص الخشاف ، فإنّه - رحمه الله قد حکی فی صدر المسألة عن ابن بابویه وابن أبی عقیل القول بالطهارة مطلقا ، ونقل استثناء الخشاف عن الشیخ فی المبسوط خاصة.

وأما ثانیا : فلأنّ خروج الخشاف من هذا العموم بدلیل لا یقتضی کون العلّة فیه أنّه غیر مأکول اللحم ، بل هذه هی العلّة المستنبطة التی قد علم من مذهب الإمامیة إنکار العمل بها والتشنیع علی من اعتبرها.

وأجیب عنها أیضا بالحمل علی المأکول خاصة ، جمعا بینها وبین روایة ابن سنان المتقدمة (3). وهو مشکل ، إذ الجمع بین الخبرین کما یمکن بذلک کذا یمکن بتخصیص روایة ابن سنان بهذه الروایة ، وحملها علی غیر الطیر مما لا یؤکل لحمه ، فتقدیم أحدهما یتوقف علی المرجح.

ویمکن ترجیح الثانی بمطابقته لمقتضی الأصل والعمومات الدالة علی الطهارة ، وبأنّ

حکم رجیع الخشاف

ص: 261


1- الکافی ( 3 : 58 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 266 - 779 ) ، الوسائل ( 2 : 1013 ) أبواب النجاسات ب (10) ح (1).
2- المختلف : (56).
3- فی ص (259).

______________________________________________________

قوله علیه السلام : « کلّ شی ء یطیر » أظهر تناولا لما لا یؤکل لحمه من الطیر من روایة ابن سنان وذلک مناط التخصیص. وأیضا فإنّ الروایتین إنما تصادمتا فی البول خاصة ، والمدّعی أعمّ من ذلک أو مغایر له.

وقد ظهر من ذلک أنّ المتجه القول (1) بطهارة الذرق ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض ، المعتضد بالروایتین المتقدمتین (2) وعمل جمع من الأصحاب. وإنما یحصل التردد فی البول خاصة إن فرض وقوعه من الطیر ، ولا یبعد الحکم بطهارته أیضا لما بیناه.

احتج الشیخ (3) - رحمه الله - علی استثناء الخشاف : بما رواه عن داود الرقی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن بول الخشاشیف یصیب ثوبی فأطلبه ولا أجده ، قال : « اغسل ثوبک » (4).

والجواب أنها مع ضعف سندها معارضة بما رواه غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : « لا بأس بدم البراغیث والبقّ وبول الخشاشیف » (5) وهذه الروایة أوضح سندا وأظهر دلالة من السابقة ، وأجاب عنها فی التهذیب بالشذوذ والحمل علی التقیة (6) ، وهو مشکل.

ص: 262


1- فی « م » و « ق » : القطع.
2- فی ص ( 260 ، 261 ).
3- التهذیب ( 1 : 266 ).
4- التهذیب ( 1 : 265 - 777 ) ، الإستبصار ( 1 : 188 - 658 ) ، الوسائل ( 2 : 1013 ) أبواب النجاسات ب (10) ح (4).
5- التهذیب ( 1 : 266 - 778 ) ، الإستبصار ( 1 : 188 - 659 ) ، الوسائل ( 2 : 1013 ) أبواب النجاسات ب (10) ح (5).
6- التهذیب ( 1 : 266 ).

وفی رجیع ما لا نفس له سائلة وبوله تردد.

______________________________________________________

وثانیهما : بول الرضیع قبل أن یأکل الطعام ، والمشهور أنّه نجس ، ونقل فیه السید المرتضی (1) - رضی الله عنه - الإجماع ، ویدل علیه مضافا إلی العمومات خصوص حسنة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن بول الصبی قال : « تصبّ علیه الماء ، فإن کان قد أکل فاغسله » (2).

وقال ابن الجنید : بول البالغ وغیر البالغ نجس إلاّ أن یکون غیر البالغ صبیا ذکرا فإنّ بوله ولبنه ما لم یأکل اللحم لیس بنجس (3). واحتج له فی المختلف (4) : بما رواه السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، عن علیّ علیه السلام أنّ قال : « لبن الجاریة وبولها یغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأنّ لبنها یخرج من مثانة أمّها ، ولبن الغلام لا یغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن یطعم ، لأنّ لبن الغلام یخرج من العضدین والمنکبین » (5)

والجواب أولا بالطعن بالسند ، وثانیا بالقول بالموجب ، فإنّ انتفاء الغسل لا یقتضی انتفاء الصّبّ ، ونحن إنما أوجبنا الثانی لا الأوّل.

قوله : وفی رجیع ما لا نفس له وبوله تردد.

وربما کان منشأ التردد فی البول من عموم الأمر بغسله من غیر المأکول ، ومن أنّ

حکم بول الرضیع
حکم رجیع ما لا نفس له

ص: 263


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (181).
2- الکافی ( 3 : 56 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 249 - 715 ) ، الإستبصار ( 1 : 173 - 602 ) ، الوسائل ( 2 : 1003 ) أبواب النجاسات ب (3) ح (2).
3- نقله عنه فی المختلف : (56).
4- المختلف : (56).
5- الفقیه ( 1 : 40 - 157 ) وفیه : مرسلا ، التهذیب ( 1 : 250 - 718 ) ، الاستبصار ( 1 : 173 - 601 ) ، علل الشرائع : ( 294 - 1 ) ، المقنع : (5) وفیه : مرسلا ، الوسائل ( 2 : 1003 ) أبواب النجاسات ب (3) ح (4).

وکذا فی ذرق الدجاج غیر الجلال ، والأظهر الطهارة.

______________________________________________________

ما لا نفس له طاهر المیتة والدم فصارت فضلاته کعصارة النبات ، والأصح : الطهارة کما اختاره فی المعتبر (1) ، وقطع به فی المنتهی (2) من غیر نقل خلاف ، لأنّ المتعارف من مأکول اللحم وغیره ما کان ذا نفس سائلة فینصرف إلیه الإطلاق.

أما الرجیع فلا أعرف للتردد فی طهارته وجها ، لأنّ الطهارة مقتضی الأصل ولا معارض له.

قوله : وکذا فی ذرق الدجاج غیر الجلال ، والأظهر الطهارة.

منشأ التردد هنا اختلاف الأخبار ، فروی وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : « لا بأس بخرء الدجاج والحمام یصیب الثوب » (3).

وروی فارس قال : کتب إلیه رجل یسأله عن ذرق الدجاج یجوز الصلاة فیه؟ فکتب : « لا » (4).

والروایتان ضعیفتا السند جدّا ، فإنّ وهب بن وهب عامیّ مطعون فیه بالکذب (5) ، وفارس هذا هو ابن حاتم القزوینی کما یظهر من کتب الرجال (6) ، وقال الشیخ : إنه

حکم ذرق الدجاج الجلال

ص: 264


1- المعتبر ( 1 : 411 ).
2- المنتهی ( 1 : 159 ).
3- التهذیب ( 1 : 283 - 831 ) ، الإستبصار ( 1 : 177 - 618 ) ، الوسائل ( 2 : 1013 ) أبواب النجاسات ب (10) ح (2).
4- التهذیب ( 1 : 266 - 782 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 619 ) ، الوسائل ( 2 : 1013 ) أبواب النجاسات ب (10) ح (3) بتفاوت یسیر.
5- کما فی رجال النجاشی : ( 430 - 1155 ).
6- رجال الکشی ( 2 : 806 - 1003 و1011 ) ورجال الشیخ : (420) ، ولم تثبت رؤیة أحد باسم فارس عن الإمام علیه السلام سوی فارس بن حاتم الملعون ، بل لم نجد من اسمه فارس سواه وسوی فارس ابن سلیمان والأخیر لا یروی عن الإمام. ( راجع رجال النجاشی : 310 ).

الثالث : المنیّ ، وهو نجس من کل حیوان حلّ أکله أو حرم.

______________________________________________________

غال ملعون (1). وقال العلاّمة - رحمه الله - فی الخلاصة : أنه فسد مذهبه وبری ء منه وقتله بعض أصحاب أبی محمد بالعسکر ، لا یلتفت إلی حدیثه ، وله کتب کلّها تخلیط (2).

ونقل عن الفضل بن شاذان أنه ذکر فی بعض کتبه : أنّ من الکذّابین المشهورین الفاجر فارس بن حاتم القزوینی (3).

ومع سقوط الروایتین یکون المرجع إلی الأصل وهو الطهارة ، کما اختاره ابن بابویه (4) ، والشیخ فی کتابی الحدیث (5) ، وأکثر الأصحاب.

أمّا الجلاّل وهو ما اغتذی بعذرة الإنسان محضا إلی أن یسمی فی العرف جلاّلا فذرقه نجس إجماعا ، قاله فی المختلف (6) ، لأنّه غیر مأکول اللحم.

قوله : الثالث : المنیّ ، وهو نجس من کل حیوان حلّ أکله أو حرم.

أجمع علماؤنا علی نجاسة المنی من کلّ حیوان ذی نفس سائلة ، سواء فی ذلک الآدمی وغیره ، الذّکر والأنثی ، حکی ذلک العلاّمة فی التذکرة صریحا ، وفی المنتهی ظاهرا (7). والأصل فیه الأخبار المستفیضة کحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه منی فلیغسل الذی أصابه ، فإن ظنّ أنه أصابه منیّ ولم

- المنی
اشارة

ص: 265


1- رجال الشیخ : ( 420 - 3 ).
2- خلاصة العلامة : ( 247 - 2 ).
3- رجال الکشی ( 2 : 807 ).
4- الفقیه ( 1 : 41 ).
5- التهذیب ( 1 : 284 ) ، والاستبصار ( 1 : 178 ).
6- المختلف : (55).
7- التذکرة ( 1 : 6 ) ، والمنتهی ( 1 : 161 ، 162 ).

______________________________________________________

یستیقن ولم یر مکانه فلینضحه بالماء » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : ذکر المنی فشدده وجعله أشدّ من البول ، ثم قال : « إن رأیت المنی قبل أو بعد ما تدخل فی الصلاة فعلیک إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت فی ثوبک فلم تصبه ثم صلّیت فیه ثم رأیته بعد فلا إعادة علیک ، وکذلک البول » (2).

وروایة ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المنی یصیب الثوب ، قال : « إن عرفت مکانه فاغسله ، فإن خفی علیک مکانه فاغسله کلّه » (3) لکن لیس فی هذه الروایات ولا غیرها ممّا وقفت علیه دلالة علی ما ذکره الأصحاب من التعمیم ، وإنما الموجود فیها إطلاق لفظ المنی ، والمتبادر منه أنّه منی الإنسان ، إلاّ أنّ الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، مدّعی علیه الإجماع ، فلا مجال للتوقف.

ولا یلحق به المذی : وهو الذی یخرج عقیب الملاعبة والملامسة ، والودی بالدال المهملة : وهو الذی یخرج عقیب البول ، بل هما طاهران عندنا ، لما رواه حریز فی الصحیح ، قال : حدّثنی زید الشحّام وزرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إن سال من ذکرک شی ء من مذی أو ودی (4) فلا تغسله ولا تقطع له

ص: 266


1- الکافی ( 3 : 54 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 728 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (4).
2- الفقیه ( 1 : 161 - 758 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 252 - 730 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (2).
3- الکافی ( 3 : 53 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 251 - 725 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (6).
4- فی « م » والاستبصار : أو وذی.

وفی منیّ ما لا نفس له ، تردد ، والطهارة أشبه.

الرابع : المیتة ، ولا ینجس من المیتات إلا ما له نفس سائلة.

______________________________________________________

الصلاة ، إنما ذلک بمنزلة النخامة » (1).

ونقل عن ابن الجنید - رحمه الله - القول بنجاسة ما ینقض الوضوء من المذی ، وفسره بما یخرج جاریا عقیب شهوة ، لورود الأمر بغسله (2).

والجواب - بعد تسلیم السند - بالحمل علی الاستحباب ، جمعا بین الأدلّة (3).

فرع : کلّما یخرج من القبل والدبر من رطوبة وغیرها طاهر عدا البول والغائط والمنی والدم ، تمسّکا بأصالة الطهارة السالمة من المعارض. وقال بعض العامة بنجاسة الجمیع (4) ، لخروجها من مجری النجاسة ، وهو باطل ، لأنّ النجاسة لا تتحقق إلاّ بعد خروجها من المجری.

قوله : وفی منیّ ما لا نفس له ، تردد ، والطهارة أشبه (5).

إنما کانت الطهارة أشبه لأنها مقتضی الأصل ولا معارض له ، ولا أعرف للتردد فی ذلک وجها یعتد به.

قوله : الرابع : المیتة ، ولا ینجس من المیتات إلا ما له نفس سائلة.

یندرج فی ذی النفس السائلة الآدمی وغیره مما له نفس ، ویخرج منه ما لا نفس له کالسمک ونحوه ، فهنا مسائل ثلاث :

حکم منی ما لا نفس له
- المیتة
اشارة

ص: 267


1- التهذیب ( 1 : 21 - 52 ) ، الإستبصار ( 1 : 94 - 305 ) ، الوسائل ( 1 : 196 ) أبواب نواقض الوضوء ب (12) ح (2).
2- فی المختلف : (57).
3- الجواهر ( 5 : 293 ). لا ینبغی الشک فی طهارة سائر ما یخرج من الحیوان من المذی والوذی والودی والقیح وجمیع الرطوبات.
4- منهم الشافعی فی کتاب الأم ( 1 : 55 ).
5- هذا القول وشرحه لیس فی « م » ، « ق ».

______________________________________________________

الأولی : میتة غیر الآدمی من ذی النفس ، وهی نجسة بإجماع الناس قاله فی المعتبر (1) ، ولم یستدل علیه بشی ء ، واحتج علیه فی المنتهی بأن تحریم ما لیس بمحرّم ولا فیه ضرر کالسم یدل علی نجاسته (2). وفیه منع ظاهر.

نعم یمکن الاستدلال علیه بالروایات المتضمنة للنهی عن أکل الزیت ونحوه إذا ماتت فیه الفأرة ، والأمر بالاستصباح به (3) لکنه غیر صریح فی النجاسة ، وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حریز قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام لزرارة ومحمد بن مسلم : « اللبن ، واللّباء ، والبیضة ، والشعر ، والصوف ، والقرن ، والناب ، والحافر ، وکل شی ء ینفصل من الشاة والدابة فهو ذکیّ ، وإن أخذته منه بعد أن یموت فاغسله وصلّ فیه » (4) وجه الدلالة أنّ الظاهر أنّ الأمر بغسل ما یؤخذ من الدابة بعد الموت إنما هو لنجاسة الأجزاء المصاحبة له من الجلد.

ویتوجه علیه أنّ الأمر بالغسل لا یتعین کونه للنجاسة ، بل یحتمل أن یکون لإزالة الأجزاء المتعلقة به من الجلد المانعة من الصلاة فیه کما یشعر به قوله علیه السلام : « اغسله وصلّ فیه ».

وبالجملة : فالروایات متضافرة (5) بتحریم الصلاة فی جلد المیتة ، بل الانتفاع به مطلقا. وأما نجاسته فلم أقف فیها علی نص یعتد به ، مع أنّ ابن بابویه - رحمه الله تعالی - روی فی أوائل کتابه من لا یحضره الفقیه مرسلا عن الصادق علیه السلام : أنه سئل عن جلود المیتة یجعل فیها اللبن والسمن والماء ما تری فیه؟ فقال : « لا بأس بأن

میتة غیر الآدمی

ص: 268


1- المعتبر ( 1 : 420 ).
2- المنتهی ( 1 : 164 ).
3- الوسائل ( 16 : 462 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (43).
4- التهذیب ( 9 : 75 - 321 ) ، الوسائل ( 16 : 447 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (33) ح (3).
5- فی « س » و « ق » و « م » : متظاهرة.

______________________________________________________

تجعل فیها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ولکن لا تصلّ فیها » (1) وذکر قبل ذلک من غیر فصل یعتد به أنه لم یقصد فی کتابه قصد المصنفین فی إیراد جمیع ما رواه قال : بل إنما قصدت إلی إیراد ما أفتی به وأحکم بصحته واعتقد فیه أنه حجة فیما بینی وبین ربی تقدس ذکره وتعالت قدرته (2). والمسألة قویة الإشکال.

وکیف کان فینبغی القطع بعدم تعدی نجاسة المیتة مع الیبوسة ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق ، ویدل علیه صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یقع ثوبه علی حمار میت هل تصح الصلاة فیه قبل أن یغسله؟ قال : « لیس علیه غسله ، ولیصلّ فیه ولا بأس » (3).

وجزم العلاّمة فی المنتهی بوجوب غسل الید بمس المیتة مع الرطوبة والیبوسة ، تنظّر فی الوجوب بمس الصوف ونحوه ، من صدق اسم مس المیتة ، ومن کون الممسوس لو جزّ کان طاهرا فلا یؤثر اتصاله نجاسة الماس ، ثم استقرب کون النجاسة مع الیبوسة حکمیة ، فلو لامس رطبا قبل غسل یده لم یحکم بنجاسته (4).

وما ذکره إنما یتجه لو ثبت ورود الأمر بغسل الید من مس المیتة مطلقا ، وهو منتف کما بیناه ، نعم روی یونس بن عبد الرحمن ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته هل یجوز أن یمس الثعلب والأرنب أو شیئا من السباع حیا أو میتا؟

ص: 269


1- الفقیه ( 1 : 9 - 15 ) ، الوسائل ( 2 : 1051 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (5).
2- الفقیه ( 1 : 3 ).
3- التهذیب ( 1 : 276 - 813 ) ، الإستبصار ( 1 : 192 - 672 ) ، الوسائل ( 2 : 1035 ) أبواب النجاسات ب (26) ح (5).
4- المنتهی ( 1 : 128 ).

______________________________________________________

قال : « لا یضره ولکن یغسل یده » (1) وبهذه الروایة استدل الشهید - رحمه الله - فی الذکری (2) علی تعدی نجاسة المیتة مع الیبوسة ، وهو غیر جید ، إذ اللازم منه ثبوت الحکم المذکور مع الحیاة أیضا وهو معلوم البطلان. والأجود حملها علی الاستحباب ، لضعف سندها ، ووجود المعارض کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (3).

الثانیة : میتة الآدمی ، وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : إنّ علماءنا مطبقون علی نجاسته بنجاسة عینیة کغیره من ذوات الأنفس (4). ومستنده حسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یصیب ثوبه جسد المیت قال : « یغسل ما أصاب الثوب » (5) ومثلها روایة إبراهیم بن میمون عنه علیه السلام (6).

وإطلاق الروایتین یقتضی تعدی نجاسته مع الرطوبة والیبوسة ، وهو خیرة العلاّمة - رحمه الله - فی أکثر کتبه (7) ، لکن قال فی المنتهی : إنّ النجاسة مع الیبوسة حکمیة ، فلو لاقی ببدنه بعد ملاقاته للمیت رطبا لم یؤثر فی تنجیسه (8). وقیل : إنها کغیرها من النجاسات لا تتعدی إلاّ مع الرطوبة (9) ، للأصل ، وقوله علیه السلام فی موثقة عبد الله

میتة الادمی

ص: 270


1- الکافی ( 3 : 60 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 262 - 763 ) الوسائل ( 2 : 1050 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (3).
2- الذکری : (16) ، ثم قال بعد نقلها : والتسویة بین الحیّ والمیت تشعر بالاستحباب.
3- فی ص (288).
4- المعتبر ( 1 : 420 ).
5- الکافی ( 3 : 161 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 276 - 812 ) ، الإستبصار ( 1 : 192 - 671 ) ، الوسائل ( 2 : 1050 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (2).
6- الکافی ( 3 : 161 - 7 ) التهذیب ( 1 : 276 - 811 ) ، الوسائل ( 2 : 1050 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (1).
7- القواعد ( 1 : 8 ) ، نهایة الأحکام ( 1 : 173 ).
8- المنتهی ( 1 : 127 ).
9- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 18 ).

وکل ما ینجس بالموت فما قطع من جسده نجس ، حیا کان أو میتا.

______________________________________________________

ابن بکیر : « کل یابس ذکی » (1).

وقال ابن إدریس - رحمه الله - : إذا لاقی جسد المیت إناء وجب غسله ، ولو لاقی ذلک الإناء مائعا لم ینجس المائع ، لأنه لم یلاق جسد المیت ، وحمله علی ذلک قیاس ، والأصل فی الأشیاء الطهارة إلی أن یقوم دلیل (2).

ومقتضی کلامه أنّ ما لاقی جسد المیت لا یحکم بنجاسته ، وإنما یجب غسله تعبدا ، والمسألة محل تردد.

وإنما یتعلق به الحکم المذکور بعد البرد وقبل الغسل ، لطهارته بالغسل ، وعدم تحقق انتقال الروح منه بالکلیة قبل البرد ، ویدل علیه صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « مس المیت عند موته وبعد غسله والقبلة لیس به بأس » (3).

الثالثة : میتة غیر ذی النفس ، وقد أجمع علماؤنا علی طهارتها کما حکاه المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (4) ، والعلاّمة فی المنتهی (5) ، والنصوص به مستفیضة (6) لکنها ضعیفة السند وهو غیر قادح ، لأنها مطابقة لمقتضی الأصل السالم من المعارض ، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی باب الأسئار.

قوله : وکل ما ینجس بالموت فما قطع من جسده نجس ، حیا کان أو میتا.

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واحتج علیه فی المنتهی بأنّ المقتضی

نجاسة ما قطع من المیتة

ص: 271


1- التهذیب ( 1 : 49 - 141 ) ، الإستبصار ( 1 : 57 - 167 ) ، الوسائل ( 1 : 248 ) أبواب أحکام الخلوة ب (31) ح (5).
2- السرائر : (32).
3- الفقیه ( 1 : 87 - 403 ) ، التهذیب ( 1 : 430 - 1370 ) ، الإستبصار ( 1 : 100 - 326 ) ، الوسائل ( 2 : 931 ) أبواب غسل المس ب (3) ح (1).
4- المعتبر ( 1 : 101 ).
5- المنتهی ( 1 : 28 ).
6- الوسائل ( 1 : 173 ) أبواب الأسئار ب (10).

وما کان منه لا تحله الحیاة کالعظم والشعر فهو طاهر ،

______________________________________________________

لنجاسة الجملة الموت ، وهذا المعنی موجود فی الأجزاء فیتعلق بها الحکم (1). وضعفه ظاهر ، إذ غایة ما یستفاد من الأخبار نجاسة جسد المیت (2) ، وهو لا یصدق علی الأجزاء قطعا ، نعم یمکن القول بنجاسة القطعة المبانة من المیت استصحابا لحکمها حالة الاتصال (3).

ومن ذلک یظهر قوة القول بطهارة ما ینفصل من البدن من الأجزاء الصغیرة مثل (4) البثور والثؤلول ، لأصالة الطهارة السالمة من المعارض ، ویشهد له صحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون به الثؤلول أو الجراح هل یصلح له أن یقطع الثؤلول وهو فی صلاته أو ینتف بعض لحمه من ذلک الجرح ویطرحه؟ قال : « إن لم یتخوف أن یسیل الدم فلا بأس ، وإن تخوف الدم فلا یفعل » (5) وترک الاستفصال عقیب السؤال یفید العموم.

قوله : وما کان منه لا تحله الحیاة کالعظم والشعر فهو طاهر ،

قد حصر ذلک فی عشرة أشیاء ، وهی هذه : العظم ، والظفر ، والظّلف ، والقرن ، والحافر ، والشعر ، والوبر ، والصوف ، والریش ، والبیض إذا اکتسی القشر الأعلی. ولا خلاف بین الأصحاب فی طهارة ذلک کله ، ویدل علیه صحیحة ( حریز وقد تقدمت (6) ، وصحیحة ) (7) الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس

طهارة ما لا تحله الحیاة من المیتة

ص: 272


1- المنتهی 1 : 165.
2- الوسائل ( 2 : 1050 ) أبواب النجاسات ب (34).
3- فی « ح » زیادة : ولا یخفی ما فیه.
4- فی جمیع النسخ : حول. وصححناها کما فی أکثر الکتب الفقهیة.
5- التهذیب ( 2 : 378 - 1576 ) ، الإستبصار ( 1 : 404 - 1542 ) ، الوسائل ( 2 : 1082 ) أبواب النجاسات ب (63) ح (1).
6- فی ص (268).
7- ما بین القوسین لیس فی « م ».

______________________________________________________

بالصلاة فیما کان من صوف المیتة إنّ الصوف لیس فیه روح » (1) ومقتضی التعلیل طهارة کل ما لا روح فیه فیتناول العشرة المذکورة.

وصحیحة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الإنفحة تخرج من الجدی المیت ، قال : « لا بأس به » قلت : اللبن یکون فی ضرع الشاة وقد ماتت قال : « لا بأس به » قلت : فالصوف والشعر وعظام الفیل والبیضة تخرج من الدجاجة فقال : « کل هذا لا بأس به » (2).

ویستفاد من روایتی حریز وزرارة طهارة البیض المستخرج من المیتة مطلقا ، وإنما قیّده الأصحاب بما إذا اکتسی القشر الأعلی ، لما رواه غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی بیضة خرجت من است دجاجة میتة فقال : « إن کانت قد اکتست الجلد الغلیظ فلا بأس بها » (3) وفی السند ضعف.

وإطلاق روایة الحلبی یقتضی عدم الفرق فی البیض بین کونه من مأکول اللحم أو غیره ، وخصّه العلاّمة - رحمه الله - فی النهایة والمنتهی بما کان من مأکول اللحم وحکم بنجاسة غیره (4) ، وهو مطالب بدلیله.

ویستفاد من صحیحة زرارة استثناء الإنفحة أیضا ، وهو مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وظاهر المنتهی أنه مجمع علیه بین الأصحاب (5). واختلف کلام أهل اللغة

ص: 273


1- التهذیب ( 2 : 368 - 1530 ) ، الوسائل ( 2 : 1088 ) أبواب النجاسات ب (68) ح (1).
2- الفقیه ( 3 : 216 - 1006 ) ، التهذیب ( 9 : 76 - 324 ) ، الإستبصار ( 4 : 89 - 339 ) ، الوسائل ( 16 : 449 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (33) ح (10).
3- الکافی ( 6 : 258 - 5 ) ، التهذیب ( 9 : 76 - 322 ) ، الوسائل ( 16 : 448 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (33) ح (6).
4- نهایة الأحکام ( 1 : 270 ) ، والمنتهی ( 1 : 166 ).
5- المنتهی ( 1 : 165 ).

______________________________________________________

فی معناها ، فقیل : إنها کرش السخلة قبل أن تأکل (1). وقیل : إنّها شی ء أصفر یستخرج من بطن الجدی (2). ولعل الثانی أولی ، اقتصارا علی موضع الوفاق وإن کان استثناء نفس الکرش أیضا غیر بعید ، تمسّکا بمقتضی الأصل.

وفی وجوب غسل الظاهر من الإنفحة والبیضة وجهان : أظهرهما العدم ، للأصل وإطلاق النص ، وظاهر کلام العلاّمة فی المنتهی یعطی الوجوب (3) ، وهو أحوط.

واختلف الأصحاب فی طهارة اللبن المستخرج من ضرع المیتة ، فذهب الشیخ (4) - رحمه الله تعالی - وجمع من الأصحاب إلی طهارته ، تمسّکا بمقتضی الأصل وصحیحتی حریز وزرارة المتقدمتین (5) ، ونقل علیه فی الخلاف الإجماع (6) ، وذهب ابن إدریس (7) - رحمه الله - والمصنف (8) والعلاّمة (9) إلی نجاسته ، لملاقاته المیت ، ولروایة وهب بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن علیّا علیه السلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن ، فقال علیّ علیه السلام : ذلک الحرام محضا » (10).

والدلیل الأوّل لا یخلو من مصادرة ، والروایة ضعیفة السند جدّا ، فإنّ وهب الراوی قال النجاشی - رحمه الله - : إنه کان کذّابا ، وله أحادیث مع الرشید - علیه اللعنة

حکم لبن المیتة

ص: 274


1- کما فی الصحاح ( 1 : 413 ).
2- کما فی القاموس المحیط ( 1 : 262 ) ، المغرب ( 2 : 220 ).
3- المنتهی ( 1 : 166 ).
4- النهایة : (585) ، والخلاف ( 1 : 197 ).
5- فی ص ( 268 ، 273 ).
6- الخلاف ( 1 : 197 ).
7- السرائر : (369).
8- الشرائع ( 3 : 223 ) ، والمختصر النافع : (253).
9- المنتهی ( 1 : 165 ).
10- التهذیب ( 9 : 76 - 325 ) ، الاستبصار ( 4 : 89 - 340 ) ، قرب الاسناد : (64) ، الوسائل ( 16 : 449 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (33) ح (11).

إلا أن تکون عینه نجسة کالکلب والخنزیر والکافر علی الأظهر.

______________________________________________________

والعذاب - فی الکذب (1). فلا تعویل علیها.

فرع : قال فی التذکرة : فأرة المسک طاهرة ، سواء أخذت من حیة أو میتة (2). واستقرب فی المنتهی نجاستها إن انفصلت بعد الموت (3) ، وکان الأنسب بقواعدهم اعتبار انفصالها بعد التذکیة ، لتصریحهم بنجاسة ما ینفصل من الحی من الأجزاء التی تحلّها الحیاة ، إلاّ أنّ ذلک غیر ثابت عندنا. والأصح طهارتها مطلقا کما اختاره فی التذکرة ، للأصل ، وصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن فأرة المسک تکون مع الرجل وهو یصلی وهی معه فی جیبه أو ثیابه فقال : « لا بأس بذلک » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه عبد الله بن جعفر فی الصحیح ، قال : کتبت إلیه - یعنی أبا محمد علیه السلام - هل یجوز للرجل أن یصلّی ومعه فأرة مسک؟ قال : « لا بأس بذلک إن کان ذکیّا » (5) لجواز أن یکون المراد بالذکی الطاهر ، مع أنّ المنع من استصحابها فی الصلاة لا ینحصر وجهه فی النجاسة ، والأولی عدم استصحابها فی الصلاة إلاّ مع التذکیة ، ویکفی فی الحکم بذلک شراؤها من المسلم.

قوله : إلاّ أن تکون عینه نجسة ، کالکلب والخنزیر والکافر ، علی الأظهر.

اختلف الأصحاب فی الأجزاء التی لا تحلّها الحیاة من نجس العین کالعظم والشعر ونحوهما ، فذهب الأکثر إلی أنّها نجسة ، ونقل عن السید المرتضی - رحمه الله تعالی -

طهارة فأرة المسک
حکم ما لا تحله الحیاة من نجس العین

ص: 275


1- رجال النجاشی : (430).
2- التذکرة ( 1 : 7 ).
3- المنتهی ( 1 : 166 ).
4- الفقیه ( 1 : 165 - 775 ) ، التهذیب ( 2 : 362 - 1499 ) ، الوسائل ( 3 : 314 ) أبواب لباس المصلی ب (41) ح (1).
5- التهذیب ( 2 : 362 - 1500 ) ، الوسائل ( 3 : 315 ) أبواب لباس المصلی ب (41) ح (2).

______________________________________________________

فی المسائل الناصریة أنه حکم بطهارتها (1) ، والمعتمد الأوّل.

لنا : قول الصادق علیه السلام فی الکلب : « رجس نجس » (2) وهو یتناول عظمه وشعره ، لأنهما داخلان فی مسمّاه ، وأمر الصادق والکاظم علیهماالسلام بغسل الثوب الملاقی للکلب والخنزیر برطوبة (3) ، فإنه یشمل ما لاقی الشعر وغیره ، بل الغالب تعلّق الإصابة بالشعر.

وما رواه الشیخ عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن سلیمان الإسکاف ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن شعر الخنزیر یخرز به ، قال : « لا بأس ، ولکن یغسل یده إذا أراد أن یصلّی » (4).

أمّا الکافر فلم أقف علی نص یقتضی نجاسة ما لا تحله الحیاة منه ، فلو قیل بطهارته کان حسنا.

احتج السید المرتضی علی ما نقل عنه : بأنّ ما لا تحلّه الحیاة لیس من نجس العین ، لأنه إنما یکون من جملته إذا کان محلا للحیاة ، وأنّ ما لا تحلّه الحیاة من نجس العین کالمأخوذ من المیتة.

والجواب عن الأول : بالمنع مما ذکره ، فإنّ الأجزاء تتناول ما کان محلا للحیاة وغیره. وعن الثانی : بأنه قیاس مع الفارق ، فإن المقتضی للتنجیس فی المیتة صفة الموت

ص: 276


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (182).
2- التهذیب ( 1 : 225 - 646 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 40 ) ، الوسائل ( 2 : 1014 ) أبواب النجاسات ب (11) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 261 - 759 ) ، الوسائل ( 2 : 1034 ) أبواب النجاسات ب (26) ح (2). التهذیب ( 1 :3. 815 ) ، الإستبصار ( 1 : 192 - 674 ) ، الوسائل ( 2 : 1035 ) أبواب النجاسات ب (26) ح (7).
4- التهذیب ( 9 : 85 - 357 ) ، الوسائل ( 2 : 1017 ) أبواب النجاسات ب (13) ح (3).

ویجب الغسل علی من مسّ میتا من الناس قبل تطهیره وبعد برده بالموت.

______________________________________________________

وهی غیر حاصلة فیما لا تحلّه الحیاة ، بخلاف نجس العین ، فإنّ نجاسته ذاتیة (1).

قوله : ویجب الغسل علی من مسّ میتا من الناس قبل تطهیره وبعد برده.

ذکر غسل المس فی هذا الباب استطراد ، وکان الأولی ذکره بعد غسل الأموات کما فعل فی النافع.

وقد اختلف الأصحاب فی وجوب غسل المس ، فقال الشیخان ، وابنا بابویه (2) ، وأکثر الأصحاب بالوجوب. وقال السید المرتضی - رضی الله تعالی عنه - فی شرح الرسالة والمصباح بالاستحباب ، والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار الدالة علی ذلک ، وهی کثیرة جدا ، فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت : الرجل یغمض المیت أعلیه غسل؟ فقال : « إذا مسه بحرارته فلا ، ولکن إذا مسه بعد ما یبرد فلیغتسل » قلت : فالذی یغسله یغتسل؟ قال : « نعم » (3).

وفی الصحیح ، عن عاصم بن حمید ، قال : سألته عن المیت إذا مسّه الإنسان ، أفیه غسل؟ قال ، فقال : « إذا مسست جسده حین یبرد فاغتسل » (4).

وفی الصحیح ، عن إسماعیل بن جابر ، قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام

غسل مس المیت
وجوب الغسل بمس المیت

ص: 277


1- الدرة النجفیة : (49). فإن یکن من نجس فهو نجس کأصله والقول بالطهر درس
2- المفید فی المقنعة : (6) ، والشیخ فی الخلاف ( 1 : 68 ) ، والمبسوط ( 1 : 40 ) ، والصدوق فی الفقیه ( 1 :45 ) ، والمقنع : (20) ، ونقله عن والده فی المختلف : (28).
3- الکافی ( 3 : 160 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 428 - 1364 ) ، الوسائل ( 2 : 927 ) أبواب غسل المس ب (1) ح (1).
4- التهذیب ( 1 : 429 - 1365 ) ، الإستبصار ( 1 : 100 - 324 ) ، الوسائل ( 2 : 928 ) أبواب غسل المس ب (1) ح (3).

______________________________________________________

حین مات ابنه إسماعیل الأکبر فجعل یقبّله وهو میت ، فقلت : جعلت فداک ألیس لا ینبغی أن یمس المیت بعد ما یموت ومن مسه فعلیه الغسل؟ فقال : « أما بحرارته فلا بأس ، إنما ذاک إذا برد » (1). وعن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یغتسل الذی غسّل المیت ، وإن قبّل المیت إنسان بعد موته وهو حار فلیس علیه غسل ، ولکن إذا مسّه وقبّله وقد برد فعلیه الغسل ، ولا بأس بأن یمسه بعد الغسل ویقبّله » (2).

وقد ظهر من هذه الروایات أنّ الغسل إنما یجب بمسه بعد البرد وقبل الغسل ، قال فی المنتهی : وهو مذهب علماء الأمصار (3). ویدل علیه أیضا صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « مس المیت عند موته وبعد غسله والقبلة لیس به بأس » (4).

ویندرج فی من غسّل من تقدّم غسله علی موته ، ومن غسّل غسلا صحیحا ولو مع فقد الخلیطین ، ویخرج منه من لم یغسّل وقد برد ، والمیمّم ولو عن بعض الغسلات ، لأن التیمم خلاف الغسل وإن کان بدلا عنه ، إذ البدلیة لا تقتضی المساواة من جمیع الوجوه.

وقد قطع المصنف - رحمه الله تعالی - فی المعتبر بعدم وجوب الغسل بمس الشهید (5). وهو کذلک ، لأن ظاهر الروایات أنّ الغسل إنما یجب بمس المیت الذی یجب

عدم وجوب الغسل بمس المیت وهو حار

ص: 278


1- التهذیب ( 1 : 429 - 1366 ) ، الوسائل ( 2 : 927 ) أبواب غسل المس ب (1) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 160 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 108 - 284 ) ، الإستبصار ( 1 : 99 - 322 ) ، الوسائل ( 2 : 930 ) أبواب غسل المس ب (1) ح (15).
3- المنتهی ( 1 : 128 ).
4- الفقیه ( 1 : 87 - 403 ) ، التهذیب ( 1 : 430 - 1370 ) ، الإستبصار ( 1 : 100 - 326 ) ، الوسائل ( 2 : 931 ) أبواب غسل المس ب (3) ح (1).
5- المعتبر ( 1 : 348 ).

وکذا من مسّ قطعة منه فیها عظم. وغسل الید علی من مسّ ما لا عظم فیه ، أو مسّ میتا له نفس من غیر الناس.

______________________________________________________

تغسیله قبل أن یغسل ، ویعضده أصالة البراءة ، وانتفاء العموم فی الأخبار الموجبة بحیث تتناول کل میت.

وفی وجوب الغسل بمس عضو کمل غسله قبل تمام غسل الجمیع وجهان أقربهما الوجوب ، لإطلاق الأمر بالغسل بمس المیت بعد برده ، خرج منه ما بعد الغسل بالإجماع ، وقوله علیه السلام : « مس المیت عند موته وبعد غسله لیس به بأس » فبقی الباقی.

وقیل : لا یجب ، لصدق کمال الغسل بالإضافة إلی ذلک العضو ، ولأنه لو کان منفصلا لما وجب الغسل بمسه قطعا فکذا مع الاتصال لعدم تعقل الفرق (1). وضعف الوجهین ظاهر.

قوله : وکذا من مسّ قطعة منه فیها عظم.

ظاهر العبارة یعطی اختصاص الحکم بما إذا کانت القطعة مبانة من المیت ، وجزم المصنف - رحمه الله - فی النافع بوجوب الغسل بمس القطعة ذات العظم ، سواء أبینت من حیّ أو من میت (2) ، وهو اختیار الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف (3) ، ونقل علیه فی الخلاف الإجماع.

واستدل علیه فی المعتبر بروایة أیوب بن نوح ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قطع من الرجل قطعة فهی میتة ، فإذا مسه إنسان فکل ما فیه عظم فقد وجب علی من یمسه الغسل ، فإن لم یکن فیه عظم فلا غسل علیه » (4) ثم

حکم مس العضو الذی کمل غسله
وجوب الغسل بمس قطعة فیها عظم

ص: 279


1- کما فی جامع المقاصد ( 1 : 64 ).
2- المختصر النافع : (15).
3- النهایة : (40) ، والمبسوط ( 1 : 182 ) ، والخلاف ( 1 : 284 ).
4- الکافی ( 3 : 212 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 429 - 1369 ) ، الإستبصار ( 1 : 100 - 325 ) ، الوسائل ( 2 : 931 ) أبواب غسل المس ب (2) ح (1).

______________________________________________________

قال : والذی أراه التوقف فی ذلک ، فإن الروایة مقطوعة ، والعمل بها قلیل ، ودعوی الشیخ فی الخلاف الإجماع لم یثبت ، فإذا الأصل عدم الوجوب ، وإن قلنا بالاستحباب کان تفصیا من اطراح قول الشیخ والروایة (1). هذا کلامه - رحمه الله تعالی - وهو فی محله.

وأجاب عنه فی الذکری بأن هذه القطعة جزء من جملة یجب الغسل بمسها ، فکل دلیل دل علی وجوب الغسل بمس المیت فهو دال علیها ، وبأن الغسل یجب بمسها متصلة فلا یسقط بالانفصال ، وبأنه یلزم عدم الغسل لو مس جمیع المیت ممزّقا (2).

ویتوجه علی الأول أنّ کون هذه القطعة جزءا من جملة یجب الغسل بمسها لا یقتضی وجوب الغسل بمسها منفصلة ، وقوله : إن کل دلیل دل علی وجوب الغسل بمس المیت فهو دال علیها ، ممنوع ، فإن المتبادر من معنی المیت الجملة وهو خلاف الأجزاء ، علی أنّ ذلک لو تم لاقتضی وجوب الغسل بمس القطعة غیر ذات العظم أیضا ولا قائل به.

وعلی الثانی أنّ الغسل إنما وجب بمس القطعة متصلة لصدق اسم مس الجملة ، وهذا المعنی مفقود مع الانفصال فینتفی الحکم.

وعلی الثالث منع بطلان اللازم ، إذ لا دلیل علیه. علی أنّ هذه الأوجه الثلاثة بتقدیر تسلیمها إنما تنهض علی وجوب الغسل بمس المبانة من المیت خاصة ، والمدعی أعم من ذلک.

وبالجملة فالفارق بین ذات العظم وغیرها هو النص المتقدم (3) ، وحیث ظهر ضعفه تعین الرجوع فیهما إلی مقتضی الأصل وهو عدم الوجوب.

ومن ذلک یعلم عدم وجوب الغسل بمس العظم المجرد ، خلافا للشهید - رحمه

عدم وجوب الغسل بمس العظم

ص: 280


1- المعتبر ( 1 : 352 ).
2- الذکری : (78).
3- فی ص (279).

الخامس : الدماء ، ولا ینجس منها إلا ما کان من حیوان له عرق ،

______________________________________________________

الله - فی الذکری حیث ذهب إلی وجوب الغسل بمسه ، لدوران الغسل معه وجودا وعدما (1). ولا ریب أنّ الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکروه.

قوله : الخامس : الدماء ، ولا ینجس منها إلا ما کان من حیوان له عرق.

مذهب الأصحاب عدا ابن الجنید - رحمه الله - نجاسة الدم کله قلیله وکثیره ، عدا دم ما لا نفس له سائلة قاله فی المعتبر (2). وقال العلاّمة - رحمه الله - فی التذکرة : الدم من ذی النفس السائلة نجس وإن کان مأکولا بلا خلاف (3). وقال فی المنتهی : قال علماؤنا : الدم المسفوح من کل حیوان ذی نفس سائلة ، أی یکون خارجا بدفع من عرق : نجس ، وهو مذهب علماء الإسلام (4). والمراد بالمسفوح هنا مطلق الخارج من ذی النفس ، کما یدل علیه کلامه فی سائر کتبه.

وحکی المصنف - رحمه الله - فی المعتبر عن ابن الجنید أنه قال : إذا کانت سعة الدم دون سعة الدرهم الذی سعته کعقد الإبهام الأعلی لم ینجس الثوب (5).

ومقتضی کلامه - رحمه الله - عدم اختصاص ذلک بالدم فإنه قال فی کتابه المختصر الأحمدی : کل نجاسة وقعت علی ثوب وکانت عینها فیه مجتمعة أو منقسمة دون سعة الدرهم الذی یکون سعته کعقد الإبهام الأعلی لم ینجس الثوب بذلک ، إلاّ أن تکون النجاسة دم حیض أو منیا فإن قلیلهما وکثیرهما سواء.

ولم نقف له فی ذلک علی حجة ، ویدفعه الأمر بإزالة هذه النجاسات عن الثوب والبدن من غیر تفصیل.

- الدم
اشارة

ص: 281


1- الذکری : (79).
2- المعتبر ( 1 : 420 ).
3- التذکرة ( 1 : 7 ).
4- المنتهی ( 1 : 163 ).
5- المعتبر ( 1 : 420 ).

______________________________________________________

وقال الصدوق - رحمه الله تعالی - فی من لا یحضره الفقیه : والدم إذا أصاب الثوب فلا بأس بالصلاة فیه ما لم یکن مقداره مقدار درهم ، وما کان دون الدرهم الوافی فقد یجب غسله ولا بأس بالصلاة فیه ، وإن کان الدم دون حمّصة فلا بأس بأن لا یغسل ، إلاّ أن یکون دم الحیض فإنه یجب غسل الثوب منه ومن البول والمنی قلیلا کان أو کثیرا (1).

وظاهر هذا الکلام یعطی عدم نجاسة ما دون قدر الحمصة من الدم ، وربما کان مستنده ما رواه مثنی بن عبد السلام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : إنی حککت جلدی فخرج منه دم فقال : « إن اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلاّ فلا » (2).

ویشهد له أیضا روایة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن دم البراغیث یکون فی الثوب ، هل یمنعه ذلک من الصلاة؟ فقال : « لا وإن کثر ، ولا بأس أیضا بشبهه من الرعاف ینضحه ولا یغسله » (3).

وفی الروایتین قصور من حیث السند ، أما الأولی فلأن راویها وهو مثنی بن عبد السلام غیر موثق ، بل ولا ممدوح مدحا یعتد به.

وأما الثانیة فلأن من جملة رجالها ابن سنان ، والظاهر أنه محمد ، وقد ضعّفه علماء الرجال (4) ، لکنهما مطابقتان لمقتضی الأصل.

والمسألة محل تردد ، إلا أنه لا خروج عما علیه معظم الأصحاب ، ویدل علیه

ص: 282


1- الفقیه ( 1 : 42 ).
2- التهذیب ( 1 : 255 - 741 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 613 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (5).
3- الکافی ( 3 : 59 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 259 - 753 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (7).
4- منهم النجاشی فی رجاله : (230) ، والشیخ فی الفهرست : (143) ، والعلامة فی الخلاصة : (251).

______________________________________________________

صحیحة عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یکون فی ثوبه نقط الدم لا یعلم به ، ثم یعلم فینسی أن یغسله ، فیصلی ثم یذکر بعد ما صلّی ، أیعید صلاته؟ قال : « یغسله ولا یعید صلاته ، إلاّ أن یکون مقدار الدرهم مجتمعا فیغسله ویعید الصلاة » (1) وفی معنی هذه الروایة روایات کثیرة (2) ، وترک الاستفصال فی جواب السؤال مع قیام الاحتمال (3) یفید العموم.

فروع : الأوّل : القیح طاهر ، وکذا الصدید إن خلا من الدم ، وأطلق الشیخ فی المبسوط طهارته (4) ، واستقرب المصنف فی المعتبر نجاسته بناء علی أنه ماء الجرح یخالطه دم ، قال : ولو خلا من ذلک لم یکن نجسا ، وخلافنا مع الشیخ یؤول إلی العبارة ، لأنه یوافق علی هذا التفصیل (5).

الثانی : القی ء طاهر ، وهو مذهب الأصحاب إلاّ من شذ ، لأن الأصل فی الأشیاء الطهارة ، والنجاسة موقوفة علی الدلیل ، ومع انتفائه تکون الطهارة باقیة ، ویؤیده ما رواه عمار الساباطی فی الموثق : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن القی ء یصیب الثوب فلا یغسل قال : « لا بأس به » (6).

طهارة القیح والقئ

ص: 283


1- التهذیب ( 1 : 255 - 740 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 611 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (1).
2- الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20).
3- الجواهر ( 5 : 359 ). احتمال کون السؤال فیه إنما هو لحکم النسیان ، والا فنجاسة ذلک معلومة لدی السائل.
4- المبسوط ( 1 : 38 ).
5- المعتبر ( 1 : 419 ).
6- الفقیه ( 1 : 7 - 8 ) ، الوسائل ( 2 : 1070 ) أبواب النجاسات ب (48) ح (2).

لا ما یکون رشحا کدم السمک وشبهه.

______________________________________________________

ونقل الشیخ فی المبسوط عن بعض الأصحاب نجاسته (1) ، وربما کان لکونه غذاءا متغیرا فأشبه الغائط ، وهو قیاس محض مع الفارق.

الثالث : المسک طاهر إجماعا قاله فی التذکرة والمنتهی (2) ، للأصل ، ولما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه کان یتطیب به (3) ، وکان أحب الطیب إلیه (4).

الرابع : لو اشتبه الدم المرئی فی الثوب هل هو طاهر أو نجس ، فالأصل طهارته وبراءة الذمة من وجوب إزالته ، وکذا الکلام فی کل مشتبه بطاهر حتی الجلد علی الأظهر ، ولو اشتبه الدم المعفو عنه بغیره کدم الفصد بدم الحیض فالأقرب العفو عنه.

قوله : لا ما یکون رشحا کدم السمک ونحوه.

هذا مذهب الأصحاب ، وحکی فیه الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف ، والمصنف - رحمه الله - فی المعتبر الإجماع (5). وربما ظهر من کلام الشیخ - رحمه الله تعالی - فی المبسوط والجمل نجاسة هذا النوع من الدم وعدم وجوب إزالته (6) ، وهو بعید ، ولعله یرید بالنجاسة المعنی اللغوی. وکیف کان فالمذهب هو الطهارة ، تمسّکا بمقتضی الأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی دم البراغیث؟ قال : « لیس به بأس » قال ، قلت : إنه یکثر

طهارة المسک
حکم الدم المشتبه
طهارة دم ما لا نفس له

ص: 284


1- المبسوط ( 1 : 38 ).
2- التذکرة ( 1 : 7 ) ، والمنتهی ( 1 : 166 ).
3- الکافی ( 6 : 514 - 2 ) ، قرب الإسناد : (70) ، الوسائل ( 1 : 445 ) أبواب آداب الحمام ب (95) ح (4).
4- سنن النسائی ( 4 : 151 ) بتفاوت یسیر.
5- الخلاف ( 1 : 176 ) ، والمعتبر ( 1 : 421 ).
6- المبسوط ( 1 : 35 ) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (171).

السادس والسابع : الکلب والخنزیر ، وهما نجسان عینا ولعابا.

______________________________________________________

ویتفاحش قال : « وإن کثر » (1).

وعن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن دم البراغیث یکون فی الثوب هل یمنعه ذلک من الصلاة؟ قال : « لا وإن کثر » (2).

قوله : السادس والسابع : الکلب والخنزیر ، وهما نجسان عینا ولعابا.

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، ووافقنا علیه أکثر العامة. والأصل فیه الأخبار المستفیضة کصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الکلب یصیب شیئا من جسد الرجل ، قال : « یغسل المکان الذی أصابه » (3).

وصحیحة الفضل أبی العباس قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا أصاب ثوبک من الکلب رطوبة فاغسله ، وإن مسه جافا فاصبب علیه الماء » (4).

وصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصیب ثوبه خنزیر فلم یغسله فذکر وهو فی صلاته کیف یصنع به؟ قال : « إن کان دخل فی صلاته فلیمض ، وإن لم یکن دخل فی صلاته فلینضح ما أصاب من ثوبه إلاّ أن یکون فیه أثر فیغسله » قال : وسألته عن خنزیر شرب من إناء کیف یصنع به؟ قال : « یغسل سبع مرات » (5).

- الکلب والخنزیر
اشارة

ص: 285


1- التهذیب ( 1 : 255 - 740 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 611 ) ، الوسائل ( 2 : 1030 ) أبواب النجاسات ب (23) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 59 - 8 ) ، التهذیب ( 1 : 259 - 753 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (7).
3- الکافی ( 3 : 60 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 260 - 758 ) ، الوسائل ( 2 : 1016 ) أبواب النجاسات ب (12) ح (8).
4- التهذیب ( 1 : 261 - 759 ) ، الوسائل ( 2 : 1015 ) أبواب النجاسات ب (12) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 261 - 760 ) ، الوسائل ( 2 : 1017 ) أبواب النجاسات ب (13) ح (1) ، البحار ( 10 : 256 ) ، وفی الکافی ( 3 : 61 - 6 ) صدر الحدیث.

ولو نزا کلب علی حیوان فأولده روعی فی إلحاقه بأحکامه إطلاق الاسم. وما عداهما من الحیوان فلیس بنجس. وفی الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة تردد ، والأظهر الطهارة.

______________________________________________________

والأصح اختصاص الحکم بکلب البر وخنزیره ، لأنه المتبادر من اللفظ ، وربما قیل بنجاسة کلب الماء أیضا لشمول الاسم (1) ، وهو ضعیف.

قوله : ولو نزا کلب علی حیوان فأولده روعی فی إلحاقه بأحکامه إطلاق الاسم.

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الحیوان بین کونه مساویا للکلب فی الحکم کالخنزیر أو مخالفا کالشاة ، وخصه الشهیدان بالثانی وحکما بنجاسة المتولد من النجسین وإن باینهما فی الاسم ، لنجاسة أصلیة (2). وهو مشکل ، إذ النجاسة معلقة علی الاسم ، فمتی انتفی تعین الرجوع إلی ما یقتضیه الأصل من طهارة الأشیاء ، والأصح عدم نجاسته إلاّ إذا صدق علیه اسم نجس العین.

قوله : وفی الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة تردد ، والأظهر الطهارة.

اختلف الأصحاب فی حکم الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة ، فقال السید المرتضی - رحمه الله تعالی - : لا بأس بأسآر جمیع حشرات الأرض وسباع ذوات الأربع ، إلاّ أن یکون کلبا أو خنزیرا (3). وهذا یدل علی طهارة ما عدا هذین ، فیدخل فیه الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة. ونحوه قال الشیخ فی المبسوط (4). وبالطهارة قال ابن

حکم المتولد من کلب وغیره
حکم الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة

ص: 286


1- السرائر : (208). ونقله عنه فی التذکرة ( 1 : 8 ).
2- الشهید الأول فی البیان : (38) ، والذکری : (14) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 17 ) ، والروضة البهیة ( 1 : 49 ).
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (180) ، وجمل العلم والعمل : (49).
4- المبسوط ( 1 : 10 ).

______________________________________________________

إدریس (1) ، وعامة المتأخرین.

وقال الشیخ فی النهایة : وإذا أصاب ثوب الإنسان کلب ، أو خنزیر ، أو ثعلب ، أو أرنب ، أو فأرة ، أو وزغة ، وکان رطبا وجب غسل الموضع الذی أصابته مع الرطوبة (2).

وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : وکذلک الحکم فی الفأرة والوزغة برشّ الموضع الذی مسّاه من الثوب وإن لم یؤثرا فیه ، وإن رطّباه وأثّرا فیه غسل بالماء (3).

ونقل عن أبی الصلاح - رحمه الله - أنه أفتی بنجاسة الثعلب والأرنب (4). والمعتمد الطهارة فی الجمیع.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل فیما لم یقم دلیل علی خلافه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضل أبی العباس ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فضل الهرة ، والشاة ، والبقرة ، والإبل ، والحمار ، والبغال ، والوحش ، والسباع ، فلم أترک شیئا إلاّ سألته عنه فقال : « لا بأس به » حتی انتهیت إلی الکلب فقال : « رجس نجس لا یتوضأ بفضله ، واصبب ذلک الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء » (5).

وفی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : وسألته عن العظایة والحیة والوزغ یقع فی الماء فلا یموت فیه أیتوضأ منه للصلاة؟ فقال : « لا بأس به » وسألته عن فأرة وقعت فی حبّ دهن فأخرجت قبل أن تموت أیبیعه من مسلم؟

ص: 287


1- السرائر : (13).
2- النهایة : (52).
3- المقنعة : (10).
4- الکافی فی الفقه : (131).
5- التهذیب ( 1 : 225 - 646 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 40 ) ، الوسائل ( 2 : 1014 ) أبواب النجاسات ب (11) ح (1).

______________________________________________________

قال : « نعم ویدهن منه » (1).

احتج العلاّمة - رحمه الله - فی المختلف (2) للقائلین بالنجاسة فی الفأرة بصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت فی الماء تمشی علی الثیاب أیصلّی فیها؟ قال : « اغسل ما رأیت من أثرها ، وما لم تره فانضحه بالماء » (3).

وفی الثعلب والأرنب بمرسلة یونس بن عبد الرحمن ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته هل یجوز أن یمس الثعلب والأرنب أو شیئا من السباع حیا أو میتا؟ قال : « لا یضره ولکن یغسل یده » (4).

وفی الوزغة بورود الأمر بنزح ثلاث فی وقوعها فی البئر (5) ، ولو لا نجاستها لما وجب لها النزح.

والجواب عن الروایة الأولی بالحمل علی الاستحباب ، لأنها معارضة بصحیحة علیّ ابن جعفر الدالة علی عدم نجاسة الماء بوقوعها فیه ، قال فی المعتبر : ومن البین استحالة أن ینجس الجامد ولا ینجس المائع ، ولو ارتکب هذا مرتکب لم یکن له من الفهم نصیب (6).

ص: 288


1- التهذیب ( 1 : 419 - 1326 ) ، الاستبصار ( 1 : 23 - 58 ) ، قرب الإسناد : (84) ، الوسائل ( 2 : 1049 ) أبواب النجاسات ب (33) ح (1).
2- المختلف : (57).
3- الکافی ( 3 : 60 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 261 - 761 ) ، الوسائل ( 2 : 1049 ) أبواب النجاسات ب (33) ح (2).
4- الکافی ( 3 : 60 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 262 - 763 ) ، الوسائل ( 2 : 1050 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (3).
5- التهذیب ( 1 : 238 - 688 ) ، الإستبصار ( 1 : 39 - 106 ) ، الوسائل ( 1 : 137 ) أبواب الماء المطلق ب 19 ) ح (2).
6- المعتبر ( 1 : 427 ).

الثامن : المسکرات ، وفی تنجیسها خلاف ، والأظهر النجاسة ،

______________________________________________________

وعن الروایة الثانیة بالطعن فیها بالإرسال ، وبأن من جملة رجالها محمد بن عیسی عن یونس ، وذکر الصدوق عن شیخه ابن الولید أن ما یرویه محمد بن عیسی عن یونس لا یعمل به (1) ، وبأنها معارضة بصحیحة الفضل المتقدمة (2) ، والجمع بالحمل علی الاستحباب.

وعن الثالثة بأن الأمر بالنزح من الوزغة لا ینحصر وجهه فی نجاسة الماء ، بل ورد فی بعض الأخبار أن لها سمّا وأن النزح منها لذلک (3).

قوله : الثامن : المسکرات ، وفی تنجیسها خلاف ، والأظهر النجاسة.

المراد بالمسکرات هنا المائعة بالأصالة ، لأن الجامدة بالأصالة طاهرة قطعا. وقد قطع الأصحاب بأن الأنبذة المسکرة کالخمر فی النجاسة ، لأن المسکر خمر فیتناوله حکمه ، أما الثانیة فظاهرة ، وأما الاولی فلأن الخمر إنما سمیت خمرا لکونها تخمر العقل وتستره ، فما ساواها فی المسمی یساویها فی الاسم ، ولما رواه علیّ بن یقطین ، عن أبی الحسن الماضی علیه السلام ، قال : « إنّ الله لم یحرم الخمر لاسمها ولکن حرّمها لعاقبتها ، وما کان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر » (4) وفیه نظر ، فإن اللغات لا تثبت بالاستدلال ، والإطلاق أعم من الحقیقة ، والمجاز خیر من الاشتراک.

واختلف الأصحاب فی تنجیس الخمر ، فذهب الشیخ المفید ، والطوسی ، والمرتضی ،

- المسکر
حکم الخمر

ص: 289


1- رجال النجاشی : (234).
2- فی ص (287).
3- التهذیب ( 1 : 238 - 690 ) ، الإستبصار ( 1 : 41 - 113 ) ، الوسائل ( 1 : 138 ) أبواب الماء المطلق ب (19) ح (5).
4- الکافی ( 6 : 412 - 2 ) ، التهذیب ( 9 : 112 - 486 ) ، الوسائل ( 17 : 273 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (19) ح (1).

______________________________________________________

وأکثر الأصحاب إلی أنه نجس العین (1). وقال ابن أبی عقیل - رحمه الله - : من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسکر لم یکن علیه غسلهما ، لأن الله تعالی إنما حرّمهما تعبدا لا لأنهما نجسان ، وکذلک سبیل العصیر والخل إذا أصاب الثوب والجسد (2). ونحوه قال الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (3).

احتج القائلون بالنجاسة بوجوه :

الأول : الإجماع ، نقله الشیخ (4) والمرتضی (5) - رضی الله عنهما - والإجماع المنقول بخبر الواحد حجة.

الثانی : قوله تعالی ( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (6) فإن الرجس هو النجس علی ما ذکره بعض أهل اللغة (7) ، والاجتناب عبارة عن عدم المباشرة مطلقا ، ولا معنی للنجس إلاّ ذلک.

الثالث : الروایات ، وهی کثیرة ، والصحیح منها ما رواه الکلینی ، عن الحسین بن محمد ، عن عبد الله بن عامر ، عن علیّ بن مهزیار ، قال : قرأت فی کتاب عبد الله بن محمد إلی أبی الحسن علیه السلام : جعلت فداک ، روی زرارة ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام فی الخمر یصیب ثوب الرجل أنهما قالا : « لا بأس أن یصلّی

أدلة نجاسة الخمر

ص: 290


1- المفید فی المقنعة : (10) ، والشیخ فی النهایة : (51) ، والمبسوط ( 1 : 36 ) ، والخلاف ( 2 : 484 ) ، والمرتضی فی المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (181).
2- نقله عنه فی المختلف : (58).
3- الفقیه ( 1 : 43 ).
4- المبسوط ( 1 : 36 ) ، والخلاف ( 2 : 484 ).
5- الانتصار : (197) ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (181).
6- المائدة : (90).
7- منهم صاحب المصباح المنیر : (219).

______________________________________________________

فیه ، إنما حرّم شربها » وروی غیر زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا أصاب ثوبک خمر أو نبیذ - یعنی المسکر - فاغسله کلّه ، وإن صلّیت فیه فأعد صلاتک » فأعلمنی ما آخذ به؟ فوقّع بخطه علیه السلام وقرأته : « خذ بقول أبی عبد الله علیه السلام » (1).

ویمکن الجواب عن الأول بمنع الإجماع فی موضع النزاع.

وعن الثانی بأنّ المشهور بین أهل اللغة أن الرجس هو الإثم (2) ، ولو ثبت إطلاقه علی النجس فالنجس یطلق لغة علی کل مستقذر وإن لم یکن نجسا بالمعنی الشرعی ، سلّمنا أنه یطلق علی هذا المعنی لکن إرادته هنا مشکل ، لأنه یقتضی نجاسة المیسر وما بعده لوقوعه خبرا عن الجمیع ، ولا قائل به. وبمنع کون الأمر بالاجتناب للنجاسة ، لجواز أن یکون لکونه إثما ومعصیة کما فی المیسر وما بعده.

وأما الثالث فسیأتی ما فیه.

حجة القول بالطهارة الأصل ، وما رواه الحسن بن أبی سارة فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن أصاب ثوبی شی ء من الخمر أصلّی فیه قبل أن أغسله؟ فقال : « لا بأس ، إن الثوب لا یسکر » (3).

وما رواه عبد الله بن بکیر فی الموثق ، قال : سأل رجل أبا عبد الله علیه السلام وأنا عنده عن المسکر والنبیذ یصیب الثوب قال : « لا بأس به » (4).

أدلة طهارة الخمر

ص: 291


1- الکافی ( 3 : 407 - 14 ) ، الوسائل ( 2 : 1055 ) أبواب النجاسات ب (38) ح (2) ، وفیهما بتفاوت یسیر.
2- کما فی لسان العرب ( 6 : 95 ) ، والقاموس المحیط ( 2 : 227 ).
3- التهذیب ( 1 : 280 - 822 ) ، الإستبصار ( 1 : 189 - 664 ) ، الوسائل ( 2 : 1057 ) أبواب النجاسات ب (38) ح (10).
4- التهذیب ( 1 : 280 - 823 ) ، الاستبصار ( 1 : 190 - 665 ) ، قرب الإسناد : (80) ، الوسائل ( 2 : 1057 ) أبواب النجاسات ب (38) ح (11).

وفی حکمها العصیر إذا غلی واشتدّ.

______________________________________________________

وما رواه عبد الله بن جعفر الحمیری فی کتابه قرب الإسناد ، عن أحمد وعبد الله ابنی محمد بن عیسی ، عن الحسن بن محبوب ، عن علیّ بن رئاب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الخمر والنبیذ المسکر یصیب ثوبی ، أغسله أو أصلّی فیه؟ قال : « صلّ فیه إلاّ أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر ، إن الله تبارک وتعالی إنما حرم شربها » (1).

وأجاب الأولون عن هذه الأخبار بالحمل علی التقیة ، جمعا بینها وبین ما تضمّن الأمر بغسل الثوب منه (2). وهو مشکل ، لأن أکثر العامة قائلون بالنجاسة ، نعم یمکن الجمع بینها بحمل ما تضمن الأمر بالغسل علی الاستحباب ، لأن استعمال الأمر فی الندب مجاز شائع.

ویظهر من المصنف - رحمه الله تعالی - التوقف فی هذا الحکم ، فإنه قال بعد أن ضعّف الأخبار من الطرفین : والاستدلال بالآیة فیه إشکال ، لکن مع اختلاف الأصحاب والأحادیث یؤخذ بالأحوط فی الدین (3) (4).

قوله : وفی حکمها العصیر العنبی إذا غلی واشتدّ.

المراد بغلیانه صیرورة أعلاه أسفله ، وباشتداده حصول الثخانة له ، وینبغی الرجوع فیها إلی العرف ، وذکر المحقق الشیخ علی - رحمه الله - : أنها تتحقق بمجرد الغلیان (5). وهو غیر واضح.

والحکم بنجاسة العصیر ( إذا غلی واشتد ولا یذهب ثلثاه ) (6) مشهور بین المتأخرین

حکم العصیر العنبی

ص: 292


1- قرب الإسناد : (76) ، الوسائل ( 2 : 1058 ) أبواب النجاسات ب (38) ح (14).
2- کالشیخ فی الاستبصار ( 1 : 190 ).
3- المعتبر ( 1 : 424 ).
4- فی « ح » زیادة : وهو حسن.
5- جامع المقاصد ( 1 : 16 ).
6- ما بین القوسین لیس فی « م » و « ق ».

التاسع : الفقاع.

______________________________________________________

ولا نعلم مأخذه ، وقد اعترف الشهید - رحمه الله - فی الذکری والبیان بأنه لم یقف علی دلیل یدل علی نجاسته (1) ، وذکر أن المصرح بنجاسته قلیل من الأصحاب ، ومع ذلک فأفتی فی الرسالة بنجاسته (2) ، وهو عجیب.

ونقل عن ابن أبی عقیل التصریح بطهارته (3) ، ومال إلیه جدی - قدس سره - فی حواشی القواعد ، وقواه شیخنا المعاصر سلّمه الله تعالی (4) ، وهو المعتمد ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

قوله : التاسع : الفقاع.

قال فی القاموس : الفقاع کرمّان هذا الذی یشرب ، سمی بذلک لما یرتفع فی رأسه من الزبد (5). وذکر المرتضی فی الانتصار : أن الفقاع هو الشراب المتخذ من الشعیر (6).

وینبغی أن یکون المرجع فیه إلی العرف ، لأنه المحکّم فیما لم یثبت فیه وضع شرعی ولا لغوی.

والحکم بنجاسته مشهور بین الأصحاب ، وبه روایة ضعیفة السند جدا (7) ، نعم إن ثبت إطلاق الخمر علیه حقیقة کما ادعاه المصنف فی المعتبر (8) کان حکمه حکم الخمر ، وقد تقدم الکلام فیه.

- الفقاع

ص: 293


1- الذکری : (13) ، والبیان : (39).
2- لم نعثر علیه فی الرسالة ، نعم فی اللمعة : (17) والدروس : (17) عدّ ذهاب الثلثین من المطهرات.
3- المختلف : (58).
4- مجمع الفائدة ( 1 : 312 ).
5- القاموس المحیط ( 3 : 66 ).
6- الانتصار : (199).
7- الکافی ( 6 : 423 - 7 ) ، التهذیب ( 9 : 125 - 544 ) ، الإستبصار ( 4 : 96 - 373 ) ، الوسائل ( 17 : 288 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (27) ح (8).
8- المعتبر ( 1 : 425 ).

العاشر : الکافر ، وضابطه کل من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما یعلم من الدین ضرورة ، کالخوارج والغلاة.

______________________________________________________

قوله : العاشر : الکافر ، وضابطه من خرج عن الإسلام أو من انتحله وجحد ما یعلم من الدین ضرورة ، کالخوارج والغلاة.

المراد بمن خرج عن الإسلام : من بائنة کالیهود والنصاری. وبمن انتحله وجحد ما یعلم من الدین ضرورة : من انتمی إلیه وأظهر التدین به لکن جحد بعض ضروریاته. وقد نقل المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (1) وغیره (2) اتفاق الأصحاب علی نجاسة ما عدا الیهود والنصاری من أصناف الکفار ، سواء کان کفرهم أصلیا أو ارتدادا.

واحتج علیه فی المعتبر بقوله تعالی ( إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ ) (3) والإضمار خلاف الأصل ، والإخبار عن الذات بالمصادر شائع إذا کثرت معانیها فی الذات کما یقال : رجل عدل ، وقوله تعالی ( کَذلِکَ یَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ ) (4) ثم قال : لا یقال : الرجس : العذاب رجوعا إلی أهل التفسیر ، لأنا نقول : حقیقة اللفظ تعطی ما ذکرناه فلا یستند إلی مفسر برأیه ، ولأن الرجس اسم لما یکره ، فهو یقع علی موارده بالتواطؤ فیحمل علی الجمیع ، عملا بالإطلاق (5).

وفیهما معا نظر : أما الأول فلأن النجس لغة المستقذر ، قال الهروی فی تفسیر الآیة : یقال لکل مستقذر نجس. والمستقذر أعم من النجس بالمعنی المصطلح علیه عند الفقهاء ، والواجب حمل اللفظ علی الحقیقة اللغویة عند انتفاء المعنی الشرعی ، وهو غیر ثابت هنا ، سلمنا أن المراد بالنجس المعنی المصطلح علیه عند الفقهاء ، لکن اللازم من

- الکافر
اشارة

ص: 294


1- المعتبر ( 1 : 95 ).
2- کالعلامة فی المنتهی ( 1 : 168 ).
3- التوبة : (28).
4- الأنعام : (125).
5- المعتبر ( 1 : 96 ).

______________________________________________________

ذلک نجاسة المشرک خاصة وهو أخص من المدعی ، إذ من المعلوم أنّ من أفراد الکافر ما لیس بمشرک قطعا فلا یصلح لإثبات الحکم علی وجه العموم.

وأما الثانی فلأن الرجس لغة یجی ء لمعان ، منها : القذر ، والعمل المؤدی إلی العذاب ، والشک ، والعقاب ، والغضب (1). والظاهر أن إطلاقه علیها علی سبیل الاشتراک اللفظی ، فیکون مجملا محتاجا فی تعیین المراد منه إلی القرینة ، علی أن المتبادر من سوق الآیة إرادة الغضب والعذاب ، کما ذکره أکثر المفسرین (2).

وقوله : إن الرجس اسم لما یکره فهو یقع علی موارده بالتواطؤ فیحمل علی الجمیع عملا بالإطلاق غیر جید ، أما أولا : فلأن إطلاق اسم الرجس علی ما یکره لم یذکره أحد ممن وصل إلینا کلامه من أهل اللغة ، ولا نقله ناقل من أهل التفسیر فلا یمکن التعلق به.

وأما ثانیا : فلأن إطلاقه علی ما یکره لا یقتضی وجوب حمله علی جمیع موارده التی یقع علیها اللفظ بطریق التواطؤ ، لانتفاء ما یدل علی العموم.

وأما الیهود والنصاری فقد ذهب الأکثر إلی نجاستهم ، بل ادعی علیه المرتضی (3) ، وابن إدریس (4) الإجماع. ونقل عن ابن الجنید ، وابن أبی عقیل القول بعدم نجاسة أسآرهم (5). وحکی المصنف فی المعتبر عن المفید - رحمه الله تعالی - فی المسائل الغریة القول بالکراهة ، وربما ظهر من کلام الشیخ فی موضع من النهایة (6).

ص: 295


1- النهایة ( 2 : 200 ) ، ولسان العرب ( 6 : 94 ). وأقرب الموارد ( 1 : 391 ).
2- کالطبرسی فی مجمع البیان ( 2 : 364 ) ، وأبی حیان الأندلسی فی البحر المحیط ( 4 : 218 ) ، وأبی السعود فی تفسیره ( 3 : 184 ).
3- الانتصار : (10).
4- السرائر : (371).
5- المعتبر ( 1 : 96 ).
6- النهایة : (589).

______________________________________________________

احتج القائلون بالنجاسة بأمرین :

الأول : قوله تعالی ( إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ ) (1) فإن الیهود والنصاری مشرکون ، لقوله تعالی بعد حکایته عنهم أنهم ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ) : ( سُبْحانَهُ عَمّا یُشْرِکُونَ ) (2) ویتوجه علیه مضافا إلی ما سبق منع هذه المقدمة أیضا ، إذ المتبادر من معنی المشرک من اعتقد إلها مع الله ، وقد ورد فی أخبارنا أن معنی اتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا من دون الله : امتثالهم أوامرهم ونواهیهم ، لا اعتقادهم أنهم آلهة (3) ، وربما کان فی الآیات المتضمنة لعطف المشرکین علی أهل الکتاب وبالعکس بالواو (4) إشعار بالمغایرة.

الثانی : الأخبار الدالة علی ذلک ، کصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : إنه سأله عن رجل اشتری ثوبا من السوق للبس لا یدری لمن کان هل یصلح الصلاة فیه؟ قال : « إن اشتراه من مسلم فلیصلّ فیه ، وإن اشتراه من نصرانی فلا یصلّی فیه حتی یغسله » (5).

وحسنة سعید الأعرج : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن سؤر الیهودی والنصرانی فقال : « لا » (6).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن آنیة أهل الذمة

حجة القائلین بالنجاسة

ص: 296


1- التوبة : (28).
2- التوبة : (31).
3- الکافی ( 2 : 398 - 3 ) ، تفسیر العیاشی ( 2 : 45 - 49 ).
4- البقرة : (105) ، آل عمران : (186) ، المائدة : (82) ، الحج : (17) ، البینة : (6).
5- التهذیب ( 1 : 263 - 766 ) ، قرب الإسناد : (96) ، السرائر : (477) ، الوسائل ( 2 : 1071 ) أبواب النجاسات ب (50) ح (1).
6- الکافی ( 3 : 11 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 223 - 638 ) ، الإستبصار ( 1 : 18 - 36 ) ، الوسائل ( 2 : 1019 ) أبواب النجاسات ب (14) ح (8).

______________________________________________________

والمجوس ، فقال : « لا تأکلوا فی آنیتهم ، ولا من طعامهم الذی یطبخون ، ولا فی آنیتهم التی یشربون فیها الخمر » (1).

احتج القائلون بالطهارة بوجوه :

الأول : البراءة الأصلیة ، فإن النجاسة إنما تستفاد بتوقیف الشارع ، ومع انتفائه تکون الطهارة ثابتة بالأصل.

الثانی : قوله تعالی ( وَطَعامُ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حِلٌّ لَکُمْ ) (2) فإنه شامل لما باشروه وغیره ، وتخصیصه بالحبوب ونحوها مخالف للظاهر ، لاندراجها فی الطیبات ، ولأن ما بعده وهو ( وَطَعامُکُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) شامل للجمیع قطعا ، ولانتفاء الفائدة فی تخصیص أهل الکتاب بالذکر فإن سائر الکفار کذلک. وقد یقال : إن هذا التخصیص وإن کان مخالفا للظاهر إلا أنه یجب المصیر إلیه ، لدلالة الأخبار علیه ومنها ما هو صحیح السند. لکن لا یخفی أنّ هذا الاختصاص لا ینحصر وجهه فی النجاسة ، لانتفائها فی غیر الحبوب مما لم یعلم مباشرتهم له قطعا.

الثالث : الأخبار ، فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن العیص بن القاسم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن مؤاکلة الیهودی والنصرانی ، فقال : « لا بأس إذا کان من طعامک » (3).

وفی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر : أنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن الیهودی والنصرانی یدخل یده فی الماء یتوضأ منه للصلاة؟ قال : « لا ، إلا أن یضطر إلیه » (4).

حجة القائلین بالطهارة

ص: 297


1- الکافی ( 6 : 264 - 5 ) ، التهذیب ( 9 : 88 - 372 ) ، الوسائل ( 16 : 475 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (54) ح (3).
2- المائدة : (5).
3- التهذیب ( 9 : 88 - 373 ) ، الوسائل ( 16 : 474 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (53) ح (4).
4- التهذیب ( 1 : 223 - 640 ) ، الوسائل ( 2 : 1020 ) أبواب النجاسات ب (14) ح (9).

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن إبراهیم بن أبی محمود قال ، قلت للرضا علیه السلام : الجاریة النصرانیة تخدمک وأنت تعلم أنها نصرانیة ، لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة! قال : « لا بأس تغسل یدیها » (1).

ویمکن الجمع بین الأخبار بأحد أمرین : إما حمل هذه علی التقیة ، أو حمل النهی فی الأخبار المتقدمة علی الکراهة. ویشهد للثانی مطابقته لمقتضی الأصل ، وإطلاق النهی عن الصلاة فی الثوب قبل الغسل فی صحیحة علیّ بن جعفر المتقدمة (2) ، ویدل علیه صریحا خصوص صحیحة إسماعیل بن جابر : قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی طعام أهل الکتاب؟ فقال : « لا تأکله » ثم سکت هنیئة ، ثم قال : « لا تأکله » ثم سکت هنیئة ، ثم قال : « لا تأکله ، ولا تترکه تقول : إنه حرام ولکن تترکه تتنزه عنه ، إنّ فی آنیتهم الخمر ولحم الخنزیر » (3) وربما کان فی هذه الروایة إشعار بأن النهی عن مباشرتهم ، للنجاسة العارضیة فتأمل.

تنبیه : صرح العلاّمة - رحمه الله - (4) ، وجمع من الأصحاب (5) بنجاسة ولد الکافر لنجاسة أصلیة. وهو مشکل ، إذ الدلیل إن تم فإنما یدل علی نجاسة الکافر والمشرک والیهودی والنصرانی ، والولد قبل بلوغه لا یصدق علیه شی ء من ذلک.

ولو سباه المسلم منفردا فالأظهر تبعیته له فی الطهارة ، لأن ذلک مقتضی الأصل ، ولا معارض له إلاّ التمسک باستصحاب الحالة السابقة ، وقد بینا فیما سبق ضعف

حکم ولد الکافر

ص: 298


1- التهذیب ( 1 : 399 - 1245 ) ، الوسائل ( 2 : 1020 ) أبواب النجاسات ب (14) ح (11).
2- فی ص (296).
3- الکافی ( 6 : 264 - 9 ) ، التهذیب ( 9 : 87 - 368 ) ، المحاسن : ( 454 - 377 ) ، الوسائل ( 16 : 476 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (54) ح (4).
4- التذکرة ( 1 : 8 ).
5- منهم فخر المحققین فی إیضاح الفوائد ( 1 : 364 ) ، والشهید الأول فی الذکری : (14).

وفی عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلالة والمسوخ خلاف ، والأظهر الطهارة. وما عدا ذلک فلیس بنجس فی نفسه وإنما تعرض له النجاسة.

______________________________________________________

التمسک به ، لأن ما ثبت جاز أن یدوم وجاز أن لا یدوم ، فلا بد لدوامه من دلیل سوی دلیل الثبوت ، فینبغی التنبیه لذلک.

قوله : وفی عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلالة والمسوخ خلاف ، والأظهر الطهارة.

هنا مسائل ثلاث ، الأولی : عرق الجنب من الحرام ، والمراد منه ما یعم عرقه حال الفعل وبعده ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمه. فذهب الشیخان (1) ، وأتباعهما (2) ، وابن بابویه (3) إلی نجاسته. وقال ابن إدریس (4) ، وسلاّر (5) ، وعامة المتأخرین بالطهارة ، وهو المعتمد.

لنا : الأصل ، وما رواه أبو أسامة فی الحسن : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنب یعرق فی ثوبه ، أو یغتسل فیعانق امرأته ویضاجعها وهی حائض أو جنب ، فیصیب جسده من عرقها ، قال : « هذا کله لیس بشی ء » (6) ولم یفصل بین الحلال والحرام.

احتج الشیخ فی التهذیب علی النجاسة بما رواه فی الصحیح ، عن محمد الحلبی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أجنب فی ثوبه ولیس معه ثوب غیره؟ قال :

حکم عرق الجنب من حرام

ص: 299


1- المفید فی المقنعة : (10) ، والشیخ فی الخلاف ( 1 : 180 ) ، والمبسوط ( 1 : 37 ) ، والنهایة : (53).
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب ( 1 : 51 ).
3- الفقیه ( 1 : 40 ) ، والهدایة : (21).
4- السرائر : (36).
5- المراسم : (56).
6- الکافی ( 3 : 52 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 268 - 786 ) ، الإستبصار ( 1 : 184 - 644 ) ، الوسائل ( 1 : 529 ) أبواب الجنابة ب (46) ح (1).

______________________________________________________

« یصلّی فیه ، فإذا وجد الماء غسله » (1) قال الشیخ - رحمه الله - : لا یجوز أن یکون المراد بهذا الخبر إلاّ من عرق فی الثوب من جنابة إذا کانت من حرام ، لأنا قد بیّنا أنّ نفس الجنابة لا تتعدی إلی الثوب ، وذکرنا أیضا أنّ عرق الجنب لا ینجس الثوب ، فلم یبق معنی یحمل علیه الخبر إلاّ عرق الجنب من حرام فحملناه علیه.

ولا یخفی ما فی هذا الحمل من البعد ، إذ لا إشعار فی الخبر بالعرق بوجه فضلا عن کون الجنابة من الحرام ، مع أنّ الظاهر منه أنّ غسله لما أصابه من المنی بجنابته فیه.

الثانیة : عرق الإبل الجلالة ، وقد اختلف علماؤنا فی حکمه أیضا ، فذهب الشیخان إلی نجاسته (2) ، لصحیحة هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تأکل اللحوم الجلالة ، وإن أصابک من عرقها فاغسله » (3) ومثلها روی حفص بن البختری فی الحسن عنه علیه السلام (4).

وقال سلار (5) وابن إدریس (6) وسائر المتأخرین (7) بالطهارة ، وحملوا الأمر بالغسل علی الاستحباب ، وهو مشکل ، لعدم المعارض.

الثالثة : المسوخ ، والأصح أنها طاهرة ، وقد تقدّم الکلام فیها فی باب الأسئار.

حکم عرق الإبل الجلالة

ص: 300


1- التهذیب ( 1 : 271 - 799 ) ، الإستبصار ( 1 : 187 - 655 ) ، الوسائل ( 2 : 1039 ) أبواب النجاسات ب (27) ح (11).
2- المفید فی المقنعة : (10) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 38 ) ، والنهایة : (53).
3- الکافی ( 6 : 250 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 263 - 768 ) ، الوسائل ( 2 : 1021 ) أبواب النجاسات ب (15) ح (1).
4- الکافی ( 6 : 251 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 263 - 767 ) ، الوسائل ( 2 : 1021 ) أبواب النجاسات ب (15) ح (2).
5- المراسم : (56).
6- السرائر : (36).
7- کالمحقق فی الشرائع ( 1 : 53 ) ، والشهید الأول فی الدروس : (17).

ویکره بول البغال والحمیر والدواب.

______________________________________________________

قوله : ویکره بول البغال ، والحمیر ، والدواب.

اختلف الأصحاب فی أبوال البغال ، والحمیر ، والدواب ، فذهب الشیخ - رحمه الله تعالی - فی کتابی الحدیث والمبسوط (1) ، وابن إدریس - رحمه الله - (2) وأکثر الأصحاب إلی طهارتها ، وکراهة مباشرتها. وقال الشیخ - رحمه الله - فی النهایة (3) وأبو علی ابن الجنید (4) بنجاستها ، وقواه شیخنا المعاصر سلمه الله تعالی (5).

احتج الأولون بما رواه الشیخ ، عن المعلی بن خنیس وعبد الله بن أبی یعفور ، قالا : کنا فی جنازة وقربنا حمار ، فبال فجاءت الریح ببوله حتی صکّت وجوهنا وثیابنا ، فدخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام فأخبرناه ، فقال : « لیس علیکم شی ء » (6).

وما رواه ابن بابویه - رحمه الله - عن أبی الأغر النخاس : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام فقال : إنی أعالج الدواب ، فربما خرجت باللیل وقد بالت وراثت فتضرب إحداها بیدها أو برجلها فینضح علی ثوبی فقال : « لا بأس به » (7).

وبأن لحومها حلال علی کراهیة ، فیکون بولها طاهرا ، لما رواه زرارة فی الحسن أنهما قالا : « لا تغسل ثوبک من بول شی ء یؤکل لحمه » (8).

کراهة بول البغال والحمیر والدواب

ص: 301


1- التهذیب ( 1 : 422 ) ، والاستبصار ( 1 : 179 ) ، والمبسوط ( 1 : 36 ).
2- السرائر : (36).
3- النهایة : (51).
4- نقله عنه فی المختلف : (56).
5- مجمع الفائدة ( 1 : 301 ).
6- التهذیب ( 1 : 425 - 1351 ) ، وفی الاستبصار ( 1 : 180 - 628 ) ، والوسائل ( 2 : 1011 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (14) بتفاوت یسیر.
7- الفقیه ( 1 : 41 - 164 ) ، الوسائل ( 2 : 1009 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (2).
8- الکافی ( 3 : 57 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 264 - 769 ) ، الوسائل ( 2 : 1010 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (4).

______________________________________________________

وأجیب عن الروایتین الأولیین : بالطعن فی السند ، أما الاولی فلأن من جملة رجالها الحکم بن مسکین وهو مجهول ، وإسحاق بن عمار وقال الشیخ : إنه فطحی (1). وأما الثانیة فلأن راویها وهو أبو الأغر مجهول ، فلا تعویل علی روایته.

وعن الروایة الثالثة : بأنها إنما تدل علی الطهارة من حیث العموم ، وهو لا یصلح معارضا للأخبار المتضمنة للأمر بغسل الثوب من ذلک (2) ، لأن الخاص مقدّم کما حقق فی محله.

احتج القائلون بالنجاسة بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یمسّه بعض أبوال البهائم أیغسله أم لا؟ قال : « یغسل بول الفرس ، والحمار ، والبغل ، فأما الشاة وکل ما یؤکل لحمه فلا بأس ببوله » (3).

وفی الصحیح عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن أبوال الخیل والبغال ، قال : « اغسل ما أصابک منه » (4).

وفی الحسن عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن أبوال الدواب ، والبغال ، والحمیر ، فقال : « اغسله ، فإن لم تعلم مکانه فاغسل الثوب کله ، فإن شککت فانضحه » (5).

ص: 302


1- الفهرست : (15).
2- الوسائل ( 2 : 1007 ) أبواب النجاسات ب (8).
3- التهذیب ( 1 : 266 - 780 ) ، الإستبصار ( 1 : 179 - 624 ) ، الوسائل ( 2 : 1011 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (9).
4- التهذیب ( 1 : 265 - 774 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 622 ) ، الوسائل ( 2 : 1011 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (11).
5- الکافی ( 3 : 57 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 264 - 771 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 620 ) ، الوسائل ( 2 : 1010 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (6).

القول فی أحکام النجاسات :

تجب إزالة النجاسات عن الثیاب والبدن للصلاة والطواف

______________________________________________________

وأجاب عنها الأولون بالحمل علی الاستحباب ، وهو مشکل ، لانتفاء ما یصلح للمعارضة.

هذا کله فی أبوالها ، وأما أرواثها فیمکن القول بنجاستها أیضا ، لعدم القائل بالفصل. ولا یبعد الحکم بطهارتها ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض ، وقول الصادق علیه السلام فی روایة الحلبی : « لا بأس بروث الحمر ، واغسل أبوالها » (1).

وفی روایة أبی مریم : وقد سأله عن أبوال الدواب وأرواثها : « أما أبوالها فاغسل ما أصابک ، وأما أرواثها فهی أکثر من ذلک » (2) یعنی أنّ کثرتها تمنع التکلیف بإزالتها.

ویشهد له أیضا ما رواه عبد الله بن جعفر الحمیری فی کتابه قرب الإسناد ، عن أحمد وعبد الله ابنی محمد بن عیسی ، عن الحسن بن محبوب ، عن علی بن رئاب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الروث یصیب ثوبی وهو رطب ، قال : « إن لم تقذره فصل فیه » (3).

قوله : تجب إزالة النجاسة عن الثیاب والبدن للصلاة والطواف.

لا یخفی أنه إنما تجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة والطواف إذا کانا واجبین ، وکانت النجاسة مما لا یعفی عنها ، ولم یکن عنده غیر الثوب النجس. وإنما أطلق ذلک اعتمادا علی الظهور.

- أحکام النجاسات

وجوب إزالة النجاسة للصلاة والطواف

ص: 303


1- الکافی ( 3 : 57 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 265 - 773 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 621 ) ، الوسائل ( 2 : 1009 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 57 - 5 ) ، التهذیب ( 1 : 265 - 775 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 623 ) ، الوسائل ( 2 : 1011 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (8).
3- قرب الإسناد : (76) ، الوسائل ( 2 : 1012 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (16).

______________________________________________________

والمشهور بین الأصحاب أنه لا فرق فی ذلک بین قلیل النجاسة وکثیرها عدا الدم ، تمسکا بالأحادیث الدالة علی وجوب إزالة النجاسات علی الإطلاق.

وقال ابن الجنید : کل نجاسة وقعت علی ثوب وکانت عینها فیه مجتمعة أو منقسمة دون سعة الدرهم الذی یکون سعته کعقد الإبهام الأعلی لم ینجس الثوب بذلک ، إلا أن تکون النجاسة دم حیض أو منیا ، فإن قلیلهما وکثیرهما سواء (1). ولم نقف له فی ذلک علی مستند.

ویدل علی اعتبار طهارة الثوب والجسد فی الصلاة : إجماع العلماء ، قاله فی المعتبر (2) ، والأخبار المستفیضة المتضمنة للأمر بغسل الثوب والجسد من النجاسات (3) ، إذ من المعلوم أنّ الغسل لا یجب لنفسه وإنما هو لأجل العبادة وقد وقع التصریح فی الأخبار الصحیحة بإعادة الصلاة بنجاسة الثوب بالبول ، والمنی ، والمسکر ، وقدر الدرهم من الدم ، وعذرة الإنسان والسنور والکلب ، ورطوبة الخنزیر (4) وربما لاح من کثیر من الأخبار ثبوت الإعادة مع العلم بنجاسة الثوب مطلقا (5).

وأما الطواف فقد ذهب الأکثر إلی اشتراط طهارة الثوب والجسد فیه ، واحتجوا علیه بقوله علیه السلام : « الطواف بالبیت صلاة » (6) وهو قاصر من حیث السند والمتن. وسیجی ء تمام الکلام فیه فی محله إن شاء الله تعالی.

ص: 304


1- نقله عنه فی المختلف : (59).
2- المعتبر ( 1 : 431 ).
3- الوسائل ( 2 : 1025 ) أبواب النجاسات ب (19).
4- الوسائل ( 2 : ) أبواب النجاسات ب ( 8 ، 12 ، 13 ، 20 ).
5- الوسائل ( 2 : 1024 ) أبواب النجاسات ب (18).
6- غوالی اللآلی ( 2 : 167 - 3 ) ، سنن الدارمی ( 2 : 44 ).

ودخول المساجد. وعن الأوانی لاستعمالها.

______________________________________________________

قوله : ودخول المساجد.

جعل دخول المساجد غایة لإزالة النجاسة ، وعطفه علی الصلاة والطواف یقتضی عدم الفرق بین النجاسة المتعدیة الی المسجد وغیرها. وقریب منه قوله فی أحکام المساجد : ولا یجوز إدخال النجاسة إلیها ، فإنه شامل للجمیع. وبذلک جزم العلامة - رحمه الله - فی أکثر کتبه حتی قال فی التذکرة : لو کان معه خاتم نجس وصلی فی المسجد لم تصح صلاته (1). واستدلوا علی ذلک بقوله تعالی ( إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ) (2) رتب النهی علی النجاسة فیکون تقریبها حراما ، ومتی ثبت التحریم فی المسجد الحرام ثبت فی غیره ، إذ لا قائل بالفرق. وقول النبی صلی الله علیه و آله : « جنبوا مساجدکم النجاسة » (3).

ویتوجه علی الأول : أنّ النجس لغة : المستقذر کما بیناه (4) ، والواجب الحمل علیه إلی أن تثبت الحقیقة الشرعیة ، ولم یثبت کون المعنی المصطلح علیه عند الفقهاء حقیقة شرعیة. سلمنا الثبوت لکن النهی إنما ترتب علی نجاسة المشرک خاصة ، فإلحاق غیرها بها یحتاج إلی الدلیل وهو منتف هنا. سلمنا ذلک لکن النهی إنما تعلق بقرب المسجد الحرام خاصة ، وعدم الظفر بالقائل بالفرق بینه وبین غیره لا یدل علی العدم فیحتمل الفرق.

وعلی الثانی : الطعن فی الروایة بعدم الوقوف علی السند ، والمراسیل لا تنهض حجة فی إثبات حکم مخالف للأصل. وأیضا فإن مجانبة النجاسة المساجد تتحقق بعدم تعدّیها إلیها ، فیحصل به الامتثال ، ولا یلزم من ذلک تحریم إدخالها مع عدم التعدی. ومن ثم

وجوب إزالة النجاسة لدخول المساجد

ص: 305


1- التذکرة ( 1 : 96 ).
2- التوبة : (28).
3- الوسائل ( 3 : 504 ) أبواب أحکام المساجد ب (24) ح (2).
4- فی ص (294).

______________________________________________________

ذهب جمع من المتأخرین (1) إلی عدم تحریم إدخال النجاسة الغیر المتعدیة إلی المسجد أو فرشه. ولا بأس به اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق إن تم.

ویؤیده ما نقله الشیخ فی الخلاف من الإجماع علی جواز الحیّض من النساء فی المساجد مع عدم انفکاکهن من النجاسة غالبا (2) ، وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة ابن عمار الواردة فی المستحاضة : « وإن کان الدم لا یثقب الکرسف توضأت ودخلت المسجد ، وصلت کل صلاة بوضوء » (3) وفی هذا الخبر تلویح بتحریم إدخال النجاسة المتعدیة.

وألحق الشهیدان بالمساجد فی هذا الحکم : الضرائح المقدسة والمصحف وآلاته الخاصة به کالجلد ، ولا بأس به (4).

وقد قطع الأصحاب بوجوب إزالة النجاسة عن المساجد علی الفور کفایة ، لعموم الخطاب ، وفیه توقف. قال فی الذکری : ولو أدخلها مکلف تعیّن علیه الإخراج (5). وظاهره عدم مخاطبة غیره بالإزالة ، وهو محتمل.

ولو أخلّ بالإزالة وصلی مع ضیق الوقت صحت صلاته قطعا ، ولو صلی مع السعة فقولان مبنیان علی أنّ الأمر بالشی ء هل یقتضی النهی عن ضده الخاص أم لا؟ وهی مسألة مشکلة.

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد

ص: 306


1- منهم الشهید فی الذکری ( 14 ، 157 ) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 17 ) ، والمحقق الکرکی فی جامع المقاصد ( 1 : 17 ).
2- الخلاف ( 1 : 196 ).
3- الکافی ( 3 : 88 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 106 - 277 ) ، وص ( 170 - 484 ) ، الوسائل ( 2 : 604 ) أبواب الاستحاضة ب (1) ح (1).
4- الشهید الأول فی الذکری : (14) ، والدروس : (17) ، والبیان : (40) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 17 ).
5- الذکری : (157).

______________________________________________________

وتلخیص البحث فیها : أنه لا خلاف بین القائلین باقتضاء الأمر الوجوب فی أنّ الأمر بالشی ء یقتضی النهی عن ضده العام الذی هو ترک المأمور به أو کف النفس عنه ، لأنه جزء ماهیة الوجوب الذی هو مدلول الأمر عندهم. وإنما الخلاف فی الأضداد الوجودیة الواقعة فی ضمن الترک ، فذهب الأکثر إلی أنّ الأمر بالشی ء لا یستلزم النهی عن هذه الأضداد الخاصة ، لأنها لیست نفس الترک المنهی عنه ، ولا جزءه ، ولا علة فیه ، ولیسا معلولی علة واحدة فلا یلزم من تحریمه تحریمها. ولأنه لا امتناع فی أن یقول الشارع : أوجبت علیک کلا الأمرین لکن أحدهما مضیق والآخر موسع ، فإن قدّمت المضیق فقد امتثلت وسلمت من الإثم ، وإن قدّمت الموسع فقد امتثلت وأثمت بالمخالفة فی التقدیم.

وقیل بالاستلزام بمعنی أنه یلزم من ملاحظة الأمر کون الآمر کارها لتلک الأضداد وإن لم یکن مشعرا بها حالة الطلب ، فإنّ القصد إنما یعتبر فی الخطاب الصریح لا الضمنی ، کما فی الضد العام عند الجمیع ومقدمة الواجب عند الأکثرین.

ورجح هذا القول شیخنا المحقق المعاصر أطال الله تعالی بقاءه واحتج علیه بوجوه :

الأول : إنّ فعل کل من الأضداد الخاصة مستلزم لترک ذلک الواجب المضیق فیکون محرما ، لأن مستلزم الحرام حرام.

الثانی : إنّ فعل الواجب المضیق موقوف علی ترک أضداده الوجودیة فیکون واجبا ، لأن ما لا یتم الواجب إلاّ به فهو واجب.

الثالث : إنه لو لم یحرم الضد الخاص وتلبس به المکلف - کالصلاة بالنسبة إلی أداء الدین مثلا - فإن بقی الخطاب بذلک الواجب المضیق لزم التکلیف بالضدین وهو محال ، وإلاّ خرج الواجب المضیق عن کونه واجبا مضیقا ، وهو خلاف المفروض (1).

ویمکن الجواب عن الأول : بأنه إن أرید بالاستلزام العلیة منعنا الصغری ، وإن أرید

اقتضاء الامر بالشئ النهی عن الضد وعدمه

ص: 307


1- مجمع الفائدة ( 1 : 327 ).

وعفی فی الثوب والبدن عما یشقّ التحرز منه من دم القروح والجروح التی لا ترقی وإن کثر ،

______________________________________________________

به مجرد التوافق فی الوجود منعنا الکبری.

وعن الثانی : بأنه موقوف علی وجوب مقدمة الواجب المطلق ، ولم یقم علی ذلک دلیل یعتدّ به. وأیضا : فإن وجوب المقدمة إنما کان لیتوصل بها إلی فعل الواجب ، ومع امتناع ذلک الواجب بوجود الصارف عنه وانتفاء الداعی إلیه فلا تأثیر لانتفاء مقدمته. نعم لو حصل الداعی إلی الفعل وتوقف علی ترک الأضداد الخاصة اتجه وجوبه من باب المقدمة. ویتفرع علی ذلک أنه لو أراد المکلف أداء الدین أو إزالة النجاسة عن المساجد مثلا فی أثناء الصلاة وجب قطعها لذلک.

وعن الثالث : بأنه یمکن اختیار الشق الثانی ، وتخص الأوامر الدالة علی وجوب أداء الدین مثلا علی الفور بما إذا لم یکن المکلف متلبسا بواجب ، کما أنه مع تضیّق وقت الفریضة یجب تقدیمها قطعا ، ولا یکون أداء الدین مضیقا فی تلک الحال.

ومع ذلک فالقول بالاستلزام غیر بعید ، إذ ربما ظهر من حال الأمر بالشی ء فی وقت معین کونه کارها لکل ما ینافیه فی ذلک الوقت ، إلاّ أن یقال أنّ الکراهة لنفس الترک ، لا لما حصل فی ضمنه من الأفعال. وفی المقام أبحاث طویلة لا یحتملها هذا التعلیق.

قوله : وعفی فی الثوب والبدن عما یشقّ التحرز عنه من دم القروح والجروح التی لا ترقی.

المراد برقوء الدم : سکونه وانقطاعه. وظاهر العبارة یقتضی کون العفو عن هذا الدم مخصوصا بما إذا شق التحرز منه ، وکان سائلا فی جمیع الوقت. واعتبر فی المعتبر السیلان فی جمیع الوقت أو تعاقب الجریان علی وجه لا تتسع فتراتها لأداء الفریضة (1).

وقیل بالعفو عنه مطلقا إلی أن تبرأ القروح والجروح ، سواء شقت إزالته أم لا ، وسواء

العفو عن دم القروح والجروح

ص: 308


1- المعتبر ( 1 : 429 ).

______________________________________________________

کان له فترة ینقطع فیها أم لم یکن ، واختاره جدی - قدس سره - فی جملة من کتبه (1) ، والمحقق الشیخ علی - رحمه الله - (2). وهو الظاهر من کلام الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه ، إلاّ أنه خصّ الحکم بالجرح ، فقال : وإن کان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا بأس بأن لا یغسله حتی یبرأ وینقطع الدم (3). وهذا هو المعتمد ، لکن ینبغی أن یراد بالبرء الأمن من خروج الدم منهما وإن لم یندمل أثرهما.

لنا : الأصل ، وما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، قال : دخلت علی أبی جعفر علیه السلام وهو یصلی ، فقال لی قائدی : إنّ فی ثوبه دما ، فلما انصرف قلت له : إنّ قائدی أخبرنی أنّ بثوبک دما ، فقال : « إنّ بی دمامیل ، ولست أغسل ثوبی حتی تبرأ » (4).

وفی الصحیح عن لیث المرادی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یکون به الدمامیل والقروح فجلده وثیابه مملوءة دما وقیحا ، فقال : « یصلی فی ثیابه ولا یغسلها ولا شی ء علیه » (5).

وفی الصحیح عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله علیه السلام : الجرح یکون فی مکان لا یقدر علی ربطه فیسیل منه الدم والقیح فیصیب ثوبی ، فقال : « دعه فلا یضرک أن لا تغسله » (6).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن

ص: 309


1- المسالک ( 1 : 18 ) ، والروضة البهیة ( 1 : 50 ) ، وروض الجنان : (165).
2- جامع المقاصد ( 1 : 17 ).
3- الفقیه ( 1 : 43 ).
4- الکافی ( 3 : 58 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 258 - 747 ) ، الإستبصار ( 1 : 177 - 616 ) ، الوسائل ( 2 : 1028 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (1).
5- التهذیب ( 1 : 258 - 750 ) ، الوسائل ( 2 : 1029 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (5).
6- التهذیب ( 1 : 259 - 751 ) ، الوسائل ( 2 : 1029 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (6).

______________________________________________________

الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمی کیف یصلی؟ فقال : « یصلی وإن کانت الدماء تسیل » (1).

وعن سماعة بن مهران ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا یغسله حتی یبرأ وینقطع (2) الدم » (3).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : یستفاد من هذه الروایات : العفو عن هذا الدم فی الثوب والبدن سواء شقت إزالته أم لا ، وسواء کان له فترة ینقطع فیها بقدر الصلاة أم لا ، وإنه لا یجب إبدال الثوب ، ولا تخفیف النجاسة ، ولا عصب موضع الدم بحیث یمنعه من الخروج ، وهو کذلک.

واستقرب العلامة - رحمه الله - فی المنتهی : وجوب الإبدال مع الإمکان (4). ویدفعه قوله علیه السلام فی صحیحة لیث المرادی : « یصلی فی ثیابه ولا یغسلها ولا شی ء علیه ».

الثانی : لو لاقی هذا الدم نجاسة أخری فلا عفو. وإن أصابه مائع طاهر کالعرق ونحوه فالأظهر سریان العفو إلیه ، لإطلاق النص ومسّ الحاجة. واستقرب فی المنتهی العدم ، قصرا للرخصة علی موضع النص وهو الدم (5) ، ولا ریب أنه أحوط.

الثالث : لو تعدّی الدم عن محل الضرورة فی الثوب أو البدن احتمل بقاء العفو تمسکا بالإطلاق ، وعدمه لانتفاء المشقة بإزالته ، وهو خیرة المنتهی (6).

ص: 310


1- التهذیب ( 1 : 258 - 749 ) و ( 348 - 1025 ) ، الاستبصار ( 1 : 177 - 615 ) ، السرائر : (473) ، الوسائل ( 2 : 1029 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (4).
2- فی « س » و « ق » و « ح » : أو ینقطع.
3- التهذیب ( 1 : 259 - 752 ) ، الوسائل ( 2 : 1030 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (7).
4- المنتهی ( 1 : 172 ).
5- المنتهی ( 1 : 172 ).
6- المنتهی ( 1 : 172 ).

وعما دون الدرهم البغلی سعة من الدم المسفوح الذی لیس أحد الدماء الثلاثة. وما زاد عن ذلک تجب إزالته إن کان مجتمعا ،

______________________________________________________

الرابع : ذکر جمع من الأصحاب أنه یستحب لصاحب هذا العذر أن یغسل ثوبه کل یوم مرة ، لأن فیه تطهیرا غیر مشق فکان مطلوبا ، ولما رواه الشیخ عن سماعة ، قال : سألته عن الرجل به القرح أو الجرح فلا یستطیع أن یربطه ، ولا یغسل دمه ، قال : « یصلی ولا یغسل ثوبه کل یوم إلا مرة ، فإنه لا یستطیع أن یغسل ثوبه کل ساعة » (1) وفی السند ضعف.

قوله : وعما دون الدرهم البغلی من الدم المسفوح الذی لیس أحد الدماء الثلاثة ، وما زاد علی ذلک تجب إزالته إن کان مجتمعا.

أجمع الأصحاب علی أنّ الدم المسفوح - وهو الخارج من ذی النفس - الذی لیس أحد الدماء الثلاثة ، ولا دم القروح والجروح إن کان أقل من درهم بغلی لم یجب إزالته للصلاة ، وإن کان أزید من مقدار الدرهم وجبت إزالته ، نقل ذلک المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (2) والعلامة فی جملة من کتبه (3). وإنما الخلاف بینهم فیما بلغ قدر الدرهم ، فقال الشیخان (4) ، وابنا بابویه (5) ، وابن إدریس (6) : یجب إزالته ، لقوله علیه السلام : « إنما یغسل الثوب من البول والمنی والدم » (7) فإنه یقتضی بإطلاقه :

العفو عما دون الدرهم من الدم

ص: 311


1- الکافی ( 3 : 58 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 258 - 748 ) ، الإستبصار ( 1 : 177 - 617 ) ، الوسائل ( 2 : 1029 ) أبواب النجاسات ب (22) ح (2).
2- المعتبر ( 1 : 429 ).
3- المختلف : (60) ، والقواعد ( 1 : 8 ) ، والمنتهی ( 1 : 172 ).
4- المفید فی المقنعة : (10) ، والشیخ فی المبسوط ( 1 : 36 ).
5- الصدوق فی الهدایة : (15) ، ونقله عن والده فی المختلف : (60).
6- السرائر : (35).
7- المعتبر ( 1 : 432 ).

______________________________________________________

وجوب إزالة الدم کیف کان ، خرج من ذلک ما وقع الاتفاق علی العفو عنه ، وهو ما دون الدرهم ، فیبقی الباقی. ولما رواه عبد الله بن أبی یعفور فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی دم البراغیث؟ قال : « لیس به بأس » قال ، قلت : إنه یکثر ویتفاحش ، قال : « وإن کثر » قال ، قلت : فالرجل یکون فی ثوبه نقط الدم لا یعلم به ، ثم یعلم فینسی أن یغسله ، فیصلی ثم یذکر بعد ما صلی ، أیعید صلاته؟ قال : « یغسله ولا یعید صلاته ، إلا أن یکون مقدار الدرهم مجتمعا فیغسله ویعید الصلاة » (1).

وهی صریحة فی المطلوب ، إذ لو کان العفو عن مقدار الدرهم ثابتا لما وجب إعادة الصلاة مع نسیان غسله.

وما رواه جمیل بن دراج ، عن بعض أصحابه ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « لا بأس بأن یصلی الرجل فی الثوب وفیه الدم متفرقا شبه النضح ، وإن کان قد رآه صاحبه قبل ذلک فلا بأس به ما لم یکن مجتمعا قدر الدرهم » (2).

وقال السید المرتضی فی الانتصار (3) ، وسلار (4) : لا یجب إزالته تمسکا بمقتضی الأصل وإطلاق الأمر بالصلاة فلا یتقید إلا بدلیل.

ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت له : الدم یکون فی الثوب علیّ وأنا فی الصلاة ، قال : « إن رأیته وعلیک ثوب غیره فاطرحه وصلّ ، وإن

ص: 312


1- التهذیب ( 1 : 255 - 740 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 611 ) ، الوسائل ( 2 : 1030 ) أبواب النجاسات ب (23) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 256 - 742 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 612 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (4).
3- الانتصار : (13).
4- المراسم : (55).

______________________________________________________

لم یکن علیک غیره فامض فی صلاتک ولا إعادة علیک ، وما لم یزد علی مقدار الدرهم فلیس بشی ء رأیته أو لم تره ، فإذا کنت قد رأیته وهو أکثر من مقدار الدرهم فضیعت غسله وصلیت فیه صلاة کثیرة فأعد ما صلیت » (1).

وعن إسماعیل الجعفی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال فی الدم یکون فی الثوب : « فإن کان أقل من قدر الدرهم فلا یعید الصلاة ، وإن کان أکثر من قدر الدرهم وکان رآه فلم یغسله حتی صلی فلیعد صلاته ، وإن لم یکن رآه حتی صلی فلا یعید الصلاة » (2).

وجه الدلالة أنه علیه السلام رتب الإعادة علی کون الدم أکثر من مقدار الدرهم فینتفی بانتفائه ، عملا بالشرط ، وهو منتف مع المساواة ، ولا یعارض بالمفهوم الأول ، لاعتضاد الثانی بأصالة البراءة.

وأجیب عن الروایة الأولی : بالطعن فیها بالإضمار (3) ، فإن القائل مجهول ، فلعله ممن لا یجب اتباع قوله.

وعن الثانیة : بأنها إنما دلّت علی حکمی الزائد والناقص لا المساوی. وهما ضعیفان :

أما الثانی فلما بیناه من وجه الدلالة.

وأما الأول فلما أشرنا إلیه مرارا من أنّ ذلک غیر قادح ، إذ من المعلوم أنّ محمد بن مسلم لا یسأل فی مثل ذلک غیر الإمام علیه السلام . ویستفاد من کتب المتقدمین : أنّ

ص: 313


1- الکافی ( 3 : 59 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 161 - 758 ) ، التهذیب ( 1 : 254 - 736 ) ، الإستبصار ( 1 : 175 - 609 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (6).
2- التهذیب ( 1 : 255 - 739 ) ، الإستبصار ( 1 : 175 - 610 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (2).
3- کما فی المنتهی ( 1 : 173 ).

______________________________________________________

الإضمار فی مثل هذه الأحادیث إنما حصل من قطع الأخبار بعضها من بعض ، فإنّ الراوی کان یصرح باسم الإمام الذی روی عنه فی أول الروایات ثم یقول : وسألته عن کذا ، وسألته عن کذا. إلی أن یستوفی الروایات التی رواها عن ذلک الإمام علیه السلام ، فلما حصل القطع توهم الإضمار ، فینبغی التنبیه لذلک. وبالجملة فالمستندان فی هذه المسألة قویان.

ویمکن حمل الإعادة فی مقدار الدرهم علی الاستحباب. لکن إجمال الدرهم وعدم انضباط سعته ینفی فائدة هذا الاختلاف ، لعدم تحقق المساواة حینئذ ، فإنّ الروایات التی وقفت علیها فی هذه المسألة إنما تضمنت تعلیق الحکم علی قدر الدرهم وما زاد أو نقص عنه (1) ، ولیس فیها توصیف له بکونه بغلیا (2) أو غیره ، ولا تعیین لقدره ، والواجب حمله علی ما کان متعارفا (3) فی زمانهم علیهم السلام .

وذکر الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : أنّ المراد بالدرهم : الوافی الذی وزنه درهم وثلث (4) ، ونحوه قال المفید فی المقنعة (5). وقال ابن الجنید : إنه ما کانت سعته سعة العقد الأعلی من الإبهام (6). ولم یذکروا تسمیته بالبغلی. وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : والدرهم هو الوافی الذی وزنه درهم وثلث (7).

ویسمّی البغلیّ نسبة إلی قریة بالجامعین ، وضبطها المتأخرون بفتح العین وتشدید

معنی الدرهم البغلی

ص: 314


1- الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20).
2- فی « م » و « ح » : نقلیا ، وما أثبتناه أنسب.
3- فی « س » ، « ح » زیادة : فی زمان من صدر منه الخطاب.
4- الفقیه ( 1 : 42 ).
5- المقنعة : (10).
6- نقله عنه فی المختلف : (59).
7- المعتبر ( 1 : 429 ).

______________________________________________________

اللام. ونقل عن ابن إدریس : أنه شاهد هذه الدراهم المنسوبة إلی هذه القریة ، وقال : إنّ سعتها تقرب من أخمص الراحة ، وهو ما انخفض من الکف (1).

ونقل الشهید - رحمه الله - فی الذکری عن ابن درید - رحمه الله تعالی - أنه قال : إنّ الدرهم الوافی هو البغلی ، بإسکان الغین ، منسوب إلی رأس البغل ، ضربه الثانی فی خلافته بسکة کسرویة ، وزنته ثمانیة دوانیق. وقال : إن البغلیة کانت تسمی قبل الإسلام : الکسرویة ، فحدث لها هذا الاسم فی الإسلام ، والوزن بحاله ، وجرت فی المعاملة مع الطبریة ، وهی أربعة دوانیق ، فلما کان زمن عبد الملک - علیه لعنة الله - جمع بینهما واتخذ الدرهم منهما ، واستقر أمر الإسلام علی ستة دوانیق (2). هذا کلامه - رحمه الله تعالی.

ومقتضاه أنّ الدرهم کان یطلق علی البغلیّ وغیره ، وأنّ البغلیّ ترک فی زمن عبد الملک علیه اللعنة ، وهو متقدم علی زمن الصادق علیه السلام قطعا ، فیشکل حمل النصوص الواردة منه علیه السلام علیه.

والمسألة قویة الإشکال ، لکن ما علم نقصه عن سعة الدرهم عادة فلا ریب فی العفو عنه ، بل لا یبعد العفو عما لم یعلم بلوغه قدر الدرهم ، لأصالة البراءة من وجوب إزالته.

وهذه النصوص کما تری متناولة بإطلاقها لدم الحیض وغیره ، إلا أنّ الأصحاب قطعوا باستثناء دم الحیض من ذلک وأوجبوا إزالة قلیله وکثیره عن الثوب والبدن. وربما کان المستند فیه : ما رواه أبو سعید عن أبی بصیر ، قال : « لا تعاد الصلاة من دم لم

عدم العفو عن الدماء الثلاثة

ص: 315


1- السرائر : (35).
2- الذکری : (16).

______________________________________________________

تبصره إلا دم الحیض ، فإنّ قلیله وکثیره فی الثوب إن رآه وإن لم یره سواء » (1) وهی - مع ضعف سندها - موقوفة علی أبی بصیر ، ولیس قوله حجة ، لکن قال فی المعتبر : إنّ الحجة عمل الأصحاب بمضمونها وقبولهم لها (2).

وألحق الشیخ به دم الاستحاضة والنفاس (3) ، ولعله نظر إلی تساویها فی إیجاب الغسل ، وأنّ النفاس حیض فی المعنی ، والاستحاضة مشتقة منه.

وألحق القطب الراوندی - رحمه الله تعالی - بهذه الدماء الثلاثة : دم نجس العین (4). نظرا إلی أنه یلاقی جسده ، ونجاسة جسده غیر معفو عنها ، فکان کما لو أصاب الدم المعفو عنه نجاسة غیر الدم.

والحق أنه إن ثبت عموم الدم المعفو عنه کان شاملا للدماء الثلاثة ودم نجس العین ، وشموله لدم نجس العین یجری مجری النطق به ، ومع النطق به یسقط اعتبار نجاسته قطعا. وحینئذ فیتوقف استثناء هذه الدماء الأربعة علی ثبوت المخصص. وإن لم یثبت العموم وجب القول باستثناء جمیع ذلک ، لعموم ما دل علی اشتراط طهارة الثوب والجسد.

وتنقیح المسألة یتم ببیان أمور :

الأول : مورد الروایات المتضمنة للعفو (5) تعلق النجاسة بالثوب ، وقال فی المنتهی : إنه لا فرق فی ذلک بین الثوب والبدن ، وأسنده إلی الأصحاب ، لاشتراکهما فی المشقة

ص: 316


1- الکافی ( 3 : 405 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 257 - 745 ) ، الوسائل ( 2 : 1028 ) أبواب النجاسات ب (21) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 428 ).
3- المبسوط ( 1 : 35 ) ، والنهایة : (51).
4- نقله عنه فی السرائر : (35) ، والمختلف : (59).
5- الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20).

______________________________________________________

اللازمة من وجوب الإزالة (1). وهو جید ، لمطابقته لمقتضی الأصل السالم عما یصلح للمعارضة.

ویشهد له روایة مثنی بن عبد السلام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : إنی حککت جلدی فخرج منه دم ، فقال : « إن اجتمع منه قدر حمصة فاغسله ، وإلا فلا » (2) والظاهر أن المراد بقدر الحمصة قدرها وزنا لا سعة ، وهو یقرب من سعة الدرهم.

الثانی : لو أصاب الدم المعفو عنه مائع طاهر ولم یبلغ المجموع الدرهم ، ففی بقائه علی العفو قولان : أظهرهما ذلک ، لأصالة البراءة من وجوب إزالته ، ولأن المنجّس بشی ء لا یزید حکمه عنه ، بل غایته أن (3) یساویه ، إذ الفرع لا یزید علی أصله. واستقرب العلامة فی المنتهی : وجوب إزالته (4) ، لأنه لیس بدم فوجبت إزالته بالأصل السالم عن المعارض ، ولأن الاعتبار بالمشقة المستندة إلی کثرة الوقوع ، وذلک غیر موجود فی صورة النزاع لندوره. وضعف الوجهین ظاهر. ولو أزال عین الدم بما لا یطهرها فلا ریب فی بقاء العفو ، لخفة النجاسة حینئذ.

الثالث : لو أصاب الدم وجهی الثوب ، فإن کان بالتفشی فدم واحد ، وإلا فدمان. واعتبر الشهید - رحمه الله - فی الذکری رقّة الثوب (5) ، وهو حسن.

ص: 317


1- المنتهی ( 1 : 173 ).
2- التهذیب ( 1 : 255 - 741 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 613 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (5).
3- کذا فی النسخ ، والأنسب : أنه.
4- المنتهی ( 1 : 174 ).
5- الذکری : (16).

وإن کان متفرقا ، قیل : هو عفو ، وقیل : تجب إزالته ، وقیل : لا تجب إلا أن یتفاحش ، والأول أظهر.

______________________________________________________

قوله : وإن کان متفرقا ، قیل : هو عفو ، وقیل : تجب إزالته ، وقیل : لا تجب إلا أن یتفاحش ، والأول أظهر.

اختلف الأصحاب فی وجوب إزالة الدم المتفرق علی الثوب أو البدن إذا کان بحیث لو جمع بلغ الدرهم ، فقال ابن إدریس - رحمه الله - : الأحوط للعبادة وجوب إزالته ، والأقوی والأظهر فی المذهب عدم الوجوب (1). ونحوه قال الشیخ فی المبسوط (2). وهو خیرة المصنف - رحمه الله - هنا وفی النافع (3).

وقال الشیخ فی النهایة : لا تجب إزالته ما لم یتفاحش (4). وهو خیرة المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (5).

وقال سلار (6) وابن حمزة (7) : تجب إزالته. واختاره العلامة فی جملة من کتبه (8). والمعتمد الأول.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل ، وما رواه عبد الله بن أبی یعفور فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یصلی وفی ثوبه نقط الدم ، فینسی أن یغسله ، فیصلی ثم یذکر ، قال : « یغسله ولا یعید صلاته ، إلا أن یکون مقدار الدرهم مجتمعا

حکم الدم المتفرق الذی یبلغ مجموعه الدرهم

ص: 318


1- السرائر : (35).
2- المبسوط ( 1 : 36 ).
3- المختصر النافع : (18).
4- النهایة : (52).
5- المعتبر ( 1 : 431 ).
6- المراسم : (55).
7- الوسیلة : (77).
8- المنتهی ( 1 : 173 ) ، والقواعد ( 1 : 8 ) ، وتحریر الأحکام ( 1 : 24 ).

______________________________________________________

فیغسله ویعید الصلاة » (1).

وبهذه الروایة احتج المصنف فی المعتبر علی ما ذهب الیه من عدم وجوب الإزالة إلا مع التفاحش ، ثم قال : والروایة صحیحة سلیمة من المعارض (2). وهو حسن لکن لا دلالة فی الروایة علی ما اعتبره من القید.

وأجاب عنها العلامة فی المختلف (3) : بأن « مجتمعا » کما یحتمل أن یکون خبرا لیکون ، یحتمل أن یکون حالا مقدرة واسمها ضمیر یعود علی نقط الدم ومقدار خبرها ، والمعنی : إلا أن یکون نقط الدم مقدار الدرهم إذا قدر اجتماعها.

وفیه نظر ، فإن تقدیر الاجتماع هنا مما لا یدل علیه اللفظ ، ولو کانت الحال هنا مقدرة لکان الحدیث مختصا بما قدر فیه الاجتماع لا بما حقق وهو خلاف الظاهر. ولو جعل « مجتمعا » حالا محققة أفادت اشتراط الاجتماع أیضا ، إذ یصیر المعنی حینئذ : إلا أن یکون الدم مقدار الدرهم حال کونه مجتمعا. وکیف کان فدلالة الروایة علی المطلوب واضحة.

احتج القائلون بوجوب الإزالة : بأن الحکم بالوجوب معلق علی قدر الدرهم وهو أعم من أن یکون مجتمعا أو متفرقا ، وبأن الأصل وجوب الإزالة لقوله تعالی ( وَثِیابَکَ فَطَهِّرْ ) (4) خرج من ذلک ما نقص عن الدرهم مجتمعا أو متفرقا فیبقی الباقی مندرجا فی الإطلاق.

وبأنّ النجاسة البالغة قدرا معینا لا یتفاوت الحال باجتماعها وتفرقها فی المحل.

ص: 319


1- التهذیب ( 1 : 255 - 740 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 611 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (1).
2- المعتبر ( 1 : 431 ).
3- المختلف : (60).
4- المدثر : (4).

وتجوز الصلاة فیما لا تتم الصلاة فیه منفردا وإن کان فیه نجاسة لم یعف عنها فی غیره.

______________________________________________________

والجواب عن الأول معلوم مما قررناه. وعن الثانی : بأنّ الخطاب للنبی صلی الله علیه و آله ، وتناوله للأمة یتوقف علی الدلالة ، ولا دلالة. وعن الثالث : بأنه مصادرة علی المطلوب ، إذ المدعی ثبوت الفرق بین حالتی الاجتماع والتفرّق.

تنبیه : قال فی المعتبر : لیس للتفاحش تقدیر شرعی ، وقد اختلف قول الفقهاء فیه ، فبعض قدّره بالشبر ، وبعض بما یفحش فی القلب ، وقدّره أبو حنیفة بربع الثوب. والوجه أنّ المرجع فیه الی العادة ، لأنها کالأمارة الدالة علی المراد باللفظ إذا لم یکن له تقدیر (1). هذا کلامه - رحمه الله تعالی. وهو جید لو کان لفظ التفاحش واردا فی النصوص.

قوله : وتجوز الصلاة فیما لا تتم الصلاة فیه منفردا وإن کان فیه نجاسة لم یعف عنها فی غیره.

المراد به ما لا یمکن إیقاع صلاة فیه اختیارا ، وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فیما لا تتم الصلاة فیه بین کونه من الملابس وغیرها (2) ، ولا فی الملابس بین کونها فی محالها أو لا ، وإلی هذا التعمیم أشار فی المعتبر (3) ، ونقل عن القطب الراوندی - رحمه الله تعالی - (4) : أنه حصر ذلک فی خمسة أشیاء : القلنسوة ، والتکة ، والخف ، والنعل ،

حکم ما لا تتم الصلاة فیه النجس

ص: 320


1- المعتبر ( 1 : 431 ).
2- الجواهر ( 6 : 131 ). وکذا لا فرق فیما لا تتم فیه الصلاة بین کونه من جنس الساتر ، کالقلنسوة ونحوها وعدمه کالحلی من الخاتم ، والخلخال ، والسوار ، والدملج ، والمنطقة ، والسیف ، والسکین ، ونحوها بعد صدق اسم الملبوس.
3- المعتبر ( 1 : 434 ).
4- المختلف : (61).

______________________________________________________

والجورب. وعن ابن إدریس - رحمه الله - : أنه خص الحکم بالملابس (1) ، واختاره العلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه (2) ، واعتبر کونها فی محالها. والمعتمد ما أطلقه المصنف - رحمه الله تعالی.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل ، وهو براءة الذمة من التکلیف بإزالة النجاسة عن هذه الأشیاء إلی أن یثبت ما یخرج عنه ، وغایة ما یستفاد من النص (3) والإجماع اشتراط طهارة الثوب والبدن ، أما المنع من حمل النجاسة فی الصلاة إذا لم تتصل بشی ء من ذلک فلا دلیل علیه کما اعترف به المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (4).

ویؤیده ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن زرارة عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « کل ما کان لا تجوز فیه الصلاة وحده فلا بأس أن یکون علیه الشی ء ، مثل القلنسوة ، والتکة ، والجورب » (5).

وعن عبد الله بن سنان ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « کلما کان علی الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فیه وحده فلا بأس أن یصلی فیه وإن کان فیه قذر ، مثل القلنسوة ، والتکة ، والکمرة ، والنعل ، والخفین ، وما أشبه ذلک » (6).

وعن حماد بن عثمان ، عمن رواه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی فی الخف الذی قد أصابه قذر فقال : « إذا کان مما لا تتم الصلاة فیه فلا بأس » (7).

ص: 321


1- السرائر : (37).
2- کالمنتهی ( 1 : 174 ) ، والمختلف : (61) ، والقواعد ( 1 : 8 ) ، والتحریر ( 1 : 24 ).
3- الوسائل ( 2 : 1025 ) أبواب النجاسات ب (19).
4- المعتبر ( 1 : 434 ).
5- التهذیب ( 2 : 358 - 1482 ) ، الوسائل ( 2 : 1045 ) أبواب النجاسات ب (31) ح (1).
6- التهذیب ( 1 : 275 - 810 ) ، الوسائل ( 2 : 1046 ) أبواب النجاسات ب (31) ح (5).
7- التهذیب ( 1 : 274 - 807 ) ، الوسائل ( 2 : 1045 ) أبواب النجاسات ب (31) ح (2).

______________________________________________________

وعن إبراهیم بن أبی البلاد ، عمن حدثهم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة فی الشی ء الذی لا تجوز الصلاة فیه وحده یصیبه القذر ، مثل القلنسوة ، والتکة ، والجورب » (1).

وهذه الأخبار وإن کانت ما بین ضعیف ومرسل إلا أنّ ما تضمنته من العفو عن نجاسة هذه الأشیاء مطابق لمقتضی الأصل وفتوی الأصحاب ، فلا بأس بالعمل بمضمونها.

وهنا مباحث :

الأول : قال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ومن أصاب قلنسوته ، أو عمامته ، أو تکته ، أو جوربه ، أو خفه : منی ، أو بول ، أو دم ، أو غائط ، فلا بأس بالصلاة فیه ، وذلک أنّ الصلاة لا تتم فی شی ء من هذا وحده (2).

ویشکل بأنّ العمامة قد تتم الصلاة فیها وحدها إذا کانت کبیرة بحیث یمکن ستر العورة بها ، فلا یتم إطلاق جعلها من أفراد ما لا تتم الصلاة فیه. ولعل المراد : أنّ الصلاة لا تتم فیها وحدها مع بقائها علی تلک الکیفیة المخصوصة ، أو تحمل علی العمامة الصغیرة التی لا یمکن ستر العورة بها ، کالعصابة ، کما ذکره القطب الراوندی - رحمه الله تعالی - (3). وهذا أولی وإن کان الإطلاق محتملا لما أشرنا إلیه سابقا (4) من انتفاء ما یدل علی اعتبار طهارة ما عدا الثوب والجسد ، والعمامة لا یصدق علیها اسم الثوب عرفا مع کونها علی تلک الکیفیة المخصوصة.

ص: 322


1- التهذیب ( 2 : 358 - 1481 ) ، الوسائل ( 2 : 1046 ) أبواب النجاسات ب (31) ح (4).
2- الفقیه ( 1 : 42 ).
3- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 435 ).
4- فی ص (321).

______________________________________________________

الثانی : لو حمل المصلی قارورة فیها نجاسة مشدودة الرأس لم تبطل صلاته علی الأظهر ، وهو اختیار الشیخ فی الخلاف (1) ، والمصنف فی المعتبر (2). وقطع فی المبسوط بالبطلان (3) ، واختاره ابن إدریس (4) ، والعلامة فی جملة من کتبه (5) ، مع اعترافه فی المنتهی : بأنه لم یقم علی ذلک دلیل عنده (6).

واحتج علیه فی المختلف بالاحتیاط ، وبأنه حامل لنجاسة فتبطل صلاته کما لو کانت النجاسة علی ثوبه أو بدنه (7).

وضعف الوجهین ظاهر ، فإن الاحتیاط لیس بدلیل شرعی حتی یعارض أصالة البراءة. والثانی مصادرة علی المطلوب ونحن نطالبه بالدلالة علی أنّ حمل النجاسة مبطل للصلاة إذا لم تتصل بالثوب أو البدن.

وعلی ما ذکرناه فلا حاجة إلی شدّ رأس القارورة ، بل یکفی الأمن من التعدی کما نبه علیه فی الذکری ، قال : ومن اعتبر القید من العامة لم یقل بالعفو عما لا تتم الصلاة فیه وحده ، بل مأخذه القیاس علی حمل الحیوان (8).

الثالث : إذا جبر عظمه بعظم نجس وجب قلعه ما لم یخف التلف أو المشقة ، ذکر ذلک جماعة من الأصحاب ، واحتمل الشهید - رحمه الله - فی الذکری عدم الوجوب إذا اکتسی اللحم ، لالتحاقه بالباطن (9) ، وهو متجه. وجزم الشیخ فی المبسوط ببطلان

حکم استصحاب النجاسة فی الصلاة
حکم من جبر عظمه بعظم نجس

ص: 323


1- الخلاف ( 1 : 189 ).
2- المعتبر ( 1 : 443 ).
3- المبسوط ( 1 : 94 ).
4- السرائر : (38).
5- کالمختلف : (63) ، والقواعد ( 1 : 9 ).
6- المنتهی ( 1 : 184 ).
7- المختلف : (63).
8- الذکری : (17).
9- الذکری : (17).

______________________________________________________

الصلاة لو أخل بالقلع مع الإمکان ، لأنه حامل لنجاسة غیر معفو عنها (1). وهو مشکل لخروجها عن حد الظاهر ، ولأنها نجاسة متصلة کاتصال دمه فیکون معفوا عنها.

ولو جبره بعظم میت طاهر العین فی حال الحیاة غیر الآدمی جاز ، لأن الموت لا ینجس به عظم ولا شعر علی ما بیناه.

ولو جبره بعظم آدمی أمکن القول بالجواز لطهارته ، ولما رواه الحسین بن زرارة عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن الرجل یسقط سنه فیأخذ سن میت مکانه قال : « لا بأس » (2). ولو قلنا بوجوب دفنه تعین القول بالمنع لذلک.

الرابع : قال فی التذکرة : لو أدخل دما نجسا تحت جلده وجب علیه إخراج ذلک الدم مع عدم الضرر ، وإعادة کل صلاة صلاها مع ذلک الدم (3). ویشکل بخروجه عن حد الظاهر ، وبصیرورته کجزء من دمه. وأولی بالعفو ما لو احتقن دمه بنفسه (4) تحت الجلد ، وجزم الشهید فی البیان بوجوب إخراجه (5) ، وهو بعید جدا.

الخامس : قال فی المنتهی : لو شرب خمرا أو أکل میتة ففی وجوب قیئه نظر ، أقربه الوجوب ، لأن شربه محرم فاستدامته کذلک (6). وهو أحوط وإن کان فی تعینه نظر. ولو أخل بذلک لم تبطل صلاته ، وربما قیل بالبطلان ، کما فی حمل القارورة المشتملة علی النجاسة ، وهو ضعیف.

حکم من أدخل دما تحت جلده

ص: 324


1- المبسوط ( 1 : 92 ).
2- مکارم الأخلاق : (95) ، الوسائل ( 3 : 302 ) أبواب لباس المصلی ب (31) ح (4) ، وفیهما : عن زرارة مع تفاوت یسیر.
3- التذکرة ( 1 : 98 ).
4- کذا فی النسخ ، والأنسب : نفسه.
5- البیان : (41).
6- المنتهی ( 1 : 185 ).

وتعصر الثیاب من النجاسات کلّها

______________________________________________________

السادس : قال فی التذکرة : لو کان الخاتم أو أحد الأشیاء المعفو عنها نجسا وصلی فی المسجد لم تصح صلاته ، للنهی عن الکون فی المسجد بنجاسة. قال : وکذا لو کانت النجاسة معفوا عنها فی الثوب کالدم الیسیر (1). وهو جید لو ثبت ما ادعاه من النهی عن الکون فی المسجد بنجاسة ، لتوجه النهی علی هذا التقدیر إلی جزء العبادة. لکنه غیر ثابت ، فإنا لم نقف لهم فی هذا الحکم علی مستند سوی ما رواه عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « جنبوا مساجدکم النجاسة » (2) وهو مع عدم وضوح سنده لا یقتضی النهی عن نفس الکون ، إلا أن یقول بوجوب الإزالة علی الفور ، واقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن ضده الخاص ، وقد تقدم الکلام فیه.

قوله : وتعصر الثیاب من النجاسات کلّها.

المراد بالعصر : الاجتهاد فی إخراج الماء المغسول به من المحل بلیّة ، أو کبسه ، أو تغمیزه. وقد قطع المصنف وأکثر الأصحاب بتوقف طهارة الثیاب ونحوها مما یرسب فیه الماء علیه. واحتج علیه فی المعتبر : بأن النجاسة ترسخ فی الثوب فلا تزول إلا بالعصر ، وبأنّ الغسل إنما یتحقق فی الثوب ونحوه بالعصر وبدونه یکون صبا لا غسلا (3).

واستدل علیه فی المنتهی أیضا (4) بأن الماء ینجس بملاقاة الثوب فتجب إزالته بقدر الإمکان ، وبروایة أبی العباس الصحیحة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أصاب ثوبک من الکلب رطوبة فاغسله ، وإن مسه جافا فاصبب علیه الماء » (5)

وجوب عصر الثیاب من النجاسات

ص: 325


1- التذکرة ( 1 : 96 ).
2- الوسائل ( 3 : 504 ) أبواب أحکام المساجد ب (24) ح (2).
3- المعتبر ( 1 : 435 ).
4- المنتهی ( 1 : 175 ).
5- التهذیب ( 1 : 261 - 759 ) ، الوسائل ( 2 : 1015 ) أبواب النجاسات ب (12) ح (1).

______________________________________________________

وروایة الحسین بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن الثوب یصیبه البول ، قال : « اغسله مرتین » وسألته عن الصبی یبول علی الثوب ، قال : « تصب علیه الماء قلیلا ثم تعصره » (1).

هذا نهایة ما استدلوا به علی هذا الحکم ، وفی الجمیع نظر :

أما الأول : فلأنه إنما یقتضی وجوب العصر إذا توقف علیه إخراج عین النجاسة ، ولا ریب فیه ، لکن المدعی أعم من ذلک ، فلا یصلح مستندا لإیجاب العصر علی وجه العموم.

وأما الثانی فلأنا لا نسلّم دخول العصر فی مفهوم الغسل لغة أو عرفا ، بل الظاهر تحققه بالصب المشتمل علی الاستیلاء والجریان والانفصال سواء عصر أم لا.

وأما الثالث : فلأنا نمنع نجاسة الماء مع وروده علی النجاسة ، لانتفاء الدلیل علیه کما بیناه فیما سبق. سلمنا النجاسة لکن اللازم من ذلک الاکتفاء بما تحصل به الإزالة وإن کان بمجرد الجفاف ، فلا یتعین العصر. وما قیل من أنا نظن انفصال أجزاء النجاسة مع الماء بالعصر بخلاف الجفاف المجرد (2) ، فدعوی مجردة عن الدلیل ، علی أنه یمکن أن یقال بطهارة المختلف من الماء علی المحل المغسول مع العصر وبدونه ، لعموم الأدلة الدالة علی طهارته بالغسل المتحقق بصب الماء علی المحل مع استیلائه علیه وانفصاله عنه ، وقد اعترف الأصحاب بطهارة المتخلف فی المحل المغسول بعد العصر وإن أمکن إخراجه بعصر ثان أقوی من الأول ، والحکم واحد عند التأمل.

وأما الروایتان فلا دلالة لهما علی المدعی بوجه ، أما الأولی : فلأنها إنما تدل علی

ص: 326


1- الکافی ( 3 : 55 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 249 - 714 ) ، الإستبصار ( 1 : 174 - 603 ) ، الوسائل ( 2 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1) ح (4).
2- کما فی الذکری : (14).

______________________________________________________

مغایرة الغسل للصب ولا کلام فیه ، خصوصا مع تصریحهم بأن المراد بالصب الرشّ. وإثبات المغایرة بینهما لا تتوقف علی اعتبار العصر فی الغسل کما بیناه.

وأما الثانیة : فلأنها إنما تضمنت الأمر بالعصر فی بول الصبی ، والظاهر أنّ المراد به الرضیع کما یدل علیه الاکتفاء فی طهارته بصب الماء القلیل علیه ، مع اعتبار المرتین فی غیره ، وهی متروکة عند الأصحاب ، ویمکن حملها علی الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بالعصر : ما یتوقف علیه إخراج عین النجاسة من الثوب ، فإنّ ذلک واجب قطعا. وکیف کان فلا یتم الاستدلال بها علی المطلوب.

ولو قیل بعدم اعتبار العصر إلا إذا توقف علیه زوال عین النجاسة کان قویا ، ومال إلیه شیخنا المحقق سلمه الله تعالی (1).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : اعتبر المصنف - رحمه الله - فی المعتبر العصر مرتین فیما یجب غسله کذلک (2). واکتفی الشهید فی اللمعة بعصر بین الغسلتین (3).

وقال الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : والثوب إذا أصابه البول غسل فی ماء جار مرة ، وإن غسل فی ماء راکد فمرتین ثم یعصر (4). ومقتضی ذلک الاکتفاء بعصر واحد بعد الغسلتین.

ویمکن بناء الأقوال الثلاثة علی الوجه المقتضی لاعتبار العصر ، فإن قلنا أنه دخوله فی مسمّی الغسل وعدم تحققه بدونه - کما ذکره المصنف رحمه الله فی المعتبر - وجب تعدده بتعدد الغسل قطعا. وإن قلنا أنه زوال أجزاء النجاسة الراسخة فی الثوب به اتجه اعتباره

ص: 327


1- مجمع الفائدة ( 1 : 333 ).
2- المعتبر ( 1 : 435 ).
3- اللمعة الدمشقیة : (17).
4- الفقیه ( 1 : 40 ).

______________________________________________________

فی الغسل الأول خاصة إذا حصلت به الإزالة. وإن قلنا أنه نجاسة الماء بملاقاة الثوب - کما ذکره فی المنتهی - اتجه الاکتفاء بعصر بعد الغسلتین لحصول الغرض منه وانتفاء الفائدة فی فعله قبل الغسلة الثانیة ، لبقاء النجاسة مع العصر وبدونه.

ولا ریب أنّ ما ذهب إلیه المصنف - رحمه الله - من التعدد أحوط ، وإن کان الاکتفاء بالعصر الواحد بعد الغسلتین أقوی.

الثانی : إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی اعتبار العصر بین أن یقع الغسل فی القلیل والکثیر ، وربما کان الوجه فیه : ما ادعاه المصنف - رحمه الله تعالی - من عدم تحقق الغسل بدونه ، وهو ضعیف جدا.

وجزم العلامة - رحمه الله - فی التذکرة والنهایة (1) ومن تأخر عنه (2) : باختصاص الحکم بالقلیل وسقوطه فی الکثیر ، ووجهه معلوم مما قررناه.

الثالث : أوجب العلامة - رحمه الله تعالی - فی النهایة فی طهارة الجسد ونحوه من الأجسام الصلبة دلکه (3) ، لما فیه من الاستظهار فی إزالة النجاسة ، ولقوله علیه السلام فی روایة عمار وقد سأله عن القدح الذی یشرب فیه الخمر : « لا یجزیه حتی یدلکه بیده ویغسله ثلاث مرات » (4) وهو - مع ضعف سنده ، واحتمال أن یکون الغرض من الدلک الاستظهار فی إزالة ما عسی أن یکون مستکنا فی القدح من أجزاء الخمر لئلا یتصل بما یحصل فیه من المأکول والمشروب - معارض بما رواه عمار أیضا عن الصادق علیه

وجوب دلک الصلب فی تطهیره

ص: 328


1- التذکرة ( 1 : 9 ) ، ونهایة الأحکام ( 1 : 279 ).
2- کالشهید الأول فی البیان : (40).
3- نهایة الأحکام ( 1 : 277 ).
4- الکافی ( 6 : 427 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 283 - 830 ) ، الوسائل ( 2 : 1074 ) أبواب النجاسات ب (51) ح (1).

______________________________________________________

السلام من الاکتفاء فی غسل الإناء من الخمر بالمرة الخالیة من الدلک (1).

والمعتمد الاستحباب ، ولو لم تزل عین النجاسة إلا بالدلک وجب القطع باعتباره.

الرابع : لو کان النجس بساطا أو فراشا یعسر عصره غسل ما ظهر فی وجهه ، قاله فی المنتهی (2) ، ورواه إبراهیم بن أبی محمود فی الصحیح قال ، قلت للرضا علیه السلام : الطنفسة والفراش یصیبهما البول کیف یصنع به فهو ثخین کثیر الحشو؟ قال : « یغسل ما ظهر منه فی وجهه » (3).

ولو سرت النجاسة فی أجزائه وجب غسل الجمیع ، واکتفی بالدق والتغمیز ، قاله الأصحاب. واحتج علیه فی المنتهی (4) بما رواه الکلینی عن إبراهیم بن عبد الحمید ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الثوب یصیبه البول فینفذ من الجانب الآخر وعلی الفرو وما فیه من الحشو ، قال : « اغسل ما أصاب منه ، ومسّ الجانب فإن أصبت مس شی ء فاغسله وإلا فانضحه بالماء » (5) ولا دلالة فی الروایة علی ما ذکره.

الخامس : اعتبر السید المرتضی - علی ما نقل عنه - فی إزالة النجاسة بالقلیل : ورود الماء علی النجاسة ، فلو عکس نجس الماء ولم یفد المحل طهارة (6). وبه قطع العلامة - رحمه الله تعالی - فی جملة من کتبه (7). والفرق إنما یتجه لو قلنا بنجاسة القلیل

حکم ما یعسر عصره

ص: 329


1- لم نعثر علیها ، ولکن وردت روایة عن عمار أطلق فیها الغسل من دون ذکر العدد والدلک کما فی الوسائل ( 17 : 294 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (30) ح (1).
2- المنتهی ( 1 : 176 ).
3- الکافی ( 3 : 55 - 2 ) ، الفقیه ( 1 : 41 - 159 ) ، التهذیب ( 1 : 251 - 724 ) ، الوسائل ( 2 : 1004 ) أبواب النجاسات ب (5) ح (1).
4- المنتهی ( 1 : 176 ).
5- الکافی ( 3 : 55 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 1004 ) أبواب النجاسات ب (5) ح (2).
6- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
7- کالمنتهی ( 1 : 176 ) ، والقواعد ( 1 : 9 ) ، والتذکرة ( 1 : 9 ).

______________________________________________________

بورود النجاسة علیه دون العکس ، کما ذهب الیه المرتضی - رضی الله عنه - فی المسائل الناصریة ، ولا فلا فرق بین الأمرین ، لصدق الغسل مع ورود الماء علی النجاسة وعکسه.

واستوجه الشهید فی الذکری عدم اعتبار ذلک ، قال : لأن امتزاج الماء بالنجاسة حاصل علی کل تقدیر ، والورود لا یخرجه عن کونه ملاقیا للنجاسة (1). ومقتضی کلامه : أنّ الماء ینجس بورود النجاسة علیه مع طهارة المحل المغسول ، وهو مشکل ، إلا أنّ الوقوف مع ظاهر الأخبار (2) یقتضیه ، إذ غایة ما یستفاد منها : نجاسة الماء بورود النجاسة علیه ، المتحقق من ذلک المنع من استعماله بعد ذلک خاصة ، کما یظهر لمن تتبع الأحادیث الدالة علی انفعال القلیل بالملاقاة وأمعن النظر فی تأملها ، وذلک لا ینافی طهارة المحل المغسول فیه ، إذ لا دلیل علی امتناعه ، مع أنّ ذلک بعینه آت عند القائلین بنجاسة الغسالة ولو مع ورود الماء علی النجاسة ، کما لا یخفی علی المتأمل.

وبالجملة فلا وجه لاعتبار الورود إلا نجاسة الماء بورود المنجس علیه ، واستبعاد حصول الطهارة لذلک المنجس مع نجاسة الماء به ، فإن ثبتت المنافاة بین الأمرین تعیّن اشتراط الورود بناء علی ما ذهب إلیه المرتضی - رضی الله عنه - من عدم نجاسة الماء علی هذا التقدیر ، وإلا اتجه عدم الفرق بین الورود وعدمه تمسکا بالإطلاق.

ویشهد له قوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم - وقد سأله عن الثوب یصیبه البول - : « اغسله فی المرکن مرتین » (3) فإن المرکن هو الإجانة التی یغسل فیها الثیاب ، والغسل فیها لا یکاد یتحقق معه الورود. والمسألة محل تردد ، ولا ریب أنّ

ص: 330


1- الذکری : (15).
2- الوسائل ( 1 : 112 ) أبواب الماء المطلق ب (8).
3- التهذیب ( 1 : 250 - 717 ) ، الوسائل ( 2 : 1002 ) أبواب النجاسات ب (2) ح (1).

______________________________________________________

اعتبار الورود أولی وأحوط.

ومن هنا یظهر وجه الاکتفاء فی تطهیر الإناء بصب الماء فیه ثم تحریکه حتی یستوعب ما نجس منه ثم تفریغه. وتشهد له أیضا روایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن الکوز أو الإناء یکون قذرا ، کیف یغسل وکم مرة یغسل؟ قال : « ثلاث مرات ، یصب فیه الماء فیحرک فیه ، ثم یفرغ منه ذلک الماء ، ثم یصب فیه ماء آخر فیحرک فیه ، ثم یفرغ منه ذلک الماء ، ثم یصب فیه ماء آخر فیحرک فیه ، ثم یفرغ منه وقد طهر » (1).

السادس : ذکر جمع من الأصحاب أنّ ما لا تنفصل الغسالة منه بالعصر ، کالصابون ، والورق ، والفواکه ، والخبز ، والحبوب ، وما جری هذا المجری ، لا یطهر بالغسل فی القلیل ، بل یتوقف طهارته علی غسله فی الکثیر.

وهو مشکل ، أما أولا : فللحرج والضرر اللازم من ذلک.

وأما ثانیا : فلأن ما یتخلف فی هذه المذکورات من الماء ربما کان أقل من المتخلف فی الحشایا بعد الدق والتغمیز ، وقد حکموا بطهارتها بذلک.

وأما ثالثا : فلعدم ثبوت تأثیر مثل ذلک فی المنع مع إطلاق الأمر بالغسل ، المتحقق بالقلیل والکثیر.

السابع : حکم العلامة - رحمه الله - فی التذکرة بطهارة المائع دهنا کان أو غیره إذا طرح فی کر أو جار بحیث یسری الماء إلی جمیع أجزائه قبل إخراجه منه (2).

وقال فی المنتهی : الدهن المنجس لا یطهر بالغسل ، نعم لو صبه فی کر ماء وما مازجت

حکم الصابون وأمثاله إذا تنجس

ص: 331


1- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الوسائل ( 2 : 1076 ) أبواب النجاسات ب (53) ح (1).
2- التذکرة ( 1 : 9 ).

إلا من بول الرضیع ، فإنه یکفی صب الماء علیه.

______________________________________________________

أجزاء الماء أجزاءه واستظهر علی ذلک بالبصر بحیث یعلم وصول الماء إلی جمیع أجزائه طهر (1).

قلت : لا ریب فی الطهارة مع العلم بوصول الماء إلی کل جزء من أجزاء المائع ، إلا أنّ ذلک لا یکاد یتحقق فی الدهن ، لشدة اتصال أجزائه ، بل ولا فی غیره من المائعات إلا مع خروجه عن تلک الحقیقة وصیرورته ماءا مطلقا.

قوله : إلا من بول الرضیع ، فإنه یکفی صبّ الماء علیه.

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا. قال فی المعتبر : وبه قال الشافعی وأحمد ، وقال أبو حنیفة : یغسل کغیره (2). وربما ظهر من ذلک عدم تحقق الخلاف فیه بین الأصحاب. ونقل علیه فی الخلاف إجماع الفرقة (3).

والمستند فیه : الأصل السالم عما یصلح للمعارضة ، لانتفاء العموم فی البول الذی یجب غسل الثوب منه ، وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن بول الصبی ، قال : « یصب علیه الماء ، فإن کان قد أکل فاغسله غسلا ، والغلام والجاریة شرع سواء » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه الحسین بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن الصبی یبول علی الثوب قال : « یصب علیه الماء قلیلا ثم یعصره » (5) لأنا

لا یجب عصر الثوب من بول الرضیع

ص: 332


1- المنتهی ( 1 : 180 ).
2- المعتبر ( 1 : 450 ).
3- الخلاف ( 1 : 181 ).
4- التهذیب ( 1 : 249 - 715 ) ، الإستبصار ( 1 : 173 - 602 ) ، الوسائل ( 2 : 1003 ) أبواب النجاسات ب (3) ح (2).
5- الکافی ( 3 : 55 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 249 - 714 ) ، الإستبصار ( 1 : 174 - 603 ) ، الوسائل ( 2 : 1002 ) أبواب النجاسات ب (3) ح (1).

______________________________________________________

نجیب عنه أولا بعدم وضوح السند ، فإن الراوی وهو الحسین بن أبی العلاء لم ینص الأصحاب علی توثیقه (1). وثانیا بالحمل علی الاستحباب ، أو علی أنّ المراد بالعصر ما یتوقف علیه إخراج عین النجاسة من الثوب ، فإنّ ذلک واجب عند من قال بنجاسة هذا البول.

ویعتبر فی الصب الاستیعاب لما أصابه البول لا الانفصال ، علی ما قطع به الأصحاب ، ودل علیه إطلاق النص ، إلا أن یتوقف علیه زوال عین النجاسة ، مع احتمال الاکتفاء به مطلقا ، لإطلاق النص.

وحکی العلامة فی التذکرة قولا بالاکتفاء فیه بالرشّ ، قال : فیجب فیه التعمیم ولا یکفی إصابة الرش بعض موارد النجاسة (2). وبه قطع فی النهایة (3) ، إلا أنه اعتبر فی حقیقة الرش الاستیعاب وجعله أخص من النضح ، وفرق بینه وبین الغسل باعتبار السیلان والتقاطر فی الغسل دون الرش. وهو بعید ، لنص أهل اللغة علی أنّ النضح والرش بمعنی واحد (4) ، وصدقهما لغة وعرفا بدون الاستیعاب.

والمشهور بین الأصحاب : اختصاص الحکم بالصبی ، ووجوب الغسل من بول الصبیة کالبالغ. ونقل عن علی بن بابویه أنه ساوی بین بول الصبی والصبیة فی ذلک ، وهو الظاهر من حسنة الحلبی المتقدمة ، حیث قال فیها : « والغلام والجاریة شرع سواء » (5).

ص: 333


1- کالنجاشی فی رجاله : (39) ، والطوسی فی رجاله : ( 169 - 59 ).
2- التذکرة ( 1 : 9 ).
3- نهایة الأحکام ( 1 : 289 ).
4- القاموس المحیط ( 1 : 262 ) ، الصحاح ( 1 : 411 ) ، النهایة لابن الأثیر ( 2 : 225 ). نضح البیت ینضحه : رشّه.
5- فی ص (332).

وإذا علم موضع النجاسة غسل ، وإن جهل غسل کل موضع یحصل فیه الاشتباه.

______________________________________________________

وأجاب عنها فی المعتبر بحمل التسویة علی التسویة فی التنجیس ، لا فی حکم الإزالة (1) ، وهو بعید جدا.

والحکم وقع فی الروایة معلقا علی بول المولود الذی لم یأکل لا علی الرضیع (2) ، والظاهر أنّ المراد به : من لم یأکل الطعام أکلا مستندا إلی شهوته وإرادته ، کما ذکره فی المنتهی (3). وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : والمعتبر أن یطعم ما یکون غذاءا ، ولا عبرة بما یلعق دواء أو من الغذاء فی الندرة ، ولا تصغ إلی من یعلق الحکم بالحولین فإنه مجازف ، بل لو استقل بالغذاء قبل الحولین تعلق ببوله وجوب الغسل (4).

قوله : ولو علم موضع الملاقاة غسل ، ولو جهل غسل کل موضع یحصل فیه الاشتباه.

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، قاله فی المعتبر ، واستدل علیه بأن النجاسة موجودة علی الیقین ولا یحصل الیقین بزوالها إلا بغسل جمیع ما وقع فیه الاشتباه (5). ویشکل بأن تعیّن النجاسة یرتفع بغسل جزء مما وقع فیه الاشتباه یساوی قدر النجاسة وإن لم یحصل القطع بغسل ذلک المحل بعینه.

ویدل علی وجوب غسل الجمیع صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد - وهو ابن مسلم - عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال فی المنی الذی یصیب الثوب : « فإن عرفت مکانه فاغسله ، وإن خفی علیک فاغسله کله » (6).

وجوب غسل الثوب مع اشتباه محل النجاسة

ص: 334


1- المعتبر ( 1 : 437 ).
2- المتقدمة فی ص (332).
3- المنتهی ( 1 : 176 ).
4- المعتبر ( 1 : 436 ).
5- المعتبر ( 1 : 438 ).
6- التهذیب ( 1 : 267 - 784 ) ، الوسائل ( 2 : 1006 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (1).

______________________________________________________

وعن ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال سألته عن المنی یصیب الثوب ، قال : « إن عرفت مکانه فاغسله ، وإن خفی علیک مکانه فاغسل الثوب کله » (1).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام - فی حدیث طویل - قال ، قلت : فإنی قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أین هو فأغسله؟ قال : « تغسل ثوبک من الناحیة التی تری أنه قد أصابها حتی تکون علی یقین من طهارتک » (2).

وفی الحسن عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن أبوال الدواب والبغال والحمیر ، فقال : « اغسله ، فإن لم تعلم مکانه فاغسل الثوب کله » (3).

وعن سماعة ، قال : سألته عن المنی یصیب الثوب ، قال : « اغسل الثوب کله إذا خفی علیک مکانه ، قلیلا کان أو کثیرا » (4).

ولا یخفی أنّ الحکم بوجوب غسل الجمیع - لتوقف الواجب علیه أو للنصّ - لا یقتضی الحکم بنجاسة کل جزء من أجزائه ، فلو لاقی بعض المحل المشتبه جسم طاهر برطوبة فالأظهر بقاؤه علی الطهارة ، استصحابا لحکمه قبل الملاقاة إلی أن یحصل الیقین

ص: 335


1- الکافی ( 3 : 53 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 251 - 725 ) ، الوسائل ( 2 : 1007 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (7).
2- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الاستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، علل الشرائع : ( 361 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 1006 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (2) ، وفیها : تغسل من ثوبک.
3- الکافی ( 3 : 57 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 264 - 771 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 620 ) ، الوسائل ( 2 : 1006 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (6).
4- الکافی ( 3 : 54 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 727 ) ، الوسائل ( 2 : 1007 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (8).

ویغسل الثوب والبدن من البول مرّتین.

______________________________________________________

بملاقاته للنجاسة. وفی خبر زرارة المتقدم : « لیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبدا ».

قوله : ویغسل الثوب والبدن من البول مرّتین.

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (1). والأصل فیه : الأخبار المستفیضة ، کصحیحة ابن أبی یعفور ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البول یصیب الثوب ، قال : « اغسله مرتین » (2).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الثوب یصیبه البول ، قال : « اغسله فی المرکن مرتین ، فإن غسلته فی ماء جار فمرة واحدة » (3).

وروایة الحسین بن أبی العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البول یصیب الجسد ، قال : « صبّ علیه الماء مرتین فإنما هو ماء » وسألته عن الثوب یصیبه البول ، قال : « اغسله مرتین » (4).

واستقرب العلامة فی المنتهی الاکتفاء فیه بما تحصل به الإزالة ولو بالمرة (5). وبه جزم الشهید - رحمه الله - ( فی البیان ) (6) فإنه اکتفی بالإنقاء فی جمیع النجاسات (7). وهو مشکل ، لأن فیه اطراحا للأخبار الصحیحة من غیر معارض. نعم لو قیل باختصاص

عدد الغسلات

ص: 336


1- المعتبر ( 1 : 435 ).
2- التهذیب ( 1 : 251 - 722 ) ، الوسائل ( 2 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1) ح (2).
3- التهذیب ( 1 : 250 - 717 ) ، الوسائل ( 2 : 1002 ) أبواب النجاسات ب (2) ح (1).
4- الکافی ( 3 : 55 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 249 - 714 ) ، الوسائل ( 2 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1) ح (4).
5- المنتهی ( 1 : 175 ).
6- لیست فی « م » و « س ».
7- البیان : (40).

______________________________________________________

المرتین بالثوب والاکتفاء فی غیره بالمرة المزیلة للعین کان وجها قویا (1) ، للأصل ، وحصول الغرض من الإزالة ، وإطلاق الأمر بالغسل المتناول للمرة ، وضعف الأخبار المتضمنة للمرتین فی غیر الثوب (2).

ولم یتعرض المصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب الغیر البول من النجاسات ، وقد اختلف فیه کلام الأصحاب فنقل عن الشیخ فی المبسوط أنه قال : لا یراعی العدد فی شی ء من النجاسات إلا فی الولوغ (3). ومقتضی کلامه الاکتفاء بالمرة المزیلة للعین حتی فی البول أیضا ، وبه قطع الشهید - رحمه الله - فی البیان ، ومال إلیه فی الذکری لإطلاق الأمر بالغسل المتناول للمرة (4). واعتبر فی المعتبر المرة بعد إزالة العین أخذا بالإطلاق (5). وأوجب العلامة فی التحریر المرتین فیما له قوام وثخن کالمنی دون غیره (6). وقال فی المنتهی : النجاسات التی لها قوام وثخن - کالمنی - أولی بالتعدد فی الغسلات ، قال : ویؤیده قول أبی عبد الله علیه السلام عن البول : « فإنما هو ماء » (7) فإنه یدل بمفهومه علی أنّ غیر الماء أکثر عددا. وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه ذکر المنی فشدده وجعله أشد من البول (8) (9).

ویتوجه علی الأول منع أولویة التعدد بعد إزالة العین ، بل غایة ما یستفاد من ذلک

ص: 337


1- فی « م » : قریبا.
2- الوسائل ( 2 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1).
3- المبسوط ( 1 : 37 ).
4- الذکری : (15).
5- المعتبر ( 1 : 435 ).
6- تحریر الأحکام ( 1 : 24 ).
7- المتقدم فی ص (336).
8- التهذیب ( 1 : 252 - 730 ) ، الوسائل ( 2 : 1023 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (2).
9- المنتهی ( 1 : 175 ).

______________________________________________________

توقف الإزالة فی هذه النجاسات علی أمر زائد علی ما یعتبر فی البول ، وهو مسلم ، وأقله الحت والفرک المزیل لعین النجاسة ، أما اعتبار التعدد فلا یدل علیه ، خصوصا إن اعتبر بعد إزالة العین. وقریب من ذلک الکلام فی الروایة الأولی.

أما الروایة الثانیة فلا دلالة لها علی المطلوب بوجه ، إذ الظاهر منها أنّ التشدید فی المنی إنما هو فی وجوب إزالته ، وبطلان الصلاة مع الإخلال بذلک ، ردا لما ذهب الیه بعض العامة من القول بطهارته (1) ، ولیس فی الروایة تعرض لحال الغسل.

وذهب الشهید - رحمه الله - فی اللمعة والرسالة (2) ، والمحقق الشیخ علی - رحمه الله - (3) إلی وجوب المرتین فی الجمیع.

والمعتمد الاجتزاء بالمرة المزیلة للعین مطلقا ، لما بیناه فیما سبق من انتفاء ما یدل علی نجاسة شی ء من الأعیان بهذا العنوان ، وإنما استفید نجاستها من أحد أمرین : إما أمر الشارع بغسل ما أصابته ، والامتثال یتحقق بالمرة ، أو بإجماع الأصحاب علی النجاسة ، وهو منتف بعد الغسلة الواحدة فیزول المقتضی للتنجیس ، ولا یعارض باستصحاب حکم النجاسة لضعف التمسک به کما بیناه مرارا ، ولأنه بتقدیر تسلیمه إنما یتمشی فی الحکم المطلق لا المقیّد کما لا یخفی.

وهنا مباحث :

الأول : إطلاق العبارة یقتضی اعتبار المرتین فی غسل الثوب والبدن من البول سواء کان بالقلیل أم الکثیر ، الراکد أم الجاری. وصرح المصنف - رحمه الله - فی المعتبر فی مسألة الولوغ باعتبار التعدد فی الکثیر مطلقا ، إلا أنه اکتفی فی تحقق المرتین فی الجاری

کفایة المرة المزیلة مطلقا

ص: 338


1- کالشافعی فی کتاب الأم ( 1 : 17 ).
2- اللمعة الدمشقیة : (17) ، والرسالة الألفیة : (38).
3- جامع المقاصد ( 1 : 17 ).

______________________________________________________

بتعاقب الجریتین علیه (1).

وقال العلامة فی المنتهی فی أحکام الأوانی : إنّ الجسم المنجس إذا وقع فی الکثیر من الراکد احتسب بوضعه فی الماء ومرور الماء علی أجزائه غسلة ، وإن خضخضه وحرّکه بحیث یمر علیه أجزاء غیر الأجزاء التی کانت ملاقیة له احتسب بذلک غسلة ثانیة ، کما لو مرت علیه جریات من الجاری (2). ومقتضی ذلک اعتبار التعدد فی الجاری والراکد.

واعتبر الشیخ نجیب الدین فی الجامع التعدد فی الراکد دون الجاری (3).

وجزم العلامة فی التذکرة والنهایة (4) ، والشهیدان (5) ، والمحقق الشیخ علی (6) - رحمه الله - بسقوط التعدد فیهما معا. وهو المعتمد ، للأصل ، وإطلاق الأمر بالغسل ، وقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم الواردة فی الثوب إذا أصابه البول : « اغسله فی المرکن مرتین ، فإن غسلته فی ماء جاز فمرة واحدة » (7) ولا معارض لذلک إلا التمسک بإطلاق الروایات المتضمنة للمرتین فی غسل الثوب من البول (8) ، والظاهر منها کون الغسل فی القلیل.

الثانی : ظاهر عبارات الأصحاب اعتبار الفصل بین الغسلتین لتحقق التعدد ، ونقل عن ابن الجنید التصریح بذلک. واکتفی الشهید فی الذکری باتصال الماء بقدر الغسلتین (9) ، وهو مشکل. نعم لو کان الاتصال بقدر زمان الغسلتین والقطع أمکن

ص: 339


1- المعتبر ( 1 : 460 ).
2- المنتهی ( 1 : 191 ).
3- الجامع للشرائع : (22).
4- التذکرة ( 1 : 9 ) ، ونهایة الأحکام ( 1 : 279 ).
5- الشهید الأول فی اللمعة : (17) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (167).
6- جامع المقاصد ( 1 : 17 ).
7- المتقدمة فی ص (330).
8- الوسائل ( 2 : 1001 ) أبواب النجاسات ب (1).
9- الذکری : (15).

______________________________________________________

الاکتفاء به فیما لا یعتبر تعدد العصر فیه ، لأن اتصال الماء فی زمان القطع لا یکون أضعف حکما من عدمه.

الثالث : النجاسة إن کانت عینیة اعتبر فی طهارة المحل منها زوال عین النجاسة قطعا ، ویدل علیه قول الرضا علیه السلام فی صحیحة الحسن الوشاء : « ینقی الدم » (1) وفی حسنة ابن المغیرة وقد سأله هل للاستنجاء حد؟ قال : « لا حتی ینقی ما ثمّة » (2).

وقطع المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بعدم وجوب إزالة اللون والرائحة ، لأنهما عرضان لا یحملان النجاسة ، قال : وعلیه إجماع العلماء (3). وجزم العلامة فی المنتهی والنهایة بوجوب إزالة اللون مع الإمکان (4) ، واعتبر فی النهایة إزالة الطعم أیضا لسهولة إزالته.

والأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله - من الاکتفاء بزوال العین ، لأصالة عدم وجوب إزالة ما عداه ، ولا یعارض باستصحاب حکم النجاسة ، لما بیناه غیر مرة.

ویؤیده روایة علی بن أبی حمزة عن العبد الصالح علیه السلام ، قال : سألته أم ولد لأبیه فقالت : أصاب ثوبی دم الحیض وغسلته فلم یذهب أثره ، فقال : « اصبغیه بمشق (5) » (6) ومثله روی عیسی بن أبی منصور ، عن أبی عبد الله علیه السلام (7). ولو

ص: 340


1- التهذیب ( 1 : 348 - 1024 ) ، الوسائل ( 1 : 189 ) أبواب نواقض الوضوء ب (7) ح (11).
2- الکافی ( 3 : 17 - 9 ) ، التهذیب ( 1 : 28 - 75 ) ، الوسائل ( 2 : 1033 ) أبواب النجاسات ب (25) ح (2).
3- المعتبر ( 1 : 436 ).
4- المنتهی ( 1 : 171 ) ، ونهایة الأحکام ( 1 : 279 ).
5- المشق بالکسر : المغرة : وهو طین أحمر ( مجمع البحرین 5 : 236 ).
6- الکافی ( 3 : 59 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 272 - 800 ) ، الوسائل ( 2 : 1033 ) أبواب النجاسات ب (25) ح (1).
7- التهذیب ( 1 : 272 - 801 ) ، الوسائل ( 2 : 1033 ) أبواب النجاسات ب (25) ح (3).

وإذا لاقی الکلب أو الخنزیر أو الکافر ثوب الإنسان رطبا غسل موضع الملاقاة واجبا ، وإن کان یابسا رشّه بالماء استحبابا.

______________________________________________________

کان اللون نجسا لما اجتزأ بالصبغ.

قوله : وإذا لاقی الکلب والخنزیر والکافر ثوب الإنسان رطبا غسل موضع الملاقاة واجبا ، وإن کان یابسا رشّه بالماء استحبابا.

أما وجوب غسل الثوب إذا لاقاه أحد الثلاثة برطوبة فقد تقدم الکلام فیه ، وفرّق الصدوق فی من لا یحضره الفقیه بین کلب الصید وغیره ، فقال : ومن أصاب ثوبه کلب جافّ ولم یکن کلب صید فعلیه أن یرشش بالماء ، وإن کان رطبا فعلیه أن یغسله ، وإن کان کلب صید وکان جافا فلیس علیه شی ء ، وإن کان رطبا فعلیه أن یرششه بالماء (1). ولم نقف له فی هذا التفصیل علی مستند ، ویدفعه إطلاق الأمر بغسل الثوب من ملاقاة الکلب مع الرطوبة ، والرش مع الیبوسة من غیر تفصیل.

وأما استحباب الرشّ مع الیبوسة فقال فی المعتبر : إنه مذهب علمائنا أجمع (2) ، ویدل علیه صحیحة أبی العباس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أصاب ثوبک من الکلب رطوبة فاغسله ، وإن مسه جافا فاصبب علیه الماء » (3).

وصحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام : فی الخنزیر یمس الثوب ، قال : « وإن لم یکن دخل فی صلاته فلینضح ما أصاب من ثوبه إلا أن یکون فیه أثر فیغسله » (4) ولم أقف فی استحباب الرش من ملاقاة الکافر مع الیبوسة علی نصّ.

استحباب رش الثوب بملاقاة الکلب والخنزیر یابسا

ص: 341


1- الفقیه ( 1 : 43 ).
2- المعتبر ( 1 : 440 ).
3- التهذیب ( 1 : 261 - 759 ) ، الوسائل ( 2 : 1034 ) أبواب النجاسات ب (26) ح (2).
4- التهذیب ( 1 : 261 - 760 ) ، الوسائل ( 2 : 1017 ) أبواب النجاسات ب (13) ح (1).

______________________________________________________

ونقل عن ابن حمزة أنه أوجب الرش فی هذه المواضع أخذا بظاهر الأمر (1). وهو ظاهر اختیار المفید فی المقنعة (2) ، والصدوق فی کتابه (3). وهو محتمل إلا أنّ الاستحباب أقرب.

وقد ورد الأمر بالنضح فی مواضع أخر ، منها : الفأرة إذا مشت علی الثوب برطوبة ولم یر أثرها ، رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت فی الماء تمشی علی الثیاب أیصلی فیها؟ قال : « اغسل ما رأیت من أثرها ، وما لم تره فانضحه بالماء » (4).

ومنها : البول إذا شک فی إصابته الثوب والجسد ، رواه عبد الرحمن بن الحجاج فی الصحیح ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن رجل یبول باللیل فیحسب أن البول أصابه فلا یستیقن ، فهل یجزیه أن یصب علی ذکره إذا بال ولا ینشف؟ قال : « یغسل ما استبان أنه أصابه وینضح ما یشک فیه من جسده أو ثیابه وینشف قبل أن یتوضأ » (5).

وکذا الکلام فی المنی لقول الصادق علیه السلام فی حسنة الحلبی : « فإن ظن أنه أصابه منی ولم یستیقن ولم یر مکانه فلینضحه بالماء » (6).

وجزم العلامة فی المنتهی باستحباب النضح مع الشک فی النجاسة مطلقا (7).

بعض ما یستحب نضح الثوب منه

ص: 342


1- الوسیلة : (77).
2- المقنعة : (10).
3- الفقیه ( 1 : 43 ).
4- التهذیب ( 1 : 261 - 761 ) ، الوسائل ( 2 : 1049 ) أبواب النجاسات ب (33) ح (2).
5- التهذیب ( 1 : 421 - 1234 ) ، الوسائل ( 2 : 1053 ) أبواب النجاسات ب (37) ح (2).
6- الکافی ( 3 : 54 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 728 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (4).
7- المنتهی ( 1 : 180 ).

وفی البدن یغسل رطبا ، وقیل : یمسح یابسا ، ولم یثبت.

______________________________________________________

والتعمیم یتوقف علی الدلیل.

ومنها : بول البغال والحمیر والدواب إذا شک فی إصابتها الثوب ، رواه محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن أبوال الدواب ، والبغال ، والحمیر ، فقال : « اغسله ، فإن لم تعلم مکانه فاغسل الثوب کله ، فإن شککت فانضحه » (1).

ومنها : المذی إذا أصاب الثوب ، رواه محمد - وهو ابن مسلم - فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن المذی یصیب الثوب ، قال : « ینضحه بالماء إن شاء » (2).

ومنها : بول البعیر والشاة ، رواه عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل تصیبه أبوال البهائم ، أیغسله أم لا؟ قال : « یغسل بول الفرس والبغل والحمار ، وینضح بول البعیر والشاة ، وکل شی ء یؤکل لحمه فلا بأس ببوله » (3).

قوله : وفی البدن یغسل رطبا ، وقیل : یمسح یابسا ، ولم یثبت.

القول للشیخ - رحمه الله - فی المبسوط ، ومقتضی کلامه عدم اختصاص الحکم بهذه النجاسات ، فإنه قال : کل نجاسة أصابت الثوب أو البدن وکانت یابسة لا یجب غسلها وإنما یستحب مسح الید بالتراب أو نضح الثوب (4). ورده المصنف - رحمه الله تعالی - بعدم ثبوت مأخذه ، وهو کذلک ، فإنا لم نقف له علی مستند.

استحباب مسح البدن بملاقاة النجاسة یابسا

ص: 343


1- الکافی ( 3 : 57 - 2 ) ، التهذیب ( 1 : 264 - 771 ) ، الإستبصار ( 1 : 178 - 620 ) ، الوسائل ( 2 : 1006 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (6).
2- التهذیب ( 1 : 267 - 784 ) ، الوسائل ( 2 : 1023 ) أبواب النجاسات ب (17) ح (1).
3- التهذیب ( 1 : 422 - 1337 ) ، الوسائل ( 2 : 1011 ) أبواب النجاسات ب (9) ح (9).
4- المبسوط ( 1 : 38 ).

وإذا أخلّ المصلّی بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد فی الوقت وخارجه. فإن لم یعلم ثم علم بعد الصلاة لم تجب علیه الإعادة مطلقا وقیل : یعید فی الوقت ، والأول أظهر.

______________________________________________________

قوله : وإذا أخلّ المصلّی بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد فی الوقت وخارجه ، فإن لم یعلم ثم علم بعد الصلاة لم تجب علیه الإعادة وقیل : یعید فی الوقت ، والأول أظهر.

إذا أخلّ المصلی بإزالة النجاسة التی تجب إزالتها فی الصلاة عن ثوبه أو بدنه ، فإما أن یکون عالما بالنجاسة ذاکرا لها حالة الصلاة ، أو ناسیا ، أو جاهلا ، فهنا مسائل ثلاث :

الاولی : أن یسبق علمه بالنجاسة ویصلی ذاکرا لها ، وتجب علیه الإعادة فی الوقت والقضاء فی خارجه ، قال فی المعتبر : وهو إجماع من جعل طهارة البدن والثوب شرطا (1).

وإطلاق کلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی العالم بالنجاسة بین أن یکون عالما بالحکم الشرعی أو جاهلا ، بل صرح العلامة وغیره (2) : بأنّ جاهل الحکم عامد ، لأن العلم لیس شرطا للتکلیف. وهو مشکل لقبح تکلیف الغافل.

والحق أنهم إن أرادوا بکون الجاهل کالعامد : أنه مثله فی وجوب الإعادة فی الوقت مع الإخلال بالعبادة فهو حق ، لعدم حصول الامتثال ، المقتضی لبقاء المکلف تحت العهدة.

وإن أرادوا أنه کالعامد فی وجوب القضاء فهو علی إطلاقه مشکل ، لأن القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلیل ، فإن ثبت مطلقا أو فی بعض الصور ثبت الوجوب وإلا فلا.

حکم من أخل بإزالة النجاسة وصلی

ص: 344


1- المعتبر ( 1 : 441 ).
2- کالشهید الأول فی الدروس : (18).

______________________________________________________

وإن أرادوا أنه کالعامد فی استحقاق العقاب فمشکل ، لأن تکلیف الجاهل بما هو جاهل به تکلیف بما لا یطاق. نعم هو مکلف بالبحث والنظر إذا علم وجوبهما بالعقل أو الشرع ، فیأثم بترکهما لا بترک ذلک المجهول کما هو واضح.

الثانیة : أن یکون ناسیا للنجاسة ویصلی ثم یذکر ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمه. فذهب الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف ، والمفید فی المقنعة ، والمرتضی فی المصباح ، وابن إدریس : إلی أنه کالذاکر یجب علیه الإعادة فی الوقت ، والقضاء فی خارجه (1). ونقل عن ابن إدریس أنه ادعی الإجماع علی ذلک واعترف بأنه لو لا الإجماع لما صار إلیه (2).

وحکی العلامة فی التذکرة عن الشیخ فی بعض أقواله عدم وجوب الإعادة مطلقا (3). وقال الشیخ فی الاستبصار یعید فی الوقت لا فی خارجه (4).

ومنشأ الخلاف فی هذه المسألة اختلاف الروایات ظاهرا ، فروی الشیخ - رحمه الله تعالی - عن محمد بن علی بن محبوب وسعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن ابن محبوب ، عن العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصیب ثوبه الشی ء ینجسه فینسی أن یغسله فیصلی فیه ثم یذکر أنه لم یکن غسله ، أیعید الصلاة؟ قال : « لا یعید ، قد مضت الصلاة وکتبت له » (5) وهذه الروایة مع صحة

ص: 345


1- النهایة : (52) ، والمبسوط ( 1 : 38 ) ، والخلاف ( 1 : 187 ) ، والمقنعة : (24) ، ونقل عن المصباح فی المعتبر ( 1 : 441 ) ، والسرائر : (37).
2- السرائر : (58).
3- التذکرة ( 1 : 97 ).
4- الاستبصار ( 1 : 184 ).
5- التهذیب ( 1 : 423 - 1345 ) ، الإستبصار ( 1 : 183 - 642 ) ، الوسائل ( 2 : 1063 ) أبواب النجاسات ب (42) ح (3).

______________________________________________________

سندها کالصریحة فی عدم الإعادة فی الوقت وخارجه کما یدل علیه التعلیل المستفاد من قوله علیه السلام : « قد مضت الصلاة وکتبت له ».

ویظهر من المصنف - رحمه الله - فی المعتبر المیل إلی العمل بمضمونها ، فإنه قال : وعندی أنّ هذه الروایة حسنة ، والأصول تطابقها ، لأنه صلی صلاة مشروعة مأمورا بها فیسقط الفرض بها ، ویؤید ذلک قوله علیه السلام : « غفر لأمتی الخطأ والنسیان » (1). هذا کلامه - رحمه الله تعالی.

والظاهر أنّ مراده بالحسن هنا خلاف المعنی المصطلح علیه بین المحدثین ، فإن سند هذه الروایة فی أعلی مراتب الصحة ، فما ذکره بعض الأصحاب من أن هذه الروایة حسنة وأنها لا تقاوم الأخبار الصحیحة (2) وهم نشأ من عبارة المعتبر.

وبإزاء هذه الروایة أخبار کثیرة دالة علی ثبوت الإعادة کصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أصاب ثوبی دم رعاف أو غیره أو شی ء من منی فعلمت أثره إلی أن أصیب له الماء ، فأصبت وقد حضرت الصلاة ونسیت أنّ بثوبی شیئا وصلیت ، ثم إنی ذکرت بعد ذلک قال : « تعید الصلاة وتغسله » (3).

وصحیحة عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فالرجل یکون فی ثوبه نقط الدم لا یعلم به ، ثم یعلم فینسی أن یغسله ، فیصلی ثم یذکر بعد ما صلّی ، أیعید صلاته؟ قال : « یغسله ولا یعید صلاته إلا أن یکون مقدار الدرهم مجتمعا

ص: 346


1- المعتبر ( 1 : 441 ).
2- کالشهید الثانی فی روض الجنان : (168).
3- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الإستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، الوسائل ( 2 : 1063 ) أبواب النجاسات ب (42) ح (2).

______________________________________________________

فیغسله ویعید الصلاة » (1) ومثله روی محمد بن مسلم - فی الحسن - (2) ، وسماعة (3) ، وأبو بصیر (4) ، عن الصادق علیه السلام ، وبهذه الروایات تمسک الثلاثة وأتباعهم فی وجوب الإعادة والقضاء.

وجمع الشیخ فی الاستبصار (5) بین الأخبار بحمل الروایات المتضمنة للإعادة علی أنّ المراد بنفی الإعادة فی الوقت ، وحمل الروایة الأولی علی کون الذکر خارج الوقت ، وأنّ المراد بنفی الإعادة نفی القضاء ، واستدل علی هذا التأویل بما رواه عن علی بن مهزیار ، قال : کتب إلیه سلیمان بن رشید یخبره أنه بال فی ظلمة اللیل ، وأنه أصاب کفه برد نقطة من البول لم یشک أنه أصابه ولم یره ، وأنه مسحه بخرقة ثم نسی أن یغسله ، وتمسح بدهن فمسح به کفیه ووجهه ورأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلی ، فأجابه بجواب قرأته بخطه : « أما ما توهمت مما أصاب یدک فلیس بشی ء إلا ما تحقق ، فإن تحققت ذلک کنت حقیقا أن تعید الصلوات التی کنت صلیتهن بذلک الوضوء بعینه ما کان منهن فی وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة علیک لها ، من قبل أنّ الرجل إذا کان ثوبه نجسا لم یعد الصلاة إلا ما کان فی وقت ، وإذا کان جنبا أو صلی علی غیر وضوء فعلیه إعادة

ص: 347


1- التهذیب ( 1 : 255 - 740 ) ، الإستبصار ( 1 : 176 - 611 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (1).
2- الکافی ( 3 : 59 - 3 ) ، التهذیب ( 1 : 254 - 736 ) ، الإستبصار ( 1 : 175 - 609 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (6).
3- التهذیب ( 1 : 254 - 738 ) ، الإستبصار ( 1 : 182 - 638 ) ، الوسائل ( 2 : 1064 ) أبواب النجاسات ب (42) ح (5).
4- التهذیب ( 1 : 254 - 737 ) ، الإستبصار ( 1 : 182 - 637 ) ، الوسائل ( 2 : 1060 ) أبواب النجاسات ب (40) ح (7).
5- الاستبصار ( 1 : 184 ).

______________________________________________________

الصلوات المکتوبات اللواتی فاتته ، لأن الثوب خلاف الجسد » (1) وهی مع تطرق الضعف إلیها من حیث السند بجهالة الکاتب ، مجملة المتن أیضا ، بل ربما أفادت بظاهرها عدم اعتبار طهارة محالّ الوضوء ، وهو مشکل ، إلا أن یحمل قوله : « فإن تحققت ذلک » علی أنّ المراد : فإن تحققت وصول البول إلی بدنک (2) علی وجه لا یکون فی أعضاء الوضوء وقوله : « لأن الثوب خلاف الجسد » یمکن أن یکون المراد به أنّ نجاسة الثوب العینیة خلاف نجاسة البدن الحکمیة.

والأظهر عدم وجوب الإعادة لصحة مستنده ، ومطابقته لمقتضی الأصل والعمومات ، وحمل ما تضمن الأمر بالإعادة علی الاستحباب.

الثالثة : أن یکون جاهلا بالنجاسة ولم یعلم حتی فرغ من صلاته ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمه أیضا ، فقال الشیخ - رحمه الله تعالی - فی موضع من النهایة (3) ، والمفید (4) ، والمرتضی (5) ، وابن إدریس (6) : إنه لا إعادة علیه مطلقا. وقال فی المبسوط : یعید فی الوقت لا فی خارجه (7) ، واختاره فی باب المیاه من النهایة أیضا (8) ، وظاهرهم الاتفاق علی عدم وجوب القضاء لو لم یعلم حتی خرج الوقت ، ونقل علیه ابن فهد - رحمه الله - فی المهذب الإجماع صریحا (9) ، وربما ظهر من عبارة المنتهی تحقق الخلاف

ص: 348


1- التهذیب ( 1 : 426 - 1355 ) ، الإستبصار ( 1 : 184 - 643 ) ، الوسائل ( 2 : 1063 ) أبواب النجاسات ب (42) ح (1).
2- فی « م » و « ق » : یدیک.
3- النهایة : (52).
4- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 442 ).
5- نقله عنهما فی المعتبر ( 1 : 442 ).
6- السرائر : (37).
7- المبسوط ( 1 : 38 ).
8- النهایة : (8).
9- المهذب البارع ( 1 : 247 ).

______________________________________________________

فیه أیضا (1). والمعتمد عدم وجوب الإعادة مطلقا.

لنا : إنه صلی صلاة مأمورا بها شرعا فکانت مسقطة للفرض ، لأن الأمر یقتضی الإجزاء ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصلی وفی ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو کلب ، أیعید صلاته؟ قال : « إن کان لم یعلم فلا یعید » (2).

وعن إسماعیل الجعفی ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الدم الزائد علی قدر الدرهم ، قال : « وإن لم یکن رآه حتی صلی فلا یعید الصلاة » (3).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : ذکر المنی فشدده وجعله أشد من البول ، ثم قال : « إن رأیت المنی قبل أو بعد ما تدخل فی الصلاة فعلیک إعادة الصلاة وإن أنت نظرت فی ثوبک فلم تصبه ثم صلیت فیه ثم رأیته بعد فلا إعادة علیک وکذلک البول » (4).

قال الشهید - رحمه الله - فی الذکری بعد نقل هذه الروایة : ولو قیل : لا إعادة علی من اجتهد قبل الصلاة ویعید غیره أمکن ، لهذا الخبر ، ولقول الصادق علیه السلام فی المنی تغسله الجاریة ثم یوجد : « أعد صلاتک ، أما إنک لو کنت غسلت أنت لم یکن علیک شی ء » إن لم یکن إحداث قول ثالث (5).

ص: 349


1- المنتهی ( 1 : 183 ). حیث قال : وبه قال أکثر علمائنا.
2- التهذیب ( 2 : 359 - 1487 ) ، الإستبصار ( 1 : 180 - 630 ) ، الوسائل ( 2 : 1060 ) أبواب النجاسات ب (40) ح (5).
3- التهذیب ( 1 : 255 - 739 ) ، الإستبصار ( 1 : 175 - 610 ) ، الوسائل ( 2 : 1026 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (2).
4- الفقیه ( 1 : 161 - 758 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 730 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (2).
5- الذکری : (17).

______________________________________________________

قلت : لیس فی هاتین الروایتین دلالة علی ثبوت الإعادة علی جاهل النجاسة مع انتفاء الاجتهاد ، أما الثانیة فظاهر ، لأنها إنما دلت علی الإعادة مع الصلاة فی الثوب الذی غسلته الجاریة لعدم وقوع الغسل علی الوجه المعتبر وهو خلاف محل النزاع ، وقوله : « أما إنک لو کنت غسلت أنت لم یکن علیک شی ء » یمکن أن یکون المراد به : أنک لو غسلته لأزلت النجاسة فلم یکن علیک الإعادة.

وأما الأولی فلأنها إنما تدل علی ثبوت الإعادة مع انتفاء الشرط ، وهو النظر فی الثوب من باب دلیل الخطاب ، وهو غیر حجة إذا کان الشرط مخرجا مخرج الغالب کما قرر فی محله.

احتج الشیخ - رحمه الله تعالی - فی المبسوط علی ما نقل عنه بأنه لو علم بالنجاسة فی أثناء الصلاة وجب علیه الإعادة ، فکذا إذا علم فی الوقت بعد الفراغ (1).

والجواب بالمنع من الملازمة ، فإن ذلک یتوقف علی الدلیل ولم یثبت.

ویمکن أن یستدل له أیضا بما رواه الشیخ - رحمه الله - فی الصحیح ، عن وهب بن عبد ربه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الجنابة تصیب الثوب ولا یعلم بها صاحبه ، فیصلی فیه ثم یعلم بعد ، قال : « یعید إذا لم یکن علم » (2).

وأجاب عنها فی التهذیب بالحمل علی أنه إذا لم یعلم فی حال الصلاة وکان قد سبقه العلم بحصول النجاسة فی الثوب ، وهو بعید. والأولی حملها علی الاستحباب ، مع أنّ متنها لا یخلو من شی ء ، ولا یبعد أن یکون : « لا یعید إذا لم یکن علم » فتوهم الراوی وأسقط حرف النفی. والله أعلم (3).

ص: 350


1- لم نعثر علیه فی المبسوط ، نعم نقل احتجاج الشیخ فی المنتهی ( 1 : 184 ).
2- التهذیب ( 2 : 360 - 1491 ) ، الإستبصار ( 1 : 181 - 635 ) ، الوسائل ( 2 : 1060 ) أبواب النجاسات ب (40) ح (8).
3- الجواهر ( 6 : 212 ). بل ربما احتمل کون الشرط من الراوی أکدّ به سؤاله فیما إذا لم یکن علم.

ولو رأی النجاسة وهو فی الصلاة ، فإن أمکنه إلقاء الثوب وستر العورة بغیره وجب وأتمّ ، وإن تعذر إلا بما یبطلها استأنف.

______________________________________________________

قوله : ولو رأی النجاسة وهو فی الصلاة ، فإن أمکنه إلقاء الثوب وستر العورة بغیره وجب وأتمّ ، وإن تعذر إلا بما یبطلها استأنف.

إذا وجد المصلی علی ثوبه أو جسده نجاسة وهو فی الصلاة فإما أن یعلم سبقها علی الصلاة أو لا.

فهنا مسألتان :

إحداهما : أن یعلم السبق ، وقد صرح الشیخ فی النهایة والمبسوط (1) ، والمصنف : بأنه یجب علیه إزالة النجاسة ، أو إلقاء الثوب النجس وستر العورة بغیره مع الإمکان وإتمام الصلاة ، وإن لم یمکن إلا بفعل المبطل ، کالفعل الکثیر والاستدبار بطلت صلاته واستقبلها بعد إزالة النجاسة.

قال فی المعتبر : وعلی قول الشیخ الثانی یستأنف (2). وأشار بالقول الثانی إلی ما نقله عن المبسوط من إعادة الجاهل الذی لم یعلم بالنجاسة حتی فرغ من صلاته فی الوقت.

ویشکل بمنع الملازمة ، إذ من الجائز أن تکون الإعادة لوقوع الصلاة بأسرها مع النجاسة فلا یلزم مثله فی البعض ، وبأنّ الشیخ قطع فی المبسوط بوجوب المضی فی الصلاة مع التمکن من إلقاء الثوب وستر العورة بغیره مع حکمه فیه بإعادة الجاهل فی الوقت.

وقد اختلفت الروایات فی ذلک ، فروی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : أصاب ثوبی دم رعاف أو غیره أو شی ء من منی - والحدیث طویل قال فی آخره - قلت : إن رأیته فی ثوبی وأنا فی الصلاة ، قال : « تنقض الصلاة » (3).

حکم من رأی النجاسة وهو یصلی

ص: 351


1- النهایة : (96) ، والمبسوط ( 1 : 38 ، 90 ).
2- المعتبر ( 1 : 443 ).
3- التهذیب ( 1 : 421 - 1335 ) ، الاستبصار ( 1 : 183 - 641 ) ، علل الشرائع : ( 361 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 1006 ) أبواب النجاسات ب (7) ح (2).

______________________________________________________

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إن رأیت المنی قبل أو بعد ما تدخل فی الصلاة فعلیک إعادة الصلاة » (1).

ومقتضی هاتین الروایتین تعین القطع مطلقا سواء تمکن من إلقاء الثوب وستر العورة بغیره أم لا.

وروی محمد بن مسلم فی الحسن قال ، قلت له : الدم یکون فی الثوب علیّ وأنا فی الصلاة ، قال : « إن رأیته وعلیک ثوب غیره فاطرحه وصلّ ، وإن لم یکن علیک غیره فامض فی صلاتک ولا إعادة علیک » (2).

وروی علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصیب ثوبه خنزیر فلم یغسله ، فذکر وهو فی صلاته ، کیف یصنع به؟ قال : « إن کان دخل فی صلاته فلیمض ، وإن لم یکن دخل فی صلاته فلینضح ما أصاب من ثوبه إلا أن یکون فیه أثر فیغسله » (3).

ومقتضی هاتین الروایتین وجوب المضی فی الصلاة ، لکنه اعتبر فی الأولی طرح الثوب النجس إذا کان علیه غیره.

والجمع بین الروایات یتحقق بحمل ما تضمن الأمر بالاستیناف علی الاستحباب وإن جاز المضی فی الصلاة مع طرح الثوب النجس إذا کان علیه غیره ، وإلاّ مضی مطلقا. ولا بأس بالمصیر إلی ذلک وإن کان الاستئناف مطلقا أولی.

ص: 352


1- الفقیه ( 1 : 161 - 758 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 730 ) ، التهذیب ( 2 : 223 - 880 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (2) ، وص (1062) ب (41) ح (2).
2- الکافی ( 3 : 59 - 3 ) ، الفقیه ( 1 : 161 - 758 ) بتفاوت یسیر ، التهذیب ( 1 : 254 - 736 ) ، الإستبصار ( 1 : 175 - 609 ) ، الوسائل ( 2 : 1027 ) أبواب النجاسات ب (20) ح (6).
3- الکافی ( 3 : 61 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 261 - 760 ) ، البحار ( 10 : 256 ) ، الوسائل ( 2 : 1017 ) أبواب النجاسات ب (13) ح (1).

______________________________________________________

وثانیتهما : أن لا یعلم السبق ، والأظهر وجوب طرح النجاسة أو غسلها وإتمام الصلاة ما لم یکثر الفعل ، وإلا استأنف. وقطع فی المعتبر بوجوب الاستئناف هنا بناء علی القول بإعادة الجاهل فی الوقت (1) ، وهو أشکل من السابق.

لنا علی وجوب الاستمرار مع التمکن من الإزالة بدون الفعل الکثیر : الأصل السالم عما یصلح للمعارضة ، لاختصاص الروایتین المتضمنتین للاستئناف بما إذا کانت النجاسة متقدمة علی الصلاة.

وعلی الاستئناف مع توقف الإزالة علی الفعل الکثیر : صحیحة معاویة بن وهب البجلی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرعاف أینقض الوضوء؟ قال : « لو أنّ رجلا رعف فی صلاته وکان عنده ماء أو من یشیر إلیه بماء فیناوله فمال برأسه فغسله فلیبن علی صلاته ولا یقطعها » (2).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یأخذه الرعاف والقی ء فی الصلاة ، کیف یصنع؟ قال : « ینفتل فیغسل أنفه ویعود فی صلاته ، وإن تکلم فلیعد صلاته ولیس علیه وضوء » (3).

وصحیحة إسماعیل بن عبد الخالق ، قال : سألته عن الرجل یکون فی جماعة من القوم یصلی بهم المکتوبة فیعرض له رعاف. کیف یصنع؟ قال : « یخرج ، فإن وجد ماءا قبل أن یتکلم فلیغسل الرعاف ثم لیعد ولیبن علی صلاته » (4) ومقتضی هذین الخبرین البناء مع عدم الکلام مطلقا ، إلا أنی لا أعلم به قائلا.

ص: 353


1- المعتبر ( 1 : 443 ).
2- التهذیب ( 2 : 327 - 1344 ) ، الوسائل ( 4 : 1246 ) أبواب قواطع الصلاة ب (2) ح (11).
3- الکافی ( 3 : 365 - 9 ) ، التهذیب ( 2 : 318 - 1302 ) و ( 323 - 1323 ) ، الاستبصار ( 1 : 403 - 1536 ) الوسائل ( 4 : 1244 ) أبواب قواطع الصلاة ب (2) ح (4).
4- التهذیب ( 2 : 328 - 1345 ) ، الاستبصار ( 1 : 403 - 1537 ) ، قرب الإسناد : (60) ، الوسائل ( 4 : 1246 ) أبواب قواطع الصلاة ب (2) ح (12).

______________________________________________________

فروع : الأول : لو علم بالنجاسة السابقة فی أثناء الصلاة ، لکن مع ضیق الوقت عن الإزالة والاستئناف ، فقد قطع الشهید - رحمه الله - فی البیان بوجوب الاستمرار (1) ، ومال إلیه فی الذکری ، موجها له باستلزامه القضاء المنفی (2). ویشکل بانتفاء ما یدل علی بطلان اللازم مع إطلاق الأمر بالاستیناف المتناول لهذه الصورة.

والحق بناء هذه المسألة علی أنّ ضیق الوقت عن إزالة النجاسة هل یقتضی انتفاء شرطیتها أم لا؟ بمعنی أن المکلف إذا کان علی بدنه أو ثوبه نجاسة وهو قادر علی الإزالة لکن إذا اشتغل بها خرج الوقت فهل یسقط وجوب الإزالة ویتعین فعل الصلاة بالنجاسة؟ أو یتعین علیه الإزالة والقضاء لو خرج الوقت؟ وهی مسألة مشکلة من حیث إطلاق النصوص المتضمنة لإعادة الصلاة مع النجاسة المتناول لهذه الصورة ، ومن أنّ وجوب الصلوات الخمس فی الأوقات المعینة قطعی ، واشتراطها بإزالة النجاسة علی هذا الوجه غیر معلوم فلا یترک لأجله المعلوم. وقد سبق نظیر المسألة فی التیمم إذا ضاق الوقت عن الطهارة المائیة والأداء مع وجود الماء عنده.

الثانی : لو وقعت علیه نجاسة وهو فی الصلاة ، ثم زالت ولم یعلم ، ثم علم استمر علی حاله. قال فی المعتبر : وعلی القول الثانی - یعنی إعادة الجاهل فی الوقت - یستأنف (3). والحق عدم توجه الاستئناف علی هذا القول أیضا کما بیناه.

الثالث : لو صلی ثم رأی النجاسة وشک هل کانت علیه فی الصلاة أم لا ، فالصلاة ماضیة. قال فی المنتهی : ولا نعرف فیه خلافا بین أهل العلم ، عملا بالأصلین : الصحة وعدم النجاسة (4).

ص: 354


1- البیان : (42).
2- الذکری : (17).
3- المعتبر ( 1 : 443 ).
4- المنتهی ( 1 : 184 ).

والمربیّة للصبیّ إذا لم یکن لها ثوب إلا واحد غسلته کل یوم مرّة. وإن جعلت تلک الغسلة فی آخر النهار أمام صلاة الظهر کان حسنا.

______________________________________________________

قوله : والمربیّة للصبیّ إذا لم یکن لها إلا ثوب واحد غسلته کل یوم مرّة ، وإن جعلت تلک الغسلة فی آخر النهار أمام صلاة الظهر کان حسنا.

هذا الحکم ذکره الشیخ فی النهایة والمبسوط (1) ، ووافقه علیه المتأخرون (2) ، ومستنده روایة أبی حفص ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن امرأة لیس لها إلا قمیص ولها مولود فیبول علیها ، کیف تصنع؟ قال : « تغسل القمیص فی الیوم مرة » (3) وهی ضعیفة السند باشتراک أبی حفص بین الثقة والضعیف ، وبأنّ من جملة رجالها محمد بن یحیی المعاذی وقد ضعفه العلامة فی الخلاصة (4).

والأولی وجوب الإزالة مع الإمکان وسقوطها مع المشقة الشدیدة دفعا للحرج.

ثم إن قلنا بالعفو فینبغی القطع بعدم الفرق بین الصبی والصبیة لشمول اسم المولود لهما ، وقصر الرخصة علی نجاسة ثوب المربیة للمولود ببوله فلا یتناول المربی (5) ، ولا غیر البول من سائر نجاساته ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی مورد النص.

وذکر المصنف وغیره (6) أنّ الأولی جعل الغسل فی آخر النهار أمام صلاة الظهر لتصلی فیه أربع صلوات مع الطهارة أو قلة النجاسة ، وهو حسن.

المربیة للصبی تغسل ثوبها مرة بالیوم

ص: 355


1- النهایة : (55) ، والمبسوط ( 1 : 39 ).
2- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 176 ) ، والشهید الأول فی البیان : (41) ، والشهید الثانی فی المسالک ( 1 : 18 ).
3- الفقیه ( 1 : 41 - 161 ) وفیه : مرسلا ، التهذیب ( 1 : 250 - 719 ) ، المقنع : (5) ، الوسائل ( 2 : 1004 ) أبواب النجاسات ب (4) ح (1).
4- خلاصة العلامة : ( 254 - 32 ).
5- الجواهر ( 6 : 238 ). لا فرق فی المربیة بین أن تکون أمّا أو من غیرها من مستأجرة أو متبرعة ، وحرة وأمة.
6- منهم العلامة فی المنتهی ( 1 : 176 ) ، والشهید الأول فی البیان : (41).

وإن کان مع المصلّی ثوبان وأحدهما نجس لا یعلمه بعینه صلی الصلاة الواحدة فی کل واحد منهما منفردا علی الأظهر.

______________________________________________________

وهل یجب إیقاع الصلاة عقیب غسل الثوب والتمکن من لبسه؟ الأظهر ذلک إن اقتضت العادة نجاسته مع التأخیر.

ولو أخلّت بالغسل وجب علیها قضاء آخر الصلوات (1) ، لأنها محل التضیق وصلاتها من قبل کانت جائزة ، لجواز تأخیر الغسل.

وعندی فی جمیع هذه الأحکام توقف لضعف المستند. وإلحاق هذه النجاسة بغیرها من النجاسات فی وجوب الإزالة مع الإمکان أولی وأحوط.

قوله : وإن کان مع المصلّی ثوبان وأحدهما نجس لا یعلمه بعینه صلی الصلاة الواحدة ، فی کل واحد منهما منفردا علی الأظهر.

هذا قول الشیخ (2) وأکثر الأصحاب. ونقل فی الخلاف عن بعض علمائنا أنه یطرحهما ویصلی عریانا ، وجعله فی المبسوط روایة ، واختاره ابن إدریس (3). والمعتمد الأول.

لنا : أنه متمکن من الصلاة فی ثوب طاهر من غیر مشقة فتعین علیه ، وأنّ الصلاة فی الثوب المتیقن النجاسة سائغة ، بل ربما کانت متعینة - علی ما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی - فالمشکوک فیه أولی. ومتی امتنع الصلاة عاریا ثبت وجوب الصلاة فی أحدهما أو فی کل منهما ، إذ المفروض انتفاء غیرهما ، والأول منتف إذ لا قائل به فیثبت الثانی. ویدل علیه ما رواه صفوان بن یحیی فی الحسن ، عن أبی الحسن علیه السلام : إنه کتب

حکم الصلاة فی الثوب المشتبه بالنجس

ص: 356


1- الجواهر ( 6 : 238 ). لعل المراد باخر الصلوات فریضة العصر لأنها التی یحصل الإخلال عندها ویتضیق وقت الغسل قبلها.
2- النهایة : (55) ، والخلاف ( 1 : 179 ) ، والمبسوط ( 1 : 39 ).
3- السرائر : (37).

______________________________________________________

إلیه یسأله عن رجل کان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم یدر أیهما هو ، وحضرت الصلاة وخاف فوتها ولیس عنده ماء ، کیف یصنع؟ قال : « یصلی فیهما جمیعا » (1) قال ابن بابویه - رحمه الله - : یعنی علی الانفراد.

احتج ابن إدریس بالاحتیاط ، ثم اعترض بأنّ الاحتیاط فی التکریر مع الساتر أولی ، وأجاب بوجوب اقتران ما یؤثر فی وجوه الأفعال بها ، وکون الصلاة واجبة وجه یقع علیه الصلاة ، فلا یؤثر فیه ما یتأخر. وبأنّ الواجب علیه عند إیقاع کل فریضة أن یقطع بطهارة ثوبه ، وهو منتف عند افتتاح کل صلاة (2).

وأجیب (3) عن الأول بالمنع من وجوب اقتران ما یؤثر فی وجوه الأفعال بها لانتفاء ما یدل علیه ، ولو سلم ذلک فالوجه المقتضی لوجوب الصلاتین مقارن لکل واحدة منهما ، فإنّ ستر العورة بالساتر الطاهر لمّا کان واجبا وکان تحصیله موقوفا علی الإتیان بالصلاة فی الثوبین تعیّن ، وکان ذلک وجها مقارنا لکل من الصلاتین.

قال فی المختلف بعد حکمه بوجوب الصلاتین من باب المقدمة : وهو - یعنی ابن إدریس - لم یتفطن لذلک ، وحسب أنّ إحدی الصلاتین واجبة دون الأخری ، ثم یعلم المکلف بعد فعلهما أنه قد فعل الواجب فی الجملة ، ولیس کذلک (4).

وعن الثانی بالمنع من اشتراط القطع بطهارة الثوب ، فإنّ ذلک شرط مع القدرة لا مع الاشتباه. قال فی المنتهی : ونحن نقول : إن اشترطت القطع بعدم النجاسة فهو غیر متحقق وتکلیف بما لا یطاق ، وإن اشترطت عدم القطع بالنجاسة فهو حاصل عند

ص: 357


1- الفقیه ( 1 : 161 - 757 ) ، التهذیب ( 2 : 225 - 887 ) ، الوسائل ( 2 : 1082 ) أبواب النجاسات ب (64) ح (1).
2- السرائر : (37).
3- کما فی المعتبر ( 1 : 439 ).
4- المختلف : (62).

______________________________________________________

الصلاة فی کل واحد من الثوبین (1).

قلت : ومن هنا ینقدح احتمال الاکتفاء بصلاة واحدة فی أحد الثوبین ، لأنّ المانع - وهو النجاسة فی کل واحد بخصوصه - غیر متیقن ، إلا أنّ ظاهر النص وکلام الأصحاب ینافیه. ولا ریب أنّ الصلاة فی کل من الثوبین أولی وأحوط. أما تعیّن الصلاة عاریا فمقطوع بفساده ، وما أبعد ما بین هذا القول وبین القول بوجوب الصلاة فی الثوب المتیقن النجاسة.

فروع : الأول : قال فی المنتهی : لو کان معه ثوب متیقن الطهارة تعیّن للصلاة ولم یجز له أن یصلی فی الثوبین لا متعددة ولا منفردة. وهو حسن إلا أن وجهه لا یبلغ حد الوجوب. قال : ولو کان أحدهما طاهرا والآخر نجسا نجاسة معفوا عنها تخیر فی الصلاة فی أیهما کان ، والأولی له الصلاة فی الطاهر ، وکذا لو کانت إحدی النجاستین المعفو عنهما فی الثوب أقل من الأخری کان الأولی الصلاة فی الأقل (2). ولا ریب فی الأولویة.

الثانی : لو کان معه ثیاب نجسة وطاهرة وحصل الاشتباه صلی الفرض بعدد النجسة وزاد صلاة واحدة علی ذلک العدد لیعلم وقوع الصلاة فی ثوب طاهر. ولو کثرت الثیاب وشق ذلک احتمل التخییر للحرج.

الثالث : لو فقد أحد المشتبهین قیل صلی فی الآخر وعاریا (3). والأجود الاکتفاء بالصلاة فی الباقی ، لجواز الصلاة فی متیقن النجاسة ففی غیره أولی.

الرابع : لو ضاق الوقت عن الصلاة فی الجمیع صلی فیما یحتمله الوقت وإن کانت واحدة ، وله الخیرة فی أی الأثواب شاء ، إلا أن یظن طهارة أحدها فیتعین.

ص: 358


1- المنتهی ( 1 : 181 ).
2- المنتهی ( 1 : 182 ).
3- کما فی الذکری : (17).

وفی الثیاب الکثیرة کذلک ، إلا أن یضیق الوقت فیصلّی عریانا.

ویجب أن یلقی الثوب النجس ویصلّی عریانا إذا لم یکن هناک غیره.

______________________________________________________

الخامس : لو کان علیه صلوات متعددة مرتبة وجب مراعاة الترتیب فیها ، فلو کان علیه ظهر وعصر مثلا ، صلی الظهر فی أحد الثوبین ثم نزعه وصلی فی الآخر ، ثم یصلی العصر ولو فی الثانی ، ثم یصلیها فی الأول.

ولو صلی فی کل ثوب الظهر والعصر لم استبعد جوازه ، وبه قطع العلامة فی النهایة (1) ، لترتب الثانیة علی الأولی علی کل تقدیر.

نعم لو صلی الظهر فی أحدهما ، ثم صلی العصر فی الآخر ، ثم صلی فیه الظهر ثم العصر فی الأول صحّ له الظهر لا غیر ، ووجب علیه إعادة العصر فی الثانی ، لجواز أن یکون الطاهر ما أوقع فیه العصر أولا.

قوله : وفی الثیاب الکثیرة کذلک ، إلا أن یضیق الوقت فیصلّی عریانا.

بل الأظهر تعیّن الصلاة فی الممکن. ولو لم یسع الوقت إلا لواحد اقتصر علی الصلاة فیه ولم تسغ (2) له الصلاة عاریا ، لأن احتمال فقد الوصف أولی من فوات الموصوف ، ولما سیأتی إن شاء الله تعالی من رجحان الصلاة فی متیقن النجاسة ، فإنّ المشکوک فی نجاسته أولی.

قوله : ویجب أن یلقی الثوب النجس ، ویصلّی عریانا إذا لم یکن هناک غیره.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ (3) - رحمه الله - وأکثر الأصحاب : إنّ من لیس معه إلا ثوب نجس وتعذر تطهیره نزعه وصلی عریانا مؤمیا.

حکم من لیس له ثوب طاهر

ص: 359


1- نهایة الأحکام ( 1 : 282 ).
2- فی « م » ، « س » ، « ح » : تسع.
3- النهایة : (55) ، المبسوط ( 1 : 90 ) ، الخلاف ( 1 : 176 ).

______________________________________________________

وقال ابن الجنید : ولو کان مع الرجل ثوب فیه نجاسة لا یقدر علی غسلها کان صلاته فیه أحب إلیّ من صلاته عریانا (1). وقال المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی بالتخییر بین الأمرین من غیر ترجیح (2).

احتج الشیخ - رحمه الله تعالی - بما رواه عن سماعة ، قال : سألته عن رجل یکون فی فلاة من الأرض لیس علیه إلا ثوب واحد وأجنب فیه ، ولیس عنده ماء ، کیف یصنع؟ قال : « یتیمم ویصلی عریانا قاعدا ویومی » (3).

وعن منصور بن حازم ، قال حدثنی محمد بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة ولیس علیه إلا ثوب واحد وأصاب ثوبه منی ، قال : « یتیمم ویطرح ثوبه ویجلس مجتمعا ویصلی فیومی إیماء » (4).

وفی الروایتین قصور من حیث السند ، أما الأولی فبالقطع ، وبأن من جملة رجالها زرعة وسماعة وهما واقفیان. وأما الثانیة فلأن فی طریقها محمد بن عبد الحمید ولم یوثق صریحا.

وبإزائهما أخبار متعددة متضمنة للأمر بالصلاة فی الثوب ، کصحیحة محمد بن علی الحلبی : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون له الثوب الواحد فیه بول لا یقدر علی غسله ، قال : « یصلی فیه » (5).

ص: 360


1- نقل کلامه فی المختلف : (62).
2- المعتبر ( 1 : 445 ) ، المنتهی ( 1 : 182 ).
3- التهذیب ( 2 : 223 - 881 ) ، الإستبصار ( 1 : 168 - 582 ) ، الوسائل ( 2 : 1068 ) أبواب النجاسات ب (46) ح (1). وفی الکافی ( 3 :3. 15 ).
4- التهذیب ( 1 : 406 - 1278 ) ، الإستبصار ( 1 : 168 - 583 ) ، الوسائل ( 2 : 1068 ) أبواب النجاسات ب (46) ح (4).
5- الفقیه ( 1 : 160 - 753 ) ، الوسائل ( 2 : 1067 ) أبواب النجاسات ب (45) ح (3).

______________________________________________________

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یجنب فی ثوب لیس معه غیره ولا یقدر علی غسله ، قال : « یصلی فیه » (1).

وصحیحة علی بن جعفر : إنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن رجل عریان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو کله ، أیصلی فیه؟ أو یصلی عریانا؟ فقال : « إن وجد ماءا غسله ، وإن لم یجد ماءا صلی فیه ولم یصل عریانا » (2).

وصحیحة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أجنب فی ثوبه ولیس معه غیره ، قال : « یصلی فیه ، فإذا وجد الماء غسله » (3).

وأجاب الشیخ - رحمه الله - عن هذه الأخبار بحمل الصلاة علی صلاة الجنازة ، أو بأن المراد الصلاة فیه إذا لم یتمکن من نزعه. وحمل خبر علی بن جعفر علی أنّ المراد بالدم الحاصل علی الثوب ما یجوز الصلاة فیه کدم السمک (4). ولا یخفی ما فی ذلک من التکلف والخروج عن مقتضی الظاهر.

ویمکن الجمع بینها بالتخییر بین الأمرین وأفضلیة (5) الصلاة فی الثوب ، کما اختاره ابن الجنید ، إلا أن ذلک موقوف علی تکافؤ السند ، وهو خلاف الواقع. وکیف کان فلا ریب أنّ الصلاة فی الثوب أولی.

ص: 361


1- الفقیه ( 1 : 160 - 754 ) ، التهذیب ( 2 : 224 - 885 ) ، الوسائل ( 2 : 1067 ) أبواب النجاسات ب (45) ح ( 4 ، 6 ).
2- الفقیه ( 1 : 160 - 756 ) ، التهذیب ( 2 : 224 - 884 ) ، الاستبصار ( 1 : 169 - 585 ) ، قرب الاسناد : (89) ، الوسائل ( 2 : 1067 ) أبواب النجاسات ب (45) ح (5).
3- الفقیه ( 1 : 40 - 155 ) ، التهذیب ( 1 : 271 - 799 ) ، الإستبصار ( 1 : 187 - 655 ) ، الوسائل ( 2 : 1066 ) أبواب النجاسات ب (45) ح (1).
4- التهذیب ( 2 : 224 - 225 ).
5- فی « م » : فأفضلیة.

وإن لم یمکنه صلّی فیه وأعاد ، وقیل : لا یعید ، وهو الأشبه.

والشمس إذا جففت البول وغیره من النجاسات عن الأرض والبواری والحصر طهر موضعه. وکذا کل ما لا یمکن نقله ، کالنباتات والأبنیة.

______________________________________________________

قوله : فإن لم یمکنه صلّی فیه وأعاد ، وقیل : لا یعید ، وهو الأشبه.

القول بالإعادة للشیخ - رحمه الله - فی جملة من کتبه (1) وجمع من الأصحاب. واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن رجل لیس معه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فیه ، ولیس یجد ماءا یغسله کیف یصنع؟ قال : « یتیمم ویصلّی ، فإذا أصاب ماءا غسله وأعاد الصلاة » (2) وهی - مع ضعف سندها باشتماله علی جماعة من الفطحیة - إنما تدل علی الإعادة إذا کان المصلّی فی الثوب النجس متیمما ، وقد تقدم الکلام فی ذلک ، والأصح عدم الإعادة ، لأنه صلّی صلاة مأمورا بها ، والأمر یقتضی الإجزاء.

قوله : والشمس إذا جففت البول وغیره من النجاسات عن الأرض والبواری والحصر طهر موضعه ، وکذا کل ما لا یمکن نقله ، کالنباتات والأبنیة.

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال المفید - رحمه الله تعالی - فی المقنعة : والأرض إذا وقع علیها البول ثم طلعت علیها الشمس فجففتها طهرت بذلک ، وکذا القول فی الحصر (3). ونحوه قال الشیخ فی المبسوط (4).

وقال فی الخلاف : الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول وما أشبهه وطلعت علیه

طهارة الأرض وغیرها بالجفاف بالشمس

ص: 362


1- کالتهذیب ( 2 : 224 ) ، والاستبصار ( 1 : 169 ) ، والنهایة : (55) ، والمبسوط ( 1 : 91 ).
2- التهذیب ( 2 : 224 - 886 ) ، الإستبصار ( 1 : 169 - 587 ) ، الوسائل ( 2 : 1067 ) أبواب النجاسات ب (45) ح (8).
3- المقنعة : (10).
4- المبسوط ( 1 : 93 ).

______________________________________________________

الشمس أو هبّت (1) علیه الریح حتی زالت عین النجاسة طهرت (2). وقال فی موضع آخر منه بعد الحکم بطهارة الأرض بتجفیف الشمس لها من نجاسة البول : وکذا الکلام فی الحصر والبواری (3).

وألحق المصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (4) ، وجمع من المتأخرین (5) بالأرض والحصر کل ما لا یمکن نقله ، کالأشجار والأبنیة.

وقال القطب الراوندی - رحمه الله - : الأرض والباریة والحصیر هذه الثلاثة فحسب إذا أصابها البول فجففتها الشمس حکمها حکم الطاهر فی جواز السجود علیها ما لم تصر رطبة أو لم یکن الجبین رطبا (6). ومقتضاه أنها لا تطهر بذلک وإن جاز السجود علیها ، وحکاه فی المعتبر عن صاحب الوسیلة أیضا واستجوده (7) ، وربما کان فی کلام ابن الجنید - رحمه الله - إشعار به ، فإنه قال : الأحوط تجنّبها إلاّ أن یکون ما یلاقیها من الأعضاء یابسا (8).

احتج الشیخ - رحمه الله تعالی - فی الخلاف (9) بإجماع الفرقة ، وبما رواه عن عمار بن موسی الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سئل عن الشمس هل تطهر

ص: 363


1- فی « م » : وهبّت ، وکلاهما موجودان فی المصدر.
2- الخلاف ( 1 : 66 ).
3- الخلاف ( 1 : 185 ).
4- المنتهی ( 1 : 178 ) ، والمختلف : (61) ، والقواعد ( 1 : 8 ).
5- منهم الشهید الأول فی الذکری : (15) ، والسیوری فی التنقیح الرائع ( 1 : 155 ) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (169).
6- نقله عنه فی المختلف : (61) ، والذکری : (15).
7- المعتبر ( 1 : 446 ).
8- نقله عنه فی المعتبر ( 1 : 446 ).
9- الخلاف ( 1 : 186 ).

______________________________________________________

الأرض؟ قال : « إذا کان الموضع قذرا من البول أو غیر ذلک فأصابته الشمس ثم یبس الموضع فالصلاة علی الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ییبس الموضع القذر وکان رطبا فلا تجوز الصلاة علیه حتی ییبس ، وإن کانت رجلک رطبة أو جبهتک رطبة أو غیر ذلک منک ما یصیب ذلک الموضع القذر فلا تصل علی ذلک الموضع ، وإن کان غیر الشمس أصابه حتی یبس فإنه لا یجوز ذلک » (1).

وفی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن البواری یصیبها البول هل تصلح الصلاة علیها إذا جفت من غیر أن تغسل؟ قال : « نعم لا بأس » (2).

قال فی المعتبر (3) : ویمکن أن یستدل بما رواه أبو بکر الحضرمی ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « یا أبا بکر ما أشرقت علیه الشمس فقد طهر » (4) وبهذه الروایة استدل فی المختلف علی طهارة غیر الأرض والبواری مما لا ینقل عادة کالأبنیة والأشجار (5).

وفی کل من هذه الأدلة نظر : أما الإجماع فلما بیناه مرارا من عدم تحققه فی أمثال هذه المسائل ، وأما الروایة الأولی فلأنها ضعیفة السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة ، ومع ذلک فغیر دالة علی الطهارة ، إذ أقصی ما تدل علیه جواز الصلاة فی ذلک المحل مع الیبوسة ، ونحن نقول به لکنه لا یستلزم الطهارة ، بل ربما کان فی آخر الروایة إشعار ببقاء

ص: 364


1- التهذیب ( 1 : 272 - 802 ) ، التهذیب ( 2 : 372 - 1548 ) ، الإستبصار ( 1 : 193 - 675 ) ، الوسائل ( 2 : 1042 ) أبواب النجاسات ب (29) ح (4).
2- التهذیب ( 1 : 273 - 803 ) ، التهذیب ( 2 : 373 - 1551 ) ، الإستبصار ( 1 : 193 - 676 ) ، الوسائل ( 2 : 1042 ) أبواب النجاسات ب (29) ح (3).
3- المعتبر ( 1 : 446 ).
4- التهذیب ( 1 : 273 - 804 ) ، الإستبصار ( 1 : 193 - 677 ) ، الوسائل ( 2 : 1043 ) أبواب النجاسات ب (29) ح (5).
5- المختلف : (61).

______________________________________________________

المحل علی النجاسة ( وقریب من ذلک الکلام فی الروایة الثانیة ، مع أنه لا تصریح فیها بإسناد الجفاف إلی الشمس ) (1).

لا یقال : إطلاق الإذن فی الصلاة فی هذه المحالّ یقتضی جواز السجود علیها فتکون طاهرة ، لأن من شرط السجود طهارة المسجد.

لأنا نقول : اشتراطه محل توقف ، فإنا لم نقف له علی مستند سوی الإجماع المنقول ، وفیه ما فیه. ولو سلّم فیجوز أن یکون هذا الفرد من النجس مما یجوز السجود علیه لهذه الأدلة فلا یلزم الحکم بالطهارة ، مع أن هذا الراوی وهو علیّ بن جعفر قد روی عن أخیه علیه السلام جواز الصلاة علی المحل الجاف المتنجس بالبول وإن لم تصبه الشمس ، فما هو الجواب عن تلک الروایة فهو الجواب هنا.

وأما روایة أبی بکر فضعیفة السند جدّا ، لأن من جملة رجالها عثمان بن عبد الملک ، ولم یذکره أحد من علماء الرجال فیما أعلم ، ومع ذلک فهی متروکة الظاهر ، وتخصیصها بغیر المنقول لا دلیل علیه ، فیسقط اعتبارها رأسا. والمسألة قویة الإشکال.

ویمکن القول بطهارة الأرض خاصة من نجاسة البول ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن البول یکون علی السطح أو فی المکان الذی یصلّی فیه ، فقال : « إذا جففته الشمس فصلّ علیه فهو طاهر » (2).

وقد یناقش فی الروایة من حیث المتن بجواز حمل الطاهر علی المعنی اللغوی (3) ( کما فی الأخبار التی استدل بها علی نجاسة البئر ) (4) مع أنها معارضة بما رواه الشیخ فی

الجفاف بغیر الشمس لا یطهر

ص: 365


1- بدل ما بین القوسین فی « م » و « ق » : وکذا الکلام فی الروایة الثانیة.
2- الفقیه ( 1 : 157 - 732 ) ، الوسائل ( 2 : 1042 ) أبواب النجاسات ب (29) ح (1).
3- فی « ح » زیادة : لعدم ثبوت کون المعنی المصطلح علیه بین الأصحاب حقیقة عرفیة عندهم علیهم السلام .
4- ما بین القوسین لیس فی « ق ».

______________________________________________________

کتابی الأخبار ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع قال : سألته عن الأرض والسطح یصیبه البول أو ما أشبهه هل تطهره الشمس من غیر ماء؟ قال : « کیف تطهر من غیر ماء؟! » (1).

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب بأن المراد به إذا لم تجففه الشمس ، وهو حمل بعید یأباه تعجبه علیه السلام من طهارته بغیر الماء. وطعن فیها العلاّمة فی المنتهی (2) بالإضمار ، وقد بینا مرارا أن ذلک غیر قادح ، لتعین المسؤول کما اعترف به هو - رحمه الله تعالی - فی مواضع من کتبه (3) ، وبالجملة : فالمسألة محل توقف.

فروع : الأول : قال فی المنتهی : لو جف بغیر الشمس لم یطهر عندنا قولا واحدا ، خلافا للحنفیة (4). ویدل علیه أن المفروض نجاسة المحل بالنصّ أو الإجماع فیقف زوال النجاسة علی ما عدّه الشارع مطهرا ، ویؤیده صحیحة محمد بن إسماعیل ، وروایة عمار المتقدمتان (5) ، وغیرهما من الأخبار. ولا ینافی ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن البیت والدار لا تصیبهما الشمس ویصیبهما البول ، ویغتسل فیهما من الجنابة أیصلّی فیهما إذا جفّا؟ قال : « نعم » (6) فإنّ جواز الصلاة فی المحل لا یستلزم الطهارة کما بیناه ، وربما أمکن الاستدلال بهذه الروایة علی عدم اعتبار طهارة المسجد ، للإجماع علی عدم طهارة الأرض بالجفاف المجرد عن الشمس.

ص: 366


1- التهذیب ( 1 : 273 - 805 ) ، الإستبصار ( 1 : 193 - 678 ) ، الوسائل ( 2 : 1043 ) أبواب النجاسات ب (29) ح (7).
2- المنتهی ( 1 : 177 ).
3- کما فی المختلف : (47).
4- المنتهی ( 1 : 177 ).
5- فی ص ( 568 ، 570 ).
6- الفقیه ( 1 : 158 - 736 ) ، الوسائل ( 2 : 1043 ) أبواب النجاسات ب (30) ح (1).

وتطهّر النار ما أحالته ،

______________________________________________________

الثانی : قال الشیخ فی الخلاف : إن الأرض لو جفت بغیر الشمس لم تطهر (1). وقال فی موضع آخر : الأرض إذا أصابها نجاسة مثل البول وما أشبهه وطلعت علیها الشمس أو هبّت علیها الریح حتی زالت عین النجاسة فإنها تطهر ، ویجوز السجود علیها ، والتیمم بترابها ، وإن لم یطرح علیها الماء (2). وربما ظهر من ذلک أن الجفاف بالریح مطهر کالشمس ، وهو مشکل. وحمله العلاّمة فی المختلف علی أن المراد أنها تطهر بهبوب الریاح المزیلة للأجزاء الملامسة للنجاسة الممازجة لها ، قال : ولیس مقصود الشیخ ذهاب الرطوبة عن الأجزاء کذهابها بحرارة الشمس (3). ولا بأس به ، صونا لکلام الشیخ عن التنافی.

ولو حصل التجفیف بالشمس والریح معا کان مطهرا ، لصدق التجفیف بالشمس ، ولأن الغالب تلازم الأمرین.

الثالث : لو کانت النجاسة ذات جرم اعتبر فی طهارتها بالشمس زوال جرم النجاسة إجماعا. وقال ابن الجنید : لا یطهر الکنیف والمجزرة بالشمس (4). وهو حسن ، لمخالطة أجزاء النجاسة أتربتها ، نعم لو أزیلت تلک الأجزاء وحصل التجفیف بالشمس اتجه مساواتهما لغیرهما.

قوله : وتطهّر النار ما أحالته.

أی أخرجته عن الصورة الاولی ، من الأعیان النجسة بالذات أو بالعرض ، بأن صیرته رمادا أو دخانا ، وقد قطع الشیخ فی الخلاف (5) ، وأکثر الأصحاب بطهارة

اعتبار زوال الجرم فی الطهارة بالشمس
طهارة ما أحالته النار

ص: 367


1- الخلاف ( 1 : 185 ).
2- الخلاف ( 1 : 66 ).
3- المختلف : (61).
4- نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 178 ).
5- الخلاف ( 1 : 187 ).

______________________________________________________

الأعیان النجسة بذلک ، وتردد فیه المصنف - رحمه الله - فی کتاب الأطعمة من هذا الکتاب (1). ونقل عن الشیخ فی المبسوط أنه حکم بنجاسة دواخن الأعیان النجسة (2) ، مع أنه نقل فی الخلاف إجماع الفرقة علی طهارة الأعیان النجسة بصیرورتها رمادا.

والمعتمد الطهارة ، لأنها الأصل فی الأشیاء ، ولأن الحکم بالنجاسة معلّق علی الاسم فیزول بزواله ، ولما نقله المصنف - رحمه الله - فی المعتبر من إجماع الناس علی عدم توقی دواخن السراجین النجسة (3) ، ولو لم یکن طاهرا بالاستحالة لتورّعوا منه ، ولا معارض لذلک إلاّ التمسک باستصحاب حکم الحالة السابقة ، وهو لا یصلح للمعارضة ، لما بیناه مرارا من أن استمرار الحکم یتوقف علی الدلیل کما یتوقف علیه ابتداؤه (4).

ویمکن أن یستدل علی الطهارة أیضا بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب : أنه سأل أبا الحسن عن الجص یوقد علیه بالعذرة وعظام الموتی ، ثم یجصص به المسجد ، أیسجد علیه؟ فکتب إلیه بخطه : « إن الماء والنار قد طهّراه » (5) وجه الدلالة أنّ الجصّ یختلط بالرماد والدخان الحاصل من تلک الأعیان النجسة ، ولو لا کونه طاهرا لما ساغ تجصیص المسجد به والسجود علیه ، والماء غیر مؤثر فی التطهیر إجماعا کما نقله فی المعتبر (6) ، فتعین استناده إلی النار ، وعلی هذا فیکون إسناد التطهیر إلی النار حقیقة وإلی الماء مجازا ، أو یراد به فیهما المعنی المجازی ، وتکون الطهارة الشرعیة مستفادة مما علم

مطهریة الاستحالة
حکم العجین النجس

ص: 368


1- الشرائع ( 3 : 226 ).
2- المبسوط ( 6 : 283 ). قال : ورووا أصحابنا أنه یستصبح به تحت السماء دون السقف ، وهذا یدل علی أن دخانه نجس ، انتهی ، ولکن قال بعده : الأقوی عندی أنه لیس بنجس.
3- المعتبر ( 1 : 452 ).
4- الجواهر ( 6 : 266 ). عدم جریانه ( الاستصحاب ) فی المقام بتغیر اسم الموضوع وحقیقته المعلق علیهما حکم النجاسة.
5- التهذیب ( 2 : 235 - 928 ) ، الوسائل ( 2 : 1099 ) أبواب النجاسات ب (81) ح (1).
6- المعتبر ( 1 : 452 ).

______________________________________________________

من الجواب ضمنا من جواز تجصیص المسجد به ، ولا محذور فیه.

فروع :

الأول : قال الشیخ فی الخلاف : اللبن المضروب من طین نجس إذا طبخ آجرا أو عمل خزفا طهّرته النار (1). واستدل علیه بإجماع الفرقة ، وخبر الحسن بن محبوب المتقدم (2) ، وفیه إشکال منشؤه الشک فی تحقق الاستحالة ، وإن کان القول بالطهارة محتملا ، لعدم تیقن استمرار حکم النجاسة بعد الطبخ.

الثانی : إذا استحالت الأعیان النجسة ترابا کالعذرة الیابسة والمیتات فالأقرب الطهارة ، لأن الحکم بالنجاسة معلق علی الاسم فیزول بزواله ، ولقوله : « جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (3) وهو اختیار الشیخ فی موضع من المبسوط (4) ، والمصنف (5) - رحمه الله - ، والعلاّمة (6). وللشیخ (7) قول آخر بالنجاسة ضعیف.

الثالث : إذا عجن العجین بالماء النجس لم یطهر إذا خبز ، قاله الشیخ فی التهذیب وموضع من النهایة (8) ، وأکثر الأصحاب ، لأن العجین ینجس بالماء النجس ، والنار لم تحله بل جففته وأزالت بعض رطوبته وذلک لا یکفی فی التطهیر ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، قال : وما أحسبه إلا حفص ابن البختری قال ، قیل لأبی عبد الله علیه السلام : فی العجین یعجن من الماء النجس

ص: 369


1- الخلاف ( 1 : 187 ).
2- فی ص : (368).
3- التهذیب ( 1 : 404 - 1264 ) ، الفقیه ( 1 : 60 - 223 ) ، الوسائل ( 2 : 994 ) أبواب التیمم ب (23) ح (1).
4- المبسوط ( 1 : 32 ).
5- المعتبر ( 1 : 452 ).
6- المنتهی ( 1 : 179 ).
7- المبسوط ( 1 : 93 ).
8- التهذیب ( 1 : 414 ) ، النهایة : (590).

______________________________________________________

کیف یصنع به؟ قال : « یباع ممّن یستحل أکل المیتة » (1).

وفی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یدفن ولا یباع » (2).

ویمکن التوفیق بین الروایتین بحمل البیع المنهی عنه علی کونه من غیر المستحل.

وقال الشیخ فی موضع من النهایة : إنه یطهر بالخبز (3). وربما کان مستنده ما رواه عبد الله بن زبیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سأله عن البئر یقع فیها الفأرة أو غیرها من الدواب فیموت فیعجن من مائها أیؤکل ذلک الخبز؟ قال : « إذا أصابه النار فلا بأس بأکله » (4).

وعن محمد بن أبی عمیر ، عمن رواه ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی عجین عجن وخبز ، ثم علم أن الماء کانت فیه میتة ، قال : « لا بأس ، أکلت النار ما فیه » (5).

ویمکن الجواب عن الروایتین أولا : بالطعن فی السند ، أما الثانیة فبالإرسال وإن کان المرسل لها ابن أبی عمیر علی ما بیناه مرارا ، وأما الأولی فبأنّ من جملة رجالها : أحمد ابن الحسن المیثمی ، وقال النجاشی - رحمه الله - : إنه کان واقفیا (6). وأحمد بن محمد ابن عبد الله بن الزبیر ، وجدّه عبد الله ، وهما مجهولان.

ص: 370


1- التهذیب ( 1 : 414 - 1305 ) ، الإستبصار ( 1 : 29 - 76 ) ، الوسائل ( 1 : 174 ) أبواب الأسئار ب (11) ح (1).
2- التهذیب ( 1 : 414 - 1306 ) ، الإستبصار ( 1 : 29 - 77 ) ، الوسائل ( 1 : 174 ) أبواب الأسئار ب (11) ح (2).
3- النهایة : (8).
4- التهذیب ( 1 : 413 - 1303 ) ، الإستبصار ( 1 : 29 - 74 ) ، الوسائل ( 1 : 129 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (17).
5- الفقیه ( 1 : 11 - 19 ) ( مرسلا بتفاوت ) ، التهذیب ( 1 : 414 - 1304 ) ، الإستبصار ( 1 : 29 - 75 ) ، الوسائل ( 1 : 129 ) أبواب الماء المطلق ب (14) ح (18).
6- رجال النجاشی : ( 74 - 179 ).

______________________________________________________

وثانیا : بأنه لیس فی الروایتین ما یدل علی نجاسة العجین صریحا ، أما الاولی فلأن المسؤول عنه فیها العجین الذی عجن بماء البئر الذی ماتت فیه الفأرة ، وهو غیر معلوم النجاسة ، وأما الثانیة فلیس فیها ما یدل علی نجاسة المیتة الحاصلة فی الماء ، فجاز أن تکون طاهرة ، وأن یکون قوله علیه السلام : « أکلت النار ما فیه » کنایة عن زوال الاستقذار الحاصل من ذلک ، فتأمل.

واعلم : أنّ العلاّمة - رحمه الله - فی المنتهی توقف فی العمل بالروایة المتضمنة لبیع العجین النجس ممن یستحل المیتة ، ثم قال : ویمکن أن یحمل البیع علی غیر أهل الذمة وإن لم یکن ذلک بیعا فی الحقیقة (1). وهو غیر جید ، فإن العجین النجس عین مملوکة یمکن الانتفاع بها نفعا محللا فی علف الحیوان وغیره ، فلا مانع من جواز بیعه من المسلم مع الإعلام بحاله کالدهن النجس ، وکذا من مستحله من أهل الذمة وغیرهم ، لعدم ثبوت کون ذلک مأثما حتی یتعلق به النهی فی قوله تعالی ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (2) ولما رواه الشیخ بسندین أحدهما صحیح والآخر حسن ، عن الحلبی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إن اختلط الذکی بالمیتة باعه ممّن یستحل المیتة ، وأکل ثمنه » (3).

تنبیه : لو رقق العجین النجس ثم وضع فی الماء الکثیر بحیث علم وصول الماء إلی جمیع أجزائه طهر بذلک ، وکذا الکلام فی الحنطة والسمسم إذا انتقعا فی الماء النجس ، واکتفی العلاّمة فی المنتهی فی تطهیرهما بأن یغسلا ثلاثا فی القلیل ویترکا حتی یجفّا فی

ص: 371


1- المنتهی ( 1 : 180 ).
2- المائدة : (2).
3- التهذیب ( 9 : 48 - 199 ) وص ( 47 - 198 ) ، الوسائل ( 12 : 67 ، 68 ) أبواب ما یکتسب به ب (7) ح ( 1 ، 2 ).

والتراب باطن الخفّ وأسفل القدم والنعل.

______________________________________________________

کل مرة ، فیکون ذلک کالعصر (1). وهو ضعیف جدّا ، مع أنّ العصر یکفی فیه المرة عنده ، فلا وجه لتعدد الغسل والتجفیف.

قوله : التراب باطن الخفّ وأسفل القدم والنعل.

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وظاهرهم الاتفاق علیه ، وربما أشعر کلام المفید فی المقنعة باختصاص الحکم بالخف والنعل فإنه قال : وإذا رأی الإنسان بخفه أو نعله نجاسة ثم مسحهما بالتراب طهرا بذلک (2). وصرح ابن الجنید بالتعمیم فقال : ولو وطئ برجله أو ما هو وقاء لها نجاسة ثم وطئ بعدها علی أرض طاهرة یابسة طهر ما ماسّ الأرض من رجله والوقاء ، ولو مسحها حتی یذهب عین النجاسة وأثرها بغیر ماء أجزأه إذا کان ما مسحها به طاهرا (3).

ومقتضی کلامه الاکتفاء فی حصول التطهیر بمسحها بغیر الأرض من الأعیان الطاهرة.

وربما ظهر من کلام الشیخ فی الخلاف عدم طهارة أسفل الخف بمسحه بالأرض فإنه قال : إذا أصاب أسفل الخف نجاسة فدلکه فی الأرض حتی زالت تجوز الصلاة فیه عندنا ، ثم قال : دلیلنا أنا بینا فیما تقدم أن ما لا یتم الصلاة فیه بانفراده جازت الصلاة فیه وإن کانت فیها نجاسة ، والخف لا تتم الصلاة فیه بانفراده ، وعلیه إجماع الفرقة (4).

والأصل فی هذه المسألة قول النبی صلی الله علیه و آله : « إذا وطئ أحدکم الأذی بخفّیه فطهورهما التراب » (5) وفی روایة أخری : « إذا وطئ أحدکم بنعلیه الأذی فإن

طهارة النعل بالتراب

ص: 372


1- المنتهی ( 1 : 180 ).
2- المقنعة : (10).
3- نقله فی المنتهی ( 1 : 178 ).
4- الخلاف ( 1 : 66 ).
5- عوالی اللآلی ( 3 : 60 - 178 ) ، مستدرک الوسائل ( 2 : 576 ) أبواب النجاسات ب (25) ح (4).

______________________________________________________

التراب له طهور » (1).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة بن أعین قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل وطئ علی عذرة فساخت رجله فیها أینقض ذلک وضوءه؟ وهل یجب علیه غسلها؟ فقال : « لا یغسلها إلا أن یقذرها ، ولکنه یمسحها حتی یذهب أثرها ویصلّی » (2).

وعن حفص بن أبی عیسی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی وطئت عذرة بخفی ومسحته حتی لم أرفیه شیئا ما تقول فی الصلاة فیه؟ فقال : « لا بأس » (3).

وما رواه الکلینی - رضی الله تعالی عنه - فی الصحیح ، عن الأحول ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یطأ علی الموضع الذی لیس بنظیف ، ثم یطأ بعده مکانا نظیفا ، قال : « لا بأس إذا کان خمس عشرة ذراعا أو نحو ذلک » (4).

وفی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : نزلنا فی مکان بیننا وبین المسجد زقاق قذر ، فدخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فقال : « أین نزلتم؟ » فقلنا : نزلنا فی دار فلان ، فقال : « إن بینه وبین المسجد زقاقا قذرا » أو قلنا له : إن بیننا وبین المسجد زقاقا قذرا ، قال : « لا بأس ، الأرض تطهر بعضها بعضا » فقلت : السرقین الرطب أطأ علیه؟ قال : « لا یضرک مثله » (5).

قوله علیه السلام : « الأرض تطهر بعضها بعضا » یمکن أن یکون معناه : أنّ الأرض یطهر بعضها وهو المماس لأسفل النعل والقدم ، إذ الطاهر منها بعض الأشیاء

ص: 373


1- سنن أبی داود ( 1 : 105 - 385 ) ، مستدرک الحاکم ( 1 : 166 ).
2- التهذیب ( 1 : 275 - 809 ) ، الوسائل ( 2 : 1048 ) أبواب النجاسات ب (32) ح (7).
3- التهذیب ( 1 : 274 - 808 ) ، الوسائل ( 2 : 1047 ) أبواب النجاسات ب (32) ح (6).
4- الکافی ( 3 : 38 - 1 ) ، الوسائل ( 2 : 1046 ) أبواب النجاسات ب (32) ح (1).
5- الکافی ( 3 : 38 - 3 ) ، الوسائل ( 2 : 1047 ) أبواب النجاسات ب (32) ح (4).

______________________________________________________

وهو النعل والقدم (1) ویحتمل أن یکون المراد أن أسفل القدم والنعل إذا تنجس بملاقاة بعض الأرض النجسة یطهره البعض الآخر الطاهر إذا مشی علیه ، فالمطهّر فی الحقیقة ما ینجس بالبعض الآخر ، وعلّقه بنفس البعض مجازا.

ویستفاد من هذه الروایات طهارة أسفل القدم والخف عن العذرة وغیرها بمسحها بالأرض حتی یزول عین النجاسة. وربما ظهر من إطلاق صحیحة زرارة الاکتفاء فی طهارة أسفل القدم بمسحه بغیر الأرض أیضا کما قاله ابن الجنید (2) ، إلاّ أنّ الإطلاق ینصرف إلی المعهود وهو ما کان بالأرض. ویعضد هذه الروایات أصالة عدم التکلیف بغسل النجاسة عن هذه المحالّ مع انتفاء الأمر به علی الخصوص.

فروع :

الأول : لا یشترط جفاف النجاسة قبل الدلک ، ولا أن یکون لها جرم ، للأصل ، وإطلاق الروایات ، ولأنه إذا طهّر ما له جرم فما لا جرم له أولی. وعلی هذا فلو کان أسفل القدم أو النعل متنجسا بنجاسة غیر مرئیة کالبول الیابس طهر بمجرد المشی علی الأرض. وقال بعض العامة : یعتبر فی النجاسة کونها ذات جرم ، وأن تکون جافة قبل الدلک (3). ولا ریب فی بطلانه.

الثانی : ظاهر ابن الجنید - رحمه الله - اشتراط طهارة الأرض ویبوستها ، ولا بأس به.

ولا یعتبر المشی بل یکفی المسح إلی أن تذهب العین ، لقوله علیه السلام فی صحیحة

ص: 374


1- المراد : هو تطهیر بعض الأرض بعض المتنجسات کالنعل ، فلا یکون فی المطهّر عموم. کما فی الجواهر ( 6 : 305 ).
2- فی ص (372).
3- بدائع الصنائع ( 1 : 84 ).

وماء الغیث لا ینجس فی حال وقوعه ولا حال جریانه من میزاب وشبهه ، إلا أن تغیّره بالنجاسة.

______________________________________________________

زرارة : « ولکن یمسحها حتی یذهب أثرها ویصلّی » (1) ولا ینافی ذلک تعلیق الحکم فی روایة الأحول (2) علی مشی الخمس عشرة ذراعا ، لجواز أن یکون المقتضی لذلک عدم تحقق إزالة العین بدونه غالبا ، ونقل عن ابن الجنید أنه اعتبر هذا التحدید (3) ، وهو ضعیف.

الثالث : لا فرق بین الخفّ والنعل وغیرهما مما ینتعل ولو من الخشب کالقبقاب.

وخشب الأقطع یلحق بالنعل أو القدم ، ولا یلحق بهما أسفل العصا ، وکعب الرمح ، وما شاکل ذلک.

قوله : وماء الغیث لا ینجس فی حال وقوعه ، ولا حال جریانه من میزاب وشبهه ، إلا أن تغیّره النجاسة.

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم نجاسة ماء الغیث حال تقاطره إلاّ بتغیره بالنجاسة مذهب أکثر الأصحاب ، واحتج علیه فی المعتبر (4) بما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن هشام بن سالم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن السطح یبال علیه فتصیبه السماء فیکفّ فیصیب الثوب ، فقال : « لا بأس به ، ما أصابه من الماء أکثر منه » (5).

وقد یقال : إن هذه الروایة إنما تدل علی عدم نجاسته بوروده علی النجاسة فلا یصلح مستندا لإثبات الحکم علی وجه العموم.

ویمکن أن یستدل له أیضا بالأصل ، والعمومات الدالة علی عدم انفعال الماء

حکم ماء الغیث الواقع علی النجاسة

ص: 375


1- تقدمنا فی ص (373).
2- تقدمنا فی ص (373).
3- الذکری : (15).
4- المعتبر ( 1 : 43 ).
5- الفقیه ( 1 : 7 - 4 ) ، الوسائل ( 1 : 108 ) أبواب الماء المطلق ب (6) ح (1).

______________________________________________________

بالملاقاة ، ومرسلة الکاهلی ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کل شی ء یراه ماء المطر فقد طهر » (1).

وقال الشیخ فی التهذیب والاستبصار : ماء المطر إذا جری من المیزاب فحکمه حکم الماء الجاری لا ینجسه إلاّ ما غیّر لونه أو طعمه أو رائحته (2). واستدل علیه بحسنة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی میزابین سالا ، أحدهما بول والآخر ماء المطر ، فاختلطا فأصاب ثوب رجل : « لم یضر ذلک » (3) وهی لا تدل علی انفعال ما عدا المیزاب بالملاقاة ، مع أنه لا إشعار فی الروایة بکون الماء نازلا من السماء حالة الملاقاة.

وصحیحة علیّ بن جعفر ، قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن البیت یبال علی ظهره ، ویغتسل فیه من الجنابة ، ثم یصیبه الماء ، أیؤخذ من مائه فیتوضأ به للصلاة؟ فقال : « إذا جری فلا بأس به » (4).

قال فی المعتبر : وهذه الروایة لا تدل علی اشتراط الجریان ، لأنه لو لم یکن طاهرا لما طهره الجریان (5). وهو مشکل ، نعم یمکن أن یقال : إن أقصی ما تدل علیه الروایة ثبوت البأس فی أخذ ذلک الماء للوضوء مع عدم الجریان ، وهو أعم من النجاسة ، فلعل وجهه توقف النظافة علیه ، مع أن الجریان یتحقق بمسماه ، فلا یتعین کونه جاریا من میزاب ونحوه.

ص: 376


1- الکافی ( 3 : 13 - 3 ) ، الوسائل ( 1 : 109 ) أبواب الماء المطلق ب (6) ح (5).
2- التهذیب ( 1 : 411 ). ولم نجده فی الاستبصار ولکن وجدناه فی المبسوط ( 1 : 6 ).
3- الکافی ( 3 : 12 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 411 - 1295 ) ، الوسائل ( 1 : 109 ) أبواب الماء المضاف ب (6) ح (4).
4- الفقیه ( 1 : 7 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 411 - 1297 ) ، الوسائل ( 1 : 108 ) أبواب الماء المطلق ب (6) ح (2) بتفاوت یسیر.
5- المعتبر ( 1 : 43 ).

والماء الذی تغسل به النجاسة نجس ، سواء کان فی الغسلة الأولی أو الثانیة ، وسواء کان متلونا بالنجاسة أو لم یکن ، وسواء بقی علی المغسول عین النجاسة أو نقی. وکذا القول فی الإناء علی الأظهر ، وقیل : فی الذنوب إذا القی علی نجاسة الأرض تطهر الأرض مع بقائه علی طهارته.

______________________________________________________

والمسألة محل إشکال ، ولو قیل باعتبار مطلق الجریان لم یکن بعیدا إلاّ أن عدم اعتبار ذلک مطلقا أقرب.

قوله : والماء الذی تغسل به النجاسة نجس ، سواء کان فی الغسلة الأولی أو الثانیة ، وسواء کان متلوثا بالنجاسة أو لم یکن ، وسواء بقی علی المغسول عین النجاسة أو نقی. وکذا القول فی الإناء علی الأظهر.

ردّ بذلک علی المرتضی - رضی الله عنه - حیث حکم بطهارة الماء الذی تغسل به النجاسة إذا ورد علی النجاسة ولم یتلوّن بها (1) ، وعلی الشیخ فی الخلاف حیث حکم بطهارة الغسلة الثانیة فی غیر إناء الولوغ ، وطهارة الغسلتین فیه (2) وقد تقدم الکلام فی هذه المسألة مفصلا فلا نعیده.

قوله : وقیل : فی الذنوب (3) إذا القی علی نجاسة علی الأرض تطهر الأرض مع بقائه علی الطهارة.

القائل بذلک هو الشیخ - رحمه الله تعالی - فی الخلاف ، وهذه عبارته : إذا بال علی موضع من الأرض فتطهیرها أن یصبّ الماء علیه حتی یکاثره ویغمره ویقهره فیزیل لونه وطعمه وریحه ، فإذا زال حکمنا بطهارة المحل وطهارة الماء الوارد علیه ، ولا یحتاج إلی

حکم الغسالة
کیفیة تطهیر الأرض

ص: 377


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : (179).
2- الخلاف ( 1 : 49 ).
3- الذنوب : الدلو العظیمة ، قالوا : ولا تسمی ذنوبا حتی تکون مملوءة ماءا وتذکر وتؤنث ، وجمعه ذناب مثل کتاب - المصباح المنیر : (210).

______________________________________________________

نقل التراب ولا قطع المکان ، ثم قال : دلیلنا قوله تعالی ( وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) ونقل التراب من الأرض إلی موضع آخر یشق ، وروی أبو هریرة قال : دخل أعرابی المسجد فقال : اللهم ارحمنی ومحمدا صلی الله علیه و آله ولا ترحم معنا أحدا ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : « عجزت واسعا » قال : فما لبث أن بال فی ناحیة المسجد ، وکأنهم عجلوا إلیه فنهاهم النبی صلی الله علیه و آله ، ثم أمر بذنوب من ماء فأهریق علیه ، ثم قال : « علّموا ویسّروا ولا تعسّروا » (2) قال الشیخ - رحمه الله - : والنبی لا یأمر بطهارة المسجد بما یزیده تنجیسا ، فلزم أن یکون الماء أیضا علی طهارته (3).

واستشکله المصنف فی المعتبر بضعف الخبر ، ومنافاته الأصل ، لأن الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس ، تغیّر أو لم یتغیر ، ثم حکم بطهارة الأرض بأشیاء ، وذکر من جملتها : أن تغسل بماء یغمرها ثم یجری إلی موضع آخر فیکون ما انتهی إلیه نجسا (4). ولم یفرق بین رخاوة الأرض وصلابتها ، وقد یحصل التوقف مع الرخاوة لعدم انفصال الماء المغسول به عن المحل ، إلاّ أن یغتفر ذلک هنا کما اغتفر فی الحشایا.

ونقل عن ابن إدریس أنه وافق الشیخ - رحمه الله - علی جمیع هذه الأحکام (5) ، وهو جید علی أصله من طهارة الماء الذی یغسل به النجاسة ، ولا بأس به.

ص: 378


1- الحج : (78).
2- موطإ مالک ( 1 : 64 - 111 ) ، صحیح البخاری ( 8 : 37 ).
3- الخلاف ( 1 : 185 ).
4- المعتبر ( 1 : 449 ).
5- السرائر : (38).

القول فی الآنیة :

ولا یجوز الأکل والشرب فی آنیة من ذهب أو فضّة ، ولا استعمالها فی غیر ذلک.

______________________________________________________

قوله : القول فی الآنیة ، ولا یجوز الأکل والشرب فی آنیة من ذهب أو فضّة ، ولا استعمالها فی غیر ذلک.

أجمع الأصحاب علی تحریم استعمال أوانی الذهب والفضة فی الأکل والشرب وغیرهما ، قاله فی التذکرة (1) وغیرها (2). وقال الشیخ فی الخلاف : یکره استعمال أوانی الذهب والفضة (3). والظاهر أنّ مراده التحریم ، والأخبار الواردة بالنهی عن الأکل والشرب فی أوانی الذهب والفضة من الطرفین مستفیضة ، فروی الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لا تشربوا فی آنیة الذهب والفضة ، ولا تأکلوا فی صحافها ، فإنها لهم فی الدنیا ولکم فی الآخرة » (4).

وعن علیّ علیه السلام أنه قال : « الذی یشرب فی آنیة الذهب والفضة إنما یجرجر فی بطنه نار جهنم » (5).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن آنیة الذهب والفضة فکرههما ، فقلت : قد روی بعض أصحابنا أنه کان لأبی الحسن علیه السلام مرآة ملبسة فضة ، فقال : « لا والله إنما کانت لها حلقة من فضة ، هی عندی » (6).

الأوانی و الجلود

حرمة الأکل فی آنیة الذهب والفضة

ص: 379


1- التذکرة ( 1 : 67 ).
2- المنتهی ( 1 : 185 ، 186 ) ، تحریر الأحکام ( 1 : 25 ).
3- الخلاف ( 1 : 8 ).
4- صحیح مسلم ( 3 : 1638 - 5 ).
5- المستدرک ( 2 : 597 ) أبواب الأوانی ب (42) ح (5) ، صحیح مسلم ( 3 : 1634 - 2065 ) ، سنن البیهقی ( 1 : 29 ) ، ولکن الروایة فیها عن النبی صلی الله علیه و آله .
6- التهذیب ( 9 : 91 - 390 ) ، الوسائل ( 2 : 1083 ) أبواب النجاسات ب (65) ح (1).

______________________________________________________

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تأکل فی آنیة من فضة ولا فی آنیة مفضضة » (1).

وعن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : أنه نهی عن آنیة الذهب والفضة (2).

وعن داود بن سرحان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تأکل فی آنیة الذهب والفضة » (3).

والمشهور بین الأصحاب تحریم اتخاذ أوانی الذهب والفضة لغیر الاستعمال أیضا ، وبه قطع المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (4) ، لأنه تعطیل للمال فیکون سرفا لعدم الانتفاع به ، ولما رواه الشیخ عن موسی بن بکر ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال : « آنیة الذهب والفضة متاع الذین لا یوقنون » (5).

واستقرب العلاّمة فی المختلف الجواز استضعافا لأدلة المنع (6). وهو حسن ، إلاّ أن المنع أولی ، لأن اتخاذ ذلک وإن کان جائزا بالأصل فربما یصیر محرما بالعرض ، لما فیه من إرادة العلوّ فی الأرض ، وطلب الرئاسة المهلکة.

فروع :

الأول : لا یحرم المأکول والمشروب فی أوانی الذهب والفضة ، لأن النهی عن

حرمة اقتناء أوانی الذهب والفضة

ص: 380


1- التهذیب ( 9 : 90 - 386 ) ، الوسائل ( 2 : 1085 ) أبواب النجاسات ب (66) ح (1).
2- الکافی ( 6 : 267 - 4 ) ، التهذیب ( 9 : 90 - 385 ) ، المحاسن : ( 581 - 59 ) ، الوسائل ( 2 : 1083 ) أبواب النجاسات ب (65) ح (3).
3- الکافی ( 6 : 266 - 1 ) ، التهذیب ( 9 : 90 - 384 ) ، الوسائل ( 2 : 1083 ) أبواب النجاسات ب (65) ح (2).
4- المعتبر ( 1 : 456 ).
5- التهذیب ( 9 : 91 - 389 ) ، الوسائل ( 2 : 1084 ) أبواب النجاسات ب (65) ح (4).
6- المختلف : (63).

______________________________________________________

استعمالها لا یتناول المستعمل. وحکی عن المفید - رحمه الله تعالی - تحریمه (1). ولو استدل بقول علیّ علیه السلام : « إنما یجرجر فی بطنه نار جهنم » أجبنا عنه بأن الحقیقة غیر مرادة ، والمتبادر من المعنی المجازی کون ذلک سببا فی دخول النار بطنه ، وهو لا یستلزم تحریم نفس المأکول والمشروب.

الثانی : قال فی المعتبر : لو تطهر من آنیة الذهب والفضة لم یبطل وضوؤه ولا غسله ، لأن انتزاع الماء لیس جزءا من الطهارة ، بل لا یحصل الشروع فیها إلاّ بعده ، فلا یکون له أثر فی بطلان الطهارة (2).

واستوجه العلاّمة فی المنتهی البطلان (3) ، لأن الطهارة لا تتم إلاّ بانتزاع الماء المنهی عنه ، فیستحیل الأمر بها ، لاشتماله علی المفسدة (4) ، وهو جیّد حیث یثبت التوقف المذکور ، أما لو تطهر منه مع التمکن من استعمال غیره (5) قبل فوات الموالاة فالظاهر الصحة ، لتوجه الأمر باستعمال الماء حیث لا یتوقف علی فعل محرم ، وخروج الانتزاع المحرم عن حقیقة الطهارة.

الثالث : الأقرب عدم تحریم اتخاذ غیر الأوانی من الذهب والفضة إذا کان فیه غرض صحیح کالمیل ، والصفائح فی قائم السیف ، وربط الأسنان بالذهب ، واتخاذ الأنف منه.

وفی جواز اتخاذ المکحلة وظرف الغالیة (6) من ذلک تردد ، منشؤه الشک فی إطلاق

عدم بطلان الطهارة من آنیة الذهب والفضة

عدم حرمة غیر الأوانی کالمیل

ص: 381


1- المقنعة : (90).
2- المعتبر ( 1 : 456 ).
3- المنتهی ( 1 : 186 ).
4- الجواهر ( 6 : 332 ). فیکون البطلان حینئذ لعدم تصور الأمر بالطهارة بعد توقفها علی المقدمة المحرمة فیکون فرضه حینئذ التیمم لأن المنع الشرعی کالعقلی.
5- فی « ح » زیادة : حتی فی أثناء الوضوء.
6- الغالیة : نوع من الطیب مرکب من مسک وعنبر وعود ودهن ( النهایة لابن الأثیر 3 : 383 ).

ویکره المفضّض ، وقیل : یجب اجتناب موضع الفضة. وفی جواز اتخاذها لغیر الاستعمال تردد ، الأظهر المنع.

______________________________________________________

اسم الإناء حقیقة علیه. وکذا الکلام فی تحلیة المساجد والمشاهد بالقنادیل من الذهب والفضة.

أما زخرفة السقوف والحیطان بالذهب فقال الشیخ فی الخلاف : إنه لا نص فی تحریمها ، والأصل الإباحة (1). ونقل عن ابن إدریس - رحمه الله - المنع من ذلک (2) ( وهو أولی ) (3) لما فیه من تعطیل المال وتضییعه فی غیر الأغراض الصحیحة (4) ، وربما یرشد إلیه فحوی قول الرضا علیه السلام فی صحیحة محمد بن إسماعیل : « إن العباسی حین عذر عمل له قضیب ملبّس من فضة من نحو ما یعمل للصبیان تکون فضته نحوا من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن علیه السلام فکسر » (5).

الرابع : یصح بیع هذه الآنیة إن جوّزنا اتخاذها لغیر الاستعمال ، أو کان المطلوب کسرها ووثق من المشتری بذلک ، ولو کسرها کاسر لم یضمن الأرش إن حرّمنا الاتخاذ ، لأنه لا حرمة لها.

قوله : ویکره : المفضّض ، وقیل : یجب اجتناب موضع الفضة.

اختلف الأصحاب فی الأوانی المفضضة ، فقال الشیخ فی الخلاف : إن حکمها حکم الأوانی المتخذة من الذهب والفضة (6) ، لما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی

حکم زخرفة السقوف

کراهة المفضض من الأوانی

ص: 382


1- الخلاف ( 1 : 341 ).
2- السرائر : (207). قال فی مقام ذکر المکاسب المحرمة : والأجرة علی تزویق المساجد وزخرفها وفعل ذلک محرم.
3- لیست فی « س » و « ح ».
4- فی « س » و « ح » زیادة : وهو أحوط.
5- الکافی ( 6 : 267 - 2 ) ، التهذیب ( 9 : 91 - 390 ) ، المحاسن : ( 582 - 67 ) ، الوسائل ( 2 : 1083 ) أبواب النجاسات ب (65) ح (1) ، وفیها : العباس.
6- الخلاف ( 1 : 8 ).

ولا یحرم استعمال غیر الذهب والفضة من أنواع المعادن والجواهر ولو تضاعفت أثمانها.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام قال : « لا تأکل فی آنیة من فضة ، ولا فی آنیة مفضضة » (1).

وقال فی المبسوط : یجوز استعمالها لکن یجب عزل الفم عن موضع الفضة (2). وهو اختیار العلاّمة فی المنتهی (3) ، وعامة المتأخرین ، لما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس أن یشرب الرجل فی القدح المفضض ، واعزل فمک عن موضع الفضة » (4) والأمر للوجوب.

وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (5) یستحب العزل ، لظاهر صحیحة معاویة بن وهب ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الشرب فی القدح فیه ضبة فضة ، فقال : « لا بأس إلا أن یکره الفضة فینزعها » (6) وهو حسن ، فإن ترک الاستفصال فی جواب السؤال مع قیام الاحتمال یفید العموم. والأظهر أنّ الآنیة المذهبّة کالمفضّضة فی الحکم ، بل هی أولی بالمنع.

قوله : ولا یحرم استعمال غیر الذهب والفضة من أنواع المعادن والجواهر ولو تضاعفت أثمانها.

الوجه فی ذلک أصالة الإباحة السالمة عن معارضة النص ، وربما علّل بعدم إدراک العامة نفاستها ، وبأنها لقلّتها لا یحصل اتخاذ الآنیة منها إلاّ نادرا ، فلا یفضی إباحتها إلی

ص: 383


1- الکافی ( 6 : 267 - 3 ) ، التهذیب ( 9 : 90 - 386 ) ، الوسائل ( 2 : 1085 ) أبواب النجاسات ب (66) ح (1).
2- المبسوط ( 1 : 13 ).
3- المنتهی ( 1 : 187 ).
4- التهذیب ( 9 : 91 - 392 ) ، الوسائل ( 2 : 1086 ) أبواب النجاسات ب (66) ح (5).
5- المعتبر ( 1 : 455 ).
6- التهذیب ( 9 : 91 - 391 ) ، المحاسن : ( 582 - 65 ) ، الوسائل ( 2 : 1086 ) أبواب النجاسات ب (66) ح (4).

وأوانی المشرکین طاهرة حتی یعلم نجاستها.

______________________________________________________

اتخاذها واستعمالها بخلاف الأثمان ، ولا بأس به.

قوله : وأوانی المشرکین طاهرة حتی یعلم نجاستها.

لا فرق فی الأوانی بین کونها مستعملة أم لا ، وفی حکم الأوانی سائر ما بأیدیهم عدا الجلود واللحم حتی المائع إذا لم یعلم مباشرتهم له ، وتوقّف العلاّمة فی التذکرة فی طهارة المائع (1).

والوجه فی الجمیع أن ما عدا نجس العین یجب الحکم بطهارته ، تمسکا بمقتضی الأصل والعمومات إلی أن یحصل الیقین بملاقاته الشی ء من تلک الأعیان النجسة بإحدی الطرق المفیدة له ، ولا عبرة بالظن ما لم یستند إلی حجة شرعیة ، لانتفاء الدلیل علی اعتباره ، وعموم النهی عن اتباعه ، وقول أمیر المؤمنین علیه السلام : « ما أبالی أبول أصابنی أم ماء إذا لم أعلم » (2).

وقول الصادق علیه السلام : « کل شی ء طاهر حتی تعلم أنه قذر » (3) وقوله علیه السلام فی حسنة الحلبی : « إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه منی فلیغسل الذی أصابه ، فإن ظن أنه أصابه ولم یستیقن ولم یر مکانه فلینضحه بالماء » (4).

ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان قال : سأل أبی أبا عبد الله علیه السلام وأنا حاضر : إنی أعیر الذمی ثوبی وأنا أعلم أنه یشرب الخمر ویأکل لحم الخنزیر فیردّه علیّ فأغسله قبل أن أصلّی فیه؟ فقال أبو عبد الله علیه

حکم أوانی المشرکین

ص: 384


1- التذکرة ( 1 : 9 ).
2- الفقیه ( 1 : 42 - 166 ) ، التهذیب ( 1 : 253 - 735 ) ، الإستبصار ( 1 : 180 - 629 ) ، الوسائل ( 2 : 1054 ) أبواب النجاسات ب (37) ح (5).
3- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الوسائل ( 2 : 1054 ) أبواب النجاسات ب (37) ح (4).
4- الکافی ( 3 : 54 - 4 ) ، التهذیب ( 1 : 252 - 728 ) ، الوسائل ( 2 : 1022 ) أبواب النجاسات ب (16) ح (4).

ولا یجوز استعمال شی ء من الجلود إلا ما کان طاهرا فی حال الحیاة ذکیّا.

______________________________________________________

السلام : « صلّ فیه ولا تغسله من أجل ذلک ، فإنک أعرته إیاه وهو طاهر ولم تستیقن نجاسته ، فلا بأس أن تصلّی فیه حتی تستیقن أنه نجّسه » (1).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الثیاب السابریة یعملها المجوس وهم أخباث ، وهم یشربون الخمر ، ونساؤهم علی تلک الحال ، ألبسها ولا أغسلها وأصلّی فیها؟ قال : « نعم » قال معاویة : فقطعت له قمیصا وخطته وفتلت له أزرارا (2) ، ورداء من السابری ، ثم بعثت بها إلیه فی یوم جمعة حین ارتفع النهار فکأنه عرف ما أرید فخرج بها إلی الجمعة (3).

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن علی الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی ثوب المجوسی ، فقال : « یرشّ بالماء » (4).

وفی الصحیح ، عن إبراهیم بن أبی محمود قال ، قلت للرضا علیه السلام : الخیّاط والقصّار یکون یهودیا أو نصرانیا وأنت تعلم أنه یبول ولا یتوضأ ، ما تقول فی عمله؟ قال : « لا بأس » (5).

قوله : ولا یجوز استعمال شی ء من الجلود إلا ما کان طاهرا فی حال الحیاة ذکیّا.

لا یخفی أنّ الذکاة إنما تعتبر فی ذی النفس لا فی غیره لطهارة میتته. وإطلاق العبارة

- حکم الجلود

ص: 385


1- التهذیب ( 2 : 361 - 1495 ) ، الإستبصار ( 1 : 392 - 1497 ) ، الوسائل ( 2 : 1095 ) أبواب النجاسات ب (74) ح (1).
2- فی جمیع النسخ : إزارا ، وما أثبتناه کما فی المصدر لاستقامة المعنی.
3- التهذیب ( 2 : 362 - 1497 ) ، الوسائل ( 2 : 1093 ) أبواب النجاسات ب (73) ح (1).
4- التهذیب ( 2 : 362 - 1498 ) ، الوسائل ( 2 : 1093 ) أبواب النجاسات ب (73) ح (3).
5- التهذیب ( 6 : 385 - 1142 ).

______________________________________________________

یقتضی عدم جواز استعمال المیتة فی المائع والیابس ، وبه صرح فی المعتبر (1) ، لعموم النهی عن الانتفاع بها ، وقد ورد ذلک فی عدة روایات ، منها : روایة علیّ بن المغیرة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ، المیتة ینتفع بشی ء منها؟ قال : « لا » (2) وفی استفادة العموم بهذا المعنی من الروایة نظر.

والمشهور بین الأصحاب أنّ المنع من استعمال جلد المیتة ثابت قبل الدبغ وبعده ، لأن جلد المیتة لا یطهر بالدباغ ، وبه قطع المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (3) ، ونقله عن الستة وأتباعهم ، واحتج علیه بعموم النهی عن الانتفاع بالمیتة ، وبأن المقتضی للنجاسة موجود ، ودلیل الطهارة مفقود فتکون النجاسة ثابتة.

وقال ابن الجنید : إن جلد المیتة یطهر بالدبغ إذا کان من حیوان طاهر فی حال الحیاة ، فیجوز الانتفاع به بعد ذلک فی کل شی ء عدا الصلاة (4). واحتج له فی المختلف بما رواه الشیخ بسنده إلی الحسین بن سعید ، عن صفوان بن یحیی ، عن الحسین بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی جلد شاة میّتة یدبغ فیصبّ فیه اللبن أو الماء ، فأشرب منه وأتوضّأ؟ قال : « نعم » وقال : « یدبغ فینتفع به ولا یصلّی فیه » (5) وفی السند ضعف بالحسین بن زرارة ، فإنه مجهول.

ویمکن أن یستدل له أیضا بما رواه الصدوق فی کتابه من لا یحضره الفقیه ، عن الصادق علیه السلام : أنه سئل عن جلود المیتة یجعل فیها اللبن والسمن والماء ما تری

ص: 386


1- المعتبر ( 1 : 465 ).
2- الکافی ( 6 : 259 - 7 ) ، التهذیب ( 2 : 204 - 799 ) ، الوسائل ( 2 : 1080 ) أبواب النجاسات ب (61) ح (2).
3- المعتبر ( 1 : 463 ).
4- نقله عنه فی المختلف : (64) ، والذکری : (16).
5- التهذیب ( 9 : 78 - 332 ) ، الإستبصار ( 4 : 90 - 343 ) ، الوسائل ( 16 : 453 ) أبواب الأطعمة المحرمة ب (34) ح (7).

______________________________________________________

فیه؟ قال : « لا بأس بأن تجعل فیها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضأ منه وتشرب ، ولکن لا تصلّ فیها » (1) والظاهر أنه - رحمه الله تعالی - قائل بمضمونها ، لأنه ذکر قبل ذلک من غیر فصل یعتد به أنه لا یورد فی ذلک الکتاب إلاّ ما یفتی به ویحکم بصحته.

وبالجملة فالمسألة محل تردد ، لما بیناه فیما سبق من أنه لیس علی نجاسة المیتة دلیل یعتد به سوی الإجماع ، وهو إنما انعقد علی النجاسة قبل الدبغ لا بعده ، وعلی هذا فیمکن القول بالطهارة تمسکا بمقتضی الأصل ، وتخرج الروایتان شاهدا.

واعلم : أن مقتضی العبارة توقف استعمال الجلد علی ثبوت تذکیته بأحد الطرق المفیدة له ، ومقتضی ذلک المنع من استعمال ما لم تثبت تذکیته ، سواء علم موته حتف أنفه أم جهل حاله ، وبه قطع الشهیدان (2) - 0 - والمحقق الشیخ علی (3) ، واحتجوا علیه بأصالة عدم التذکیة. ویشکل بأن مرجع الأصل هنا إلی استصحاب حکم الحالة السابقة ، وقد تقدم منا الکلام فیه مرارا ، وبیّنا أن الحق أن استمرار الحکم یتوقف علی الدلیل کما یتوقف علیه ابتداؤه ، لأن ما ثبت جاز أن یدوم وجاز أن لا یدوم ، فلا بد لدوامه من دلیل وسبب سوی دلیل الثبوت. ثم لو سلمنا أنه یعمل به فهو إنما یفید الظن ، والنجاسة لا یحکم بها إلاّ مع الیقین أو الظن الذی ثبت اعتباره شرعا کشهادة العدلین إن سلم عمومه.

والحاصل : أن الجلد المطروح لمّا جاز کونه منتزعا من المیتة والمذکّی لم یکن الیقین بنجاسته حاصلا ، لانتفاء العلم بکونه منتزعا من المیتة ، فیمکن القول بطهارته کما فی الدم المشتبه بالطاهر والنجس ، ویشهد له قول الصادق علیه السلام فی صحیحة الحلبی :

حکم الجلد المطروح

ص: 387


1- الفقیه ( 1 : 9 - 15 ) ، الوسائل ( 2 : 1051 ) أبواب النجاسات ب (34) ح (5).
2- الشهید الأول فی الدروس : (26) ، والشهید الثانی فی روض الجنان : (212).
3- جامع المقاصد ( 1 : 85 ).

ویستحب اجتناب ما لا یؤکل لحمه حتی یدبغ بعد ذکاته.

ویستعمل من أوانی الخمر ما کان مقیّرا أو مدهونا بعد غسله.

______________________________________________________

« صلّ فیه حتی تعلم أنه میت بعینه » (1) وفی روایة أخری : « ما علمت أنه میتة فلا تصلّ فیه » (2).

ولو دلت القرائن علی التذکیة فینبغی القطع بالطهارة ، ویدل علیه أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حفص بن البختری قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل ساق الهدی فعطب فی موضع لا یقدر علی من یتصدق به علیه ، ولا یعلم أنه هدی قال : « ینحره ، ویکتب کتابا یضعه علیه لیعلم من مرّ به أنه صدقة » (3).

قوله : ویستحب اجتناب ما لا یؤکل لحمه حتی یدبغ بعد ذکاته.

خالف فی ذلک الشیخ - رحمه الله تعالی - فی المبسوط والخلاف ، والمرتضی فی المصباح ، فمنعا من استعمال جلد ما لا یؤکل لحمه حتی یدبغ بعد ذکاته (4). واحتج علیه فی الخلاف بأن الإجماع واقع علی جواز استعماله بعد الدباغ ولا دلیل قبله. وضعفه ظاهر ، إذ یکفی فی الدلالة : الأصل والعمومات السالمة من المعارض ، وإنما حکم المصنف باستحباب اجتنابه قبل الدباغ تفصیا من الخلاف کما نبه علیه فی المعتبر.

قوله : ویستعمل من أوانی الخمر ما کان مقیرا أو مدهونا بعد غسله.

أی بدهن یقویه ویمنع نفوذ الخمر فی مسامه کالدهن الأخضر. والحکم بطهارة ما هذا شأنه بالغسل وجواز استعماله بعد ذلک فی المائع والجامد ثابت بإجماع العلماء ، قاله فی المعتبر والمنتهی (5).

استحباب دبغ جلد ما لا یؤکل لحمه

حکم أوانی الخمر المقیرة

ص: 388


1- الکافی ( 3 : 403 - 28 ) ، التهذیب ( 2 : 234 - 920 ) ، الوسائل ( 2 : 1071 ) أبواب النجاسات ب (50) ح (2).
2- التهذیب ( 2 : 368 - 1530 ) ، الوسائل ( 2 : 1072 ) أبواب النجاسات ب (50) ح (4).
3- الفقیه ( 2 : 297 - 1477 ) ، الوسائل ( 10 : 130 ) أبواب الذبح ب (31) ح (1).
4- المبسوط ( 1 : 15 ) ، الخلاف ( 1 : 6 ) ، ونقله عن المصباح فی المعتبر ( 1 : 466 ).
5- المعتبر ( 1 : 467 ) ، المنتهی ( 1 : 190 ).

ویکره ما کان خشبا أو قرعا أو خزفا غیر مدهون.

______________________________________________________

قوله : ویکره ما کان خشبا أو قرعا أو خزفا غیر مدهون.

هذا أحد القولین فی المسألة ، اختاره الشیخ (1) ، وابن إدریس (2) ، والمصنف ، وجمع من الأصحاب. وقال ابن الجنید (3) ، وابن البراج (4) : ما لیس بصلب من أوانی الخمر ، کالقرع والخشب لا یطهر بالغسل ولا یجوز استعماله فیما یفتقر إلی الطهارة ، غسل أو لم یغسل. والمعتمد الأول.

لنا : أنّ الواجب إزالة النجاسة المعلومة وقد حصل بالغسل ، لأن الماء أسرع نفوذا من غیره فیغلب وصوله إلی ما نفذ إلیه الخمر. وأما کراهة استعماله فلورود النهی عنه ، وللتفصی من الخلاف.

احتج المخالف بأن للخمر حدّة ونفوذا فتستقرّ أجزاؤه فی باطن الإناء ولا ینالها الماء ، وبروایة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن الخشب والمزفّت » (5).

والجواب عن الأول أولا بالمنع مما ذکره ، وثانیا بأن ذلک لا ینافی طهارة الظاهر ، وجواز استعماله إلی أن یعلم ترشح شی ء من أجزاء الخمر المستکنة فی الباطن إلیه.

وعن الروایة بأن النهی عن ذلک لا یتعین کونه للنجاسة ، إذ من الجائز أن یکون لاحتمال بقاء شی ء من أجزاء الخمر فی ذلک الإناء فیتصل بما یحصل فیه من المأکول والمشروب.

کراهة أوانی الخمر الخشبیة وأمثالها

ص: 389


1- المبسوط ( 1 : 15 ).
2- السرائر : (373).
3- حکاه عنه فی المعتبر ( 1 : 467 ) ، والمنتهی ( 1 : 190 ).
4- المهذب ( 1 : 28 ).
5- الکافی ( 6 : 418 - 1 ) ، وفی التهذیب ( 1 : 283 - 829 ) والمعتبر ( 1 : 467 ) بتفاوت یسیر ، الوسائل ( 2 : 1075 ) أبواب النجاسات ب (52) ح (1).

ویغسل الإناء من ولوغ الکلب ثلاثا ، أولاهن بالتراب علی الأصحّ.

______________________________________________________

قوله : ویغسل الإناء من ولوغ الکلب ثلاثا ، أولاهن بالتراب علی الأصحّ.

ولوغ الکلب : شربه مما فی الإناء بطرف لسانه ، قاله الجوهری (1) ، وفی معناه لطعه الإناء بلسانه. وقد اختلف الأصحاب فی کیفیة طهارة الإناء من ذلک ، فذهب الأکثر إلی أنه إنما یطهر بغسله ثلاثا أولاهنّ بالتراب. وقال المفید فی المقنعة : یغسل ثلاثا وسطاهنّ بالتراب ، ثم یجفف (2). وأطلق المرتضی فی الانتصار (3) ، والشیخ فی الخلاف (4) أنه یغسل ثلاث مرات إحداهن بالتراب ، وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه : یغسل مرة بالتراب ومرتین بالماء (5). وقال ابن الجنید : یغسل سبعا إحداهن بالتراب (6). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه أبو العباس الفضل فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی الکلب : « رجس نجس لا یتوضأ بفضله ، واصبب ذلک الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء » (7) کذا وجدته فیما وقفت علیه من کتب الأحادیث ، ونقله کذلک الشیخ - رحمه الله - فی مواضع من الخلاف (8) ، والعلامة فی المختلف (9) ، إلا أنّ

حکم الاناء الذی ولغ فیه الکلب

ص: 390


1- الصحاح ( 4 : 1329 ).
2- المقنعة : (9).
3- الانتصار : (9).
4- الخلاف ( 1 : 47 ).
5- الفقیه ( 1 : 8 ).
6- نقله عنه فی المنتهی ( 1 : 188 ) ، والمختلف : (63).
7- التهذیب ( 1 : 225 - 646 ) ، الإستبصار ( 1 : 19 - 40 ) ، الوسائل ( 1 : 163 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (4).
8- الخلاف ( 1 : 48 ، 52 ) ، إلا أنه ذکر « المرتین » فی ص (47).
9- المختلف : ( 12 ، 63 ).

______________________________________________________

المصنف - رحمه الله - فی المعتبر نقله بزیادة لفظ مرتین بعد قوله « ثم بالماء » (1). وقلده فی ذلک من تأخر عنه (2) ، ولا یبعد أن تکون الزیادة وقعت سهوا من قلم الناسخ.

ومقتضی إطلاق الأمر بالغسل : الاکتفاء بالمرة الواحدة بعد التعفیر ، إلا أنّ ظاهر المنتهی وصریح الذکری انعقاد الإجماع علی تعدد الغسل بالماء (3) ، فإن تمّ فهو الحجة ، وإلا أمکن الاجتزاء بالمرة لحصول الامتثال بها.

احتج ابن الجنید علی ما نقل عنه (4) بما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إذا ولغ الکلب فی إناء أحدکم فلیغسله سبعا أولاهن بالتراب » (5) وما رواه عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یغسل من الخمر سبعا وکذلک من الکلب » (6).

والجواب الطعن فی السند ، فإن الروایة الأولی عامیة ، ورجال الثانیة فطحیة فلا تنهض حجة فی معارضة الأصل وما نقلناه من الخبر الصحیح. ولم نقف للمفید - رحمه الله تعالی - فیما ذهب إلیه من توسیط التراب بین الغسلتین واعتبار التجفیف بعد الغسل (7) علی مستند.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : اعتبر ابن إدریس - رحمه الله - فی التراب المزج بالماء تحصیلا لحقیقة

ص: 391


1- المعتبر ( 1 : 458 ).
2- المنتهی ( 1 : 187 ، 188 ) ، الذکری : (15).
3- المنتهی ( 1 : 187 ، 188 ) ، الذکری : (15).
4- فی المعتبر ( 1 : 458 ).
5- صحیح البخاری ( 1 : 54 ) ، صحیح مسلم ( 1 : 234 - 91 ) ، سنن أبی داود ( 1 : 19 - 71 ).
6- التهذیب ( 9 : 116 - 502 ) ، الوسائل ( 17 : 294 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (30) ح (2).
7- المقنعة : (9).

______________________________________________________

الغسل وهی جریان المائع علی المحل المغسول (1) ، وقواه فی المنتهی بعد التردد (2) ، وجزم فی المختلف بعدم اعتباره لانتفاء الحقیقة علی تقدیر المزج وعدمه ، فإن ذلک الإناء بالتراب الممتزج بالماء لا یسمی غسلا علی الحقیقة (3) ، وقد یقال : إن ذلک وإن لم یکن غسلا علی الحقیقة لکنه أقرب إلی حقیقة الغسل من الدلک بالتراب الجافّ ، ومع تعذر الحقیقة یصار إلی أقرب المجازات.

وجزم الشهید - رحمه الله - فی الذکری بإجزاء المزج وعدمه لإطلاق الخبر ، وحصول الإزالة للأجزاء اللعابیة بهما (4) ، وقیده جدی - قدس سره - بما إذا لم یخرج التراب بالمزج عن کونه ترابا وإلا لم یجز (5). والمسألة محل تردد ، وإن کان الأقرب عدم اعتبار المزج.

الثانی : اعتبر العلامة فی المنتهی طهارة التراب ، لأن المطلوب منه التطهیر ، وهو غیر مناسب بالنجس (6). ویشکل بإطلاق النص وحصول الإنقاء بالطاهر والنجس.

الثالث : قال الشیخ - رحمه الله تعالی - : لو لم یوجد التراب ووجد ما یشبهه - کالأشنان ، والصابون ، والجصّ ، ونظائرها - أجزأ (7) ، وبه قطع العلامة فی جملة من کتبه (8) ، والشهید فی البیان. وألحق بفقد التراب خوف فساد المحل باستعماله (9).

ص: 392


1- السرائر : (15).
2- المنتهی ( 1 : 188 ).
3- المختلف : (63).
4- الذکری : (15).
5- المسالک ( 1 : 19 ).
6- المنتهی ( 1 : 189 ).
7- المبسوط ( 1 : 14 ).
8- کالمختلف : (64) ، والقواعد ( 1 : 9 ) ، والمنتهی ( 1 : 188 ) ، والتذکرة ( 1 : 9 ).
9- البیان : (40).

______________________________________________________

والأصح خلافه ، لاختصاص التعبد بالتراب ، وعدم العلم بحصول المصلحة المطلوبة منه فی غیره.

الرابع : ذکر الشیخ (1) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب أنه لو تعذر التراب سقط اعتباره وطهر الإناء بغسله مرتین بالماء. ویشکل بأنه علیه السلام أمر بغسله بالتراب ولم یوجد ، فلا یطهر المحل بدونه کما لو عدم الماء.

الخامس : هذا الحکم مختص بالولوغ ، فلو أصاب الکلب الإناء بیده أو برجله کان کغیره من النجاسات ، وألحق ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه بالولوغ الوقوع (2) ، ولا نعلم مأخذه.

السادس : لو أصاب الثوب أو الجسد أو الإناء ماء الولوغ أو ماء غسالة الولوغ لم یعتبر فیه العدد ولا التراب ، اقتصارا بالحکم علی موضع النص.

وقال المحقق الشیخ علی - رحمه الله تعالی - : لو أصابت غسالة الإناء قبل التعفیر إناء وجب تعفیره لأنها نجاسة الولوغ (3). وهو لا یستلزم المدعی. وما أبعد ما بین هذا القول وقول الشیخ فی الخلاف بعدم نجاسة غسالة إناء الولوغ مطلقا (4).

السابع : قال الشیخ فی الخلاف والمبسوط : إذا ولغ الکلب فی إناء ثم وقع ذلک الإناء فی الماء الکثیر الذی بلغ کرا فما زاد لا ینجس الماء ، ویحصل له بذلک غسلة من جملة الغسلات ، ولا یطهر الإناء بذلک ، بل إذا تمّت غسلاته بعد ذلک طهر (5).

ومقتضاه وجوب التعدد فی الکثیر أیضا ، وبه قطع فی المعتبر ، إلا أنه اکتفی فی تحقق

ص: 393


1- المبسوط ( 1 : 14 ).
2- الفقیه ( 1 : 8 ).
3- جامع المقاصد ( 1 : 20 ).
4- الخلاف ( 1 : 49 ).
5- الخلاف ( 1 : 48 ) ، المبسوط ( 1 : 14 ).

______________________________________________________

التعدد فی الجاری بتعاقب الجریتین علیه (1).

والأظهر أنه إنما یحسب له بوقوعه فی الکثیر غسلة أو غسلتان مع سبق التعفیر ، وإلا لم یحصل له من الغسلات شی ء.

واستوجه العلامة فی المختلف طهارة الإناء بوقوعه فی الکثیر (2) ، وظاهره عدم اعتبار التعفیر فیه ، واستدل علیه بأنه حال وقوعه فی الکثیر لا یمکن القول بنجاسته حینئذ لزوال عین النجاسة ، إذ التقدیر ذلک. وهو ضعیف لأنا نمنع طهارة الإناء بدون التعفیر ، ولا بعد فی بقائه علی النجاسة حال وقوعه فی الکثیر کما فی جلد المیتة إذا وضع فی (3) کر من ماء ، فإن ذلک الماء یکون طاهرا مع بقاء الجلد علی النجاسة.

الثامن : لیس الخنزیر کالکلب فی الولوغ ، وقال الشیخ فی الخلاف الحکم واحد لأنه یسمی کلبا ، ولأن سائر النجاسات یجب غسل الإناء منها ثلاثا (4). وهما ضعیفان.

أما الأول : فلأنا لا نسلم أنّ الخنزیر یسمی کلبا ، ولو سمی کان مجازا ، واللفظ إنما ینصرف إلی الحقیقة.

وأما الثانی : فلمنع وجوب غسل الإناء من جمیع النجاسات ثلاثا ، ولو سلم لم یشترط التراب.

والأجود غسل الإناء من ولوغ الخنزیر سبعا ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی ابن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن خنزیر یشرب من إناء کیف

حکم الاناء الذی ولغ فیه الخنزیر

ص: 394


1- المعتبر ( 1 : 460 ).
2- المختلف : (64).
3- فی « م » ، « س » ، « ق » : فیه.
4- الخلاف ( 1 : 52 ).

ومن الخمر والجرذ ثلاثا بالماء ، والسبع أفضل.

______________________________________________________

یصنع به؟ قال : « یغسل سبع مرات » (1).

قال فی المعتبر : ونحن نحمله علی الاستحباب (2). وهو مشکل لانتفاء المعارض.

التاسع : لو نجس الإناء بولوغ الکلب والخنزیر اکتفی فی طهارته بغسله سبعا بعد التعفیر ولا یجب التسع ، وکذا یتداخل العدد ولو اختلفت أنواع النجاسة مطلقا ، لصدق الامتثال کما قطع به الأصحاب ، ولا أعلم فی ذلک خلافا.

قوله : ومن الخمر والجرذ ثلاثا بالماء والسبع أفضل.

الجرذ بضم الجیم وفتح الراء والذال المعجمة : کبیر الفأرة بالهمزة ، وموضع الخلاف نجاستها المستندة إلی الموت.

وقد اختلف کلام الشیخ فیما یطهر به الإناء من الخمر وموت الجرذ فقال فی النهایة والتهذیب : إنه یغسل من الخمر ثلاثا (3). وقال فی الخلاف : یغسل الإناء من جمیع النجاسات ثلاث مرات (4). وقال فی المبسوط والجمل : یغسل الإناء من الخمر سبعا (5). وقال فی النهایة : یغسل لموت الفأرة سبعا (6).

أما الثلاث فی الخمر ، فمستنده روایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الإناء یشرب فیه الخمر ، هل یجزیه أن یصب فیه الماء؟ قال : « لا یجزیه حتی یدلکه

ص: 395


1- الکافی ( 3 : 61 - 6 ) ، التهذیب ( 1 : 261 - 760 ) ، الوسائل ( 1 : 162 ) أبواب الأسئار ب (1) ح (2).
2- المعتبر ( 1 : 460 ).
3- النهایة : ( 589 ، 592 ) ، والتهذیب ( 1 : 283 ).
4- الخلاف ( 1 : 50 ).
5- المبسوط ( 1 : 15 ) ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : (171).
6- النهایة : (5).

ومن غیر ذلک مرّة واحدة ، والثلاث أحوط.

______________________________________________________

بیده ویغسله ثلاث مرات » (1).

وأما السبع فیه ، فمستنده روایة عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الإناء یشرب فیه النبیذ ، قال : « یغسل سبع مرات » (2).

وأما السبع فی الجرذ ، فمستنده روایة عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اغسل الإناء الذی تصیب فیه الجرذ سبعا » (3) ولم أقف علی نص یقتضی اعتبار الثلاث فیه.

وهذه الروایات کلها ضعیفة لانفراد الفطحیة بها. والمعتمد الاجتزاء بالمرة فی الجمیع ، وهو اختیار المصنف فی المعتبر ، فإنه قال فی آخر کلامه : ویقوی عندی الاقتصار فی اعتبار العدد علی الولوغ وفیما عداه علی إزالة (4) النجاسة وغسل الإناء بعد ذلک مرة واحدة لحصول الغرض من الإزالة ، ولضعف ما ینفرد به عمار وأشباهه ، وإنما اعتبرنا فی الخمر والفأرة الثلاث ملاحظة لاختیار الشیخ ، والتحقیق ما ذکرناه (5).

قوله : ومن غیر ذلک مرّة واحدة ، والثلاث أحوط.

یندرج فی قوله ومن غیر ذلک : نجاسة البول وغیرها من سائر النجاسات ، والأصح الاکتفاء بالمرة المزیلة للعین فی الجمیع والاقتصار فی اعتبار التعدد علی نجاسة الثوب خاصة بالبول ، کما بیناه فیما سبق (6).

ص: 396


1- الکافی ( 6 : 427 - 1 ) ، التهذیب ( 1 : 283 - 830 ) ، الوسائل ( 2 : 1074 ) أبواب النجاسات ب (51) ح (1).
2- التهذیب ( 9 : 116 - 502 ) ، الوسائل ( 17 : 302 ) أبواب الأشربة المحرمة ب (35) ح (2).
3- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الوسائل ( 2 : 1076 ) أبواب النجاسات ب (53) ح (1).
4- فی جمیع النسخ الخطیة ، والمصدر : ذلک ، وما أثبتناه من الحجری وهو الصواب.
5- المعتبر ( 1 : 462 ).
6- فی ص (338).

______________________________________________________

وقال الشیخ فی الخلاف : یغسل الإناء من جمیع النجاسات سوی الولوغ ثلاث مرات (1). واحتج علیه بطریقة الاحتیاط ، إذ مع الغسلات الثلاث یحصل الإجماع علی طهارته ، وبما رواه عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الإناء یکون قذرا ، قال : « یغسل ثلاث مرات یصب فیه الماء ویحرک ویفرغ » (2).

والجواب : أن الاحتیاط لیس بدلیل شرعی ، والروایة ضعیفة السند بجماعة من الفطحیة ، ومع ذلک فهی معارضة بما رواه عمار أیضا ، عن الصادق علیه السلام : عن الاکتفاء بالمرة (3). وهی أولی لأنها مطابقة لمقتضی البراءة الأصلیة. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

والحمد لله ربّ العالمین

عدد الغسلات

ص: 397


1- الخلاف ( 1 : 50 ).
2- التهذیب ( 1 : 284 - 832 ) ، الوسائل ( 2 : 1076 ) أبواب النجاسات ب (53) ح (1).
3- تقدمت فی ص (328).

ص: 398

فهرس الجزء الثانی

الاستحاضة

صفة دم الاستحاضة........................................................... 7

دم الحیض قد یکون بصفة دم الاستحاضة....................................... 8

ما قل عن ثلاثة وما تجاوز العشرة فهو استحاضة.................................. 9

حکم ما اجتمع مع الحمل من الدم.............................................. 9

حکم الحائض إذا تجاوز دمها العشرة........................................... 12

حکم المبتدئة رجوع المبتدئة إلی التمییز......................................... 14

رجوع المبتدئة إلی عادة نسائها أو أقرانها عند فقد التمییز......................... 15

تحیض المبتدئة بسبعة أیام عند اختلاف نسائها................................... 18

- حکم ذات العادة......................................................... 21

- حکم المضطربة رجوع المضطربة إلی التمییز.................................. 24

حکم ذاکرة العدد ناسیة الوقت إذا فقدت التمییز............................... 25

حکم ذاکرة الوقت ناسیة العدد إذا فقدت التمییز............................... 26

حکم ناسیة الوقت والعدد إذا فقدت التمییز.................................... 28

ص: 399

أحکام المستحاضة

- أقسام الاستحاضة وأحکامها............................................... 29

الاستحاضة القلیلة........................................................... 29

الاستحاضة المتوسطة......................................................... 31

الاستحاضة الکثیرة.......................................................... 34

أحکام المستحاضة........................................................... 37

عدم صحة صلاة المستحاضة لو أخلت بما علیها................................. 38

حکم صوم المستحاضة لو أخلت بالأغسال..................................... 38

بعض أحکام المستحاضة...................................................... 40

النفاس

- بیان النفاس.............................................................. 42

أقل النفاس.................................................................. 44

حکم من ولدت ولم تر دما................................................... 44

حکم من تری الدم قبل الولادة............................................... 44

أکثر النفاس................................................................ 45

حکم الحامل باثنین.......................................................... 49

حکم من لم تر الدم إلا فی العاشر............................................. 50

أحکام النفساء.............................................................. 50

غسل النفساء............................................................... 51

أحکام الأموات

- الاحتضار................................................................ 52

توجیه المحتضر إلی القبلة...................................................... 52

کیفیة التوجیه إلی القبلة...................................................... 53

عدم سقوط التوجیه بالموت................................................... 54

التوجیه فرض کفایة......................................................... 54

استحباب تلقین المحتضر...................................................... 55

ص: 400

استحباب نقل المحتضر إلی مصلاه.............................................. 56

استحباب الاسراج عند المیت لیلا............................................. 57

استحباب تغمیض عینی المحتضر وطبق فیه....................................... 57

استحباب مد یدی المحتضر.................................................... 58

کراهة طرح حدیدة علی بطن المیت........................................... 58

کراهة حضور الجنب والحائض عند المحتضر.................................... 59

- التغسیل ................................................................ 59

أولاهم بمیراثه أولاهم بتغسیله................................................. 59

الزوج أولی بالمرأة............................................................ 60

الکافر یغسل المسلم إذا لم یکن مسلم.......................................... 64

یغسل الرجل محارمه فقط..................................................... 65

یغسل الرجل من لها دون ثلاث سنین.......................................... 67

جواز تغسیل المسلم.......................................................... 69

عدم تغسیل الشهید.......................................................... 69

کفایة اغتسال من یجب علیه القتل............................................. 71

حکم أبعاض المیت.......................................................... 72

حکم السقط................................................................ 75

عدم تغسیل الأجنبیة الرجل................................................... 77

غسل المیت

- کیفیة غسل المیت........................................................ 78

تغسیله بماء السدر........................................................... 79

مقدار السدر................................................................ 82

تغسیله بماء الکافور.......................................................... 82

تغسیله بماء القراح........................................................... 82

استحباب توضیة المیت....................................................... 83

ص: 401

التغسیل بالقراح عند عدم السدر أو الکافور.................................... 84

تیمیم المیت إذا کان جلده یتناثر بالغسل....................................... 85

- سنن الغسل

تغسیله علی ساجة مستقبل القبلة.............................................. 86

تغسیله تحت الظلال......................................................... 87

إرسال الماء فی حفیرة......................................................... 87

فتق قمیصه ونزعه........................................................... 88

ستر عورته................................................................. 88

تلیین أصابعه................................................................ 89

غسل رأسه برغوة السدر..................................................... 89

غسل یدی المیت............................................................ 90

البدأة بالأیمن والتثلیث ومسح بطنه............................................ 90

- مکروهات الغسل

جعل الغاسل المیت بین رجلیه................................................. 91

اقعاده وقص أظفاره وترجیل شعره............................................ 91

کراهة تغسیل المخالف....................................................... 91

التکفین

واجبات التکفین

التکفین بثلاث قطع.......................................................... 92

کفایة قطعة عند الضرورة.................................................... 95

حرمة التکفین بالحریر........................................................ 95

وجوب مسح مساجده بالکافور............................................... 96

مقدار الکافور المندوب....................................................... 98

سنن التکفین

اغتسال الغاسل قبل التکفین.................................................. 99

إضافة حبرة للرجل.......................................................... 99

ص: 402

إضافة خرقة للرجل........................................................ 101

تعمیم الرجل.............................................................. 102

إضافة لفافة للمرأة ونمطا.................................................... 104

إضافة قناع للمرأة......................................................... 105

کون الکفن من القطن...................................................... 105

نثر الذریرة علی الکفن..................................................... 106

کتابة الشهادتین علی الکفن................................................ 107

خیاطة الکفن بخیوطه وعدم بله بالریق........................................ 108

جعل جریدتین فی الکفن.................................................... 108

سحق الکافور بالید........................................................ 112

جعل ما یفضل من الکافور علی الصدر....................................... 112

طوی جانب اللفافة........................................................ 113

- مکروهات التکفین

التکفین بالکتان........................................................... 113

عمل أکمام للکفن والکتابة علیه بالسواد..................................... 114

جعل الکافور فی مسامع المیت............................................... 114

- بعض مسائل التکفین

حکم النجاسة الخارجة من المیت............................................. 116

کفن المرأة علی الزوج...................................................... 117

کفن الرجل من الترکة..................................................... 119

حکم ما یسقط من المیت................................................... 121

الدفن

- التشییع

استحباب المشی خلف الجنازة............................................... 122

کراهة الجلوس للمشیع..................................................... 124

استحباب تربیع الجنازة..................................................... 125

ص: 403

استحباب إعلام المؤمنین بموت المؤمن......................................... 128

استحباب وضع الجنازة إذا وصل القبر........................................ 129

کیفیة إرسال المیت فی القبر................................................. 130

استحباب تحفی النازل فی القبر............................................... 131

کراهة تولی الأقارب دفن المیت.............................................. 131

استحباب الدعاء عند إنزال المیت القبر....................................... 132

فروض الدفن المواراة فی الأرض.............................................. 133

کیفیة دفن راکب البحر.................................................... 134

اضجاع المیت علی الجانب الأیمن مستقبل القبلة............................... 136

الاستدبار بغیر المسلمة الحاملة من مسلم...................................... 136

- سنن الدفن

حفر القبر قدر قامة........................................................ 137

عمل اللحد مما یلی القبلة.................................................... 138

حل عقد الأکفان.......................................................... 138

جعل شئ من تربة الحسین مع المیت.......................................... 139

تلقین المیت................................................................ 140

شرج اللبن................................................................ 141

الخروج من قبل رجلی القبر................................................. 142

إهالة التراب بظهور الأکف................................................. 142

رفع القبر مقدار أربع أصابع................................................. 143

صب الماء علی القبر........................................................ 144

وضع الید علی القبر والترحم علی المیت...................................... 145

تلقین الولی المیت بعد انصراف الناس......................................... 145

التعزیة.................................................................... 146

مکروهات الدفن

ص: 404

فرش القبر بالساج......................................................... 147

إهالة ذی الرحم علی رحمه................................................. 148

تجصیص القبور............................................................ 149

تجدید القبور.............................................................. 150

دفن میتین فی قبر واحد..................................................... 151

نقل المیت إلی بلد آخر...................................................... 152

الاستناد إلی القبر والمشی علیه............................................... 152

- لواحق

حرمة نبش القبور.......................................................... 153

حرمة نقل الموتی بعد الدفن................................................. 154

حرمة شق الثوب.......................................................... 155

- حکم الشهید........................................................... 155

- تقطیع الحمل وإخراجه إذا مات........................................... 157

شق بطن الحامل واخراج الحمل إذا ماتت..................................... 158

الأغسال المسنونة

- أغسال الوقت

غسل الجمعة.............................................................. 159

وقت غسل الجمعة......................................................... 161

جواز تعجیله یوم الخمیس................................................... 162

جواز قضائه یوم السبت.................................................... 163

أغسال شهر رمضان....................................................... 164

غسل العیدین وعرفة....................................................... 166

أغسال شهر رجب وشعبان................................................. 167

غسل یوم الغدیر........................................................... 167

غسل یوم المباهلة........................................................... 168

أغسال الفعل

ص: 405

غسل الاحرام............................................................. 168

غسل الزیارة.............................................................. 169

غسل تارک صلاة الکسوف................................................. 169

غسل التوبة............................................................... 171

- أغسال المکان

غسل دخول الحرم والمسجد والکعبة......................................... 171

غسل دخول المدینة ومسجدها............................................... 171

- مسائل

محل الغسل................................................................ 172

تداخل الأغسال........................................................... 173

حکم غسل السعی لرؤیة المصلوب........................................... 173

حکم غسل المولود......................................................... 174

التیمم

معنی التیمم................................................................ 175

- ما یصح معه التیمم

الأول : عدم الماء.......................................................... 177

وجوب الطلب عند عدم الماء ومقداره........................................ 178

عدم الاعتداد بالطلب قبل الوقت............................................ 182

حکم من أخل بالطلب..................................................... 183

وجود الماء الغیر الکافی کعدمه............................................... 186

الثانی : عدم الوصلة إلیه.................................................... 188

الثالث : الخوف .......................................................... 190

الخوف من اللص والسبع أو ضیاع المال...................................... 190

خوف المرض والشین....................................................... 191

عدم تسویغ المرض الیسیر................................................... 192

حکم من أجنب نفسه مع عدم الماء.......................................... 193

ص: 406

خوف العطش............................................................. 195

- ما یجوز التیمم به

ما یقع علیه اسم الأرض.................................................... 196

حکم التیمم بالحجر........................................................ 199

حکم التیمم بالمعادن والرماد................................................ 200

حکم التیمم بالنبات المنسحق................................................ 201

حکم التیمم بأرض النورة والجص........................................... 201

حکم التیمم بالخزف....................................................... 202

حکم التیمم بتراب القبر والمستعمل والمغصوب................................ 203

حرمة التیمم بالنجس والطین مع وجود التراب................................ 204

کراهة التیمم بالسبخة والرمل............................................... 205

استحباب التیمم من ربا الأرض............................................. 206

التیمم من غبار الثوب أو لبد السرج أو عرف الدابة........................... 206

التیمم بالوحل............................................................. 207

- کیفیة التیمم

وقت التیمم............................................................... 208

- واجبات التیمم

الأول : النیة.............................................................. 215

عدم اعتبار نیة البدلیة عن الوضوء أو الغسل.................................. 215

محل النیة.................................................................. 216

الثانی : استدامة النیة....................................................... 217

الثالث : وضع الیدین علی الأرض........................................... 217

عدم اشتراط علوق التراب بالید............................................. 218

الرابع : مسح الجبهة....................................................... 219

الخامس : مسح ظاهر الکفین............................................... 222

تنبیهات................................................................... 226

ص: 407

السادس : الترتیب......................................................... 226

اعتبار الموالاة.............................................................. 227

عدد الضربات فی التیمم.................................................... 229

حکم من قطعت کفاه...................................................... 234

وجوب استیعاب مواضع المسح.............................................. 235

استحباب نفض الیدین..................................................... 235

حکم من تیمم وعلی جسده نجاسة........................................... 236

- أحکام التیمم

إجزاء الصلاة بالتیمم....................................................... 237

من أخل بالطلب یعید الصلاة............................................... 241

سقوط الصلاة مع عدم التمکن من التیمم..................................... 242

حکم من تیمم ثم وجد الماء................................................. 244

استباحة المتیمم ما یستبیحه المتطهر........................................... 249

حکم اجتماع المیت والجنب والمحدث مع کفایة الماء لأحدهم.................... 250

حکم المتیمم بدل الغسل إذا أحدث.......................................... 252

انتقاض التیمم بالتمکن من الماء.............................................. 254

عدم انتقاض التیمم بخروج الوقت........................................... 255

تیمم من تمرض عضو منه ولم یمکن مسحه.................................... 256

جواز التیمم لصلاة الجنازة.................................................. 256

النجاسات

- أنواع النجاسات

- البول والغائط.......................................................... 258

حکم رجیع الطیر.......................................................... 259

حکم رجیع الخشاف....................................................... 261

حکم بول الرضیع......................................................... 263

حکم رجیع ما لا نفس له................................................... 263

ص: 408

حکم ذرق الدجاج الجلال.................................................. 264

- المنی................................................................... 265

حکم منی ما لا نفس له..................................................... 267

- المیتة................................................................... 267

میتة غیر الآدمی........................................................... 268

میتة الادمی............................................................... 270

نجاسة ما قطع من المیتة...................................................... 271

طهارة ما لا تحله الحیاة من المیتة.............................................. 272

حکم لبن المیتة............................................................. 274

طهارة فأرة المسک......................................................... 275

حکم ما لا تحله الحیاة من نجس العین......................................... 275

غسل مس المیت

وجوب الغسل بمس المیت................................................... 277

عدم وجوب الغسل بمس المیت وهو حار...................................... 278

حکم مس العضو الذی کمل غسله.......................................... 279

وجوب الغسل بمس قطعة فیها عظم.......................................... 279

عدم وجوب الغسل بمس العظم.............................................. 280

الدم...................................................................... 281

طهارة القیح والقئ......................................................... 283

طهارة المسک.............................................................. 284

حکم الدم المشتبه.......................................................... 284

طهارة دم ما لا نفس له..................................................... 284

- الکلب والخنزیر......................................................... 285

حکم المتولد من کلب وغیره................................................ 286

حکم الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة....................................... 286

- المسکر................................................................ 289

ص: 409

حکم الخمر............................................................... 289

أدلة نجاسة الخمر.......................................................... 290

أدلة طهارة الخمر.......................................................... 291

حکم العصیر العنبی........................................................ 292

- الفقاع................................................................. 293

- الکافر................................................................. 294

حجة القائلین بالنجاسة..................................................... 296

حجة القائلین بالطهارة...................................................... 297

حکم ولد الکافر.......................................................... 298

حکم عرق الجنب من حرام................................................. 299

حکم عرق الإبل الجلالة.................................................... 300

کراهة بول البغال والحمیر والدواب.......................................... 301

أحکام النجاسات

وجوب إزالة النجاسة للصلاة والطواف...................................... 303

وجوب إزالة النجاسة لدخول المساجد........................................ 305

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد........................................... 306

اقتضاء الامر بالشئ النهی عن الضد وعدمه................................... 307

العفو عن دم القروح والجروح............................................... 308

العفو عما دون الدرهم من الدم............................................. 311

معنی الدرهم البغلی........................................................ 314

عدم العفو عن الدماء الثلاثة................................................. 315

حکم الدم المتفرق الذی یبلغ مجموعه الدرهم.................................. 318

حکم ما لا تتم الصلاة فیه النجس........................................... 320

حکم استصحاب النجاسة فی الصلاة......................................... 323

حکم من جبر عظمه بعظم نجس............................................. 323

حکم من أدخل دما تحت جلده.............................................. 324

ص: 410

وجوب عصر الثیاب من النجاسات.......................................... 325

وجوب دلک الصلب فی تطهیره............................................. 328

حکم ما یعسر عصره...................................................... 329

حکم الصابون وأمثاله إذا تنجس............................................ 331

لا یجب عصر الثوب من بول الرضیع........................................ 332

وجوب غسل الثوب مع اشتباه محل النجاسة................................... 334

عدد الغسلات............................................................. 336

کفایة المرة المزیلة مطلقا..................................................... 338

استحباب رش الثوب بملاقاة الکلب والخنزیر یابسا............................. 341

بعض ما یستحب نضح الثوب منه........................................... 342

استحباب مسح البدن بملاقاة النجاسة یابسا................................... 343

حکم من أخل بإزالة النجاسة وصلی......................................... 344

حکم من رأی النجاسة وهو یصلی.......................................... 351

المربیة للصبی تغسل ثوبها مرة بالیوم.......................................... 355

حکم الصلاة فی الثوب المشتبه بالنجس....................................... 356

حکم من لیس له ثوب طاهر................................................ 359

طهارة الأرض وغیرها بالجفاف بالشمس..................................... 362

الجفاف بغیر الشمس لا یطهر............................................... 365

اعتبار زوال الجرم فی الطهارة بالشمس....................................... 367

طهارة ما أحالته النار....................................................... 367

مطهریة الاستحالة......................................................... 369

حکم العجین النجس....................................................... 369

طهارة النعل بالتراب....................................................... 372

حکم ماء الغیث الواقع علی النجاسة......................................... 375

حکم الغسالة.............................................................. 377

کیفیة تطهیر الأرض........................................................ 377

ص: 411

الأوانی والجلود

حرمة الأکل فی آنیة الذهب والفضة......................................... 379

حرمة اقتناء أوانی الذهب والفضة............................................ 380

عدم بطلان الطهارة من آنیة الذهب والفضة.................................. 381

عدم حرمة غیر الأوانی کالمیل................................................ 381

حکم زخرفة السقوف..................................................... 382

کراهة المفضض من الأوانی.................................................. 382

حکم أوانی المشرکین....................................................... 384

- حکم الجلود............................................................ 385

حکم الجلد المطروح........................................................ 387

استحباب دبغ جلد ما لا یؤکل لحمه......................................... 388

حکم أوانی الخمر المقیرة.................................................... 388

کراهة أوانی الخمر الخشبیة وأمثالها........................................... 389

حکم الاناء الذی ولغ فیه الکلب............................................ 390

حکم الاناء الذی ولغ فیه الخنزیر............................................ 394

عدد الغسلات............................................................. 397

ص: 412

المجلد 3

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ

کتاب الصلاة والعلم بها یستدعی بیان أربعة أرکان :

الرکن الأوّل : فی المقدمات ، وهی سبع :

الأولی : فی أعداد الصلاة

______________________________________________________

کتاب الصلاة

الصلاة لغة : الدعاء. قال الجوهری : والصلاة من الله : الرحمة ، والصلاة : واحدة الصلوات المفروضات (1). وفی نهایة ابن الأثیر ذکر لها معانی منها : أنها العبادة المخصوصة (2). والظاهر أنّ هذا المعنی لیس بحقیقة لغة ، لأن أهل اللغة لم یعرفوا هذا المعنی إلاّ من قبل الشرع ، وذکرهم له فی کتبهم لا یقتضی کونه حقیقة فیه ، لأن دأبهم جمع المعانی التی استعمل فیها اللفظ ، سواء کانت حقیقیة أم مجازیة. نعم هو حقیقة عرفیة ، وفی کونه حقیقة شرعیة خلاف تقدمت الإشارة إلیه فی الطهارة (3).

وهذه العبادة تارة تکون ذکرا محضا کالصلاة بالتسبیح ، وتارة فعلا محضا

کتاب الصلاة

تعریف الصلاة


1- الصحاح 6 : 2402.
2- النهایة لابن الأثیر 3 : 50.
3- فی ج 1 ص 6.

______________________________________________________

کصلاة الأخرس ، وتارة تجمعهما کصلاة الصحیح ، ووقوعها علی هذه الموارد بالتواطؤ أو التشکیک. وهی أشهر من أن یتوقف فهم معناها علی تعریف لفظی.

والصلاة من أفضل العبادات وأهمها فی نظر الشرع ، فروی الکلینی - رضی الله تعالی عنه - فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن أفضل ما یتقرب به العباد إلی ربهم ، وأحبّ ذلک إلی الله عزّ وجلّ ما هو؟ فقال : « ما أعلم شیئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا تری أنّ العبد الصالح عیسی بن مریم صلی الله علی نبینا وعلیه قال ( وَأَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَالزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیًّا ) (1) » (2).

وفی الصحیح ، عن أبان بن تغلب ، قال : صلّیت خلف أبی عبد الله علیه السلام المغرب بالمزدلفة ، فلما انصرف أقام الصلاة فصلّی العشاء الآخرة ولم یرکع بینهما (3) ، ثم صلیت معه بعد ذلک بسنة فصلّی المغرب ، ثم قام فتنفّل بأربع رکعات ، ثم قام فصلّی العشاء ، ثم التفت إلیّ فقال : « یا أبان هذه الصلوات الخمس المفروضات من أقامهن وحافظ علی مواقیتهن لقی الله یوم القیامة وله عنده عهد یدخله به الجنة ، ومن لم یصلّهن لمواقیتهن ولم یحافظ علیهن فذلک إلیه إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه » (4).

وعن عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط ، إذا ثبت العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء ، وإذا انکسر العمود لم ینفع طنب ولا وتد ولا غشاء » (5).

أهم

أهمیة الصلاة

ص: 6


1- مریم : 31.
2- الکافی 3 : 264 - 1 ، الوسائل 3 : 25 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 10 ح 1.
3- أی لم یصلّ بینهما ، تسمیة للکل باسم الجزء.
4- الکافی 3 : 267 - 2 ، الوسائل 3 : 78 أبواب المواقیت ب 1 ح 1.
5- الکافی 3 : 266 - 9 ، الوسائل 3 : 21 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 8 ح 6.

______________________________________________________

وعن أبی بصیر قال : ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « صلاة فریضة خیر من عشرین حجّة ، وحجّة خیر من بیت ذهب یتصدق منه حتی یفنی » (1).

وعقاب ترکها عظیم ، فروی الشیخ فی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « بینا رسول الله صلی الله علیه و آله جالس فی المسجد إذ دخل رجل فقام فصلّی ، فلم یتم رکوعه ولا سجوده ، فقال صلی الله علیه و آله : نقر کنقر الغراب ، لإن مات هذا وهکذا صلاته لیموتن علی غیر دینی » (2).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إنّ تارک الفریضة کافر » (3).

وروی الصدوق فی الصحیح ، عن برید بن معاویة العجلی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ما بین المسلم وبین أن یکفر إلاّ أن یترک الصلاة الفریضة متعمدا ، أو یتهاون بها فلا یصلّیها » (4).

وعن مسعدة بن صدقة أنه قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام ما بال الزانی لا تسمیه کافرا وتارک الصلاة تسمیه کافرا؟ وما الحجة فی ذلک؟ فقال : « لأن الزانی وما أشبهه إنما یفعل ذلک لمکان الشهوة لأنها تغلبه ، وتارک الصلاة لا یترکها إلا استخفافا بها ، وذلک لأنک لا تجد الزانی یأتی المرأة إلاّ وهو مستلذ لإتیانه إیاها قاصدا إلیها ، وکل من ترک الصلاة قاصدا لترکها فلیس یکون قصده لترکها اللذة ، فإذا نفیت اللذة وقع الاستخفاف ، وإذا وقع الاستخفاف

ص: 7


1- الکافی 3 : 265 - 7 ، الوسائل 3 : 26 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 10 ح 4.
2- التهذیب 2 : 239 - 948 ، الوسائل 3 : 20 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 8 ح 2.
3- التهذیب 2 : 7 - 13 ، الوسائل 3 : 28 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11 ح 1.
4- عقاب الأعمال : 274 - 1 ، المحاسن 1 : 80 - 8 ، الوسائل 3 : 29 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11 ح 6.

والمفروض منها تسع :

صلاة الیوم واللیلة ، والجمعة ، والعیدین ، والکسوف ، والزلزلة ، والآیات ، والطواف ، والأموات ، وما یلتزمه الإنسان بنذر وشبهه. وما عدا ذلک مسنون.

وصلاة الیوم واللیلة خمس ، وهی سبع عشرة رکعة فی الحضر : الصبح رکعتان ، والمغرب ثلاثا ، وکل واحدة من البواقی أربع. ویسقط من کل رباعیة فی السفر رکعتان.

______________________________________________________

وقع الکفر » (1) والأخبار الواردة فی ذلک أکثر من أن تحصی.

قوله : ( والمفروض منها تسع : صلاة الیوم واللیلة ، والجمعة ، والعیدین ، والکسوف ، والزلزلة ، والآیات ، والطواف ، والأموات ، وما یلتزمه الإنسان بنذر وشبهه ).

الصلاة تنقسم بالقسمة الأولی إلی واجبة ومندوبة ، لأن العبادة لا تکون إلا راجحة ، وللمندوبة أقسام کثیرة سیجی ء الکلام فیها عند ذکر المصنف - رحمه الله - لها.

وأما الواجبة فأقسامها تسعة بالحصر المستفاد من تتبع الأدلة الشرعیة. وکان الأولی جعلها سبعة بإدراج الکسوف والزلزلة فی الآیات کما أدرج النذر ، والعهد ، والیمین ، والتحمل عن الغیر ، فی الملتزم. ویندرج فی الیومیة الأداء والقضاء وصلاة الاحتیاط.

وربما ظهر من التقسیم وقوع اسم الصلاة علی صلاة الأموات حقیقة عرفیة ، وهو بعید ، والأصح أنه علی سبیل المجاز العرفی ، إذ لا یفهم عند الإطلاق من لفظ الصلاة عند أهل العرف إلاّ ذات الرکوع والسجود أو ما قام

أعداد الصلاة

الصلوات المفروضة

ص: 8


1- الکافی 2 : 386 - 9 ، الفقیه 1 : 132 - 616 ، قرب الإسناد : 22 ، علل الشرائع : 339 - 1 ، الوسائل 3 : 28 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11 ح 2.

ونوافلها فی الحضر أربع وثلاثون رکعة علی الأشهر :

أمام الظهر ثمان ، وقبل العصر مثلها ، وبعد المغرب أربع ، وعقیب العشاء رکعتان من جلوس تعدّان برکعة ، وإحدی عشرة صلاة اللیل مع رکعتی الشّفع والوتر ، ورکعتان للفجر.

______________________________________________________

مقامهما ، ولأن کل صلاة یجب فیها الطهارة وقراءة الفاتحة ، لقوله علیه السلام : « لا صلاة إلاّ بطهور » (1) و « لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب » (2) وصلاة الجنازة لا یعتبر فیها ذلک إجماعا.

ولا یخفی أنّ بعض هذه الأنواع قد یکون مندوبا کالیومیة المعادة ، وصلاة العیدین فی زمن الغیبة علی المشهور ، وصلاة الکسوف بعد فعلها أولا ، وصلاة الطواف المستحب ، والصلاة علی المیت الذی لم یبلغ الست علی المشهور.

وقد أجمع علماء الإسلام علی وجوب الصلوات الخمس ونفی الزائد عنها. نعم نقل عن أبی حنیفة وجوب الوتر (3) ، وأخبارنا ناطقة بنفیه (4). وحکی عن بعض العامة أنه قال : قلت لأبی حنیفة : کم الصلاة؟ قال : خمس ، قلت : فالوتر؟ قال : فرض ، قلت : لا أدری تغلط فی الجملة أو فی التفصیل (5).

قوله : ( ونوافلها فی الحضر أربع وثلاثون رکعة علی الأشهر : أمام الظهر ثمان ، وقبل العصر مثلها ، وبعد المغرب أربع ، وعقیب العشاء رکعتان من جلوس تعدّان برکعة ، وإحدی عشرة صلاة اللیل مع رکعتی الشّفع والوتر ، ورکعتا الفجر ).

نوافل الصلوات

ص: 9


1- التهذیب 1 : 49 - 144 ، الإستبصار 1 : 55 - 160 ، الوسائل 1 : 256 أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
2- غوالی اللآلی 1 : 196 - 2 ، المستدرک 1 : 274 أبواب القراءة ب 1 ح 6.
3- کما فی عمدة القاری 7 : 11 ، والمغنی والشرح الکبیر 1 : 411 ، وبدایة المجتهد 1 : 91.
4- الوسائل 3 : 5 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 2.
5- کما فی المنتهی 1 : 194.

______________________________________________________

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، ونقل فیه الشیخ - رحمه الله تعالی - الإجماع (1).

والمستند فیه علی الجملة ما رواه الشیخان : الکلینی والطوسی - رحمهما الله تعالی - فی الحسن ، عن فضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الفریضة والنافلة إحدی وخمسون رکعة ، منها رکعتان بعد العتمة جالسا تعدّان برکعة ، والنافلة أربع وثلاثون رکعة » (2).

وعلی التفصیل ما رواه الشیخان أیضا ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علیّ بن حدید ، عن علیّ بن النعمان ، عن الحارث النضری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « صلاة النهار ست عشرة رکعة : ثمان إذا زالت ، وثمان بعد الظهر ، وأربع رکعات بعد المغرب ، یا حارث لا تدعها فی سفر ولا حضر ، ورکعتان بعد العشاء کان أبی یصلّیهما وهو قاعد وأنا أصلّیهما وأنا قائم ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی ثلاث عشرة رکعة من اللیل » (3) وفی الطریق علیّ بن حدید ، وقال الشیخ فی الاستبصار : إنه ضعیف جدّا لا یعول علی ما ینفرد به (4). وقد روی هذه الروایة الشیخ فی التهذیب بطریق آخر ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن علیّ بن النعمان (5) ، وعلی هذا فتکون صحیحة ، لکن قیل : إنّ مثل ذلک یمسی اضطرابا وإنه مضعف للخبر. وفیه بحث لیس هذا محله.

وقد روی نحو هذه الروایة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، قال : قلت لأبی

ص: 10


1- الخلاف 1 : 199.
2- الکافی 3 : 443 - 2 ، التهذیب 2 : 4 - 2 ، الإستبصار 1 : 218 - 772 ، الوسائل 3 : 32 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 3.
3- الکافی 3 : 446 - 15 ، التهذیب 2 : 4 - 5 ، الوسائل 3 : 33 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 9.
4- الاستبصار 3 : 95.
5- التهذیب 2 : 9 - 16 ، الوسائل 3 : 33 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 9.

______________________________________________________

الحسن علیه السلام : إن أصحابنا یختلفون فی صلاة التطوع ، بعضهم یصلّی أربعا وأربعین ، وبعضهم یصلّی خمسین ، فأخبرنی بالذی تعمل به أنت کیف هو حتی أعمل بمثله؟ فقال علیه السلام : « أصلّی واحدة وخمسین رکعة » ثم قال : « أمسک - وعقد بیده - الزوال ثمانیة ، وأربعا بعد الظهر ، وأربعا قبل العصر ، ورکعتین بعد المغرب ، ورکعتین قبل العشاء الآخرة ، ورکعتین بعد العشاء من قعود تعد برکعة من قیام ، وثمان صلاة اللیل ، والوتر ثلاثا ، ورکعتی الفجر ، والفرائض سبع عشرة ، فذلک إحدی وخمسون رکعة » (1) وعلی هذه الروایات عمل الأصحاب.

وقد روی فی غیر المشهور أنها ثلاث وثلاثون بإسقاط الرکعتین بعد العشاء ، روی ذلک جماعة من أصحابنا منهم الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة رسول الله صلی الله علیه و آله بالنهار ، فقال : « ومن یطیق ذلک؟! » ثم قال : « ألا أخبرک کیف أصنع أنا؟ » فقلت : بلی ، فقال : « ثمانی رکعات قبل الظهر وثمان رکعات بعدها » قلت : فالمغرب؟ قال : « أربع بعدها » قلت : فالعتمة؟ قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی العتمة ثم ینام » وقال بیده هکذا فحرکها ، قال ابن أبی عمیر : ثم وصف کما ذکر أصحابنا (2).

وروی الحلبی فی الحسن ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شی ء؟ فقال : « لا ، غیر أنی أصلّی بعدها رکعتین ولست أحسبهما من صلاة اللیل » (3).

وروی أنها تسع وعشرون : ثمان للظهر ، ورکعتان بعدها ، ورکعتان قبل

ص: 11


1- الکافی 3 : 444 - 8 ، التهذیب 2 : 8 - 14 ، الوسائل 3 : 33 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 7.
2- التهذیب 2 : 5 - 7 ، الوسائل 3 : 35 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 15.
3- الکافی 3 : 443 - 6 ، التهذیب 2 : 10 - 19 ، الوسائل 3 : 68 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 27 ح 1.

______________________________________________________

العصر ، ورکعتان بعد المغرب ، ورکعتان قبل العشاء ، واللیلیة مع الوتر ورکعتی الفجر ثلاث عشرة رکعة ، رواه الشیخ عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التطوع باللیل والنهار ، فقال : « الذی یستحب أن لا یقصر عنه : ثمان رکعات عند زوال الشمس ، وبعد الظهر رکعتان ، وقبل العصر رکعتان ، وبعد المغرب رکعتان ، وقبل العتمة رکعتان ، ومن السحر ثمان رکعات ، ثم یوتر والوتر ثلاث رکعات مفصولة ، ثم رکعتان قبل صلاة الفجر » (1).

وروی أنها سبع وعشرون بإسقاط الرکعتین قبل العشاء ، رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنی رجل تاجر أختلف وأتجر فکیف لی بالزوال ، والمحافظة علی صلاة الزوال ، وکم تصلّی؟ قال : « تصلّی ثمان رکعات إذا زالت الشمس ، ورکعتین بعد الظهر ، ورکعتین قبل العصر ، فهذه اثنتا عشرة رکعة ، وتصلّی بعد المغرب رکعتین ، وبعد ما ینتصف اللیل ثلاث عشرة رکعة منها الوتر ومنها رکعتا الفجر ، فتلک سبع وعشرون رکعة سوی الفریضة ، وإنما هذا کله تطوع ولیس بمفروض ، إن تارک الفریضة کافر ، وإن تارک هذا لیس بکافر ولکنها معصیة ، لأنه یستحب إذا عمل الرجل عملا من الخیر أن یدوم علیه » (2) ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا تصلّ أقل من أربع وأربعین رکعة » (3).

ولا تنافی بین هذه الروایات ، إذ لا دلالة فیما تضمن الأقل علی نفی استحباب الزائد ، وإنما یدل علی أن ذلک العدد آکد استحبابا من غیره ، وربما

ص: 12


1- التهذیب 2 : 6 - 11 ، الإستبصار 1 : 219 - 777 ، الوسائل 3 : 42 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 2.
2- التهذیب 2 : 7 - 13 ، الوسائل 3 : 42 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 1.
3- التهذیب 2 : 6 - 9 ، الإستبصار 1 : 219 - 775 ، الوسائل 3 : 43 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 4.

______________________________________________________

کان فی قوله علیه السلام (1) : « لا تصلّ أقل من أربع وأربعین رکعة » إشعار باستحباب الزائد.

وهنا فوائد :

الأولی : المشهور بین الأصحاب أن نافلة الظهر ثمان رکعات قبلها ، ونافلة العصر ثمان رکعات قبلها. وقال ابن الجنید : یصلی قبل الظهر ثمان رکعات ، وثمان رکعات بعدها ، منها رکعتان نافلة العصر (2). ومقتضاه أن الزائد لیس لها ، وربما کان مستنده روایة سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صلاة النافلة ثمان رکعات حین تزول الشمس قبل الظهر ، وست رکعات بعد الظهر ، ورکعتان قبل العصر » (3) وهی لا تعطی کون الست للظهر ، مع أنّ فی روایة البزنطی إنه یصلی أربع بعد الظهر ، وأربع قبل العصر (4).

وبالجملة : فلیس فی الروایات دلالة علی التعیین بوجه ، وإنما المستفاد منها استحباب صلاة ثمان رکعات قبل الظهر ، وثمان بعدها ، وأربع بعد المغرب ، من غیر إضافة إلی الفریضة ، فینبغی الاقتصار فی نیتها علی ملاحظة الامتثال بها خاصة.

قیل : وتظهر فائدة الخلاف فی اعتبار إیقاع الست قبل القدمین أو المثل إن جعلناها للظهر ، وفیما إذا نذر نافلة العصر ، فإن الواجب الثمان علی المشهور ، ورکعتان علی قول ابن الجنید (5).

ویمکن المناقشة فی الموضعین ، أما الأول : فبأن مقتضی النصوص اعتبار

فوائد تتعلق بالنوافل

نوافل الظهر والعصر

ص: 13


1- فی « ح » زیادة : فی صحیحة ابن سنان.
2- نقله عنه فی المختلف : 123.
3- التهذیب 2 : 5 - 8 ، الوسائل 3 : 35 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 16.
4- المتقدمة فی ص 10.
5- کما فی المهذب البارع 1 : 280.

______________________________________________________

إیقاع الثمان التی قبل الظهر قبل القدمین أو المثل ، والثمان التی بعدها قبل الأربعة أو المثلین ، سواء جعلنا الست منها للظهر أم العصر.

وأما الثانی فلأن النذر یتبع قصد الناذر ، فإن قصد الثمانی أو الرکعتین وجب ، وإن قصد ما وظفه الشارع للعصر أمکن التوقف فی صحة النذر ، لعدم ثبوت الاختصاص کما بیناه.

الثانیة : یکره الکلام بین المغرب ونافلتها ، لما رواه الشیخ ، عن أبی الفوارس ، قال : نهانی أبو عبد الله علیه السلام أن أتکلم بین الأربع رکعات التی بعد المغرب (1). وکراهة الکلام بین الأربع یقتضی کراهة الکلام بینها وبین المغرب بطریق أولی. ویشهد له أیضا ما رواه الشیخ عن أبی العلاء الخفاف ، عن جعفر بن محمد علیه السلام ، قال : « من صلّی المغرب ثم عقّب ولم یتکلم حتی یصلّی رکعتین کتبنا له فی علیتین ، فإن صلّی أربعا کتبت له حجة مبرورة » (2).

وذکر المفید - رحمه الله - فی المقنعة : أنّ الأولی القیام إلی نافلة المغرب عند الفراغ منها قبل التعقیب ، وتأخیره إلی أن یفرغ من النافلة (3). واحتج له فی التهذیب بهذه الروایة ، وهی إنما تعطی استحباب فعل النافلة قبل الکلام بما لا یدخل فی التعقیب ، لا استحباب فعلها قبل التعقیب.

وقال الشهید - رحمه الله - فی الذکری : الأفضل المبادرة بها - یعنی نافلة المغرب - قبل کل شی ء سوی التسبیح (4). ونقل عن المفید - رحمه الله - مثله (5) ، واستدل علیه بأن النبی صلی الله علیه و آله فعلها کذلک ، فإنه لما بشّر بالحسن علیه السلام صلّی رکعتین بعد المغرب شکرا ، فلما بشّر بالحسین

آداب نافلة المغرب

ص: 14


1- التهذیب 2 : 114 - 425 ، الوسائل 4 : 1057 أبواب التعقیب ب 30 ح 1.
2- التهذیب 2 : 113 - 422 ، الوسائل 4 : 1057 أبواب التعقیب ب 30 ح 2.
3- المقنعة : 18.
4- الذکری : 124.
5- المقنعة : 19.

______________________________________________________

علیه السلام صلّی رکعتین ولم یعقب حتی فرغ منها (1). ومقتضی هذه الروایة أولویة فعلها قبل التسبیح أیضا ، إلاّ أنها مجهولة السند ، ومعارضة بالأخبار الصحیحة المتضمنة للأمر بتسبیح الزهراء علیهاالسلام قبل أن یثنی المصلّی رجلیه من صلاة الفریضة (2).

الثالثة : روی ابن بابویه - رحمه الله تعالی - فی من لا یحضره الفقیه ، فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من قال فی آخر سجدة من النافلة بعد المغرب لیلة الجمعة ، وإن قال کل لیلة فهو أفضل : اللهم إنی أسألک بوجهک الکریم واسمک العظیم أن تصلّی علی محمد وآل محمد وأن تغفر لی ذنبی العظیم ، سبع مرات انصرف وقد غفر له » (3) وذکر الشهید - رحمه الله - فی الذکری (4) أن محل هذا الدعاء السجدة الواقعة بعد السبع ، ولا یبعد أن یکون وهما.

الرابعة : قال فی المنتهی (5) : سجود الشکر فی المغرب ینبغی أن یکون بعد نافلتها ، لما رواه الشیخ عن حفص الجوهری ، قال : صلّی بنا أبو الحسن علیه السلام صلاة المغرب فسجد سجدة الشکر بعد السابعة ، فقلت له : کان آباؤک یسجدون بعد الثلاثة فقال : « ما کان أحد من آبائی یسجد إلاّ بعد السبعة » (6) وفی السند ضعف ، مع أنه روی جهم بن أبی جهم ، قال : رأیت أبا الحسن موسی علیه السلام وقد سجد بعد الثلاث الرکعات من

ص: 15


1- الفقیه 1 : 289 - 1319 ، التهذیب 2 : 113 - 424 ، علل الشرائع : 324 - 1 ، الوسائل 3 : 64 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 24 ح 6.
2- الوسائل 4 : 1021 أبواب التعقیب ب 7.
3- الفقیه 1 : 273 - 1249 ، الوسائل 5 : 76 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 46 ح 1.
4- الذکری : 113.
5- المنتهی 1 : 196.
6- التهذیب 2 : 114 - 426 ، الإستبصار 1 : 347 - 1308 ، الوسائل 4 : 1058 أبواب التعقیب ب 31 ح 1.

______________________________________________________

المغرب ، فقلت له : جعلت فداک رأیتک سجدت بعد الثلاث فقال : « ورأیتنی؟ » فقلت : نعم ، قال : « فلا تدعها فإن الدعاء فیها مستجاب » (1) والظاهر أنّ المراد به سجدة الشکر. والکل حسن إن شاء الله تعالی.

الخامسة : ذکر جمع من الأصحاب أنّ الجلوس فی الرکعتین اللتین بعد العشاء أفضل من القیام ، لورود النص علی الجلوس فیهما فی الروایات الکثیرة ، کقوله علیه السلام فی حسنة الفضیل بن یسار : « منها رکعتان بعد العتمة جالسا تعدّان برکعة » (2) وفی روایة البزنطی : « ورکعتین بعد العشاء من قعود تعدّ برکعة من قیام » (3).

ویمکن القول بأفضلیة القیام فیهما ، لقوله علیه السلام فی روایة سلیمان بن خالد : « ورکعتان بعد العشاء الآخرة تقرأ فیهما مائة آیة قائما أو قاعدا ، والقیام أفضل » (4) وفی الطریق عثمان بن عیسی وهو واقفی (5).

ویشهد له أیضا قوله علیه السلام فی روایة الحارث النضری : « ورکعتان تصلیهما بعد العشاء کان أبی یصلیهما وهو قاعد وأنا أصلیهما وأنا قائم » (6) فإن مواظبته علیه السلام علی القیام فیهما تدل علی رجحانه ، وجلوس أبیه علیه السلام ربما کان للمشقة ، فإنه علیه السلام کان رجلا جسیما یشق علیه القیام فی النافلة علی ما ورد فی بعض الأخبار (7) ، لکن فی السند نظر تقدمت

آداب نافلة العشاء

ص: 16


1- الفقیه 1 : 217 - 967 ، التهذیب 2 : 114 - 427 ، الإستبصار 1 : 347 - 1309 ، الوسائل 4 : 1058 أبواب التعقیب ب 31 ح 2 وفیه الراوی : جهم بن أبی جهیمة.
2- المتقدمة فی ص 10.
3- المتقدمة فی ص 10.
4- التهذیب 2 : 5 - 8 ، الوسائل 3 : 35 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 16.
5- کما فی رجال النجاشی : 300 - 817.
6- الکافی 3 : 446 - 15 ، التهذیب 2 : 4 - 5 ، الوسائل 3 : 33 أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 9. بتفاوت یسیر.
7- الکافی 3 : 410 - 1 ، التهذیب 2 : 169 - 674 ، 170 - 677 ، الوسائل 4 : 696 أبواب القیام ب 4 ح 1.

______________________________________________________

الإشارة إلیه (1).

السادسة : المستفاد من الروایات الصحیحة المستفیضة أنّ الوتر اسم للرکعات الثلاثة ، لا الرکعة الواحدة الواقعة بعد الشفع کما یوجد فی بعض عبارات المتأخرین (2).

والمعروف من مذهب الأصحاب أن الرکعة الثالثة مفصولة عن الأولیین بالتسلیم ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « والوتر ثلاث رکعات مفصولة » (3).

وفی الصحیح ، عن أبی ولاّد حفص بن سالم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التسلیم فی الرکعتین فی الوتر ، فقال : « نعم ، فإن کان لک حاجة فاخرج واقضها ثم عد فارکع رکعة » (4).

وفی الصحیح عن أبی ولاّد أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یصلّی الرجل الرکعتین من الوتر ثم ینصرف فیقضی حاجته » (5).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال لی : « إقرأ فی الوتر فی ثلاثتهن بقل هو الله أحد ، وسلّم فی الرکعتین توقظ الراقد وتأمر بالصلاة » (6).

وقد ورد فی عدة أخبار التخییر بین الفصل وعدمه ، کصحیحة یعقوب بن شعیب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التسلیم فی رکعتی الوتر ،

آداب صلاة اللیل

ص: 17


1- فی ص 10.
2- منهم الشهید الأول فی الذکری : 112 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 175.
3- التهذیب 2 : 6 - 11 ، الإستبصار 1 : 219 - 777 ، الوسائل 3 : 42 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 2.
4- الکافی 3 : 449 - 29 ، التهذیب 2 : 127 - 487 ، المحاسن : 325 - 71 ، الوسائل 3 : 45 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 1.
5- الفقیه 1 : 312 - 1420 ، التهذیب 2 : 128 - 489 ، الوسائل 3 : 46 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 8.
6- التهذیب 2 : 128 - 488 ، الوسائل 3 : 46 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 7.

______________________________________________________

فقال : « إن شئت سلّمت وإن شئت لم تسلّم » (1) وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : [ أسلّم ] (2) فی رکعتی الوتر؟ فقال : « إن شئت سلّمت وإن شئت لم تسلّم » (3).

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب تارة بالحمل علی التقیة ، وتارة بأن السلام المخیّر فیه هو : السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته الواقعة بعد : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، لأن بالسلام علینا یتحقق الخروج من الصلاة ، فإن شاء أتی بالصیغة الأخری وإن شاء ترکها. وتارة بأن المراد بالتسلیم ما یستباح به من الکلام وغیره تسمیة للمسبب باسم السبب (4). وکل ذلک خروج عن الظاهر من غیر ضرورة ، ولو قیل بالتخییر بین الفصل والوصل ، واستحباب الفصل کان وجها قویا.

السابعة : یستحب أن یقرأ فی الرکعتین الأولیین من الوتر بالتوحید أو المعوذتین بعد الحمد ، وفی الرکعة الثالثة بالتوحید مرة واحدة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القراءة فی الوتر ، فقال : « کان بینی وبین أبی باب فکان إذا صلّی یقرأ بقل هو الله أحد فی ثلاثتهن ، وکان یقرأ قل هو الله أحد فإذا فرغ منها قال : کذلک الله أو کذلک الله ربی » (5).

وفی الصحیح ، عن یعقوب بن یقطین ، قال : سألت العبد الصالح عن القراءة فی الوتر ، وقلت : إن بعضا روی قل هو الله أحد فی الثلاث ، وبعضا

ص: 18


1- التهذیب 2 : 129 - 494 ، الإستبصار 1 : 348 - 1315 ، الوسائل 3 : 48 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 16.
2- أثبتناه من المصدر.
3- التهذیب 2 : 129 - 495 ، الإستبصار 1 : 349 - 1316 ، الوسائل 3 : 48 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 17.
4- التهذیب 2 : 129.
5- التهذیب 2 : 126 - 481 ، الوسائل 4 : 798 أبواب القراءة فی الصلاة ب 56 ح 2.

______________________________________________________

روی [ فی الأولیین ] (1) المعوذتین ، وفی الثالثة قل هو الله أحد فقال : « اعمل بالمعوذتین وقل هو الله أحد » (2).

الثامنة : یستحب القنوت فی الرکعة الثالثة من الوتر ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان فی القنوت : « وفی الوتر فی الرکعة الثالثة » (3).

ومحله قبل الرکوع ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ما أعرف قنوتا إلاّ قبل الرکوع » (4) وروی معاویة بن عمار فی الصحیح : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن القنوت فی الوتر قال : « قبل الرکوع » قال : فإن نسیت أقنت إذا رفعت رأسی؟ قال : « لا » (5).

ویستحب الدعاء فیه بما سنح للدین والدنیا ، لصحیحة إسماعیل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عما أقول فی وتری ، فقال : « ما قضی الله علی لسانک وقدّره » (6).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سأله عن القنوت فی الوتر هل فیه شی ء موقت یتبع ویقال؟ فقال : « لا ، أثن علی الله عزّ وجلّ ، وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله ، واستغفر لذنبک العظیم » ثم قال : « کل ذنب عظیم » (7).

ومن المستحبات الأکیدة فیه الاستغفار سبعین مرة ، فروی معاویة بن عمار

ص: 19


1- أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 2 : 127 - 483 ، الوسائل 4 : 798 أبواب القراءة فی الصلاة ب 56 ح 5.
3- التهذیب 2 : 89 - 332 ، الاستبصار 1 : 338 - 1273 وفیه : عن ابن مسکان ، الوسائل 4 : 900 أبواب القنوت ب 3 ح 2.
4- الکافی 3 : 340 - 13 ، الوسائل 4 : 901 أبواب القنوت ب 3 ح 6.
5- الفقیه 1 : 312 - 1421 ، الوسائل 4 : 916 أبواب القنوت ب 18 ح 5.
6- التهذیب 2 : 130 - 499 ، الوسائل 4 : 908 أبواب القنوت ب 9 ح 3.
7- الکافی 3 : 450 - 31 ، التهذیب 2 : 130 - 502 ، الوسائل 4 : 908 أبواب القنوت ب 9 ح 2.

______________________________________________________

فی الصحیح ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول فی قول الله عزّ وجلّ ( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ ) (1) : « فی الوتر فی آخر اللیل سبعین مرة » (2).

وروی عمر بن یزید فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من قال فی وتره إذا أوتر : أستغفر الله وأتوب إلیه سبعین مرة ، وواظب علی ذلک حتی تمضی سنة کتبه الله عنده من المستغفرین بالأسحار ، ووجبت له المغفرة من الله عزّ وجلّ » (3).

وروی عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « استغفر الله فی الوتر سبعین مرة ، تنصب یدک الیسری وتعدّ بالیمنی الاستغفار ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یستغفر الله فی الوتر سبعین مرة ویقول : هذا مقام العائذ بک من النار سبع مرات » (4).

وروی عن علی بن الحسین سید العابدین علیه السلام أنه کان یقول : العفو العفو ثلاثمائة مرة فی السحر (5).

ویستحب الدعاء فیه لإخوانه بأسمائهم ، وأقلّهم أربعون ، فروی الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « دعاء المرء لأخیه بظهر الغیب یدرّ الرزق ویدفع المکروه » (6) وفی الحسن ، عن

ص: 20


1- الذاریات : 18.
2- التهذیب 2 : 130 - 498 ، علل الشرائع 364 - 1 بتفاوت یسیر ، الوسائل 4 : 910 أبواب القنوت ب 10 ح 7.
3- الفقیه 1 : 309 - 1408 ، وفی المحاسن : 53 - 80 ، وفیهما وفی الوسائل : استغفر الله ربی وأتوب إلیه. والخصال :3. 3 ، وثواب الأعمال : 205 - 1 ، بتفاوت یسیر ، الوسائل 4 : 909 أبواب القنوت ب 10 ح 2 ، 3.
4- الفقیه 1 : 309 - 1409 ، علل الشرائع : 364 - 2 ، الوسائل 4 : 911 أبواب القنوت ب 11 ح 1.
5- الفقیه 1 : 310 - 1411 ، الوسائل 4 : 910 أبواب القنوت ب 10 ح 5 ، بتفاوت یسیر.
6- الکافی 2 : 507 - 2 ، الوسائل 4 : 1145 أبواب الدعاء ب 41 ح 1.

______________________________________________________

هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من قدّم أربعین من المؤمنین ثم دعا استجیب له » (1).

وروی عن أبی الحسن الأول علیه السلام : أنه کان یقول إذا رفع رأسه من آخر رکعة الوتر : « هذا مقام من حسناته نعمة منک ، وشکره ضعیف ، وذنبه عظیم ، ولیس لذلک إلاّ رفقک ورحمتک ، فإنک قلت فی کتابک المنزل علی نبیک المرسل صلی الله علیه و آله ( کانُوا قَلِیلاً مِنَ اللَّیْلِ ما یَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ ) (2) طال هجوعی وقلّ قیامی ، وهذا السحر وأنا أستغفرک لذنوبی استغفار من لا یجد لنفسه ضرّا ولا نفعا ولا موتا ولا حیاة ولا نشورا » ثم یخرّ ساجدا (3).

وروی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا أنت انصرفت من الوتر فقل : سبحان الله ربی الملک القدّوس العزیز ، الحکیم ثلاث مرات ، ثم تقول : یا حیّ یا قیّوم ، یا برّ یا رحیم ، یا غنیّ یا کریم ارزقنی من التجارة أعظمها فضلا ، وأوسعها رزقا ، وخیرها لی عاقبة ، فإنه لا خیر فیما لا عاقبة له » (4).

التاسعة : من فاتته صلاة اللیل فقام قبل الفجر فصلّی الوتر وسنّة الفجر کتبت له صلاة اللیل ، روی ذلک معاویة بن وهب فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام أنه سمعه یقول : « أما یرضی أحدکم أن یقوم قبل الصبح ویوتر ویصلّی رکعتی الفجر فتکتب له صلاة اللیل » (5) والمراد بالوتر الرکعات الثلاثة کما بیناه.

العاشرة : روی الشیخ فی المصباح ، عن هشام بن سالم ، عن أبی

صلاة الغفیلة

ص: 21


1- الکافی 2 : 509 - 5 ، الوسائل 4 : 1154 أبواب الدعاء ب 45 ح 1.
2- الذاریات : 17 ، 18.
3- الکافی 3 : 325 - 16 ، البحار 84 : 281 - 73. بتفاوت یسیر.
4- الفقیه 1 : 313 - 1425 ، البحار 84 : 287 - 80.
5- التهذیب 2 : 337 - 1391 ، الوسائل 3 : 187 أبواب المواقیت ب 46 ح 3.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام ، قال : « من صلّی بین العشاءین رکعتین قرأ فی الأولی : الحمد ، وقوله تعالی ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ) إلی قوله ( وَکَذلِکَ نُنْجِی الْمُؤْمِنِینَ ) (1) وفی الثانیة : الحمد ، وقوله ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَیْبِ لا یَعْلَمُها ) (2) إلی آخر الآیة ، فإذا فرغ من القراءة رفع یدیه وقال : اللهم إنی أسألک بمفاتح الغیب التی لا یعلمها إلاّ أنت أن تصلّی علی محمد وآل محمد ، وأن تفعل بی کذا وکذا ، ویقول : اللهم أنت ولیّ نعمتی ، والقادر علی طلبتی ، تعلم حاجتی فأسألک بحق محمد وآله علیه وعلیهم السلام لمّا قضیتها لی ، وسأل الله حاجته إلا أعطاه » (3).

الحادیة عشرة : قال فی الذکری (4) : قد تترک النافلة لعذر ومنه الهمّ والغمّ ، لروایة علی بن أسباط ، عن عدّة منّا : إنّ الکاظم علیه السلام کان إذا اهتم ترک النافلة (5). وعن معمر بن خلاد ، عن الرضا علیه السلام مثله : إذا اغتم (6). وفی الروایتین قصور من حیث السند.

والأولی أن لا تترک النافلة بحال ، للحثّ الأکید علیها فی النصوص المعتمدة ، وقول أبی جعفر علیه السلام : « وإن تارک هذا - یعنی النافلة - لیس بکافر ولکنها معصیة ، لأنه یستحب إذا عمل الرجل عملا من الخیر أن یدوم علیه » (7) وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة ابن سنان الواردة فی من فاته شی ء من النوافل : « إن کان شغله فی طلب معیشة لا بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شی ء علیه ، وإن کان شغله لدنیا تشاغل بها عن الصلاة فعلیه

ما یترک لاجله النافلة

ص: 22


1- الأنبیاء : 87 ، 88.
2- الأنعام : 59.
3- مصباح المتهجد : 94.
4- الذکری : 166.
5- الکافی 3 : 454 - 15 ، التهذیب 2 : 11 - 24 ، الوسائل 3 : 49 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 16 ح 5.
6- التهذیب 2 : 11 - 23 ، الوسائل 3 : 49 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 16 ح 4.
7- التهذیب 2 : 7 - 13 ، الوسائل 3 : 42 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 1.

______________________________________________________

القضاء ، وإلاّ لقی الله عزّ وجلّ وهو مستخف متهاون مضیّع لحرمة رسول الله صلی الله علیه و آله » (1).

الثانیة عشر : استفاضت الروایات بأن الإتیان بالنوافل یقتضی تکمیل ما نقص من الفرائض بترک الإقبال بها ، فمن ذلک صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن العبد لیرفع له من صلاته ثلثها ونصفها وربعها وخمسها ، فما یرفع له إلاّ ما أقبل علیه منها بقلبه ، وإنما أمروا بالنوافل لیتم لهم ما نقصوا من الفریضة » (2).

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الصحیح قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنّ عمار الساباطی روی عنک روایة قال : « وما هی؟ » قلت : إن السنة فریضة ، قال : « أین یذهب أین یذهب؟! لیس هکذا حدثته ، إنما قلت له : من صلّی فأقبل علی صلاته لم یحدّث نفسه فیها ، أو لم یسه فیها أقبل الله علیه ما أقبل علیها ، فربما رفع نصفها أو ربعها أو ثلثها أو خمسها ، وإنما أمروا بالسنة لیکمل بها ما ذهب من المکتوبة » (3).

وروی أبو حمزة الثمالی قال : رأیت علیّ بن الحسین علیه السلام یصلی فسقط رداؤه عن منکبه قال : فلم یسوّه حتی فرغ من صلاته ، قال : فسألته عن ذلک فقال : « ویحک أتدری بین یدی من کنت؟! إنّ العبد لا یقبل منه صلاة إلاّ ما أقبل منها » فقلت : جعلت فداک هلکنا فقال : « کلاّ إنّ الله یتمم ذلک بالنوافل » (4).

الثالثة عشرة : أفضل الرواتب صلاة اللیل ، لکثرة ما ورد فیها من

أفضل الرواتب

ص: 23


1- الکافی 3 : 453 - 13 ، الفقیه 1 : 359 - 1577 ، التهذیب 2 : 11 - 25 ، الوسائل 3 : 55 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 18 ح 2.
2- الکافی 3 : 363 - 2 ، التهذیب 2 : 341 - 1413 ، علل الشرائع : 328 - 2 ، الوسائل 3 : 52 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 17 ح 3.
3- الکافی 3 : 362 - 1 ، الوسائل 3 : 51 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 17 ح 2 بتفاوت یسیر.
4- التهذیب 2 : 341 - 1415 ، علل الشرائع : 231 - 8 ، الوسائل 4 : 688 أبواب أفعال الصلاة ب 3 ح 6.

______________________________________________________

الثواب ، ولقول النبیّ صلی الله علیه و آله فی وصیته لعلیّ علیه السلام : « وعلیک بصلاة اللیل » ثلاثا ، رواه معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام (1).

ثم صلاة الزوال ، لقوله صلی الله علیه و آله فی الوصیة بعد ذلک : « وعلیک بصلاة الزوال » ثلاثا (2).

ثم نافلة المغرب ، لقوله علیه السلام فی روایة الحارث بن المغیرة : « أربع رکعات لا تدعهن فی حضر ولا سفر » (3).

ثم رکعتا الفجر ، لما روی عن علیّ علیه السلام أنه قال فی قوله تعالی : ( إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کانَ مَشْهُوداً ) (4) : « رکعتا الفجر تشهدهما ملائکة اللیل وملائکة النهار » (5) وفی السند والدلالة نظر.

وقال الشیخ فی الخلاف : رکعتا الفجر أفضل من الوتر بإجماعنا (6). وقال ابن بابویه : أفضل هذه الرواتب رکعتا الفجر ، ثم رکعة الوتر ، ثم رکعتا الزوال ، ثم نافلة المغرب ، ثم تمام صلاة اللیل ، ثم تمام نوافل النهار (7). ولم نقف لهما علی دلیل یعتد به.

جواز الجلوس فی النافلة

ص: 24


1- الفقیه 1 : 307 - 1402 ، المقنعة : 19 ، الوسائل 5 : 268 أبواب بقیة الصلوات المندوبة ب 39 ح 1.
2- الکافی 8 : 79 - 33 ، الوسائل 3 : 69 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 28 ح 1.
3- المتقدمة فی ص 10.
4- الإسراء : 78.
5- رواها فی الکافی 3 : 282 - 2 ، والتهذیب 2 : 37 - 116 ، والاستبصار 1 : 275 - 995 ، والوسائل 3 : 155 أبواب المواقیت ب 28 ح 1 ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، ومثلها عن علی بن الحسین علیه السلام فی تفسیر العیاشی 2 : 309 ، وکذا عن أحدهما علیهماالسلام فی تفسیر العیاشی 2 : 309 ، والبرهان 2 : 437.
6- الخلاف 1 : 198.
7- الفقیه 1 : 314.

______________________________________________________

الرابعة عشرة : یجوز الجلوس فی النافلة مع الاختیار ، قال فی المعتبر : وهو إطباق العلماء (1). وقال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه مخالفا (2). وکأنهما لم یعتبرا خلاف ابن إدریس رحمه الله ، حیث منع من الجلوس فی النافلة فی غیر الوتیرة اختیارا (3) ، وهو محجوج بإطباق العلماء قبله وبعده ، والأخبار الکثیرة ، کصحیحة الحسن بن زیاد الصیقل قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « إذا صلّی الرجل جالسا وهو یستطیع القیام فلیضعّف » (4).

وحسنة سهل بن الیسع (5) : إنه سأل أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یصلی النافلة قاعدا ولیست به علة فی سفر أو حضر ، قال : « لا بأس به » (6).

وصحیحة حماد بن عثمان ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی وهو جالس فقال : « إذا أردت أن تصلّی وأنت جالس ویکتب لک صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا کنت فی آخر السورة فقم فأتمها وارکع ، فتلک تحسب لک بصلاة القائم » (7).

وفی جواز الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة علی القیام قولان ، أظهرهما العدم ، لتوقف العبادة علی النقل ، وعدم ثبوت التعبد به. وقیل بالجواز ، لأن

ص: 25


1- المعتبر 2 : 23.
2- المنتهی 1 : 197.
3- السرائر : 68.
4- التهذیب 2 : 166 - 656 ، الإستبصار 1 : 293 - 1081 ، الوسائل 4 : 697 أبواب القیام ب 5 ح 4.
5- فی جمیع النسخ ، سهل بن الحسن وهو تصحیف.
6- الفقیه 1 : 238 - 1047 ، التهذیب 3 : 232 - 601 ، الوسائل 4 : 696 أبواب القیام ب 4 ح 2.
7- التهذیب 2 : 170 - 676 ، الوسائل 4 : 701 أبواب القیام ب 9 ح 3.

ویسقط فی السفر نوافل الظهر والعصر والوتیرة علی الأظهر.

______________________________________________________

الکیفیة تابعة للأصل ، فلا تجب کالأصل (1). وضعفه ظاهر ، لأن الوجوب هنا بمعنی الشرط ، کالطهارة فی النافلة ، وترتیب الأفعال فیها.

قوله : ( وتسقط فی السفر نافلة الظهر والعصر ، والوتیرة علی الأظهر ).

أما سقوط نافلة الظهرین فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الصلاة فی السفر رکعتان لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء ، إلاّ المغرب » (2).

وفی الصحیح ، عن حذیفة بن منصور ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « الصلاة فی السفر رکعتان لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء » (3).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الصلاة فی السفر رکعتان لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء ، إلاّ المغرب فإن بعدها أربع رکعات ، لا تدعهن فی حضر ولا سفر » (4).

وفی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی یحیی الحناط ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة النافلة بالنهار فی السفر ، فقال : « یا

سقوط النافلة فی السفر سوی الأماکن الأربعة

ص: 26


1- کما فی إیضاح الفوائد 1 : 100.
2- التهذیب 2 : 13 - 31 ، الإستبصار 1 : 220 - 778 ، الوسائل 3 : 60 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 3 وفیها : إلا المغرب ثلاث.
3- التهذیب 2 : 14 - 34 ، المحاسن : 371 - 138 ، الوسائل 3 : 60 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 2.
4- الکافی 3 : 439 - 3 ، التهذیب 2 : 14 - 36 ، الوسائل 3 : 61 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 7.

______________________________________________________

بنیّ لو صلحت النافلة فی السفر تمت الفریضة » (1).

وأما الوتیرة فذهب الأکثر إلی سقوطها أیضا ، ونقل فیه (2) ابن إدریس الإجماع (3) ، وقال الشیخ فی النهایة : یجوز فعلها (4). وربما کان مستنده ما رواه ابن بابویه ، عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « إنما صارت العشاء مقصورة ، ولیس تترک رکعتاها ، لأنها زیادة فی الخمسین تطوعا لیتم بها بدل کل رکعة من الفریضة رکعتین من التطوع » (5) وقوّاه فی الذکری ، قال : لأنه خاص ومعلل ، وما تقدم خال منهما ، إلاّ أن ینعقد الإجماع علی خلافه (6). وهو جیّد لو صح السند ، لکن فی الطریق عبد الواحد بن عبدوس ، وعلیّ بن محمد القتیبی ، ولم یثبت توثیقهما ، فالتمسک بعموم الأخبار المستفیضة الدالة علی السقوط أولی.

تفریع : قال فی الذکری : یستحب صلاة النوافل المقصورة فی الأماکن الأربعة ، لأنه من باب إتمام الصلاة المنصوص علیه ، ونقله الشیخ نجیب الدین محمد بن نما عن شیخه محمد بن إدریس. ولا فرق بین أن یتم الفریضة أو لا ، ولا بین أن یصلّی الفریضة خارجا عنها والنافلة فیها أو یصلیهما معا فیها (7).

قلت : ما ذکره - رحمه الله تعالی - من استحباب النافلة فی تلک الأماکن جیّد ، أما مع التمام فظاهر.

ص: 27


1- الفقیه 1 : 285 - 1293 ، التهذیب 2 : 16 - 44 ، الإستبصار 1 : 221 - 780 ، الوسائل 3 : 60 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 4.
2- فی « س » زیادة : عن.
3- السرائر : 39.
4- النهایة : 57.
5- الفقیه 1 : 290 - 1320 بتفاوت یسیر ، الوسائل 3 : 70 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 29 ح 3.
6- الذکری : 113.
7- الذکری : 260.

والنوافل کلّها رکعتان بتشهد وتسلیم بعدهما ، إلا الوتر وصلاة الأعرابی.

وسنذکر تفصیل باقی الصلوات فی مواضعها إن شاء الله تعالی.

______________________________________________________

وأما مع القصر فلأن الروایات المتضمنة لکون الصلاة فی السفر رکعتین لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء مخصوصة بغیر تلک الأماکن ، سواء قلنا بتعین الإتمام أو جوازه ، فتبقی الروایات المتضمنة لفعل النافلة قبل تلک الفرائض أو بعدها سالمة من المعارض.

أما تسویته بین صلاة الفریضة خارجا عنها والنافلة فیها وصلاتهما معا فیها فمشکل خصوصا مع تأخر النافلة عن الفریضة ، لتعین قصر الفریضة مع وقوعها فی غیر تلک الأماکن المقتضی لسقوط النافلة.

قوله : ( والنوافل کلها رکعتان بتشهد وتسلیم بعدهما ، إلاّ الوتر وصلاة الأعرابی ).

مقتضی العبارة عدم جواز الاقتصار علی الرکعة الواحدة فی غیر الوتر ، والزیادة علی الاثنین فی غیر صلاة الأعرابی ، وبه قطع فی المعتبر من غیر استثناء لصلاة الأعرابی ، ونقله عن الشیخ فی المبسوط والخلاف (1) ، وبه قطع ابن إدریس (2) وسائر المتأخرین. وهو المعتمد ، لأن الصلاة وظیفة شرعیة فیقف تقدیرها علی مورد الشرع ، ولم ینقل عن النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام التطوع بأکثر من الرکعتین ولا بما دونهما إلاّ فی الوتر. ویؤیده روایة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلّی النافلة هل یصلح له أن یصلّی أربع رکعات لا یفصل بینهن؟ قال : « لا ، إلا أن یسلم بین کل رکعتین » (3).

واستثناء الوتر مجمع علیه بین الأصحاب ، وقد تقدم مستنده (4) ، وأما

النوافل رکعتان إلا الوتر

ص: 28


1- المعتبر 2 : 18.
2- السرائر : 39.
3- قرب الإسناد : 90 ، الوسائل 3 : 45 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 2.
4- فی ص 17.

______________________________________________________

صلاة الأعرابی فإنها عشر رکعات ، کالصبح والظهرین کیفیة وترتیبا ، ووقتها یوم الجمعة عند ارتفاع النهار ، ولم یثبت لها طریق فی أخبارنا.

* * *

ص: 29

الثانیة : فی المواقیت ، والنظر فی مقادیرها ، وأحکامها.

أما الأول : فما بین زوال الشمس إلی غروبها وقت للظهر والعصر.

وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها ، وکذلک العصر من آخره ، وما بینهما من الوقت مشترک.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة : فی المواقیت والنظر فی مقادیرها وأحکامها. أما الأول فما بین زوال الشمس إلی غروبها وقت للظهر والعصر. وتختص الظهر من أوله بمقدار أدائها وکذلک العصر من آخره. وما بینهما من الوقت مشترک ).

هذه المسألة من المهمات ، والأقوال فیها منتشرة ، والنصوص بحسب الظاهر مختلفة ، وتحقیق المقام فیها یتم برسم مسائل :

الأولی : أجمع علماء الإسلام کافة علی أن کل صلاة من الصلوات الخمس موقتة بوقت معین مضبوط لا یسوغ للمکلف بها تقدیمها علیه ولا تأخیرها عنه.

وقد نصّ الثلاثة (1) وأتباعهم (2) علی أنّ لکل صلاة وقتین ، سواء فی ذلک المغرب وغیرها ، والمستند فی ذلک صحیحة معاویة بن عمار أو ابن وهب قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقت أفضله » (3).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لکل

مواقیت الصلاة

لکل صلاة وقتان

ص: 30


1- المفید فی المقنعة : 14 ، والسید المرتضی فی المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 193 ، والشیخ فی النهایة : 58 ، والخلاف 1 : 87 ، والمبسوط 1 : 72 ، 75.
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 69 ، وأبی الصلاح فی الکافی فی الفقه : 137 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556 ، وابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 670 ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 60.
3- الکافی 3 : 274 - 4 ، التهذیب 2 : 40 - 125 ، الإستبصار 1 : 244 - 871 ، الوسائل 3 : 89 أبواب المواقیت ب 3 ح 11.

______________________________________________________

صلاة وقتان وأول الوقتین أفضلهما » (1).

وحکی ابن البراج عن بعض الأصحاب قولا بأن للمغرب وقتا واحدا عند غروب الشمس (2) ، وربما کان مستنده صحیحة زید الشحام ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن وقت المغرب ، فقال : « إن جبرائیل علیه السلام أتی النبی صلی الله علیه و آله لکل صلاة بوقتین غیر صلاة المغرب فإن وقتها واحد ، ووقتها وجوبها » (3).

وصحیحة زرارة والفضیل قالا ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إن لکل صلاة وقتین غیر المغرب فإن وقتها واحد ، ووقتها وجوبها ، ووقت فوتها غیبوبة الشفق » (4) وهو محمول علی المبالغة فی تأکد استحباب المبادرة بها ، لاختلاف الأخبار فی آخر وقتها کما اختلف فی أوقات سائر الفرائض.

قال الکلینی - رضی الله تعالی عنه - بعد نقل هذه الروایة : وروی أیضا أن لها وقتین ، آخر وقتها سقوط الشفق ، ولیس هذا مما یخالف الحدیث الأول : إن لها وقتا واحدا ، لأن الشفق هو الحمرة ، ولیس بین غیبوبة الشمس وغیبوبة الشفق إلاّ شی ء یسیر ، وذلک أنّ علامة غیبوبة الشمس بلوغ الحمرة القبلة ، ولیس بین بلوغ الحمرة القبلة وبین غیبوبتها إلاّ قدر ما یصلّی الإنسان صلاة المغرب ونوافلها إذا صلاّها علی تؤدة (5) وسکون ، وقد تفقدت ذلک غیر مرّة ، ولذلک صار وقت المغرب ضیّقا (6).

ص: 31


1- التهذیب 2 : 39 - 123 ، الإستبصار 1 : 276 - 1003 ، الوسائل 3 : 87 أبواب المواقیت ب 3 ح 4.
2- المهذب 1 : 69.
3- الکافی 3 : 280 - 8 ، التهذیب 2 : 260 - 1036 ، الإستبصار 1 : 270 - 975 ، الوسائل 3 : 136 أبواب المواقیت ب 18 ح 1.
4- الکافی 3 : 280 - 9 ، الوسائل 3 : 137 أبواب المواقیت ب 18 ح 2.
5- تؤدة : وزان رطبة تقول : هو یمشی علی تؤدة أی : تثبّت - المصباح المنیر : 78.
6- فی « ح » زیادة : هذا کلامه ولا یخلو من نظر.

______________________________________________________

واختلف الأصحاب فی الوقتین ، فذهب الأکثر ومنهم المرتضی (1) ، وابن الجنید (2) ، وابن إدریس (3) ، والمصنف (4) ، وسائر المتأخرین إلی أنّ الأول للفضیلة والآخر للإجزاء.

وقال الشیخان : الأول للمختار ، والآخر للمعذور والمضطر (5). والأصح الأول ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « وأول الوقتین أفضلهما » (6) والمفاضلة تقتضی الرجحان مع التساوی فی الجواز.

قال الشیخ - رحمه الله تعالی - فی المبسوط : والعذر أربعة : السفر ، والمطر ، والمرض ، وشغل یضر ترکه بدینه أو دنیاه ، والضرورة خمسة : الکافر یسلم ، والصبی یبلغ ، والحائض تطهر ، والمجنون والمغمی علیه یفیقان (7).

وروی الشیخ فی الصحیح عن عبد الله بن سنان قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقت أفضله ، ولیس لأحد أن یجعل آخر الوقتین وقتا إلاّ من عذر أو علة » (8) والعذر أعم من ذلک کلّه ، وقوله علیه السلام : « ولیس لأحد أن یجعل آخر الوقتین وقتا إلاّ من عذر » سلب للجواز الذی لا کراهة فیه ، توفیقا بین صدر الروایة وآخرها ، ویدل علیه تجویز التأخیر لمجرد العذر ، ولو امتنع التأخیر اختیارا لتقید بالضرورة.

الثانیة : أول وقت الظهر زوال الشمس - وهو عبارة عن میلها عن وسط

أول وقت الظهر

ص: 32


1- المسائل الناصریات ( الجوامع الفقهیة ) : 194.
2- نقله عنه فی المختلف : 66.
3- السرائر : 40.
4- المعتبر 2 : 26.
5- المفید فی المقنعة : 14 ، والشیخ فی النهایة : 58 ، والخلاف 1 : 87 ، والمبسوط 1 : 72.
6- المتقدمة فی ص 30.
7- المبسوط 1 : 72.
8- التهذیب 2 : 39 - 124 ، الإستبصار 1 : 244 - 870 ، الوسائل 3 : 89 أبواب المواقیت ب 3 ح 13 وفی الجمیع : إلا من عذر فی غیر علة.

______________________________________________________

السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار - بإجماع العلماء ، قاله فی المعتبر (1). وقال فی المنتهی : أول وقت الظهر زوال الشمس بلا خلاف بین أهل العلم (2). والأصل فی ذلک قوله تعالی ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ ) (3) والدلوک هو الزوال علی ما نصّ علیه جماعة من أهل اللغة (4) ، ودلت علیه صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عما فرض الله من الصلاة ، فقال : « خمس صلوات فی اللیل والنهار » فقلت : فهل سمّاهن الله وبیّنهنّ فی کتابه؟ فقال : « نعم ، قال الله عزّ وجلّ لنبیه صلی الله علیه و آله ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ ) ودلوکها : زوالها ، ففیما بین زوال الشمس إلی غسق اللیل أربع صلوات سمّاهنّ وبیّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق اللیل : انتصافه » (5) والحدیث طویل ، وفیه : إن الصلاة الوسطی هی صلاة الظهر ، وإنها أول صلاة صلاّها رسول الله صلی الله علیه و آله .

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان : الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان : المغرب والعشاء الآخرة » (6) والأخبار الواردة فی ذلک أکثر من أن تحصی.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن إسماعیل بن عبد الخالق قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن وقت الظهر ، فقال : « بعد الزوال

ص: 33


1- المعتبر 2 : 27.
2- المنتهی 1 : 198.
3- الإسراء : 78.
4- منهم ابن الأثیر فی النهایة 2 : 130 ، والجوهری فی الصحاح 4 : 1584 ، وابن منظور فی لسان العرب 10 : 427.
5- الکافی 3 : 271 - 1 ، الفقیه 1 : 124 - 600 ، التهذیب 2 : 241 - 954 ، علل الشرائع : 354 - 1 ، معانی الأخبار : 332 - 5 ، الوسائل 3 : 5 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 2 ح 1.
6- الفقیه 1 : 140 - 648 ، الوسائل 3 : 91 أبواب المواقیت ب 4 ح 1.

______________________________________________________

بقدم أو نحو ذلک ، إلاّ فی یوم الجمعة ، أو فی السفر ، فإن وقتها حین تزول » (1).

وعن سعید الأعرج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : « بعد الزوال بقدم أو نحو ذلک ، إلاّ فی السفر ، أو یوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت » (2) لأنهما محمولتان علی من یصلّی النافلة ، فإن التنفل جائز حتی یمضی الفی ء ذراعا ، فإذا بلغ ذلک بدأ بالفریضة وترک النافلة ، لکن لو فرغ من النافلة قبل الذراع بادر إلی الفریضة.

یبین ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن حائط مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله کان قامة ، وکان إذا مضی من فیئه ذراع صلّی الظهر ، وإذا مضی من فیئه ذراعان صلّی العصر » ثم قال : « أتدری لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لم جعل ذلک؟ قال : « لمکان النافلة ، لک أن تتنفل ما بین زوال الشمس إلی أن یمضی الفی ء ذراعا فإذا بلغ فیئک ذراعا من الزوال بدأت بالفریضة وترکت النافلة » (3).

وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن الحارث بن المغیرة وعمر بن حنظلة ومنصور به حازم قالوا : کنا نقیس الشمس بالمدینة بالذارع ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « ألا أنبئکم بأبین من هذا؟ إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلاّ أن بین یدیها سبحة (4) ، وذلک إلیک إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت » (5).

وما رواه الشیخ الصحیح ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن أبی

ص: 34


1- التهذیب 2 : 21 - 59 ، الإستبصار 1 : 247 - 885 ، الوسائل 3 : 105 أبواب المواقیت ب 8 ح 11.
2- التهذیب 2 : 244 - 970 ، الإستبصار 1 : 247 - 884 ، الوسائل 3 : 106 أبواب المواقیت ب 8 ح 17.
3- الفقیه 1 : 140 - 653 ، الوسائل 3 : 103 أبواب ب 8 ح 3 ، 4. بتفاوت یسیر.
4- السبحة : التطوع من الذکر والصلاة ، تقول : قضیت سبحتی - الصحاح 1 : 372.
5- الکافی 3 : 276 - 4 ، الوسائل 3 : 96 أبواب المواقیت ب 5 ح 1.

______________________________________________________

الحسن علیه السلام أنه کتب إلی بعض أصحابه : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتین ، وبین یدیها سبحة وهی ثمان رکعات فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثم صلّ الظهر ، فإذا فرغت کان بین الظهر والعصر سبحة وهی ثمان رکعات إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثم صلّ العصر » (1).

وفی معنی هذه الروایات أخبار کثیرة (2) ویستفاد منها أنه لا یستحب تأخیر الظهر عن الزوال إلاّ بمقدار ما یصلّی النافلة خاصة.

وقال ابن الجنید : یستحب للحاضر أن یقدّم بعد الزوال شیئا من التطوع إلی أن تزول الشمس قدمین أو ذراعا من وقت زوالها ، ثم یأتی بالظهر (3) وما ذهب إلیه ابن الجنید هو قول مالک من العامة (4) ، وبهذا الاعتبار یمکن حمل أخبار الذراع علی التقیة ، وکیف کان فلا ریب أنّ المبادرة إلی إیقاع الفریضة بعد النافلة وإن کان قبل مضی القدمین أولی ، لکثرة الأخبار الدالة علیه (5) ، وعموم ما دل علی أفضلیة أول الوقت (6).

الثالثة : المعروف من مذهب الأصحاب اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها ، واختصاص العصر من آخره کذلک. ونقل عن ظاهر عبارة ابن بابویه اشتراک الوقت من الزوال بین الفرضین (7) ، ونقله المرتضی فی جواب المسائل الناصریة عن الأصحاب حیث قال : یختص أصحابنا بأنهم یقولون : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا إلاّ أن الظهر قبل العصر ، قال : وتحقیق هذا الموضع أنه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر بمقدار ما

اختصاص الظهر بأول الوقت

ص: 35


1- التهذیب 2 : 249 - 990 ، الإستبصار 1 : 254 - 913 ، الوسائل 3 : 98 أبواب المواقیت ب 5 ح 13.
2- الوسائل 3 : 96 أبواب المواقیت ب 5.
3- نقله عنه فی المختلف : 71.
4- المدونة الکبری 1 : 55.
5- الوسائل 3 : 91 أبواب المواقیت ب 4 وص 96 ب 5.
6- الوسائل 3 : 86 أبواب المواقیت ب 3.
7- الفقیه 1 : 139.

______________________________________________________

یؤدی أربع رکعات ، فإذا خرج هذا المقدار اشترک الوقتان ، ومعنی ذلک : أنه یصح أن یؤدی فی هذا الوقت المشترک الظهر والعصر بطوله ، والظهر مقدمة ، ثم إذا بقی للغروب مقدار أربع خرج وقت الظهر وخلص للعصر (1). قال فی المختلف : وعلی هذا التفسیر الذی ذکره السید یزول الخلاف (2).

وکیف کان : فالأصح اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها ، واختصاص العصر من آخره بذلک.

لنا : علی الحکم الأول : أنه لا معنی لوقت الفریضة إلاّ ما جاز إیقاعها فیه ولو علی بعض الوجوه ، ولا ریب أنّ إیقاع العصر عند الزوال علی سبیل العمد ممتنع ، وکذا مع النسیان علی الأظهر ، لعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، وانتفاء ما یدل علی الصحة مع المخالفة ، وإذا امتنع وقوع العصر عند الزوال مطلقا انتفی کون ذلک وقتا لها. ویؤیده روایة داود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتی یمضی مقدار ما یصلّی المصلّی أربع رکعات ، فإذا مضی ذلک فقد دخل وقت الظهر والعصر حتی یبقی من الشمس مقدار ما یصلّی أربع رکعات ، فإذا بقی مقدار ذلک فقد خرج وقت الظهر وبقی وقت العصر حتی تغیب الشمس » (3).

وأما اختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها فیدل علیه مضافا إلی هذه الروایة روایة الحلبی : فیمن نسی الظهر والعصر ثم ذکر عند غروب الشمس ، قال : « إن کان فی وقت لا یخاف فوت إحداهما فلیصلّ الظهر ثم لیصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فلیبدأ بالعصر ولا یؤخرها فیکون قد

ص: 36


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 193.
2- المختلف : 66.
3- التهذیب 2 : 25 - 70 ، الإستبصار 1 : 261 - 936 ، الوسائل 3 : 92 أبواب المواقیت ب 4 ح 7.

______________________________________________________

فاتتاه جمیعا » (1)

وصحیحة ابن سنان ، عن الصادق علیه السلام فیمن نام أو نسی أن یصلّی المغرب والعشاء الآخرة واستیقظ قبل الفجر ، قال : « وإن خاف أن تفوته إحداهما فلیبدأ بالعشاء » (2) ومتی ثبت ذلک فی العشاءین ثبت فی الظهرین ، إذ لا قائل بالفصل.

وقد ورد فی عدة أخبار اشتراک الوقت من أوله بین الفرضین ، کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (3) وصحیحة عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « منها صلاتان ، أول وقتهما من عند زوال الشمس إلی غروب الشمس إلاّ أن هذه قبل هذه » (4).

وأوّلها المصنف - رحمه الله تعالی - فی المعتبر بأن المراد بالاشتراک ما بعد الاختصاص ، لتضمن الخبر : « إلاّ أن هذه قبل هذه » ولأنه لما لم یتحصل للظهر وقت مقدر ، لأنها قد تصلّی بتسبیحتین ، وقد یدخل علیه فی آخرها ظانا فیصلی العصر بعدها عبّر بما فی الروایة ، قال : وهو من ألخص العبارات وأحسنها (5).

ص: 37


1- التهذیب 2 : 269 - 1074 ، الإستبصار 1 : 287 - 1052 ، الوسائل 3 : 94 أبواب المواقیت ب 4 ح 18.
2- التهذیب 2 : 270 - 1076 ، الاستبصار 1 : 288 - 1053 وفیه : عن ابن مسکان ، الوسائل 3 : 209 أبواب المواقیت ب 62 ح 4.
3- الفقیه 1 : 140 - 648 ، التهذیب 2 : 19 - 54 ، الوسائل 3 : 91 أبواب المواقیت ب 4 ح 1.
4- التهذیب 2 : 25 - 72 ، الإستبصار 1 : 261 - 938 ، الوسائل 3 : 115 أبواب المواقیت ب 10 ح 4.
5- المعتبر 2 : 35.

______________________________________________________

الرابعة : اختلف علماؤنا فی آخر وقت الظهر ، فقال السید المرتضی علم الهدی - رضی الله تعالی عنه - : یمتد وقت الفضیلة إلی أن یصیر ظل کل شی ء مثله ، ووقت الإجزاء إلی أن یبقی للغروب مقدار أربع رکعات فیخلص الوقت للعصر (1). وهو اختیار ابن الجنید (2) ، وسلاّر (3) ، وابن زهرة (4) ، وابن إدریس (5) ، وسائر المتأخرین.

وقال الشیخ فی المبسوط بانتهاء وقت الاختیار بصیرورة ظل کل شی ء مثله ، وبقاء وقت الاضطرار إلی أن یبقی للغروب مقدار أربع رکعات (6) ، ونحوه قال فی الجمل والخلاف (7) ، وقال فی النهایة : آخر وقت الظهر لمن لا عذر له إذا صارت الشمس علی أربع أقدام - وهی أربعة أسباع الشخص - ثم قال : هذا إذا لم یکن له عذر ، فإن کان له عذر فهو فی فسحة من هذا الوقت إلی آخر النهار (8). ونحوه قال فی موضع من التهذیب (9) ، واختاره المرتضی فی المصباح (10).

وقال المفید فی المقنعة : وقت الظهر من بعد الزوال إلی أن یرجع الفی ء سبعی الشخص (11). وفی نسخة أخری : فی الانتهاء ، ومعنی هذا أن یزید الفی ء علی ما انتهی إلیه من النقصان بسبعی الشخص الذی اعتبر به عند الزوال.

آخر وقت الظهر

ص: 38


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 193.
2- نقله عنه فی المختلف : 67.
3- المراسم : 62.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
5- السرائر : 39.
6- المبسوط 1 : 72.
7- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 174 ، الخلاف 1 : 82.
8- النهایة : 58.
9- التهذیب 2 : 39.
10- نقله عنه فی المعتبر 2 : 30.
11- المقنعة : 13.

______________________________________________________

والمعتمد الأول ، أما امتداد وقت الإجزاء إلی الغروب فیدل علیه ظاهر قوله تعالی : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ ) (1) فإن الدلوک هو الزوال علی ما بیناه (2) ، واللام للتوقیت مثل : لثلاث خلون ، والمعنی - والله أعلم - : أقم الصلاة من وقت دلوک الشمس ممتدا ذلک إلی غسق اللیل ، فتکون أوقاتها موسعة.

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « ففیما بین زوال الشمس إلی غسق اللیل أربع صلوات سمّاهنّ وبیّنهنّ ووقّتهنّ » (3) ومقتضی ذلک امتداد وقت الظهرین أو العصر خاصة إلی الغروب ، لیتحقق کون الوقت المذکور ظرفا للصلوات الأربع ، بمعنی أن یکون کل جزء من أجزائه ظرفا لشی ء منها. قال فی المنتهی : وکل من قال بأن وقت العصر یمتد إلی غروب الشمس فهو قائل بامتداد الظهر إلی ما قبل ذلک (4).

وعن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن الضحاک بن زید ، عن عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی قوله تعالی ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلی غَسَقِ اللَّیْلِ ) قال : « إن الله افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلی انتصاف اللیل ، منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلی غروب الشمس إلاّ أن هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلی انتصاف اللیل إلاّ أن هذه قبل هذه » (5) ولیس فی طریق هذه الروایة من قد یتوقف فی شأنه إلاّ الضحاک بن زید ، فإنه غیر مذکور فی کتب الرجال بهذا العنوان ، لکن الظاهر أنه أبو مالک

ص: 39


1- الإسراء : 78.
2- فی ص 33.
3- المتقدم فی ص 33.
4- المنتهی 1 : 199.
5- التهذیب 2 : 25 - 72 ، الاستبصار 1 : 261 - 938 ولکن فیه الضحاک بن یزید ، الوسائل 3 : 115 أبواب المواقیت ب 10 ح 4.

______________________________________________________

الثقة کما یستفاد من النجاشی (1) فیکون السند صحیحا ، ومتنها صریح فی المطلوب.

ویشهد لهذا القول أیضا روایتا داود بن فرقد والحلبی المتقدمتان (2) ، وروایة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « أحب الوقت إلی الله عزّ وجلّ أوله ، حین یدخل وقت الصلاة فصلّ الفریضة ، وإن لم تفعل فإنک فی وقت منهما (3) حتی تغیب الشمس » (4).

وروایة عبید بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن وقت الظهر والعصر ، فقال : « إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جمیعا إلاّ أن هذه قبل هذه ، ثم أنت فی وقت منهما حتی تغیب الشمس » (5).

وموثقة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر ، وإن طهرت فی آخر اللیل فلتصلّ المغرب والعشاء » (6).

ویشهد له أیضا صحیحة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « إن من الأمور أمورا مضیّقة وأمورا موسعة ، وإن الوقت وقتان ، والصلاة مما فیه السعة ، فربما عجّل رسول الله صلی الله علیه و آله وربما أخّر ، إلاّ صلاة الجمعة فإن صلاة الجمعة من الأمر المضیق ، إنما لها وقت واحد حین

ص: 40


1- رجال النجاشی : 205 - 546.
2- فی ص 36.
3- فی « م » ، « ح » : منها.
4- التهذیب 2 : 24 - 69 ، الإستبصار 1 : 260 - 935 ، الوسائل 3 : 87 أبواب المواقیت ب 3 ح 5.
5- الفقیه 1 : 139 - 647 ، التهذیب 2 : 24 - 68 ، الإستبصار 1 : 260 - 934 ، الوسائل 3 : 95 أبواب المواقیت ب 4 ح 21.
6- التهذیب 1 : 390 - 1204 ، الإستبصار 1 : 143 - 490 ، الوسائل 2 : 600 أبواب الحیض ب 49 ح 10.

______________________________________________________

تزول الشمس » (1) وقریب منها روایة الفضیل بن یسار ، عن أبی جعفر علیه السلام (2).

وأما انتهاء وقت الفضیلة بصیرورة ظل کل شی ء مثله فیدل علیه صحیحة أحمد بن عمر ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر والعصر ، فقال : « وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلی أن یذهب الظل قامة ، ووقت العصر قامة ونصف إلی قامتین » (3).

وصحیحة أحمد بن محمد ، قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر ، فکتب : « قامة للظهر ، وقامة للعصر » (4) وإنما حملناهما علی وقت الفضیلة ، لأن إجراءهما علی ظاهرهما أعنی کون ذلک آخرا لوقت الظهر مطلقا ممتنع إجماعا ، فلا بد من حملهما إما علی وقت الفضیلة أو الاختیار ، ولا ریب فی رجحان الأول ، لمطابقته لظاهر القرآن (5) ، ولصراحة الأخبار المتقدمة فی امتداد وقت الإجزاء إلی الغروب ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقتین أفضلهما » (6).

احتج الشیخ فی الخلاف (7) علی ما ذهب إلیه من انتهاء وقت الاختیار بصیرورة ظل کل شی ء مثله بأن الإجماع منعقد علی أنّ ذلک وقت للظهر ، ولیس علی ما زاد علیه دلیل ، وبما رواه عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن وقت صلاة الظهر فی القیظ فلم یجبنی ، فلما أن کان بعد ذلک

ص: 41


1- التهذیب 2 : 13 - 46 ، الوسائل 5 : 17 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 3.
2- الکافی 3 : 274 - 2 ، الوسائل 5 : 17 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 1.
3- التهذیب 2 : 19 - 52 ، الإستبصار 1 : 247 - 883 ، الوسائل 3 : 104 أبواب المواقیت ب 8 ح 9.
4- التهذیب 2 : 21 - 61 ، الإستبصار 1 : 248 - 890 ، الوسائل 3 : 105 أبواب المواقیت ب 8 ح 12.
5- الإسراء : 78.
6- المتقدمة فی ص 30.
7- الخلاف 1 : 82.

______________________________________________________

قال لعمرو بن سعید بن هلال : « إن زرارة سألنی عن وقت صلاة الظهر فی القیظ فلم أخبره فحرجت من ذلک ، فاقرأه منی السلام وقل له : إذا کان ظلک مثلک فصلّ الظهر ، وإذا کان ظلک مثلیک فصلّ العصر » (1) وبروایتی أحمد بن عمر ، وأحمد بن محمد المتقدمتین (2).

والجواب عن الأول أنا قد بیّنّا الدلالة علی کون الزائد وقتا للظهر. وعن الروایة الأولی بمنع الدلالة علی المدعی ، بل هی بالدلالة علی نقیضه أشبه ، لأن أمره علیه السلام بالصلاة بعد المثل یدل علی عدم خروجه به. وعن الروایتین الأخیرتین بالحمل علی وقت الفضیلة کما بیّنّاه (3).

احتج الشیخ فی التهذیب علی ما ذهب إلیه فیه من اعتبار الأربعة الأقدام بما رواه عن إبراهیم الکرخی ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام : متی یدخل وقت الظهر؟ قال : « إذا زالت الشمس » فقلت : متی یخرج وقتها؟ فقال : « من بعد ما یمضی من زوالها أربعة أقدام ، إن وقت الظهر ضیق لیس کغیره » قلت : فمتی یدخل وقت العصر؟ قال : « إن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر » قلت : فمتی یخرج وقت العصر؟ فقال : « وقت العصر إلی أنّ تغرب الشمس ، وذلک من علة ، وهو تضییع » فقلت له : لو أنّ رجلا صلّی الظهر من بعد ما یمضی من زوال الشمس أربعة أقدام أکان عندک غیر مؤد لها؟ فقال : « إن کان تعمد ذلک لیخالف السنة والوقت لم تقبل منه ، کما لو أن رجلا أخّر العصر إلی قرب أن تغرب الشمس متعمدا من غیر علة لم تقبل منه » (4).

ص: 42


1- التهذیب 2 : 22 - 62 ، الإستبصار 1 : 248 - 891 ، الوسائل 3 : 105 أبواب المواقیت ب 8 ح 13.
2- فی ص 41.
3- فی ص 41.
4- التهذیب 2 : 26 - 74 ، الإستبصار 1 : 258 - 926 ، الوسائل 3 : 109 أبواب المواقیت ب 8 ح 32.

______________________________________________________

وعن الفضل بن یونس ، قال : سألت أبا الحسن الأول علیه السلام ، قلت : المرأة تری الطهر قبل غروب الشمس کیف تصنع بالصلاة؟ قال : « إذا رأت الطهر بعد ما یمضی من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلّی إلاّ العصر ، لأن وقت الظهر دخل علیها وهی فی الدم وخرج عنها الوقت وهی فی الدم » (1).

والجواب عن الروایتین بالطعن فی السند :

أما الأولی : فبجهالة إبراهیم الکرخی ، مع أن فیها ما أجمع الأصحاب علی خلافه وهو قوله : « إنّ آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر » ومن المعلوم أن أوله عند الفراغ منها لا بعد مضی أربعة أقدام.

وأما الثانیة : فبالفضل بن یونس فإنه واقفی (2) ، مع أنها معارضة بموثقة عبد الله بن سنان المتقدمة عن الصادق علیه السلام (3) ، وهی أوضح سندا من هذه الروایة ، إذ لیس فی طریقها من یتوقف فیه إلاّ علیّ بن الحسن بن فضال ، وقال النجاشی - رحمه الله تعالی - فی تعریفه : إنه کان فقیه أصحابنا بالکوفة ، ووجههم ، وثقتهم ، وعارفهم بالحدیث ، والمسموع قوله فیه ، سمع منه شیئا کثیرا ، ولم یعثر له علی زلة فیه (4).

احتج العلاّمة - رحمه الله تعالی - فی المختلف (5) ، للمفید - رضی الله عنه - علی اعتبار القدمین بما رواه ابن بابویه والشیخ فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار وزرارة بن أعین وبکیر بن أعین ومحمد بن مسلم وبرید بن معاویة العجلی ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « وقت

ص: 43


1- الکافی 3 : 102 - 1 ، التهذیب 1 : 389 - 1199 ، الإستبصار 1 : 142 - 485 ، الوسائل 2 : 598 أبواب الحیض ب 49 ح 2.
2- راجع رجال الشیخ : 357 - 2.
3- فی ص 40.
4- رجال النجاشی : 257 - 676.
5- المختلف : 68.

______________________________________________________

الظهر بعد الزوال قدمان ، ووقت العصر بعد ذلک قدمان ، وهذا أول الوقت إلی أن تمضی أربعة أقدام للعصر » (1).

وما رواه الشیخ عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن وقت الظهر ، فقال : « ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر ، فذلک أربعة أقدام من زوال الشمس » (2).

والجواب منع دلالة الروایتین علی خروج وقت الظهر بذلک. بل مقتضی صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام استحباب تأخیر الظهر إلی أن یصیر الفی ء علی قدمین من الزوال ، فإنه علیه السلام قال : « إن حائط مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله کان قامة ، وکان إذا مضی من فیئه ذراع صلّی الظهر ، وإذا مضی من فیئه ذراعان صلّی العصر » ثم قال : « أتدری لم جعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لم جعل ذلک؟ قال : « لمکان النافلة ، لک أن تتنفل من زوال الشمس إلی أن یمضی الفی ء ذراعا ، فإذا بلغ فیئک ذراعا من الزوال بدأت بالفریضة وترکت النافلة ».

والظاهر أنّ ذلک هو مراد المفید - رحمه الله - وإن کانت عبارته مجملة ، وهو الذی فهمه منه الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب ، فإنه قال بعد نقل کلامه : وقت الظهر علی ثلاثة أضرب : من لم یصلّ شیئا من النوافل فوقته حین تزول الشمس بلا تأخیر ، ومن صلّی النافلة فوقتها حین صارت علی قدمین أو سبعین وما أشبه ذلک ، ووقت المضطر یمتد إلی اصفرار الشمس (3).

ثم استدل علی الضرب الثانی بروایة زرارة وما فی معناها.

ص: 44


1- الفقیه 1 : 140 - 649 ، التهذیب 2 : 255 - 1012 ، الإستبصار 1 : 248 - 892 ، الوسائل 3 : 102 أبواب المواقیت ب 8 ح 1 ، 2 ، وفی التهذیب والوسائل : وقت ، بدل الوقت.
2- التهذیب 2 : 19 - 55 ، الإستبصار 1 : 250 - 899 ، الوسائل 3 : 103 أبواب المواقیت ب 8 ح 3 ، 4.
3- التهذیب 2 : 18.

______________________________________________________

وبالجملة فالقول بخروج وقت الظهر بصیرورة الفی ء علی قدمین مقطوع بفساده.

الخامسة : أول وقت العصر عند الفراغ من فرض الظهر بإجماع علمائنا ، قاله فی المعتبر والمنتهی (1). وقد تقدم من الروایات ما یدل علیه (2) ، ویزیده بیانا ما رواه الکلینی - رضی الله تعالی عنه - عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ذریح المحاربی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : متی أصلّی الظهر؟ فقال : « صلّ الزوال ثمانیة ، ثم صلّ الظهر ، ثم صلّ سبحتک طالت أم قصرت ، ثم صلّ العصر » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : بین الظهر والعصر حدّ معروف؟ فقال : « لا » (4).

ویستفاد من روایة ذریح وغیرها أنه لا یستحب تأخیر العصر عن الظهر إلاّ بمقدار ما یصلّی النافلة ، ویؤیده الروایات المستفیضة الدالة علی أفضلیة أول الوقت ، کقول الصادق علیه السلام فی صحیحة قتیبة الأعشی : « إن فضل الوقت الأول علی الآخر کفضل الآخرة علی الدنیا » (5).

وقول الرضا علیه السلام فی صحیحة سعد بن سعد : « یا فلان إذا دخل الوقت علیک فصلّهما ، فإنک ما تدری ما یکون » (6).

وذهب جمع من الأصحاب إلی استحباب تأخیر العصر إلی أن یخرج وقت فضیلة الظهر وهو المثل أو الأقدام ، وممن صرح بذلک المفید فی المقنعة ، فإنه

أول وقت العصر

ص: 45


1- المعتبر 2 : 35 ، المنتهی 1 : 201.
2- الوسائل 3 : 96 أبواب المواقیت ب 5.
3- الکافی 3 : 276 - 3 ، الوسائل 3 : 96 أبواب المواقیت ب 5 ح 3.
4- التهذیب 2 : 255 - 1013 ، الوسائل 3 : 92 أبواب المواقیت ب 4 ح 4.
5- الکافی 3 : 274 - 6 ، التهذیب 2 : 40 - 129 ، ثواب الأعمال : 62 - 2 رواه مرسلا ، الوسائل 3 : 89 أبواب المواقیت ب 3 ح 15.
6- التهذیب 2 : 272 - 1082 ، الوسائل 3 : 87 أبواب المواقیت ب 3 ح 3.

______________________________________________________

قال فی باب عمل الجمعة : والفرق بین الصلاتین فی سائر الأیام مع الاختیار وعدم العوارض أفضل ، قد ثبتت السنة به ، إلاّ فی یوم الجمعة فإن الجمع بینهما أفضل (1).

وقریب من ذلک عبارة ابن الجنید ، فإنه قال : لا یختار أن یأتی الحاضر بالعصر عقیب الظهر التی صلاّها مع الزوال إلاّ مسافرا ، أو علیلا ، أو خائفا ما یقطعه عنها ، بل الاستحباب للحاضر أن یقدّم بعد الزوال وقبل فریضة الظهر شیئا من التطوع إلی أن تزول الشمس قدمین أو ذراعا من وقت زوالها ، ثم یأتی بالظهر ، ویعقبها بالتطوع من التسبیح أو الصلاة لیصیر الفی ء أربعة أقدام أو ذراعین ، ثم یصلّی العصر (2).

هذا کلامه - رحمه الله - وهو مضمون روایة زرارة (3) ، إلاّ أن أکثر الروایات یقتضی استحباب المبادرة بالعصر عقیب نافلتها من غیر اعتبار للإقدام والأذرع (4).

وجزم الشهید فی الذکری باستحباب التفریق بین الفرضین ، واحتج علیه بأنه معلوم من حال النبی صلی الله علیه و آله ، ثم قال : وبالجملة ، کما علم من مذهب الإمامیة جواز الجمع بین الصلاتین مطلقا علم منه استحباب التفریق بینهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلک (5). وهو حسن ، لکن یمکن أن یقال : إن التفریق یتحقق بتعقیب الظهر وفعل نافلة العصر.

ثم قال فی الذکری : وأورد علی المحقق نجم الدین تلمیذه جمال الدین یوسف بن حاتم الشامی المشغری ، وکان تلمیذ السید ابن طاوس : أن النبی صلی الله علیه و آله إن کان یجمع بین الصلاتین فلا حاجة إلی الأذان للثانیة ، إذ

ص: 46


1- المقنعة 27.
2- نقله عنه فی الذکری : 119.
3- المتقدمة فی ص 44.
4- الوسائل 3 : 96 أبواب المواقیت ب 5.
5- الذکری : 119.

______________________________________________________

هو للإعلام ، وللخبر المتضمن أنه عند الجمع بین الصلاتین یسقط الأذان (1) ، وإن کان یفرق فلم ندبتم إلی الجمع وجعلتموه أفضل. فأجابه المحقق : إن النبی صلی الله علیه و آله کان یجمع تارة ویفرق أخری ، قال : وإنما استحببنا الجمع فی الوقت الواحد إذا أتی بالنوافل والفرضین فیه ، لأنه مبادرة إلی تفریغ الذمة من الفرض حیث ثبت دخول وقت الصلاتین (2).

ویمکن الجواب عنه أیضا بأن الأذان إنما یسقط مع الجمع بین الفرضین إذا لم یأت المکلف بالنافلة بینهما ، أما مع الإتیان بها فیستحب الأذان للثانیة (3) ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله (4).

السادسة : اختلف الأصحاب فی آخر وقت العصر ، فقال المرتضی - رضی الله عنه - فی الجمل : یمتد وقت الفضیلة إلی أن یصیر الفی ء قامتین ، ووقت الإجزاء إلی الغروب (5). وهو اختیار ابن الجنید (6) ، وابن إدریس (7) ، وابن زهرة (8) ، وعامة المتأخرین.

وقال المفید فی المقنعة : یمتد وقتها إلی أن یتغیر لون الشمس باصفرارها للغروب ، وللمضطر والناسی إلی مغیبها (9).

وقال الشیخ فی أکثر کتبه : یمتد وقت الاختیار إلی أن یصیر ظل کل شی ء

آخر وقت العصر

ص: 47


1- الفقیه 1 : 186 - 885 ، التهذیب 3 : 18 - 66 ، الوسائل 4 : 665 أبواب الأذان والإقامة ب 36 ح 2.
2- فی « ح » زیادة : قلت ما ذکره جید.
3- فی « س » ، « م » ، « ح » زیادة : ولا ینحصر وجهه فی الإعلام.
4- فی ج 3 ص 265.
5- نقله عنه فی المعتبر 2 : 37.
6- نقله عنه فی المختلف : 68.
7- السرائر : 39.
8- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
9- المقنعة : 14.

______________________________________________________

مثلیه ، ووقت الاضطرار إلی الغروب (1). واختاره ابن البراج (2) ، وابن حمزة (3) ، وأبو الصلاح (4).

وقال المرتضی فی بعض کتبه : یمتد حتی یصیر الظل بعد الزیادة مثل ستة أسباعه (5).

المختار والمعتمد ما ذهب إلیه المرتضی - رضی الله عنه - أولا ، وقد تقدم مستنده (6). ومنه یعلم احتجاج الشیخ علی اعتبار المثلین للمختار وجوابه. ویؤکد ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معمر بن یحیی ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « وقت العصر إلی غروب الشمس » (7) وهو یتناول المختار وغیره.

وروی سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « العصر علی ذراعین ، فمن ترکها حتی یصیر علی ستة أقدام فذلک المضیّع » (8).

وروی سلیمان بن جعفر قال ، قال الفقیه : « آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف » (9).

وروی أبو بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن تضییع العصر هو

ص: 48


1- المبسوط 1 : 72 ، والخلاف 1 : 83.
2- المهذب 1 : 69 ، وشرح الجمل : 66.
3- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 670.
4- الکافی فی الفقه : 137.
5- نقله عنه فی المعتبر 2 : 38.
6- فی ص 38.
7- التهذیب 2 : 25 - 71 ، الإستبصار 1 : 261 - 937 ، الوسائل 3 : 113 أبواب المواقیت ب 9 ح 13.
8- التهذیب 2 : 256 - 1016 ، الإستبصار 1 : 259 - 928 ، الوسائل 3 : 111 أبواب المواقیت ب 9 ح 2.
9- التهذیب 2 : 256 - 1016 ، الإستبصار 1 : 259 - 928 ، الوسائل 3 : 111 أبواب المواقیت ب 9 ح 6.

وکذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب ، وتختصّ من أوله بمقدار ثلاث رکعات ، ثم تشارکها العشاء حتی ینتصف اللیل.

وتختص العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع.

______________________________________________________

أن یدعها حتی تصفر الشمس وتغیب » (1).

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : وهذا الاختلاف دلالة الترخیص وأمارة الاستحباب (2). والله أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( وکذا إذا غربت الشمس دخل وقت المغرب ، ویختص من أوله بمقدار ثلاث رکعات ، ثم تشارکها العشاء حتی ینتصف اللیل. وتختص العشاء من آخر الوقت بمقدار أربع رکعات ).

الکلام فی الاختصاص هنا کما تقدم فی الظهرین (3) ، وقد تضمنت هذه العبارة أربع مسائل خلافیة :

الأولی : إنّ أول وقت المغرب غروب الشمس ، قال فی المعتبر : وهو إجماع العلماء (4).

وإنما اختلفوا فیما یتحقق به الغروب ، فذهب الشیخ فی المبسوط والاستبصار (5) ، وابن بابویه فی کتاب علل الشرائع والأحکام (6) ، وابن الجنید (7) ، والسید المرتضی فی بعض مسائله (8) إلی أنه یعلم باستتار القرص

أول وقت المغرب وما یتحقق به الغروب

ص: 49


1- الفقیه 1 : 141 - 654 بتفاوت ، التهذیب 2 : 256 - 1018 ، الإستبصار 1 : 259 - 930 ، الوسائل 3 : 111 أبواب المواقیت ب 9 ح 1.
2- المعتبر 2 : 39.
3- فی ص 35.
4- المعتبر 2 : 40.
5- المبسوط 1 : 74. واختار فی الاستبصار القول الآتی.
6- علل الشرائع : 350.
7- نقله عنه فی المختلف : 72.
8- المسائل المیافارقیات ( رسائل المرتضی 1 ) : 274.

______________________________________________________

وغیبته عن العین مع انتفاء الحائل بینهما. وذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی التهذیب والنهایة إلی أنه إنما یعلم بذهاب الحمرة المشرقیة (1). وقال ابن أبی عقیل : أول وقت المغرب سقوط القرص ، وعلامته أن یسودّ أفق السماء من المشرق ، وذلک إقبال اللیل (2).

احتج الأولون بصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها » (3).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (4).

وصحیحة أخری لزرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأیته بعد ذلک وقد صلّیت أعدت الصلاة ، ومضی صومک ، وتکف عن الطعام إن کنت أصبت منه شیئا » (5).

وموثقة أبی أسامة زید الشحام قال : قال رجل لأبی عبد الله علیه السلام : أؤخر المغرب حتی تستبین النجوم؟ فقال : « خطّابیّة (6) ، إن جبرائیل علیه السلام نزل بها علی محمد صلی الله علیه و آله حین سقط القرص » (7).

ص: 50


1- التهذیب 2 : 29 ، والنهایة : 59.
2- نقله عنه فی المختلف : 72.
3- الکافی 3 : 279 - 7 ، التهذیب 2 : 28 - 81 ، الإستبصار 1 : 263 - 944 ، الوسائل 3 : 130 أبواب المواقیت ب 16 ح 16.
4- الفقیه 1 : 140 - 648 ، التهذیب 2 : 19 - 54 ، الوسائل 3 : 134 أبواب المواقیت ب 17 ح 1.
5- الکافی 3 : 279 - 5 ، التهذیب 2 : 261 - 1039 ، الإستبصار 1 : 115 - 376 ، الوسائل 3 : 130 أبواب المواقیت ب 16 ح 17.
6- أی : بدعة ومنسوبة إلی أبی الخطاب البرّاد الأجذع الأسدی ، ویکنی أیضا أبا إسماعیل ویکنی أیضا أبا الظبیان وهو مذموم فی غایة الذم - مجمع الرجال 5 : 106.
7- التهذیب 2 : 28 - 80 ، الاستبصار 1 : 262 - 943 ، رجال الکشی 2 : 576 - 510 ، علل الشرائع : 350 - 3 ، الوسائل 3 : 139 أبواب المواقیت ب 18 ح 18.

______________________________________________________

احتج الشیخ فی التهذیب علی اعتبار ذهاب الشفق المشرقی بما رواه عن علی بن أحمد بن أشیم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدری کیف ذاک؟ قلت : لا ، قال : « لأن المشرق مطلّ (1) علی المغرب هکذا » ورفع یمینه فوق یساره « فإذا غابت ها هنا ذهبت الحمرة من ها هنا » (2).

وعن برید بن معاویة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا غابت الحمرة من هذا الجانب - یعنی من المشرق - فقد غابت الشمس من شرق الأرض ومن غربها » (3).

وعن محمد بن علیّ قال : صحبت الرضا علیه السلام فی السفر فرأیته یصلّی المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق یعنی السواد (4). ولعل هذه الروایة مستند ابن أبی عقیل فیما اعتبره من إقبال السواد من المشرق ، وفی الجمیع قصور من حیث السند :

أما الروایة الأولی فبالإرسال ، وجهالة المرسل وهو علیّ بن أحمد بن أشیم ، وقد حکم المصنف فی المعتبر بضعفه (5).

وأما الثانیة فبأن من جملة رجالها القاسم بن عروة ، ولم ینص علیه الأصحاب بمدح ولا قدح ، وأیضا فإنها لا تدل علی المطلوب صریحا ، إذ أقصی

ص: 51


1- فی النسخ الخطیة : مظل.
2- الکافی 3 : 278 - 1 ، التهذیب 2 : 29 - 83 ، الإستبصار 1 : 265 - 959 ، الوسائل 3 : 126 أبواب المواقیت ب 16 ح 3.
3- الکافی 3 : 278 - 2 ، التهذیب 2 : 29 - 84 ، الإستبصار 1 : 265 - 957 ، الوسائل 3 : 126 أبواب المواقیت ب 16 ح 1.
4- التهذیب 2 : 29 - 86 ، الإستبصار 1 : 265 - 958 ، الوسائل 3 : 128 أبواب المواقیت ب 16 ح 8.
5- المعتبر 2 : 52.

______________________________________________________

ما تدل علیه توقف غیبوبة الشمس من المشرق والمغرب علی ذهاب الحمرة المشرقیة ، وهو خلاف المدعی.

وأما الثالثة فباشتراک راویها ، وهو محمد بن علیّ بین جماعة منهم الضعیف ، مع أنها قاصرة عن إفادة التوقیت ، إذ یجوز أن یکون تأخیره علیه السلام الصلاة إلی ذلک الوقت لطلب الفضیلة ، کتأخیر العشاء إلی ذهاب الشفق ، لا لعدم دخول الوقت قبل ذلک. وتشهد له روایة جارود ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « قلت لهم : مسّوا (1) بالمغرب قلیلا فترکوها حتی اشتبکت النجوم ، فأنا الآن أصلّیها إذا سقط القرص » (2).

وقد ورد فی بعض الروایات اعتبار رؤیة النجوم ، کصحیحة بکر بن محمد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سأله سائل عن وقت المغرب ، قال : « إن الله یقول فی کتابه لإبراهیم علیه السلام ( فَلَمّا جَنَّ عَلَیْهِ اللَّیْلُ رَأی کَوْکَباً ) (3) فهذا أول الوقت ، وآخر ذلک غیبوبة الشفق » (4). وحملها الشیخ فی التهذیب علی حالة الضرورة ، أو علی مدّها حتی تظهر النجوم فیکون فراغه منها عند ذلک ، وهو بعید جدا.

ویمکن حملها علی وقت الاشتباه کما تشعر به روایة علیّ بن الریّان ، قال : کتبت إلیه : الرجل یکون فی الدار تمنعه حیطانها النظر إلی حمرة المغرب ، ومعرفة مغیب الشفق ، ووقت صلاة العشاء الآخرة متی یصلّیها؟ وکیف یصنع؟ فوقّع علیه السلام : « یصلّیها إذا کان علی هذه الصفة عند قصر النجوم ، والعشاء

ص: 52


1- أی : أخّروها وأدخلوها فی المساء - مجمع البحرین 1 : 393 ، الوافی 2 : 47.
2- التهذیب 2 : 259 - 1032 ، الوسائل 3 : 129 أبواب المواقیت ب 16 ح 15.
3- الأنعام : 76.
4- الفقیه 1 : 141 - 657 ، التهذیب 2 : 30 - 88 ، الإستبصار 1 : 264 - 953 ، الوسائل 3 : 127 أبواب المواقیت ب 16 ح 6.

______________________________________________________

عند اشتباکها وبیاض مغیب الشفق » (1) وذکر الشیخ فی التهذیب أن معنی قصر النجوم بیانها.

ویمکن حملها أیضا علی أنّ المراد بها بیان وقت الفضیلة کما تشعر به صحیحة إسماعیل بن همام ، قال : رأیت الرضا علیه السلام وکنا عنده لم یصلّ المغرب حتی ظهرت النجوم ثم قام فصلّی بنا علی باب دار ابن أبی محمود (2). وروایة شهاب بن عبد ربّه قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « یا شهاب إنی أحب إذا صلّیت المغرب أن أری فی السماء کوکبا » (3).

ولا ریب أن الاحتیاط للدین یقتضی اعتبار ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم ، وإن کان القول بالاکتفاء بغروب الشمس لا یخلو من قوة. قال فی التذکرة : وهو - أی الغروب - ظاهر فی الصحاری ، وأما فی العمران والجبال فیستدل علیه بأن لا یبقی شی ء من الشعاع علی رؤس الجدران وقلل الجبال (4). وهو حسن.

الثانیة : امتداد وقت المغرب إلی أن یبقی لانتصاف اللیل قدر أداء العشاء ، وهو اختیار السید المرتضی علم الهدی رضوان الله علیه (5) ، وابن الجنید (6) ، وابن زهرة (7) ، وابن إدریس (8) ، والمصنف (9) ، وابن عمه

أخر وقت المغرب

ص: 53


1- الکافی 3 : 281 - 15 وفیه والمغرب بدل والعشاء ، التهذیب 2 : 261 - 1038 ، الإستبصار 1 : 269 - 972 ، الوسائل 3 : 150 أبواب المواقیت ب 24 ح 1.
2- التهذیب 2 : 30 - 89 ، الإستبصار 1 : 264 - 954 ، الوسائل 3 : 143 أبواب المواقیت ب 19 ح 9.
3- التهذیب 2 : 261 - 1040 ، الاستبصار 1 : 268 - 971 ، علل الشرائع : 350 - 2 ، الوسائل 3 : 128 أبواب المواقیت ب 16 ح 9.
4- التذکرة 1 : 76.
5- المسائل المیافارقیات ( رسائل المرتضی 1 ) : 274.
6- نقله عنه فی المختلف : 69.
7- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
8- السرائر : 39.
9- المعتبر 2 : 40.

______________________________________________________

نجیب الدین (1) ، وسائر المتأخرین. وقال الشیخ فی أکثر کتبه : آخره غیبوبة الشفق المغربی للمختار ، وربع اللیل مع الاضطرار (2). وبه قال ابن حمزة (3) ، وأبو الصلاح (4). وقال فی الخلاف : آخره غیبوبة الشفق ، وأطلق (5) ، وحکی فی المبسوط عن بعض علمائنا قولا بامتداد وقت المغرب والعشاء إلی طلوع الفجر (6).

والمعتمد : امتداد وقت الفضیلة إلی ذهاب الشفق ، والإجزاء للمختار إلی أن یبقی للانتصاف قدر العشاء ، وللمضطر إلی أن یبقی ذلک من اللیل ، وهو اختیار المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (7).

لنا علی الحکم الأول : صحیحة إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن وقت المغرب ، قال : « ما بین غروب الشمس إلی سقوط الشفق » (8).

وصحیحة علیّ بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل تدرکه صلاة المغرب فی الطریق ، أیؤخرها إلی أن یغیب الشفق؟ قال : « لا بأس بذلک فی السفر ، فأما فی الحضر فدون ذلک شیئا » (9).

وهما محمولان إما علی وقت الفضیلة ، أو الاختیار ، إذ لا قائل بأن ذلک آخر

ص: 54


1- الجامع للشرائع : 60.
2- التهذیب 2 : 259 ، 260 ، والنهایة : 59 ، والاقتصاد : 256.
3- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 670.
4- الکافی فی الفقه : 137.
5- الخلاف 1 : 84.
6- المبسوط 1 : 75.
7- المعتبر 2 : 40.
8- التهذیب 2 : 258 - 1029 ، الإستبصار 1 : 263 - 950 ، الوسائل 3 : 133 أبواب المواقیت ب 16 ح 29.
9- التهذیب 2 : 32 - 97 ، الإستبصار 1 : 267 - 967 ، الوسائل 3 : 144 أبواب المواقیت ب 19 ح 15.

______________________________________________________

الوقت مطلقا ، والدلیل علی إرادة الفضیلة قوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقتین أفضلهما » (1) وظهور تناول الروایات المتضمنة لامتداد الوقت إلی الانتصاف (2) للمختار وغیره ، وامتداد وقت المضطر إلی آخر اللیل علی ما سنبینه ، فلا یمکن حمل روایات الانتصاف علیه.

ولنا علی الحکم الثانی - أعنی امتداد وقت الإجزاء للمختار إلی أن یبقی للانتصاف قدر العشاء - : قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ففیما بین زوال الشمس إلی غسق اللیل أربع صلوات سمّاهنّ الله وبیّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق اللیل انتصافه » (3).

وصحیحة عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلی انتصاف اللیل ، إلاّ أن هذه قبل هذه » (4).

وروایة داود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتی یمضی مقدار ما یصلّی المصلّی ثلاث رکعات ، فإذا مضی ذلک فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتی یبقی من انتصاف اللیل مقدار ما یصلّی المصلّی أربع رکعات ، فإذا بقی ذلک فقد خرج وقت المغرب وبقی وقت العشاء الآخرة إلی انتصاف اللیل » (5) وهی نص فی المطلوب.

ویؤیده ما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن داود

ص: 55


1- المتقدمة فی ص 30.
2- الوسائل 3 : 134 أبواب المواقیت ب 17.
3- المتقدمة فی ص 33.
4- التهذیب 2 : 25 - 72 ، الإستبصار 1 : 261 - 938 ، الوسائل 3 : 115 أبواب المواقیت ب 10 ح 4.
5- التهذیب 2 : 28 - 82 ، الإستبصار 1 : 263 - 945 ، الوسائل 3 : 134 أبواب المواقیت ب 17 ح 4.

______________________________________________________

الصرمی ، قال : کنت عند أبی الحسن الثالث علیه السلام یوما فجلس یحدّث حتی غابت الشمس ، ثم دعا بشمع وهو جالس یحدّث ، فلما خرجت من البیت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن یصلّی المغرب ، ثم دعا بالماء فتوضّأ وصلّی (1).

وفی الصحیح ، عن عمر بن یزید قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أکون فی جانب المصر فتحضر المغرب وأنا أرید المنزل ، فإن أخرت الصلاة حتی أصلّی فی المنزل کان أمکن لی وأدرکنی المساء ، أفأصلّی فی بعض المساجد؟ قال : « صلّ فی منزلک » (2) وهی دالّة بإطلاقها علی جواز تأخیر المغرب اختیارا إلی أن یغیب الشفق ، ومتی ثبت ذلک وجب القول بامتداده إلی النصف ، للدلائل المتقدمة.

ولنا علی الحکم الثالث - أعنی امتداد وقتها للمضطر إلی أن یبقی من اللیل قدر العشاء - : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن نام رجل ، أو نسی أن یصلّی المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استیقظ قبل الفجر قدر ما یصلّیهما کلتیهما فلیصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فلیبدأ بالعشاء ، وإن استیقظ بعد الفجر فلیصلّ الصبح ، ثم المغرب ، ثم العشاء قبل طلوع الشمس » (3).

وأجاب العلاّمة فی المنتهی عن هذه الروایة بحمل القبلیة علی ما قبل الانتصاف (4) ، وهو بعید جدا ، لکن لو قیل باختصاص هذا الوقت بالنائم والناسی کما هو مورد الخبر کان وجها قویا.

احتج القائلون بانتهائه بذهاب الشفق للمختار بما تلوناه سابقا من

ص: 56


1- التهذیب 2 : 30 - 90 ، الإستبصار 1 : 264 - 955 ، الوسائل 3 : 143 أبواب المواقیت ب 19 ح 10.
2- التهذیب 2 : 31 - 92 ، الوسائل 3 : 144 أبواب المواقیت ب 19 ح 14.
3- التهذیب 2 : 270 - 1076 ، الوسائل 3 : 209 أبواب المواقیت ب 62 ح 4.
4- المنتهی 1 : 206.

______________________________________________________

الأخبار (1). وبربع اللیل للمضطر : بما ورد من استحباب تأخیر المغرب للمفیض من عرفات إلی المزدلفة وإن صار ربع اللیل (2) ، وبروایة عمر بن یزید ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن وقت المغرب ، قال : « إذا کان أرفق بک وأمکن لک فی صلاتک وکنت فی حوائجک فلک أن تؤخرها إلی ربع اللیل » (3).

والجواب عن الأول : إن الأمر بتأخیر الصلاة فی ذلک المحل إلی تلک الغایة أعنی ما بعد الربع لا یقتضی خروج الوقت فی غیر ذلک المحل بمضی الربع ، بل ربما کان فیه دلالة علی خلافه ، وإلاّ لما ساغ ذلک ، مع أن المروی فی صحاح أخبارنا الأمر بتأخیر المغرب إلی المزدلفة وإن ذهب ثلث اللیل (4).

وعن الروایة : بالطعن فی السند ، والحمل علی وقت الفضیلة ، جمعا بین الأدلة.

الثالثة : إن أول وقت العشاء إذا مضی من الغروب قدر صلاة المغرب ، وبه قال السید المرتضی (5) - رضوان الله علیه - وابن الجنید (6) ، وأبو الصلاح (7) ، وابن البراج (8) ، وابن زهرة (9) ، وابن حمزة (10) ، وابن

أول وقت العشاء

ص: 57


1- فی ص 54.
2- الوسائل 10 : 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5.
3- التهذیب 2 : 259 - 1034 ، الإستبصار 1 : 267 - 964 ، الوسائل 3 : 142 أبواب المواقیت ب 19 ح 8.
4- الوسائل 10 : 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5.
5- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 194 ، المسائل المیافارقیات ( رسائل السید المرتضی 1 ) : 274.
6- نقله عنه فی المختلف : 69.
7- الکافی فی الفقه : 137.
8- المهذب 1 : 69 ، شرح الجمل : 66.
9- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
10- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 670.

______________________________________________________

إدریس (1) ، وسائر المتأخرین.

وقال الشیخان : أول وقتها سقوط الشفق ، وهو الحمرة المغربیة (2). وهو اختیار ابن أبی عقیل (3) ، وسلاّر (4). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة » (5).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبید بن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلی انتصاف اللیل ، إلاّ أن هذه قبل هذه » (6).

وفی الموثق ، عن عبید الله وعمران ابنی علیّ الحلبیین قالا : کنا نختصم فی الطریق فی الصلاة : صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، وکان منا من یضیق بذلک صدره ، فدخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق ، فقال : « لا بأس بذلک » (7).

وفی الصحیح ، عن أبی عبیدة قال ، سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا کانت لیلة مظلمة وریح ومطر صلّی المغرب ، ثم مکث قدر ما یتنفل الناس ، ثم أقام مؤذنه ، ثم صلّی العشاء

ص: 58


1- السرائر : 40.
2- المفید فی المقنعة : 14 ، والشیخ فی النهایة : 59 ، والخلاف 1 : 85 ، والمبسوط 1 : 75 ، والاقتصاد : 256.
3- نقله عنه فی المختلف : 69.
4- المراسم : 62.
5- الفقیه 1 : 140 - 648 ، الوسائل 3 : 134 أبواب المواقیت ب 17 ح 1.
6- المتقدم فی ص 55 ، ولکن عن أبی عبد الله علیه السلام .
7- التهذیب 2 : 34 - 105 ، الإستبصار 1 : 271 - 979 ، الوسائل 3 : 148 أبواب المواقیت ب 22 ح 6.

______________________________________________________

ثم انصرفوا » (1).

وفی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن تؤخر المغرب فی السفر حتی یغیب الشفق ، ولا بأس أن تعجل العتمة فی السفر قبل أن یغیب الشفق » (2).

وجه الدلالة : أنه لولا دخول وقت العشاء قبل ذهاب الشفق لما جاز تقدیمها علیه مطلقا ، کما لا یجوز تقدیم المغرب علی الغروب.

احتج الشیخان بصحیحة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام متی تجب العتمة؟ قال : « إذا غاب الشفق ، والشفق : الحمرة » (3).

وصحیحة بکر بن محمد ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها إلی غسق اللیل : نصف اللیل » (4).

والجواب بالحمل علی وقت الفضیلة ، جمعا بین الأدلة.

الرابعة : إن وقت العشاء یمتد إلی نصف اللیل ، وهو مذهب الأکثر. وقال المفید فی المقنعة ، والشیخ فی جملة من کتبه : آخره ثلث اللیل (5). وقال فی المبسوط : آخره ثلث اللیل للمختار ، ونصف اللیل للمضطر. وحکی عن بعض علمائنا امتداد الوقت للمضطر إلی طلوع الفجر (6).

آخر وقت العشاء

ص: 59


1- التهذیب 2 : 35 - 109 ، الإستبصار 1 : 272 - 985 ، الوسائل 3 : 148 أبواب المواقیت ب 22 ح 3.
2- التهذیب 2 : 35 - 108 ، الإستبصار 1 : 272 - 984 ، الوسائل 3 : 147 أبواب المواقیت ب 22 ح 1.
3- الکافی 3 : 280 - 11 ، التهذیب 2 : 34 - 103 ، الإستبصار 1 : 270 - 977 ، الوسائل 3 : 149 أبواب المواقیت ب 23 ح 1.
4- الفقیه 1 : 141 - 657 ، التهذیب 2 : 30 - 88 ، الإستبصار 1 : 264 - 953 ، الوسائل 3 : 127 أبواب المواقیت ب 16 ح 1. وفی التهذیب والوسائل : یعنی نصف اللیل.
5- المقنعة : 14 ، والخلاف 1 : 85 ، والنهایة : 59 ، والاقتصاد : 256.
6- المبسوط 1 : 75.

______________________________________________________

والمعتمد : امتداد وقت الإجزاء للمختار إلی الانتصاف ، وللمضطر إلی طلوع الفجر ، وقد تقدم مستند الحکمین (1) ، ولا یبعد انتهاء وقت الفضیلة بالثلث ، لروایة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « آخر وقت العشاء ثلث اللیل » (2). ومثلها روایة یزید بن خلیفة ، عن الصادق علیه السلام (3) ، وفی الروایتین قصور من حیث السند (4).

احتج الشیخ فی الخلاف بأن الثلث مجمع علی کونه وقتا للعشاء فیقتصر علیه ، أخذا بالمتیقن (5).

والجواب : أنا قد بیّنا امتداد الوقت إلی الانتصاف بما نقلناه من الأدلة.

وربما ظهر من بعض الروایات عدم استحباب المبادرة بالعشاء بعد ذهاب الشفق ، کروایة أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لولا أنی أخاف أن أشقّ علی أمتی لأخرت العتمة إلی ثلث اللیل ، وأنت فی رخصة إلی نصف اللیل ، وهو غسق اللیل » (6).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، وسمعته یقول : « أخر رسول الله صلی الله علیه و آله لیلة من اللیالی العشاء الآخرة ما شاء الله ، فجاء عمر فدقّ الباب فقال : یا رسول الله صلی الله علیه و آله نام

ص: 60


1- فی ص 55.
2- التهذیب 2 : 262 - 1045 ، الإستبصار 1 : 269 - 973 ، الوسائل 3 : 114 أبواب المواقیت ب 10 ح 3.
3- الکافی 3 : 279 - 6 ، التهذیب 2 : 31 - 95 ، الإستبصار 1 : 267 - 965 ، الوسائل 3 : 114 أبواب المواقیت ب 10 ح 2.
4- أما الأولی فلأن فی طریقها موسی بن بکر وهو الواسطی ، وقال الشیخ فی رجاله إنه واقفی ( راجع رجال الشیخ : 359 ، ومعجم رجال الحدیث 19 : 27 ) وأما الثانیة فلأن راویها واقفی ( راجع رجال الشیخ : 364 ).
5- الخلاف 1 : 85.
6- الکافی 3 : 281 - 13 وفیه : صدر الحدیث ، التهذیب 2 : 261 - 1041 ، الاستبصار 1 : 272 - 986 ، وفیه عن أبی عبد الله 7.

وما بین طلوع الفجر الثانی المستطیر فی الأفق إلی طلوع الشمس وقت للصبح.

______________________________________________________

النساء ، نام الصبیان ، فخرج رسول الله صلی الله علیه و آله فقال : لیس لکم أن تؤذونی ولا تأمرونی ، إنما علیکم أن تسمعوا وتطیعوا » (1).

قوله : ( وما بین طلوع الفجر الثانی المستطیر فی الأفق إلی طلوع الشمس وقت الصبح ).

أجمع العلماء کافة علی أنّ أول وقت الصبح طلوع الفجر الثانی المستطیر فی الأفق أی : المنتشر الذی لا یزال فی زیادة ، ویسمی الصادق ، لأنه یصدق من رآه عن الصبح ، ویسمی الأول الکاذب وذنب السرحان ، لخروجه مستدقا مستطیلا کذنب السرحان.

والمستند فی ذلک الأخبار المستفیضة ، کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی رکعتی الصبح وهی الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا » (2).

وحسنة علیّ بن عطیة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الصبح هو الذی إذا رأیته معترضا کأنه بیاض سوری » (3).

وروایة الحصین بن أبی الحصین أنه کتب إلی أبی جعفر علیه السلام یسأله عن وقت صلاة الفجر ، فکتب إلیه بخطه علیه السلام : « الفجر - یرحمک الله - الخیط الأبیض ، ولیس هو الأبیض صعدا ، ولا تصلّ فی سفر ولا حضر حتی

وقت صلاة الصبح

ص: 61


1- التهذیب 2 : 28 - 81 ، الوسائل 3 : 145 أبواب المواقیت ب 21 ح 1.
2- التهذیب 2 : 36 - 111 ، الإستبصار 1 : 273 - 990 ، الوسائل 3 : 154 أبواب المواقیت ب 27 ح 5.
3- سوری علی وزن بشری : موضع بالعراق من أرض بابل ، والمراد ببیاضها نهرها کما فی روایة هشام بن الهذیل عن الکاظم علیه السلام وقد سأله عن وقت صلاة الصبح فقال : « حین یعترض الفجر فتراه کأنه نهر سوری » ، ( معجم البلدان 3 : 278 ، الحبل المتین : 144 ).

______________________________________________________

تتبینه رحمک الله » (1).

واختلف الأصحاب فی آخره ، فذهب المفید - رحمه الله - فی المقنعة (2) ، والشیخ فی جملة من کتبه (3) ، والمرتضی (4) ، وأبو الصلاح (5) ، وابن البراج (6) ، وابن زهرة (7) ، وابن إدریس (8) ، إلی أنه طلوع الشمس.

وقال الشیخ فی الخلاف : وقت المختار إلی أن یسفر الصبح ، ووقت المضطر إلی طلوع الشمس (9). وقال ابن أبی عقیل : آخره للمختار طلوع الحمرة المشرقیة ، وللمضطر طلوع الشمس (10). والمعتمد الأول.

لنا : أصالة عدم تضیّق الواجب قبل طلوع الشمس ، وما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یفوّت الصلاة من أراد الصلاة ، لا یفوّت صلاة النهار حتی تغیب الشمس ، ولا صلاة اللیل حتی یطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتی تطلع الشمس » (11).

وعن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وقت صلاة الغداة ما بین

ص: 62


1- الکافی 3 : 282 - 1 وفیه : کتب أبو الحسن بن الحصین إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام ، التهذیب 2 : 36 - 115 ، الإستبصار 1 : 274 - 994 ، الوسائل 3 : 153 أبواب المواقیت ب 27 ح 4.
2- المقنعة : 14.
3- الاقتصاد : 256 ، والرسائل العشر : 174.
4- نقله عنه فی المختلف : 70.
5- الکافی فی الفقه : 138.
6- المهذب 1 : 69 ، وشرح الجمل : 66.
7- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
8- السرائر : 39.
9- الخلاف 1 : 86.
10- نقله عنه فی المختلف : 70.
11- التهذیب 2 : 256 - 1015 ، الإستبصار 1 : 260 - 933 ، الوسائل 3 : 116 أبواب المواقیت ب 10 ح 9. وفی الوسائل والاستبصار : لا تفوت.

______________________________________________________

طلوع الفجر إلی طلوع الشمس » (1).

وعن الأصبغ بن نباتة قال ، قال أمیر المؤمنین علیه السلام : « من أدرک من الغداة رکعة قبل طلوع الشمس فقد أدرک الغداة تامة » (2).

ویمکن أن یستدل له أیضا بصحیحة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل لا یصلّی الغداة حتی یسفر ، وتظهر الحمرة ولم یرکع رکعتی الفجر ، أیرکعهما أو یؤخرهما؟ قال : « یؤخرهما » (3).

وجه الدلالة أن ظاهر الخبر امتداد الوقت إلی ما بعد الإسفار وظهور الحمرة ، وکل من قال بذلک قال بامتداده إلی طلوع الشمس.

احتج الشیخ - رحمه الله - علی انتهائه للمختار بالإسفار بما رواه فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وقت الفجر حین ینشق الفجر إلی أن یتجلل الصبح السماء ، ولا ینبغی تأخیر ذلک عمدا ، ولکنه وقت لمن شغل أو نسی أو نام » (4).

وفی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقتین أفضلهما ، ووقت الفجر حین ینشق الفجر ذلک عمدا ، ولکنه وقت من شغل أو نسی أو سها أو نام » (5) إلی أن یتجلل الصبح السماء ، ولا ینبغی تأخیر.

والجواب : منع دلالة الروایتین علی خروج وقت الاختیار بذلک ، فإن

ص: 63


1- التهذیب 2 : 36 - 114 ، الإستبصار 1 : 275 - 998 ، الوسائل 3 : 152 أبواب المواقیت ب 26 ح 6.
2- التهذیب 2 : 38 - 119 ، الإستبصار 1 : 275 - 999 ، الوسائل 3 : 158 أبواب المواقیت ب 30 ح 2.
3- التهذیب 2 : 340 - 1409 ، الوسائل 3 : 193 أبواب المواقیت ب 51 ح 1.
4- الکافی 3 : 283 - 5 ، التهذیب 2 : 38 - 121 ، الإستبصار 1 : 276 - 1001 ، الوسائل 3 : 151 أبواب المواقیت ب 26 ح 1.
5- التهذیب 2 : 39 - 123 ، الإستبصار 1 : 276 - 1003 ، الوسائل 3 : 151 أبواب المواقیت ب 26 ح 5.

ویعلم الزوال بزیادة الظل بعد نقصانه ، أو بمیل الشمس إلی الحاجب الأیمن لمن یستقبل القبلة. والغروب باستتار القرص ، وقیل : بذهاب الحمرة من المشرق ، وهو الأشهر.

وقال آخرون : ما بین الزوال حتی یصیر ظل کل شی ء مثله وقت للظهر. وللعصر من حین یمکن الفراغ من الظهر حتی یصیر الظل مثلیه

______________________________________________________

لفظ : « لا ینبغی » ظاهر فی الکراهة ، وجعل ما بعد الإسفار وقتا لمن شغل یقتضی عدم فوات وقت الاختیار بذلک ، فإن الشغل أعم من الضروری ، وبالجملة : فأقصی ما یدلان علیه خروج وقت الفضیلة بذلک ، لا وقت الاختیار ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( ویعلم الزوال بزیادة الظل بعد نقصانه ، أو بمیل الشمس إلی الحاجب الأیمن لمن یستقبل القبلة ).

وقد ذکر المصنف ، وغیره (1) أنه یعلم بأمرین :

أحدهما : زیادة الظل بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ، کما یتفق فی بعض البلاد کمکّة وصنعاء فی بعض الأزمنة ، وذلک لأن الشمس إذا طلعت وقع لکل شاخص قائم علی الأرض ظلّ طویل فی جانب المغرب ، ثم لا یزال ینقص کلما ارتفعت الشمس حتی تصل إلی دائرة نصف النهار - وهی دائرة عظیمة موهومة تفصل بین المشرق والمغرب - فهناک ینتهی نقصان الظل المذکور ، أو ینعدم فی بعض البلاد فی بعض الأزمنة ، فإذا مالت الشمس عن دائرة نصف النهار إلی المغرب فإن لم یکن قد بقی ظل عند الاستواء حدث الفی ء فی جانب المشرق ، وإن کان قد بقی فحینئذ یزید متحولا إلیه. فإذا أرید معاینة ذلک ینصب مقیاس ، ویقدّر ظلّه عند قرب الشمس من الاستواء ، ثم یصبر قلیلا ویقدّر ، فإن کان دون الأول أو بقدره فإلی الآن لم تزل ، وإن زاد فقد زالت.

وقد ورد هذا الاعتبار فی عدة أخبار کروایة سماعة قال ، قلت لأبی

ما یعلم به الزوال

ص: 64


1- منهم الشهید الأول فی الدروس : 22 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 175 ، 178.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام : جعلت فداک متی وقت الصلاة؟ فأقبل یلتفت یمینا وشمالا کأنه یطلب شیئا ، فلما رأیت ذلک تناولت عودا فقلت : هذا تطلب؟ قال : « نعم » فأخذ العود فنصبه بحیال الشمس ، ثم قال : « إن الشمس إذا طلعت کان الفی ء طویلا ، ثم لا یزال ینقص حتی تزول ، فإذا زالت زادت ، فإذا استبنت الزیادة فصلّ الظهر ، ثم تمهّل قدر ذراع وصلّ العصر » (1).

وروایة علیّ بن أبی حمزة ، قال : ذکر عند أبی عبد الله علیه السلام زوال الشمس قال ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « تأخذون عودا طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبین ، فیقام ، فما دام تری الظل ینقص فلم تزل ، فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت » (2).

وینضبط ذلک بالدائرة الهندسیة ، وبها یستخرج خط نصف النهار الذی إذا وقع ظل الشاخص المنصوب فی مرکز الدائرة علیه کان وقت الاستواء ، وإذا مال عنه إلی الجانب الذی فیه المشرق کان أول الزوال.

وطریقها : أن یسوّی موضعا من الأرض خالیا من ارتفاع وانخفاض تسویة صحیحة ، ثم یدار علیها دائرة بأی بعد کان ، وینصب علی مرکزها مقیاس مخروط محدّد الرأس یکون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقریبا ، نصبا مستقیما بحیث یحدث عن جوانبه زوایا قوائم - ویعلّم ذلک بأن یقدر ما بین رأس المقیاس ومحیط الدائرة بمقدار واحد من ثلاث نقط من المحیط - ویرصد رأس الظل عند وصوله إلی محیطها یرید الدخول فیها فیعلم علیه علامة ، ثم یرصده بعد الزوال قبل خروج الظل من الدائرة ، فإذا أراد الخروج عنه علّم علیه علامة ووصل ما بین العلامتین بخط مستقیم ، ثم ینصّف القوسان ، ویکفی تنصیف القوس الشمالی ، فیخرج من منتصفه خطا مستقیما یتصل بالمرکز ، فذلک خط نصف النهار ، فإذا ألقی المقیاس ظله علی هذا الخط الذی هو خط نصف النهار کانت

ص: 65


1- التهذیب 2 : 27 - 75 ، الوسائل 3 : 119 أبواب المواقیت ب 11 ح 1.
2- التهذیب 2 : 27 - 76 ، الوسائل 3 : 119 أبواب المواقیت ب 11 ح 2.

والمماثلة بین الفی ء الزائد والظل الأول ، وقیل : بل مثل الشخص.

وقیل : أربعة أقدام للظهر وثمان للعصر. هذا للمختار ، وما زاد علی ذلک حتی تغرب وقت لذوی الأعذار.

وکذا من غروب الشمس إلی ذهاب الحمرة للمغرب ، والعشاء من ذهاب الحمرة إلی ثلث اللیل للمختار ، وما زاد علیه حتی ینتصف اللیل للمضطر ، وقیل : إلی طلوع الفجر.

وما بین طلوع الفجر إلی طلوع الحمرة للمختار فی الصبح ، وما زاد علی ذلک حتی تطلع الشمس للمعذور. وعندی أن ذلک کله للفضیلة.

______________________________________________________

الشمس فی وسط السماء لم تزل ، فإذا ابتدأ رأس الظل یخرج عنه فقد زالت.

وثانیهما : میل الشمس إلی الحاجب الأیمن لمن یستقبل القبلة ، والمراد بها قبلة أهل العراق ، ولا بد من حمله علی أطراف العراق الغربیة التی قبلتها نقطة الجنوب ، فإن الشمس عند الزوال تکون علی دائرة نصف النهار المتصلة بنقطتی الجنوب والشمال فیکون حینئذ لمستقبل نقطة الجنوب بین العینین فإذا زالت مالت إلی طرف الحاجب الأیمن ، وأما أوساط العراق وأطرافه الشرقیة فقبلتهم تمیل عن نقطة الجنوب نحو المغرب کما سیأتی (1) ، فلا یعلم الزوال بصیرورة الشمس علی الحاجب الأیمن لمستقبلها إلاّ بعد مضی زمان طویل من أول الوقت.

قوله : ( والمماثلة بین الفی ء الزائد والظل الأول ، وقیل : مثل الشخص ).

المراد بالفی ء ما یحدث من ظل الشخص بعد الزوال ، وبالظل ما حدث منه قبله ، والمراد بالظل الأول الباقی منه عند الزوال ، والقول باعتبار المماثلة بین الفی ء الزائد والشخص المنصوب مذهب الأکثر ، قاله فی المعتبر (2) ، وهو الأظهر ، لأنه المستفاد من الروایات الدالة علی اعتبار المماثلة ، کموثقة زرارة ،

ص: 66


1- فی ص 129.
2- المعتبر 2 : 50.

______________________________________________________

عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال لعمرو بن سعید بن هلال : « قل له - یعنی زرارة - إذا صار ظلک مثلک فصلّ الظهر ، وإذا صار ظلک مثلیک فصلّ العصر » (1).

وصحیحة أحمد بن محمد ، قال : سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فکتب : « قامة للظهر ، وقامة للعصر » (2).

وروایة یزید بن خلیفة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن عمر بن حنظلة أتانا عنک بوقت ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا لا یکذب علینا » قلت : ذکر أنک قلت : « إذا زالت الشمس لم یمنعک إلاّ سبحتک ، ثم لا تزال فی وقت إلی أن یصیر الظل قامة وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر ، فلم یزل وقت العصر حتی یصیر الظل قامتین وذلک المساء » قال : « صدق » (3) ولو کان المعتبر مماثلة الظل الأول لما اعتبرت القامة ، لأنه غیر منضبط.

وقال الشیخ فی التهذیب : المعتبر المماثلة بین الفی ء الزائد والظل الأول لا الشخص ، واستدل بما رواه صالح بن سعید ، عن یونس ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عما جاء فی الحدیث : أن صلّ الظهر إذا کانت الشمس قامة وقامتین ، وذراعا وذراعین ، وقدما وقدمین ، من هذا ومن هذا ، فمتی هذا وکیف هذا؟ وقد یکون الظلّ فی بعض الأوقات نصف قدم. قال : « إنما قال : ظلّ القامة ، ولم یقل : قامة الظلّ ، وذلک أن ظلّ القامة یختلف ، مرة یکثر ومرة یقلّ ، والقامة قامة أبدا لا تختلف. ثم

ص: 67


1- التهذیب 2 : 22 - 62 ، الإستبصار 1 : 248 - 891 ، الوسائل 3 : 105 أبواب المواقیت ب 8 ح 13.
2- التهذیب 2 : 21 - 61 ، الإستبصار 1 : 248 - 890 ، الوسائل 3 : 105 أبواب المواقیت ب 8 ح 12.
3- الکافی 3 : 275 - 1 ، التهذیب 2 : 20 - 56 ، الإستبصار 1 : 260 - 932 ، الوسائل 3 : 114 أبواب المواقیت ب 10 ح 1.

ووقت النوافل الیومیة :

للظهر من حین الزوال إلی أن تبلغ زیادة الفی ء قدمین. وللعصر أربعة أقدام ، وقیل : ما دام وقت الاختیار باقیا ، وقیل : یمتد وقتها بامتداد وقت الفریضة ، والأول أشهر.

______________________________________________________

قال : ذراع وذراعان وقدم وقدمان ، فصار ذراع وذراعان تفسیر القامة والقامتین فی الزمان الذی یکون فیه ظل القامة ذراعا وظلّ القامتین ذراعین ، فیکون ظلّ القامة والقامتین والذراع والذراعین متفقین فی کل زمان معروفین مفسرا أحدهما بالآخر مسددا به ، فإذا کان الزمان الذی یکون فیه ظلّ القامة ذراعا کان الوقت ذراعا من ظلّ القامة وکانت القامة ذراعا من الظلّ ، وإذا کان ظلّ القامة أقل وأکثر کان الوقت محصورا بالذراع والذراعین ، فهذا تفسیر القامة والقامتین والذراع والذراعین » (1).

وهذه الروایة ضعیفة بالإرسال وجهالة صالح بن سعید ، ومتنها متهافت مضطرب لا یدل علی المطلوب ، وأیضا : فإنّ قدر الظلّ الأول غیر منضبط وقد ینعدم فی بعض الأوقات ، فلو نیط الوقت به لزم التکلیف بعبادة موقتة فی غیر وقت أو فی وقت یقصر عنها ، وهو معلوم البطلان.

قوله : ( ووقت النوافل الیومیة للظهر من حین الزوال إلی أن تبلغ زیادة الفی ء قدمین ، وللعصر أربعة أقدام ، وقیل : ما دام وقت الاختیار باقیا ، وقیل : یمتد وقتها بامتداد وقت الفریضة ، والأول أشهر ).

اختلف الأصحاب فی آخر وقت نافلة الظهرین ، فقال الشیخ فی النهایة ، وجمع من الأصحاب : وقت نافلة الظهر من الزوال حتی تبلغ زیادة الظل قدمین ، والعصر إلی أربعة أقدام (2). وقال فی الجمل ، والمبسوط ، والخلاف : وقت نافلة الظهر من الزوال إلی أن یبقی لصیرورة الفی ء مثل الشخص بمقدار ما یصلی فیه فریضة الظهر ، والعصر بعد الفراغ من الظهر ، إلی أن یبقی لصیرورة

وقت نوافل الظهر والعصر

ص: 68


1- التهذیب 2 : 24 - 67 ، الوسائل 3 : 110 أبواب المواقیت ب 8 ح 34.
2- النهایة : 60.

______________________________________________________

الفی ء مثلیه مقدار ما یصلی العصر (1).

وحکی المصنف - رحمه الله - هنا قولا بامتداد وقتهما بامتداد وقت الفریضة ولم ینقله فی المعتبر ، ولا نقله غیره فیما أعلم ، وهو مجهول القائل (2). والمعتمد الأول.

لنا ما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی الصحیح عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إن حائط مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله کان قامة ، وکان إذا مضی من فیئه ذراع صلی الظهر ، وإذا مضی من فیئه ذراعان صلی العصر » ثم قال : « أتدری لم یجعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لم جعل ذلک؟ قال : « لمکان النافلة ، لک أن تتنفل من زوال الشمس إلی أن یمضی ذراع ، فإذا بلغ فیئک ذراعا بدأت بالفریضة وترکت النافلة ، وإذا بلغ فیئک ذراعین بدأت بالفریضة وترکت النافلة » (3).

ومقتضی الروایة ترک النافلة بعد الذراع والذراعین والبدأة بالفریضة ثم الإتیان بالنافلة بعد ذلک.

وبهذه الروایة استدل المصنف فی المعتبر علی اعتبار المثل والمثلین ، فقال بعد نقلها : وهذا یدل علی بلوغ المثل والمثلین ، لأن التقدیر أن الحائط ذراع. قال : ویدل علیه ما روی علی بن حنظلة عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فی کتاب علی علیه السلام : القامة ذراع » (4) فبهذا الاعتبار یعود اختلاف کلام الشیخ لفظیا (5).

ویتوجه علیه أولا : منع ما ادعاه من کون القامة ذراعا ، والطعن فی سند

ص: 69


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 174 ، والمبسوط 1 : 76 ، والخلاف 1 : 199.
2- القائل هو الحلبی فی الکافی فی الفقه : 158.
3- الفقیه 1 : 140 - 653 ، الوسائل 3 : 103 أبواب المواقیت ب 8 ح 3.
4- التهذیب 2 : 251 - 995 ، الوسائل 3 : 107 أبواب المواقیت ب 8 ح 26.
5- المعتبر 2 : 48.

فإن خرج وقد تلبّس من النافلة ولو برکعة زاحم بها الفریضة مخففة.

______________________________________________________

الروایات المتضمنة لذلک.

وثانیا : أنه لو ثبت ذلک فی الجملة لم تصح إرادته هنا ، لأن قوله علیه السلام فی آخر الروایة : « فإذا بلغ فیئک ذراعا بدأت بالفریضة » صریح فی اعتبار قامة الإنسان.

ویمکن أن یستدل للقول الثالث بإطلاق النصوص المتضمنة لاستحباب فعل هذه النوافل قبل الفرضین (1).

وحسنة محمد بن عذافر قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « صلاة التطوع بمنزلة الهدیة متی ما أتی بها قبلت ، فقدّم منها ما شئت وأخّر ما شئت » (2).

ومرسلة علی بن الحکم ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال لی : « صلاة النهار ست عشرة رکعة أیّ النهار شئت ، إن شئت فی أوله ، وإن شئت فی وسطه ، وإن شئت فی آخره » (3).

والجواب أن هذه الروایات مطلقة ، وروایتنا مفصلة ، والمطلق یحمل علی المفصل.

واعلم أن ظاهر الروایة استئثار النافلة بجمیع الذراع والذراعین ، أو المثل والمثلین علی ما ذکره المصنف ، بمعنی أنه لو بقی من ذلک الوقت قدر النافلة خاصة أوقعها فیه وأخر الفریضة ، ومقتضی کلام الشیخ فی المبسوط والجمل استثناء قدر إیقاع الفریضتین من المثل والمثلین ، والأخبار لا تساعده.

قوله : ( وإن خرج الوقت وقد تلبس من النافلة ولو برکعة زاحم بها

ص: 70


1- الوسائل 3 : 31 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 3.
2- التهذیب 2 : 267 - 1066 ، الإستبصار 1 : 278 - 1010 ، الوسائل 3 : 170 أبواب المواقیت ب 37 ح 8.
3- التهذیب 2 : 267 - 1064 ، الإستبصار 1 : 278 - 1008 ، الوسائل 3 : 169 أبواب المواقیت ب 37 ح 6.

وإن لم یکن صلی شیئا بدأ بالفریضة.

______________________________________________________

الفریضة مخففة ، وإن لم یکن صلی شیئا بدأ بالفریضة ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (1) وأتباعه (2). وربما کان مستنده روایة عمار بن موسی الساباطی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « للرجل أن یصلی من نوافل الزوال إلی أن یمضی قدمان ، فإن مضی قدمان قبل أن یصلی رکعة بدأ بالأولی ولم یصل الزوال إلاّ بعد ذلک ، وللرجل أن یصلی من نوافل العصر ما بین الأولی إلی أن یمضی أربعة أقدام ، فإن مضت الأربعة أقدام ولم یصلّ من النوافل شیئا فلا یصلی النوافل ، وإن کان قد صلی رکعة فلیتم النوافل حتی یفرغ منها ثم یصلی العصر » (3) وهی صریحة فی المطلوب ، ولا تنافیها روایة زرارة المتقدمة (4) ، إذ الظاهر منها أن تقدیم الفریضة بعد الذراع والذراعین إنما هو مع عدم التلبس بشی ء من النافلة أصلا.

قال المصنف فی المعتبر : وهذه الروایة فی سندها جماعة من الفطحیة ، لکن یعضدها أنه محافظة علی سنة لم یتضیق وقت فریضتها (5). وهو جید ، ویعضدها أیضا أنّ مضمونها موافق للإطلاقات المعلومة ولیس لها معارض یعتد به ، فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله تعالی.

وقد ذکر المصنف وغیره (6) أنه مع التلبّس من النافلة فی الوقت برکعة یتمها مخففة ، وذکروا أنّ المراد بتخفیفها : الاقتصار علی أقل ما یجزئ فیها ، کقراءة الحمد وحدها وتسبیحة واحدة فی الرکوع والسجود ، حتی قال بعض المتأخرین : إنه لو تأدی التخفیف بالصلاة جالسا آثره علی القیام لإطلاق الأمر بالتخفیف. والنصّ (7) الذی وقفت علیه خال من هذا القید وإن أمکن المصیر

ص: 71


1- النهایة : 60.
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 71.
3- التهذیب 2 : 273 - 1086 ، الوسائل 3 : 178 أبواب المواقیت ب 40 ح 1 ، بتفاوت یسیر.
4- فی ص 69.
5- المعتبر 2 : 58.
6- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 20.
7- التهذیب 2 : 257 - 1019 ، الوسائل 3 : 88 أبواب المواقیت ب 3 ح 9.

ولا یجوز تقدیمها علی الزوال إلاّ یوم الجمعة. ویزاد فی نافلها أربع رکعات ، اثنتان منها للزوال.

______________________________________________________

إلی ما ذکروه محافظة علی المسارعة إلی فعل الواجب.

قوله : ( ولا یجوز تقدیمها علی الزوال إلاّ یوم الجمعة ).

الوجه فی ذلک أنّ الصلاة وظیفة شرعیة فیقف إثباتها علی مورد النقل ، والمنقول فعلها بعد الزوال فی غیر یوم الجمعة ، فلا یکون تقدیمها علیه مشروعا. ویؤیده ما رواه الشیخ ( فی الصحیح ) (1) عن ابن أذینة عن عدة : أنهم سمعوا أبا جعفر علیه السلام یقول : « کان أمیر المؤمنین علیه السلام لا یصلی من النهار حتی تزول الشمس ، ولا من اللیل بعد ما یصلی العشاء حتی ینتصف اللیل » (2).

وقال الشیخ فی التهذیب : یجوز تقدیمها علی الزوال رخصة لمن علم أنه إن لم یقدمها اشتغل عنها ولم یتمکن من قضائها (3). واستدل بما رواه فی الصحیح عن إسماعیل بن جابر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أشتغل ، قال : « فاصنع کما أصنع ، صلّ ست رکعات إذا کانت الشمس فی مثل موضعها من صلاة العصر یعنی ارتفاع الضحی الأکبر ، واعتد بها من الزوال » (4).

وعن القاسم بن الولید الغسانی عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : جعلت فداک صلاة النهار صلاة النوافل کم هی؟ قال : « ست عشرة أیّ ساعات النهار شئت أن تصلیها صلیتها ، إلاّ أنک إذا صلیتها فی مواقیتها أفضل » (5).

جواز تقدیم النوافل علی الزوال یوم الجمعة

ص: 72


1- لیست فی « م ».
2- التهذیب 2 : 266 - 1060 ، الإستبصار 1 : 27 - 1004 ، الوسائل 3 : 167 أبواب المواقیت ب 36 ح 5.
3- التهذیب 2 : 266.
4- التهذیب 2 : 267 - 1062 ، الإستبصار 1 : 277 - 1006 ، الوسائل 3 : 169 أبواب المواقیت ب 37 ح 4.
5- التهذیب 2 : 267 - 1063 ، الإستبصار 1 : 27 - 1007 ، الوسائل 3 : 169 أبواب المواقیت ب 37 ح 5.

ونافلة المغرب بعدها إلی ذهاب الحمرة المغربیة ،

______________________________________________________

وعن سیف بن عبد الأعلی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن نافلة النهار ، قال : « ست عشرة رکعة متی ما نشطت ، إنّ علی بن الحسین علیه السلام کانت له ساعات من النهار یصلی فیها ، فإذا شغله ضیعة أو سلطان قضاها ، إنما النافلة مثل الهدیة متی ما أتی بها قبلت » (1).

( ویستفاد من هاتین الروایتین جواز التقدیم مطلقا وإن کان مرجوحا بالنسبة إلی إیقاعها بعد الزوال ) (2) وتدل علیه أیضا حسنة محمد بن عذافر قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « صلاة التطوع بمنزلة الهدیة متی ما أتی بها قبلت ، فقدّم منها ما شئت وأخّر ما شئت » (3). وهذه الروایة لا تقصر عن الصحیح.

وصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام : إنه قال : « ما صلی رسول الله صلی الله علیه و آله الضحی قط » فقلت له : ألم تخبرنی أنه کان یصلی فی صدر النهار أربع رکعات؟ قال : « بلی إنه کان (4) یجعلها من الثمان التی بعد الظهر » (5).

هذا کله فی غیر یوم الجمعة ، أما فیه فلا ریب فی جواز تقدیم النافلة علی الزوال بل رجحانه ، کما سیجی ء فی محله إن شاء الله تعالی.

قوله : ( ونافلة المغرب بعدها إلی ذهاب الحمرة المغربیة ).

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا. واستدل علیه فی المعتبر (6) بأن

وقت نافلة المغرب

ص: 73


1- التهذیب 2 : 267 - 1065 ، الإستبصار 1 : 278 - 1009 ، الوسائل 3 : 169 أبواب المواقیت ب 37 ح 7. إلا أن فیها سیف عن عبد الأعلی وهو الظاهر لعدم وجود سیف بن عبد الأعلی فی کتب الرجال.
2- ما بین القوسین لیس فی « س ».
3- التهذیب 2 : 267 - 1066 ، الإستبصار 1 : 278 - 1010 ، الوسائل 3 : 170 أبواب المواقیت ب 37 ح 8.
4- فی « ح » زیادة : یصلی و.
5- الفقیه 1 : 358 - 1567 ، الوسائل 3 : 170 أبواب المواقیت ب 37 ح 10.
6- المعتبر 2 : 53.

فإن بلغ ذلک ولم یکن صلی النافلة أجمع بدأ بالفریضة.

______________________________________________________

ما بین صلاة المغرب وذهاب الحمرة وقت یستحب فیه تأخیر العشاء فکان الإقبال فیه علی النافلة حسنا ، وعند ذهاب الحمرة یقع الاشتغال بالفرض فلا یصلح للنافلة. قال : ویدل علی أن آخر وقتها ذهاب الحمرة ما روی من منع النافلة فی وقت الفریضة ، روی ذلک جماعة منهم محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إذا دخل وقت الفریضة فلا تطوع » (1).

وفیه نظر ، إذ من المعلوم أنّ النهی عن التطوع وقت الفریضة إنما یتوجه إلی غیر الرواتب ، للقطع باستحبابها فی أوقات الفرائض وإلاّ لم تشرع نافلة المغرب عند من قال بدخول وقت العشاء بعد مضی مقدار ثلاث رکعات من أول وقت المغرب (2) ، ولا نافلة الظهرین عند الجمیع. وقوله : إنه عند ذهاب الحمرة یقع الاشتغال بالفرض فلا یصلح للنافلة ، دعوی خالیة من الدلیل ، مع أن الاشتغال بالفرض قد یقع قبل ذلک عند المصنف ومن قال بمقالته ، ومجرد استحباب تأخیر العشاء عن أول وقتها إلی ذهاب الحمرة لا یصلح للفرق.

ومن ثم مال شیخنا الشهید فی الذکری والدروس إلی امتداد وقتها بوقت المغرب ، لأنها تابعة لها کالوتیرة (3) ، وهو متجه. وتشهد له صحیحة أبان بن تغلب ، قال : صلیت خلف أبی عبد الله علیه السلام المغرب بالمزدلفة ، فقام فصلی المغرب ثم صلی العشاء الآخرة ولم یرکع بینهما. ثم صلیت خلفه بعد ذلک بسنة فلما صلی المغرب قام فتنفل بأربع رکعات ثم أقام فصلی العشاء الآخرة (4).

قوله : ( فإن بلغ ذلک ولم یکن صلی النافلة أجمع بدأ بالفریضة ).

استدل علیه فی المعتبر بأن النافلة لا تزاحم غیر فریضتها ، لما روی أنه لا

ص: 74


1- التهذیب 2 : 247 - 982 ، الإستبصار 1 : 252 - 906 ، الوسائل 3 : 165 أبواب المواقیت ب 35 ح 3. بتفاوت یسیر.
2- حکاه العلامة فی المختلف : 69.
3- الذکری : 124 ، والدروس : 23.
4- الکافی 3 : 267 - 2 ، الوسائل 3 : 163 أبواب المواقیت ب 33 ح 1 بتفاوت.

والرکعتان من جلوس بعد العشاء ، ویمتدّ وقتهما بامتداد وقت الفریضة. وینبغی أن یجعلهما خاتمة نوافله.

______________________________________________________

تطوع فی وقت فریضة (1). ویتوجه علیه ما سبق.

وجزم الشهیدان بأن من کان قد شرع فی رکعتین منها ثم زالت الحمرة یتمهما سواء کانتا الأولتین أو الأخیرتین ، للنهی عن إبطال العمل (2) ، ولأن الصلاة علی ما افتتحت علیه (3). وهو حسن ، وأحسن منه إتمام الأربع بالتلبس بشی ء منها قبل ذهاب الشفق کما نقل عن ابن إدریس (4). وأولی من الجمیع الإتیان بالنافلة بعد المغرب متی أوقعها المکلف وعدم اعتبار شی ء من ذلک.

قوله : ( والرکعتان من جلوس بعد العشاء ، ویمتد وقتهما بامتداد وقت الفریضة ، وینبغی أن یجعلها خاتمة نوافله ).

أما امتداد وقتهما بامتداد وقت العشاء فلأنهما نافلة لها فتکون مقدرة بوقتها. قال فی المنتهی : وهو مذهب علمائنا أجمع (5).

وأما استحباب جعلهما خاتمة النوافل التی یرید أن یصلیها تلک اللیلة فذکره الشیخان (6) وأتباعهما (7) ، ولم أقف علی مستنده. نعم روی زرارة عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « ولیکن آخر صلاتک وتر لیلتک » (8) وهو لا یدل علی المدعی.

ویستحب القراءة فی هاتین الرکعتین بالواقعة والتوحید ، لما رواه الشیخ فی

وقت نافلة العشاء

ص: 75


1- المعتبر 2 : 54.
2- محمد : 33.
3- الشهید الأول فی الذکری : 124 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 181.
4- الذکری : 124.
5- المنتهی 1 : 208.
6- المفید فی المقنعة : 19 ، والشیخ فی النهایة : 60 ، 119 ، والمبسوط 1 : 76 ، 133.
7- منهم ابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 671.
8- الکافی 3 : 453 - 12 ، التهذیب 2 : 274 - 1087 ، الوسائل 5 : 283 أبواب بقیة الصلوات المندوبة ب 42 ح 5.

وصلاة اللیل بعد انتصافه ، وکلما قربت من الفجر کان أفضل.

______________________________________________________

الصحیح عن ابن أبی عمیر ، قال : کان أبو عبد الله علیه السلام یقرأ فی الرکعتین بعد العشاء الواقعة وقل هو الله أحد (1).

قوله : ( وصلاة اللیل بعد انتصافه ، وکلما قرب من الفجر کان أفضل ).

أما أن ما بعد الانتصاف وقت لصلاة اللیل فهو مذهب علمائنا أجمع ، ویدل علیه صحیحة فضیل عن أحدهما علیهماالسلام : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یصلی بعد ما ینتصف اللیل ثلاث عشرة رکعة » (2). وصحیحة ابن أذینة عن عدة إنهم سمعوا أبا جعفر علیه السلام یقول : « کان أمیر المؤمنین علیه السلام لا یصلی من النهار حتی تزول الشمس ، ولا من اللیل بعد ما یصلی العشاء حتی ینتصف اللیل » (3).

وأما أنه کلما قرب من الفجر کان أفضل فاستدل علیه بقوله تعالی : ( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ ) (4) والسحر ما قبل الفجر علی ما نصّ علیه أهل اللغة (5). وقد صحّ عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إن المراد بالاستغفار هنا الاستغفار فی قنوت الوتر » (6).

وصحیحة إسماعیل بن سعد الأشعری ، قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن ساعات الوتر ، فقال : « أحبها إلیّ الفجر الأول » وسألته عن أفضل ساعات اللیل ، قال : « الثلث الباقی » (7).

وقت صلاة اللیل

ص: 76


1- التهذیب 2 : 116 - 433 ، الوسائل 4 : 784 أبواب القراءة فی الصلاة ب 45 ح 1.
2- التهذیب 2 : 117 - 442 ، الإستبصار 1 : 279 - 1012 ، الوسائل 3 : 180 أبواب المواقیت ب 43 ح 3.
3- الکافی 3 : 289 - 7 ، التهذیب 2 : 266 - 1060 ، الوسائل 3 : 167 أبواب المواقیت ب 36 ح 5.
4- الذاریات : 18.
5- کما فی الصحاح 2 : 678.
6- التهذیب 2 : 130 - 498 ، الوسائل 4 : 910 أبواب القنوت ب 10 ح 7. بلفظ آخر.
7- التهذیب 2 : 339 - 1401 ، الوسائل 3 : 197 أبواب المواقیت ب 54 ح 4.

______________________________________________________

وروایة مرازم عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : متی أصلی صلاة اللیل؟ فقال : « صلها آخر اللیل » قال : فقلت : فإنی لا أستنبه ، فقال : « تستنبه مرة فتصلیها وتنام فتقضیها ، فإذا اهتممت بقضائها بالنهار استنبهت » (1). وفی طریق هذه الروایة هارون ، وهو مشترک بین جماعة منهم الضعیف (2).

ولو قیل باستحباب تأخیر الوتر خاصة إلی أن یقرب الفجر دون الثمانی رکعات - کما تدل علیه صحیحة إسماعیل بن سعد المتقدمة - کان وجها قویا. ویؤیده ما رواه عمر بن یزید فی الصحیح أنه سمع أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إن فی اللیل لساعة لا یوافقها عبد مسلم یصلی ویدعو الله فیها إلاّ استجاب له فی کل لیلة » قلت : فأصلحک الله فأیة ساعة من اللیل؟ قال : « إذا مضی نصف اللیل إلی الثلث الباقی » (3).

وقال ابن الجنید (4) : یستحب الإتیان بصلاة اللیل فی ثلاثة أوقات ، لقوله تعالی ( وَمِنْ آناءِ اللَّیْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ ) (5) ولما رواه معاویة بن وهب فی الصحیح ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول - وذکر صلاة النبی صلی الله علیه و آله - قال : « کان یؤتی بطهور فیخمر عند رأسه ، ویوضع سواکه عند فراشه ، ثم ینام ما شاء الله ، فإذا استیقظ جلس ، ثم قلّب بصره فی السماء ثم تلا الآیات من آل عمران ( إِنَّ فِی خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) الآیة ، ثم یستنّ ویتطهر ، ثم یقوم إلی المسجد فیرکع أربع رکعات ، علی قدر قراءته رکوعه ، وسجوده علی قدر رکوعه ، یرکع حتی یقال : متی یرفع رأسه ، ویسجد حتی یقال : متی یرفع رأسه ، ثم یعود إلی فراشه فینام ما شاء الله ، ثم

ص: 77


1- التهذیب 2 : 335 - 1382 ، الوسائل 3 : 186 أبواب المواقیت ب 45 ح 6.
2- راجع رجال النجاشی : 437 - 1176 - 1184.
3- التهذیب 2 : 117 - 441 ، الوسائل 4 : 1118 أبواب الدعاء ب 26 ح 1.
4- نقله عنه فی المختلف : 124.
5- طه : 130.

ولا یجوز تقدیمها علی الانتصاف ، إلا لمسافر یصدّه جده أو شاب تمنعه رطوبة رأسه ، وقضاؤها أفضل.

______________________________________________________

یستیقظ فیجلس فیتلو الآیات من آل عمران ویقلّب بصره فی السماء ، ثم یستنّ ویتطهر ویقوم إلی المسجد فیصلی أربع رکعات کما رکع قبل ذلک ، ثم یعود إلی فراشه فینام ما شاء الله ، ثم یستیقظ فیجلس فیتلو الآیات من آل عمران ویقلب بصره فی السماء ، ثم یستنّ ویتطهر ویقوم إلی المسجد فیوتر ویصلی الرکعتین ثم یخرج إلی الصلاة » (1). ومعنی یستنّ یستاک. ویستفاد من هذه الروایة استحباب فعل النافلة فی المسجد.

قوله : ( ولا یجوز تقدیمها علی الانتصاف ، إلاّ لمسافر یصدّه جده ، أو شاب تمنعه رطوبة رأسه ، وقضاؤها أفضل ).

ما اختاره المصنف من عدم جواز تقدیمها علی الانتصاف إلاّ فی السفر أو الخوف من غلبة النوم مذهب أکثر الأصحاب.

ونقل عن زرارة بن أعین المنع من تقدیمها علی الانتصاف مطلقا وأنه قال : کیف تقضی صلاة قبل وقتها؟ إن وقتها بعد انتصاف اللیل (2). واختاره ابن إدریس (3) - رحمه الله - علی ما نقل عنه ، والعلامة فی المختلف (4). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح عن لیث المرادی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی الصیف فی اللیالی القصار صلاة اللیل فی أول اللیل ، قال : « نعم ما رأیت ، نعم ما صنعت » قال : وسألته عن الرجل یخاف الجنابة فی السفر أو فی البرد فیجعل صلاة اللیل والوتر فی أول اللیل ،

ص: 78


1- التهذیب 2 : 334 - 1377 ، الوسائل 3 : 195 أبواب المواقیت ب 53 ح 1.
2- التهذیب 2 : 119 - 448 ، الإستبصار 1 : 280 - 1016 ، الوسائل 3 : 186 أبواب المواقیت ب 45 ح 7.
3- السرائر : 67.
4- المختلف : 74.

______________________________________________________

قال : « نعم » (1).

وفی الصحیح عن أبان بن تغلب ، قال : خرجت مع أبی عبد الله علیه السلام فیما بین مکة والمدینة ، فکان یقول : « أمّا أنتم فشباب تؤخّرون وأمّا أنا فشیخ أعجل ، فکان یصلی صلاة اللیل أول اللیل » (2).

وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن خشیت أن لا تقوم فی آخر اللیل وکانت بک علة أو أصابک برد ، فصلّ وأوتر من أول اللیل فی السفر » (3).

وفی الصحیح عن یعقوب الأحمر ، قال : سألته عن صلاة اللیل فی الصیف فی اللیالی القصار فی أول اللیل ، فقال : « نعم ما رأیت ، ونعم ما صنعت » ثم قال : « إن الشابّ یکثر النوم فأنا آمرک به » (4).

والأخبار الواردة فی ذلک کثیرة جدا (5).

وربما ظهر من بعض الروایات جواز تقدیمها علی الانتصاف مطلقا (6) ، کصحیحة محمد بن عیسی ، قال : کتبت إلیه أسأله : یا سیدی روی عن جدک أنه قال : لا بأس أن یصلی الرجل صلاة اللیل فی أول اللیل ، فکتب : « فی أیّ وقت صلی فهو جائز إن شاء الله » (7).

ص: 79


1- التهذیب 2 : 118 - 446 ، الإستبصار 1 : 279 - 1014 ، الوسائل 3 : 181 أبواب المواقیت ب 44 ح 1.
2- الکافی 3 : 440 - 6 ، التهذیب 3 : 227 - 579 ، الوسائل 3 : 184 أبواب المواقیت ب 44 ح 18.
3- الفقیه 1 : 289 - 1315 ، التهذیب 3 : 227 - 578 ، الوسائل 3 : 181 أبواب المواقیت ب 44 ح 2.
4- التهذیب 2 : 168 - 669 ، الوسائل 3 : 184 أبواب القنوت ب 44 ح 17.
5- الوسائل 3 : 181 أبواب المواقیت ب 44.
6- فی « م » زیادة : وإن کان مرجوحا بالنسبة إلی إیقاعها بعده.
7- التهذیب 2 : 337 - 1393 ، الوسائل 3 : 183 أبواب المواقیت ب 44 ح 14.

وآخر وقتها طلوع الفجر ، فإن طلع ولم یکن تلبس منها بأربع بدأ برکعتی

______________________________________________________

وروایة الحسین بن علی بن بلال ، قال : کتبت إلیه فی وقت صلاة اللیل ، فکتب : « عند زوال اللیل وهو نصفه أفضل ، فإن فات فأوله وآخره جائز » (1).

وروایة سماعة عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بصلاة اللیل من أول اللیل إلی آخره ، إلاّ أن أفضل ذلک إذا انتصف اللیل » (2).

وقد نصّ الأصحاب علی أنّ قضاء النافلة من الغد أفضل من التقدیم ، ورواه معاویة بن وهب فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : إن رجلا من موالیک من صلحائهم شکا إلیّ ما یلقی من النوم ، فقال : إنی أرید القیام للصلاة باللیل فیغلبنی النوم حتی أصبح ، فربما قضیت صلاتی الشهر المتتابع والشهرین أصبر علی ثقله ، قال : « قرة عین له والله » ولم یرخص له فی الصلاة فی أول اللیل ، وقال : « القضاء بالنهار أفضل » قلت : فإن من نسائنا أبکارا الجاریة تحب الخیر وأهله وتحرص علی الصلاة فیغلبها النوم حتی ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهی تقوی علیه أول اللیل ، فرخص لهن فی الصلاة أول اللیل إذا ضعفن وضیعن القضاء (3).

وروی محمد - وهو ابن مسلم - فی الصحیح عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت : الرجل من أمره القیام باللیل تمضی علیه اللیلة واللیلتان والثلاث لا یقوم ، فیقضی أحب إلیک أم یعجل الوتر أول اللیل؟ قال : « لا ، بل یقضی وإن کان ثلاثین لیلة » (4).

قوله : ( وآخر وقتها طلوع الفجر ، فإن طلع ولم یکن تلبس منها

ص: 80


1- التهذیب 2 : 337 - 1392 ، الوسائل 3 : 183 أبواب المواقیت ب 44 ح 13.
2- التهذیب 2 : 337 - 1394 ، الوسائل 3 : 183 أبواب المواقیت ب 44 ح 9.
3- الکافی 3 : 447 - 20 ، التهذیب 2 : 119 - 447 ، الإستبصار 1 : 279 - 1015 ، الوسائل 3 : 185 أبواب المواقیت ب 45 ح 1 ، 2.
4- التهذیب 2 : 338 - 1395 ، الوسائل 3 : 185 أبواب المواقیت ب 45 ح 5.

الفجر قبل الفریضة حتی تطلع الحمرة المشرقیة ، فیشتغل بالفریضة.

______________________________________________________

بأربع بدأ برکعتی الفجر قبل الفریضة حتی تطلع الحمرة المشرقیة فیشتغل بالفریضة ).

المراد بالفجر : الثانی لا الأول عند أکثر الأصحاب ، لأن به یتحقق زوال اللیل.

ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - فوات وقتها بطلوع الفجر الأول ، محتجا بأن ذلک وقت رکعتی الفجر ، وهما آخر صلاة اللیل (1).

والجواب ما سیجی ء إن شاء الله من أن محل رکعتی الفجر قبل الفجر الأول وعنده وبعده.

وقد قطع المصنف وغیره (2) بأن الفجر إذا طلع ولم یکن المکلف قد تلبس من صلاة اللیل بأربع ، أخّرها وبدأ برکعتی الفجر مع بقاء وقتها ثم صلی الفریضة. وقد روی ذلک إسماعیل بن جابر فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أوتر بعد ما یطلع الفجر؟ قال : « لا » (3). وإذا امتنع الوتر بعد الفجر امتنع ما قبله بطریق أولی.

وبإزاء هذه الروایة روایات کثیرة متضمنة للأمر بفعل اللیلة بعد الفجر وإن لم یحصل التلبس منها بأربع ، کصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة اللیل والوتر بعد طلوع الفجر ، فقال : « صلّها بعد الفجر حتی تکون فی وقت تصلی الغداة فی آخر وقتها ، ولا تعمد ذلک فی کل لیلة » وقال : « أوتر أیضا بعد فراغک منها » (4).

ص: 81


1- کما فی السرائر : 39 ، والذکری : 125.
2- منهم العلامة فی القواعد 1 : 25.
3- التهذیب 2 : 126 - 479 ، الإستبصار 1 : 281 - 1021 ، الوسائل 3 : 188 أبواب المواقیت ب 46 ح 6.
4- التهذیب 2 : 126 - 480 ، الإستبصار 1 : 282 - 1024 ، الوسائل 3 : 189 أبواب المواقیت ب 48 ح 1.

وإن کان قد تلبس بأربع تمّمها مخفّفة ولو طلع الفجر.

______________________________________________________

وصحیحة سلیمان بن خالد قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « ربما قمت وقد طلع الفجر ، فأصلی صلاة اللیل والوتر والرکعتین قبل الفجر ثم أصلی الفجر » قال ، قلت : أفعل أنا ذا؟ قال : « نعم ، ولا یکون منک عادة » (1).

وروایة إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أقوم وقد طلع الفجر ولم أصلّ صلاة اللیل ، فقال : « صلّ صلاة اللیل وأوتر وصلّ رکعتی الفجر » (2).

قال المصنف فی المعتبر : واختلاف الفتوی دلیل التخییر (3). یعنی بین فعلها بعد الفجر قبل الفرض وبعده ، وهو حسن.

قوله : ( وإن کان تلبس بأربع تممها مخففة ولو طلع الفجر ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ومستنده روایة أبی جعفر الأحول قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا أنت صلیت أربع رکعات من صلاة اللیل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع أو لم یطلع » (4) وهی وإن کانت ضعیفة السند بجهالة أبی الفضل النحوی الراوی عن أبی جعفر الأحول لکنها مؤیدة بعمل الأصحاب والروایات المتقدمة.

ولا ینافی ذلک ما رواه یعقوب البزاز قال ، قلت له : أقوم قبل الفجر بقلیل فأصلی أربع رکعات ثم أتخوف أن ینفجر الفجر أبدأ بالوتر أو أتم الرکعات؟ قال : « لا ، بل أوتر وأخّر الرکعات حتی تقضیها فی صدر

ص: 82


1- التهذیب 2 : 339 - 1403 ، الوسائل 3 : 190 أبواب المواقیت ب 48 ح 3.
2- التهذیب 2 : 126 - 478 ، الإستبصار 1 : 281 - 1023 ، الوسائل 3 : 190 أبواب المواقیت ب 48 ح 6.
3- المعتبر 2 : 60.
4- التهذیب 2 : 125 - 475 ، الإستبصار 1 : 282 - 1025 ، الوسائل 3 : 189 أبواب المواقیت ب 47 ح 1.

ووقت رکعتی الفجر بعد طلوع الفجر الأول ، ویجوز أن یصلیهما قبل ذلک.

______________________________________________________

النهار » (1) لأنا نجیب عنها :

أولا بالطعن فی السند بالإضمار ، وبأن من جملة رجالها محمد بن سنان وهو ضعیف جدا (2).

وثانیا بإمکان الحمل علی الأفضلیة کما ذکره الشیخ فی التهذیب (3) ، والکل حسن إن شاء الله.

قوله : ( ووقت رکعتی الفجر بعد طلوع الفجر الأول ، ویجوز أن یصلیها قبل ذلک ).

اختلف الأصحاب فی أول وقت رکعتی الفجر. فقال الشیخ فی النهایة : وقتهما عند الفراغ من صلاة اللیل وإن کان ذلک قبل طلوع الفجر الأول (4). وهو اختیار ابن إدریس (5) ، والمصنف ، وعامة المتأخرین (6). لکن قال فی المعتبر : إن تأخیرهما حتی یطلع الفجر الأول أفضل (7). وقال المرتضی - رضی الله عنه : وقت رکعتی الفجر طلوع الفجر الأول (8). ونحوه قال الشیخ فی المبسوط (9).

وقت نافلة الصبح

ص: 83


1- التهذیب 2 : 125 - 476 ، الإستبصار 1 : 282 - 1026 ، الوسائل 3 : 189 أبواب المواقیت ب 47 ح 2.
2- راجع رجال النجاشی : 328 - 888 ، ورجال الشیخ : 386.
3- التهذیب 2 : 125.
4- النهایة : 61.
5- السرائر : 39.
6- کالعلامة فی المختلف : 71 ، والشهید الأول فی الذکری : 126 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 182.
7- المعتبر 2 : 55.
8- نقله عنه فی المختلف : 71.
9- المبسوط 1 : 76.

______________________________________________________

والمعتمد جواز تقدیمها بعد الفراغ من صلاة اللیل ، وإن کان تأخیرها إلی أن یطلع الفجر الأول أفضل.

لنا علی جواز التقدیم : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن رکعتی الفجر ، قال : « احشوا بهما صلاة اللیل » (1).

وفی الصحیح عن ابن أبی یعفور ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رکعتی الفجر متی أصلیهما؟ فقال : « قبل الفجر ومعه وبعده » (2).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « صلّ رکعتی الفجر قبل الفجر وبعده وعنده » (3).

وفی الحسن عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : الرکعتان اللتان قبل الغداة أین موضعهما؟ فقال : « قبل طلوع الفجر ، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة » (4).

ویدل علی أن الأفضل تأخیرها حتی یطلع الفجر الأول صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « صلهما بعد ما یطلع الفجر » (5) وإنما حملنا لفظ الفجر علی الأول لتناسب الأخبار السالفة.

ص: 84


1- التهذیب 2 : 132 - 511 ، الإستبصار 1 : 283 - 1029 ، الوسائل 3 : 191 أبواب المواقیت ب 50 ح 1.
2- التهذیب 2 : 134 - 519 ، الإستبصار 1 : 284 - 1036 ، الوسائل 3 : 195 أبواب المواقیت ب 52 ح 2.
3- التهذیب 2 : 133 - 518 ، الإستبصار 1 : 284 - 1035 ، الوسائل 3 : 195 أبواب المواقیت ب 52 ح 4.
4- الکافی 3 : 448 - 25 ، التهذیب 2 : 132 - 509 و 336 - 1389 ، الاستبصار 1 : 282 - 1027 ، الوسائل 3 : 192 أبواب المواقیت ب 50 ح 7.
5- التهذیب 2 : 134 - 523 ، الإستبصار 1 : 284 - 1040 ، الوسائل 3 : 193 أبواب المواقیت ب 51 ح 5.

والأفضل إعادتهما بعده.

______________________________________________________

ولعل هذه الروایة مستند الشیخ والمرتضی فی جعلهما ذلک أول الوقت.

والجواب : المعارضة بالأخبار المستفیضة المتضمنة للأمر بفعلها مع صلاة اللیل من غیر تقیید بطلوع الفجر الأول ، مع إمکان القدح فی هذه الروایة ، لعدم وضوح مرجع الضمیر.

قوله : ( والأفضل إعادتهما بعده ).

أی : والأفضل لمن صلاهما قبل طلوع الفجر الأول إعادتهما بعد طلوعه. وهذا الحکم ذکره الشیخ (1) وجمع من الأصحاب ، واستدلوا علیه بصحیحة حماد بن عثمان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ربما صلیتهما وعلیّ لیل ، فإن نمت ولم یطلع الفجر أعدتهما » (2).

وموثقة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « إنی لأصلی صلاة اللیل فأفرغ من صلاتی وأصلی الرکعتین فأنام ما شاء الله قبل أن یطلع الفجر ، فإن استیقظت عند الفجر أعدتهما » (3).

ولا یخفی أنّ هاتین الروایتین إنما تدلان علی استحباب الإعادة لمن صلی هاتین الرکعتین وعلیه قطعة من اللیل إذا نام بعدهما ، فلا یتم الاستدلال بهما علی الاستحباب مطلقا.

وربما استفید منهما عدم کراهة النوم بعد صلاة اللیل ، وقطع الشیخ (4) ، والمصنف (5) بالکراهة ، لما رواه سلیمان بن حفص المروزی قال ، قال أبو الحسن الأخیر علیه السلام : « إیاک والنوم بین صلاة اللیل والفجر ، ولکن ضجعة بلا

ص: 85


1- المبسوط 1 : 132.
2- التهذیب 2 : 135 - 527 ، الإستبصار 1 : 285 - 1044 ، الوسائل 3 : 194 أبواب المواقیت ب 51 ح 8 ، وفی الجمیع : فإن قمت ولم یطلع الفجر.
3- التهذیب 2 : 135 - 528 ، الإستبصار 1 : 285 - 1045 ، الوسائل 3 : 194 أبواب المواقیت ب 51 ح 9.
4- التهذیب 2 : 137 ، والاستبصار 1 : 349.
5- المعتبر 2 : 55.

ویمتدّ وقتهما حتی تطلع الحمرة ، ثم تصیر الفریضة أولی.

______________________________________________________

نوم ، فإن صاحبه لا یحمد علی ما قدم من صلاته » (1) وفی الطریق ضعف (2) ، لکن العمل بمضمونها أولی.

قوله : ( ویمتد وقتهما حتی تطلع الحمرة ، ثم تصیر الفریضة أولی ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ومستنده قول الصادقین علیهماالسلام : « صلهما قبل الفجر ومعه وبعده » (3) والبعدیة تستمر إلی ما بعد الإسفار وطلوع الحمرة.

ویدل علی انتهاء الوقت بذلک صحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل لا یصلی الغداة حتی یسفر وتظهر الحمرة ولم یرکع رکعتی الفجر ، أیرکعهما أو یؤخرهما؟ قال : « یؤخرهما » (4).

وقال ابن الجنید : وقت صلاة اللیل والوتر والرکعتین من حین انتصاف اللیل إلی طلوع الفجر علی الترتیب (5). وظاهره انتهاء الوقت بطلوع الفجر الثانی ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی کتابی الأخبار ، واستدل بصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رکعتی الفجر ، قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : « قبل الفجر ، إنهما من صلاة اللیل ، ثلاث عشرة رکعة صلاة اللیل ، أترید أن تقایس؟ لو کان علیک من شهر رمضان أکنت تتطوع؟ إذا دخل علیک وقت الفریضة فابدأ بالفریضة » (6).

ویمکن التوفیق بین الروایات إما بحمل لفظ الفجر فی الروایات السابقة

ص: 86


1- التهذیب 2 : 137 - 534 ، الإستبصار 1 : 349 - 1319 ، الوسائل 4 : 1062 أبواب التعقیب ب 35 ح 1.
2- لعل وجهه أن علی بن محمد القاسانی فی الطریق وقد ضعفه الشیخ فی رجاله : 417.
3- المتقدم فی ص 84.
4- التهذیب 2 : 340 - 1409 ، الوسائل 3 : 193 أبواب المواقیت ب 51 ح 1.
5- نقله عنه فی المختلف : 71.
6- التهذیب 2 : 133 - 513 ، الإستبصار 1 : 283 - 1031 ، الوسائل 3 : 192 أبواب المواقیت ب 50 ح 3.

ویجوز أن یقضی الفرائض الخمس فی کل وقت ما لم یتضیق وقت حاضرة ، وکذا یصلی بقیّة الصلوات المفروضات.

ویصلی النوافل ما لم یدخل وقت فریضة ، وکذا قضاؤها.

______________________________________________________

علی الأول ، ویراد بما بعد الفجر ما بعد الأول وقبل الثانی ، أو بحمل الأمر فی هذه الروایة علی الاستحباب ، ولعل الثانی أرجح.

قوله : ( ویجوز أن یقضی الفرائض الخمس فی کل وقت ما لم یتضیق وقت حاضرة ، وکذا یصلی بقیة الصلوات المفروضات ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، ویدل علیه مضافا إلی الإجماع : صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال : « أربع صلوات یصلیها الرجل فی کل ساعة : صلاة فاتتک فمتی ذکرتها أدیتها ، وصلاة رکعتی طواف الفریضة ، وصلاة الکسوف ، والصلاة علی المیت. هذه یصلیهن الرجل فی الساعات کلها » (1).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله وإذا أردت أن تحرم ، وصلاة الکسوف ، وإذا نسیت فصلّ إذا ذکرت ، علیه السلام یقول : « خمس صلوات لا تترک علی کل حال : إذا طفت بالبیت ، وصلاة الجنازة » (2).

قوله : ( ویصلی النوافل ما لم یدخل وقت فریضة ، وکذا قضاؤها ).

المراد بالنوافل : المطلقة ، أعنی غیر الراتبة ، وبقضائها قضاء مطلق النافلة وإن کانت راتبة ، علی ما صرح به المصنف - رحمه الله - وغیره (3).

جواز قضاء الفرائض فی کل وقت

وقت النوافل الغیر الراتبة

ص: 87


1- الفقیه 1 : 278 - 1265 ، الوسائل 3 : 174 أبواب المواقیت ب 39 ح 1.
2- الکافی 3 : 287 - 2 ، الوسائل 3 : 175 أبواب المواقیت ب 39 ح 4.
3- منهم العلامة فی التبصرة : 21.

______________________________________________________

وقد قطع الشیخان (1) ، وأتباعهما (2) ، والمصنف - رحمه الله - بالمنع من قضاء النافلة مطلقا ، وفعل ما عدا الراتبة من النوافل فی أوقات الفرائض ، وأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (3).

واستدلوا علیه بروایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « قال لی رجل من أهل المدینة : یا أبا جعفر ما لی لا أراک تتطوّع بین الأذان والإقامة کما یصنع الناس؟ » قال : « فقلت : إنا إذا أردنا أن نتطوع کان تطوعنا فی غیر وقت فریضة ، فإذا دخلت الفریضة فلا تطوع » (4).

وروایة سیف بن عمیرة ، عن أبی بکر ، عن جعفر بن محمد علیهماالسلام ، قال : « إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوّع » (5).

وروایة أدیم بن الحر ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا یتنفل الرجل إذا دخل وقت فریضة » قال ، وقال : « إذا دخل وقت فریضة فابدأ بها » (6).

وفی الجمیع قصور من حیث السند باشتمال سند الروایة الأولی والأخیرة علی الطاطری وعبد الله بن جبلة ، وهما واقفیان (7) ، وعدم ثبوت توثیق أبی بکر الحضرمی.

نعم روی زرارة فی الصحیح قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أصلی

ص: 88


1- المفید فی المقنعة : 23 ، والشیخ فی النهایة : 62 ، والمبسوط 1 : 76 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 175.
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 127 ، وابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 671.
3- المعتبر 2 : 60.
4- التهذیب 2 : 167 - 661 و 247 - 982 ، الاستبصار 1 : 252 - 906 ، الوسائل 3 : 165 أبواب المواقیت ب 35 ح 3.
5- التهذیب 2 : 167 - 660 و 340 - 1405 ، الاستبصار 1 : 292 - 1071 ، الوسائل 3 : 166 أبواب المواقیت ب 35 ح 7.
6- التهذیب 2 : 167 - 663 ، الوسائل 3 : 165 أبواب المواقیت ب 35 ح 6.
7- حکاه النجاشی فی رجاله : 254 - 667 و 216 - 563 ، والشیخ الطوسی فی رجاله : 357 - 46.

______________________________________________________

نافلة وعلیّ فریضة أو فی وقت فریضة؟ قال : « لا ، إنه لا تصلی نافلة فی وقت فریضة ، أرأیت لو کان علیک من شهر رمضان أکان لک أن تتطوع حتی تقضیه؟ » قال ، قلت : لا ، قال : « فکذلک الصلاة » قال : فقایسنی وما کان یقایسنی (1).

ویمکن حمل هذه الروایات علی الأفضلیة ، کما تدل علیه حسنة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إذا دخل وقت الفریضة أتنفل أو أبدأ بالفریضة؟ فقال : « إن الفضل أن تبدأ بالفریضة ، وإنما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوّابین » (2).

وموثقة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یأتی المسجد وقد صلی أهله أیبتدئ بالمکتوبة أو یتطوع؟ فقال : « إن کان فی وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفریضة ، وإن خاف فوت الوقت من أجل ما مضی من الوقت فلیبدأ بالفریضة وهو حق الله ، ثم لیتطوع بما شاء » (3).

ویمکن الجمع بینهما أیضا بتخصیص النهی الواقع عن التنفل بعد دخول وقت الفریضة بما إذا کان المقیم قد شرع فی الإقامة ، کما تدل علیه صحیحة عمر بن یزید : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الروایة التی یروون أنه لا ینبغی أن یتطوع فی وقت فریضة ، ما حدّ هذا الوقت؟ قال : « إذا أخذ المقیم فی الإقامة » فقال له : الناس یختلفون فی الإقامة ، قال : « المقیم الذی یصلی معه » (4).

واختلف الأصحاب فی جواز التنفل لمن علیه فائتة ، فقیل بالمنع (5) ،

ص: 89


1- روض الجنان : 184 ، المستدرک 3 : 160 أبواب المواقیت ب 46 ح 3. والروایة فیهما غیر مسندة.
2- الکافی 3 : 289 - 5 ، الوسائل 3 : 167 أبواب المواقیت ب 26 ح 2 ، 3.
3- الکافی 3 : 288 - 3 ، التهذیب 2 : 264 - 1051 ، الوسائل 3 : 164 أبواب المواقیت ب 35 ح 1.
4- الفقیه 1 : 252 - 1136 بتفاوت یسیر ، التهذیب 3 : 283 - 841 ، الوسائل 3 : 166 أبواب المواقیت ب 35 ح 9.
5- کما فی التذکرة 1 : 82.

وأما أحکامها ، ففیه مسائل :

الأولی : إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة کالجنون والحیض

______________________________________________________

لصحیحة زرارة المتقدمة (1) ، وقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة الواردة فیمن فاته شی ء من الصلوات : « ولا یتطوع برکعة حتی یقضی الفریضة کلها » (2).

وقیل بالجواز ، وهو اختیار ابن بابویه (3) ، وابن الجنید (4) ، لما رواه الشیخ فی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته یقول : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله رقد ، فغلبته عیناه ، فلم یستیقظ حتی آذاه حرّ الشمس ، ثم استیقظ فرکع رکعتین ثم صلی الصبح » (5) والظاهر أن الرکعتین اللتین صلاهما أولا رکعتا الفجر ، وقد وقع التصریح بذلک فی صحیحة زرارة وفیها : إن النبی صلی الله علیه و آله قال : « یا بلال أذن ، فأذن فصلی رسول الله صلی الله علیه و آله رکعتی الفجر وأمر أصحابه فصلوا رکعتی الفجر ، ثم قام فصلی بهم الصبح » (6).

وأجاب عنها فی التهذیب بأن التطوع بالرکعتین إنما یجوز لیجتمع الناس الذین فاتتهم الصلاة لیصلوا جماعة ، کما فعل النبی صلی الله علیه و آله . قال : فأما إذا کان الإنسان وحده فلا یجوز له أن یبدأ بشی ء من التطوع أصلا علی ما قدمناه (7).

قوله : ( وأما أحکامها ، ففیه مسائل الأولی : إذا حصل أحد الأعذار

ص: 90


1- فی ص 88.
2- الکافی 3 : 292 - 3 ، التهذیب 2 : 172 - 685 و 266 - 1059 وج 3 : 159 - 341 ، الإستبصار 1 : 286 - 1046 ، الوسائل 3 : 206 أبواب المواقیت ب 61 ح 3.
3- المقنع : 33.
4- نقله عنه فی المختلف : 148.
5- التهذیب 2 : 265 - 1058 ، الإستبصار 1 : 286 - 1049 ، الوسائل 3 : 206 أبواب المواقیت ب 61 ح 1.
6- الذکری : 134 ، الوسائل 3 : 207 أبواب المواقیت ب 61 ح 6.
7- التهذیب 2 : 265.

وقد مضی من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفریضة وجب علیه قضاؤها ، ویسقط القضاء إذا کان دون ذلک علی الأظهر.

______________________________________________________

المانعة من الصلاة کالجنون والحیض وقد مضی من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفریضة وجب علیه قضاؤها ، ویسقط القضاء إذا کان دون ذلک علی الأظهر ).

أما وجوب القضاء إذا حصل العذر المانع من الصلاة بعد أن مضی من الوقت مقدار الصلاة وشرائها المفقودة من الطهارة وغیرها ، فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا.

ویدل علیه عموم ما دل علی وجوب قضاء الفوائت ، وروایة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر ، هل علیها قضاء تلک الصلاة؟ قال : « نعم » (1).

وموثقة یونس بن یعقوب عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : فی امرأة إذا دخل وقت الصلاة وهی طاهر فأخّرت الصلاة حتی حاضت قال : « تقضی إذا طهرت » (2).

وأما سقوط القضاء إذا کان حصول العذر قبل أن یمضی من الوقت مقدار ذلک فهو مذهب الأکثر ، ونقل علیه الشیخ فی الخلاف الإجماع (3).

وحکی عن ظاهر المرتضی (4) ، وابن بابویه (5) ، وابن الجنید (6) : اعتبار

أحکام المواقیت

حکم من حصل له مانع من الصلاة کالجنون والحیض فی الوقت

ص: 91


1- التهذیب 1 : 394 - 1221 ، الإستبصار 1 : 144 - 494 ، الوسائل 2 : 597 أبواب الحیض ب 48 ح 5.
2- التهذیب 1 : 392 - 1211 ، الإستبصار 1 : 144 - 493 ، الوسائل 2 : 597 أبواب الحیض ب 48 ح 4.
3- الخلاف 1 : 88.
4- جمل العلم والعمل : 67.
5- الفقیه 1 : 52 ، والمقنع : 17.
6- نقله عنه فی المختلف : 148.

ولو زال المانع فإن أدرک الطهارة ورکعة من الفریضة لزمه أداؤها.

______________________________________________________

خلو أول الوقت من العذر بمقدار أکثر الصلاة ، ولم نقف لهم علی مستند. والأصح السقوط مطلقا ، تمسکا بمقتضی الأصل إلی أن یثبت المخرج عنه.

واستدل علیه فی المنتهی بأن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وهو منتف ، فإن التکلیف یستدعی وقتا ، وإلاّ لزم تکلیف ما لا یطاق (1).

وضعف هذا الاستدلال ظاهر ، فإن القضاء فرض مستأنف متوقف علی الدلالة ولا تعلق له بوجوب الأداء أصلا ، کما بیناه فیما سبق.

قوله : ( ولو زال المانع فإن أدرک الطهارة ورکعة من الفریضة لزمه أداؤها ).

المراد بالأداء هنا : الإتیان بالفعل لا المعنی المقابل للقضاء. وفی حکم الطهارة غیرها من الشرائط. وتتحقق الرکعة برفع الرأس من السجدة الثانیة ، کما صرح به فی التذکرة (2). واحتمل الشهید فی الذکری الاجتزاء بالرکوع ، للتسمیة لغة وعرفا ولأنه المعظم (3) ، وهو بعید. وهذا الحکم - أعنی الاکتفاء فی آخر الوقت بإدراک رکعة مع الشرائط المفقودة - مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه بین أهل العلم (4).

والأصل فیه : ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الصلاة » (5). وعنه صلی الله علیه و آله : « من أدرک رکعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرک العصر » (6).

ومن طریق الأصحاب ما رواه الشیخ عن الأصبغ بن نباتة قال ، قال أمیر

ص: 92


1- المنتهی 1 : 423.
2- التذکرة 1 : 78.
3- الذکری : 122.
4- المنتهی 1 : 209.
5- صحیح البخاری 1 : 151 ، صحیح مسلم 1 : 423 - 161.
6- صحیح البخاری 1 : 151 ، صحیح مسلم 1 : 424 - 163.

ویکون مؤدیا علی الأظهر. ولو أهمل قضی.

______________________________________________________

المؤمنین علیه السلام : « من أدرک من الغداة رکعة قبل طلوع الشمس فقد أدرک الغداة تامة » (1).

وفی الموثق عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، إنه قال : « فإن صلی رکعة من الغداة ثم طلعت الشمس فلیتم الصلاة وقد جازت صلاته » (2).

وهذه الروایات وإن ضعف سندها إلاّ أن عمل الطائفة علیها ولا معارض لها فیتعین العمل بها.

والفرق بین أول الوقت وآخره واضح ، لتمکن المکلف فی آخر الوقت من إتمام الصلاة بغیر مانع بخلاف أول الوقت ، إذ لا سبیل إلی ذلک.

قوله : ( ویکون مؤدیا علی الأظهر ).

اختلف الأصحاب فی ذلک علی أقوال ثلاثة :

أحدها : ما اختاره المصنف - رحمه الله - من أنه یکون مؤدیا للجمیع ، وهو اختیار الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف ، ونقل فیه الإجماع ، واحتج علیه بظاهر قوله صلی الله علیه و آله : « من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الصلاة » (3) وفی لفظ آخر : « من أدرک من الوقت رکعة فقد أدرک الوقت » (4). قال : وإدراک الوقت إنما یتحقق بکون الصلاة الواقع منها رکعة فی الوقت أداء کالواقعة بأسرها فیه (5).

ص: 93


1- التهذیب 2 : 38 - 119 ، الإستبصار 1 : 275 - 999 ، الوسائل 3 : 158 أبواب المواقیت ب 30 ح 2.
2- التهذیب 2 : 38 - 120 ، الإستبصار 1 : 276 - 1000 ، الوسائل 3 : 157 أبواب المواقیت ب 30 ح 1.
3- المتقدم فی ص 92.
4- لم نعثر علی روایة بهذا اللفظ.
5- الخلاف 1 : 86 ، 88.

ولو أدرک قبل الغروب أو قبل انتصاف اللیل إحدی الفریضتین لزمته تلک لا غیر. وإن أدرک الطهارة وخمس رکعات قبل الغروب لزمه الفریضتان.

______________________________________________________

وثانیها : أنه یکون قاضیا للجمیع ، اختاره السید المرتضی - علی ما نقل عنه (1) - لأن آخر الوقت یختص بالرکعة الأخیرة ، فإذا وقعت فیه الأولی وقعت فی غیر وقتها ، ولا نعنی بقضاء العبادة إلاّ ذلک.

وثالثها : التوزیع علی معنی أن ما وقع فی الوقت یکون أداء وما وقع فی خارجه یکون قضاء ، لوجود معنی الأداء والقضاء فیهما.

وتظهر فائدة الخلاف فی النیة. وقال فی الذکری : إنها تظهر أیضا فی الترتب علی الفائتة السابقة ، فعلی القضاء یترتب دون الأداء (2). وهو ضعیف جدا ، إذ الإجماع منعقد علی وجوب تقدیم الصلاة التی قد أدرک من وقتها مقدار رکعة مع الشرائط علی غیرها من الفوائت.

قوله : ( ولو أدرک قبل الغروب أو قبل انتصاف اللیل إحدی الفریضتین لزمته تلک لا غیر ).

لاستحالة التکلیف بهما معا فی وقت لا یسعهما.

ثم إن قلنا بالاشتراک فاللازم هو الأولی لتقدمها ، وإلاّ فالثانیة وهو المعروف من المذهب ، وقد تقدم الکلام فیه.

قوله : ( وإن أدرک الطهارة وخمس رکعات قبل الغروب لزمه الفرضان ).

الوجه فی ذلک معلوم مما سبق. ومثله ما لو أدرک الخمس قبل الانتصاف ، ولا یکفی هنا الأربع وإن بقی منها للعشاء رکعة ، لاختصاص ذلک الوقت کله بالعشاء علی المذهب المختار.

ص: 94


1- الخلاف 1 : 86.
2- الذکری : 122.

الثانیة : الصبیّ المتطوّع بوظیفة الوقت إذا بلغ بما لا یبطل

______________________________________________________

ثم إن الرکعة الواحدة من الخمس للأولی بغیر إشکال ، وهل الثلاثة التی تتبعها لها ، أم للعصر ولکن تزاحمها الظهر فیها کما تزاحم العصر المغرب بثلاث لو أدرک من وقتها مقدار رکعة؟ قیل بالأول (1) ، لاستئثار الأولی بالسبق ، ووجوب تقدیمها عند إمکان الجمع. وقیل بالثانی ، وهو خیرة العلامة فی المختلف ، لأن الأربع وقت للعصر مع عدم الخامسة فکذا معها ، لاستحالة صیرورة ما لیس بوقت وقتا (2). وضعف هذا التوجیه ظاهر.

قیل : وفائدة الاحتمالین منتفیة فی الظهرین ، لأنهما تجبان علی التقدیرین ، وإنما تظهر فائدتهما فی العشاءین : فإن قلنا الأربع للظهر تجب العشاءان بإدراک أربع ، لأنهما حینئذ بمنزلة الخمس فی الظهرین ، وإن قلنا أنها للعصر وإنما زاحمتها الظهر فیها ، اختصت الأربع بالعشاء ، لأنها بقدرها (3).

وأقول : إن هذا الاختلاف ضعیف جدا ، لأن الحکم بتقدیم الأولی یستدعی کون ذلک القدر من الزمان الواقعة فیه وقتا لها قطعا وإن کان بعضه وقتا للعصر لولا إدراک الرکعة (4).

وما ذکره ذلک القائل من الفائدة أشد ضعفا ، لأن مقتضی القول بالاختصاص تعیّن إیقاع العشاء خاصة إذا أدرک من وقتها مقدار أربع فقط ، والبحث المتقدم إنما یجری علی تقدیر إدراک رکعة من وقت الأولی والمفروض عدمه ، کما هو واضح.

قوله : ( الثانیة : الصبی المتطوع بوظیفة الوقت إذا بلغ بما لا یبطل

إعادة الصبی المتطوع بالصلاة إذا بلغ فی الوقت

ص: 95


1- کما فی الذکری : 122.
2- المختلف : 75.
3- کما فی جامع المقاصد 1 : 78.
4- یرید أنه فی الفرض أدرک رکعة من آخر وقت الظهر فاستتبعت ثلاثا من وقت العصر ، لقوله صلی الله علیه و آله : « من أدرک. » کما أن العصر تستتبع ثلاثا من وقت المغرب لذلک ، لا أنه یرید کون مقدار الأربع للظهر مثلا محافظة علی الوقت المضروب لها شرعا إذ التحقیق أن الأربع الأخیرة للعصر وإن زاحمها الظهر بثلاث منها ( الجواهر 7 : 260 ).

الطهارة والوقت باق استأنف علی الأشبه. وإن بقی من الوقت دون الرکعة بنی علی نافلته ولا یجدّد نیّة الفرض.

______________________________________________________

الطهارة والوقت باق استأنف علی الأشبه ).

إذا بلغ الصبی المتطوع بالصلاة فی أثنائها بما لا یبطل الطهارة کالسنّ والإنبات ، وکان الوقت باقیا بحیث یسع رکعة فصاعدا مع الشرائط المفقودة ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف : یستأنف الصلاة (1) ، وبه قال أکثر الأصحاب ، لأنه بعد البلوغ مخاطب بالصلاة والوقت باق فیجب علیه الإتیان بها ، وما فعله أولا لم یکن واجبا فلا یقع به الامتثال.

وقال فی المبسوط : یتم الصلاة (2) ، وظاهره عدم وجوب الإعادة ، واستدل له فی المختلف بأنها صلاة شرعیة فلا یجوز إبطالها ، ولقوله تعالی ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ ) (3) وإذا وجب إتمامها سقط بها الفرض ، لأن امتثال الأمر یقتضی الإجزاء (4).

والجواب - بعد تسلیم دلالة الآیة علی تحریم إبطال مطلق العمل - : إن الإبطال هنا لم یصدر من المکلف بل من حکم الشارع ، سلّمنا وجوب الإتمام لکن لا نسلم سقوط الفرض بها ، والامتثال إنما یقتضی الإجزاء بالنسبة إلی الأمر الوارد بالإتمام ، لا بالنسبة إلی الأوامر الواردة بوجوب الصلاة.

وربما بنی الخلاف فی هذه المسألة علی أن عبادة الصبی شرعیة أو تمرینیة ، وهو غیر واضح. أما إعادة الطهارة فیتجه بناؤها علی ذلک ، لأن الحدث یرتفع بالطهارة المندوبة.

ولو بلغ فی الوقت بعد فراغه من الصلاة فکما لو بلغ فی الأثناء. وصرح

ص: 96


1- الخلاف 1 : 102.
2- المبسوط 1 : 73.
3- محمد : 33.
4- المختلف : 75.

الثالثة : إذا کان له طریق إلی العلم بالوقت لم یجز التعویل علی الظن ، فإن فقد العلم اجتهد ، فإن غلب علی ظنّه دخول الوقت صلی.

______________________________________________________

العلامة فی المنتهی بوجوب الإعادة هنا أیضا إذا أدرک رکعة من الوقت مع الشرائط المفقودة (1) ، وهو حسن.

قوله : ( الثالثة : إذا کان له طریق إلی العلم بالوقت لم یجز التعویل علی الظن ، فإن فقد العلم اجتهد ).

هنا مسألتان :

إحداهما : أن من کان له طریق إلی العلم بالوقت لا یجوز له التعویل علی الظن ، وهو مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا.

واستدل علیه فی المنتهی بأن العلم یؤمن معه الخطأ ، والظن لا یؤمن معه ذلک ، وترک ما یؤمن معه الخطأ قبیح عقلا (2). وهو ضعیف جدا ، إذ العقل لا یقضی بقبح التعویل علی الظن هنا ، بل لا یأباه لو قام علیه دلیل.

والأجود الاستدلال علیه بانتفاء ما یدل علی ثبوت التکلیف مع الظن للمتمکن من العلم ، ویؤیده عموم النهی عن اتباع الظن ، وخصوص روایة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : فی الرجل یسمع الأذان فیصلی الفجر ولا یدری أطلع الفجر أم لا ، غیر أنه یظن لمکان الأذان أنه طلع ، قال : « لا یجزیه حتی یعلم أنه قد طلع » (3).

ومقتضی الروایة عدم جواز التعویل علی الأذان. واستقرب المصنف فی المعتبر جوازه إذا وقع الأذان من ثقة یعرف منه الاستظهار ، لقوله علیه السلام : « المؤذن مؤتمن » (4) ولأن الأذان مشروع للإعلام ، فلو لم یجز تقلیده لما حصل

وجوب تحصیل الیقین بالوقت والا فالظن

ص: 97


1- المنتهی 1 : 210.
2- المنتهی 1 : 213.
3- الذکری : 129 ، الوسائل 3 : 203 أبواب المواقیت ب 58 ح 4.
4- التهذیب 2 : 282 - 1121 ، الوسائل 4 : 618 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 2.

______________________________________________________

الغرض به (1).

وقد یقال : إنه یکفی فی صدق الأمانة تحققها بالنسبة إلی ذوی الأعذار ، وشرعیة الأذان لتقلیدهم خاصة. أو یقال : إن فائدته تنبیه المتمکن علی الاعتبار (2).

نعم لو فرض إفادته العلم بدخول الوقت ، کما قد یتفق فی أذان الثقة الضابط الذی یعلم منه الاستظهار فی الوقت إذا لم یکن هناک مانع من العلم ، جاز التعویل علیه قطعا. وتدل علیه صحیحة ذریح المحاربی قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « صلّ الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد شی ء مواظبة علی الوقت » (3) (4).

وثانیتهما : أن من لا طریق له إلی العلم یجوز له الاجتهاد فی الوقت بمعنی التعویل علی الأمارات المفیدة للظنّ ، ولا یکلف الصبر حتی یتیقن ، وهو أحد القولین فی المسألة وأشهرهما ، بل قیل : إنه إجماع (5). وقال ابن الجنید : لیس للشاک یوم الغیم ولا غیره أن یصلی إلاّ عند یقینه بالوقت ، وصلاته فی آخر الوقت مع الیقین خیر من صلاته مع الشک (6).

احتج الأولون بروایة سماعة ، قال : سألته عن الصلاة باللیل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم ، قال : « اجتهد رأیک وتعمد القبلة

ص: 98


1- المعتبر 2 : 63.
2- کما فی الذکری : 129.
3- التهذیب 2 : 284 - 1136 ، الوسائل 4 : 618 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 1.
4- فی « م » ، « ح » زیادة : وروایة محمد بن خالد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أخاف أن أصلی الجمعة قبل أن تزول الشمس ، قال : « إنما ذاک علی المؤذنین ». وهی فی التهذیب 2 :4. 1137 ، الوسائل 4 : 618. أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 3.
5- التنقیح الرائع 1 : 171 کما استفاده منه فی الجواهر 7 : 269.
6- نقله عنه فی المختلف : 73.

______________________________________________________

جهدک » (1). قیل : وهذا یشمل الاجتهاد فی الوقت والقبلة (2).

ویمکن أن یستدل له أیضا بروایة أبی الصباح الکنانی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفی السماء علة فأفطر ، ثم إن السحاب انجلی فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تم صومه ولا یقضیه » (3) وإذا جاز التعویل علی الظن فی الإفطار جاز فی الصلاة ، إذ لا قائل بالفرق.

وصحیحة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأیته بعد ذلک وقد صلیت أعدت الصلاة ومضی صومک ، وتکف عن الطعام إن کنت أصبت منه شیئا » (4). وتقریب الاستدلال ما تقدم.

ویمکن المناقشة فی الروایتین الأولتین بضعف السند (5) ، وفی الثالثة بقصور الدلالة (6) والمسألة محل تردد ، وقول ابن الجنید لا یخلو من قوة.

وقد ورد فی بعض الروایات جواز التعویل فی وقت الزوال علی ارتفاع أصوات الدیکة وتجاوبها ، وأوردها الصدوق فی من لا یحضره الفقیه (7) ، وظاهره

ص: 99


1- الکافی 3 : 284 - 1 ، التهذیب 2 : 46 - 148 و 255 - 1009 ، الاستبصار 1 : 295 - 1088 ، الوسائل 3 : 223 أبواب القبلة ب 6 ح 2.
2- کما فی الذکری : 128.
3- الفقیه 2 : 75 - 326 ، التهذیب 4 : 270 - 816 ، وفیهما : وفی السماء غیم ، الإستبصار 2 : 115 - 374 ، الوسائل 7 : 88 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 51 ح 3.
4- الکافی 3 : 279 - 5 ، التهذیب 2 : 261 - 1039 وج 4 : 271 - 818 ، الإستبصار 2 : 115 - 376 ، الوسائل 3 : 130 أبواب المواقیت ب 16 ح 17.
5- أما الأولی فلاشتمالها علی بعض الواقفة ، وأما الثانیة فلأن فی طریقها محمد بن فضیل وهو ضعیف ( راجع رجال الشیخ : 360 ، ومعجم رجال الحدیث 17 : 144 ، 145 ).
6- فی « ح » زیادة : لاحتمال أن یراد بمضی الصوم فساده. وکذا فی « م » بزیادة : أو یفرق بین الصلاة والصوم مع عدم انکشاف فساد الظن کما حصل الفرق بینهما مع ظهور خلافه فتأمل.
7- الفقیه 1 : 143 - 668 و 144 - 669 ، الوسائل 3 : 124 أبواب المواقیت ب 14 ح 2 وص 125 ح 5.

فإن انکشف فساد الظن قبل دخول الوقت استأنف ، وإن کان الوقت دخل وهو متلبس ولو قبل التسلیم لم یعد علی الأظهر.

______________________________________________________

الاعتماد علیها ، ومال إلیه فی الذکری (1). وضعف سندها یمنع من التمسک بها.

قوله : ( فإن انکشف فساد الظن قبل دخول الوقت استأنف ، وإن کان الوقت قد دخل وهو متلبس ولو قبل التسلیم لم یعد علی الأظهر ).

إذا دخل المکلف فی الصلاة ظانا دخول الوقت وسوغنا ذلک ، ثم انکشف فساد ظنه ، فإن تبیّن وقوع الصلاة بأسرها قبل دخول الوقت وجب علیه الإعادة بإجماع العلماء ، لأنه أدی ما لم یؤمر به فلا یکون مجزیا ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل صلی الغداة بلیل غرّه من ذلک القمر ، ونام حتی طلعت الشمس ، فأخبر أنه صلی بلیل ، قال : « یعید صلاته » (2). وفی الموثق عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من صلی فی غیر وقت فلا صلاة له » (3).

وإن دخل الوقت وهو متلبس بها ولو قبل التسلیم قیل : أجزأه ، وهو اختیار الشیخ فی أکثر کتبه (4) ، وجمع من الأصحاب ، لأنه متعبد بظنه ، خرج منه ما إذا ما یدرک شیئا من الوقت بالإجماع فیبقی الباقی ، ولما رواه إسماعیل بن ریاح عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت وأنت تری أنک فی وقت ولم یدخل الوقت فدخل الوقت وأنت فی الصلاة فقد أجزأت عنک » (5).

حکم من انکشف له فساد الظن

ص: 100


1- الذکری : 128.
2- التهذیب 2 : 140 - 548 و 254 - 1008 ، الوسائل 3 : 122 أبواب المواقیت ب 13 ح 5.
3- التهذیب 2 : 254 - 1005 ، الإستبصار 1 : 244 - 868 ، الوسائل 3 : 123 أبواب المواقیت ب 13 ح 7.
4- المبسوط 1 : 74 ، النهایة : 62.
5- الکافی 3 : 286 - 11 ، الفقیه 1 : 143 - 666 ، التهذیب 2 : 35 - 110 و 141 - 550 ، الوسائل 3 : 150 أبواب المواقیت ب 25 ح 1.

ولو صلی قبل الوقت عامدا أو جاهلا أو ناسیا کانت صلاته باطلة.

______________________________________________________

والروایة واضحة المعنی ، لأن المراد من الرؤیة هنا الظن ، لکنها قاصرة من حیث السند بجهالة الراوی.

وقال السید المرتضی (1) ، وابن الجنید (2) ، وابن أبی عقیل (3) : یعید الصلاة کما لو وقعت بأسرها قبل دخول الوقت. واختاره فی المختلف (4) ، واحتج علیه بروایة أبی بصیر المتقدمة ، وبأنه مأمور بإیقاع الصلاة فی وقتها ولم یحصل الامتثال. وهو جید ، ولا ینافیه توجه الأمر بالصلاة بحسب الظاهر لاختلاف الأمرین ، کما لا یخفی علی المتأمل.

ویظهر من المصنف - رحمه الله - فی المعتبر التوقف فی هذه المسألة حیث قال : إن ما اختاره الشیخ أوجه بتقدیر تسلیم الروایة ، وما ذکره المرتضی أوجه بتقدیر اطراحها (5). هذا کلامه - رحمه الله - وهو حسن ، لکن اطراح الروایة متعین لضعف السند.

قوله : ( ولو صلّی قبل الوقت عامدا أو جاهلا أو ناسیا کانت صلاته باطلة ).

المراد بالجاهل : الجاهل بالوقت أو بوجوب المراعاة ، وبالناسی : ناسی مراعاة الوقت. وأطلقه فی الذکری علی من جرت منه الصلاة حال عدم خطور الوقت بالبال (6).

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین ما إذا وقعت الصلاة بأسرها قبل الوقت أو دخل وهو متلبس بها. والوجه فی الجمیع عدم صدق الامتثال المقتضی

حکم من صلی قبل الوقت

ص: 101


1- رسائل المرتضی 2 : 350.
2- نقله عنهما فی المختلف : 74.
3- نقله عنهما فی المختلف : 74.
4- المختلف : 74.
5- المعتبر 2 : 63.
6- الذکری : 128.

الرابعة : الفرائض الیومیة. مرتّبة فی القضاء.

______________________________________________________

لبقاء المکلف تحت العهدة ، وأیضا : فإنه منهی عن الشروع مع العمد ، والنهی فی العبادة یقتضی الفساد.

وقال الشیخ فی النهایة : ومن دخل فی الصلاة قبل الوقت عامدا أو ناسیا فإن دخل ولم یفرغ منها أجزأ (1). وهو مشکل جدا ، خصوصا مع تصریحه فیها بعدم جواز الدخول فی الصلاة مع انتفاء العلم والظن. وربما حمل کلامه علی أنّ المراد بالمتعمد الظانّ ، لأنه یسمی متعمدا للصلاة. ولا بأس به جمعا بین الکلامین.

ولو صادف الوقت صلاة الناسی أو الجاهل بدخول الوقت ، ففی الإجزاء نظر ، من حیث عدم الدخول الشرعی ، ومن مطابقة العبادة ما فی نفس الأمر وصدق الامتثال. والأصح الثانی ، وبه قطع شیخنا المحقق سلمه الله ، قال : وکذا البحث فی کل من أتی بما هو الواجب فی نفس الأمر وإن لم یکن عالما بحکمه ، ومثله القول فی الاعتقادات الکلامیة إذا طابقت نفس الأمر ، فإنها کافیة وإن لم تحصل بالأدلة المقررة ، کما صرح به سلطان المحققین نصیر الملة والدین (2). انتهی کلامه أطال الله بقاءه ، ولا بأس به.

قوله : ( الرابعة : الفرائض الیومیة مرتّبة فی القضاء ).

التقیید بالیومیة یشعر بعدم ترتیب غیرها ، فلا ترتیب بین الیومیة والفوائت الأخر ، ولا بین تلک الفوائت ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق. ونقل شیخنا الشهید فی الذکری عن بعض مشایخ الوزیر السعید مؤید الدین العلقمی وجوب الترتیب فیها أیضا (3) ، لعموم قوله علیه السلام : « فلیقضها کما فاتته » (4) وقوله علیه السلام : « یقضی ما فاته کما فاته » (5) وجعله العلاّمة فی

وجوب قضاء الفرائض مرتبا

ص: 102


1- النهایة : 62.
2- مجمع الفائدة والبرهان 2 : 54.
3- الذکری : 136.
4- غوالی اللآلی 3 : 107 - 150.
5- الکافی 3 : 435 - 7 ، التهذیب 3 : 162 - 350 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.

فلو دخل فی فریضة فذکر أن علیه سابقه عدل بنیته ما دام العدول ممکنا ،

______________________________________________________

التذکرة احتمالا (1) ، ونفی عنه البأس فی الذکری (2) ، وهو أحوط وإن کان الأظهر عدم تعینه.

والمراد بترتب الفرائض الیومیة فی القضاء أنه إذا اجتمعت فرائض متعددة یقضی السابق مقدمات علی اللاحق ، ولا ریب فی وجوبه مع العلم بالسابق ، لورود الأمر به فی عدة أخبار (3). وحکی الشهید فی الذکری عن بعض الأصحاب ممن صنف فی المضایقة والمواسعة القول بعدم الوجوب ، وأنه حمل الأخبار وکلام الأصحاب علی الاستحباب ، قال : وهو حمل بعید مردود بما اشتهر بین الجماعة (4).

أما مع الجهل بالسابق فالأقرب سقوطه عملا بمقتضی الأصل ، وتفصیا من الحرج اللازم من التکلیف بالتکرار المحصل له ، والتفاتا إلی اختصاص الروایات المتضمنة لاعتبار الترتیب بالعالم فلا یثبت مع الجهل ، عملا بالأصل السالم من المعارض ، وسیجی ء تمام الکلام فی هذه المسألة إن شاء الله تعالی (5).

قوله : ( فلو دخل فی فریضة فذکر أن علیه سابقه عدل بنیته ما دام العدول ممکنا ).

هذا متفرع علی ما ذکره من الترتب السابق. والمراد بالعدول أن ینوی بقلبه أنّ هذه الصلاة مجموعها - ما مضی منها وما بقی - هی السابقة المعیّنة ، وباقی مشخصات النیة لا یجب التعرض له. وإنما یعدل مع الإمکان ، وذلک حیث لا یتحقق زیادة رکوع علی عدد السابقة علی ما قطع به المتأخرون ، فلو

ص: 103


1- التذکرة 1 : 81.
2- الذکری : 136.
3- الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63.
4- الذکری : 136.
5- فی ج 4 ص 293.

وإلا استأنف المرتّبة.

الخامسة : تکره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند قیامها ، وبعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر. ولا بأس بما له سبب کصلاة الزیارات ، والحاجة ، والنوافل المرتّبة.

______________________________________________________

کانت اثنتین أو ثلاثا فرکع فی الثالثة أو الرابعة ثم تذکر الفائتة امتنع العدول ، لزیادة الرکن ، بخلاف ما قبل الرکوع ، لاغتفار زیادة غیر الرکن سهوا کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (1). وربما ظهر من کلام المنتهی فوات محل العدول بزیادة الواجب مطلقا(2).

وقد ورد بالأمر بالعدول روایات کثیرة ، کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وإن ذکرت أنک لم تصلّ الأولی وأنت فی صلاة العصر وقد صلّیت منها رکعتین [ فانوها الاولی ] فصلّ الرکعتین الباقیتین وقم فصلّ العصر » ثم قال : « وإن کنت قد صلّیت من المغرب رکعتین ثم ذکرت العصر فانوها العصر ثم سلّم ثم صلّ المغرب » (3).

قوله : ( وإلاّ استأنف المرتبة ).

أی : السابقة ، والمراد أنه إن لم یکن العدول ممکنا وجب أن یستأنف السابقة بعد إکمال ما هو فیها ، ویغتفر الترتیب لعارض النسیان (4).

قوله : ( الخامسة : تکره النوافل المبتدأة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند قیامها ، وبعد صلاة الصبح ، وبعد صلاة العصر ، ولا بأس بما له سبب ، کصلاة الزیارات ، والحاجة ، والنوافل المرتبة ).

الأوقات التی یکره فیها ابتداء النوافل

ص: 104


1- فی ج 4 ص 229.
2- المنتهی 1 : 422.
3- الکافی 3 : 291 - 1 ، التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63 ح 1. وما بین المعقوفین من المصدر.
4- فی « ح » زیادة : وعندی فی هذا الحکم توقف ، لعدم وضوح مستنده.

______________________________________________________

ما اختاره المصنف من کراهة النوافل المبتدأة دون ذوات السبب فی هذه الأوقات الثلاثة : عند طلوع الشمس إلی أن یذهب الشعاع والحمرة ، وعند غروبها ، أی : اصفرارها ومیلها إلی الغروب إلی أن تغرب ، وعند قیامها وهو وصولها إلی دائرة نصف النهار أو ما قاربها ، وبعد صلاتی الصبح والعصر ، مذهب أکثر الأصحاب ، وهو اختیار الشیخ فی المبسوط والاقتصاد (1). وحکم فی النهایة بکراهة النوافل أداء وقضاء عند الطلوع والغروب ، ولم یفرق بین ذی السبب وغیره (2). وفصّل فی الخلاف ، فقال فیما نهی عنه لأجل الوقت وهی المتعلقة بالشمس : لا فرق فیه بین الصلوات والبلاد والأیام ، إلاّ یوم الجمعة فإنه تصلّی عند قیامها النوافل. ثم قال فیما نهی عنه لأجل الفعل وهی المتعلقة بالصلاة : إنما یکره ابتداء الصلاة فیه نافلة ، فأما کل صلاة لها سبب فإنه لا بأس به (3).

وجزم المفید - رحمه الله - بکراهة النوافل المبتدأة وذوات السبب عند الطلوع والغروب ، وقال : إن من زار أحد المشاهد عند طلوع الشمس أو غروبها أخّر الصلاة حتی تذهب حمرة الشمس عند طلوعها ، وصفرتها عند غروبها (4).

وظاهر المرتضی - رضی الله عنه - المنع من الصلاة فی هذین الوقتین (5).

والأصل فی هذه المسألة الأخبار المستفیضة ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : قال : تصلّی علی الجنازة فی کل ساعة ، إنها لیست بصلاة رکوع وسجود ، وإنما تکره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التی

ص: 105


1- المبسوط 1 : 76 ، والاقتصاد : 256.
2- النهایة : 62.
3- الخلاف 1 : 197.
4- المقنعة : 35.
5- الانتصار : 50 ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 194.

______________________________________________________

فیها الخشوع والرکوع والسجود ، لأنها تغرب بین قرنی شیطان وتطلع بین قرنی شیطان » (1).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا صلاة نصف النهار إلاّ یوم الجمعة » (2).

وروایة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا صلاة بعد العصر حتی المغرب ، ولا صلاة بعد الفجر حتی تطلع الشمس » (3) وروی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام نحو ذلک (4).

وفی طریق هاتین الروایتین الطاطری ، وکان واقفیا شدید العناد کما نص علیه الشیخ (5) والنجاشی (6).

وهذه الروایات شاملة بإطلاقها لصلاة الفریضة والنافلة المبتدأة وغیرها ، وإنما حملت علی النافلة لورود الإذن فی صلاة الفرائض فی کل وقت ، کقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « أربع صلوات یصلّیها الرجل فی کل ساعة » (7) وعدّ الصلاة الفائتة وصلاة الکسوف والطواف والأموات. وفی

ص: 106


1- الکافی 3 : 180 - 2 ، التهذیب 3 : 202 - 474 و 321 - 998 ، الاستبصار 1 : 470 - 1814 ، الوسائل 2 : 797 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.
2- التهذیب 3 : 13 - 44 ، الإستبصار 1 : 412 - 1576 ، الوسائل 5 : 18 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 6.
3- التهذیب 2 : 174 - 695 ، الإستبصار 1 : 290 - 1066 ، الوسائل 3 : 171 أبواب المواقیت ب 38 ح 2. وفی الأخیرین : حتی یصلی المغرب.
4- التهذیب 2 : 174 - 694 ، الإستبصار 1 : 290 - 1065 ، الوسائل 3 : 170 أبواب المواقیت ب 38 ح 1.
5- الفهرست : 92 - 380.
6- رجال النجاشی : 179.
7- الکافی 3 : 288 - 3 ، الفقیه 1 : 278 - 1265 ، الوسائل 3 : 174 أبواب المواقیت ب 39 ح 1.

______________________________________________________

صحیحة معاویة بن عمار : « خمس صلوات لا تترک علی کل حال » (1) وعدّ مع هذه الأربع صلاة الإحرام.

وأما التقیید بالمبتدأة فاستدل علیه فی الذکری (2) بتظافر الروایات بقضاء النافلة فی هذه الأوقات ، کحسنة الحسین بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اقض صلاة النهار أیّ ساعة شئت من لیل أو نهار کلّ ذلک سواء » (3).

وروایة علیّ بن بلال ، قال : کتبت إلیه فی قضاء النافلة من طلوع الفجر إلی طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلی أن تغیب الشمس ، فکتب : « لا یجوز ذلک إلاّ للمقتضی ، فأما لغیره فلا » (4).

وبأن شرعیة ذی السبب عامة ، وإذا تعارض العمومان وجب الجمع ، والحمل علی غیر ذوات الأسباب وجه جمع (5).

وقد یقال : إن أقصی ما تدل علیه هذه الروایات بعد سلامة سندها الإذن فی قضاء النافلة خاصة فی هذه الأوقات فإلحاق غیرها بها من ذوات الأسباب یحتاج إلی دلیل. وأما ما ذکره من الجمع فیمکن المناقشة فیه بأن التوفیق بین الأخبار کما یمکن بما ذکره کذا یمکن بتخصیص عموم ذوات السبب بما دل علی کراهة الصلاة فی تلک الأوقات ، لأن بینهما عموما من وجه فتقدیم أحدهما یحتاج إلی مرجح.

ص: 107


1- الکافی 3 : 287 - 2 ، التهذیب 2 : 172 - 683 ، الوسائل 3 : 175 أبواب المواقیت ب 39 ح 4.
2- الذکری : 127.
3- التهذیب 2 : 173 - 691 ، الإستبصار 1 : 290 - 1062 ، الوسائل 3 : 176 أبواب المواقیت ب 39 ح 13.
4- التهذیب 2 : 175 - 696 ، الإستبصار 1 : 291 - 1068 ، الوسائل 3 : 171 أبواب المواقیت ب 38 ح 3.
5- فی « م » : الجمع.

______________________________________________________

ویمکن الجواب عنه : بأنه یکفی فی المرجح تطرق التخصیص إلی عموم ما دل علی الکراهة بمطلق الفرائض وقضاء النوافل کما بیناه (1) ، واعتضاد عموم شرعیة ذی السبب بإطلاق ما دل علی رجحان الصلاة.

واعلم : أن ظاهر الصدوق - رحمه الله - التوقف فی هذا الحکم من أصله ، فإنه قال : وقد روی نهی عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لأن الشمس تطلع بین قرنی شیطان وتغرب بین قرنی شیطان ، إلاّ أنه روی لی جماعة من مشایخنا ، عن أبی الحسین محمد بن جعفر الأسدی - رضی الله عنه - أنه ورد علیه فیما ورد من جواب مسائله من محمد بن عثمان العمری - قدس الله روحه - : وأما ما سألت من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن کان کما یقول الناس : إن الشمس تطلع بین قرنی شیطان وتغرب بین قرنی شیطان ، فما أرغم أنف الشیطان بشی ء أفضل من الصلاة ، فصلّها وأرغم أنف الشیطان (2).

وقال الشیخ فی التهذیب بعد أن أورد الأخبار (3) المتضمنة للکراهة : وقد روی رخصة فی الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها (4). ونقل الروایة بعینها.

( ولو لا قطع الروایة ظاهرا لتعیّن المصیر إلی ما تضمنته ، وحمل أخبار النهی علی التقیة ) (5) لموافقتها لمذهب العامة وأخبارهم ، وقد أکثر الثقة الجلیل أبو جعفر محمد بن محمد (6) بن النعمان فی کتابه المسمی بأفعل لا تفعل من

ص: 108


1- فی ص 106.
2- الفقیه 1 : 315 ج 1430. الوسائل 3 : 172 أبواب المواقیت ب 38 ح 8.
3- فی « ح » زیادة : المستفیضة.
4- التهذیب 2 : 175.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : والظاهر أن هذه الروایة عن صاحب الأمر علیه السلام فیتعین حمل أخبار النهی علی التقیة.
6- کذا فی جمیع النسخ ، وبعض کتب الفقه والحدیث أیضا ، والظاهر « علی » فیکون المراد به أبا جعفر محمد بن علی بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق ، لأن الکتاب المذکور له ، لا لأبی عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفید - الذریعة 2 : 261.

السادسة : ما یفوت من النوافل لیلا یستحب تعجیله ولو فی النهار ، وما یفوت نهارا یستحب تعجیله ولو لیلا ، ولا ینتظر بها النهار.

______________________________________________________

التشنیع علی العامة فی روایتهم ذلک عن النبی صلی الله علیه و آله ، وقال : إنهم کثیرا ما یخبرون عن النبی صلی الله علیه و آله بتحریم شی ء وبعلّة تحریمه ، وتلک العلة خطأ لا یجوز أن یتکلم بها النبی صلی الله علیه و آله ، ولا یحرّم الله من قبلها شیئا ، فمن ذلک ما أجمعوا علیه من النهی عن الصلاة فی وقتین : عند طلوع الشمس حتی یلتئم طلوعها ، وعند غروبها ، فلولا أن علة النهی أنها تطلع وتغرب بین قرنی شیطان لکان ذلک جائزا ، فإذا کان آخر الحدیث موصولا بأوله وآخره فاسد فسد الجمیع ، وهذا جهل من قائله ، والأنبیاء لا تجهل ، فلما بطلت هذه الروایة بفساد آخر الحدیث ثبت أن التطوع جائز فیهما.

قوله : ( السادسة : ما یفوت من النوافل لیلا یستحب تعجیله ولو فی النهار ، وما یفوت نهارا یستحب تعجیله ولو لیلا ، ولا ینتظر النهار ).

ما اختاره المصنف من استحباب تعجیل فائتة النهار باللیل وفائتة اللیل بالنهار مذهب الأکثر ، لعموم قوله تعالی ( وَسارِعُوا إِلی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ ) (1) وقوله تعالی ( وَهُوَ الَّذِی جَعَلَ اللَّیْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ) (2) فعنهم علیهم السلام أنهم قالوا : هو إن جعل علی نفسه شیئا من الخیر من صلاة أو ذکر فیفوته ذلک من اللیل فیقضیه بالنهار ، أو یشتغل بالنهار فیقضیه باللیل.

وروی ابن بابویه فی کتابه ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « کلما فاتک باللیل فاقضه بالنهار ، قال الله تبارک وتعالی ( وَهُوَ الَّذِی جَعَلَ اللَّیْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ یَذَّکَّرَ أَوْ أَرادَ شُکُوراً ) (3) یعنی أن یقضی الرجل ما فاته باللیل بالنهار وما فاته بالنهار باللیل » (4).

استحباب تعجیل ما یفوت باللیل نهارا وبالعکس

ص: 109


1- آل عمران : 133.
2- الفرقان : 62.
3- الفرقان : 62.
4- الفقیه 1 : 315 - 1428 ، الوسائل 3 : 200 أبواب المواقیت ب 57 ح 4.

______________________________________________________

وروی إسحاق بن عمار ، قال : لقیت أبا عبد الله علیه السلام بالقادسیة عند قدومه علی أبی العباس فأقبل حتی انتهینا إلی طرناباد فإذا نحن برجل علی ساقیة یصلّی ، وذلک [ عند ] (1) ارتفاع النهار ، فوقف علیه أبو عبد الله علیه السلام وقال : « یا عبد الله أیّ شی ء تصلّی؟ » فقال : صلاة اللیل فاتتنی أقضیها بالنهار ، فقال : « یا معتّب حطّ رحلک حتی نتغدّی مع الذی یقضی صلاة اللیل » فقلت : جعلت فداک تروی فیه شیئا؟ فقال : « حدثنی أبی ، عن آبائه علیهم السلام قال ، قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن الله یباهی بالعبد یقضی صلاة اللیل بالنهار ، یقول : یا ملائکتی انظروا إلی عبدی یقضی ما لم أفترض علیه » (2).

وروی محمد بن مسلم فی الموثق ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن علیّ بن الحسین علیهماالسلام کان إذا فاته شی ء من اللیل قضاه بالنهار ، وإن فاته شی ء من الیوم قضاه من الغد ، أو فی الجمعة ، أو فی الشهر ، وکان إذا اجتمعت علیه الأشیاء قضاها فی شعبان حتی یکمل له عمل السنة کلّها تامة » (3).

وقال ابن الجنید ، والمفید فی الأرکان : یستحب قضاء صلاة النهار بالنهار ، وصلاة اللیل باللیل (4). واحتج لهما فی المختلف (5) بصحیحة معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « اقض ما فاتک من صلاة النهار بالنهار ، وما فاتک من صلاة اللیل باللیل » (6).

ثم أجاب عنها بجواز إرادة الإباحة من الأمر ، لخروجه عن حقیقته وهی

ص: 110


1- أثبتناه من المصدر.
2- الذکری : 137 ، الوسائل 3 : 202 أبواب المواقیت ب 57 ح 15.
3- التهذیب 2 : 164 - 644 ، الوسائل 3 : 201 أبواب المواقیت ب 57 ح 8.
4- نقله عنهما فی الذکری : 137.
5- المختلف : 149.
6- الکافی 3 : 451 - 3 ، التهذیب 2 : 162 - 637 ، الوسائل 3 : 200 أبواب المواقیت ب 57 ح 6.

السابعة : الأفضل فی کل صلاة أن یؤتی بها فی أول وقتها ، إلا المغرب والعشاء لمن أفاض من عرفات ، فإن تأخیرها إلی المزدلفة أولی ولو صار إلی ربع اللیل ، والعشاء الأفضل تأخیرها حتی یسقط الشفق الأحمر ، والمتنفّل یؤخر الظهر والعصر حتی یأتی بنافلتهما ، والمستحاضة تؤخر الظهر والمغرب.

______________________________________________________

الوجوب إجماعا ، قال : ولیس استعمالها مجازا فی الندب أولی من استعمالها مجازا فی الإباحة.

وفیه نظر : إذ الواجب عند تعذر الحقیقة المصیر إلی أقرب المجازات ، والندب أقرب إلی الحقیقة من الإباحة قطعا. ولا ریب فی جواز کل من الأمرین وإن کان الأولی فعل ما تضمنته الروایة.

ویدل علیه أیضا صحیحة برید بن معاویة العجلی ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « أفضل قضاء صلاة اللیل فی الساعة التی فاتتک : آخر اللیل ، ولیس بأس أن تقضیها بالنهار وقبل أن تزول الشمس (1) وروایة إسماعیل الجعفی قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة اللیل باللیل ، وصلاة النهار بالنهار » (2).

قوله : ( السابعة : الأفضل فی کل صلاة أن یؤتی بها فی أول وقتها ، إلا المغرب والعشاء الآخرة لمن أفاض من عرفات ، فإن تأخیرهما إلی المزدلفة أولی ولو صار ربع اللیل ، والعشاء الأفضل تأخیرها حتی یسقط الشفق الأحمر ، والمتنفل یؤخر الظهر والعصر حتی یأتی بنافلتهما ، والمستحاضة تؤخر الظهر والمغرب ).

أجمع العلماء کافة علی استحباب المبادرة بالصلاة فی أول وقتها استحبابا مؤکدا. وربما ظهر من عبارة المفید - رحمه الله - فی المقنعة الوجوب حیث حکم

أفضلیة الصلاة فی أول الوقت الا ما استثنی

ص: 111


1- الفقیه 1 : 316 - 1433 ، الوسائل 3 : 200 أبواب المواقیت ب 57 ح 3.
2- الکافی 3 : 452 - 5 ، التهذیب 2 : 163 - 638 ، الوسائل 3 : 200 أبواب المواقیت ب 57 ح 7.

______________________________________________________

بأنه لو مات قبل أدائها فی الوقت کان مضیّعا لها ، وإن بقی حتی یؤدیها فی آخر الوقت ، أو فیما بین الأول والآخر عفی عن ذنبه (1).

واحتج له فی التهذیب بالأخبار المتضمنة لأفضلیة أول الوقت ، کقول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار ، أو ابن وهب : « لکل صلاة وقتان ، وأول الوقت أفضله » (2).

وفی صحیحة قتیبة الأعشی : « إن فضل الوقت الأول علی الآخر کفضل الآخرة علی الدنیا » (3).

وفی صحیحة محمد بن مسلم : « إذا دخل وقت صلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال ، فما أحب أن یصعد عمل أول من عملی ، ولا یکتب فی الصحیفة أحد أول منّی » (4).

ثم قال : ولیس لأحد أن یقول : إن هذه الأخبار إنما تدل علی أنّ أول الأوقات أفضل ، ولا تدل علی أنه تجب المبادرة بها فی أول الوقت. لأنا لم نرد بالوجوب هنا ما یستحق به العقاب ، بل ما یستحق به اللوم والعتب.

قیل (5) : ویمکن أن یحتج للمفید أیضا بقول الصادق علیه السلام : « أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله ، والعفو لا یکون إلاّ عن ذنب » (6).

والجواب - بعد تسلیم السند - : بجواز توجه العفو بترک الأولی مثل : عفا الله عنک.

ص: 112


1- المقنعة : 14.
2- الکافی 3 : 274 - 4 ، التهذیب 2 : 40 - 125 ، الإستبصار 1 : 244 - 871 ، الوسائل 3 : 89 أبواب المواقیت ب 3 ح 11.
3- الکافی 3 : 274 - 6 ، التهذیب 2 : 40 - 129 ، ثواب الأعمال : 62 - 2.
4- التهذیب 2 : 41 - 131 ، الوسائل 3 : 87 أبواب المواقیت ب 3 ح 2.
5- کما فی الذکری : 117.
6- الفقیه 1 : 140 - 651 ، الوسائل 3 : 90 أبواب المواقیت ب 3 ح 16.

______________________________________________________

وقد استثنی المصنف من هذه الکلیة أربعة مواضع :

الأول : المغرب والعشاء للمفیض من عرفة ، فإنه یستحب تأخیرهما إلی المزدلفة - بکسر اللام - وهی المشعر الحرام وإن مضی ربع اللیل ، ونقل فی المنتهی علی ذلک إجماع أهل العلم (1) ، وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا تصلّ المغرب حتی تأتی جمعا (2) وإن ذهب ثلث اللیل » (3).

الثانی : العشاء ، فإنه یستحب تأخیرها إلی أن یذهب الشفق الأحمر ، وقد تقدم دلیله.

الثالث : المتنفل یؤخر الفریضة حتی یأتی بالنافلة ، وقد تقدم مستنده.

الرابع : المستحاضة تؤخر الظهر والمغرب إلی آخر وقت فضیلتهما لتجمع بینهما وبین العصر والعشاء بغسل واحد ، ویدل علی ذلک روایات ، منها : قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار فی المستحاضة : « اغتسلت للظهر والعصر ، تؤخر هذه وتعجل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلا ، تؤخر هذه وتعجیل هذه » (4).

وقد ذکر (5) الأصحاب أنه یستحب التأخیر فی مواضع أخر ، منها : المشتغل بقضاء الفرائض ، یستحب له تأخیر الأداء إلی آخر وقته ، وفیه قول مشهور بالوجوب ، وسیجی ء الکلام فیه فی محله إن شاء الله (6).

ص: 113


1- المنتهی 2 : 723.
2- یقال للمزدلفة : جمع ، لاجتماع الناس فیها - الصحاح 3 : 1198.
3- التهذیب 5 : 188 - 625 ، الإستبصار 2 : 254 - 895 ، الوسائل 10 : 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 1.
4- الکافی 3 : 88 - 2 ، التهذیب 1 : 106 - 277 و 170 - 484 ، الوسائل 2 : 604 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1.
5- فی « ح » توجد : أکثر.
6- فی ج 4 ص 296.

______________________________________________________

ومنها : إذا کان التأخیر مشتملا علی صفة کمال ، کانتظار الجماعة ، أو التمکن من استیفاء أفعالها علی الوجه الأکمل فإنه مستحب ما لم یخرج وقت الفضیلة ، وروی عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی المغرب : « إذا کان أرفق بک ، وأمکن لک فی صلاتک ، وکنت فی حوائجک ، فلک تأخیرها إلی ربع اللیل » (1).

ومنها : الظان دخول الوقت ولا طریق له إلی العلم ، یستحب له تأخیر الفریضة إلی أن یتحقق الوقت إن لم نقل بوجوبه لروایة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام وقد سأله عمّن صلّی الصبح مع ظن طلوع الفجر ، فقال : « لا یجزیه حتی یعلم أنه قد طلع » (2).

ومنها : المدافع للأخبثین ، یستحب له التأخیر إلی أن یخرجهما ، لصحیحة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا صلاة لحاقن ولا حاقنة وهو بمنزلة من هو فی ثیابه » (3).

ومنها : المغرب ، یستحب تأخیرها للصائم فی صورتیه المشهورتین (4).

ومنها : الظهر ، یستحب تأخیرها فی الحرّ لمن یصلی جماعة فی المسجد للإبراد بها ، لما رواه معاویة بن وهب فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان المؤذن یأتی النبی صلی الله علیه و آله [ فی الحر ] فی صلاة الظهر فیقول له رسول الله صلی الله علیه و آله : أبرد أبرد » (5) وأقل مراتب الأمر الاستحباب ، وقال الصدوق - رحمه الله - فی کتابه : إن معنی الإبراد تعجیلها والمسارعة فی فعلها. وهو محتمل.

ص: 114


1- التهذیب 2 : 31 - 94 و 259 - 1034 ، الاستبصار 1 : 267 - 964 ، الوسائل 3 : 142 أبواب المواقیت ب 19 ح 8.
2- الذکری : 129 ، الوسائل 3 : 203 أبواب المواقیت ب 58 ح 4.
3- التهذیب 2 : 323 - 1372 ، الوسائل 4 : 1254 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2.
4- الصائم الذی تتوق نفسه إلی الإفطار ، أو کان له من ینتظره ( الجواهر 7 : 313 ).
5- الفقیه 1 : 144 - 671 ، الوسائل 3 : 179 أبواب المواقیت ب 42 ح 1.

الثامنة : لو ظنّ أنه صلی الظهر فاشتغل بالعصر ، فإن ذکر وهو فیها عدل بنیّته.

______________________________________________________

وقال الشیخ فی الخلاف : تقدیم الظهر فی أول وقتها أفضل ، وإن کان الحرّ شدیدا جاز تأخیرها قلیلا رخصة (1). وهذا یشعر بعدم استحباب الإبراد ، فلو تحملوا المشقة وصلّوا فی أول الوقت کان أفضل ، وهو حسن ، لأن الخروج عن مقتضی الأخبار الصحیحة المستفیضة (2) بمثل هذا الخبر المجمل مشکل.

قوله : ( الثامنة : لو ظن أنه صلی الظهر فاشتغل بالعصر ، فإن ذکر وهو فیها عدل بنیته ).

یتحقق کونه فیها ببقاء جزء من الصلاة حتی التسلیم وإن قلنا باستحبابه ، لأنه جزء مستحب. ولا فرق فی جواز العدول بین وقوع الثانیة فی الوقت المختص بالأولی أو المشترک ، ومن ثم أطلق هنا وفصّل بعد ذلک. والأصل فی العدول - بعد الإجماع المنقول - روایات :

منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أمّ قوما فی العصر فذکر وهو یصلّی أنه لم یکن صلّی الأولی ، قال : « فلیجعلها الأولی التی فاتته ، ویستأنف بعد صلاة العصر ، وقد قضی القوم صلاتهم » (3).

وما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وإن نسیت الظهر حتی صلّیت العصر فذکرتها وأنت فی الصلاة أو بعد فراغک منها فانوها الأولی ثمّ صلّ العصر فإنما هی أربع مکان أربع » (4).

حکم من صلی العصر قبل الظهر

ص: 115


1- الخلاف 1 : 96.
2- الوسائل 3 : 78 أبواب المواقیت ب 1 وص 179 ب 41 ، 42.
3- الکافی 3 : 294 - 7 ، التهذیب 2 : 197 - 777 و 269 - 1072 ، الوسائل 3 : 213 أبواب المواقیت ب 63 ح 3.
4- الکافی 3 : 291 - 1 ، التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63 ح 1.

وإن لم یذکر حتی فرغ ، فإن کان قد صلی فی أول وقت الظهر أعاد بعد أن یصلی الظهر علی الأشبه. وإن کان فی الوقت المشترک أو دخل وهو فیها أجزأته وأتی بالظهر.

______________________________________________________

قال الشیخ فی الخلاف : قوله علیه السلام : « أو بعد فراغک منها » المراد ما قارب الفراغ ولو قبل التسلیم (1). وهو بعید.

قوله : ( وإن لم یذکر حتی فراغ ، فإن کان قد صلی فی أول وقت الظهر أعاد بعد أن یصلی الظهر علی الأشبه ).

الحکم بالإعادة مبنی علی ما هو المشهور من اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها. وعلی قول ابن بابویه - من اشتراک الوقت من أوله إلی آخره بین الفرضین (2) - لا تجب إعادة العصر کما لو وقعت فی أثناء الوقت.

والأخبار الواردة بعدم الإعادة مطلقة ، کقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « وإن کنت صلّیت العشاء الآخرة ونسیت المغرب فقم فصلّ المغرب » (3) وفی صحیحة صفوان وقد سأله عن رجل نسی الظهر حتی غربت الشمس وقد کان صلّی العصر : « إن أمکنه أن یصلّیها قبل أن یفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلّی المغرب ثم صلاّها » (4). لکن لمّا کان نسیان الأولی فی أول الوقت مستبعدا جدا أشکل حمل النص علیه ، ومن هنا یترجح القول بالاختصاص ، لامتناع فعل الثانیة فی أول الوقت مطلقا کما بیّناه فیما سبق.

قوله : ( وإن کان فی الوقت المشترک أو دخل وهو فیها أجزأته وأتی بالظهر ).

ص: 116


1- الخلاف 1 : 134.
2- الفقیه 1 : 232 ، والمقنع : 32.
3- المتقدمة فی ص 115.
4- التهذیب 2 : 269 - 1073 ، الوسائل 3 : 210 أبواب المواقیت ب 62 ح 7.

______________________________________________________

أما الإجزاء مع وقوعها فی الوقت المشترک فلا إشکال فیه وقد تقدم مستنده. وإنما الخلاف فیما إذا دخل الوقت المشترک وهو فیها ، ومرجعه إلی الخلاف فیمن صلّی ظانا دخول الوقت فدخل وهو فی الأثناء ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ص: 117

المقدمة الثالثة

فی القبلة

والنظر فی : القبلة ، والمستقبل ، وما یجب له ، وأحکام الخلل.

الأول : القبلة ، هی الکعبة لمن کان فی المسجد ، والمسجد لمن کان فی الحرم ، والحرم لمن خرج عنه ، علی الأظهر.

______________________________________________________

قوله : ( القبلة : هی الکعبة لمن کان فی المسجد ، والمسجد لمن کان فی الحرم ، والحرم لمن خرج عنه ، علی الأظهر ).

أجمع العلماء کافة علی وجوب الاستقبال فی الصلاة المفروضة یومیة کانت أو غیرها ، قاله فی المعتبر (1) ، والأصل فیه قوله تعالی ( فَوَلِّ وَجْهَکَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَیْثُ ما کُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (2).

ویسقط اشتراطه فی شدة الخوف ، لعدم التمکن ، وقوله تعالی ( فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (3) وقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة وفضیل الواردة فی صلاة الخوف : « یصلّی کل إنسان منهم بالإیماء حیث کان وجهه » (4) وفی صحیحة زرارة : « ولا یدور إلی القبلة ، ولکن أینما دارت دابته ، غیر أنه یستقبل القبلة بأول تکبیرة حین یتوجه » (5).

واختلف الأصحاب فیما یجب استقباله ، فذهب السید المرتضی (6) ،

القبلة

حقیقة القبلة

ص: 118


1- المعتبر 2 : 64.
2- البقرة : 150.
3- البقرة : 115.
4- الکافی 3 : 457 - 2 ، التهذیب 3 : 173 - 384 ، الوسائل 5 : 486 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 8.
5- الکافی 3 : 459 - 6 ، الفقیه 1 : 295 - 1348 ، التهذیب 3 : 173 - 383 ، الوسائل 5 : 484 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 8.
6- جمل العلم والعمل : 59 ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 195.

______________________________________________________

وجماعة منهم : المصنف فی النافع والمعتبر (1) ، والعلاّمة (2) ، وأکثر المتأخرین (3) إلی أنه الکعبة لمن یتمکن من العلم بها من دون مشقة کثیرة عادة کالمصلّی فی بیوت مکة ، وجهتها لغیره.

وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف (4) ، وجماعة من الأصحاب منهم المصنف فی هذا الکتاب : إن الکعبة قبلة أهل المسجد ، والمسجد قبلة أهل الحرم ، والحرم قبله من کان خارجا عنه. والمعتمد الأول.

أمّا أنّ القریب فرضه استقبال العین فاستدل علیه فی المعتبر بإجماع العلماء کافة علی ذلک (5) ، فإن تم فهو الحجة وإلاّ أمکن المناقشة فیه ، إذ الآیة الشریفة إنما تدل علی وجوب استقبال شطر المسجد ، والروایات خالیة من هذا التفصیل.

وأما أنّ فرض البعید استقبال الجهة فیدل علیه قوله تعالی ( فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (6) والشطر لغة : الجهة والجانب والناحیة (7). وما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « لا صلاة إلاّ إلی القبلة » قلت له : أین حدّ القبلة؟ قال : « ما بین المشرق والمغرب قبلة کلّه » (8).

وأیضا : فإن التکلیف بإصابة الحرم یستلزم بطلان صلاة البلاد المتسعة بعلامة واحدة للقطع بخروج بعضهم عن الحرم ، واللازم باطل فالملزوم مثله ،

ص: 119


1- المختصر النافع : 23 ، والمعتبر 2 : 65.
2- القواعد 1 : 26 ، والمنتهی 1 : 217 ، وتحریر الأحکام 1 : 28.
3- کالشهید الأول فی البیان : 53 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 80 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 21 ، وروض الجنان : 189.
4- النهایة : 62 ، والمبسوط 1 : 77 ، والخلاف 1 : 98.
5- المعتبر 2 : 65.
6- البقرة : 150.
7- کما فی لسان العرب 4 : 408 ، ومجمع البحرین 3 : 345 ، ومختار الصحاح : 337.
8- الفقیه 1 : 180 - 855 ، الوسائل 3 : 217 أبواب القبلة ب 12 ح 9.

______________________________________________________

والملازمة ظاهرة ، مع أنّ المصنف - رحمه الله - فی المعتبر ، والعلاّمة فی المنتهی صرّحا بأن قبلة العراق وخراسان واحدة (1) ، ومعلوم زیادة التفاوت بینهما.

احتج الشیخ (2) - رحمه الله - بإجماع الفرقة ، وبما رواه عن عبد الله (3) بن محمد الحجال ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إنّ الله جعل الکعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنیا » (4) ومثله روی أبو الولید الجعفی ، عن أبی عبد الله علیه السلام (5) ، وبأن المحذور فی استقبال عین الکعبة لازم لمن أوجب استقبال جهتها ، لأن لکل مصلّ جهة ، والکعبة لا تکون فی الجهات کلها ، ولا کذا التوجه إلی الحرم ، لأنه طویل یمکن أن یکون کل واحد متوجها إلی جزء منه.

والجواب : أما الإجماع فممنوع فی موضع النزاع ، وأما الروایتان فضعیفتا السند جدا مخالفتان للاعتبار ، لأن قبلة کل إقلیم واحدة ، ومعلوم خروج سعتهم عن سعة الحرم. وحملهما الشهید فی الذکری علی أنّ المراد بالمسجد والحرم جهتهما ، وإنما ذکرهما علی سبیل التقریب إلی أفهام المکلفین إظهارا لسعة الجهة (6). ولا بأس به.

وقوله : إنّ المحذور یلزم فی إیجاب استقبال الجهة کما یلزم فی عین الکعبة ، ممنوع ، لأنا نعنی بالجهة السمت الذی فیه الکعبة لا نفس البنیة ، وذلک متسع یمکن أن یوازی جهة کلّ مصلّ ، علی أن الإلزام فی الکعبة لازم فی الحرم وإن کان طویلا.

ص: 120


1- المعتبر 2 : 65 ، المنتهی 1 : 218.
2- الخلاف 1 : 98.
3- فی التهذیب « عبید الله » وما فی المتن هو الصحیح ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 84 - 7499 ).
4- التهذیب 2 : 44 - 139 ، الوسائل 3 : 220 أبواب القبلة ب 3 ح 1.
5- التهذیب 2 : 44 - 140 ، الوسائل 3 : 220 أبواب القبلة ب 3 ح 2.
6- الذکری : 162.

وجهة الکعبة هی القبلة لا البنیّة ، فلو زالت البنیّة صلی إلی جهتها ، کما یصلی من هو أعلی موقفا منها.

______________________________________________________

واعلم أنّ للأصحاب اختلافا کثیرا فی تعریف الجهة ، ولا یکاد یسلم تعریف منها من الخلل ( وهذا الاختلاف قلیل الجدوی ، لاتفاقهم علی أن فرض البعید استعمال العلامات المقررة والتوجه إلی السمت الذی یکون المصلّی متوجها إلیه حال استعمالها فکان الأولی تعریفها بذلک.

ثم إن المستفاد من الأدلة الشرعیة سهولة الخطب فی أمر القبلة والاکتفاء بالتوجه ) (1) إلی ما یصدق علیه عرفا أنه جهة المسجد وناحیته ، کما یدل علیه قوله تعالی ( فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (2) وقولهم علیهم السلام : « ما بین المشرق والمغرب قبلة » (3) و « ضع الجدی فی قفاک وصلّ » (4) وخلو الأخبار مما زاد علی ذلک مع شدة الحاجة إلی معرفة هذه العلامات لو کانت واجبة وإحالتها علی علم الهیئة مستبعد جدا ، لأنه علم دقیق کثیر المقدمات ، والتکلیف به لعامة الناس بعید من قوانین الشرع ، وتقلید أهله غیر جائز ، لأنه لا یعلم إسلامهم فضلا عن عدالتهم. وبالجملة : فالتکلیف بذلک مما علم انتفاؤه ضرورة. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( وجهة الکعبة هی القبلة لا البنیة ، فلو زالت البنیة صلی إلی جهتها ، کما یصلی من هو أعلی موقفا منها ).

المراد : أن القبلة لیست نفس البنیة الشریفة ، بل محلها من تخوم الأرض إلی عنان السماء ، فلو زالت البنیة - والعیاذ بالله - صلّی إلی جهتها التی تشتمل علی العین کما یصلّی من هو أعلی موقفا منها کجبل أبی قبیس أو أخفض کالمصلّی

القبلة هی جهة الکعبة

ص: 121


1- بدل ما بین القوسین فی « س » و « ح » : ولیس لهم فی هذا الاختلاف دلیل نقلی یصلح للاستناد إلیه ولا اعتبار عقلی یعوّل علیه ، والمستفاد من الأدلة الشرعیة الاکتفاء بالتوجه إلی.
2- البقرة : 150.
3- الکافی 3 : 215 - 2 ، التهذیب 3 : 326 - 1021 ، الوسائل 2 : 812 أبواب صلاة الجنازة ب 35 ح 1.
4- التهذیب 2 : 45 - 143 ، الوسائل 3 : 222 أبواب القبلة ب 5 ح 1.

______________________________________________________

فی سرداب تحت الکعبة ، وهذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، ویدل علیه ظاهر الآیة الشریفة ، وما رواه الشیخ عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل قال : صلّیت فوق أبی قبیس العصر فهل تجزی والکعبة تحتی؟ قال : « نعم ، إنها قبلة من موضعها إلی السماء » (1) وعن خالد أبی إسماعیل (2) قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یصلّی علی أبی قبیس مستقبل القبلة قال : « لا بأس » (3).

وقد صرح الأصحاب بأن المصلّی بمکة یجب علیه مشاهدة الکعبة لقدرته علی الیقین. ولو نصب محرابا بعد المعاینة جازت صلاته إلیه دائما لأنه یتیقن الصواب. وکذا الذی نشأ بمکة وتیقن الإصابة ، ولو شک وجبت المعاینة بالترقی إلی سطح الدار. ولا یکفی الاجتهاد هنا بالعلامات ، لأنه عدول من یقین إلی ظن مع قدرته علی الیقین وإنه غیر جائز. نعم لو تعذر علیه ذلک کالمحبوس جاز له الاجتهاد. وکذا من هو فی نواحی الحرم ، ولا یکلف الصعود إلی الجبال لیری الکعبة للحرج بخلاف الصعود إلی السطح. وأوجب الشیخ (4) ، والعلاّمة (5) فی بعض کتبهما صعود الجبل مع القدرة ، وهو بعید (6).

تنبیه : المستفاد من النصوص الصحیحة أنّ الحجر لیس من الکعبة ، فلا یجوز استقباله فی الصلاة وإن وجب إدخاله فی الطواف ، فمن ذلک صحیحة معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحجر أمن البیت هو

ص: 122


1- التهذیب 2 : 383 - 1598 ، الوسائل 3 : 247 أبواب القبلة ب 18 ح 1.
2- کذا فی النسخ ونسخة من الکافی ، وفی نسخة أخری منه : خالد عن أبی إسماعیل ، وفی التهذیب : خالد بن أبی إسماعیل.
3- الکافی 3 : 391 - 19 ، التهذیب 2 : 376 - 1565 ، الوسائل 3 : 247 أبواب القبلة ب 18 ح 2.
4- المبسوط 1 : 78.
5- التذکرة 1 : 102.
6- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : ولو قلنا بالاکتفاء باستقبال الجهة مطلقا سقط هذا البحث من أصله.

وإن صلی [ فی ] جوفها استقبل أیّ جدرانها شاء ، علی کراهة فی الفریضة.

______________________________________________________

أو فیه شی ء من البیت ، قال : « لا ، ولا قلامة من ظفر ، ولکن إسماعیل دفن أمّه فیه فکره أن توطأ فحجّر علیه حجرا ، وفیه قبور أنبیاء » (1).

وجزم العلاّمة فی النهایة بجواز استقباله ، لأنه من الکعبة (2) ، وحکاه الشهید فی الذکری عن ظاهر کلام الأصحاب ثم قال : وقد دل النقل علی أنه کان منها فی زمن إبراهیم وإسماعیل إلی أن بنت قریش الکعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه ، وکان کذلک فی عهد النبی صلی الله علیه و آله ، ونقل عنه صلی الله علیه و آله الاهتمام بإدخاله فی بناء الکعبة ، وبذلک احتج ابن الزبیر حیث أدخله فیها ، ثم أخرجه الحجاج وردّه إلی ما کان (3). هذا کلامه - رحمه الله - وما ادعاه من النقل لم أقف علیه من طرق الأصحاب.

قوله : ( وإن صلّی فی جوفها استقبل أیّ جدرانها شاء ، علی کراهة فی الفریضة ).

أجمع العلماء کافة علی جواز صلاة النافلة فی جوف الکعبة مطلقا ، والفریضة فی حال الاضطرار. وإنما اختلفوا فی صلاة الفریضة فیها اختیارا ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی النهایة والاستبصار إلی الجواز علی کراهة (4) ، وقال فی الخلاف بالتحریم (5) ، وتبعه ابن البراج (6).

احتج المجوزون (7) بأن القبلة لیس مجموع البنیة بل نفس العرصة وکل

حکم المصلی فی جوف الکعبة

ص: 123


1- الکافی 4 : 210 - 15 ، الوسائل 9 : 429 أبواب الطواف ب 30 ح 1.
2- نهایة الأحکام 1 : 392.
3- الذکری : 164.
4- النهایة : 101 ، والاستبصار 1 : 299.
5- الخلاف 1 : 159.
6- المهذب 1 : 76.
7- منهم العلامة فی المنتهی 1 : 218 ، والشهید الأول فی الذکری : 162 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 202.

______________________________________________________

جزء من أجزائها ، إذ لا یمکن محاذاة المصلّی بإزائها منها إلاّ قدر بدنه ، والباقی خارج عن مقابلته ، وهذا المعنی یتحقق مع الصلاة فیها کما یتحقق مع الصلاة خارجها ، وبما رواه یونس بن یعقوب فی الموثق قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إذا حضرت الصلاة المکتوبة وأنا فی الکعبة أفأصلّی فیها؟ قال : « صلّ » (1).

احتج الشیخ فی الخلاف بإجماع الفرقة. وبأن القبلة هی الکعبة لمن شاهدها فتکون القبلة جملتها ، والمصلّی فی وسطها غیر مستقبل للجملة. وبما رواه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تصلّ المکتوبة فی الکعبة » (2) وفی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا تصلح صلاة المکتوبة فی جوف الکعبة » (3).

وأجیب (4) عن الأول بمنع الإجماع علی التحریم ، کیف وهو فی أکثر کتبه قائل بالکراهة (5).

وعن الثانی بعدم تسلیم کون القبلة هی الجملة ، لاستحالة استقبالها بأجمعها ، بل المعتبر التوجه إلی جزء من أجزاء الکعبة بحیث یکون مستقبلا ببدنه ذلک الجزء.

وعن الروایتین بالحمل علی الکراهة. ویمکن المناقشة فی هذا الحمل

ص: 124


1- التهذیب 5 : 279 - 955 ، الإستبصار 1 : 298 - 1103 ، الوسائل 3 : 246 أبواب القبلة ب 17 ح 6.
2- التهذیب 2 : 382 - 1596 وج 5 : 279 - 953 ، الإستبصار 1 : 298 - 1101 ، الوسائل 3 : 246 أبواب القبلة ب 17 ح 3.
3- التهذیب 5 : 279 - 954 ، الإستبصار 1 : 298 - 1102 ، الوسائل 3 : 246 أبواب القبلة ب 17 ح 4.
4- کما فی المعتبر 2 : 67.
5- النهایة : 101 ، والاستبصار 1 : 299 ، والاقتصاد : 259 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 178.

ولو صلی علی سطحها أبرز بین یدیه منها ما یصلی إلیه ، وقیل : یستلقی علی ظهره ویصلی إلی البیت المعمور ، والأول أصحّ ، ولا یحتاج إلی أن ینصب بین یدیه شیئا. وکذا لو صلی إلی بابها وهو مفتوح.

______________________________________________________

بقصور الروایة الأولی عن مقاومة هذین الخبرین من حیث السند فیشکل الخروج بها عن ظاهرهما ، وإن کان الأقرب ذلک ، لاعتبار سند الروایة ، وشیوع استعمال النهی فی الکراهة ، وظهور لفظ : « لا یصلح » فیه کما لا یخفی.

قوله : ( ولو صلّی علی سطحها أبرز بین یدیه منها ما یصلی إلیه ، وقیل : یستلقی علی ظهره ویصلی إلی البیت المعمور ، والأول أصح ).

القولان للشیخ - رحمه الله - أولهما فی المبسوط (1) ، وثانیهما فی الخلاف (2) ( والأصح الأول ) (3) عملا بمقتضی الأدلة القطعیة الدالة علی وجوب القیام والاستقبال والرکوع والسجود.

احتج الشیخ فی الخلاف علی ما ذکره بإجماع الفرقة. وبما رواه عن علیّ بن محمد ، عن إسحاق بن محمد ، عن عبد السلام ، عن الرضا علیه السلام : قال فی الذی تدرکه الصلاة وهو فوق الکعبة فقال : « إن قام لم یکن له قبلة ولکن یستلقی علی قفاه ویفتح عینیه إلی السماء ویعقد بقلبه القبلة التی فی السماء البیت المعمور ویقرأ ، فإذا أراد أن یرکع غمض عینیه ، وإذا أراد أو یرفع رأسه من الرکوع فتح عینیه ، والسجود علی نحو ذلک » (4).

حکم من صلی علی سطح الکعبة

ص: 125


1- المبسوط 1 : 85.
2- الخلاف 1 : 160.
3- بدل ما بین القوسین فی « م » و « ح » : لکن عبارة المبسوط لا تخلو من قصور فإنه قال : فإن صلّی کما یصلّی فی جوفها کانت صلاته ماضیة ، سواء کان للسطح سترة من نفس البناء أو مفروضا فیه ، وسواء وقف علی سطح البیت أو علی خارجه ( حائطه ) إلاّ أن یقف علی الحائط بحیث لا یبقی بین یدیه جزء من البیت. وما فصّله حسن إلا أن مقتضی کلامه عدم تعین ذلک وهو مشکل ، والأصح ما اختاره المصنف من وجوب الصلاة علی سطحها کما یصلّی داخلها.
4- الکافی 3 : 392 - 21 ، التهذیب 2 : 376 - 1566 ، الوسائل 3 : 248 أبواب القبلة ب 19 ح 2.

ولو استطال صف المأمومین فی المسجد حتی خرج بعضهم عن سمت الکعبة بطلت صلاة ذلک البعض. وأهل کل إقلیم یتوجّهون إلی سمت الرکن الذی علی جهتهم ، فأهل العراق إلی العراقی ، وهو الذی فیه الحجر ، وأهل الشام إلی الشامیّ ، والمغرب إلی المغربی ، والیمن إلی الیمانی.

______________________________________________________

والجواب : أما الإجماع فقد تقدم الکلام فیه مرارا ، وأما الروایة فضعیفة السند جدا (1) فلا تصلح لتخصیص عموم الأمر بالقیام والاستقبال والرکوع والسجود مع القدرة ، وأیضا فإنه یلزم من قوله : « إن قام لم یکن له قبلة » عدم تحقق الاستقبال ممّن هو أرفع من الکعبة کالمصلی علی جبل أبی قبیس ، وهو معلوم البطلان.

قوله : ( ولو استطال صف المأمومین فی المسجد حتی خرج بعضهم عن سمت الکعبة بطلت صلاة ذلک البعض ).

لأن فرض القریب الذی یتمکن من المشاهدة استقبال العین ، بخلاف البعید ، لأن فرضه التوجه إلی الجهة کما بیناه فیما سبق ، قال فی الذکری : ولو استداروا صحّ ، للإجماع علیه عملا فی کل الأعصار السالفة ، نعم یشترط أن لا یکون المأموم أقرب إلی الکعبة من الإمام (2). وهو حسن (3).

قوله : ( وأهل کل إقلیم یتوجهون إلی سمت الرکن الذی علی جهتهم ، فأهل العراق إلی العراقی ، وهو الذی فیه الحجر ، وأهل الشام إلی الشامی ، والمغرب إلی المغربی ، والیمن إلی الیمانی ).

قد تقدم أنّ المعتبر عند المصنف فی البعید استقبال الحرم ، وعند آخرین

حکم صلاة الجماعة فی المسجد

توجه أهل کل إقلیم إلی الرکن الذی یلیهم

ص: 126


1- لأن إسحاق بن محمد ضعیف ( راجع خلاصة العلامة : 201 ، ورجال النجاشی : 73 - 177 ).
2- الذکری : 162.
3- فی « ح » زیادة : لاستلزام القرب التقدم کما لا یخفی.

وأهل العراق ومن والأهم یجعلون الفجر علی المنکب الأیسر ، والمغرب علی الأیمن ، والجدی محاذی المنکب الأیمن ، وعین الشمس عند زوالها علی الحاجب الأیمن.

______________________________________________________

الجهة (1) ، وهما أوسع من ذلک فلا یتم الحکم بوجوب التوجه إلی سمت الرکن نفسه.

وقال فی المعتبر : وکل إقلیم یتوجهون إلی سمت الرکن الذی یلیهم ، لما بیناه من وجوب استقبال الکعبة ما أمکن ، والذی یمکن أن یستقبل أهل کل إقلیم الرکن الذی یلیهم (2). وهو غیر جید أیضا ، إذ الذی سبق منه وجوب استقبال جهة الکعبة للبعید لا نفس الکعبة.

قوله : ( وأهل العراق ومن والأهم یجعلون الفجر علی المنکب الأیسر ، والمغرب علی الأیمن ، والجدی محاذی المنکب الأیمن ، وعین الشمس عند زوالها علی الحاجب الأیمن ).

اعلم أنّ أکثر هذه العلامات التی ذکرها الأصحاب فی معرفة القبلة مأخوذ من کلام أهل الهیئة ، والظاهر أنّ أکثر أهل ذلک العلم مقلدون لغیرهم ، لأن معرفتهم بذلک موقوفة علی ملاحظة الإرصاد والعلم بعروض البلاد وأطوالها وهو مشکل جدا ، إلا أنّ الاعتبار یشهد لها ، مع ما أشرنا إلیه سابقا من سهولة الخطب فی ذلک والاکتفاء باستقبال ما یصدق علیه أنه جهة المسجد الحرام.

والذی وقفت علیه فی هذا الباب من النصوص روایتان ضعیفتا السند :

إحداهما روایة الطاطری ، عن جعفر بن سماعة ، عن علاء بن رزین ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن القبلة ، قال : « ضع الجدی فی قفاک وصلّ » (3).

علامات قبلة العراق

ص: 127


1- فی ص 118.
2- المعتبر 2 : 69.
3- التهذیب 2 : 45 - 143 ، الوسائل 3 : 222 أبواب القبلة ب 5 ح 1.

______________________________________________________

والثانیة رواها ابن بابویه فی کتابه مرسلا ، قال ، قال رجل للصادق علیه السلام : إنی أکون فی السفر ولا أهتدی إلی القبلة باللیل ، قال : « أتعرف الکوکب الذی یقال له جدی؟ » قلت : نعم ، قال : « اجعله علی یمینک ، وإذا کنت فی طریق الحج فاجعله بین کتفیک » (1) وهما مؤیدتان لما ذکرناه.

وقد ذکر الأصحاب لأهل العراق ثلاث علامات :

الأولی : جعل الفجر أی المشرق علی المنکب الأیسر ، والمغرب علی الأیمن. والظاهر أنّ المراد بهما الاعتدالیان ، لعدم انضباط ما عداهما (2). والمنکب مجمع العضد والکتف.

الثانیة : جعل الجدی بحذاء المنکب الأیمن. والجدی مکبر ، وربما صغر لیتمیز عن البرج ، وهو نجم مضی ء یدور مع الفرقدین حول قطب العالم الشمالی. والقطب نقطة موهومة یقابلها مثلها من الجنوب.

قال الشارح قدس سره : وأقرب الکواکب إلیها نجم خفی لا یکاد یدرکه إلاّ حدید البصر ، یدور حولها کل یوم ولیلة دورة لطیفة لا تکاد یدرک ، ویطلق علی هذا النجم القطب مجازا لمجاورته القطب الحقیقی ، وهو علامة لقبلة العراقی إذا جعله المصلی خلف منکبه الأیمن ، ویخلفه الجدی فی العلامة إذا کان فی غایة الارتفاع أو الانخفاض ، وإنما اشترط ذلک لکونه فی تلک الحال علی دائرة نصف النهار وهی مارة بالقطبین وبنقطة الجنوب والشمال ، فإذا کان القطب مسامتا لعضو من المصلی کان الجدی مسامتا له ، لکونهما علی دائرة واحدة ، بخلاف ما لو کان منحرفا نحو المشرق والمغرب (3).

قلت : ما ذکره - رحمه الله - مشهور بین الأصحاب ، وممن صرح به :

ص: 128


1- الفقیه 1 : 181 - 860 ، الوسائل 3 : 222 أبواب القبلة ب 5 ح 2.
2- الجواهر 7 : 361. لشدة التفاوت فیهما باختلاف الفصول المقتضی لعدم کون العلامة مطلق المشرق والمغرب ، ولو کان کل منهما من فصل تفاوت ذلک أشد تفاوت.
3- المسالک 1 : 22.

______________________________________________________

المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی ، والشهید فی الذکری (1).

ونقل شیخنا المحقق المدقق مولانا أحمد - المجاور بالمشهد المقدس الغروی علی ساکنه السلام - عن بعض محققی أهل ذلک الفن أنّ هذا الشرط غیر جید ، لأن الجدی فی جمیع أحواله أقرب إلی القطب الحقیقی من ذلک النجم الخفی ، ولهذا کان أقل حرکة منه کما یظهر بالامتحان. وهذه الحرکة الظاهرة إنما هی للفرقدین لا للجدی فإن حرکته یسیرة جدا (2). وقد اعتبرنا ذلک فوجدناه کما أفاد.

واعتبر المصنف فی المعتبر لأهل المشرق أولا جعل الجدی خلف المنکب الأیمن ثم قال : إنّ الجدی ینتقل ، والدلالة القویة القطب الشمالی ، فإذا حصله العراقی جعله خلف أذنه الیمنی دائما فإنه لا یتغیر وإن تغیر کان یسیرا (3). وبین الکلامین تخالف ، واعتبار محراب مسجد الکوفة یساعد علی الأول.

الثالثة : جعل الشمس علی الحاجب الأیمن عند الزوال ، لأن الشمس عند الزوال تکون علی دائرة نصف النهار المتصلة بنقطتی الجنوب والشمال فتکون حینئذ لمستقبل نقطة الجنوب بین العینین ، فإذا زالت مالت إلی طرف الحاجب الأیمن.

ولا یخفی أن مقتضی العلامة الأولی والثالثة استقبال نقطة الجنوب ، والعلامة الثانیة تقتضی انحرافا بیّنا عنها نحو المغرب ، کما إنّ جعل الجدی خلف الکتف الأیسر لأهل الشام یقتضی الانحراف عنها نحو المشرق ، فبین هذه العلامات تدافع. والأولی حمل العلامة الأولی والثالثة علی أطراف العراق الغربیة (4) ، وحمل الثانیة علی أوساط العراق ، کالکوفة وبغداد. وأما أطرافه

ص: 129


1- المعتبر 2 : 69 ، والمنتهی 1 : 219 ، والذکری : 162.
2- مجمع الفائدة 2 : 72.
3- المعتبر 2 : 69.
4- فی « ح » زیادة : کسنجار وما والاها.

ویستحب لهم التیاسر إلی یسار المصلی منهم قلیلا.

______________________________________________________

الشرقیة کالبصرة وما ساواها فیحتاج فیها إلی زیادة انحراف نحو المغرب. وکذا القول فی بلاد خراسان ، وذکر المصنف (1) والعلامة (2) أنّ قبلة خراسان والکوفة واحدة. وهو بعید جدا. والله تعالی أعلم.

قوله : ( ویستحب لهم التیاسر إلی یسار المصلی منهم قلیلا ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وظاهر عبارة الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف یعطی الوجوب (3) ، واستدل علیه فی الخلاف بإجماع الفرقة ، وما رواه المفضل بن عمر أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن التحریف لأصحابنا ذات الیسار عن القبلة ، وعن السبب فیه فقال : « إنّ الحجر الأسود لما أنزل من الجنة ووضع فی موضعه جعل أنصاب الحرم من حیث یلحقه النور نور الحجر ، فهی عن یمین الکعبة أربعة أمیال ، وعن یسارها ثمانیة أمیال ، کله اثنا عشر میلا ، فإذا انحرف الإنسان ذات الیمین خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات الیسار لم یکن خارجا من حد القبلة » (4) وروی الکلینی عن علی بن محمد رفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام نحو ذلک (5).

والروایتان ضعیفتا السند جدا ، والعمل بهما لا یؤمن معه الانحراف الفاحش عن حد القبلة وإن کان فی ابتدائه یسیرا.

والحکم مبنی علی أنّ البعید یستقبل الحرم کما ذکره المصنف فی النافع ، والعلامة فی المنتهی (6) ، واحتمل فی المختلف اطراد الحکم علی القولین (7). وهو

استحباب التیاسر لأهل العراق

ص: 130


1- المعتبر 1 : 65.
2- المنتهی 1 : 218.
3- النهایة : 63 ، والمبسوط 1 : 78 ، والخلاف 1 : 98.
4- الفقیه 1 : 178 - 842 ، التهذیب 2 : 44 - 142 ، علل الشرائع : 318 - 1 ، الوسائل 3 : 221 أبواب القبلة ب 4 ح 2.
5- الکافی 3 : 487 - 6 ، الوسائل 3 : 221 أبواب القبلة ب 4 ح 1 ، ورواه فی التهذیب 2 : 44 - 141.
6- المختصر النافع : 24 ، والمنتهی 1 : 219.
7- المختلف : 76.

الثانی : فی المستقبل ، ویجب الاستقبال فی الصلاة مع العلم بجهة القبلة ، فإن جهلها عوّل علی الأمارات المفیدة للظن.

______________________________________________________

بعید ، إذا العلامات المنصوبة للجهة لا تقتضی وقوع الصلاة علی نفس الحرم.

هذا وقد نقل عن أفضل المحققین نصیر الملة والدین قدس الله روحه (1) : أنه حضر مجلس المصنف یوما فجری فی درسه هذه المسألة فأورد علیها إشکالا حاصله : إنّ التیاسر أمر إضافی لا یتحقق إلا بالإضافة إلی صاحب یسار متوجه إلی جهة ، فإن کانت تلک الجهة محصّلة لزم التیاسر عما وجب التوجه إلیه وهو حرام لأنه خلاف مدلول الآیة ، وإن لم تکن محصلة لزم عدم إمکان التیاسر ، إذ تحققه موقوف علی تحقق الجهة التی یتیاسر عنها فکیف یتصور الاستحباب.

وأجابه المصنف فی الدرس بما اقتضاه الحال ثم کتب فی ذلک رسالة استحسنها المحقق الطوسی.

وحاصل الجواب : إنّ التیاسر عن تلک الجهة المحصلة المقابلة لوجه المصلی حال استعمال تلک العلامات المنصوبة لذلک استظهار فی مقابلة الحرم ، لأن قدر الحرم عن یمین الکعبة یسیر وعن یسارها متسع کما دلت علیه الروایة التی استند إلیها الأصحاب فی ذلک (2). وحیث ظهر ضعف هذا المستند وما بنی علیه کان الإعراض عن هذا الحکم وتحریره أقرب إلی الصواب.

قوله : ( ویجب الاستقبال فی الصلاة مع العلم بجهة القبلة ، فإن جهلها عوّل علی الأمارات المفیدة للظن ).

أما وجوب الاستقبال فی الصلاة مع العلم بجهة القبلة فظاهر ، لقوله تعالی ( فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (3) والعلم یتحقق بالمعاینة (4) ، والشیاع ،

حکم الجاهل بالقبلة

ص: 131


1- المهذب البارع 1 : 312.
2- المتقدمة فی ص 130.
3- البقرة : 144 ، 150.
4- فی الأصل وباقی النسخ الخطیة : بالمعاشرة. وفی « ح » : بالمعاشرة فیه وما أثبتناه من نسخة فی حاشیة « م ».

وإذا اجتهد فأخبره غیره بخلاف اجتهاده قیل : یعمل علی اجتهاده ، ویقوی عندی أنه إذا کان ذلک الخبر أوثق فی نفسه عوّل علیه.

______________________________________________________

والخبر المحفوف بالقرائن ، ومحراب المعصوم.

وقد یتحقق فی غیره أیضا ، وباستعمال العلامات المفیدة لذلک ، کالجدی ونحوه علی بعض الوجوه.

وأما وجوب التعویل لفاقد العلم علی الأمارات المفیدة للظن (1) ، فقال المصنف فی المعتبر : إنه اتفاق أهل العلم (2). ویدل علیه صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یجزی التحری أبدا إذا لم یعلم أین وجه القبلة » (3) وموثقة سماعة ، قال : سألته عن الصلاة باللیل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم قال : « تجتهد رأیک وتعمد القبلة جهدک » (4).

وقد ذکر من الأمارات المفیدة للظن : الریاح الأربع ، ومنازل القمر ، فإنه یکون لیلة سبعة من الشهر فی قبلة العراقی أو قریبا منها عند المغرب ، ولیلة الرابع عشر منه نصف اللیل ، ولیلة الحادی والعشرین منه عند الفجر ، وذلک کله تقریبی.

قوله : ( وإذا اجتهد فأخبره غیر بخلاف اجتهاده قیل : یعمل علی اجتهاده ، ویقوّی عندی أنه إذا کان ذلک الخبر أوثق فی نفسه عوّل علیه ).

المراد بالاجتهاد هنا : بذل الوسع فی تحصیل الأمارات المفیدة للظن

ص: 132


1- غیر الأمارات الشرعیة التی قد عرفت عدم تقیید العمل بها علی الظاهر بعدم العلم ( الجواهر 7 : 386 ).
2- المعتبر 2 : 70.
3- الکافی 3 : 285 - 7 ، التهذیب 2 : 45 - 146 ، الإستبصار 1 : 295 - 1087 ، الوسائل 3 : 223 أبواب القبلة ب 6 ح 1.
4- الکافی 3 : 284 - 7 ، التهذیب 1 : 45 - 147 ، الإستبصار 1 : 295 - 1088 ، الوسائل 3 : 223 أبواب القبلة ب 6 ح 2.

ولو لم یکن له طریق إلی الاجتهاد فأخبره کافر ، قیل : لا یعمل بخبره ، ویقوّی أنه إن أفاده الظن عمل به.

ویعوّل علی قبلة البلد إذا لم یعلم أنها بنیت علی الغلط.

______________________________________________________

بالجهة. والقول بالعمل بالاجتهاد والحال هذه للشیخ (1) وأتباعه (2) ، نظرا إلی أنّ الرجوع إلی الغیر تقلید فلا یسوغ للمجتهد المصیر إلیه. والأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله - من وجوب التعویل علی الخبر إذا کان أوثق فی نفسه ، فإنّ المسألة إذا کانت ظنیة یجب التعویل فیها علی أقوی الظنین ، ویؤیده عموم قوله علیه السلام : « یجزی التحری أبدا إذا لم یعلم أین وجه القبلة » والاستخبار ممن یفید قوله الظن نوع من التحری.

قوله : ( ولو لم یکن له طریق إلی الاجتهاد فأخبره کافر ، قیل : لا یعمل بخبره ، ویقوّی أنه إنه إن أفاد الظن عمل به ).

القول للشیخ رحمه الله ، نظرا إلی وجوب التثبّت عند خبر الکافر. والأظهر ما اختاره المصنف - رحمه الله - من جواز التعویل علیه إذا أفاد الظن لأنه نوع من التحری.

قوله : ( ویعول علی قبلة البلد إذا لم یعلم أنها بنیت علی الغلط ).

قبلة البلد تشمل المحاریب المنصوبة فی المساجد والطرق والقبور وغیرها. والمراد بالبلد بلد المسلمین ، فلو وجد محراب فی بلد لا یعلم أهله لم یجز التعویل علیه.

وهذا الحکم أعنی جواز التعویل علی قبلة المسلمین إجماعی بین الأصحاب ، قاله فی التذکرة (3). وإطلاق کلامهم یقتضی أنه لا فرق فی ذلک بین ما یفید العلم بالجهة أو الظن ، ولا بین أن یکون المصلی متمکنا من معرفة

ص: 133


1- المبسوط 1 : 78.
2- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 85 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
3- التذکرة 1 : 102.

ومن لیس متمکّنا من الاجتهاد کالأعمی یعوّل علی غیره.

______________________________________________________

القبلة بالعلامات المفیدة للعلم أو الاجتهاد المفید للظن أو ینتفی الأمران.

وربما ظهر من قولهم : فإن جهلها عوّل علی الأمارات المفیدة للظن ، عدم جواز التعویل علیها للمتمکن من العلم إلا إذا أفادت الیقین. وهو کذلک ، لأن الاستقبال علی الیقین ممکن فیسقط اعتبار الظن.

وقد قطع الأصحاب بعدم جواز الاجتهاد فی الجهة والحال هذه ، لأن الخطأ فی الجهة مع استمرار الخلق واتفاقهم ممتنع. أما فی التیامن والتیاسر فالأظهر جوازه لعموم الأمر بالتحری (1). وربما قیل بالمنع منه (2) ، لأن احتمال إصابة الخلق الکثیر أقرب من احتمال إصابة الواحد ، ومنعه ظاهر. قال فی الذکری : وقد وقع فی زماننا اجتهاد بعض علماء الهیئة فی قبلة مسجد دمشق وإنّ فیه تیاسرا عن القبلة مع انطواء الأعصار الماضیة علی عدم ذلک (3).

قوله : ( ومن لیس متمکنا من الاجتهاد کالأعمی یعول علی غیره ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین من کان عالما بالأمارات لکنه ممنوع منها لعارض کغیم ونحوه ، أو جاهلا بها مع عدم القدرة علی التعلّم کالعامی مع ضیق الوقت ، أو غیر متمکن من الاجتهاد أصلا کالأعمی. وبهذا التعمیم قطع الشیخ فی المبسوط (4) ، وابن الجنید (5). وظاهر کلامه فی الخلاف (6) المنع من التقلید للأعمی وغیره ، ووجوب الصلاة إلی الجهات الأربع مع السعة ، والتخییر مع الضیق. والمعتمد الأول.

حکم الغیر المتمکن من الاجتهاد

ص: 134


1- الوسائل 3 : 223 أبواب القبلة ب 6.
2- کما فی نهایة الأحکام 1 : 393. قال : ولو اجتهد فأداه اجتهاده إلی خلافها ( یعنی المحاریب ) فان کانت بنیت علی القطع لم یجز العدول إلی اجتهاده وإلاّ جاز.
3- الذکری : 163.
4- المبسوط 1 : 79.
5- نقله عنه فی المختلف : 77.
6- الخلاف 1 : 100.

ومن فقد العلم والظن ، فإن کان الوقت واسعا صلی الصلاة إلی أربع جهات ، لکل جهة مرّة.

______________________________________________________

لنا : إنّ قول العدل أحد الأمارات المفیدة للظن فکان العمل به لازما مع انتفاء العلم ، وعدم إمکان تحصیل ظن أقوی منه ، لقوله علیه السلام : « یجزی التحری أبدا إذا لم یعلم أین وجه القبلة » (1).

احتج الشیخ فی الخلاف بأن الأعمی ومن لا یعرف أمارات القبلة إذا صلّیا إلی أربع جهات برئت ذمتهما بالإجماع ، ولیس علی براءة ذمتهما إذا صلّیا إلی واحدة دلیل. ثم استدل علی التخییر مع الضرورة بأن وجوب القبول من الغیر لم یقم علیه دلیل ، والصلاة إلی الجهات الأربع منفی بکون الحال حال ضرورة فثبت التخییر (2). وجوابه معلوم مما ذکرناه.

والمراد بالتقلید هنا قبول قول الغیر سواء کان مستندا إلی الاجتهاد أو الیقین. وإنما یسوغ تقلید المسلم العدل العارف بالعلامات ، فإن تعذر العدل فالمستور (3) ، فإن تعذر فغیره وإن کان کافرا إذا أفاد قوله الظن.

وبالجملة : فحیث ثبت جواز التعویل علی الظن فی هذا الباب وجب دوران الحکم معه ، لکن کما یجب تقدیم العلم علی الظن کذا یجب تقدیم أقوی الظنین علی الآخر.

ومن هنا یعلم أن المکفوف لو وجد محرابا فهو أولی من التقلید ، وکذا الرکون إلی المخبر عن علم أولی من الرکون إلی المجتهد ، وکذا الکلام مع الاختلاف فی العدالة والضبط والتعدد.

قوله : ( ومن فقد العلم والظن ، فإن کان الوقت واسعا صلی الصلاة إلی أربع جهات ، لکل جهة مرة ).

حکم فاقد الظن بالقبلة

ص: 135


1- المتقدم فی ص 132.
2- الخلاف 1 : 100.
3- یعنی : المجهول الحال.

______________________________________________________

هذا الحکم مشهور بین الأصحاب ، وأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الاتفاق علیه (1). وقال ابن أبی عقیل : لو خفیت علیه القبلة لغیم ، أو ریح ، أو ظلمة فلم یقدر علی القبلة صلّی حیث شاء ، مستقبل القبلة وغیر مستقبلها ، ولا إعادة علیه إذا علم بعد ذهاب وقتها أنه صلّی لغیر القبلة (2). وهو الظاهر من اختیار ابن بابویه (3) ، ونفی عنه البعد فی المختلف (4) ، ومال إلیه فی الذکری (5) ، وقواه شیخنا المعاصر (6) ، وهو المعتمد.

لنا : أصالة البراءة مما لم یقم دلیل علی وجوبه ، وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « یجزی المتحیر أبدا أینما توجّه إذا لم یعلم أین وجه القبلة » (7).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار : أنه سأله عن الرجل یقوم فی الصلاة ، ثم ینظر بعد ما فرغ فیری أنه قد انحرف عن القبلة یمینا أو شمالا فقال : « قد مضت صلاته ، فما بین المشرق والمغرب قبلة ، ونزلت هذه الآیة فی قبلة المتحیر : ( وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ، فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (8) » (9).

وما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قبلة المتحیر ، فقال : « یصلی

ص: 136


1- المعتبر 2 : 70.
2- نقله عنهما فی المختلف : 77.
3- نقله عنهما فی المختلف : 77.
4- المختلف : 78.
5- الذکری : 166.
6- مجمع الفائدة والبرهان 2 : 67.
7- الفقیه 1 : 179 - 845 ، الوسائل 3 : 226 أبواب القبلة ب 8 ح 2.
8- البقرة : 115.
9- الفقیه 1 : 179 - 846 ، التهذیب 2 : 48 - 157 ، الإستبصار 1 : 297 - 1095 ، الوسائل 3 : 228 أبواب القبلة ب 10 ح 1.

______________________________________________________

حیث یشاء » (1) وهی (2) صریحة فی المطلوب.

احتج الشیخ (3) - رحمه الله - ومن تبعه (4) بما رواه خراش ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : جعلت فداک إنّ هؤلاء المخالفین علینا یقولون إذا أطبقت علینا أو أظلمت فلم نعرف السماء کنا وأنتم سواء فی الاجتهاد ، فقال : « لیس کما یقولون إذا کان ذلک فلیصلّ لأربع وجوه » (5) وهذه الروایة ضعیفة السند بالإرسال ، وجهالة المرسل والراوی عنه وهو إسماعیل بن عباد ، متروکة الظاهر من حیث تضمنها سقوط الاجتهاد بالکلیة ، فلا تعویل علیها.

واستدل فی المعتبر علی هذا القول أیضا بأن الاستقبال بالصلاة واجب ما أمکن ، ولا یتحصل الاستقبال إلاّ کذلک فیجب (6).

والجواب : إنا لا نسلم وجوب الاستقبال مع الجهل بالقبلة ، والسند ما تقدم.

ونقل عن السید الجلیل رضی الدین بن طاوس استعمال القرعة هنا (7) ، ولا بأس به.

وعلی المشهور فیعتبر فی الجهات الأربع کونها علی خطین مستقیمین وقع أحدهما علی الآخر بحیث یحدث عنهما زوایا قائمة ، لأنه المتبادر من النص (8) ،

ص: 137


1- الکافی 3 : 286 - 10 ، الوسائل 3 : 226 أبواب القبلة ب 8 ح 3.
2- فی « م » ، « ح » زیادة : مع اعتبار سندها.
3- التهذیب 2 : 46 ، والاستبصار 1 : 295.
4- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 85 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 556.
5- التهذیب 2 : 45 - 144 ، الإستبصار 1 : 295 - 1085 ، الوسائل 3 : 226 أبواب القبلة ب 8 ح 5.
6- المعتبر 2 : 70.
7- کما فی الروضة البهیة 1 : 201.
8- الوسائل 3 : 225 أبواب القبلة ب 8.

وإن ضاق عن ذلک صلی من الجهات ما یحتمله الوقت ، وإن ضاق إلا عن صلاة واحدة صلاّها إلی أی جهة شاء.

والمسافر یجب علیه استقبال القبلة ، ولا یجوز له أن یصلی شیئا من الفرائض علی الراحلة ، إلا عند الضرورة ویستقبل القبلة ، فإن لم یتمکن استقبل القبلة بما أمکنه من صلاته ، وینحرف إلی القبلة کلّما انحرفت الدابة. وإن لم یتمکن استقبل بتکبیرة الإحرام ، ولو لم یتمکن من ذلک أجزأته الصلاة وإن لم یکن مستقبلا.

______________________________________________________

وربما قیل بالاجتزاء بالأربع کیف اتفق ، وهو بعید جدا.

واشترط الشهید فی البیان التباعد بینها بحیث لا یکون بین کل واحدة وبین الأخری ما یعد قبلة واحدة لقلة الانحراف (1). وهو غیر واضح أیضا.

قوله : ( وإن ضاق عن ذلک صلی من الجهات من یحتمله الوقت ، وإن ضاق إلاّ عن صلاة واحدة صلاها إلی أی جهة شاء ).

المراد أنه مع ضیق الوقت عن الصلاة إلی الجهات الأربع یجب علیه أن یأتی بالممکن وهو ما یتسع له الوقت مرتین أو ثلاثا ، ولو ضاق إلا عن مرة اقتصر علیها وکان مخیرا فی الجهات ، لأن التقدیر تساوی الاحتمالات فیسقط الترجیح. قال فی المعتبر : وکذا لو منعت ضرورة من عدو أو سبع أو مرض (2).

قوله : ( والمسافر یجب علیه استقبال القبلة ، ولا یجوز له أن یصلی شیئا من الفرائض علی الراحلة إلاّ عند الضرورة ویستقبل القبلة ، فإن لم یتمکن استقبل القبلة بما أمکنه من صلاته ، وینحرف إلی القبلة کلما انحرفت الدابة ، وإن لم یتمکن استقبل بتکبیرة الإحرام ، وإن لم یتمکن من ذلک أجزأته الصلاة وإن لم یکن مستقبلا ).

حکم الصلاة علی الراحلة وفی حال المشی والمطاردة

ص: 138


1- البیان : 56 ویحتمل إجزاء أربع کیف اتفق ، لأن الغرض إصابة جهة القبلة لا عینها وهو حاصل ، نعم یشترط التباعد فی الجهات بحیث لا یکون بین الجهة الأولی والثانیة ما یعدّ قبلة واحدة.
2- المعتبر 2 : 71.

______________________________________________________

أما عدم جواز صلاة الفریضة علی الراحلة فی حال الاختیار فقال فی المعتبر : إنه مذهب العلماء کافة ، سواء فی ذلک الحاضر والمسافر (1). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یصلی علی الدابة الفریضة إلا مریض یستقبل القبلة وتجزیه فاتحة الکتاب ، ویضع بوجهه فی الفریضة علی ما أمکنه من شی ء ویومئ فی النافلة إیماء » (2).

وفی الموثق عن عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیصلی الرجل شیئا من المفروض راکبا؟ قال : « لا ، إلاّ من ضرورة » (3).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی الصلاة المفروضة بین الیومیة وغیرها ، ولا بین ما وجب بالأصل وبالعارض ، وبه صرح فی الذکری وقال : إنه لا فرق فی ذلک بین أن ینذرها راکبا أو مستقرا علی الأرض ، لأنها بالنذر أعطیت حکم الواجب (4).

ویمکن القول بالفرق واختصاص الحکم بما وجب بالأصل خصوصا مع وقوع النذر علی تلک الکیفیة ، عملا بمقتضی الأصل وعموم ما دل علی وجوب الوفاء بالنذر. ویؤیده روایة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل جعل لله علیه أن یصلی کذا وکذا ، هل یجزیه أن یصلی ذلک علی دابته وهو مسافر؟ قال : « نعم » (5). وفی الطریق محمد بن أحمد العلوی ولم یثبت توثیقه ، وسیأتی تمام البحث فی ذلک إن شاء الله تعالی.

ص: 139


1- المعتبر 2 : 75.
2- التهذیب 3 : 308 - 952 ، الوسائل 3 : 236 أبواب القبلة ب 14 ح 1. وفیهما : یستقبل به.
3- التهذیب 3 : 308 - 954 ، الوسائل 3 : 237 أبواب القبلة ب 14 ح 4.
4- الذکری : 167.
5- التهذیب 3 : 231 - 596 ، الوسائل 3 : 238 أبواب القبلة ب 14 ح 6.

______________________________________________________

وأما الجواز مع الضرورة فأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الاتفاق علیه (1).

وتدل علیه الروایتان المتقدمتان (2) ، وصحیحة جمیل بن دراج ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « صلی رسول الله صلی الله علیه و آله الفریضة فی المحمل یوم وحل ومطر » (3).

وصحیحة الحمیری ، قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام : روی - جعلنی الله فداک - موالیک عن آبائک علیهم السلام : أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله صلی الفریضة علی راحلته فی یوم مطر ، ویصیبنا المطر ونحن فی محاملنا والأرض مبتلة والمطر یؤذی ، فهل یجوز لنا یا سیدی أن نصلی فی هذه الحال فی محاملنا أو علی دوابنا الفریضة إن شاء الله؟ فوقع : « یجوز ذلک مع الضرورة الشدیدة » (4).

وصحیحة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الذی یخاف اللصوص والسبع یصلی صلاة المواقفة إیماء علی دابته » ثم قال : « ویجعل السجود أخفض من الرکوع ، ولا یدور إلی القبلة ولکن أینما دارت دابته ، غیر أنه یستقبل القبلة بأول تکبیرة حین یتوجه » (5).

ویستفاد من هذه الروایة عدم وجوب الاستقبال إلا بتکبیرة الإحرام خاصة. وذکر المصنف (6) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (7) : أنه یجب علیه أن

ص: 140


1- المعتبر 2 : 75.
2- فی ص 139.
3- التهذیب 3 : 232 - 602 ، الوسائل 3 : 238 أبواب القبلة ب 14 ح 9.
4- التهذیب 3 : 231 - 600 ، الوسائل 3 : 237 أبواب القبلة ب 14 ح 5.
5- الکافی 3 : 459 - 6 ، الفقیه 1 : 295 - 1348 ، التهذیب 3 : 173 - 383 ، الوسائل 5 : 484 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 8.
6- المعتبر 2 : 75.
7- کالشهید الأول فی الذکری : 168.

وکذا المضطر إلی الصلاة ماشیا مع ضیق الوقت.

______________________________________________________

یستقبل القبلة بما أمکن من صلاته ، لقوله تعالی ( فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (1) وهو حسن.

وعلی هذا فیجب علیه أن یحرف الدابة لو انحرفت عن القبلة مع المکنة. ولو حرفها عنها عامدا لغیر ضرورة بطلت صلاته.

ولو تعذر علیه الاستقبال قیل : یجب علیه تحری الأقرب إلی جهة القبلة فالأقرب (2) ، وکأن وجهه أنّ للقرب أثرا عند الشارع ، ولهذا افترقت الجهات فی الاستدراک لو ظهر خطأ الاجتهاد. وقیل بالعدم للخروج عن القبلة فتتساوی الجهات ، ولو قیل یجب تحری ما بین المشرق والمغرب دون باقی الجهات لتساویها فی الاستدراک لو ظهر خطأ الاجتهاد ، ولقولهم علیهم السلام « ما بین المشرق والمغرب قبلة » (3) کان قویا.

وقال العلامة فی النهایة : ولو لم یتمکن من الاستقبال جعل صوب الطریق بدلا عن القبلة ، لأن المصلی لا بد أن یستمر علی جهة واحدة لئلا یتوزع فکره ، ولما کان الطریق فی الغالب لا ینفک من معاطف یلقاها السالک یمنة ویسرة فیتبعه کیف کان للحاجة (4). وهو حسن إلا أنّ وجهه لا یبلغ حد الوجوب.

قوله : ( وکذا المضطر إلی الصلاة ماشیا مع ضیق الوقت ).

أی تجوز له الصلاة ماشیا ویستقبل القبلة بما أمکنه من صلاته ویسقط مع العجز. أما جواز الصلاة ماشیا فلقوله تعالی ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُکْباناً ) (5) ویؤیده صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال : سألت أبا عبد الله

ص: 141


1- البقرة : 150.
2- کما فی الذکری : 168.
3- المتقدم فی ص 136.
4- نهایة الأحکام 1 : 405.
5- البقرة : 239.

ولو کان الراکب بحیث یتمکن من الرکوع والسجود وفرائض الصلاة ، هل تجوز له الفریضة علی الراحلة اختیارا؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

علیه السلام عن الرجل یخاف من سبع أو لصّ کیف یصلی؟ قال : « یکبر ویومئ برأسه » (1).

وإطلاق الآیة والخبر وکلام أکثر الأصحاب یقتضی عدم الفرق بین سعة الوقت وضیقه ، إلا أنّ المصنف اعتبر الضیق ، وهو أحوط.

وأما وجوب الاستقبال مع المکنة فلقوله تعالی ( وَحَیْثُ ما کُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (2).

وأما السقوط مع العجز فظاهر لسقوط التکلیف معه ، ولو أمکن الرکوب والمشی فی الفریضة مع عدم إمکان الاستقرار احتمل التخییر لظاهر قوله تعالی : ( فَرِجالاً أَوْ رُکْباناً ) وترجیح المشی لحصول رکن القیام ، وترجیح الرکوب لأن الراکب مستقر بالذات وإن تحرک بالعرض بخلاف الماشی. والأجود تقدیم أکثرهما استیفاء للأفعال ، ومع التساوی فالتخییر.

قوله : ( ولو کان الراکب بحیث یتمکن من الرکوع والسجود وفرائض الصلاة ، هل تجوز له الفریضة علی الراحلة اختیارا؟ قیل نعم وقیل لا ، وهو الأشبه ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، واحتجوا علیه بصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله المتقدمة (3) ، قال الشارح قدس سره : وهی عامة ، ووجه عمومها الاستثناء المذکور (4). وفیه إنّ هذا العموم إنما هو فی الفاعل خاصة ، أما الدابة

ص: 142


1- التهذیب 3 : 173 - 382 ، الوسائل 5 : 484 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 9.
2- البقرة : 150.
3- فی ص 139.
4- المسالک 1 : 23.

______________________________________________________

فمطلقة ، ولا یبعد حملها علی ما هو الغالب ، أعنی التی لا یتمکن علیها من استیفاء الأفعال.

واحتج علیه فخر المحققین (1) أیضا بقوله تعالی ( حافِظُوا عَلَی الصَّلَواتِ ) (2) قال : والمراد بالمحافظة علیها المداومة وحفظها من المفسدات والمبطلات ، وإنما یتحقق ذلک فی مکان اتخذ للقرار عادة ، فإن غیره کظهر الدابة فی معرض الزوال ، وبقوله علیه السلام : « جعلت لی الأرض مسجدا » (3) أی مصلی ، فلا یصح إلا فیما فی معناها ، وإنما عدّیناه إلیه بالإجماع ، وغیره لم یثبت.

وضعف الاستدلالین ظاهر ، والأقرب الجواز کما اختاره العلامة فی النهایة (4) ، إذ المفروض التمکن من استیفاء الأفعال والأمن من زواله عادة فی ثانی الحال. وقریب من ذلک الکلام فی الأرجوحة المعلقة فی الحبال ونحوها.

ویشهد للجواز أیضا صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل هل یصلح له أن یصلی علی الرف المعلق بین نخلتین؟ قال : « إن کان مستویا یقدر علی الصلاة علیه فلا بأس » (5).

واعلم أنّ المصنف - رحمه الله - لم یتعرض فی هذا الکتاب لحکم الصلاة فی السفینة ، وقد اختلف فیه کلام الأصحاب ، فذهب ابن بابویه (6) وابن حمزة (7) - علی ما نقل عنهما - إلی جواز الصلاة فیها فرضا ونفلا مختارا ، وهو

ص: 143


1- إیضاح الفوائد 1 : 79.
2- البقرة : 239.
3- الفقیه 1 : 155 - 724 ، الوسائل 3 : 593 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 8.
4- نهایة الأحکام 1 : 404.
5- التهذیب 2 : 373 - 1553 ، قرب الإسناد : 86 ، الوسائل 3 : 467 أبواب مکان المصلی ب 35 ح 1.
6- المقنع : 37.
7- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 678.

______________________________________________________

ظاهر اختیار العلامة - رحمه الله - فی أکثر کتبه (1).

ونقل عن أبی الصلاح (2) وابن إدریس (3) : أنهما منعا من الصلاة فیها إلا لضرورة ، واستقربه الشهید فی الذکری (4).

وحکی عن کثیر من الأصحاب : أنهم نصوا علی الجواز إلا أنهم لم یصرحوا بکونه علی وجه الاختیار (5).

والمعتمد الأول تمسکا بمقتضی الأخبار الصحیحة الدالة علیه ، کصحیحة جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه قال له أکون فی سفینة قریبة من الجد (6) ، فأخرج وأصلی؟ قال : « صلّ فیها ، أما ترضی بصلاة نوح علیه السلام » (7).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة الفریضة فی السفینة وهو یجد الأرض یخرج إلیها غیر أنه یخاف السبع واللصوص ویکون معه قوم لا یجتمع رأیهم علی الخروج ولا یطیعونه ، وهل یضع وجهه إذا صلی أو یومئ إیماء؟ أو قاعدا أو قائما؟ فقال : « إن استطاع أن یصلی قائما فهو أفضل ، فإن لم یستطع صلی جالسا » وقال : « لا علیه أن لا یخرج ، فإنّ أبی سأله عن مثل هذه المسألة رجل فقال : أترغب عن صلاة نوح؟! » (8).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن

ص: 144


1- القواعد 1 : 26 ، والمنتهی 1 : 407 ، والتذکرة 1 : 104.
2- الکافی فی الفقه : 147.
3- السرائر : 75.
4- الذکری : 168.
5- منهم العلامة فی المنتهی 1 : 407 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 83.
6- الجدّ بالضم : شاطئ النهر - النهایة لابن الأثیر 1 : 245.
7- الفقیه 1 : 291 - 1323 ، الوسائل 3 : 233 أبواب القبلة ب 13 ح 3.
8- التهذیب 3 : 295 - 893 ، الوسائل 4 : 705 أبواب القیام ب 14 ح 4.

______________________________________________________

الصلاة فی السفینة فقال : « تستقبل القبلة بوجهک ثم تصلی کیف دارت ، تصلی قائما ، فإن لم تستطع فجالسا ، یجمع الصلاة فیها إن أراد ، ویصلی علی القیر والقفر ویسجد علیه » (1).

وحسنة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، إنه سئل عن الصلاة فی السفینة فقال : « یستقبل القبلة ، فإذا دارت فاستطاع أن یتوجه إلی القبلة فلیفعل ، وإلا فلیصلّ حیث توجهت به ، قال : فإن أمکنه القیام فلیصلّ قائما ، وإلا فلیقعد ثم یصلی » (2).

احتج المانعون (3) بأن القرار رکن فی القیام (4) وحرکة السفینة تمنع من ذلک ، وبأن الصلاة فیها مستلزمة للحرکات الکثیرة الخارجة عن الصلاة فلا یصار إلیها إلا لضرورة.

وبما رواه الشیخ عن حماد بن عیسی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یسأل عن الصلاة فی السفینة فیقول : « إن استطعتم أن تخرجوا إلی الجدد (5) فاخرجوا ، فإن لم تقدروا فصلوا قیاما ، فإن لم تستطیعوا فصلوا قعودا وتحروا القبلة » (6).

وعن علی بن إبراهیم ، قال : سألته عن الصلاة فی السفینة ، قال : « یصلی وهو جالس إذا لم یمکنه القیام فی السفینة ، ولا یصلی فی السفینة وهو یقدر علی الشط » (7).

ص: 145


1- التهذیب 3 : 295 - 895 ، الوسائل 4 : 706 أبواب القیام ب 14 ح 8.
2- الکافی 3 : 441 - 2 ، التهذیب 3 : 297 - 903 ، الوسائل 3 : 235 أبواب القبلة ب 13 ح 13.
3- منهم الشهید الأول فی الذکری : 168.
4- فی « ح » : المقام.
5- الجدد : الأرض الصلبة - الصحاح 2 : 452.
6- الکافی 3 : 441 - 1 ، التهذیب 3 : 170 - 374 ، الإستبصار 1 : 454 - 1761 ، الوسائل 3 : 235 أبواب القبلة ب 13 ح 14.
7- التهذیب 3 : 170 - 375 ، الإستبصار 1 : 455 - 1762 ، الوسائل 3 : 234 أبواب القبلة ب 13 ح 8.

الثالث : ما یستقبل له ، ویجب الاستقبال فی فرائض الصلاة مع الإمکان ، وعند الذبح ، وبالمیت عند احتضاره ودفنه والصلاة علیه.

وأما النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها ، ویجوز أن یصلی علی الراحلة سفرا أو حضرا ، وإلی غیر القبلة علی کراهة ، متأکدة فی الحضر.

______________________________________________________

وأجیب عن الأول بأن الحرکة بالنسبة إلی المصلی عرضیة لأنه ساکن (1).

ویمکن الجواب عنه أیضا بأن ذلک مغتفر بالنص ، وهو الجواب عن الثانی.

وعن الروایتین بعد سلامة السند بحمل الأمر فی الأولی علی الاستحباب ، والنهی فی الثانیة علی الکراهة جمعا بین الأدلة.

قوله : ( الثالث ، فیما یستقبل له : ویجب الاستقبال فی فرائض الصلاة مع الإمکان ، وعند الذبح ، وبالمیت عند احتضاره ودفنه والصلاة علیه ).

وجوب الاستقبال فی هذه المواضع قد علم بعضه فیما سبق ، وسیجی ء الباقی فی محله إن شاء الله تعالی.

واعلم أنّ الاستقبال یتصف بالأحکام الأربعة ، فیجب فی هذه المواضع ، ویحرم فی حالة التخلی عند الأکثر ، ویکره فی حالة الجماع ، ویستحب فیما عدا ذلک ، ولا تکاد تتحقق فیه الإباحة بالمعنی الأخص.

قوله : ( وأما النوافل فالأفضل استقبال القبلة بها ، ویجوز أن یصلی علی الراحلة سفرا أو حضرا ، وإلی غیر القبلة علی کراهة ، متأکدة فی الحضر ).

أما أفضلیة الاستقبال بالنوافل فموضع وفاق.

ص: 146


1- نقله عن الفاضل فی الذکری : 168.

______________________________________________________

ویدل علیه التأسی ، وعموم قولهم علیهم السلام : « أفضل المجالس ما استقبل به القبلة » (1).

ویستفاد من حکمه بأفضلیة الاستقبال بالنوافل وإطلاق کراهتها إلی غیر القبلة فی الحضر : جواز فعلها إلی غیر القبلة وإن کان المصلی مستقرا علی الأرض. وهو بعید جدا ، لأن العبادات متلقاة من الشارع ولم ینقل فعل النافلة إلی غیر القبلة مع الاستقرار فیکون فعلها کذلک تشریعا محرما.

وأما جواز صلاة النافلة علی الراحلة سفرا فقال فی المعتبر : إنه اتفاق علمائنا ، طویلا کان السفر أو قصیرا (2).

وأما الجواز فی الحضر فقد نصّ علیه الشیخ فی المبسوط والخلاف (3) ، ومنعه ابن أبی عقیل (4).

والأصح جواز التنفل للماشی والراکب حضرا وسفرا مع الضرورة والاختیار ، للأخبار المستفیضة الدالة علیه ، کصحیحة الحلبی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة النافلة علی البعیر والدابة فقال : « نعم حیث کان متوجها ، وکذلک فعل رسول الله صلی الله علیه و آله » (5).

وصحیحة معاویة بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « کان أبی یدعو بالطهور فی السفر وهو فی محمله فیؤتی بالتور فیه الماء

ص: 147


1- الشرائع 4 : 73 ، الوسائل 8 : 475 أبواب أحکام العشرة ب 76 ح 3.
2- المعتبر 2 : 75.
3- المبسوط 1 : 80 ، والخلاف 1 : 99.
4- نقله عنه فی المختلف : 79.
5- الکافی 3 : 440 - 5 ، التهذیب 3 : 228 - 581 ، الوسائل 3 : 240 أبواب القبلة ب 15 ح 6.

______________________________________________________

فیتوضأ ثم یصلی الثمانی والوتر فی محمله ، فإذا نزل صلی الرکعتین والصبح » (1).

وصحیحة یعقوب بن شعیب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی السفر وأنا أمشی ، قال : « أوم إیماء ، واجعل السجود أخفض من الرکوع » (2).

وصحیحة حماد بن عثمان ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام : فی الرجل یصلی النافلة وهو علی دابته فی الأمصار قال : « لا بأس » (3).

وحسنة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبی الحسن علیه السلام : فی الرجل یصلی النوافل فی الأمصار وهو علی دابته حیث توجهت به ، قال : « نعم » (4).

ویستحب الاستقبال بتکبیرة الإحرام خاصة ، لصحیحة عبد الرحمن بن أبی نجران ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الصلاة باللیل فی السفر فی المحمل ، قال : « إذا کنت علی غیر القبلة فاستقبل القبلة ثم کبر وصل حیث ذهب بک بعیرک » (5).

وقطع ابن إدریس بوجوب الاستقبال بالتکبیر ، ونقله عن جماعة من الأصحاب إلا من شذ (6). ویدفعه إطلاق الأخبار المتقدمة.

ویکفی فی الرکوع والسجود الإیماء ، ولیکن السجود أخفض من الرکوع. ولا یجب فی الإیماء للسجود وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه ، لقوله

ص: 148


1- التهذیب 3 : 232 - 604 ، الوسائل 3 : 241 أبواب القبلة ب 15 ح 11.
2- التهذیب 3 : 229 - 588 ، الوسائل 3 : 244 أبواب القبلة ب 16 ح 3.
3- التهذیب 3 : 229 - 589 ، الوسائل 3 : 240 أبواب القبلة ب 15 ح 10.
4- الکافی 3 : 440 - 8 ، الفقیه 1 : 285 - 1298 ، وفیهما : عن أبی عبد الله ، التهذیب 3 : 230 - 591 ، الوسائل 3 : 239 أبواب القبلة ب 15 ح 1 بتفاوت.
5- التهذیب 3 : 233 - 606 ، الوسائل 3 : 241 أبواب القبلة ب 15 ح 13.
6- السرائر : 75.

ویسقط فرض الاستقبال فی کل موضع لا یتمکن منه ، کصلاة المطاردة ، وعند ذبح الدابة الصائلة والمتردّیة بحیث لا یمکن صرفها إلی القبلة.

الرابع : فی أحکام الخلل ، وهی مسائل :

الأولی : الأعمی یرجع إلی غیره لقصوره عن الاجتهاد ، فإن عوّل

______________________________________________________

علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله : « ویضع بوجهه فی الفریضة علی ما أمکنه من شی ء ، ویومئ فی النافلة إیماء » (1).

ولو رکع الماشی وسجد مع الإمکان کان أولی لصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بأن یصلی الرجل صلاة اللیل فی السفر وهو یمشی ، ولا بأس إن فاتته صلاة اللیل أن یقضیها بالنهار وهو یمشی ، یتوجه إلی القبلة ثم یمشی ویقرأ ، فإذا أراد أن یرکع حول وجهه إلی القبلة ورکع وسجد ثم مشی » (2).

والأفضل الصلاة مع الاستقرار ، لما رواه عبد الرحمن بن الحجاج فی الصحیح ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة النافلة فی الحضر علی ظهر الدابة إذا خرجت قریبا من أبیات الکوفة أو کنت مستعجلا بالکوفة فقال : « إن کنت مستعجلا لا تقدر علی النزول وتخوفت فوت ذلک إن ترکته وأنت راکب فنعم ، وإلاّ فإن صلاتک علی الأرض أحب إلی » (3).

قوله : ( ویسقط فرض الاستقبال فی کل موضع لا یتمکن منه ، کصلاة المطاردة ، وعند ذبح الدابة الصائلة والمتردیة بحیث لا یمکن صرفها إلی القبلة ).

هذا الحکم ثابت بإجماع العلماء ، والأخبار به مستفیضة ، وسیجی ء تحقیقه فی محله إن شاء الله.

قوله : ( الرابع ، فی أحکام الخلل وهی مسائل ، الأولی : الأعمی

أحکام الاخلال بالاستقبال

حکم الأعمی المخل بالاستقبال

ص: 149


1- التهذیب 3 : 308 - 952 ، الوسائل 3 : 236 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
2- التهذیب 3 : 229 - 585 ، الوسائل 3 : 244 أبواب القبلة ب 16 ح 1.
3- التهذیب 3 : 232 - 605 ، الوسائل 3 : 241 أبواب القبلة ب 15 ح 12.

علی رأیه مع وجود المبصر لأمارة وجدها وإلا فعلیه الإعادة.

الثانیة : إذا صلی إلی جهة إما لغلبة الظن أو لضیق الوقت ثم تبیّن

______________________________________________________

یرجع إلی غیره لقصوره عن الاجتهاد ، فإن عوّل علی رأیه مع وجود المبصر لأمارة وجدها صح ، وإلا فعلیه الإعادة ).

جواب الشرط محذوف یدل علیه ما بعده ، أی : فإن عوّل علی رأیه مع وجود المبصر لأمارة وجدها فلا إعادة علیه ، وإن لم یکن لأمارة بل اقتراحا فعلیه الإعادة. والمراد بالأمارة نحو محراب المسجد وعلامة القبر. وإنما یتم الحکم بعدم الإعادة مع التعویل علی الإمارة إذا کانت أقوی من إخبار الغیر أو مساویة له ، وإلا وجبت الإعادة کما لو لم یکن لأمارة ، إذ الواجب مع تعذر العلم التعویل علی أقوی الظنین وقد بینا ذلک فیما سبق.

وإطلاق العبارة یقتضی أنه لا إعادة علی الأعمی مع التعویل علی الأمارة مطلقا وإن تبین الخطأ ، فیکون التفصیل الآتی مخصوصا بغیر الأعمی.

ویشکل بعموم الأخبار المتضمنة للإعادة مع الخطأ (1) المتناول للأعمی وغیره ، وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أعمی صلی علی غیر القبلة فقال : « إن کان فی وقت فلیعد ، وإن کان قد مضی الوقت فلا یعد » (2).

ویمکن حمل النفی المدلول علیه بالسیاق فی العبارة علی نفی الإعادة مطلقا أی فی جمیع الأحوال بقرینة أنّ الإعادة فی الصورة الثانیة - وهی ما إذا عول علی رأیه من دون أمارة - ثابتة علی کل حال وإن ظهرت المطابقة ، لدخوله فی الصلاة دخولا منهیا عنه ، وحینئذ فلا ینافیه ثبوت الإعادة فی الصورة الأولی علی بعض الوجوه.

قوله : ( الثانیة : إذا صلی إلی جهة إما لغلبة الظن أو لضیق الوقت

حکم تبین الخلل بالاستقبال

ص: 150


1- الوسائل 3 : 229 أبواب القبلة ب 11.
2- الفقیه 1 : 179 - 844 ، الوسائل 3 : 231 أبواب القبلة ب 11 ح 8.

خطأه ، فإن کان منحرفا یسیرا فالصلاة ماضیة ، وإلا أعاد فی الوقت ، وقیل : إن بان أنه استدبر أعاد وإن خرج الوقت ، والأول أظهر.

______________________________________________________

ثم تبیّن خطأه ، فإن کان منحرفا یسیرا فالصلاة ماضیة ، وإلاّ أعاد فی الوقت ، وقیل : إن بان أنه استدبر أعاد وإن خرج الوقت ، والأول أظهر ).

من صلی إلی جهة ظانا أنها القبلة ، أو لضیق الوقت عن الصلاة إلی الجهات الأربع ، أو لاختیار المکلف لها إن قلنا بتخییر المتحیّر ، ثم تبین الخطأ بعد فراغه من الصلاة ، فإن کان منحرفا یسیرا بأن کانت صلاته بین المشرق والمغرب فالصلاة ماضیة ، ولا یجب علیه الإعادة بإجماع العلماء ، حکی ذلک جماعة منهم المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی (1) ، ویدل علیه صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : الرجل یقوم فی الصلاة ثم ینظر بعد ما فرغ فیری أنه قد انحرف عن القبلة یمینا وشمالا قال : « قد مضت صلاته ، وما بین المشرق والمغرب قبلة » (2).

ولو بان أنه صلی إلی المشرق أو المغرب أعاد فی الوقت دون خارجه ، وهو إجماعی أیضا.

أما الإعادة فی الوقت فلأنه أخلّ بشرط الواجب مع بقاء وقته والإتیان به علی شرطه ممکن فیجب (3).

وأما سقوط القضاء فلأنه فرض مستأنف فیتوقف علی الدلالة ولا دلالة ، وتدل علیه أیضا صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت وأنت علی غیر القبلة واستبان لک أنک صلیت

ص: 151


1- المعتبر 2 : 72 ، والمنتهی 1 : 223.
2- الفقیه 1 : 179 - 846 ، التهذیب 2 : 48 - 157 ، الإستبصار 1 : 297 - 1095 ، الوسائل 3 : 228 أبواب القبلة ب 10 ح 1.
3- فی « ح » زیادة : کما لو أخلّ بطهارة الثوب.

______________________________________________________

وأنت علی غیر القبلة وأنت فی وقت فأعد ، وإن فاتک الوقت فلا تعد » (1).

وصحیحة سلیمان بن خالد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یکون فی قفر من الأرض فی یوم غیم فیصلی لغیر القبلة ثم تصحی فیعلم أنه صلی لغیر القبلة کیف یصنع؟ فقال : « إن کان فی وقت فلیعد صلاته ، وإن کان مضی الوقت فحسبه اجتهاده » (2).

ولا ینافی ذلک ما رواه معمر بن یحیی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلی علی غیر القبلة ثم تبینت القبلة وقد دخل فی صلاة أخری ، قال : « یعیدها قبل أن یصلی هذه التی دخل وقتها » (3). لأنا نجیب عنه أولا بالطعن فی السند فإن فی طریقها الطاطری ، وقال النجاشی إنه کان واقفیا شدید العناد (4).

وثانیا بإمکان الحمل علی من صلی إلی جهة واحدة مع سعة الوقت وعدم أمارة تدل علی الجهة التی استقبلها.

وإن تبین أنه استدبر القبلة فقال الشیخان : یعید لو کان الوقت باقیا ، ویقضی لو کان خارجا (5). وقال المرتضی : لا یقضی لو علم بعد خروج الوقت (6). وهو الأصح عملا بمقتضی الأصل وإطلاق الروایات المتقدمة.

احتج الشیخ (7) بما رواه عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام :

ص: 152


1- الکافی 3 : 284 - 3 ، التهذیب 2 : 47 - 151 ، الإستبصار 1 : 296 - 1090 ، الوسائل 3 : 229 أبواب القبلة ب 11 ح 1.
2- الکافی 3 : 285 - 9 ، التهذیب 2 : 47 - 152 ، الإستبصار 1 : 296 - 1091 ، الوسائل 3 : 230 أبواب القبلة ب 11 ح 6.
3- التهذیب 2 : 46 - 150 ، الاستبصار 1 : 297 - 1099 بتفاوت یسیر ، الوسائل 3 : 228 أبواب القبلة ب 9 ح 5.
4- رجال النجاشی : 179.
5- المفید فی المقنعة : 14 ، والشیخ فی المبسوط 1 : 80.
6- جمل العلم والعمل : 53.
7- الاستبصار 1 : 298 ، والخلاف 1 : 101.

فأما إن تبیّن الخلل وهو فی الصلاة فإنه یستأنف علی کل حال ، إلا أن یکون منحرفا یسیرا فإنه یستقیم ولا إعادة.

______________________________________________________

فی رجل صلی علی غیر القبلة فیعلم وهو فی الصلاة قبل أن یفرغ من صلاته ، قال : « إن کان متوجها فیما بین المشرق والمغرب فلیحول وجهه حین یعلم ، وإن کان متوجها إلی دبر القبلة فلیقطع ثم یحول وجهه إلی القبلة ثم یفتتح الصلاة » (1).

والجواب أولا بالطعن فی السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة.

وثانیا بالمنع من الدلالة علی موضع النزاع فإن مقتضی الروایة أنه علم وهو فی الصلاة ، وهو دال علی بقاء الوقت ونحن نقول بموجبه ، إذ النزاع إنما هو فیما إذا علم بعد خروجه.

وهل المصلی إلی جهة ناسیا کالظان فی الأحکام ، قیل : نعم (2) ، وبه قطع الشیخ - رحمه الله - فی بعض کتبه (3) ، لعموم : رفع عن أمتی الخطأ والنسیان (4) ، ولشمول خبر عبد الرحمن بن أبی عبد الله (5) له - وقیل : لا (6) ، لأن خطأه مستند إلی تقصیره بخلاف الظان. وکذا الکلام فی جاهل الحکم.

والأقرب الإعادة فی الوقت خاصة ، لإخلاله بشرط الواجب ، دون القضاء ، لأنه فرض مستأنف.

قوله : ( فأما إن تبین الخلل وهو فی الصلاة فإنه یستأنف علی کل حال ، إلا أن یکون منحرفا یسیرا فإنه یستقیم ولا إعادة ).

ص: 153


1- الکافی 3 : 285 - 8 ، التهذیب 2 : 48 - 159 و 142 - 555 ، الوسائل 3 : 229 أبواب القبلة ب 10 ح 4.
2- صرح به فی المقنعة : 14.
3- النهایة : 64.
4- الفقیه 1 : 36 - 132 ، الخصال : 417 - 9 ، الوسائل 11 : 295 أبواب جهاد النفس وما یناسبه ب 56 ح 1.
5- المتقدم فی ص 151.
6- کما فی المختلف : 79.

الثالثة : إذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخری ، فإن تجدد عنده شک استأنف الاجتهاد ، وإلا بنی علی الأول.

______________________________________________________

أما أنه یستقیم مع الانحراف الیسیر فلقولهم علیهم السلام : « ما بین المشرق والمغرب قبلة » (1) وهو إجماع.

وأما الاستئناف فیما عدا ذلک فلإخلاله بشرط الواجب مع بقاء وقته ، والإتیان به ممکن فیجب ، ولأنه إذا تبین الخلل علی هذا الوجه بعد الفراغ استأنف فکذا إذا علم فی الأثناء ، لأن ما یفسد الکل یفسد الجزء. وتؤیده روایة القاسم بن الولید ، قال : سألته عن رجل تبین له وهو فی الصلاة أنه علی غیر القبلة ، قال : « یستقبلها إذا ثبت ذلک ، وإن کان فرغ منها فلا یعیدها » (2).

فرع : لو تبین فی أثناء الصلاة الاستدبار وقد خرج الوقت فالأقرب أنه ینحرف ولا إعادة ، وهو اختیار الشهیدین 0 (3) ، لا لما ذکراه من استلزام القضاء المنفی ، لانتفاء الدلالة علی بطلان اللازم ، بل لأنه دخل دخولا مشروعا ، والامتثال یقتضی الإجزاء ، والإعادة إنما تثبت إذا تبین الخطأ فی الوقت علی ما هو منطوق روایتی عبد الرحمن وسلیمان بن خالد (4).

قوله : ( الثالثة : إذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخری ، فإن تجدد عنده شک استأنف الاجتهاد ، وإلا بنی علی الأول ).

خالف فی ذلک الشیخ فی المبسوط (5) ، فأوجب التجدید دائما لکل صلاة ما لم تحضره الأمارات (6) لأن الاجتهاد الثانی إن خالف الأول وجب المصیر إلیه ،

وجوب استئناف الاجتهاد عند الشک

ص: 154


1- الوسائل 3 : 228 أبواب القبلة ب 10.
2- التهذیب 2 : 48 - 158 ، الإستبصار 1 : 297 - 1096 ، الوسائل 3 : 228 أبواب القبلة ب 10 ح 3.
3- الشهید الأول فی الذکری : 166 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 23.
4- المتقدمتان فی ص 151 ، 152.
5- المبسوط 1 : 81.
6- فی « م » زیادة : للسعی فی إصابة الحق و.

______________________________________________________

لأن تغیر الاجتهاد لا یکون إلاّ لأمارة أقوی من الأولی ، وأقوی الظنین أقرب إلی الیقین ، وإن وافقه تأکد الظن. وهو جید إن احتمل تغیر الأمارات.

وموضع الخلاف تجدید الاجتهاد لصلاة أخری سواء کان وقت الثانیة قد دخل وقت الاجتهاد للأولی کما یتفق فی الظهرین أم لا ، فلو قال : ولا یتعدد الاجتهاد بتعدد الصلاة کما صنع غیره لکان أشمل.

فروع :

الأول : لو تغیر اجتهاد المجتهد فی أثناء الصلاة انحرف وبنی إن کان لا یبلغ موضع الإعادة وإلاّ أعاد. ولو تغیر اجتهاده بعد الصلاة لم یعد ما صلاة إلا مع تیقن الخطأ ، قال فی المنتهی : ولا نعلم فیه خلافا (1).

الثانی : لو خالف المجتهد اجتهاده وصلی فصادف القبلة لم تصح صلاته ، لعدم إتیانه بالمأمور به. وقال الشیخ فی المبسوط بالإجزاء (2) ، لأن المأمور به هو التوجه إلی القبلة وقد أتی به. وهو ممنوع ، إذ المعتبر البناء علی اجتهاده ولم یفعل فیبقی فی عهدة التکلیف.

الثالث : لو قلد مجتهدا فأخبره بالخطإ استدار إن کان توجهه إلی ما بین المشرق والمغرب ، وإلا استأنف. ولو صلی بقول واحد فأخبره آخر بخلافه فإن تساویا عدالة مضی فی صلاته ، وإلا عمل بأعدلهما.

الرابع : لو اختلف المجتهدون لم یأتم بعضهم ببعض عند الشیخ (3) والمصنف (4) وأکثر الأصحاب ، لأن کل واحد یعتقد خطأ الآخر. واحتمل العلامة فی التذکرة الصحة (5) ، لأن فرض کل منهم التعبد بظنه فکانوا

ص: 155


1- المنتهی 1 : 220.
2- نقله عنه فی التذکرة 1 : 101.
3- المبسوط 1 : 79.
4- المعتبر 2 : 72.
5- التذکرة 1 : 102.

______________________________________________________

کالقائمین حول الکعبة یستقبل کل واحد منهم جهة غیر جهة الآخر مع صحة صلاة الجمیع جماعة.

وربما فرّق بینهما بتعدد الجهة فی المصلین حول الکعبة ، بخلاف المجتهدین ، للقطع بخطإ أحدهم.

ویمکن دفعه بأن الخطأ إنما هو فی مصادفة الصلاة لجهة الکعبة لا للجهة التی یجب استقبالها ، للقطع بأن فرض کل منهم استقبال ما أدی إلیه الاجتهاد وإن کانت خلاف جهة الکعبة.

ص: 156

المقدمة الرابعة

فی لباس المصلی ،

وفیه مسائل :

الأولی : لا تجوز الصلاة فی جلد المیتة ولو کان مما یؤکل لحمه ، سواء دبغ أو لم یدبغ.

______________________________________________________

قوله : ( الأولی لا تجوز الصلاة فی جلد المیتة ولو کان مما یؤکل لحمه ، سواء دبغ أو لم یدبغ ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وأخبارهم به ناطقة. فروی الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن غیر واحد ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی المیتة ، قال : « لا تصل فی شی ء منه ولا شسع » (1).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عن جلد المیتة أیلبس فی الصلاة إذا دبغ؟ قال : « لا ولو دبغ سبعین مرة » (2).

وعن علی بن المغیرة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ، المیتة ینتفع بشی ء منها؟ قال : « لا » (3).

وذکر جمع من الأصحاب : أنّ الصلاة کما تبطل فی الجلد مع العلم بکونه

لباس المصلی

حکم الصلاة فی الجلد

ص: 157


1- التهذیب 2 : 203 - 793 ، الوسائل 3 : 249 أبواب لباس المصلی ب 1 ح 2.
2- الفقیه 1 : 160 - 750 ، التهذیب 2 : 203 - 794 ، الوسائل 3 : 249 أبواب لباس المصلی ب 1 ح 1.
3- الکافی 3 : 398 - 6 ، التهذیب 2 : 204 - 799 ، الوسائل 2 : 1080 أبواب النجاسات ب 61 ح 2.

______________________________________________________

میتة أو فی ید کافر کذا تبطل مع الشک فی تذکیته ، لأصالة عدم التذکیة. وقد بینا فیما سبق (1) أن أصالة عدم التذکیة لا تفید القطع بالعدم ، لأن ما ثبت جاز أن یدوم وجاز أن لا یدوم ، فلا بد لدوامه من دلیل سوی دلیل الثبوت.

وبالجملة فالفارق بین الجلد والدم المشتبهین استصحاب عدم التذکیة فی الجلد دون الدم ، ومع انتفاء حجیته یجب القطع بالطهارة فیهما معا ، لأصالة عدم التکلیف باجتنابهما وعدم نجاسة الملاقی لهما.

وقد ورد فی عدة أخبار الإذن فی الصلاة فی الجلود التی لا یعلم کونها میتة (2) ، وهو مؤید لما ذکرناه.

ویکفی فی الحکم بذکاة الجلد الذی لا یعلم کونه میتة وجوده فی ید مسلم ، أو فی سوق المسلمین ، سواء أخبر ذو الید بالتذکیة أم لا ، وسواء کان ممن یستحل المیتة بالدبغ أو ذباحة أهل الکتاب أم لا ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (3).

ومنع العلامة فی التذکرة والمنتهی من تناول ما یوجد فی ید مستحل المیتة بالدبغ وإن أخبر بالتذکیة ، لأصالة العدم (4). واستقرب الشهید فی الذکری والبیان القبول إن أخبر بالتذکیة لکونه زائدا علیه ، فیقبل قوله فیه کما یقبل فی تطهیر الثوب النجس (5). والمعتمد جواز استعماله مطلقا إلا أن یخبر ذو الید بعدم التذکیة.

لنا : إنّ الأصل فی الأشیاء کلها الطهارة ، والنجاسة متوقفة علی الدلیل ،

ص: 158


1- فی ج 2 385.
2- الوسائل 3 : 332 أبواب لباس المصلی ب 55.
3- المعتبر 2 : 78.
4- التذکرة 1 : 94 ، والمنتهی 1 : 226.
5- الذکری : 143 ، والبیان : 57.

______________________________________________________

ومع انتفائه تکون الطهارة ثابتة بالأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الخفاف التی تباع فی السوق فقال : « اشتر وصلّ فیها حتی تعلم أنه میت بعینه » (1).

وفی الصحیح عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الخفّاف یأتی السوق فیشتری الخف لا یدری أذکی هو أم لا ، ما تقول فی الصلاة فیه وهو لا یدری أیصلی فیه؟ قال : « نعم أنا أشتری الخف من السوق ، ویصنع لی ، وأصلی فیه ، ولیس علیکم المسألة » (2).

وفی روایة أخری له عنه علیه السلام أنه قال بعد ذلک : « إنّ أبا جعفر علیه السلام کان یقول : إنّ الخوارج ضیّقوا علی أنفسهم بجهالتهم ، إن الدین أوسع من ذلک » (3).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن سلیمان بن جعفر الجعفری : إنه سأل العبد الصالح موسی بن جعفر علیه السلام عن الرجل یأتی السوق فیشتری جبة فراء لا یدری أذکیة هی أم غیر ذکیة ، أیصلی فیها؟ فقال : « نعم ، لیس علیکم المسألة ، إنّ أبا جعفر علیه السلام کان یقول : إن الخوارج ضیّقوا علی أنفسهم بجهالتهم ، إن الدین أوسع من ذلک » (4).

وفی الحسن عن جعفر بن محمد بن یونس : إن أباه کتب إلی أبی الحسن علیه السلام یسأله عن الفرو والخف ألبسه وأصلی فیه ولا أعلم أنه ذکی ، فکتب : « لا بأس به » (5).

وهذه الروایات ناطقة بجواز الأخذ بظاهر الحال ، وشاملة للأخذ من

ص: 159


1- التهذیب 2 : 234 - 920 ، الوسائل 3 : 310 أبواب لباس المصلی ب 38 ح 2.
2- التهذیب 2 : 371 - 1545 ، قرب الإسناد : 170 ، الوسائل 2 : 1072 أبواب النجاسات ب 50 ح 6.
3- التهذیب 2 : 368 - 1529 ، الوسائل 3 : 332 أبواب لباس المصلی ب 55 ح 1.
4- الفقیه 1 : 167 - 787 ، الوسائل 3 : 332 أبواب لباس المصلی ب 55 ح 1.
5- الفقیه 1 : 167 - 789 ، الوسائل 3 : 333 أبواب لباس المصلی ب 55 ح 4.

______________________________________________________

المستحل وغیره ، وهی مع صحة سندها معتضدة بأصالة الطهارة السالمة من المعارض ، ومؤیدة بعمل الأصحاب وفتواهم بمضمونها ، فالعمل بها متعین.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی الفراء فقال : « کان علی بن الحسین علیهماالسلام رجلا صردا (1) فلا تدفئه فراء الحجاز ، لأن دباغها بالقرظ ، فکان یبعث إلی العراق فیؤتی بالفرو فیلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقی القمیص الذی یلیه ، فکان یسأل عن ذلک فیقول : إنّ أهل العراق یستحلون لباس الجلود المیتة ، ویزعمون أن دباغه ذکاته » (2).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أدخل سوق المسلمین ، أعنی هذا الخلق الذین یدّعون الإسلام فأشتری منهم الفراء للتجارة ، فأقول لصاحبها : ألیس هی ذکیة؟ فیقول : بلی ، فهل یصلح لی أن أبیعها علی أنها ذکیة؟ فقال : « لا ، ولکن لا بأس أن تبیعها وتقول : قد شرط الذی اشتریتها منه أنها ذکیة » قلت : وما أفسد ذلک؟ قال : « استحلال أهل العراق للمیتة ، وزعموا أنّ دباغ جلد المیتة ذکاته ، ثم لم یرضوا أن یکذبوا فی ذلک إلا علی رسول الله صلی الله علیه و آله » (3).

لأنا نجیب عنهما أولا بالطعن فی السند باشتمال سند الأولی علی عدة من الضعفاء ، منهم محمد بن سلیمان الدیلمی ، وقال النجاشی : إنه ضعیف جدا لا یعول علیه فی شی ء (4) ، وقال فی ترجمة أبیه : وقیل کان غالیا کذابا وکذلک ابنه محمد لا یعمل بما انفردا به من الروایة (5). وبأن فی طریق الثانیة عدة من المجاهیل.

ص: 160


1- صرد الرجل فهو صرد : یجد البرد سریعا - الصحاح 2 : 496.
2- التهذیب 2 : 203 - 796 ، الوسائل 3 : 338 أبواب لباس المصلی ب 61 ح 2.
3- الکافی 3 : 398 - 5 ، التهذیب 2 : 204 - 798 ، الوسائل 2 : 1081 أبواب النجاسات ب 61 ح 4.
4- رجال النجاشی : 365 - 987.
5- رجال النجاشی : 182 - 482.

وما لا یؤکل لحمه وهو طاهر فی حیاته مما یقع علیه الذکاة إذا ذکی کان طاهرا ، ولا یستعمل فی الصلاة.

______________________________________________________

وثانیا بعدم الدلالة علی ما ینافی الأخبار السابقة.

إما الروایة الأولی ، فلأن أقصی ما تدل علیه : أنه علیه السلام کان ینزع عنه فرو العراق حال الصلاة ، وجاز أن یکون علی سبیل الاستحباب ، بل لبسها فی غیر الصلاة یقتضی کونها لیست میتة ، وإلا لامتنع لبسها مطلقا.

وأما الثانیة ، فلأنها إنما تضمّنت النهی عن بیع ما أخبر بذکاته علی أنه ذکی ، ونحن نقول بموجبه ، ونمنع دلالته علی تحریم الاستعمال.

واعلم أنّ مقتضی کلام المصنف فی المعتبر (1) ، والعلامة فی المنتهی (2) وغیرهما (3) اختصاص المنع بمیتة ذی النفس ، وهو کذلک ، للأصل وانتفاء ما یدل علی عموم المنع.

ولا فرق فی الثوب بین کونه ساترا للعورة أم لا ، بل الظاهر تحریم استصحاب غیر الملبوس أیضا ، لقوله علیه السلام : « لا تصل فی شی ء منه ولا شسع » (4).

قوله : ( وما لا یؤکل لحمه - وهو طاهر فی حیاته مما یقع علیه الذکاة - إذا ذکی کان طاهرا ولا یستعمل فی الصلاة ).

أما الطهارة فللأصل السالم من المعارض ، المعتضد بالأخبار الصحیحة المستفیضة ، وهو إجماع. وأما عدم جواز استعماله فی الصلاة فهو إجماعی أیضا علی ما نقله جماعة (5) ، ویدل علیه ما رواه إسماعیل بن سعد الأحوص فی

ص: 161


1- المعتبر 2 : 77.
2- المنتهی 2 : 225.
3- منهم الشهید الأول فی الذکری : 142 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 212.
4- المتقدم فی ص 157.
5- منهم العلاّمة فی نهایة الأحکام 1 : 373 ، والمحقق الشیخ علی فی جامع المقاصد 1 : 86. والشهید الثانی فی روض الجنان : 213.

______________________________________________________

الصحیح ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الصلاة فی جلود السباع فقال : « لا تصل فیها » (1).

وما رواه ابن بکیر ، قال : سأل زرارة أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی الثعالب والفنک والسنجاب وغیره من الوبر ، فأخرج کتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلی الله علیه و آله : « إنّ الصلاة فی (2) کل شی ء حرام أکله فالصلاة فی وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وکل شی ء منه فاسد ، لا تقبل تلک الصلاة حتی یصلی فی غیره مما أحل الله أکله » (3).

قال فی المعتبر : وابن بکیر وإن کان ضعیفا إلا أنّ الحکم بذلک مشهور عن أهل البیت علیهم السلام (4). ثم استدل علیه أیضا بأن خروج الروح من الحی سبب الحکم بموته الذی هو سبب المنع من الانتفاع بالجلد ، ولا تنهض الذباحة مبیحة ما لم یکن المحل قابلا.

واعترض علی نفسه بجواز استعماله فی غیر الصلاة ، وأجاب بإمکان استعداده بالذبح لذلک دون الصلاة ، لعدم تمامیة الاستعداد له. وهو غیر جید أما أولا : فلأن الذکاة إن صدقت فیه أخرجته عن المیتة ، وإلا لم یجز الانتفاع به مطلقا.

وأما ثانیا : فلأن الذکاة عبارة عن قطع العروق المعیّنة علی الوجه المعتبر شرعا ، وإطلاق الروایات یقتضی خروج الحیوان عن کونه میتة بذلک إلا فیما دل الدلیل علی خلافه ، کما سیجی ء تحقیقه إن شاء الله.

وبالجملة فهذا الاعتبار قاصر ، والروایات لا تخلو من ضعف فی سند أو

ص: 162


1- الکافی 3 : 400 - 12 ، التهذیب 2 : 205 - 801 ، الوسائل 3 : 257 أبواب لباس المصلی ب 6 ح 1.
2- فی « ح » والمصدر زیادة : وبر.
3- الکافی 3 : 397 - 1 ، التهذیب 2 : 209 - 818 ، الإستبصار 1 : 383 - 1454 ، الوسائل 3 : 250 أبواب لباس المصلی ب 2 ح 1.
4- المعتبر 2 : 79.

وهل یفتقر استعماله فی غیرها إلی الدباغ؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه علی کراهیة.

الثانیة : الصوف والشعر والوبر والریش مما یؤکل لحمه طاهر ، سواء جزّ من حیّ مذکّی أو میت ، وتجوز الصلاة فیه.

______________________________________________________

قصور فی دلالة. والمسألة محل إشکال. وقد استثنی من هذه الکلیة أشیاء سیجی ء الکلام فیها عند ذکر المصنف لها (1).

قوله : ( وهل یفتقر استعماله فی غیرها إلی الدباغ؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه علی کراهة ).

القول بعدم جواز استعماله قبل الدباغ للشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف (2) ، والمرتضی فی المصباح (3). واحتج علیه فی الخلاف بأن الإجماع واقع علی جواز الاستعمال بعد الدباغ ولا دلیل قبله. وضعفه ظاهر ، فإن کل ما دل علی جواز الاستعمال شامل للأمرین. قال فی المعتبر : وإنما قلنا الأشبه کراهة استعماله قبل الدباغ تفصیا من الخلاف (4). وفیه ما فیه.

قوله : ( الثانیة ، الصوف والشعر والوبر والریش مما یؤکل لحمه طاهر ، سواء جزّ من حیّ أو مذکی أو میت ، وتجوز الصلاة فیه ).

المستند فی ذلک بعد الإجماع المنقول من جماعة (5) روایات کثیرة :

منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا بأس بالصلاة فیما کان من صوف المیتة ، إنّ الصوف

حکم الصلاة فی الصوف والشعر وسائر ما لا تحله الحیاة من المیتة

ص: 163


1- فی ص 170.
2- النهایة : 586 ، والمبسوط 1 : 15 ، والخلاف 1 : 6.
3- نقله عنه فی المعتبر 1 : 466.
4- المعتبر 1 : 466.
5- منهم العلاّمة فی المنتهی 1 : 230 ، والمحقق فی المعتبر 2 : 83 ، والمحقق الشیخ علی فی جامع المقاصد 1 : 85.

ولو قلع من المیتة غسل منه موضع الاتصال. وکذا کل ما لا تحلّه الحیاة من المیت إذا کان طاهرا فی حال الحیاة ، وما کان نجسا فی حال حیاته فجمیع ذلک منه نجس علی الأظهر. ولا تصحّ الصلاة فی شی ء من ذلک إذا کان مما لا یؤکل لحمه ولو أخذ من مذکّی ،

______________________________________________________

لیس فیه روح » (1) والتعلیل یقتضی جواز الصلاة فی غیر الصوف مما لا روح فیه مطلقا.

قوله : ( ولو قلع من المیتة غسل منه موضع الاتصال ).

خالف فی ذلک الشیخ رحمه الله ، فاعتبر فی جواز استعمال المأخوذ من المیتة : الجزء (2). قال فی المعتبر : وکأنه نظر إلی أنّ نزعه یستصحب شیئا من مادته وهی نجسة ، فلهذا اشترطنا نحن غسله إن لم یجز أو یقطع منه موضع الاتصال (3).

قوله : ( وکذا کل ما لا تحله الحیاة من المیت إذا کان طاهرا فی حال الحیاة ، وما کان نجسا فی حال حیاته فجمیع ذلک منه نجس علی الأظهر ).

قد تقدم الکلام فی هذه المسألة مفصلا فی باب النجاسات فلیراجع هناک (4).

قوله : ( ولا تصح الصلاة فی شی ء من ذلک إذا کان مما لا یؤکل لحمه ولو أخذ من مذکی ).

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا منهم ، وتدل علیه روایة ابن

ص: 164


1- التهذیب 2 : 368 - 1530 ، الوسائل 3 : 333 أبواب لباس المصلی ب 56 ح 1.
2- الخلاف 1 : 7.
3- المعتبر 2 : 84.
4- فی ج 2 ص 271.

______________________________________________________

بکیر المتقدمة (1) ، وروایة الحسن بن علی الوشاء ، قال : کان أبو عبد الله علیه السلام یکره الصلاة فی وبر کل شی ء لا یؤکل لحمه (2).

وروایة أحمد بن إسحاق الأبهری ، قال ، کتبت إلیه : جعلت فداک عندنا جوارب وتکک تعمل من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة فی وبر الأرانب من غیر ضرورة ولا تقیة؟ فکتب : « لا تجوز الصلاة فیها » (3).

وروایة علی بن مهزیار ، قال : کتب إلیه إبراهیم بن عقبة : عندنا جوارب وتکک تعمل علی وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة فی وبر الأرانب من غیر ضرورة ولا تقیة؟ فکتب علیه السلام : « لا تجوز الصلاة فیها » (4).

وروایة إبراهیم بن محمد الهمدانی قال : کتبت إلیه : یسقط علی ثوبی الوبر والشعر مما لا یؤکل لحمه من غیر تقیة ولا ضرورة ، فکتب : « لا تجوز الصلاة فیه » (5).

قال فی المعتبر : وهذه الأخبار وإن کانت ما بین مرسل أو ضعیف لکن الفتوی بها مشهورة بین فقهاء أهل البیت اشتهارا ظاهرا فالعمل بها لازم (6).

وهنا فوائد :

الأولی : الظاهر اختصاص المنع من الصلاة فی هذه الأشیاء ( بالملابس ،

ص: 165


1- فی ص 162.
2- التهذیب 2 : 209 - 820 ، علل الشرائع : 342 - 2 ، الوسائل 3 : 251 أبواب لباس المصلی ب 2 ح 5.
3- التهذیب 2 : 206 - 805 ، الإستبصار 1 : 383 - 1452 ، الوسائل 3 : 259 أبواب لباس المصلی ب 7 ح 5.
4- الکافی 3 : 399 - 9 ، التهذیب 2 : 206 - 806 ، الإستبصار 1 : 383 - 1451 ، الوسائل 3 : 258 أبواب لباس المصلی ب 7 ح 3.
5- التهذیب 2 : 209 - 819 ، الإستبصار 1 : 384 - 1455 ، الوسائل 3 : 277 أبواب لباس المصلی ب 17 ح 1.
6- المعتبر 2 : 82.

______________________________________________________

فلو کانت غیرها ) (1) کالشعرات الملقاة علی الثوب لم تمنع الصلاة فیه ، وبه قطع الشهید فی الذکری (2) ، وجدی - قدس سره - فی جملة من کتبه (3) ، ویدل علیه - مضافا إلی الأصل السالم عما یصلح للمعارضة - صحیحة محمد بن عبد الجبار ، قال : کتبت إلی أبی محمد علیه السلام أسأله هل یصلی فی قلنسوة علیها وبر ما لا یؤکل لحمه؟ أو تکة حریر؟ أو تکة من وبر الأرانب؟ فکتب : « لا تحل الصلاة فی الحریر المحض ، وإن کان الوبر ذکیا حلت الصلاة فیه إن شاء الله » (4).

وصحیحة علی بن الریان ، قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام : هل تجوز الصلاة فی ثوب یکون فیه شعر من شعر الإنسان وأظفاره من قبل أن ینفضه ویلقیه عنه؟ فوقع : « یجوز » (5).

وربما ظهر من کلام بعض الأصحاب المنع من ذلک مطلقا (6) ، لروایة إبراهیم بن محمد الهمدانی ، وهی ضعیفة جدا (7) فلا یمکن التعویل علیها.

الثانیة : اختلف الأصحاب فی التکة والقلنسوة المعمولتین من وبر غیر المأکول ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی النهایة إلی المنع منهما (8) ، لما سبق فی

ص: 166


1- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « س » ، « ح » : بالثوب المنسوج من ذلک ولو ممتزجا بغیره ، فلو لم یکن کذلک.
2- الذکری : 146.
3- روض الجنان : 214 ، والمسالک 1 : 23.
4- التهذیب 2 : 207 - 810 ، الإستبصار 1 : 383 - 1453 ، الوسائل 3 : 273 أبواب لباس المصلی ب 14 ح 4.
5- التهذیب 2 : 367 - 1526 ، الوسائل 3 : 277 أبواب لباس المصلی ب 18 ح 2.
6- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 86.
7- [7] لأن من جملة رجالها عمر بن علی بن عمر بن یزید ولم ینص الأصحاب علی توثیقه ، ولأن راویها إبراهیم بن محمد الهمدانی لم یثبت توثیقه.
8- النهایة : 98.

إلا الخزّ الخالص.

______________________________________________________

الجلود ، وقال فی غیر النهایة بالکراهة (1) ، ومال إلیه فی المعتبر (2) ، تعویلا علی الأصل ، وروایة محمد بن عبد الجبار السابقة (3) ، واستضعافا للأخبار المانعة ، وهو غیر بعید إلا أن المنع أحوط.

الثالثة : ذکر العلامة فی المنتهی : أنه لو شک فی کون الصوف أو الشعر والوبر من مأکول اللحم لم تجز الصلاة فیه ، لأنها مشروطة بستر العورة بما یؤکل لحمه ، والشک فی الشرط یقتضی الشک فی المشروط (4).

ویمکن أن یقال أنّ الشرط ستر العورة ، والنهی إنما تعلق بالصلاة فی غیر المأکول فلا یثبت إلا مع العلم بکون الساتر کذلک ، وتؤیده صحیحة عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « کل شی ء یکون فیه حرام وحلال فهو لک حلال أبدا حتی تعرف الحرام بعینه » (5) ولا ریب أنّ الأحوط التنزه عنه.

قوله : ( إلا الخزّ الخالص ).

اختلف کلام الأصحاب فی حقیقة الخز ، فقیل : إنه دابة بحریة ذات أربع ، تصاد من الماء وتموت بفقده (6) ، وقد روی ذلک ابن أبی یعفور عن الصادق علیه السلام بطریق فیه محمد بن سلیمان الدیلمی ، وفی الروایة : « إنّ الله أحله وجعل ذکاته موته » (7) وضعّفها المصنف فی المعتبر بمحمد بن سلیمان ،

حکم الصلاة فی الخز

ص: 167


1- المبسوط 1 : 83.
2- المعتبر 2 : 83.
3- فی ص 166.
4- المنتهی 1 : 231.
5- الکافی 5 : 313 - 39 ، الفقیه 3 : 216 - 1002 ، التهذیب 9 : 79 - 337 ، السرائر : 481 ، الوسائل 12 : 59 أبواب ما یکتسب منه ب 4 ح 1.
6- کما فی جامع المقاصد 1 : 85.
7- الکافی 3 : 399 - 11 ، التهذیب 2 : 211 - 828 ، الوسائل 3 : 261 أبواب لباس المصلی ب 8 ح 4.

______________________________________________________

وبمخالفتها لما اتفقوا علیه من أنه لا یؤکل من حیوان البحر إلا السمک ، ولا من السمک إلا ما له فلس ، ثم قال : وحدثنی جماعة من التجار أنه القندس ولم أتحققه (1). وحکی الشهید فی الذکری عن بعض الناس أنه کلب الماء (2).

وأجود ما وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال سأل أبا عبد الله علیه السلام رجل وأنا عنده عن جلود الخز فقال : « لیس بها بأس » فقال الرجل : جعلت فداک إنها فی بلادی وإنما هی کلاب تخرج من الماء ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « فإذا خرجت من الماء تعیش خارجة من الماء؟ » فقال الرجل : لا ، قال : « لا بأس » (3).

وقد أجمع علماؤنا علی جواز الصلاة فی وبره ، حکاه فی المعتبر (4) ، ویدل علیه روایات کثیرة منها صحیحة سلیمان بن جعفر الجعفری ، قال : رأیت أبا الحسن الرضا علیه السلام یصلی فی جبة خز (5).

وموثقة معمر بن خلاّد ، قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الصلاة فی الخز فقال : « صلّ فیه » (6).

وروایة علی بن مهزیار ، قال : رأیت أبا جعفر الثانی علیه السلام یصلی الفریضة وغیرها فی جبة خز طار (7) ، وکسانی جبة خز وذکر أنه لبسها علی بدنه

ص: 168


1- المعتبر 2 : 84.
2- الذکری : 144.
3- الکافی 6 : 451 - 3 ، علل الشرائع : 357 - 1 ، الوسائل 3 : 263 أبواب لباس المصلی ب 10 ح 1.
4- المعتبر 2 : 84.
5- الفقیه 1 : 170 - 802 ، التهذیب 2 : 212 - 832 ، الوسائل 3 : 260 أبواب لباس المصلی ب 8 ح 1.
6- التهذیب 2 : 212 - 829 ، الوسائل 3 : 261 أبواب لباس المصلی ب 8 ح 5.
7- فی « م » والمصدر : طارونی.

وفی المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روایتان ، أصحهما المنع.

______________________________________________________

وصلی فیها وأمرنی بالصلاة فیها (1).

والأظهر جواز الصلاة فی جلده أیضا ، وهو اختیار المصنف فی المعتبر بعد التردد (2) ، عملا بمقتضی الأصل ، ویؤیده صحیحة سعد بن سعد عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن جلود الخز فقال : « هو ذاک الخز یلبس » فقلت : ذاک الوبر جعلت فداک ، قال : « إذا حل وبره حل جلده » (3).

قوله : ( وفی المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روایتان ، أصحهما المنع ).

أما الروایة المانعة فرواها محمد بن یعقوب ، عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « فی الخز الخالص أنه لا بأس به ، فأما الذی یخلط فیه وبر الأرانب وغیر ذلک مما یشبه هذا فلا تصل فیه » (4) وبمعناها روی أیوب بن نوح مرفوعا إلی الصادق علیه السلام (5).

وأما المبیحة فرواها داود الصرمی ، قال : سألته عن الصلاة فی الخز یغش بوبر الأرانب فکتب : « یجوز ذلک » (6).

والروایات من الطرفین ضعیفة الإسناد لکن قال فی المعتبر : إن الوجه ترجیح الروایتین الأولیین وإن کانتا مقطوعتین لاشتهار العمل بهما بین الأصحاب ودعوی أکثرهم الإجماع علی مضمونهما (7).

ص: 169


1- الفقیه 1 : 170 - 803 ، الوسائل 3 : 260 أبواب لباس المصلی ب 8 ح 2.
2- المعتبر 2 : 85.
3- الکافی 6 : 452 - 7 ، التهذیب 2 : 372 - 1547 ، الوسائل 3 : 265 أبواب لباس المصلی ب 10 ح 14 بتفاوت یسیر.
4- الکافی 3 : 403 - 26 ، الوسائل 3 : 262 أبواب لباس المصلی ب 9 ح 1 ، وأوردها فی التهذیب 2 : 212 - 830 ، الاستبصار 1 : 387 - 1469.
5- التهذیب 2 : 212 - 831 ، الاستبصار 1 : 387 - 1470 علل الشرائع : 357 - 2 ، الوسائل 3 : 262 أبواب لباس المصلی ب 9 ح 1.
6- الفقیه 1 : 170 - 805 ، التهذیب 2 : 212 - 833 ، الإستبصار 1 : 387 - 1471 ، الوسائل 3 : 262 أبواب لباس المصلی ب 9 ح 2.
7- المعتبر 2 : 85.

الثالثة : تجوز الصلاة فی فرو السنجاب فإنه لا یأکل اللحم ، وقیل : لا تجوز ، والأول أظهر ،

______________________________________________________

قوله : ( الثالثة ، تجوز الصلاة فی فرو السنجاب فإنه لا یأکل اللحم ، وقیل : لا تجوز ، والأول أظهر ».

التعلیل بکونه لا یأکل اللحم موجود فی بعض الروایات ، وکأن المراد : أنه لیس بسبع یأکل اللحم فیمنع الصلاة فی جلده. والقول بجواز الصلاة فی فرو السنجاب للشیخ فی المبسوط والخلاف (1) ، وظاهره فی المبسوط دعوی الإجماع علیه فإنه قال : فأما السنجاب والحواصل فلا بأس بالصلاة فیهما بلا خلاف.

ویدل علی الجواز صحیحة أبی علی بن راشد. قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما تقول فی الفراء أی شی ء یصلی فیه؟ قال : « أی الفراء؟ » قلت : الفنک والسنجاب والسمور ، قال : « فصل فی الفنک والسنجاب فأما السمور فلا تصل فیه » (2).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه فقال : « لا بأس بالصلاة فیه » (3).

وروایة مقاتل بن مقاتل ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الصلاة فی السمور والسنجاب والثعالب فقال : « لا خیر فی ذا کله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأکل اللحم » (4).

جواز الصلاة فی فرو السنجاب

ص: 170


1- المبسوط 1 : 82 ، والخلاف 1 : 6 و 193.
2- الکافی 3 : 400 - 14 ، التهذیب 2 : 210 - 822 ، الإستبصار 1 : 384 - 1457 ، الوسائل 3 : 253 أبواب لباس المصلی ب 3 ح 5.
3- التهذیب 2 : 210 - 825 ، الإستبصار 1 : 384 - 1459 ، الوسائل 3 : 254 أبواب لباس المصلی ب 4 ح 2.
4- الکافی 3 : 401 - 16 ، التهذیب 2 : 210 - 821 ، الإستبصار 1 : 384 - 1456 ، الوسائل 3 : 252 أبواب لباس المصلی ب 3 ح 2.

______________________________________________________

ویمکن المناقشة فی الروایة الأخیرة من حیث السند باشتماله علی عدة من المجاهیل ، وفی الأولتین من حیث المتن لتضمنهما جواز الصلاة فی غیر السنجاب أیضا من غیر المأکول ولا نعلم به قائلا ، إلا أنّ ذلک غیر قادح عند التحقیق کما بیناه مرارا.

والقول بالمنع للشیخ فی کتاب الأطعمة من النهایة (1) ، والسید المرتضی (2) ، وابن إدریس (3) ، والعلامة فی المختلف (4). واستدلوا علیه بموثقة ابن بکیر المتقدمة فی صدر الباب (5).

وأجاب عنها فی المعتبر بأن خبر أبی علی بن راشد خاص والخاص مقدم علی العام ، وبأن ابن بکیر مطعون فیه ولیس کذلک أبو علی بن راشد (6).

ویتوجه علی الأول أنّ روایة ابن بکیر وإن کانت عامة إلا أنّ ابتناءها علی السبب الخاص - وهو السنجاب وما ذکر معه - یجعلها کالنص فی المسئول عنه ، وحینئذ یتحقق التعارض ویصار إلی الترجیح.

والمسألة محل تردد وإن کان الجواز لا یخلو من قرب ، للأصل السالم عما یصلح للمعارضة ، وتخرج الأخبار الواردة بالجواز شاهدا. وإنما تجوز الصلاة فیه مع تذکیته ، لأنه ذو نفس قطعا.

قال فی الذکری : وقد اشتهر بین التجار والمسافرین أنه غیر مذکی ، ولا عبرة بذلک حملا لتصرف المسلمین علی ما هو الأغلب (7). ولا ریب فی ذلک ،

ص: 171


1- النهایة : 587.
2- نقله عنه فی المختلف : 79.
3- السرائر : 56.
4- المختلف : 79.
5- فی ص 162.
6- المعتبر 2 : 86.
7- الذکری : 144.

وفی الثعالب والأرانب روایتان ، أصحهما المنع.

______________________________________________________

لأن متعلق الشهادة إذا کان غیر محصور لا تسمع ، نعم لو علم بذلک حرم استعماله.

قوله : ( وفی الثعالب والأرانب روایتان ، أصحهما المنع ).

اختلفت الروایات ظاهرا فی جواز الصلاة فی جلود الثعالب والأرانب ، فروی علی بن مهزیار ، قال : کتب إلیه إبراهیم بن عقبة : عندنا جوارب وتکک من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة فیها من غیر ضرورة ولا تقیة؟ فکتب علیه السلام : « لا تجوز الصلاة فیها » (1).

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، قال : « سألت أبا عبد الله علیه السلام عن جلود الثعالب فقال : « ما أحب أن یصلی فیها » (2).

وبإزاء هاتین الروایتین أخبار کثیرة دالة علی الجواز ، کصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه ، قال : « لا بأس بالصلاة فیه » (3).

وصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا عبد الله (4) علیه السلام عن لباس الفراء والسمور والفنک والثعالب وجمیع الجلود ، قال : « لا بأس بذلک » (5).

وصحیحة جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة

حکم الصلاة فی جلود الثعالب والأرانب

ص: 172


1- المتقدمة فی ص 165.
2- التهذیب 2 : 205 - 803 ، الإستبصار 1 : 381 - 1443 ، الوسائل 3 : 258 أبواب لباس المصلی ب 7 ح 1.
3- المتقدمة فی ص 170.
4- فی « س » ، « ح » والمصدر : أبا الحسن.
5- التهذیب 2 : 211 - 826 ، الإستبصار 1 : 385 - 1460 ، الوسائل 3 : 255 أبواب لباس المصلی ب 5 ح 1.

الرابعة : لا یجوز لبس الحریر المحض للرجال ولا الصلاة فیه ، إلا فی الحرب ، وعند الضرورة کالبرد المانع من نزعه ،

______________________________________________________

فی جلود الثعالب فقال : « إذا کانت ذکیة فلا بأس » (1).

قال المصنف فی المعتبر : واعلم أنّ المشهور فی فتوی الأصحاب المنع مما عدا السنجاب ووبر الخز ، والعمل به احتیاط فی الدین (2). ثم قال بعد أن أورد روایتی الحلبی وعلی بن یقطین : وطریق هذین الخبرین أقوی من تلک الطرق ، ولو عمل بهما عامل جاز ، وعلی الأول عمل الظاهرین من الأصحاب ، منضما إلی الاحتیاط للعبادة (3).

قلت : ومن هنا یظهر أنّ قول المصنف : أصحهما المنع ، غیر جید ، ولو قال أشهرهما المنع کما ذکره فی النافع (4) کان أولی. والمسألة قویة الإشکال من حیث صحة أخبار الجواز واستفاضتها ، واشتهار القول بالمنع بین الأصحاب ، بل إجماعهم علیه بحسب الظاهر ، وإن کان ما ذکره فی المعتبر لا یخلو من قرب.

قوله : ( الرابعة ، لا یجوز لبس الحریر المحض للرجال ولا الصلاة فیه ، إلاّ فی الحرب ، أو عند الضرورة کالبرد المانع من نزعه ).

أما تحریم لبسه للرجال فعلیه علماء الإسلام. وأما بطلان الصلاة فیه فهو مذهب علمائنا ، ووافقنا بعض العامة إذا کان ساترا للعورة (5) ، وأطبق الباقون علی صحتها (6) ، والأخبار الواردة بتحریم اللبس من الطرفین مستفیضة (7).

حکم لبس الحریر

ص: 173


1- التهذیب 2 : 206 - 809 ، الإستبصار 1 : 382 - 1447 ، الوسائل 3 : 259 أبواب لباس المصلی ب 7 ح 9.
2- المعتبر 2 : 86.
3- المعتبر 2 : 87.
4- المختصر النافع : 24.
5- منهم ابن قدامة فی المغنی 1 : 505.
6- کالشافعی فی کتاب الأم 1 : 91 ، وابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 119.
7- الوسائل 3 : 266 أبواب لباس المصلی ب 11 ، 12 ، سنن أبی داود 4 : 46 - 4040 ، 4041 ، 4043 ، سنن النسائی 8 : 200 ، سنن ابن ماجة 2 : 1187 - 3588 - 3591.

______________________________________________________

أما البطلان فهو علی تقدیر کونه ساترا للعورة ظاهر ، لاستحالة اجتماع الواجب والحرام فی الشی ء الواحد.

وأما إذا کانت العورة مستورة بغیره فللنهی عن الصلاة فیه وهو یقتضی الفساد.

أما الثانیة فلاستحالة کون الفعل الواحد مأمورا به منهیا عنه ، فمتی کان منهیا عنه لا یکون مأمورا به وهو معنی الفساد.

وأما الأولی فلقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن عبد الجبار : « لا تحل الصلاة فی حریر محض » (1) وغیر ذلک من الأخبار.

ولا ینافی ذلک ما رواه محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الصلاة فی ثوب دیباج فقال : « ما لم یکن فیه التماثیل فلا بأس » (2) لأنا نجیب عنه بالحمل علی غیر المحض ، أو علی حال الحرب کما ذکره الشیخ فی التهذیب (3).

وقد قطع الأصحاب بجواز لبسه فی حال الضرورة والحرب وقال فی المعتبر : إنه اتفاق علمائنا (4).

أما الضرورة کالبرد الشدید فلسقوط التکلیف معها.

وأما فی الحرب فاستدل علیه المصنف بأنه یحصل به قوة القلب ، ومنع لضرر الزرد (5) عند الحرکة فجری مجری الضرورة ، وبروایة سماعة ، قال :

ص: 174


1- المتقدمة فی ص 166.
2- التهذیب 2 : 208 - 815 ، الإستبصار 1 : 386 - 1465 ، الوسائل 3 : 268 أبواب لباس المصلی ب 11 ح 10.
3- التهذیب 2 : 208.
4- المعتبر 2 : 88.
5- الزرد : تداخل حلق الدرع بعضها فی بعض - الصحاح 2 : 480.

______________________________________________________

سألت أبا عبد الله علیه السلام عن لباس الحریر والدیباج فقال : « أما فی الحرب فلا بأس وإن کان فیه تماثیل » (1) ثم قال : وسماعة وإن کان واقفیا لکنه ثقة ، فإذا سلم خبره عن المعارض عمل به (2). وهو غیر جید کما بیناه فیما سبق.

وقد أجمع الأصحاب ودلت الأخبار علی أنّ المحرّم إنما هو الحریر المحض ، أما الممتزج بغیره فالصلاة فیه جائزة سواء کان الخلیط أقل أو أکثر ، ولو کان عشرا - کما نص علیه فی المعتبر (3) - ما لم یکن مستهلکا بحیث یصدق علی الثوب أنه إبریسم محض. ولو خیط الحریر بغیره لم یخرج عن التحریم. وأظهر فی المنع ما لو کانت البطانة حریرا وحدها أو الظهارة.

أما الحشو بالإبریسم فقد قطع المصنف بتحریمه ، لعموم المنع (4). واستقرب الشهید - رحمه الله - فی الذکری الجواز (5) ، لما رواه الحسین بن سعید ، قال : قرأت فی کتاب محمد بن إبراهیم إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام یسأله عن الصلاة فی ثوب حشوه قزّ ، فکتب إلیه وقرأته : « لا بأس بالصلاة فیه » (6) وضعفها المصنف فی المعتبر باستناد الراوی إلی ما وجده فی کتاب لم یسمعه من محدث (7). وهو مشکل ، لأن المکاتبة المجزوم بها فی قوة المشافهة.

وحملها الصدوق فی الفقیه علی قز الماعز دون قز الإبریسم (8) ، وهو بعید.

ص: 175


1- الکافی 6 : 453 - 3 ، الفقیه 1 : 171 ، التهذیب 2 : 208 - 816 ، الإستبصار 1 : 386 - 1466 ، الوسائل 3 : 270 أبواب لباس المصلی ب 12 ح 3.
2- المعتبر 2 : 88.
3- المعتبر 2 : 90.
4- المعتبر 2 : 91.
5- الذکری : 145.
6- التهذیب 2 : 364 - 1509 ، الوسائل 3 : 323 أبواب لباس المصلی ب 47 ح 1.
7- المعتبر 2 : 91.
8- الفقیه 1 : 171 - 807.

ویجوز للنساء مطلقا.

______________________________________________________

والجواز محتمل ، لصحة الروایة ، ومطابقتها لمقتضی الأصل ، وتعلق النهی فی أکثر الروایات بالثوب الإبریسم (1) ، وهو لا یصدق علی الإبریسم المحشو قطعا.

قوله : ( ویجوز للنساء مطلقا ).

أی ویجوز لبس الحریر للنساء مطلقا سواء کان محضا أو ممتزجا ، وسواء کان فی حال الضرورة أو الاختیار. ویمکن أن یرید بالإطلاق : جواز لبسهن له علی کل حال ، فیتناول حال الصلاة.

أما جواز لبسهن له فی غیر الصلاة مع الاختیار فهو قول العلماء کافة ، قاله فی المعتبر والمنتهی (2).

وأما جواز صلاتهن فیه فهو اختیار الأکثر ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وإطلاق الأمر بالصلاة فلا یتقید إلا بدلیل.

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : النهی عن الصلاة فی الحریر المحض مطلق فیتناول المرأة بإطلاقه (3). ولعله أشار بذلک إلی روایة محمد بن عبد الجبار المتقدمة (4) ، وروایة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام ینهی عن لباس الحریر للرجال والنساء إلا ما کان من حریر مخلوط بخز ، لحمته أو سداه خز أو کتان أو قطن ، وإنما یکره الحریر المحض للرجال والنساء (5).

والجواب ، أما روایة زرارة فضعیفة الإسناد ، لأن من جملة رجالها

ص: 176


1- الوسائل 3 : 266 أبواب لباس المصلی ب 11.
2- المعتبر 2 : 89 ، والمنتهی 1 : 228.
3- الفقیه 1 : 171.
4- فی ص 166.
5- التهذیب 2 : 367 - 1524 ، الإستبصار 1 : 386 - 1468 ، الوسائل 3 : 272 أبواب لباس المصلی ب 13 ح 5.

______________________________________________________

موسی بن بکر وهو واقفی (1) ، ومتنها مخالف لما اتفق الناس علی جوازه. وحملها علی حال الصلاة بعید جدا ، إذ لا إشعار فی الروایة به.

وأما روایة محمد بن عبد الجبار فلأنها وإن کانت بإطلاقها متناولة للرجل والمرأة إلا أنّ ابتناءها علی السبب الخاص وهو القلنسوة التی هی من ملابس الرجال قرینة علی اختصاص الحکم بهم ، ویؤید ذلک تعلق السؤال فی أکثر الروایات بصلاتهم فیه ، ولو کان المنع متناولا للنساء لکان السؤال عن حکمهن فی ذلک أولی ، لجواز لبسهن له فی غیر الصلاة.

ویشهد له أیضا موثقة عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « النساء یلبسن الحریر والدیباج إلا فی الإحرام » (2) وقریب منها روایة إسماعیل بن الفضل (3).

والمسألة محل تردد وإن کان الجواز لا یخلو من قرب ، لأن مثل هذا الإطلاق لا یکفی فی تقیید إطلاق الأوامر القرآنیة والأدلة المقطوع بها ، وإن کان المصیر إلی ما ذکره ابن بابویه أحوط للعبادة.

فروع :

الأول : هل یحرم علی الخنثی لبس الحریر؟ قیل : نعم (4) ، أخذا بالاحتیاط ، وقیل : لا ، لاختصاص التحریم بالرجال ، والخنثی لیست رجلا علی الیقین.

الثانی : الأصح أنه لا یحرم علی الولی تمکین الصبی من لبس الحریر ، لانتفاء الدلیل علیه ، وکون الصبی لیس محلا للتکلیف ، وهو اختیار المصنف فی

ص: 177


1- راجع رجال الطوسی : 359.
2- الکافی 6 : 454 - 8 ، الوسائل 3 : 275 أبواب لباس المصلی ب 16 ح 3.
3- الکافی 4 : 346 - 8 ، الوسائل 9 : 43 أبواب الإحرام ب 33 ح 10.
4- کما فی التذکرة 1 : 94 ، والذکری : 145.

وفیما لا تتم الصلاة فیه منفردا کالتکّة والقلنسوة تردد ، والأظهر الکراهة.

______________________________________________________

المعتبر (1) ومن تأخر عنه (2). وقیل (3) : لقوله علیه السلام : « حرام علی ذکور أمتی » (4) وقول جابر : کنا ننزعه عن الصبیان ونترکه علی الجواری (5). وضعفه ظاهر ، لأن الصبی لیس بمکلف فلا یتناوله الخبر ، وفعل جابر یمکن أن یکون للتنزه والمبالغة فی التورع.

الثالث : لو لم یجد المصلی إلاّ الحریر ولا ضرورة (6) فی التعری صلی عاریا عندنا ، لأن وجود المنهی عنه کعدمه. ولو وجد النجس والحریر تعیّن لبس النجس لورود الإذن فی لبسه علی ما بیناه فیما سبق.

قوله : ( وفیما لا تتم الصلاة فیه منفردا کالتکة والقلنسوة تردد ، والأظهر الکراهة ).

هذا قول الشیخ فی النهایة والمبسوط (7) ، وابن إدریس (8) ، وأبی الصلاح (9) ، ومستنده روایة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « کلما لا تجوز الصلاة فیه وحده فلا بأس بالصلاة فیه ، مثل التکة الإبریسم والقلنسوة والخف والزنار یکون فی السراویل ویصلی فیه » (10) وفی الطریق أحمد بن هلال وهو ضعیف جدا (11).

ص: 178


1- المعتبر 2 : 91.
2- کالعلامة فی المنتهی 1 : 229 ، والشهید الأول فی الذکری : 145.
3- کما فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 664.
4- سنن ابن ماجة 2 : 1189 - 3595.
5- سنن أبی داود 4 : 50 - 4059.
6- کذا فی جمیع النسخ والأنسب أن یکون : ولا ضرر.
7- النهایة : 98 ، والمبسوط 1 : 84.
8- السرائر : 56.
9- الکافی فی الفقه : 140.
10- التهذیب 2 : 357 - 1478 ، الوسائل 3 : 273 أبواب لباس المصلی ب 14 ح 2.
11- راجع الفهرست : 36 - 97.

ویجوز الرکوب علیه وافتراشه علی الأصحّ.

______________________________________________________

ونقل عن المفید (1) وابن الجنید (2) وابن بابویه (3) أنهم لم یستثنوا شیئا. وبالغ الصدوق فی من لا یحضره الفقیه فقال : ولا تجوز الصلاة فی تکة رأسها من إبریسم (4). ویدل علیه عموم الأخبار المانعة من الصلاة فی الحریر (5) ، وصحیحة محمد بن عبد الجبار ، قال : کتبت إلی أبی محمد علیه السلام أسأله هل یصلی فی قلنسوة حریر محض أو قلنسوة دیباج؟ فکتب : « لا تحل الصلاة فی حریر محض » (6). وروی محمد بن عبد الجبار فی الصحیح أیضا : أنه کتب إلیه علیه السلام یسأله عن الصلاة فی التکة المعمولة من الحریر ، فأجابه بذلک (7).

وأجیب عنه بأن هذا الخبر عام وخبر الحلبی خاص والخاص مقدم. وهو غیر جید لما ذکرناه فیما سبق من أنّ ابتناء العام علی السبب الخاص یجعله کالخاص فی الدلالة علی ذلک السبب ، وحینئذ فیتحقق التعارض ویصار إلی الترجیح ، وهو مع الروایة المانعة ، لسلامة سندها وضعف الروایة المنافیة لها.

قوله : ( ویجوز الرکوب علیه وافتراشه علی الأصح ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل السالم من المعارض صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : وسألته عن فراش حریر ومثله من الدیباج ومصلی حریر ومثله من الدیباج یصلح للرجل النوم علیه والتکأة والصلاة؟ قال : « یفترشه ویقوم علیه ولا یسجد علیه » (8).

جواز الجلوس علی الحریر

ص: 179


1- المقنعة : 25.
2- نقله عنه فی المختلف : 80.
3- المقنع : 24.
4- الفقیه 1 : 172.
5- الوسائل 3 : 266 أبواب لباس المصلی ب 11.
6- المتقدمة فی ص 166.
7- التهذیب 2 : 207 - 810 ، الإستبصار 1 : 383 - 1453 ، الوسائل 3 : 273 أبواب لباس المصلی ب 14 ح 4.
8- الکافی 6 : 477 - 8 ، التهذیب 2 : 373 - 1553 ، قرب الإسناد : 86 ، الوسائل 3 : 274 أبواب لباس المصلی ب 15 ح 1 ، البحار 10 : 282.

وتجوز الصلاة فی ثوب مکفوف به. وإذا مزج بشی ء مما تجوز فیه الصلاة حتی خرج عن کونه محضا جاز لبسه والصلاة فیه ، سواء کان أکثر من الحریر أو أقل منه.

______________________________________________________

وحکی العلامة فی المختلف عن بعض المتأخرین القول بالمنع (1). وهو مجهول القائل والدلیل ، وعلله المصنف فی المعتبر بعموم تحریمه علی الرجال (2).

وهو ضعیف ، فإنّ النهی إنما تعلق بلبسه ، ومنع اللبس لا یقتضی منع الافتراش لافتراقهما فی المعنی. وفی حکم الافتراش التوسد علیه والالتحاف به ، أما التدثر به فالأظهر تحریمه لصدق اسم اللبس علیه.

قوله : ( وتجوز الصلاة فی ثوب مکفوف به ).

بأن یجعل فی رؤوس الأکمام والذیل وحول الزیق (3) ، وألحق به اللبنة ، وهی الجیب. وقدّر نهایة عرض ذلک بأربع أصابع مضمومة من مستوی الخلقة. وأعلم أنّ هذا الحکم مقطوع به فی کلام المتأخرین (4) ، واستدل علیه فی المعتبر (5) بما رواه العامة عن عمر : إنّ النبی صلی الله علیه و آله نهی عن الحریر إلا فی موضع إصبعین أو ثلاث أو أربع (6).

ومن طریق الأصحاب ما رواه جرّاح المدائنی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه کان یکره أن یلبس القمیص المکفوف بالدیباج (7). وهذه الروایة - مع قصور سندها بعدم توثیق جراح المدائنی والراوی عنه وهو

جواز الصلاة فی المکفوف بالحریر

ص: 180


1- المختلف : 80.
2- المعتبر 2 : 90.
3- زیق القمیص بالکسر : ما أحاط بالعنق ( من قدس سره ).
4- منهم العلامة فی التذکرة 1 : 96 ، والشهید الأول فی الذکری : 145 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 86.
5- المعتبر 2 : 90.
6- صحیح مسلم 3 : 1643 - 15 ، سنن أبی داود 4 : 47 - 4042.
7- الکافی 3 : 403 - 27 وج 6 : 454 - 6 ، التهذیب 2 : 364 - 1510 ، الوسائل 3 : 268 أبواب لباس المصلی ب 11 ح 9.

الخامسة : الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فیه.

______________________________________________________

القاسم بن سلیمان - غیر دالة علی الجواز نصا لأن الکراهة کثیرا ما تستعمل فی الأخبار بمعنی التحریم.

وربما ظهر من عبارة ابن البراج المنع من ذلک (1) (2) والمسألة محل تردد ، لعموم قوله علیه السلام : « لا تحل الصلاة فی حریر محض » (3) الشامل للتکة والقلنسوة نصا ، والاحتیاط للعبادة یقتضی اجتناب ذلک مطلقا.

قوله : ( الخامسة ، الثوب المغصوب لا تجوز الصلاة فیه ).

لا خلاف فی تحریم لبس الثوب المغصوب فی الصلاة وغیرها ، وإنما الکلام فی بطلان الصلاة بذلک ، فأطلق الشیخ (4) وجماعة (5) البطلان ، ونص العلامة (6) ومن تأخر عنه (7) علی أنه لا فرق فی الثوب بین کونه ساترا للعورة أو غیر ساتر ، حتی أنّ الشهید - رحمه الله - قال فی البیان : ولا یجوز فی الثوب المغصوب ولو خیطا ، فتبطل الصلاة مع علمه بالغصب (8).

واحتجوا علیه بأنّ الحرکات الواقعة فی الصلاة منهی عنها لأنها تصرف فی المغصوب ، والنهی عن الحرکة نهی عن القیام والقعود والسجود وهو جزء الصلاة فیفسد ، لأن النهی فی العبادة یقتضی الفساد فتکون الصلاة فاسدة لفساد جزئها.

وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه ورده إلی مالکه ، فإذا افتقر إلی فعل کثیر

حرمة الصلاة فی الثوب المغصوب

ص: 181


1- المهذب 1 : 74.
2- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : وبه قطع المرتضی - رضی الله عنه - فی بعض رسائله.
3- الکافی 3 : 399 - 10 ، التهذیب 2 : 207 - 812 ، الإستبصار 1 : 385 - 1462 ، الوسائل 3 : 267 أبواب لباس المصلی ب 11 ح 2.
4- الخلاف 1 : 192 ، والمبسوط 1 : 82.
5- منهم یحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 65 ، والعلامة فی القواعد 1 : 27 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 86.
6- المنتهی 1 : 229.
7- منهم الشهید الأول فی الدروس : 26 ، والمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة 2 : 78.
8- البیان : 58.

ولو أذن صاحبه لغیر الغاصب أو له جازت الصلاة مع تحقق الغصبیة.

______________________________________________________

کان مضادا للصلاة ، والأمر بالشی ء یقتضی النهی عن ضده فیفسد.

ویتوجه علی الأول أنّ النهی إنما یتوجه إلی التصرف فی المغصوب الذی هو لبسه ابتداء واستدامة ، وهو أمر خارج عن الحرکات من حیث هی حرکات ، أعنی القیام والقعود والسجود فلا یکون النهی متناولا لجزء الصلاة ولا لشرطها ، ومع ارتفاع النهی ینتفی البطلان.

وعلی الثانی ما بیناه مرارا من أنّ الأمر بالشی ء إنما یقتضی النهی عن الضد العام الذی هو نفس الترک أو الکف ، لا الأضداد الخاصة الوجودیة.

والمعتمد ما اختاره المصنف فی المعتبر من بطلان الصلاة إن کان الثوب ساترا للعورة (1) ، لتوجه النهی إلی شرط العبادة فیفسد ویبطل المشروط بفواته.

وکذا إذا قام فوقه أو سجد علیه ، لأن جزء الصلاة یکون منهیا عنه وهو القیام والقعود (2) حیث أنه نفس الکون المنهی عنه ، أما لو لم یکن کذلک لم یبطل لتوجه النهی إلی أمر خارج عن العبادة.

ولا یخفی أنّ الصلاة إنما تبطل فی الثوب المغصوب مع العلم بالغصب ، فلو جهله لم تبطل الصلاة ، لارتفاع النهی. ولا یبعد اشتراط العلم بالحکم أیضا ، لامتناع تکلیف الغافل فلا یتوجه إلی النهی المقتضی للفساد.

قوله : ( ولو أذن صاحبه لغیر الغاصب أو له جازت الصلاة فیه مع تحقق الغصبیة ).

لا ریب فی جواز الصلاة للمأذون له من المالک ، سواء کان هو الغاصب أو غیره ، لارتفاع النهی ، لکن الظاهر عدم تحقق الغصبیة فی حال الصلاة مع تعلق الإذن بالغاصب ، لأن استیلاءه فی تلک الحالة لا عدوان فیه کما هو ظاهر.

ص: 182


1- المعتبر 2 : 87 ، 92.
2- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : من.

ولو أذن مطلقا جاز لغیر الغاصب علی الظاهر.

السادسة : لا تجوز الصلاة فیما یستر ظهر القدم کالشمشک ، ویجوز فیما له ساق کالجورب والخف.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أذن مطلقا جاز لغیر الغاصب علی الظاهر ).

المراد بالمطلق هنا ما یشمل العام ، وإنما لم یدخل الغاصب فی الإطلاق أو العموم الظاهر الحال المستفاد من العادة بین أغلب الناس من الحقد علی الغاصب ومیل النفس إلی مؤاخذته والانتقام منه ، فیکون هذا الظاهر بمنزلة المقید العقلی للمطلق أو المخصص للعام ، ولو فرض انتفاء ذلک وجب العمل بمقتضی الإطلاق.

قوله : ( السادسة ، لا تجوز الصلاة فیما یستر ظهر القدم کالشمشک ، وتجوز فیما له ساق کالخف والجورب ).

أما جواز الصلاة فی الساتر لظهر القدم ذی الساق (1) - أی الساتر لشی ء منه وإن قل کالخف والجورب - فقال فی التذکرة : إنه موضع وفاق بین العلماء (2). وأما المنع من الساتر لظهر القدم کله غیر ذی الساق - کالشمشک بضم الشین وکسر المیم - فهو اختیار المفید فی المقنعة (3) ، والشیخ فی النهایة (4) ، وابن البراج (5) ، وسلار (6) ، والمصنف.

واستدل علیه فی المعتبر (7) ، بفعل النبی صلی الله علیه و آله ، وعمل

حرمة الصلاة فیما یستر ظهر القدم

ص: 183


1- المراد من کون الساق له : أن یغطی بعض الساق لکن یکفی فیه مسمی تغطیة بعض الساق لا أنّ المراد وضعه علی أن له ساقا ( الجواهر 8 : 157 ).
2- التذکرة 1 : 98.
3- المقنعة : 25.
4- النهایة : 98.
5- المهذب 1 : 75.
6- المراسم : 65.
7- المعتبر 2 : 93.

ویستحب فی النعل العربیّة.

______________________________________________________

الصحابة والتابعین ، فإنهم لم یصلوا فی هذا النوع.

وهو استدلال ضعیف ، أما أولا : فلأنه شهادة علی نفی غیر محصور فلا یسمع ، ثم لو سلمنا ذلک لم یدل علی عدم الجواز ، لجواز أن یکون ترکه لکونه غیر معتاد لهم لا لتحریم لبسه.

وأما ثانیا : فلأن هذا الاستدلال لو تم لاقتضی تحریم الصلاة فی کل ما لم یصلّ فیه النبی صلی الله علیه و آله ، وهو معلوم البطلان.

والأصح الجواز فی الجمیع کما هو ظاهر اختیار الشیخ فی المبسوط (1) ، وابن حمزة (2) ، وأکثر المتأخرین ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وإطلاق الأمر بالصلاة ، فلا یتقید إلا بدلیل. نعم یمکن القول بالکراهة تفصّیا من ارتکاب المختلف فیه.

قوله : ( ویستحب فی النعل العربیة ).

المستند فی ذلک ورود الأمر بالصلاة فیها فی عدة أخبار ، کصحیحة عبد الله بن المغیرة ، قال : « إذا صلیت فصل فی نعلیک إذا کانت طاهرة ، فإن ذلک من السنة » (3).

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت فصل فی نعلیک إذا کانت طاهرة ، فإنه یقال ذلک من السنة » (4).

وروی معاویة بن عمار ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام یصلی فی نعلیه غیر مرة ولم أره ینزعهما قط (5).

استحباب الصلاة فی النعل العربیة

ص: 184


1- المبسوط 1 : 83.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 672.
3- التهذیب 2 : 233 - 917 ، الوسائل 3 : 309 أبواب لباس المصلی ب 37 ح 7.
4- التهذیب 2 : 233 - 919 ، الوسائل 3 : 309 أبواب لباس المصلی ب 37 ح 5.
5- التهذیب 2 : 233 - 916 ، الوسائل 3 : 308 أبواب لباس المصلی ب 37 ح 4.

السابعة : کل ما عدا ما ذکرناه تصحّ الصلاة فیه بشرط أن یکون مملوکا أو مأذونا فیه ،

______________________________________________________

ومقتضی هذه الروایات استحباب الصلاة فی النعل مطلقا ، وربما کان الوجه فی حملها علی العربیة أنها هی المتعارفة فی ذلک الزمان ، ولعل الإطلاق أولی.

قوله : ( السابعة ، کل ما عدا ما ذکرناه تصح الصلاة فیه بشرط أن یکون مملوکا أو مأذونا فیه ).

ینبغی أن یراد بالمملوک مملوک العین والمنفعة ، أو المنفعة خاصة کالمستأجر ، والمحبس ، والموصی بمنفعته. وبالمأذون فیه ، خصوصا أو عموما ، منطوقا أو مفهوما.

ولو أفادت القرائن الحالیة العلم برضا المالک لم یبعد الاکتفاء بذلک هنا کما فی المکان وهو المراد بشاهد الحال.

ومنع الشارح - قدس سره - من الاجتزاء بشاهد الحال هنا اقتصارا فیما خالف الأصل - وهو التصرف فی مال الغیر بغیر إذنه - علی محل الوفاق (1). وهو غیر جید (2) ( والحق أنه إن اکتفی فی شاهد الحال بإفادة القرائن الظن ) (3) کما صرح به بعض الأصحاب اتجه المنع منه مطلقا ، وإن اعتبر ( فیه ) (4) إفادة الیقین کما ذکرناه اتجه الاکتفاء به فی الجمیع ، إذ غایة ما یستفاد من الأدلة العقلیة والنقلیة المنع من التصرف فی مال الغیر ( مع عدم العلم برضاه کما لا یخفی علی المتتبع ، والمنبئ عن الرضا لا ینحصر فی اللفظ ) (5).

اشتراط الملکیة أو الاذن والطهارة فی لباس المصلی

ص: 185


1- المسالک 1 : 24.
2- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : علی إطلاقه.
3- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : والحق أنهم إن أرادوا بشاهد الحال القرائن المفیدة للظن برضا المالک.
4- فی « س » ، « ح » : فی القرائن.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : بغیر رضاه فمتی علم الرضا انتفی التحریم سواء استند العلم إلی إذن المالک أو إلی غیره من الوجوه المفیدة للعلم والله تعالی أعلم.

وأن یکون طاهرا وقد بیّنا حکم الثوب النجس. ویجوز للرجل أن یصلی فی ثوب واحد.

______________________________________________________

قوله : ( وأن یکون طاهرا وقد بینا حکم الثوب النجس ).

قد تقدم الکلام فی ذلک فی باب إزالة النجاسات (1).

قوله : ( ویجوز للرجل أن یصلی فی ثوب واحد ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل الأخبار المستفیضة کصحیحة عبید بن زرارة ، عن أبیه ، قال : صلی بنا أبو جعفر علیه السلام فی ثوب واحد (2).

وصحیحة زیاد بن سوقة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یصلی أحدکم فی الثوب الواحد وأزراره محلولة ، إن دین محمد صلی الله علیه و آله حنیف » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی فی قمیص واحد أو قباء طاق أو قباء محشو ولیس علیه إزار فقال : « إذا کان القمیص صفیقا والقمیص لیس بطویل الفرج ، والثوب الواحد إذا کان یتوشح به ، والسراویل بتلک المنزلة ، کل ذلک لا بأس به ، ولکن إذا لبس السراویل جعل علی عاتقه شیئا ولو حبلا » (4).

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الصحیح ، قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام صلی فی إزار واحد لیس بواسع قد عقده علی عنقه فقلت له : ما تری للرجل یصلی فی قمیص واحد؟ فقال : « إذا کان کثیفا فلا بأس به ،

جواز الصلاة فی ثوب واحد للرجل دون المرأة

ص: 186


1- فی ج 2 ص 303.
2- التهذیب 2 : 216 - 848 ، الوسائل 3 : 284 أبواب لباس المصلی ب 22 ح 6.
3- الکافی 3 : 395 - 8 ، الفقیه 1 : 174 - 823 ، التهذیب 2 : 216 - 850 ، الإستبصار 1 : 392 - 1492 ، الوسائل 3 : 285 أبواب لباس المصلی ب 23 ح 1.
4- الکافی 3 : 393 - 1 وفیه عن أحدهما علیهماالسلام وبتفاوت یسیر ، التهذیب 2 : 216 - 852 ، الوسائل 3 : 283 أبواب لباس المصلی ب 22 ح 2.

ولا یجوز للمرأة إلا فی ثوبین : درع وخمار ، ساترة جمیع جسدها عدا الوجه

______________________________________________________

والمرأة تصلی فی الدرع والمقنعة إذا کان الدرع کثیفا » یعنی إذا کان ستیرا ، قلت : رحمک الله الأمة تغطی رأسها إذا صلت؟ فقال : « لیس علی الأمة قناع » (1).

ویکفی فی الثوب کونه ساترا للعورة إجماعا. ویعتبر فیه کونه صفیقا یحول بین الناظر وبین البشرة ، فلو کان رقیقا یحکی لون البشرة من سواد وبیاض لم تجز الصلاة فیه لعدم حصول الستر به ، ولمفهوم قوله علیه السلام : فی القمیص : « إذا کان کثیفا فلا بأس به ».

وهل یعتبر فیه کونه ساترا للحجم ، قیل : لا (2). وهو الأظهر ، واختاره المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی التذکرة (3) ، للأصل وحصول الستر. وقیل : یعتبر (4) ، لمرفوعة أحمد بن حماد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تصل فیما شف أو صف » یعنی الثوب المصقل (5). کذا فیما وجدناه من نسخ التهذیب ، وذکر الشهید فی الذکری : أنه وجده کذلک بخط الشیخ أبی جعفر رحمه الله ، وأنّ المعروف : أو وصف بواوین ، قال ، ومعنی شفّ : لاحت منه البشرة ، ووصف : حکی الحجم (6). وهذه الروایة مع ضعف سندها لا تدل علی المطلوب صریحا ، فیبقی الأصل سالما عن المعارض.

قوله : ( ولا یجوز للمرأة إلا فی ثوبین : درع وخمار ، ساترة جمیع

ص: 187


1- الکافی 3 : 394 - 2 ، التهذیب 2 : 217 - 855 ، الوسائل 3 : أبواب لباس المصلی ب 21 ح 1 ، ب 29 ح 1.
2- کما فی الذکری : 146.
3- المعتبر 2 : 95 ، والتذکرة 1 : 93.
4- کما فی جامع المقاصد 1 : 88.
5- التهذیب 2 : 214 - 837 ، الذکری : 146 ، الوسائل 3 : 282 أبواب لباس المصلی ب 21 ح 4.
6- الذکری : 146.

والکفین وظاهر القدمین ، علی تردد فی القدمین.

______________________________________________________

جسدها عدا الوجه والکفین وظاهر القدمین ، علی تردد فی القدمین ).

اختلف الأصحاب فیما یجب ستره من المرأة فی الصلاة ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی النهایة والمبسوط إلی أنّ الواجب ستر جسدها کله عدا الوجه والکفین وظاهر القدمین (1).

وقال فی الاقتصاد : وأما المرأة الحرة فإنّ جمیعها عورة یجب علیها ستره فی الصلاة ولا تکشف غیر الوجه فقط (2). وهذا یقتضی منع کشف الیدین والقدمین.

وقال ابن الجنید : الذی یجب ستره من البدن العورتان ، وهما القبل والدبر من الرجل والمرأة ، ثم قال : ولا بأس أن تصلی المرأة الحرة وغیرها وهی مکشوفة الرأس حیث لا یراها غیر ذی محرم لها (3). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن أدنی ما تصلی فیه المرأة ، قال : « درع وملحفة تنشرها علی رأسها وتجلل (4) بها » (5).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « والمرأة تصلی فی الدرع والمقنعة إذا کان الدرع کثیفا » (6) وهذه الروایة کما تدل علی وجوب ستر الرأس والجسد تدل علی استثناء الوجه والکفین والقدمین ، لأنه علیه السلام اجتزأ بالدرع وهو القمیص ، والمقنعة وهی للرأس ، فدل علی أنّ

ص: 188


1- النهایة : 98 ، والمبسوط 1 : 87.
2- الاقتصاد : 258.
3- نقله عنه فی المختلف : 83.
4- تجلّل : تغطی.
5- التهذیب 2 : 217 - 853 ، الإستبصار 1 : 388 - 1478 ، الوسائل 3 : 295 أبواب لباس المصلی ب 28 ح 9.
6- المتقدم فی ص 186.

______________________________________________________

ما عدا ذلک غیر واجب ، والدرع لا یستر الیدین ولا القدمین بل ولا العقبین غالبا.

وأما احتجاج الشیخ فی الاقتصاد علی وجوب الستر بأن بدن المرأة کله عورة ، فإن أراد بکونه عورة وجوب ستره عن الناظر المحترم فمسلّم ، وإن أراد وجوب ستره فی الصلاة فهو مطالب بدلیله.

احتج ابن الجنید (1) بما رواه عبد الله بن بکیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة أن تصلی وهی مکشوفة الرأس » (2).

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب بالحمل علی الصغیرة أو علی حالة الضرورة (3). وقال فی المعتبر : إنّ هذه الروایة مطّرحة ، لضعف عبد الله بن بکیر فلا تترک لخبره الأخبار الصحیحة المتفق علی مضمونها (4) ، وهو حسن.

واعلم أنه لیس فی العبارة کغیرها من عبارات أکثر الأصحاب تعرض لوجوب ستر الشعر ، بل ربما ظهر منها أنه غیر واجب ، لعدم دخوله فی مسمی الجسد. ویدل علیه إطلاق الأمر بالصلاة (5) فلا یتقید إلا بدلیل ولم یثبت ، إذ الأخبار لا تعطی ذلک.

واستقرب الشهید فی الذکری الوجوب (6) ، لما رواه ابن بابویه ، عن الفضیل ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « صلت فاطمة صلوات الله علیها

ص: 189


1- نقله عنه فی المختلف : 83.
2- التهذیب 2 : 218 - 857 ، الإستبصار 1 : 389 - 1481 ، الوسائل 3 : 297 أبواب لباس المصلی ب 29 ح 5.
3- التهذیب 2 : 218.
4- المعتبر 2 : 102
5- الإسراء : 78.
6- الذکری : 140.

ویجوز أن یصلی الرجل عریانا إذا ستر قبله ودبره علی کراهیة.

______________________________________________________

فی درع وخمار لیس علیها أکثر مما وارت به شعرها وأذنیها » (1) وهی مع تسلیم السند لا تدل علی الوجوب. نعم یمکن الاستدلال بها علی عدم وجوب ستر العنق ، وفی روایة زرارة المتقدمة (2) إشعار به أیضا.

قوله : ( ویجوز أن یصلی الرجل عریانا إذا ستر قبله ودبره علی کراهة ).

تضمنت هذه العبارة أحکاما ثلاثة :

الأول : وجوب ستر العورة فی الصلاة ، وهو قول علماء الإسلام ، قاله (3) فی المعتبر (4) ، وعندنا وعند الأکثر أنه شرط فی الصحة مع الإمکان ، ویدل علیه روایات کثیرة ، منها صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل قطع علیه أو غرق متاعه فبقی عریانا وحضرت الصلاة ، کیف یصلی؟ قال : « إن أصاب حشیشا یستر به عورته أتم صلاته بالرکوع والسجود ، وإن لم یصب شیئا یستر به عورته أومأ وهو قائم » (5) وجه الدلالة أنه علیه السلام أسقط عن العاری الذی لا یتمکن من تحصیل الساتر الرکوع والسجود ، ولولا کونه شرطا فی الصحة لما ثبت ذلک.

وهل شرطیته ثابتة مع المکنة علی الإطلاق أو مقیدة بالعمد؟ الأصح الثانی ، وهو اختیار المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی (6) ، تمسکا بمقتضی الأصل وما رواه الشیخ ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی وفرجه خارج لا یعلم به ، هل علیه الإعادة؟ قال : « لا

جواز الصلاة عاریاً للرجل

ص: 190


1- الفقیه 1 : 167 - 785 ، الوسائل 3 : 293 أبواب لباس المصلی ب 28 ح 1.
2- فی 188.
3- فی « ح » : قال.
4- المعتبر 2 : 99 ، 103.
5- التهذیب 2 : 365 - 1515 ، البحار 10 : 278 ، الوسائل 3 : 326 أبواب لباس المصلی ب 50 ح 1.
6- المعتبر 2 : 106 ، والمنتهی 1 : 238.

______________________________________________________

إعادة علیه وقد تمت صلاته » (1).

واستقرب الشهید فی الذکری والبیان الفرق بین نسیان الستر ابتداء وعروض التکشف فی الأثناء ، والصحة فی الثانی دون الأول (2). وهو حسن.

واختلف الأصحاب فی العورة التی یجب سترها علی الرجل فی الصلاة وعن الناظر المحترم ، فذهب الأکثر إلی أنها القبل والدبر.

والظاهر أنّ المراد بالقبل : القضیب والأنثیان ، وبالدبر : نفس المخرج. ونقل عن ابن البراج أنه قال : هی من السرة إلی الرکبة (3) ، وعن أبی الصلاح أنه جعلها من السرة إلی نصف الساق (4) ، مع أنّ المصنف - رحمه الله - قال فی المعتبر : ولیست الرکبة من العورة بإجماع علمائنا (5). والأصح الأول ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق. ویؤیده روایة أبی یحیی الواسطی ، عن بعض أصحابه ، عن أبی الحسن الماضی علیه السلام ، قال : العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالألیین ، فإذا سترت القضیب والبیضتین فقد سترت العورة » (6).

وروایة محمد بن حکیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الفخذ لیس من العورة » (7) ولم نقف لأبی الصلاح وابن البراج هنا علی حجة یعتد بها.

الثانی : إنه لا یجب علی الرجل ستر ما عدا العورة ، وهو موضع وفاق بین العلماء ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة علی بن جعفر المتقدمة : « إن

ص: 191


1- التهذیب 2 : 216 - 851 ، الوسائل 3 : 293 أبواب لباس المصلی ب 27 ح 1.
2- الذکری : 141 ، والبیان : 60.
3- المهذب 1 : 83.
4- الکافی فی الفقه : 139.
5- المعتبر 2 : 100.
6- الکافی 6 : 501 - 26 ، التهذیب 1 : 374 - 1151 ، الوسائل 1 : 365 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2.
7- التهذیب 1 : 374 - 1150 ، الوسائل 1 : 364 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 1.

وإذا لم یجد ثوبا سترهما بما وجده ولو بورق الشجر.

______________________________________________________

أصاب حشیشا یستر به عورته أتم صلاته بالرکوع والسجود » (1). ولا ینافی ذلک ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « أدنی ما یجزیک أن تصلی فیه بقدر ما یکون علی منکبیک مثل جناحی الخطاف » (2) لأنه محمول علی الفضیلة والکمال جمعا بین الأدلة.

الثالث : إنه یکره للرجل الصلاة فی غیر الثوب الساتر لما یعتاد ستره من الجسد ، ویدل علیه صحیحة زرارة المتقدمة ، وصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل لیس معه إلا سراویل فقال : « یحل التکة منه فیضعها علی عاتقه ویصلی » (3).

وتتأکد الکراهة للإمام ، بل یکره له الصلاة فی القمیص وحده ، لما رواه الشیخ فی الصحیح عن سلیمان بن خالد ، قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أمّ قوما فی قمیص لیس علیه رداء ، قال : « لا ینبغی إلا أن یکون علیه رداء أو عمامة یرتدی بها » (4) وروی أیضا فی الصحیح عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل هل یصلح له أن یؤم فی سراویل وقلنسوة ، قال : « لا یصلح » (5) وهی محمولة علی الکراهة.

قوله : ( وإذا لم یجد ثوبا سترهما بما وجده ولو بورق شجر ).

مفهوم الشرط توقف الاجتزاء بالورق علی فقد الثوب ، وهو کذلک لعدم فهمه من الساتر عند الإطلاق ، وقوله علیه السلام فی صحیحة علی بن جعفر وقد سأله عن العاری الذی لا یجد الساتر : « إن أصاب حشیشا یستر به عورته

حکم من لا یجد ثوباً یستر به العورة

ص: 192


1- فی ص 190.
2- الفقیه 1 : 166 - 783 ، الوسائل 3 : 330 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 6.
3- الفقیه 1 : 166 - 782 ، التهذیب 2 : 366 - 1519 ، الوسائل 3 : 329 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 3.
4- التهذیب 2 : 366 - 1521 ، الوسائل 3 : 329 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 1.
5- التهذیب 2 : 366 - 1520 ، الوسائل 3 : 329 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 2.

ومع عدم ما یستر به یصلی عریانا قائما إن کان یأمن أن یراه أحد ، وإن

______________________________________________________

أتم صلاته بالرکوع والسجود » (1) وربما قیل بجوازه اختیارا لحصول مقصود الستر (2) ، وهو ضعیف.

ولو لم یجد الحشیش وأمکن وضع طین یحصل به الستر فقد قطع المصنف (3) والعلامة بوجوبه ، بل ظاهر التذکرة والمنتهی مساواته للورق (4) ، وهو بعید.

قال فی المعتبر : ولو وجد وحلا أو ماءا راکدا بحیث لو نزله ستر عورته لم یجب نزوله لأن فیه ضررا ومشقة (5). وهو کذلک.

ولو أمکن العاری ولوج حفیرة والصلاة فیها قائما بالرکوع والسجود قیل : یجب (6) ، لمرسلة أیوب بن نوح ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « العاری الذی لیس له ثوب إذا وجد حفیرة دخلها فسجد فیها ورکع » (7). وقیل : لا ، استضعافا للروایة ، والتفاتا إلی عدم انصراف لفظ الساتر إلیه.

ومقتضی العبارة الانتقال مع تعذر الستر بالورق إلی الإیماء ، وهو المعتمد.

قوله : ( ومع عدم ما یستر به یصلی عریانا قائما إن کان یأمن أن یراه

ص: 193


1- التهذیب 2 : 365 - 1515 ، الوسائل 3 : 326 أبواب لباس المصلی ب 50 ح 1.
2- کما فی مجمع الفائدة والبرهان 2 : 80.
3- المعتبر 2 : 104.
4- التذکرة 1 : 93 ، والمنتهی 1 : 238.
5- المعتبر 2 : 106.
6- کما فی جامع المقاصد 1 : 89.
7- التهذیب 2 : 365 - 1517 ، الوسائل 3 : 326 أبواب لباس المصلی ب 50 ح 2.

لم یأمن صلی جالسا ، وفی الحالین یومئ عن الرکوع والسجود.

______________________________________________________

أحد ، وإن لم یأمن صلی جالسا ، وفی الحالین یومئ للرکوع والسجود ).

أجمع العلماء کافة علی أنّ الصلاة لا تسقط مع عدم الساتر ، وإنما اختلفوا فی کیفیة صلاة العاری. فذهب الأکثر إلی أنه یصلی قائما إن أمن المطلع ، وجالسا مع عدمه ، ویومئ فی الحالین للرکوع والسجود. وقال المرتضی رضی الله عنه : یصلی جالسا مومئا وإن أمن (1). وقال ابن إدریس : یصلی قائما مومئا فی الحالین (2). والمعتمد الأول.

لنا : إن فیه جمعا بین ما دل علی وجوب القیام مطلقا کصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، حیث قال فیها : « وإن لم یصب شیئا یستر به عورته أومأ وهو قائم » (3) وما دل علی الجلوس کذلک کحسنة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل خرج من سفینة عریانا ، أو سلب ثیابه ولم یجد شیئا یصلی فیه فقال : « یصلی إیماء ، وإن کانت امرأة جعلت یدها علی فرجها ، وإن کان رجلا وضع یده علی سوأته ثم یجلسان فیومئان إیماء ولا یرکعان ولا یسجدان فیبدو ما خلفهما ، تکون صلاتهما إیماء برؤسهما » (4).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة ، قال : « یتقدمهم الإمام برکبتیه ویصلی بهم جلوسا وهو جالس » (5) والحکم بالجلوس مع الجماعة یقتضی جوازه مطلقا ، إذ لا یعقل ترک الرکن لتحصیل الفضیلة خاصة.

ویدل علی هذا التفصیل صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن مسکان ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یخرج

ص: 194


1- جمل العلم والعمل : 80.
2- السرائر : 55.
3- المتقدمة فی ص 190.
4- الکافی 3 : 396 - 16 ، التهذیب 2 : 364 - 1512 ، الوسائل 3 : 327 أبواب لباس المصلی ب 50 ح 6.
5- التهذیب 2 : 365 - 1513 ، الوسائل 3 : 328 أبواب لباس المصلی ب 51 ح 1.

______________________________________________________

عریانا فتدرکه الصلاة ، قال : « یصلی عریانا قائما إن لم یره أحد ، فإن رآه أحد صلّی جالسا » (1).

واحتمل المصنف فی المعتبر التخییر بین الأمرین استضعافا للروایة المفصلة (2). وهو حسن وإن کان المشهور أحوط وأولی.

ویجب الإیماء فی الحالین للرکوع والسجود بالرأس إن أمکن وإلا فبالعینین ، وأوجب الشهید فی الذکری الانحناء فیهما بحسب الممکن بحیث لا تبدو معه العورة ، وأن یجعل السجود أخفض محافظة علی الفرق بینه وبین الرکوع ، واحتمل وجوب وضع الأعضاء السبعة فی السجود علی الکیفیة المعتبرة فیه (3). وکل ذلک تقیید للنص من غیر دلیل.

نعم لا یبعد وجوب رفع شی ء یسجد علیه ، لقوله علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن الواردة فی صلاة المریض : « ویضع بوجهه فی الفریضة علی ما أمکنه من شی ء » (4).

وینبغی التنبه لأمور :

الأول : المستفاد من الأخبار (5) وکلام الأصحاب أن الإیماء فی حالتی القیام والجلوس علی وجه واحد فیجعلهما من قیام مع القیام ومن جلوس مع الجلوس. وحکی الشهید فی الذکری عن شیخه السید عمید الدین أنه کان یقوی جلوس القائم لیومئ للسجود جالسا استنادا إلی کونه حینئذ أقرب إلی هیئة الساجد فیدخل تحت « فآتوا منه بما استطعتم » (6). وهو مستند ضعیف ،

ص: 195


1- التهذیب 2 : 365 - 1516 ، الوسائل 3 : 326 أبواب لباس المصلی ب 50 ح 3.
2- المعتبر 2 : 105.
3- الذکری : 142.
4- التهذیب 3 : 308 - 952 ، الوسائل 3 : 236 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
5- الوسائل 3 : 326 أبواب لباس المصلی ب 50.
6- الذکری : 142.

______________________________________________________

لأن الواجب والحال هذه الإیماء لا السجود فلا معنی للتکلیف بالإتیان بالممکن منه.

الثانی : لو صلی العاری بغیر إیماء بطلت صلاته ، وکذا لو أتی بالرکوع والسجود ، سواء کان متعمدا أو جاهلا أو ناسیا ، لأن ذلک خلاف فرضه. وربما قیل بالصحة فی الناسی لعدم توجه النهی إلیه ، وهو ضعیف.

الثالث : صرح الشیخ - رحمه الله - فی النهایة بجواز صلاة العاری مع سعة الوقت (1). وقال المرتضی (2) وسلار (3) : یجب أن یؤخرها رجاء لحصول السترة ، ومال فی المعتبر إلی وجوب التأخیر مع ظن تحصیل السترة والتعجیل بدونه (4) ، وهو حسن.

الرابع : یجب شراء الساتر بثمن مثله أو أزید إذا لم یستضر به علی الأقرب ، ولو أعیر وجب القبول إجماعا ، وکذا لو وهب منه علی الأظهر لتمکنه من الستر. ومنعه العلامة فی التذکرة لما فیه من المنة (5) ، وهو ضعیف.

الخامس : لو لم یجد إلا ثوب حریر صلی عاریا ولم یجز له الصلاة فیه ، لتعلق النهی به فکان کالمعدوم. وجوزه العامة ، بل أوجبوه (6) ، لأن ذلک من الضرورات (7).

ولو وجد النجس والحریر واضطر إلی لبس أحدهما فالأقرب (8) لبس

ص: 196


1- النهایة : 55.
2- نقله عنه فی المختلف : 84.
3- المراسم : 76.
4- المعتبر 2 : 108.
5- التذکرة 1 : 94.
6- منهم الشوکانی فی نیل الأوطار 2 : 71.
7- فی « ح » : الضروریات.
8- فی « ح » : فالأقوی.

______________________________________________________

النجس ، لأن مانعه عرضی ، ولورود الأمر بالصلاة فیه مع الضرورة ، وإطلاق النهی عن لبس الحریر.

السادس : لو وجد السترة فی أثناء صلاته فإن أمکنه الستر من غیر فعل المنافی وجب ، ولو توقف علی فعل المنافی کالفعل الکثیر أو الاستدبار بطلت صلاته إن کان الوقت متسعا ولو برکعة وإلا استمر. ویحتمل وجوب الاستمرار مطلقا ، تمسکا بمقتضی الأصل وعموم قوله تعالی ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ ) (1).

السابع : الستر یراعی من الجوانب الأربع ومن فوق ، ولا یراعی من تحت ، فلو کان علی طرف سطح تری عورته من تحت أمکن الاکتفاء بذلک ، لأن الستر إنما یلزم من الجوانب التی جرت العادة بالنظر إلیها ، وعدمه ، لأن الستر من تحت إنما لا یراعی إذا کان علی وجه الأرض.

الثامن : لو کان فی الثوب خرق فإن لم یحاذ العورة فلا بحث ، وإن حاذاها بطلت ، ولو جمعه بیده بحیث یتحقق الستر بالثوب صح. ولو وضع یده علیه فالأقرب البطلان إن کان الستر مستندا إلی یده ، لعدم فهم الستر ببعض البدن من إطلاق اللفظ. وکذا لو وضع غیر المصلی یده علیه فی موضع یجوز له الوضع.

التاسع : لیس الستر معتبرا فی صلاة الجنازة ، لأن اسم الصلاة لا یقع علیها إلا بطریق المجاز. وقیل بالوجوب ، لإطلاق الاسم علیها (2) ، وهو ضعیف.

العاشر : تستحب الجماعة للعراة رجالا کانوا أو نساء ، ویصلون صفا واحدا جلوسا یتقدمهم الإمام برکبتیه کما یدل علیه صحیحة ابن سنان (3).

ص: 197


1- محمد ( ص ) : 32.
2- الذکری : 58.
3- التهذیب 2 : 365 - 1513 ، الوسائل 3 : 328 أبواب لباس المصلی ب 51 ح 1.

والأمة والصبیّة تصلیان بغیر خمار.

______________________________________________________

قال فی المعتبر : وکیف یصلون؟ فیه قولان ، أحدهما : بالإیماء جمیعا ، اختاره علم الهدی ، والآخر : یومئ الإمام ویرکع من خلفه ویسجد ، اختاره فی النهایة ، وتشهد له روایة إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یتقدمهم إمامهم فیجلس ویجلسون خلفه یومئ الإمام بالرکوع والسجود ویرکعون ویسجدون خلفه علی وجوههم » (1). قال : وهذه حسنة ولا یلتفت إلی من یدعی الإجماع علی خلافها (2).

وأقول : إنّ فی طریق هذه الروایة عبد الله بن جبلة وکان واقفیا ، وإسحاق بن عمار وکان فطحیا ، فلا یحسن وصفها بالحسن ، وما تضمنته من رکوع المأموم وسجوده مشکل جدا بعد الحکم بوجوب الإیماء علی المنفرد (3).

والوجه اطراح الروایة لضعف رجالها ، وقصورها عن معارضة الأخبار السلیمة المتفق علی العمل بمضمونها بین الأصحاب.

قوله : ( والأمة والصبیة تصلیان بغیر خمار ).

المراد أنه لا یجب علیهما ستر رأسهما فی الصلاة ، قال فی المعتبر : وهو إجماع علماء الإسلام عدا الحسن البصری ، فإنه أوجب علی الأمة الخمار إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه (4).

ویدل علی ذلک مضافا إلی الأصل صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « لیس علی الإماء أن یتقنّعن فی الصلاة » (5) وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : رحمک الله

الأمة والصبیة تصلی بدون خمار

ص: 198


1- التهذیب 2 : 365 - 1514 ، الوسائل 3 : 328 أبواب لباس المصلی ب 51 ح 2.
2- المعتبر 2 : 107.
3- فی « ح » زیادة : إذ لا فرق بینه وبین المنفرد.
4- المعتبر 2 : 103.
5- التهذیب 2 : 217 - 854 ، الوسائل 3 : 297 أبواب لباس المصلی ب 29 ح 2.

______________________________________________________

الأمة تغطی رأسها إذا صلت ، قال : « لیس علی الأمة قناع » (1).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی الأمة بین القن والمدبّرة وأم الولد والمکاتبة المشروطة والمطلقة التی لم تؤد شیئا.

ویحتمل إلحاق أم الولد مع حیاة ولدها بالحرة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : الأمة تغطی رأسها؟ فقال : « لا ، ولا علی أم الولد أن تغطی رأسها إذا لم یکن لها ولد » (2) وهو یدل بمفهومه علی وجوب تغطیة الرأس مع الولد ، ومفهوم الشرط حجة کما حقق فی محله. ویمکن حمله علی الاستحباب إلا أنه یتوقف علی وجود المعارض.

وهل یستحب للأمة القناع؟ أثبته فی المعتبر لما فیه من الستر والحیاء ، واعترف بعدم ورود نص فیه (3). والأظهر العدم ، لعدم ثبوت ما یقتضیه ، ولما رواه أحمد بن محمد بن خالد البرقی فی کتاب المحاسن بإسناده إلی حماد اللحام ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المملوکة تقنّع رأسها إذا صلت؟ قال : « لا ، قد کان أبی إذا رأی الخادم تصلی مقنّعة ضربها لتعرف الحرة من المملوکة » (4).

ویجب علی الأمة ستر ما عدا الرأس مما یجب ستره علی الحرة ، تمسکا بعموم الأدلة. والأقرب تبعیة العنق للرأس لأنه المستفاد من نفی وجوب التقنّع علیهن ، ولعسر ستره من دون الرأس.

ص: 199


1- الکافی 3 : 394 - 2 ، التهذیب 2 : 217 - 855 ، الوسائل 3 : 297 أبواب لباس المصلی ب 29 ح 1.
2- التهذیب 2 : 218 - 859 ، الإستبصار 1 : 390 - 1483 ، الوسائل 3 : 297 أبواب لباس المصلی ب 29 ح 4.
3- المعتبر 2 : 103.
4- المحاسن : 318 - 45 ، الوسائل 3 : 298 أبواب لباس المصلی ب 29 ح 9.

فإن أعتقت فی أثناء الصلاة وجب علیها ستر رأسها ، فإن افتقرت إلی فعل کثیر استأنفت. وکذا الصبیّة إذا بلغت فی أثناء الصلاة بما لا یبطلها.

______________________________________________________

قوله : ( وإن أعتقت الأمة فی أثناء الصلاة وجب علیها ستر رأسها ).

لصیرورتها حرة فیثبت لها أحکامها. ولو أعتق بعضها فکذلک ، لخروجها عن کونها أمة. وقال بعض العامة : لا یجب علی المبعّضة الستر (1) ، لأنه من أمارات الحریة وعلامات الکمال ، وهی قاصرة عن ذلک. وهو معلوم البطلان.

قوله : ( فإن افتقرت إلی فعل کثیر استأنفت ).

الأصح أنّ الاستیناف إنما یثبت إذا أدرکت بعد القطع رکعة فی الوقت وإلا وجب الاستمرار ، لأن الستر شرط مع القدرة علیه فی الوقت لا مطلقا. وقال الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف : تستمر المعتقة ، وأطلق (2) ، لأن دخولها کان مشروعا والصلاة علی ما افتتحت علیه ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (3) ، ولا یخلو من قوة ، لأن الستر إنما ثبت وجوبه إذا توجه التکلیف به قبل الشروع فی الصلاة لا مطلقا.

قوله : ( وکذا الصبیة إذا بلغت فی أثناء الصلاة بما لا یبطلها ).

أی یجب علیها الستر ، فإن افتقر إلی فعل کثیر استأنفت. ولا یخفی أنّ الحکم بالاستمرار مع عدم الافتقار إلی الفعل الکثیر مناف لما سبق فی باب المواقیت من بطلان صلاة الصبی المتطوع بالبلوغ فی أثنائها بغیر المبطل. والأصح الاستئناف هنا مطلقا إلا أن یقصر الباقی من الوقت عن قدر الطهارة ورکعة فتستمر.

ص: 200


1- کما فی الإنصاف 1 : 454.
2- الخلاف 1 : 140.
3- المعتبر 2 : 103.

الثامنة : تکره الصلاة فی الثیاب السود ما عدا العمامة والخف ،

______________________________________________________

قوله : ( الثامنة ، تکره الصلاة فی الثیاب السود ، عدا العمامة والخف ).

یدل علی ذلک ما رواه الکلینی عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یکره السواد إلا فی ثلاثة : الخف والعمامة والکساء » (1).

وتتأکد الکراهة فی القلنسوة السوداء ، لما رواه الشیخ وابن بابویه ، عن الصادق علیه السلام : إنه سئل عن الصلاة فیها فقال : « لا تصل فیها فإنها لباس أهل النار » (2).

وظاهر العبارة عدم کراهة ما عدا السواد من الألوان ، وقال فی المعتبر : یکره للرجال الصلاة فی المزعفر والمعصفر والأحمر (3) ، لروایة عبد الله بن المغیرة ، عمن حدثه ، عن یزید بن خلیفة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه کره الصلاة فی المشبع بالعصفر (4) ، والمصرج بالزعفران (5).

وروایة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تکره الصلاة فی الثوب المصبوغ المشبع المفدم » (6) والمفدم بکسر الدال : المصبوغ بالحمرة المشبع ، قاله الجوهری (7).

ومقتضی الروایتین کراهة المشبع من هذه الألوان خاصة. ونقل عن

ما یکره الصلاة فیه من اللباس

ص: 201


1- الکافی 3 : 403 - 29 ، الوسائل 3 : 278 أبواب لباس المصلی ب 19 ح 1.
2- الفقیه 1 : 162 - 765 ، التهذیب 2 : 213 - 836 ، الوسائل 3 : 280 أبواب لباس المصلی ب 20 ح 1.
3- المعتبر 2 : 94.
4- العصفر بالضم : نبات أصفر اللون یصبغ به.
5- التهذیب 2 : 373 - 1550 ، الوسائل 3 : 336 أبواب لباس المصلی ب 59 ح 3.
6- الکافی 3 : 402 - 22 ، التهذیب 2 : 373 - 1549 ، الوسائل 3 : 336 أبواب لباس المصلی ب 59 ح 2.
7- الصحاح 5 : 2001.

وفی ثوب واحد رقیق للرجال ، فإن حکی ما تحته لم یجز. ویکره أن یأتزر فوق القمیص ،

______________________________________________________

الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (1) ، وابن الجنید (2) ، وابن إدریس (3) ، القول بکراهة الصلاة فی الثیاب المفدمة بلون من الألوان ، أی المشبعة بالصبغ. قال الجوهری : ویقال صبغ مفدم أی خاثر مشبع (4). ویدل علیه روایة حماد المتقدمة إن لم یخصص لفظ المفدم بالأحمر کما هو أحد الإطلاقین. وهذه الروایات کلها قاصرة من حیث السند إلا أنّ المقام مقام کراهة وتنزیه فلا یضر فیه ضعف السند.

قوله : ( وفی ثوب واحد رقیق للرجال ، فإن حکی ما تحته لم یجز ).

المراد حکایة اللون خاصة ، لا الحجم کما صرح به فی المعتبر (5) ، وإنما کرهت الصلاة فی الثوب الرقیق غیر الحاکی تحصیلا لکمال الستر والتفاتا إلی مفهوم قوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم. وقد سأله عن الصلاة فی القمیص الواحد : « إذا کان کثیفا فلا بأس به » (6).

ومقتضی النص وکلام الأصحاب أنّ الثوب إذا کان کثیفا لا تکره الصلاة فیه وحده ، وهو کذلک ، بل الظاهر عدم کراهة ترک الرداء معه للإمام کما یدل علیه قول أبی جعفر علیه السلام - لمّا أمّ أصحابه فی قمیص بغیر رداء وسألوه عن ذلک - : « إنّ قمیصی کثیف فهو یجزی أن لا یکون علیّ إزار ولا رداء » (7).

قوله : ( ویکره أن یأتزر فوق القمیص ).

ص: 202


1- نقله عنه فی الذکری : 147.
2- نقله عنه فی المختلف : 80.
3- السرائر : 56.
4- الصحاح 5 : 2001.
5- المعتبر 2 : 95.
6- الکافی 3 : 394 - 2 ، التهذیب 2 : 217 - 855 ، الوسائل 3 : 281 أبواب لباس المصلی ب 21 ح 1.
7- التهذیب 2 : 280 - 1113 ، الوسائل 3 : 284 أبواب لباس المصلی ب 22 ح 7.

______________________________________________________

هذا الحکم ذکره المفید - رحمه الله - فی المقنعة (1) وجمع من الأصحاب (2).

واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن محمد بن إسماعیل ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهم علیهم السلام ، قال : « الارتداء فوق التوشح فی الصلاة مکروه ، والتوشح فوق القمیص مکروه » (3) وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا ینبغی أن تتوشح بإزار فوق القمیص إذا أنت صلیت ، فإنه من زیّ الجاهلیة » (4).

وهو استدلال ضعیف فإن مقتضی الروایتین مع ضعف سندهما کراهة التوشح فوق القمیص وهو خلاف الائتزار ، قال الجوهری : یقال توشح الرجل بثوبه وسیفه إذا تقلد بهما (5). ونقل عن بعض أهل اللغة أنّ التوشح بالثوب هو إدخاله تحت الید الیمنی وإلقاؤه علی المنکب الأیسر کما یفعل المحرم (6).

والأصح عدم کراهة الائتزار فوق القمیص کما اختاره فی المعتبر (7) ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن موسی بن القاسم البجلی ، قال : رأیت أبا جعفر الثانی علیه السلام یصلی فی قمیص قد ائتزر فوقه بمندیل وهو یصلی (8).

وفی الصحیح عن موسی بن عمر بن بزیع قال ، قلت للرضا

ص: 203


1- المقنعة : 25.
2- منهم ابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة : 672 ).
3- التهذیب 2 : 214 - 839 ، الإستبصار 1 : 387 - 1472 ، الوسائل 3 : 288 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 3 ، إلا أن فیه : عن أحدهما.
4- الکافی 3 : 395 - 7 التهذیب 2 : 214 - 840 ، الإستبصار 1 : 388 - 1473 ، الوسائل 3 : 287 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 1.
5- الصحاح 1 : 415.
6- منهم ابن منظور فی لسان العرب 2 : 633.
7- المعتبر 2 : 96.
8- التهذیب 2 : 215 - 843 ، الإستبصار 1 : 388 - 1476 ، الوسائل 3 : 288 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 6.

وأن یشتمل الصمّاء ،

______________________________________________________

علیه السلام : أشد الإزار والمندیل فوق قمیصی فی الصلاة فقال : « لا بأس به » (1).

أما شد المئزر تحت القمیص فغیر مکروه إجماعا ، ولا یبعد عدم کراهة التوشح أیضا لما رواه حماد بن عیسی فی الحسن ، قال : کتب الحسن بن علی بن یقطین إلی العبد الصالح علیه السلام : هل یصلی الرجل الصلاة وعلیه إزار متوشح به فوق القمیص؟ فکتب : « نعم » (2).

قال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه - بعد أن روی الکراهة - : وقد رویت رخصة فی التوشح بالإزار فوق القمیص عن العبد الصالح علیه السلام ، وعن أبی الحسن الثالث علیه السلام ، وعن أبی جعفر الثانی علیه السلام وبها آخذ وأفتی (3).

قوله : ( وأن یشتمل الصماء ).

أجمع العلماء کافة علی کراهة اشتمال الصماء ، واختلفوا فی تفسیره ، فقال فی القاموس : اشتمال الصماء أن یردّ الکساء من قبل یمینه علی یده الیسری وعاتقه الأیسر ، ثم یردّه ثانیة من خلفه علی یدیه الیمنی وعاتقه الأیمن فیغطیهما جمیعا ، أو أن یشتمل بثوب واحد لیس علیه غیره ثم یرفعه من أحد جانبیه فیضعه علی منکبه فیبدو منه فرجة (4) ، وهذا هو المنقول عن أبی عبید (5).

قال الهروی فی الغریبین : من فسّره بما قاله أبو عبید فکراهته للتکشف وإبداء العورة ، ومن فسّره بتفسیر أهل اللغة فإنه کره أن یتزمل به شاملا جسده

ص: 204


1- الفقیه 1 : 166 - 780 ، التهذیب 2 : 214 - 842 ، الإستبصار 1 : 388 - 1475 ، الوسائل 3 : 288 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 5 بتفاوت.
2- التهذیب 2 : 215 - 844 ، الإستبصار 1 : 388 - 1477 ، الوسائل 3 : 288 أبواب لباس المصلی ب 24 ح 7.
3- الفقیه 1 : 169.
4- القاموس المحیط 4 : 142.
5- کما فی لسان العرب 12 : 346 ، والصحاح 5 : 1968.

أو یصلی فی عمامة لا حنک لها.

______________________________________________________

مخافة أن یدفع منها إلی حالة سادّة لنفسه فیهلک (1). قال القتیبی : وإنما قیل صماء لأنه إذا اشتمل به سدّ علی یدیه ورجلیه المنافذ کلها کالصخرة الصماء.

والأولی الاعتماد فی ذلک علی ما رواه زرارة فی الصحیح قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إیاک والتحاف الصماء » قلت : وما التحاف الصماء؟ قال : « أن تدخل الثوب من تحت جناحک فتجعله علی منکب واحد » (2) وبمضمونها أفتی الشیخ فی المبسوط (3) ، والمصنف فی المعتبر (4) ، وتتحقق الکراهة وإن کان تحته غیره لعموم النهی.

قوله : ( أو یصلی فی عمامة لا حنک لها ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، وأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (5). والمستفاد من الأخبار کراهة ترک الحنک فی حالة الصلاة وغیرها ، فروی الشیخ فی الحسن عن ابن أبی عمیر ، عمن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من تعمم ولم یتحنک فأصابه داء لا دواء له فلا یلومن إلا نفسه » (6).

وعن عیسی بن حمزة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من اعتم ولم یدر العمامة تحت حنکه فأصابه ألم لا دواء له فلا یلومن إلا نفسه » (7).

وروی ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه فی الموثق ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من خرج فی سفر فلم یدر العمامة تحت

ص: 205


1- نقله عنه فی الذکری : 148.
2- الکافی 3 : 394 - 4 ، الفقیه 1 : 168 - 792 ، التهذیب 2 : 214 - 841 ، الإستبصار 1 : 388 - 1474 ، الوسائل 3 : 289 أبواب لباس المصلی ب 25 ح 1.
3- المبسوط 1 : 83.
4- المعتبر 2 : 97.
5- المعتبر 2 : 97.
6- التهذیب 2 : 215 - 846 ، الوسائل 3 : 291 أبواب لباس المصلی ب 26 ح 1.
7- الکافی 6 : 461 - 7 ، التهذیب 2 : 215 - 847 ، المحاسن : 378 - 157 ، الوسائل 3 : 291 أبواب لباس المصلی ب 26 ح 2.

______________________________________________________

حنکه فأصابه ألم لا دواء له فلا یلومن إلا نفسه » (1).

وروی أیضا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « ضمنت لمن خرج من بیته معتما [ تحت حنکه ] (2) أن یرجع إلیهم سالما » (3).

وقال علیه السلام : « إنی لأعجب ممن یأخذ فی حاجة وهو علی وضوء کیف لا تقضی حاجته ، وإنی لأعجب ممن یأخذ فی حاجة وهو معتم تحت حنکه کیف لا تقضی حاجته » (4).

وروی أیضا عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « الفرق بین المسلمین والمشرکین التلحی بالعمامة » (5).

ثم قال رحمه الله : وذلک فی أول الإسلام وابتدائه ، وقد نقل عنه صلی الله علیه و آله أهل الخلاف أیضا أنه أمر بالتلحی ونهی عن الاقتعاط. والمراد بالتلحی : تطویق العمامة تحت الحنک ، والاقتعاط : شد العمامة علی الرأس من غیر إدارة تحت الحنک علی ما نص علیه جماعة من أهل اللغة منهم الجوهری (6) وغیره (7).

قال ابن بابویه فی کتابه : وسمعت مشایخنا - رضی الله عنهم - یقولون : لا تجوز الصلاة فی الطابقیة (8) ولا یجوز للمعتم أن یصلی إلا وهو متحنک (9).

ص: 206


1- الفقیه 1 : 173 - 814 ، الوسائل 3 : 292 أبواب لباس المصلی ب 26 ح 5.
2- أثبتناه من المصدر.
3- الفقیه 1 : 173 - 815 ، الوسائل 3 : 292 أبواب لباس المصلی ب 26 ح 6.
4- الفقیه 1 : 173 - 816 ، الوسائل 1 : 262 أبواب الوضوء ب 6 ح 2 وذکر ذیله فی الوسائل 3 : 292 أبواب لباس المصلی ب 27 ح 7.
5- الفقیه 1 : 173 - 817 ، الوسائل 3 : 292 أبواب لباس المصلی ب 26 ح 8.
6- الصحاح 3 : 1154.
7- کالفیروزآبادی فی القاموس المحیط 2 : 395.
8- الطابقیة : العمامة التی لا حنک لها - مجمع البحرین 5 : 204.
9- الفقیه 1 : 172.

ویکره اللثام للرجل والنقاب للمرأة ، وإن منع القراءة حرم.

______________________________________________________

ولا ریب فی ضعف هذا القول. وحکی عنه العلامة فی المختلف (1) ومن تأخر عنه (2) القول بذلک ، وهو غیر جید.

والمراد بالتحنک إدارة جزء من العمامة تحت الحنک سواء کان طرف العمامة أو وسطها ، وفی تأدی السنة بإدارة غیرها وجهان ، أظهرهما العدم ، لمخالفته للمعهود ونص الشارع وأهل اللغة.

قوله : ( ویکره اللثام للرجل والنقاب للمرأة ، وإن منع القراءة حرم ).

لا ریب فی تحریمهما إذا منعا القراءة أو غیرها من الأذکار الواجبة ، والمشهور الکراهة بدون ذلک ، لصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : أیصلی الرجل وهو متلثم؟ فقال : « أما علی الأرض فلا ، وأما علی الدابة فلا بأس » (3).

وروایة سماعة ، قال : سألته عن الرجل یصلی فیتلو القرآن وهو متلثم فقال : « لا بأس به ، وإن کشف عن فیه فهو أفضل » قال : وسألته عن المرأة تصلی متنقبة ، قال : « إذا کشفت عن موضع السجود فلا بأس به ، وإن أسفرت فهو أفضل » (4).

وأطلق المفید فی المقنعة المنع من اللثام للرجل (5) ، قال فی المعتبر (6) : والظاهر أنه یرید الکراهة ، لما رواه الحلبی فی الصحیح ، قال : سألت

ص: 207


1- المختلف : 83.
2- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 90 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 210.
3- الکافی 3 : 408 - 1 ، التهذیب 2 : 229 - 900 ، الإستبصار 1 : 397 - 1516 ، الوسائل 3 : 306 أبواب لباس المصلی ب 35 ح 1.
4- التهذیب 2 : 230 - 904 ، الوسائل 3 : 307 أبواب لباس المصلی ب 35 ح 6.
5- المقنعة : 25.
6- المعتبر 2 : 99.

وتکره الصلاة فی قباء مشدود ، إلا فی الحرب ، وأن یؤمّ بغیر رداء ،

______________________________________________________

أبا عبد الله علیه السلام ، هل یقرأ الرجل فی صلاته وثوبه علی فیه؟ فقال : « لا بأس بذلک إذا سمع الهمهمة » (1).

ویستفاد من هذه الروایة تحریم اللثام إذا منع سماع القراءة ، وبه أفتی المصنف فی المعتبر (2) ، والعلامة فی التذکرة (3) ، وهو حسن.

قوله : ( وتکره الصلاة فی قباء مشدود ، إلا فی الحرب ).

هذا الحکم مشهور بین الأصحاب ولم أقف له علی مستند. وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : ولا یجوز لأحد أن یصلی وعلیه قباء مشدود إلا أن یکون فی الحرب فلا یتمکن من أن یحله فیجوز ذلک للاضطرار (4). قال الشیخ فی التهذیب بعد نقل هذه العبارة : ذکر ذلک علی بن الحسین بن بابویه ، وسمعناه من الشیوخ مذاکرة ، ولم أعرف به خبرا مسندا (5). وحاول الشهید فی الذکری (6) الاستدلال علیه بما رواه العامة عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لا یصلی أحدکم وهو متحزم » (7) وهو فاسد لأنّ شد القباء غیر التحزم.

قوله : ( وأن یؤم بغیر رداء ).

الرداء : الثوب الذی یجعل علی المنکبین. وقال الجوهری : الرداء الذی

ص: 208


1- الکافی 3 : 315 - 15 ، التهذیب 2 : 229 - 903 ، الإستبصار 1 : 398 - 1519 ، الوسائل 3 : 307 أبواب لباس المصلی ب 35 ح 3 ورواه فی الفقیه 1 : 173 - 818 عن الحلبی وعبد الله بن سنان.
2- المعتبر 2 : 99.
3- التذکرة 1 : 98.
4- المقنعة : 25.
5- التهذیب 2 : 232.
6- الذکری : 148.
7- مسند أحمد 2 : 458 بتفاوت.

______________________________________________________

یلبس (1). وفی القاموس : إنه ملحفة (2). وهذا الحکم - أعنی کراهة الإمامة بغیر رداء - مشهور بین الأصحاب ، واحتجوا علیه (3) بصحیحة سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أمّ قوما فی قمیص لیس علیه رداء ، قال : « لا ینبغی إلا أن یکون علیه رداء أو عمامة یرتدی بها » (4) وهی إنما تدل علی کراهة الإمامة بدون الرداء فی القمیص وحده لا مطلقا ، ویؤکد هذا الاختصاص قول أبی جعفر علیه السلام لما أمّ أصحابه فی قمیص بغیر رداء : « إنّ قمیصی کثیف ، فهو یجزی أن لا یکون علیّ إزار ولا رداء » (5).

قال جدی قدس سره : وکما یستحب الرداء للإمام یستحب لغیره من المصلین ، وإن کان للإمام آکد (6) ، واحتج علیه بتعلیق الحکم علی مطلق المصلی فی عدة أخبار ، کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « أدنی ما یجزیک أن تصلی فیه بقدر ما یکون علی منکبیک مثل جناحی الخطاف » (7).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل لیس معه إلا سراویل فقال : « یحل التکة منه فیضعها علی عاتقه ویصلی ، وإن کان معه سیف ولیس معه ثوب فلیتقلد السیف ویصلی قائما » (8).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : « إذا

ص: 209


1- الصحاح 6 : 2355.
2- القاموس المحیط 4 : 335.
3- کما فی المعتبر 2 : 97.
4- الکافی 3 : 394 - 3 ، التهذیب 2 : 366 - 1521 ، الوسائل 3 : 329 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 1.
5- التهذیب 2 : 280 - 1113 ، الوسائل 3 : 284 أبواب لباس المصلی ب 22 ح 7.
6- روض الجنان : 211.
7- الفقیه 1 : 166 - 783 ، الوسائل 3 : 330 أبواب لباس المصلی ب 53 ح 6.
8- الفقیه 1 : 166 - 782 ، التهذیب 2 : 366 - 1519 ، الوسائل 3 : 329 أبواب لباس المصلّی ب 53 ح 3.

وأن یصحب شیئا من الحدید بارزا ،

______________________________________________________

لبس السراویل فلیجعل علی عاتقه شیئا ولو حبلا » (1).

ولا یخفی ما فی هذا الاستدلال من الضعف ، لاختصاص الروایتین الأخیرتین بالعاری ، وعدم ذکر الرداء فی الروایة الأولی ، بل أقصی ما تدل علیه استحباب ستر المنکبین ، سواء کان بالرداء أم بغیره.

وبالجملة فالأصل فی هذا الباب روایة سلیمان بن خالد ، وهی إنما تدل علی کراهة الإمامة بدون الرداء فی القمیص وحده ، فإثبات ما زاد علی ذلک یحتاج إلی دلیل.

وینبغی الرجوع فی الرداء إلی ما یصدق علیه الاسم عرفا ، وإنما تقوم التکة ونحوها مقامه مع الضرورة کما تدل علیه روایة ابن سنان. أما ما اشتهر فی زماننا من إقامة غیره مقامه مطلقا فلا یبعد أن یکون تشریعا.

قوله : ( وأن یصحب شیئا من الحدید بارزا ).

ما اختاره المصنف من کراهة استصحاب الحدید البارز فی الصلاة قول أکثر الأصحاب ، وقال الشیخ فی النهایة : ولا تجوز الصلاة إذا کان مع الإنسان شی ء من حدید مشتهر مثل السکین والسیف ، وإن کان فی غمد أو قراب فلا بأس بذلک (2). والمعتمد الکراهة.

لنا : علی الجواز الأصل وإطلاق الأمر بالصلاة فلا یتقید إلا بدلیل ، وعلی الکراهة ما رواه الشیخ ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « لا یصلی الرجل وفی یده خاتم حدید » (3).

ص: 210


1- الکافی 3 : 393 - 1 ، التهذیب 2 : 216 - 852 ، الوسائل 3 : 283 أبواب لباس المصلی ب 22 ح 2.
2- النهایة : 98.
3- التهذیب 2 : 227 - 895 ، الوسائل 3 : 303 أبواب لباس المصلی ب 32 ح 1.

وفی ثوب یتهم صاحبه.

______________________________________________________

وعن موسی بن أکیل النمیری (1) ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الحدید أنه حلیة أهل النار ، قال : « وجعل الحدید فی الدنیا زینة الجن والشیاطین ، فحرم علی الرجل المسلم أن یلبسه فی الصلاة إلا أن یکون فی قتال عدو فلا بأس به ، ولا بأس بالسیف وکل آلة السلاح فی الحرب ، وفی غیر ذلک لا تجوز الصلاة فی شی ء من الحدید فإنه نجس ممسوخ » (2) والمراد بالنجاسة هنا : الاستخباث وکراهة استصحابه فی الصلاة کما ذکره فی المعتبر (3) ، لأنه لیس بنجس بإجماع الطوائف.

قال المصنف رحمه الله : وتسقط الکراهة مع ستره ، وقوفا بالکراهة علی موضع الاتفاق ممن کرهه (4). وهو حسن ، ویدل علیه ما رواه الشیخ ، عن عمار الساباطی : « أنّ الحدید إذا کان فی غلاف فلا بأس بالصلاة فیه » (5) بل ویمکن القول بانتفاء الکراهة مطلقا لضعف المستند.

قوله : ( وفی ثوب یتهم صاحبه ).

أی بعدم التوقی من النجاسات ، کما صرح به فی المعتبر (6). وإنما کرهت الصلاة فی ثوب المتهم بالنجاسة احتیاطا للصلاة ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سأل أبی أبا عبد الله علیه السلام عن الذی یعیر ثوبه لمن یعلم أنه یأکل الجرّی ویشرب الخمر فیرده ، أیصلی فیه قبل أن یغسله؟ قال : « لا یصلی فیه حتی یغسله » (7).

قال الشیخ رحمه الله : هذا الخبر محمول علی الاستحباب ، لأن الأصل فی

ص: 211


1- فی « ح » : النمری.
2- التهذیب 2 : 227 - 894 ، الوسائل 3 : 304 أبواب لباس المصلی ب 32 ح 6.
3- المعتبر 2 : 98.
4- المعتبر 2 : 98.
5- التهذیب 2 : 227.
6- المعتبر 2 : 98.
7- التهذیب 2 : 361 - 1494 ، الإستبصار 1 : 393 - 1498 ، الوسائل 2 : 1095 أبواب النجاسات ب 74 ح 2.

وأن تصلی المرأة فی خلخال له صوت.

______________________________________________________

الأشیاء کلها الطهارة. ولا یجب غسل شی ء من الثیاب إلا بعد العلم بأن فیها نجاسة (1). ثم استدل علی ذلک بما رواه فی الصحیح أیضا ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سأل أبی عبد الله علیه السلام وأنا حاضر : إنی أعیر الذمی ثوبی وأنا أعلم أنه یشرب الخمر ویأکل لحکم الخنزیر ، فیرده علیّ فأغسله قبل أن أصلی فیه؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام : « صل فیه ولا تغسله من أجل ذلک فإنک أعرته إیاه وهو طاهر ولم تستیقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلی فیه حتی تستیقن أنه نجّسه » (2).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الثیاب السابریة یعملها المجوس وهم أخباث یشربون الخمر ونساؤهم علی تلک الحال ألبسها ولا أغسلها وأصلی فیها؟ قال : « نعم » قال معاویة : فقطعت له قمیصا وخطته وفتلت له أزرارا ورداء من السابری ثم بعثت بها إلیه فی یوم جمعة حین ارتفع النهار ، فکأنه عرف ما أرید فخرج فیها إلی الجمعة (3).

وفی الصحیح عن عبید الله بن علی الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی ثوب المجوسی ، قال : « یرش بالماء » (4).

قوله : ( وأن تصلی المرأة فی خلخال له صوت ).

احترز به عن الأصم فإنه لا تکره الصلاة فیه. ویدل علی الحکمین معا ما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام أنه سأله عن الخلاخل ، هل یصلح لبسها للنساء والصبیان؟ قال : « إن کانت صما فلا بأس ، وإن کان لها صوت فلا یصلح » (5).

ص: 212


1- التهذیب 2 : 361.
2- التهذیب 2 : 361 - 1495 ، الإستبصار 1 : 392 - 1497 ، الوسائل 2 : 1095 أبواب النجاسات ب 74 ح 1.
3- التهذیب 2 : 362 - 1497 ، الوسائل 2 : 1093 أبواب النجاسات ب 73 ح 1.
4- التهذیب 2 : 362 - 1498 ، الوسائل 2 : 1093 أبواب النجاسات ب 73 ح 3.
5- الکافی 3 : 404 - 33 ، الفقیه 1 : 164 - 775 ، الوسائل 3 : 338 أبواب لباس المصلی ب 62 ح 1.

وتکره الصلاة فی ثوب فیه تماثیل ، أو خاتم فیه صورة.

______________________________________________________

وقال ابن البراج : لا تصح الصلاة فی خلاخل النساء إذا کان لها صوت (1). والروایة قاصرة عن إفادة التحریم.

قوله : ( وتکره الصلاة فی ثوب فیه تماثیل ، أو خاتم فیه صورة ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین مثال الحیوان وغیره کصور الشجر والنبات ، وبه صرح فی المختلف (2) ، وأسنده إلی الأصحاب ، واستدل علیه بإطلاق الأخبار کصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع : أنه سأل الرضا علیه السلام عن الثوب المعلم ، فکره ما فیه التماثیل (3).

وموثقة عمار بن موسی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی ثوب فی علمه مثال طیر أو غیر ذلک ، قال : « لا » وعن الرجل یلبس الخاتم فیه نقش مثال الطیر أو غیر ذلک ، قال : « لا تجوز الصلاة فیه » (4).

وخص ابن إدریس الکراهة بصور الحیوان (5). وقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط : والثوب إذا کان فیه تمثال وصورة لا تجوز الصلاة فیه (6). وهما ضعیفان.

ولو کانت الصور مستورة خفّت الکراهة ، لما رواه حماد بن عثمان فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الدراهم السود التی فیها التماثیل أیصلی الرجل وهی معه؟ قال : « لا بأس إذا کانت مواراة » (7).

ص: 213


1- المهذب 1 : 75.
2- المختلف : 81.
3- الفقیه 1 : 172 - 810 ، الوسائل 3 : 318 أبواب لباس المصلی ب 45 ح 4.
4- الفقیه 1 : 165 - 776 ، التهذیب 2 : 372 - 1548 ، الوسائل 3 : 320 أبواب لباس المصلی ب 45 ح 15.
5- السرائر : 56.
6- المبسوط 1 : 83.
7- الکافی 3 : 402 - 20 ، التهذیب 2 : 364 - 1508 ، الوسائل 3 : 319 أبواب لباس المصلی ب 45 ح 8.

______________________________________________________

وترتفع الکراهة بتغییر الصورة (1) ، لصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا بأس أن تکون التماثیل فی الثوب إذا غیرت الصورة منه » (2).

ص: 214


1- تغییر الصورة بقطع عضو منه أو تشویهه.
2- التهذیب 2 : 363 - 1503 ، الوسائل 3 : 320 أبواب لباس المصلی ب 45 ح 13.

المقدمة الخامسة

فی مکان المصلی

الصلاة فی الأماکن کلّها جائزة ، بشرط أن یکون مملوکا أو مأذونا فیه ، والإذن قد تکون بعوض کالأجرة وشبهها ، وبالإباحة. وهی إما صریحة کقوله : صلّ فیه ، أو بالفحوی کإذنه فی الکون فیه ، أو بشاهد الحال کما إذا کان هناک إمارة تشهد أن المالک لا یکره.

______________________________________________________

قوله : ( المقدمة الخامسة : فی مکان المصلی ).

عرّف المحقق الشیخ فخر الدین فی شرح القواعد المکان الذی تعتبر إباحته بأنه ما یستقر علیه المصلی ولو بوسائط ، وما یلاقی بدنه وثیابه ، وما یتخلل بین مواضع الملاقاة من موضع الصلاة کما یلاقی مساجده ویحاذی بطنه وصدره (1). ویشکل بأنه یقتضی بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب ، وکذا واضع الثوب المغصوب الذی لا هواء له بین الرکبتین والجبهة ، وهو غیر واضح.

والأجود فی تعریفه باعتبار الإباحة : أنه الفراغ الذی یشغله بدن المصلی أو یستقر علیه ولو بوسائط.

وباعتبار الطهارة : بما یلاقی بدن المصلی أو ثوبه کما سیجی ء بیانه إنشاء الله تعالی.

قوله : ( الصلاة فی الأماکن کلها جائزة ، بشرط أن یکون مملوکا أو مأذونا فیه ، والإذن قد تکون بعوض کالأجرة وشبهها ، وبالإباحة وهی إما صریحة کقوله : صل فیه ، أو بالفحوی کإذنه فی الکون فیه ، أو بشاهد الحال کما إذا کان هناک إمارة تشهد أن المالک لا یکره ).

مکان المصلی

اشتراط الإباحة فی مکان المصلی

ص: 215


1- إیضاح الفوائد 1 : 86.

______________________________________________________

أجمع العلماء کافة علی جواز الصلاة فی الأماکن کلها إذا کانت مملوکة أو مأذونا فیها. وینبغی أن یراد بالمملوک : مملوک المنفعة إما منفردة أو مع ملک العین ، فیندرج فیه مملوک العین والمنفعة ، والمستأجر ، والموصی بمنفعته ، والمحبس ، والمسکون. وبالمأذون فیه : الأعم من المأذون فیه خصوصا أو عموما ، منطوقا أو مفهوما أو بشاهد الحال.

وبالجملة فالمعتبر فی غیر المباح والمملوک للمصلی علمه برضاء المالک ، سواء کان الدال علی الرضا لفظا أو غیره.

وفی عبارة المصنف نظر من وجوه :

الأول : أنه جعل المستأجر من أقسام المأذون فیه الذی هو قسیم للمملوک ، وهو غیر جید ، لأن الإجارة تقتضی ملک المنفعة ، فکان الأولی إدراج المستأجر فی المملوک کما فعله غیره من الأصحاب.

الثانی : تمثیله - رحمه الله - للفحوی بالإذن فی الکون غیر واضح ، إذ المعهود من اصطلاحهم أنّ دلالة الفحوی هی مفهوم الموافقة ، وهو التنبیه بالأدنی علی الأعلی ، أی کون الحکم فی غیر المذکور أولی منه فی المذکور. باعتبار المعنی المناسب المقصود من الحکم ، کالإکرام (1) فی منع التأفیف. وقد مثل له هنا بإدخال الضیف فی المنزل للضیافة ، وهو إنما یتم مع ظهور المعنی المناسب المقصود من الإدخال وکونه فی غیر المذکور وهو الصلاة مثلا أتم منه فی المذکور.

الثالث : اکتفاؤه - رحمه الله - فی شاهد الحال بأن تکون هناک أمارة تشهد أنّ المالک لا یکره ، غیر مستقیم ، لأن الأمارة تصدق علی ما یفید الظن أو منحصرة فیه ، وهو غیر کاف هنا ، بل لا بد من إفادتها العلم کما بیناه.

ولا یقدح فی جواز الصلاة فی المکان بشاهد الحال جهالة المالک إن فرض

ص: 216


1- فی « س » : کالإلزام.

والمکان المغصوب لا تصحّ الصلاة فیه للغاصب ، ولا لغیره ممن علم الغصب ، فإن صلی عامدا عالما کانت صلاته باطلة.

______________________________________________________

العلم برضاه مع عدم تعینه ، بل قیل : إنه لا یقدح فی الجواز کون المکان لمولّی علیه (1) ، وهو کذلک ، إذ المفروض عدم تخیل ضرر بذلک التصرف عاجلا أو آجلا بحیث یسوغ للولی الإذن فیه ، ومتی ثبت جواز الإذن من الولی وجب الاکتفاء بإفادة القرائن الیقین برضاه ، کما لو کان المال لمکلف.

قوله : ( والمکان المغصوب لا تصح فیه الصلاة للغاصب ، ولا لغیره ممن علم بالغصب ، فإن صلی کانت صلاته باطلة ).

أجمع العلماء کافة علی تحریم الصلاة فی المکان المغصوب مع الاختیار. وأطبق علماؤنا علی بطلانها أیضا ، لأن الحرکات والسکنات الواقعة فی المکان المغصوب منهی عنها کما هو المفروض فلا یکون مأمورا بها ، ضرورة استحالة کون الشی ء الواحد مأمورا به ومنهیا عنه. وخالف فی ذلک أکثر العامة (2) ، فحکموا بصحتها بناء علی جواز کون الشی ء الواحد مأمورا به ومنهیا عنه ، واستدلوا علیه بأن السید إذا أمر عبده بخیاطة ثوب ونهاه عن الکون فی مکان مخصوص ثم خاطه فی ذلک المکان فإنه یکون مطیعا عاصیا لجهتی الأمر بالخیاطة والنهی عن الکون.

وجوابه أنّ المأمور به فی هذا المثال غیر المنهی عنه ، إذ المأمور به الخیاطة ، والمنهی عنه الکون ، وأحدهما غیر الآخر ، بخلاف الصلاة الواقعة فی المکان المغصوب فإن متعلق الأمر والنهی فیها واحد ، وهو الحرکات والسکنات المخصوصة.

فإن قلت : الکون فی الخیاطة واجب من باب المقدمة ، فإذا تعلق به النهی اجتمع الواجب والحرام فی الشی ء الواحد وهو الذی أنکرتموه.

ص: 217


1- کما فی الذکری : 150.
2- نقله عن أبی حنیفة ومالک وأحد قولی الشافعی ابن قدامة فی المغنی 1 : 758.

______________________________________________________

قلت : هذا الاجتماع إنما یقتضی فساد ذلک الکون خاصة لا الخیاطة ، ووجوبه علی تقدیر تسلیمه إنما هو من باب المقدمة ، والغرض من المقدمة التوصل إلی الواجب وإن کانت منهیا عنها ، لسقوط الطلب عندها ، کما فی سلوک الطریق المغصوب إلی المیقات عند وجوب الحج. فتأمل.

ومن هنا یظهر رجحان القول بصحة الطهارة الواقعة فی المکان المغصوب ، کما قطع به فی المعتبر (1) ، لأن الکون لیس جزءا منها ولا شرطا فیها فلا یؤثر تعلّق النهی به فی فسادها.

ولا فرق فی بطلان الصلاة فی المکان المغصوب بین مغصوب العین والمنفعة ، ولا فی الصلاة بین الیومیة وغیرها. وقال بعض العامة : یصلی الجمعة والعید والجنازة فی الموضع المغصوب ، لأن الإمام إذا صلی فی موضع مغصوب فامتنع الناس فاتتهم الصلاة ، ولهذا أبیحت الجمعة خلف الخوارج والمبتدعة (2). وهو غلط فاحش.

ولو أذن المالک للغاصب أو لغیره فی الصلاة ارتفع المنع قطعا لارتفاع النهی. وقال الشیخ فی المبسوط : لو صلی فی مکان مغصوب مع الاختیار لم تجز الصلاة فیه ، ولا فرق بین أن یکون هو الغاصب أو غیره ممن أذن له فی الصلاة ، لأنه إذا کان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فیه (3). والظاهر أنّ مراده - رحمه الله - بالآذن الغاصب کما ذکره العلامة رحمه الله (4) - وإن کان الوهم لا یذهب إلی احتمال الجواز مع إذنه - إذ لا تستقیم إرادة المالک للقطع بجواز الصلاة مع إذنه وإن بقی الغصب فی الجملة. وقال فی المعتبر : إنّ مراده بالآذن هنا المالک (5) وهو بعید جدا ، إذ لا وجه للبطلان علی هذا التقدیر.

ص: 218


1- المعتبر 2 : 109.
2- کما فی المغنی 1 : 758.
3- المبسوط 1 : 84.
4- التذکرة 1 : 87.
5- المعتبر 2 : 109.

وإن کان ناسیا أو جاهلا بالغصبیة صحّت صلاته ، ولو کان جاهلا بتحریم المغصوب لم یعذر. إذا ضاق الوقت وهو آخذ فی الخروج صحّت صلاته. ولو صلی ولم یتشاغل بالخروج لم تصحّ.

ولو حصل فی ملک غیره بإذنه ثم أمره بالخروج وجب

______________________________________________________

ووجهه الشهید فی الذکری بأن المالک لما لم یکن متمکنا من التصرف لم تفد إذنه الإباحة ، کما لو باعه فإن البیع یکون باطلا ولا یجوز للمشتری التصرف فیه (1). ولا ریب فی بطلان هذا التوجیه لمنع الأصل وبطلان القیاس.

قوله : ( وإن کان ناسیا أو جاهلا بالغصب صحت صلاته ، وإن کان جاهلا بتحریم المغصوب لم یعذر ).

أما صحة صلاة الجاهل بالغصب فموضع وفاق بین العلماء ، لأن البطلان تابع للنهی ، وهو إنما یتوجه إلی العالم. والأصح أنّ الناسی کذلک ، لارتفاع النهی بالنسبة إلیه ، ولهذا اتفق الکل علی عدم تأثیمه. أما الجاهل بالحکم فقد قطع الأصحاب بأنه غیر معذور لتقصیره فی التعلم ، وقوی بعض مشایخنا المحققین إلحاقه بجاهل الغصب لعین ما ذکر فیه (2) ، ولا یخلو من قوة.

قوله : ( وإذا ضاق الوقت وهو آخذ فی الخروج صحت صلاته ).

لأنهما حقان مضیقان فیجب الجمع بینهما بحسب الإمکان. ولا یخفی أنّ الخروج من المکان المغصوب واجب مضیق ولا معصیة فیه إذا خرج بما هو شرط فی الخروج من السرعة وسلوک أقرب الطرق وأقلها ضررا ، إذ لا معصیة بإیقاع المأمور به الذی لا نهی عنه. وذهب شاذ من الأصولیین إلی استصحاب حکم المعصیة علیه. وهو غلط إذ لو کان کذلک لم یمکن الامتثال فیلزم التکلیف بالمحال.

قوله : ( ولو حصل فی ملک غیره بإذنه ثم أمره بالخروج وجب

ص: 219


1- الذکری : 150.
2- مجمع الفائدة 2 : 110.

علیه. فإن صلی والحال هذه کانت باطلة. ویصلی وهو خارج إن کان الوقت ضیّقا.

ولا یجوز أن یصلی وإلی جانبه امرأة تصلی أو أمامه ، سواء صلّت بصلاته أو کانت منفردة ، وسواء کانت محرما أو أجنبیّة ، وقیل : ذلک مکروه ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

علیه ، ویصلی وهو خارج إن کان الوقت ضیقا ).

إذا حصل إنسان فی ملک غیره بإذنه علی وجه یسوغ له الدخول فی الصلاة ثم أمره بالخروج وجب علیه المبادرة إلی ذلک علی الفور لمنع التصرف فی مال الغیر بغیر إذنه فکیف مع تصریحه بما یقتضی النهی. ثم إن کان الوقت واسعا أخّر الصلاة إلی أن یخرج ، وإن تضیق الوقت خرج متشاغلا بالصلاة جمعا بین الحقین کما تقدم.

هذا إذا کان الأمر بالخروج قبل التلبس بالصلاة ، وإن کان بعده ففیه أوجه ، أظهرها القطع مع السعة والخروج متشاغلا مع الضیق.

وقوی الشهید فی الذکری والبیان الإتمام مع الاستقرار ، تمسکا بمقتضی الاستصحاب ، وأن الصلاة علی ما افتتحت علیه (1).

ویضعف بتوجه النهی المنافی للصحة ، وابتناء حق العباد علی التضییق.

وفصّل الشارح - قدس سره - فأوجب الاستمرار مطلقا إن کانت الإذن صریحة ، والقطع مع السعة ، والخروج متشاغلا مع الضیق إن کانت مطلقة (2). ویشکل بأن المفروض وقوع الإذن فی الاستقرار بقدر الصلاة وإلا لم یکن الدخول فیها مشروعا.

قوله : ( ولا یجوز أن یصلی وإلی جانبه امرأة تصلی أو أمامه ، سواء صلت بصلاته أو کانت منفردة ، وسواء کانت محرما أو أجنبیة ، وقیل : ذلک مکروه ، وهو الأشبه ).

حرمة صلاة الرجل وإلی جانبه أو أمامه امرأة تصلی

ص: 220


1- الذکری : 150 ، والبیان : 64.
2- المسالک 1 : 24.

______________________________________________________

ضمیر یصلی لا مرجع له ظاهرا ، ولا بد من إرجاعه إلی الرجل بمعونة المقام ، والحکم بالکراهة أو التحریم کما یتعلق بالرجل کذا یتعلق بالمرأة فلا وجه لقصره علی الرجل. وتحریر البحث أنه هل یجوز لکل من الرجل والمرأة أن یصلی إلی جانب الآخر؟ أو مع تقدم المرأة بحیث لا یکون بینهما حائل أو بعد عشرة أذرع؟ فیه قولان ، أظهرهما الجواز علی کراهة ، وهو اختیار المرتضی فی المصباح (1) ، وابن إدریس (2) ، وأکثر المتأخرین.

وقال الشیخان : لا یجوز أن یصلی الرجل وإلی جنبه امرأة تصلی ، سواء صلت بصلاته مقتدیة به أو لا ، فإن فعلا بطلت صلاتهما ، وکذا إن تقدمته (3) ، وهو اختیار ابن حمزة (4) وأبی الصلاح (5).

لنا : الأصل ، وإطلاق الأمر بالصلاة فلا یتقید إلا بدلیل ، وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یصلی الرجل بحذاء المرأة وهی تصلی » (6).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا کان بینها وبینه قدر ما یتخطی أو قدر عظم الذراع فلا بأس » (7).

وفی الصحیح عن معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سأله عن الرجل والمرأة یصلیان فی بیت واحد ، فقال : « إذا کان بینهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس » (8).

ص: 221


1- کما نقله عنه فی المعتبر 2 : 110.
2- السرائر : 57.
3- المفید فی المقنعة : 25 ، والشیخ فی النهایة : 100 ، والخلاف 1 : 152.
4- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 672.
5- الکافی فی الفقه : 120 لکن لم یتعرض فیه لذکر تقدمها علیه.
6- الفقیه 1 : 159 - 749 ، الوسائل 3 : 426 أبواب مکان المصلی ب 4 ح 4.
7- الفقیه 1 : 159 - 748 ، الوسائل 3 : 428 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 8.
8- الفقیه 1 : 159 - 747 ، الوسائل 3 : 428 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 7.

______________________________________________________

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أصلی والمرأة إلی جنبی وهی تصلی فقال : « لا ، إلا أن تتقدم هی أو أنت ، ولا بأس أن تصلی وهی بحذاک جالسة أو قائمة » (1).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن المرأة تصلی عند الرجل ، فقال : « لا تصلی المرأة بحیال الرجل إلا أن یکون قدامها ولو بصدره » (2).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی المرأة تصلی عند الرجل ، قال : « إذا کان بینهما حاجز فلا بأس » (3).

وفی الصحیح عن العلاء عن محمد ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی فی زاویة الحجرة وامرأته أو ابنته تصلی بحذاه فی الزاویة الأخری ، قال : « لا ینبغی ذلک فإن کان بینهما ستر أجزأه » (4) ولفظ لا ینبغی ظاهر فی الکراهة ، والظاهر أنّ الستر بالسین المهملة والتاء المثناة من فوق ، وقال الشیخ فی التهذیب : إنّ المعنی أنه إذا کان الرجل متقدما للمرأة بشبر أجزأ (5). وهو بعید.

ووجه الدلالة فی هذه الأخبار اشتراکها فی عدم اعتبار الحائل أو التباعد بالعشر ، وإذا انتفی ذلک ثبت الجواز مطلقا ، إذ لا قائل بالفصل. وعلی هذا فیجب حمل الأخبار المقیدة علی الاستحباب صونا للأخبار عن التنافی ، ولا ینافی ذلک اختلاف القیود ، لأن مراتب الفضیلة مختلفة. وبالجملة فهذا الاختلاف قرینة الاستحباب.

ص: 222


1- التهذیب 2 : 231 - 909 ، الوسائل 3 : 428 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 5.
2- التهذیب 2 : 379 - 1582 ، الإستبصار 1 : 399 - 1525 ، الوسائل 3 : 430 أبواب مکان المصلی ب 6 ح 2.
3- التهذیب 2 : 379 - 1580 ، الوسائل 3 : 431 أبواب مکان المصلی ب 8 ح 2.
4- الکافی 3 : 298 - 4 ، التهذیب 2 : 230 - 905 ، الإستبصار 1 : 398 - 1520 ، الوسائل 3 : 427 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 1 ، وفیها : شبر أجزأه.
5- التهذیب 2 : 230.

______________________________________________________

احتج المانعون (1) بموثقة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یستقیم له أن یصلی وبین یدیه امرأة تصلی؟ قال : « لا یصلی حتی یجعل بینه وبینها أکثر من عشرة [ أذرع ] (2) ، وإن کانت عن یمینه ویساره جعل بینه وبینها مثل ذلک ، فإن کانت تصلی خلفه فلا بأس وإن کانت تصیب ثوبه ، وإن کانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة فی غیر صلاة فلا بأس حیث کانت » (3).

وصحیحة محمد ، عن أحدهما علیهماالسلام . قال : سألته عن المرأة تزامل الرجل فی المحمل ، أیصلیان جمیعا؟ فقال : « لا ، ولکن یصلی الرجل فإذا فرغ صلت المرأة » (4).

وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن إمام کان فی الظهر فقامت امرأته بحیاله تصلی معه وهی تحسب أنها العصر ، هل یفسد ذلک علی القوم؟ وما حال المرأة فی صلاتها معهم وقد کانت صلت الظهر؟ قال : « لا یفسد ذلک علی القوم وتعید المرأة » (5).

والجواب بحمل النهی فی الروایتین الأولتین علی الکراهة ، وحمل الأمر بالإعادة فی الروایة الأخیرة علی الاستحباب ، صونا للأخبار عن التنافی ، مع أنّ الأمر بالإعادة لا یتعین کونه بسبب المحاذاة ، لاحتمال أن یکون وجهه اقتداءها فی صلاة العصر بمن یصلی الظهر مع اعتقادها أنها العصر ، فلا یدل علی أحد الأمرین نصا.

ص: 223


1- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 153.
2- کذا فی جمیع النسخ ، وفی المصادر : عشرة أذرع.
3- التهذیب 2 : 231 - 911 ، الإستبصار 1 : 399 - 1526 ، الوسائل 3 : 430 أبواب مکان المصلی ب 7 ح 1. أثبتناه من المصدر.
4- الکافی 3 : 298 - 4 ، التهذیب 2 : 231 - 907 ، الإستبصار 1 : 399 - 1522 ، الوسائل 3 : 427 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 2.
5- التهذیب 2 : 379 - 1583 ، الوسائل 3 : 432 أبواب مکان المصلی ب 9 ح 1.

ویزول التحریم أو الکراهیة إذا کان بینهما حائل أو مقدار عشرة أذرع.

______________________________________________________

وأعلم أنه یشترط فی تعلق الحکم بکل منهما کراهة وتحریما صحة صلاة الآخر لولا المحاذاة ، إذ الفاسدة (1) کالعدم. نعم لا بد من العلم بفسادها قبل الشروع ولو بالإخبار ، ولو وقع بعده لم یعتد به ، للحکم ببطلان الصلاة ظاهرا بالمحاذاة وإن ظهر خلافه بعده.

ولو لم یعلم أحدهما بالآخر إلا بعد الصلاة صحت الصلاتان ، وفی الأثناء یستمر مطلقا علی الأظهر. وینبغی القطع بصحة الصلاة المتقدمة لسبق انعقادها وفساد المتأخرة خاصة ، ومع الاقتران تبطل الصلاتان ، لعدم الأولویة. هذا کله مع الاختیار ، أما مع الاضطرار فلا کراهة ولا تحریم.

قوله : ( ویزول التحریم أو الکراهة إذا کان بینهما حائل أو مقدار عشرة أذرع ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی المعتبر (2). أما زوالهما بالحائل فظاهر ، للأصل واختصاص الروایات المانعة بما إذا لم یکن هناک حائل. ویعتبر فیه کونه جسما کالحائط والستر ، ولا یعتد بنحو الظلمة وفقد البصر منهما ، ولا بتغمیض الصحیح عینه قطعا.

وأما زوالهما بالتباعد المذکور ، فاستدلوا علیه بموثقة عمار المتقدمة (3) ، وهی إنما تعطی اعتبار التباعد بأکثر من العشر ، ولا یضر ضعف سندها لأنها مطابقة لمقتضی الأصل وسالمة مما یصلح للمعارضة ، ومبدأ التقدیر من موقف المصلی ، ویحتمل اعتباره من موضع السجود.

ولو کان أحدهما علی مرتفع بحیث لا یبلغ من موقف الآخر إلی أساس ذلک المرتفع عشرة أذرع ولو قدّر إلی موقفه إما مع الحائط مثلا أو ضلع المثلث

ص: 224


1- لفقد طهارة مثلا ( الجواهر 8 : 313 ).
2- المعتبر 2 : 111.
3- فی ص 223.

ولو کانت وراءه بقدر ما یکون موضع سجودها محاذیا لقدمه سقط المنع. ولو حصلا فی موضع لا یتمکنان من التباعد صلی الرجل أولا. ولا بأس أن یصلی فی الموضع النجس إذا کانت نجاسته لا تتعدی إلی ثوبه ولا إلی بدنه وکان موضع الجبهة طاهرا.

______________________________________________________

الخارج من موقفه إلی موقف الآخر بلغه ففی اعتبار أیّها نظر. ویحتمل قویا سقوط المنع مع عدم التساوی فی الموقف.

قوله : ( ولو حصلا فی موضع لا یتمکنان من التباعد صلی الرجل أولا ).

المستند فی ذلک ما رواه محمد - وهو ابن مسلم - فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن المرأة تزامل الرجل فی المحمل ، أیصلیان جمیعا؟ فقال : « لا ، ولکن یصلی الرجل فإذا فرغ صلت المرأة » (1) ولو کان المکان ملک المرأة لم یجب علیها التأخر قطعا. نعم یمکن القول باستحبابه. ولو ضاق الوقت سقط الوجوب والاستحباب.

قوله : ( ولا بأس أن یصلی الرجل فی الموضع النجس إذا کانت نجاسته لا تتعدی إلی ثوبه ولا إلی بدنه وکان موضع الجبهة طاهرا ).

ما اختاره المصنف من عدم اشتراط طهارة المکان ما عدا موضع الجبهة إذا لم تکن نجاسته متعدیة إلی بدن المصلی أو ثوبه قول أکثر الأصحاب ، ونقل عن أبی الصلاح أنه اعتبر طهارة موضع المساجد السبعة (2) ، وعن المرتضی أنه اعتبر طهارة جمیع مکان المصلی (3) ، والمعتمد الأول.

لنا علی طهارة موضع السجود : اتفاق العلماء ، فإن کل من اعتبر الطهارة فی الصلاة اعتبر طهارة موضع السجود. وإن اختلفوا فیما عداه ، حکی ذلک

اشتراط طهارة موضع السجود

ص: 225


1- المتقدم فی ص 223.
2- الکافی فی الفقه : 140.
3- نقله عنه فی إیضاح الفوائد 1 : 90 ، والذکری : 150.

______________________________________________________

المصنف فی المعتبر (1) ، فإن تمّ فهو الحجة ، وإلا أمکن المناقشة فی هذا الحکم ، لعدم الظفر بدلیله.

ولنا علی عدم اعتبار طهارة غیره مع عدم التعدی : الأصل ، والإطلاقات المعلومة السالمة مما یصلح للتقیید ، وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : أنه سأله عن البیت والدار لا تصیبهما الشمس ویصیبهما البول ویغتسل فیهما من الجنابة ، أیصلی فیهما إذا جفا؟ قال : « نعم » (2) وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الشاذکونة یکون علیها الجنابة ، أیصلی علیها فی المحمل؟ فقال : « لا بأس بالصلاة علیها » (3).

احتج القائلون (4) باعتبار طهارة المکان بنهیه علیه السلام عن الصلاة فی المجزرة والمزبلة والحمامات (5) ، وهی مواطن النجاسة فتکون الطهارة معتبرة.

وأجیب عنه - بعد تسلیم التعلیل - بجواز أن تکون علة النهی ما فی هذه الأماکن من الاستخباث والاستقذار الدال علی مهانة نفس من یستقر بها. وإذا اختصت بمزید الاستقذار والاستهانة لم یلزم من المنع من الصلاة فیها المنع من غیرها مما لا ینتهی فی الاستقذار إلی حدها ، مع أنّ النهی عن الصلاة فی هذه الأماکن للکراهة لا للتحریم. ولم أقف لأبی الصلاح فی اعتبار طهارة مواضع المساجد علی حجة.

ولا یخفی أنه یجب تقیید المنع من الصلاة فی الموضع النجس مع تعدی نجاسته إلی المصلی بکون تلک النجاسة غیر معفو عنها ، إذ لا منع مع العفو ، وقد صرح بذلک الشهید فی الذکری فقال : ولو کان المکان نجسا بما عفی عنه

ص: 226


1- المعتبر 1 : 433.
2- الفقیه 1 : 158 - 736 ، قرب الاسناد : 90 ، الوسائل 2 : 1043 أبواب النجاسات ب 30 ح 1.
3- الفقیه 1 : 158 - 739 ، التهذیب 2 : 369 - 1537 ، الإستبصار 1 : 393 - 1499 ، الوسائل 2 : 1044 أبواب النجاسات ب 30 ح 3.
4- نقله عن المرتضی فی إیضاح الفوائد 1 : 92.
5- سنن ابن ماجة 1 : 246 - 746.

وتکره الصلاة فی الحمام ،

______________________________________________________

کدون الدرهم دما ویتعدی فالظاهر أنه عفو ، لأنه لا یزید علی ما هو علی المصلی (1).

ونقل المحقق الشیخ فخر الدین فی شرح القواعد عن والده أنه قال : الإجماع منا واقع علی اشتراط خلو المکان من نجاسة متعدیة وإن کانت معفوا عنها فی الثوب والبدن (2). وهو غیر واضح ، والإجماع ممنوع مع أنّ تعلیله فی التذکرة والمنتهی یقتضی الاشتراط (3).

قوله : ( وتکره الصلاة فی الحمام ).

لورود النهی عنه فی روایة عبد الله بن الفضل ، عمن حدثه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « عشرة مواضع لا یصلی فیها : الطین ، والماء ، والحمام ، والقبور ، ومسان الطرق ، وقری النمل ، ومعاطن الإبل ، ومجری الماء ، والسبخ ، والثلج » (4) وهی مع ضعف سندها معارضة بما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام : أنه سأله عن الصلاة فی بیت الحمام فقال : « إذا کان الموضع نظیفا فلا بأس » (5).

ونقل عن أبی الصلاح أنه منع من الصلاة فی الحمام وتردد فی الفساد (6) ، وهو ضعیف جدا.

وهل المسلخ من الحمام؟ احتمله فی التذکرة (7) وبنی الاحتمال علی علة

الأماکن التی تکره فیها الصلاة

ص: 227


1- الذکری : 150.
2- إیضاح الفوائد 1 : 90.
3- یعنی به اشتراط عدم کونه معفوا عنه کما یستفاد ذلک من استدلاله فی التذکرة 1 : 78 ، والمنتهی 1 : 242.
4- الکافی 3 : 390 - 12 ، الفقیه 1 : 156 - 725 ، الخصال : 434 - 21.
5- الفقیه 1 : 156 - 727 ، الوسائل 3 : 466 أبواب مکان مکان المصلی ب 34 ح 1.
6- الکافی فی الفقه : 141.
7- التذکرة 1 : 88.

وبیوت الغائط ، ومبارک الإبل ،

______________________________________________________

النهی ، فإن کانت النجاسة لم تکره ، وإن کان کشف العورة فیکون مأوی الشیاطین کرهت ، وهو مبنی ضعیف ، لجواز أن لا یکون الحکم معللا ، أو تکون العلة غیر ما ذکره. أما سطح الحمام فلا تکره الصلاة فیه قطعا.

قوله : ( وبیوت الغائط ).

أی المواضع المعدّة لذلک ، لأنها مظنة النجاسة ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مروان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إنّ جبرائیل علیه السلام أتانی فقال : إنّا معاشر الملائکة لا ندخل بیتا فیه کلب ، ولا تمثال جسد ، ولا إناء یبال فیه » (1) وعن عمرو بن خالد ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال جبرائیل علیه السلام : یا رسول الله إنّا لا ندخل بیتا فیه صورة إنسان ، ولا بیتا یبال فیه ، ولا بیتا فیه کلب » (2) ونفور الملائکة منه یؤذن بکونه لیس موضع رحمة ، فلا یصلح أن یتخذ للعبادة.

وقال المفید فی المقنعة : لا تجوز الصلاة فی بیوت الغائط (3). والظاهر أنه یرید بذلک الکراهة.

قوله : ( ومبارک الإبل ).

مبارک الإبل : هی مواضعها التی تأوی إلیها للمقام والشرب. وإطلاق عبارات الأصحاب یقتضی کراهة الصلاة فی المبارک سواء کانت الإبل غائبة عنها أم حاضرة. والمستند ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إذا أدرکتکم الصلاة وأنتم فی أعطان الإبل فاخرجوا منها وصلوا فإنها جن من جن

ص: 228


1- التهذیب 2 : 377 - 1570 ، الوسائل 3 : 464 أبواب مکان المصلی ب 33 ح 1.
2- الکافی 3 : 393 - 26 ، التهذیب 2 : 377 - 1569 ، المحاسن : 615 - 4.
3- المقنعة : 25.

ومساکن النمل ، ومجری المیاه ،

______________________________________________________

خلقت ، ألا ترونها إذا نفرت کیف تشمخ بأنفها » (1) وما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة فی مرابض الغنم فقال : « صل فیها ولا تصل فی أعطان الإبل إلا أن تخاف علی متاعک الضیعة ، فاکنسه ورشه بالماء وصل » (2).

وقد صرح المصنف (3) والعلامة (4) بأن المراد بأعطان الإبل مبارکها ، ومقتضی کلام أهل اللغة أنها أخص من ذلک ، فإنهم قالوا : معاطن الإبل مبارکها حول الماء لتشرب عللا بعد نهل (5). والعلل : الشرب الثانی ، والنهل : الشرب الأول ، لکن الظاهر عدم تعقل الفرق بین موضع الشرب وغیره ، وینبه علیه التعلیل المستفاد من الحدیث النبوی.

ونقل عن أبی الصلاح أنه منع من الصلاة فی أعطان الإبل (6) ، وهو ظاهر اختیار المفید فی المقنعة (7) ، أخذا بظاهر النهی ، ولا ریب أنه أحوط.

قوله : ( ومساکن النمل ومجری المیاه ).

لورود النهی عنهما فی مرسلة عبد الله الفضل (8) ، والمراد بمجری المیاه : الأمکنة المعدة لجریانها فیها.

وقیل : تکره الصلاة فی بطون الأودیة التی یخاف فیها هجوم السیل (9) ،

ص: 229


1- سنن البیهقی 3 : 449 - 5.
2- الفقیه 1 : 157 - 729 ، التهذیب 2 : 220 - 865 ، الوسائل 3 : 443 أبواب مکان المصلی ب 17 ح 2.
3- المعتبر 2 : 112.
4- المنتهی 1 : 245.
5- قاله الجوهری فی الصحاح 6 : 2165 ، والفیروزآبادی فی القاموس المحیط 4 : 250.
6- الکافی فی الفقه : 141.
7- المقنعة : 25.
8- المتقدمة فی ص 227.
9- کما فی الذکری : 152.

وأرض السبخة ، والثلج ، وبین المقابر إلا أن یکون حائل ولو عنزة أو بینه وبینها عشر أذرع ،

______________________________________________________

قال فی النهایة : فإن أمن السیل احتمل بقاء الکراهة اتباعا لظاهر النهی ، وعدمها لزوال موجبها (1). ولم أقف علی ما ادعاه من الإطلاق.

قوله : ( وأرض السبخة والثلج ).

لعدم کمال تمکن الجبهة من الأرض فیهما ، ولقوله علیه السلام فی حسنة الحلبی : « وکره الصلاة فی السبخة إلا أن یکون مکانا لینا تقع علیه الجبهة مستویة » (2). وفی روایة داود الصرمی : « إن أمکنک أن لا تسجد علی الثلج فلا تسجد ، وإن لم یمکنک فسوّه واسجد علیه » (3).

قوله : ( وبین المقابر إلا أن یکون حائل ولو عنزة ، أو بینه وبینها عشر أذرع ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی بین القبور ، قال : « لا یجوز ذلک إلا أن یجعل بینه وبین القبور إذا صلی عشرة أذرع من بین یدیه ، وعشرة أذرع من خلفه ، وعشرة أذرع عن یمینه ، وعشرة أذرع عن یساره ، ثم یصلی إن شاء » (4) وهی محمولة علی الکراهة ، جمعا بینها وبین ما دل علی الجواز مطلقا کصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن الماضی علیه السلام

ص: 230


1- نهایة الأحکام 1 : 344.
2- الکافی 3 : 388 - 5 ، الفقیه 1 : 157 - 729 ، الوسائل 3 : 446 أبواب مکان المصلی ب 20 ح 1. ولکن الذی یظهر منها أنه من کلام الراوی وهو الأصح وإلا کان الأولی أن یقول : وتکره.
3- الکافی 3 : 390 - 14 ، الفقیه 1 : 169 - 798 ، التهذیب 2 : 310 - 1256 ، الوسائل 3 : 457 أبواب مکان المصلی ب 28 ح 3.
4- التهذیب 2 : 227 - 896 ، الإستبصار 1 : 397 - 1513 ، الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25 ح 6 ، 7

______________________________________________________

عن الصلاة بین القبور ، هل تصلح؟ قال : « لا بأس » (1) وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : إنه سأله عن الصلاة بین القبور ، هل تصلح؟ قال : « لا بأس » (2).

وقال المفید فی المقنعة : ولا تجوز الصلاة إلی شی ء من القبور حتی یکون بینه وبینه حائل ولو قدر لبنة ، أو عنزة منصوبة ، أو ثوب موضوع (3).

واحتج له فی المختلف (4) بروایة معمر بن خلاد ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة بین المقابر ما لم یتخذ القبر قبلة » (5).

والجواب أولا بالطعن فی السند باشتماله علی معاویة بن حکیم ، وقیل : إنه کان فطحیا (6).

وثانیا بقصورها عن إفادة التحریم فإن البأس أعم من المحرم ، والتوجه إلی القبر لا یستلزم اتخاذه قبلة.

وبالجملة فهذه الروایة لا تصلح لتخصیص الأخبار الصحیحة المطابقة للإطلاقات المعلومة.

وقد قطع الأصحاب بزوال الکراهة والتحریم بالحائل أو التباعد المذکور ، ولا بأس به ، قصرا لما خالف الأصل علی موضع الوفاق ، ونظرا إلی أنّ ظاهر الأخبار المانعة (7) ارتفاع الحائل بین المصلی والقبر. نعم فی الاکتفاء فیه بالعنزة

ص: 231


1- التهذیب 2 : 374 - 1555 ، الإستبصار 1 : 397 - 1515 ، الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25 ح 4.
2- الفقیه 1 : 158 - 737 ، الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25 ح 1.
3- المقنعة : 25.
4- المختلف : 84.
5- التهذیب 2 : 228 - 897 ، الإستبصار 1 : 397 - 1514 ، الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25 ح 3.
6- کما فی رجال الکشی 2 : 835 - 1062 ، ورجال ابن داود : 191 - 1585.
7- الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25.

وبیوت النیران ،

______________________________________________________

ونحوها نظر ، لانتفاء التسمیة وعدم الظفر بما یدل علیه علی الخصوص.

قال المفید فی المقنعة : وقد روی أنه لا بأس بالصلاة إلی قبلة فیها قبر إمام ، والأصل ما قدمناه (1) ، وأشار بالروایة إلی ما رواه شیخ هذه الطائفة وعالمها محمد بن أحمد بن داود ، عن والده الثقة الصدوق ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحمیری ، قال : کتبت إلی الفقیه أسأله عن الرجل یزور قبور الأئمة : هل یجوز أن یسجد علی القبر أم لا؟

وهل یجوز لمن صلی عند قبورهم أن یقوم وراء القبر ویجعل القبر قبلة ویقوم عند رأسه ورجلیه؟

وهل یجوز أن یتقدم القبر ویصلی ویجعله خلفه أم لا؟

فأجاب وقرأت التوقیع ومنه نسخت : « أما السجود علی القبر فلا یجوز فی نافلة ولا فریضة ولا زیارة ، بل یضع خده الأیمن علی القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه یجعله الإمام ، ولا یجوز أن یصلی بین یدیه لأن الإمام لا یتقدم » (2).

ولا بأس بالعمل بهذه الروایة لصحتها ومطابقتها لمقتضی الأصل والعمومات ، وذکر المصنف فی المعتبر أنها ضعیفة شاذة (3). وهو غیر واضح.

قوله : ( وبیوت النیران ).

المراد ببیوت النیران : ما أعدت لإضرام النار فیها عادة کالفرن والأتون وإن لم تکن مواضع عادتها. وإنما کرهت الصلاة فی هذه الأماکن لأن فی الصلاة فیها تشبها بعبادتها ، کذا ذکره العلامة فی جملة من کتبه (4) ، وهو ضعیف جدا ، والأصح اختصاص الکراهة بمواضع عباد النیران ، لأنها لیست موضع رحمة فلا تصلح لعبادة الله تعالی.

ص: 232


1- المقنعة : 25.
2- التهذیب 2 : 228 - 898 ، الوسائل 3 : 454 أبواب مکان المصلی ب 26 ح 1 ، 2.
3- المعتبر 2 : 115.
4- التذکرة 1 : 88 ، والمنتهی 1 : 247.

وبیوت الخمور إذا لم تتعد إلیه نجاستها ، وجوادّ الطرق ،

______________________________________________________

قوله : ( وبیوت الخمور إذا لم تتعد إلیه نجاستها ).

لقوله علیه السلام فی موثقة عمار : « ولا تصل فی بیت فیه خمر أو مسکر » (1). ومنع الصدوق فی من لا یحضره الفقیه من الصلاة فی بیت فیه خمر محروز فی آنیة (2) مع أنه حکم بطهارة الخمر ، واستبعده المتأخرون لذلک ، ولا بعد فیه ورود النص به.

قوله : ( وجوادّ الطرق ).

جواد الطرق هی العظمی منها ، وهی التی یکثر سلوکها. والحکم بکراهة الصلاة فیها مذهب الأکثر ، ومستنده صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یصلی بین الظواهر ، وهی الجوادّ ، جواد الطرق ، ویکره أن یصلی فی الجواد » (3).

وقال المفید فی المقنعة : لا تجوز الصلاة علی جوادّ الطرق (4). وربما کان مستنده صحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی السفر فقال : « لا تصلّ علی الجادة واعتزل علی جانبیها » (5) وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن الصلاة فی ظهر الطریق فقال : « لا بأس بأن تصلی فی الظواهر التی بین الجواد ، فأما الجواد فلا تصل فیها » (6).

ص: 233


1- الکافی 3 : 392 - 24 ، التهذیب 2 : 377 - 1568 ، الوسائل 3 : 449 أبواب مکان المصلی ب 21 ح 1.
2- الفقیه 1 : 43 ، 159.
3- الکافی 3 : 389 - 10 ، التهذیب 2 : 375 - 1560 ، الوسائل 3 : 444 أبواب مکان المصلی ب 19 ح 1.
4- المقنعة : 25.
5- التهذیب 2 : 221 - 869 ، الوسائل 3 : 445 أبواب مکان المصلی ب 19 ح 5.
6- الکافی 3 : 388 - 5 ، التهذیب 2 : 220 - 865 ، الوسائل 3 : 445 أبواب مکان المصلی ب 19 ح 2.

وبیوت المجوس ، ولا بأس بالبیع والکنائس.

______________________________________________________

والأجود حمل النهی علی الکراهة جمعا بین الأدلة ، ولو فرض تعطیل المارة (1) بالصلاة وجب القول بفسادها إذا کانت الطریق موقوفة لا محیاة لأجل المرور ، ویحتمل عدم الفرق.

قوله : ( وبیوت المجوس ).

عللت الکراهة بعدم انفکاکها من النجاسة. وقد قطع الأصحاب بزوال الکراهة برش الأرض ، ویدل علیه صحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة فی البیع والکنائس وبیوت المجوس قال : « رشه وصلّ » (2).

قوله : ( ولا بأس بالبیع والکنائس ).

المراد أنه تجوز الصلاة فیهما من غیر کراهة ، وتدل علیه صحیحة ابن سنان المتقدمة ، وصحیحة العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البیع والکنائس یصلی فیها؟ فقال : « نعم » قال : وسألته هل یصلح نقضها مسجدا؟ فقال : « نعم » (3).

ونقل عن ابن إدریس (4) وابن البراج (5) أنهما کرها الصلاة فی البیع والکنائس محتجین بعدم انفکاکها من النجاسة ، وهو ضعیف.

واعلم أن إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی جواز الصلاة فی البیع والکنائس مطلقا ، واحتمل الشهید فی الذکری توقفها علی إذن أهل الذمة تبعا لغرض الواقف وعملا بالقرینة (6).

ص: 234


1- فی « ح » زیادة : الجادة.
2- التهذیب 2 : 222 - 875 ، الوسائل 3 : 438 أبواب مکان المصلی ب 13 ح 2.
3- التهذیب 2 : 222 - 874 ، الوسائل 3 : 438 أبواب مکان المصلی ب 13 ح 1 وفیه : بعضها بدل نقضها.
4- السرائر : 58.
5- المهذب 1 : 76.
6- الذکری : 152.

ویکره أن تکون بین یدیه نار مضرمة علی الأظهر ،

______________________________________________________

وهو مدفوع بإطلاق النصوص مع عدم ثبوت جریان ملکهم علیها وأصالة عدم احترامها ، مع أنه لو ثبتت مراعاة غرض الواقف اتجه المنع مطلقا ، إلا أن تعلم إناطة ذلک برأی الناظر فیتجه اعتبار إذنه خاصة.

قوله : ( ویکره أن تکون بین یدیه نار مضرمة ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی والسراج موضوع بین یدیه فی القبلة فقال : « لا یصلح له أن یستقبل النار » (1).

وفی الموثق عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یصلی الرجل وفی قبلته نار أو حدید » قلت : أله أن یصلی وبین یدیه مجمرة شبه؟ قال : « نعم ، فإن کان فیها نار فلا یصلی حتی ینحیها عن قبلته » وعن الرجل یصلی وبین یدیه قندیل معلق فیه نار إلا أنه بحیاله ، قال : « إذا ارتفع کان أشرّ ، لا یصلی بحیاله » (2).

وقال أبو الصلاح : لا یجوز التوجه إلی النار (3) ، أخذا بظاهر الروایتین.

والأولی حملهما علی الکراهة لضعف الثانیة من حیث السند وعدم صراحة الأولی فی التحریم.

قال الصدوق فی کتابه بعد أن أورد روایة علی بن جعفر : هذا هو الأصل الذی یجب أن یعمل به. فأما الحدیث الذی یروی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا بأس أن یصلی الرجل والنار والسراج والصورة بین یدیه ، لأن الذی یصلی له أقرب إلیه من الذی بین یدیه » فهو حدیث یروی عن ثلاثة من المجهولین بإسناد منقطع - إلی أن قال - : ولکنها رخصة اقترنت بها علة صدرت

ص: 235


1- الفقیه 1 : 162 - 763 ، التهذیب 2 : 225 - 889 ، الإستبصار 1 : 396 - 1511 ، الوسائل 3 : 459 أبواب مکان المصلی ب 30 ح 1.
2- التهذیب 2 : 225 - 888 ، الوسائل 3 : 459 أبواب مکان المصلی ب 30 ح 2.
3- نقله فی المختلف : 85.

أو تصاویر. وکما تکره الفریضة [ فی ] جوف الکعبة تکره علی سطحها. وتکره فی مرابط الخیل والحمیر والبغال ،

______________________________________________________

عن ثقات ثم اتصلت بالمجهولین والانقطاع ، فمن أخذ بها لم یکن مخطئا بعد أن یعلم أن الأصل هو النهی وأن الإطلاق هو رخصة والرخصة رحمة (1). وربما کان فی هذا الکلام شهادة منه بصحة الروایة ، ولا ریب أنّ الاحتیاط یقتضی تجنب استقبال النار مضرمة کانت أم لا ، ولا وجه للتقیید بالمضرمة لعموم الجواب.

قوله : ( أو تصاویر ).

أی وتکره الصلاة إذا کان بین یدی المصلی تصاویر ، وتدل علی ذلک صحیحة محمد بن مسلم قال « ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أصلی والتماثیل قدامی وأنا أنظر إلیها فقال : « لا ، اطرح علیها ثوبا ، ولا بأس بها إذا کانت عن یمینک أو شمالک أو خلفک أو تحت رجلک أو فوق رأسک ، وإن کانت فی القبلة فألق علیها ثوبا وصلّ » (2) وصحیحة الحلبی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ربما قمت أصلی وبین یدی الوسادة فیها تماثیل طیر فجعلت علیها ثوبا » (3).

قوله : ( وکما تکره الفریضة فی جوف الکعبة تکره علی سطحها ).

لما رواه ابن بابویه ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن أمیر المؤمنین علیهم السلام : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله نهی عن الصلاة فی أماکن وعدّ منها الصلاة علی ظهر الکعبة » (4) وفی الطریق ضعف (5).

قوله : ( وتکره فی مرابض الخیل والحمیر والبغال ).

ص: 236


1- الفقیه 1 : 162 - 764 ، الوسائل 3 : 459 أبواب مکان المصلی ب 30 ح 4.
2- التهذیب 2 : 226 - 891 ، الإستبصار 1 : 394 - 1502 ، الوسائل 3 : 461 أبواب مکان المصلی ب 32 ح 1.
3- التهذیب 2 : 226 - 892 ، الوسائل 3 : 461 أبواب مکان المصلی ب 32 ح 2.
4- الفقیه 4 : 5 - 1 ، الوسائل 3 : 453 أبواب مکان المصلی ب 25 ح 2.
5- لأن طریق الصدوق إلی شعیب بن واقد ضعیف بحمزة بن محمد إذ لم یوثق وبعبد العزیز بن محمد فإنه مجهول ( راجع معجم رجال الحدیث 9 : 34 ).

ولا بأس بمرابض الغنم ، وفی بیت فیه مجوسی ، ولا بأس بالیهودی والنصرانی. وتکره وبین یدیه مصحف مفتوح ،

______________________________________________________

لعدم انفکاکها من النجاسة غالبا ، ولما رواه الشیخ عن سماعة ، قال : سألته عن الصلاة فی أعطان الإبل وفی مرابض البقر والغنم فقال : « إن نضحته بالماء وقد کان یابسا فلا بأس بالصلاة فیها ، فأما مرابض الخیل والبغال فلا » (1) ونقل عن أبی الصلاح أنه منع من الصلاة فی هذه الأماکن (2) ، وهو ضعیف.

قوله : ( ولا بأس بمرابض الغنم ).

المراد أنه لا تکره الصلاة فیها ، وقد روی الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة فی مرابض الغنم فقال : « صل فیها » (3) وأقل مراتب الأمر الإباحة.

قوله : ( وفی بیت فیه مجوسی ، ولا بأس بالیهودی والنصرانی ).

روی ذلک الکلینی - رضی الله عنه - عن أبی أسامة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تصل فی بیت فیه مجوسی ، ولا بأس أن تصلی وفیه یهودی أو نصرانی » (4).

قوله : ( وتکره وبین یدیه مصحف مفتوح ).

لروایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی وبین یدیه مصحف مفتوح فی قبلته قال : « لا » قلت : فإن کان فی غلاف قال : « نعم » (5).

ص: 237


1- التهذیب 2 : 220 - 867 ، الإستبصار 1 : 395 - 1506 ، الوسائل 3 : 443 أبواب مکان المصلی ب 17 ح 4.
2- الکافی فی الفقه : 141.
3- الکافی 3 : 388 - 5 ، الفقیه 1 : 157 - 729 ، التهذیب 2 : 220 - 865 ، الوسائل 3 : 443 أبواب مکان المصلی ب 17 ح 2.
4- الکافی 3 : 389 - 6 ، الوسائل 3 : 442 أبواب مکان المصلی ب 16 ح 1.
5- الکافی 3 : 390 - 15 ، الفقیه 1 : 165 - 776 ، التهذیب 2 : 225 - 888 ، الوسائل 3 : 456 أبواب مکان المصلی ب 27 ح 1.

أو حائط ینز من بالوعة یبال فیها ، وقیل : تکره إلی إنسان مواجه أو باب مفتوح.

______________________________________________________

وألحق به الشارح کل مکتوب ومنقوش (1) ، وهو جید للمسامحة فی أدلة السنن ، وإن کان للمناقشة فی أمثال هذه المعانی المستنبطة مجال.

قوله : ( أو حائط ینز من بالوعة ).

لأن ذلک مناف لتعظیم الصلاة ، ولما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عمن سأل أبا عبد الله علیه السلام : عن المسجد ینز حائط قبلته من بالوعة یبال فیها فقال : « إن کان نزّه من البالوعة فلا تصل فیه ، وإن کان نزّه من غیر ذلک فلا بأس به » (2) ولا ریب أنّ الغائط أفحش من البول فالکراهة فیه أولی. وروی الفضیل بن یسار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أقوم فی الصلاة فأری قدامی فی القبلة العذرة فقال : « تنح عنها ما استطعت » (3).

قوله : ( وقیل تکره إلی إنسان مواجه أو باب مفتوح ).

القائل بذلک أبو الصلاح الحلبی رحمه الله (4) ، ولم نقف علی مأخذه ، قال فی المعتبر : وهو أحد الأعیان فلا بأس باتباع فتواه (5).

فائدة : یستحب للمصلی السترة فی قبلته إجماعا منا ، وحکاه فی المنتهی عن عامة أهل العلم (6). وتتحقق فی البناء بالقرب من الحائط والساریة ونحوهما ، وفی الصحراء بنصب شاخص ونحوه.

ص: 238


1- المسالک 1 : 25.
2- الکافی 3 : 388 - 4 ، الوسائل 3 : 444 أبواب مکان المصلی ب 18 ح 2.
3- الکافی 3 : 391 - 17 ، التهذیب 2 : 376 - 1563 ، الوسائل 3 : 460 أبواب مکان المصلی ب 31 ح 1.
4- نقله عنه فی التذکرة 1 : 88.
5- المعتبر 2 : 116.
6- المنتهی 1 : 247.

______________________________________________________

وقد ورد بذلک أخبار کثیرة ، فروی معاویة بن وهب فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یجعل العنزة بین یدیه إذا صلی » (1).

وروی أبو بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان طول رحل رسول الله صلی الله علیه و آله ذراعا ، وکان إذا صلی وضعه بین یدیه یستتر به ممن یمر بین یدیه » (2) وقال علیه السلام : « لا یقطع الصلاة شی ء ، کلب ولا حمار ولا امرأة ولکن استتروا بشی ء ، فإن کان بین یدیک قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت » (3).

وروی عبد الله بن المغیرة ، عن غیاث ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إنّ النبی صلی الله علیه و آله وضع قلنسوة وصلی إلیها » (4).

وروی محمد بن إسماعیل ، عن الرضا علیه السلام فی الرجل یصلی ، قال : « یکون بین یدیه کومة من تراب أو یخط بین یدیه بخط » (5).

ویستحب الدنو من السترة بمربض عنز إلی مربض فرس ، قاله الأصحاب.

وسترة الإمام سترة لمن خلفه.

ص: 239


1- الکافی 3 : 296 - 1 ، التهذیب 2 : 322 - 1316 ، الإستبصار 1 : 406 - 1548 ، الوسائل 3 : 436 أبواب مکان المصلی ب 12 ح 1.
2- الکافی 3 : 296 - 2 ، التهذیب 2 : 322 - 1317 ، الإستبصار 1 : 406 - 1549 ، الوسائل 3 : 437 أبواب مکان المصلی ب 12 ح 2.
3- الکافی 3 : 297 - 3 ، التهذیب 2 : 323 - 1317 ، الإستبصار 1 : 406 - 1551 ، الوسائل 3 : 435 أبواب مکان المصلی ب 11 ح 10.
4- التهذیب 2 : 379 - 1578 ، الإستبصار 1 : 406 - 1550 ، الوسائل 3 : 437 أبواب مکان المصلی ب 12 ح 5.
5- التهذیب 2 : 378 - 1574 ، الإستبصار 1 : 407 - 1555 ، الوسائل 3 : 437 أبواب مکان المصلی ب 12 ح 3.

______________________________________________________

ومکة - شرفها الله تعالی - کغیرها فی ذلک ، وبه قطع فی المنتهی (1). وقال فی التذکرة : لا بأس أن یصلی فی مکة بغیر سترة ، لأن النبی صلی الله علیه و آله صلی هناک ولیس بینه وبین الطواف سترة ، ولأن الناس یزدحمون هناک فلو منع المصلی من یجتاز بین یدیه ضاق علی الناس (2).

ص: 240


1- المنتهی 1 : 247.
2- التذکرة 1 : 89.

المقدمة السادسة :

فی ما یسجد علیه

لا یجوز السجود علی ما لیس بأرض ، کالجلود والصوف والشعر.

______________________________________________________

قوله : ( المقدمة السادسة ، لا یجوز السجود علی ما لیس بأرض ، کالجلود والصوف والشعر ).

أجمع الأصحاب علی أنه لا یجوز السجود علی ما لیس بأرض ولا نباتها.

ویدل علیه الأخبار المستفیضة کصحیحة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال له : أخبرنی عما یجوز السجود علیه وعمار لا یجوز؟ قال : « السجود لا یجوز إلا علی الأرض أو علی ما أنبتت الأرض إلا ما أکل أو لبس » فقال له : جعلت فداک ما العلة فی ذلک؟ قال : « لأن السجود خضوع لله عزّ وجلّ فلا ینبغی أن یکون علی ما یؤکل ویلبس ، لأن أبناء الدنیا عبید ما یأکلون ویلبسون ، والساجد فی سجوده فی عبادة الله عزّ وجلّ فلا ینبغی أن یضع جبهته فی سجوده علی معبود أبناء الدنیا الذین اغتروا بغرورها » (1).

وصحیحة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « السجود علی ما أنبتت الأرض إلا ما أکل أو لبس » (2).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : أسجد علی

ما یسجد علیه

عدم جواز السجود علی ما لیس بأرض

ص: 241


1- الفقیه 1 : 177 - 840 ، علل الشرائع : 341 - 1 ، الوسائل 3 : 591 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 1.
2- الفقیه 1 : 174 - 826 ، التهذیب 2 : 234 - 924 ، علل الشرائع : 341 - 3 ، الوسائل 3 : 592 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 2.

______________________________________________________

الزفت یعنی القیر؟ فقال : « لا ، ولا علی الثوب الکرسف ، ولا علی الصوف ، ولا علی شی ء من الحیوان ، ولا علی طعام ، ولا علی شی ء من ثمار الأرض ، ولا علی شی ء من الریاش » (1).

واعلم أنّ السجود علی الأرض أفضل من السجود علی النبات ، لأنه أبلغ فی الخضوع والتواضع لله تعالی ، ولما رواه الشیخ عن إسحاق بن الفضل : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن السجود علی الحصر والبواری فقال : « لا بأس ، وإن تسجد علی الأرض أحب إلیّ ، فإنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یحب أن یمکن جبهته من الأرض ، فأنا أحب لک ما کان رسول الله صلی الله علیه و آله یحبه » (2).

والأفضل السجود علی التربة الحسینیة صلوات الله علی مشرفها ، فروی الشیخ - رحمه الله - فی المصباح ، عن معاویة بن عمار ، قال : کان لأبی عبد الله علیه السلام خریطة دیباج صفراء فیها تربة أبی عبد الله علیه السلام ، فکان إذا حضرته الصلاة صبه علی سجادته وسجد علیه ، ثم قال : « إنّ السجود علی تربة أبی عبد الله علیه السلام یخرق الحجب » (3).

و (4) عن عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، قال : « لا یخلو المؤمن من خمسة : سواک ومشط وسجادة وسبحة فیها أربع

ص: 242


1- الکافی 3 : 330 - 2 ، التهذیب 2 : 303 - 1226 ، الإستبصار 1 : 331 - 1242 ، الوسائل 3 : 594 أبواب ما یسجد علیه ب 2 ح 1.
2- التهذیب 2 : 311 - 1263 ، الوسائل 3 : 609 أبواب ما یسجد علیه ب 17 ح 4.
3- مصباح المتهجد : 677 ، الوسائل 3 : 608 أبواب ما یسجد علیه ب 16 ح 3.
4- فی « س » ، « م » ، « ح » زیادة : ویستحب التسبیح بها استحبابا مؤکدا ، فروی الشیخ فی التهذیب فی الصحیح ، عن أبی عبد الله بن جعفر الحمیری ، قال : کتبت إلی الفقیه علیه السلام أسأله ، هل یجوز أن بسبح الرجل بطین القبر؟ وهل فیه فضل؟ فأجاب وقرأت التوقیع ومنه نسخت : « سبح به فما فی شی ء من التسبیح أفضل منه ، ومن فضله أن المسبح ینسی التسبیح ویدیر السبحة فیکتب له ذلک التسبیح ، وروی الشیخ فی المصباح.

ولا علی ما هو من الأرض إذا کان معدنا ، کالملح والعقیق والذهب والفضة والقبر ، إلا عند الضرورة.

______________________________________________________

وثلاثون حبة وخاتم عقیق » (1).

وروی أیضا عن الصادق علیه السلام ، قال : « من أدار الحجیر من تربة الحسین علیه السلام فاستغفر ربه مرة واحدة کتب الله له سبعین مرة ، فإن مسک السبحة ولم یسبح بها ففی کل حبة منها سبع مرات » (2).

قوله : ( ولا علی ما هو من الأرض إذا کان معدنا ، کالملح والعقیق والذهب والفضة والقیر ، إلا عند الضرورة ).

الوجه فی ذلک الحصر المستفاد من قوله علیه السلام : « السجود لا یجوز إلا علی الأرض أو علی ما أنبتت الأرض » (3) والمعدن لا یطلق علیه اسم الأرض وإن کان یستخرج منها. ویدل علیه أیضا روایة یونس بن یعقوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تسجد علی الذهب ولا الفضة » (4) وصحیحة محمد بن الحسین : إنّ أبا الحسن علیه السلام : کتب إلی بعض أصحابه : « لا تصل علی الزجاج ، وإن حدثتک نفسک أنه مما أنبتت الأرض ، ولکنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (5).

واختلفت الروایة فی جواز السجود علی القیر ، ففی صحیحة زرارة

عدم جواز السجود علی المعدن

ص: 243


1- مصباح المتهجد : 678 ، الوسائل 4 : 1033 أبواب التعقیب ب 16 ح 5 وفیهما عن عبید الله والظاهر اتحادهما ( راجع معجم رجال الحدیث 11 : 77 - 7486 ).
2- مصباح المجتهد : 678 ، الوسائل 4 : 1033 أبواب التعقیب ب 16 ح 6.
3- الفقیه 1 : 177 - 840 ، التهذیب 2 : 234 - 925 ، علل الشرائع : 341 - 1 ، الوسائل 3 : 591 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 1.
4- الکافی 3 : 332 - 9 ، التهذیب 2 : 304 - 1229 ، الوسائل 3 : 604 أبواب ما یسجد علیه ب 12 ح 2.
5- الکافی 3 : 332 - 14 ، التهذیب 2 : 304 - 1231 ، علل الشرائع : 342 - 5 ، الوسائل 3 : 604 أبواب ما یسجد علیه ب 12 ح 1.

______________________________________________________

المتقدمة (1) النهی عنه ، وفی صحیحة معاویة بن عمار الواردة فی الصلاة فی السفینة : « وتصلی علی القیر وتسجد علیه » (2).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار (3) ، والمصنف فی المعتبر (4) بالحمل علی حال الضرورة ، وهو بعید. ولو قیل بالجواز وحمل النهی علی الکراهة أمکن إن لم ینعقد الإجماع علی خلافه.

وقد قطع الأصحاب بجواز السجود علی الخزف حتی إنّ العلامة - رحمه الله - فی التذکرة استدل علی عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود علیه (5). وقال المصنف فی المعتبر بعد أن منع من التیمم علیه لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض : ولا یعارض بجواز السجود لأنه قد یجوز السجود علی ما لیس بأرض کالکاغذ (6). وفیه نظر بیناه فیما سبق. والأولی اجتنابه لما ذکره المصنف من خروجه بالطبخ عن اسم الأرض ، وإن أمکن توجه المنع إلیه ، فإن الأرض المحترقة یصدق علیها اسم الأرض عرفا.

ویمکن أن یستدل علی الجواز أیضا بما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی الحسن علیه السلام : أنه سأله عن الجص یوقد علیه بالعذرة وعظام الموتی ثم یجصص به المسجد أیسجد علیه؟ فکتب إلیه بخطه : « إنّ الماء والنار قد طهراه » (7).

وجه الدلالة أنها تدل بظاهرها علی جواز السجود علی الجص ، والخزف

ص: 244


1- فی ص 241.
2- التهذیب 3 : 295 - 895 ، الوسائل 3 : 600 أبواب ما یسجد علیه ب 6 ح 6.
3- التهذیب 2 : 303 ، والاستبصار 1 : 334.
4- المعتبر 2 : 119.
5- التذکرة 1 : 54.
6- المعتبر 1 : 375.
7- الفقیه 1 : 175 - 829 ، التهذیب 2 : 304 - 1227 ، الوسائل 3 : 602 أبواب ما یسجد علیه ب 10 ح 1.

ولا علی ما ینبت من الأرض إذا کان مأکولا بالعادة ، کالخبز والفواکه ، وفی القطن والکتان روایتان أشهرهما المنع.

______________________________________________________

فی معناه ، وتؤیده الأخبار الکثیرة المتضمنة لجواز السجود علی القرطاس (1) ، وصحیحة معاویة بن عمار المتضمنة لجواز السجود علی القیر (2).

قوله : ( ولا علی ما أنبتت الأرض إذا کان مأکولا بالعادة ، کالخبز والفواکه ).

المراد بکونه مأکولا فی العادة أن یطّرد أکله ، فلو أکل نادرا أو فی محل الضرورة کالعقاقیر التی تجعل فی الأدویة من النباتات التی لم یکثر أکلها لم یعدّ مأکولا. ولو أکل شائعا فی قطر دون غیره امتنع السجود علیه مطلقا ، ویحتمل قویا اختصاص کل قطر بمقتضی عادته. ولو کان له حالتان یؤکل فی إحداهما دون الأخری جاز السجود علیه فی إحداهما ومنع فی الأخری. ولا یعتبر فی المأکول کونه بحیث ینتفع به بالفعل بل یکفی القوة القریبة منه.

وجوز العلاّمة فی التذکرة والمنتهی السجود علی الحنطة والشعیر قبل الطحن ، وعلله فی المنتهی بأنهما غیر مأکولین ، وفی التذکرة بأن القشر حاجز بین المأکول والجبهة (3).

وضعف الوجهین ظاهر ، لأن المأکول لا یخرج عن کونه مأکولا بافتقاره إلی العلاج ، ولجریان العادة بأکلهما غیر منخولین خصوصا الحنطة ، علی أن النخل (4) لا یأتی علی جمیع الأجزاء ، لأن الأجزاء الصغیرة تنزل مع الدقیق فتؤکل ، ولا یقدح أکلها تبعا فی کونها مأکولة ، فالأصح عدم جواز السجود علیهما مطلقا.

قوله : ( وفی القطن والکتان روایتان ، أشهرهما المنع ).

عدم جواز السجود علی المأکول

حکم السجود علی القطن والکتان

ص: 245


1- الوسائل 3 : 600 أبواب ما یسجد علیه ب 7.
2- المتقدمة فی ص 244.
3- التذکرة 1 : 92 ، والمنتهی 1 : 251.
4- فی « م » ، « س » ، « ح » : المنخل.

______________________________________________________

المشهور بین الأصحاب تحریم السجود علی القطن والکتان : سواء کان قبل النسج أم بعده (1). ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - أنه قال فی بعض رسائله : یکره السجود علی الثوب المنسوج من قطن أو کتان کراهیة تنزه وطلب فضل ، لا أنه محظور ومحرّم ، مع أنه ذهب فی الجمل والانتصار إلی المنع ونقل فیه إجماع الطائفة (2). وهو المعتمد.

لنا : قوله علیه السلام فی صحیحة حماد : « السجود علی ما أنبتت الأرض إلا ما أکل أو لبس » (3).

وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : أسجد علی الزفت یعنی القیر؟ فقال : « لا ، ولا علی الثوب الکرسف » (4).

وفی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام أنه قال : « لا بأس بالسجود علی الثیاب فی حال التقیة » (5) دلت الروایة علی ثبوت البأس فی السجود علی الثیاب مع عدم التقیة ، وهی تتناول المعمول من القطن والکتان.

ویدل علیه صریحا روایة الفضل بن عبد الملک قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تسجد إلاّ علی الأرض أو ما أنبتت الأرض ، إلاّ القطن والکتان » (6).

احتج المرتضی - رضی الله عنه - بأنه لو کان السجود علی الثوب المنسوج

ص: 246


1- فی « ح » زیادة : بل قال فی المختلف : إنه قول علمائنا أجمع.
2- نقله عنه فی المختلف : 86.
3- المتقدمة فی ص 241.
4- المتقدمة فی ص 241.
5- الفقیه 1 : 176 - 831 ، التهذیب 2 : 235 - 930 ، الإستبصار 1 : 332 - 1244 ، الوسائل 3 : 596 أبواب ما یسجد علیه ب 3 ح 1.
6- الکافی 3 : 330 - 1 ، التهذیب 2 : 303 - 1225 ، الإستبصار 1 : 331 - 1241 ، الوسائل 3 : 592 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 6.

______________________________________________________

من القطن والکتان محرّما محظورا لجری فی القبح ووجوب إعادة الصلاة واستئنافها مجری السجود علی النجاسة ، ومعلوم أن أحدا لا ینتهی إلی ذلک (1).

ویتوجه علیه أولا منع الملازمة ، وثانیا منع بطلان اللازم وإن ادعی أن أحدا لم یذهب إلیه.

ویدل علی الجواز ما رواه الشیخ ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن داود الصرمی ، قال : سألت أبا الحسن الثالث علیه السلام ، هل یجوز السجود علی القطن والکتان من غیر تقیة؟ فقال : « جائز » (2).

وعن منصور بن حازم ، عن غیر واحد من أصحابه قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنا نکون بأرض باردة یکون فیها الثلج أفنسجد علیه؟ فقال : « لا ، ولکن اجعل بینک وبینه شیئا قطنا أو کتانا » (3).

وعن الحسین بن علیّ بن کیسان الصنعانی قال : کتبت إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام أسأله عن السجود علی القطن والکتان من غیر تقیة ولا ضرورة ، فکتب إلیّ : « ذلک جائز » (4).

وعن یاسر الخادم قال : مرّ بی أبو الحسن علیه السلام وأنا أصلّی علی الطبری (5) وقد ألقیت علیه شیئا أسجد علیه فقال لی : « ما لک لا تسجد علیه؟! ألیس هو من نبات الأرض؟ » (6).

ص: 247


1- رسائل الشریف المرتضی 1 : 174.
2- التهذیب 2 : 307 - 1246 ، الإستبصار 1 : 332 - 1246 ، الوسائل 3 : 595 أبواب ما یسجد علیه ب 2 ح 6.
3- التهذیب 2 : 308 - 1247 ، الإستبصار 1 : 332 - 1247 ، الوسائل 3 : 597 أبواب ما یسجد علیه ب 4 ح 7.
4- التهذیب 2 : 308 - 1248 ، الإستبصار 1 : 333 - 1253 ، الوسائل 3 : 595 أبواب ما یسجد علیه ب 2 ح 7.
5- الطبری : لعلّه کتان منسوب إلی طبرستان - مجمع البحرین 3 : 376.
6- الفقیه 1 : 174 - 827 ، التهذیب 2 : 308 - 1249 ، الاستبصار 1 : 331 - 1243 ، علل الشرائع : 341 - 4 ، الوسائل 3 : 595 أبواب ما یسجد علیه ب 2 ح 5.

ولا یجوز السجود علی الوحل ، فإن اضطرّ أومأ ،

______________________________________________________

وفی الحسن ، عن الفضیل بن یسار وبرید بن معاویة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا بأس بالقیام علی المصلّی من الشعر والصوف إذا کان یسجد علی الأرض ، فإن کان نبات الأرض فلا بأس بالقیام علیه والسجود علیه » (1).

وأجاب الشیخ عن جمیع هذه الأخبار بالحمل علی حالة الضرورة أو التقیة (2). ورده المصنف فی المعتبر بأن فی روایة الحسین الصنعانی التنصیص علی الجواز مع انتفاء التقیة والضرورة ، واستحسن حمل الأخبار المانعة علی الکراهة (3). وهو محتمل لکن هذه الأخبار لا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة ، فلا تصلح لمعارضة الأخبار الصحیحة الدالة بظاهرها علی المنع (4) المؤیدة بعمل الأصحاب.

قوله : ( ولا یجوز السجود علی الوحل ، فإن اضطر أومأ ).

أما أنه لا یجوز السجود علی الوحل فظاهر ، لخروجه بامتزاجه بالماء عن اسم الأرض ، ولما رواه عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن حد الطین الذی لا یسجد علیه ما هو؟ فقال : « إذا غرقت الجبهة ولم تثبت علی الأرض » (5).

وأما الاکتفاء بالإیماء مع الاضطرار فیدل علیه مضافا إلی أدلة نفی الحرج والضرر روایة عمار أیضا : إنه سأله عن الرجل یصیبه المطر وهو لا یقدر أن

حرمة السجود علی الوحل

ص: 248


1- الکافی 3 : 331 - 5 ، التهذیب 2 : 305 - 1236 ، الإستبصار 1 : 335 - 1260 ، الوسائل 3 : 592 أبواب ما یسجد علیه ب 1 ح 5.
2- التهذیب 2 : 308 ، والاستبصار 1 : 331.
3- المعتبر 2 : 119.
4- الوسائل 3 : 594 أبواب ما یسجد علیه ب 2.
5- الکافی 3 : 390 - 13 ، الفقیه 1 : 286 - 1301 ، التهذیب 2 : 312 - 1267 الوسائل 3 : 442 أبواب مکان المصلی ب 15 ح 9.

ویجوز السجود علی القرطاس ،

______________________________________________________

یسجد فیه من الطین ولا یجد موضعا جافا ، قال : « یفتتح الصلاة ، فإذا رکع فلیرکع کما یرکع إذا صلّی ، فإذا رفع رأسه من الرکوع فلیوم بالسجود إیماء وهو قائم (1) ومقتضی الروایة عدم وجوب الجلوس للسجود. لکنها ضعیفة السند ، فالأولی وجوب الجلوس والإتیان من السجود بالممکن ، إذ لا یسقط المیسور بالمعسور.

قوله : ( ویجوز السجود علی القرطاس ).

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل علیه جدی - قدس سره - فی الشرح الإجماع (2) ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل والعمومات صحیحة علیّ بن مهزیار قال : سأل داود بن فرقد أبا الحسن علیه السلام عن القراطیس والکواغذ المکتوبة ، هل یجوز السجود علیها أم لا؟ فکتب : « یجوز » (3).

وصحیحة جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه کره أن یسجد علی قرطاس علیه کتابة (4). ره حتی الإبریسم واعتبر العلاّمة فی التذکرة فیه کونه مأخوذا من غیر الإبریسم ، لأنه لیس بأرض ولا من نباتها (5). وهو تقیید لإطلاق النص من غیر دلیل.

جواز السجود علی القرطاس

ص: 249


1- التهذیب 2 : 312 - 1266 ، الوسائل 3 : 440 أبواب مکان المصلی ب 15 ح 4.
2- المسالک 1 : 26.
3- الفقیه 1 : 176 - 830 ، التهذیب 2 : 309 - 1250 ، الإستبصار 1 : 334 - 1257 ، الوسائل 3 : 601 أبواب ما یسجد علیه ب 7 ح 2.
4- الکافی 3 : 332 - 12 ، التهذیب 2 : 304 - 1232 ، الإستبصار 1 : 334 - 1256 ، الوسائل 3 : 601 أبواب ما یسجد علیه ب 7 ح 3.
5- التذکرة 1 : 92.

ویکره إذا کان فیه کتابة. ولا یسجد علی شی ء من بدنه ، فإن منعه الحرّ عن السجود علی الأرض سجد علی ثوبه ، وإن لم یتمکن فعلی کفّه.

______________________________________________________

ویظهر من الشهید - رحمه الله - فی الذکری التوقف فی هذا الحکم فإنه قال : وفی النفس من القرطاس شی ء من حیث اشتماله علی النورة المستحیلة إلاّ أن نقول : الغالب جوهر القرطاس ، أو نقول : جمود النورة یردّ إلیها اسم الأرض (1).

ولا یخفی ما فی هذین الجوابین من التکلف المستغنی عنه بعد ثبوت الحکم بالروایات الصحیحة المطابقة لمقتضی الأصل ، علی أنه یمکن المناقشة فی عدم جواز السجود علی النورة ، لاقتضاء روایة الحسن بن محبوب الجواز علی الجص (2) ، وهی فی معناه.

قوله : ( ویکره إذا کان فیه کتابة ).

لورود النهی عنه فی صحیحة جمیل بن دراج ، وإنما یکره إذا وقعت الجبهة علی شی ء من القرطاس الخالی من الکتابة إذا کانت بما لا یصح السجود علیه ، ولا عبرة باللون ، ولا فرق فی ذلک بین المبصر وغیره ، لإطلاق النص.

قوله : ( ولا یسجد علی شی ء من بدنه ، فإن منعه الحر عن السجود علی الأرض سجد علی ثوبه ، وإن لم یتمکن فعلی کفیه ).

قد تقدم أنه یعتبر فی المسجد أن یکون أرضا أو نباتها فیجب تحصیلهما مع الإمکان ، ومع الحرّ المانع من ذلک یسجد علی ثوبه إذا لم یجد شیئا یصلح للسجود علیه ، ولو بأن یأخذ شیئا من التراب بیده إلی أن یبرد. ولو لم یکن معه ثوب سجد علی ظهر کفه ، ویدل علی ذلک صحیحة القاسم بن الفضیل قال ، قلت للرضا علیه السلام : جعلت فداک الرجل یسجد علی کمّه من أذی الحرّ والبرد ،

کراهة الصلاة علی المکتوب

حکم السجود علی شئ من البدن

ص: 250


1- الذکری : 160.
2- الکافی 3 : 330 - 3 ، الفقیه 1 : 175 - 829 ، التهذیب 2 : 235 - 928 ، الوسائل 3 : 602 أبواب ما یسجد علیه ب 10 ح 1.

والذی ذکرناه إنما یعتبر فی موضع الجبهة ، لا فی بقیة المساجد.

______________________________________________________

قال : « لا بأس به » (1).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : أکون فی السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء علی وجهی کیف أصنع؟ قال : « تسجد علی بعض ثوبک » قلت : لیس علیّ ثوب یمکننی أن أسجد علی طرفه ولا ذیله ، قال : « اسجد علی ظهر کفک فإنها أحد المساجد » (2).

قوله : ( والذی ذکرناه إنما یعتبر فی مسجد الجبهة ، لا فی بقیة المساجد ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وأخبارهم به ناطقة : فروی الفضیل بن یسار وبرید بن معاویة فی الحسن ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا بأس بالقیام علی المصلّی من الشعر والصوف إذا کان یسجد علی الأرض ، فإن کان من نبات الأرض فلا بأس بالقیام علیه والسجود علیه » (3).

وروی حمران فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « کان أبی یصلّی علی الخمرة (4) یجعلها علی الطنفسة (5) ویسجد علیها ، فإذا لم تکن خمرة جعل حصی علی الطنفسة حیث یسجد » (6).

ص: 251


1- التهذیب 2 : 306 - 1241 ، الإستبصار 1 : 333 - 1250 ، الوسائل 3 : 597 أبواب ما یسجد علیه ب 4 ح 2.
2- التهذیب 2 : 306 - 1240 ، الإستبصار 1 : 333 - 1249 ، الوسائل 3 : 597 أبواب ما یسجد علیه ب 4 ح 5.
3- المتقدمة فی ص 248.
4- الخمرة بالضم : سجادة صغیرة تعمل من سعف النخل وتزمّل بالخیوط ، وفی النهایة هی مقدار ما یضع الرجل علیه وجهه فی سجوده ولا تکون خمرة إلاّ هذا المقدار - مجمع البحرین 3 : 292.
5- الطنفسة : هی بکسرتین ، وفی لغة بکسر الطاء والفاء وبضمهما وبکسر الطاء وفتح الفاء : السباط الذی له خمل رقیق ( مجمع البحرین 4 : 82 ).
6- الکافی 3 : 332 - 11 ، التهذیب 2 : 305 - 1234 ، الإستبصار 1 : 335 - 1259 ، الوسائل 3 : 594 أبواب ما یسجد علیه ب 2 ح 2.

ویراعی فیه أن یکون مملوکا أو مأذونا فیه ، وأن یکون خالیا من نجاسة.

وإذا کانت النجاسة فی موضع محصور کالبیت وشبهه وجهل موضع النجاسة لم یسجد علی شی ء منه.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا کانت النجاسة فی موضع محصور کالبیت وشبهه وجهل موضع النجاسة لم یسجد علی شی ء منه ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واحتجوا علیه بأن المشتبه بالنجس قد امتنع فیه التمسک بأصالة الطهارة ، للقطع بحصول النجاسة فیما وقع فیه الاشتباه ، فیکون حکمه حکم النجس فی أنه لا یجوز السجود علیه ، ولا الانتفاع به فی شی ء مما یشترط فیه الطهارة.

وفیه نظر ، أما أولا : فلأن أصالة الطهارة إنما امتنع التمسک بها بالنسبة إلی مجموع ما وقع فیه الاشتباه ، لا فی کل جزء من أجزائه ، فإن أیّ جزء فرض من الأجزاء التی وقع فیها الاشتباه مشکوک فی نجاسته بعد أن کان متیقن الطهارة ، والیقین إنما یخرج عنه بیقین مثله ، وقد روی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « لیس ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشک أبدا » (1).

وأما ثانیا فلأن ذلک بعینه آت فی غیر المحصور ، فلو تم لاقتضی عدم جواز الانتفاع به فیما یفتقر إلی الطهارة ، وهو معلوم البطلان.

ومن العجب ذهاب جمع من الأصحاب إلی بقاء الملاقی لبعض المحل المشتبه من المحصور علی الطهارة لعدم القطع بملاقاته النجاسة ، وإطباقهم علی المنع من السجود علیه ، مع انتفاء ما یدل علی طهارة محل السجود کما بیناه فیما سبق (2).

حکم اشتباه الموضع النجس بغیره

ص: 252


1- التهذیب 1 : 421 - 1335 ، الاستبصار 1 : 183 : 641 ، علل الشرائع : 361 - 1 ، الوسائل 2 : 1061 أبواب النجاسات ب 41 ح 1.
2- فی ص 225.

ویجوز فی المواضع المتسعة ، دفعا للمشقة.

______________________________________________________

وبالجملة : فالمتجه جواز السجود علی ما لم تعلم نجاسته بعینه ، وعدم نجاسة الملاقی ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

قوله : ( ویجوز فی المواضع المتسعة ، دفعا للمشقة ).

أشار بقوله : « دفعا للمشقة » إلی انتفاء النص علی الفرق بین المواضع المتسعة وغیرها ، وأن عدم وجوب الاجتناب فی المواضع المتسعة إنما هو للمشقة اللازمة من التکلیف باجتنابه. ویشکل بانتفاء المشقة فی کثیر من الصور ، وبأن الدلیل المتقدم الدال علی وجوب الاجتناب فی المحصور جار فی غیره کما بیناه (1) ، والمشقة بمجردها لا تقتضی طهارة ما دل الدلیل علی نجاسته.

والذی یقتضیه النظر عدم الفرق بین المحصور وغیره ، وأنه لا مانع من الانتفاع بالمشتبه فیما یفتقر إلی الطهارة إذا لم یستوعب المباشرة لجمیع ما وقع فیه الاشتباه.

ثم إن قلنا بالفرق فالمراد بغیر المحصور ما کان کذلک فی العادة بمعنی تعسر حصره وعدّه ، لا ما امتنع حصره ، لأن کل ما یوجد من الأعداد فهو قابل للعدّ والحصر. والله تعالی أعلم.

ص: 253


1- فی ص 25.

المقدمة السابعة

فی الأذان والإقامة

والنظر فی أربعة أشیاء :

______________________________________________________

قوله : ( المقدمة السابعة ، فی الأذان والإقامة ).

الأذان لغة : الإعلام ، وفعله : أذن یأذن ، ثم مدّ للتعدیة.

وشرعا : أذکار مخصوصة موضوعة للإعلام بدخول أوقات الصلاة. والإقامة مصدر أقام بالمکان ، والتاء عوض من عین الفعل ، لأن أصله إقوام ، أو مصدر أقام الشی ء بمعنی أدامه ومنه ( یُقِیمُونَ الصَّلاةَ ) .

وشرعا : الأذکار المعهودة عند القیام إلی الصلاة.

وهما من وکید السنن اتفاقا وثوابهما عظیم ، فروی الکلینی فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أذّنت وأقمت صلّی خلفک صفّان من الملائکة ، وإذا أقمت صلّی خلفک صفّ من الملائکة » (1).

وروی الصدوق - رحمه الله - مرسلا : « إن حدّ الصف ما بین المشرق والمغرب » (2).

الأذان والإقامة

استحباب الأذان والإقامة

ص: 254


1- الکافی 3 : 303 - 8 ، الوسائل 4 : 620 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 3.
2- الفقیه 1 : 186 - 887 ، الوسائل 4 : 620 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 6.

______________________________________________________

وروی أیضا عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال : « من صلّی بأذان وإقامة صلّی خلفه صفّان من الملائکة لا یری طرفاهما ، ومن صلّی بإقامة صلّی خلفه ملک » (1).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من أذّن فی مصر من أمصار المسلمین سنة وجبت له الجنة » (2).

وفی الصحیح ، عن محمد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « المؤذن یغفر له مدّ صوته ویشهد له کل شی ء سمعه » (3).

وقد أجمع الأصحاب علی أنّ الأذان والإقامة وحی من الله تعالی علی لسان جبرئیل علیه السلام کسائر العبادات ، وأخبارهم به ناطقة.

فروی الکلینی فی الحسن ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لما هبط جبرئیل علیه السلام بالأذان علی رسول الله صلی الله علیه و آله کان رأسه فی حجر علیّ علیه السلام ، فأذّن جبرئیل علیه السلام وأقام ، فلما انتبه رسول الله صلی الله علیه و آله قال : یا علیّ سمعت؟ قال : نعم ، قال : حفظت؟ قال : نعم ، قال : ادع بلالا فعلّمه ، فدعا علیّ علیه

ص: 255


1- الفقیه 1 : 186 - 889 ، ثواب الأعمال : 58 - 1 ، الوسائل 4 : 620 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 5.
2- التهذیب 2 : 283 - 1126 ، الوسائل 4 : 613 أبواب الأذان والإقامة ب 2 ح 1.
3- الکافی 3 : 307 - 28 ، التهذیب 2 : 52 - 175 ، الوسائل 4 : 615 أبواب الأذان والإقامة ب 2 ح 11.

الأول : فیما یؤذن له ویقام ، وهما مستحبان فی الصلوات الخمس المفروضة ، أداء وقضاء ، للمنفرد والجامع ، للرجل والمرأة ، لکن یشترط أن تسرّ ، وقیل : هما شرط فی الجماعة ، والأول أظهر.

______________________________________________________

السلام بلالا فعلّمه » (1).

وفی الحسن ، عن زرارة أو الفضیل ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لما أسری برسول الله صلی الله علیه و آله إلی السماء فبلغ البیت المعمور وحضرت الصلاة ، فأذّن جبرئیل علیه السلام وأقام ، فتقدّم رسول الله صلی الله علیه و آله وصفّ الملائکة والنبیون خلف محمد صلی الله علیه و آله » (2).

وقد أطبق العامة علی نسبته إلی رؤیا عبد الله بن زید فی منامه (3). ولا ریب فی بطلانه ، لأن النزر من الأمور المشروعة مستفاد من الوحی الإلهی فما ظنک بالمهم منها. وقال ابن أبی عقیل : أجمعت الشیعة علی أن الصادق علیه السلام لعن قوما زعموا أن النبی صلی الله علیه و آله أخذ الأذان من عبد الله بن زید فقال : « ینزل الوحی علی نبیکم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زید » (4).

قوله : ( وهما مستحبان فی الصلوات الخمس المفروضة ، أداء وقضاء ، للمنفرد والجامع ، للرجل والمرأة لکن یشترط أن تسرّ ، وقیل : هما شرط فی الجماعة ، والأول أظهر ).

أجمع العلماء کافة علی مشروعیة الأذان والإقامة فی الصلوات الخمس ،

ص: 256


1- الکافی 3 : 302 - 2 ، الوسائل 4 : 612 أبواب الأذان والإقامة ب 1 ح 2.
2- الکافی 3 : 302 - 1 ، التهذیب 2 : 60 - 210 ، الإستبصار 1 : 305 - 1134 ، الوسائل 4 : 612 أبواب الأذان والإقامة ب 1 ح 1.
3- منهم البیهقی فی سننه 1 : 390 ، وابن قدامة فی المغنی 1 : 449.
4- نقله عنه فی الذکری : 168 ، والوسائل 4 : 612 أبواب الأذان والإقامة ب 1 ح 3.

______________________________________________________

واختلف الأصحاب فی استحبابهما أو وجوبهما ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی الخلاف (1) ، والمرتضی فی جواب المسائل الناصریة (2) ، وابن إدریس (3) ، وسلاّر (4) إلی الاستحباب.

وقال الشیخان (5) ، وابن البراج (6) ، وابن حمزة (7) بوجوبهما فی صلاة الجماعة. قال فی المبسوط : ومتی صلّی جماعة بغیر أذان وإقامة لم تحصل فضیلة الجماعة والصلاة ماضیة. وقال أبو الصلاح : هما شرط فی الجماعة (8). وقال المرتضی فی الجمل : تجب الإقامة علی الرجال فی کل فریضة ، والأذان علی الرجال والنساء فی الصبح والمغرب والجمعة ، وعلی الرجال خاصة فی الجماعة (9). وقال ابن أبی عقیل : یجب الأذان فی الصبح والمغرب ، والإقامة فی جمیع الخمس (10). وقال ابن الجنید : یجبان علی الرجال جماعة وفرادی ، سفرا وحضرا ، فی الصبح والمغرب والجمعة ، وتجب الإقامة فی باقی المکتوبات قال : وعلی النساء التکبیر والشهادتان فقط (11). والمعتمد الاستحباب مطلقا.

لنا : التمسک بالأصل فإن مقتضاه عدم الوجوب ، وما روی فی الصحیح من تعلیم الصادق علیه السلام لحمّاد الصلاة ، وإنه علیه السلام قام مستقبل القبلة منتصبا ، واستقبل بأصابع رجلیه جمیعا القبلة وقال بخشوع : « الله أکبر »

ص: 257


1- الخلاف 1 : 92.
2- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 191.
3- السرائر : 43.
4- المراسم : 67.
5- المفید فی المقنعة : 15 ، والشیخ فی النهایة : 64 ، والمبسوط 1 : 95.
6- المهذب 1 : 88 ، وشرح الجمل : 79.
7- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 672.
8- الکافی فی الفقه : 143.
9- جمل العلم والعمل : 57.
10- نقله عنه فی التذکرة 1 : 108.
11- نقله عنه فی المختلف : 87.

______________________________________________________

ثم قرأ الحمد بترتیل ، الحدیث (1). ولو کان الأذان والإقامة واجبین لذکرا فی مقام البیان.

ویدل علی استحباب الأذان صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : إنه سأله عن رجل نسی الأذان والإقامة حتی دخل فی الصلاة ، قال : « فلیمض علی صلاته فإنما الأذان سنة » (2) والظاهر من معنی السنة : الندب.

وصحیحة عبید الله بن علیّ الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن أبیه : « إنه کان إذا صلّی وحده فی البیت أقام إقامة ولم یؤذّن » (3).

وروی الحلبی أیضا فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل ، هل یجزیه فی السفر والحضر إقامة لیس معها أذان؟ قال : « نعم لا بأس به » (4).

وصحیحة عمر بن یزید قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الإقامة بغیر أذان فی المغرب فقال : « لیس به بأس ، وما أحب أن یعتاد » (5).

ومقتضی هذه الروایات استحباب الأذان فی کل المواطن. قال فی المختلف : وإذا کان الأذان مستحبا فی کل موضع فکذا الإقامة ، وإلاّ لزم خرق الإجماع (6).

ص: 258


1- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، أمالی الصدوق : 337 - 13 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
2- التهذیب 2 : 285 - 1139 ، الإستبصار 1 : 304 - 1130 ، الوسائل 4 : 656 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 1.
3- التهذیب 2 : 50 - 165 ، الوسائل 4 : 622 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 6.
4- التهذیب 2 : 51 - 171 ، الوسائل 4 : 622 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 3.
5- التهذیب 2 : 51 - 169 ، الإستبصار 1 : 300 - 1108 ، الوسائل 4 : 624 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 6.
6- المختلف : 88.

______________________________________________________

احتج الشیخ فی التهذیب علی وجوب الأذان فی الجماعة بما رواه عن القاسم بن محمد ، عن علیّ بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته أیجزی أذان واحد؟ قال : « إذا صلّیت جماعة لم یجز إلاّ أذان وإقامة ، وإن کنت وحدک تبادر أمرا تخاف أن یفوتک یجزئک إقامة إلاّ الفجر والمغرب فإنه ینبغی أن تؤذّن فیهما وتقیم ، من أجل أنه لا یقصر فیهما کما یقصر فی سائر الصلوات » (1).

والجواب أولا بالطعن فی السند ، فإن القاسم بن محمد ، وعلیّ بن أبی حمزة واقفیان ، بل قال النجاشی : إن علیّ بن أبی حمزة أحد عمد الواقفیة (2). وقال ابن الغضائری : إنه أصل الوقف وأشد الخلق عداوة للرضا علیه السلام (3). وأبو بصیر هذا هو یحیی بن القاسم وهو ضعیف (4) ، وما هذا شأنه لا یمکن التمسک به فی إثبات حکم مخالف للأصل ، خصوصا فیما نحن فیه ، فإنه مما تعم به البلوی وتدعو الحاجة إلیه.

وثانیا بأنه یحتمل تنزیلها علی الاستحباب ، فإن الإجزاء کما یجوز أن یکون المراد به الإجزاء فی الصحة یحتمل الإجزاء فی الفضیلة ، ودل علی ذلک قوله : « وإن کنت وحدک تبادر أمرا تخاف أن یفوتک یجزئک إقامة » وهذا التنزیل لازم للشیخ - رحمه الله - حیث لا یقول بوجوب الإقامة.

وقد أجمع الأصحاب علی مشروعیة الأذان للنساء ، ویدل علیه ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، قال : « سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال : « حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تکبّر

ص: 259


1- الکافی 3 : 303 - 9 ، التهذیب 2 : 50 - 163 ، الإستبصار 1 : 299 - 1105 ، الوسائل 4 : 624 أبواب الأذان والإقامة ب 7 ح 1.
2- رجال النجاشی : 175.
3- نقله عنه العلامة فی خلاصته : 232.
4- راجع رجال الطوسی : 333 ، 364 ، وخلاصة العلامة : 264.

______________________________________________________

وأن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله » (1).

ولا یتأکد فی حقهن ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة أعلیها أذان وإقامة؟ فقال : « لا » (2). وفی الصحیح ، عن زرارة ، قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : النساء علیهن أذان؟ فقال : « إذا شهدت الشهادتین فحسبها » (3).

ویجوز أن تؤذّن للنساء ویعتددن به ، قال فی المعتبر : وعلیه علماؤنا ، لما روی من جواز إمامتها لهن (4) ، وإذا جاز أن تؤمهن جاز أن تؤذّن لهنّ ، لأن منصب الإمامة أتم (5).

ولو أذّنت للمحارم فکالأذان للنساء فی الاعتداد ، لجواز الاستماع. أما الأجانب فقد قطع الأکثر بأنهم لا یعتدّون به ، لأنها إن أجهرت فهو منهی عنه ، والنهی یدل علی الفساد ، وإن أخفت عنهم لم یجتزأ به لعدم السماع. وظاهر المبسوط الاعتداد به ، قال : لأنه لا مانع منه (6). وکأنه بناء علی أن صوتها لیس بعورة فلا یحرم علی الأجانب سماعه.

ویمکن تطرّق الإشکال إلی اعتداد الرجال بأذانهن علی هذا التقدیر أیضا ، لتوقف العبادة علی التوقیف ، وعدم ورود النقل بذلک.

وقول المصنف : « بشرط أن تسرّ به » یرید به أن لا تسمع صوتها الأجانب ، فلو أجهرت علی وجه لا یحصل معه ذلک فلا محذور فیه.

ص: 260


1- التهذیب 2 : 58 - 202 ، الوسائل 4 : 637 أبواب الأذان والإقامة ب 14 ح 1.
2- الکافی 3 : 305 - 18 ، التهذیب 2 : 57 - 200 ، الوسائل 4 : 637 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 3.
3- التهذیب 2 : 57 - 201 ، الوسائل 4 : 637 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 2.
4- التهذیب 3 : 31 - 111 ، الإستبصار 1 : 426 - 1644 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 11.
5- المعتبر 1 : 126.
6- المبسوط 1 : 97.

ویتأکدان فیما یجهر فیه ، وأشدهما فی الغداة والمغرب. ولا یؤذّن لشی ء من النوافل ، ولا لشی ء من الفرائض عدا الخمس ، بل یقول المؤذن : الصلاة ثلاثا.

______________________________________________________

قال فی الذکری : وفی حکم المرأة الخنثی فیؤذن للمحارم من الرجال والنساء ، ولأجانب النساء لا لأجانب الرجال (1).

قوله : ( ویتأکدان فیما یجهر به ، وأشدهما فی الغداة والمغرب ).

أما تأکدهما فی الجهریة فلم نقف علی مستنده ، وأسنده فی المعتبر إلی الشیخ ، ووجّهه بأن فی إیجاب الجهر دلالة علی اعتناء الشارع بالتنبیه علیها ، وفی الأذان زیادة تنبیه فیتأکد فیها (2). ولا یخفی ما فیه.

وأما التأکد فی الغداة والمغرب فلقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « یجزیک فی الصلاة إقامة واحدة إلاّ الغداة والمغرب » (3) وفی روایة الصباح بن سیابة : « لا تدع الأذان فی الصلوات کلها ، فإن ترکته فلا تترکه فی المغرب والفجر فإنه لیس فیهما تقصیر » (4).

قوله : ( ولا یؤذن لشی ء من النوافل ، ولا لشی ء من الفرائض عدا الخمس ، بل یقول المؤذن : الصلاة ثلاثا ).

أما أنه لا یؤذّن لغیر الخمس فقال فی المعتبر : إنه مذهب علماء الإسلام (5). ویدل علیه أن الأذان وظیفة شرعیة فتتوقف کیفیته ومحله علی توقیف الشارع ، والمنقول عنه فعله فی الصلوات الخمس فیکون منفیا فی غیرها.

سقوط الأذان فیما عدا الفرائض الخمس

ص: 261


1- الذکری : 172.
2- المعتبر 2 : 135.
3- التهذیب 2 : 51 - 168 ، الإستبصار 1 : 300 - 1107 ، الوسائل 4 : 624 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 4.
4- التهذیب 2 : 49 - 161 ، الإستبصار 1 : 299 - 1104 ، الوسائل 4 : 623 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 3.
5- المعتبر 2 : 135.

وقاضی الصلاة الخمس یؤذّن لکل واحدة ویقیم ، ولو أذّن للأولی من ورده ثمّ أقام للبواقی کان دونه فی الفضل.

______________________________________________________

وأما استحباب قول المؤذن فی غیر الخمس (1) : « الصلاة » ثلاثا فلم نقف علی روایة تدل علیه ، والذی وقفت علیه فی ذلک من الأخبار روایة إسماعیل الجعفی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : أرأیت صلاة العیدین هل فیهما أذان وإقامة؟ قال : « لیس فیهما أذان ولا إقامة ، ولکنه ینادی : الصلاة ثلاث مرات » (2) وهی کما تری مختصة بصلاة العیدین فتعمیم الاستحباب مشکل ، لأن العبادات إنما تستفاد بتوقیف الشارع وإلاّ کانت بدعة.

ویجوز فی لفظ : « الصلاة » الأولی والثانیة النصب علی حذف العامل وهو احضروا وشبهه ، والرفع علی حذف المبتدأ أو الخبر.

قوله : ( وقاضی الصلوات الخمس یؤذّن لکل واحدة ویقیم ، ولو أذّن للأولی من ورده ثم أقام للبواقی کان دونه فی الفضل ).

أما استحباب الأذان والإقامة لکل صلاة فاستدل علیه فی المنتهی (3) بقوله علیه السلام : « من فاتته فریضة فلیقضها کما فاتته » (4) وقد کان من حکم الفائتة استحباب تقدیم الأذان والإقامة علیها فکذا قضاؤها. وبروایة عمار الساباطی قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل یعید الأذان والإقامة؟ قال : « نعم » (5). وفی الروایتین ضعف فی السند ، وقصور من حیث الدلالة.

ص: 262


1- فی « ح » زیادة : من الفرائض والنوافل.
2- الفقیه 1 : 322 - 1473 ، التهذیب 3 : 290 - 873 ، الوسائل 5 : 101 أبواب صلاة العید ب 7 ح 1.
3- المنتهی 1 : 260.
4- الکافی 3 : 435 - 7 ، التهذیب 3 : 162 - 350 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلاة ب 6 ح 1.
5- التهذیب 3 : 167 - 367 ، الوسائل 5 : 361 أبواب قضاء الصلاة ب 8 ح 2.

ویصلی یوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة ، والعصر بإقامة ،

______________________________________________________

وأما الاجتزاء بالأذان والإقامة للأولی ثم الإقامة للبواقی فلقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا نسیت صلاة أو صلّیتها بغیر وضوء وکان علیک قضاء صلوات فابدأ بأوّلهن وأذّن لها وأقم ثم صلّها ، ثم صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لکل صلاة » (1).

وحکی الشهید فی الذکری (2) قولا بأن الأفضل ترک الأذان لغیر الأولی ، لما روی أن النبی صلی الله علیه و آله شغل یوم الخندق عن أربع صلوات فأمر بلالا فأذّن للأولی وأقام ، ثم أقام للبواقی من غیر أذان (3). وهو حسن. بل لو قیل بعدم مشروعیة الأذان لغیر الأولی من الفوائت مع الجمع بینها کان وجها قویا ، لعدم ثبوت التعبد به علی هذا الوجه.

وذکر الشهید فی الدروس أن استحباب الأذان للقاضی لکل صلاة ینافی سقوطه عمن جمع فی الأداء (4). وهو غیر جید ، لعدم المنافاة بین الحکمین لو ثبت دلیلهما. ثم احتمل کون الساقط مع الجمع أذان الإعلام دون الأذان الذکری. وهو احتمال بعید ، لأن الأذان عبادة مخصوصة مشتملة علی الأذکار وغیرها ، ولا ینحصر مشروعیته فی الإعلام بالوقت ، إذ قد ورد فی کثیر من الروایات أنّ من فوائده دعاء الملائکة إلی الصلاة (5). وکیف کان فهو وظیفة شرعیة فیتوقف علی النقل ، ومتی انتفی سقط التوظیف مطلقا ، وأما الفرق بین الأذان الذکری وغیره فلا أعرف له وجها.

قوله : ( ویصلّی یوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة والعصر بإقامة ).

اختلف الأصحاب فی أذان العصر یوم الجمعة ، فأطلق الشیخ فی المبسوط

سقوط الأذان لعصر الجمعة وعرفة

ص: 263


1- الکافی 3 : 291 - 1 ، التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63 ح 1.
2- الذکری : 174.
3- مسند أحمد 1 : 375 ، سنن النسائی 2 : 17.
4- الدروس : 32.
5- الوسائل 4 : 619 أبواب الأذان والإقامة ب 4.

______________________________________________________

سقوطه (1) ، وهو ظاهر اختیار المفید - رحمه الله - فی المقنعة علی ما نقله الشیخ فی التهذیب (2). وقال فی النهایة : إنه غیر جائز (3). وقال ابن إدریس : إنما یسقط أذان العصر عمن صلّی الجمعة دون من صلّی الظهر ، ونقل عن ابن البراج ، والمفید فی الأرکان أنهما استحبا الأذان لعصر یوم الجمعة کغیره من الأیام (4). وهو اختیار المفید فی المقنعة علی ما وجدته فیها ، فإنه قال بعد أن أورد تعقیب الأولی : ثم قم فأذّن للعصر وأقم الصلاة (5). وإلی هذا القول ذهب شیخنا المعاصر سلمه الله (6) ، وهو المعتمد ، لإطلاق الأمر الخالی من التقیید.

احتج الشیخ فی التهذیب علی ما حکاه من کلام المقنعة المتضمن للسقوط بما رواه فی الصحیح ، عن ابن أذینة ، عن رهط منهم الفضیل وزرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله جمع بین الظهر والعصر بأذان وإقامتین ، وجمع بین المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتین » (7) وعن حفص بن غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : « الأذان الثالث یوم الجمعة بدعة » (8).

ویتوجه علیه أن الروایة الأولی إنما تدل علی جواز ترک الأذان للعصر والعشاء مع الجمع بین الفرضین فی یوم الجمعة وغیره ، وهو خلاف المدعی.

وأما الروایة الثانیة فضعیفة السند (9) ، قاصرة المتن ، فلا تصلح لمعارضة

ص: 264


1- المبسوط 1 : 151.
2- التهذیب 3 : 18.
3- النهایة : 107.
4- السرائر : 67.
5- المقنعة : 26.
6- مجمع الفائدة 2 : 165.
7- التهذیب 3 : 18 - 66 ، الوسائل 4 : 665 أبواب الأذان والإقامة ب 36 ح 2.
8- الکافی 3 : 421 - 5 ، التهذیب 3 : 19 - 67 ، الوسائل 5 : 81 أبواب صلاة الجمعة ب 49 ح 1.
9- لأن حفص بن غیاث عامی ( راجع رجال الشیخ : 118 ، والفهرست : 61 ).

______________________________________________________

الأخبار الصحیحة المتضمنة لمشروعیة الأذان فی الصلوات الخمس (1). وقد حملها المصنف (2) وغیره (3) علی أن المراد بالأذان الثالث الأذان الثانی للجمعة ، لأن النبی صلی الله علیه و آله شرّع للصلاة أذانا وإقامة ، فالزیادة ثالث (4).

احتج ابن إدریس بأن الإجماع منعقد علی استحباب الأذان لکل صلاة من الخمس ، خرج عنه المجمع علیه وهو من صلّی الجمعة ، فیبقی الباقی علی العموم (5).

ویرد علیه منع الإجماع علی السقوط مع صلاة الجمعة ، لتصریح بعض الأصحاب بالاستحباب مطلقا کما نقلناه ، واحتمال المشارک له فی الفتوی.

ولو جمع المسافر أو الحاضر بین الفرضین کان له ترک الأذان للثانیة ، لروایة الرهط المتقدمة. وقیل : إن الجمع إن کان فی وقت فضیلة الأولی أذّن لها وأقام ، ثم أقام للثانیة من غیر أذان ، وإن کان فی وقت فضیلة الثانیة أذّن لها ثم أقام للأولی وصلاّها ثم أقام للثانیة (6).

والروایات لا تعطی هذا التفصیل ، بل المستفاد منها سقوط الأذان للثانیة مطلقا (7) ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی المبسوط (8). وذکر الشهید فی الذکری : إن الساقط مع الجمع الغیر المستحب أذان الإعلام ویبقی أذان الذکر والإعظام (9). وهو غیر واضح کما بیناه.

ص: 265


1- الوسائل 4 : 619 أبواب الأذان والإقامة ب 4.
2- المعتبر 2 : 296.
3- کالعلامة فی المنتهی 1 : 336.
4- فی « ح » زیادة : وهو تکلف مستغن عنه.
5- السرائر : 67.
6- کما فی الذکری : 174 ، وجامع المقاصد 1 : 100.
7- الوسائل 4 : 665 أبواب الأذان والإقامة ب 36.
8- المبسوط 1 : 96.
9- الذکری : 174.

وکذا الظهر والعصر بعرفة.

ولو صلی الإمام جماعة وجاء آخرون لم یؤذنوا ولم یقیموا [ علی ] کراهیّة ، ما دامت الأولی لم تتفرق ، فإن تفرقت صفوفهم أذّن الآخرون وأقاموا.

______________________________________________________

قوله : ( وکذا الظهر والعصر بعرفة ).

أی : یصلّی الظهر بأذان وإقامة ، والعصر بإقامة. وقد ورد بذلک روایات ، منها : ما رواه ابن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « السنة فی الأذان یوم عرفة أن یؤذّن ویقیم للظهر ثم یصلّی ، ثم یقوم فیقیم للعصر بغیر أذان ، وکذلک المغرب والعشاء بمزدلفة » (1).

وهل سقوط الأذان هنا علی سبیل الرخصة أو الکراهة أو التحریم؟ أوجه ذهب إلی کلّ منها ذاهب. والأصح التحریم کما اختاره العلاّمة فی المنتهی (2) ، والشهید فی البیان (3) ، لأنه مخالف للسنة فیکون بدعة ، وقد صح عن الصادق علیه السلام أنه قال : « کل بدعة ضلالة ، وکل ضلالة سبیلها إلی النار » (4).

قوله : ( ولو صلی الإمام جماعة وجاء آخرون لم یؤذنوا ولم یقیموا ما دامت الأولی لم تتفرق ، فإن تفرقت صفوفهم أذّن الآخرون وأقاموا ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (5) وجمع من الأصحاب ، واستدلوا علیه بروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : الرجل یدخل المسجد وقد صلّی القوم أیؤذّن ویقیم؟ قال : « إن کان دخل ولم یتفرق الصف صلّی بأذانهم وإقامتهم ، وإن کان تفرق الصف أذّن وأقام » (6) والحکم بسقوط الأذان

سقوط الأذان والإقامة عمن أدرک الجماعة

ص: 266


1- التهذیب 2 : 282 - 1122 ، الوسائل 4 : 665 أبواب الأذان والإقامة ب 36 ح 1.
2- المنتهی 1 : 261.
3- البیان : 72.
4- الکافی 1 : 56 - 8 ، الوسائل 11 : 512 أبواب الأمر والنهی ب 40 ح 10.
5- النهایة : 65 ، والمبسوط 1 : 98.
6- التهذیب 2 : 281 - 1120 ، الوسائل 4 : 653 أبواب الأذان والإقامة ب 25 ح 2.

وإذا أذّن المنفرد ثم أراد الجماعة أعاد الأذان والإقامة.

______________________________________________________

عن المصلّی الثانی وقع فی الروایة معلّقا علی عدم تفرق الصف ، وهو إنما یتحقق ببقاء جمیع المصلین.

وقیل (1) : یکفی فی سقوط الأذان عن المصلّی الثانی بقاء معقّب واحد من المصلین ، لما رواه الشیخ ، عن الحسین بن سعید ، عن أبی علیّ ، قال : کنا عند أبی عبد الله علیه السلام فأتاه رجل فقال : جعلت فداک صلینا فی المسجد الفجر وانصرف بعضنا وبقی بعض فی التسبیح فدخل علینا رجل فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلک ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « أحسنت ادفعه عن ذلک وامنعه أشد المنع » فقلت : فإن دخلوا فأرادوا أن یصلّوا فیه جماعة؟ قال : « یقومون فی ناحیة المسجد ولا یبدر بهم إمام » (2).

وعندی فی هذا الحکم من أصله توقف ، لضعف مستنده باشتراک راوی الأولی بین الثقة والضعیف ، وجهالة راوی الثانیة ، فلا یسوغ التعلق بهما. ثم لو سلمنا العمل بهما لوجب اختصاص الحکم بالصلاة الواقعة فی المسجد کما ذکره فی النافع (3) والمعتبر (4) ، لأنه مدلول الروایتین ، ولجواز أن تکون الحکمة فی السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترک ما یوجب الحث علی الاجتماع ثانیا.

قوله : ( ولو أذّن المنفرد ثم أراد الجماعة أعاد الأذان والإقامة ).

هذا الحکم ذکره الشیخ فی النهایة والمبسوط (5) ، وأتباعه ، واستدلوا علیه بروایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسئل عن الرجل یؤذّن ویقیم لیصلّی وحده فیجی ء رجل آخر فیقول له : نصلّی جماعة ، هل یجوز

إعادة الأذان والإقامة لمن عدل إلی الصلاة جماعة

ص: 267


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 100 ، وروض الجنان : 241.
2- التهذیب 3 : 55 - 190 ، الوسائل 5 : 466 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 2.
3- المختصر النافع : 27.
4- المعتبر 2 : 136.
5- النهایة : 65 ، المبسوط 1 : 98.

______________________________________________________

أن یصلیا بذلک الأذان والإقامة؟ قال : « لا ، ولکن یؤذّن ویقیم » (1) وهی ضعیفة السند بجماعة من الفطحیة ، لکن قال فی المعتبر : إن مضمونها استحباب تکرار الأذان والإقامة ، وهو ذکر الله ، وذکر الله حسن (2). ثم استقرب الاجتزاء بالأذان والإقامة الواقعتین بنیة الانفراد ، وأید ذلک بما رواه صالح بن عقبة ، عن أبی مریم الأنصاری ، قال : صلّی بنا أبو جعفر علیه السلام فی قمیص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فلما انصرف قلت له : عافاک الله صلّیت بنا فی قمیص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة؟ فقال : « إن قمیصی کثیف فهو یجزئ أن لا یکون علیّ إزار ولا رداء ، وإنی مررت بجعفر وهو یؤذّن ویقیم فلم أتکلم فأجزأنی ذلک » (3) قال : وإذا اجتزأ بأذان غیره مع الانفراد فبأذانه أولی.

وأجاب عنه فی الذکری بأن ضعف السند لا یضر مع الشهرة فی العمل والتلقی بالقبول ، قال : والاجتزاء بأذان غیره لکونه صادف نیة السامع للجماعة فکأنه أذان للجماعة بخلاف الناوی بأذانه الانفراد (4).

ویشکل بما بیناه مرارا من أنّ مثل هذه الشهرة لا یقتضی تسویغ العمل بالخبر الضعیف ، وأن ظاهر الخبر ترتب الإجزاء علی سماع الأذان من غیر مدخلیة لما عدا ذلک فیه ، لکن الروایة ضعیفة جدا بصالح بن عقبة فقد قیل : إنه کان کذّابا غالیا لا یلتفت إلیه (5). ومع ذلک فلیس فیها تصریح بکون جعفر علیه السلام منفردا.

ص: 268


1- الکافی 3 : 304 - 13 ، الفقیه 1 : 258 - 1168 ، التهذیب 2 : 277 - 1101 ، الوسائل 4 : 655 أبواب الأذان والإقامة ب 27 ح 1.
2- المعتبر 2 : 137.
3- التهذیب 2 : 280 - 1113 ، الوسائل 4 : 659 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 2.
4- الذکری : 174.
5- کما فی خلاصة العلامة : 230.

الثانی : فی المؤذن ، ویعتبر فیه : الإسلام ، والذکورة.

______________________________________________________

والمعتمد الاجتزاء بالأذان المتقدم کما اختاره فی المعتبر (1) ، ولعل الإعادة أولی.

قوله : ( الثانی : فی المؤذّن ویعتبر فیه : العقل ، والإسلام ).

هذا مذهب العلماء کافة ، لأن المجنون لا حکم لعبارته (2) ، والکافر لیس أهلا للأمانة ، والمؤذنون أمناء ، لقول النبی صلی الله علیه و آله : « الإمام ضامن ، والمؤذّن مؤتمن » (3) ولما رواه عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یجوز أن یؤذّن إلاّ رجل مسلم عارف » (4).

ولا منافاة بین الحکم بالکفر وتلفظه بالشهادتین ، لأن المتلفظ بهما قد لا یکون عارفا بمعناهما کالأعجمی ، أو یکون مستهزئا ، أو حاکیا ، أو متأولا عدم عموم النبوة. ولو علم اعتقاده مضمون کلمتی الشهادة حکم بإسلامه قطعا ، ولا یعتد بذلک الأذان ، لوقوع أوله فی الکفر.

والأصح اشتراط الإیمان أیضا ، لبطلان عبادة المخالف ، ولروایة عمار السابقة ، فإن الظاهر أن المراد بالمعرفة الواقعة فیها الإیمان.

قوله : ( والذکورة ).

جعل الذکورة من جملة الشرائط المعتبرة فی المؤذّن غیر مستقیم علی إطلاقه ، لأن أذان المرأة صحیح اتفاقا ، وتعتد به النساء والمحارم ، بل والأجانب أیضا علی ما قطع به فی المبسوط (5) ، وإن کان الأظهر خلافه ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ما یعتبر فی المؤذن

ص: 269


1- المعتبر 2 : 137.
2- فی « م » ، « س » : عبادته.
3- مسند أحمد 2 : 232 ، سنن أبی داود 1 : 143 - 517.
4- الکافی 3 : 304 - 13 ، التهذیب 2 : 277 - 1101 ، الوسائل 4 : 654 ، أبواب الأذان والإقامة ب 26 ح 1.
5- المبسوط 1 : 97.

ولا یشترط البلوغ بل یکفی کونه ممیزا.

ویستحب أن یکون عدلا ، صیّتا ، مبصرا ، بصیرا بالأوقات ، متطهرا ، قائما علی مرتفع.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یشترط البلوغ ، بل یکفی کونه ممیزا ).

أی لا یشترط فی الاعتداد بالأذان فی الصلاة ، وقیام الشعار به فی البلد صدوره من بالغ ، بل یکفی کونه ممیزا ، وهو اتفاق علمائنا ، قاله فی المعتبر (1) ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « ولا بأس أن یؤذّن الغلام الذی لم یحتلم » (2) أما غیر الممیز فلا یعتد بأذانه قطعا ، لأنه لا حکم لعبارته (3).

والمرجع فی التمییز إلی العرف ، لأنه المحکّم فی مثله ، وذکر جدی - قدس سره - فی روض الجنان أن المراد بالممیز من یعرف الأضرّ من الضارّ والأنفع من النافع إذا لم یحصل بینهما التباس بحیث یخفی علی غالب الناس (4). وهو مع عدم وضوح مأخذه رد إلی الجهالة.

قوله : ( ویستحب أن یکون عدلا ، صیّتا ، مبصرا ، بصیرا بالأوقات ، متطهرا ، قائما علی مرتفع ).

یستحب فی المؤذّن المنصوب فی البلد أن یکون متصفا بأمور :

أحدها : العدالة ، لقوله صلی الله علیه و آله : « یؤذّن لکم خیارکم » (5) وقوله علیه السلام : « المؤذن مؤتمن » (6) ولأنه ربما قلده ذوو الأعذار إذا کان

ص: 270


1- المعتبر 2 : 125.
2- التهذیب 2 : 280 - 1112 ، الوسائل 4 : 661 أبواب الأذان والإقامة ب 32 ح 1.
3- فی « م » ، « ح » : لعبادته.
4- روض الجنان : 243.
5- الفقیه 1 : 185 - 880 ، الوسائل 4 : 640 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 3.
6- التهذیب 2 : 282 - 1121 ، الوسائل 4 : 618 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 2.

______________________________________________________

کذلک (1) ، بل قیل بجواز التعویل علیه مطلقا (2) (3). وقد قطع ( المصنف وأکثر ) (4) الأصحاب بالاعتداد بأذان الفاسق ، لأنه یصح منه الأذان الشرعی لنفسه ، لکونه عاقلا کاملا فیعتبر أذانه ، عملا بإطلاق الأمر بالأذان والاعتداد به للسامع. ونقل عن ابن الجنید أنه منع من الاعتداد بأذان الفاسق (5) ، وهو ضعیف.

ثانیها : أن یکون صیّتا لیعم النفع به ویتم الغرض المقصود منه. ویستحب مع ذلک أن یکون حسن الصوت لتقبل القلوب علی سماعه ، وروی عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان حائط مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله قامة ، فکان علیه السلام یقول لبلال : « إذا دخل الوقت اعل فوق الجدار وارفع صوتک بالأذان ، فإن الله عزّ وجلّ قد وکّل بالأذان ریحا ترفعه إلی السماء ، فإن الملائکة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا : هذه أصوات أمة محمد صلی الله علیه و آله بتوحید الله عزّ وجلّ ، ویستغفرون لأمة محمد صلی الله علیه و آله حتی یفرغوا من تلک الصلاة » (6).

ثالثها : أن یکون مبصرا ، لیتمکن من معرفة الأوقات. ولو أذّن الأعمی بمسدّد جاز واعتد به ، لما روی أنّ ابن أمّ مکتوم الأعمی کان یؤذّن للنبی صلی الله علیه و آله ، وکان لا ینادی حتی یقال له : أصبحت أصبحت (7).

رابعها : أن یکون بصیرا بالأوقات عارفا بها لیأمن الغلط ، ولو أذّن

ص: 271


1- فی « ح » زیادة : عند المصنف ومن قال بمقالته.
2- کما فی التذکرة 1 : 107 ، وجامع المقاصد 1 : 100.
3- فی « ح » زیادة : وأفاد قوله العلم مع انضمام القرائن أو مطلقا.
4- ما بین القوسین لیس فی « س ».
5- المختلف : 90.
6- الکافی 3 : 307 - 31 ، التهذیب 2 : 58 - 206 ، المحاسن : 48 - 67 ، الوسائل 4 : 640 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 7.
7- الدعائم 1 : 147 ، صحیح البخاری 1 : 160.

______________________________________________________

الجاهل فی الوقت جاز واعتد به إجماعا (1).

خامسها : أن یکون متطهرا من الحدثین ، لقوله علیه السلام : « حق وسنّة أن لا یؤذّن أحد إلاّ وهو طاهر » (2) ولأنه من سنن الصلاة فاستحب فیه الطهارة کالتوجه ، قال فی المعتبر : وعلیه فتوی العلماء (3). ولا یجب ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « لا بأس أن تؤذّن وأنت علی غیر طهر ، ولا تقیم إلاّ وأنت علی وضوء » (4).

ویستفاد من هذه الروایة اشتراط الطهارة فی الإقامة ، وهو اختیار المرتضی - رضی الله عنه - فی المصباح (5) ، والعلاّمة فی المنتهی (6). وقال فی التذکرة بعدم الاشتراط تمسکا بمقتضی الأصل (7).

سادسها : أن یکون قائما علی مرتفع ، لأنه أبلغ فی رفع الصوت فیکون النفع به أعم ، ولما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه کان یقول لبلال : « إذا دخل الوقت اعل فوق الجدار وارفع صوتک بالأذان » (8) والظاهر عدم استحباب فعله فی المنارة علی الخصوص ، لعدم ورود النقل به ، ولما رواه علیّ بن جعفر ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الأذان فی المنارة أسنّة هو؟ فقال : « إنما کان یؤذّن للنبی صلی الله علیه و آله فی الأرض ولم تکن یومئذ منارة » (9).

ص: 272


1- فی « س » : وأعتد به مطلقا.
2- کنز العمال 8 : 343 - 23180.
3- المعتبر 2 : 127.
4- التهذیب 2 : 53 - 179 ، الوسائل 4 : 627 أبواب الأذان والإقامة ب 9 ح 3 ، بتفاوت یسیر بین المصادر.
5- نقله عنه فی المعتبر 2 : 128.
6- المنتهی 1 : 258.
7- التذکرة 1 : 107.
8- المتقدمة فی ص 271.
9- التهذیب 2 : 284 - 1134 ، الوسائل 4 : 640 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 6.

ولو أذّنت المرأة للنساء جاز. ولو صلی منفردا ولم یؤذن ساهیا رجع إلی الأذان مستقبلا صلاته ما لم یرکع ، وفیه روایة أخری.

______________________________________________________

وقیل : یستحب ، لأنه قد ثبت وضع المنارة فی الجملة ، ولولا الأذان فیها لکان عبثا (1). ویتوجه علیه منع حصول الوضع ممن یعتد بفعله.

قوله : ( ولو صلّی منفردا ولم یؤذن ساهیا رجع إلی الأذان مستقبلا صلاته ما لم یرکع ، وفیه روایة أخری ).

اختلف الأصحاب فی تارک الأذان والإقامة حتی یدخل فی الصلاة ، فقال السید المرتضی فی المصباح (2) ، والشیخ فی الخلاف (3) ، وأکثر الأصحاب : یمضی فی صلاته إن کان متعمدا ، ویستقبل صلاته ما لم یرکع إن کان ناسیا.

وقال الشیخ فی النهایة بالعکس (4) ، واختاره ابن إدریس (5). وأطلق فی المبسوط الاستئناف ما لم یرکع (6). والمعتمد الأول.

أما وجوب الاستمرار مع العمد فلعموم ما دل علی تحریم قطع الصلاة ، ترک العمل به مع النسیان ، عملا بما سنورده من الأخبار ، فیبقی فی العمد سلیما عن المعارض.

ولنا أیضا ما تقدم من استحباب الأذان وجواز ترکه اختیارا ، ولو قلنا بوجوبه لم یتوجه الاستئناف أیضا وإن أثم بالإخلال به ، لخروجه عن حقیقة الصلاة.

وأما أنه یستقبل مع النسیان إذا ذکر قبل الرکوع فیدل علیه صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا افتتحت الصلاة فنسیت أن

رجوع تارک الأذان سهوا

ص: 273


1- کما فی المختلف : 88.
2- نقله عنه فی المعتبر 2 : 129 ، وإیضاح الفوائد 1 : 97.
3- نقله عنه فی المعتبر 2 : 129.
4- النهایة : 65.
5- السرائر : 43.
6- المبسوط 1 : 95.

______________________________________________________

تؤذّن وتقیم ثم ذکرت قبل أن ترکع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن کنت قد رکعت فأتّم علی صلاتک » (1).

ویدل علی أنّ ذلک علی سبیل الاستحباب ما رواه عبید بن زرارة فی الصحیح ، عن أبیه ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل نسی الأذان والإقامة حتی دخل فی الصلاة ، قال : « فلیمض فی صلاته ، فإنما الأذان سنة » (2).

وقول المصنف : « وفیه روایة أخری » یمکن أن یکون إشارة إلی ما رواه علیّ بن یقطین فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل ینسی أن یقیم الصلاة وقد افتتح الصلاة ، قال : « إن کان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته ، وإن لم یکن فرغ من صلاته فلیعد » (3). وحملها العلاّمة فی المختلف علی أن المراد بما قبل الفراغ ما قبل الرکوع ، لأن المطلق یحمل علی المقید. وهو بعید جدا (4). ونزّلها الشیخ فی التهذیب علی الاستحباب (5) ، قال فی المعتبر : وما ذکره محتمل لکن فیه تهجم علی إبطال الفریضة بالخبر النادر (6).

ویمکن أن یکون أشار بالروایة إلی ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی الرجل ینسی الأذان والإقامة حتی یدخل فی الصلاة ، قال : « إن کان ذکر قبل أن یقرأ فلیصلّ علی النبی صلی الله علیه

ص: 274


1- التهذیب 2 : 278 - 1103 ، الإستبصار 1 : 304 - 1127 ، الوسائل 4 : 657 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 3.
2- التهذیب 2 : 285 - 1139 ، الإستبصار 1 : 304 - 1130 ، الوسائل 4 : 656 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 1.
3- التهذیب 2 : 279 - 1110 ، الإستبصار 1 : 303 - 1125 ، الوسائل 4 : 656 أبواب الأذان والإقامة ب 28 ح 4.
4- المختلف : 89.
5- التهذیب 2 : 279.
6- المعتبر 2 : 130.

______________________________________________________

وآله ولیقم ، وإن کان قد قرأ فلیتم صلاته » (1) ونحوه روی زید الشحام فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام (2).

وروی الحسین بن أبی العلاء فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یستفتح صلاة المکتوبة ثم یذکر أنه لم یقم ، قال : « فإن ذکر أنه لم یقم قبل أن یقرأ فلیسلّم علی النبی صلی الله علیه و آله ثم یقیم ویصلّی ، وإن ذکر بعد ما قرأ بعض السورة فلیتم الصلاة » (3).

وهذه الروایات محمولة علی تأکد الرجوع إلی الأذان والإقامة قبل القراءة دون ما بعدها وإن کان الرجوع إلیهما سائغا قبل الرکوع علی ما بیناه. والظاهر أنّ الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله ، والسلام علیه إشارة إلی قطع الصلاة ، ویمکن أن یکون ذلک نفسه قاطعا ویکون ذلک من خصوصیات هذا الموضع ، لأن ذلک لا یقطع الصلاة فی غیر هذا المحل.

واعلم أنّ هذه الروایات إنما تعطی استحباب الرجوع لاستدراک الأذان والإقامة ، أو الإقامة وحدها ، ولیس فیها ما یدل علی جواز القطع لاستدراک الأذان مع الإتیان بالإقامة ، ولم أقف علی مصرح به سوی المصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب ، وابن أبی عقیل علی ما نقل عنه (4). وحکی فخر المحققین فی الشرح الإجماع علی عدم الرجوع إلیه مع الإتیان بالإقامة (5).

وعکس الشارح - قدس سره - فحکم بجواز الرجوع لاستدراک الأذان وحده دون الإقامة (6). وهو غیر واضح.

ص: 275


1- الکافی 3 : 305 - 14 ، التهذیب 2 : 1102 ، الإستبصار 1 : 303 - 1126 ، الوسائل 4 : 657 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 4.
2- الفقیه 1 : 187 - 893 ، الوسائل 4 : 658 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 9.
3- التهذیب 2 : 278 - 1105 ، الإستبصار 1 : 304 - 1129 ، الوسائل 4 : 657 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 5.
4- فی المختلف : 88.
5- إیضاح الفوائد 1 : 97.
6- المسالک 1 : 27.

ویعطی الأجرة من بیت المال إذا لم یوجد من یتطوع به.

______________________________________________________

بقی هنا شی ء وهو أن إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی المصلّی بین الإمام والمنفرد ، فتقییده بالمنفرد کما فعله المصنف - رحمه الله - یحتاج إلی دلیل.

قوله : ( ویعطی الأجرة من بیت المال إذا لم یوجد من یتطوع به ).

اختلف الأصحاب فی جواز أخذ الأجرة علی الأذان ، فقال الشیخ فی الخلاف (1) ، وجمع من الأصحاب : لا یجوز أخذ الأجرة علیه ، لما رواه السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن علیّ علیهم السلام ، قال : « آخر ما فارقت علیه حبیب قلبی أن قال : یا علیّ إذا صلیت فصلّ صلاة أضعف من خلفک ، ولا تتخذن مؤذّنا یأخذ علی أذانه أجرا » (2).

وقال السید المرتضی : إن ذلک مکروه (3). وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (4) ، والشهید فی الذکری (5) ، ولا بأس به ، للأصل ، وانتفاء دلالة الخبر المتقدم علی التحریم ، مع ضعف سنده بالسکونی وغیره.

واقتصر المصنف فی هذا الکتاب علی إثبات الجواز ، وربما حمل کلامه علی أن المراد بالأجرة : الارتزاق من بیت المال ، ولا مقتضی له.

والظاهر أن الإقامة کالأذان. وحکم العلاّمة فی النهایة بعدم جواز الاستیجار علیها وإن قلنا بجواز الاستیجار علی الأذان ، فارقا بینهما بأن الإقامة لا کلفة فیها بخلاف الأذان فإن فیه کلفة بمراعاة الوقت (6). وهو غیر جید ، إذ لا یعتبر فی العمل المستأجر علیه اشتماله علی الکلفة ، هذا کله فی الأجرة.

المؤذن یعطی من بیت المال

ص: 276


1- الخلاف 1 : 96.
2- الفقیه 1 : 184 - 870 ، التهذیب 2 : 283 - 1129 ، الوسائل 4 : 666 أبواب الأذان والإقامة ب 38 ح 1.
3- نقله عنه فی المعتبر 2 : 134 ، والذکری : 173.
4- المعتبر 2 : 133.
5- الذکری : 173.
6- نهایة الأحکام 1 : 428.

الثالث : فی کیفیة الأذان ، ولا یؤذّن إلا بعد دخول الوقت ، وقد رخّص تقدیمه علی الصبح ، لکن یستحب إعادته بعد طلوعه.

______________________________________________________

أما الارتزاق من بیت المال فلا ریب فی جوازه إذا اقتضته المصلحة ، لأنه معدّ للمصالح ، والأذان والإقامة من أهمها.

قوله : ( ولا یؤذّن إلا بعد دخول الوقت ، وقد رخص تقدیمه علی الصبح ، لکن یستحب إعادته بعد طلوعه ).

أما عدم جواز الأذان للفریضة قبل دخول وقتها فی غیر الصبح فعلیه علماء الإسلام ، لأنه وضع للإعلام بدخول الوقت فلا یقع قبله.

وأما جواز تقدیمه فی الصبح قبل طلوع الفجر مع استحباب إعادته بعده فهو اختیار الشیخ (1) ، وأکثر الأصحاب : قال ابن أبی عقیل (2) : الأذان عند آل الرسول علیهم السلام للصلوات الخمس بعد دخول وقتها إلاّ الصبح فإنه جائز أن یؤذّن لها قبل دخول وقتها ، بذلک تواترت الأخبار عنهم (3) ، وقالوا : کان للرسول صلی الله علیه و آله مؤذنان أحدهما بلال ، والآخر ابن أمّ مکتوم وکان أعمی ، وکان یؤذّن قبل الفجر ، وبلال إذا طلع الفجر ، وکان صلی الله علیه و آله یقول : « إذا سمعتم أذان بلال فکفوا عن الطعام والشراب » (4).

ومنع ابن إدریس من تقدیمه فی الأصبح أیضا (5) ، وهو ظاهر اختیار المرتضی فی المسائل الناصریة (6) ، وابن الجنید (7) ، وأبی الصلاح (8) ،

الأذان بعد دخول الوقت سوی الصبح

ص: 277


1- النهایة : 66 ، والمبسوط 1 : 96 ، والخلاف 1 : 87.
2- نقله عنه فی المختلف : 89.
3- الوسائل 4 : 625 أبواب الأذان والإقامة ب 8.
4- الفقیه 1 : 189 - 905 ، الوسائل 4 : 625 أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 2 ، 3 وص 626 ح 4.
5- السرائر : 43.
6- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 192.
7- نقله عنه فی الذکری : 175.
8- الکافی فی الفقه : 121.

______________________________________________________

والجعفی (1). والمعتمد الأول.

لنا : الروایة المتقدمة عن النبی صلی الله علیه و آله (2) ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : إن لنا مؤذّنا یؤذّن بلیل ، فقال : « أما إن ذلک ینفع الجیران لقیامهم إلی الصلاة ، وأما السنة فإنه ینادی مع طلوع الفجر ، ولا یکون بین الأذان والإقامة إلاّ الرکعتان » (3) وروی ابن سنان فی الصحیح أیضا قال : سألته عن النداء قبل طلوع الفجر ، فقال : « لا بأس » ، وأما السنة مع الفجر ، وإن ذلک لینفع الجیران یعنی قبل الفجر » (4).

ویستفاد من قوله علیه السلام : « وأما السنة مع الفجر » أن الأذان المتقدم علیه لمجرد التنبیه فلا یعتد به فی الصلاة ، وهو کذلک.

احتج المرتضی - رضی الله عنه - بأن الأذان دعاء إلی الصلاة ، وعلم علی حضورها ففعله قبل وقتها وضع للشی ء فی غیر موضعه ، وبأنه روی أن بلالا أذّن قبل طلوع الفجر فأمره النبی صلی الله علیه و آله أن یعید الأذان (5).

وأجیب عن الأول بالمنع من حصر فائدة الأذان فی الإعلام ، فإن له فوائد أخر کالتأهّب للصلاة ، واغتسال الجنب ، وامتناع الصائم من الأکل والجماع ، ونحو ذلک (6).

وعن الروایة بالقول بالموجب ، إذ لا خلاف فی استحباب إعادة الأذان بعد طلوع الفجر ، وإنما النزاع فی جواز فعله قبله.

ص: 278


1- نقله عنه فی الذکری : 175.
2- فی ص 277.
3- التهذیب 2 : 53 - 177 ، الوسائل 4 : 626 أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 7.
4- التهذیب 2 : 53 - 178 ، الوسائل 4 : 626 أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 8.
5- سنن أبی داود 1 : 146 - 532.
6- کما فی المختلف : 90.

والأذان علی الأشهر ثمانیة عشر فصلا : التکبیر أربع ، والشهادة بالتوحید ، ثم بالرسالة ، ثم یقول : حیّ علی الصلاة ، ثم حیّ علی الفلاح ثم حیّ علی خیر العمل ، والتکبیر بعده ، ثم التهلیل. کل فصل مرّتان.

______________________________________________________

ولا حدّ لهذا التقدیم عندنا ، وتقدیره بسدس اللیل أو نصفه تحکّم. وینبغی أن یجعل فی ذلک ضابطا لیعتمد علیه الناس وتترتب علیه الفائدة. ولا فرق بین رمضان وغیره عندنا ، ولا بین کون المؤذّن واحدا أو اثنین وإن کان الأولی تغایرهما لتحصل الفائدة باختلاف الصوت ، کما فعل النبی صلی الله علیه و آله .

قوله : ( والأذان علی الأشهر ثمانیة عشر فصلا : التکبیر أربع ، والشهادة بالتوحید ، ثم بالرسالة ، ثم یقول : حیّ علی الصلاة ، ثم حیّ علی الفلاح ، ثم حیّ علی خیر العمل ، والتکبیر بعده ، ثم التهلیل ، کل فصل مرتان ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، والمستند فیه ما رواه ابن بابویه ، والشیخ - رضی الله عنهما - عن أبی بکر الحضرمی وکلیب الأسدی ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه حکی لهما الأذان فقال : « الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله ، لا إله إلاّ الله ، والإقامة کذلک » (1).

وعن إسماعیل الجعفی ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا » فعدّ ذلک بیده واحدا واحدا ، الأذان

فصول الأذان

ص: 279


1- الفقیه 1 : 188 - 897 ، التهذیب 2 : 60 - 211 ، الإستبصار 1 : 306 - 1135 ، الوسائل : 644 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 9.

______________________________________________________

ثمانیة عشر حرفا ، والإقامة سبعة عشر حرفا (1).

وفی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قال : « یا زرارة تفتتح الأذان بأربع تکبیرات وتختمه بتکبیرتین وتهلیلتین » (2).

وأشار المصنف بقوله : « علی الأشهر » إلی ما رواه الشیخ بسنده إلی الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الأذان ، فقال : « تقول : الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله ، لا إله إلاّ الله » (3).

وروی زرارة والفضیل ، عن أبی عبد الله (4) علیه السلام نحو ذلک ، وقال فی آخر الروایة : « والإقامة مثلها إلاّ أن فیها قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، بین حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، وبین الله أکبر » (5).

وأجاب عنهما الشیخ فی التهذیب بجواز أن یکون إنما اقتصر علیه السلام فیهما علی التکبیر مرتین لأنه قصد إلی إفهامه السائل کیفیة التلفظ به ، وکان

ص: 280


1- الکافی 3 : 302 - 3 ، التهذیب 2 : 59 - 208 ، الإستبصار 1 : 305 - 1132 ، الوسائل 4 : 642 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 1.
2- الکافی 3 : 303 - 5 ، التهذیب 2 : 61 - 213 ، الإستبصار 1 : 307 - 1137 ، الوسائل 4 : 642 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 2.
3- التهذیب 2 : 59 - 209 ، الإستبصار 1 : 305 - 1133 ، الوسائل 4 : 643 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 5.
4- کذا فی جمیع النسخ والموجود فی المصادر : عن أبی جعفر.
5- التهذیب 2 : 60 - 210 ، الإستبصار 1 : 305 - 1134 ، الوسائل 4 : 644 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 8.

والإقامة فصولها مثنی مثنی ، ویزاد فیها قد قامت الصلاة مرّتین ، ویسقط من التهلیل فی آخرها مرّة واحدة.

______________________________________________________

المعلوم له أنه لا یجزی ما دون الأربع (1) (2).

وحکی الشیخ فی الخلاف عن بعض الأصحاب تربیع التکبیر فی آخر الأذان (3). وهو شاذ مردود بما تلوناه من الأخبار.

فائدة :

یجوز فی السفر وعند العذر نقص الأذان والإقامة بأفراد فصولهما ، لما رواه أبو عبیدة الحذاء فی الصحیح ، قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام یکبر واحدة واحدة فی الأذان ، فقلت : لم تکبر واحدة واحدة؟ فقال : « لا بأس به إذا کنت مستعجلا » (4) وما رواه برید بن معاویة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الأذان یقصر فی السفر کما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة » (5) وروی نعمان الرازی قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « یجزیک من الإقامة طاق طاق فی السفر » (6).

قوله : ( والإقامة فصولها مثنی مثنی ، ویزاد فیها قد قامت الصلاة مرتین ، ویسقط التهلیل من آخره مرة واحدة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وعزاه فی المعتبر إلی السبعة

فصول الإقامة

ص: 281


1- التهذیب 2 : 61.
2- فی « م » ، « ح » زیادة : وهو بعید جدا.
3- الخلاف 1 : 90.
4- التهذیب 2 : 62 - 216 ، الإستبصار 1 : 307 - 1140 ، الوسائل 4 : 650 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 4.
5- التهذیب 2 : 62 - 219 ، الإستبصار 1 : 308 - 1143 ، الوسائل 4 : 650 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 2.
6- التهذیب 2 : 62 - 220 ، الإستبصار 1 : 308 - 1144 ، الوسائل 4 : 650 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 5.

والترتیب شرط فی صحة الأذان والإقامة.

______________________________________________________

وأتباعهم (1) ، واستدل علیه بما رواه صفوان بن مهران الجمّال قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « الأذان مثنی مثنی ، والإقامة مثنی مثنی » (2) وهی قاصرة عن إفادة المدعی لتضمنها تثنیة التهلیل فی آخر الإقامة.

نعم یمکن الاستدلال علیه بروایة إسماعیل الجعفی المتقدمة حیث قال فیها : « والإقامة سبعة عشر حرفا » (3) فإن ذلک إنما ینطبق علی هذا التفصیل.

وحکی الشیخ فی الخلاف عن بعض الأصحاب أنه جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان ، وزاد فیها : قد قامت الصلاة مرتین (4) ، ویدل علیه روایتا أبی بکر الحضرمی ، وزرارة والفضیل المتقدمتان (5).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الأذان مثنی مثنی ، والإقامة واحدة » (6).

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الإقامة مرة مرة إلاّ قوله : الله أکبر ، الله أکبر ، فإنه مرتان » (7).

وأجاب عنهما فی التهذیب بالحمل علی حال التقیة أو عند العجلة (8) ، ولا بأس به.

قوله : ( والترتیب شرط فی صحة الأذان والإقامة ).

اشتراط الترتیب فی الأذان والإقامة

ص: 282


1- المعتبر 2 : 139.
2- الکافی 3 : 303 - 4 ، التهذیب 2 : 62 - 217 ، الإستبصار 1 : 307 - 1141 ، الوسائل 4 : 643 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 4.
3- فی ص 279.
4- الخلاف 1 : 91.
5- فی ص 279 ، 280.
6- التهذیب 2 : 61 - 214 ، الإستبصار 1 : 307 - 1138 ، الوسائل 4 : 649 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 1.
7- التهذیب 2 : 61 - 215 ، الإستبصار 1 : 307 - 1139 ، الوسائل 4 : 650 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 3.
8- التهذیب 2 : 62.

ویستحب فیهما سبعة أشیاء : أن یکون مستقبل القبلة ،

______________________________________________________

لا ریب فی اشتراط الترتیب بینهما وبین فصولهما ، لأن الآتی بهما علی خلاف الترتیب لا یکون آتیا بالسنة ، لأنها عبادة متلقاة عن صاحب الشرع فیقتصر علی صفتها المنقولة.

ویدل علیه أیضا ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من سها فی الأذان فقدّم أو أخّر أعاد علی الأول الذی أخّره حتی یمضی علی آخره » (1).

ومعنی اشتراط الترتیب فیهما عدم اعتبارهما بدونه ، فلا یعتد بهما فی الصلاة ، ویأثم بفعلهما أیضا کالصلاة من دون طهارة.

قوله : ( ویستحب فیهما سبعة أشیاء : أن یکون مستقبل القبلة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه قوله علیه السلام : « خیر المجالس ما استقبل فیه القبلة » (2) ویتأکد الاستقبال فی الشهادتین والإقامة ، لقول أحدهما علیهماالسلام فی صحیحة محمد بن مسلم : وقد سأله عن الرجل یؤذّن وهو یمشی : « نعم ، إذا کان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس » (3) وفی روایة سلیمان بن صالح : « ولیتمکن فی الإقامة کما یتمکن فی الصلاة فإنه إذا أخذ فی الإقامة فهو فی صلاة » (4).

ونقل عن السید المرتضی أنه أوجب الاستقبال فی الأذان والإقامة (5). وهو ضعیف.

مستحبات الأذان والإقامة

ص: 283


1- الکافی 3 : 305 - 1 ، التهذیب 2 : 280 - 1115 ، الوسائل 4 : 662 أبواب الأذان والإقامة ب 33 ح 1.
2- الشرائع 4 : 73 ، الوسائل 8 : 475 أبواب أحکام العشرة ب 76 ح 3.
3- الفقیه 1 : 185 - 878 ، التهذیب 2 : 56 - 196 ، الوسائل 4 : 635 أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 7.
4- الکافی 3 : 306 - 21 ، التهذیب 2 : 56 - 197 ، الوسائل 4 : 636 أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 12.
5- جمل العلم والعمل : 58 قال : والأذان یجوز بغیر وضوء ولا استقبال القبلة ولا یجوز ذلک فی الإقامة. ولکن نقله عنه فی الذکری : 170.

وأن یقف علی أواخر الفصول ، ویتأنّی فی الأذان ، ویحدر فی الإقامة ،

______________________________________________________

ویکره الالتفات به یمینا وشمالا ، سواء کان علی المنارة أم علی الأرض. وقال بعض العامة : یستحب أن یدور بالأذان فی المئذنة (1). ویرده ما رووه أن مؤذّنی النبی صلی الله علیه و آله کانوا یستقبلون القبلة (2) ، والالتواء خروج عن القبلة.

قوله : ( وأن یقف علی أواخر الفصول ).

استحباب الوقف علی أواخر الفصول من الأذان والإقامة ثابت بإجماع الأصحاب ، ویدل علیه ما رواه ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه ، عن خالد بن نجیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الأذان والإقامة مجزومان » قال : وفی خبر آخر : موقوفان (3). وفی روایة أخری لخالد بن نجیح ، عن الصادق علیه السلام إنه قال : « التکبیر جزم فی الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف » (4) وروی الشیخ فی الحسن ، عن زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » (5).

قال جدی - قدس سره - : ولو أعربهما فعل مکروها وأجزأ ، وفی حکم الإعراب : الروم والإشمام والتضعیف (6).

قوله : ( ویتأنی فی الأذان ویحدر فی الإقامة ).

الحدر : الإسراع ، والمراد به تقصیر الوقف لا ترکه أصلا ، وقد ورد

ص: 284


1- المغنی والشرح الکبیر 1 : 472.
2- المغنی والشرح الکبیر 1 : 472.
3- الفقیه 1 : 184 - 874 ، الوسائل 4 : 639 أبواب الأذان والإقامة ب 15 ح 4 ، 5.
4- الفقیه 1 : 184 - 871 ، التهذیب 2 : 58 - 204 ، الوسائل 4 : 639 أبواب الأذان والإقامة ب 15 ح 3.
5- التهذیب 2 : 58 - 203 ، الوسائل 4 : 652 أبواب الأذان والإقامة ب 24 ح 2.
6- المسالک 1 : 27 ، والروضة البهیة 1 : 247. والروم : حرکة مختلسة مختفاة ، وهی أکثر من الإشمام لأنها تسمع ( الصحاح 5 : 1938 ).

وأن لا یتکلم فی خلالهما ،

______________________________________________________

بالحکمین روایات کثیرة ، منها : روایة زرارة السابقة ، وروایة الحسن بن السری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الأذان ترتیل والإقامة حدر » (1) وصحیحة معاویة بن وهب : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الأذان فقال : « اجهر وارفع به صوتک ، فإذا أقمت فدون ذلک ، لا تنتظر بأذانک وإقامتک إلاّ دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتک حدرا » (2).

قوله : ( ولا یتکلم فی خلالهما ).

أما کراهة الکلام فی أثناء الأذان فلما فیه من تفویت الإقبال المطلوب فی العبادة.

وأما کراهته فی أثناء الإقامة فلما رواه عمرو بن أبی نصر فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیتکلم الرجل فی الأذان؟ قال : « لا بأس » قلت : فی الإقامة؟ قال : « لا » (3) وإنما حملنا النهی فی هذه الروایة علی الکراهة ، لما رواه حماد بن عثمان فی الصحیح : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یتکلم بعد ما یقیم الصلاة ، قال : « نعم » (4).

وظاهر الشیخین فی المقنعة والتهذیب المنع من الکلام فی خلال الإقامة مع الاختیار مطلقا (5) ، وهو ضعیف.

وتتأکد الکراهة بعد قول المقیم : قد قامت الصلاة ، وقال الثلاثة

ص: 285


1- الکافی 3 : 306 - 26 ، التهذیب 2 : 65 - 232 ، الوسائل 4 : 653 أبواب الأذان والإقامة ب 24 ح 3.
2- الفقیه 1 : 185 - 876 ، الوسائل 4 : 625 أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 1.
3- الکافی 3 : 304 - 10 ، التهذیب 2 : 54 - 182 ، الإستبصار 1 : 300 - 1110 ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 4.
4- التهذیب 2 : 54 - 187 ، الإستبصار 1 : 301 - 1114 ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 9.
5- المفید فی المقنعة : 15 ، والشیخ فی التهذیب 2 : 55.

ویفصل بینهما برکعتین أو سجدة ، إلا فی المغرب ، فإن الأولی أن یفصل بینهما بخطوة أو سکتة ،

______________________________________________________

بتحریمه (1) ، وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله (2).

قوله : ( ویفصل بینهما برکعتین أو سجدة ، إلا فی المغرب ، فإن الأولی أن یفصل بینهما بخطوة أو سکتة ).

هذا التفصیل مشهور بین الأصحاب ، وعزاه فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الاتفاق علیه (3).

أما استحباب الفصل بالرکعتین فیدل علیه صحیحة سلیمان بن جعفر الجعفری قال ، سمعته یقول : « افرق بین الأذان والإقامة بجلوس أو برکعتین » (4).

وصحیحة أحمد بن محمد قال ، قال : « القعود بین الأذان والإقامة فی الصلوات کلها إذا لم یکن قبل الإقامة صلاة تصلّیها » (5).

وما رواه ابن أبی عمیر فی الصحیح ، عن أبی علی صاحب الأنماط ، عن أبی عبد الله علیه السلام أو أبی الحسن علیه السلام قال ، قال : « یؤذّن للظهر علی ست رکعات ، ویؤذّن للعصر علی ست رکعات بعد الظهر » (6).

ویفهم من الروایتین الأوّلتین استحباب الفصل بینهما بالجلوس ، وعدم الفرق فی ذلک بین صلاة المغرب وغیرها.

ویدل علی استحباب الفصل بین أذان المغرب وإقامتها بالجلوس علی

ص: 286


1- المفید فی المقنعة : 15 ، والسید المرتضی نقله فی المعتبر 2 : 143 ، والشیخ فی النهایة : 66 ، والمبسوط 1 : 99.
2- فی ص 843.
3- المعتبر 2 : 142.
4- التهذیب 2 : 64 - 277 ، الوسائل 4 : 631 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 2.
5- الکافی 3 : 306 - 24 ، التهذیب 2 : 64 - 228 ، الوسائل 4 : 631 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 3.
6- التهذیب 2 : 286 - 1144 ، الوسائل 4 : 667 أبواب الأذان والإقامة ب 39 ح 5.

______________________________________________________

الخصوص ما رواه الشیخ عن إسحاق الجریری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال : « من جلس فیما بین أذان المغرب والإقامة کان کالمتشحط بدمه فی سبیل الله » (1).

ویدل علی استحباب الفصل بینهما فی المغرب بالسکتة ما رواه سیف بن عمیرة ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « بین کل أذانین قعدة إلاّ المغرب ، فإن بینهما نفسا » (2) ولعل ذلک هو المراد بالسکتة.

وأما استحباب الفصل بینهما بالسجدة فی غیر المغرب ، والخطوة فیها ، فلم أجد به حدیثا.

وروی عمار الساباطی فی الموثق ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا قمت إلی الصلاة الفریضة فأذّن وأقم ، وافصل بین الأذان والإقامة بقعود أو بکلام أو تسبیح » وقال : سألته کم الذی یجزی بین الأذان والإقامة من القول؟ قال : « الحمد لله » (3).

وروی عبد الله بن مسکان فی الصحیح ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام أذّن وأقام من غیر أن یفصل بینهما بجلوس (4).

وروی جعفر بن محمد بن یقطین رفعه إلیهم ، قال : « یقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس : اللهم اجعل قلبی بارّا ، ورزقی دارّا ، واجعل لی عند رسول الله صلی الله علیه و آله قرارا ومستقرا » (5).

ص: 287


1- التهذیب 2 : 64 - 231 ، الاستبصار 1 : 309 ، المحاسن : 50 - 70 ، الوسائل 4 : 632 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 10.
2- التهذیب 2 : 64 - 229 ، الإستبصار 1 : 309 - 1150 ، الوسائل 4 : 632 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 7.
3- الفقیه 1 : 185 - 877 ، التهذیب 2 : 49 - 162 وفیه صدر الحدیث ، والوسائل 4 : 631 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 4.
4- التهذیب 2 : 285 - 1138 ، الوسائل 4 : 632 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 9.
5- الکافی 3 : 308 - 32 ، التهذیب 2 : 64 - 230 ، الوسائل 4 : 634 أبواب الأذان والإقامة ب 12 ح 1 ، وفیها وفی « س » : واجعل لی عند قبر.

وأن یرفع الصوت به إذا کان ذکرا :

______________________________________________________

ومعنی البارّ : المطیع والمحسن ، ومعنی کون الرزق دارّا : زیادته وتجدده شیئا فشیئا کما یدرّ اللبن.

والقرار والمستقر قیل : إنهما مترادفان (1). وقیل : المستقر فی الدنیا ، والقرار فی الآخرة (2). کأنه یسأل أن یکون مقامه فی الدنیا والآخرة فی جواره صلی الله علیه و آله ، واختص الدنیا بالمستقر ، لقوله تعالی ( وَلَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) (3) والآخرة بالقرار ، لقوله تعالی ( وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِیَ دارُ الْقَرارِ ) (4).

قوله : ( وأن یرفع الصوت به إذا کان ذکرا ).

المستند فی ذلک الأخبار المستفیضة : کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « لا یجزیک من الأذان إلاّ ما أسمعت نفسک أو فهمته ، وأفصح بالألف والهاء ، وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله کلّما ذکرته أو ذکره ذاکر عندک فی أذان وغیره ، وکلما اشتد صوتک من غیر أن تجهد نفسک کان من یسمع أکثر ، وکان أجرک فی ذلک أعظم » (5).

وروایة محمد بن راشد ، قال : حدثنی هشام بن إبراهیم أنه شکی إلی الرضا علیه السلام سقمه وأنه لا یولد له ، فأمره أن یرفع صوته بالأذان فی منزله ، قال : ففعلت فأذهب الله عنی سقمی وکثر ولدی. قال محمد بن راشد : وکنت دائم العلة ما أنفک منها فی نفسی وجماعة خدمی ، فلما سمعت ذلک من هشام عملت به فأذهب الله عنی وعن عیالی العلل (6).

ص: 288


1- کما فی جمع الفائدة 2 : 179.
2- کما فی روض الجنان : 245.
3- البقرة : 36.
4- المؤمن : 39.
5- الفقیه 1 : 184 - 875 ، الوسائل 4 : 640 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 2.
6- الکافی 3 : 308 - 33 ، الفقیه 1 : 189 - 903 ، التهذیب 2 : 59 - 207 ، الوسائل 4 : 641 أبواب الأذان والإقامة ب 18 ح 1.

وکل ذلک یتأکد فی الإقامة.

ویکره الترجیح فی الأذان ، إلا أن یرید الإشعار.

______________________________________________________

قوله : ( ویتأکد ذلک فی الإقامة ).

یستثنی من ذلک رفع الصوت فإنه غیر مسنون فی الإقامة.

قوله : ( ویکره الترجیع فی الأذان ، إلا أن یرید الإشعار ).

اختلف الأصحاب (1) فی حقیقة الترجیع ، فقال الشیخ فی المبسوط : إنه تکرار التکبیر والشهادتین فی أول الأذان (2). وقال الشهید فی الذکری : إنه تکرار الفصل زیادة علی الموظف (3). وذکر جماعة من أهل اللغة : إنه تکرار الشهادتین جهرا بعد إخفاتهما (4). وهو قول الشافعی (5) فإنه استحب الترجیع بهذا المعنی تعویلا علی أن النبی صلی الله علیه و آله أمر أبا محذورة بذلک (6).

وردّ بما رواه العامة أیضا : إن النبی صلی الله علیه و آله إنما خص أبا محذورة بالشهادتین سرّا ثم بالترجیع جهرا لأنه لم یکن مقرا بهما (7).

واختلف الأصحاب أیضا فی حکم الترجیع ، فقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : إنه غیر مسنون (8). وقال ابن إدریس (9) وابن حمزة (10) : إنه محرّم.

مکروهات الأذان والإقامة

ص: 289


1- فی « س » ، « ح » : العلماء.
2- المبسوط 1 : 95.
3- الذکری : 169.
4- قاله ابن الأثیر فی النهایة 2 : 202 ، والفیروزآبادی فی القاموس المحیط 3 : 29 ، وصاحب أقرب الموارد 1 : 391.
5- کتاب الأم 1 : 84.
6- سنن ابن ماجة 1 : 234 - 708 ، المغنی والشرح الکبیر 1 : 450.
7- المغنی والشرح الکبیر 1 : 451.
8- المبسوط 1 : 95 ، والخلاف 1 : 95.
9- السرائر : 43.
10- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 672.

وکذا یکره قول : الصلاة خیر من النوم.

______________________________________________________

وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (1). وذهب آخرون إلی کراهته (2). والمعتمد التحریم ، لأن الأذان سنة متلقاة من الشارع کسائر العبادات فتکون الزیادة فیه تشریعا محرّما کما تحرم زیادة : أن محمدا وآله خیر البریة ، فإن ذلک وإن کان من أحکام الإیمان إلاّ أنه لیس من فصول الأذان.

ولو دعت إلی الترجیع حاجة إشعار المصلّین. فقد نص الشیخ فی المبسوط (3) ، ومن تأخر عنه علی جوازه ، واستدلوا علیه بما رواه علیّ بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لو أن مؤذّنا أعاد فی الشهادة ، أو فی حیّ علی الصلاة ، أو حیّ علی الفلاح المرتین والثلاث أو أکثر من ذلک إذا کان إماما یرید القوم لیجمعهم لم یکن به بأس » (4) وهی ضعیفة الإسناد ، لکن ظاهر العلاّمة فی المختلف الاتفاق علی العمل بمضمونها (5) ، فإن تمّ فهو الحجة وإلاّ ثبت المنع بما ذکرناه آنفا من الدلیل.

قوله : ( وکذا یکره قول : الصلاة خیر من النوم ).

هذا هو المعبر عنه بالتثویب علی ما نص علیه الشیخ فی المبسوط (6) ، وأکثر الأصحاب ، وصرح به جماعة من أهل اللغة منهم ابن الأثیر فی النهایة وقال : إنه إنما سمی تثویبا ، لأنه من ثاب یثوب إذا رجع ، فإن المؤذّن إذا قال : حیّ علی الصلاة فقد دعاهم إلیها ، فإذا قال بعدها : الصلاة خیر من النوم فقد رجع إلی کلام معناه المبادرة إلیها (7).

ص: 290


1- النهایة : 67.
2- المحقق الحلی فی المعتبر 2 : 143 ، والعلامة فی القواعد 1 : 30 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 246.
3- المبسوط 1 : 95.
4- الکافی 3 : 308 - 34 ، التهذیب 2 : 63 - 225 ، الإستبصار 1 : 309 - 1149 ، الوسائل 4 : 652 أبواب الأذان والإقامة ب 23 ح 1.
5- المختلف : 89.
6- المبسوط 1 : 95.
7- النهایة 1 : 226.

______________________________________________________

وقال الشیخ فی النهایة : التثویب تکریر الشهادتین والتکبیر (1). وقال ابن إدریس : التثویب تکریر الشهادتین دفعتین ، لأنه مأخوذ من ثاب : إذا رجع (2). وفسره بعضهم بما یقال بین الأذان والإقامة من الحیعلتین مثنی فی أذان الصبح (3) (4).

واختلف الأصحاب فی حکم التثویب فی الأذان الذی هو عبارة عن قوله : الصلاة خیر من النوم ، بعد اتفاقهم علی إباحته للتقیة ، فقال ابن إدریس (5) وابن حمزة (6) بالتحریم ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (7) سواء فی ذلک أذان الصبح وغیره.

وقال الشیخ فی المبسوط ، والمرتضی فی الانتصار بکراهته (8). وقال ابن الجنید : إنه لا بأس به فی أذان الفجر خاصة (9). وقال الجعفی : تقول فی أذان صلاة الصبح بعد قولک : حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل : الصلاة خیر من النوم مرتین ، ولیستا من أصل الأذان (10). والمعتمد التحریم.

لنا : أن الأذان عبادة متلقاة من صاحب الشرع فیقتصر فی کیفیتها علی المنقول ، والروایات المنقولة عن أهل البیت علیهم السلام خالیة من هذا اللفظ ، فیکون الإتیان به تشریعا محرّما.

ص: 291


1- النهایة : 67.
2- السرائر : 43.
3- نقله عن أبی حنیفة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 433.
4- فی « ح » زیادة : والنزاع لفظی.
5- السرائر : 44.
6- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 672.
7- النهایة : 67.
8- المبسوط 1 : 95 ، الانتصار : 39.
9- نقله عنه فی الذکری : 169
10- نقله عنه فی الذکری : 169 ، 175.

الرابع : فی أحکام الأذان ، وفیه مسائل :

الأولی : من نام فی خلال الأذان أو الإقامة ثم استیقظ استحب له استئنافه ، ویجوز البناء ، وکذا إن أغمی علیه.

______________________________________________________

وحکی المصنف فی المعتبر أن فی کتاب أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی من أصحابنا ، قال : حدثنی عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « الأذان : الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله » وقال فی آخره : لا إله إلاّ الله مرة ثم قال : « إذا کنت فی أذان الفجر فقل : الصلاة خیر من النوم بعد حیّ علی خیر العمل ، وقل بعده : الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله ، ولا تقل فی الإقامة : الصلاة خیر من النوم إنما هو فی الأذان ». ثم نقل عن الشیخ فی الإستبصار أنه حمل ذلک علی التقیة ، وقال : لست أری هذا التأویل شیئا ، فإن فی جملة الأذان : حیّ علی خیر العمل ، وهو انفراد الأصحاب فلو کان للتقیة لما ذکره ، لکن الأوجه أن یقال : فیه روایتان عن أهل البیت أشهرهما ترکه (1).

ویمکن الجواب عنه بأنه لیس فی الروایة تصریح بأنه یقول : حیّ علی خیر العمل جهرا ، فیحتمل أن یکون المراد أنه إذا قال ذلک سرّا یقول بعده : الصلاة خیر من النوم ، لکن هذه الروایة مخالفة لما علیه الأصحاب من تربیع التکبیر فی أول الأذان وتثنیة التهلیل فی آخره. وکیف کان ، فالمذهب ترک التثویب مطلقا.

قوله : ( الرابع : فی أحکام الأذان ، وفیه مسائل ، الأولی : من نام فی خلال الأذان والإقامة ثم استیقظ استحب له استئناف ویجوز البناء ، وکذا إن أغمی علیه ).

إنما یجوز البناء مع عدم الإخلال بالموالاة : فإنها شرط فی الأذان والإقامة ، إذ لم ینقل عنهم علیهم السلام الفصل بین فصولهما ، والعبادة سنة متلقاة من

أحکام الأذان

ص: 292


1- المعتبر 2 : 145 ، الوسائل 4 : 648 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 19.

الثانیة : إذا أذّن ثم ارتدّ جاز أن یعتدّ به ویقیم غیره ، ولو ارتدّ فی أثناء الأذان ثم رجع استأنف علی قول.

الثالثة : یستحب لمن سمع الأذان أن یحکیه مع نفسه.

______________________________________________________

الشارع فیجب الاقتصار فیها علی ما ورد به النقل

وقد یناقش فی استحباب الاستئناف مع بقاء الموالاة ، لعدم الظفر بدلیله. ولو طال النوم أو الإغماء فقد نص الشیخ (1) وأتباعه علی أنه یجوز لغیر ذلک المؤذّن البناء علی ذلک الأذان ، لأنه تجوز صلاة واحدة بإمامین ففی الأذان أولی. وفیه إشکال ، منشؤه توقف ذلک علی النقل ، ومنع الأولویة.

قوله : ( الثانیة ، إذا أذّن ثم ارتد جاز أن یعتد به ویقیم غیره ).

الأولی قراءة الفعل هنا مبنیا للمجهول ، ویستفاد منه جواز اعتداده هو به بعد العود إلی الإسلام ، لاندراجه فی الإطلاق. وإنما جاز الاعتداد به لاجتماع شرائط الصحة فیه حال فعله ، وکونه بالنسبة إلی ذلک من قبیل الأسباب التی لا تبطل بالردة وإن سلّم بطلان العبادات بها ، وفیه بحث لیس هذا محله.

قوله : ( ولو ارتد فی أثناء الأذان ثم رجع استأنف علی قول ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (2) ، والأقرب البناء مع بقاء الموالاة ، لعد إبطال الردة ما مضی من الأذان کما لا تبطله کله.

قوله : ( الثالثة ، یستحب لمن سمع الأذان أن یحکیه مع نفسه ).

هذا مذهب العلماء کافة حکاه فی المنتهی (3) ، ویدل علیه روایات کثیرة : کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا سمع المؤذّن قال مثل ما یقوله فی کل شی ء » (4).

ص: 293


1- المبسوط 1 : 96.
2- المبسوط 1 : 96.
3- المنتهی 1 : 263.
4- الکافی 3 : 307 - 29 ، الوسائل 4 : 671 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 1.

______________________________________________________

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال له : « یا محمد بن مسلم لا تدع ذکر الله علی کل حال ، ولو سمعت المنادی ینادی بالأذان وأنت علی الخلاء فاذکر الله عزّ وجلّ وقل کما یقول » (1) قال ابن بابویه : وروی أن من سمع الأذان فقال کما یقول المؤذّن زید فی رزقه (2).

وهنا فوائد :

الأولی : الحکایة لجمیع ألفاظ الأذان حتی الحیّعلات ، کما تدل علیه هذه الروایات. وقال الشیخ فی المبسوط : روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لا تقول إذا قال : حیّ علی الصلاة : لا حول ولا قوة إلاّ بالله » (3) وهذه الروایة مجهولة الإسناد.

الثانیة : قال الشیخ فی المبسوط : من کان خارج الصلاة قطع کلامه وحکی قول المؤذّن ، وکذا لو کان یقرأ القرآن قطع وقال کقوله ، لأن الخبر علی عمومه (4).

ومقتضی کلامه أنه لا یستحب حکایته فی الصلاة ، وبه قطع العلاّمة فی التذکرة (5) ، وکأنه لفقد العموم المتناول لحال الصلاة ، ولو حکاه لم یبطل صلاته إلا أن یحیعل.

الثالثة : لو فرغ من الصلاة ولم یحک الأذان فالظاهر سقوط الحکایة ، لفوات محلها وهو ما بعد الفصل بغیر فصل أو معه. وقال العلاّمة فی التذکرة : إنه یکون مخیرا بین الحکایة وعدمها (6). وقال الشیخ فی الخلاف : یؤتی به لا من حیث کونه أذانا ، بل من حیث کونه ذکرا (7). وهما ضعیفان.

ص: 294


1- الفقیه 1 : 187 - 892 ، علل الشرائع : 284 - 2 ، الوسائل 4 : 671 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 2.
2- الفقیه 1 : 189 - 904 ، الوسائل 4 : 672 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 4.
3- المبسوط 1 : 97.
4- المبسوط 1 : 97.
5- التذکرة 1 : 108.
6- التذکرة 1 : 108.
7- وجدناه فی المبسوط 1 : 97.

الرابعة : إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة ، کره الکلام کراهیة مغلّظة ، إلا ما یتعلق بتدبیر المصلّین.

______________________________________________________

الرابعة : إنما یستحب حکایة الأذان المشروع ، ومنه المقدّم قبل الفجر ، وأذان الجنب فی المسجد وإن حرم السکون ، وکذا أذان من أخذ علیه أجرا ، لأن المحرّم أخذ الأجرة لا الأذان ، فلا یحکی أذان المجنون والکافر والمرأة إذا سمعها الأجنبی ، وأذان عصر الجمعة وعرفة وعشاء المزدلفة عند من حرّمه.

الخامسة : روی ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحارث بن المغیرة النضری ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من سمع المؤذّن یقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله أشهد أن محمدا رسول الله فقال مصدقا محتسبا : وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله ، اکتفی بهما عمن أبی وجحد ، وأعین بهما من أقرّ وشهد ، کان له من الأجر عدد من أنکر وجحد وعدد من أقرّ وشهد » (1) وروی أیضا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « من قال حین یسمع أذان الصبح : اللهم إنی أسألک بإقبال نهارک وإدبار لیلک وحضور صلواتک وأصوات دعاتک أن تتوب علیّ إنک أنت التواب الرحیم ، وقال مثل ذلک حین یسمع أذان المغرب ثم مات من یومه أو لیلته مات تائبا » (2).

قوله : ( الرابعة ، إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، کره الکلام کراهة مغلّظة ، إلا ما یتعلق بتدبیر المصلین ).

القول بالکراهة مذهب الأکثر وقال الشیخان فی النهایة والمقنعة ، والسید المرتضی فی المصباح : إذا قال الإمام : قد قامت الصلاة حرم الکلام إلاّ ما یتعلق بالصلاة من تسویة صفّ أو تقدیم إمام (3). واستدلوا علیه بصحیحة ابن أبی عمیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یتکلم فی الإقامة ، قال : « نعم ، فإذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة فقد حرم الکلام علی أهل

ص: 295


1- الفقیه 1 : 187 - 891 ، الوسائل 4 : 671 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 3.
2- الفقیه 1 : 187 - 890 ، الوسائل 4 : 669 أبواب الأذان والإقامة ب 43 ح 1.
3- المقنعة 15 ، النهایة : 66 ، ونقله عن المصباح فی المعتبر 2 : 143.

الخامسة : یکره للمؤذن أن یلتفت یمینا وشمالا ، لکن یلزم سمت القبلة فی أذانه.

______________________________________________________

المسجد إلاّ أن یکونوا قد اجتمعوا من شتّی ولیس لهم إمام فلا بأس أن یقول بعضهم لبعض : تقدم یا فلان » (1) وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا أقیمت الصلاة حرم الکلام علی الإمام وأهل المسجد إلاّ فی تقدیم إمام » (2) ونحوه روی سماعة فی الموثق ، عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

والوجه تنزیل هذه الأخبار علی الکراهة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل أیتکلم بعد ما یقیم الصلاة؟ قال : « نعم » (4) وعن الحسن بن شهاب قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا بأس أن یتکلم الرجل وهو یقیم الصلاة وبعد ما یقیم إن شاء » (5).

ویستحب لمن تکلّم بعد الإقامة أن یستأنفها ، لما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تتکلم إذا أقمت الصلاة فإنک إذا تکلمت أعدت الإقامة » (6).

قوله : ( الخامسة ، یکره للمؤذن أن یلتفت یمینا وشمالا ، لکن یلزم سمة القبلة فی أذانه ).

ص: 296


1- التهذیب 2 : 55 - 189 ، الإستبصار 1 : 301 - 1116 ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 7.
2- الفقیه 1 : 185 - 879 ، الوسائل 4 : 628 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 1.
3- التهذیب 2 : 55 - 190 ، الإستبصار 1 : 302 - 1117 ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 5.
4- التهذیب 2 : 54 - 187 ، الإستبصار 1 : 301 - 1114 ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 9.
5- التهذیب 2 : 55 - 188 ، الاستبصار 1 : 301 - 1115 وفیه : عن الحسین بن شهاب ، السرائر : 483 ، الوسائل 4 : 630 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 10.
6- التهذیب 2 : 55 - 191 ، الاستبصار 1 : 301 - 1112 وفیه : إذا أقمت للصلاة ، الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 3.

السادسة : إذا تشاحّ الناس فی الأذان قدّم الأعلم ، ومع التساوی یقرع بینهم.

السابعة : إذا کان جماعة جاز أن یؤذنوا جمیعا ، والأفضل إن کان الوقت متسعا أن یؤذن واحدا بعد واحد.

______________________________________________________

ردّ بذلک علی الشافعی حیث استحب أن یلتفت عن یمینه عند قوله : حیّ علی الصلاة ، وعن یساره عند قوله : حیّ علی الفلاح (1) ، وعلی أبی حنیفة حیث استحب أن یدار بالأذان فی المئذنة (2).

قوله : ( السادسة ، إذا تشاحّ الناس فی الأذان قدم الأعلم ، ومع التساوی یقرع بینهم ).

أی لو اجتمع اثنان فصاعدا کل منهم یرید الأذان قدّم الأعلم بأحکام الأذان التی من جملتها الأوقات ، لأمن الغلط ، فإن تساووا فی العلم أقرع بینهم. أما تقدیم الأعلم فظاهر ، لأن الأعلمیة صفة راجحة موجبة للتقدیم ، وأما القرعة ، فلما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لو یعلم الناس ما فی الأذان والصف الأول لم یجدوا إلا أن یسهموا علیه » (3) وهو دلیل جواز الإسهام فیه. وقیل : إن القرعة إنما تثبت مع التساوی فی الأوصاف المعتبرة فی المؤذّن (4). وهو أولی ، وعلی هذا فیقدم الجامع للصفات علی فاقد بعضها ، وجامع الأکثر علی جامع الأقل. وإنما یتحقق التشاح للارتزاق من بیت المال حیث لا یحتاج إلی التعدد ، وإلاّ أذّن الجمیع.

قوله : ( السابعة ، إذا کان جماعة جاز أن یؤذنوا جمیعا ، والأفضل إذا کان الوقت متسعا أن یؤذن واحدا بعد واحد ).

إذا اجتمع جماعة وأرادوا الأذان فقد قطع المصنف بأنه یجوز لهم أن یؤذّنوا

ص: 297


1- نقله عنه فی المهذب فی فقه الإمام الشافعی 1 : 57.
2- نقله عنه فی بدائع الصنائع 1 : 149 ، والمغنی والشرح الکبیر 1 : 472.
3- المبسوط 1 : 98 ، مستدرک الوسائل 1 : 249 أبواب الأذان والإقامة ب 2 ح 5.
4- کما فی روض الجنان : 246.

______________________________________________________

دفعة واحدة ، ومترتبین بأن یبتدئ کل واحد منهم بعد فراغ الآخر ، وأن الأفضل الترتیب مع سعة الوقت ، لفوات الإقبال المطلوب فی العبادة مع الاجتماع. والظاهر أن المراد بسعة الوقت هنا عدم اجتماع الأمر المطلوب فی الجماعة من الإمام ومن یعتاد حضوره من المأمومین لا اتساع وقت الإجزاء ، فإن تأخیر الصلاة عن أول وقتها لأمر غیر موظف شرعا مستبعد جدا.

وقال الشیخ فی الخلاف : لا ینبغی الزیادة علی اثنین (1). واستدل بإجماع الفرقة علی ما رووه من أن الأذان الثالث بدعة (2). وقال ولده الشیخ أبو علی فی شرح نهایة والده : الزائد علی اثنین بدعة بإجماع أصحابنا (3). وقال الشیخ فی المبسوط : یجوز أن یکون المؤذّنون اثنین اثنین إذا أذّنوا فی موضع واحد فإنه أذان واحد ، فأما إذا أذّن واحد بعد الآخر فلیس ذلک بمسنون ولا مستحب (4).

وفسر المصنف فی المعتبر أذان الواحد بعد الآخر بأن یبنی کل واحد علی فصول الآخر (5) ، وهو المعبر عنه بالتراسل. وفیه بعد ، فإن المتبادر من کلامه أن یقع مجموع الأذان الثانی بعد الأول. وعللت کراهته بأنه یتضمن تأخیر الصلاة عن أول وقتها من غیر موجب (6) ، وهو حسن.

والمعتمد کراهة الاجتماع فی الأذان مطلقا ، لعدم ورود الشرع به ، وکذا أذان الواحد بعد الواحد فی المحل الواحد. أما مع اختلاف المحل وسعة الوقت بالمعنی المتقدم فلا مانع منه ، بل الظاهر استحبابه ، لعموم الأدلة الدالة علی مشروعیة الأذان والترغیب فیه.

ص: 298


1- الخلاف 1 : 95.
2- التهذیب 3 : 19 - 67 ، الوسائل 5 : 81 أبواب صلاة الجمعة ب 49 ح 1.
3- نقله عنه فی الذکری : 172.
4- المبسوط 1 : 98.
5- المعتبر 2 : 133.
6- کما فی التذکرة 1 : 107.

الثامنة : إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن یجتزئ به فی الجماعة وإن کان ذلک المؤذن منفردا.

______________________________________________________

قوله : ( الثامنة ، إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن یجتزئ به فی الجماعة وإن کان ذلک المؤذن منفردا ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واحتجوا علیه بفعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ومن بعدهم ، وما رواه الشیخ عن عمرو بن خالد ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : کنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال : « قوموا » فقمنا فصلّینا معه بغیر أذان ولا إقامة قال : « یجزیکم أذان جارکم » (1) وعن أبی مریم الأنصاری ، قال : صلّی بنا أبو جعفر علیه السلام فی قمیص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت له : عافاک الله صلّیت بنا فی قمیص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فقال : « إن قمیصی کثیف فهو یجزی أن یکون علیّ رداء ، وإنی مررت بجعفر وهو یؤذّن ویقیم فلم أتکلم فأجزأنی ذلک » (2).

وفی طریق الروایتین ضعف (3) ، لکن قال الشهید فی الذکری : أنهما مؤیدتان بعمل السلف (4). وفیه ما فیه.

ویمکن الاستدلال علی ذلک أیضا بما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت ترید أن تصلّی بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه » (5) فإنه یدل علی الاجتزاء بسماع الأذان المتروک منه بعض الفصول مع الإتیان بالمتروک کما هو ظاهر.

ص: 299


1- التهذیب 2 : 285 - 1141 ، الوسائل 4 : 659 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 3.
2- التهذیب 2 : 280 - 1113 ، الوسائل 4 : 659 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 2.
3- أما الأولی فلأن راویها لم یوثق ، وأما الثانیة فلأن من جملة رجالها صالح بن عقبة والظاهر أنه صالح بن عقبة بن قیس بن سمعان ونقل ابن داود فی رجاله : 250 عن ابن الغضائری أنه قال : لیس حدیثه بشی ء کذاب غال کثیر المناکیر.
4- الذکری : 173.
5- التهذیب 2 : 280 - 1112 ، الوسائل 4 : 659 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 1.

______________________________________________________

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی المؤذن بین کونه مؤذّن مصر أو مسجد أو منفردا. وجزم الشارح - قدس سره - باختصاص الحکم بمؤذّن الجماعة والمصر ، ومنع من الاجتزاء بسماع أذان المنفرد بأذانه وهو ما عدا مؤذّن الجماعة والمصر ، وحمل قول المصنف : « وإن کان منفردا » علی أنّ المراد بالمنفرد : المنفرد بصلاته لا بأذانه (1) ، وهو بعید جدا.

وهنا مباحث :

الأول : الظاهر أنه لا فرق فی هذا الحکم بین الإمام والمنفرد وإن کان المفروض فی عبارات الأصحاب اجتزاء الإمام ، لأنه إذا ثبت اجتزاء الإمام بسماع الأذان فالمنفرد أولی.

الثانی : یستفاد من الروایتین الأوّلتین الاجتزاء بالإقامة أیضا مع السماع ، لکن مقتضی روایة أبی مریم اشترط ذلک بعدم الکلام بعد سماع الإقامة. وهو حسن ، لأن الکلام من المقیم بعد الإقامة مقتض لإعادتها. وهذه الإقامة أضعف حکما فبطلانها بالکلام بعدها أولی.

الثالث : هل یستحب تکرار الأذان والإقامة للسامع؟ یحتمل ذلک خصوصا مع اتساع الوقت ، تمسکا بعموم ما دل علی مشروعیة الأذان ورجحانه ، وربما کان فی صحیحة ابن سنان المتقدمة دلالة علی ذلک ، حیث قال فیها : « إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت ترید أن تصلّی بأذانه » (2) فإن مقتضاه التخییر بین اجتزاء السامع به مع إتیانه بالمتروک ، وبین عدم اعتداده به وأذانه لنفسه ، وکیف کان فیجب أن یستثنی من ذلک : المؤذّن للجماعة ، والمقیم لهم ، فإنه لا یستحب معه الأذان والإقامة لهم قطعا ، لإطباق المسلمین کافة علی ترکه ، ولو کان مستحبا لما أطبقوا علی الإعراض عنه.

الرابع : قال الشیخ فی المبسوط : إذا أذّن فی مسجد جماعة دفعة لصلاة

ص: 300


1- المسالک : 28.
2- فی ص 299.

التاسعة : من أحدث فی أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنی ، والأفضل أن یعید الإقامة.

العاشرة : من أحدث فی الصلاة تطهّر وأعادها ، ولا یعید الإقامة إلا أن یتکلم.

______________________________________________________

بعینها کان ذلک کافیا لکل من یصلّی تلک الصلاة فی ذلک المسجد (1). ولم نعرف مأخذه.

قوله : ( التاسعة ، من أحدث فی أثناء الأذان أو الإقامة تطهر وبنی ، والأفضل أن یعید الإقامة ).

الظاهر أن البناء یسوغ مع بقاء الموالاة وإلاّ تعین الاستئناف.

وأما أفضلیة إعادة الإقامة والحال هذه فاستدل علیه الشارح - قدس سره - بتأکد استحباب الطهارة فیها (2). وهو لا یستلزم المدعی ، نعم یمکن الاستدلال علیه بقول الصادق علیه السلام فی روایة أبی هارون المکفوف : « لإقامة من الصلاة » (3) ومن حکم الصلاة الاستئناف بطروّ الحدث فی أثنائها فتکون الإقامة کذلک. ویعلم من أفضلیة إعادة الإقامة بالحدث فی أثنائها أفضلیة إعادتها بالحدث فی أثناء الصلاة أیضا.

قوله : ( العاشرة ، من أحدث فی أثناء الصلاة تطهر وأعادها ، ولا یعید الإقامة إلا أن یتکلم ).

أما أنه لا یعید الإقامة بدون الکلام ، فلأن الإعادة حکم مستأنف فیتوقف علی الدلالة ، وهی منتفیة.

وأما الإعادة مع الکلام فتدل علیه روایات ، منها : صحیحة محمد بن

ص: 301


1- المبسوط 1 : 98. ولکن لیس فیه لفظ : جماعة.
2- المسالک 1 : 28.
3- الکافی 3 : 305 - 20 ، التهذیب 2 : 54 - 185 ، الإستبصار 1 : 301 - 1111 ، الوسائل 4 : 630 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 12.

الحادیة عشرة : من صلی خلف إمام لا یقتدی به أذّن لنفسه وأقام. فإن خشی فوات الصلاة اقتصر علی تکبیرتین وعلی قوله قد قامت الصلاة.

______________________________________________________

مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تتکلم إذا أقمت الصلاة ، فإنک إذا تکلمت أعدت الإقامة » (1).

وربما ظهر من العبارة عدم استحباب إعادة الإقامة بدون التکلم ، وهو مناف لما ذکره فی المسألة السابقة ، إلاّ أن یفرق بین الحدث فی أثناء الإقامة وأثناء الصلاة ، وهو بعید (2).

قوله : ( الحادیة عشرة ، من صلی خلف إمام لا یقتدی به أذّن لنفسه وأقام ).

إنما استحب له الأذان لنفسه والإقامة لما سبق من عدم الاعتداد بأذان المخالف وإقامته (3) ، ولقول الصادق علیه السلام فی روایة محمد بن عذافر : « أذّن خلف من قرأت خلفه » (4).

قوله : ( فإن خشی فوت الصلاة اقتصر علی تکبیرتین وقوله قد قامت الصلاة ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (5) ، وجمع من الأصحاب ، واستدلوا علیه بروایة معاذ بن کثیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخل الرجل المسجد وهو لا یأتم بصاحبه وقد بقی علی الإمام آیة أو اثنتان فخشی إن هو أذّن وأقام

ص: 302


1- التهذیب 2 : 55 - 191 ، الاستبصار 1 : 301 - 1112 ، وفیه : إذا أقمت للصلاة. الوسائل 4 : 629 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 3.
2- نقل هذه العبارة فی الجواهر 9 : 142 عنه بزیادة : بل عن ظاهر ثانی المحققین والشهیدین الحکم بعدم الفرق.
3- فی ص 269.
4- الفقیه 1 : 251 - 1130 ، التهذیب 3 : 56 - 192 ، الوسائل 4 : 664 أبواب الأذان والإقامة ب 34 ح 2.
5- النهایة : 66.

وإن أخلّ بشی ء من فصول الأذان استحب للمأموم التلفظ به.

______________________________________________________

أن یرکع فلیقل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله ، ولیدخل فی الصلاة » (1) وینبغی العمل علی صورة الروایة ، وعبارات الأصحاب قاصرة عن إفادة ما تضمنته فصولا وترتیبا ، مع أنها ضعیفة السند ، ومتضمنة لتقدیم الذکر المستحب علی القراءة الواجبة ، وهو مشکل جدا.

ومن ثم حمل جدی - قدس سره - فی بعض حواشیه عبارة المصنف رحمه الله - علی أن المراد بفوات الصلاة فوات ما یعتبر فی الرکعة من القراءة وغیرها. وهو مع مخالفته للظاهر بعید عن مدلول الروایة ، إلا أنه لا بأس بالمصیر إلیه.

قوله : ( ولو أخلّ بشی ء من فصول الأذان استحب للمأموم التلفظ به )

سیاق العبارة یقتضی أن هذا الحکم من تتمة المسألة السابقة وهی من صلّی خلف من لا یقتدی به ، لکن الحکم باستحباب تلفظ المأموم بالفصل المتروک هنا مشکل ، أما أولا : فلأنه خلاف مدلول النص ، وهو صحیحة ابن سنان المتقدمة حیث قال فیها : « إذا نقص المؤذّن الأذان وأنت ترید أن تصلّی بأذانه فأتم ما نقص من أذانه » (2).

وأما ثانیا : فلما صرح به الأصحاب ودلت علیه الأخبار من عدم الاعتداد بأذان المخالف (3) ، فلا فائدة فی إتیان المأموم بما ترکه الإمام من الفصول. اللهم ألاّ أن یقال أن ذلک مستحب برأسه وإن کان الأذان غیر معتد به ، وهو حسن لو ثبت دلیله.

واحتمل الشارح - قدس سره - جعل هذه المسألة منفصلة عن الکلام

ص: 303


1- الکافی 3 : 306 - 22 ، التهذیب 2 : 281 - 1116 ، الوسائل 4 : 663 أبواب الأذان والإقامة ب 34 ح 1.
2- فی ص 299.
3- الوسائل 4 : 663 أبواب الأذان والإقامة ب 34.

______________________________________________________

السابق وأنها محمولة علی غیر المخالف ، کناسی بعض فصول الأذان أو تارکه أو تارک الجهریة تقیة (1). وهو جید من حیث المعنی لکنه بعید من حیث اللفظ. والله أعلم.

ص: 304


1- المسالک 1 : 28.

الرکن الثانی

فی أفعال الصلاة

وهی واجبة مسنونة ،

فالواجبات ثمانیة :

______________________________________________________

قوله : ( الرکن الثانی ، فی أفعال الصلاة : وهی واجبة ومسنونة ، فالواجبات ثمانیة ).

المراد بالأفعال ما تشتمل علیه الماهیة من الأمور الوجودیة المتلاحقة التی أولها النیة أو التکبیر ، وآخرها التشهد أو التسلیم. ولنورد هنا حدیثین صحیحین مشهورین یشتملان علی معظم أفعال الصلاة :

أحدهما : رواه الصدوق فی من لا یحضره الفقیه فی الصحیح ، والشیخان فی الکافی والتهذیب ، فی الحسن عن الثقة الصدوق حماد بن عیسی قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام یوما : « یا حماد تحسن أن تصلی؟ » قال ، فقلت : یا سیدی أنا أحفظ کتاب حریز فی الصلاة. قال : « لا علیک یا حماد ، قم فصلّ » قال : فقمت بین یدیه متوجها إلی القبلة ، فاستفتحت الصلاة فرکعت وسجدت ، فقال : « یا حماد لا تحسن أن تصلی ، ما أقبح بالرجل منکم یأتی علیه ستون سنة أو سبعون سنة فلا یقیم صلاة واحدة بحدودها تامة ».

قال حماد : فأصابنی فی نفسی الذل ، فقلت : جعلت فداک ، فعلمنی الصلاة ، فقام أبو عبد الله علیه السلام مستقبل القبلة منتصبا ، فأرسل یدیه جمیعا علی فخذیه قد ضم أصابعه ، وقرّب بین قدمیه حتی کان بینهما قدر ثلاث أصابع منفرجات ، واستقبل بأصابع رجلیه جمیعا القبلة لم یحرفها عن القبلة ، وقال بخشوع : الله أکبر. ثم قرأ الحمد بترتیل وقل هو الله أحد ، ثم صبر هنیئة بقدر ما یتنفس وهو قائم ثم رفع یدیه حیال وجهه وقال : الله أکبر ، وهو قائم.

ص: 305

______________________________________________________

ثم رکع وملأ کفیه من رکبتیه منفرجات ، وردّ رکبتیه إلی خلفه ، ثم استوی ظهره حتی لو صبّ علیه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه وغمض عینیه ، ثم سبح ثلاثا بترتیل فقال : سبحان ربی العظیم وبحمده. ثم استوی قائما ، فلما استمکن من القیام قال : سمع الله لمن حمده. ثم کبر وهو قائم ورفع یدیه حیال وجهه.

ثم سجد وبسط کفیه مضمومتی الأصابع بین یدی رکبتیه حیال وجهه فقال : سبحان ربی الأعلی وبحمده ثلاث مرات ، ولم یضع شیئا من جسده علی شی ء منه ، وسجد علی ثمانیة أعظم : الکفین ، والرکبتین (1) ، وأنامل إبهامی الرجلین ، والجبهة ، والأنف. وقال : « سبع منها فرض یسجد علیها وهی التی ذکرها الله عزّ وجلّ فی کتابه وقال ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) (2). وهی الجبهة ، والکفان ، والرکبتان ، والإبهامان. ووضع الأنف علی الأرض سنة ».

ثم رفع رأسه من السجود ، فلما استوی جالسا قال : الله أکبر. ثم قعد علی فخذه الأیسر قد وضع قدمه الأیمن علی بطن قدمه الأیسر ، وقال : استغفر الله ربی وأتوب إلیه. ثم کبر وهو جالس وسجد سجدة الثانیة ، وقال کما قال فی الأولی ، ولم یضع شیئا من بدنه علی شی ء منه فی رکوع ولا سجود ، وکان مجنحا ، ولم یضع ذراعیه علی الأرض ، فصلی رکعتین علی هذا. ویداه مضمومتا الأصابع وهو جالس فی التشهد ، فلما فرغ من التشهد سلم ، فقال : « یا حماد هکذا صلّ » (3).

والثانی : رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا قمت فی الصلاة فلا تلصق قدمک بالأخری ، ودع

ص: 306


1- فی الفقیه و « م » : عینی الرکبتین.
2- الجنّ : 18.
3- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 بتفاوت یسیر ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 وص 675 ح 2.

______________________________________________________

بینهما فصلا إصبعا أقل ذلک إلی شبر أکثره ، واسدل منکبیک وأرسل یدیک ، ولا تشبک أصابعک ، ولتکونا علی فخذیک قبالة رکبتیک ، ولیکن نظرک إلی موضع سجودک.

فإذا رکعت فصفّ فی رکوعک بین قدمیک تجعل بینهما قدر شبر ، وتمکن راحتیک من رکبتیک ، وتضع یدک الیمنی علی رکبتک الیمنی قبل الیسری ، وبلّغ بأطراف أصابعک عین الرکبة ، وفرج أصابعک إذا وضعتها علی رکبتیک ، فإن وصلت أطراف أصابعک فی رکوعک إلی رکبتیک أجزأک ذلک ، وأحبّ إلیّ أن تمکن کفیک من رکبتیک فتجعل أصابعک فی عین الرکبة وتفرج بینهما ، وأقم صلبک ، ومدّ عنقک ، ولیکن نظرک إلی ما بین قدمیک.

فإذا أردت أن تسجد فارفع یدیک بالتکبیر وخرّ ساجدا ، وابدأ بیدیک تضعهما علی الأرض قبل رکبتیک تضعهما معا ، ولا تفترش ذراعیک افتراش السبع ذراعیه ، ولا تضعنّ ذراعیک علی رکبتیک وفخذیک ، ولکن تجنح بمرفقیک ، ولا تلزق کفیک برکبتیک ، ولا تدنهما من وجهک ، بین ذلک حیال منکبیک ، ولا تجعلهما بین یدی رکبتیک ولکن تحرفهما عن ذلک شیئا ، وأبسطهما علی الأرض بسطا ، واقبضهما إلیک قبضا ، وإن کان تحتهما ثوب فلا یضرک ، وإن أفضیت بهما إلی الأرض فهو أفضل. ولا تفرجن بین أصابعک فی سجودک ولکن اضممهن إلیک جمیعا ».

قال : « فإذا قعدت فی تشهدک فألصق رکبتیک بالأرض وفرج بینهما شیئا ، ولیکن ظاهر قدمک الیسری علی الأرض وظاهر قدمک الیمنی علی باطن قدمک الیسری وألیتاک علی الأرض وطرف إبهامک الیمنی علی الأرض ، وإیاک والقعود علی قدمیک فتتأذی بذلک ، ولا تکون قاعدا علی الأرض فیکون إنما قعد بعضک علی بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء » (1).

ص: 307


1- التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

الأوّل : النیة ،

وهی رکن فی الصلاة ، ولو أخلّ بها عامدا أو ناسیا لم تنعقد صلاته.

______________________________________________________

قوله : ( الأول ، النیة وهی رکن فی الصلاة ، ولو أخل بها عامدا أو ناسیا لم تنعقد صلاته ).

أجمع العلماء کافة علی اعتبار النیة فی الصلاة بحیث تبطل بالإخلال بها عمدا وسهوا ، علی ما نقله جماعة (1).

وإنما الخلاف بینهم فی أنها جزء من الصلاة کالرکوع والسجود ، أو شرط خارج عن الماهیة کالطهارة والستر.

والأصح الثانی ، وهو خیرة المصنف فی النافع (2) والمعتبر (3) ، لأن الأصل عدم دخولها فی الماهیة ، وتوقف الصلاة علیها أعم من الجزئیة ، ولأن المستفاد من النصوص الواردة فی کیفیة الصلاة وأحکامها أن أول أفعالها التکبیر (4) ، ولأن النیة تتعلق بالصلاة فلو کانت جزءا منها لتعلق الشی ء بنفسه.

واستدل علیه بأنها لو کانت جزءا لافتقرت إلی نیة أخری ویتسلسل. وفی الملازمة منع. وبأن قوله صلی الله علیه و آله : « إنما الأعمال بالنیات » (5) یدل علی مغایرة العمل للنیة. وضعفه ظاهر ، لأن المغایرة حاصلة بین جزء الماهیة وکلها ضرورة ، ولا تلزم منها الشرطیة.

وقیل بالأول ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی هذا الکتاب ، لأن حقیقة الصلاة تلتئم منها فلا تکون شرطا ، ولأنه یعتبر فیها ما یعتبر فی الصلاة من

أفعال الصلاة

النیة

اشارة

ص: 308


1- منهم العلامة فی المنتهی 1 : 266 ، والتذکرة 1 : 110 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 28.
2- المختصر النافع : 29.
3- المعتبر 2 : 149.
4- الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1.
5- التهذیب 1 : 83 - 218 ، الوسائل 4 : 711 أبواب النیة ب 1 ح 2.

وحقیقتها : استحضار صفة الصلاة فی الذهن والقصد بها إلی أمور أربعة : الوجوب أو الندب ، والقربة ، والتعیین ، وکونها أداء أو قضاء.

______________________________________________________

القیام والستر والاستقبال وغیر ذلک.

ویرد علی الأول أنه مصادرة علی المطلوب. وعلی الثانی منع الاشتراط (1) ، کما اختاره المصنف (2) وجمع من الأصحاب ، لانتفاء الدلیل علیه رأسا.

وربما قیل : إن اشتراط ذلک فی النیة لأجل المقارنة المعتبرة بینها وبین التکبیر لا لأجل النیة نفسها (3). وهو جید لو ثبت توقف المقارنة علی ذلک.

وهذه المسألة لا جدوی لها فیما یتعلق بالعمل ، لأن القدر المطلوب - وهو اعتبارها فی الصلاة بحیث تبطل بالإخلال بها عمدا وسهوا - ثابت علی کل من القولین.

وإنما تظهر الفائدة نادرا فیما لو نذر الصلاة فی وقت معین فاتفق مقارنة التکبیر لأوله ، فإن جعلناها شرطا بری ء ، وإلاّ فلا.

قوله : ( وحقیقتها استحضار حقیقة الصلاة فی الذهن والقصد بها إلی أمور أربعة : الوجوب أو الندب ، والقربة ، والتعیین ، وکونها أداء أو قضاء ).

اعلم أن النیة عبارة عن أمر واحد بسیط ، وهو القصد إلی الفعل. لکن لما کان القصد إلی الشی ء المعین موقوفا علی العلم به وجب لقاصد الصلاة إحضار ذاتها فی الذهن وصفاتها التی یتوقف علیها التعیین ، ثم القصد إلی هذا الفعل المعلوم طاعة لله تعالی وامتثالا لأمره.

ولقد أحسن شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الذکری حیث قال - بعد أن

حقیقة النیة

ص: 309


1- فی « م » : الاشتراک.
2- المعتبر 2 : 149.
3- کما فی روض الجنان : 255.

______________________________________________________

ذکر نحو ذلک - : وتحقیقه أنه إذا أرید نیة الظهر - مثلا - فالطریق إلیها إحضار المنوی بممیزاته عن غیره فی الذهن ، فإذا حضر قصد المکلف إلی إیقاعه تقربا إلی الله ، ولیس فیه ترتیب بحسب التصور ، وإن وقع ترتیب فإنما هو بحسب التعبیر عنه بالألفاظ إذ من ضرورتها ذلک ، فلو أن مکلفا أحضر فی ذهنه الصلاة الواجبة المؤداة ثم استحضر قصد فعلها تقربا وکبّر کان ناویا (1).

إذا عرفت ذلک فنقول : إنه یعتبر فی نیة الصلاة : القربة وهی الطاعة لله تعالی وامتثال أمره ، والتعیین إجماعا.

أما القربة فلقوله تعالی ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ ) (2) والإخلاص هو نیة التقرب.

وأما التعیین فلأن الفعل إذا کان مما یمکن وقوعه علی وجوه متعددة افتقر اختصاصه بأحدها إلی النیة ، وإلاّ لکان صرفه إلی البعض دون البعض ترجیحا من غیر مرجح.

وقد قطع المصنف وغیره (3) بأنه یعتبر مع نیة القربة والتعیین الوجوب أو الندب ، والأداء أو القضاء. واستدلوا علیه بأن جنس الفعل لا یستلزم وجوهه إلاّ بالنیة ، فکلما أمکن أن یقع علی أکثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلی النیة. فینوی الظهر مثلا لتتمیز عن بقیة الصلوات ، والفرض لیتمیز عن إیقاعها ندبا کمن صلی منفردا ثم أدرک الجماعة ، وکونها أداء لتتمیز عن القضاء.

وهو استدلال ضعیف ، فإن صلاة الظهر مثلا لا یمکن وقوعها من المکلف فی وقت واحد علی وجهی الوجوب والندب لیعتبر تمیز أحدهما من الآخر ، لأن

ص: 310


1- الذکری : 176.
2- سورة البینة : 5.
3- کالشهید الأول فی الذکری : 177.

______________________________________________________

من صلی الفریضة ابتداء لا تکون صلاته إلاّ واجبة ، ومن أعادها ثانیا لا تقع إلاّ مندوبة.

وقریب من ذلک الکلام فی الأداء والقضاء. نعم لو کانت ذمة المکلف مشغولة بکل منهما اتجه اعتبار ملاحظة أحدهما لیتخصص بالنیة. ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکروه.

وقد قطع الأصحاب بأنه لا یعتبر فی النیة قصد القصر أو الإتمام وإن کان المکلف مخیرا بینهما ، کما فی أماکن التخییر. وهو کذلک ، أما مع لزوم أحد الأمرین فظاهر لتعیّن الفرض ، وأما مع التخییر فلأنه لا یتعین أحدهما بالنیة ، بل یجوز للمکلف مع نیة القصر الاقتصار علی الرکعتین والإتمام ، کما نصّ علیه فی المعتبر (1) ، فلا حاجة إلی التعیین.

وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الشرعیة سهولة الخطب فی النیة ، وأن المعتبر فیها قصد الفعل المعین طاعة لله تعالی خاصة. وهذا القدر أمر لا یکاد ینفک منه عاقل متوجه إلی إیقاع العبادة. ومن هنا قال بعض الفضلاء : لو کلف الله بالصلاة أو غیرها من العبادات بغیر نیة کان تکلیف ما لا یطاق. وقال بعض المحققین : لولا قیام الأدلة علی اعتبار القربة ، وإلاّ لکان ینبغی أن یکون هذا من باب « اسکتوا عما سکت الله عنه ».

وذکر الشهید فی الذکری : أن المتقدمین من علمائنا ما کانوا یذکرون النیة فی کتبهم الفقهیة ، بل یقولون : أول واجبات الوضوء - مثلا - غسل الوجه ، وأول واجبات الصلاة تکبیرة الإحرام ، وکأن وجهه أن القدر المعتبر من النیة أمر لا یکاد یمکن الانفکاک عنه ، وما زاد عنه فلیس بواجب (2).

ومما یؤید ذلک عدم ورود النیة فی شی ء من العبادات علی الخصوص ، بل خلو الأخبار الواردة فی صفة وضوء النبی صلی الله علیه و آله وغسله وتیممه من

ص: 311


1- المعتبر 2 : 150.
2- الذکری : 80.

ولا عبرة باللفظ.

______________________________________________________

ذلک (1) ، وکذا الروایة المتضمنة لتعلیم الصادق علیه السلام لحماد الصلاة ، حیث قال فیها : إنه علیه السلام قام واستقبل القبلة وقال بخشوع : الله أکبر (2). ولم یقل : فکّر فی النیة ولا تلفظ بها ولا غیر ذلک من هذه الخرافات المحدثة.

ویزیده بیانا ما رواه الشیخان - رضی الله عنهما - فی الکافی والتهذیب عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا افتتحت الصلاة فارفع کفیک ، ثم ابسطهما بسطا ، ثم کبر ثلاث تکبیرات ، ثم قل : اللهم أنت الملک الحق ( لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ ، سُبْحانَکَ ) إنی ظلمت نفسی ، فاغفر لی ذنبی ، إنه لا یغفر الذنوب إلاّ أنت. ثم کبر تکبیرتین ، ثم قل : لبیک وسعدیک ، والخیر فی یدیک ، والشر لیس إلیک ، والمهدی من هدیت ، لا ملجأ منک إلاّ إلیک ، سبحانک وحنانیک ، تبارکت وتعالیت ، سبحانک رب البیت ، ثم کبر تکبیرتین ، ثم تقول : ( وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) ، - ( عالِمِ الْغَیْبِ وَالشَّهادَةِ ) ، - ( حَنِیفاً مُسْلِماً ) - ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ ) . ( إِنَّ صَلاتِی وَنُسُکِی وَمَحْیایَ وَمَماتِی لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ ، لا شَرِیکَ لَهُ وَبِذلِکَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمین » کذا فی الکافی (3) ، واقتصر فی التهذیب علی قوله : ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ ) (4).

ویستفاد من هذه الروایة أحکام کثیرة تظهر لمن تأملها ، والله الموفق.

قوله : ( ولا عبرة باللفظ ).

لأنه خارج عن مفهوم النیة ، لما عرفت من أنها أمر قلبی لا دخل للّسان

ص: 312


1- الوسائل 1 : 271 أبواب الوضوء ب 15.
2- الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
3- الکافی 3 : 310 - 7 ، الوسائل 4 : 723 أبواب تکبیرة الإحرام ب 8 ح 1.
4- التهذیب 2 : 67 - 244 ، الوسائل 4 : 723 أبواب تکبیرة الإحرام ب 8 ح 1.

ووقتها عند أول جزء من التکبیر. ویجب استمرار حکمها إلی آخر الصلاة ، وهو أن لا ینقض النیّة الأولی. ولو نوی الخروج من : الصلاة لم

______________________________________________________

فیها ، فیکون التلفظ بها عبثا بل إدخالا فی الدین ما لیس منه. فلا یبعد أن یکون الإتیان به علی وجه العبادة تشریعا محرما.

قوله : ( ووقتها عند أول جزء من التکبیر ).

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، ووافقنا علیه أکثر العامة (1) ، وقال بعضهم : یجوز أن یتقدم علی التکبیر بزمان یسیر کالصوم (2). وهو قیاس مع الفارق.

ولا یجب استحضار النیة إلی انتهاء التکبیر ، لعسر ذلک ، ولأن الأصل براءة الذمة من هذا التکلیف.

وقیل : یجب ، وهو اختیار العلامة فی التذکرة (3) ، والشهید فی الذکری (4) ، لأن الدخول فی الصلاة إنما یتحقق بتمام التکبیر ، بدلیل أن المتیمم لو وجد الماء قبل إتمامه وجب علیه استعماله ، بخلاف ما لو وجده بعد الإکمال ، والمقارنة معتبرة فی النیة فلا تتحقق من دونها.

وردّ بأن آخر التکبیر کاشف عن الدخول فی الصلاة من اوله. وهو تکلف مستغنی عنه ، بل الحق أن الدخول فی الصلاة یتحقق بالشروع فی التکبیر ، لأنه جزء من الصلاة بإجماعنا. فإذا قارنت النیة أوله فقد قارنت أول الصلاة ، لأن جزء الجزء جزء ولا ینافی ذلک توقف التحریم علی انتهائه ووجوب استعمال الماء قبله ، لأن ذلک حکم آخر لا ینافی المقارنة.

قال فی الذکری : ومن الأصحاب من جعل النیة بأسرها بین الألف والراء ، وهو مع العسر مقتض لحصول أول التکبیر بغیر نیة (5).

قوله : ( ویجب استمرار حکمها إلی آخر الصلاة ، وهو أن لا ینقض

وقت النیة
وجوب الاستمرار علی حکم النیة

ص: 313


1- منهم الشافعی فی الأم 1 : 99 ، والغزالی فی إحیاء علوم الدین 1 : 153.
2- کما فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 529.
3- التذکرة 1 : 112.
4- الذکری : 177.
5- الذکری : 177.

تبطل علی الأظهر. وکذا لو نوی أن یفعل ما ینافیها ،

______________________________________________________

النیة الأولی. ولو نوی الخروج من الصلاة لم تبطل علی الأظهر ، وکذا لو نوی أن یفعل ما ینافیها ).

تضمنت هذه العبارة مسائل ثلاثا :

الأولی : أنه یجب استمرار حکم النیة إلی آخر الصلاة ، بمعنی أن لا ینقضها بنیة القطع ، وهو ثابت بإجماعنا ، قاله فی التذکرة (1). لأن العزم علی فعل المحرم محرم ، ولأن نیة القطع تبطل النیة السابقة ، فیکون ما بعدها من الأفعال واقعا بغیر نیة فلا یکون معتبرا فی نظر الشرع.

قال فی التذکرة : ولا یجب استصحاب النیة إلی آخر الصلاة فعلا ، إجماعا ، لما فیه من العسر (2). وهو حسن ، بل قیل : إن ذلک غیر مستحب (3) ، لانعقاد الصلاة بدونه وعدم ثبوت التعبد به.

الثانیة : أن المصلی إذا شرع فی الصلاة بنیة صحیحة ثم نوی الخروج منها فی أثناء الصلاة لم تبطل صلاته بذلک ، وهو أحد القولین فی المسألة ، ذهب إلیه الشیخ فی الخلاف وجمع من الأصحاب. واستدل علیه فی الخلاف بأن إبطال الصلاة بذلک حکم شرعی ، فیتوقف علی الدلیل وهو منتف (4).

وقیل : تبطل (5) ، لأن نیة الخروج تقتضی وقوع ما بعدها من الأفعال بغیر نیة فلا یکون مجزیا ، ولأن الاستمرار علی حکم النیة السابقة واجب إجماعا کما تقدم ، ومع نیة الخروج أو التردد فیه یرتفع الاستمرار.

ویتوجه علی الأول : أنه لا یلزم من حصول نیة القطع وقوع ما بعدها من

حکم نیة قطع الصلاة.

ص: 314


1- التذکرة 1 : 112.
2- التذکرة 1 : 112.
3- کما فی روض الجنان : 257.
4- الخلاف 1 : 103.
5- کما فی الذکری : 178 ، وجامع المقاصد 1 : 108.

فإن فعله بطلت ، وکذا لو نوی بشی ء من أفعال الصلاة الریاء أو غیر الصلاة.

______________________________________________________

الأفعال بغیر نیة ، إذ من الجائز رفض تلک النیة والرجوع إلی مقتضی النیة الأولی قبل الإتیان بشی ء من أفعال الصلاة.

وعلی الثانی : أن وجوب الاستدامة أمر خارج عن حقیقة الصلاة ، فلا یکون فواته مقتضیا لبطلانها ، إذ المعتبر وقوع الصلاة بأسرها مع النیة کیف حصلت. وقد اعترف الأصحاب بعدم بطلان ما مضی من الوضوء بنیة القطع إذا جدّد النیة لما بقی منه من الأفعال قبل فوات الموالاة ، والحکم فی المسألتین واحد. والفرق بینهما بأن الصلاة عبادة واحدة فلا یصح تفریق النیة علی أجزائها بخلاف الوضوء ضعیف جدا ، فإنه دعوی مجردة عن الدلیل. والمتجه تساویهما فی الصحة مع تجدید النیة لما بقی من الأفعال ، لکن یعتبر فی الصلاة عدم الإتیان بشی ء من أفعالها الواجبة قبل تجدید النیة ، لعدم الاعتداد به ، واستلزام إعادته الزیادة فی الصلاة.

الثالثة : عدم بطلان الصلاة بنیة فعل المنافی إذا لم یفعله ، وهو اختیار الشیخ (1) وأکثر الأصحاب ، لما تقدم. وقیل بالبطلان هنا أیضا ، للتنافی بین إرادتی الضدین (2). وهو ضعیف ، لأن تنافی الإرادتین - بعد تسلیمه - إنما یلزم منه بطلان الأولی بعروض الثانیة ، لا بطلان الصلاة مع تجدید النیة الذی هو موضع النزاع.

قوله : ( وإن فعل بطلت ، وکذا لو نوی بشی ء من أفعال الصلاة الریاء أو غیر الصلاة ).

أما بطلان الصلاة بفعل المنافی فلا ریب فیه ، وسیجی ء تفصیل الکلام فیه فی محله إن شاء الله تعالی (3).

حکم نیة الریاء

ص: 315


1- المبسوط 1 : 102.
2- کما فی روض الجنان : 257.
3- فی ص 455.

ویجوز نقل النیّة فی موارد : کنقل الظهر یوم الجمعة إلی النافلة لمن نسی قراءة الجمعة وقرأ غیرها ، وکنقل الفریضة الحاضرة إلی سابقه علیها مع سعة الوقت.

______________________________________________________

وأما بطلانها إذا نوی بشی ء من أفعالها الریاء أو غیر الصلاة - کما لو قصد بالتکبیر تنبیه غیره علی شی ء ، وبالهوی إلی الرکوع أخذ شی ء ونحو ذلک - فلانتفاء التقرب بذلک الجزء ، ویلزم من فواته فوات الصلاة ، لعدم جواز استدراکه. کذا علله المصنف رحمه الله ، وهو إنما یتم إذا اقتضی استدراک ذلک الجزء الزیادة المبطلة لا مطلقا.

ومن هنا یظهر أنه لو قصد الإفهام خاصة بما یعد قرآنا بنظمه وأسلوبه لم تبطل صلاته ، لأن ذلک لا یخرجه عن کونه قرآنا ، وإن لم یعتد به فی الصلاة لعدم التقرب به. وکذا الکلام فی الذکر.

ویدل علی جواز الإفهام بالذکر - مضافا إلی الأصل وعدم خروجه بذلک عن کونه ذکرا - روایات منها : صحیحة الحلبی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یرید الحاجة وهو یصلی ، فقال : « یومئ برأسه ویشیر بیده ویسبح » (1).

قوله : ( ویجوز نقل النیة فی موارد : کنقل الظهر یوم الجمعة إلی النافلة لمن نسی قراءة الجمعة وقرأ غیرها ، وکنقل الفریضة الحاضرة إلی سابقه علیها مع سعة الوقت ).

اعلم أن کلا من الفریضة المنقول منها وإلیها إما أن تکون واجبة أو مندوبة ، مؤداة أو مقضیة ، فالصور ستة عشرة حاصلة من ضرب أربعة فی أربعة. ولما کان النقل کیفیة للعبادة وجب الاقتصار فیه علی موضع النقل کسائر الوظائف الشرعیة ، ومع انتفائه یکون الجواز منفیا بالأصل.

موارد جواز نقل النیة

ص: 316


1- الکافی 3 : 365 - 7 ، الفقیه 1 : 242 - 1075 ، التهذیب 2 : 324 - 1328 ، الوسائل 4 : 1256 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 2.

الثانی : تکبیرة الإحرام ،

ولا تصحّ الصلاة من دونها ولو أخلّ بها نسیانا.

______________________________________________________

وقد ثبت جواز العدول من الفرض إلی الفرض إذا اشتغل بلاحقة ثم ذکر السابقة ، سواء کانتا مؤداتین أو مقضیتین أو المعدول منها حاضرة والمعدول إلیها فائتة.

أما العدول من الفائتة إلی الحاضرة فغیر جائز ، لعدم ورود التعبد به. وقیل بجوازه فیما إذا شرع فی فائتة ثم ذکر فی أثنائها ضیق الوقت عن الحاضرة (1). وبه قطع فی البیان (2).

ویجوز النقل من الفرض إلی النفل مطلقا لخائف فوت الرکعة مع الإمام وهو فی فریضة فیعدل بها إلی النافلة ، وفی ناسی قراءة سورة الجمعة فی الجمعة کما سیجی ء بیانه (3).

أما النقل من النفل إلی الفرض فغیر جائز ، لأن القوی لا یبنی علی الضعیف ، قال فی الذکری : وللشیخ قول بجوازه فی الصبی یبلغ فی أثناء الصلاة (4). وقد یقال : إن من هذا شأنه یجدد نیة الفرض بالباقی علی قول الشیخ وهو خلاف معنی النقل ، إذ معناه جعل الجمیع - ما مضی منه وما بقی - علی ذلک الوجه.

وصرح الأصحاب بجواز النقل من النفل إلی النفل إذا شرع فی نافلة لاحقة ثم ذکر السابقة. ویمکن القول بجوازه أیضا فی ناسی الموقتة إلی أن یتضیق وقتها. وللتوقف فی غیر المنصوص مجال. والله تعالی أعلم.

قوله : ( الثانی ، تکبیرة الإحرام ، ولا تصح الصلاة من دونها ولو أخل بها نسیانا ).

تکبیرة الاحرام

اشارة

ص: 317


1- التذکرة 1 : 82.
2- البیان : 78.
3- فی ج 4 ص 88.
4- الذکری : 178.

______________________________________________________

أجمع الأصحاب بل أکثر علماء الإسلام علی أن تکبیرة الإحرام جزء من الصلاة ورکن فیها ، بمعنی بطلان الصلاة بترکها عمدا وسهوا. والمستند فی ذلک روایات کثیرة کصحیحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل ینسی تکبیرة الافتتاح ، قال : « یعید » (1).

وصحیحة محمد - وهو ابن مسلم - عن أحدهما علیهماالسلام : فی الذی یذکر أنه لم یکبر فی أول صلاته ، فقال : « إذا استیقن أنه لم یکبر فلیعد ، ولکن کیف یستیقن؟! » (2).

وصحیحة الفضل بن عبد الملک وابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی ولم یفتتح بالتکبیر ، هل یجزیه تکبیرة الرکوع؟ قال : « لا » (3).

وفی مقابل هذه الروایات روایات أخر دالة علی أن الناسی لا یعید ، کصحیحة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل نسی أن یکبر حتی دخل فی الصلاة فقال : « ألیس کان من نیته أن یکبر؟ » قلت : نعم. قال : « فلیمض علی صلاته » (4).

وفی بعضها الاجتزاء بتکبیرة الرکوع إذا لم یذکر حتی کبر له ، کصحیحة البزنطی عن الرضا علیه السلام قال ، قلت له : رجل نسی أن یکبر تکبیرة

ص: 318


1- الکافی 3 : 347 - 1 ، التهذیب 2 : 143 - 557 ، الإستبصار 1 : 351 - 1326 ، الوسائل 4 : 715 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 1.
2- التهذیب 2 : 143 - 558 ، الإستبصار 1 : 351 - 1327 ، الوسائل 4 : 716 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 2.
3- الکافی 3 : 347 - 2 ، التهذیب 2 : 143 - 562 ، الإستبصار 1 : 352 - 1333 ، الوسائل 4 : 718 أبواب تکبیرة الإحرام ب 3 ح 1.
4- الفقیه 1 : 226 - 999 ، التهذیب 2 : 144 - 565 ، الإستبصار 1 : 352 - 1330 ، الوسائل 4 : 717 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 9.

وصورتها أن یقول : الله أکبر ، ولا تنعقد بمعناها ، ولو أخلّ بحرف منها لم تنعقد صلاته.

______________________________________________________

الافتتاح حتی کبر للرکوع ، قال : « أجزأه » (1).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی من لا یتیقن الترک بل شک فیه (2). وفیها ما یأبی هذا الحمل ، إلاّ أن مخالفة ظاهرها لإجماع الأصحاب بل إجماع العلماء إلاّ من شذّ توجب المصیر إلی ما ذکره.

قوله : ( وصورتها أن یقول : الله أکبر ، ولا تنعقد بمعناها ، ولو أخلّ بحرف منها لم تنعقد صلاته ).

لما کانت العبادات إنما تستفاد بتوقیف الشارع ، وجب اتّباع النقل الوارد ببیانها ، حتی لو خالف المکلف ذلک کان تشریعا محرما ولم یخرج عن عهدة الواجب.

ولا شبهة فی أن المنقول عن النبی صلی الله علیه و آله هو أنه کبّر باللفظ المخصوص (3) ، وکذا عن الأئمة علیهم السلام (4). فیجب الاقتصار علیه ، والحکم بعدم انعقاد الصلاة بغیره. وتتحقق المخالفة بالزیادة عن اللفظ المخصوص ، وبالإخلال بحرف منه ولو بوصل إحدی الهمزتین :

أما همزة أکبر فظاهر ، لأنها همزة قطع. وأما همزة الله ، فإنها وإن کانت همزة وصل عند المحققین إلاّ أن المنقول من صاحب الشرع قطعها ، حیث إنها فی ابتداء الکلام ، لما تقدم من کون النیة إرادة قلبیة لا دخل للّسان فیها. ومن

صورة تکبیرة الاحرام

ص: 319


1- الفقیه 1 : 226 - 1000 ، التهذیب 2 : 144 - 566 ، الوسائل 4 : 718 أبواب تکبیرة الإحرام ب 3 ح 2.
2- التهذیب 2 : 144 ، الاستبصار 1 : 353.
3- الفقیه 1 : 200 - 921 ، الوسائل 4 : 715 أبواب تکبیرة الإحرام ب 1 ح 11.
4- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

فإن لم یتمکن من التلفظ بها کالأعجم لزمه التعلم ولا یتشاغل بالصلاة مع سعة الوقت ، فإن ضاق أحرم بترجمتها. والأخرس ینطق بها علی قدر الإمکان ، فإن عجز عن النطق أصلا عقد قلبه بمعناها مع الإشارة.

______________________________________________________

هنا ینقدح تحریم التلفظ بها مع الدرج ، لاستلزامه إما مخالفة أهل اللغة أو مخالفة الشارع.

وما قیل من أن الآتی بالکلام السابق آت بما لم یعتدّ به فلا یخرجها عن القطع (1) ، فغیر معتدّ به ، إذ المقتضی للسقوط کونها فی الدرج سواء کان ذلک الکلام معتبرا عند الشارع أم لا ، کما هو واضح.

قوله : ( وإن لم یتمکن من التلفظ بها کالأعجمی لزمه التعلم ولا یتشاغل بالصلاة ، فإن ضاق الوقت أحرم بترجمتها ).

لما کان النطق بالعربیة واجبا - وقوفا مع المنقول - کان التعلم لمن لا یعرف واجبا من باب المقدمة. فإن تعذر وضاق الوقت أحرم بلغته مراعیا المعنی العربی. فیقول الفارسی : خدا بزرگتر است. وهذا مذهب علمائنا وأکثر العامة (2). وقال بعضهم : یسقط التکبیر عمن هذا شأنه ، کالأخرس (3). وهو محتمل. ویفهم من قول المصنف رحمه الله : فإن ضاق الوقت أحرم بترجمتها ، عدم جوازها مع السعة ، وهو إنما یتجه مع إمکان التعلم لا مطلقا.

قوله : ( والأخرس ینطق بها علی قدر الإمکان ، فإن عجز عن النطق أصلا عقد قلبه بمعناها مع الإشارة ).

لیس المراد بمعناها المعنی المطابقی ، لأن تصور ذلک غیر واجب علی غیر الأخرس ، بل یکفی قصد کونه تکبیرا لله وثناءا علیه. والمراد بالإشارة الإشارة

حکم الأعجمی والأخرس

ص: 320


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 110.
2- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 542 ، 543 ، والغمراوی فی السراج والوهاج : 42.
3- کما فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 543.

والترتیب فیها واجب. ولو عکس لم تنعقد الصلاة.

والمصلی بالخیار فی التکبیرات السبع أیّها شاء جعلها تکبیرة الافتتاح. ولو کبّر ونوی الافتتاح ثم کبّر ونوی الافتتاح بطلت صلاته ، فإن کبّر ثالثة

______________________________________________________

بالإصبع. وأضاف بعضهم إلی ذلک تحریک اللسان (1).

أما عقد القلب بمعناها ، فلأن الإشارة لا اختصاص لها بالتکبیر ، فلا بدّ لمریده من مخصص ، ولا یتحقق بدون ذلک.

وأما الإشارة وتحریک اللسان ، فاستدل علیه بما رواه السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « تلبیة الأخرس وتشهده وقراءته القرآن فی الصلاة تحریک لسانه وإشارته بإصبعه » (2). وبأن تحریک اللسان کان واجبا مع القدرة علی النطق ، فلا یسقط بالعجز عنه ، إذ لا یسقط المیسور بالمعسور.

وفی الدلیلین نظر ، والقول بسقوط الفرض للعجز عنه - کما ذکره بعض العامة (3) - محتمل ، إلاّ أن المصیر إلی ما ذکره الأصحاب أولی.

قوله : ( والمصلی بالخیار فی التکبیرات السبع أیها شاء جعلها تکبیرة الافتتاح ).

سیأتی فی کلام المصنف - رحمه الله - أنه یستحب للمصلی التوجه بستّ تکبیرات مضافة إلی تکبیرة الإحرام بینها دعاءان. والمصلی بالخیار إن شاء جعلها الأخیرة وأتی بالست قبلها ، وإن شاء جعلها الأولی وأتی بالست بعدها ، وإن شاء جعلها الوسطی. والکل حسن ، لأن الذکر والدعاء لا ینافی الصلاة. وذکر الشهید فی الذکری أن الأفضل جعلها الأخیرة (4). ولا أعرف مأخذه.

قوله : ( ولو کبر ونوی الافتتاح ثم کبّر ونوی الافتتاح بطلت

بطلان الصلاة بإعادة التکبیرة.

ص: 321


1- منهم العلامة فی المنتهی 1 : 268.
2- الکافی 3 : 315 - 17 ، الوسائل 4 : 801 أبواب القراءة فی الصلاة ب 59 ح 1.
3- راجع ص 320.
4- الذکری : 179.

ونوی الافتتاح انعقدت الصلاة أخیرا. ویجب أن یکبّر قائما ، فلو کبر قاعدا مع القدرة أو وهو آخذ فی القیام لم تنعقد صلاته.

______________________________________________________

صلاته ، فإن کبّر ثالثة ونوی الافتتاح انعقدت الصلاة أخیرا ).

إنما قید التکبیر بنیة الافتتاح لیصیر رکنا تبطل الصلاة بزیادته. ولا فرق فی بطلان الصلاة بذلک بین أن ینوی الخروج من الصلاة قبله أم لا ، لأن ذلک غیر مبطل عند المصنف رحمه الله . وإنّما تنعقد الصلاة بالثالثة مع مقارنة النیة له.

ویمکن المناقشة فی هذا الحکم - أعنی البطلان بزیادة التکبیر - إن لم یکن إجماعیا ، فإن أقصی ما یستفاد من الروایات بطلان الصلاة بترکه عمدا وسهوا (1) ، وهو لا یستلزم البطلان بزیادته.

قوله : ( ویجب أن یکبّر قائما ، فلو کبّر قاعدا مع القدرة أو وهو آخذ فی القیام لم تنعقد صلاته ).

أجمع علماؤنا وأکثر العامة (2) علی أن هذا التکبیر جزء من الصلاة ، فیجب فیه کلما یجب فیها من الطهارة والستر والاستقبال والقیام وغیر ذلک ، فلو کبر وهو آخذ فی القیام ، أو أتمه وهو هاو إلی الرکوع - کما یتفق للمأموم - لم یصح.

قال فی الذکری : وهل تنعقد الصلاة والحال هذه نافلة؟ الأقرب المنع ، لعدم نیتها ، ووجه الصحة حصول التقرب والقصد إلی الصلاة والتحریم بتکبیرة لا قیام فیها ، وهی من خصائص النافلة (3). وضعف هذا التوجیه ظاهر.

ونقل عن الشیخ - رحمه الله - أنه جوّز الإتیان بالتکبیر فی حال الانحناء (4). ولا نعرف مأخذه.

وجوب التکبیر قائما

ص: 322


1- الوسائل 4 : 715 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2.
2- منهم الشافعی فی کتاب الأم 1 : 101 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 543.
3- الذکری : 178.
4- المبسوط 1 : 105.

والمسنون فیها : أن یأتی بلفظ الجلالة من غیر مدّ بین حروفها ، وبلفظ أکبر علی وزن أفعل ، وأن یسمع الإمام من خلفه تلفظه بها ،

______________________________________________________

قال جدی - قدس سره - : وکما یشترط القیام وغیره من الشروط فی التکبیر ، کذا یشترط فی النیة ، فإذا کبر قاعدا أو وهو آخذ فی القیام وقعت النیة أیضا علی تلک الحالة ، فعدم الانعقاد مستند إلی کل منهما ولا یضر ذلک ، لأن علل الشرع معرفات لا علل حقیقیة (1).

وفیه نظر ، لانتفاء ما یدل علی اعتبار هذه الشرائط فی النیة علی الخصوص کما تقدم تحقیقه (2) ، إلاّ أن المقارنة المعتبرة للتکبیر ربما تنفی فائدة هذا الاختلاف (3).

قوله : ( والمسنون فیها أربعة : أن یأتی بالجلالة من غیر مدّ بین حروفها ).

المراد به مدّ الألف الذی بین اللام والهاء زیادة علی القدر الطبیعی. ولو خرج بذلک عن وضع اللفظ أو أسقطه بطل. ولا عبرة فی ذلک بصورة الکتابة ، ولا باللغة الضعیفة بالسقوط. ولو مدّ همزة الله صار بصورة الاستفهام ، فإن قصده بطلت الصلاة ، وإلاّ ففیه وجهان ، أصحهما البطلان ، لخروجه بذلک عن صیغة الأخبار.

قوله : ( وبلفظة أکبر علی وزن أفعل ).

مفهومه جواز الخروج عن الوزن ، ولا بدّ من تقییده بما إذا لم یبلغ الزیادة حرفا ، وإلاّ بطل وإن لم یقصد معناه علی الأظهر ، لخروجه بذلک عن المنقول.

قوله : ( وأن یسمع الإمام من خلفه تلفظه بها ).

المستند فی ذلک روایات کثیرة ، منها : صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله

مستحبات تکبیرة الاحرام

ص: 323


1- المسالک 1 : 29.
2- فی ص 311.
3- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : ومع ذلک فالثابت فی المعرفات المرتبة إنما یستند إلی الأول خاصة کما لا یخفی.

وأن یرفع المصلی یدیه بها إلی أذنیه.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « وإذا کنت إماما فإنه یجزیک أن تکبر واحدة تجهر فیها وتسرّ ستا » (1).

ویستحب للمأموم الإسرار ، لقوله علیه السلام : « ولا ینبغی لمن خلف الإمام أن یسمعه شیئا مما یقول » (2). ویتخیر المنفرد. ونقل عن الجعفی أنه أطلق استحباب رفع الصوت بها (3). وهو ضعیف.

قوله : ( وأن یرفع المصلی یدیه بها الی أذنیه ).

أما استحباب الرفع ، فقال فی المعتبر : إنه لا خلاف فیه بین العلماء (4). ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - أنه أوجبه فی تکبیرات الصلاة کلها ، واحتج بإجماع الفرقة (5). وهو أعلم بما ادعاه.

واختلف الأصحاب فی حدّه ، فقال الشیخ - رحمه الله - یحاذی بیدیه شحمتی أذنیه (6). وقال ابن أبی عقیل : یرفعهما حذو منکبیه أو حیال خدیه لا یجاوز بهما أذنیه (7). وقال ابن بابویه : یرفعهما إلی النحر ولا یجاوز بهما الأذنین حیال الخد (8). والکل متقارب ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة ، ومنها : صحیحة معاویة بن عمار ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام حین افتتح الصلاة یرفع یدیه أسفل من وجهه قلیلا (9).

وصحیحة صفوان بن مهران الجمال ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام

ص: 324


1- التهذیب 2 : 287 - 1151 ، الوسائل 4 : 730 أبواب تکبیرة الإحرام ب 12 ح 1.
2- التهذیب 2 : 102 - 383 ، الوسائل 4 : 994 أبواب التشهد ب 6 ح 2.
3- نقله عنه فی الذکری : 179.
4- المعتبر 2 : 156.
5- الانتصار : 44.
6- المبسوط 1 : 103.
7- نقله عنه فی الذکری : 179.
8- الفقیه 1 : 198.
9- التهذیب 2 : 65 - 234 ، الوسائل 4 : 725 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9 ح 2.

الثالث : القیام ،

______________________________________________________

إذا کبر فی الصلاة یرفع یدیه حتی یکاد یبلغ أذنیه (1).

وصحیحة ابن سنان عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قول الله عزّ وجلّ : ( فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ ) قال : « هو رفع یدیک حذاء وجهک » (2).

ویستحب أن تکونا مبسوطتین ، ویستقبل بباطن کفیه القبلة ، لصحیحة منصور بن حازم ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام افتتح الصلاة فرفع یدیه حیال وجهه واستقبل القبلة ببطن کفیه (3).

ولتکن الأصابع مضمومة کما یستفاد من روایة حماد فی وصف صلاة الصادق علیه السلام (4).

وینبغی الابتداء بالرفع مع ابتداء التکبیر والانتهاء بانتهائه ، لأن الرفع بالتکبیر لا یتحقق إلاّ بذلک. قال فی المعتبر : ولا أعرف فیه خلافا (5).

قوله : ( الثالث : القیام ).

قال المصنف فی المعتبر : إنما أخر القیام عن النیة وتکبیرة الإحرام لأنه لا یصیر جزءا من الصلاة إلاّ بهما ، وعلة الشی ء سابقه علیه (6). وهو حسن ، وإن کان لتقدیمه علیهما - کما فعله الشیخ فی المبسوط (7) - وجه أیضا ، لأنه شرط فیهما ، والشرط متقدم علی المشروط.

القیام

اشارة

ص: 325


1- التهذیب 2 : 65 - 235 ، الوسائل 4 : 725 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9 ح 1.
2- التهذیب 2 : 66 - 237 ، الوسائل 4 : 725 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9 ح 3.
3- التهذیب 2 : 66 - 240 ، الوسائل 4 : 726 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9 ح 6.
4- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
5- المعتبر 2 : 200.
6- المعتبر 2 : 158.
7- المبسوط 1 : 100.

وهو رکن مع القدرة ، فمن أخلّ به عمدا أو سهوا بطلت صلاته.

______________________________________________________

قوله : ( وهو رکن مع القدرة ، فمن أخلّ به عمدا أو سهوا بطلت صلاته ).

هذا مذهب العلماء کافة ، قاله فی المعتبر (1). ویدل علیه أن من أخل بالقیام مع القدرة لا یکون آتیا بالمأمور به علی وجهه ، فیبقی تحت العهدة إلی أن یتحقق الامتثال.

ویشکل بأن ناسی القراءة أو أبعاضها صلاته صحیحة مع فوات بعض القیام المستلزم لفوات المجموع من حیث هو کذلک.

ومن ثم ذهب جمع من المتأخرین (2) إلی أن الرکن من القیام هو القدر المتصل منه بالرکوع ، ولا یتحقق نقصانه إلاّ بنقصان الرکوع (3).

وذکر الشهید فی بعض فوائده : أن القیام بالنسبة إلی الصلاة علی أنحاء ، فالقیام فی النیة شرط کالنیة ، والقیام فی التکبیر تابع له فی الرکنیة ، والقیام فی القراءة واجب غیر رکن ، والقیام المتصل بالرکوع رکن ، فلو رکع جالسا بطلت صلاته وإن کان ناسیا ، والقیام من الرکوع واجب غیر رکن إذ لو هوی من غیر رفع وسجد ساهیا لم تبطل صلاته ، والقیام فی القنوت تابع له فی الاستحباب (4). وهو تفصیل حسن (5).

واستشکل ذلک المحقق الشیخ علی بأن قیام القنوت متصل بقیام القراءة ، فهو فی الحقیقة کله قیام واحد ، فکیف یوصف بعضه بالوجوب وبعضه

ص: 326


1- المعتبر 2 : 158.
2- منهم الشهید الثانی فی المسالک 1 : 29.
3- فی « ح » زیادة : وهو حسن.
4- نقله عنه فی جامع المقاصد 1 : 104.
5- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : إلا أن فی تبعیة القیام للنیة فی الشرطیة نظرا تقدمت الإشارة إلیه.

وإذا أمکنه القیام مستقلا وجب ، وإلا وجب أن یعتمد علی ما یتمکن معه من القیام ، وروی جواز الاعتماد علی الحائط مع القدرة.

______________________________________________________

بالاستحباب (1)؟!

( وهو مدفوع بوجود خاصتی الوجوب والندب فی الحالین ) (2).

قوله : ( وإذا أمکنه القیام مستقلا وجب ، وإلا وجب أن یعتمد علی ما یتمکن معه من القیام ، وروی جوازا الاعتماد علی الحائط مع القدرة ).

المراد من الاستقلال هنا الإقلال ، بمعنی أن لا یکون معتمدا علی شی ء بحیث لو رفع السناد لسقط. وقد قطع أکثر الأصحاب بوجوبه اختیارا ، للتأسی ، وقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « لا تستند بخمرک وأنت تصلی ، ولا تستند إلی جدار إلاّ أن تکون مریضا » (3).

والروایة التی أشار إلیها المصنف - رحمه الله - هی صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل هل یصلح له أن یستند إلی حائط المسجد وهو یصلی أو یضع یده علی الحائط وهو قائم من غیر مرض ولا علة؟ فقال : « لا بأس » (4) ونحوه روی سعید بن یسار (5) ، وعبد الله بن بکیر (6) عن الصادق علیه السلام .

ونقل عن أبی الصلاح أنه أخذ بظاهر هذه الأخبار ، وعدّ الاعتماد علی ما

وجوب الاستقلال بالقیام

ص: 327


1- جامع المقاصد 1 : 104.
2- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « س » ، « ح » : وهو استشکال ضعیف ، فإن القیام بعد إتمام القراءة یجوز ترکه لا إلی بدل فلا یکون واجبا ، واستمراره فی حال القنوت مطلوب من الشارع فیکون مستحبا. أما القیام فی حال الإتیان بالمستحبات الواقعة قبل القراءة وفی أثنائها فالظاهر وصفه بالوجوب.
3- التهذیب 3 : 176 - 394 ، الوسائل 4 : 702 أبواب القیام ب 10 ح 2. وفیهما : لا تمسک بخمرک.
4- الفقیه 1 : 237 - 1045 ، التهذیب 2 : 326 - 1339 ، قرب الإسناد : 94 ، الوسائل 4 : 701 أبواب القیام ب 10 ح 1 ، بحار الأنوار 1 : 275.
5- التهذیب 2 : 327 - 1340 ، الوسائل 4 : 702 أبواب القیام ب 10 ح 3.
6- التهذیب 2 : 327 - 1341 ، قرب الإسناد : 79 ، الوسائل 4 : 702 أبواب القیام ب 10 ح 4.

ولو قدر علی القیام بعض الصلاة وجب أن یقوم بقدر مکنته ، وإلا صلی قاعدا. وقیل : حدّ ذلک أن لا یتمکن من المشی بقدر زمان صلاته ، والأول أظهر.

______________________________________________________

یجاور المصلی من الأبنیة مکروها (1). وهو غیر بعید.

والأقرب وجوب الاعتماد علی الرجلین معا فی القیام ، ولا یجوز تباعدهما بما یخرج به عن حدّه ، ولا الانحناء ، ولا المیل إلی أحد الجانبین. ولا یخل بالانتصاب إطراق الرأس وإن کان الأفضل إقامة النحر ، لقوله علیه السلام فی مرسلة حریز : « النحر : الاعتدال فی القیام أن یقیم صلبه ونحره » (2).

قوله : ( ولو قدر علی القیام بعض الصلاة وجب أن یقوم بقدر مکنته ).

سواء کان منتصبا أم منحنیا ، مستقلا أو معتمدا. وربما ظهر من إطلاق العبارة أن من أمکنه القیام وعجز عن الرکوع قائما أو السجود لم یسقط عنه فرض القیام. وهو کذلک ، لأن الجلوس مشروط بالعجز عن القیام فلا یجوز بدونه ، وعلی هذا فیجب علیه الإتیان بما قدر علیه منهما ، فإن تعذر أومأ برأسه وإلاّ فبطرفه.

قوله : ( وإلاّ صلی قاعدا ، وقیل : حدّ ذلک أن لا یتمکن من المشی بمقدار زمان صلاته ، والأول أظهر ).

أی : وإن عجز عن القیام أصلا صلی قاعدا.

وقیل : حدّ العجز المسوغ للجلوس أن لا یقدر علی المشی مقدار صلاته. وهذا القول منقول عن المفید - رحمه الله - فی بعض کتبه (3). وربما کان مستنده

حکم العاجز عن القیام

ص: 328


1- الکافی فی الفقه : 125.
2- الکان 3 : 336 - 9 ، التهذیب 2 : 84 - 309 ، الوسائل 4 : 694 أبواب القیام ب 2 ح 3.
3- المقنعة : 36.

والقاعد إذا تمکن من القیام للرکوع وجب ،

______________________________________________________

روایة سلیمان المروزی قال ، قال الفقیه علیه السلام : « المریض إنما یصلی قاعدا إذا صار بالحال التی لا یقدر فیها أن یمشی مقدار صلاته إلی أن یفرغ قائما » (1) وهی ضعیفة السند بجهالة الراوی ، وما تضمنته من التحدید غیر مطابق للاعتبار ، فإن المصلی قد یتمکن أن یقوم بقدر صلاته ولا یتمکن من المشی بقدر زمانها ، وقد یتمکن من المشی ولا یتمکن من الوقوف. وربما کان ذلک کنایة عن العجز عن القیام.

وکیف کان ، فالأصح عدم جواز الجلوس إلاّ مع العجز عن القیام بمعنی المشقة اللازمة منه ، لأصالة عدم سقوط التکلیف بالقیام إلاّ مع العجز عنه. ویؤیده حسنة جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ما حدّ المرض الذی یصلی صاحبه قاعدا؟ قال : « إن الرجل لیوعک (2) ویحرج ، ولکنه أعلم بنفسه إذا قوی فلیقم » (3).

والأقرب تقدیم الجلوس علی القیام ماشیا ، لتوقف العبادة علی النقل ، والمنقول هو الجلوس ، ولأنه أقرب إلی حالة الصلاة من الاضطراب.

ورجح الشارح - قدس سره - تقدیم القیام ماشیا ، لأنه إنما یفوت معه وصف من أوصاف القیام وهو الاستقرار ، والجلوس یفوت معه أصل القیام ، وفوات الوصف أولی من فوات الأصل بالکلیة (4). وجوابه معلوم مما قررناه.

قوله : ( والقاعد إذا تمکن من القیام للرکوع وجب ).

أی وجب القیام إلی الهوی لیرکع عن قیام ، فإن القدر المتصل بالرکوع من القیام رکن کما سبق ، فیجب الإتیان به مع القدرة حتی لو رکع ساهیا مع

ص: 329


1- التهذیب 3 : 178 - 402 ، الوسائل 4 : 699 أبواب القیام ب 6 ح 4.
2- أی : یحمّ ، والوعک : الحمّی وقیل : ألمها - مجمع البحرین 5 : 298.
3- الکافی 3 : 410 - 3 ، التهذیب 3 : 177 - 400 ، الوسائل 4 : 698 أبواب القیام ب 6 ح 3.
4- المسالک 1 : 29.

وإلا رکع جالسا. وإذا عجز عن القعود صلی مضطجعا ،

______________________________________________________

القدرة بطلت صلاته. ولا تجب الطمأنینة فی هذا القیام ، لأن وجوبها إنما کان لأجل القراءة وقد أتی بها. واحتمل فی الذکری الوجوب ، لضرورة کون الحرکتین المتضادتین فی الصعود والهبوط بینهما سکون (1). ( وهو خروج عن محل النزاع ) (2). وأما القراءة فلا تجب إعادتها قطعا بل ولا تستحب.

قوله : ( وإلاّ رکع جالسا ).

قد ذکر فی کیفیة رکوع الجالس وجهان.

أحدهما : أن ینحنی حتی یصیر بالإضافة إلی القاعد المنتصب کالراکع قائما بالإضافة إلی القائم.

والثانی : أن ینحنی بحیث تحاذی جبهته موضع سجوده ، وأقله أن ینحنی قدر ما یحاذی وجهه ما قدّام رکبتیه. وهما متقاربان. ولا ریب أن کلا منهما محصل لیقین البراءة.

ولو قدر القاعد علی الانحناء إلی أقل ما یتحقق به الرکوع ولم یقدر علی الزیادة علیه (3) ، لم یکن له أن ینقص منه فی الرکوع ، ویسقط الفرق بینه وبین السجود. نعم لو قدر علی أکمل حالات الرکوع کان الأولی له الاقتصار علی الأقل وإیثار السجود بالزیادة تحصیلا للفرق. والظاهر عدم تعینه.

قوله : ( وإذا عجز عن القعود صلی مضطجعا ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء. ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن عن أبی حمزة ، عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله الله عزّ وجلّ ( الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللهَ قِیاماً وَقُعُوداً ) (4) قال : « الصحیح یصلی قائما ( وَقُعُوداً )

حکم العاجز عن القعود

ص: 330


1- الذکری : 182.
2- بدل ما بین القوسین « س » ، « ح » : وضعفه ظاهر فإن ذلک لو تمّ لخرج عن موضع النزاع.
3- وهو لا یتمکن من السجود. أی : فی صورة عدم التمکن من السجود.
4- آل عمران : 191.

______________________________________________________

المریض یصلی جالسا ( وَعَلی جُنُوبِهِمْ ) الذی یکون أضعف من المریض الذی یصلی جالسا » (1).

وإطلاق الروایة یقتضی التخییر بین الجانب الأیمن والأیسر ، وهو ظاهر اختیار المصنف - رحمه الله - هنا ، وفی النافع (2). وقال فی المعتبر : ومن عجز عن القعود صلی مضطجعا علی جانبه الأیمن مومئا ، وهو مذهب علمائنا. ثم قال : وکذا لو عجز عن الصلاة علی جانبه صلی مستلقیا (3). ولم یذکر الأیسر. ونحوه قال فی المنتهی (4). وظاهرهما تعین الجانب الأیمن. وقال فی التذکرة - بعد أن ذکر الاضطجاع علی الجانب الأیمن - : ولو اضطجع علی شقه الأیسر مستقبلا فالوجه الجواز (5). وظاهره التخییر أیضا. وبه قطع فی النهایة ، لکنه قال : إن الأیمن أفضل (6).

وجزم الشهید (7) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (8) بوجوب تقدیم الأیمن علی الأیسر. ویدل علیه ما رواه ابن بابویه مرسلا عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « المریض یصلی قائما ، فإن لم یستطع صلی جالسا ، فإن لم یستطع صلی علی جنبه الأیمن ، فإن لم یستطع صلی علی جنبه الأیسر ، فإن لم یستطع استلقی وأومأ إیماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده أخفض من رکوعه » (9).

وما رواه الشیخ ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المریض إذا لم یقدر أن یصلی قاعدا کیف قدر صلی ، إما أن یوجه

ص: 331


1- التهذیب 3 : 176 - 396 ، الوسائل 4 : 689 أبواب القیام ب 1 ح 1.
2- المختصر النافع : 30.
3- المعتبر 2 : 160.
4- المنتهی 1 : 265.
5- التذکرة 1 : 109.
6- نهایة الأحکام 1 : 440.
7- الذکری : 181 ، والدروس : 34.
8- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 105 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 29.
9- الفقیه 1 : 236 - 1037 ، الوسائل 4 : 692 أبواب القیام ب 1 ح 15.

فإن عجز صلی مستلقیا ، والأخیران یومیان لرکوعهما وسجودهما.

______________________________________________________

فیومئ إیماء. وقال : یوجه کما یوجه الرجل فی لحده وینام علی جانبه الأیمن ثم یومئ بالصلاة. قال : فإن لم یقدر أن ینام علی جنبه الأیمن فکیف ما قدر فإنه جائز ، ویستقبل بوجهه القبلة ثم یومئ بالصلاة إیماء » (1).

ولا ریب أن ما تضمنته هاتان الروایتان من تقدیم الأیمن أولی ، وإن کان الأظهر التخییر بین الجانبین لضعف ما دل علی اعتبار الترتیب.

قوله : ( فإن عجز صلی مستلقیا ).

أی فإن عجز عن الاضطجاع علی أحد الجانبین صلی مستلقیا علی قفاه. وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه. وربما وجد فی بعضها أنه ینتقل إلی الاستلقاء بالعجز عن الجلوس (2) وهو متروک.

وروی الشیخ (3) فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل والمرأة یذهب بصره فیأتیه الأطباء فیقولون : نداویک شهرا أو أربعین لیلة مستلقیا ، کذلک یصلی؟ فرخص فی ذلک ، وقال ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ ) (4).

قوله : ( والأخیران یومیان لرکوعهما وسجودهما ).

المراد بالأخیرین المضطجع والمستلقی. وفی حکمهما الجالس بل والقائم أیضا إذا تعذر علیهما الرکوع والسجود. وإنما یجزئ الإیماء إذا لم یمکن أن یصیر بصورة الساجد بأن یجعل مسجده علی شی ء مرتفع ویضع جبهته علیه.

ویجب أن یکون الإیماء بالرأس إن أمکن ، وإلاّ فبالعینین ، لقوله

ص: 332


1- التهذیب 3 : 175 - 392 ، الوسائل 4 : 691 أبواب القیام ب 1 ح 10.
2- الکافی 3 : 411 - 12 ، الفقیه 1 : 235 - 1033 ، التهذیب 2 : 169 - 671 ، الوسائل 4 : 691 أبواب القیام ب 1 ح 13.
3- وجدناه فی الکافی 3 : 410 - 4 ، وعنه فی الوسائل 4 : 699 أبواب القیام ب 7 ح 1.
4- البقرة : 173.

ومن عجز عن حالة فی أثناء الصلاة انتقل إلی ما دونها مستمرا ،

______________________________________________________

علیه السلام فی حسنة الحلبی - وقد سأله عن المریض الذی لا یستطیع القیام والجلوس - : « یومئ برأسه إیماء ، وإن یضع جبهته علی الأرض أحب إلیّ » (1).

ویستفاد من هذه الروایة استحباب وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه حال الإیماء. ویدل علیه أیضا صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن المریض ، قال : « یسجد علی الأرض أو علی مروحة أو علی سواک یرفعه ، هو أفضل من الإیماء » (2).

وقیل بالوجوب ، لأن السجود عبارة عن الانحناء وملاقاة الجبهة ما یصح السجود علیه ، فإذا سقط الأول لتعذره بقی الثانی ، لأن المیسور لا یسقط بالمعسور (3). ویؤیده مضمرة سماعة ، قال : سألته عن المریض لا یستطیع الجلوس ، قال : « فلیصل وهو مضطجع ولیضع علی جبهته شیئا إذا سجد ، فإنه یجزی عنه ، ولن یکلف الله ما لا طاقة له به » (4) وفی التعلیل نظر ، وفی الروایة ضعف ، إلاّ أن العمل بما تضمنته أحوط.

قوله : ( ومن عجز عن حالة فی أثناء الصلاة انتقل إلی ما دونها مستمرا ).

أی من غیر استئناف لأن الإتیان بالمأمور به یقتضی الإجزاء. ویمکن أن یرید بالاستمرار استمراره علی الأفعال التی یمکن وقوعها حالة الانتقال کالقراءة ، فلا یترک القراءة فی حالة الانتقال إلی الأدنی ، لأن تلک الحالة أقرب إلی ما کان علیه. بخلاف من وجد خفّا (5) فی حالة دنیا ، فإنه یجب علیه ترک

ص: 333


1- الکافی 3 : 410 - 5 ، الوسائل 4 : 689 أبواب القیام ب 1 ح 2.
2- الفقیه 1 : 236 - 1039 ، التهذیب 3 : 177 - 398 ، الوسائل 3 : 606 أبواب ما یسجد علیه ب 15 ح 1.
3- کما فی الذکری : 181.
4- التهذیب 3 : 306 - 944 ، الوسائل 4 : 690 أبواب القیام ب 1 ح 5.
5- من خفّ یخف خفة وخفّا ( القاموس المحیط 3 : 140 ).

کالقائم یعجز فیقعد ، أو القاعد یعجز فیضطجع ، أو المضطجع یعجز فیستلقی. وکذا بالعکس. ومن لا یقدر علی السجود یرفع ما یسجد علیه ، فإن لم یقدر أومأ.

والمسنون فی هذا الفصل شیئان : أن یتربّع المصلی قاعدا فی حال قراءته ، ویثنی رجلیه فی حال رکوعه.

______________________________________________________

القراءة فی حال انتقاله إلی المرتبة العلیا ، لإمکان الإتیان بالقراءة فی حال القیام فیجب.

وقیل : یجب علیه ترک القراءة فی الحالین إلی أن یطمئن ، لأن الاستقرار شرط مع القدرة (1). وهو حسن.

قوله : ( وکذا بالعکس ).

أی یجب علی العاجز الانتقال إلی الحالة العلیا إذا تجددت قدرته إلی أن یبلغ أعلی المراتب أعنی القیام مستقلا ( مستقرا ) (2) ولا یعد انتقاله فعلا کثیرا لأنه من أفعال الصلاة.

قوله : ( والمسنون فی هذا الفصل شیئان : أن یتربع المصلی قاعدا فی حال قراءته ، ویثنی رجلیه فی حال رکوعه ).

هذا قول علمائنا (3) ، وأکثر العامة (4) ، ویدل علیه صحیحة حمران بن أعین ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « کان أبی علیه السلام إذا صلی جالسا تربع ، وإذا رکع ثنی رجلیه » (5).

مسنونات بحث القیام.

ص: 334


1- کما فی الذکری : 182.
2- لیست فی « س ».
3- فی « ح » زیادة : أجمع.
4- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 808 ، 812 ، والغمراوی فی السراج والوهاج : 42.
5- الفقیه 1 : 238 - 1049 ، التهذیب 2 : 171 - 679 ، الوسائل 4 : 703 أبواب القیام ب 11 ح 4.

وقیل : ویتورّک فی حال تشهده.

الرابع : القراءة

______________________________________________________

قال فی المنتهی : ولیس هذا علی الوجوب بالإجماع (1) ، ولما رواه ابن بابویه عن معاویة بن میسرة : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام أیصلی الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجلین؟ فقال : « لا بأس بذلک » (2). وروی أیضا عن الصادق علیه السلام أنه قال فی الصلاة فی المحمل : « صلّ متربعا وممدود الرجلین وکیف ما أمکنک » (3).

قوله : ( وقیل : یتورک فی حال تشهده ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (4) ، وجماعة. وربما ظهر من حکایة المصنف له بلفظ « قیل » التوقف فی هذا الحکم ، ولا وجه له ، لثبوت استحباب التورک فی مطلق التشهد ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : ( الرابع : القراءة ).

أجمع العلماء کافة علی وجوب القراءة فی الصلاة إلاّ من شذّ (5).

والأصل فیه : فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیه السلام ، والأخبار المستفیضة کصحیحة محمد بن مسلم : عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض الرکوع والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترک القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسی القراءة فقد تمت صلاته » (6).

القراءة

اشارة

ص: 335


1- المنتهی 1 : 266.
2- الفقیه 1 : 238 - 1050 ، التهذیب 2 : 170 - 678 ، الوسائل 4 : 703 أبواب القیام ب 11 ح 3.
3- الفقیه 1 : 238 - 1051 ، الوسائل 4 : 703 أبواب القیام ب 11 ح 5.
4- المبسوط 1 : 100.
5- وهو الحسن بن صالح کما فی الخلاف 1 : 111.
6- الکافی 3 : 347 - 1 ، التهذیب 2 : 146 - 569 ، الوسائل 4 : 767 أبواب القراءة فی الصلاة ب 27 ح 2.

وهی واجبة ، ویتعیّن بالحمد فی کل ثنائیة ، وفی الأولیین من کل رباعیة وثلاثیة.

______________________________________________________

ویستفاد من هذه الروایة عدم رکنیة القراءة ، وهو المشهور بین الأصحاب ، وادعی الشیخ فیه الإجماع (1). وحکی فی المبسوط عن بعض أصحابنا قولا برکنیتها (2) ، وربما کان مستنده صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الذی لا یقرأ فاتحة الکتاب فی صلاته ، قال : « لا صلاة له إلاّ أن یقرأ بها فی جهر أو إخفات » (3).

ویجاب بالحمل علی العامد جمعا بین الأدلة.

قوله : ( وتتعین بالحمد فی کل ثنائیة ، وفی الأولین من کل رباعیة وثلاثیة ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة (4) ، ویدل علیه مضافا إلی الإجماع والتأسی الأخبار الکثیرة ، کصحیحة محمد بن مسلم المتقدمة ، وروایة أبی بصیر. قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أمّ القرآن ، قال : « إن کان لم یرکع فلیعد أم القرآن » (5) وروایة سماعة قال : سألته عن الرجل یقوم فی الصلاة فینسی فاتحة الکتاب ، قال : « فلیقل : أستعیذ بالله من الشیطان الرجیم إن الله هو السمیع العلیم ، ثم لیقرأها ما دام لم یرکع فإنه لا قراءة حتی یبدأ بها فی جهر أو إخفات ، فإنه إذا رکع أجزأه » (6).

وهل تتعین الفاتحة فی النافلة؟ الأقرب ذلک ، لأن الصلاة کیفیة متلقاة

تعیین قراءة الحمد فی الأولی والثانیة

ص: 336


1- الخلاف 1 : 114.
2- المبسوط 1 : 105.
3- الکافی 3 : 317 - 28 ، التهذیب 2 : 146 - 573 ، الإستبصار 1 : 354 - 1339 ، الوسائل 4 : 767 أبواب القراءة فی الصلاة ب 27 ح 4.
4- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 555 ، 556 ، والأشعری المکی فی الفتوحات الربانیة 2 : 190 ، والشوکانی فی نیل الأوطار 1 : 230.
5- الکافی 3 : 347 - 2 ، الوسائل 4 : 768 أبواب القراءة فی الصلاة ب 28 ح 1.
6- التهذیب 2 : 147 - 574 ، الوسائل 4 : 768 أبواب القراءة فی الصلاة ب 28 ح 2.

ویجب قراءتها أجمع ، ولا یصحّ الصلاة مع الإخلال ولو بحرف واحد منها عمدا ، حتی التشدید ، وکذا إعرابها.

______________________________________________________

من الشارع فیجب الاقتصار فیها علی موضع النقل.

وقال العلامة فی التذکرة : لا تجب قراءة الفاتحة فیها للأصل (1). فإن أراد الوجوب بالمعنی المصطلح فحق ، لأن الأصل إذا لم یکن واجبا لا تجب أجزاؤه ، وإن أراد ما یعم الوجوب الشرطی بحیث تنعقد النافلة من دون قراءة الحمد فهو ممنوع.

قوله : ( وتجب قراءتها أجمع ، ولا تصح الصلاة مع الإخلال ولو بحرف منها ، حتی التشدید ).

لا ریب فی بطلان الصلاة مع الإخلال بشی ء من الفاتحة ولو بحرف واحد منها ، لأن الإتیان بها إنما یتحقق مع الإتیان بجمیع أجزائها ، فیلزم أن یکون الإخلال بالجزء إخلالا بها. ومن الحرف التشدید فی مواضعه ، بدلیل أن شدة راء الرحمن ودال الدین أقیمت مقام اللام ، وکذا المدّ المتصل. أما المنفصل فمستحب ، وکذا أوصاف القراءة من الهمس ، والجهر ، والاستعلاء ، والإطباق ، والغنّة ، وغیرها (2) ، کما صرح به محققو هذا الفن.

قوله : ( وکذا إعرابها ).

ص: 337


1- التذکرة 1 : 113.
2- حروف الهمس : ت ، ث ، ح ، خ ، س ، ش ، ص ، ف ، ه ، ک ، سمی الحرف مهموسا لأنه أضعف الاعتماد فی موضعه حتی جری معه النفس.

______________________________________________________

المراد بالإعراب ما یشمل حرکات البناء توسعا. وصرح المصنف بأنه لا فرق فی بطلان الصلاة بالإخلال بالإعراب بین کونه مغیرا للمعنی ، ککسر کاف إیاک ، وضم تاء أنعمت ، أو غیر مغیر کضم هاء الله ، لأن الإعراب کیفیة للقراءة ، فکما وجب الإتیان بحروفها وجب الإتیان بالإعراب المتلقی عن صاحب الشرع ، وقال : إن ذلک قول علمائنا أجمع (1).

وحکی عن بعض الجمهور أنه لا یقدح فی الصحة الإخلال بالإعراب الذی لا یغیر المعنی ، لصدق القراءة معه ، وهو منسوب إلی المرتضی فی بعض مسائله (2) ، ولا ریب فی ضعفه.

ولا یخفی أن المراد بالإعراب هنا ما تواتر نقله فی القرآن ، لا ما وافق العربیة ، لأن القراءة سنة متبعة. وقد نقل جمع من الأصحاب الإجماع علی تواتر القراءات السبع. وحکی فی الذکری عن بعض الأصحاب أنه منع من قراءة أبی جعفر ، ویعقوب ، وخلف ، وهی کمال العشر. ثم رجح الجواز لثبوت تواترها کتواتر السبع (3).

قال المحقق الشیخ علی - رحمه الله - بعد نقل ذلک : وهذا لا یقصر عن ثبوت الإجماع بخبر الواحد ، فتجوز القراءة بها (4). وهو غیر جید ، لأن ذلک رجوع عن اعتبار التواتر.

وقد نقل جدی - قدس سره - عن بعض محققی القراء أنه أفرد کتابا فی أسماء الرجال الذین نقلوا هذه القراءات فی کلّ طبقة ، وهم یزیدون عما یعتبر فی التواتر (5).

ص: 338


1- المعتبر 2 : 167.
2- رسائل السید المرتضی 2 : 387.
3- الذکری : 187.
4- جامع المقاصد 1 : 112.
5- روض الجنان : 264.

والبسملة آیة منها یجب قراءتها معها ،

______________________________________________________

ثم [ إنه ] (1) حکی عن جماعة من القراء أنهم قالوا لیس المراد بتواتر السبع والعشر أن کل ما ورد من هذه القراءات متواتر ، بل المراد انحصار التواتر الآن فی ما نقل من هذه القراءات ، فإن بعض ما نقل عن السبعة شاذ فضلا عن غیرهم. وهو مشکل جدا ، لکن المتواتر لا یشتبه بغیره کما یشهد به الوجدان.

قال فی المنتهی : وأحبّ القراءات إلیّ ما قرأه عاصم من طریق أبی بکر بن عیاش ( وطریق أبی عمرو بن العلاء فإنها أولی ) (2) من قراءة حمزة والکسائی ، لما فیهما من الإدغام والإمالة وزیادة المدّ وذلک کله تکلف ، ولو قرأ به صحت صلاته بلا خلاف (3).

قوله : ( والبسملة آیة منها یجب قراءتها معها ).

هذا قول علمائنا أجمع ، وأکثر أهل العلم. وقد ورد بذلک روایات کثیرة کصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن السبع المثانی والقرآن العظیم هی الفاتحة؟ قال : « نعم ». قلت : بسم الله الرحمن الرحیم من السبع؟ قال : « نعم هی أفضلهن » (4) وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إذا قمت إلی الصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحیم فی فاتحة الکتاب؟ قال : « نعم » قلت : فإذا قرأت فاتحة الکتاب أقرأ بسم الله الرحمن الرحیم مع السورة؟ قال : « نعم » (5).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون إماما فیستفتح بالحمد ولا یقرأ

البسملة آیة من کل سورة

ص: 339


1- أضفناها لاستقامة العبارة.
2- کذا فی النسخ ، وفی المصدر : وقراءة أبی عمرو بن العلاء فإنهما أولی.
3- المنتهی 1 : 273.
4- التهذیب 2 : 289 - 1157 ، الوسائل 4 : 745 أبواب القراءة فی الصلاة ب 11 ح 2.
5- الکافی 3 : 312 - 1 ، التهذیب 2 : 69 - 251 ، الإستبصار 1 : 311 - 1155 ، الوسائل 4 : 746 أبواب القراءة فی الصلاة ب 11 ح 5.

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحیم ، فقال : « لا یضره ولا بأس به » (1). لأنا نجیب عنه بالحمل علی حال التقیة ، کما تدل علیه روایة زکریا بن إدریس القمی ، قال : سألت أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یصلی بقوم یکرهون أن یجهر ببسم الله الرحمن الرحیم ، فقال : « لا یجهر » (2).

وهل هی آیة من کل سورة؟ قال الشیخ فی المبسوط والخلاف : نعم (3). وبه قطع عامة المتأخرین.

وقال ابن الجنید : هی من غیرها افتتاح لها (4) ، وربما کان مستنده صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یفتتح القراءة فی الصلاة ، یقرأ بسم الله الرحمن الرحیم؟ قال : « نعم إذا افتتح الصلاة فلیقلها فی أول ما یفتتح ثم یکفیه ما بعد ذلک » (5) وصحیحة عبید الله بن علی وأخیه محمد بن علی الحلبیین ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنهما سألاه عمن یقرأ بسم الله الرحمن الرحیم حین یرید یقرأ فاتحة الکتاب ، قال : « نعم إن شاء سرا وإن شاء جهرا » فقالا : أفیقرأها مع السورة الأخری؟ فقال : « لا » (6).

وأجاب عنهما الشیخ فی التهذیب بالحمل علی من کان فی صلاة النافلة وقد

ص: 340


1- التهذیب 2 : 68 - 247 ، الإستبصار 1 : 312 - 1159 ، الوسائل 4 : 749 أبواب القراءة فی الصلاة ب 12 ح 5.
2- التهذیب 2 : 68 - 248 ، الإستبصار 1 : 312 - 1160 ، الوسائل 4 : 747 أبواب القراءة فی الصلاة ب 12 ح 1.
3- المبسوط 1 : 105 ، الخلاف 1 : 112.
4- نقله عنه فی الذکری : 186.
5- التهذیب 2 : 69 - 250 ، الإستبصار 1 : 313 - 1162 ، الوسائل 4 : 748 أبواب القراءة فی الصلاة ب 12 ح 3.
6- التهذیب 2 : 68 - 249 ، الإستبصار 1 : 312 - 1161 ، الوسائل 4 : 748 أبواب القراءة فی الصلاة ب 12 ح 2.

ولا یجزی المصلی ترجمتها.

______________________________________________________

قرأ من السورة الأخری بعضها ویرید أن [ یقرأ باقیها ] (1) فحینئذ لا یقرأ بسم الله الرحمن الرحیم (2) (3).

( والحق أن هذه الروایات إنما تدل علی عدم وجوب قراءة البسملة عند قراءة السورة وربما کان الوجه فیه ) (4) عدم وجوب قراءة السورة کما هو أحد قولی الأصحاب ، ولا دلالة لها علی کونها لیست آیة من السورة ، کما هو ظاهر کلام ابن الجنید. وکیف کان فلا ریب فی ضعف ما ذکره ، لأن إثباتها فی المصاحف کذلک - مع محافظتهم علی تجریده عما هو خارج عنه - ینفی ذلک صریحا.

قوله : ( ولا یجزی المصلی ترجمتها ).

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، ووافقنا علیه أکثر العامة (5) ، لقوله تعالی : ( إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِیًّا ) (6) ولأن الترجمة مغایرة للمترجم وإلاّ لکانت ترجمة الشعر شعرا.

وقال أبو حنیفة : یجزئ الترجمة لقوله تعالی ( لِأُنْذِرَکُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) (7) وإنما ینذر کل قوم بلسانهم (8). وهو باطل ، لأن الإنذار بالقرآن لا یستلزم نقل اللفظ بعینه ، إذ مع إیضاح المعنی یصدق أنه أنذرهم به بخلاف صورة النزاع.

عدم إجزاء ترجمة الحمد

ص: 341


1- فی النسخ : یقرأها ، وما أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 2 : 69.
3- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : وهو جیّد.
4- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « س » : وربما کان الوجه فی قوله علیه السلام فی الروایة الأولی « ثم یکفیه ما بعد ذلک ».
5- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 562 ، 567 ، والأشعری المکی فی الفتوحات الربانیة 2 : 199.
6- یوسف : 2.
7- الأنعام : 19.
8- نقله عنه فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 562.

ویجب ترتب کلماتها وآیها علی الوجه المنقول ، فلو خالف عمدا أعاد. وإن کان ناسیا استأنف القراءة ما لم یرکع. وإن رکع مضی فی صلاته - ولو ذکر.

ومن لا یحسنها یجب علیه التعلم ، فإن ضاق الوقت قرأ ما تیسّر منها ، وإن تعذّر قرأ ما تیسّر من غیرها ، أو سبّح الله وهلله وکبّره بقدر القراءة ، ثم یجب علیه التعلم.

______________________________________________________

قوله : ( ویجب ترتیب کلماتها وآیها علی الوجه المنقول ، فلو خالف عمدا أعاد ).

لا ریب فی وجوب الترتیب - فیما یجب قراءته - بین الکلمات والآیات ، لأن الأمر بالقراءة ینصرف إلی المنزل علی ترتیبه ، فلا یتحقق الامتثال بدونه. ولو خالف عمدا أعاد الصلاة علی ما قطع به المصنف - رحمه الله - وغیره (1). وهو جید إن لم یتدارکها قبل الرکوع لا مطلقا ، لأن المقروء علی خلاف الترتیب وإن لم یصدق علیه اسم السورة لکن قد لا یخرج بذلک عن کونه قرآنا.

قوله : ( وإن کان ناسیا استأنف القراءة ما لم یرکع ).

إنما یستأنف القراءة إذا لم یمکن البناء علی السابق ولو لفوات الموالاة ، وإلاّ بنی علیه کما لو قرأ آخر الحمد ثم قرأ أولها.

قوله : ( ومن لا یحسنها یجب علیه التعلم ، فإن ضاق الوقت قرأ ما تیسر منها ، فإن تعذر قرأ ما تیسر من غیرها ، أو هلل الله وکبره وسبحه بقدر القراءة ).

لا ریب فی وجوب التعلم علی الجاهل مع سعة الوقت ، لتوقف الواجب علیه. ومع ضیقه یجب علیه إما الائتمام إن أمکنه ، أو القراءة فی المصحف إن أحسنه. وقیل بجواز القراءة فی المصحف مطلقا (2) ، لإطلاق الأمر ، وروایة

وجوب قراءة الحمد مرتبة

ص: 342


1- کالشهید الأول فی الذکری : 187.
2- کما فی المنتهی 1 : 274.

والأخرس یحرک لسانه بالقراءة ویعقد بها قلبه.

______________________________________________________

الحسن الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له : ما تقول فی الرجل یصلی وهو ینظر فی المصحف یقرأ ویضع السراج قریبا منه؟ قال : « لا بأس » (1).

وإن انتفی الأمران وعلم شیئا من الفاتحة وجب علیه الإتیان به إجماعا. وفی وجوب التعویض عن الفائت قولان ، أصحهما العدم ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

وإن لم یعلم منها شیئا فقد قطع المصنف - رحمه الله - بأنه یجب علیه قراءة ما تیسر من غیرها ، أو تهلیل الله وتکبیره وتسبیحه بقدر القراءة.

وقیل : إن الذکر إنما یجزئ مع الجهل بقراءة الفاتحة وغیرها مطلقا (2) ، وربما کان فی صحیحة عبد الله بن سنان عن الصادق علیه السلام دلالة علیه ، فإنه قال : « إن الله فرض من الصلاة الرکوع والسجود ، ألا تری لو أن رجلا دخل فی الإسلام ولا یحسن أن یقرأ القرآن أجزأه أن یکبر ویسبح ویصلی » (3) ومقتضی الروایة الاجتزاء فی التعویض بمطلق التکبیر والتسبیح. والأحوط اختیار ما یجزئ فی الأخیرتین ، ولا یتعین کونه بقدر الفاتحة کما قطع به المصنف فی المعتبر ، قال : وقولنا بقدر القراءة نرید به الاستحباب ، لأن القراءة إذا سقطت لعدم القدرة سقطت توابعها ، وصار ما تیسر من الذکر والتسبیح کافیا (4).

قوله : ( والأخرس یحرک لسانه بالقراءة ویعقد بها قلبه ).

أی ینوی بحرکة اللسان کونها بدلا عن القراءة لأنها لا تتمحض بدلا إلاّ مع النیة ، وقد نبه علی هذا فی المعتبر (5).

حکم الأخرس
تخیر المصلی بین الحمد والتسبیح فی الثالثة والرابعة

ص: 343


1- التهذیب 2 : 294 - 1184 ، الوسائل 4 : 780 أبواب القراءة فی الصلاة ب 41 ح 1.
2- کما فی المبسوط 1 : 107.
3- التهذیب 2 : 147 - 575 ، الوسائل 4 : 735 أبواب القراءة فی الصلاة ب 3 ح 1.
4- المعتبر 2 : 169.
5- المعتبر 2 : 171.

والمصلی فی کل ثالثة ورابعة بالخیار ، إن شاء قرأ الحمد وإن شاء سبّح ، والأفضل للإمام القراءة.

______________________________________________________

قوله : ( والمصلی فی کل ثالثة ورابعة بالخیار ، إن شاء قرأ الحمد وإن شاء سبّح ، والأفضل للإمام القراءة ).

أما ثبوت التخییر للمصلی بین الحمد والتسبیح فی کل ثالثة ورابعة فهو قول علمائنا أجمع ، والنصوص الواردة به مستفیضة (1).

والمشهور بین الأصحاب أنه لا فرق فی ذلک بین ناسی القراءة فی الرکعتین الأولتین وغیره ، لعموم الروایات الدالة علی التخییر ، وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : الرجل یسهو عن القراءة فی الرکعتین الأولتین فیذکر فی الرکعتین الأخیرتین أنه لم یقرأ ، قال : « أتم الرکوع والسجود؟ » قلت : نعم ، قال : « إنی أکره أن أجعل آخر صلاتی أولها » (2).

وقال الشیخ فی الخلاف (3) : من نسی القراءة فی الأولتین یتعین علیه قراءة الحمد فی الأخیرتین ، لعموم قوله علیه السلام : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب » (4) وهو محمول علی العامد ، لقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم : « ومن نسی القراءة فقد تمت صلاته ولا شی ء علیه » (5).

واختلف الأصحاب فی أن الأفضل للمصلی القراءة أو التسبیح. فقال الشیخ فی الاستبصار : إن الأفضل للإمام القراءة ، وإنهما متساویان بالنسبة إلی المنفرد (6).

ص: 344


1- الوسائل 4 : 781 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42.
2- التهذیب 2 : 146 - 571 ، الإستبصار 1 : 354 - 1337 ، السرائر : 484 ، الوسائل 4 : 770 أبواب القراءة فی الصلاة ب 30 ح 1.
3- الخلاف 1 : 117.
4- عوالی اللئالی 1 : 196 - 2.
5- الکافی 3 : 347 - 1 ، التهذیب 2 : 146 - 569 ، الوسائل 4 : 767 أبواب القراءة فی الصلاة ب 27 ح 2.
6- الاستبصار 1 : 322.

______________________________________________________

وقال فی النهایة والمبسوط : هما سواء للمنفرد والإمام (1). وأطلق ابنا بابویه ، وابن أبی عقیل أفضلیة التسبیح (2).

احتج الشیخ فی الاستبصار علی أفضلیة القراءة للإمام بما رواه فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت إماما فاقرأ فی الرکعتین الأخیرتین بفاتحة الکتاب ، وإن کنت وحدک فیسعک ، فعلت أو لم تفعل » (3).

وعلی التساوی للمنفرد بما رواه عن عبد الله بن بکیر ، عن علی بن حنظلة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرکعتین الأخیرتین ما أصنع فیهما؟ فقال : « إن شئت فاقرأ فاتحة الکتاب وإن شئت فاذکر الله فهو سواء » قال ، قلت : فأیّ ذلک أفضل؟ فقال : « هما والله سواء ، إن شئت سبحت وإن شئت قرأت » (4).

وهذا الجمع جید لو کانت الأخبار متکافئة من حیث السند ، لکن الروایة الأخیرة ضعیفة جدا بجهالة الراوی ، وبأن من جملة رجالها الحسن (5) بن فضال ، وعبد الله بن بکیر ، وهما فطحیان (6).

( ولو قیل بأفضلیة القراءة مطلقا کما یدل علیه ظاهر صحیحة منصور بن حازم لم یکن بعیدا من الصواب ) (7).

ص: 345


1- النهایة : 76 ، والمبسوط 1 : 106.
2- الصدوق فی الهدایة : 31 ، ونقله عن والده فی المقنع : 34 ، ونقله عن ابن أبی عقیل فی المختلف : 92.
3- الإستبصار 1 : 322 - 1202 ، الوسائل 4 : 794 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 11.
4- التهذیب 2 : 98 - 369 ، الإستبصار 1 : 321 - 1200 ، الوسائل 4 : 781 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 3.
5- فی « م » ، « ح » زیادة : ابن علی.
6- راجع رجال النجاشی : 35 ، والفهرست : 106.
7- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : أما روایة منصور بن حازم فصحیحة السند ، لکن ربما لاح منها أن القراءة أفضل للمنفرد أیضا وهو غیر بعید. وقریب منها فی الدلالة ما رواه الشیخ فی الصحیح أیضا عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القراءة خلف الإمام فی الرکعتین الأخیرتین ، فقال : « الإمام یقرأ فاتحة الکتاب ، ومن خلفه یسبح ، فإذا کنت وحدک فاقرأ فیهما وإن شئت فسبح ».

______________________________________________________

وتؤیده روایة محمّد بن حکیم (1) ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام أیما أفضل القراءة فی الرکعتین الأخیرتین أو التسبیح؟ فقال : « القراءة أفضل » (2).

وروایة جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عما یقرأ الإمام فی الرکعتین فی آخر الصلاة ، فقال : « بفاتحة الکتاب ولا یقرأ الذین خلفه ، ویقرأ الرجل إذا صلی وحده فیهما بفاتحة الکتاب » (3).

وصحیحة ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجزیک التسبیح فی الأخیرتین » قلت : أی شی ء تقول أنت؟ قال : « أقرأ فاتحة الکتاب » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه عبید الله الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قمت فی الرکعتین الأخیرتین لا تقرأ فیهما فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أکبر » (5).

لأنا نجیب عنها بالحمل علی أنّ « لا » نافیة ، وتکون جملة « لا تقرأ » حالیة ، والمعنی : إذا قمت فی الرکعتین الأخیرتین وأنت غیر قار فیهما

ص: 346


1- فی الأصل وباقی النسخ الخطیة : حکم بن حکیم. والصحیح ما - أثبتناه - راجع معجم رجال الحدیث 16 : 2. 34.
2- التهذیب 2 : 98 - 370 ، الإستبصار 1 : 322 - 1201 ، الوسائل 4 : 794 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 10.
3- التهذیب 2 : 295 - 1186 ، الوسائل 4 : 782 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 4.
4- التهذیب 3 : 35 - 124 ، الوسائل 4 : 794 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 10.
5- التهذیب 2 : 99 - 372 ، الإستبصار 1 : 322 - 1203 ، الوسائل 4 : 793 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 7.

وقراءة سورة کاملة بعد الحمد فی الأولیین واجب فی الفرائض مع سعة الوقت وإمکان التعلم للمختار ، وقیل : لا یجب ، والأول أحوط.

______________________________________________________

فقل : کذا وکذا. أو یقال : إنها ناهیة ، والنهی إنما توجه إلی القراءة مع اعتقاد أن غیر القراءة لا یجوز ، کما ذکره الشیخ فی الإستبصار.

وبالجملة فهذه روایة واحدة فلا تترک لأجلها الأخبار المستفیضة السلیمة السند المؤیدة بعمل الأصحاب.

قوله : ( وقراءة سورة کاملة بعد الحمد فی الأولیین واجب فی الفرائض مع سعة الوقت وإمکان التعلم للمختار ، وقیل : لا یجب ، والأول أحوط ).

لا خلاف بین الأصحاب فی جواز الاقتصار علی الحمد فی النوافل مطلقا ، وفی الفرائض فی حال الاضطرار ، کالخوف ، ومع ضیق الوقت بحیث إن قرأ السورة خرج الوقت ، ومع عدم إمکان التعلم.

وإنما الخلاف فی وجوب السورة مع السعة ، والاختیار ، وإمکان التعلم. فقال الشیخ - رحمه الله - فی کتابی الحدیث (1) ، والسید المرتضی (2) ، وابن أبی عقیل (3) ، وابن إدریس (4) بالوجوب. وقال ابن الجنید (5) وسلار (6) ، والشیخ فی النهایة (7) ، والمصنف فی المعتبر (8) بالاستحباب ، ومال إلیه فی المنتهی (9) ، وهو متجه.

وجوب قراءة سورة بعد الحمد

ص: 347


1- التهذیب 2 : 71 ، والاستبصار 1 : 314.
2- الانتصار : 44.
3- نقله عنه فی المختلف : 91.
4- السرائر : 46.
5- نقله عنه فی المختلف : 91.
6- المراسم : 69.
7- النهایة : 75.
8- المعتبر 2 : 173
9- المنتهی 1 : 272.

______________________________________________________

لنا : إن إیجاب السورة زیادة تکلیف والأصل عدمه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن رئاب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال ، سمعته یقول : « إن فاتحة الکتاب تجوز وحدها فی الفریضة » (1) وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إنّ فاتحة الکتاب تجوز وحدها وتجزی فی الفریضة » (2) والتعریف فی الفریضة لیس للعهد ، لعدم تقدم معهود ، ولا للحقیقة لاستحالة إرادته ، ولا للعهد الذهنی لانتفاء فائدته ، فیکون للاستغراق.

ویدل علیه أیضا الأخبار الکثیرة المتضمنة لجواز التبعیض کصحیحة سعد بن سعد ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن رجل قرأ فی کل رکعة الحمد ونصف سورة ، هل یجزیه فی الثانیة أن لا یقرأ الحمد ویقرأ ما بقی من السورة؟ قال : « یقرأ الحمد ثم یقرأ ما بقی من السورة » (3).

وصحیحة زرارة ، قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل قرأ سورة فی رکعة فغلط ، أیدع المکان الذی غلط فیه ویمضی فی قراءته؟ أو یدع تلک السورة ویتحول منها إلی غیرها؟ فقال : « کل ذلک لا بأس به ، وإن قرأ آیة واحدة فشاء أن یرکع بها رکع » (4).

وصحیحة إسماعیل بن الفضل ، قال : صلی بنا أبو عبد الله علیه السلام فقرأ بفاتحة الکتاب وآخر سورة المائدة ، فلما سلم التفت إلینا وقال : « إنما أردت أن أعلمکم » (5).

ص: 348


1- التهذیب 2 : 71 - 259 ، الإستبصار 1 : 314 - 1169 ، الوسائل 4 : 734 أبواب القراءة فی الصلاة ب 2 ح 1.
2- التهذیب 2 : 71 - 260 ، الوسائل 4 : 734 أبواب القراءة فی الصلاة ب 2 ح 3 ، بتفاوت.
3- التهذیب 2 : 295 - 1191 ، الإستبصار 1 : 316 - 1177 ، الوسائل 4 : 737 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 6.
4- التهذیب 2 : 293 - 1181 ، الوسائل 4 : 737 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 7.
5- التهذیب 2 : 294 - 1183 ، الإستبصار 1 : 316 - 1176 ، الوسائل 4 : 738 أبواب القراءة فی الصلاة ب 5 ح 1.

______________________________________________________

وصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن تبعیض السورة ، فقال : « أکره ، ولا بأس به فی النافلة » (1).

احتج الموجبون : بعموم قوله تعالی ( فَاقْرَؤُا ما تَیَسَّرَ مِنْهُ ) (2) فإن الأمر حقیقة فی الوجوب ، و « ما » للعموم إلاّ ما أخرجه الدلیل ، ولا تجب القراءة فی غیر الصلاة إجماعا.

وروایة منصور بن حازم : قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تقرأ فی المکتوبة بأقل من سورة ولا بأکثر » (3).

وروایة یحیی بن [ أبی ] عمران الهمدانی : إنه کتب إلی أبی جعفر علیه السلام یسأله عمن ترک البسملة فی السورة ، فکتب : « یعید » (4).

وروایة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجوز للمریض أن یقرأ فاتحة الکتاب وحدها ، ویجوز للصحیح فی قضاء صلاة التطوع باللیل والنهار » (5).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یقرأ الرجل فی الفریضة بفاتحة الکتاب فی الرکعتین الأولتین إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شیئا » (6).

ص: 349


1- التهذیب 2 : 296 - 1192 ، الإستبصار 1 : 316 - 1178 ، الوسائل 4 : 737 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 4.
2- المزمل : 20.
3- الکافی 3 : 314 - 12 ، التهذیب 2 : 69 - 253 ، الإستبصار 1 : 314 - 1167 ، الوسائل 4 : 736 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 2.
4- الکافی 3 : 313 - 2 ، التهذیب 2 : 69 - 252 ، الإستبصار 1 : 311 - 1156 ، الوسائل 4 : 746 أبواب القراءة فی الصلاة ب 11 ح 6.
5- الکافی 3 : 314 - 9 ، التهذیب 2 : 70 - 256 ، الإستبصار 1 : 315 - 1171 ، الوسائل 4 : 734 أبواب القراءة فی الصلاة ب 2 ح 5 ، بتفاوت.
6- التهذیب 2 : 71 - 261 ، الإستبصار 1 : 315 - 1172 ، الوسائل 4 : 734 أبواب القراءة فی الصلاة ب 2 ح 2.

______________________________________________________

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من غلط فی سورة فلیقرأ قل هو الله أحد ثم لیرکع » (1).

هذا أقصی ما یمکن الاستدلال به علی الوجوب ، وفی الجمیع نظر :

أما الآیة الشریفة فلا دلالة لها علی المدعی بوجه ، لأن موردها التهجد لیلا کما یدل علیه السیاق ، ولأن الظاهر أن « ما » لیست اسما موصولا بل نکرة تامة فلا یفید العموم ، بل یکون حاصل المعنی : اقرأوا مقدار ما أردتم وأحببتم.

وأما الروایات فلا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة :

أما الروایة الأولی ، فلأن فی طریقها محمد بن عبد الحمید ، وهو غیر موثق (2). مع أن النهی فیها وقع عن قراءة الأقل من سورة والأکثر ، وهو فی الأکثر محمول علی الکراهة علی ما سنبینه ، فیکون فی الأقل کذلک حذرا من استعمال اللفظ فی حقیقته ومجازه.

وأما الروایة الثانیة ، فلأن من جملة رجالها یحیی بن [ أبی ] عمران الهمدانی ، وهو مجهول.

وأما الثالثة ، فلأن دلالتها علی المنع من اجتزاء الصحیح بالفاتحة فی الفریضة إنما هو بالمفهوم الضعیف. مع أن فی طریقها محمد بن عیسی عن یونس ، وقد نقل الصدوق عن شیخه ابن الولید أنه قال : ما تفرد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعمل به (3).

ص: 350


1- التهذیب 2 : 295 - 1187 ، الوسائل 4 : 783 أبواب القراءة فی الصلاة ب 43 ح 1.
2- قال النجاشی فی کتابه ص 339 : محمد بن عبد الحمید بن سالم العطار أبو جعفر ، روی عبد الحمید عن أبی الحسن موسی علیه السلام ، وکان ثقة من أصحابنا الکوفیین. له کتاب النوادر ....
3- نقله عنه النجاشی فی رجاله : 333 - 896.

ولو قدّم السورة علی الحمد أعادها أو غیرها بعد الحمد.

ولا یجوز أن یقرأ فی الفرائض شیئا من سور العزائم ،

______________________________________________________

وأما الرابعة ، فغیر دالة علی المطلوب صریحا ، بل هی بالدلالة علی نقیضه أشبه ، إذ مقتضاها جواز الاقتصار علی الفاتحة إذا أعجل المصلی حاجة ، والحاجة أعم من الضرورة ، مع أنها إنما تدل علی ثبوت البأس مع انتفاء الشرط ، وهو أعم من المحرم.

وأما الروایة الخامسة ، فمتروکة الظاهر ، إذ لا قائل بوجوب قراءة التوحید والحال هذه ، فیمکن حملها علی الاستحباب. مع أنها معارضة بصحیحة زرارة المتقدمة (1).

والمسألة محل إشکال ، والاحتیاط للدین یقتضی أن لا یترک السورة بحال. والله أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( ولو قدم السورة علی الحمد أعادها أو غیرها بعد الحمد ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین العامد والناسی ، وهو کذلک. وجزم الشارح - قدس سره - ببطلان الصلاة مع العمد (2) وهو غیر واضح.

وربما ظهر من العبارة عدم وجوب إعادة الحمد ، وهو کذلک أیضا ، لأنها إذا وقعت بعد السورة کانت قراءتها صحیحة فلا مقتضی لوجوب إعادتها. وربما قیل بوجوب الإعادة (3) ، وهو ضعیف.

قوله : ( ولا یجوز أن یقرأ فی الفرائض شیئا من سور العزائم ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب. واحتجوا علیه بأن ذلک مستلزم لأحد محذورین : إما الإخلال بالواجب إن نهیناه عن السجود ، وإما زیادة سجدة فی

عدم جواز قراءة سور العزائم

ص: 351


1- فی ص 348.
2- المسالک 1 : 30.
3- کما فی التذکرة 1 : 115 ، ونهایة الأحکام 1 : 463.

______________________________________________________

الصلاة متعمدا إن أمرناه به. ولا یخفی أن هذا - مع ابتنائه علی وجوب إکمال السورة وتحریم القران - إنما یتم إذا قلنا بفوریة السجود مطلقا ، وأن زیادة السجدة مبطلة کذلک ، وکل هذه المقدمات لا یخلو من نظر.

واستدلوا علیه أیضا بما رواه الشیخ عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا تقرأ فی المکتوبة بشی ء من العزائم ، فإن السجود زیادة فی المکتوبة » (1) وفی الطریق القاسم بن عروة وهو مجهول ، وعبد الله بن بکیر وهو فطحی.

وبإزائها أخبار کثیرة دالة بظاهرها علی الجواز ، کحسنة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یقرأ بالسجدة فی آخر السورة ، قال : « یسجد ثم یقوم فیقرأ فاتحة الکتاب ثم یرکع ویسجد » (2).

وصحیحة محمد عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل یقرأ السجدة فینساها حتی یرکع ویسجد ، قال : « یسجد إذا ذکر إذا کانت من العزائم » (3).

وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن یسجد کیف یصنع؟ قال : « یقدم غیره فیتشهد ویسجد وینصرف هو وقد تمت صلاتهم » (4).

ویمکن الجمع بینها وبین روایة زرارة المتقدمة بحملها علی الکراهة. کما تشهد به روایة علی بن جعفر : إنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن الرجل یقرأ

ص: 352


1- التهذیب 2 : 96 - 361 ، الوسائل 4 : 779 أبواب القراءة فی الصلاة ب 40 ح 1.
2- الکافی 3 : 318 - 5 ، التهذیب 2 : 291 - 1167 ، الإستبصار 1 : 319 - 1189 ، الوسائل 4 : 777 أبواب القراءة فی الصلاة ب 37 ح 1.
3- التهذیب 2 : 292 - 1176 ، الوسائل 4 : 778 أبواب القراءة فی الصلاة ب 39 ح 1.
4- التهذیب 2 : 293 - 1178 ، قرب الإسناد : 94 ، الوسائل 4 : 780 أبواب القراءة فی الصلاة ب 40 ح 5.

______________________________________________________

فی الفریضة سورة والنجم ، أیرکع بها أو یسجد ثم یقوم فیقرأ بغیرها؟ قال : « یسجد ثم یقوم فیقرأ فاتحة الکتاب ویرکع ، ولا یعود یقرأ فی الفریضة بسجدة » (1).

وقال ابن الجنید : لو قرأ سورة من العزائم فی النافلة سجد ، وإن کان فی فریضة أومأ ، فإذا فرغ قرأها وسجد (2). وهو مشکل ، لفوریة السجود. وربما حمل کلامه علی أن المراد بالإیماء ترک قراءة السجدة ، وهو مناسب لما ذهب إلیه ابن الجنید من عدم وجوب السورة (3) ، لکن إطلاق الإیماء علی ترک قراءة السجدة بعید.

والحق أن الروایة الواردة بالمنع ضعیفة جدا فلا یمکن التعلق بها ، فإن ثبت بطلان الصلاة بوقوع هذه السجدة فی أثنائها وجب القول بالمنع من قراءة ما یوجبه من هذه السور ، ویلزم منه المنع من قراءة السورة کلها إن أوجبنا قراءة السورة بعد الحمد وحرمنا الزیادة ، وإن أجزنا أحدهما اختص المنع بقراءة ما یوجب السجود خاصة. وإن لم یثبت بطلان الصلاة بذلک - کما هو الظاهر - اتجه القول بالجواز مطلقا ، وتخرج الأخبار الواردة بذلک شاهدا.

ومن هنا یظهر أن ما ذکره الشارح - قدس سره - من بطلان الصلاة بمجرد الشروع فی هذه السور (4) غیر جید. مع أنا لو سلمنا أن النهی عن قراءة هذه السور للتحریم لم یلزم منه البطلان ، لأن تعلق النهی بذلک لا یخرجه عن کونه قرآنا ، وإنما یتم مع الاعتداد به فی الصلاة بناء علی القول بوجوب السورة ، لاستحالة اجتماع الواجب والحرام فی الشی ء الواحد.

وذکر الشارح - قدس سره - أیضا أن من قرأ شیئا من هذه السور ناسیا ثم

ص: 353


1- قرب الإسناد : 93 ، الوسائل 4 : 780 أبواب القراءة فی الصلاة ب 40 ح 4 ، البحار 10 : 285.
2- نقله عنه فی المعتبر 2 : 175.
3- نقله عنه فی المختلف : 91.
4- المسالک 1 : 30.

ولا ما یفوت الوقت بقراءته ، ولا أن یقرن بین سورتین ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

ذکر رجع إلی غیرها وإن تجاوز النصف ، ولو لم یذکر حتی قرأ السجدة أومأ لها ثم قضاها بعد الصلاة (1).

وکلا الحکمین مشکل : أما الأول فلإطلاق الأخبار المانعة من جواز العدول من سورة إلی أخری بعد تجاوز النصف (2).

وأما الثانی فلفوریة السجود ، وانتفاء الدلیل علی سقوطه بالإیماء ، مع صراحة الأخبار المتقدمة فی وجوب إیقاعه فی أثناء الصلاة (3).

قوله : ( ولا ما یفوت الوقت بقراءته ).

لأن اللازم منه الإخلال بالصلاة أو بعضها حتی یخرج الوقت عمدا ، وهو غیر جائز. لکن لا یخفی أن ذلک إنما یتم إذا قلنا بوجوب السورة وحرمنا الزائد ، وإن أجزنا أحدهما لم یتجه المنع.

قوله : ( ولا أن یقرن بین سورتین ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب فی القران بین السورتین فی الفرائض. فقال الشیخ فی النهایة والمبسوط : إنه غیر جائز (4). بل قال فی النهایة : إنه مفسد للصلاة. وقال فی الاستبصار : إنه مکروه (5). واختاره ابن إدریس (6) ، وسائر المتأخرین (7) ، وهو المعتمد.

حکم ما یفوت الوقت بقراءته والقران بین سورتین

ص: 354


1- المسالک 1 : 30.
2- الوسائل 4 : 776 أبواب القراءة فی الصلاة ب 36.
3- فی ص 252.
4- النهایة : 76 ، والمبسوط 1 : 307.
5- الاستبصار 1 : 317.
6- السرائر : 45.
7- منهم المحقق الحلی فی المعتبر 2 : 174 ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 81 ، والشهید الأول فی الذکری : 190.

______________________________________________________

لنا : الأصل ، والعمومات ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن القران بین السورتین فی المکتوبة والنافلة ، قال : « لا بأس » (1).

وفی الموثق عن زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إنما یکره أن یجمع بین السورتین فی الفریضة ، فأما النافلة فلا بأس » (2).

قال ابن إدریس - رحمه الله - : الإعادة وبطلان الصلاة یحتاج إلی دلیل ، وأصحابنا قد ضبطوا قواطع الصلاة وما یوجب الإعادة ولم یذکروا ذلک فی جملتها والأصل صحة الصلاة ، والإعادة والبطلان یحتاج إلی دلیل (3).

احتج القائلون بالتحریم بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل یقرأ السورتین فی رکعة فقال : « لکل سورة رکعة » (4).

وروایة منصور بن حازم قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تقرأ فی المکتوبة بأقل من سورة ولا بأکثر » (5).

والجواب بالحمل علی الکراهة جمعا بین الأدلة.

أما البطلان ، فاحتج علیه فی المختلف بأن القارن بین السورتین غیر آت بالمأمور به علی وجهه ، فیبقی فی عهدة التکلیف (6). وهو ضعیف ، فإن

ص: 355


1- التهذیب 2 : 296 - 1192 ، الإستبصار 1 : 317 - 1181 ، الوسائل 4 : 742 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 9.
2- التهذیب 2 : 72 - 267 ، الإستبصار 1 : 317 - 1180 ، الوسائل 4 : 741 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 2.
3- السرائر : 45.
4- التهذیب 2 : 70 - 254 ، الإستبصار 1 : 314 - 1168 ، الوسائل 4 : 740 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 1.
5- الکافی 3 : 314 - 12 ، التهذیب 2 : 69 - 253 ، الإستبصار 1 : 314 - 1167 ، الوسائل 4 : 736 أبواب القراءة فی الصلاة ب 4 ح 2.
6- المختلف : 93.

ویجب الجهر بالحمد والسورة فی الصبح وفی أولتی المغرب والعشاء ، والإخفات فی الظهرین وثالثة المغرب والأخیرتین من العشاء.

______________________________________________________

الامتثال حصل بقراءة السورة الواحدة ، والنهی عن الزیادة - لو سلمنا أنه للتحریم - فهو أمر خارج عن العبادة ، فلا یترتب علیه الفساد.

واعلم أن ظاهر العبارة وغیرها أن محل الخلاف الجمع بین السورتین فی الرکعة الواحدة بعد الحمد ، وهو الذی تعلق به النهی فی صحیحة محمد بن مسلم. وذکر الشارح - قدس سره - أن القران یتحقق بقراءة أزید من سورة وإن لم تکمل الثانیة ، بل بتکرار السورة الواحدة (1). وربما کان مستنده إطلاق النهی عن قراءة ما زاد علی السورة الواحدة فی روایة منصور بن حازم ، وهی ضعیفة الإسناد.

وکیف کان فموضع الخلاف قراءة الزائد علی أنه جزء من القراءة المعتبرة فی الصلاة ، إذ الظاهر أنه لا خلاف فی جواز القنوت ببعض الآیات ، وإجابة المسلّم بلفظ القرآن ، والإذن للمستأذن بقوله : ادخلوها بسلام ، ونحو ذلک.

قوله : ( ویجب الجهر بالحمد والسورة فی الصبح وفی الأولیین من المغرب والعشاء ، والإخفات فی الظهرین وثالثة المغرب والأخیرتین من العشاء ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل فیه الشیخ فی الخلاف الإجماع (2). وقال المرتضی - رحمه الله - فی المصباح : إن ذلک من السنن الأکیدة (3). وقال ابن الجنید : لو جهر بالقراءة فیما یخافت بها أو خافت فیما یجهر بها جاز ذلک ، والاستحباب أن لا یفعله (4).

احتج الشیخ بما رواه عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال ،

مواضع وجوب الجهر

ص: 356


1- المسالک 1 : 30.
2- الخلاف 1 : 113.
3- نقله عنه فی المعتبر 2 : 176 ، والمختلف : 93.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 176 ، والمختلف : 93 ، والذکری : 189.

______________________________________________________

قلت له : رجل جهر بالقراءة فیما لا ینبغی أن یجهر فیه ، أو أخفی فیما لا ینبغی الإخفاء فیه ، فقال : « أیّ ذلک فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعلیه الإعادة ، فإن فعل ذلک ناسیا أو ساهیا أو لا یدری فلا شی ء علیه » (1).

وجه الدلالة : قوله علیه السلام : « أیّ ذلک فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعلیه الإعادة » فإن نقض الصلاة - بالضاد المعجمة - کنایة عن البطلان ، والإعادة إنما تثبت مع اشتمال الأولی علی نوع من الخلل.

واحتج الشهید فی الذکری علی الوجوب أیضا بفعل النبی صلی الله علیه و آله ، والتأسی به واجب (2). وهو ضعیف جدا ، فإن التأسی فیما لا یعلم وجهه مستحب لا واجب ، کما قرر فی محله.

احتج القائلون بالاستحباب بأصالة البراءة من الوجوب ، وقوله تعالی : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَیْنَ ذلِکَ سَبِیلاً ) (3).

وجه الدلالة : أن النهی لا یجوز تعلقه بحقیقة الجهر والإخفات ، لامتناع انفکاک الصوت عنهما. بل المراد - والله أعلم - ما ورد عن الصادق علیه السلام فی تفسیر الآیة (4) ، وهو تعلق النهی بالجهر العالی الزائد عن المعتاد ، والإخفات الکثیر الذی یقصر عن الأسماع ، والأمر بالقراءة المتوسطة بین الأمرین ، وهو شامل للصلوات کلها.

وما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی من الفرائض ما یجهر فیه بالقراءة ، هل علیه أن لا یجهر؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم یجهر » (5).

ص: 357


1- التهذیب 2 : 162 - 635 ، الإستبصار 1 : 313 - 1163 ، الوسائل 4 : 766 أبواب القراءة فی الصلاة ب 26 ح 1.
2- الذکری : 189.
3- الإسراء : 110.
4- تفسیر القمی 2 : 30 ، الوسائل 4 : 774 أبواب القراءة فی الصلاة ب 33 ح 6.
5- التهذیب 2 : 162 - 636 ، الاستبصار 1 : 313 - 1164 ، قرب الإسناد : 94 ، الوسائل 4 : 765 أبواب القراءة فی الصلاة ب 25 ح 6.

وأقل الجهر أن یسمعه القریب الصحیح السمع إذا استمع ، والإخفات أن یسمع نفسه إن کان یسمع. ولیس علی النساء جهر.

______________________________________________________

وأجاب عنها الشیخ بالحمل علی التقیة لموافقتها لمذهب العامة (1). قال المصنف - رحمه الله - : وهو تحکّم من الشیخ ، فإن بعض الأصحاب لا یری وجوب الجهر بل یستحبه مؤکدا (2).

والتحقیق أنه یمکن الجمع بین الخبرین بحمل الأول علی الاستحباب أو حمل الثانی علی التقیة ، ولعل الأول أرجح ، لأن الثانیة أوضح سندا وأظهر دلالة ، مع اعتضادها بالأصل وظاهر القرآن.

قوله : ( وأقل الجهر أن یسمع القریب الصحیح السمع إذا استمع ، والإخفات أن یسمع نفسه إن کان یسمع ).

هذا الضابط ربما أوهم بظاهره تصادق الجهر والإخفات فی بعض الأفراد ، وهو معلوم البطلان ، لاختصاص الجهر ببعض الصلوات والإخفات ببعض وجوبا أو استحبابا. والحق أن الجهر والإخفات حقیقتان متضادتان یمتنع تصادقهما فی شی ء من الأفراد ، ولا یحتاج فی کشف مدلولهما إلی شی ء زائد علی الحوالة علی العرف.

قوله : ( ولیس علی النساء جهر ).

أی : لا یجب علیهن الجهر فی موضع الجهر ، بل یکفیهن إسماع أنفسهن تحقیقا أو تقدیرا. قال فی الذکری : وهو إجماع من الکل. ثم حکم بجواز الجهر لهن إذا لم یسمعهن الأجانب ، وقال : إنها لو أجهرت فسمعها الأجنبی فالأقرب الفساد مع علمها ، لتحقق النهی فی العبادة (3). وهو جید لو ثبت

عدم جهر النساء

ص: 358


1- التهذیب 2 : 162.
2- المعتبر 2 : 177.
3- الذکری : 190

والمسنون فی هذا القسم الجهر بالبسملة فی موضع الإخفات ، فی أول الحمد وأول السورة ،

______________________________________________________

النهی ، وللکلام فی ذلک محل آخر.

قوله : ( والمسنون فی هذا القسم الجهر بالبسملة فی موضع الإخفات ، فی أول الحمد وأول السورة ).

اختلف الأصحاب فی الجهر بالبسملة فی موضع الإخفات ، فذهب الأکثر إلی استحبابه فی أولی الحمد والسورة فی الرکعتین الأولتین والأخیرتین للإمام والمنفرد. وقال ابن إدریس : المستحب إنما هو الجهر فی الرکعتین الأولتین دون الأخیرتین ، فإنه لا یجوز الجهر فیهما (1). وقال ابن الجنید باختصاص ذلک بالإمام (2).

وقال ابن البراج : یجب الجهر بها فیما یخافت فیه ، وأطلق (3). وقال أبو الصلاح : یجب الجهر بها فی أولتی الظهر والعصر من الحمد والسورة (4). والمعتمد الأول.

لنا : أصالة البراءة مما لم یقم دلیل علی وجوبه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن صفوان ، قال : صلیت خلف أبی عبد الله علیه السلام أیاما فکان یقرأ فی فاتحة الکتاب : بسم الله الرحمن الرحیم ، فإذا کانت صلاة لا یجهر فیها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحیم ، وأخفی ما سوی ذلک » (5).

وفی الحسن عن عبد الله بن یحیی الکاهلی ، قال : « صلی بنا أبو عبد الله علیه السلام فی مسجد بنی کاهل ، فجهر مرتین ببسم الله الرحمن الرحیم » (6).

مستحبات القراءة

ص: 359


1- السرائر : 45.
2- نقله عنه فی الذکری : 191.
3- المهذب 1 : 97.
4- الکافی فی الفقه : 117.
5- التهذیب 2 : 68 - 246 ، الإستبصار 1 : 310 - 1154 ، الوسائل 4 : 745 أبواب القراءة فی الصلاة ب 11 ح 1.
6- التهذیب 2 : 288 - 1155 ، الإستبصار 1 : 311 - 1157 ، الوسائل 4 : 745 أبواب القراءة فی الصلاة ب 11 ح 4.

______________________________________________________

وقد تقرر فی الأصول استحباب التأسی فیما لا یعلم وجوبه بدلیل من خارج.

والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالإمام وإن کان ذلک مورد الروایتین ، ( لأن المشهور من شعار الشیعة الجهر بالبسملة لکونها بسملة ) (1) حتی قال ابن أبی عقیل : تواترت الأخبار عنهم علیهم السلام أن لا تقیة فی الجهر بالبسملة (2). وروی الشیخ فی المصباح عن أبی الحسن الثالث علیه السلام أنه قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة الخمسین ، وزیارة الأربعین ، والتختم فی الیمین ، وتعفیر الجبین ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحیم » (3).

احتج ابن إدریس بأنه لا خلاف فی وجوب الإخفات فی الأخیرتین ، فمن ادعی استحباب الجهر فی بعضها وهو البسملة فعلیه الدلیل (4).

والجواب أن کل ما دل علی استحباب الجهر بالبسملة فهو شامل للأولتین والأخیرتین.

احتج ابن الجنید بأن الأصل وجوب المخافتة بالبسملة فیما یخافت به ، لأنها بعض الفاتحة ، خرج عنه الإمام بالنص أو الإجماع ، فیبقی المنفرد علی الأصل (5).

والجواب أنا لا نسلم أن مقتضی الأصل وجوب المخافتة ، بل قضیة الأصل عدمه ، وروایة زرارة التی هی الأصل فی هذا الباب (6) لا تدل علی الوجوب ، إذ لم یثبت کون الجهر بالبسملة مما لا ینبغی ترکه ، بل المدعی

ص: 360


1- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : کما لا خصوصیة لکونه علیه السلام إماما ، الأصل فی ذلک لأن الجهر بالبسملة صار شعارا للشیعة.
2- نقله عنه فی الذکری : 191.
3- مصباح المتهجد : 730 ، الوسائل 10 : 373 أبواب المزار وما یناسبه ب 56 ح 1.
4- السرائر : 45.
5- نقله عنه فی الذکری : 191.
6- المتقدمة فی ص 356.

وترتیل القراءة ، والوقف علی مواضعه ،

______________________________________________________

أولویته ورجحانه کما لا یخفی.

احتج الموجبون بأنهم علیهم السلام کانوا یداومون علی الجهر بالبسملة علی ما دلت علیه الأخبار ، ولو کان مسنونا لأخلّوا به فی بعض الأحیان.

والجواب المنع من ذلک ، فإنهم علیهم السلام یحافظون علی المسنون کما یحافظون علی الواجبات.

قوله : ( وترتیل القراءة ).

أجمع العلماء کافة علی استحباب ترتیل القراءة فی الصلاة وغیرها ، قال الله تعالی ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلاً ) (1) وقال الصادق علیه السلام : « ینبغی للعبد إذا صلی أن یرتل قراءته » (2).

والترتیل لغة : الترسّل ، والتبیین ، وحسن التألیف (3). وفسره فی الذکری بأنه حفظ الوقوف وأداء الحروف (4). وعرفه فی المعتبر بأنه تبیین الحروف من غیر مبالغة. قال : وربما کان واجبا إذا أرید به النطق بالحروف من مخارجها بحیث لا یدمج بعضها فی بعض (5). وهو حسن.

قوله : ( والوقوف علی مواضعه ).

أی المواضع المقررة عند القراء ، فیقف علی التام ثم الحسن ثم الجائز ، تحصیلا لفائدة الاستماع ، إذ به یسهل الفهم ویحسن النظم.

ولا یتعین الوقف فی موضع ولا یقبح ، بل متی شاء وقف ومتی شاء وصل مع المحافظة علی النظم. وما ذکره القرّاء واجبا أو قبیحا لا یعنون به معناه الشرعی کما صرح به محققوهم.

ص: 361


1- المزمل : 4.
2- التهذیب 2 : 124 - 471 ، الوسائل 2 : 753 أبواب القراءة فی الصلاة ب 18 ح 1.
3- الصحاح 4 : 1704 ، القاموس 3 : 392.
4- الذکری : 192.
5- المعتبر 2 : 181.

وقراءة سورة بعد الحمد فی النوافل ، وأن یقرأ فی الظهرین والمغرب بالسور القصار کالقدر والجحد ، وفی العشاء بالأعلی والطارق وما شاکلهما ، وفی الصبح بالمدثر والمزمل وما ماثلهما.

______________________________________________________

وروی علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام : فی الرجل یقرأ فاتحة الکتاب وسورة أخری فی النفس الواحد ، قال : « إن شاء قرأ فی نفس واحد وإن شاء غیره » (1).

قوله : ( وقراءة سورة بعد الحمد فی النوافل ).

استحباب قراءة السورة بعد الحمد فی النوافل مجمع علیه بین العلماء ، قاله فی المعتبر (2).

وتجوز الزیادة فیها علی السورة الواحدة ، لقوله علیه السلام فی روایة ابن أبی یعفور : « لا بأس أن تجمع فی النافلة من السور ما شئت » (3) وروی الحسین بن سعید ، عن محمد بن القاسم ، قال : سألت عبدا صالحا ، هل یجوز أن یقرأ فی صلاة اللیل بالسورتین والثلاث؟ فقال : « ما کان فی صلاة اللیل فاقرأ بالسورتین والثلاث ، وما کان من صلاة النهار فلا تقرأ إلاّ بسورة سورة » (4).

قوله : ( وأن یقرأ فی الظهرین والمغرب بالسور القصار کالقدر والجحد ، وفی العشاء بالأعلی والطارق ، وما شاکلهما ، وفی الصبح بالمدثر والمزمل وما ماثلهما ).

المشهور بین الأصحاب أنه یستحب القراءة فی الصلاة بسور المفصل (5) ،

ص: 362


1- التهذیب 2 : 296 - 1193 ، قرب الإسناد : 93 ، الوسائل 4 : 785 أبواب القراءة فی الصلاة ب 46 ح 1 ، البحار 10 : 276.
2- المعتبر 2 : 181.
3- التهذیب 2 : 73 - 270 ، الوسائل 4 : 741 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 7.
4- التهذیب 2 : 73 - 269 ، الوسائل 4 : 741 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 4.
5- قیل : سمی به لکثرة ما یقع فیه من فصول التسمیة بین السور ، وقیل : لقصر سوره - مجمع البحرین 5 : 441.

______________________________________________________

وهی من سورة محمد صلی الله علیه و آله إلی آخر القرآن ، فیقرأ مطولاته فی الصبح وهی من سورة محمد صلی الله علیه و آله إلی عمّ ، ومتوسطاته فی العشاء وهی من سورة عمّ إلی الضحی ، وقصارة فی الظهرین والمغرب وهی من الضحی إلی آخر القرآن ، ولیس فی أخبارنا تصریح بهذا الاسم ولا تحدیده ، وإنما رواه الجمهور عن عمر بن الخطاب (1).

والذی ینبغی العمل علیه ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : القراءة فی الصلاة فیها شی ء موقت؟ قال : « لا ، إلاّ الجمعة تقرأ بالجمعة والمنافقین » فقلت له : فأی السور تقرأ فی الصلوات؟ قال : « أما الظهر والعشاء والآخرة تقرأ فیهما سواء ، والعصر والمغرب سواء ، وأما الغداة فأطول ، فأما الظهر والعشاء الآخرة فسبح اسم ربک الأعلی ، والشمس وضحاها ، ونحوهما ، وأما العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله ، وألهاکم التکاثر ، ونحوهما ، وأما الغداة فعمّ یتساءلون وهل أتاک حدیث الغاشیة ولا أقسم بیوم القیامة وهل أتی علی الإنسان حین من الدهر » (2).

وقال ابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه : وأفضل ما یقرأ فی الصلوات فی الیوم واللیلة فی الرکعة الأولی : الحمد وإنا أنزلناه ، وفی الثانیة : الحمد وقل هو الله أحد إلاّ فی صلاة العشاء الآخرة لیلة الجمعة (3) إلی آخره. ثم قال : وإنما یستحب قراءة القدر فی الأولی ، والتوحید فی الثانیة ، لأن القدر سورة النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام فیجعلهم المصلّی وسیلة إلی الله لأنه بهم وصل إلی معرفته ، وأما التوحید فالدعاء علی أثرها مستجاب وهو القنوت (4). هذا کلامه رحمه الله .

ص: 363


1- لم نعثر علیه.
2- الکافی 3 : 313 - 4 ، التهذیب 2 : 95 - 354 ، الوسائل 4 : 788 أبواب القراءة فی الصلاة ب 49 ح 1.
3- الفقیه 1 : 201.
4- الفقیه 1 : 207.

وفی غداة الاثنین والخمیس بهل أتی ، وفی المغرب والعشاء لیلة الجمعة بالجمعة والأعلی ،

______________________________________________________

ویشهد له أیضا ما رواه الکلینی ، عن أبی علیّ بن راشد قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : جعلت فداک إنک کتبت إلی محمد بن الفرج تعلّمه أن أفضل ما یقرأ فی الفرائض إنا أنزلناه وقل هو الله أحد ، وإن صدری لیضیق بقراءتهما فی الفجر ، فقال علیه السلام : « لا یضیق صدرک بهما ، فإن الفضل والله فیهما » (1).

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بعد أن أورد شیئا من ذلک : ولا خلاف أن العدول عن ذلک إلی غیره جائز ، وعلیه فتوی العلماء وعمل الناس کافة (2).

قوله : ( وفی غداة الخمیس والاثنین بهل أتی ).

ذکره الشیخ (3) ، وأتباعه وزاد الصدوق فی من لا یحضره الفقیه قراءة الغاشیة فی الرکعة الثانیة وقال : من قرأهما فی صلاة الغداة یوم الاثنین ویوم الخمیس وقاه الله شر الیومین (4).

قوله : ( وفی المغرب والعشاء لیلة الجمعة بالجمعة والأعلی ).

هذا قول الشیخ فی النهایة والمبسوط (5) ، والمرتضی (6) ، وابن بابویه (7) ، وأکثر الأصحاب. ومستنده روایة أبی بصیر قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « اقرأ فی لیلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربک الأعلی ، وفی

ص: 364


1- الکافی 3 : 315 - 19 ، الوسائل 4 : 760 أبواب القراءة فی الصلاة ب 23 ح 1.
2- المعتبر 2 : 182.
3- النهایة : 78 ، المبسوط 1 : 108.
4- الفقیه 1 : 200 - 922 ، الوسائل 4 : 791 أبواب القراءة فی الصلاة ب 50 ح 1.
5- النهایة : 78 ، والمبسوط 1 : 108.
6- الانتصار : 54.
7- الفقیه 1 : 201.

وفی صبحها بها وبقل هو الله أحد ،

______________________________________________________

الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد » (1) وقد روی ذلک أیضا عبد الله بن جعفر الحمیری فی کتابه قرب الإسناد ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، عن الرضا علیه السلام أنه قال : « تقرأ فی لیلة الجمعة : الجمعة وسبح اسم ربک الأعلی ، وفی الغداة : الجمعة وقل هو الله أحد » (2).

وقال الشیخ فی المصباح والاقتصاد : یقرأ فی ثانیة المغرب قل هو الله أحد (3) ، لما رواه أبو الصباح الکنانی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا کان لیلة الجمعة فاقرأ فی المغرب سورة الجمعة وقل هو الله أحد ، وإذا کان العشاء الآخرة فاقرأ الجمعة وسبح اسم ربک الأعلی ، فإذا کان صلاة الغداة یوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة وقل هو الله أحد » (4).

وقال ابن أبی عقیل : یقرأ فی ثانیة العشاء الآخرة لیلة الجمعة سورة المنافقین (5) ، لما رواه حریز وربعی رفعاه إلی أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن کانت لیلة الجمعة یستحب أن یقرأ فی العتمة سورة الجمعة وإذا جاءک المنافقون ، وفی صلاة الصبح مثل ذلک ، وفی صلاة الجمعة مثل ذلک ، وفی صلاة العصر مثل ذلک » (6) وهذا المقام مقام استحباب فلا مشاحة فی اختلاف الروایات فیه.

قوله : ( وفی صبحها بها وبقل هو الله أحد ).

هذا قول الشیخین (7) ، وأتباعهما (8). وقال ابن بابویه فی من لا یحضره

ص: 365


1- الکافی 3 : 425 - 2 ، التهذیب 3 : 6 - 14 ، الوسائل 4 : 788 أبواب القراءة فی الصلاة ب 49 ح 2.
2- قرب الإسناد : 158.
3- مصباح المتهجد : 230 ، والاقتصاد : 262.
4- التهذیب 3 : 5 - 13 ، الوسائل 4 : 789 أبواب القراءة فی الصلاة ب 49 ح 4.
5- نقله عنه فی المختلف : 94.
6- التهذیب 3 : 7 - 18 ، الإستبصار 1 : 414 - 1585 ، الوسائل 4 : 789 أبواب القراءة فی الصلاة ب 49 ح 3.
7- المفید فی المقنعة : 26 ، والشیخ فی النهایة : 78.
8- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 152.

وفی الظهرین بها وبالمنافقین - ومنهم من یری وجوب السورتین فی الظهرین ولیس بمعتمد - ،

______________________________________________________

الفقیه (1) ، والمرتضی فی الانتصار (2) : یقرأ المنافقین فی الثانیة. وربما کان مستندهما مرفوعة حریز وربعی المتقدمة ، والأصح الأول ، لصحة مستنده.

قوله : ( وفی الظهرین بها وبالمنافقین. ومنهم من یری وجوب السورتین فی الظهرین ، ولیس بمعتمد ).

القائل بذلک ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه الکبیر(3) علی ما نقله فی المعتبر (4) ، وهذه عبارته : واقرأ فی صلاة العشاء الآخرة لیلة الجمعة : سورة الجمعة وسبّح ، وفی صلاة الغداة والظهر والعصر : سورة الجمعة والمنافقین ، فإن نسیتهما أو واحدة منهما فی صلاة الظهر وقرأت غیرهما ثم ذکرت فارجع إلی سورة الجمعة والمنافقین ما لم تقرأ نصف السورة ، فإن قرأت نصف السورة فتمم السورة واجعلها رکعتین نافلة وسلّم فیهما وأعد صلاتک بسورة الجمعة والمنافقین ، ولا بأس أن تصلّی العشاء والغداة والعصر بغیر سورة الجمعة والمنافقین إلاّ أن الفضل فی أن تصلّیها بالجمعة والمنافقین. هذا کلامه رحمه الله .

وهو صریح فی اختصاص الوجوب بالظهر ، وکأن المصنف - رحمه الله - راعی أول الکلام وغفل عن آخره.

وقال المرتضی - رضی الله عنه - : إذا دخل الإمام فی صلاة الجمعة وجب أن یقرأ فی الأولی بالجمعة ، وفی الثانیة بالمنافقین ، یجهر بهما ، ولا یجزیه غیرهما (5).

ص: 366


1- الفقیه 1 : 201.
2- الانتصار : 54.
3- الظاهر أن المراد به کتاب « مدینة العلم » وهو خامس الأصول الأربعة القدیمة للشیعة الإمامیة وهو أکبر من کتاب « من لا یحضره الفقیه » کما صرح به الشیخ فی الفهرست إلاّ أنه مفقود من زمان والد الشیخ البهائی إلی زماننا هذا - الذریعة 20 : 251.
4- المعتبر 2 : 183.
5- جمل العلم والعمل : 72.

______________________________________________________

والمعتمد استحباب قراءتهما فی الجمعة خاصة ، لما رواه الشیخ ( فی الصحیح ) (1) عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : القراءة فی الصلاة فیها شی ء موقت؟ قال : « لا ، إلاّ فی الجمعة یقرأ بالجمعة والمنافقین » (2) والأمر المستفاد من الجملة الخبریة هنا محمول علی الاستحباب کما یدل علیه صحیحة علیّ بن یقطین : قال : سألت أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یقرأ فی صلاة الجمعة بغیر سورة الجمعة متعمدا ، قال : « لا بأس بذلک » (3) وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول فی صلاة الجمعة : « لا بأس بأن تقرأ فیها بغیر الجمعة والمنافقین إذا کنت مستعجلا » (4).

وأما الاستحباب فی صلاة الظهر فلم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علیه ، نعم روی عمر بن یزید فی الحسن قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « من صلّی الجمعة بغیر الجمعة والمنافقین أعاد الصلاة فی سفر أو حضر » (5) والثابت فی السفر إنما هو الظهر لا الجمعة.

قال الشیخ فی التهذیب : المراد بهذا الخبر الترغیب ، واستدل علی ذلک بروایة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الجمعة فی السفر ما أقرأ فیهما؟ قال : « اقرأ فیهما بقل هو الله أحد » (6) وهو حسن.

ص: 367


1- لیست فی « م ».
2- التهذیب 3 : 6 - 15 ، الإستبصار 1 : 413 - 1581 ، الوسائل 4 : 788 أبواب القراءة فی الصلاة ب 49 ح 1.
3- التهذیب 3 : 7 - 19 ، الإستبصار 1 : 414 - 1586 ، الوسائل 4 : 817 أبواب القراءة فی الصلاة ب 71 ح 1.
4- الفقیه 1 : 268 - 1225 ، التهذیب 3 : 242 - 653 ، الإستبصار 1 : 415 - 1591 ، الوسائل 4 : 817 أبواب القراءة فی الصلاة ب 71 ح 3.
5- الکافی 3 : 426 - 7 ، التهذیب 3 : 7 - 21 ، الوسائل 4 : 818 أبواب القراءة فی الصلاة ب 72 ح 1.
6- الفقیه 1 : 268 - 1224 ، التهذیب 3 : 8 - 23 ، الإستبصار 1 : 415 - 1590 ، الوسائل 4 : 817 أبواب القراءة فی الصلاة ب 71 ح 2.

وفی نوافل النهار بالسور القصار ویسرّ بها ، وفی اللیل بالطوال ویجهر بها ، ومع ضیق الوقت یخفف ، وأن یقرأ قل یا أیها الکافرون فی المواضع السبعة ، ولو بدأ فیها بسورة التوحید جاز ،

______________________________________________________

وأما استحباب قراءتهما فی العصر فیدل علیه مرفوعة حریز وربعی المتقدمة (1) ، وهی ضعیفة بالإرسال إلاّ أن هذا المقام یکفی فیه مثل ذلک.

قوله : ( وفی نوافل النهار بالسور القصار ویسر بها ، وفی اللیل بالطوال ویجهر بها ).

أما استحباب الإجهار فی نوافل اللیل والإخفات فی نوافل النهار فقال فی المعتبر : إنه قول علمائنا أجمع (2) ویدل علیه ما رواه الحسن بن علیّ بن فضال ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « السنّة فی صلاة النهار الإخفات ، والسنّة فی صلاة اللیل الإجهار » (3).

قال المصنف : والروایة وإن کانت ضعیفة السند مرسلة لکن عمل الأصحاب علی ذلک.

وأما استحباب قراءة السور القصار فی نوافل النهار ، والطوال فی نوافل اللیل فلم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علیه ، وربما أمکن الاستدلال علیه بفحوی صحیحة محمد بن القاسم ، قال : سألت عبدا صالحا هل یجوز أن یقرأ فی صلاة اللیل بالسورتین والثلاث؟ فقال : « ما کان من صلاة اللیل فاقرأ بالسورتین والثلاث ، وما کان من صلاة النهار فلا تقرأ إلاّ بسورة سورة » (4).

قوله : ( وأن یقرأ قل یا أیها الکافرون فی المواضع السبعة ، ولو بدأ بسورة التوحید جاز ).

ص: 368


1- فی ص 365.
2- المعتبر 2 : 184.
3- التهذیب 2 : 289 - 1161 ، الإستبصار 1 : 313 - 1165 ، الوسائل 4 : 759 أبواب القراءة فی الصلاة ب 22 ح 2.
4- التهذیب 2 : 73 - 269 ، الوسائل 4 : 741 أبواب القراءة فی الصلاة ب 8 ح 4.

ویقرأ فی أوّلتی صلاة اللیل : قل هو الله أحد ثلاثین مرة

______________________________________________________

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تدع أن تقرأ قل هو الله أحد وقل یا أیها الکافرون فی سبع مواطن : فی الرکعتین قبل الفجر ، ورکعتی الزوال ، ورکعتین بعد المغرب ، ورکعتین فی أول صلاة اللیل ، ورکعتی الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها ، ورکعتی الطواف » (1).

قال الشیخ فی التهذیب : وفی روایة أخری : إنه یقرأ فی هذا کله بقل هو الله أحد ، وفی الثانیة بقل یا أیها الکافرون إلاّ فی الرکعتین قبل الفجر فإنه یبدأ بقل یا أیها الکافرون ثم یقرأ فی الثانیة قل هو الله أحد (2).

هذا کلامه - رحمه الله - ولا ریب أن العمل بالروایة المفصلة أولی.

قوله : ( ویقرأ فی أولتی صلاة اللیل قل هو الله أحد ثلاثین مرة ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ وابن بابویه : أن من قرأ فی الرکعتین الأوّلتین من صلاة اللیل فی کل رکعة منها الحمد مرّة وقل هو الله أحد ثلاثین مرة انفتل ولیس بینه وبین الله عزّ وجلّ ذنب إلاّ غفر له (3).

قال الشارح - قدس سره - : وقد تقدم استحباب أن یقرأ فیها بالجحد ، لأنها أحد السبعة ، وطریق الجمع إمّا بأن یکون قراءة کل واحدة من السورتین سنّة فیتخیر المصلّی ، أو بالجمع بینهما لجواز القران فی النافلة ، أو بحمل صلاة اللیل علی الرکعتین المتقدمتین علی الثمان کما ورد فی بعض الأخبار. وعلی ما روی من أن الجحد فی الثانیة لا إشکال ، فإن قراءة التوحید فی الأولی ثلاثین مرة محصل لقراءة التوحید فیها فی الجملة (4).

ص: 369


1- التهذیب 2 : 74 - 273 ، الوسائل 4 : 751 أبواب القراءة فی الصلاة ب 15 ح 1.
2- التهذیب 2 : 74.
3- الفقیه 1 : 307 - 1403 ، التهذیب 2 : 124 - 470 ، الوسائل 4 : 796 أبواب القراءة فی الصلاة ب 54 ح 1.
4- المسالک 1 : 30.

وفی البواقی بطوال السّور ، ویسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم یبلغ العلوّ ، وکذا الشهادتین استحبابا ، وإذا مرّ المصلی بآیة رحمة سألها ، أو آیة نقمة استعاذ منها.

______________________________________________________

قلت : الأولی فی الجمع ما ذکره - رحمه الله - أولا ، لأن الجمع بین السورتین خروج عن المنصوص ، وحمل صلاة اللیل علی الرکعتین المتقدمتین علیها خلاف الظاهر ، وما ذکره - رحمه الله - آخرا من انتفاء الإشکال إن جعلت قراءة الجحد فی الثانیة غیر جید ، لأن المروی قراءة التوحید ثلاثین مرة فی کل من الرکعتین کما تقدم ، فالإشکال بحاله.

قوله : ( ویسمع الإمام من خلفه القراءة ما لم یبلغ العلو ، وکذا الشهادتین استحبابا ).

هذا الحکم موضع وفاق بین العلماء. والمستند فیه ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه کل ما یقول ، ولا ینبغی لمن خلفه أن یسمعه شیئا مما یقول » (1) ویؤیده أن المأموم لا قراءة علیه وإنما وظیفته الاستماع فاستحب للإمام إسماعه تحصیلا للغرض المطلوب منه.

وإنما قید استحباب الجهر بعدم العلو ، لظاهر قوله تعالی ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (2) ولما رواه الکلینی - رحمه الله - عن عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : علی الإمام أن یسمع من خلفه وإن کثروا؟ فقال : « لیقرأ قراءة وسطا یقول الله تبارک وتعالی ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِکَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (3) ولا یخفی أن المتصف بالاستحباب فی الجهر بالقراءة عند من أوجبه القدر الزائد علی ما یتحقق به أصل الجهر.

قوله : ( وإذا مرّ بآیة رحمة سألها ، أو بآیة نقمة استعاذ منها ).

ص: 370


1- التهذیب 3 : 49 - 170 ، الوسائل 5 : 451 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
2- الإسراء : 110.
3- الکافی 3 : 317 - 27 ، الوسائل 4 : 773 أبواب القراءة فی الصلاة ب 33 ح 3.

مسائل سبع :

الأولی : لا یجوز قول آمین آخر الحمد ، وقیل : هو مکروه.

______________________________________________________

المستند فی ذلک عموم الإذن فی الدعاء فی أثناء الصلاة ، وخصوص قوله علیه السلام فی موثقة سماعة : « ینبغی لمن یقرأ القرآن إذا مرّ بآیة من القرآن فیها مسألة أو تخویف أن یسأل عند ذلک خیر ما یرجو ویسأله العافیة من النار ومن العذاب » (1) وفی مرسلة البرقی : « ینبغی للعبد إذا صلّی أن یرتل فی قراءته ، وإذا مرّ بآیة فیها ذکر الجنة وذکر النار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار » (2).

قال المصنف فی المعتبر : ولو أطال الدعاء فی خلال القراءة کره وربما أبطل إن خرج عن نظم القراءة المعتادة (3). وهو حسن. وکما یستحب للقارئ سؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة إذا مرّ بآیتیهما کذا یستحب للمأموم ، لما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون مع الإمام فیمرّ بالمسألة أو بآیة فیها ذکر جنة أو نار ، قال : « لا بأس بأن یسأل عند ذلک ، ویتعوّذ من النار ، ویسأل الله الجنة » (4).

قوله : ( مسائل سبع ، الأولی : لا یجوز قول آمین فی آخر الحمد ، وقیل : هو مکروه ).

اختلف الأصحاب فی قول : آمین ، فی أثناء الصلاة ، فقال الشیخ فی الخلاف : قول آمین یقطع الصلاة سواء کان ذلک سرّا أو جهرا ، آخر الحمد أو قبلها ، للإمام والمأموم ، وعلی کل حال (5). ونحوه قال المفید (6) ،

حرمة قول آمین

ص: 371


1- الکافی 3 : 301 - 1 ، التهذیب 2 : 286 - 1147 ، الوسائل 4 : 828 أبواب قراءة القرآن ب 3 ح 2.
2- التهذیب 2 : 124 - 471 ، الوسائل 4 : 753 أبواب القراءة فی الصلاة ب 18 ح 1.
3- المعتبر 2 : 181.
4- الکافی 3 : 302 - 3 ، الوسائل 4 : 753 أبواب القراءة فی الصلاة ب 18 ح 3.
5- الخلاف 1 : 113.
6- المقنعة : 16.

______________________________________________________

والمرتضی (1) ، وادّعوا علی ذلک الإجماع. وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ولا یجوز أن یقال بعد فاتحة الکتاب : آمین ، لأن ذلک کان یقوله النصاری (2).

ونقل عن ابن الجنید أنه جوّز التأمین عقیب الحمد وغیرها (3) ، ومال إلیه المصنف فی المعتبر (4) ، وشیخنا المعاصر (5).

احتج الشیخ فی الخلاف علی التحریم والإبطال بإجماع الفرقة (6) ، فإنهم لا یختلفون فی أن ذلک یبطل الصلاة. وبقول النبی صلی الله علیه و آله : « إن هذه الصلاة لا یصلح فیها شی ء من کلام الآدمیین » (7) وقول آمین من کلامهم ، لأنها لیست بقرآن ولا دعاء وإنما هی اسم للدعاء ، والاسم غیر المسمی. وبما رواه فی الحسن ، عن جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت خلف إمام فقرأ الحمد ففرغ من قراءتها فقل أنت : الحمد لله رب العالمین ، ولا تقل : آمین » (8) وعن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال له : أقول إذا فرغت من فاتحة الکتاب : آمین؟ قال : « لا » (9).

وفی کل من هذه الأدلة نظر :

ص: 372


1- الانتصار : 42.
2- الفقیه 1 : 255.
3- جامع المقاصد 1 : 112.
4- المعتبر 2 : 186.
5- مجمع الفائدة 2 : 234.
6- الخلاف 1 : 196.
7- عوالی اللآلی 1 : 196 - 4 ، سنن البیهقی 2 : 249 بتفاوت یسیر.
8- الکافی 3 : 313 - 5 ، التهذیب 2 : 74 - 275 ، الإستبصار 1 : 318 - 1185 ، الوسائل 4 : 752 أبواب القراءة فی الصلاة ب 17 ح 1.
9- التهذیب 2 : 74 - 276 ، الإستبصار 1 : 318 - 1186 ، الوسائل 4 : 752 أبواب القراءة فی الصلاة ب 17 ح 3.

______________________________________________________

أما الإجماع فقد تقدم الکلام فیه مرارا.

وأما أن آمین من کلام الآدمیین لأنها اسم للدعاء ولیست دعاء فلتوجه المنع إلی ذلک ، بل الظاهر أنها دعاء کقولک : اللهم استجب ، وقد صرح بذلک المحقق نجم الأئمة الرّضی - رضی الله عنه - فقال : ولیس ما قال بعضهم إن صه مثلا اسم للفظ اسکت الذی هو دال علی معنی الفعل ، فهو (1) علم للفظ الفعل لا لمعناه بشی ء ، لأن العربی القحّ ربما یقول : صه ، مع أنه ربما لا یخطر فی باله لفظ اسکت وربما لم یسمعه أصلا ، ولو قلت : إنه اسم لا صمت ، أو امتنع ، أو کف عن الکلام ، أو غیر ذلک مما یؤدی هذا المعنی لصح ، فعلمنا منه أن المقصود المعنی لا اللفظ (2). انتهی.

وأما الروایتان فمع سلامة سندهما إنما تضمنتا النهی عن هذا اللفظ فیکون محرّما ، ولا یلزم من ذلک کون مبطلا للصلاة ، لأن النهی إنما یفسد العبادة إذا توجه إلیها أو إلی جزء منها أو شرط لها ، وهو هنا إنما توجه إلی أمر خارج عن العبادة فلا یقتضی فسادها.

ونقل عن السید ابن زهرة أنه احتج علی الإبطال بأن قول آمین عمل کثیر خارج عن الصلاة ، وبأنه إنما یکون علی أثر دعاء تقدّمه ، والقاری لا یجب علیه قصد الدعاء مع القراءة فلا معنی لها حینئذ ، وإذا انتفی جوازها عند عدم القصد انتفی عند قصد القراءة والدعاء ، لأن أحدا لم یفرق بینهما (3).

ویتوجه علی الأول : منع کون التأمین فعلا کثیرا ، فإنه دعوی مجردة عن الدلیل.

وعلی الثانی : أن الدعاء بالاستجابة لا یقتضی أن یکون متعلقا بما قبله ،

ص: 373


1- فی « ح » بل هو. ومدلولهما واحد.
2- شرح الکافیة : 178.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 558.

______________________________________________________

ولو تعلّق به لجاز ، سواء قصد به الدعاء أم لا ، لأن عدم القصد بالدعاء لا یخرجه عن کونه دعاء.

قال المصنف فی المعتبر : ویمکن أن یقال بالکراهة (1). ویحتج بما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن قول الناس فی الصلاة جماعة حین یقرأ فاتحة الکتاب : آمین ، قال : « ما أحسنها ، واخفض الصوت بها » (2).

ویتوجه علیه أن هذه الروایة لا تعطی ما ذکره من الکراهة ، بل هی دالة علی نقیضه ، فإن أقل مراتب الاستحسان : الاستحباب ، مع أن راویها وهو جمیل روی النهی أیضا. والأولی حمل هذه الروایة علی التقیة ، لموافقتها لمذهب العامة ، وتشهد له صحیحة معاویة بن وهب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أقول : آمین إذا قال الإمام : غیر المغضوب علیهم ولا الضالین فقال : « هم الیهود والنصاری » (3) فإن عدوله علیه السلام عن الجواب إلی تفسیر الآیة قرینة علی ذلک.

وقد ظهر من ذلک کله : أن الأجود التحریم دون الإبطال وإن کان القول بالکراهة محتملا ، لقصور الروایتین عن إثبات التحریم من حیث السند ، وکثرة استعمال النهی فی الکراهة خصوصا مع مقابلته بأمر الندب.

واعلم : أن المصنف فی المعتبر (4) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (5) استدلا علی أن التأمین مبطل للصلاة بأن معناها : اللهم استجب ، ولو نطق بذلک

ص: 374


1- المعتبر 2 : 186.
2- التهذیب 2 : 75 - 277 ، الإستبصار 1 : 318 - 1187 ، الوسائل 4 : 753 أبواب القراءة فی الصلاة ب 17 ح 5.
3- التهذیب 2 : 75 - 278 ، الإستبصار 1 : 319 - 1188 ، الوسائل 4 : 752 أبواب القراءة فی الصلاة ب 17 ح 2.
4- المعتبر 2 : 185.
5- نهایة الأحکام 1 : 466 ، والتذکرة 1 : 118.

الثانیة : الموالاة فی القراءة شرط فی صحتها ، فلو قرأ خلالها من غیرها استأنف القراءة.

______________________________________________________

أبطل صلاته فکذا ما قام مقامه. وهو ضعیف جدا فإن الدعاء فی الصلاة جائز بإجماع العلماء ، وهذا دعاء عام فی طلب استجابة جمیع ما یدعی به فلا وجه للمنع منه.

قوله : ( الثانیة ، الموالاة فی القراءة شرط فی صحتها ، فلو قرأ خلالها من غیرها استأنف القراءة ).

أما اشتراط الموالاة فی القراءة فللتأسی بالنبی صلی الله علیه و آله ، فإنه کان یوالی فی قراءته وقال : « صلّوا کما رأیتمونی أصلّی » (1).

وأما فواتها بقراءة شی ء فی خلال السورة من غیرها فلا یتم علی إطلاقه ، إذ القدر الیسیر من ذلک لا تفوت به الموالاة قطعا. والأصح الرجوع فی ذلک إلی العرف فمتی حصل الإخلال بالموالاة استأنف القراءة ، عمدا کان أو نسیانا.

وقطع الشهید فی الذکری ببطلان الصلاة مع العمد ، لتحقق المخالفة المنهی عنها (2). ویتوجه علیه منع کون ذلک مقتضیا للبطلان.

وقال الشیخ فی المبسوط : یستأنف القراءة مع العمد ، ویبنی مع النسیان (3). وهو مشکل أیضا ، لفوات الموالاة الواجبة مع العمد والنسیان فلا یتحقق الامتثال.

وقد نص الشیخ (4) - رحمه الله - وغیره (5) علی أنه لا یقدح فی الموالاة الدعاء بالمباح ، وسؤال الرحمة ، والاستعاذة من النقمة عند آیتیهما ، وردّ

وجوب الموالاة فی القراءة

ص: 375


1- صحیح البخاری 1 : 162.
2- الذکری : 188.
3- المبسوط 1 : 106.
4- المبسوط 1 : 109.
5- کالشهید الأول فی اللمعة الدمشقیة : 33 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 30.

وکذا لو نوی قطع القراءة وسکت ، وفی قول یعید الصلاة. أما لو سکت فی خلال القراءة لا بنیّة القطع أو نوی القطع ولم یقطع مضی فی صلاته.

السلام ، والحمد عند العطسة ، وتسمیت العاطس ، ونحو ذلک. ولا ریب فیه ، وهو مؤید لما ذکرناه من عدم فوات الموالاة بمجرد قراءة شی ء فی خلال السورة من غیرها.

قوله : ( وکذا لو نوی قطع القراءة وسکت ، وفی قول یعید الصلاة ).

أی : وکذا یستأنف القراءة لو نوی قطعها وسکت. وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی نیة القطع بین أن ینوی قطعها أبدا أو بنیة العود ، وفی السکوت بین الطویل والقصیر ، وهو مشکل علی إطلاقه.

والقول بإعادة الصلاة بذلک للشیخ فی المبسوط (1) ، مع أنه ذهب فیه إلی عدم بطلان الصلاة بنیة فعل المنافی (2) ، واعتذر عنه فی الذکری بأن المبطل هنا نیة القطع مع القطع ، فهو فی الحقیقة نیة المنافی مع فعله (3). وهو غیر جید ، لأن السکوت بمجرده ( غیر مبطل للصلاة إذا لم یخرج به عن کونه مصلّیا.

والأصح أن قطع القراءة بالسکوت ) (4) غیر مبطل لها ، سواء حصل معه نیة القطع أم لا ، إلاّ أن یخرج بالسکوت عن کونه قارئا فتبطل القراءة ، أو مصلّیا فتبطل الصلاة. ولو نوی القطع لا بنیة العود فهو فی معنی نیة قطع الصلاة وقد تقدم الکلام فیه (5).

قوله : ( أما لو سکت فی خلال القراءة لا بنیة القطع أو نوی القطع ولم یقطع مضی فی صلاته ).

حکم نیة قطع القراءة

ص: 376


1- المبسوط 1 : 105.
2- المبسوط 1 : 102.
3- الذکری : 188.
4- ما بین القوسین لیس فی « م ».
5- فی ص 214.

الثالثة : روی أصحابنا أن الضحی وأ لم نشرح سورة واحدة. وکذا الفیل والإیلاف. فلا یجوز إفراد إحداهما من صاحبتها فی کل رکعة ، ولا یفتقر إلی البسملة بینهما علی الأظهر.

______________________________________________________

إنما یمضی فی صلاته مع السکوت إذا لم یخرج به عن کونه قارئا أو مصلّیا وإلاّ بطلت القراءة أو الصلاة. والمراد بنیة القطع : الأعم من قطع القراءة أبدا أو بنیة العود ، لأن الصلاة لا تبطل عنده بنیة القطع کما تقدم.

قوله : ( الثالثة ، روی أصحابنا أن « الضحی » و « ألم نشرح » سورة واحدة ، وکذا « الفیل » و « الإیلاف » فلا یجوز إفراد إحداهما من صاحبتها فی کل رکعة ، ولا یفتقر إلی البسملة بینهما علی الأظهر ).

ما ذکره المصنف من روایة الأصحاب أن : « الضحی » و « ألم نشرح » سورة واحدة ، وکذا « الفیل » و « لإیلاف » لم أقف علیه فی شی ء من الأصول ، ولا نقله ناقل فی کتب الاستدلال ، والذی وقفت علیه فی ذلک روایتان : روی إحداهما زید الشحام فی الصحیح ، قال : صلی بنا أبو عبد الله علیه السلام فقرأ الضحی وأ لم نشرح فی رکعة (1). والأخری رواها المفضل ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا تجمع بین سورتین فی رکعة واحدة إلاّ الضحی وأ لم نشرح ، وسورة الفیل ولإیلاف » (2).

ولا دلالة لهما علی ما ذکروه من الاتحاد ، بل ولا علی وجوب قراءتهما فی الرکعة. أما الأولی فظاهر ، لأنها إنما تضمنت أنه علیه السلام قرأهما فی الرکعة ، والتأسی فیما لم یعلم وجهه مستحب لا واجب. وأما الثانیة فلأنها مع ضعف سندها إنما تضمنت استثناء هذه السور من النهی عن الجمع بین السورتین فی الرکعة ، والنهی هنا للکراهة علی ما بیناه فیما سبق (3) ، فیکون

الضحی وألم نشرح سورتان وکذا الفیل والایلاف

ص: 377


1- التهذیب 2 : 72 - 266 ، الإستبصار 1 : 317 - 1182 ، الوسائل 4 : 743 أبواب القراءة فی الصلاة ب 10 ح 1.
2- مجمع البیان 5 : 544 ، المعتبر 2 : 188 ، الوسائل 4 : 744 أبواب القراءة فی الصلاة ب 10 ح 5.
3- فی ص 355.

الرابعة : إن خافت فی موضع الجهر أو عکس جاهلا أو ناسیا لم یعد.

الخامسة : یجزیه عوضا عن الحمد اثنتا عشرة تسبیحة ،

______________________________________________________

الجمع بین هذه السور مستثنی من الکراهة ، وانتفاء الکراهة أعم من الوجوب.

والذی ینبغی القطع بکونهما سورتین لإثباتهما فی المصاحف کذلک کغیرهما من السور ، فتجب البسملة بینهما إن وجب قراءتهما معا ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر فإنه قال بعد أن منع دلالة الروایتین علی وجوب قراءتهما فی الرکعة : ولقائل أن یقول : لا نسلّم أنهما سورة واحدة ، بل لم لا یکونان سورتین وإن لزم قراءتهما فی الرکعة الواحدة علی ما ادعوه ، ونطالب بالدلالة علی کونهما سورة واحدة ، ولیس قراءتهما فی الرکعة الواحدة دالة علی ذلک ، وقد تضمنت روایة المفضل تسمیتهما سورتین ، ونحن فقد بینا أن الجمع بین السورتین فی الفریضة مکروه فتستثنیان من الکراهة (1). وهو حسن.

قوله : ( الرابعة ، إن خافت فی موضع الجهر أو عکس جاهلا أو ناسیا لم یعد ).

هذا مذهب الأصحاب ، ویدل علیه أن الإعادة فرض مستأنف ، فیتوقف علی الدلالة ، ولا دلالة. وقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة الواردة فیمن جهر فی موضع الإخفات أو عکس : « وإن فعل ذلک ناسیا أو ساهیا أو لا یدری فلا شی ء علیه وقد تمت صلاته » (2).

ویستفاد من هذه الروایة عدم وجوب تدارکهما ولو قبل الرکوع ، وأنه لا یجب بالإخلال بهما سجود السهو ، وهو کذلک.

قوله : ( الخامسة ، یجزیه عوضا عن الحمد اثنتا عشرة تسبیحة ،

حکم الاخلال بالجهر والاخفات

ص: 378


1- المعتبر 2 : 188.
2- الفقیه 1 : 227 - 1003 ، التهذیب 2 : 162 - 635 ، الإستبصار 1 : 313 - 1163 ، الوسائل 4 : 766 أبواب القراءة فی الصلاة ب 26 ح 1.

صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، ثلاثا. وقیل : یجزیه عشر ، وفی روایة تسع ، وفی أخری أربع ، والعمل بالأول أحوط.

______________________________________________________

صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، ثلاثا ، وقیل : یجزیه عشر ، وفی روایة تسع ، وفی أخری أربع والعمل بالأول أحوط ).

أجمع الأصحاب علی أنه یجزئ بدل الحمد فی الثالثة من المغرب والأخیرتین من الظهرین والعشاء التسبیح ، وإنما اختلفوا فی قدره : فقال الشیخ فی النهایة والاقتصاد : إنه اثنتا عشرة تسبیحة صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر ثلاثا (1). وهو الظاهر من کلام ابن أبی عقیل فإنه قال : السنة فی الأواخر التسبیح ، وهو أن یقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر سبعا أو خمسا وأدناه ثلاث فی کل رکعة (2).

وقال الشیخ فی الجمل والمبسوط (3) ، والمرتضی فی المصباح (4) ، وابن إدریس (5) : الواجب عشر تسبیحات بإسقاط التکبیر فی غیر الثالثة. ولم نقف له علی مستند لهذین القولین.

وحکی المصنف - رحمه الله - فی المعتبر ، عن حریز بن عبد الله السجستانی أنه قال : الواجب تسع تسبیحات صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاثا (6) ، وبه قال ابن بابویه رحمه الله (7) ، وأبو الصلاح (8). والمستند ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « لا تقرأ فی

صورة التسبیح فی الثالثة والرابعة

ص: 379


1- النهایة : 76 ، والاقتصاد : 261.
2- نقله عنه فی المختلف : 92.
3- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 181 ، والمبسوط 1 : 106.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 189.
5- السرائر : 46.
6- المعتبر 2 : 189.
7- الفقیه 1 : 256.
8- الکافی فی الفقه : 117.

______________________________________________________

الرکعتین الأخیرتین من الأربع الرکعات المفروضات شیئا إماما کنت أو غیر إمام ». قلت : فما أقول فیهما؟ قال : « إن کنت إماما أو وحدک فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرات تکمل تسع تسبیحات ، ثم تکبر وترکع » (1).

وقال المفید فی المقنعة : تجزئ أربع تسبیحات صورتها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر (2). واحتج له فی التهذیب بما رواه عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما یجزئ من القول فی الرکعتین الأخیرتین؟ قال : « تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، وتکبر وترکع » (3) وفی الطریق : محمد بن إسماعیل الذی یروی عن الفضل بن شاذان ، وهو مشترک بین جماعة منهم الضعیف ، ولا قرینة علی تعیینه. وربما ظهر من کلام الکشیّ أن محمد بن إسماعیل هذا یعرف بالبندقی وأنه نیسابوری (4) فیکون مجهولا. لکن الظاهر أن کتب الفضل - رحمه الله - کانت موجودة بعینها فی زمن الکلینی - رضی الله عنه - وأن محمد بن إسماعیل هذا إنما ذکر لمجرد اتصال السند فلا یبعد القول بصحة روایاته کما قطع به العلاّمة (5) ، وأکثر المتأخرین.

وقال ابن الجنید : والذی یقال مکان القراءة ، تحمید وتسبیح وتکبیر یقدم ما یشاء (6). ولعل مستنده صحیحة عبید بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرکعتین الأخیرتین من الظهر ، قال : « تسبح وتحمد الله

ص: 380


1- الفقیه 1 : 256 - 1158 ، الوسائل 4 : 791 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 1.
2- المقنعة : 18.
3- التهذیب 2 : 98 - 367 ، الوسائل 4 : 782 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 5.
4- رجال الکشی 2 : 818 - 1024.
5- المختلف : 92.
6- نقله عنه فی المختلف : 92.

______________________________________________________

وتستغفر لذنبک ، وإن شئت فاتحة الکتاب فإنها تحمید ودعاء » (1) وصحیحة عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قمت فی الرکعتین الأخیرتین لا تقرأ فیهما ، فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أکبر » (2).

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر نقل هذه الروایات : والوجه عندی القول بالجواز فی الکل ، إذا لا ترجیح ، وإن کانت الروایة الأولی أولی (3). وأشار بالأولی إلی روایة زرارة المتضمنة للأربع (4) ، وکأن وجه الأولویة ذهاب المفید (5) ومن تبعه (6) إلی العمل بمضمونها ، وإلاّ فقد عرفت أنها لیست نقیة الإسناد.

والأولی الجمع بین التسبیحات الأربع والاستغفار وإن کان الکل مجزئا إن شاء الله. وهنا مباحث.

الأول : استقرب المصنف - رحمه الله - فی المعتبر عدم ترتیب الذکر لاختلاف الروایة فی تعیینه (7). وهو غیر بعید ، وإن کان الأحوط اتباع ما ورد به النقل بخصوصه.

الثانی : ذکر جمع من الأصحاب أنه یجب الإخفات فی هذا الذکر تسویة بینه وبین المبدل ، ونفاه ابن إدریس ، للأصل ، وفقد النص (8). وأجاب عنه

ص: 381


1- التهذیب 2 : 98 - 368 ، الإستبصار 1 : 321 - 1199 ، الوسائل 4 : 781 أبواب القراءة فی الصلاة ب 42 ح 1.
2- التهذیب 2 : 99 - 372 ، الإستبصار 1 : 322 - 1203 ، الوسائل 4 : 793 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 7.
3- المعتبر 2 : 190.
4- المتقدمة فی ص 380.
5- المقنعة : 18.
6- کالعلامة فی المختلف : 92.
7- المعتبر 2 : 190.
8- السرائر : 46.

السادسة : من قرأ سورة من العزائم فی النوافل یجب أن یسجد فی موضع السجود. وکذا إن قرأ غیره وهو یستمع ، ثم ینهض ویقرأ ما تخلف منها ویرکع. وإن کان السجود فی آخرها یستحب له قراءة الحمد لیرکع عن قراءة.

______________________________________________________

فی الذکری بأن عموم الإخفات فی الفریضة کالنص (1). وهو غیر واضح وإن کان الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکره.

الثالث : إذا شرع فی القراءة أو التسبیح فالظاهر جواز العدول من کل منهما إلی الآخر خصوصا مع کون المعدول إلیه أفضل ، ومنعه بعضهم (2) ، لما فیه من إبطال العمل. وهو ضعیف.

الرابع : یجوز أن یقرأ فی رکعة ویسبح فی أخری ، لأن التخییر فی الرکعتین تخییر فی کل واحدة منهما ، وربما کان فی بعض الروایات إشعار به.

الخامس : لو شک فی عدد التسبیحات بنی علی الأقل ، ولو ذکر الزیادة لم یکن به بأس.

السادس : ظاهر الأصحاب أنه لا یستحب الزیادة علی الاثنتی عشرة ، وقال ابن أبی عقیل : یقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر سبعا ، أو خمسا ، وأدناه ثلاث فی کل رکعة (3). قال فی الذکری : ولا بأس باتباع هذا الشیخ العظیم الشأن فی استحباب ذکر الله تعالی (4).

قوله : ( السادسة ، من قرأ سورة من العزائم فی النوافل یجب أن یسجد فی موضع السجود ، وکذا إن قرأ غیره وهو یستمع ، ثم ینهض ویقرأ ما تخلف منها ویرکع ، وإن کان السجود فی آخرها یستحب له قراءة الحمد لیرکع عن قراءة ).

حکم من قرأ العزیمة فی النافلة

ص: 382


1- الذکری : 189.
2- کالشهید الأول فی الذکری : 189.
3- نقله عنه فی المختلف : 92.
4- الذکری : 189.

السابعة : المعوّذتان من القرآن ، ویجوز أن یقرأ بهما فی الصلاة فرضها ونفلها.

______________________________________________________

أما وجوب السجود مع القراءة أو الاستماع فمستنده عموم الأدلة الدالة علی ذلک ، وخصوص بعضها.

وأما استحباب قراءة الحمد بعد القیام من السجود إذا کانت السجدة فی آخر السورة التی قرأها المصلّی فتدل علیه حسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه سئل عن الرجل یقرأ بالسجدة فی آخر السورة ، قال : « یسجد ثم یقوم فیقرأ فاتحة الکتاب ویرکع ثم یسجد » (1) وحملت علی الاستحباب لروایة أبی البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن آبائه ، عن علیّ علیهم السلام ، قال : « إذا کان آخر السورة السجدة أجزأک أن ترکع بها » (2) وظاهر الشیخ فی کتابی الحدیث وجوب قراءة السورة والحال هذه (3) ، ولا بأس به.

قوله : ( السابعة ، المعوّذتان من القرآن ، ویجوز أن یقرأ بهما فی الصلوات فرضها ونفلها ).

هذا مذهب العلماء کافة حکاه فی المنتهی ، قال : وخلافه الآحاد انقرض (4).

ویدل علی جواز القراءة بهما فی الصلاة المفروضة علی الخصوص ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن صفوان أن الجمّال ، قال : صلّی بنا أبو عبد الله علیه السلام المغرب فقرأ المعوذتین فی الرکعتین (5).

المعوذتان من القرآن

ص: 383


1- الکافی 3 : 318 - 5 ، التهذیب 2 : 291 - 1167 ، الإستبصار 1 : 319 - 1189 ، الوسائل 4 : 777 أبواب القراءة فی الصلاة ب 37 ح 1.
2- التهذیب 2 : 292 - 1173 ، الإستبصار 1 : 319 - 1190 ، الوسائل 4 : 777 أبواب القراءة فی الصلاة ب 37 ح 3.
3- التهذیب 2 : 292 ، والاستبصار 1 : 319.
4- المنتهی 1 : 278.
5- الکافی 3 : 314 - 8 ، الوسائل 4 : 786 أبواب القراءة فی الصلاة ب 47 ح 1.

الخامس : الرکوع

وهو واجب فی کل رکعة مرة ، إلا فی الکسوف والآیات.

ورکن فی الصلاة ، تبطل بالإخلال به عمدا وسهوا علی تفصیل سیأتی.

______________________________________________________

وعن صابر مولی بسّام ، قال : أمّنا أبو عبد الله علیه السلام فی صلاة المغرب فقرأ المعوذتین ثم قال : « هما من القرآن » (1).

قوله : ( الخامس ، الرکوع ، وهو واجب فی کل رکعة مرة ، إلا فی الکسوف والآیات فإنه یجب فی کل رکعة منها خمس رکوعات ).

وهذان الحکمان ثابتان بالنص والإجماع.

قوله : ( ورکن فی الصلاة ، تبطل بالإخلال به عمدا وسهوا علی تفصیل سیأتی ).

سیأتی القول برکنیته مطلقا علی وجه تبطل الصلاة بالإخلال به عمدا وسهوا ( وهذا ) (2) مذهب أکثر الأصحاب.

وقال الشیخ فی المبسوط : هو رکن فی الصبح ، والمغرب ، وصلاة السفر ، وفی الرکعتین الأوّلتین من الرباعیات خاصة ، نظرا إلی أن الناسی فی الرکعتین الأخیرتین یحذف السجود ویعود إلیه (3). ولو فسر الرکن بأنه ما تبطل الصلاة بترکه بالکلیة لم یکن منافیا لذلک ، لأن الآتی بالرکوع بعد السجود لم یترکه فی جمیع الصلاة وسیجی ء تحقیق ذلک فی محله إن شاء الله (4).

والظاهر أن التفصیل الذی أشار إلیه المصنف هو أن بطلان الصلاة.

الرکوع

اشارة

ص: 384


1- الکافی 3 : 317 - 26 ، التهذیب 2 : 96 - 357 ، الوسائل 4 : 786 أبواب القراءة فی الصلاة ب 47 ح 2.
2- أثبتناه من « ح ».
3- المبسوط 1 : 109.
4- فی ج 4 ص 209.

والواجب فیه خمسة أشیاء :

[ الأول ] : أن ینحنی فیه بقدر ما یمکن وضع یدیه علی رکبتیه.

______________________________________________________

( بترکه فی بعض الصور مجمع علیه وفی بعض آخر مختلف فیه ، وإلا فهو قائل برکنیته مطلقا ) (1).

قوله : ( والواجب فیه خمسة أشیاء ، [ الأول ] : أن ینحنی فیه بقدر ما یمکن وضع یدیه علی رکبتیه ).

أما وجوب الانحناء فلا ریب فیه ، لأنه عبارة عن الرکوع لغة (2) وعرفا. وأما التحدید المذکور فقال فی المعتبر (3) : إنه قول العلماء کافة عدا أبی حنیفة ، لأن النبی صلی الله علیه و آله کان یرکع کذلک (4) فیجب التأسی به ، ولما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « فإذا رکعت فصفّ فی رکوعک بین قدمیک ، تجعل بینهما قدر شبر ، وتمکّن راحتیک من رکبتیک ، وتضع یدک الیمنی علی رکبتک الیمنی قبل الیسری ، وبلّغ بأطراف أصابعک عین الرکبة ، وفرّج أصابعک إذا وضعتها علی رکبتیک ، فإن وصلت أطراف أصابعک فی رکوعک إلی رکبتیک أجزأک ذلک ، وأحبّ إلیّ أن تمکّن کفیک من رکبتیک فتجعل أصابعک فی عین الرکبة وتفرج بینهما ، وأقم صلبک ، ومدّ عنقک ، ولیکن نظرک إلی ما بین قدمیک » (5) وفی صحیحة حمّاد : إن الصادق علیه السلام لما علّمه الصلاة رکع وملأ کفیه من رکبتیه منفرجات ، وردّ رکبتیه إلی خلفه ، ثم سوّی ظهره حتی لو صبّ علیه قطرة من ماء أو دهن لم تزل

واجبات الرکوع خمسة

ص: 385


1- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : بالإخلال به إنما بتحقق إذا لم یذکره حتی سجد ، وأما قبله فیجب تدارکه ، وربما قیل : إن المراد به أن الحکم برکنیته فی بعض الصور مجمع علیه وفی بعض آخر مختلف فیه ، وهو بعید.
2- راجع معجم مقاییس اللغة 2 : 434.
3- المعتبر 2 : 193.
4- سنن البیهقی 2 : 85.
5- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

وإن کانت یداه فی الطول ، بحیث تبلغ رکبتیه من غیر انحناء انحنی کما ینحنی مستوی الخلقة. وإذا لم یتمکن من الانحناء لعارض أتی بما یتمکّن منه. فإن عجز أصلا اقتصر علی الإیماء. ________________________________________________

لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه ، وغمض عینیه ، ثم سبّح ثلاثا بترتیل فقال : سبحان ربی العظیم وبحمده (1). وهذان الخبران أحسن ما وصل إلینا فی هذا الباب.

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : وقوله : قدر أن یصل کفاه رکبتیه ، إشارة إلی أن وضع الیدین علی الرکبتین غیر واجب ، بل ذلک بیان لکیفیة الانحناء (2).

قوله : ( وإن کانت یداه فی الطول بحیث تبلغ رکبتیه من غیر انحناء انحنی کما ینحنی مستوی الخلقة ).

حملا لألفاظ النصوص علی الغالب المتعارف ، ورعایة لصدق الاسم عرفا ، وکذا الکلام فی قصیرهما ومقطوعهما.

قوله : ( وإذا لم یتمکن من الانحناء لعارض أتی بما تمکّن منه ).

لا ریب فی وجوب الإتیان بالممکن ، لقوله علیه السلام : « لا یسقط المیسور بالمعسور » (3) ولأن الزیادة إلی العاجز عنها ممتنعة فیسقط التکلیف بها ویجب الإتیان بالمقدور خاصة ، لأنه بعض الواجب. والمراد بالانحناء : المذکور سابقا وهو ما بلغ فیه الکفّان الرکبتین.

قوله : ( فإن عجز أصلا اقتصر علی الإیماء ).

أی : فإن عجز عن الانحناء بکل وجه اقتصر علی الإیماء بالرأس إن

ص: 386


1- الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، المجالس : 337 - 13 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
2- المعتبر 2 : 193.
3- عوالی اللآلی 4 : 58 - 205.

ولو کان کالراکع خلقه أو لعارض وجب أن یزید لرکوعه یسیر انحناء لیکون فارقا.

الثانی : الطمأنینة فیه بقدر ما یؤدی واجب الذکر مع القدرة.

______________________________________________________

أمکن وإلاّ فبالعینین ، لأنه القدر الممکن فیتعین ، ولما رواه الشیخ ، عن إبراهیم الکرخی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل شیخ لا یستطیع القیام إلی الخلاء ولا یمکنه الرکوع والسجود ، قال : « لیوم برأسه إیماء ، وإن کان له من یرفع الخمرة (1) إلیه فلیسجد ، فإن لم یمکنه ذلک فلیوم برأسه نحو القبلة إیماء » (2).

قوله : ( ولو کان کالراکع خلقة أو لعارض وجب أن یزاد رکوعه یسیر انحناء لیکون فارقا ).

الأظهر أن هذه الزیادة علی سبیل الاستحباب کما اختاره فی المعتبر (3) ، لأن ذلک حد الرکوع فلا یلزم الزیادة علیه. وقیل بالوجوب ، لیتحقق الفرق بین القیام والرکوع (4). وضعفه ظاهر ، لأنا نمنع وجوب الفرق علی العاجز.

قوله : ( الثانی ، الطمأنینة فیه بقدر ما یؤدی واجب الذکر مع القدرة ).

المراد بالطمأنینة : استقرار الأعضاء وسکونها فی حد الرکوع ، وهی واجبة بقدر ما یؤدّی الذکر الواجب باتفاق علمائنا ، قاله فی المعتبر (5). وقال الشیخ فی الخلاف : إنها رکن (6). ومقتضی ذلک بطلان الصلاة بترکها عمدا وسهوا وهو غیر واضح لما سنبین إن شاء الله من أن الصلاة لا تبطل بترکها نسیانا (7).

ص: 387


1- الخمرة : الحصیر الصغیر الذی یسجد علیه - لسان العرب 4 : 258.
2- التهذیب 3 : 307 - 951 ، الوسائل 4 : 976 أبواب السجود ب 20 ح 1.
3- المعتبر 2 : 194.
4- کما فی القواعد 1 : 34 ، وتحریر الأحکام 1 : 39 ، والمسالک 1 : 31.
5- المعتبر 2 : 194.
6- الخلاف 1 : 120.
7- فی ج 4 ص 230.

ولو کان مریضا لا یتمکن سقطت عنه ، کما لو کان العذر فی أصل الرکوع.

الثالث : رفع الرأس منه ، فلا یجوز أن یهوی للسجود قبل انتصابه منه ، إلا مع عذر ، ولو افتقر فی انتصابه إلی ما یعتمده وجب.

الرابع : الطمأنینة فی الانتصاب ، وهو أن یعتدل قائما ویسکن ولو یسیرا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو کان مریضا لا یتمکن سقطت عنه ، کما لو کان العذر فی أصل الرکوع ).

لا ریب فی السقوط مع التعذر ، إذ لا تکلیف بالممتنع ، والأولی فی هذه الصورة مجاوزة الانحناء عن أقل الواجب ، والابتداء بالذکر عند بلوغ حده وإکماله قبل الخروج عنه ، لأن الذکر فی حال الرکوع واجب والطمأنینة واجب آخر ولا یسقط أحد الواجبین بتعذر الآخر.

قوله : ( الثالث ، رفع الرأس منه ، فلا یجوز أن یهوی للسجود قبل انتصابه منه ، إلا مع عذر ).

هذا مذهب علمائنا أجمع ، ویدل علیه التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله (1) ، وورود الأمر به فی کثیر من الروایات ، وقوله علیه السلام فی روایة أبی بصیر : « إذا رفعت رأسک من الرکوع فأقم صلبک ، فإنه لا صلاة لمن لا یقیم صلبه » (2).

قوله : ( ولو افتقر فی انتصابه إلی ما یعتمده وجب ).

لا ریب فی وجوب تحصیله ولو بالأجرة المقدورة من باب المقدمة کما فی مطلق القیام.

قوله : ( الرابع ، الطمأنینة فی الانتصاب ، وهو أن یعتدل قائما ویسکن یسیرا ).

ص: 388


1- علل الشرائع : 334 - 1 ، الوسائل 4 : 681 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 11.
2- الکافی 3 : 320 - 6 ، التهذیب 2 : 78 - 290 ، الوسائل 4 : 939 أبواب الرکوع ب 16 ح 2.

الخامس : التسبیح فیه ، وقیل : یکفی الذکر ولو کان تکبیرا أو تهلیلا ، وفیه تردد. وأقل ما یجزی للمختار تسبیحة تامة ، وهی سبحان ربی العظیم وبحمده ، أو یقول : سبحان الله ثلاثا ، وفی الضرورة واحدة صغری.

______________________________________________________

لا خلاف بین الأصحاب فی وجوب الطمأنینة فی هذا القیام ، لظاهر الأمر والتأسی ، وجعلها الشیخ فی الخلاف رکنا (1) ، ومقتضی ذلک بطلان الصلاة بالإخلال بها عمدا وسهوا. ویدفعه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (2).

والظاهر عدم الفرق فی وجوب الرفع والطمأنینة بین الفریضة والنافلة.

وقال العلاّمة فی النهایة : لو ترک الاعتدال فی الرکوع أو السجود فی صلاة النفل عمدا لم تبطل صلاته ، لأنه لیس رکنا فی الفرض فکذا فی النفل (3). وهو ضعیف ، ودلیله مزیّف.

قوله : ( الخامس ، التسبیح فیه ، وقیل : یکفی الذکر ولو کان تکبیرا أو تهلیلا ، وفیه تردد ، وأقل ما یجزی للمختار تسبیحة تامة. وهی سبحان ربی العظیم وبحمده ، أو یقول : سبحان الله ثلاثا ، وفی الضرورة واحدة صغری ).

أجمع الأصحاب علی وجوب الذکر فی الرکوع ، وإنما اختلفوا فی تعیینه ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط : والتسبیح فی الرکوع أو ما یقوم مقامه من الذکر واجب تبطل بترکه متعمدا الصلاة ، والذکر فی السجود فریضة من ترکه

ص: 389


1- الخلاف 1 : 120.
2- الفقیه 1 : 225 - 991 ، التهذیب 2 : 152 - 597 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 10 ح 5.
3- نهایة الأحکام 1 : 483.

______________________________________________________

متعمدا بطلت صلاته (1).

ومقتضی ذلک الاجتزاء بمطلق الذکر ، وبه صرّح ابن إدریس - رحمه الله - فی سرائره فقال : الواجب الذکر مطلقا کقوله : لا إله إلاّ الله والله أکبر (2). وبالجملة : کل ذکر یتضمن الثناء علی الله. والمستند فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قلت له : یجزی أن أقول مکان التسبیح فی الرکوع والسجود : لا إله إلاّ الله والحمد لله والله أکبر؟ فقال : « نعم کل هذا ذکر الله » (3) وروی أیضا فی الصحیح عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام نحوه (4).

وفی قوله علیه السلام : « کل هذا ذکر الله » معنی التعلیل فیدل علی إجزاء مطلق الذکر المتضمن للثناء ، ویؤیده أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی نجران ، عن مسمع أبی سیّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجزیک من القول فی الرکوع والسجود ثلاث تسبیحات أو قدرهن مترسّلا (5) ، ولا کراهة أن یقول : سبح سبح سبح » (6).

وقال الشیخ فی النهایة : أقل ما یجزئ من التسبیح فی الرکوع تسبیحة واحدة وهو أن یقول : سبحان ربی العظیم وبحمده ، وأقل ما یجزئ من التسبیح فی السجود أن یقول : سبحان ربی الأعلی وبحمده (7).

ویدل علیه ما رواه الشیخ ، عن هشام بن سالم ، قال : سألت أبا

ص: 390


1- المبسوط 1 : 111.
2- السرائر : 46.
3- التهذیب 2 : 302 - 1217 ، الوسائل 4 : 929 أبواب الرکوع ب 7 ح 1.
4- التهذیب 2 : 302 - 1218 ، الوسائل 4 : 929 أبواب الرکوع ب 7 ح 2.
5- ترسل فی قراءته : إذا تمهّل فیها ولم یعجّل - مجمع البحرین 5 : 383.
6- التهذیب 2 : 77 - 286 ، الوسائل 4 : 925 أبواب الرکوع ب 5 ح 1.
7- النهایة : 81.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام عن التسبیح فی الرکوع والسجود ، فقال : « یقول فی الرکوع : سبحان ربی العظیم (1) ، وفی السجود : سبحان ربی الأعلی (2) ، الفریضة من ذلک تسبیحة ، والسنّة ثلاث ، والفضل فی سبع » (3).

وذهب الشیخ فی التهذیب إلی وجوب تسبیحة کبری ، وهی : سبحان ربی العظیم وبحمده ، أو ثلاث تسبیحات نواقص ، وهی : سبحان الله (4) ، وهو الظاهر من کلام ابنی بابویه (5).

ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : ما یجزی من القول فی الرکوع والسجود؟ فقال : « ثلاث تسبیحات فی ترسّل ، وواحدة تامة تجزی » (6) وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أخفّ ما یکون من التسبیح فی الصلاة؟ قال : « ثلاث تسبیحات مترسّلا تقول : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله » (7).

ونقل عن أبی الصلاح أنه أوجب التسبیح ثلاث مرات علی المختار ، وتسبیحة علی المضطر وقال : أفضله سبحان ربی العظیم وبحمده ، ویجوز سبحان الله (8). وظاهره أن المختار لو قال : سبحان ربی العظیم وبحمده ثلاثا کانت واجبة ، وربما کان مستنده ما رواه الشیخ ، عن عثمان بن عبد الملک ،

ص: 391


1- فی « ح » زیادة : وبحمده. لکن المصادر والنسخ الخطیة خالیة منها.
2- فی « ح » زیادة : وبحمده. لکن المصادر والنسخ الخطیة خالیة منها.
3- التهذیب 2 : 76 - 282 ، الإستبصار 1 : 322 - 1204 ، الوسائل 4 : 923 أبواب الرکوع ب 4 ح 1.
4- التهذیب 2 : 80.
5- الصدوق فی المقنع : 28 ، والهدایة : 32 ، ونقل عنه وعن والده فی الذکری : 197.
6- التهذیب 2 : 76 - 283 ، الإستبصار 1 : 323 - 1205 ، الوسائل 4 : 923 أبواب الرکوع ب 4 ح 2.
7- التهذیب 2 : 77 - 288 ، الإستبصار 1 : 324 - 1212 ، الوسائل 4 : 925 أبواب الرکوع ب 5 ح 2.
8- الکافی فی الفقیه : 118.

______________________________________________________

عن أبی بکر الحضرمی قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أیّ شی ء حد الرکوع والسجود؟ قال : « تقول : سبحان ربی العظیم وبحمده ثلاثا فی الرکوع ، وسبحان ربی الأعلی وبحمده ثلاثا فی السجود ، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ، ومن نقص اثنتین نقص ثلثی صلاته ، ومن لم یسبّح فلا صلاة له » (1) (2).

والذی یقتضیه الجمع بین هذه الروایات القول بالاجتزاء بمطلق الذکر المتضمن للثناء کما تضمنته صحیحتا الهشامین (3) ، وحمل ما تضمن الزیادة علی الفضیلة والاستحباب ، ویشهد له أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام ، قال : سألته عن الرکوع والسجود کم یجزی فیه من التسبیح؟ فقال : « ثلاث ویجزیک واحدة إذا أمکنت جبهتک من الأرض » (4).

واعلم : أن کثیرا من الأخبار لیس فیها لفظ : وبحمده فی تسبیحی الرکوع والسجود ، کحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا سجدت فکبّر وقل : اللهم لک سجدت - إلی آخره - ثم قل : سبحان ربی الأعلی ثلاث مرات » (5) وروایة هشام بن سالم عنه علیه السلام قال : « یقول فی الرکوع : سبحان ربی العظیم ، وفی السجود : سبحان ربی الأعلی » (6). وقد

ص: 392


1- التهذیب 2 : 80 - 300 ، الإستبصار 1 : 324 - 1213 ، الوسائل 4 : 924 أبواب الرکوع ب 4 ح 5.
2- فی « س » ، « زیادة » : وهذه الروایة ضعیفة بأبی بکر وعثمان ، فإن أبا بکر مذکور فی کتب الرجال لکن لم یرد فیه مدح یعتد به ، وعثمان بن عبد الملک مجهول.
3- المتقدمتان فی ص 390.
4- التهذیب 2 : 76 - 284 ، الإستبصار 1 : 323 - 1206 ، الوسائل 4 : 923 أبواب الرکوع ب 4 ح 3.
5- الکافی 3 : 321 - 1 ، التهذیب 2 : 79 - 295 ، الوسائل 4 : 951 أبواب السجود ب 2 ح 1 ، إلاّ أن فیها : سبحان ربی الأعلی وبحمده.
6- المتقدمة فی ص 390.

______________________________________________________

تضمنته صحیحتا زرارة (1) وحماد (2) عن الباقر والصادق علیهماالسلام ( فالقول باستحبابه أولی ، ذهب الشهید (3) والمحقق الشیخ علی (4) إلی الوجوب مع اجتزائهما بمطلق الذکر وهو عجیب ) (5).

تفسیر : معنی سبحان ربی : تنزیها له عن النقائص وصفات المخلوقین.

قال فی القاموس : وسبحان الله : تنزیها له من الصاحبة والولد معرفة ، ونصب علی المصدر أی : أبرّئ الله من السوء براءة (6).

وقال سیبویه : التسبیح هو المصدر ، وسبحان واقع موقعه یقال : سبّحت الله تسبیحا ، وسبحانا فهو علم المصدر ، ولا یستعمل غالبا إلاّ مضافا کقولنا : سبحان الله ، وهو مضاف إلی المفعول به أی : سبّحت الله ، لأنه المسبّح المنزّه. وجوّز أبو البقاء أن یکون مضافا إلی الفاعل ، لأن المعنی : تنزّه الله ، وعامله محذوف کما فی نظائره.

والواو فی : وبحمده قیل : زائدة ، والباء للمصاحبة ، والحمد مضاف إلی المفعول ، ومتعلق الجار عامل المصدر أی : سبّحت الله حامدا ، والمعنی : نزّهته عمّا لا یلیق به وأثبت له ما یلیق به. ویحتمل کونها للاستعانة ، والحمد

ص: 393


1- الکافی 3 : 319 - 1 ، التهذیب 2 : 77 - 289 ، الوسائل 4 : 920 أبواب الرکوع ب 1 ح 1.
2- الکافی 3 : 311 - 8 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
3- الذکری : 198.
4- جامع المقاصد 1 : 118.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : ومقتضی ذلک الاستحباب ، وبه قطع فی المعتبر وأسنده إلی الأصحاب مؤذنا بدعوی الإجماع علیه. وقال الشهید فی الذکری : إن الأولی وجوبها لثبوتها فی خبر حماد ، مع اعترافه بخلو أکثر الأخبار منها ، وترجیحه الاجتزاء بمطلق الذکر. وهو عجیب.
6- القاموس المحیط 1 : 234.

وهل یجب التکبیر للرکوع؟ فیه تردد ، والأظهر الندب.

والمسنون فی هذا القسم أن یکبّر للرکوع قائما ، رافعا یدیه بالتکبیر ، محاذیا أذنیه ، ویرسلهما ثم یرکع ،

______________________________________________________

مضاف إلی الفاعل أی : سبحته بما حمد به نفسه ، إذ لیس کل تنزیه محمودا.

وقیل : إن الواو عاطفة ومتعلق الجار محذوف (1) أی : وبحمده سبّحته لا بحولی وقوّتی فیکون مما أقیم فیه المسبب مقام السبب. ویحتمل تعلق الجار بعامل المصدر علی هذا التقدیر أیضا ویکون المعطوف علیه محذوفا یشعر به العظیم ، وحاصله : أنزّه تنزیها ربی العظیم بصفات عظمته وبحمده.

والعظیم فی صفته تعالی : من یقصر عنه کل شی ء سواه ، أو من اجتمعت له جمیع صفات الکمال ، أو من انتفت عنه صفات النقص.

قوله : ( وهل یجب التکبیر للرکوع؟ فیه تردد ، والأظهر الندب ).

منشأ التردد : من ورود الأمر به فی عدة أخبار کقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا أردت أن ترکع فقل وأنت منتصب : الله أکبر ، ثم ارکع » (2) وفی صحیحة أخری له عنه علیه السلام : « ثم تکبّر وترکع » (3) ومن أصالة البراءة من الوجوب ، واشتمال ما فیه ذلک الأمر علی کثیر من المستحبات ، وموثقة أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن أدنی ما یجزی من التکبیر فی الصلاة؟ قال : « تکبیرة واحدة » (4) والمسألة محل إشکال إلاّ أن المعروف من مذهب الأصحاب هو القول بالاستحباب.

قوله : ( والمسنون فی هذا القسم أن یکبّر للرکوع قائما رافعا یدیه بالتکبیر محاذیا أذنیه ویرسلهما ثم یرکع ).

حکم التکبیر للرکوع
مسنونات الرکوع

ص: 394


1- کما فی روض الجنان : 272.
2- الکافی 3 : 319 - 1 ، التهذیب 2 : 77 - 289 ، الوسائل 4 : 920 أبواب الرکوع ب 1 ح 1.
3- الفقیه 1 : 256 - 1158 ، الوسائل 4 : 791 أبواب القراءة فی الصلاة ب 51 ح 1.
4- التهذیب 2 : 66 - 238 ، الوسائل 4 : 714 أبواب تکبیرة الإحرام ب 1 ح 5.

______________________________________________________

أما استحباب کون التکبیر للرکوع فی حال القیام فهو مذهب الأصحاب ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا أردت أن ترکع فقل وأنت منتصب : الله أکبر ، ثم ارکع » وفی صحیحة حماد فی صفة صلاة الصادق علیه السلام : إنه رفع یدیه حیال وجهه وقال : الله أکبر وهو قائم ثم رکع (1). وقال الشیخ فی الخلاف : ویجوز أن یهوی بالتکبیر (2). ولا ریب فی الجواز إلاّ أن التکبیر فی القیام أفضل.

وأما استحباب رفع الیدین به حذاء الأذنین فهو قول معظم الأصحاب ، وقال المرتضی - رضی الله عنه - فی الانتصار : انفردت الإمامیة بوجوب رفع الیدین فی تکبیرات الصلاة کلها (3). قال فی المعتبر : ولا أعرف ما حکاه رحمه الله (4).

ویدل علیه الاستحباب صحیحة حمّاد المتقدمة ، وصحیحة صفوان بن مهران الجمّال ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام إذا کبّر فی الصلاة رفع یدیه حتی تکاد تبلغ أذنیه (5).

وصحیحة معاویة بن عمّار قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام یرفع یدیه إذا رکع ، وإذا رفع رأسه من الرکوع ، وإذا سجد ، وإذا رفع رأسه من السجود (6).

وصحیحة ابن مسکان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : فی الرجل

ص: 395


1- الکافی 3 : 311 - 8 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
2- الخلاف 1 : 120.
3- الانتصار : 44.
4- المعتبر 2 : 199.
5- التهذیب 2 : 65 - 235 ، الوسائل 4 : 725 أبواب تکبیرة الإحرام ب 9 ح 1.
6- التهذیب 2 : 75 - 279 ، الوسائل 4 : 921 أبواب الرکوع ب 2 ح 2.

وأن یضع یدیه علی رکبتیه مفرجات الأصابع ، ولو کان بأحدهما عذر وضع الأخری ، ویرد رکبتیه إلی خلفه ، ویسوّی ظهره ، ویمدّ عنقه موازیا ظهره. وأن یدعو أمام التسبیح.

______________________________________________________

یرفع یده کلّما أهوی للرکوع والسجود ، وکلما رفع رأسه من رکوع أو سجود؟ قال : « هی العبودیة » (1).

ویستفاد من هاتین الروایتین استحباب رفع الیدین عند رفع الرأس من الرکوع کما هو مذهب ابنی بابویه (2) وصاحب الفاخر ، وربما ظهر منهما عدم تقیید الرفع بالتکبیر ، بل لو ترک التکبیر استحب الرفع.

قوله : ( وأن یضع یدیه علی رکبتیه مفرجات الأصابع ، ولو کان بأحدهما عذر وضع الأخری ، ویرد رکبتیه إلی خلفه ، ویسوّی ظهره ، ویمد عنقه موازیا ظهره. وأن یدعو أمام التسبیح ).

المستند فی ذلک روایات کثیرة ، منها : ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا أردت أن ترکع فقل وأنت منتصب : الله أکبر ، ثم ارکع وقل : رب لک رکعت ، ولک أسلمت ، وبک آمنت ، وعلیک توکلت ، وأنت ربی ، خشع لک سمعی وبصری وشعری وبشری ولحمی ودمی ومخّی وعصبی وعظامی وما أقلّته قدمای ، غیر مستنکف ولا مستکبر ولا مستحسر ، سبحان ربی العظیم وبحمده ثلاث مرات فی ترسّل ، وتصفّ فی رکوعک بین قدمیک تجعل بینهما قدر شبر ، وتمکّن راحتیک من رکبتیک ، وتضع یدک الیمنی علی رکبتک الیمنی قبل الیسری ، وتلقم بأطراف أصابعک عین الرکبة ، وفرّج أصابعک إذا وضعتها علی رکبتیک ، وأقم صلبک ، ومدّ عنقک ، ولیکن نظرک بین قدمیک ثم قل : سمع الله لمن حمده - وأنت منتصب قائم - الحمد لله رب العالمین ، أهل الجبروت والکبریاء والعظمة ، الحمد لله رب

ص: 396


1- التهذیب 2 : 75 - 280 ، الوسائل 4 : 921 أبواب الرکوع ب 2 ح 3.
2- الصدوق فی الهدایة : 39 ، ونقله عنهما فی الذکری : 199.

وأن یسبّح ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا فما زاد.

______________________________________________________

العالمین ، تجهر بها صوتک ، ثم ترفع یدیک بالتکبیر وتخر ساجدا » (1).

قوله : ( وأن یسبح ثلاثا أو خمسا أو سبعا ).

ظاهر هذه العبارة وکثیر من العبارات أن السبع نهایة الکمال ، وتشهد له روایة هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « یقول فی الرکوع : سبحان ربی العظیم ، وفی السجود : سبحان ربی الأعلی ، الفریضة من ذلک تسبیحة ، والسنة ثلاث ، والفضل فی سبع » (2).

وفی الطریق ضعف ، مع أن الشیخ - رحمه الله - روی فی الصحیح ، عن أبان بن تغلب ، قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام وهو یصلّی فعدّدت له فی الرکوع والسجود ستین تسبیحة (3).

وروی الکلینی - رضی الله عنه - عن حمزة بن حمران والحسن بن زیاد قالا : دخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام وعنده قوم فصلّی بهم العصر وقد کنّا صلّینا فعددنا له فی رکوعه سبحان ربی العظیم أربعا أو ثلاثا وثلاثین مرة. وقال أحدهما فی حدیثه : « وبحمده » فی الرکوع والسجود سواء (4).

قال المصنف فی المعتبر : والوجه استحباب ما یتسع له العزم ولا یحصل به السأم إلاّ أن یکون إماما فإن التخفیف ألیق ، لئلا یلحق السأم ، وقد روی أن النبی صلی الله علیه و آله کان إذا صلّی بالناس خفف بهم (5) ، إلاّ أن یعلم منهم الانشراح لذلک (6). وهو حسن.

ص: 397


1- الکافی 3 : 319 - 1 ، التهذیب 2 : 77 - 289 ، الوسائل 4 : 920 أبواب الرکوع ب 1 ح 1 ، وفیه وفی الکافی ، بتفاوت.
2- التهذیب 2 : 76 - 282 ، الإستبصار 1 : 322 - 1204 ، الوسائل 4 : 923 أبواب الرکوع ب 4 ح 1.
3- التهذیب 2 : 299 - 1205 ، الوسائل 4 : 926 أبواب الرکوع ب 6 ح 1.
4- الکافی 3 : 329 - 3 ، الوسائل 4 : 927 أبواب الرکوع ب 6 ح 2.
5- سنن البیهقی 3 : 117.
6- المعتبر 2 : 202.

وأن یرفع الإمام صوته بالذکر فیه. وأن یقول بعد انتصابه : سمع الله لمن حمده ، ویدعو بعده.

______________________________________________________

ویشهد له أیضا ما رواه سماعة فی الموثق قال ، قلت له : کیف حدّ الرکوع والسجود؟ فقال : « أما ما یجزیک من الرکوع فثلاث تسبیحات تقول : سبحان الله ، سبحان الله ، سبحان الله ثلاثا ، ومن کان یقوی علی أن یطوّل الرکوع والسجود فلیطوّل ما استطاع یکون ذلک فی تسبیح الله وتحمیده وتمجیده والدعاء والتضرع ، فإن أقرب ما یکون العبد إلی ربه وهو ساجد ، فأما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ینبغی أن یطوّل بهم فإن فی الناس الضعیف ومن له الحاجة » (1).

قوله : ( وأن یرفع الإمام صوته بالذکر ).

لقوله علیه السلام فی روایة أبی بصیر : « ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه کلما یقول ، ولا ینبغی لمن خلف الإمام أن یسمعه شیئا مما یقول » (2).

قوله : ( وأن یقول بعد انتصابه : سمع الله لمن حمده ، ویدعو بعده ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین الإمام والمأموم والمنفرد ، وبه صرّح فی المعتبر (3) ، وأسنده إلی علمائنا ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ثم قل : سمع الله لمن حمده - وأنت منتصب قائم - الحمد لله رب العالمین أهل الجبروت والکبریاء والعظمة ، الحمد لله رب العالمین ، تجهر بها صوتک ، ثم ترفع یدیک بالتکبیر وتخر ساجدا » (4) وفی هذه الروایة ردّ علی أبی

ص: 398


1- التهذیب 2 : 77 - 287 ، الإستبصار 1 : 324 - 1211 أورد صدر الحدیث ، الوسائل 4 : 927 أبواب الرکوع ب 6 ح 4.
2- التهذیب 3 : 49 - 170 ، الوسائل 5 : 451 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
3- المعتبر 2 : 203.
4- الکافی 3 : 319 - 1 ، التهذیب 2 : 77 - 289 ، الوسائل 4 : 920 أبواب الرکوع ب 1 ح 1.

______________________________________________________

الصلاح (1) ، وابن زهرة (2) ، حیث ذهبا إلی أنه یقول : « سمع الله لمن حمده » فی حال ارتفاعه من الرکوع.

ولو قیل باستحباب التحمید خاصة للمأموم کان حسنا ، لما رواه الکلینی - رضی الله عنه - فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، قلت : ما یقول الرجل خلف الإمام إذا قال : سمع الله لمن حمده؟ قال : « یقول : الحمد لله رب العالمین ویخفض من الصوت » (3) قال الشیخ : ولو قال : « ربنا ولک الحمد » لم تفسد صلاته (4). لأنه نوع تحمید ، لکن المنقول عن أهل البیت علیهم السلام أولی.

وحکی الشهید - رحمه الله - فی الذکری أن الحسین بن سعید روی بإسناده عن محمد بن مسلم ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده قال من خلفه : ربنا لک الحمد » (5) ثم شهد بصحة الخبر ، والکل حسن إنشاء الله.

وعدّی « سمع » باللام مع أنه متعد بنفسه ، لأنه ضمن معنی : استجاب فعدّی بما تعدّی به ، کما أن قوله تعالی ( لا یَسَّمَّعُونَ إِلَی الْمَلَإِ الْأَعْلی ) (6) ضمن معنی : یصغون فعدّی بإلی. وهذه الکلمة أعنی : « سمع الله لمن حمده » محتملة بحسب اللفظ للدعاء والثناء ، وفی روایة المفضّل ، عن الصادق علیه السلام تصریح بکونها دعاء فإنه قال ، قلت له : جعلت فداک علمنی دعاء جامعا ، فقال لی : « احمد الله فإنه لا یبقی أحد یصلّی إلاّ دعا لک یقول : سمع الله لمن حمده » (7).

ص: 399


1- الکافی فی الفقه : 142.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 559.
3- الکافی 3 : 320 - 2 ، الوسائل 4 : 940 أبواب الرکوع ب 17 ح 1.
4- المبسوط 1 : 112.
5- الذکری : 199 ، الوسائل 4 : 940 أبواب الرکوع ب 17 ح 4.
6- الصافات : 8.
7- الکافی 2 : 503 - 1 ، الوسائل 4 : 940 أبواب الرکوع ب 17 ح 2.

ویکره أن یرکع ویداه تحت ثیابه.

السّادس : السجود

وهو واجب ، فی کل رکعة سجدتان ، وهما رکن فی الصلاة ، تبطل بالإخلال بهما من کل رکعة عمدا وسهوا.

______________________________________________________

قوله : ( ویکره أن یرکع ویداه تحت ثیابه ).

هذا الحکم ذکره الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط وقال : إنه یستحب أن تکون یداه بارزتین أو فی کمّه (1).

وقال ابن الجنید : لو رکع ویداه تحت ثیابه جاز ذلک إذا کان علیه مئزر أو سراویل (2). وتشهد له روایة عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یدخل یدیه تحت ثوبه ، قال : « إن کان علیه ثوب آخر فلا بأس » (3).

وقال أبو الصلاح : یکره إدخال الیدین فی الکمین أو تحت الثیاب (4). وأطلق ، ویدفعه صریحا ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام : قال : سألته عن الرجل یصلّی ولا یخرج یدیه عن ثوبه ، قال : « إن أخرج یدیه فحسن وإن لم یخرج فلا بأس » (5).

قوله : ( السادس ، السجود ، وهو واجب ، فی کل رکعة سجدتان ، وهما رکن فی الصلاة ، تبطل بالإخلال بهما فی کل رکعة عمدا وسهوا ).

السجود

اشارة

ص: 400


1- المبسوط 1 : 112.
2- نقله عنه فی الذکری : 198.
3- الکافی 3 : 395 - 10 ، التهذیب 2 : 356 - 1475 ، الإستبصار 1 : 392 - 1494 ، الوسائل 3 : 314 أبواب لباس المصلی ب 40 ح 4.
4- الکافی فی الفقه : 125.
5- الفقیه 1 : 174 - 822 ، التهذیب 2 : 356 - 1474 ، الإستبصار 1 : 391 - 1491 ، الوسائل 3 : 313 أبواب لباس المصلی ب 40 ح 1.

ولا تبطل بالإخلال بواحده سهوا.

______________________________________________________

أما وجوب السجدتین فی کل رکعة فمتفق علیه بین المسلمین ، بل الظاهر أنه من ضروریات الدین.

وأما أنهما رکن فی الصلاة بمعنی أنها تبطل بالإخلال بهما عمدا وسهوا فقال فی المعتبر : إنه مذهب العلماء کافة (1). والوجه فیه أن الإخلال بالسجود مقتض لعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه فیبقی المکلف تحت العهدة إلی أن یتحقق الامتثال.

ویدل علیه أیضا ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (2).

وربما ظهر فی کلام الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (3) أنهما رکن فی الأوّلتین وثالثة المغرب خاصة ، نظرا إلی أن ناسیهما فی الرکعتین الأخیرتین من الرباعیة یحذف الرکوع ویعود إلیهما ، وسیجی ء البحث فی ذلک مفصلا إن شاء الله تعالی (4).

قوله : ( ولا تبطل بالإخلال بواحدة منهما سهوا ).

هذا مذهب أکثر الأصحاب ، وادعی علیه فی الذکری الإجماع (5). والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل نسی أن یسجد سجدة (6) الثانیة حتی قام فذکر وهو قائم أنه لم یسجد ، قال : « فلیسجد ما لم یرکع ، فإذا رکع فذکر بعد

عدم بطلان الصلاة بالاخلال بسجدة سهوا

ص: 401


1- المعتبر 2 : 206.
2- الفقیه 1 : 225 - 991 ، التهذیب 2 : 152 - 597 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 10 ح 5.
3- المبسوط 1 : 120.
4- فی ج 4 ص 214.
5- الذکری : 200.
6- فی « س » : السجدة.

______________________________________________________

رکوعه أنه لم یسجد فلیمض علی صلاته حتی یسلّم ، ثم یسجدها فإنها قضاء » (1) وما رواه ابن بابویه فی الصحیح أیضا ، عن عبد الله بن مسکان ، عن أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یسجد واحدة وذکرها وهو قائم ، قال : « یسجدها إذا ذکرها ولم یرکع ، فإن کان قد رکع فلیمض علی صلاته ، فإذا انصرف قضاها وحدها ولیس علیه سهو » (2).

ویشهد لهما أیضا صحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا نسیت شیئا من الصلاة رکوعا أو سجودا أو تکبیرا ثم ذکرت فاقض الذی فاتک سهوا » (3).

وصحیحة حکم بن حکیم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی من صلاته رکعة أو سجدة أو الشی ء منها ثم یذکر بعد ذلک فقال : « یقضی ذلک بعینه » فقلت : أیعید الصلاة؟ فقال : « لا » (4).

ونقل عن ظاهر بن أبی عقیل أن نسیان السجدة الواحدة مبطل وإن کان سهوا (5) ، وربما کان مستنده ما رواه علیّ بن إسماعیل ، عن رجل ، عن معلّی بن خنیس ، قال : سألت أبا الحسن الماضی علیه السلام عن الرجل ینسی السجدة من صلاته ، قال : « إذا ذکرها قبل رکوعه سجدها وبنی علی صلاته ، ثم سجد سجدتی السهو بعد انصرافه ، وإن ذکرها بعد رکوعه أعاد الصلاة ، ونسیان السجدة فی الأولتین والأخیرتین سواء » (6) واستدل له المتأخرون أیضا

ص: 402


1- التهذیب 2 : 153 - 602 ، الإستبصار 1 : 359 - 1361 ، الوسائل 4 : 968 أبواب السجود ب 14 ح 1.
2- الفقیه 1 : 228 - 1008 ، الوسائل 4 : 969 أبواب السجود ب 14 ح 4.
3- الفقیه 1 : 228 - 1007 ، وفی التهذیب 2 : 350 - 1450 ، والوسائل 5 : 341 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 26 ح 1 : فاصنع بدل فاقض.
4- التهذیب 2 : 150 - 588 ، الإستبصار 1 : 357 - 1350 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 11 ح 1.
5- المختلف : 131 ، والذکری : 200.
6- التهذیب 2 : 154 - 606 ، الإستبصار 1 : 359 - 1363 ، الوسائل 4 : 969 أبواب السجود ب 14 ح 5.

وواجبات السجود ستة :

الأول : السجود علی سبعة أعضاء : الجبهة ، والکفّان ، والرکبتان وإبهاما الرجلین.

______________________________________________________

بأن الإخلال بالسجدة إخلال بالرکن (1) ، فإن الإخلال بأی جزء کان من الماهیة المرکبة یقتضی الإخلال بالماهیة.

والجواب عن الروایة بالطعن فی السند بالإرسال وغیره ، وحملها الشیخ فی التهذیب علی أن المنسی السجدتان (2) ، وهو بعید.

وعن الثانی بأن انتفاء الماهیة هنا غیر مؤثر کما بیناه. وأجاب عنه الشهید رحمه الله (3) ، ومن تأخر عنه (4) بوجوه ضعیفة. والحق أن هذا الإشکال غیر مختص بهذه المسألة ، بل هو آت فی الإخلال بحرف واحد من القراءة ، لفوات الماهیة المرکبة - أعنی الصلاة بفواته. والجواب عن الجمیع واحد ، وهو إثبات الصحة بدلیل من خارج. وسیجی ء تمام الکلام فی هذه المسألة فی باب السهو إنشاء الله تعالی.

قوله : ( وواجبات السجود ستة ، الأول : السجود علی سبعة أعظم : الجبهة ، والکفان ، والرکبتان ، وإبهاما الرجلین ).

هذا مذهب الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه قول علمائنا أجمع إلاّ المرتضی فإنه جعل عوض الکفین المفصل عند الزندین (5).

والأصل فی ذلک من طرق الأصحاب ما رواه زرارة فی الصحیح قال ،

واجبات السجود

ص: 403


1- الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 120.
2- التهذیب 2 : 154.
3- الذکری : 200.
4- کالشهید الثانی فی روض الجنان : 275.
5- التذکرة : 120.

______________________________________________________

قال أبو جعفر علیه السلام : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : السجود علی سبعة أعظم : الجبهة ، والیدین ، والرکبتین ، والإبهامین ، وترغم بأنفک إرغاما ، فأما الفرض فهذه السبعة ، وأما الإرغام بالأنف فسنّة من النبی صلی الله علیه و آله » (1).

وما رواه حمّاد بن عیسی فی الصحیح أن الصادق علیه السلام لمّا علّمه الصلاة سجد علی ثمانیة أعظم : الکفین ، والرکبتین ، وأنامل إبهامی الرجلین ، والجبهة ، والأنف ، وقال : « سبع منها فرض ووضع الأنف علی الأرض سنة » (2) وهما نص فی المطلوب.

إذا تقرر ذلک فأعلم أنه یکفی فی الکفین والرکبتین وإبهامی الرجلین ما یقع علیه الاسم منها ، ولا نعرف فی ذلک خلافا.

والاعتبار فی الکفین بباطنهما للتأسی ، ولم نقف للمرتضی (3) فی اعتبار المفصل علی حجة.

ولا یتعین فی إبهامی الرجلین رؤسهما وإن کان أولی ، لظاهر روایة حماد المتقدمة. وقال فی المبسوط : لو وضع بعض أصابع رجلیه أجزأه (4). وهو ضعیف.

واختلف کلام الأصحاب فیما یجب وضعه من الجبهة ، فاکتفی الأکثر بما یصدق علیه الاسم منها کغیرها ، لأن الأمر بالمطلق یقتضی الاکتفاء بما یصدق علیه الاسم ، ولما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت له : الرجل یسجد وعلیه قلنسوة أو عمامة فقال : « إذا مسّ شی ء من

ص: 404


1- التهذیب 2 : 299 - 1204 ، الاستبصار 1 : 327 - 1224 ، الخصال : 349 - 23 ، الوسائل 4 : 954 أبواب السجود ب 4 ح 2.
2- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
3- جمل العلم والعمل : 60.
4- المبسوط 1 : 112.

______________________________________________________

جبهته الأرض فیما بین حاجبه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه » (1).

وروی أیضا فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « اسجد علی المروحة أو علی عود أو سواک » (2).

وقال ابن بابویه (3) ، وابن إدریس (4) : یجب مقدار الدرهم. ولعل مستندهما ما رواه زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الجبهة کلها من قصاص شعر الرأس إلی الحاجبین موضع السجود فأیّما سقط من ذلک إلی الأرض أجزأک مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة » (5) والإجزاء إنما یستعمل فی أقل الواجب.

واحتج لهما جدّی - قدس سره - فی روض الجنان (6) بصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها علی الأرض وبعض یغطیه الشعر هل یجوز ذلک؟ قال : « لا حتی تضع جبهتها علی الأرض » (7) وهی غیر دالة علی مطلوبهم. وما تضمنته من السجود علی جمیع الجبهة محمول علی الاستحباب ، إذ لا قائل بوجوبه. ( والأجود حمل الروایة الأولی ) (8) علی الاستحباب أیضا جمعا بین

ص: 405


1- الفقیه 1 : 176 - 833 ، التهذیب 2 : 85 - 314 ، الوسائل 4 : 962 أبواب السجود ب 9 ح 1.
2- الفقیه 1 : 236 - 1039 ، التهذیب 2 : 311 - 1264 ، الوسائل 3 : 606 أبواب ما یسجد علیه ب 15 ح 1.
3- المقنع : 26.
4- السرائر : 47.
5- الکافی 3 : 333 - 1 ، الوسائل 4 : 963 أبواب السجود ب 9 ح 5.
6- روض الجنان : 275.
7- التهذیب 2 : 313 - 1276 ، قرب الإسناد : 101 ، الوسائل 3 : 606 أبواب ما یسجد علیه ب 14 ح 5.
8- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « م » ، « ح » : ومقتضی الروایة الأولی الاکتفاء بمقدار طرف الأنملة وهو دون الدرهم والأجود حملها.

الثانی : وضع الجبهة علی ما یصحّ السجود علیه ، فلو سجد علی کور العمامة لم یجز.

الثالث : أن ینحنی للسجود حتی یساوی موضع جبهته موقفه ، إلا أن یکون علوّا یسیرا بمقدار لبنة لا أزید.

______________________________________________________

الأخبار ، وبه قطع الشهید فی الذکری فی باب المکان (1) ، مع أنه رجع عنه بعد ذلک وقال : والأقرب أن لا ینقص فی الجبهة عن درهم ، لتصریح الخبر ، وکثیر من الأصحاب به ، فیحمل المطلق من الأخبار وکلام الأصحاب علی المقید (2). وهو غیر جید کما لا یخفی.

قوله : ( الثانی ، وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه ، فلو سجد علی کور العمامة لم یجز ).

کور العمامة بفتح الکاف : دورها والمانع من السجود علیه عندنا کونه من غیر جنس ما یصح علیه السجود غالبا لا کونه محمولا.

وأطلق الشیخ فی المبسوط المنع من السجود علی ما هو حامل له ککور العمامة (3). قال فی الذکری : فإن قصد لکونه من جنس ما لا یسجد علیه فمرحبا بالوفاق ، وإن جعل المانع نفس الحمل کمذهب العامة طولب بدلیل المنع (4).

قوله : ( الثالث ، أن ینحنی للسجود حتی یساوی موضع جبهته موقفه ، إلا أن یکون علوا یسیرا بمقدار لبنة لا أزید ).

اللبنة بفتح اللام وکسر الباء ، أو بکسر اللام وسکون الباء ، والمراد بها المعتادة فی زمن صاحب الشرع علیه السلام ، وقدّرت بأربع أصابع مضمومة

ص: 406


1- الذکری : 160.
2- الذکری : 201.
3- المبسوط 1 : 112.
4- الذکری : 159.

______________________________________________________

تقریبا. والحکم بعدم جواز ارتفاع موضع السجود عن الموقف بما یزید عن اللبنة هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (1).

وقال المصنف فی المعتبر : ولا یجوز أن یکون موضع السجود أعلی من موقف المصلّی بما یعتد به مع الاختیار وعلیه علماؤنا ، لأنه یخرج بذلک عن الهیئة المنقولة عن صاحب الشرع ، وقدّر الشیخ حدّ الجواز بلبنة ومنع ما زاد (2). هذا کلامه - رحمه الله - ومقتضاه أن هذا التقدیر مختص بالشیخ رحمه الله .

وربما کان مستنده ما رواه عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن السجود علی الأرض المرتفعة فقال : « إذا کان موضع جبهتک مرتفعا عن موضع یدیک قدر لبنة فلا بأس » (3).

وجه الدلالة أنه علیه السلام علّق نفی البأس علی الارتفاع بقدر اللبنة فیثبت مع انتفاء الشرط ، وهو حجة لکن یمکن المناقشة فی سند الروایة بأن من جملة رجالها : النهدی ، وهو مشترک بین جماعة منهم من لم یثبت توثیقه. مع أن عبد الله بن سنان روی فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن موضع جبهة الساجد أیکون أرفع من مقامه؟ قال : « لا ، ولیکن مستویا » (4) ومقتضاها المنع من الارتفاع مطلقا ، وتقییدها بالروایة الأولی مشکل.

وألحق الشهید (5) - رحمه الله - بالارتفاع : الانخفاض ، وهو حسن ، وتشهد له موثقة عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المریض یقوم علی فراشه ویسجد علی الأرض؟ فقال : « إذا کان الفراش غلیظا قدر آجرة أو أقلّ

ص: 407


1- المنتهی 1 : 288.
2- المعتبر 2 : 207.
3- التهذیب 2 : 313 - 1271 ، الوسائل 4 : 964 أبواب السجود ب 11 ح 1 ، فیهما : موضع یدیک.
4- الکافی 3 : 333 - 4 ، التهذیب 2 : 85 - 315 ، الوسائل 4 : 963 أبواب السجود ب 10 ح 1.
5- البیان : 87.

______________________________________________________

استقام له أن یقوم علیه ویسجد علی الأرض ، وإن کان أکثر من ذلک فلا » (1) واعتبر - رحمه الله - ذلک فی بقیة المساجد أیضا (2) ، وهو أحوط. ولا فرق فی ذلک بین الأرض المنحدرة وغیرها ، لإطلاق النص.

فرع : لو وقعت جبهته علی موضع مرتفع بأزید من اللبنة فقد قطع المصنف ، وغیره (3) بأنه یرفع رأسه ویسجد علی المساوی ، لعدم تحقق السجود معه ، ولروایة الحسین بن حمّاد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أسجد فتقع جبهتی علی الموضع المرتفع قال : « ارفع رأسک ثم ضعه » (4). وفی السند ضعف (5).

والأولی جرّها مع الإمکان ، لصحیحة معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا وضعت جبهتک علی نبکة فلا ترفعها ولکن جرّها علی الأرض » (6) والنبکة - بالنون والباء الموحدة مفتوحتین - : واحدة النبک وهی أکمة محدّدة الرأس. وقیل : النباک التلال الصغار (7).

وجمع المصنف فی المعتبر بین الروایتین بحمل هذه الروایة علی مرتفع یصح معه السجود فیجب السحب لئلا یزید فی السجود (8) ، وهو بعید.

ص: 408


1- الکافی 3 : 411 - 13 ، التهذیب 3 : 307 - 949 ، الوسائل 4 : 964 أبواب السجود ب 11 ح 2.
2- الذکری : 202.
3- کالعلامة فی المنتهی 1 : 288 ، والشهید الأول فی الذکری : 160.
4- التهذیب 2 : 302 - 1219 ، الإستبصار 1 : 330 - 1237 ، الوسائل 4 : 961 أبواب السجود ب 8 ح 4.
5- لجهالة الحسین بن حماد وقال البعض إنه الحسین بن عثمان الأحمسی الثقة ولم یظهر وجهه.
6- الکافی 3 : 333 - 3 ، التهذیب 2 : 302 - 1221 ، الإستبصار 1 : 330 - 1238 ، الوسائل 4 : 960 أبواب السجود ب 8 ح 1.
7- کما فی الصحاح 4 : 1612.
8- المعتبر 2 : 212.

فإن عرض ما یمنع عن ذلک اقتصر علی ما یتمکن منه. وإن افتقر إلی رفع ما یسجد علیه وجب. وإن عجز عن ذلک کلّه أومأ إیماء.

الرابع : الذکر فیه ، وقیل : یختص بالتسبیح ، کما قلناه فی الرکوع.

الخامس : الطمأنینة إلا مع الضرورة المانعة.

______________________________________________________

ولو وقعت الجبهة علی ما لا یصح السجود علیه جرّها إلی ما یسجد علیه ولا یرفعها مع الإمکان ، ومع التعذر یرفعها ولا شی ء علیه.

قوله : ( فإن عرض ما یمنع من ذلک اقتصر علی ما یتمکن منه ، وإن افتقر إلی رفع ما یسجد علیه وجب ، وإن عجز عن ذلک کله أومأ إیماء ).

قد بینا فیما سبق فی باب القیام والرکوع ما یعلم منه هذه الأحکام ، وظاهر المصنف فی المعتبر ، والعلاّمة فی المنتهی أنها کلّها إجماعیة (1).

قوله : ( الرابع ، الذکر فیه ، وقیل : ویختص بالتسبیح ، کما قلناه فی الرکوع ).

البحث فی هذه المسألة کما تقدم فی الرکوع خلافا واستدلالا ومختارا.

قوله : ( الخامس ، الطمأنینة ، إلا مع الضرورة المانعة ).

أما وجوب الطمأنینة فیه بقدر الذکر الواجب فهو قول علمائنا أجمع ، ویدل علیه مضافا إلی التأسی روایتا حریز ، وزرارة المتقدمتان (2). وقال الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف : إنها رکن (3). وهو ضعیف ، لما سیجی ء إن شاء الله من عدم بطلان الصلاة بفواتها سهوا.

ص: 409


1- المعتبر 2 : 208 ، المنتهی 1 : 288.
2- لم نعثر علیهما ولم تتقدما ، وقال فی الحدائق 8 : 290. وأما ما ذکره من الروایتین المشار إلیهما فلم تتقدما فی کلامه والظاهر أنه من سهو رؤوس أقلامه.
3- الخلاف 1 : 125.

السادس : رفع الرأس من السجدة الأولی حتی یعتدل مطمئنا. وفی وجوب التکبیر للأخذ فیه والرفع منه تردد ، والأظهر الاستحباب.

ویستحب فیه أن یکبر للسجود قائما ، ثم یهوی للسجود سابقا بیدیه إلی الأرض ،

______________________________________________________

وأما سقوطها مع الضرورة المانعة منها فظاهر ، لسقوط التکلیف مع الضرورة ویبقی وجوب الذکر بحسب الإمکان. وربما قیل بسقوط الذکر هنا (1) ، وهو بعید جدا.

قوله : ( السادس ، رفع الرأس من السجدة الأولی حتی یعتدل مطمئنا ).

هذا مذهب علمائنا کافة ، ووافقنا علیه أکثر العامة (2) ، ومستنده النصوص قولا وفعلا.

قوله : ( وفی وجوب التکبیر للأخذ فیه والرفع منه تردد ، والأظهر الاستحباب ).

الکلام فی هاتین التکبیرتین کما سبق فی تکبیر الرکوع ، والأصح الاستحباب.

قوله : ( ویستحب أن یکبر للسجود قائما ).

لما رواه حمّاد فی الصحیح : أن الصادق علیه السلام کبّر وهو قائم ورفع یدیه حیال وجهه ، ثم سجد (3).

قوله : ( ثم یهوی للسجود سابقا بیدیه إلی الأرض ).

مستحبات السجود

ص: 410


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 120. قال : فیه تردد.
2- منهم الشافعی فی کتاب الأم 1 : 161 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 598 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 47.
3- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

وأن یکون موضع سجوده مساویا لموقفه أو أخفض ، وأن یرغم بأنفه ،

______________________________________________________

روی زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « فإذا أردت أن تسجد فارفع یدیک بالتکبیر وخرّ ساجدا ، وابدأ بیدیک فضعهما علی الأرض قبل رکبتیک تضعهما معا ، ولا تفترش ذراعیک افتراش السبع ذراعه ، ولا تضعن ذراعیک علی رکبتیک وفخذیک ولکن تجنح بمرفقیک ، ولا تلزق کفیک برکبتیک ، ولا تدنهما من وجهک ، بین ذلک حیال منکبیک ، ولا تجعلهما بین یدی رکبتیک ولکن تحرفهما عن ذلک شیئا وأبسطهما علی الأرض بسطا واقبضهما إلیک قبضا ، وإن کان تحتهما ثوب فلا یضرک وإن أفضیت بهما إلی الأرض فهو أفضل ، ولا تفرّجن بین أصابعک فی سجودک ولکن اضممهن إلیک جمیعا » (1).

قوله : ( وأن یکون موضع سجوده مساویا لموقفه أو أخفض ).

بل الأظهر استحباب المساواة خاصة ، لأنها أنسب بالاعتدال المراد فی السجود ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « ولیکن مستویا » (2) وأقل مراتب الأمر الاستحباب.

قوله : ( وأن یرغم بأنفه ).

الإرغام : إلصاق الأنف بالرغام وهو التراب. وقد أجمع علماؤنا علی أنه من السنن الأکیدة ، وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه : الإرغام سنة فی الصلاة فمن ترکه متعمدا فلا صلاة له (3).

ویدل علی استحبابه مضافا إلی الإجماع صحیحتا زرارة وحمّاد المتقدمتان (4) ، وموثقة عمّار ، عن الصادق ، عن آبائه ، عن علیّ علیهم السلام أنه قال : « لا

ص: 411


1- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
2- الکافی 3 : 333 - 4 ، التهذیب 2 : 85 - 315 ، الوسائل 4 : 963 أبواب السجود ب 10 ح 1.
3- الفقیه 1 : 197 ، 205.
4- ص 404.

ویدعو ، ویزید علی التسبیحة الواحدة ما تیسر ، ویدعو بین السجدتین ، وأن یقعد متورکا ،

______________________________________________________

تجزی صلاة لا یصیب الأنف ما یصیب الجبین » (1) وهی محمولة علی نفی الإجزاء الکامل.

وقیل : إن السنة فی الإرغام تتأدی بوضع الأنف علی ما یصح السجود علیه وإن لم یکن ترابا (2). وهو غیر بعید.

وتجزئ إصابة الأنف المسجد بأی جزء اتفق. واعتبر المرتضی إصابة الجزء الأعلی منه وهو الذی یلی الحاجبین (3) ، ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( ویدعو ، ویزید علی التسبیحة الواحدة ما تیسر ، ویدعو بین السجدتین. وأن یقعد متورکا ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة ، منها : ما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سجدت فکبّر وقل : اللهم لک سجدت وبک آمنت ولک أسلمت وعلیک توکلت وأنت ربی ، سجد وجهی للذی خلقه وشق سمعه وبصره ، والحمد لله رب العالمین ، تبارک الله أحسن الخالقین. ثم قل : سبحان ربی الأعلی ثلاث مرات. فإذا رفعت رأسک فقل بین السجدتین : اللهم أغفر لی وارحمنی واجبرنی وادفع عنی وعافنی ، إنی لما أنزلت إلیّ من خیر فقیر ، تبارک الله رب العالمین » (4).

وفی صحیحة حمّاد : إن الصادق علیه السلام لما علّمه الصلاة رفع رأسه من السجود ، فلما استوی جالسا قال : الله أکبر ، وقعد علی فخذه الأیسر قد

ص: 412


1- التهذیب 2 : 298 - 1202 ، الإستبصار 1 : 327 - 1223 ، الوسائل 4 : 954 أبواب السجود ب 4 ح 4.
2- کما فی المسالک 1 : 32 ، ومجمع الفائدة 2 : 264.
3- جمل العلم والعمل : 60.
4- الکافی 3 : 321 - 1 ، التهذیب 2 : 79 - 295 ، الوسائل 4 : 951 أبواب السجود ب 2 ح 1 ، بتفاوت یسیر.

وأن یجلس عقیب السجدة الثانیة مطمئنا ،

______________________________________________________

وضع قدمه الأیمن علی بطن قدمه الأیسر وقال : أستغفر الله ربی وأتوب إلیه ، ثم کبّر وهو جالس وسجد ».

ویستحب الدعاء فی السجود للدین والدنیا کما ورد فی الخبر ، وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، قال : صلّی بنا أبو بصیر فی طریق مکة فقال وهو ساجد ، وقد کانت ضلّت ناقة لجمّالهم : « اللهم ردّ علی فلان ناقته » قال محمد : فدخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فأخبرته فقال : « وفعل؟ » قلت : نعم ، قال : فسکت قلت : فأعید الصلاة؟ قال : « لا » (1).

قوله : ( وأن یجلس عقیب السجدة الثانیة مطمئنا ).

استحباب هذه الجلسة مذهب الأکثر ، وأوجبها المرتضی فی الانتصار محتجا بالإجماع والاحتیاط (2) ، واستدل له فی المختلف (3) بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا رفعت رأسک من السجدة الثانیة فی الرکعة الأولی حین ترید أن تقوم فاستو جالسا ثم قم » (4) فإن ظاهر الأمر الوجوب ، وهو معارض بما رواه الشیخ ، عن زرارة ، قال : رأیت أبا جعفر وأبا عبد الله علیهماالسلام إذا رفعا رؤسهما من السجدة الثانیة نهضا ولم یجلسا (5). والسندان متقاربان.

ویدل علی الاستحباب مضافا إلی ما سبق صحیحة عبد الحمید بن عواض أنه رأی أبا عبد الله علیه السلام إذا رفع رأسه من السجدة الثانیة من الرکعة

ص: 413


1- الکافی 3 : 323 - 8 ، التهذیب 2 : 300 - 1208 ، الوسائل 4 : 973 أبواب السجود ب 17 ح 1.
2- الانتصار : 46.
3- المختلف : 96.
4- التهذیب 2 : 82 - 303 ، الإستبصار 1 : 328 - 1229 ، الوسائل 4 : 956 أبواب السجود ب 5 ح 3.
5- التهذیب 2 : 83 - 305 ، الإستبصار 1 : 328 - 1231 ، الوسائل 4 : 956 أبواب السجود ب 5 ح 2.

ویدعو عند القیام ،

______________________________________________________

الأولی جلس حتی یطمئن ثم یقوم (1).

قوله : ( ویدعو عند القیام ).

صورة الدعاء ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قمت من السجود قلت : اللهم ربی بحولک وقوتک أقوم وأقعد ، وإن شئت قلت : وأرکع وأسجد » (2) وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا جلست فی الرکعتین الأوّلتین فتشهّدت ثم قمت فقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد » (3).

ویستفاد من هذه الروایة وغیرها عدم مشروعیة التکبیر عند القیام من التشهد ، وهو اختیار الشیخ (4) وأکثر الأصحاب.

وقال المفید - رحمه الله - إنه یقوم بالتکبیر (5). وهو ضعیف. أما أوّلا فلما أوردناه من النقل. وأما ثانیا فلأن تکبیرات الصلاة منحصرة فی خمس وتسعین (6) : خمس للافتتاح ، وخمس للقنوت ، والبواقی للرکوع والسجود ، فلو قام إلی الثالثة بالتکبیر لزاد أربعا. ویدل علی هذا العدد روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « التکبیر فی صلاة الفرض فی الخمس صلوات خمس وتسعون تکبیرة ، منها تکبیرة القنوت خمس » (7).

ص: 414


1- التهذیب 2 : 82 - 302 ، الإستبصار 1 : 328 - 1128 ، الوسائل 4 : 956 أبواب السجود ب 5 ح 1.
2- التهذیب 2 : 86 - 320 ، الوسائل 4 : 966 أبواب السجود ب 13 ح 1.
3- الکافی 3 : 338 - 11 ، التهذیب 2 : 88 - 326 ، الوسائل 4 : 966 أبواب السجود ب 13 ح 3.
4- التهذیب 2 : 88 ، الاستبصار 1 : 337.
5- نقله عنه فی الذکری : 184.
6- المراد : مجموع تکبیرات الصلوات الخمس المفروضات.
7- التهذیب 2 : 87 - 323 ، الإستبصار 1 : 336 - 1264 ، الوسائل 4 : 719 أبواب تکبیرة الإحرام ب 5 ح 1.

ویعتمد علی یدیه سابقا برفع رکبتیه.

ویکره الإقعاء بین السجدتین.

______________________________________________________

قوله : ( ویعتمد بیدیه سابقا برفع رکبتیه ).

هذا مذهب الأصحاب ، ویدل علیه روایات ، منها : ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام یضع یدیه قبل رکبتیه إذا سجد ، وإذا أراد أن یقوم رفع رکبتیه قبل یدیه (1).

قوله : ( ویکره الإقعاء بین السجدتین ).

الإقعاء ، هو أن یعتمد بصدور قدمیه علی الأرض ویجلس علی عقبیه ، قاله فی المعتبر ، ونقل عن بعض أهل اللغة أنه الجلوس علی ألییه ناصبا فخذیه مثل إقعاء الکلب ، قال : والمعتمد الأول ، لأنه تفسیر الفقهاء وبحثهم علی تقدیره (2).

وقد اختلف الأصحاب فی حکمه ، فذهب الأکثر إلی کراهته ، وادعی علیه الشیخ فی الخلاف الإجماع (3) ، ونقله المصنف فی المعتبر عن معاویة بن عمار ومحمد بن مسلم من القدماء (4).

ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تقع بین السجدتین إقعاء » (5).

وفی الصحیح عن الحلبی ، وابن مسلم ، وابن عمار قالوا ، قال : « لا

کراهة الاقعاء بین السجدتین

ص: 415


1- التهذیب 2 : 78 - 291 ، الإستبصار 1 : 325 - 1215 أورد صدر الحدیث ، الوسائل 4 : 950 أبواب السجود ب 1 ح 1.
2- المعتبر 2 : 218.
3- الخلاف 1 : 125.
4- المعتبر 2 : 218.
5- التهذیب 2 : 301 - 1213 ، الإستبصار 1 : 327 - 1225 ، الوسائل 4 : 957 أبواب السجود ب 6 ح 1.

مسائل ثلاث :

الأولی : من به ما یمنع من وضع الجبهة علی الأرض کالدمّل إذا لم یستغرق الجبهة یحتفر حفیرة لیقع السلیم من جبهته علی الأرض.

______________________________________________________

تقع فی الصلاة بین السجدتین کإقعاء الکلب » (1).

ویمکن الاستدلال علیه أیضا بقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إیاک والقعود علی قدمیک فتتأذی بذلک ، ولا تکون قاعدا علی الأرض فتکون إنما قعد بعضک علی بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء » (2) فإن العلة التی ذکرها فی التشهد تحصل فی غیره فیتعدی الحکم إلیه.

وقال الشیخ فی المبسوط (3) ، والمرتضی (4) - رضی الله عنه - : إنه لیس بمکروه. وربما کان مستندهما ما رواه الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا بأس بالإقعاء بین السجدتین » (5) ویمکن حمل البأس هنا علی التحریم جمعا بین الأدلة.

قوله : ( مسائل ثلاث ، الأولی : من به ما یمنع وضع الجبهة علی الأرض کالدمل إذا لم یستغرق الجبهة یحتفر حفیرة لیقع السلیم من جبهته علی الأرض ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، لأن مقدمة الواجب المطلق واجبة ، ولما رواه الشیخ ، عن مصادف قال : خرج بی دمل فکنت أسجد علی جانب فرأی فی أبو عبد الله علیه السلام أثره فقال : « ما هذا؟ » فقلت : لا أستطیع

حکم من بجبهته دمل

ص: 416


1- التهذیب 2 : 83 - 306 ، الإستبصار 1 : 328 - 1227 ، الوسائل 4 : 957 أبواب السجود ب 6 ح 2.
2- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
3- المبسوط 1 : 113.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 218 ، والمنتهی 1 : 290.
5- التهذیب 2 : 301 - 1212 ، الإستبصار 1 : 327 - 1226 ، الوسائل 4 : 957 أبواب السجود ب 6 ح 3.

فإن تعذّر سجد علی أحد الجبینین ، فإن کان هناک مانع سجد علی ذقنه.

______________________________________________________

أن أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا فقال : « لا تفعل ذلک احتفر حفیرة واجعل الدمل فی الحفیرة حتی تقع جبهتک علی الأرض » (1).

ولا یختص هذا الحکم بالدمل ، بل الجرح والورم ونحوهما إذا لم یمکن وضع الجبهة معهما کذلک. ولا یخفی أن الحفیرة غیر متعینة ، فلو اتخذ آلة مجوفة من طین أو خشب ونحوهما أجزأه.

قوله : ( وإن تعذر سجد علی أحد الجبینین ، فإن کان هناک مانع سجد علی ذقنه ).

أما السجود علی أحد الجبینین فهو قول علمائنا وأکثر العامة (2) ، واحتج علیه فی المعتبر بأنهما مع الجبهة کالعضو الواحد فیقوم أحدهما مقامها للعذر ، وبأن السجود علی أحد الجبینین أشبه بالسجود علی الجبهة من الإیماء ، وبأن الإیماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبین أولی (3).

وأما السجود علی الذقن مع تعذر الجبینین فاستدل علیه بما رواه الکلینی مرسلا عن الصادق علیه السلام ، أنه سئل عمن بجبهته علة لا یقدر علی السجود علیها ، قال : « یضع ذقنه علی الأرض ، إن الله عزّ وجلّ یقول : ( یَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً ) (4) » (5) وهذه الروایة وإن ضعف سندها إلاّ أن مضمونها مجمع علیه بین الأصحاب.

ولا ترتیب بین الجبینین لکن الأولی تقدیم الأیمن ، خروجا من خلاف ابن بابویه حیث أوجب تقدیمه (6).

ص: 417


1- التهذیب 2 : 86 - 317 ، الوسائل 4 : 965 أبواب السجود ب 12 ح 1.
2- منهم الشافعی فی الأم 1 : 114 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 591.
3- المعتبر 2 : 209.
4- الإسراء : 107.
5- الکافی 3 : 334 - 6 ، الوسائل 4 : 965 أبواب السجود ب 12 ح 2.
6- المقنع : 26.

الثانیة : سجدات القرآن خمس عشرة. أربع منها واجبة وهی فی سجدة أ ل م وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربک. وإحدی عشرة مسنونة وهی فی : الأعراف ، والرعد ، والنحل وبنی إسرائیل ، ومریم ، والحج فی موضعین ، والفرقان والنمل ، وص ، وإذا السماء انشقت.

______________________________________________________

والمراد بالذقن مجمع اللحیین ، ولا یجب کشفه من شعر اللحیة لإطلاق الخبر. ولو تعذر جمیع ذلک أومأ ، وینبغی رفع ما یسجد علیه کما تقدم تحقیقه.

قوله : ( الثانیة ، سجدات القرآن خمس عشرة ، أربع واجبة ، وهی سجدة الم وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربک. وإحدی عشرة مسنونة إلی آخره ).

أجمع الأصحاب علی وجوب سجود التلاوة فی العزائم الأربع.

والأصل فیه قول أمیر المؤمنین علیه السلام : « عزائم السجود أربع » (1). وعدّدها.

وما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر قال ، قال : « إذا قرئ شی ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن کنت علی غیر وضوء ، وإن کانت جنبا ، وإن کانت المرأة لا تصلّی ، وسائر القرآن أنت فیه بالخیار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد » (2).

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قرأت شیئا من العزائم التی یسجد فیها فلا تکبر قبل سجودک ولکن تکبر حین ترفع رأسک ، والعزائم أربعة : حم السجدة ، وتنزیل ، والنجم ، واقرأ باسم ربک » (3).

سجدات القرآن

ص: 418


1- الخلاف 1 : 154 ، المستدرک علی الصحیحین 2 : 529 ، سنن البیهقی 2 : 315.
2- التهذیب 2 : 291 - 1171 ، الوسائل 4 : 880 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 2.
3- الکافی 3 : 317 - 1 ، التهذیب 2 : 291 - 1170 ، الوسائل 4 : 880 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1.

والسجود واجب فی العزائم الأربع للقارئ والمستمع ، ویستحب للسامع علی الأظهر. وفی البواقی یستحب علی کل حال.

______________________________________________________

وأما استحباب السجود فی غیر هذه الأماکن الأربعة من المواضع الخمس عشرة فمقطوع به فی کلام الأصحاب مدعی علیه الإجماع ، ولم أقف فیه علی نص یعتد به.

قوله : ( والسجود واجب فی العزائم الأربع علی القاری والمستمع ، ویستحب للسامع علی الأظهر ).

أما الوجوب علی القاری والمستمع فثابت بإجماع العلماء ، وإنما الخلاف فی السامع بغیر إنصات فقیل : یجب السجود علیه أیضا (1). وبه قطع ابن إدریس مدعیا علیه الإجماع (2). ویدل علیه إطلاق کثیر من الروایات کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یعلّم السورة من العزائم فتعاد علیه مرارا فی المقعد الواحد ، قال : « علیه أن یسجد کل ما سمعها ، وعلی الذی یعلّمه أیضا أن یسجد » (3) وموثقة أبی عبیدة الحذاء ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الطامث تسمع السجدة ، قال : « إن کانت من العزائم تسجد إذا سمعتها » (4).

وقال الشیخ فی الخلاف : لا یجب علیه السجود (5). واستدل بإجماع الفرقة ، وبما رواه عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل سمع السجدة تقرأ ، قال : « لا یسجد إلاّ أن یکون منصتا لقراءته مستمعا لها ، أو یصلّی بصلاته ، فأما أن یکون یصلّی فی ناحیة وأنت فی أخری

ص: 419


1- کما فی المسالک 1 : 32.
2- السرائر : 47.
3- التهذیب 2 : 293 - 1179 ، الوسائل 4 : 884 أبواب قراءة القرآن ب 45 ح 1.
4- الکافی 3 : 106 - 3 ، التهذیب 1 : 129 - 353 ، الإستبصار 1 : 115 - 385 ، الوسائل 2 : 584 أبواب الحیض ب 36 ح 1.
5- الخلاف 1 : 156.

ولیس فی شی ء من السجدات تکبیر ولا تشهد ولا تسلیم. ولا یشترط فیها الطهارة ولا استقبال القبلة علی الأظهر.

______________________________________________________

فلا تسجد إذا سمعت » (1).

وهذه الروایة واضحة الدلالة لکن فی طریقها محمد بن عیسی ، عن یونس ، وقد نقل الصدوق - رحمه الله - عن شیخه ابن الولید أنه قال : ما تفرّد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه ، قال : ورأیت أصحابنا ینکرون هذا القول ویقولون : من مثل أبی جعفر محمد بن عیسی (2). وأنا فی هذه المسألة من المتوقفین.

قوله : ( ولیس فی شی ء من السجدات تکبیر ولا تشهد ولا تسلیم ).

التکبیر المنفی هو تکبیرة الافتتاح ، وقد أجمع الأصحاب علی عدم مشروعیته فیه کما لا یشرع التشهد ولا التسلیم ، لأن الأمر إنما وقع بالسجود فیکون ما عداه منفیا بالأصل. نعم یستحب التکبیر عند الرفع من السجود کما تضمنته صحیحة ابن سنان ، عن الصادق علیه السلام (3).

قوله : ( ولا یشترط فیها الطهارة ولا استقبال القبلة علی الأظهر ).

هذا هو الأجود ، لعدم دلیل یدل علی الاشتراط. وکذا لا یشترط الستر ، ولا خلو البدن أو الثوب من النجاسة التی لا یعفی عنها فی الصلاة. وفی اشتراط وضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه ، والسجود علی الأعضاء السبعة ، واعتبار المساواة بین الموقف والمسجد نظر ، ولا ریب أن اعتبار ذلک أحوط.

وینبغی الذکر فیه ، بما رواه أبو عبیدة الحذاء فی الصحیح ، عن أبی

ص: 420


1- الکافی 3 : 318 - 3 ، التهذیب 2 : 291 - 1169 ، الوسائل 4 : 882 أبواب القراءة القرآن ب 43 ح 1.
2- نقله عنه النجاشی فی رجاله : 333 - 896.
3- المتقدمة فی ص 418.

ولو نسیها أتی بها فیما بعد.

الثالثة : سجدتا الشکر مستحبتان عند تجدد النعم ودفع النقم وعقیب الصلوات ،

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قرأ أحدکم السجدة من العزائم فلیقل فی سجوده : سجدت لک تعبدا ورقّا ، لا مستکبرا عن عبادتک ولا مستنکفا ولا متعظما ، بل أنا عبد ذلیل خائف مستجیر » (1).

قوله : ( ولو نسیها أتی بها فیما بعد ).

أجمع الأصحاب علی أن سجود التلاوة واجب علی الفور ، وصرحوا أیضا بأنه لا یسقط بالتأخیر.

وتدل علیه صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن الرجل یقرأ السجدة فینساها حتی یرکع ویسجد ، قال : « یسجد إذا ذکر إذا کانت من العزائم » (2).

ولو أتی بها فیما بعد فهل ینوی فیها القضاء أم الأداء؟

قیل بالأول (3) ، لأنها واجبة علی الفور فوقتها وجود السبب ، فإذا أتی بها بعد فواته فقد فعلت فی غیر وقتها وذلک معنی القضاء.

وقیل بالثانی ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر (4) ، لعدم التوقیت.

والأظهر عدم التعرض لشی ء منهما ، لأنهما من توابع الوقت المضروب شرعا ، وهو منتف هنا.

قوله : ( الثالثة ، سجدتا الشکر مستحبتان عند تجدد النعم ودفع النقم وعقیب الصلاة ).

سجدتا الشکر

ص: 421


1- الکافی 3 : 328 - 23 ، الوسائل 4 : 884 أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 1.
2- التهذیب 2 : 292 - 1176 ، الوسائل 4 : 778 أبواب القراءة فی الصلاة ب 39 ح 1.
3- کما فی المبسوط 1 : 114 ، والذکری : 215.
4- المعتبر 2 : 274.

______________________________________________________

أما استحباب هذا السجود عند تجدد النعم ودفع النقم فهو قول علمائنا وأکثر العامة (1) ، لما روی أن النبی صلی الله علیه و آله کان إذا أتاه أمر یسرّ به خرّ ساجدا (2). وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من سجد سجدة (3) الشکر وهو متوض کتب الله له بها عشر صلوات ومحی عنه عشر خطایا عظام » (4).

وأما استحبابها عقیب الصلاة شکرا علی التوفیق لأدائها فقال فی التذکرة : إنه مذهب علمائنا أجمع (5). خلافا للجمهور (6). ویدل علیه روایات کثیرة : منها ما رواه الشیخ ، وابن بابویه فی الصحیح ، عن مرازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « سجدة الشکر واجبة علی کل مسلم ، تتم بها صلاتک ، وترضی بها ربک ، وتعجب الملائکة منک ، وإن العبد إذا صلّی ثم سجد سجدة الشکر فتح الرب تعالی الحجاب بین العبد وبین الملائکة فیقول : یا ملائکتی انظروا إلی عبدی أدّی فرضی وأتم عهدی ثم سجد لی شکرا علی ما أنعمت به علیه ، ملائکتی ماذا له؟ قال : فتقول الملائکة : یا ربنا رحمتک ، ثم یقول الرب تعالی : ثم ما ذا له؟ فتقول الملائکة : یا ربنا جنتک ، فیقول الرب تعالی : ثم ماذا؟ فتقول الملائکة : یا ربنا کفایة مهمه ، فیقول الرب تعالی : ثم ما ذا؟ فلا یبقی شی ء من الخیر إلاّ قالته الملائکة ، فیقول الله تعالی : یا ملائکتی ثم ماذا؟ فتقول الملائکة : یا ربنا لا علم لنا ، فیقول الله تعالی : لأشکرنّه کما شکرنی وأقبل إلیه بفضلی وأریه رحمتی » (7).

ص: 422


1- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 828 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 63.
2- سنن ابن ماجة 1 : 446 - 1394 ، سنن الترمذی 3 : 69 - 1626 بتفاوت یسیر.
3- فی « م » : سجدتی.
4- الفقیه 1 : 218 - 971 ، الوسائل 4 : 1070 أبواب سجدتی الشکر ب 1 ح 1.
5- التذکرة 1 : 124.
6- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 1 : 690.
7- الفقیه 1 : 220 - 978 ، التهذیب 2 : 110 - 415 ، الوسائل 4 : 1071 أبواب سجدتی الشکر ب 1 ح 5.

______________________________________________________

ویستحب فیها الدعاء ، وأفضله المأثور عن أهل البیت علیهم السلام .

وروی الأصحاب أن أدنی ما یجزئ فیه أن یقول : شکرا لله ثلاثا (1). وروی ابن بابویه ، عن الصادق علیه السلام : « إن العبد إذا سجد فقال : یا رب یا رب حتی ینقطع نفسه قال له الرب عز وجل : لبیک ما حاجتک » (2).

وروی الشیخ وابن بابویه فی الحسن ، عن الثقة الصدوق عبد الله بن جندب ، قال : سألت أبا الحسن الماضی علیه السلام عما أقول فی سجدتی الشکر ، فقد اختلف أصحابنا فیه ، فقال : « قل وأنت ساجد : اللهم إنی أشهدک وأشهد ملائکتک وأنبیاءک ورسلک وجمیع خلقک أنک الله ربی ، والإسلام دینی ، ومحمّد نبیی ، وعلیّ وفلان وفلان إلی آخرهم أئمتی بهم أتولّی ومن عدوهم أتبرّأ ، « اللهم إنی أنشدک دم المظلوم » ثلاثا ، اللهم إنی أنشدک بإیوائک علی نفسک لأولیائک لتظفرنّهم بعدوک وعدوهم أن تصلی علی محمد وآل محمد وعلی المستحفظین من آل محمد ، « اللهم إنی أسألک الیسر بعد العسر » ثلاثا ، ثم ضع خدک الأیمن بالأرض وتقول : یا کهفی حین تعیینی المذاهب وتضیق علیّ الأرض بما رحبت ویا بارئ خلقی رحمة بی وکان عن خلقی غنیا صلّ علی محمد وآل محمد وعلی المستحفظین من آل محمد ، ثم تضع خدک الأیسر وتقول : « یا مذلّ کل جبّار ویا معزّ کل ذلیل قد وعزتک بلغ مجهودی » ثلاثا ، ثم تقول : « یا حنان یا منان یا کاشف الکرب العظیم » ثلاثا ، ثم تعود إلی السجود فتقول مائة مرة : شکرا شکرا ، ثم تسأل الله حاجتک إن شاء الله » (3).

ویستحب فی هذا السجود أن یفترش ذراعیه بالأرض وأن یلصق جؤجؤه - بضم الجیمین والهمزة وهو صدره - بها ، لما رواه الشیخ فی التهذیب بإسناده إلی

ص: 423


1- منهم الشهید الأول فی الذکری : 213.
2- الفقیه 1 : 219 - 975 ، الوسائل 4 : 1079 أبواب سجدتی الشکر ب 6 ح 3.
3- الفقیه 1 : 217 - 966 ، التهذیب 2 : 110 - 416 ، الوسائل 4 : 1078 أبواب سجدتی الشکر ب 6 ح 1 ، فیه وفی الفقیه بتفاوت.

ویستحب بینهما التعفیر.

______________________________________________________

جعفر بن علیّ ، قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعیه وألصق جؤجؤه بالأرض فی ثیابه (1). وعن یحیی بن عبد الرحمن ، قال : رأیت أبا الحسن الثالث علیه السلام سجد سجدة الشکر فافترش ذراعیه وألصق صدره وبطنه فسألته عن ذلک فقال : « کذا یجب » (2) والمراد به شدة الاستحباب.

ویستحب أن تکون هذه السجدة عقیب تعقیبه بحیث تجعل خاتمته ، وروی ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : إن أبا الحسن موسی بن جعفر علیه السلام کان یسجد بعد ما یصلّی فلا یرفع رأسه حتی یتعالی النهار (3).

قوله : ( ویستحب بینهما التعفیر ).

أی تعفیر الجبینین ، وهو وضعهما علی العفر - بالفتح - وهو التراب وبه یتحقق تعدد السجود ، وهو مستحب باتفاقنا ، لما رواه الشیخ ، عن أبی الحسن الثالث علیه السلام أنه قال : « إن علامات المؤمن خمس » وعدّ منها تعفیر الجبین (4).

وکذا یستحب تعفیر الخدین أیضا ، لما رواه الشیخ ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « کان موسی بن عمران علیه السلام إذا صلّی لم ینفتل حتی یلصق خدّه الأیمن وخدّه الأیسر بالأرض » قال إسحاق : رأیت من یصنع ذلک. قال محمد بن سنان : یعنی موسی بن جعفر علیه السلام فی الحجر فی جوف اللیل (5).

ص: 424


1- التهذیب 2 : 85 - 311 ، الوسائل 4 : 1076 أبواب سجدتی الشکر ب 4 ح 3.
2- الکافی 3 : 324 - 15 ، التهذیب 2 : 85 - 312 ، الوسائل 4 : 1076 أبواب سجدتی الشکر ب 4 ح 2.
3- الفقیه 1 : 218 - 970 ، الوسائل 4 : 1073 أبواب سجدتی الشکر ب 2 ح 1.
4- التهذیب 6 : 52 - 122 ، الوسائل 10 : 373 أبواب المزار وما یناسبه ب 56 ح 1 وفیهما : عن الحسن العسکری علیه السلام .
5- التهذیب 2 : 109 - 414 ، الوسائل 4 : 1075 أبواب سجدتی الشکر ب 3 ح 3 وفیهما : رأیت من آبائی من یصنع ذلک ، قال محمد بن سنان : یعنی موسی فی الحجر.

السّابع : التشهد

وهو واجب فی کل ثنائیة مرة وفی الثلاثیة والرباعیّة مرتین ، ولو أخل بهما أو بأحدهما عامدا بطلت صلاته.

والواجب فی کل واحد منهما خمسة أشیاء : الجلوس بقدر التشهد ، والشهادتان ، والصلاة علی النبی ، وعلی آله علیهم السلام .

______________________________________________________

ویستحب لمن أصابه همّ إذا رفع رأسه من السجود أن یمسح یده علی موضع سجوده ثم یمرها علی وجهه من جانب خده الأیسر وعلی جبهته إلی جانب خدّه الأیمن ویقول : « بسم الله الذی لا إله إلاّ هو ، عالم المغیب والشهادة ، الرحمن الرحیم ، اللهم أذهب عنی الغم والحزن » ثلاثا ، رواه ابن بابویه ، عن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن الصادق علیه السلام (1).

قوله : ( السابع ، التشهد : وهو واجب فی کل ثنائیة مرة وفی الثلاثیة والرباعیة مرتین ، ولو أخل بهما أو بأحدهما عمدا بطلت صلاته ).

هذا قول علمائنا أجمع ، ویدل علیه مضافا إلی فعل النبی صلی الله علیه و آله له فی بیان الواجب وأمره به روایات کثیرة ستجی ء فی غضون هذا الباب إنشاء الله.

قوله : ( والواجب فی کل واحد منهما خمسة أشیاء : الجلوس بقدر التشهد ).

لا ریب فی وجوب ذلک ، للإجماع والتأسی ، والأخبار المستفیضة (2).

قوله : ( والشهادتان ، والصلاة علی النبی وآله علیهم السلام .

التشهد

واجبات التشهد

ص: 425


1- الفقیه 1 : 218 - 968 ، الوسائل 4 : 1077 أبواب سجدتی الشکر ب 5 ح 1.
2- الوسائل 4 : 987 أبواب التشهد ب 1.

وصورتهما : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، ثم یأتی بالصلاة علی النبی وآله. ومن لم یحسن التشهد وجب علیه الإتیان بما یحسن منه مع ضیق الوقت ، ثم یجب علیه تعلم ما لم یحسن منه.

______________________________________________________

وصورتهما : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، ثم یأتی بالصلاة علی النبی وآله ).

المشهور بین الأصحاب انحصار الواجب من التشهد فیما ذکره المصنف - رحمه الله - وأنه لا یجب ما زاد عنه ولا یجزئ ما دونه.

واقتصر الصدوق فی المقنع علی الشهادتین ولم یذکر الصلاة علی محمد وآل محمد. ثم قال : وأدنی ما یجزئ من التشهد أن یقول الشهادتین أو یقول : « بسم الله وبالله » ثم یسلّم (1). وقال فی کتاب من لا یحضره الفقیه : إذا رفعت رأسک من السجدة الثانیة تشهّد وقل : بسم الله وبالله ، والحمد لله ، والأسماء الحسنی کلها لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشیرا ونذیرا بین یدی الساعة. ثم انهض إلی الثالثة (2).

وقال ابن الجنید : تجزئ الشهادتان إذا لم تخل الصلاة من الصلاة علی محمد وآل محمد فی أحد التشهدین (3).

وقیل : إن الواجب فی التشهد أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صلّ علی محمد وآل محمد (4). وهذه الصورة مجزئة بالإجماع ، وقد وردت فی روایة عبد الملک بن عمرو ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « التشهد فی الرکعتین الأوّلتین : الحمد لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،

ص: 426


1- المقنع : 29.
2- الفقیه 1 : 209.
3- نقله عنه فی الذکری : 204.
4- کما فی القواعد 1 : 35.

ومسنون هذا القسم : أن یجلس متورّکا ، وصفته : أن یجلس علی ورکه الأیسر ، ویخرج رجلیه جمیعا ، فیجعل ظاهر قدمه الأیسر إلی الأرض ، وظاهر قدمه الأیمن إلی باطن الأیسر.

______________________________________________________

اللهم صلّ علی محمد وآل محمد ، وتقبل شفاعته (1) وارفع درجته » (2).

لکن فی طریق هذه الروایة عبد الله بن بکیر وهو فطحی ، وراویها وهو عبد الملک بن عمرو ذکره العلاّمة فی الخلاصة فی القسم الأول (3) ولم یورد فیه سوی حدیث واحد عنه : إن الصادق علیه السلام قال له : « إنی لأدعو لک حتی أسمّی دابتک » أو قال : « أدعو لدابتک » وهو شهادة لنفسه.

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار المعتبرة روایتان صحیحتا السند ، روی إحداهما محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : التشهد فی الصلاة قال : « مرتین » قال ، قلت : وکیف مرتین؟ قال : « إذا استویت جالسا فقل : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف » (4).

والأخری رواها زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما یجزی من القول فی التشهد فی الرکعتین الأوّلتین؟ قال : « أن تقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له » قلت : فما یجزی من تشهد الرکعتین الأخیرتین؟ قال : « الشهادتان » (5).

ومقتضی هاتین الروایتین عدم وجوب الصلوات علی محمد وآل محمد ،

ص: 427


1- فی « س » ، « ح » زیادة : فی أمته.
2- التهذیب 2 : 92 - 344 ، الوسائل 4 : 989 أبواب التشهد ب 3 ح 1.
3- خلاصة العلامة : 115.
4- التهذیب 2 : 101 - 379 ، الإستبصار 1 : 342 - 1289 ، الوسائل 4 : 992 أبواب التشهد ب 4 ح 4.
5- التهذیب 2 : 100 - 374 ، الإستبصار 1 : 341 - 1284 ، الوسائل 4 : 991 أبواب التشهد ب 4 ح 1.

وأن یقول ما زاد علی الواجب من تحمید ودعاء.

______________________________________________________

وقد نقل المصنف - رحمه الله - فی المعتبر الإجماع علی وجوبها (1) واستدل علیه من طریق الأصحاب بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی بصیر وزرارة قالا ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إن من تمام الصوم إعطاء الزکاة کما أن الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله من تمام الصلاة ، لأنه من صام ولم یؤدّ الزکاة فلا صوم له إذا ترکها متعمدا ، ولا صلاة له إذا ترک الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله » (2).

وقد یقال : إن أقصی ما تدل علیه الروایة وجوب الصلاة علی محمد وآله فی الصلاة ، أما فی کونها فی کل من التشهدین فلا ، علی أنّ هذا التشبیه ربما اقتضی توجه النفی إلی الفضیلة والکمال لا الصحة ، للإجماع علی عدم توقف صحة الصوم علی إخراج الزکاة.

والغرض من ذلک تحریر الأدلة وإلاّ فلا ریب فی رجحان الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله فی جمیع الأحوال ، بل لا یبعد وجوبها إذا ذکر ، لما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « وصل علی النبی صلی الله علیه و آله کلّما ذکرته أو ذکره ذاکر عندک » (3).

وروی عبد الله بن سنان فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یذکر النبی صلی الله علیه و آله وهو فی الصلاة المکتوبة إمّا راکعا وإمّا ساجدا فیصلّی علیه وهو علی تلک الحال؟ فقال : « نعم إن الصلاة علی نبیّ الله صلی الله علیه و آله کهیئة التکبیر والتسبیح ، وهی عشر حسنات یبتدرها ثمانیة عشر ملکا أیّهم یبلغها إیاه » (4).

ص: 428


1- المعتبر 2 : 226.
2- التهذیب 2 : 159 - 625 ، الاستبصار 1 : 343 - 1292 ، وفیها : أبو بصیر عن زرارة. الوسائل 4 : 999 أبواب التشهد ب 10 ح 2. بتفاوت یسیر.
3- الفقیه 1 : 184 - 875 ، الوسائل 4 : 669 أبواب الأذان والإقامة ب 42 ح 1.
4- الکافی 3 : 322 - 5 ، التهذیب 2 : 299 - 1206 ، الوسائل 4 : 943 أبواب الرکوع ب 20 ح 1.

الثامن : التسلیم

وهو واجب علی الأصحّ ، ولا یخرج من الصلاة إلا به.

______________________________________________________

وأعلم : أن فی مقابل هذه الروایات أخبار أخر تدل علی الاجتزاء فی التشهد بما دون ذلک ، کروایة حبیب الخثعمی ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه » (1).

وروایة بکر بن حبیب ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن التشهد فقال : « لو کان کما یقولون واجبا علی الناس هلکوا ، إنما کان القوم یقولون أیسر ما یعلمون ، إذا حمدت الله أجزأک » (2) وعلی هذه الروایات ونحوها اقتصر الکلینی فی الکافی (3) ، ویمکن حملها علی حالة الضرورة أو التقیة. والله أعلم.

قوله : ( الثامن ، التسلیم : وهو واجب علی الأصح ، ولا یخرج من الصلاة إلا به ).

اختلف الأصحاب فی التسلیم ، هل هو واجب أو مستحب؟ فقال المرتضی فی المسائل الناصریة والمحمدیة (4) ، وأبو الصلاح (5) ، وسلار (6) ، وابن أبی عقیل (7) ، وابن زهرة (8) ، بالوجوب.

وقال الشیخان (9) وابن البراج (10) وابن إدریس (11) وأکثر المتأخرین

التسلیم

اشارة

ص: 429


1- التهذیب 2 : 101 - 376 ، الإستبصار 1 : 341 - 1286 ، الوسائل 4 : 993 أبواب التشهد ب 5 ح 2.
2- الکافی 3 : 337 - 1 ، التهذیب 2 : 101 - 378 ، الإستبصار 1 : 342 - 1288 ، الوسائل 4 : 993 أبواب التشهد ب 5 ح 3.
3- الکافی 3 : 337 - 1.
4- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 195.
5- الکافی فی الفقه : 119.
6- المراسم : 69.
7- نقله عنه فی المختلف : 97.
8- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 558.
9- المفید فی المقنعة : 23 ، والشیخ فی النهایة : 89.
10- المهذب 1 : 99.
11- السرائر : 48.

______________________________________________________

بالاستحباب ، وهو المعتمد.

لنا : إنّ الوجوب زیادة تکلیف والأصل عدمه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا استویت جالسا فقل أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شریک له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف » (1).

وفی الصحیح عن الفضیل وزرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا فرغ من الشهادتین فقد مضت صلاته ، فإن کان مستعجلا فی أمر یخاف أن یفوته فسلم وانصرف أجزأه » (2) والمراد بالإجزاء : الإجزاء فی حصول الفضیلة والکمال کما یقتضیه أول الخبر.

وفی الصحیح عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : وقد سأله عن المأموم ، یطوّل الإمام فتعرض له الحاجة فقال : « یتشهد وینصرف ویدع الإمام » (3).

وفی الموثق عن یونس بن یعقوب قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : صلیت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت ونسیت أن أسلم علیهم فقالوا : ما سلمت علینا ، فقال : « ألم تسلم وأنت جالس؟ » قلت : بلی ، قال : « لا بأس علیک ولو نسیت حتی قالوا ذلک استقبلتهم بوجهک فقلت السلام علیکم » (4).

ویمکن أن یستدل علیه أیضا بصحیحة معاویة بن عمار قال ، قال أبو

ص: 430


1- التهذیب 2 : 101 - 379 ، الإستبصار 1 : 342 - 1289 ، الوسائل 4 : 992 أبواب التشهد ب 4 ح 4.
2- التهذیب 2 : 317 - 1298 ، الوسائل 4 : 1004 أبواب التسلیم ب 1 ح 5.
3- الفقیه 1 : 261 - 1191 ، التهذیب 2 : 349 - 1446 ، قرب الإسناد : 95 الوسائل 5 464 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.
4- التهذیب 2 : 348 - 1442 ، قرب الإسناد : 128 ، الوسائل 4 : 1011 أبواب التسلیم ب 3 ح 5.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام : « إذا فرغت من طوافک فأت مقام إبراهیم فصل رکعتین واجعله أمامک واقرأ فی الأولی منهما : قل هو الله أحد ، وفی الثانیة : قل یا أیها الکافرون ، ثم تشهد واحمد الله وأثن علیه وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله واسأله أن یتقبل منک » (1) الحدیث. فإن ظاهره عدم وجوب التسلیم فی رکعتی الطواف ولا قائل بالفصل.

ویدل علیه أیضا أنه لو وجب التسلیم لبطلت الصلاة بتخلل المنافی بینه وبین التشهد واللازم باطل فالملزوم مثله. أما الملازمة فإجماعیة ، وأما بطلان اللازم فلما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام : أنه سأله عن الرجل یصلی ثم یجلس فیحدث قبل أن یسلم ، قال : « تمت صلاته » (2) وما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا التفتّ فی صلاة مکتوبة من غیر فراغ فأعد الصلاة إذا کان الالتفات فاحشا ، وإن کنت قد تشهدت فلا تعد » (3) وما رواه غالب بن عثمان فی الموثق ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی المکتوبة فیقضی ویتشهد ثم ینام قبل أن یسلم ، قال : « تمت صلاته وإن کان رعافا غسله ثم رجع فسلم » (4).

احتج الموجبون بوجوه :

الأول : وهو الذی صدر به الاستدلال فی المنتهی (5) قوله تعالی : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِیماً ) (6) والأمر للوجوب ، ولا یجب فی غیر الصلاة بالإجماع

ص: 431


1- الکافی 4 : 423 - 1 ، التهذیب 5 : 136 - 450 ، الوسائل 9 : 479 أبواب الطواف ب 71 ح 3.
2- التهذیب 2 : 320 - 1306 ، الإستبصار 1 : 345 - 1301 ، الوسائل 4 : 1011 أبواب التسلیم ب 3 ح 2.
3- الکافی 3 : 365 - 10 ، التهذیب 2 : 323 - 1322 ، الإستبصار 1 : 405 - 1547 ، الوسائل 4 : 1011 أبواب التسلیم ب 3 ح 4.
4- التهذیب 2 : 319 - 1304 ، الوسائل 4 : 1012 أبواب التسلیم ب 3 ح 6.
5- المنتهی 1 : 295.
6- الأحزاب : 56.

______________________________________________________

فیجب فیها قطعا.

وجوابه المنع من الدلالة علی المدعی ، إذ المتبادر من الآیة أنّ المراد من التسلیم الانقیاد للنبی صلی الله علیه و آله فی الأمور کما ورد فی بعض الأخبار (1) ، أو التسلیم علی النبی صلی الله علیه و آله بقرینة العطف وهو خلاف المدعی.

الثانی : مداومة النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام علی فعله ، وهو امتثال الأمر المطلق فیکون بیانا له.

وجوابه منع المقدمتین ، ولیس ذلک بأبلغ من المواظبة علی رفع الیدین بتکبیرة الإحرام مع استحبابه إجماعا کما حکاه فی المعتبر (2).

الثالث : ما رواه الشیخ والمرتضی وابن بابویه مرسلا عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : مفتاح الصلاة الطهور وتحریمها التکبیر وتحلیلها التسلیم » (3) وقد رواه الکلینی مسندا عن علی بن محمد بن عبد الله ، عن سهل بن زیاد ، عن جعفر بن محمد الأشعری ، عن القداح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال رسول الله صلی الله علیه و آله (4) الحدیث.

وجه الاستدلال : أنّ التسلیم وقع خبرا عن التحلیل فیجب کونه مساویا للمبتدإ أو أعم منه ، فلو وقع التحلیل بغیره کان المبتدأ أعم ، وأیضا : فإن الظاهر إرادة حصر التحلیل فیه لأنه مصدر مضاف إلی الصلاة فیتناول کل تحلیل یضاف إلیها ، ولأن الخبر إذا کان مفردا کان هو المبتدأ بمعنی أنّ الذی صدق

ص: 432


1- البرهان فی تفسیر القرآن 3 : 334.
2- المعتبر 2 : 156.
3- الشیخ فی الخلاف 1 : 132 ، والمرتضی فی المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 196 ، وابن بابویه فی الفقیه 1 : 23 - 68 ، ولکن لم یسنده إلی الرسول صلی الله علیه و آله ، وأورده فی الوسائل 4 : 1005 أبواب التسلیم ب 1 ح 8.
4- الکافی 3 : 69 - 2 ، الوسائل 4 : 1003 أبواب التسلیم ب 1 ح 1.

______________________________________________________

علیه أنه تحلیل للصلاة یصدق علیه التسلیم ، کذا قرره فی المعتبر (1).

وجوابه أولا بضعف هذا الحدیث ، وما قیل من أنّ هؤلاء الثلاثة هم العمدة فی ضبط الأحادیث ولولا علمهم بصحته لما أرسلوه (2) فظاهر الفساد.

وثانیا إن ما قرر فی إفادة الحصر غیر تام ، لأن مبناه علی دعوی کون الإضافة للعموم ، وهو ممنوع فإن الإضافة کما تکون للاستغراق تکون للجنس والعهد الذهنی والخارجی کما قرر فی محله.

الرابع : ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول فی رجل صلّی الصبح فلما جلس فی الرکعتین قبل أن یتشهد رعف ، قال : « فلیخرج فلیغسل أنفه ثم لیرجع فلیتم صلاته فإن آخر الصلاة التسلیم » (3).

والجواب أولا بالطعن فی السند باشتراک أبی بصیر بین الثقة وغیره ، وبأن من جملة رجاله عثمان بن عیسی وسماعة وهما واقفیان (4).

وثانیا بمنع الدلالة ، فإن کون التسلیم آخر أفعال الصلاة لا یقتضی وجوبه ، فإن الأفعال تشمل الواجب والمندوب.

وثالثا بأنه متروک الظاهر ، إذ لا نعلم بمضمونه قائلا من الأصحاب.

الخامس : لو لم یجب التسلیم لما بطلت صلاة المسافر بالإتمام ، والتالی باطل فالمقدم مثله ، والملازمة ظاهرة.

وأجیب عنه بالمنع من الملازمة ، فإن فعل الرکعتین بقصد الإتمام یقتضی

ص: 433


1- المعتبر 2 : 233.
2- المنتهی 1 : 295.
3- التهذیب 2 : 320 - 1307 ، الإستبصار 1 : 345 - 1302 ، الوسائل 4 : 1004 أبواب التسلیم ب 1 ح 4.
4- راجع الفهرست : 120 - 534 ، ورجال الشیخ : 351.

وله عبارتان ، إحداهما أن یقول : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، والأخری أن یقول : السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته. وبکل منهما یخرج من الصلاة. وبأیهما بدأ کان الثانی مستحبا.

______________________________________________________

الزیادة فی الصلاة ، والبطلان لذلک لا لعدم التسلیم (1). وفیه نظر ، إذ الظاهر من مذهب القائل بالاستحباب أنّ آخر أفعال الصلاة التشهد فلا یضر فعل المنافی بعده ، کما صرح به الشیخ فی الاستبصار (2) ، وابن إدریس فی مسألة من زاد فی صلاته رکعة بعد التشهد (3) ، حیث اعترفا بعدم بطلان الصلاة بذلک بناء علی استحباب التسلیم ، وحینئذ یقوی الإشکال فی الفرق بین هذه المسألة وبین مسألة الإتمام.

ویمکن أن یقال أنّ صلاة المسافر إنما تبطل بالإتمام إذا أوقعها المکلف أو شیئا من أفعالها الواجبة علی ذلک الوجه ، لا مع تجدده بعد الفراغ من الأفعال. وسیجی ء تمام تحقیق المسألة إن شاء الله تعالی (4).

قوله : ( وله عبارتان ، إحداهما أن یقول : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، والأخری أن یقول : السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته ، وبکل منهما یخرج من الصلاة ، وبأیهما بدأ کان الثانی مستحبا ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الأکثر إلی تعیّن ( السلام علیکم ) للخروج ، قال الشهید فی الدروس : وعلیه الموجبون (5). وذکر فی البیان : أن « السلام علینا » لم یوجبها أحد من القدماء ، وأنّ القائل بوجوب التسلیم یجعلها مستحبة کالتسلیم علی الأنبیاء والملائکة غیر مخرجة من الصلاة ، والقائل بندب التسلیم یجعلها مخرجة (6).

صورة التسلیم

ص: 434


1- روض الجنان : 280.
2- الاستبصار 1 : 377.
3- السرائر : 52.
4- فی ج 4 ص 473.
5- الدروس : 40.
6- البیان : 94.

______________________________________________________

وذهب المصنف - رحمه الله - فی کتبه الثلاثة إلی التخییر بین الصیغتین (1). وأنکره الشهید فی الذکری ، وقال إنه قول محدث فی زمان المصنف - رحمه الله - أو قبله بیسیر (2).

وربما ظهر من کلام الفاضل یحیی بن سعید فی الجامع وجوب السلام علینا وتعیّنها للخروج فإنه قال : والتسلیم الواجب الذی یخرج به من الصلاة ، السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین (3). قال فی الذکری : وفی هذا القول خروج عن الإجماع من حیث لا یشعر قائله (4).

والکلام فی هذه المسألة یقع فی مقامین :

أحدهما : أنّ الخروج من الصلاة بما ذا یقع؟ والأظهر أنه یقع بکل من الصیغتین :

أما السلام علیکم فبإجماع الأمة ، فإنهم لا یختلفون فی ذلک کما ( حکاه فی المعتبر (5) ) (6).

أما السلام علینا فبالأخبار الکثیرة ، کصحیحة الحلبی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « کلما ذکرت الله عزّ وجلّ به ، والنبی صلی الله علیه و آله فهو من الصلاة ، وإن قلت : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین فقد انصرفت » (7).

ص: 435


1- المعتبر 2 : 234 ، المختصر النافع : 33 ، الشرائع 1 : 89.
2- الذکری : 207.
3- الجامع للشرائع : 84.
4- الذکری : 208.
5- المعتبر 2 : 235.
6- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « م » ، « ح » : نقله جماعة منهم المصنف فی المعتبر ، فإنه قال : وأما أنه لو لم یقل ذلک یعنی : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین - وقال السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته کان خروجا جائزا ، نقله علماء الإسلام کافة لا یختلفون فیه ، وإنما الخلاف فی تعیّنه للخروج.
7- الکافی 3 : 337 - 6 ، التهذیب 2 : 316 - 1293 ، الوسائل 4 : 1012 أبواب التسلیم ب 4 ح 1.

______________________________________________________

وحسنة میسر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « شیئان یفسد الناس بهما صلاتهم : قول الرجل تبارک اسمک وتعالی جدّک ولا إله غیرک ، وإنما [ هو ] (1) شی ء قالته الجن بجهالة فحکی الله عنهم ، وقول الرجل السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین » (2).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت إماما فإنما التسلیم أن تسلّم علی النبی علیه وعلی آله السلام وتقول : السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ، فإذا قلت ذلک فقد انقطعت الصلاة ، ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام علیک » (3) وفی طریق هذه الروایة محمد بن سنان ، وهو ضعیف (4).

وثانیهما : أنّ الواجب علی القول بوجوب التسلیم أیّ الصیغتین؟ والأظهر أنه : السلام علیکم ، لأن الأخبار المتضمنة للسلام علینا إنما تدل علی کونها قاطعة للصلاة خاصة (5) ، وهو لا یستلزم الوجوب ، وما تضمن الأمر بها فضعیف السند قاصر الدلالة.

واحتجاج المصنف - رحمه الله - علی وجوب إحدی الصیغتین تخییرا بصدق التسلیم علیهما فیتناولهما عموم قوله علیه السلام : « وتحلیلها التسلیم » (6) ضعیف ، لأن التعریف للعهد والمعروف منه بین الخاصة والعامة ( السلام علیکم ) کما یعلم من تتبع الأحادیث ، حیث تذکر فیها ألفاظ السلام المستحبة

ص: 436


1- أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 2 : 316 - 1290 ، الخصال : 50 - 59 ، الوسائل 4 : 1000 أبواب التشهد ب 12 ح 1.
3- التهذیب 2 : 93 - 349 ، الإستبصار 1 : 347 - 1307 ، الوسائل 4 : 1008 أبواب التسلیم ب 2 ح 8.
4- راجع رجال النجاشی : 328 - 888 ، 424 - 1140 ، ورجال الشیخ : 386 ، والفهرست : 143 - 609.
5- الوسائل 4 : 1008 أبواب التسلیم ب 2 ح 8 ، وص 1012 ب 4 ح 2 ، 5.
6- المعتبر 2 : 234.

______________________________________________________

والسلام علینا وعلی عباد الله الصالحین ثم یقال : ویسلّم.

وأما ما ذکره الفاضل یحیی بن سعید من وجوب السلام علینا خاصة فلا ریب فی ضعفه.

وذکر الشهید - رحمه الله - فی الذکری أنّ الاحتیاط للدین الإتیان بالصیغتین ، جمعا بین القولین ، قال : ولیس ذلک بقادح فی الصلاة بوجه من الوجوه ، بادئا بالسلام علینا وعلی عباد الله الصالحین لا بالعکس ، فإنه لم یأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوی ما فی بعض کتب المحقق - رحمه الله - ویعتقد ندب السلام علینا وجوب الصیغة الأخری ، وإن أبی المصلی إلا إحدی الصیغتین فالسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته مخرجة بالإجماع (1). انتهی کلامه رحمه الله ، وهو جید ( لکن قد یتطرق إلی تقدیم السلام علینا إشکال من حیث أنه غیر واجب بالإجماع کما اعترف به ، وقد ثبت کونه قاطعا للصلاة ، فمع تقدیمه یکون فاصلا بین أجزاء الصلاة علی القول بوجوب التسلیم. والأمر فی ذلک هیّن بعد وضوح المأخذ ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه ) (2).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : الأظهر أنّ الواجب علی القول بوجوب التسلیم : السلام علیکم خاصة ، وبه قال ابن بابویه (3) ، وابن أبی عقیل (4) ، وابن الجنید (5). وقال أبو الصلاح : الفرض أن یقول السلام علیکم ورحمة الله (6) ، ولعل مستنده ما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، قال : رأیت إخوتی موسی وإسحاق ومحمد بنی جعفر یسلمون فی الصلاة علی الیمین والشمال السلام علیکم ورحمة الله ،

ص: 437


1- الذکری : 208.
2- لیس فی « س ».
3- الفقیه 1 : 210 ، المقنع : 29.
4- نقله عنهما فی المنتهی 1 : 296.
5- نقله عنهما فی المنتهی 1 : 296.
6- الکافی فی الفقه : 119.

ومسنون هذا القسم أن یسلم المنفرد إلی القبلة تسلیمة واحدة ، ویومئ بمؤخر عینیه إلی یمینه ،

______________________________________________________

السلام علیکم ورحمة الله (1). وهو لا یفید الوجوب ، قال العلامة فی المنتهی : ولو قال السلام علیکم ورحمة الله جاز ، وإن لم یقل وبرکاته بلا خلاف (2).

الثانی : الأجود أنه لا تجب نیة الخروج من الصلاة بالتسلیم ، للأصل وانتفاء المخرج عنه ، وربما قیل بالوجوب ، لأنه لیس جزءا من الصلاة ، ولأنه محلل فیحتاج إلی النیة کالمحلل فی الحج والعمرة (3) ، وهو ضعیف ودلیله مزیف.

الثالث : یستحب أن یقصد المصلی بالتسلیم : التسلیم علی الأنبیاء والأئمة والحفظة ، ویزید الإمام المأمومین ، والمأموم الرد علی الإمام ومن علی جانبیه ، وفی الأخبار دلالة علی ذلک (4).

قوله : ( ومسنون هذا القسم أن یسلم المنفرد إلی القبلة تسلیمة واحدة ، ویومئ بمؤخر عینیه إلی یمینه ).

أما اکتفاء المنفرد بالتسلیمة الواحدة إلی القبلة فهو مذهب الأصحاب ، ویدل علیه صحیحة عبد الحمید بن عواض ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن کنت تؤم قوما أجزأک تسلیمة واحدة عن یمینک ، وإن کنت مع إمام فتسلیمتین ، وإن کنت وحدک فواحدة مستقبل القبلة » (5).

وأما الإیماء بمؤخر العین إلی الیمین ، والمؤخر کمؤمن : طرفها الذی یلی

مسنونات التسلیم

ص: 438


1- التهذیب 2 : 317 - 1297 ، الوسائل 4 : 1007 أبواب التسلیم ب 2 ح 2.
2- المنتهی 1 : 296.
3- کما فی جامع المقاصد 1 : 124.
4- الوسائل 4 : 1007 أبواب التسلیم ب 2.
5- التهذیب 2 : 93 - 345 ، الإستبصار 1 : 346 - 1303 ، الوسائل 4 : 1007 أبواب التسلیم ب 2 ح 3.

والإمام بصفحة وجهه ، وکذا المأموم. ثم إن کان علی یساره غیره أومأ بتسلیمة أخری إلی یساره بصفحة وجهه أیضا.

______________________________________________________

الصدغ ، فعزاه فی المعتبر (1) إلی الشیخ فی النهایة (2) ، قال : وربما أیده روایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت وحدک فسلم تسلیمة واحدة عن یمینک » (3) وفی السند ضعف ، وفی الدلالة نظر.

قوله : ( والإمام بصفحة وجهه ).

المستفاد من الروایة المتقدمة أنّ الإمام یسلم تسلیمة واحدة عن الیمین.

وفی روایة أبی بصیر « ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة السلام علیکم » (4) وفی الطریق محمد بن سنان وهو ضعیف.

قوله : ( وکذا المأموم ، ثم إن کان علی یساره غیره أومأ بتسلیمة أخری إلی یساره بصفحة وجهه ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن منصور قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « الإمام یسلم واحدة ومن ورائه یسلم اثنتین ، فإن لم یکن علی شماله أحد سلم واحدة » (5).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فإذا کنت فی جماعة فقل مثل ما قلت وسلم علی من علی یمینک وشمالک ، فإن لم یکن علی شمالک أحد فسلم علی الذی علی یمینک » (6) ولیس فی هاتین الروایتین ولا فی غیرهما مما وقفت علیه دلالة علی الإیماء بصفحة الوجه.

ص: 439


1- المعتبر 2 : 237.
2- النهایة : 72.
3- المعتبر 2 : 237 ، الوسائل 4 : 1009 أبواب التسلیم ب 2 ح 12.
4- التهذیب 2 : 93 - 349 ، الإستبصار 1 : 347 - 1307 ، الوسائل 4 : 1008 أبواب التسلیم ب 2 ح 8.
5- التهذیب 2 : 93 - 346 ، الإستبصار 1 : 346 - 1304 ، الوسائل 4 : 1007 أبواب التسلیم ب 2 ح 4.
6- تقدم فی الهامش 4.

وأما المسنون فی الصلاة فخمسة :

الأول : التوجه. بستة تکبیرات مضافة إلی تکبیرة الافتتاح ، بأن یکبّر ثلاثا ثم یدعو ، ثم یکبر اثنتین ویدعو ، ثم یکبّر اثنتین ویتوجه. وهو مخیّر فی السبع أیّها شاء أوقع معه نیّة الصلاة ، فیکون ابتداء الصلاة عندها.

______________________________________________________

ونقل عن ابنی بابویه - رضی الله عنهما - أنهما جعلا الحائط عن یسار المصلی کافیا فی استحباب التسلیمتین (1) ، قال فی الذکری : ولا بأس باتباعهما ، لأنها جلیلان لا یقولان إلا عن ثبت (2) ، والله تعالی أعلم.

قوله : ( وأما المسنون فی الصلاة فخمسة ، الأول : التوجه بست تکبیرات مضافة إلی تکبیرة الافتتاح ، بأن یکبر ثلاثا ثم یدعو ، ثم یکبر اثنتین ویدعو ، ثم یکبر اثنتین ویتوجه ، وهو مخیر فی السبع أیها شاء أوقع معه نیة الصلاة ، فیکون ابتداء الصلاة عندها ).

إطلاق العبارة یقتضی استحباب التوجه للمصلی بست تکبیرات مضافة إلی تکبیرة الافتتاح فی جمیع الصلوات ، وبه صرح المصنف فی المعتبر (3) ، وابن إدریس فی سرائره ، ونص علی الاستحباب فی جمیع الصلوات المفروضات والمسنونات (4). ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - فی المسائل المحمدیة أنه خصها بالفرائض دون النوافل (5).

وقال المفید فی المقنعة : یستحب التوجه فی سبع صلوات (6) ، قال الشیخ فی التهذیب : ذکر ذلک علی بن الحسین فی رسالته ، ولم أجد بها خبرا مسندا.

مستحبات الصلاة

استحباب التوجه بست تکبیرات

ص: 440


1- الفقیه 1 : 210 ، المقنع : 29 ، ونقله عنهما فی الذکری : 208.
2- الذکری : 208.
3- المعتبر 2 : 155.
4- السرائر : 45.
5- نقله عنها فی المختلف : 99.
6- المقنعة : 16.

______________________________________________________

وتفصیلها ما ذکره : أول کل فریضة ، وأول رکعة من صلاة اللیل ، وفی المفردة من الوتر ، وفی أول رکعة من رکعتی الزوال ، وفی أول رکعة من نوافل المغرب ، وفی أول رکعة من رکعتی الإحرام ، فهذه الستة مواضع ذکرها علی بن الحسین ، وزاد الشیخ - یعنی المفید - الوتیرة (1). والأصح ما أطلقه المصنف - رحمه الله - تمسکا بإطلاق الأحادیث ، وقد تقدم طرف منها فیما سبق (2).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن زید الشحام قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الافتتاح؟ فقال : « تکبیرة تجزیک » قلت : فالسبع؟ قال : « ذلک الفضل » (3).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « خرج رسول الله صلی الله علیه و آله إلی الصلاة وقد کان الحسین علیه السلام أبطأ عن الکلام حتی تخوفوا أنه لا یتکلم وأن یکون به خرس ، فخرج به علیه السلام حامله علی عاتقه وصفّ الناس خلفه فأقامه علی یمینه ، فافتتح رسول الله صلی الله علیه و آله الصلاة ، فکبر الحسین علیه السلام ، فلما سمع رسول الله صلی الله علیه و آله تکبیره عاد ، فکبر الحسین علیه السلام ، حتی کبر رسول الله صلی الله علیه و آله سبع تکبیرات وکبر الحسین علیه السلام فجرت السنة بذلک » (4).

وروی الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا افتتحت الصلاة فارفع یدیک ثم أبسطهما بسطا ثم کبر ثلاث تکبیرات ثم قل : اللهم أنت الملک الحق ، لا إله إلا أنت ، سبحانک إنی ظلمت نفسی فاغفر لی ذنبی إنه لا یغفر الذنوب إلا أنت ، ثم کبر تکبیرتین ثم

ص: 441


1- التهذیب 2 : 94.
2- فی ص 321.
3- التهذیب 2 : 66 - 241 ، الوسائل 4 : 713 أبواب تکبیرة الإحرام ب 1 ح 2.
4- الفقیه 1 : 199 - 918 ، علل الشرائع : 332 - 2 ، الوسائل 4 : 722 أبواب تکبیرة الإحرام ب 7 ح 4.

الثانی : القنوت ، وهو فی کل ثانیة قبل الرکوع وبعد القراءة.

______________________________________________________

قل : لبیک وسعدیک والخیر فی یدیک ، والشر لیس إلیک ، والمهدی من هدیت لا ملجأ منک إلا إلیک ، سبحانک وحنانیک ، تبارکت وتعالیت ، سبحانک رب البیت ، ثم تکبر تکبیرتین ثم تقول : ( وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) - ( عالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهادَةِ ) - ( حَنِیفاً مُسْلِماً ) - ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ ) - ( إِنَّ صَلاتِی وَنُسُکِی وَمَحْیایَ وَمَماتِی لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ ، لا شَرِیکَ لَهُ وَبِذلِکَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمین ، ثم تعوّذ من الشیطان الرجیم ثم اقرأ فاتحة الکتاب » (1).

قوله : ( الثانی : القنوت ، وهو فی کل ثنائیة قبل الرکوع وبعد القراءة ).

القنوت لغة : الطاعة ، والسکون ، والدعاء ، والقیام فی الصلاة ، والإمساک عن الکلام ، نص علیه فی القاموس (2). والمراد به هنا ذکر مخصوص فی موضع معیّن من الصلاة.

وقد اختلف الأصحاب فی حکمه ، فذهب الأکثر إلی استحبابه ، وقال ابن بابویه فی کتابه : والقنوت سنة واجبة ، من ترکه عمدا أعاد (3). ونحوه قال ابن أبی عقیل (4). والمعتمد الأول.

لنا علی الاستحباب روایات ، منها : صحیحة صفوان الجمال ، قال : صلیت خلف أبی عبد الله علیه السلام أیاما فکان یقنت فی کل صلاة یجهر فیها أو لا یجهر فیها (5).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « القنوت فی کل

القنوت

ص: 442


1- الکافی 3 : 310 - 7 ، التهذیب 2 : 67 - 244 ، الوسائل 4 : 723 أبواب تکبیرة الإحرام ب 8 ح 1.
2- القاموس المحیط 1 : 161.
3- الفقیه 1 : 207.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 243 والمختلف : 96.
5- الکافی 3 : 339 - 2 ، الفقیه 1 : 209 - 943 ، التهذیب 2 : 89 - 329 ، الإستبصار 1 : 338 - 1270 ، الوسائل 4 : 896 أبواب القنوت ب 1 ح 3.

______________________________________________________

صلاة ، فی الرکعة الثانیة قبل الرکوع » (1).

وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن القنوت فقال : « فی کل صلاة فریضة ونافلة » (2).

ویدل علی انتفاء الوجوب - مضافا إلی الأصل السالم مما یصلح للمعارضة - صحیحة البزنطی ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : « قال أبو جعفر علیه السلام فی القنوت : إن شئت فاقنت وإن شئت فلا تقنت » قال أبو الحسن علیه السلام : « وإذا کانت التقیة فلا تقنت ، وأنا أتقلد هذا » (3).

احتج ابن بابویه بقوله تعالی ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِینَ ) (4) قال : یعنی داعین مطیعین (5).

واستدل له المتأخرون (6) أیضا بروایة وهب بن عبد ربه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من ترک القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » (7).

والجواب عن الآیة أنّ القنوت یجی ء فی اللغة لمعان منها الطاعة ، فلعله المراد هنا ، سلمنا أنّ المراد به الدعاء لکن الامتثال یحصل بالدعاء فی حالة القیام مطلقا فلا یدل علی القنوت المخصوص.

وعن الروایة بالطعن فی السند وجواز أن یکون المنفی فیها الفضیلة

ص: 443


1- الکافی 3 : 340 - 7 ، التهذیب 2 : 89 - 330 ، الإستبصار 1 : 338 - 2171 ، الوسائل 4 : 900 أبواب القنوت ب 3 ح 1.
2- الکافی 3 : 339 - 5 ، الوسائل 4 : 897 أبواب القنوت ب 1 ح 8.
3- التهذیب 2 : 91 - 340 ، الإستبصار 1 : 340 - 1281 ، الوسائل 4 : 901 أبواب القنوت ب 4 ح 1.
4- البقرة : 238.
5- الفقیه 1 : 207.
6- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 243 ، والشهید فی الذکری : 183 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 282.
7- الکافی 3 : 339 - 2 ، الوسائل 4 : 897 أبواب القنوت ب 1 ح 11.

ویستحب أن یدعو فیه بالأذکار المرویّة ، وإلا فیما شاء ، وأقلّه ثلاثة تسبیحات :

______________________________________________________

والکمال لا الصحة والإجزاء ، وأیضا : فإن ما تضمنته من الترک رغبة أخص من الدعوی ، إذ تعمد الترک قد یکون رغبة عنه وقد لا یکون.

وقد أجمع علماؤنا علی أنّ محله بعد القراءة وقبل الرکوع ، حکاه فی المنتهی (1) ، ویدل علیه صحیحة زرارة المتقدمة (2) ، وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ما أعرف قنوتا إلا قبل الرکوع » (3).

وما المصنف فی المعتبر إلی التخییر بین فعله قبل الرکوع وبعده وإن کان الأول أفضل (4) ، لروایة إسماعیل الجعفی ومعمر بن یحیی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « القنوت قبل الرکوع ، وإن شئت بعده » (5) وفی السند القاسم بن محمد الجوهری وهو ضعیف (6).

قوله : ( ویستحب أن یدعو فیه بالأذکار المرویة ، وإلا فبما شاء ، وأقله ثلاث تسبیحات ).

أفضل ما یقال فی القنوت الدعاء المأثور عن النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ، فروی سعد بن أبی خلف فی الحسن ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « یجزیک فی القنوت : اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا فی الدنیا والآخرة إنک علی کل شی ء قدیر » (7).

ص: 444


1- المنتهی 1 : 299.
2- فی ص 442.
3- الکافی 3 : 340 - 13 ، الوسائل 4 : 901 أبواب القنوت ب 3 ح 6.
4- المعتبر 2 : 245.
5- التهذیب 2 : 92 - 343 ، الإستبصار 1 : 341 - 1283 ، الوسائل 4 : 900 أبواب القنوت ب 3 ح 4.
6- راجع رجال الشیخ : 358.
7- الکافی 3 : 340 - 12 ، التهذیب 2 : 87 - 322 ، الوسائل 4 : 906 أبواب القنوت ب 7 ح 1.

______________________________________________________

وروی أبو بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « القنوت یوم الجمعة فی الرکعة الأولی بعد القراءة ، تقول فی القنوت : لا إله إلا الله الحلیم الکریم ، لا إله إلا الله العلی العظیم ، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرضین السبع وما فیهن وما بینهن وما تحتهن ورب العرش العظیم ، والحمد لله رب العالمین ، اللهم صلّ علی محمد وآل محمد کما هدیتنا به ، اللهم صلّ علی محمد وآل محمد کما أکرمتنا به ، اللهم اجعلنا ممن اخترته لدینک وخلقته لجنتک ، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هدیتنا وهب لنا من لدنک رحمة إنک أنت الوهاب » (1).

وذکر الشیخ (2) وأکثر الأصحاب أنّ أفضل ما یقال فیه کلمات الفرج ، وقال ابن إدریس : وروی أنها أفضله (3). ولم أقف علی ما نقله من الروایة. لکن لا ریب فی استحباب القنوت بها لأنها ثناء وذکر.

وصورتها : لا إله إلا الله الحلیم الکریم ، لا إله إلا الله العلی العظیم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضین السبع وما فیهن وما بینهن ورب العرش العظیم ، والحمد لله رب العالمین ، روی ذلک زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام (4).

وذکر المفید - رحمه الله - وجمع من الأصحاب أنه یقول قبل التحمید : وسلام علی المرسلین (5).

وسئل عنه المصنف فی الفتاوی فجوّزه ، لأنه بلفظ القرآن ، ولا ریب فی

ص: 445


1- الکافی 3 : 426 - 1 ، التهذیب 3 : 18 - 64 ، الوسائل 4 : 906 أبواب القنوت ب 7 ح 4 ، بتفاوت یسیر.
2- الاقتصاد : 263.
3- السرائر : 48.
4- الکافی 3 : 122 - 3 ، التهذیب 1 : 288 - 839 ، الوسائل 2 : 666 أبواب الاحتضار ب 38 ح 1.
5- المقنعة : 16.

وفی الجمعة قنوتان ، فی الأولی قبل الرکوع ، وفی الثانیة بعد الرکوع.

______________________________________________________

الجواز لکن جعله فی أثناء کلمات الفرج مع خروجه عنها لیس بجید.

ویجوز الدعاء فی القنوت بما سنح للدین والدنیا ، لصحیحة إسماعیل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القنوت وما یقال فیه ، فقال : « ما قضی الله علی لسانک ولا أعلم فیه شیئا موقتا » (1).

وروی الحلبی فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القنوت فیه قول معلوم؟ فقال : « أثن علی ربک وصلّ علی نبیک واستغفر لذنبک » (2).

واختلف الأصحاب فی جواز الدعاء فی القنوت بالفارسیة ، فمنعه سعد بن عبد الله (3) ، وأجازه محمد بن الحسن الصفار (4) وابن بابویه (5) ، لصحیحة علی بن مهزیار ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یتکلم فی صلاة الفریضة بکل شی ء یناجی به ربه؟ قال : « نعم » (6).

قال ابن بابویه بعد نقل هذه الروایة ولو لم یرد هذا الخبر لکنت أجیزه بالخبر الذی روی عن الصادق علیه السلام أنه قال : « کل شی ء مطلق حتی یرد فیه نهی » والنهی عن الدعاء بالفارسیة فی الصلاة غیر موجود والحمد لله (7).

قوله : ( وفی الجمعة قنوتان ، فی الأولی قبل الرکوع ، وفی الثانیة بعد الرکوع ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب. واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن

ص: 446


1- الکافی 3 : 340 - 8 ، التهذیب 2 : 314 - 1281 ، الوسائل 4 : 908 أبواب القنوت ب 9 ح 1.
2- الفقیه 1 : 207 - 933 ، الوسائل 4 : 908 أبواب القنوت ب 9 ح 4.
3- الفقیه 1 : 208.
4- الفقیه 1 : 208.
5- الفقیه 1 : 208.
6- الفقیه 1 : 208 - 936 ، التهذیب 2 : 326 - 1337 ، الوسائل 4 : 917 أبواب القنوت ب 9 ح 1.
7- الفقیه 1 : 208 ، الوسائل 4 : 917 أبواب القنوت ب 19 ح 3.

ولو نسیه قضاه بعد الرکوع.

______________________________________________________

أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « کل القنوت قبل الرکوع إلا الجمعة فإن الرکعة الأولی القنوت فیها قبل الرکوع والأخیرة بعد الرکوع » (1) وهی ضعیفة السند باشتراک أبی بصیر بین الثقة والضعیف.

وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه بعد أن أورد القنوت فی الرکعتین علی هذا الوجه : تفرد بهذه الروایة حریز عن زرارة ، والذی استعمله وأفتی به ومضی علیه مشایخی - رحمهم الله - هو أن القنوت فی جمیع الصلوات ، فی الجمعة وغیرها ، فی الرکعة الثانیة بعد القراءة وقبل الرکوع (2). وما ذکره - رحمه الله - من روایة زرارة یصلح مستندا للقول الأول لو کانت متصلة.

وقال المفید - رحمه الله - وجمع من الأصحاب : إنّ فی الجمعة قنوتا واحدا فی الرکعة الأولی قبل الرکوع (3). وهو المعتمد ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه. کصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول فی قنوت الجمعة : « إذا کان إماما قنت فی الرکعة الأولی ، وإن کان یصلی أربعا ففی الرکعة الثانیة قبل الرکوع » (4).

وصحیحة سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « القنوت یوم الجمعة فی الرکعة الأولی » (5) ویؤیده قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ما أعرف قنوتا إلا قبل الرکوع » (6).

قوله : ( ولو نسیه قضاه بعد الرکوع ).

ص: 447


1- التهذیب 2 : 90 - 334 ، الوسائل 4 : 904 أبواب القنوت ب 5 ح 12.
2- الفقیه 1 : 266.
3- المقنعة : 27.
4- الکافی 3 : 427 - 2 ، التهذیب 3 : 16 - 59 ، الإستبصار 1 : 417 - 1603 الوسائل 4 : 902 أبواب القنوت ب 5 ح 1.
5- التهذیب 3 : 16 - 56 ، الإستبصار 1 : 417 - 1600 ، الوسائل 4 : 903 أبواب القنوت ب 5 ح 6.
6- الکافی 3 : 340 - 13 ، الوسائل 4 : 901 أبواب القنوت ب 3 ح 6.

الثالث : شغل النظر. فی حال قیامه إلی موضع سجوده ،

______________________________________________________

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. ویدل علیه روایات کثیرة ، منها : صحیحة محمد بن مسلم وزرارة بن أعین ، قالا : سألنا أبا جعفر علیه السلام عن الرجل ینسی القنوت حتی یرکع ، قال : « یقنت بعد الرکوع فإن لم یذکر فلا شی ء علیه » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القنوت ینساه الرجل فقال : « یقنت بعد ما یرکع ، وإن لم یذکر حتی ینصرف فلا شی ء علیه » (2).

قال المفید فی المقنعة : ولو لم یذکر القنوت حتی رکع فی الثالثة قضاه بعد الفراغ (3).

وقد روی استحباب الإتیان به بعد الانصراف أبو بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل إذا سها قی القنوت : « قنت بعد ما ینصرف وهو جالس » (4) وروی زرارة فی الصحیح قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل نسی القنوت فذکره وهو فی بعض الطریق فقال : « یستقبل القبلة ثم لیقله - ثم قال - : إنی لأکره للرجل أن یرغب عن سنة رسول الله صلی الله علیه و آله أو یدعها » (5).

قوله : ( الثالث ، شغل النظر فی حال قیامه إلی موضع سجوده ،

محال شغل النظر فی الصلاة

ص: 448


1- التهذیب 2 : 160 - 628 ، الإستبصار 1 : 344 - 1295 ، الوسائل 4 : 916 أبواب القنوت ب 18 ح 1.
2- التهذیب 2 : 160 - 629 ، الإستبصار 1 : 344 - 1296 ، الوسائل 4 : 916 أبواب القنوت ب 18 ح 2.
3- المقنعة : 23.
4- التهذیب 2 : 160 - 631 ، الإستبصار 1 : 345 - 1298 ، الوسائل 4 : 915 أبواب القنوت ب 16 ح 2.
5- الکافی 3 : 340 - 10 ، التهذیب 2 : 315 - 1283 ، الوسائل 4 : 915 أبواب القنوت ب 16 ح 1.

وفی حال القنوت إلی باطن کفیه ، وفی حال الرکوع إلی ما بین رجلیه ، وفی حال السجود إلی طرف أنفه ، وفی حال تشهده إلی حجره.

______________________________________________________

وفی حال القنوت إلی باطن کفیه ).

أما استحباب شغل النظر فی حال القیام إلی موضع سجوده فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ولیکن نظرک إلی موضع سجودک » (1).

وأما استحباب النظر فی حال القنوت إلی باطن الکفین فلم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علیه.

واستدل له فی المعتبر بأن النظر إلی السماء مکروه ، لقوله علیه السلام فی حسنة زرارة : « اجمع بصرک ولا ترفعه إلی السماء » (2) ، والتغمیض مکروه لروایة مسمع ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله نهی أن یغمّض الرجل عینیه فی الصلاة » (3) فیتعین شغله بالنظر إلی باطن الکفین ، ولا بأس به.

قوله : ( وفی حال الرکوع إلی ما بین رجلیه ).

لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ولیکن نظرک إلی ما بین قدمیک » (4) ومقتضی صحیحة حماد بن عیسی استحباب تغمیض العینین (5) ، والجمع بینهما بالتخییر بین الأمرین.

قوله : ( وفی حال السجود إلی طرف أنفه ، وفی حال التشهد إلی حجره ).

ص: 449


1- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 710 أبواب القیام ب 17 ح 2 ، وص 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
2- المعتبر 2 : 246 ، الوسائل 4 : 709 أبواب القیام ب 16 ح 3.
3- التهذیب 2 : 314 - 1280 ، الوسائل 4 : 1252 أبواب قواطع الصلاة ب 6 ح 1.
4- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
5- الکافی 3 : 311 - 8 ، الفقیه 1 : 196 - 916 ، التهذیب 2 : 81 - 301 ، الوسائل 4 : 673 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

الرابع : شغل الیدین. بأن یکونا فی حال قیامه علی فخذیه بحذاء رکبتیه ، وفی حال القنوت تلقاء وجهه ،

______________________________________________________

ذکر ذلک الأصحاب ولا بأس به لما فیه من الخشوع والإقبال علی عبادة الله تعالی.

قوله : ( الرابع ، شغل الیدین بأن یکونا فی حال قیامه علی فخذیه بحذاء رکبتیه ، وفی حال القنوت تلقاء وجهه ).

أما استحباب جعلهما فی حال القیام علی الفخذین بحذاء الرکبتین فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا قمت فی الصلاة فلا تلصق قدمیک بالأخری ، دع بینهما فصلا ، إصبعا أقل ذلک إلی شبر أکثره ، واسدل منکبیک ، وأرسل یدیک ، ولا تشبک أصابعک ، ولیکونا علی فخذیک قبالة رکبتیک » (1).

وأما استحباب جعلهما فی حال القنوت تلقاء وجهه ، فربما کان مستنده قوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان الواردة فی قنوت الوتر : « وترفع یدیک فی الوتر حیال وجهک وإن شئت تحت ثوبک » (2).

ویستحب أن تکونا مبسوطتین یستقبل ببطونهما السماء وظهورهما الأرض ، وحکی المصنف فی المعتبر قولا بجعل بطونهما إلی الأرض ثم قال : وکلا الأمرین جائز (3).

وقیل : یستحب أن یمسح بهما وجهه عند الفراغ (4) ، والموجود فی التوقیع

وضع الیدین فی الصلاة

ص: 450


1- الکافی 3 : 334 - 1 ، التهذیب 2 : 83 - 308 ، الوسائل 4 : 675 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
2- الفقیه 1 : 309 - 1410 ، التهذیب 2 : 131 - 504 ، الوسائل 4 : 911 أبواب القنوت ب 12 ح 1.
3- المعتبر 2 : 247.
4- کما فی جامع المقاصد 1 : 125.

وفی حال الرکوع علی رکبتیه ، وفی حال السجود بحذاء أذنیه ، وفی التشهد علی فخذیه.

______________________________________________________

المنسوب إلی الحمیری - رضی الله عنه - استحباب ذلک فی قنوت النافلة خاصة (1).

قوله : ( وفی حال الرکوع علی رکبتیه ).

ینبغی تفریج الأصابع وإیصالها إلی عین الرکبة ووضع الیمنی قبل الیسری ، والمستند فی ذلک کله صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام (2).

قوله : ( وفی حال السجود بحذاء أذنیه ).

رواه حماد عن فعل الصادق علیه السلام (3) ، وفی صحیحة زرارة : « ولا تلزق کفیک برکبتیک ، ولا تدنهما من وجهک ، بین ذلک حیال منکبیک ، ولا تجعلهما بین یدی رکبتیک ولکن تحرفهما عن ذلک شیئا » (4) والعمل بکل من الروایتین حسن إنشاء الله.

فائدة : ذکر الشیخ - رحمه الله - وجمع من الأصحاب أنّ حکم المرأة فی الصلاة حکم الرجل إلا فی الجهر فی القراءة ، فإنه لا جهر علیها (5). والأولی لها اعتماد ما رواه زرارة فی الحسن ، قال : « إذا قامت المرأة فی الصلاة جمعت بین قدمیها ولا تفرج بینهما وتضم یدیها إلی صدرها لمکان ثدییها ، فإذا رکعت وضعت یدیها فوق رکبتیها علی فخذیها لئلا تطأطأ کثیرا فترتفع عجیزتها ، فإذا جلست فعلی إلیتیها لیس کما یقعد الرجل ، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالرکبتین قبل الیدین ثم تسجد لاطئة بالأرض ، فإذا کانت فی جلوسها ضمت فخذیها ورفعت رکبتیها من الأرض ، فإذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع

ص: 451


1- الاحتجاج 2 : 486 ، الوسائل 4 : 919 أبواب القنوت ب 23 ح 1.
2- تقدمت الإشارة إلیها فی ص 450 ه 1.
3- تقدم فی ص 449.
4- تقدمت الإشارة إلیها فی ص 450 ه 1.
5- النهایة : 80.

الخامس : التعقیب ، وأفضله تسبیح الزهراء علیهاالسلام ، ثم بما روی من الأدعیة ، وإلا فیما تیسّر.

______________________________________________________

عجیزتها أولا » (1) ولا قدح فی هذه الروایة بالإضمار کما بیناه مرارا.

قوله : ( الخامس ، التعقیب ، وأفضله تسبیح الزهراء علیهاالسلام ، ثم بما روی من الأدعیة ).

قال الجوهری : التعقیب فی الصلاة الجلوس بعد أن یقضیها لدعاء أو مسألة (2).

وقد أجمع العلماء کافة علی استحبابه ، وفضله عظیم وثوابه جسیم فروی زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الدعاء بعد الفریضة أفضل من الصلاة تنفلا » (3).

وروی الولید بن صبیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « التعقیب أبلغ فی طلب الرزق من الضرب فی البلاد » (4) یعنی بالتعقیب الدعاء بعقب الصلوات.

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : « الدعاء دبر المکتوبة أفضل من الدعاء دبر التطوع کفضل المکتوبة علی التطوع » (5).

وأفضل الأذکار فی التعقیب تسبیح الزهراء علیهاالسلام ، فروی صالح بن عقبة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « ما عبد الله بشی ء من

التعقیب

ص: 452


1- الکافی 3 : 335 - 2 ، التهذیب 2 : 94 - 350 ، علل الشرائع : 355 - 1 الوسائل 4 : 676 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 4.
2- الصحاح 1 : 186.
3- الکافی 3 : 342 - 5 ، التهذیب 2 : 103 - 389 ، الفقیه 1 : 216 - 962 ، الوسائل 4 : 1020 أبواب القنوت ب 5 ح 2.
4- التهذیب 2 : 104 - 391 ، الوسائل 4 : 1013 أبواب التعقیب ب 1 ح 1.
5- التهذیب 2 : 104 - 392 ، الوسائل 4 : 1019 أبواب التعقیب ب 4 ح 1.

______________________________________________________

التمجید أفضل من تسبیح فاطمة علیهاالسلام ، ولو کان شی ء أفضل منه لنحله رسول الله صلی الله علیه و آله فاطمة علیهاالسلام » (1).

وروی أبو خالد القماط فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « تسبیح فاطمة علیهاالسلام فی کل یوم ، دبر کل صلاة أحب إلیّ من صلاة ألف رکعة فی کل یوم » (2).

وروی ابن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من سبح تسبیح فاطمة الزهراء علیهاالسلام قبل أن یثنی رجلیه من صلاة الفریضة غفر له ، ویبدأ بالتکبیر » (3).

ولیکن التسبیح بهذا الترتیب : یکبر أربعا وثلاثین ، ثم یحمد ثلاثا وثلاثین ، ثم یسبح ثلاثا وثلاثین ، وقد ورد ذلک فی عدة روایات ، منها : صحیحة محمد بن عذافر ، قال : دخلت مع أبی علی أبی عبد الله علیه السلام ، فسأله أبی عن تسبیح فاطمة علیهاالسلام فقال : « الله أکبر حتی أحصی أربعا وثلاثین مرة ، ثم قال الحمد لله حتی بلغ سبعا وستین ، ثم قال سبحان الله حتی بلغ مائة یحصیها بیده جملة واحدة » (4) وربما ظهر من کلام ابن بابویه تقدیم التسبیح علی التحمید (5) ، ولم نقف علی مأخذه.

ویستحب أن یتبع تسبیح الزهراء بلا إله إلا الله ، لما روی عن الصادق علیه السلام أنه قال : « من سبح الله دبر الفریضة تسبیح فاطمة الزهراء

ص: 453


1- الکافی 3 : 343 - 14 ، التهذیب 2 : 105 - 398 ، الوسائل 4 : 1024 أبواب التعقیب ب 9 ح 1.
2- الکافی 3 : 343 - 15 ، التهذیب 2 : 105 - 399 ، ثواب الأعمال : 197 - 3 ، الوسائل 4 : 1024 أبواب التعقیب ب 9 ح 2.
3- الکافی 3 : 342 - 6 ، الفقیه 1 : 210 - 946 ، التهذیب 2 : 105 - 395 ، ثواب الأعمال : 197 - 4 ، الوسائل 4 : 1021 أبواب التعقیب ب 7 ح 1.
4- الکافی 3 : 342 - 8 ، التهذیب 2 : 105 - 400 ، المحاسن : 36 - 35 ، الوسائل 4 : 1024 أبواب التعقیب ب 10 ح 1.
5- الفقیه 1 : 210.

______________________________________________________

علیهاالسلام المائة وأتبعها بلا إله إلا الله غفر له » (1).

وروی محمد بن مسلم فی الحسن ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن التسبیح فقال : « ما علمت شیئا موظفا غیر تسبیح فاطمة صلوات الله علیها ، وعشر مرات بعد الغداة تقول : لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، له الملک وله الحمد یحیی ویمیت ویمیت ویحیی بیده الخیر وهو علی کل شی ء قدیر ، ولکن الإنسان یسبح ما شاء تطوعا » (2).

وروی زرارة فی الحسن ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « أقل ما یجزیک من الدعاء بعد الفریضة أن تقول : اللهم إنی أسألک من کل خیر أحاط به علمک ، وأعوذ بک من کل شر أحاط به علمک ، اللهم إنی أسألک عافیتک فی أموری کلها ، وأعوذ بک من خزی الدنیا وعذاب الآخرة » (3).

والدعوات الواردة فی ذلک أکثر من أن تحصی ، ولأصحابنا رضوان الله علیهم فی ذلک کتب مبسوطة ، من أرادها وقف علیها. والله الموفق.

ص: 454


1- الکافی 3 : 342 - 7 ، التهذیب 2 : 105 - 396 ، المحاسن : 36 - 34 ، الوسائل 4 : 1021 أبواب التعقیب ب 7 ح 3.
2- الکافی 3 : 345 - 25 ، وج 2 : 533 - 34 ، الوسائل 4 : 1048 أبواب التعقیب ب 25 ح 4 ، وص 1021 ب 7 ح 2.
3- الکافی 3 : 343 - 16 ، الفقیه 1 : 212 - 948 ، التهذیب 2 : 107 - 407 ، معانی الأخبار : 394 - 46 ، الوسائل 4 : 1043 أبواب التعقیب ب 24 ح 1.

خاتمة :

قواطع الصلاة قسمان ، أحدهما : یبطلها عمدا وسهوا ، وهو کل ما یبطل الطهارة ، سواء دخل تحت الاختیار أو خرج ، کالبول والغائط وما شابههما من موجبات الوضوء ، والجنابة والحیض وما شابههما من موجبات الغسل. وقیل : لو أحدث ما یوجب الوضوء سهوا تطهّر وبنی ، ولیس بمعتمد.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة : قواطع الصلاة قسمان : أحدهما یبطلها عمدا وسهوا ، وهو کل ما یبطل الطهارة سواء دخل تحت الاختیار أو خرج ، کالبول والغائط وما شابههما من موجبات الوضوء ، والجنابة والحیض وما شابههما من موجبات الغسل ، وقیل : لو أحدث ما یوجب الوضوء سهوا تطهر وبنی ، ولیس بمعتمد ).

أجمع العلماء کافة علی أنّ من أحدث فی الصلاة عامدا بطلت صلاته ، سواء کان الحدث أصغر أم أکبر ، وإنما الخلاف فیما لو أحدث ما یوجب الوضوء سهوا ، فذهب الأکثر إلی أنه مبطل للصلاة أیضا.

ونقل عن الشیخ (1) والمرتضی (2) أنهما قالا : یتطهر ویبنی علی ما مضی من صلاته.

وفرق المفید فی المقنعة بین المتیمم وغیره ، فأوجب البناء فی المتیمم إذا سبقه الحدث ووجد الماء ، والاستئناف فی غیره (3). واختاره الشیخ فی النهایة

قواطع الصلاة

بطلان الصلاة بما یبطل الطهارة

ص: 455


1- الخلاف 1 : 146.
2- نقله عنه وعن الشیخ فی المعتبر 2 : 250.
3- المقنعة : 8.

______________________________________________________

والمبسوط (1) ، وابن أبی عقیل (2) ، وقواه فی المعتبر (3).

احتج القائلون بوجوب الاستئناف مطلقا (4) بأن الطهارة شرط فی الصلاة ومع زوال الشرط یزول المشروط.

وبأن الإجماع واقع علی أنّ الفعل الکثیر مبطل للصلاة ، وهو حاصل هنا بالطهارة الواقعة فی أثناء الصلاة.

وبروایة أبی بکر الحضرمی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، وأبی عبد الله علیه السلام أنهما قالا : « لا یقطع الصلاة إلا أربع : الخلاء ، والبول ، والریح ، والصوت » (5) وروایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یکون فی صلاته فیخرج منه حب القرع ، قال : « إن کان ملطخا بالعذرة فعلیه أن یعید الوضوء ، وإن کان فی صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة » (6).

ویتوجه علی الأول أنّ اللازم منه عدم وقوع الصلاة أو شی ء من أجزائها بغیر طهارة ، وهو خلاف المدعی.

وعلی الثانی ما بیناه مرارا من منع الإجماع فی موضع النزاع.

وعلی الروایتین أنهما ضعیفتا السند فلا یتم التعلق بهما فی إثبات حکم

ص: 456


1- النهایة : 94 ، المبسوط 1 : 117.
2- نقله عنه فی المختلف : 53.
3- المعتبر 2 : 250.
4- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 251. والعلامة فی التذکرة 1 : 130.
5- الکافی 3 : 364 - 4 ، التهذیب 2 : 331 - 1362 ، الإستبصار 1 : 400 - 1530 ، الوسائل 4 : 1240 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 2.
6- التهذیب 1 : 206 - 597 ، الإستبصار 1 : 82 - 258 ، الوسائل 1 : 184 أبواب نواقض الوضوء ب 5 ح 5.

______________________________________________________

مخالف للأصل.

نعم یمکن الاستدلال علی هذا القول بأن الصلاة وظیفة شرعیة فیجب الاقتصار فی کیفیتها علی ما ورد به الشرع ، والمنقول الإتیان بها علی هذا النظم المعین والوجه المخصوص ، فلا یحصل الامتثال بدونه.

احتج القائلون (1) بالبناء مطلقا بصحیحة الفضیل بن یسار قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أکون فی الصلاة فأجد غمزا فی بطنی أو أذی أو ضربانا فقال : « انصرف ثم توضأ وابن علی ما مضی من صلاتک ما لم تنقض الصلاة بالکلام متعمدا ، وإن تکلمت ناسیا فلا شی ء علیک فهو بمنزلة من تکلم فی الصلاة ناسیا » قلت : فإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال : « نعم وإن قلب وجهه عن القبلة » (2).

قال المرتضی رضی الله عنه : لو لم یکن الأذی والغمز ناقضا للطهارة لم یأمره بالانصراف والوضوء (3).

وأجیب عنه بأنه لیس فی الخبر أنه أحدث ، والأذی والغمز لیس بحدث إجماعا ، وإنّ الأمر بالوضوء محمول علی الاستحباب (4) ، وهو بعید جدا ، فإن التعبیر عن قضاء الحاجة بالانصراف سائغ (5) ، والحکم باستحباب الوضوء مع بقاء الطهارة والبناء علی ما مضی من الصلاة أعظم محذورا مع ما فیه من إخراج اللفظ عن حقیقته.

ص: 457


1- نقل احتجاجهم فی الخلاف 1 : 146 ، والمعتبر 2 : 251.
2- الفقیه 1 : 240 - 1060 ، التهذیب 2 : 332 - 1370 ، الإستبصار 1 : 401 - 1533 ،
3- الوسائل 4 : 1242 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9.
4- کما فی المعتبر 2 : 252 ، والمنتهی 1 : 307.
5- فی « س » ، « ح » : شائع.

______________________________________________________

ویشهد لهذا القول روایة أبی سعید القماط ، قال : سمعت رجلا یسأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل وجد غمزا فی بطنه أو أذی أو عصرا من البول وهو فی الصلاة المکتوبة فی الرکعة الأولی أو الثانیة أو الثالثة أو الرابعة ، قال ، فقال : « إذا أصاب شیئا من ذلک فلا بأس بأن یخرج لحاجته تلک فیتوضأ ثم ینصرف إلی مصلاه الذی کان یصلی فیه فیبنی علی صلاته من الموضع الذی خرج منه لحاجته ما لم ینقض الصلاة بکلام » قال ، قلت : وإن التفت یمینا وشمالا أو ولّی عن القبلة؟ قال : « نعم ، کل ذلک واسع إنما هو بمنزلة رجل سها فانصرف فی رکعة أو رکعتین أو ثلاثة من المکتوبة ، فإنما علیه أن یبنی علی صلاته » (1).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یحدث بعد أن یرفع رأسه من السجدة الأخیرة وقبل أن یتشهد ، قال : « ینصرف ویتوضأ فإن شاء رجع إلی المسجد ، وإن شاء ففی بیته ، وإن شاء حیث شاء قعد فیتشهد ثم یسلم ، وإن کان الحدث بعد الشهادتین فقد مضت صلاته » (2).

وتأویل هذه الأخبار بما یطابق المشهور مشکل ، واطراحها مع سلامة سندها ومطابقتها لمقتضی الأصل أشکل.

احتج الشیخان علی البناء فی المتیمم بما رویاه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت له : رجل دخل فی الصلاة وهو متیمم فصلی رکعة ثم أحدث فأصاب الماء ، قال : « یخرج ویتوضأ ثم یبنی علی ما مضی من صلاته التی صلی بالتیمم » (3).

ص: 458


1- التهذیب 2 : 355 - 1468 ، الوسائل 4 : 1243 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11.
2- الکافی 3 : 347 - 2 ، التهذیب 2 : 318 - 1301 ، الإستبصار 1 : 343 - 1291 ، الوسائل 4 : 1001 أبواب التشهد ب 13 ح 1.
3- التهذیب 1 : 204 - 594 ، الوسائل 4 : 1242 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ذ. ح 10.

والثانی : لا یبطلها إلا عمدا ، وهو وضع الیمین علی الشمال ، وفیه تردد ،

______________________________________________________

وفی الصحیح عن زرارة قال ، قلت له : رجل دخل فی الصلاة وهو متیمم فصلی رکعة وأحدث فأصاب ماءا ، قال : « یخرج ویتوضأ ویبنی علی صلاته التی صلی بالتیمم » (1).

وأجاب عنهما فی المختلف بحمل الرکعة علی الصلاة ، إطلاقا لاسم الجزء علی الکل ، قال وقوله : « یخرج ویتوضأ ثم یبنی علی ما مضی من صلاته » إشارة إلی الاجتزاء بتلک الصلاة السابقة علی وجدان الماء (2) ، ولا یخفی ما فی ذلک من التعسف.

قال المصنف فی المعتبر بعد أن نقل عن الشیخین القول بالبناء : وما قالاه حسن لأن الإجماع علی أنّ الحدث عمدا یبطل الصلاة فیخرج من إطلاق الروایة ویتعین حملها علی غیر صورة العمد ، لأن الإجماع لا تصادمه الروایة ، ولا بأس بالعمل بها علی الوجه الذی ذکره الشیخان فإنها روایة مشهورة (3). هذا کلامه رحمه الله ، وقوته ظاهرة.

قوله : ( والثانی ، ما لا یبطلها إلا عمدا ، وهو وضع الیمین علی الشمال ، وفیه تردد ).

القول بالبطلان هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل الشیخ (4) والمرتضی (5) فیه الإجماع ، واحتجوا علیه بالاحتیاط ، وبأن أفعال الصلاة متلقاة من الشارع ولا شرع هنا ، وبأنه فعل کثیر خارج عن الصلاة ، وبصحیحة محمد بن

بطلان الصلاة بالتکفیر

ص: 459


1- التهذیب 2 : 205 - 595 ، الإستبصار 1 : 167 - 580 ، الوسائل 4 : 1242 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 10.
2- المختلف : 53.
3- المعتبر 1 : 407.
4- الخلاف 1 : 109.
5- الانتصار : 41.

______________________________________________________

مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت : الرجل یضع یده فی الصلاة الیمنی علی الیسری ، قال : « ذاک التکفیر فلا تفعل » (1) ومرسلة حریز عن الصادق علیه السلام ، قال : « لا تکفر ، إنما یصنع ذلک المجوس » (2).

وخالف فی ذلک ابن الجنید حیث جعل ترکه مستحبا (3) ، وأبو الصلاح حیث جعل فعله مکروها (4) ، واستوجهه فی المعتبر لمخالفة التکفیر لما دلت علیه الأحادیث من استحباب وضع الیدین علی الفخذین محاذیین للرکبتین ، قال : واحتجاج علم الهدی بالإجماع غیر معلوم لنا ، خصوصا مع وجود المخالف من أکابر الفضلاء ، ولا نعلم من رواه من الموافق ، کما لا یعلم أنه لا موافق له ، وقوله : وهو فعل کثیر ، فی نهایة الضعف ، لأن وضع الیدین علی الفخذین لیس بواجب ولم یتناول النهی وضعهما فی موضع معین فکان للمکلف وضعهما کیف شاء.

وأما احتجاج الطوسی بأن أفعال الصلاة متلقاة ، قلنا : حق لکن کما لم یثبت تشریع وضع الیمین علی الشمال لم یثبت تحریمه فصار للمکلف وضعهما کیف شاء ، وعدم تشریعه لا یدل علی تحریمه ، وقوله : الاحتیاط یقتضی طرح ذلک ، قلنا : متی؟ إذا لم یوجد ما یدل علی الجواز أو إذا وجد؟ لکن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها علی عدم المنع.

ثم قال : وأما الروایة فظاهرها الکراهة لما تضمنته من التشبه بالمجوس (5). هذا کلامه رحمه الله ، وهو جید لکن فی اقتضاء التشبّه ظهور

ص: 460


1- التهذیب 2 : 84 - 310 ، الوسائل 4 : 1264 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1.
2- الکافی 3 : 336 - 9 ، التهذیب 2 : 84 - 309 ، الوسائل 4 : 1264 أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 3.
3- نقله عنه فی المختلف : 100.
4- الکافی فی الفقه : 125.
5- المعتبر 2 : 257.

والالتفات إلی ما وراءه ،

______________________________________________________

الروایة فی الکراهة نظر ، مع أنّ روایة ابن مسلم المتضمنة للنهی خالیة من ذلک.

وبالجملة فحمل النهی علی الکراهة مجاز لا یصار إلیه إلا مع القرینة وهی منتفیة ، فإذن المعتمد التحریم دون الإبطال.

وینبغی قصر التحریم علی وضع الیمین علی الشمال لأنه مورد الخبر ، ولا یبعد اختصاصه بوضع الکف علی ظهر الکف لأنه المتعارف.

وینتفی التحریم فی حال التقیة قطعا ، بل قد یجب. ولو خالف لم تبطل صلاته ، لتوجه النهی إلی أمر خارج عن العبادة بخلاف ما لو مسح رجلیه فی موضع یجب فیه الغسل فإن الظاهر بطلان الوضوء لتوجه النهی إلی جزء العبادة.

قوله : ( والالتفات إلی ما وراءه ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین ما لو کان الالتفات بکل البدن أو بالوجه خاصة ، ولا ریب فی بطلان الصلاة بذلک ، لفوات الشرط وهو الاستقبال ، ولحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا التفت فی صلاة مکتوبة من غیر فراغ فأعد الصلاة إذا کان الالتفات فاحشا » (1)

ویستفاد من العبارة أن الالتفات إلی أحد الجانبین لا یبطل الصلاة ، ویشکل بإطلاق الروایة ، فإن الظاهر تحقق التفاحش بذلک.

وحکی الشهید فی الذکری عن بعض مشایخه المعاصرین أنه کان یری أن

بطلان الصلاة بالالتفات

ص: 461


1- الکافی 3 : 365 - 10 ، التهذیب 2 : 323 - 1322 ، الإستبصار 1 : 405 - 1547 ، الوسائل 4 : 1248 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.

والکلام بحرفین فصاعدا ،

______________________________________________________

الالتفات بالوجه یقطع الصلاة مطلقا (1) ، وربما کان مستنده إطلاق الروایات المتضمنة لذلک ، کحسنة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا استقبلت القبلة بوجهک فلا تقلب وجهک عن القبلة فتفسد صلاتک ، فإن الله تعالی یقول لنبیّه ( فَوَلِّ وَجْهَکَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَیْثُ ما کُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ ) (2) » (3).

وحملها الشهید فی الذکری علی الالتفات بکل البدن (4) ، لما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الالتفات یقطع الصلاة إذا کان بکله » (5).

وقد یقال : إن هذا المفهوم مقید بمنطوق قوله علیه السلام فی روایة الحلبی : « أعد الصلاة إذا کان الالتفات فاحشا » (6) فإن الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة إلی أحد الجانبین.

هذا کلّه مع العمد ، أما لو وقع سهوا ، فإن کان یسیرا لا یبلغ حد الیمین والیسار لم یضر ، وإن بلغه وأتی بشی ء من الأفعال فی تلک الحال أعاد فی الوقت وإلا فلا إعادة.

قوله : ( والکلام بحرفین فصاعدا ).

بطلان الصلاة بالکلام

ص: 462


1- الذکری : 217.
2- البقرة : 144.
3- الکافی 3 : 300 - 6 ، الفقیه 1 : 180 - 856 ، التهذیب 2 : 199 - 782 ، الإستبصار 1 : 405 - 1545 ، الوسائل 3 : 227 أبواب القبلة ب 9 ح 3.
4- الذکری : 217.
5- التهذیب 2 : 199 - 780 ، الإستبصار 1 : 405 - 1543 ، الوسائل 4 : 1248 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 3.
6- تقدمت فی ص 461.

______________________________________________________

أجمع الأصحاب علی بطلان الصلاة بتعمد الکلام بما لیس بقرآن ولا ذکر ولا دعاء ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة. کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وإن تکلم فلیعد صلاته » (1).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، حیث قال فیها : « فإن لم یقدر حتی ینصرف بوجهه أو یتکلم فقد قطع صلاته » (2).

وقد قطع الأصحاب بعدم بطلان الصلاة بالکلام بالحرف الواحد ، لأنه لا یسمی کلاما فی العرف ، بل ولا فی اللغة أیضا ، لاشتهار الکلام لغة فی المرکب من الحرفین کما ذکره الرضی رضی الله عنه ، وإن ذکر بعضهم أنه جنس لما یتکلم به ، سواء کان علی حرف واحد أو أکثر (3) ، لأن الإطلاق أعم من الحقیقة.

وفی الحرف المفهم وجهان. أظهرهما أنه مبطل ، لأنه یسمی کلاما لغة وعرفا.

ولا یلحق بالکلام إیماء الأخرس قطعا ، لأنه لا یسمی کلاما حقیقة ، وفیه وجه ضعیف بالبطلان ، لأنه کلام مثله.

وینبغی القطع بعدم بطلان الصلاة بالتنحنح مطلقا ، لأنه لا یسمی کلاما لغة ولا عرفا ، ولما رواه عمار الساباطی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یسمع صوتا بالباب وهو فی الصلاة فیتنحنح لیسمع جاریته وأهله لتأتیه فیشیر إلیها بیده لیعلمها من بالباب لتنظر من هو ، قال : « لا بأس به » (4).

ص: 463


1- الکافی 3 : 365 - 9 ، التهذیب 2 : 323 - 1323 ، الإستبصار 1 : 403 - 1536 ، الوسائل 4 : 1244 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4.
2- الکافی 3 : 364 - 2 ، التهذیب 2 : 200 - 783 ، الإستبصار 1 : 404 - 1541 ، الوسائل 4 : 1245 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 6.
3- کما فی الصحاح 5 : 2023 ، والمعتبر 2 : 253.
4- الفقیه 1 : 242 - 1077 ، الوسائل 4 : 1256 أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 4.

والقهقهة ،

______________________________________________________

هذا کله فی العامد أما الناسی فلا تبطل صلاته إجماعا ، وفی المکره وجهان : أحوطهما الإعادة.

قوله : ( والقهقهة ).

القهقهة : هی الترجیع فی الضحک ، أو شدة الضحک ، کذا فی القاموس (1) ، وقال فی الصحاح : القهقهة فی الضحک معروف ، وهو أن یقول : قه قه (2).

وقد أجمع العلماء کافة علی أنّ تعمّد القهقهة مبطل للصلاة ، حکاه المصنف فی المعتبر (3) ، والعلامة فی المنتهی (4) ، وتدل علیه روایات کثیرة : کحسنة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة » (5).

وروایة ابن أبی عمیر عن رهط سمعوه یقول : « التبسم فی الصلاة لا یقطع الصلاة ولا ینقض الوضوء ، وإنما یقطع الضحک الذی فیه القهقهة » (6) یرید بذلک قطع الصلاة دون الوضوء ، لأن القطع إنما یطلق علی الصلاة ولم تجر العادة باستعماله فی الوضوء.

وموثقة سماعة ، قال : سألته عن الضحک ، هل یقطع الصلاة؟ قال : « أما التبسم فلا یقطع الصلاة ، وأما القهقهة فهی تقطع الصلاة » (7) والمراد

بطلان الصلاة بالقهقهة

ص: 464


1- القاموس المحیط 4 : 293.
2- الصحاح 6 : 2246.
3- المعتبر 2 : 254.
4- المنتهی 1 : 310.
5- الکافی 3 : 364 - 6 ، التهذیب 2 : 324 - 1324 ، الوسائل 4 : 1252 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 1.
6- التهذیب 1 : 12 - 24 ، الإستبصار 1 : 86 - 274 ، الوسائل 4 : 1253 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 3.
7- الکافی 3 : 364 - 1 ، التهذیب 2 : 324 - 1325 ، الوسائل 4 : 1253 أبواب قواطع الصلاة ب 7 ح 2.

وأن یفعل فعلا کثیرا لیس من الصلاة ،

______________________________________________________

بالتبسم ما لا صوت فیه ، وهو غیر مبطل للصلاة سواء وقع عمدا أو سهوا باتفاق العلماء ، حکاه فی المنتهی أیضا (1). ولا ریب فی کراهته لمنافاته الخشوع المطلوب فی العبادة.

قوله : ( وأن یفعل فعلا کثیرا لیس من الصلاة ).

لا خلاف بین علماء الإسلام فی تحریم الفعل الکثیر فی الصلاة وبطلانها به إذا وقع عمدا ، حکاه فی المنتهی (2). واستدل علیه بأنه یخرج به عن کونه مصلیا ، ثم قال : والقلیل لا یبطل الصلاة بالإجماع. ولم یحد الشارع القلة والکثرة ، فالمرجع فی ذلک إلی العادة ، وکل ما ثبت أن النبی والأئمة علیهم السلام فعلوه فی الصلاة أو أمروا به فهو فی حیز القلیل کقتل البرغوث والحیة والعقرب ، وکما روی الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله أنه کان یحمل أمامة بنت أبی العاص فکان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها (3). انتهی.

وقد ورد فی أخبارنا استثناء قتل الحیة والعقرب ، وحمل الصبی الصغیر وإرضاعه (4). وروی زکریا الأعور ، قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام یصلی قائما وإلی جانبه رجل کبیر یرید أن یقوم ومعه عصا له ، فأراد أن یتناولها ، فانحط أبو الحسن علیه السلام وهو قائم فی صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد إلی صلاته (5).

وروی الحلبی فی الحسن عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصیبه الرعاف وهو فی الصلاة ، فقال : « إن قدر علی ماء عنده یمینا أو شمالا بین یدیه وهو مستقبل القبلة فلیغسله عنه ثم لیصل ما بقی من صلاته ،

ص: 465


1- المنتهی 1 : 310.
2- المنتهی 1 : 310.
3- صحیح البخاری 1 : 370.
4- الوسائل 4 : 1269 أبواب قواطع الصلاة ب 19 وص 1274 ب 24.
5- الفقیه 1 : 243 - 1079 ، التهذیب 2 : 332 - 1369 ، الوسائل 4 : 704 أبواب القیام ب 12 ح 1.

والبکاء لشی ء من أمور الدنیا ،

______________________________________________________

وإن لم یقدر علی ماء حتی ینصرف بوجهه أو یتکلم فقد قطع صلاته » (1).

ولم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علی بطلان الصلاة بالفعل الکثیر ، لکن ینبغی أن یراد به ما تنمحی به صورة الصلاة بالکلیة کما هو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (2) ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق ، وأن لا یفرق فی بطلان الصلاة به بین العمد والسهو.

قوله : ( والبکاء لشی ء من أمور الدنیا ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (3) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب ، وظاهرهم أنه مجمع علیه.

واستدلوا علیه بأنه فعل خارج عن الصلاة فیکون قاطعا کالکلام. وهو قیاس محض.

وبروایة النعمان بن عبد السلام ، عن أبی حنیفة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البکاء فی الصلاة أیقطع الصلاة؟ قال : « إن بکی لذکر جنة أو نار فذلک هو أفضل الأعمال فی الصلاة ، وإن کان لذکر میت له فصلاته فاسدة » (4). وهی ضعیفة السند باشتماله علی عدة من الضعفاء ، فیشکل الاستناد إلیها فی إثبات حکم مخالف للأصل ، ومن ثم توقف فی هذا الحکم شیخنا المعاصر (5) ، وهو فی محله.

وینبغی أن یراد بالبکاء ما کان فیه انتخاب وصوت لا مجرد خروج

بطلان الصلاة بالبکاء

ص: 466


1- الکافی 3 : 364 - 2 ، التهذیب 2 : 200 - 783 ، الإستبصار 1 : 404 - 1541 ، الوسائل 4 : 1245 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 6.
2- المعتبر 2 : 255.
3- المبسوط 1 : 118.
4- التهذیب 2 : 317 - 1295 ، الإستبصار 1 : 408 - 1558 ، الوسائل 4 : 1251 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 4.
5- مجمع الفائدة 3 : 73.

والأکل والشرب علی قول ،

______________________________________________________

الدمع ، اقتصارا علی المتیقن (1).

هذا کله إذا کان البکاء لشی ء من أمور الدنیا کذلک میت أو ذهاب مال ینتفع بهما فی دنیاه. أما البکاء خوفا من الله تعالی وخشیة من عقابه فهو من أفضل الأعمال. فقد صح عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال لأمیر المؤمنین علیه السلام فی جملة وصیته له : « والرابعة ، کثرة البکاء لله یبنی لک بکل دمعة ألف بیت فی الجنة » (2).

وروی ابن بابویه ، عن منصور بن یونس بزرج : أنه سأل الصادق علیه السلام عن الرجل یتباکی فی الصلاة المفروضة حتی یبکی ، قال : « قرة عین والله » وقال : « إذا کان ذلک فاذکرنی عنده » (3).

وروی أنه « ما من شی ء إلاّ وله کیل ووزن إلا البکاء من خشیة الله عزّ وجلّ ، فإن القطرة منه تطفئ بحارا من النیران ، ولو أن باکیا بکی فی أمة لرحموا ، وکل عین باکیة یوم القیامة إلا ثلاث أعین : عین بکت من خشیة الله ، وعین غضّت عن محارم الله ، وعین باتت ساهرة فی سبیل الله » (4).

قوله : ( والأکل والشرب علی قول ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی المبسوط والخلاف (5) ، وادعی علیه الإجماع ، ومنعه المصنف فی المعتبر وطالبه بالدلیل علی ذلک ، واستقرب عدم البطلان بهما إلاّ مع الکثرة کسائر الأفعال الخارجة عن الصلاة (6). وهو حسن.

قال فی المنتهی : ولو ترک فی فیه شیئا یذوب کالسکر فذاب فابتلعه لم

بطلان الصلاة بالأکل والشرب

ص: 467


1- فی « س » ، « ح » : علی موضع الوفاق إن تمّ.
2- الکافی 8 : 79 - 33 ، البحار 74 : 68 - 8.
3- الفقیه 1 : 208 - 940 ، الوسائل 4 : 1250 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 1.
4- الفقیه 1 : 208 - 942 ، الوسائل 4 : 1251 أبواب قواطع الصلاة ب 5 ح 3.
5- المبسوط 1 : 118 ، والخلاف 1 : 147.
6- المعتبر 2 : 259.

إلا فی صلاة الوتر لمن أصابه عطش وهو یرید الصوم فی صبیحة تلک اللیلة ، لکن لا یستدبر القبلة ، وفی عقص الشعر للرجل تردد ، والأشبه الکراهیّة.

______________________________________________________

تفسد صلاته عندنا ، وعند الجمهور تفسد ، لأنه یسمی أکلا. أما لو بقی بین أسنانه شی ء من بقایا الغذاء فابتلعه فی الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا ، لأنه لا یمکن التحرز عنه (1).

قوله : ( إلا فی صلاة الوتر لمن أصابه عطش وهو یرید الصوم فی صبیحة تلک اللیلة ، لکن لا یستدبر القبلة ).

المستند فی هذا الاستثناء ما رواه الشیخ عن سعید الأعرج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أبیت وأرید الصوم فأکون فی الوتر فأعطش ، فأکره أن أقطع الدعاء وأشرب ، وأکره أن أصبح وأنا عطشان ، وأمامی قلة بینی وبینها خطوتان أو ثلاثة ، قال : « تسعی إلیها وتشرب منها حاجتک وتعود إلی الدعاء » (2).

وهذا الاستثناء إنما یتم إذا قلنا أن المبطل من الأکل والشرب مسماهما کما ذکره الشیخ (3) ، أو قلنا أن مطلق الشرب فعل کثیر ، وعلی هذا فیقتصر فیه علی مورد النص ، وإلا فلا استثناء ولا قصر ، وهذا هو الأظهر.

قوله : ( وفی عقص الشعر للرجل تردد ، والأشبه الکراهة ).

عقص الشعر هو جمعه فی وسط الرأس ( وضفره ) (4) ولیّه. والقول بتحریمه فی الصلاة وبطلانها به للشیخ (5) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب.

ص: 468


1- المنتهی 1 : 312.
2- التهذیب 2 : 329 - 1354 ، الوسائل 4 : 1273 أبواب قواطع الصلاة ب 23 ح 1.
3- الخلاف 1 : 147 ، والمبسوط 1 : 118.
4- لیست فی « س ».
5- النهایة : 95 ، والخلاف 1 : 192 ، والمبسوط 1 : 119.

ویکره الالتفات یمینا وشمالا ، والتثاؤب ، والتمطی ، والعبث ، ونفخ موضع السجود ، والتنخّم ، وأن یبصق ، أو یفرقع أصابعه ،

______________________________________________________

واستدل علیه بإجماع الفرقة ، وبروایة مصادف ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل صلی صلاة فریضة وهو معقوص الشعر ، قال : « یعید صلاته » (1).

وهو استدلال ضعیف ، لمنع الإجماع وضعف الروایة. ومن ثم ذهب المصنف وأکثر الأصحاب إلی الکراهة ، وهو المعتمد. والحکم مختص بالرجل ، فلا کراهة ولا تحریم فی حق المرأة إجماعا.

قوله : ( ویکره الالتفات یمینا وشمالا ، والتثاؤب ، والتمطیّ ، والعبث ، ونفخ موضع السجود ، والتنخم ، وأن یبصق ، أو یفرقع أصابعه ).

المستند فی ذلک روایات کثیرة منها : ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا قمت فی الصلاة فعلیک بالإقبال علی صلاتک فإنما یحسب لک منها ما أقبلت علیه ، ولا تعبث فیها بیدک ولا برأسک ولا بلحیتک ، ولا تحدث نفسک ، ولا تتثاءب ، ولا تمتخط (2) ، ولا تکفّر ، فإنما یفعل ذلک المجوس ، ولا تلثم (3) ، ولا تفرج کما یتفرج البعیر ، ولا تقع علی قدمیک ، ولا تفترش ذراعیک ، ولا تفرقع أصابعک ، فإن ذلک کله نقصان فی الصلاة ، ولا تقم إلی الصلاة متکاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنهن (4) من خلال النفاق ، فإن الله تعالی نهی المؤمنین أن یقوموا إلی الصلاة وهم سکاری یعنی سکر النوم ، وقال للمنافقین : ( وَإِذا قامُوا إِلَی الصَّلاةِ قامُوا کُسالی یُراؤُنَ

مکروهات الصلاة

ص: 469


1- الکافی 3 : 409 - 5 ، التهذیب 2 : 232 - 914 ، الوسائل 3 : 308 أبواب لباس المصلی ب 36 ح 1.
2- فی المصدر : تتمطّ.
3- فی « س » ، « ح » والمصدر زیادة : ولا تحتفز.
4- فی المصدر : فإنها.

أو یتأوّه ، أو یئنّ بحرف واحد ، أو یدافع البول أو الغائط أو الریح.

______________________________________________________

النّاسَ وَلا یَذْکُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِیلاً ) (1) » (2).

وروی محمد بن مسلم فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قلت : الرجل ینفخ فی الصلاة موضع جبهته؟ قال : « لا » (3).

قوله : ( أو یتأوه ، أو یئنّ بحرف واحد ).

الضابط فی کراهة التأوه والأنین أن لا یظهر منهما ما یعد کلاما وإلا حرما وأبطلا الصلاة.

لکن یمکن المناقشة فی الکراهة مع انتفاء الکلام ، لعدم الظفر بدلیله.

واستحسن المصنف فی المعتبر جواز التأوه بالحرفین للخوف من الله عند ذکر المخوفات. وهو حسن قال : وقد نقل عن کثیر من الصلحاء التأوه فی الصلاة ، ووصف إبراهیم بذلک یؤذن بجوازه (4).

قوله : ( أو یدافع البول أو الغائط أو الریح ).

لما فی ذلک من سلب الخشوع والإقبال المطلوب فی العبادة ، وتدل علیه أیضا صحیحة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا صلاة لحاقن ولا حاقنة وهو بمنزلة من هو فی ثیابه » (5).

قال فی المنتهی : ولو صلی کذلک صحت صلاته إجماعا ، لأنه أتی بالمأمور

ص: 470


1- النساء : 142.
2- الکافی 3 : 299 - 1 ، علل الشرائع : 358 - 1 ، الوسائل 4 : 677 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 5.
3- الکافی 3 : 334 - 8 ، التهذیب 2 : 302 - 1222 ، الإستبصار 1 : 329 - 1235 ، الوسائل 4 : 958 أبواب السجود ب 7 ح 1.
4- المعتبر 2 : 254.
5- التهذیب 2 : 333 - 1372 ، المحاسن 1 : 83 - 15 ، الوسائل 4 : 1254 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2.

وإن کان خفّه ضیّقا استحب له نزعه لصلاته.

مسائل أربع :

الأولی : إذا عطس الرجل فی الصلاة یستحب له أن یحمد الله.

______________________________________________________

به فیکون خارجا عن عهدة الأمر (1) ، ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یصیبه الغمز فی بطنه وهو یستطیع أن یصبر علیه أیصلی علی تلک الحال أو لا یصلی؟ قال ، فقال : « إن احتمل الصبر ولم یخف إعجالا عن الصلاة فلیصل ولیصبر » (2).

ولو عرضت المدافعة فی أثناء الصلاة فلا کراهة فی الإتمام ، بل یجب الصبر.

قوله : ( وإن کان خفه ضیقا استحب له نزعه لصلاته ).

لما فی لبسه حالة الصلاة من سلب الخشوع والمنع من التمکن فی السجود.

قوله : ( مسائل أربع ، الأولی ، إذا عطس الرجل فی الصلاة استحب له أن یحمد الله ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة. ویدل علیه مضافا إلی العمومات خصوص صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا عطس الرجل فی صلاته فلیحمد الله » (3).

ویستحب له الحمد إذا عطس غیره ، لروایة أبی بصیر قال ، قلت له : أسمع العطسة فأحمد الله وأصلی علی النبی صلی الله علیه و آله وأنا فی الصلاة؟

استحباب الحمد للعاطس فی الصلاة وتسمیت غیره

ص: 471


1- المنتهی 1 : 313.
2- الکافی 3 : 364 - 3 ، الفقیه 1 : 240 - 1061 ، التهذیب 2 : 324 - 1326 ، الوسائل 4 : 1253 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.
3- الکافی 3 : 366 - 2 ، الوسائل 4 : 1268 أبواب قواطع الصلاة ب 18 ح 2.

وکذا إن عطس غیره یستحب له تسمیته.

______________________________________________________

قال : « نعم ، وإن کان بینک وبین صاحبک الیم » (1).

فائدة : روی الکلینی - رضی الله عنه - عن الحسن بن راشد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من عطس ثم وضع یده علی قصبة أنفه ثم قال : الحمد لله رب العالمین کثیرا کما هو أهله وصلی الله علی محمد النبی وآله وسلم ، خرج من منخره الأیسر طائر أصغر من الجراد وأکبر من الذباب حتی یصیر تحت العرش یستغفر الله له إلی یوم القیامة » (2).

قوله : ( وکذا إذا عطس غیره یستحب له تسمیته ).

قال الجوهری : تسمیت العاطس أن یقول له : یرحمک الله ، بالسین والشین جمیعا. قال ثعلب : الاختیار بالسین لأنها مأخوذة من السمت وهو القصد والمحجة. وقال أبو عبید : الشین أعلی فی کلامهم وأکثر (3).

وقال فی القاموس : إن التسمیت بالسین والشین : الدعاء للعاطس (4).

وإنما استحب التسمیت فی الصلاة لأنه دعاء وقد سبق جوازه فی الصلاة (5) ، ولأن الأمر بالتسمیت مطلق فیتناول حالة الصلاة.

وهل یجب علی العاطس الرد؟ الأظهر لا ، لأنه لا یسمی تحیة والأولی فی کیفیة الرد اعتماد ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن سعد بن أبی خلف ، قال : کان أبو جعفر علیه السلام إذا عطس فقیل له : یرحمک الله ، قال : یغفر الله لکم ویرحمکم » وإذا عطس عنده إنسان قال : « یرحمک الله عزّ وجلّ » (6).

ص: 472


1- الکافی 3 : 366 - 3 ، الفقیه 1 : 239 - 1058 ، التهذیب 2 : 332 - 1368 ، الوسائل 4 : 1268 أبواب قواطع الصلاة ب 18 ح 4.
2- الکافی 2 : 657 - 22 ، الوسائل 8 : 465 أبواب أحکام العشرة ب 63 ح 4.
3- الصحاح 1 : 254 ونقله عن ثعلب وأبو عبید.
4- القاموس المحیط 1 : 156.
5- فی ص 463.
6- الکافی 2 : 655 - 11 ، الوسائل 8 : 460 أبواب أحکام العشرة ب 58 ح 1.

الثانیة : إذا سلّم علیه یجوز أن یردّ مثل قوله : سلام علیکم ، ولا یقول : وعلیکم علی روایة.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة ، إذا سلّم علیه یجوز أن یرد مثل قوله : سلام علیکم ، ولا یقول : وعلیکم علی روایة ).

رد السلام واجب علی الکفایة فی الصلاة وغیرها إجماعا ، حکاه فی التذکرة (1). والأصل فی قوله تعالی ( وَإِذا حُیِّیتُمْ بِتَحِیَّةٍ فَحَیُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) (2). والتحیة لغة : السلام ، علی ما نصّ علیه أهل اللغة (3) ودلّ علیه العرف.

ویدل علی کون الوجوب کفائیا - مضافا إلی الإجماع - روایات ، منها : موثقة غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا ردّ واحد أجزأ عنهم » (4).

ومرسلة عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا مرت الجماعة بقوم أجزأهم أن یسلّم واحد منهم ، وإذا سلّم علی القوم وهم جماعة أجزأهم أن یرد واحد منهم » (5).

ویدل علی وجوب الرد فی الصلاة صریحا أخبار کثیرة ، کموثقة سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یسلم علیه وهو فی الصلاة ، قال : « یرد بقوله : سلام علیکم ، ولا یقول : وعلیکم السلام » (6) وهذه هی الروایة التی أشار إلیها المصنف رحمه الله .

موارد رد السلام فی الصلاة

ص: 473


1- التذکرة 1 : 131.
2- النساء : 86.
3- منهم الفیومی فی المصباح المنیر : 160 ، وابن منظور فی لسان العرب 12 : 289.
4- الکافی 2 : 647 - 3 ، الوسائل 8 : 450 أبواب أحکام العشرة ب 46 ح 2.
5- الکافی 2 : 647 - 1 ، الوسائل 8 : 450 أبواب أحکام العشرة ب 46 ح 3.
6- الکافی 3 : 366 - 1 ، التهذیب 2 : 328 - 1348 ، الوسائل 4 : 1265 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2.

______________________________________________________

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : دخلت علی أبی جعفر علیه السلام وهو فی الصلاة فقلت : السلام علیک فقال : « السلام علیک » فقلت کیف أصبحت؟ فسکت ، فلما انصرف قلت : أیرد السلام وهو فی الصلاة؟ قال : « نعم ، مثل ما قیل له » (1).

وموثقة عمار الساباطی : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن التسلیم علی المصلی ، فقال : « إذا سلم علیک رجل من المسلمین وأنت فی الصلاة فردّ علیه فیما بینک وبین نفسک ، ولا ترفع صوتک » (2).

وقد قطع الأصحاب بأنه یجب الرد فی الصلاة بالمثل ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن مسلم المتقدمة : « نعم ، مثل ما قیل له » ولا یبعد جواز الرد بالأحسن أیضا ، لعموم الآیة (3) ، وعدم دلالة الروایة علی الحصر.

وهل یجب علی المجیب إسماع المسلّم تحقیقا أو تقدیرا؟ قیل : نعم ، لعدم صدق التحیة عرفا ولا الرد بدونه (4). وقیل : لا (5) ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (6) ، وقواه شیخنا المعاصر (7) ، لروایة عمار المتقدمة ، وروایة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سلم علیک رجل وأنت تصلی قال : ترد علیه خفیا کما قال » (8) وفی الروایتین قصور من حیث السند فلا تعویل علیهما.

ص: 474


1- التهذیب 2 : 329 - 1349 ، الوسائل 4 : 1265 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 1.
2- الفقیه 1 : 240 - 1064 ، التهذیب 2 : 331 - 1365 ، الوسائل 4 : 1266 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 4.
3- النساء : 86.
4- کما فی جامع المقاصد 1 : 128 ، والمسالک 1 : 33.
5- کما فی مجمع الفائدة 3 : 119.
6- المعتبر 2 : 264.
7- مجمع الفائدة 3 : 119.
8- الفقیه 1 : 241 - 1065 ، التهذیب 2 : 332 - 1366 ، الوسائل 4 : 1245 أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 3.

______________________________________________________

ویتحقق الامتثال برد واحد ممن یجب علیه الرد.

وفی الاکتفاء برد الصبی الممیز وجهان ، أظهرهما العدم وإن قلنا أن عبادته شرعیة ، لعدم امتثال الأمر المقتضی للوجوب. ولو کان المسلّم صبیا ممیزا ففی وجوب الرد علیه وجهان ، أظهرهما ذلک تمسکا بظاهر الأمر.

وهل یجوز رد المصلی بعد قیام غیره بالواجب؟ قیل : نعم ، لإطلاق الأمر (1). وقیل : لا ، لتحقق الامتثال ، وعدم ثبوت استحباب الرد بعد سقوط الوجوب (2).

ولو ترک المصلی الرد فهل تبطل صلاته؟ فیه احتمالات ثالثها : البطلان إن أتی بشی ء من الأذکار وقت توجه الخطاب بالرد ، لتحقق النهی عنه المقتضی للفساد ، وهو مبنی علی أن الأمر بالشی ء یقتضی النهی عن ضده الخاص ، وقد تقدم الکلام فیه مرارا.

ولا یجب رد غیر السلام من الدعوات ، لعدم ثبوت إطلاق اسم التحیة علیه ، وهو خیرة المعتبر ، لکنه قال - ونعم ما قال - نعم لو دعا له وکان مستحقا وقصد الدعاء لا الرد لم أمنع منه ، لما ثبت من جواز الدعاء لنفسه ولغیره فی أحوال الصلاة بالمباح (3).

وذکر جمع من الأصحاب أنه لا یکره السلام علی المصلی للعموم (4). ویمکن القول بالکراهة لما رواه عبد الله بن جعفر الحمیری فی کتابه قرب الإسناد عن الصادق علیه السلام أنه قال : « کنت أسمع أبی یقول : إذا دخلت المسجد والقوم یصلون فلا تسلّم علیهم وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله ثم أقبل علی

ص: 475


1- کما فی روض الجنان : 339.
2- کما فی مجمع الفائدة 3 : 118.
3- المعتبر 2 : 264.
4- العلامة فی المنتهی 1 : 314 ، والشهید الأول فی الذکری : 217 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 33.

الثالثة : یجوز أن یدعو بکلّ دعاء یتضمن تسبیحا أو تحمیدا أو طلب شی ء مباح من أمور الدنیا والآخرة ، قائما وقاعدا وراکعا وساجدا ، ولا یجوز أن یطلب شیئا محرّما ، ولو فعل بطلت صلاته.

______________________________________________________

صلاتک. وإذا دخلت علی قوم جلوس وهم یتحدثون فسلّم علیهم » (1).

قوله : ( الثالثة ، یجوز أن یدعو بکل دعاء یتضمن تسبیحا أو تحمیدا أو طلب شی ء مباح من أمور الدنیا والآخرة ، قائما وقاعدا وراکعا وساجدا ).

هذا مذهب العلماء کافة. والأصل فیه : عموم قوله تعالی ( ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ ) (2) وقوله عزّ وجلّ ( قُلْ ما یَعْبَؤُا بِکُمْ رَبِّی لَوْ لا دُعاؤُکُمْ ) (3).

وخصوص صحیحة علی بن مهزیار : إنه سأله علیه السلام عن الرجل یتکلم فی الفریضة بکل شی ء یناجی ربه؟ قال : « نعم » (4).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : صلی بنا أبو بصیر فی طریق مکة فقال وهو ساجد - وقد کانت ضلت ناقة لجمّالهم - : اللهم ردّ علی فلان ناقته. قال محمد : فدخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فأخبرته ، فقال : وفعل؟ فقلت : نعم ، قال : فسکت ، قلت : أفأعید الصلاة؟ قال : « لا » (5).

قوله : ( ولا یجوز أن یطلب شیئا محرما ).

لا ریب فی ذلک ، والظاهر أنه مبطل للصلاة مع العلم والجهل ، لما بیناه

جواز الدعاء فی الصلاة

ص: 476


1- قرب الإسناد : 45 ، الوسائل 4 : 1267 أبواب قواطع الصلاة ب 17 ح 2 وفیه : إذا دخلت المسجد الحرام.
2- غافر : 60.
3- الفرقان : 77.
4- التهذیب 2 : 326 - 1337 ، الوسائل 4 : 1262 أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 1.
5- الکافی 3 : 323 - 8 ، التهذیب 2 : 300 - 1208 ، الوسائل 4 : 973 أبواب السجود ب 17 ح 1.

الرابعة : یجوز للمصلی أن یقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فرار غریم ، أو تردّی طفل وما شابه ذلک. ولا یجوز قطع الصلاة اختیارا.

______________________________________________________

فیما سبق من أن الجهل لیس عذرا فی الصحة والبطلان وإن أمکن کونه عذرا فی الإثم والعقاب ، لاستحالة تکلیف الغافل.

قوله : ( الرابعة ، یجوز للمصلی أن یقطع صلاته إذا خاف تلف مال أو فوات غریم أو تردّی طفل وما شابه ذلک ، ولا یجوز قطع الصلاة اختیارا ).

أما أنه لا یجوز قطع الصلاة اختیارا فهو مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ولم أقف علی روایة تدل بمنطوقها علیه.

وأما جوازه للحاجة فتدل علیه روایات منها : روایة حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت فی صلاة الفریضة فرأیت غلاما لک قد أبق ، أو غریما لک علیه مال ، أو حیّة تخافها علی نفسک فاقطع الصلاة واتبع الغلام أو غریما لک واقتل الحیّة » (1).

وروایة سماعة عن الصادق علیه السلام : إنه سأله عن الرجل یکون فی الصلاة الفریضة قائما فینسی کیسه أو متاعا یخاف ضیعته أو هلاکه ، قال : « یقطع صلاته ویحرز متاعه » (2).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الحاجة بین المضر فوتها وغیرها.

وقال الشارح - قدس سره - : المراد بالجواز فی عبارة المصنف هنا معناه الأعم المشترک بین ما عدا الحرام. فإنّ قطعها لحفظ الصبی المتردی إذا کان

ص: 477


1- الکافی 3 : 367 - 5 ، الفقیه 1 : 242 - 1073 ، التهذیب 2 : 331 - 1361 ، الوسائل 4 : 1271 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 1.
2- الکافی 3 : 367 - 3 ، الفقیه 1 : 241 - 1071 ، التهذیب 2 : 330 - 1360 ، الوسائل 4 : 1272 أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 2.

______________________________________________________

محترما واجب ، وکذا حفظ المال المضر فوته بحاله. وقطعها لإحراز المال الیسیر الذی لا یضر فوته مباح ، ولإحراز المال الیسیر الذی لا یبالی بفواته کالحبّة والحبّتین من الحنطة مکروه. وهذه الأقسام الثلاثة داخلة فی العبارة من جهة الإطلاق. وقد یستحب القطع لأمور تقدم بعضها کناسی الأذان والإقامة ، فقطع الصلاة ینقسم إلی الأحکام الخمسة (1). انتهی کلامه رحمه الله .

ویمکن المناقشة فی جواز القطع فی بعض هذه الصور ، لانتفاء الدلیل علیه ، إلا أنه یمکن المصیر إلیه لما أشرنا إلیه من انتفاء دلیل التحریم.

وذکر الشهید - رحمه الله - فی الذکری (2) أنّ من أراد القطع فی موضع جوازه یتحلل بالتسلیم ، لعموم قوله علیه السلام : « وتحلیلها التسلیم » (3) وفی السند والدلالة نظر.

ص: 478


1- المسالک 1 : 33.
2- الذکری : 215.
3- الکافی 3 : 69 - 2. الوسائل 4 : 1003 أبواب التسلیم ب 1 ح 1.

الفهرست

کتاب الصلاة

تعریف الصلاة............................................................. 5

أهمیة الصلاة............................................................... 6

أعداد الصلاة

الصلوات المفروضة.......................................................... 8

نوافل الصلوات............................................................. 9

فوائد تتعلق بالنوافل

نوافل الظهر والعصر...................................................... 13

آداب نافلة المغرب........................................................ 14

آداب نافلة العشاء........................................................ 16

آداب صلاة اللیل......................................................... 17

صلاة الغفیلة............................................................. 21

ما یترک لاجله النافلة...................................................... 22

أفضل الرواتب........................................................... 23

جواز الجلوس فی النافلة.................................................... 24

ص: 479

سقوط النافلة فی السفر سوی الأماکن الأربعة................................ 26

النوافل رکعتان إلا الوتر................................................... 28

مواقیت الصلاة

لکل صلاة وقتان......................................................... 30

أول وقت الظهر.......................................................... 32

اختصاص الظهر بأول الوقت............................................... 35

آخر وقت الظهر.......................................................... 38

أول وقت العصر......................................................... 45

آخر وقت العصر......................................................... 47

أول وقت المغرب وما یتحقق به الغروب..................................... 49

أخر وقت المغرب......................................................... 53

أول وقت العشاء......................................................... 57

آخر وقت العشاء......................................................... 59

وقت صلاة الصبح........................................................ 61

ما یعلم به الزوال......................................................... 64

وقت نوافل الظهر والعصر................................................. 68

جواز تقدیم النوافل علی الزوال یوم الجمعة................................... 72

وقت نافلة المغرب......................................................... 73

وقت نافلة العشاء......................................................... 75

وقت صلاة اللیل.......................................................... 76

وقت نافلة الصبح......................................................... 83

جواز قضاء الفرائض فی کل وقت.......................................... 87

وقت النوافل الغیر الراتبة................................................... 87

أحکام المواقیت

حکم من حصل له مانع من الصلاة کالجنون والحیض فی الوقت................ 91

ص: 480

إعادة الصبی المتطوع بالصلاة إذا بلغ فی الوقت............................... 95

وجوب تحصیل الیقین بالوقت والا فالظن.................................... 97

حکم من انکشف له فساد الظن.......................................... 100

حکم من صلی قبل الوقت............................................... 101

وجوب قضاء الفرائض مرتبا.............................................. 102

الأوقات التی یکره فیها ابتداء النوافل...................................... 104

استحباب تعجیل ما یفوت باللیل نهارا وبالعکس............................ 109

أفضلیة الصلاة فی أول الوقت الا ما استثنی................................. 111

حکم من صلی العصر قبل الظهر.......................................... 115

القبلة

حقیقة القبلة............................................................ 118

القبلة هی جهة الکعبة................................................... 121

حکم المصلی فی جوف الکعبة............................................ 123

حکم من صلی علی سطح الکعبة......................................... 125

حکم صلاة الجماعة فی المسجد........................................... 126

توجه أهل کل إقلیم إلی الرکن الذی یلیهم................................. 126

علامات قبلة العراق..................................................... 127

استحباب التیاسر لأهل العراق............................................ 130

حکم الجاهل بالقبلة..................................................... 131

حکم الغیر المتمکن من الاجتهاد.......................................... 134

حکم فاقد الظن بالقبلة.................................................. 135

حکم الصلاة علی الراحلة وفی حال المشی والمطاردة......................... 138

أحکام الاخلال بالاستقبال

حکم الأعمی المخل بالاستقبال........................................... 149

حکم تبین الخلل بالاستقبال.............................................. 150

ص: 481

وجوب استئناف الاجتهاد عند الشک..................................... 154

لباس المصلی

حکم الصلاة فی الجلد................................................... 157

حکم الصلاة فی الصوف والشعر وسائر ما لا تحله الحیاة من المیتة............. 163

حکم الصلاة فی الخز.................................................... 167

جواز الصلاة فی فرو السنجاب........................................... 170

حکم الصلاة فی جلود الثعالب والأرانب................................... 172

حکم لبس الحریر....................................................... 173

جواز الجلوس علی الحریر................................................ 179

جواز الصلاة فی المکفوف بالحریر......................................... 180

حرمة الصلاة فی الثوب المغصوب......................................... 181

حرمة الصلاة فیما یستر ظهر القدم........................................ 183

استحباب الصلاة فی النعل العربیة......................................... 184

اشتراط الملکیة أو الاذن والطهارة فی لباس المصلی........................... 185

جواز الصلاة فی ثوب واحد للرجل دون المرأة.............................. 186

جواز الصلاة عاریاً للرجل................................................ 190

حکم من لا یجد ثوباً یستر به العورة....................................... 192

الأمة والصبیة تصلی بدون خمار........................................... 198

ما یکره الصلاة فیه من اللباس............................................ 201

مکان المصلی

اشتراط الإباحة فی مکان المصلی.......................................... 215

حرمة صلاة الرجل وإلی جانبه أو أمامه امرأة تصلی......................... 220

اشتراط طهارة موضع السجود............................................ 225

الأماکن التی تکره فیها الصلاة............................................ 227

ص: 482

ما یسجد علیه

عدم جواز السجود علی ما لیس بأرض.................................... 241

عدم جواز السجود علی المعدن........................................... 243

عدم جواز السجود علی المأکول.......................................... 245

حکم السجود علی القطن والکتان........................................ 245

حرمة السجود علی الوحل............................................... 248

جواز السجود علی القرطاس............................................. 249

کراهة الصلاة علی المکتوب.............................................. 250

حکم السجود علی شئ من البدن......................................... 250

حکم اشتباه الموضع النجس بغیره.......................................... 252

الأذان والإقامة

استحباب الأذان والإقامة................................................. 254

سقوط الأذان فیما عدا الفرائض الخمس................................... 261

سقوط الأذان لعصر الجمعة وعرفة........................................ 263

سقوط الأذان والإقامة عمن أدرک الجماعة................................. 266

إعادة الأذان والإقامة لمن عدل إلی الصلاة جماعة............................ 267

ما یعتبر فی المؤذن........................................................ 269

رجوع تارک الأذان سهوا................................................ 273

المؤذن یعطی من بیت المال................................................ 276

الأذان بعد دخول الوقت سوی الصبح..................................... 277

فصول الأذان........................................................... 279

فصول الإقامة........................................................... 281

اشتراط الترتیب فی الأذان والإقامة........................................ 282

مستحبات الأذان والإقامة................................................ 283

ص: 483

مکروهات الأذان والإقامة................................................ 289

أحکام الأذان........................................................... 292

أفعال الصلاة

النیة..................................................................... 308

حقیقة النیة............................................................. 309

وقت النیة.............................................................. 313

وجوب الاستمرار علی حکم النیة.................................... 313(ش)

حکم نیة قطع الصلاة............................................... 314(ش)

حکم نیة الریاء......................................................... 315

موارد جواز نقل النیة.................................................... 316

تکبیرة الاحرام........................................................... 317

صورة تکبیرة الاحرام.................................................... 319

حکم الأعجمی والأخرس................................................ 320

بطلان الصلاة بإعادة التکبیرة............................................. 321

وجوب التکبیر قائما..................................................... 322

مستحبات تکبیرة الاحرام................................................ 323

القیام ................................................................... 325

وجوب الاستقلال بالقیام................................................. 327

حکم العاجز عن القیام................................................... 328

حکم العاجز عن القعود.................................................. 330

مسنونات بحث القیام.................................................... 334

ص: 484

القراءة .................................................................. 335

تعیین قراءة الحمد فی الأولی والثانیة........................................ 336

البسملة آیة من کل سورة................................................ 339

عدم إجزاء ترجمة الحمد.................................................. 341

وجوب قراءة الحمد مرتبة................................................ 342

حکم الأخرس.......................................................... 343

تخیر المصلی بین الحمد والتسبیح فی الثالثة والرابعة........................... 344

وجوب قراءة سورة بعد الحمد............................................ 347

عدم جواز قراءة سور العزائم............................................. 351

حکم ما یفوت الوقت بقراءته والقران بین سورتین.......................... 354

مواضع وجوب الجهر.................................................... 356

عدم جهر النساء........................................................ 358

مستحبات القراءة....................................................... 359

حرمة قول آمین......................................................... 371

وجوب الموالاة فی القراءة................................................. 375

حکم نیة قطع القراءة.................................................... 376

الضحی وألم نشرح سورتان وکذا الفیل والایلاف.......................... 377

حکم الاخلال بالجهر والاخفات.......................................... 378

صورة التسبیح فی الثالثة والرابعة.......................................... 379

حکم من قرأ العزیمة فی النافلة............................................ 382

المعوذتان من القرآن..................................................... 383

الرکوع.................................................................. 384

واجبات الرکوع خمسة.................................................. 385

حکم التکبیر للرکوع................................................... 394

ص: 485

مسنونات الرکوع....................................................... 394

السجود................................................................. 400

عدم بطلان الصلاة بالاخلال بسجدة سهوا................................ 401

واجبات السجود........................................................ 403

مستحبات السجود...................................................... 410

کراهة الاقعاء بین السجدتین............................................. 415

حکم من بجبهته دمل.................................................... 416

سجدات القرآن......................................................... 418

سجدتا الشکر.......................................................... 421

التشهد ................................................................. 425

واجبات التشهد......................................................... 425

التسلیم.................................................................. 429

صورة التسلیم.......................................................... 434

مسنونات التسلیم....................................................... 438

مستحبات الصلاة ........................................................ 440

استحباب التوجه بست تکبیرات.......................................... 440

القنوت................................................................ 442

محال شغل النظر فی الصلاة............................................... 448

وضع الیدین فی الصلاة................................................... 450

التعقیب................................................................ 452

ص: 486

قواطع الصلاة

بطلان الصلاة بما یبطل الطهارة........................................... 455

بطلان الصلاة بالتکفیر................................................... 459

بطلان الصلاة بالالتفات................................................. 461

بطلان الصلاة بالکلام................................................... 462

بطلان الصلاة بالقهقهة.................................................. 464

بطلان الصلاة بالبکاء.................................................... 466

بطلان الصلاة بالأکل والشرب........................................... 467

مکروهات الصلاة....................................................... 469

استحباب الحمد للعاطس فی الصلاة وتسمیت غیره.......................... 471

موارد رد السلام فی الصلاة.............................................. 473

جواز الدعاء فی الصلاة.................................................. 476

ص: 487

المجلد 4

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الرّکن الثالث :

فی بقیة الصلوات

وفیه فصول :

الفصل الأوّل :

فی صلاة الجمعة

والنظر فی. الجمعة ، ومن تجب علیه ، وآدابها :

______________________________________________________

قوله : ( الرکن الثالث ، فی بقیة الصلوات : وفیه فصول ، الفصل الأول : فی صلاة الجمعة ).

أجمع العلماء کافة علی وجوب صلاة الجمعة ، والأصل فیه الکتاب والسنة ، قال الله تعالی ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نُودِیَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللهِ ) (1) أجمع المفسرون (2) علی أن المراد بالذکر هنا الخطبة ، وصلاة الجمعة ، تسمیة للشی ء باسم أشرف أجزائه ، والأمر للوجوب کما قرر فی الأصول وهو هنا للتکرار باتفاق العلماء. والتعلیق بالنداء مبنی علی الغالب.

صلاة الجمعة

وجوب صلاة الجمعة

ص: 5


1- الجمعة : 9.
2- منهم الشیخ فی التبیان 10 : 8 ، والطبرسی فی مجمع البیان 5 : 288 ، وابن العربی فی تفسیر أحکام القرآن 4 : 1805.

______________________________________________________

وفی الآیة مع الأمر الدال علی الوجوب ضروب من التأکید وأنواع الحث بما لا یقتضی تفصیله المقام ، ولا یخفی علی من تأمله من أولی الأفهام.

وأما الأخبار فمستفیضة جدا ، بل تکاد أن تکون متواترة ، فمن ذلک صحیحة أبی بصیر ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض فی کل سبعة أیام خمسا وثلاثین صلاة ، منها صلاة واجبة علی کل مسلم أن یشهدها إلا خمسة : المریض ، والمملوک ، والمسافر ، والمرأة ، والصبی » (1).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال له : « إنما فرض الله عزّ وجلّ علی الناس من الجمعة إلی الجمعة خمسا وثلاثین صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها الله عزّ وجلّ فی جماعة ، وهی الجمعة ، ووضعها عن تسعة : عن الصغیر ، والکبیر ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمریض ، والأعمی ، ومن کان علی رأس أزید من فرسخین » (2).

وصحیحة منصور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجمع القوم یوم الجمعة إذا کانوا خمسة فما زاد ، فإن کانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم. والجمعة واجبة علی کل أحد ، لا یعذر الناس فیها إلا خمسة : المرأة ، والمملوک ، والمسافر ، والمریض ، والصبی » (3).

وصحیحة أبی بصیر ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ،

ص: 6


1- الکافی 3 : 418 - 1 ، التهذیب 3 : 19 - 69 ، المعتبر 2 : 274 ، الوسائل 5 : 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 14.
2- الکافی 3 : 419 - 6 ، الفقیه 1 : 266 - 1217 ، التهذیب 3 : 21 - 77 ، الخصال : 533 - 11 ، الأمالی : 319 - 17 ، الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 1.
3- التهذیب 3 : 239 - 636 ، الإستبصار 1 : 419 - 1610 ، الوسائل 5 : 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 16 وص 8 ب 2 ح 7.

______________________________________________________

قال : « من ترک الجمعة ثلاث جمع متوالیات طبع الله علی قلبه » (1).

وصحیحة الفضل بن عبد الملک ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا کان قوم فی قریة صلوا الجمعة أربع رکعات ، فإن کان لهم من یخطب جمعوا إذا کانوا خمسة نفر ، وإنما جعلت رکعتین لمکان الخطبتین » (2).

وصحیحة زرارة ، قال : حثنا أبو عبد الله علیه السلام علی صلاة الجمعة حتی ظننت أنه یرید أن نأتیه ، فقلت : نغدو علیک؟ فقال : « لا ، إنما عنیت عندکم » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن أناس فی قریة ، هل یصلون الجمعة جماعة؟ قال : « نعم ، یصلون أربعا إذا لم یکن من یخطب » (4).

وصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کانوا سبعة یوم الجمعة فلیصلوا فی جماعة ، ولیلبس البرد والعمامة ، ولیتوکأ علی قوس أو عصا ، ولیقعد قعدة بین الخطبتین ، ویجهر بالقراءة ، ویقنت فی الرکعة الأولی منهما قبل الرکوع » (5).

وصحیحة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الجمعة واجبة علی

ص: 7


1- التهذیب 3 : 238 - 632 ، المحاسن : 85 - 22 ، عقاب الأعمال : 276 - 3 ، الوسائل 5 : 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 15.
2- التهذیب 3 : 238 - 634 ، الإستبصار 1 : 420 - 1614 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 6 وص 10 ب 3 ح 2.
3- التهذیب 3 : 239 - 635 ، الإستبصار 1 : 420 - 1615 ، المقنعة : 27 ، الوسائل 5 : 12 أبواب صلاة الجمعة وآدابها 5 ح 1.
4- التهذیب 3 : 238 - 633 ، الإستبصار 1 : 419 - 1613 ، الوسائل 5 : 10 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 3 ح 1.
5- التهذیب 3 : 245 - 664 ، الإستبصار 1 : 418 - 1607 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 5.

______________________________________________________

من إن صلی الغداة فی أهله أدرک الجمعة ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إنما یصلی العصر فی وقت الظهر فی سائر الأیام کی إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلی الله علیه و آله رجعوا إلی رحالهم قبل اللیل ، وذلک سنة إلی یوم القیامة » (1).

وصحیحة أخری لزرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : علی من تجب الجمعة؟ قال : « علی سبعة نفر من المسلمین ، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمین أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم یخافوا أمهم بعضهم وخطبهم » (2).

فهذه الأخبار الصحیحة الطرق الواضحة الدلالة علی وجوب الجمعة علی کل مسلم عدا ما استثنی تقتضی الوجوب العینی ، إذ لا إشعار فیها بالتخییر بینها وبین فرد آخر ، خصوصا قوله علیه السلام : « من ترک الجمعة ثلاث جمع متوالیات طبع الله علی قلبه » فإنه لو جاز ترکها إلی بدل لم یحسن هذا الإطلاق. ولیس فیها دلالة علی اعتبار حضور الإمام علیه السلام ونائبه بوجه ، بل الظاهر من قوله علیه السلام : « فإن کان لهم من یخطب جمعوا » وقوله : « فإذا اجتمع سبعة ولم یخافوا أمهم بعضهم وخطبهم » خلافه کما سیجی ء تحقیقه إن شاء الله (3).

قال جدی - قدس سره - فی رسالته الشریفة التی وضعها فی هذه المسألة بعد أن أورد نحو ما أوردناه من الأخبار ونعم ما قال : فکیف یسع المسلم الذی یخاف الله تعالی إذا سمع مواقع أمر الله تعالی ورسوله وأئمته علیهم السلام بهذه

ص: 8


1- التهذیب 3 : 240 - 642 ، الإستبصار 1 : 421 - 1621 ، الوسائل 5 : 11 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 4 ح 1.
2- الفقیه 1 : 267 - 1218 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 4.
3- فی ص 21.

الجمعة رکعتان کالصبح ، یسقط معهما الظهر.

______________________________________________________

الفریضة وإیجابها علی کل مسلم أن یقصّر فی أمرها ویهملها إلی غیرها ویتعلل بخلاف بعض العلماء فیها ، وأمر الله تعالی ورسوله وخاصته علیهم السلام أحق ومراعاته أولی ، فلیحذر الذین یخالفون عن أمره أن تصیبهم فتنة أو یصیبهم عذاب إلیهم ، ولعمری لقد أصابهم الأمر الأول فلیرتقبوا الثانی إن لم یعف الله تعالی ویسامح ، نسأل الله العفو والرحمة بمنه وکرمه (1).

قوله : ( الجمعة رکعتان کالصبح یسقط معهما الظهر ).

هذان الحکمان إجماعیان بین العلماء کافة ، قاله فی المعتبر والمنتهی (2). أما أنها رکعتان فیدل علیه فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ، والأخبار المتواترة (3).

وأما سقوط الظهر معها وعدم مشروعیة الجمع بینهما فیدل علیه مضافا إلی الإجماع قوله علیه السلام فی صحیحة الفضل بن عبد الملک : « إذا کان قوم فی قریة صلوا الجمعة أربع رکعات ، فإن کان لهم من یخطب جمعوا إذا کانوا خمسة نفر » (4). وفی صحیحة محمد بن مسلم : « یصلون أربعا إذا لم یکن من یخطب » (5). وفی حسنة الحلبی : « إن فاتته الصلاة - أی صلاة الجمعة - فلم یدرکها فلیصل أربعا » (6) والتفصیل قاطع للشرکة. وربما کان فی قول المصنف رحمه الله : الجمعة رکعتان کالصبح ، إشارة إلی أنها واجب مستقل ، لا ظهر مقصورة کما یقوله بعض العامة (7).

سقوط الظهر مع الجمعة وهی رکعتان

ص: 9


1- رسائل الشهید الثانی : 56.
2- المعتبر 2 : 274 ، والمنتهی 1 : 327.
3- الوسائل 5 : 14 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6.
4- المتقدمة فی ص 7.
5- المتقدمة فی ص 7.
6- الکافی 3 : 427 - 1 ، التهذیب 3 : 160 - 343 ، الإستبصار 1 : 421 - 1622 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 3.
7- نقله عن الشافعی فی بدائع الصنائع 1 : 256.

ویستحب فیهما الجهر. وتجب بزوال الشمس. ویخرج وقتها إذا صار ظل کل شی ء مثله.

______________________________________________________

قوله : ( ویستحب فیها الجهر ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب. بل قال المصنف فی المعتبر : إنه لا یختلف فیه أهل العلم (1). ویدل علیه ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة الجمعة فی السفر ، قال : تصنعون کما تصنعون فی الظهر ، ولا یجهر الإمام فیها بالقراءة ، وإنما یجهر إذا کانت خطبة » (2). وروی ابن أبی عمیر فی الصحیح ، عن جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام نحو ذلک (3).

وقد قطع الأصحاب بعدم وجوب الجهر فی هذه الصلاة ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل السالم عما یصلح للمعارضة صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی من الفرائض ما یجهر فیه بالقراءة ، هل علیه أن لا یجهر؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم یجهر » (4) قال العلامة - رحمه الله - فی المنتهی : أجمع کل من یحفظ عنه العلم علی أنه یجهر بالقراءة فی صلاة الجمعة ، ولم أقف علی قول للأصحاب فی الوجوب وعدمه ، والأصل عدمه (5).

قوله : ( وتجب بزوال الشمس ، ویخرج وقتها إذا صار ظل کل شی ء مثله ).

هنا مسألتان : إحداهما : أنّ أول وقت صلاة الجمعة زوال الشمس ، بمعنی أنه یجوز أن یخطب فی الفی ء الأول ، فإذا زالت الشمس صلی الجمعة ، أو

استحباب الجهر فی الجمعة

وقت صلاة الجمعة

ص: 10


1- المعتبر 2 : 304.
2- التهذیب 3 : 15 - 54 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 9.
3- التهذیب 3 : 15 - 53 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 8.
4- التهذیب 2 : 162 - 636 ، الاستبصار 1 : 313 - 1164 ، قرب الإسناد : 94 ، الوسائل 4 : 765 أبواب القراءة فی الصلاة ب 25 ح 6.
5- المنتهی 1 : 328.

______________________________________________________

یخطب بعد الزوال کما سیجی ء تحقیقه إن شاء الله (1) ، وبه قال أکثر الأصحاب.

وقال الشیخ فی الخلاف : وفی أصحابنا من أجاز الفرض عند قیام الشمس. قال : واختاره علم الهدی رحمه الله (2). قال ابن إدریس بعد نقل ذلک : ولعل شیخنا سمعه من المرتضی مشافهة (3). فإن الموجود فی مصنفات السید موافق للمشهور من عدم جواز إیقاعها قبل تحقق الزوال. والمعتمد الأول.

لنا : أنّ الوظائف الشرعیة إنما تستفاد من صاحب الشرع فیقتصر علی صفتها المنقولة ، والمنقول من فعله صلی الله علیه و آله أنه کان یصلی الجمعة بعد الزوال ، فلا تبرأ الذمة إلا بإیقاعها فیه. وتدل علیه أیضا الأخبار المستفیضة ، کصحیحة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « إنّ من الأمور أمورا مضیقة وأمورا موسعة ، وإن الوقت وقتان ، الصلاة مما فیه السعة ، فربما عجل رسول الله صلی الله علیه و آله وربما أخر إلا صلاة الجمعة ، فإن صلاة الجمعة من الأمر المضیق ، إنما لها وقت واحد حین تزول » (4).

وصحیحة ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وقت صلاة الجمعة عند الزوال » (5).

وروایة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الزوال یوم الجمعة ما حدّه؟ قال : « إذا قامت الشمس صل الرکعتین ، فإذا زالت الشمس فصل الفریضة » (6).

وصحیحة ذریح قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « صل الجمعة

ص: 11


1- فی ص 35.
2- الخلاف 1 : 246.
3- السرائر : 64.
4- التهذیب 3 : 13 - 46 ، الوسائل 5 : 17 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 3.
5- التهذیب 3 : 13 - 43 ، الوسائل 5 : 18 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 5.
6- قرب الإسناد : 98 ، الوسائل 5 : 25 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ذ ح 16.

______________________________________________________

بأذان هؤلاء ، فإنهم أشد شی ء مواظبة علی الوقت » (1).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام . قال : ( کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلی الجمعة حین تزول الشمس قدر شراک ، ویخطب فی الظل الأول ، فیقول جبرائیل : یا محمد قد زالت فانزل وصل » (2).

ولم أقف للقول بجواز التقدیم علی حجة یعتد بها. واستدل له فی التذکرة والمنتهی (3) بما رواه العامة عن وکیع الأسلمی ، قال : شهدت الجمعة مع أبی بکر فکانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار (4). وهو مستند ضعیف ، فإن فعل أبی بکر لیس حجة ، خصوصا مع مخالفته لفعل الرسول صلی الله علیه و آله .

وثانیتهما : أن وقت صلاة الجمعة یخرج بصیرورة ظل کل شی ء مثله ، وهو اختیار أکثر الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه مذهب علمائنا أجمع (5).

قال الشهید - رحمه الله - فی الذکری : ولم نقف لهم علی حجة ، إلا أن النبی صلی الله علیه و آله کان یصلی فی هذا الوقت. قال : ولا دلالة فیه ، لأن الوقت الذی کان یصلی فیه ینقص عن هذا القدر غالبا ، ولم یقل أحد بالتوقیت بذلک الناقص (6).

وقال أبو الصلاح : إذا مضی مقدار الأذان والخطبة ورکعتی الجمعة فقد فاتت ولزم أداؤها ظهرا (7).

ص: 12


1- التهذیب 3 : 284 - 1136 ، الوسائل 4 : 618 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 1.
2- التهذیب 3 : 12 - 42 ، الوسائل 5 : 30 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 15 ح 1.
3- التذکرة 1 : 143 ، والمنتهی 1 : 318.
4- سنن الدار قطنی 2 : 17 - 1.
5- المنتهی 1 : 318.
6- الذکری : 235.
7- الکافی فی الفقه : 153.

ولو خرج الوقت وهو فیها أتمّ جمعة ، إماما کان أو مأموما.

______________________________________________________

ویدفعه ما رواه ابن بابویه مرسلا ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلی أن تمضی ساعة » (1) وما رواه الفضیل ابن یسار ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « والصلاة مما وسع فیه تقدم مرة وتؤخر أخری ، والجمعة مما ضیق فیها ، فإن وقتها یوم الجمعة ساعة تزول » (2).

ورده المصنف فی المعتبر أیضا بروایة ابن سنان المتقدمة المتضمنة لأن النبی صلی الله علیه و آله کان یخطب فی الفی ء الأول « فیقول جبرائیل یا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل » (3) قال : وهو دلیل علی تأخیر الصلاة عن الزوال بقدر قول جبرائیل ونزوله علیه السلام ودعائه أمام الصلاة ، ولو کان مضیقا لما جاز ذلک (4).

وقال ابن إدریس یمتد وقتها بامتداد وقت الظهر ، لتحقق البدلیة وأصالة البقاء (5). واختاره الشهید فی الدروس والبیان (6). وفیه اطراح للأخبار رأسا.

وقال الجعفی : وقتها ساعة من النهار (7). وهو الظاهر من الأخبار (8). والمسألة قویة الإشکال ، والاحتیاط للدین یقتضی المبادرة إلی فعلها عند تحقق الزوال ، والله تعالی أعلم بحقیقة الحال.

قوله : ( ولو خرج الوقت وهو فیها أتمها جمعة ، إماما کان أو مأموما ).

ص: 13


1- الفقیه 1 : 267 - 1223 ، الوسائل 5 : 19 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 13 ، وفیهما : أول وقت.
2- الکافی 3 : 274 - 2 ، الوسائل 3 : 100 أبواب المواقیت ب 7 ح 1.
3- التهذیب 3 : 12 - 42 ، الوسائل 5 : 18 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 4.
4- المعتبر 2 : 276.
5- السرائر : 66.
6- الدروس : 42 ، والبیان : 101.
7- نقله عنه فی الذکری : 235.
8- الوسائل 5 : 17 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8.

وتفوت الجمعة بفوات الوقت ، ثم لا تقضی جمعة إنما تقضی ظهرا.

______________________________________________________

إطلاق العبارة یقتضی وجوب إکمالها بمجرد التلبس بها فی الوقت ولو بالتکبیر ، وبه صرح الشیخ - رحمه الله - (1) وجماعة.

واحتج علیه فی المعتبر بأن الوجوب یتحقق باستکمال الشرائط فیجب إتمامها (2).

ویتوجه علیه : أن التکلیف بفعل موقت یستدعی زمانا یسعه ، لامتناع التکلیف بالمحال ، ولا یشرع فعله فی خارجه إلا أن یثبت من الشارع شرعیة فعله خارج الوقت.

ومن ثم اعتبر العلامة (3) ومن تأخر عنه (4) إدراک الرکعة فی الوقت کالیومیة ، لعموم قوله علیه السلام : « من أدرک من الوقت رکعة فکمن أدرک الوقت کله » (5) وهو أولی.

قوله : ( وتفوت الجمعة بفوات الوقت ، ثم لا تقضی جمعة إنما تقضی ظهرا ).

المراد أنه مع فوات وقت الجمعة تجب صلاة الظهر أداء إن کان الوقت باقیا ، وقضاء بعد خروجه ، وهو إجماع أهل العلم ، ویدل علة قوله علیه السلام فی حسنة الحلبی : « فإن فاتته الصلاة فلم یدرکها فلیصل أربعا » (6).

وفی صحیحة عبد الرحمن العرزمی : « إذا أدرکت الإمام یوم الجمعة وقد

ص: 14


1- الخلاف 1 : 236 ، والمبسوط 1 : 145.
2- المعتبر 2 : 277.
3- المختلف : 108 ، والمنتهی 1 : 321.
4- کالشهید الأول فی الذکری : 235 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 33 ، وروض الجنان : 284.
5- تفرد بروایتها فی المعتبر 2 : 47.
6- الکافی 3 : 427 - 1 ، التهذیب 3 : 243 - 656 ، الإستبصار 1 : 421 - 1622 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 3.

ولو وجبت الجمعة فصلی الظهر وجب علیه السعی. فإن أدرکها وإلا أعاد الظهر ولم یجتزئ بالأولی.

ولو تیقن أن الوقت یتسع للخطبة ورکعتین خفیفتین وجبت الجمعة.

______________________________________________________

سبقک برکعة فأضف إلیها رکعة أخری واجهر بها ، فإن أدرکته وهو یتشهد فصل أربعا » (1).

قال المصنف فی المعتبر : وقوله فی الأصل (2) : تقضی ظهرا ، یرید به وظیفة الوقت لا الجمعة (3).

قوله : ( ولو وجبت الجمعة فصلی الظهر وجب علیه السعی ، فإن أدرکها وإلا أعاد الظهر ولم یجتزئ بالأولی ).

وذلک لأن الآتی بها آت بغیر الواجب فلا یخرج من العهدة ، ویجب علیه الإتیان بالجمعة مع الإمکان ، وإلا أعاد الظهر ، لأن الأولی لم تکن صحیحة إذ لم یکن مخاطبا بها. ولا فرق فی ذلک بین العمد والنسیان ، ولا بین أن یظهر فی نفس الأمر عدم الوجوب أو لا. نعم لو صلی الظهر ناسیا وظهر عدم التمکن من الجمعة أمکن القول بالإجزاء.

ولو لم تکن شرائط الجمعة مجتمعة لکن یرجو اجتماعها قبل خروجه ، فهل یجوز له تعجیل الظهر والاجتزاء بها وإن تمت الجمعة بعد ذلک؟ أم یجب الصبر إلی أن یظهر الحال؟ وجهان أجودهما الثانی ، لأن الواجب بالأصل هو الجمعة ، وإنما یشرع فعل الظهر إذا علم عدم التمکن من الجمعة فی الوقت.

قوله : ( ولو تیقن أن الوقت یتسع للخطبة ورکعتین خفیفتین وجبت الجمعة ).

الضابط فی ذلک تیقن اتساع الوقت للقدر الواجب من الخطبتین والصلاة

حکم من ترک الجمعة

ص: 15


1- التهذیب 3 : 244 - 659 ، الإستبصار 1 : 422 - 1625 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 5.
2- أی : المختصر النافع.
3- المعتبر 2 : 277.

وإن تیقن أو غلب علی ظنه أن الوقت لا یتسع لذلک فقد فاتت الجمعة ویصلی ظهرا.

______________________________________________________

دون المسنون منهما.

قیل : وکذا تجب الجمعة مع ظن اتساع الوقت والشک فی السعة وعدمها لأصالة بقاء الوقت (1).

ویشکل بأن الواجب الموقت یعتبر وقوعه فی الوقت ، فمع الشک فیه لا یحصل یقین البراءة بالفعل ، والاستصحاب هنا إنما یفید ظن البقاء وهو غیر کاف فی ذلک.

قوله : ( وإن تیقن أو غلب علی ظنه أن الوقت لا یتسع لذلک فقد فاتت الجمعة ویصلی ظهرا ).

هذه بظاهره مناف لما سبق من أن من تلبّس بالجمعة فی الوقت یجب علیه إتمامها ، فإنه یقتضی بإطلاقه جواز الشروع فیها مع ضیق الوقت.

وأجیب عنه بأن الشروع فیها إنما یشرع إذا ظن إدراک جمیعها ، لأنها لا یشرع فیها القضاء ، وإنما وجب الإکمال مع التلبّس بها فی الوقت للنهی عن إبطال العمل (2).

وأورد علیه أن قوله علیه السلام : « من أدرک من الوقت رکعة » یعم الجمیع (3).

وأجیب بأن هذا الحدیث مقید بقید مستفاد من خارج ، وهو کون الوقت صالحا للفعل ، للقطع بأن ما لا یصلح للفعل یمتنع وقوعه فیه (4). وفیه نظر فإنه إن أرید بصلاحیة الوقت للفعل إمکان إیقاعه فیه فهو متحقق هنا ، وإن أرید غیر ذلک فلا دلیل علیه.

ومن ثم ذهب جمع من الأصحاب إلی وجوب الدخول فی الصلاة متی علم

ص: 16


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 130.
2- کما فی جامع المقاصد 1 : 130.
3- کما فی جامع المقاصد 1 : 130.
4- کما فی جامع المقاصد 1 : 130.

فأما لو لم یحضر الخطبة وأول الصلاة وأدرک مع الإمام رکعة صلی جمعة.

______________________________________________________

أنه یدرک رکعة بعد الخطبتین ، لعموم من أدرک (1) ، بل صرح العلامة فی النهایة بوجوب الدخول فی الصلاة مع إدراک الخطبتین وتکبیرة الإحرام خاصة (2). وهو بعید.

قوله : ( وأما لو لم یحضر الخطبة وأول الصلاة وأدرک مع الإمام رکعة صلی جمعة ).

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ووافقنا علیه أکثر العامة (3). والمستند فیه روایات. منها صحیحة الفضل بن عبد الملک قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « من أدرک رکعة فقد أدرک الجمعة » (4).

وصحیحة عبد الرحمن العزرمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « قال إذا أدرکت الإمام یوم الجمعة وقد سبقک برکعة فأضف إلیها رکعة أخری واجهر فیها فإن أدرکته وهو یتشهد فصل أربعا » (5).

وحسنة الحلبی : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمن لم یدرک الخطبة یوم الجمعة فقال : « یصلی رکعتین ، فإن فاتته الصلاة فلم یدرکها فلیصل أربعا » وقال : « إذا أدرکت الإمام قبل أن یرکع الرکعة الأخیرة فقد أدرکت الصلاة ، فإن أنت أدرکته بعد ما رکع فهی الظهر أربع » (6).

حکم من أدرک الامام یصلی

ص: 17


1- الجواهر 11 : 141 : أول من صرح بذلک الفاضل فی بعض کتبه ، وتبعه من تأخر عنه ، لعموم من أدرک رکعة.
2- نهایة الأحکام 2 : 11.
3- منهم الشافعی فی الأم 1 : 206 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 158 ، 177 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 90.
4- التهذیب 3 : 161 - 346 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 6.
5- التهذیب 3 : 244 - 659 ، الإستبصار 1 : 422 - 1625 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 5.
6- الکافی 3 : 427 - 1 ، التهذیب 3 : 243 - 656 ، الإستبصار 1 : 421 - 1622 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 3.

وکذا لو أدرک الإمام راکعا فی الثانیة علی قول.

______________________________________________________

لا یقال : قدر روی الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تکون الجمعة إلا لمن أدرک الخطبتین » (1) لأنا نقول : إنه محمول علی نفی الکمال جمعا بین الأدلة.

قوله : ( وکذا لو أدرک الإمام راکعا فی الثانیة علی قول ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی الخلاف (2) ، والمرتضی (3) ، وجمع من الأصحاب ، وشرط فی النهایة وکتابی الحدیث إدراک تکبیرة الرکوع فی الثانیة (4). والمعتمد الأول.

لنا : إن الجمعة تدرک بإدراک الرکعة ، وإدراکها یتحقق بإدراک الرکوع. أما إدراک الجمعة بإدراک الرکعة فلما تقدم.

وأما إدراک الرکعة بإدراک الإمام راکعا فیدل علیه روایات کثیرة ، منها : ما رواه الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا أدرکت الإمام وقد رکع فکبرت ورکعت قبل أن یرفع رأسه فقد أدرکت الرکعة ، وإن رفع الإمام رأسه قبل أن ترکع فقد فاتتک الرکعة » (5).

وما رواه سلیمان بن خالد فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه قال فی الرجل إذا أدرک الإمام وهو راکع فکبر الرجل وهو مقیم صلبه ثم رکع قبل أن یرفع الإمام رأسه فقد أدرک الرکعة (6).

ص: 18


1- التهذیب 3 : 243 - 658 ، الإستبصار 1 : 422 - 1624 ، الوسائل 5 : 42 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 7.
2- الخلاف 1 : 247.
3- جمل العلم والعمل : 70.
4- النهایة : 105 ، والتهذیب 3 : 43 ، والاستبصار 1 : 435.
5- الکافی 3 : 382 - 5 ، الفقیه 1 : 254 - 1149 ، التهذیب 3 : 43 - 153 ، الإستبصار 1 : 435 - 1680 ، الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة وآدابها ب 45 ح 2.
6- الکافی 3 : 382 - 6 ، التهذیب 3 : 43 - 152 ، الإستبصار 1 : 435 - 1679 ، الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 5 ح 1.

______________________________________________________

وما رواه عبد الرحمن بن أبی عبد الله فی الصحیح أیضا ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا دخلت المسجد والإمام راکع وظننت أنک إن مشیت إلیه رفع رأسه قبل أن تدرکه فکبر وارکع ، فإذا رفع رأسه فاسجد مکانک ، فإذا قام فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مکانک ، فإذا قام فالحق بالصف » (1).

ویؤیده روایة معاویة بن شریح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا جاء الرجل مبادرا والإمام راکع أجزأته تکبیرة لدخوله فی الصلاة والرکوع » (2).

وروایة جابر الجعفی قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنی أؤم قوما فأرکع فیدخل الناس وأنا راکع فکم أنتظر؟ قال : « ما أعجب ما تسأل عنه؟! انتظر مثلی رکوعک ، فإن انقطعوا فارفع رأسک » (3).

احتج الشیخ فی کتابی الحدیث علی القول الثانی بما رواه فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قال لی : « إن لم تدرک القوم قبل أن یکبر الإمام للرکعة فلا تدخل معهم فی تلک الرکعة » (4).

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا تعتد بالرکعة التی لم تشهد تکبیرها مع الإمام » (5).

وروی أیضا فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا أدرکت التکبیرة قبل أن یرکع الإمام فقد أدرکت الصلاة » (6).

ص: 19


1- الکافی 3 : 385 - 5 ، الفقیه 1 : 254 - 1148 ، الاستبصار 1 : 436 - 1682 ، التهذیب 3 : 44 - 155 ، الوسائل 5 : 443 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.
2- الفقیه 1 : 265 - 1214 ، الوسائل 5 : 449 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.
3- التهذیب 2 : 48 - 167 ، الوسائل 5 : 450 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 1.
4- التهذیب 3 : 43 - 149 ، 150 ، الإستبصار 1 : 434 - 1676 ، 1677 ، الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2 ، 3.
5- التهذیب 3 : 43 - 149 ، 150 ، الإستبصار 1 : 434 - 1676 ، 1677 ، الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2 ، 3.
6- التهذیب 3 : 43 - 151 ، الإستبصار 1 : 435 - 1678 ، الوسائل 5 : 440 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

ولو کبّر ورکع ثم شک هل کان الإمام راکعا أو رافعا لم یکن له جمعة وصلی الظهر.

______________________________________________________

والجواب أولا : إن هذه الروایات أصلها واحد وهو محمد بن مسلم ، وما أوردناه سابقا مؤدی من عدة طرق فکان أرجح.

وثانیا : بحمل النهی فی الروایة الأولی علی الکراهة ، وحمل نفی الاعتداد علی الاعتداد بها فی الفضیلة ، لا فی الإجزاء ، جمعا بین الأدلة.

نعم یمکن الاستدلال علی هذا القول بقوله علیه السلام فی روایة الحلبی المتقدمة : « إذا أدرکت الإمام قبل أن یرکع الرکعة الأخیرة فقد أدرکت الصلاة ، فإن أنت أدرکته بعد ما رکع فهی الظهر أربع » (1) ویمکن العمل بمضمونها واختصاص الجمعة بهذا الحکم وإن کانت الرکعة تدرک فی غیرها بإدراک الإمام فی الرکوع (2) ، أو تأویلها بما یوافق المشهور بأن یحمل قوله : « وقد رکع » علی أنه قد رفع رأسه من الرکوع ، ولعل هذا أولی.

إذا عرفت ذلک فاعلم أن المعتبر علی هذا القول اجتماعهما فی حد الراکع ، وهل یقدح فیه شروع الإمام فی الرفع مع عدم تجاوز حده؟ فیه وجهان ، أظهرهما أنه کذلک ، لأنه المستفاد من الأخبار المتقدمة (3). واعتبر العلامة فی التذکرة ذکر المأموم قبل رفع الإمام (4). ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( ولو کبر ورکع ثم شک هل کان الإمام راکعا أو رافعا لم یکن له جمعة وصلی الظهر ).

وذلک لعدم تحقق الشرط ، وهو إدراک الإمام فی أثناء الرکوع ، وتعارض أصلی عدم الإدراک وعدم الرفع فیتساقطان (5) ، ویبقی المکلف فی عهدة الواجب

ص: 20


1- فی ص 17.
2- ما احتمله فی المدارک من الفرق بین الجمعة وغیرها من متفرداته. الجواهر 11 : 149.
3- فی ص 17.
4- التذکرة : 182.
5- فی « م » : فیتساویان.

ثم الجمعة لا تجب إلا بشروط :

الأول : السلطان العادل أو من ینصبه.

______________________________________________________

إلی أن یتحقق الامتثال.

قوله : ( ثم الجمعة لا تجب إلا بشروط ، الأول : السلطان العادل أو من ینصبه ).

هذا الشرط مشهور فی کلام الأصحاب خصوصا المتأخرین (1) ، وأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه. واحتج علیه بفعل النبی صلی الله علیه و آله ، فإنه کان یعیّن لإمامة الجمعة - وکذا الخلفاء بعده - کما یعیّن للقضاء ، فکما لا یصح أن ینصب الإنسان نفسه قاضیا من دون إذن الإمام ، فکذا إمام الجمعة ، قال : ولیس هذا قیاسا بل استدلالا بالعمل المستمر فی الأعصار ، فمخالفته خرق للإجماع ، ثم قال : ویؤید ذلک ما روی عن أهل البیت علیهم السلام بعدة طرق ، منها : روایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « تجب الجمعة علی سبعة نفر من المسلمین ولا تجب علی أقل منهم : الإمام ، وقاضیه ، والمدعی حقا ، والمدعی علیه ، والشاهدان ، والذی یضرب الحدود بین یدی الإمام » (2) (3).

ویتوجه علی الأول منع دلالة فعل النبی صلی الله علیه و آله علی الشرطیة ، فإنه أعم منها ، والعام لا یدل علی الخاص ، مع أن الظاهر أن التعیین إنما هو لحسم مادة النزاع فی هذه المرتبة ، ورد الناس إلیه من غیر تردد ، کما أنهم کانوا یعیّنون لإمامة الجماعة والأذان مع عدم توقفهما علی إذن الإمام إجماعا.

وعلی الروایة أولا : بالطعن فیها من حیث السند ، فإن من جملة رجالها

اشتراط السلطان العادل

ص: 21


1- منهم العلامة فی القواعد 1 : 36 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 130 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 285.
2- الفقیه 1 : 267 - 1222 ، التهذیب 3 : 20 - 75 ، الإستبصار 1 : 418 - 1608 ، الوسائل 5 : 9 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 9.
3- المعتبر 2 : 279.

______________________________________________________

الحکم بن مسکین ، وهو مجهول ، فلا یسوغ العمل بروایته.

وثانیا : إطباق المسلمین کافة علی ترک العمل بظاهرها کما اعترف به المصنف فی المعتبر ، حیث قال : إن هذه الروایة خصّت السبعة بمن لیس حضورهم شرطا فسقط اعتبارها (1).

وثالثا : أنها معارضة بما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن أناس فی قریة ، هل یصلون الجمعة جماعة؟ قال : « نعم یصلون أربعا إذا لم یکن لهم من یخطب » (2) وهی کالنص فی الدلالة علی عدم اعتبار الإمام أو نائبه ، إذ إرادة ذلک ممن یخطب غیر جائز ، لأنه یعد من قبیل الألغاز المنافی للحکمة (3).

ورابعا : أن الظاهر أن ذکر هذه السبعة کنایة عن اجتماع هذا العدد وإن لم یکونوا عین المذکورین ، فیسقط الاحتجاج بها رأسا.

واستدل العلامة فی المنتهی (4) علی هذا الشرط بحسنة زرارة ، قال : کان أبو جعفر علیه السلام یقول : « لا تکون الخطبة والجمعة وصلاة رکعتین علی أقل من خمسة رهط ، الإمام وأربعة » (5).

وحسنة محمد بن مسلم ، قال : سألته عن الجمعة فقال : « أذان وإقامة ، یخرج الإمام بعد الأذان فیصعد المنبر » (6) الحدیث.

ص: 22


1- المعتبر 2 : 282.
2- التهذیب 3 : 238 - 633 ، الإستبصار 1 : 419 - 1613 ، الوسائل 5 : 10 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 3 ح 1.
3- فی « م » : للحکم.
4- المنتهی 1 : 317.
5- الکافی 3 : 419 - 4 ، التهذیب 3 : 240 - 640 ، الإستبصار 1 : 419 - 1612 ، الوسائل 5 : 7 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 2.
6- الکافی 3 : 424 - 7 ، التهذیب 3 : 241 - 648 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 7.

______________________________________________________

وروایة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة یوم الجمعة فقال : « أما مع الإمام فرکعتان ، وأما من صلی وحده فهی أربع رکعات » (1).

ولا یخفی ضعف هذا الاستدلال لقصور هذه الروایات عن إفادة المطلوب ، إذ من المعلوم أن المراد من الإمام فیها إمام الجماعة (2) قطعا ، مع أنه لا إشعار فیها بالنائب بوجه من الوجوه ، واعتبار حضوره علیه السلام مما لم یقل به أحد.

وهنا أمران ینبغی التنبیه لهما :

الأول : الظاهر أن هذه المسألة لیست إجماعیة ، فإن کلام أکثر المتقدمین خال من ذکر هذا الشرط.

قال المفید - رحمه الله - فی کتاب الإشراف : باب عدد ما یجب به الاجتماع فی صلاة الجمعة ، عدد ذلک ثمانی عشرة خصلة : الحریة ، والبلوغ ، والتذکیر ، وسلامة العقل ، وصحة الجسم ، والسلامة من العمی ، وحضور المصر ، والشهادة للنداء ، وتخلیة السرب ، ووجود أربعة نفر بما تقدم ذکره من هذه الصفات (3) ، ووجود خامس یؤمهم له صفات یختص بها علی الإیجاب : ظاهر الإیمان ، والطهارة فی المولد من السفاح ، والسلامة من ثلاثة أدواء : البرص ، والجذام والمعرة بالحدود المشینة لمن أقیمت علیه فی الإسلام ، والمعرفة بفقه الصلاة ، والإفصاح بالخطبة والقرآن ، وإقامة فرض الصلاة فی وقتها من غیر تقدیم ولا تأخیر عنه بحال ، والخطبة بما یصدق فیه من الکلام ، فإذا اجتمعت هذه الثمانی عشرة خصلة وجب الاجتماع فی الظهر یوم الجمعة علی ما ذکرنا ،

ص: 23


1- الکافی 3 : 421 - 4 ، التهذیب 3 : 19 - 70 ، الوسائل 5 : 13 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 5 ح 3.
2- فی « س » : الجمعة.
3- فی المصدر : بما یأتی ذکره من هذه الصفات.

______________________________________________________

وکان فرضها علی النصف من فرض الظهر للحاضر فی سائر الأیام (1). انتهی کلامه رحمه الله ، وظاهره عدم الفرق فی ذلک بین الأزمان وأن الوجوب مع اجتماع هذه الخصال عینی علی کافة الأنام.

وقال أبو الصلاح التقی بن نجم الحلبی - رحمه الله - : ولا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملة ، أو منصوب من قبله ، أو من یتکامل له صفة إمام الجماعة عند تعذر الأمرین (2). وهی صریحة فی الاکتفاء - عند تعذر الأمرین - بصلاة العدد المعیّن مع إمام یجوز الاقتداء به ، وهذا الشرط معتبر عنده فی مطلق الجماعة ، فإنه قال فی بابها : وأولی الناس بها إمام الملة ، أو من ینصبه ، فإن تعذر الأمران لم تنعقد إلا بإمام عدل. (3) فیکون حکم الجماعة عنده فی الصلاتین علی حد سواء ، وظاهره أن الوجوب عینی ، فإنه قال بعد ذلک : وإذا تکاملت هذه الشروط انعقدت جمعة وانتقل فرض الظهر من أربع رکعات إلی رکعتین بعد الخطبة ، وتعین فرض الحضور علی کل رجل. (4).

وقال القاضی أبو الفتح الکراجکی - رحمه الله - فی کتابه المسمّی بتهذیب المسترشدین ما هذا لفظه : وإذا حضرت العدة التی یصح أن تنعقد بحضورها الجماعة یوم الجمعة وکان إمامهم مرضیا متمکنا من إقامة الصلاة فی وقتها وإیراد الخطبة علی وجهها ، وکانوا حاضرین آمنین ذکورا بالغین کاملی العقول أصحاء وجبت علیهم فریضة الجمعة ، وکان علی الإمام أن یخطب بهم خطبتین ویصلی بهم بعدها رکعتین (5). انتهی. وهو کالسابق فی الدلالة علی الوجوب العینی وعدم التوقف علی الإمام أو نائبه.

فعلم من ذلک أن هذه المسألة لیست إجماعیة ، وأن دعوی الإجماع فیها

ص: 24


1- الإشراف ( رسائل المفید ) : 9 ، 10.
2- الکافی فی الفقه : 151.
3- الکافی فی الفقه : 143.
4- الکافی فی الفقه : 151.
5- نقله عنه الشهید الثانی فی رسائله : 80.

______________________________________________________

غیر جیدة کما اتفق لهم فی کثیر من المسائل.

الثانی : إنّ من ادعی الإجماع علی اشتراط الإمام أو نائبه فإنما أراد اعتبار ذلک فی الوجوب العینی ، أو مع حضور الإمام علیه السلام لا مطلقا.

وممن صرح بذلک الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف ، فإنه قال - بعد أن اشتراط فی الجمعة إذن الإمام أو نائبه ونقل فیه الإجماع - : فإن قیل : ألیس قد رویتم فیما مضی من کتبکم أنه یجوز لأهل القرایا والسواد من المؤمنین إذا اجتمع العدد الذی تنعقد بهم أن یصلوا جمعة؟ قلنا : ذلک مأذون فیه مرغّب فیه ، فجری ذلک مجری أن ینصب الإمام من یصلی بهم (1).

وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : السلطان العادل أو نائبه شرط فی وجوب الجمعة عند علمائنا (2). ثم قال : لا یقال لو لزم ما ذکرتم لما انعقدت ندبا مع عدمه ، لانسحاب العلة فی الموضعین ، وقد أجزتم ذلک إذا أمکنت الخطبة ، لأنا نجیب : بأن الندب لا تتوفر الدواعی علی اعتماده فلا یحصل الاجتماع المستلزم للفتن إلا نادرا (3). وقال فی موضع آخر : لو کان السلطان جائرا فنصب عدلا استحب الاجتماع وانعقدت جمعة (4). هذا کلامه رحمه الله ، وهو صریح فیما ذکرناه.

وقال الشهید - رحمه الله - فی الذکری - بعد أن ادعی الإجماع علی اشتراط ذلک - : هذا مع حضور الإمام علیه السلام ، وأما مع غیبته کهذا الزمان ففی انعقادها قولان ، أصحهما وبه قال معظم الأصحاب الجواز إذا أمکن الاجتماع والخطبتان ، ثم قال : ویعلل بأمرین ، أحدهما : إن الإذن حاصل من الأئمة

ص: 25


1- الخلاف 1 : 249.
2- المعتبر 2 : 279.
3- المعتبر 2 : 280. وقال قبلها مستدلا لاعتبار السلطان العادل : وموضع النظر أن الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن غالبا والحکمة موجبة حسم مادة الهرج وقطع نائرة الاختلاف ولن یستمر إلا مع السلطان.
4- المعتبر 2 : 307.

فلو مات الإمام فی أثناء الصلاة لم تبطل الجمعة وجاز أن تقدّم الجماعة من یتم بهم الصلاة. وکذا لو عرض للمنصوب ما یبطل الصلاة من إغماء أو حدث.

______________________________________________________

الماضین فهو کالإذن من إمام الوقت. والثانی : إن الإذن إنما یعتبر مع إمکانه ، أما مع عدمه فیسقط اعتباره ویبقی عموم القرآن خالیا عن المعارض. قال : والتعلیلان حسنان ، والاعتماد علی الثانی (1).

ومن هنا یعلم أن ما اعتمده المحقق الشیخ علی - رحمه الله (2) - من الإجماع علی اشتراط الإمام أو نائبه ، حتی منع من فعلها فی زمن الغیبة بدون الفقیه الذی هو نائب علی العموم غیر جید. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( فلو مات فی أثناء الصلاة لم تبطل. وجاز أن تقدّم الجماعة من یتم بهم الصلاة وکذا ، لو عرض للمنصوب ما یبطل الصلاة من إغماء أو حدث ).

أما عدم بطلان الصلاة بموت الإمام فی أثناء الصلاة أو عروض ما یبطلها من إغماء أو حدث فظاهر لأن إبطال الصلاة حکم شرعی فیتوقف علی الدلالة ولا دلالة ، وهو إجماع.

وأما جواز تقدیم الجماعة من یتم بهم الصلاة والحال هذه فلثبوت ذلک فی مطلق الجماعة علی ما سیجی ء بیانه (3).

وجزم العلامة فی المنتهی بوجوب الاستخلاف هنا وبطلان الصلاة مع عدمه ، محافظة علی اعتبار الجماعة فیها استدامة کما تعتبر ابتداء (4). ولا ریب أنّ الاستخلاف أحوط وإن کان الأصح عدم تعیّنه ، لأن الجماعة إنما تعتبر ابتداء لا استدامة کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

حکم ما لو مات الامام أثناء الصلاة

ص: 26


1- الذکری : 231.
2- جامع المقاصد 1 : 131.
3- فی ص 363.
4- المنتهی 1 : 335.

الثانی : العدد ، وهو خمسة ، الإمام أحدهم ، وقیل : سبعة ، والأول أشبه.

______________________________________________________

واستشکل العلامة فی التذکرة جواز الاستخلاف هنا نظرا إلی أن الجمعة مشروطة بالإمام أو نائبه ، واحتمال کون الاشتراط مختصا بابتداء الجماعة فلا یثبت بعد انعقادها کالجماعة (1). ولا یخفی قوة الوجه. الثانی من طرفی الإشکال.

ولو لم یتفق من هو بالصفات المعتبرة فی الإمام وجب الإتمام فرادی جمعة لا ظهرا.

وهل یشترط مع الاستخلاف استئناف نیة القدوة؟ الأظهر ذلک ، لانقطاع القدوة بخروج الإمام من الصلاة ، وقیل : لا ، لتنزیل الخلیفة منزلة الأول (2). وضعفه ظاهر ، لتعلق النیة بالأول خاصة لما سیجی ء من وجوب تعیین الإمام.

قوله : ( الثانی ، العدد : وهو خمسة ، الإمام أحدهم ، وقیل : سبعة ، والأول أشبه ).

لا خلاف بین علماء الإسلام فی اشتراط العدد فی صحة الجمعة ، وإنما الخلاف فی أقله ، وللأصحاب فیه قولان :

أحدهما - وهو اختیار المفید رحمه الله (3) ، والسید المرتضی (4) ، وابن الجنید (5) ، وابن إدریس (6) ، وأکثر الأصحاب - : إنه خمسة نفر أحدهم الإمام ، اقتصارا فی تقیید الآیة الشریفة علی موضع الوفاق ، وتمسکا بمقتضی الأخبار الصحیحة الدالة علی ذلک ، کصحیحة منصور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجمع القوم یوم الجمعة إذا کانوا خمسة فما زاد ، وإن

العدد الذی یشترط فی الجمعة

ص: 27


1- التذکرة 1 : 146.
2- کما فی التذکرة 1 : 146.
3- المقنعة : 27.
4- جمل العلم والعمل : 71 ، رسائل السید المرتضی 1 : 222.
5- نقله عنه فی المختلف : 103.
6- السرائر : 63.

______________________________________________________

کانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم » (1).

وصحیحة زرارة ، قال : کان أبو جعفر علیه السلام یقول : « لا تکون الخطبة والجمعة وصلاة رکعتین علی أقل من خمسة رهط ، الإمام وأربعة » (2).

وصحیحة أبی العباس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أدنی ما یجزی فی الجمعة سبعة أو خمسة أدناه » (3).

وثانیهما : أنه سبعة فی الوجوب العینی ، وخمسة فی الوجوب التخییری. ذهب إلیه الشیخ - رحمه الله - فی جملة من کتبه (4) ، وابن البراج (5) ، وابن زهرة (6) ، جمعا بین الأخبار المتضمنة لاعتبار الخمسة ، وبین ما دل علی اعتبار السبعة ، کصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کانوا سبعة یوم الجمعة فلیصلوا فی جماعة » (7).

وروایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « تجب الجمعة علی سبعة نفر من المسلمین ، ولا تجب علی أقل منهم : الإمام ، وقاضیه ، والمدعی حقا ، والمدعی علیه ، والشاهدان ، والذی یضرب الحدود بین یدی الإمام » (8).

ص: 28


1- التهذیب 3 : 239 - 636 ، الإستبصار 1 : 419 - 1610 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 7.
2- الکافی 3 : 419 - 4 ، التهذیب 3 : 240 - 640 ، الإستبصار 1 : 419 - 1612 ، الوسائل 5 : 7 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 2.
3- الکافی 3 : 419 - 5 ، التهذیب 3 : 21 - 76 ، الإستبصار 1 : 419 - 1609 ، الوسائل 5 : 7 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 1.
4- النهایة : 103 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 190 ، الخلاف 1 : 235.
5- المهذب 1 : 100.
6- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560.
7- التهذیب 3 : 245 - 664 ، الإستبصار 1 : 418 - 1607 ، الوسائل 5 : 9 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 10.
8- الفقیه 1 : 267 - 1222 ، التهذیب 3 : 20 - 75 ، الإستبصار 1 : 418 - 1608 ، الوسائل 5 : 9 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 9.

ولو انفضّوا فی أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبّس بالصلاة سقط الوجوب.

وإن دخلوا فی الصلاة ولو بالتکبیر وجب الإتمام ولو لم یبق إلا واحد.

______________________________________________________

وصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : علی من تجب الجمعة؟ قال : « علی سبعة نفر من المسلمین ، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمین أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم یخافوا أمّهم بعضهم وخطبهم » (1).

وبهذا الجمع یرتفع التنافی عن ظاهر هذه الروایة ، فإن المنفی فی قوله : « ولا جمعة لأقل من خمسة » مطلق الوجوب المتناول للعینی والتخییری ، والثابت مع السبعة الوجوب العینی ، وهی کالصریحة فی عدم اعتبار حضور الإمام أو نائبه.

قوله : ( ولو انفضوا فی أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب ).

لا یخفی أن الوجوب إنما یسقط سقوطا مراعی بعدم عودهم أو حصول من تنعقد به الجمعة ، فلو عادوا بعد انفضاضهم بنی الإمام علی الخطبة إذا لم یطل الفصل قطعا ، ومعه فی أحد الوجهین ، لحصول مسمّی الخطبة ، وأصالة عدم اشتراط الموالاة. ولو أتی غیرهم ممن لم یسمع الخطبة أعادها من رأس.

قوله : ( وإن دخلوا فی الصلاة ولو بالتکبیر وجب الإتمام ولو لم یبق إلا واحد ).

المراد بقاء واحد من العدد سواء کان الإمام أم غیره من المأمومین. وهذا الحکم أعنی وجوب الإتمام مع تلبس العدد المعتبر بالصلاة ولو بالتکبیر مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، للنهی عن قطع العمل. ولأن اشتراط استدامة العدد منفی بالأصل. ولا یلزم من اشتراطه ابتداء اشتراطه استدامة کالجماعة ، وکما فی عدم الماء فی حق المتیمم. وربما حملت العبارة علی أن المراد بقاء واحد

ص: 29


1- الفقیه 1 : 267 - 1218 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 4.

الثالث : الخطبتان ،

______________________________________________________

مع الإمام ، لتحقق شرط الجماعة ، وهو قول لبعض العامة (1) ، واعتبر بعضهم بقاء اثنین ، لأن الثلاثة أقل الجمع (2) ، واشترط آخرون (3) انفضاضهم بعد صلاة رکعة تامة ، لقوله علیه السلام : « من أدرک رکعة من الجماعة فلیضف إلیها أخری » (4) ونفی عن هذا القول البأس فی التذکرة (5). وهو ضعیف ، إذ لا دلالة فی الخبر علی أن من لم یدرک رکعة قبل انفضاض العدد یقطع الصلاة.

واعلم أن ظاهر عبارة المصنف هنا تقتضی أن الإتمام إنما یثبت مع تلبس العدد المعتبر بالصلاة ، وظاهر المعتبر عدم اعتبار ذلک ، فإنه قال : لو أحرم فانفض العدد المعتبر أتم جمعة لا ظهرا ، ثم استدل بأن الصلاة انعقدت فوجب الإتمام لتحقق شرائط الوجوب ، ومنع اشتراط استدامة العدد (6). ومقتضی ذلک وجوب الإتمام متی کان الدخول مشروعا ، وهو متجه.

قوله : ( الثالث : الخطبتان ).

أجمع الأصحاب علی أن الخطبتین شرط فی انعقاد الجمعة ، وعلیه العامة (7) إلاّ من شذ (8) ، لأن النبی صلی الله علیه و آله خطب خطبتین امتثالا للأمر المطلق فیکون بیانا له ، وقد ثبت فی الأصول أن بیان الواجب واجب ، ولما روی عن الصادق علیه السلام بعدة طرق أنه قال : « وإنما جعلت رکعتین لمکان الخطبتین » (9).

الخطبتان

ص: 30


1- منهم الفیروزآبادی فی المهذب 1 : 11.
2- منهم الفیروزآبادی فی المهذب 1 : 11.
3- کالمزنی فی المختصر : 26.
4- سنن ابن ماجة 1 : 356 - 1121 ، الجامع الصغیر 2 : 560 - 8366.
5- التذکرة 1 : 147.
6- المعتبر 2 : 282.
7- منهم الشافعی فی الأم 1 : 199 ، والفیروزآبادی فی المهذب 1 : 111 ، وابن قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 151 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 87.
8- منهم ابن حزم فی المحلی 5 : 59 ، وابن قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 150 ، والنووی فی المجموع 4 : 514.
9- التهذیب 3 : 238 - 634 ، الإستبصار 1 : 420 - 1614 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 6.

ویجب فی کل واحدة منهما الحمد لله ، والصلاة علی النبی وآله علیهم السلام ، والوعظ ، وقراءة سورة خفیفة ، وقیل : یجزی ولو آیة واحدة مما یتم بها فائدتها.

وفی روایة سماعة : یحمد الله ویثنی علیه ، ثم یوصی بتقوی الله ، ویقرأ سورة خفیفة من القرآن ، ثم یجلس ، ثم یقوم فیحمد الله ویثنی علیه ویصلی علی النبی وآله وعلی أئمة المسلمین ویستغفر للمؤمنین والمؤمنات.

______________________________________________________

قوله : ( ویجب فی کل واحدة منهما الحمد لله ، والصلاة علی النبی وآله علیهم السلام ، والوعظ ، وقراءة سورة خفیفة ، وقیل : یجزی ولو آیة واحدة مما یتم بها فائدتها ، وفی روایة سماعة : یحمد الله ویثنی علیه ، إلی آخره ).

اختلف الأصحاب فیما یجب اشتمال کل من الخطبتین علیه ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط : أقل ما تکون الخطبة أربعة أصناف : حمد الله تعالی ، والصلاة علی النبی وآله ، والوعظ ، وقراءة سورة خفیفة من القرآن (1). ونحوه قال ابن حمزة (2) ، وابن إدریس (3).

وقال فی الخلاف : أقل ما تکون الخطبة أربعة أصناف : أن یحمد الله ویثنی علیه ، ویصلی علی النبی صلی الله علیه و آله ، ویقرأ شیئا من القرآن ، ویعظ الناس (4).

وقال فی الاقتصاد : أقل ما یخطب به أربعة أشیاء : الحمد لله ، والصلاة علی النبی وآله ، والوعظ ، وقراءة سورة خفیفة من القرآن بین الخطبتین (5).

ص: 31


1- المبسوط 1 : 147.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.
3- السرائر : 63.
4- الخلاف 1 : 244.
5- الاقتصاد : 267.

______________________________________________________

وقال المرتضی فی المصباح : یحمد الله ، ویمجده ویثنی علیه ، ویشهد لمحمد صلی الله علیه و آله بالرسالة ویوشح الخطبة بالقرآن ، ثم یفتتح الثانیة بالحمد والاستغفار والصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله ، والدعاء لأئمة المسلمین (1).

وربما ظهر من کلام أبی الصلاح عدم وجوب القراءة فی شی ء من الخطبتین (2).

أما وجوب الحمد والصلاة علی النبی وآله والوعظ فظاهر المصنف فی المعتبر (3) ، والعلامة فی جملة من کتبه (4) أنه موضع وفاق بین علمائنا وأکثر العامة (5) ، وذلک لعدم تحقق الخطبة بدونه عرفا. واستدل علیه فی المنتهی بأمور واهیة لیس فی التعرض لها کثیر فائدة.

وقد وقع الخلاف فی هذه المسألة فی مواضع :

الأول : إن القراءة فیهما هل هی واجبة أم لا؟ وعلی القول بالوجوب کما هو المشهور فهل الواجب سورة خفیفة فیهما ، أو فی الأولی خاصة ، أو بین الخطبتین کما قاله فی الاقتصاد (6)؟ ولعل مراده أن یکون بعد إتمام الأولی وقبل الجلوس فیطابق المشهور ، أو آیة تامة الفائدة فی الخطبتین کما هو ظاهر الخلاف (7)؟ أو فی الأولی خاصة کما هو ظاهر المصباح (8)؟

ص: 32


1- نقله عنه فی المعتبر 2 : 284.
2- الکافی فی الفقه : 151.
3- لیس فی المعتبر وکتب العلامة تصریح ولا ظهور فی الإجماع ، وقال فی مفتاح الکرامة 3 : 113 : واستظهره صاحب المدارک من الفاضلین. ولعل موارد الاستظهار : المعتبر 2 : 3. والمنتهی 1 : 326 ، والتذکرة 1 : 150.
4- لیس فی المعتبر وکتب العلامة تصریح ولا ظهور فی الإجماع ، وقال فی مفتاح الکرامة 3 : 113 : واستظهره صاحب المدارک من الفاضلین. ولعل موارد الاستظهار : المعتبر 2 : 4. والمنتهی 1 : 326 ، والتذکرة 1 : 150.
5- منهم الشافعی فی الأم 1 : 200 ، والکاسانی فی بدائع الصنائع 1 : 263 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 87.
6- الاقتصاد : 267.
7- الخلاف 1 : 244.
8- نقله عنه فی التذکرة 1 : 149.

______________________________________________________

الثانی : وجوب الشهادة لمحمد صلی الله علیه و آله بالرسالة فی الأولی کما هو ظاهر المصباح (1) ، ولم أقف علی مصرح بوجوب الشهادة بالتوحید هنا.

الثالث : وجوب الاستغفار للمؤمنین فی الثانیة والدعاء لأئمة المسلمین کما هو ظاهر المرتضی أیضا (2).

والمرجع فی ذلک کله إلی النقل الوارد عن النبی والأئمة علیهم السلام ، والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار ما رواه الشیخ فی التهذیب ، عن الحسین بن سعید ، عن أخیه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ینبغی للإمام الذی یخطب بالناس یوم الجمعة أن یلبس عمامة فی الشتاء والصیف ، ویتردی ببرد یمنیة أو عدنی ، ویخطب وهو قائم ، یحمد الله ویثنی علیه ، ثم یوصی بتقوی الله ، ثم یقرأ سورة من القرآن قصیرة ، ثم یجلس ، ثم یقوم فیحمد الله ویثنی علیه ، ویصلی علی النبی صلی الله علیه و آله وعلی أئمة المسلمین ، ویستغفر للمؤمنین والمؤمنات ، فإذا فرغ من هذا قام المؤذن فأقام فصلی بالناس رکعتین ، یقرأ فی الأولی بسورة الجمعة ، وفی الثانیة بسورة المنافقین » (3) وعلی هذه الروایة اعتمد فی المعتبر (4) ، ولا ریب أن العمل بمضمونها یحصل معه الامتثال ، إنما الکلام فی وجوب ما تضمنته مما یزید علی مسمّی الخطبتین ، فإنها قاصرة عن إفادة ذلک متنا وسندا.

وروی الکلینی - رضی الله عنه - فی الکافی ، عن محمد بن مسلم فی الصحیح : إن أبا جعفر علیه السلام خطب خطبتین فی الجمعة ، تضمنت الأولی منهما حمد الله والشهادتین والصلاة علی النبی وآله والوعظ قال : « ثم اقرأ سورة من القرآن ، وادع ربک ، وصل علی النبی صلی الله علیه و آله ، وادع للمؤمنین والمؤمنات ، ثم تجلس ».

ص: 33


1- نقله عنه فی التذکرة 1 : 149 ، والذکری : 236.
2- نقله عنه فی المعتبر 2 : 284.
3- التهذیب 3 : 243 - 655 ، الوسائل 5 : 37 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 24 ح 1.
4- المعتبر 2 : 284.

______________________________________________________

وتضمنت الثانیة الحمد والشهادتین والوعظ والصلاة علی محمد وآله ، قال : « ثم تقول : اللهم صل علی أمیر المؤمنین ووصیّ رسول رب العالمین ، ثم تسمی الأئمة حتی تنتهی إلی صاحبک ، ثم تقول : اللهم افتح له فتحا یسیرا ، وانصره نصرا عزیزا - قال - : ویکون آخر کلامه أن یقول ( إِنَّ اللهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِیتاءِ ذِی الْقُرْبی وَیَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ ) (1) ثم یقول : اللهم اجعلنا ممن یذّکر فتنفعه الذکری ثم ینزل » (2).

والظاهر أن هذه الروایة متضمنة لکثیر من المستحبات ، إلا أن العمل بمضمونها أولی ، لاعتبار سندها.

ومن هنا یظهر أن القول بوجوب قراءة السورة فی الأولی محتمل ، لدلالة ظاهر الروایتین علیه.

أما وجوب السورة فی الثانیة فلا وجه له ، لانتفاء ما یدل علیه رأسا ، بل مقتضی روایة سماعة عدم توظیف القراءة فی الثانیة مطلقا ، ومقتضی روایة ابن مسلم أن یکون آخر کلامه ( إِنَّ اللهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِیتاءِ ذِی الْقُرْبی ) الآیة.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : ذکر جمع من الأصحاب أنه یجب فی الخطبتین التحمید بصیغة : الحمد لله ، وفی تعیّنه نظر ، لصدق مسمّی الخطبة مع الإتیان بالتحمید کیف اتفق.

الثانی : الأقرب أنه لا ینحصر الوعظ فی لفظ ، بل یجزی کل ما اشتمل علی الوصیة بتقوی الله ، والحث علی الطاعات والتحذیر علی المعاصی والاغترار بالدنیا وما شاکل ذلک.

ص: 34


1- النحل : 90.
2- الکافی 3 : 422 - 6 ، الوسائل 5 : 38 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 25 ح 1.

ویجوز إیقاعهما قبل زوال الشمس حتی إذا فرغ زالت ، وقیل : لا یصحّ إلا بعد الزوال ، والأول أظهر.

______________________________________________________

وفی الاجتزاء بالآیة المشتملة علی الوعظ عنهما وجهان ، أقربهما ذلک. وکذا الکلام فی الآیة المشتملة علی التحمید ونحوه من أجزاء الخطبة.

الثالث : ذکر جمع من الأصحاب أنه یجب الترتیب بین أجزاء الخطبة بتقدیم الحمد ، ثم الصلاة ، ثم الوعظ ، ثم القراءة ، فلو خالف أعاد علی ما یحصل معه الترتیب. وهو أحوط ، وإن کان فی تعیّنه نظر.

الرابع : منع أکثر الأصحاب من إجزاء الخطبة بغیر العربیة ، للتأسی ، وهو حسن. ولو لم یفهم العدد العربیة ، ولا أمکن التعلم قیل : تجب العجمیة ، لأن مقصود الخطبة لا یتم بدون فهم معانیها (1). ویحتمل سقوط الجمعة ، لعدم ثبوت مشروعیتها علی هذا الوجه.

قوله : ( ویجوز إیقاعهما قبل زوال الشمس حتی إذا فرغ زالت ، وقیل : لا یصح إلا بعد الزوال ، والأول أظهر ).

اختلف الأصحاب فی وقت الخطبة. فقال السید المرتضی فی المصباح : إنه بعد الزوال فلا یجوز تقدیمها علیه (2). وبه قال ابن أبی عقیل (3) ، وأبو الصلاح (4) ، ونسبه فی الذکری إلی معظم الأصحاب (5).

وقال الشیخ فی الخلاف : یجوز أن یخطب عند وقوف الشمس ، فإذا زالت صلی الفرض (6). وقال فی النهایة والمبسوط : یجوز إیقاعهما قبل الزوال (7). والمعتمد الأول.

حکم ایقاع الخطبتین قبل الزوال

ص: 35


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 134.
2- نقله عنه فی السرائر : 64.
3- نقله عنه فی المختلف : 105.
4- الکافی فی الفقه : 151.
5- الذکری : 236.
6- الخلاف 1 : 246.
7- النهایة : 105 ، والمبسوط 1 : 151.

______________________________________________________

لنا : قوله تعالی ( إِذا نُودِیَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللهِ ) أوجب السعی بعد النداء الذی هو الأذان ، فلا یجب قبله. وما رواه محمد بن مسلم فی الحسن ، قال : سألته عن الجمعة فقال : « أذان وإقامة ، یخرج الإمام بعد الأذان فیصعد المنبر فیخطب ، ولا یصلی الناس ما دام الإمام علی المنبر ، ثم یقعد الإمام علی المنبر قدر ما یقرأ قل هو الله أحد ، ثم یقوم فیفتتح خطبته ثم ینزل فیصلی بالناس ، یقرأ بهم فی الرکعة الأولی بالجمعة وفی الثانیة بالمنافقین » (1).

ویؤیده أن الخطبتین بدل من الرکعتین ، فکما لا یجوز إیقاع المبدل قبل الزوال فکذا البدل تحقیقا للبدلیة. وأنه یستحب صلاة رکعتین عند الزوال علی ما سیجی ء بیانه ، وإنما یکون ذلک إذا وقعت الخطبة بعد الزوال ، لأن الجمعة عقیب الخطبة ، فلو وقعت الخطبة قبل الزوال تبعتها صلاة الجمعة فینتفی استحباب صلاة الرکعتین والحال هذه.

احتج الشیخ فی الخلاف (2) بإجماع الفرقة ، وبما رواه فی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلی الجمعة حین تزول الشمس قدر شراک ، ویخطب فی الظل الأول ، فیقول جبرائیل : یا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل » (3).

وأجاب العلامة - رحمه الله - فی المختلف عن الإجماع بالمنع منه مع تحقق الخلاف ، وعن الروایة بالمنع من الدلالة علی صورة النزاع. قال : لاحتمال أن یکون المراد بالظل الأول هو الفی ء الزائد علی ظل المقیاس ، فإذا انتهی فی الزیادة إلی محاذاة الظل الأول ، وهو أن یصیر ظل کل شی ء مثله وهو الظل

ص: 36


1- الکافی 3 : 424 - 7 ، التهذیب 3 : 241 - 648 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 7.
2- الخلاف 1 : 246.
3- التهذیب 3 : 12 - 42 ، الوسائل 5 : 18 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 4.

ویجب أن تکون مقدّمة علی الصلاة ، فلو بدأ بالصلاة لم تصحّ الجمعة.

______________________________________________________

الأول نزل فصلی بالناس ، ویصدق علیه أن الشمس قد زالت حینئذ ، لأنها قد زالت عن الظل الأول (1).

ولا یخفی ما فی هذا التأویل من البعد والمخالفة لمقتضی الظاهر ، واستلزامه وقوع الجمعة عنده بعد خروج وقتها ، لموافقته علی أن وقتها یخرج بصیرورة ظل کل شی ء مثله ، وهو معلوم البطلان.

نعم یمکن القدح فیها بأن الأولیة أمر إضافی یختلف باختلاف المضاف إلیه ، فیمکن أن یراد به أول الظل وهو الفی ء الحاصل بعد الزوال بغیر فصل کما یدل علیه قوله علیه السلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یصلی الجمعة حین تزول الشمس قدر شراک » فإن إتیانه علیه السلام بالصلاة بعد زوال الشمس عن دائرة نصف النهار قدر شراک یستدعی وقوع الخطبة أو شی ء منها بعد الزوال. ویکون معنی قول جبرائیل علیه السلام : یا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل. أنها قد زالت قدر شراک فانزل وصل. وکیف کان فهذه الروایة مجملة المتن فلا تصلح معارضا لظاهر القرآن والأخبار المعتبرة.

قوله : ( ویجب أن تکون مقدمة علی الصلاة ، فلو بدأ بالصلاة لم تصح الجمعة ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه مخالفا (2). والمستند فیه فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام والصحابة والتابعین والأخبار المستفیضة الواردة بذلک ، کروایة أبی مریم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن خطبة رسول الله صلی الله علیه و آله أقبل الصلاة أو بعد؟ فقال : « قبل الصلاة ثم

تقدیم الخطبتین علی الصلاة

ص: 37


1- المختلف : 104.
2- المنتهی 1 : 327.

ویجب أن یکون الخطیب قائما وقت إیراده مع القدرة.

______________________________________________________

یصلی » (1).

قوله : ( ویجب أن یکون الخطیب قائما وقت إیراده مع القدرة ).

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل علیه فی التذکرة الإجماع (2) ، والمستند فیه فعل النبی صلی الله علیه و آله فی بیان الواجب ، وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب : « إن أول من خطب وهو جالس معاویة ، واستأذن الناس فی ذلک من وجع کان فی رکبته - ثم قال - الخطبة وهو قائم خطبتان یجلس بینهما جلسة لا یتکلم فیها قدر ما یکون فصل ما بین الخطبتین » (3).

ولو منعه مانع من القیام فالظاهر جواز الجلوس مع تعذر الاستنابة کما فی الصلاة.

ولو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته وصلاة من علم به من المأمومین ، أما من لم یعلم بحاله فقد قطع الأصحاب بصحة صلاتهم وإن رأوه جالسا ، بناء علی الظاهر من أن قعوده للعجز ، وإن تجدد العلم بعد الصلاة ، کما لو بان أن الإمام محدث. وهو مشکل ، لعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، وخروج المحدث بنص خاص لا یقتضی إلحاق غیره به.

ویجب فی القیام الطمأنینة ، للتأسی ، ولأنهما بدل من الرکعتین.

وهل یجب اتحاد الخطیب والإمام؟

قیل : نعم ، وهو اختیار الراوندی فی کتابه أحکام القرآن (4) ، وقواه العلامة فی المنتهی والشهید فی الذکری (5). ولا بأس به ، لأن الوظائف الشرعیة

وجوب ان یکون الخطیب قائما

ص: 38


1- الکافی 3 : 421 - 3 ، التهذیب 3 : 20 - 72 ، الوسائل 5 : 30 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 15 ح 2.
2- التذکرة 1 : 150.
3- التهذیب 3 : 20 - 74 ، الوسائل 5 : 31 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 16 ح 1.
4- فقه القرآن 1 : 135.
5- المنتهی 1 : 324 ، والذکری : 234.

ویجب الفصل بین الخطبتین بجلسة خفیفة.

______________________________________________________

إنما تستفاد من صاحب الشرع ، والمنقول من فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام الاتحاد.

وقیل : لا یجب ، بل یجوز اختلافهما ، وهو اختیار العلامة فی النهایة (1) ، لانفصال کل من العبادتین عن الأخری ، ولأن غایة الخطبتین أن تکونا کرکعتین ، ویجوز الاقتداء بإمامین فی صلاة واحدة.

ویتوجه علی الأول : منع الانفصال شرعا ، سلمنا الانفصال لکن ذلک لا یقتضی جواز الاختلاف إذا لم یرد فیه نقل علی الخصوص ، لعدم تیقن البراءة مع الإتیان به.

وعلی الثانی : بعد تسلیم الأصل أنه قیاس محض. والاحتیاط یقتضی المصیر إلی الأول.

قوله : ( ویجب الفصل بین الخطبتین بجلسة خفیفة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، والمستند فیه التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله فإنه فعل ذلک ، وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب : « الخطبة وهو قائم خطبتان یجلس بینهما جلسة لا یتکلم فیها » (2).

واحتمل المصنف فی المعتبر الاستحباب ، لأن فعل النبی صلی الله علیه و آله کما یحتمل أن یکون تکلیفا یحتمل أنه للاستراحة (3). وهو ضعیف.

ویجب فی الجلوس الطمأنینة لما تقدم. وهل یجب السکوت؟ ظاهر الخبر ذلک ، ویحتمل أن یکون المراد النهی عن التکلم حالة الجلوس بشی ء من الخطبة.

وینبغی أن تکون الجلسة بقدر قراءة قل هو الله أحد ، لقوله علیه السلام

وجوب الفصل بین الخطبتین

ص: 39


1- نهایة الأحکام 2 : 18.
2- التهذیب 3 : 20 - 74 ، الوسائل 5 : 31 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 16 ح 1.
3- المعتبر 2 : 285.

وهل الطهارة شرط فیهما؟ فیه تردد ، والأشبه أنها غیر شرط.

______________________________________________________

فی حسنة محمد بن مسلم : « یخرج الإمام بعد الأذان فیصعد المنبر فیخطب ، ولا یصلی الناس ما دام الإمام علی المنبر ، ثم یقعد الإمام علی المنبر قدر ما یقرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، ثم یقوم فیفتتح خطبته » (1).

ولو عجز عن القیام فی الخطبتین فخطب جالسا فصل بینهما بسکتة ، واحتمل العلامة فی التذکرة الفصل بالاضطجاع (2) ، وهو ضعیف.

قوله : ( وهل الطهارة شرط فیهما؟ فیه تردد ، والأشبه أنها غیر شرط ).

اختلف الأصحاب فی اشتراط طهارة الخطیب من الحدث وقت إیراد الخطبتین بعد اتفاقهم علی الرجحان المتناول للوجوب والندب ، فقال الشیخ فی المبسوط والخلاف بالاشتراط (3) ، ومنعه ابن إدریس (4) والمصنف (5) والعلامة (6).

احتج الشیخ - رحمه الله - بأنه أحوط ، إذ مع الطهارة تبرأ الذمة بیقین ، وبدونها لا یحصل یقین البراءة ، وبأن النبی صلی الله علیه و آله کان یتطهر قبل الخطبة فیجب اتباعه فی ذلک لأدلة التأسی (7) ، ویؤیده ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وإنما جعلت الجمعة رکعتین من أجل الخطبتین ، فهی صلاة حتی ینزل الإمام » (8) والاتحاد لا معنی

اشتراط الطهارة فی الخطبتین

ص: 40


1- الکافی 3 : 424 - 7 ، التهذیب 3 : 241 - 648 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 7.
2- التذکرة 1 : 151.
3- المبسوط 1 : 147 ، والخلاف 1 : 245.
4- السرائر : 63.
5- المعتبر 2 : 285 ، والشرائع 1 : 95 ، والمختصر النافع : 35.
6- المختلف : 103 ، والقواعد 1 : 37 ، والتبصرة : 31.
7- الخلاف 1 : 245.
8- التهذیب 3 : 12 - 42 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 4.

ویجب أن یرفع صوته بحیث یسمع العدد المعتبر فصاعدا ، وفیه تردد.

الرابع : الجماعة ، فلا تصحّ فرادی ،

______________________________________________________

له فالمراد المماثلة فی الأحکام والشرائط إلا ما وقع علیه الإجماع.

وأجیب عن الأول بمنع کون الاحتیاط دلیلا شرعیا ، بل منع استلزام هذا القول للاحتیاط ، فإن إلزام المکلف بالطهارة بغیر دلیل إثم کما إن إسقاط الواجب إثم.

وعن الثانی بأن فعل النبی صلی الله علیه و آله أعم من الواجب ، فإنه صلی الله علیه و آله کان یحافظ علی المندوبات کمحافظته علی الواجبات ، والتأسی إنما یجب فیما علم وجوبه کما تقرر فی محله (1).

وعن الروایة بوجوه أظهرها : إن إثبات المماثلة بین الشیئین لا تستلزم أن تکون من جمیع الوجوه ، کما تقرر فی مسألة نفی المساواة لا یفید العموم. والمسألة محل تردد وإن کان الاشتراط لا یخلو من رجحان تمسکا بظاهر الروایة.

قوله : ( ویجب أن یرفع صوته بحیث یسمع العدد المعتبر فصاعدا ، وفیه تردد ).

منشؤه أصالة عدم الوجوب ، وأن الغرض من الخطبة لا یحصل بدون الإسماع (2). والوجوب أظهر ، للتأسی ، وعدم تحقق الخروج من العهدة بدونه. ویؤیده ما روی أن النبی صلی الله علیه و آله کان إذا خطب یرفع صوته کأنه منذر جیش (3).

ولو حصل مانع من السمع سقط الوجوب ، مع احتمال سقوط الصلاة أیضا إذا کان المانع حاصلا للعدد المعتبر فی الوجوب ، لعدم ثبوت التعبد بالصلاة علی هذا الوجه.

قوله : ( الرابع ، الجماعة : فلا تصح فرادی ).

وجوب رفع الصوت بالخطبة

اشتراط الجماعة فی الجمعة

ص: 41


1- أجاب عنه فی المعتبر 2 : 286.
2- فی « س » : الاستماع.
3- الجامع الصغیر 2 : 329 - 6656.

______________________________________________________

أجمع العلماء کافة علی اشتراط الجماعة فی الجمعة ، فلا یصح الانفراد بها وإن حصل العدد ، بل لا بد من الارتباط الحاصل بین صلاة الإمام والمأموم. ویدل علیه التأسی ، والأخبار المستفیضة ، کقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « منها صلاة واحدة فرضها الله فی جماعة ، وهی الجمعة » (1) وفی صحیحة عمر بن یزید : « إذا کانوا سبعة یوم الجمعة فلیصلوا فی جماعة » (2) وغیر ذلک من الأخبار (3).

وتتحقق الجماعة بنیة المأمومین الاقتداء بالإمام ، فلو أخلوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخل. ویعتبر فی انعقاد الجمعة نیة العدد المعتبر.

وفی وجوب نیة الإمام للإمامة هنا نظر ، من حصول الإمامة إذا اقتدی به ، ومن وجوب نیة کل واجب.

تفریع :

قال فی الذکری : لو بان أن الإمام محدث فإن کان العدد لا یتم بدونه فالأقرب أنه لا جمعة لهم لانتفاء الشرط ، وإن کان العدد حاصلا من غیره صحت صلاتهم عندنا لما سیأتی إن شاء الله تعالی فی باب الجماعة. قال : وربما افترق الحکم هنا وهناک ، لأن الجماعة شرط فی الجمعة ، ولم تحصل فی نفس الأمر ، بخلاف باقی الصلوات فإن القدوة إذا فاتت فیها یکون قد صلی منفردا ، وصلاة المنفرد هناک صحیحة بخلاف الجمعة (4).

وأقول : إنه لا یخفی ضعف هذا الفرق ، لمنع صحة الصلاة هناک علی تقدیر الانفراد ، لعدم إتیان المأموم بالقراءة التی هی من وظائف المنفرد.

ص: 42


1- الفقیه 1 : 266 - 1217 ، التهذیب 3 : 21 - 77 ، أمالی الصدوق : 319 - 17 ، الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 1.
2- التهذیب 3 : 245 - 664 ، الإستبصار 1 : 418 - 1607 ، الوسائل 5 : 9 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 10.
3- الوسائل 5 : 7 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2
4- الذکری : 234.

وإذا حضر إمام الأصل وجب علیه الحضور والتقدّم. وإن منعه مانع جاز أن یستنیب.

الخامس : أن لا یکون هناک جمعة أخری. وبینهما دون ثلاثة أمیال ،

______________________________________________________

وبالجملة فالصلاتان مشترکتان فی الصحة ظاهرا وعدم استجماعهما الشرائط المعتبرة فی نفس الأمر ، فما ذهب إلیه أولا من الصحة غیر بعید ، بل لو قیل بالصحة مطلقا وإن لم یکن العدد حاصلا من غیره أمکن ، لصدق الامتثال وإطلاق قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة وقد سأله عن قوم صلی بهم إمامهم وهو غیر طاهر ، أتجوز صلاتهم أم یعیدونها؟ : « لا إعادة علیهم تمت صلاتهم ، وعلیه هو الإعادة ، ولیس علیه أن یعلمهم ، هذا عنه موضوع » (1).

قوله : ( وإن حضر إمام الأصل وجب علیه الحضور والتقدّم ، وإن منعه مانع جاز أن یستنیب ).

لا ریب أن الإمام علیه السلام هو المتّبع قولا وفعلا ، والبحث فی هذه المسألة وأمثالها ساقط عندنا.

قوله : ( الخامس ، أن لا تکون هناک جمعة أخری وبینهما دون ثلاثة أمیال ).

أجمع علماؤنا علی اعتبار وحدة الجمعة ، بمعنی أنه لا یجوز إقامة جمعتین بینهما أقل من فرسخ سواء کانتا فی مصر واحد أو مصرین ، وسواء فصل بینهما نهر عظیم کدجلة أم لا. ولم یعتبر غیرهم الفرسخ لکن اختلفوا ، فقال الشافعی (2) ومالک (3) : لا یجمع فی بلد واحد وإن عظم إلا فی مسجد واحد ،

أدنی ما یکون بین الجمعتین

ص: 43


1- التهذیب 3 : 39 - 139 ، الإستبصار 1 : 432 - 1670 ، الوسائل 5 : 434 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 5.
2- الأم 1 : 192.
3- نقله عنه فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 182.

فإن اتفقتا بطلتا.

______________________________________________________

وأجازه أبو حنیفة فی موضعین استحسانا (1). وأجاز بعضهم التعدد فی البلد ذی الجانبین إذا لم یکن بینهما جسر (2). وقال أحمد : إذا کبر البلد وعظم کبغداد والبصرة جاز أن یقام فیه جمعتان وأکثر مع الحاجة ، ولا یجوز مع عدمها (3).

والأصل فی هذا الشرط من طرق الأصحاب ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یکون بین الجماعتین ثلاثة أمیال » یعنی لا یکون جمعة إلا فیما بینه وبین ثلاثة أمیال « ولیس تکون جمعة إلا بخطبة ، وإذا کان بین الجماعتین ثلاثة أمیال فلا بأس أن یجمع هؤلاء ویجمع هؤلاء » (4).

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الموثق ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا کان بین الجماعتین ثلاثة أمیال فلا بأس أن یجمع هؤلاء ویجمع هؤلاء ، ولا یکون بین الجماعتین أقل من ثلاثة أمیال » (5).

قیل : ویعتبر الفرسخ من المسجد إن صلیت فی مسجد ، وإلا فمن نهایة المصلین (6).

ویشکل الحکم فیما لو کان بعضهم بحیث لا یبلغ بعده عن موضع الأخری النصاب دون من سواهم وتم العدد بغیرهم ، فیحتمل بطلان صلاتهم خاصة لانعقاد صلاة الباقی باستجماعها شرائط الصحة ، أو بطلان الجمعتین من رأس ، لانتفاء الوحدة بینهما ، ولعل الأول أقرب.

قوله : ( فإن اتفقتا بطلتا ).

حکم ما لو أقیمت جمعتان

ص: 44


1- نقله عنه فی المبسوط للسّرخسی 2 : 120 ، والمجموع 4 : 591.
2- منهم الکاسانی فی بدائع الصنائع 1 : 260.
3- نقله عنه فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 181.
4- التهذیب 3 : 23 - 79 ، الوسائل 5 : 16 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 7 ح 1.
5- الفقیه 1 : 274 - 1257 ، التهذیب 30 : 23 - 80 ، الوسائل 5 : 17 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 7 ح 2.
6- کما فی جامع المقاصد 1 : 136.

وإن سبقت إحداهما ولو بتکبیرة الإحرام بطلت المتأخرة.

______________________________________________________

لامتناع الحکم بصحتهما ، ولا أولویة لإحداهما ، فلم یبق إلا الحکم ببطلانهما معا. ویجب علیهما الإعادة جمعة مجتمعین أو متفرقین بما یسوغ معه التعدد.

ویتحقق الاقتران باستوائهما فی التکبیر عند علمائنا وأکثر العامة (1) ، واعتبر بعضهم الشروع فی الخطبة لقیامها مقام رکعتین (2). وقال بعضهم : یعتبر بالفراغ فإن تساوتا فیه بطلتا ، وإن سبقت إحداهما بالسلام صحت دون الأخری (3).

وتقبل فی ثبوت الاقتران شهادة العدلین إذا کانا فی مکان یسمعان التکبیرتین ، ویتصور ذلک بکونهما غیر مخاطبین بالجمعة وهما فی مکان یسمعان التکبیرتین. ولا حاجة إلی اعتبار تساوی الإمامین فی الإذن من الإمام علیه السلام علی ما بیناه فیما سبق.

قوله : ( وإن سبقت إحداهما ولو بتکبیرة الإحرام بطلت المتأخرة ).

الوجه فی بطلان الصلاة المتأخرة ظاهر ، لسبق انعقاد الأولی باستجماعها شرائط الصحة کما هو المقدر.

وقال فی التذکرة : إن ذلک - أی صحة السابقة وبطلان اللاحقة - مذهب علمائنا أجمع (4).

ویجب علی اللاحقة إعادة الظهر إن لم تدرک الجمعة مع السابقة ، أو التباعد بما یسوغ معه التعدد.

واعتبر جدی - قدس سره - فی روض الجنان فی صحة السابقة عدم علم

ص: 45


1- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 189 ، 192 ، والنووی فی المجموع 4 : 497 ، والشر بینی فی مغنی المحتاج 1 : 281.
2- الشر بینی فی مغنی المحتاج 1 : 282 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 86.
3- منهم النووی فی المجموع 4 : 497 ، والشر بینی فی مغنی المحتاج 1 : 281.
4- التذکرة 1 : 150.

ولو لم یتحقق السابقة أعادا ظهرا.

______________________________________________________

کل من الفریقین بصلاة الأخری ، وإلا لم یصح صلاة کل منهما ، للنهی عن الانفراد بالصلاة عن الأخری المقتضی للفساد (1).

ولمانع أن یمنع تعلق النهی بالسابقة مع العلم بالسبق ، أما مع احتمال السبق وعدمه فیتجه ما ذکره ، لعدم جزم کل منهما بالنیة لکون صلاته فی معرض البطلان.

وهل یفرق فی بطلان اللاحقة بین علمهم بسبق الأولی وعدمه؟ إطلاق عبارات الأصحاب یقتضی عدم الفرق لانتفاء الوحدة المعتبرة ، مع احتماله لاستحالة توجه النهی إلی الغافل ، وعدم ثبوت شرطیة الوحدة علی هذا الوجه. والمسألة محل تردد.

قوله : ( ولو لم تتحقق السابقة أعاد ظهرا ).

عدم تحقق السابقة یشمل ما لو علم حصول جمعة سابقه معینة واشتبهت بعد ذلک ، وما لو علم سابقه فی الجملة ولم تتعین. ولا ریب فی وجوب الإعادة علیهما معا فی الصورتین ، لحصول الشک فی کل واحدة ، والتردد بین الصحة والبطلان ، فیبقی المکلف تحت العهدة إلی أن یتحقق الامتثال.

وقد قطع المصنف وأکثر الأصحاب بأن الواجب علی الفریقین صلاة الظهر لا الجمعة ، للعلم بوقوع جمعة صحیحة فلا تشرع جمعة أخری عقیبها ، ولما لم تکن متعینة وجبت الظهر علیهما ، لعدم حصول البراءة بدون ذلک.

وقال الشیخ فی المبسوط : یصلون جمعة مع اتساع الوقت ، لأن الحکم بوجوب الإعادة علیهما یقتضی کون الصلاة الواقعة منهما غیر معتبرة فی نظر الشرع (2). وهذا متجه ، لأن الأمر بصلاة الجمعة بصلاة عام وسقوطها بهذه الصلاة التی لیست مبرئة للذمة غیر معلوم.

ص: 46


1- روض الجنان : 294.
2- المبسوط 1 : 149.

______________________________________________________

وعلی الأول فلو تباعد الفریقان بالنصاب بأن خرج أحدهما من المصر وأعادوا جمیعا الجمعة لم تصح ، لإمکان کون من تأخرت جمعته هم المتخلفون فی المصر فلا تشرع فیه جمعة أخری.

أما لو خرجوا منه جمیعا وتباعدوا بالنصاب مع سعة الوقت تعین علیهم فعل الجمعة قطعا.

وأعلم أن المصنف - رحمه الله - لم یتعرض للصورة الخامسة ، وهی ما لو اشتبه السبق والاقتران ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمها ، فذهب الشیخ - رحمه الله (1) - ومن تبعه (2) إلی وجوب إعادة الجمعة مع سعة الوقت ، تمسکا بعموم الأوامر المقتضیة للوجوب ، والتفاتا إلی أصالة عدم تقدم کل من الجمعتین علی الأخری.

وذهب العلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه إلی وجوب الجمع بین الفرضین ، لأن الواقع (3) إن کان الاقتران فالفرض الجمعة ، وإن کان السبق فالظهر ، فلا یحصل یقین البراءة بدون فعلهما (4). واحتمل فی التذکرة وجوب الظهر خاصة ، لأن الظاهر صحة إحداهما لندور الاقتران جدا فکان جاریا مجری المعدوم ، وللشک فی شرط الجمعة وهو عدم سبق أخری ، وهو یقتضی الشک فی المشروط (5). وضعفه ظاهر ، فإنا لا نسلم اشتراط عدم السبق ، بل یکفی فی الصحة عدم العلم بسبق أخری.

وذکر الشارح قدس سره : أنه یمکن إدراج هذه الصورة فی عبارة المصنف رحمه الله ، فإن السالبة لا تستدعی وجود الموضوع (6). وهو حسن إلا أنا لم

ص: 47


1- المبسوط 1 : 149.
2- منهم یحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 94.
3- فی « ح » زیادة : فی نفس الأمر.
4- التذکرة 1 : 150 ، والقواعد 1 : 37.
5- التذکرة 1 : 150.
6- المسالک 1 : 34.

النظر الثانی : فیمن یجب علیه ، ویراعی فیه شروط سبعة : التکلیف. والذکورة. والحریة. والحضر.

______________________________________________________

نقف فی هذه الصورة علی قول بالاجتزاء بالظهر. ولا یخفی أن إطلاق الإعادة علی الظهر غیر جید ، لعدم سبق ظهر قبلها ، وکأنه أطلق الإعادة علیها باعتبار فعل وظیفة الوقت أولا وإن اختلف الشخص. والأمر فی ذلک هین.

قوله : ( النظر الثانی ، فیمن یجب علیه : ویراعی فیه سبعة شروط : التکلیف ، والذکورة ، والحریة ، والحضر ).

أما اعتبار التکلیف بمعنی البلوغ والعقل فی هذه الصلاة بل وفی غیرها من الصلوات فمذهب العلماء کافة ، فلا یجب علی المجنون ولا الصبی وإن کان ممیزا ، نعم تصح من الممیز تمرینا وتجزیه عن الظهر. ولو أفاق المجنون فی وقت الصلاة خوطب بها خطابا مراعی باستمراره علی الإفاقة إلی آخر الصلاة.

وأما اعتبار الذکورة والحریة فقال فی التذکرة : إنه مذهب علمائنا أجمع ، وبه قال عامة العلماء (1). ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ووضعها عن تسعة : عن الصغیر ، والکبیر ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمریض ، والأعمی ، ومن کان علی رأس أزید من فرسخین » (2).

وفی صحیحة أبی بصیر ومحمد بن مسلم : « منها صلاة واجبة علی کل مسلم أن یشهدها إلاّ خمسة : المریض والمملوک ، والمسافر ، والمرأة ، والصبی » (3).

ولا تنافی بین استثناء الخمسة والتسعة ، لأن المجنون والکبیر الذی لا یتمکن الحضور لا ریب فی استثنائهما ، والعمی یمکن إدخاله فی المرض ،

الشروط المعتبرة فیمن تجب علیه الجمعة

ص: 48


1- التذکرة 1 : 153.
2- الکافی 3 : 419 - 6 ، الفقیه 1 : 266 - 1217 ، التهذیب 3 : 21 - 77 ، الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 1.
3- الکافی 3 : 418 - 1 ، التهذیب 3 : 19 - 69 ، المعتبر 2 : 289 ، الوسائل 5 : 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 14.

والسلامة من العمی والمرض

______________________________________________________

والبعید مستثنی بدلیل منفصل.

ویخرج بقید الذکورة المرأة والخنثی ، وبقید الحریة القن والمدبر والمکاتب مطلقا وإن أدّی بعض ما علیه لأن المبعض لیس بحر.

ویمکن المناقشة فی السقوط عن الخنثی والمبعض لانتفاء ما یدل علی اشتراط الحریة والذکورة ، وإنما الموجود فی الأخبار استثناء المرأة والعبد ممن یجب علیه الجمعة ، والمبعض لا یصدق علیه أنه عبد ، وکذا الخنثی لا یصدق علیها أنها امرأة.

ومن ثم ذهب الشیخ فی المبسوط إلی الوجوب علی المبعض إذا هایاه المولی فاتفقت الجمعة فی نوبته (1). وهو حسن.

وأما اعتبار الحضر - والمراد منه ما قابل السفر الشرعی ، فیدخل فیه المقیم وکثیر السفر والعاصی به وناوی إقامة العشرة - فمجمع علیه بین العلماء أیضا ، حکاه فی التذکرة (2). ویدل علیه ما ورد فی الروایات الکثیرة من استثناء المسافر ممن یجب علیه الجمعة (3) ، والمتبادر منه أنه المسافر سفرا یوجب القصر. أما من لا یتحتم علیه ذلک - کالحاصل فی أحد المواضع الأربعة - فالأظهر عدم وجوب الجمعة علیه ، للعموم ، وإن جاز له الإتمام بدلیل من خارج. وجزم العلامة فی التذکرة بالوجوب (4) ، وقیل بالتخییر بین الفعل والترک ، وبه قطع فی الدروس (5).

قوله : ( والسلامة من العمی والمرض ).

إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی العمی والمرض بین

ص: 49


1- المبسوط 1 : 145.
2- التذکرة 1 : 153.
3- الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
4- التذکرة 1 : 154.
5- الدروس : 43.

والعرج. وأن لا یکون همّا

______________________________________________________

ما یشق معهما الحضور وغیره ، وبهذا التعمیم صرح فی التذکرة (1).

واعتبر الشارح - قدس سره - فیهما تعذر الحضور أو المشقة التی لا یتحمل مثلها عادة ، أو خوف زیادة المرض (2). وهو تقیید للنص من غیر دلیل.

قوله : ( والعرج ).

هذا الشرط ذکره الشیخ فی جملة من کتبه (3) ، ولم یذکره المفید ولا المرتضی. والنصوص خالیة منه ، لکن لو أرید به البالغ حد الإقعاد کما ذکره المصنف فی المعتبر (4) اتجه اعتباره ، لأن من هذا شأنه أعذر من المریض ، ولأنه غیر متمکن من السعی فلا یکون مخاطبا به.

قوله : ( وأن لا یکون هما ).

الهم - بکسر الهاء - : الشیخ الفانی ، والمستفاد من النص سقوطها عن الکبیر ، والظاهر أن المراد منه من یشق علیه السعی إلی الجمعة بواسطة الکبر.

ومن الشرائط أیضا ارتفاع المطر ، وقال فی التذکرة : إنه لا خلاف فیه بین العلماء (5) ، وتدل علیه صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن تترک الجمعة فی المطر » (6).

وألحق العلامة (7) ومن تأخر عنه (8) بالمطر : الوحل ، والحر والبرد

ص: 50


1- التذکرة 1 : 153.
2- المسالک 1 : 34.
3- النهایة : 103 ، والمبسوط 1 : 143 ، والاقتصاد : 268.
4- المعتبر 2 : 290.
5- التذکرة 1 : 153.
6- الفقیه 1 : 267 - 1221 ، التهذیب 3 : 241 - 645 ، الوسائل 5 : 37 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 23 ح 1.
7- التذکرة 1 : 153 ، ونهایة الأحکام 2 : 43.
8- منهم الأردبیلی فی مجمع الفائدة 2 : 344.

ولا بینه وبین الجمعة أزید من فرسخین.

______________________________________________________

الشدیدین إذا خاف الضرر معهما. ولا بأس به تفصیا من لزوم الحرج المنفی

وألحق به الشارح أیضا خائف احتراق الخبز أو فساد الطعام ونحوهم (1). وینبغی تقییده بالمضر فوته.

قوله : ( ولا بینه وبین الجمعة أزید من فرسخین ).

اختلف الأصحاب فی تحدید البعد المقتضی لعدم وجوب السعی إلی الجمعة ، فقیل حده أن یکون أزید من فرسخین ، وهو اختیار الشیخ فی المبسوط والخلاف (2) ، والمرتضی (3) ، وابن إدریس (4). ومستنده حسنة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تجب الجمعة علی من کان منها علی فرسخین ، فإذا زاد علی ذلک فلیس علیه شی ء » (5).

وقیل فرسخان ، فیجب علی من نقص عنهما دون من بعد بهما ، وهو اختیار ابن بابویه (6) ، وابن حمزة (7). ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ووضعها عن تسعة » إلی قوله : « ومن کان منها علی رأس فرسخین » (8).

وقال ابن أبی عقیل : یجب علی کل من إذا غدا من منزله بعد ما صلی الغداة أدرک الجمعة (9).

ص: 51


1- المسالک 1 : 35.
2- المبسوط 1 : 143 ، والخلاف 1 : 233.
3- جمل العلم والعمل : 71.
4- السرائر : 63.
5- الکافی 3 : 419 - 3 ، التهذیب 3 : 240 - 641 ، الإستبصار 1 : 421 - 1619 ، الوسائل 5 : 12 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 4 ح 6.
6- الهدایة : 34.
7- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.
8- الکافی 3 : 419 - 6 ، الفقیه 1 : 266 - 1217 ، التهذیب 3 : 21 - 77 ، الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 1.
9- نقله عنه فی مختلف : 106.

وکل هؤلاء إذا تکلّفوا الحضور وجبت علیهم الجمعة وانعقدت بهم ، سوی من خرج عن التکلیف والمرأة ، وفی العبد تردد.

______________________________________________________

وقال ابن الجنید بوجوب السعی إلیها علی من سمع النداء بها إذا کان یصل إلی منزله إذا راح منها قبل خروج نهار یومه (1).

ولعل مستندهما صحیحة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الجمعة واجبة علی من إن صلی الغداة فی أهله أدرک الجمعة ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إنما یصلی العصر فی وقت الظهر فی سائر الأیام کی إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلی الله علیه و آله رجعوا إلی رحالهم قبل اللیل ، وذلک سنة إلی یوم القیامة » (2).

وأجاب عنها فی الذکری بالحمل علی الفرسخین (3) ، وهو بعید. والأولی حملها علی الاستحباب کما ذکره الشیخ فی کتابی الحدیث (4).

ویبقی التعارض بین الروایتین الأولتین ، ویمکن حمل الأولی علی الاستحباب أیضا ، أو حمل الثانیة علی أن المراد بمن کان علی رأس فرسخین أن یکون أزید منهما ولو بیسیر ، لکن لا یخفی أن هذا الخلاف قلیل الجدوی ، لأن الحصول علی رأس الفرسخین من غیر زیادة ولا نقصان نادر جدا.

قوله : ( وکل هؤلاء إذا تکلفوا الحضور وجبت علیهم الجمعة وانعقدت بهم ، سوی من خرج عن التکلیف والمرأة ، وفی العبد تردد ).

المشار إلیه بقوله : « وکل هؤلاء » من دلت علیهم القیود المذکورة فی العبارة ، ویندرج فیها المسافر والأعمی والمریض والأعرج والهمّ والبعید.

والکلام فی هذه المسألة یقع فی مواضع :

حکم من تکلف الحضور من المعذورین

ص: 52


1- نقله عنه فی المختلف : 106.
2- التهذیب 3 : 238 - 631 ، الإستبصار 1 : 421 - 1621 ، الوسائل 5 : 11 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 4 ح 1.
3- الذکری : 234.
4- التهذیب 3 : 240 ، والاستبصار 1 : 421.

______________________________________________________

الأول : إن من لا یلزمه الجمعة إذا حضرها جاز له فعلها تبعا وأجزأته عن الظهر ، وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : لا خلاف فی أن العبد والمسافر إذا صلیا الجمعة أجزأتهما عن الظهر ، وحکی نحو ذلک فی البعید (1). وقال فی التذکرة : لو حضر المریض والمحبوس بعذر المطر أو الخوف وجبت علیهم وانعقدت بهم إجماعا (2). وقال فی النهایة : من لا تلزمه الجمعة إذا حضرها وصلاها انعقدت جمعته وأجزأته ، لأنها أکمل فی المعنی وان کانت أقصر فی الصورة ، فإذا أجزأت الکاملین الذین لا عذر لهم ، فلأن تجزی أصحاب العذر أولی (3).

ویمکن المناقشة فی هذه الأولویة ، أما أولا ، فلعدم ظهور علة الحکم فی الأصل التی هی مناط هذا الاستدلال.

وأما ثانیا ، فللأخبار المستفیضة المتضمنة لسقوط الجمعة عن التسعة أو الخمسة (4) ، فلا یکون الآتی بها من هذه الأصناف آتیا بما هو فرضه. إلا أن یقال : إن الساقط عنهم : السعی إلیها خاصة ، فإذا أتوا به توجه إلیهم الخطاب بفعلها ، بدلیل أن من جملة التسعة من کان علی رأس فرسخین ، ولا خلاف فی وجوب الجمعة علیه مع الحضور ( ویشهد له ما رواه الشیخ عن ) (5) حفص بن غیاث ، عن ابن أبی لیلی ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض الجمعة علی جمیع المؤمنین والمؤمنات ، ورخص للمرأة والمسافر والعبد أن لا یأتوها ، فلما حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول ، فمن أجل ذلک أجزأ عنهم »

ص: 53


1- المنتهی 1 : 223 ، 322.
2- التذکرة 1 : 147.
3- نهایة الإحکام 2 : 45.
4- الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « م » : وبما ذکرناه صرح المفید فی المقنعة فقال : وهؤلاء الذین وضع الله عنهم الجمعة متی حضروها لزمهم الدخول فیها وأن یصلوها کغیرهم ویلزمهم استماع الخطبة والصلاة رکعتین ، ومتی لم یحضروها لم تجب علیهم وکان علیهم الصلاة أربع رکعات کفرضهم فی سائر الأیام ، واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه.

______________________________________________________

فقلت : عمن هذا؟ فقال : عن مولانا أبی عبد الله علیه السلام (1).

وفی الصحیح عن أبی همام ، عن أبی الحسن علیه السلام أنه قال : « إذا صلت المرأة فی المسجد مع الإمام یوم الجمعة رکعتین فقد نقصت صلاتها ، وإن صلت فی المسجد أربعا نقصت صلاتها ، لتصل فی بیتها أربعا أفضل » (2) وجه الاستدلال أن نقص الصلاة بالصاد المهملة یقتضی أجزائها فی الجملة وإن کانت أقل ثوابا بالنسبة إلی غیرها (3).

والمسألة قویة الإشکال ، نظرا إلی هاتین الروایتین ، وإطلاق السقوط فی الأخبار الصحیحة المستفیضة (4) المقتضی لعدم التکلیف بها ، فلا یخرج المکلف من العهدة بفعلها. ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی صلاة الظهر ممن لا یجب علیه السعی إلی الجمعة ( سوی البعید ) (5) ، والله أعلم.

الثانی : المشهور بین الأصحاب أن من لا یجب علیه السعی إلی الجمعة یجب علیه الصلاة مع الحضور ، وممن صرح بذلک المفید فی المقنعة فقال : وهؤلاء الذین وضع الله عنهم الجمعة متی حضروها لزمهم الدخول فیها ، وأن یصلوها کغیرهم ، ویلزمهم استماع الخطبة والصلاة رکعتین ، ومتی لم یحضروها لم تجب علیهم وکان علیهم الصلاة أربع رکعات کفرضهم فی سائر الأیام (6). ومقتضی کلامه - رحمه الله - وجوبها علی الجمیع مع الحضور من غیر استثناء. ونحوه قال الشیخ فی النهایة (7).

وقال فی المبسوط : أقسام الناس فی الجمعة خمسة : من تجب علیه وتنعقد

ص: 54


1- التهذیب 3 : 21 - 78 ، الوسائل 5 : 34 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 18 ح 1.
2- التهذیب 3 : 241 - 644 ، الوسائل 5 : 37 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 22 ح 1.
3- فی « ح » زیادة : نعم لو کانت بالضاد المعجمة انتفت دلالتها علی الإجزاء بل دلت علی نقیضه.
4- الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : وعدم الحضور.
6- نقله عنه فی التهذیب 3 : 21.
7- النهایة : 103.

______________________________________________________

به : وهو الذکر الحر البالغ العاقل الصحیح المسلم من العمی والعرج والشیخوخة التی لا حراک معها الحاضر ومن هو بحکمه ، ومن لا تجب علیه ولا تنعقد به : وهو الصبی والمجنون والمسافر والعبد والمرأة ، لکن یجوز لهم فعلها إلا المجنون ، ومن تنعقد به ولا تجب علیه : وهو المریض والأعمی والأعرج ومن کان علی رأس أکثر من فرسخین ، ومن تجب علیه ولا تنعقد به : وهو الکافر ، لأنه مخاطب بالفروع عندنا (1). والظاهر أن مراده - رحمة الله - بنفی الوجوب فی موضع جواز الفعل : نفی الوجوب العینی ، لأن الجمعة لا تقع مندوبة إجماعا.

وقطع المصنف هنا وفی المعتبر بعدم الوجوب علی المرأة. وقال فی المعتبر : إن وجوب الجمعة علیها مخالف لما علیه اتفاق فقهاء الأمصار ، وطعن فی روایة حفص بن غیاث المتقدمة (2) بضعف حفص وجهالة المروی عنه (3). وظاهره عدم جواز الفعل أیضا ، وهو متجه لولا روایة أبی همام المتقدمة (4).

والحق أن الوجوب العینی منتف قطعا بالنسبة إلی کل من سقط عنه الحضور ، وأما الوجوب التخییری فهو تابع لجواز الفعل فمتی ثبت الجواز ثبت الوجوب ، ومتی انتفی انتفی.

الثالث : اتفق الأصحاب علی انعقاد الجمعة بالبعید والمریض والأعمی والمحبوس بعذر المطر ونحوه مع الحضور.

( وأطبقوا ) (5) أیضا علی عدم انعقادها بالمرأة بمعنی احتسابها من العدد.

ص: 55


1- المبسوط 1 : 143.
2- فی ص 53.
3- المعتبر 2 : 293.
4- فی ص 54.
5- بدل ما بین القوسین فی «س» ، «ح» : کما نقله جماعة. ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة الفضل بن عبد الملک : « فإن کان لهم من یخطب جمعوا إذا کانوا خمسة نفر » و فی صحیحة أبی بصیر و محمد بن مسلم : « منها صلاة واجبة علی کل مسلم أن یشهدها إلا خمسة المریض و المملوک و المسافر والمرأة والصبی » و یندرج فی غیر الخمسة : الکبیر و البعید و الأعمی والمحبوس بعذر المطر ونحوه ، و علی هذا فیجب حمل ما تضمن وضعها عن التسعة بإضافة المجنون و الکبیر والأعمی و من کان علی رأس أزید من فرسخین إلی تلک الخمسة، علی أن المراد بذلک سقوط السعی إلیها لا سقوط نفس الصلاة بعد الحضور واتفق الأصحاب.

______________________________________________________

وإنما الخلاف فی انعقادها بالمسافر والعبد لو حضرا ، فقال الشیخ فی الخلاف والمصنف فی المعتبر : تنعقد بهما ، لأن ما دل علی اعتبار العدد مطلق فیتناولهما کما یتناول غیرهما (1).

وقال فی المبسوط وجمع من الأصحاب : لا تنعقد بهما (2) ، لأنهما لیسا من أهل فرض الجمعة فکانا کالصبی ، ولأن الجمعة إنما تصح من المسافر تبعا لغیره فلا یکون متبوعا ، ولأنه لو جاز ذلک لجاز انعقادها بجماعة المسافرین وإن لم یکن معهم حاضرون.

وأجیب بأن الفرق بینهما وبین الصبی عدم التکلیف ، فإنه لا یتصور فی حق الصبی الوجوب بخلاف العبد والمسافر ، وبمنع التبعیة للحاضر ، والالتزام بانعقادها بجماعة المسافرین (3).

وحکی الشهید فی الذکری أن الظاهر وقوع الاتفاق علی صحة الجمعة بجماعة المسافرین وإجزائها عن الظهر (4). وهو مشکل جدا لاستفاضة الروایات بأن فرض المسافر الظهر لا الجمعة ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال لنا : « صلوا فی السفر صلاة الجمعة جماعة بغیر خطبة » (5).

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح أیضا قال : سألته عن صلاة الجمعة

ص: 56


1- الخلاف 1 : 241 ، والمعتبر 2 : 292.
2- المبسوط 1 : 143.
3- کما فی الذکری : 233.
4- الذکری : 233.
5- التهذیب 3 : 15 - 51 ، الإستبصار 1 : 416 - 1595 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 6.

ولو حضر الکافر لم تصحّ منه ولم تنعقد به وإن کانت واجبة علیه.

وتجب الجمعة علی أهل السواد کما تجب علی أهل المدن مع استکمال الشروط ، وکذا علی الساکن بالخیم کالبادیة إذا کانوا قاطنین.

______________________________________________________

فی السفر ، قال : « تصنعون کما تصنعون فی الظهر ، ولا یجهر الإمام فیها بالقراءة وإنما الجهر إذا کانت خطبة » (1).

وروی جمیل فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجماعة یوم الجمعة فی السفر فقال : « تصنعون کما تصنعون فی غیر یوم الجمعة فی الظهر ، ولا یجهر الإمام إنما یجهر الإمام إذا کانت خطبة » (2) (3)

قوله : ( وإذا حضر الکافر لم تصح منه ولم تنعقد به وإن کانت واجبة علیه ).

أما الوجوب علیه فلأنه مکلف بالفروع کما حقق فی محله ، وأما عدم الصحة منه فلاشتراطها بالإسلام بل الإیمان إجماعا کغیرها من العبادات.

قوله : ( وتجب الجمعة علی أهل السواد کما تجب علی أهل المدن مع استکمال الشرائط ، وکذا علی ساکن الخیم کالبادیة إذا کانوا قاطنین ).

السواد : القری. قال الجوهری : سواد الکوفة والبصرة ، قراهما (4) ، والخیم : جمع خیمة ، وهی - علی ما ذکره الجوهری - بیت تبنیه العرب من عیدان الشجر (5) ، والمراد منه هنا ما هو أعم من ذلک.

وجوب الجمعة علی أهل السواد

ص: 57


1- التهذیب 3 : 15 - 54 ، الإستبصار 1 : 416 - 1598 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 9.
2- التهذیب 3 : 15 - 53 ، الإستبصار 1 : 416 - 1597 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 8.
3- فی « س » ، « م » ، « ح » زیادة : وطریق الاحتیاط واضح.
4- الصحاح 2 : 492.
5- الصحاح 5 : 1916.

وها هنا مسائل :

الأولی : من انعتق بعضه لا تجب علیه الجمعة. ولو هایاه مولاه لم تجب الجمعة ولو اتفقت فی یوم نفسه علی الأظهر. وکذا المکاتب والمدبّر.

الثانیة : من سقطت عنه الجمعة یجوز أن یصلی الظهر فی أول وقتها. ولا یجب علیه تأخیرها حتی تفوت الجمعة ، بل لا یستحب.

______________________________________________________

والمعروف من مذهب الأصحاب أن وجوب الجمعة علی أهل القری والبادیة کوجوبها علی أهل المصر ، لعموم الأمر بالجمعة من غیر تخصیص ، وخصوص صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن أناس فی قریة ، هل یصلون الجمعة جماعة؟ قال : « نعم یصلون أربعا إذا لم یکن من یخطب » (1).

قوله : ( وهنا مسائل ، الأولی : إن من انعتق بعضه لا تجب علیه الجمعة ، ولو هایاه مولاه لم تجب علیه الجمعة ولو اتفقت فی یوم نفسه علی الأظهر ).

خالف فی ذلک الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط ، فحکم بوجوب الجمعة علیه فی یوم نفسه ، لأنه ملکها فیه (2). وهو توجیه ضعیف ، والحق أنه إن ثبت اشتراط الحریة انتفی الوجوب علی المبعض مطلقا ، وإن قلنا باستثناء العبد خاصة ممن یجب علیه الجمعة - کما هو مقتضی الأخبار - اتجه القول بوجوبها علیه مطلقا ، کما بیناه فیما سبق.

قوله : ( الثانیة ، من سقطت عنه الجمعة یجوز أن یصلی الظهر فی أول وقتها ، ولا یجب علیه تأخیرها حتی تفوت الجمعة ، بل لا یستحب ).

مسائل تتعلق بالمعذورین

ص: 58


1- التهذیب 3 : 238 - 633 ، الإستبصار 1 : 419 - 1613 ، الوسائل 5 : 10 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 3 ح 1.
2- المبسوط 1 : 145.

ولو حضر الجمعة بعد ذلک لم تجب علیه.

الثالثة : إذا زالت الشمس لم یجز السفر لتعیّن الجمعة.

______________________________________________________

بل یستحب تقدیم الظهر فی أول الوقت کغیره من الأیام.

قوله : ( ولو حضر الجمعة بعد ذلک لم تجب علیه ).

أی : ولو صلح لأن یکون مخاطبا بها بعد فعل الظهر ، کما لو أعتق العبد أو حضر المسافر أو بری ء المریض أو زال العرج لم تجب علیه الجمعة ، لسقوط التکلیف عنه بفعل الظهر ، وامتناع وجوب الفرضین ، واستثنی من ذلک الصبی إذا صلی الظهر ثم بلغ فی وقت الجمعة ، فإنها تجب علیه کما تجب علیه إعادة الظهر فی غیر یوم الجمعة لو کان قد صلاها أولا ، لتعلق الخطاب به بعد البلوغ.

قوله : ( الثالثة ، إذا زالت الشمس لم یجز السفر لتعین الجمعة ).

أجمع علماؤنا وأکثر العامة (1) علی أنه لا یجوز لمن وجبت علیه الجمعة إنشاء السفر بعد الزوال قبل أن یصلیها ، حکی ذلک العلامة فی التذکرة والمنتهی (2) ، واستدل علیه فی التذکرة بقوله علیه السلام : « من سافر من دار إقامته یوم الجمعة دعت علیه الملائکة لا یصحب فی سفره ولا یعان علی حاجته » (3) والوعید لا یترتب علی المباح ، وبأن ذمته مشغولة بالفرض والسفر مستلزم للإخلال به ، فلا یکون سائغا ، ومبنی هذا الاستدلال علی أن الأمر بالشی ء یستلزم النهی عن ضده الخاص ، وقد تقدم الکلام فیه مرارا.

ویتوجه علیه أیضا أنه علی هذا التقدیر یلزم من تحریم السفر عدم تحریمه وکل ما أدّی وجوده إلی عدمه فهو باطل ، أما الملازمة فلأنه لا مقتضی لتحریم السفر إلا استلزامه لفوات الجمعة کما هو المفروض ، ومتی حرم السفر لم تسقط

حرمة السفر ظهر الجمعة

ص: 59


1- منهم الشافعی فی الأم 1 : 189 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 161 ، 217 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 84.
2- التذکرة 1 : 144 ، والمنتهی 1 : 336.
3- التذکرة 1 : 144.

______________________________________________________

الجمعة کما تقدم ، فلا یحرم السفر لانتفاء المقتضی. وأما بطلان اللازم فظاهر.

ویمکن أن یستدل علی ذلک أیضا بفحوی قوله تعالی ( وَذَرُوا الْبَیْعَ ) (1) إذ الظاهر أن النهی عن البیع إنما وقع لمنافاته السعی إلی الجمعة ، کما یشعر به التعلیل المستفاد من قوله عزّ وجلّ ( ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ ) فیکون السفر المنافی کذلک. ویؤیده ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت الشخوص فی یوم عید فانفجر الصبح وأنت فی البلد فلا تخرج حتی تشهد ذلک العید » (2) وإذا حرم السفر بعد الفجر فی العید حرم بعد الزوال فی الجمعة بطریق أولی ، لأن الجمعة آکد من العید.

قال جدی - قدس سره - فی روض الجنان : ومتی سافر بعد الوجوب کان عاصیا فلا یترخص حتی تفوت الجمعة ، فیبتدئ السفر من موضع تحقق الفوات ، قاله الأصحاب ، وهو یقتضی عدم ترخص المسافر الذی یفوت بسفره الاشتغال بالواجب من تعلیم ونحوه ، أو یحصل فی حالة الإقامة أکثر من حالة السفر ، لاستلزامه ترک الواجب المضیق فهو أولی من الجمعة خصوصا مع سعة وقتها ورجاء حصول جمعة أخری أو لا معه واستلزام الحرج وکون أکثر المکلفین لا ینفکون عن وجوب التعلم فیلزم عدم تقصیرهم أو فوت أغراضهم التی بها نظام النوع غیر ضائر ، والاستبعاد غیر مسموع (3).

واعترضه شیخنا المحقق - أطال الله بقاءه - بأن هذا کله مبنی علی أن الأمر بالشی ء یستلزم النهی عن ضده الخاص ، وهو لا یقول به بل یقول ببطلانه.

ثم أجاب عن هذا الاقتصاد - مع تسلیم تلک المقدمة - بمنع منافاة السفر غالبا للتعلم ، إذ التعلم فی السفر متیسر غالبا ، بل ربما کان أیسر من الحضر ،

ص: 60


1- الجمعة : 9.
2- الفقیه 1 : 323 - 1480 ، الوسائل 5 : 133 أبواب صلاة العید ب 27 ح 1 وأوردها فی التهذیب 3 : 286 - 853 ( بتفاوت یسیر بین المصادر ).
3- روض الجنان : 295.

______________________________________________________

وبأنه لیس فی الکتاب والسنة ما یدل علی وجوب التعلم علی الوجه الذی اعتبره المتأخرون ، بل المستفاد منهما خلاف ذلک کما یرشد إلیه تیمم عمار وطهارة أهل قبا ونحو ذلک (1). ثم أطال الکلام فی ذلک وقوی عدم الوجوب والاکتفاء فی الاعتقادات الکلامیة بإصابة الحق کیف اتفق وإن لم یکن عن دلیل. وهو قوی متین.

وهنا مباحث :

الأول : لو کان السفر واجبا کالحج والغزو أو مضطرا إلیه انتفی التحریم قطعا.

الثانی : لو کان بین یدی المسافر جمعة أخری یعلم إدراکها فی محل الترخص فهل یکون السفر سائغا أم لا؟ الأظهر العدم ، تمسکا بالعموم.

وقیل بالجواز ، واختاره المحقق الشیخ علی فی شرح القواعد ، لحصول الغرض وهو فعل الجمعة بناء علی أن السفر الطاری علی الوجوب لا یسقطه ، کما یجب الإتمام فی الظهر علی من خرج بعد الزوال (2).

ویضعف ( بإطلاق الأخبار المتضمنة لسقوط ) (3) الجمعة عن المسافر (4) ، وبطلان القیاس (5) ، مع إنّ الحق تعیّن القصر فی صورة الخروج بعد الزوال ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

الثالث : لو کان بعیدا عن الجمعة بفرسخین فما دون فخرج مسافرا فی صوب الجمعة ، قیل : یجب علیه الحضور عینا وإن صار فی محل الترخص ، لأنه لولاه لحرم علیه السفر ، ولأن من هذا شأنه یجب علیه السعی قبل الزوال

ص: 61


1- مجمع الفائدة 2 : 373.
2- جامع المقاصد 1 : 138.
3- بدل ما بین القوسین فی « م » : بسقوط.
4- الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
5- الذکری : 233.

ویکره بعد طلوع الفجر.

الرابعة : الإصغاء إلی الخطبة هل هو واجب؟ فیه تردد.

______________________________________________________

فیکون سبب الوجوب سابقا علی السفر ، کما فی الإتمام لو خرج بعد الزوال.

واحتمل الشهید فی الذکری عدم کون هذا المقدار محسوبا من المسافة لوجوب قطعة علی کل تقدیر (1).

ویضعف بأن وجوب قطعه علی کل تقدیر لا یخرجه عن کونه جزءا من المسافة المقصودة.

ولو قیل باختصاص تحریم السفر بما بعد الزوال ، وأن وجوب السعی إلی الجمعة قبله للتعبد إنما یثبت مع عدم إنشاء المکلف سفرا مسقطا للوجوب لم یکن بعیدا من الصواب.

قوله : ( ویکره بعد طلوع الفجر ).

أی : ویکره السفر بعد طلوع الفجر قبل الزوال ، لما فیه من منع نفسه من أکمل الفرضین ، ولإطلاق النهی عنه فی الخبر النبوی المتقدم (2). وهذا الحکم مجمع علیه بین علمائنا وأکثر العامة (3) ، حکاه فی التذکرة ، ثم قال : ولا یکره السفر لیلة الجمعة إجماعا (4).

قوله : ( الرابعة ، الإصغاء : هل هو واجب؟ فیه تردد ).

أراد بالإصغاء : الاستماع ، سواء کان المصغی مع ذلک متکلما أم لا. ومن ثم جمع بینه وبین تحریم الکلام ، لعدم الملازمة بینهما. وذکر فی القاموس

کراهة السفر بعد طلوع الشمس

وجوب الاصغاء للخطبة

ص: 62


1- فی « م » ، « س » ، « ح » : للبعید.
2- فی ص 59.
3- منهم الشافعی فی الأم 1 : 189 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 161 ، 217 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 48.
4- التذکرة 1 : 144.

وکذا تحریم الکلام فی أثنائها ، لکن لیس بمبطل للجمعة.

______________________________________________________

أن الإصغاء الاستماع مع ترک الکلام (1). فیکون ذکره مغنیا عن ذکره ، والأمر فی ذلک هیّن.

واختلف الأصحاب فی وجوب الإنصات ، فذهب الأکثر إلی الوجوب ، لأن فائدة الخطبة إنما تتم بذلک. وقال الشیخ فی المبسوط : إنه مستحب (2). واختاره فی المعتبر (3) ، لأن الوجوب منفی بالأصل ولا معارض.

والجواب أنّ المعارض موجود ، وهو انتفاء فائدة الخطبة بدون الاستماع.

قوله : ( وکذا تحریم الکلام فی أثنائها ، لکن لیس بمبطل للجمعة ).

أی : وکذا التردد فی تحریم الکلام فی أثناء الخطبة ، وهو بإطلاقه یتناول الکلام من السامع والخطیب. ومنشأ التردد من أصالة الإباحة ، وقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « فهی صلاة حتی ینزل الإمام » (4) والتسویة بین المثلین تقتضی المماثلة فی الأحکام إلا ما خرج بدلیل.

والتحریم مذهب الأکثر ، ونقل عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی أنه قال فی جامعه : إذا قام الإمام یخطب فقد وجب علی الناس الصمت (5).

وقال الشیخ فی المبسوط وموضع من الخلاف ، والمصنف فی المعتبر بالکراهة (6) ، استضعافا لأدلة التحریم ، وتعویلا علی ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا خطب الإمام یوم الجمعة فلا ینبغی لأحد أن یتکلم حتی یفرغ من خطبته ، فإذا فرغ تکلم ما بینه وبین

حرمة الکلام أثناء الخطبة

ص: 63


1- القاموس المحیط 4 : 354.
2- المبسوط 1 : 148.
3- المعتبر 2 : 294.
4- التهذیب 3 : 12 - 42 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 4.
5- نقله عنه فی المعتبر 2 : 295 ، والمختلف : 104.
6- المبسوط 1 : 147 ، والخلاف 1 : 248 ، والمعتبر 2 : 295.

الخامسة : یعتبر فی إمام الجمعة : کمال العقل ، والإیمان ، والعدالة ، وطهارة المولد ، والذکورة.

______________________________________________________

أن تقام الصلاة » (1) ولفظ لا ینبغی صریح فی الکراهة.

وکیف کان فلا تبطل الصلاة ولا الخطبة بالکلام وإن کان منهیا عنه ، لأنه خارج عن العبادة.

والظاهر أن کراهة الکلام أو تحریمه متناول لمن یمکن فی حقه الاستماع وغیره ، وأن حالة الجلوس بین الخطبتین کحال الخطبتین کما تدل علیه صحیحة محمد بن مسلم السابقة.

ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - أنه حرم من الأفعال ما لا یجوز مثله فی الصلاة (2). قال فی المعتبر : ولعله ظن ذلک لکونها بدلا من الرکعتین ، لکنه ضعیف (3).

قوله : ( الخامسة ، یعتبر فی إمام الجمعة کمال العقل ، والإیمان ، والعدالة ، وطهارة المولد ، والذکورة ).

یشترط فی إمام الجمعة أمور :

الأول : البلوغ ، وقد أدرجه المصنف فی کمال العقل. وقال العلامة فی المنتهی : إنه لا خلاف فی اعتباره (4) ، وذهب الشیخ فی المبسوط والخلاف إلی جواز إمامة الصبی المراهق الممیز العاقل فی الفرائض (5). والظاهر أن مراده بالفرائض ما عدا الجمعة.

شرائط إمام الجمعة

ص: 64


1- الکافی 3 : 421 - 2 ، التهذیب 3 : 20 - 71 ، الوسائل 5 : 29 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 14 ح 1.
2- المعتبر 2 : 295.
3- المعتبر 2 : 296.
4- المنتهی 1 : 324.
5- المبسوط 1 : 154 ، والخلاف 1 : 212.

______________________________________________________

وکیف کان فالأصح اعتبار البلوغ مطلقا ، لأصالة عدم سقوط التکلیف بالقراءة بفعل الصبی ، ولأن غیر المکلف لا یؤمن إخلاله بواجب أو فعله لمحرم فلا یتحقق الامتثال. ویؤیده روایة إسحاق بن عمار عن الصادق ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن علی علیهم السلام أنه قال : « لا بأس أن یؤذّن الغلام قبل أن یحتلم ولا یؤم حتی یحتلم » (1).

الثانی : العقل ، فلا تنعقد إمامة المجنون ، لعدم الاعتداد بفعله. ولو کان یعتوره أدوارا فالأقرب کراهة إمامته وقت إفاقته. وهو اختیار العلامة فی باب الجماعة من التذکرة (2) ، لنفرة النفس منه الموجبة لعدم کمال الإقبال علی العبادة. وقطع فی باب الجمعة من التذکرة بالمنع من إمامته ، لأنه لا یؤمن عروضه له فی أثناء الصلاة ، ولجواز احتلامه فی جنته بغیر شعوره (3).

والجواب أن تجویز العروض لا یرفع تحقق الأهلیة ، والتکلیف یتبع العلم.

الثالث : الإیمان ، والمراد به هنا : الإقرار بالأصول الخمسة علی وجه یعدّ إمامیا. ولا خلاف فی اعتبار ذلک ، لعموم الأدلة الدالة علی بطلان عبادة المخالف (4) ، وخصوص صحیحة أبی عبد الله البرقی ، قال : کتبت إلی أبی جعفر علیه السلام : أتجزی - جعلت فداک - الصلاة خلف من وقف علی أبیک وجدک صلوات الله علیهم؟ فأجاب : « لا تصل وراءه » (5).

ص: 65


1- التهذیب 3 : 29 - 103 ، الاستبصار 1 : 423 - 1632 ، وفی الفقیه 1 - 258 - 1169 ، مرسلا ، الوسائل 5 : 398 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 7.
2- التذکرة 1 : 176 قال : ولو کان الجنون یعتوره أدوارا صحت الصلاة خلفه حال إفاقته لحصول الشرائط فیه ، لکن یکره لإمکان أن یکون قد احتلم حال جنونه ولا یعلم ، ولئلا یعرض الجنون فی الأثناء.
3- التذکرة 1 : 144.
4- الوسائل 1 : 90 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
5- الفقیه 1 : 248 - 1113 ، التهذیب 3 : 28 - 98 ، الوسائل 5 : 389 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 5.

_________________________________________________________

الرابع : العدالة ، وقد نقل جمع من الأصحاب (1) الإجماع علی أنها شرط فی الإمام وإن اکتفی بعضهم فی تحققها بحسن الظاهر أو عدم معلومیة الفسق ، واحتجوا علی ذلک بروایة أبی علی بن راشد قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إن موالیک قد اختلفوا فأصلی خلفهم جمیعا؟ فقال : « لا تصل إلا خلف من تثق بدینه وأمانته » (2).

وروایة سعید بن إسماعیل ، عن أبیه ، قال : سألته عن الرجل یقارف الذنوب یصلی خلفه أم لا؟ قال : « لا » (3).

وصحیحة عمر بن یزید ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن إمام لا بأس به فی جمیع أموره عارف ، غیر أنه یسمع أبویه الکلام الغلیظ الذی یغیظهما ، أقرأ خلفه؟ قال : « لا تقرأ خلفه ما لم یکن عاقا قاطعا » (4).

وهذه الأخبار لا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة. والمستفاد من إطلاق کثیر من الروایات وخصوص بعضها الاکتفاء فی ذلک بحسن الظاهر والمعرفة بفقه الصلاة ، بل المنقول من فعل السلف الاکتفاء بما دون ذلک ، إلا أن المصیر إلی ما ذکره الأصحاب أحوط ، وقد روی الأصحاب عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إمام القوم وافدهم ، فقدّموا أفضلکم » (5) وقال علیه السلام : « إن سرّکم أن تزکوا صلاتکم فقدموا خیارکم » (6).

ص: 66


1- منهم العلامة الحلی فی التذکرة 1 : 144 ، والشهید الأول فی الذکری : 230 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 289.
2- الکافی 3 : 374 - 5 ، التهذیب 3 : 266 - 755 ، الوسائل 5 : 388 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 2.
3- الفقیه 1 : 249 - 1116 ، التهذیب 3 : 31 - 110 ، الوسائل 5 : 393 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 10.
4- الفقیه 1 : 248 - 1114 ، التهذیب 3 : 30 - 106 ، الوسائل 5 : 392 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 1.
5- الفقیه 1 : 247 - 1100 ، الوسائل 5 : 416 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 2.
6- الفقیه 1 : 247 - 1101 ، علل الشرائع : 326 - 3 ، المقنع : 35 ، الوسائل 5 : 416 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 3.

______________________________________________________

والعدالة لغة : الاستواء والاستقامة ، وعرّفها المتأخرون شرعا : بأنها هیئة راسخة فی النفس تبعث علی ملازمة التقوی والمروّة.

وتتحقق التقوی بمجانبة الکبائر وعدم الإصرار علی الصغائر. وللأصحاب فی تعداد الکبائر اختلاف ، والمروی عن الصادق علیه السلام فی حسنة عبید بن زرارة أنها سبع : الکفر بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدین ، وأکل الربا بعد البینة ، وأکل مال الیتیم ظلما ، والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة. قال ، قلت : فأکل درهم من مال الیتیم أکبر أم ترک الصلاة؟ قال : « ترک الصلاة » قلت فما عددت فی الکبائر؟ فقال : « أی شی ء أول ما قلت لک؟ » قال ، قلت : الکفر ، قال : « فإنّ تارک الصلاة کافر » یعنی من غیر علة (1).

وروی الکلینی - رحمه الله - فی الصحیح ، عن عبد العظیم بن عبد الله الحسنی - وکان مرضیا - عن أبی جعفر علیه السلام : إن أباه علیه السلام سمع جده موسی بن جعفر علیه السلام یقول : « أکبر الکبائر : الإشراک بالله ، ثم الإیاس من روح الله ، ثم الأمان من مکر الله ، وعقوق الوالدین ، وقتل النفس التی حرّم الله إلا بالحق ، وقذف المحصنة ، وأکل مال الیتیم ، والفرار من الزحف ، وأکل الربا ، والسحر ، والزنا ، والیمین الغموس ، والغلول ، ومنع الزکاة المفروضة ، وشهادة الزور ، وکتمان الشهادة ، وترک الصلاة متعمدا أو شی ء مما فرض الله ، ونقض العهد ، وقطیعة الرحم » (2).

والمراد بالإصرار علی الصغیرة العزم علی فعلها بعد الفراغ منها ، وفی معناه المداومة علی نوع واحد منها بلا توبة.

وأما المروّة فالمراد بها : تنزیه النفس من الدناءة التی لا تلیق بأمثاله ، ویحصل ذلک بالتزام محاسن العادات وترک الرذائل المباحة ، کالبول فی الشوارع

ص: 67


1- الکافی 2 : 278 - 8 ، الوسائل 11 : 254 أبواب جهاد النفس وما یناسبه ب 46 ح 4.
2- الکافی 2 : 285 - 24 ، الوسائل 11 : 252 أبواب جهاد النفس وما یناسبه ب 46 ح 2.

___________________________________________________________

وقت مرور الناس ، والأکل فی الأسواق فی غیر المواضع المعدة له ، وکثرة الضحک ، والإفراط فی المزاح ، ولبس الفقیه ثیاب الجندی ، ونحو ذلک مما یدل علی عدم الحیاء وقلة المبالاة.

ولم یعتبر المصنف - رحمه الله - فی کتاب الشهادات من هذا الکتاب هذا القید فی مفهوم العدالة ، بل اقتصر علی عدم مواقعة الکبائر والإصرار علی الصغائر (1). وله وجه وجیه وإن (2) کان تحقق التقوی ممن لا یقع فیه تنزیه النفس من الدناءة التی لا تلیق بأمثاله نادرا.

واعلم أنا لم نقف للأصحاب فی هذا التعریف علی نص یدل علیه صریحا ، والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار المعتبرة ما رواه ابن بابویه فی کتابه من لا یحضره الفقیه بسند لا تبعد صحته ، عن الثقة الجلیل عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : بم تعرف عدالة الرجل من المسلمین حتی تقبل شهادته لهم وعلیهم؟ فقال : « أن تعرفوه بالستر والعفاف وکف البطن والفرج والید واللسان ، وتعرف باجتناب الکبائر التی أوعد الله عزّ وجلّ علیها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدین والفرار من الزحف وغیر ذلک ، والدلالة علی ذلک کله أن یکون ساترا لجمیع عیوبه حتی یحرم علی المسلمین ما وراء ذلک من عثراته وعیوبه وتفتیش ما وراء ذلک ، ویجب علیهم تزکیته وإظهار عدالته فی الناس ، ویکون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب علیهن وحفظ مواقیتهن بحضور جماعة المسلمین وأن لا یختلف عن جماعتهم فی مصلاهم إلا من علة ، فإذا کان کذلک لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس ، فإذا سئل عنه فی قبیلته ومحلته قالوا : ما رأینا منه إلا خیرا مواظبا علی الصلاة متعاهدا لأوقاتها فی مصلاه ، فإن ذلک یجیز شهادته وعدالته بین المسلمین » (3).

ص: 68


1- شرائع الإسلام 4 : 126.
2- فی « م » : إن.
3- الفقیه 3 : 24 - 65 ، الوسائل 18 : 288 أبواب الشهادات ب 41 ح 1.

___________________________________________________________

ویستفاد من هذه الروایة أنه یقدح فی العدالة فعل الکبیرة التی أوعد الله تعالی علیها النار ، وأنه یکفی فی الحکم بها أن یظهر من حال المکلف کونه ساترا لعیوبه ملازما لجماعة المسلمین.

وقریب منها فی الدلالة ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : « من ولد علی الفطرة وعرف بالصلاح فی نفسه جازت شهادته » (1).

دلت الروایة علی أن من عرف بالصلاح فی نفسه جازت شهادته ، ویلزم من قبول شهادته ثبوت عدالته ، إذ لا خلاف فی اعتبار عدالة الشاهد وإن وقع الخلاف فیما تتحقق به العدالة.

وأوضح منها دلالة ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن علیه السلام أنه قال له : جعلت فداک کیف طلاق السنة؟ قال : « یطلقها إذا طهرت من حیضها قبل أن یغشاها بشاهدین عدلین ، کما قال الله فی کتابه » ثم قال علیه السلام فی آخر الروایة : « من ولد علی الفطرة أجیزت شهادته علی الطلاق بعد أن یعرف منه خیر » (2).

وهذه الروایات (3) مع اعتبار سندها مطابقة لمقتضی العرف ، بل لو نوقش فی ثبوت المعنی الشرعی للعدل لوجب المصیر إلی المعنی العرفی ، ( وهو ) (4) أقرب إلی ما تضمنته هذه الروایات من التعریف المتقدم. والله تعالی أعلم.

الخامس : طهارة المولد ، وهو أن لا یعلم کونه ولد زنا. واشتراط ذلک مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، ویدل علیه حسنة زرارة ، عن أبی جعفر

ص: 69


1- الفقیه 3 : 28 - 83 ، الوسائل 18 : 290 أبواب الشهادات ب 41 ح 5.
2- التهذیب 8 : 49 - 152 ، الوسائل 15 : 282 أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب 10 ح 4.
3- فی « ح » : الروایة.
4- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « س » ، « ح » : إذا المعنی اللغوی غیر مراد ، والظاهر أن المعنی العرفی.

ویجوز أن یکون عبدا.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا یصلین أحدکم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا » (1).

ولا منع فیمن تناله الألسن ، ولا ولد الشبهة ، ولا من جهل أبوه ، لکن یکره لنفرة النفس منهم الموجبة لعدم کمال الإقبال علی العبادة.

السادس : الذکورة ، ولا ریب فی اشتراطها بناء علی أن الجمعة لا تنعقد بالمرأة. وقال فی التذکرة : إنه یشترط فی إمامة الرجال الذکورة عند علمائنا أجمع وبه قال عامة العلماء (2).

قوله : ( ویجوز أن یکون عبدا ).

هذا مبنی علی القول بانعقاد الجمعة به مع الحضور ، کما اختاره فی الخلاف (3) ، وقد تقدم الکلام فیه.

واختلف الأصحاب فی إمامة العبد ، فقال الشیخ فی الخلاف (4) وابن الجنید (5) ، وابن إدریس (6) : إنها جائزة ، عملا بمقتضی الأصل ، والعمومات ، وما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام : إنه سئل عن العبد ، یؤم القوم إذا رضوا به وکان أکثرهم قرآنا؟ قال : « لا بأس به » (7).

وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط : لا یجوز أن یؤم الأحرار ویجوز أن یؤم

ص: 70


1- الکافی 3 : 375 - 4 ، الفقیه 1 : 247 - 1106 ، الوسائل 5 : 400 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
2- التذکرة 1 : 177.
3- الخلاف 1 : 249.
4- الخلاف 1 : 249.
5- نقله عنه فی المختلف : 153.
6- السرائر : 61.
7- التهذیب 3 : 29 - 99 ، الإستبصار 1 : 423 - 1628 ، الوسائل 5 : 400 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 2.

وهل یجوز أن یکون أبرص أو أجذم؟ فیه تردد ، والأشبه الجواز.

______________________________________________________

موالیه إذا کان أقرأهم (1).

وأطلق ابن حمزة أن العبد لا یؤم الحر (2) ، واختاره العلامة فی النهایة ، لأنه ناقص فلا یلیق بهذا المنصب الجلیل (3).

وقال ابن بابویه فی المقنع : لا یؤم العبد إلا أهله (4). تعویلا علی روایة السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علی علیه السلام ، قال : « لا یؤم العبد إلا أهله » (5) وهی قاصرة من حیث السند (6) ، فلا تصلح لمعارضة الخبر الصحیح المطابق للإطلاقات المتواترة.

قوله : ( وهل یجوز أن یکون أبرص أو أجذم؟ فیه تردد ، والأشبه الجواز ).

اختلف الأصحاب فی جواز إمامة الأبرص والأجذم فی الجمعة وغیرها ، فقال الشیخ فی النهایة والخلاف بالمنع من إمامتهما مطلقا (7). وقال المرتضی فی الانتصار (8) ، وابن حمزة (9) بالکراهة ، وقال الشیخ فی المبسوط (10) ، وابن البراج (11) ، وابن زهرة (12) بالمنع من إمامتهما إلا لمثلهما. وقال ابن إدریس : تکره

ص: 71


1- النهایة : 112 ، والمبسوط 1 : 155.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.
3- نهایة الأحکام 2 : 15.
4- المقنع : 35.
5- التهذیب 3 : 29 - 102 ، الإستبصار 1 : 423 - 1631 ، الوسائل 5 : 401 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 4.
6- لعل وجه الضعف هو أن راویها السکونی عامی - راجع عدة الأصول 1 : 380 ، وخلاصة العلامة : 35 ، 199.
7- النهایة : 112 ، والخلاف 1 : 216.
8- الانتصار : 50.
9- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.
10- المبسوط 1 : 155.
11- المهذب 1 : 80.
12- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560.

______________________________________________________

إمامتهما فی ما عدا الجمعة والعیدین ، أما فیهما فلا تجوز (1). والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار المستفیضة کحسنة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین لا یصلین أحدکم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا » (2).

وصحیحة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « خمسة لا یؤمون الناس علی کل حال : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابی » (3).

وروایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « خمسة لا یؤمون الناس ولا یصلون بهم صلاة فریضة فی جماعة : الأبرص ، والمجذوم ، وولد الزنا ، والأعرابی حتی یهاجر ، والمحدود » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه عبد الله بن یزید ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المجذوم والأبرص یؤمان المسلمین؟ قال : « نعم » قلت : هل یبتلی الله بهما المؤمنین؟ قال : « نعم ، وهل کتب الله البلاء إلا علی المؤمن » (5) لأنا نجیب عنها بالطعن فی السند بجهالة الراوی ، وحملها الشیخ فی التهذیب علی الضرورة ، بأن لا یوجد غیرهما ، أو أن یکون إمامین لأمثالهما. وفیه بعد.

نعم لو صح السند لأمکن حمل النهی الواقع فی الأخبار المتقدمة علی

ص: 72


1- السرائر : 60.
2- الکافی 3 : 375 - 4 ، الفقیه 1 : 247 - 1106 ، الوسائل 5 : 400 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
3- الکافی 3 : 375 - 1 ، التهذیب 3 : 26 - 92 ، الإستبصار 1 : 422 - 1626 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 5.
4- الفقیه 1 : 247 - 1105 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 3.
5- التهذیب 3 : 27 - 93 ، الإستبصار 1 : 422 - 1627 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 1.

وکذا الأعمی.

______________________________________________________

الکراهة کما هو مذهب المرتضی رضی الله عنه ، وأما تفصیل ابن إدریس فلم نقف علی مستنده.

قوله : ( وکذا الأعمی ).

أی وکذا التردد فی الأعمی ، والجواز أشبه. ومنشأ التردد فی ذلک من أصالة الجواز وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « لا بأس بأن یصلی الأعمی بالقوم وإن کانوا هم الذین یوجهونه » (1) ، ومن أنه ناقص فلا یلیق بهذا المنصب الجلیل. وضعف الوجه الثانی من وجهی التردد ظاهر فالمعتمد الجواز.

وأعلم أنه قد وقع فی کلام العلامة - رحمه الله - فی هذه المسألة اختلاف عجیب ، فقال فی باب الجمعة من التذکرة : اشترط أکثر علمائنا کون الإمام سلیما من الجذام والبرص والعمی ، لقوله علیه السلام : « خمسة لا یؤمون الناس علی کل حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابی » والأعمی لا یتمکن من الاحتراز عن النجاسات غالبا ، ولأنه ناقص فلا یلیق بهذا المنصب الجلیل (2).

وقال فی باب الجماعة من الکتاب المذکور : ولا خلاف بین العلماء فی جواز إمامة الأعمی بمثله وللمبصر (3).

وقال فی باب الجمعة من المنتهی : وتجوز إمامة الأعمی ، وهو قول أکثر أهل العلم (4).

وقال فی باب الجماعة : ولا بأس بإمامة الأعمی إذا کان من ورائه من یسدده ویوجهه إلی القبلة ، وهو مذهب أهل العلم لا نعلم فیه خلافا إلا ما نقل

ص: 73


1- التهذیب 3 : 30 - 105 ، الوسائل 5 : 409 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 1.
2- التذکرة 1 : 145.
3- التذکرة 1 : 179.
4- المنتهی 1 : 324.

السادسة : المسافر إذا نوی الإقامة فی بلد عشرة أیام فصاعدا وجبت علیه الجمعة. وکذا إذا لم ینو الإقامة ومضی علیه ثلاثون یوما فی مصر واحد.

السابعة : الأذان الثانی یوم الجمعة بدعة ، وقیل : مکروه ، والأول أشبه.

______________________________________________________

عن أنس أنه قال : ما حاجتهم إلیه (1). ومع ذلک فأفتی فی النهایة بالمنع من إمامته (2).

قوله : ( السادسة ، المسافر إذا نوی الإقامة فی بلد عشرة أیام فصاعدا وجبت علیه الجمعة ، وکذا إذا لم ینو الإقامة ومضی علیه ثلاثون یوما فی مصر واحد ).

الوجه فی ذلک ظاهر ، فإن المسافر یجب علیه الإتمام بکلا الأمرین ، وسقوط الجمعة دائر مع وجوب التقصیر کما بیناه فیما سبق.

قوله : ( السابعة ، الأذان الثانی یوم الجمعة بدعة ، وقیل : مکروه ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی الأذان الثانی یوم الجمعة ، فقال الشیخ فی المبسوط والمصنف فی المعتبر : إنه مکروه (3). وقال ابن إدریس : إنه محرم (4). وبه قال عامة المتأخرین (5) ، لأن الاتفاق واقع علی أن النبی صلی الله علیه و آله لم یفعله ولا أمر بفعله ، وإذا لم تثبت مشروعیته کان بدعة ، کالأذان للنافلة ، لأن

وجوب الجمعة للمقیم

ص: 74


1- المنتهی 1 : 371.
2- نهایة الأحکام 2 : 15.
3- المبسوط 1 : 149 ، والمعتبر 2 : 296.
4- السرائر : 64.
5- منهم العلامة الحلی فی القواعد 1 : 38 ، والشهید الأول فی الدروس : 43 ، والسیوری فی التنقیح الرائع 1 : 230 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 35.

______________________________________________________

العبادات إنما تستفاد من التوقیف. وقد روی أن أول من فعل ذلک عثمان (1) ، قال الشافعی : ما فعله النبی صلی الله علیه و آله وأبو بکر وعمر أحب إلیّ (2). وقال عطاء : أول من فعل ذلک معاویة (3).

واستدلوا علیه أیضا بما رواه حفص بن غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه علیه السلام ، قال : « الأذان الثالث یوم الجمعة بدعة » (4).

قیل : وإنما سمی ثالثا ، لأن النبی صلی الله علیه و آله شرع للصلاة أذانا وإقامة فالزیادة ثالث (5).

وردها المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بضعف الراوی (6).

قال فی الذکری : ولا حاجة إلی الطعن فی السند مع قبول الروایة التأویل ، وتلقی الأصحاب لها بالقبول ، بل الحق أن لفظ البدعة لیس بصریح فی التحریم ، فإن المراد بالبدعة ما لم یکن فی عهد النبی صلی الله علیه و آله ثم تجدد بعده ، وهو ینقسم إلی محرم ومکروه (7).

وفیه نظر ، فإن البدعة من العبادة لا تکون إلا محرمة. وقد روی زرارة ومحمد بن مسلم والفضیل فی الصحیح ، عن الصادقین علیهماالسلام أنهما قالا : « ألا وإن کل بدعة ضلالة ، وکل ضلالة سبیلها إلی النار » (8).

ص: 75


1- صحیح البخاری 2 : 10 ، الأم 1 : 195.
2- الأم 1 : 195.
3- نقله عنه فی کتاب الأم 1 : 195.
4- الکافی 3 : 421 - 5 ، التهذیب 3 : 19 - 67 ، الوسائل 5 : 81 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 49 ح 1.
5- قال به ابن إدریس فی السرائر : 64 ، والمحقق الحلی فی المعتبر 2 : 296 ، والعلامة الحلی فی التذکرة 1 : 155.
6- المعتبر 2 : 296.
7- الذکری : 237.
8- الفقیه 2 : 87 - 394 ، التهذیب 3 : 69 - 226 ، الإستبصار 1 : 467 - 1807 ، الوسائل 5 : 191 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.

الثامنة : یحرم البیع یوم الجمعة بعد الأذان ،

______________________________________________________

إذا تقرر ذلک فالظاهر أن المراد بالأذان الثانی : ( ما یقع ثانیا بالزمان والقصد ، لأن الواقع أولا هو المأمور به والمحکوم بصحته ، ویبقی التحریم متوجها إلی الثانی ) (1).

وقیل (2) : إنه ما لم یکن بین یدی الخطیب ، لأنه الثانی باعتبار الإحداث ، سواء وقع أولا أو ثانیا بالزمان ، لما رواه عبد الله بن میمون ، عن جعفر ، عن أبیه علیهم السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا خرج إلی الجمعة قعد علی المنبر حتی یفرغ المؤذنون » (3) وهذه الروایة مع قصورها من حیث السند (4) معارضة بما رواه محمد بن مسلم فی الحسن ، قال : سألته عن الجمعة فقال : « أذان وإقامة ، یخرج الإمام بعد الأذان فیصعد المنبر فیخطب » (5) الحدیث ، وهو صریح فی استحباب الأذان قبل صعود الإمام المنبر فیکون المحدث خلافه.

وقال ابن إدریس : الأذان الثانی ما یفعل بعد نزول الإمام مضافا إلی الأذان الأول الأول الذی عند الزوال (6). وهو غریب.

قوله : ( الثامنة ، یحرم البیع یوم الجمعة بعد الأذان ).

أجمع العلماء کافة علی تحریم البیع بعد النداء للجمعة قاله فی التذکرة (7) ، والقرآن الکریم ناطق بذلک ، قال الله تعالی :

عدم تشریع الأذان الثانی یوم الجمعة

ص: 76


1- بدل ما بین القوسین فی « س » ، ونسخة فی « م » ، « ح » : الثانی بالزمان ، وهو ما یقع بعد أذان سابق واقع فی الوقت من مؤذن واحد مطلقا أو من غیره مع قصد التوظیف أو کونه ثانیا.
2- کما فی جامع المقاصد 1 : 138.
3- التهذیب 3 : 244 - 663 ، الوسائل 5 : 43 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 28 ح 2.
4- لعل وجهه هو قول راویها بالتزید - راجع رجال الکشی 2 : 687.
5- الکافی 3 : 424 - 7 ، التهذیب 3 : 241 - 648 ، الوسائل 5 : 39 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 25 ح 3.
6- السرائر : 64.
7- التذکرة 1 : 156.

فإن باع أثم وکان البیع صحیحا علی الأظهر.

______________________________________________________

( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نُودِیَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَیْعَ ) (1) أوجب ترکه فیکون فعله حراما

وهل یحرم غیر البیع من العقود؟ قال فی المعتبر : الأشبه بالمذهب لا خلافا لطائفة من الجمهور - لاختصاص النهی بالبیع فلا یتعدی إلی غیره (2).

واستشکله العلامة رحمه الله فی جملة من کتبه ، نظرا إلی المشارکة فی العلة المومی إلیها بقوله ( ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ ) (3) وهو فی محله.

قال فی الذکری : لو حملنا البیع علی المعاوضة المطلقة التی هی معناه الأصلی کان مستفادا من الآیة تحریم غیره ، ویمکن تعلیل التحریم بأن الأمر بالشی ء یستلزم النهی عن ضده ، ولا ریب أن السعی مأمور به فیتحقق النهی عن کل ما ینافیه من بیع وغیره (4).

ویتوجه علی الأول أن حمل البیع علی مطلق المعاوضة علی الأعیان والمنافع خلاف المعنی الشرعی والعرفی.

وعلی الثانی أنه خلاف ما ذهب إلیه فی مواضع من کتابه من أن الأمر بالشی ء لا یقتضی النهی عن ضده الخاص ، ومع ذلک فهو إنما یقتضی تحریم المنافی من ذلک خاصة لا مطلق المعاوضات.

قوله : ( فإن باع أثم وکان صحیحا علی الأظهر ).

أما الإثم فلدلالة النهی علی التحریم.

وأما الصحة فلأنه عقد صدر من أهله فی محله فیجب الوفاء به ، لعموم ما دل علی وجوب الوفاء بالعقد اللازم ، وقد ثبت فی الأصول أن النهی فی

ص: 77


1- الجمعة : 9.
2- المعتبر 2 : 297.
3- المنتهی 1 : 331 ، والتذکرة 1 : 156.
4- الذکری : 238.

ولو کان أحد المتعاقدین من لا یجب علیه السعی کان البیع سائغا بالنظر إلیه ، حراما بالنظر إلی الآخر.

______________________________________________________

المعاملات لا یقتضی الفساد ، وإنما یقتضی التحریم خاصة ، ولهذا لم یتناقض النهی عن البیع مثلا مع التصریح بترتب أثره علیه ، بخلاف العبادة ، لأن الفعل الواحد الشخصی یستحیل کونه مأمورا به منهیا عنه علی ما بیناه غیر مرة (1).

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف ، وابن الجنید بعدم الانعقاد (2) ، ومال إلیه شیخنا المعاصر (3) ، إما لأن النهی فی المعاملات یقتضی الفساد کما ذکره الشیخ ، أو لأن العقد المحرم لم یثبت کونه سببا فی النقل کما ادعاه شیخنا سلمه الله ، قال : ولا یمکن الاستدلال علی سببیته بقوله تعالی ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَیْعَ ) (4) لأنه محرم کما هو المفروض ، ولا بالإجماع لأن ذلک محل الخلاف.

والجواب منع الحصر ، فإنه قوله تعالی ( إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ ) (5) یتناوله ، وکذا قوله علیه السلام : « البیّعان بالخیار ما لم یفترقا » (6) وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة (7) یشمله قطعا.

قوله : ( ولو کان أحد المتعاقدین من لا یجب علیه السعی کان البیع سائغا بالنظر إلیه ، حراما بالنظر إلی الآخر ).

بل الأظهر تحریمه علیه أیضا ، لأنه معاونة علی المحرم ، وقد قال تعالی :

ص: 78


1- راجع 3 : 174 ، 217.
2- المبسوط 1 : 150 ، والخلاف 1 : 251 ، ونقله عن ابن الجنید فی المختلف : 108.
3- مجمع الفائدة 2 : 380.
4- البقرة : 275.
5- النساء : 29.
6- الکافی 5 : 170 - 6 ، التهذیب 3 : 20 - 85 ، الاستبصار 3 : 72 - 240 ، الخصال : 127 - 128 ، الوسائل 12 : 346 أبواب الخیار ب 1 ح 3.
7- الوسائل 12 : 345 أبواب الخیار ب 1.

التاسعة : إذا لم یکن الإمام موجودا ولا من نصّبه للصلاة وأمکن الاجتماع والخطبتان ، قیل : یستحب أن یصلّی جمعة ، وقیل : لا یجوز ، والأول أظهر.

______________________________________________________

( وَلا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (1).

قوله : ( التاسعة ، إذا لم یکن الإمام موجودا ولا من نصبه للصلاة وأمکن الاجتماع والخطبتان ، قیل : یستحب أن یصلّی جمعة ، وقیل : لا یجوز ، والأول أظهر ).

المراد باستحباب الجمعة کونها أفضل الفردین الواجبین لا کونها مندوبة ، لأنها متی صحت أجزأت عن الظهر بإجماع العلماء ، والمندوب لا یجزئ عن الواجب قطعا. وهذا القول اختیار الشیخ فی المبسوط والخلاف (2) وجمع من الأصحاب.

واحتجوا (3) علیه بعموم الأوامر الواردة بالجمعة من الکتاب والسنة وهی تقتضی الوجوب ، لکن لما انتفی العینی فی حال الغیبة بالإجماع تعیّن التخییری.

ویتوجه علیه ما حققناه سابقا (4).

والقول بعدم جواز فعلها فی زمن الغیبة لسلار (5) وابن إدریس (6) ، وهو ظاهر اختیار المرتضی فی بعض رسائله (7).

واحتجوا علیه بأن من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من نصبه الإمام للصلاة إجماعا ، وهو منتف فتنتفی الصلاة ، وبأن الظهر ثابتة فی الذمة بیقین فلا یبرأ المکلف إلا بفعلها.

استحباب الجمعة إذا لم یکن الامام أو من نصبه

ص: 79


1- المائدة : 2.
2- المبسوط 1 : 151 ، والخلاف 1 : 249.
3- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 131.
4- فی ص 8.
5- المراسم : 77.
6- السرائر : 66.
7- جواب المسائل المیافارقیات ( رسائل الشریف المرتضی ) : 272.

العاشرة : إذا لم یتمکن المأموم من السجود مع الإمام فی الأولی ، فإن أمکنه السجود واللحاق به قبل الرکوع وجب ، وإلا اقتصر علی متابعته فی السجدتین وینوی بهما الأولی ، فإن نوی بهما الثانیة ، قیل : تبطل الصلاة ، وقیل : یحذفهما ویسجد للأولی ویتم ثنائیة ، والأول أظهر.

______________________________________________________

والجواب عن الأول ما قررناه مرارا من أن الإجماع إنما یکون حجة مع العلم القطعی بدخول قول المعصوم فی جملة أقوال المجمعین ، وهذا مما یقطع بتعذره فی زمن ابن إدریس وما شاکله ، خصوصا مع تحقق الخلاف فی المسألة.

وعن الثانی بمنع تیقن وجوب الظهر فی صورة النزاع ، بل الظاهر أن المتیقن یوم الجمعة هو صلاة الجمعة کما یدل علیه الکتاب والسنة المتواترة.

وبالجملة فالأخبار الواردة بوجوب الجمعة مستفیضة بل متواترة ، وتوقفها علی الإمام أو نائبه غیر ثابت ، بل قد بینا أنه لا دلیل علیه ، واللازم من ذلک الوجوب العینی إن لم ینعقد الإجماع القطعی علی خلافه ، ودون إثباته خرط القتاد ، والله الموفق للسداد.

قوله : ( العاشرة ، إذا لم یتمکن المأموم من السجود مع الإمام فی الأولی ، فإن أمکنه السجود واللحاق به قبل الرکوع وجب ، وإلا اقتصر علی متابعته فی السجدتین وینوی بهما الأولی ، فإن نوی بهما الثانیة ، قیل : تبطل صلاته ، وقیل : یحذفهما ویسجد للأولی ویتم ثنائیة ، والأول أظهر ).

إذا زوحم المأموم فی سجود الأولی فلم یمکنه متابعة الإمام لم یجز له السجود علی ظهر غیره أو رجلیه إجماعا ، بل ینتظر حتی یتمکن من السجود علی الأرض ، فإن تمکن قبل رکوع الإمام فی الثانیة سجد ولحق الإمام ، وإن تعذر ذلک لم یکن له الرکوع مع الإمام فی الثانیة لئلا یزید رکنا ، بل یسجد مع الإمام السجدتین وینوی بهما الأولی فتسلم له رکعة ثم یتم برکعة بعد تسلیم الإمام. قال فی المعتبر : هذا متفق علیه (1).

حکم من لم یتمکن من السجود مع الامام

ص: 80


1- المعتبر 2 : 299.

______________________________________________________

وإن لم ینو بالسجدتین الأولی. قال الشیخ فی النهایة : بطلت صلاته (1). وکأنه لعدم الاعتداد بهما واستلزام إعادتهما زیادة الرکن ، وهو السجدتان ، فتبطل صلاته کما لو زاد رکوعا.

وقال فی المبسوط : إنه یحذف السجدتین ویسجد سجدتین أخریین ینوی بهما الأولی فتکمل له رکعة ویتمها بأخری (2). وهو اختیار المرتضی فی المصباح ، ولعل وجهه أصالة عدم بطلان الصلاة بهذه الزیادة.

واحتج له فی المعتبر (3) بما رواه حفص بن غیاث ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أدرک الجمعة وقد ازدحم الناس وکبر مع الإمام ورکع ولم یقدر علی السجود وقام الإمام والناس فی الرکعة الثانیة وقام هذا معهم فرکع الإمام ولم یقدر هو علی الرکوع فی الرکعة الثانیة من الزحام وقدر علی السجود ، کیف یصنع؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام : « أما الرکعة الأولی فهی إلی عند الرکوع تامة ، فلما لم یسجد لها حتی دخل فی الرکعة الثانیة لم یکن له ذلک ، فلما سجد فی الثانیة ، فإن کان نوی أن هذه السجدة هی للرکعة الأولی فقد تمّت له الأولی ، فإذا سلم الإمام قام فصلی رکعة یسجد فیها ثم یتشهد ویسلّم ، وإن کان لم ینو أن تکون تلک السجدة للرکعة الأولی لم تجز عنه عن الأولی ولا الثانیة ، وعلیه أن یسجد سجدتین وینوی أنهما للرکعة الأولی ، وعلیه بعد ذلک رکعة ثانیة یسجد فیها » (4) وهذه الروایة ضعیفة السند (5) ، فلا عبرة بها. والأصح البطلان إن نوی بهما الثانیة کما اختاره المصنف ، أما مع الذهول عن القصد فینصر فإن إلی الأولی.

ص: 81


1- النهایة : 107.
2- المبسوط 1 : 145.
3- المعتبر 2 : 299.
4- الکافی 3 : 429 - 9 ، الفقیه 1 : 270 - 1235 بتفاوت یسیر ، التهذیب 3 : 21 - 78 ، الوسائل 5 : 33 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 17 ح 2.
5- وجه الضعف هو أن حفص بن غیاث عامی - راجع رجال الطوسی : 118 ، والفهرست : 61.

وأما آداب الجمعة : فالغسل. والتنفل بعشرین رکعة : ست عند انبساط الشمس ، وست عند ارتفاعها ، وست قبل الزوال ، ورکعتان عند الزوال. ولو أخّر النافلة بعد الزوال جاز ، وأفضل من ذلک تقدیمها ، فإن صلی بین الفریضتین ست رکعات من النافلة جاز.

______________________________________________________

فرعان :

الأول : لو زوحم عن الرکوع والسجود صبر حتی یتمکن منهما تم یلتحق ، روی ذلک ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق علیه السلام (1).

الثانی : لو زوحم عن الرکعتین ولم یمکنه الالتحاق حتی سجد الإمام احتمل إتمامها ظهرا ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر (2) ، ویحتمل إتمامها جمعة ، لما تقدم من أن الجماعة إنما تعتبر ابتداء لا استدامة (3) ، ولعله الأظهر.

قوله : ( وأما آداب الجمعة فالغسل ).

قد سبق الکلام فی الغسل فی باب الطهارة.

قوله : ( والتنفل بعشرین رکعة : ست عند انبساط الشمس ، وست عند ارتفاعها ، وست قبل الزوال ، ورکعتان عند الزوال ، ولو أخر النافلة بعد الزوال جاز ، وأفضل من ذلک تقدیمها ، فإن صلی بین الفریضتین ست رکعات من النافلة جاز ).

مذهب الأصحاب استحباب التنفل یوم الجمعة بعشرین رکعة ، زیادة عن کل یوم بأربع رکعات ، قال العلامة - رحمه الله - فی النهایة : والسبب فیه أن الساقط رکعتان فیستحب الإتیان ببدلهما ، والنافلة الراتبة ضعف الفرائض (4) ،

آداب یوم الجمعة

استحباب التنفل بعشرین رکعة

ص: 82


1- الفقیه 1 : 270 - 1234 ، الوسائل 5 : 32 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 17 ح 1 ، وفیهما : عن أبی الحسن.
2- المعتبر 2 : 300.
3- فی ص 26.
4- نهایة الأحکام 2 : 52.

______________________________________________________

ومقتضی ذلک اختصاص استحباب الزیادة بمن صلی الجمعة ، والأخبار مطلقة.

واختلفت الروایة عن أهل البیت علیهم السلام فی ترتیبها ، فروی الشیخ فی التهذیب ، عن الحسین بن سعید ، عن یعقوب بن یقطین ، عن العبد الصالح علیه السلام ، قال : سألته عن التطوع یوم الجمعة ، قال : « إذا أردت أن تتطوع یوم الجمعة فی غیر سفر صلیت ست رکعات ارتفاع النهار ، وست رکعات قبل نصف النهار ، ورکعتین إذا زالت الشمس قبل الجمعة ، وست رکعات بعد الجمعة » (1) ونحوه روی أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام (2). وبهاتین الروایتین وما فی معناهما أخذ السید المرتضی (3) وابن أبی عقیل (4) ، والجعفی (5) ، وجمع من الأصحاب.

وروی الشیخ أیضا ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقی ، عن سعد بن سعد الأشعری ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة یوم الجمعة کم رکعة هی قبل الزوال؟ قال : « ست رکعات بکرة ، وست بعد ذلک اثنتا عشرة رکعة ، وست بعد ذلک ثمانی عشرة رکعة ، ورکعتان بعد الزوال فهذه عشرون رکعة ، ورکعتان بعد العصر فهذه ثنتان وعشرون رکعة » (6) وبمضمون هذه الروایة أفتی الشیخ فی جملة من کتبه (7) ، والمفید فی المقنعة (8).

ص: 83


1- التهذیب 3 : 11 - 36 ، الإستبصار 1 : 410 - 1567 ، الوسائل 5 : 24 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 10.
2- التهذیب 3 : 246 - 668 ، الإستبصار 1 : 410 - 1569 ، الوسائل 5 : 23 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 6.
3- نقله عنهما فی المختلف : 110.
4- نقله عنهما فی المختلف : 110.
5- نقله عنه فی الذکری : 124.
6- التهذیب 3 : 246 - 669 ، الاستبصار 1 : 411 - 1571 ، مصباح المتهجد : 309 ، الوسائل 5 : 23 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 5.
7- التهذیب 3 : 246 ، والاستبصار 1 : 411 ، والمبسوط 1 : 150 ، ومصباح المتهجد : 309.
8- المقنعة : 26.

وأن یباکر المضی إلی المسجد الأعظم بعد أن یحلق رأسه ، ویقصّ أظفاره ، ویأخذ من شاربه.

______________________________________________________

وروی أیضا فی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : النافلة یوم الجمعة ، قال : « ست رکعات قبل زوال الشمس ، ورکعتان عند زوالها. والقراءة فی الأولی بالجمعة ، وفی الثانیة بالمنافقین ، وبعد الفریضة ثمانی رکعات » (1) وعن عقبة بن مصعب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام فقلت : أیّما أفضل أقدم الرکعات یوم الجمعة أو أصلیها بعد الفریضة؟ فقال : « لا ، بل تصلیها بعد الفریضة » (2) وبمضمونها أفتی ابن بابویه (3) ، لکن الظاهر من کلامه أن التفریق أولی. وأن من لم یفرق فوظیفته الست عشرة خاصة. وهذا مقام استحباب فلا مشاحة فی اختلاف الروایات فیه والعمل بمضمون کل منها حسن إن شاء الله تعالی.

قوله : ( وأن یباکر المضی إلی المسجد الأعظم ).

لما رواه عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « فضّل الله الجمعة علی غیرها من الأیام ، وإن الجنان لتزخرف وتزیّن یوم الجمعة لمن أتاها ، وإنکم تتسابقون إلی الجنة علی قدر سبقکم إلی الجمعة ، وإن أبواب السماء لتفتح لصعود أعمال العباد » (4).

قوله : ( بعد أن یحلق رأسه ، ویقص أظفاره ، ویأخذ من شاربه ).

استحباب المباکرة فی المضی إلی الجمعة

استحباب الحلق وغیره یوم الجمعة

ص: 84


1- التهذیب 3 : 11 - 37 ، الإستبصار 1 : 410 - 1568 ، الوسائل 5 : 24 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 9.
2- التهذیب 3 : 246 - 670 ، الإستبصار 1 : 411 - 1572 ، الوسائل 5 : 27 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 13 ح 3.
3- المقنع : 45 قال : وإن استطعت أن تصلی یوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست رکعات ، وإذا انبسطت ست رکعات ، وقبل المکتوبة ست رکعات ، فافعل ، وإن قدمت نوافلک کلها فی یوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها إلی بعد المکتوبة.
4- الکافی 3 : 415 - 9 ، التهذیب 3 : 3 - 6 ، الوسائل 5 : 70 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 42 ح 1.

وأن یکون علی سکینة ووقار ، متطیبا ، لابسا أفضل ثیابه.

______________________________________________________

أما استحباب حلق الرأس یوم الجمعة فلم أقف فیه علی أثر ، وعلله فی المعتبر بأنه یوم اجتماع بالناس فیجتنب ما ینفّر (1).

وأما استحباب قص الأظافر والأخذ من الشارب فتدل علیه صحیحة حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أخذ الشارب والأظفار من الجمعة إلی الجمعة أمان من الجذام » (2) وفی روایة أخری له عنه علیه السلام : « أخذ الشارب والأظفار وغسل الرأس بالخطمی یوم الجمعة ینفی الفقر ویزید فی الرزق » (3) وروی عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أخذ من شاربه وقلم أظفاره وغسل رأسه بالخطمی یوم الجمعة کان کمن أعتق نسمة » (4).

قوله : ( وأن یکون علی سکینة ووقار ، متطیبا ، لابسا أفضل ثیابه ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة ، منها ما رواه هشام بن الحکم قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لیتزین أحدکم یوم الجمعة یغتسل ویتطیب ویسرح لحیته ویلبس أنظف ثیابه ، ولیتهیأ للجمعة ، ولتکن علیه فی ذلک الیوم السکینة والوقار ، ولیحسن عبادة ربه ، ولیفعل الخیر ما استطاع ، فإن الله یطّلع إلی الأرض لیضاعف الحسنات » (5).

وروی ابن بابویه فی کتابه ، عن الرضا علیه السلام أنه قال : « ینبغی

استحباب السکینة والوقار وغیرها عند المضی للجمعة

ص: 85


1- المعتبر 2 : 302.
2- الکافی 3 : 418 - 7 ، التهذیب 3 : 236 - 622 ، أمالی الصدوق : 250 - 10 ، الخصال : 39 - 24 ، الوسائل 5 : 49 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 33 ح 10.
3- الکافی 3 : 418 - 5 ، الوسائل 5 : 50 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 33 ح 15 ، بسند آخر.
4- الکافی 3 : 418 - 6 ، التهذیب 3 : 236 - 623 ، الوسائل 5 : 47 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 32 ح 2.
5- الکافی 3 : 417 - 1 ، الفقیه 1 : 64 - 244 ، التهذیب 3 : 10 - 32 ، الوسائل 5 : 78 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 47 ح 2.

وأن یدعو أمام توجهه. وأن یکون الخطیب بلیغا ،

______________________________________________________

للرجل أن لا یدع أن یمس شیئا من الطیب فی کل یوم ، فإن لم یقدر فیوم ویوم وإن لم یقدر ففی کل جمعة لا یدع ذلک ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا کان یوم الجمعة ولا یصیب طیبا دعا بثوب مصبوغ بزعفران فرش علیه الماء ثم مسحه بیده ثم مسح به وجهه » (1).

قوله : ( وأن یدعو أمام توجهه ).

روی أبو حمزة الثمالی فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ادع فی العیدین ویوم الجمعة إذا تهیأت للخروج بهذا الدعاء : اللهم من تهیأ وتعبّأ وأعدّ واستعد لوفادة إلی مخلوق رجاء رفده وطلب نائله وجوائزه وفواضله ونوافله فإلیک یا سیدی وفادی وتهیئتی وتعبئتی وإعدادی واستعدادی رجاء رفدک وجوائزک ونوافلک فلا تخیّب الیوم رجائی ، یا من لا یخیب علیه سائل ولا ینقصه نائل ، فإنی لم آتک الیوم بعمل صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته ، ولکن أتیتک مقرا بالظلم والإساءة لا حجة لی ولا عذر ، فأسألک یا رب أن تعطینی مسألتی وتقبلنی برغبتی ، ولا تردنی مجبوها ولا خائبا ، یا عظیم یا عظیم یا عظیم أرجوک للعظیم ، أسألک یا عظیم أن تغفر لی العظیم ، لا إله إلا أنت ، اللهم صلی علی محمد وآل محمد ، وارزقنی خیر هذا الیوم الذی شرفته وعظمته ، وتغسلنی فیه من جمیع ذنوبی وخطایای ، وزدنی من فضلک إنک أنت الوهاب » (2).

قوله : ( وأن یکون الخطیب بلیغا ).

بمعنی کونه قادرا علی تألیف الکلام الفصیح المطابق لمقتضی الحال من التخویف والإنذار والترغیب من غیر إملال ولا إخلال. وإنما استحب ذلک لأن له أثرا بینا فی القلوب.

استحباب الدعاء امام التوجه للجمعة

استحباب کون الامام بلیغا

ص: 86


1- الفقیه 1 : 274 - 1255 ، 1256 ، الوسائل 5 : 54 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 37 ح 1 وص 55 ح 6.
2- التهذیب 3 : 142 - 316 ، الإقبال : 280 ، البحار 86 : 329 - 1.

مواضبا علی الصلوات فی أول أوقاتها.

ویکر له الکلام فی أثناء الخطبة بغیرها.

ویستحب أن یتعمّم شاتیا کان أو قائضا. ویرتدی ببرد یمنیّة. وأن یکون معتمدا علی شی ء. وأن یسلّم أولا. وأن یجلس أمام الخطبة.

______________________________________________________

قوله : ( ویستحب أن یتعمم شاتیا کان أو قائضا ، ویتردی ببرد یمنیّة ، وأن یکون معتمدا علی شی ء ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کانوا سبعة یوم الجمعة فلیصلوا فی جماعة ، ولیلبس البرد والعمامة ولیتوکأ علی قوس أو عصا ، ولیقعد قعدة بین الخطبتین ، ویجهر بالقراءة ، ویقنت فی الرکعة الأولی منهما قبل الرکوع » (1).

قوله : ( وأن یسلم أولا ).

هذا قول أکثر الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه عمرو بن جمیع یرفعه ، عن علی علیه السلام أنه قال : « من السنة إذا صعد الإمام المنبر أن یسلم إذا استقبل الناس » (2) قال فی الذکری : وعلیه عمل الناس (3).

وقال الشیخ فی الخلاف : لا یستحب ، لأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها بواجب أو مستحب یحتاج إلی دلیل (4). وهو جید ، لقصور سند الحدیث.

قوله : ( وأن یجلس أمام الخطبة ).

لما روی عن الباقر علیه السلام أنه قال : « کان رسول الله صلی الله علیه

استحباب التعمم للامام

استحباب التسلیم للامام

استحباب الجلوس أمام الخطبة

استحباب التسلیم للامام

ص: 87


1- التهذیب 3 : 245 - 664 ، الاستبصار 1 : 418 - 1607 وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 5.
2- التهذیب 3 : 244 - 662 ، الوسائل 5 : 43 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 28 ح 1.
3- الذکری : 236.
4- الخلاف 1 : 248.

وإذا سبق الإمام إلی قراءة سورة فلیعدل إلی الجمعة وکذا فی الثانیة یعدل إلی سورة المنافقین ما لم یتجاوز نصف السورة ، إلا فی سورة الجحد والتوحید.

______________________________________________________

وآله إذا خرج إلی الجمعة قعد علی المنبر حتی یفرغ المؤذنون » (1) وفی الطریق ضعف (2).

قوله : ( وإذا سبق الإمام إلی قراءة سورة فلیعدل إلی الجمعة والمنافقین ما لم یتجاوز نصف السورة ، إلا فی سورة الجحد والتوحید ).

أما استحباب العدول مع عدم تجاوز النصف فی غیر هاتین السورتین فلا خلاف فیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات ، منها صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا افتتحت صلاتک بقل هو الله أحد وأنت ترید أن تقرأ بغیرها فامض فیها ولا ترجع ، إلا أن تکون فی یوم الجمعة فإنک ترجع إلی الجمعة والمنافقین منها » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی الرجل یرید أن یقرأ سورة الجمعة فی الجمعة فیقرأ قل هو الله أحد ، قال : « یرجع إلی سورة الجمعة » (4).

وجه الدلالة أنهما تضمنتا الأمر بالعدول إلی هاتین السورتین من التوحید ، ومتی ساغ العدول منها إلیهما ساغ من غیرها بطریق أولی.

وأما تقیید الجواز بعدم تجاوز النصف فلم أقف له علی مستند ، واعترف الشهید فی الذکری بعدم الوقوف علیه أیضا (5). نعم روی عبید بن زرارة ، عن

استحباب العدول إلی سورتی الجمعة والمنافقین

ص: 88


1- التهذیب 3 : 244 - 663 ، الوسائل 5 : 43 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 28 ح 2.
2- لعل وجه الضعف هو ما نسب إلی راویها عبد الله بن میمون من التزیّد - راجع رجال الکشی 2 : 687 - 732.
3- التهذیب 3 : 242 - 650 ، الوسائل 4 : 814 أبواب القراءة فی الصلاة ب 69 ح 2.
4- الکافی 3 : 426 - 6 ، التهذیب 3 : 241 - 649 ، الوسائل 4 : 814 أبواب القراءة فی الصلاة ب 69 ح 1.
5- الذکری : 195.

ویستحب الجهر بالظهر فی یوم الجمعة.

______________________________________________________

أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یرید أن یقرأ السورة فیقرأ غیرها ، قال : « له أن یرجع ما بینه وبین أن یقرأ ثلثیها » (1) وفی الطریق عبد الله بن بکیر ، وهو فطحی (2) ، فلا تبلغ حجة فی تقیید الأخبار الکثیرة السلیمة من الطعن (3).

وأما المنع من العدول فی سورتی الجحد والتوحید بمجرد الشروع فیهما فاستدل علیه بصحیحة عمرو بن أبی نصر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یقوم فی الصلاة فیرید أن یقرأ سورة فیقرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و ( قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ ) ، قال : « یرجع من کل سورة إلا من ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و ( قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ ) » (4).

ویتوجه علیه أن هذه الروایة مطلقة وروایتا الحلبی ومحمد بن مسلم مفصلتان ، فکان العمل بمقتضاهما أولی.

قوله : ( ویستحب الجهر بالظهر یوم الجمعة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ومستنده صحیحة عمران الحلبی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام وسئل عن الرجل یصلی الجمعة أربع رکعات ، أیجهر فیها بالقراءة؟ قال : « نعم ، والقنوت فی الثانیة » (5).

استحباب الجهر بالظهر یوم الجمعة

ص: 89


1- التهذیب 2 : 293 - 1180 ، الوسائل 4 : 776 أبواب القراءة فی الصلاة ب 36 ح 2.
2- راجع الفهرست : 106.
3- الوسائل 4 : 814 أبواب القراءة فی الصلاة ب 69.
4- الکافی 3 : 317 - 25 ، التهذیب 2 : 290 - 1166 ، الوسائل 4 : 775 أبواب القراءة فی الصلاة ب 35 ح 1.
5- الفقیه 1 : 269 - 1231 ، التهذیب 3 : 14 - 50 ، الإستبصار 1 : 416 - 1594 ، الوسائل 4 : 819 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 1.

______________________________________________________

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال لنا : « صلوا فی السفر صلاة الجمعة جماعة بغیر خطبة واجهروا بالقراءة » فقلت : إنه ینکر علینا الجهر بها فی السفر فقال : « اجهروا بها » (1).

وحسنة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القراءة فی الجمعة إذا صلیت وحدی أربعا ، أجهر بالقراءة؟ فقال : « نعم » (2).

ونقل المصنف فی المعتبر عن بعض الأصحاب المنع من الجهر بالظهر مطلقا ، وقال : إن ذلک أشبه بالمذهب (3) ، واستدل علیه بصحیحة جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله عن الجماعة یوم الجمعة فی السفر ، قال : « تصنعون کما تصنعون فی غیر یوم الجمعة فی الظهر ، ولا یجهر الإمام ، إنما یجهر إذا کانت خطبة » (4).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألته عن صلاة الجمعة فی السفر ، قال : « تصنعون کما تصنعون فی الظهر ، ولا یجهر الإمام فیها بالقراءة ، وإنما یجهر إذا کانت خطبة » (5).

وأجاب عنهما الشیخ فی کتابی الحدیث بالحمل علی حال التقیة والخوف (6). وهو حسن.

وقال ابن إدریس : یستحب الجهر بالظهر إن صلیت جماعة لا

ص: 90


1- التهذیب 3 : 15 - 51 ، الإستبصار 1 : 416 - 1595 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 6.
2- الکافی 3 : 425 - 5 ، التهذیب 3 : 14 - 49 ، الإستبصار 1 : 416 - 1593 ، الوسائل 4 : 819 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 3.
3- المعتبر 2 : 304.
4- التهذیب 3 : 15 - 53 ، الإستبصار 1 : 416 - 1597 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 8.
5- التهذیب 3 : 15 - 54 ، الإستبصار 1 : 416 - 1598 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 9.
6- التهذیب 3 : 15 ، والاستبصار 1 : 417.

ومن یصلی ظهرا فالأفضل إیقاعها فی المسجد الأعظم. وإذا لم یکن إمام الجمعة ممن یقتدی به جاز أن یقدّم المأموم صلاته علی الإمام. ولو صلی معه رکعتین وأتمّهما بعد تسلیم الإمام ظهرا کان أفضل.

______________________________________________________

انفرادا (1). ویدفعه صریحا روایة الحلبی المتقدمة (2).

قوله : ( وإذا لم یکن إمام الجمعة ممن یقتدی به جاز أن یقدّم المأموم صلاته علی الإمام ، ولو صلی معه رکعتین وأتمها بعد تسلیم الإمام ظهرا کان أفضل ).

لا ریب فی جواز کل من الأمرین. واختلف کلام المصنف فی الأفضل منهما ، فاختار هنا أفضلیة المتابعة والإتمام ، وربما کان مستنده روایة حمران عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فی کتاب علی علیه السلام : إذا صلوا الجمعة فصلوا معهم ولا تقوم من مقامک حتی تصلی رکعتین أخریین » (3) وفی الطریق ضعف (4).

واختار فی المعتبر أن الأفضل التقدیم (5) ، لأن ذلک یقتضی الاستقلال بالإتیان بالصلاة علی الوجه التام ، ولما رواه أبو بکر الحضرمی قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام ، کیف تصنع یوم الجمعة؟ قال : « کیف تصنع أنت؟ » قلت : أصلی فی منزلی ثم أخرج فأصلی معهم ، قال : « کذلک أصنع أنا » (6).

ویشهد له أیضا ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ما من عبد یصلی فی الوقت ویفرغ ثم یأتیهم ویصلی معهم وهو علی وضوء الا کتب الله له خمسا وعشرین درجة » (7).

أفضلیة تقدیم الظهر علی اتمام الجمعة ظهرا خلف من لا یقتدی به

ص: 91


1- السرائر : 65.
2- فی ص 89.
3- التهذیب 3 : 28 - 96 ، الوسائل 5 : 44 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 29 ح 1.
4- ووجهه هو وقوع ابن بکیر فی طریقها - وهو عبد الله بن بکیر - وهو فطحی ، راجع الفهرست : 106 ، ومعجم رجال الحدیث 22 : 169.
5- المعتبر 2 : 305.
6- التهذیب 3 : 246 - 671 ، الوسائل 5 : 44 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 29 ح 3.
7- الفقیه 1 : 265 - 1210 ، الوسائل 5 : 383 أبواب صلاة الجماعة وآدابها ب 6 ح 2.

الفصل الثانی :

فی صلاة العیدین

والنظر فیها ، وفی سننها :

وهی واجبة مع وجود الإمام بالشروط المعتبرة فی الجمعة.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثانی ، فی صلاة العیدین ).

العیدان هما الیومان المعروفان ، واحدهما عید ، ویاؤه منقلبة عن واو ، لأنه مأخوذ من العود ، إما لکثرة عوائد الله تعالی فیه علی عباده ، وإما لعود السرور والرحمة بعوده. والجمع أعیاد علی غیر قیاس ، لأن حق الجمع رد الشی ء إلی أصله. قیل : وإنما فعلوا ذلک للزوم الیاء فی مفردة ، أو للفرق بین جمعه وبین جمع عود الخشب (1).

قوله : ( وهی واجبة مع وجود الإمام بالشروط المعتبرة فی الجمعة ).

أجمع علماؤنا کافة علی وجوب صلاة العیدین علی الأعیان علی ما نقله جماعة منهم المصنف (2) والعلامة فی جملة من کتبه (3). والأصل فی وجوبها - قبل الإجماع - الکتاب والسنة ، قال الله تعالی ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَکّی وَذَکَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّی ) (4) وذکر جمع من المفسرین أن المراد بالزکاة والصلاة زکاة الفطرة وصلاة العید (5) ، وهو مروی عن الصادق علیه السلام أیضا (6).

وقال تعالی ( فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ ) (7) قیل : هی صلاة العید ونحر البدن للأضحیة (8).

صلاة العیدین

شرائط وجوب صلاة العید

ص: 92


1- قال به الشهید الثانی فی روض الجنان : 299.
2- المعتبر 2 : 308.
3- التذکرة 1 : 157 ، ونهایة الأحکام 2 : 55 ، والمنتهی 1 : 339.
4- الأعلی : 14.
5- منهم القمی فی تفسیره 2 : 417.
6- مجمع البیان 5 : 476.
7- الکوثر : 2.
8- کما فی التبیان 10 : 418.

______________________________________________________

وروی الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل ، قال : « سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التکبیر فی العیدین ، قال : « سبع وخمس » وقال : « صلاة العیدین فریضة » (1).

وعن أبی أسامة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صلاة العیدین فریضة ، وصلاة الکسوف فریضة » (2).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت الشخوص فی یوم عید فانفجر الصبح وأنت فی البلد فلا تخرج حتی تشهد ذلک العید » (3).

وقد قطع المصنف وغیره من الأصحاب بأن شروط هذه الصلاة شروط الجمعة ، وقد تقدم أنها خمسة.

الأول : السلطان العادل أو من نصبه للصلاة ، وظاهر العلامة فی المنتهی اتفاق الأصحاب علی اعتبار هذا الشرط (4) ، واحتج بصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لیس فی الفطر والأضحی أذان ولا إقامة » إلی أن قال : « ومن لم یصل مع إمام فی جماعة فلا صلاة له ولا قضاء علیه » (5).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن

ص: 93


1- الفقیه 1 : 320 - 1457 وفیه ذیل الحدیث ، التهذیب 3 : 127 - 270 ، الاستبصار 1 : 447 - 1729 وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 5 : 106 أبواب صلاة العید ب 10 ح 4.
2- التهذیب 3 : 127 - 269 ، الإستبصار 1 : 443 - 1710 ، الوسائل 5 : 95 أبواب صلاة العید ب 1 ح 4.
3- الفقیه 1 : 323 - 1480 ، التهذیب 3 : 286 - 853 ، الوسائل 5 : 133 أبواب صلاة العید ب 27 ح 1.
4- المنتهی 1 : 342.
5- الکافی 3 : 459 - 1 ، التهذیب 3 : 129 - 276 ، ثواب الأعمال : 105 - 1 ، الوسائل 5 : 97 أبواب صلاة العید ب 2 ح 10.

______________________________________________________

الصلاة یوم الفطر والأضحی فقال : « لیس صلاة إلا مع إمام » (1).

وروایة معمر بن یحیی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا صلاة یوم الفطر والأضحی إلا مع إمام » (2).

وعندی فی هذا الاستدلال نظر ، إذ الظاهر أن المراد بالإمام هنا إمام الجماعة لا إمام الأصل علیه السلام ، کما یظهر من تنکیر الإمام ولفظ الجماعة. وقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « من لم یشهد جماعة الناس فی العیدین فلیغتسل ولیتطیب بما وجد ، ولیصل وحده کما یصلی فی الجماعة » (3) وفی موثقة سماعة : « لا صلاة فی العیدین إلا مع الإمام ، وإن صلیت وحدک فلا بأس » (4).

قال جدی - قدس سره - فی روض الجنان : ولا مدخل للفقیه حال الغیبة فی وجوبها فی ظاهر الأصحاب ، وإن کان ما فی الجمعة من الدلیل قد یتمشی هنا إلا أنه قد یحتاج إلی القائل ، ولعل السر فی عدم وجوبها حال الغیبة مطلقا بخلاف الجمعة أن الواجب الثابت فی الجمعة إنما هو التخییری کما مر ، أما العینی فهو منتف بالإجماع ، والتخییری فی العید غیر متصور ، إذ لیس معها فرد آخر یخیر بینها وبینه ، فلو وجبت لوجبت عینا ، وهو خلاف الإجماع (5).

قلت : الظاهر أنه أراد بالدلیل ما ذکروه فی الجمعة من أن الفقیه منصوب

ص: 94


1- التهذیب 3 : 128 - 275 ، الإستبصار 1 : 444 - 1715 ، الوسائل 5 : 96 أبواب صلاة العید ب 2 ح 4.
2- الکافی 3 : 459 - 2 ، التهذیب 3 : 128 - 272 ، الاستبصار 1 : 444 - 1713 ، ثواب الأعمال : 105 - 3 ، الوسائل 5 : 97 أبواب صلاة العید ب 2 ح 11.
3- الفقیه 1 : 320 - 1463 ، التهذیب 3 : 136 - 297 ، الإستبصار 1 : 444 - 1716 ، الوسائل 5 : 98 أبواب صلاة العید ب 3 ح 1.
4- الفقیه 1 : 320 - 1459 ، التهذیب 3 : 128 - 274 ، الاستبصار 1 : 445 - 1719 ، ثواب الأعمال : 105 - 2 ، الوسائل 5 : 96 أبواب صلاة العید ب 2 ح 5.
5- روض الجنان : 299.

______________________________________________________

من قبله عموما ، فکان کالنائب الخاص. وقد بینا ضعفه فیما سبق.

وأما ما ذکره من السر فکلام ظاهری ، إذ لا منافاة بین کون الوجوب فی الجمعة تخییریا وفی العید عینیا إذا اقتضته الأدلة. وبالجملة فتخصیص الأدلة الدالة علی الوجوب بمثل هذه الروایات لا یخلو من إشکال.

وما ادعوه من الإجماع فغیر صالح للتخصیص أیضا ، لما بیناه غیر مرة من أن الإجماع إنما یکون حجة مع العلم القطعی بدخول قول الإمام علیه السلام فی أقوال المجمعین ، وهو غیر متحقق هنا. ومع ذلک فالخروج عن کلام الأصحاب مشکل ، واتباعهم بغیر دلیل أشکل.

الثانی : العدد ، وقد أجمع الأصحاب علی اعتباره هنا ، حکاه فی المنتهی (1) ، والظاهر الاکتفاء فیه بالخمسة ، لصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « فی صلاة العیدین إذا کان القوم خمسة أو سبعة فإنهم یجمعون الصلاة کما یصنعون یوم الجمعة » (2).

وذهب ابن أبی عقیل إلی اشتراط السبعة هنا مع أنه اکتفی فی الجمعة بخمسة ، والظاهر أنه رواه ، لأنه قال : لو کان إلی القیاس لکانا جمیعا سواء ، لکنه تعبد من الخالق سبحانه (3). ولم نقف علی مأخذه.

الثالث : الجماعة ، ودلیلها معلوم مما سبق.

الرابع : الوحدة ، وظاهر الأصحاب اشتراطها ، حیث أطلقوا مساواتها للجمعة فی الشرائط. ونقل عن الحلبیین التصریح بذلک (4) محتجین (5) بأنه لم

ص: 95


1- المنتهی 1 : 342.
2- الفقیه 1 : 331 - 1489 ، الوسائل 5 : 142 أبواب صلاة العید ب 39 ح 1.
3- نقله عنه فی المختلف : 111.
4- أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 154 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 562.
5- نقل احتجاجهما فی الذکری : 240.

______________________________________________________

ینقل عن النبی صلی الله علیه و آله أنه صلی فی زمانه عیدان فی بلد ، کما لم ینقل أنه صلیت جمعتان ، وبما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال الناس لأمیر المؤمنین علیه السلام : ألا تخلف رجلا یصلی فی العیدین ، قال : لا أخالف السنة » (1) وهما لا یدلاّن علی المنع ، ومن ثم توقف العلامة فی التذکرة والنهایة فی اشتراط ذلک (2). وهو فی محله.

وذکر الشهید - رحمه الله (3) - ومن تأخر عنه (4) أن هذا الشرط إنما یعتبر مع وجوب الصلاتین ، فلو کانتا مندوبتین أو إحداهما لم یمنع التعدد. ولیس فی النصوص دلالة علی شی ء من ذلک.

الخامس : الخطبتان ، وقد صرح الشیخ فی المبسوط باشتراطهما فی هذه الصلاة ، فقال : شرائطها شرائط الجمعة ، سواء فی العدد والخطبة وغیر ذلک (5). وهو الظاهر من عبارة المصنف حیث أطلق مساواتها للجمعة فی الشرائط. وجزم العلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه بعدم اعتبار هذا الشرط هنا (6). وهو کذلک ، تمسکا بمقتضی الأصل ، والتفاتا إلی أن الخطبتین متأخرتان عن الصلاة. ولا یجب استماعهما إجماعا فلا تکونان شرطا فیها.

وإنما یجب العید علی من تجب علیه الجمعة عند علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (7). وقال فی المنتهی أنه لا یعرف فیه خلافا (8). ویدل علیه أصالة براءة الذمة من وجوب هذه الصلاة علی من لا تجب علیه الجمعة السالمة عما یصلح للمعارضة ، لانتفاء ما یدل علی العموم فیمن تجب علیه.

ص: 96


1- التهذیب 3 : 137 - 302 ، الوسائل 5 : 119 أبواب صلاة العید ب 17 ح 9.
2- التذکرة 1 : 157 ، ونهایة الأحکام 2 : 56.
3- الذکری : 240 ، والبیان : 112 ، والدروس : 44.
4- کالشهید الثانی فی روض الجنان : 299.
5- المبسوط 1 : 169.
6- نهایة الأحکام 2 : 55 ، والقواعد 1 : 38.
7- التذکرة 1 : 157.
8- المنتهی 1 : 342.

وتجب جماعة ، ولا یجوز التخلف إلا مع العذر ، فیجوز حینئذ أن یصلی منفردا ندبا.

______________________________________________________

وتؤیده صحیحة زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إنما صلاة العیدین علی المقیم ، ولا صلاة إلا بإمام » (1). وصحیحة الفضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس فی السفر جمعة ولا فطر ولا أضحی » (2).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : « إنما رخص رسول الله صلی الله علیه و آله للنساء العوائق فی الخروج فی العیدین للتعرض للرزق » (3).

وروایة هارون بن حمزة الغنوی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال ، قلت : أرأیت إن کان مریضا لا یستطیع أن یخرج ، أیصلی فی بیته؟ قال : « لا » (4).

قوله : ( وتجب جماعة ، ولا یجوز التخلف إلا مع العذر ، فیجوز حینئذ أن یصلی منفردا ندبا ).

أما اشتراط الجماعة فقد تقدم الکلام فیه (5).

وأما استحباب الصلاة علی الانفراد مع تعذر الجماعة فهو قول أکثر الأصحاب. ویدل علیه صحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من لم یشهد جماعة الناس فی العیدین فلیغتسل ولیتطیب بما وجد ولیصل وحده کما یصلی فی الجماعة » (6). وروایة منصور ، عن أبی

وجوب العید جماعة الا مع العذر

ص: 97


1- التهذیب 3 : 287 - 862 ، الوسائل 5 : 97 أبواب صلاة العید ب 2 ح 7.
2- الفقیه 1 : 283 - 1287 ، التهذیب 3 : 289 - 868 ، المحاسن : 372 - 136 ، الوسائل 5 : 103 أبواب صلاة العید ب 8 ح 1.
3- التهذیب 3 : 287 - 858 ، الوسائل 5 : 133 أبواب صلاة العید ب 28 ح 1.
4- الفقیه 1 : 321 - 1464 ، التهذیب 3 : 288 - 864 ، الإستبصار 1 : 445 - 1821 ، الوسائل 5 : 97 أبواب صلاة العید ب 2 ح 8.
5- فی ص 95.
6- الفقیه 1 : 320 - 1463 ، التهذیب 3 : 136 - 297 ، الإستبصار 1 : 444 - 1716 ، الوسائل 5 : 98 أبواب صلاة العید ب 3 ح 1.

ولو اختلّت الشرائط سقط الوجوب واستحب الإتیان بها جماعة وفرادی.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام ، قال : « مرض أبی یوم الأضحی فصلی فی بیته رکعتین ثم ضحی » (1).

ونقل عن ظاهر الصدوق فی المقنع وابن أبی عقیل عدم مشروعیة الانفراد فیها مطلقا ، واحتج لهما فی المختلف (2) بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الصلاة یوم الفطر والأضحی ، قال : « لیس صلاة إلا مع إمام » (3).

والجواب بالحمل علی نفی الوجوب ، جمعا بین الأدلة.

قوله : ( ولو اختلت الشرائط سقط الوجوب ، ویستحب الإتیان بها جماعة وفرادی ).

أما سقوط الوجوب مع اختلال أحد شرائطه فلا ریب فیه ، لأن انتفاء الشرط یقتضی انتفاء المشروط.

وأما استحباب الإتیان بها جماعة وفرادی والحال هذه فهو اختیار الشیخ (4) وأکثر الأصحاب. وقال السید المرتضی : إنها تصلی عند فقد الإمام واختلال بعض الشرائط علی الانفراد (5). ونقل عن أبی الصلاح أنه قال : یقبح الجمع فیها مع اختلال الشرائط (6). وقال ابن إدریس : لیس معنی قول أصحابنا یصلی علی الانفراد أن یصلی کل واحد منهم منفردا ، بل الجماعة أیضا عند

استحباب العید فرادی عند اختلال الشرائط

ص: 98


1- الفقیه 1 : 320 - 1462 ، التهذیب 3 : 288 - 865 ، الإستبصار 1 : 445 - 1718 ، الوسائل 5 : 98 أبواب صلاة العید ب 3 ح 3.
2- المقنع : 46. ونقله عنهما واحتج لهما فی المختلف : 113.
3- التهذیب 3 : 135 - 296 ، الإستبصار 1 : 444 - 1715 ، الوسائل 5 : 96 أبواب صلاة العید ب 2 ح 4.
4- النهایة : 133 ، والمبسوط 1 : 169 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 193.
5- جمل العلم والعمل : 74 ، المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 203.
6- الکافی فی الفقه : 154.

ووقتها ما بین طلوع الشمس إلی الزوال.

______________________________________________________

انفرادها من (1) الشرائط سنة مستحبة ، بل المراد انفرادها عن الشرائط (2). وهو تأویل بعید.

( والمستفاد من النصوص المستفیضة أنها إنما تصلی علی الانفراد مع تعذر الجماعة أو عدم اجتماع العدد خاصة ) (3).

وقد حکم الأصحاب باستحبابها أیضا لمن لا تجب علیه الجمعة ، کالمسافر والعبد والمرأة. وهو حسن ، وإن أمکن المناقشة فیه بعدم الظفر بما یدل علیه علی الخصوص ، نعم روی سعد بن سعد الأشعری فی الصحیح ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن المسافر إلی مکة وغیرها ، هل تجب علیه صلاة العیدین : الفطر والأضحی؟ قال : « نعم إلا بمنی یوم النحر » (4) وهی محمولة علی الاستحباب جمعا بینها وبین قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إنما صلاة العیدین علی المقیم » (5).

قوله : ( ووقتها ما بین طلوع الشمس إلی الزوال ).

أجمع الأصحاب علی أن وقت صلاة العیدین من طلوع الشمس إلی الزوال ، حکاه العلامة - رحمه الله - فی النهایة (6) ، ومستنده حسنة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « لیس فی الفطر والأضحی أذان ولا إقامة ، أذانهما طلوع الشمس ، إذا طلعت خرجوا » (7).

وقت صلاة العید

ص: 99


1- فی المصدر زیادة : دون.
2- السرائر : 70.
3- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « س » ، « ح » : والأصح أنها تصلی مع تعذر الجماعة ندبا ، لورود الأمر بذلک فی عدة روایات ، وهی محمولة علی الندب ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن مسلم : « لیس صلاة - یعنی فی الفطر والأضحی - إلاّ مع إمام » أی لا صلاة واجبة.
4- الفقیه 1 : 323 - 1481 ، التهذیب 3 : 288 - 867 ، الإستبصار 1 : 447 - 1727 ، الوسائل 5 : 104 أبواب صلاة العید ب 8 ح 3.
5- التهذیب 3 : 287 - 862 ، الوسائل 5 : 97 أبواب صلاة العید ب 2 ح 7.
6- نهایة الأحکام 2 : 56.
7- الکافی 3 : 459 - 1 ، التهذیب 3 : 129 - 276 ، ثواب الأعمال : 106 - 7 ، الوسائل 5 : 135 أبواب صلاة العید ب 29 ح 1.

ولو فاتت لم تقض.

______________________________________________________

وموثقة سماعة قال : سألته عن الغدو إلی المصلی فی الفطر والأضحی فقال : « بعد طلوع الشمس » (1).

وقال الشیخ فی المبسوط : وقت صلاة العید إذا طلعت الشمس وارتفعت وانبسطت (2). وهو أحوط ، ومقتضی الروایتین أن وقت الخروج إلی المصلی بعد طلوع الشمس.

وقال المفید : إنه یخرج قبل طلوعها ، فإذا طلعت صبر هنیئة ثم صلی (3). واحتج له فی المختلف بما فیه من المبارکة إلی فعل الطاعة ، وعارضه بأن التعقیب فی المساجد إلی طلوع الشمس عبادة (4).

ویستحب تأخیر صلاة العید فی الفطر شیئا عن الأضحی بإجماع العلماء ، لاستحباب الإفطار فی الفطر قبل خروجه ، بخلاف الأضحی فإن الأفضل أن یکون إفطاره علی شی ء مما یضحّی به بعد الصلاة ، ولأن الأفضل إخراج الفطرة قبل الصلاة فاستحب تأخیر الصلاة لیتسع الوقت لذلک ، وفی الأضحی تقدیمها لیضحّی بعدها ، فإن وقتها بعد الصلاة.

قوله : ( ولو فاتت لم تقض ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الصلاة بین کونها فرضا أو نفلا ، وفی الفوات بین أن یکون عمدا أو نسیانا. وبهذا التعمیم صرح فی التذکرة وقال : إن سقوط القضاء مذهب أکثر الأصحاب (5). وقال الشیخ فی التهذیب : من فاتته الصلاة یوم العید لا یجب علیه القضاء ویجوز له أن یصلی إن شاء رکعتین وإن شاء أربعا من غیر أن یقصد بها القضاء (6). وقال ابن إدریس : یستحب

لا قضاء لصلاة العید

ص: 100


1- التهذیب 3 : 287 - 859 ، الوسائل 5 : 135 أبواب صلاة العید ب 29 ح 2.
2- المبسوط 1 : 169.
3- المقنعة : 32.
4- المختلف : 114. وفیه المبادرة بدل المباکرة.
5- التذکرة 1 : 162.
6- التهذیب 3 : 134.

______________________________________________________

قضاؤها (1). وقال ابن حمزة : إذا فاتت لا یلزم قضاؤها إلا إذا وصل فی حال الخطبة وجلس مستمعا لها (2). وقال ابن الجنید : من فاتته ولحق الخطبتین صلاها أربعا مفصولات (3). یعنی بتسلیمتین ، ونحوه قال علی بن بابویه ، إلا أنه قال : یصلیها بتسلیمة (4). والأصح السقوط مطلقا.

لنا : أن القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلالة ولا دلالة ، ویؤیده صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ومن لم یصل مع الإمام فی جماعة یوم العید فلا صلاة له ولا قضاء علیه » (5).

احتج القائلون بأنها تقضی أربعا (6) بما رواه أبو البختری ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : « من فاتته صلاة العید فلیصل أربعا » (7).

والجواب أولا بالطعن فی السند (8). وثانیا بمنع الدلالة ، فإن الأربع لا یتعین کونها قضاء.

فرع : قال فی الذکری : لو ثبتت الرؤیة من الغد ، فإن کان قبل الزوال صلیت العید ، وإن کان بعده سقطت إلا علی القول بالقضاء (9).

ص: 101


1- السرائر : 70.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 677.
3- نقله عنه فی المختلف : 114 ، والذکری : 239.
4- نقله عنه فی المختلف : 114.
5- التهذیب 3 : 128 - 273 ، الاستبصار 1 : 444 - 1714 ، ثواب الأعمال : 105 - 1 ، الوسائل 5 : 96 أبواب صلاة العید ب 2 ح 3.
6- منهم الشیخ فی التهذیب 3 : 135 ، والعلامة فی المختلف : 114.
7- التهذیب 3 : 135 - 295 ، الإستبصار 1 : 446 - 1725 ، الوسائل 5 : 99 أبواب صلاة العید ب 5 ح 2.
8- لأن راویها ضعیف کذاب عامی - راجع رجال النجاشی : 430 - 1155 ، والفهرست : 173.
9- الذکری : 239.

وکیفیتها أن یکبّر للإحرام. ثم یقرأ الحمد وسورة ، والأفضل

______________________________________________________

وقال ابن الجنید : إن تحققت الرؤیة بعد الزوال أفطروا وغدوا إلی العید (1) ، لما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « فطرکم یوم تفطرون ، وأضحاکم یوم تضحّون ، وعرفتکم یوم تعرّفون » (2) وروی أن رکبا شهدوا عنده صلی الله علیه و آله أنهم رأوا الهلال فأمرهم أن یفطروا ، وإذا أصبحوا أن یغدوا إلی مصلاهم » (3) وهذه الأخبار لم تثبت من طرقنا.

قلت : قد ورد من طرق الأصحاب ما یطابق هذه الأخبار ، وظاهر الکلینی - رحمه الله - العمل بمقتضاها ، فإنه قال فی الکافی : باب ما یجب علی الناس إذا صح عندهم الرؤیة یوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمین (4) ، ثم أورد فی ذلک خبرین :

أحدهما عن محمد بن قیس ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأیا الهلال منذ ثلاثین یوما أمر الإمام بالإفطار فی ذلک الیوم إذا کانا شهدا قبل زوال الشمس ، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلک الیوم ، وأخر الصلاة إلی الغد فصلی بهم » (5).

والثانی رواه محمد بن یحیی رفعه ، قال : « إذا أصبح الناس صیاما ولم یروا الهلال وجاء قوم عدول یشهدون علی الرؤیة فلیفطروا ولیخرجوا من الغد أول النهار إلی عیدهم » (6) ولا بأس بالعمل بمقتضی هاتین الروایتین لاعتبار سند الأولی وصراحتها فی المطلوب.

قوله : ( وکیفیتها أن یکبر للإحرام ثم یقرأ الحمد وسورة ، والأفضل

کیفیة صلاة العید

ص: 102


1- نقله عنه فی المختلف : 114.
2- سنن أبی داود 2 : 297 - 2324 بتفاوت یسیر.
3- سنن أبی داود 1 : 300 - 1157 ، سنن ابن ماجة 1 : 529 - 1653 بتفاوت یسیر.
4- الکافی 4 : 169.
5- الکافی 4 : 169 - 1 ، الوسائل 5 : 104 أبواب صلاة العید ب 9 ح 1.
6- الکافی 4 : 169 - 2 ، الوسائل 5 : 104 أبواب صلاة العید ب 9 ح 2 ، وفیهما : محمّد بن یحیی ، عن محمد بن احمد رفعه.

أن یقرأ الأعلی. ثم یکبّر بعد القراءة علی الأظهر ویقنت بالمرسوم حتی یتم خمسا. ثم یکبّر ویرکع.

فإذا سجد السجدتین قام بغیر تکبیر. فیقرأ الحمد وسورة ، والأفضل أن یقرأ الغاشیة. ثم یکبّر أربعا یقنت بینها أربعا ، ثم یکبّر خامسة للرکوع ویرکع.

فیکون الزائد عن المعتاد تسعا : خمس فی الأولی ، وأربع فی الثانیة ، غیر تکبیرة الإحرام وتکبیرتی الرکوعین.

______________________________________________________

أن یقرأ الأعلی ، ثم یکبر بعد القراءة علی الأظهر ویقنت بالمرسوم حتی یتم خمسا ، ثم یکبر ویرکع ، فإذا سجد السجدتین قام بغیر تکبیرة ، فیقرأ الحمد وسورة ، والأفضل أن یقرأ الغاشیة ، ثم یکبّر أربعا یقنت بینها أربعا ، ثم یکبّر خامسة للرکوع ویرکع ، فیکون الزائد عن المعتاد تسعا : خمس فی الأولی ، وأربع فی الثانیة ، غیر تکبیرة الإحرام وتکبیرتی الرکوع ).

المستند فی هذه الکیفیة النصوص الواردة عن أئمة الهدی صلوات الله علیهم ، فمن ذلک صحیحة یعقوب بن یقطین ، قال : سألت العبد الصالح علیه السلام عن التکبیر فی العیدین قبل القراءة أو بعدها؟ وکم عدد التکبیر فی الأولی وفی الثانیة والدعاء فیهما؟ وهل فیهما قنوت أم لا؟ فقال : « تکبیر العیدین للصلاة قبل الخطبة یکبر تکبیرة یفتتح بها الصلاة ، ثم یقرأ ویکبر خمسا ویدعو بینها ، ثم یکبر أخری یرکع بها ، فذلک سبع تکبیرات بالتی افتتح بها ، ثم یکبر فی الثانیة خمسا یقوم فیقرأ ثم یکبر أربعا ویدعو بینهن ثم یکبر التکبیرة الخامسة » (1).

وروایة معاویة ، قال : سألته عن صلاة العیدین فقال : « رکعتان لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء ، ولیس فیهما أذان ولا إقامة یکبر فیهما اثنتی عشرة تکبیرة ، یبدأ

ص: 103


1- التهذیب 3 : 132 - 287 ، وفی الاستبصار 1 : 449 - 1737 ، والوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 8 یرکع بدل یکبر.

______________________________________________________

فیکبر ویفتتح الصلاة ، ثم یقرأ فاتحة الکتاب ، ثم یقرأ والشمس وضحاها. ثم یکبر خمس تکبیرات ، ثم یکبر ویرکع ، فیکون یرکع بالسابعة ، ویسجد سجدتین ، ثم یقوم فیقرأ فاتحة الکتاب وهل أتاک حدیث الغاشیة ، ثم یکبر أربع تکبیرات ویسجد سجدتین ویتشهد » (1).

وصحیحة محمد ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی صلاة العیدین ، قال : « الصلاة قبل الخطبتین ، [ والتکبیر ] (2) بعد القراءة ، سبع فی الأولی وخمس فی الأخیرة » (3).

وصحیحة جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التکبیر فی العیدین فقال : « سبع وخمس » وقال : « صلاة العیدین فریضة » وسألته ما یقرأ فیهما؟ قال : « والشمس وضحاها ، وهل أتاک حدیث الغاشیة ، وأشباههما » (4).

وقد وقع الخلاف فی هذه المسألة فی مواضع :

الأول : إن التکبیرات التسع ، هل هی واجبة أو مستحبة؟ فقال الأکثر کالسید المرتضی (5) ، وابن الجنید (6) ، وأبی الصلاح (7) ، وابن إدریس (8) ، بالوجوب. وهو الأصح ، للتأسی ، وظاهر الأمر.

وقال المفید فی المقنعة : من أخل بالتکبیرات التسع لم یکن مأثوما إلا أنه

وجوب التکبیرات التسع فی صلاة العید

ص: 104


1- الکافی 3 : 460 - 3 ، التهذیب 3 : 129 - 278 ، الإستبصار 1 : 448 - 1733 ، الوسائل 5 : 105 أبواب صلاة العید ب 10 ح 2.
2- أثبتناه من المصدر.
3- التهذیب 3 : 287 - 860 ، الوسائل 5 : 110 أبواب صلاة العید ب 11 ح 2.
4- التهذیب 3 : 127 - 270 ، الاستبصار 1 : 447 - 1729 وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 5 : 106 أبواب صلاة العید ب 10 ح 4.
5- الانتصار : 56 ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 203.
6- نقله عنه فی المختلف : 112.
7- الکافی فی الفقه : 153.
8- السرائر : 70.

______________________________________________________

یکون تارکا سنة ومهملا فضیلة (1). وهو یعطی استحباب التکبیر الزائد.

واستدل علیه فی التهذیب بصحیحة زرارة ، قال : إن عبد الملک بن أعین سأل أبا جعفر علیه السلام عن الصلاة فی العیدین فقال : « الصلاة فیهما سواء ، یکبر الإمام تکبیرة الصلاة قائما کما یصنع فی الفریضة ، ثم یزید فی الرکعة الأولی ثلاث تکبیرات ، وفی الأخری ثلاثا ، سوی تکبیرة الصلاة والرکوع والسجود ، إن شاء ثلاثا وخمسا ، وإن شاء خمسا وسبعا بعد أن یلحق ذلک إلی وتر » (2).

قال الشیخ رحمه الله : ألا تری أنه جوّز الاقتصار علی الثلاث تکبیرات وعلی الخمس تکبیرات ، وهذا یدل علی أن الإخلال بها لا یضر الصلاة (3).

وأجاب عنها فی الاستبصار وعما فی معناها بالحمل علی التقیة ، لموافقتها لمذهب کثیر من العامة ، قال : ولسنا نعمل به ، وإجماع الفرقة المحقة علی ما قدمناه (4).

الثانی : معظم الأصحاب ومنهم الشیخ (5) ، والمرتضی (6) ، وابن بابویه(7) ، وابن أبی عقیل (8) ، وابن حمزة (9) ، وابن إدریس (10) ، علی أن

ص: 105


1- لم نجده فی المقنعة ، ولکنه موجود فی التهذیب 3 : 134 من دون إسناد إلی المفید ، ونقل ذلک عن التهذیب فی المختلف : 112. ولکن فیهما السبع مکان التسع.
2- التهذیب 3 : 134 - 290 ، الوسائل 5 : 109 أبواب صلاة العید ب 10 ح 17.
3- التهذیب 3 : 134.
4- الاستبصار 1 : 448.
5- الخلاف 1 : 263.
6- رسائل السید المرتضی 1 : 273.
7- المقنع : 46 قال : فإذا نهضت إلی الثانیة ، کبرت أربع تکبیرات مع تکبیرة القیام ورکعت بالخامسة ، وقال فی الفقیه 1 : 324 : فإذا نهض إلی الثانیة کبر وقرأ الحمد والشمس وضحاها ، ثم کبر تمام أربع تکبیرات مع تکبیرة القیام ثم رکع بالخامسة انتهی. وهما ظاهران فی موافقتهما للمقنعة کما صرح به فی مفتاح الکرامة والذخیرة والحدائق.
8- نقله عنه فی المختلف : 112.
9- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 677.
10- السرائر : 70.

______________________________________________________

التکبیر فی الرکعتین معا بعد القراءة. وقال ابن الجنید : التکبیر فی الأولی قبل القراءة ، وفی الثانیة بعدها (1). وقال المفید رحمه الله : یکبر للقیام إلی الثانیة قبل القراءة ثم یکبر بعد القراءة ثلاثا ویقنت ثلاثا (2). ولم نقف له علی شاهد. والمعتمد الأول ، لما تلوناه من الأخبار (3).

احتج ابن الجنید علی ما نقل عنه (4) بما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « التکبیر فی العیدین فی الأولی سبع قبل القراءة ، وفی الأخیرة خمس بعد القراءة » (5) وما رواه إسماعیل بن سعد الأشعری فی الصحیح أیضا ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن التکبیر فی العیدین ، قال : « التکبیر فی الأولی سبع تکبیرات قبل القراءة ، وفی الأخیرة خمس تکبیرات بعد القراءة » (6) وروی هشام بن الحکم فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام نحو ذلک (7).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الحدیث بالحمل علی التقیة ، لأنها موافقة لمذهب بعض العامة (8). ولم یرتضه المصنف فی المعتبر ، فإنه قال : لیس هذا التأویل بحسن ، فإن ابن بابویه ذکر ذلک فی کتابه بعد أن ذکر فی خطبته أنه لا یودعه إلا ما هو حجة له. قال : فالأولی أن یقال : فیه روایتان ، أشهرهما بین

محل التکبیر بعد القراءة

ص: 106


1- نقله عنه فی المختلف : 111 ، والذکری : 241.
2- المقنعة : 2.
3- المتقدمة فی ص 103.
4- المختلف : 111.
5- التهذیب 3 : 131 - 284 ، الإستبصار 1 : 450 - 1740 ، الوسائل 5 : 109 أبواب صلاة العید ب 10 ح 18.
6- التهذیب 3 : 131 - 285 ، الإستبصار 1 : 450 - 1741 ، الوسائل 5 : 109 أبواب صلاة العید ب 10 ح 20.
7- التهذیب 3 : 284 - 847 ، الإستبصار 1 : 450 - 1744 ، الوسائل 5 : 108 أبواب صلاة العید ب 10 ح 16.
8- التهذیب 3 : 131 ، الإستبصار 1 : 451.

______________________________________________________

الأصحاب ما اختاره الشیخ(1). وهو حسن.

وأجاب عنها فی المختلف بالمنع من الدلالة علی محل النزاع ، إذ لا خلاف فی أن السابعة بعد القراءة ، لأنها للرکوع ، وإذا احتمل الواحدة احتمل غیرها ، وهو أن بعضها قبل القراءة ، فیحمل علی تکبیرة الافتتاح (2). وهو بعید جدا ، فإن إطلاق کون السبع قبل القراءة بناء علی أن الست کذلک محتمل ، أما إطلاق السبع وإرادة الواحدة فلا مجال لصحته.

الثالث : اختلف الأصحاب فی القنوت بعد التکبیرات الزائدة ، فقال المرتضی (3) وأکثر الأصحاب : إنه واجب ، للأمر به فی روایتی یعقوب بن یقطین (4) وإسماعیل بن جابر (5).

وقال الشیخ فی الخلاف : إنه مستحب ، لأن الأصل براءة الذمة من الوجوب (6). وجوابه أن الأصل یصار إلی خلافه لدلیل ، وقد بیناه. وقد یقال : إن هاتین الروایتین لا تنهضان حجة فی إثبات حکم مخالف للأصل ( خصوصا ) (7) مع معارضتهما بعدة أخبار واردة فی مقام البیان خالیة من ذکر القنوت.

الرابع : الأقوی أنه لا یتعین فی القنوت لفظ مخصوص ، لاختلاف الروایات فی تعیینه ، ولما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما

حکم القنوت بعد التکبیرات الزائدة

عدم لفظ مخصوص للقنوت

ص: 107


1- المعتبر 2 : 313.
2- المختلف : 112.
3- الانتصار : 57.
4- التهذیب 3 : 132 - 287 ، الإستبصار 1 : 449 - 1737 ، الوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 8.
5- التهذیب 3 : 132 - 288 ، الإستبصار 1 : 990 - 1738 ، الوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 10.
6- الخلاف 1 : 264.
7- لیست فی « س ».

______________________________________________________

علیهماالسلام ، قال : سألته عن الکلام الذی یتکلم به فیما بین التکبیرتین فی العیدین فقال : « ما شئت من الکلام الحسن » (1) وربما ظهر من کلام أبی الصلاح وجوب الدعاء بالمرسوم (2). وهو ضعیف.

الخامس : أجمع الأصحاب علی وجوب قراءة سورة مع الحمد ، وأنه لا یتعین فی ذلک سورة مخصوصة ، قاله فی التذکرة (3) ، واختلفوا فی الأفضل ، فقال الشیخ فی الخلاف (4) ، والمفید (5) ، والسید المرتضی (6) ، وأبو الصلاح (7) ، وابن البراج (8) ، وابن زهرة (9) : إنه الشمس فی الأولی ، والغاشیة فی الثانیة. وعلیه دلت صحیحة جمیل ، إلا أنه قال فیها : وسألته ما یقرأ فیها؟ فقال : « والشمس وضحاها وهل أتاک حدیث الغاشیة وأشباههما » (10).

وقال فی المبسوط والنهایة : یقرأ فی الأولی الأعلی ، وفی الثانیة الشمس (11). وهو قول ابن بابویه فی المقنع ومن لا یحضره الفقیه (12). ورواه إسماعیل بن جابر ، عن الباقر علیه السلام (13) ، إلا أن فی الطریق أحمد بن عبد الله القروی ، ولا یحضرنی الآن حاله ، فالعمل علی الأول لصحة مستنده.

وجوب قراءة سورة بعد الحمد فی صلاة العید

ص: 108


1- التهذیب 3 : 288 - 863 ، الوسائل 5 : 131 أبواب صلاة العید ب 26 ح 1.
2- الکافی فی الفقه : 154.
3- التذکرة 1 : 158.
4- الخلاف 1 : 264.
5- المقنعة : 32.
6- جمل العلم والعمل : 74.
7- الکافی فی الفقه : 153.
8- المهذب 1 : 112.
9- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 561.
10- التهذیب 3 : 127 - 270 ، الوسائل 5 : 106 أبواب صلاة العید ب 10 ح 4.
11- المبسوط 1 : 170 ، والنهایة : 135.
12- لم نجده فی المقنع ، لکنه موجود فی الفقیه 1 : 324.
13- التهذیب 3 : 132 - 288 ، الاستبصار 1 : 449 - 1738 ، وفیه : إسماعیل الجبلی ، الوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 10.

______________________________________________________

واعلم أن فی قول المصنف رحمه الله : ثم یکبر أربعا یقنت بینها أربعا ، تجوّز لأنه إذا کانت التکبیرات أربعا لم یتحقق کون القنوت بینها أربعا بل ثلاثا. وکان الأظهر أن یقول : ویقنت بعد کل تکبیرة. إلا أن المستفاد من الروایات سقوط القنوت بعد الخامسة والرابعة ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة یعقوب بن یقطین المتقدمة : « ویکبر خمسا ویدعو بینها ، ثم یکبر أخری یرکع بها » (1) الحدیث. وفی روایة إسماعیل الجعفی : « ثم یکبر خمسا یقنت بینهن ، ثم یکبر واحدة ویرکع بها » إلی أن قال : « وفی الثانیة والشمس وضحاها ، ثم یکبر أربعا ویقنت بینهن ثم یرکع بالخامسة » (2) وهو الظاهر من کلام ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه ، فإنه قال : یبدأ الإمام فیکبر واحدة ، ثم یقرأ الحمد وسبح اسم ربک الأعلی ، ثم یکبر خمسا یقنت بین کل تکبیرتین ، ثم یرکع بالسابعة (3).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : یستحب رفع الیدین مع کل تکبیرة کما فی تکبیر الصلاة الیومیة ، لروایة یونس ، قال : سألته عن تکبیر العیدین ، أیرفع یده مع کل تکبیرة أم یجزئه أن یرفع فی أول التکبیر؟ فقال : « مع کل تکبیرة » (4).

الثانی : لو نسی التکبیرات أو بعضها حتی رکع مضی فی صلاته ولا شی ء علیه ، لأنها لیست أرکانا ، ولعموم قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (5).

استحباب رفع الیدین مع التکبیرة فی العید

حکم من نسی التکبیر ورکع فی العید

ص: 109


1- فی ص 103.
2- التهذیب 3 : 132 - 288 ، الاستبصار 1 : 449 - 1738 وفیه : إسماعیل الجبلی ، الوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 10.
3- الفقیه 1 : 324.
4- التهذیب 3 : 288 - 866 ، الوسائل 5 : 136 أبواب صلاة العید ب 30 ح 1.
5- الفقیه 1 : 225 - 991 ، التهذیب 2 : 152 - 597 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 10 ح 5.

سنن هذه الصلاة الإصحار بها إلا بمکة.

______________________________________________________

وهل تقضی بعد الصلاة؟ أثبته الشیخ (1) ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « إذا نسیت شیئا من الصلاة ، رکوعا أو سجودا أو تکبیرا ، ثم ذکرت فاصنع الذی فاتک سهوا » (2).

ونفاه المصنف فی المعتبر (3) ومن تأخر عنه (4) ، لأنه ذکر تجاوز محله فیسقط للأصل السالم من المعارض.

الثالث : لو شک فی عدد التکبیر بنی علی الأقل لأنه المتیقن ، ولو ذکر بعد فعله أنه کان قد أتی به لم یضر لعدم رکنیته ، وکذا الشک فی القنوت.

الرابع : لا یتحمّل الإمام هنا التکبیر ولا القنوت وإنما یتحمل القراءة ، واحتمل فی الذکری تحمّل القنوت (5). وهو بعید.

الخامس : لو أدرک بعض التکبیرات مع الإمام دخل معه ، فإذا رکع الإمام أتی بالتکبیر والقنوت مخففا إن أمکن ولحق به ، وإلا قضاه بعد التسلیم عند الشیخ (6) ومن قال بمقالته (7). وسقط عند المصنف.

ویحتمل المنع من الاقتداء إذا علم التخلف عن الإمام بما یعتد به ، إذ الأصل عدم سقوط فرض مکلف بفعل آخر إلا فیما دل الدلیل علیه.

قوله : ( وسنن هذه الصلاة الإصحار بها إلا بمکة ).

حکم الشک فی عدد تکبیرات صلاة العید

عدم تحمل الامام التکبیر والقنوت عن المأموم فی صلاة العید

إجزاء إدراک بعض التکبیرات مع الامام

سنن صلاة العید

استحباب الاصحار بها الا بمکة

ص: 110


1- نقله عن الشیخ فی المعتبر 2 : 315 ، وعن الخلاف فی المنتهی 1 : 344 ، ولم نجده فی الخلاف.
2- التهذیب 2 : 350 - 1450 ، الوسائل 4 : 936 أبواب الرکوع ب 12 ح 3.
3- المعتبر 2 : 315.
4- منهم العلامة فی تحریر الأحکام 1 : 46 ، ونهایة الأحکام 2 : 61.
5- الذکری : 243.
6- المبسوط 1 : 171.
7- کالعلامة فی تحریر الأحکام 1 : 46.

______________________________________________________

أجمع علماؤنا وأکثر العامة (1) علی استحباب الإصحار بهذه الصلاة ، بمعنی فعلها فی الصحراء تأسیا بالنبی صلی الله علیه و آله ، فإنه کان یصلیها خارج المدینة علی ما نطقت به الأخبار ، فروی الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یخرج حتی ینظر إلی آفاق السماء » وقال : « لا یصلین یومئذ علی بساط ولا باریة » (2).

وروی أیضا عن معاویة : « أن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یخرج إلی البقیع فیصلی بالناس » (3).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن علی بن رئاب ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا ینبغی أن تصلی صلاة العید فی مسجد مسقف ولا فی بیت ، إنما تصلی فی الصحراء أو فی مکان بارز » (4).

وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه علیهماالسلام « أنه کان إذا صلی خرج یوم الفطر والأضحی وأبی أن یؤتی بطنفسة یصلی علیها ، یقول : هذا یوم کان رسول الله صلی الله علیه و آله یخرج فیه یبرز لآفاق السماء ویضع جبهته علی الأرض » (5).

ولا یستثنی من ذلک إلا مکة - زادها الله شرفا - فإن أهلها یصلون فی المسجد الحرام ، لما رواه الکلینی ، عن محمد بن یحیی رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « السنة علی أهل الأمصار أن یبرزوا من أمصارهم فی

ص: 111


1- منهم الشافعی فی الأم 1 : 234 ، وابن حزم فی المحلی 5 : 81 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 299 ، والشر بینی فی مغنی المحتاج 1 : 312.
2- التهذیب 3 : 285 - 849 ، الوسائل 5 : 119 أبواب صلاة العید ب 17 ح 10.
3- الکافی 3 : 460 - 3 ، الوسائل 5 : 118 أبواب صلاة العید ب 17 ح 6.
4- الفقیه 1 : 322 - 1471 ، الوسائل 5 : 117 أبواب صلاة العید ب 17 ح 2.
5- الفقیه 1 : 322 - 1472 ، الوسائل 5 : 117 أبواب صلاة العید ب 17 ح 1. بتفاوت یسیر.

والسجود علی الأرض. وأن یقول المؤذنون : الصلاة ثلاثا ، فإنه لا أذان لغیر الخمس.

______________________________________________________

العیدین ، إلا أهل مکة فإنهم یصلون فی المسجد الحرام » (1) ورواه ابن بابویه فی کتابه ، عن حفص بن غیاث ، عن الصادق علیه السلام (2).

وألحق ابن الجنید به مسجد النبی صلی الله علیه و آله (3). وهو مدفوع بفعل النبی صلی الله علیه و آله .

ولو کان هناک عذر من مطر أو خوف أو وحل ونحو ذلک صلیت فی المسجد ، حذرا من المشقة الشدیدة المنافیة للیسر فی التکلیف.

قوله : ( والسجود علی الأرض ).

دون غیرها مما یصح السجود علیه. والمستند فیه قول الصادق علیه السلام فی صحیحة الفضیل : « أتی أبی بخمرة یوم الفطر فأمر بردها وقال : هذا یوم کان رسول الله صلی الله علیه و آله یجب أن ینظر فیه إلی آفاق السماء ویضع جبهته علی الأرض » (4).

ویستحب مباشرة الأرض بجمیع البدن ، وتکره الصلاة علی البساط والباریة ونحوهما ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « لا یصلین یومئذ علی بساط ولا باریة » (5).

قوله : ( وأن یقول المؤذن الصلاة ثلاثا ، فإنه لا أذان لغیر الخمس ).

استحباب السجود علی الأرض فی صلاة العید

استحباب قول المؤذنین الصلاة ثلاثا لصلاة العید

ص: 112


1- الکافی 3 : 461 - 10 ، الوسائل 5 : 118 أبواب صلاة العید ب 17 ح 8.
2- الفقیه 1 : 321 - 1470 ، الوسائل 5 : 117 أبواب صلاة العید ب 17 ح 3 ، وفیهما : عن جعفر بن محمد عن أبیه علیهماالسلام .
3- نقله عنه فی المختلف : 115.
4- الکافی 3 : 461 - 7 ، التهذیب 3 : 284 - 846 ، الوسائل 5 : 118 أبواب صلاة العید ب 17 ح 5.
5- التهذیب 3 : 285 - 849 ، الوسائل 5 : 119 أبواب صلاة العید ب 17 ح 10.

وأن یخرج الإمام حافیا ، ماشیا علی سکینة ووقار ، ذاکرا لله سبحانه .. وأن یطعم قبل خروجه فی الفطر ، وبعد عوده فی الأضحی مما یضحّی به ..

______________________________________________________

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، وتدل علیه صحیحة إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : أرأیت صلاة العیدین ، هل فیهما أذان وإقامة؟ قال : « لیس فیهما أذان ولا إقامة ، ولکن ینادی : الصلاة ثلاث مرات » (1).

قال فی الذکری : وظاهر الأصحاب أن هذا النداء لیعلم الناس بالخروج إلی المصلی ، لأنه أجری مجری الأذان المعلم بالوقت (2). ومقتضی ذلک أن محله قبل القیام إلی الصلاة.

وقال أبو الصلاح : محل هذا النداء بعد القیام إلی الصلاة ، فإذا قال المؤذنون ذلک کبر الإمام تکبیرة الإحرام ودخل بهم فی الصلاة (3). والظاهر تأدی السنة بکلا الأمرین.

قوله : ( وأن یخرج الإمام حافیا ، علی سکینة ووقار ، ذاکرا لله سبحانه ).

یدل علی ذلک فعل الرضا علیه السلام لمّا خرج إلی صلاة العید فی عهد المأمون (4). ولا ریب فی رجحان ذلک لما فیه من الخضوع والتواضع لله تعالی.

قوله : ( وأن یطعم قبل خروجه فی الفطر ، وبعد عوده فی الأضحی مما یضحی به ).

یطعم - بفتح الیاء وسکون الطاء - مضارع طعم کعلم أی یأکل. وهذا

استحباب التحفی وغیره للامام

استحباب الطعمة قبل الفطر وبعد الأضحی

ص: 113


1- الفقیه 1 : 322 - 1473 ، التهذیب 3 : 290 - 873 ، الوسائل 5 : 101 أبواب صلاة العید ب 7 ح 1.
2- الذکری : 240.
3- الکافی فی الفقه : 153.
4- الکافی 2 : 488 - 7 ، عیون أخبار الرضا 2 : 147 - 21 ، إرشاد المفید : 312 ، الوسائل 5 : 120 أبواب صلاة العید ب 19 ح 1.

وأن یکبّر فی الفطر عقیب أربع صلوات ، أوّلها المغرب لیلة الفطر ، وآخرها صلاة العید.

______________________________________________________

الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول عامة أهل العلم (1). وتدل علیه روایات کثیرة ، منها : روایة جراح المدائنی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اطعم یوم الفطر قبل أن تصلی ، ولا تطعم یوم الأضحی حتی ینصرف الإمام » (2). وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اطعم یوم الفطر قبل أن تخرج إلی المصلی » (3) وروایة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا تأکل یوم الأضحی إلا من أضحیتک إن قویت وإن لم تقو فمعذور » (4).

ویستحب فی یوم الفطر الإفطار علی الحلو ، لما روی أن النبی صلی الله علیه و آله کان یأکل قبل خروجه تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أکثر (5).

ولا یجوز الإفطار علی التربة الحسینیة إلا بقصد الاستشفاء لمن کان به علة کغیره من الأیام.

قوله : ( وأن یکبر فی الفطر عقیب أربع صلوات ، أولها المغرب وآخرها صلاة العید ).

استحباب التکبیر فی الفطر عقیب هذه الفرائض الأربع مذهب أکثر الأصحاب. وظاهر المرتضی - رضی الله عنه - فی الانتصار أنه واجب (6). وضم

استحباب التکبیر عقیب الصلوات أیام العید

ص: 114


1- المنتهی 1 : 345.
2- الکافی 4 : 168 - 2 ، الفقیه 2 : 113 - 483 ، التهذیب 3 : 138 - 310 ، الوسائل 5 : 113 أبواب صلاة العید ب 12 ح 5.
3- الکافی 4 : 168 - 1 ، التهذیب 3 : 138 - 309 ، الوسائل 5 : 113 أبواب صلاة العید ب 12 ح 4.
4- الفقیه 1 : 321 - 1469 ، الوسائل 5 : 113 أبواب صلاة العید ب 12 ح 1 بتفاوت یسیر.
5- مستدرک الحاکم 1 : 294.
6- الانتصار : 57.

وفی الأضحی عقیب خمس عشرة صلاة ، أولها الظهر یوم النحر. وفی الأمصار عقیب عشر یقول : الله أکبر الله أکبر وفی الثالثة تردد ، لا إله إلا الله والله أکبر ، الحمد لله علی ما هدانا ، وله الشکر علی ما أولانا. ویزید فی الأضحی. ورزقنا من بهیمة الأنعام.

______________________________________________________

ابن بابویه إلی هذه الصلوات الأربع صلاة الظهرین (1). وابن الجنید النوافل أیضا (2).

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة روایة سعید النقاش قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام لی : « أما إن فی الفطر تکبیرا ولکنه مسنون » قال ، قلت : وأین هو؟ قال : « فی لیلة الفطر فی المغرب والعشاء الآخرة ، وفی صلاة الفجر وصلاة العید ثم یقطع » قال ، قلت : کیف أقول؟ قال : « تقول : الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلا الله والله أکبر والله الحمد ، الله أکبر علی ما هدانا ، وهو قول الله ( وَلِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُکَبِّرُوا اللهَ عَلی ما هَداکُمْ ) (3) » (4). وهی صریحة فی الاستحباب ، وینبغی العمل بها فی کیفیة التکبیر ومحله وإن ضعف سندها ، لأنها الأصل فی هذا الحکم.

قوله : ( وفی الأضحی عقیب خمس عشرة صلاة ، أولها الظهر یوم النحر. وفی الأمصار عقیب عشر. یقول : الله أکبر الله أکبر وفی الثالثة تردد ، لا إله إلا الله والله أکبر ، الحمد لله علی ما هدانا ، وله الشکر علی ما أولانا ، ویزید فی الأضحی : ورزقنا من بهیمة الأنعام ).

المشهور بین الأصحاب أن ذلک علی سبیل الاستحباب أیضا ، وقال

ص: 115


1- نقله عنه فی المختلف : 115 ، والموجود فی المقنع : 46 : ومن السنة التکبیر لیلة الفطر ویوم الفطر فی عشر صلوات.
2- نقله عنه فی المختلف : 115.
3- البقرة : 185.
4- الکافی 4 : 166 - 1 ، الفقیه 2 : 108 - 464 ، التهذیب 3 : 138 - 311 ، الوسائل 5 : 122 أبواب صلاة العید ب 20 ح 2 ، بتفاوت.

ویکره الخروج بالسلاح.

______________________________________________________

المرتضی (1) وابن الجنید (2) والشیخ فی الإستبصار (3) بالوجوب ، لما رواه محمد بن مسلم فی الحسن ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَاذْکُرُوا اللهَ فِی أَیّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (4) قال : « التکبیر فی أیام التشریق من صلاة الظهر من یوم النحر إلی صلاة الفجر من الیوم الثالث ، وفی الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر الناس النفر الأول أمسک أهل الأمصار » (5).

واختلف الأصحاب فی کیفیة التکبیر فی الأضحی ، والأجود العمل بما رواه معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « والتکبیر أن تقول : الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلا الله والله أکبر ، الله أکبر ولله الحمد ، الله أکبر علی ما هدانا ، الله أکبر علی ما رزقنا من بهیمة الأنعام ، والحمد لله علی ما أبلانا » (6).

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : وسألته عن التکبیر بعد کل صلاة فقال : « کم شئت ، إنه لیس شی ء موقت » یعنی فی الکلام (7).

قوله : ( ویکره الخروج بالسلاح ).

لمنافاته الخضوع والاستکانة ، ولقول أمیر المؤمنین علیه السلام : « نهی

کراهة الخروج بالسلاح یوم العید

ص: 116


1- الانتصار : 57.
2- نقله عنه فی المختلف : 115.
3- الاستبصار 2 : 299.
4- البقرة : 203.
5- الکافی 4 : 516 - 1 ، التهذیب 5 : 269 - 920 ، الإستبصار 2 : 299 - 1068 ، الوسائل 5 : 123 أبواب صلاة العید ب 21 ح 1 ، بتفاوت.
6- الکافی 4 : 517 - 4 ، التهذیب 5 : 269 - 922 ، الوسائل 5 : 124 أبواب صلاة العید ب 21 ح 4.
7- الکافی 4 : 517 - 5 ، التهذیب 5 : 487 - 1737 الوسائل 5 : 129 أبواب صلاة العید ب 21 ح 1.

وأن یتنفّل قبل الصلاة أو بعدها إلا بمسجد النبی علیه السلام بالمدینة ، فإنه یصلی رکعتین قبل خروجه.

______________________________________________________

النبی صلی الله علیه و آله أن یخرج السلاح فی العیدین إلا أن یکون عدو ظاهر » (1).

قوله : ( وأن یتنفل قبل الصلاة وبعدها إلا بمسجد النبی صلی الله علیه و آله بالمدینة ، فإنه یصلی رکعتین قبل خروجه ).

المراد أنه یکره التنفل قبل صلاة العید وبعدها إلی الزوال ، إلا فی المدینة فإنه یستحب لمن کان فیها أن یقصد مسجد النبی صلی الله علیه و آله - إن لم یکن فیه قبل خروجه إلی المصلی - لیصلی فیه رکعتین.

أما الکراهة فی غیر المدینة فلقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « صلاة العیدین مع الإمام سنة ، ولیس قبلها ولا بعدها صلاة ذلک الیوم إلی الزوال » (2).

وأما استحباب صلاة رکعتین فی مسجد النبی صلی الله علیه و آله قبل الخروج إلی المصلی فیدل علیه ما رواه محمد بن الفضل الهاشمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « رکعتان من السنة لیس تصلیان فی موضع إلا بالمدینة » قال : « یصلی فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله فی العید قبل أن یخرج إلی المصلی ، لیس ذلک إلا بالمدینة ، لأن رسول الله صلی الله علیه و آله فعله » (3).

کراهة التنفل یوم العید إلا بمسجد النبی

ص: 117


1- الکافی 3 : 460 - 6 ، التهذیب 3 : 137 - 305 ، الوسائل 5 : 116 أبواب صلاة العید ب 16 ح 1 ، وفیها جعفر عن أبیه علیه السلام .
2- الفقیه 1 : 320 - 1458 ، التهذیب 3 : 134 - 292 ، الإستبصار 1 : 443 - 1712 ، الوسائل 5 : 95 أبواب صلاة العید ب 1 ح 2.
3- الکافی 3 : 461 - 11 ، الفقیه 1 : 322 - 1475 ، التهذیب 3 : 138 - 308 وفیه : الفضیل بدل الفضل ، الوسائل 5 : 102 أبواب صلاة العید ب 7 ح 10.

مسائل خمس :

الأولی : التکبیر الزائد هل هو واجب؟ فیه تردد ، والأشبه الاستحباب ، وبتقدیر الوجوب هل القنوت واجب؟ الأظهر لا ، وبتقدیر وجوبه هل یتعین فیه لفظ؟ الأظهر أنه لا یتعین وجوبا.

الثانیة : إذا اتفق عید وجمعة ، فمن حضر العید کان بالخیار فی حضور الجمعة. وعلی الإمام أن یعلمهم ذلک فی خطبته. وقیل : الترخیص مختص بمن کان نائیا عن البلد ، کأهل السواد ، دفعا لمشقة العود ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وهنا مسائل ، الأولی : التکبیر الزائد هل هو واجب؟ فیه تردد ، والأشبه الاستحباب ، وبتقدیر الوجوب هل القنوت واجب؟ الأظهر لا ، وبتقدیر وجوبه هل یتعین فیه لفظ؟ الأظهر أنه لا یتعین وجوبا ).

قد تقدم الکلام فی هذه المسائل مستوفی فلا وجه لإعادته.

قوله : ( الثانیة ، إذا اتفق عید وجمعة ، فمن حضر العید کان بالخیار فی حضور الجمعة ، وعلی الإمام أن یعلمهم ذلک فی خطبته ، وقیل : الترخیص مختص بمن کان نائیا عن البلد ، کأهل السواد ، دفعا لمشقة العود ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی جملة من کتبه : إذا اجتمع عید وجمعة تخیّر من صلی العید فی حضور الجمعة وعدمه (1). ونحوه قال المفید فی المقنعة (2). ورواه ابن بابویه فی کتابه (3). واختاره ابن إدریس (4). وقال ابن الجنید فی ظاهر کلامه باختصاص الترخص بمن کان قاصی

عدم وجوب التکبیر الزائد ولیس له لفظ خاص

حکم ما لو اتفق عید وجمعة

ص: 118


1- النهایة : 134 ، والخلاف 1 : 270 ، والمبسوط 1 : 170.
2- المقنعة : 33.
3- الفقیه 1 : 323 - 1477 ، الوسائل 5 : 115 أبواب صلاة العید ب 15 ح 1.
4- السرائر : 66.

______________________________________________________

المنزل (1). وقال أبو الصلاح : وقد وردت الروایة إذا اجتمع عید وجمعة أن المکلف مخیر فی حضور أیهما شاء ، والظاهر من المسألة وجوب عقد الصلاتین وحضورهما علی من خوطب بذلک (2). ونحوه قال ابن البراج (3) وابن زهرة (4). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الفطر والأضحی إذا اجتمعا یوم الجمعة ، فقال : « اجتمعا فی زمان علی علیه السلام فقال : من شاء أن یأتی الجمعة فلیأت ، ومن قعد فلا یضره ولیصل الظهر » (5) وهی مع صحة سندها وصراحتها فی المطلوب مؤیدة بالأصل وعمل الأصحاب.

احتج ابن الجنید علی ما نقل عنه (6) بما رواه إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبیه : « إن علی بن أبی طالب علیه السلام کان یقول : إذا اجتمع عیدان للناس فی یوم واحد فإنه ینبغی للإمام أن یقول للناس فی خطبته الأولی إنه قد اجتمع لکم عیدان فأنا أصلیهما جمیعا ، فمن کان مکانه قاصیا فأحب أن ینصرف عن الآخر فقد أذنت له » (7) ونحوه روی أبان بن عثمان ، عن سلمة ، عن أبی عبد الله علیه السلام (8).

والجواب - بعد تسلیم السند - منع الدلالة علی اختصاص الرخصة

ص: 119


1- نقله عنه فی المختلف : 113.
2- الکافی فی الفقه : 155.
3- المهذب 1 : 123.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 562.
5- المتقدم فی ص 118 ه 3.
6- المختلف : 113.
7- التهذیب 3 : 137 - 304 ، الوسائل 5 : 116 أبواب صلاة العید ب 15 ح 3.
8- الکافی 3 : 461 - 8 ، التهذیب 3 : 137 - 306 ، الوسائل 5 : 116 أبواب صلاة العید ب 15 ح 2.

الثالثة : الخطبتان فی العیدین بعد الصلاة ، وتقدیمهما بدعة ،

______________________________________________________

بالنائی ، فإن استحباب إذن الإمام فی الخطبة للنائی فی عدم الحضور لا یقتضی وجوب الحضور علی غیره.

احتج القائلون بوجوب الصلاتین بأن دلیل الحضور فیهما قطعی ، وخبر الواحد المتضمن لسقوط الجمعة والحال هذه إنما یفید الظن ، فلا یعارض القطع.

وأجاب عنه فی الذکری بأن الخبر المتلقی بالقبول المعمول علیه عند معظم الأصحاب فی قوة المتواتر فیلحق بالقطعی ، وبأن نفی الحرج والعسر یدل علی ذلک أیضا ، فیکون الخبر معتضدا بالکتاب العزیز (1). هذا کلامه رحمه الله . وفیه بحث طویل لیس هذا محله.

وقد قطع ( جمع من الأصحاب منهم المرتضی فی المصباح ) (2) بوجوب الحضور علی الإمام ، فإن اجتمع معه العدد صلی الجمعة ، وإلا سقطت وصلی الظهر وربما ظهر من کلام الشیخ فی الخلاف تخییر الإمام أیضا (3). ولا بأس به.

قوله : ( الثالثة ، الخطبتان فی العید بعد الصلاة وتقدیمهما بدعة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا إلا من بنی أمیة (4). وأخبارنا به مستفیضة ، فروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی صلاة العیدین ، قال : « إن الصلاة قبل الخطبتین [ والتکبیر ] (5) بعد القراءة ، سبع فی الأولی وخمس فی الأخیرة ، وکان أول من أحدثها بعد الخطبة عثمان ، لما أحدث أحداثه ، کان إذا فرغ من

الخطبتان فی العید بعد الصلاة

ص: 120


1- الذکری : 243.
2- بدل ما بین القوسین فی « ح » ونسخة فی « م » : أکثر الأصحاب.
3- الخلاف 1 : 270.
4- المنتهی 1 : 345.
5- أثبتناه من المصدر.

ولا یجب استماعهما بل یستحب.

______________________________________________________

الصلاة قام الناس لیرجعوا فلما رأی ذلک قدم الخطبتین واحتبس الناس للصلاة » (1).

وروی معاویة - وهو ابن عمار - قال : سألته عن صلاة العیدین فقال : « رکعتان » ثم قال : « والخطبة بعد الصلاة ، وإنما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان ، وإذا خطب الإمام فلیقعد بین الخطبتین قلیلا » (2).

وروی سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « والخطبة بعد الصلاة » (3).

ولم یتعرض المصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب لبیان حال الخطبتین من حیث الوجوب أو الاستحباب ، ونقل عنه فی المعتبر أنه جزم بالاستحباب وادعی علیه الإجماع (4). وقال العلامة فی جملة من کتبه بالوجوب (5) ، واحتج علیه فی التذکرة بورود الأمر بهما ، وهو حقیقة فی الوجوب. وکأنه أراد بالأمر ما یستفاد من الجمل الخبریة ، فإنا لم نقف فی ذلک علی أمر صریح ، والمسألة محل تردد. وکیف کان فیجب القطع بسقوطهما مع الانفراد للأصل السالم من المعارض.

قوله : ( ولا یجب استماعهما بل یستحب ).

هذا الحکم مجمع علیه بین المسلمین ، حکاه فی التذکرة والمنتهی ، مع تصریحه فی الکتابین بوجوب الخطبتین. وهو دلیل قوی علی الاستحباب.

وروی العامة عن عبد الله بن السائب ، قال : شهدت مع رسول الله صلی الله علیه و آله صلاة العید فلما قضی الصلاة قال : « إنا نخطب فمن أحب

استحباب استماع الخطبة

ص: 121


1- التهذیب 3 : 287 - 860 ، الوسائل 5 : 110 أبواب صلاة العید ب 11 ح 2.
2- الکافی 3 : 460 - 3 ، التهذیب 3 : 129 - 278 ، المقنعة : 33 ، الوسائل 5 : 110 أبواب صلاة العید ب 11 ح 1.
3- التهذیب 3 : 130 - 281 ، الوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 9.
4- المعتبر 2 : 324.
5- المنتهی 1 : 345 ، والتذکرة 1 : 159 ، ونهایة الأحکام 2 : 61 ، وتحریر الأحکام : 46.

الرابعة : لا ینقل المنبر من الجامع ، بل یعمل شبه المنبر من طین استحبابا.

الخامسة : إذا طلعت الشمس حرم السفر حتی یصلی صلاة العید إن کان ممن تجب علیه. وفی خروجه بعد الفجر قبل طلوعها تردد ، والأشبه الجواز.

______________________________________________________

أن یجلس للخطبة فلیجلس ، ومن أحب أن یذهب فلیذهب » (1).

قوله : ( الرابعة ، لا ینقل المنبر من الجامع ، بل یعمل شبه المنبر من طین استحبابا ).

هذان الحکمان إجماعیان منصوصان فی عدة روایات ، کصحیحة إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : أرأیت صلاة العیدین ، هل فیهما أذان وإقامة؟ قال : « لیس فیهما أذان ولا إقامة ، ولکن ینادی : الصلاة ثلاث مرات ، ولیس فیهما منبر ، المنبر لا یحرک من موضعه ولکن یصنع الإمام شبه المنبر من طین یقوم علیه فیخطب بالناس ثم ینزل » (2).

قوله : ( الخامسة ، إذا طلعت الشمس حرم السفر حتی یصلی صلاة العید إن کان ممن تجب علیه ).

المراد بالسفر : المستلزم لترک الصلاة سواء کان إلی مسافة أم لا. وقد قطع الأصحاب بتحریمه ، لاستلزامه الإخلال بالواجب ، والکلام المتقدم فی السفر یوم الجمعة بعد الزوال آت هنا.

قوله : ( وفی خروجه بعد الفجر قبل طلوعها تردد ، والأشبه الجواز ).

منشأ التردد أصالة الجواز المسألة من معارضة الإخلال بالواجب ، وقوله

استحباب عمل شبه منبر للامام ولا ینقل منبر الجامع

حکم السفر قبل صلاة العید

ص: 122


1- سنن ابن ماجة 1 : 410 - 1290.
2- الفقیه 1 : 322 - 1473 ، التهذیب 3 : 290 - 873 ، الوسائل 5 : 137 أبواب صلاة العید ب 33 ح 1.

______________________________________________________

علیه السلام فی روایة أبی بصیر : « إذا أردت الشخوص فی یوم عید فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتی تشهد ذلک العید » (1).

قال فی الذکری : ولما لم یثبت الوجوب حمل النهی عن السفر علی الکراهة (2).

ویشکل بعدم المنافاة بین الأمرین حتی یتوجه الحمل. لکن الراوی وهو أبو بصیر مشترک بین الثقة والضعیف ، فلا یصح التعلق بروایته والخروج بها عن مقتضی الأصل. أما الخروج قبل الفجر فقال فی التذکرة إنه جائز إجماعا (3).

تم الجزء الأول من کتاب مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام ، مع اشتغال البال وضیق المجال ، ضحی یوم السبت ثالث عشر ذی القعدة الحرام من شهور سنة تسع وثمانین وتسعمائة ، علی ید مصنفه العبد المفتقر إلی عفو الله تعالی : محمد بن علی بن الحسین بن أبی الحسن الحسینی ، حامدا مصلیا مسلما. ونسأل الله تعالی بعد المغفرة إتمام هذا الکتاب وجعله خالصا لوجهه الکریم بمنه وکرمه.

ص: 123


1- الفقیه 1 : 323 - 1480 ، التهذیب 3 : 286 - 853 ، الوسائل 5 : 133 أبواب صلاة العید ب 27 ح 1.
2- الذکری : 239.
3- التذکرة 1 : 162.

الفصل الثّالث

فی صلاة الکسوف

والکلام فی : سببها ، وکیفیتها ، وحکمها.

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحیم

فی صلاة الکسوف

الحمد لله حمدا کثیرا کما هو أهله ، وصلی الله علی سیدنا محمد وآله.

قوله : ( الفصل الثالث : فی صلاة الکسوف ، والکلام فی سببها وکیفیتها وأحکامها ).

قال فی القاموس : یقال : کسف الشمس والقمر کسوفا احتجبا کانکسفا ، والله إیاهما حجبهما ، والأحسن فی القمر خسف وفی الشمس کسفت (1). ونحوه قال الجوهری إلاّ أنه جعل انکسفت الشمس من کلام العامة (2). وهو وهم ، فإن الأخبار مملوءة بلفظ الانکساف.

وإنما عنون المصنف الفصل بصلاة الکسوف الشامل لاحتجاب القمرین مع أنه معقود لصلاة الآیات الشاملة للکسوف والزلازل وغیرهما ، لکثرة وقوعهما بالنسبة إلی غیرهما من الآیات ، ولانعقاد الإجماع علی شرعیتهما ، واختصاص أکثر النصوص بهما (3).

ص: 124


1- القاموس المحیط 3 : 196.
2- الصحاح 4 : 1421.
3- الوسائل 5 : 142 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 1.

أما الأول : فتجب عند کسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة.

______________________________________________________

ویمکن أن یکون المراد بصلاة الکسوف : الصلاة المخصوصة التی من شأنها أن تصلّی للکسوف ، کما یدل علیه ذکر الزلزلة وغیرها فی بیان سببها ، وقد وقع نحو ذلک فی صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام حیث قال فیها : « کل أخاویف السماء من ظلمة أو فزع أو ریح فصلّ له صلاة الکسوف حتی یسکن » (1).

وروی ابن بابویه - رضی الله عنه - فی کتاب علل الشرائع والأحکام بسنده إلی الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « إنما جعل للکسوف صلاة لأنه من آیات الله تبارک وتعالی لا یدری ألرحمة ظهرت أم لعذاب؟ فأحب النبی صلی الله علیه و آله أن تتضرع أمته إلی خالقها وراحمها عند ذلک لیصرف عنهم شرها ویقیهم مکروهها ، کما صرف عن قوم یونس حین تضرعوا إلی الله عزّ وجلّ » (2).

قوله : ( أما الأول ، فتجب عند کسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة ).

أجمع علماؤنا کافة علی وجوب الصلاة بکسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة علی الأعیان ، حکاه فی التذکرة (3). والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وقت صلاة الکسوف فی الساعة التی تنکسف عند طلوع الشمس وعند غروبها » قال ، وقال أبو عبد الله علیه السلام : « هی فریضة » (4).

صلاة الکسوف

أسباب وجوب صلاة الکسوف

ص: 125


1- الکافی 3 : 464 - 3 ، الفقیه 1 : 346 - 1529 ، التهذیب 3 : 155 - 330 ، الوسائل 5 : 144 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 2 ح 1.
2- علل الشرائع : 269 ، الوسائل 5 : 142 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 1 ح 3.
3- التذکرة 1 : 162.
4- الکافی 3 : 464 - 4 ، التهذیب 3 : 293 - 886 ، الوسائل 5 : 146 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 4 ح 2.

وهل تجب لما عدا ذلک من ریح مظلمة وغیرها من أخاویف السماء؟ قیل : نعم ، وهو المروی. وقیل : لا ، بل یستحب. وقیل : تجب للریح المخوفة والظلمة الشدیدة حسب.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن عمر بن أذینة ، عن رهط وهم الفضیل بن یسار وزرارة وبرید ومحمد بن مسلم ، عن کلیهما علیهماالسلام ، ومنهم من رواه عن أحدهما علیهماالسلام : « إن صلاة کسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر رکعات وأربع سجدات ، صلاّها رسول الله صلی الله علیه و آله والناس خلفه فی کسوف الشمس ففرغ حین فرغ وقد انجلی کسوفها » ورووا أن الصلاة فی هذه الآیات کلها سواء (1). وإطلاق التسویة یقتضی بظاهره الاشتراک فی الوجوب.

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « صلاة العیدین فریضة ، وصلاة الکسوف فریضة » (2).

وعن سلیمان الدیلمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أراد الله أن یزلزل الأرض أمر الملک أن یحرّک عروقها فتتحرک بأهلها » قلت : فإذا کان ذلک فما أصنع؟ قال : « صل صلاة الکسوف » (3) وهذه الروایة ضعیفة السند (4).

قوله : ( وهل تجب لما عدا ذلک من ریح مظلمة وغیرها من أخاویف السماء؟ قیل : نعم ، وهو المروی ، وقیل : لا ، بل یستحب ، وقیل : تجب للریح المخوفة والظلمة الشدیدة حسب ).

ص: 126


1- التهذیب 3 : 155 - 333 ، الوسائل 5 : 149 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 7 ح 1.
2- الفقیه 1 : 320 - 1457 ، الوسائل 5 : 142 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 1 ح 2.
3- الفقیه 1 : 343 - 1517 ، علل الشرائع : 556 - 7 ، الوسائل 5 : 159 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 13 ح 3 بتفاوت یسیر.
4- لعل وجه الضعف هو ما قیل من أن راویها من الغلاة الکبار ، وأیضا طریق الصدوق إلیه ضعیف بمحمد بن سلیمان - راجع رجال الکشی 2 : 673 ، ورجال النجاشی : 182 - 482 ، ومعجم رجال الحدیث 8 : 286 - 5526.

______________________________________________________

القول بوجوب الصلاة لأخاویف السماء کلها کالظلمة العارضة ، والحمرة الشدیدة ، والریاح العاصفة ، والصاعقة الخارجة عن قانون العادة مذهب الأکثر ، کالشیخ فی الخلاف (1) ، والمفید (2) ، والمرتضی (3) ، وابن الجنید (4) ، وابن أبی عقیل (5) ، وابن إدریس (6) ، وغیرهم (7). وقال فی النهایة : صلاة الکسوف ، والزلازل ، والریاح المخوفة ، والظلمة الشدیدة فرض واجب لا یجوز ترکها علی حال (8). وقال فی الجمل : صلاة الکسوف فریضة فی أربعة مواضع : عند کسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلازل ، والریاح السود المظلمة (9). ونقل عن أبی الصلاح أنه لم یتعرض لذکر غیر الکسوفین (10).

والمعتمد الأول ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه کصحیحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا ، قلنا لأبی جعفر علیه السلام : هذه الریاح والظلم التی تکون هل یصلّی لها؟ فقال : « کل أخاویف السماء من ظلمة أو ریح أو فزع فصلّ له صلاة الکسوف حتی یسکن » (11).

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الریح والظلمة تکون فی السماء والکسوف ، فقال علیه السلام : « صلاتهما سواء » (12).

ص: 127


1- الخلاف 1 : 274.
2- المقنعة : 35.
3- جمل العلم والعمل : 76.
4- نقله عنهما فی المختلف : 116.
5- نقله عنهما فی المختلف : 116.
6- السرائر : 71.
7- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 124.
8- النهایة : 136.
9- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 193.
10- الکافی فی الفقه : 155.
11- الکافی 3 : 464 - 3 ، الفقیه 1 : 346 - 1529 ، التهذیب 3 : 155 - 330 ، الوسائل 5 : 144 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 2 ح 1.
12- الفقیه 1 : 341 - 1512 ، الوسائل 5 : 144 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 2 ح 2.

ووقتها ، فی الکسوف من حین ابتدائه إلی حین انجلائه ،

______________________________________________________

وصحیحة محمد بن مسلم وبرید بن معاویة ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام قالا : « إذا وقع الکسوف أو بعض هذه الآیات فصلّها ما لم تتخوف أن یذهب وقت الفریضة » (1).

ومقتضی الروایة الأولی وجوب الصلاة لأخاویف السماء کلها ، والظاهر أن المراد به ما یحصل منه الخوف لعامة الناس.

ولو کسف بعض الکواکب ، أو کسف بعض الکواکب لأحد النیرین - کما نقل أن الزهرة رئیت فی جرم الشمس کاسفة لها - فقد استقرب العلاّمة فی التذکرة (2) ، والشهید فی البیان (3) عدم وجوب الصلاة بذلک ، لأن الموجب لها الآیة المخوفة لعامة الناس وأغلبهم لا یشعرون بذلک. واحتمل فی الذکری الوجوب ، لأنها من الأخاویف (4).

والأجود إناطة الوجوب بما یحصل منه الخوف کما تضمنته الروایة.

قوله : ( ووقتها فی الکسوف من حین ابتدائه إلی حین انجلائه ).

أما أن أول وقتها فی الکسوف من حین ابتدائه ، فقال العلاّمة فی المنتهی : إنه قول علماء الإسلام (5) ، لقول النبی صلی الله علیه و آله : « فإذا رأیتم ذلک فصلّوا » (6) وقول الصادق علیه السلام : « وقت صلاة الکسوف فی الساعة التی تنکسف » (7).

وقت الصلاة فی الکسوف

ص: 128


1- الفقیه 1 : 346 - 1530 ، الوسائل 5 : 148 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 4.
2- التذکرة 1 : 166.
3- البیان : 115.
4- الذکری : 247.
5- المنتهی 1 : 352.
6- صحیح مسلم 2 : 618 - 620 ح 1 ، 2 ، 3 ، وسنن النسائی 3 : 130 - 132 ، وسنن ابن ماجة 1 : 401 ح 1263. باختلاف یسیر فی ألفاظ الحدیث بین المصادر.
7- الکافی 3 : 464 - 4 ، التهذیب 3 : 293 - 886 ، الوسائل 5 : 146 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 4 ح 2.

______________________________________________________

وإنما الخلاف فی آخره ، فذهب جماعة منهم المصنف - رحمه الله - هنا ظاهرا ، وفی المعتبر صریحا إلی أنه تمام الانجلاء (1). وقال الشیخان (2) ، وابن حمزة (3) ، وابن إدریس (4) ، والمصنف فی النافع : إنه الأخذ فی الانجلاء (5). والأصح الأول.

لنا : أن وجوب الصلاة بالکسوف متحقق ، ولا دلیل علی انتهاء وقته بالأخذ فی الانجلاء فیستمر إلی آخره ، ویدل علیه أیضا قول الصادق علیه السلام فی موثقة عمّار : « إن صلّیت الکسوف فإلی أن یذهب الکسوف » (6) والذهاب إنما یکون بالانجلاء التام.

وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « صلاة الکسوف إذا فرغت قبل أن ینجلی فأعد » (7) ولو خرج الوقت بالأخذ فی الانجلاء لما استحبت الإعادة بعده کما لا تستحب بعد الانجلاء التام. ولم نقف للقائلین بانتهاء الوقت بالأخذ فی الانجلاء علی دلیل یعتد به.

قال فی المعتبر : فإن احتج الشیخ بما رواه حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : ذکروا عنده انکساف الشمس وما یلقی الناس من شدته فقال : « إذا انجلی منه شی ء فقد انجلی » (8) فلا حجة فی ذلک ، لاحتمال أن یکون أراد تساوی الحالین فی زوال الشدة ، لا بیان الوقت (9).

ص: 129


1- المعتبر 2 : 330.
2- المفید فی المقنعة : 35 ، والشیخ فی النهایة : 137 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ): 194.
3- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 677.
4- السرائر : 72.
5- المختصر النافع : 39.
6- التهذیب 3 : 291 - 876 ، الوسائل 5 : 146 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 4 ح 5.
7- التهذیب 3 : 156 - 334 ، الوسائل 5 : 153 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 8 ح 1.
8- الفقیه 1 : 347 - 1535 ، التهذیب 3 : 291 - 877 ، الوسائل 5 : 146 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 4 ح 3.
9- المعتبر 2 : 330.

فإن لم یتّسع لها لم تجب.

______________________________________________________

وتظهر الفائدة فی نیة القضاء أو الأداء لو شرع فی الانجلاء ، وکذا فی ضرب زمان التکلیف الذی یسع الصلاة.

ولو غابت الشمس أو القمر بعد الکسوف وقبل الانجلاء وجبت الصلاة أداء إلی أن یتحقق الانجلاء. وکذا لو سترها غیم أو طلعت الشمس علی القمر ، لإطلاق الأمر ، وعدم العلم بانقضاء الوقت المقتضی لفوات الأداء.

قال فی الذکری : ولو اتفق إخبار رصدیین عدلین بمدة المکث أمکن العود إلیهما ، ولو أخبرا بالکسوف فی وقت مترقب فالأقرب أنهما ومن أخبراه بمثابة العالم ، وکذا لو اتفق العلم بخبر الواحد للقرائن (1).

ولا ریب فی الوجوب حیث یحصل العلم للسامع ، أو یستند إخبار العدلین إلیه.

قوله : ( فإن لم یتسع لها لم تجب ).

المراد أن وقت الکسوف إذا لم یتسع لأخف الصلاة لم تجب ، لاستحالة التکلیف بعبادة موقتة فی وقت لا یسعها. ومقتضی ذلک أن المکلف لو اتفق شروعه فی الصلاة فی ابتداء الوقت فتبیّن ضیقه عنها وجب القطع ، لانکشاف عدم الوجوب.

ویظهر من المصنف - رحمه الله - فی المعتبر التوقف فی ذلک فإنه قال : لو ضاق وقت الکسوف عن إدراک رکعة لم تجب ، وفی وجوبها مع قصور الوقت عن أخف الصلاة تردد (2). وکأن منشأ التردد مما ذکرناه ، ومن عدم صراحة الروایات فی التوقیت ، لکن فرقه بین ما إذا ضاق الوقت عن إدراک رکعة وبین ما إذا وسع الوقت رکعة وقصر عن أخف الصلاة غیر واضح.

واستوجه العلاّمة فی المنتهی وجوب الصلاة مع إدراک رکعة ، نظرا إلی أن

ص: 130


1- الذکری : 244.
2- المعتبر 2 : 341.

وکذا الریاح والأخاویف إن قلنا بالوجوب.

______________________________________________________

إدراک الرکعة بمنزلة إدراک الصلاة (1). وهو ضعیف جدا ، فإن ذلک إنما ثبت فی الیومیة إذا أدرک رکعة من الوقت ، ومع قصور الوقت عن أخف الصلاة لا یتحقق التوقیت. والعجب أنه - رحمه الله - قال بعد ذلک بغیر فصل : السادس لو قصر الوقت عن أقل صلاة یمکن لم تجب علی إشکال. وهو رجوع من الجزم إلی التردد.

والحق أن الکسوف إن کان من قبیل السبب کالزلزلة وجب القول بوجوب الصلاة وإن قصر وقته عن الرکعة ، وإن کان من قبیل الوقت - کما هو الظاهر - تعیّن القول بعدم الوجوب إذا قصر الوقت عن أدائها ، لاستحالة التکلیف بعبادة موقتة فی وقت لا یسعها ، فالفرق بین سعة الوقت لإدراک الرکعة وعدمه لا یظهر له وجه.

قوله : ( وکذا الریاح والأخاویف إن قلنا بالوجوب ).

أی وکذا یمتد وقت الصلاة فی الریاح والأخاویف - إن قلنا بوجوبها - من الابتداء إلی الانتهاء ، فإن لم یتسع لها لم تجب. وهذا أحد القولین فی المسألة ، وأسنده فی الذکری إلی الأصحاب (2) ، مع أنه جزم فی الدروس بعدم اعتبار سعة وقتها کالزلزلة (3) ، واختاره العلاّمة فی جملة من کتبه نظرا إلی إطلاق الأمر (4).

والأصح الأول ، لقوله علیه السلام : « کل أخاویف السماء من ظلمة أو ریح أو فزع فصلّ له صلاة الکسوف حتی یسکن » (5).

وجه الدلالة أن « حتی » إما أن تکون لانتهاء الغایة أو التعلیل ، وعلی

وقت الصلاة فی الأخاویف

ص: 131


1- المنتهی 1 : 354.
2- الذکری : 244.
3- الدروس : 45.
4- المنتهی 1 : 352 ، وتحریر الأحکام 1 : 47.
5- الکافی 3 : 464 - 3 ، الفقیه 1 : 346 - 1529 ، التهذیب 3 : 155 - 330 ، الوسائل 5 : 144 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 2 ح 1.

وفی الزلزلة تجب وان لم یطل المکث ، ویصلی بنیّة الأداء وإن سکنت.

______________________________________________________

الأول یثبت التوقیت صریحا ، وکذا علی الثانی ، لأن انتفاء العلة یقتضی انتفاء المعلول.

قوله : ( وفی الزلزلة تجب وإن لم یطل المکث ، ویصلی بنیّة الأداء وإن سکنت ).

هذا قول معظم الأصحاب ، لإطلاق الأمر الخالی من التقیید. وحکی الشهید فی البیان قولا بأنها تصلی بنیة القضاء (1) ، ولم نظفر بقائله. وألحق العلامة فی التذکرة بالزلزلة الصیحة ، ثم قال : وبالجملة کل آیة یقصر وقتها عن العبادة یکون وقتها دائما ، أما ما ینقص عن فعلها وقتا دون وقت فإن وقتها مدة الفعل فإن قصر لم تصل (2).

ویشکل بأنه لا یلزم من عدم قصور زمان الآیة عن مقدار الصلاة کونها موقتة ، بل الحق أن التوقیت إنما یثبت إذا ورد الشرع بتحدید زمان الفعل وبدونه یکون وقته العمر.

وأورد علی العبارة ونظائرها أن الأداء والقضاء من توابع الوقت المضروب ، فإذا کان وقت الزلزلة یمتد بامتداد العمر لم یوصف فعلها بأداء ولا قضاء ، فلا وجه لقولهم : إنها تصلی بنیة الأداء وإن سکنت.

وأجاب عنه المحقق الشیخ علیّ - رحمه الله - فی بعض حواشیه فقال : إنما کانت هذه الصلاة أداء لأن الإجماع واقع علی کون هذه الصلاة موقتة ، والتوقیت یوجب نیة الأداء ، ولما کان وقتها لا یسعها وامتنع فعلها فیه وجب المصیر إلی کون ما بعده صالحا لإیقاعها فیه حذرا من التکلیف بالمحال ، وبقی حکم الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل عنه ، وروعی فیها الفوریة من حیث إن فعلها خارج وقت السبب إنما کان بحسب الضرورة فاقتصر فی التأخیر علی قدرها ، وفی ذلک جمع بین القواعد المتضادة وهی توقیت هذه الصلاة مع قصر

وقت الصلاة فی الزلزلة

ص: 132


1- البیان : 116.
2- التذکرة 1 : 163.

ومن لم یعلم بالکسوف حتی خرج الوقت لم یجب القضاء ، إلا أن یکون القرص قد احترق کله.

______________________________________________________

وقتها واعتبار سعة الوقت لفعل العبادة. هذا کلامه رحمه الله .

ولا یخفی ما فیه من التکلف المستغنی عنه. ومن العجب ادعاؤه الإجماع علی توقیت هذه الصلاة مع تصریحهم بأنها تمتد بامتداد العمر. نعم ذکر الشهید فی الذکری أنّ حکم الأصحاب بأن الزلزلة تصلی أداء طول العمر لا یریدون به التوسعة فإن الظاهر کون الأمر هنا علی الفور ، بل علی معنی أنها تفعل بنیة الأداء وإن أخل بالفوریة لعذر وغیره (1).

وما ذکره - رحمه الله - أحوط وإن أمکن المناقشة فیه بانتفاء ما یدل علی ثبوت الفوریة هنا علی الخصوص ، والأمر المطلق لا یقتضی الفوریة کما بیناه مرارا.

قوله : ( ومن لم یعلم بالکسوف حتی خرج الوقت لم یجب القضاء ، إلا أن یکون القرص قد احترق کله ).

هذا قول معظم الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه مذهب الأصحاب عدا المفید (2). ویدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انکسفت الشمس کلها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد ذلک فعلیک القضاء ، وإن لم یحترق کلها فلیس علیک قضاء » (3).

وما رواه ابن بابویه ، عن محمد بن مسلم والفضیل بن یسار أنهما قالا ، قلنا لأبی جعفر علیه السلام : أیقضی صلاة الکسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسی فعلم؟ قال : « إن کان القرصان احترقا کلهما قضیت ، وإن کان إنما

حکم الغیر العالم بالکسوف أو غیره

ص: 133


1- الذکری : 244.
2- التذکرة 1 : 163.
3- الکافی 3 : 465 - 6 ، التهذیب 3 : 157 - 339 ، الإستبصار 1 : 454 - 1759 ، الوسائل 5 : 155 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10 ح 2.

وفی غیر الکسوف لا یجب القضاء.

______________________________________________________

احترق بعضهما فلیس علیک قضاؤه (1) » (2) وهما نص فی المطلوب.

وقال المفید فی المقنعة : إذا احترق القرص کله ولم تکن علمت به حتی أصبحت صلّیت صلاة الکسوف جماعة ، وإن احترق بعضه ولم تعلم به حتی أصبحت صلیت القضاء فرادی (3). ولم نقف له فی هذا التفصیل علی مستند.

قوله : ( وفی غیر الکسوف لا یجب القضاء ).

المراد أن من لم یعلم بالآیة المخوفة حتی خرج وقتها لا یجب علیه القضاء ، وهذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. ویدل علیه ما أسلفناه مرارا من أن القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلیل وبدونه یکون منفیا بالأصل (4) ، وتشهد له الروایات المتضمنة لسقوط القضاء فی الکسوف إذا لم یستوعب الاحتراق ، مع أنه أقوی ، للإجماع علی أنه موجب للصلاة واستفاضة النصوص به (5).

واحتمل جدی - قدس سره - فی روض الجنان وجوب القضاء هنا ، لوجود السبب (6) ، وعموم قوله علیه السلام : « من فاتته فریضة. » (7) وهو ضعیف ، لأن السبب إنما وجد فی الأداء خاصة وقد سقط بفوات محله ، والفریضة لا عموم فیها بحیث یتناول موضع النزاع بل المتبادر منها الیومیة.

واعلم أنه لیس فی العبارة دلالة علی حکم صلاة الزلزلة إذا لم یعلم المکلف بحصولها حتی انقضت ، وقد صرح العلاّمة فی التذکرة بسقوطها فقال : أما جاهل غیر الکسوف مثل الزلزلة والریاح والظلمة الشدیدة فالوجه سقوطها

ص: 134


1- کذا فی النسخ والمصادر.
2- الفقیه 1 : 346 - 1532 ، الوسائل 5 : 154 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10 ح 1.
3- المقنعة : 35.
4- راجع ج 3 ص 92.
5- الوسائل 5 : 142 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 1.
6- روض الجنان : 304.
7- عوالی اللآلی 2 : 54 - 143.

ومع العلم والتفریط أو النسیان یجب القضاء فی الجمیع.

______________________________________________________

عنه ، عملا بالأصل السالم من المعارض (1). وهو غیر بعید وإن کان الإتیان بالصلاة هنا أحوط.

قوله : ( ومع العلم والتفریط أو النسیان یجب القضاء فی الجمیع ).

المراد أن من علم بحصول الآیة المخوفة وأخل بالصلاة یجب علیه القضاء فی الجمیع وإن احترق بعض القرص ، سواء أخل بالصلاة عمدا أو نسیانا ، وهذا قول الأکثر.

وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط : لا یقضی الناسی ما لم یستوعب الاحتراق (2). وظاهر المرتضی - رضی الله عنه - فی المصباح عدم وجوب القضاء ما لم یستوعب وإن تعمد الترک (3).

احتج الأولون (4) بقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « أربع صلوات یصلّیها الرجل فی کل ساعة : صلاة فاتتک فمتی ما ذکرتها أدیتها » (5) الحدیث.

وقوله علیه السلام فی صحیحة أخری لزرارة وقد سأله عن رجل صلّی بغیر طهور أو نسی صلاة أو نام عنها : « یقضیها إذا ذکرها » (6).

وما رواه الشیخ ، عن حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انکسف القمر فاستیقظ الرجل ولم یصل فلیغتسل من

وجوب القضاء مع التفریط والنسیان.

ص: 135


1- التذکرة 1 : 163.
2- النهایة : 136 ، والمبسوط 1 : 172.
3- نقله عنه فی المعتبر 2 : 331.
4- منهم المحقق الحلی فی المعتبر 2 : 331.
5- الکافی 3 : 288 - 3 ، الفقیه 1 : 278 - 1265 ، الوسائل 5 : 350 أبواب قضاء الصلاة ب 2 ح 1.
6- الکافی 3 : 292 - 3 ، التهذیب 3 : 172 - 685 ، الوسائل 5 : 350 أبواب قضاء الصلاة ب 2 ح 3.

______________________________________________________

غد ولیقض الصلاة ، وإن لم یستیقظ ولم یعلم بانکساف القمر فلیس علیه إلاّ القضاء بغیر غسل » (1).

وعن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وإن أعلمک أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتک عیناک فلم تصل فعلیک قضاؤها » (2).

وفی الجمیع نظر : أما أخبار قضاء الفوائت فلا عموم لها علی وجه یتناول صورة النزاع ، ولهذا لم یحتج بها الأصحاب علی وجوب القضاء مع انتفاء العلم بالسبب.

وأما روایة حریز فقاصرة بالإرسال ، وإطباق الأکثر علی ترک العمل بظاهرها.

وأما روایة عمار فباشتمال سندها علی جماعة من الفطحیة.

ومن ذلک تظهر قوة ما ذهب إلیه الشیخ من عدم وجوب القضاء علی الناسی إذا لم یستوعب الاحتراق ، بل رجحان ما ذهب إلیه المرتضی - رضی الله عنه - من عدم وجوب القضاء مطلقا إلاّ مع الاستیعاب ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر أنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن صلاة الکسوف هل علی من ترکها قضاء؟ فقال : « إذا فاتتک فلیس علیک قضاء » (3) دلت الروایة علی سقوط قضاء صلاة الکسوف مع الفوات مطلقا ، خرج من ذلک ما إذا استوعب الاحتراق فإنه یجب القضاء

ص: 136


1- التهذیب 3 : 157 - 337 ، الإستبصار 1 : 453 - 1758 ، الوسائل 5 : 155 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10 ح 5.
2- التهذیب 3 : 291 - 876 ، الإستبصار 1 : 454 - 1760 ، الوسائل 5 : 156 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10 ح 10.
3- التهذیب 3 : 292 - 884 ، الاستبصار 1 : 453 - 1756 ، قرب الإسناد : 99 ، الوسائل 5 : 156 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10 ح 7.

وأما کیفیتها : فهو أن یحرم ، ثم یقرأ الحمد وسورة ، ثم یرکع ، ثم یرفع ، فإن کان لم یتمّ السورة قرأ من حیث قطع ، وإن کان أتمّ قرأ الحمد ثانیا ، ثم قرأ سورة حتی یتمّ خمسا علی هذا الترتیب ، ثم یرکع ویسجد اثنتین ثم یقوم ویقرأ الحمد وسورة معتمدا ترتیبه الأول ، ویتشهّد ، ویسلّم.

______________________________________________________

بالنصوص الصحیحة (1) فیبقی الباقی مندرجا فی الإطلاق.

ولا ریب أن ما اختاره الأکثر من القضاء مع العلم والتفریط والنسیان فی الجمیع طریق الاحتیاط.

قوله : ( وأما کیفیتها فهو أن یحرم ، ثم یقرأ الحمد وسورة ، ثم یرکع ، ثم یرفع رأسه ، فإن کان لم یتمّ السورة قرأ من حیث قطع ، وإن کان أتمّ قرأ الحمد ثانیا ، ثم قرأ سورة حتی یتمّ خمسا علی هذا الترتیب ، ثم یرکع ویسجد سجدتین ، ثم یقوم ویقرأ الحمد وسورة معتمدا ترتیبه الأول ، ویتشهّد ، ویسلّم ).

الأصل فی هذه الکیفیة النصوص الواردة عن أئمة الهدی صلوات الله علیهم ، فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن أذینة ، عن رهط ، عن کلیهما ، ومنهم من رواه عن أحدهما : « إن صلاة کسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر رکعات وأربع سجدات ، صلاّها رسول الله صلی الله علیه و آله والناس خلفه فی کسوف الشمس ، ففرغ حین فرغ وقد انجلی کسوفها » ورووا « أن الصلاة فی هذه الآیات کلها سواء ، وأشدها وأطولها کسوف الشمس تبدأ فتکبر بافتتاح الصلاة ، ثم تقرأ أمّ الکتاب وسورة ، ثم ترکع ، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أمّ الکتاب وسورة ، ثم ترکع الثانیة ، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أمّ الکتاب وسورة ، ثم ترکع الثالثة ، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أمّ الکتاب وسورة ، ثم ترکع الرابعة ، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أمّ الکتاب وسورة ، ثم ترکع الخامسة ، فإذا رفعت رأسک قلت : « سمع

کیفیة صلاة الکسوف

ص: 137


1- الوسائل 5 : 154 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10.

______________________________________________________

الله لمن حمده » ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتین ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت فی الأولی » قال ، قلت : وإن هو قرأ سورة واحدة فی الخمس رکعات ففرّقها بینها؟ قال : « أجزأه أمّ القرآن فی أول مرة ، وإن قرأ خمس سور [ قرأ ] (1) مع کل سورة أمّ الکتاب ، والقنوت فی الرکعة الثانیة قبل الرکوع إذا فرغت من القراءة ، ثم تقنت فی الرابعة مثل ذلک ، ثم فی السادسة ، ثم فی الثامنة ، ثم فی العاشرة » (2) قال الشیخ - رحمه الله - : والرهط الذین رووه الفضیل وزرارة وبرید ومحمد بن مسلم.

وفی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، قالا : سألنا أبا جعفر علیه السلام عن صلاة الکسوف کم هی رکعة؟ وکیف نصلّیها؟ فقال : « هی عشر رکعات وأربع سجدات ، تفتتح الصلاة بتکبیرة ، وترکع بتکبیرة ، وترفع رأسک بتکبیرة إلاّ فی الخامسة التی تسجد فیها وتقول : « سمع الله لمن حمده » فیها ، وتقنت فی کل رکعتین قبل الرکوع ، وتطوّل القنوت والرکوع علی قدر القراءة والرکوع والسجود ، فإن فرغت قبل أن ینجلی فاقعد وادع الله حتی ینجلی ، فإن انجلی قبل أن تفرغ من صلاتک فأتم ما بقی وتجهر بالقراءة » قال ، قلت : کیف القراءة فیها؟ فقال : « إن قرأت سورة فی کل رکعة فاقرأ فاتحة الکتاب ، فإن نقصت من السورة شیئا فاقرأ من حیث نقصت ولا تقرأ فاتحة الکتاب » قال ، وقال : « یستحب أن یقرأ فیها بالکهف والحجر إلاّ أن یکون إماما یشق علی من خلفه ، فإن استطعت أن تکون صلاتک بارزا لا یجنّک بیت فافعل ، وصلاة کسوف الشمس أطول من صلاة کسوف القمر ، وهما سواء فی القراءة والرکوع والسجود » (3).

ویستفاد من هاتین الروایتین التخییر بین قراءة سورة کاملة بعد الحمد فی

ص: 138


1- أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 3 : 155 - 333 ، الوسائل 5 : 149 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 7 ح 1.
3- الکافی 3 : 463 - 2 ، التهذیب 3 : 156 - 335 ، الوسائل 5 : 150 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 7 ح 6.

______________________________________________________

کل قیام ، وبین تفریق سورتین علی العشر فی کل خمس سورة ، وأنه متی أتم السورة وجب قراءة الحمد.

وقال ابن إدریس : إذا أکمل السورة استحب له قراءة الحمد ، محتجا بأن الرکعات کرکعة واحدة (1). ورده المصنف فی المعتبر بأنه خلاف فتوی الأصحاب والمنقول عن أهل البیت علیهم السلام (2). وهو کذلک.

وربما ظهر من إطلاق الروایة الثانیة جواز التفریق بأن یبعض سورة فی إحدی الرکعتین ویقرأ فی الأخری خمسا ، والجمع فی الرکعة الواحدة بین الإتمام والتبعیض بأن یتم السورة فی القیام الأول مثلا ویبعض السورة (3) فی الأربع البواقی.

وفی جواز الرکوع قبل إتمامها والحال هذه وجهان ، وکذا الوجهان فی جواز إتمامها بعد القیام من السجود لکن لا بد من قراءة الحمد.

وذکر الشهیدان أنه متی رکع عن بعض سورة تخیر فی القیام بعده بین القراءة من موضع القطع ، وبین القراءة من أیّ موضع شاء من السورة متقدما أو متأخرا ، وبین رفضها وقراءة غیرها (4).

واحتمل فی الذکری أمرا رابعا وهو أن له إعادة البعض الذی قرأه من السورة بعینه قال : فحینئذ هل تجب قراءة الحمد؟ یحتمل ذلک لابتدائه بسورة ، ویحتمل عدمه لأن قراءة بعضها مجزیة فقراءة جمیعها أولی ، هذا إن قرأ جمیعها ، وإن قرأ بعضها فأشد إشکالا (5).

ص: 139


1- السرائر : 72.
2- المعتبر 2 : 335.
3- فی « ض » : سورة.
4- الشهید الأول فی الذکری : 245 ، والبیان : 118 ، واللمعة : 39 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 303 ، والمسالک 1 : 37 ، والروضة البهیة 1 : 312.
5- الذکری : 245.

ویستحب فیها الجماعة ،

______________________________________________________

وأقول : إن فی أکثر هذه الصور إشکالا ، فإن مقتضی قوله علیه السلام : « فإن نقصت من السورة شیئا فاقرأ من حیث نقصت » (1) تعین القراءة من موضع القطع فلا یکون العدول إلی غیره من السورة ومن غیرها جائزا ، ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی الاقتصار علی قراءة خمس سور فی کل رکعة ، أو تفریق سورة علی الخمس ، والله تعالی أعلم.

قوله : ( ویستحب فیها الجماعة ).

هذا قول علمائنا أجمع قاله فی التذکرة (2) ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة الرهط المتقدمة : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی بأصحابه صلاة الکسوف » (3) وأقل مراتب ذلک الاستحباب.

ویدل علی جواز الانفراد ما رواه الشیخ ، عن روح بن عبد الرحیم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة الکسوف تصلّی جماعة؟ قال : « جماعة وغیر جماعة » (4).

ویتأکد استحباب الجماعة إذا استوعب الاحتراق ، لما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انکسفت الشمس والقمر [ فانکسف کلها ] (5) فإنه ینبغی للناس أن یفزعوا إلی إمام لیصلّی بهم ، وأیهما کسف بعضه فإنه یجزی الرجل أن یصلّی وحده » (6).

وقال الصدوقان : إذا احترق القرص کله فصلّها فی جماعة ، وإن احترق بعضه فصلّها فرادی (7). ولعل مرادهما عدم تأکد الجماعة إذا لم یستوعب

استحباب الجماعة فی صلاة الکسوف

ص: 140


1- المتقدم فی ص 138.
2- التذکرة 1 : 164.
3- فی ص 137.
4- التهذیب 3 : 292 - 882 ، الوسائل 5 : 157 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 12 ح 1.
5- أثبتناه من المصدر.
6- التهذیب 3 : 292 - 881 ، الوسائل 5 : 157 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 12 ح 2.
7- الصدوق فی المقنع : 44 ، ونقله عنهما فی المختلف : 118.

وإطالة الصلاة بمقدار زمان الکسوف ،

______________________________________________________

الاحتراق ، ولقد أحسن الشهید فی الذکری حیث قال : إنهما إن أرادا نفی تأکد الاستحباب مع احتراق البعض فمرحبا بالوفاق ، وإن أرادا نفی استحباب الجماعة وترجیح الفرادی طولبا بدلیل المنع (1).

وصرح الشهید فی البیان بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل فی هذه الصلاة وبالعکس کالیومیة (2) ، وهو حسن.

فرع : لو أدرک المأموم الإمام قبل الرکوع الأول أو فی أثنائه أدرک الرکعة بغیر إشکال ، ولو لم یدرکه حتی رفع رأسه من الرکوع الأول فالأصح فوات تلک الرکعة کما نص علیه المصنف فی المعتبر (3) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (4) ، لأصالة عدم سقوط فرض مکلف بفعل غیره إلاّ فیما دل علیه الدلیل ، وهو منتف هنا ، ولأن الدخول معه والحال هذه مستلزم لأحد محذورین : إمّا تخلف المأموم عن الإمام إن تدارک الرکوع بعد سجود الإمام ، وإمّا تحمل الإمام الرکوع إن رفض الرکوعات وسجد لسجود الإمام.

واحتمل العلاّمة فی التذکرة جواز الدخول معه فی هذه الحالة ، فإذا سجد الإمام لم یسجد هو ، بل ینتظر الإمام إلی أن یقوم ، فإذا رکع الإمام أول الثانیة رکع معه عن رکعات الأولی ، فإذا انتهی إلی الخامس بالنسبة إلیه سجد ثم لحق الإمام ویتم الرکعات قبل سجود الثانیة (5).

ویشکل بأن فیه تخلف المأموم عن الإمام فی رکن وهو السجدتان من غیر ضرورة ، ولا دلیل علی جوازه.

قوله : ( وإطالة الصلاة بمقدار زمان الکسوف ).

ص: 141


1- الذکری : 246.
2- البیان : 117.
3- المعتبر 2 : 336.
4- التذکرة 1 : 164 ، وتحریر الأحکام : 47.
5- التذکرة 1 : 165.

وأن یعید الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء ،

______________________________________________________

هذا موضع وفاق بین العلماء قاله فی المعتبر (1) ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة الرهط : « إن صلاة کسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر رکعات وأربع سجدات ، صلاّها رسول الله صلی الله علیه و آله والناس خلفه فی کسوف الشمس ، ففرغ حین فرغ وقد انجلی کسوفها » (2).

وما رواه الشیخ ، عن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت الکسوف فإلی أن یذهب الکسوف عن الشمس والقمر ، وتطوّل فی صلاتک فإن ذلک أفضل ، وإن أحببت أن تصلّی فتفرغ من صلاتک قبل أن یذهب الکسوف فهو جائز » (3).

ولا یخفی أن استحباب الإطالة بمقدار زمان الکسوف إنما یتم مع العلم بذلک أو الظن الحاصل من إخبار الرصدی أو غیره ، أما بدونه فربما کان التخفیف ثم الإعادة مع عدم الانجلاء أولی ، لما فی التطویل من التعرض لخروج الوقت قبل الإتمام.

قوله : ( وأن یعید الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء ).

هذا قول أکثر الأصحاب ، ونقل عن ظاهر المرتضی (4) ، وأبی الصلاح (5) وجوب الإعادة. ومنع ابن إدریس من الإعادة وجوبا واستحبابا (6). والمعتمد الأول.

لنا علی الاستحباب ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار

استحباب إعادة الصلاة ما لم ینجلی الکسوف

ص: 142


1- المعتبر 2 : 336.
2- المتقدمة فی ص 137.
3- التهذیب 3 : 291 - 876 ، الوسائل 5 : 153 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 8 ح 2.
4- جمل العلم والعمل : 76.
5- الکافی فی الفقه : 156.
6- السرائر : 72.

وأن یکون مقدار رکوعه بمقدار زمان قراءته ، وأن یقرأ السور الطوال مع سعة الوقت ،

______________________________________________________

قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « صلاة الکسوف إذا فرغت قبل أن ینجلی فأعد » (1).

ولنا علی انتفاء الوجوب قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم : « فإن فرغت قبل أن ینجلی فاقعد وادع الله حتی ینجلی » (2).

وقد یقال : إن الجمع بین الروایتین یقتضی القول بوجوب الإعادة أو الدعاء تخییرا ، إلاّ أنی لا أعلم به قائلا.

قوله : ( وأن یکون مقدار رکوعه بمقدار زمان قراءته ، ویقرأ السور الطوال مع سعة الوقت ).

یدل علی ذلک مضافا إلی صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر قال : سألته عن صلاة الکسوف فقال : « عشر رکعات وأربع سجدات ، یقرأ فی کل رکعة مثل یس والنور ، ویکون رکوعک مثل قراءتک ، وسجودک مثل رکوعک » قلت : فمن لم یحسن یس وأشباهها؟ قال : « فلیقرأ ستین آیة فی کل رکعة » (3) وفی طریق هذه الروایة ضعف (4).

ومقتضی صحیحة زرارة وابن مسلم المتقدمة أن قراءة السور الطوال إنما یستحب إذا لم یکن إماما یشق علی من خلفه ، وإلاّ کان التخفیف أولی ، ولا بأس به.

واحترز المصنف بقوله : مع سعة الوقت ، عما إذا ضاق عن ذلک فإنه لا تجوز الإطالة المقتضیة لخروجه قبل الإکمال ، کما لا یجوز فی الفرائض الموقتة.

استحباب تطویل الرکوع وقراءة السور الطوال

ص: 143


1- التهذیب 3 : 156 - 334 ، الوسائل 5 : 153 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 8 ح 1.
2- المتقدمة فی 138.
3- التهذیب 3 : 294 - 890 ، الوسائل 5 : 149 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 7 ح 2.
4- الظاهر أن وجه الضعف هو وقوع علی بن أبی حمزة البطائنی فی طریقها وهو واقفی - راجع رجال النجاشی : 249 - 456 ، ورجال الطوسی : 353 ، والفهرست : 96 - 408.

وأن یکبّر عند کل رفع من کل رکوع ، إلا فی الخامس والعاشر فإنه یقول : سمع الله لمن حمده ، وأن یقنت خمس قنوتات.

وأما حکمها فمسائله ثلاث :

الأولی : إذا حصل الکسوف فی وقت فریضة حاضرة کان مخیّرا فی الإتیان بأیهما شاء ما لم تتضیق الحاضرة فتکون أولی ، وقیل : الحاضرة أولی ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وأن یکبّر عند کل رفع من کل رکوع ، إلا فی الخامس والعاشر فإنه یقول : سمع الله لمن حمده ، وأن یقنت خمس قنوتات ).

یدل علی ذلک قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم : « تفتتح الصلاة بتکبیرة ، وترکع بتکبیرة ، وترفع رأسک بتکبیرة إلاّ فی الخامسة التی تسجد فیها ، وتقول : « سمع الله لمن حمده » فیها ، وتقنت فی کل رکعتین قبل الرکوع » (1). وفی صحیحة الرهط : « والقنوت فی الرکعة الثانیة قبل الرکوع إذا فرغت من القراءة ، ثم تقنت فی الرابعة مثل ذلک ، ثم فی السادسة ، ثم فی الثامنة ، ثم فی العاشرة » (2).

وذکر الشهید فی البیان أنه یجزی القنوت علی الخامس والعاشر ، وأقله علی العاشر (3). ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( الأولی ، إذا حصل الکسوف فی وقت فریضة حاضرة کان مخیّرا فی الإتیان بأیهما شاء ما لم تتضیق الحاضرة فتکون أولی ، وقیل : الحاضرة أولی ، والأول أشبه ).

إذا حصل الکسوف فی وقت فریضة حاضرة ، فإن تضیق وقت إحداهما تعینت للأداء إجماعا ثم تصلّی بعدها ما اتسع وقتها ، وإن تضیقتا قدمت

استحباب التکبیر عند الرفع من الرکوع

حکم تزاحم صلاة الکسوف مع فریضة حاضرة

ص: 144


1- المتقدمة فی ص 138.
2- المتقدمة فی ص 137.
3- البیان : 118.

______________________________________________________

الحاضرة لأنها أهم فی نظر الشرع ، وقال فی الذکری : إنه لا خلاف فیه (1).

وإن اتسع الوقتان کان مخیرا فی الإتیان بأیهما شاء عند أکثر الأصحاب ، وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ولا یجوز أن یصلّیها فی وقت فریضة حتی یصلّی الفریضة (2). وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (3). والمعتمد الأول.

لنا : أنهما واجبان اجتمعا ووقتها موسع فیتخیر المکلف بینهما ، ولنا أیضا أن فیه جمعا بین ما تضمن الأمر بتقدیم الفریضة کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن صلاة الکسوف فی وقت الفریضة فقال : « ابدأ بالفریضة » (4) وبین ما تضمن الأمر بتقدیم الکسوف کصحیحة محمد بن مسلم وبرید بن معاویة ، عن أبی جعفر علیه السلام وأبی عبد الله علیه السلام ، قالا : « إذا وقع الکسوف أو بعض هذه الآیات صلّیتها ما لم تتخوف أن یذهب وقت الفریضة ، فإن تخوفت فابدأ بالفریضة واقطع ما کنت فیه من صلاة الکسوف ، فإذا فرغت من الفریضة فارجع إلی حیث کنت قطعت واحتسب بما مضی » (5).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : لو خشی فوات الحاضرة قدمها علی الکسوف ، ولو دخل فی الکسوف قبل تضیّق الحاضرة وخشی لو أتم فوات الحاضرة قطع إجماعا وصلّی الحاضرة ، ثم أتم صلاة الکسوف من حیث قطع علی ما نص علیه

ص: 145


1- الذکری : 246.
2- الفقیه 1 : 347.
3- النهایة : 137.
4- الکافی 3 : 464 - 5 ، الوسائل 5 : 147 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 1.
5- الفقیه 1 : 346 - 1530 ، الوسائل 5 : 148 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 4.

______________________________________________________

الشیخان (1) ، والمرتضی (2) ، وابن بابویه (3) ، وأتباعهم (4) ، لصحیحة برید ومحمد بن مسلم المتقدمة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ربما ابتلینا بالکسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة ، فإن صلّیت الکسوف خشینا أن تفوتنا الفریضة فقال : « إذا خشیت ذلک فاقطع صلاتک واقض فریضتک ، ثم عد فیها » (5).

وفی الصحیح ، عن أبی أیوب إبراهیم بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة الکسوف قبل أن تغیب الشمس ونخشی فوت الفریضة فقال : « اقطعوها وصلّوا الفریضة وعودوا إلی صلاتکم » (6).

وذهب الشیخ فی المبسوط إلی أن من قطع صلاة الکسوف لخوف فوات الفریضة یجب علیه استئنافها من رأس (7) ، واختاره فی الذکری قال : لأن البناء بعد تخلل الصلاة الأجنبیة لم یعهد من الشارع تجویزه فی غیر هذا الموضع ، والاعتذار بأن الفعل الکثیر مغتفر هنا لعدم منافاته الصلاة بعید ، فإنا لم نبطلها بالفعل الکثیر بل بحکم الشرع بالإبطال والشروع فی الحاضرة ، فإذا فرغ منها فقد أتی بما یخل بنظم صلاة الکسوف فتجب إعادتها من رأس تحصیلا لیقین البراءة (8).

هذا کلامه - رحمه الله - وهو مدفوع بالنصوص الصحیحة ، المتضمنة للبناء ، المسألة من المعارض.

الثانی : قال الصدوق - رحمه الله - فیمن لا یحضره الفقیه : وإذا کان فی

ص: 146


1- نقله عن المفید فی الذکری : 246 ، والشیخ فی النهایة : 137.
2- جمل العلم والعمل : 66 ، 75.
3- الفقیه 1 : 347.
4- منهم ابن البراج فی المهذب 1 : 125 ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 156.
5- التهذیب 3 : 155 - 332 ، الوسائل 5 : 147 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 2.
6- التهذیب 3 : 293 - 888 ، الوسائل 5 : 147 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 3.
7- المبسوط 1 : 172.
8- الذکری : 247.

______________________________________________________

صلاة الکسوف فیدخل علیه وقت الفریضة فلیقطعها ولیصل الفریضة ، ثم یبنی علی ما مضی من صلاة الکسوف (1).

ومقتضاه جواز القطع ، بل وجوبه إذا دخل وقت الفریضة ، وهو بعید جدا ، فإن الروایة التی أوردها فی کتابه فی هذا المعنی عن برید ومحمد بن مسلم صریحة فی الأمر بصلاة الکسوف ما لم یتخوف أن یذهب وقت الفریضة (2) ، وإذا جاز ابتداء صلاة الکسوف والحال هذه فلا وجه لوجوب قطعها بدخول الوقت ، بل ولا لجوازه. نعم ربما لاح من روایة ابن مسلم جواز القطع لخوف فوات وقت الفضیلة حیث قال فیها : ربما ابتلینا بالکسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صلیت الکسوف خشینا أن تفوتنا الفریضة فقال : « إذا خشیت ذلک فاقطع صلاتک واقض فریضتک » (3) فإن صلاة الکسوف الواقع قبل العشاء الآخرة لا یقتضی خوف خروج وقت الإجزاء ، وکیف کان فالأجود عدم جواز القطع إلاّ إذا خشی فوات الحاضرة.

الثالث : لو اشتغل بالحاضرة مع ضیق وقتها فانجلی الکسوف ولم یکن فرّط فیها ولا فی تأخیر الحاضرة فلا قضاء ، لعدم استقرار الوجوب. وإن فرّط فیها إلی أن یضیق وقت الحاضرة وجب قضاؤها مع استیعاب الاحتراق قطعا ، أو مطلقا علی ما سبق. وإن فرط فی فعل الحاضرة أول الوقت قیل : وجب قضاء الکسوف ، لاستناد إهمالها إلی ما تقدم من تقصیره (4). وقیل : لا یجب ، وهو ظاهر المعتبر (5) ، لأن التأخیر کان مباحا إلی ذلک الوقت ، ثم تعیّن علیه الفعل بسبب التضیّق ، واقتضی ذلک الفوات ، فهو بالنظر إلی هذه الحال غیر متمکن من فعل الکسوف ، فلا یجب الأداء لعدم التمکن ، ولا القضاء لعدم الاستقرار. وهو حسن.

ص: 147


1- الفقیه 1 : 347.
2- المتقدمة فی ص 145.
3- المتقدمة فی ص 146.
4- کما فی الذکری : 247 ، والبیان : 116.
5- المعتبر 2 : 341.

الثانیة : إذا اتفق الکسوف فی وقت نافلة اللیل فالکسوف أولی ولو خرج وقت النافلة ، ثم یقضی النافلة.

الثالثة : یجوز أن یصلی صلاة الکسوف علی ظهر الدابة وماشیا ، وقیل : لا یجوز ذلک إلا مع العذر ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة : إذا اتفق الکسوف فی وقت نافلة اللیل فالکسوف أولی ولو خرج وقت النافلة ، ثم یقضی النافلة ).

هذا قول علمائنا أجمع قاله فی المنتهی (1) ، ویدل علیه صریحا ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن صلاة الکسوف فی وقت الفریضة فقال : « ابدأ بالفریضة » فقیل له : فی وقت صلاة اللیل؟ فقال : « صلّ صلاة الکسوف قبل صلاة اللیل » (2).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فإذا کان الکسوف آخر اللیل فصلّینا صلاة الکسوف فاتتنا صلاة اللیل فبأیتهما نبدأ؟ فقال : « صلّ صلاة الکسوف واقض صلاة اللیل حین تصبح » (3) وفی معنی صلاة اللیل غیرها من النوافل الموقتة.

قوله : ( الثالثة ، یجوز أن یصلی صلاة الکسوف علی ظهر الدابة وماشیا ، وقیل : لا یجوز ذلک إلا مع العذر ، وهو الأشبه ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - أشهر القولین فی المسألة وأظهرهما ، لأن هذه الصلاة صلاة مفروضة فیعتبر فیها الاستقرار مع الاختیار کغیرها من الفرائض ، تمسکا بمقتضی العمومات الدالة علی ذلک ، کصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله [ عن أبی عبد الله علیه السلام ] (4) قال : « لا یصلی

حکم تزاحم صلاة الکسوف مع نافلة اللیل

جواز صلاة الکسوف علی الدابة وماشیا

ص: 148


1- المنتهی 1 : 354.
2- الکافی 3 : 464 - 5 ، الوسائل 5 : 147 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 1.
3- التهذیب 3 : 155 - 332 ، الوسائل 5 : 147 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 2.
4- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.

______________________________________________________

علی الدابة الفریضة إلاّ مریض » (1) وروایة عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیصلی الرجل شیئا من المفروض راکبا؟ فقال : « لا ، إلاّ من ضرورة » (2).

ویدل علی جواز هذه الصلاة علی ظهر الدابة مع الضرورة علی الخصوص ما رواه الشیخ ، عن علیّ بن الفضل الواسطی ، قال : کتبت إلی الرضا علیه السلام : إذا انکسفت الشمس أو القمر وأنا راکب لا أقدر علی النزول ، فکتب إلیّ : « صلّ علی مرکبک الذی أنت علیه » (3).

والقول بالجواز لابن الجنید (4) ، وهو قول الجمهور ، ولا ریب فی ضعفه.

ص: 149


1- التهذیب 3 : 308 - 952 ، الوسائل 3 : 236 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
2- التهذیب 3 : 308 - 954 ، الوسائل 3 : 237 أبواب القبلة ب 14 ح 4.
3- التهذیب 3 : 291 - 878 ، الوسائل 5 : 157 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 11 ح 1.
4- نقله عنه فی المختلف : 118.

الفصل الرّابع :

فی الصلاة علی الأموات

وفیه أقسام :

الأول : من یصلی علیه ، وهو من کان مظهرا للشهادتین ،

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الرابع ، فی الصلاة علی الأموات ، وفیه أقسام ، الأول : من یصلی علیه ، وهو کل من کان مظهرا للشهادتین ).

لا بد من تقییده بأن لا یعتقد خلاف ما یعلم من الدین ضرورة ، لیخرج الخوارج والنواصب والغلاة والمرتد.

أما وجوب الصلاة علی المؤمن وهو المسلم الذی یعتقد إمامة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام فهو موضع نص ووفاق ، وإنما الخلاف فی غیره من المسلمین فقال الشیخ فی جملة من کتبه (1) ، وابن الجنید (2) ، والمصنف (3) ، وجمع من الأصحاب بالوجوب ، لإطلاق قول النبی صلی الله علیه و آله فیما رواه السکونی : « لا تدعوا أحدا من أمتی بلا صلاة » (4) وقول الصادق علیه السلام فی روایة طلحة بن زید : « صلّ علی من مات من أهل القبلة ، وحسابه علی

صلاة الأموات

بیان من تجب الصلاة علیه

ص: 150


1- الاستبصار 1 : 469 ، والنهایة : 143 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 194.
2- نقله عنه فی الذکری : 54.
3- المعتبر 2 : 344.
4- الفقیه 1 : 103 - 480 ، التهذیب 3 : 328 - 1026 ، الإستبصار 1 : 468 - 1810 ، الوسائل 2 : 814 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 3.

______________________________________________________

الله » (1).

وصحیحة هشام بن سالم : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن شارب الخمر والزانی والسارق أیصلّی علیهم إذا ماتوا؟ فقال : « نعم » (2).

وقال المفید فی المقنعة : ولا یجوز لأحد من أهل الإیمان أن یغسل مخالفا للحق فی الولایة ولا یصلّی علیه إلاّ أن تدعوه ضرورة إلی ذلک من جهة التقیة (3).

واحتج له فی التهذیب بأن المخالف لأهل الحق کافر فیجب أن یکون حکمه حکم الکفار إلاّ ما خرج بدلیل ، وإذا کان غسل الکافر لا یجوز فیجب أن یکون غسل المخالف أیضا غیر جائز ، وأما الصلاة علیه فیکون علی حد ما کان یصلّی النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام علی المنافقین (4).

وهذا الاحتجاج غیر معهود من مذهبه - رحمه الله - وإلی هذا القول ذهب أبو الصلاح (5) ، وابن إدریس (6) ، وهو غیر بعید ، لأن الإجماع إنما انعقد علی وجوب الصلاة علی المؤمن ، والروایات التی استدل بها علی العموم لا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة ، والواجب التمسک بمقتضی الأصل إلی أن یقوم علی الوجوب دلیل یعتد به.

ص: 151


1- التهذیب 3 : 328 - 1025 ، الإستبصار 1 : 468 - 1809 ، الوسائل 2 : 814 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 2.
2- الفقیه 1 : 103 - 481 ، التهذیب 3 : 328 - 1024 ، الإستبصار 1 : 468 - 1808 ، الوسائل 2 : 814 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 1.
3- المقنعة : 13.
4- التهذیب 1 : 335.
5- الکافی فی الفقه : 157.
6- السرائر : 80.

أو طفلا له ست سنین ممن له حکم الإسلام.

______________________________________________________

قوله : ( أو طفلا له ست سنین ممن له حکم الإسلام ).

المراد بمن له حکم الإسلام من تولد من مسلم ، أو مسلمة ، أو کان مسبیا لمسلم ، أو ملقوطا فی دار الإسلام.

واختلف الأصحاب فی حکم الصلاة علی الطفل ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ (1) ، والمرتضی (2) ، وابن إدریس (3) إلی أنه یشترط فی وجوب الصلاة علیه بلوغ الحد الذی یمرّن فیه علی الصلاة وهو ست سنین. وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : لا تصلّ علی الصبی حتی یعقل الصلاة (4). وقال ابن الجنید : تجب علی المستهل (5). وقال ابن أبی عقیل : لا تجب الصلاة علی الصبی حتی یبلغ (6). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الکلینی والشیخ فی الحسن ، وابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة وعبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الصلاة علی الصبی متی یصلّی علیه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة » فقلت : متی تجب الصلاة علیه؟ فقال : « إذا کان ابن ست سنین ، والصیام إذا أطاقه » (7).

والمراد بالوجوب هنا مطلق الثبوت ، والمعنی أنه متی یعقل الصلاة بحیث یؤمر بها تمرینا؟ فقال : « إذا کان ابن ست سنین » والذی یکشف عن هذا المعنی ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام فی الصبی متی یصلّی علیه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة » قلت : متی یعقل الصلاة

ص: 152


1- المبسوط 1 : 180.
2- الانتصار : 59.
3- السرائر : 80.
4- المقنعة : 38.
5- نقله عنه فی المختلف : 119.
6- نقله عنه فی المختلف : 119.
7- الکافی 3 : 206 - 2 ، الفقیه 1 : 104 - 486 ، التهذیب 3 : 198 - 456 ، الإستبصار 1 : 479 - 1855 ، الوسائل 2 : 787 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

ویتساوی الذکر فی ذلک والأنثی ، والحر والعبد.

______________________________________________________

وتجب علیه؟ قال : « لست سنین » (1).

احتج ابن الجنید بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یصلّی علی المنفوس وهو المولود الذی لم یستهل ولم یصح ، ولم یورث من الدیة ولا من غیرها ، فإذا استهل فصلّ علیه وورّثه » (2).

وأجاب عنه الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی الاستحباب أو التقیة.

احتج ابن أبی عقیل علی ما نقل عنه بأن الصلاة استغفار للمیت ودعاء له ومن لم یبلغ لا حاجة له إلی ذلک ، وما رواه الشیخ ، عن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن المولود ما لم یجر علیه القلم هل یصلّی علیه؟ قال : « لا ، إنما الصلاة علی الرجل والمرأة إذا جری علیهما القلم » (3).

وأجیب عن الأول بالمنع من کون الصلاة لأجل الدعاء للمیت ، أو لحاجته إلی الشفاعة ، لوجوبها علی النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ونحن محتاجون إلی شفاعتهم ، وعن الروایة بالطعن فی السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة فلا تنهض حجة فی معارضة الأخبار الصحیحة (4).

قال فی الذکری : ویمکن أن یراد بجری القلم مطلق الخطاب الشرعی ، والتمرین خطاب شرعی (5).

ص: 153


1- التهذیب 2 : 381 - 1589 ، الإستبصار 1 : 408 - 1562 ، الوسائل 3 : 12 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 3 ح 2.
2- التهذیب 3 : 199 - 459 ، الإستبصار 1 : 480 - 1857 ، الوسائل 2 : 788 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 1.
3- التهذیب 3 : 199 - 460 ، الإستبصار 1 : 480 - 1858 ، الوسائل 2 : 789 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 5.
4- کما فی المختلف : 119.
5- الذکری : 54.

وتستحب الصلاة علی من لم یبلغ ذلک إذا ولد حیّا ، فإن وقع سقطا لم یصلّ علیه ولو ولجته الروح.

______________________________________________________

قوله : ( وتستحب الصلاة علی من لم یبلغ ذلک إذا ولد حیّا ، وإن وقع میتا لم یصلّ علیه ولو ولجته الروح ).

یدل علی ذلک - مضافا إلی ما سبق - ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین. قال : سألت أبا الحسن علیه السلام لکم یصلّی علی الصبی إذا بلغ من السنین والشهور؟ قال : « یصلّی علیه علی کل حال إلاّ أن یسقط لغیر تمام » (1).

وقال الشیخ فی الاستبصار : الوجه فی هذا الخبر ما قلناه فی خبر عبد الله بن سنان من الحمل علی التقیة أو ضرب من الاستحباب دون الفرض والإیجاب (2).

وأقول : إن مقتضی کثیر من الروایات تعیّن الحمل علی التقیة ، فمن ذلک ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن زرارة ، قال : مات ابن لأبی جعفر علیه السلام فأخبر بموته فأمر به فغسّل وکفّن ومشی معه وصلّی علیه وطرحت خمرة فقام علیها ثم قام علی قبره حتی فرغ منه ، ثم انصرف وانصرفت معه حتی إنی لأمشی معه فقال : « أما إنه لم یکن یصلّی علی مثل هذا » وکان ابن ثلاث سنین « کان علیّ علیه السلام یأمر به فیدفن ولا یصلّی علیه ، ولکن الناس صنعوا شیئا فنحن نصنع مثله » قال ، قلت : فمتی تجب الصلاة علیه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة وکان ابن ستّ سنین » (3).

وعن علیّ بن عبد الله ، قال : سمعت أبا الحسن موسی علیه السلام یقول : « إنه لمّا قبض إبراهیم ابن رسول الله صلی الله علیه و آله جرت فیه

ص: 154


1- التهذیب 3 : 331 - 1037 ، الإستبصار 1 : 481 - 1860 ، الوسائل 2 : 789 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 2.
2- الإستبصار 1 : 481.
3- الکافی 3 : 207 - 4 ، الوسائل 2 : 788 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 3.

الثانی : فی المصلی ، وأحق الناس بالصلاة أولاهم بمیراثه.

______________________________________________________

ثلاث سنن » والروایة طویلة قال فی أثنائها : « فقام علیّ علیه السلام فغسّل إبراهیم وحنّطه وکفّنه ثم خرج به ، ومضی رسول الله صلی الله علیه و آله حتی انتهی به إلی قبره فقال الناس : إن رسول الله صلی الله علیه و آله نسی أن یصلّی علی إبراهیم لما دخله من الجزع علیه ، فانتصب قائما ثم قال : یا أیها الناس أتانی جبرائیل بما قلتم ، زعمتم أنی نسیت أن أصلّی علی ابنی لما دخلنی من الجزع ، ألا وإنه لیس کما ظننتم ، ولکن اللطیف الخبیر فرض علیکم خمس صلوات ، وجعل لموتاکم من کل صلاة تکبیرة ، وأمرنی أن لا أصلّی إلاّ علی من صلّی » (1).

والمسألة محل إشکال إلاّ أن المقام مقام استحباب فالأمر فیه هیّن.

قوله : ( الثانی ، فی المصلی : وأحق الناس بالصلاة علیه أولاهم بمیراثه ).

ذکر العلاّمة فی المنتهی أن المراد بالأولی هنا المستحق للمیراث (2) ، فیکون المراد أن من یرث أولی بالصلاة ممن لم یرث ، وأما تقدیم بعض الورثة علی بعض فیستفاد من قوله : « والأب أولی من الابن » إلی آخره.

وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب وظاهرهم أنه مجمع علیه ، واستدلوا علیه بقوله تعالی ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ ) (3) وما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یصلّی علی الجنازة أولی الناس بها ، أو یأمر من یحبّ » (4).

بیان الأولی بالصلاة علی المیت

ص: 155


1- الکافی 3 : 208 - 7 ، المحاسن : 313 - 31 ، الوسائل 2 : 790 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 2.
2- المنتهی 1 : 450.
3- الأنفال : 75.
4- الکافی 3 : 177 - 1 ، الوسائل 2 : 801 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.

______________________________________________________

وعن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یصلّی علی الجنازة أولی الناس بها ، أو یأمر من یحبّ » (1).

وفی الجمیع نظر : أما الآیة الشریفة فلانتفاء العموم فیها علی وجه یتناول موضع النزاع.

وأما الروایتان فضعیفتا السند بالإرسال ، واشتمال سند الثانیة علی سهل بن زیاد وهو عامی (2) ، ومع ذلک فلیس فیهما تصریح بأن المراد الأولویة فی المیراث ، مع أن مقتضی ما ذکروه من تقدیم بعض الورّاث علی بعض - کالأب علی الابن وإن کان أقل نصیبا منه - کون المراد بالأولی ذلک البعض لا مطلق الوارث.

ولو قیل : إن المراد بالأولی هنا أمسّ الناس بالمیت رحما وأشدهم به علاقة من غیر اعتبار لجانب المیراث لم یکن بعیدا.

قال جدی - قدس سره - فی روض الجنان : واعلم أن ظاهر الأصحاب أن إذن الولی إنما یتوقف علیها الجماعة لا أصل الصلاة ، لوجوبها علی الکفایة فلا یناط برأی أحد من المکلفین ، فلو صلّوا فرادی بغیر إذن أجزأ (3).

وقد یقال : إنه لا منافاة بین کون الوجوب کفائیا وبین إناطته برأی بعض المکلفین علی معنی أنه إن قام به سقط الفرض عن غیره ، وکذا إن أذن لغیره وقام به ذلک الغیر ، وإلا سقط اعتباره وانعقدت الصلاة جماعة وفرادی بغیر إذنه. ومع ذلک فلا بأس بالمصیر إلی ما ذکره ، قصرا لما خالف الأصل علی موضع الوفاق إن تمّ ، وحملا للصلاة فی قوله علیه السلام : « یصلی علی الجنازة أولی الناس بها » علی الجماعة ، لأنه المتبادر.

ص: 156


1- الکافی 3 : 177 - 5 ، الوسائل 2 : 801 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 2.
2- لم نجد من نسب إلی سهل أنه عامی سواه.
3- روض الجنان : 311.

والأب أولی من الابن. وکذا الولد أولی من الجدّ والأخ والعم. والأخ من الأب والأم أولی ممّن یمتّ بأحدهما.

______________________________________________________

قوله : ( والأب أولی من الابن ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، واستدل علیه بأن الأب أشفق علی المیت من الابن وأرق علیه فیکون دعاؤه أقرب إلی الإجابة (1). ویشکل بأن ذلک إنما یصلح توجیها للنص الدال علی الحکم لا دلیلا برأسه ، وعلی ما احتملناه من معنی الأولویة فلا إشکال فی تقدیم الأب.

قوله : ( وکذا الولد أولی من الجد والأخ والعم ).

هذا الحکم قد علم من الأولویة المتقدمة ، إذ لا إرث لواحد من الثلاثة مع وجود الولد عندنا. ونقل عن ابن الجنید أنه جعل الجد أولی من الأب والابن محتجا بأن منصب الإمامة ألیق بالأب من الولد والجد أب الأب فکان أولی من الأب (2). ورده فی المختلف بأن الأولی بالمیراث أولی ، لعموم الآیة (3). وقد عرفت ما فیه ، وعلی ما احتملناه من معنی الأولویة یقرب ما ذکره ابن الجنید.

قوله : ( والأخ من الأب والأم أولی ممّن یمتّ بأحدهما ).

أما تقدیم الأخ من الأب والأم علی الأخ من الأب خاصة فلا ریب فیه ، لأنه لا یرث معه. وأما علی الأخ من الأم فعلله فی المنتهی بأنه أکثر نصیبا فی المیراث ، وبأن الأم لا ولایة لها فی الصلاة فمن یتقرب بها أولی (4). ولا بأس به.

ولم یتعرض المصنف لحال اجتماع الجد مع الأخ ولا لحکم باقی الوراث. وحکی فی المعتبر عن الشیخ فی المبسوط أنه قال : الأب أولی الأقارب ، ثم

ص: 157


1- کما فی المنتهی 1 : 450.
2- حکاه عنه العلامة فی المختلف : 120.
3- المختلف : 120.
4- المنتهی 1 : 451.

والزوج أولی بالمرأة من عصباتها وإن قربوا.

______________________________________________________

الولد ، ثم الجد من قبل الأب ، ثم الأخ من قبل الأب والأم ، ثم الأخ من قبل الأب ، ثم الأخ من قبل الأم ، ثم العم ، ثم الخال ، ثم ابن العم ، ثم ابن الخال ، قال : وبالجملة من کان أولی بمیراثه کان أولی بالصلاة علیه (1).

ومقتضی ذلک أن ترتب الأولیاء علی هذا الوجه لأولویة الإرث وهو مشکل ، فإنه إن أراد بالأولویة أن من یرث أولی ممن لم یرث لم یلزم منه أولویة بعض الورثة علی بعض کالأب علی الابن ، والجد علی الأخ ، والعم علی الخال. وإن أراد بها کثرة النصیب انتقض بالأب فإنه أولی من الابن مع أنه أقل نصیبا منه ، وکذا الجد فإنه أولی من الأخ مع تساویهما فی الاستحقاق إلاّ أن یقال : إن التخلف فی هاتین الصورتین لعارض وهو قوة جانب الأب والجد باختصاصهما بزیادة الحنوّ والشفقة وحصول النسل منهما ، لکن فی ذلک خروج عن اعتبار الإرث. ولو حمل الأولی فی الصلاة علی المعنی الذی ذکرناه وجب الرجوع فی تحققه إلی العرف وسقط اعتبار جانب الإرث مطلقا.

قوله : ( والزوج أولی بالمرأة من عصباتها وإن قربوا ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : المرأة تموت ، من أحق الناس بالصلاة علیها؟ قال : « زوجها » قلت : الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ فقال : « نعم ، ویغسلها » (2).

ومقتضی الروایة أن الزوج أولی من جمیع الأقارب ، العصبات وغیرهم ، لکنها ضعیفة السند جدا باشتراک راویها بین الثقة والضعیف ، بل الظاهر أنه هنا الضعیف بقرینة کون الراوی عنه قائده ، وهو علیّ بن أبی حمزة البطائنی ، وقال النجاشی : إنه کان أحد عمد الواقفة (3). وفی الطریق : القاسم بن محمد وهو

ص: 158


1- المعتبر 2 : 345.
2- التهذیب 3 : 205 - 484 ، الإستبصار 1 : 486 - 1883 ، الوسائل 2 : 802 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 2.
3- رجال النجاشی : 249 - 656.

وإذا کان الأولیاء جماعة فالذکر أولی من الأنثی ، والحر أولی من العبد.

______________________________________________________

واقفی أیضا (1) ، والعجب من حکم المصنف - رحمه الله - فی المعتبر مع ذلک بأن هذه الروایة سلیمة السند (2).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أیّهما یصلّی علیها؟ فقال : « أخوها أحق بالصلاة علیها » (3).

وعن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة علی المرأة ، الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال : « الأخ » (4). ثم أجاب عنهما بالحمل علی التقیة ، وهو یتوقف علی وجود المعارض.

ولا یلحق بالزوج الزوجة فی هذا الحکم ، لعدم النص. وقیل بالمساواة (5) لشمول اسم الزوج لهما لغة (6) وهو ضعیف ، فإن ذلک إنما یتم مع إطلاق ولایة الزوج ، لا مع التصریح بأنه أحق بامرأته کما وقع فی الروایة التی استند إلیها الأصحاب فی إثبات هذا الحکم.

قوله : ( وإذا کان الأولیاء جماعة فالذکر أولی من الأنثی ، والحر أولی من العبد ).

المراد أنه إذا تعددت إحدی المراتب السابقة وکانوا ذکورا وإناثا ، وأحرارا وعبیدا ، فالذکر أولی من الأنثی ، والحر أولی من العبد. أما أن الحر أولی من العبد فظاهر ، لأن العبد لا یرث معه ، ولأنه محجور علیه فی التصرف فی نفسه

ص: 159


1- راجع رجال الکشی 2 : 748 - 853 ، ورجال الطوسی : 358.
2- المعتبر 2 : 346.
3- التهذیب 3 : 205 - 486 ، الإستبصار 1 : 486 - 1885 ، الوسائل 2 : 802 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 4.
4- التهذیب 3 : 205 - 485 ، الإستبصار 1 : 486 - 1884 ، الوسائل 2 : 802 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 5.
5- کما فی روض الجنان : 311.
6- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : وعرفا. وهی مشطویة فی نسخة الأصل.

ولا یتقدم الولیّ إلا إذا استکملت فیه شرائط الإمامة ، وإلا قدّم غیره. وإذا تساوی الأولیاء قدّم الأفقه ، فالأقرأ ، فالأسن ، فالأصبح.

______________________________________________________

فلا یکون له ولایة التصرف فی غیره.

وأما أن الذکر أولی من الأنثی فقال العلاّمة فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه (1). وربما کان مستنده قوله علیه السلام : « یصلّی علی الجنازة أولی الناس بها » (2) ومع وجود الذکر یصدق کونه أولی فیتعلق به الحکم.

وحکی بعض مشایخنا المعاصرین قولا باشتراک الورثة فی الولایة. ولا ریب فی ضعفه ، مع أنه مجهول القائل.

ویدل علی ثبوت الولایة للأنثی إذا لم یکن فی مرتبتها ذکر ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : المرأة تؤم النساء؟ قال : « لا ، إلاّ علی المیت إذا لم یکن أحد أولی منها ، تقوم وسطهن فی الصف فتکبّر ویکبّرون » (3).

قوله : ( ولا یتقدم الولی إلا إذا استکملت فیه شرائط الإمامة ، وإلا قدّم غیره ).

یعتبر فی الغیر أیضا کونه جامعا لشرائط الإمامة. ویجوز للولی الاستنابة مع الصلاحیة أیضا ، ولو وجد الأکمل استحب استنابته ، لأن کماله قد یکون سببا فی إجابة دعائه. ویحتمل ترجیح مباشرة الولی ، لاختصاصه بمزید الرقة التی هی مظنة الإجابة.

قوله : ( وإذا تساوی الأولیاء قدّم الأفقه ، فالأقرأ ، فالأسن ، فالأصبح ).

ص: 160


1- المنتهی 1 : 451.
2- المتقدم فی ص 155.
3- التهذیب 3 : 206 - 488 ، الإستبصار 1 : 427 - 1648 ، الوسائل 2 : 803 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.

ولا یجوز أن یتقدم أحد إلا بإذن الولی ، سواء کان بشرائط الإمامة أو لم یکن بعد أن یکون مکلّفا.

______________________________________________________

المراد بالأفقه : الأعلم بفقه الصلاة ، وبالأقرإ : الأعلم بمرجحات القراءة ، وبالأسن : الأکبر سنا. وقیل : إن المراد علو السن فی الإسلام (1) ، فلو کان أحدهما ابن ثلاثین سنة کلها فی الإسلام والآخر ابن ستین لکن إسلامه أقل من ثلاثین فالأول هو الأسن. وبالأصبح : الأحسن وجها ، أو ذکرا بین الناس. ولم أقف علی مأخذ ذلک فی صلاة الجنازة علی الخصوص ، وظاهر الأصحاب إلحاقها بجماعة المکتوبة ، وقد ثبت الترجیح فیها بهذه الأوصاف ، لکن المصنف جزم هناک بتقدیم الأقرأ علی الأفقه (2).

واستوجه الشهید فی الذکری تقدیم الأفقه هنا ، لسقوط القراءة فی صلاة الجنازة (3).

ورد بأن مرجحات القراءة معتبرة فی الدعاء ، ولو لا ذلک لسقط الترجیح بالأقرإ ، وسیجی ء الکلام فی هذه الأوصاف فی إمام الجماعة مفصلا إن شاء الله (4).

قوله : ( ولا یجوز أن یتقدم أحد إلا بإذن الولی ، سواء کان بشرائط الإمامة أو لم یکن بعد أن یکون مکلّفا ).

إنما قید الوارث بکونه مکلفا لیخرج غیره فإنه لا یعتبر إذنه ، وتنتقل الولایة إلی غیره من الورثة کما لو کان معدوما.

ویندرج فی قول المصنف : ولا یجوز أن یتقدم أحد ، من عدا الولی من الأقارب والأجانب حتی الموصی إلیه بالصلاة علی المیت فلا یجوز له التقدم إلاّ بإذن الولی ، وبه قطع العلاّمة فی المختلف ، وأسنده إلی الأصحاب ، واحتج

حرمة التقدم من دون إذن الولی

ص: 161


1- قال به الشهید الثانی فی روض الجنان : 312 ، والمسالک 1 : 37.
2- شرائع الإسلام 1 : 125.
3- الذکری : 57.
4- فی ص 357.

وإمام الأصل أولی بالصلاة من کل أحد. والهاشمی أولی من غیره إذا قدّمه الولیّ وکان بشرائط الإمامة.

______________________________________________________

علیه بآیة أولی الأرحام (1).

وقال ابن الجنید : الموصی إلیه بالصلاة أولی بها من القرابات ، لعموم ما دل علی النهی عن تبدیل الوصیة (2) ، ولاشتهار ذلک بین السلف ، ولأن المیت ربما آثر شخصا لعلمه بصلاحه وطمعه فی إجابة دعائه فمنعه من ذلک وحرمانه ما أمله غیر موافق للحکمة (3) ، ولا بأس به.

قوله : ( وإمام الأصل أولی من کل أحد ).

لا ریب فی ذلک والبحث فی احتیاجه علیه السلام إلی إذن الولی وعدمه تکلف مستغنی عنه.

قوله : ( والهاشمی أولی من غیره إذا قدّمه الولیّ وکان بشرائط الإمامة ).

المراد أنه ینبغی للولی تقدیمه إذا کان بشرائط الإمامة ، واستدل علیه فی المعتبر بقوله : قدموا قریشا ولا تقدموهم (4) ، وبأنه مع استکمال الشرائط یرجح بشرف النسب (5). وبالغ المفید - رحمه الله - فأوجب تقدیم الهاشمی إذا حضر (6). قال فی الذکری : وربما حمل کلامه علی إمام الأصل (7). وهو بعید ، لأنه قال : وإن حضر رجل من فضلاء بنی هاشم ، وهو صریح فی کل واحد من فضلائهم.

ص: 162


1- المختلف : 120.
2- البقرة : 181 ، الوسائل 13 : 411 أبواب أحکام الوصایا ب 32.
3- نقله عنه فی المختلف : 120 ، والذکری : 57.
4- الجامع الصغیر للسیوطی 2 : 253 - 6108 ، 6109.
5- المعتبر 2 : 347.
6- المقنعة : 38.
7- الذکری : 57.

ویجوز أن تؤم المرأة بالنساء ، ویکره أن تبرز عنهن ، بل تقف فی صفّهن. وکذا الرجال العراة. وغیرهما من الأئمة یبرز أمام الصف ولو کان المؤتمّ واحدا :

______________________________________________________

قوله : ( ویجوز أن تؤم المرأة النساء ، ویکره أن تبرز فیهن ، بل تقف فی صفهن ).

یدل علی ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : المرأة تؤم النساء؟ قال : « لا ، إلاّ علی المیت إذا لم یکن أحد أولی منها تقوم وسطهن معهن فی الصف فتکبّر ویکبّرن » (1).

قوله : ( وکذا الرجال العراة ).

أی یجوز أن یؤم أحدهم الباقین ویقف فی صفهم ، وظاهر العبارة أنهم لا یجلسون کالیومیة ، وبه صرح فی المعتبر فقال : وإنما قال فی الأصل : والعاری کذلک ، لأنه یقوم فی الجنازة ، ولا یقعد وینضم إلی الصف ولا یبرز (2). والفارق اختصاص الیومیة بالنص علی الجلوس لا احتیاجها إلی الرکوع والسجود کما ذکره فی الذکری (3) ، لأن الواجب الإیماء.

قوله : ( وغیرهما من الأئمة یبرز أمام الصف ولو کان المؤتمّ واحدا ).

بخلاف غیرها من الصلوات فإن المأموم الواحد یقف عن یمین الإمام ، والفارق النص. فروی الکلینی وابن بابویه ، عن الیسع بن عبد الله القمی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصلّی علی الجنازة وحده؟ قال : « نعم » قلت : فاثنان یصلّیان علیها؟ قال : « نعم ولکن یقوم الآخر

حکم إمامة المرأة النساء والعاری العراة

إمام الجماعة یبرز أمام الصف

ص: 163


1- الفقیه 1 : 259 - 1177 ، الوسائل 2 : 803 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.
2- المعتبر 2 : 347.
3- الذکری : 58.

وإذا اقتدت النساء بالرجل وقفن خلفه ، وإن کان وراءه رجال وقفن خلفهم ، وإن کان فیهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا.

الثالث : فی کیفیة الصلاة ، وهی خمس تکبیرات ،

______________________________________________________

خلف الآخر ولا یقوم بجنبه » (1).

قوله : ( وإذا اقتدت النساء بالرجل وقفن خلفه ، وإن کان وراءه رجال وقفن خلفهم ، وإن کان فیهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا ).

أما الحکم الأول فلا ریب فیه ، لأن مواقف النساء فی الجماعة خلف الرجال ، ولما رواه الکلینی ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : خیر الصفوف فی الصلاة المقدم ، وخیر الصفوف فی الجنائز المؤخر ، قیل : یا رسول الله ولم؟ قال : صار سترة للنساء » (2).

وأما الحکم الثانی فیدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض تصلّی علی الجنازة؟ قال : « نعم. ولا تقف معهم ، بل تقف منفردة » (3).

قوله : ( وهی خمس تکبیرات ).

هذا قول علمائنا أجمع وأخبارهم به مستفیضة ، فروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لما مات آدم علیه السلام فبلغ إلی الصلاة علیه فقال هبة الله لجبرائیل علیه السلام : تقدم یا رسول الله فصلّ علی نبی الله ، فقال جبرائیل علیه السلام : إن الله عزّ وجلّ أمرنا بالسجود لأبیک فلسنا نتقدم أبرار ولده

حکم اقتداء النساء بالرجل

کیفیة صلاة المیت

ص: 164


1- الکافی 3 : 176 - 1 ، الفقیه 1 : 103 - 477 ، الوسائل 2 : 805 أبواب صلاة الجنازة ب 28 ح 1.
2- الکافی 3 : 176 - 3 ، الوسائل 2 : 806 أبواب صلاة الجنازة ب 29 ح 1.
3- التهذیب 3 : 204 - 479 ، الوسائل 2 : 800 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 1.

______________________________________________________

وأنت من أبرّهم ، فتقدّم فکبّر علیه خمسا عدة الصلوات التی افترضها الله تعالی علی أمة محمد صلی الله علیه و آله ، وهی السنة الجاریة فی ولده إلی یوم القیامة » (1).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « التکبیر علی المیت خمس تکبیرات » (2).

وفی الصحیح ، عن إسماعیل بن سعد الأشعری ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة علی المیت فقال : « أما المؤمن فخمس تکبیرات ، وأما المنافق فأربع ولا سلام فیها » (3).

وفی الصحیح ، عن حماد بن عثمان وهشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یکبّر علی قوم خمسا وعلی آخرین أربعا ، فإذا کبّر علی رجل أربعا اتّهم ، یعنی بالنفاق » (4). قال فی الذکری : وهذا جمع حسن بین ما رواه العامة (5) لو کانوا یعقلون (6).

وحیث ثبت التحدید بالخمس فلا تجوز الزیادة علیها کما لا تجوز النقیصة عنها ، لکن تبطل الصلاة مع النقصان علی وجه لا یمکن تدارکه لعدم تحقق الامتثال ، ولا تبطل مع الزیادة لتحقق الخروج من الصلاة بالخامسة ، نعم یأثم مع اعتقاد الشرعیة.

ص: 165


1- الفقیه 1 : 100 - 468 ، الوسائل 2 : 774 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 13.
2- التهذیب 3 : 315 - 976 ، الإستبصار 1 : 474 - 1832 ، الوسائل 2 : 773 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 6.
3- التهذیب 3 : 192 - 439 ، الوسائل 2 : 773 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 5.
4- الکافی 3 : 181 - 2 ، التهذیب 3 : 197 - 454 ، الاستبصار 1 : 475 - 1839 ، علل الشرائع : 303 - 2 ، الوسائل 2 : 772 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 1.
5- سنن ابن ماجة 1 : 481.
6- الذکری : 58.

والدعاء بینهن غیر لازم ، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا علی التعیین : وأفضل ما یقال ما رواه محمد بن مهاجر ، عن أمه أم سلمة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا صلی علی میّت کبّر وتشهد ، ثم کبّر وصلی علی الأنبیاء ودعا ، ثم کبّر ودعا للمؤمنین ، ثم کبّر الرابعة ودعا للمیّت ، ثم کبّر وانصرف.

______________________________________________________

ولو شک فی عدد التکبیرات بنی علی الأقل ، ولو فعله ثم ذکر سبقه لم تبطل الصلاة بذلک.

قوله : ( والدعاء بینهن غیر لازم ، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا علی التعیین : وأفضل ما یقال ما رواه محمد بن مهاجر ، عن أمه أم سلمة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا صلی علی میّت کبّر وتشهد ، ثم کبّر وصلی علی الأنبیاء ودعا ، ثم کبّر ودعا للمؤمنین ، ثم کبّر الرابعة ودعا للمیّت ، ثم کبّر خامسة وانصرف ).

الخلاف فی هذه المسألة وقع فی مواضع :

الأول : هل الدعاء بین التکبیرات واجب أو مستحب؟ قیل بالأول (1) ، وهو الأظهر ، وإلیه ذهب الأکثر ، بل قال فی الذکری : إن الأصحاب بأجمعهم یذکرون ذلک فی کیفیة الصلاة ولم یصرح أحد منهم بندبه ، والمذکور فی بیان الواجب ظاهره الوجوب (2). ویدل علیه الأخبار الکثیرة المتضمنة للأمر بالدعاء ، کقوله علیه السلام فی حسنة زرارة ومحمد بن مسلم ومن معهما : « تدعوا بما بدا لک » (3) وفی روایة أبی بصیر : « إنها خمس تکبیرات بینهن أربع صلوات » (4) وغیر ذلک من الأخبار ، وسنورد طرفا منها بعد ذلک.

ص: 166


1- قال به العلامة فی التذکرة 1 : 49 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 58.
2- الذکری : 59.
3- التهذیب 3 : 189 - 429 ، الوسائل 1 : 783 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 3.
4- التهذیب 3 : 318 - 986 ، الإستبصار 1 : 476 - 1842 ، الوسائل 2 : 774 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 12.

______________________________________________________

وقیل بالثانی ، وبه قطع المصنف فی هذا الکتاب صریحا وفی النافع ظاهرا (1) ، وربما کان مستنده إطلاق الروایات المتضمنة لأن الصلاة علی المیت خمس تکبیرات الواردة فی مقام البیان الدالة بظاهرها علی عدم وجوب ما عدا ذلک (2).

الثانی : إنه علی القول بوجوب الدعاء فهل یجب فیه لفظ علی التعیین أم لا؟ الأصح عدم الوجوب ، وهو خیرة الأکثر ، للأصل ، واختلاف الروایات فی کیفیة الدعاء کما ستقف علیه ، وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم وزرارة ومعمر بن یحیی وإسماعیل الجعفی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لیس فی الصلاة [ علی المیت قراءة ولا ] (3) دعاء موقت ، تدعو بما بدا لک ، وأحق الموتی أن یدعی له : المؤمن ، وأن یبدأ بالصلاة علی نبی الله صلی الله علیه و آله » (4).

وأوجب العلاّمة فی جملة من کتبه (5) ، وأکثر المتأخرین الشهادتین عقیب الأولی ، والصلاة علی النبی وآله عقیب الثانیة ، والدعاء للمؤمنین عقیب الثالثة ، والدعاء للمیت عقیب الرابعة ، تعویلا علی روایة محمد بن مهاجر (6) ، عن أمه أمّ سلمة التی أوردها المصنف رحمه الله ، وهی مع ضعف سندها بجهالة أمّ سلمة الروایة للحدیث لا تدل علی الوجوب صریحا ، مع أنها معارضة بقوله علیه السلام فی حسنة الفضلاء المتقدمة : « لیس فی الصلاة دعاء موقت » وبما سنورده من الأخبار المعتبرة الدالة علی عدم تعین ذلک.

الثالث : ذکر المصنف - رحمه الله - أن أفضل ما یقال فی صلاة الجنازة ما

ص: 167


1- المختصر النافع : 40.
2- الوسائل 2 : 772 أبواب صلاة الجنازة ب 5.
3- أثبتناه من « ح » والمصدر.
4- الکافی 3 : 185 - 1 ، الوسائل 2 : 783 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 1.
5- التذکرة 1 : 49 ، والقواعد 1 : 20 ، وتحریر الأحکام : 19.
6- الکافی 3 : 181 - 3 ، الفقیه 1 : 100 - 469 ، التهذیب 3 : 189 - 431 ، علل الشرائع : 303 - 3 ، الوسائل 2 : 763 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

______________________________________________________

رواه محمد بن مهاجر ، عن أمه أم سلمة ، عن أبی عبد الله علیه السلام . وکأن وجه الدلالة علی أفضلیة ما تضمنته الروایة قوله علیه السلام : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا صلی علی میت کبر وتشهد. » فإن لفظة : « کان » یشعر بالدوام ، وأقل مراتب مواظبة النبی صلی الله علیه و آله علی ذلک الرجحان.

ومقتضی کلام ابن أبی عقیل أن الأفضل جمع الأذکار الأربعة عقیب کل تکبیرة (1) ، ولم أقف علی روایة تدل علیه.

والأولی والأفضل اعتماد ما تضمنته الروایات المعتبرة عن أئمة الهدی صلوات الله علیهم ، فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی ولاّد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التکبیر علی المیت فقال : « خمس تکبیرات تقول إذا کبرت : « أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، اللهم صل علی محمد وآل محمد ، ثم تقول : اللهم إن هذا المسجّی قدامنا عبدک وابن عبدک وقد قبضت روحه إلیک وقد احتاج إلی رحمتک وأنت غنیّ عن عذابه ، اللهم ولا نعلم من ظاهره إلاّ خیرا وأنت أعلم بسریرته ، اللهم إن کان محسنا فضاعف إحسانه ، وإن کان مسیئا فتجاوز عن إساءته ، ثم تکبیر الثانیة ثم تفعل ذلک فی کل تکبیرة » (2).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تکبر ثم تشهد ، ثم تقول : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ ) ، الحمد لله رب العالمین رب الموت والحیاة صلّ علی محمد وأهل بیته ، جزی الله عنا محمدا خیر الجزاء بما صنع بأمته وبما بلّغ من رسالات ربه ، ثم تقول : اللهم عبدک ابن عبدک ابن أمتک ناصیته بیدک ، خلا من الدنیا واحتاج إلی رحمتک

ص: 168


1- نقله عنه فی المختلف : 119 ، والذکری : 59.
2- التهذیب 3 : 191 - 436 ، الإستبصار 1 : 474 - 1836 ، الوسائل 2 : 765 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 5.

وان کان منافقا اقتصر المصلی علی أربع ، وانصرف بالرابعة.

______________________________________________________

وأنت غنیّ عن عذابه ، اللهم إنّا لا نعلم [ منه ] (1) إلاّ خیرا وأنت تعلم ، اللهم إن کان محسنا فزد فی إحسانه وتقبّل منه ، وإن کان مسیئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتک ، اللهم ألحقه بنبیک وثبته بالقول الثابت فی الحیاة الدنیا وفی الآخرة ، اللهم اسلک بنا وبه سبیل الهدی واهدنا وإیاه إلی صراطک المستقیم عفوک عفوک ، ثم تکبر الثانیة وتقول مثلما قلت حتی تفرغ من خمس تکبیرات » (2).

وفی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الصلاة علی المیت قال : « تکبر ثم تصل علی النبی صلی الله علیه و آله ، ثم تقول : اللهم عبدک ابن عبدک ابن أمتک لا أعلم [ منه ] (3) إلاّ خیرا وأنت أعلم ، اللهم إن کان محسنا فزد فی إحسانه وتقبّل منه وإن کان مسیئا فاغفر له ذنبه وافسح له فی قبره واجعله من رفقاء محمد صلی الله علیه و آله ، ثم تکبر الثانیة وتقول : اللهم إن کان زاکیا فزکّه وإن کان خاطئا فاغفر له ، ثم تکبر الثالثة وتقول : اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنّا بعده ، ثم تکبر الرابعة وتقول : اللهم اکتبه عندک فی علیین واخلف علی عقبه فی الغابرین واجعله من رفقاء محمد صلی الله علیه و آله ، ثم کبر الخامسة وانصرف » (4). والعمل بکل من هذه الأخبار حسن إن شاء الله وإن کانت الروایة الأولی أولی.

قوله : ( وإن کان منافقا اقتصر المصلی علی أربع ، وانصرف بالرابعة ).

المراد بالمنافق هنا المخالف کما یدل علیه ذکره فی مقابلة المؤمن فی الأخبار (5) وکلام الأصحاب ، وإنما وجب الاقتصار فی الصلاة علیه علی أربع

ص: 169


1- أثبتناه من « ح » والمصدر.
2- الکافی 3 : 184 - 4 ، الوسائل 2 : 764 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 3.
3- أثبتناه من المصدر لاستقامة المعنی.
4- الکافی 3 : 183 - 2 ، الوسائل 2 : 764 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 2.
5- الوسائل 2 : 772 أبواب صلاة الجنازة ب 5.

وتجب فیها النیّة ، واستقبال القبلة ،

______________________________________________________

تکبیرات إدانة له بمقتضی مذهبه.

قال فی الذکری : والظاهر أن الدعاء علی هذا القسم غیر واجب ، لأن التکبیر علیه أربع وبها یخرج من الصلاة (1). وهو غیر جید ، فإن الدعاء للمیت أو علیه لا یتعین وقوعه بعد الرابعة کما بیناه.

وقد ورد بالأمر بالدعاء علی المنافق روایات : منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن صفوان بن مهران الجمّال ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « مات رجل من المنافقین فخرج الحسین بن علیّ علیهماالسلام یمشی فلقی مولی له فقال له : إلی أین تذهب؟ فقال : أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلّی علیه ، فقال له الحسین علیه السلام : قم إلی جنبی فما سمعتنی أقول فقل مثله قال : فرفع یدیه فقال : اللهم أخز عبدک فی عبادک وبلادک ، اللهم أصله أشد نارک ، اللهم أذقه حر عذابک فإنه کان یوالی أعداءک ویعادی أولیاءک ویبغض أهل بیت نبیک » (2).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إن کان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط علیه الحیات والعقارب » (3).

قوله : ( وتجب فیها النیّة ، والاستقبال ).

أما وجوب النیة فلا ریب فیه ، والمراد بها قصد الفعل طاعة لله عزّ وجلّ ، ولا یعتبر فیها التعرض للوجه ولا للأداء والقضاء.

وأما وجوب الاستقبال من المصلّی فلا خلاف فیه أیضا ، لأن العبادة کیفیة متلقاة من الشارع ، والمنقول من النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام

وجوب النیة والاستقبال فی صلاة المیت

ص: 170


1- الذکری : 60.
2- الفقیه 1 : 105 - 490 ، الوسائل 2 : 770 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 2.
3- الکافی 3 : 189 - 5 ، الوسائل 2 : 771 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 5.

وجعل رأس الجنازة إلی یمین المصلی.

______________________________________________________

فعل الصلاة کذلک (1) ، فیکون خلافه تشریعا محرما. وإنما یجب مع الإمکان ویسقط مع التعذر کما فی الیومیة.

ومن الواجبات أیضا القیام مع القدرة إجماعا ، ومع العجز یصلی بحسب الإمکان کالیومیة. ولو وجد من یمکنه القیام لم یسقط الفرض بصلاة العاجز ، لأصالة عدم سقوطه بغیر الصلاة الکاملة ، مع احتمال السقوط ، لقیام العاجز بما هو فرضه.

وفی وجوب الستر مع الإمکان قولان ، وجزم العلاّمة بعدم اعتباره لأنها دعاء (2). وأجاب عنه فی الذکری بأنها تسمی صلاة وإن اشتملت علی الدعاء فتدخل تحت عموم الصلاة (3). وهو ضعیف ، فإن الإطلاق أعم من الحقیقة.

قوله : ( وجعل رأس الجنازة إلی یمین المصلی ).

إنما یعتبر ذلک فی غیر المأموم. ولا بد مع ذلک من کون المیت مستلقیا بحیث لو اضطجع علی یمینه لکان بإزاء القبلة ، والوجه فی ذلک التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ، وعدم تیقن الخروج عن العهدة بدونه ، وما رواه الشیخ ، عن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن میت صلّی علیه ، فلما سلّم الإمام فإذا المیت مقلوب رجلاه إلی موضع رأسه ، قال : « یسوّی وتعاد الصلاة علیه » (4).

ولو تعذر ذلک سقط کالمصلوب الذی یتعذر إنزاله ، فقد روی أن الصادق علیه السلام صلّی علی عمه زید مصلوبا (5).

وجوب جعل رأس الجنازة علی الیمین

ص: 171


1- الوسائل 3 : 214 أبواب القبلة ب 1.
2- التذکرة 1 : 93.
3- الذکری : 58.
4- التهذیب 3 : 201 - 470 ، الإستبصار 1 : 482 - 1870 ، الوسائل 2 : 796 أبواب صلاة الجنازة ب 19 ح 1.
5- الکافی 3 : 215 - 2 ، التهذیب 3 : 327 - 1021 ، عیون أخبار الرضا 1 : 200 - 8 ، الوسائل 2 : 812 أبواب صلاة الجنازة ب 35 ح 1.

ولیست الطهارة من شرطها. ولا یجوز التباعد عن الجنازة کثیرا.

______________________________________________________

قوله : ( ولیست الطهارة من شرطها ).

هذا قول علمائنا أجمع قاله فی التذکرة (1) ، وتدل علیه روایات : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل تفجأه الجنازة وهو علی غیر طهر ، قال : « فلیکبر معهم » (2).

وفی الموثق ، عن یونس بن یعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنازة أصلّی علیها علی غیر وضوء؟ فقال : « نعم ، إنما هو تکبیر وتسبیح وتحمید وتهلیل کما تکبر وتسبح فی بیتک علی غیر وضوء » (3).

وفی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض تصلّی علی الجنازة؟ قال : « نعم ، ولا تقف معهم » (4).

وکما لا تعتبر فیها الطهارة من الحدث فکذا من الخبث ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وإطلاق الإذن فی صلاة الحائض مع عدم انفکاکها من النجاسة غالبا.

وهل یعتبر فی هذه الصلاة ترک ما یترک فی الیومیة خلا ما یتعلق بالحدث والخبث؟ فیه وجهان ، أحوطهما ذلک وإن کان فی تعینه نظر.

قوله : ( ولا یجوز التباعد عن الجنازة کثیرا ).

للتأسی ، وعدم تیقن الخروج عن العهدة بدونه. ولا تحدید لهذا التباعد شرعا فیرجع فیه إلی العرف.

عدم اشتراط الطهارة فی صلاة المیت

عدم جواز التباعد عن الجنازة

ص: 172


1- التذکرة 1 : 48.
2- الکافی 3 : 178 - 4 ، الوسائل 2 : 798 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.
3- الکافی 3 : 178 - 1 ، الفقیه 1 : 107 - 495 ، التهذیب 3 : 203 - 475 ، الوسائل 2 : 799 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 3.
4- الکافی 3 : 179 - 4 ، الفقیه 1 : 107 - 496 ، التهذیب 3 : 204 - 479 ، الوسائل 2 : 800 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 1.

ولا یصلّی علی المیت إلا بعد تغسیله وتکفینه. فإن لم یکن له کفن جعل فی القبر ، وسترت عورته ، وصلی علیه بعد ذلک.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یصلّی علی المیت إلا بعد تغسیله وتکفینه ).

هذا قول العلماء کافة ، لأن النبی صلی الله علیه و آله هکذا فعل (1) ، وکذا الصحابة والتابعون ، فیکون الإتیان بخلافه تشریعا محرما ، وإنما یجب تأخیر الصلاة عن الغسل والتکفین حیث یجبان کما هو واضح.

قوله : ( فإن لم یکن له کفن جعل فی القبر ، وسترت عورته وصلی علیه بعد ذلک ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ وابن بابویه فی الموثق ، عن عمار بن موسی الساباطی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی قوم کانوا فی سفر لهم یمشون علی ساحل البحر ، فإذا هم برجل میت عریان قد لفظه البحر وهم عراة لیس معهم إلاّ إزار ، فکیف یصلّون علیه وهو عریان ولیس معهم فضل ثوب یکفنونه به؟ قال : « یحفر له ویوضع فی لحده ویوضع اللبن علی عورته ، فتستر عورته باللبن والحجر ، ویصلّی علیه ثم یدفن » (2).

ومقتضی إطلاق الأمر بالستر وجوبه وإن لم یکن ثم ناظر ، وتباعد المصلّی بحیث لا یری. لکن الروایة قاصرة من حیث السند عن إثبات الوجوب (3). وذکر الشهید فی الذکری أنه إن أمکن ستره بثوب صلّی علیه قبل الوضع فی اللحد (4). ولا ریب فی الجواز ، نعم یمکن المناقشة فی الوجوب.

الصلاة علی المیت بعد تجهیزه

ص: 173


1- التذکرة 1 : 49 ، الوسائل 2 : 813 أبواب صلاة الجنازة ب 36.
2- الفقیه 1 : 104 - 482 ، التهذیب 3 : 327 - 1022 ، الوسائل 2 : 813 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 1.
3- لعل وجهه هو کون عمار بن موسی الساباطی فطحیا - راجع الفهرست : 117 - 515.
4- الذکری : 53.

وسنن الصلاة أن یقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ،

______________________________________________________

قوله : ( وسنن الصلاة أن یقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ).

هذا قول معظم الأصحاب ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : من صلّی علی امرأة فلا یقوم فی وسطها ویکون مما یلی صدرها ، وإذا صلّی علی الرجل فلیقم فی وسطه » (1).

وعن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یقوم من الرجل بحیال السرّة ، ومن النساء أدون من ذلک قبل الصدر » (2).

وقال الشیخ فی الإستبصار : إنه یقف عند رأس المرأة وصدر الرجل (3) ، واستدل علیه بما رواه عن موسی بن بکر ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « إذا صلّیت علی المرأة فقم عند رأسها ، وإذا صلّیت علی الرجل فقم عند صدره » (4).

وهذه الروایات کلها ضعیفة ، لکن المقام مقام استحباب فالعمل بکل منها حسن إن شاء الله. قال فی المنتهی : وهذه الکیفیة مستحبة عندنا بلا خلاف (5).

سنن صلاة المیت

ص: 174


1- التهذیب 3 : 190 - 433 ، الإستبصار 1 : 470 - 1818 ، الوسائل 2 : 804 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 1.
2- التهذیب 3 : 190 - 434 ، الإستبصار 1 : 471 - 1819 ، الوسائل 2 : 805 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 3.
3- الاستبصار 1 : 470.
4- التهذیب 3 : 190 - 432 ، الإستبصار 1 : 470 - 1817 ، الوسائل 2 : 805 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.
5- المنتهی 1 : 456.

وإن اتفقا جعل الرجل مما یلی الإمام والمرأة وراءه ، ویجعل صدرها محاذیا لوسطه لیقف الإمام موقف الفضیلة ،

______________________________________________________

قوله : ( وإن اتفقا جعل الرجل مما یلی الإمام والمرأة من ورائه ، ویجعل صدرها محاذیا لوسطه لیقف الإمام موقف الفضیلة ).

هذا قول العلماء کافة ، قاله فی المنتهی (1). وقد ورد بترتیبهما علی هذا الوجه روایات کثیرة : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة والحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل والمرأة کیف یصلّی علیهما؟ قال : « یجعل الرجل وراء المرأة ، ویکون الرجل مما یلی الإمام » (2).

وفی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجال والنساء کیف یصلّی علیهم؟ قال : « الرجل أمام النساء مما یلی الإمام ، یصفّ بعضهم علی أثر بعض » (3).

قال فی المنتهی : وهذه الکیفیة والترتیب لیس واجبا بلا خلاف (4). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یقدم الرجل وتؤخر المرأة ، ویؤخر الرجل وتقدم المرأة » یعنی فی الصلاة علی المیت (5).

ویستفاد من هذه الروایات وما فی معناها إجزاء الصلاة الواحدة علی الجنائز المتعددة. وقال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا (6).

ص: 175


1- المنتهی 1 : 457.
2- التهذیب 3 : 323 - 1006 ، الإستبصار 1 : 471 - 1823 ، الوسائل 2 : 810 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 10.
3- الکافی 3 : 175 - 4 ، التهذیب 3 : 323 - 1005 ، الإستبصار 1 : 471 - 1822 ، الوسائل 2 : 808 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 1.
4- المنتهی 1 : 457.
5- التهذیب 3 : 324 - 1009 ، الإستبصار 1 : 473 - 1828 ، الوسائل 2 : 810 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 6.
6- المنتهی 1 : 456.

ولو کان طفلا جعل من وراء المرأة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو کان طفلا جعل وراء المرأة ).

المراد بالطفل هنا من لا تجب الصلاة علیه کما نص علیه فی المعتبر ، واستدل علی استحباب جعله وراء المرأة بأن الصلاة لا تجب علیه وتجب علی المرأة ، ومراعاة الواجب أولی ، فتکون مرتبة أقرب إلی الإمام (1).

وقال ابنا بابویه : یجعل الصبی إلی الإمام والمرأة إلی القبلة (2). وأسنده المصنف فی المعتبر إلی الشافعی واستحسنه ، لما رواه الشیخ عن ابن بکیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « توضع النساء مما یلی القبلة ، والصبیان دونهن ، والرجال دون ذلک » (3). قال : وهذه الروایة وإن کانت ضعیفة لکنها سلیمة من المعارض (4). ولا بأس به.

واستشکل جمع من الأصحاب الاجتزاء بالصلاة الواحدة هنا لاختلاف الوجه ، وصرّح العلاّمة فی التذکرة بعدم جواز جمع الجمیع بنیة واحدة متحدة الوجه ، ثم قال : ولو قیل بإجزاء الواحدة المشتملة علی الوجهین بالتقسیط أمکن (5). وهو مشکل ، لأن الفعل الواحد الشخصی لا یتصف بوصفین متنافیین.

وقال فی الذکری : إنه یمکن الاکتفاء بنیة الوجوب ، لزیادة الندب تأکیدا (6). وهو مشکل أیضا ، لأن الوجوب مضاد للندب فلا یکون مؤکدا له.

والحق أنه إن لم یثبت الاجتزاء بالصلاة الواحدة هنا بنص أو إجماع وجب نفیه ، لأن العبادة کیفیة متلقاة من الشارع فیقف إثباتها علی النقل ، وإن ثبت

ص: 176


1- المعتبر 2 : 354.
2- الصدوق فی المقنع : 21 ، وحکاه عن أبیه فی الفقیه 1 : 107.
3- التهذیب 3 : 323 - 1007 ، الإستبصار 1 : 472 - 1824 ، الوسائل 2 : 809 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 3.
4- المعتبر 2 : 354.
5- التذکرة 1 : 49.
6- الذکری : 63.

وأن یکون المصلی متطهرا ،

______________________________________________________

الاجتزاء بذلک کان الإشکال مندفعا بالنص کما فی تداخل الأغسال الواجبة والمستحبة. وعلی هذا فیکون المراد أن الغرض المطلوب من الصلاة علی الطفل یتأدی بالصلاة الواجبة علی هذا الوجه کما تتأدی وظیفة غسل الجمعة بإیقاع غسل الجنابة فی ذلک الیوم.

قوله : ( وأن یکون المصلّی متطهرا ).

لأن الصلاة ذکر ودعاء وشفاعة للمیت فاستحب فی فاعلها أن یکون علی أکمل أحواله وأفضلها ، ولما رواه الشیخ ، عن عبد الحمید بن سعد قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : الجنازة یخرج بها ولست علی وضوء ، فإن ذهبت أتوضأ فاتتنی الصلاة ، أیجزینی أن أصلّی علیها وأنا علی غیر وضوء؟ قال : « تکون علی طهر أحب إلیّ » (1).

ویجوز التیمم مع وجود الماء إذا خاف فوت الجنازة إن ذهب إلی الوضوء ، لما رواه الکلینی - رحمه الله تعالی - فی الحسن ، عن الحلبی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل تدرکه الجنازة وهو علی غیر وضوء ، فإن ذهب یتوضأ فاتته الصلاة علیها ، قال : « یتیمم ویصلّی » (2).

وأطلق الشیخ (3) وجماعة جواز التیمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء ، واستدلوا علیه بروایة سماعة ، قال : سألته عن رجل مرت به جنازة وهو علی غیر وضوء کیف یصنع؟ قال : « یضرب بیدیه علی حائط اللبن فیتیمم » (4) وفی السند ضعف (5).

ص: 177


1- التهذیب 3 : 203 - 476 ، الوسائل 2 : 798 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 2.
2- الکافی 3 : 178 - 2 ، الوسائل 2 : 799 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 6.
3- الخلاف 1 : 295.
4- الکافی 3 : 178 - 5 ، التهذیب 3 : 203 - 477 ، الوسائل 2 : 799 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5.
5- لعل وجهه هو اشتماله علی بعض الواقفیة.

وینزع نعلیه ، ویرفع یدیه فی أول تکبیرة إجماعا. وفی البواقی علی الأظهر.

______________________________________________________

قوله : ( وینزع نعلیه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ویدل علیه ما رواه الشیخ ، عن سیف بن عمیرة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یصلّی علی الجنازة بحذاء ، ولا بأس بالخف » (1). وحکم المصنف فی المعتبر باستحباب الحفاء لأنه موضع اتعاظ فناسب التذلل بالخفاء (2) ، ولقول النبی صلی الله علیه و آله : « من اغبرّت قدماه فی سبیل الله حرّمهما الله علی النار » (3) ولا بأس به.

قوله : ( ویرفع یدیه فی أول تکبیرة إجماعا ، وفی البواقی علی الأظهر ).

أجمع العلماء کافة علی استحباب رفع الیدین فی التکبیرة الأولی ، واختلفوا فی البواقی. فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی النهایة والمبسوط (4) ، والمفید (5) ، والمرتضی (6) ، وابن إدریس (7) إلی أنه غیر مستحب ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ فی الموثق ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه ، عن علیّ علیهم السلام : « إنه کان لا یرفع یدیه فی الجنازة إلاّ مرة واحدة » یعنی فی التکبیر (8).

وعن إسماعیل بن إسحاق بن أبان الوراق ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال : « کان أمیر المؤمنین علیه السلام یرفع یدیه فی أول التکبیر

ص: 178


1- التهذیب 3 : 206 - 491 ، الوسائل 2 : 804 أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1.
2- المعتبر 2 : 355.
3- مسند أحمد 3 : 367 ، سنن الدارمی 2 : 202 ، صحیح البخاری 2 : 9 ، سنن النسائی 6 : 14.
4- النهایة : 145 ، والمبسوط 1 : 185.
5- المقنعة : 37.
6- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 204.
7- السرائر : 80.
8- التهذیب 3 : 194 - 443 ، الإستبصار 1 : 479 - 1854 ، الوسائل 2 : 786 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 4.

______________________________________________________

علی الجنازة ثم لا یعود حتی ینصرف » (1).

وقال الشیخ فی کتابی الأخبار : یستحب رفع الیدین فی کل تکبیرة ، واستدل بما رواه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن العرزمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : صلّیت خلف أبی عبد الله علیه السلام علی جنازة فکبر خمسا یرفع یدیه فی کل تکبیرة (2).

وعن یونس ، قال : سألت الرضا علیه السلام ، قلت : جعلت فداک إن الناس یرفعون أیدیهم فی التکبیر علی المیت فی التکبیرة الأولی ولا یرفعون فیما بعد ذلک ، فأقتصر علی التکبیرة الأولی کما یفعلون أو أرفع یدیّ فی کل تکبیرة؟ فقال : « ارفع یدیک فی کل تکبیرة » (3).

وأجاب عن الروایتین الأوّلتین بالحمل علی التقیة ، أو علی أن الغرض منها بیان الجواز ورفع الوجوب. وهو حسن.

وقال المصنف فی المعتبر بعد أن أورد الأخبار من الطرفین : ما دل علی الزیادة أولی ، لأن رفع الیدین مراد لله فی أول التکبیر وهو دلیل الرجحان فیسوغ فی الباقی تحصیلا للأرجحیة ، ولأنه فعل مستحب فجاز أن یفعل مرة ویخل به أخری فلذلک اختلفت الروایات فیه (4).

ولم یذکر الأصحاب هنا استحباب رفع الیدین فی حالة الدعاء للمیت ، ولا یبعد استحبابه ، لإطلاق الأمر برفع الیدین فی الدعاء (5) المتناول لذلک ولغیره.

ص: 179


1- التهذیب 3 : 194 - 444 ، الإستبصار 1 : 478 - 1853 ، الوسائل 2 : 786 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 5.
2- التهذیب 3 : 194 - 445 ، الإستبصار 1 : 478 - 1851 ، الوسائل 2 : 785 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 1.
3- الکافی 3 : 184 - 5 ، التهذیب 3 : 195 - 446 ، الإستبصار 1 : 478 - 1852 ، الوسائل 2 : 786 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.
4- المعتبر 2 : 356.
5- الوسائل 4 : 1100 أبواب الدعاء ب 12.

ویستحب عقیب الرابعة أن یدعو له إن کان مؤمنا ، وعلیه إن کان منافقا ، وبدعاء المستضعفین إن کان کذلک ، وإن جهله سأل الله أن یحشره مع من یتولاه ،

______________________________________________________

قوله : ( ویستحب عقیب الرابعة أن یدعو له إن کان مؤمنا ، وعلیه إن کان منافقا ، وبدعاء المستضعفین إن کان کذلک ، وإن جهله سأل الله أن یحشره مع من یتولاه ).

قد تقدم الکلام فی ذلک وأن الأولی الدعاء للمؤمن عقیب کل تکبیرة ، والظاهر أن المراد بالمنافق هنا مطلق المخالف ، وفسره بعضهم بالناصب (1) ، وفی حسنة ابن مسلم : « إن کان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط علیه الحیات والعقارب » (2) وهو یتناول الناصب وغیره.

وفسر ابن إدریس المستضعف بمن لا یعرف اختلاف الناس فی المذاهب ولا یبغض أهل الحق علی اعتقادهم (3). وعرفه فی الذکری بأنه الذی لا یعرف الحق ولا یعاند فیه ولا یوالی أحدا بعینه ، وحکی عن المفید فی الغریة أنه عرفه بأنه الذی یعرف بالولاء ویتوقف عن البراء (4). والتفسیرات متقاربة.

والمجهول : من لا یعلم حاله. والظاهر أن معرفة بلد المیت الذی یعلم إیمان أهلها أجمع کاف فی إلحاقه بهم.

وقد أوردنا فیما سبق فی کیفیة الدعاء للمؤمن روایات کثیرة (5) ، وقد ورد فی کیفیة دعاء المنافق والمستضعف والمجهول روایات : منها ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إن کان

ص: 180


1- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 37.
2- الکافی 3 : 189 - 5 ، الوسائل 2 : 771 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 5.
3- السرائر : 13.
4- الذکری : 59.
5- راجع ص 168.

وإن کان طفلا سأل الله أن یجعله مصلحا لحال أبیه شافعا فیه.

______________________________________________________

جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط علیه الحیات والعقارب ».

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن کان مستضعفا فقل : اللهم اغفر للذین تابوا واتبعوا سبیلک وقهم عذاب الجحیم ، وإن کنت لا تدری ما حاله فقل : اللهم إن کان یحب الخیر وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، وإن کان المستضعف بسبیل منک فاستغفر له علی وجه الشفاعة لا علی وجه الولایة » (1).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « الصلاة علی المستضعف والذی لا یعرف مذهبه : یصلّی علی النبی صلی الله علیه و آله ویدعی للمؤمنین والمؤمنات ویقال : اللهم اغفر للذین تابوا واتبعوا سبیلک وقهم عذاب الجحیم ، ویقال فی الصلاة علی من لا یعرف مذهبه : اللهم هذه النفوس أنت أحییتها وأنت أمتها اللهم ولّها ما تولت واحشرها مع من أحبت » (2).

قوله : ( وإن کان طفلا سأل الله أن یجعله مصلحا لحال أبیه شافعا فیه ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ ، عن عمرو بن خالد ، عن زید بن علیّ ، عن آبائه ، عن علیّ علیهم السلام فی الصلاة علی الطفل أنه کان یقول : « اللهم اجعله لأبویه ولنا سلفا وفرطا وأجرا » (3) والفرط بفتح الراء فی أصل الوضع : المتقدم علی القوم لیصلح لهم ما یحتاجون إلیه (4) ، قال النبی صلی الله علیه و آله : « أنا فرطکم علی الحوض » (5).

ص: 181


1- الکافی 3 : 187 - 3 ، الوسائل 2 : 768 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 4.
2- الفقیه 1 : 105 - 489 ، الوسائل 2 : 768 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1.
3- التهذیب 3 : 195 - 449 ، الوسائل 2 : 787 أبواب صلاة الجنازة ب 12 ح 1.
4- راجع الصحاح 3 : 1148.
5- مسند أحمد 3 : 345 ، 384 ، سنن النسائی 1 : 94 ، الجامع الصغیر 1 : 414 - 2700.

وإذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتی ترفع الجنازة. وأن یصلّی علی الجنازة فی المواضع المعتادة ، ولو صلّی فی المساجد جاز.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتی ترفع الجنازة ).

إطلاق العبارة یقتضی استحباب ذلک لکل مصل ، وبهذا التعمیم صرح الشارح (1) وجماعة ، وخصه الشهید بالإمام تبعا لابن الجنید (2) ، والمستند فی هذا الحکم ما رواه الشیخ ، عن حفص بن غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام : « إن علیا علیه السلام کان إذا صلّی علی جنازة لم یبرح من مصلاه حتی یراها علی أیدی الرجال » (3) والروایة مطلقة. ولو قلنا بالتعمیم واتفق صلاة جمیع الحاضرین استثنی منهم أقل ما یمکن به رفع الجنازة.

قوله : ( وأن یصلّی علی الجنازة فی المواضع المعتادة ).

أی : للصلاة علی الجنائز ، لأن السامع بموته یقصدها للصلاة علیه فیکون ذلک طریقا إلی تکثیر المصلین ، وهو أمر مطلوب لرجاء مجاب الدعوة فیهم ، وقد روی الصدوق فی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا مات المیت فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنین فقالوا : اللهم إنا لا نعلم منه إلاّ خیرا وأنت أعلم به منا قال الله تبارک وتعالی : وقد أجزت شهادتکم وغفرت له ما أعلم مما لا تعلمون » (4).

قوله : ( ولو صلّی فی المساجد جاز ).

لا ریب فی الجواز ، وإنما الکلام فی الکراهة ، فأثبتها الأکثر فی جمیع المساجد إلاّ بمکة المشرفة ، لما روی عن أبی الحسن علیه السلام أنه قال لأبی بکر العلوی : « یا أبا بکر إن الجنائز لا یصلّی علیها فی المساجد » (5) ومقتضی الروایة

ص: 182


1- المسالک 1 : 38.
2- الذکری : 64.
3- التهذیب 3 : 195 - 448 ، الوسائل 2 : 786 أبواب صلاة الجنازة ب 11 ح 1.
4- الفقیه 1 : 102 - 472.
5- الکافی 3 : 182 - 1 ، التهذیب 3 : 326 - 1016 ، الإستبصار 1 : 473 - 1831 ، الوسائل 2 : 807 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 2.

وتکره الصلاة علی الجنازة الواحدة مرّتین.

______________________________________________________

کراهة الصلاة فی المساجد بمکة وغیرها ، لکنها ضعیفة السند(1).

وعلل العلاّمة فی المنتهی استثناء مکة المشرفة بأن مکة کلها مسجد فلو کرهت الصلاة فی بعض مساجدها لزم التعمیم فیها أجمع وهو خلاف الإجماع (2). ولا یخفی ضعف هذا التعلیل.

والأصح انتفاء الکراهة مطلقا ، للأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضل بن عبد الملک ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام هل یصلّی علی المیت فی المسجد؟ قال : « نعم » (3) قال الشیخ رحمه الله : وروی محمد بن مسلم ، عن أبی الحسن علیه السلام مثل ذلک (4).

قوله : ( وتکره الصلاة علی الجنازة الواحدة مرّتین ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال العلاّمة فی المختلف : المشهور کراهة تکرار الصلاة علی المیت (5). وقید ابن إدریس الکراهة بالصلاة جماعة ، لتکرار الصحابة الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله فرادی (6). وقال الشیخ فی الخلاف : من صلّی علی جنازة یکره له أن یصلّی علیها ثانیا (7). وهو یشعر باختصاص الکراهة بالمصلّی المتحد. وربما ظهر من کلامه فی الاستبصار استحباب التکرار من المصلّی الواحد وغیره (8).

کراهة الصلاة علی الجنازة مرتین

ص: 183


1- الظاهر أن وجهه هو مجهولیة أبی بکر العلوی إذ لم یذکر فی کتب الرجال.
2- المنتهی 1 : 459.
3- التهذیب 3 : 320 - 992 ، الإستبصار 1 : 473 - 1829 ، الوسائل 2 : 806 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1.
4- التهذیب 3 : 320 - 993 ، الإستبصار 1 : 473 - 1830 ، الوسائل 2 : 806 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1 ، وفیها : عن أحدهما علیهماالسلام .
5- المختلف : 120.
6- السرائر : 81.
7- الخلاف 1 : 295.
8- الاستبصار 1 : 485.

______________________________________________________

والأخبار الواردة فی هذه المسألة مختلفة ، فورد فی بعضها الأمر بالصلاة لمن لم یصل کموثقة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المیت یصلّی علیه ما لم یوار بالتراب وإن کان قد صلّی علیه » (1).

وموثقة یونس بن یعقوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الجنازة لم أدرکها حتی بلغت القبر أصلّی علیها؟ قال : « إن أدرکتها قبل أن تدفن فإن شئت فصلّ علیها » (2).

وورد فی بعض آخر النهی عن ذلک کروایة وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی علی جنازة فلما فرغ جاء ناس فقالوا : یا رسول الله لم ندرک الصلاة علیها فقال : لا یصلّی علی جنازة مرتین ، ولکن ادعوا له » (3).

وروایة إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی علی جنازة فلما فرغ جاء قوم فقالوا : فاتتنا الصلاة علیها فقال صلی الله علیه و آله : إن الجنازة لا یصلّی علیها مرتین ، ادعوا له وقولوا خیرا » (4).

وهذه الروایات کلها قاصرة من حیث السند ، وجمع الأکثر بینها بحمل النهی علی الکراهة ، وظاهرهم الاتفاق علی الجواز.

أما تکرار الصلاة من المصلّی الواحد فلم أقف فیه علی روایة سوی ما نقل

ص: 184


1- التهذیب 3 : 334 - 1045 ، الإستبصار 1 : 484 - 1874 ، الوسائل 2 : 781 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 19.
2- التهذیب 3 : 334 - 1046 ، الإستبصار 1 : 484 - 1875 ، الوسائل 2 : 781 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 20.
3- التهذیب 3 : 332 - 1040 ، الاستبصار 1 : 485 - 1879 ، قرب الإسناد : 63 ، الوسائل 2 : 782 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 24.
4- التهذیب 3 : 324 - 1010 ، الإستبصار 1 : 484 - 1878 ، الوسائل 2 : 782 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 23.

______________________________________________________

من صلاة أمیر المؤمنین علیه السلام علی سهل بن حنیف خمس مرات ، وقد روی ذلک بعدة طرق : منها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کبر أمیر المؤمنین صلوات الله علیه علی سهل بن حنیف وکان بدریا خمس تکبیرات ، ثم مشی ساعة ثم وضعه وکبر علیه خمسة أخری ، فصنع ذلک حتی کبر علیه خمسا وعشرین تکبیرة » (1) وعن أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام نحو ذلک ، وفی الروایة : أنه علیه السلام کان کلما أدرکه الناس قالوا : یا أمیر المؤمنین لم ندرک الصلاة علی سهل فیضعه فیکبر علیه خمسا حتی انتهی إلی قبره خمس مرات (2).

وبذلک احتج الشیخ علی استحباب الإعادة مطلقا ، وهو إنما یدل علی استحباب الإعادة للإمام خاصة ، لکن قال العلاّمة فی المختلف : إن حدیث سهل بن حنیف مختص بذلک الشخص إظهارا لفضله (3) ، کما خص النبی صلی الله علیه و آله عمه حمزة بسبعین تکبیرة (4). وفی کلام أمیر المؤمنین علیه السلام فی نهج البلاغة ما یدل علی ذلک (5).

وکیف کان فینبغی القطع بکراهة التکرار من المصلّی الواحد لغیر الإمام ، بل یمکن القول بعدم مشروعیته ، لعدم ثبوت التعبد به. أما الإمام فلا یبعد الحکم بأنه یستحب له الإعادة بمن لم یصلّی ، للتأسی ، وانتفاء ما ینهض حجة علی اختصاص الحکم بذلک الشخص.

ومتی قلنا بمشروعیة الإعادة وأرید التعرض للوجه نوی الندب ، لسقوط

ص: 185


1- التهذیب 3 : 325 - 1011 ، الإستبصار 1 : 484 - 1876 ، الوسائل 2 : 777 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 1.
2- الکافی 3 : 186 - 3 ، الفقیه 1 : 101 - 470 ، التهذیب 3 : 197 - 455 ، الوسائل 2 : 778 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 5.
3- المختلف : 120.
4- راجع الهامش (2).
5- نهج البلاغة ( شرح صبحی الصالح ) : 386.

مسائل خمس :

الأولی : من أدرک الإمام فی أثناء صلاته تابعه ، فإذا فرغ أتمّ ما بقی علیه ولاء ، ولو رفعت الجنازة أو دفنت أتمّ ولو علی القبر.

______________________________________________________

الفرض بالأولی ، وجوز المحقق الشیخ علیّ إیقاعها بنیة الوجوب اعتبارا بأصل الفعل (1). ولا وجه له.

قوله : ( الأولی ، من أدرک الإمام فی أثناء صلاته تابعه ، فإذا فرغ أتمّ ما بقی علیه ولاء ، وإن رفعت الجنازة أو دفنت أتمّ ولو علی القبر ).

یدل علی ذلک روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أدرک الرجل التکبیرة والتکبیرتین من الصلاة علی المیت فلیقض ما بقی متتابعا » (2).

وفی الصحیح ، عن عیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یدرک من الصلاة علی المیت تکبیرة ، قال : « یتمم ما بقی » (3).

ومقتضی الروایة الأولی أن من هذا شأنه لا یأتی بالدعاء بین التکبیرات سواء أمکنه الإتیان بذلک قبل وقوع ما ینافی الصلاة من البعد والانحراف أم لا ، وقیده العلاّمة فی بعض کتبه بما إذا خاف فوت الجنازة من محل تجوز الصلاة علیها فیه اختیارا (4) ، ولا بأس به.

حکم إدراک الامام أثناء الصلاة

ص: 186


1- جامع المقاصد 1 : 59.
2- التهذیب 3 : 200 - 463 ، الإستبصار 1 : 482 - 1865 ، الوسائل 2 : 792 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 1.
3- التهذیب 3 : 199 - 461 ، الإستبصار 1 : 481 - 1861 ، الوسائل 2 : 793 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 2.
4- نهایة الأحکام 2 : 270 ، والقواعد 1 : 20.

الثانیة : إذا سبق المأموم بتکبیرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الإمام.

الثالثة : یجوز أن یصلی علی القبر یوما ولیلة من لم یصلّ علیه ، ثم لا یصلی بعد ذلک.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة ، إذا سبق المأموم بتکبیرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الإمام ).

قال الشارح قدس سره : المراد أنه سبقه سهوا أو ظنا أنه کبّر ، أما مع العمد فیستمر متأنیا حتی یلحقه الإمام ویأتم فی الأخیر (1). وفی الحکمین معا إشکال ، خصوصا الثانی ، لأن التکبیر الواقع علی هذا الوجه منهی عنه ، والنهی فی العبادة یقتضی الفساد ، فلو قیل بوجوب الإعادة مع العمد کان جیدا إن لم تبطل الصلاة بذلک.

قوله : ( الثالثة ، یجوز أن یصلی علی القبر یوما ولیلة من لم یصلّ علیه ، ثم لا یصلی بعد ذلک ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخان (2) ، وابن إدریس (3) ، والمصنف إلی أن من لم یدرک الصلاة علی المیت یجوز له أن یصلّی علی قبره یوما ولیلة ، فإن زاد علی ذلک لم تجز الصلاة علیه ، وإطلاق کلامهم یقتضی جواز الصلاة علیه کذلک وإن کان المیت قد صلّی علیه قبل الدفن.

وقال سلاّر : یصلّی علیه إلی ثلاثة أیام (4).

وقال ابن الجنید : یصلّی علیه ما لم تتغیر صورته (5).

حکم سبق المأموم بتکبیرة

جواز الصلاة علی القبر

ص: 187


1- المسالک 1 : 38.
2- المفید فی المقنعة : 38 ، والشیخ فی المبسوط 1 : 185.
3- السرائر : 81.
4- المراسم : 80.
5- نقله عنه فی المختلف : 120.

الرابعة : الأوقات کلّها صالحة لصلاة الجنازة ، إلا عند تضیق وقت فریضة حاضرة.

______________________________________________________

واعترف المصنف فی المعتبر ، والعلاّمة فی المنتهی (1) بعدم الوقوف فی هذه التقدیرات علی مستند.

وقال ابن بابویه : من لم یدرک الصلاة علی المیت صلّی علی القبر (2). ولم یقدر لها وقتا.

وأوجب العلاّمة فی المختلف الصلاة علی من دفن بغیر صلاة ومنع من الصلاة علی غیره (3).

وجزم المصنف فی المعتبر بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقا قال : ولا أمنع الجواز (4). واستدل علی عدم الوجوب بأن المدفون خرج بدفنه عن أهل الدنیا فساوی من فنی فی قبره ، وعلی الجواز بالأخبار الواردة بالإذن فی الصلاة علی القبر کصحیحة هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بأن یصلی الرجل علی المیت بعد ما یدفن » (5).

والأصح ما اختاره المصنف من عدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقا ، لکن لا یبعد اختصاص الجواز بیوم الدفن.

قوله : ( الرابعة ، الأوقات کلّها صالحة لصلاة الجنازة ، إلا عند تضیق وقت فریضة حاضرة ).

المراد أنها صالحة لصلاة الجنازة من غیر کراهة ، وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن

حکم الصلاة علی المیت عند تضیق وقت فریضة

ص: 188


1- المعتبر 2 : 359 ، والمنتهی 1 : 450.
2- نقله عن علی بن بابویه فی المختلف : 120.
3- المختلف : 120.
4- المعتبر 2 : 358.
5- التهذیب 3 : 200 - 466 ، الإستبصار 1 : 482 - 1866 ، الوسائل 2 : 794 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 1.

ولو خیف علی المیت مع سعة الوقت قدمت الصلاة علیه.

الخامسة : إذا صلی علی جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخری کان مخیّرا ، إن شاء استأنف الصلاة علیهما ، وإن شاء أتمّ الأولی علی الأول

______________________________________________________

مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « یصلّی علی الجنازة فی کل ساعة إنها لیست بصلاة رکوع وسجود » (1) وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة علی الجنازة حین تغیب الشمس وحین تطلع إنما هو استغفار » (2).

ومقتضی العبارة وجوب تقدیم الحاضرة عند تضیق وقتها وإن خیف علی المیت ، وهو کذلک. وقال الشیخ فی المبسوط : تقدم الجنازة إذا خیف علی المیت ، لأن حرمة المسلم میتا کحرمته حیا (3). ولا ریب فی ضعفه.

قوله : ( ولو خیف علی المیت مع سعة الوقت قدمت الصلاة علیه ).

لا ریب فی تقدیم الصلاة علی المیت ودفنه والحال هذه علی الصلاة ، لأن ذلک واجب مضیق فلا یعارضه الموسع. ولو اتسع الوقتان فالأولی تقدیم الیومیة ، لقول الکاظم علیه السلام فی صحیحة أخیه علیّ بن جعفر : « إذا وجبت الشمس فصلّ المغرب ثم صلّ علی الجنائز » (4).

قوله : ( الخامسة ، إذا صلی علی جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخری کان مخیّرا ، إن شاء استأنف الصلاة علیهما ، وإن شاء أتمّ للأولی

حکم حضور جنازة أخری أثناء الصلاة

ص: 189


1- التهذیب 3 : 202 - 474 ، الإستبصار 1 : 470 - 1814 ، الوسائل 2 : 797 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.
2- التهذیب 3 : 321 - 999 ، الإستبصار 1 : 470 - 1815 ، الوسائل 2 : 797 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 1.
3- المبسوط 1 : 185.
4- التهذیب 3 : 320 - 996 ، قرب الإسناد : 99 ، الوسائل 2 : 808 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 3.

واستأنف للثانی.

______________________________________________________

واستأنف للثانیة ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (1) ، وجمع من الأصحاب ، واحتجوا علیه بصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : فی قوم کبروا علی جنازة تکبیرة أو تکبیرتین ووضعت معها أخری قال : « إن شاؤوا ترکوا الأولی حتی یفرغوا من التکبیر علی الأخیرة ، وإن شاؤوا رفعوا الأولی وأتموا التکبیر علی الأخیرة ، کل ذلک لا بأس به » (2) ولا یخفی قصور هذه الروایة عن إفادة المدعی ، إذ المتبادر منها أن ما بقی من التکبیر محسوب للجنازتین ، فإذا فرغوا من تکبیر الأولی تخیروا بین ترکها بحالها حتی یکملوا التکبیر علی الأخیرة وبین رفعها من مکانها والإتمام علی الأخیرة ، ولا دلالة لها علی إبطال الصلاة علی الأولی بوجه. ویمکن أن یراد بإتمام التکبیر علی الأخیرة استئناف الصلاة علیها بعد إتمام الأولی. ومتی قلنا بالتشریک فینبغی إحداث النیة له عند إرادته.

ص: 190


1- المبسوط 1 : 185.
2- الکافی 3 : 190 - 1 ، التهذیب 3 : 327 - 1020 ، الوسائل 2 : 811 أبواب صلاة الجنازة ب 34 ح 1.

الفصل الخامس :

فی الصلوات المرغبات

وهی قسمان :

النوافل الیومیة وقد ذکرناها ، وما عدا ذلک وهو ینقسم :

فمنه ما لا یختص وقتا بعینه :

وهذا القسم کثیر غیر أنا نذکر مهمّه ، وهو صلوات :

الأولی : صلاة الاستسقاء

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الخامس ، فی الصلوات المرغبات ، وهی قسمان : النوافل الیومیة وقد ذکرناها ، وما عدا ذلک وهو ینقسم ، فمنه ما لا یختص وقتا بعینه ، وهذا القسم کثیر غیر أنا نذکر مهمّه ، وهو صلوات ، الأولی : صلاة الاستسقاء ).

الاستسقاء طلب السقیا من الله تعالی عند الحاجة إلیها ، ولا خلاف بین العلماء فی شرعیته ، وقد کان مشروعا فی الملل السالفة ، قال الله تعالی ( وَإِذِ اسْتَسْقی مُوسی لِقَوْمِهِ ) (1) وروی ابن بابویه ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إن سلیمان بن داود علیه السلام خرج ذات یوم مع أصحابه لیستسقی فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلی السماء وهی تقول : اللهم إنا خلق من خلقک ، لا غنی لنا عن رزقک ، فلا تهلکنا بذنوب بنی آدم ، فقال سلیمان

الصلوات المرغبات

صلاة الاستسقاء

ص: 191


1- البقرة : 59.

وهی مستحبة عند غور الأنهار ، وفتور الأمطار.

______________________________________________________

علیه السلام : ارجعوا فقد سقیتم بغیرکم » (1).

وروی الشیخ فی التهذیب مرسلا ، عن النبی صلی الله علیه و آله ، قال : « إذا غضب الله تعالی علی أمة ثم لم ینزل بها العذاب غلت أسعارها ، وقصرت أعمارها ، ولم تربح تجارها ، ولم تزک ثمارها ، ولم تعذب أنهارها ، وحبس عنها أمطارها ، وسلط علیها أشرارها » (2).

قوله : ( وهی مستحبة عند غور الأنهار ، وفتور الأمطار ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (3) وقال فی المنتهی : أجمع کل من یحفظ عنه العلم علی استحباب صلاة الاستسقاء عند الجدب إلاّ أبا حنیفة فإنه قال : لا تسن لها الصلاة بل الدعاء (4). والأصل فی استحباب الصلاة التأسی ، والأخبار المستفیضة کروایة طلحة بن زید ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه علیهماالسلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی صلاة الاستسقاء رکعتین ، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، وکبر سبعا وخمسا وجهر بالقراءة » (5).

وموثقة عبد الله بن بکیر ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول فی الاستسقاء ، قال : « یصلّی رکعتین ویقلب رداءه الذی علی یمینه فیجعله علی

ص: 192


1- الفقیه 1 : 333 - 1493 ، الوسائل 5 : 163 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 5.
2- التهذیب 3 : 148 - 319 ، الوسائل 5 : 168 أبواب صلاة الاستسقاء ب 7 ح 2 ، وذکرها فی الفقیه 1 : 332 - 1492.
3- التذکرة 1 : 166.
4- المنتهی 1 : 354.
5- التهذیب 3 : 150 - 326 ، الإستبصار 1 : 451 - 1748 ، الوسائل 5 : 166 أبواب صلاة الاستسقاء ب 5 ح 1.

وکیفیتها مثل کیفیة صلاة العید غیر أنه یجعل مواضع القنوت فی العید استعطاف الله سبحانه ، وسؤاله الرحمة بإرسال الغیث ، ویتخیر من الأدعیة ما تیسّر له ، وإلا فلیقل ما نقل فی أخبار أهل البیت علیهم السلام .

______________________________________________________

یساره ، والذی علی یساره علی یمینه ، ویدعو الله فیستسقی » (1).

قوله : ( وکیفیتها مثل کیفیة صلاة العید غیر أنه یجعل مواضع القنوت فی العید استعطاف الله سبحانه ، وسؤاله الرحمة بإرسال الغیث ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی (2). ویدل علیه مضافا إلی ما سبق ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة الاستسقاء ، قال : « مثل صلاة العیدین یقرأ فیهما ویکبر فیهما ، یخرج الإمام فیبرز إلی مکان نظیف فی سکینة ووقار وخشوع ومسألة ویبرز معه الناس ، فیحمد الله ویمجده ویثنی علیه ویجتهد فی الدعاء ویکثر من التسبیح والتهلیل والتکبیر ، ویصلّی مثل صلاة العیدین رکعتین فی دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذی علی المنکب الأیمن علی المنکب الأیسر والذی علی الأیسر علی الأیمن ، فإن النبی صلی الله علیه و آله کذلک صنع » (3) ویستفاد من هذه الروایة أن هذه الصلاة مثل صلاة العید کیفیة ووقتا وخطبة.

قوله : ( ویتخیر من الأدعیة ما تیسّر له ، وإلا فلیقل ما نقل فی أخبار أهل البیت علیهم السلام ).

کیفیة صلاة الاستسقاء

ص: 193


1- التهذیب 3 : 148 - 321 ، الوسائل 5 : 165 أبواب صلاة الاستسقاء ب 3 ح 1.
2- المنتهی 1 : 355.
3- التهذیب 3 : 149 - 323 ، الاستبصار 1 : 452 - 1750 ، وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 5 : 162 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 1 ، وذکرها فی الکافی 3 : 462 - 2.

ومسنونات هذه الصلاة : أن یصوم الناس ثلاثة أیام ، ویکون خروجهم یوم الثالث. ویستحب أن یکون ذلک الثالث الاثنین ، فإن لم یتیسّر فالجمعة.

______________________________________________________

ظاهر العبارة یقتضی ترجیح ما تیسر علی المنقول ، وهو خلاف ما صرح به المصنف فی المعتبر حیث قال : وأفضل ما یقال الأدعیة المأثورة عن النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ، لاختصاصهم من معرفة خطاب الله سبحانه بما لا یتحصل لغیرهم (1). واعتذر له الشارح - قدس سره - بأن هذا الترکیب من باب صناعة القلب ، وأن النکتة فیه جواز الدعاء بما تیسر وإن أمکن المنصوص (2). واحتمل أن یکون فعل الشرط المحذوف : یتخیر ، لا : یتیسر ، والمعنی : وإلاّ یرد التخیر بل یرد الأفضل فلیقل ما نقل فی أخبار أهل البیت علیهم السلام ، وفیه بعد.

قوله : ( ومسنونات هذه الصلاة : أن یصوم الناس ثلاثة أیام ، ویکون خروجهم یوم الثالث ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ ، عن حماد السراج ، قال : أرسلنی محمد بن خالد إلی أبی عبد الله علیه السلام أقول له : إن الناس قد أکثروا علیّ فی الاستسقاء فما رأیک فی الخروج غدا؟ فقلت ذلک لأبی عبد الله علیه السلام فقال لی : « قل له : لیس الاستسقاء هکذا ، فقل له : یخرج فیخطب الناس ویأمرهم بالصیام الیوم وغدا ، ویخرج بهم الیوم الثالث وهم صیام » (3) ویؤیده ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إن دعوة الصائم لا ترد » (4).

قوله : ( ویستحب أن یکون ذلک الثالث الاثنین ، فإن لم یتیسر فالجمعة ).

مسنونات صلاة الاستسقاء

ص: 194


1- المعتبر 2 : 362.
2- المسالک 1 : 39.
3- التهذیب 3 : 148 - 320 ، الوسائل 5 : 164 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 1.
4- سنن البیهقی 3 : 345.

وأن یخرجوا إلی الصحراء حفاة علی سکینة ووقار ، ولا یصلوا فی المساجد.

______________________________________________________

أما استحباب کونه یوم الاثنین فلأمر الصادق علیه السلام محمد بن خالد بذلک (1) ، وأما یوم الجمعة فلشرفه وکونه محلا لإجابة الدعاء ، لما ورد : « إن العبد لیسأل الحاجة فتؤخر الإجابة إلی یوم الجمعة » (2).

ولم یذکر المفید فی المقنعة (3) ، وأبو الصلاح (4) سوی الجمعة ، وکأنه لشرفه وضعف روایة الاثنین (5). ونقل عن ابن الجنید (6) ، وابن أبی عقیل (7) ، وسلاّر (8) أنهم لم یعینوا یوما. ولا ریب فی جواز الخروج فی سائر الأیام.

قوله : ( وأن یخرجوا إلی الصحراء حفاة علی سکینة ووقار ، ولا یصلوا فی المساجد ).

أما استحباب الخروج إلی الصحراء فیدل علیه ما رواه الشیخ ، عن أبی البختری ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه ، عن علیّ علیه السلام أنه قال : « مضت السنة أنه لا یستسقی إلاّ بالبراری حیث ینظر الناس إلی السماء ، ولا یستسقی فی المساجد إلاّ بمکة » (9) قال فی المعتبر : وهذه الروایة وإن ضعف سندها إلاّ أن اتفاق الأصحاب علی العمل بها (10).

ومقتضی الروایة أن أهل مکة یستسقون فی المسجد الحرام ، قال فی

ص: 195


1- الکافی 3 : 462 - 1 ، التهذیب 3 : 148 - 322 ، الوسائل 5 : 162 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
2- المحاسن : 58 - 94 ، المقنعة : 25 ، الوسائل 5 : 68 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 41 ح 1.
3- لم نعثر علی تعیین الجمعة فی المقنعة ، ونقل فی المختلف : 125 ، أنه لم یعیّن یوما.
4- الکافی فی الفقه : 162.
5- لعل وجهه أن راویها مرّة وهو مولی خالد لم یذکر فی غیر رجال الشیخ ولم یوثق فیه - راجع رجال الطوسی : 321 - 658.
6- المختلف : 125.
7- المختلف : 125.
8- المراسم : 83.
9- التهذیب 3 : 150 - 325 ، الوسائل 5 : 166 أبواب صلاة الاستسقاء ب 4 ح 1.
10- المعتبر 2 : 363.

وأن یخرجوا معهم الشیوخ والأطفال والعجائز ، ولا یخرجوا ذمیّا ، ویفرّقوا بین الأطفال وأمهاتهم.

______________________________________________________

المنتهی : وهو قول علمائنا أجمع وأکثر أهل العلم (1). وألحق به ابن الجنید مسجد النبی صلی الله علیه و آله (2).

وأما استحباب الحفاء والخروج علی السکینة والوقار فلأن ذلک من أوصاف المتذلل الخاشع وهو مطلوب فی هذا المقام.

قوله : ( وأن یخرجوا معهم الشیوخ والأطفال والعجائز ).

لأنهم أقرب إلی الرحمة وأسرع للإجابة ، ولقول النبی صلی الله علیه و آله : « لو لا أطفال رضّع ، وشیوخ رکّع ، وبهائم رتّع لصب علیکم العذاب صبا » (3) ویتأکد ذلک فی أبناء الثمانین ، لقول صلی الله علیه و آله : « إذا بلغ الرجل ثمانین سنة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » (4).

قوله : ( ویفرّقوا بین الأطفال وأمهاتهم ).

لیکثروا من البکاء والعجیج إلی الله تعالی. ویتحقق التفریق بینهم بأن یعطی الولد لغیر أمه.

قوله : ( ولا یخرجوا ذمیا ).

لأنهم أعداء الله فهم بعیدون من الإجابة ، قال الله تعالی ( وَما دُعاءُ الْکافِرِینَ إِلاّ فِی ضَلالٍ ) (5).

وروی الصدوق - رحمه الله - مرسلا عن أبی عبد الله علیه السلام : « إنه جاء أصحاب فرعون إلیه فقالوا : غار ماء النیل وفیه هلاکنا فقال : انصرفوا الیوم فلما أن کان اللیل توسط النیل ورفع یدیه إلی السماء وقال : اللهم إنک

ص: 196


1- المنتهی 1 : 355.
2- نقله عنه فی المختلف : 126.
3- سنن البیهقی 3 : 345.
4- الخصال : 544 - 21 ، البحار 70 : 388 - 4.
5- الرعد : 14.

فإذا فرغ الإمام من صلاته حوّل رداءه ، ثم استقبل القبلة ، وکبّر مائة رافعا بها صوته ، وسبح الله إلی یمینه کذلک ، وهلل عن یساره مثل ذلک ، واستقبل الناس ، وحمد الله مائة ، وهم یتابعون فی کل ذلک ،

______________________________________________________

تعلم أنی أعلم أنه لا یقدر علی أن یجی ء بالماء إلاّ أنت فجئنا به فأصبح النیل یتدفق » (1).

قال فی المنتهی : فعلی هذه الروایة لو خرجوا جاز أن لا یمنعوا ، لأنهم یطلبون أرزاقهم من الله تعالی ، وقد ضمنها لهم فی الدنیا فلا یمنعون من طلبها فلا تبعد إجابتهم ، وقول من قال : إنهم ربما ظنوا أن ما حصل من السقیا بدعائهم ضعیف ، لأنه لا یبعد أن یتفق نزول الغیث یوم خروجهم بانفرادهم فیکون أعظم لفتنتهم (2).

قوله : ( فإذا فرغ الإمام من صلاته حوّل رداءه ، ثم استقبل القبلة ، وکبّر مائة رافعا بها صوته ، وسبح إلی یمینه کذلک ، وهلل عن یساره مثل ذلک ، واستقبل الناس ، وحمد الله مائة مرة ، وهم یتابعونه فی کل ذلک ).

أما استحباب تحویل الرداء للإمام بأن یقلب ما علی میامنه إلی میاسره وما علی میاسره إلی میامنه فتدل علیه روایات کثیرة : منها حسنة هشام المتقدمة حیث قال فیها : « فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذی علی المنکب الأیمن علی المنکب الأیسر ، والذی علی الأیسر علی الأیمن » (3).

وأما استحباب الذکر علی الوجه المذکور فعلله فی المعتبر بأن القصد به إیفاء الجهات حق الاستغفار والتضرع والابتهال ، لأنه لا یعلم إدراک الرحمة من أی جهة (4). ویدل علیه قول الصادق علیه السلام لما علّم محمد بن خالد صلاة

ص: 197


1- الفقیه 1 : 334 - 1502.
2- المنتهی 1 : 355.
3- فی ص 193.
4- المعتبر 2 : 365.

ثم یخطب ویبالغ فی تضرّعاته ، فإن تأخرت الإجابة کرّروا الخروج حتی تدرکهم الرحمة.

______________________________________________________

الاستسقاء بعد أن ذکر أن أنه یصلی بالناس رکعتین بغیر أذان ولا إقامة : « ثم یصعد المنبر فیقلب رداءه فیجعل الذی علی یمینه علی یساره والذی علی یساره علی یمینه ، ثم یستقبل القبلة فیکبر الله مائة تکبیرة رافعا بها صوته ، ثم یلتفت إلی الناس عن یمینه فیسبح الله مائة تسبیحة رافعا بها صوته ، ثم یلتفت إلی الناس عن یساره فیهلل الله مائة تهلیلة رافعا بها صوته ، ثم یستقبل الناس فیحمد الله مائة تحمیدة ، ثم یرفع یدیه فیدعو ثم یدعون فإنی لأرجو أن لا یخیبوا » (1) وما ذکره المصنف من استحباب متابعتهم له فی هذه الأذکار لم أقف علی مأخذه.

قوله : ( ثم یخطب ویبالغ فی تضرّعاته ).

استحباب الخطبة بعد الصلاة قول علمائنا أجمع قاله فی التذکرة (2) ، وهو مروی من قول النبی صلی الله علیه و آله ، رواه طلحة بن زید ، عن الصادق علیه السلام (3). وروی إسحاق بن عمار ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « الخطبة فی الاستسقاء قبل الصلاة » (4).

قال الشیخ فی التهذیب : والعمل علی الروایة الأولی أولی ، لأن ما قدمناه من الأخبار تضمن أنه یصلی الاستسقاء کما یصلی العیدین ، وقد بیّنّا فیما مضی أن صلاة العیدین الخطبة بعدها فیجب أن تکون هذه الصلاة جاریة مجراها.

قوله : ( وإن تأخرت الإجابة کرر الخروج حتی تدرکهم الرحمة ).

استحباب تکرار الخروج عند تأخر الإجابة

ص: 198


1- الکافی 3 : 462 - 1 ، التهذیب 3 : 149 - 322 ، الوسائل 5 : 162 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
2- التذکرة 1 : 167.
3- التهذیب 3 : 150 - 326 ، الإستبصار 1 : 451 - 1748 ، الوسائل 5 : 166 أبواب صلاة الاستسقاء ب 5 ح 1.
4- التهذیب 3 : 150 - 327 ، الإستبصار 1 : 451 - 1749 ، الوسائل 5 : 167 أبواب صلاة الاستسقاء ب 5 ح 2.

وکما تجوز هذه الصلاة عند قلة الأمطار فإنها تجوز عند جفاف میاه العیون والآبار.

الثانیة : صلاة الاستخارة ، وصلاة الحاجة ، وصلاة الشکر ، وصلوات الزیارات.

ومنها ما یختص وقتا معینا ، وهی صلوات :

الأولی : نافلة شهر رمضان

والأشهر فی الروایات استحباب ألف رکعة فی شهر رمضان ، زیادة علی النوافل المرتبة.

______________________________________________________

هذا قول علمائنا وأکثر العامة (1) ، ویدل علیه مضافا إلی وجود السبب المقتضی للاستحباب قوله علیه السلام : « إن الله یحب الملحّین فی الدعاء » (2) وینبغی استئناف الصوم مع عدم (3) استمراره ، لإطلاق الأمر به قبل الصلاة.

قوله : ( الثانیة ، فی صلاة الاستخارة وصلاة الحاجة ، وصلاة الشکر ، وصلاة الزیارات ).

قد ذکر لکل من هذه الصلوات کیفیات وآداب ودعوات خاصة تطلب من أماکنها وهی کتب الحدیث والعبادات.

قوله : ( ومنها ما یختص وقتا معینا ، وهی صلوات ، الأولی : نافلة شهر رمضان ، والأشهر فی الروایات استحباب ألف رکعة زیادة علی النوافل المرتبة ).

استحباب هذه النافلة قول معظم الأصحاب ، ونقل عن الصدوق - رحمه

نافلة شهر رمضان

ص: 199


1- منهم الشافعی فی الأم 1 : 247 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 294 ، 296 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 99.
2- قرب الإسناد : 5 ، الوسائل 4 : 1110 أبواب الدعاء ب 20 ح 8 ، بتفاوت.
3- لفظة : عدم ، لیست فی « ض ».

______________________________________________________

الله - أنه قال : لا نافلة فی شهر رمضان زیادة علی غیره (1). وکلامه فیمن لا یحضره الفقیه لا یقتضی نفی المشروعیة ، فإنه قال بعد أن أورد خبر سماعة المتضمن للنوافل : وإنما أوردت هذا الخبر فی هذا الباب مع عدولی عنه وترکی لاستعماله ، لیعلم الناظر فی کتابی کیف یروی ومن رواه ، ولیعلم من اعتقادی فیه أنی لا أری بأسا باستعماله (2).

والظاهر أنه لا خلاف فی جواز الفعل ، وإنما الکلام فی التوظیف ، والأخبار الواردة بذلک مستفیضة جدا إلاّ أنها مشترکة فی ضعف السند ، وبإزائها أخبار أخر دالة علی العدم کروایة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا صلّی العشاء الآخرة آوی إلی فراشه لا یصلی شیئا إلاّ بعد انتصاف اللیل ، لا فی شهر رمضان ولا فی غیره » (3).

وصحیحة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی شهر رمضان فقال : : « ثلاث عشرة رکعة : منها الوتر ، ورکعتا الصبح قبل الفجر ، کذلک کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی ، وأنا کذلک أصلّی ، ولو کان خیرا لم یترکه رسول الله صلی الله علیه و آله » (4).

ومثله روی عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، وقال فی آخر الروایة : « ولو کان فضلا کان رسول الله صلی الله علیه و آله أعمل به وأحق » (5).

ص: 200


1- حکاه عنه فی السرائر : 68 ، والذکری : 253.
2- الفقیه 2 : 89.
3- التهذیب 3 : 69 - 225 ، الإستبصار 1 : 467 - 1806 ، الوسائل 5 : 190 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 3.
4- الفقیه 2 : 88 - 395 ، التهذیب 3 : 68 - 223 ، الإستبصار 1 : 466 - 1804 ، الوسائل 5 : 190 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 1.
5- الفقیه 2 : 88 - 396 ، التهذیب 3 : 69 - 224 ، الإستبصار 1 : 467 - 1805 ، الوسائل 5 : 190 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 2.

______________________________________________________

وأجاب الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب عن هذه الروایات فقال : الوجه فی هذه الأخبار وما یجری مجراها أنه لم یکن رسول الله صلی الله علیه و آله یصلی صلاة النافلة جماعة فی شهر رمضان ، ولو کان فیه خیر لما ترکه علیه السلام ولم یرد أنه لا یجوز أن یصلّی علی الانفراد (1). وهو تأویل بعید.

وأجاب فی المختلف عن الروایتین الأخیرتین بجواز أن یکون السؤال وقع عن النوافل الراتبة هل تزید فی شهر رمضان ، لا عن مطلق النافلة (2). وهو أبعد من الأول.

والمسألة محل إشکال ، لکن الروایات والفتاوی متظافرة بالمشروعیة ، مع الأدلة العامة المقتضیة لرجحان الصلاة مطلقا وأنها خیر موضوع ، وباب التأویل متسع. والله أعلم.

وأعلم أن الروایات الواردة فی تعداد الرکعات مختلفة اختلافا عظیما ، ولم أقف فیها علی روایة تتضمن الألف علی هذه الصورة إلاّ أنها تحصل من مجموعها.

وذکر الشهید فی الذکری (3) أن الألف رواها جمیل بن صالح (4) ، وعلیّ بن أبی حمزة (5) ، وإسحاق بن عمار (6) ، وسماعة بن مهران (7). والظاهر أن مراده ما

ص: 201


1- التهذیب 3 : 69.
2- المختلف : 126.
3- الذکری : 253.
4- التهذیب 3 : 61 - 209 ، الإستبصار 1 : 461 - 1794 ، الوسائل 5 : 176 أبواب نافلة شهر رمضان ب 5 ح 1.
5- الکافی 4 : 154 - 1 ، التهذیب 3 : 63 - 215 ، الإستبصار 1 : 463 - 1798 ، الوسائل 5 : 181 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 4.
6- التهذیب 3 : 64 - 217 ، الإستبصار 1 : 464 - 1801 ، الوسائل 5 : 181 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 6.
7- الفقیه 2 : 88 - 397 ، التهذیب 3 : 63 - 214 ، الإستبصار 1 : 462 - 1797 ، الوسائل 5 : 180 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 3.

یصلی فی کل لیلة عشرین رکعة. ثمان بعد المغرب واثنتی عشرة رکعة بعد العشاء علی الأظهر ، وفی کل لیلة من العشر الأواخر ثلاثین علی الترتیب المذکور. وفی لیالی الإفراد الثلاث فی کل لیلة مئة رکعة.

______________________________________________________

ذکرناه ، وإلاّ فروایة سماعة لا تدل علی استحباب المائة فی لیلة تسع عشرة ، وروایة إسحاق بن عمار إنما تضمنت ذکر المئات فی لیالی الإفراد خاصة ، وروایة علیّ بن أبی حمزة لا تدل علی استحباب زیادة المئات فی لیالی الإفراد ، وروایة جمیل بن صالح إنما تدل علی استحباب الإکثار من الصلاة فی شهر رمضان فی الیوم واللیلة وفیها : « إنّ علیا علیه السلام کان یصلّی فی الیوم واللیلة ألف رکعة ».

قوله : ( یصلّی فی کل لیلة عشرین رکعة : ثمان بعد المغرب ، واثنتی عشرة رکعة بعد العشاء علی الأظهر ، وفی کل لیلة من العشر الأواخر : ثلاثین علی الترتیب المذکور ).

هذا قول الشیخ (1) ، والمرتضی (2) ، وأکثر الأصحاب. والأصح التخییر بین فعل الثمانی بعد المغرب ، والاثنتی عشرة أو الاثنتین وعشرین بعد العشاء ، وبین العکس ، لاختلاف الروایات فی ذلک ففی روایة مسعدة بن صدقة : « یصلّی ثمانی بعد المغرب واثنتی عشرة بعد العشاء » (3) وفی روایة سماعة بالعکس. وفی روایة علیّ بن أبی حمزة : یصلّی فی العشر الأواخر بعد المغرب ثمان وبعد العشاء ما بقی. وفی روایة سماعة : إنه یصلی فی العشر الأواخر بین المغرب والعشاء اثنتین وعشرین رکعة ، وثمان رکعات بعد العتمة.

قال المصنف فی المعتبر : وطرق الروایات کلها ضعیفة ، لکن عمل الأصحاب أسقط اعتبار طرقها ، ولا رجحان فیها ، فینبغی القول فیها

ص: 202


1- الخلاف 1 : 202.
2- الانتصار : 55.
3- التهذیب 3 : 62 - 213 ، الإستبصار 1 : 462 - 796 ، الوسائل 5 : 179 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 2.

وروی أنه یقتصر فی لیالی الإفراد علی المائة حسب ، فیبقی علیه ثمانون ، یصلی فی کل لیلة جمعة عشر رکعات ، بصلاة علی وفاطمة وجعفر علیهم السلام ، وفی آخر جمعة عشرین بصلاة علی علیه السلام ، وفی عشیة تلک الجمعة عشرین بصلاة فاطمة علیهاالسلام .

______________________________________________________

بالتخییر (1).

قوله : ( وروی أنه یقتصر فی لیالی الإفراد علی المائة حسب ، فیبقی علیه ثمانون ، یصلی فی کل لیلة جمعة عشر رکعات ، بصلاة علی وفاطمة وجعفر علیهم السلام ، وفی آخر جمعة عشرین بصلاة علی علیه السلام ، وفی عشیة تلک الجمعة عشرین بصلاة فاطمة علیهاالسلام ).

هذه الروایة رواها المفضل بن عمر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یصلی فی شهر رمضان زیادة ألف رکعة » قال ، قلت : ومن یقدر علی ذلک؟ قال : « لیس حیث تذهب ، ألیس تصلی فی شهر رمضان زیادة ألف رکعة فی تسع عشرة منه ، فی کل لیلة عشرین رکعة ، وفی لیلة تسع عشرة مائة رکعة ، وفی لیلة إحدی وعشرین مائة رکعة ، وفی لیلة ثلاث وعشرین مائة رکعة ، وتصلی فی ثمان لیالی منه فی العشر الأواخر ثلاثین رکعة فهذه تسعمائة وعشرون رکعة » قال ، قلت : جعلنی الله فداک فرجت عنی لقد کان ضاق بی الأمر فلما أتیت لی بالتفسیر فرجت عنی فکیف تمام الألف رکعة؟ فقال : « تصلی فی کل یوم جمعة فی شهر رمضان أربع رکعات لأمیر المؤمنین علیه السلام ، وتصلی رکعتین لابنة محمد علیهماالسلام ، وتصلی بعد الرکعتین أربع رکعات لجعفر الطیار ، وتصلی فی لیلة الجمعة فی العشر الأواخر لأمیر المؤمنین علیه السلام عشرین رکعة ، وتصلی فی عشیة الجمعة لیلة السبت عشرین رکعة لابنة محمد صلی الله علیه و آله » قال : « فأما صلاة أمیر المؤمنین فإنه یقرأ فیها بالحمد فی کل رکعة وخمسین مرة قل هو الله أحد ، ویقرأ فی صلاة ابنة محمد علیهماالسلام فی أول رکعة : الحمد وإنا أنزلناه فی لیلة القدر مائة مرة ، وفی

ص: 203


1- المعتبر 2 : 370.

وصلاة أمیر المؤمنین علیه السلام أربع رکعات بتشهدین وتسلیمین ، یقرأ فی کل رکعة الحمد مرّة ، وخمسین مرّة قل هو الله أحد.

______________________________________________________

الرکعة الثانیة : الحمد وقل هو الله أحد مائة مرة » وقال لی : « تقرأ فی صلاة جعفر فی الرکعة الأولی : الحمد وإذا زلزلت ، وفی الثانیة : الحمد والعادیات ، وفی الثالثة : الحمد وإذا جاء نصر الله ، وفی الرابعة : الحمد وقل هو الله أحد » ثم قال لی : « یا مفضل ذلک فضل الله یؤتیه من یشاء والله ذو الفضل العظیم » (1).

وأعلم أن ما ذکر فی الخبر من الصلاة فی کل جمعة عشر رکعات مبنی علی الغالب من اشتمال کل شهر علی أربعة أیام جمع ، فلو اتفق فی الشهر خمسة أیام جمع ففی کیفیة بسط الثمانین احتمالات ، أظهرها سقوط العشر فی الجمعة الأخیرة.

قال فی الذکری : ولو فات شی ء من هذه النوافل لیلا فالظاهر أنه یستحب قضاؤه نهارا (2). وهو غیر واضح. ولا فرق فی استحباب هذه النوافل بین الصائم وغیره ، عملا بالعموم.

قوله : ( وصلاة أمیر المؤمنین علیه السلام أربع رکعات بتشهدین وتسلیمین ، یقرأ فی کل رکعة الحمد مرة وقل هو الله أحد خمسین مرة ).

روی الصدوق - رحمه الله - فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من توضأ فأسبغ الوضوء وافتتح الصلاة فصلّی أربع رکعات یفصل بینهن بتسلیمة یقرأ فی کل رکعة فاتحة الکتاب وقل هو الله أحد خمسین مرة انفتل حین ینفتل ولیس بینه وبین الله ذنب إلا غفره له » (3).

صلاة أمیر المؤمنین علیه السلام

ص: 204


1- التهذیب 3 : 66 - 218 ، الإستبصار 1 : 466 - 1802 ، الإقبال : 12 ، الوسائل 5 : 178 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 1.
2- الذکری : 254.
3- الفقیه 1 : 356 - 1559 ، وفی ثواب الأعمال : 67 ، والوسائل 5 : 243 أبواب بقیة الصلوات المندوبة ب 10 ح 1 ، بتفاوت یسیر. الفقیه 1 :1. 1560 ، الوسائل 5 : 243 أبواب بقیة الصلوات المندوبة ب 10 ح 2.

وصلاة فاطمة علیهاالسلام رکعتان ، یقرأ فی الأولی الحمد مرّة والقدر مائة مرّة ، وفی الثانیة بالحمد مرّة وسورة التوحید مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع رکعات بتسلیمتین ، یقرأ فی الأولی الحمد وإذا زلزلت ، ثم یقول خمس عشرة مرّة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، ثم یرکع ویقولها عشرا ، وهکذا یقولها عشرا بعد

______________________________________________________

ثم قال رضی الله عنه : وأما محمد بن مسعود العیاشی - رحمه الله - فقد روی فی کتابه ، عن عبد الله بن محمد ، عن محمد بن إسماعیل السماک ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إن هذه الصلاة تسمی صلاة فاطمة علیهاالسلام وصلاة الأوّابین. ونقل عن شیخه محمد بن الحسن بن الولید أنه روی هذه الصلاة وثوابها وکان یقول : إنی لا أعرفها بصلاة فاطمة علیهاالسلام ، وأما أهل الکوفة فإنهم یعرفونها بصلاة فاطمة علیهاالسلام (1).

قوله : ( وصلاة فاطمة علیهاالسلام رکعتان ، یقرأ فی الأولی الحمد مرّة والقدر مائة مرّة ، وفی الثانیة الحمد مرّة وسورة التوحید مائة مرّة ).

هذه الصلاة نقلها الشیخ فی المصباح (2) ، ولم أقف لها علی مستند سوی خبر المفضل المتقدم (3).

قوله : ( وصلاة جعفر أربع رکعات بتسلیمتین ، یقرأ فی الأولی الحمد وإذا زلزلت ، ثم یقول خمس عشرة مرّة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، ثم یرکع ویقولها عشرا ، وهکذا یقولها عشرا بعد

صلاة فاطمة علیهم السلام

صلاة جعفر

ص: 205


1- الفقیه 1 : 357 - 1561 ، الوسائل 5 : 243 أبواب بقیة الصلوات المندوبة ب 10 ح 3.
2- مصباح المتهجد : 265.
3- فی ص 203.

رفع رأسه ، وفی سجوده ، وبعد رفعه ، وفی سجوده ثانیا ، وبعد الرفع منه ، فیکون فی کل رکعة خمس وسبعون مرّة ، ویقرأ فی الثانیة والعادیات ، وفی الثالثة إذا جاء نصر الله ، وفی الرابعة قل هو الله أحد.

______________________________________________________

رفع رأسه ، وفی سجوده ، وبعد رفعه ، وفی سجوده ثانیا ، وبعد الرفع منه ، فیکون فی کل رکعة خمس وسبعون مرّة ، ویقرأ فی الثانیة والعادیات ، وفی الثالثة إذا جاء نصر الله ، وفی الرابعة قل هو الله أحد ).

استحباب هذه الصلاة ثابت بإجماع علماء الإسلام إلاّ من شذ من العامة ، حکاه فی المنتهی (1). والأخبار بها مستفیضة ، فروی الشیخ فی الصحیح ، عن بسطام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قال له رجل : جعلت فداک أیلتزم (2) الرجل أخاه؟ فقال : « نعم إن رسول الله صلی الله علیه و آله یوم افتتح خیبر أتاه الخبر أن جعفرا قد قدم فقال : والله ما أدری بأیهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر أم بفتح خیبر ، قال : فلم یلبث أن جاء جعفر ، قال : فوثب رسول الله صلی الله علیه و آله فالتزمه وقبّل ما بین عینیه » قال : فقال له الرجل : الأربع رکعات التی بلغنی أن رسول الله صلی الله علیه و آله أمر جعفرا أن یصلیها؟ فقال : « لما قدم علیه قال له : یا جعفر إلا أعطیک؟ ألا أمنحک؟ ألا أحبوک؟ قال : فتشوّف (3) الناس ورأوا أنه یعطیه ذهبا أو فضة فقال : بلی یا رسول الله ، قال : صلّ أربع رکعات متی ما صلیتهن غفر لک ما بینهن إن استطعت کل یوم ، وإلاّ فکل یومین ، أو کل جمعة ، أو کل شهر ، أو کل سنة فإنه یغفر لک ما بینهما ، قال : کیف أصلّیها؟ قال : تفتتح الصلاة ثم تقرأ ، ثم تقول خمس عشرة مرة وأنت قائم : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر ، فإذا رکعت قلت ذلک عشرا ، وإذا رفعت رأسک فعشرا ، وإذا سجدت فعشرا ، وإذا رفعت رأسک فعشرا ، وإذا سجدت الثانیة فعشرا ، وإذا

ص: 206


1- المنتهی 1 : 359.
2- الالتزام : الاعتناق - الصحاح 5 : 2029.
3- تشوّفت إلی الشی ء أی تطلعت إلیه - الصحاح 4 : 1384. هکذا فی المصدر ، وفی جمیع النسخ : فتشرّف.

______________________________________________________

رفعت رأسک عشرا ، فذلک خمس وسبعون یکون ثلاثمائة فی أربع رکعات ، فهی ألف ومائتان وتقرأ فی کل رکعة بقل هو الله أحد وقل یا أیها الکافرون » (1).

وبمضمون هذه الروایة قال أکثر الأصحاب کالشیخین (2) ، وابن الجنید (3) ، وابن إدریس (4) ، وابن أبی عقیل (5) ، وغیرهم.

وقد ورد فی بعض الروایات أن التسبیح قبل القراءة ، وأن صورته : الله أکبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ، رواه الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه ، عن أبی حمزة الثمالی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، وفی الروایة أن النبی صلی الله علیه و آله قال لجعفر علیه السلام : « ألا أعلّمک صلاة إذا أنت صلّیتها لو کنت فررت من الزحف وکان علیک مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا غفرت لک » (6) ثم قال - رحمه الله - بعد نقل الروایتین : فبأی الحدیثین أخذ المصلی فهو مصیب.

واختلف الأصحاب فیما تستحب قراءته فیها بعد الحمد ، فذهب الأکثر إلی أنه الزلزلة فی الرکعة الأولی ، والعادیات فی الثانیة ، والنصر فی الثالثة ، والتوحید فی الرابعة. وقال علی بن بابویه : یقرأ فی الرکعة الأولی العادیات ، وفی الثانیة الزلزلة ، وفی الباقیتین کما تقدم (7). وقال الصدوق فی المقنع : یقرأ بالتوحید فی الجمیع (8).

ص: 207


1- التهذیب 3 : 186 - 420 ، الوسائل 5 : 195 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 3.
2- المفید فی المقنعة : 28 ، والشیخ فی النهایة : 141.
3- نقله عنه فی المختلف : 127.
4- السرائر : 69.
5- نقله عنه فی المختلف : 127.
6- الفقیه 1 : 347 - 1536 ، الوسائل 5 : 196 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 5.
7- حکاه عنه فی المختلف : 127.
8- المقنع : 43.

ویستحب أن یدعو فی آخر سجدة بالدعاء المخصوص بها.

______________________________________________________

والأخبار الواردة فی ذلک مختلفة ، ففی صحیحة بسطام المتقدمة : أنه یقرأ فی کل رکعة بقل هو الله أحد وقل یا أیها الکافرون (1) ، ومقتضاها الجمع بین السورتین فی کل رکعة.

وفی صحیحة عبد الله بن المغیرة : أن الصادق علیه السلام قال له : « اقرأ فی صلاة جعفر بقل هو الله أحد وقل یا أیها الکافرون » (2).

وفی صحیحة إبراهیم بن أبی البلاد ، قال : قلت لأبی الحسن - یعنی موسی بن جعفر علیه السلام - : أیّ شی ء لمن صلّی صلاة جعفر؟ قال : « لو کان علیه مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا لغفر الله له » قال ، قلت : هذه لنا؟ قال : « فلمن هی ، إلاّ لکم خاصّة؟! » قلت : فأی شی ء أقرأ فیها ، قال ، وقلت : أعترض القرآن؟ قال : لا ، اقرأ فیها إذا زلزلت ، وإذا جاء نصر الله ، وإنا أنزلناه فی لیلة القدر ، وقل هو الله أحد » (3).

وروی الشیخ ، عن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « تقرأ فی الأولی : إذا زلزلت ، وفی الثانیة : والعادیات ، وفی الثالثة : إذا جاء نصر الله ، وفی الرابعة : بقل هو الله أحد » (4) وفی هذا السند ضعف (5).

قوله : ( ویستحب أن یدعو فی آخر سجدة بالدعاء المخصوص بها ).

ذکر الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه أن فی روایة الحسن بن محبوب ، قال : « تقول فی آخر سجدة من صلاة جعفر بن أبی طالب

ص: 208


1- فی ص 206.
2- الفقیه 1 : 348 - 1538 ، الوسائل 5 : 197 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 1.
3- الفقیه 1 : 348 - 1539 ، التهذیب 3 : 186 - 421 ، ثواب الأعمال : 68 ، الوسائل 5 : 198 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 2.
4- التهذیب 3 : 187 - 423 ، الوسائل 5 : 198 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 3.
5- لعل وجهه أن راویها وهو إبراهیم بن عبد الحمید واقفی - راجع رجال الشیخ : 344 - 26.

الثانیة : صلاة لیلة الفطر :

وهی رکعتان ، یقرأ فی الأولی الحمد مرّة وألف مرّة قل هو الله أحد ، وفی الثانیة الحمد وقل هو الله أحد مرّة.

وصلاة یوم الغدیر

وهو الثامن عشر من ذی الحجة قبل الزوال بنصف ساعة.

______________________________________________________

علیه السلام : یا من لبس العز والوقار ، یا من تعطّف بالمجد وتکرّم به ، یا من لا ینبغی التسبیح إلاّ له ، یا من أحصی کل شی ء علمه ، یا ذا النعمة والطول ، یا ذا المنّ والفضل ، یا ذا القدرة والکرم ، أسألک بمعاقد العز من عرشک ، ومنتهی الرحمة من کتابک ، وباسمک الأعظم الأعلی ، وکلماتک التامات أن تصلی علی محمد وآل محمد وأن تفعل بی کذا وکذا » (1).

قوله : ( الثانیة ، صلاة لیلة الفطر : وهی رکعتان ، یقرأ فی الأولی الحمد مرّة ، وألف مرّة قل هو الله أحد ، وفی الثانیة الحمد وقل هو الله أحد مرّة ).

هذه الصلاة ذکرها الشیخ فی المصباح (2) ، قال المصنف فی المعتبر : ولا بأس بها ، فإن الصلاة خیر موضوع (3).

قوله : ( وصلاة یوم الغدیر ، وهو الثامن عشر من ذی الحجة قبل الزوال بنصف ساعة ).

هذه الصلاة رکعتان تقرأ فی کل رکعة الحمد مرة ، وقل هو الله أحد وآیة الکرسی وإنا أنزلناه عشرا عشرا. روی ذلک محمد بن موسی الهمدانی ، عن علی بن حسان الواسطی ، عن علی بن الحسین العبدی ، عن الصادق

صلاة لیلة الفطر

صلاة یوم الغدیر

ص: 209


1- الفقیه 1 : 349 - 1544 ، الوسائل 5 : 199 أبواب صلاة جعفر ب 3 ح 2.
2- مصباح المتهجد : 592.
3- المعتبر 2 : 373.

وصلاة لیلة النصف من شعبان ، وصلاة لیلة المبعث ویومه :

وتفصیل هذه الصلوات ، وما یقال فیها وبعدها ، مذکور فی کتب العبادات.

خاتمة :

کل النوافل یجوز أن یصلیها الإنسان قاعدا ، وقائما أفضل. وإن جعل کل رکعتین من جلوس مقام رکعة کان أفضل.

______________________________________________________

علیه السلام . وفی الروایة : « إن هذه الصلاة تعدل عند الله عزّ وجلّ مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة » (1) وفی السند ضعف (2).

قال فی التذکرة : وقد روی أبو الصلاح هنا استحباب الجماعة والخطبة والتصافح والتهانی ببرکة هذا الیوم وشرفه بتکمیل الدین بنصب أمیر المؤمنین علیه السلام (3).

قوله : ( وصلاة لیلة النصف من شعبان ، وصلاة لیلة المبعث ویومه ).

قد ذکر الأصحاب فی کتب العبادات فی هذه الأوقات صلوات متعددة ، من أرادها وقف علیها فی محالها. والله الموفق.

قوله : ( خاتمة ، کل النوافل یجوز أن یصلیها الإنسان قاعدا ، وقائما أفضل. وإن جعل کل رکعتین من جلوس مقام رکعة کان أفضل ).

قد تقدم البحث فی هذین الحکمین فی أوائل کتاب الصلاة مستقصی فلا نعیده.

صلاة لیلة النصف من شعبان

جواز النافلة من القعود

ص: 210


1- التهذیب 3 : 143 - 317 ، الوسائل 5 : 224 أبواب الصلوات المندوبة ب 3 ح 1.
2- لعل وجهه هو جهالة - علی بن الحسین العبدی حیث إنه غیر مذکور فی کتب الرجال.
3- التذکرة 1 : 72.

الرّکن الرّابع :

فی التوابع ، وفیه فصول :

الفصل الأوّل : فی الخلل الواقع فی الصلاة ، وهو إما من عمد ، أو سهو ، أو شک.

أما العمد : فمن أخلّ بشی ء من واجبات الصلاة عامدا فقد أبطل صلاته ، شرطا کان ما أخلّ به أو جزءا منها ، أو کیفیة أو ترکا ،

______________________________________________________

قوله : ( الرکن الرابع ، فی التوابع : وفیه فصول ، الفصل الأول : فی الخلل الواقع فی الصلاة ، وهو إما من عمد ، أو سهو ، أو شک. أما العمد فمن أخلّ بشی ء من واجبات الصلاة عامدا فقد أبطل صلاته ، شرطا کان ما أخلّ به أو جزءا منها ، أو کیفیة أو ترکا ).

المراد بالشرط : الخارج الذی تتوقف علیه صحة الفعل کالطهارة والستر.

وبالجزء : ما تلتئم منه الماهیة کالقراءة والرکوع والسجود. وبالکیفیة : ترتیب الأجزاء علی الوجه المأمور به ، ومثّل لها المصنف فی المعتبر بالطمأنینة (1) ، وهو غیر واضح ، وبالترک : ما یحرم فعله فی الصلاة کالالتفات والکلام ، وفی إطلاق الواجب علیه تجوّز.

وقد أجمع الأصحاب وغیرهم علی أن من أخل بشی ء من شرائط الصلاة أو واجباتها عمدا بطلت صلاته ، لأن الإخلال بالشرط إخلال بالمشروط ، والإخلال بالجزء أو الکیفیة إخلال بالحقیقة المجموعة من الأجزاء ، فلا یکون المخل بأحدهما آتیا بالصلاة علی الوجه المأمور به ، کما هو ظاهر.

وأما البطلان بفعل ما لا یجوز فعله فی الصلاة فلا یتم علی إطلاقه ، لأن النهی إذا لم یتعلق بنفس العبادة أو شرطها لا یقتضی فسادها ، وإنما یثبت البطلان بدلیل من خارج ، کما فی الکلام والالتفات ونحوهما.

الخلل الواقع فی الصلاة

بطلان الصلاة بالاخلال بواجب عمداً أو جهلاً

ص: 211


1- المعتبر 2 : 376.

وکذا لو فعل ما یجب ترکه أو ترک ما یجب فعله جهلا بوجوبه ، إلا الجهر والإخفات فی موضعهما. ولو جهل غصبیة الثوب الذی یصلی فیه أو المکان أو نجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجود فلا إعادة.

فروع :

الأول : إذا توضأ بماء مغصوب مع العلم بالغصبیة وصلی أعاد الطهارة والصلاة ، ولو جهل غصبیّته لم یعد إحداهما.

______________________________________________________

قوله : ( وکذا لو فعل ما یجب ترکه ، أو ترک ما یجب فعله جهلا بوجوبه ، إلا الجهر والإخفات فی موضعهما ).

الوجه من مساواة الجاهل للعامد فی ذلک عدم تحقق الامتثال مع الإخلال بالواجب فی الحالین وإن افترقا بالإثم وعدمه.

وأما استثناء الجهر والإخفات من ذلک فقال المصنف فی المعتبر : إنه ثابت باتفاق القائلین بوجوبهما (1). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : رجل جهر بالقراءة فیما لا ینبغی الجهر فیه أو أخفی فیما لا ینبغی الإخفاء فیه ، قال : « أیّ ذلک فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعلیه الإعادة ، وإن فعل ذلک ناسیا أو ساهیا أو لا یدری فلا شی ء علیه » (2).

قوله : ( ولو جهل غصبیة الثوب الذی یصلی فیه ، أو المکان ، أو نجاسة الثوب ، أو البدن ، أو موضع السجود ، فلا إعادة ).

قد تقدم الکلام فی ذلک کله وأن الأظهر عدم الإعادة فی شی ء من ذلک ، لاستحالة توجه النهی إلی الجاهل فینتفی المقتضی للفساد.

قوله : ( فروع ثلاثة ، الأول : إذا توضأ بماء مغصوب مع العلم بالغصبیة وصلی أعاد الطهارة والصلاة ، ولو جهل غصبیّته لم یعد إحداهما ).

حکم الوضوء بماء مغصوب

ص: 212


1- المعتبر 2 : 377.
2- التهذیب 2 : 162 - 635 ، الإستبصار 1 : 313 - 1163 ، الوسائل 4 : 766 أبواب القراءة فی الصلاة ب 26 ح 1 ، وأوردها فی الفقیه 1 : 227 - 1003.

الثانی : إذا لم یعلم أن الجلد میتة فصلی فیه ثم علم لم یعد إذا کان فی ید مسلم أو شراه من سوق المسلمین ، فإن أخذه من غیر مسلم أو وجده مطروحا أعاد.

______________________________________________________

أما عدم الإعادة مع الجهل بالغصب فلما سبق.

وأما وجوب الإعادة مع العلم فلتوجه النهی إلی الطهارة فتفسد ، ویلزم من فسادها فساد المشروط.

ولو علم الجاهل بالغصب فی أثناء الوضوء فإن بقی شی ء لم یغسل امتنع غسله بذلک الماء قطعا ، وإن استوفی الغسل ففی جواز المسح بذلک البلل وجهان ، أظهرهما الجواز ، لأنه فی حکم التالف وقد ثبت علیه بدله ، فلا یجمع بین العوض والمعوض لواحد.

قوله : ( الثانی ، إذا لم یعلم أن الجلد میتة وصلی فیه ثم علم لم یعد إذا کان فی ید مسلم أو اشتراه من سوق المسلمین ).

إنما لم تجب علیه الإعادة لأنه صلی صلاة مأمورا بها ، والامتثال یقتضی الإجزاء.

والمراد بالمسلم : من حکم بإسلامه شرعا ، وبسوق المسلمین : ما صدق علیه أنه کذلک ، فیحل الشراء منه وإن لم یسمع من بایعه کلمة الشهادة. وفی موثقة إسحاق بن عمار عن الکاظم علیه السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة فی الفرو الیمانی وفیما صنع فی أرض الإسلام » قلت : فإن کان فیها غیر أهل الإسلام؟ قال : « إن کان الغالب علیها المسلمین فلا بأس » (1).

قوله : ( وإن أخذه من غیر مسلم أو وجده مطروحا أعاد ).

لا ریب فی وجوب الإعادة إذا کان الجلد مأخوذا من غیر مسلم عملا بالظاهر من حاله ، ولورود النهی عن تناوله منه.

حکم الصلاة بجلد المیتة

ص: 213


1- التهذیب 2 : 368 - 1532 ، الوسائل 3 : 332 أبواب لباس المصلی ب 55 ح 3.

الثالث : إذا لم یعلم أنه من جنس ما یصلّی فیه وصلی أعاد.

وأما السهو : فإن أخلّ برکن أعاد ، کمن أخلّ بالقیام حتی نوی ، أو بالنّیة حتی کبّر ،

______________________________________________________

أما الجلد المطروح فقد صرح المصنف وغیره (1) بأنه کذلک ، نظرا إلی أصالة عدم تذکیته ، وهو مشکل ، لأن مرجع الأصل هنا إلی الاستصحاب ولم یقم علی التمسک به دلیل یعتد به ، وقد تقدم البحث فی ذلک مستوفی فی کتاب الطهارة (2).

قوله : ( الثالث ، إذا لم یعلم أنه من جنس ما یصلّی فیه وصلی أعاد ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی المنتهی بأن الصلاة مشروطة بستر العورة بما یصلی فیه ، والشک فی الشرط یقتضی الشک فی المشروط (3). ویمکن المناقشة فیه بالمنع من ذلک ، لاحتمال أن یکون الشرط ستر العورة بما لا یعلم تعلق النهی به. ولو کان الملبوس غیر ساتر کالخاتم ونحوه فأولی بالجواز.

قوله : ( وأما السهو ، فإن أخلّ برکن أعاد ، کمن أخلّ بالقیام حتی نوی ).

مقتضی العبارة کون القیام فی حال النیة رکنا ، وهو غیر واضح خصوصا علی ما ذهب إلیه المصنف من کونها شرطا خارجا عن حقیقة الصلاة (4). نعم هو رکن فی حال التکبیر ، لأن من أخل بالقیام حتی کبر بطلت صلاته عمدا وسهوا.

قوله : ( أو بالنیة حتی کبر ).

حکم الاخلال برکن سهواً

ص: 214


1- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 40.
2- راجع ج 2 ص 387.
3- المنتهی 1 : 225.
4- المعتبر 2 : 149.

أو بالتکبیر حتی قرأ ،

______________________________________________________

لا ریب فی ذلک ، لأن التکبیر جزء من الصلاة إجماعا فتعتبر فیه النیة وغیرها من الشرائط ، لأن شرط الکل شرط لجزئه ، ویلزم من فوات الشرط فوات المشروط.

قوله : ( أو بالتکبیر حتی قرأ ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب علی ما نقله جماعة (1) ، ویدل علیه روایات منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل ینسی تکبیرة الافتتاح ، قال : « یعید » (2).

وفی الصحیح عن ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال فی الرجل یصلی فلم یفتتح بالتکبیر ، هل تجزیه تکبیرة الرکوع؟ قال : « لا ، بل یعید صلاته إذا حفظ أنه لم یکبر » (3).

وبإزاء هذه الروایات أخبار أخر دالة علی أن الناسی لا یعید ، کصحیحة عبید الله الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل نسی أن یکبر حتی دخل فی الصلاة ، قال : « ألیس کان من نیته أن یکبر؟ » قلت : نعم ، قال : « فلیمض فی صلاته » (4).

وصحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال ، قلت له : رجل نسی أن یکبر تکبیرة الافتتاح حتی کبر للرکوع ، فقال : « أجزأه » (5).

ص: 215


1- کالشهید الأول فی الذکری : 187 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 258.
2- التهذیب 2 : 143 - 557 ، الإستبصار 1 : 351 - 1326 ، الوسائل 4 : 715 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 1.
3- الکافی 3 : 347 - 2 ، التهذیب 2 : 143 - 562 ، الإستبصار 1 : 352 - 1333 ، الوسائل 4 : 718 أبواب تکبیرة الإحرام ب 3 ح 1.
4- الفقیه 1 : 226 - 999 ، التهذیب 2 : 144 - 565 ، الإستبصار 1 : 352 - 1330 ، الوسائل 4 : 717 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 9.
5- الفقیه 1 : 226 - 1000 ، التهذیب 2 : 144 - 566 ، الإستبصار 1 : 353 - 1334 ، الوسائل 4 : 718 أبواب تکبیرة الإحرام ب 3 ح 2.

أو بالرکوع حتی سجد ، أو بالسجدتین حتی رکع فیما بعد ، وقیل : یسقط الزائد ویأتی بالفائت ویبنی ، وقیل : یختصّ هذا الحکم بالأخیرتین ، ولو کان فی الأولیین استأنف ، والأول أظهر.

______________________________________________________

قال فی الذکری : وهذه الروایات تخالف إجماع الأصحاب ، بل إجماع الأمة إلا الزهری والأوزاعی ، فإنهما لم یبطلا الصلاة بترکها سهوا (1).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی الشک دون تیقن الترک (2) ، ولا بأس به.

قوله : ( أو بالرکوع حتی سجد ، أو بالسجدتین حتی رکع فیما بعد ، وقیل : یسقط الزائد ویأتی بالفائت ویبنی ، وقیل : یختصّ هذا الحکم بالأخیرتین ، ولو کان فی الأولیین ، استأنف ، والأول أظهر ).

تضمنت هذه العبارة مسألتین :

إحداهما : إن من أخل بالرکوع ناسیا حتی سجد بطلت صلاته ، وهو اختیار المفید (3) ، والمرتضی (4) ، وابن إدریس (5) ، وعامة المتأخرین (6).

وقال الشیخ فی المبسوط : إنما تبطل فی الأولتین أو فی ثالثة المغرب ، وإن کان فی الأخیرتین من الرباعیة حذف الزائد وأتی بالفائت ، فلو ترک الرکوع فی الثالثة حتی سجد سجدتیها أسقطهما ورکع وأعاد السجدتین ، ولو لم یذکر حتی رکع فی الرابعة أسقط الرکوع وسجد للثالثة ثم أتی بالرابعة (7). ونحوه قال فی

ص: 216


1- الذکری : 178.
2- التهذیب 2 : 144 ، والاستبصار 1 : 352.
3- المقنعة : 22.
4- جمل العلم والعمل : 63.
5- السرائر : 50.
6- منهم العلامة فی التذکرة 1 : 134 ، والشهید الأول فی البیان : 145 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 271.
7- المبسوط 1 : 109.

______________________________________________________

کتابی الأخبار (1). وحکی فی المبسوط قولا بالتلفیق مطلقا وعدم الاعتداد بالزیادة وإن کان فی الأولتین (2) ، وأسنده فی المنتهی إلی الشیخ أیضا (3).

وقال ابن الجنید : لو صحت له الأولی وسها فی الثانیة سهوا لم یمکنه استدراکه کأن أیقن وهو ساجد أنه لم یکن رکع فأراد البناء علی الرکعة الأولی التی صحت له ، رجوت أن یجزیه ذلک ، ولو أعاد إذا کان فی الأولتین وکان الوقت واسعا کان أحب إلیّ (4).

ویقرب منه قول علی بن بابویه فی رسالته ، فإنه قال : وإن نسیت الرکوع بعد ما سجدت فی الرکعة الأولی فأعد صلاتک ، لأنه إذا لم تثبت لک الأولی لم تثبت لک صلاتک ، وإن کان الرکوع فی الثانیة أو الثالثة فاحذف السجدتین واجعل الثالثة ثانیة والرابعة ثالثة (5).

احتج القائلون بالبطلان مطلقا بأن الناسی للرکوع إلی أن یسجد لم یأت بالمأمور به علی وجهه ، فیبقی فی عهدة التکلیف إلی أن یتحقق الامتثال.

وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن رفاعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل ینسی أن یرکع حتی یسجد ویقوم ، قال : « یستقبل » (6).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أیقن الرجل أنه ترک رکعة من الصلاة وقد سجد سجدتین وترک الرکوع استأنف الصلاة » (7).

ص: 217


1- التهذیب 2 : 149 ، والاستبصار 1 : 356.
2- المبسوط 1 : 119.
3- المنتهی 1 : 408.
4- حکاه عنه فی المختلف : 129.
5- حکاه عنه فی المختلف : 129.
6- التهذیب 2 : 148 - 581 ، الإستبصار 1 : 355 - 1344 ، الوسائل 4 : 933 أبواب الرکوع ب 10 ح 1.
7- التهذیب 2 : 148 - 580 ، الإستبصار 1 : 355 - 1343 ، الوسائل 4 : 933 أبواب الرکوع ب 10 ح 3.

______________________________________________________

وعن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الرجل ینسی أن یرکع ، قال : « یستقبل حتی یضع کل شی ء من ذلک موضعه » (1).

ویتوجه علی الأول أن الامتثال یتحقق بالإتیان بالرکوع ثم السجود ، فلا یتعین الاستئناف. نعم لو لم یذکر إلاّ بعد السجدتین اتجه البطلان لزیادة الرکن ، کما هو مدلول الروایتین الأولتین.

والروایة الثالثة ضعیفة السند (2) ، فلا تنهض حجة فی إثبات حکم مخالف للأصل.

احتج الشیخ فی التهذیب علی البطلان فی الرکعتین الأولتین وثالثة المغرب بما تلوناه من الأخبار ، وعلی إسقاط الزائد والإتیان بالفائت فی الرکعتین الأخیرتین من الرباعیة بما رواه عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل شک بعد ما سجد أنه لم یرکع : « فإن استیقن فلیلق السجدتین اللتین لا رکعة لهما فیبنی علی صلاته علی التمام ، وإن کان لم یستیقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فلیتم الصلاة برکعة وسجدتین ولا شی ء علیه » (3).

وفی الصحیح عن العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی رکعة من صلاته حتی فرغ منها ثم ذکر أنه لم یرکع ، قال : « یقوم فیرکع ویسجد سجدتی السهو » (4).

وأجاب المصنف فی المعتبر عن الروایة الأولی بأن ظاهرها الإطلاق وهو متروک ، وتخصیصها بالأخیرتین تحکم (5).

ص: 218


1- التهذیب 2 : 149 - 583 ، الإستبصار 1 : 356 - 1347 ، الوسائل 4 : 933 أبواب الرکوع ب 10 ح 2.
2- لعل وجهه هو کون إسحاق بن عمار فطحیا - راجع الفهرست : 15 - 52.
3- التهذیب 2 : 149 - 585 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 11 ح 2 ، وأوردها فی الاستبصار 1 : 356 - 1348.
4- التهذیب 2 : 149 - 586 ، الوسائل 4 : 935 أبواب الرکوع ب 11 ح 3.
5- المعتبر 2 : 378.

______________________________________________________

ویتوجه علیها أیضا أنها ضعیفة السند باشتماله علی الحکم بن مسکین وهو مجهول ، وعلی الروایة الثانیة أنها غیر دالة علی مطلوبه وإنما تدل علی وجوب الإتیان بالمنسی خاصة ، وهو لا یذهب إلیه بل یوجب الإتیان بما بعده من السجود.

لکن الصدوق - رحمه الله - أورد روایة محمد بن مسلم فی کتابه بطریق صحیح ، ومتنها أوضح مما فی کتابی الشیخ. فإنه قال : وروی العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل شک بعد ما سجد أنه لم یرکع ، فقال : « یمضی فی صلاته حتی یستیقن أنه لم یرکع ، فإن استیقن أنه لم یرکع فلیلق السجدتین اللتین لا رکوع لهما ویبنی علی صلاته علی التمام ، وإن کان لم یستیقن إلا من بعد ما فرغ وانصرف فلیقم ولیصل رکعة وسجد سجدتین ولا شی ء علیه » (1) ومقتضی الروایة وجوب الإتیان بالرکوع وإسقاط السجدتین مطلقا کما هو أحد الأقوال فی المسألة.

ویمکن الجمع بینها وبین ما تضمن الاستئناف بذلک بالتخییر بین الأمرین وأفضلیة الاستئناف. وکیف کان فلا ریب أن الاستئناف أولی.

الثانیة : إن من أخل بالسجدتین حتی رکع فیما بعد بطلت صلاته ، وهو اختیار الشیخ فی النهایة (2) ، وأکثر الأصحاب. وقال فی الجمل : إن ترک ناسیا سجدتین فی رکعة من الأولتین أعاد الصلاة ، وإن کانتا من الأخیرتین بنی علی الرکوع فی الأولی وسجد السجدتین (3). والأصح الأول.

لنا : أنه أخل برکن من الصلاة حتی دخل فی آخر ، فلو أعاد الأول لزاد رکنا ولو لم یأت به نقص رکنا ، وکلاهما مبطل ، لما سیأتی ، ویؤیده قوله علیه السلام : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ،

ص: 219


1- الفقیه 1 : 228 - 1006 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 11 ح 2.
2- النهایة : 88.
3- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 186 ، 188.

وکذا لو زاد فی الصلاة رکعة أو رکوعا أعاد سهوا وعمدا.

______________________________________________________

والرکوع ، والسجود » (1).

ولم نقف للقائلین بالتلفیق هنا علی حجة یعتد بها. واستدل له فی المختلف بأن السجدتین مساویتان للرکوع فی جمیع الأحکام ، وقد ثبت جواز التلفیق فیه (2). ولا یخفی ضعف هذا الاستدلال ، فإنه مجرد دعوی عاریة من الدلیل.

قوله : ( وکذا لو زاد فی صلاته رکعة ، أو رکوعا ، أو سجدتین ، أعاد عمدا أو سهوا ).

هنا مسألتان :

إحداهما : إن من زاد فی صلاته رکعة بطلت صلاته. وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الصلاة بین الرباعیة وغیرها ، ولا بین أن یکون قد جلس فی آخر الصلاة أو لم یجلس. وبهذا التعمیم قطع الشیخ فی جملة من کتبه (3) ، والسید المرتضی (4) ، وابن بابویه (5).

واحتج علیه فی الخلاف بتوقف یقین البراءة علیه. قال : وإنما یعتبر الجلوس بقدر التشهد أبو حنیفة بناء علی أن الذکر فی التشهد لیس بواجب.

واستدل علیه أیضا بما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة وبکیر ابنی أعین ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا استیقن أنه زاد فی صلاته المکتوبة لم یعتد بها واستقبل صلاته استقبالا » (6) وعن أبی بصیر قال ، قال أبو

حکم زیادة رکن سهواً

ص: 220


1- الفقیه 1 : 225 - 991 ، الوسائل 4 : 770 أبواب القراءة فی الصلاة ب 29 ح 5.
2- المختلف : 130.
3- الخلاف 1 : 164 ، والمبسوط 1 : 121 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 187.
4- جمل العلم والعمل : 63.
5- المقنع : 31.
6- التهذیب 2 : 194 - 763 ، الإستبصار 1 : 376 - 1428 ، الوسائل 5 : 332 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 19 ح 1.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام : « من زاد فی صلاته فعلیه الإعادة » (1) وهما بإطلاقهما یتناولان زیادة الرکعة وغیرها.

وقال فی المبسوط : من زاد رکعة فی صلاته أعاد ، ومن أصحابنا من قال : إن کانت الصلاة رباعیة وجلس فی الرابعة مقدار التشهد فلا إعادة علیه. والأول هو الصحیح ، لأن هذا قول من یقول أن الذکر فی التشهد لیس بواجب (2).

وهذا الذی نقله الشیخ عن بعض الأصحاب هو مذهب ابن الجنید (3) ، واختاره المصنف فی المعتبر (4) ، والعلامة فی المختلف (5). واستدل علیه فی المعتبر بأن نسیان التشهد غیر مبطل ، فإذا جلس قدر التشهد فقد فصل بین الفرض والزیادة ، وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلی خمسا ، فقال : « إن کان جلس فی الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته » (6).

وعن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل استیقن بعد ما صلی الظهر أنه صلی خمسا ، فقال : « کیف استیقن؟ » قلت : علم ، قال : « إن کان علم أنه کان جلس فی الرابعة فصلاته الظهر تامة » (7).

ویتوجه علی الأول : أن تحقق الفصل بالجلوس لا یقتضی عدم وقوع

ص: 221


1- الکافی 3 : 355 - 5 ، التهذیب 2 : 194 - 764 ، الإستبصار 1 : 376 - 1429 ، الوسائل 5 : 332 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 19 ح 2.
2- المبسوط 1 : 121.
3- حکاه عنه فی المختلف : 135.
4- المعتبر 2 : 380.
5- المختلف : 135.
6- التهذیب 2 : 194 - 766 ، الإستبصار 1 : 377 - 1431 ، الوسائل 5 : 332 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 19 ح 4.
7- التهذیب 2 : 194 - 765 ، الاستبصار 1 : 377 - 1430 ، المقنع : 31 ، الوسائل 5 : 332 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 19 ح 5.

______________________________________________________

الزیادة فی أثناء الصلاة.

وعلی الروایتین : أن الظاهر أن المراد فیهما من الجلوس بقدر التشهد : التشهد ، لشیوع مثل هذا الإطلاق وندور تحقق الجلوس بقدر التشهد من دون الإتیان به ، وبذلک صرح الشیخ فی الاستبصار. فقال : إن هذین الخبرین لا ینافیان الخبرین الأولین ، یعنی : روایتی أبی بصیر وابنی أعین ، لأن من جلس فی الرابعة وتشهد ثم قام صلی رکعة لم یخلّ برکن من أرکان الصلاة ، وإنما أخلّ بالتسلیم ، والإخلال بالتسلیم لا یوجب إعادة الصلاة حسب ما قدمناه (1).

واستحسن هذا الحمل الشهید فی الذکری ، قال : ویکون فی هذه الأخبار دلالة علی ندب التسلیم (2).

وإلی هذا القول ذهب ابن إدریس فی سرائره فقال : من صلی الظهر - مثلا - أربع رکعات ، وجلس فی دبر الرابعة فتشهد الشهادتین وصلی علی النبی وآله ، ثم قام ساهیا عن التسلیم فصلی رکعة خامسة فعلی مذهب من أوجب التسلیم فالصلاة باطلة ، وعلی مذهب من لم یوجبه فالأولی أن یقال : إن الصلاة صحیحة لأنه ما زاد فی صلاته رکعة ، لأنه بقیامه خرج من صلاته. وإلی هذا القول ذهب شیخنا أبو جعفر فی استبصاره ونعم ما قال (3). انتهی کلامه رحمه الله ، وهو فی محله. ومن ذلک یظهر عدم الفرق فی الصلاة بین الرباعیة وغیرها.

ولو ذکر الزیادة قبل الرکوع صحت صلاته مطلقا بغیر إشکال ، لأن زیادة القیام سهوا غیر مبطلة.

الثانیة : إن من زاد فی صلاته رکوعا أو سجدتین بطلت صلاته ، وهو

ص: 222


1- الاستبصار 1 : 377.
2- الذکری : 219.
3- السرائر : 52.

وقیل : لو شک فی الرکوع فرکع ثم ذکر أنه کان رکع أرسل نفسه ، ذکره الشیخ وعلم الهدی ، والأشبه البطلان.

______________________________________________________

مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا. واستدل علیه فی المعتبر (1) بأن فیه تغییرا لهیئة الصلاة وخروجا عن الترتیب الموظف ، فتبطل معه الصلاة ، وقول أبی جعفر علیه السلام فی حسنة زرارة وبکیر المتقدمة : « إذا استیقن أنه زاد فی صلاته المکتوبة لم یعتد بها واستقبل صلاته استقبالا » (2) وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة منصور بن حازم فی رجل صلی وذکر أنه زاد سجدة : « لا یعید الصلاة من سجدة ویعیدها من رکعة » (3) والظاهر أن المراد بالرکعة الرکوع ، کما یظهر من مقابلته بالسجدة.

قوله : ( وقیل : لو شک فی الرکوع فرکع ثم ذکر أنه کان رکع أرسل نفسه ، ذکره الشیخ وعلم الهدی ، والأشبه البطلان ).

إنما کان الأشبه البطلان لأنه زاد رکوعا ، إذ لیس رفع الرأس جزءا من الرکوع ، وإنما هو انفصال عنه.

والقول بالصحة وإرسال نفسه للسجود للشیخ (4) ، والمرتضی (5) ، وابن إدریس (6) ، واختاره شیخنا المتقدم محمد بن یعقوب الکلینی فی کتابه الکافی (7). قال فی الذکری : وهو قوی ، لأن ذلک وإن کان بصورة الرکوع إلاّ أنه فی الحقیقة لیس برکوع ، لتبین خلافه ، والهوی إلی السجود مشتمل علیه وهو واجب فیتأدی الهوی إلی السجود به ، فلا تتحقق الزیادة حینئذ ، بخلاف ما لو

ص: 223


1- المعتبر 2 : 379.
2- فی ص 220.
3- الفقیه 1 : 228 - 1009 ، التهذیب 2 : 156 - 610 ، الوسائل 4 : 938 أبواب الرکوع ب 14 ح 2.
4- المبسوط 1 : 122.
5- جمل العلم والعمل : 65.
6- السرائر : 53.
7- الکافی 3 : 360.

وإن نقص [ رکعة ] فإن ذکر قبل فعل ما یبطل الصلاة أتم ولو کانت ثنائیة ، وإن ذکر بعد أن فعل ما یبطلها عمدا أو سهوا أعاد. وإن کان یبطلها عمدا لا سهوا کالکلام فیه تردد ، والأشبه الصّحة.

______________________________________________________

ذکر بعد رفع رأسه من الرکوع ، فإن الزیادة حینئذ متحققة لافتقاره إلی هوی السجود (1). ولا یخفی ضعف هذا التوجیه.

نعم یمکن توجیهه بأن هذه الزیادة لم تقتض تغییرا لهیئة الصلاة ولا خروجا عن الترتیب الموظف ، فلا تکون مبطلة وإن تحقق مسمی الرکوع ، لانتفاء ما یدل علی بطلان الصلاة بزیادته علی هذا الوجه من نصّ أو إجماع. ولا یشکل ذلک بوجوب إعادة الهوی للسجود حیث لم یقع بقصده وإنما وقع بقصد الرکوع ، لأن الأظهر أن ذلک لا یقتضی وجوب إعادته ، کما یدل علیه فحوی صحیحة حریز المتضمنة لأن من سها فی فریضة فأتمها علی أنها نافلة لا یضره (2).

وقد ظهر بذلک قوة هذا القول ، وإن کان الإتمام ثم الإعادة طریق الاحتیاط.

قوله : ( وإن نقص [ رکعة ] فإن ذکر قبل فعل ما یبطل الصلاة أتمّ ولو کانت ثنائیة ، وإن ذکر بعد أن فعل ما یبطلها عمدا أو سهوا أعاد ، وإن کان یبطلها عمدا لا سهوا - کالکلام - فیه تردد ، والأشبه الصّحة ).

إذا نقص المصلی من صلاته رکعة فما زاد فإما أن یذکر بعد التسلیم وقبل فعل المنافی أو بعده ، وعلی الثانی فإما أن یکون المنافی مما یبطل الصلاة عمدا لا سهوا کالکلام ، أو یبطلها عمدا وسهوا کالحدث والفعل الکثیر. فهنا مسائل ثلاث :

حکم من نقص رکعة فما زاد من صلاته

ص: 224


1- الذکری : 222.
2- التهذیب 2 : 342 - 1418 ، الوسائل 4 : 711 أبواب النیة ب 2 ح 1 ، ولکن فیهما : أن عبد الله بن المغیرة رواها عن کتاب حریز.

______________________________________________________

الأولی : أن یذکر النقص بعد التسلیم وقبل الإتیان بغیره من المنافیات ، فیجب إتمام الصلاة ولو کانت ثنائیة دون الإعادة ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن الحارث بن المغیرة النضری قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنا صلینا المغرب فسها الإمام فسلم فی الرکعتین فأعدنا الصلاة ، قال : « ولم أعدتم؟ ألیس قد انصرف رسول الله صلی الله علیه و آله فی رکعتین فأتم برکعتین؟ ألا أتممتم؟! » (1) والظاهر عدم تحقق الخلاف فی هذه الصورة مطلقا.

الثانیة : أن یذکر بعد فعل ما یبطل الصلاة عمدا لا سهوا کالکلام.

وقد اختلف الأصحاب فی حکمه ، فقال الشیخ فی النهایة : یجب علیه الإعادة (2) ، وتبعه ابن أبی عقیل (3) وأبو الصلاح الحلبی (4) ، وقوی فی المبسوط عدم الإعادة وحکی عن بعض أصحابنا قولا بوجوب الإعادة فی غیر الرباعیة (5). والأصح أنه لا یعید مطلقا.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یسهو فی الرکعتین ویتکلم ، قال : « یتم ما بقی من صلاته تکلم أو لم یتکلم ولا شی ء علیه » (6).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل صلی رکعتین من المکتوبة فسلم وهو یری أنه قد أتم الصلاة وتکلم ، ثم ذکر أنه

ص: 225


1- التهذیب 2 : 180 - 725 ، الإستبصار 1 : 370 - 1410 ، الوسائل 5 : 307 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 2.
2- النهایة : 90.
3- نقله عنه فی المختلف : 136.
4- الکافی فی الفقه : 148.
5- المبسوط 1 : 121.
6- التهذیب 2 : 191 - 756 ، الإستبصار 1 : 378 - 1434 ، الوسائل 5 : 308 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 5.

______________________________________________________

لم یصل غیر رکعتین فقال : « یتم ما بقی من صلاته ولا شی ء علیه » (1).

وفی الصحیح عن سعید الأعرج قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « صلی رسول الله صلی الله علیه و آله ثم سلم فی رکعتین فسأله من خلفه : یا رسول الله أحدث فی الصلاة شی ء؟ قال : وما ذاک؟ قالوا : إنما صلیت رکعتین ، فقال : أکذاک یا ذا الیدین؟ وکان یدعی ذا الشمالین ، فقال : نعم ، فبنی علی صلاته فأتم الصلاة أربعا » وقال : « إن الله عزّ وجلّ هو الذی أنساه رحمة للأمة ، ألا تری لو أن رجلا صنع هذا لعیّر وقیل : ما تقبل صلاتک ، فمن دخل علیه الیوم ذلک قال : قد سنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وصارت أسوة ، وسجد سجدتین لمکان الکلام » (2).

الثالثة : أن یذکر بعد فعل ما یبطل الصلاة عمدا وسهوا ، کالحدث والفعل الکثیر الذی تنمحی به صورة الصلاة ، وقد ذهب الأکثر إلی أنه موجب للإعادة.

وقال ابن بابویه فی کتابه المقنع : إن صلیت رکعتین من الفریضة ثم قمت فذهبت فی حاجة لک فأضف إلی صلاتک ما نقص ولو بلغت الصین ولا تعد الصلاة ، فإن إعادة الصلاة فی هذه المسألة مذهب یونس بن عبد الرحمن (3).

احتج القائلون بوجوب الإعادة بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلی رکعتین ثم قام ، قال : « یستقبل » قلت : فما یروی الناس؟ فذکر له حدیث ذی الشمالین ، فقال :

ص: 226


1- التهذیب 2 : 191 - 757 ، الإستبصار 1 : 379 - 1436 ، الوسائل 5 : 309 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 9.
2- الکافی 3 : 357 - 6 ، التهذیب 2 : 345 - 1433 ، الوسائل 5 : 311 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 16.
3- نقله عنه فی المختلف : 136 ، والموجود فی المقنع : 31. وإن صلیت رکعتین ثم قمت فذهبت فی حاجة لک فأعد الصلاة ولا تبن علی الرکعتین.

______________________________________________________

« إن رسول الله صلی الله علیه و آله لم یبرح من مکانه ، ولو برح استقبل » (1).

وعن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سئل عن رجل دخل مع الإمام فی صلاته وقد سبقه برکعة فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ، ثم ذکر أنه قد فاتته رکعة ، قال : « یعید رکعة واحدة ، یجوز له ذلک إذا لم یحول وجهه عن القبلة فإذا حوّل وجهه عن القبلة فعلیه أن یستقبل الصلاة استقبالا » (2).

وعن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلی رکعتین ثم قام فذهب فی حاجته ، قال : « یستقبل الصلاة » قلت : فما بال رسول الله صلی الله علیه و آله لم یستقبل حین صلی رکعتین؟ فقال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله لم ینتقل من موضعه » (3).

وقد ورد بعدم الإعادة بذلک روایات کثیرة ، کصحیحة محمد - وهو ابن مسلم - عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سئل عن رجل دخل مع الإمام فی صلاته وقد سبقه برکعة ، فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ، ثم ذکر بعد ذلک أنه فاتته رکعة ، قال : « یعیدها رکعة واحدة » (4).

وصحیحة عبید بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلی رکعة من الغداة ، ثم انصرف وخرج فی حوائجه ، ثم ذکر أنه صلی رکعة ، قال : « یتم ما بقی » (5).

ص: 227


1- التهذیب 2 : 345 - 1434 ، الوسائل 5 : 308 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 7.
2- التهذیب 2 : 184 - 732 ، الإستبصار 1 : 368 - 1401 ، الوسائل 5 : 315 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 6 ح 2.
3- التهذیب 2 : 346 - 1435 ، المقنع : 31 ، الوسائل 5 : 309 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 10.
4- الفقیه 1 : 230 - 1020 ، التهذیب 2 : 346 - 1436 ، الإستبصار 1 : 367 - 1398 ، الوسائل 5 : 310 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 12.
5- التهذیب 2 : 347 - 1439 ، الإستبصار 1 : 368 - 1402 ، الوسائل 5 : 315 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 6 ح 3.

______________________________________________________

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلی بالکوفة رکعتین ثم ذکر وهو بمکة أو بالمدینة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنه صلی رکعتین ، قال : « یصلی رکعتین » (1).

وموثقة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یذکر بعد ما قام وتکلم ومضی فی حوائجه أنه إنما صلی رکعتین من الظهر والعصر والعتمة والمغرب ، قال : « یبنی علی صلاته فیتمها ولو بلغ الصین » (2).

وبمضمون هذه الروایات أفتی ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه المقنع ، فإن عادته - رحمه الله - فی ذلک الکتاب نقل متون الأخبار وإفتاؤه بمضمونها (3).

وأجاب الشیخ - رحمه الله - فی کتابی الأخبار عن هذه الروایة بالحمل علی النافلة أو علی أنه لم یتیقن الترک (4) ، وهو بعید جدا. ویمکن الجمع بینها بحمل هذه علی الجواز ، وما تضمن الاستئناف علی الاستحباب. والله أعلم.

بقی هنا شی ء : وهو أن المحقق الشیخ علی ذکر فی حواشیه أن المراد بقول المصنف : « وإن نقص » ما یتناول نقص الرکعة فما زاد ونقص الرکوع ، وهو غیر جید ، لأن نقص الرکوع قد ذکر حکمه منفردا وأن من أخل به حتی سجد بطلت صلاته ، ومن ذکره قبل السجود أتی به ، فلا وجه لحمل العبارة علیه. وأیضا : فإن ما ذکره المصنف من الأحکام فی هذه المسألة لا یجری فیه کما هو واضح. وقد أتی المصنف بنحو هذه العبارة فی النافع ، وصرح بأن المنقوص الرکعة فما زاد ، فقال : ولو نقص من عدد الصلاة ثم ذکر أتم (5). ونحوه قال

ص: 228


1- التهذیب 2 : 347 - 1440 وفیه : عن حریز عن أبی جعفر 7 ، الإستبصار 1 : 368 - 1403 ، الوسائل 5 : 312 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 19.
2- التهذیب 2 : 192 - 758 ، الإستبصار 1 : 379 - 1437 ، الوسائل 5 : 312 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 20.
3- لم نجده فی المقنع ، لکنه أورد فی الفقیه 1 : 229 - 1012 روایة عن عمار وهی تدل علی عدم الإعادة.
4- التهذیب 2 : 347 ، والاستبصار 1 : 368.
5- المختصر النافع : 43.

وکذا لو ترک التسلیم ثم ذکر.

______________________________________________________

فی المعتبر (1).

قوله : ( وکذا لو ترک التسلیم ثم ذکر ).

أی : وکذا لا تبطل الصلاة بترک التسلیم إلاّ أن یذکره بعد فعل ما یبطل الصلاة عمدا وسهوا ، لأن المنافی حینئذ واقع فی أثناء الصلاة بناء علی القول بوجوب التسلیم ، کما هو مذهب المصنف رحمه الله .

واستشکله الشارح بأن التسلیم لیس برکن ، فلا تبطل الصلاة بترکه سهوا وإن فعل المنافی قال : اللهم إلا أن یقال بانحصار الخروج من الصلاة فیه ، وهو فی حیز المنع (2).

ویمکن دفعه بأن المقتضی للبطلان علی هذا التقدیر لیس هو الإخلال بالتسلیم ، وإنما هو وقوع المنافی فی أثناء الصلاة ، فإن ذلک یتحقق بفعله قبل الفراغ من الأفعال الواجبة وإن لم یتعقبه رکن ، کما فی حالة التشهد.

ومع ذلک فالأجود عدم بطلان الصلاة بفعل المنافی قبله وإن قلنا بوجوبه ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی ثم یجلس فیحدث قبل أن یسلم ، قال : « تمت صلاته » (3).

وفی الصحیح ، عن زرارة أیضا عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یحدث بعد أن یرفع رأسه من السجدة الأخیرة وقبل أن یتشهد ، قال : « ینصرف فیتوضأ ، فإن شاء رجع إلی المسجد ، وإن شاء ففی بیته ، وإن شاء حیث شاء قعد فیتشهد ثم یسلم ، وإن کان الحدث بعد الشهادتین فقد مضت

حکم من ترک التسلیم وذکر

ص: 229


1- المعتبر 2 : 381.
2- المسالک 1 : 41.
3- التهذیب 2 : 320 - 1306 ، الإستبصار 1 : 345 - 1301 ، الوسائل 4 : 1011 أبواب التسلیم ب 3 ح 2.

ولو ترک سجدتین ولم یدر أنهما من رکعتین أو رکعة رجّحنا جانب الاحتیاط. ولو کانتا من رکعتین ولم یدر أیهما هی قیل : یعید ، لأنه لم تسلم له الأولتان یقینا ، والأظهر أنه لا إعادة ، وعلیه سجدتا السهو.

______________________________________________________

صلاته » (1). وبمضمون هذه الروایة أفتی ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (2).

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا التفتّ فی صلاة مکتوبة من غیر فراغ فأعد الصلاة إذا کان الالتفات فاحشا ، وإن کنت قد تشهدت فلا تعد » (3).

قوله : ( ولو ترک سجدتین ولم یدر أنهما من رکعة أو رکعتین رجّحنا جانب الاحتیاط ).

وهو بطلان الصلاة لإمکان کونهما من رکعة ، فلا یحصل یقین البراءة بدون الإعادة. ویحتمل الصحة لعدم تحقق المبطل ، ولأن نسیان السجدتین من رکعة واحدة خلاف الظاهر.

قوله : ( ولو کانتا من رکعتین ولم یدر أیهما هی قیل : یعید ، لأنه لم تسلم له الأولتان یقینا ، والأظهر أنه لا إعادة ، وعلیه سجدتا السهو ).

القول بالإعادة للشیخ (4) وجماعة ، تفریعا علی أن کل سهو یلحق الأولتین یبطل الصلاة ، وسیأتی ما فیه (5) ، مع أن الأصل عدم التقدم.

حکم من ترک سجدتین من جمیع الصلاة

ص: 230


1- الکافی 3 : 347 - 2 ، التهذیب 2 : 318 - 1301 ، الإستبصار 1 : 343 - 1291 ، الوسائل 4 : 1001 أبواب التشهد ب 13 ح 1.
2- الفقیه 1 : 233.
3- الکافی 3 : 365 - 10 وفیه ذیل الحدیث ، التهذیب 2 : 323 - 1322 ، الإستبصار 1 : 405 - 1547 ، الوسائل 4 : 1248 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.
4- المبسوط 1 : 121.
5- فی ص 246.

وإن أخلّ بواجب غیر رکن ، فمنه ما یتمّ معه الصلاة من غیر تدارک ، ومنه ما یتدارک من غیر سجود ، ومنه ما یتدارک مع سجدتی السهو.

فالأول : من نسی القراءة أو الجهر أو الإخفات فی مواضعه ، أو قراءة الحمد أو قراءة السورة حتی رکع ،

______________________________________________________

قوله : ( وإن أخلّ بواجب غیر رکن ، فمنه ما یتمّ معه الصلاة من غیر تدارک ، ومنه ما یتدارک من غیر سجود ، ومنه ما یتدارک مع سجدتی السهو. فالأول : من نسی القراءة أو الجهر أو الإخفات فی مواضعه أو قراءة الحمد أو قراءة السهو حتی رکع ).

لا خلاف فی وجوب الإتمام فی جمیع هذه الصور من غیر تدارک ، ویدل علیه مضافا إلی الإجماع ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض الرکوع والسجود ، وجعل القراءة سنة ، فمن ترک القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسی القراءة فقد تمت صلاته ولا شی ء علیه » (1).

وفی الموثق ، عن منصور بن حازم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی صلیت المکتوبة فنسیت أن أقرأ فی صلاتی کلها ، فقال : « ألیس قد أتممت الرکوع والسجود؟ » قلت : بلی ، قال : « تمت صلاتک إذا کان نسیانا » (2).

ومقتضی العبارة وجوب الرجوع إلی جمیع ذلک قبل الرکوع. وهو فی القراءة وأبعاضها ظاهر ، لإطلاق الأمر ، وبقاء المحل ، وخصوص موثقة سماعة ، قال : سألته عن الرجل یقوم فینسی فاتحة الکتاب ، قال : « فلیقل :

حکم الاخلال بواجب غیر رکن

ص: 231


1- التهذیب 2 : 146 - 569 ، الإستبصار 1 : 353 - 1335 ، الوسائل 4 : 767 أبواب القراءة فی الصلاة ب 27 ح 2 ، وفی الجمیع : عن أحدهما علیهماالسلام .
2- الکافی 3 : 348 - 3 ، التهذیب 2 : 146 - 570 ، الإستبصار 1 : 353 - 1336 ، الوسائل 4 : 769 أبواب القراءة فی الصلاة ب 29 ح 2.

أو الذکر فی الرکوع أو الطمأنینة فیه حتی رفع رأسه ، أو رفع رأسه أو الطمأنینة [ فیه ] حتی سجد ،

______________________________________________________

أستعیذ بالله من الشیطان الرجیم إن الله هو السمیع العلیم ، ثم لیقرأها ما دام لم یرکع » (1).

أما الجهر والإخفات فالأصح عدم وجوب تدارکهما مطلقا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « وإن فعل ذلک - یعنی الجهر - فی موضع الإخفات أو عکسه ناسیا أو ساهیا أو لا یدری فلا شی ء علیه » (2).

قوله : ( أو الذکر فی الرکوع ، أو الطمأنینة فیه حتی رفع رأسه ، أو رفع رأسه ، أو الطمأنینة فیه حتی سجد ).

لا خلاف فی ذلک کله ، ویدل علیه ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، أنه قال : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (3).

وما رواه الشیخ ، عن عبد الله القداح ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام : « إن علیا علیه السلام سئل عن رجل رکع ولم یسبح ناسیا ، قال : تمت صلاته » (4).

وعن علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل نسی تسبیحة فی رکوعه وسجوده ، قال : « لا بأس بذلک » (5).

ص: 232


1- التهذیب 2 : 147 - 574 ، الإستبصار 1 : 354 - 1340 ، الوسائل 4 : 768 أبواب القراءة فی الصلاة ب 28 ح 2.
2- الفقیه 1 : 227 - 1003 بتفاوت یسیر ، التهذیب 2 : 147 - 577 ، الإستبصار 1 : 313 1163 ، الوسائل 4 : 766 أبواب القراءة فی الصلاة ب 26 ح 1.
3- الفقیه 1 : 225 - 991 ، الوسائل 4. 770 أبواب القراءة فی الصلاة ب 29 ح 5.
4- التهذیب 2 : 157 - 613 ، الوسائل 4 : 938 أبواب الرکوع ب 15 ح 1.
5- التهذیب 2 : 157 - 614 ، الوسائل 4 : 939 أبواب الرکوع ب 15 ح 2.

أو الذکر فی السجود ، أو السجود علی الأعضاء السبعة أو الطمأنینة فیه حتی رفع رأسه ، أو رفع رأسه من السجود أو الطمأنینة فیه حتی سجد ثانیا ، أو الذکر فی السجود الثانی أو السجود علی الأعضاء السبعة أو الطمأنینة فیه حتی رفع رأسه منه.

______________________________________________________

قوله : ( أو الذکر فی السجود ، أو السجود علی الأعضاء السبعة ، أو الطمأنینة فیه حتی رفع رأسه ).

یستثنی من ذلک الجبهة ، إذ لا یتحقق السجود بدون وضعها ، فیکون الإخلال به فی السجدتین مبطلا ، لفوات الرکن ، وقد نبه علی ذلک فی البیان (1).

قوله : ( أو رفع رأسه من السجود أو الطمأنینة فیه حتی سجد ثانیا ).

الظاهر أن المراد بنسیان الرفع نسیان إکماله ، کما ذکره العلامة فی القواعد (2) ، والشهید فی البیان (3) ، وذلک بأن یرتفع علی وجه یتحقق الفصل بین السجدتین وینسی الباقی ، وإلا لم یتحقق تعدد السجود وتکون هذه المسألة من القسم الثالث ، وهو ما یتدارک مع سجود السهو.

واحتمل الشارح تحقق التثنیة بمجرد النیة حتی أنه لو سجد بنیة الأولی ، ثم توهم الرفع والعود ، أو ذهل عن ذلک بحیث توهم أنه سجد ثانیا وذکر بنیة الثانیة أو لم یذکر یکون قد سجد سجدتین وإنما نسی الرفع بینهما (4). وهو بعید جدا ، فإن من هذا شأنه لا یصدق علیه أنه أتی بالسجدتین قطعا.

ص: 233


1- البیان : 146.
2- القواعد 1 : 43.
3- البیان : 146.
4- المسالک 1 : 41.

والثانی : من نسی قراءة الحمد حتی قرأ سورة استأنف الحمد وسورة. وکذا لو نسی الرکوع وذکر قبل أن یسجد قام فرکع ثم سجد.

______________________________________________________

قوله : ( والثانی ، من نسی قراءة الحمد حتی قرأ السورة استأنف الحمد وسورة ).

إنما نکّر المصنف السورة للتنبیه علی أنه لا یتعین قراءة السورة التی قرأها أولا ، بل یتخیر بعد الحمد أیّ سورة شاء.

قوله : ( وکذا لو نسی الرکوع وذکر قبل أن یسجد قام فرکع ثم سجد ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی إطلاق الأمر به روایات ، منها : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا نسیت شیئا من الصلاة رکوعا أو سجودا أو تکبیرا فاقض الذی فاتک سهوا » (1).

وعلی ما ذکره الشیخ من حذف الزائد یرجع إلیه بعد ذلک أیضا کما تقدم (2).

واعلم أن مقتضی العبارة وجوب القیام أولا ثم الرکوع ، وکأنه لاستدراک الهویّ إلیه ، فإنه من جملة الواجبات ولم یقع بقصد الرکوع فلا یکون مجزئا عنه. وهو (3) إنما یتم مع نسیان الرکوع فی حال القیام ، أما مع تجدده بعد الوصول إلی حد الراکع فلا ، بل یقوم منحنیا إلی حد الراکع.

ولو تحققت صورة الرکوع قبل النسیان أشکل العود إلیه ، لاستلزامه زیادة الرکن ، فإنّ حقیقة الرکوع هو الانحناء المخصوص ، وأما الذکر والطمأنینة والرفع منه فإنها واجبات فیه خارجة عن حقیقته.

ص: 234


1- الفقیه 1 : 228 - 1007 ، الوسائل 5 : 341 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 26 ح 1.
2- فی ص 216.
3- فی « ح » زیادة : مع تسلیمه.

وکذا من ترک السجدتین أو إحداهما أو التشهد وذکر قبل أن یرکع رجع فتلافاه ، ثم قام فأتی بما یلزم من قراءة أو تسبیح ثم رکع. ولا یجب فی هذین الموضعین سجدتا السهو ، وقیل. یجب ، والأول أظهر.

______________________________________________________

ولا یخفی أن ذکر نسیان الرکوع والسجدتین هنا وقع فی غیر محله ، لأن الکلام فی نسیان الواجب الذی لیس برکن.

قوله : ( وکذا من ترک السجدتین أو إحداهما أو التشهد وذکر قبل أن یرکع رجع فتلافاه ، ثم قام فأتی بما یلزم من قراءة أو تسبیح ، ثم رکع ).

هنا مسألتان :

إحداهما : أن من نسی السجدتین أو إحداهما ثم ذکر قبل أن یرکع وجب علیه تلافیهما أو إحداهما ، ثم القیام والإتیان بما یلزمه من القراءة أو التسبیح ( والرکوع ) (1) وهذا فی السجدة الواحدة موضع وفاق بین العلماء ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل نسی أن یسجد السجدة الثانیة حتی قام ، فذکر وهو قائم أنه لم یسجد ، قال : « فلیسجد ما لم یرکع ، فإذا رکع فذکر بعد رکوعه أنه لم یسجد فلیمض علی صلاته حتی یسلم ، ثم یسجدها فإنها قضاء » (2).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر ، والظاهر أنه لیث المرادی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یسجد واحدة فذکرها وهو قائم ، قال : « یسجدها إذا ذکرها ولم یرکع ، فإن کان قد رکع فلیمض علی صلاته ، فإذا انصرف قضاها وحدها ولیس علیه سهو » (3).

ص: 235


1- ما بین القوسین مشطوب فی « ض ».
2- التهذیب 2 : 153 - 602 ، الإستبصار 1 : 359 - 1361 ، الوسائل 4 : 968 أبواب السجود ب 14 ح 1.
3- الفقیه 1 : 228 - 1008 ، الوسائل 4 : 969 أبواب السجود ب 14 ح 4.

______________________________________________________

وإنما الخلاف فی نسیان السجدتین فذهب الأکثر إلی أنه کذلک ، لأن القیام إن کان انتقالا عن المحل لم یعد إلی السجدة الواحدة ، وإلا عاد إلی السجدتین. ویؤیده إطلاق صحیحة ابن سنان المتقدمة (1) ، وروایة محمد بن مسلم الصحیحة المتضمنة لتدارک الرکوع بعد السجدتین (2) ، فإذا جاز تدارکه مع تخلل السجدتین اللتین هما رکن فی الصلاة جاز تدارک السجود مع تخلل القیام خاصة بطریق أولی.

وقال المفید رحمه الله : إن ترک سجدتین من رکعة واحدة أعاد علی کل حال ، وإن نسی واحدة منهما ثم ذکرها فی الرکعة الثانیة قبل الرکوع أرسل نفسه وسجدها ثم قام (3). وإلی هذا القول ذهب ابن إدریس (4). ولم أقف علی نصّ یقتضی التفرقة بین المسألتین والخروج عن مقتضی الأصل.

واعلم أنه متی کان المنسی مجموع السجدتین عاد إلیهما من غیر جلوس واجب قبلهما ، وإن کان المنسی إحداهما فإن کان قد جلس عقیب السجدة الأولی واطمأن بنیة أنه الجلوس الواجب لم تجب إعادته قطعا. وإن لم یکن جلس کذلک فالأظهر وجوب الجلوس لأنه من أفعال الصلاة ولم یأت به مع بقاء محله ، فیجب تدارکه.

ومتی رجع لتدارک السجود أتی به ، ثم یأتی بما یلزم من تشهد أو قراءة أو تسبیح. ولو کان قد تشهد قبل القیام أعاده ( وجوبا ) (5) رعایة للترتیب.

الثانیة : أن من نسی التشهد وذکر قبل أن یرکع رجع فتلافاه ، ثم أتی بما یلزمه کذلک. وهو موضع وفاق ، ویدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ

ص: 236


1- فی ص 234.
2- الفقیه 1 : 228 - 1006 ، التهذیب 2 : 149 - 585 ، الإستبصار 1 : 356 - 1348 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 11 ح 2.
3- المقنعة : 22.
4- السرائر : 50 ، 53.
5- لیست فی « ح ».

______________________________________________________

فی الصحیح ، عن عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی رکعتین من المکتوبة فلا یجلس فیهما ، فقال : « إذا ذکر وهو قائم فی الثالثة فلیجلس ، وإن لم یذکر حتی رکع فلیتم صلاته (1) ثم یسجد سجدتین وهو جالس قبل أن یتکلم » (2).

وفی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یجلس فی الرکعتین الأولتین ، فقال : « إن ذکره قبل أن یرکع فلیجلس ، وإن لم یذکر حتی یرکع فلیتم الصلاة حتی إذا فرغ فلیسلم ویسجد سجدتی السهو » (3).

وفی الحسن ، عن الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قمت فی الرکعتین من الظهر أو من غیرها ولم تتشهد فیهما فذکرت ذلک فی الرکعة الثالثة قبل أن ترکع فاجلس وتشهد وقم فأتم صلاتک ، وإن أنت لم تذکر حتی ترکع فامض فی صلاتک حتی تفرغ ، فإذا فرغت فاسجد سجدتی السهو بعد التسلیم قبل أن تتکلم » (4).

واعلم أنه لیس فی کلام المصنف - رحمه الله - ما یدل علی حکم نسیان السجود فی الرکعة الأخیرة والتشهد الأخیر. والأجود تدارک الجمیع إذا ذکر قبل التسلیم وإن قلنا باستحبابه ، لإطلاق الأمر بفعلهما وبقاء محلهما.

ولو لم یذکر إلاّ بعد التسلیم بطلت الصلاة إن کان المنسی السجدتین ، لفوات الرکن ، وقضی السجدة الواحدة والتشهد ، لإطلاق قوله علیه السلام فی

ص: 237


1- فی « ح » زیادة : حتی إذا فرغ فلیسلم.
2- التهذیب 2 : 159 - 624 ، الإستبصار 1 : 363 - 1375 ، الوسائل 4 : 995 أبواب التشهد ب 7 ح 4 ، وأوردها فی الفقیه 1 : 231 - 1026.
3- التهذیب 2 : 158 - 618 ، الإستبصار 1 : 362 - 1374 ، الوسائل 4 : 995 أبواب التشهد ب 7 ح 3.
4- الکافی 3 : 357 - 8 ، التهذیب 2 : 344 - 1429 ، الوسائل 4 : 998 أبواب التشهد ب 9 ح 3.

______________________________________________________

صحیحة ابن سنان : « إذا نسیت شیئا من الصلاة رکوعا أو سجودا أو تکبیرا فاقض الذی فاتک سهوا » (1).

وصحیحة ابن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام : فی الرجل یفرغ من صلاته وقد نسی التشهد حتی ینصرف ، فقال : « إن کان قریبا رجع إلی مکانه فتشهد ، وإلا طلب مکانا نظیفا فتشهد فیه » (2).

ولا فرق فی ذلک بین أن یتخلل الحدث بینه وبین الصلاة أم لا.

وقال ابن إدریس : لو أخل بالتشهد الأخیر حتی سلم وأحدث أعاد الصلاة لأنه أحدث فی الصلاة لوقوع التسلیم فی غیر موضعه (3).

قال فی المعتبر (4) : ولیس بوجه ، لأن التسلیم مع السهو مشروع فیقع ویقضی التشهد ، لما روی حکم بن حکیم عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل نسی رکعة أو سجدة أو الشی ء منها ثم یذکر بعد ذلک ، قال : « یقضی ذلک بعینه » قلت : أیعید الصلاة؟ فقال : « لا » (5). وهو حسن ، والظاهر أن المراد بالرکعة مجموعها لا نفس الرکوع خاصة ، وبالشی ء منها القنوت والتشهد ونحو ذلک مما لم یقم دلیل علی سقوط تدارکه. وهذه الروایة معتبرة الإسناد ، وقال الشهید فی الذکری - بعد أن أوردها وأورد ما فی معناها - وابن طاوس فی البشری یلوح منه ارتضاء مفهومها (6).

ص: 238


1- الفقیه 1 : 228 - 1007 ، التهذیب 2 : 350 - 1450 ، الوسائل 5 : 337 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 23 ح 7.
2- التهذیب 2 : 157 - 617 ، الوسائل 4 : 995 أبواب التشهد ب 7 ح 2.
3- السرائر : 55.
4- المعتبر 2 : 386.
5- التهذیب 2 : 150 - 588 ، الوسائل 5 : 308 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 6.
6- الذکری : 220.

ولو ترک الصلاة علی النبی وعلی آله علیهم السلام حتی سلّم قضاهما بعد التسلیم.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ترک الصلاة علی النبی وعلی آله علیهم السلام قضاها بعد التسلیم ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (1) وجمع من الأصحاب. واستدل علیه فی المختلف بأنه مأمور بالصلاة علی النبی وآله علیهم السلام ولم یأت به فیبقی فی عهدة التکلیف إلی أن یخرج منه بفعله فتعین فعله ، وبأن التشهد یقضی بالنص فکذا أبعاضه ، تسویة بین الکل والجزء (2).

ویتوجه علی الأول أن الصلاة علی النبی وآله إنما تجب فی التشهد وقد فات ، والقضاء فرض مستأنف ، فیتوقف علی الدلیل وهو منتف. علی أن فی وجوب الأداء خلافا بین الأصحاب کما تقدم تحقیقه (3).

وعلی الثانی منع الملازمة ، مع أنه لا یقول بالتسویة بین الکل والجزء مطلقا.

وقال ابن إدریس : لا یجب قضاء الصلاة علی محمد وآله ، لأن حمله علی التشهد قیاس لا نقول به (4). وأنکر العلامة فی المختلف ذلک ، وقال بعد استدلاله بما حکیناه. ولیس فی هذه الأدلة قیاس ، وإنما هو لقصور قوته الممیزة حیث لم یجد نصا صریحا حکم بأن إیجاب القضاء مستند إلی القیاس خاصة. هذا کلامه رحمه الله ، ولا یخفی ما فیه.

وإنما ذکر المصنف هذه المسألة فی هذا القسم لعدم وجوب سجدتی السهو فیها ، فیکون هذا الجزء مما یتدارک بغیر سجود. ویستفاد من ذلک أن مراده بالتدارک ما یشمل فعله فی أثناء الصلاة وخارجها.

ص: 239


1- النهایة : 89 ، والخلاف 1 : 129 ، والمبسوط 1 : 116.
2- المختلف : 139.
3- فی ج 3 ص 426.
4- نقله عنه فی المختلف : 139 ، ووجدنا خلافه فی السرائر : 48 ، 51.

الثالث : من ترک سجدة أو التشهد ولم یذکر حتی رکع قضاهما أو أحدهما ، وسجد سجدتی السهو.

______________________________________________________

قوله : ( والثالث ، من ترک سجدة أو التشهد ولم یذکر حتی رکع قضاهما أو أحدهما ، وسجد سجدتی السهو ).

تضمنت هذه العبارة مسألتین :

إحداهما : أن من ترک سجدة من صلاته ولم یذکر حتی رکع قضاها وسجد سجدتی السهو.

أما وجوب القضاء فیدل علیه روایات کثیرة ، منها : روایتا إسماعیل بن جابر وأبی بصیر المتقدمتان (1) ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا نسی الرجل سجدة وأیقن أنه قد ترکها فلیسجدها بعد ما یقعد قبل أن یسلم » (2).

وفی الموثق ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن الرجل ینسی سجدة فذکرها بعد ما قام ورکع ، قال : « یمضی فی صلاته ولا یسجد حتی یسلم ، فإذا سلم سجد مثل ما فاته » (3).

وإطلاق هذه الروایات یقتضی عدم الفرق بین أن تکون السجدة من الرکعتین الأولتین أو الأخیرتین.

وقال الشیخ فی التهذیب : إن کان الإخلال من الرکعتین الأولتین أعاد. واستدل بما رواه عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل صلی رکعتین ، ثم ذکر فی الثانیة - وهو راکع - أنه ترک سجدة فی الأولی ، قال : « کان أبو الحسن علیه السلام

ص: 240


1- فی ص 235.
2- التهذیب 2 : 156 - 609 ، الإستبصار 1 : 360 - 1366 ، الوسائل 4 : 972 أبواب السجود ب 16 ح 1.
3- التهذیب 2 : 153 - 604 ، الإستبصار 1 : 359 - 1362 ، الوسائل 4 : 968 أبواب السجود ب 14 ح 2.

______________________________________________________

یقول : إذا ترکت السجدة فی الرکعة الأولی فلم تدر واحدة أو اثنتین استقبلت حتی یصح لک ثنتان ، وإذا کان فی الثالثة أو الرابعة فترکت سجدة بعد أن تکون قد حفظت الرکوع أعدت السجود » (1).

وهذه الروایة صحیحة السند ، إلاّ أن الظاهر من قوله : « فلم تدر واحدة أو اثنتین » کون المراد من الترک توهم الترک ، وأن الاستقبال مع الشک فی ذلک.

وأجاب عنها العلامة فی المختلف بأن المراد بالاستقبال الإتیان بالسجود المشکوک فیه لا استقبال الصلاة ، قال : ویکون قوله علیه السلام : « وإذا کان فی الثالثة أو الرابعة فترکت سجدة » راجعا إلی من تیقن ترک السجدة فی الأولتین ، فإنّ علیه إعادة السجدة لفوات محلها ، ولا شی ء علیه لو شک ، بخلاف ما لو کان الشک فی الأولی لأنه لم ینتقل عن محل السجود فیأتی بالمشکوک فیه (2).

وفی هذا الجواب بعد (3). والمسألة محل إشکال ، وطریق الاحتیاط واضح.

وأما أن ذلک موجب لسجدتی السهو ، فقال فی التذکرة : إنه مجمع علیه بین الأصحاب (4). ولم أقف فیه علی نصّ بالخصوص.

واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن سفیان بن السمط ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تسجد سجدتی السهو فی کل زیادة تدخل علیک أو نقصان » (5).

ص: 241


1- التهذیب 2 : 154 - 605 ، الإستبصار 1 : 360 - 1364 ، الوسائل 4 : 968 أبواب السجود ب 14 ح 3.
2- المختلف : 130.
3- فی « ح » زیادة : وتکلّف.
4- التذکرة 1 : 138.
5- التهذیب 2 : 155 - 608 ، الوسائل 5 : 346 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 32 ح 3.

______________________________________________________

وهذه الروایة - مع ضعف سندها - معارضة بروایة أبی بصیر المتضمنة لسقوط سجدتی السهو فی ذلک صریحا (1) ، والترجیح مع تلک باعتبار السند والمطابقة لمقتضی الأصل.

الثانیة : أن من نسی التشهد ولم یذکر حتی رکع قضاه ، وسجد سجدتی السهو.

أما وجوب السجود فلا خلاف فیه ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه (2). وأما أنه یجب قضاؤه فهو قول الأکثر ، واستدلوا علیه بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی الرجل یفرغ من صلاته وقد نسی التشهد حتی ینصرف فقال : « إن کان قریبا رجع إلی مکانه فتشهد ، وإلاّ طلب مکانا نظیفا فتشهد فیه » (3).

وروایة علی بن أبی حمزة قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا قمت فی الرکعتین الأولتین ولم تتشهد فذکرت قبل أن ترکع فاقعد فتشهد ، وإن لم تذکر حتی ترکع فامض فی صلاتک کما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتین لا رکوع فیهما ، ثم تشهد التشهد الذی فاتک » (4).

وقال المفید (5) ، وابنا بابویه (6) : یجزی التشهد الذی فی سجدتی السهو عن قضاء التشهد المنسی ، ویدل علیه - مضافا إلی الأصل - ظاهر الأخبار الکثیرة

ص: 242


1- المتقدمة فی ص 235.
2- راجع ص 236.
3- التهذیب 2 : 157 - 617 ، الوسائل 4 : 995 أبواب التشهد ب 7 ح 2.
4- الکافی 3 : 357 - 7 ، التهذیب 2 : 344 - 1430 ، الوسائل 5 : 341 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 26 ح 2.
5- الموجود فی المقنعة : 24. قوله : ومن نسی التشهد الأول ثم ذکره بعد رکوعه فی الثالثة مضی فی صلاته فإذا سلم قضاه وتشهد ثم سجد سجدتی السهو.
6- المقنع : 32.

______________________________________________________

المتضمنة لأن ناسی التشهد إلی أن یرکع یجب علیه سجدتا السهو من غیر ذکر لقضاء التشهد (1). وهذا القول لا یخلو من قوة وإن کان ما علیه الأکثر أولی وأحوط.

واعلم أنه لیس فی کلام المصنف - رحمه الله - تعرض لبیان محل الإتیان بالسجود والتشهد المنسیین. والظاهر أنه لا خلاف بین القائلین بوجوب قضاء التشهد فی أن محله بعد التسلیم ، وإنما الخلاف فی محل السجدة ، فذهب الأکثر إلی أن محلها بعد التسلیم کالتشهد ، ویدل علیه الروایات المتقدمة (2) ، ولا ینافی ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة ابن أبی یعفور : « إذا نسی الرجل سجدة وأیقن أنه قد ترکها فلیسجدها بعد ما یقعد قبل أن یسلم » (3) لما بیناه فیما سبق من أن الظاهر استحباب التسلیم (4) ، فیکون الإتیان بالسجود بعد التشهد قضاء بعد الفراغ من الصلاة. وحمله فی المختلف علی الذکر قبل الرکوع (5) ، وهو بعید جدا.

وقال المفید - رحمه الله - : إذا ذکر بعد الرکوع فلیسجد ثلاث سجدات ، واحدة منها قضاء (6).

وقال علی بن بابویه : إن السجدة المنسیة من الرکعة الأولی إذا ذکرت بعد رکوع الثانیة تقضی فی الرکعة الثالثة ، وسجود الثانیة إذا ذکر بعد رکوع الثالثة یقضی فی الرکعة الرابعة ، وسجود الثالثة یقضی بعد التسلیم (7). ولم نقف لهما

ص: 243


1- الوسائل 4 : 996 أبواب التشهد ب 7.
2- فی ص 240.
3- التهذیب 2 : 156 - 609 ، الإستبصار 1 : 360 - 1366 ، الوسائل 4 : 972 أبواب السجود ب 16 ح 1.
4- فی ج 3 ص 429.
5- المختلف : 131.
6- المقنعة : 24.
7- حکاه عنه فی الذکری : 222.

وأما الشک : ففیه مسائل :

الأولی : من شک فی عدد الواجبة الثنائیة أعاد ، کالصبح ، وصلاة السفر ، وصلاة العیدین إذا کانت فریضة ، والکسوف ، وکذا المغرب.

______________________________________________________

علی مستند. قال فی الذکری : وکأنهما عوّلا علی خبر لم یصل إلینا (1).

قوله : ( الأولی ، من شک فی عدد الواجبة الثنائیة أعاد ، کالصبح ، وصلاة السفر ، وصلاة العیدین إذا کانت فریضة ، والکسوف ، وکذا المغرب ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال العلامة فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع إلا ابن بابویه ، فإنه جوز له البناء علی الأقل والإعادة (2). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی وحفص بن البختری وغیر واحد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا شککت فی المغرب فأعد ، وإذا شککت فی الفجر فأعد » (3).

وفی الصحیح ، عن العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألت عن الرجل یشک فی الفجر ، قال : « یعید » قلت : المغرب؟ قال : « نعم ، والوتر ، والجمعة » من غیر أن أسأله (4).

وفی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصلی ولا یدری واحدة صلی أم اثنتین ، قال : « یستقبل حتی

الشکوک

حکم الشک فی عدد الثنائیة

ص: 244


1- الذکری : 222.
2- المنتهی 1 : 410.
3- التهذیب 2 : 180 - 723 ، الإستبصار 1 : 366 - 1396 ، الوسائل 5 : 304 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 5.
4- التهذیب 2 : 180 - 722 ، الإستبصار 1 : 366 - 1395 ، الوسائل 5 : 305 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 7.

______________________________________________________

یستیقن أنه قد أتم ، وفی الجمعة ، وفی المغرب ، وفی الصلاة فی السفر » (1).

وفی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن السهو فی المغرب ، قال : « یعید حتی یحفظ ، إنها لیست مثل الشفع » (2) والظاهر أن المراد بالشفع الأربع ، إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ عن عمار الساباطی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل لم یدر صلی الفجر رکعتین أو رکعة ، قال : « یتشهد وینصرف ، ثم یقوم فیصلی رکعة ، فإن کان صلی رکعتین کانت هذه تطوعا ، وإن کان صلی رکعة کانت هذه تمام الصلاة » (3).

وعن عمار أیضا قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل شک فی المغرب فلم یدر رکعتین صلّی أم ثلاثة ، قال : « یسلم ثم یضیف إلیها رکعة » (4).

لأنا نجیب عنهما بالطعن فی السند بضعف الراوی (5).

وقال الشیخ فی الاستبصار : إن هذین الخبرین شاذان مخالفان للأخبار کلها ، وإن الطائفة قد أجمعت علی ترک العمل بهما ، ثم احتمل حملهما علی نافلتی الفجر والمغرب (6). وهو بعید.

ص: 245


1- الکافی 3 : 351 - 2 ، التهذیب 2 : 179 - 715 ، الإستبصار 1 : 365 - 1391 ، الوسائل 5 : 304 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 2.
2- التهذیب 2 : 179 - 717 ، الإستبصار 1 : 370 - 1406 ، الوسائل 5 : 304 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 4.
3- التهذیب 2 : 182 - 728 ، الإستبصار 1 : 366 - 1397 ، الوسائل 5 : 306 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 12.
4- التهذیب 2 : 182 - 727 ، الإستبصار 1 : 371 - 1412 ، الوسائل 5 : 305 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 11.
5- لأنه فطحی - راجع رجال الکشی 2 : 253 - 471 ، والفهرست : 117 - 515.
6- الإستبصار 1 : 372.

الثانیة : إذا شک فی شی ء من أفعال الصلاة ، فإن کان فی موضعه أتی به وأتمّ ، وإن انتقل مضی فی صلاته ، سواء کان ذلک الفعل رکنا أو غیره ، وسواء کان فی الأولیین أو الأخیرتین علی الأظهر.

______________________________________________________

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی بطلان الصلاة بالشک فی عدد الثنائیة أو الثلاثیة بین أن یتعلق بالزیادة أو النقیصة.

ولا یخفی أن الشک فی الکسوف إنما یبطل الصلاة إذا تعلق بعدد الرکعات ، أما لو تعلق بالرکوعات فإنه یجب البناء علی الأقل ، إلا أن یستلزم الشک فی الرکعتین ، کما لو شک أنه فی الرکوع الخامس أو السادس علی معنی أنه إن کان فی الخامس فهو فی الرکعة الأولی ، وإن کان فی السادس فهو فی الثانیة فتبطل الصلاة حینئذ ، لأنه شک فی عدد الثنائیة.

قوله : ( الثانیة ، إذا شک فی شی ء من أفعال الصلاة ، فإن کان فی موضعه أتی به ، وأتمّ ، وإن انتقل مضی فی صلاته ، سواء کان ذلک الفعل رکنا أو غیره ، وسواء کان فی الأولیین أو الأخیرتین علی الأظهر ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من وجوب الإتیان بالفعل المشکوک فیه إن کان محله باقیا ، والاستمرار إن تجاوز محله ، من غیر فرق بین الرکن وغیره ولا بین الأولتین والأخیرتین ، قول معظم الأصحاب.

وقال المفید فی المقنعة : وکل سهو یلحق الإنسان فی الرکعتین الأولتین من فرائضه فعلیه إعادة الصلاة (1). وحکی المصنف فی المعتبر عن الشیخ قولا بوجوب الإعادة بکل شک یتعلق بکیفیة الأولتین کأعدادهما (2). والمعتمد الأول.

لنا علی وجوب الإتیان بالفعل المشکوک فیه فی محله : إطلاق الأمر بفعله فیجب ، لأن الأصل عدم الإتیان به ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن

حکم الشک فی الفعل قبل وبعد التجاوز عن المحل

ص: 246


1- المقنعة : 24.
2- المعتبر 2 : 388.

______________________________________________________

عمران الحلبی ، قال ، قلت : الرجل یشک وهو قائم فلا یدری أرکع أم لا ، قال : « فلیرکع » (1).

وفی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل رفع رأسه من السجود فشک قبل أن یستوی جالسا فلم یدر أسجد أم لم یسجد ، قال : « یسجد » قلت : فرجل نهض من سجوده ، فشک قبل أن یستوی قائما فلم یدر أسجد أم لم یسجد ، قال : « یسجد » (2).

ولنا علی وجوب الاستمرار إذا عرض الشک فی الفعل بعد تجاوز محله : روایات کثیرة ، کصحیحة حماد بن عثمان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أشک وأنا ساجد فلا أدری أرکعت أم لا ، قال : « امض » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن رجل شک بعد ما سجد أنه لم یرکع ، قال : « یمضی فی صلاته » (4).

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أهوی إلی السجود فلم یدر أرکع أم لم یرکع ، قال : « قد رکع » (5).

وصحیحة إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إن شک فی الرکوع بعد ما سجد فلیمض ، وإن شک فی السجود بعد ما قام

ص: 247


1- التهذیب 2 : 150 - 589 ، الإستبصار 1 : 357 - 1351 ، الوسائل 4 : 935 أبواب الرکوع ب 12 ح 1.
2- التهذیب 2 : 153 - 603 ، الإستبصار 1 : 361 - 1371 ، الوسائل 4 : 972 أبواب الرکوع ب 15 ح 6.
3- التهذیب 2 : 151 - 593 ، الإستبصار 1 : 358 - 1355 ، الوسائل 4 : 936 أبواب الرکوع ب 13 ح 1.
4- التهذیب 2 : 151 - 595 ، الإستبصار 1 : 358 - 1357 ، الوسائل 4 : 937 أبواب الرکوع ب 13 ح 5.
5- التهذیب 2 : 151 - 596 ، الإستبصار 1 : 358 - 1358 ، الوسائل 4 : 937 أبواب الرکوع ب 13 ح 6.

______________________________________________________

فلیمض ، کل شی ء شک فیه مما قد جاوزه ودخل فی غیره فلیمض علیه » (1).

وصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل شک فی الأذان وقد دخل فی الإقامة ، قال : « یمضی » قلت : رجل شک فی الأذان والإقامة وقد کبر ، قال : « یمضی » قلت : رجل شک فی التکبیرة وقد قرأ ، قال : « یمضی » قلت : رجل شک فی القراءة وقد رکع ، قال : « یمضی » قلت : رجل شک فی الرکوع وقد سجد ، قال : « یمضی علی صلاته » ثم قال : « یا زرارة إذا خرجت من شی ء ثم دخلت فی غیره فشکک لیس بشی ء » (2).

وإطلاق هذه الروایات (3)یقتضی عدم الفرق بین الأولتین والأخیرتین ، ولا بین الشک فی الرکن وغیره. لکن العلامة - رحمه الله - فی التذکرة استقرب البطلان إن تعلق الشک برکن من الأولتین ، قال : لأن ترک الرکن سهوا مبطل کعمده ، فالشک فیه فی الحقیقة شک فی الرکعة إذ لا فرق بین الشک فی فعلها وعدمه وبین الشک فی فعلها علی وجه الصحة والبطلان (4). وحاصل ما ذکره أن الشک فی الرکن علی هذا الوجه شک فی أعداد الأولتین ، وهو ممنوع.

احتج القائلون بالإعادة إذا تعلق الشک بکیفیة الأولتین بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضل بن عبد الملک قال ، قال لی : « إذا لم تحفظ الرکعتین الأولتین فأعد صلاتک » (5) وعن الوشاء قال ، قال لی أبو الحسن الرضا علیه السلام : « الإعادة فی الرکعتین الأولتین ، والسهو فی الرکعتین

ص: 248


1- التهذیب 2 : 153 - 602 ، الإستبصار 1 : 358 - 1359 ، الوسائل 4 : 937 أبواب الرکوع ب 13 ح 4.
2- التهذیب 2 : 352 - 1459 ، الوسائل 5 : 336 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 23 ح 1.
3- فی « م » ، « ض » زیادة : بل عمومها المستفاد من ترک الاستفصال فی جواب السؤال ، وکذا فی « ح » بإضافة : وصریح صحیحة زرارة.
4- التذکرة 1 : 136.
5- التهذیب 2 : 177 - 707 ، الإستبصار 1 : 364 - 1384 ، الوسائل 5 : 301 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 13.

______________________________________________________

الأخیرتین » (1).

والجواب عن الروایتین بالمنع من الدلالة ، إذ یحتمل أن یکون المراد حفظهما عن الشک فی العدد ولزوم الإعادة بذلک. نعم ، مقتضی صحیحة البزنطی لزوم الإعادة بالشک فی السجدة من الأولتین ، إلاّ أن فی متنها إجمالا کما بیناه (2).

إذا تقرر ذلک فنقول : إذا شک فی النیة وقد کبر ، أو فی التکبیر وقد قرأ ، أو فی القراءة وقد قنت ، أو فی القنوت وقد رکع ، أو فی الرکوع وقد سجد ، أو فی السجود وقد قام أو تشهد ، أو فی التشهد وقد انتصب مضی فی صلاته ، إذ یصدق فی جمیع هذه الصور التجاوز عن المحل والدخول فی غیره. وقد وقع الخلاف فی هذه المسألة فی مواضع :

الأول : أن یشک فی قراءة الفاتحة وهو فی السورة والأظهر وجوب الإعادة ، لعدم تحقق التجاوز عن محل القراءة.

وقال ابن إدریس : لا یلتفت ، ونقله عن المفید فی رسالته إلی ولده (3) ، ویظهر من المصنف فی المعتبر اختیار ذلک ، فإنه قال بعد أن نقل عن الشیخ القول بوجوب الإعادة : ولعله بناء علی أن محل القراءتین واحد ، وبظاهر الأخبار یسقط هذا الاعتبار (4). وهو غیر جید ، فإن الأخبار لا تدل علی ما ذکره ، بل ربما لاح من قوله : قلت : رجل شک فی القراءة وقد رکع (5) ، أنه لو لم یرکع لم یمض.

الثانی : أن یشک فی الرکوع وقد هوی إلی السجود. والأظهر عدم

ص: 249


1- الکافی 3 : 350 - 4 ، التهذیب 2 : 177 - 709 ، الإستبصار 1 : 364 - 1386 ، الوسائل 5 : 301 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 10.
2- راجع ص 240.
3- السرائر : 52.
4- المعتبر 2 : 390.
5- راجع ص 248.

______________________________________________________

وجوب تدارکه ، لصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أهوی إلی السجود فلا یدری أرکع أم لم یرکع ، قال : « قد رکع » (1).

وقوی الشارح وجوب العود ما لم یصر إلی حد السجود (2) ، وهو ضعیف.

الثالث : أن یشک فی السجود وهو یتشهد ، أو فی التشهد وقد قام. والأصح أنه لا یلتفت ، لإطلاق قوله علیه السلام : « إذا خرجت من شی ء ثم دخلت فی غیره فشکک لیس بشی ء » (3).

وقال الشیخ فی المبسوط : یرجع إلی السجود والتشهد ما لم یرکع (4). وهو بعید جدا.

الرابع : أن یشک فی السجود وقد أخذ فی القیام ولما یستکمله ، والأقرب وجوب الإتیان به کما اختاره الشهیدان (5) ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل رفع رأسه من السجود فشک قبل أن یستوی جالسا ، فلم یدر أسجد أم لم یسجد ، قال : « یسجد » قلت : فرجل نهض من سجوده فشک قبل أن یستوی قائما ، فلم یدر أسجد أم لم یسجد ، قال : « یسجد » (6).

ص: 250


1- المتقدمة فی ص 247.
2- المسالک 1 : 41.
3- التهذیب 2 : 352 - 1459 ، الوسائل 5 : 336 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 23 ح 1.
4- المبسوط 1 : 122. وفیه خلاف ما نسب إلیه حیث قال : فإن شک فی السجود فی حال القیام ، أو فی التشهد فی الأول وقد قام إلی الثالثة فإنه لا یلتفت إلیه ویمضی.
5- الشهید الأول فی الذکری : 224 ، والبیان : 149 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 348.
6- التهذیب 2 : 153 - 603 ، الإستبصار 1 : 361 - 1371 ، الوسائل 4 : 972 أبواب السجود ب 15 ح 6.

تفریع :

إذا تحقق نیّة الصلاة وشک هل نوی ظهرا أو عصرا مثلا أو فرضا أو نفلا استأنف.

الثالثة : إذا شک فی أعداد الرباعیة ، فإن کان فی الأولیین أعاد.

______________________________________________________

فرع : لو تلافی ما شک فیه فی محله ، ثم ذکر فعله ، أعاد إن کان رکنا وإلاّ فلا إعادة.

وقال المرتضی - رضی الله عنه - : إن شک فی سجدة فأتی بها ، ثم ذکر فعلها أعاد الصلاة (1). ویدفعه الأصل ، وقوله علیه السلام فی صحیحة منصور بن حازم : « لا تعد الصلاة من سجدة وتعیدها من رکعة » (2).

ولو تلافی ما شک فیه بعد الانتقال ، فالظاهر البطلان إن تعمد ، سواء کان رکنا أو غیره ، للإخلال بنظم الصلاة ، ولأن المأتی به لیس من أفعال الصلاة فیبطلها. واحتمل الشهید فی الذکری العدم ، بناء علی أن ترک الرجوع رخصة ، وأنه غیر قاطع بالزیادة (3).

قوله : ( تفریع ، إذا تحقق نیّة الصلاة وشک هل نوی ظهرا أو عصرا مثلا أو فرضا أو نفلا استأنف ).

قال الشارح - قدس سره - : إنما یستأنف إذا لم یدر ما قام إلیه وکان فی أثناء الصلاة ، فلو علم ما قام إلیه بنی علیه ، ولو کان بعد الفراغ من الرباعیة بنی علی کونها الظهر ، عملا بالظاهر فی الموضعین (4). وهو حسن.

قوله : ( الثالثة ، إذا شک فی أعداد الرباعیة ، فإن کان فی الأولیین أعاد ).

حکم من ذکر فعل ما تلافاه

حکم الشک فی المنوی

ص: 251


1- نقله عنه فی الذکری : 224.
2- الفقیه 1 : 228 - 1009 ، التهذیب 2 : 156 - 610 ، الوسائل 4 : 938 أبواب الرکوع ب 14 ح 2.
3- الذکری : 224.
4- المسالک 1 : 41.

______________________________________________________

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال العلامة فی المنتهی ، والشهید فی الذکری : إنه قول علمائنا أجمع إلا أبا جعفر ابن بابویه ، فإنه قال : لو شک بین الرکعة والرکعتین فله البناء علی الأقل (1).

احتج الأولون بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت له : رجل لا یدری واحدة صلی أم اثنتین ، قال : « یعید » (2).

وفی الصحیح ، عن الفضل بن عبد الملک قال ، قال لی : « إذا لم تحفظ الرکعتین الأولتین فأعد صلاتک » (3).

وفی الصحیح عن رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل لا یدری أرکعة صلی أم اثنتین ، قال : « یعید » (4). وفی معنی هذه الروایات روایات کثیرة.

وفی مقابلها أخبار أخر دالة بظاهرها علی البناء علی الأقل ، کروایة الحسین بن أبی العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یدری أرکعتین صلی أم واحدة ، قال : « یتم » (5).

وروایة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : فی

ص: 252


1- المنتهی 1 : 410 ، والذکری : 224.
2- التهذیب 2 : 177 - 708 ، الإستبصار 1 : 364 - 1385 ، الوسائل 5 : 300 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 6.
3- التهذیب 2 : 177 - 707 ، الإستبصار 1 : 364 - 1384 ، الوسائل 5 : 301 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 13.
4- التهذیب 2 : 177 - 705 ، الإستبصار 1 : 364 - 1382 ، الوسائل 5 : 301 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 12.
5- التهذیب 2 : 177 - 710 ، الإستبصار 1 : 364 - 1387 ، الوسائل 5 : 303 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 20.

وکذا إذا لم یدر کم صلی.

______________________________________________________

الرجل لا یدری رکعة صلی أم اثنتین قال : « یبنی علی الرکعة » (1).

وروایة عبد الله بن أبی یعفور ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یدری أرکعتین صلی أم واحدة ، قال : « یتم برکعة » (2).

وأجاب عنها الشیخ فی الإستبصار أولا : بأنها أخبار قلیلة ، وما تضمن الإعادة کثیر جدا ، ولا یجوز العدول عن الأکثر إلی الأقل.

وثانیا : بالحمل علی النافلة ، إذ لا تصریح فیها بکون الشک فی الفریضة (3). وهذا الحمل وإن کان بعیدا إلا أنه لا بأس بالمصیر إلیه ، لضعف هذه الروایات من حیث السند. ولو صح سندها لأمکن القول بالتخییر بین البناء علی الأقل والاستئناف ، کما اختاره ابن بابویه رحمه الله (4).

قوله : ( وکذا إذا لم یدر کم صلی ).

أی : تجب علیه الإعادة من رأس. ومقتضی کلام ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه جواز البناء علی الأقل فی هذه المسألة أیضا (5).

ویدل علی الإعادة - مضافا إلی ما سبق - ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن شککت فلم تدر أفی ثلاث أنت أم فی اثنتین أم فی واحدة أم فی أربع فأعد الصلاة ، ولا تمض علی الشک » (6).

حکم من لم یدر کم صلی

ص: 253


1- التهذیب 2 : 177 - 711 ، الإستبصار 1 : 365 - 1388 ، الوسائل 5 : 303 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 22.
2- التهذیب 2 : 178 - 712 ، الإستبصار 1 : 364 - 1389 ، الوسائل 5 : 303 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 22.
3- الاستبصار 1 : 365.
4- الفقیه 1 : 231.
5- الفقیه 1 : 230.
6- التهذیب 2 : 187 - 743 ، الإستبصار 1 : 373 - 1418 ، الوسائل 5 : 328 أبواب أحکام الخلل الواقع فی الصلاة ب 15 ح 2.

وإن تیقّن الأولتین وشک فی الزائد وجب علیه الاحتیاط ،

ومسائله أربع :

______________________________________________________

وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن صفوان ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « إن کنت لا تدری کم صلیت ولم یقع وهمک علی شی ء فأعد الصلاة » (1).

وتدل علی البناء علی الأقل روایات منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل لا یدری صلی واحدة أم اثنتین أم ثلاثا ، قال : « یبنی علی الجزم ، ویسجد سجدتی السهو ویتشهد تشهدا خفیفا » (2).

وتأولها الشیخ فی الاستبصار بأن المراد بالجزم استئناف الصلاة ، وحمل الأمر بالسجود علی الاستحباب (3). وهو بعید جدا ، إذ لا وجه للجمع بین إعادة الصلاة وسجدتی السهو وجوبا ولا استحبابا.

وأجاب عنها فی المختلف بالحمل علی من کثر سهوه. وهو أبعد من الأول ، مع أن البناء علی الجزم لا یطابق حکم کثیر السهو. وکیف کان فلا ریب أن الاستئناف أولی وأحوط.

قوله : ( وإن تیقّن الأولتین وشک فی الزائد وجب علیه الاحتیاط ، ومسائله أربع ).

أی المسائل التی تعم بها البلوی ، وإلاّ فصور الشک أزید من ذلک. وذکر الشارح - قدس سره - أن الوجه فی تخصیص هذه المسائل الأربع بالذکر وجوبها (4) عینا ، بخلاف غیرها من مسائل الشک والسهو ، فإن معرفتها إنما

حکم من تیقن الأولتین وشک فی الزائد

ص: 254


1- الکافی 3 : 358 - 1 ، الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 15 ح 1.
2- التهذیب 2 : 187 - 745 ، الإستبصار 1 : 374 - 1420 ، الوسائل 5 : 328 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 15 ح 6.
3- الاستبصار 1 : 374.
4- کذا فی جمیع النسخ ، والأنسب : وجوب معرفتها.

الأولی : من شک بین الاثنین والثلاث. بنی علی الثلاث وأتمّ وتشهد وسلّم ، ثم استأنف رکعة من قیام ، أو رکعتین من جلوس.

______________________________________________________

تجب کفایة (1). وهو مشکل ، لانتفاء ما یدل علی التفرقة بینها وبین غیرها من الأحکام.

وربما قیل بأن معرفة هذه المسائل شرط فی صحة الصلاة. وهو بعید جدا.

قوله : ( الأولی ، من شک بین الاثنین والثلاث بنی علی الثلاث وأتمّ وتشهد [ وسلم ] ، ثم استأنف رکعة من قیام ، أو رکعتین من جلوس ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب. واعترف الشهید فی الذکری بأنه لم یقف علی روایة صریحة فیه ، مع أن ابن أبی عقیل ادعی فیه تواتر الأخبار (2).

واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه فی الحسن ، عن زرارة عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت له : رجل لا یدری أواحدة صلی أم اثنتین ، قال : « یعید » قلت : رجل لا یدری اثنتین صلی أم ثلاثا ، قال : « إن دخله الشک بعد دخوله فی الثالثة مضی فی الثالثة ، ثم صلی الأخری ولا شی ء علیه ویسلم » (3).

وعن عمار بن موسی الساباطی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « کلما دخل علیک من الشک فی صلاتک فاعمل علی الأکثر » قال : « فإذا انصرفت فأتم ما ظننت أنک نقصت » (4).

حکم الشک بین الاثنین والثلاث

ص: 255


1- المسالک 1 : 41. قال : إنما خص هذه الأربع بالذکر من بین مسائل الشک لعموم البلوی بها وکثرة وقوعها فمعرفة أحکامها واجبة عینا.
2- الذکری : 226.
3- التهذیب 2 : 192 - 759 ، الوسائل 5 : 300 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 6 ، وأوردها فی الاستبصار 1 : 375 - 1423.
4- التهذیب 2 : 193 - 762 ، الإستبصار 1 : 376 - 1426 ، الوسائل 5 : 318 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 4.

______________________________________________________

ویتوجه علیه : أن الروایة الثانیة ضعیفة السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة ، فلا تنهض حجة. والروایة الأولی غیر دالة علی المطلوب ، وإنما تدل علی البناء علی الأقل إذا وقع الشک بعد الدخول فی الثالثة وهی الرکعة المترددة بین الثالثة والرابعة ، حیث قال : « مضی فی الثالثة ثم صلی الأخری ولا شی ء علیه » ولا یجوز حمل الثالثة علی الرکعة المترددة بین الثانیة والثالثة ، لأن ذلک شک فی الأولتین وهو مبطل.

وربما ظهر من هذه الروایة بطلان الصلاة بالشک بین الاثنتین والثلاث إذا عرض الشک قبل الدخول فی الثالثة. ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل لم یدر رکعتین صلی أم ثلاثا ، قال : « یعید » قلت : ألیس یقال : لا یعید الصلاة فقیه؟ فقال : « إنما ذلک فی الثلاث والأربع » (1) وبمضمون هذه الروایة أفتی ابن بابویه فی کتابه المقنع (2).

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب بالحمل علی صلاة المغرب. ویدفعه الحصر المستفاد من قوله : « إنما ذلک فی الثلاث والأربع ».

ونقل علی السید المرتضی - رضی الله عنه - فی المسائل الناصریة أنه جوز البناء علی الأقل فی جمیع هذه الصور (3). وهو الظاهر من کلام ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (4).

ویدل علیه : ما رواه فی الموثق عن إسحاق بن عمار قال ، قال لی أبو الحسن الأول علیه السلام : « إذا شککت فابن علی الیقین » قال ، قلت : هذا

ص: 256


1- التهذیب 2 : 193 - 760 ، الإستبصار 1 : 375 - 1424 ، الوسائل 5 : 320 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 9 ح 3.
2- المقنع : 31.
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 201.
4- الفقیه 1 : 230.

______________________________________________________

أصل؟ قال : « نعم » (1).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج وعلی ، عن أبی إبراهیم علیه السلام فی السهو فی الصلاة قال : « یبنی علی الیقین ویأخذ بالجزم ویحتاط بالصلوات کلها » (2).

وقال علی بن بابویه فی رسالته : إذا شککت بین الاثنتین والثلاث وذهب وهمک إلی الثالثة فأضف إلیها رابعة ، فإذا سلّمت صلیت رکعة بالحمد وحدها. وإن ذهب وهمک إلی الأقل فابن علیه وتشهد فی کل رکعة ثم اسجد للسهو. وإن اعتدل وهمک فأنت بالخیار إن شئت بنیت علی الأقل وتشهدت فی کل رکعة وإن شئت بنیت علی الأکثر وعملت بما وصفناه (3). قال فی الذکری : ولم نقف علی مأخذه (4).

والمسألة قویة الإشکال ، ولا ریب أن الإتمام والاحتیاط مع الإعادة إذا عرض الشک قبل الدخول فی الثالثة طریق الاحتیاط.

واعلم أن ظاهر الأصحاب أن کل موضع تعلق فیه الشک بالاثنتین یشترط فیه إکمال السجدتین ، محافظة علی ما سبق من اعتبار سلامة الأولتین. ونقل عن بعض الأصحاب الاکتفاء بالرکوع ، لصدق مسمی الرکعة (5). وهو غیر واضح.

قال فی الذکری : نعم ، لو کان ساجدا فی الثانیة ولما یرفع رأسه وتعلق الشک لم أستبعد صحته ، لحصول مسمی الرکعة (6). وهو غیر بعید.

ص: 257


1- الفقیه 1 : 231 - 1025 ، الوسائل 5 : 318 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 2.
2- التهذیب 2 : 344 - 1427 ، الوسائل 5 : 318 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 5.
3- نقله عنه فی المختلف : 133.
4- الذکری : 226.
5- حکاه عن الشیخ فی المختلف : 129.
6- الذکری : 227.

الثانیة : من شک بین الثلاث والأربع. بنی علی الأربع وتشهّد وسلّم واحتاط کالأولی.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة ، من شک بین الثلاث والأربع بنی علی الأربع وتشهّد وسلّم واحتاط کالأولی ).

لا خلاف فی جواز البناء علی الأربع فی هذه الصورة والاحتیاط. والمشهور أن ذلک علی سبیل الوجوب. وقال ابن بابویه (1) ، وابن الجنید (2) : یتخیر الشاک بین الثلاث والأربع بین البناء علی الأقل ولا احتیاط ، أو الأکثر مع الاحتیاط. والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن سیابة وأبی العباس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا لم تدر ثلاثا صلیت أو أربعا ووقع رأیک علی الثلاث فابن علی الثلاث. وإن وقع رأیک علی الأربع فسلم وانصرف. وإن اعتدل وهمک فانصرف وصلّ رکعتین وأنت جالس » (3).

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « وإن کنت لا تدری ثلاثا صلیت أم أربعا ولم یذهب وهمک إلی شی ء فسلم وصلّ رکعتین وأنت جالس تقرأ فیهما بأم الکتاب. وإن ذهب وهمک إلی الثلاث فقم فصل الرکعة الرابعة ولا تسجد سجدتی السهو وإن ذهب وهمک إلی الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتی السهو » (4).

وعن جمیل ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : فی من لا یدری أثلاثا صلی أم أربعا ووهمه فی ذلک سواء ، فقال : « إذا اعتدل الوهم فی الثلاث والأربع فهو بالخیار إن شاء صلّی رکعة وهو قائم ، وإن شاء صلی رکعتین وأربع سجدات وهو جالس » (5).

حکم الشک بین الثلاث والأربع

ص: 258


1- نقله عنهما فی المختلف : 133.
2- نقله عنهما فی المختلف : 133.
3- الکافی 3 : 353 - 7 ، الوسائل 5 : 316 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 7 ح 1.
4- الکافی 3 : 353 - 8 ، الوسائل 5 : 321 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 10 ح 5.
5- الکافی 3 : 353 - 9 ، التهذیب 2 : 184 - 734 ، الوسائل 5 : 320 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 10 ح 2.

الثالثة : من شک بین الاثنین والأربع. بنی علی الأربع وأتی برکعتین من قیام.

______________________________________________________

وبهذه الروایة احتج القائلون بالتخییر فی الاحتیاط بین الرکعة من قیام والرکعتین من جلوس. وهی ضعیفة بالإرسال ، وبأن من جملة رجالها علی بن حدید ، وهو مطعون فیه (1). فالأصح تعین الرکعتین من جلوس ، کما هو ظاهر اختیار ابن أبی عقیل (2) ، والجعفی (3) ، لصحة مستنده.

احتج القائلون بالتخییر بأن فیه جمعا بین ما تضمن البناء علی الأکثر وبین ما تضمن البناء علی الأقل ، کصحیحة زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « وإذا لم یدر فی ثلاث هو أو فی أربع وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إلیها أخری ولا شی ء علیه » (4).

وهذا القول لا یخلو من رجحان ، إلا أن الأول أجود.

قوله : ( الثالثة ، من شک بین الاثنین والأربع بنی علی الأربع واحتاط برکعتین من قیام ).

هذا قول معظم الأصحاب ، وتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلی رکعتین فلا یدری رکعتین هی أو أربع ، قال : « یسلم ویقوم ، فیصلی رکعتین بفاتحة الکتاب ویتشهد وینصرف ، ولیس علیه شی ء (5).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا لم تدر اثنتین صلیت أم أربعا ولم یذهب وهمک إلی شی ء فتشهد وسلم ، ثم صلّ

حکم الشک بین الاثنین والأربع

ص: 259


1- طعن به الشیخ فی التهذیب 7 : 101 ، والاستبصار 1 : 40.
2- نقله عنه فی المختلف : 133 ، والذکری : 227.
3- نقله عنه فی الذکری : 227.
4- الکافی 3 : 351 - 3 ، التهذیب 2 : 186 - 740 ، الإستبصار 1 : 373 - 1416 ، الوسائل 5 : 321 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 10 ح 3.
5- التهذیب 2 : 185 - 737 ، الإستبصار 1 : 372 - 1314 ، الوسائل 5 : 324 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 6.

الرابعة : من شک بین الاثنین والثلاث والأربع. بنی علی الأربع وتشهد وسلّم ، ثم أتی برکعتین من قیام ورکعتین من جلوس.

______________________________________________________

رکعتین وأربع سجدات تقرأ فیهما بأم القرآن ثم تشهد وسلم ، فإن کنت إنما صلیت رکعتین کانتا هاتان تمام الأربع ، وإن کنت صلیت أربعا کانتا هاتان نافلة » (1). وهما نصّ فی المطلوب.

ویحتمل قویا التخییر فی هذه المسألة بین ذلک وبین البناء علی الأقل ولا احتیاط ، جمعا بین هذه الروایات وبین ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت له : من لم یدر فی أربع هو أم فی ثنتین وقد أحرز الثنتین ، قال : « یرکع رکعتین وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الکتاب ویتشهد ولا شی ء علیه. وإذا لم یدر فی ثلاث هو أو فی أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إلیه أخری ولا شی ء علیه ، ولا ینقض الیقین بالشک ، ولا یدخل الشک فی الیقین ، ولا یخلط أحدهما بالآخر ، ولکنه ینقض الشک بالیقین ویتم علی الیقین فیبنی علیه ، ولا یعتد بالشک فی حال من الحالات » (2).

ونقل عن الصدوق فی المقنع أنه حکم بالإعادة فی هذه الصورة (3). وربما کان مستنده ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد - وهو ابن مسلم - قال : سألته عن الرجل لا یدری صلی رکعتین أو أربعا ، قال : « یعید الصلاة » (4).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابیه بالحمل علی صلاة المغرب أو الغداة ، وهو محتمل. ویمکن حملها علی الاستحباب.

قوله : ( الرابعة ، من شک بین الاثنین والثلاث والأربع بنی علی الأربع وتشهد وسلّم ، ثم أتی برکعتین من قیام ورکعتین من جلوس ).

الشک بین الاثنین والثلاث والأربع

ص: 260


1- الکافی 3 : 353 - 8 ، الفقیه 1 : 229 - 1015 ، الوسائل 5 : 322 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 1.
2- الکافی 3 : 351 - 3 ، الوسائل 5 : 323 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 3.
3- المقنع : 31.
4- التهذیب 2 : 186 - 741 ، الإستبصار 1 : 373 - 1417 ، الوسائل 5 : 324 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 7.

______________________________________________________

هذا قول أکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه فی الحسن ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی رجل صلی فلم یدر اثنتین صلی أم ثلاثا أم أربعا ، قال : « یقوم فیصلی رکعتین من قیام ویسلم ، ثم یصلی رکعتین من جلوس ویسلم ، فإن کان صلی أربعا کانت الرکعات نافلة ، وإلا تمت الأربع » (1).

وقال ابن بابویه ، وابن الجنید : من شک بین الاثنتین والثلاث والأربع بنی علی الأربع ویصلی رکعة من قیام ورکعتین من جلوس (2). قال فی الذکری : وهو قوی من حیث الاعتبار ، لأنهما تنضمان حیث تکون الصلاة اثنتین ، ویجتزئ بإحداهما حیث تکون ثلاثا إلا أن النقل والأخبار یدفعه (3). وکأنه أشار بالنقل إلی مرسلة ابن أبی عمیر المتقدمة ، وهی قاصرة بالإرسال ، مع أن ابن بابویه - رحمه الله - روی فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی إبراهیم علیه السلام قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل لا یدری اثنتین صلی أم ثلاثا أم أربعا ، فقال : « یصلی رکعة من قیام ثم یسلم ثم یصلی رکعتین وهو جالس » (4).

وهذه الروایة صریحة فیما ذکره ابن بابویه وابن الجنید. وطریق الصدوق إلی عبد الرحمن صحیح ، إلا أن ما تضمنته الروایة من سؤال الکاظم علیه السلام لأبیه علی هذا الوجه غیر معهود ( والمسألة محل إشکال ) (5).

وعلی المشهور فیجب تقدیم الرکعتین من قیام ، کما تضمنته الروایة. وقیل : إنه غیر متعین (6) ، وهو ظاهر اختیار المصنف رحمه الله ، لعطفه الرکعتین

ص: 261


1- التهذیب 2 : 187 - 742 ، الوسائل 5 : 326 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 13 ح 4.
2- حکاه عنهما فی المختلف : 133.
3- الذکری : 226.
4- الفقیه 1 : 230 - 1021 ، الوسائل 5 : 325 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 13 ح 1.
5- ما بین القوسین مشطوب فی « ض ».
6- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 41.

وهنا مسائل :

الأولی : لو غلب علی ظنّه أحد طرفی ما شک فیه بنی علی الظن وکان کالعلم.

______________________________________________________

من جلوس علی ما قبله بالواو المفیدة للجمع المطلق.

وهل یجوز أن یصلی بدل الرکعتین جالسا رکعة قائما؟

قیل : نعم ، لتساویهما فی البدلیة ، بل الرکعة من قیام أقرب إلی حقیقة المحتمل فواتها من الرکعتین من جلوس (1) ، واختاره الشهیدان (2).

وقیل : لا ، لأن فیه خروجا عن المنصوص (3). وحکی الشهید فی الذکری عن ظاهر المفید فی المسائل الغریة ، وسلاّر تعین الرکعة من قیام (4) ، ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( وهنا مسائل خمس ، الأولی ، لو غلب علی ظنّه أحد طرفی ما شک فیه بنی علی الظن وکان کالعلم ).

الظاهر أن المراد بغلبة الظن هنا مطلق الظن ، کما صرح به الشهید فی الدروس (5) ، لأنه أقصی ما یستفاد من النص الوارد بذلک ، کقوله علیه السلام : « إذا وقع وهمک علی الثلاث فابن علیه ، وإن وقع وهمک علی الأربع فسلم وانصرف » (6) إذ غایة ما یمکن حمل الوهم علیه هنا الطرف الراجح ، فلا وجه لاعتبار ما زاد علی ذلک.

ومعنی بنائه علی ما ظنه : تقدیر الصلاة کأنها وقعت علی ذلک الوجه ، سواء اقتضی الصحة أم الفساد. فلو شک بین الاثنتین والثلاث - مثلا - وظن الثلاث

حکم الظن

ص: 262


1- کما فی المختلف : 134.
2- الشهید الأول فی الذکری : 226 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 41.
3- قال به ابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 565.
4- الذکری : 226.
5- الدروس : 47.
6- التهذیب 2 : 184 - 733 ، الوسائل 5 : 316 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 7 ح 1 : بتفاوت

______________________________________________________

بنی علیه من غیر احتیاط ، ولو شک بین الأربع والخمس فظن کونها أربعا بنی علیه ولم یجب علیه سجود السهو ، ولو ظن کونها خمسا کان کمن زاد رکعة ، فیجی ء فیه ما سبق من الخلاف (1).

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین أن یتعلق الشک بأعداد الرکعات وأفعالها ، ولا بین الرکعتین الأولتین والأخیرتین. وبهذا التعمیم جزم الشهیدان (2).

واستدل علیه فی الذکری بأن تحصیل الیقین عسر فی کثیر من الأحوال ، فاکتفی بالظن تحصیلا للیسر ودفعا للحرج.

وبما رواه الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إذا شک أحدکم فی الصلاة فلینظر أحری ذلک إلی الصواب فلیبن علیه » (3).

وما روی عن الصادق علیه السلام بعدة طرق أنه قال : « إذا وقع وهمک علی الثلاث فابن علیه ، وإن وقع وهمک علی الأربع فسلم وانصرف » (4).

ثم قال : ویظهر من کلام ابن إدریس أن غلبة الظن إنما تعتبر فیما عدا الأولتین ، وأن الأولتین تبطل الصلاة بالشک فیهما وإن غلب الظن. ثم رده بأن فیه مخالفة لفتوی الأصحاب وتخصیصا لعموم الأدلة (5).

ولقائل أن یقول : إن مخالفته لفتوی المعلومین من الأصحاب لا محذور فیه إذا لم یکن الحکم إجماعیا. وما ادعاه من العموم غیر ثابت ، فإن الخبر الأول عامی ، وباقی الروایات مختص بالأخیرتین.

نعم یمکن الاستدلال علی اعتبار الظن فی الأولتین بما رواه الکلینی ، عن

ص: 263


1- راجع ص 220.
2- الشهید الأول فی الذکری : 222 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 42.
3- سنن ابن ماجة 1 : 383 - 1212.
4- المتقدم ص 262.
5- الذکری : 222.

الثانیة : هل یتعین فی الاحتیاط الفاتحة أو یکون مخیرا بینها وبین التسبیح؟ قیل بالأول ، لأنها صلاة منفردة ، ولا صلاة إلا بها. وقیل بالثانی ، لأنها قائمة مقام ثالثة ورابعة ، فیثبت فیها التخییر کما ثبت فی المبدل ، والأول أشبه.

______________________________________________________

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن خالد ، عن سعد بن سعد ، عن صفوان ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « إن کنت لا تدری کم صلیت ولم یقع وهمک علی شی ء فأعد الصلاة » (1) وهذه الروایة معتبرة الإسناد ، إذ لیس فیها من قد یتوقف فی حاله سوی محمد بن خالد البرقی ، لقول النجاشی : إنه کان ضعیفا فی الحدیث (2). إلا أن ذلک لا یقتضی الطعن فیه نفسه. وجزم العلامة فی الخلاصة بالاعتماد علی قوله ، لنص الشیخ علی تعدیله (3). ولا بأس به.

ومقتضی الروایة اعتبار الظن فی أعداد الأولتین ، وإذا ثبت ذلک ثبت اعتباره فی أفعالهما بطریق أولی.

بقی هنا شی ء : وهو أن الشارح - قدس سره - صرح بأن من عرض له الشک فی شی ء من أفعال الصلاة یجب علیه التروی ، فإن ترجح عنده أحد الطرفین عمل علیه ، وإن بقی الشک من غیر ترجیح لزمه حکم الشاک (4). والروایات لا تعطی ذلک ، وإنما تدل علی أن من ظن أحد الطرفین عول علیه ، ومن شک فی فعل ترتب علیه حکمه. ولا ریب أن اعتبار ذلک أولی وأحوط.

قوله : ( الثانیة ، هل یتعین فی الاحتیاط الفاتحة أو یکون مخیرا بینها وبین التسبیح؟ قیل بالأول ، لأنها صلاة منفردة ، ولا صلاة إلا بها. وقیل بالثانی ، لأنها قائمة مقام ثالثة ورابعة ، فیثبت فیها التخییر کما ثبت فی المبدل ، والأول أشبه ).

صلاة الاحتیاط

ص: 264


1- الکافی 3 : 358 - 1 ، الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 15 ح 1.
2- رجال النجاشی : 335 - 898.
3- خلاصة العلامة : 139 - 14.
4- المسالک 1 : 42.

الثالثة : لو فعل ما یبطل الصلاة قبل الاحتیاط ، قیل : تبطل الصلاة ویسقط الاحتیاط ، لأنها معرّضة لأن تکون تماما والحدث یمنع ذلک ، وقیل : لا تبطل ، لأنها صلاة منفردة ، وکونها بدلا لا یوجب مساواتها للمبدل فی کل حکم.

______________________________________________________

الأصح ما اختاره المصنف والأکثر من تعین قراءة الفاتحة ، لما ذکره المصنف من أنها صلاة منفردة ، ولا صلاة إلا بها - کما ورد فی الخبر (1) - وللأمر بقراءتها فی عدة أخبار صحیحة (2) ، فلا یحصل الامتثال إلا بها. وکذا یعتبر فیها جمیع ما یعتبر فی الصلاة من الواجبات والشرائط.

والقول بالتخییر فی الاحتیاط بین قراءة الفاتحة والتسبیح لابن إدریس (3) ، واستدل بما أشار إلیه المصنف من أن الاحتیاط قائم مقام الرکعتین الأخیرتین ، فیثبت فیه التخییر ، کما یثبت فی مبدله.

والجواب بالمنع من ذلک ، والسند : ما تلوناه من الأخبار المتضمنة للأمر بقراءة الفاتحة.

قوله : ( الثالثة ، لو فعل ما یبطل الصلاة قبل الاحتیاط ، قیل : تبطل الصلاة ویسقط الاحتیاط ، لأنها معرّضة لأن تکون تماما والحدث یمنع ذلک ، وقیل : لا تبطل ، لأنها صلاة منفردة ، وکونها بدلا لا یوجب مساواتها للمبدل فی کل حکم ).

القول بأن ذلک یبطل الصلاة ویسقط الاحتیاط منقول عن المفید رحمه الله (4) ، واختاره العلامة فی المختلف (5).

ص: 265


1- الکافی 3 : 317 - 28 ، التهذیب 2 : 146 - 573 ، الإستبصار 1 : 354 - 1339 ، الوسائل 4 : 732 أبواب القراءة فی الصلاة ب 1 ح 1.
2- الوسائل 5 : 320 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 10 ، 11.
3- السرائر : 54.
4- نقله عنه فی المختلف : 139.
5- المختلف : 139.

______________________________________________________

واستدل علیه بما أشار إلیه المصنف - رحمه الله - من أن الاحتیاط معرّض لأن یکون تماما للصلاة ، وکما یبطل الحدث المتخلل بین الرکعات المتیقنة فکذا ما هو بمنزلتها.

وبروایة ابن أبی یعفور المتضمنة لحکم الشک بین الاثنتین والأربع ، حیث قال فی آخرها : « وإن کان صلی أربعا کانت هاتان نافلة ، وإن کان صلی رکعتین کانت هاتان تمام الأربع ، وإن تکلم فلیسجد سجدتی السهو » (1).

وقوله علیه السلام فی روایة أبی بصیر : « إذا لم تدر أربعا صلیت أو رکعتین فقم وارکع رکعتین » (2) والفاء للتعقیب ، وإیجاب التعقیب ینافی تسویغ الحدث.

وفی الکل نظر : أما الأول ، فلأن شرعیة الاحتیاط لیکون استدراکا للفائت لا یقتضی صیرورته جزءا من الصلاة مع انفصاله عنها بالتسلیم والنیة وتکبیرة الإحرام.

وأما الروایة الأولی فبالطعن فی السند باشتماله علی محمد بن عیسی عن یونس ، وبأنها لا تدل علی المطلوب صریحا ، لاحتمال أن یکون المراد بالکلام الموجب للسجود ما یقع منه فی أثناء الصلاة ، لا ما یقع بینهما. ثم لو کانت صریحة فی ذلک لم یلزم منه بطلان الصلاة بذلک ، وإنما اللازم منه التحریم.

وأما الروایة الثانیة ، فبأنها - بعد تسلیم السند ودلالة هذه الفاء علی الفوریة - إنما تدل علی وجوب المبادرة إلیها بعد الفراغ من الصلاة ، وقال فی الذکری : إنه لا خلاف فیه (3). ولا یلزم من ذلک بطلان الصلاة بتخلل الحدث الذی هو المدعی.

ص: 266


1- الکافی 3 : 352 - 4 ، التهذیب 2 : 186 - 739 ، الإستبصار 1 : 372 - 1315 الوسائل 5 : 323 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 2.
2- التهذیب 2 : 185 - 838 ، الوسائل 5 : 324 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 8.
3- الذکری : 227.

الرابعة : من سها فی سهو لم یلتفت وبنی علی صلاته.

______________________________________________________

والأصح ما اختاره ابن إدریس من أن ذلک غیر مبطل للصلاة ، للأصل ، ولما ذکره المصنف من أنها صلاة منفردة ، وکونها بدلا لا یوجب مساواتها للمبدل فی کل حکم.

وأورد العلامة فی المختلف علی ابن إدریس التناقض بین فتواه بعدم البطلان بالحدث المتخلل وبجواز التسبیح ، لأن الأول یقتضی کونها صلاة منفردة ، والثانی یقتضی کونها جزءا (1).

قال فی الذکری : ویمکن دفعه بأن التسلیم جعل لهما حکما مغایرا للجزء باعتبار الانفصال عن الصلاة ، ولا ینافی ذلک تبعیة الجزء فی بعض الأحکام (2). وهو جید لو ثبتت التبعیة بدلیل من خارج ، لکنه غیر ثابت ، بل الدلیل قائم علی خلافه.

والکلام فی تخلل المنافی بین الصلاة والأجزاء المنسیة کما فی تخلله بین الصلاة والاحتیاط وربما قیل بالبطلان هنا وإن قلنا ثم بالصحة ، للحکم بالجزئیة هنا (3). وهو ضعیف ، إذ لا ریب فی خروجها عن محض الجزئیة ، ولو لا ذلک لبطلت الصلاة بتخلل الأرکان بین محلها وتلافیها. ووجوب الإتیان بها بعد الصلاة حکم آخر.

قوله : ( الرابعة ، من سها فی سهو لم یلتفت وبنی علی صلاته ).

هذه العبارة لا تخلو من إجمال ، والأصل فیها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس علی الإمام سهو ، ولا علی من خلف الإمام سهو ، ولا علی السهو سهو ، ولا علی الإعادة إعادة » (4).

حکم السهو فی السهو

ص: 267


1- المختلف : 139.
2- الذکری : 227.
3- قال به العلامة فی نهایة الأحکام 1 : 545.
4- التهذیب 2 : 344 - 1428 ، الوسائل 5 : 340 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 25 ح 1.

______________________________________________________

قال فی المنتهی : ومعنی قول الفقهاء لا سهو فی السهو ، أی لا حکم للسهو فی الاحتیاط الذی یوجبه السهو ، کمن شک بین الاثنتین والأربع فإنه یصلی رکعتین احتیاطا علی ما یأتی ، فلو سها فیهما ولم یدر صلی واحدة أو اثنتین لم یلتفت إلی ذلک. وقیل : معناه أن من سها ، فلم یدر هل سها أم لا ، لا یعتد به ولا یجب علیه شی ء ، والأول أقرب (1). هذا کلامه رحمه الله .

والظاهر أن مراده بعدم الالتفات إلی ذلک : البناء علی فعل المشکوک فیه کما هو ظاهر المعتبر ، فإنه قال : ولا حکم للسهو فی السهو ، لأنه لو تدارکه أمکن أن یسهو ثانیا ولا یتخلص من ورطة السهو ، ولأن ذلک حرج فیسقط اعتباره ، ولأنه شرّع لإزالة حکم السهو فلا یکون سببا لزیادته (2).

وذکر المتأخرون أنه یمکن أن یراد بالسهو فی کل من الموضعین معناه المتعارف ، وهو نسیان بعض الأفعال أو الشک (3) ، فیتحصل من ذلک أربع صور :

الأولی : أن یستعمل کل منهما فی معناه المتعارف ، ومعناه أنه لا سهو فیما أوجبه السهو ، وذلک بأن یسهو فی سجدتی السهو عما یوجب سجود السهو ، أو فی السجدة المنسیة ، فإنه لا یوجب سجود السهو.

الثانیة : أن یسهو فی شک أی فی فعل ما أوجبه الشک ، بأن یسهو فی صلاة الاحتیاط عما یوجب سجود السهو فی الفریضة ، فإنه لا یوجب سجود السهو فیه أیضا.

الثالثة : أن یشک فی سهو أی فی وقوع السهو منه ، وحکمه أنه لا یلتفت ، أو فی موجب السهو - بفتح الجیم - کأن یشک فی عدد سجدتی السهو أو فی أفعالهما قبل تجاوز المحل ، فإنه یبنی علی وقوع الفعل المشکوک فیه ، إلا أن

ص: 268


1- المنتهی 1 : 411.
2- المعتبر 2 : 394.
3- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 42.

وکذا إذا سها المأموم عوّل علی صلاة الإمام ، ولا شک علی الإمام إذا حفظ علیه من خلفه.

______________________________________________________

یستلزم الزیادة کما لو شک أنه سجد اثنتین أو ثلاثا ، فإنه یبنی علی المصحح.

الرابعة : أن یشک فی شک ، ومعناه أن یشک هل حصل له شک فی الصلاة أم لا ، وحکمه أنه لا یلتفت ، لأصالة العدم. أو یشک فیما أوجبه الشک ، کما لو شک فی رکعتی الاحتیاط فی عدد أو فی فعل فی محله ، فإنه یبنی علی وقوعه ، إلاّ أن یستلزم الزیادة فیبنی علی المصحح.

وأکثر هذه الأحکام مطابق لمقتضی الأصل. نعم ، یمکن المناقشة فی الحکم بالبناء علی وقوع الفعل المشکوک فیه إذا کان فی محله ، لعدم صراحة الروایة فی ذلک ، وأصالة عدم فعل ما تعلق به الشک ، وإن کان المصیر إلی ما ذکروه غیر بعید ، إذ لا یبعد حمل السهو علی ما یتناول الشک لکونه سببا فیه ، ولأن الظاهر أن المراد بالسهو المتعلق بالإمام والمأموم الشک ، والمتبادر من نفی حکم الشک فیما أوجبه الشک عدم وجوب تدارکه کما ذکره فی المعتبر (1).

قوله : ( وکذا إذا سها المأموم عوّل علی صلاة الإمام ، ولا شک علی الإمام إذا حفظ علیه من خلفه ).

المراد أن الشاک من الإمام أو المأموم فی فعل أو عدد یرجع إلی حفظ الآخر. ولا یظهر لتغییر العبارة فی المسألتین وجه یعتد به.

وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی حسنة حفص المتقدمة (2) : « لیس علی الإمام سهو ولا علی من خلف الإمام سهو ».

واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن یونس ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الإمام یصلی بأربعة أنفس أو خمسة ،

حکم سهو الامام أو المأموم

ص: 269


1- المعتبر 2 : 395.
2- فی ص 267.

______________________________________________________

فیسبح اثنان علی أنهم صلوا ثلاثة ، ویسبح ثلاثة علی أنهم صلوا أربعة ، یقول هؤلاء : قوموا ، ویقول هؤلاء : اقعدوا ، والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما یجب علیه؟ قال : « لیس علی الإمام سهو إذا حفظ علیه من خلفه سهوه بإیقان منهم ، ولیس علی من خلف الإمام سهو إذا لم یسه الإمام » (1).

ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل یصلی خلف إمام لا یدری کم صلی ، هل علیه سهو؟ قال : « لا » (2).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی المأموم بین الذکر والأنثی ، ولا بین العدل والفاسق ، ولا بین المتحد والمتعدد. ولا یتعدی الحکم إلی غیر المأموم وإن کان عدلا ، إلا أن یفید قوله الظن فیرجع إلیه لذلک.

وکما یرجع الشاک من الإمام أو المأموم إلی المتیقن ، کذا یرجع الظان إلی المتیقن والشاک إلی الظان. ولو اشترکا فی الشک واتحد لزمهما حکمه. وإن اختلف فإن جمعتهما رابطة رجعا إلیها ، کما لو شک أحدهما بین الاثنتین والثلاث والآخر بین الثلاث والأربع ، فیرجعان إلی الثلاث ، لتیقن الأول عدم الزیادة علیها والثانی عدم النقیصة عنها.

وإن لم تجمعهما رابطة تعین الانفراد ولزم کلا منهما حکم شکه ، کما لو شک أحدهما بین الاثنتین والثلاث والآخر بین الأربع والخمس.

واعلم أن مقتضی قول المصنف : ولا شک علی الإمام إذا حفظ علیه من خلفه ، أنه یعتبر حفظ الجمیع ، فلو اختلفوا لم یجز التعویل علی أحدهم بل یرجع إلی أحکام الشک. وهو غیر بعید ، لعدم الوثوق بخبرهم مع الاختلاف. ولو حصل الظن بقول أحدهم خاصة اتجه اعتباره لذلک فی موضع

ص: 270


1- التهذیب 3 : 54 - 187 ، الوسائل 5 : 340 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 24 ح 8.
2- التهذیب 3 : 279 - 818 ، الوسائل 5 : 338 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 24 ح 1.

ولا حکم للسهو مع کثرته.

______________________________________________________

یسوغ فیه التعویل علی الظن.

قوله : ( ولا حکم للسهو مع کثرته ).

المراد بالسهو هنا الشک ، کما صرح به المصنف فی المعتبر (1). والمراد أن من کثر شکه لا یلتفت إلی الشک ، بل یبنی علی وقوع الفعل المشکوک فیه وإن کان فی محله ، ما لم یستلزم الزیادة ، فیبنی علی المصحح.

وقد ورد بعدم الالتفات إلی الشک مع الکثرة روایات کثیرة ، کصحیحة زرارة وأبی بصیر ، قالا ، قلنا له : الرجل یشک کثیرا فی صلاته حتی لا یدری کم صلی ولا ما بقی علیه ، قال : « یعید » قلنا : فإنه یکثر علیه ذلک کلما أعاد شک ، قال : « یمضی علی شکه » ثم قال : « لا تعوّدوا الخبیث من أنفسکم نقض الصلاة فتطعموه ، فإن الشیطان خبیث معتاد لما عوّد ، فلیمض أحدکم فی الوهم ولا یکثرن نقض الصلاة ، فإنه إذا فعل ذلک مرات لم یعد إلیه الشک » قال زرارة ، ثم قال : « إنما یرید الخبیث أن یطاع ، فإذا عصی لم یعد إلی أحدکم » (2).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا کثر علیک السهو فامض فی صلاتک ، فإنه یوشک أن یدعک ، إنما هو من الشیطان » (3).

وصحیحة ابن سنان ، عن غیر واحد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کثر علیک السهو فامض فی صلاتک » (4).

حکم کثیر السهو

ص: 271


1- المعتبر 2 : 393.
2- الکافی 3 : 358 - 2 ، التهذیب 2 : 188 - 747 ، الإستبصار 1 : 374 - 1422 ، الوسائل 5 : 329 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 16 ح 2.
3- الکافی 3 : 359 - 8 ، الفقیه 1 : 224 - 989 بتفاوت یسیر ، التهذیب 2 : 343 - 1424 ، الوسائل 5 : 329 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 16 ح 1.
4- التهذیب 2 : 343 - 1423 ، الوسائل 5 : 329 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 16 ح 3.

ویرجع فی الکثرة إلی ما یسمی فی العادة کثیرا ، وقیل : أن یسهو ثلاثا فی فریضة ، وقیل : أن یسهو مرة فی ثلاث فرائض ، والأول أظهر.

______________________________________________________

( وهذه الروایات کالصریحة فی عدم وجوب الإتیان بالفعل المشکوک فیه مع الکثرة ) (1).

ولو أتی بما شک فیه فالظاهر بطلان صلاته ، لأنه فی حکم الزیادة فی الصلاة متعمدا. ولو تعلقت الکثرة بفعل بعینه بنی علی فعله ، ولو شک فی غیره فالظاهر البناء علی فعله أیضا لصدق الکثرة کما نبه علیه فی الذکری (2).

ولو کثر السهو ( عن رکن فلا بد من الإعادة وکذا ) (3) عن واجب یستدرک إما فی محله أو فی غیر محله ، ( لتوقف الامتثال علیه ) (4).

وهل تؤثر الکثرة فی سقوط سجدات السهو؟ قیل : نعم ، وهی خیرة الذکری (5) ، دفعا للحرج.

وقیل : لا (6) ، وهو الأظهر ، لأن أقصی ما تدل علیه الروایات المتقدمة وجوب المضی فی الصلاة وعدم الالتفات إلی الشک ، فتبقی الأوامر المتضمنة للسجود بفعل موجبه سالمة من المعارض.

قوله : ( ویرجع فی الکثرة إلی ما یسمی فی العادة کثیرا ، وقیل : أن یسهو ثلاثا فی فریضة ، وقیل : أن یسهو مرة فی ثلاث فرائض ).

اختلف الأصحاب فیما تتحقق به الکثرة المقتضیة لعدم الالتفات إلی

ص: 272


1- بدل ما بین القوسین فی « ح » ، « ض » : ومعنی المضی علی الشک والمضی فی الصلاة عدم الالتفات إلی الشک والبناء علی وقوع الفعل المشکوک فیه ، إلاّ أن یستلزم ذلک للزیادة فیبنی علی المصحح.
2- الذکری : 223.
3- ما بین القوسین لیس فی « ح ».
4- بدل ما بین القوسین فی « ح » : وجب الإتیان به ، ولو کان عن رکن وتجاوز محله فلا بد من الإعادة تمسکا بعموم ما دل علی الحکمین المتناول لکثیر السهو وغیره السالم من المعارض.
5- الذکری : 223.
6- کما فی مجمع الفائدة والبرهان 3 : 145.

______________________________________________________

الشک ، فقال الشیخ فی المبسوط : قیل : حده أن یسهو ثلاث مرات متوالیة (1). وبه قال ابن حمزة (2).

وقال ابن إدریس : حده أن یسهو فی شی ء واحد أو فریضة واحدة ثلاث مرات ، فیسقط بعد ذلک حکمه ، أو یسهو فی أکثر الخمس أعنی ثلاث صلوات من الخمس ، فیسقط بعد ذلک حکم السهو فی الفریضة الرابعة (3).

وأنکر المصنف فی المعتبر هذا القول ، وقال : إنه یجب أن یطالب هذا القائل بمأخذ دعواه ، فإنا لا نعلم لذلک أصلا فی لغة ولا شرع ، والدعوی من غیر دلالة تحکّم (4).

والأصح ما اختاره المصنف من الرجوع فی ذلک إلی العادة ، لأنها المحکّمة فیما لم یرد فیه تقدیر من الشارع.

لا یقال : قد روی ابن بابویه فی الصحیح ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن محمد بن أبی حمزة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « وإذا کان الرجل ممن یسهو فی کل ثلاث فهو ممن یکثر علیه السهو » (5) ولیس المراد ب « کل » الدوام قطعا ، وإلا لم یتحقق الحکم بالکثرة ، لأن الصلوات المتعاقبة داخلة فی حیز « کل » إلی انقضاء تکلیف المصلی ، بل المراد أنه لا یسلم للمصلی ثلاث بغیر سهو ، فیکون ذلک تقدیرا شرعیا للکثرة ، فلا یتجه الرجوع فیها إلی العادة.

لأنا نقول : أقصی ما تدل علیه الروایة تحقق الکثرة بذلک ، وهو مطابق للعرف ، لا حصر الکثرة فی هذا المعنی.

قال فی الذکری : ویظهر من قوله علیه السلام فی حسنة حفص بن

ص: 273


1- المبسوط 1 : 122.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.
3- السرائر : 52.
4- المعتبر 2 : 394.
5- الفقیه 1 : 224 - 990 ، الوسائل 5 : 330 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 16 ح 7.

الخامسة : من شک فی عدد النافلة بنی علی الأکثر ، وإن بنی علی الأقل کان أفضل.

______________________________________________________

البختری : « ولا علی الإعادة إعادة » (1) أن السهو یکثر بالثانیة ، إلا أن یقال یختص بموضع وجوب الإعادة (2). وهو کذلک ، إلا أنی لا أعلم بمضمونها قائلا.

قوله : ( الخامسة ، من شک فی النافلة بنی علی الأکثر ، وإن بنی علی الأقل کان أفضل ).

لا ریب فی أفضلیة البناء علی الأقل لأنه المتیقن.

وأما جواز البناء علی الأکثر فقال المصنف فی المعتبر : إنه متفق علیه بین الأصحاب ، واستدل علیه بأن النافلة لا تجب بالشروع فکان للمکلف الاقتصار علی ما أراد (3). وهو استدلال ضعیف ، إذ لیس الکلام فی جواز القطع ، وإنما هو فی تحقق الامتثال بذلک ، وهو یتوقف علی الدلیل ، إذ مقتضی الأصل عدم وقوع ما تعلق به الشک.

واعلم أنه لا فرق فی مسائل السهو والشک بین الفریضة والنافلة ، إلا فی الشک بین الأعداد ، فإن الثنائیة من الفریضة تبطل بذلک بخلاف النافلة ، وفی لزوم سجود السهو ، فإن النافلة لا سجود فیها بفعل ما یوجبه فی الفریضة ، للأصل ، وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن السهو فی النافلة فقال : « لیس علیک سهو » (4).

حکم الشک فی النافلة

ص: 274


1- الکافی 3 : 359 - 7 ، التهذیب 2 : 344 - 1428 ، الوسائل 5 : 340 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 25 ح 1.
2- الذکری : 223.
3- المعتبر 2 : 396.
4- الکافی 3 : 359 - 6 ، التهذیب 2 : 343 - 1422 ، الوسائل 5 : 331 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 18 ح 1 وفیهما : لیس علیک شی ء.

خاتمة : فی سجدتی السهو

وهما واجبتان حیث ذکرتا. وفی من تکلم ساهیا ، أو سلم فی غیر موضعه ، أو شک بین الأربع والخمس.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة ، فی سجدتی السهو : وهما واجبتان حیث ذکرتا. وفی من تکلم ساهیا ، أو سلم فی غیر موضعه ، أو شک بین الأربع والخمس ).

الذی ذکره فیما سبق هو نسیان السجدة والتشهد إلی أن یرکع ، وبیّنا هناک أن وجوب السجود بنسیان التشهد علی هذا الوجه لا إشکال فیه ، لصحة مستنده وصراحته. وأما وجوبه بنسیان السجدة فمشکل إن لم یکن إجماعیا (1).

وقد ذکر المصنف هنا ثلاثة أشیاء :

أحدها : التکلم فی الصلاة ساهیا ، وقد نقل العلامة فی المنتهی اتفاق أصحابنا علی أنه موجب للسجود (2).

وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یتکلم ناسیا فی الصلاة یقول : أقیموا صفوفکم ، قال : « یتم صلاته ثم یسجد سجدتین » فقلت : سجدتا السهو قبل التسلیم هما أو بعد؟ قال : « بعد » (3).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یسهو فی الرکعتین ویتکلم ، فقال : « یتم ما بقی من صلاته تکلم أو لم یتکلم ، ولا شی ء علیه » (4) لأنا نجیب عنه بالحمل علی أن

مواضع وجوب سجدتی السهو

ص: 275


1- راجع ص 242.
2- المنتهی 1 : 417.
3- التهذیب 2 : 191 - 755 ، الإستبصار 1 : 378 - 1433 ، الوسائل 5 : 313 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 4 ح 1.
4- التهذیب 2 : 191 - 756 ، الإستبصار 1 : 378 - 1434 ، الوسائل 5 : 308 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 5.

______________________________________________________

المنفی الإثم أو الإعادة جمعا بین الأدلة.

وثانیها : التسلیم فی غیر موضعه نسیانا ، وقد نقل العلامة فی المنتهی الاتفاق علی کونه موجبا للسجود أیضا (1) واستدل علیه بصحیحة سعید الأعرج الواردة فی حکایة تسلیم النبی صلی الله علیه و آله علی الرکعتین فی الرباعیة وتکلمه مع ذی الشمالین فی ذلک ، حیث قال فی آخرها : « وسجد سجدتین لمکان الکلام » (2) وفی الدلالة نظر ، إذ من المحتمل أن یکون الموجب للسجود التکلم الواقع بعد التسلیم لا نفس التسلیم ، کما هو مذهب الکلینی رضی الله عنه (3).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل صلی رکعتین من المکتوبة فسلّم وهو یری أنه قد أتم الصلاة وتکلم ، ثم ذکر أنه لم یصل الرکعتین ، قال : « یتم ما بقی من صلاته ولا شی ء علیه » (4) لأنا نجیب عنه بالحمل علی نفی الإثم أو الإعادة کما تقدم.

ولو لا الاتفاق علی هذا الحکم لأمکن الجمع بین الروایتین بحمل الأولی علی الاستحباب.

وثالثها : الشک بین الأربع والخمس. والأصح أنه موجب للسجود ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت لا تدری أربعا صلیت أم خمسا فاسجد سجدتی

ص: 276


1- المنتهی 1 : 417.
2- الکافی 3 : 357 - 6 ، التهذیب 2 : 345 - 1433 ، الوسائل 5 : 311 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 16.
3- الکافی 3 : 360.
4- التهذیب 2 : 191 - 757 ، الإستبصار 1 : 379 - 1436 ، الوسائل 5 : 309 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 9.

______________________________________________________

السهو بعد تسلیمک ثم سلم بعدهما » (1).

وصحیحة عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا لم تدر أربعا صلیت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتین بغیر رکوع ولا قراءة ، تتشهد فیهما تشهدا خفیفا » (2).

وحکی الشهید فی الدروس ، عن الصدوق - رحمه الله - أنه أوجب فی هذه الصورة الاحتیاط برکعتین جالسا (3). وهو بعید جدا ، وأوّل کلامه بالشک قبل الرکوع.

واعلم أن الشک بین الأربع والخمس إما أن یقع بعد السجدتین ، أو بینهما ، أو قبلهما بعد الرکوع ، أو قبله ، فالصور أربع :

الأولی : أن یقع الشک بعد السجدتین ، وقد تقدم حکمها.

الثانیة : أن یقع بین السجدتین ، وحکمها کالأولی ، واحتمل فی الذکری البطلان فی هذه الصورة ، لعدم الإکمال وتجویز الزیادة (4). وهو ضعیف.

الثالثة : أن یقع الشک بین الرکوع والسجود. وقد قطع العلامة فی جملة من کتبه فی هذه الصورة بالبطلان ، لتردده بین محذورین : الإکمال المعرّض للزیادة ، والهدم المعرّض للنقیصة (5).

وحکی الشهید فی الذکری ، عن المصنف فی الفتاوی أنه قطع بالصحة ، لأن تجویز الزیادة لا ینفی ما هو ثابت بالأصالة ، إذ الأصل عدم الزیادة ، ولأن

ص: 277


1- الکافی 3 : 355 - 3 ، التهذیب 2 : 195 - 767 ، الوسائل 5 : 326 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 1.
2- الفقیه 1 : 230 - 1019 ، التهذیب 2 : 196 - 772 ، الإستبصار 1 : 380 - 1441 ، الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 4.
3- الدروس : 48.
4- الذکری : 227.
5- المنتهی 1 : 416 ، والتذکرة 1 : 139.

وقیل : فی کل زیادة ونقیصة إذا لم یکن مبطلا.

______________________________________________________

تجویز الزیادة لو منع لأثّر فی جمیع صورة (1). وهو قوی متین ، ومتی قلنا بالصحة وجبت السجدتان تمسکا بالإطلاق.

الرابعة : أن یقع الشک قبل الرکوع ، سواء کان قبل القراءة أو فی أثنائها أو بعدها. ویجب علیه أن یرسل نفسه ویحتاط برکعتین جالسا ، لأنه شک بین الثلاث والأربع.

قوله : ( وقیل ، فی کل زیادة ونقیصة إذا لم یکن مبطلا ).

هذا القول حکاه الشیخ فی الخلاف عن بعض أصحابنا (2). قال فی الدروس : ولم نظفر بقائله ولا بمأخذه (3).

وربما کان مستنده ما رواه الشیخ ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن سفیان بن السمط ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تسجد سجدتی السهو فی کل زیادة تدخل علیک أو نقصان » (4). لکن الروایة ضعیفة السند بالإرسال وجهالة الراوی.

واستدل علیه أیضا بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا لم تدر أربعا صلیت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتین بغیر رکوع ولا قراءة ، تتشهد فیهما تشهدا خفیفا » (5).

قیل : وإذا وجب للشک فی الزیادة والنقیصة فوجوبه لتیقنهما أولی (6).

ص: 278


1- الذکری : 227.
2- الخلاف 1 : 169.
3- الدروس : 49.
4- التهذیب 2 : 155 - 608 ، الإستبصار 1 : 361 - 1367 ، الوسائل 5 : 346 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 32 ح 3.
5- التهذیب 2 : 196 - 772 ، الإستبصار 1 : 380 - 1441 ، الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 4.
6- کما فی المهذب البارع 1 : 446.

______________________________________________________

وفی هذه الأولویة نظر تقدم تقریره مرارا.

نعم ، یمکن أن یستدل بروایة الحلبی علی ما ذکره المفید - رحمه الله - من وجوبهما علی من لم یدر زاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد رکوعا أو نقص رکوعا ، وکان الذکر بعد تجاوز محله. لکنها غیر صریحة فی ذلک ، لاحتمالها الشک فی زیادة رکعة أو نقصانها ، کما ذکره فی الدروس (1).

ویدل علی ذلک أیضا ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن زرارة قال ، سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « إذا شک أحدکم فی صلاته فلم یدر زاد أم نقص ، فلیسجد سجدتین وهو جالس ، وسماهما رسول الله صلی الله علیه و آله المرغمتین » (2).

وما رواه الشیخ (3) فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن السهو ، فقال : « من یحفظ سهوه فأتمه فلیس علیه سجدتا السهو ، وإنما السهو علی من لم یدر زاد فی صلاته أم نقص منها ».

ونقل عن السید المرتضی (4) ، وابن بابویه (5) ، أنهما أوجبا السجود للقعود فی موضع قیام وعکسه. ویدل علیه ما رواه الکلینی ، عن علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألته عن الرجل یسهو فیقوم فی موضع قعود أو یقعد فی حال قیام ، قال : « یسجد سجدتین بعد التسلیم ، وهما المرغمتان یرغمان الشیطان » (6) وفی هذا السند

ص: 279


1- الدروس : 49.
2- الکافی 3 : 354 - 1 ، الوسائل 5 : 326 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 2.
3- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ ، لکنها موجودة فی الفقیه 1 : 230 - 1018 ، وعنه فی الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 6.
4- جمل العلم والعمل : 66.
5- الفقیه 1 : 225.
6- الکافی 3 : 357 - 9 ، الوسائل 5 : 346 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 32 ح 1.

ویسجد المأموم مع الإمام واجبا إذا عرض له السبب ، ولو انفرد أحدهما کان له حکم نفسه.

______________________________________________________

کلام (1) ، ولا ریب أن العمل بمقتضی الروایة طریق الاحتیاط.

قوله : ( ویسجد المأموم مع الإمام واجبا إذا عرض له السبب ، ولو انفرد أحدهما کان له حکم نفسه ).

المراد أن المأموم یجب علیه سجدتا السهو مع الإمام إذا اشترکا فی السهو المقتضی لذلک ، ولو انفرد أحدهما بالسبب تعلق الوجوب به خاصة.

أما وجوب السجود علیهما مع عروض السهو لهما فظاهر ، لاشتراکهما فی الموجب. وأما وجوب السجود علی المنفرد منهما بالسهو خاصة ، فلأصالة عدم تعلق الوجوب بمن لم یعرض له السبب. وفی المسألة قولان آخران :

أحدهما : إنه لا سجود علی المأموم مطلقا وإن عرض له السبب. ذهب إلیه الشیخ فی الخلاف (2) ، وادعی علیه إجماع الفرقة ، واستدل علیه بما رواه عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ولیس علیه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو ، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه » (3) وضعفها یمنع من العمل بها.

والثانی : إنه متی عرض للإمام السبب وجب علی المأموم متابعته فی ذلک ، اختاره الشیخ فی المبسوط (4) ، واستدل له فی المختلف بأن الإمام متبوع فیجب علی المأموم اتباعه (5) ، لقوله علیه السلام : « إنما جعل الإمام إماما

ص: 280


1- قال النجاشی فی رجاله : 333 : ذکر أبو جعفر بن بابویه عن ابن الولید أنه قال : ما تفرّد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه.
2- الخلاف 1 : 171.
3- الفقیه 1 : 264 - 1204 ، التهذیب 3 : 278 - 817 ، الوسائل 5 : 339 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 24 ح 5.
4- المبسوط 1 : 124.
5- المختلف : 143.

وموضعهما بعد التسلیم للزیادة والنقصان ، وقیل : قبله ، وقیل : بالتفصیل ، والأول أظهر.

______________________________________________________

لیتبعوه » (1).

والجواب أولا : بالطعن فی السند ، وثانیا : بمنع الدلالة ، فإنه متبوع فی أفعال الصلاة دون غیرها.

قوله : ( وموضعهما بعد التسلیم للزیادة والنقصان ، وقیل : قبله ، وقیل : بالتفصیل ، والأول أظهر ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من أنّ موضع سجدتی السهو بعد التسلیم للزیادة والنقصان قول معظم الأصحاب ، وتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة ابن أبی یعفور الواردة فی نسیان التشهد ، حیث قال فیها : « وإن لم یذکر حتی رکع فلیتم صلاته ، ثم یسجد سجدتین وهو جالس قبل أن یتکلم » (2).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت لا تدری أربعا صلّیت أم خمسا فاسجد سجدتی السهو بعد تسلیمک ثم سلّم بعدهما » (3).

وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یتکلم ناسیا فی الصلاة یقول : أقیموا صفوفکم ، قال : « یتم صلاته ، ثمّ یسجد سجدتین » فقلت : سجدتا السهو قبل التسلیم هما أو بعد؟ قال : « بعد » (4).

محل سجدتی السهو

ص: 281


1- صحیح البخاری 1 : 101 ، 177 ، وج 2 : 56 ، صحیح مسلم 1 : 308 - 411 ، سنن ابن ماجة 1 : 276 - 846.
2- الفقیه 1 : 231 - 1026 ، التهذیب 2 : 159 - 624 ، الوسائل 4 : 995 أبواب التشهد ب 7 ح 4.
3- الکافی 3 : 355 - 3 ، التهذیب 2 : 195 - 767 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 2.
4- الکافی 3 : 356 - 4 ، التهذیب 2 : 191 - 755 ، الإستبصار 1 : 378 - 1433 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 1.

وصورتهما أن یکبّر مستحبا ثم یسجد ، ثم یرفع رأسه ، ثم یسجد ، ثم یرفع رأسه ویتشهد تشهدا خفیفا ثم یسلّم.

______________________________________________________

وروایة عبد الله بن میمون القداح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن علی علیهم السلام ، قال : « سجدتا السهو بعد التسلیم وقبل الکلام » (1).

والقول بأنهما قبل التسلیم منقول عن بعض علمائنا ، ولم نظفر بقائله. وربما کان مستنده ما رواه الشیخ ، عن محمد بن سنان ، عن أبی الجارود قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : متی أسجد سجدتی السهو؟ قال : « قبل التسلیم ، فإنک إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتک » (2) وضعف هذه الروایة یمنع من العمل بها (3).

والقول بالتفصیل وأن محله للنقصان قبل التسلیم وللزیادة بعده لابن الجنید (4). ویدل علیه ما رواه الشیخ عن سعد بن سعد الأشعری قال ، قال الرضا علیه السلام فی سجدتی السهو : « إذا نقصت قبل التسلیم ، وإذا زدت بعده » (5).

وأجاب الشیخ فی الاستبصار عن هاتین الروایتین بالحمل علی ضرب من التقیة ، لأنهما موافقتان لمذاهب کثیر من العامة. وهو حسن.

قوله : ( وصورتهما ، أن یکبّر مستحبا ثم یسجد ، ثم یرفع رأسه ثم یسجد ، ثم یرفع رأسه ویتشهد تشهدا خفیفا ثم یسلّم ).

صورة سجدتی السهو

ص: 282


1- التهذیب 2 : 195 - 768 ، الإستبصار 1 : 380 - 1438 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 3.
2- التهذیب 2 : 195 - 770 ، الإستبصار 1 : 380 - 1440 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 5.
3- وجهه أن زیاد بن المنذر الذی یکنی بأبی الجارود زیدی المذهب ، وإلیه تنسب الزیدیة الجارودیة - راجع الفهرست : 72 ، وأن محمد بن سنان ضعیف.
4- نقله عنه فی المختلف : 142.
5- التهذیب 2 : 195 - 769 ، الإستبصار 1 : 380 - 1439 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 4.

______________________________________________________

أما استحباب التکبیر قبل السجود فذکره الشیخ (1) وجمع من الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه ابن بابویه فی الموثق ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن سجدتی السهو هل فیهما تسبیح أو تکبیر؟ فقال : « لا ، إنما هما سجدتان فقط ، فإن کان الذی سها الإمام کبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ، لیعلم من خلفه أنه قد سها. ولیس علیه أن یسبح فیهما ولا فیهما تشهد بعد السجدتین » (2) وهی إنما تدل علی اختصاص الاستحباب بالإمام ، مع أنها ضعیفة السند.

وأما وجوب التشهد والتسلیم فقال المصنف فی المعتبر (3) ، والعلامة فی المنتهی (4) : إنه قول علمائنا أجمع ، واستدلا علی وجوب التشهد بقول الصادق علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « واسجد سجدتین بغیر رکوع ولا قراءة تشهد فیهما تشهدا خفیفا » (5) وعلی وجوب التسلیم بقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « إذا کنت لا تدری أربعا صلیت أم خمسا فاسجد سجدتی السهو بعد تسلیمک ثم سلم بعدهما » (6).

وقال العلامة فی المختلف : الأقرب عندی أن ذلک کله للاستحباب ، بل الواجب فیه النیة لا غیر ، واستدل بأصالة البراءة ، وروایة عمار المتقدمة (7).

ویؤیده انتفاء الأمر بالتسلیم فی الروایة الأولی ، والتشهد فی الثانیة ، مع ورودهما فی مقام البیان.

ص: 283


1- المبسوط 1 : 125.
2- الفقیه 1 : 226 - 996 ، الوسائل 5 : 334 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 20 ح 3.
3- المعتبر 2 : 401.
4- المنتهی 1 : 418.
5- الفقیه 1 : 230 - 1019 ، التهذیب 2 : 196 - 772 ، الإستبصار 1 : 380 - 1441 ، الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 4.
6- الکافی 3 : 355 - 3 ، التهذیب 2 : 195 - 767 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 2.
7- المختلف : 143.

وهل یجب فیهما الذکر؟ فیه تردد. ولو وجب هل یتعین لفظ؟ الأشبه لا.

______________________________________________________

ویجب فیهما السجود علی الأعضاء السبعة ووضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه ، لأنه المعهود من لفظ السجود فی الشرع فینصرف إلیه اللفظ عند الإطلاق. وفی وجوب الطهارة والستر والاستقبال قولان ، أحوطهما الوجوب.

قوله : ( وهل یجب فیهما الذکر؟ فیه تردد. ولو وجب هل یتعین لفظ؟ الأشبه لا ).

منشأ التردد من إطلاق قوله علیه السلام : « فاسجد سجدتی السهو بعد تسلیمک ثم سلم بعدهما » وقوله علیه السلام : « واسجد سجدتین بغیر رکوع ولا قراءة تتشهد فیهما تشهدا خفیفا » وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة المتضمنة لإطلاق الأمر بالسجود من غیر تعرّض للذکر ، ولو کان واجبا لذکر فی مقام البیان. إلا أن یقال : الواجب الذکر المعهود فی مطلق السجود ، فأطلق اعتمادا علی ذلک.

ویدل علی عدم الوجوب صریحا روایة عمار المتقدمة (1) حیث قال فیها : « ولیس علیه أن یسبح فیهما ».

ومن روایة الحلبی الصحیحة ، عن الصادق علیه السلام الدالة بظاهرها علی الوجوب ، فإنه قال : « یقول فی سجدتی السهو : بسم الله وبالله اللهم صلّ علی محمد وآل محمد » قال : وسمعته مرة أخری یقول : « بسم الله وبالله السلام علیک أیّها النبیّ ورحمة الله وبرکاته » (2).

کذا فی من لا یحضره الفقیه ، ورواه الکلینی - رضی الله عنه - بطریق حسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی ، قال : سمعت أبا

ص: 284


1- فی ص 283.
2- الفقیه 1 : 226 - 997 ، الوسائل 5 : 334 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 20 ح 1.
3- الکافی 3 : 356 - 5.

ولو أهملهما عمدا لم تبطل الصلاة ، وعلیه الإتیان بهما ولو طالت المدّة.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام یقول فی سجدتی السهو : « بسم الله وبالله وصلی الله علی محمد وعلی آل محمد » قال : وسمعته مرة أخری یقول فیهما : « بسم الله وبالله السلام علیک أیّها النبی ورحمة الله وبرکاته » (1).

وضعف المصنف فی النافع والمعتبر هذه الروایة بأنها منافیة للمذهب من حیث تضمنها وقوع السهو من الإمام (2) ، قال فی المعتبر : ثم لو سلمناه لما وجب فیهما ما سمعه ، لاحتمال أن یکون ما قاله علی وجه الجواز لا اللزوم.

ویمکن دفعه بأن سماع ذلک من الإمام لا یستلزم وقوع السهو منه لجواز کونه إخبارا عما یقال فیهما ، بل الظاهر أن ذلک هو المراد من الروایة ، کما تدل علیه العبارة المنقولة فی الکافی ومن لا یحضره الفقیه.

وجزم المصنف فی (3) المعتبر (4) بعدم وجوب الذکر مطلقا ، وهو غیر بعید ، وإن کان العمل بمضمون هذه الروایة أولی وأحوط.

قوله : ( ولو أهملهما عمدا لم تبطل الصلاة ، وعلیه الإتیان بهما ولو طالت المدّة ).

هذا قول معظم الأصحاب. أما أنه لا تبطل الصلاة مع إهمالهما عمدا فظاهر ، لأن أقصی ما یستفاد من الأخبار وجوبهما ، ولا یلزم من ذلک بطلان الصلاة بالإخلال بهما.

وأما وجوب الإتیان بهما ولو طالت المدة ، فلأنه مأمور بهما مطلقا فیتوقف الامتثال علی الإتیان بهما کذلک. وتدل علیه روایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل ینسی سجدتی السهو ، قال : « یسجدهما متی

حکم إهمال سجدتی السهو

ص: 285


1- التهذیب 2 : 196 - 773.
2- المختصر النافع : 45 ، والمعتبر 2 : 401.
3- فی « ح » ، « م » ، « ض » زیادة : النافع و.
4- المعتبر 2 : 400.

______________________________________________________

ذکر » (1).

وقال الشیخ فی الخلاف : وهما - یعنی السجدتین - واجبتان وشرط فی صحة الصلاة (2). قال فی الذکری : فعل قوله ترکهما یقدح فی الصحة (3) ، وهو قول بعض العامة (4) ، ولا ریب فی ضعفه.

ص: 286


1- التهذیب 2 : 353 - 1466 ، الوسائل 5 : 346 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 32 ح 2.
2- الخلاف 1 : 170.
3- الذکری : 230.
4- کابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 191.

الفصل الثانی

فی قضاء الصلوات

والکلام فی : سبب الفوات ، والقضاء ، ولواحقه.

أما السبب : فمنه ما یسقط معه القضاء وهو سبعة : الصغر ، والجنون ، والإغماء علی الأظهر ،

______________________________________________________

قوله : ( أما السبب ، فمنه ما یسقط معه القضاء وهو سبعة : الصغر. والجنون. والإغماء علی الأشهر ).

أما سقوط القضاء عن الصغیر والمجنون بعد البلوغ والإفاقة فمتفق علیه بین المسلمین ، وإنما الخلاف فی المغمی علیه ، فذهب الأکثر إلی أنه لا یجب علیه القضاء إذا استوعب الإغماء الوقت ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة أبی أیوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل أغمی علیه أیاما لم یصلّ ، ثم أفاق ، أیصلی ما فاته؟ قال : « لا شی ء علیه » (1).

وصحیحة أیوب بن نوح قال : کتبت إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام أسأله عن المغمی علیه یوما أو أکثر ، هل یقضی ما فاته من الصلاة أم لا؟ فکتب : « لا یقضی الصوم ولا یقضی الصلاة » (2).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المریض هل یقضی الصلاة إذا أغمی علیه؟ قال : « لا ، إلاّ الصلاة التی

قضاء الصلوات

أسباب فوات الصلاة

ما یسقط معه القضاء من أسباب الفوات

ص: 287


1- الفقیه 1 : 237 - 1041 ، التهذیب 3 : 303 - 928 ، الإستبصار 1 : 458 - 1775 ، الوسائل 5 : 352 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 2.
2- الکافی 3 : 412 - 3 ، التهذیب 3 : 302 - 924 ، الإستبصار 1 : 457 - 1771 ، الوسائل 5 : 354 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 14.

والحیض ، والنفاس ، والکفر الأصلی.

______________________________________________________

أفاق فیها » (1).

وفی مقابل هذه الروایات روایات أخر وردت بالأمر بالقضاء مطلقا ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یغمی علیه ثم یفیق ، قال : « یقضی ما فاته ، یؤذّن فی الأول ، ویقیم فی البقیة » (2) وبمضمونها أفتی ابن بابویه فی المقنع (3). وورد فی بعض آخر الأمر بقضاء صلاة ثلاثة أیام (4). وفی بعض الأمر بقضاء صلاة یوم (5).

والجواب عن الجمیع بالحمل علی الاستحباب ، کما ذکره الشیخ فی کتابی الأخبار (6) ، وابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (7) ، توفیقا بین الأدلة.

قوله : ( والحیض. والنفاس. والکفر الأصلی ).

أما سقوط القضاء عن الحائض والنفساء فلا خلاف فیه ، وقد تقدم الکلام فیه مستوفی (8).

ص: 288


1- الفقیه 1 : 236 - 1040 ، التهذیب 3 : 304 - 933 ، الإستبصار 1 : 459 - 1780 ، الوسائل 5 : 352 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 1.
2- التهذیب 3 : 304 - 936 ، الإستبصار 1 : 459 - 1783 ، الوسائل 5 : 356 أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 2.
3- المقنع : 37.
4- التهذیب 3 : 243 - 715 ، و 244 - 723 ، الوسائل 5 : 357 أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 7 ، 11.
5- التهذیب 3 : 303 - 930 ، وج 4 : 244 - 717 ، الاستبصار 1 : 458 - 1777 ، و 459 - 1786 ، الوسائل 5 : 355 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 22 ، وص 35 ب 4 ح 9 ، 14.
6- التهذیب 3 : 304 ، وج 4 : 244 ، والاستبصار 1 : 460.
7- الفقیه 1 : 237.
8- فی ج 1 ص 362.

______________________________________________________

وأما سقوطه عن الکافر الأصلی فموضع وفاق أیضا ، وفی الأخبار دلالة علیه ، ویستفاد من ذلک أنه لا یخاطب بالقضاء وإن کان مخاطبا بغیره من التکالیف ، لامتناع وقوعه منه فی حال کفره وسقوطه بإسلامه.

واحترز بالکافر الأصلی عن المرتد ، فإنه یجب علیه قضاء زمان ردته کما سیذکره.

( ولا یلحق بالکافر الأصلی غیره من الفرق المحکوم بکفرها من المسلمین ، بل )(1) حکمهم حکم غیرهم من المخالفین فی أنهم إذا استبصروا یجب علیهم قضاء الفائت دون ما أوقعوه صحیحا بحسب معتقدهم. أما وجوب قضاء الفوائت ، فلعموم الأدلة الدالة علی ذلک ، المتناولة للمؤمن والمخالف (2). وأما أنه لا یجب علیهم إعادة ما فعلوه فی تلک الحال فتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة برید بن معاویة العجلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن رجل وهو فی بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدیّن ثم منّ الله علیه فعرف هذا الأمر یقضی حجة الإسلام؟ فقال : « یقضی أحب إلیّ » وقال : « کل عمل عمله وهو فی حال نصبه وضلالته ثم منّ الله علیه وعرفه الولایة فإنه یؤجر علیه إلا الزکاة فإنه یعیدها ، لأنه وضعها فی غیر مواضعها ، لأنها لأهل الولایة ، وأما الصلاة والحج والصیام فلیس علیه قضاء » (3).

واستشکل العلامة فی التذکرة الحکم بسقوط القضاء عمن صلی منهم أو

ص: 289


1- بدل ما بین القوسین فی « م » : ویجب تقیید الکافر الأصلی بمن لم ینتحل الإسلام من الفرق المحکوم بکفرها ، أما من انتحله فإن.
2- فی « ح » ، « م » زیادة : السالمة عن المعارض.
3- التهذیب 5 : 9 - 23 ، الإستبصار 2 : 145 - 472 ، الوسائل 1 : 97 أبواب مقدمة العبادات ب 31 ح 1 وفیه ذیل الحدیث ، وأورد صدره فی ج 8 : 42 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 23 ح 1.

وعدم التمکن من فعل ما یستبیح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تیمم ، وقیل : یقضی عند التمکن ، والأول أشبه.

وما عداه یجب معه القضاء ، کالإخلال بالفریضة عمدا وسهوا ، عدا الجمعة والعیدین ، وکذا النوم لو استوعب الوقت.

______________________________________________________

صام ، لاختلال الشرائط والأرکان (1) ، وهو مدفوع بالأخبار المستفیضة الواردة بذلک (2) ، وإن کان الحق بطلان عباداتهم بأسرها وإن وقعت مستجمعة للشرائط المعتبرة عدا الولایة ، للأخبار الصحیحة الدالة علیه (3). ولتفصیل الکلام فی ذلک محل آخر.

قوله : ( وعدم التمکن مما یستبیح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تیمم ، وقیل : یقضی عند التمکن ، والأول أشبه ).

قد تقدم الکلام فی هذه المسألة ، وأن القول بوجوب القضاء لا یخلو من قوة (4).

قوله : ( وما عداه یجب معه القضاء ، کالإخلال بالفریضة عمدا وسهوا ، عدا الجمعة والعیدین ، وکذا النوم لو استوعب الوقت ).

أجمع العلماء کافة علی أن من ترک الصلاة الواجبة مع استکمال الشرائط أو أخل بها لنوم أو نسیان یلزمه القضاء. والأصل فیه ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « من نام عن صلاة نسیها فلیقضها إذا ذکرها » (5).

ما یجب معه القضاء من أسباب الفوات

ص: 290


1- لم نعثر علیه فی باب الصلاة ولکن ذکر ذلک فی باب الحج فقال : المخالف إذا حج ثم استبصر فإن لم یخلّ بشی ء من أرکان الحج صح حجه. وإن کان قد أخلّ وجب علیه إعادة الحج - إلی أن قال - : ومع الإخلال لم یأت بالمأمور به علی وجهه فبقی فی عهدة التکلیف. وذکر الروایة المتقدمة کدلیل - التذکرة 1 : 384.
2- الوسائل 1 : 97 أبواب مقدمة العبادات ب 31.
3- الوسائل 1 : 90 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
4- فی ج 2 ص 243.
5- سنن الدارمی 1 : 280 ، سنن ابن ماجة 1 : 228 - 698 ، سنن أبی داود 1 : 118 - 435 ، وفی الجمیع : بتفاوت یسیر.

ولو زال عقل المکلف بشی ء من قبله کالسکر وشرب المرقد وجب القضاء ، لأنه سبب فی زوال العقل غالبا ،

______________________________________________________

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلی رکعتین بغیر طهور ، أو نسی صلاة لم یصلها ، أو نام عنها ، قال : « یقضیها إذا ذکرها فی أیّ ساعة ذکرها من لیل أو نهار » (1).

وفی الصحیح ، عن حماد بن عثمان أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل فاته شی ء من الصلوات فذکر عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، قال : « فلیصل حین یذکر » (2).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « أربع صلوات یصلیها الرجل فی کل ساعة : صلاة فاتتک فمتی ما ذکرتها أدیتها » (3) الحدیث.

وأما استثناء الجمعة والعیدین من ذلک فقد تقدم الکلام فیه مستوفی فی محلهما (4).

قوله : ( ولو زال عقل المکلف بشی ء من قبله کالسکر وشرب المرقد وجب القضاء ، لأنه سبب فی زوال العقل غالبا ).

المراد أنه إذا زال عقل المکلف بشی ء من قبله ، کتناول الشی ء الذی یقتضی الإسکار أو النوم غالبا ، فأخل بشی ء من الصلوات الواجبة وجب قضاؤها ، وأسنده فی الذکری إلی الأصحاب ، واستدل علیه بأنه مسبب عن

ص: 291


1- التهذیب 2 : 266 - 1059 ، الإستبصار 1 : 286 - 1046 ، الوسائل 5 : 348 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 1.
2- الفقیه 1 : 235 - 1032 ، الوسائل 3 : 174 أبواب المواقیت ب 39 ح 2.
3- الکافی 3 : 288 - 3 ، الفقیه 1 : 278 - 1265 ، الخصال : 247 - 107 ، الوسائل 3 : 174 أبواب المواقیت ب 39 ح 1.
4- ص 15 ، 100.

ولو أکل غذاءا مؤذیا فآل إلی الإغماء لم یقض. وإذا ارتدّ المسلم أو أسلم الکافر ثم کفر وجب علیه قضاء زمان ردّته.

______________________________________________________

فعله (1). والاعتماد فی ذلک علی النصوص المتضمنة لوجوب قضاء الفوائت (2) ، المتناولة بعمومها لهذه الصورة.

قوله : ( ولو أکل غذاءا مؤذیا فآل إلی الإغماء لم یقض ).

المراد أنه إذا أکل غذاءا لم یعلم کونه مقتضیا للإغماء فاتفق أنه آل إلی ذلک لم یجب علیه قضاء ما یفوته من الصلاة فی حال الإغماء. والوجه فیه إطلاق النصوص المتضمنة لسقوط القضاء عن المغمی علیه (3).

ولو علم بکون الغذاء موجبا للإغماء قیل : وجب القضاء (4). کتناول المسکر.

ولو شربت المرأة دواء لتحیض أو لیسقط الولد فتصیر نفساء لم یجب علیها القضاء للعموم ، وبه قطع الشهیدان. وفرقا بین ذلک وبین تناول الغذاء المقتضی للإغماء بأن سقوط القضاء عنهما عزیمة لا رخصة وتخفیف ، بخلاف المغمی علیه (5). وفی هذا الفرق نظر.

قوله : ( وإذا ارتدّ المسلم ، أو أسلم الکافر ثم کفر وجب علیه قضاء زمان ردّته ).

هذا قول علمائنا أجمع ، حکاه فی المنتهی (6) ، تمسکا بمقتضی العمومات المتضمنة لوجوب قضاء الفوائت السالمة من المعارض. وقد یحصل التوقف فی

حکم أکل ما یؤدی إلی الاغماء أو الحیض

حکم المرتد

ص: 292


1- الذکری : 135.
2- الوسائل 5 : 347 أبواب قضاء الصلوات ب 1.
3- الوسائل 5 : 352 أبواب قضاء الصلوات ب 3.
4- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 42.
5- الشهید الأولی فی الذکری : 135 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 355 ، والمسالک 1 : 42 ، والروضة البهیة 1 : 343.
6- المنتهی 1 : 421.

وأما القضاء : فإنه یجب قضاء الفائتة إذا کانت واجبة ، ویستحب إذا کانت نافلة موقتة استحبابا مؤکدا ، فإن فاتت بمرض لا یزیل العقل لم یتأکد الاستحباب.

______________________________________________________

وجوب القضاء علی المرتد عن فطرة ، بل وفی غیره من العبادات إن قلنا بعده قبول توبته باطنا ، لکنه بعید.

قوله : ( وأما القضاء ، فإنه یجب قضاء الفائتة إذا کانت واجبة ، ویستحب إذا کانت نافلة موقتة استحبابا مؤکدا ، فإن فاتت بمرض لا یزیل العقل لم یتأکد الاستحباب ).

أما وجوب قضاء الفائتة إذا کانت واجبة فقد تقدم الکلام فیه (1).

قال فی الدروس : والأصح شرعیة قضاء فریضة فعلت علی غیر الوجه الأکمل ، إذا تخیل فیها فوات شرط أو عروض مانع (2). وربما کان مستنده إطلاق الأوامر الواردة بالاحتیاط فی الدین وتوقی الشبهات (3) ، ولا بأس به.

وأما تأکد استحباب قضاء النافلة الموقتة إذا فاتت بغیر المرض فتدل علیه روایات. منها : ما رواه الکلینی والشیخ فی الحسن ، عن مرازم ، قال : سأل إسماعیل بن جابر أبا عبد الله علیه السلام فقال : أصلحک الله إنّ علیّ نوافل کثیرة فکیف أصنع؟ قال : « اقضها » فقال : إنها أکثر من ذلک فقال : « اقضها » قال : لا أحصیها ، قال : « توخّ » قال مرازم : وکنت قد مرضت أربعة أشهر لم أتنفّل فیها ، فقلت : أصلحک الله أو جعلت فداک ، مرضت أربعة أشهر لم أصل نافلة ، فقال : « لیس علیک قضاء ، إن المریض لیس کالصحیح ، کما غلب الله علیه فالله أولی بالعذر فیه » (4).

حکم القضاء

ص: 293


1- فی ج 3 ص 90.
2- الدروس : 25.
3- الوسائل 18 : 111 أبواب صفات القاضی ب 12.
4- الکافی 3 : 451 - 4 ، التهذیب 2 : 12 - 26 ، الوسائل 3 : 57 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 19 ح 1.

ویستحب أن یتصدق عن کل رکعتین بمدّ ، فإن لم یتمکن فعن کل یوم بمدّ.

______________________________________________________

والظاهر أنّ المنفی بقوله : « لیس علیک قضاء » تأکد الاستحباب لا أصل المشروعیة ، کما تدل علیه حسنة محمد بن مسلم قال ، قلت له : رجل مرض فترک النافلة فقال : « یا محمد لیست بفریضة إن قضاها فهو خیر یفعله ، وإن لم یفعل فلا شی ء علیه » (1).

قوله : ( ویستحب أن یتصدق عن کل رکعتین بمدّ ، فإن لم یتمکن فعن کل یوم بمدّ ).

الأصل فی هذه المسألة ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : أخبرنی عن رجل علیه من صلاة النوافل ما لا یدری ما هو من کثرتها ، کیف یصنع؟ قال : « فلیصل حتی لا یدری کم صلی من کثرتها ، فیکون قد قضی بقدر علمه من ذلک » ثم قال ، قلت له : فإنه لا یقدر علی القضاء ، فقال : « إن کان شغله فی طلب معیشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شی ء علیه ، وإن کان شغله لجمع الدنیا والتشاغل بها عن الصلاة فعلیه القضاء ، وإلا لقی الله عزّ وجلّ وهو مستخف متهاون مضیّع لحرمة رسول الله صلی الله علیه و آله » قلت : فإنّه لا یقدر علی القضاء ، فهل یجزئ أن یتصدق؟ فسکت ملیا ثم قال : « فلیتصدق بصدقة » قلت : فیما یتصدق؟ قال : « بقدر طوله وأدنی ذلک مد لکل مسکین مکان کل صلاة » قلت : وکم الصلاة التی یجب فیها مد لکل مسکین؟ قال : « لکل رکعتین من صلاة اللیل ، ولکل رکعتین من صلاة النهار مد » فقلت : لا یقدر ، فقال : « مد إذن لکل أربع رکعات من صلاة النهار » قلت : « لا یقدر ، قال : « فمد إذن لصلاة اللیل ومد لصلاة النهار ، والصلاة أفضل

استحباب التصدق عن کل رکعتین بمد

ص: 294


1- الکافی 3 : 412 - 5 ، التهذیب 3 : 306 - 947 ، وفی الفقیه 1 : 316 - 1435 ، الوسائل 3 : 58 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 20 ح 1 ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام .

ویجب قضاء الفائتة وقت الذکر ما لم یتضیق وقت حاضرة ، وتترتب السابقة علی اللاحقة ، کالظهر علی العصر ، والعصر علی المغرب ، والمغرب علی العشاء ، سواء کان ذلک لیوم حاضر أو صلوات یوم فائت.

______________________________________________________

والصلاة أفضل والصلاة أفضل » (1) ولا یخفی قصور العبارة عن تأدیة ما تضمنته الروایة.

قوله : ( ویجب قضاء الفائتة وقت الذکر ما لم یتضیق وقت حاضرة ).

المراد أن الفائتة الواحدة یجب قضاؤها وقت الذکر مقدما علی الحاضرة ما لم یتضیق وقت الحاضرة ، دون المتعددة ، فإنه لا یجب تقدیمها علی الحاضرة عنده. وقد صرح بهذا التفصیل فی النافع والمعتبر (2). وسیجی ء الکلام فی المسألتین مفصلا (3).

قوله : ( وتترتب السابقة علی اللاحقة ، کالظهر علی العصر ، والعصر علی المغرب ، والمغرب علی العشاء ، سواء کان ذلک لیوم حاضر أو صلوات یوم فائت ).

المراد أنه یجب تقدیم السابقة علی اللاحقة فی الفوائت والحواضر. وبهذا المعنی صرح المصنف فی النافع فقال : وتترتب الفوائت والحواضر ، والفائتة علی الحاضرة.

وأورد علی العبارة أنّ المترتب علی الشی ء یکون متأخرا عنه ، فکان حق العبارة أن یقول : وتترتب اللاحقة علی السابقة (4).

وأجیب عنه إما بجعل العبارة من باب القلب ، وهو باب شائع ، أو

تقدیم السابقة علی اللاحقة فی القضاء

ص: 295


1- الفقیه 1 : 359 - 1577 ، الوسائل 3 : 55 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 18 ح 2.
2- المختصر النافع : 46 ، والمعتبر 2 : 405.
3- فی ص 298.
4- کما فی المسالک 1 : 43.

______________________________________________________

بتضمین لفظ الترتب التقدم ، والمعنی : وتتقدم السابقة علی اللاحقة ، أو بأن یکون المراد من الترتیب کون کل شی ء فی مرتبته ، ومرتبة السابقة التقدم واللاحقة التأخر (1). والأمر فی ذلک هین.

إذا تقرر ذلک فنقول : إنه لا خلاف بین علماء الإسلام فی ترتب الحواضر بعضها علی بعض.

وأما الفوائت فقال فی المعتبر : إن الأصحاب متفقون علی وجوب ترتیبها بحسب الفوائت (2). وحکی الشهید فی الذکری عن بعض الأصحاب ممّن صنف فی المضایقة والمواسعة القول بالاستحباب (3). وهو ضعیف جدا.

لنا : أنها فاتت مرتبة فیجب قضاؤها کذلک ، لقوله علیه السلام : « من فاتته فریضة فلیقضها کما فاتته » (4) وهو یعم الفریضة وکیفیتها ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا نسیت صلاة أو صلیتها بغیر وضوء وکان علیک صلوات فابدأ بأولهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلها ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لکل صلاة » (5).

ولو جهل ترتیب الفوائت فالأصح سقوطه ، لأن الروایات المتضمنة لوجوب الترتیب لا تتناول الجاهل نصا ولا ظاهرا فیکون منفیا بالأصل. وبه قطع العلامة فی التحریر (6) ، وولده فی الشرح (7) ، والشهیدان (8) ، واستدل

ص: 296


1- کما فی المسالک 1 : 43.
2- المعتبر 2 : 406.
3- الذکری : 136.
4- غوالی اللآلی 2 : 54 - 143 وج 3 : 107 - 150.
5- التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63 ح 1.
6- تحریر الأحکام : 51.
7- إیضاح الفوائد 1 : 147.
8- الشهید الأول فی الذکری : 136 ، والبیان : 152 ، واللمعة : 44 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 360 ، والروضة البهیة 1 : 345.

______________________________________________________

علیه فی الذکری بامتناع التکلیف بالمحال ، واستلزام التکرار المحصل له الحرج المنفی.

وقیل بالوجوب ، لإمکان الامتثال بالتکرار المحصّل له (1). وعلی هذا فیجب علی من فاتته الظهر والعصر من یومین وجهل السابق أن یصلی ظهرا بین عصرین ، أو عصرا بین ظهرین ، لیحصل الترتیب بینهما علی تقدیر سبق کل منهما ، ولو جامعهما مغرب من ثالث صلی الثلاث قبل المغرب وبعدها ، ولو کان معها عشاء فعل السبع قبلها وبعدها ، ولو انضم إلیها صبح فعل الخمس عشرة قبلها وبعدها.

والضابط تکریرها علی وجه یحصل الترتیب علی جمیع الاحتمالات ، وهی اثنان فی الأول ، وستة فی الثانی ، وأربعة وعشرون فی الثالث ، ومائة وعشرون فی الرابع ، حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا من الاحتمالات فی عدد الفرائض المطلوبة.

ویمکن حصول الترتیب بوجه أخصر مما ذکر وأسهل ، وهو أن یصلی الفوائت المذکورة بأی ترتیب أراد ، ویکررها کذلک ناقصة عن عدد آحاد تلک الصلوات بواحدة ، ثم یختم بما بدأ به.

فیصلی فی الفرض الأول الظهر والعصر ثم الظهر ، أو بالعکس.

وفی الثانی الظهر والعصر ثم المغرب ، ثم یکرره مرة أخری ، ثم یصلی الظهر. وفی هذین لا فرق بین الضابطین من حیث العدد.

وفی الثالث یصلی الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ویکرره ثلاث مرات ، ثم یصلی الظهر ، فیحصل الترتیب بثلاث عشرة فریضة.

وفی الرابع یصلی أربعة أیام متوالیة ، ثم یختم بالصبح. ولا یتعین فی هذا الضابط ترتیب مخصوص.

ص: 297


1- إرشاد الأذهان ( مجمع الفائدة والبرهان 3 ) : 232.

فإن فاتته صلوات لم تترتب علی الحاضرة ، وقیل : تترتب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

ولو فاتته صلوات سفر وحضر وجهل الأول فعلی السقوط یتخیر ، وعلی اعتبار الترتیب یقضی الرباعیات من کل یوم مرتین تماما وقصرا.

قوله : ( فإن فاتته صلوات لم تترتب علی الحاضرة ، وقیل : تترتب ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی وجوب تقدیم الفائتة علی الحاضرة ، فذهب جماعة منهم المرتضی (1) وابن إدریس (2) إلی الوجوب ما لم یتضیق وقت الحاضرة ، وصرحوا ببطلان الحاضرة لو قدمها مع ذکر الفوائت.

وذهب ابنا بابویه - رضی الله عنهما - إلی المواسعة المحضة ، حتی أنّهما استحبا تقدیم الحاضرة علی الفائتة مع السعة (3).

قال فی المختلف بعد حکایة ذلک : وهو مذهب والدی رحمه الله ، وأکثر من عاصرناه من المشایخ (4).

وذهب المصنف فی کتبه الثلاثة إلی وجوب تقدیم الفائتة المتحدة دون المتعددة (5).

واستقرب العلامة فی المختلف وجوب تقدیم الفائتة إن ذکرها فی یوم الفوات ، سواء اتحدت أو تعددت ، قال : فإن لم یذکرها حتی یمضی ذلک الیوم جاز له فعل الحاضرة فی أول وقتها ، ثم یشتغل بالقضاء سواء اتحدت الفائتة أو تعددت (6). وکأنّه أراد بالیوم ما یتناول النهار واللیلة المستقبلة ، وإلا لم یتحقق تعدد الفائت مع ذکره فی یوم الفوات وسعة وقت الحاضرة ، والمعتمد ما اختاره المصنف.

حکم اجتماع لفائتة مع الحاضرة

ص: 298


1- رسائل السید المرتضی 2 : 364.
2- السرائر : 58.
3- الصدوق فی المقنع : 32 ، والفقیه 1 : 233 ، وحکاه عن والده فی المختلف : 144.
4- المختلف : 144.
5- المعتبر 2 : 405 ، والمختصر النافع : 46.
6- المختلف : 144.

______________________________________________________

لنا علی وجوب تقدیم الفائتة المتحدة : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن صفوان ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن رجل نسی الظهر حتی غربت الشمس ، وقد کان صلی العصر فقال : « کان أبو جعفر أو کان أبی علیهماالسلام یقول : إذا أمکنه أنّ یصلیها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلی المغرب ثمّ صلاها » (1).

وعلی جواز تقدیم الحاضرة علی الفوائت مع التعدد : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن نام رجل أو نسی أن یصلّی المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استیقظ قبل الفجر قدر ما یصلیهما کلتیهما فلیصلیهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فلیبدأ بالعشاء ، وإن استیقظ بعد الفجر فلیصل الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس » (2) وهذه الروایة مع صحتها صریحة فی المطلوب ، فإنّ أقلّ مراتب الأمر الإباحة ، وثمّ للترتیب ، ولا یمکن حمله علی ضیق الوقت لدفعه بقبلیة طلوع الشمس.

وفی الصحیح عن محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار ، قال : « یصلیها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (3).

وتؤیّده الأخبار المتضمنة لاستحباب الأذان والإقامة فی قضاء الفوائت (4) ، والروایات المتضمنة لجواز النافلة ممّن علیه فریضة ، کصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله رقد فغلبته عیناه فلم یستیقظ حتی آذاه حر الشمس ، ثمّ استیقظ فرکع رکعتین ثمّ صلّی الصبح وقال : یا بلال ما لک؟! قال : أرقدنی الذی أرقدک یا رسول الله » قال : « وکره المقام ، وقال : نمتم بوادی

ص: 299


1- التهذیب 2 : 269 - 1073 ، الوسائل 3 : 210 أبواب المواقیت ب 62 ح 7.
2- التهذیب 2 : 270 - 1076 ، الوسائل 3 : 209 أبواب المواقیت ب 62 ح 4.
3- الکافی 3 : 452 - 7 ، التهذیب 2 : 163 - 640 ، الوسائل 3 : 175 أبواب المواقیت ب 39 ح 6.
4- الوسائل 4 : 665 أبواب الأذان ب 37 وج 5 : 361 أبواب قضاء الصلوات ب 8.

______________________________________________________

شیطان » (1) والظاهر أنّ الرکعتین اللتین صلاهما أولا رکعتا الفجر کما وقع التصریح به فی صحیحة زرارة (2) وغیرها (3).

احتج القائلون بالتضییق (4) بالإجماع ، والاحتیاط ، وأنّه مأمور بالقضاء علی الإطلاق ، والأوامر المطلقة للفور ، وقوله تعالی ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی ) (5) والمراد بها الفائتة ، لقوله علیه السلام فی روایة (6) زرارة : « ابدأ بالتی فاتتک فإنّ الله تعالی یقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی ) » (7) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا نسیت صلاة أو صلیتها بغیر وضوء وکان علیک قضاء صلوات فابدأ بأوّلهن فأذّن لها وأقم ثمّ صلها ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لکل صلاة » قال : « وقال أبو جعفر علیه السلام : « وإن کنت قد صلیت الظهر وقد فاتتک الغداة فذکرتها فصلّ أی ساعة ذکرتها ولو بعد العصر ، ومتی ذکرت صلاة فاتتک صلیتها » وقال : إن نسیت الظهر حتی صلیت العصر فذکرتها وأنت فی الصلاة أو بعد فراغک فانوها الأولی ثمّ صلّ العصر فإنما هی أربع مکان أربع ، وإن ذکرت أنّک لم تصل الأولی وأنت فی صلاة العصر فقد صلیت منها رکعتین فصل الرکعتین الباقیتین ثمّ قم فصل العصر ، وإن کنت ذکرت أنّک لم تصل العصر حتی دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صلّ المغرب ، وإن کنت قد صلیت المغرب فقم فصل العصر ، وإن کنت قد صلیت من المغرب رکعتین ثمّ ذکرت العصر فانوها

ص: 300


1- التهذیب 2 : 265 - 1058 ، الإستبصار 1 : 286 - 1049 ، الوسائل 3 : 206 أبواب المواقیت ب 61 ح 1.
2- الذکری : 134 ، الوسائل 3 : 207 أبواب المواقیت ب 61 ح 6.
3- دعائم الإسلام 1 : 141 ، مستدرک الوسائل 1 : 195 أبواب المواقیت ب 46 ح 1.
4- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 135 ، وابن إدریس فی السرائر : 589.
5- طه : 14.
6- فی « ح » : صحیحة.
7- الکافی 3 : 293 - 4 ، التهذیب 2 : 172 - 686 وفیه : عن عبید بن زرارة ، الإستبصار 1 : 287 - 1051 ، الوسائل 3 : 209 أبواب المواقیت ب 62 ح 2.

______________________________________________________

العصر ثمّ سلم ثمّ صلّ المغرب ، وإن کنت قد صلیت العشاء الآخرة ونسیت المغرب فقم فصل المغرب ، وإن کنت ذکرتها وقد صلیت من العشاء الآخرة رکعتین أو قمت فی الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلم ثمّ قم فصل العشاء الآخرة ، وإن کنت قد نسیت العشاء الآخرة حتی صلیت الفجر فصل العشاء الآخرة ، وإن کنت ذکرتها وأنت فی رکعة أو فی الثانیة من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصل الغداة وأذّن وأقم ، وإن کانت المغرب والعشاء قد فاتتاک جمیعا فابدأ بهما قبل أن تصلی الغداة ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء ، وإن خشیت أن تفوتک الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمّ بالغداة ثمّ صلّ العشاء ، وإن خشیت أن تفوتک صلاة الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ، ثمّ صلّ المغرب والعشاء ابدأ بأوّلهما لأنّهما جمیعا قضاء أیّهما ذکرت فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس » قال ، قلت : لم ذاک؟ قال : « لأنّک لست تخاف فوته » (1) قال الشیخ فی الخلاف : جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب کله (2).

والجواب أما عن الإجماع فبالمنع منه فی موضع النزاع ، خصوصا مع مخالفة ابنی بابویه اللذین هما من أجلاء هذه الطائفة (3) ، واحتمال وجود المشارک لهم فی الفتوی.

وأما عن الاحتیاط فبأنه إنّما یفید الأولویة لا الوجوب ، مع أنّه معارض بأصالة البراءة.

وأما قولهم : إنّ الأوامر المطلقة للفور ، فممنوع ، بل الحق أنّها إنّما تدل علی طلب الماهیة من غیر إشعار بفور ولا تراخ.

قال فی المعتبر : ولو قالوا ادعی المرتضی أنّ أوامر الشرع علی التضییق ، قلنا : یلزمه ما عمله ، وأما نحن فلا نعلم ما ادعاه. علی أنّ القول بالتضییق

ص: 301


1- التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 ، أبواب المواقیت ب 63 ح 1 وأوردها فی الکافی 3 : 291 - 1.
2- الخلاف 1 : 136.
3- راجع ص 298.

______________________________________________________

یلزم منه منع من علیه صلوات کثیرة أن یأکل شبعا ، أو ینام زائدا علی الضرورة ، أو یتعیش إلاّ لاکتساب قوت یومه له ولعیاله ، وأنّه لو کان معه درهم لیومه حرم علیه الاکتساب حتی تخلو یده ، والتزام ذلک مکابرة صرفة ، والتزام سوفسطائی. ولو قیل : قد أشار أبو الصلاح الحلبی إلی ذلک ، قلنا : فنحن نعلم من المسلمین کافة خلاف ما ذکره ، فإن أکثر الناس یکون علیهم صلوات کثیرة ، فإذا صلی الإنسان منهم شهرین فی یومه استکثره الناس (1).

وأما الآیة فلو سلم اختصاصها بالفائتة لم تدل علی أزید من الوجوب ، ونحن نقول به ، ولا یلزم منه التضییق ، مع أن الظاهر تناولها للحاضرة والفائتة ، وذلک کاف فی الاستدلال بها علی وجوب الفائتة.

وذکر المفسرون (2) أن معنی قوله تعالی ( لِذِکْرِی ) أنّ الصلاة تذکر بالمعبود وتشغل اللسان والقلب بذکره. وقیل : إنّ المراد لذکری خاصة ، لا ترائی بها ولا تشبها بذکر غیری (3). وقیل : إنّ المراد لأنی ذکرتها فی الکتب وأمرت بها (4). وهذه الوجوه کلها آتیة فی مطلق الصلاة الحاضرة والفائتة.

وأما عن الروایة فبالحمل علی الاستحباب جمعا بینها وبین صحیحة ابن سنان المتضمنة للأمر بتقدیم الحاضرة علی الفوائت المتعددة (5) ، وإعمال الدلیلین أولی من اطراح أحدهما ، خصوصا مع اشتهار استعمال الأوامر فی الندب.

واعلم أنّ العلامة فی المختلف استدل بروایة زرارة المتقدمة علی وجوب تقدیم فائتة الیوم ثمّ قال : لا یقال هذا الحدیث یدل علی وجوب الابتداء بالقضاء فی الیوم الثانی ، لأنه علیه السلام قال : « وإن کان المغرب والعشاء قد

ص: 302


1- المعتبر 2 : 408.
2- منهم الشیخ فی التبیان 7 : 165 ، والطبرسی فی مجمع البیان 4 : 5 ، والزمخشری فی الکشاف 3 : 55.
3- کما فی الکشاف 3 : 55 ، وتفسیر أبی السعود 2 : 8.
4- کما فی الکشاف 3 : 55 ، وروح المعانی 16 : 171.
5- التهذیب 2 : 270 - 1076 ، الوسائل 3 : 209 أبواب المواقیت ب 62 ح 4.

ولو کان علیه صلاة فنسیها وصلی الحاضرة لم یعد. ولو ذکر فی أثنائها عدل إلی السابقة.

______________________________________________________

فاتتاک جمیعا فابدأ بهما قبل أن تصلّی الغداة » إن کان الأمر للوجوب وإلاّ سقط الاستدلال به ، لأنا نقول : جاز أن یکون للوجوب فی الأول دون الثانی لدلیل ، فإنه لا یجب من کونه للوجوب مطلقا کونه للوجوب فی کل شی ء (1).

وهو جید ، لکن مقتضی قوله علیه السلام فی صحیحة ابن مسلم فیمن نسی صلاة النهار : « یقضیها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (2) حمل الأمر بتقدیم الفائتة مع التعدد إذا ذکرها فی یوم الفوات علی الندب أیضا ، جمعا بین الأدلة. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( ولو ذکر فی أثنائها عدل إلی السابقة ) (3).

وجوبا عند من قال بتقدیم الفائتة ، واستحبابا عند القائل بالتوسعة. وإنما یعدل إلی السابقة مع بقاء محل العدول ، وذلک حیث لا یتحقق زیادة رکوع علی عدد السابقة.

وربما ظهر من قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة المتقدمة : « إن نسیت الظهر حتی صلیت العصر فذکرتها وأنت فی الصلاة أو بعد فراغک فانوها الأولی ثم صل العصر فإنما هی أربع مکان أربع » (4) تحقق العدول بعد الفراغ أیضا.

وحملها الشیخ فی الخلاف علی أن المراد بالفراغ ما قاربه (5). وردّه المصنف

ص: 303


1- المختلف : 144.
2- الکافی 3 : 452 - 7 ، التهذیب 2 : 163 - 640 ، الوسائل 3 : 175 أبواب المواقیت ب 39 ح 6.
3- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « ض » ، « ح » : ولو کان علیه. لا خلاف فی صحة الحاضرة إذا أوقعها قبل الفائتة علی وجه النسیان ، ومع الذکر فی الأثناء یعدل إلی السابقة.
4- الکافی 3 : 291 - 1 ، التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63 ح 1.
5- الخلاف 1 : 136.

ولو صلی الحاضرة مع الذکر أعاد. ولو دخل فی نافلة وذکر أن علیه فریضة استأنف الفریضة.

ویقضی صلاة السفر قصرا ولو فی الحضر ، وصلاة الحضر تماما ولو فی السفر.

______________________________________________________

فی المعتبر بأنه بعید جدا ، قال : بل یلزمه العمل بالخبر إن صححه وإلاّ أطرحه (1). وهو کذلک.

قوله : ( ولو صلی الحاضرة مع الذکر أعاد ).

بناء علی القول بوجوب تقدیم الفائتة وإلاّ فلا إعادة.

قوله : ( ولو دخل فی نافلة وذکر أن علیه فریضة استأنف الفریضة ).

الأصح جواز النافلة لمن فی ذمته فریضة مطلقا. وقد بینا ذلک فیما سبق (2).

قوله : ( ویقضی صلاة السفر قصرا ولو فی الحضر ، وصلاة الحضر تماما ولو فی السفر ).

هذا مذهب العلماء کافة إلاّ من شذ (3). ویدل علیه قول النبی صلی الله علیه و آله : « فلیقضها کما فاتته » (4) وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة قال ، قلت له : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذکرها فی الحضر فقال : « یقضی ما فاته کما فاته ، إن کانت صلاة السفر أدّاها فی الحضر مثلها ، وإن کانت صلاة الحضر فلیقض فی السفر صلاة الحضر » (5).

حکم النوافل لمن علیه فریضة

حکم قضاء صلاة السفر فی الحضر وبالعکس

ص: 304


1- المعتبر 2 : 410.
2- فی ج 3 ص 87.
3- وهو الشافعی فی الأم 1 : 182.
4- عوالی اللآلی 2 : 54 - 143 وج 3 : 107 - 150.
5- التهذیب 3 : 162 - 350 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.

وأما اللواحق ، فمسائل :

الأولی : من فاتته فریضة من الخمس غیر معیّنة قضی صبحا ومغربا وأربعا عما فی ذمّته ، وقیل یقضی صلاة یوم ، والأول مرویّ ، وهو أشبه.

______________________________________________________

وروی زرارة أیضا ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا نسی الرجل صلاة أو صلاها بغیر طهور وهو مقیم أو مسافر فذکرها فلیقض الذی وجب علیه لا یزید علی ذلک ولا ینقص ، من نسی أربعا فلیقض أربعا ، مسافرا کان أو مقیما ، وإن نسی رکعتین صلی رکعتین إذا ذکر ، مسافرا کان أو مقیما » (1).

ولو حصل الفوات فی أماکن التخییر احتمل ثبوته فی القضاء لإطلاق قوله علیه السلام : « یقضی ما فاته کما فاته » (2) ، وتعیّن القصر لأنه فرض المسافر ، وهو أحوط.

قوله : ( وأما اللواحق ، فمسائل ، الأولی : من فاتته فریضة من الخمس غیر معیّنة قضی صبحا ومغربا وأربعا عما فی ذمّته ، وقیل یقضی صلاة یوم ، والأولی مرویّ ، وهو الأشبه ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من الاکتفاء بقضاء الفرائض الثلاث لمن فاتته فریضة مجهولة من الخمس مذهب الشیخین (3) ، وابنی بابویه (4) ، وابن الجنید (5) ، وابن إدریس (6) ، وحکی فیه الشیخ فی الخلاف إجماع الفرقة (7).

حکم من فاتته فریضة غیر متعینة من الخمس.

ص: 305


1- الفقیه 1 : 282 - 1283 ، التهذیب 3 : 225 - 568 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 4.
2- الکافی 3 : 435 - 7 ، التهذیب 3 : 162 - 350 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلاة ب 6 ح 1.
3- المفید فی المقنعة : 24 ، والشیخ فی النهایة : 127 ، والخلاف 1 : 104 ، والمبسوط 1 : 127.
4- الصدوق فی الفقیه 1 : 231 ، والمقنع : 32 ، ونقله عنهما فی المختلف : 148.
5- نقله عنه فی المختلف : 148.
6- السرائر : 59.
7- الخلاف 1 : 104.

ولو فاته من ذلک مرات لا یعلمها قضی حتی یغلب علی ظنه أنه وفی.

______________________________________________________

والقول بوجوب قضاء الخمس لأبی الصلاح (1) ، وابن حمزة (2). والمعتمد الأول.

لنا : أن الواجب علیه صلاة واحدة لکن لما کانت غیر متعینة ، والزیادة والنقیصة فی الصلاة مبطلة ، وجب علیه الإتیان بالثلاث لدخول الواجب فی أحدها یقینا ، والأصل براءة الذمة من الزائد. ویؤیده روایة علی بن أسباط ، عن غیر واحد من أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من نسی صلاة من صلاة یومه ولم یدر أی صلاة هی صلی رکعتین وثلاثا وأربعا » (3).

احتج القائلون بوجوب الخمس بأنه یجب علیه قضاء الفائتة ، ولا یعلم الإتیان بها إلا بقضاء الخمس ، فیجب من باب المقدمة (4).

والجواب بالمنع من توقف الإتیان بالواجب علی الخمس ، لحصوله بالثلاث کما بیناه.

قوله : ( ولو فاته من ذلک مرات لا یعلمها قضی حتی یغلب علی ظنه أنه وفی ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، ولم نقف فیه علی نصّ بالخصوص.

واحتج علیه فی التهذیب بصحیحة عبد الله بن سنان الدالة علی استحباب قضاء ما یغلب علی الظن فواته من النوافل (5).

حکم من فاته ما لا یحصیه

ص: 306


1- الکافی فی الفقه : 150.
2- لم نجده فی الوسیلة ، ولعله تصحیف عن ابن زهرة کما قال فی المختلف : 148 ، وهو موجود فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 562.
3- التهذیب 2 : 197 - 774 ، الوسائل 5 : 365 أبواب قضاء الصلوات ب 11 ح 1.
4- حکاه عنهم فی المختلف : 148.
5- التهذیب 2 : 198 - 778 ، الوسائل 3 : 55 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 18 ح 2 ، وأوردها فی الکافی 3 : 453 - 13 ، الفقیه 1 : 359 - 1577 ، المحاسن : 315 - 33.

الثانیة : إذا فاتته صلاة معیّنة ولم یعلم کم مرّة کرّر من تلک الصلاة حتی یغلب عنده الوفاء ، ولو فاتته صلوات لا یعلم کمیّتها ولا عینها صلی أیاما متوالیة حتی یعلم أن الواجب دخل فی الجملة.

______________________________________________________

واعترضه جدی - قدس سره - بأن النوافل أدنی مرتبة من الفرائض ، فلا یلزم من الاکتفاء فیها بالظن الاکتفاء فی الفرائض بذلک (1).

ویمکن الجواب عنه بأن الشیخ - رحمه الله - إنما استدل بالروایة علی وجوب القضاء إلی أن یغلب علی الظن الوفاء لا علی الاکتفاء بالظن ، فإنه یکفی فی عدم اعتبار ما زاد علیه عدم تحقق الفوات.

نعم : یرد علی هذا الاستدلال أن قضاء النوافل علی هذا الوجه إنما هو علی وجه الاستحباب فلا یلزم منه وجوب قضاء الفریضة کذلک.

واحتمل العلامة فی التذکرة الاکتفاء بقضاء ما تیقن فواته خاصة (2). وهو متجه ، لأصالة البراءة من التکلیف بالقضاء مع عدم تیقن الفوات ، ولأن الظاهر من حال المسلم أنه لا یترک الصلاة ، ویؤیده حسنة زرارة والفضیل ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « متی ما استیقنت أو شککت فی وقت صلاة أنک لم تصلها صلیتها ، وإن شککت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل فلا إعادة علیک من شک حتی تستیقن ، وإن استیقنت فعلیک أن تصلیها فی أی حال کنت » (3).

قوله : ( الثانیة ، إذا فاتته صلاة معیّنة ولم یعلم کم مرّة کرّر من تلک الصلاة حتی یغلب عنده الوفاء ، ولو فاتته صلوات لا یعلم کمیّتها ولا عینها صلی أیاما متوالیة حتی یعلم أن الواجب دخل فی الجملة ).

ص: 307


1- روض الجنان : 359.
2- التذکرة 1 : 83.
3- الکافی 3 : 294 - 10 ، التهذیب 2 : 276 - 1098 ، الوسائل 3 : 205 أبواب المواقیت ب 60 ح 1.

الثالثة : من ترک الصلاة مرّة مستحلا قتل إن کان ولد مسلما ، واستتیب إن کان أسلم عن کفر ، فإن امتنع قتل. فإن ادعی الشبهة المحتملة درئ عنه الحدّ. وإن لم یکن مستحلا عزّر ، فإن عاد عزّر ، فإن عاد ثالثة قتل ، وقیل : بل فی الرابعة ، وهو الأحوط.

______________________________________________________

قد یسأل عن الوجه فی اشتراط العلم هنا والاکتفاء فیما قبله بغلبة الظن ، ولا یمکن الجواب عنه إلا بحمل العلم هنا علی ما یتناول الظن. والبحث المتقدم آت هنا بعینه.

قوله : ( الثالثة ، من ترک الصلاة مرّة مستحلا قتل إن کان ولد مسلما ، واستتیب إن کان أسلم عن کفر ، فإن امتنع قتل ).

الوجه فی ذلک أن الصلاة مما علم ثبوتها من دین الإسلام ضرورة ، فیکون إنکارها من المسلم ارتدادا ، ومن حکم المرتد أنه یقتل إن کان ولد مسلما ، ویستتاب إن أسلم عن کفر ، فإن امتنع قتل. وقد ورد فی عدة أخبار صحیحة أن تارک الصلاة کافر (1) ، ذکرنا طرفا منها فی أول کتاب الصلاة ، وهی خالیة من قید الاستحلال. وفی حکم ترک الصلاة ترک شرط أو جزء ضروری. کالطهارة والرکوع ، أما غیره کقراءة الفاتحة والطمأنینة الواجبة فلا یقتل مستحل ترکه. والحکم مختص بالذکر ، أما المرأة فلا تقتل بذلک کما لا تقتل بمطلق الارتداد ، بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتی تتوب أو تموت.

قوله : ( فإن ادعی الشبهة المحتملة درئ عنه الحدّ ).

تتحقق الشبهة المحتملة بقرب عهده بالإسلام ، أو سکناه فی بادیة یمکن فی حقه عدم علم وجوبها ، أو دعوی النسیان فی إخباره عن الاستحلال ، أو الغفلة ، أو تأویل الصلاة بالنافلة ، ونحو ذلک.

قوله : ( وإن لم یکن مستحلا عزّر ، فإن عاد عزّر ، فإن عاد ثالثة قتل ، وقیل : بل فی الرابعة ، وهو الأحوط ).

قتل تارک الصلاة مستحلا

تعزیر تارک الصلاة بغیر استحلال

ص: 308


1- الوسائل 3 : 28 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11.

______________________________________________________

القول للشیخ رحمه الله فی المبسوط ، واستدل علیه بما روی عنهم علیهم السلام : « ان أصحاب الکبائر یقتلون فی الرابعة » (1) قال : وذلک عام فی جمیع الکبائر (2). وروی أیضا فی الخلاف مرسلا عنهم علیهم السلام : « إن أصحاب الکبائر یقتلون فی الثالثة » (3). ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی التأخیر إلی الرابعة.

ص: 309


1- المبسوط 1 : 129.
2- المبسوط 1 : 129.
3- الخلاف 1 : 278.

الفصل الثّالث :

فی الجماعة

والنظر فی أطراف :

الأول : الجماعة مستحبة فی الفرائض کلّها ، وتتأکد فی الصلاة المرتّبة.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثّالث ، فی الجماعة : والنظر فی أطراف ، الأول : الجماعة مستحبة فی الفرائض کلّها ، وتتأکد فی الصلاة المرتّبة ).

أما استحباب الجماعة فی الفرائض کلها فقال فی المنتهی : إنه مذهب علمائنا أجمع (1). ویندرج فی الفرائض : الیومیة وغیرها ، المؤداة والمقضیة حتی المنذورة. وصلاة الاحتیاط ، ورکعتا الطواف. وفی استفادة هذا التعمیم من الأخبار نظر.

وأما تأکد الاستحباب فی الصلاة المرتبة - وهی الیومیة - فهو من ضروریات الدین ، قال الله عزّ وجلّ فی کتابه المبین ( وَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّکاةَ وَارْکَعُوا مَعَ الرّاکِعِینَ ) (2).

وروینا فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « الصلاة فی جماعة تفضل علی صلاة الفرد بأربع وعشرین درجة تکون خمسا وعشرین درجة » (3).

صلاة الجماعة

مواضع استحباب الجماعة وتأکدها

ص: 310


1- المنتهی 1 : 363.
2- البقرة : 43.
3- التهذیب 3 : 25 - 85 ، ثواب الأعمال : 63 - 1 ، الوسائل 5 : 370 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 1.

______________________________________________________

وفی الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما یروی الناس أن الصلاة فی جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرین صلاة فقال : « صدقوا » فقلت : الرجلان یکونان جماعة؟ فقال : « نعم ، ویقوم الرجل عن یمین الإمام » (1).

وعن محمد بن عمارة ، قال : أرسلت إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام أسأله عن الرجل یصلی المکتوبة وحده فی مسجد الکوفة أفضل أو صلاته فی جماعة؟ فقال : « الصلاة فی جماعة أفضل » (2) ویستفاد من هذه الروایة أن الصلاة فی جماعة أفضل من ألف صلاة ، لأنه قد روی أن الصلاة فی مسجد الکوفة بألف صلاة (3).

وقد استفاضت الروایات بالنهی الأکید عن ترکها ، فروی الشیخ فی التهذیب بسند معتبر ، عن الثقة الجلیل عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا صلاة لمن لا یصلی فی المسجد مع المسلمین إلا من علة. وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا غیبة إلا لمن صلی فی بیته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمین وجب علی المسلمین غیبته وسقطت بینهم عدالته ووجب هجرانه ، وإذا رفع إلی إمام المسلمین أنذره وحذره ، فإن حضر جماعة المسلمین وإلا أحرق علیه بیته » (4).

وعن عبد الله بن أبی یعفور أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « همّ رسول الله صلی الله علیه و آله بإحراق قوم کانوا یصلون فی منازلهم ولا

ص: 311


1- الکافی 3 : 371 - 1 ، التهذیب 3 : 24 - 82 ، الوسائل 5 : 371 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.
2- التهذیب 3 : 25 - 88 ، الوسائل 3 : 512 أبواب أحکام المساجد ب 33 ح 4.
3- التهذیب 6 : 33 - 63 ، کامل الزیارات : 29 - 7 ، الوسائل 3 : 524 أبواب أحکام المساجد ب 44 ح 11.
4- التهذیب 6 : 241 - 596 ، الإستبصار 3 : 12 - 33 ، الوسائل 18 : 288 أبواب الشهادات ب 41 ح 1 وص 289 ح 2.

______________________________________________________

یصلون الجماعة ، فأتاه رجل أعمی فقال : یا رسول الله إنی ضریر البصر وربما أسمع النداء ولا أجد من یقودنی إلی الجماعة والصلاة معک ، فقال له النبی صلی الله علیه و آله : شدّ من منزلک إلی المسجد حبلا واحضر الجماعة » (1).

وفی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سمعته یقول : « إن أناسا کانوا علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله أبطئوا عن الصلاة فی المسجد فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لیوشک قوم یدعون الصلاة فی المسجد أن نأمر بحطب فیوضع علی أبوابهم فتوقد علیهم نار فتحرق بیوتهم » (2).

وروی عبد الله بن سنان أیضا فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته یقول : « صلی رسول الله صلی الله علیه و آله الفجر فأقبل بوجهه علی أصحابه فسأل عن أناس یسمیهم بأسمائهم فقال : هل حضروا الصلاة؟ فقالوا : لا یا رسول الله صلی الله علیه و آله فقال : أغیّب هم؟ فقالوا : لا فقال : أما إنه لیس من صلاة أشد علی المنافقین من هذه الصلاة والعشاء ، ولو علموا أی فضل فیهما لأتوهما ولو حبوا » (3) والأخبار الواردة فی ذلک أکثر من أن تحصی.

فائدة : یستحب حضور جماعة أهل الخلاف (4) استحبابا مؤکدا ، فروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال له : « یا زید خالقوا الناس بأخلاقهم ، صلوا فی مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تکونوا الأئمة والمؤذنین

استحباب حضور جماعة أهل الخلاف

ص: 312


1- التهذیب 3 : 266 - 753 ، الوسائل 5 : 377 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 9.
2- التهذیب 3 : 25 - 87 ، الوسائل 5 : 377 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 10.
3- الفقیه 1 : 246 - 1097 ، التهذیب 3 : 25 - 86 ، المحاسن : 84 - 21 ، عقاب الأعمال : 275 - 1 ، أمالی الصدوق : 392 - 15 بتفاوت یسیر ، الوسائل 5 : 378 أبواب صلاة الجماعة ب 3 ح 1.
4- فی « ح » زیادة : للتقیة.

ولا تجب إلا فی الجمعة والعیدین مع الشرائط.

______________________________________________________

فافعلوا ، فإنکم إذا فعلتم ذلک قالوا : هؤلاء الجعفریة ، رحم الله جعفرا ما کان أحسن ما یؤدب أصحابه ، وإذا ترکتم ذلک قالوا هؤلاء الجعفریة فعل الله بجعفر ما کان أسوأ ما یؤدب أصحابه » (1).

وفی الصحیح عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من صلی معهم فی الصف الأول کان کمن صلی مع رسول الله صلی الله علیه و آله فی الصف الأول » (2).

وفی الصحیح عن حفص بن البختری ، عنه علیه السلام أنه قال : « یحسب لک إذا دخلت معهم وإن کنت لا تقتدی بهم مثل ما یحسب لک إذا کنت مع من تقتدی به » (3).

ویستحب صلاة المکتوبة فی المنزل أولا ثم حضور جماعتهم والصلاة معهم نافلة أو قضاء ، لما فی ذلک من تأدی التقیة والإتیان بالفریضة علی أکمل الأحوال ، ولما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ما من عبد یصلی فی الوقت ویفرغ ثم یأتیهم ویصلی معهم وهو علی وضوء إلا کتب الله له خمسا وعشرین درجة » (4).

وفی الصحیح عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ما منکم أحد یصلی صلاة فریضة فی وقتها ثم یصلی معهم صلاة تقیة وهو متوض إلا کتب الله له خمسا وعشرین درجة ، فارغبوا فی ذلک » (5).

قوله : ( ولا تجب إلا فی الجمعة والعیدین مع الشرائط ).

وجوب الجماعة فی الجمعة والعیدین

ص: 313


1- الفقیه 1 : 251 - 1129.
2- الفقیه 1 : 250 - 1126 ، أمالی الصدوق : 300 - 14 بتفاوت فی السند ، الوسائل 5 : 381 أبواب صلاة الجماعة ب 5 ح 1.
3- الکافی 3 : 373 - 9 ، الفقیه 1 : 251 - 1127 ، التهذیب 3 : 265 - 752 ، الوسائل 5 : 381 أبواب صلاة الجماعة ب 5 ح 3.
4- الفقیه 1 : 265 - 1210 ، الوسائل 5 : 383 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 2.
5- الفقیه 1 : 250 - 1125 ، الوسائل 5 : 383 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 1.

ولا تجوز فی شی ء من النوافل ، عدا الاستسقاء والعیدین مع اختلال شرائط الوجوب.

______________________________________________________

المراد أنها لا تجب بالأصل إلا فی هذین الموضعین فلا ینافی ذلک وجوبها بالعارض کالنذر وما یجری مجراه ، وکما فی جاهل القراءة إذا عجز عن التعلم وأمکنه الائتمام ، وخالف فی ذلک أکثر العامة ، فقال بعضهم (1) : إنها فرض علی الکفایة فی الصلوات الخمس ، وقال آخرون : إنها فرض علی الأعیان (2) ، وقال بعض الحنابلة (3) : إنها شرط فی الصلاة تبطل بفواتها کسائر الشروط والواجبات.

ویدل علی انتفاء الوجوب مضافا إلی الأصل وإجماع الطائفة صحیحة زرارة والفضیل قالا ، قلنا له : الصلاة فی جماعة فریضة هی؟ فقال : « الصلاة فریضة ولیس الاجتماع بمفروض فی الصلوات کلها ولکنها سنة من ترکها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنین من غیر علة فلا صلاة له » (4).

قوله : ( ولا تجوز فی شی ء من النوافل ، عدا الاستسقاء والعیدین مع اختلال شرائط الوجوب ).

أما استحباب الجماعة فی صلاة العیدین - مع اختلال شرائط الوجوب - والاستسقاء (5) فقد تقدم الکلام فیه مفصلا (6). وأما أنه لا تجوز الجماعة فی غیرهما من النوافل فقال فی المنتهی : إنه مذهب علمائنا أجمع (7) ، واستدل بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضیل ، عن الصادقین

جواز الجماعة فی الاستسقاء والعیدین من النوافل

ص: 314


1- منهم الفیروزآبادی فی المهذب 1 : 93.
2- کابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 144.
3- کابنی قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 4.
4- الکافی 3 : 372 - 6 ، التهذیب 3 : 24 - 83 ، الوسائل 5 : 371 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.
5- لیست فی « ض » ، « م ».
6- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : وأما فی الاستسقاء فموضع وفاق ویدل علیه التأسی والأخبار الکثیرة ، وقد تقدم طرف منها فیما سبق.
7- المنتهی 1 : 364.

______________________________________________________

علیهماالسلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال : إن الصلاة باللیل فی شهر رمضان النافلة فی جماعة بدعة » (1).

وعن إسحاق بن عمار ، عن أبی الحسن علیه السلام ، وسماعة بن مهران ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن النبی صلی الله علیه و آله قال فی نافلة رمضان : أیها الناس إن هذه الصلاة نافلة ، ولن یجتمع للنافلة ، فلیصل کل رجل منکم وحده ولیقل ما علمه الله من کتابه ، واعلموا أنه لا جماعة فی نافلة » (2).

وفی هذا الاستدلال نظر ، لقصور الروایة الأولی عن إفادة العموم ، وضعف سند الثانیة باشتماله علی محمد بن سلیمان الدیلمی وغیره.

وربما ظهر من کلام المصنف فیما سیأتی أن فی المسألة قولا بجواز الاقتداء فی النافلة مطلقا. وقال فی الذکری : لو صلی مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة ، أو صلی متنفل بالراتبة خلف المفترض ، أو متنفل براتبة خلف راتبة أو غیرها من النوافل فظاهر المتأخرین المنع (3). وهذا الکلام یؤذن بأن المنع لیس إجماعیا.

وقد ورد بالجواز روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال له : « صل بأهلک فی رمضان الفریضة والنافلة فإنی أفعله » (4).

وفی الصحیح ، عن هشام بن سالم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن

ص: 315


1- التهذیب 3 : 69 - 226 ، الإستبصار 1 : 467 - 1807 ، الوسائل 5 : 191 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.
2- التهذیب 3 : 64 - 217 ، الإستبصار 1 : 464 - 1801 ، الوسائل 5 : 181 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 6.
3- الذکری : 266.
4- التهذیب 3 : 267 - 762 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 13.

وتدرک الصلاة جماعة بإدراک الرکوع ، وبإدراک الإمام راکعا علی الأشبه. وأقل ما تنعقد باثنین ، الإمام أحدهما.

______________________________________________________

المرأة تؤم النساء فقال : « تؤمهن فی النافلة ، فأما فی المکتوبة فلا » (1) ونحوه روی أیضا فی الصحیح ، عن الحلبی (2) ، وسلیمان بن خالد (3) ، عن أبی عبد الله علیه السلام .

ومن هنا یظهر أن ما ذهب إلیه بعض الأصحاب (4) من استحباب الجماعة فی صلاة الغدیر جید. وإن لم یرد فیها نص علی الخصوص ، مع أن العلامة نقل فی التذکرة عن أبی الصلاح أنه روی استحباب الجماعة فیها (5) ، ولم نقف علی ما ذکره.

قوله : ( وتدرک الصلاة جماعة بإدراک الرکوع ، وبإدراک الإمام راکعا علی الأشبه ).

أما إدراک الرکعة بإدراک الرکوع فعلیه اتفاق العلماء. وأما بإدراک الإمام راکعا فهو أحد القولین فی المسألة وأظهرهما ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه (6) ، وقد تقدم الکلام فی ذلک مفصلا فی الجمعة (7) فلا نعیده.

قوله : ( وأقل ما تنعقد باثنین ، الإمام أحدهما ).

هذا قول فقهاء الأمصار ، قاله فی المنتهی (8) وتدل علیه حسنة زرارة

درک الجماعة بدرک الامام راکعا

أقل ما تنعقد به الجماعة

ص: 316


1- الفقیه 1 : 259 - 1176 ، التهذیب 3 : 205 - 487 ، الوسائل 5 : 406 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1.
2- التهذیب 3 : 268 - 765 ، الإستبصار 1 : 427 - 1647 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 9.
3- الکافی 3 : 376 - 2 ، التهذیب 3 : 269 - 768 ، الإستبصار 1 : 426 - 1646 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.
4- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 160 ، والشهید الأول فی اللمعة : 47.
5- التذکرة 1 : 73.
6- الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 45.
7- راجع ص 17.
8- المنتهی 1 : 364.

ولا تصحّ مع حائل بین الإمام والمأموم یمنع المشاهدة ،

______________________________________________________

المتقدمة (1) ، وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « الرجلان یؤم أحدهما صاحبه یقوم عن یمینه » (2).

وروایة الحسن الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن أقل ما تکون الجماعة ، قال : « رجل وامرأة ، وإذا لم یحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة » (3) ومعنی کون المؤمن وحده جماعة : أنه إذا طلب الجماعة فلم یجدها تکون صلاته علی الانفراد مساویة لصلاته جماعة فی الثواب ، تفضلا من الله تعالی ، ومعاملة له بمقتضی نیته.

قوله : ( ولا تصحّ مع حائل بین الإمام والمأموم یمنع المشاهدة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، وابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن صلی قوم وبینهم وبین الإمام ما لا یتخطی فلیس ذلک الامام لهم بإمام ، وأی صف کان أهله یصلون بصلاة إمام وبینهم وبین الصف الذی یتقدمهم قدر ما لا یتخطی فلیس تلک لهم بصلاة ، فإن کان بینهم سترة أو جدار فلیس تلک لهم بصلاة إلا من کان حیال الباب. قال : وهذه المقاصیر لم تکن فی زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون ، ولیس لمن صلی خلفها مقتدیا بصلاة من فیها صلاة » (4).

واحترز المصنف بقوله : « ولا تصح مع حائل یمنع المشاهدة عما لا یمنع من ذلک ، کالحائل القصیر الذی لا یمنع المشاهدة فی حال القیام ، وکالشبابیک

لا تصح الجماعة مع الحائل بین الامام والمأموم

ص: 317


1- الکافی : 311.
2- التهذیب 3 : 26 - 89 ، الوسائل 5 : 411 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.
3- الفقیه 1 : 246 - 1095 ، وفی التهذیب 3 : 26 - 91 ، الوسائل 5 : 380 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 7 ، أوردا صدر الحدیث.
4- الفقیه 1 : 253 - 1144 ، التهذیب 3 : 52 - 182 ، الوسائل 5 : 462 أبواب صلاة الجماعة ب 62 ح 2.

______________________________________________________

التی تمنع الاستطراق دون المشاهدة.

وقال الشیخ فی الخلاف (1) : من صلی وراء الشبابیک لا تصح صلاته مقتدیا بصلاة الإمام الذی یصلی داخلها ، واستدل بصحیحة زرارة (2). وکأن موضع الدلالة فیها النهی عن الصلاة خلف المقاصیر ، فإن الغالب فیها أن تکون مشبکة.

وأجاب عنه فی المختلف بجواز أن تکون المقاصیر المشار إلیها فیها غیر مخرمة (3).

قیل : وربما کان وجه الدلالة إطلاق قوله علیه السلام : « إن صلی قوم وبینهم وبین الإمام ما لا یتخطی فلیس ذلک الإمام لهم بإمام » فإنّ ما لا یتخطی یتناول الحائط والشبابیک التی تکون کذلک وغیرهما. وهو بعید جدا ، لأن المراد عدم التخطی بواسطة التباعد لا باعتبار الحائل کما یدل علیه ذکر حکم الحائل بعد ذلک. ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکره الشیخ رحمه الله .

فروع :

الأول : لو لم یشاهد بعض المصلین الإمام وشاهد بعض المأمومین صحت صلاته ، وإلا لبطلت صلاة الصف الثانی وما بعده إذا لم یشاهدوا الإمام وهو معلوم البطلان. قال فی المنتهی : ولا نعرف فیه خلافا (4).

الثانی : لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو مفتوح بحیث یشاهد الإمام أو بعض المأمومین صحت صلاته وصلاة من علی یمینه وشماله ووراءه ، لأنهم یرون من یری الإمام.

ما یعتبر فی صفوف الجماعة

ص: 318


1- الخلاف 1 : 214.
2- المتقدمة فی ص 317.
3- المختلف : 159.
4- المنتهی 1 : 365.

إلا أن یکون المأموم امرأة.

______________________________________________________

ولو وقف بین یدی هذا الصف صف آخر عن یمین الباب أو یسارها لا یشاهدون من فی المسجد لم تصح صلاتهم ، کما یدل علیه قوله علیه السلام : « فإن کان بینهم سترة أو جدار فلیس تلک لهم بصلاة إلا من کان حیال الباب » (1) والظاهر أن الحصر إضافی بالنسبة إلی من کان عن یمین الباب ویسارها کما ذکرناه.

الثالث : منع أبو الصلاح (2) وابن زهرة (3) من حیلولة النهر بین الإمام والمأموم : فإن أرادا به ما لا یمکن تخطیه من ذلک کان جیدا ، لإطلاق صحیحة زرارة المتقدمة ، وإن لم یعتبرا فیه هذا القید طولبا بالدلیل علی الإطلاق.

قوله : ( إلا أن یکون المأموم امرأة ).

المراد أنه لا تصح الصلاة مع وجود الحائل الذی یمنع المشاهدة بین الإمام والمأموم مطلقا ، إلا إذا کان الإمام رجلا والمأموم امرأة ، فإنه یجوز ائتمامها به مع وجود الحائل. ویدل علی الجواز - مضافا إلی الأصل والعمومات وعدم ظهور تناول الروایة المانعة (4) لهذه الصورة - روایة عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصلی بالقوم وخلفه دار فیها نساء ، هل یجوز لهنّ أنّ یصلین خلفه؟ قال : « نعم ، إن کان الإمام أسفل منهنّ » قلت : فإنّ بینهنّ وبینه حائطا أو طریقا ، قال : « لا بأس » (5).

وقال ابن إدریس فی سرائره : قد وردت رخصة للنساء أن یصلین وبینهن وبین الإمام حائط ، والأول أظهر وأصح (6). وعنی به مساواة الرجال ولا ریب أنه أحوط.

صحة صلاة المرأة مع الحائل

ص: 319


1- الکافی 3 : 385 - 4 ، الفقیه 1 : 253 - 1144 ، التهذیب 3 : 52 - 182 ، الوسائل 5 : 460 أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 1.
2- الکافی فی الفقه : 144.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560.
4- وهی صحیحة زرارة المتقدمة.
5- التهذیب 3 : 53 - 183 ، الوسائل 5 : 461 أبواب صلاة الجماعة ب 60 ح 1.
6- السرائر : 62.

ولا تنعقد والإمام أعلی من المأموم بما یعتدّ به کالأبنیة علی تردد ، ویجوز أن یقف علی علوّ من أرض منحدرة ، ولو کان المأموم علی بناء عال کان جائزا.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تنعقد والإمام أعلی من المأموم بما یعتدّ به کالأبنیة علی تردد ، ویجوز أن یقف علی علوّ من أرض منحدرة ، ولو کان المأموم علی بناء عال کان جائزا ).

الأصل فی هذه الأحکام ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الموثق ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی بقوم وهم فی موضع أسفل من موضعه الذی یصلی فیه فقال : « إن کان الإمام علی شبه الدکان أو علی موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم ، وإن کان أرفع منهم بقدر إصبع أو أکثر أو أقل إذا کان الارتفاع ببطن مسیل (1) ، فإن کانت أرضا مبسوطة وکان فی موضع منها ارتفاع فقام الإمام فی الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنهم فی موضع منحدر فلا بأس » قال : وسئل فإن قام الإمام أسفل من موضع من یصلی خلفه ، قال : « لا بأس » وقال : « إن کان رجل فوق بیت أو غیر ذلک دکانا کان أو غیره وکان الإمام یصلی علی الأرض أسفل منه جاز للرجل أن یصلی خلفه ویقتدی بصلاته وإن کان أرفع منه بشی ء کثیر » (2).

وهذه الروایة ضعیفة السند ، متهافتة المتن ، قاصرة الدلالة ، فلا یسوغ التعویل علیها فی إثبات حکم مخالف للأصل. ومن ثم تردد [ فیه ] (3) المصنف رحمه الله ، وذهب الشیخ فی الخلاف إلی کراهة کون الإمام أعلی من المأموم بما یعتد به کالأبنیة (4) ، وهو متجه.

أما علوّ المأموم فقد قطع الأصحاب بجوازه ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا

حکم ارتفاع أو انخفاض موقف الامام

ص: 320


1- فی الفقیه : بقطع سیل ، وفی التهذیب : بقدر شبر ، والموجود کما فی الکافی والوسائل.
2- الفقیه 1 : 253 - 1146 ، التهذیب 3 : 53 - 185 ، الوسائل 5 : 463 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 3 : 386 - 9.
3- أثبتناه من « م » ، « ح ».
4- الخلاف 1 : 217.

ولا یجوز تباعد المأموم عن الإمام بما یکون کثیرا فی العادة إذا لم یکن بینهما صفوف متصلة ، أما إذا توالت الصفوف فلا بأس.

______________________________________________________

مؤذنا بدعوی الإجماع علیه ، واحتج علیه بإطلاق الأمر ، وموثقة عمار المتقدمة (1). وهو جید ، لکن روی الشیخ فی التهذیب ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن محمد بن عیسی ، عن صفوان ، عن محمد بن عبد الله ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « سألته عن الإمام یصلی فی موضع والذین خلفه یصلون فی موضع أسفل منه ، أو یصلی فی موضع والذین یصلون خلفه فی موضع أرفع منه فقال : « یکون مکانهم مستویا » (2) وهی ضعیفة بجهالة الراوی ، لکن العمل بما تضمنته أحوط.

فروع :

الأول : قال فی التذکرة : لو کان العلو یسیرا جاز إجماعا ، وهل یتقدر بشبر؟ أو بما لا یتخطی؟ الأقرب الثانی (3). ولعله أخذ من روایة زرارة السالفة (4) ، أو لأنه قضیة العرف.

الثانی : لو صلی الإمام فی مکان أعلی بشبر أو بما لا یتخطی أو بما یعتد به - علی الخلاف - بطلت صلاة المأمومین ، للنهی المقتضی للفساد ، دون صلاة الإمام ، لعدم المقتضی لذلک. وقال بعض العامة : تبطل صلاة الإمام أیضا ، لأنه منهی عن القیام فی مکان أعلی من مکان المأمومین (5). وهو ممنوع.

الثالث : لو صلی الإمام علی سطح والمأموم علی آخر وبینهما طریق صح مع عدم التباعد وعلو سطح الإمام.

قوله : ( ولا یجوز تباعد المأموم عن الإمام بما یکون کثیرا فی العادة إذا لم یکن بینهما صفوف متصلة ، أما إذا توالت الصفوف فلا بأس ).

اعتبار عدم تباعد المأموم عن الامام

ص: 321


1- المنتهی 1 : 366.
2- التهذیب 3 : 282 - 835 ، الوسائل 5 : 463 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 3.
3- التذکرة 1 : 174.
4- فی ص 317.
5- المغنی والشرح الکبیر 2 : 42 ، 79.

______________________________________________________

أجمع علماؤنا وأکثر العامة علی أنه یشترط فی الجماعة عدم التباعد بین الإمام والمأموم إلا مع اتصال الصفوف. وإنما الخلاف فی حدّه. فذهب الأکثر إلی أن المرجع فیه إلی العادة. وقال فی الخلاف : حدّه مع عدم اتصال الصفوف ما یمنع من مشاهدته والاقتداء بأفعاله (1). ویظهر منه فی المبسوط جواز البعد بثلاث مائة ذراع (2).

وقال أبو الصلاح (3) وابن زهرة (4) : لا یجوز أن یکون بین الصفین من المسافة ما لا یتخطی ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إن صلی قوم وبینهم وبین الإمام ما لا یتخطی فلیس ذلک الإمام لهم بإمام ، وأی صف کان أهله یصلون بصلاة إمام وبینهم وبین الصف الذی یتقدمهم قدر ما لا یتخطی فلیس تلک لهم بصلاة » (5).

وأجاب عنها المصنف فی المعتبر بأن اشتراط ذلک مستبعد فیحمل علی الأفضل (6). ولا یخفی ما فیه.

ویجاب عنها فی المختلف باحتمال أن یکون المراد ما لا یتخطی من الحائل لا من المسافة (7). وهو مشکل ، لوقوع التصریح فی الروایة بعد ذلک بذکر حکم الحائل : مع أن اللازم من حمله علی الحائل المنع من الصلاة خلف الشبابیک والحائل القصیر الذی یمنع من الاستطراق دون المشاهدة ، وهو لا یقول به.

إذا تقرر ذلک فاعلم أنه ینبغی للبعید من الصفوف أن لا یحرم بالصلاة

وجوب تأخر احرام المأموم عمن قبله

ص: 322


1- الخلاف 1 : 215.
2- المبسوط 1 : 156.
3- الکافی فی الفقه : 144.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560.
5- المتقدمة فی ص 317.
6- المعتبر 2 : 419.
7- المختلف : 159.

ویکره أن یقرأ المأموم خلف الإمام ، إلا إذا کانت الصلاة جهریّة ثم لا یسمع ولا همهمة ، وقیل : یحرم ، وقیل : یستحب أن یقرأ الحمد فیما لا یجهر فیه ، والأول أشبه.

______________________________________________________

حتی یحرم قبله من المتقدم من یزول معه التباعد.

ولو خرجت الصفوف المتخللة بین الإمام والمأموم عن الاقتداء لانتهاء صلاتهم أو نیة الانفراد وحصل البعد ، قیل : تنفسخ القدوة ، ولا تعود بانتقاله إلی محل القرب (1). ویحتمل جواز تجدید القدوة مع القرب إذا لم یکن فعلا کثیرا ، بناء علی جواز تجدید المؤتم بإمام آخر إذا انتهت صلاة الإمام. والأصح أن عدم التباعد إنما یعتبر فی ابتداء الصلاة خاصة دون استدامتها ، کالجماعة والعدد فی الجمعة ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

قوله : ( ویکره أن یقرأ المأموم خلف الإمام ، إلا إذا کانت الصلاة جهریّة ثم لا یسمع ولا همهمة ، وقیل : یحرم ، وقیل : یستحب أن یقرأ الحمد فیما لا یجهر فیه ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة علی أقوال منتشرة حتی ذکر جدی - قدس سره - فی روض الجنان أنه لم یقف فی الفقه علی خلاف فی مسألة یبلغ ما فی هذه المسألة من الأقوال (2) ، ولیس فی التعرض لها کثیر فائدة لضعف أدلتها.

والأصح تحریم القراءة علی المأموم مطلقا إلا إذا کانت الصلاة جهریة ولم یسمع ولا همهمة ، فإنه تستحب له القراءة حینئذ.

لنا : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا صلیت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع ، إلا أن تکون صلاة یجهر فیها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ » (3).

حکم خروج بعض الصفوف عن الاقتداء

حرمة قراءة المأموم خلف الامام مطلقا

ص: 323


1- قال به الشهید الأول فی البیان : 136.
2- روض الجنان : 373.
3- الفقیه 1 : 255 - 1156 ، الوسائل 5 : 421 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 1.

ولو کان الإمام ممن لا یقتدی به وجبت القراءة.

______________________________________________________

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة خلف الإمام ، أقرأ خلفه؟ فقال : « أما ما یجهر فیها فإنما أمر بالجهر لینصت من خلفه ، فإن سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ » (1).

وفی الحسن عن قتیبة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت خلف إمام ترضی به فی صلاة تجهر فیها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسک ، وإن کنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ » (2).

وإنما حملنا الأمر بالقراءة فی الجهریة مع عدم السماع علی الاستحباب لما رواه علی بن یقطین فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یصلی خلف إمام یقتدی به فی صلاة یجهر فیها بالقراءة فلا یسمع القراءة ، قال : « لا بأس إن صمت وإن قرأ » (3).

وذکر جمع من الأصحاب أنه یستحب للمأموم التسبیح فی الإخفاتیة ، ولا بأس به ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن بکر بن محمد الأزدی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إنی أکره للمرء أن یصلی خلف الإمام صلاة لا یجهر فیها بالقراءة فیقوم کأنه حمار » قال ، قلت : جعلت فداک فیصنع ماذا؟ قال : « یسبح » (4).

قوله : ( ولو کان الإمام ممن لا یقتدی به وجبت القراءة ).

وجوب القراءة خلف من لا یقتدی به

ص: 324


1- التهذیب 3 : 32 - 114 ، الإستبصار 1 : 427 - 1649 ، الوسائل 5 : 422 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5 ، وجاء فی صدرها : أما الصلاة التی لا یجهر فیها بالقراءة فإن ذلک جعل إلیه فلا تقرأ خلفه.
2- الکافی 3 : 377 - 4 ، التهذیب 3 : 33 - 117 ، الإستبصار 1 : 428 - 1652 ، الوسائل 5 : 423 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 7.
3- التهذیب 3 : 34 - 122 ، الإستبصار 1 : 429 - 1657 ، الوسائل 5 : 424 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 11.
4- الفقیه 1 : 256 - 1161 ، الوسائل 5 : 425 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.

______________________________________________________

لا ریب فی وجوب القراءة والحال هذه ، لانتفاء القدوة وکونه منفردا فی نفس الأمر وإن تابعه ظاهرا. ولا یجب الجهر بها فی الجهریة قطعا ، للأصل ، وصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یصلی خلف من لا یقتدی بصلاته والإمام یجهر بالقراءة فقال : « اقرأ لنفسک ، وإن لم تسمع نفسک فلا بأس » (1).

وتجزئه الفاتحة وحدها مع تعذر قراءة السورة إجماعا.

ولو رکع الإمام قبل إکمال الفاتحة قیل : قرأ فی رکوعه (2) ، وقیل : تسقط القراءة للضرورة ، وبه قطع الشیخ فی التهذیب حتی قال : إن الإنسان إذا لم یلحق القراءة معهم جاز له ترک القراءة والاعتداد بتلک الصلاة بعد أن یکون قد أدرک الرکوع (3). واستدل بما رواه عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أدخل المسجد فأجد الإمام قد رکع وقد رکع القوم فلا یمکننی أن أؤذن وأقیم وأکبر فقال لی : « فإذا کان کذلک فادخل معهم فی الرکعة واعتد بها فإنها من أفضل رکعاتک » قال إسحاق : فلما سمعت أذان المغرب وأنا علی بابی قاعد قلت للغلام : انظر أقیمت الصلاة ، فجاءنی فقال : نعم ، فقمت مبادرا فدخلت المسجد فوجدت الناس قد رکعوا ، فرکعت مع أول صف أدرکت واعتددت بها ، ثم صلیت بعد الانصراف أربع رکعات ، ثم انصرفت ، فإذا خمسة أو ستة من جیرانی قد قاموا إلیّ من المخزومیین والأمویین فاقعدونی ثم قالوا : یا أبا هاشم جزاک الله عن نفسک خیرا فقد والله رأینا خلاف ما ظننا بک وما قیل فیک. فقلت : وأی شی ء ذاک؟ فقالوا : تبعناک حتی قمت إلی الصلاة ونحن نری أنک لا تقتدی بالصلاة معنا ، فقد وجدناک قد اعتددت بالصلاة معنا وصلیت بصلاتنا ، فرضی الله عنک وجزاک خیرا. قال ، فقلت لهم : سبحان

حکم غیر المتمکن من اکمال القراءة خلف من لا یقتدی به

ص: 325


1- التهذیب 3 : 36 - 129 ، الإستبصار 1 : 430 - 1663 ، الوسائل 5 : 427 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 1.
2- کما فی الذکری : 275.
3- التهذیب 3 : 37.

وتجب متابعة الإمام ،

______________________________________________________

الله ألمثلی یقال هذا؟! قال : فعلمت أن أبا عبد الله علیه السلام لم یأمرنی إلا وهو یخاف علیّ هذا وشبهه (1). وهذه الروایة وإن کانت واضحة المتن لکنها قاصرة من حیث السند. والمسألة محل إشکال ، ولا ریب أن الإعادة مع عدم التمکن من قراءة الفاتحة طریق الاحتیاط.

قوله : ( وتجب متابعة الإمام ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال المصنف فی المعتبر : تجب متابعة الإمام فی أفعال الصلاة ، وعلیه اتفاق العلماء (2). واستدل علیه بما روی عن النبی صلی الله علیه و آله ، أنه قال : « إنما جعل الإمام إماما لیؤتم به ، فإذا رکع فارکعوا ، وإذا سجد فاسجدوا » (3).

( وفسرت المتابعة هنا بعدم ) (4) تقدم المأموم علی الإمام ، بل إما أن یتأخر عنه أو یقارنه. وهو جید ، لأصالة عدم وجوب التأخر السالمة من المعارض.

وقال ابن بابویه : إن من المأمومین من لا صلاة له ، وهو الذی یسبق الإمام فی رکوعه وسجوده ورفعه ، ومنهم من له صلاة واحدة ، وهو المقارن له فی ذلک ، ومنهم من له أربع وعشرون رکعة ، وهو الذی یتبع الإمام فی کل شی ء ، فیرکع بعده ویسجد بعده ویرفع منهما بعده (5) (6). وإنما تجب المتابعة فی الأفعال دون الأقوال ، لأصالة البراءة من هذا التکلیف ، ولأنه لو وجبت المتابعة فیها لوجب علی الإمام الجهر بها ، لیتمکن المأموم من متابعته ، والتالی منتف

وجوب متابعة الامام

ص: 326


1- التهذیب 3 : 38 - 133 ، الإستبصار 1 : 431 - 1666 ، الوسائل 5 : 431 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 4.
2- المعتبر 2 : 421.
3- صحیح مسلم 1 : 308 - 77 ، سنن ابن ماجة 1 : 276 - 846.
4- بدل ما بین القوسین فی « ض » ، « ح » : وظاهر العبارة وصریح غیرها أن المراد بالمتابعة هنا عدم.
5- نقله عنه فی الذکری : 279.
6- فی « ض » ، « ح » زیادة : ومقتضی ذلک جواز المقارنة.

فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر ،

______________________________________________________

بالإجماع فالمقدم مثله. وتکلیف المأموم بتأخیر الذکر إلی أن یعلم وقوعه من الإمام بعید جدا ، بل ربما کان مفوتا للقدوة.

وأوجب الشهید فی جملة من کتبه المتابعة فی الأقوال أیضا (1). وربما کان مستنده عموم قوله صلی الله علیه و آله : « إنما جعل الإمام لیؤتم به » (2) وهو أحوط.

هذا کله فی غیر تکبیرة الإحرام ، أما فیها فیعتبر تأخر المأموم بها ، فلو قارنه أو سبقه لم تنعقد الصلاة.

قوله : ( فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین الرفع من الرکوع والسجود ، والحکم بوجوب الاستمرار مع العمد مذهب الأصحاب ، لا أعلم فیه مخالفا صریحا. نعم قال المفید فی المقنعة : ومن صلی مع إمام یأتم به ، فرفع رأسه قبل الإمام فلیعد إلی الرکوع حتی یرفع رأسه معه ، وکذلک إذا رفع رأسه من السجود قبل الإمام فلیعد إلی سجوده ، لیکون ارتفاعه عنه مع الإمام (3).

وإطلاق کلامه یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین الناسی والعامد.

احتج القائلون (4) بوجوب الاستمرار بما رواه الشیخ فی الموثق ، عن غیاث بن إبراهیم ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل یرفع رأسه من الرکوع قبل الإمام ، أیعود فیرکع إذا أبطأ الإمام ویرفع رأسه؟ قال : « لا » (5).

وبأنه لو عاد إلی الرکوع أو السجود بعد الرفع منه یکون قد زاد ما لیس

حکم من سبق الامام

ص: 327


1- الدروس : 55 ، البیان : 138.
2- المتقدم فی ص 326.
3- لم نجدها فی المقنعة ، ووجدناها فی التهذیب 3 : 47.
4- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 422 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 379.
5- التهذیب 3 : 47 - 164 ، الإستبصار 1 : 438 - 1689 ، الوسائل 5 : 448 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 6.

وإن کان ناسیا أعاد ،

______________________________________________________

من الصلاة ، وهو مبطل ، إذ لا عذر یسقط معه اعتبار الزیادة.

ویشکل بضعف الروایة من حیث السند (1) ، وعدم دلالتها علی أن الرفع وقع علی سبیل العمد.

وبأن الفعل المتقدم علی فعل الإمام وقع منهیا عنه کما هو المفروض ، لترتب الإثم علیه إجماعا ، فلا یکون مبرئا للذمة ولا مخرجا من العهدة ، وإعادته تستلزم زیادة الواجب وهو مبطل عندهم ، فیحتمل بطلان الصلاة لذلک ، ویحتمل وجوب الإعادة هنا کما هو فی الناسی ، إن لم یثبت بطلان الصلاة بمثل هذه الزیادة ، کما هو ظاهر عبارة المقنعة ، لإطلاق الروایات المتضمنة للإعادة.

قوله : ( وإن کان ناسیا أعاد ).

المشهور بین الأصحاب أن الإعادة علی سبیل الوجوب ، لورود الأمر بها فی عدة روایات ، کصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یرکع مع الإمام یقتدی به ، ثم یرفع رأسه قبل الإمام ، فقال : « یعید رکوعه معه » (2).

وصحیحة ربعی بن عبد الله والفضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قالا : سألناه عن رجل صلی مع إمام یأتم به ، فرفع رأسه من السجود قبل أن یرفع الإمام رأسه من السجود ، قال : « فلیسجد » (3).

وروایة محمد بن سهل الأشعری ، عن أبیه ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عمن رکع مع إمام یقتدی به ، ثم رفع رأسه قبل الإمام ، قال : « یعید رکوعه معه » (4) (5).

ص: 328


1- ووجه الضعف هو أن راویها بتری - راجع رجال الشیخ : 132.
2- التهذیب 3 : 277 - 810 ، الوسائل 5 : 447 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3.
3- التهذیب 3 : 48 - 165 ، الوسائل 5 : 447 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 1.
4- الفقیه 1 : 258 - 1172 ، التهذیب 3 : 47 - 163 ، الإستبصار 1 : 438 - 1688 الوسائل 5 : 447 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 2.
5- فی « ض » ، « ح » زیادة : وهذه الروایات کما تری مطلقة.

وکذا لو أهوی إلی سجود أو رکوع.

______________________________________________________

وحملها الشیخ رحمه الله (1) ومن تأخر عنه (2) علی الناسی ، جمعا بینها وبین روایة غیاث المتقدمة.

وهو مشکل ، أما أولا : فلعدم تکافؤ السند ، فإن غیاثا قیل : إنه بتری (3). فلا تترک لأجل روایته الأخبار السلیمة. وأما ثانیا : فلأنه لا إشعار فی شی ء من الروایات بهذا الجمع ، ولو صحت الروایة لکان الأولی فی الجمع حمل الأمر بالإعادة علی الاستحباب ، کما هو اختیار العلامة فی التذکرة والنهایة (4).

ولو ترک الناسی الرجوع علی القول بالوجوب ، ففی بطلان صلاته وجهان : أحدهما : نعم ، لعدم صدق الامتثال حیث إنه مأمور بالإعادة ولم یأت بها ، فیبقی تحت العهدة. والثانی : لا ، لأن الرجوع لقضاء حق المتابعة ، لا لکونه جزءا من الصلاة. ولأنه بترک الرجوع یصیر فی حکم المتعمد الذی علیه الإثم لا غیر. والأول أظهر.

قوله : ( وکذا لو هوی إلی رکوع أو سجود ).

أی یستمر مع العمد ویرجع مع النسیان. أما الاستمرار مع العمد فیتوجه علیه ما سبق من الإشکال (5). وأما الرجوع مع النسیان فیدل علیه ما رواه الشیخ ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبی جعفر ، عن الحسن بن علی بن

ص: 329


1- التهذیب 3 : 47 ، الاستبصار 1 : 348.
2- کالمحقق فی المعتبر 2 : 422 ، والشهید الأول فی الذکری : 275 ، والشهید الثانی فی الروض : 374.
3- کما فی رجال الشیخ : 132.
4- التذکرة 1 : 185 ، نهایة الأحکام 2 : 136.
5- فی نسخة فی الأصل و « ح » زیادة : ویجب أن یقید الحکم بالصحة هنا بما إذا کان رکوعه بعد تمام قراءة الإمام وإلا تبطل قطعا.

ولا یجوز أن یقف المأموم قدّام الإمام.

______________________________________________________

فضال ، قال : کتبت إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام فی رجل کان خلف إمام یأتم به فیرکع قبل أن یرکع الإمام وهو یظن أن الإمام قد رکع ، فلما رآه لم یرکع رفع رأسه ثم أعاد الرکوع مع الإمام ، أیفسد ذلک علیه صلاته أم تجوز تلک الرکعة؟ فکتب : « یتم صلاته ولا تفسد بما صنع صلاته » (1) وهذه الروایة لا تقصر عن الصحیح ، إذ لیس فی رجالها من قد یتوقف فی شأنه إلا الحسن بن فضال ، وقد قال الشیخ : إنه کان جلیل القدر ، عظیم المنزلة ، زاهدا ورعا ، ثقة فی روایاته ، وکان خصیصا بالرضا علیه السلام (2). وأثنی علیه النجاشی وقال : إنه کان فطحیا ثم رجع إلی الحق رضی الله عنه (3).

واستوجه العلامة فی المنتهی أولا الاستمرار هنا مطلقا ، حذرا من وقوع الزیادة المبطلة ثم قال : لا یقال ینتقض بالرفع ، لأنا نقول إن ذلک هو الأصل إلا أنا صرنا إلی ذلک للنص. ثم قوی الرجوع إلی القیام لموثقة ابن فضال (4). والمسألة محل إشکال وإن کان القول بالرجوع مع النسیان لا یخلو من قرب.

قوله : ( ولا یجوز أن یقف المأموم قدّام الإمام ).

هذا قول علمائنا أجمع ، ووافقنا علیه أکثر العامة (5) ، لأن المنقول من فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام : إما تقدم الإمام أو تساوی الموقفین ، فیکون الإتیان بخلافه خروجا عن المشروع. ولأن المأموم یحتاج مع التقدم إلی استعلام حال الإمام بالالتفات إلی ما وراءه ، وذلک مبطل.

ومقتضی العبارة جواز المساواة بینهما فی الموقف ، وبه قطع أکثر

عدم جواز وقوف المأموم قدام الامام

ص: 330


1- التهذیب 3 : 280 - 823 ، الوسائل 5 : 447 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 4.
2- الفهرست : 48.
3- رجال النجاشی : 35.
4- المنتهی 1 : 379.
5- منهم الشافعی فی کتاب الأم 1 : 169 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 44 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 71.

______________________________________________________

الأصحاب ، وحکی فیه العلامة فی التذکرة الإجماع (1). ونقل عن ظاهر ابن إدریس أنه اعتبر تأخر المأموم ولم یکتف بالتساوی (2). وهو مدفوع بالأصل السالم من المعارض ، وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « الرجلان یؤم أحدهما صاحبه یقوم عن یمینه ، فإن کانوا أکثر من ذلک قاموا خلفه » (3) ونحوه روی زرارة فی الحسن ، عن الصادق علیه السلام (4). دلت الروایتان علی استحباب وقوف المأموم الواحد عن یمین الإمام أو وجوبه ، ولو وجب التأخر لذکره إذ المقام مقام البیان.

وقد نص الأصحاب علی أن المعتبر التساوی بالأعقاب ، فلو تساوی العقبان لم یضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه. ولو تقدم بعقبة علی الإمام لم ینفعه تأخره عنه بأصابعه أو رأسه.

واستقرب العلامة فی النهایة اعتبار التقدم بالعقب والأصابع معا ، وصرح بأنه لا یقدح فی التساوی تقدم رأس المأموم فی حالتی الرکوع والسجود ومقادیم الرکبتین أو الأعجاز فی حال التشهد (5). والنص خال من ذلک کله ، ولو قیل أن المرجع فی التقدم المبطل إلی العرف کان وجها قویا.

تنبیه : اختلف الأصحاب فی جواز استدارة المأمومین فی المسجد الحرام حول الکعبة ، فجوزه ابن الجنید بشرط أن لا یکون المأموم أقرب إلی الکعبة من الإمام (6). وبه قطع فی الذکری محتجا بالإجماع علیه عملا فی کل الأعصار السالفة (7). ومنعه العلامة فی جملة من کتبه ، وأوجب وقوف المأموم خلف

ص: 331


1- التذکرة 1 : 171.
2- السرائر : 61.
3- التهذیب 3 : 26 - 89 ، الوسائل 5 : 411 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.
4- الکافی 3 : 371 - 1 ، التهذیب 3 : 24 - 82 ، الوسائل 5 : 379 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 1.
5- نهایة الأحکام 2 : 117.
6- نقله عنه فی المختلف : 160.
7- الذکری : 162.

ولا بدّ من نیّة الائتمام

______________________________________________________

الإمام أو إلی أحد جانبیه کما فی غیر المسجد الحرام (1) ، واحتج علیه فی المنتهی بأن موقف المأموم خلف الإمام أو إلی أحد جانبیه ، وهو إنما یحصل فی جهة واحدة ، فصلاة من غایرها باطلة ، وبأن المأموم مع الاستدارة إذا لم یکن واقفا فی جهة الإمام یکون واقفا بین یدیه فتبطل صلاته. ولم أقف فی ذلک علی روایة من طرق الأصحاب. والمسألة محل تردد ، ولا ریب أن الوقوف فی جهة الإمام أولی وأحوط.

قوله : ( ولا بدّ من نیّة الائتمام ).

لأنه بدون ذلک منفرد فیجب علیه ما یجب علی المنفرد ، قال فی المنتهی : وهو قول کل من یحفظ عنه العلم (2).

ومقتضی العبارة عدم اعتبار نیة الإمام الإمامة (3) ، وبه قطع المصنف والعلامة فی جملة من کتبه (4) ، حتی إنه قال فی التذکرة : لو صلی بنیة الانفراد مع علمه بأن من خلفه یأتم به صح عند علمائنا ، لأن أفعال الإمام مساویة لأفعال المنفرد فی الکیفیة والأحکام فلا وجه لاعتبار تمییز أحدهما عن الآخر. وهو حسن وإن کان الثواب لا یترتب علی فعل الإمام إلا مع النیة ، لکن لو تحققت القدوة به وهو لا یعلم حتی فرغ من الصلاة أمکن أن ینال الثواب ، لأنه لم یقع منه إهمال النیة وإنما نال المأمومون الثواب بسببه فیبعد فی کرم الله وفضله حرمانه.

وفی اعتبار نیة الإمامة فی الجماعة الواجبة وجهان ، أظهرهما العدم ، إذ المعتبر فیها تحقق القدوة فی نفس الأمر. وجزم الشهیدان بالوجوب ، لوجوب نیة الواجب (5). وهو ممنوع.

وجوب نیة الائتمام والامام

ص: 332


1- المنتهی 1 : 377 ، المختلف : 160 ، التذکرة 1 : 171.
2- المنتهی 1 : 365.
3- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : وسیجی ء فی کلام الصنف التصریح بذلک.
4- التذکرة 1 : 173 ، القواعد 1 : 46 ، التحریر 1 : 52.
5- الشهید الأول فی الدروس : 54 ، والبیان : 135 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 44 ، وروض الجنان : 376.

والقصد إلی إمام معین ، فلو کان بین یدیه اثنان فنوی الائتمام بهما أو بأحدهما ولم یعین لم تنعقد. ولو صلی اثنان فقال کل منهما کنت إماما صحّت صلاتهما. ولو قال : کنت مأموما

لم تصحّ صلاتهما.

______________________________________________________

قوله : ( والقصد إلی إمام معین ).

بالاسم ، أو الصفة ، أو بکونه هذا الحاضر وإن لم یعلم باسمه أو صفته إذا علم استجماعه لشرائط الإمامة.

ولو نوی الاقتداء بالحاضر علی أنه زید فبان عمروا ، ففی ترجیح الإشارة علی الاسم فیصح ، أو العکس فیبطل ، نظر.

ولو شک بعد النیة فی إمامة وجب الانفراد إن سوغناه ، وحینئذ یعدل إلی من شاء إن جوزنا عدول المنفرد. ولو علم ما قام إلیه وجب البناء علیه قطعا.

قوله : ( ولو صلی اثنان ، فقال کل منهما کنت إماما صحت صلاتهما ، ولو قال : کنت مأموما لم تصحّ صلاتهما ).

إنما صحت الصلاتان إذا نوی کل منهما الإمامة لإتیان کل منهما بجمیع الأفعال الواجبة من القراءة وغیرها ، فلم تلزمه الإعادة. ونیة الإمامة لیست منافیة لصلاة المنفرد ، فلم تقدح فی الصلاة. بخلاف صورة الائتمام ، لإخلال کل منهما بالقراءة الواجبة فتبطل.

ویدل علی الحکمین أیضا ما رواه الشیخ ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام عن أبیه ، عن آبائه ، عن علی علیهم السلام أنه قال فی رجلین اختلفا فقال أحدهما : کنت إمامک ، وقال الآخر : کنت إمامک « إن صلاتهما تامة » قال ، قلت : فإن قال کل واحد منهما : کنت أأتم بک ، قال : « فصلاتهما فاسدة لیستأنفا » (1).

واستشکل المحقق الشیخ علی البطلان فی الصورة الثانیة ، لأن إخبار کل

حکم نیة کل من المصلین الإمامة أو المأمومیة

ص: 333


1- التهذیب 3 : 54 - 186 ، الوسائل 5 : 420 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 3 : 375 - 3 ، الفقیه 1 : 250 - 1123.

وکذا لو شکّا فیما أضمراه.

______________________________________________________

منهما بالائتمام بالآخر یتضمن الإقرار علی الغیر ، فلا یقبل کما لو أخبر الإمام بعد الصلاة بفسادها بغیر ذلک (1).

وأجیب عنه بأن ذلک غیر مسموع فی مقابلة النص الدال علی البطلان (2) ، وهو جید لو کانت الروایة صالحة لإثبات هذا الحکم ، لکنها ضعیفة جدا (3).

ویمکن أن یقال : إن من شرائط الائتمام أن یظن المأموم قیام الإمام بوظائف الصلاة التی من جملتها القراءة وسبقه بتکبیرة الإحرام ، فإن دخل کل منهما فی الصلاة علی هذا الوجه کان دخولهما مشروعا واتجه عدم قبول إخبار کل منهما بما ینافی ذلک ، کما فی صورة الإخبار بالحدث ، وإن انتفی ذلک تعین الحکم بالبطلان وإن لم یحصل الإخبار. وعلی هذا الوجه یمکن تنزیل الروایة وکلام الأصحاب.

ولا یخفی أن وقوع الاختلاف علی [ هذا الوجه نادر جدا ] (4) فإنه لا یکاد یتحقق إلاّ فی حال التقیة والائتمام بثالث ظاهرا.

قوله : ( وکذا لو شکّا فیما أضمراه ).

أی : وکذا لا تصح صلاتهما لو شکّا فیما أضمرا من الإمامة أو الائتمام. لأن الشک إن کان فی أثناء الصلاة لم یمکنهما المضی علی الائتمام وهو ظاهر ، ولا علی الانفراد أو الإمامة ، لجواز أن یکون کل منهما قد نوی الائتمام بصاحبه فتبطل النیة من رأس ویمتنع العدول. وإن کان بعد الفراغ لم یحصل منهما الیقین بالإتیان بأفعال الصلاة.

ص: 334


1- جامع المقاصد 1 : 147.
2- أجاب عنه الأردبیلی فی مجمع الفائدة 3 : 319.
3- ووجه الضعف هو أن راویها عامی کما فی عدة الأصول : 380 ، وأن فی طریقها النوفلی وقد نسب إلیه الغلو کما فی رجال النجاشی : 38 - 77.
4- ما بین القوسین أثبتناه من « ض » ، « م » ، « ح ».

ویجوز أن یأتمّ المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان ،

______________________________________________________

قال الشهید فی الذکری : ویمکن أن یقال إن کان الشک فی الأثناء وهو فی محل القراءة لم یمض ما فیه إخلال بالصحة نوی الانفراد وصحت الصلاة ، لأنه إن کان نوی الإمامة فهی نیة الانفراد ، وإن کان نوی الائتمام فالعدول عنه جائز. وإن کان بعد مضی محل القراءة فإن علم أنه قرأ بنیة الوجوب أو علم القراءة ولم یعلم نیة الندب انفرد أیضا ، لحصول الواجب علیه. وإن علم ترک القراءة أو القراءة بنیة الندب أمکن البطلان للإخلال بالواجب (1).

ویشکل بما ذکرناه من جواز أن یکون کل منهما قد نوی الائتمام بصاحبه ، فتبطل الصلاتان ویمتنع العدول.

وفصّل العلامة فی التذکرة ، فقطع بالبطلان إن عرض الشک فی أثناء الصلاة ، وتردد فیما إذا شکا بعد الفراغ من أنه شک بعد الانتقال ، ومن عدم الیقین بالإتیان بأفعال الصلاة (2).

وقوی المحقق الشیخ علی عدم الالتفات إلی الشک فی هذه الصورة (3).

ولا بأس به إذا کان کل منهما قد دخل فی الصلاة دخولا مشروعا.

قوله : ( ویجوز أن یأتمّ المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال العلامة فی المنتهی إنه قول علمائنا أجمع ، واستدل علیه بأن المباینة بین صلاة الفرض والنفل مع الاتحاد - کالظهر إذا صلاها مرة ثانیة - أکثر من المباینة بین الظهر والعصر الواجبتین ، وقد صح الائتمام فی الأول فیصح فی الثانی (4).

ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ،

جواز اختلاف فرض الامام والمأموم

ص: 335


1- الذکری : 272.
2- التذکرة 1 : 175.
3- جامع المقاصد 1 : 148.
4- المنتهی 1 : 367.

______________________________________________________

قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل إمام قوم یصلی العصر وهی لهم الظهر ، قال : « أجزأت عنه وأجزأت عنهم » (1).

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن رجل أمّ قوما فی العصر ، فذکر وهو یصلی بهم أنه لم یکن صلی الأولی ، قال : « فلیجعلها الأولی التی فاتته ویستأنف بعد صلاة العصر وقد قضی القوم صلاتهم » (2).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا صلی المسافر خلف قوم حضور فلیتم صلاته رکعتین ویسلم ، وإن صلی معهم الظهر فلیجعل الأولتین الظهر والأخیرتین العصر » (3).

ونقل عن الصدوق - رحمه الله - أنه قال : لا بأس أن یصلی الرجل الظهر خلف من یصلی العصر ، ولا یصلی العصر خلف من یصلی الظهر إلا أن یتوهمهما العصر فیصلی معه (4) العصر ، ثم یعلم أنها کانت الظهر فتجزی عنه (5).

قال فی الذکری : ولا نعلم مأخذه ، إلا أن یکون نظر إلی أن العصر لا تصح إلا بعد الظهر ، فإذا صلاها خلف من یصلی الظهر فکأنه قد صلی العصر مع الظهر مع أنها بعدها (6). وهو خیال ضعیف ، لأن عصر المصلی مترتبة علی ظهر نفسه لا علی ظهر إمامه.

ص: 336


1- التهذیب 3 : 49 - 172 ، الإستبصار 1 : 439 - 1691 ، الوسائل 5 : 453 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 1.
2- التهذیب 2 : 269 - 1072 ، الوسائل 3 : 213 أبواب المواقیت ب 63 ح 3.
3- الفقیه 1 : 287 - 1308 ، الوسائل 5 : 402 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.
4- فی « ض » : بنیة ، بدل معه.
5- حکاه عنه فی المختلف : 160.
6- الذکری : 266.

والمتنفّل بالمفترض ، والمتنفل والمفترض بالمتنفل فی أماکن ، وقیل : مطلقا.

______________________________________________________

وربما استدل له بصحیحة علی بن جعفر : إنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن إمام کان فی الظهر فقامت امرأته بحیاله تصلی معه وهی تحسب أنها العصر هل یفسد ذلک علی القوم؟ وما حال المرأة فی صلاتها معهم وقد کانت صلت الظهر؟ قال : « لا یفسد ذلک علی القوم وتعید المرأة صلاتها » (1).

وهو غیر جید ، لأن مدلول الروایة مناف لما ذکره الصدوق ، ومع ذلک فلا یمکن الاستدلال بها علی المنع من الائتمام فی صلاة العصر بمن یصلی الظهر ، لجواز أن یکون لاعتقاد المرأة خلاف الواقع مدخل فی الإعادة. بل یحتمل استناد الأمر بالإعادة إلی المحاذاة وإن کان الأصح أنها مکروهة. وقد ورد فی مواضع استحباب إعادة الفرض لإیقاعه علی الوجه الأکمل ، کاستحباب إعادة الجمعة لمن صلاها بغیر الجمعة والمنافقین کما تضمنته صحیحة عمر بن یزید (2) ، واستحباب إعادة الإحرام لناسی الغسل والصلاة قبله وغیر ذلک. والله أعلم.

وإنما یجوز اقتداء المفترض بالمفترض مع اختلاف الفرضین إذا لم تختلف الکیفیة ، فلو اختلفت لم یصح لعدم إمکان المتابعة.

واستثنی الشهید فی الدروس أیضا صلاة الاحتیاط ، فمنع من الاقتداء فیها وبها ، إلا فی الشک المشترک بین الإمام والمأموم (3). وکأنه لاحتمال کونها نافلة. ولعل المنع مطلقا أحوط.

قوله : ( والمتنفّل بالمفترض ، والمتنفل والمفترض بالمتنفل فی أماکن ، وقیل : مطلقا ).

الجار متعلق بالفعل المتقدم وهو « یجوز » فیکون قیدا فی الصور الأربع.

حکم ائتمام المتنفل بالمفترض وبالعکس

ص: 337


1- التهذیب 3 : 49 - 173 ، الوسائل 5 : 453 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 2.
2- الکافی 3 : 426 - 7 ، التهذیب 3 : 7 - 21 ، الوسائل 4 : 818 أبواب القراءة فی الصلاة ب 72 ح 1.
3- الدروس : 48.

ویستحب أن یقف المأموم عن یمین الإمام إن کان رجلا ، وخلفه إن کانوا جماعة

______________________________________________________

فمکان جواز اقتداء المفترض بالمفترض : الفرضان المتفقان فی الکیفیة کالیومیة بعضها ببعض ، دون المختلفین کالیومیة والکسوف. ومکان اقتداء المتنفل بالمفترض : اقتداء الصبی بالبالغ ، ومعید صلاته بمن لم یصلّ. وعکسه کاقتداء مبتدء الصلاة بالمعید. وأماکن اقتداء المتنفل بالمتنفل : صلاة المعید خلف المعید ، والاقتداء فی صلاة العید علی بعض الوجوه ، والاستسقاء ، والغدیر.

والقول بجواز الاقتداء فی النافلة مطلقا مجهول القائل ، وفی الأخبار دلالة علیه ، وقد أوردنا طرفا منها فیما سبق (1).

قوله : ( ویستحب أن یقف المأموم عن یمین الإمام إن کان رجلا ، وخلفه إن کانوا جماعة ).

المراد بالجماعة ما فوق الواحد ، والمستند فی هذا التفصیل ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « الرجلان یؤم أحدهما صاحبه یقوم عن یمینه ، فإن کانوا أکثر من ذلک قاموا خلفه » (2).

قال فی المنتهی : وهذا الموقف سنة ، فلو خالف بأن وقف الواحد علی یسار الإمام أو خلفه لم تبطل صلاته عند علمائنا أجمع (3). وحکی فی المختلف عن ابن الجنید القول بالبطلان مع المخالفة (4) ، وهو ضعیف.

وروی الشیخ فی التهذیب ، عن الحسین بن یسار المدائنی : أنه سمع من یسأل الرضا علیه السلام عن رجل صلی إلی جانب رجل فقام عن یساره وهو لا

استحباب وقوف الواحد عن یمین الامام والجماعة والمرأة خلفه

ص: 338


1- راجع ص 315.
2- التهذیب 3 : 26 - 89 ، الوسائل 5 : 411 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.
3- المنتهی 1 : 376.
4- المختلف : 160.

أو امرأة.

______________________________________________________

یعلم ، کیف یصنع ثم علم وهو فی الصلاة؟ قال : « یحوله عن یمینه » (1).

قوله : ( أو امرأة ).

المراد أنه یستحب للمرأة فما فوقها التأخر عن الإمام إذا کان رجلا. ولو قلنا بتحریم المحاذاة وجب التأخر ، لکنا قد بینا ضعفه فیما سبق (2).

وتدل علی الاستحباب روایات ، منها : ما رواه الشیخ ، عن أبی العباس ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یؤم المرأة فی بیته ، قال : « نعم ، تقوم وراءه » (3).

وعن عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یؤم المرأة ، قال : « نعم تکون خلفه » وعن المرأة تؤم النساء ، قال : « نعم تقوم وسطا بینهن ولا تتقدمهن » (4).

وعن القاسم بن الولید ، قال : سألته عن الرجل یصلی مع الرجل الواحد معهما النساء ، قال : « یقوم الرجل إلی جنب الرجل ویتخلفن النساء خلفهما » (5).

وینبغی للمرأة الواحدة مع التأخر الوقوف إلی جهة یمین الإمام ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أصلی المکتوبة بأم علی؟ قال : « نعم ، تکون عن یمینک یکون سجودها بحذاء قدمیک » (6).

ص: 339


1- التهذیب 3 : 26 - 90 ، الوسائل 5 : 414 أبواب صلاة الجماعة ب 24 ح 2.
2- فی ج 3 ص 220.
3- الکافی 3 : 376 - 1 ، التهذیب 3 : 267 - 757 ، الوسائل 5 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 5.
4- التهذیب 3 : 31 - 112 ، الإستبصار 1 : 426 - 1645 ، الوسائل 5 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 4.
5- التهذیب 3 : 268 - 763 ، الوسائل 5 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 3.
6- التهذیب 3 : 267 - 758 ، الوسائل 5 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 2.

ولو کان الإمام امرأة وقفت النساء إلی جانبها وکذا إذا صلی العاری بالعراة جلس وجلسوا فی سمته لا یبرز إلا برکبتیه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو کان الإمام امرأة وقفت النساء إلی جانبها ).

بمعنی أن لا یتأخرن عنها ، ولو احتجن إلی أزید من صفّ وقفت التی تؤم وسط الصف الأول غیر بارزة عنه. قال فی المعتبر : وعلی ذلک اتفاق القائلین بإمامة النساء (1).

وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تؤم النساء ، فقال : « إذا کن جمیعا أمّتهن فی النافلة فأما المکتوبة فلا ، ولا تقدمهن ، ولکن تقوم وسطا منهن » (2).

قوله : ( وکذا لو صلی العاری بالعراة جلس وجلسوا فی سمته لا یبرز إلا برکبتیه ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة ، قال : « یتقدمهم الإمام برکبتیه ویصلی بهم جلوسا وهو جالس » (3).

وإطلاق النص وکلام أکثر الأصحاب یقتضی تعین الجلوس علیهم مع أمن المطلع وبدونه. وقیل بوجوب القیام مع أمن المطلع ، واختاره الشارح (4). وهو ضعیف.

والأصح أنه یجب علی الجمیع الإیماء للرکوع والسجود ، کما اختاره الأکثر

کیفیة إمامة المرأة للنساء

إمامة العاری للعراة وصلاتهم

ص: 340


1- المعتبر 2 : 427.
2- الکافی 3 : 376 - 2 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.
3- التهذیب 2 : 365 - 1513 ، وج 3 : 178 - 404 ، الوسائل 3 : 328 أبواب لباس المصلی ب 51 ح 1.
4- المسالک 1 : 44.

ویستحب أن یعید المنفرد صلاته إذا وجد من یصلی تلک الصلاة جماعة ، إماما کان أو مأموما.

______________________________________________________

وادعی علیه ابن إدریس الإجماع (1) ، لإطلاق الأمر بذلک فی عدة أخبار صحیحة.

وقال الشیخ فی النهایة : یومئ الإمام ویرکع من خلفه ویسجد (2). ویشهد له قول أبی الحسن علیه السلام فی موثقة إسحاق بن عمار فی العراة : « یتقدمهم إمام فیجلس ویجلسون خلفه فیومئ إیماء بالرکوع والسجود وهم یرکعون ویسجدون خلفه علی وجوههم » (3).

ویظهر من المصنف فی المعتبر المیل إلی العمل بهذه الروایة ، فإنه قال : وهذه حسنة لا یلتفت إلی من یدعی الإجماع علی خلافها (4). وهو جید لو صح السند.

قوله : ( ویستحب أن یعید المنفرد صلاته إذا وجد من یصلی تلک الصلاة جماعة ، إماما کان أو مأموما ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام : إنی أحضر المساجد مع جیرانی وغیرهم فیأمروننی بالصلاة بهم ، وقد صلیت قبل أن آتیهم ، فربما صلی خلفی من یقتدی بصلاتی والمستضعف والجاهل ، وأکره أن أتقدم وقد صلیت لحال من یصلی بصلاتی ممن سمیت لک ، فأمرنی فی ذلک بأمرک أنتهی إلیه وأعمل به إن شاء الله. فکتب : « صلّ بهم » (5).

استحباب إعادة المنفرد جماعة وأحکامه

ص: 341


1- السرائر : 80.
2- النهایة : 130.
3- التهذیب 2 : 365 - 1514 ، الوسائل 3 : 328 أبواب لباس المصلی ب 51 ح 2 ، وفیهما : عن أبی عبد الله 7.
4- المعتبر 2 : 107.
5- الکافی 3 : 380 - 5 ، التهذیب 3 : 50 - 174 ، الوسائل 5 : 455 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 5.

______________________________________________________

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت صلاة وأنت فی المسجد وأقیمت الصلاة فإن شئت فاخرج ، وإن شئت فصلّ معهم واجعلها تسبیحا » (1).

وصحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی الصلاة وحده ثم یجد جماعة ، قال : « یصلی معهم ویجعلها الفریضة » (2) ونحوه روی هشام بن سالم فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام (3).

والظاهر أن معنی قوله علیه السلام : « ویجعلها الفریضة » أنه یجعلها الصلاة التی صلاها أولا ، لا غیرها من الصلاة.

وقال الشیخ فی التهذیب : إن المعنی فی هذا الحدیث أن من صلی ولم یفرغ بعد من صلاته ووجد جماعة فلیجعلها نافلة ، ثم یصلی فی جماعة ، ولیس ذلک لمن فرغ من صلاته بنیة الفرض ، لأن من صلی الفریضة بنیة الفرض لا یمکن أن یجعلها غیر فرض (4). وهو تأویل بعید ، وما ذکرناه أقرب.

وهنا مباحث :

الأول : یستفاد من قول المصنف رحمه الله : ویستحب أن یعید المنفرد صلاته ، أن من صلی الفریضة فی جماعة ثم وجد جماعة أخری لا تشرع له الإعادة. وهو کذلک ، للأصل ، وإدراک فضیلة الجماعة بالأولی.

وحکم الشهید فی الذکری باستحباب الإعادة للمنفرد والجامع ، لعموم الأدلة (5). وهو غیر واضح ، لأن أکثر الروایات مخصوصة بمن صلی وحده ، وما

ص: 342


1- الفقیه 1 : 265 - 1212 وفیه : عن أبی عبد الله عن أبیه علیهماالسلام ، التهذیب 3 : 279 - 821 ، الوسائل 5 : 456 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 8.
2- الکافی 3 : 379 - 1 ، التهذیب 3 : 50 - 176 ، الوسائل 5 : 457 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 11.
3- الفقیه 1 : 251 - 1132 ، الوسائل 5 : 455 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 1.
4- التهذیب 3 : 50.
5- الذکری : 266.

وأن یسبّح حتی یرکع الإمام إذا أکمل القراءة قبله.

______________________________________________________

لیس بمقید بذلک فلا عموم فیه. ومن هنا یعلم أن الأظهر عدم تراسل الاستحباب أیضا ، وجوزه الشهیدان (1).

الثانی : لو صلی اثنان فرادی ففی استحباب إعادة الصلاة لهما جماعة إذا لم یکن معهما مفترض وجهان ، من أن أقصی ما یستفاد من الروایات مشروعیة الإعادة إذا اقتدی بمفترض أو اقتدی به مفترض ، ومن عموم الترغیب فی الجماعة.

الثالث : إذا أعاد من صلی صلاته جماعة ، وأراد التعرض للوجه نوی الندب ، لخروجه عن العهدة بالصلاة الأولی ، فلا تکون الثانیة واجبة ، ومتی لم تکن واجبة امتنع إیقاعها علی وجه الوجوب. وجوز الشهید فی الذکری والدروس إیقاعها علی وجه الوجوب (2) ، لروایة هشام بن سالم (3). وهو بعید جدا والروایة لا تدل علیه بوجه.

قوله : ( وأن یسبّح حتی یرکع الإمام إذا أکمل القراءة قبله ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عمر بن أبی شعبة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : أکون مع الإمام فأفرغ قبل أن یفرغ من قراءته ، قال : « فأتم السورة ومجد الله وأثن علیه حتی یفرغ » (4).

وروی أیضا فی الموثق ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الإمام أکون معه فأفرغ من القراءة قبل أن یفرغ ، قال : « فأمسک آیة ومجد الله وأثن علیه فإذا فرغ فاقرأ الآیة وارکع » (5) والعمل بکل من الروایتین حسن

استحباب تسبیح من أتم القراءة قبل الامام

ص: 343


1- الشهید الأول فی الدروس : 56 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 371 ، والمسالک 1 : 44.
2- الذکری : 266 ، والدروس : 56.
3- المتقدمة فی ص 342.
4- التهذیب 3 : 38 - 134 ، الوسائل 5 : 433 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.
5- الکافی 3 : 373 - 1 ، التهذیب 3 : 38 - 135 ، المحاسن : 326 - 73 ، الوسائل 5 : 432 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 1 ، بتفاوت یسیر بینها.

وأن یکون فی الصف الأول أهل الفضل ،

______________________________________________________

إن شاء الله.

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین من تجب القراءة خلفه کالمخالف ، أو یستحب کالجهریة مع عدم السماع ، مع احتمال اختصاص الحکم بالمخالف ، لأنه المتبادر من النص.

قوله : ( وأن یکون فی الصف الأول أهل الفضل ).

هذا موضع وفاق بین العلماء. والمراد بأهل الفضل أهل المزیة الکاملة من علم أو عمل أو عقل. وإنما استحب کونهم فی الصف الأول لأن أفضل الصفوف أولها ، لما روی من أن الصلاة فیه کالجهاد فی سبیل الله (1) ، فیکون الأفضل للأفضل.

ویدل علیه صریحا ما رواه الکلینی ، عن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لیکن الذین یلون الإمام أولی الأحلام منکم والنهی ، فإن نسی الإمام أو تعایا قوّموه » (2).

والأحلام جمع حلم - بالکسر - وهو العقل ، ومنه قوله تعالی ( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا ) (3) والنهی - بالضم - العقل أیضا. وتعایا أی : لم یهتد لوجه مراده ، أو عجز عنه ولم یطق إحکامه.

قال فی الذکری : ولیکن یمین الصف لأفضل الصف الأول ، لما روی أن الرحمة تنتقل من الإمام إلیهم ثم إلی یسار الصف ، ثم إلی الثانی (4) والأفضل للأفضل (5). ویشهد له أیضا ما رواه الکلینی ، عن سهل بن زیاد بإسناده قال ، قال : « فضل میامن الصفوف علی میاسرها کفضل الجماعة علی صلاة

استحباب کون أهل الفضل من الصف الأول

ص: 344


1- الفقیه 1 : 252 - 1140 ، الوسائل 5 : 387 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 5.
2- الکافی 3 : 372 - 7 ، الوسائل 5 : 386 أبواب صلاة الجماعة ب 7 ح 2.
3- الطور : 32.
4- فی المصدر : الباقی.
5- الذکری : 273.

ویکره تمکین الصبیان منه.

ویکره أن یقف المأموم وحده ، إلا أن تمتلئ الصفوف.

______________________________________________________

الفرد » (1).

قوله : ( ویکره تمکین الصبیان منه ).

بل یکره تمکین غیر أهله منه ، ویکره لهم التأخر أیضا.

قوله : ( ویکره أن یقف المأموم وحده ، إلا أن تمتلئ الصفوف ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « أتموا الصفوف إذا وجدتم خللا ، ولا یضرک أن تتأخر إذا وجدت ضیقا فی الصف الأول ، وتمشی منحرفا حتی تتم الصف » (2).

وعن السکونی ، عن جعفر عن أبیه علیهماالسلام قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا تکونن فی العثکل ، قلت : وما العثکل؟ قال : أن تصلی خلف الصفوف وحدک » (3).

ولا کراهة فی وقوف الرجل وحده مع امتلاء الصفوف ، لما رواه الشیخ عن أبی الصباح قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقوم فی الصف وحده قال : « لا بأس إنما یبدو واحد بعد واحد » (4).

والأولی وقوفه بحذاء الإمام ، لروایة سعید الأعرج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یأتی الصلاة فلا یجد فی الصف مقاما أیقوم وحده حتی یفرغ من صلاته؟ قال : « نعم ، لا بأس یقوم بحذاء الإمام » (5).

کراهة تمکین الصبیان من الصف الأول

کراهة وقوف المأموم وحده

ص: 345


1- الکافی 3 : 373 - 8 ، الوسائل 5 : 387 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 2.
2- التهذیب 3 : 280 - 826 ، الوسائل 5 : 471 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 2.
3- التهذیب 3 : 282 - 838 ، الوسائل 5 : 460 أبواب صلاة الجماعة ب 58 ح 1.
4- التهذیب 3 : 280 - 828 ، الوسائل 5 : 459 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 2.
5- الکافی 3 : 385 - 3 ، التهذیب 3 : 272 - 786 ، الوسائل 5 : 459 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 3.

وأن یصلی المأموم نافلة إذا أقیمت الصلاة.

ووقت القیام إلی الصلاة إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، علی الأظهر.

______________________________________________________

ولو وجد المصلی فرجة فی صف فله السعی إلیها وإن کانت فی غیر الصف الأخیر ، ولا کراهة هنا فی اختراق الصفوف ، لأنهم قصّروا حیث ترکوا تلک الفرجة. نعم لو أمکن الوصول بغیر اختراقهم کان أولی.

ولا کراهة فی وقوف المرأة وحدها إذا لم تکن نساء ، بل یستحب لها ذلک.

قوله : ( وأن یصلی المأموم نافلة إذا أقیمت الصلاة ).

لما فیه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح ، ولما رواه الشیخ ، عن عمر بن یزید ، أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الروایة التی یروون أنه لا ینبغی أن یتطوع فی وقت فریضة ، ما حد هذا الوقت؟ قال : « إذا أخذ المقیم فی الإقامة » فقال له : إن الناس یختلفون فی الإقامة ، فقال : « المقیم الذی تصلی معه » (1).

ونقل عن ابن حمزة (2) ، والشیخ فی النهایة (3) أنهما منعا من التنفل بعد الإقامة. قال فی الذکری : وقد یحمل علی ما لو کانت الجماعة واجبة ، وکان ذلک یؤدی إلی فواتها (4).

قوله : ( ووقت القیام إلی الصلاة إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، علی الأظهر ).

هذا مشهور بین الأصحاب ، واستدل علیه بأن هذا اللفظ إخبار عن

کراهة النافلة إذا أقیمت الصلاة

وقت القیام لصلاة الجماعة

ص: 346


1- التهذیب 3 : 283 - 841 ، الوسائل 4 : 670 أبواب الأذان والإقامة ب 44 ح 1.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 676.
3- النهایة : 119.
4- الذکری : 278.

الطرف الثانی : یعتبر فی الإمام : الإیمان ، والعدالة ، والعقل ، وطهارة المولد ، والبلوغ علی الأظهر ،

______________________________________________________

الإقامة ، فتجب المبادرة للتصدیق ، وقول الصادق علیه السلام فی روایة معاویة بن شریح : « إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، ینبغی لمن فی المسجد أن یقوموا علی أرجلهم ویقدّموا بعضهم » (1).

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : وقت القیام إلی الصلاة عند فراغ المؤذن من کمال الأذان (2). ولم أقف علی مأخذه.

وحکی العلامة فی المختلف عن بعض علمائنا قولا بأن وقت القیام إلی الصلاة عند قوله : حی علی الصلاة ، لأنه دعا إلیها ، فاستحب القیام عنده (3).

وأجیب عنه بالمعارضة بالأذان ، فإن هذا اللفظ موجود فیه ولا یستحب القیام عنده ، وبأن هذا اللفظ دعاء إلی الإقبال إلی الصلاة ، وقد قامت صیغة إخبار بمعنی الأمر بالقیام ، فکان القیام عنده أولی.

قوله : ( یعتبر فی الإمام : الإیمان ، والعدالة ، والعقل ، وطهارة المولد ).

اعتبار هذه الأمور الأربعة فی إمام الجماعة مقطوع به فی کلام الأصحاب مدعی علیه الإجماع. نعم ذهب ابن الجنید إلی أن کل المسلمین علی العدالة إلی أن یظهر منه ما یزیلها (4). وذهب آخرون إلی جواز التعویل علی حسن الظاهر ، لعسر الاطلاع علی البواطن. وقد تقدم الکلام فی ذلک مفصلا فی صلاة الجمعة (5) فلا نعیده.

قوله : ( والبلوغ علی الأظهر ).

الشروط المعتبرة فی الامام

ص: 347


1- التهذیب 3 : 42 - 146 ، الوسائل 5 : 439 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 2.
2- المبسوط 1 : 157 ، والخلاف 1 : 217.
3- المختلف : 160.
4- حکاه عنه فی المختلف : 159.
5- فی ص 66.

وألا یکون قاعدا بقیام ،

______________________________________________________

هذا هو الأصح ، لأصالة عدم سقوط القراءة بفعل الغیر إلا مع العلم بالمسقط ، ولأن غیر المکلف لا یؤمن إخلاله بواجب أو فعله لمبطل ، لعلمه بارتفاع المؤاخذة عنه ، ویؤیده ما رواه الشیخ ، عن إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبیه : « إن علیا علیه السلام کان یقول : لا بأس أن یؤذن الغلام قبل أن یحتلم ، ولا یؤم حتی یحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته ، وفسدت صلاة من خلفه » (1).

وخالف فی ذلک الشیخ فی الخلاف والمبسوط ، فجوز إمامة المراهق الممیز العاقل فی الفرائض (2) ، واحتج علیه بإجماع الفرقة ، وروایة طلحة بن زید ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علی علیه السلام : « قال : لا بأس أن یؤذن الغلام الذی لم یحتلم وأن یؤم » (3). وفی الإجماع منع ، وفی سند الروایة ضعف.

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی من بلغ بالسن أو الإنبات ، فإنه تجوز إمامته وإن لم یحتلم (4).

قال فی المعتبر : ولیس هذا التأویل بجید ، لتوارد الروایتین علی صفة واحدة مع تنافی الحکم ، لکن الأولی العمل بروایة إسحاق لعدالته وضعف طلحة ، ولأن ذلک أظهر فی الفتوی بین الأصحاب وهو نوع من رجحان (5). وهو حسن.

قوله : ( وأن لا یکون قاعدا بقیام ).

ص: 348


1- التهذیب 3 : 29 - 103 ، الإستبصار 1 : 423 - 1632 ، الوسائل 5 : 398 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 7.
2- الخلاف 1 : 212 ، والمبسوط 1 : 154.
3- التهذیب 3 : 29 - 104 ، الإستبصار 1 : 424 - 1633 ، الوسائل 5 : 398 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 8.
4- التهذیب 3 : 30 ، والاستبصار 1 : 424.
5- المعتبر 2 : 436.

ولا أمیّا بمن لیس کذلک.

______________________________________________________

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (1) ، ویدل علیه - مضافا إلی الأصل - ما رواه ابن بابویه مرسلا ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله صلی بأصحابه جالسا ، فلما فرغ قال : لا یؤمّنّ أحد بعدی جالسا » (2). وما رواه الشیخ ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه علیهماالسلام قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام لا یؤمّن المقید المطلقین ، ولا صاحب الفالج الأصحاء » (3). وکذا الکلام فی جمیع المراتب لا یؤم الناقص فیها الکامل.

وأطلق الشیخ فی الخلاف جواز ائتمام (4) المکتسی بالعاری (5) ، وهو ضعیف. وقال فی التذکرة : إن اقتدی بالعاری مکتس عاجز عن الرکوع والسجود جاز ، لمساواته له فی الأفعال (6). وهو یتم إذا قلنا أن المانع من الاقتداء بالعاری عجزه عن الأرکان ، وأما إذا علل بنقصه من حیث الستر فلا.

قوله : ( ولا أمیّا بمن لیس کذلک ).

المراد بالأمی من لا یحسن القراءة الواجبة کما ذکره فی المعتبر (7). ولا ریب فی عدم جواز إمامته بالقاری ، لأن القراءة واجبة مع القدرة وإنما تسقط بتحمل الإمام ، ومع عجزه لا یتحقق التحمل.

ومقتضی العبارة جواز إمامته بمثله ، وهو کذلک ، لتساویهما فی الأفعال.

وینبغی التنبیه لأمور :

ص: 349


1- التذکرة 1 : 177.
2- الفقیه 1 : 249 - 1119 ، الوسائل 5 : 415 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.
3- التهذیب 3 : 27 - 94 ، الوسائل 5 : 411 أبواب صلاة الجماعة ب 22 ح 1.
4- فی جمیع النسخ : إمامة ، وما أثبتناه من المصدر.
5- الخلاف 1 : 208.
6- التذکرة 1 : 179.
7- المعتبر 2 : 437.

______________________________________________________

الأول : الأصح (1) أنه یجب علی الأمی الایتمام بالقاری المرضی مع الإمکان ، لأن من هذا شأنه یتمکن من الصلاة بقراءة صحیحة فیجب علیه. وبه قطع العلامة فی التذکرة من غیر نقل خلاف لأحد من الأصحاب (2) (3).

الثانی : الأخرس فی معنی الأمی ، فیجوز أن یؤم مثله. وهل له أن یؤم أمیا؟

قیل : لا ، لقدرته علی النطق بالتکبیر ، والأخرس عاجز عنه (4). وقیل بالجواز ، وهو خیرة المعتبر (5) ، لأن التکبیر لا یتحمله الإمام وهما فی القراءة سواء.

والأصح المنع ، لأصالة عدم سقوط القراءة مع إخلال الإمام بالرکن ، ونقص صلاته بالنسبة إلی المأموم.

الثالث : لو أحسن أحد الأمیین الفاتحة والآخر السورة جاز ائتمام من یعجز عن الفاتحة بالقادر علیها دون العکس ، للإجماع علی وجوبها فی الصلاة بخلاف السورة.

ولو أحسن کل منهما بعض الفاتحة فإن اتحد صح ائتمام أحدهما بالآخر ، وإلا فلا ، لأن کل واحد منهما أمی بالنسبة إلی الآخر ، مع احتمال الجواز ، لتساویهما فی کونهما أمیین.

الرابع : قال الشیخ فی المبسوط : لو صلی أمی بقارئ بطلت صلاة القاری وحده (6). وقیده العلامة فی المختلف بکون القاری غیر صالح

ص: 350


1- فی « ح » ، « م » ، « ض » : المشهور.
2- التذکرة 1 : 178.
3- فی « ح » ، « م » ، « ض » : زیادة : وهو أحوط وإن کان للتوقف فیه مجال.
4- قال به الشهید الأول فی الذکری : 268.
5- المعتبر 2 : 438.
6- المبسوط 1 : 154.

ولا یشترط الحریة علی الأظهر. وتشترط الذکورة إذا کان المأموم ذکرانا ، أو ذکرانا وإناثا.

ویجوز أن تؤمّ المرأة النساء.

______________________________________________________

للإمامة ، إذا لو کان صالحا لوجب علی الأمی الاقتداء به ، فإذا أخل به بطلت صلاته وصلاة من خلفه (1). وهو جید مع العلم بوجوب الاقتداء ، أما مع الجهل فلا تبعد صحة صلاته ، لعدم توجه النهی إلیه المقتضی للفساد.

قوله : ( ولا یشترط الحریة علی الأظهر ).

هذا هو الأصح ، للأصل ، وإطلاق الأمر ، وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن العبد یؤم القوم إذا رضوا به وکان أکثرهم قرآنا ، قال : « لا بأس » (2).

قوله : ( وتشترط الذکورة إذا کان المأمومون ذکرانا ، أو ذکرانا وإناثا. ویجوز أن تؤمّ المرأة النساء ).

أما أنه لا یجوز للمرأة أن تؤم رجلا فقال فی المعتبر : إنه متفق علیه بین العلماء کافة ، لقول النبی صلی الله علیه و آله : « أخروهن من حیث أخرهن الله » (3) ولأن المرأة مأمورة بالحیاء والاستتار ، والإمامة للرجال تقتضی الظهور والاشتهار (4).

وأما أنه یجوز لها أن تؤم النساء فهو قول معظم الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه قول علمائنا أجمع (5). واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه عن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تؤم

ص: 351


1- المختلف : 155.
2- التهذیب 3 : 29 - 100 ، الإستبصار 1 : 423 - 1629 ، الوسائل 5 : 400 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 2.
3- مستدرک الوسائل 1 : 222 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 1.
4- المعتبر 2 : 438.
5- التذکرة 1 : 171.

______________________________________________________

النساء؟ قال : « لا بأس به » (1).

وعن عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سأله عن المرأة تؤم النساء؟ قال : « نعم تقوم وسطا بینهن ولا تتقدمهن » (2) وفی الروایتین ضعف من حیث السند.

نعم یمکن الاستدلال علیه بما رواه الشیخ ( فی الصحیح ) (3) عن علیّ بن جعفر : أنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتکبیر؟ قال : « قدر ما تسمع » (4).

ونقل عن ابن الجنید (5) ، والسید المرتضی (6) - رضی الله عنه - أنهما جوّزا إمامة النساء فی النوافل دون الفرائض ، ونفی عنه البأس فی المختلف (7). وتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة هشام بن سالم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال : « تؤمهن فی النافلة فأما فی المکتوبة فلا ، ولا تتقدمهن ولکن تقوم وسطهن » (8).

وصحیحة سلیمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال : « إذا کن جمیعا أمتهن فی النافلة فأما المکتوبة فلا ، ولا تتقدمهن ولکن تقوم وسطا منهن » (9).

ص: 352


1- التهذیب 3 : 31 - 111 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 11.
2- التهذیب 3 : 31 - 112 ، الإستبصار 1 : 426 - 1645 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 10.
3- ما بین القوسین لیس فی « م ».
4- التهذیب 3 : 267 - 761 ، الوسائل 5 : 407 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 7.
5- کما فی الذکری : 265.
6- کما فی المختلف : 154.
7- المختلف : 154.
8- الفقیه 1 : 259 - 1176 ، التهذیب 3 : 205 - 487 ، الوسائل 5 : 406 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1.
9- الکافی 3 : 376 - 2 ، التهذیب 3 : 269 - 768 ، الإستبصار 1 : 426 - 1646 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.

وکذا الخنثی. ولا تؤم المرأة رجلا ولا خنثی.

ولو کان الإمام یلحن فی قراءته لم یجز إمامته بمتقن علی الأظهر.

______________________________________________________

وروایة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تؤم المرأة النساء فی الصلاة وتقوم وسطا منهن ویقمن عن یمینها وشمالها ، تؤمهن فی النافلة ولا تؤمهن فی المکتوبة » (1).

وأجاب المصنف فی المعتبر عن روایتی سلیمان بن خالد والحلبی بأنهما نادرتان لا عمل علیهما (2). وهو غیر جید ، لوجود القائل بمضمونهما ، وموافقتهما لصحیحة هشام المتقدمة ، مع أن الصدوق أوردها فی کتابه ومقتضی کلامه فی أوله الإفتاء بمضمونها.

ویشهد لهذا القول أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : المرأة تؤم النساء؟ قال : « لا ، إلا علی المیت إذا لم یکن أحد أولی منها تقوم وسطهن معهن فی الصف فتکبر ویکبرن » (3).

قوله : ( وکذا الخنثی ).

أی یجوز أن تؤم النساء دون الرجال. وقطع العلاّمة (4) ومن تأخر عنه (5) بأنه لیس لها أن تؤم بمثلها ، لاحتمال أن یکون الإمام أنثی والمأموم ذکرا. وقیل بالجواز (6). وهو محتمل.

قوله : ( ولو کان یلحن فی قراءته لم یجز إمامته بمتقن علی الأظهر ).

ص: 353


1- التهذیب 3 : 268 - 765 ، الإستبصار 1 : 427 - 1647 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 9.
2- المعتبر 2 : 427.
3- الفقیه 1 : 259 - 1177 ، الوسائل 5 : 406 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 3.
4- المنتهی 1 : 373.
5- وهو الشهید الثانی فی روض الجنان : 365.
6- قال به ابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.

وکذا من یبدل الحرف کالتّمتام وشبهه.

______________________________________________________

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وتدل علیه أصالة عدم سقوط القراءة عن المأموم إلاّ مع العلم بالمسقط وهو منتف هنا ، وأن القراءة الواجبة إنما تسقط بتحمل الإمام ومع لحنه لا یتحقق التحمل.

وقال الشیخ فی المبسوط : تکره إمامة من یلحن فی قراءته سواء کان فی الحمد أو فی غیرها ، أحال المعنی أو لم یحل إذا لم یحسن إصلاح لسانه ، فإن کان یحسن وتعمد اللحن فإنه تبطل صلاته وصلاة من خلفه إن علموا بذلک ، لأنه إذا لحن لم یکن قارئا للقرآن ، لأن القرآن لیس بملحون (1).

واستدل له العلاّمة فی المختلف علی الصحة مع تعذر الإصلاح بأن صلاة من هذا شأنه صحیحة فجاز أن یکون إماما (2). وهو استدلال ضعیف فإنه لو تم لاقتضی جواز إمامة الأمی والأخرس ولا قائل به.

ومقتضی العبارة جواز إمامة اللاحن بمثله وهو کذلک مع اتفاقهما فی موضع اللحن أو نقص المأموم وعجز الإمام عن التعلم ، وإلا لم تجز إمامته ( لفسقه ) (3) کما هو واضح.

قوله : ( وکذا من یبدل الحرف کالتّمتام وشبهه ).

أی لا تجوز إمامته بمن لیس کذلک ، لأن من هذا شأنه کاللاحن. ومقتضی العبارة أن التمتام یبدل الحرف بغیره ، وفسره فی المبسوط بأنه الذی لا یحسن أن یؤدی التاء (4).

وقال المصنف فی المعتبر : أما التمتام والفأفاء فالائتمام بهما جائز لأنه یکرر الحرف ولا یسقطه (5).

ص: 354


1- المبسوط 1 : 153.
2- المختلف : 155.
3- لیست فی « ض ».
4- المبسوط 1 : 153.
5- المعتبر 2 : 438.

______________________________________________________

ومقتضی کلامه أن التمتام هو الذی لا یتیسر له النطق بالتاء إلاّ بعد تردیدها مرتین فصاعدا ، وبهذا التفسیر والحکم صرح العلاّمة فی التذکرة والمنتهی (1) ، لکنه حکم فی التذکرة بکراهة إمامته لمکان هذه الزیادة.

والمراد بشبه التمتام بالمعنی الأول الألثغ بالثاء المثلثة ، وهو الذی یجعل الراء غینا أو لاما ، والألیغ بالیاء المنقطة من تحت نقطتین ، وهو الذی لا یبین الکلام ولا یأتی بالحروف علی الصحة ، وکل هؤلاء لا تجوز إمامتهم بالمتقن لما سبق ، ویجوز بالمساوی مع عجز الإمام عن الإصلاح.

قال فی المنتهی : ولو کان له لثغة خفیفة تمنع من تخلیص الحرف ولکن لا یبدله بغیره أمکن أن یقال بجواز إمامته بالقاری (2). ونحوه قال فی التذکرة ولکنه جزم بالجواز (3).

وقال الشهید فی الذکری : أما من به لثغة خفیفة تمنع من تخلیص الحرف ولا تبلغ به تبدیله بغیره فجائز إمامته للقارئ وإن کان القاری أفضل ، لأن ذلک یعد قرآنا (4).

ویشکل بأن من لم یخلّص الحرف لا یکون آتیا بالقراءة علی الوجه المعتبر فلا تکون قراءته کافیة عن قراءة المأموم کالمبدل.

وهل یجب علی اللاحن والمبدل للحرف بغیره مع العجز عن الإصلاح الائتمام بالمتقن مع التمکن منه؟ فیه وجهان : من توقف الواجب علی الائتمام فیکون واجبا ، ومن أصالة البراءة وإطلاق قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة والفضیل : « ولیس الاجتماع بمفروض فی الصلوات کلها » (5) والمسألة محل

ص: 355


1- التذکرة 1 : 178 ، المنتهی 1 : 372.
2- المنتهی 1 : 373.
3- التذکرة 1 : 178.
4- الذکری : 268.
5- الکافی 3 : 372 - 6 ، التهذیب 3 : 24 - 83 ، الوسائل 5 : 371 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.

ولا یشترط أن ینوی الإمامة.

وصاحب المسجد والإمارة والمنزل أولی بالتقدم.

______________________________________________________

تردد.

قوله : ( ولا یشترط أن ینوی الإمامة ).

أی فی صحة الصلاة أو فی انعقاد الجماعة ، وذلک لأن أفعال الإمام مساویة لأفعال المنفرد فلا یعتبر تمییز أحدهما من الآخر ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ( وصاحب المسجد والإمارة والمنزل أولی بالتقدم ).

المراد بصاحب المسجد الإمام الراتب فیه ، وبالأمیر من کانت إمارته شرعیة وهو الوالی من قبل الإمام علیه السلام ، وبصاحب المنزل ساکنه وإن لم یکن مالکا. وهؤلاء الثلاثة أولی من غیرهم عدا الإمام الأعظم وإن کان ذلک الغیر أفضل منهم ، وقد صرح بذلک جماعة منهم العلاّمة فی جملة من کتبه (1).

وقال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا.

أما أن صاحب الإمارة والمنزل أولی بالتقدم فیدل علیه قوله علیه السلام فی روایة أبی عبیدة : « ولا یتقدمن أحدکم الرجل فی منزله ولا صاحب سلطان فی سلطانه » (2).

وأما کراهة التقدم علی إمام المسجد الراتب فلأنه یجری مجری منزله ، ولأن تقدم غیر الراتب علیه یورث وحشة وتنافرا فیکون مرجوحا. ولو أذن هؤلاء لغیرهم فی التقدم فقد جزم الشهیدان بانتفاء الکراهة ، لأن أولویتهم لیست مستندة إلی فضیلة ذاتیة بل إلی سیاسة أدبیة (3). وهو اجتهاد فی مقابلة النص.

عدم اشتراط نیة الإمامة

ذکر الأولی بالتقدم

ص: 356


1- المنتهی 1 : 374 ، والتذکرة 1 : 180 ، ونهایة الأحکام 2 : 154.
2- الکافی 3 : 376 - 5 ، التهذیب 3 : 31 - 113 ، الوسائل 5 : 419 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
3- الشهید الأول فی الذکری : 270 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 45.

والهاشمیّ أولی من غیره إذا کان بشرائط الإمامة. وإذا تشاحّ الأئمة فمن قدّمه المأمون فهو أولی.

______________________________________________________

وهل الأفضل لهم الإذن للأکمل منهم أو مباشرة الإمامة؟ فیه وجهان ، وظاهر الروایة یدل علی أن الأفضل لهم المباشرة ، وعلی هذا فلو أذنوا فالأفضل للمأذون له رد الإذن لیستقر الحق علی ( أصله ) (1).

ولا تتوقف أولویة الراتب فی المسجد علی حضوره فلو تأخر روسل لیحضر أو یستنیب إلی أن یتضیق وقت الفضیلة.

قوله : ( والهاشمی أولی من غیره إذا کان جامعا للشرائط ).

المراد أنه أولی من غیر الثلاثة المتقدمة فإنهم أولی منه ، وهذا الحکم ذکره الشیخ (2) وجمع من الأصحاب ، واستحسنه فی المنتهی مستدلا علیه بأن الهاشمی أفضل من غیره وتقدیم المفضول قبیح عقلا (3).

وقال الشهید فی الذکری بعد اعترافه بعدم الوقوف علی مستند لذلک سوی ما روی مرسلا أو مسندا بطریق غیر معلوم من قول النبی صلی الله علیه و آله : « قدموا قریشا ولا تقدموهم » (4) : نعم فیه إکراما لرسول الله صلی الله علیه و آله ، إذ تقدیمه لأجله نوع إکرام ، وإکرام رسول الله صلی الله علیه و آله وتبجیله مما لا خفاء بأولویته (5).

قوله : ( وإذا تشاحّ الأئمة فمن قدّمه المأمومون فهو أولی ).

إذا تشاح الأئمة فإما أن یکره المأمومون إمامة بعضهم بأسرهم ، وإما أن یختاروا إمامة واحد بأسرهم ، وإما أن یختلفوا فی الاختیار. فإن کرهه جمیعهم لم یؤم بهم. لقوله علیه السلام : « ثلاثة لا یقبل الله لهم صلاة » أحدهم من تقدم

حکم تشاح الأئمة فی التقدم ومن یقدم

ص: 357


1- فی « م » : أهله.
2- النهایة : 112.
3- المنتهی 1 : 375.
4- الجامع الصغیر 2 : 253 - 6109 ، 6110.
5- الذکری : 270.

فإن اختلفوا قدّم الأقرأ ، فالأفقه ،

______________________________________________________

قوما وهم له کارهون (1).

وقال العلاّمة فی التذکرة : والأقرب أنه إن کان ذا دین فکرهه القوم لذلک لم تکره إمامته ، والإثم علی من کرهه ، وإلاّ کرهت (2). وهو حسن.

وإن اختار الجمیع واحدا فهو أولی ، لما فیه من اجتماع القلوب وحصول الإقبال المطلوب. وإن اختلفوا فقد أطلق المصنف وأکثر الأصحاب المصیر إلی الترجیح بالقراءة والفقه وغیرهما من المرجحات.

وقال فی التذکرة : إنه یقدم اختیار الأکثر ، فإن تساووا طلب الترجیح (3). وروایة أبی عبیدة تشهد للأول (4).

قال الشهید فی الذکری : وفی ذلک تصریح بأنه لیس للمأمومین أن یقتسموا الأئمة ویصلی کل قوم خلف من یختارونه ، لما فیه من الاختلاف المثیر للإحن (5). وهو کذلک.

قوله : ( فإن اختلفوا قدّم الأقرأ ، فالأفقه ).

المراد بالأقرإ الأجود قراءة کما ذکره فی التذکرة (6) ، وبالأفقه الأعلم بأحکام الصلاة أو بمطلق الأحکام الشرعیة ، وقد قطع المصنف وغیره (7) بتقدیم الأقرأ علی الأفقه ، لما رواه الشیخ عن أبی عبیدة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القوم من أصحابنا یجتمعون فتحضر الصلاة فیقول بعضهم لبعض : تقدم یا فلان فقال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال : یتقدم

ص: 358


1- الکافی 5 : 507 - 5 ، أمالی الطوسی : 196 ، الوسائل 5 : 418 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 6.
2- التذکرة 1 : 179.
3- التذکرة 1 : 179.
4- المتقدمة فی ص 1269.
5- الذکری : 270.
6- التذکرة 1 : 180.
7- کالشهید الأول فی الدروس : 54.

فالأقدم هجرة ،

______________________________________________________

القوم أقرؤهم للقرآن ، فإن کانوا فی القراءة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن کانوا فی الهجرة سواء فأکبرهم سنا ، فإن کانوا فی السن سواء فلیؤمهم أعلمهم بالسنة وأفقههم فی الدین » (1).

وحکی العلامة فی التذکرة عن بعض علمائنا قولا بتقدیم الأفقه علی الأقرأ (2) ، لأن القراءة التی یحتاج إلیها فی الصلاة محصورة وهو یحفظها وما یحتاج إلیه من الفقه غیر محصور ، ولأن الأفقه أشرف وأعلم بأرکان الصلاة وأحکامها فیکون أولی بالتقدیم ، لقوله تعالی ( قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ ) (3) وقول النبی صلی الله علیه و آله : « من أم قوما وفیهم من هو أعلم منه لم یزل أمرهم إلی سفال إلی یوم القیامة » (4).

وتأولوا خبر أبی عبیدة بأن القراءة فی زمن الصحابة کانت مستلزمة للفقه ، لأنهم کانوا إذا تعلّموا القرآن تعلّموا معه أحکامه.

ورده المصنف فی المعتبر بأن اللفظ جار علی إطلاقه ، ولأن ما ذکروه لو کان مرادا لما نقلهم بعد القراءة إلی الأعلم بالسنة (5). وهو جید لو صحت الروایة ، لکنها ضعیفة السند (6) فالقول بترجیح الأفقه لا یخلو من قوة.

قوله : ( فالأقدم هجرة ).

یدل علی ذلک قول النبی صلی الله علیه و آله : « فإن کانوا فی القراءة

ص: 359


1- التهذیب 3 : 31 - 113 ، الوسائل 5 : 419 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
2- التذکرة 1 : 180.
3- الزمر : 9.
4- الفقیه 1 : 247 - 1102 ، التهذیب 3 : 56 - 194 ، علل الشرائع : 326 - 4 ، الوسائل 5 : 415 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 1.
5- المعتبر 2 : 440.
6- لعل وجهه هو وقوع سهل بن زیاد فی سندها وهو ضعیف - راجع رجال النجاشی : 185 - 490 ، والفهرست : 80 - 329.

فالأسن ، فالأصبح.

______________________________________________________

سواء فأقدمهم هجرة » (1) والمراد بالأقدم هجرة الأسبق من دار الحرب إلی دار الإسلام.

وقال فی التذکرة : المراد بالأقدم هجرة سبق الإسلام ، أو من کان أسبق هجرة من دار الحرب إلی دار الإسلام ، أو یکون من أولاد من تقدمت هجرته (2).

ونقل عن الشیخ نجیب الدین یحیی بن سعید أنه قال : إن المراد بالأقدم هجرة فی زماننا : التقدم فی التعلم قبل الآخر (3).

وقال الشهید فی الذکری : وربما جعلت الهجرة فی زماننا سکنی الأمصار ، لأنها تقابل البادیة مسکن الأعراب ، لأن أهل الأمصار أقرب إلی تحصیل شرائط الإمامة والکمال فیها (4). وهذه اعتبارات حسنة إلا أن المستفاد من النص المعنی الأول.

قوله : ( فالأسن ).

أی فإن تساووا فی الهجرة إما لاقترانها أو لانتفائها ممن حصل بینهم الاختلاف قدّم الأکبر سنا. وذکر الشهید فی الذکری أن المراد علو السن فی الإسلام ، فلو کان أحدهما ابن ثلاثین سنة کلها فی الإسلام والآخر ابن ستین لکن إسلامه أقل من ثلاثین فالأول هو الأسن (5). وهو اعتبار حسن إلاّ أن النص لا یدل علیه.

قوله : ( فالأصبح ).

أی الأحسن وجها ، وهذه المرتبة ذکرها علیّ بن بابویه فی رسالته (6) ،

ص: 360


1- المتقدم فی ص 358.
2- التذکرة 1 : 180.
3- حکاه عنه فی الذکری : 271.
4- الذکری : 271.
5- الذکری : 271.
6- حکاه عنه فی المختلف : 156.

______________________________________________________

والشیخ (1) ، وسلاّر (2) ، وابن البراج (3) ، والمصنف فی هذا الکتاب ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (4) ، وعلله فی المختلف بأن فی حسن الوجه دلالة علی عنایة الله تعالی بصاحبه فاستحق التقدم بذلک.

وأنکر المصنف فی المعتبر الترجیح بذلک فقال : وهل یرجح بالأصبح؟ قال الشیخان : نعم ، ورواه المرتضی فی المصباح روایة ، ولا أری لها أثرا فی الأولویة ولا وجها فی شرف الرجال (5).

وحکی العلاّمة فی التذکرة عن الشافعیة اعتبار ذلک وأنهم اختلفوا فی تفسیره فقال بعضهم : المراد أحسنهم صورة لأن ذلک فضیلة کالنسب. وقال آخرون : المراد أحسنهم ذکرا بین الناس لدلالته علی حسن الحال عند الله تعال (6).

وفی کلام علیّ علیه السلام فی عهده للأشتر دلالة علی هذا المعنی حیث قال : « وإنما یستدل علی الصالحین بما یجری الله لهم علی ألسن عباده » (7).

قال العلاّمة - رحمه الله - فی التذکرة : فإن استووا فی ذلک کله قدّم أشرفهم ، أی أعلاهم نسبا وأفضلهم فی نفسه ، فإن استووا فی هذه الخصال قدّم أتقاهم وأورعهم لأنه أشرف فی الدین وأقرب إلی الإجابة ، فإن استووا فی ذلک کله فالأقرب القرعة ، ثم قال : وهذا کله تقدیم استحباب لا تقدیم اشتراط ولا إیجاب ، فلو قدم المفضول جاز ولا نعلم فیه خلافا (8).

ص: 361


1- النهایة : 111.
2- المراسم : 87.
3- المهذب 1 : 81.
4- المختلف : 156 ، والمنتهی 1 : 375 ، والتذکرة 1 : 180.
5- المعتبر 2 : 440.
6- التذکرة 1 : 180.
7- نهج البلاغة ( محمد عبده ) 3 : 63.
8- التذکرة 1 : 180.

ویستحب للإمام أن یسمع من خلفه الشهادتین.

وإذا مات الإمام أو أغمی علیه استنیب من یتم الصلاة.

______________________________________________________

قوله : ( ویستحب للإمام أن یسمع من خلفه الشهادتین ).

یدل علی ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه التشهد ولا یسمعونه هم شیئا یعنی التشهد ، ویسمعهم أیضا السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین » (1) وما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه کلما یقول ولا ینبغی لمن خلفه أن یسمعه شیئا مما یقول » (2).

ویستفاد من هذه الروایة أنه یستحب للإمام إسماع من خلفه جمیع الأذکار ، وأنه یکره للمأموم أن یسمع الإمام شیئا من ذلک.

قوله : ( وإذا مات الإمام أو أغمی علیه استنیب من یتم بهم الصلاة ).

المستنیب هنا هم المأمومون ، وقد أجمع الأصحاب علی أن الإمام إذا مات أو أغمی علیه یستحب للمأمومین استنابة من یتم بهم الصلاة کما نقله جماعة منهم العلاّمة فی التذکرة (3) ، وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أمّ قوما فصلی بهم رکعة ثم مات ، قال : « یقدمون رجلا آخر ویعتدون بالرکعة ویطرحون المیت خلفهم ویغتسل من مسه » (4).

وإطلاق العبارة یقتضی جواز استنابة المؤتم وغیره ، وبهذا التعمیم قطع فی

استحباب إسماع الامام من خلفه

ص: 362


1- الفقیه 1 : 260 - 1189 ، الوسائل 5 : 451 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1.
2- التهذیب 3 : 49 - 170 ، الوسائل 5 : 451 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
3- التذکرة 1 : 181.
4- التهذیب 3 : 43 - 148 ، الوسائل 5 : 440 أبواب صلاة الجماعة ب 43 ح 1.

وکذا إذا عرض للإمام ضرورة جاز له أن یستنیب ، ولو فعل ذلک اختیارا جاز أیضا.

______________________________________________________

المنتهی وقال : إنه یجوز استنابة من جاء بعد حدث الإمام ، للأصل ، ولأنه یجوز استنابة التابع فغیره أولی (1). وهو غیر بعید وإن کان الأولی استنابة المأموم خاصة ، لأنه المتبادر من النص.

ومقتضی العبارة وجوب الإتمام من موضع القطع سواء حصل العارض قبل الشروع فی القراءة أو بعدها أو فی أثنائها ، وقیل : یجب الابتداء من أول السورة التی حصل القطع فی أثنائها (2). ولعله أحوط.

قوله : ( وکذا إذا عرض للإمام ضرورة جاز له أن یستنیب ، ولو فعل ذلک اختیارا جاز أیضا ).

هذا الحکم إجماعی أیضا منصوص فی عدة روایات ، کصحیحة سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یؤم القوم فیحدث ویقدم رجلا قد سبق برکعة کیف یصنع؟ فقال : « لا یقدم رجلا قد سبق برکعة ، ولکن یأخذ بید غیره فیقدمه » (3).

ولو لم یستنب الإمام استناب المأمومون من یتم بهم الصلاة کما فی صورة الموت والإغماء ، لصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : إنه سأله عن إمام أحدث فانصرف ولم یقدم أحدا ما حال القوم؟ قال : « لا صلاة لهم إلاّ بإمام ، فلیقدم بعضهم فلیتم بهم ما بقی منها وقد تمت صلاتهم » (4).

ومقتضی الروایة وجوب الاستنابة ، إلاّ أن العلاّمة فی التذکرة نقل إجماع

حکم استنابة الامام غیره

ص: 363


1- المنتهی 1 : 381.
2- کما فی روض الجنان : 368.
3- التهذیب 3 : 42 - 147 ، الإستبصار 1 : 434 - 1675 ، الوسائل 5 : 438 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 1.
4- الفقیه 1 : 262 - 1196 ، التهذیب 3 : 283 - 843 ، الوسائل 5 : 474 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.

ویکره أن یأتمّ حاضر بمسافر.

______________________________________________________

علمائنا علی انتفاء الوجوب (1). وعلی هذا فیمکن حمل الروایة علی أن المنفی فیها الکمال والفضیلة لا الصحة ، والمسألة محل تردد.

وردّ المصنف بقوله : ولو فعل ذلک - یعنی المبطل - اختیارا جاز أیضا ، علی أبی حنیفة ، حیث منع من استخلاف الإمام إذا تعمد فعل المبطل ، وأوجب علی المأمومین الإتمام فرادی ، وبنی ذلک علی أصل فاسد ذکره وهو أنّ سبق الحدث لا یبطل الصلاة ، وإذا بقی حکمها بقی حکمها علی الجماعة فی جواز الاستخلاف بخلاف ما إذا أحدث متعمدا فإن الصلاة تبطل بذلک فیبطل حکمها وهو جواز الاستخلاف (2). والأصل عندنا باطل فالفرع أوضح بطلانا.

قوله : ( ویکره أن یأتمّ حاضر بمسافر ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل ظاهر المصنف فی المعتبر (3) والعلاّمة فی جملة من کتبه (4) أنه موضع وفاق. ونقل عن علیّ بن بابویه أنه قال : لا تجوز إمامة المتمم للمقصر ولا بالعکس (5). والمعتمد الکراهة.

( لنا علی الجواز الأصل والعمومات ، وربما أرشد إلیه الأخبار الکثیرة المتضمنة لجواز استنابة المسبوق (6) ، لاقتضائها عدم تأثیر المفارقة فی المنع. وعلی الکراهة ) (7) ما رواه الشیخ ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبی جعفر ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن داود بن الحصین ، عن الفضل بن عبد الملک ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یؤم الحضری المسافر ولا المسافر الحضری ، فإن ابتلی بشی ء من ذلک فأمّ قوما حضریین فإذا أتم الرکعتین سلّم

کراهة ائتمام الحاضر بمسافر

ص: 364


1- التذکرة 1 : 181.
2- المبسوط للسرخسی 2 : 105 ، اللباب 1 : 109.
3- المعتبر 2 : 441.
4- المنتهی 1 : 373 ، التذکرة 1 : 179 ، القواعد 1 : 47.
5- نقله عنه فی المختلف : 155.
6- الوسائل 5 : 437 أبواب صلاة الجماعة ب 40.
7- بدل ما بین القوسین فی « ح » : والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار.

______________________________________________________

ثم أخذ بید بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّی المسافر خلف قوم حضور فلیتم صلاته رکعتین ویسلّم ، وإن صلّی بقوم الظهر فلیجعل الأولیین الظهر والأخیرتین العصر » (1).

وهذه الروایة معتبرة الإسناد ، إذ لیس فی طریقها مطعون فیه سوی داود بن الحصین ، وقد وثقه النجاشی وقال : إنه کان یصحب أبا العباس الفضل بن عبد الملک وإن له کتابا یرویه عدة من أصحابنا (2). لکن قال الشیخ (3) وابن عقدة (4) إنه کان واقفیا. ولا یبعد أن یکون الأصل فی هذا الطعن من الشیخ کلام ابن عقدة ، وهو غیر ملتفت إلیه ، لنص الشیخ (5) والنجاشی (6) علی أنه کان زیدیا جارودیا وأنه مات علی ذلک. ( وهذه الروایة کالصریحة فی جواز الائتمام ) (7).

ولم یذکر المصنف فی هذا الکتاب أنه یکره ائتمام المسافر بالحاضر وقد حکم المصنف فی المعتبر بکراهته کالعکس ، واحتج علیه بروایة الفضل المتقدمة ، وبأن کل واحد منهما یفارق إمامه اختیارا ، والمفارقة مکروهة للمختار (8).

وقد ورد بجواز ائتمام المسافر بالحاضر روایات کثیرة ، کصحیحة حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المسافر یصلی خلف المقیم ،

ص: 365


1- الفقیه 1 : 259 - 1180 ، التهذیب 3 : 164 - 355 ، الإستبصار 1 : 426 - 1643 ، الوسائل 5 : 403 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6 ، بتفاوت.
2- رجال النجاشی : 159 - 421.
3- رجال الطوسی : 349.
4- نقله عنه العلامة فی الخلاصة : 221.
5- الفهرست : 28.
6- رجال النجاشی : 94 - 233.
7- بدل ما بین القوسین فی « ض » ، « م » ، « ح » : وهی صریحة فی الکراهة ، وتشهد للجواز أیضا العمومات المتضمنة لمشروعیة الجماعة السالمة عما یصلح للمعارضة.
8- المعتبر 2 : 441.

______________________________________________________

قال : « یصلی رکعتین ویمضی حیث شاء » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا صلی المسافر خلف قوم حضور فلیتم صلاته رکعتین ویسلم ، وإن صلی معهم الظهر فلیجعل الأولتین الظهر والأخیرتین العصر » (2).

وصحیحة عبد الله بن مسکان ومحمد بن النعمان الأحول ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرین فی صلاتهم فإن کانت الأولی فلیجعل الفریضة فی الرکعتین الأوّلتین ، وإن کانت العصر فلیجعل الأولتین نافلة والأخیرتین فریضة » (3).

وإنما یکره ائتمام المسافر بالمقیم وعکسه مع اختلاف الفرضین ، أما مع تساویهما فلا کراهة کما صرح به المصنف فی المعتبر حیث قال : وبموجب التعلیل الذی ذکرناه - یعنی تحقق المفارقة اختیارا - تزول الکراهة إن تساوی فرضاهما ، کالائتمام فی المغرب والغداة (4).

ومتی اقتدی الحاضر بالمسافر فی الصلاة المقصورة وجب علی المأموم إتمام صلاته بعد تسلیم الإمام منفردا أو مقتدیا بمن صاحبه فی الاقتداء ، کما فی صورة الاستخلاف مع عروض المبطل.

وربما ظهر من کلام العلاّمة فی التحریر التوقف فی جواز الاقتداء علی هذا الوجه حیث قال : ولو سبق الإمام اثنین ففی ائتمام أحدهما بصاحبه بعد تسلیم الإمام إشکال (5). وکأن منشأ الإشکال عدم ورود النص بذلک علی

ص: 366


1- الکافی 3 : 439 - 1 ، التهذیب 3 : 165 - 357 ، الوسائل 5 : 403 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 2.
2- الفقیه 1 : 260 - 1183 ، الوسائل 5 : 402 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.
3- التهذیب 3 : 226 - 573 ، الوسائل 5 : 403 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 4.
4- المعتبر 2 : 441.
5- التحریر 1 : 52.

وأن یستناب المسبوق.

______________________________________________________

الخصوص ، إلاّ أن الظاهر مساواته لحالة الاستخلاف (1).

قوله : ( وأن یستناب المسبوق ).

أی ویکره للإمام والمأمومین استنابة المسبوق وهو الذی لم یلحق أول رکعة مع الإمام إذا عرض للإمام مانع من الإکمال. ویدل علی الکراهة ورود النهی عن استنابته فی صحیحة سلیمان بن خالد المتقدمة (2) ، وقوله علیه السلام فی روایة معاویة بن میسرة : « لا ینبغی للإمام إذا أحدث أن یقدم إلا من أدرک الإقامة » (3).

ویدل علی جواز استنابة المسبوق صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یأتی المسجد وهم فی الصلاة وقد سبقه الإمام برکعة أو أکثر فیعتل الإمام فیأخذ بیده ویکون أدنی القوم إلیه فیقدمه فقال : « یتم الصلاة بالقوم ثم یجلس حتی إذا فرغوا من التشهد أومأ إلیهم بیده عن الیمین والشمال فکان الذی أومأ إلیهم بیده التسلیم وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما کان فاته أو بقی علیه » (4).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی المسبوق : « إذا أتم صلاته بهم فلیوم إلیهم یمینا وشمالا فلینصرفوا ثم لیکمل هو ما فاته من صلاته » (5).

وفی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی رجل أمّ قوما علی غیر وضوء فانصرف وقدّم رجلا ولم یدر المقدم ما صلی الإمام

کراهة استنابة المسبوق

ص: 367


1- فی « ح » زیادة : وکیف کان فالظاهر جواز الائتمام هنا کما فی حال الاستخلاف.
2- فی ص 363.
3- الفقیه 1 : 262 - 1193 ، الوسائل 5 : 439 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 3.
4- الکافی 3 : 382 - 7 ، الفقیه 1 : 258 - 1171 ، التهذیب 3 : 41 - 144 ، الإستبصار 1 : 433 - 1672 ، الوسائل 5 : 438 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 3.
5- الفقیه 1 : 262 - 1193 ، الوسائل 5 : 437 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 1.

وأن یؤمّ الأجذم ، والأبرص ،

______________________________________________________

قبله ، قال : « یذکره من خلفه » (1).

قوله : ( وأن یؤم الأجذم والأبرص ).

اختلف الأصحاب فی إمامة الأجذم والأبرص ، فذهب الشیخ فی المبسوط والخلاف (2) ، والمرتضی فی بعض رسائله (3) ، وأتباعهما (4) إلی المنع من إمامتهما ، لورود النهی عنها فی عدة أخبار کحسنة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا یصلین أحدکم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا ، والأعرابی لا یؤمّ المهاجرین » (5).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « خمسة لا یؤمون الناس علی کل حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابی » (6) ونحوه روی ابن بابویه ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام (7).

وذهب الشیخ فی کتابی الأخبار (8) ، والمفید (9) ، والمرتضی فی الانتصار (10) ، وابن إدریس (11) ، والمصنف ، وأکثر المتأخرین (12) إلی الکراهة ،

ذکر بعض من تکره إمامته.

ص: 368


1- الفقیه 1 : 262 - 1194 ، الوسائل 5 : 437 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 2.
2- المبسوط 1 : 155 ، والخلاف 1 : 216.
3- رسائل السید المرتضی 1 : 223.
4- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 80.
5- الکافی 3 : 375 - 4 ، الفقیه 1 : 247 - 1106 ، الوسائل 5 : 400 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
6- الکافی 3 : 375 - 1 ، التهذیب 3 : 26 - 92 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 5.
7- الفقیه 1 : 247 - 1105 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 3.
8- التهذیب 3 : 27 ، والاستبصار 1 : 423.
9- المقنعة : 27.
10- الانتصار : 50.
11- السرائر : 60.
12- منهم العلامة فی القواعد 1 : 47 ، والشهید الأول فی البیان : 133 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 368 ، والروضة البهیة 1 : 386.

والمحدود بعد توبته ، والأغلف ،

______________________________________________________

جمعا بین هذه الروایات وبین ما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن یزید قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المجذوم والأبرص یؤمان المسلمین؟ قال : « نعم » فقلت : هل یبتلی الله بهما المؤمن؟ فقال : « نعم ، وهل کتب الله البلاء إلاّ علی المؤمن؟! » (1).

وهذا الجمع جید لو تکافأ السندان ، لکن روایة زرارة معتبرة الإسناد ومعتضدة بما فی معناها من الأخبار ، وهذه الروایة ضعیفة بجهالة الراوی فیشکل الخروج بها عن ظاهر النهی المتقدم.

قوله : ( والمحدود بعد توبته ).

علله المصنف فی المعتبر بنقص مرتبته بذلک عن منصب الإمامة وإن زال فسقه بالتوبة (2) ونقل عن أبی الصلاح أنه منع من إمامة المحدود بعد التوبة إلاّ بمثله (3). وردّه الأکثر بأن المحدود لیس أسوأ حالا من الکافر ، وبالتوبة واستجماع الشرائط تصح إمامته. وهو جید ، لکن ورد فی حسنة زرارة المتقدمة وغیرها النهی عن إمامة المحدود ، وهو یتناول التائب وغیره.

قوله : ( والأغلف ).

الحکم بکراهة إمامة الأغلف مشکل علی إطلاقه ، لأن من أخل بالختان مع التمکن منه یکون فاسقا فلا تصح إمامته. وأطلق الأکثر المنع من إمامته ، وهو مشکل أیضا.

قال المصنف فی المعتبر : والوجه أن المنع مشروط بالفسق وهو التفریط فی الاختتان مع التمکن لا مع العجز.

ص: 369


1- التهذیب 3 : 27 - 93 ، الإستبصار 1 : 422 - 1627 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 1.
2- المعتبر 2 : 442.
3- الکافی فی الفقه : 144.

وإمامة من یکرهه المأموم

______________________________________________________

وبالجملة لیست الغلفة مانعة باعتبارها ما لم ینضم إلیها الفسوق بالإهمال ، ونطالب المانعین بالعلة ، فإن احتجوا بما رواه أبو الجوزاء ، عن الحسین بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زید بن علی ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام قال : « الأغلف لا یؤم القوم وإن کان أقرأهم لأنه ضیّع من السنة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا یصلی علیه إلاّ أن یکون ترک ذلک خوفا علی نفسه » (1) فالجواب من وجهین : أحدهما الطعن فی سند الروایة فإنهم بأجمعهم زیدیة مجهولو الحال. والثانی : أن نسلّم الخبر ونقول بموجبه فإنه تضمن ما یدل علی إهمال الاختتان مع وجوبه فلا یکون المنع معلقا علی الغلفة ، فإن ادعی مدع الإجماع فذاک یلزم من علمه ونحن لا نعلم ما ادعاه (2). هذا کلامه - رحمه الله - وهو فی غایة الجودة.

واعلم أن المنع من إمامة الأغلف مع القدرة علی الاختتان لا یقتضی بطلان صلاته ، لعدم توجه النهی إلی حقیقة العبادة ، إلاّ أن نقول باقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن الضد الخاص ، وجزم الشارح بالبطلان (3) ، ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( وإمامة من یکرهه المأموم ).

لقوله علیه السلام : « ثلاثة لا یقبل الله لهم صلاة » أحدهم من تقدم قوما وهم له کارهون (4). واستقرب العلامة فی التذکرة أنه إن کان ذا دین فکرهه القوم لذلک لم تکره إمامته ، ویکون الإثم علی من کرهه (5). وهو حسن.

ص: 370


1- الفقیه 1 : 248 - 1107 ، التهذیب 3 : 30 - 108 ، علل الشرائع : 327 - 1 ، المقنع : 35 ، الوسائل 5 : 396 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.
2- المعتبر 2 : 442.
3- المسالک 1 : 45.
4- الکافی 5 : 507 - 5 ، أمالی الطوسی : 196 ، الوسائل 5 : 418 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 6.
5- التذکرة 1 : 179.

وأن یؤمّ الأعرابی بالمهاجرین ، والمتیمّم بالمتطهرین.

______________________________________________________

قوله : ( وأن یؤمّ الأعرابی بالمهاجرین ).

الأعرابی منسوب إلی الأعراب ، وهم سکان البادیة ، وقد ورد النهی عن إمامته فی عدة روایات (1). وبظاهر النهی وهو المنع أخذ الشیخ (2) وجماعة (3) ، واقتصر آخرون علی الکراهة (4). وفصل المصنف فی المعتبر فی ذلک تفصیلا حسنا فقال : والذی نختاره أنه إن کان ممن لا یعرف محاسن الإسلام ولا وصفها فالأمر کما ذکروه ، وإن کان وصل إلیه ما یکفیه اعتماده ویدین به ولم یکن ممن تلزمه المهاجرة وجوبا جاز أن یؤم ، لقوله علیه السلام : « یؤمکم أقرؤکم » (5) ، وقول الصادق علیه السلام : « لا یتقدمن أحدکم الرجل فی منزله ولا فی سلطانه » (6) (7). انتهی. وعلی هذا فیمکن حمل النهی علی من وجبت علیه المهاجرة ولم یهاجر أو علی غیر المتصف بشرائط الإمامة.

قوله : ( والمتیمم بالمتوضئین ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا نعرف فیه خلافا إلا ما حکی عن محمد بن الحسن الشیبانی من المنع من ذلک (8).

واستدل علیه الشیخ فی کتابی الأخبار بما رواه عن عباد بن صهیب ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا یصلی المتیمم بقوم

ص: 371


1- الکافی 3 : 375 - 1 ، 4 ، الفقیه 1 : 247 - 1105 ، 1106 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 3 ، 5 ، 6.
2- النهایة : 112 ، والمبسوط 1 : 155 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 191.
3- منهم الصدوق فی المقنع : 35 ، والعلامة فی التذکرة 1 : 178.
4- منهم الشهید الأول فی الدروس : 54 ، والبیان : 133 ، والسیوری فی التنقیح الرائع 1 : 276 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 368.
5- سنن أبی داود 1 : 159 - 585.
6- الکافی 3 : 376 - 5 ، التهذیب 3 : 31 - 113 ، علل الشرائع : 326 - 2 ، الوسائل 5 : 419 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
7- المعتبر 2 : 443.
8- المنتهی 1 : 373.

الطرف الثالث : فی أحکام الجماعة ، وفیه مسائل :

الأولی : إذا ثبت أن الإمام فاسق أو کافر أو علی غیر طهارة بعد الصلاة لم تبطل صلاة المؤتمّ ، ولو کان عالما أعاد.

______________________________________________________

متوضئین » (1). وعن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : « لا یؤم صاحب التیمم المتوضئین ، ولا یؤم صاحب الفالج الأصحاء » (2). وفی الروایتین ضعف من حیث السند (3).

ولو لا ما یتخیل من انعقاد الإجماع علی هذا الحکم لأمکن القول بجواز الإمامة علی هذا الوجه من غیر کراهة ، للأصل ، وما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن إمام قوم أجنب ولیس معه من الماء ما یکفیه للغسل ومعهم ما یتوضئون به ، أیتوضأ بعضهم ویؤمهم؟ قال : « لا ، ولکن یتیمم الإمام ویؤمهم ، فإن الله عزّ وجلّ جعل الأرض طهورا کما جعل الماء طهورا » (4).

قوله : ( الأولی ، إذا ثبت أن الإمام فاسق أو کافر أو علی غیر طهارة لم تبطل صلاة المؤتمّ ، ولو کان عالما أعاد ).

أما أنه تجب علی المأموم الإعادة إذا کان عالما بفسق الإمام أو کفره أو حدثه فلا ریب فیه ، لأنه صلی صلاة منهیا عنها فتقع فاسدة.

وأما أنه لا تجب علیه الإعادة إذا تبین ذلک بعد الصلاة فهو أشهر القولین فی المسألة وأظهرهما.

حکم تبین فسق أو حدث الامام

ص: 372


1- التهذیب 3 : 166 - 361 ، الإستبصار 1 : 424 - 1634 ، الوسائل 5 : 402 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 6.
2- التهذیب 3 : 166 - 362 ، الإستبصار 1 : 424 - 1635 ، الوسائل 5 : 402 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 5.
3- أما. الأولی فوجهه هو کون راویها عامی - راجع رجال الطوسی : 3. وأما الثانیة فلأن راویها عامی ضعیف - راجع عدة الأصول : 380 ، وخلاصة العلامة : 199.
4- الفقیه 1 : 60 - 223 ، التهذیب 3 : 167 - 365 ، الإستبصار 1 : 425 - 1638 ، الوسائل 5 : 401 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 1.

______________________________________________________

ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه (1) - وابن الجنید (2) أنهما أوجبا الإعادة.

وحکی ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه عن جماعة من مشایخه ، أنه سمعهم یقولون : لیس علیهم إعادة شی ء مما جهر فیه ، وعلیهم إعادة ما صلی بهم مما لم یجهر فیه (3).

لنا : أنه صلی صلاة مأمورا بها فکانت مجزئة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یؤم القوم وهو علی غیر طهر فلا یعلم حتی تنقضی صلاته ، قال : « یعید ، ولا یعید من خلفه وإن أعلمهم أنه علی غیر طهر » (4).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن قوم صلی بهم إمامهم وهو غیر طاهر ، أتجوز صلاتهم أم یعیدونها؟ قال : « لا إعادة علیهم ، تمت صلاتهم ، وعلیه هو الإعادة ، ولیس علیه أن یعلمهم ، هذا عنه موضوع » (5).

وفی الحسن ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وکان یؤمهم رجل ، فلما صاروا إلی الکوفة علموا أنه یهودی ، قال : « لا یعیدون » (6).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن عبد الرحمن بن العرزمی ، عن أبیه ،

ص: 373


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 200.
2- حکاه عنه فی المختلف : 156.
3- الفقیه 1 : 263.
4- التهذیب 3 : 39 - 137 ، الإستبصار 1 : 432 - 1668 ، الوسائل 5 : 434 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 4.
5- التهذیب 3 : 39 - 139 ، الإستبصار 1 : 432 - 1670 ، الوسائل 5 : 434 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 5.
6- الکافی 3 : 378 - 4 ، التهذیب 3 : 40 - 141 ، الوسائل 5 : 435 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 1.

ولو علم فی أثناء الصلاة ، قیل : یستأنف ، وقیل : ینوی الانفراد ویتم ، وهو أشبه.

الثانیة : إذا دخل والإمام راکع وخاف فوت الرکوع رکع ،

______________________________________________________

عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صلی علی علیه السلام بالناس علی غیر طهر وکانت الظهر ، ثم دخل ، فخرج منادیه أن أمیر المؤمنین صلی علی غیر طهر فأعیدوا ، ولیبلغ الشاهد الغائب » (1) لأنا نجیب عنه بالطعن فی السند بجهالة الراوی.

وقال الشیخ فی التهذیب : هذا خبر شاذ ، مخالف للأحادیث کلها ، وما هذا حکمه لا یجوز العمل به ، علی أن فیه ما یبطله ، وهو أن أمیر المؤمنین علیه السلام أدی فریضة علی غیر طهر وقد آمننا من ذلک دلالة عصمته علیه السلام (2).

احتج السید المرتضی - علی ما نقل عنه - بأنها صلاة تبین فسادها ، لاختلال بعض شرائطها فتجب إعادتها ، وبأنها صلاة منهی عنها فتقع فاسدة (3). وضعف الدلیلین ظاهر.

قوله : ( ولو علم فی أثناء الصلاة ، قیل : یستأنف ، وقیل : ینوی الانفراد ، وهو أشبه ).

الخلاف فی هذه المسألة یرجع إلی الخلاف فی المسألة السابقة ، فعلی الإعادة یستأنف ، وعلی القول بالعدم ینوی الانفراد ویتم. ویحتمل الاستئناف علی القولین إن قلنا بعدم جواز المفارقة فی أثناء الصلاة ، وهو ضعیف.

قوله : ( الثانیة ، إذا دخل والإمام راکع وخاف فوت الرکوع رکع ،

حکم من خاف فوت الرکوع قبل ادراک الجماعة

ص: 374


1- التهذیب 3 : 40 - 140 ، الإستبصار 1 : 433 - 1671 ، الوسائل 5 : 435 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 9.
2- التهذیب 3 : 40.
3- کما فی المختلف : 156.

ویجوز أن یمشی فی رکوعه حتی یلحق بالصف.

الثالثة : إذا اجتمع خنثی وامرأة وقف الخنثی خلف الإمام ، والمرأة

______________________________________________________

ویجوز أن یمشی فی رکوعه حتی یلحق بالصف ).

المراد أنه إذا دخل المصلی موضعا تقام فیه الجماعة ، وقد رکع الإمام ، وخاف أن یفوته الرکوع إذا لحق بالصف ، نوی وکبر فی موضعه ، ورکع محافظة علی إدراک الرکعة ، إذا لم یکن هناک مانع شرعی ، ثم یمشی فی رکوعه حتی یلحق بالصف.

ویدل علی ذلک صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام : أنه سئل عن الرجل ، یدخل المسجد ، فیخاف أن تفوته الرکعة ، فقال : « یرکع قبل أن یبلغ إلی القوم ، ویمشی وهو راکع حتی یبلغهم » (1).

ویجوز له السجود فی مکانه ، ثم الالتحاق به إذا قام ، لما رواه الشیخ فی الصحیح أیضا ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخلت المسجد ، والإمام راکع ، فظننت أنک إن مشیت إلیه رفع رأسه قبل أن تدرکه ، فکبر وارکع ، فإذا رفع رأسه فاسجد مکانک ، فإذا قام فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مکانک ، فإذا قام فالحق بالصف » (2).

قال ابن بابویه - رحمه الله - بعد أن أورد هذه الروایة فی کتابه : وروی أنه إذا مشی فی الصلاة یجر رجلیه ولا یتخطی (3).

قوله : ( الثالثة ، إذا اجتمع خنثی وامرأة وقف الخنثی خلف

حکم اجتماع الخنثی والمرأة فی الجماعة

ص: 375


1- التهذیب 3 : 44 - 154 ، الإستبصار 1 : 436 - 1681 ، الوسائل 5 : 443 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.
2- التهذیب 3 : 44 - 155 ، الإستبصار 1 : 436 - 1682 ، الوسائل 5 : 443 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.
3- الفقیه 1 : 254 ، الوسائل 5 : 444 أبواب الجماعة ب 46 ح 4.

وراءه وجوبا علی القول بتحریم المحاذاة ، وإلا علی الندب.

الرابعة : إذا وقف الإمام فی محراب داخل فصلاة من یقابله ماضیة ، دون صلاة من إلی جانبیه إذا لم یشاهدوه ، وتجوز صلاة الصفوف الذین وراء الصف الأول ، لأنهم یشاهدون من یشاهده.

الخامسة : لا یجوز للمأموم مفارقة الإمام لغیر عذر ، فإن نوی الانفراد جاز.

______________________________________________________

الإمام ، والمرأة وراءه وجوبا علی القول بتحریم المحاذاة ، وإلا علی الندب ).

قد تقدم أن الأظهر کراهة المحاذاة (1) ، فیکون التأخیر مستحبا ، ونقل عن ابن حمزة : أنه منع محاذاة المرأة للرجل ، وجوّز محاذاة الخنثی لکل منهما (2). ولا بأس به.

قوله : ( الرابعة ، إذا وقف الإمام فی محراب داخل فصلاة من یقابله ماضیة ، دون صلاة من إلی جانبیه إذا لم یشاهدوه ، وتجوز صلاة الصفوف الذین وراء الصف الأول ، لأنهم یشاهدون من یشاهده ).

المراد بالمحراب : الداخل فی المسجد أو فی الحائط علی وجه یکون إذا وقف الإمام فیه لا یراه من علی جانبیه ، وحینئذ تبطل صلاتهم ، لعدم المشاهدة ، أما من قابل الإمام فصلاته صحیحة ، وکذا صلاة من إلی جانبیه ، ومن خلفهم من الصفوف ، لأنهم یشاهدون من یشاهد الإمام.

قوله : ( الخامسة ، لا یجوز للمأموم مفارقة الإمام لغیر عذر ، فإن نوی الانفراد جاز ).

أما أنه لا یجوز للمأموم مفارقة الإمام بدون نیة الانفراد لغیر عذر فلا ریب

حکم من یقف إلی جانب المحراب

حکم مفارقة الامام

ص: 376


1- فی ج 3 ص 220.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 676.

______________________________________________________

فیه ، للتأسی ، وعموم قوله علیه السلام : « إنما جعل الإمام إماما لیؤتم به » (1).

ومن العذر ائتمام المسبوق ، حیث یکون تشهده فی غیر موضع تشهد الإمام ، فإنه یفارقه ویتشهد ، ثم یلحقه.

وأما أنه یجوز للمأموم الانفراد عن الإمام ، ومفارقته فی أثناء الصلاة ، فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل فیه العلامة فی النهایة الإجماع (2). وقال الشیخ فی المبسوط : من فارق الإمام لغیر عذر بطلت صلاته ، وإن فارقه لعذر وتمم صحت صلاته (3).

احتج القائلون بجواز المفارقة (4) ، بأن النبی صلی الله علیه و آله صلی بطائفة یوم ذات الرقاع رکعة ، ثم خرجت من صلاته ، وأتمت منفردة. وبأن الجماعة لیست واجبة ابتداء ، فکذا استدامة. وبأن الائتمام إنما یفید الفضیلة فتبطل بفواته دون الصحة.

وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون خلف الإمام ، فیطول فی التشهد ، فیأخذه البول ، أو یخاف علی شی ء أن یفوت ، أو یعرض له وجع ، کیف یصنع؟ قال : « یسلم وینصرف ، ویدع الإمام » (5).

وفی الصحیح عن أبی المعزی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی خلف إمام ، فیسلم قبل الإمام ، قال : « لیس بذلک بأس » (6).

ص: 377


1- عوالی اللآلی 2 : 225 - 42 ، صحیح مسلم 1 : 308 - 77.
2- نهایة الأحکام 2 : 128.
3- المبسوط 1 : 157.
4- کالعلامة فی المنتهی 1 : 385 ، ونهایة الأحکام 2 : 128.
5- التهذیب 2 : 349 - 1446 ، الوسائل 5 : 464 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.
6- التهذیب 3 : 55 - 189 ، الوسائل 5 : 465 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 4.

______________________________________________________

ویتوجه علی الأول : أنه إنما یدل علی جواز المفارقة للعذر ، ولا نزاع فیه.

وعلی الثانی : أنه لا یلزم من عدم وجوب الجماعة ابتداء ، عدم وجوبها استدامة.

وعلی الثالث : أن نیة الائتمام کما تفید الفضیلة کذا تفید صحة الصلاة علی هذا الوجه ، فیجب فواتها بنیة المفارقة والانفراد إلی أن یأتی بها علی وجه آخر معلوم من الشرع.

وعلی الروایتین بالقول بالموجب ، ومنع التعدی عن موضع النص.

احتج الشیخ فی المبسوط علی ما نقل عنه (1) : بقوله تعالی ( لا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ ) (2) ، وقوله علیه السلام : « إنما جعل الإمام إماما لیؤتم به » (3). وهو احتجاج ضعیف.

نعم یمکن أن یحتج له بأصالة عدم سقوط القراءة ، إلا مع العلم بالمسقط ، وإنما یعلم مع استمرار القدوة لا مع المفارقة ، فیجب قصر الحکم علیه ، إلی أن یقوم علی السقوط مع المفارقة دلیل یعتد به.

وتشهد له صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : إنه سأله عن إمام أحدث ، فانصرف ، ولم یقدم أحدا ، ما حال القوم؟ قال : « لا صلاة لهم إلا بإمام » (4) والمسألة محل إشکال ، والاحتیاط یقتضی استمرار القدوة إلی انتهاء الصلاة.

ص: 378


1- حکاه عنه فی المختلف : 157.
2- محمد : 33.
3- عوالی اللآلی 2 : 225 - 42 ، صحیح مسلم 1 : 308 - 77.
4- التهذیب 3 : 283 - 843 ، الفقیه 1 : 262 - 1196 ، الوسائل 5 : 474 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.

السادسة : الجماعة جائزة فی السفینة الواحدة وفی سفن عدّة ، سواء اتصلت السفن أو انفصلت.

______________________________________________________

هذا کله فی غیر الجماعة الواجبة ، أما فیها فلا یجوز الانفراد قطعا.

والأصح عدم جواز عدول المنفرد إلی الائتمام فی أثناء الصلاة ، لعدم ثبوت التعبد بذلک ، وجوزه الشیخ فی الخلاف ، مدعیا علیه الإجماع (1). ونفی عنه البأس فی التذکرة ، ثم قال : ولو کان یصلی مع جماعة ، فحضرت طائفة أخری یصلون جماعة ، فأخرج نفسه من متابعة إمامه ، ووصل صلاته بصلاة الإمام الآخر ، فالوجه الجواز (2).

ویشکل بما أشرنا إلیه من توقف العبادة علی النقل ، وعدم ثبوت التعبد بذلک. نعم لو زادت صلاة المأموم علی صلاة الإمام ، کما فی ائتمام الحاضر بالمسافر ، کان له الاقتداء فی التتمة بآخر من المؤتمین. وفی جوازه بإمام آخر أو منفرد وجهان.

واعلم أنه متی سوغنا للمأموم الانفراد عن الإمام ، وجب علیه إتمام الصلاة ، فإن فارقه قبل القراءة ، قرأ لنفسه ، وإن کان بعدها ، اجتزأ بها ورکع ، وإن کان فی أثنائها ، قرأ من موضع القطع ، وأوجب الشارح الابتداء من أول السورة التی حصل القطع فی أثنائها (3) ، واستوجه الشهید فی الذکری الاستئناف مطلقا ، لأنه فی محل القراءة ، وقد نوی الانفراد (4) ، ولعله أحوط.

قوله : ( السادسة ، الجماعة جائزة فی السفینة الواحدة وفی سفن عدّة ، سواء اتصلت السفن أو انفصلت ).

لا ریب فی الجواز مع استجماع الشرائط المعتبرة فی الجماعة ، للأصل ، والعمومات ، وخصوص صحیحة یعقوب بن شعیب ، عن أبی عبد الله

جواز الجماعة فی السفن

ص: 379


1- الخلاف 1 : 212.
2- التذکرة 1 : 175.
3- روض الجنان : 368.
4- الذکری : 272.

السابعة : إذا شرع المأموم فی نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف إن خشی الفوات ، وإلا أتم رکعتین استحبابا. وإن کانت فریضة نقل نیّته إلی النفل علی الأفضل وأتمّ رکعتین.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة فی جماعة فی السفینة » (1).

وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن قوم صلوا جماعة فی سفینة ، أین یقوم الإمام؟ وإن کان معهم نساء کیف یصنعون؟ أقیاما یصلون أم جلوسا؟ قال : « یصلون قیاما ، فإن لم یقدروا علی القیام صلوا جلوسا هم ، ویقوم الإمام أمامهم والنساء خلفهم ، وإن ضاقت السفینة قعدن النساء وصلی الرجال ، ولا بأس أن تکون النساء بحیالهم » (2).

ونبه المصنف بقوله : سواء اتصلت السفن أو انفصلت ، علی خلاف بعض العامة ، حیث منع من الجماعة فی السفن المتعددة مع الانفصال ، ولا وجه له. نعم یعتبر الأمن من فوات بعض شرائط الجماعة فی أثناء الصلاة.

قوله : ( السابعة ، إذا شرع المأموم فی نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف إن خشی الفوات ، وإلا أتم رکعتین استحبابا ).

أما إتمام الرکعتین مع عدم خوف الفوات فظاهر ، لما فیه من الجمع بین الوظیفتین. وأما استحباب القطع واستئناف الفریضة مع خوف الفوات ، فلأن الجماعة أهم فی نظر الشرع من النافلة.

والظاهر أن المراد بخوف الفوات فوات الرکعة ، ویمکن أن یرید به فوات الصلاة بأسرها ، وهو بعید.

قوله : ( وإن کانت فریضة نقل نیّته إلی النفل علی الأفضل وأتمّ رکعتین ).

حکم إحرام الامام والمأموم یصلی

ص: 380


1- التهذیب 3 : 296 - 899 ، الوسائل 5 : 475 أبواب صلاة الجماعة ب 73 ح 2.
2- التهذیب 3 : 296 - 900 ، الاستبصار 1 : 440 - 1697 ، قرب الاسناد : 98 ، الوسائل 5 : 475 أبواب صلاة الجماعة ب 73 ح 3 ، البحار 10 : 274.

ولو کان إمام الأصل قطع واستأنف معه.

______________________________________________________

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وأسنده فی التذکرة إلی علمائنا (1) ، مؤذنا بدعوی الإجماع علیه ، ویدل علیه ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل دخل المسجد ، فافتتح الصلاة ، فبینما هو قائم یصلی إذا أذن المؤذن وأقام الصلاة. قال : « فلیصل رکعتین ، ثم لیستأنف الصلاة مع الإمام ، ولتکن الرکعتان تطوعا » (2).

وعن سماعة ، قال : سألته عن رجل کان یصلی ، فخرج الإمام ، وقد صلی الرجل رکعة من صلاة فریضة. فقال : « إن کان إماما عدلا فلیصل أخری ، وینصرف ویجعلهما تطوعا ، ولیدخل مع الإمام فی صلاته » (3).

ونقل عن ظاهر الشیخ فی المبسوط أنه جوّز قطع الفریضة مع خوف الفوات ، من غیر احتیاج إلی النفل (4). وقواه فی الذکری ، نظرا إلی ما فیه من تحصیل فضل الجماعة الذی هو أعظم من فضل الأذان ، والتفاتا إلی أن العدول إلی النفل قطع للفریضة أیضا ، أو مستلزم لجوازه (5). وهو حسن.

وعلی اعتبار النفل ، فلو لم یحرم الإمام إلا بعد تجاوز المصلی الرکعتین ، فقد استقرب فی التذکرة وجوب الإتمام ، ثم إعادة الفریضة مع الإمام نافلة (6) ، ولا بأس به.

قوله : ( ولو کان إمام الأصل قطع واستأنف معه ).

علله فی المعتبر بما له من المزیة الموجبة للاهتمام بمتابعته ، ثم قال : وعندی

ص: 381


1- التذکرة 1 : 184.
2- الکافی 3 : 379 - 3 ، الوسائل 5 : 458 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.
3- الکافی 3 : 380 - 7 ، التهذیب 3 : 51 - 177 ، الوسائل 5 : 458 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.
4- المبسوط 1 : 157.
5- الذکری : 277.
6- التذکرة 1 : 184.

الثامنة : إذا فاته مع الإمام شی ء صلی ما یدرکه وجعله أول صلاته ، وأتمّ ما بقی علیه.

______________________________________________________

فیه تردد (1). وکأن وجهه إطلاق الروایتین بالعدول إلی النافلة. ولا ریب أن اتباع المنقول أولی.

قوله : ( الثامنة ، إذا فاته مع الإمام شی ء صلی ما یدرکه وجعله أول صلاته ، وأتمّ ما بقی علیه ).

هذا مذهب علمائنا کافة ، قاله فی المعتبر (2) ، وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال : « إذا فاتک شی ء مع الإمام فاجعل أول صلاتک ما استقبلت منها ، ولا تجعل أول صلاتک آخرها » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا أدرک الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام یحتسب بالصلاة خلفه ، جعل أول ما أدرک أول صلاته ، إن أدرک من الظهر أو العصر أو العشاء رکعتین ، وفاتته رکعتان ، قرأ فی کل رکعة مما أدرک خلف الإمام فی نفسه بأم الکتاب وسورة ، فإن لم یدرک السورة تامة أجزأته أم الکتاب ، فإذا سلم الإمام قام فصلی رکعتین لا یقرأ فیهما ، لأن الصلاة إنما یقرأ فیها فی الأولتین فی کل رکعة بأم الکتاب وسورة ، وفی الأخیرتین لا یقرأ فیهما ، إنما هو تسبیح وتکبیر وتهلیل ودعاء لیس فیهما قراءة ، وإن أدرک رکعة قرأ فیها خلف الإمام ، فإذا سلم الإمام قام ، فقرأ بأم الکتاب وسورة ، ثم قعد فتشهد ، ثم قام فصلی رکعتین لیس فیهما قراءة » (4).

وفی الصحیح عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یدرک الرکعة الثانیة من الصلاة مع الإمام ، وهی له

أحکام من أدرک الامام فی أثناء الصلاة

ص: 382


1- المعتبر 2 : 445.
2- المعتبر 2 : 446.
3- الفقیه 1 : 263 - 1198 ، الوسائل 5 : 444 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 1.
4- التهذیب 3 : 45 - 158 ، الإستبصار 1 : 436 - 1683 ، الوسائل 5 : 445 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

______________________________________________________

الأولی ، کیف یصنع إذا جلس الإمام؟ قال : « یتجافی ولا یتمکن من القعود ، فإذا کانت الثالثة للإمام وهی له الثانیة ، فلیلبث قلیلا إذا قام الإمام بقدر ما یتشهد ، ثم یلحق الإمام » قال : وسألته عن الرجل الذی یدرک الرکعتین الأخیرتین من الصلاة ، کیف یصنع بالقراءة؟ فقال : « اقرأ فیهما فإنهما لک الأولتان ، فلا تجعل أول صلاتک آخرها » (1).

ومقتضی الروایتین أن المأموم یقرأ خلف الإمام [ إذا أدرکه ] (2) فی الرکعتین الأخیرتین ، وکلام أکثر الأصحاب خال من التعرض لذلک.

وقال العلامة رحمه الله فی المنتهی : الأقرب عندی أن القراءة مستحبة ، ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب ، لئلا تخلو الصلاة عن قراءة ، إذا هو مخیر فی التسبیح فی الأخیرتین ، ولیس بشی ء. فإن احتج بحدیث زرارة ، وعبد الرحمن ، حملنا الأمر فیهما علی الندب ، لما ثبت من عدم وجوب القراءة علی المأموم (3). هذا کلامه رحمه الله ، ولا یخلو من نظر ، لأن ما تضمن سقوط القراءة بإطلاقه لا ینافی هذین الخبرین المفصلین ، لوجوب حمل الإطلاق علیهما ، وإن کان ما ذکره من الحمل لا یخلو من قرب ، لأن النهی فی الروایة الأولی عن القراءة فی الأخیرتین للکراهة قطعا ، وکذا الأمر بالتجافی وعدم التمکن من القعود فی الروایة الثانیة محمول علی الاستحباب ، ومع اشتمال الروایة علی استعمال الأمر فی الندب أو النهی فی الکراهة یضعف الاستدلال بما وقع فیها من الأوامر علی الوجوب أو المناهی علی التحریم ، مع أن مقتضی الروایة الأولی کون القراءة فی النفس ، وهو لا یدل صریحا علی وجوب التلفظ بهما ، وکیف کان فالروایتان قاصرتان عن إثبات الوجوب.

ص: 383


1- الکافی 3 : 381 - 1 ، التهذیب 3 : 46 - 159 ، الإستبصار 1 : 437 - 1684 ، الوسائل 5 : 445 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.
2- أثبتناه من « م » ، « ح » ، « ض ».
3- المنتهی 1 : 384.

ولو أدرکه فی الرابعة دخل معه ، فإذا سلم قام فصلی ما بقی علیه ، ویقرأ فی الثانیة بالحمد وسورة ، وفی الاثنتین الأخیرتین بالحمد ، وإن شاء سبّح.

التاسعة : إذا أدرک الإمام بعد رفعه من الأخیرة کبّر وسجد معه ، فإذا سلم قام فاستأنف بتکبیر مستأنف ، وقیل : یبنی علی التکبیر الأول ، والأول أشبه. ولو أدرکه بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة کبّر وجلس معه ، فإذا سلم قام فاستقبل ، ولا یحتاج إلی استئناف تکبیر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أدرکه فی الرابعة دخل معه ، فإذا سلم قام فصلی ما بقی علیه ، ویقرأ فی الثانیة بالحمد وسورة ، وفی الاثنتین الأخیرتین بالحمد وإن شاء سبّح ).

لا خلاف فی التخییر بین قراءة الفاتحة والتسبیح فی الأخیرتین فی هذه الصورة ، وإنما الخلاف فیما إذا أدرک معه الرکعتین الأخیرتین وسبح الإمام فیهما ، فقیل : یبقی التخییر بحاله للعموم (1) ، وقیل : تتعین القراءة لئلا تخلو الصلاة من فاتحة الکتاب (2) ، وهو ضعیف.

قوله : ( التاسعة ، إذا أدرک الإمام بعد رفعه من الأخیرة کبّر وسجد معه ، فإذا سلم قام فاستأنف بتکبیر مستأنف ، وقیل : یبنی علی التکبیر الأول ، والأول أشبه. ولو أدرکه بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة کبّر وجلس معه ، فإذا سلم قام فاستقبل ، ولا یحتاج إلی استئناف تکبیر ).

للمأموم بالنظر إلی وقت دخوله مع الإمام أحوال :

الحالة الأولی : أن یدرکه قبل الرکوع ، فیحتسب بتلک الرکعة إجماعا.

ص: 384


1- قال به العلامة فی التذکرة 1 : 182.
2- قال به أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 145 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560.

______________________________________________________

الحالة الثانیة : أن یدرکه فی حال رکوعه ، والأصح إدراک الرکعة بذلک ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه (1) ، فیکبر المأموم تکبیرة للافتتاح ، وأخری مستحبة للرکوع ، ثم یرکع. قال فی المنتهی : ولو خاف الفوات أجزأته تکبیرة الافتتاح عن تکبیرة الرکوع إجماعا (2).

الحالة الثالثة : أن یدرکه بعد رفع رأسه من الرکوع ، ولا خلاف فی فوات الرکعة بذلک ، لکن استحب أکثر علمائنا للمأموم التکبیر ومتابعة الإمام فی السجدتین ، وإن لم یعتد بهما.

واختلفوا فی وجوب استئناف النیة وتکبیرة الإحرام بعد ذلک ، فقال الشیخ : لا یجب ، لأن زیادة الرکن مغتفرة فی متابعة الإمام (3). وقطع أکثر الأصحاب بالوجوب ، لأن زیادة السجدتین مبطلة للصلاة ، ولقوله علیه السلام فی روایة معلی بن خنیس : « إذا سبقک الإمام برکعة ، وأدرکته وقد رفع رأسه ، فاسجد معه ولا تعتد بها » (4) وهی غیر صریحة فی وجوب الاستئناف.

ویظهر من العلامة فی المختلف التوقف فی هذا الحکم من أصله ، للنهی عن الدخول فی الرکعة عند فوات تکبیرها فی روایة محمد بن مسلم الصحیحة ، عن الباقر علیه السلام (5) (6). وهو فی محله ، لا لما ذکره من النهی فإنه محمول علی الکراهة ، بل لعدم ثبوت التعبد بذلک.

ثم إن قلنا باستحباب المتابعة وعدم وجوب استئناف النیة کانت التکبیرة المأتی بها تکبیرة الإحرام ، ووجب إیقاع النیة قبلها. وإن قلنا بوجوب استئناف

ص: 385


1- الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 45.
2- المنتهی 1 : 383.
3- المبسوط 1 : 159.
4- التهذیب 3 : 48 - 166 ، الوسائل 5 : 449 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 2.
5- التهذیب 3 : 43 - 149 ، الإستبصار 1 : 434 - 1676 ، الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.
6- المختلف : 158.

______________________________________________________

النیة ، کان التکبیر المأتی به أولا مستحبا کما هو ظاهر.

الحالة الرابعة : أن یدرکه وقد سجد سجدة واحدة ، وحکمه کالسابق ، فعلی المشهور یکبر ویسجد معه الأخری ، وفی الاعتداد بالتکبیر الوجهان ، وهنا أولی بالاعتداد ، لأن المزید لیس رکنا. والوجه الاستئناف کالأول ، لأن الزیادة عمدا مبطلة وإن لم تکن رکنا.

الحالة الخامسة : أن یدرکه بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة ، وقد قطع المصنف ، وغیره (1) بأنه یکبر ویجلس معه ، فإذا سلم الإمام قام وأتم صلاته ، ولا یحتاج إلی استئناف التکبیر.

ونصّ المصنف فی المعتبر علی أنه مخیر بین الإتیان بالتشهد وعدمه (2). واستدل علیه بروایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الرجل یدرک الإمام وهو قاعد یتشهد ، ولیس خلفه إلا رجل واحد عن یمینه ، قال : « لا یتقدم الإمام ولا یتأخر الرجل ، ولکن یقعد الذی یدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته » (3) وهی ضعیفة السند.

ومقتضی جواز الدخول معه فی التشهد إدراک فضیلة الجماعة بذلک ، لکن صرح العلامة فی التذکرة بخلاف ذلک ، فقال بعد حکمه بجواز الدخول مع الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة : والأقرب أنه لا تحصل فضیلة الجماعة فیما إذا أدرکه بعد رفع رأسه من الرکوع الأخیر ، ( ویحتمل الإدراک لصحیحة ) (4) محمد بن مسلم ، قال ، قلت له : متی یکون مدرک الصلاة مع الإمام؟

ص: 386


1- کالعلامة فی المنتهی 1 : 384 ، والشهید الأول فی الذکری : 275.
2- المعتبر 2 : 447.
3- الکافی 3 : 386 - 7 ، التهذیب 3 : 272 - 788 ، الوسائل 5 : 449 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 3.
4- بدل ما بین القوسین فی « ح » : وهو مشکل ، والأجود إدراک فضیلة الجماعة بإدراک السجدة الأخیرة مع الإمام لما رواه الشیخ فی الصحیح عن. ، وبدله فی « ض » : ویشکل بما رواه الشیخ فی الصحیح عن.

العاشرة : یجوز أن یسلم المأموم قبل الإمام وینصرف لضرورة وغیرها.

______________________________________________________

قال : « إذا أدرک الإمام وهو فی السجدة الأخیرة من صلاته » (1) (2).

( وهذا الاحتمال لا یخلو من قوة ، لصحة سند الروایة ، ووضوح دلالتها ، وعدم تطرق القدح إلیها بالإضمار کما بیناه مرارا ، لکن ینبغی القول بعدم جواز الدخول مع الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة ، لأنه علیه السلام جعل غایة ما یدرک به الجماعة إدراک الإمام ) (3)فی السجدة الأخیرة. ولیس فی الروایة دلالة علی حکم المتابعة إذا لحقه فی السجود. والظاهر أن الاقتصار علی الجلوس أولی.

قوله : ( العاشرة ، یجوز أن یسلم المأموم قبل الإمام وینصرف لضرورة وغیرها ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب حتی فی کلام القائلین بوجوب التسلیم ، وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی المعزی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی خلف إمام ، فیسلم قبل الإمام ، قال : « لیس علیه بذلک بأس » (4).

وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الرجل یکون خلف الإمام ، فیطیل الإمام التشهد ، فقال : « یسلم من خلفه ، ویمضی فی حاجته إن أحب » (5).

جواز تسلیم المأموم قبل الامام

ص: 387


1- التهذیب 3 : 57 - 197 ، الوسائل 5 : 448 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.
2- التذکرة 1 : 182.
3- بدل ما بین القوسین فی « ح » ، « ض » : إذ مقتضی الروایة إدراک الجماعة بإدراک الإمام فی السجدة الأخیرة ، ویستفاد منها عدم جواز الدخول بعد ذلک ، لأن الظاهر أن السؤال إنما وقع عن غایة ما یدرک به الجماعة وقد ناطه بإدراکه.
4- التهذیب 3 : 55 - 189 ، الوسائل 5 : 465 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 4.
5- الفقیه 1 : 257 - 1163 ، التهذیب 2 : 349 - 1445 ، الوسائل 5 : 465 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 3.

الحادیة عشرة : إذا وقف النساء فی الصف الأخیر فجاء رجال وجب أن یتأخرن ، إذا لم یکن للرجال موقف أمامهن.

الثانیة عشرة : إذا استنیب المسبوق ، فإذا انتهت صلاة المأموم ، أومأ إلیهم لیسلّموا ، ثم یقوم فیأتی بما بقی علیه.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون خلف إمام ، فیطول فی التشهد ، فیأخذه البول ، أو یخاف علی شی ء أن یفوت ، أو یعرض له وجع ، کیف یصنع؟ قال : « یسلم وینصرف ویدع الإمام » (1).

قوله : ( الحادیة عشرة ، إذا وقف النساء فی الصف الأخیر فجاء رجال وجب أن یتأخرن ، إذا لم یکن للرجال موقف أمامهن ).

الظاهر أن المراد بالوجوب هنا توقف صلاة الرجال علی ذلک ، لا الوجوب بالمعنی المصطلح علیه فإنه بعید ، خصوصا إذا کانت الأرض مباحة ، أو ملکا للنساء ، ومع ذلک فتوقف صلاة الرجال علی تأخر النساء مبنی علی تحریم المحاذاة أو تقدیم النساء ، وقد تقدم الکلام فیه.

قوله : ( الثانیة عشرة ، إذا استنیب المسبوق ، فإذا انتهت صلاة المأمومین أومأ إلیهم لیسلّموا ، ثم یقوم فیأتی بما بقی علیه ).

هذا مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، وتدل علیه روایات ، منها :

صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال فی استنابة المسبوق : « یتم الصلاة بالقوم ثم یجلس حتی إذا فرغوا من التشهد أومأ إلیهم بیده عن الیمین والشمال ، فکان الذی أومأ بیده إلیهم التسلیم وانقضاء صلاتهم » (2).

حکم استنابة المسبوق

ص: 388


1- الفقیه 1 : 261 - 1191 ، التهذیب 2 : 349 - 1446 ، قرب الإسناد : 95 ، الوسائل 5 : 464 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.
2- الکافی 3 : 382 - 7 ، الفقیه 1 : 258 - 1171 ، التهذیب 3 : 41 - 144 ، الإستبصار 1 : 433 - 1672 ، الوسائل 5 : 438 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 3.

______________________________________________________

قال الشیخ فی التهذیب بعد أن أورد هذه الروایة : وقد روی أنه یقدم رجلا آخر یسلم بهم ، ویتم هو ما بقی. وهذا هو الأحوط (1). روی ذلک محمد بن أحمد بن یحیی ، عن العباس بن معروف ، عن ابن مسکان ، عن طلحة بن زید ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : سألته عن رجل أمّ قوما ، فأصابه رعاف بعد ما صلی رکعة أو رکعتین ، فقدم رجلا ممن فاتته رکعة أو رکعتان ، قال : « یتم بهم الصلاة ، ثم یقدم رجلا فیسلم بهم ، ویقوم هو فیتم بقیة صلاته » (2) وهذه الروایة ضعیفة السند ، فإن راویها - وهو طلحة بن زید - عامیّ علی ما نصّ علیه النجاشی (3) وغیره (4).

وقال العلاّمة - رحمه الله - فی المنتهی بعد أن ذکر استحباب الاستنابة فی التسلیم : ولو انتظروا حتی یفرغ ویسلّم بهم لم استبعد جوازه ، إذ قد ثبت جواز ذلک فی صلاة الخوف (5). وما ذکره - رحمه الله - غیر بعید ، وإن کان الأولی فعل ما ورد به النقل.

ص: 389


1- التهذیب 3 : 41.
2- التهذیب 3 : 41 - 145 ، الإستبصار 1 : 433 - 1673 ، الوسائل 5 : 438 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 5.
3- رجال النجاشی : 146.
4- وهو الشیخ فی الفهرست : 86.
5- المنتهی 1 : 381.

خاتمة تتعلق بالمساجد :

ویستحب اتخاذ المساجد مکشوفة غیر مسقّفة.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة ، تتعلق بالمساجد : ویستحب اتخاذ المساجد مکشوفة غیر مسقّفة ).

أما استحباب اتخاذ المساجد فهو من ضروریات الدین ، وفضله متفق علیه بین المسلمین ، قال الله تعالی ( إِنَّما یَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ ) الآیة (1).

وروی الکلینی فی الحسن ، عن أبی عبیدة الحذاء ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « من بنی مسجدا بنی الله له بیتا فی الجنة » قال أبو عبیدة : فمرّ بی أبو عبد الله علیه السلام فی طریق مکة وقد سوّیت بأحجار مسجدا فقلت له : جعلت فداک نرجو أن یکون هذا من ذاک ، قال : « نعم » (2).

وفی بعض الروایات عن الصادق علیه السلام : « من بنی مسجدا کمفحص قطاة بنی الله له بیتا فی الجنة » (3) والمفحص کمقعد هو الموضع الذی

أحکام المساجد

استحباب اتخاذ المساجد غیر مسقفة

ص: 390


1- التوبة : 18.
2- الکافی 3 : 368 - 1 ، الوسائل 3 : 485 أبواب أحکام المساجد ب 8 ح 1.
3- المحاسن : 55 - 85 ، الوسائل 3 : 486 أبواب أحکام المساجد ب 8 ح 6.

______________________________________________________

تکشفه القطاة فی الأرض وتلینه بجؤجؤها فتبیض فیه. وهذا التشبیه مبالغة فی الصغر ، ویمکن أن یکون وجهه عدم الاحتیاج فی حصول المسجدیة إلی بناء الجدران بل یکفی رسمه کما نبه علیه فعل أبی عبیدة.

وأما استحباب کونها مکشوفة أعنی غیر مسقفة فتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته یقول : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله بنی مسجده بالسمیط ، ثم إن المسلمین کثروا فقالوا : یا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزید فیه فقال : نعم فأمر به فزید فیه وبناه بالسعیدة ، ثم إن المسلمین کثروا فقالوا : یا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزید فیه فقال : نعم فأمر به فزید فیه وبنی جداره بالأنثی والذکر ، ثم اشتد علیهم الحرّ فقالوا : یا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل فقال : نعم فأمر به فأقیمت فیه سواری من جذوع النخل ثم طرحت علیه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فیه حتی أصابتهم الأمطار فجعل المسجد یکف علیهم فقالوا : یا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطیّن فقال لهم رسول الله صلی الله علیه و آله : لا ، عریش کعریش موسی علیه السلام ، فلم یزل کذلک حتی قبض رسول الله صلی الله علیه و آله .

وکان جداره قبل أن یظلل قامة ، فکان إذا کان الفی ء ذراعا وهو قدر مربض عنز صلّی الظهر ، فإذا کان ضعف ذلک صلّی العصر.

وقال : السمیط لبنة لبنة ، والسعیدة لبنة ونصف ، والأنثی والذکر لبنتان متخالفتان » (1).

ویستفاد من هذه الروایة کراهة التسقیف خاصة دون التظلیل بغیره ،

ص: 391


1- التهذیب 3 : 261 - 738 ، الوسائل 3 : 487 أبواب أحکام المساجد ب 9 ح 1.

______________________________________________________

وأنها لا تزول بالاحتیاج إلی التسقیف ، ویؤکد هذا الاختصاص ما رواه ابن بابویه فی کتابه مرسلا عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « أول ما یبدأ به قائمنا سقوف المساجد فیکسرها ، ویأمر بها فتجعل عریشا کعریش موسی علیه السلام » (1).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سألته عن المساجد المظللة یکره القیام فیها؟ قال : « نعم ، ولکن لا یضرکم الصلاة فیها الیوم ، ولو قد کان العدل لرأیتم کیف یصنع فی ذلک » (2) لأن المتبادر من التظلیل ما هو المتعارف منه وهو ما کان علی وجه التسقیف ، ولو کانت مطلقة لوجب حملها علی هذا المعنی.

قال الشهید - رحمه الله - فی الذکری بعد أن ذکر کراهة التظلیل : وقد سلف أن النبی صلی الله علیه و آله ظلل مسجده ، ولعل المراد به تظلیل جمیع المسجد ، أو تظلیل خاص ، أو فی بعض البلاد ، وإلاّ فالحاجة ماسة إلی التظلیل لدفع الحرّ والقرّ (3).

وأقول : إنا قد بیّنّا أن المکروه التظلیل بالتسقیف خاصة ، وأن الکراهة لا تزول بالحاجة إلی ذلک ، ولعل الوجه فیه أن هذا القدر من التظلیل یدفع أذی الحرارة والبرودة.

ومع المطر لا یتأکد استحباب التردد إلی المساجد کما یدل علیه إطلاق

ص: 392


1- الفقیه 1 : 153 - 707 ، الوسائل 3 : 488 أبواب أحکام المساجد ب 9 ح 4.
2- التهذیب 3 : 253 - 695 ، الوسائل 3 : 488 أبواب أحکام المساجد ب 9 ح 2.
3- الذکری : 156.

وأن تکون المیضاة علی أبوابها.

______________________________________________________

النهی عن التسقیف (1) ، وما اشتهر من قوله علیه السلام : « إذا ابتلّت النعال فالصلاة فی الرحال » (2) والنعال : وجه الأرض الصلبة ، قاله الهروی فی الغریبین. وقال الجوهری : النعل : الأرض الغلیظة تبرق حصاها لا تنبت شیئا (3).

قوله : ( وأن تکون المیضاة علی أبوابها ).

المراد بالمیضاة هنا المطهرة ، وإنما استحب جعلها علی أبواب المساجد ، لما فیه من المصلحة للمترددین إلیها ، ولروایة إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : جنبوا مساجدکم صبیانکم ومجانینکم وبیعکم وشراءکم ، واجعلوا مطاهرکم علی أبواب مساجدکم » (4).

ونقل عن ابن إدریس أنه منع من جعل المیضاة فی وسط المسجد (5). وهو جید إن سبقت مسجدیة محلها.

ولم یتعرض المصنف لحکم الوضوء فی المسجد ، وقد قطع العلاّمة (6) ، ومن تأخر عنه (7) بکراهته من البول والغائط ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوضوء فی المسجد فکرهه من الغائط والبول (8). ویمکن حمل الوضوء فیها علی الاستنجاء ، أو علی ما یتناوله

استحباب جعل المیضاة علی أبواب المساجد

ص: 393


1- الوسائل 3 : 487 أبواب أحکام المساجد ب 9.
2- الفقیه 1 : 246 - 1099 ، الوسائل 3 : 478 أبواب أحکام المساجد ب 2 ح 4.
3- الصحاح 5 : 1832.
4- التهذیب 3 : 254 - 702 ، الوسائل 3 : 505 أبواب أحکام المساجد ب 25 ح 3 وص 507 ب 27 ح 2.
5- السرائر : 60.
6- المنتهی 1 : 388.
7- کالشهید الأول فی الدروس : 29.
8- التهذیب 3 : 257 - 719.

وأن تکون المنارة مع الحائط لا فی وسطها. وأن یقدّم الداخل إلیها رجله الیمنی ، والخارج رجله الیسری. وأن یتعاهد نعله.

______________________________________________________

کما أومأ إلیه فی المعتبر (1).

قوله : ( وأن تکون المنارة مع الحائط لا فی وسطها ).

علله العلاّمة فی النهایة بما فیه من التوسعة ورفع الحجاب بین المصلین (2). وأطلق الشیخ فی النهایة المنع من جعل المنارة فی وسط المسجد (3). وهو حق إن تقدمت المسجدیة علی بنائها.

ونص الشیخ (4) ، والمصنف فی المعتبر (5) ، وأکثر الأصحاب علی کراهة تطویل المنارة زیادة عن سطح المسجد ، لئلا یشرف المؤذّن علی الجیران ، ولما رواه السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام : « إن علیا علیه السلام مرّ علی منارة طویلة فأمر بهدمها ثم قال : لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد » (6).

قوله : ( وأن یقدّم الداخل إلیها رجله الیمنی ، والخارج رجله الیسری ).

علله فی المعتبر بأن الیمنی أشرف فیدخل بها إلی الموضع الشریف وبعکسه الخروج (7).

قوله : ( وأن یتعاهد نعله ).

استحباب کون المنارة مع الحائط

آداب دخول المسجد

ص: 394


1- المعتبر 2 : 451.
2- نهایة الأحکام 1 : 352.
3- النهایة : 109.
4- المبسوط 1 : 160.
5- المعتبر 2 : 449.
6- الفقیه 1 : 155 - 723 ، التهذیب 3 : 256 - 710 ، الوسائل 3 : 505 أبواب أحکام المساجد ب 25 ح 2.
7- المعتبر 2 : 449.

وأن یدعو عند دخوله وعند خروجه.

ویجوز نقض ما استهدم دون غیره. ویستحب إعادته.

______________________________________________________

أی : یستعلم حاله عند الدخول إلی المسجد ، استظهارا للطهارة ، ولما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن میمون القداح ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام : « إن علیا علیه السلام قال : قال النبی صلی الله علیه و آله : تعاهدوا نعالکم عند أبواب مساجدکم » (1) والتعهد أفصح من التعاهد ، قال الجوهری : التعهد التحفظ بالشی ء وتجدید العهد به ، وهو أفصح من قولک : تعاهدت ، لأن التعاهد إنما یکون بین اثنین (2).

قوله : ( وأن یدعو عند دخوله وعند خروجه ).

لأن المساجد مظنة الإجابة ، ولما رواه الشیخ فی الموثق ، عن سماعة ، قال : إذا دخلت المسجد فقل : بسم الله وبالله والسلام علی رسول الله صلی الله علیه و آله ، صلی الله وملائکته علی محمد وآل محمد والسلام علیهم ورحمة الله وبرکاته ، رب اغفر لی ذنوبی وافتح لی أبواب فضلک ، وإذا خرجت فقل مثل ذلک (3).

وروی ابن بابویه فی الحسن ، عن عاصم بن حمید ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من دخل سوقا أو مسجد جماعة فقال مرة واحدة : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، والله أکبر کبیرا والحمد لله کثیرا وسبحان الله بکرة وأصیلا ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلی العظیم ، وصلی الله علی محمد وآله ، عدلت حجة مبرورة » (4).

قوله : ( ویجوز نقض ما استهدم دون غیره ، ویستحب إعادته ).

استهدم - بفتح التاء والدال - : أشرف علی الانهدام. ولا ریب فی جواز

نقض المساجد وإعادتها

ص: 395


1- التهذیب 3 : 255 - 709 ، الوسائل 3 : 504 أبواب أحکام المساجد ب 24 ح 1.
2- الصحاح 2 : 516.
3- التهذیب 3 : 263 - 744 ، الوسائل 3 : 516 أبواب أحکام المساجد ب 39 ح 4 بتفاوت.
4- الفقیه 3 : 124 - 541 ، الوسائل 12 : 301 أبواب آداب التجارة ب 18 ح 3.

ویجوز استعمال آلته فی غیره.

______________________________________________________

نقض المستهدم ، بل قد یجب إذا خیف من انهدامه علی أحد من المترددین ، وتستحب إعادته للعموم. ویجوز النقض للتوسعة أیضا مع الحاجة إلیها ، لأنه إحسان محض فیتناوله عموم قوله تعالی ( ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ ) (1).

ولا ینقض إلاّ مع الظن الغالب بالتمکن من العمارة.

وکذا یجوز إحداث باب فی المسجد لمصلحة عامة کازدحام المصلین فی الدخول والخروج ، ولو کان لمصلحة خاصة کقرب المسافة علی بعض المصلین لم یبعد جوازه أیضا مع انتفاء الضرر ، لما فیه من الإعانة علی القربة وفعل الخیر. وکذا الکلام فی فتح الروزنة والشباک.

قوله : ( ویجوز استعمال آلته فی غیره ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین ما إذا کانت تلک الآلة فاضلة عن ذلک المسجد أو غیر فاضلة. وقیده الشارح باستغنائه عنها ، أو تعذر استعمالها فیه لاستیلاء الخراب علیه ، أو کون الآخر أحوج إلیها منه لکثرة المصلین ، ونحو ذلک ، ثم قال : وأولی بالجواز صرف وقفه ونذره علی غیره بالشروط ، ولیس کذلک المشهد فلا یجوز صرف ماله إلی مشهد آخر ولا مسجد ، ولا صرف مال المسجد إلیه مطلقا (2). هذا کلامه رحمه الله .

وللنظر فی هذا الحکم من أصله مجال ، والمتجه عدم جواز صرف مال المسجد إلی غیره مطلقا کالمشهد ، لتعلق النذر أو الوقف بذلک المحل المعین فیجب الاقتصار علیه ، نعم لو تعذر صرفه فیه ، أو علم استغناؤه عنه فی الحال والمآل أمکن القول بجواز صرفه فی غیره من المساجد والمشاهد ، بل لا یبعد جواز صرفه فی مطلق القرب ، لأن ذلک أولی من بقائه إلی أن یعرض له التلف فیکون صرفه فی هذا الوجه إحسانا محضا ، وما علی المحسنین من سبیل.

حکم استعمال آلات المسجد فی غیره

ص: 396


1- التوبة : 91.
2- المسالک 1 : 47.

ویستحب کنس المساجد والإسراج فیها.

______________________________________________________

قوله : ( ویستحب کنس المساجد ).

هو جمع کناستها - بضم الکاف - وإخراجها منها ، وإنما استحب ذلک لأن فیه تعظیما لشعائر الله وترغیبا للمترددین إلی المسجد فیؤمن الخراب علیه.

ویتأکد استحباب ذلک یوم الخمیس ولیلة الجمعة ، لما رواه الشیخ عن عبد الحمید ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من کنس المسجد یوم الخمیس ولیلة الجمعة فأخرج من التراب ما یذرّ فی العین غفر الله له » (1) والظاهر أن الواو بمعنی أو ، والتقدیر بکون التراب مما یذرّ فی العین مبالغة فی المحافظة علی کنسها وإن کانت نظیفة ، أو علی فعل ما تیسر من ذلک.

قوله : ( والإسراج فیها ).

لأنه قد لا یستغنی من یصلی فی المسجد عن الاستعانة بالضوء ، ولما رواه الشیخ ، عن أنس قال ، قال رسول الله : « من أسرج فی مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائکة وحملة العرش یستغفرون له ما دام فی ذلک المسجد ضوء من ذلک السراج » (2).

ولا یشترط فی شرعیة الإسراج تردد أحد من المصلین إلیه بل یستحب مطلقا ، للعموم.

ولا یتوقف ذلک علی إذن الناظر إذا کان ما یسرج به من مال المسرج ، ولو کان من مال المسجد اعتبر ذلک ، ولو لم یکن للمسجد ناظر معین وتعذر استئذان الحاکم لم یبعد جواز تعاطی ذلک لآحاد (3) المسلمین.

استحباب کنس المسجد والاسراج فیه

ص: 397


1- التهذیب 3 : 254 - 703 ، الوسائل 3 : 511 أبواب أحکام المساجد ب 32 ح 1.
2- التهذیب 3 : 261 - 733 ، الوسائل 3 : 513 أبواب أحکام المساجد ب 34 ح 1.
3- فی « ح » زیادة : ثقات.

ویحرم زخرفتها ، ونقشها بالصور ، وبیع آلتها ، وأن یؤخذ منها فی الطرق أو الأملاک ، ومن أخذ منها شیئا وجب أن یعیده إلیها أو إلی مسجد آخر ، وإذا زالت آثار المسجد لم یحل تملکه ،

______________________________________________________

قوله : ( ویحرم زخرفتها ونقشها بالصور ).

الزخرفة : النقش بالزخرف ، وهو الذهب ، والصور تعم ذوات الأرواح وغیرها. وأطلق المصنف فی المعتبر تحریم النقش ، واستدل علیه بأن ذلک لم یفعل فی زمن النبی صلی الله علیه و آله ولا فی زمن الصحابة فیکون إحداثه بدعة (1) ، وبما رواه الشیخ عن عمرو بن جمیع ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی المساجد المصوّرة فقال : « أکره ذلک ، ولکن لا یضرکم ذلک الیوم ، ولو قام العدل لرأیتم کیف یصنع فی ذلک » (2) وهذه الروایة ضعیفة السند جدا باشتماله علی عدة من المجاهیل والضعفاء ، والتعلیل الأول لا یعطی أزید من الکراهة.

قوله : ( وبیع آلتها ).

هذا الحکم مشکل علی إطلاقه ، فإن التحریم إنما یثبت مع انتفاء المصلحة فی البیع وإلاّ جاز قطعا ، بل قد یجب ، ویتولاه الناظر.

قوله : ( وأن یؤخذ منها فی الطرق أو الأملاک ، ومن أخذ منها شیئا وجب أن یعیده إلیها ، أو إلی مسجد آخر ).

أی ویحرم تملک بعضها أو جعله طریقا بحیث لا تبقی صورة المسجدیة ، إنما حرم ذلک لما فیه من تغییر الوقف وتخریب مواضع العبادة ، ومتی فعل ذلک وجب إعادتها إلی المسجدیة. ولا یختص الوجوب بالمتغیر بل یعمه وغیره.

قوله : ( وإذا زالت آثار المسجد لم یحل تملکه ).

لا ریب فی ذلک ، لأن العرصة داخلة فی الوقف بل هی المقصودة منه.

حرمة زخرفة المساجد

حرمة بیع آلة المسجد

حرمة أخذ الطرق من المساجد وتملکها

ص: 398


1- المعتبر 2 : 451.
2- التهذیب 3 : 259 - 726 ، الوسائل 3 : 493 أبواب أحکام المساجد ب 15 ح 1.

ولا یجوز إدخال النجاسة إلیها ، ولا إزالة النجاسة فیها ، ولا إخراج الحصی منها ، وإن فعل أعاده إلیها.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یجوز إدخال النجاسة إلیها ).

الأصح أن ذلک إنما یحرم إذا استلزم تنجیس المسجد أو آلاته التی جرت العادة بتنزیهها من النجاسة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک (1).

قوله : ( ولا إزالة النجاسة فیها ).

علله فی المعتبر بأن ذلک یعود إلیها بالتنجیس (2) ، ومقتضاه اختصاص التحریم بما إذا استلزمت الإزالة تنجیس المسجد. واستقرب المحقق الشیخ علیّ عموم المنع وإن کانت الإزالة فیما لا ینفعل کالکثیر (3) ، لما فیه من الامتهان المنافی لقوله صلی الله علیه و آله : « جنبوا مساجدکم النجاسة » (4) وهو بعید.

قوله : ( ولا إخراج الحصی منها ).

إنما یحرم إخراج الحصی منها إذا کانت بحیث تعد جزءا من المسجد أو من آلاته ، أما لو کانت قمامة کان إخراجها مستحبا کالتراب. وحکم المصنف فی المعتبر بالکراهة (5) ، واستدل علیه بروایة وهب ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : « إذا أخرج أحدکم الحصاة من المسجد فلیردها مکانها أو فی مسجد آخر فإنها تسبح » (6) وهذه الروایة ضعیفة السند جدا ، فإن راویها وهو وهب بن وهب قال النجاشی : إنه کان کذابا (7). وقال الشیخ : إنه

حرمة إدخال النجاسة إلیها

ص: 399


1- راجع ج 2 ص 305.
2- المعتبر 2 : 451.
3- جامع المقاصد 1 : 97.
4- الوسائل 3 : 504 أبواب أحکام المساجد ب 24 ح 2.
5- المعتبر 2 : 452.
6- الفقیه 1 : 154 - 718 ، التهذیب 3 : 256 - 711 ، علل الشرائع : 320 - 1 ، الوسائل 3 : 506 أبواب أحکام المساجد ب 26 ح 4.
7- رجال النجاشی : 430 - 1155.

ویکره تعلیتها ، وأن یعمل لها شرف أو محاریب داخلة فی الحائط ،

______________________________________________________

کان قاضیا عامیا (1). فلا تعویل علی روایته.

قوله : ( ویکره تعلیتها ).

لأنه مخالف لسنة النبی صلی الله علیه و آله فی مسجده فقد روی أنه کان قامة (2).

قوله : ( وأن یعمل لها شرف ).

بضم الشین وفتح الراء جمع شرفة بسکون الراء ، والمراد بها ما یجعل فی أعلی الجدران. وإنما کان ذلک مکروها لما رواه الشیخ عن طلحة بن زید ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام : « إنه رأی مسجدا بالکوفة وقد شرف فقال : کأنه بیعة وقال : إن المساجد لا تشرف بل تبنی جما » (3).

قوله : ( أو محاریب داخلة فی الحائط ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (4) ، وجمع من الأصحاب ، واستدل علیه فی المعتبر (5) بما رواه الشیخ ، عن طلحة بن زید ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علیّ علیه السلام : « إنه کان یکسر المحاریب إذا رآها فی المساجد ویقول : کأنها مذابح الیهود » (6) وهذه الروایة غیر صریحة فی کراهة المحاریب الداخلة فی الحائط ، بل الظاهر منها کراهة المحاریب الداخلة فی المسجد لأنها التی تقبل

ص: 400


1- رجال الشیخ : 327 - 19 ، والفهرست : 173.
2- الکافی 3 : 295 - 1 ، التهذیب 3 : 261 - 738 ، الوسائل 3 : 487 أبواب أحکام المساجد ب 9 ح 1.
3- التهذیب 3 : 253 - 697 ، الوسائل 3 : 494 أبواب أحکام المساجد ب 15 ح 2.
4- النهایة : 109 ، والمبسوط 1 : 160.
5- المعتبر 2 : 452.
6- التهذیب 3 : 253 - 696 ، الوسائل 3 : 510 أبواب أحکام المساجد ب 31 ح 1 ، وأوردها فی الفقیه 1 : 153 - 708 ، وعلل الشرائع : 320 - 1.

وأن تجعل طریقا.

ویستحب أن تجنّب البیع والشراء والمجانین ، وإنفاذ الأحکام ،

______________________________________________________

الکسر. وذکر الشارح أن المراد بالمحاریب الداخلة فی الحائط الداخلة کثیرا (1). ولم أقف علی نص یتضمن کراهة المحاریب الداخلة بهذا المعنی مطلقا.

قوله : ( وأن تجعل طریقا ).

إنما یکره إذا استطرقت علی وجه لا یلزم منه تغییر صورة المسجد وإلاّ حرم کما مر (2).

قوله : ( ویستحب أن تجنب البیع والشراء والمجانین ).

وکذا الصبیان الذین لا یوثق بهم فی التحفظ من النجاسات ، لقوله علیه السلام فی مرسلة علیّ بن أسباط : « جنبوا مساجدکم البیع والشراء والمجانین والصبیان والأحکام والضالة والحدود ورفع الصوت » (3).

قوله : ( وإنفاذ الأحکام ).

للنهی عنه فی مرسلة علیّ بن أسباط المتقدمة. وقال الشیخ فی الخلاف (4) ، وابن إدریس (5) : إنه غیر مکروه ، واستقربه فی المختلف ، واستدل علیه بأن الحکم طاعة فجاز إیقاعها فی المساجد الموضوعة للطاعات ، وبأن أمیر المؤمنین علیه السلام حکم فی جامع الکوفة وقضی فیه بین الناس قال : ودکة القضاء مشهورة إلی الآن. وأجاب عن الروایة الأولی بالطعن فی السند ، واحتمال أن یکون متعلق النهی إنفاذ الأحکام کالحبس علی الحقوق والملازمة

آداب المساجد

ص: 401


1- المسالک 1 : 47.
2- فی ص 398.
3- التهذیب 3 : 249 - 682 ، الخصال : 410 - 13 ، علل الشرائع : 319 - 2 ، الوسائل 3 : 507 أبواب أحکام المساجد ب 27 ح 1.
4- الخلاف 2 : 589.
5- السرائر : 60.

وتعریف الضوالّ ، وإقامة الحدود ، وإنشاد الشعر ،

______________________________________________________

علیها فی المساجد (1). وهو حسن.

قوله : ( وتعریف الضوال ).

للنهی عنه فی مرسلة علیّ بن أسباط المتقدمة. وکذا یکره السؤال عنها أیضا ، لما رواه ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه مرسلا : إن النبی صلی الله علیه و آله سمع رجلا ینشد ضالة فی المسجد فقال : « قولوا : لا رد الله علیک فإنها لغیر هذا بنیت » (2).

قوله : ( وإنشاد الشعر ).

لما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن جعفر بن إبراهیم ولعله الجعفری ، عن علیّ بن الحسین علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من سمعتموه ینشد الشعر فی المساجد فقولوا له : فض الله فاک ، إنما نصبت المساجد للقرآن » (3).

واستثنی الشهید فی الذکری من ذلک ما یقلّ منه وتکثر منفعته ، کبیت حکمة ، أو شاهد علی لغة فی کتاب الله تعالی ، أو سنة نبیه صلی الله علیه و آله (4). وألحق به المحقق الشیخ علی مدح النبی صلی الله علیه و آله ومراثی الحسین علیه السلام (5). ولا بأس بذلک کله ، لصحیحة علی بن یقطین : إنه سأل أبا الحسن علیه السلام عن إنشاد الشعر فی الطواف فقال : « ما کان من الشعر لا بأس به فلا بأس به » (6).

ص: 402


1- المختلف : 690.
2- الفقیه 1 : 154 - 715 ، الوسائل 3 : 508 أبواب أحکام المساجد ب 28 ح 2.
3- الکافی 3 : 369 - 5 ، الوسائل 3 : 492 أبواب أحکام المساجد ب 14 ح 1.
4- الذکری : 156.
5- جامع المقاصد 1 : 97.
6- التهذیب 5 : 127 - 418 ، الإستبصار 2 : 227 - 784 ، الوسائل 9 : 464 أبواب الطواف ب 54 ح 1 ، بتفاوت فی المتن.

ورفع الصوت ، وعمل الصنائع ، والنوم.

______________________________________________________

قوله : ( ورفع الصوت إذا تجاوز المعتاد ).

إذا تجاوز المعتاد ، لمنافاته الخشوع المطلوب فی المساجد ، وللنهی عنه فی مرسلة علیّ بن أسباط.

قوله : ( وعمل الصنائع ).

لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن سل السیف فی المسجد وبری النبل فی المسجد وقال : إنما بنی لغیر ذلک » (1) ویستفاد من هذا التعلیل کراهة عمل جمیع الصناعات. ولو لزم من ذلک تعطیل (2) المصلین حرم قطعا.

قوله : ( والنوم ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی المعتبر (3) بما رواه الشیخ ، عن أبی أسامة زید الشحام قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : قول الله عزّ وجلّ ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری ) (4) قال : « سکر النوم » (5) وهی ضعیفة السند (6) ، قاصرة الدلالة.

والأجود قصر الکراهة علی النوم فی المسجد الحرام ومسجد النبی صلی الله علیه و آله ، للأصل ، وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبی

ص: 403


1- التهذیب 3 : 258 - 724 ، الوسائل 3 : 495 أبواب أحکام المساجد ب 17 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 3 : 369 - 8.
2- فی « ح » : تغلیط.
3- المعتبر 2 : 453.
4- النساء : 43.
5- التهذیب 3 : 258 - 722 ، الوسائل 4 : 1283 أبواب قواطع الصلاة ب 35 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 3 : 371 - 15.
6- وجه الضعف هو وقوع الحسین بن المختار فی طریقها وهو واقفی ( راجع رجال الشیخ : 346 - 3 ).

ویکره دخول من فی فمه رائحة بصل أو ثوم ،

______________________________________________________

جعفر علیه السلام : ما تقول فی النوم فی المساجد؟ فقال : « لا بأس إلاّ فی المسجدین : مسجد النبی صلی الله علیه و آله والمسجد الحرام » قال : وکان یأخذ بیدی فی بعض اللیل فیتنحی ناحیة ثم یجلس فیتحدث فی المسجد الحرام فربما نام فقلت له فی ذلک فقال : « إنما یکره أن ینام فی المسجد الذی کان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، فأما الذی فی هذا الموضع فلیس به بأس » (1).

قوله : ( ویکره دخول من فی فمه رائحة بصل أو ثوم ).

وکذا غیرهما من الروائح المؤذیة ، لأنه یؤذی المجاور ، ولقول أمیر المؤمنین علیه السلام : « من أکل شیئا من المؤذیات ریحها فلا یقربنّ المسجد » (2).

وتتأکد الکراهة فی الثوم ، لاستفاضة الروایات بالنهی لآکله عن دخول المساجد ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الثوم فقال : « إنما نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عنه لریحه ، وقال : من أکل هذه البقلة الخبیثة فلا یقرب مسجدنا ، فأما من أکله ولم یأت المسجد فلا بأس » (3).

قال الشیخ فی الإستبصار : فأما ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة ، عن زرارة ، قال : حدثنی من أصدق من أصحابنا ، قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن الثوم فقال : « أعد کل صلاة صلیتها ما دمت تأکله » (4) فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی ضرب من التغلیظ فی

ص: 404


1- التهذیب 3 : 258 - 721 ، الوسائل 3 : 496 أبواب أحکام المساجد ب 18 ح 2 ، وأوردها فی الکافی 3 : 370 - 11.
2- الخصال : 630 ، الوسائل 3 : 502 أبواب أحکام المساجد ب 22 ح 6.
3- الکافی 6 : 374 - 1 ، علل الشرائع : 519 - 1 ، الوسائل 3 : 501 أبواب أحکام المساجد ب 22 ح 1.
4- الإستبصار 4 : 92 - 352 ، الوسائل 17 : 171 أبواب الأطعمة المباحة ب 128 ح 8 ، وأوردها فی التهذیب 9 : 96 - 419.

والتنخم ، والبصاق ، وقتل القمل فإن فعل ستره بالتراب ، وکشف العورة ،

______________________________________________________

کراهته ، دون الحظر الذی یکون من أکل ذلک یقتضی استحقاقه الذم والعقاب ، بدلالة الأخبار الأولة ، والإجماع الواقع علی أن أکل هذه الأشیاء لا یوجب إعادة الصلاة.

قوله : ( والتنخم والبصاق ، وقتل القمل ، فإن فعل ستره بالتراب ).

الضمیر یرجع إلی کل واحد من الثلاثة. أما کراهة التنخم والبصاق واستحباب سترهما بالتراب فیدل علیه ما رواه الشیخ ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال : « إن علیا علیه السلام قال : البصاق فی المسجد خطیئة وکفارتها دفنه » (1).

وعن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « من تنخع فی المسجد ثم ردها فی جوفه لم تمر بداء فی جوفه إلا أبرأته » (2).

وأما کراهة قتل القمل واستحباب ستره بالتراب فلم أقف فیه علی نص ، وأسنده فی الذکری إلی الجماعة (3) ، ولا بأس به ، لأن فیه استقذارا تکرهه النفس ، فینبغی ترکه وتغطیته بالتراب مع فعله.

قوله : ( وکشف العورة ).

علله فی المعتبر بأن ذلک استخفاف بالمسجد وهو محل وقار (4) ، ثم قال : وقد روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « کشف السرة والفخذ والرکبة فی المسجد من العورة » (5).

ص: 405


1- التهذیب 3 : 256 - 712 ، الوسائل 3 : 499 أبواب أحکام المساجد ب 19 ح 4.
2- الفقیه 1 : 152 - 700 ، التهذیب 3 : 256 - 714 ، ثواب الأعمال : 41 - 2 ، الوسائل 3 : 500 أبواب أحکام المساجد ب 20 ح 1.
3- الذکری : 157.
4- المعتبر 2 : 453.
5- التهذیب 3 : 263 - 742 ، الوسائل 3 : 515 أبواب أحکام المساجد ب 37 ح 1.

والرمی بالحصی.

مسائل ثلاث :

الأولی : إذا انهدمت الکنائس والبیع ، فإن کان لأهلها ذمّة لم یجز التعرض لها ، وإن کانت فی أرض الحرب أو باد أهلها جاز استعمالها فی المساجد.

الثانیة : الصلاة المکتوبة فی المسجد أفضل من المنزل ،

______________________________________________________

قوله : ( والرمی بالحصی ).

لما فیه من العبث ، ولما رواه الشیخ ، عن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام : « إن النبی صلی الله علیه و آله أبصر رجلا یخذف بحصاة فی المسجد فقال : ما زالت تلعنه حتی وقعت » (1).

قوله : ( الأولی ، إذا انهدمت الکنائس والبیع ، فإن کان لأهلها ذمّة لم یجز التعرض لها ، وإن کانت فی أرض الحرب أو باد أهلها جاز استعمالها فی المساجد ).

أما أنه لا یجوز التعرض لهما إذا کان لأهلهما ذمة فظاهر ، لإطلاق النهی عن التعرض لما فی أیدیهم ، المتناول لذلک وغیره.

وأما جواز جعلهما مساجد واستعمال آلتهما فیها إذا کانت فی أرض الحرب ، أو باد أهلها فیدل علیه مضافا إلی عموم ما دل علی جواز التصرف فی هذین ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البیع والکنائس ، هل یصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال : « نعم » (2).

قوله : ( الثانیة ، الصلاة المکتوبة فی المسجد أفضل من المنزل ،

استحباب المکتوبة فی المسجد والنافلة فی المنزل

ص: 406


1- التهذیب 3 : 262 - 741 ، الوسائل 3 : 514 أبواب أحکام المساجد ب 36 ح 1.
2- التهذیب 3 : 260 - 732 ، الوسائل 3 : 491 أبواب أحکام المساجد ب 12 ح 2 ، وأوردها فی الکافی 3 : 368 - 3.

والنافلة بالعکس.

______________________________________________________

والنافلة بالعکس ).

أما أن الصلاة المکتوبة فی المسجد أفضل من المنزل فهو موضع وفاق بین المسلمین ، بل الظاهر أنه من ضروریات الدین ، والأخبار الواردة بذلک أکثر من أن تحصی ، فروی الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته یقول : « إن أناسا کانوا علی عهد رسول الله أبطئوا عن الصلاة فی المسجد فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لیوشک قوم یدعون الصلاة فی المسجد أن نأمر بحطب فیوضع علی أبوابهم فتوقد علیهم فتحرق علیهم بیوتهم » (1).

وأما أن صلاة النافلة فی المنزل أفضل من المسجد فهو قول أکثر الأصحاب ، لأن فعلها فی السرّ أبلغ فی الإخلاص وأبعد من وساوس الشیطان ، ولما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « أفضل الصلاة صلاة المرء فی بیته إلاّ المکتوبة » (2).

ورجح جدی - قدس سره - فی بعض فوائده رجحان فعلها فی المسجد أیضا کالفریضة. وهو حسن ، خصوصا إذا أمن علی نفسه الریاء ورجا اقتداء الناس به ورغبتهم فی الخیر ، وتدل علیه روایات کثیرة ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، عن الصادق علیه السلام : « إن النبی صلی الله علیه و آله کان یصلی صلاة اللیل فی المسجد » (3).

وفی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی لأکره الصلاة فی مساجدهم فقال : « لا تکره ، فما من مسجد بنی إلاّ علی أثر نبی قتل فأصاب تلک البقعة رشّة من دمه فأحب الله أن

ص: 407


1- التهذیب 3 : 25 - 87 ، الوسائل 3 : 478 أبواب أحکام المساجد ب 2 ح 2.
2- سنن البیهقی 2 : 494.
3- التهذیب 2 : 334 - 1377 ، الوسائل 3 : 195 أبواب المواقیت ب 53 ح 1.

______________________________________________________

یذکر فیها ، فأدّ فیها الفریضة والنوافل ، واقض فیها ما فاتک » (1).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : الصلاة فی مسجدی کألف فی غیره ، إلاّ المسجد الحرام ، فإن صلاة فی المسجد الحرام تعدل ألف صلاة فی مسجدی » (2).

وعن هارون بن خارجة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی مسجد الکوفة : « إن الصلاة المکتوبة فیه تعدل ألف صلاة ، وإن النافلة لتعدل خمس مائة » (3).

وعن عبد الله بن یحیی الکاهلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی مسجد الکوفة أیضا : « أن الصلاة المکتوبة فیه حجة مبرورة والنافلة عمرة مبرورة » (4).

وما رواه ابن بابویه - رضی الله عنه - فی کتابه من لا یحضره الفقیه بعدة أسانید ، عن أبی حمزة الثمالی ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال له : « المساجد الأربعة : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، ومسجد بیت المقدس ، ومسجد الکوفة ، یا أبا حمزة الفریضة فیها تعدل حجة ، والنافلة تعدل عمرة » (5).

ص: 408


1- الکافی 3 : 370 - 14 ، التهذیب 3 : 258 - 723 ، الوسائل 3 : 501 أبواب أحکام المساجد ب 21 ح 1. وفیها : قبر نبی أو وصی نبی.
2- الفقیه 1 : 147 - 681 ، الوسائل 3 : 536 أبواب أحکام المساجد ب 52 ح 3 ، مرسلا.
3- الکافی 3 : 490 - 1 ، التهذیب 3 : 250 - 688 ، الوسائل 3 : 521 أبواب أحکام المساجد ب 44 ح 3.
4- الکافی 3 : 491 - 2 ، التهذیب 3 : 251 - 689 ، الوسائل 3 : 528 أبواب أحکام المساجد ب 45 ح 1.
5- الفقیه 1 : 148 - 683 ، الوسائل 3 : 550 أبواب أحکام المساجد ب 64 ح 1.

الثالثة : الصلاة فی الجامع بمائة ، وفی مسجد القبیلة بخمس وعشرین ، وفی السوق باثنتی عشرة صلاة.

______________________________________________________

قوله : ( الثالثة ، الصلاة فی الجامع بمائة ، وفی مسجد القبیلة بخمس وعشرین ، وفی السوق باثنتی عشرة صلاة ).

المستند فی ذلک ما رواه ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه مرسلا ، عن أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام أنه قال : « صلاة فی بیت المقدس تعدل ألف صلاة ، وصلاة فی المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة ، وصلاة فی مسجد القبیلة تعدل خمسا وعشرین صلاة ، وصلاة فی مسجد السوق تعدل اثنتی عشرة صلاة ، وصلاة الرجل فی بیته صلاة واحدة » (1).

فضل الصلاة فی المساجد وتفاضلها

ص: 409


1- الفقیه 1 : 152 - 703 ، الوسائل 3 : 551 أبواب أحکام المساجد ب 64 ح 2.

الفصل الرّابع :

فی صلاة الخوف والمطاردة.

صلاة الخوف مقصورة سفرا ، وفی الحضر إذا صلیت جماعة ، فإن صلیت فرادی قیل : تقصر ، وقیل : لا ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الرابع ، فی صلاة الخوف والمطاردة : صلاة الخوف مقصورة سفرا ، وفی الحضر إذا صلیت جماعة ، فإن صلیت فرادی قیل : تقصر ، وقیل : لا ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی وجوب التقصیر فی صلاة الخوف إذا وقعت فی الحضر بعد اتفاقهم علی وجوب تقصیرها سفرا ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی الخلاف (1) ، والمرتضی (2) ، وابن إدریس (3) ، وابن الجنید (4) ، وابن أبی عقیل (5) ، وابن البراج (6) ، وغیرهم إلی وجوب التقصیر حضرا وسفرا ، جماعة وفرادی. وقال الشیخ فی المبسوط : إنها إنما تقصر فی الحضر بشرط الجماعة (7). وحکی المصنف فی المعتبر عن بعض الأصحاب قولا بأنها إنما تقصر فی السفر خاصة (8). والمعتمد الأول.

صلاة الخوف و المطاردة

التقصیر فی صلاة الخوف

ص: 410


1- الخلاف 1 : 253.
2- جمل العلم والعمل : 78.
3- السرائر : 78.
4- نقله عنهما فی المختلف : 150.
5- نقله عنهما فی المختلف : 150.
6- المهذب 1 : 112 ، وشرح الجمل : 143.
7- المبسوط 1 : 165.
8- المعتبر 2 : 454.

______________________________________________________

لنا : قوله تعالی ( وَإِذا کُنْتَ فِیهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَکَ وَلْیَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْیَکُونُوا مِنْ وَرائِکُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْری لَمْ یُصَلُّوا فَلْیُصَلُّوا مَعَکَ ) (1) وهی مطلقة فی الاقتصار علی رکعتین من غیر تفصیل.

( وأیضا قوله عزّ وجلّ ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ ) (2) ولا جائز أن یکون المراد بالضرب سفر القصر وإلاّ لکان اشتراط الخوف لغوا ) (3).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جمیعا؟ قال : « نعم ، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذی لا خوف فیه » (4).

وهذا التقصیر کقصر المسافر ، ترد الرباعیة إلی رکعتین وتبقی الثلاثیة والثنائیة علی حالهما ، کما تدل علیه الأخبار المستفیضة المتضمنة لکیفیة صلاة الخوف (5).

وقال ابن بابویه فی کتابه : سمعت شیخنا محمد بن الحسن یقول : رویت أنه سئل الصادق علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ :

ص: 411


1- النساء : 102.
2- النساء : 101.
3- ما بین القوسین مشطوبة فی « ض ».
4- الفقیه 1 : 294 - 1342 ، الوسائل 5 : 478 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 1 ح 1 ، وأوردها فی التهذیب 3 : 302 - 921.
5- الوسائل 5 : 478 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 1.

وإذا صلیت جماعة فالإمام بالخیار ، إن شاء صلی بطائفة ثم بأخری ، وکانت الثانیة له ندبا علی القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل ،

______________________________________________________

( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ یَفْتِنَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا ) فقال : « هذا تقصیر ثان وهو أن یردّ الرجل الرکعتین إلی الرکعة » (1).

وقد روی ذلک الشیخ فی الصحیح ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قول الله عزّ وجلّ ( فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ یَفْتِنَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا ) قال : « فی الرکعتین ینقص منهما واحدة » (2).

ونقل عن ابن الجنید أنه قال بهذا المذهب (3). وهو نادر ، والروایة به وإن کانت صحیحة لکنها معارضة بأشهر منها ، ویمکن حملها علی التقیة ، أو علی أن کل طائفة إنما تصلی مع الإمام رکعة فکأن صلاتها ردت إلیها.

قوله : ( وإذا صلیت جماعة فالإمام بالخیار ، إن شاء صلی بطائفة ثم بأخری ، وکانت الثانیة له ندبا علی القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل ).

هذه هی الصلاة المسماة بصلاة بطن النخل ، وقد روی أن النبی صلی الله علیه و آله صلاّها بأصحابه بهذا الموضع (4) ، ولیس فیها مخالفة لصلاة المختار إن جوزنا الإعادة لمن صلی جماعة ، ومن ثم جزم العلاّمة فی القواعد بعدم

کیفیة الجمع فی صلاة الخوف

ص: 412


1- الفقیه 1 : 295 - 1343 ، الوسائل 5 : 478 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 1 ح 2.
2- التهذیب 3 : 300 - 914 ، الوسائل 5 : 478 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 1 ح 3.
3- حکاه عنه فی الذکری : 261.
4- سنن البیهقی 3 : 259.

وإن شاء أن یصلی کما صلی رسول الله صلی الله علیه و آله بذات الرقاع.

ثم تحتاج هذه الصلاة إلی النظر فی شروطها ، وکیفیتها ،

______________________________________________________

اعتبار الخوف فی هذه الصلاة (1). وعلی القول بالمنع من إعادة الجامع یشکل إثبات مشروعیة هذه الصلاة ، لأنها غیر منقولة فی أخبارنا.

وقول المصنف : علی القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل ، غیر جید ، إذ لا خلاف فی جواز الإعادة للمنفرد ، واقتداء المفترض بالمتنفل علی هذا الوجه کما ذکره - رحمه الله - هو (2) وغیره (3).

قوله : ( وإن شاء یصلی کما صلی رسول الله صلی الله علیه و آله بذات الرقاع ).

اختلف العلماء فی سبب التسمیة بذلک فقیل : لأن القتال کان فی سفح جبل فیه جدد حمر وصفر کالرقاع (4).

وقیل : کانت الصحابة حفاة فلفوا علی أرجلهم الجلود والخرق لئلا تحترق (5).

وقیل : سمیت برقاع کانت فی ألویتهم (6).

وقیل : الرقاع اسم شجرة کانت فی موضع الغزوة (7).

وقیل : مر بذلک الموضع ثمانیة حفاة فنقبت أرجلهم وتساقطت أظفارهم فکانوا یلفون علیها الخرق (8).

قوله : ( ثم تحتاج هذه الصلاة إلی النظر فی شروطها وکیفیتها ،

ص: 413


1- القواعد 1 : 48.
2- المعتبر 2 : 425.
3- کالعلامة فی المنتهی 1 : 367.
4- کما فی الروضة البهیة 1 : 364.
5- کما فی الروضة البهیة 1 : 364.
6- کما فی الروضة البهیة 1 : 364.
7- کما فی الروضة البهیة 1 : 364.
8- کما فی الروضة البهیة 1 : 364.

وأحکامها.

أما الشروط : فأن یکون الخصم فی غیر جهة القبلة ، وأن یکون فیه قوة لا یؤمن أن یهجم علی المسلمین ، وأن یکون فی المسلمین کثرة یمکن أن یفترقوا طائفتین تکفل کل طائفة بمقاومة الخصم ، وأن لا یحتاج الإمام إلی تفریقهم أکثر من فرقتین.

______________________________________________________

وأحکامها. أما الشروط ، فأن یکون الخصم فی غیر جهة القبلة ).

هذا الشرط مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بأن النبی صلی الله علیه و آله إنما صلاّها کذلک فتجب متابعته (1). واستوجه العلاّمة فی التذکرة عدم اعتباره لعدم المانع من فعلها بدونه ، قال : وفعل النبی صلی الله علیه و آله وقع اتفاقا لا أنه کان شرطا (2).

قوله : ( وأن یکون فیه قوة لا یؤمن أن یهجم علی المسلمین فی حال الصلاة ، فلو ضعف بحیث یؤمن هذا الهجوم انتفت هذه الصلاة ).

لا ریب فی اعتبار هذا الشرط ، لانتفاء الخوف الذی هو مناط هذه الصلاة بدونه.

قوله : ( وأن لا یحتاج الإمام إلی تفریقهم أکثر من فرقتین ).

اشتراط ذلک فی الثنائیة واضح لتعذر التوزیع بدونه ، أما فی الثلاثیة فقد قطع الشهیدان بجواز تفریقهم ثلاث فرق وتخصیص کل فرقة برکعة (3). وهو إنما یتم إذا جوزنا الانفراد اختیارا وإلا اتجه المنع منه ، لأن المروی أنه یصلی فی الثلاثیة رکعة بقوم ورکعتین بآخرین (4).

شروط صلاة الخوف

ص: 414


1- الکافی 3 : 456 - 2 ، الفقیه 1 : 293 - 1337 ، التهذیب 3 : 172 - 380 ، الوسائل 5 : 479 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 1.
2- التذکرة 1 : 195.
3- الشهید الأول فی الذکری : 241 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 47.
4- التهذیب 3 : 301 - 917 ، الوسائل 5 : 480 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 2.

وأما کیفیتها : فإن کانت الصلاة ثنائیة صلی بالأولی رکعة وقام إلی الثانیة ، فینوی من خلفه الانفراد واجبا ، ویتمّون ثم یستقبلون العدو ، وتأتی الفرقة الأخری فیحرمون ویدخلون معه فی ثانیته وهی أولاهم ، فإذا جلس للتشهد أطال ونهض من خلفه فأتمّوا وجلسوا ، فتشهّد بهم وسلم.

______________________________________________________

قوله : ( وأما کیفیتها ، فإن کانت الصلاة ثنائیة صلی بالأولی رکعة وقام إلی الثانیة ، ونوی من خلفه الانفراد واجبا ، ویتمّون ثم یستقبلون العدو. وتأتی الفرقة الأخری فیحرمون ویدخلون معه فی ثانیته وهی أولاهم ، فإذا جلس للتشهد أطال ونهض من خلفه فأتمّوا وجلسوا ، فتشهّد بهم وسلم ).

هذه الکیفیة متفق علیها بین الأصحاب ، والأخبار الواردة بها کثیرة ، کصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صلّی رسول الله صلی الله علیه و آله بأصحابه فی غزاة ذات الرقاع صلاة الخوف ففرق أصحابه فرقتین ، أقام فرقة بإزاء العدوّ وفرقة خلفه ، فکبر وکبروا فقرأ وأنصتوا فرکع ورکعوا وسجد وسجدوا ، ثم استتم رسول الله صلی الله علیه و آله قائما فصلوا لأنفسهم رکعة ، ثم سلم بعضهم علی بعض ، ثم خرجوا إلی أصحابهم ، وأقاموا بإزاء العدوّ وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلی الله علیه و آله فصلی بهم رکعة ثم تشهد وسلم علیهم فقاموا فصلوا لأنفسهم رکعة وسلم بعضهم علی بعض » (1).

وحسنة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة الخوف ، قال : « یقوم الإمام وتجی ء طائفة من أصحابه فیقومون خلفه وطائفة بإزاء العدوّ فیصلی بهم الإمام رکعة ، ثم یقوم ویقومون معه فیمثل قائما ویصلّون هم الرکعة الثانیة ، ثم یسلم بعضهم علی بعض ، ثم ینصرفون فیقومون مقام أصحابهم ، ویجی ء الآخرون فیقومون خلف الإمام فیصلی بهم الرکعة الثانیة ،

کیفیة صلاة الخوف

ص: 415


1- الکافی 3 : 456 - 2 ، الفقیه 1 : 293 - 1337 ، التهذیب 3 : 172 - 380 ، الوسائل 5 : 479 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 1.

فتحصل المخالفة فی ثلاثة أشیاء : انفراد المؤتم ، وتوقع الإمام للمأموم حتی یتم ، وإمامة القاعد بالقائم.

______________________________________________________

ثم یجلس الإمام ویقومون هم فیصلون رکعة أخری ، ثم یسلم علیهم فینصرفون بتسلیمة - قال - : وفی المغرب مثل ذلک یقوم الإمام وتجی ء طائفة فیقومون خلفه فیصلی بهم رکعة ثم یقوم ویقومون فیمثل الإمام قائما ویصلون الرکعتین ویتشهدون ویسلم بعضهم علی بعض ، ثم ینصرفون فیقومون فی موقف أصحابهم ویجی ء الآخرون فیقومون موقف أصحابهم خلف الإمام فیصلی بهم رکعة یقرأ فیها ثم یجلس ویتشهد ویقوم ویقومون معه فیصلی بهم رکعة أخری ثم یسلم علیهم » (1).

واعلم أن ما ذکره المصنف من وجوب نیة الفرقة الأولی الانفراد عند مفارقة الإمام إنما یتم مع إطلاق نیة الاقتداء ، أما إذا تعلقت بالرکعة الأولی خاصة فلا حاجة إلی ذلک ، لانقضاء ما تعلق به الائتمام.

ویستحب تخفیف الإمام القراءة فی الأولی ، والتطویل فی الثانیة لانتظار الفرقة المتأخرة. قال فی الذکری : ولو انتظرهم بالقراءة لیحضروها کان جائزا فحینئذ یشتغل بذکر الله تعالی إلی حین حضورهم ، والأول أجود ، لأن فیه تخفیفا للصلاة ، وقراءته کافیة فی اقتدائهم به وإن لم یحضروها ، کغیرهم من المؤتمین (2). وهو حسن.

قوله : ( فتحصل المخالفة فی ثلاثة أشیاء : انفراد المؤتم ، وتوقع الإمام للمأموم حتی یتم ، وإمامة القاعد بالقائم ).

لا یخفی أن انفراد المؤتم إنما تحصل به المخالفة علی قول الشیخ من المنع من المفارقة فی حال الاختیار (3) ، أما إن سوغناها مطلقا کما هو المشهور فلا

ص: 416


1- الکافی 3 : 455 - 1 ، التهذیب 3 : 171 - 379 ، الوسائل 5 : 480 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 4.
2- الذکری : 262.
3- المبسوط 1 : 157.

______________________________________________________

تتحقق المخالفة بذلک لصلاة المختار ، اللهم إلاّ أن یقال بوجوب الانفراد هنا فتحصل المخالفة بذلک.

وکذا الکلام فی توقع الإمام المؤتم حتی یتم فإنه جائز مع الاختیار ، مع أنه غیر لازم فی هذه الصلاة ، کما دلت علیه صحیحة عبد الرحمن المتقدمة (1) حیث وقع التصریح فیها بأن الإمام یتشهد ویسلم علی الفرقة الثانیة ثم یقومون بعد ذلک ویتمون صلاتهم.

وأما إمامة القاعد بالقائم فإنما تتحقق إذا قلنا ببقاء اقتداء الفرقة الثانیة فی الرکعة الثانیة حکما وإن اشتغلوا بالقراءة والأفعال ، کما صرح به العلامة فی المختلف محتجا بقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « فصار للأولین التکبیر وافتتاح الصلاة وللآخرین التسلیم » (2) قال : ومع الانفراد لا یحصل لهم ذلک (3). وهو احتجاج ضعیف للتصریح فی تلک الروایة بعینها بأن الإمام یوقع السلام بعد فراغه من التشهد من غیر انتظارهم ، وعلی هذا فیکون قوله علیه السلام : « وللآخرین التسلیم » أنهم حضروه مع الإمام.

والأصح انفراد الفرقة الثانیة عند مفارقة الإمام کالأولی کما هو ظاهر الشیخ فی المبسوط (4) ، وصریح ابن حمزة فی الوسیلة (5) ، لقوله علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن المتقدمة : « ثم تشهّد وسلم علیهم فقاموا فصلوا لأنفسهم رکعة وسلم بعضهم علی بعض » (6) ولأنه لا معنی للقدوة مع الاستقلال بالقراءة والأفعال إلاّ حصول ثواب الائتمام وسقوط السهو عنهم فی الرکعة الثانیة إن قلنا

ص: 417


1- فی ص 415.
2- التهذیب 3 : 301 - 917 ، تفسیر العیاشی 1 : 272 - 257 ، الوسائل 5 : 480 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 2.
3- المختلف : 152.
4- المبسوط 1 : 163.
5- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 677.
6- فی ص 415.

وإن کانت ثلاثیة فهو بالخیار ، إن شاء صلی بالأولی رکعة وبالثانیة رکعتین ، وإن شاء بالعکس.

______________________________________________________

بسقوطه عن المأموم ، ولیس فی الأدلة النقلیة ما یدل علیه فکان منفیا بالأصل.

ومما حررناه یعلم أنه لیس فی هذه الصلاة مخالفة لصلاة المختار عند أکثر الأصحاب ، فیجوز فعلها مع الاختیار ، وإنما تظهر المخالفة علی القول بالمنع من الانفراد فی أثناء الصلاة اختیارا ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ( وإن کانت ثلاثیة فهو بالخیار ، إن شاء صلی بالأولی رکعة وبالثانیة رکعتین ، وإن شاء بالعکس ).

الوجه فی التخییر أن فیه جمعا بین حسنة الحلبی المتضمنة لاختصاص الأولی برکعة والثانیة باثنتین (1) ، وبین صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام المتضمنة للعکس ، فإنه قال فیها : « إذا کان صلاة المغرب فی الخوف فرّقهم فرقتین فیصلی بفرقة رکعتین ثم جلس بهم ثم أشار إلیهم بیده فقام کل إنسان منهم فصلی رکعة ، ثم سلموا وقاموا مقام أصحابهم ، وجاءت الطائفة الأخری فکبروا ودخلوا فی الصلاة وقام الإمام فصلی بهم رکعة ثم سلم ، ثم قام کل رجل منهم فیصلی رکعة یشفعها بالتی صلی مع الإمام ، ثم قام فصلی رکعة لیس فیها قراءة ، فتمت للإمام ثلاث رکعات وللأولین رکعتان فی جماعة وللآخرین واحدة ، فصار للأولین التکبیر وافتتاح الصلاة وللآخرین التسلیم » (2).

والحدیثان معتبرا الإسناد فیثبت التخییر ، نعم قیل : إن الأول أفضل (3) إما لکونه مرویا عن علی علیه السلام فیترجح التأسی به ، وإما لفوز الفرقة الثانیة

ص: 418


1- المتقدمة فی ص 415.
2- التهذیب 3 : 301 - 917 ، تفسیر العیاشی 1 : 272 - 257 ، الوسائل 5 : 480 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 2.
3- کما فی الخلاف 1 : 255 ، والتذکرة 1 : 194.

ویجوز أن یکون کل فرقة واحدا.

وأما أحکامها ، ففیها مسائل :

الأولی : کل سهو یلحق المصلین فی حال متابعتهم لا حکم له ، وفی حال الانفراد یکون الحکم ما قدمنا فی باب السهو.

الثانیة : أخذ السلاح واجب فی الصلاة ،

______________________________________________________

بالقراءة المتعینة وبما یوازی فضیلة تکبیرة الإحرام والتقدم ، وذلک یحصل بإدراک الرکعتین.

وقیل : إن الثانی أفضل (1) ، لئلا تکلّف الثانیة زیادة جلوس فی التشهد له ، وهی مبنیة علی التخفیف. والاقتصار علی التخییر طریق الیقین.

قوله : ( الأولی ، کل سهو یلحق المصلین فی حال متابعتهم لا حکم له ، وفی حال الانفراد یکون الحکم ما قدمنا فی باب السهو ).

هذا مبنی علی قول الشیخ من تحمّل الإمام أوهام من خلفه (2) ، والمصنف لا یقول به ، ولا خصوصیة لصلاة الخوف بحیث تخالف غیرها من الصلوات ، والذی أفتی به المصنف فیما سبق أن کلا من الإمام والمأموم إذا انفرد بالسهو کان له حکم نفسه (3). وهو المعتمد. واحتمل الشارح - قدس سره - حمل السهو هنا علی الشک وأن المعنی : لا حکم لشک المأموم حال متابعته إمامه إذا حفظ علیه الإمام ، فیتم الحکم علی مذهبه (4).

قوله : ( الثانیة ، أخذ السلاح واجب فی الصلاة ).

هذا قول الشیخ (5) وأکثر الأصحاب ، تمسکا بقوله تعالی :

حکم السهو فی صلاة الخوف

وجوب أخذ السلاح والسلاح النجس فیها

ص: 419


1- کما فی القواعد 1 : 48.
2- الخلاف 1 : 171.
3- الشرائع 1 : 119.
4- المسالک 1 : 48.
5- المبسوط 1 : 164 ، والخلاف 1 : 256.

ولو کان علی السلاح نجاسة لم یجز علی قول ، والجواز أشبه. ولو کان ثقیلا یمنع شیئا من واجبات الصلاة لم یجز.

الثالثة : إذا سها الإمام سهوا یوجب السجدتین ثم دخلت الثانیة معه فإذا سلم وسجد لم یجب علیها اتباعه.

______________________________________________________

( وَلْیَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ) (1) والأمر المطلق للوجوب. وقال ابن الجنید : یستحب أخذ السلاح ، حملا للأمر علی الإرشاد ، لما فی أخذ السلاح من الاستظهار فی التحفظ من العدوّ (2). وهو غیر بعید ، ومن ثم تردد فی الوجوب المصنف فی النافع والمعتبر (3). وعلی القول بالوجوب لم تبطل الصلاة بالإخلال به ، لأنه لیس جزءا من الصلاة ولا شرطا فیها فلم یکن فواته مؤثرا فی الصحة.

قوله : ( ولو کان علی السلاح نجاسة لم یجز علی قول ، والجواز أشبه ).

إنما کان الجواز أشبه لمطابقته لمقتضی الأصل ، وإطلاق العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فیه ، وانتفاء الدلیل علی اعتبار طهارة المحمول. ولو تعدت نجاسته إلی الثوب وجب نزعه إلاّ مع الضرورة المسوغة له.

قوله : ( ولو کان ثقیلا یمنع شیئا من واجبات الصلاة لم یجز ).

هذا إذا لم یضطر إلی أخذه فی الصلاة ، وإلاّ وجب أخذه والصلاة بحسب الإمکان ولو بالإیماء.

قوله : ( الثالثة ، إذا سها الإمام سهوا یوجب السجدتین ثم دخلت الثانیة معه فإذا سلم وسجد لم یجب علیها اتباعه ).

إنما لم یجب علی الثانیة السجود لأنها لم تکن مؤتمة وقت سهو الإمام ، مع

حکم سهو الامام فیها

ص: 420


1- النساء : 102.
2- نقله عنه فی المختلف : 152.
3- المختصر النافع : 50 ، والمعتبر 2 : 459.

وأما صلاة المطاردة :

وتسمی صلاة شدّة الخوف ، مثل أن ینتهی الحال إلی المعانقة والمسایفة ، فیصلی علی حسب إمکانه ، واقفا أو ماشیا أو راکبا. ویستقبل القبلة بتکبیرة الإحرام ، ثم یستمر إن أمکنه ، وإلا استقبل ما أمکن ، وصلی مع التعذر إلی أی الجهات أمکن. وإذا لم یتمکن من النزول صلی راکبا وسجد علی قربوس سرجه ، وإن لم یتمکن أومأ إیماء ،

______________________________________________________

أن الأصح أنه لا یجب علی المأموم متابعة الإمام فی السجود إلاّ مع اشتراکهما فی السبب.

قوله : ( وأما صلاة المطاردة ، وتسمی صلاة شدّة الخوف ، مثل أن ینتهی الحال إلی المعانقة والمسایفة ، فیصلی علی حسب إمکانه ، واقفا أو ماشیا أو راکبا. ویستقبل القبلة بتکبیرة الإحرام ، ثم یستمر إن أمکنه ، وإلا استقبل ما أمکن ، وصلی مع التعذر إلی أی الجهات أمکن. وإذا لم یتمکن من النزول صلی راکبا وسجد علی قربوس سرجه ، وإن لم یتمکن أومأ إیماء ).

المراد أن من لم یتمکن من الإتیان بالصلاة التامة الأفعال بسبب الخوف وجب علیه الصلاة بحسب الإمکان واقفا أو ماشیا أو راکبا ، ویأتی بما أمکن من الرکوع والسجود ، ومع التعذر یومئ بهما ، ویستقبل القبلة بما أمکن من صلاته. وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة وفضیل ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « فی صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال فإنه یصلّی کل إنسان منهم بالإیماء حیث کان وجهه ، فإذا کانت المسایفة والمعانقة وتلاحم القتال ، فإن أمیر المؤمنین علیه السلام لیلة صفین - وهی لیلة الهریر - لم یکن صلی بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت کل صلاة إلاّ بالتکبیر والتهلیل والتسبیح والتمجید والتحمید والدعاء ، فکانت تلک صلاتهم ،

کیفیة صلاة المطاردة

ص: 421

وإن خشی صلی بالتسبیح ، ویسقط الرکوع والسجود ، ویقول بدل کل رکعة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر.

______________________________________________________

لم یأمرهم بإعادة الصلاة » (1).

وفی الصحیح ، عن عبید الله بن علیّ الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صلاة الزحف علی الظهر إیماء برأسک وتکبیر ، والمسایفة تکبیر بغیر إیماء ، والمطاردة إیماء یصلی کل رجل علی حیاله » (2).

وفی الصحیح ، عن زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الذی یخاف اللصوص والسبع یصلی صلاة المواقفة إیماء علی دابته » قال ، قلت : أرأیت إن لم یکن المواقف علی وضوء کیف یصنع ولا یقدر علی النزول؟ قال : « یتیمم من لبد سرجه أو دابته أو من معرفة دابته فإن فیها غبارا ویصلّی ، ویجعل السجود أخفض من الرکوع ، ولا یدور إلی القبلة ولکن أینما دارت دابته ، غیر أنه یستقبل القبلة بأول تکبیرة حین یتوجه » (3).

قوله : ( وإن خشی صلی بالتسبیح ، ویسقط الرکوع والسجود ، ویقول بدل کل رکعة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ).

المراد من لم یتمکن من الإیماء حال المسایفة یسقط عنه ذلک وینتقل فرضه إلی التسبیح کما صرح به فی المعتبر (4) ، وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب أیضا ، ویدل علیه مضافا إلی ما سبق ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن الصادق علیه السلام : فی صلاة الزحف ، قال : « یکبر ویهلل ، یقول الله عزّ وجلّ ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُکْباناً ) (5) » (6) ثم قال : وفی کتاب عبد الله بن المغیرة : إن الصادق

ص: 422


1- التهذیب 3 : 173 - 384 ، الوسائل 5 : 486 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 8.
2- التهذیب 3 : 174 - 386 ، الوسائل 5 : 485 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 2.
3- التهذیب 3 : 173 - 383 ، الوسائل 5 : 484 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 8.
4- المعتبر 2 : 461.
5- البقرة : 239.
6- الفقیه 1 : 295 - 1344 ، الوسائل 5 : 485 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 1.

فروع :

الأول : إذا صلی مومیا فأمن أتم صلاته بالرکوع والسجود فیما بقی منها ولا یستأنف ، وقیل : ما لم یستدبر فی أثناء صلاته.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « أقل ما یجزی فی حد المسایفة من التکبیر تکبیرتان لکل صلاة ، إلاّ المغرب فإن لها ثلاثا » (1).

ولیس فیما وقفت علیه من الروایات فی هذه المسألة دلالة علی ما اعتبره الأصحاب فی کیفیة التسبیح ، بل مقتضی روایة زرارة وابن مسلم أنه یتخیر فی الترتیب کیف شاء (2) ، لکن قال فی الذکری : إن الأجود وجوب تلک الصیغة یعنی : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر ، للإجماع علی إجزائها وعدم تیقن الخروج من العهدة بدون الإتیان بها (3). ولا ریب أن ما ذکره أحوط.

وینبغی إضافة شی ء من الدعاء إلی هذه التسبیحات کما تضمنته الروایة.

وصرح العلاّمة (4) ومن تأخر عنه (5) بأنه لا بد مع هذا التسبیح من النیة وتکبیرة الإحرام والتشهد والتسلیم. وعندی فی وجوب ما عدا النیة إشکال ، لعدم استفادته من الروایات ، بل ربما کانت ظاهرة فی خلافه وإن کان المصیر إلی ما ذکروه أحوط.

قوله : ( فروع ، الأول : إذا صلی مومیا فأمن أتم صلاته بالرکوع والسجود فیما بقی منها ولا یستأنف ، وقیل : ما لم یستدبر فی أثناء صلاته ).

ص: 423


1- الفقیه 1 : 296 - 1351 ، الوسائل 5 : 485 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 3.
2- المتقدمة فی ص 421.
3- الذکری : 264.
4- القواعد 1 : 48 ، وتحریر الأحکام : 55.
5- کالشهید الأول فی الذکری : 264 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 382.

وکذا لو صلی بعض صلاته ثم عرض الخوف أتمّ صلاة خائف ولا یستأنف.

الثانی : من رأی سوادا فظنّه عدوا فقصّر أو صلی مومیا ثم انکشف بطلان خیاله لم یعد. وکذا لو أقبل العدو فصلی مومیا لشدة خوفه ثم بان هناک حائل یمنع العدو.

الثالث : إذا خاف من سیل أو سبع جاز أن یصلی صلاة شدة الخوف.

______________________________________________________

القول للشیخ فی المبسوط (1) ، والأصح عدم وجوب الاستئناف مطلقا ، لصدق الامتثال ، ولأن الاستدبار الواقع فی حال الاضطرار مأذون فیه شرعا فیکون کالجزء من الصلاة.

قوله : ( الثانی ، من رأی سوادا فظنّه عدوا فقصّر أو صلی مومیا ثم انکشف بطلان خیاله لم یعد. وکذا لو أقبل العدو فصلی مومیا لشدة خوفه ثم ظهر أن هناک حائلا ، یمنع العدو ).

الوجه فی ذلک کله أن الصلاة الواقعة علی هذه التقادیر صلاة مشروعة مأمور بها فتکون مجزئة ، ولو استند الخوف إلی التقصیر فی الاطلاع فقد قطع الشهید فی الذکری بوجوب الإعادة ، للتفریط (2). ولا بأس به.

قوله : ( الثالث ، إذا خاف من سیل أو سبع جاز أن یصلی صلاة شدة الخوف ).

مقتضی العبارة أن من هذا شأنه یصلّی صلاة شدة الخوف کمیة وکیفیة ، وبهذا التعمیم صرح المصنف فی المعتبر وهذه عبارته : کل أسباب الخوف یجوز معها القصر ، والانتقال إلی الإیماء مع الضیق ، والاقتصار علی التسبیح إن خشی مع الإیماء وإن کان الخوف من لص أو سبع أو غرق ، وعلی ذلک فتوی علمائنا ، ثم استدل علیه بقوله تعالی :

حکم من صلی صلاة الخوف فتبین الامن

حکم الخائف من سیل أو سبع

ص: 424


1- المبسوط 1 : 166.
2- الذکری : 263.

تتمة ، المتوحّل والغریق یصلیان بحسب الإمکان ، ویومیان لرکوعهما وسجودهما ، ولا یقصر واحد منهما عدد صلاته إلا فی

______________________________________________________

( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ یَفْتِنَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا ) (1) قال : وهو دال بمنطوقه علی خوف العدوّ وبفحواه علی ما عداه من المخوفات.

وبروایتی زرارة وعبد الرحمن المتقدمتین (2) ، وصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یلقی السبع وقد حضرت الصلاة ، ولا یستطیع المشی مخافة السبع ، فإذا قام یصلی خاف فی رکوعه وسجوده السبع ، والسبع أمامه علی غیر القبلة فإن توجه إلی القبلة خاف أن یثب علیه الأسد ، کیف یصنع؟ قال ، فقال : « یستقبل الأسد ویصلی ویومئ برأسه إیماء وهو قائم وإن کان الأسد علی غیر القبلة » (3) (4).

وهذه الروایات إنما تدل علی مساواة صلاة خائف الأسد لخائف العدوّ فی الکیفیة ، أما قصر العدد فلا دلالة لها علیه بوجه ، وما ادعاه من دلالة الآیة الشریفة علیه بالفحوی غیر واضح.

ومن ثم تردد فی ذلک العلاّمة فی المنتهی ، وحکی عن بعض علمائنا قولا بأن التقصیر فی عدد الرکعات إنما یکون فی صلاة الخوف من العدوّ خاصة (5). والمصیر إلیه متعین إلی أن یقوم علی قصر العدد دلیل یعتد به.

قوله : ( تتمة ، المتوحل والغریق یصلیان بحسب الإمکان ، ویومیان لرکوعهما وسجودهما ، ولا یقصر واحد منهما عدد صلاته إلا فی

صلاة المتوحل والغریق

ص: 425


1- النساء : 101.
2- فی ص 420.
3- الکافی 3 : 457 - 6 ، التهذیب 3 : 299 - 912 ، الوسائل 5 : 482 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 1.
4- المعتبر 2 : 461.
5- المنتهی 1 : 405.

سفر أو خوف.

______________________________________________________

سفر أو خوف ).

أما وجوب الصلاة علیهما بحسب الإمکان فلا ریب فیه ، لأن غیر الممکن لیس بواجب.

وأما أنه لیس لهما قصر العدد إلاّ فی السفر أو الخوف فلأن مقتضی الأصل لزوم الإتمام ، ترک العمل به مع السفر أو الخوف ، ومع انتفائهما یجب بقاء الحکم فی الباقی.

وذکر الشهید فی الذکری : أنه لو خاف من إتمام الصلاة استیلاء الغرق ، ورجا عند قصر العدد سلامته ، وضاق الوقت فالظاهر أنه یقصر العدد أیضا (1). واستحسنه الشارح - قدس سره - نظرا إلی أنه یجوز له الترک فقصر العدد أولی ، قال : لکن فی سقوط القضاء بذلک نظر ، لعدم النص علی جواز القصر هنا فوجوب القضاء أجود (2).

وما ذکره - قدس سره - من وجوب القضاء جیّد إلا أنه لا یلائم ما استحسنه من جواز قصر العدد ، إذ مقتضاه وجوب الإتیان بالصلاة المقصورة ، وإذا وجب الأداء سقط القضاء. ومع ذلک فما استدل به علی جواز القصر ضعیف جدا ، إذ لا یلزم من جواز ترک الصلاة للعجز جواز قصرها علی هذا الوجه.

وبالجملة : فاللازم مما اعترف به من انتفاء دلیل القصر مساواة حکم التمکن من الرکعتین لحکم التمکن من الرکعة الواحدة خاصة فی عدم وجوب الإتیان بها منفردة. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

ص: 426


1- الذکری : 264.
2- المسالک 1 : 48.

الفصل الخامس :

فی صلاة المسافر

والنظر فی : الشروط ، والقصر ، ولواحقه.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الخامس ، فی صلاة السفر ).

روی ابن بابویه فی کتابه من لا یحضره الفقیه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا ، قلنا لأبی جعفر علیه السلام : ما تقول فی الصلاة فی السفر کیف هی وکم هی؟ فقال : « إن الله عزّ وجلّ یقول ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) (1) فصار التقصیر فی السفر واجبا کوجوب التمام فی الحضر » قالا ، قلنا : إنما قال الله عزّ وجلّ : لیس علیکم جناح ولم یقل : افعلوا فکیف أوجب ذلک کما أوجب التمام فی الحضر؟ فقال علیه السلام : « أولیس قد قال الله عزّ وجلّ ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما ) (2) ألا ترون أن الطواف واجب مفروض ، لأن الله عزّ وجلّ ذکره فی کتابه وصنعه نبیه علیه السلام ، وکذلک التقصیر شی ء صنعه النبی صلی الله علیه و آله وذکره الله تعالی ذکره فی کتابه ».

قالا ، قلنا : فمن صلی فی السفر أربعا أیعید أم لا؟ فقال : « إن کان قد قرئت علیه آیة التقصیر وفسرت له فصلّی أربعا أعاد ، وإن لم یکن قرئت علیه ولم یعلمها فلا إعادة علیه.

ص: 427


1- النساء : 101.
2- البقرة : 158.

أما الشروط فستة :

الأول : اعتبار المسافة ، وهی مسیرة یوم ، بریدان ، أربعة وعشرون میلا ، والمیل أربعة آلاف ذراع بذراع الید ، الذی طوله أربع وعشرون إصبعا ، تعویلا علی المشهور بین الناس ، أو مدّ البصر من الأرض.

______________________________________________________

والصلوات (1) کلها فی السفر الفریضة رکعتان کل صلاة إلاّ المغرب فإنها ثلاث لیس فیها تقصیر ، ترکها رسول الله صلی الله علیه و آله فی السفر والحضر ثلاث رکعات ، وقد سافر رسول الله صلی الله علیه و آله إلی ذی خشب وهی مسیرة یوم من المدینة یکون إلیها بریدان أربعة وعشرون میلا فقصّر وأفطر فصارت سنّة ، وقد سمی رسول الله صلی الله علیه و آله قوما صاموا حین أفطر : العصاة ، قال : فهم العصاة إلی یوم القیامة ، وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلی یومنا هذا » (2).

قوله : ( أما الشروط فستة ، الأول : اعتبار المسافة ، وهی مسیرة یوم ، بریدان ، أربعة وعشرون میلا ، والمیل أربعة آلاف ذراع بذراع الید ، الذی طوله أربع وعشرون إصبعا ، تعویلا علی المشهور بین الناس ، أو مدّ البصر من الأرض ).

أجمع العلماء کافة علی أن المسافة شرط فی القصر ، وإنما اختلفوا فی تقدیرها ، فذهب علماؤنا أجمع إلی أن القصر إنما یجب فی مسیرة یوم تام بریدین أربعة وعشرین میلا ، حکی ذلک جماعة منهم المصنف فی المعتبر (3) ، وتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة ، وصحیحة أبی أیوب عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن التقصیر فقال : « فی بریدین أو

صلاة المسافر

شروط القصر

اشتراط المسافة

ص: 428


1- فی المصدر : والصلاة.
2- الفقیه 1 : 278 - 1266 ، الوسائل 5 : 538 أبواب صلاة المسافر ب 22 ح 1.
3- المعتبر 2 : 465.

______________________________________________________

فی بیاض یوم » (1).

وصحیحة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یخرج فی سفره وهو مسیرة یوم ، قال : « یجب علیه التقصیر إذا کان مسیرة یوم وإن کان یدور فی عمله » (2).

وروی ابن بابویه - رضی الله عنه - بسند معتبر ، عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام أنه قال : « وإنما وجب التقصیر فی ثمانیة فراسخ لا أقل من ذلک ولا أکثر ، لأن ثمانیة فراسخ مسیر یوم للعامة والقوافل والأثقال ، فوجب التقصیر فی مسیر یوم - قال - : ولو لم یجب فی مسیر یوم لما وجب فی مسیر سنة ، لأن کل یوم یکون بعد هذا الیوم فإنما هو نظیر هذا الیوم ، فلو لم یجب فی هذا الیوم لما وجب فی نظیره » (3).

واتفق العلماء کافة علی أن الفرسخ ثلاثة أمیال ، وهو مروی فی عدة أخبار (4). أما المیل فلم نقف فی تقدیره علی روایة من طرق الأصحاب سوی ما رواه ابن بابویه مرسلا عن الصادق علیه السلام أنه ألف وخمسمائة ذراع (5). وهو متروک.

ص: 429


1- التهذیب 3 : 210 - 506 ، الإستبصار 1 : 225 - 802 ، الوسائل 5 : 492 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 7.
2- التهذیب 3 : 209 - 503 ، الإستبصار 1 : 225 - 799 ، الوسائل 5 : 493 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.
3- الفقیه 1 : 290 - 1320 ، الوسائل 5 : 490 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 1.
4- الوسائل 5 : أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15 وب 2 ح 4.
5- الفقیه 1 : 286 - 1303 ، الوسائل 5 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.

______________________________________________________

وقد قطع الأصحاب بأن قدره أربعة آلاف ذراع ، وفی کلام بعض أهل اللغة دلالة علیه. قال فی القاموس : المیل قدر مدّ البصر ، ومنار یبنی للمسافر ، أو مسافة من الأرض متراخیة بلا حد ، أو مائة ألف إصبع إلاّ أربعة آلاف إصبع (1).

واستدل علیه فی المعتبر بأن المسافة تعتبر بمسیر الیوم ، وهو مناسب لذلک ، وکذا الوضع اللغوی وهو مدّ البصر من الأرض (2).

وربما ظهر من عبارة المصنف فی هذا الکتاب التوقف فی هذا المعنی حیث نسبه إلی الشهرة ، وذکر التفسیر الآخر جازما به.

وأما تقدیر الذراع بالأصابع فالتعویل فیه علی الأغلب ، وقدرت الإصبع بسبع شعیرات عرضا. وقیل : ست. والشعیرة ( بسبع ) (3) شعرات من شعر البرذون.

وضبط مد البصر فی الأرض بأنه ما یتمیز به الفارس من الراجل للمبصر المتوسط فی الأرض المستویة.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : تعلم المسافة بأمرین : الاعتبار بالأذرع علی الوجه المذکور. ومسیر الیوم ، والمراد به یوم الصوم کما یدل علیه قوله علیه السلام فی

ص: 430


1- القاموس المحیط 4 : 54.
2- المعتبر 2 : 467.
3- أثبتناه من « ض » ، « ح ».

______________________________________________________

صحیحة أبی أیوب : « أو بیاض یوم » (1).

واعتبر المصنف فی المعتبر (2) والعلاّمة فی جملة من کتبه (3) مسیر الإبل السیر العام. وهو جید ، لأن ذلک هو الغالب فیحمل علیه الإطلاق ، ولقول الصادق علیه السلام فی حسنة الکاهلی : « کان أبی یقول : لم یوضع التقصیر علی البغلة السفواء ، والدابة الناجیة ، وإنما وضع علی سیر القطار » (4).

قال الجوهری : یقال : بغلة سفواء بالسین المهملة : خفیفة سریعة (5). وقال أیضا : الناجیة : الناقة السریعة تنجو بمن رکبها (6).

وفی روایة عبد الرحمن بن الحجاج ، قلت : کم أدنی ما تقصر فیه الصلاة؟ فقال : « جرت السنة ببیاض یوم » فقلت له : إن بیاض الیوم یختلف ، فیسیر الرجل خمسة عشر فرسخا فی یوم ویسیر الآخر أربعة فراسخ وخمسة فراسخ فی یوم؟ فقال : « أما إنه لیس إلی ذلک ینظر ، أما رأیت سیر هذه الأثقال بین مکة والمدینة » ثم أومأ بیده أربعة وعشرین میلا یکون ثمانیة فراسخ » (7).

واعتبر الشهیدان اعتدال الوقت والمکان والسیر (8). وهو جید بالنسبة إلی

ص: 431


1- المتقدمة فی ص 429.
2- المعتبر 2 : 467.
3- المنتهی 1 : 390 ، والتذکرة 1 : 188.
4- الفقیه 1 : 279 - 1269 ، التهذیب 4 : 223 - 652 ، الوسائل 5 : 491 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 3.
5- الصحاح 6 : 2378.
6- الصحاح 6 : 2501.
7- التهذیب 4 : 222 - 649 ، الوسائل 5 : 493 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15.
8- الشهید الأول فی الذکری : 257 ، والدروس : 50 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 1 : 369 ، وروض الجنان : 383.

______________________________________________________

الوقت والسیر ، أما المکان فیحتمل قویا عدم اعتبار ذلک فیه ، لإطلاق النص وإن اختلفت کمیة المسافة فی السهولة والحزونة.

الثانی : لا ریب فی الاکتفاء بالسیر عن التقدیر. ولو اعتبرت المسافة بهما واختلفا فالأظهر الاکتفاء فی لزوم القصر ببلوغ المسافة بأحدهما ، واحتمل جدی - قدس سره - فی بعض کتبه تقدیم السیر ، لأنه أضبط ، ولأن الأصل الذی اعتمد علیه المصنف فی تقدیر المیل وهو مناسبته لمسیر الیوم یرجع إلیه (1). وربما لاح من کلام الشهید فی الذکری تقدیم التقدیر (2). ولعله لأنه تحقیق والآخر تقریب. ومبدأ التقدیر من آخر خطة البلد المعتدل ، وآخر محلته فی المتسع عرفا.

الثالث : لا فرق مع ثبوت المسافة بالأذرع بین قطعها فی یوم أو أقل أو أکثر ، وقد یشکل فیما لو تراخی الزمان کثیرا علی وجه یخرج به عن اسم المسافر ، کما لو قصد قطع المسافة فی شهرین أو ثلاثة. وجزم فی الذکری بعدم الترخص ، لعدم التسمیة ثم قال : ومن هذا الباب لو قارب المسافر بلده فتعمد ترک الدخول إلیه للترخص ولبث فی قری تقاربه مدة یخرج بها عن اسم المسافر ، ولم أقف فی هذین الموضعین علی کلام للأصحاب ، وظاهر النظر یقتضی عدم الترخص (3). هذا کلامه رحمه الله .

ویمکن المناقشة فی عدم الترخص فی الصورة الثانیة بأن السفر بعد استمراره إلی انتهاء المسافة فإنما ینقطع بأحد القواطع المقررة من نیة الإقامة أو التردد ثلاثین أو الوصول إلی الوطن ، وبدونه یجب البقاء علی حکم القصر. أما ما ذکره من عدم الترخص فی الصورة الأولی فجید ، لأن التقصیر إنما یثبت فی السفر الجامع لشرائط القصر ، فمتی انتفی السفر أو أحد شرائطه قبل انتهاء

ص: 432


1- روض الجنان : 383.
2- الذکری : 257.
3- الذکری : 257.

______________________________________________________

السفر انتفی التقصیر.

الرابع : البحر کالبرّ ، فلو سافر فیه وبلغ المسافة قصر وإن کان ربما قطعها فی ساعة واحدة ، إذ بلوغ المسافة بالأذرع کاف فی وجوب القصر. وقال فی المنتهی : إنه لا یعرف فی ذلک خلافا (1).

الخامس : إنما یجب التقصیر مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار أو الشیاع ، أو شهادة العدلین ، ومع انتفاء الأمرین یجب الإتمام. وفی وجوب الاعتبار مع الشک إشکال : منشؤه أصالة البراءة ، وتوقف الواجب علیه.

ولو سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثم ظهر أن المقصر مسافة وجب التقصیر حینئذ وإن قصر الباقی عن مسافة ، ولا تجب علیه إعادة ما صلاّه تماما قبل ذلک ، لأنها صلاة مأمور بها فکانت مجزئة.

السادس : لو تعارضت البیّنتان ببلوغ المسافة وعدمها قال فی المعتبر : أخذنا بالمثبتة وقصر (2). وهو جید مع إطلاق البینتین ، أما إذا کان النفی متضمنا للإثبات کدعوی الاعتبار وتبین القصور فالمتجه تقدیم بینة النفی ، لاعتضادها بأصالة التمام. ویتعلق بکل من البینتین حکم ما یعتقده فیقصر المثبت ویتم النافی.

وفی جواز اقتداء أحدهما بالآخر وجهان : من حکم کل منهما بخطإ الآخر ، ومن أن کلا من الصلاتین محکوم بصحتها شرعا ، لإتیان کل منهما بما هو فرضه ، فینتفی المانع من الاقتداء. ورجح الشهیدان الجواز (3). وهو حسن. لکنهما منعا من الاقتداء مع المخالفة فی الفروع ، والفرق بین المسألتین مشکل.

ص: 433


1- المنتهی 1 : 390.
2- المعتبر 2 : 467.
3- الشهید الأول فی الذکری : 257 ، والدروس : 50 ، والبیان : 155 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 385.

ولو کانت المسافة أربعة فراسخ وأراد العود لیومه فقد کمل مسیر یوم ووجب التقصیر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو کانت المسافة أربعة فراسخ وأراد العود لیومه فقد کمل مسیر یوم ووجب التقصیر ).

اختلف الأصحاب فی حکم المسافر فی الأربعة فراسخ ، فذهب المرتضی (1) ، وابن إدریس (2) ، والمصنف (3) ، وجمع من الأصحاب إلی وجوب التقصیر علیه إذا أراد الرجوع لیومه والمنع من التقصیر إذا لم یرد ذلک.

وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه : وإذا کان سفره أربعة فراسخ وأراد الرجوع من یومه فالتقصیر علیه واجب ، وإن کان سفره أربعة فراسخ ولم یرد الرجوع من یومه فهو بالخیار إن شاء أتم وإن شاء قصّر (4). ونحوه قال المفید (5) ، والشیخ فی النهایة إلا أنه منع من التقصیر فی الصوم (6).

وقال الشیخ فی کتابی الأخبار : إن المسافر إذا أراد الرجوع من یومه فقد وجب علیه التقصیر فی أربعة فراسخ ثم قال : علی أن الذی نقوله فی ذلک أنه إنما یجب التقصیر إذا کان مقدار المسافة ثمانیة فراسخ ، وإذا کان أربعة فراسخ کان بالخیار فی ذلک إن شاء أتم وإن شاء قصر (7).

وقال ابن أبی عقیل : کل سفر کان مبلغه بریدین وهو ثمانیة فراسخ ، أو برید ذاهبا وبرید جائیا وهو أربعة فراسخ فی یوم واحد أو ما دون عشرة أیام فعلی من سافره عند آل الرسول علیهم السلام أن یصلی صلاة السفر

ص: 434


1- جمل العلم والعمل : 77.
2- السرائر : 73.
3- المختصر النافع : 50 ، والمعتبر 2 : 467 ، والشرائع 1 : 132.
4- الفقیه 1 : 280.
5- المقنعة : 35.
6- النهایة : 161.
7- التهذیب 3 : 208 ، والاستبصار 1 : 224.

______________________________________________________

رکعتین (1).

ومنشأ الاختلاف فی هذه المسألة أنه ورد فی عدة أخبار إطلاق الأمر بالتقصیر فی أربعة فراسخ ، کصحیحة أبی أسامة زید الشحام قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « یقصر الرجل الصلاة فی مسیرة اثنی عشر میلا » (2).

وصحیحة إسماعیل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التقصیر فقال : « فی أربعة فراسخ » (3).

وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن أهل مکة یتمون الصلاة بعرفات فقال : « ویلهم - أو ویحهم - وأیّ سفر أشد منه ، لا تتم » (4) وعرفات علی أربعة فراسخ من مکة کما نص علیه الأصحاب وغیرهم.

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « التقصیر فی برید ، والبرید أربعة فراسخ » (5).

وحسنة أبی أیوب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أدنی ما یقصر فیه المسافر؟ فقال : « برید » (6) وفی معنی هذه الروایات روایات کثیرة.

واختلف رأی الأصحاب فی وجه الجمع بین هذه الروایات وبین ما تضمن

ص: 435


1- حکاه عنه فی المختلف : 162.
2- التهذیب 3 : 208 - 498 ، الإستبصار 1 : 224 - 794 ، الوسائل 5 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 3.
3- التهذیب 3 : 208 - 500 ، الإستبصار 1 : 224 - 796 ، الوسائل 5 : 495 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 5.
4- الکافی 4 : 519 - 5 ، الفقیه 1 : 286 - 1302 ، التهذیب 3 : 210 - 507 ، الوسائل 5 : 499 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 1.
5- التهذیب 4 : 223 - 653 ، الوسائل 5 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 1.
6- الکافی 3 : 432 - 2 ، التهذیب 3 : 207 - 495 ، الإستبصار 1 : 223 - 791 ، الوسائل 5 : 497 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 11.

______________________________________________________

تقدیر المسافة بثمانیة فراسخ ، فحمل الشیخ فی أحد وجهیه (1) ، والمصنف (2) ، ومن قال بمقالتهما هذه الروایات علی ما إذا أراد المسافر الرجوع لیومه ، واستدلوا علی هذا الحمل بما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن زرارة بن أعین ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن التقصیر فقال : « برید ذاهب وبرید جائی ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا أتی ذبابا قصر ، وذباب علی برید ، وإنما فعل ذلک لأنه إذا رجع کان سفره بریدین ثمانیة فراسخ » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أدنی ما یقصر فیه المسافر الصلاة؟ فقال : « برید ذاهبا وبرید جائیا » (4).

وعن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن التقصیر ، قال : « فی برید » قلت : برید؟ قال : « إنه إذا ذهب بریدا ورجع بریدا شغل یومه » (5).

ویتوجه علی هذا الجمع أولا : أن إطلاق الأمر بالتقصیر فی الأربعة فراسخ فی هذه الروایات المستفیضة مع کونه مشروطا بشرط لا یدل علیه اللفظ بعید جدا ، بل ربما کان قبیحا فیمتنع صدوره من الحکیم.

وثانیا : أن ما استدل به علی هذا الجمع غیر واضح الدلالة ، أما روایتا زرارة ومعاویة بن وهب فلأن أقصی ما تدلان علیه ثبوت التقصیر إذا کانت المسافة بریدا ذاهبا وبریدا جائیا ، ولیس فیهما دلالة علی اعتبار وقوع الذهاب

ص: 436


1- التهذیب 3 : 207 ، والاستبصار 1 : 223.
2- المختصر النافع : 5 ، والمعتبر 2 : 467 ، والشرائع 1 : 132.
3- الفقیه 1 : 287 - 1304 ، الوسائل 5 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 14.
4- التهذیب 3 : 208 - 496 ، الإستبصار 1 : 223 - 792 ، الوسائل 5 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 2.
5- التهذیب 4 : 224 - 658 ، الوسائل 5 : 496 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.

______________________________________________________

والعود فی یوم واحد.

وأما روایة ابن مسلم فإنها وإن کانت مشعرة بذلک إلاّ أنها غیر صریحة فیه ، بل ربما لاح منها أن التعلیل بکونه « إذا ذهب بریدا ورجع بریدا شغل یومه » إنما وقع علی سبیل التقریب إلی الأفهام ، کما یشعر به إطلاق التقصیر فی البرید أولا.

وثالثا : أن الظاهر من روایة معاویة بن عمار (1) المتضمنة لتوبیخ أهل مکة علی الإتمام بعرفات کون الخروج للحج ، وقد وقع التصریح بذلک فی روایة إسحاق بن عمار حیث قال فیها ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : فی کم التقصیر : فقال : « فی برید ، ویحهم کأنهم لم یحجوا مع رسول الله صلی الله علیه و آله » (2).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن أهل مکة إذا خرجوا حجاجا قصروا ، وإذا زاروا ورجعوا إلی منازلهم أتموا » (3) والخروج للحج لا یتحقق معه الرجوع لیومه.

وجمع الشیخ فی کتابی الأخبار بین هذه الروایات بوجه آخر ، وهو تنزیل أخبار الثمانیة علی الوجوب ، وأخبار الأربعة علی الجواز (4) (5). وحکاه بعض مشایخنا المعاصرین عن جدی - قدس سره - فی الفتاوی ، ومال إلیه فی روض الجنان حتی أنه استوجه کون القصر أفضل من الإتمام (6). ولا ریب فی قوة هذا

ص: 437


1- المتقدمة فی ص 435.
2- التهذیب 3 : 209 - 502 ، الإستبصار 1 : 225 - 798 ، الوسائل 5 : 500 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 6.
3- الکافی 4 : 518 - 2 ، الوسائل 5 : 500 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 8.
4- التهذیب 3 : 208 ، والاستبصار 1 : 224.
5- فی « ح » ، « ض » زیادة : قال فی الذکری : وهو قوی لکثرة الأخبار الصحیحة بأربعة فراسخ فلا أقل من الجواز.
6- روض الجنان : 284.

ولو تردد یوما فی ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائیا وعائدا لم یجز القصر وإن کان ذلک من نیته. ولو کان لبلد طریقان والأبعد منهما مسافة فسلک الأبعد قصّر وإن کان میلا إلی الرخصة.

______________________________________________________

الوجه ، ولا ینافی ما ذکرناه من التخییر روایة معاویة بن عمار المتضمنة لنهی أهل مکة عن الإتمام بعرفات ، لأنا نجیب عنها بالحمل علی الکراهة ، أو علی أن المنهی عنه الإتمام علی وجه اللزوم. والله تعالی أعلم.

قوله : ( ولو تردد یوما فی ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائیا ، لم یجز التقصیر وإن کان ذلک من نیته ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی التذکرة بأن من هذا شأنه ینقطع سفره بالرجوع وإن کان فی رجوعه لم ینته إلی سماع الأذان ومشاهدة الجدران ، وإلاّ لزم القصر لو تردد فی فرسخ واحد ثمانی مرات (1). وهو جید ، ویدل علیه أیضا أن مقتضی الأصل لزوم الإتمام ، خرج منه قاصد الثمانیة أو الأربعة التی لا تکون ملفقة من الذهاب والإیاب لأنه المتبادر من اللفظ ، فیبقی الباقی علی الأصل.

وخالف فی ذلک العلاّمة فی التحریر فقال : لو قصد التردد فی ثلاث فراسخ ثلاث مرات لم یقصر إلاّ أن لا یبلغ فی الرجوع الأول مشاهدة الجدران ولا سماع الأذان (2). وهو ضعیف.

قوله : ( ولو کان لبلد طریقان ، وأحدهما خاصة مسافة فإن سلک الأبعد قصّر وإن کان میلا إلی الرخصة ).

إذا کان لبلد طریقان أحدهما خاصة مسافة ، فإن سلک الأبعد لعلة غیر الترخص قصر إجماعا ، وإن کان للترخص لا غیر فالمشهور أنه کالأول ، للإباحة. وقال ابن البراج : یتم ، لأنه کاللاهی بصیده (3). وهو ضعیف.

حکم التردد فی ثلاثة فراسخ

ص: 438


1- التذکرة 1 : 188.
2- تحریر الأحکام 1 : 55.
3- المهذب 1 : 107 ، وجواهر الفقه ( الجوامع الفقهیة ) : 476.

الشرط الثانی : قصد المسافة ، فلو قصد ما دون المسافة ثم تجدد له رأی فقصد أخری لم یقصر ولو زاد المجموع علی مسافة التقصیر. فإن عاد وقد کملت المسافة فما زاد قصّر. وکذا لو طلب دابة شذت ، أو غریما ، أو آبقا.

______________________________________________________

وإن سلک الأقصر أتم فی الذهاب وإن نوی الرجوع بالأبعد ، لأنه لم یقصد أولا مسافة والقصد الثانی لا حکم له قبل الشروع فیه. ولو سلک الأبعد فی الرجوع کان الحکم فیه کما فی الذهاب.

قوله : ( الشرط الثانی ، قصد المسافة : فلو قصد ما دون المسافة ، ثم تجدد له رأی فقصد أخری لم یقصر وإن زاد المجموع علی مسافة التقصیر ، فإن عاد وقد کملت المسافة فما زاد قصّر ).

أجمع العلماء کافة علی أنه یعتبر فی التقصیر قصد المسافة ، فلو قصد دون المسافة ثم قصد ما دونها لم یقصر فی ذهابه ولو قطع أضعاف المسافة ، وکذا لو خرج غیر ناو للمسافة وإن بلغ مسافات. ویدل علی اعتبار هذا الشرط أن اعتبار المسافة إنما یتحقق بأحد أمرین إما قصدها ابتداء وإما قطعها أجمع ، والثانی غیر معتبر إجماعا فیثبت الأول ، وما رواه الشیخ عن صفوان ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن رجل خرج من بغداد یرید أن یلحق رجلا علی رأس میل فلم یزل یتبعه حتی بلغ النهروان فقال : « لا یقصر ولا یفطر ، لأنه خرج من منزله ولیس یرید السفر ثمانیة فراسخ ، وإنما خرج یرید أن یلحق صاحبه فی بعض الطریق فتمادی به السیر إلی الموضع الذی بلغه » (1).

ومن الشرائط أیضا استمرار القصد إلی انتهاء المسافة ، فلو قصد المسافة ثم رجع عن قصده قبل بلوغها أتم ، وکذا لو تردد عزمه فی الذهاب والرجوع کما نص علیه فی الذکری (2). ولا یقدح عروض الجنون فی الأثناء وکذا

اشتراط قصد المسافة

ص: 439


1- التهذیب 4 : 225 - 662 ، الإستبصار 1 : 227 - 806 ، الوسائل 5 : 503 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1.
2- الذکری : 256.

ولو خرج ینتظر رفقة إن تیسروا سافر معهم ، فإن کان علی حدّ مسافة قصّر فی سفره وموضع توقّفه. وإن کان دونها أتمّ حتی یتیسّر له الرفقة ویسافر.

______________________________________________________

الإغماء. ولو منع من السفر فکمنتظر الرفقة.

ولو کان قد صلی قصرا قبل الرجوع أو التردد فالأظهر أنه لا یعید مطلقا ، لأنه صلّی صلاة مأمورا بها فکانت مجزئة ، ولما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة : أنه سأل أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یخرج مع القوم فی السفر یریده فدخل علیه الوقت وقد خرج من القریة علی فرسخین فصلّوا وانصرف بعضهم فی حاجة فلم یقض له الخروج ، ما یصنع بالصلاة التی کان صلاها رکعتین؟ قال : « تمت صلاته ولا یعید » (1).

وقال الشیخ فی الإستبصار : یعید مع بقاء الوقت ، واستدل بما رواه عن سلیمان بن حفص المروزی ، عن الکاظم علیه السلام أنه قال : « وإن کان قد قصر ثم رجع عن نیته أعاد الصلاة » (2) وهی ضعیفة بجهالة الراوی ، ولو صحت لوجب حملها علی الاستحباب جمعا بین الأدلة.

قوله : ( ولو خرج ینتظر رفقة إن تیسروا سافر معهم فإن کان علی حدّ مسافة قصّر فی سفره وموضع توقّفه ، وإن کان دونها أتمّ حتی یتیسّر له الرفقة ویسافر ).

إنما وجب علیه الإتمام إذا لم یکن انتظاره علی حد المسافة ، لانتفاء شرط التقصیر ، وهو استمرار القصد إلی انتهائها.

والحاصل أن منتظر الرفقة إن کان علی رأس المسافة یجب علیه التقصیر ما لم ینو المقام عشرة أو یمضی علیه ثلاثون مترددا لأنه مسافر فیتعلق به حکمه ، وإن کان علی ما دون المسافة وهو فی محل الترخص وقطع بمجی ء الرفقة قبل

حکم منتظر الرفقة فی الطریق

ص: 440


1- الفقیه 1 : 281 - 1272 ، الوسائل 5 : 541 أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.
2- التهذیب 4 : 226 - 664 ، الإستبصار 1 : 227 - 808 ، الوسائل 5 : 495 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4.

الشرط الثالث : أن لا یقطع السفر بإقامة فی أثنائه ، فلو عزم علی مسافة وفی طریقه ملک له قد استوطنه ستة أشهر أتمّ فی طریقه وفی ملکه. وکذا لو نوی الإقامة فی بعض المسافة.

______________________________________________________

العشرة أو جزم بالسفر من دونها فکالأول ، وإلاّ وجب علیه الإتمام إما لعدم حصول الخفاء ، أو لعدم استمرار القصد اللذین هما شرط التقصیر.

قوله : ( الشرط الثالث ، أن لا یقطع السفر بإقامة فی أثنائه ، فلو عزم علی مسافة وفی طریقه ملک له قد استوطنه ستة أشهر أتمّ فی طریقه وفی ملکه ، وکذا لو نوی الإقامة فی بعض المسافة ).

المراد بالإقامة فی قوله : أن لا یقطع السفر بإقامة فی أثنائه ، الإقامة الشرعیة المتحققة بنیة إقامة العشر والوصول إلی الوطن ، وفی قوله : وکذا لو نوی الإقامة ، الإقامة المعهودة وهی إقامة العشر. ولو جعل الشرط عدم قطع السفر بنیة إقامة العشر أو الوصول إلی وطنه لکان أظهر. ولا خلاف بین الأصحاب فی أن کلا من هذین الأمرین قاطع للسفر.

إما إقامة العشر فیدل علیه قول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب : « إذا دخلت بلدا وأنت ترید مقام عشرة أیام فأتم الصلاة حین تقدم » (1) وقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا دخلت أرضا فأیقنت أن لک بها مقام عشرة أیام فأتم الصلاة فیه » (2) وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک.

وأما الوصول إلی الوطن فتدل علیه روایات کثیرة ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن إسماعیل بن الفضل قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل سافر من أرض إلی أرض وإنما ینزل قراه وضیعته قال : « إذا نزلت

اشتراط عدم قطع السفر بإقامة أو دخول وطن

ص: 441


1- الفقیه 1 : 280 - 1270 ، التهذیب 3 : 220 - 551 ، الوسائل 5 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.
2- الکافی 3 : 435 - 1 ، التهذیب 3 : 219 - 546 ، الإستبصار 1 : 237 - 847 ، الوسائل 5 : 526 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9.

ولو کان بینه وبین ملکه أو ما نوی الإقامة فیه مسافة التقصیر قصر فی طریقه خاصة.

ولو کان له عدّة مواطن اعتبر ما بینه وبین الأول ، فإن کان مسافة قصّر فی طریقه ، وینقطع سفره بموطنه فیتمّ فیه ، ثم یعتبر المسافة التی بین موطنیه ، فإن لم یکن مسافة أتمّ فی طریقه لانقطاع سفره ، وإن کان مسافة قصّر فی طریقه الثانیة حتی یصل إلی وطنه.

______________________________________________________

قراک وضیعتک فأتم الصلاة ، فإذا کنت فی غیر أرضک فقصّر » (1).

وفی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یسافر فیمر بالمنزل له فی الطریق أیتم الصلاة أم یقصر؟ قال : « یقصر ، إنما هو المنزل الذی توطّنه » (2).

وفی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین قال ، قلت لأبی الحسن الأول علیه السلام : الرجل یتخذ المنزل فیمر به أیتم أم یقصر؟ قال : « کل منزل لا تستوطنه فلیس لک بمنزل ولیس لک أن تتم فیه » (3).

قوله : ( ولو کان بینه وبین ملکه أو ما نوی الإقامة فیه مسافة التقصیر قصر فی طریقه خاصة ، ولو کان له عدّة مواطن اعتبر ما بینه وبین الأول ، فإن کان مسافة قصّر فی طریقه ، وینقطع سفره بموطنه فیتمّ فیه ، ثم یعتبر المسافة التی بین موطنیه ، فإن لم یکن مسافة أتمّ فی طریقه لانقطاع سفره ، وإن کان مسافة قصّر فی طریقه الثانیة حتی یصل إلی وطنه ).

هذه الأحکام کلها معلومة مما سبق ، وکما تعتبر المسافة بین کل موطنین

ص: 442


1- التهذیب 3 : 210 - 508 ، الإستبصار 1 : 228 - 810 ، الوسائل 5 : 520 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 2.
2- التهذیب 3 : 212 - 517 وفیه عن الحلبی ، الإستبصار 1 : 230 - 818 ، الوسائل 5 : 522 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 8.
3- التهذیب 3 : 212 - 515 ، الإستبصار 1 : 230 - 819 ، الوسائل 5 : 521 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 6.

والوطن الذی یتم فیه هو کل موضع له فیه ملک قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا ، متوالیة کانت أو متفرقة.

______________________________________________________

کذا تعتبر بین آخر المواطن وغایة مقصده ، فإن کان مسافة قصر عند خروجه من الأخیر إلی مقصده ، وإلاّ فلا ، ولا یضم ما بین الوطن الأخیر ونهایة المقصد إلی العود ، لأن لکل من الذهاب والإیاب حکما برأسه فلا یضم أحدهما إلی الآخر.

قوله : ( والوطن الذی یتمّ فیه هو کل موضع له فیه ملک قد استوطنه ستة أشهر ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الملک بین المنزل وغیره ، وبهذا التعمیم جزم العلاّمة (1) ، ومن تأخر عنه (2) حتی صرحوا بالاکتفاء فی ذلک بالشجرة الواحدة ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یخرج فی سفر فیمر بقریة له أو دار فینزل فیها؟ قال : « یتم الصلاة ولو لم یکن له إلاّ نخلة واحدة ولا یقصر ، ولیصم إذا حضره الصوم » (3) وهذه الروایة ضعیفة السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة.

والأصح اعتبار المنزل خاصة کما هو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (4) ، وابن بابویه (5) ، وابن البراج (6) ، وأبی الصلاح (7) ، والمصنف فی النافع (8) ، لإناطة الحکم به فی الأخبار الصحیحة ، ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ وابن

الوطن الذی یتم فیه

ص: 443


1- المنتهی 1 : 393 ، وتحریر الأحکام 1 : 56 ، وتبصرة المتعلمین : 41.
2- کالشهید الأول فی البیان : 156 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 387.
3- التهذیب 3 : 211 - 512 ، الإستبصار 1 : 229 - 814 ، الوسائل 5 : 521 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 5.
4- النهایة : 124.
5- الفقیه 1 : 288.
6- المهذب 1 : 106.
7- الکافی فی الفقه : 117.
8- المختصر النافع : 51.

______________________________________________________

بابویه فی الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن الرجل یقصر فی ضیعته؟ فقال : « لا بأس ما لم ینو مقام عشرة أیام ، إلا أن یکون له فیها منزل یستوطنه » فقلت : ما الاستیطان؟ فقال : « أن یکون له فیها منزل یقیم فیه ستة أشهر ، فإذا کان کذلک یتم فیها متی دخلها » (1).

وبهذه الروایة احتج الأصحاب علی أنه یعتبر فی الملک أن یکون قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا ، وهی غیر دالة علی ما ذکروه ، بل المتبادر منها اعتبار إقامة ستة أشهر فی کل سنة ، وبهذا المعنی صرح ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه ، فقال بعد أن أورد قوله علیه السلام فی صحیحة إسماعیل بن الفضل : « إذا نزلت قراک وأرضک فأتم الصلاة » : قال مصنف هذا الکتاب : یعنی بذلک إذا أراد المقام فی قراه وأرضه عشرة أیام ، ومتی لم یرد المقام بها عشرة أیام قصر إلاّ أن یکون له بها منزل یکون فیه فی السنة ستة أشهر فإن کان کذلک أتم من دخلها ، وتصدیق ذلک ما رواه محمد بن إسماعیل بن بزیع (2). وأورد الروایة المتقدمة ، والمسألة قویة الإشکال.

وکیف کان فالظاهر اعتبار دوام الاستیطان کما یعتبر دوام الملک ، لقوله علیه السلام فی صحیحة علی بن یقطین : « کل منزل من منازلک لا تستوطنه فعلیک فیه التقصیر » (3) وفی صحیحة حماد بن عثمان : « إنما هو المنزل الذی توطنه » (4).

وبمضمون هاتین الروایتین أفتی الشیخ فی النهایة فقال : ومن خرج إلی ضیعة له وکان له فیها موضع ینزله ویستوطنه وجب علیه التمام ، فإن لم یکن له

ص: 444


1- الفقیه 1 : 288 - 1310 ، التهذیب 3 : 213 - 520 ، الإستبصار 1 : 231 - 821 ، الوسائل 5 : 522 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.
2- الفقیه 1 : 288.
3- الفقیه 1 : 288 - 1311 ، الوسائل 5 : 520 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 1.
4- المتقدمة فی ص 442.

الشرط الرابع : أن یکون السفر سائغا ، واجبا کان کحجة الإسلام ، أو مندوبا کزیارة النبی صلی الله علیه و آله ، أو مباحا کالأسفار للمتاجر. ولو کان معصیة لم یقصّر ، کاتّباع الجائر وصید اللهو.

______________________________________________________

فیها مسکن فإنه یجب علیه التقصیر (1).

وقریب منه عبارة ابن البراج فی کتابه المسمی بالکامل فإنه قال : من کانت له قریة له فیها موضع یستوطنه وینزل به وخرج إلیها وکانت عدة فراسخ سفره علی ما قدمنا فعلیه التمام ، وإن لم یکن له فیها مسکن ینزل به ولا یستوطنه کان له التقصیر.

وألحق العلاّمة (2) ، ومن تأخر عنه (3) بالملک اتخاذ البلد دار مقامه علی الدوام. ولا بأس به ، لخروج المسافر بالوصول إلیها عن کونه مسافرا عرفا.

قال فی الذکری : وهل یشترط هنا استیطان الستة؟ الأشهر الأقرب ذلک لیتحقق الاستیطان الشرعی مضافا إلی العرفی (4). وهو غیر بعید ، لأن الاستیطان علی هذا الوجه إذا کان معتبرا مع وجود الملک فمع عدمه أولی.

قوله : ( الشرط الرابع ، أن یکون السفر سائغا ، واجبا کان کحجة الإسلام ، أو مندوبا کزیارة النبی صلی الله علیه و آله ، أو مباحا کالأسفار للمتاجر ، ولو کان معصیة لم یقصّر ، کاتّباع الجائر وصید اللهو ).

هذا الشرط مجمع علیه بین الأصحاب کما نقله جماعة منهم المصنف فی المعتبر (5) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (6) ، وتدل علیه روایات : منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عمار بن مروان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ،

اشتراط کون السفر سائغا

ص: 445


1- النهایة : 124.
2- القواعد 1 : 50.
3- کالشهید الأول فی الذکری : 257 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 1 : 372.
4- الذکری : 257.
5- المعتبر 2 : 470.
6- المنتهی 1 : 392 ، والتذکرة 1 : 190.

______________________________________________________

سمعته یقول : من سافر قصر وأفطر إلاّ أن یکون رجلا سفره إلی صید ، أو فی معصیة الله ، أو رسول لمن یعصی الله عزّ وجلّ ، أو طلب عدوّ وشحناء وسعایة ، أو ضرر علی قوم مسلمین » (1) وما رواه الشیخ ، عن عبید بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یخرج إلی الصید أیقصر أم یتم؟ قال : « یتم ، لأنه لیس بمسیر حق » (2).

وعن أبی سعید الخراسانی قال : دخل رجلان علی أبی الحسن الرضا علیه السلام بخراسان فسألاه عن التقصیر فقال لأحدهما : « وجب علیک التقصیر لأنک قصدتنی » وقال للآخر : « وجب علیک التمام لأنک قصدت السلطان » (3).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی السفر المحرم بین من کان غایة سفره معصیة کقاصد قطع الطریق بسفره ، وکالمرأة والعبد القاصدین بسفرهما النشوز والإباق ، أو کان نفس سفره معصیة (4) کالفارّ من الزحف ، والهارب من غریمه مع قدرته علی وفاء الحق ، وتارک الجمعة بعد وجوبها ، ونحو ذلک.

قال جدی - قدس سره - فی روض الجنان : وإدخال هذه الأفراد یقتضی المنع من ترخص کل تارک للواجب بسفره ، لاشتراکهما فی العلة الموجبة لعدم الترخص ، إذ الغایة مباحة فإنه المفروض ، وإنما عرض العصیان بسبب ترک الواجب ، فلا فرق حینئذ بین استلزام سفر التجارة ترک صلاة الجمعة ونحوها ، وبین استلزامه ترک غیرها کتعلم العلم الواجب عینا أو کفایة ، بل الأمر فی هذا

ص: 446


1- الفقیه 2 : 92 - 409 ، الوسائل 5 : 509 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.
2- التهذیب 3 : 217 - 537 ، الإستبصار 1 : 236 - 841 ، الوسائل 5 : 511 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4.
3- التهذیب 4 : 220 - 642 ، الإستبصار 1 : 235 - 838 ، الوسائل 5 : 510 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 6.
4- فی « ح » زیادة : کسالک الطریق المخوف ، والفارّ.

______________________________________________________

الوجوب أقوی ، وهذا یقتضی عدم الترخص إلاّ لأوحدی الناس ، لکن الموجود من النصوص فی ذلک لا یدل علی إدخال هذا القسم ولا علی مطلق المعاصی ، وإنما دل علی السفر الذی غایته المعصیة (1). هذا کلامه رحمه الله .

ویشکل بأن روایة عمار بن مروان التی هی الأصل فی هذا الباب تتناول مطلق العاصی ، وکذا التعلیل المستفاد من روایة عبید بن زرارة ، والإجماع المنقول من جماعة. لکن لا یخفی أن تارک الواجب کالتعلم ونحوه إنما یکون عاصیا بنفس الترک لا بالسفر إلاّ إذا کان مضادا للواجب وقلنا باقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن ضده الخاص ، وقد تقدم الکلام فی ذلک مرارا وأن الظاهر عدم الاقتضاء کما هو اختیاره - قدس سره (2) - مع أن التضاد بین التعلم والسفر غیر متحقق فی أکثر الأوقات. فما ذکره - قدس سره - من أن إدخال هذا القسم یقتضی عدم الترخص إلا لأوحدی الناس غیر جید.

واعلم أن المعصیة فی السفر مانعة من الترخص ابتداء واستدامة ، فلو قصد المعصیة ابتداء أتم ، ولو رجع عنها فی أثناء السفر اعتبرت المسافة حینئذ فلو قصر الباقی أتم.

ولو قصد المعصیة فی أثناء السفر المباح انقطع ترخصه ، فلو عاد إلی الطاعة قصر ، وهل یعتبر کون الباقی مسافة؟ قیل : نعم ، وبه قطع العلاّمة فی القواعد (3) ، لبطلان المسافة الأولی بقصد المعصیة فافتقر فی عوده إلی التقصیر إلی قصد مسافة جدیدة.

وقیل : لا ، بل یکفی بلوغ السفر الواقع فی حال الإباحة أولا وآخرا مسافة ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (4) ، والعلاّمة فی المنتهی (5) ، وبه

ص: 447


1- روض الجنان : 388.
2- تمهید القواعد : 17.
3- القواعد 1 : 50.
4- المعتبر 2 : 472.
5- المنتهی 1 : 392.

ولو کان الصید لقوته وقوت عیاله قصّر. ولو کان للتجارة ، قیل : یقصّر الصوم دون الصلاة ، وفیه تردد.

______________________________________________________

قطع فی الذکری ، واستدل علیه بأن المانع من التقصیر إنما کان المعصیة وقد زالت (1). وهو جید ، وفی بعض الأخبار دلالة علیه (2).

قوله : ( ولو کان الصید لقوته وقوت عیاله قصّر ، ولو کان للتجارة ، قیل : یقصّر الصوم دون الصلاة ، وفیه تردد ).

أما أنه یجب التقصیر إذا کان الصید لقوته وقوت عیاله فلا ریب فیه ، لأنه سعی مأذون فیه ، بل مأمور به فساوی غیره من أسفار الطاعات ، ویؤیده قول الصادق علیه السلام فی مرسلة عمران بن محمد القمی : « إن خرج لقوته وقوت عیاله فلیفطر ولیقصر » (3).

والأصح إلحاق صید التجارة به کما اختاره المرتضی - رضی الله عنه (4) - وجماعة ، للإباحة ، بل قد یکون راجحا أیضا.

والقول بأن من هذا شأنه یقصر صومه ویتم صلاته للشیخ فی النهایة والمبسوط (5) ، وأتباعه (6).

قال فی المعتبر : ونحن نطالبه بدلالة الفرق ونقول : إن کان مباحا قصر فیهما وإن لم یکن أتم فیهما (7). وهو جید ، ویدل علی ما اخترناه من التسویة بین قصر الصوم والصلاة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، عن

حکم الخروج للصید

ص: 448


1- الذکری : 258.
2- الوسائل 5 : 509 أبواب صلاة المسافر ب 8.
3- الکافی 3 : 438 - 10 ، الفقیه 1 : 288 - 1312 ، التهذیب 3 : 217 - 538 ، الإستبصار 1 : 236 - 845 ، الوسائل 5 : 512 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5.
4- لم نعثر علیه کما فی الحدائق 11 : 388.
5- النهایة : 123 ، والمبسوط 1 : 136.
6- منهم ابن البراج فی المهذب 1 : 106 ، وابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 676 ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 91.
7- المعتبر 2 : 471.

الشرط الخامس : ألا یکون سفره أکثر من حضره ، کالبدوی الذی یطلب القطر ، والمکاری ، والملاح ، والتاجر الذی یطلب الأسواق ، والبرید.

______________________________________________________

أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت » (1).

قوله : ( الشرط الخامس ، ألا یکون سفره أکثر من حضره ، کالبدوی الذی یطلب القطر ، والمکاری والملاّح ، والتاجر الذی یطلب الأسواق والبرید ).

اشتهر علی ألسنة الفقهاء أن کثیر السفر یجب علیه الإتمام ، والمراد به من کان السفر عمله کالمکاری والجمّال فإن من هذا شأنه یصدق علیه أنه کثیر السفر عرفا.

وجعل المصنف فی المعتبر مکان هذا الشرط أن لا یکون ممن یلزمه الإتمام سفرا ثم قال : وقال بعضهم : أن لا یکون سفره أکثر من حضره. وهذه عبارة غیر صالحة ، وقد اعتمدها المفید - رحمه الله - وأتباعه ، ویلزم علی قولهم لو أقام فی بلده عشرة وسافر عشرین أن یلزمه الإتمام فی السفر ، وهذا لم یقله أحد ، ولا ریب أنها عبارة بعض الأصحاب وتبعه آخرون ، ولو قال : یتقید ذلک بأن لا یقیم فی بلده عشرة. قلنا : فحینئذ لا یبقی بکثرة السفر اعتبار (2). هذا کلامه - رحمه الله - وهو غیر واضح ، فإن کون هذه المسألة مقیدة بهذا القید لا یقتضی عدم اعتبار کثرة السفر ، فإن إتمام کثیر السفر مشروط بأن لا یقیم عشرة أیام.

وأورد علیه الشارح أیضا أن أولویة عبارته علی عبارة الأصحاب غیر واضحة ، لأن العاصی بسفره یدخل فیما ذکره مع أنه غیر مراد ، وکذا الهائم ،

اشتراط عدم کثرة السفر

ص: 449


1- التهذیب 3 : 220 - 551 ، الوسائل 5 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17 ، وأوردها فی الفقیه 1 : 280 - 1270.
2- المعتبر 2 : 472.

______________________________________________________

وطالب الآبق ، ونحوهما (1).

ویمکن دفعه بأن مراده بمن یلزمه الإتمام سفرا من یلزمه ذلک باتخاذه السفر صنعة کما یشعر به آخر کلامه ، والمناقشة فی العبارات بعد ظهور المقصود هیّن.

والأصل فی هذه المسألة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « لیس علی الملاّحین فی سفینتهم تقصیر ، ولا علی المکارین ، ولا علی الجمّالین » (2).

وفی الصحیح ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المکاری والجمّال الذی یختلف ولیس له مقام یتم الصلاة ویصوم شهر رمضان » (3).

وفی الصحیح ، عن زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « أربعة قد یجب علیهم التمام فی سفر کانوا أو حضر : المکاری ، والکری ، والراعی ، والاشتقان ، لأنه عملهم » (4) والکری : المکتری ، ویقال علی المکاری ، والحمل علی الأول أولی ، لأن العطف یؤذن بالمغایرة. والاشتقان قیل : إنه البرید (5). وقیل : هو أمین البیدر (6).

ویستفاد من هذه الروایة أن کل من کان السفر عمله یجب علیه الإتمام ،

ص: 450


1- المسالک 1 : 49.
2- التهذیب 3 : 214 - 525 ، الإستبصار 1 : 232 - 827 ، الوسائل 5 : 516 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 8.
3- الکافی 4 : 128 - 1 ، التهذیب 4 : 218 - 634 ، الوسائل 5 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1.
4- الکافی 3 : 436 - 1 ، الفقیه 1 : 281 - 1276 ، التهذیب 3 : 215 - 526 ، الاستبصار 1 : 232 - 828 ، الخصال : 252 - 122 ، الوسائل 5 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.
5- کما فی الفقیه 1 : 281.
6- کما فی التذکرة 1 : 191 ، والذکری : 258.

وضابطه أن لا یقیم فی بلد عشرة أیام. فلو أقام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصّر ،

______________________________________________________

وینبغی أن یکون المرجع فی ذلک إلی العرف لأنه المحکّم فی مثله ، وبه قطع العلاّمة فی جملة من کتبه (1) ، والشهید فی الذکری لکنه قال : إن ذلک إنما یحصل غالبا بالسفرة الثالثة التی لم یتخلل قبلها إقامة تلک العشرة (2).

واعتبر ابن إدریس فی تحقق الکثرة ثلاث دفعات ، ثم قال : إن صاحب الصنعة من المکارین والملاّحین یجب علیهم الإتمام بنفس خروجهم إلی السفر ، لأن صنعتهم تقوم مقام تکرر من لا صنعة له ممن سفره أکثر من حضره (3).

واستقرب العلاّمة فی المختلف تعلق الإتمام فی ذی الصنعة وغیره ممن جعل السفر عادته بالدفعة الثانیة (4).

ولم نقف لهذین القولین علی مستند سوی ادعاء کل منهما دلالة العرف علی ما ذکره ، وحیث قد عرفت أن الحکم بالتمام لیس منوطا بالکثرة وإنما هو معلق علی اسم المکاری والجمّال ومن اتخذ السفر عمله وجب اعتبار صدق هذا الاسم ، سواء حصل بدفعتین أو بأزید. ومن ذلک یعلم أن من لم یکن السفر عمله یجب علیه التقصیر وإن سافر عشر سفرات متوالیة ، لأن الحکم لیس منوطا بالکثرة وإنما هو بما ذکرناه من الأوصاف.

قوله : ( وضابطه أن لا یقیم فی بلده عشرة أیام ، فلو قام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصّر ).

هذا الضابط بمنزلة الشرط فی وجوب إتمام کثیر السفر کما صرح به فی المعتبر حیث قال : وظاهر هذه الروایات لزوم الإتمام للمذکورین یعنی المکاری ومن شارکه فی الحکم کیف کان ، لکن الشیخ - رحمه الله - یشترط أن لا یقیموا

ضابط کثرة السفر

ص: 451


1- التذکرة 1 : 191 ، والقواعد 1 : 50.
2- الذکری : 258.
3- السرائر : 76.
4- المختلف : 163.

______________________________________________________

فی بلدهم عشرة أیام (1). وهذا الشرط مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المکاری إن لم یستقر فی منزله إلاّ خمسة أیام وأقل قصّر فی سفره بالنهار وأتم باللیل وعلیه صوم شهر رمضان ، وإن کان له مقام فی البلد الذی یذهب إلیه عشرة أیام وأکثر قصّر فی سفره وأفطر » (2).

وهذه الروایة ضعیفة السند باشتماله علی إسماعیل بن مرار وهو مجهول ، ومع ذلک فهی متروکة الظاهر لتضمنها الاکتفاء فی التقصیر نهارا بإقامة ما دون الخمسة ، قاصرة الدلالة إذ مقتضاها اعتبار إقامة العشرة فی البلد الذی یذهب إلیه ، وهو غیر صریح فی کون المراد به المنزل. لکن الصدوق - رحمه الله - أورد هذه الروایة فی کتابه بطریق صحیح ومتنها مغایر لما فی التهذیب فإنه قال : « المکاری إذا لم یستقر فی منزله إلا خمسة أیام أو أقل قصر فی سفره بالنهار وأتم صلاة اللیل وعلیه صوم شهر رمضان ، فإن کان له مقام فی البلد الذی یذهب إلیه عشرة أیام أو أکثر وینصرف إلی منزله ویکون له مقام عشرة أیام أو أکثر قصر فی سفره وأفطر » (3).

ومقتضی هذه الروایة اعتبار إقامة العشرة فی المنزل والمکان الذی یذهب إلیه ، ولا أعلم بذلک قائلا ، ومع ذلک فالطعن فیها باشتمالها علی ما لا یقول به الأصحاب من الاکتفاء فی التقصیر نهارا بإقامة ما دون الخمسة باق بحاله. والمسألة محل إشکال إلاّ أن ظاهر الأصحاب الاتفاق علی أن إقامة العشرة أیام فی البلد قاطعة لکثرة السفر وموجبة للقصر.

ص: 452


1- المعتبر 2 : 473.
2- التهذیب 3 : 216 - 531 ، الإستبصار 1 : 234 - 836 ، الوسائل 5 : 519 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 6.
3- الفقیه 1 : 281 - 1278.

______________________________________________________

وألحق المصنف فی النافع (1) ، والعلاّمة (2) ، ومن تأخر عنه (3) بإقامة العشرة فی بلده العشرة المنویة فی غیر بلده. وألحق بها الشهید فی الدروس العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثین (4). وربما کان مستندهم فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن یونس بن عبد الرحمن ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن حد المکاری الذی یصوم ویتم ، قال : « أیما مکار أقام فی منزله أو فی البلد الذی یدخله أقل من مقام عشرة أیام وجب علیه الصیام والتمام أبدا ، وإن کان مقامه فی منزله أو فی البلد الذی یدخله أکثر من عشرة أیام فعلیه التقصیر والإفطار » (5) وهذه الروایة ضعیفة السند أیضا بالإرسال ، وبأن من جملة رجالها إسماعیل بن مرار الواقع فی طریق الروایة الأولی وهو مجهول.

وذکر جمع من المتأخرین أنه لا یشترط فی العشرة التوالی ، نعم یشترط عدم تخلل قصد مسافة فی أثنائها (6). وهو حسن.

ومتی وجب القصر علی کثیر السفر بإقامة العشرة ثم سافر مرة ثانیة بدون إقامة فالأظهر وجوب الإتمام علیه مع بقاء الاسم ، کما صرح به ابن إدریس (7) ، وغیره. واعتبر الشهید فی الذکری فی العود إلی الإتمام هنا المرة الثالثة ، لأن الاسم قد زال بالإقامة فیکون کالمبتدئ (8). وهو ضعیف ، لأن الاسم لا یزول بمجرد إقامة العشرة کما هو واضح.

ص: 453


1- المختصر النافع 1 : 51.
2- التذکرة 1 : 191 ، القواعد 1 : 50.
3- کالشهید الأول فی الذکری : 258 ، والمحقق الثانی فی جامع المقاصد 1 : 148 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 391.
4- الدروس : 51.
5- التهذیب 4 : 219 - 369 ، الإستبصار 1 : 234 - 837 ، الوسائل 5 : 517 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1.
6- الشهید الأول فی البیان : 160 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 391.
7- السرائر : 76.
8- الذکری : 258.

وقیل : ذلک مختص بالمکاری ، فیدخل فی جملته الملاح والأجیر ، والأول أظهر. ولو أقام خمسة ، قیل : یتمّ ، وقیل : یقصّر نهارا صلاته دون صومه ویتم لیلا ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وقیل ذلک مختص بالمکاری ، فیدخل فی جملته الأجیر والجمال ، والأول أظهر ).

هذا القول لم نظفر بقائله ، قال بعض شرّاح النافع : ولعل المصنف سمعه من معاصر له فی غیر کتاب مصنف (1). وربما ظهر من عبارة المعتبر عدم تحقق الخلاف فی ذلک فإنه قال بعد أن أورد روایة ابن سنان : وهذه الروایة تتضمن المکاری فلقائل أن یخص هذا الحکم بهم دون غیرهم ممن یلزمه الإتمام فی السفر ، لکن الشیخ قید الباقین بهذه الشرطیة وهو قریب من الصواب (2).

وکأن وجه القرب أن الظاهر من النصوص تساوی من یلزمه الإتمام ممن اتخذ السفر عمله فی الأحکام ، ولا یخلو من قوة.

قوله : ( ولو أقام خمسة ، قیل : یتمّ ، وقیل : یقصّر نهارا صلاته دون صومه ویتم لیلا ، والأول أشبه ).

القول بوجوب الإتمام بإقامة الخمسة لابن إدریس (3) وأکثر المتأخرین ، تمسکا بإطلاق الروایات المتضمنة لأن کثیر السفر یجب علیه الإتمام (4) ، خرج منه من أقام عشرة بالنص والإجماع إن تم فیبقی الباقی.

والقول بوجوب التقصیر فی صلاة النهار خاصة للشیخ (5) ، وأتباعه (6) ، تعویلا علی روایة ابن سنان المتقدمة ، وهی متروکة الظاهر لأنه قال فیها :

حکم المقیم خمسة فی بلده

ص: 454


1- المهذب البارع 1 : 488.
2- المعتبر 2 : 473.
3- السرائر : 76.
4- الوسائل 5 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 11.
5- المبسوط 1 : 141 ، النهایة : 122.
6- منهم ابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 676 ، وابن البراج فی المهذب 1 : 106.

______________________________________________________

« المکاری إن لم یستقر فی منزله إلاّ خمسة أیام أو أقل قصر » (1) والأقل یصدق علی یوم بل علی بعض یوم ولا قائل به ، مع أنها معارضة بقوله فی صحیحة معاویة بن وهب : « هما واحد إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » (2).

واعلم أن الشیخ - رحمه الله - قد روی فی التهذیب فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « المکاری والجمّال إذا جدّ بهما السیر فلیقصرا » (3).

وفی الصحیح ، عن الفضل بن عبد الملک ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المکارین الذین یختلفون فقال : « إذا جدّوا السیر فلیقصروا » (4).

واختلف الأصحاب فی تنزیلهما ، فقال الشیخ فی التهذیب : الوجه فی هذین الخبرین ما ذکره محمد بن یعقوب الکلینی - رحمه الله - قال : هذا محمول علی من یجعل المنزلین منزلا فیقصر فی الطریق ویتم فی المنزل (5) ، والذی یکشف عن ذلک ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد ، عن عمران بن محمد بن عمران الأشعری ، عن بعض أصحابنا یرفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الجمّال والمکاری إذا جدّ بهما السیر فلیقصرا فیما بین المنزلین ویتما فی المنزل » (6) وهذه الروایة مع ضعف سندها غیر دالة علی ما اعتبراه.

وحملهما الشهید فی الذکری علی ما إذا أنشأ المکاری والجمّال سفرا غیر صنعتهما قال : ویکون المراد بجد السیر أن یکون مسیرهما متصلا کالحج ،

ص: 455


1- فی ص 452.
2- المتقدمة فی ص 448.
3- التهذیب 3 : 215 - 528 ، الوسائل 5 : 519 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1.
4- التهذیب 3 : 215 - 529 ، الوسائل 5 : 519 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 2.
5- التهذیب 3 : 215.
6- الفقیه 1 : 282 - 1279 ، التهذیب 3 : 215 - 530 ، الإستبصار 1 : 233 - 832 الوسائل 5 : 519 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 3.

الشرط السادس : لا یجوز للمسافر التقصیر حتی تتواری

______________________________________________________

والأسفار التی لا یصدق علیها صنعته (1). وهو قریب ، بل لا یبعد استفادة الحکم من تعلیل الإتمام فی صحیحة زرارة بأنه عملهم (2).

واحتمل فی الذکری أن یکون المراد أن المکارین یتمون ما داموا یترددون فی أقل من المسافة أو فی مسافة غیر مقصودة ، فإذا قصدوا مسافة قصروا قال : ولکن هذا لا یختص المکاری والجمّال بل کل مسافر (3). ولعل ذلک مستند ابن أبی عقیل علی ما نقل عنه حیث عمم وجوب القصر علی کل مسافر ولم یستثن أحدا (4). ویرده قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « أربعة یجب علیهم التمام فی سفر کانوا أو حضر » (5) فإن المتبادر من السفر المقابل للحضر المقتضی للتقصیر.

وقال العلاّمة فی المختلف : الأقرب عندی حمل الحدیثین علی أنهما إذا قاما عشرة أیاما قصرا (6). ولا یخفی بعد ما قرّبه.

وحملهما جدی - قدس سره - فی روض الجنان علی ما إذا قصد المکاری والجمّال المسافة قبل تحقق الکثرة (7). وهو بعید أیضا.

ویحتمل قویا الرجوع فی جدّ السیر إلی العرف ، والقول بوجوب التقصیر علیهما فی هذه الحالة للمشقة الشدیدة بذلک ، والله تعالی أعلم.

قوله : ( الشرط السادس ، لا یجوز للمسافر التقصیر حتی تتواری

اشتراط تجاوز حد الترخص

ص: 456


1- الذکری : 258.
2- الکافی 3 : 436 - 1 ، الفقیه 1 : 281 - 1276 ، التهذیب 3 : 215 - 526 ، الاستبصار 1 : 232 - 828 ، الخصال 1 : 252 ، الوسائل 5 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.
3- الذکری : 258.
4- نقله عنه فی المختلف : 163.
5- المتقدمة فی ص 450.
6- المختلف : 163.
7- روض الجنان : 390.

جدران البلد الذی یخرج منه أو یخفی علیه الأذان.

______________________________________________________

جدران البلد الذی یخرج منه أو یخفی علیه الأذان ).

ما اختاره المصنف رحمه الله من الاکتفاء بجواز التقصیر بخفاء الأذان أو الجدران قول أکثر الأصحاب ، واعتبر الشیخ فی الخلاف (1) ، والمرتضی (2) ، وأکثر المتأخرین خفاءهما معا. وقال ابن إدریس : الاعتماد عندی علی الأذان المتوسط دون الجدران (3). وقال الشیخ علیّ بن بابویه : وإذا خرجت من منزلک فقصر إلی أن تعود إلیه (4). والمعتمد الأول.

لنا : أن فیه جمعا بین ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل یرید السفر فیخرج متی یقصر؟ قال : « إذا تواری من البیوت » (5) وما رواه فی الصحیح أیضا ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن التقصیر فقال : « إذا کنت فی الموضع الذی لا تسمع الأذان فقصر ، وإذا قدمت من سفرک مثل ذلک » (6).

وهذا الجمع أعنی الاکتفاء بخفاء الأذان أو الجدران فی لزوم القصر أولی من الجمع بتقیید کل من الروایتین بالأخری واعتبار خفائهما معا کما اختاره المتأخرون فإنه بعید جدا.

وذکر الشارح أن المعتبر فی رؤیة الجدار صورته لا شبحه (7). ومقتضی الروایة اعتبار التواری من البیوت ، والظاهر أن معناه ( وجود الحائل بینه وبینها

ص: 457


1- الخلاف 1 : 222.
2- جمل العلم والعمل : 77.
3- السرائر : 74.
4- نقله عنه فی المختلف : 163.
5- التهذیب 3 : 224 - 566 ، الوسائل 5 : 505 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1.
6- التهذیب 4 : 230 - 675 ، الإستبصار 1 : 242 - 862 ، الوسائل 5 : 506 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 3.
7- المسالک 1 : 49.

ولا یجوز له الترخص قبل ذلک ولو نوی السفر لیلا. وکذا فی عوده یقصّر حتی یبلغ سماع الأذان من مصره.

______________________________________________________

وإن کان قلیلا وأنه لا یضر رؤیتها بعد ذلک ، لصدق التواری أولا ) (1).

وذکر الشهیدان أن البلد لو کانت فی علو مفرط أو وهدة اعتبر فیها الاستواء تقدیرا (2). ویحتمل قویا الاکتفاء بالتواری فی المنخفضة کیف کان ، لإطلاق الخبر.

والمرجع فی الأذان إلی الأذان المتوسط ، فلا عبرة بسماع الأذان المفرط فی العلو ، کما لا عبرة بخفاء الأذان المفرط فی الانخفاض ، ویکفی سماع الأذان من آخر البلد وکذا رؤیة آخر جدرانه ، أما لو اتسعت خطة البلد بحیث تخرج عن العادة فالظاهر اعتبار محلته.

قوله : ( وکذا فی عوده یقصّر حتی یبلغ سماع الأذان من مصره ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - فی حکم العود أظهر الأقوال فی المسألة ، لقوله علیه السلام فی روایة ابن سنان المتقدمة : « وإذا قدمت من سفرک مثل ذلک » (3) وإنما لم یکتف المصنف هنا بأحد الأمرین کما اعتبره فی الذهاب ، لانتفاء الدلیل هنا علی اعتبار رؤیة الجدران.

وذهب المرتضی - رضی الله عنه (4) - والشیخ علیّ بن بابویه (5) ، وابن الجنید (6) إلی أن المسافر یجب علیه التقصیر فی العود حتی یبلغ منزله. وربما کان مستندهم صحیحة عیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا

ص: 458


1- بدل ما بین القوسین فی « ح » : استتاره عنها بحیث لا یراه من کان فی البلد.
2- الشهید الأول فی الذکری : 259 ، والدروس : 50 ، والبیان : 158 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 392 ، والمسالک 1 : 49.
3- فی ص 457.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 474.
5- نقله عنهما فی المختلف : 164.
6- نقله عنهما فی المختلف : 164.

وقیل : یقصّر عند الخروج من منزله ویتم عند دخوله ، والأول أظهر. وإذا نوی الإقامة فی غیر بلده عشرة أتم ،

______________________________________________________

یزال المسافر مقصرا حتی یدخل بیته » (1).

وموثقه إسحاق بن عمار ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون مسافرا ثم یقدم فیدخل بیوت الکوفة أیتم الصلاة أم یکون مقصرا حتی یدخل أهله؟ قال : « بل یکون مقصرا حتی یدخل أهله » (2).

وأجاب عنهما فی المختلف بأن المراد بهما الوصول إلی موضع یسمع الأذان أو یری الجدران ، فإن من وصل إلی هذا الموضع یخرج عن حکم المسافر فیکون بمنزلة من دخل منزله (3). وهو تأویل بعید. ولو قیل بالتخییر بعد الوصول إلی موضع یسمع فیه الأذان بین القصر والتمام إلی أن یدخل البلد کان وجها حسنا.

قوله : ( ولو نوی الإقامة فی غیر بلده عشرة أیام أتم ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وتدل علیه روایات کثیرة ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : أرأیت من قدم بلده إلی متی ینبغی له أن یکون مقصرا؟ ومتی ینبغی له أن یتم؟ فقال : « إذا دخلت أرضا فأیقنت أن لک بها مقام عشرة أیام فأتم الصلاة ، وإن لم تدر ما مقامک بها تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بینک وبین أن یمضی شهر ، فإذا تم لک شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتک » (4).

وفی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام

نیة الإقامة

ص: 459


1- التهذیب 3 : 222 - 556 ، الإستبصار 1 : 242 - 864 ، الوسائل 5 : 508 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 4.
2- الکافی 3 : 434 - 5 ، الفقیه 1 : 284 - 1291 وفیهما : إلی أهله ، التهذیب 3 : 222 - 555 ، الإستبصار 1 : 242 - 863 ، الوسائل 5 : 508 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 3.
3- المختلف : 164.
4- التهذیب 3 : 219 - 546 ، الإستبصار 1 : 237 - 847 ، الوسائل 5 : 526 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9.

______________________________________________________

قال ، سمعته یقول : « إذا أتیت بلدة فأزمعت المقام عشرة أیام فأتم الصلاة ، فإن ترکه جاهلا فلیس علیه شی ء » (1) وهما نص فی المطلوب.

وهل یشترط فی العشرة التوالی بحیث لا یخرج بینها إلی محل الترخص أم لا؟ الأظهر اشتراطه ، لأنه المتبادر من النص ، وبه قطع الشهید فی البیان (2) ، وجدی - قدس سره - فی جملة من کتبه (3) ، وقال فی بعض فوائده بعد أن صرح باعتبار ذلک : وما یوجد فی بعض القیود من أن الخروج إلی خارج الحدود مع العود إلی موضع الإقامة لیومه أو لیلته لا یؤثر فی نیة الإقامة وإن لم ینو إقامة عشرة مستأنفة ، لا حقیقة له ، ولم نقف علیه مسندا إلی أحد من المعتبرین الذین تعتبر فتواهم ، فیجب الحکم باطراحه ، حتی لو کان ذلک فی نیته من أول الإقامة بحیث صاحبت هذه النیة نیة إقامة العشرة لم یعتد بنیة الإقامة وکان باقیا علی القصر ، لعدم الجزم بإقامة العشرة المتوالیة ، فإن الخروج إلی ما یوجب الخفاء یقطعها ونیته فی ابتدائها تبطلها (4). انتهی کلامه رحمه الله .

وهو جید ، لکن ینبغی الرجوع فی صدق الإقامة إلی العرف ، فلا یقدح فیها الخروج إلی بعض البساتین والمزارع المتصلة بالبلد مع صدق الإقامة فیها عرفا.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : إنما یجب الإتمام بنیة إقامة عشرة أیام تامة ، فلو نقصت - ولو قلیلا - بقی التقصیر. وفی الاجتزاء بالیوم الملفق من یومی الدخول والخروج وجهان ، أظهرهما العدم ، لأن نصف الیومین لا یسمی یوما ، فلا تتحقق إقامة العشرة التامة بذلک. وقد اعترف الأصحاب بعدم الاکتفاء بالتلفیق فی أیام الاعتکاف وأیام العدة ، والحکم فی الجمیع واحد.

ص: 460


1- التهذیب 3 : 221 - 552 ، الوسائل 5 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 3.
2- البیان : 156.
3- روض الجنان : 399.
4- رسائل الشهید : 190.

______________________________________________________

الثانی : لا فرق فی وجوب الإتمام بنیة الإقامة بین أن یقع فی بلد أو قریة أو بادیة ، ولا بین العازم علی السفر بعد المقام وغیره ، للعموم.

الثالث : قال فی المنتهی : لو عزم علی إقامة طویلة فی رستاق ینتقل فیه من قریة إلی قریة ولم یعزم علی الإقامة فی واحدة منها المدة التی یبطل حکم السفر فیها لم یبطل حکم سفره ، لأنه لم ینو الإقامة فی بلد بعینه ، فکان کالمنتقل فی سفره من منزل إلی منزل (1). وهو حسن.

الرابع : قد عرفت أن نیة الإقامة تقطع السفر المتقدم ، وعلی هذا فیفتقر المکلف فی عوده إلی التقصیر بعد الصلاة علی التمام إلی قصد مسافة جدیدة یشرع فیها القصر. ولو رجع إلی موضع الإقامة بعد إنشاء السفر والوصول إلی محل الترخص لطلب حاجة أو أخذ شی ء لم یتم فیه مع عدم عدوله عن السفر ، بخلاف ما لو رجع إلی بلده لذلک. ولو بدا له عن السفر أتم فی الموضعین.

الخامس : إذا سبقت نیة المقام ببلد عشرة أیام علی الوصول إلیه ، ففی انقطاع السفر بما ینقطع بالوصول إلی بلده من مشاهدة الجدار أو سماع الأذان وجهان ، أظهرهما البقاء علی القصر إلی أن یصل إلی البلد وینوی المقام فیها ، لأنه الآن مسافر ، فیتعلق به حکمه إلی أن یحصل ما یقتضی الإتمام.

ولو خرج من موضع الإقامة إلی مسافة ، ففی ترخصه بمجرد الخروج ، أو بخفاء الجدار أو الأذان الوجهان. والمتجه هنا اعتبار الوصول إلی محل الترخص ، لأن محمد بن مسلم سأل الصادق علیه السلام فقال له : رجل یرید السفر فیخرج ، متی یقصر؟ فقال : « إذا خرج من البیوت » (2) وهو یتناول من خرج من موضع الإقامة کما یتناول من خرج من بلده.

ص: 461


1- المنتهی 1 : 398.
2- الکافی 3 : 434 - 1 ، الفقیه 1 : 279 - 1267 ، التهذیب 3 : 224 - 566 ، الوسائل 5 : 505 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1.

ودونها یقصّر.

______________________________________________________

قوله : ( ودونها یقصّر ).

هذا قول معظم الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (1). ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخلت بلدا وأنت ترید المقام عشرة أیام فأتم الصلاة حین تقدم. وإن أردت دون العشرة فقصر ما بینک وبین شهر ، فإذا تم الشهر فأتم الصلاة » (2).

ونقل عن ابن الجنید أنه اکتفی فی وجوب الإتمام بنیة إقامة خمسة أیام (3). وربما کان مستنده ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن أبی أیوب ، قال : سأل محمد بن مسلم أبا جعفر علیه السلام - وأنا أسمع - عن المسافر إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أیام ، قال : « فلیتم الصلاة ، فإن لم یدر ما یقیم یوما أو أکثر فلیعد ثلاثین یوما ، ثم لیتم وإن أقام یوما أو صلاة واحدة » فقال له محمد بن مسلم : بلغنی أنک قلت خمسا ، قال : « قد قلت ذلک » قال أبو أیوب : فقلت أنا : جعلت فداک یکون أقل من خمسة أیام؟ قال : « لا » (4).

وهی غیر دالة علی الاکتفاء بنیة إقامة الخمسة صریحا ، لاحتمال عود الإشارة إلی الکلام السابق ، وهو الإتمام مع إقامة العشرة.

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب بالحمل علی من کان بمکة أو المدینة. وهو حمل بعید (5). وکیف کان ، فهذه الروایة لا تبلغ حجة فی معارضة الإجماع والأخبار الکثیرة.

ص: 462


1- المنتهی 1 : 396.
2- التهذیب 3 : 220 - 551 ، الوسائل 5 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.
3- حکاه عنه فی المختلف : 164.
4- التهذیب 3 : 219 - 548 ، الإستبصار 1 : 238 - 849 ، الوسائل 5 : 527 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.
5- فی « ح » زیادة : ویمکن حملها علی التقیة أیضا ، وفی « ض » زیادة : ولکن حملها علی التقیة وجه.

وإن تردد عزمه قصّر ما بینه وبین شهر ، ثم یتم ولو صلاة واحدة. ولو نوی الإقامة ثم بدا له رجع إلی التقصیر ، ولو صلی صلاة واحدة بنیّة الإتمام لم یرجع.

______________________________________________________

قوله : ( وإن تردد عزمه قصّر ما بینه وبین شهر ، ثم أتم ولو صلاة واحدة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب. وتدل علیه روایات کثیرة ، منها : قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب : « وإن أردت دون العشرة فقصّر ما بینک وبین شهر ، فإذا تم الشهر فأتم الصلاة » (1).

وفی حسنة أبی أیوب : « فإن لم یدر ما یقیم یوما أو أکثر فلیعد ثلاثین یوما تم لیتم ».

وإطلاق الروایة الأولی وکلام أکثر الأصحاب یقتضی الاکتفاء بالشهر الهلالی إذا حصل التردد فی أوله وإن کان ناقصا. واعتبر العلامة فی التذکرة الثلاثین ولم یعتبر الشهر الهلالی ، قال : لأن لفظ الشهر کالمجمل ولفظ الثلاثین کالمبین (2). ولا بأس به.

قوله : ( ولو نوی الإقامة ثم بدا له رجع إلی التقصیر ، ولو صلی صلاة واحدة بنیّة الإتمام لم یرجع ).

هذا الحکم ثابت بإجماعنا. والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی ولاد الحناط قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی کنت نویت حین دخلت المدینة أن أقیم بها عشرة أیام فأتم الصلاة. ثم بدا لی بعد أن [ لا ] (3) أقیم بها ، فما تری لی؟ أتم أم أقصر؟ فقال : « إن کنت دخلت المدینة وصلیت بها صلاة فریضة واحدة بتمام فلیس لک أن تقصر حتی تخرج منها ، وإن کنت

حکم المتردد

حکم من نوی الإقامة ثم عدل

ص: 463


1- المتقدمة فی ص 462.
2- التذکرة 1 : 189.
3- أثبتناها من « ح » والتهذیب.

______________________________________________________

حین دخلتها علی نیتک المقام فلم تصل فیها صلاة فریضة واحدة بتمام حتی بدا لک أن لا تقیم ، فأنت فی تلک الحال بالخیار ، إن شئت فانو المقام عشرا وأتم ، وإن لم تنو المقام فقصر ما بینک وبین شهر ، فإذا مضی لک شهر فأتم الصلاة » (1).

والحکم بالإتمام مع الرجوع وقع فی النص معلقا علی من صلی فرضا تماما بعد نیة الإقامة ، فلا تکفی النافلة قطعا.

ولو خرج الوقت ولم یصل عمدا أو نسیانا فالأظهر الرجوع إلی التقصیر ، لانتفاء الشرط. وقال فی التذکرة : یبقی علی التمام لاستقرار الفائت فی الذمة (2). وهو ضعیف.

وألحق العلامة فی جملة من کتبه بالصلاة الشروع فی الصوم الواجب المشروط بالحضر ، لوجود أثر النیة (3). وقواه جدی - قدس سره - فی روض الجنان ، لکنه قیده بما إذا زالت الشمس قبل الرجوع عن تلک النیة ، واحتج علیه بأنه لو فرض أن هذا الصائم سافر بعد الزوال فلا یخلو إما أن یوجب علیه الإفطار أو إتمام الصوم. لا سبیل إلی الأول ، للأخبار الصحیحة المتضمنة لوجوب المضی فی الصوم الشاملة بإطلاقها أو عمومها لهذا الفرد ، فیتعین الثانی. وحینئذ فلا یخلو إما أن یحکم بانقطاع نیة الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل الخروج أولا. لا سبیل إلی الأول ، لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفرا بغیر نیة الإقامة ، وهو غیر جائز إجماعا إلا ما استثنی من الصوم المنذور - علی وجه - وما ماثله ، ولیس هذا منه. فیثبت الآخر وهو عدم انقطاع نیة الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال سواء سافر حینئذ بالفعل أم لم یسافر ، إذ لا مدخل للسفر فی صحة الصوم وتحقق الإقامة ، بل حقه أن یحقق عدمها وقد عرفت عدم تأثیره

ص: 464


1- التهذیب 3 : 221 - 553 ، الإستبصار 1 : 238 - 851 ، الوسائل 5 : 532 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 1.
2- التذکرة 1 : 192.
3- التذکرة 1 : 193 ، والقواعد 1 : 50 ، وتحریر الأحکام 1 : 56.

وأما القصر : فإنه عزیمة ، إلا أن تکون المسافة أربعا ولم یرد الرجوع لیومه علی قول ،

______________________________________________________

فیها ، فإذا لم یسافر بقی علی التمام إلی أن یخرج إلی المسافة ، وهو المطلوب (1). انتهی.

ولقائل أن یقول : لا نسلم وجوب إتمام الصوم والحال هذه. وما أشار إلیه - قدس سره - من الروایات المتضمنة لوجوب المضی فی الصوم غیر صریحة فی ذلک بل ولا ظاهرة ، إذ المتبادر منها تعلق الحکم بمن سافر من موضع یلزمه فیه الإتمام ، وهو غیر متحقق هنا ، فإنه نفس النزاع.

سلمنا وجوب الإتمام لکن ، لا نسلم اقتضاء ذلک لعدم انقطاع نیة الإقامة بالرجوع عنها فی هذه الحالة. واستلزام ذلک لوقوع الصوم الواجب سفرا لا محذور فیه ، لوقوع بعضه فی حال الإقامة ، ولأنه لا دلیل علی امتناع ذلک.

فإن قلت : إنه یلزم من وجوب إتمام الصوم إتمام الصلاة ، لعکس نقیض قوله علیه السلام : « إذا قصرت أفطرت » (2).

قلت : هذا - بعد تسلیم عمومه - مخصوص بمنطوق الروایة المتقدمة المتضمنة للعود إلی القصر مع الرجوع عن نیة الإقامة قبل إتمام الفریضة (3).

والمتجه ما أطلقه المصنف من العود إلی التقصیر ما لم یصلّ فریضة تماما ، ولا یبعد تعین الإفطار أیضا وإن کان بعد الزوال إن لم ینعقد الإجماع علی خلافه ، لقوله علیه السلام : « إذا قصرت أفطرت ».

قوله : ( وأما القصر فإنه عزیمة ، إلا أن تکون المسافة أربعا ولم یرد الرجوع لیومه علی قول ).

حکم القصر

ص: 465


1- روض الجنان : 395.
2- الفقیه 1 : 280 - 1270 ، التهذیب 3 : 220 - 551 ، الوسائل 5 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.
3- فی ص 1354.

أو فی أحد المواطن الأربعة : مکة ، والمدینة ، والمسجد الجامع ، بالکوفة ، والحائر ، فإنه مخیّر ، والإتمام أفضل.

______________________________________________________

أما أن القصر فی السفر عزیمة إذا کان مسیرة یوم أو ثمانیة فراسخ ، فهو إجماعی منصوص فی عدة روایات ، کقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة والحلبی : « فصار التقصیر فی السفر واجبا کوجوب الإتمام فی الحضر » (1).

وفی صحیحة علی بن یقطین : « یجب علیه التقصیر إذا کان مسیرة یوم » (2) إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة.

والقول بالتخییر إذا کانت المسافة أربعة فراسخ ولم یرد المسافر الرجوع لیومه ، للصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (3) ، والمفید (4) ، والشیخ (5) ، وجمع من الأصحاب. ولا یخلو من قوة ، وقد تقدم الکلام فیه (6).

قوله : ( أو فی أحد المواطن الأربعة : مکة والمدینة والمسجد الجامع بالکوفة والحائر ، فإنه مخیّر ، والإتمام أفضل ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الأکثر إلی التخییر فی هذه المواطن بین القصر والإتمام وأن الإتمام أفضل ، وعزاه فی المعتبر إلی الثلاثة وأتباعهم (7).

التخییر فی المواطن الأربعة

ص: 466


1- الفقیه 1 : 278 - 1266 ، التهذیب 3 : 226 - 571 ، تفسیر العیاشی 1 : 271 - 254 ، الوسائل 5 : 538 أبواب صلاة المسافر ب 22 ح 2 ، وفی الجمیع : عن زرارة ومحمد بن مسلم.
2- التهذیب 3 : 209 - 503 ، الإستبصار 1 : 225 - 799 ، الوسائل 5 : 493 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.
3- الفقیه 1 : 286.
4- حکاه عنه فی الذکری : 256.
5- التهذیب 3 : 208 ، والنهایة : 122 ، والمبسوط 1 : 141.
6- فی ص 434.
7- المعتبر 2 : 476.

______________________________________________________

وقال ابن بابویه : یقصر ما لم ینو المقام عشرة ، والأفضل أن ینوی المقام بها لیوقع صلاته تماما (1).

وقال السید المرتضی فی الجمل : لا تقصیر فی مکة ومسجد النبی صلی الله علیه و آله ومشاهد الأئمة القائمین مقامه علیهم السلام (2). وهذه العبارة تعطی (3) منع التقصیر. والمعتمد الأول.

لنا علی التخییر فی الحرمین : أن فیه جمعا بین ما دل علی وجوب الإتمام مطلقا ، کصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التمام بمکة والمدینة ، قال : « أتم وإن لم تصل فیهما إلا صلاة واحدة » (4).

وصحیحة علی بن مهزیار : إنه کتب إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام یسأله عن ذلک ، فکتب بخطه : « قد علمت - یرحمک الله - فضل الصلاة فی الحرمین علی غیرهما ، فأنا أحب لک إذا دخلتهما أن لا تقصر ، وتکثر فیهما من الصلاة » فقلت له بعد ذلک بسنتین مشافهة : کتبت إلیک بکذا وأجبت بکذا ، فقال : « نعم » فقلت : أی شی ء تعنی بالحرمین؟ فقال : « مکة والمدینة » (5).

وبین ما دل علی وجوب التقصیر کذلک ، کصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الصلاة بمکة والمدینة تقصیر أو تمام ، فقال : « تقصر ما لم تعزم علی مقام عشرة » (6).

ص: 467


1- الفقیه 1 : 283 ، والخصال : 252.
2- جمل العلم والعمل : 77.
3- فی « ح » ، « ض » زیادة : بظاهرها.
4- التهذیب 5 : 426 - 1481 ، الإستبصار 2 : 331 - 1178 ، الوسائل 5 : 544 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 5.
5- الکافی 4 : 525 - 8 ، التهذیب 5 : 428 - 1487 ، الإستبصار 2 : 333 - 1183 ، الوسائل 5 : 544 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 4.
6- الفقیه 1 : 283 - 1285 ، التهذیب 5 : 426 - 1482 ، الاستبصار 2 : 331 - 1178 ، عیون أخبار الرضا 2 : 17 - 44 ، الوسائل 5 : 550 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 32.

______________________________________________________

ویدل علی التخییر صریحا : ما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن سعد بن أبی خلف ، عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی الصلاة بمکة ، فقال : « من شاء أتم ومن شاء قصر ولیس بواجب ، إلا أنی أحب لک ما أحب لنفسی » (1).

وأما مسجد الکوفة والحائر ، فقد ورد بالإتمام فیهما أخبار کثیرة ، لکنها ضعیفة السند. وأوضح ما وصل إلینا فی ذلک سندا ما رواه الشیخ ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن الحسن بن علی بن النعمان ، عن أبی عبد الله البرقی ، عن علی بن مهزیار وأبی علی بن راشد ، عن حماد بن عیسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من مخزون علم الله الإتمام فی أربعة مواطن : حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمیر المؤمنین ، وحرم الحسین بن علی » (2) والظاهر أن المراد أن من مخزون علم الله مشروعیة الإتمام فی هذه المواطن لا تعینه ، لثبوت التخییر فی الحرمین کما بیناه.

وهذه الروایة معتبرة الإسناد ، بل حکم العلامة فی المختلف بصحتها (3) ، وهو غیر بعید. وفی معناها أخبار کثیرة فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله تعالی. ومع ذلک فلا یبعد أن یکون التقصیر أقرب إلی حصول البراءة ، لأنه فرض المسافر ، ولأن الأخبار الواردة بالإتمام لا تدل علی أزید من الرجحان. والله تعالی أعلم.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : المستفاد من الأخبار الکثیرة جواز الإتمام فی مکة والمدینة وإن

ص: 468


1- التهذیب 5 : 430 - 1492 ، الإستبصار 2 : 334 - 1189 ، الوسائل 5 : 545 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 10.
2- التهذیب 5 : 430 - 1494 ، الإستبصار 2 : 334 - 1191 ، الوسائل 5 : 543 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1.
3- المختلف : 168.

______________________________________________________

وقعت الصلاة خارج المسجدین. وبه قطع الشیخ (1) ، والمصنف (2) ، وأکثر الأصحاب.

وأما مسجد الکوفة والحائر فالروایات المعتبرة الواردة بالإتمام فیهما إنما وردت بلفظ حرم أمیر المؤمنین علیه السلام وحرم الحسین علیه السلام کما نقلناه. وفی هذا اللفظ إجمال ، لکن قال المصنف فی المعتبر : إنه ینبغی تنزیل حرم أمیر المؤمنین علیه السلام علی مسجد الکوفة خاصة أخذا بالمتیقن (3) ، ولم یتعرض لحرم الحسین علیه السلام ، وینبغی اختصاصه بالحائر أیضا لما ذکره.

ویؤید هذا الاختصاص ما رواه ابن بابویه مرسلا ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « من الأمر المذخور إتمام الصلاة فی أربعة مواطن : بمکة ، والمدینة ، ومسجد الکوفة ، وحائر الحسین علیه السلام » (4).

وقال ابن إدریس : ویستحب الإتمام فی أربعة مواطن فی السفر : فی نفس المسجد الحرام ، وفی نفس مسجد المدینة ، ومسجد الکوفة ، والحائر (5). وعمم الشیخ فی کتابی الأخبار الحکم فی البلدان الثلاثة والحائر (6).

وحکی الشهید فی الذکری عن المصنف - رحمه الله - أنه حکم فی کتاب له فی السفر بالتخییر فی البلدان الأربعة حتی فی الحائر المقدس ، لورود الحدیث بحرم الحسین علیه السلام وقدر بخمسة فراسخ وبأربعة فراسخ (7). وهو جید إن ثبت إطلاق الحرم علی ما ذکره ( فی نصّ یعتد به ) (8) والمعتمد ما ذکرناه أولا.

ص: 469


1- النهایة : 124 ، والمبسوط 1 : 141.
2- المعتبر 2 : 477.
3- المعتبر 2 : 477.
4- الفقیه 1 : 283 - 1284 ، الوسائل 5 : 549 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 26.
5- السرائر : 76.
6- التهذیب 5 : 432 ، والاستبصار 2 : 336.
7- حکاه عن یحیی بن سعید فی الذکری : 256.
8- بدل ما بین القوسین فی « ح » ، « ض » : حقیقة.

______________________________________________________

وذکر ابن إدریس أن المراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد علیه ، قال : لأن ذلک هو الحائر حقیقة ، لأن الحائر فی لسان العرب الموضع المطمئن الذی یحار فیه الماء (1).

وذکر الشهید فی الذکری أن فی هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوکل بإطلاقه علی قبر الحسین علیه السلام لیعفیه ، فکان لا یبلغه (2).

الثانی : الحکم بالتخییر للمسافر إنما وقع فی الصلاة خاصة. أما الصوم فلا یشرع فی هذه الأماکن قطعا تمسکا بمقتضی الأدلة المتضمنة لوجوب الإفطار علی المسافر السالمة من المعارض.

الثالث : صرح المصنف فی المعتبر بأنه لا یعتبر فی الصلاة الواقعة فی هذه الأماکن التعرض لنیة القصر ولا الإتمام ، وأنه لا یتعین أحدهما بالنیة. فیجوز لمن نوی الإتمام الاقتصار علی الرکعتین ، ولمن نوی التقصیر الإتمام (3). وهو حسن.

الرابع : الأظهر جواز الإتمام فی هذه الأماکن وإن کانت الذمة مشغولة بواجب. ونقل العلامة عن والده أنه کان یمنع ذلک مع اشتغال الذمة (4). وهو ضعیف.

الخامس : لو ضاق الوقت إلا عن أربع فالأظهر وجوب القصر فیهما لتقع الصلاتان فی الوقت. ویحتمل جواز الإتمام فی العصر لعموم : « من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الصلاة » (5) ویضعف بأن ذلک وإن تحقق به إدراک الصلاة إلا أنه لا یجوز تعمده اختیارا ، لاقتضائه تأخیر الصلاة عن وقتها المعین لها

ص: 470


1- السرائر : 76.
2- الذکری : 256.
3- المعتبر 2 : 150.
4- المنتهی 1 : 395.
5- صحیح البخاری 1 : 151 ، سنن النسائی 1 : 274 ، المغنی والشرح الکبیر 1 : 420.

وإذا تعیّن القصر فأتم عامدا أعاد علی کل حال.

______________________________________________________

شرعا. واحتمل بعض الأصحاب جواز الإتیان بالعصر تماما فی الوقت وقضاء الظهر ، لاختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها (1). وهو أضعف مما قبله.

السادس : ألحق ابن الجنید (2) ، والمرتضی (3) بهذه الأماکن جمیع مشاهد الأئمة علیهم السلام . قال فی الذکری : ولم نقف لهما فی مأخذ فی ذلک والقیاس عندنا باطل (4).

قوله : ( وإذا تعیّن القصر فأتم عامدا أعاد علی کل حال ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (5). وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : صلیت الظهر أربع رکعات وأنا فی سفر ، قال : « أعد » (6).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قالا ، قلنا : فمن صلی فی السفر أربعا أیعید أم لا؟ قال : « إن کان قرئت علیه آیة القصر وفسرت له فصلی أربعا أعاد ، وإن لم یکن قرئت علیه ولم یعلمها فلا إعادة علیه » (7).

قیل : ویعلم من هذا أن الخروج من الصلاة عند من لا یوجب التسلیم لا یتحقق بمجرد الفراغ من التشهد ، بل لا بد معه من نیة الخروج أو فعل ما به یحصل کالتسلیم ، وإلا لصحت الصلاة هنا عند من لا یوجب التسلیم ، لوقوع

حکم ترک التقصیر

ص: 471


1- منهم فخر المحققین فی إیضاح الفوائد 1 : 162.
2- نقله عنه فی المختلف : 168.
3- جمل العلم والعمل : 77.
4- الذکری : 256.
5- التذکرة 1 : 192.
6- التهذیب 2 : 14 - 33 ، الوسائل 5 : 531 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6.
7- الفقیه 1 : 278 - 1266 ، الوسائل 5 : 531 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 4.

وإن کان جاهلا بالتقصیر فلا إعادة ولو کان الوقت باقیا.

______________________________________________________

الزیادة خارج الصلاة (1).

ویمکن أن یقال : إن الصلاة المقصورة إنما تبطل بالإتمام إذا وقعت ابتداء علی ذلک الوجه ، دون ما إذا وقعت علی وجه القصر ثم حصل الإتمام بعد الفراغ من الأفعال الواجبة ، جمعا بین الروایات المتضمنة لهذا الحکم والأدلة الدالة علی استحباب التسلیم. أو یقال : إن المبطل هنا قصد عدم الخروج من الصلاة ، فلا یلزم وجوب قصد الخروج أو الإتیان بالمخرج.

قوله : ( وإن کان جاهلا بالتقصیر فلا إعادة ، ولو کان الوقت باقیا ).

هذا قول أکثر الأصحاب ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة وابن مسلم المتقدمة : « وإن لم یکن قرئت علیه ولم یعلمها فلا إعادة علیه » (2).

وقال أبو الصلاح : یعید فی الوقت (3). وربما کان مستنده صحیحة العیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلی وهو مسافر فأتم الصلاة ، قال : « إن کان فی وقت فلیعد ، وإن کان الوقت قد مضی فلا » (4) وهی غیر صریحة فی الجاهل ، فیمکن حملها علی الناسی. ومع ذلک فلا ریب أن الإعادة فی الوقت أحوط.

وحکی الشهید فی الذکری أن السید الرضی سأل أخاه المرتضی - رضی الله عنهما - عن هذه المسألة فقال : الإجماع منعقد علی أن من صلی صلاة لا یعلم أحکامها فهی غیر مجزئة ، والجهل بأعداد الرکعات جهل بأحکامها فلا تکون

ص: 472


1- قال به الشهید الثانی فی روض الجنان : 397.
2- فی ص 471.
3- الکافی فی الفقه : 116.
4- الکافی 3 : 435 - 6 ، التهذیب 3 : 225 - 569 ، الإستبصار 1 : 241 - 860 ، الوسائل 5 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.

وإن کان ناسیا أعاد فی الوقت ، ولا یقضی إن خرج.

______________________________________________________

مجزئة. وأجاب المرتضی - رضی الله عنه - بجواز تغیر الحکم الشرعی بسبب الجهل وإن کان الجاهل غیر معذور (1).

وکأن المراد أنه یجوز اختلاف الحکم الشرعی بسبب الجهل ، فیکون الجاهل مکلفا بالتمام والعالم مکلفا بالقصر. واختلاف الحکم هنا علی هذا الوجه لا یقتضی عذر الجاهل.

وهل المراد بالجاهل الجاهل بوجوب القصر من أصله أو مطلق الجاهل لیندرج فیه الجاهل ببعض أحکام السفر ، کمن لا یعلم انقطاع کثرة السفر بإقامة العشرة؟ فیه وجهان ، منشؤهما اختصاص النص المتضمن لعدم الإعادة بالأول ، والاشتراک فی العذر المسوغ لذلک وهو الجهل.

ولو صلی من فرضه التمام قصرا فالظاهر الإعادة ، لعدم تحقق الامتثال. لکن روی الشیخ فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أتیت بلدة وأزمعت المقام عشرة فأتم الصلاة ، فإن ترکه [ رجل ] (2) جاهلا فلیس علیه الإعادة » (3). وبمضمونها أفتی الفاضل الشیخ نجیب الدین فی الجامع ، وألحق بالجاهل ناسی الإقامة ، فحکم بأنه لا إعادة علیه أیضا (4) ، وهو خروج عن موضع النص.

قوله : ( وإن کان ناسیا أعاد فی الوقت ، ولا یقضی إن خرج ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب. واستدلوا علیه بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، قال : سألته عن الرجل ینسی فیصلی فی السفر أربع رکعات ، قال : « إن ذکر فی ذلک الیوم فلیعد ، وإن لم یذکر حتی یمضی الیوم فلا إعادة

ص: 473


1- الذکری : 259.
2- أثبتناه من المصدر.
3- التهذیب 3 : 221 - 552 ، الوسائل 5 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 3.
4- الجامع للشرائع : 93.

______________________________________________________

علیه » (1).

وفی الصحیح ، عن العیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلی وهو مسافر فأتم الصلاة ، قال : « إن کان فی وقت فلیعد ، وإن کان الوقت قد مضی فلا » (2).

ویتوجه علی الروایة الأولی : أنها ضعیفة السند باشتراک الراوی بین الثقة والضعیف ، مع أنها مجملة المتن ، لأن الیوم إن کان المراد به بیاض النهار کان حکم العشاء غیر مذکور فی الروایة ، وإن کان المراد به بیاض النهار واللیلة (3) المستقبلة کان ما تضمنته مخالفا للمشهور.

وعلی الروایة الثانیة : أنها غیر صریحة فی الناسی. لکن قال فی الذکری : إنه لا یجوز حملها علی العامد العالم قطعا ، ولا علی الجاهل ، لمعارضة الروایة الأولی - یعنی صحیحة زرارة وابن مسلم (4) - فتعین حملها علی الناسی (5). وهو حسن ، مع أن تناول الروایة بإطلاقها للناسی کاف فی صحة الاستدلال بها علی ذلک.

وفی المسألة قولان آخران أحدهما : الإعادة مطلقا ، وهو قول الشیخ علی بن بابویه (6) ، والشیخ فی المبسوط (7) ، وعلله بتحقق الزیادة.

والثانی : الإعادة إن ذکره فی یومه ، وإن مضی الیوم فلا إعادة ، اختاره

ص: 474


1- التهذیب 3 : 225 - 570 ، الإستبصار 1 : 240 - 861 ، الوسائل 5 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2.
2- الکافی 3 : 435 - 6 ، التهذیب 3 : 225 - 569 ، الإستبصار 1 : 241 - 869 ، الوسائل 5 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.
3- فی « ض » ، « ح » زیادة : الماضیة أو.
4- المتقدمة فی ص 471.
5- الذکری : 259.
6- حکاه عنه فی المختلف : 164 ، والذکری : 259.
7- المبسوط 1 : 140.

______________________________________________________

الصدوق فی المقنع (1) ، وهو یوافق المشهور فی الظهرین. وأما العشاء الآخرة فإن حملنا الیوم علی بیاض النهار - کما هو الظاهر - فیکون حکمها مهملا ، وإن حملناه علی ذلک وعلی اللیلة الماضیة کان مخالفا للمشهور فی العشاء قطعا ، لاقتضائه قضاء العشاء فی بیاض النهار ، وإن حملناه علی بیاض النهار وعلی اللیلة المستقبلة وجعلنا آخر وقت العشاء طلوع الفجر - کما هو أحد الأقوال فی المسألة - وافق المشهور فی العشاء دون الظهرین ، وإلا خالفه فیهما معا.

قال الشهید فی الذکری : وتتخرج علی القول بأن من زاد خامسة فی الصلاة وکان قد قعد مقدار التشهد تسلم له الصلاة ، صحة الصلاة هنا ، لأن التشهد حائل بین ذلک وبین الزیادة (2).

واستحسنه جدی - قدس سره - فی روض الجنان ، وقال : إنه کان ینبغی لمثبت تلک المسألة القول بها هنا. ولا یمکن التخلص من ذلک إلا بأحد أمور : إما إلغاء ذلک الحکم ، کما ذهب إلیه أکثر الأصحاب أو القول باختصاصه بالزیادة علی الرابعة کما هو مورد النص ، فلا یتعدی إلی الثلاثیة والثنائیة ، فلا تتحقق المعارضة هنا. أو اختصاصه بزیادة رکعة لا غیر ، کما ورد به النص هناک ولا یتعدی إلی الزائد کما عداه بعض الأصحاب. أو القول بأن ذلک فی غیر المسافر جمعا بین الأخبار ، لکن یبقی فیه سؤال الفرق مع اتحاد المحل (3).

وأقول : إنه لا یخفی علیک بعد الإحاطة بما قررناه فی تلک المسألة ضعف هذه الطرق کلها ، وأنها غیر مخلصة من هذا الإشکال.

والذی یقتضیه النظر أن النسیان والزیادة إن حصلا بعد الفراغ من التشهد کانت هذه المسألة جزئیة من جزئیات « من زاد فی صلاته رکعة فصاعدا بعد التشهد نسیانا » وقد بینا أن الأصح أن ذلک غیر مبطل للصلاة مطلقا ،

ص: 475


1- المقنع : 38.
2- الذکری : 259.
3- روض الجنان : 397.

ولو قصر المسافر اتفاقا لم تصحّ وأعاد قصرا.

______________________________________________________

لاستحباب التسلیم. وإن حصل النسیان قبل ذلک بحیث أوقع الصلاة أو بعضها علی وجه التمام اتجه القول بالإعادة فی الوقت دون خارجه ، کما اختاره الأکثر ، لما تقدم.

قوله : ( ولو قصر المسافر اتفاقا لم تصحّ وأعاد قصرا ).

فسرت هذه العبارة بوجوه ، أحدها : أن یقصر قاصد المسافة غیر عالم بوجوب القصر ، فإنه یجب علیه الإعادة ، لأنه صلی صلاة یعتقد فسادها ، فیجب إعادتها قصرا.

الثانی : أن یعلم وجوب القصر لکن جهل المسافة فقصر ، فاتفق بلوغ المسافة ، فإنه یعید قصرا ، لأنه صلی صلاة منهیا عنها ، فکانت فاسدة ، ووجب إعادتها فی الوقت وقضاؤها فی خارجه.

وهل یجب الإتمام فی القضاء أو التقصیر؟ یحتمل قویا الإتمام ، لأنها فاتت وقد کان فرضه التمام فلیقضها کما فاتته. ویحتمل التقصیر ، لأنه مسافر فی الحقیقة وإنما منعه من التقصیر جهل المسافة وقد علمها.

وقوی الشهید فی الذکری الأول ، ثم قال : وهذا مطرد فیما لو ترک المسافر الصلاة أو نسیها ولم یکن عالما بالمسافة ، ثم تبین المسافة بعد خروج الوقت ، فإن فی قضائها قصرا أو تماما الوجهین (1).

الثالث : أن یعلم وجوب القصر وبلوغ المسافة ولکن نوی الصلاة تماما ناسیا ، ثم سلم علی الرکعتین ناسیا ، ثم ذکر ، فإنه یعید قصرا ، لمخالفته لما یجب علیه من ترک نیة التمام. واستقرب الشهید فی الذکری الإجزاء ، لأنه أتی بما هو فرضه فی الواقع ، وبلغو نیة الإتمام (2).

حکم المقصر اتفاقا

ص: 476


1- الذکری : 260.
2- الذکری : 260.

وإذا دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر والوقت باق ، قیل : یتم بناء علی وقت الوجوب ، وقیل : یقصّر اعتبارا بحال الأداء ، وقیل : یتخیر ، وقیل : یتم مع السعة ویقصّر مع الضیق ، والتقصیر أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر والوقت باق ، وقیل : یتم بناء علی وقت الوجوب ، وقیل یقصّر اعتبارا بحال الأداء ، وقیل : یتخیر ، وقیل : یتم مع السعة ویقصّر مع الضیق ، والتقصیر أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف من وجوب التقصیر مطلقا ، تمسکا بعموم ما دل علی وجوب التقصیر فی السفر ، وخصوص صحیحة إسماعیل بن جابر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : یدخل علیّ وقت الصلاة وأنا فی السفر ، فلا أصلی حتی أدخل أهلی ، فقال : « صلّ وأتم الصلاة » قلت : فدخل علیّ وقت الصلاة وأنا فی أهلی أرید السفر ، فلا أصلی حتی أخرج ، فقال : « صلّ وقصر ، فإن لم تفعل فقد خالفت الله ورسوله » (1). قال المصنف فی المعتبر : وهذه الروایة أشهر وأظهر فی العمل (2).

والقول بوجوب الإتمام لابن بابویه فی المقنع (3) ، وابن أبی عقیل (4). واختاره العلامة فی المختلف (5) ، واستدل علیه بوجوه ضعیفة أقواها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو فی الطریق ، فقال : « یصلی رکعتین ، وإن خرج إلی سفره وقد دخل وقت الصلاة فلیصل أربعا » (6).

حکم من دخل علیه الوقت حاضراً ثم سافر وبالعکس

ص: 477


1- الفقیه 1 : 283 - 1288 ، التهذیب 3 : 222 - 558 ، الإستبصار 1 : 240 - 856 ، الوسائل 5 : 535 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.
2- المعتبر 2 : 480.
3- المقنع : 37.
4- حکاه عنه فی المختلف : 163.
5- المختلف : 163.
6- الفقیه 1 : 284 - 1289 ، التهذیب 3 : 222 - 557 ، الإستبصار 1 : 239 - 853 ، الوسائل 5 : 535 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 5.

وکذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق ، والإتمام هنا أشبه.

______________________________________________________

ویمکن الجواب عنها بعدم الصراحة فی أن الأربع تفعل فی السفر والرکعتین فی الحضر ، لاحتمال أن یکون المراد الإتیان بالرکعتین فی السفر قبل الدخول ، والإتیان بالأربع قبل الخروج. ولو کانت صریحة لأمکن الجمع بینها وبین الروایة الأولی بالتخییر بین القصر والإتمام ، کما هو اختیار الشیخ فی الخلاف (1).

والقول بوجوب الإتمام مع السعة والتقصیر مع الضیق لابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (2) ، والشیخ فی کتابی الأخبار (3) ، جمعا بین ما تضمن الإتمام والقصر ، واستدل فی الکتابین علی هذا الجمع بما رواه عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام یقول فی الرجل یقدم من سفر فی وقت الصلاة فقال : « إن کان لا یخاف الفوت فلیتم ، وإن کان یخاف خروج الوقت فلیقصر » (4).

وهذه الروایة مع ضعف سندها إنما تدل علی التفصیل فی صورة القدوم من السفر فی أثناء الوقت لا فی صورة الخروج إلی السفر.

وقد عرفت أن الأخبار السلیمة الإسناد غیر متنافیة صریحا علی ما بیناه ، ولو کانت کذلک لکان الأولی الجمع بینها بالتخییر ، کما ذکرناه سابقا.

قوله : ( وکذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق ، والإتمام هنا أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف هنا أیضا ، تمسکا بعموم ما دل علی وجوب الإتمام فی الحضر ، وخصوص صحیحة إسماعیل بن جابر المتقدمة (5).

ص: 478


1- الخلاف 1 : 225.
2- الفقیه 1 : 284.
3- التهذیب 3 : 223 ، والاستبصار 1 : 240.
4- التهذیب 3 : 223 - 559 ، الإستبصار 1 : 240 - 857 ، الوسائل 5 : 536 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 6.
5- فی ص 477.

ویستحب أن یقول عقیب کل فریضة : ثلاثین مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، جبرا للفریضة.

ولا یلزم المسافر متابعة الحاضر إذا أتم به ، بل یقتصر علی فرضه ویسلم منفردا.

______________________________________________________

وتدل علیه أیضا صحیحة العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یدخل علیه وقت الصلاة فی السفر ثم یدخل بیته قبل أن یصلی ، قال : « یصلیها أربعا » (1).

والقول بالتفصیل بسعة الوقت وضیقه للشیخ فی کتابی الأخبار (2) ، لروایة إسحاق بن عمار.

والقول بالتخییر هنا لابن الجنید ، ونقل عن الشیخ أیضا (3) ، واحتمله فی کتابی الأخبار واستدل بما رواه عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « إذا کان فی سفر ودخل علیه وقت الصلاة قبل أن یدخل أهله ، فسار حتی دخل أهله ، فإن شاء قصر وإن شاء أتم » (4) وفی الروایتین ضعف من حیث السند.

وحکی الشهیدان أن فی المسألة قولا بالتقصیر مطلقا (5) ، ولم نعرف قائله.

قوله : ( ویستحب أن یقول عقیب کل فریضة : ثلاثین مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، جبرا للفریضة ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن سلیمان بن حفص المروزی قال ،

استحباب التسبیح عقیب صلاة السفر

ص: 479


1- التهذیب 3 : 162 - 352 ، الوسائل 5 : 535 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.
2- التهذیب 3 : 223 ، والاستبصار 1 : 240.
3- حکاه عنهما فی الذکری : 256.
4- التهذیب 3 : 223 - 561 ، الإستبصار 1 : 241 - 859 ، الوسائل 5 : 536 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 9.
5- الشهید الأول فی الذکری : 256 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 398.

وأما اللواحق فمسائل :

الأولی : إذا خرج إلی مسافة فمنعه مانع اعتبر ، فإن کان بحیث یخفی علیه الأذان قصّر إذا لم یرجع عن نیة السفر ، وإن کان بحیث یسمعه أو بدا له عن السفر أتم ، ویستوی فی ذلک المسافر فی البر والبحر.

الثانیة : لو خرج إلی مسافة فردته الریح ، فإن بلغ سماع الأذان أتم ، وإلا قصّر.

______________________________________________________

قال الفقیه العسکری علیه السلام : « یجب علی المسافر أن یقول فی دبر کل صلاة یقصر فیها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، ثلاثین مرة لتمام الصلاة » (1) وهی ضعیفة السند بجهالة الراوی. قال فی المعتبر : وقوله « یجب » یرید به الاستحباب (2).

قوله : ( وأما اللواحق فمسائل ، الأولی ، إذا خرج إلی مسافة فمنعه مانع اعتبر ، فإن کان بحیث یخفی علیه الأذان قصر إذا لم یرجع عن نیة السفر ، وإن کان بحیث یسمعه أو بدا له عن السفر أتم ، ویستوی فی ذلک المسافر فی البر والبحر ).

أما أنه یقصر إذا کان فی محل الترخص ولم یبد له عن السفر فواضح ، لأنه مسافر لم ینقطع سفره بأحد الوجوه القاطعة للسفر ، فوجب علیه التقصیر ، ویستمر مع التردد فی ذلک المکان وعدم نیة الإقامة إلی ثلاثین یوما کما مر.

وأما وجوب الإتمام إذا بدا له عن السفر قبل انتهاء المسافة ، فلفوات شرط التقصیر ، وهو استمرار القصد إلی انتهاء المسافة. وکذا إذا حصل المانع قبل خفاء الأذان أو الجدران ، لأن ذلک بحکم البلد.

قوله : ( الثانیة ، لو خرج إلی مسافة فردته الریح ، فإن بلغ سماع الأذان أتم وإلا قصّر ).

حکم الممنوع من إدامة السفر

حکم من ردته الریح

ص: 480


1- التهذیب 3 : 230 - 594 ، الوسائل 5 : 542 أبواب صلاة المسافر ب 24 ح 1.
2- المعتبر 2 : 484.

الثالثة : إذا عزم علی الإقامة فی غیر بلده عشرة أیام ثم خرج إلی ما دون المسافة ، فإن عزم العود والإقامة أتم ذاهبا وعائدا وفی البلد.

______________________________________________________

المراد بالأذان هنا أذان بلده ، وفی معناه رؤیة الجدران عند المصنف ومن قال بمقالته ، فکان ینبغی ذکره. وفی معنی رد الریح رجوعه لقضاء حاجة.

ولا یلحق بالبلد فی هذا الحکم موضع إقامة العشر ، بل یجب التقصیر وإن عاد إلیه ما لم یعدل عن نیة السفر. أما مع العدول فیجب الإتمام فی الموضعین کما تقدم.

قوله : ( الثالثة ، إذا عزم علی الإقامة فی غیر بلده عشرة أیام ثم خرج إلی ما دون المسافة ، فإن عزم العود والإقامة أتمّ ذاهبا وعائدا فی البلد ).

المراد أنه خرج بعد نیة الإقامة والصلاة علی التمام ، ولا ریب فی وجوب الإتمام فی هذه الصورة فی الذهاب والعود وفی البلد ، لما مر من أن الصلاة علی التمام بعد نیة الإقامة توجب البقاء علی الإتمام إلی أن یتحقق السفر المقتضی للقصر.

ولو قصد العود دون نیة الإقامة قیل : وجب التقصیر بمجرد خروجه (1). وهو مشکل ، إذ المفروض کون الخروج إلی ما دون المسافة ، والعود لا یضم إلی الذهاب إجماعا ، کما نقله الشارح (2) وغیره.

واقتصر الشهید (3) وجماعة علی التقصیر فی العود خاصة. وهو جید ، لکن یجب تقییده بما إذا حصل مع العود قصد المسافة. فلو عاد إلی موضع الإقامة ذاهلا عن السفر أو مترددا فی السفر وعدمه بقی علی التمام.

حکم خروج المقیم ورجوعه إلی بلد الإقامة

ص: 481


1- قال به الأردبیلی فی مجمع الفائدة 3 : 442.
2- رسائل الشهید الثانی : 180.
3- الدروس : 52.

الرابعة : من دخل فی صلاته بنیة القصر ثم عنّ له الإقامة أتم. ولو نوی الإقامة عشرا ودخل فی الصلاة فعنّ له السفر لم

______________________________________________________

وبالجملة فحیث قد ثبت انقطاع السفر بنیة إقامة العشر مع الصلاة علی التمام افتقر العود إلی التقصیر إلی سفر آخر مسوغ للقصر. وذلک کله معلوم من القواعد المتقدمة ، لکن وقع فی کلام الأصحاب فی هذه المسألة نوع إجمال ، وقد بسط الکلام فیها جدی - قدس سره - فی رسالته نتائج الأفکار (1) ، والمحصل ما ذکرناه.

قوله : ( الرابعة ، من دخل فی صلاته بنیة القصر ثم عنّ له الإقامة أتم ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (2). ویدل علیه - مضافا إلی العمومات المتضمنة لوجوب الإتمام مع نیة الإقامة - ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن یقطین : إنه سأل أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یخرج فی السفر ثم یبدو له فی الإقامة وهو فی الصلاة ، قال : « یتم إذا بدت له الإقامة » (3).

ولو رجع ناوی الإقامة عن النیة بعد هذه الصلاة ففی بقائه علی التمام إلی أن یسافر ، أو عوده إلی التقصیر وجهان : من أن ظاهر الروایة أن الشرط فی البقاء علی التمام مع الرجوع عن نیة الإقامة وقوع جمیع الصلاة التامة بعد نیة الإقامة ، ولم تقع هنا جملة الصلاة بعد النیة. ومن صدق حصول نیة الإقامة والصلاة تماما ، وأن المؤثر فی الحقیقة فی عدم العود إلی التقصیر القدر الزائد عن الرکعتین الأولتین وقد حصل هنا. والمسألة محل تردد وإن کان الثانی لا یخلو من قوة.

قوله : ( ولو نوی الإقامة عشرا ودخل فی الصلاة فعنّ له السفر لم

حکم المسافر الذی قصد الإقامة أثناء الصلاة

حکم المقیم الذی قصد السفر فی الصلاة

ص: 482


1- رسائل الشهید الثانی : 168.
2- التذکرة 1 : 193.
3- التهذیب 3 : 224 - 564 ، الوسائل 5 : 534 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.

یرجع إلی التقصیر ، وفیه تردد. أما لو جدد العزم بعد الفراغ لم یجز التقصیر ما دام مقیما.

الخامسة : الاعتبار فی القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها ، فإذا فاتت قصرا قضیت کذلک ، وقیل : الاعتبار فی القضاء بحال الوجوب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

یرجع إلی التقصیر ، وفیه تردد ).

منشأ التردد من افتتاح الصلاة علی التمام وهی علی ما افتتحت علیه ، ومن عدم الإتیان بالشرط وهو الصلاة علی التمام.

وأطلق العلامة فی المنتهی العود إلی التقصیر ، لعدم حصول الشرط (1) ، وفصّل فی المختلف والتذکرة بتجاوز محل القصر فلا یرجع ، وبعدم مجاوزته فیرجع (2) ، لأنه مع التجاوز یلزم من جواز الرجوع إبطال العمل المنهی عنه ، ومع عدم تجاوزه یصدق أنه لم یصلّ فریضة علی التمام.

والمتجه ما أطلقه فی المنتهی ، لعدم حصول الشرط المقتضی للبقاء علی التمام. ومع تحقق الزیادة المبطلة یتعین الاستئناف ، لفوات شرط الإتمام وبطلان المقصورة بما اشتملت علیه من الزیادة.

قوله : ( الخامسة ، الاعتبار فی القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها ، فإذا فاتت قصرا قضیت کذلک ، وقیل : الاعتبار فی القضاء بحال الوجوب ، والأول أشبه ).

المراد أنه إذا اختلف فرض المکلف فی أول الوقت وآخره بأن کان حاضرا فی أول الوقت فسافر ، أو مسافرا فحضر ، وفاتته الصلاة والحال هذه ، فهل یکون الاعتبار فی قضائها بحالة الوجوب وهو أول الوقت؟ أو بحالة الفوات وهو آخره؟

حکم قضاء صلاة السفر فی الحضر وبالعکس

ص: 483


1- المنتهی 1 : 398.
2- المختلف : 169 ، والتذکرة 1 : 193.

السادسة : إذا نوی المسافة وخفی علیه الأذان وقصّر فبدا له لم یعد صلاته.

______________________________________________________

الأصح الثانی ، لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « یقضی ما فاته کما فاته » (1) ولا یتحقق الفوات إلا عند خروج الوقت.

وقال ابن الجنید (2) ، والمرتضی (3) : یقضی علی حسب حالها عند دخول أول وقتها. وربما کان مستندهم فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : إنه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو فی السفر ، فأخر الصلاة حتی قدم ، فنسی حین قدم إلی أهله أن یصلیها حتی ذهب وقتها ، قال : « یصلیها رکعتین صلاة المسافر ، لأن الوقت دخل وهو مسافر کان ینبغی أن یصلیها عند ذلک » (4) وفی الطریق موسی بن بکر ، وهو واقفی (5).

وأجاب عنها فی المعتبر باحتمال أن یکون دخل مع ضیق الوقت عن أداء الصلاة أربعا ، فیقضی علی وقت إمکان الأداء (6).

قوله : ( السادسة ، إذا نوی المسافة وخفی علیه الأذان وقصّر فبدا له لم یعد صلاته ).

قد تقدم الکلام فی ذلک وأن الأظهر عدم وجوب الإعادة ، لأنه صلی صلاة مأمورا بها ، فکانت مجزئة ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة - وقد سأله عن ذلک - : « تمت صلاته ولا یعید » (7).

حکم من صلی بعد الترخص ثم رجع

ص: 484


1- الکافی 3 : 435 - 7 ، التهذیب 3 : 162 - 350 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.
2- حکاه عنهما فی المعتبر 2 : 480.
3- حکاه عنهما فی المعتبر 2 : 480.
4- التهذیب 3 : 162 - 351 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 3.
5- راجع رجال الطوسی : 359.
6- المعتبر 2 : 481.
7- الفقیه 1 : 281 - 1272 ، التهذیب 3 : 230 - 593 ، الإستبصار 1 : 228 - 809 ، الوسائل 5 : 541 أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.

السابعة : إذا دخل وقت نافلة الزوال فلم یصلّ وسافر استحب له قضاؤها ولو فی السفر.

______________________________________________________

وللشیخ - رحمه الله - قول بوجوب الإعادة فی الوقت تعویلا علی روایة سلیمان بن حفص المروزی (1) ، وهو ضعیف.

قوله : ( السابعة ، إذا دخل وقت نافلة الزوال فلم یصلّ وسافر استحب له قضاؤها ولو فی السفر ).

المراد بالقضاء هنا الفعل ، فإن کان الوقت باقیا صلاها أداء وإلا قضاء. وهل یعتبر فی استحباب قضاء النافلة وقوع الصلاة تماما أم یستحب مطلقا؟ وجهان ، أظهرهما الأول ، لما صح عن الصادق علیه السلام أنه قال : « الصلاة فی السفر رکعتان ، لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء » (2).

استحباب قضاء نافلة الزوال إذا دخل وهو حاضر

ص: 485


1- التهذیب 4 : 226 ، والاستبصار 1 : 228.
2- التهذیب 2 : 14 - 34 ، الوسائل 5 : 529 أبواب صلاة المسافر ب 16 ح 1.

ص: 486

الفهرست

صلاة الجمعة

وجوب صلاة الجمعة....................................................................... 5

سقوط الظهر مع الجمعة وهی رکعتان....................................................... 9

استحباب الجهر فی الجمعة................................................................ 10

وقت صلاة الجمعة....................................................................... 10

حکم من ترک الجمعة.................................................................... 15

حکم من أدرک الامام یصلی.............................................................. 17

اشتراط السلطان العادل.................................................................. 21

حکم ما لو مات الامام أثناء الصلاة........................................................ 26

العدد الذی یشترط فی الجمعة............................................................. 27

الخطبتان................................................................................ 30

حکم ایقاع الخطبتین قبل الزوال........................................................... 35

تقدیم الخطبتین علی الصلاة............................................................... 37

وجوب ان یکون الخطیب قائما ........................................................... 38

وجوب الفصل بین الخطبتین.............................................................. 39

ص: 487

اشتراط الطهارة فی الخطبتین............................................................... 40

وجوب رفع الصوت بالخطبة.............................................................. 41

اشتراط الجماعة فی الجمعة................................................................ 41

أدنی ما یکون بین الجمعتین............................................................... 43

حکم ما لو أقیمت جمعتان................................................................ 44

الشروط المعتبرة فیمن تجب علیه الجمعة.................................................... 48

حکم من تکلف الحضور من المعذورین..................................................... 52

وجوب الجمعة علی أهل السواد........................................................... 57

مسائل تتعلق بالمعذورین.................................................................. 58

حرمة السفر ظهر الجمعة................................................................. 59

کراهة السفر بعد طلوع الشمس.......................................................... 62

وجوب الاصغاء للخطبة.................................................................. 62

حرمة الکلام أثناء الخطبة................................................................. 63

شرائط إمام الجمعة....................................................................... 64

وجوب الجمعة للمقیم.................................................................... 74

عدم تشریع الأذان الثانی یوم الجمعة........................................................ 76

استحباب الجمعة إذا لم یکن الامام أو من نصبه............................................. 79

حکم من لم یتمکن من السجود مع الامام.................................................. 80

آداب یوم الجمعة

استحباب التنفل بعشرین رکعة............................................................ 82

استحباب المباکرة فی المضی إلی الجمعة..................................................... 84

استحباب الحلق وغیره یوم الجمعة.......................................................... 84

استحباب السکینة والوقار وغیرها عند المضی للجمعة........................................ 85

استحباب الدعاء امام التوجه للجمعة....................................................... 86

ص: 488

استحباب کون الامام بلیغا................................................................ 86

استحباب التعمم للامام................................................................... 87

استحباب التسلیم للامام.................................................................. 87

استحباب الجلوس أمام الخطبة............................................................. 87

استحباب التسلیم للامام.................................................................. 87

استحباب العدول إلی سورتی الجمعة والمنافقین............................................... 88

استحباب الجهر بالظهر یوم الجمعة......................................................... 89

أفضلیة تقدیم الظهر علی اتمام الجمعة ظهرا خلف من لا یقتدی به............................. 91

صلاة العیدین

شرائط وجوب صلاة العید................................................................ 92

وجوب العید جماعة الا مع العذر.......................................................... 97

استحباب العید فرادی عند اختلال الشرائط................................................ 98

وقت صلاة العید........................................................................ 99

لا قضاء لصلاة العید................................................................... 100

کیفیة صلاة العید...................................................................... 102

وجوب التکبیرات التسع فی صلاة العید................................................... 104

محل التکبیر بعد القراءة................................................................. 106

حکم القنوت بعد التکبیرات الزائدة...................................................... 107

عدم لفظ مخصوص للقنوت............................................................. 107

وجوب قراءة سورة بعد الحمد فی صلاة العید.............................................. 108

استحباب رفع الیدین مع التکبیرة فی العید................................................. 109

حکم من نسی التکبیر ورکع فی العید.................................................... 109

حکم الشک فی عدد تکبیرات صلاة العید................................................. 110

عدم تحمل الامام التکبیر والقنوت عن المأموم فی صلاة العید................................. 110

إجزاء إدراک بعض التکبیرات مع الامام................................................... 110

ص: 489

سنن صلاة العید

استحباب الاصحار بها الا بمکة.......................................................... 110

استحباب السجود علی الأرض فی صلاة العید............................................. 112

استحباب قول المؤذنین الصلاة ثلاثا لصلاة العید........................................... 112

استحباب التحفی وغیره للامام.......................................................... 113

استحباب الطعمة قبل الفطر وبعد الأضحی............................................... 113

استحباب التکبیر عقیب الصلوات أیام العید............................................... 114

کراهة الخروج بالسلاح یوم العید........................................................ 116

کراهة التنفل یوم العید إلا بمسجد النبی................................................... 117

عدم وجوب التکبیر الزائد ولیس له لفظ خاص............................................ 118

حکم ما لو اتفق عید وجمعة............................................................. 118

الخطبتان فی العید بعد الصلاة............................................................ 120

استحباب استماع الخطبة............................................................... 121

استحباب عمل شبه منبر للامام ولا ینقل منبر الجامع....................................... 122

حکم السفر قبل صلاة العید............................................................. 122

صلاة الکسوف

أسباب وجوب صلاة الکسوف.......................................................... 125

وقت الصلاة فی الکسوف.............................................................. 128

وقت الصلاة فی الأخاویف.............................................................. 131

وقت الصلاة فی الزلزلة................................................................. 132

حکم الغیر العالم بالکسوف أو غیره...................................................... 133

وجوب القضاء مع التفریط والنسیان..................................................... 135

ص: 490

کیفیة صلاة الکسوف.................................................................. 137

استحباب الجماعة فی صلاة الکسوف.................................................... 140

استحباب إعادة الصلاة ما لم ینجلی الکسوف............................................ 142

استحباب تطویل الرکوع وقراءة السور الطوال............................................ 143

استحباب التکبیر عند الرفع من الرکوع.................................................. 144

حکم تزاحم صلاة الکسوف مع فریضة حاضرة........................................... 144

حکم تزاحم صلاة الکسوف مع نافلة اللیل............................................... 148

جواز صلاة الکسوف علی الدابة وماشیا.................................................. 148

صلاة الأموات

بیان من تجب الصلاة علیه.............................................................. 150

بیان الأولی بالصلاة علی المیت........................................................... 155

حرمة التقدم من دون إذن الولی.......................................................... 161

حکم إمامة المرأة النساء والعاری العراة................................................... 163

إمام الجماعة یبرز أمام الصف........................................................... 163

حکم اقتداء النساء بالرجل.............................................................. 164

کیفیة صلاة المیت...................................................................... 164

وجوب النیة والاستقبال فی صلاة المیت................................................... 170

وجوب جعل رأس الجنازة علی الیمین.................................................... 171

عدم اشتراط الطهارة فی صلاة المیت...................................................... 172

عدم جواز التباعد عن الجنازة............................................................ 172

الصلاة علی المیت بعد تجهیزه............................................................ 173

سنن صلاة المیت....................................................................... 174

کراهة الصلاة علی الجنازة مرتین........................................................ 183

حکم إدراک الامام أثناء الصلاة.......................................................... 186

حکم سبق المأموم بتکبیرة............................................................... 187

ص: 491

جواز الصلاة علی القبر................................................................. 187

حکم الصلاة علی المیت عند تضیق وقت فریضة.......................................... 188

حکم حضور جنازة أخری أثناء الصلاة.................................................. 189

الصلوات المرغبات

صلاة الاستسقاء....................................................................... 191

کیفیة صلاة الاستسقاء................................................................. 193

مسنونات صلاة الاستسقاء.............................................................. 194

استحباب تکرار الخروج عند تأخر الإجابة................................................ 198

نافلة شهر رمضان...................................................................... 199

صلاة أمیر المؤمنین علیه السلام ................................................................ 204

صلاة فاطمة علیهم السلام ..................................................................... 205

صلاة جعفر........................................................................... 205

صلاة لیلة الفطر....................................................................... 209

صلاة یوم الغدیر....................................................................... 209

صلاة لیلة النصف من شعبان............................................................ 210

جواز النافلة من القعود.................................................................. 210

الخلل الواقع فی الصلاة

بطلان الصلاة بالاخلال بواجب عمداً أو جهلاً............................................ 211

حکم الوضوء بماء مغصوب............................................................. 212

حکم الصلاة بجلد المیتة................................................................. 213

حکم الاخلال برکن سهواً.............................................................. 214

حکم زیادة رکن سهواً................................................................. 220

حکم من نقص رکعة فما زاد من صلاته................................................. 224

حکم من ترک التسلیم وذکر............................................................ 229

ص: 492

حکم من ترک سجدتین من جمیع الصلاة.................................................. 230

حکم الاخلال بواجب غیر رکن......................................................... 231

الشکوک

حکم الشک فی عدد الثنائیة............................................................. 244

حکم الشک فی الفعل قبل وبعد التجاوز عن المحل.......................................... 246

حکم من ذکر فعل ما تلافاه............................................................ 251

حکم الشک فی المنوی.................................................................. 251

حکم من لم یدر کم صلی.............................................................. 253

حکم من تیقن الأولتین وشک فی الزائد................................................... 254

حکم الشک بین الاثنین والثلاث......................................................... 255

حکم الشک بین الثلاث والأربع......................................................... 258

حکم الشک بین الاثنین والأربع......................................................... 259

الشک بین الاثنین والثلاث والأربع....................................................... 260

حکم الظن............................................................................ 262

صلاة الاحتیاط........................................................................ 264

حکم السهو فی السهو.................................................................. 267

حکم سهو الامام أو المأموم.............................................................. 269

حکم کثیر السهو...................................................................... 271

حکم الشک فی النافلة.................................................................. 274

مواضع وجوب سجدتی السهو........................................................... 275

محل سجدتی السهو..................................................................... 281

صورة سجدتی السهو................................................................... 282

حکم إهمال سجدتی السهو.............................................................. 285

ص: 493

قضاء الصلوات

أسباب فوات الصلاة................................................................... 287

ما یسقط معه القضاء من أسباب الفوات.................................................. 287

ما یجب معه القضاء من أسباب الفوات................................................... 290

حکم أکل ما یؤدی إلی الاغماء أو الحیض................................................ 292

حکم المرتد............................................................................ 292

حکم القضاء.......................................................................... 293

استحباب التصدق عن کل رکعتین بمد................................................... 294

تقدیم السابقة علی اللاحقة فی القضاء.................................................... 295

حکم اجتماع لفائتة مع الحاضرة......................................................... 298

حکم النوافل لمن علیه فریضة............................................................ 304

حکم قضاء صلاة السفر فی الحضر وبالعکس.............................................. 304

حکم من فاتته فریضة غیر متعینة من الخمس.............................................. 305

حکم من فاته ما لا یحصیه.............................................................. 306

قتل تارک الصلاة مستحلا............................................................... 308

تعزیر تارک الصلاة بغیر استحلال........................................................ 308

صلاة الجماعة

مواضع استحباب الجماعة وتأکدها...................................................... 310

استحباب حضور جماعة أهل الخلاف.................................................... 312

وجوب الجماعة فی الجمعة والعیدین...................................................... 313

جواز الجماعة فی الاستسقاء والعیدین من النوافل........................................... 314

درک الجماعة بدرک الامام راکعا......................................................... 316

أقل ما تنعقد به الجماعة................................................................. 316

لا تصح الجماعة مع الحائل بین الامام والمأموم............................................. 317

ص: 494

ما یعتبر فی صفوف الجماعة............................................................. 318

صحة صلاة المرأة مع الحائل............................................................. 319

حکم ارتفاع أو انخفاض موقف الامام.................................................... 320

اعتبار عدم تباعد المأموم عن الامام....................................................... 321

وجوب تأخر احرام المأموم عمن قبله..................................................... 322

حکم خروج بعض الصفوف عن الاقتداء................................................. 323

حرمة قراءة المأموم خلف الامام مطلقا.................................................... 323

وجوب القراءة خلف من لا یقتدی به.................................................... 324

حکم غیر المتمکن من اکمال القراءة خلف من لا یقتدی به................................. 325

وجوب متابعة الامام.................................................................... 326

حکم من سبق الامام................................................................... 327

عدم جواز وقوف المأموم قدام الامام...................................................... 330

وجوب نیة الائتمام والامام.............................................................. 332

حکم نیة کل من المصلین الإمامة أو المأمومیة.............................................. 333

جواز اختلاف فرض الامام والمأموم...................................................... 335

حکم ائتمام المتنفل بالمفترض وبالعکس................................................... 337

استحباب وقوف الواحد عن یمین الامام والجماعة والمرأة خلفه............................... 338

کیفیة إمامة المرأة للنساء................................................................ 340

إمامة العاری للعراة وصلاتهم............................................................ 340

استحباب إعادة المنفرد جماعة وأحکامه................................................... 341

استحباب تسبیح من أتم القراءة قبل الامام................................................. 343

استحباب کون أهل الفضل من الصف الأول............................................. 344

کراهة تمکین الصبیان من الصف الأول................................................... 345

کراهة وقوف المأموم وحده............................................................. 345

کراهة النافلة إذا أقیمت الصلاة......................................................... 346

وقت القیام لصلاة الجماعة.............................................................. 346

ص: 495

الشروط المعتبرة فی الامام................................................................ 347

عدم اشتراط نیة الإمامة................................................................. 356

ذکر الأولی بالتقدم..................................................................... 356

حکم تشاح الأئمة فی التقدم ومن یقدم................................................... 357

استحباب إسماع الامام من خلفه......................................................... 362

حکم استنابة الامام غیره................................................................ 363

کراهة ائتمام الحاضر بمسافر............................................................. 364

کراهة استنابة المسبوق.................................................................. 367

ذکر بعض من تکره إمامته.............................................................. 368

حکم تبین فسق أو حدث الامام......................................................... 372

حکم من خاف فوت الرکوع قبل ادراک الجماعة.......................................... 374

حکم اجتماع الخنثی والمرأة فی الجماعة................................................... 375

حکم من یقف إلی جانب المحراب........................................................ 376

حکم مفارقة الامام..................................................................... 376

جواز الجماعة فی السفن................................................................. 379

حکم إحرام الامام والمأموم یصلی........................................................ 380

أحکام من أدرک الامام فی أثناء الصلاة................................................... 382

جواز تسلیم المأموم قبل الامام........................................................... 387

حکم استنابة المسبوق................................................................... 388

أحکام المساجد

استحباب اتخاذ المساجد غیر مسقفة...................................................... 390

استحباب جعل المیضاة علی أبواب المساجد............................................... 393

استحباب کون المنارة مع الحائط......................................................... 394

آداب دخول المسجد................................................................... 394

نقض المساجد وإعادتها................................................................. 395

ص: 496

حکم استعمال آلات المسجد فی غیره..................................................... 396

استحباب کنس المسجد والاسراج فیه.................................................... 397

حرمة زخرفة المساجد.................................................................. 398

حرمة بیع آلة المسجد................................................................... 398

حرمة أخذ الطرق من المساجد وتملکها................................................... 398

حرمة إدخال النجاسة إلیها.............................................................. 399

آداب المساجد......................................................................... 401

استحباب المکتوبة فی المسجد والنافلة فی المنزل............................................. 406

فضل الصلاة فی المساجد وتفاضلها....................................................... 409

صلاة الخوف والمطاردة

التقصیر فی صلاة الخوف................................................................ 410

کیفیة الجمع فی صلاة الخوف............................................................ 412

شروط صلاة الخوف................................................................... 414

کیفیة صلاة الخوف.................................................................... 415

حکم السهو فی صلاة الخوف............................................................ 419

وجوب أخذ السلاح والسلاح النجس فیها............................................... 419

حکم سهو الامام فیها.................................................................. 420

کیفیة صلاة المطاردة.................................................................... 421

حکم من صلی صلاة الخوف فتبین الامن................................................. 424

حکم الخائف من سیل أو سبع........................................................... 424

صلاة المتوحل والغریق.................................................................. 425

صلاة المسافر

شروط القصر......................................................................... 428

اشتراط المسافة......................................................................... 428

ص: 497

حکم التردد فی ثلاثة فراسخ............................................................ 438

اشتراط قصد المسافة................................................................... 439

حکم منتظر الرفقة فی الطریق............................................................ 440

اشتراط عدم قطع السفر بإقامة أو دخول وطن............................................ 441

الوطن الذی یتم فیه.................................................................... 443

اشتراط کون السفر سائغا.............................................................. 445

حکم الخروج للصید................................................................... 448

اشتراط عدم کثرة السفر............................................................... 449

ضابط کثرة السفر..................................................................... 451

حکم المقیم خمسة فی بلده............................................................... 454

اشتراط تجاوز حد الترخص............................................................. 456

نیة الإقامة............................................................................. 459

حکم المتردد........................................................................... 463

حکم من نوی الإقامة ثم عدل........................................................... 463

حکم القصر........................................................................... 465

التخییر فی المواطن الأربعة............................................................... 466

حکم ترک التقصیر..................................................................... 471

حکم المقصر اتفاقا..................................................................... 476

حکم من دخل علیه الوقت حاضراً ثم سافر وبالعکس...................................... 477

استحباب التسبیح عقیب صلاة السفر.................................................... 479

حکم الممنوع من إدامة السفر........................................................... 480

حکم من ردته الریح................................................................... 480

حکم خروج المقیم ورجوعه إلی بلد الإقامة............................................... 481

حکم المسافر الذی قصد الإقامة أثناء الصلاة.............................................. 482

حکم المقیم الذی قصد السفر فی الصلاة.................................................. 482

حکم قضاء صلاة السفر فی الحضر وبالعکس.............................................. 483

ص: 498

حکم من صلی بعد الترخص ثم رجع..................................................... 484

استحباب قضاء نافلة الزوال إذا دخل وهو حاضر.......................................... 485

ص: 499

المجلد 5

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

کتاب الزکاة وفیه قسمان :

الأول : فی زکاة المال ، والنظر فی : من تجب علیه ، وما تجب فیه ، ومن تصرف إلیه.

______________________________________________________

کتاب الزکاة

الزکاة لغة : الطهارة والزیادة والنمو.

قال فی المعتبر : وفی الشرع اسم لحق یجب فی المال یعتبر فی وجوبه النصاب (1). فاندرج فی الحق (2) الزکاة والخمس وغیرهما من الحقوق ، وخرج بالواجب فی المال ما لیس کذلک کحق الشفعة والتحجیر ونحوهما ، وخرج بالقید الأخیر الکفارة وغیرها من الحقوق المالیة التی لا یعتبر فیها النصاب ، واندرجت فیه زکاة الفطرة ، لأن النصاب معتبر فیها ، إما قوت السنة أو ملک أحد النصب.

ونقض فی طرده بالخمس فی نحو الکنز والغوص مما یعتبر فیه النصاب ، وفی عکسه بالزکاة المندوبة.

کتاب الزکاة

تعریف الزکاة

ص: 5


1- المعتبر 2 : 485.
2- فی « ح » : الرسم.

______________________________________________________

وأجیب بأن اللام فی النصاب للعهد ، والمعهود نصاب الزکاة ، وبأن المراد بالوجوب هنا مطلق الثبوت وهو یتناول الواجب بالمعنی المصطلح علیه والمندوب. والأمر فی هذه التعاریف هیّن کما بیّنّاه مرارا.

وهنا فوائد :

الأولی : وجوب الزکاة ثابت بالکتاب والسنة والإجماع ، أما الکتاب ففی عدة آیات : منها قوله عزّ وجلّ ( وَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّکاةَ ) (1) وقوله تعالی ( وَوَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ الَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکاةَ ) (2).

وأما السنة فمستفیضة جدا : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لما أنزلت آیة الزکاة ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِمْ بِها ) (3) وأنزلت فی شهر رمضان فأمر رسول الله صلی الله علیه و آله منادیه فنادی فی الناس : إن الله فرض علیکم الزکاة کما فرض علیکم الصلاة ، فرض الله عزّ وجلّ علیکم من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعیر والتمر والزبیب ، فنادی فیهم بذلک فی شهر رمضان وعفا لهم عما سوی ذلک » قال : « ثم لم یعرض (4) لشی ء من أموالهم حتی حال علیهم الحول من قابل ، فصاموا وأفطروا فأمر منادیه فنادی فی المسلمین : أیها المسلمون زکّوا أموالکم تقبل صلاتکم » قال : « ثم وجّه عمّال الصدقة وعمّال الطسوق (5) » (6).

وفی الحسن ، عن أبی بصیر قال : کنا عند أبی عبد الله علیه السلام ومعنا بعض أصحاب الأموال فذکروا الزکاة ، فقال أبو عبد الله علیه السلام :

وجوب الزکاة

ص: 6


1- البقرة : 43.
2- فصلت : 6 - 7.
3- التوبة : 103.
4- فی « م » : لم یتعرض.
5- الطسق : الوظیفة من خراج الأرض ، فارسیة معرّبة - راجع الصحاح 4 : 1517.
6- الکافی 3 : 497 - 2 ، الوسائل 6 : 3 أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحب فیه ب 1 ح 1.

______________________________________________________

إن الزکاة لیس یحمد صاحبها (1) ، إنما هو شی ء ظاهر ، إنما حقن به دمه وسمی بها مسلما ، ولو لم یؤدها لم تقبل له صلاة ، وإن علیکم فی أموالکم غیر الزکاة » فقلت : أصلحک الله وما علینا فی أموالنا غیر الزکاة؟ فقال : « سبحان الله أما تسمع الله عزّ وجلّ یقول فی کتابه ( وَالَّذِینَ فِی أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) (2) » قال ، قلت : ما ذا الحق المعلوم الذی علینا؟ قال : « هو الشی ء یعمله الرجل فی ماله یعطیه فی الیوم أو فی الجمعة أو فی الشهر قلّ أو کثر غیر أنه یدوم علیه ، وقوله عزّ وجلّ ( وَیَمْنَعُونَ الْماعُونَ ) (3) قال : « هو القرض بعینه والمعروف یعطیه ومتاع البیت یعیره ومنه الزکاة » فقلت : إن لنا جیرانا إذا أعرناهم متاعا کسروه وأفسدوه فعلینا جناح أن نمنعهم؟ فقال : « لا ، لیس علیکم جناح أن تمنعوهم إن کانوا کذلک » (4).

وأما الإجماع فمن المسلمین کافة ، قال العلاّمة فی التذکرة : وأجمع المسلمون کافة علی وجوبها فی جمیع الأعصار ، وهی أحد الأرکان الخمسة ، إذا عرفت هذا فمن أنکر وجوبها ممن ولد علی الفطرة ونشأ بین المسلمین فهو مرتد یقتل من غیر أن یستتاب ، وإن لم یکن عن فطرة بل أسلم عقیب کفر استتیب مع علم وجوبها ثلاثا ، فإن تاب وإلاّ فهو مرتد وجب قتله ، وإن کان ممن یخفی وجوبها علیه لأنه نشأ بالبادیة وکان قریب العهد بالإسلام عرّف وجوبها ولم یحکم بکفره (5). هذا کلامه - رحمه الله - وهو جید.

وعلی ما ذکره من التفصیل یحمل ما رواه الکلینی وابن بابویه - رضی الله عنهما - عن أبان بن تغلب ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « دمان فی الإسلام حلال من الله تبارک وتعالی ، لا یقضی فیهما أحد حتی یبعث الله

ص: 7


1- فی « م » : فاعلها.
2- المعارج : 24.
3- الماعون : 7.
4- الکافی 3 : 499 - 9 ، الوسائل 6 : 28 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 7 ح 3.
5- التذکرة 1 : 200.

______________________________________________________

قائمنا أهل البیت ، فإذا بعث الله قائمنا أهل البیت حکم فیهما حکم الله تعالی : الزانی المحصن یرجمه ، ومانع الزکاة یضرب عنقه » (1).

الثانیة : فی علة الزکاة ، روی ابن بابویه - رضی الله عنه - فی من لا یحضره الفقیه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض الزکاة کما فرض الصلاة ، فلو أن رجلا حمل الزکاة فأعطاها علانیة لم یکن فی ذلک عیب ، وذلک أن الله عزّ وجلّ فرض للفقراء فی أموال الأغنیاء ما یکتفون به ، ولو علم أن الذی فرض لهم لا یکفیهم لزادهم ، وإنما یؤتی الفقراء فیما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم لا من الفریضة » (2).

وروی أیضا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إنما وضعت الزکاة اختبارا للأغنیاء ومعونة للفقراء ، ولو أن الناس أدّوا زکاة أموالهم ما بقی مسلم فقیرا محتاجا ، ولاستغنی بما فرض الله ، وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلاّ بذنوب الأغنیاء ، وحقیق علی الله تبارک وتعالی أن یمنع رحمته ممن منع حق الله فی ماله ، وأقسم بالذی خلق الخلق وبسط الرزق أنه ما ضاع مال فی برّ ولا بحر إلاّ بترک الزکاة ، وإن أحب الناس إلی الله عزّ وجلّ أسخاهم کفّا ، وأسخی الناس من أدّی زکاة ماله ، ولم یبخل علی المؤمنین بما افترض الله لهم فی ماله » (3).

الثالثة : فی فضیلة الزکاة ، ویکفی فی شرفها وفضلها أن الله عزّ وجلّ قرنها بالصلاة التی هی أفضل الأعمال فی الآیات الکریمة ، وجعلها مطهرة لفاعلها من الأخلاق الرذیلة ، وللمال من الأدناس الذمیمة ، قال الله تعالی :

علة الزکاة وفضیلتها

ص: 8


1- الکافی 3 : 503 - 5 ، الفقیه 2 : 6 - 16 ، الوسائل 6 : 19 أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحب فیه ب 4 ح 6.
2- الفقیه 2 : 2 - 1 ، الوسائل 6 : 3 أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحب فیه ب 1 ح 3.
3- الفقیه 2 : 4 - 6 ، الوسائل 6 : 4 أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحب فیه ب 1 ح 6.

______________________________________________________

( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِمْ بِها ) (1) والتاء فیهما للخطاب ، أی تطهرهم أیها الآخذ وتزکیهم بواسطة تلک الصدقة. وقیل : التاء فی ( تُطَهِّرُهُمْ ) للتأنیث (2). وفیه نوع انقطاع بین المعطوف والمعطوف علیه. والتزکیة مبالغة فی التطهیر ، أو هی بمعنی الإنماء ، کأنه تعالی جعل النقصان سببا للإنماء والزیادة والبرکة ، أو تکون عبارة عن تعظیم شأنهم والأثناء علیهم.

والآیات والأخبار الواردة فی فضل الصدقة أکثر من أن تحصی ، فمن ذلک قوله تعالی ( مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَیُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً کَثِیرَةً ) (3). روی عن الصادق علیه السلام أنه قال : « لما نزلت هذه الآیة : ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْها ) (4) قال رسول الله صلی الله علیه و آله : رب زدنی فأنزل الله سبحانه ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (5) فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : رب زدنی فأنزل الله عزّ وجلّ ( مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَیُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً کَثِیرَةً ) (6) والکثیر عند الله لا یحصی » (7).

وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « کان فی وصیة النبی صلی الله علیه و آله لأمیر المؤمنین صلوات الله علیه : وأما الصدقة فجهدک حتی یقال : قد أسرفت ، ولم تسرف أبدا » (8).

ص: 9


1- التوبة : 103.
2- قال به الشیخ فی التبیان 5 : 292 ، والطبرسی فی مجمع البیان 2 : 68.
3- البقرة : 245.
4- النمل : 89.
5- الأنعام : 160.
6- البقرة : 245.
7- تفسیر العیاشی 1 : 131 - 434.
8- الکافی 4 : 3 - 8 ، الوسائل 6 : 263 أبواب الصدقة ب 6 ح 1.

______________________________________________________

وفی الحسن ، عن عبد الله بن سنان قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « الصدقة بالید تنفی میتة السوء ، وتدفع سبعین نوعا من أنواع البلاء ، وتفک عن لحی سبعین شیطانا کلهم یأمره إلاّ یفعل » (1).

وعن أبی ولاّد قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « بکّروا بالصدقة وارغبوا فیها ، فما من مؤمن یتصدق بصدقة یرید بها ما عند الله لیدفع الله بها عنه شر ما ینزل من السماء إلی الأرض فی ذلک الیوم إلاّ وقاه الله شر ما ینزل من السماء فی ذلک الیوم » (2).

الرابعة : فی عقاب تارک الزکاة ، قال الله عزّ وجلّ ( وَلا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ یَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَیْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَیُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ یَوْمَ الْقِیامَةِ ) (3).

وروی الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( سَیُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ یَوْمَ الْقِیامَةِ ) فقال : « یا محمد ما من أحد یمنع من زکاة ماله شیئا إلاّ جعل الله عزّ وجلّ ذلک یوم القیامة ثعبانا من نار مطوّقا فی عنقه ینهش من لحمه حتی یفرغ من الحساب » ثم قال : « وهو قول الله عزّ وجلّ ( سَیُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ یَوْمَ الْقِیامَةِ ) یعنی ما بخلوا به من الزکاة » (4).

وفی الصحیح ، عن أبی حمزة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وجدنا فی کتاب علیّ علیه السلام : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إذا

عقاب تارک الزکاة

ص: 10


1- الکافی 4 : 3 - 7 ، الفقیه 2 : 37 - 157 ، الوسائل 6 : 262 أبواب الصدقة ب 5 ح 1.
2- الکافی 4 : 5 - 1 ، الوسائل 6 : 267 أبواب الصدقة ب 8 ح 3.
3- آل عمران : 180.
4- الکافی 3 : 502 - 1 ، الوسائل 6 : 11 أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحب فیه ب 3 ح 3.

______________________________________________________

منعت الزکاة منعت الأرض برکاتها » (1).

وفی الحسن ، عن عبید بن زرارة قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « ما من مؤمن (2) یمنع درهما من حق إلاّ أنفق اثنین فی غیر حقه ، وما من رجل یمنع حقا من ماله إلاّ طوّقه الله عزّ وجلّ به حیة من نار یوم القیامة » (3).

وفی الصحیح ، عن رفاعة بن موسی أنه سمع أبا عبد الله علیه السلام یقول : « ما فرض الله علی هذه الأمة شیئا أشد علیهم من الزکاة ، وفیها تهلک عامتهم » (4).

وروی ابن بابویه فی الحسن ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ما من ذی مال ذهب أو فضة یمنع زکاة ماله إلاّ حبسه الله یوم القیامة بقاع قرقر ، وسلط علیه شجاعا أقرع یریده وهو یحید عنه ، فإذا رآی أنه لا یتخلص منه أمکنه من یده فقضمها کما یقضم الفجل ، ثم یصیر طوقا فی عنقه ، وذلک قول الله عزّ وجلّ ( سَیُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ یَوْمَ الْقِیامَةِ ) وما من ذی مال إبل أو بقر أو غنم یمنع زکاة ماله إلاّ حبسه الله یوم القیامة بقاع قرقر تطأه کل ذات ظلف بظلفها وتنهشه کل ذات ناب بنابها ، وما من ذی مال نخل أو کرم أو زرع یمنع زکاته إلاّ طوّقه الله عزّ وجلّ ریعة أرضه إلی سبع أرضین إلی یوم القیامة » (5).

ص: 11


1- الکافی 3 : 505 - 17 ، الوسائل 6 : 13 أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحب فیه ب 3 ح 12.
2- فی « ض » ، « ح » : عبد.
3- الکافی 3 : 504 - 7 ، الفقیه 2 : 6 - 15 ، التهذیب 4 : 102 - 290 ، المقنعة : 43 ، الوسائل 6 : 25 أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحب فیه ب 6 ح 1.
4- الکافی 3 : 497 - 3 ، الوسائل 6 : 15 أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحب فیه ب 3 ح 18.
5- الفقیه 2 : 5 - 10 ، الوسائل 6 : 10 أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحب فیه ب 3 ح 1.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن الله تبارک وتعالی قرن الزکاة بالصلاة فقال ( وَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّکاةَ ) (1) فمن أقام الصلاة ولم یؤت الزکاة فکأنه لم یقم الصلاة » (2).

الخامسة : المشهور بین الأصحاب خصوصا المتأخرین أنه لیس فی المال حق واجب سوی الزکاة والخمس.

وقال الشیخ فی الخلاف : یجب فی المال حق سوی الزکاة المفروضة وهو ما یخرج یوم الحصاد من الضغث بعد الضغث والحفنة بعد الحفنة یوم الجذاذ (3). واحتج علیه بإجماع الفرقة ، وأخبارهم (4) ، وقوله تعالی : ( وَآتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ ) (5).

وأجیب (6) عن الإجماع بالمنع من انعقاده علی الوجوب ، وإنما انعقد علی مطلق الرجحان المتناول للوجوب والندب.

وعن الأخبار بأنها إنما تدل علی الاستحباب لا علی الوجوب.

وعن الآیة الشریفة أولا باحتمال أن یکون المراد بالحق : الزکاة المفروضة کما ذکره جمع من المفسرین ، وأن یکون المعنی فاعزموا علی أداء الحق یوم الحصاد ، واهتموا به حتی لا تؤخروه عن أول وقت یمکن فیه الإیتاء ، لأن قوله ( وَآتُوا حَقَّهُ ) إنما یحسن إذا کان الحق معلوما قبل ورود هذه الآیة. لکن ورد فی أخبارنا إنکار ذلک ، روی المرتضی - رضی الله عنه - فی

عدم وجوب غیر الزکاة والخمس

ص: 12


1- النور : 56.
2- الکافی 3 : 506 - 23 ، الفقیه 2 : 6 - 11 ، الوسائل 6 : 11 أبواب ما تجب فیه الزکاة وما تستحب فیه ب 3 ح 2.
3- الخلاف 1 : 299.
4- الوسائل 6 : 134 أبواب زکاة الغلات ب 13.
5- الأنعام : 141.
6- التذکرة 1 : 200.

______________________________________________________

الانتصار ، عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله تعالی ( وَآتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ ) قال : لیس ذلک الزکاة ، ألا تری أنه تعالی قال ( وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِینَ ) قال المرتضی - رضی الله عنه - : وهذه نکتة منه علیه السلام ملیحة ، لأن النهی عن السرف لا یکون إلاّ فیما لیس بمقدر ، والزکاة مقدرة (1).

وثانیا بحمل الأمر علی الاستحباب (2) ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی روایة معاویة بن شریح : « فی الزرع حقان حق تؤخذ به وحق تعطیه ، أما الذی تؤخذ به فالعشر ونصف العشر ، وأما الذی تعطیه فقول الله عزّ وجلّ : ( وَآتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ ) یعنی من حضرک (3) الشی ء بعد الشی ء » ولا أعلمه إلا قال : « الضغث - ثم قال - : الضغث حتی یفرغ » (4).

وقول أبی جعفر علیه السلام فی حسنة زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر فی قول الله عزّ وجلّ ( وَآتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ ) : « هذا من الصدقة یعطی المسکین القبضة بعد القبضة ، ومن الجداد الحفنة بعد الحفنة حتی یفرغ » (5) وجه الدلالة أن المتبادر من قوله علیه السلام : « هذا من الصدقة » الصدقة المندوبة.

( فائدة )

روی الکلینی - رضی الله عنه - فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد ابن أبی نصر ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( وَآتُوا حَقَّهُ یَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا ) قال : « کان أبی

ص: 13


1- الانتصار : 76.
2- المنتهی 1 : 471.
3- کذا فی النسخ ، وفی المصدر : من حصدک.
4- الکافی 3 : 564 - 1 ، الوسائل 6 : 134 أبواب زکاة الغلات ب 13 ح 2.
5- الکافی 3 : 565 - 2 ، التهذیب 4 : 106 - 303 ، الوسائل 6 : 134 أبواب الزکاة الغلات ب 13 ح 1.

______________________________________________________

یقول : من الإسراف فی الحصاد والجداد أن یصّدق الرجل بکفیه جمیعا ، وکان أبی إذا حضر شیئا من هذا فرأی أحدا من غلمانه یتصدق بکفیه صاح به أعط بید واحدة ، القبضة بعد القبضة ، والضغث بعد الضغث من السنبل » (1).

ص: 14


1- الکافی 3 : 566 - 6 ، الوسائل 6 : 139 أبواب زکاة الغلات ب 16 ح 1.

النظر الأول

فی من تجب علیه

فتجب الزکاة علی البالغ العاقل الحر المالک المتمکن من التصرف ، فالبلوغ یعتبر فی الذهب والفضة إجماعا (1).

______________________________________________________

قوله : ( أما الأول ، فتجب الزکاة علی البالغ العاقل الحر المالک المتمکن من التصرف ، فالبلوغ یعتبر فی الذهب والفضة إجماعا ).

(1) أجمع علماؤنا کافة علی أنه یشترط فی وجوب الزکاة فی الذهب والفضة الکمال ، فلا تجب زکاتهما علی صبی ولا علی مجنون ، لقوله علیه السلام : « رفع القلم عن الصبی حتی یبلغ ، وعن المجنون حتی یفیق » (1) ولأن أوامر الزکاة لا تتناول المجنون والصبی ، وتکلیف الولی بذلک منفی بالأصل ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لیس فی مال الیتیم زکاة » (2).

وفی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن مال الیتیم فقال : « لیس فیه زکاة » (3).

وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قلت

من تجب علیه الزکاة

ص: 15


1- الخصال : 93 - 40 ، الوسائل 1 : 32 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 10.
2- التهذیب 4 : 26 - 62 ، الوسائل 6 : 55 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 1 ح 8.
3- التهذیب 4 : 26 - 61 ، الوسائل 6 : 55 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 1 ح 7.

نعم إذا اتجر له من إلیه النظر استحب له إخراج الزکاة

______________________________________________________

له : فی مال الیتیم علیه زکاة؟ فقال : « إذا کان موضوعا فلیس علیه زکاة ، فإذا عملت به فأنت ضامن والربح للیتیم » (1).

وفی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : امرأة من أهلنا مختلطة ، علیها زکاة؟ قال : « إن کان عمل به فعلیها زکاة ، وإن لم یعمل به فلا » (2).

وإنما تسقط الزکاة عن المجنون المطبق ، أما ذو الأدوار فالأقرب تعلق الوجوب به فی حال الإفاقة ، إذ لا مانع من توجه الخطاب إلیه فی تلک الحال.

وقال فی التذکرة : لو کان الجنون یعتوره أدوارا اشترط الکمال طول الحول ، فلو جنّ فی أثنائه سقط واستأنف من حین عوده (3). وهو مشکل ، لعدم الظفر بما یدل علی ما ادعاه ، ثم قال : وتجب الزکاة علی الساهی والنائم والمغفل دون المغمی علیه ، لأنه تکلیف ولیس من أهله.

وفی الفرق نظر ، فإنه إن أراد أن المغمی علیه لیس أهلا للتکلیف فی حال الإغماء فمسلم لکن النائم کذلک ، وإن أراد کون الإغماء مقتضیا لانقطاع الحول وسقوط الزکاة کما ذکره فی ذی الأدوار طولب بدلیله.

وبالجملة : فالمتجه مساواة الإغماء للنوم فی تحقق التکلیف بالزکاة بعد زوالهما کما فی غیرها من التکالیف ، وعدم انقطاع الحول بعروض ذلک فی أثنائه.

قوله : ( نعم إذا اتجر له من إلیه النظر استحب له إخراج الزکاة

استحباب الزکاة فی مال الطفل المتجر به

ص: 16


1- الکافی 3 : 540 - 1 ، التهذیب 4 : 26 - 60 ، الوسائل 6 : 54 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 1 ح 1.
2- الکافی 3 : 542 - 2 ، التهذیب 4 : 30 - 75 ، الوسائل 6 : 59 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 3 ح 1.
3- التذکرة 1 : 200.

من مال الطفل. (1)

______________________________________________________

من مال الطفل ).

(2) هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال المصنف فی المعتبر : إن علیه إجماع علمائنا (3). واستدلوا علیه بما رواه الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : هل علی مال الیتیم زکاة؟ قال : « لا ، إلاّ أن یتجر به أو یعمل به » (4).

وما رواه الشیخ فی الموثق ، عن یونس بن یعقوب ، قال : أرسلت إلی أبی عبد الله علیه السلام أن لی إخوة صغارا فمتی تجب علی أموالهم الزکاة؟ قال : « إذا وجبت الصلاة وجبت الزکاة » قلت : فما لم تجب علیهم الصلاة؟ قال : « إذا اتجر به فزکوه » (5).

وعن سعید السمان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لیس فی مال الیتیم زکاة إلاّ أن یتجر به ، فإن اتجر به فالربح للیتیم ، وإن وضع فعلی الذی یتجر به » (6).

وعن محمد بن الفضیل ، قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن صبیة صغار لهم مال بید أمهم وأخیهم ، هل تجب علی أموالهم زکاة؟ فقال : « لا تجب فی مالهم زکاة حتی یعمل به ، فإذا عمل به وجبت الزکاة ، فأما إذا کان موقوفا فلا زکاة علیه » (5).

ص: 17


1- المعتبر 2 : 487.
2- الکافی 3 : 541 - 3 ، الوسائل 6 : 57 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 2 ح 1.
3- التهذیب 4 : 27 - 66 ، الإستبصار 2 : 29 - 84 ، الوسائل 6 : 55 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 1 ح 5.
4- الکافی 3 : 541 - 6 ، التهذیب 4 : 27 - 65 ، الإستبصار 2 : 29 - 83 ، الوسائل 6 : 57 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 2 ح 2.
5- التهذیب 4 : 27 - 67 ، الإستبصار 2 : 29 - 85 ، الوسائل 6 : 57 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 2 ح 4.
6-

وإن ضمنه واتّجر لنفسه وکان ملیّا کان الربح له وتستحب الزکاة. (1)

______________________________________________________

وفی المسألة قولان آخران : أحدهما الوجوب ، ذکره المفید فی المقنعة (2) ، لکن قال الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب : إنه إنما یرید به الندب والاستحباب دون الفرض والإیجاب ، لأن المال لو کان لبالغ واتجر به لما وجب فیه الزکاة عنده وجوب الفرض فالطفل أولی (3). وهو حسن.

والثانی سقوط الزکاة فی ذلک وجوبا واستحبابا ، ذهب إلیه ابن إدریس فی سرائره وقال : إن الروایة الواردة بالاستحباب ضعیفة شاذة أوردها الشیخ فی کتبه إیرادا لا اعتقادا (4). وهذا القول جید علی أصله ، بل لا یبعد المصیر إلیه ، لأن ما استدل به علی الاستحباب غیر نقی الإسناد ، بل ولا واضح الدلالة أیضا ، ومع ذلک فالوجوب منفی بما سنبینه إن شاء الله من عدم وجوب الزکاة فی هذا النوع مطلقا ، وإذا انتفی الوجوب کان الأولی عدم التصرف فی مال الطفل علی هذا الوجه.

قوله : ( فإن ضمنه واتجر لنفسه وکان ملیا کان الربح له وتستحب الزکاة ).

المراد بضمان المال هنا نقله إلی ملک الولی بناقل شرعی کالقرض. وبالملاءة کونه بحیث یقدر علی أداء المال المضمون من ماله لو تلف بحسب حاله.

وذکر الشارح أن المراد بالملاءة أن یکون للمتصرف مال بقدر مال الطفل المضمون فاضلا عن المستثنیات فی الدین وعن قوت یومه ولیله له ولعیاله الواجبی النفقة (5). وهو مشکل ، لأن ذلک قد لا یحصل معه الغرض المطلوب من الملاءة.

ص: 18


1- المقنعة : 39.
2- المقنعة : 39.
3- التهذیب 4 : 27.
4- السرائر : 102.
5- المسالک 1 : 50.

أما لو لم یکن ملیّا أو لم یکن ولیا کان ضامنا وللیتیم الربح ، ولا زکاة هنا (1)

______________________________________________________

ویدل علی اعتبار ملاءة الولی فی جواز التصرف فی مال الیتیم روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ربعی بن عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل عنده مال لیتیم فقال : « إن کان محتاجا لیس له مال فلا یمس ماله ، وإن هو اتجر به فالربح للیتیم وهو ضامن » (2).

وعن أسباط بن سالم ، عن أبیه قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام قلت : أخی أمرنی أن أسألک عن مال یتیم فی حجره یتجر به قال : « إن کان لأخیک مال یحیط بمال الیتیم إن تلف أو أصابه شی ء غرمه ، وإلاّ فلا یتعرض لمال الیتیم » (3).

واستثنی المتأخرون من الولی الذی تعتبر ملاءته الأب والجد ، فسوغوا لهما اقتراض مال الطفل مع العسر والیسر (4) ، وهو مشکل. وکیف کان فمتی صح الاقتراض انتقل المال إلی ملک المقترض فیکون ربحه له وزکاته علیه.

قوله : ( أما لو لم یکن ملیا أو لم یکن ولیا کان ضامنا والربح للیتیم ، ولا زکاة هنا ).

المراد أن المتجر فی مال الطفل إذا اقترضه مع انتفاء الولایة أو الملاءة یکون القرض فاسدا وربح المال للیتیم ولا زکاة علیه ، ویتعلق بالمتصرف ضمان المال ، بمعنی أنه بحیث یلزمه مثله أو قیمته مع التلف.

أما الضمان فلأن الاقتراض إنما یسوغ مع الولایة والملاءة کما تقدم ، فمتی انتفی الوصفان أو أحدهما یکون المتصرف علی هذا الوجه عاصیا غاصبا فیترتب علیه الضمان لا محالة.

ص: 19


1- التهذیب 6 : 341 - 955 ، الوسائل 12 : 191 أبواب ما یکتسب به ب 75 ح 3.
2- التهذیب 6 : 341 - 955 ، الوسائل 12 : 191 أبواب ما یکتسب به ب 75 ح 3.
3- الکافی 5 : 131 - 4 ، التهذیب 6 : 341 - 954 ، الوسائل 12 : 191 أبواب ما یکتسب به ب 75 ح 4 عن أبیه لیس فی الکافی.
4- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 148 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 50.

وتستحب الزکاة فی غلاّت الطفل ومواشیه ، وهو أشبه ، وقیل : تجب ، (1)

______________________________________________________

وأما أن ربح المال یکون للیتیم فلأن الشراء وقع بعین ماله کما هو المفروض فیملک المبیع ویتبعه الربح ، لکن یجب تقییده بما إذا کان المشتری ولیا أو أجازه الولی وکان للطفل غبطة فی ذلک ، وإلاّ وقع الشراء باطلا ، بل لا یبعد توقف الشراء علی الإجازة فی صورة شراء الولی أیضا ، لأن الشراء لم یقع بقصد الطفل ابتداء وإنما أوقعه المتصرف لنفسه ، فلا ینصرف إلی الطفل بدون الإجازة ، ومع ذلک کله فیمکن المناقشة فی صحة مثل هذا العقد وإن قلنا بصحة العقد الواقع من الفضولی مع الإجازة ، لأنه لم یقع للطفل ابتداء من غیر من إلیه النظر فی ماله ، وإنما (2) وقع بقصد المتصرف (3) ابتداء علی وجه منهی عنه ، ولتفصیل الکلام فی ذلک محل آخر.

وأما أنه لا زکاة فی مال الیتیم علی تقدیر انصراف الشراء إلیه فعلله الشارح بعدم قصد الطفل عند الشراء فیکون قصد الاکتساب للطفل طارئا علیه وسیأتی أن المقارنة شرط فی ثبوت زکاة التجارة (4). وهو توجیه ضعیف ، فإن الشرط بتقدیر تسلیمه إنما هو قصد الاکتساب عند التملک ، وهو هنا حاصل بناء علی ما هو الظاهر من أن الإجازة ناقلة لا کاشفة.

ورجح الشهیدان (5) والمحقق الشیخ علی استحباب إخراج الزکاة من مال الطفل فی کل موضع یقع الشراء له. ولا بأس به.

قوله : ( وتستحب الزکاة فی غلات الطفل ، وهو أشبه ، وقیل : تجب ).

استحباب الزکاة فی غلات الطفل

ص: 20


1- فی « ح » زیادة : أوقعه المتصرف فی مال الطفل لنفسه علی وجه.
2- فی « ح » زیادة : أوقعه المتصرف فی مال الطفل لنفسه علی وجه.
3- فی « م » : التصرف.
4- المسالک 1 : 51.
5- الشهید الأول فی الدروس : 57 ، والبیان : 165 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 2 : 12.

______________________________________________________

القول بالوجوب للشیخین (1) وأتباعهما (2) ، واستدل الشیخ فی التهذیب علی الوجوب فی الغلاّت بما رواه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « مال الیتیم لیس علیه فی العین والصامت شی ء ، وأما الغلاّت فإن علیها الصدقة واجبة » (3) ثم قال : فأما ما رواه علی بن الحسن ، عن حماد ، عن حریز ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سمعه یقول : « لیس فی مال الیتیم زکاة ، ولیس علیه صلاة ، ولیس علی جمیع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زکاة ، وإن بلغ فلیس علیه لما مضی زکاة ، ولا علیه لما یستقبل حتی یدرک ، وإذا أدرک کانت علیه زکاة واحدة ، وکان علیه مثل ما علی غیره من الناس » (4) فلیس بمناف للروایة الأولی ، لأنه قال علیه السلام : ولیس علی جمیع غلاّته زکاة ، ونحن لا نقول إن علی جمیع غلاّته زکاة ، وإنما تجب علی الأجناس الأربعة التی هی التمر والزبیب والحنطة والشعیر. وإنما خص الیتامی بهذا الحکم ، لأن غیرهم مندوبون إلی إخراج الزکاة عن سائر الحبوب ولیس ذلک فی أموال الیتامی ، فلأجل ذلک خصوا بالذکر. هذا کلامه رحمه الله .

ولا یخفی ما فی هذا التأویل من البعد وشدة المخالفة للظاهر ، مع أنها ضعیفة السند بأن راویها مشترک بین الثقة وغیره ، ولو کانت صحیحة السند لوجب حملها علی نفی الوجوب توفیقا بین الروایتین.

ص: 21


1- المفید فی المقنعة : 39 ، والشیخ فی النهایة : 175 ، والخلاف 1 : 316 ، والمبسوط 1 : 234.
2- منهم ابن البراج فی المهذب 1 : 168 ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 166 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 567.
3- التهذیب 4 : 29 - 72 ، الوسائل 6 : 54 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 1 ح 2.
4- التهذیب 4 : 29 - 73 ، الوسائل 6 : 56 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 1 ح 11.

وکیف قلنا فالتکلیف بالإخراج یتناول الوالی علیه. وقیل : حکم المجنون حکم الطفل ، والأصحّ أنه لا زکاة فی ماله ، إلا فی الصامت إذا اتجر

______________________________________________________

وکیف کان فالأصح الاستحباب فی الغلاّت کما اختاره المرتضی (1) وابن الجنید وابن أبی عقیل (2) وعامة المتأخرین ، لأن لفظ الوجوب الواقع فی روایة زرارة وابن مسلم لم یثبت إطلاقه فی ذلک العرف حقیقة علی ما رادف الفرض ، بل ربما کان الظاهر خلافه ، لأنه قد أطلق فی الروایات بکثرة علی ما تأکد استحبابه وإن لم یستحق بترکه العقاب.

أما ثبوت الزکاة فی المواشی وجوبا أو استحبابا فلم نقف له علی مستند ، وقد اعترف بذلک المصنف فی المعتبر فقال بعد أن عزی وجوب الزکاة فی مواشی الأطفال إلی الشیخین وأتباعهما : وعندی فی ذلک توقف ، لأنا نطالبهم بدلیل ذلک ، والأولی أنه لا زکاة فی مواشیهم عملا بالأصل السلیم عن المعارض (3).

قوله : ( وکیف کان فالتکلیف بالإخراج یتناول الوالی علیه ).

هذا جواب عن سؤال یرد علی القول بالوجوب أو الاستحباب ، وهو أن کلا منهما من باب خطاب الشرع الذی لا یتعلق بغیر المکلف ، فکیف یحکم بالوجوب أو الاستحباب فی مال الطفل؟

وتقریر الجواب أن الوجوب أو الاستحباب وإن نسب إلی مال الطفل إلاّ أن المکلّف به فی الحقیقة هو الولی ، وبه یتعلق الثواب والعقاب ، ویحصل للطفل فی الآخرة أعواض فی مقابلة ما ذهب من ماله.

قوله : ( وقیل حکم المجنون حکم الطفل ، والأصح أنه لا زکاة

حکم أموال المجنون

ص: 22


1- جمل العلم والعمل : 119 ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 205 ، وحکاه عنه فی المعتبر 2 : 487.
2- حکاه عنهما فی المعتبر 2 : 488.
3- المعتبر 2 : 488.

له الولی استحبابا (1).

______________________________________________________

فی ماله ، إلا فی الصامت إذا اتجر له الولی استحبابا ).

المراد بالصامت من المال الذهب والفضة ، ویقابله الناطق وهو المواشی کما نص علیه جماعة من أهل اللغة (2).

والقول بمساواة المجنون لطفل فی وجوب الزکاة فی غلاته ومواشیه للمفید فی المقنعة (3) والشیخ فی جملة من کتبه (4).

قال فی المعتبر : ویجب التوقف فی ذلک ومطالبتهم بدلیل ما ذکراه ، فإنا لا نری وجوب الزکاة علی مجنون ، ثم لو سلمنا الوجوب فی غلة الطفل تبعا لما ادعیاه فمن أین یلزم مثله فی المجنون؟ فإن جمع بینهما بعدم العقل کان جمعا بقید عدمی لا یصلح للعلة ، ویمکن الفرق بین الطفل والمجنون بأن الطفل لبلوغه التکلیف غایة محققة ، فجاز أن یجب فی ماله ، لأنها (5) غایة الحجر ولیس کذلک المجنون ، فإذا تحقق الفرق أمکن استناد الحکم إلی الفارق (6). انتهی کلامه - رحمه الله - وهو جید فی نفسه إلا أنه إنما یحسن مع القائلین بالقیاس لا مع الشیخین ومن یقول بمقالتهما.

والأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم ثبوت الزکاة فی مال المجنون مطلقا إلاّ فی الصامت إذا اتجر له الولی استحبابا ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : امرأة من أهلنا مختلطة ، علیها زکاة؟ فقال : « إن کان عمل به

ص: 23


1- منهم الجوهری فی الصحاح 1 : 257 ، والفیروزآبادی فی القاموس المحیط 1 : 157 ، وابن الأثیر فی النهایة 3 : 52.
2- منهم الجوهری فی الصحاح 1 : 257 ، والفیروزآبادی فی القاموس المحیط 1 : 157 ، وابن الأثیر فی النهایة 3 : 52.
3- المقنعة : 39.
4- النهایة : 174 ، والخلاف 1 : 316 ، والمبسوط 1 : 190.
5- فی المصدر : لانتهاء.
6- المعتبر 2 : 488.

والمملوک لا تجب علیه الزکاة ، سواء قلنا یملّک أو أحلنا ذلک ، ولو ملکه سیده مالا وصرفه فیه لم تجب علیه الزکاة ، وقیل : یملک وتجب علیه الزکاة ، وقیل : لا یملک والزکاة علی مولاه.

______________________________________________________

فعلیها زکاة ، وإن لم یعمل به فلا » (1).

قوله : ( والمملوک لا تجب علیه الزکاة سواء قلنا یملک أو أحلنا ذلک ، ولو ملّکه سیده مالا وصرّفه فیه لم تجب علیه الزکاة ، وقیل : یملک وتجب علیه الزکاة ، وقیل : لا یملک والزکاة علی مولاه ).

لا ریب فی عدم وجوب الزکاة علی المملوک علی القول بأنه لا یملک ، لأن ما بیده یکون ملکا لمولاه وعلیه زکاته ، بل لا وجه لاشتراط الحریة علی هذا التقدیر ، لأن اشتراط الملک یغنی عنه. وإنما الکلام فی وجوب الزکاة علی المملوک علی القول بملکه ، والأصح أنه لا زکاة علیه ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سأله رجل وأنا حاضر عن مال المملوک أعلیه زکاة؟ قال : « لا ولو کان له ألف درهم » (2).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن عبد الله بن سنان أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لیس فی مال المملوک شی ء ، ولو کان له ألف ألف ولو احتاج لم یعط من الزکاة شیئا » (3).

وصرح المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی (4) بوجوب الزکاة علی المملوک إن قلنا بملکه مطلقا أو علی بعض الوجوه. وهو مدفوع بالروایة المتقدمة.

حکم المال الذی بید العبد

ص: 24


1- التهذیب 4 : 30 - 75 ، الوسائل 6 : 59 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 3 ح 1.
2- الفقیه 2 : 19 - 62 ، الوسائل 6 : 60 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 4 ح 3.
3- الکافی 3 : 542 - 1 ، الوسائل 6 : 59 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 4 ح 1.
4- المعتبر 2 : 489 ، المنتهی 1 : 472.

وکذا المکاتب المشروط علیه ، ولو کان مطلقا وتحرّر منه شی ء وجبت علیه الزکاة فی نصیبه إذا بلغ نصابا.

والملک شرط فی الأجناس کلها ، ولا بد أن یکون تاما.

______________________________________________________

قوله : ( وکذا المکاتب المشروط علیه ، ولو کان مطلقا وتحرّر منه شی ء وجبت الزکاة علیه فی نصیبه إذا بلغ نصابا ).

أما وجوب الزکاة علی المکاتب المطلق إذا تحرر منه شی ء وبلغ نصیب جزئه الحر نصابا فلا ریب فیه ، لأن العموم یتناوله کما یتناول الأحرار.

وأما السقوط عن المکاتب المشروط ، والمطلق الذی لم یؤد فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، واستدل علیه فی المعتبر بأنه ممنوع من التصرف فیه إلاّ بالاکتساب فلا یکون ملکه تاما (1) ، وبما رواه الکلینی ، عن أبی البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لیس فی مال المکاتب زکاة » (2).

وفی الدلیل الأول نظر ، وفی سند الروایة ضعف (3) ، مع أن مقتضی ما نقلناه عن المعتبر والمنتهی من وجوب الزکاة علی المملوک إن قلنا بملکه الوجوب علی المکاتب ، بل هو أولی بالوجوب.

قوله : ( والملک شرط فی الأجناس کلها ، ولا بد أن یکون تاما ).

أما اشتراط الملک فقال فی المعتبر : إن علیه اتفاق العلماء (4) ، لأن

اشتراط الملک فی الزکاة

ص: 25


1- المعتبر 2 : 489.
2- الکافی 3 : 542 - 4 ، الوسائل 6 : 60 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 4 ح 5.
3- ووجهه أن أبا البختری هو وهب بن وهب ، وهو کذّاب ، عامی المذهب ، ضعیف - راجع رجال النجاشی : 430 - 1155 ، والفهرست : 173 - 757.
4- المعتبر 2 : 490.

فلو وهب له نصاب لم یجر فی الحول إلا بعد القبض.

______________________________________________________

وجوب الزکاة مشروط بملک النصاب.

وأما اشتراط تمام الملک فقد ذکره المصنف فی هذا الکتاب وجمع من الأصحاب ولا یخلو من إجمال ، فإنهم إن أرادوا به عدم تزلزل الملک کما ذکره بعض المحققین (1) لم یتفرع علیه جریان المبیع المشتمل علی خیار فی الحول من حین العقد ، ولا جریان الموهوب فیه بعد القبض فإن الهبة قد تلحقها مقتضیات کثیرة یوجب فسخها بعد القبض من قبل الواهب. وإن أرادوا به کون المالک متمکنا من التصرف فی النصاب کما أومأ إلیه فی المعتبر (2) لم یستقم أیضا ، لعدم ملائمته للتفریع ، ولتصریح المصنف بعد ذلک باشتراط التمکن من التصرف. وإن أرادوا به حصول تمام السبب المقتضی للملک کما ذکره بعضهم لم یکن فیه زیادة علی اعتبار الملک ، وکیف کان فالمعتبر تحقق الملک خاصة ، وأما التمکن من التصرف فهو شرط آخر ، وسیجی ء الکلام فیه (3).

قوله : ( فلو وهب له نصاب لم یجر فی الحول إلا بعد القبض ).

هذا متفرع علی اشتراط الملک ، فإنه لا یحصل فی الهبة بدون القبض ، لأنه شرط فی الصحة عند المصنف (4) ومن قال بمقالته (5) ، نعم ذهب بعض (6) الأصحاب إلی أنه شرط فی اللزوم دون الصحة (7) ، وعلی هذا فلا یعتبر حصوله فی جریان الموهوب فی الحول ، لانتقال الملک بدونه ، نعم یعتبر التمکن منه کما یستفاد من الشرط اللاحق.

حکم المال الموهوب

ص: 26


1- کالعلاّمة فی القواعد 1 : 51.
2- المعتبر 2 : 490.
3- فی ص 32.
4- الشرائع 2 : 229.
5- کالعلامة فی القواعد 1 : 274.
6- لیست فی « م ».
7- منهم ابن إدریس فی السرائر : 381 ، والعلامة فی المختلف : 486.

وکذا لو أوصی له اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول.

______________________________________________________

وذکر الشارح أنه لا فرق فی ذلک - یعنی فی توقف جریان الموهوب فی الحول علی القبض بین أن نقول أنه ناقل للملک أو کاشف عن سبقه بالعقد ، لمنع المتهب من التصرف فی الموهوب قبل القبض علی التقدیرین (1). وهو غیر جید ، لأن هذا الخلاف ( غیر واقع فی الهبة وإنما الخلاف ) (2) فیها فی کون القبض شرطا فی الصحة أو اللزوم کما نقله الشارح فی بحث الهبة (3) وغیره (4).

هذا فیما یعتبر فیه حؤول الحول (5) ، أما ما لا یعتبر فیه ذلک کالغلات فیشترط فی وجوب زکاته علی المتهب حصول القبض قبل تعلق الوجوب بالنصاب.

ولو رجع الواهب بعد الوجوب وقبل الأداء فی موضع الجواز قدم حق الفقراء لتعلقه بالعین ، ولا یضمنه المتهب لأن هذا الاستحقاق یجری مجری الإتلاف.

قوله : ( وکذا لو أوصی له اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول ).

لأنه وقت انتقال الموصی به إلی ملک الموصی له عند المصنف (6) وأکثر الأصحاب ، ولو قلنا إن القبول کاشف عن انتقال الملک من حین الوفاة کما ذهب إلیه بعض الأصحاب (7) اعتبر حصوله أیضا کما یعتبر التمکن من

حکم المال الموصی به

ص: 27


1- المسالک 1 : 51.
2- ما بین القوسین لیس فی « م ».
3- المسالک 1 : 369.
4- کالعلامة فی المختلف : 486.
5- فی « م » : دخول الحول ، وفی « ح » : حلول الحول.
6- الشرائع 2 : 243.
7- الخلاف 2 : 94.

ولو اشتری نصابا جری فی الحول من حین العقد ، لا بعد الثلاثة. ولو شرط البائع أو هما خیارا زائدا علی الثلاثة بنی علی القول بانتقال الملک ، والوجه أنه من حین العقد.

______________________________________________________

القبض ، لما سیجی ء من اعتبار التمکن من التصرف (1).

قوله : ( ولو اشتری نصابا جری فی الحول من حین العقد ، لا بعد الثلاثة ).

خالف فی ذلک الشیخ - رحمه الله - فحکم بعدم انتقال الملک فی البیع المشتمل علی خیار إلاّ بعد انقضائه (2) ، فلا یجری النصاب فی الحول عنده إذا کان حیوانا إلاّ بعد الثلاثة التی هی خیار الحیوان ، والأصح حصول الملک بالعقد فیجری فی الحول من حینه.

قوله : ( ولو شرط البائع أو هما خیارا زائدا علی الثلاثة بنی علی القول بانتقال الملک ، والوجه أنه من حین العقد ).

أی بنی جریانه فی الحول علی الخلاف فی وقت انتقال الملک ، فإن قلنا إنه من حین العقد جری فی الحول من حینه ، وإن قلنا إنه لا یحصل إلاّ بانقضاء الخیار لم یجر فی الحول إلاّ بعده.

وربما ظهر من العبارة أن الخلاف فی وقت الانتقال إنما وقع فی الخیار المختص بالبائع أو المشترک بینه وبین المشتری ، مع أن الظاهر تحقق الخلاف فیه مطلقا ، فإن الشیخ - رحمه الله - حکم فی الخلاف بأن المبیع لا ینتقل إلی ملک المشتری إلاّ بانقضاء الخیار سواء کان لهما أو لأحدهما لکنه قال : إن الخیار إذا اختص بالمشتری ینتقل المبیع عن ملک البائع بالعقد ولا یدخل فی ملک المشتری إلاّ بانقضاء الخیار (3). ومقتضی ذلک سقوط زکاته

حکم العوض فی البیع الخیاری

ص: 28


1- فی ص 32.
2- المبسوط 1 : 227 ، والخلاف 1 : 513.
3- الخلاف 1 : 513.

وکذا لو استقرض مالا وعینه باقیة جری فی الحول من حین قبضه.

______________________________________________________

عن البائع والمشتری ، وهو ضعیف جدا.

والأصح ما اختاره المصنف من حصول الملک بالعقد فیجری فی الحول من حینه ، لکن سیأتی إن شاء الله أنه متی کان للبائع خیار فإن المشتری یمنع من التصرفات المنافیة لخیاره کالبیع والهبة والإجارة ، فإن ثبت أن ذلک مانع من وجوب الزکاة اتجه اعتبار انتفاء خیار البائع لذلک ، لا لعدم انتقال الملک.

قوله : ( وکذا لو استقرض مالا وعینه باقیة جری فی الحول من حین قبضه ).

وذلک لأنه وقت حصول الملک عند الأکثر ، وللشیخ قول بأنه إنما یملک بالتصرف فلا یجری فی الحول عنده إلاّ بعد ذلک (1).

والأصح حصوله بالقبض فیجری فی الحول من حینه ، وقد ورد بذلک روایات (2) : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن یعقوب بن شعیب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقرض المال للرجل السنة والسنتین والثلاث أو ما شاء الله ، علی من الزکاة؟ علی المقرض أو علی المقترض؟ فقال : « علی المقترض ، لأن له نفعه وعلیه زکاته » (3).

وفی الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل دفع إلی رجل مالا قرضا ، علی من زکاته؟ علی المقترض أو علی المقترض؟ قال : « لا بل زکاتها إن کانت موضوعة عنده حولا علی المقترض » قال ، قلت : ولیس علی المقرض زکاتها؟ قال : « لا ، لا یزکی المال من وجهین

حکم المال المستقرض

ص: 29


1- لم نعثر علیه ، وقال فی مفتاح الکرامة 5 : 49. فما نسب إلیه من القول بأنه إنما یملک بالتصرف لم یصادف محله.
2- فی « م » زیادة : کثیرة.
3- التهذیب 4 : 33 - 84 ، الوسائل 6 : 68 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 7 ح 5.

ولا تجری الغنیمة فی الحول إلا بعد القسمة.

______________________________________________________

فی عام واحد ، ولیس علی الدافع شی ء ، لأنه لیس فی یده شی ء ، إنما المال فی ید الآخر ، فمن کان المال فی یده زکّاه » قال ، قلت : أفیزکی مال غیره من ماله؟ فقال : « إنه ماله ما دام فی یده ولیس ذلک المال لأحد غیره - ثم قال : - یا زرارة أرأیت وضیعة ذلک المال وربحه لمن هو وعلی من؟ » قلت : للمقترض قال : « فله الفضل وعلیه النقصان ، وله أن ینکح ویلبس منه ویأکل منه ولا ینبغی له أن یزکیه؟! بل یزکیه (1) » (2).

قوله : ( ولا تجری الغنیمة فی الحول إلا بعد القسمة ).

(3) هذا قول أکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی التذکرة بعدم استقرار الملک بدون القسمة قال : فإن للإمام أن یقسم بینهم قسمة تحکّم ، فیعطی کل واحد من أی الأصناف شاء ، فلم یتم ملکه علی شی ء معین ، بخلاف ما لو ورثوا ما تجب فیه الزکاة ، ولو کانت الغنیمة من جنس واحد فالوجه ذلک أیضا ، لأن ملکهم فی غایة الضعف ، ولهذا یسقط بالإعراض (4).

وجزم جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد بتوقفه علی القسمة وإن کانت الغنیمة تملک بالحیازة ، لأن الغانم قبل القسمة ممنوع من التصرف فی الغنیمة ، والتمکن من التصرف أحد الشرائط کالملک. وهو جید لکن علی هذا (5) ینبغی الاکتفاء بمجرد التمکن من القسمة.

وظاهر المصنف فی المعتبر جریان الغنیمة فی الحول من حین الحیازة ، لأنها تملک بذلک (6). وهو مشکل علی إطلاقه ، لأن التمکن من التصرف أحد الشرائط کالملک.

حکم الغنیمة

ص: 30


1- فی « م » والمصدر زیادة : فإنه علیه.
2- الکافی 3 : 520 - 6 ، التهذیب 4 : 33 - 85 ، الوسائل 6 : 67 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 7 ح 1.
3- التذکرة 1 : 202.
4- فی « ح » زیادة : لا.
5- المعتبر 2 : 564.
6-

ولو عزل الإمام قسطا جری فی الحول إن کان صاحبه حاضرا ، وإن کان غائبا فعند وصوله إلیه. ولو نذر فی أثناء الحول الصدقة بعین النصاب انقطع الحول لتعینه للصدقة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو عزل الإمام قسطا جری فی الحول إن کان صاحبه حاضرا ، وإن کان غائبا فعند وصوله إلیه ).

إنما اعتبر وصوله إلیه مع الغیبة لما سیجی ء (1) إن شاء الله من أن المال الغائب إنما تجب فیه الزکاة إذا کان مالکه متمکنا منه بنفسه أو بوکیله لا لتوقف الملک علی ذلک وإلاّ لم یکف العزل مع الحضور.

( واعتبر الشهیدان قبض الغانم أو وکیله أو قبض الإمام عنه مع الحضور والغیبة (2) ) (3) وهو مشکل إن قلنا بحصول الملک بدونه وحصل التمکن من التصرف.

قوله : ( ولو نذر فی أثناء الحول الصدقة بعین النصاب انقطع الحول ، لتعیّنه للصدقة ).

نذر الصدقة بعین النصاب إما أن یکون بعد الحول أو فی أثنائه ، وفی الأول یجب إخراج الزکاة والتصدق بالباقی قطعا ، وفی الثانی ینقطع الحول لما ذکره المصنف من تعینه للصدقة وامتناع التصرف فیه بغیرها ، وأولی منه ما لو جعله صدقة بالنذر لخروجه عن ملکه بمجرد النذر فیما قطع به الأصحاب (4).

هذا إذا کان النذر مطلقا أو معلقا علی شرط قد حصل ، أما قبل الحصول فیحتمل کونه کذلک لتعلق النذر به المانع من تصرفه فیه بما یخرجه

حکم نذر الصدقة بعین النصاب

ص: 31


1- فی ص 34.
2- الشهید الأول فی البیان : 167 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 51.
3- ما بین القوسین لیس فی « م ».
4- فی « ح » زیادة : وللنظر فی مجال.

والتمکن من التصرّف معتبر فی الأجناس کلها.

______________________________________________________

عن الملک ، ویحتمل العدم لعدم تحقق الشرط الموجب لصرفه فی النذر ، والمتجه منع المالک من التصرفات المنافیة للنذر کما فی المطلق ، فإن ثبت أن ذلک مانع من وجوب الزکاة کما ذکره الأصحاب انقطع الحول بمجرد النذر ، وإلاّ وجبت الزکاة مع تمامه وکان القدر المخرج من النصاب کالتالف من المنذور ، وتجب الصدقة بالباقی مع حصول الشرط.

قوله : ( والتمکن من التصرف معتبر فی الأجناس کلها ).

هذا الشرط مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه قول علمائنا أجمع (1). واستدل علیه بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا صدقة علی الدین ، ولا علی المال الغائب عنک حتی یقع فی یدیک » (2).

وفی الصحیح ، عن إبراهیم بن أبی محمود قال ، قلت لأبی الحسن الرضا علیه السلام : الرجل یکون له الودیعة والدین فلا یصل إلیهما ثم یأخذها متی تجب علیه الزکاة؟ قال : « إذا أخذها ثم یحول علیه الحول یزکی » (3).

وفی الموثق ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی رجل ماله عنه غائب لا یقدر علی أخذه قال : « فلا زکاة علیه حتی یخرج ، فإذا خرج زکّاه لعام واحد ، وإن کان یدعه متعمدا وهو یقدر علی أخذه فعلیه الزکاة لکل ما مرّ به من السنین » (4).

اشتراط التمکن من التصرف

ص: 32


1- التذکرة 1 : 201.
2- التهذیب 4 : 31 - 78 ، الوسائل 6 : 62 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 5 ح 6.
3- التهذیب 4 : 34 - 88 ، الإستبصار 2 : 28 - 80 ، الوسائل 6 : 63 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 6 ح 1.
4- التهذیب 4 : 31 - 77 ، الاستبصار 2 : 28 - 81 لیس فیه : عن زرارة ، الوسائل 6 : 63 أبواب من تجب علیه الزکاة ومن لا تجب علیه ب 5 ح 7.

وإمکان أداء الواجب معتبر فی الضمان لا فی الوجوب.

______________________________________________________

وهذه الروایات إنما تدل علی سقوط الزکاة فی المال الغائب الذی لا یقدر صاحبه علی أخذه ، لا علی اعتبار التمکن من التصرف ، فلا یتم الاستدلال بها علی سقوط الزکاة فی المبیع المشتمل علی خیار للبائع ونحو ذلک.

نعم ، یمکن الاستدلال علیه بأنه لو وجبت الزکاة فی النصاب مع عدم التمکن من التصرف فیه عقلا أو شرعا للزم وجوب الإخراج من غیره ، وهو معلوم البطلان فإن الزکاة إنما تجب فی العین ، إلاّ أن ذلک إنما یقتضی اعتبار التمکن من التصرف وقت الوجوب لا توقف جریانه فی الحول علیه ، والمسألة محل إشکال وللنظر فیها مجال.

قوله : ( وإمکان أداء الواجب معتبر فی الضمان لا فی الوجوب ).

أما أنه لا یشترط التمکن من الأداء فی الوجوب فقال فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (1). ویدل علیه إطلاق الأمر السالم من التقیید.

واستدل علیه فی المعتبر أیضا بقوله علیه السلام : « لا زکاة فی مال حتی یحول علیه الحول » (2) وما بعد الغایة مخالف لما قبلها ، وبأنه لو حال علی النصاب أحوال ولم یتمکن من الأداء وجبت زکاة الأحوال وهو دلیل الوجوب (3).

وأما أن الضمان مشروط بالتمکن من الأداء فهو مجمع علیه بین الأصحاب أیضا ، ویدل علیه أن الزکاة تجب فی العین لا فی ذمة المالک فیکون النصاب فی یده کالأمانة لا یضمن إلاّ بالتعدی أو التفریط ، فلو تلف قبل التمکن من الأداء من غیر تفریط لم یضمنه ، ولو تلف بعضه سقط عنه بالنسبة.

اعتبار التمکن من الأداء فی الضمان

ص: 33


1- المنتهی 1 : 490.
2- سنن أبی داود 2 : 100 - 1573.
3- المعتبر 2 : 505.

ولا تجب الزکاة فی المال المغصوب. ولا الغائب إذا لم یکن فی ید وکیله أو ولیّه.

______________________________________________________

قوله : ( فلا زکاة فی المغصوب ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی المغصوب بین کونه مما یعتبر فیه الحول کالأنعام أو لا یعتبر فیه ذلک کالغلات ، وبهذا التعمیم حکم الشارح - قدس سره - وقال : إن الغصب إذا استوعب مدة شرط الوجوب وهو نموه فی الملک بأن لم یرجع إلی مالکه حتی بدا الصلاح لم یجب (1). وهو مشکل جدا ، لعدم وضوح مأخذه ، إذ غایة ما یستفاد من الروایات المتقدمة أن المغصوب إذا کان مما یعتبر فیه الحول وعاد إلی مالکه یکون کالمملوک ابتداء فیجری فی الحول من حین عوده ، ولا دلالة لها علی حکم ما لا یعتبر فیه الحول بوجه ، ولو قیل بوجوب الزکاة فی الغلاّت متی تمکن المالک من التصرف فی النصاب لم یکن بعیدا. وإنما تسقط الزکاة فی المغصوب ونحوه إذا لم یمکن تخلیصه ولو ببعضه فتجب فیما زاد علی الفداء.

قوله : ( ولا الغائب إذا لم یکن فی ید وکیله أو ولیّه ).

إنما ذکر الولی لیندرج فی هذا الحکم مال الطفل والمجنون إن قلنا بثبوت الزکاة فیه وجوبا أو استحبابا.

ولا یعتبر فی وجوب الزکاة فی الغائب کونه بید الوکیل کما قد یوهمه ظاهر العبارة بل إنما تسقط الزکاة فیه إذا لم یکن مالکه متمکنا منه کما یقتضیه ظاهر التفریع ، ودلت علیه الأخبار المتقدمة ، وصرح به جماعة منهم المصنف فی النافع حیث قال : فلا تجب فی المال الغائب إذا لم یکن صاحبه متمکنا منه (2). ونحوه قال فی المعتبر فإنه قال بعد أن اشترط التمکن من التصرف : فلا یجب فی المغصوب ، ولا فی المال الضائع ، ولا فی الموروث عن غائب

ص: 34


1- المسالک 1 : 51.
2- المختصر النافع : 53.

ولا الرهن علی الأشبه.

______________________________________________________

حتی یصل إلی المالک أو وکیله ، ولا فیما یسقط فی البحر حتی یعود إلی مالکه فیستقبل به الحول (1).

وقال الشیخ فی النهایة : ولا زکاة علی مال غائب إلاّ إذا کان صاحبه متمکنا منه أیّ وقت شاء ، فإن کان متمکنا منه لزمته الزکاة (2). ونحوه قال فی الخلاف (3).

وبالجملة فعبارات الأصحاب ناطقة بوجوب الزکاة فی المال الغائب إذا کان صاحبه متمکنا منه ، وعمومات الکتاب والسنة تتناوله ، والظاهر أن المرجع فی التمکن إلی العرف.

قوله : ( ولا الرهن علی الأشبه ).

اختلف کلام الشیخ - رحمه الله - فی وجوب الزکاة فی الرهن فقال فی موضع من المبسوط : لو رهن النصاب قبل الحول فحال الحول وهو رهن وجبت الزکاة ، فإن کان موسرا کلّف إخراج الزکاة وإن کان معسرا تعلق بالمال حق الفقراء یؤخذ منه لأن حق المرتهن فی الذمة (4). وقال فی موضع آخر منه : لو استقرض ألفا ورهن ألفا لزمه زکاة الألف القرض دون الرهن ، لعدم تمکنه من التصرف فی الرهن (5).

وقال فی الخلاف : لو کان له ألف واستقرض ألفا غیرها ورهن هذه عند المقرض فإنه یلزمه زکاة الألف التی فی یده إذا حال الحول دون الألف التی هی رهن ، ثم استدل بأن المال الغائب الذی لا یتمکن منه مالکه لا یلزمه زکاته ، والرهن لا یتمکن منه. ثم قال : ولو قلنا إنه یلزم المستقرض زکاة

ص: 35


1- المعتبر 2 : 490.
2- النهایة : 175.
3- الخلاف 1 : 352.
4- المبسوط 1 : 208.
5- المبسوط 1 : 225.

ولا الوقف.

______________________________________________________

الألفین کان قویا ، لأن الألف القرض لا خلاف بین الطائفة بأنه یلزمه زکاتها ، والألف المرهونة هو قادر علی التصرف فیها بأن یفک رهنها ، والمال الغائب إذا کان متمکنا منه یلزمه زکاته بلا خلاف (1).

وهذا التفصیل حسن إن ثبت أن عدم تمکن الراهن من التصرف فی الرهن مسقط للوجوب ، وإلاّ فما أطلقه فی المبسوط أوّلا (2).

قال الشارح - قدس سره - : ولو کان الرهن مستعارا اعتبر فی وجوب الزکاة علی المعیر فکّه لا قدرة المستعیر علیه (3). ولا بأس به خصوصا مع تحقق غیبته عن المالک.

قوله : ( ولا الوقف ).

إنما لم تجب الزکاة فی الوقف لأنها لو وجبت لوجبت فی العین فیخرج به عن الوقف ، وعلله فی المنتهی أیضا بعدم تمام الملک باعتبار مشارکة غیره من الطبقات فی الاستحقاق ، وکون الموقوف علیه ممنوعا من التصرف فی العین بغیر الاستمناء (4). وهو حسن.

ولو نتج الوقف وجبت الزکاة فی نتاجه إذا کان لمعیّن کسائر الأموال المملوکة.

وقال الشیخ - رحمه الله - : لو ولدت الغنم الموقوفة وبلغ الأولاد نصابا وحال علیه الحول وجبت الزکاة إلاّ أن یکون الواقف شرط أن یکون الغنم وما یتوالد منها وقفا (5). وهو جید إن ثبت صحة اشتراط ذلک ، لکنه محل نظر.

ص: 36


1- الخلاف 1 : 351.
2- فی « م » ، « ح » : أولی.
3- المسالک 1 : 51.
4- المنتهی 1 : 475.
5- المبسوط 1 : 205.

ولا الضّال ، ولا المال المفقود ، فإن مضی علیه سنون وعاد زکّاه لسنة استحبابا.

______________________________________________________

قوله : ( ولا الضال ، ولا المال المفقود ).

المراد بالضال الحیوان الضائع ، وبالمفقود غیره من الأموال الضائعة. قال الشارح - قدس سره - : ویعتبر فی مدة الضلال والفقد إطلاق الاسم ، فلو حصل لحظة أو یوما فی الحول لم ینقطع (1). وهو جیّد ، بل ینبغی إناطة السقوط بحصول الغیبة التی لا یتحقق معها التمکن من التصرف.

قوله : ( فإن مضی علیه سنون وعاد زکّاه لسنة استحبابا ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، وأسنده العلاّمة فی المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه ، وحکی عن بعض العامة القول بالوجوب (2).

والمستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی رجل ماله عنه غائب لا یقدر علی أخذه قال : « فلا زکاة علیه حتی یخرج فإذا خرج زکّاه لعام واحد ، وإن کان یدعه متعمدا وهو یقدر علی أخذه فعلیه الزکاة لکل ما مرّ به من السنین » (3).

وما رواه الکلینی بسند صحیح ، عن العلاء بن رزین ، عن سدیر الصیرفی وهو ممدوح قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما تقول فی رجل (4) له مال فانطلق به ، فدفنه فی موضع ، فلمّا حال علیه الحول ذهب لیخرجه من موضعه ، فاحتفر الموضع الذی ظن أن المال فیه مدفون فلم یصبه ، فمکث بعد ذلک ثلاث سنین ، ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه کله فوقع علی المال بعینه

استحباب تزکیة المفقود لسنة إذا وجده

ص: 37


1- المسالک 1 : 51.
2- المنتهی 1 : 475.
3- المتقدمة فی ص 32.
4- فی المصدر و « ح » زیادة : کان.

ولا القرض حتی یرجع إلی صاحبه.

______________________________________________________

کیف یزکیه؟ قال : « یزکیه لسنة واحدة ، لأنه کان غائبا عنه وإن کان احتبسه » (1).

ویدل علی أن هذا الأمر للاستحباب قوله علیه السلام فی صحیحة إبراهیم بن أبی محمود فی الودیعة التی لا یصل مالکها إلیها : « إذا أخذها ثم یحول علیه الحول یزکی » (2).

ومقتضی العبارة أن التزکیة لسنة واحدة إنما تستحب إذا کانت مدة الضلال والفقد ثلاث سنین فصاعدا ، وأطلق العلامة فی المنتهی استحباب تزکیة المغصوب والضالّ مع العود لسنة واحدة (3) ، ولا بأس به.

قوله : ( ولا القرض حتی یرجع إلی صاحبه ).

لانتقاله إلی ملک المقترض بالقبض فیجب زکاته علیه دون المقرض ، ویدل علی الحکمین روایات : منها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل دفع إلی رجل مالا قرضا علی من زکاته؟ علی المقرض أو علی المقترض؟ قال : « لا ، بل زکاتها إن کانت موضوعة عنده حولا علی المقترض » قال ، قلت : ولیس علی المقرض زکاتها؟ قال : « لا » (4).

ولو تبرع المقرض بالإخراج عن المقترض فالوجه الإجزاء ، سواء أذن له المقترض فی ذلک أم لا ، وبه قطع فی المنتهی قال : لأنه بمنزلة أداء الدین (5) ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل استقرض مالا فحال علیه الحول وهو عنده فقال : « إن کان الذی أقرضه یؤدّی زکاته فلا زکاة علیه ، وإن کان لا یؤدّی أدّی

حکم القرض والدین

ص: 38


1- الکافی 3 : 519 - 1 ، الوسائل 6 : 61 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 5 ح 1.
2- المتقدمة فی ص 32.
3- المنتهی 1 : 475.
4- التهذیب 4 : 33 - 85 ، الوسائل 6 : 67 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 7 ح 1.
5- المنتهی 1 : 477.

ولا الدین ، فإن کان تأخیره من جهة صاحبه قیل : تجب الزکاة علی مالکه ، وقیل : لا ، والأول أحوط.

______________________________________________________

المستقرض » (1).

واعتبر الشهید فی الدروس والبیان فی الإجزاء إذن المقترض (2) ، والروایة مطلقة.

قوله : ( ولا الدین ، وإن کان تأخیره من قبل صاحبه قیل : تجب الزکاة علی مالکه ، وقیل : لا ، والأول أحوط ).

اختلف الأصحاب فی وجوب الزکاة فی الدین إذا کان تأخیره من قبل صاحبه بأن یکون علی باذل یسهل علی المالک قبضه منه متی رامه ، بعد اتفاقهم علی سقوط الزکاة فیه إذا کان تأخیره من قبل المدین ، فقال ابن الجنید (3) ، وابن إدریس (4) ، وابن أبی عقیل (5) : لا تجب الزکاة فیه أیضا.وقال الشیخان بالوجوب (6). والمعتمد الأول.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل ، والروایات المتضمنة لسقوط الزکاة فی مال القرض عن المقرض فإنه من أنواع الدین ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا صدقة علی الدین ، ولا علی المال الغائب عنک حتی یقع فی یدیک » (7).

وفی الموثق ، عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی إبراهیم علیه السلام : الدین علیه زکاة؟ قال : « لا حتی یقبضه » قلت : فإذا قبضه

ص: 39


1- التهذیب 4 : 32 - 83 ، الوسائل 6 : 67 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 7 ح 2.
2- الدروس : 58.
3- حکاه عنه فی المختلف : 174.
4- السرائر : 102.
5- حکاه عنه فی المختلف : 174.
6- المفید فی المقنعة : 39 ، والشیخ فی الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 205.
7- التهذیب 4 : 31 - 78 ، الوسائل 6 : 62 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 5 ح 6.

______________________________________________________

یزکیه؟ فقال : « لا حتی یحول علیه الحول » (1).

وفی الموثق أیضا ، عن محمد بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : لیس فی الدین زکاة؟ فقال : « لا » (2).

احتج الشیخ فی التهذیب بما رواه عن درست ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس فی الدین زکاة إلاّ أن یکون صاحب الدین هو الذی یؤخره ، فإذا کان لا یقدر علی أخذه فلیس علیه زکاة حتی یقبضه » (3).

وعن عبد العزیز ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون له الدین ، أیزکیه؟ قال : « کل دین یدعه هو إذا أراد أخذه فعلیه زکاته ، وما کان لا یقدر علی أخذه فلیس علیه زکاته » (4).

والجواب بالطعن فی سند الروایتین باشتماله علی عدة من الضعفاء.

وأجاب العلاّمة فی المختلف عنهما بالحمل علی الاستحباب ، ثم قال ، لا یقال : لم لا یجوز أن یکون وجه الجمع ما فصّل فی هذین الخبرین؟ لأنا نقول : لمّا سأله الحلبی عن الدین وأطلق علیه السلام القول بانتفاء الوجوب وجب انتفاؤه مطلقا ، إذ لو کان فی صورة ما لزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة ، وهو باطل (5). هذا کلامه - رحمه الله - وهو جیّد ( کما نبهنا علیه مرارا ) (6).

واعلم أن العلاّمة - رحمه الله - صرح فی التذکرة بأنه لو کان الدین نعما

ص: 40


1- التهذیب 4 : 34 - 87 ، الإستبصار 2 : 28 - 79 ، الوسائل 6 : 63 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 6 ح 3.
2- التهذیب 4 : 32 - 80 ، الوسائل 6 : 64 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 6 ح 4.
3- التهذیب 4 : 32 - 81 ، الوسائل 6 : 64 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 6 ح 7.
4- التهذیب 4 : 32 - 82 ، الوسائل 6 : 64 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 6 ح 5.
5- المختلف : 174.
6- ما بین القوسین مشطوبة فی « ض ».

والکافر تجب علیه الزکاة لکن لا یصحّ منه أداؤها ،

______________________________________________________

فلا زکاة فیه ، ثم قال : ومن أوجبه فی الدین توقف هنا ، لأن السوم شرط ، وما فی الذمة لا یوصف بکونه سائما ، ثم استشکله بأنهم ذکروا فی السلم فی اللحم التعرض لکونه لحم راعیة أو معلوفة ، وإذا جاز أن یثبت فی الذمة لحم راعیة جاز أن یثبت راعیة (1). وهو جید.

وأورد علیه جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد أنه إنما یتجه إذا جعلنا مفهوم السوم عدمیا وهو عدم العلف کما هو الظاهر من کلامهم ، أما إن جعلناه أمرا وجودیا وهو أکلها من مال الله المباح لم یعقل کون ما فی الذمة سائما.

وفی الفرق نظر ، فإنه إذا جاز ثبوت الحیوان فی الذمة جاز ثبوت هذا النوع المخصوص منه وهو ما یأکل من المباح ، لکن المتبادر من الروایتین المتضمنتین لثبوت الزکاة فی الدین أن المراد به النقد فلا یبعد قصر الحکم علیه ، لأصالة البراءة من الوجوب فی غیره.

قوله : ( والکافر تجب علیه الزکاة لکن لا یصح منه أداؤها ).

أما الوجوب فلإطلاق الأمر ، وظاهر قوله تعالی ( وَوَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ الَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکاةَ ) (2).

وأما أنه لا یصح منه الأداء فعلله فی المعتبر بأنه مشروط بنیة القربة ولا تصح منه (3). وفیه بحث وإن کان الحکم لا إشکال فیه ، للأخبار المستفیضة المتضمنة لبطلان عبادة المخالف (4) فضلا عن الکافر ، والإجماع علی أن الکافر لا یدخل الجنة ، ولو وقعت منه عبادة صحیحة لأثیب علیها

وجوب الزکاة علی الکافر

ص: 41


1- التذکرة 1 : 202.
2- فصلت : 6 - 7.
3- المعتبر 2 : 490.
4- الوسائل : 90 أبواب مقدمة العبادات 29.

فإذا تلفت لا یجب علیه ضمانها وإن أهمل.

______________________________________________________

ولزم دخوله الجنة لإیصال الثواب إلیه ، إذ لا یقع فی غیرها إجماعا کما نقله جماعة.

وقد نص المصنف فی المعتبر (1) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (2) علی أن الزکاة تسقط عن الکافر بالإسلام وإن کان النصاب موجودا ، لقوله علیه السلام : « الإسلام یجبّ ما قبله » (3).

ویجب التوقف فی هذا الحکم ، لضعف الروایة المتضمنة للسقوط سندا ومتنا ، ولما روی فی عدة أخبار صحیحة من أن المخالف إذا استبصر لا یجب علیه إعادة شی ء من العبادات التی أوقعها فی حال ضلالته سوی الزکاة فإنه لا بد أن یؤدیها (4) ، ومع ثبوت هذا الفرق فی المخالف فیمکن إجراؤه فی الکافر.

وبالجملة : فالوجوب علی الکافر متحقق فیجب بقاؤه تحت العهدة إلی أن یحصل الامتثال أو یقوم علی السقوط بالإسلام دلیل یعتد به ، علی أنه ربما لزم من هذا الحکم عدم وجوب الزکاة علی الکافر کما فی قضاء العبادة ، لامتناع أدائها فی حال الکفر وسقوطها بالإسلام ، إلاّ أن یقال : إن متعلق الوجوب إیصالها إلی الساعی وما فی معناه فی حال الکفر ، وینبغی تأمل ذلک.

قوله : ( فإن تلفت لم یجب علیه ضمانها وإن أهمل ).

هذا الحکم مشکل أیضا ، لعدم وضوح مأخذه. وقال الشارح - قدس سره - : إن الحکم بعدم الضمان مع التلف لا تظهر فائدته مع إسلامه ، لما

ص: 42


1- المعتبر 2 : 490.
2- المنتهی 1 : 476 ، والقواعد 1 : 52 ، والتحریر 1 : 58 ، والتذکرة 1 : 204.
3- غوالی اللآلی 2 : 54 - 145 و 224 - 38 ، الجامع الصغیر 1 : 123.
4- الوسائل 1 : 97 أبواب مقدمة العبادات ب 31.

والمسلم إذا لم یتمکن من إخراجها وتلفت لم یضمن ، ولو تمکن وفرّط ضمن. والمجنون والطفل لا یضمنان إذا أهمل الولی مع القول بالوجوب فی الغلاّت والمواشی.

______________________________________________________

عرفت من أنها تسقط عنه وإن بقی المال ، بل إنما تظهر فائدة التلف فیما لو أراد الإمام أو الساعی أخذ الزکاة منه قهرا فإنه یشترط فیه بقاء النصاب ، فلو وجده قد أتلفه لم یضمنه الزکاة وإن کان بتفریطه (1). ولم أقف علی دلیل یدل علی اعتبار هذا الشرط.

قوله : ( والمسلم إذا لم یتمکن من إخراجها وتلفت لم یضمن ، ولو تمکن وفرط ضمن ).

أما الضمان مع التفریط فمعلوم من قواعد الأمانات ، وأما مع التمکن من الإخراج فقال فی التذکرة : إنه قول علمائنا أجمع (2). ویدل علیه روایات : منها قول أبی جعفر علیه السلام فی حسنة محمد بن مسلم : « إذا وجد لها موضعا لم یدفعها فهو لها ضامن حتی یدفعها » (3).

وإنما یتحقق تلف الزکاة مع العزل أو تلف جمیع النصاب ، ولو تلف بعضه وزّع علی حصة المالک ونصیب الفقراء ، وضمن المالک نصیبهم فی موضع الضمان ، وقیل : إن التالف یکون من مال المالک خاصة (4). وهو بعید.

قوله : ( والمجنون والطفل لا یضمنان إذا أهمل الولی مع القول بالوجوب فی الغلات والمواشی ).

حکم تلف الزکاة

ص: 43


1- المسالک 1 : 51.
2- التذکرة 1 : 225.
3- الکافی 3 : 553 - 1 ، الفقیه 2 : 15 - 46 ، التهذیب 4 : 47 - 125 ، الوسائل 6 : 198 أبواب المستحقین للزکاة ب 39 ح 1.
4- قال به الأردبیلی فی مجمع الفائدة 4 : 26.

______________________________________________________

لا ریب فی عدم ضمان الطفل والمجنون ، لعدم تعلق الوجوب بهما وانتفاء التقصیر منهما ، وإنما الکلام فی تضمین الولی ولا یبعد تضمینه ، لأنه مخاطب بالإخراج فجری مجری المالک.

ص: 44

النظر الثانی

فی بیان ما تجب فیه ، وما تستحب

تجب الزکاة فی الأنعام : الإبل والبقر والغنم ، وفی : الذهب والفضة ، والغلات الأربع : الحنطة والشعیر والتمر والزبیب. ولا تجب فیما عدا ذلک.

______________________________________________________

قوله : ( تجب الزکاة فی الأنعام : الإبل والبقر والغنم ، وفی الذهب والفضة ، والغلات الأربع : الحنطة والشعیر والتمر والزبیب ، ولا تجب فیما عدا ذلک ).

أما وجوب الزکاة فی هذه الأنواع التسعة فقال العلاّمة - رحمه الله - فی التذکرة والمنتهی : إنه مجمع علیه بین المسلمین (1). والأخبار به مستفیضة (2).

وأما أنها لا تجب فیما عدا ذلک فقال فی المعتبر : إنه مذهب الأصحاب عدا ابن الجنید (3). ونقل عن ابن الجنید أنه قال : تؤخذ الزکاة فی أرض العشر من کل ما دخل القفیز من حنطة وشعیر وسمسم وأرز ودخن وذرة وعدس وسلت وسائر الحبوب (4). وهو ضعیف.

لنا : أن الأصل عدم الوجوب فیما لم یقم دلیل علی خلافه ، وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « أنزلت آیة الزکاة

ما تجب فیه الزکاة

وجوب الزکاة فی تسعة أنواع

ص: 45


1- التذکرة 1 : 205 ، المنتهی 1 : 473.
2- الوسائل 6 : 32 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 8.
3- المعتبر 2 : 493.
4- حکاه عنه فی المختلف : 180.

______________________________________________________

( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِمْ بِها ) (1) فی شهر رمضان ، فأمر رسول الله صلی الله علیه و آله منادیه فنادی فی الناس : إن الله تبارک وتعالی فرض علیکم الزکاة کما فرض علیکم الصلاة ، ففرض الله علیکم من الذهب والفضة ، والإبل والبقر والغنم ، ومن الحنطة والشعیر والتمر والزبیب ، ونادی فیهم بذلک فی شهر رمضان وعفا لهم عما سوی ذلک » (2).

وما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد ، عن حریز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر وبرید بن معاویة العجلی وفضیل بن یسار ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام ، قالا : « فرض الله الزکاة مع الصلاة فی الأموال ، وسنّها رسول الله صلی الله علیه و آله فی تسعة أشیاء وعفا عما سواهن : فی الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعیر والتمر والزبیب ، وعفا رسول الله صلی الله علیه و آله عما سوی ذلک » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعیر والتمر والزبیب ما بلغ خمسة أوساق - والوسق ستون صاعا فذلک ثلاثمائة صاع - ففیه العشر » ثم قال : « ولیس فیما دون الثلاثمائة صاع شی ء ، ولیس فیما أنبتت الأرض شی ء إلا فی هذا الأربعة أشیاء » (4).

وعن عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سئل عن الزکاة فقال : « الزکاة علی تسعة أشیاء : علی الذهب والفضة ،

ص: 46


1- التوبة : 103.
2- الفقیه 2 : 8 - 26 ، الوسائل 6 : 32 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 8 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 3 : 497 - 2.
3- الکافی 3 : 509 - 1 ، الوسائل 6 : 34 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 8 ح 4.
4- التهذیب 4 : 13 - 34 ، الإستبصار 2 : 14 - 40 ، الوسائل 6 : 120 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 5.

______________________________________________________

والحنطة والشعیر والزبیب والتمر ، والإبل والبقر والغنم » (1) والأخبار الواردة بذلک کثیرة جدا (2).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألته علیه السلام عن الحرث ما یزکی منه؟ فقال : « البرّ والشعیر والذرة والدخن والأرز والسّلت والعدس والسمسم کل هذا یزکّی وأشباهه » (3).

وعن أبی مریم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الحرث مما یزکی؟ فقال : « البرّ والشعیر والذرة والأرز والسّلت والعدس کل هذا مما یزکی » وقال : « کل ما کیل بالصاع فبلغ الأوساق فعلیه الزکاة » (4).

لأنا نجیب عنهما بالحمل علی الاستحباب کما ذکره الشیخ فی التهذیب والإستبصار (5) ، لئلا تتناقض الأخبار. ثم قال فی الاستبصار : ولا یمکن حمل هذا الأخبار یعنی المتضمنة للأنواع التسعة علی ما ذهب إلیه یونس بن عبد الرحمن من أن هذه التسعة کانت الزکاة علیها فی أوّل الإسلام ، ثم أوجب الله تعالی بعد ذلک فی غیرها من الأجناس ، لأن الأمر لو کان علی ما ذکره لما قال الصادق علیه السلام : عفا رسول الله صلی الله علیه و آله عما سوی ذلک. لأنه إذا وجب فیما عدا هذه التسعة أشیاء بعد إیجابه فی التسعة لم یبق شی ء معفو عنه ، فهذا القول واضح البطلان.

ص: 47


1- التهذیب 4 : 3 - 4 ، الإستبصار 2 : 3 - 4 ، الوسائل 6 : 36 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 8 ح 11.
2- الوسائل 6 : 32 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 8.
3- التهذیب 4 : 3 - 7 ، الإستبصار 2 : 3 - 7 ، الوسائل 6 : 40 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 9 ح 4.
4- الکافی 3 : 511 - 6 ، الوسائل 6 : 39 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 9 ح 3.
5- التهذیب 4 : 4 ، والإستبصار 2 : 4.

وتستحب فی کل ما تنبت الأرض مما یکال أو یوزن ، عدا الخضر ، کالقتّ والباذنجان والخیار وما شاکله.

______________________________________________________

قوله : ( وتستحب فی کل ما أنبتت الأرض مما یکال أو یوزن ، عدا الخضر والقت والباذنجان والخیار وما شاکله ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب عدا ابن الجنید فإنه قال بالوجوب (1). ویدل علی الاستحباب مضافا إلی ما سبق ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « کل ما کیل بالصاع فبلغ الأوساق فعلیه الزکاة » وقال : « جعل رسول الله صلی الله علیه و آله الصدقة فی کل شی ء أنبتت الأرض إلاّ ما کان من الخضر والبقول وکل شی ء یفسد من یومه » (2).

ویدل علی انتفاء الوجوب مضافا إلی ما سبق ما رواه الشیخ (3) ، عن زرارة وبکیر ابنی أعین ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لیس فی شی ء أنبتت الأرض من الأرز والذرة والحمّص والعدس وسائر الحبوب والفواکه غیر هذه الأربعة الأصناف وإن کثر ثمنه زکاة ، إلاّ أن یصیر مالا یباع بذهب أو فضة یکنزه ثم یحول علیه الحول وقد صار ذهبا أو فضة فیؤدی عنه من کل مائتی درهم خمسة دراهم ، ومن کل عشرین دینارا نصف دینار » (4).

والقتّ - بفتح القاف والتاء المثناة - نوع من الخضر یطعم للدواب یعرف بالفصّة (5) وهی الرطبة والقضب.

استحباب الزکاة فیما أنبتت الأرض

ص: 48


1- حکاه عنه فی المختلف : 180.
2- الکافی 3 : 510 - 2 ، الوسائل 6 : 40 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 9 ح 6.
3- فی « ح » زیادة : فی الصحیح.
4- التهذیب 4 : 6 - 12 ، الإستبصار 2 : 6 - 12 ، الوسائل 6 : 41 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 9 ح 9.
5- کذا ، والموجود فی کتب اللغة : الفصفصة - راجع الصحاح 1 : 261 ، والنهایة لابن الأثیر 4 : 11.

وفی مال التجارة قولان ، أحدهما الوجوب ، والاستحباب أصحّ.

______________________________________________________

قوله : ( وفی مال التجارة قولان ، أحدهما الوجوب ، والاستحباب أصح ).

اختلف علماؤنا فی زکاة مال التجارة ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخان (1) ، والمرتضی (2) ، وابن إدریس (3) ، وأبو الصلاح (4) ، وابن البراج (5) ، وابن أبی عقیل (6) ، وسلاّر (7) ، وسائر المتأخرین إلی أنها مستحبة. وحکی المصنف عن بعض علمائنا قولا بالوجوب ، وهو الظاهر من کلام ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه فإنه قال : وإذا کان مالک فی تجارة وطلب منک المتاع برأس مالک ولم تبعه تبتغی بذلک الفضل فعلیک زکاته إذا حال علیه الحول (8). والمعتمد الاستحباب.

لنا : الأخبار الکثیرة المتضمنة للأمر بالزکاة فی مال الطفل إذا اتجر له به الولی (9) ، وقد تقدم طرف منها فیما سبق (10) ، وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل اشتری متاعا وکسد علیه وقد زکی ماله قبل أن یشتری المتاع متی یزکیه؟ فقال : « إن کان أمسک متاعه یبتغی رأس ماله فلیس علیه زکاة ، وإن کان احتبسه بعد ما یجد رأس ماله فعلیه الزکاة بعد ما أمسکه بعد رأس المال » قال :

حکم زکاة مال التجارة

ص: 49


1- المفید فی المقنعة : 40 ، والشیخ فی النهایة : 176 ، والمبسوط 1 : 220 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 204.
2- الانتصار : 78 ، وجمل العلم والعمل : 119.
3- السرائر : 103.
4- الکافی فی الفقه : 165.
5- المهذب 1 : 167.
6- نقله عنه فی المختلف : 179.
7- المراسم : 136.
8- الفقیه 2 : 11.
9- الوسائل 6 : 57 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 2.
10- فی ص 17.

______________________________________________________

وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال یعمل بها فقال : « إذا حال علیها الحول فلیزکها » (1).

وعن أبی الربیع الشامی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل اشتری متاعا فکسد علیه متاعه وقد کان زکی ماله قبل أن یشتری به هل علیه زکاة أو حتی یبیعه؟ فقال : « إن کان أمسکه التماس الفضل علی ماله فعلیه الزکاة » (2) وبظاهر هذه الروایات أخذ الموجبون.

ویدل علی أن هذه الأوامر للاستحباب الروایات المتضمنة لحصر ما یجب فیه الزکاة فی الأنواع التسعة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، قال : کنت قاعدا عند أبی جعفر علیه السلام ولیس عنده غیر ابنه جعفر علیه السلام فقال : « یا زرارة إن أبا ذر وعثمان تنازعا فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فقال عثمان : کل مال من ذهب أو من فضة یدار ویعمل به ویتجر به ففیه الزکاة إذا حال علیه الحول ، وقال أبو ذر : أما ما اتجر به أو دیر أو عمل به فلیس فیه زکاة ، إنما الزکاة فیه إذا کان کنزا موضوعا ، فإذا حال علیه الحول ففیه الزکاة ، فاختصما فی ذلک إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فقال ما قال أبو ذر » (3).

وفی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل کان له مال کثیر فاشتری به متاعا ثم وضعه فقال : هذا متاع موضوع فإذا أحببت بعته فیرجع إلیّ رأس مالی وأفضل منه هل علیه صدقة وهو متاع؟ قال : « لا حتی یبیعه » قال : فهل یؤدی عنه إن باعه لما

ص: 50


1- التهذیب 4 : 68 - 186 ، الإستبصار 2 : 10 - 29 ، الوسائل 6 : 46 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 13 ح 3.
2- الکافی 3 : 527 - 1 ، التهذیب 4 : 68 - 185 ، الإستبصار 2 : 10 - 28 ، الوسائل 6 : 46 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 13 ح 4.
3- التهذیب 4 : 70 - 192 ، الإستبصار 2 : 9 - 27 ، الوسائل 6 : 48 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 14 ح 1.

وفی الخیل الإناث.

______________________________________________________

مضی إذا کان متاعا؟ قال : « لا » (1).

وفی الموثق عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی إبراهیم علیه السلام الرجل یشتری الوصیفة یثبتها عنده لتزید وهو یرید بیعها ، أعلی ثمنها زکاة؟ قال : « لا حتی یبیعها » قلت : فإن باعها أیزکی ثمنها؟ قال : « لا حتی یحول علیه الحول وهو فی یدیه » (2).

قوله : ( وفی الخیل الإناث ).

استحباب الزکاة فی الخیل الإناث مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات : منها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عنهما جمیعا علیهماالسلام ، قال (3) : « وضع أمیر المؤمنین علیه السلام علی الخیل العتاق الراعیة فی کل فرس فی کل عام دینارین ، وجعل علی البراذین دینارا » (4).

وفی الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : هل علی البغال شی ء؟ فقال : « لا » فقلت : کیف صار علی الخیل ولم یصر علی البغال؟ فقال : « لأن البغال لا تلقح والخیل الإناث ینتجن ، ولیس علی الخیل الذکور شی ء » قال ، قلت : هل علی الفرس أو البعیر (5) یکون للرجل یرکبها شی ء؟ فقال : « لا لیس علی ما یعلف شی ء ، إنما الصدقة علی

استحباب الزکاة فی الخیل

ص: 51


1- التهذیب 4 : 70 - 191 ، الإستبصار 2 : 9 - 26 ، الوسائل 6 : 49 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 14 ح 2.
2- الکافی 3 : 529 - 6 ، التهذیب 4 : 69 - 188 ، الإستبصار 2 : 11 - 31 ، الوسائل 6 : 49 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 14 ح 4.
3- کذا ، وفی المصدر : قالا.
4- التهذیب 4 : 67 - 183 ، الإستبصار 2 : 12 - 34 ، الوسائل 6 : 51 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 16 ح 1.
5- فی « ض » : البقر.

______________________________________________________

السائمة المرسلة فی مراحها (1) عامها الذی یقتنیها فیه الرجل ، فأما ما سوی ذلک فلیس فیه شی ء » (2).

قوله : ( ولو تولد حیوان بین حیوانین أحدهما زکاتی روعی فی إلحاقه بالزکاتی إطلاق الاسم ).

إنما کان المعتبر إطلاق الاسم ، لأنه مناط الحکم. وکذا الکلام لو کان تولده من حیوانین محللین غیر زکویین ، أو من محلل ومحرم. ولو کانا محرمین وجاء بصفة الزکوی احتمل حلّه ووجوب الزکاة فیه ، لإطلاق الاسم الذی هو مدار الحکم ، واستوجه الشارح تحریمه لکونه فرع محرمین فتنتفی الزکاة (3).

وتسقط عما عدا ذلک إلاّ ما سنذکره. فلا زکاة فی البغال ، والحمیر ، والرقیق : ولو تولّد حیوان بین حیوانین أحدهما زکاتی روعی فی إلحاقه بالزکاتی إطلاق اسمه.

حکم المتولد بین زکاتی وغیره

ص: 52


1- کذا ، وفی المصدر : مرجها ، وهو الظاهر لأن الموضع الذی ترعی فیه الدواب - راجع الصحاح 1 : 340 ، والقاموس المحیط 1 : 214 ، أما المراح بالضم فهو ما یأوی إلیه الإبل والغنم باللیل - الصحاح 1 : 369.
2- الکافی 3 : 530 - 2 ، التهذیب 4 : 67 - 184 ، الوسائل 6 : 51 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 16 ح 3.
3- المسالک 1 : 52.

القول فی زکاة الأنعام

والکلام فی الشرائط ، والفریضة ، واللواحق أما الشرائط فأربعة :

الأول : اعتبار النصب ، وهی فی الإبل اثنا عشر نصابا : خمسة کل واحد منها خمس ، فإذا بلغت ستا وعشرین صارت کلها نصابا ، ثم ست وثلاثون ، ثم ست وأربعون ، ثم إحدی وستون ، ثم ست وسبعون ، ثم إحدی وتسعون ، فإذا بلغت مائة وإحدی وعشرین فأربعون أو خمسون أو منهما.

______________________________________________________

قوله : ( أما الشروط فأربعة : الأول : اعتبار النصب ، وهی فی الإبل اثنا عشر نصابا : خمسة کل واحد منها خمس ، فإذا بلغت ستا وعشرین صارت کلها نصابا واحدا ، ثم ست وثلاثون ، ثم ست وأربعون ، ثم إحدی وستون ، ثم ست وسبعون ، ثم إحدی وتسعون ، فإذا بلغت مائة وإحدی وعشرین فأربعون أو خمسون أو منهما ).

هذه النصب مجمع علیها بین علماء الإسلام کما نقله جماعة منهم المصنف فی المعتبر (1) ، سوی النصاب السادس فإن ابن أبی عقیل وابن الجنید أسقطاه وأوجبا بنت المخاض فی خمس وعشرین إلی ست

زکاة الأنعام

اشتراط النصاب

نصاب الإبل

ص: 53


1- المعتبر 2 : 498.

______________________________________________________

وثلاثین (1) ، وهو قول الجمهور (2).

والمعتمد ما علیه أکثر الأصحاب.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « فی خمس قلاص (3) شاة ، ولیس فیما دون الخمس شی ء ، وفی عشر شاتان ، وفی خمس عشرة ثلاث ، وفی عشرین أربع ، وفی خمس وعشرین خمس ، وفی ست وعشرین ابنة مخاض (4) إلی خمس وثلاثین.

فإذا زادت واحدة ففیها ابنة لبون (5) إلی خمس وأربعین.

فإذا زادت واحدة ففیها حقّة (6) إلی ستین.

فإذا زادت واحدة ففیها جذعة (7) إلی خمس وسبعین.

فإذا زادت واحدة ففیها بنتا لبون إلی تسعین ، فإذا زادت واحدة ففیها

ص: 54


1- حکاه عنهما فی المختلف : 175.
2- منهم ابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 259 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 441.
3- القلوص من النوق : الشابة. وقال العدوی : القلوص أول ما یرکب من إناث الإبل إلی أن تثنی فإذا أثنت فهی ناقة ، وجمع القلوص قلص وقلائص وجمع القلص قلاص - الصحاح 3 : 1054.
4- قیل للفصیل إذا استکمل الحول ودخل فی الثانیة : ابن مخاض ، والأنثی ابنة مخاض ، لأنه فصل عن أمه وألحقت أمه بالمخاض - الصحاح 3 : 1105.
5- اللبون : ولد الناقة إذا استکمل السنة الثانیة ودخل فی الثالثة ، الأنثی ابنة لبون ، لأن أمه وضعت غیره فصار لها لبن - الصحاح 6 : 2192.
6- الحقّ بالکسر : ما کان من الإبل ابن ثلاث سنین وقد دخل فی الرابعة ، والأنثی حقّة وحقّ أیضا ، سمی بذلک لاستحقاقه أن یحمل علیه وأن ینتفع به - الصحاح 4 : 1460.
7- الجذعة : هو من الإبل ما دخل فی السنة الخامسة - الصحاح 3 : 1194.

______________________________________________________

حقتان إلی عشرین ومائة ، فإذا کثرت الإبل ففی کل خمسین حقة » (1).

ونحوه روی الشیخ فی الصحیح أیضا ، عن عاصم بن حمید ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام (2).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال :

« لیس فیما دون الخمس من الإبل شی ء ، فإذا کانت خمسا ففیها شاة إلی عشر ، فإذا کانت عشرا ففیها شاتان ، فإذا بلغت خمسة عشر ففیها ثلاث من الغنم ، فإذا بلغت عشرین ففیها أربع من الغنم ، فإذا بلغت خمسا وعشرین ففیها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففیها ابنة مخاض إلی خمس وثلاثین ، فإن لم یکن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذکر.

فإن زادت علی خمس وثلاثین بواحدة ففیها ابنة لبون إلی خمس وأربعین ، فإن زادت واحدة ففیها حقّة - وإنما سمیت حقّة لأنها استحقت أن یرکب ظهرها - إلی ستین ، فإن زادت واحدة ففیها جذعة إلی خمس وسبعین ، فإن زادت واحدة ففیها ابنتا لبون إلی تسعین ، فإن زادت واحدة فحقّتان إلی عشرین ومائة.

فإن زادت علی العشرین والمائة واحدة ففی کل خمسین حقّة وفی کل أربعین ابنة لبون » (3).

ص: 55


1- الکافی 3 : 532 - 2 ، التهذیب 4 : 21 - 53 ، الإستبصار 2 : 19 - 57 ، الوسائل 6 : 73 أبواب زکاة الأنعام ب 2 ح 4.
2- التهذیب 4 : 20 - 52 ، الإستبصار 2 : 19 - 56 ، الوسائل 6 : 72 أبواب زکاة الأنعام ب 2 ح 2.
3- الفقیه 2 : 12 - 33 ، الوسائل 6 : 72 أبواب زکاة الأنعام ب 2 ح 1.

______________________________________________________

احتج ابن أبی عقیل علی ما نقل عنه (1) بما رواه الکلینی والشیخ فی الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر وبرید العجلی والفضیل ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام ، قالا : « فی صدقة الإبل فی کل خمس شاة إلی أن تبلغ خمسا وعشرین ، فإذا بلغت ذلک ففیها ابنة مخاض » (2).

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب بأن قوله علیه السلام : « فإذا بلغت ذلک ففیها ابنة مخاض » یحتمل أن یکون أراد « وزادت واحدة » وإنما لم یذکر فی اللفظ لعلمه بفهم المخاطب ذلک ، قال : ولو لم یحتمل ما ذکرناه لجاز لنا أن نحمل هذه الروایة علی ضرب من التقیة لأنها موافقة لمذهب العامة (3).

واستضعف المصنف فی المعتبر هذین التأویلین فقال : والتأویلان ضعیفان ، أما الإضمار فبعید فی التأویل ، وأما التقیة فکیف یحمل علی التقیة ما اختاره جماعة من محققی الأصحاب ، ورواه أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، وکیف یذهب علی مثل ابن أبی عقیل والبزنطی وغیرهما ممن اختار ذلک مذهب الإمامیة من غیرهم ، والأولی أن یقال : فیه روایتان أشهرهما ما اختاره المشایخ الخمسة وأتباعهم (4).

وأقول : إن التأویل الأول یجب المصیر إلیه وإن کان بعیدا ، لأنهما علیهماالسلام قالا فی تتمة الروایة « فإذا بلغت ذلک ففیها ابنة مخاض ولیس فیها شی ء حتی یبلغ خمسا وثلاثین ، فإذا بلغت خمسا وثلاثین ففیها ابنة لبون ، ثم لیس فیها شی ء حتی تبلغ خمسا وأربعین ، فإذا بلغت خمسا

ص: 56


1- حکاه عنه فی المعتبر 2 : 499 ، والمختلف : 175.
2- الکافی 3 : 531 - 1 ، التهذیب 4 : 22 - 55 ، الإستبصار 2 : 20 - 59 ، الوسائل 6 : 74 أبواب زکاة الأنعام ب 2 ح 6.
3- التهذیب 4 : 23.
4- المعتبر 2 : 499.

______________________________________________________

وأربعین ففیها حقّة طروقة الفحل ، ثم لیس فیها شی ء حتی تبلغ ستین ، فإذا بلغت ستین ففیها جذعة ، ثم لیس فیها شی ء حتی یبلغ خمسا وسبعین ، فإذا بلغت خمسا وسبعین ففیها ابنتا لبون ، ثم لیس فیها شی ء حتی تبلغ تسعین ، فإذا بلغت تسعین ففیها حقّتان طروقتا الفحل ، ثم لیس فیها شی ء حتی تبلغ عشرین ومائة ففیها حقّتان طروقتا الفحل ، وإذا زادت واحدة علی عشرین ومائة ففی کل خمسین حقّة وفی کل أربعین بنت لبون » (1).

وإضمار ما ذکره الشیخ واجب فی جمیع هذه الأعداد ، لاتفاق العلماء کافة علی ما نقله المصنف فی المعتبر والعلاّمة فی التذکرة والمنتهی علی أن بنت اللبون إنما تجب فی ست وثلاثین ، والحقّة فی ست وأربعین ، وهکذا إلی الآخر (2).

ومن هنا یظهر فساد التأویل الثانی وهو الحمل علی التقیة ، لأنه لا یجری فی غیر الخمس والعشرین کما بیّنّاه. وکیف کان فهذه الروایة لا تبلغ حجة فی معارضة الإجماع والأخبار المستفیضة (3).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : ذکر الشارح - قدس سره - أن التقدیر بالأربعین والخمسین لیس علی وجه التخییر مطلقا بل یجب التقدیر بما یحصل به الاستیعاب ، فإن أمکن بهما تخیّر ، وإن لم یمکن بهما وجب اعتبار أکثرهما استیعابا مراعاة لحق الفقراء ، ولو لم یمکن إلاّ بهما وجب الجمع ، فعلی هذا یجب تقدیر أول هذا النصاب وهو المائة وإحدی وعشرون بالأربعین ، والمائة وخمسین بالخمسین ، والمائة وسبعین بهما ، ویتخیر فی المأتین ، وفی الأربعمائة

ص: 57


1- الکافی 3 : 531 - 1 ، التهذیب 4 : 22 - 55 ، الإستبصار 2 : 20 - 59 ، معانی الأخبار : 327 - 1. الوسائل 6 : 74 أبواب زکاة الأنعام ب 2 ح 6.
2- المعتبر 2 : 500 ، التذکرة 1 : 207 ، المنتهی 1 : 480.
3- الوسائل 6 : 72 أبواب زکاة الأنعام ب 2.

وفی البقر نصابان : ثلاثون وأربعون دائما.

______________________________________________________

یتخیر بین اعتباره بهما وبکل واحد منهما (1). وما ذکره - رحمه الله - أحوط ، إلاّ أن الظاهر التخییر فی التقدیر بکل من العددین مطلقا ، کما اختاره - قدس سره - فی فوائد القواعد ونسبه إلی ظاهر الأصحاب ، لإطلاق قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : فإن زادت علی العشرین والمائة واحدة ففی کل خمسین حقّة وفی کل أربعین ابنة لبون » (2).

ویدل علیه صریحا اعتبار التقدیر بالخمسین خاصة فی روایتی عبد الرحمن وأبی بصیر المتقدمتین (3) ، ولو کان التقدیر بالأربعین متعینا فی المائة وإحدی وعشرین وما فی معناها لما ساغ ذلک قطعا.

الثانی : قال فی التذکرة : لو کانت الزیادة بجزء من بعیر لم یتغیر به الفرض إجماعا ، لأن الأحادیث تضمنت اعتبار الواحدة ، ولأن الأوقاص (4) کلّها لا یتغیر فرضها بالجزء فکذا هنا (5). ثم نقل عن بعض العامة قولا بتغیر الفرض بالجزء ، ولا ریب فی بطلانه.

الثالث : الظاهر أن الواحدة الزائدة علی المائة والعشرین شرط فی وجوب الفریضة ولیست جزءا من النصاب ، لخروجها عنه بالاعتبارین ، فعلی هذا یتوقف الوجوب علیها ولا یسقط بتلفها بعد الحول بغیر تفریط شی ء ، کما لا یسقط بتلف ما زاد عنها إلی أن تبلغ تسعة عشر.

قوله : ( وفی البقر نصابان : ثلاثون وأربعون دائما ).

یرید بذلک أن الثلاثین لا ینحصر فی الأول ولا الأربعین فی الثانی ، بل یتعلق الحکم بکل ثلاثین وکل أربعین ، فالنصاب فی الحقیقة واحد کلی وهو أحد العددین ، ونقل العلاّمة فی التذکرة علی ذلک إجماع العلماء (6) ، ویدل

نصاب البقر

ص: 58


1- المسالک 1 : 52.
2- فی ص 54 ، 55.
3- فی ص 54 ، 55.
4- الوقص : واحد الأوقاص فی الصدقة ، وهو ما بین الفریضتین - الصحاح 3 : 1061.
5- التذکرة 1 : 207.
6- التذکرة 1 : 209.

وفی الغنم خمسة نصب : أربعون وفیها شاة ، ثم مائة وإحدی وعشرون وفیها شاتان ، ثم مائتان وواحدة وفیها ثلاث ،

______________________________________________________

علیه ما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حمّاد ، عن حریز ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر وبرید والفضیل ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « فی البقر فی کل ثلاثین بقرة تبیع حولیّ (1) : ولیس فی أقل من ذلک شی ء ، وفی أربعین بقرة مسنّة (2) ، ولیس فیما بین الثلاثین إلی الأربعین شی ء حتی تبلغ أربعین فإذا بلغت أربعین ففیها مسنّة ، ولیس فیما بین الأربعین إلی الستین شی ء فإذا بلغت الستین ففیها تبیعان (3) ، فإذا بلغت ثمانین ففی کل أربعین مسنّة ، فإذا بلغت تسعین ففیها ثلاث حولیّات ، فإذا بلغت عشرین ومائة ففی کل أربعین مسنّة ، ثم ترجع البقر علی أسنانها ، ولیس علی النیف شی ء ، ولا علی الکسور شی ء ، ولا علی العوامل شی ء ، إنما الصدقة علی السائمة الراعیة ، وکلما لم یحل علیه الحول عند ربه فلا شی ء علیه حتی یحول الحول فإذا حال علیه وجب فیه » (4).

قوله : ( وفی الغنم خمسة نصب : أربعون وفیها شاة ، ثم مائة وإحدی وعشرون وفیها شاتان ، ثم مائتان وواحدة وفیها ثلاث شیاه ).

هذه النصب الثلاثة مجمع علیها بین الأصحاب بل قال المصنف فی المعتبر والعلاّمة فی المنتهی إنه لا خلاف فیها بین العلماء إلاّ ما حکی الشعبی عن معاذ أنه قال : فی مأتین وأربعین ثلاث شیاه. قال : والحکایة ضعیفة ، لأنها مخالفة للإجماع (5).

نصاب الغنم

ص: 59


1- التبیع : ولد البقرة فی أول سنة والأنثی تبیعة - الصحاح 3 : 1190 ، والحولی کل ذی حافر أوّل سنة والأنثی حولیة - الصحاح 4 : 1679.
2- المسنّة من البقرة والشاة إذا سقطت ثنیتهما بعد طلوعها - لسان العرب 13 : 222.
3- کذا ، وفی المصدر زیادة : إلی سبعین ، فإذا بلغت سبعین ففیها تبیع ومسنة إلی ثمانین.
4- الکافی 3 : 534 - 1 ، الوسائل 6 : 77 أبواب زکاة الأنعام ب 4 ح 1.
5- المعتبر 2 : 503. المنتهی 1 : 489.

ثم ثلاثمائة وواحدة ، فإذا بلغت ذلک ، قیل : یؤخذ من کل مائة شاة ، وقیل : بل تجب أربع شیاه ، حتی تبلغ أربعمائة فتؤخذ من کل مائة شاة ، بالغا ما بلغ ، وهو الأشهر.

______________________________________________________

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ولیس علی الغنم شی ء حتی تبلغ أربعین شاة فإذا بلغت أربعین وزادت واحدة ففیها شاة (1). وهو ضعیف.

لنا : قوله علیه السلام فی حسنة الفضلاء : « فی کل أربعین شاة شاة » (2).

وفی صحیحة محمد بن قیس : « لیس فیما دون الأربعین من الغنم شی ء فإذا کانت أربعین ففیها شاة » (3) ولم نقف لابن بابویه فیما ذکره علی مستند.

قوله : ( ثم ثلاثمائة وواحدة ، فإذا بلغت ذلک ، قیل : یؤخذ من کل مائة شاة ، وقیل : بل تجب أربع شیاه حتی تبلغ أربعمائة فتؤخذ من کل مائة شاة بالغا ما بلغ ، وهو الأشهر ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة فذهب المفید (4) ، والمرتضی (5) ، وابن بابویه (6) ، وابن أبی عقیل (7) ، وسلاّر (8) ، وابن حمزة (9) ، وابن

ص: 60


1- الفقیه 2 : 14 - 36.
2- الکافی 3 : 354 - 1 ، التهذیب 4 : 25 - 58 ، الإستبصار 2 : 22 - 61 ، الوسائل 6 : 78 أبواب زکاة الأنعام ب 6 ح 1.
3- التهذیب 4 : 25 - 59 ، الإستبصار 2 : 23 - 62 ، الوسائل 6 : 78 أبواب زکاة الأنعام ب 6 ح 2.
4- المقنعة : 39.
5- جمل العلم والعمل : 123.
6- المقنع : 50.
7- حکاه عنه فی المختلف : 177.
8- المراسم : 131.
9- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 680.

______________________________________________________

إدریس (1) إلی أن الواجب فی الثلاثمائة وواحدة ثلاث شیاه ، وأنه لا یتغیر الفرض من مائتین وواحدة حتی تبلغ أربعمائة ، ونقله فی التذکرة عن الفقهاء الأربعة (2).

وذهب الشیخ (3) ، وابن الجنید (4) ، وأبو الصلاح (5) ، وابن البراج (6) إلی أنه یجب فیها أربع شیاه ثم لا یتغیر الفرض حتی تبلغ خمسمائة.

احتج الأولون بما رواه الشیخ ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن عاصم بن حمید ، عن محمد بن قیس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس فیما دون الأربعین من الغنم شی ء ، فإذا کانت أربعین ففیها شاة إلی عشرین ومائة ، فإذا زادت واحدة ففیها شاتان إلی المائتین ، فإذا زادت واحدة ففیها ثلاث من الغنم إلی ثلاثمائة ، فإذا کثرت الغنم ففی کل مائة شاة » (7).

واعترضها العلاّمة فی المختلف بأن محمد بن قیس مشترک بین أربعة أحدهم ضعیف فلعله إیاه (8).

وأجاب عنه جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد بأن محمد بن قیس الذی یروی عن الصادق علیه السلام غیر محتمل للضعیف ، وإنما المشترک

ص: 61


1- السرائر : 100.
2- التذکرة 1 : 210.
3- الخلاف 1 : 306.
4- حکاه عنه فی المختلف : 177.
5- الکافی فی الفقه : 167.
6- المهذب 1 : 164.
7- التهذیب 4 : 25 - 59 ، الإستبصار 2 : 23 - 62 ، الوسائل 6 : 78 أبواب زکاة الأنعام ب 6 ح 2.
8- المختلف : 177.

______________________________________________________

بین الثقة والضعیف من یروی عن الباقر علیه السلام ، نعم یحتمل کونه ممدوحا خاصة وموثقا فیحتمل حینئذ کونها من الحسن ومن الصحیح.

وأقول : إن المستفاد من کلام النجاشی (1) ، وغیره (2) أن محمد بن قیس هذا هو البجلی الثقة بقرینة روایة عاصم بن حمید عنه فتکون الروایة صحیحة.

واستدل العلاّمة فی المنتهی (3) علی هذا القول أیضا بما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن الباقر علیه السلام ، قال : « فإن زادت واحدة ففیها ثلاث شیاه إلی ثلاثمائة فإذا کثر الغنم سقط هذا کله وأخرج من کل مائة شاة » (4).

وأقول : إن هذا المتن موجود فی من لا یحضره الفقیه بعد روایة زرارة ، والظاهر أنه لیس من جملة الروایة کما یدل علیه أول الکلام وآخره ، ولهذا لم ینقلها العلاّمة فی غیر ذلک الکتاب ولا تعرّض لها أحد فیما أعلم من الأصحاب.

احتج الشیخ وأتباعه بما رواه فی الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر وبرید العجلی والفضیل ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام : « فی الشاء (5) فی کل أربعین شاة شاة - ولیس فیما دون الأربعین شی ء - حتی تبلغ عشرین ومائة ففیها شاتان ، ولیس فیها أکثر من شاتین حتی تبلغ مائتین فإذا بلغت المائتین ففیها مثل ذلک ، فإذا زادت علی المائتین شاة واحدة ففیها ثلاث شیاه ، ثم لیس فیها شی ء أکثر من ذلک حتی

ص: 62


1- رجال النجاشی : 323 - 881.
2- کالشیخ فی رجاله : 298 - 297.
3- المنتهی 1 : 489.
4- الفقیه 2 : 14 - 36.
5- وجمع الشاة شیاه بالهاء فی أدنی العدد تقول : ثلاث شیاه إلی العشر ، فإذا جاوزت فبالتاء ، فإذا کثرت قیل : هذه شاء کثیرة وجمع الشاء شوی - الصحاح 6 : 2238.

وتظهر الفائدة فی الوجوب وفی الضمان.

______________________________________________________

تبلغ ثلاثمائة فإذا بلغت ثلاثمائة ففیها مثل ذلک ثلاث شیاه ، فإذا زادت واحدة ففیها أربع شیاه حتی تبلغ أربعمائة فإذا تمت أربعمائة کان علی کل مائة شاة وسقط الأمر الأول ، ولیس علی ما دون المائة بعد ذلک شی ء » وقالا : « کل ما لا یحول علیه الحول عند ربه فلا شی ء علیه فإذا حال علیه الحول وجب علیه » (1).

والمسألة قویة الإشکال ، لأن الروایتین معتبرتا الإسناد والجمع بینهما مشکل جدا ، ومن ثم أوردهما المصنف فی المعتبر من غیر ترجیح (2) ، واقتصر فی عبارة الکتاب علی حکایة القولین ونسبة القول الثانی إلی الشهرة.

وقال العلامة فی المنتهی : إن طریق الحدیث الأول أوضح من الثانی ، واعتضد بالأصل فیتعین العمل به (3). وهو غیر بعید ، مع أن الروایة الثانیة مخالفة لما علیه الأصحاب فی النصاب الثانی وذلک مما یضعف الحدیث.

ولو کانا متکافئین فی السند والمتن لأمکن حمل الروایة الأولی علی التقیة لموافقتها لمذهب العامة ، أو حمل الکثرة الواقعة فیها علی بلوغ الأربعمائة ویکون حکم الثلاثمائة وواحدة مهملا فی الروایة ، والله تعالی أعلم.

قوله : ( وتظهر الفائدة فی الوجوب والضمان ).

هذا جواب عن سؤال أورده المصنف - رحمه الله - فی درسه علی ما نقل عنه ، وتقریره أنه إذا کان یجب فی أربعمائة ما یجب فی ثلاثمائة وواحدة فأیّ فائدة فی الزائد؟

وتقریر الجواب أن الفائدة تظهر فی الوجوب والضمان ، أما الوجوب

ص: 63


1- التهذیب 4 : 25 - 58 ، الإستبصار 2 : 22 - 61. الوسائل 6 : 78 أبواب زکاة الأنعام ب 6 ح 1.
2- المعتبر 2 : 503.
3- المنتهی 1 : 489.

والفریضة تجب فی کل نصاب من نصب هذه الأجناس ، وما بین النصابین لا یجب فیه شی ء.

______________________________________________________

فلأن محله فی الأربعمائة مجموعها وفیما نقص عنها الثلاثمائة وواحدة خاصة والزائد عفو.

وأما الضمان فمتفرع علی ذلک ، فإذا تلفت من أربعمائة واحدة بعد الحول بغیر تفریط سقط من الفریضة جزء من مائة جزء من مائة جزء من شاة ، ولو کانت ناقصة عن الأربعمائة ولو واحدة وتلف منها شی ء لم یسقط من الفریضة شی ء ما دامت ثلاثمائة وواحدة ، لما عرفت من أن الزائد عن ذلک لیس محلا للفریضة وإنما هو عفو. ولو تلفت الشاة من الثلاثمائة وواحدة سقط من الفریضة جزء من خمسة وسبعین جزءا من شاة إن لم تجعل الشاة الواحدة جزءا من النصاب وإلاّ کان الساقط منه جزءا من خمسة وسبعین جزءا وربع جزء ، فظهرت الفائدة فی کثرة الفریضة للفقیر فی قلة الفائت وللمتصدق فی العکس ، وذلک کله واضح لکن یمکن المناقشة فی عدم سقوط شی ء من الفریضة فی صورة النقص عن الأربعمائة ، لأن مقتضی الإشاعة توزیع التالف علی الحقّین وإن کان الزائد علی النصاب عفوا ، إذ لا منافاة بینهما کما لا یخفی علی المتأمل.

قوله : ( والفریضة تجب فی کل نصاب من نصب هذه الأجناس ، وما بین النصابین لا یجب فیه شی ء ).

أما أن الفریضة تتعلق بکل واحد من هذه النصب فلأن ذلک معنی تقدیر النصب ، وأما أن ما بین النصابین لا یجب فیه شی ء فلأن ذلک فائدة التقدیر ، ویدل علیه صریحا قوله علیه السلام فی حسنة الفضلاء : « ولیس علی النیف شی ء ولا علی الکسور شی ء » (1).

عفو ما بین النصابین واسمه

ص: 64


1- المتقدمة فی ص 59.

وقد جرت العادة بتسمیة ما لا تتعلق به الفریضة من الإبل شنقا ، ومن البقر وقصا ، ومن الغنم عفوا ، ومعناه فی الکل واحد.

فالتسع من الإبل نصاب وشنق ، فالنصاب خمس والشنق أربع. بمعنی أنه لا یسقط من الفریضة شی ء ولو تلفت الأربع.

وکذا التسعة والثلاثون من البقر نصاب ووقص ، فالفریضة فی الثلاثین والزائد وقص حتی تبلغ أربعین.

وکذا مائة وعشرون من الغنم نصابها أربعون والفریضة فیه وعفوها ما زاد حتی تبلغ مائة وإحدی وعشرین. وکذا ما بین النصب التی عدّدناها.

______________________________________________________

قوله : ( وقد جرت العادة بتسمیة ما لا تتعلق به الفریضة من الإبل شنقا ، ومن البقر وقصا ، ومن الغنم عفوا ، ومعناه فی الکل واحد فالتسعة من الإبل نصاب وشنق ، فالنصاب خمس والشنق أربع - إلی قوله - وکذا ما بین النصب التی عددناها ).

هذه العبارة من مصطلحات الفقهاء ، والمستفاد من کلام أهل اللغة أن الشنق بفتح الشین المعجمة والنون والوقص بفتح القاف لفظان مترادفان.

قال فی القاموس : الشنق - محرکة - ما بین الفریضتین فی الزکاة ففی الغنم ما بین أربعین ومائة وعشرین ، وقس فی غیرها (1). وقال أیضا : الوقص بالتحریک واحد الأوقاص فی الصدقة وهو ما بین الفریضتین (2). ونحوه قال الجوهری فی الصحاح (3). وقال ابن الأثیر فی النهایة : الشنق بالتحریک ما بین الفریضتین من کل ما تجب فیه الزکاة (4).

ص: 65


1- القاموس المحیط 3 : 260.
2- القاموس المحیط 2 : 333.
3- الصحاح 3 : 1061 ، والصحاح 4 : 1503.
4- النهایة لابن الأثیر 2 : 505.

ولا یضمّ مال إنسان إلی غیره وإن اجتمعت شرائط الخلطة وکانا فی مکان واحد ، بل یعتبر فی مال کل واحد بلوغ النصاب.

ولا یفرّق بین مالی المالک الواحد ولو تباعد مکاناهما.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یضم مال إنسان إلی غیره وإن اجتمعت شرائط الخلطة وکانا فی مکان واحد ، بل یعتبر فی مال کل واحد بلوغ النصاب ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه أن ملک النصاب شرط فی وجوب الزکاة کالحول ، فکما لا یبنی حول إنسان علی غیره فکذا النصاب ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن قیس ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ولا یفرّق بین مجتمع ، ولا یجمع بین متفرق » (1).

وقال جمع من العامة : إن الخلطة بکسر الخاء تجعل المالین مالا واحدا ، سواء کانت خلطة أعیان کأربعین بین شریکین ، أو خلطة أوصاف کالاتحاد فی المرعی والمشرب والمراح والفحل والحالب والمحلب مع تمیز المالین (2). وهو باطل ، لانتفاء الدلیل علیه.

قوله : ( ولا یفرّق بین مالی المالک الواحد ولو تباعد مکانهما ).

المراد بعدم التفریق بین المالین أن لا یکون لکل منهما حکم بانفراده ، بل یقدرا مجتمعین ، فإن بلغا النصاب کذلک وجبت الزکاة فیهما وإلاّ فلا.

قال فی التذکرة : ولا فرق فی ذلک بین أن یکون بین المالین مسافة

حکم الشرکاء فی نصاب

حکم المالین المتباعدین

ص: 66


1- التهذیب 4 : 25 - 59 ، الإستبصار 2 : 23 - 62 ، الوسائل 6 : 85 أبواب زکاة الأنعام ب 11 ح 1.
2- منهم ابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 271 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 476.

الشرط الثانی : السوم ، فلا تجب الزکاة فی المعلوفة ، (1) ولا فی السخال ، إلا إذا استغنت عن الأمهات بالرعی.

______________________________________________________

القصر أو لا عند علمائنا أجمع (2).

ویدل علیه إطلاق قوله علیه السلام : « فی أربعین شاة شاة » (3) فإنها تتناول المجتمعة والمتفرقة ، وقوله علیه السلام فی الروایة المتقدمة : « ولا یفرّق بین مجتمع » یعنی فی الملک.

قوله : ( الشرط الثانی ، السوم : فلا تجب الزکاة فی المعلوفة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال المصنف فی المعتبر : إنه قول العلماء کافة إلاّ مالکا فإنه أوجب الزکاة فی المعلوفة وقال قوم : إنه تفرد بذلک (4). ویدل علی اعتبار هذا الشرط روایات : منها قول أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام فی حسنتی الفضلاء : « إنما الصدقة علی السائمة الراعیة » (5) والظاهر أن الراعیة وصف کاشف لمعنی السائمة ، فإن السوم لغة الرعی (6).

قوله : ( ولا فی السخال ، إلا إذا استغنت عن الأمهات بالرعی ).

إنما اعتبر فی السخال الاستغناء عن الأمهات بالرعی لیتحقق الشرط بالنسبة إلیها وهو السوم کما صرح به فی المعتبر (7).

وقال الشیخ (8) وجماعة (9) إن حولها من حین النتاج. ویدل علیه ما رواه الکلینی ، عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن عمر بن

اشتراط السوم

ص: 67


1- التذکرة 1 : 212.
2- التذکرة 1 : 212.
3- المتقدم فی ص 60.
4- المعتبر 2 : 506.
5- المتقدمة فی ص 59.
6- راجع الصحاح 5 : 1955 ، والقاموس المحیط 4 : 135.
7- المعتبر 2 : 507.
8- الخلاف 1 : 310 ، والمبسوط 1 : 200.
9- منهم العلامة فی المنتهی 1 : 491 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 52.

ولا بد من استمرار السوم جملة الحول ، فلو علفها بعضا ولو یوما استأنف الحول عند استئناف السوم. ولا اعتبار باللحظة عادة ، وقیل : یعتبر فی اجتماع السوم والعلف الأغلب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

أذینة ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لیس فی صغار الإبل شی ء حتی یحول علیها الحول من حین تنتج » (1).

وذکر الشارح - قدس سره - أن هذا الطریق صحیح وأن العمل بالروایة متجه (2). وما ذکره من اتجاه العمل بالروایة جید ، لأن الظاهر الاعتماد علی ما یرویه إبراهیم بن هاشم کما اختاره العلاّمة فی الخلاصة (3) ، وباقی رجاله ثقات لکن طریقة الشارح وصف روایة إبراهیم بالحسن لا الصحة.

واستقرب الشهید فی البیان اعتبار الحول من حین النتاج إذا کان اللبن الذی تشربه من سائمة (4) ، ولا یخلو من قوة.

قوله : ( ولا بدّ من استمرار السوم جملة الحول ، فلو علفها بعضا ولو یوما استأنف الحول عند استئناف السوم ، وقیل : یعتبر فی اجتماع السوم والعلف الأغلب ، والأول أشبه ).

القول للشیخ فی المبسوط والخلاف (5) ، ونص فی المبسوط علی السقوط مع التساوی ، واستدل المصنف فی المعتبر لهذا القول بأن اسم السوم لا یزول بالعلف الیسیر ، وبأنه لو اعتبر السوم فی جمیع الحول لما وجبت إلاّ فی الأقل ، وبأن الأغلب یعتبر فی سقی الغلاّت فکذا السوم. ثم رجّح ما اختاره هنا من انقطاع السوم بالعلف الیسیر ، واستدل علیه بأن السوم

ص: 68


1- الکافی 3 : 533 - 3 ، الوسائل 6 : 83 أبواب زکاة الأنعام ب 9 ح 1.
2- المسالک 1 : 62.
3- خلاصة العلامة : 5.
4- البیان : 172.
5- المبسوط 1 : 198 ، والخلاف 1 : 323.

ولو اعتلفت من نفسها بما یعتدّ به بطل حولها ، لخروجها عن اسم السوم ،

______________________________________________________

شرط الوجوب فکان کالنصاب. ثم قال : وقولهم : العلف الیسیر لا یقطع الحول ممنوع ، فإنه لا یقال للمعلوفة سائمة فی حال علفها (1).

وفی الأدلة من الجانبین نظر :

أما الأول مما استدل به للشیخ فلأن عدم زوال اسم السوم بالعلف الیسیر لا یقتضی اعتبار الأغلب ، فإن غیره قد لا یکون یسیرا.

وأما الثانی فلمنع الملازمة وبطلان اللازم.

وأما الثالث فلأنه قیاس محض.

وأما قوله : إن السوم شرط الوجوب فکان کالنصاب ، فیتوجه علیه أن النصاب قد وقع التنصیص علی اعتبار ملکه طول الحول فینقطع بخروجه عن الملک فی أثنائه ، بخلاف السوم ، لعدم التصریح باعتبار دوامه فیرجع فی صدق اسم الوصف إلی العرف.

وقوله : إنه لا یقال للمعلوفة سائمة فی حال علفها ، غیر جید ، إذ الظاهر عدم خروجها بالعلف الیسیر عن کونها سائمة عرفا ، کما لا تخرج القصیدة العربیة عن کونها عربیة باشتمالها علی بعض الألفاظ الأعجمیة. ومن هنا یظهر أن الأصح الرجوع فی ذلک إلی العرف کما اختاره العلاّمة (2) ومن تأخر عنه (3).

قوله : ( ولو اعتلفت من نفسها بما یعتد به بطل حولها ، لخروجها

ص: 69


1- المعتبر 2 : 506.
2- التذکرة 1 : 205 ، والمختلف : 175 ، والتحریر 1 : 60.
3- منهم الشهید الأول فی الدروس : 59 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 149 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 52.

وکذا لو منع السائمة مانع کالثلج فعلفها المالک أو غیره ، بإذنه أو بغیر إذنه.

الشرط الثالث : الحول ، وهو معتبر فی الحیوان والنقدین مما تجب فیه.

______________________________________________________

عن السوم ، وکذا لو منع السائمة مانع کالثلج فعلفها المالک أو غیره ، بإذنه أو بغیر إذنه ).

یتحقق العلف بإطعامها شیئا مملوکا کالتبن ، والزرع ، وشراء المرعی الذی یستنبته الناس وإرسالها فیه ، لا بمصانعة الظالم علی الکلاء المباح لانتفاء التسمیة ، ومتی انتفی السوم سقطت الزکاة ، سواء اعتلفت الدابة بنفسها أو علفها المالک أو غیره ، بإذنه أو بغیر إذنه ، من مال المالک أو غیره.

واستشکل الشارح الحکم لو علفها الغیر من مال نفسه ، من إطلاق النص المقتضی لسقوط الزکاة فی المعلوفة ، ومن أن الحکمة المقتضیة لسقوط الزکاة مع العلف المؤنة اللازمة من ذلک الموجبة للتخفیف وهی منتفیة فی هذه الصورة (1). وهو استشکال ضعیف ، فإن هذه المناسبات لا تصلح لمعارضة إطلاق النص.

قوله : ( الشرط الثالث ، الحول : وهو معتبر فی الحیوان والنقدین مما تجب فیه ).

هذا قول العلماء کافة حکاه فی المنتهی (2) ، وتدل علیه روایات : منها ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الفضلاء الخمسة ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « فی زکاة الغنم والبقر وکل ما یحول علیه

اشتراط الحول

ص: 70


1- المسالک 1 : 52.
2- المنتهی 1 : 486.

وفی مال التجارة والخیل مما یستحب.

وحدّه أن یمضی له أحد عشر شهرا ثم یهلّ الثانی عشر ، فعند هلاله تجب ولو لم تکمل أیام الحول.

______________________________________________________

الحول عند ربّه فلا شی ء علیه حتی یحول الحول ، فإذا حال علیه الحول وجب فیه » (1).

وفی الصحیح ، عن الفضلاء الخمسة أیضا ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام ، قالا : « لیس علی العوامل من الإبل والبقر شی ء ، إنما الصدقات علی السائمة الراعیة ، وکلما لم یحل علیه الحول عند ربّه فلا شی ء علیه ، فإذا حال علیه الحول وجب علیه » (2).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « الزکاة علی المال الصامت الذی یحول علیه الحول ولم یحرکه » (3).

وفی الصحیح ، عن محمد الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یفید المال ، قال : « لا یزکیه حتی یحول علیه الحول » (4).

قوله : ( وفی مال التجارة والخیل مما یستحب ).

هذا موضع وفاق بین العلماء أیضا ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه.

قوله : ( وحدّه أن یمضی له أحد عشر شهرا ثم یهل الثانی عشر ، فعند هلاله تجب ولو لم تکمل أیام الحول ).

اعتبار الحول فی مال التجارة

حد الحول

ص: 71


1- الکافی 3 : 534 - 1 ، الوسائل 6 : 77 أبواب زکاة الأنعام ب 4 ، 6 ح 1.
2- التهذیب 4 : 41 - 103 ، الإستبصار 4 : 23 - 65 ، الوسائل 6 : 81 أبواب زکاة الأنعام ب 7 ح 5.
3- التهذیب 4 : 35 - 90 ، الوسائل 6 : 115 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 15 ح 4.
4- الکافی 3 : 525 - 2 ، التهذیب 4 : 35 - 91 ، الوسائل 6 : 115 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 15 ح 1.

______________________________________________________

هذا مذهب علمائنا أجمع ، قاله فی المعتبر (1). وقال فی التذکرة : حولان الحول هو مضی أحد عشر شهرا کاملة علی المال ، فإذا دخل الشهر الثانی عشر وجبت الزکاة وإن لم تکمل أیامه ، بل یجب بدخول الثانی عشر عند علمائنا أجمع (2).

والأصل فیه ما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز بن عبد الله ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : رجل کانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا من الزکاة ، فعل ذلک قبل حلّها بشهر ، فقال : « إذا دخل الشهر الثانی عشر فقد حال علیها الحول ووجبت علیه فیها الزکاة » (3).

ومقتضی الروایة استقرار الوجوب باستهلال الثانی عشر ، وربما ظهر منها احتساب الثانی عشر من الحول الثانی ، وبه قطع المحقق الشیخ فخر الدین فی شرح القواعد ، قال : لأن الفاء تقتضی التعقیب بلا فصل فبأول جزء منه یصدق أنه حال علیه الحول ، وحال فعل ماض لا یصدق إلاّ بتمامه (4).

وجزم الشهید فی الدروس والبیان باحتسابه من الأول ، لأصالة عدم النقل (5).

قال الشارح - قدس سره - : والحقّ أن الخبر السابق إن صحّ فلا عدول

ص: 72


1- المعتبر 2 : 507.
2- التذکرة 1 : 205.
3- الکافی 3 : 525 - 4 ، الوسائل 6 : 111 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 12 ح 2.
4- إیضاح الفوائد 1 : 173.
5- الدروس : 58 ، والبیان : 171.

ولو اختل أحد شروطها فی أثناء الحول بطل الحول ، مثل إن نقصت عن النصاب فأتمّها ،

______________________________________________________

عن الأول ، لکن فی طریقه کلام والعمل علی الثانی متعیّن إلی أن یثبت ، وحینئذ فیکون الثانی عشر جزءا من الأول واستقرار الوجوب مشروط بتمامه (1). هذا کلامه رحمه الله .

ویتوجه علیه أولا أنه رحمه الله قد صرح فی مسألة عدّ السخال من حین النتاج بأن هذا الطریق صحیح وأن العمل به متعین (2) ، فلا معنی للتوقف هنا مع اتحاد السند.

وثانیا أن ما ذکره من توقف استقرار الوجوب علی تمام الثانی عشر مخالف للإجماع ، کما اعترف به - رحمه الله - فی أول کلامه حیث قال : ولکن هل یستقر الوجوب به أم یتوقف علی تمام الثانی عشر؟ الذی اقتضاه الإجماع والخبر السالف الأول (3).

وبالجملة : فالروایة معتبرة السند ، وهی کالصریحة فی استقرار الوجوب بدخول الثانی عشر ، ویعضدها الإجماع المنقول علی أن حولان الحول عبارة عن مضی أحد عشر شهرا ودخول الثانی عشر ، ومقتضاه استقرار الوجوب بذلک ، وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : ( ولو اختلّ أحد شروطها فی أثناء الحول بطل الحول ، مثل إن نقصت عن النصاب فأتمها ).

الظاهر أن المراد من الحول هنا المعنی الشرعی وهو الذی عرّفه سابقا ، ویعلم من ذلک أن الوجوب لا یسقط باختلال الشرائط فی الشهر الثانی عشر لخروجه عن الحول. واحتمل الشارح کون المراد به المعنی اللغوی (4). وهو بعید.

بطلان الحول باختلال أحد الشروط

ص: 73


1- المسالک 1 : 53.
2- المسالک 1 : 52.
3- المسالک 1 : 53.
4- المسالک 1 : 53.

أو عاوضها بجنسها أو مثلها علی الأصحّ ، وقیل : إذا فعل ذلک فرارا وجبت الزکاة ، وقیل : لا تجب ، وهو الأظهر.

______________________________________________________

قوله : ( أو عاوضها (1) بمثلها أو جنسها علی الأصح ، وقیل : إذا فعل ذلک فرارا وجبت الزکاة ، وقیل : لا تجب ، وهو الأظهر ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من بطلان الحول بإبدال النصاب بغیره فی أثنائه مطلقا أشهر الأقوال فی المسألة. وقال الشیخ فی المبسوط : إن بادل بجنسه بنی علی حوله ، وإن کان بغیر جنسه استأنف (2). وقال المرتضی فی الانتصار (3) ، والشیخ فی الجمل (4) : إن بادل بالجنس أو بغیره فرارا وجبت الزکاة وإلاّ فلا. والمعتمد الأول.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل ، وقوله علیه السلام فی عدة روایات : « کلما لا یحول علیه الحول عند ربه فلا شی ء علیه » (5) ومع المعاوضة بالنصاب فی أثناء الحول لا یتحقق حؤول الحول علی کل من النصابین.

ویدل علی أن الفرار غیر مناف للسقوط روایات : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین ، عن أبی إبراهیم علیه السلام قال ، قلت له : إنه یجتمع عندی الشی ء فیبقی نحوا من سنة أنزکیه؟ قال : « لا ، کلما لا یحول علیه الحول عندک فلیس علیک فیه زکاة ، وکل ما لم یکن رکازا فلیس علیک فیه شی ء » قال ، قلت : وما الرکاز؟ قال : « الصامت المنقوش » ثم قال : « إذا أردت ذلک فاسبکه فإنه لیس فی سبائک الذهب ونقار الفضة شی ء من الزکاة » (6).

بطلان الحول بالمعاوضة بالمثل

ص: 74


1- فی الأصل و « ض » : أو عارضها ، وکذا فیما یأتی من استعمالاتها.
2- المبسوط 1 : 206.
3- الانتصار : 83.
4- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 205.
5- الوسائل 6 : 82 أبواب زکاة الأنعام ب 8.
6- الکافی 3 : 518 - 8 ، الوسائل 6 : 105 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 8 ح 2.

______________________________________________________

وفی الحسن ، عن عمر بن یزید قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل فرّ بماله من الزکاة فاشتری به أرضا أو دارا علیه فیه شی ء؟ قال : « لا ولو جعله حلیّا أو نقرا فلا شی ء علیه فیه ، وما منع نفسه من فضله أکثر مما منع من حق الله أن یکون فیه » (1).

وفی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : رجل کان له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزکاة ، فعل ذلک قبل حلّها بشهر قال : « إذا دخل الشهر الثانی عشر فقد حال علیها الحول ووجبت علیه فیها الزکاة » فقلت له : فإن أحدث فیها قبل الحول؟ قال : « جاز ذلک له » قلت : إنه فرّ بها من الزکاة؟ قال : « ما أدخله علی نفسه أعظم مما منع من زکاتها » (2).

احتج الشیخ علی ما نقل عنه من البناء مع المعاوضة بالجنس بأن من عاوض أربعین سائمة بأربعین سائمة یصدق علیه أنه ملک أربعین سائمة طول الحول فیجب علیه فیها الزکاة (3). وهو ضعیف ، فإن کلا من الأربعین لم یحل علیها الحول قطعا.

احتج المرتضی فی الانتصار بإجماع الطائفة ثم قال : فإن قیل : قد ذکر أبو علیّ بن الجنید أن الزکاة لا تلزم الفارّ منها وذلک ینقض ما ذکرناه. قلنا : الإجماع قد تقدم ابن الجنید وتأخر عنه ، وإنما عوّل ابن الجنید علی أخبار رویت عن أئمتنا علیهم السلام تتضمن أنه لا زکاة علیه إن فرّ بماله ، وبإزاء تلک الأخبار ما هو أظهر منها وأقوی وأوضح طرقا (4). هذا کلامه رحمه الله .

ص: 75


1- الکافی 3 : 559 - 1 ، الفقیه 2 : 17 - 53 ، الوسائل 6 : 108 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 11 ح 1.
2- الکافی 3 : 525 - 4 ، التهذیب 4 : 35 - 92 ، الوسائل 6 : 111 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 12 ح 2.
3- المبسوط 1 : 206.
4- الانتصار : 83.

ولا تعد السخال مع الأمهات ، بل لکل منهما حول علی انفراده.

______________________________________________________

ولعله أشار بذلک إلی ما رواه الشیخ ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : الرجل یجعل لأهله الحلیّ من المائة دینار والمائتی دینار وأرانی قد قلت ثلاثمائة قال : « لیس فیه الزکاة » قال ، قلت : فإنه فرّ به من الزکاة قال : « إن کان فرّ به من الزکاة فعلیه الزکاة ، وإن کان إنما فعله لیتجمّل به فلیس علیه زکاة » (1).

وعن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحلی فیه زکاة؟ قال : « لا إلاّ ما فرّ به من الزکاة » (2).

والجواب : أما الإجماع فقد تقدم الکلام علیه مرارا ، وأما الروایتان فضعیفتا السند ، ولو صح سندهما لوجب حملهما علی الاستحباب کما ذکره الشیخ فی الإستبصار ، جمعا بین الأدلة (3).

والمراد بالجنس فی قول المصنف : أو عاوضها بجنسها أو مثلها ، النوع کالغنم بالغنم الشامل للضأن والمعز ، وبالمثل المساوی فی الحقیقة أو ما هو أخص من ذلک کالأنوثة والذکورة.

قوله : ( ولا تعدّ السخال من الأمهات ، بل لکل منهما حول بانفراده ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی حسنة الفضلاء : « کل ما لا یحول علیه الحول عند ربه فلا شی ء علیه » (4).

حکم السخال المتولدة

ص: 76


1- التهذیب 4 : 9 - 25 ، الإستبصار 2 : 8 - 22 ، الوسائل 6 : 110 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 11 ح 6.
2- التهذیب 4 : 9 - 24 ، الإستبصار 2 : 8 - 21 ، الوسائل 6 : 110 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 11 ح 7.
3- الإستبصار 2 : 8.
4- الکافی 3 : 534 - 1 ، التهذیب 4 : 25 - 58 ، الإستبصار 2 : 22 - 61 ، الوسائل 6 : 78 أبواب زکاة الأنعام ب 6 ح 1.

______________________________________________________

وفی حسنة زرارة : « لیس فی صغار الإبل شی ء حتی یحول علیها الحول من حین تنتج » (1).

وفی روایة أخری لزرارة : « لیس فی صغار الإبل والبقر والغنم شی ء إلاّ ما حال علیه الحول » (2).

ثم إن کانت السخال نصابا مستقلا کما لو ولدت خمس من الإبل خمسا ، أو ثلاثون من البقر ثلاثین ، أو أربعون من الغنم فصاعدا مائة وإحدی وعشرون فلکل حول بانفراده. ولو ولدت أربعون من الغنم أربعین وجب فی الأمهات شاة عند تمام حولها ولم یجب فی السخال شی ء ، لأن الزائد عن الأربعین عفو إلی أن یبلغ النصاب الثانی سواء ملکها مجتمعة أو متفرقة.

واحتمل المصنف فی المعتبر وجوب شاة فی الثانیة عند تمام حولها (3) ، لقوله علیه السلام : « فی أربعین شاة شاة » (4) وهو ضعیف جدا ، لأن المراد به النصاب المبتدأ إذ لو ملک ثمانین دفعة لم تجب علیه شاتان إجماعا.

وإن کانت متممة للنصاب الثانی بعد إخراج ما وجب فی الأول کما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر ، أو ثمانون من الغنم اثنین وأربعین ، ففی سقوط اعتبار الأول وصیرورة الجمیع نصابا واحدا ، أو وجوب زکاة کل منهما عند انتهاء حوله فیخرج عند انتهاء حول الأول تبیع أو شاة وعند مضی سنة من ملک الزیادة شاتان أو مسنّة ، أو عدم ابتداء حول الزائد حتی ینتهی حول الأول ثم استئناف حول واحد للجمیع أوجه ، أوجهها الأخیر ، لوجوب إخراج زکاة

ص: 77


1- الکافی 3 : 533 - 3 ، الوسائل 6 : 83 أبواب زکاة الأنعام ب 9 ح 1.
2- التهذیب 4 : 42 - 108 ، الإستبصار 2 : 23 - 63 ، الوسائل 6 : 83 أبواب زکاة الأنعام ب 9 ح 5.
3- المعتبر 2 : 510.
4- الکافی 3 : 534 - 1 ، التهذیب 4 : 25 - 58 ، الإستبصار 2 : 22 - 61 ، الوسائل 6 : 78 أبواب زکاة الأنعام ب 6 ح 1.

ولو حال الحول فتلف من النصاب شی ء ، فإن فرّط المالک ضمن ، وإن لم یکن فرط سقط من الفریضة بنسبة التالف من النصاب. (1) وإذا ارتد المسلم قبل الحول لم تجب الزکاة واستأنف ورثته الحول ، وإن کان بعده وجبت ، وإن لم یکن عن فطرة لم ینقطع الحول ووجبت الزکاة عند تمام الحول ما دام باقیا.

______________________________________________________

الأول عند تمام حوله لوجود المقتضی وانتفاء المانع ، ومتی وجب إخراج زکاته منفردا امتنع اعتباره منضما إلی غیره فی ذلک الحول ، للأصل ، وقوله علیه السلام : « لا ثنیا فی صدقة » (2) وقول أبی جعفر علیه السلام فی حسنة زرارة : « لا یزکی المال من وجهین فی عام واحد » (3). وهذا البحث آت فی غیر السخال إذا ملک العدد الثانی بعد جریان الأول فی الحول.

قوله : ( ولو حال الحول فتلف من النصاب شی ء ، فإن فرط المالک ضمن ، وإن لم یکن فرط سقط من الفریضة بنسبة التالف من النصاب ).

لا ریب فی الضمان مع التفریط ، وفی معناه تأخیر الإخراج مع التمکن منه ، ومع انتفاء ذلک فلا ضمان ، لأن الزکاة فی ید المالک کالأمانة فلو تلف شی ء من النصاب وزّع التلف علی مجموع المال وسقط من الفریضة بالنسبة.

قوله : ( وإذا ارتد المسلم قبل الحول لم تجب الزکاة واستأنف ورثته الحول ، وإن کان بعده وجبت ، وإن لم یکن عن فطرة لم ینقطع الحول ووجبت الزکاة عند تمام الحول ما دام باقیا ).

إنما وجب استئناف الورثة الحول فی المرتد عن فطرة لخروج أمواله عن

حکم تلف بعض النصاب بعد الحول

حکم ارتداد المسلم قبل الحول وبعده

ص: 78


1- فی نهایة ابن الأثیر 1 : 224 لاثنی فی الصدقة : أی لا تؤخذ الزکاة مرتین فی السنة.
2- فی نهایة ابن الأثیر 1 : 224 لاثنی فی الصدقة : أی لا تؤخذ الزکاة مرتین فی السنة.
3- التهذیب 4 : 33 - 85 ، وفی الکافی 3 : 520 - 6 ، الوسائل 6 : 67 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 7 ح 1 ، عن أبی عبد الله علیه السلام .

الشرط الرابع : ألاّ تکون عوامل ، فإنه لیس فی العوامل زکاة وإن کانت سائمة. وأما الفریضة فیقف بیانها علی مقاصد :

الأول : الفریضة فی الإبل شاة فی کل خمسة حتی تبلغ خمسا

______________________________________________________

ملکه بالرّدّة وانتقالها إلی ورثته فیستأنفون الحول عند ذلک ، أما المرتد عن ملة فتجب علیه الزکاة عند تمام الحول ، لبقاء النصاب علی ملکه وإن حجر علیه فی التصرف فیه ، لقدرته علی رفعه بالعود إلی الإسلام ، ویتولّی النیة الإمام أو نائبه ، وتجزی عنه لو عاد إلی الإسلام ، بخلاف ما لو أداها بنفسه فإنه یجب علیه إعادتها ، لأن الإسلام شرط فی أدائها کما تقدم.

قوله : ( الشرط الرابع ، ألاّ تکون عوامل : فإنه لیس فی العوامل زکاة وإن کانت سائمة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء کافة إلاّ من شذ من العامة (1) ، وتدل علیه روایات کثیرة : منها قوله علیه السلام فی حسنتی الفضلاء الواردتین فی زکاة الإبل والبقر : « ولیس علی العوامل شی ء » (2).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الإبل العوامل علیها زکاة؟ قال : « نعم » (3) لأنا نجیب عنه بالطعن فی السند ، ولو سلم من ذلک لکان محمولا علی الاستحباب کما ذکره الشیخ فی الإستبصار (4).

قوله : ( وأما الفریضة فیقف بیانها علی مقاصد ، الأول : الفریضة

اشتراط عدم کونها عوامل

بیان الفریضة فی زکاة الأنعام

ص: 79


1- حکاه فی المنتهی 1 : 486.
2- الأولی فی : الکافی 3 : 531 - 1 ، التهذیب 4 : 22 - 55 ، الإستبصار 2 : 20 - 59 ، الوسائل 6 : 80 أبواب زکاة الأنعام ب 7 ح 1 ، والثانیة فی : الکافی 3 : 534 - 1 بتفاوت یسیر ، التهذیب 4 : 41 - 103 ، والاستبصار 2 : 23 - 65 ، الوسائل 6 : 82 أبواب زکاة الأنعام ب 8 ح 1.
3- التهذیب 4 : 42 - 106 ، الإستبصار 2 : 24 - 68 ، الوسائل 6 : 81 أبواب زکاة الأنعام ب 7 ح 8.
4- الاستبصار 2 : 25.

وعشرین ، فإذا زادت واحدة کان فیها بنت مخاض ، فإذا زادت عشرا کان فیها بنت لبون ، فإذا زادت عشرا أخری کان فیها حقّة ، فإذا زادت خمس عشرة کان فیها جذعة ، فإذا زادت خمس عشرة أخری کان فیها بنتا لبون ، فإذا زادت خمس عشرة أیضا کان فیها حقّتان ، فإذا بلغت مائة وإحدی وعشرین طرح ذلک وکان فی کل خمسین حقة وفی کل أربعین بنت لبون.

ولو أمکن فی عدد فرض کل واحد من الأمرین کان المالک بالخیار فی إخراج أیهما شاء.

______________________________________________________

فی الإبل شاة فی کل خمسة حتی یبلغ خمسا وعشرین ، فإذا زادت واحدة کان فیها بنت مخاض ، فإذا زادت عشرا کان فیها بنت لبون ، فإذا زادت عشرا أخری کان فیها حقة ، فإذا زادت خمس عشرة کان فیها جذعة ، فإذا زادت خمس عشرة أخری کان فیها بنتا لبون ، فإذا زادت خمس عشرة أیضا کان فیها حقتان ، فإذا بلغت مائة وإحدی وعشرین طرح ذلک وکان فی کل خمسین حقة وفی کل أربعین بنت لبون ).

قد تقدم ما یدل علی وجوب هذه الفرائض من الأخبار ، قال المصنف فی المعتبر والعلاّمة فی المنتهی (1) : إنه لا خلاف فیها بین أهل العلم إلاّ فی النصاب الخامس ، فإن بعض علمائنا ذهب إلی أن الفریضة فیه بنت مخاض کما هو رأی الجمهور. وقد بیّنّا ضعفه فیما سبق (2).

قوله : ( ولو أمکن فی عدد فرض کل واحد من الأمرین کان المالک مخیرا فی إخراج أیهما شاء ).

ص: 80


1- المعتبر 2 : 498 ، المنتهی 1 : 479.
2- راجع ص 54.

وفی کل ثلاثین من البقر تبیع أو تبیعة ، وفی کل أربعین مسنّة.

الثانی : فی الأبدال ، من وجب علیه بنت مخاض ولیست عنده أجزأه ابن لبون ذکر ، ولو لم یکونا عنده کان مخیرا فی ابتیاع أیهما شاء.

______________________________________________________

مقتضی العبارة أن الغالب عدم فرض کل واحد من الأمرین بعد بلوغ مائة وإحدی وعشرین ، وهو یشعر بأن التخییر بین الحقاق وبنات اللبون لیس مطلقا ، بل یجب التقدیر بما یحصل به الاستیعاب أو یکون أقرب إلی ذلک ، وهو أولی وإن کان الأظهر التخییر مطلقا کما اختاره جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد وأسنده إلی ظاهر الأخبار وکلام الأصحاب ، وقد تقدم الکلام فی ذلک (1).

قوله : ( وفی کل ثلاثین من البقر تبیع أو تبیعة ، وفی کل أربعین مسنة ).

هذا قول العلماء کافة وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه ، ویجب التقدیر هنا بما یحصل به الاستیعاب أو یکون أقرب إلیه کما تدل علیه حسنة الفضلاء عن الباقر والصادق علیهماالسلام .

قوله : ( الثانی ، فی الأبدال : من وجبت علیه بنت مخاض ولیست عنده أجزأه ابن لبون ذکر ، ولو لم یکونا عنده کان مخیرا فی ابتیاع أیهما شاء ).

أما إجزاء ابن اللبون الذکر عن بنت المخاض إذا لم تکن عنده وإن أمکنه شراؤها فقال فی التذکرة : إنه موضع وفاق (2). وتدل علیه روایات : منها قوله علیه السلام فی روایة زرارة : « فإن لم یکن فیها بنت مخاض فابن

بیان الفریضة فی زکاة البقر

الابدال

ص: 81


1- راجع ص 57.
2- التذکرة 1 : 208.

ومن وجبت علیه سنّ ولیست عنده وعنده أعلی منها بسنّ دفعها وأخذ شاتین أو عشرین درهما ، وإن کان ما عنده أخفض بسنّ دفع معها شاتین أو عشرین درهما ،

______________________________________________________

لبون ذکر » (1) وفی روایة أبی بصیر : « فإن لم تکن ابنة مخاض فابن لبون ذکر » (2) وحکی الشارح قولا بإجزاء ابن اللبون عن بنت المخاض مطلقا (3). وهو ضعیف.

وأما أنه یتخیر فی ابتیاع أیهما شاء إذا لم یکونا عنده فظاهر المصنف فی المعتبر (4) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (5) أنه موضع وفاق بین علمائنا وأکثر العامة ، واستدلوا علیه بأنه بشراء ابن اللبون یکون واجدا له دون بنت المخاض فیجزیه.

وحکی فی المعتبر عن مالک أنه یتعین شراء بنت المخاض ، لأن مع عدمهما لا یکون واجدا لابن اللبون فیتعین علیه ابتیاع ما یلزم الذمة وهو بنت المخاض ، ولأنهما استویا فی العدم فلا یجزی ابن اللبون کما لو استویا فی الوجود. وضعف الدلیلین ظاهر.

وربما ظهر من عبارة الشارح تحقق الخلاف فی ذلک بین علمائنا (6). وکیف کان فلا ریب أن شراء بنت المخاض مع الإمکان أولی وأحوط.

قوله : ( ومن وجبت علیه سن ولیست عنده وعنده أعلی منها بسن دفعها وأخذ شاتین أو عشرین درهما ، وإن کان ما عنده أخفض بسن دفع معها شاتین أو عشرین درهما ).

حکم من وجبت علیه سن ولیست عنده

ص: 82


1- الفقیه 2 : 12 - 33 ، الوسائل 6 : 72 أبواب زکاة الأنعام ب 2 ح 1.
2- التهذیب 4 : 20 - 52 ، الإستبصار 2 : 19 - 56 ، الوسائل 6 : 72 أبواب زکاة الأنعام ب 2 ح 2.
3- المسالک 1 : 53.
4- المعتبر 2 : 515.
5- المنتهی 1 : 484 ، والقواعد 1 : 53.
6- المسالک 1 : 53.

______________________________________________________

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (1) ، ووافقنا علیه أکثر العامة (2). والأصل فیه ما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن محمد بن عیسی ، عن محمد بن مقرن بن عبد الله بن زمعة ، عن أبیه (3) ، عن جدّ أبیه : إن أمیر المؤمنین علیه السلام کتب له فی کتابه الذی کتب له بخطه حین بعثه علی الصدقات : « من بلغت عنده من إبل الصدقة الجذعة ولیست عنده جذعة وعنده حقّة فإنه تقبل منه الحقّة ویجعل معها شاتین أو عشرین درهما ، ومن بلغت عنده صدقة الحقّة ولیست عنده حقّة وعنده جذعة فإنه تقبل منه جذعة ویعطیه المصدّق شاتین أو عشرین درهما ، ومن بلغت صدقته حقّة ولیست عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ویعطی معها شاتین أو عشرین درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون ولیست عنده ابنة لبون وعنده حقّة فإنه تقبل الحقة منه ویعطیه المصدّق شاتین أو عشرین درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون ولیست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنه تقبل منه ابنة مخاض ویعطی معها شاتین أو عشرین درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض ولیست عنده ابنة مخاض وعنده ابنة لبون فإنه تقبل منه ابنة لبون ویعطیه المصدّق شاتین أو عشرین درهما ، ومن لم یکن عنده ابنة مخاض علی وجهها وعنده ابن لبون ذکر فإنه یقبل منه ابن لبون ولیس معه شی ء » (4).

وهذه الروایة ضعیفة السند (5) ، ولعل اتفاق الأصحاب علی العمل بها أسقط اعتبار سندها ، ومقتضاها انحصار الجبران فی الشاتین أو العشرین درهما.

ص: 83


1- التذکرة 1 : 208.
2- کالغمراوی فی السراج الوهاج : 117 ، وحکاه عن الشافعی فی بدایة المجتهد 1 : 268.
3- کذا ، وفی المصدر زیادة : محمد بن عیسی عن یونس عن محمد بن مقرن بن عبد الله بن زمعة عن أبیه عن جده.
4- الکافی 3 : 539 - 7 ، الوسائل 6 : 87 أبواب زکاة الأنعام ب 13 ح 2.
5- لعل وجهه هو اشتمالها علی عدة من المجاهیل منهم محمد بن مقرن وأبوه وجدّه.

والخیار فی ذلک إلیه لا إلی العامل وسواء کانت القیمة السوقیة مساویة لذلک أو ناقصة عنه أو زائدة علیه.

______________________________________________________

واکتفی العلاّمة فی التذکرة فی الجبر بشاة وعشرة دراهم (1) ، وبه قطع الشارح قدس سره (2) ، وهو ضعیف ، لأنه خروج عن المنصوص.

قال الشارح : ثم إن کان المالک هو الدافع أوقع النیة علی المجموع ، وإن کان الآخذ ففی محل النیة إشکال ، والذی اختاره الشهید إیقاع النیة علی المجموع واشتراط المالک علی الفقیر ما یجبر به الزیادة وتکون نیة وشرطا لا نیة بشرط (3).

قوله : ( والخیار فی ذلک إلیه لا إلی العامل ).

أی فی دفع الأعلی والأدنی ، وفی الجبر بالشاتین أو الدراهم إلی المالک ، لا إلی العامل والفقیر.

قوله : ( وسواء کانت القیمة السوقیة مساویة لذلک أو ناقصة عنه أو زائدة علیه ).

المراد أنه یجزی دفع الأعلی والأدون مع الجبر المذکور سواء کانت قیمة الواجب السوقیة مساویة لقیمة المدفوع علی الوجه المذکور أم زائدة علیه أم ناقصة عنه ، وإنما کان مجزیا لإطلاق النص المتقدم المتناول للجمیع ، ویشکل فی صورة استیعاب قیمة المأخوذ من الفقیر لقیمة المدفوع إلیه - کما لو کانت قیمة بنت اللبون المدفوعة إلی الفقیر عن بنت المخاض تساوی العشرین درهما التی أخذها منه - من إطلاق النص ، ومن أن المالک کأنه لم یؤدّ شیئا ، والمتجه هنا عدم الإجزاء کما هو ظاهر اختیار العلاّمة فی التذکرة (4).

ص: 84


1- التذکرة 1 : 208.
2- المسالک 1 : 53.
3- المسالک 1 : 53.
4- التذکرة 1 : 208.

ولو تفاوتت الأسنان بأزید من درجة واحدة لم یتضاعف التقدیر الشرعی ورجع فی النقاص إلی قیمة السوق علی الأظهر. (1) وکذا ما فوق الجذع من الأسنان. (2)

______________________________________________________

قوله : ( ولو تفاوتت الأسنان بأزید من درجة واحدة لم یتضاعف التقدیر الشرعی ورجع فی النقاص إلی قیمة السوق علی الأظهر ).

المراد أنه إذا کان ما عنده من الإبل فوق الفریضة أو دونها بدرجتین فصاعدا کبنت المخاض والحقّة لم یتضاعف التقدیر الشرعی بأن یدفع بنت المخاض وأربع شیاه أو أربعین درهما عن الحقة ، أو یدفع الحقة ویأخذ ذلک من الفقیر ، بل لا یخرج أحدهما عن الآخر إلاّ بالقیمة السوقیة ، وبذلک قطع فی المعتبر من غیر نقل خلاف فی ذلک لأحد من الأصحاب ، واستدل علیه بأن التقدیر المذکور خلاف مقتضی الدلیل فیقتصر علی موضع النص (3).

وللشیخ قول بجواز الانتقال إلی الأدنی والأعلی مع تضاعف الجبران (4) ، واختاره العلاّمة فی جملة من کتبه ، واستدل علیه بأن بنت المخاض وأحد الأمرین مساو شرعا لبنت اللبون ، وبنت اللبون وأحدهما مساو للحقّة ، ومساوی المساوی مساو ، فتکون بنت المخاض مع أربع شیاه أو أربعین درهما مساو للحقّة (5). وهو استدلال ضعیف ، فإن أجزاء عین بنت اللبون مع الشاتین مثلا عن الحقّة لا یقتضی إجزاء مساویها ، ومرجعه إلی منع کون المساواة من کل وجه.

قوله : ( وکذا ما فوق الجذع من الأسنان ).

أی لا یجزی ما زاد عن الجذع من أسنان الإبل کالثنیّ ، وهو ما دخل فی السادسة ، والرّباع وهو ما دخل فی السابعة عن الجذع ولا ما دونه مع أخذ

عدم إجزاء ما فوق الجذع

ص: 85


1- المعتبر 2 : 516.
2- المبسوط 1 : 194.
3- المعتبر 2 : 516.
4- المبسوط 1 : 194.
5- التذکرة 1 : 208 ، والمختلف : 177.

______________________________________________________

الجبران ، اقتصارا فی إجزاء غیر الفرض عنه علی مورد النص.

وفی إجزاء هذه عن أحد الأسنان الواجبة من غیر جبر وجهان : من الخروج عن المنصوص ، ومن زیادة القیمة. وکذا الوجهان فی إجزاء بنت المخاض عن خمس شیاه ، وأولی بالإجزاء هنا ، لإجزائها عن الأکثر فیجزی عن الأقل.

والأصح عدم الإجزاء مطلقا إلاّ بالقیمة السوقیة إن سوّغنا ذلک ، بل قال المصنف فی المعتبر : لو أخرج عن خمس من الإبل بعیرا لم یجز ، لأنه أخرج غیر الواجب فلا یجزی عنه کما لو أخرج بعیرا عن أربعین شاة من الغنم ، نعم لو أخرجه بالقیمة السوقیة وکان مساویا لقیمة الشاة أو أکثر جاز (1). وهو حسن.

ولو حال الحول علی النصاب وهو فوق الجذع فظاهر الأصحاب وجوب تحصیل الفریضة من غیره ، لتعلق الأمر بها فلا یجزی غیرها إلاّ بالقیمة.

وقال فی التذکرة : إن المالک مخیر بین أن یشتری الفرض وبین أن یعطی واحدة منها وبین أن یدفع القیمة (2). ولم یستدل علیه بشی ء ، وهو مشکل.

وکذا الکلام لو حال الحول علی إحدی وستین وهی دون الجذع ، أو ست وأربعین وهی دون الحقق ، أو ست وثلاثین وهی دون بنات اللبون ، أو ست وعشرین وهی دون بنات المخاض.

وجوز الشهید فی البیان الإخراج من النصاب مطلقا وإن کان دون بنات المخاض ثم قال : وحینئذ ربما تساوی المخرج من الست والعشرین إلی

ص: 86


1- المعتبر 2 : 513.
2- التذکرة 1 : 208.

وکذا ما عدا أسنان الإبل.

الثالث : فی أسنان الفرائض.

بنت المخاض : هی التی لها سنة ودخلت فی الثانیة ، أی أمها ماخض بمعنی حامل.

وبنت اللبون : هی التی لها سنتان ودخلت فی الثالثة ، أی

______________________________________________________

الإحدی والستین ، ثم احتمل وجوب السن الواجبة من غیره (1). وهذا الاحتمال لا یخلو من قوة.

قوله : ( وکذا ما عدا أسنان الإبل ).

أی لا یثبت فیها الجبران اقتصارا علی مورد النص. قال فی التذکرة : ولا نعلم فیه خلافا ، فمن عدم فریضة البقر أو الغنم ووجد الأدون أو الأعلی أخرجها مع التفاوت أو استرده بالتقویم السوقی (2).

قوله : ( بنت المخاض هی التی لها سنة ودخلت فی الثانیة ، أی أمها ماخض بمعنی حامل ).

قال الجوهری : المخاض : وجع الولادة ، والمخاض أیضا : الحوامل من النوق ، واحدتها خلفة ، ولا واحد لها من لفظها. ومنه قیل للفصیل إذا استکمل الحول ودخل فی الثانیة ابن مخاض والأنثی ابنة مخاض ، لأنه فصل عن أمه وألحقت أمّه بالمخاض سواء لقحت أو لم تلقح (3). ونحوه قال فی القاموس (4).

قوله : ( وبنت اللبون هی التی لها سنتان ودخلت فی الثالثة ، أی

لا جبران فیما عد الإبل

تعریف بنت المخاض

تعریف بنت اللبون

ص: 87


1- البیان : 175.
2- التذکرة 1 : 208.
3- الصحاح 3 : 1105.
4- القاموس المحیط 2 : 356.

أمها ذات لبن.

والحقة : هی التی لها ثلاث ودخلت فی الرابعة ، فاستحقت أن یطرقها الفحل أو یحمل علیها.

والجذعة : هی التی لها أربع ودخلت فی الخامسة ،

______________________________________________________

أمها ذات لبن ).

اللبون بفتح اللام ذات اللبن. قال الجوهری : وابن اللبون ولد الناقة إذا استکمل السنة الثانیة ودخل فی الثالثة ، والأنثی بنت لبون ، لأن أمّه وضعت غیره فصار لها لبن ، وهو نکرة ویعرّف بالألف واللام (1).

قوله : ( والحقّة هی التی لها ثلاث ودخلت فی الرابعة ، فاستحقت أن یطرقها الفحل أو یحمل علیها ).

قال الجوهری : الحقّ بالکسر ما کان من الإبل ابن ثلاث سنین وقد دخل فی الرابعة ، والأنثی حقّة وحقّ أیضا ، سمّی بذلک لاستحقاقه أن یحمل علیه وأن ینتفع به (2).

قوله : ( والجذعة هی التی لها أربع ودخلت فی الخامسة ).

قال الجوهری : الجذع قبل الثنی ، والجمع جذعان وجذاع ، والأنثی جذعة والجمع جذعات. تقول منه لولد الشاة فی السنة الثانیة ، ولولد البقر والحافر فی السنة الثالثة ، وللإبل فی السنة الخامسة : أجذع. ثم قال : وقد قیل فی ولد النعجة : إنه یجذع فی ستة أشهر أو تسعة أشهر ، وذلک جائز فی الأضحیة (3).

تعریف الحقة

تعریف الجذعة

ص: 88


1- الصحاح 6 : 2192.
2- الصحاح 4 : 1460.
3- الصحاح 3 : 1194.

وهی أعلی الأسنان المأخوذة فی الزکاة.

والتبیع : هو الذی تم له حول ، وقیل : سمی بذلک لأنه تبع قرنه أذنه ، أو تبع أمّه فی الرعی.

______________________________________________________

قوله : ( وهی أعلی الأسنان المأخوذة فی الزکاة ).

لا خلاف فی أن الجذعة أعلی الأسنان المأخوذة فی الزکاة ، کما لا خلاف فی أن بنت المخاض أصغر أسنانها ، وقد تقدم ما یدل علی ذلک من النصوص.

قال ابن بابویه فی کتابه من لا یحضره الفقیه : أسنان الإبل من أول ما تطرحه أمّه إلی تمام السنة حوار ، فإذا دخل فی الثانیة سمّی ابن مخاض لأن أمّه قد حملت ، فإذا دخل فی الثالثة سمّی ابن لبون وذلک أن أمّه قد وضعت وصار لها لبن ، فإذا دخل فی الرابعة سمّی الذکر حقّا والأنثی حقّة لأنه قد استحق أن یحمل علیه ، فإذا دخل فی الخامسة سمّی جذعا ، فإذا دخل فی السادسة سمّی ثنیّا لأنه ألقی ثنیّته ، فإذا دخل فی السابعة ألقی رباعیّته وسمّی رباعیّا ، فإذا دخل فی الثامنة ألقی السنّ التی بعد الرباعیة وسمّی سدیسا ، فإذا دخل فی التاسعة فطرنا به وسمّی بازلا ، فإذا دخل فی العاشرة فهو مخلف ، ولیس له بعد هذا اسم ، والأسنان التی تؤخذ فی الصدقة من ابنة مخاض إلی الجذع » (1).

قوله : ( والتبیع هو الذی تم له حول ، وقیل : سمی بذلک لأنه تبع قرنه أذنه ، أو تبع أمّه فی الرعی ).

ذکر الجوهری (2) وغیره (3) أن التبیع ولد البقر فی السنة الأولی. وإنما اعتبر فیه تمام الحول لقوله علیه السلام فی حسنة الفضلاء : « فی کل ثلاثین

تعریف التبیع

ص: 89


1- الفقیه 2 : 13.
2- الصحاح 3 : 1190.
3- کالفیروزآبادی فی القاموس المحیط 3 : 8.

والمسنّة : هی الثنیّة التی کمل لها سنتان ودخلت فی الثالثة.

ویجوز أن یخرج من غیر جنس الفریضة بالقیمة السوقیة ، ومن العین أفضل ، وکذا فی سائر الأجناس.

______________________________________________________

بقرة تبیع حولیّ » (1).

قوله : ( والمسنّة هی الثنیة التی کملت لها سنتان ودخلت فی الثالثة ).

لم أقف فی کلام أهل اللغة علی تفسیر المسنّة. وقال العلاّمة فی التذکرة : إن ولد البقر إذا کمل سنتین ودخل فی الثالثة فهو ثنیّ وثنیة وهی المسنّة شرعا (2). ومقتضی کلامه أن هذه التسمیة مستفادة من الشرع ولم أقف علی روایة تتضمن تفسیرها بذلک ، إلاّ أن العلاّمة فی المنتهی نقل الإجماع علی أن المراد بها ما کمل لها سنتان ودخلت فی الثالثة (3).

قوله : ( ویجوز أن یخرج من غیر جنس الفریضة بالقیمة السوقیة ، والعین أفضل ، وکذا فی سائر الأجناس ).

أما جواز إخراج القیمة فی الزکاة عن الذهب والفضة والغلاّت فقال فی المعتبر : إنه قول علمائنا أجمع (4). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یعطی عن زکاته ، عن الدراهم دنانیر وعن الدنانیر دراهم بالقیمة أیحلّ ذلک؟ قال : « لا بأس » (5).

تعریف المسنة

جواز الاخراج بالقیمة

ص: 90


1- الکافی 3 : 534 - 1 ، التهذیب 4 : 24 - 57 ، الوسائل 6 : 77 أبواب زکاة الأنعام ب 4 ح 1.
2- التذکرة 1 : 213.
3- المنتهی 1 : 487.
4- المعتبر 2 : 516.
5- التهذیب 4 : 95 - 272 ، الوسائل 6 : 114 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 14 ح 2.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن البرقی قال : کتبت إلی أبی جعفر علیه السلام هل یجوز جعلت فداک أن یخرج ما یجب فی الحرث من الحنطة والشعیر وما یجب علی الذهب دراهم بقیمة ما یسوی أم لا یجوز إلا أن یخرج من کل شی ء ما فیه؟ فأجابه علیه السلام : « أیما تیسر یخرج » (1).

وأما زکاة الأنعام فقد اختلف فیها کلام الأصحاب ، فقال المفید فی المقنعة : ولا یجوز إخراج القیمة فی زکاة الأنعام إلاّ أن تعدم الأسنان المخصوصة فی الزکاة (2). ویفهم من کلام المصنف فی المعتبر المیل إلیه (3).

وقال الشیخ فی الخلاف : یجوز إخراج القیمة فی الزکاة کلّها أیّ شی ء کانت القیمة ، وتکون القیمة علی وجه البدل لا علی أنها أصل (4). وإلی هذا القول ذهب أکثر المتأخرین (5). واستدل علیه فی الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم.

وردّه المصنف فی المعتبر بمنع الإجماع ، وعدم دلالة الأخبار علی موضع النزاع (6). وهو جیّد.

واستدل العلاّمة فی مطوّلاته علی هذا القول أیضا بأن المقصود بالزکاة دفع الخلّة وسدّ الحاجة وهو یحصل بالقیمة کما یحصل بالعین ، وبأن الزکاة إنما شرعت جبرا للفقراء ومعونة لهم وربما کانت القیمة أنفع فی بعض الأوقات فاقتضت الحکمة التسویغ (7). وضعف الدلیلین ظاهر.

ص: 91


1- التهذیب 4 : 95 - 271 ، الوسائل 6 : 114 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 14 ح 1.
2- المقنعة : 41.
3- المعتبر 2 : 517.
4- الخلاف 1 : 321.
5- منهم العلامة المنتهی 1 : 504 ، والشهید الأول فی الدروس : 60.
6- المعتبر 2 : 517.
7- المنتهی 1 : 504.

والشاة التی تؤخذ من الزکاة ، قیل : أقلّه الجذع من الضأن أو الثنی من المعز ، وقیل : ما یسمی شاة ، والأول أظهر.

______________________________________________________

ومن هنا تظهر قوة ما ذهب إلیه المفید - رحمه الله - لأن إقامة غیر الفریضة مقامها حکم شرعی فیتوقف علی الدلیل.

ومتی سوّغنا إخراج القیمة فالمعتبر فیها وقت الإخراج لأنه وقت الانتقال إلیها.

وقال العلاّمة فی التذکرة : إنما تعتبر القیمة وقت الإخراج إن لم یقوّم الزکاة علی نفسه ، فلو قوّمها وضمن القیمة ثم زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج فالوجه وجوب ما یضمنه خاصة دون الزائد والناقص وإن کان قد فرّط بالتأخیر حتی انخفض السوق أو ارتفع ، أما لو لم یقوّم ثم ارتفع السوق أو انخفض أخرج القیمة وقت الإخراج (1). هذا کلامه - رحمه الله - وفی تعین القیمة بمجرد التقویم نظر ، وسیجی ء تمام تحقیق المسألة إن شاء الله.

فرع : قال الشهید فی البیان : لو أخرج فی الزکاة منفعة من العین کسکنی الدار فالأقرب الصحة وتسلیمها بتسلیم العین ، ویحتمل المنع ، لأنها تحصل تدریجا. ولو آجر الفقیر نفسه أو عقاره ثم احتسب مال الإجارة جاز وإن کان معرضا للفسخ (2). وما ذکره - رحمه الله - من جواز احتساب مال الإجارة جید ، لأنه مال مملوک ، وکونه معرضا للفسخ لا یصلح مانعا. أما جواز احتساب المنفعة فمشکل ، بل یمکن تطرق الإشکال إلی إخراج القیمة مما عدا النقدین لقصور الروایتین عن إفادة العموم.

قوله : ( والشاة التی تؤخذ فی الزکاة قیل : أقله الجذع من الضأن ، أو الثنی من المعز ، وقیل : ما یسمی شاة ، والأول أظهر ).

أقل الشاة التی تؤخذ

ص: 92


1- التذکرة 1 : 224.
2- البیان : 186.

______________________________________________________

بل الأصح الثانی ، لإطلاق قوله علیه السلام : « فی خمس من الإبل شاة » (1) « وفی أربعین شاة شاة » (2) والقول بالاکتفاء بالجذع من الضأن والثنی من المعز للشیخ (3) وجماعة (4) ، واستدل علیه فی المعتبر بما رواه سوید بن غفلة ، قال : أتانا مصدّق رسول الله صلی الله علیه و آله وقال : نهینا أن نأخذ المراضع وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنیّة (5). وهو جید لو صح السند.

واعلم : أن العلاّمة - رحمه الله - ذکر فی جملة من کتبه أسنان الغنم فقال : أول ما تلد الشاة یقال لولدها سخلة للذکر وللأنثی فی الضأن والمعز ، ثم یقال بهمة کذلک ، فإذا بلغت أربعة أشهر فهی فی المعز جفر وجفرة والجمع جفار ، فإذا جاوزت أربعة أشهر فهی عتود والجمع عتدان وعریض وجمعها عراض ، ومن حین تولد إلی هذه الغایة یقال لها عناق للأنثی وجدی للذکر ، فإذا استکملت سنة فالأنثی عنز والذکر تیس ، فإذا دخلت فی الثانیة فهی جذعة والذکر جذع ، فإذا دخلت فی الثالثة فهی النیّة والذکر ثنی ، وفی الرابعة رباع ورباعیة ، وفی الخامسة سدیس وسدس ، وفی السادسة صالغ ، ثم یقال صالغ عام وعامین دائما.

وأما الضأن فالسخلة والبهمة مثل ما فی المعز سواء ، ثم هو حمل للذکر ورخل للأنثی إلی سبعة أشهر ، فإذا بلغتهما قال ابن الأعرابی : إن کان من شاتین فهو جذع وإن کان من هرمین فلا یقال جذع حتی یستکمل ثمانیة أشهر ، وهو جذع أبدا حتی یستکمل سنة ، فإذا دخل فی الثانیة فهو ثنی وثنیّة

ص: 93


1- الفقیه 2 : 12 - 33 ، التهذیب 4 : 20 - 52 ، الإستبصار 2 : 19 - 56 ، الوسائل 6 : 72 أبواب زکاة الأنعام ب 2 ح 1 ، 2.
2- الکافی 3 : 534 - 1 ، التهذیب 4 : 25 - 58 ، الإستبصار 2 : 22 - 61 ، الوسائل 6 : 78 أبواب زکاة الأنعام ب 6 ح 1.
3- الخلاف 1 : 308 ، المبسوط 1 : 200.
4- کالمحقق فی المعتبر 2 : 512 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 489.
5- سنن النسائی 5 : 29.

ولا تؤخذ المریضة ، ولا الهرمة ، ولا ذات العوار.

______________________________________________________

علی ما ذکرنا فی المعز سواء إلی آخرها ، وإنما قیل فی الضأن جذع إذا بلغ سبعة أشهر وأجزأ فی الأضحیة لأنه ینزو حینئذ ویضرب ، والمعز لا ینزو حتی یدخل فی الثانیة (1). انتهی کلامه رحمه الله .

ومقتضاه أن الثنی من المعز ما دخل فی الثالثة ، وهو المستفاد من کلام أهل اللغة ، قال الجوهری : الثنی : الذی یلقی ثنیّته ، ویکون ذلک فی الظلف والحافر فی السنة الثالثة ، وفی الخفّ فی السنة السادسة. والجمع ثنیان وثناء ، والأنثی ثنیّة والجمع ثنیّات (2).

وقال فی القاموس : الثنیة ، الناقة الطاعنة فی السادسة ، والبعیر ثنی ، والفرس الداخلة فی الرابعة ، والشاة فی الثالثة کالبقرة (3).

وقد قطع المصنف (4) والعلاّمة (5) ومن تأخر عنهما (6) فی ذکر أوصاف الهدی بأن الثنیّ من المعز ما دخل فی الثانیة ، ولعل مستنده العرف ، والمسألة قویة الإشکال ، ولا ریب أن المصیر إلی ما علیه أهل اللغة أولی وأحوط.

قوله : ( ولا تؤخذ المریضة ، ولا الهرمة ، ولا ذات العوار ).

الهرم أقصی الکبر ، والعوار مثلثة العیب ، قاله فی القاموس (7). والحکم بالمنع من أخذ هذه الثلاثة مذهب الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا (8) ، واستدل علیه بقوله تعالی :

لا تؤخذ المریضة والهرمة وذات العوار

ص: 94


1- التذکرة 1 : 212 ، المنتهی 1 : 490.
2- الصحاح 6 : 2295.
3- القاموس المحیط 4 : 311.
4- الشرائع 1 : 260 ، والمختصر : 90.
5- التذکرة 1 : 381 ، المنتهی 2 : 740.
6- کالکرکی فی جامع المقاصد 1 : 171.
7- القاموس المحیط 2 : 100.
8- المنتهی 1 : 485.

ولیس للساعی التخییر ، فإن وقعت المشاحّة ، قیل : یقرع حتی تبقی السنّ التی تجب.

______________________________________________________

( وَلا تَیَمَّمُوا الْخَبِیثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (1).

وما رواه الجمهور ، عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لا یؤخذ فی الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تیس إلاّ أن یشاء المصدّق » (2).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن قیس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلاّ أن یشاء المصدّق » (3) ومقتضی الروایتین جواز أخذ ذلک إذا أراده المصدّق.

وإنما یمنع من أخذ هذه الثلاثة إذا کان فی النصاب صحیح أو فتیّ أو سلیم من العوار ، أما لو کان کله کذلک فقد قطع الأصحاب بجواز الأخذ منه ، وسیجی ء الکلام فیه (4).

قوله : ( ولیس للساعی التخییر ، فإن وقعت المشاحة قیل : یقرع حتی تبقی السن التی تجب ).

المراد أن الساعی لیس له التخییر فی أخذ ما شاء مع تعدد ما هو بصفة الواجب فی النصاب ، ولا ریب فی ذلک ، لأن فیه تحکّما علی المالک غیر مأذون فیه.

والقول باستعمال القرعة حتی تبقی السن التی تجب - بأن یقسم ما جمع الوصف قسمین ، ثم یقرع بینهما ، ثم یقسم ما خرجت علیه القرعة ، وهکذا

حکم وقوع المشاحة بین الساعی والمالک

ص: 95


1- البقرة : 267.
2- سنن ابن ماجة 1 : 577 - 1805 ، 1807 ، سنن النسائی 5 : 29.
3- التهذیب 4 : 25 - 59 ، الإستبصار 2 : 23 - 62 ، الوسائل 6 : 78 أبواب زکاة الأنعام ب 6 ح 2. لا حظ هامش الوسائل.
4- فی ص 104.

وأما اللواحق فهی : إن الزکاة تجب فی العین لا فی الذمّة ،

______________________________________________________

حتی یبقی قدر الواجب - للشیخ (1) وجماعة ، ولم نقف لهم فی ذلک علی مستند علی الخصوص.

والأصح تخییر المالک فی إخراج ما شاء إذا کان بصفة الواجب ، کما اختاره المصنف فی المعتبر (2) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (3) ، لحصول الامتثال بإخراج ما یطلق علیه الاسم ، ویؤیده قول أمیر المؤمنین علیه السلام لعامله : « واصدع المال صدعین ثم خیّره أیّ الصدعین شاء فأیهما اختار فلا تعرض له ، ثم اصدع الباقی صدعین ثم خیره فأیهما اختار فلا تعرض له ، ولا تزال کذلک حتی یبقی ما فیه وفاء لحق الله تبارک وتعالی فی ماله ، فإذا بقی ذلک فاقبض حق الله منه » روی ذلک برید العجلی فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام (4).

قوله : ( وأما اللواحق فهی : أن الزکاة تجب فی العین لا فی الذمة ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین کون المال الذی تجب فیه الزکاة حیوانا أو غلّة أو أثمانا ، وبهذا التعمیم صرح فی المنتهی وقال : إنه قول علمائنا أجمع ، وبه قال أکثر أهل العلم (5). واستدل علیه بقوله علیه السلام : « فی أربعین شاة شاة » « وفی خمس من الإبل شاة » « وفی ثلاثین من البقر تبیع » « وفیما سقت السماء العشر » « وفی عشرین مثقالا من

وجوب الزکاة فی العین

ص: 96


1- الخلاف 1 : 308.
2- المعتبر 2 : 562.
3- التذکرة 1 : 206 ، المنتهی 1 : 488.
4- الکافی 3 : 536 - 1 ، التهذیب 4 : 96 - 274 ، المقنعة : 42 ، الوسائل 6 : 88 أبواب زکاة الأنعام ب 14 ح 1.
5- المنتهی 1 : 505.

______________________________________________________

الذهب نصف مثقال » وظاهر هذه الألفاظ وجوب الفرض فی العین ، وبأنها لو وجبت فی الذمة لتکررت فی النصاب الواحد بتکرر الحول ، ولم تقدم علی الدین مع بقاء عین النصاب إذا قصرت الترکة ، ولم تسقط بتلف النصاب من غیر تفریط ، ولم یجز للساعی تتبع العین لو باعها المالک ، وهذه اللوازم باطلة اتفاقا فکذا الملزوم.

ویدل علیه أیضا ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل لم یزکّ إبله أو شاءه عامین فباعها ، علی من اشتراها أن یزکیها لما مضی؟ قال : « نعم تؤخذ زکاتها ویتبع بها البائع أو یؤدی زکاتها البائع » (1).

وما رواه ابن بابویه ، عن أبی المعزی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن الله تبارک وتعالی شرک بین الفقراء والأغنیاء فی الأموال فلیس لهم أن یصرفوا إلی غیر شرکائهم » (2) والشرکة إنما تصدق بالوجوب فی العین.

وحکی الشهید فی البیان عن ابن أبی حمزة أنه نقل عن بعض الأصحاب وجوبها فی الذمة (3). وهذا القول حکاه المصنف فی المعتبر عن بعض العامة محتجا علی ذلک بأنها لو وجبت فی العین لکان للمستحق إلزام المالک بالأداء من العین ، ولمنع المالک من التصرف فی النصاب إلاّ مع إخراج الفرض. ثم أجاب عن الأول بالمنع من الملازمة ، فإن الزکاة وجبت جبرا وإرفاقا للفقیر فجاز أن یکون العدول عن العین تخفیفا عن المالک لیسهل علیه دفعها قال : وکذا الجواب عن جواز التصرف إذا ضمن الزکاة (4). وهو حسن.

ص: 97


1- الکافی 3 : 531 - 5 ، الوسائل 6 : 86 أبواب زکاة الأنعام ب 12 ح 1.
2- لم نعثر علیها فی کتب الصدوق ووجدناها فی الکافی 3 : 545 - 3. الوسائل 6 : 147 أبواب المستحقین للزکاة ب 2 ح 4.
3- البیان : 186.
4- المعتبر 2 : 520.

فإذا تمکن من إیصالها إلی مستحقّها فلم یفعل فقد فرّط ، فإن تلفت لزمه الضمان ، وکذا إن تمکن من إیصالها إلی الساعی أو إلی الإمام.

______________________________________________________

واعلم أن الشهید - رحمه الله - قال فی البیان بعد أن حکم بوجوب الزکاة فی العین : وفی کیفیة تعلقها بالعین وجهان : أحدهما أنه بطریق الاستحقاق فالفقیر شریک ، وثانیهما أنه استیثاق فیحتمل أنه کالرهن ، ویحتمل أنه کتعلق أرش الجنایة بالعبد ، وتضعف الشرکة بالإجماع علی جواز أدائها من مال آخر ، وهو مرجح للتعلق بالذمة ، وعورض بالإجماع علی تتبع الساعی العین لو باعها المکلف ، ولو تمحض التعلق بالذمة امتنع (1).

وأقول : إن مقتضی الأدلّة الدالة علی وجوب الزکاة فی العین کون التعلق علی طریق الاستحقاق ، وهو الظاهر من کلام الأصحاب حیث أطلقوا وجوبها فی العین ، ولا ینافی ذلک جواز الإخراج من مال آخر وجواز التصرف فی النصاب إذا ضمن الزکاة بدلیل من خارج.

ویدل علی جواز الإخراج من غیر النصاب مضافا إلی الإجماع المنقول من جماعة الأخبار المتضمنة لجواز إخراج القیمة (2) وقوله علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن المتقدمة : « أو یؤدّی زکاتها البائع » ولو لا جواز الإخراج من غیر النصاب لما جاز ذلک.

قوله : ( وإذا تمکن من إیصال الزکاة إلی مستحقها فلم یفعل فقد فرّط ، وإذا فرّط لزمه الضمان ، وکذا لو تمکن من إیصالها إلی الساعی أو الإمام ).

المراد أن الزکاة وإن وجبت فی العین وکانت أمانة فی ید المالک ، لکنها قد تصیر مضمونة علیه بالتعدی أو التفریط المتحقق بإهمال الإخراج مع

حکم من فرط فی اخراج الزکاة

ص: 98


1- البیان : 187.
2- ما بین المعقوفین لیس فی الأصل.

ولو أمهر امرأة نصابا وحال علیه الحول فی یدها فطلقها قبل الدخول وبعد الحول کان له النصف موفّرا ، وعلیها حق الفقراء.

______________________________________________________

التمکن منه ، بل قد تنتقل إلی الذمة مع التلف والحال هذه کما بیّنّاه فیما سبق.

قوله : ( ولو أمهر امرأة نصابا وحال علیه الحول فی یدها فطلقها قبل الدخول وبعد الحول کان له النصف موفّرا وعلیها حق الفقراء ).

لا ریب فی وجوب الزکاة فی الصداق الزکوی إذا قبضته المرأة وحال علیه الحول ، لأنها تملکه بالعقد وإن کان فی معرض السقوط قبل الدخول أو التشطیر ، ولو وقع الطلاق قبل الدخول وبعد الحول رجع إلی الزوج نصف المهر ، لقوله تعالی ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (1) وعلی المرأة إخراج الزکاة ، لأنها المخاطبة بذلک.

وصرح المصنف فی المعتبر بأن معنی توفیر النصف أخذه کملا (2) وإخراج الزکاة من نصیبها ، واستدل علیه بأن الزوج یمکنه الرجوع بنصف المفروض فلا یرجع بالقیمة قال : ولا کذا لو تلف الکل ، لأنه لا طریق إلی استعادته نصف المفروض (3).

وقیل : إن معنی توفیر النصف عدم نقصانه علی الزوج بسبب الزکاة ، لکن لها أن تخرج الزکاة من عین النصاب وتعطیه نصف الباقی وتغرم له نصف المخرج ، لتعلق الزکاة بالعین (4). وعلی هذا فتتخیر المرأة بین أن تخرج الزکاة من العین وتعطیه نصف الباقی وتغرم له نصف المخرج وبین أن تعطیه النصف تاما ، لکن لو تعذر الأخذ منها لإفلاس وغیره جاز للساعی الرجوع علی الزوج ویرجع هو علیها بالقیمة.

حکم المهر إذا کان نصابا

ص: 99


1- البقرة : 237.
2- أی : کلّه ( الصحاح 5 : 1813 ).
3- المعتبر 2 : 562.
4- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 54.

ولو هلک النصف بتفریط کان للساعی أن یأخذ حقه من العین ویرجع الزوج علیها به ، لأنه مضمون علیها.

ولو کان عنده نصاب فحال علیه أحوال ، فإن أخرج زکاته فی کل سنة من غیره تکرّرت الزکاة فیه. فإن لم یخرج وجب علیه زکاة حول واحد.

ولو کان عنده أکثر من نصاب ، کانت الفریضة فی النصاب ، ویجبر من الزائد. وکذا فی کل سنة حتی ینقص المال عن النصاب. فلو کان عنده ست وعشرون من الإبل ومضی علیها حولان وجب علیه بنت مخاض وخمس شیاه ، فإن مضی علیه ثلاثة أحوال وجب علیه بنت

______________________________________________________

قوله : ( ولو هلک النصف بتفریط کان للساعی أن یأخذ حقه من العین ویرجع الزوج علیها به ، لأنه مضمون علیها ).

إنما جاز للساعی الأخذ من العین لتعلق الزکاة بها ، وکما یجوز ذلک للساعی فکذا یجوز للمرأة ، وتغرم للزوج نصف المخرج.

قوله : ( ولو کان عنده نصاب فحال علیه أحوال ، فإن أخرج زکاته فی کل سنة من غیره تکررت الزکاة فیه ، وإن لم یخرج وجب علیه زکاة حول واحد ).

أما تکرر الزکاة إذا أخرجها فی کل سنة من غیر النصاب فظاهر ، لبقاء النصاب علی ملک مالکه تاما فیتعلق به الوجوب. وأما أنه إذا لم یخرج زکاته تجب علیه زکاة حول واحد فلانثلام النصاب بما وجب فیه من الزکاة فتسقط زکاته بعد الحول الأول.

قوله : ( فلو کان عنده ست وعشرون من الإبل ومضی علیها حولان وجب علیه بنت مخاض وخمس شیاه ، فإن مضی علیه ثلاثة

حکم النصاب إذا حال علیه أحوال

ص: 100

مخاض وتسع شیاه.

والنصاب المجتمع من المعز والضأن ، وکذا من البقر والجاموس ، وکذا من الإبل العراب والبخاتی ، تجب فیه الزکاة.

______________________________________________________

أحوال وجب علیه بنت مخاض وتسع شیاه ).

إنما وجب علیه فی الحولین بنت مخاض وخمس شیاه لأن بنت المخاض هی الفریضة فی الحول الأول فتبقی خمسة وعشرون والواجب فیها خمس شیاه ، وفی الحول الثالث ینقص من النصاب قیمة الشیاه الخمس فتجب فیها أربع شیاه وهکذا ، لکن لا یخفی أن ذلک مقید بما إذا کان النصاب بنات مخاض أو مشتملا علیها أو قیمة الجمیع بنات مخاض ، أما لو انتفت الفروض فإن کانت زائدة عن قیمة بنت المخاض أمکن أن نفرض خروج قیمة بنت المخاض عن الحول الأول من جزء واحدة من النصاب ویبقی منها قیمة خمس شیاه عن الحول الثانی فیجب فی الثالث خمس شیاه أیضا ، ولو کانت ناقصة عن قیمة بنت المخاض نقص النصاب فی الحول الثانی عن خمس وعشرین فیجب فیه أقل من خمس شیاه کما لا یخفی.

قوله : ( والنصاب المجتمع من المعز والضأن ، وکذا من البقر والجاموس ، وکذا من الإبل العراب والبخاتی ، تجب فیه الزکاة ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب وغیرهم (1) حتی قال العلاّمة - رحمه الله - فی التذکرة والمنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا (2). واستدل علیه بإطلاق اسم الغنم والبقر والإبل لغة وعرفا علی کل من الصنفین.

ویدل علی وجوب الزکاة فی الجاموس صریحا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : فی

حکم النصاب المجتمع من المعز والضان ، والبقر والجاموس ، والعراب والبخاتی

ص: 101


1- کالشافعی فی الأم 2 : 8 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 459.
2- التذکرة 1 : 209 ، المنتهی 1 : 488.

والمالک بالخیار فی إخراج الفریضة من أی الصنفین شاء.

ولو قال رب المال : لم یحل علی مالی الحول أو قد أخرجت

______________________________________________________

الجاموس شی ء؟ قال : « مثل ما فی البقر » (1).

والعراب بکسر العین والبخاتی بفتح الباء جمع بختی بضمها هی الإبل الخراسانیة.

قوله : ( والمالک بالخیار فی إخراج الفریضة من أی الصنفین شاء ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی جواز الإخراج من أحد الصنفین بین ما إذا تساوت قیمتهما أو اختلفت ، وبهذا التعمیم جزم المصنف فی المعتبر (2) والعلاّمة فی جملة من کتبه (3). وهو متجه ، لصدق الامتثال بإخراج مسمی الفریضة ، وانتفاء ما یدل علی اعتبار ملاحظة القیمة مطلقا کما اعترف به الأصحاب فی النوع المتحد.

واعتبر الشهیدان التقسیط مع اختلاف القیمة (4) ، وهو أحوط ، وعلی هذا فلو کان عنده عشرون بقرة وعشرون جاموسة وقیمة المسنّة من أحدهما اثنا عشر ومن الآخر خمسة عشر أخرج مسنّة من أی الصنفین شاء قیمتها ثلاثة عشر ونصف.

واحتمل فی البیان أنه یجب فی کل صنف نصف مسنّة أو قیمته (5) ، وهو بعید.

قوله : ( ولو قال رب المال : لم یحل علی مالی الحول أو قد

قبول إدعاء المالک اخراج الزکاة

ص: 102


1- الفقیه 2 : 14 - 36 ، الوسائل 6 : 77 أبواب زکاة الأنعام ب 5 ح 1.
2- المعتبر 2 : 516.
3- المنتهی 1 : 485 ، القواعد 1 : 54 ، إرشاد الأذهان ( مجمع الفائدة ) 4 : 127.
4- الشهید الأول فی الدروس : 59 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 54.
5- البیان : 176.

ما وجب علیّ ، قبل منه ولم یکن علیه بینة ولا یمین. (1) ولو شهد علیه شاهدان قبل.

وإذا کان للمالک أموال متفرقة کان له إخراج الزکاة من أیّها شاء

______________________________________________________

أخرجت ما وجب علیّ قبل منه ولم یکن علیه بینة ولا یمین ).

یدل علی ذلک ما صحّ عن الصادق علیه السلام : « إن أمیر المؤمنین صلوات الله علیه قال لعامله فی جملة من کلامه : قل لهم یا عباد الله أرسلنی إلیکم ولیّ الله لآخذ منکم حق الله فی أموالکم ، فهل لله فی أموالکم من حق فتؤدّوه إلی ولیّه؟ فإن قال لک قائل : لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لک منهم منعم فانطلق معه من غیر أن تخیفه أو تعده إلاّ خیرا » (2).

قوله : ( ولو شهد علیه شاهدان قبل ).

سواء کان فی حؤول الحول أو عدم الإخراج ، أما فی حؤول الحول فظاهر ، لأنه إثبات فلا مانع من تعلق الشهادة به ، وأما عدم الإخراج فإنما تقبل الشهادة به إذا انحصر علی وجه ینضبط ، کما لو ادعی المالک إخراج شاة معینة فی وقت معین فیشهد الشاهدان بموتها قبل ذلک الوقت أو خروجها عن ملکه قبله وهو فی الحقیقة یرجع إلی الإثبات.

قوله : ( وإذا کان للمالک أموال متفرقة کان له إخراج الزکاة من أیها شاء ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین ما إذا تساوت القیمة أو اختلفت ، وهو کذلک ، لما بیّنّاه فیما سبق من أن الواجب إخراج ما یصدق علیه اسم الفریضة (3). واعتبر الشارح التقسیط هنا إن لم یتبرع المالک بدفع

حکم الأموال المتفرقة

ص: 103


1- الکافی 3 : 536 - 1 ، التهذیب 4 : 96 - 274 ، المقنعة : 42 ، الوسائل 6 : 88 أبواب زکاة الأنعام ب 14 ح 1.
2- الکافی 3 : 536 - 1 ، التهذیب 4 : 96 - 274 ، المقنعة : 42 ، الوسائل 6 : 88 أبواب زکاة الأنعام ب 14 ح 1.
3- راجع ص 52 ، 102.

ولو کانت السنّ الواجبة فی النصاب مریضة لم یجب أخذها وأخذ غیرها بالقیمة. (1) ولو کان کله مراضا لم یکلّف شراء صحیحة.

ولا تؤخذ الربی ، وهی الوالد إلی خمسة عشر یوما ،

______________________________________________________

الأجود (2). ولعله أحوط.

قوله : ( ولو کانت السن الواجبة فی النصاب مریضة لم یجز أخذها وأخذ غیرها بالقیمة ).

قد سبق فی کلام المصنف - رحمه الله - أنه لا تؤخذ المریضة ولا الهرمة ولا ذات العوار ، وقد کان فی ذلک کفایة عن ذکر هذه المسألة ، ولعل وجه ذکرها علی الخصوص التنبیه علی عموم المنع وإن انحصرت السنّ الواجبة فی المریضة. والحاصل أنه متی کان فی النصاب صحیحة لم تجز المریضة ، لإطلاق النهی عن إخراجها (3) بل یتعین إخراج الصحیح.

قوله : ( ولو کان کله مراضا لم یکلف شراء صحیحة ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه ، وحکی عن بعض العامة قولا بوجوب شراء الصحیحة ، لإطلاق قوله علیه السلام : « لا تؤخذ فی الصدقة هرمة ولا ذات عوار » (4) ، ثم أجاب عنه بالحمل علی ما إذا کان فی النصاب صحاحا لأنه المتعارف (5). ولا بأس به وإن کان المصیر إلی هذا القول محتملا.

قوله : ( ولا تؤخذ الربی ، وهی الوالد إلی خمسة عشر یوما ،

حکم السن الواجبة إذا کانت مریضة

حکم ما إذا کان النصاب کله مریضا

عدم أخذ الربی

ص: 104


1- المسالک 1 : 54.
2- المسالک 1 : 54.
3- راجع ص 94.
4- سنن ابن ماجة 1 : 577 - 1805 ، سنن النسائی 5 : 29.
5- المنتهی 1 : 485.

وقیل : إلی خمسین.

______________________________________________________

وقیل : إلی خمسین ).

قال الجوهری : الربّی علی فعلی بالضم : التی وضعت حدیثا ، وجمعها رباب بالضم ، والمصدر رباب بالکسر ، وهو قرب العهد بالولادة تقول : شاة ربّی بیّنة الرّباب ، وعنز رباب. قال الأزهری (1) : هی ربّی ما بینها وبین شهر (2). وقال أبو زید : الربّی من المعز. وقال غیره : من المعز والضأن ، وربما جاء فی الإبل أیضا (3).

ولم أقف علی مستند للتحدید بالخمسة عشر یوما ولا بالخمسین.

وفسر الصادق علیه السلام الربّی فی صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج بأنها « التی تربّی اثنین » وقال : إنه لیس فیها صدقة (4).

وعلل المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (5) والعلاّمة فی جملة من کتبه (6) المنع من أخذ الربّی بأن فی أخذها إضرارا بولدها ، ونصا علی جواز أخذها إذا رضی المالک.

واستوجه الشارح کون العلّة فی المنع المرض ، لأن النفساء مریضة ، ومن ثم لا یقام علیها الحد ، قال : وعلی هذا فلا یجزی إخراجها وإن رضی المالک (7). ولا ریب أن إخراج غیرها أحوط.

ص: 105


1- فی المصدر الأموی.
2- فی المصدر : شهرین.
3- الصحاح 1 : 131.
4- الکافی 3 : 535 - 2 ، الفقیه 2 : 14 - 37 ، السرائر : 484. الوسائل 6 : 84 أبواب زکاة الأنعام ب 10 ح 1.
5- المعتبر 2 : 514.
6- التذکرة 1 : 214 ، والمنتهی 1 : 485.
7- المسالک 1 : 54.

ولا الأکولة ، وهی السمینة المعدة للأکل ، ولا فحل الضّراب.

______________________________________________________

قوله : ( ولا الأکولة ، وهی السمینة المعدة للأکل ، ولا فحل الضراب ).

لقوله علیه السلام فی موثقة سماعة : « لا تؤخذ الأکولة - والأکولة الکبیرة من الشاة تکون فی الغنم - ولا والد ، ولا الکبش الفحل » (1) وعلله العلاّمة فی المنتهی بأن فی تسلط الساعی علی أخذهما إضرارا بالمالک فکان منفیا ، وبقوله علیه السلام لمصدّقه : « إیاک وکرائم أموالهم » (2) والفحل المعدّ للضراب من کرائم الأموال ، إذ لا یعدّ للضراب فی الغالب إلاّ الجید من الغنم ، ثم قال : ولو تطوع المالک بإخراج ذلک جاز بلا خلاف ، لأن النهی عن ذلک ینصرف إلی الساعی لتفویت المالک النفع وللإرفاق به ، لا لعدم إجزائهما (3).

واختلف الأصحاب فی عدّ الأکولة وفحل الضراب ، فظاهر الأکثر عدمهما ، وصرح المصنف فی النافع (4) والشهید فی اللمعة (5) بالعدم. وربما کان مستنده ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لیس فی الأکیلة ولا فی الرّبّی - التی تربّی اثنین - ولا شاة لبن ، ولا فحل الغنم صدقة » (6) وهی غیر صریحة فی المطلوب ، لاحتمال أن یکون المراد بنفی الصدقة فیها عدم أخذها فی الصدقة ، لا عدم تعلق الزکاة بها ، بل ربما تعین المصیر إلی هذا الحمل

عدم أخذ الأکولة

ص: 106


1- الکافی 3 : 535 - 3 ، الفقیه 2 : 14 - 38 ، الوسائل 6 : 84 أبواب زکاة الأنعام ب 10 ح 2.
2- سنن الدارمی 1 : 384.
3- المنتهی 1 : 485.
4- المختصر النافع : 56.
5- اللمعة الدمشقیة : 50.
6- الفقیه 2 : 14 - 37 ، الوسائل 6 : 84 أبواب زکاة الأنعام ب 10 ح 1.

ویجوز أن یدفع من غیر غنم البلد وإن کان أدون قیمة ، ویجزی الذکر والأنثی ، لتناول الاسم له.

______________________________________________________

لاتفاق الأصحاب ظاهرا علی عدّ شاة اللبن والرّبّی.

واستقرب الشهید فی البیان عدم عدّ الفحل خاصة ، إلاّ أن تکون کلها فحولا أو معظمها فیعدّ (1). والمسألة محل إشکال ، ولا ریب أن عدّ الجمیع أولی وأحوط.

قوله : ( ویجوز أن یدفع من غیر غنم البلد وإن کان أدون قیمة ، ویجزی الذکر والأنثی ، لتناول الاسم له ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین زکاة الإبل والغنم ، وهو کذلک ، وذهب الشارح إلی أنه لا یجزی فی زکاة الغنم أخذ الأدون إلاّ بالقیمة (2). وهو أحوط.

جواز الدفع من غیر غنم البلد

ص: 107


1- البیان : 176.
2- المسالک 1 : 54.

القول فی زکاة الذهب والفضة

ولا تجب الزکاة فی الذهب حتی یبلغ عشرین دینارا ففیه عشرة قراریط ، ثم لیس فی الزائد شی ء حتی یبلغ أربعة دنانیر ففیها قیراطان ، ولا زکاة فیما دون عشرین مثقالا ، ولا فیما دون أربعة ، ثم کلما زاد المال أربعة ففیها قیراطان بالغا ما بلغ.

وقیل : لا زکاة فی العین حتی تبلغ أربعین ففیها دینار ، والأول أشهر.

______________________________________________________

قوله : ( القول فی زکاة الذهب والفضة ، ولا تجب الزکاة فی الذهب حتی یبلغ عشرین دینارا ففیه عشرة قراریط ، ثم لیس فی الزائد شی ء حتی یبلغ أربعة دنانیر ففیها قیراطان ، ولا زکاة فیما دون عشرین مثقالا ، ولا فیما دون أربعة دنانیر ، ثم کلما زاد المال أربعة ففیها قیراطان بالغا ما بلغ ، وقیل : لا زکاة فی العین حتی تبلغ أربعین ففیها دینار ، والأول أشهر ).

القول لعلی بن بابویه (1) - رحمه الله - وحکاه المصنف فی المعتبر عن

زکاة الذهب و الفضة

أقل ما تجب فیه الزکاة من الذهب

ص: 108


1- حکاه عنه فی المختلف : 178.

______________________________________________________

أبی جعفر بن بابویه وجماعة من أصحاب الحدیث (1) ، والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عما أخرج من المعدن من قلیل وکثیر هل فیه شی ء؟ قال : « لیس فیه شی ء حتی یکون فی مثله الزکاة عشرین دینارا » (2).

وفی الموثق ، عن زرارة وبکیر ابنی أعین : أنهما سمعا أبا جعفر علیه السلام یقول فی الزکاة : « أما فی الذهب فلیس فی أقل من عشرین دینارا شی ء ، فإذا بلغت عشرین دینارا ففیه نصف دینار » (3).

وما رواه الکلینی - رضی الله عنه - فی الموثق ، عن علیّ بن عقبة وعدّة من أصحابنا ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیه السلام ، قالا : « لیس فیما دون العشرین مثقالا من الذهب شی ء ، فإذا کملت عشرین مثقالا ففیها نصف مثقال إلی أربعة وعشرین ، فإذا کملت أربعة وعشرین ففیها ثلاثة أخماس دینار إلی ثمانیة وعشرین ، فعلی هذا الحساب کلما زاد أربعة » (4).

ص: 109


1- المعتبر 2 : 523.
2- التهذیب 4 : 138 - 391 ، الوسائل 6 : 334 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 4 ح 1.
3- التهذیب 4 : 12 - 33 ، الوسائل 6 : 94 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 11.
4- الکافی 3 : 515 - 3 ، الوسائل 6 : 93 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 5.

______________________________________________________

وعن أبی عیینة (1) ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا جاوزت الزکاة العشرین دینارا ففی کل أربعة دنانیر عشر دینار » (2).

وعن الحسین بن بشّار ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام فی کم وضع رسول الله صلی الله علیه و آله الزکاة؟ فقال : « فی کل مائتی درهم خمسة دراهم ، وإن نقصت فلا زکاة فیها ، وفی الذهب فی کل عشرین دینارا نصف دینار. وإن نقص فلا زکاة فیها » (3).

ویشهد لهذا القول أیضا ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الذهب والفضة ، ما أقل ما یکون فیه الزکاة؟ قال : « مائتا درهم ، وعدلها من الذهب » (4).

وفی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الذهب ، کم فیه من الزکاة؟ فقال : « إذا بلغ قیمته مائتی درهم فعلیه الزکاة » (5).

دلت الروایتان علی وجوب الزکاة فی الذهب إذا بلغت قیمته مائتی درهم ، وذلک عشرون دینارا ، لأن قیمة کل دینار فی ذلک الزمان کانت عشرة دراهم علی ما نص علیه الأصحاب (6) وغیرهم (7) ، ولذلک خیّر الشارع فی

ص: 110


1- فی « م » : أبو عیینة ، وفی « ض » و « ح » : أبو عتیبة.
2- الکافی 3 : 516 - 4 ، الوسائل 6 : 93 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 6.
3- الکافی 3 : 516 - 6 ، الوسائل 6 : 92 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 3.
4- الکافی 3 : 516 - 7 ، الوسائل 6 : 92 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 1.
5- الکافی 3 : 516 - 5 ، التهذیب 4 : 10 - 28 ، الإستبصار 2 : 13 - 38 ، الوسائل 6 : 92 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 2.
6- کالمحقق فی المعتبر 2 : 525 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 492.
7- کالکاسانی فی بدائع الصنائع 2 : 18.

______________________________________________________

أبواب الدیات والجنایات بینهما ، وجعلهما علی حد سواء.

احتج ابن بابویه علی ما نقل عنه (1) بما رواه محمد بن مسلم وأبو بصیر وبرید والفضیل بن یسار ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : « فی الذهب فی کل أربعین مثقالا مثقال ، وفی الورق فی کل مائتین خمسة دراهم ، ولیس فی أقل من أربعین مثقالا شی ء » (2).

وهذه الروایة مرویة فی التهذیب والاستبصار بطریق فیه علیّ بن الحسن بن فضّال ، وقیل : إنه فطحی (3). لکن روی الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة نحو ذلک فإنه قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دینارا أیزکیها؟ فقال : « لا ، لیس علیه شی ء من الزکاة فی الدراهم ولا فی الدنانیر حتی یتم أربعین ، والدراهم مائتی درهم » (4).

وأجاب الشیخ فی التهذیب عن الروایة الأولی بأن قوله علیه السلام : « ولیس فی أقل من أربعین مثقالا شی ء » یجوز أن یکون أراد به دینارا - واحدا ، لأن قوله : « شی ء » یحتمل الدینار ولما یزید علیه ولما ینقص عنه وهو یجری مجری المجمل الذی یحتاج إلی تفصیل. قال : وإذا کنا روینا الأحادیث المفصلة فی أن فی کل عشرین نصف دینار ، وفیما یزید علیه فی کل أربعة دنانیر عشر دینار حملنا قوله علیه السلام : « ولیس فیما دون الأربعین

ص: 111


1- حکاه عنه فی المختلف : 178.
2- التهذیب 4 : 11 - 29 ، الإستبصار 2 : 13 - 39 ، الوسائل 6 : 94 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 13.
3- قال به النجاشی فی رجاله : 257 - 676.
4- التهذیب 4 : 92 - 267 ، الإستبصار 2 : 38 - 119 ، الوسائل 6 : 95 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 14.

ولا زکاة فی الفضة حتی تبلغ مائتی درهم ففیها خمسة دراهم. ثم کلما زادت أربعین کان فیها درهم ، ولیس فیما ینقص عن الأربعین زکاة. کما لیس فیما ینقص عن المائتین.

______________________________________________________

دینارا شی ء » أنه أراد به دینارا واحدا ، لأنه متی نقص عن الأربعین إنما یجب فیه دون الدینار ، فأما قوله فی أول الخبر : « فی کل أربعین مثقالا مثقال » لیس فیه تناقض لما قلناه ، لأن عندنا أنه یجب فیه دینار وإن کان هذا لیس بأول نصاب ، وإذا حملنا هذا الخبر علی ما قلناه کنّا قد جمعنا بین هذه الأخبار علی وجه لا تنافی بینها (1). هذا کلامه رحمه الله .

ولا یخفی ما فی هذا التأویل من البعد وشدة المخالفة للظاهر. ویمکن حمل هذه الروایة علی التقیة ، لأنها موافقة لمذهب بعض العامة (2) ، وإن کان أکثرهم علی الأول (3).

وأجاب عنها المصنف فی المعتبر بأن ما تضمن اعتبار العشرین أشهر فی النقل وأظهر فی العمل فکان المصیر إلیه أولی ، ثم نقل ما ذکره الشیخ من التأویل وقال : وهذا التأویل عندی بعید ، ولیس الترجیح إلاّ بما ذکرناه (4). وهو حسن.

قوله : ( ولا زکاة فی الفضة حتی تبلغ مائتی درهم ففیها خمسة دراهم ، ثم کلما زادت أربعین ففیها درهم ، ولیس فیما ینقص عن الأربعین زکاة ، کما لیس فیما ینقص عن المائتین ).

أما أنه لا تجب الزکاة فی الفضة حتی تبلغ مائتی درهم فإذا بلغت ذلک

أقل ما تجب فیه الزکاة من الفضة

ص: 112


1- التهذیب 4 : 11.
2- کما نقله ابن قدامة فی المغنی 2 : 597.
3- کالشافعی فی الأم 2 : 40 ، والقرطبی فی بدایة المجتهد 1 : 255 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 599 ، والشربینی فی مغنی المحتاج 1 : 389.
4- المعتبر 2 : 524.

والدرهم ستة دوانیق ، والدانق : ثمانی حبّات من أوسط حب الشعیر.

______________________________________________________

وجب فیها خمسة دراهم فقال المصنف فی المعتبر : إنه قول علماء الإسلام (1). وقد تقدم من النص ما یدل علیه (2).

وأما أنه لا زکاة فی الزائد علی المائتین حتی تبلغ أربعین فیجب فیها درهم فقال فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (3). ویدل علیه روایات : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الذهب والفضة ، ما أقل ما یکون فیه الزکاة؟ قال : « مائتا درهم ، وعدلها من الذهب » قال : وسألته عن النیف ، الخمسة والعشرة ، قال : « لیس علیه شی ء حتی یبلغ أربعین ، یعطی من کل أربعین درهما درهم » (4).

وما رواه الشیخ فی الموثق ، عن زرارة وبکیر أنهما سمعا أبا جعفر علیه السلام یقول : « ولیس فی أقل من مائتی درهم شی ء ، فإذا بلغ مائتی درهم ففیها خمسة دراهم ، فما زاد فبحساب ذلک ، ولیس فی مائتی درهم وأربعین درهما غیر درهم إلاّ خمسة دراهم ، فإذا بلغت أربعین ومائتی درهم ففیها ستة دراهم ، فإذا بلغت ثمانین ومائتین ففیها سبعة دراهم ، وما زاد فعلی هذا الحساب » (5).

قوله : ( والدرهم ستة دوانیق ، والدانق ثمانی حبات من أوسط حب الشعیر ).

لا خفاء فی أن الواجب حمل الدرهم الواقع فی النصوص الواردة عن

مقدار الدرهم

ص: 113


1- المعتبر 2 : 529.
2- فی ص 111.
3- المنتهی 1 : 493.
4- الکافی 3 : 516 - 7 ، الوسائل 6 : 96 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 2 ح 1.
5- التهذیب 4 : 12 - 33 ، الوسائل 6 : 97 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 2 ح 10.

______________________________________________________

أئمة الهدی صلوات الله علیهم علی ما هو المتعارف فی زمانهم علیهم السلام ، وقد نقل الخاصة (1) والعامة (2) أن قدر الدرهم فی ذلک الزمان ستة دوانیق ، ونص علیه جماعة من أهل اللغة (3). وأما أن وزن الدانق ثمانی حبات من أوسط حبّ الشعیر فمقطوع به فی کلام الأصحاب (4) ، والظاهر أن أخبارهم کاف فی ذلک ، لکن روی الشیخ فی التهذیب ، عن سلیمان بن حفص المروزی ، عن أبی الحسن علیه السلام أنه قال : « والدرهم ستة دوانیق ، والدانق وزن ست حبّات ، والحبّة وزن حبتی شعیر من أوساط الحبّ ، لا من صغاره ، ولا من کباره » (5).

ومقتضی الروایة أن وزن الدانق اثنتا عشرة حبّة من أوساط حبّ الشعیر ، لکنها ضعیفة السند بجهالة الراوی.

قال العلاّمة فی التحریر : والدراهم فی صدر الإسلام کانت صنفین بغلیة وهی السود کل درهم ثمانیة دوانیق ، وطبریة کل درهم أربعة دوانیق ، فجمعا فی الإسلام وجعلا درهمین متساویین وزن کل درهم ستة دوانیق ، فصار وزن کل عشرة دراهم سبعة مثاقیل بمثقال الذهب ، وکل درهم نصف مثقال وخمسه ، وهو الدرهم الذی قدّر به النبی صلی الله علیه و آله المقادیر الشرعیة فی نصاب الزکاة والقطع ومقدار الدیات والجزیة وغیر ذلک ، والدانق

ص: 114


1- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 336 ، والمحقق فی المعتبر 2 : 529 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 493 ، والشهید الثانی فی الروضة 2 : 31.
2- منهم ابن قدامة فی المغنی 2 : 597 ، والشربینی فی مغنی المحتاج 1 : 389 ، والصنعانی فی سبل السلام 2 : 602.
3- کالفیومی فی المصباح المنیر : 193.
4- منهم العلامة فی القواعد 1 : 54 ، والشهید الأول فی الدروس : 60 ، والشهید الثانی فی الروضة 2 : 31.
5- التهذیب 1 : 135 - 374 ، الوسائل 1 : 338 أبواب الوضوء ب 50 ح 3.

ویکون مقدار العشرة سبعة مثاقیل.

وأما الشروط ومن شرط وجوب الزکاة فیهما کونهما مضروبین دنانیر ودراهم ، منقوشین بسکة المعاملة ، أو ما کان یتعامل بها.

______________________________________________________

ثمانی حبّات من أوسط حبّ الشعیر (1). انتهی کلامه - رحمه الله - ونحوه قال فی التذکرة والمنتهی (2).

قوله : ( یکون مقدار العشرة سبعة مثاقیل ).

أراد بذلک بیان قدر المثقال والإشارة إلی ما به تحصل معرفة نسبة الدرهم منه ، ویعلم من ذلک أن المثقال درهم وثلاثة أسباع درهم ، والدرهم نصف المثقال وخمسه ، فیکون العشرون مثقالا فی وزان ثمانیة وعشرین درهما وأربعة أسباع درهم ، والمائتا درهم فی وزان مائة وأربعین مثقالا.

قوله : ( ومن شرط وجوب الزکاة فیهما کونهما مضروبین دنانیر ودراهم ، منقوشین بسکة المعاملة ، أو ما کان یتعامل بها ).

هذا قول علمائنا أجمع ، وخالف فیه العامة ، فأوجبوا الزکاة فی غیر المنقوش إذا کان نقارا (3).

ویدل علی اعتبار هذا الشرط روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین ، عن أبی إبراهیم علیه السلام قال ، قلت له : إنه یجتمع عندی الشی ء الکثیر قیمته نحوا من سنة ، أنزکیه؟ فقال : « لا کل ما لم یحل عندک علیه حول فلیس علیک فیه زکاة ، وکل ما لم یکن رکازا فلیس علیک فیه شی ء » قال ، قلت : وما الرکاز؟ قال : « الصامت

اشتراط کون الذهب والفضة مضروبین

ص: 115


1- التحریر 1 : 64.
2- التذکرة 1 : 215 ، المنتهی 1 : 493.
3- کالشربینی فی مغنی المحتاج 1 : 389 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 124.

وحول الحول حتی یکون النصاب موجودا فیه أجمع ، فلو نقص فی أثنائه أو تبدلت أعیان النصاب بغیر جنسه أو بجنسه لم تجب الزکاة.

______________________________________________________

المنقوش » ثم قال : « إذا أردت ذلک فاسبکه ، فإنه لیس فی سبائک الذهب ونقار الفضة زکاة » (1).

وفی الموثق ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله وأبی الحسن علیهماالسلام أنهما قالا : « لیس علی التبر (2) زکاة ، إنما هی علی الدراهم والدنانیر » (3).

ویستفاد من قول المصنف : أو ما کان یتعامل بها ، أنه لا یعتبر التعامل بها بالفعل ، بل متی تعومل بها وقتا ما ثبتت الزکاة فیها وإن هجرت.

ولو جرت المعاملة بالسبائک بغیر نقش فقد قطع الأصحاب بأنه لا زکاة فیها (4) ، وهو حسن.

قوله : ( وحؤول الحول حتی یکون النصاب موجودا فیه أجمع ، فلو نقص أثنائه ، أو تبدلت عین النصاب بجنسه أو بغیر جنسه لم تجب الزکاة ).

اشتراط حؤول الحول فی زکاة النقدین

ص: 116


1- التهذیب 4 : 8 - 19 ، الإستبصار 2 : 6 - 13 ، الوسائل 6 : 105 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 8 ح 2.
2- التبر : وهو ما کان من الذهب غیر مضروب ، ولا یقال تبر إلاّ للذهب ، وبعضهم یقوله للفضة أیضا - الصحاح 2 : 600.
3- التهذیب 4 : 7 - 18 ، الإستبصار 2 : 7 - 16 ، الوسائل 6 : 106 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 8 ح 5 وفیه : لیس فی التبر ، بدل : لیس علی التبر.
4- منهم الشیخ فی النهایة : 175 ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 125 ، والمحقق فی المعتبر 2 : 528 ، والشهید الأول فی البیان : 184.

وکذا لو منع من التصرف فیه ، سواء کان المنع شرعیا کالوقف أو قهریّا کالغصب.

______________________________________________________

اعتبار الحول فی زکاة النقدین مجمع علیه بین العلماء والأخبار به مستفیضة : منها قوله علیه السلام فی صحیحة علیّ بن یقطین المتقدمة : « کلّ ما لم یحل عندک علیه حول فلیس علیک فیه زکاة » (1).

وفی صحیحة زرارة : الزکاة علی المال الصامت الذی یحول علیه الحول ولم یحرکه » (2).

ونبه المصنف بقوله : أو تبدل عین النصاب بجنسه أو بغیر جنسه ، علی خلاف الشیخ حیث ذهب إلی عدم سقوط الزکاة بإبدال النصاب فی أثناء الحول بجنسه (3) ، وعلی خلاف المرتضی حیث ذهب إلی أن من أبدل عین النصاب بجنسه أو بغیر جنسه فرارا تجب علیه الزکاة (4) ، وقد تقدم الکلام فی ذلک (5).

قوله : ( وکذا لو منع من التصرف فیه ، سواء کان المنع شرعیا کالوقف أو قهریا کالغصب ).

هذا الشرط مستغنی عنه هنا ، لتقدم ذکره فی شرائط من تجب علیه الزکاة. ومقتضی قول المصنف : سواء کان المنع شرعیا کالوقف ، جواز وقف الدراهم والدنانیر لفائدة التزین بها ونحوه. وسیأتی فی کتاب الوقف أن المصنف لا یختار ذلک.

ص: 117


1- فی ص 115.
2- التهذیب 4 : 35 - 90 ، الوسائل 6 : 115 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 15 ح 4.
3- المبسوط 1 : 206 ، والخلاف 1 : 324.
4- الانتصار : 83 ، وجمل العلم والعمل : 120.
5- فی ص 74.

ولا تجب الزکاة فی الحلیّ محلّلا کان کالسوار للمرأة وحلیة السیف للرجل ، أو محرما کالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة وکالأوانی المتخذة من الذهب والفضة ، وآلات اللهو لو عملت منهما ، وقیل : یستحب فیه الزکاة.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تجب الزکاة فی الحلی ، محللا کان کالسوار للمرأة ، وحلیة السیف للرجل ، أو محرما کالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة ، وکالأوانی المتخذة من الذهب والفضة ، وآلات اللهو لو عملت منهما ، وقیل : یستحب فیه الزکاة ).

أما سقوط الزکاة فی الحلّی المحلّل فقال العلاّمة فی التذکرة : إنه قول علمائنا أجمع وأکثر أهل العلم (1). وأما المحرّم فقال فی التذکرة أیضا : إنه لا زکاة فیه عند علمائنا ، لعموم قوله علیه السلام : « لا زکاة فی الحلی » (2). وأطبق الجمهور کافة علی إیجاب الزکاة فیه ، لأن المحظور شرعا کالمعدوم حسّا. ولا حجة فیه ، لأن عدم الصنعة (3) غیر مقتض لإیجاب الزکاة فإن المناط کونهما مضروبین بسکة المعاملة (4). وهو جید.

ویدل علی سقوط الزکاة فی الحلیّ مضافا إلی الأصل روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن علیّ الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الحلیّ فیه زکاة؟ قال : « لا » (5).

وفی الحسن ، عن رفاعة ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام وسأله

عدم وجوب الزکاة فی الحلی

ص: 118


1- التذکرة 1 : 216.
2- سنن البیهقی 4 : 138.
3- فی « ض » : الصفة.
4- التذکرة 1 : 217.
5- التهذیب 4 : 8 - 21 ، الإستبصار 2 : 7 - 18 ، الوسائل 6 : 106 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 9 ح 3.

وکذا لا زکاة فی السبائک والنّقار والتبر ، وقیل : إذا عملهما کذلک فرارا وجبت الزکاة ولو کان قبل الحول ، والاستحباب أشبه.

______________________________________________________

بعضهم عن الحلیّ فیه زکاة؟ فقال : « لا وإن بلغ مائة ألف » (1).

قال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ولیس علی الحلیّ زکاة وإن بلغ مائة ألف ، ولکن تعیره مؤمنا إذا استعاره منک فهذه زکاته (2). وقد روی ذلک الشیخ فی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « زکاة الحلیّ أن یعار » (3).

والقول باستحباب الزکاة فی الحلیّ المحرّم منقول عن الشیخ (4) - رحمه الله - ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( وکذا لا زکاة فی السبائک والنقار والتبر ، وقیل : إذا عملهما کذلک فرارا وجبت الزکاة ولو کان قبل الحول ، والاستحباب أشبه ).

المراد بالسبائک قطع الذهب غیر المضروبة ، وبالنقار قطع الفضة کذلک.

وأما التبر فقال الجوهری : إنه ما کان من الذهب غیر مضروب فإذا ضرب دنانیر فهو عین (5). وعلی هذا فلا وجه للجمع بینه وبین السبائک.

عدم وجوب الزکاة فی السبائک والنقار والتبر

ص: 119


1- الکافی 3 : 518 - 4 ، التهذیب 4 : 8 - 20 ، الإستبصار 2 : 7 - 17 ، الوسائل 6 : 106 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 9 ح 4.
2- الفقیه 2 : 9.
3- التهذیب 4 : 8 - 22 ، الإستبصار 2 : 7 - 19 ، الوسائل 6 : 108 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 10 ح 2.
4- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 205.
5- الصحاح 2 : 600.

______________________________________________________

وفسره بعضهم بأنه تراب الذهب قبل تصفیته (1). وهو مناسب لجمعه مع السبائک والنقار ، إلا أنه لا یلائم القول المحکی من وجوب الزکاة فیهما إذا عملت کذلک فرارا.

والأصح ما اختاره المصنف وأکثر الأصحاب (2) من سقوط الزکاة فی غیر المضروب بسکة المعاملة مطلقا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة علیّ بن یقطین المتقدمة : « إذا أردت ذلک فاسبکه ، فإنه لیس فی سبائک الذهب ونقار الفضة زکاة » (3).

وصحیحة عمر بن یزید : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل فرّ بماله من الزکاة فاشتری به أرضا أو دارا أو غلة ، فیه شی ء؟ قال : « لا ، ولو جعله حلیّا أو نقرا فلا شی ء علیه ، وما منع نفسه من فضله أکثر مما منع من حق الله الذی یکون فیه » (4).

والقول بوجوب الزکاة فیهما إذا عملت کذلک فرارا للشیخ (5) وجماعة (6) ، وقد وردت بذلک روایات (7) لو صح سندها لوجب حملها علی الاستحباب جمعا بین الأدلة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

ص: 120


1- لسان العرب 4 : 88.
2- منهم المفید فی المقنعة : 38 ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 125 ، والمحقق فی المعتبر 2 : 528 ، والعلامة فی المختلف : 173 ، والتحریر 1 : 64 ، والشهید الثانی فی الروضة 2 : 30.
3- فی ص 115.
4- الکافی 3 : 559 - 1 ، الفقیه 2 : 17 - 53 ، الوسائل 6 : 108 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 11 ح 1.
5- النهایة : 175 ، والمبسوط 1 : 210.
6- منهم الصدوق فی المقنع : 51 ، والسید المرتضی فی جمل العلم والعمل : 120 ، وابن البراج فی المهذب 1 : 159.
7- الوسائل 6 : 108 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 11.

أما لو جعل الدراهم والدنانیر کذلک بعد حؤول الحول وجبت الزکاة إجماعا. وأما أحکامها فمسائل :

الأولی : لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوی الجوهرین ، بل یضمّ بعضها إلی بعض ، وفی الإخراج إن تطوّع بالأرغب ، وإلاّ کان له الإخراج من کل جنس بقسطه.

______________________________________________________

قوله : ( وأما أحکامها فمسائل ، الأولی : لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوی الجوهرین ، بل یضم بعضها إلی بعض ، وفی الإخراج إن تطوع بالأرغب ، وإلاّ کان له الإخراج من کل جنس بقسطه ).

المراد بتساوی الجوهرین تساویهما فی الجنسیة ، ومعنی ضمّ بعضها إلی بعض أنه یجب ضمّ بعض أفراد الجنس إلی بعض وإن تفاوتت قیمتها ، کجید الفضة وردیئها ، وعالی الذهب ودونه ، ولا ریب فی ذلک ، لإطلاق قوله علیه السلام : « فی عشرین دینارا نصف دینار ، وفی کل مائتی درهم خمسة دراهم » (1) فإن ذلک شامل لمتساوی القیمة ومختلفها.

ثم إن تطوع المالک بإخراج الأرغب فقد زاد خیرا ، وإن ماکس کان له الإخراج من کل جنس بقسطه.

وقال الشیخ : إن ذلک علی الأفضل أیضا ، فلو أخرج من الأدنی جاز ، لحصول الامتثال بإخراج ما یصدق علیه الاسم (2). وأولی بالجواز ما لو أخرج الأدنی بالقیمة.

عدم اعتبار اختلاف الرغبة

ص: 121


1- الکافی 3 : 515 - 1 ، التهذیب 4 : 12 - 31 ، الوسائل 6 : 93 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 4.
2- المبسوط 1 : 209.

الثانیة : الدراهم المغشوشة لا زکاة فیها حتی یبلغ خالصها نصابا ،

______________________________________________________

ولو أخرج من الأعلی بقدر قیمة الأدون مثل أن یخرج ثلث دینار جید قیمة عن نصف دینار أدون لم یجزئه ، لأن الواجب إخراج نصف دینار من العشرین فلا یجزی الناقص عنه ، واحتمل العلاّمة فی التذکرة الإجزاء اعتبارا بالقیمة (1). وهو ضعیف.

قوله : ( الثانیة ، الدراهم المغشوشة لا زکاة فیها حتی یبلغ خالصها نصابا ).

إنما اعتبر بلوغ الخالص - النصاب لأن الزکاة إنما تجب فی الذهب والفضة لا فی غیرهما من المعادن.

قال فی المنتهی : ولو کان معه دراهم مغشوشة بذهب أو بالعکس وبلغ کل واحد من الغش والمغشوش نصابا وجبت الزکاة فیهما أو فی البالغ (2). وهو حسن.

ویجب الإخراج من کل جنس بحسابه ، فإن علمه وإلاّ توصّل إلیه بالسبک.

ولو شک المالک فی بلوغ الخالص النصاب قال فی التذکرة : لم یؤمر بسبک ، ولا بالإخراج منها ، ولا من غیرها ، لأن بلوغ النصاب شرط ، ولم یعلم حصوله ، فأصالة البراءة لم یعارضها شی ء (3). ونحوه قال فی المعتبر (4). وهو کذلک.

اعتبار بلوغ الخالص نصاباً فی المغشوشة

ص: 122


1- التذکرة 1 : 216.
2- المنتهی 1 : 494.
3- التذکرة 1 : 216.
4- المعتبر 2 : 525.

ثم لا تخرج المغشوشة عن الجیاد.

الثالثة : إذا کان معه دراهم مغشوشة ، فإن عرف قدر الفضة أخرج الزکاة عنها فضة خالصة ، وعن الجملة منها. وإن جهل ذلک وأخرج عن جملتها من الجیاد احتیاطا جاز أیضا ، وإن ماکس ألزم تصفیتها لیعرف قدر الواجب.

______________________________________________________

قوله : ( ثم لا تخرج المغشوشة عن الجیاد ).

لأن الواجب إخراج الخالص فلا یکون إخراج المغشوش مجزیا إلاّ إذا علم اشتماله علی ما یلزمه من الخالص.

قوله : ( الثالثة ، إذا کان معه دراهم مغشوشة ، فإن عرف قدر الفضة أخرج الزکاة عنها فضة خالصة ، وعن الجملة منها ).

الواو هنا بمعنی أو ، والمراد أنه إذا کان مع المالک دراهم مغشوشة وبلغ خالصها نصابا جاز له أن یخرج عن قدر الفضة التی فی الدراهم فضة خالصة ، أو یخرج ربع عشر المجموع ، إذ به یتحقق إخراج ربع عشر الخالص ، وهو إنما یتم مع تساوی قدر الغش فی کل درهم ، وإلاّ تعیّن إخراج الخالص أو قیمته.

قوله : ( وإن جهل ذلک وأخرج عن جملتها من الجیاد احتیاطا جاز أیضا ، وإن ماکس ألزم تصفیتها لیعرف قدر الواجب ).

المراد أنه إذا علم بلوغ الخالص النصاب وجهل قدره فإن تطوع المالک بالإخراج عن جملة المغشوشة من الجیاد کان جائزا ، بل هو أولی ، لما فیه من الاستظهار فی براءة الذمة. وفی معناه ما إذا أخرج من الخالصة أو المغشوشة ما یحصل معه الیقین بالبراءة وإن لم یبلغ قدر زکاة الجملة.

وإن ماکس المالک فی ذلک قال الشیخ : ألزم تصفیتها ، لعدم تیقن الخروج

عدم إجزاء اخراج المغشوشة عن الجیاد

کیفیة اخراج الزکاة من المغشوشة

ص: 123

الرابعة : مال القرض إن ترکه المقترض بحاله وجبت الزکاة علیه دون المقرض ، ولو شرط المقترض الزکاة علی المقرض ، قیل : یلزم الشرط ، وقیل : لا یلزم ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

من العهدة بدونه (1). واستوجه المصنف فی المعتبر (2) والعلاّمة فی جملة من کتبه (3) الاکتفاء بإخراج ما یتیقن اشتغال الذمة به وطرح المشکوک فیه ، عملا بأصالة البراءة ، وبأن الزیادة کالأصل فکما تسقط الزکاة مع الشک فی بلوغ الصافی النصاب فکذا تسقط مع الشک فی بلوغ الزیادة نصابا آخر. وهو حسن.

قوله : ( الرابعة ، مال القرض إن ترکه المقترض بحاله وجبت الزکاة علیه دون المقرض ، ولو شرط المقترض الزکاة علی المقرض قیل : یلزم الشرط ، وقیل : لا یلزم ، وهو الأشبه ).

أما وجوب الزکاة فی مال القرض علی المقترض دون المقرض فلا ریب فیه ، لأنه یملکه بالقبض فیجری مجری غیره من أمواله. وإنما الخلاف فیما إذا شرط المقترض الزکاة علی المقرض ، فذهب الأکثر إلی عدم لزوم الشرط ، لأن الزکاة إنما تتعلق بصاحب المال فلا یکون اشتراطها علی غیره سائغا.

وقال الشیخ : یلزم الشرط وتجب زکاته علی المقرض (4). واستدل له فی التذکرة بصحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل استقرض مالا فحال علیه الحول وهو عنده فقال : « إن کان الذی أقرضه

حکم مال القرض

ص: 124


1- المبسوط 1 : 210.
2- المعتبر 2 : 525.
3- التذکرة 1 : 216 ، المنتهی 1 : 494 ، التحریر 1 : 62.
4- المبسوط 1 : 213.

الخامسة : من دفن مالا وجهل موضعه أو ورث مالا ولم یصل إلیه ومضی علیه أحوال ثم وصل إلیه زکّاه لسنة استحبابا.

______________________________________________________

یؤدّی زکاته فلا زکاة علیه ، وإن کان لا یؤدّی أدّی المستقرض » (1) ثم قال : إن الحدیث لا یدل علی مطلوبه (2). وهو کذلک ، فإن أقصی ما یدل علیه جواز تبرع المقرض بالإخراج ، وهو لا یستلزم جواز اشتراط تعلق الوجوب به دون المالک.

واستقرب الشارح - قدس سره - لزوم الشرط لا بمعنی تعلق الوجوب بالمقرض ابتداء وسقوطه عن المقترض فإنه غیر مشروع ، بل بمعنی تحمل المشروط علیه (3) لها عن المدیون وإخراجها من ماله عنه مع کون الوجوب متعلقا بالمقترض ، لأن المقرض لو تبرع بالإخراج لجاز علی ما تضمنته الروایة فیجوز اشتراطه ، ثم إن وفی المقرض بالشرط سقطت عن المقترض وإلاّ تعین علیه الإخراج (4). وهو حسن.

ومثل ذلک ما لو وجب علی شخص أداء دین آخر بنذر وشبهه فإنه لا یسقط الوجوب عن المدیون ، بل یتعلق الوجوب بهما ، فإن وفّی الأجنبی برئت ذمة المدیون ، وإلاّ تعین علیه الأداء من ماله.

قوله : ( الخامسة ، من دفن مالا وجهل موضعه أو ورث مالا ولم یصل إلیه ومضی علیه أحوال ثم وصل إلیه زکّاه لسنة استحبابا ).

المراد بوصوله إلیه تمکنه من قبضه بنفسه أو وکیله وإن لم یکن فی یده ، وقد تقدم الکلام فی هذه المسألة ولا یظهر لإعادتها وجه یعتد به.

ص: 125


1- الکافی 3 : 520 - 5 ، التهذیب 4 : 32 - 83 ، الوسائل 6 : 67 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 7 ح 2.
2- التذکرة 1 : 203.
3- أثبتناها من « ح » والمصدر.
4- المسالک 1 : 55.

السادسة : إذا ترک نفقة لأهله فهی معرّضة للإتلاف ، تسقط الزکاة عنها مع غیبة المالک ، وتجب لو کان حاضرا ، وقیل : تجب فیها علی التقدیرین ، والأول مروی.

______________________________________________________

قوله : ( السادسة ، إذا ترک نفقة لأهله فهی معرّضة للإتلاف ، تسقط الزکاة عنها مع غیبة المالک ، وتجب لو کان حاضرا ، وقیل : تجب فیها علی التقدیرین ، والأول مروی ).

موضع الخلاف ما إذا خلّف الغائب بید عیاله مالا للنفقة قدر النصاب فما زاد بحیث لا یعلم زیادته عن قدر الحاجة وحال علیه الحول. والقول بسقوط الزکاة عنه للشیخ (1) وجماعة (2) ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه فی الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی الحسن الماضی علیه السلام قال ، قلت له : رجل خلف عند أهله نفقة ، ألفین لسنتین ، علیها زکاة؟ قال : « إن کان شاهدا فعلیه زکاة ، وإن کان غائبا فلیس علیه زکاة » (3).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : الرجل یخلف لأهله نفقة ، ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتین ، علیه زکاة؟ قال : « إن کان شاهدا فعلیها زکاة ، وإن کان غائبا فلیس فیها شی ء » (4).

وفی الروایتین قصور من حیث السند (5) فیشکل التعلق بهما فی إثبات

حکم النفقة التی تترک للاهل

ص: 126


1- المبسوط 1 : 213 ، والنهایة : 178.
2- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 530 ، والعلامة فی التذکرة 1 : 202 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 55.
3- التهذیب 4 : 99 - 279 ، الوسائل 6 : 117 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 17 ح 1.
4- الکافی 3 : 544 - 3 ، الفقیه 2 : 15 - 43 ، التهذیب 4 : 99 - 280 ، الوسائل 6 : 118 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 17 ح 3.
5- ولعل وجه القصور أن الراوی فی الأولی فطحی علی ما ذکره الشیخ فی الفهرست : 15 - 52 ، وفی الثانیة مشترک بین الضعیف والثقة ، علی أن فی طریقها سماعة وهو واقفی - راجع رجال الطوسی : 351 ، وإسماعیل بن مراد وهو مجهول.

السابعة : لا تجب الزکاة حتی یبلغ کل جنس نصابا ، ولو قصر کل جنس أو بعضها لم یجبر بالجنس الآخر ، کمن معه عشرة دنانیر ومائة درهم ، أو أربعة من الإبل وعشرون من البقر.

______________________________________________________

حکم مخالف لمقتضی العمومات المتضمنة لوجوب الزکاة فی ذلک فی حالتی الغیبة والحضور ، ومن ثم ذهب ابن إدریس فی سرائره إلی وجوب الزکاة فیه إذا کان مالکه متمکنا من التصرف فیه متی رامه کالمودّع والمنکوز (1).

والواجب المصیر إلیه إن لم نعمل بالروایة الموثقة المؤیدة بعمل الأصحاب.

وقول المصنف : إذا ترک نفقة لأهله فهی معرضة للإتلاف ، توجیه للحکمة فی سقوط الزکاة فی النفقة لا استدلال علی الحکم ، فلا یرد علیه أن ذلک لا یصلح للمانعیة وإلاّ لم تجب الزکاة علی المرأة فی المهر قبل الدخول لأنه معرّض للسقوط أو التشطیر ، ولا فی أجرة المسکن قبل انقضاء المدّة لأنه معرّض للخراب ونحوه.

قوله : ( السابعة ، لا تجب الزکاة حتی یبلغ کل جنس نصابا ، ولو قصر کل جنس أو بعضها لم یجبر بالجنس الآخر ، کمن معه عشرة دنانیر ومائة درهم ، أو أربعة من الإبل وعشرون من البقر ).

هذا قول علمائنا أجمع حکاه فی المنتهی (2) (3) ووافقنا علیه أکثر العامة (4). وقال بعضهم : یضم الذهب والفضة ، لأنهما متفقان فی کونهما أثمانا (5). وقال آخرون : یضم الحنطة والشعیر ، لاشتراکهما فی کونهما قوتا (6).

عدم ضم أحد النقدین إلی الاخر

ص: 127


1- السرائر : 103.
2- ما بین المعقوفتین لیس فی الأصل.
3- المنتهی 1 : 505.
4- حکاه فی بدایة المجتهد 1 : 264.
5- حکاه فی بدایة المجتهد 1 : 264 ، وقال به ابن قدامة فی المغنی 2 : 598.
6- حکاه فی بدایة المجتهد 1 : 274.

______________________________________________________

ویدل علی عدم تتمیم الجنس بغیره مطلقا قوله علیه السلام : « لیس فیما دون عشرین مثقالا من الذهب شی ء » (1) « ولیس فی أقل من مائتی درهم شی ء » (2) « ولیس فیما دون الأربعین من الغنم شی ء » (3) إلی غیر ذلک من الروایات المتضمنة لاعتبار النصاب فی الجنس الواحد.

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهما وتسعة عشر دینارا ، أیزکیها؟ فقال : « لا ، لیس علیه زکاة فی الدراهم ولا فی الدنانیر حتی تتم » قال زرارة : وکذلک هو فی جمیع الأشیاء. قال ، وقلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل کن عنده أربعة أینق وتسعة وثلاثون شاة وتسع وعشرون بقرة ، أیزکیهن؟ فقال : « لا یزکی شیئا منهن ، لأنه لیس شی ء منهن تاما ، فلیس تجب فیه الزکاة » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی إبراهیم علیه السلام قال ، قلت له : تسعون ومائة درهم وتسعة عشر دینارا ، أعلیها فی الزکاة شی ء؟ فقال : « إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلک مائتی درهم ففیها الزکاة » (5) لأنا نجیب عنها بالطعن فی السند باشتماله علی إسماعیل بن مرار وهو مجهول.

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب باحتمال أن یکون أراد علیه السلام

ص: 128


1- المتقدم فی ص 109.
2- المتقدم فی ص 113.
3- التهذیب 4 : 25 - 59 ، الإستبصار 2 : 23 - 62 ، الوسائل 6 : 78 أبواب زکاة الأنعام ب 6 ح 2.
4- الفقیه 2 : 11 - 32 ، الوسائل 6 : 101 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 5 ح 1.
5- التهذیب 4 : 93 - 269 ، الإستبصار 2 : 39 - 121 ، الوسائل 6 : 93 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 7.

______________________________________________________

بقوله : « إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلک مائتی درهم » یعنی الفضة خاصة ، ولا یکون « ذلک » راجعا إلی الذهب. وهو تأویل بعید.

ثم قال : ویحتمل أن یکون هذا الخبر خاصا بمن جعل ماله أجناسا مختلفة کل واحد منها لا تجب فیه الزکاة فرارا من لزوم الزکاة ، فإنه متی فعل ذلک لزمته الزکاة عقوبة (1).

واستدل علی هذا التأویل بما رواه عن إسحاق بن عمار أیضا ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانیر ، أعلیها (2) زکاة؟ فقال : « إن کان فرّ بها من الزکاة فعلیه الزکاة » قلت : لم یفرّ بها ورث مائة درهم وعشرة دنانیر ، قال : « لیس علیه زکاة » قلت : فلا تکسر الدراهم علی الدنانیر ، ولا الدنانیر علی الدراهم؟ قال : « لا » (3) وهذا الحمل جید لو صح سند الخبرین ، لکنهما ضعیفا السند ، فیتعین المصیر إلی ما علیه الأصحاب من عدم الضمّ مطلقا.

ص: 129


1- التهذیب 4 : 93.
2- کذا ، وفی المصدر : أعلیه.
3- التهذیب 4 : 94 - 270 ، الإستبصار 2 : 40 - 122 ، الوسائل 6 : 102 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 5 ح 3.

القول فی زکاة الغلات والنظر فی :

الجنس ، والشروط ، واللواحق

أما الأول : فلا تجب الزکاة فیما یخرج من الأرض ، إلا فی الأجناس الأربعة : الحنطة والشعیر والتمر والزبیب. لکن یستحب فیما عدا ذلک من الحبوب ، مما یدخل المکیال والمیزان ، کالذرة والأرز والعدس والماش والسلت والعلس.

وقیل : السلت کالشعیر ، والعلس کالحنطة فی الوجوب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( أما الأول ، فلا تجب الزکاة فیما یخرج من الأرض إلا فی الأجناس الأربعة : الحنطة والشعیر والتمر والزبیب ، لکن تستحب فیما عدا ذلک من الحبوب مما یدخل المکیال والمیزان ، کالذرة والأرز والعدس والماش ).

قد تقدم الکلام فی هاتین المسألتین مفصّلا فلا وجه لإعادته (1)

قوله : ( والسّلت والعلس ، وقیل : السلت کالشعیر ، والعلس کالحنطة فی الوجوب ، والأول أشبه ).

زکاة الغلات

استحباب الزکاة فی غیر الأجناس الأربعة

ص: 130


1- راجع ص 45 ، 48.

وأما الشرط : فالنصاب وهو خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ،

______________________________________________________

القول للشیخ (1) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب(2) ، واختاره الشارح - قدس سره - واستدل علیه بنص أهل اللغة علی أن العلس نوع من الحنطة ، والسّلت نوع من الشعیر (3).

وهو جید لو ثبت الإطلاق علیهما حقیقة لکنه غیر ثابت ، مع أن مقتضی کلام ابن درید فی الجمهرة المغایرة ، فإنه قال : السّلت حبّ یشبه الشعیر أو هو بعینه.

وقال أیضا : العلس حبة سوداء تخبز فی الجدب أو تطبخ.

قوله : ( وأما الشرط ، فالنصاب ، وهو خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا ).

هذا الشرط مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات :

منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس فیما دون الخمسة أوساق شی ء ، والوسق ستون صاعا » (4).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ما

اشتراط بلوغ النصاب فی زکاة الغلات

ص: 131


1- المسالک 1 : 56.
2- التهذیب 4 : 18 - 48 ، الإستبصار 2 : 18 - 54 ، الوسائل 6 : 120 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 6.
3- (3) المسالک 1 : 56
4- (4) التهذیب 4 : 18/48 ، الاستبصار 2 : 18/54 ، الوسائل 6 : 120 ، ابواب زکاة الغلات ب 1 ح 6

والصاع تسعة أرطال بالعراقی ، وستة بالمدنی.

______________________________________________________

أنبتت الأرض من الحنطة والشعیر والتمر والزبیب ما بلغ خمسة أوساق - والوسق ستون صاعا ، فذلک ثلاثمائة صاع - ففیه العشر.

وما کان منه یسقی بالرشا والدوالی والنواضح ففیه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السیح أو کان بعلا ففیه العشر تاما ، ولیس فیما دون الثلاثمائة صاع شی ء.

ولیس فیما أنبتت الأرض شی ء إلاّ فی هذه الأربعة أشیاء » (1).

وما رواه الکلینی - رحمه الله - عن عدة من أصحابه (2) ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقی ، عن سعد بن سعد الأشعری ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن أقل ما تجب علیه الزکاة من البرّ والشعیر والتمر والزبیب ، فقال : « خمسة أوساق بوسق النبی صلی الله علیه و آله ».

فقلت : کم الوسق؟ قال : « ستون صاعا ».

قلت : فهل علی العنب زکاة ، أو إنما تجب علیه إذا صیّره زبیبا؟ قال : « نعم إذا خرصه أخرج زکاته » (3).

قوله : ( والصاع تسعة أرطال بالعراقی ، وستة بالمدنی ).

أما أنه ستة أرطال بالمدنی فیدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه

مقدار الصاع

ص: 132


1- التهذیب 4 : 13 - 34 ، الإستبصار 2 : 14 - 40 ، الوسائل 6 : 120 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 5.
2- فی « م » و « ح » : من أصحابنا.
3- الکافی 3 : 514 - 5 ، الوسائل 6 : 119 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 1.

______________________________________________________

وآله یتوضأ بمدّ ویغتسل بصاع ، والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (1).

قال الشیخ - رحمه الله - : یعنی أرطال المدینة فیکون تسعة أرطال بالعراقی (2).

وأما أنه تسعة أرطال بالعراقی فیدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أیوب بن نوح أنه کتب إلی أبی الحسن علیه السلام : وقد بعثت لک العام عن کل رأس من عیالی بدرهم علی قیمة تسعة أرطال بدرهم ، فکتب إلیه علیه السلام جوابا محصوله التقریر علی ذلک (3).

والمراد بالأرطال هنا العراقیة لأنها أرطال بلادهم ، وهی عبارة عن الصاع لأنه الواجب فی الفطرة.

ویدل علی التقدیرین صریحا ما رواه ابن بابویه فی کتابه من لا یحضره الفقیه - مع ضمانه صحة ما فیه - عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن جعفر بن إبراهیم بن محمد الهمدانی وکان معنا حاجا ، قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام علی ید أبی : جعلت فداک إن أصحابنا اختلفوا فی الصاع بعضهم یقول : الفطرة بصاع المدنی ، وبعضهم یقول : بصاع العراقی فکتب إلیّ علیه السلام : « الصاع ستة أرطال بالمدنی وتسعة بالعراقی » قال : وأخبرنی أنه یکون بالوزن ألفا ومائة وسبعین وزنة (4).

ص: 133


1- التهذیب 1 : 136 - 379 ، الإستبصار 1 : 121 - 409 ، الوسائل 1 : 338 أبواب الوضوء ب 50 ح 1.
2- التهذیب 1 : 137.
3- التهذیب 4 : 91 - 265 ، الوسائل 6 : 240 أبواب زکاة الفطرة ب 9 ح 3.
4- الفقیه 2 : 115 - 493 ، الوسائل 6 : 236 أبواب الفطرة ب 7 ح 1.

وهو أربعة أمداد. والمد رطلان وربع.

فیکون النصاب ألفین وسبعمائة رطل بالعراقی.

______________________________________________________

قوله : ( وهو أربعة أمداد ، والمد رطلان وربع ، فیکون النصاب ألفین وسبعمائة رطل بالعراقی ).

أما أن الصاع أربعة أمداد فهو قول العلماء کافة ، حکاه فی المنتهی (1) ، ویدل علیه قول الصادق علیه السلام فی عدّة روایات صحیحة : « والصاع أربعة أمداد » (2) وفی صحیحة زرارة المتقدمة : « والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال ».

وأما أن المدّ رطلان وربع بالعراقی فهو قول معظم الأصحاب (3). ونقل عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی أنه قال : المدّ رطل وربع (4). وردّه العلاّمة فی التحریر بأنه تعویل علی روایة ضعیفة (5). والأصح الأول ، لأن النصاب شرط ولا یعلم حصوله إلاّ مع التقدیر الأعلی فیجب الوقوف علیه ، ولقول أبی جعفر فی صحیحة زرارة المتقدمة : « والمدّ رطل ونصف » : یعنی بأرطال المدینة.

واختلف الأصحاب فی مقدار الرطل العراقی ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخان (6) ، وابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (7) إلی أن وزنه مائة وثلاثون

مقدار المد

ص: 134


1- المنتهی 1 : 497.
2- الوسائل 6 : 236 أبواب زکاة الفطرة ب 7.
3- منهم ابن البراج فی المهذب 1 : 166 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 497 ، والشهید الأول فی البیان : 178.
4- حکاه عنه فی المعتبر 2 : 533.
5- التحریر 1 : 62.
6- المفید فی المقنعة : 41 ، والشیخ فی التهذیب 4 : 83.
7- الفقیه 2 : 115.

______________________________________________________

درهما ، أحد وتسعون مثقالا. وقال العلاّمة فی التحریر وموضع من المنتهی : إن وزنه مائة وثمانیة وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، تسعون مثقالا (1).

ویدل علی الأول مضافا إلی عدم تیقن حصول الشرط بدونه روایة جعفر بن إبراهیم الهمدانی المتقدمة حیث قال فیها : وأخبرنی أنه یکون بالوزن ألفا ومائة وسبعین وزنة (2).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : هذا التقدیر تحقیق لا تقریب ، فلو نقصت الغلّة عن الخمسة الأوسق ولو قلیلا فلا زکاة ، لقوله علیه السلام : « ولیس فیما دون الثلاثمائة صاع شی ء » (3).

وحکی العلاّمة فی التذکرة عن بعض العامّة قولا بأن هذا التقدیر تقریب ، فإن نقص قلیلا وجبت الزکاة ، لأن الوسق فی اللغة : الحمل ، وهو یزید وینقص. ثم ردّه بأنا إنما اعتبرنا التقدیر الشرعی لا اللغوی (4).

الثانی : قال فی المنتهی : النصب معتبرة بالکیل بالأصواع ، واعتبر الوزن للضبط والحفظ ، فلو بلغ النصاب بالکیل والوزن معا وجبت الزکاة قطعا ، ولو بلغ بالوزن دون الکیل فکذلک ، ولو بلغ بالکیل دون الوزن کالشعیر فإنه أخف من الحنطة مثلا لم تجب الزکاة علی الأقوی. وقال بعض الجمهور : تجب. ولیس بالوجه (5). هذا کلامه - رحمه الله - ومرجعه إلی

ص: 135


1- التحریر 1 : 62 ، والمنتهی 1 : 497.
2- فی ص 133.
3- التهذیب 4 : 13 - 34 ، الإستبصار 2 : 14 - 40 ، الوسائل 6 : 120 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 5.
4- التذکرة 1 : 218.
5- المنتهی 1 : 497.

وما نقص فلا زکاة فیه ، وما زاد فیه الزکاة ولو قلّ.

______________________________________________________

اعتبار الوزن خاصة وهو کذلک ، إذ التقدیر الشرعی إنما وقع به لا بالکیل ، ومع ذلک فهذا البحث لا جدوی له فی هذا الزمان إذ لا سبیل إلی معرفة قدر الصاع إلاّ بالوزن.

الثالث : قال فی التذکرة : النصاب المعتبر - وهو خمسة أوسق - إنما یعتبر وقت جفاف التمرة ویبس العنب والغلّة ، فلو کان الرطب خمسة أوسق أو العنب أو الغلّة ولو جفّت تمرا أو زبیبا أو حنطة أو شعیرا نقص فلا زکاة إجماعا وإن کان وقت تعلق الوجوب نصابا. ثم قال : أما ما لا یجفّ مثله وإنما یؤکل رطبا کالهلباث (1) والبربن وشبههما من الدّقل فإنه تجب فیه الزکاة أیضا لقوله علیه السلام : « فیما سقت السماء العشر » (2) وإنما تجب فیه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا. وهل یعتبر بنفسه أو بغیره من جنسه؟ الأقرب الأول وإن کان تمره یقل ، ثم نقل عن الشافعیة وجها بأنه یعتبر بغیره (3). ولا ریب فی ضعفه. ولو لم یصدق علی الیابس من ذلک النوع اسم التمر أو الزبیب اتجه سقوط الزکاة فیه مطلقا.

قوله : ( وما نقص فلا زکاة فیه ، وما زاد ففیه الزکاة وإن قلّ ).

أما أنه لا زکاة فی الناقص فظاهر ، لقوله علیه السلام فی عدّة روایات : « ولیس فیما دون الثلاثمائة صاع شی ء » (4) وأما وجوب الزکاة فی الزائد عن النصاب وإن قلّ فقال فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه بین العلماء (5). وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه ، ومن هنا یعلم أن للغلاّت نصابا واحدا وهو خمسة أوسق ، وعفوا واحدا وهو ما نقص عن ذلک.

وجوب الزکاة فیما زاد عن النصاب

ص: 136


1- الهلباث : ضرب من التمر - راجع لسان العرب 2 : 198.
2- الکافی 3 : 513 - 3 ، الوسائل 6 : 125 أبواب زکاة الغلات ب 4 ح 2.
3- التذکرة 1 : 219.
4- الوسائل 6 : 119 أبواب زکاة الغلات ب 1.
5- المنتهی 1 : 498.

والحدّ الذی تتعلق به الزکاة من الأجناس أن یسمی حنطة أو شعیرا أو تمرا أو زبیبا ، وقیل : بل إذا احمرّ ثمر النخل ، أو اصفرّ ، أو انعقد الحصرم ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( والحدّ الذی تتعلق به الزکاة من الأجناس أن یسمی حنطة أو شعیرا أو تمرا أو زبیبا ، وقیل : بل إذا أحمر ثمر النخل أو اصفر ، أو انعقد الحصرم ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی الحدّ الذی تتعلق فیه الزکاة بالغلات ، فقال الشیخ - رحمه الله - : ویتعلق الوجوب بالحبوب إذا اشتدت وبالثمار إذا بدا صلاحها (1). وبه قال أکثر الأصحاب. وقال بعض علمائنا : إنما تجب الزکاة فیه إذا سمّی حنطة أو شعیرا أو تمرا أو زبیبا (2). وهو اختیار المصنف - رحمه الله - فی کتبه الثلاثة (3). قال فی المنتهی : وکان والدی - رحمه الله - یذهب إلی هذا (4).

وحکی الشهید فی البیان عن ابن الجنید والمصنف أنهما اعتبرا فی الثمرة التسمیة عنبا أو تمرا (5).

احتج العلاّمة فی المنتهی علی ما ذهب إلیه من تعلق الوجوب بالحبوب إذا اشتدت وبالثمار إذا بدا صلاحها بأنه قد ورد وجوب الزکاة فی العنب إذا بلغ خمسة أوساق زبیبا ، وبأن النص یتناول الحنطة والشعیر والتمر والزبیب ولا ریب فی تسمیة الحب إذا اشتدّ بالحنطة والشعیر ، وفی تسمیة البسر

الحد الذی تتعلق به الزکاة

ص: 137


1- المبسوط 1 : 214.
2- کالعلامة فی المختلف : 178.
3- المعتبر 2 : 534 ، والمختصر النافع : 57.
4- المنتهی 1 : 499.
5- البیان : 181.

______________________________________________________

بالتمر ، فإن أهل اللغة نصّوا علی أن البسر نوع من التمر ، وکذا نصّوا علی أنّ الرطب نوع من التمر (1). وهو جید إن ثبت الإطلاق حقیقة ، لکنه محل نظر ، أما الدلیل الأول فلا بأس به ، لکنه إنما یدل علی تعلق الوجوب بالعنب کما هو المنقول عن ابن الجنید والمصنف ، لا علی تعلق الوجوب به من حین انعقاد الحصرم. وقد ورد بذلک روایتان : روی إحداهما الکلینی - رضی الله عنه - عن أحمد بن محمد ، عن البرقی ، عن سعد بن سعد الأشعری ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن أقلّ ما یجب فیه الزکاة من البرّ والشعیر والتمر والزبیب فقال : « خمسة أوساق بوسق النبی صلی الله علیه و آله فقلت : کم الوسق؟ قال : « ستون صاعا » فقلت : فهل علی العنب زکاة أو إنما یجب علیه إذا صیّره زبیبا؟ قال : « نعم إذا خرصه أخرج زکاته » (2).

والأخری رواها الشیخ ، عن محمد بن علی بن محبوب ، عن أحمد ، عن الحسین ، عن النضر ، عن هشام ، عن سلیمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس فی النخل صدقة حتی تبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلک حتی یبلغ خمسة أوساق زبیبا » (3) والروایتان معتبرتا الإسناد ، بل الظاهر صحتهما فیتعین العمل بهما.

وتظهر فائدة الخلاف فی التصرف فی النصاب بعد بدوّ الصلاح وقبل أن یصیر إلی أحد هذه الأقسام ، فإنه إنما یجوز علی قول الشیخ ومن تابعه بعد الخرص والتضمین ، وعلی قول المصنف ومن قال بمقالته یجوز مطلقا ، وفیما

ص: 138


1- المنتهی 1 : 499.
2- الکافی 3 : 514 - 5 ، الوسائل 6 : 119 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 1.
3- التهذیب 4 : 18 - 46 ، الإستبصار 2 : 18 - 52 ، الوسائل 6 : 120 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 7.

ووقت الإخراج فی الغلّة إذا صفت ، وفی التمر بعد اخترافه ، وفی الزبیب بعد اقتطافه.

______________________________________________________

إذا نقلها إلی غیره فی هذه الحالة فإن الزکاة تجب علی الناقل علی الأول ، وعلی المنقول إلیه علی الثانی.

قوله : ( ووقت الإخراج فی الغلة إذا صفت ، وفی التمر بعد اخترافه ، وفی الزبیب بعد اقتطافه ).

اختراف التمر بالخاء المعجمة : اجتناؤه ، ومثله الاقتطاف للعنب ، وفی جعل ذلک وقت الإخراج تجوّز ، وإنما وقته عند یبس الثمرة وصیرورتها تمرا أو زبیبا ، وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : اتفق العلماء کافة علی أنه لا یجب الإخراج فی الحبوب إلاّ بعد التصفیة ، وفی التمر إلاّ بعد التشمیس والجفاف (1). ونحوه قال فی التذکرة (2).

والظاهر أن المراد بوقت الإخراج الوقت الذی إذا أخرت الزکاة عنه مع التمکن من إخراجها تصیر مضمونة ، أو الوقت الذی یسوغ للساعی فیه مطالبة المالک بالإخراج ، لا الوقت الذی لا یجوز تقدیم الزکاة علیه ، لتصریحهم بجواز مقاسمة الساعی المالک الثمرة قبل الجذاذ ، وإجزاء دفع الواجب علی رؤوس الأشجار. ویدل علی الجواز مضافا إلی العمومات خصوص قوله علیه السلام فی صحیحة سعد بن سعد الأشعری : « إذا خرصه أخرج زکاته » (3).

وقت الاخراج

ص: 139


1- المنتهی 1 : 499.
2- التذکرة 1 : 219.
3- المتقدمة فی ص 138.

ولا تجب الزکاة فی الغلات إلا إذا ملکت بالزراعة ، لا بغیرها من الأسباب ، کالابتیاع والهبة.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تجب الزکاة فی الغلات إلاّ إذا ملکت بالزراعة ، لا بغیرها من الأسباب ، کالابتیاع والهبة ).

لا یخفی ما فی عنوان هذا الشرط من القصور وإیهام خلاف المقصود ، إذ مقتضاه عدم وجوب الزکاة فیما یملک بالابتیاع والهبة مطلقا ، وهو غیر مراد قطعا ، لأنه مخالف لإجماع المسلمین کما اعترف به المصنف (1) وغیره (2) ، ولما سیجی ء فی کلام المصنف من التصریح بوجوب الزکاة فی جمیع ما ینتقل إلی الملک من ذلک قبل تعلق الوجوب به (3).

واعتذر الشارح - قدس سره - عن ذلک بأن المراد بالزراعة فی اصطلاحهم انعقاد الثمرة فی الملک ، وحمل الابتیاع والهبة الواقعین فی العبارة علی ما حصل من ذلک بعد تحقق الوجوب (4). وهذا التفسیر إنما یناسب کلام القائلین بتعلق الوجوب بها بالانعقاد ، أما علی قول المصنف فیکون المراد بها تحقق الملک قبل تعلق الوجوب بها.

وجعل المصنف فی النافع والمعتبر (5) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (6) موضع هذا الشرط نموّ الغلّة والثمرة فی الملک. وهو غیر جید أیضا ، أما علی ما ذهب إلیه المصنف من عدم وجوب الزکاة فی الغلاّت إلاّ بعد تسمیتها حنطة أو شعیرا أو تمرا أو زبیبا فظاهر ، لأن تملکها قبل ذلک کاف فی تعلق

اعتبار ملک الغلة بالزراعة

ص: 140


1- المعتبر 2 : 538.
2- کالعلامة فی المنتهی 1 : 497.
3- الشرائع 1 : 155.
4- المسالک 1 : 56.
5- المختصر النافع : 57 ، والمعتبر 2 : 538.
6- التذکرة 1 : 219 ، والمنتهی 1 : 497 ، والتحریر 1 : 63.

ویزکّی حاصل الزرع ، ثم لا تجب بعد ذلک فیه زکاة ، ولو بقی أحوالا. (1) ولا تجب الزکاة إلاّ بعد إخراج حصة السلطان والمؤن

______________________________________________________

الزکاة بالمتملک ، کما سیصرح به المصنف - رحمه الله - وإن لم ینم فی ملکه.

وأما علی القول بتعلق الوجوب بها ببدوّ الصلاح فلأن الثمرة إذا انتقلت بعد ذلک تکون زکاتها علی الناقل قطعا وإن نمت فی ملک المنتقل إلیه. وکان الأوضح جعل الشرط کونها مملوکة وقت بلوغها الحد الذی تتعلق به الزکاة کما اقتضاه صریح کلام الفریقین.

قوله : ( ویزکّی حاصل الزرع ، ثم لا تجب بعد ذلک فیه زکاة ولو بقی أحوالا ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال المصنف فی المعتبر : إن علیه اتفاق العلماء عدا الحسن البصری ، قال : ولا عبرة بانفراده (2). ویدل علیه مضافا إلی الأصل روایات : منها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة وعبید ابنه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أیّما رجل کان له حرث أو ثمرة فصدّقها فلیس علیه فیه شی ء وإن حال علیه الحول عنده ، إلا أن یحوّله مالا ، فإن فعل فحال علیه الحول عنده فعلیه أن یزکیه ، وإلاّ فلا شی ء علیه وإن ثبت ذلک ألف عام إذا کان بعینه قائما ، وإنما علیه صدقة العشر ، فإذا أدّاها مرة واحدة فلا شی ء علیه فیها حتی یحوّله مالا ویحول علیه الحول وهو عنده » (3).

قوله : ( ولا تجب الزکاة إلاّ بعد إخراج حصة السلطان والمؤن

وجوب الزکاة مرة واحدة فی الغلة

ص: 141


1- المعتبر 2 : 538.
2- التهذیب 4 : 40 - 102 ، الوسائل 6 : 133 أبواب زکاة الغلات ب 11 ح 1.
3-

کلها علی الأظهر.

______________________________________________________

کلها علی الأظهر ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : المؤن کلها علی ربّ المال دون الفقراء (1) ، ونقل فیه فی الخلاف الإجماع إلاّ من عطاء. وهو اختیار الفاضل یحیی بن سعید فی الجامع ، فإنه قال : والمؤنة علی ربّ المال دون المساکین إجماعا إلاّ عطاء فإنه جعلها بینه وبین المساکین ، ویزکی ما خرج من النصاب بعد حق السلطان ، ولا یندر البذر لعموم الآیة (2) والخبر ، ولأن أحدا لا یندر ثمن الغراس وآلة السقی وأجرته کالدولاب والناضح ، ولا فارق بین الثمرة والغلّة (3). وبذلک قطع جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد ، فإنه اعترف بأنه لا دلیل علی استثناء المؤن سوی الشهرة ، وقال : إن إثبات الحکم الشرعی بمجرد الشهرة مجازفة.

وقال الشیخ فی النهایة باستثناء المؤن کلها (4) ، واختاره ابن إدریس (5) والمصنف (6) والعلاّمة (7). والمعتمد الأول.

لنا : قوله علیه السلام فی عدّة أخبار صحیحة : « ما کان منه یسقی بالرشا والدوالی والنواضح ففیه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السیح أو کان بعلا ففیه العشر تاما » (8) ولفظ : « ما » من صیغ العموم فیتناول ما قابل المؤنة وغیره.

استثناء حصة السلطان والمؤن

ص: 142


1- المبسوط 1 : 217 ، والخلاف 1 : 329.
2- التوبة : 103.
3- الجامع للشرائع : 134.
4- النهایة : 178.
5- السرائر : 103.
6- المعتبر 2 : 541 ، والشرائع 1 : 154 ، والمختصر النافع : 57.
7- المختلف : 179 ، والقواعد 1 : 55 ، والتحریر 1 : 63.
8- الوسائل 6 : 124 أبواب زکاة الغلات ب 4.

______________________________________________________

وأظهر من ذلک دلالة ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن أبی بصیر ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنهما قالا له : هذه الأرض التی یزارع أهلها ما تری فیها؟ فقال : « کل أرض دفعها إلیک السلطان فتاجرته (1) فیها فعلیک فیما أخرج الله منها الذی قاطعک علیه ولیس علی جمیع ما أخرج الله منها العشر ، إنما العشر علیک فیما یحصل فی یدک بعد مقاسمته لک » (2). وهذه الروایة کالصریحة فی عدم استثناء شی ء مما یخرج من الأرض سوی المقاسمة ، إذ المقام مقام البیان واستثناء ما عسی أن یتوهم اندراجه فی العموم.

احتج العلاّمة - رحمه الله - فی المنتهی علی ما ذهب إلیه من استثناء المؤن بأن النصاب مشترک بین المالک والفقراء فلا یختص أحدهم بالخسارة علیه کغیره من الأموال المشترکة ، وبأن المؤنة سبب الزیادة فتکون علی الجمیع ، وبأن إلزام المالک بالمؤنة کلها حیف علیه وإضرار به وهو منفیّ ، وبأن الزکاة فی الغلاّت تجب فی النماء والفائدة وهو لا یتناول المؤنة قال : ویؤیده ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ویترک للحارس العذق والعذقان ، والحارس یکون فی النخل ینطره فیترک ذلک لعیاله » (3) قال : وإذا ثبت ذلک فی الحارس ثبت فی غیره ، ضرورة عدم القائل بالفرق (4).

وفی جمیع هذه الأدلة نظر :

أما الأول فلأن اشتراک النصاب بین المالک والفقراء لیس علی حد سائر

ص: 143


1- فی « ض » والمصدر : فی الأصل : فتاجرته.
2- التهذیب 4 : 36 - 93 ، الإستبصار 2 : 25 - 70 ، الوسائل 6 : 129 أبواب زکاة الغلات ب 7 ح 1.
3- التهذیب 4 : 18 - 47 ، الوسائل 6 : 119 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 3.
4- المنتهی 1 : 500.

______________________________________________________

الأموال المشترکة لتکون الخسارة علی الجمیع ، ولهذا جاز للمالک الإخراج من غیر النصاب ، والتصرف فیه بمجرد الضمان ، ووجب علیه کل ما یتوقف علیه الدفع إلی المستحق من أجرة الکیّال والوزّان ، لتوقف الواجب علیه ، وذلک بعینه آت فی أجرة الحصاد والتصفیة ، علی أن هذا الدلیل إن تمّ فإنما یقتضی استثناء المؤنة المتأخرة عن تعلق الوجوب بالنصاب ، والمدّعی أعم من ذلک.

وأما الثانی فلمنع الملازمة ، إذ لا یلزم من کون المؤنة سببا فی الزیادة وجوبها علی الجمیع ، بل ذلک نفس المدعی فکیف یجعل دلیلا؟!.

وأما الثالث فلأن مثل هذا الإضرار غیر ملتفت إلیه فی نظر الشرع ، وإلاّ لسقطت التکالیف کلها.

وأما الرابع فبطلانه أظهر من الجمیع ، لأن متعلق الزکاة ما یخرج من الأرض وهو شامل لما قابل المؤنة وغیره.

وأما الروایة فنقول بموجبها ونمنع التعدی عن غیر المنصوص. وقوله : إنه لا قائل بالفرق ، غیر جید ، فإن ذلک ثابت عند الجمیع ، وقد صرح به من لا یعتبر المؤنة کما حکاه فی التذکرة والمنتهی (1).

وبالجملة : فالمستفاد من النصوص الصحیحة وجوب الزکاة فی جمیع ما یخرج من الأرض بعد المقاسمة فیجب المصیر إلیه إلی أن یثبت المخصص.

ثم إن قلنا باستثناء المؤنة فهل یعتبر بعد النصاب فیزکی الباقی منه بعدها وإن قلّ؟ أم قبله فإن لم یبلغ الباقی بعدها نصابا فلا زکاة؟ أم یعتبر ما سبق علی الوجوب کالسقی والحرث قبله ، وما تأخر کالحصاد والجذاذ بعده؟

ص: 144


1- التذکرة 1 : 220 ، المنتهی 1 : 500.

______________________________________________________

أوجه ، أجودها الأول ، وبه قطع العلاّمة فی التذکرة ، فإنه قال : الأقرب أن المؤنة لا تؤثر فی نقصان النصاب وإن أثرت فی نقصان الفرض ، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المؤنة وإذا سقطت المؤنة منه قصر عن النصاب وجبت الزکاة لکن لا فی المؤنة بل فی الباقی (1).

وجزم فی المنتهی بالثانی فقال : المؤن تخرج وسطا من المالک والفقراء فما فضل وبلغ نصابا أخذ منه العشر أو نصفه (2).

واستوجه الشارح الثالث ، ثم قال - قدس سره - : والمراد بالمؤن ما یغرمه المالک علی الغلة مما یتکرر کل سنة عادة وإن کان قبل عامه کأجرة الفلاحة والحرث والسقی ، وأجرة الأرض وإن کانت غصبا ولم ینو إعطاء مالکها أجرتها ، ومؤنة الأجیر ، وما نقص بسببه من الآلات والعوامل حتی ثیاب المالک ونحوها ، ولو کان سبب النقص مشترکا بینها وبین غیرها وزّع ، وعین البذر إن کان من ماله المزکی ، ولو اشتراه تخیر بین استثناء ثمنه وعینه ، وکذا مؤنة العامل المثلیة ، أما القیمیة فقیمتها یوم التلف ، ولو عمل معه متبرع لم تحتسب أجرته إذ لا تعدّ المنة مؤنة عرفا ، ولو زرع مع الزکوی غیره قسّط ذلک علیهما ، ولو زاد فی الحرث عن المعتاد لزرع غیر الزکوی بالعرض لم یحتسب الزائد ، ولو کانا مقصودین ابتداء وزّع علیهما ما یقصد لهما واختص أحدهما بما یقصد له ، ولو کان المقصود بالذات غیر الزکوی ثم عرض قصد الزکوی بعد إتمام العمل لم یحتسب من المؤن ، ولو اشتری الزرع احتسب ثمنه وما یغرمه بعد ذلک دون ما سبق علی ملکه ، وحصة السلطان من المؤن اللاحقة لبدوّ الصلاح فاعتبار النصاب قبله (3). هذا کلامه - رحمه الله - وهو

ص: 145


1- التذکرة 1 : 220.
2- المنتهی 1 : 500.
3- المسالک 1 : 56.

وأما اللواحق ، فمسائل : الأولی : کل ما سقی سیحا أو بعلا أو عذبا ففیه العشر ، وما سقی بالدوالی والنواضح ففیه نصف العشر.

______________________________________________________

تفصیل حسن لو ثبت مستنده (1).

قوله : ( وأما اللواحق فمسائل ، الأولی : کل ما سقی سیحا أو بعلا أو عذبا ففیه العشر ، وما سقی بالدوالی والنواضح ففیه نصف العشر ).

المراد بالسیح : الجریان ، سواء کان قبل الزرع کالنیل أم بعده. وبالبعل : ما یشرب بعروقه فی الأرض التی تقرب من الماء. وبالعذی بکسر العین : ما سقته السماء. والدوالی : جمع دالیة ، وهی الناعورة التی یدیرها البقر. والنواضح : جمع ناضح ، وهو البعیر یستقی علیه.

وهذا الحکم - أعنی وجوب العشر فی الأول ، وهو ما لا یحتاج فی سقیه إلی آلة من دولاب ونحوه ، ونصف العشر فی الثانی - مذهب العلماء کافة ، حکاه فی المنتهی (2) ، وقال فی التذکرة : إنه لا خلاف فیه بین العلماء (3). والأصل فیه الأخبار المستفیضة کصحیحة زرارة وبکیر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال فی الزکاة : « ما کان یعالج بالرشاء والدلاء والنضح ففیه نصف العشر ، وإن کان یسقی من غیر علاج بنهر أو عین أو نیل (4) ففیه العشر کاملا » (5).

وجوب نصف العشر فیما یسقی بالآلة والعشر فی غیره

ص: 146


1- فی « ض » ، « م » ، « ح » : لو ثبت أصل الحکم.
2- المنتهی 1 : 498.
3- التذکرة 1 : 219.
4- کذا ، وفی المصدر : أو بعل.
5- التهذیب 4 : 16 - 40 ، الإستبصار 2 : 15 - 43 ، الوسائل 6 : 125 أبواب زکاة الغلات ب 4 ح 5.

______________________________________________________

وصحیحة الحلبی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام فی الصدقة : « فیما سقت السماء والأنهار وإذا کان سیحا أو بعلا العشر ، وما سقت السوانی (1) والدوالی أو سقی بالغرب (2) فنصف العشر » (3).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعیر والتمر والزبیب ما بلغ خمسة أوساق - والوسق ستون صاعا ، فذلک ثلاثمائة صاع - ففیه العشر ، وما کان منه یسقی بالرشا والدوالی والنواضح ففیه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السیح أو کان بعلا ففیه العشر تاما » (4).

ویستفاد من هذه الروایات أن الفارق بین وجوب العشر ونصفه احتیاج ترقیة الماء إلی الأرض إلی آلة من دولاب ونحوه ، فمتی توقفت ترقیة الماء إلی الأرض علی ذلک کان الواجب فیها نصف العشر ، وإلاّ فالعشر. ولا عبرة بغیر ذلک من الأعمال کحفر الأنهار والسواقی وإن کثرت مؤنتها ، لعدم اعتبار الشارع إیاه.

واعلم أنه قد أورد علی هذا التفصیل سؤال مشهور ، وهو أن الزکاة إذا کانت لا تجب إلاّ بعد إخراج المؤن فأیّ فارق بین ما کثرت مؤنته وقلّت حتی وجب فی أحدهما العشر وفی الآخر نصفه؟!

ونقل عن المصنف - رحمه الله - أنه أجاب عنه فی المسائل الطبریة بأن الأحکام متلقاة من الشرع المطهر ، وکثیر من علل الشرع غیر معلوم لنا ،

ص: 147


1- السانیة : الناضحة وهی الناقة التی یستقی علیها - الصحاح 6 : 2384.
2- الغرب : الدلو العظیمة - الصحاح 1 : 193.
3- الکافی 3 : 513 - 3 ، الوسائل 6 : 125 أبواب زکاة الغلات ب 4 ح 2.
4- التهذیب 4 : 13 - 34 ، الإستبصار 2 : 14 - 40 ، الوسائل 6 : 120 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 5.

وإن اجتمع فیه الأمران کان الحکم للأکثر.

______________________________________________________

فتکون علة الفرق نفس النص ، وبأن استعمال الأجراء علی السقی والحفظة وأشباه ذلک کلفة متعلقة بالمالک زائدة علی بذل الأجرة فناسبها التخفیف عن المالک.

وأجاب عنه فی التذکرة والمنتهی أیضا بأن تقدیم المؤنة من الکلفة فلهذا وجب نصف العشر (1).

ولا یخفی أن الجواب الأول إنما یتمّ بعد إثبات النص الدال علی الفرق مع الاستثناء المذکور ، وهو منتف.

أما الأخیران فلا بأس بهما إلاّ أنهما إنما یصلحان توجیها للنص الدال علی ذلک أما بدونه فلا. وبالجملة فهذه التفرقة من الشواهد القویة علی عدم الاستثناء ، ومن ثم احتمل الشهید فی البیان إسقاط مؤنة السقی لأجل نصف العشر واعتبار ما عداها (2). وعلی ما اخترناه من عدم الاستثناء فالإشکال مرتفع من أصله.

قوله : ( وإن اجتمع فیه الأمران کان الحکم للأکثر ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة (3) ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن معاویة بن شریح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فیما سقت السماء والأنهار أو کان بعلا العشر ، وأما ما سقت السوانی والدوالی فنصف العشر » قلت له : فالأرض تکون عندنا تسقی بالدوالی ثم یزید الماء فتسقی سیحا؟ قال : « إن ذا لیکون عندکم کذلک »؟ قلت : نعم ، قال : « النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ونصف بالعشر » فقلت : الأرض

حکم ما یسفی بالآلة وبغیر آلة

ص: 148


1- التذکرة 1 : 219 ، المنتهی 1 : 498.
2- البیان : 180.
3- کابنی قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 557 ، 563.

______________________________________________________

تسقی بالدوالی ثم یزید الماء فتسقی السقیة والسقیتین سیحا؟ قال : « کم تسقی السقیة والسقیتین سیحا؟ » قلت : فی ثلاثین لیلة وأربعین لیلة وقد مضت قبل ذلک فی الأرض ستة أشهر ، سبعة أشهر ، قال : « نصف العشر » (1).

واستدل علیه فی التذکرة أیضا بأن اعتبار مقدار السقی وعدد مرّاته وقدر ما یشرب فی کل سقیة مما یشق ویتعذر فجعل الحکم للغالب ، کالطاعة إذا کانت غالبة علی الإنسان کان عدلا وإن ندرت منه المعصیة (2).

وقال بعض العامة : یؤخذ مع الأغلب بالقسط کما یؤخذ مع التساوی ، فإن شرب بالسیح ثلث السقی مثلا کان فی ثلثه العشر ، أو ربع السقی فالربع وهکذا (3).

وهل الاعتبار فی الأکثریة بالأکثر عددا أو زمانا أو نفعا ونموا؟ یحتمل الأول ، وهو الظاهر من العبارة لأنه المتبادر من الکثرة ، ولأن المؤنة إنما تکثر بسبب ذلک ، وهی الحکمة فی اختلاف الواجب. ویحتمل الثانی لظاهر الروایة المتقدمة ، حیث أطلق فیها نصف العشر ورتبه علی أغلبیة الزمان من غیر استفصال عن عدد السقیات فی تلک المدة. واستقرب العلاّمة فی جملة من کتب (4) وولده فی الشرح (5) الثالث ، وعلله فی التذکرة باقتضاء ظاهر

ص: 149


1- التهذیب 4 : 16 - 41 ، الإستبصار 2 : 15 - 44 ، الوسائل 6 : 128 أبواب زکاة الغلات ب 6 ح 1.
2- التذکرة 1 : 219.
3- کالغمراوی فی السراج الوهاج : 122 ، وحکاه عن ابن حامد فی الشرح الکبیر لابن قدامة 2 : 563.
4- التذکرة 1 : 219 ، والقواعد 1 : 55.
5- إیضاح الفوائد 1 : 183.

فإن تساویا أخذ من نصفه العشر ، ومن نصفه نصف العشر.

الثانیة : إذا کان له نخیل أو زروع فی بلاد متباعدة یدرک بعضها قبل بعض ضممنا الجمیع ، وکان حکمها حکم الثمرة فی الموضع الواحد. فما أدرک وبلغ نصابا أخذ منه ، ثم یؤخذ من الباقی قلّ أو کثر. وإن سبق ما لا یبلغ نصابا تربصنا فی وجوب الزکاة إدراک ما یکمل نصابا ، سواء أطلع الجمیع دفعة أو أدرک دفعة أو اختلف الأمران.

______________________________________________________

النص أن النظر إلی مدة عیش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أکثر أو لا (1). وفی استفادة ذلک من النص نظر ، والأصح الأول.

قوله : ( فإن تساویا أخذ من نصفه العشر ، ومن نصفه نصف العشر ).

وذلک لأن دوام کل من الأمرین فی جمیع السنة یوجب مقتضاه ، فإذا وجد فی نصفه أوجب نصفه ، فیجب علیه ثلاثة أرباع العشر ، قال فی المنتهی : وهو إجماع العلماء (2). واعتبار التساوی بالمدّة والعدد ظاهر ، أمّا بالنمو فیرجع فیه إلی أهل الخبرة ، فإن اشتبه الحال حکم بالاستواء.

قوله : ( الثانیة ، إذا کان له نخیل أو زروع فی بلاد متباعدة یدرک بعضها قبل بعض ضممنا الجمیع وکان حکمها حکم الثمرة فی الموضع الواحد ، فما أدرک وبلغ نصابا أخذ منه ، ثم یؤخذ من الباقی قل أو کثر ، وإن سبق ما لا یبلغ نصابا تربصنا فی وجوب الزکاة إدراک ما یکمل نصابا ، سواء أطلع الجمیع دفعة أو أدرک دفعة أو اختلف الأمران ).

المراد أن حکم النخیل والزرع فی البلاد المتباعدة حکمها فی البلد

ضم الزروع المتباعدة

ص: 150


1- التذکرة 1 : 219.
2- المنتهی 1 : 498.

الثالثة : إذا کان له نخل یطلع مرة وآخر یطلع مرتین ، قیل : لا یضم الثانی إلی الأول ، لأنه فی حکم ثمرة سنتین ، وقیل : یضم ، وهو

______________________________________________________

الواحد ، فإن بلغ بعضه الحد الذی یتعلق به الوجوب وکان نصابا أخذت منه الزکاة ، ثم أخذ من الباقی عند تعلق الوجوب به قلّ أو کثر ، وإن کان دون النصاب لم یؤخذ منه شی ء ، لعدم تعلق الوجوب بها ، بل یتربص إلی أن یدرک محل الوجوب ما یکمل نصابا فیؤخذ منه ثم یؤخذ من الباقی کما فی الصورة الأولی ، فالمراد بالإدراک فی قوله : فما أدرک وبلغ نصابا أخذ منه ، إدراک الحد الذی یتعلق به الوجوب. وفی قوله : سواء أطلع الجمیع دفعة أو أدرک دفعة ، غیر ذلک وهو انعقاد الثمرة أو بدوّ صلاحها. وهذا الحکم أعنی وجوب ضمّ ثمر النخل والزرع إلی بعض سواء أطلع الجمیع دفعة أو أدرک دفعة أو اختلف الأمران مجمع علیه بین المسلمین ، قاله فی التذکرة (1).

وقال فی المنتهی : لو کان له نخل یتفاوت إدراکه بالسرعة والبطء بأن یکون فی بلدین قراح أحدهما أسخن من الآخر فتدرک الثمرة فی الأسخن قبل إدراکها فی الآخر ، فإنه یضمّ الثمرتان إذا کانا لعام واحد وإن کان بینهما شهر أو شهران أو أکثر ، لأن اشتراک إدراک الثمار فی الوقت الواحد متعذر ، وذلک یقتضی إسقاط الزکاة غالبا ، ولا نعرف فی هذا خلافا (2). انتهی کلامه - رحمه الله - ویعلم من ذلک أن تسویة المصنف بین اطلاع الجمیع دفعة وإدراکه دفعة واختلاف الأمرین بیان للواقع لا ردّ علی مخالف ، کما ذکره جدی - قدس سره - فی بعض حواشیه.

قوله : ( الثالثة ، إذا کان له نخل یطلع مرة وآخر یطلع مرتین قیل : لا یضم الثانی إلی الأول ، لأنه فی حکم ثمرة سنتین ، وقیل :

حکم النخل الذی یطلع مرتین

ص: 151


1- التذکرة 1 : 221.
2- المنتهی 1 : 499.

الأشبه.

الرابعة : لا یجزی أخذ الرطب عن التمر ، ولا العنب عن الزبیب. (1)

______________________________________________________

یضم ، وهو الأشبه ).

القول بعدم الضمّ للشیخ فی المبسوط ، محتجا بما ذکره المصنف من أنه فی حکم ثمرة سنتین (2). وهو ممنوع ، إذ المفروض کونهما فی عام واحد فیکونان کما لو اختلف وقت الانعقاد ، ومن ذلک یعلم أن الأصح ما اختاره المصنف وأکثر الأصحاب من وجوب الضم ، لأنهما ثمرة سنة واحدة فیتناولهما عموم قوله علیه السلام : « فیما سقت السماء العشر » (3) ولا یخفی أنه لو قال المصنف - رحمه الله - : إذا کان له نخل یطلع فی السنة مرتین قیل : لا یضمّ الثانی إلی الأول إلی آخره ، لکان أخصر وأظهر.

قوله : ( الرابعة ، لا یجزی أخذ الرطب عن التمر ، ولا العنب عن الزبیب ).

المراد أنه لا یجوز أخذ ذلک أصالة وإن بلغ قدر الواجب عند الجفاف ، أما أخذه بالقیمة السوقیة فجائز إن سوّغنا إخراج القیمة من غیر النقدین.

واستقرب العلاّمة فی المنتهی إجزاء الرطب عن التمر إذا أخرج منه ما لو جفّ لکان بقدر الواجب ، لتسمیة الرطب تمرا فی اللغة (4). وهو مشکل ، لأن الإطلاق أعم من الحقیقة ، ولأن ذلک لو تمّ لاقتضی جواز الإخراج منه مطلقا.

عدم أخذ الرطب والعنب عن التمر والزبیب

ص: 152


1- المبسوط 1 : 215.
2- الکافی 3 : 512 - 2 ، التهذیب 4 : 38 - 96 ، الإستبصار 2 : 25 - 73 ، الوسائل 6 : 124 أبواب زکاة الغلات ب 4 ح 1.
3- المنتهی 1 : 502.
4-

ولو أخذه الساعی وجفّ ثم نقص رجع بالنقصان.

الخامسة : إذا مات المالک وعلیه دین فظهرت الثمرة وبلغت نصابا لم یجب علی الوارث زکاتها. ولو قضی الدین وفضل منها النصاب لم تجب الزکاة ، لأنها علی حکم مال المیت.

______________________________________________________

ولو أخرج الرطب أو العنب عن مثله جاز قطعا کما نص علیه فی التذکرة (1) عملا بالإطلاق ، وقوله علیه السلام فی صحیحة سعد بن سعد فی العنب : « إذا خرصه أخرج زکاته » (2).

قوله : ( ولو أخذه الساعی وجف ثم نقص رجع بالنقصان ).

إنما کان للساعی الرجوع علی المالک بالنقصان لعدم إجزاء أخذ الرطب عن التمر ، فإذا جفّ کان له أخذه من الواجب والرجوع علی المالک بالنقصان ، ولو فضل منه شی ء رده علی المالک ، ولو أراد المالک استرجاع الجمیع ودفع بدله کان له ذلک أیضا.

قوله : ( الخامسة ، إذا مات المالک وعلیه دین ثم ظهرت الثمرة وبلغت لم تجب زکاتها علی الوارث ، ولو قضی الدین وفضل منها النصاب لم تجب الزکاة ، لأنها فی حکم مال المیت ).

إذا مات المالک وکان علیه دین ، فإمّا أن یکون موته بعد تعلق الوجوب بالنصاب أو قبله ، وعلی الثانی فإمّا أن یکون موته قبل ظهور الثمرة أیضا أو بعده ، فهنا مسائل ثلاث :

الأولی : أن یتعلق الوجوب بالنصاب قبل الموت ، ویجب إخراجها من أصل المال إجماعا ، وفی تقدیم الزکاة أو وجوب التحاصّ بین أرباب الزکاة

حکم موت المالک وعلیه دین

ص: 153


1- التذکرة 1 : 221.
2- الکافی 3 : 514 - 5 ، الوسائل 6 : 119 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 1.

______________________________________________________

والدیّان مع ضیق الترکة قولان یأتی الکلام فیهما.

الثانیة : أن یکون موته قبل ظهور الثمرة ثم تظهر وتبلغ الحدّ الذی یتعلق به الوجوب قبل أداء الدین ، فإن قلنا إن الترکة لا تنتقل إلی الوارث بل تبقی علی حکم مال المیت کما هو قول المصنف ومن قال بمقالته لم تجب الزکاة علی المیت ، لأن الوجوب یسقط عنه بموته ، ولا علی الوارث ، لانتفاء الملک کما هو المقدّر. وإن قلنا إنها تنتقل إلی الوارث کانت الثمرة له لحدوثها فی ملکه والزکاة علیه ولا یتعلق بها الدین فیما قطع به الأصحاب لأنها لیست جزءا من الترکة.

الثالثة : أن یکون موته بعد الظهور وقبل بلوغها الحدّ الذی یتعلق به الوجوب ثم تبلغ قبل أداء الدین ، فإن قلنا إن الترکة علی حکم مال المیت فلا زکاة علی المیت ولا علی الوارث لعدم الملک ، وإن قلنا بانتقالها إلی الوارث ففی وجوب الزکاة علیه أوجه ، ثالثها أنه إن تمکن من التصرف فی النصاب ولو بأداء الدین من غیر الترکة وجبت الزکاة علیه ، وإلاّ فلا.

ثم إن قلنا بالوجوب فالأقرب أنه لا یغرم العشر للدیّان ، لأن الوجوب قهری فهو کنقص القیمة السوقیة والنفقة علی الترکة ، واستقرب الشهید فی البیان الغرم لسبق حق الدیّان (1). وهو ضعیف.

وإذا قلنا بالتغریم ووجد الوارث مالا یخرجه عن الواجب فالأظهر عدم تعینه للإخراج لتعلق الزکاة بالعین فاستحق أربابها حصة منها. وقیل : یتعین ، لأنه لا فائدة فی الإخراج من العین ثم الغرم (2).

إذا تقرّر ذلک فاعلم أن قول المصنف - رحمه الله - : إذا مات المالک

ص: 154


1- البیان : 169.
2- کما فی التحریر 1 : 28 ، والبیان : 169.

______________________________________________________

وعلیه دین ، یقتضی بإطلاقه عدم الفرق فی الدین بین المستوعب للترکة وغیره إلاّ أن الظاهر حمله علی المستوعب کما ذکره فی المعتبر (1) ، لأن الدین إذا لم یستوعب الترکة ینتقل إلی الوارث ما فضل منها عن الدین عند المصنف بل وغیره أیضا ممن وصل إلینا کلامه من الأصحاب ، وعلی هذا فتجب زکاته علی الوارث مع اجتماع شرائط الوجوب ، خصوصا إن قلنا إن الوارث إنما یمنع من التصرف فیما قابل الدین من الترکة خاصة ، کما اختاره الشارح (2) وجمع من الأصحاب.

وقوله : ولو قضی الدین وفضل منها النصاب لم تجب الزکاة ، تنبیه علی الفرد الأخفی والمراد أنه لو اتفق زیادة قیمة أعیان الترکة بحیث قضی منها الدین وفضل للوارث نصاب بعد أن کان الدین محیطا بها وقت بلوغها الحدّ الذی تتعلق به الزکاة لم تجب علی الوارث ، لأن الترکة کانت وقت تعلق الوجوب بها علی حکم مال المیت. وإذا انتفی وجوب الزکاة مع قضاء الدین وبلوغ الفاضل النصاب وجب انتفاؤه بدون ذلک بطریق أولی.

وعلی هذا فلا یرد علیه ما ذکره بعض المحققین من أن مقتضی العبارة الفرق فی الحکم مع عدم إحاطة الدین بالترکة بین القضاء وعدمه ، وهو غیر مستقیم ، إذ المقتضی للوجوب تحقق الملک وقت تعلق الوجوب بالثمرة ولیس للقضاء المتجدد بعد ذلک اعتبار. ثم حمل العبارة علی أن المراد بقوله : ولو قضی الدین وفضل منها النصاب ، إمکان قضائه من الترکة وبقاء قدر النصاب فیکون المراد أن الدین غیر مستوعب للترکة ویکون قوله : إذا مات المالک وعلیه دین ، منزّلا علی أن الدین مستوعب (3). وهذا الحمل مع بعده إنما یتم إذا قلنا ببقاء الترکة علی حکم مال المیت وإن لم یکن الدین

ص: 155


1- المعتبر 2 : 543.
2- المسالک 1 : 57.
3- وهو المحقق الثانی فی فوائده علی الشرائع علی ما نقله عنه صاحب الجواهر 15 : 248.

ولو صارت ثمرا والمالک حی ثم مات وجبت الزکاة وإن کان دینه یستغرق ترکته. ولو ضاقت الترکة عن الدین ، قیل : یقع التحاصّ بین أرباب الزکاة والدیّان ، وقیل : تقدم الزکاة لتعلقها بالعین قبل تعلق الدین بها ، وهو الأقوی.

______________________________________________________

محیطا بها ، والمصنف لا یقول بذلک ، بل القائل به غیر معلوم ، والله أعلم.

قوله : ( ولو صارت ثمرا والمالک حی ثم مات وجبت الزکاة ولو کان دینه یستغرق ترکته ، ولو ضاقت الترکة عن الدین قیل : یجب التحاص بین أرباب الزکاة والدیّان ، وقیل : تقدم الزکاة لتعلقها بالعین قبل تعلق الدین بها ، وهو الأقوی ).

أما وجوب إخراج الزکاة من أصل المال فمجمع علیه بین علمائنا وأکثر العامة (1) ، ویدل علیه ما رواه الکلینی ، عن محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن محبوب ، عن عباد بن صهیب - وقد وثّقه النجاشی (2) ، لکن قال الشیخ : إنه بتری (3) - عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل فرّط فی إخراج زکاته فی حیاته ، فلما حضرته الوفاة حسب جمیع ما کان فرّط فیه مما لزمه من الزکاة ثم أوصی أن یخرج ذلک فیدفع إلی من یجب له ، قال : « جائز یخرج ذلک من جمیع المال ، إنما هو بمنزلة دین لو کان علیه ، لیس للورثة شی ء حتی یؤدّوا ما أوصی به من الزکاة » (4).

وعن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن معاویة بن

ص: 156


1- کالشافعی فی الأم 2 : 15.
2- رجال النجاشی : 293 - 791.
3- رجال الطوسی : 131 - 66 ، و 240 - 277.
4- الکافی 3 : 547 - 1 ، الوسائل 6 : 175 أبواب المستحقین للزکاة ب 21 ح 1.

السادسة : إذا ملک نخلا قبل أن یبدو صلاح ثمرته فالزکاة علیه ، وکذا إذا اشتری ثمرة علی الوجه الذی یصح.

______________________________________________________

عمّار قال ، قلت له : رجل یموت وعلیه خمسمائة درهم من الزکاة ، وعلیه حجة الإسلام ، وترک ثلاثمائة درهم ، فأوصی بحجة الإسلام وأن یقضی عنه دین الزکاة؟ قال : « یحج عنه من أقرب ما یکون ، وتخرج البقیة فی الزکاة » (1).

ولو ضاقت الترکة عن الدین والزکاة فالأصح تقدیم الزکاة إذا کان متعلقها موجودا فی الترکة ، لتعلقها بالعین قبل تعلق الدین بها. والقول بالتحاصّ بین أرباب الزکاة والدیّان للشیخ فی المبسوط (2) ، وهو ضعیف. نعم لو عدم متعلق الزکاة وصارت فی الذمة وجب التحاصّ قطعا ، لصیرورتها فی الذمة فتجری مجری غیرها من الدیون.

قوله : ( السادسة ، إذا ملک نخلا قبل أن یبدو صلاح ثمرته فالزکاة علیه ، وکذا لو اشتری الثمرة علی الوجه الذی یصح ).

بأن یکون بیعها بعد الظهور ، أو مع الضمیمة ، أو کون البیع أزید من عام. ولا خلاف فی وجوب الزکاة علی المشتری إذا انتقلت إلیه قبل بلوغها الحدّ الذی تتعلق به الزکاة ، لعموم قوله علیه السلام : « ما کان منه یسقی بالرشا والدوالی والنواضح ففیه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السیح أو کان بعلا ففیه العشر » (3) وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة المتناولة بإطلاقها أو عمومها لهذه الصورة (4). وذکر جمع من الأصحاب أن ثمن الثمرة من جملة

حکم من ملک ثمرة قبل بدو صلاحها

ص: 157


1- الکافی 3 : 547 - 4 ، الوسائل 6 : 176 أبواب المستحقین للزکاة ب 21 ح 2.
2- المبسوط 1 : 219.
3- التهذیب 4 : 13 - 34 ، الإستبصار 2 : 14 - 40 ، الوسائل 6 : 120 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 5.
4- الوسائل 6 : 119 أبواب زکاة الغلات ب 1.

فإن ملک الثمرة بعد ذلک فالزکاة علی المملّک ، والأولی الاعتبار بکونه تمرا ، لتعلق الزکاة بما یسمی تمرا ، لا بما یسمی بسرا.

السابعة : حکم ما یخرج من الأرض مما یستحب فیه الزکاة حکم

______________________________________________________

المؤن المستثناة کالبذر ، وقد تقدم الکلام فی استثناء المؤن.

قوله : ( فإن ملک الثمرة بعد ذلک فالزکاة علی المملک ، والأولی الاعتبار بکونه تمرا ، لتعلق الزکاة بما یسمی تمرا ، لا بما یسمی بسرا ).

لا ریب فی وجوب الزکاة علی المملّک إذا وقع التملیک بعد تعلق الوجوب بالنصاب ، لأصالة عدم سقوطه بذلک.

ثم إن کان التملیک بعد الضمان نفذ فی الجمیع ، وإن کان قبله نفذ فی نصیبه ، وفی قدر الواجب یبنی علی ما سلف ، فعلی الشرکة یبطل البیع فیه ، وکذا علی الرهن ، وعلی الجنایة یکون البیع التزاما بالزکاة ، فإن أدّاها نفذ البیع ، وإلاّ تتّبع الساعی العین.

ولو باع المالک الجمیع قبل إخراج الزکاة ثم أخرجها قال الشیخ : صحّ البیع فی الجمیع (1). واستشکله المصنف فی المعتبر بأن العین غیر مملوکة وإذا أدّی العوض ملکها ملکا مستأنفا فافتقر بیعها إلی إجازة مستأنفة کمن باع مال غیره ثم اشتراه (2). وهو جید ، وعلی هذا فلا ینفذ البیع فی نصیب الزکاة إلاّ مع إجازة المالک بعد الإخراج.

قوله : ( السابعة ، حکم ما یخرج من الأرض مما یستحب فیه

نصاب ما تستحب فیه الزکاة

ص: 158


1- المبسوط 1 : 219.
2- المعتبر 2 : 563.

الأجناس الأربعة فی قدر النصاب ، وکیفیة ما یخرج منه ، واعتبار السقی.

______________________________________________________

الزکاة حکم الأجناس الأربعة فی قدر النصاب ، وکمیة ما یخرج منه ، واعتبار السقی ).

هذا الأحکام متفق علیها بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا خلاف فیها بین أهل العلم (1). وتدل علیها روایات : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : إن لنا رطبا (2) وأرزا فما الذی یجب علینا فیه؟ فقال : « أما الرطبة فلیس علیک فیها شی ء ، وأما الأرز فما سقت السماء العشر وما سقی بالدلو فنصف العشر فی کل ما کلت بالصاع - أو قال - : کیل بالمکیال » (3).

وما رواه الشیخ عن زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : فی الذرة شی ء؟ قال لی : « الذرة والعدس والسّلت والحبوب فیها مثل ما فی الحنطة والشعیر ، وکل ما کیل بالصاع فبلغ الأوساق التی تجب فیها الزکاة فعلیه فیها الزکاة » (4).

واعلم أن المصنف - رحمه الله - لم یتعرض فی هذا الکتاب لذکر الخرص وبیان أحکامه وربما کان وجهه قلة الأخبار الواردة فی ذلک عن أئمة الهدی صلوات الله علیهم ، إذ لم یصل إلینا فی ذلک سوی قول أبی الحسن علیه السلام فی صحیحة سعد بن سعد الأشعری فی العنب : « إذا خرصه أخرج زکاته » (5) وقد نقل المصنف (6) فی المعتبر وغیره (7) اتفاق علمائنا وأکثر

ص: 159


1- المنتهی 1 : 510.
2- الرطب وزان قفل : المرعی الأخضر من بقول الربیع - المصباح المنیر : 229.
3- الکافی 3 : 511 - 5 ، الوسائل 6 : 39 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 9 ح 2.
4- التهذیب 4 : 65 - 177 ، الوسائل 6 : 41 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 9 ح 10.
5- الکافی 3 : 514 - 5 ، الوسائل 6 : 119 أبواب زکاة الغلات ب 1 ح 1.
6- المعتبر 2 : 535.
7- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 327 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 500.

______________________________________________________

العامة علی جواز الخرص علی أصحاب النخیل والکروم وتضمینهم حصة الفقراء ، لما روی أن النبی صلی الله علیه و آله کان یبعث إلی الناس من یخرص علیهم کرومهم وثمارهم (1) ، ولأن أرباب الثمار یحتاجون إلی الأکل والتصرف فی ثمارهم فلو لم یشرع الخرص لزم الضرر.

واختلف الأصحاب فی جواز الخرص فی الزرع ، فأثبته الشیخ (2) وجماعة ، لوجود المقتضی ، وهو الاحتیاج إلی الأکل منه قبل یبسه وتصفیته. ونفاه ابن الجنید (3) والمصنف فی المعتبر ، والعلاّمة فی المنتهی والتحریر (4) ، لأنه نوع تخمین وعمل بالظن فلا یثبت إلاّ فی موضع الدلالة ، ولأن الزرع قد یخفی خرصه لاستتار بعضه وتبدده بخلاف النخل والکروم فإن ثمرتهما ظاهرة یتمکن الخارص من إدراکها والإحاطة بها ، ولأن الحاجة فی النخل والکرم ماسّة إلی الخرص لاحتیاج أربابها إلی تناولها غالبا رطبة قبل الجذاذ والاقتطاف ، بخلاف الزرع فإن الحاجة إلی تناول الفریک قلیلة جدا. وقد ذکر المصنف - رحمه الله - فی المعتبر فی هذه المسألة فروعا ونحن نوردها بألفاظه :

الأول : وقت الخرص حین یبدو صلاح الثمرة ، لأنه وقت الأمن علی الثمرة من الجائحة غالبا ، ولما روی أن النبی علیه السلام کان یبعث عبد الله بن رواحة خارصا للنخل حین تطیب (5).

الثانی : یجزی خارص واحد ، لأن الأمانة معتبرة فیه ، فلا تتطرق إلیه

حکم الخرص

ص: 160


1- سنن البیهقی 4 : 121.
2- الخلاف 1 : 327.
3- حکاه عنه فی المعتبر 2 : 537.
4- المعتبر 2 : 537 ، والمنتهی 1 : 501 ، والتحریر 1 : 63.
5- تفسیر العیاشی 1 : 149 - 490 ، الوسائل 6 : 142 أبواب زکاة الغلات ب 19 ح 4.

______________________________________________________

التهمة ، ولأن النبی صلی الله علیه و آله اقتصر علی الواحد.

الثالث : صفة الخرص أن تقدّر الثمرة لو صارت تمرا والعنب لو صار زبیبا ، فإن بلغ الأوساق وجبت الزکاة ، ثم یخیّرهم بین ترکه أمانة فی یدهم وبین تضمینهم حق الفقراء أو یضمن لهم حقهم ، فإن اختاروا الضمان کان لهم التصرف کیف شاؤوا ، وإن أبوا جعله أمانة ولم یجز لهم التصرف بالأکل والبیع والهبة ، لأن فیها حق المساکین.

الرابع : لو تلفت الثمرة بغیر تفریط منهم ، مثل عروض الآفات السماویة والأرضیة أو ظلم ظالم سقط ضمان الحصة ، لأنها أمانة فلا تضمن بالخرص. وقال مالک : یضمن ما قال الخارص ، لأن الحکم انتقل إلی ما قال (1). ولیس بوجه. ولو تلف بعضها لزمه زکاة الموجود حسب.

الخامس : لو ادعی المالک غلط الخارص ، فإن کان قوله محتملا أعید الخرص ، وإن لم یکن محتملا سقطت دعواه.

السادس : لو زاد الخرص کان للمالک ، ویستحب له بذل الزیادة ، وبه قال ابن الجنید ، ولو نقص فعلیه ، تحقیقا لفائدة الخرص. وفیه تردد ، لأن الحصة فی یده أمانة ، ولا یستقر ضمان الأمانة کالودیعة.

السابع : لا یستقصی الخارص ، بل یخفف ما یکون به المالک مستظهرا وما یحصل للمارة. وقال جماعة من الجمهور منهم أحمد بن حنبل : یترک الثلث أو الربع ، لما روی سهل بن أبی خیثمة أن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یقول : « إذا خرصتم فخففوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع » (2).

ص: 161


1- نقله عنه ابن قدامة فی المغنی 2 : 567.
2- سنن الترمذی 2 : 77 وفیه : سهل بن أبی حثمة.

______________________________________________________

لنا : ما رواه أبو عبیدة بإسناده أن النبی صلی الله علیه و آله کان إذا بعث الخارص قال : « خففوا علی الناس فإن فی المال العریّة والواطیة والآکلة » (1) قال أبو عبیدة : والعریة هی النخلة أو النخلات یهب الإنسان ثمرها. والواطیة السابلة (2) سمّوا بذلک لوطئهم بلاد الثمار مجتازین.

وما ذکروه من الثلث والربع إجحاف بالمساکین ، نعم یقال : إن للمارّة أن یأکلوا ، وقیل لبعض أهل البیت علیهم السلام : إن التجار اشتروا الثمرة بأموالهم فقال : « اشتروا ما لیس لهم » (3) فإذا لا یحتسب علی أرباب الزکاة ما یجب علیهم بذله للمجتازة ، وتقدیره إلی نظر الخارص ، أما تقدیره بالثلث والربع فلا. وما ذکروه من الحدیث خبر واحد مناف للأصل ، لأنه تسلط علی مال الفقراء ونقص له فیکون منفیا.

الثامن : لو اقتضت المصلحة تخفیف النخل جاز وسقط من الزکاة بحسابه ، ولو کان قبل بلوغه جاز تخفیفه وقطعه أصلا لما یراه من مصلحة نفسه وأصوله.

ولو اختار الخارص قسمة الثمرة جاز ولو کان رطبا ، لأن القسمة تمییز الحق ولیست بیعا فیمنع بیع الرطب بمثله علی رأی من منع.

ویجوز له بیع نصیب المساکین من ربّ المال وغیره ، ویجوز عندنا تقویم نصیب الفقراء من غیر مراجعة الساعی. ویجوز لربّ المال قطع الثمرة وإن لم یستأذن الخارص ، ضمن أو لم یضمن ، ومنع الشیخ فی المبسوط إذا لم یضمن المالک الخرص ، قال : لأنه تصرف فی مال الغیر فیقف علی

ص: 162


1- سنن البیهقی 4 : 124.
2- الجماعة المختلفة فی الطرقات فی حوائجهم - المصباح المنیر : 265.
3- التهذیب 7 : 89 - 380 ، الإستبصار 3 : 90 - 305 ، الوسائل 13 : 14 أبواب بیع الثمار ب 8 ح 4.

______________________________________________________

الإذن. ولیس بوجه ، لأن المالک مؤتمن علی حفظها فله التصرف بما یراه مصلحة (1).

وأقول : إن فی کثیر من هذه الأحکام نظر ، والقدر المتحقق من ذلک جواز البناء علی قدر الخرص عند عدم العلم بالمقدار ، وجواز التصرف فی الثمرة بعد الضمان ، لأن ذلک فائدة الخرص ، وللإجماع المنقول علیه من جماعة ، منهم العلاّمة فی المنتهی فإنه قال : لو أکل المالک رطبا فإن کان بعد الخرص والتضمین جاز إجماعا ، لأن فائدة الخرص إباحة التناول ، وإن کان بعد الخرص وقبل التضمین بأن خرص علیه الخارص ولم یضمنه جاز أیضا إذا ضمن نصیب الفقراء ، وکذا لو کان قبل الخرص إذا خرصها هو بنفسه ، أما مع عدم الخرص فلا (2). انتهی.

ولم أقف للأصحاب علی تصریح بمعنی الضمان هنا ، وذکر المحقق الشیخ علی أن المراد به العزم علی الأداء من غیرها. وکأن المراد العزم علی أداء الزکاة من غیر ما تعلق به التصرف وإن کان من نفس النصاب ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

ص: 163


1- المعتبر 2 : 535.
2- المنتهی 1 : 502.

القول فی مال التجارة

والبحث فیه ، وفی شروطه ، وأحکامه أما الأول :

فهو المال الذی ملک بعقد معاوضة ، وقصد به الاکتساب عند التملک.

______________________________________________________

قوله : ( القول فی مال التجارة والبحث فیه وفی شروطه وأحکامه ، أما الأول : فهو المال الذی ملک بعقد معاوضة وقصد به الاکتساب عند التملک ).

هذا تعریف لمال التجارة من حیث تتعلق به الزکاة ، فالمال فی التعریف بمنزلة الجنس.

وخرج بالموصول وصلته ما ملک بغیر عقد ، کالإرث وحیازة المباحات وإن قصد به التکسب ، أو بعقد غیر معاوضة کالهبة والصدقة والوقف.

والمراد بالمعاوضة ما یقوّم طرفاها بالمال ، فیخرج الصداق ، وعوض الخلع ، والصلح عن دم العمد ، وإن قصد بذلک الاکتساب.

وخرج بقصد الاکتساب عند التملک ما ملک بعقد معاوضة مع عدم قصد الاکتساب ، إما مع الذهول ، أو قصد القنیة ، أو الصدقة به ، أو نحو ذلک.

زکاة مال التجارة

تعریف مال التجارة

ص: 164

______________________________________________________

أما أنه یشترط فی المال انتقاله بعقد المعاوضة ( فیدل علیه قول الصادق علیه السلام ) (1) فی حسنة محمد بن مسلم.

« إن کان أمسک متاعه یبتغی به رأس ماله فلیس علیه زکاة ، وإن کان حبسه بعد ما یجد رأس ماله فعلیه الزکاة » (2).

وفی روایة أبی الربیع : « إن کان أمسکه یلتمس الفضل علی رأس المال فعلیه الزکاة » (3).

إذ مقتضی الروایتین اعتبار وجود رأس المال فی مال التجارة وإنما یتحقق بعقد المعاوضة.

وأما أنه یشترط فی تعلق الزکاة بالمال نیة الاکتساب به فلا خلاف فیه بین العلماء ، بل تعتبر استمرار نیة الاکتساب طول الحول لیتحقق کونه مال تجارة فیه.

وإنما الکلام فی اعتبار مقارنة هذه النیة للتملک.

وقد ذهب علماؤنا وأکثر العامة (4) إلی اعتبار ذلک أیضا ، لأن التجارة عمل فلا یتحقق (5) بالنیة.

ص: 165


1- بدل ما بین القوسین فی « ض » و « م » : فلإناطة الحکم بذلک فی الأخبار المتضمنة لثبوت هذه الزکاة لقول الصادق علیه السلام .
2- الکافی 3 : 528 - 2 ، التهذیب 4 : 68 - 186 ، الإستبصار 2 : 10 - 29 ، الوسائل 6 : 46 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 13 ح 3.
3- الکافی 3 : 527 - 1 ، التهذیب 4 : 68 - 185 ، الإستبصار 2 : 10 - 29 ، الوسائل 6 : 46 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 13 ح 4.
4- کابن قدامة فی المغنی 2 : 627.
5- فی « م » زیادة إلاّ ، وفی « ح » : بدون النیة.

فلو انتقل إلیه بمیراث أو هبة لم یزکّه. وکذا لو ملکه للقنیة. وکذا لو اشتراه للتجارة ثم نوی القنیة.

______________________________________________________

وحکی المصنف فی المعتبر عن بعض العامة قولا بأن مال القنیة إذا قصد به التجارة تتعلق به الزکاة ، ویظهر منه المیل إلیه ، نظرا إلی أن المال بإعداده للربح یصدق علیه أنه مال تجارة فتتناوله الروایات المتضمنة لاستحباب زکاة التجارة.

وأن نیة القنیة تقطع التجارة فکذا العکس قال : وقولهم : التجارة عمل ، قلنا : لا نسلّم أن الزکاة تتعلق بالفعل الذی هو الابتیاع ، بل لم لا یکفی إعداد السلعة لطلب الربح وذلک یتحقق بالنیة (1).

وإلی هذا القول ذهب الشهید فی الدروس (2) ، والشارح فی جملة من کتبه (3) ، ولا بأس به.

قوله : ( فلو انتقل إلیه بمیراث أو هبة لم یزکه ، وکذا لو ملکه للقنیة ، وکذا لو اشتراه للتجارة ثم نوی القنیة ).

قد تقدم ما یعلم منه هذه الأحکام ، لکن عطف قوله : وکذا لو اشتراه للتجارة ثم نوی القنیة ، علی ما قبله غیر جید ، إذ لم یتقدم فی القیود ما یدل علی خروجه.

وإنما یستقیم لو اعتبر بقاء قصد الاکتساب طول الحول ، وکیف کان فلا ریب فی اعتبار هذا الشرط ، بل قال المصنف فی المعتبر : إنه موضع وفاق ، لخروج المال بنیة القنیة عن کونه مال تجارة (4).

ص: 166


1- المعتبر 2 : 548.
2- الدروس : 61.
3- المسالک 1 : 57.
4- المعتبر 2 : 549.

وأما الشروط فثلاثة :

الأول : النصاب ، ویعتبر وجوده فی الحول کله ، فلو نقص فی أثناء الحول ولو یوما سقط الاستحباب.

______________________________________________________

قوله : ( وأما الشروط فثلاثة ، الأول : النصاب ، ویعتبر وجوده فی الحول کله ، فلو نقص فی أثناء الحول ولو یوما سقط الاستحباب ).

أما اشتراط بلوغ القیمة النصاب فی هذه الزکاة فقال فی المعتبر : إنه قول علماء الإسلام (1).

وأما اعتبار وجوده فی الحول کله فهو مذهب علمائنا وأکثر العامة (2) ، وقال بعضهم : یعتبر النصاب فی أول الحول وآخره لا فی وسطه (3). وقال بعضهم : ینعقد الحول علی ما دون النصاب ، فإن تمّ الحول وقد کمل النصاب وجبت الزکاة (4). ولا ریب فی بطلانهما ، لأنها لو ثبتت مع نقصانه فی وسط الحول أو فی أوله لوجبت فی زیادة متجددة لم یحل علیها الحول.

والمراد بالنصاب هنا نصاب النقدین ، إذ الظاهر من الروایات أن هذه الزکاة بعینها زکاة النقدین فیعتبر فیها نصابهما ویتساویان فی قدر المخرج ، ولا یعتبر نصاب غیرهما من الأموال قطعا ، کما صرّح به جماعة ، منهم العلاّمة فی التذکرة فإنه قال : النصاب المعتبر فی قیمة مال التجارة هنا هو أحد النقدین الذهب والفضة دون غیرهما ، فلو اشتری بأحد النصب فی المواشی مال التجارة وقصرت قیمة الثمن عن نصاب أحد النقدین ثم حال الحول کذلک فلا زکاة ، ولو قصر الثمن عن زکاة المواشی بأن اشتری بأربع من الإبل متاع التجارة وکانت

اشتراط النصاب فی زکاة مال التجارة

ص: 167


1- المعتبر 2 : 546.
2- کالقرطبی فی بدایة المجتهد 1 : 271.
3- حکاه فی المغنی 2 : 625.
4- حکاه فی المغنی 2 : 625.

ولو مضی علیه مدة یطلب فیها برأس المال ثم زاد کان حول الأصل من حین الابتیاع وحول الزیادة من حین ظهورها.

______________________________________________________

قیمة الثمن أو السلعة تبلغ نصابا من أحد النقدین تعلقت الزکاة به.

إذا عرفت هذا فالنصاب الأول قد عرفت أنه عشرون دینارا أو مائتا درهم ، فإذا بلغت القیمة أحدهما ثبتت الزکاة ، ثم الزائد إن بلغ النصاب الثانی وهو أربعة دنانیر أو أربعون درهما ثبتت فیه الزکاة ، وهو ربع عشرة أیضا ، وإلاّ فلا ، ولم یعتبر الجمهور النصاب الثانی وقد سلف (1). انتهی کلامه - رحمه الله - وهو جید ، ونحوه قال فی المنتهی (2).

ومن هنا یظهر أن ما ذکره جدّی - قدس سره - فی حواشی القواعد من أنه لم یقف علی دلیل یدل علی اعتبار النصاب الثانی هنا ، وأن العامة صرحوا باعتبار الأول خاصة غیر جید ، لأن الدلیل علی اعتبار الأول هو بعینه الدلیل علی اعتبار الثانی ، والجمهور إنما لم یعتبروا النصاب الثانی هنا لعدم اعتبارهم له فی زکاة النقدین کما ذکره فی التذکرة.

قوله : ( ولو مضی علیه مدة یطلب فیها برأس المال ثم زاد کان حول الأصل من حین الابتیاع ، وحول الزیادة من حین ظهورها ).

المراد أن النصاب إذا مضی له مدة ولم یظهر فیه ربح سواء طلب أم لم یطلب ثم ظهر الربح فی أثناء الحول لم یبن حول الربح علی حول الأصل ، بل یزکی الأصل عند تمام حوله من حین الابتیاع ، ثم یزکی الربح إذا حال حوله من حین الظهور ، وإنما اعتبر ذلک لأن الربح إذا لم یحل علیه الحول فلا تجب فیه الزکاة ، لإطلاق الروایات المتضمنة لأنه لا زکاة فی مال حتی یحول علیه الحول (3).

ص: 168


1- التذکرة 1 : 228.
2- المنتهی 1 : 486.
3- الوسائل 6 : 48 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 14.

الثانی : أن یطلب برأس المال أو زیادة ، فلو کان رأس ماله مائة ، فطلب بنقیصة ولو حبّة لم یستحب.

______________________________________________________

وقال بعض العامة : إذا حال الحول علی الأصل یزکی الجمیع ، لأن حول الربح حول الأصل (1). وهی دعوی مجردة عن الدلیل. قال فی المعتبر : ولو قاس علی النتاج منعنا الأصل کما نمنع الفرع (2). وفی حکم الربح نموّ المال الأول کنتاج الدابة وثمر الشجر.

قوله : ( الثانی ، أن یطلب برأس المال أو زیادة ، فلو کان رأس ماله مائة فطلب بنقیصة ولو حبة لم یستحب ).

المراد بالحبة المعهودة ، وهی التی یقدّر بها القیراط ، فتکون من الذهب ، أما نحو حبة الغلاّت فلا اعتداد بها لعدم تمولها.

والمراد أنه یشترط فی زکاة التجارة وجود رأس المال طول الحول ، فلو نقص رأس ماله فی الحول کلّه أو فی بعضه لم یستحب وإن کان ثمنه أضعاف النصاب ، وعند بلوغ رأس المال یستأنف الحول ، قال فی المعتبر : وعلی ذلک فقهاؤنا أجمع (3).

ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل اشتری متاعا فکسد علیه وقد زکّی المال قبل أن یشتری المتاع متی یزکّیه؟ فقال : « إن کان أمسک متاعه یبتغی به رأس ماله فلیس علیه زکاة ، وإن کان حبسه بعد ما یجد رأس ماله فعلیه الزکاة بعد ما أمسکه بعد رأس المال » (4).

وعن أبی الربیع الشامی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل اشتری

اشتراط الطلب برأس المال

ص: 169


1- حکاه فی بدایة المجتهد 1 : 271.
2- المعتبر 2 : 545.
3- المعتبر 2 : 550.
4- المتقدمة فی ص 165.

وروی أنه إذا مضی علیه وهو علی النقیصة أحوال زکّاه لسنة واحدة استحبابا.

الثالث : الحول ، ولا بد من وجود ما یعتبر فی الزکاة من أول الحول إلی أخره.

______________________________________________________

متاعا فکسد علیه متاعه وقد زکّی ماله قبل أن یشتری به ، هل علیه زکاة أو حتی یبیعه؟ فقال : « إن کان أمسکه یلتمس الفضل علی رأس المال فعلیه الزکاة » (1).

قوله : ( وروی : إذا مضی علیه وهو علی النقیصة أحوال زکاه لسنة واحدة استحبابا ).

هذه الروایة رواها الشیخ فی کتابی الأخبار ، عن علیّ بن الحسن بن فضال ، عن سندی بن محمد ، عن العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : المتاع لا أصیب به رأس المال ، علیّ فیه زکاة؟ قال : « لا » قلت : أمسکه سنین ثم أبیعه ماذا علیّ؟ قال : « سنة واحدة (2) » وحملها علی الاستحباب ، جمعا بینها وبین غیرها من الرویات المتضمنة لسقوط الزکاة مع النقیصة. ویظهر من المصنف التوقف فی هذا الحکم حیث أسنده إلی الروایة ، وهو فی محله ، لقصورها من حیث السند عن إثبات الحکم الشرعی.

قوله : ( الثالث ، الحول : ولا بد من وجود ما یعتبر فی الزکاة من أول الحول إلی آخره ).

هذا الشرط مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال المصنف فی المعتبر : إن

اشتراط الحول

ص: 170


1- المتقدمة فی ص 1490.
2- التهذیب 4 : 69 - 189 وفیه : أمسکه سنتین ، الإستبصار 2 : 11 - 32 ، الوسائل 6 : 47 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 13 ح 9.

______________________________________________________

علیه اتفاق علماء الإسلام (1). وتدل علیه روایات : منها ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن الرجل توضع عنده الأموال یعمل بها فقال : « إذا حال علیها الحول فلیزکها » (2).

وعن محمد بن مسلم أیضا أنه قال : کل مال عملت به فعلیک فیه الزکاة إذا حال علیه الحول (3). ویندرج فی قول المصنف : ولا بدّ من وجود ما یعتبر فی الزکاة ، الشرائط العامة والخاصة.

وهل یشترط فی زکاة التجارة بقاء عین السلعة طول الحول کما فی المالیة ، أم لا یشترط ذلک فتثبت الزکاة وإن تبدلت الأعیان مع بلوغ القیمة النصاب؟ الظاهر من کلام المفید - رحمه الله - فی المقنعة الأول فإنه قال : وکل متاع طلب من مالکه بربح أو برأس ماله فلم یبعه طلبا للفضل فیه فحال علیه الحول ففیه الزکاة بحساب قیمته سنّة مؤکدة (4). ونحوه قال ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه (5). وهو ظاهر اختیار المصنف فی هذا الکتاب ، وبه قطع فی المعتبر ، واستدل علیه بأنه مال یثبت فیه الزکاة فیعتبر بقاؤه کغیره ، وبأنه مع التبدل تکون الثانیة غیر الأولی فلا تجب فیها الزکاة لأنه لا زکاة فی مال حتی یحول علیه الحول (6). وهو جید.

ویدل علیه أیضا أن مورد النصوص المتضمنة لثبوت هذه الزکاة السلعة الباقیة طول الحول ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی حسنة ابن مسلم

ص: 171


1- المعتبر 2 : 544.
2- الکافی 3 : 528 - 2 ، الوسائل 6 : 46 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 13 ح 3.
3- الکافی 3 : 528 - 5 ، الوسائل 6 : 47 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 13 ح 8.
4- المقنعة : 40.
5- الفقیه 2 : 11.
6- المعتبر 2 : 547.

فلو نقص رأس ماله أو نوی به القنیة انقطع الحول. ولو کان بیده نصاب بعض الحول فاشتری به متاعا للتجارة ، قیل : کان حول العرض حول الأصل ، والأشبه استئناف الحول.

______________________________________________________

المتقدمة : « وإن کان حبسه بعد ما یجد رأس ماله فعلیه الزکاة » (1) وفی روایة أبی الربیع : « إن کان أمسکه یلتمس الفضل علی رأس المال فعلیه الزکاة » (2).

وقریب منهما صحیحة إسماعیل بن عبد الخالق ، قال : سأله سعید الأعرج وأنا أسمع فقال : إنا نکبس الزیت والسمن نطلب به التجارة ، فربما مکث عندنا السنة والسنتین هل علیه زکاة؟ فقال : « إن کنت تربح فیه شیئا أو تجد رأس مالک فعلیک زکاته ، وإن کنت إنما تربّص به لأنک لا تجد إلاّ وضیعة فلیس علیک زکاته » (3).

وجزم العلاّمة (4) ومن تأخر عنه (5) بالثانی ، وادعی علیه فی التذکرة (6) وولده فی الشرح (7) الإجماع ، وهو ضعیف.

قوله : ( ولو کان بیده نصاب بعض حول فاشتری به متاعا للتجارة قیل : کان حول العرض حول الأصل ، والأشبه استئناف الحول ).

موضع الخلاف ما إذا کان النصاب من أحد النقدین ، والقول ببناء حول العرض علی حول الأصل للشیخ فی المبسوط والخلاف (8) ، محتجا بقول الصادق

ص: 172


1- فی ص 165.
2- المتقدمة فی ص 165.
3- الکافی 3 : 529 - 9 ، التهذیب 4 : 69 - 187 ، الإستبصار 2 : 10 - 30 ، الوسائل 6 : 46 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 13 ح 1.
4- التذکرة 1 : 229.
5- کالشهید الأول فی الدروس : 61.
6- التذکرة 1 : 229.
7- إیضاح الفوائد 1 : 187.
8- المبسوط 1 : 221 ، الخلاف 1 : 343.

ولو کان رأس المال دون النصاب استأنف عند بلوغه نصابا فصاعدا. وأما أحکامه فمسائل :

الأولی : زکاة التجارة تتعلق بقیمة المتاع لا بعینه ،

______________________________________________________

علیه السلام : « کل عرض فهو مردود إلی الدراهم والدنانیر » (1) وهو احتجاج ضعیف. والأصح استئناف الحول کما اختاره المصنف ومن تأخر عنه (2) ، لأن حول العینیة انقطع بفوات المحل ، وحول التجارة إنما یعتبر بعد عقد المعاوضة ، لاستحالة تقدم المسبب علی السبب. واستوجه العلاّمة فی التذکرة البناء إن کان الثمن من مال تجارة ، وإلاّ استأنف (3). والأجود الاستئناف مطلقا کما بیّنّاه.

قوله : ( ولو کان رأس المال دون النصاب استأنف عند بلوغه نصابا فصاعدا ).

المراد أنه إذا ملک دون النصاب من مال التجارة مدة ثم کمل عنده نصاب إما بارتفاع القیمة أو نماء الأصل أو غیر ذلک ابتدأ الحول من حین الکمال ، وذاک واضح.

قوله : ( وأما أحکامه فمسائل ، الأولی : زکاة التجارة تتعلق بقیمة المتاع لا بعینه ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (4) وأتباعه (5) ، واستدل علیه بأن النصاب معتبر

تعلق زکاة التجارة بقیمة المتاع

ص: 173


1- الکافی 3 : 516 - 8 ، التهذیب 4 : 93 - 269 ، الإستبصار 2 : 39 - 121 ، الوسائل 6 : 93 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 1 ح 7 ، لیس فیها : والدنانیر ، وفیها : عن أبی إبراهیم علیه السلام بدلا عن أبی عبد الله علیه السلام .
2- کالعلامة فی القواعد 1 : 56 ، والشهید الأول فی البیان : 190.
3- التذکرة 1 : 229.
4- الخلاف 1 : 343 ، المبسوط 1 : 221.
5- کسلار فی المراسم : 136.

______________________________________________________

بالقیمة ، وما اعتبر النصاب منه وجبت الزکاة فیه کسائر الأموال ، وبما رواه عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کل عرض فهو مردود إلی الدراهم والدنانیر » (1).

قال فی المعتبر : وتمسک الشیخ ضعیف ، أما قوله : النصاب معتبر بالقیمة ، قلنا : مسلم لکن لیعلم بلوغها القدر المعلوم ، ولا نسلم أنه لوجوب الإخراج منها ، وأما الروایة فغیر دالة علی موضع النزاع ، لأنها دالة علی أن الأمتعة تقوّم بالدراهم أو الدنانیر ، ولا یلزم من ذلک إخراج زکاتها منها. ثم نقل عن أبی حنیفة قولا بتعلق الزکاة بالعین ، فإن أخرج منها فهو الواجب ، وإن عدل إلی القیمة فقد أخرج بدل الزکاة ، وقال : إن ما قاله أبو حنیفة أنسب بالمذهب (2). ونفی العلاّمة فی التذکرة البأس عن هذا (3) ، وهو حسن.

وتظهر فائدة الخلاف فی جواز بیع السلعة بعد الحول وقبل إخراج الزکاة أو ضمانها فیجوز علی الأول کما نصّ علیه فی المنتهی (4) ، لأنها إنما تتعلق بالقیمة دون الثانی.

قال الشارح - قدس سره - : وتظهر فائدة الخلاف أیضا فی ما لو زادت القیمة بعد الحول ، فعلی المشهور یخرج ربع عشر القیمة الأولی ، وعلی الثانی ربع عشر الزیادة أیضا ، وفی التحاصّ وعدمه لو قصرت الترکة (5). ویمکن المناقشة فی الحکم الثانی بأن التعلق بالقیمة غیر الوجوب فی الذمة فیتجه القول بتقدیم الزکاة علی القول بالوجوب وإن قلنا إنها تتعلق بالقیمة کما اختاره فی

ص: 174


1- المتقدمة فی ص 173.
2- المعتبر 2 : 550.
3- التذکرة 1 : 228.
4- المنتهی 1 : 508.
5- المسالک 1 : 58.

ویقوّم بالدنانیر أو الدراهم.

______________________________________________________

الدروس (1) ، إلاّ أن یقال : إن التعلق بالقیمة إنما یتحقق بعد بیع عروض التجارة أما قبله فلا ، وهو بعید جدا.

واعلم أن شیخنا الشهید - رحمه الله - ذکر فی حواشی القواعد عند قول المصنف : والزکاة تتعلق بقیمة المتاع ، وتظهر الفائدة فی مثل من عنده مائتا قفیز من حنطة تساوی مائتی درهم ثم تزید بعد الحول إلی ثلاثمائة درهم ، فإن قلنا تتعلق بالعین أخرج خمسة أقفزة أو قیمتها سبعة دراهم ونصفا ، وإن قلنا بالقیمة أخرج خمسة دراهم أو بقیمتها حنطة.

واعترضه جدی - قدس سره - فی حواشی القواعد أیضا بأن ذلک إنما یتم لو لم یعتبر فی نصاب زکاة التجارة النصاب الثانی لأحد النقدین وإلاّ لوجب سبعة لا غیر ، لأن العشرین بعد الثمانین عفو. وهو مدفوع بأن السبعة والنصف إنما أخذت قیمة عن الخمسة الأقفزة الواجبة فی هذا المال ، لا زکاة عن الثلاثمائة لیعتبر فیها النصاب الثانی ، فإن المائة الزائدة لم یحل علیها الحول کما هو واضح.

قوله : ( ویقوّم بالدراهم أو الدنانیر ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین کون الثمن الذی وقع به الشراء من أحد النقدین وغیره ، وهو مشکل علی إطلاقه ، والأصح أن الثمن إن کان من أحد النقدین وجب تقویم السلعة بما وقع به الشراء کما صرح به المصنف فی المعتبر (2) ، والعلاّمة (3) ، ومن تأخر عنه (4) ، لأن نصاب العرض

تقویم المتاع بالدراهم والدنانیر

ص: 175


1- الدروس : 61.
2- المعتبر 2 : 547.
3- التذکرة 1 : 228 ، المنتهی 1 : 508.
4- منهم الشهید الأول فی الدروس : 61 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 150 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 58.

تفریع : إذا کانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدین دون الآخر تعلقت بها الزکاة ، لحصول ما یسمی نصابا.

المسألة الثانیة : إذا ملک أحد النصب الزکاتیّة للتجارة مثل أربعین شاة أو ثلاثین بقرة سقطت زکاة التجارة ووجبت زکاة المال ، ولا تجتمع الزکاتان ، ویشکل ذلک علی القول بوجوب زکاة التجارة.

______________________________________________________

مبنی علی ما اشتری به فیجب اعتباره به کما لو لم یشتر به شیئا ، ولقوله علیه السلام : « إن کنت تربح فیه شیئا أو تجد رأس مالک فعلیک زکاته » (1) ورأس المال إنما یعلم بعد التقویم بما وقع به الشراء.

ولو وقع الشراء بالنقدین وجب التقویم بهما ، ولو بلغ أحدهما النصاب زکّاه دون الآخر.

ولو کان الثمن عروضا قوّم بالنقد الغالب واعتبر بلوغ النصاب ووجود رأس المال فی الحول به خاصة.

ولو تساوی النقدان کان له التقویم بأیهما شاء. ویکفی فی استحباب الزکاة بلوغ القیمة النصاب بأحدهما وکذا وجود رأس المال.

قوله : ( تفریع ، إذا کانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدین دون الآخر تعلقت بها الزکاة ، لحصول ما یسمی نصابا ).

هذا إنما یتم إذا کان الثمن عروضا وتساوی النقدان ، وإلاّ وجب التقویم بالنقد الذی وقع به الشراء أو بالنقد الغالب خاصة کما تقدم.

قوله : ( المسألة الثانیة ، إذا ملک أحد النصب الزکاتیة للتجارة مثل أربعین شاة أو ثلاثین بقرة سقطت زکاة التجارة ووجبت زکاة المال ، ولا تجتمع الزکاتان ، ویشکل ذلک علی القول بوجوب زکاة التجارة ، وقیل : تجتمع الزکاتان ، هذه وجوبا ، وهذه استحبابا ).

حکم تملک نصاب زکاتی للتجارة

ص: 176


1- المتقدم فی ص 172.

______________________________________________________

هذا القول مجهول القائل وقد نقل المصنف فی المعتبر الإجماع علی خلافه فقال : ولا تجتمع زکاة العین والتجارة فی مال واحد اتفاقا (1). ونحوه قال العلاّمة فی التذکرة والمنتهی (2). والأصل فی ذلک قول النبی 6 : « لا ثنیا فی صدقة » (3) وقول الصادق 7 فی حسنة زرارة : « لا یزکی المال من وجهین فی عام واحد » (4).

ثم إن قلنا باستحباب زکاة التجارة وجب القول بسقوطها ، لأن الواجب مقدم علی الندب ، وإن قلنا بالوجوب قال الشیخ فی الخلاف والمبسوط : تجب زکاة العینیة دون التجارة ، لأن وجوبها متفق علیه ، ولأنها تتعلق بالعین فکانت أولی (5). وقال بعض العامة : تقدم زکاة التجارة ، لأنها أحفظ للفقراء لتقویمها بالنقدین وعدم اختصاصها بعین دون عین (6).

قال فی المعتبر : والحجتان ضعیفتان ، أما الاتفاق علی الوجوب فهو مسلم لکن القائل بوجوب زکاة التجارة یوجبها کما یوجب زکاة المال فلم یکن عنده رجحان ، وأما کونها مختصة بالعین فهو موضع المنع ، ولو سلم لم یکن فی ذلک رجحان ، لاحتمال کون ما یلزم القیمة أولی ، وأما کونه أحظ للفقراء فلا نسلم وجوب مراعاة الأحظ للمساکین ، ولم لا تجب مراعاة الأحظ للمالک ، لأن الصدقة عفو المال ومواساة فلا تکون سببا لإضرار المالک ولا موجبة للتحکم فی ماله (7).

ص: 177


1- المعتبر 2 : 549.
2- التذکرة 1 : 229 ، والمنتهی 1 : 509.
3- النهایة لابن الأثیر 1 : 224.
4- الکافی 3 : 520 - 6 ، التهذیب 4 : 33 - 85 ، الوسائل 6 : 67 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 7 ح 1.
5- الخلاف 1 : 347 ، المبسوط 1 : 222.
6- کابن قدامة فی المغنی 2 : 627.
7- المعتبر 2 : 549.

الثالثة : لو عاوض أربعین سائمة بأربعین سائمة للتجارة سقط وجوب المالیة والتجارة ، واستأنف الحول فیهما ، وقیل : بل تثبت زکاة المال مع تمام الحول دون التجارة ، لأن اختلاف العین لا یقدح فی الوجوب مع تحقق النصاب فی الملک ، والأول أشبه.

______________________________________________________

وحکی الشارح قولا فی المسألة بتخییر المالک فی إخراج أیهما شاء ، لتساویهما فی الوجوب ، وامتناع الجمع بینهما ، وعدم المرجح لأحدهما (1). والأصح ما ذکره الشیخ من تقدیم العینیة ، لانتفاء الدلیل علی ثبوت زکاة التجارة مع وجوب العینیة ، فإن الروایات المتضمنة لثبوت هذه الزکاة لا تعطی ذلک کما یظهر للمتتبع ، والله أعلم.

قوله : ( الثالثة ، لو عارض أربعین سائمة بأربعین سائمة للتجارة سقط وجوب المالیة والتجارة واستأنف الحول فیهما ، وقیل : بل تثبت زکاة المال مع تمام الحول دون التجارة ، لأن اختلاف العین لا یقدح فی الوجوب مع تحقق النصاب فی الملک ، والأول أشبه ).

المراد أنه إذا کان عنده أربعون سائمة بعض الحول للتجارة ، ثم عارضها بمثلها للتجارة فإنّ ما مضی من الحول ینقطع بالنسبة إلی المالیة والتجارة معا.

وإنما جعلنا التقیید بکونها للتجارة متعلقا بالأولی والثانیة ، لأن الأولی لو کانت للقنیة لم یکن لذکر سقوط التجارة وجه. أما سقوط المالیة فالخلاف فیه مع الشیخ ، حیث ذهب إلی عدم سقوطها بتبدل النصاب بالجنس ، وقد تقدم الکلام فیه. وأما سقوط زکاة التجارة فهو اختیار المصنف هنا ظاهرا ، وفی المعتبر صریحا (2) ، وغیره من الأصحاب (3) ، إلاّ أن العلاّمة فی التذکرة (4) وولده

حکم تعویض أربعین ساعة بمثلها للتجارة

ص: 178


1- المسالک 1 : 58.
2- المعتبر 2 : 547.
3- کالعلامة فی المنتهی 1 : 509.
4- التذکرة 1 : 229.

______________________________________________________

فی الشرح (1) نقلا الإجماع علی خلافه.

ومن ثم تکلّف الشارح حمل عبارة المصنف علی ما لا ینافی الإجماع فحمل الأربعین الأولی علی أنها للقنیة وحمل سقوط التجارة علی الارتفاع الأصلی وهو انتفاؤها قال : وغایته أن یکون مجازا ، وهو أولی من اختلال المعنی مع الحقیقة (2). وهو حمل بعید ، مع أنه لا ضرورة تلجی ء إلیه.

واعلم أن المحقق الشیخ علی - رحمه الله - وجّه فی حاشیة الکتاب سقوط زکاة التجارة هنا بما لا ینافی الإجماع أیضا فقال : إن ما مضی من الحول ینقطع بالنسبة إلی المالیة والتجارة معا ، أما المالیة فلتبدل العین فی أثناء الحول ، وأما التجارة فلأن حول المالیة یبتدئ من حین دخول الثانیة فی ملکه ، فیمتنع اعتبار بعضه فی حول التجارة ، لأن الحول الواحد کما لا یمکن اعتباره للزکاتین فکذا بعضه.

ویشکل بأن مقتضی العمومات ثبوت زکاة التجارة عند تمام حولها کما قطع به الشیخ (3) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (4). والشهید فی البیان (5) ، لخلوها من المعارض ، وعلی هذا فلا یجری النصاب فی حول العینیة إلاّ بعد تمام حول التجارة ، لامتناع احتساب الحول الواحد أو بعضه للزکاتین ، لاستلزامه الثنیا فی الصدقة ، ویحتمل جریانه فی حول العینیة من حین الملک لاختلاف محل الزکاة ووقتها المقتضی لعدم تحقق الثنیا.

والتحقیق أن مقتضی الأدلة الدالة علی ثبوت زکاة التجارة تعلقها بالمال بتمام الحول ، ومقتضی الأدلة الدالة علی جریان النصاب فی حول العینیة جریانه

ص: 179


1- إیضاح الفوائد 1 : 186.
2- المسالک 1 : 58.
3- الخلاف 1 : 344 ، المبسوط 1 : 223 ، والاقتصاد : 278.
4- التذکرة 1 : 229 ، المنتهی 1 : 507 ، ونهایة الأحکام 2 : 371.
5- البیان : 190.

الرابعة : إذا ظهر فی مال المضاربة الربح کانت زکاة الأصل علی ربّ المال لانفراده بملکه ، وزکاة الربح بینهما ، تضمّ حصة المالک إلی ماله وتخرج منه الزکاة ، لأن رأس ماله نصاب.

ولا تستحب فی حصة الساعی الزکاة إلاّ أن تکون نصابا.

______________________________________________________

من حین الملک ، فإن لم یثبت التنافی بین الزکاتین علی هذا الوجه أخرج کلا منهما عند تمام حولها من حین الملک ، وإن ثبت امتناع ذلک - کما هو الظاهر - احتمل تقدیم زکاة التجارة وعدم جریان النصاب فی حول العینیة إلاّ بعد تمام حول التجارة لسبقها ، خصوصا علی القول بالوجوب ، ویحتمل تقدیم العینیة وجریان نصابها فی الحول من حین الملک لقوتها ، ولما أشرنا إلیه سابقا من انتفاء الدلیل علی ثبوتها فیما تجب فیه العینیة ، فینقطع حول التجارة کما ذکره المحقق الشیخ علی ، ولعل هذا أرجح.

واعلم أن فی قول المصنف : واستأنف الحول فیهما ، إشارة إلی أن زکاة التجارة وإن لم تجتمع مع المالیة لکنها إنما تسقط عند تمام حول المالیة وتحقق وجوبها لا من حین جریان النصاب فی حول العینیة ، وعلی هذا فیتساوق الحولان ، ومع اختلال شرائط المالیة فی أثناء الحول تثبت زکاة التجارة.

قوله : ( الرابعة ، إذا ظهر فی مال المضاربة الربح کانت زکاة الأصل علی رب المال لانفراده بملکه ، وزکاة الربح بینهما ، تضم حصة المالک إلی ماله وتخرج منه الزکاة ، لأن رأس ماله نصاب ، ولا تستحب فی حصة الساعی الزکاة إلاّ أن تکون نصابا ).

المراد بالأصل قدر رأس المال ، وبالربح زیادة قیمة العروض علی رأس المال ، وبالضمّ فی قوله : تضمّ حصة المالک إلی ماله ، جعلهما کالمال الواحد وإخراج الزکاة منهما إذا جمعا الشرائط کما فی المال الواحد ، لکن قوله : وتخرج منه الزکاة لأن رأس ماله نصاب ، غیر جید ، إذ لم یتقدم منه ما یدل علی ذلک.

إذا تقرر ذلک فنقول : إذا دفع إنسان إلی غیره مالا قراضا علی النصف

حکم زکاة مال المضاربة

عدم منع الدین للزکاة

ص: 180

وهل تخرج قبل أن ینضّ المال؟ قیل : لا ، لأنه وقایة لرأس المال ، وقیل : نعم ، لأن استحقاق الفقراء له أخرجه عن کونه وقایة ، وهو أشبه.

______________________________________________________

مثلا فظهر فیه ربح کانت زکاة الأصل علی المالک إذا بلغ النصاب واجتمعت بقیة الشرائط ، وکذا حصته من الربح بعد اعتبار ما یجب اعتباره من النصاب والحول.

وأما حصة العامل فإن قلنا إنه یملکها بالظهور وجبت زکاتها علیه إذا بلغت النصاب وحال علیها الحول من حین الملک وکان متمکنا من التصرف فیها ولو بالتمکن من القسمة ، وإن قلنا إنه لا یملکها إلاّ بالقسمة فلا زکاة علیه قبلها لانتفاء الملک ، والأظهر سقوط زکاة هذه الحصة عن المالک أیضا علی هذا التقدیر ، لأنها مترددة بین أن تسلم فتکون للعامل أو تتلف فلا تکون له ولا للمالک.

وإن قلنا إنه لا یملک الحصة وإنما یستحق أجرة المثل فالزکاة کلها علی المالک ، لأن الأجرة دین ، والدین لا یمنع الزکاة.

قوله : ( وهل تخرج قبل أن ینضّ المال؟ قیل : لا ، لأنه وقایة لرأس المال ، وقیل : نعم ، لأن استحقاق الفقراء له أخرجه عن کونه وقایة ، وهو أشبه ).

الإنضاض لغة : تحول المال عینا بعد أن کان متاعا (1). ولا یخفی أن ذلک غیر کاف فی استقرار ملک العامل ، بل لا بد معه من الفسخ ، ومن ثم حمل الشارح الإنضاض هنا علی القسمة مجازا ، لعدم استقرار ملک العامل بدونها (2).

ص: 181


1- لسان العرب 7 : 237.
2- المسالک 1 : 58.

______________________________________________________

والمراد أن العامل إذا قلنا إنه یملک حصته بالظهور ووجبت الزکاة فیها فهل له تعجیل الإخراج من عین مال القراض بعد الحول وقبل استقرار ملکه بالقسمة أو الفسخ بعد الإنضاض؟ قیل : لا ، لأن الربح وقایة لرأس المال لما لعله یکون من الخسران ، فتعلق حق المالک به للوقایة یمنع استقلاله بالإخراج منه (1). وقیل : نعم وهو اختیار المصنف هنا وفی المعتبر (2) ، لأن استحقاق الفقراء لجزء منه أخرج ذلک القدر المستحق عن الوقایة ، ولأن الزکاة من المؤن التی تلزم المال کأجرة الدلاّل والوزان وأرش جنایة العبد وفطرته. وهو حسن علی القول بالوجوب ، بل یمکن إجراء الدلیل الأول علی القول بالاستحباب أیضا بأن یقال : إن إذن الشارع فی إخراج ذلک القدر أخرجه عن الوقایة.

وجمع العلاّمة فی القواعد بین کون الربح وقایة ، وبین تعجیل الإخراج بضمان العامل الزکاة لو احتیج إلی إتمام المال ، کما تضمن المرأة لو أخرجت زکاة المهر ثم طلقت قبل الدخول (3). وهو قیاس مع الفارق.

وردّه الشهید فی الدروس أیضا بأنه قول محدث ، مع أن فیه تغریرا بمال المالک لو أعسر العامل (4).

وأجیب عنه بأن إمکان الإعسار أو ثبوته بالقوة لا یزیل حق الإخراج الثابت بالفعل.

قال فخر المحققین فی شرحه : والتحقیق أن النزاع فی تعجیل الإخراج بغیر إذن المالک بعد تسلیم ثبوت الزکاة لیس بموجّه ، لأن إمکان ضرر المالک بإمکان الخسران وإعساره لا یعارض استحقاق الفقراء بالفعل ، لأن إمکان أحد المتنافیین لو نفی ثبوت الآخر فعلا لما تحقق شی ء من الممکنات ، ولأن الزکاة حق

ص: 182


1- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 59.
2- المعتبر 2 : 548.
3- القواعد 1 : 56.
4- الدروس : 61.

الخامسة : الدین لا یمنع من زکاة التجارة ولو لم یکن للمالک وفاء إلا منه. وکذا القول فی زکاة المال ، لأنها تتعلق بالعین.

______________________________________________________

لله والآدمی فکیف یمنع مع وجود سببه بإمکان حق الآدمی ، بل لو قیل : إن حصة العامل قبل أن ینضّ المال لا زکاة فیها لعدم تمام الملک وإلاّ لملک ربحه کان قویا (1). هذا کلامه - رحمه الله - وقوته ظاهرة.

قوله : ( الخامسة ، الدین لا یمنع من زکاة التجارة ولو لم یکن للمالک وفاء إلاّ منه ).

الضمیر فی « منه » یرجع إلی مال التجارة المدلول علیه بزکاة التجارة ، والمراد أن الدین لا یمنع من تعلق الزکاة بالنصاب المتجر به وإن لم یکن للمدیون مال سواه ، لأن متعلق الدین الذمة ، ومتعلق زکاة التجارة العین أو القیمة علی اختلاف الرأیین ، فلا تعارض بینهما. وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، قاله فی التذکرة (2). ویمکن أن یقال : لا یتأکد إخراج زکاة التجارة للمدیون (3) ، لأنه نفل یضرّ بالفرض.

قوله : ( وکذا القول فی زکاة المال ، لأنها تتعلق بالعین ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، مدعی علیه الإجماع. قال فی المنتهی : الدین لا یمنع الزکاة سواء کان للمالک مال سوی النصاب أو لم یکن ، وسواء استوعب الدین النصاب أو لم یستوعبه ، وسواء کانت أموال الزکاة ظاهرة کالنعم والحرث أو باطنة کالذهب والفضة ، وعلیه علماؤنا أجمع. ثم احتج علیه بعموم الأمر بالزکاة ، فلا یختص بعدم حالة الدین إلاّ بدلیل ولم یثبت ، وبأنه حرّ مسلم ملک نصابا حولا فوجبت الزکاة علیه کمن لا دین علیه ، وبأن سعاة النبی صلی الله علیه و آله کانوا یأخذون الصدقات من غیر مسألة عن الدین ،

ص: 183


1- إیضاح الفوائد 1 : 189.
2- التذکرة 1 : 230.
3- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : مع المضایقة.

ثم یلحق بهذا الفصل مسألتان : الأولی : العقار المتخذ للنماء تستحب الزکاة فی حاصله.

______________________________________________________

ولو کان مانعا لسألوا عنه (1).

قلت : ویدل علیه صریحا ما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حمّاد بن عیسی ، عن حریز ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، وضریس ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنهما قالا : « أیما رجل کان له مال موضوع حتی یحول علیه الحول فإنه یزکّیه وإن کان علیه من الدین مثله وأکثر منه ، فلیزکّ ما فی یده » (2) وهذه الروایة لم ینقلها أحد من الأصحاب فیما أعلم مع کونها نصّا فی المطلوب.

ویفهم من الشهید - رحمه الله - فی البیان التوقف فی هذا الحکم ، حیث قال بعد أن ذکر أن الدین لا یمنع زکاة التجارة : وفی الجعفریات ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام : « من کان له مال وعلیه مال فلیحسب ماله وما علیه ، فإن کان له فضل مائتا درهم فلیعط خمسة » (3) قال : وهذا نصّ فی منع الدین الزکاة ، والشیخ فی الخلاف ما تمسّک علی عدم منع الدین إلاّ بإطلاق الأخبار الموجبة للزکاة (4). هذا کلامه رحمه الله .

ونحن قد بیّنّا وجود النص الدال علی ذلک صریحا ، وما نقله عن الجعفریات مجهول الإسناد ، مع إعراض الأصحاب عنه وإطباقهم علی ترک العمل به.

قوله : ( ثم یلحق بهذا الفصل مسألتان ، الأولی : العقار المتخذ للنماء تستحب الزکاة فی حاصله ).

استحباب الزکاة فی حاصل العقار

ص: 184


1- المنتهی 1 : 506.
2- الکافی 3 : 522 - 13 ، الوسائل 6 : 70 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 10 ح 1.
3- الجعفریات : 54 ، مستدرک الوسائل 1 : 514 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 8 ح 1.
4- البیان : 191.

ولو بلغ نصابا وحال علیه الحول وجبت الزکاة. ولا تستحب فی المساکن ، ولا فی الثیاب ، ولا الآلات ، ولا الأمتعة المتخذة للقنیة.

______________________________________________________

العقار لغة : الأرض (1) ، والمراد هنا ما یعمّ البساتین والخانات والحمّامات ونحو ذلک علی ما صرّح به الأصحاب. واستحباب الزکاة فی حاصلها مقطوع به فی کلامهم ، ولم أقف له علی مستند ، وقد ذکره فی التذکرة والمنتهی مجردا عن الدلیل ، ثم قال فی التذکرة : ولا یشترط فیه الحول ولا النصاب للعموم (2). واستقرب الشهید فی البیان اعتبارهما (3). ولا بأس به اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق إن تمّ ، وعلی هذا فإنما یثبت الاستحباب فیه إذا کان الحاصل عرضا غیر زکوی ، أما لو کان نقدا فإن الزکاة تجب فیه مع اجتماع الشرائط ویسقط الاستحباب.

قوله : ( ولو بلغ نصابا وحال علیه الحول وجبت الزکاة ).

المراد أن الحاصل إذا کان نصابا زکویا وحال علیه الحول وجبت الزکاة المالیة فیه ، ولا ریب فی ذلک ، ثم إن قلنا بعدم اعتبار النصاب والحول أخرج الزکاة المستحبة ابتداء ثم أخرج الواجبة بعد اجتماع شرائط الوجوب ، وإن قلنا باعتبارهما وکان الحاصل نصابا زکویا ثبت الوجوب وسقط الاستحباب کما سبق.

قوله : ( ولا تستحب فی المساکن ولا فی الثیاب والآلات والأمتعة المتخذة للقنیة ).

هذا مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه ثابت بإجماع العلماء (4).

عدم استحباب الزکاة فی المساکن والأمتعة

ص: 185


1- الصحاح 2 : 754.
2- التذکرة 1 : 230 ، والمنتهی 1 : 510.
3- البیان : 192.
4- التذکرة 1 : 230.

الثانیة : الخیل إذا کانت إناثا سائمة وحال علیها الحول ، ففی العتاق عن کل فرس دیناران ، وفی البراذین عن کل فرس دینار استحبابا.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة ، الخیل إذا کانت إناثا سائمة وحال علیها الحول ففی العتاق عن کل فرس دیناران ، وفی البراذین عن کل فرس دینار استحبابا ).

المراد بالفرس العتیق الذی أبواه عربیّان کریمان ، والبرذون - بکسر الباء - خلافه. قال فی التذکرة : وقد أجمع علماؤنا علی استحباب الزکاة فی الخیل بشروط ثلاثة : السوم ، والأنوثة ، والحول (1). والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عنهما جمیعا علیهماالسلام ، قال : « وضع أمیر المؤمنین علیه السلام علی الخیل العتاق الراعیة فی کل فرس فی کل عام دینارین ، وجعل علی البراذین دینارا » (2).

ویدل علی اعتبار السوم ما رواه زرارة فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : هل علی الفرس أو البعیر یکون للرجل یرکبها شی ء؟ فقال : « لا لیس علی ما یعلف شی ء ، إنما الصدقة علی السائمة المرسلة فی مراحها (3) عامها الذی یقتنیها فیه الرجل ، فأما ما سوی ذلک فلیس فیه شی ء » (4).

استحباب الزکاة فی الخیل

ص: 186


1- التذکرة 1 : 230.
2- التهذیب 4 : 67 - 183 ، الإستبصار 2 : 12 - 34 ، الوسائل 6 : 51 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 16 ح 1.
3- فی المصدر : مرجها ، وهو الظاهر کما تقدم.
4- الکافی 3 : 530 - 2 ، التهذیب 4 : 67 - 184 ، الوسائل 6 : 51 أبواب ما تجب فیه الزکاة ب 16 ح 3.

النظر الثالث

( فی من تصرف إلیه ، ووقت التسلیم ، والنیة )

( القول فی من تصرف إلیه ، وتحصره أقسام ) :

القسم الأول : ( أصناف المستحقین للزکاة سبعة ) :

الفقراء والمساکین :

وهم الذین تقصر أموالهم عن مؤنة سنتهم ، وقیل : من یقصر ماله عن أحد النصب الزکاتیة. ثم من الناس من جعل اللفظین بمعنی واحد ، ومنهم من فرّق بینهما فی الآیة ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( النظر الثالث فیمن تصرف إلیه ووقت التسلیم والنیة ، القول فیمن تصرف إلیه ، وتحصره أقسام :

القسم الأول : أصناف المستحقین للزکاة سبعة :

الفقراء والمساکین :

وهم الذین تقصر أموالهم عن مؤنة سنتهم ، وقیل : من یقصر ماله عن أحد النصب الزکاتیة.

ثم من الناس من جعل اللفظین بمعنی ، ومنهم من فرق بینهما فی الآیة ، والأول أشبه ).

المستحقون للزکاة

ص: 187

______________________________________________________

البحث فی هذه المسألة یقع فی مقامین.

أحدهما : أن هذین اللفظین ، أعنی الفقراء والمساکین هل هما مترادفان أو متغایران؟ وقد اختلف الأصحاب وغیرهم فی ذلک.

فذهب جماعة منهم المصنف فی هذا الکتاب إلی الأول ، وبهذا الاعتبار جعل الأصناف سبعة ، وذهب الأکثر إلی تغایرهما.

ثم اختلف هؤلاء فیما یتحقق به التغایر.

فقیل : إن الفقیر هو المتعفف الذی لا یسأل ، والمسکین هو الذی یسأل (1). وهو المنقول عن ابن عباس (2) ، والمروی فی أخبار أهل البیت علیهم السلام (3).

وقیل بالعکس ، قال الشیخ أبو علی الطبرسی - رضی الله عنه - : وقد جاء فی الحدیث ما یدل علی ذلک (4) ، فقد روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال.

« لیس المسکین الذی ترده الأکلة والأکلتان والتمرة والتمرتان ، ولکن المسکین الذی لا یجد غنی فیغنیه ، ولا یسأل الناس شیئا ، ولا یفطن به ، فیتصدق علیه » (5).

الفقراء والمساکین

ص: 188


1- مجمع البیان 3 : 41.
2- غوالی اللآلی 2 : 70 - 182 ، صحیح مسلم 2 : 719 - 102.
3- قال به ابن البراج فی المهذب 1 : 169.
4- حکاه عنه فی مجمع البیان 3 : 41.
5- الوسائل 6 : 143 أبواب المستحقین للزکاة ب 1.

______________________________________________________

وقیل : الفقیر هو الزمن المحتاج ، والمسکین هو الصحیح المحتاج.

وهو اختیار ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه ، فإنه قال فی تفصیل المستحقین : فأما الفقراء فهم أهل الزّمانة والحاجة ، والمساکین أهل الحاجة من غیر أهل الزّمانة (1).

وقیل : إن الفقیر الذی لا شی ء له ، والمسکین الذی له بلغة من العیش. وهو اختیار الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط والجمل (2) ، وابن البراج (3) ، وابن حمزة (4) ، وابن إدریس (5).

وقیل بالعکس. وهو اختیار الشیخ فی النهایة (6) ، والمفید فی المقنعة (7) ، وابن الجنید (8) ، وسلاّر (9).

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف کلام أهل اللغة ، قال فی القاموس : الفقر ویضم ضدّ الغنی ، وقدره أن یکون له ما یکفی عیاله ، أو الفقیر من یجد القوت والمسکین من لا شی ء له ، أو الفقیر المحتاج والمسکین من أذلّه الفقر أو غیره من

ص: 189


1- الفقیه 2 : 3.
2- المبسوط 1 : 246 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 206.
3- المهذب 1 : 169.
4- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 680.
5- السرائر : 105.
6- النهایة : 184.
7- المقنعة : 39.
8- حکاه عنه فی المختلف : 180.
9- المراسم : 132.

______________________________________________________

الأحوال ، أو الفقیر من له بلغة والمسکین لا شی ء له ، أو هو أحسن حالا من الفقیر ، أو هما سواء (1).

وقال الجوهری : رجل فقیر من المال ، قال ابن السکیت : الفقیر الذی له بلغة من العیش ، والمسکین الذی لا شی ء له. وقال الأصعمی : المسکین أحسن حالا من الفقیر. وقال یونس : الفقیر أحسن حالا من المسکین قال ، وقلت لأعرابی : أفقیر أنت؟ فقال : بل والله مسکین (2).

وقال الهروی فی الغریبین قوله تعالی ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساکِینِ ) (3). قال ابن عرفة : أخبرنی أحمد بن یحیی ، عن محمد بن سلام قال ، قلت لیونس : افرق لی بین المسکین والفقیر فقال : الفقیر الذی یجد القوت ، والمسکین الذی لا شی ء له.

وقال ابن عرفة : الفقیر عند العرب المحتاج ، قال الله عزّ وجلّ ( أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللهِ ) (4) أی المحتاجون إلیه ، فأما المسکین فالذی قد أذلّه الفقر ( أو غیره ) (5) فإذا کان هذا إنما مسکنته من جهة الفقر حلّت له الصدقة ، وإذا کان مسکینا قد أذلّه شی ء سوی الفقر فالصدقة لا تحلّ له ، إذ کان شائعا فی اللغة أن یقال : ضرب فلان المسکین وظلم المسکین وهو من أهل الثروة والیسار ، وإنما لحقه اسم المسکین من جهة الذّلّة (6).

ص: 190


1- القاموس المحیط 2 : 115.
2- الصحاح 2 : 782.
3- التوبة : 60.
4- فاطر : 15.
5- لیست فی « ض » و « م » والمصدر.
6- حکاه عنه فی لسان العرب 5 : 61.

______________________________________________________

وقد ذکر لکل من هذه الأقوال حجج واهیة وتوجیهات قاصرة لیس فی التعرض لها کثیر فائدة ، والأصح أن المسکین أسوأ حالا من الفقیر ، وأنه المحتاج الذی یسأل ، والفقیر المحتاج الذی لا یسأل ، لما رواه الکلینی - رضی الله عنه - فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام : أنه سأله عن الفقیر والمسکین فقال : « الفقیر الذی لا یسأل ، والمسکین الذی هو أجهد منه الذی یسأل » (1).

وعن أبی بصیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : قول الله عزّ وجلّ ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساکِینِ ) (2) قال : « الفقیر الذی لا یسأل الناس ، والمسکین أجهد منه ، والبائس أجهدهم » (3).

قال الشارح - قدس سره - : واعلم أن الفقراء والمساکین متی ذکر أحدهما خاصة دخل فیه الآخر بغیر خلاف ، نصّ علی ذلک جماعة منهم الشیخ والعلاّمة کما فی آیة الکفارة المخصوصة بالمسکین فیدخل فیه الفقیر ، وإنما الخلاف فیما لو جمعا کما فی آیة الزکاة لا غیر ، والأصح أنهما متغایران ، لنص أهل اللغة ، وصحیحة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الفقیر الذی لا یسأل الناس ، والمسکین أجهد منه » ولا ثمرة مهمة فی تحقیق ذلک ، للاتفاق علی استحقاقهما من الزکاة حیث ذکرا ، ودخول أحدهما تحت الآخر حیث یذکر أحدهما ، وإنما تظهر الفائدة نادرا فیما لو نذر أو وقف أو أوصی لأسوئهما حالا ، فإن الآخر لا یدخل فیه بخلاف العکس (4). هذا کلامه - رحمه الله - وفیه نظر من وجوه :

ص: 191


1- الکافی 3 : 502 - 18 ، الوسائل 6 : 144 أبواب المستحقین للزکاة ب 1 ح 2.
2- التوبة : 60.
3- الکافی 3 : 501 - 16 ، التهذیب 4 : 104 - 297 ، الوسائل 6 : 144 أبواب المستحقین للزکاة ب 1 ح 3.
4- المسالک 1 : 59.

______________________________________________________

الأول : قوله : إن الفقراء والمساکین متی ذکر أحدهما خاصة دخل فیه الآخر بغیر خلاف ، مشکل جدا بعد ثبوت التغایر ، لأن إطلاق لفظ أحدهما وإرادة الآخر مجاز لا یصار إلیه إلاّ مع القرینة ، ومع انتفائها یجب حمل اللفظ علی حقیقته.

وربما کان فی کلام المصنف فی المعتبر إشعار بما ذکرناه ، فإنه قال بعد أن ذکر الخلاف فی أیهما أسوأ حالا : ولا ثمرة لتحقیق أحد المذهبین فی هذا المقام ، وربما کان له أثر فی غیره (1). ونحوه قال العلاّمة - رحمه الله - فی التذکرة (2). وقال الشهید فی البیان بعد أن نقل عن الشیخ والراوندی والفاضل أنهم قالوا یدخل کل منهما فی إطلاق لفظ الآخر : فإن أرادوا به حقیقة ففیه منع ، ویوافقون علی أنهما إذا اجتمعا کما فی الآیة یحتاج إلی فصل یمیّز بینهما (3).

وبالجملة : فالمتجه بعد ثبوت التغایر عدم دخول أحدهما فی إطلاق لفظ الآخر إلاّ بقرینة ، وما ذکره - رحمه الله - من عدم تحقق الخلاف فی ذلک لا یکفی فی إثبات هذا الحکم ، لأن عدم العلم بالخلاف لا یقتضی العلم بانتفاء الخلاف ، والحجة فی الثانی دون الأول.

الثانی : استدلاله علی التغایر بنص أهل اللغة وروایة أبی بصیر غیر جید ، لأن أهل اللغة مختلفون فی ذلک کما نقلناه ، وروایة أبی بصیر ضعیفة السند باشتراک راویها بین الثقة والضعیف ، وبأن من جملة رجالها عبد الله بن یحیی ( والظاهر أنه الکاهلی وهو غیر موثق ) (4) والأجود الاستدلال علی ذلک بروایة محمد بن مسلم فإنها صحیحة السند واضحة الدلالة ، ولم یحتج بها أحد من الأصحاب فیما أعلم.

ص: 192


1- المعتبر 2 : 565.
2- التذکرة 1 : 230.
3- البیان : 193.
4- ما بین القوسین مشطوبة فی « ض ».

______________________________________________________

الثالث : قوله : وإنما تظهر الفائدة نادرا فیما لو نذر أو وقف أو أوصی لأسوئهما حالا ، فإن الآخر لا یدخل فیه بخلاف العکس ، غیر جید أیضا ، بل المتجه عدم دخول کل منهما فی الآخر وإن کان أسوأ حالا من المنذور له ، لأن اللفظ لا یتناوله کما هو المفروض.

الثانی : فی بیان الحدّ المسوّغ لتناول الزکاة فی هذین الصنفین ، قال فی المنتهی : والأصل فیه عدم الغنی الشامل للمعنیین إذا تحقق استحق صاحبه الزکاة بلا خلاف (1).

واختلف الأصحاب فیما یتحقق به الغنی المانع من الاستحقاق ، فقال الشیخ فی الخلاف : الغنی من ملک نصابا تجب فیه الزکاة أو قیمته (2). وقال فی المبسوط : الغنی الذی یحرم علیه أخذ الصدقة باعتبار الفقر هو أن یکون قادرا علی کفایته وکفایة من تلزمه کفایته علی الدوام ، فإن کان مکتفیا بصنعة وکانت صنعته تردّ علیه کفایته وکفایة من تلزمه نفقته حرمت علیه ، وإن کانت لا تردّ علیه حلّ له ذلک (3).

قال فی المختلف : والظاهر أن مراده بالدوام هنا مؤنة السنة (4). وهو بعید ، ولعل المراد به أن یکون له ما تحصل به الکفایة عادة من صنعة أو ضیعة أو مال یتعیّش به أو نحو ذلک.

ثم قال الشیخ فی المبسوط : وفی أصحابنا من قال : من ملک نصابا تجب فیه الزکاة کان غنیّا تحرم علیه الصدقة ، وذلک قول أبی حنیفة (5).

وقال ابن إدریس : الغنی من ملک من الأموال ما یکون قدر کفایته لمؤنته

ص: 193


1- المنتهی 1 : 517.
2- الخلاف 1 : 368.
3- المبسوط 1 : 256.
4- المختلف : 183.
5- المبسوط 1 : 257.

______________________________________________________

طول سنته علی الاقتصاد ، فإنه یحرم علیه أخذ الزکاة ، سواء کانت نصابا أو أقل من نصاب أو أکثر من النصاب ، فإن لم یکن بقدر کفایته سنة فلا یحرم علیه أخذ الزکاة (1). وإلی هذا القول ذهب المصنف وعامة المتأخرین ، وحکاه فی المعتبر (2) عن الشیخ فی باب قسم الصدقات ، لکن لا یخفی أن هذا الإطلاق مناف لما صرّح به الأصحاب کالشیخ (3) ، والمصنف فی النافع (4) ، والعلاّمة (5) ، وغیرهم (6) من جواز تناول الزکاة لمن کان له مال یتعیش به أو ضیعة یستغلّها إذا کان بحیث یعجز عن استنماء الکفایة ، إذ مقتضاه أن من کان کذلک کان فقیرا وإن کان بحیث لو أنفق رأس المال المملوک لکفاه (7).

والمعتمد أن من کان له مال یتجر به أو ضیعة یستغلّها فإن کفاه الربح أو الغلّة له ولعیاله لم یجز له أخذ الزکاة ، وإن لم یکفه جاز له ذلک ، ولا یکلّف الإنفاق من رأس المال ولا من ثمن الضیعة ، ومن لم یکن له کذلک اعتبر فیه قصور أمواله عن مؤنة السنة له ولعیاله.

لنا علی الحکم الأول مضافا إلی عدم تحقق الخروج بملک ما لا تحصل الکفایة بغلّته عن حدّ الفقر عرفا روایات کثیرة : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وله عیال وهو یحترف فلا یصیب نفقته فیها أیکبّ فیأکلها ولا یأخذ الزکاة أو یأخذ الزکاة؟ قال : « لا بل ینظر إلی فضلها فیقوت بها نفسه ومن وسعه ذلک من عیاله ، ویأخذ البقیة من الزکاة

ص: 194


1- السرائر : 107.
2- المعتبر 2 : 566.
3- المبسوط 1 : 256 ، والنهایة : 187.
4- المختصر النافع : 58.
5- المنتهی 1 : 518 ، والتحریر 1 : 68 ، والقواعد 1 : 57.
6- کابن البراج فی المهذب 1 : 170.
7- فی « ض » و « ح » زیادة : طول سنته.

______________________________________________________

ویتصرف بهذه ، لا ینفقها » (1).

وما رواه الشیخ ، عن هارون بن حمزة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : یروون عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لا تحل الصدقة لغنی ، ولا لذی مرّة سویّ » فقال : « لا تصلح لغنیّ » قال ، فقلت له : الرجل یکون له ثلاثمائة درهم فی بضاعة وله عیال فإن أقبل علیها أکلها عیاله ولم یکتفوا بربحها ، قال : « فلینظر ما یستفضل منها فیأکله هو ومن وسعه ذلک ، ولیأخذ لمن لم یسعه من عیاله » (2).

وما رواه ابن بابویه فی الموثق ، عن سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الزکاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم إلاّ أن تکون داره دار غلّة فیخرج له من غلتها ما یکفیه وعیاله ، فإن لم تکن الغلّة تکفیه لنفسه وعیاله فی طعامهم وکسوتهم وحاجتهم من غیر إسراف فقد حلت له الزکاة ، وإن کانت غلّتها تکفیهم فلا » (3).

وعن أبی بصیر ، إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل له ثمانمائة درهم وهو رجل خفّاف وله عیال کثیر إله أن یأخذ من الزکاة؟ فقال : « یا أبا محمد أیربح فی دراهمه ما یقوت به عیاله ویفضل؟ » قال : نعم قال : « کم یفضل؟ » قال : لا أدری قال : « إن کان یفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا یأخذ الزکاة ، وإن کان أقل من نصف القوت أخذ الزکاة » (4).

ولنا علی الحکم الثانی أن الفقر لغة (5) وعرفا الحاجة ، قال الله تعالی :

ص: 195


1- الکافی 3 : 561 - 6 ، الوسائل 6 : 164 أبواب المستحقین للزکاة ب 12 ح 1.
2- التهذیب 4 : 51 - 130 ، الوسائل 6 : 164 أبواب المستحقین للزکاة ب 12 ح 4.
3- الفقیه 2 : 17 - 57 ، الوسائل 6 : 161 أبواب المستحقین للزکاة ب 9 ح 1.
4- الکافی 3 : 560 - 3 ، الفقیه 2 : 18 - 58 ، الوسائل 6 : 159 أبواب المستحقین للزکاة ب 8 ح 4.
5- انظر القاموس المحیط 2 : 115 ، ولسان العرب 5 : 60.

ومن یقدر علی اکتساب ما یموّن به نفسه وعیاله لا تحلّ له ، لأنه کالغنیّ. وکذا ذو الصنعة.

______________________________________________________

( یا أَیُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللهِ ) (1) أی المحتاجون ، ومن قصرت أمواله عن کفایة عامه فهو محتاج ، وفی الأخبار المتقدمة دلالة علیه.

احتج القائلون باعتبار ملک النصاب بما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال لمعاذ : « أعلمهم أن علیهم صدقة تؤخذ من أغنیائهم وتردّ فی فقرائهم » (2) فجعل الغنیّ من تجب علیه الزکاة ، ومقتضاه أن من لا تجب علیه لیس بغنیّ فیکون فقیرا.

وبأن مالک النصاب یجب علیه دفع الزکاة فلا یحلّ له أخذها للتنافی بینهما.

والجواب عن الروایة أولا بالطعن فی السند ، فإنها إنما وردت من طریق الجمهور فتکون ساقطة ، وثانیا بمنع الدلالة ، إذ من الجائز أن یکون المراد بالأغنیاء المزکین اعتبارا بالأکثر ، أو یقال : إن الغنی الموجب للزکاة غیر الغنی المانع من أخذها وإطلاق اللفظ علیهما بالاشتراک اللفظی.

وعن الثانی بالمنع من التنافی بین من تجب علیه الزکاة ومن تدفع إلیه ، فإنه مجرد استبعاد لا دلیل علیه.

قوله : ( ومن یقدر علی اکتساب ما یموّن به عیاله لا تحل له ، لأنه کالغنی ، وکذا ذو الصنعة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ویدل علیه ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، سمعته یقول : « إن الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذی مرّة سویّ قویّ فتنزهّوا عنها » (3).

حرمة الزکاة للقادر علی الاکتساب

ص: 196


1- فاطر : 15.
2- صحیح البخاری 2 : 130 ، والجامع لأحکام القرآن 8 : 174.
3- الکافی 3 : 560 - 2 ، الوسائل 6 : 159 أبواب المستحقین للزکاة ب 8 ح 2.

ولو قصرت عن کفایته جاز أن یتناولها ، وقیل : یعطی ما یتمم کفایته ، ولیس ذلک شرطا.

______________________________________________________

وحکی الشیخ فی الخلاف عن بعض أصحابنا أنه جوّز دفع الزکاة إلی المکتسب من غیر اشتراط لقصور کسبه (1). واستدل له فی المختلف بأنه غیر مالک للنصاب ولا لقدر الکفایة فجاز له الأخذ من الصدقة کالفقیر ، ثم أجاب عنه بالفرق ، فإن الفقیر محتاج إلیها بخلاف صورة النزاع (2). وهو حسن.

ویعتبر فی الاکتساب والصنعة کونهما لائقین بحاله ، لما فی التکلیف بغیر المعتاد من الحرج والضرر المنفیین بالآیة والروایة.

قال فی المنتهی : ولو کان التکسب یمنعه عن التفقه فالوجه عندی جواز أخذها ، لأنه مأمور بالتفقه فی الدین إذا کان من أهله (3). وهو حسن.

قوله : ( ولو قصرت عن کفایته جاز أن یتناولها ، وقیل : یعطی ما یتمم کفایته ، ولیس ذلک شرطا ).

أما جواز تناول الزکاة لذی الکسب القاصر عن نفقة السنة له ولعیاله فقال العلاّمة فی التذکرة : إنه موضع وفاق بین العلماء (4). وإنما الخلاف فی تقدیر الأخذ وعدمه ، فذهب الأکثر إلی أنه لا یتقدر بقدر ، بل یجوز أن یعطی ما یغنیه ویزید علی غناه کغیر المتکسب ، لإطلاق الأمر ، وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة سعید بن غزوان : « تعطیه من الزکاة حتی تغنیه » (5) وفی موثقة عمّار الساباطی : « إذا أعطیت فأغنه » (6).

جواز الزکاة لمن یقصر کسبه

ص: 197


1- الخلاف 2 : 135.
2- المختلف : 185.
3- المنتهی 1 : 519.
4- التذکرة 1 : 236.
5- الکافی 3 : 548 - 4 ، الوسائل 6 : 178 أبواب المستحقین للزکاة ب 24 ح 1.
6- الکافی 3 : 548 - 3 ، التهذیب 4 : 64 - 174 ، الوسائل 6 : 179 أبواب المستحقین للزکاة ب 24 ح 4.

______________________________________________________

ویؤیده ما رواه الکلینی ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن عاصم بن حمید ، عن أبی بصیر - والظاهر أنه لیث المرادی - قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن شیخا من أصحابنا یقال له عمر سأل عیسی بن أعین وهو محتاج ، فقال له عیسی بن أعین : أما إنّ عندی من الزکاة ولکن لا أعطیک منها ، فقال له : ولم؟ فقال : لأنی رأیتک اشتریت لحما وتمرا فقال : إنما ربحت درهما فاشتریت بدانقین لحما وبدانقین تمرا ثم رجعت بدانقین لحاجة ، قال : فوضع أبو عبد الله علیه السلام یده علی جبهته ساعة ثم رفع رأسه ثم قال : « إن الله تبارک وتعالی نظر فی أموال الأغنیاء ثم نظر فی الفقراء فجعل فی أموال الأغنیاء ما یکتفون به ، ولو لم یکفهم لزادهم ، بل یعطیه ما یأکل ویشرب ویکتسی ویتزوّج ویتصدّق ویحجّ » (1).

والقول بأن ذا الکسب القاصر لیس له أن یأخذ ما یزید عن کفایته حولا حکاه المصنف وجماعة ، واستحسنه الشهید فی البیان قال : وما ورد فی الحدیث من الإغناء بالصدقة محمول علی غیر المکتسب (2). وهذا الحمل ممکن ، إلاّ أنه یتوقف علی وجود المعارض ، ولم نقف علی نص یقتضیه ، نعم ربما أشعر به مفهوم قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب : « ویأخذ البقیة من الزکاة » (3) لکنها غیر صریحة فی المنع من الزائد ، ومع ذلک فمورد الروایة من کان معه مال یتجر به وعجز عن استنماء الکفایة ، لا ذو الکسب القاصر ، وقد ظهر من ذلک أن الأجود ما اختاره المصنف والأکثر من عدم اعتبار هذا الشرط.

واعلم أن ظاهر عبارة المصنف وغیرها یقتضی أن محل الخلاف ذو الکسب

ص: 198


1- الکافی 3 : 556 - 2 ، الوسائل 6 : 201 أبواب المستحقین للزکاة ب 41 ح 2.
2- البیان : 193.
3- المتقدمة فی ص 194.

ومن هذا الباب تحلّ لصاحب ثلاثمائة وتحرم علی صاحب الخمسین ، اعتبارا بعجز الأول عن تحصیل الکفایة وتمکن الثانی.

ویعطی الفقیر ولو کان له دار یسکنها أو خادم یخدمه ، إذا کان لا غناء له عنهما.

______________________________________________________

القاصر ، وربما ظهر من کلام العلاّمة فی موضع من المنتهی تحقق الخلاف فی غیره أیضا ، فإنه قال : لو کان معه ما یقصر عن مؤنته ومؤنة عیاله حولا جاز له أخذ الزکاة لأنه محتاج ، وقیل : لا یأخذ زائدا عن تتمة المؤنة حولا ، ولیس بالوجه (1). مع أنه قال فی موضع آخر من المنتهی : یجوز أن یعطی الفقیر ما یغنیه وما یزید علی غناه وهو قول علمائنا أجمع (2). وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : ( ومن هذا الباب تحل لصاحب الثلاثمائة وتحرم علی صاحب الخمسین ، اعتبارا لعجز الأول عن تحصیل الکفایة وتمکن الثانی ).

إنما خصّ الثلاثمائة فی جانب الزیادة والخمسین فی جانب النقصان لورودهما کذلک فی بعض الأخبار ، وفی موثقة سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « قد تحلّ الزکاة لصاحب السبعمائة وتحرم علی صاحب الخمسین درهما » فقلت له : وکیف یکون هذا؟ فقال : « إذا کان صاحب السبعمائة له عیال کثیر فلو قسّمها بینهم لم تکفه فلیعفّ عنها نفسه ولیأخذها لعیاله ، وأما صاحب الخمسین فإنه یحرم علیه إذا کان وحده وهو محترف یعمل بها وهو یصیب منها ما یکفیه إن شاء الله » (3).

قوله : ( ویعطی الفقیر ولو کان له دار یسکنها أو خادم یخدمه ، إذا کان لا غناء له عنهما ).

جواز الزکاة لصاحب الدار والخادم

ص: 199


1- المنتهی 1 : 518.
2- المنتهی 1 : 528.
3- الکافی 3 : 561 - 9 ، الوسائل 6 : 164 أبواب المستحقین للزکاة ب 12 ح 2.

______________________________________________________

یتحقق عدم الغنی فی الدار باحتیاجه إلی السکنی وإن حصل له غیرها ببذل أو استیجار ، وفی الخادم بأن یکون المخدوم من عادته ذلک ، أو باحتیاجه إلیه. ویلحق بهما فرس الرکوب وثیاب التجمّل ، نص علیه فی التذکرة وقال : إنه لا یعلم فی ذلک کله خلافا (1).

وینبغی أن یلحق بذلک کلما یحتاج إلیه من الآلات اللائقة بحاله وکتب العلم ، لمسیس الحاجة إلی ذلک کله ، وعدم الخروج بملکه عن حدّ الفقر إلی الغنی عرفا.

ویدل علیه أیضا ما رواه الکلینی ( فی الصحیح ) (2) ، عن عمر بن أذینة ، عن غیر واحد ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما سئلا عن الرجل له دار أو خادم أو عبد یقبل الزکاة؟ قال : « نعم ، إن الدار والخادم لیسا بمال » (3) وفی هذا التعلیل إشعار باستثناء ما ساوی الدار والخادم فی المعنی.

وعن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن إسماعیل بن عبد العزیز ، عن أبیه قال : دخلت أنا وأبو بصیر علی أبی عبد الله علیه السلام فقال له أبو بصیر : إن لنا صدیقا وهو رجل صدق یدین الله بما ندین به فقال : « من هذا یا أبا محمد الذی تزکّیه؟ » فقال : العباس بن الولید بن صبیح ، فقال : « رحم الله الولید بن صبیح ، ما له یا أبا محمد؟ » قال : جعلت فداک له دار تسوی أربعة آلاف درهم ، وله جاریة ، وله غلام یستقی علی الجمل کل یوم ما بین الدرهمین إلی الأربعة سوی علف (4) الجمل ، وله عیال ، أله أن یأخذ من الزکاة؟ قال : « نعم » قال : وله هذه العروض؟! فقال : « یا أبا محمد تأمرنی أن آمره ببیع داره وهی عزّه ومسقط رأسه ، أو ببیع جاریته التی تقیه الحرّ والبرد وتصون

ص: 200


1- التذکرة 1 : 236.
2- لیست فی « ح ».
3- الکافی 3 : 561 - 7 ، الوسائل 6 : 162 أبواب المستحقین للزکاة ب 9 ح 2.
4- لیست فی الأصل ولکنها موجودة فی سائر النسخ والمصدر.

ولو ادعی الفقر ، فإن عرف صدقه أو کذبه عومل بما عرف منه ، وإن جهل الأمران أعطی من غیر یمین ، سواء کان قویا أو ضعیفا.

______________________________________________________

وجهه ووجه عیاله ، أو آمره ببیع غلامه أو جمله وهو معیشته وقوته؟! بل یأخذ الزکاة فهی له حلال ولا یبیع داره ولا غلامه ولا جمله » (1).

ولو کانت دار السکنی تزید عن حاجته بحیث تکفیه قیمة الزیادة حولا وأمکنه بیعها منفردة فالأظهر خروجه بذلک عن حدّ الفقر ، أما لو کانت حاجته تندفع بالأقل منها قیمة فالأظهر أنه لا یکلف بیعها وشراء الأدون ، لإطلاق النص ، ولما فی التکلیف بذلک من العسر والمشقة ، وبه قطع فی التذکرة ثم قال : وکذا الکلام فی العبد والفرس (2).

ولو فقدت هذه المذکورات استثنی له أثمانها مع الحاجة إلیها ، ولا یبعد إلحاق ما یحتاج إلیه فی التزویج بذلک مع حاجته إلیه.

قوله : ( ولو ادعی الفقر فإن عرف صدقه أو کذبه عومل بما عرف منه ، وإن جهل الأمران أعطی من غیر یمین ، سواء کان قویا أو ضعیفا ).

أما أنه یعامل مدعی الفقر بما یعلم من صدقه وکذبه فلا ریب فیه ، فیعطی إذا عرف صدقه ، ویمنع إذا عرف کذبه. وأما أنه یجوز إعطاؤه مع جهالة حاله من غیر یمین ، سواء کان قویا أو ضعیفا فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل ظاهر المصنف فی المعتبر (3) والعلاّمة فی کتبه الثلاثة (4) أنه موضع وفاق ، واستدل علیه فی المعتبر بأنه مسلم ادّعی أمرا ممکنا ولم یظهر ما ینافی دعواه فکان قوله مقبولا. واستدل علیه فی المنتهی بأنه ادّعی ما یوافق

حکم مدعی الفقر

ص: 201


1- الکافی 3 : 562 - 10 ، الوسائل 6 : 162 أبواب المستحقین للزکاة ب 9 ح 3.
2- التذکرة 1 : 236.
3- المعتبر 2 : 568.
4- التذکرة 1 : 231 ، والمنتهی 1 : 526 ، والمختلف : 185.

______________________________________________________

الأصل ، وهو عدم المال ، وبأن الأصل عدالة المسلم فکان قوله مقبولا.

وربما ظهر من کلام الشیخ فی المبسوط تحقق الخلاف فی قبول دعوی القویّ الحاجة لأجل عیاله فإنه قال : لو ادّعی القویّ الحاجة إلی الصدقة لأجل عیاله ففیه قولان : أحدهما یقبل قوله بلا بیّنة ، والثانی لا یقبل إلاّ ببیّنة لأنه لا یتعذر ، وهذا هو الأحوط (1) ، لکن قال العلاّمة فی المختلف : إن الظاهر أن مراد الشیخ بالقائل من الجمهور قال : وصیرورته إلی القول الثانی لیس بجید ، لأن قوله مقبول عملا بظاهر العدالة المستندة إلی أصل الإسلام (2).

ویتوجه علیه أولا أن الشیخ لم یصر إلی القول الثانی بل جعله أحوط ، ولا ریب أنه کذلک.

وثانیا أن ما استدل به علی القبول من ظاهر العدالة أو أصالة العدالة غیر جید ، لأنها عنده أمر وجودی وهو الملکة المخصوصة فلا معنی للاستناد فیها إلی الأصل ولا إلی الظاهر ، بل إنما ( تحصل ) (3) بالعشرة المفیدة للظن الغالب بوجودها ، أو التزکیة ، کما حقق فی محله.

والمسألة محل إشکال من اتفاق الأصحاب ظاهرا علی جواز الدفع إلی مدعی الفقر إذا لم یعلم له أصل مال من غیر تکلیف له بیّنة ولا یمین ، وورود بعض الأخبار بذلک (4) ، وکون الدعوی موافقة للأصل ، واستلزام التکلیف بإقامة البینة علی الفقر الحرج والعسر فی أکثر الموارد (5) ، ومن أن الشرط اتصاف المدفوع إلیه بأحد الأوصاف الثمانیة فلا بد من تحقق الشرط کما فی نظائره ،

ص: 202


1- المبسوط 1 : 247.
2- المختلف : 185.
3- فی « ض » ، « م » ، « ح » : یعلم حصولها.
4- فی « ح » زیادة : وإن ضعف سندها.
5- فی « م » و « ح » زیادة : مع خلوّ الأخبار من ذلک ، بل ورود الأمر بإعطاء السائل ولو کان علی ظهر فرس.

وکذا لو کان له أصل مال وقیل : بل یحلف علی تلفه.

ولا یجب إعلام الفقیر أن المدفوع إلیه زکاة ، فلو کان ممن یترفع عنها وهو مستحق جاز صرفها إلیه علی وجه الصلة.

______________________________________________________

والاحتیاط یقتضی عدم الاکتفاء بمجرد الدعوی إلاّ مع عدالة المدعی أو ( الظن الغالب بصدقه ) (1).

قوله : ( وکذا لو کان له أصل مال وادعی تلفه وقیل : بل یحلف علی تلفه ).

القول بتوقف قبول قوله علی الیمین منقول عن الشیخ لأصالة بقاء المال ، وحکی عنه المصنف فی المعتبر أنه لم یکتف بالیمین بل قال : إنه یکلّف البیّنة ، ثم قال المصنف - رحمه الله - : والأشبه أنه لا یکلّف بیّنة تعویلا علی ظهور عدالته (2). ویتوجه علی هذا الاستدلال ما سبق. وما ذهب إلیه الشیخ لا یخلو من قوة ، نعم لو کان المدعی عدلا فالظاهر قبول قوله.

قوله : ( ولا یجب إعلام الفقیر أن المدفوع إلیه زکاة ، فلو کان ممن یترفع عنها وهو مستحق جاز صرفها إلیه علی وجه الصلة ).

إنما جاز ذلک لأن المفروض کون المدفوع إلیه مستحقا ، والدفع مشتملا علی الأمور المعتبرة فیه من النیة الصادرة من المالک أو وکیله عند الدفع أو بعده مع بقاء العین ، ولیس ثمّ ما یتخیل کونه مانعا إلاّ عدم الإعلام وهو لا یصلح للمانعیة تمسکا بمقتضی الأصل ، وما رواه الکلینی وابن بابویه ، عن أبی بصیر قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : الرجل من أصحابنا یستحیی أن یأخذ الزکاة فأعطیه من الزکاة ولا أسمّی له أنها من الزکاة؟ فقال : « أعطه ولا تسمّ ولا تذلّ المؤمن » (3).

عدم وجوب إعلام الفقیر بالزکاة

ص: 203


1- بدل ما بین القوسین ، فی « ض » و « م » : ظن صدقه.
2- المعتبر 2 : 568.
3- الکافی 3 : 563 - 3 ، الفقیه 2 : 8 - 25 ، الوسائل 6 : 219 أبواب المستحقین للزکاة ب 58 ح 1.

ولو دفعها إلیه علی أنه فقیر فبان غنیا ارتجعت مع التمکن.

______________________________________________________

ومقتضی الروایة استحباب الدفع إلی المترفع عنها علی هذا الوجه ، وبه جزم العلاّمة فی التذکرة وقال : إنه لا یعرف فیه خلافا (1). لکن الروایة ضعیفة السند باشتراک الراوی بین الثقة والضعیف ، ومع ذلک فهی معارضة بما رواه الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : الرجل یکون محتاجا فنبعث إلیه بالصدقة فلا یقبلها علی وجه الصدقة یأخذه من ذلک ذمام واستحیاء وانقباض ، أفنعطیها إیاه علی غیر ذلک الوجه وهی منّا صدقة؟ فقال : « لا ، إذا کانت زکاة فله أن یقبلها ، فإن لم یقبلها علی وجه الزکاة فلا تعطها إیاه ، وما ینبغی له أن یستحیی ممّا فرض الله عزّ وجلّ ، إنما هی فریضة الله فلا یستحیی منها » (2) ویمکن حملها علی الکراهة.

وروی الکلینی بعدّة طرق عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « تارک الزکاة وقد وجبت له مثل مانعها وقد وجبت علیه » (3).

قوله : ( ولو دفعها إلیه علی أنه فقیر فبان غنیا ارتجعت مع التمکن ).

لا ریب فی جواز ارتجاعها إذا کان القابض عالما بالحال ، ومع تلفها یلزم القابض مثلها أو قیمتها ، لأنه والحال هذه یکون غاصبا محضا فیتعلق به الضمان. أما مع انتفاء العلم فقد قطع المصنف فی المعتبر بعدم جواز الارتجاع ، لأن الظاهر أنها صدقة (4). وهو جید إذا ظهر کونها کذلک.

واختلف کلام العلاّمة فی هذه المسألة فقال فی المنتهی : إنه لیس للمالک الرجوع والحال هذه ، لأن دفعه محتمل للوجوب والتطوع (5). واستقرب فی

حکم دفع الزکاة للغنی

ص: 204


1- التذکرة 1 : 231.
2- الکافی 3 : 564 - 4 ، الوسائل 6 : 219 أبواب المستحقین للزکاة ب 58 ح 2.
3- الکافی 3 : 563 - 1 ، الوسائل 6 : 218 أبواب المستحقین للزکاة ب 57 ح 2.
4- المعتبر 2 : 569.
5- المنتهی 1 : 527.

وإن تعذر کانت ثابتة فی ذمة الآخذ. ولم یلزم الدافع ضمانها ، سواء کان الدافع المالک ، أو الإمام ، أو الساعی.

______________________________________________________

التذکرة جواز الاسترجاع ، لفساد الدفع ، ولأنه أبصر بنیته (1). وهو جید مع بقاء العین وانتفاء القرائن الدالة علی کون المدفوع صدقة.

قوله : ( فإن تعذر کانت ثابتة فی ذمة الآخذ ، ولم یلزم الدافع ضمانها ، سواء کان الدافع المالک أو الإمام أو الساعی ).

أما بقاؤها فی ذمة الآخذ مع تعذر الارتجاع فقد تقدم الکلام فیه ، وأما أنه لا یلزم الدافع ضمانها إذا تعذر ارتجاعها فقال فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه بین العلماء إن کان الدافع الإمام أو نائبه ، لأن المالک أدّی الواجب وهو الدفع إلی الإمام أو نائبه فیخرج عن العهدة ، والدافع فعل المأمور به وهو الدفع إلی من یظهر منه الفقر ، إذ الاطّلاع علی الباطن متعذر ، وامتثال الأمر یقتضی الإجزاء (2).

وإنما الخلاف فیما إذا کان الدافع هو المالک فقال الشیخ فی المبسوط وجماعة : إنه لا ضمان علیه أیضا ، لأنه دفعها إلی من ظاهره الاستحقاق دفعا مشروعا فلم یلزمه الضمان کالإمام (3).

وقال المفید (4) وأبو الصلاح (5) : تجب علیه الإعادة ، لأنه دفعها إلی غیر مستحقها فلا تقع مجزیة کالدین ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحسین بن عثمان ، عمّن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل یعطی زکاة ماله رجلا وهو یری أنه معسر فوجده موسرا ، قال : « لا یجزی عنه » (6).

ص: 205


1- التذکرة 1 : 245.
2- المنتهی 1 : 527.
3- المبسوط 1 : 261.
4- المقنعة : 42.
5- الکافی فی الفقه : 173.
6- التهذیب 4 : 51 - 132 ، الوسائل 6 : 148 أبواب المستحقین للزکاة ب 2 ح 5.

______________________________________________________

واستقرب المصنف فی المعتبر والعلاّمة فی المنتهی سقوط الضمان مع الاجتهاد وثبوته بدونه (1) ، واستدلاّ علی هذا التفصیل بأن المالک أمین علی الزکاة فیجب علیه الاجتهاد والاستظهار فی دفعها إلی مستحقها ، وبما رواه الشیخ فی الحسن ، عن عبید بن زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل عارف أدّی الزکاة إلی غیر أهلها زمانا ، هل علیه أن یؤدّیها ثانیة إلی أهلها إذا علمهم؟ قال : « نعم » قلت : فإن لم یعرف لها أهلا فلم یؤدّها أو لم یعلم أنها علیه فعلم بعد ذلک؟ قال : « یؤدّیها إلی أهلها لما مضی » قال ، قلت : فإن لم یعلم أهلها فدفعها إلی من لیس هو لها بأهل وقد کان طلب واجتهد ثم علم بعد سوء ما صنع؟ قال : « لیس علیه أن یؤدّیها مرة أخری » (2).

قال الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب : وعن زرارة مثله غیر أنه قال : « إن اجتهد فقد بری ء ، وإن قصّر فی الاجتهاد والطلب فلا » (3).

ویتوجه علی الأول أنه إن أرید بالاجتهاد القدر المسوّغ لجواز الدفع ولو بسؤال الفقیر فلا ریب فی اعتباره إلاّ أن مثل ذلک لا یسمی اجتهادا ، ومع ذلک فیرجع هذا التفصیل بهذا الاعتبار إلی ما أطلقه الشیخ فی المبسوط من انتفاء الضمان مطلقا (4) ، وإن أرید به البحث عن حال المستحق زیادة علی ذلک کما هو المتبادر من لفظ الاجتهاد فهو غیر واجب إجماعا علی ما نقله جماعة.

وعلی الروایتین أن موردها خلاف محل النزاع ، لکنهما یدلاّن بالفحوی علی انتفاء الضمان مع الاجتهاد فی محل النزاع ، أما الضمان مع انتفاء الاجتهاد فلا دلالة لهما علیه فی المتنازع بوجه.

وکیف کان فینبغی القطع بسقوط الضمان مع الاجتهاد ، لتحقق

ص: 206


1- المعتبر 2 : 569 ، والمنتهی 1 : 527.
2- التهذیب 4 : 102 - 290 ، الوسائل 6 : 147 أبواب المستحقین للزکاة ب 2 ح 1.
3- التهذیب 4 : 103.
4- راجع ص 205 هامش 3.

وکذا لو بان أن المدفوع إلیه کافر ، أو فاسق ، أو ممن تجب نفقته ، أو هاشمی وکان الدافع من غیر قبیله.

______________________________________________________

الامتثال ، وفحوی الروایتین ، وإنما یحصل التردد مع استناد الدفع إلی مجرد الدعوی من کون الدفع مشروعا فلا یستعقب الإعادة ، ومن عدم وصول الحق إلی مستحقه ، ولعل الأول أرجح.

قوله : ( وکذا لو بان أن المدفوع إلیه کافر ، أو فاسق ، أو ممن تجب نفقته ، أو هاشمی وکان الدافع إلیه من غیر قبیله ).

أی وکذا یرتجع مع التمکن ، ولا یلزم الدافع ضمانها مع التعذر لو تبین أن المدفوع إلیه کافر ، أو فاسق إن منعنا إعطاء الفاسق ، أو من تجب نفقته علی الدافع ، أو هاشمی إذا کان الدافع من غیر قبیله ، وقد قطع الشیخ (1) وأکثر الأصحاب (2) بعدم لزوم الإعادة فی جمیع هذه الصور.

واستدل علیه فی المعتبر بأن الدفع واجب فیکتفی فی شرطه بالظاهر ، تعلیقا للوجوب علی الشرط الممکن فلم یضمن لعدم العدوان فی التسلیم المشروع (3).

وحکی العلاّمة فی المنتهی عن بعض العامّة قولا بلزوم الإعادة فی جمیع هذه الصور ، لعدم وصول الحق إلی مستحقه فیضمن کالدین إذا دفع إلی غیر مالکه ، ولأن الاتصال بالرسول والقرابة والکفر والفسوق لا یخفی مع الاجتهاد والطلب ، بخلاف الغنی فإن حاله یخفی فی الأغلب کما قال الله تعالی : ( یَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِیاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ) (4).

ثم أجاب عن الأول بأن مستحق الدین متعین فلا یجوز دفعه إلاّ مع

حکم دفع الزکاة إلی الکافر

ص: 207


1- المبسوط : 261.
2- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 173 ، وابن إدریس فی السرائر : 106 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 527.
3- المعتبر 2 : 570.
4- البقرة : 273.

والعاملون : وهم عمال الصدقات.

______________________________________________________

الیقین ، بخلاف الزکاة.

وعن الثانی بأن الخفاء والظهور متطرق إلی الجمیع علی سواء (1). وفی الجوابین نظر ، والمطابق للقواعد انتفاء الضمان مع الدفع المشروع مطلقا.

واستثنی المصنف (2) والعلاّمة (3) من ذلک ما لو ظهر المدفوع إلیه عبدا للمالک فأوجبا الإعادة فیه مطلقا ، لأن المال لم یخرج عن ملک المالک بذلک فجری مجری عزلها من غیر تسلیم. ویشکل بأن ذلک آت بعینه فی سائر الصور ، فإن غیر المستحق لا یملک الزکاة فی نفس الأمر سواء کان عبد المالک أو غیره ، والجواب عن الجمیع واحد وهو تحقق التسلیم المشروع المقتضی للإجزاء.

قوله : ( والعاملون ، وهم عمال الصدقات ).

أی الساعون فی جبایتها وتحصیلها بأخذ وکتابة وحساب وحفظ وقسمة ونحو ذلک ، وقد أجمع علماؤنا وأکثر العامة (4) علی استحقاق هؤلاء نصیبا من الزکاة وإن کانوا أغنیاء. لقوله (5) تعالی ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساکِینِ وَالْعامِلِینَ عَلَیْها ) (6) والعطف بالواو یقتضی التسویة فی المعنی والإعراب.

وقال بعض العامة : إن ما یأخذه العامل یکون عوضا وأجرة لا زکاة ، لأنه لا یعطی إلاّ مع العمل والزکاة تدفع استحقاقا لا عوضا ، ولأنه یأخذها مع الغنی والصدقة لا تحل لغنیّ (7).

العاملون

ص: 208


1- المنتهی 1 : 527.
2- المعتبر 2 : 570.
3- المنتهی 1 : 527 ، والتذکرة 1 : 245.
4- منهم الشافعی فی الأم 2 : 72 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 516.
5- فی « ض » ، « م » ، « ح » : لإطلاق قوله.
6- التوبة : 60.
7- منهم الکاسانی فی بدائع الصنائع 2 : 44 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 516.

______________________________________________________

والجواب عن الأول أن توقف أخذهم علی العمل لا ینافی استحقاقهم لها بشرط العمل ، وعن الثانی أن العامل یأخذ الزکاة باعتبار عمله لا باعتبار فقره فجاز له الأخذ مع الغنی کما یعطی ابن السبیل وإن کان غنیّا فی بلده.

فائدة : روی الکلینی - رضی الله عنه - عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حمّاد بن عیسی ، عن حریز ، عن برید بن معاویة ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « بعث أمیر المؤمنین علیه السلام مصدّقا من الکوفة إلی بادیتها فقال له : انطلق یا عبد الله وعلیک بتقوی الله وحده لا شریک له ، ولا تؤثرنّ دنیاک علی آخرتک ، وکن حافظا لما ائتمنتک علیه ، راعیا لحق الله فیه ، حتی تأتی نادی بنی فلان ، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غیر أن تخالط أبیاتهم ، ثم امض إلیهم بسکینة ووقار حتی تقوم بینهم فتسلّم علیهم ، ثم قل لهم : یا عباد الله أرسلنی إلیکم ولیّ الله لآخذ منکم حق الله فی أموالکم ، فهل لله فی أموالکم من حق فتؤدّوه إلی ولیّه ، فإن قال لک قائل : لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لک منعم منهم فانطلق معه من غیر أن تخیفه أو تعده إلاّ خیرا ، فإذا أتیت ماله فلا تدخله إلاّ بإذنه فإنّ أکثره له ، فقل له : یا عبد الله أتأذن لی فی دخول مالک؟ فإن أذن فلا تدخل دخول متسلّط علیه ولا عنف به ، فاصدع (1) المال صدعین ثم خیّره أیّ الصدعین شاء ، فأیّهما اختار فلا تعرض له ، ثم اصدع الباقی صدعین ثم خیّره فأیّهما اختار فلا تعرض له ، ثم اصدع الباقی صدعین ثم خیّره فأیّهما اختار فلا تعرض له ، فلا تزال کذلک حتی یبقی ما فیه وفاء لحق الله عزّ وجلّ فی ماله ، فإذا بقی ذلک فاقبض حق الله منه ، فإن استقالک فأقله ثم اخلطهما واصنع مثل ما صنعت أوّلا حتی تأخذ حق الله فی ماله ، فإذا قبضته فلا توکّل به إلاّ ناصحا شفیقا أمینا حفیظا غیر معنف بشی ء منها ، ثم احدر ما اجتمع عندک من کل ناد إلینا نصیّره حیث أمر الله عزّ وجلّ ، فإذا انحدر بها

ص: 209


1- یقال صدعت الرداء صدعا إذا شققته والاسم الصدع بالکسر ، ومن الحدیث إن المصدّق یجعل الغنم صدعین ثم یأخذ منهما الصدقة أی مرتین - النهایة لابن الأثیر 3 : 16 - 17.

______________________________________________________

رسولک فأوعز إلیه أن لا یحول بین ناقة وبین فصیلها ولا یفرّق بینهما ، ولا یصرّنّ لبنها فیضرّ ذلک بفصیلها ، ولا یجهد بها رکوبا ، ولیعدل بینهنّ فی ذلک ، ولیوردهنّ کل ماء یمرّ به ، ولا یعدل بهنّ عن نبت الأرض إلی جوادّ الطرق فی الساعة التی تریح فیها وتعنق ، ولیرفق بهن جهده حتی یأتینا بإذن الله سجاحا سمانا غیر متعبات ولا مجهدات فنقسمهنّ بإذن الله علی کتاب الله وسنّة نبیه صلی الله علیه و آله وعلی أولیاء الله فإن ذلک أعظم لأجرک وأقرب لرشدک ، ینظر الله إلیها وإلیک وإلی جهدک ونصیحتک لمن بعثک وبعثت فی حاجته ، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قال : ما ینظر الله إلی ولیّ له یجهد نفسه بالطاعة والنصیحة لإمامه إلاّ کان معنا فی الرفیق الأعلی.

قال : ثم بکی أبو عبد الله علیه السلام ثم قال : یا برید ، والله ما بقیت لله حرمة إلاّ انتهکت ، ولا عمل بکتاب الله ولا سنّة نبیه فی هذا العالم ، ولا أقیم فی هذا الخلق حدّ منذ قبض الله أمیر المؤمنین علیه السلام ، ولا عمل بشی ء من الحق إلی یوم الناس هذا ، ثم قال : أما والله لا تذهب الأیام واللیالی حتی یحیی الله الموتی ، ویمیت الأحیاء ، ویردّ الحق إلی أهله ، ویقیم دینه الذی ارتضاه لنفسه ونبیّه ، فأبشروا ثمّ أبشروا ، فو الله ما الحق إلاّ فی أیدیکم » (1) وإنما نقلنا هذا الحدیث بطوله لما فیه من الفوائد.

قال ابن إدریس - رحمه الله - فی سرائره بعد أن أورد هذا الخبر : قوله علیه السلام : « ولا یعدل بهن عن نبت الأرض إلی جواد الطرق فی الساعات التی تریح فیها وتعنق » قال محمد بن إدریس : سمعت من یقول : تریح وتغبق بالغین المعجمة والباء یعتقده أنه من الغبوق وهو الشرب بالعشی ، وهذا تصحیف فاحش وخطأ قبیح ، وإنما هو بالعین غیر المعجمة والنون المفتوحة وهو ضرب من سیر الإبل شدید ، قال الراجز : یا ناق سیری عنقا فسیحا إلی

ص: 210


1- الکافی 3 : 536 - 1 ، الوسائل 6 : 88 أبواب زکاة الأنعام ب 14 ح 1 ، وأوردها فی التهذیب 4 : 96 - 274.

ویجب أن تستکمل فیهم أربع صفات : التکلیف ، والإیمان ، والعدالة ، والفقه. ولو اقتصر علی ما یحتاج إلیه منه جاز. (1) وأن لا یکون هاشمیّا

______________________________________________________

سلیمان فتستریحا ، لأن معنی الکلام أنه لا یعدل بهنّ عن نبت الأرض إلی جوادّ الطرق فی الساعات التی لها فیها راحة ، ولا فی الساعات التی علیها فیها مشقة ، ولأجل هذا قال : « تریح » من الراحة ولو کان من الرواح لقال : تروح ، وما کان یقول : تریح ، ولأن الرواح عند العشی یکون وقریبا منه ، والغبوق وهو شرب العشی علی ما ذکرناه ، ولم یبق له معنی ، وإنما المعنی ما قلناه ، وإنما أوردت هذه اللفظة فی کتابی لأنی سمعت جماعة من أصحابنا الفقهاء یصحّفونها (2). انتهی کلامه رحمه الله .

قوله : ( ویجب أن تستکمل فیهم أربع صفات : التکلیف ، والإیمان ، والعدالة ، والفقه. ولو اقتصر علی ما یحتاج إلیه فیه جاز ).

لا ریب فی اعتبار استجماع العامل لهذه الصفات ، لأن العمالة تتضمن الاستیمان علی مال الغیر ولا أمانة لغیر العدل ، ولقول أمیر المؤمنین علیه السلام فی الخبر المتقدم : « فإذا قبضته فلا توکّل به إلاّ ناصحا شفیقا أمینا حفیظا » (3) وإنما یعتبر الفقه فیمن یتولی ما یفتقر إلیه ، والمراد منه معرفته بما یحتاج إلیه من قدر الواجب وصفته ومصرفه ، ویختلف ذلک باختلاف حال العامل بالنسبة إلی ما یتولاّه من الأعمال.

ویظهر من المصنف فی المعتبر المیل إلی عدم اعتبار الفقه فی العامل والاکتفاء فیه بسؤال العلماء (4) ، واستحسنه فی البیان (5) ، ولا بأس به.

قوله : ( وأن لا یکون هاشمیا ).

شروط العامل

ص: 211


1- السرائر : 108.
2- فی ص 209.
3- المعتبر 2 : 571.
4- البیان : 194.
5-

وفی اعتبار الحریة تردد.

______________________________________________________

هذا الشرط إنما یعتبر فی العامل الذی یأخذ النصیب ، لا فی مطلق العمالة ، فلو کان العامل من ذوی القربی وتبرع بالعمل أو دفع إلیه الإمام شیئا من بیت المال جاز ، لأن المقتضی للمنع الأخذ من الزکاة وهو منتف هنا. وکذا لو تولی عمالة قبیلة ، أو مع قصور الخمس ، ویدل علی اعتبار هذا الشرط ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن العیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن أناسا من بنی هاشم أتوا رسول الله صلی الله علیه و آله فسألوه أن یستعملهم علی صدقات المواشی ، وقالوا : یکون لنا هذا السهم الذی جعله الله عزّ وجلّ للعاملین علیها فنحن أولی به ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : یا بنی عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لی ولا لکم ، ولکن قد وعدت الشفاعة » ثم قال أبو عبد الله علیه السلام : « اللهم اشهد لقد وعدها ، فما ظنکم یا بنی عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أترونی مؤثرا علیکم غیرکم؟! » (1).

وحکی الشیخ فی المبسوط عن قوم جواز کون العامل هاشمیا ، لأنه یأخذ علی وجه الأجرة ، فکان کسائر الإجارات (2). وهو ضعیف جدا ، قال فی المختلف : والظاهر أن القوم الذی نقل الشیخ عنهم من الجمهور ، إذ لا أعرف قولا لعلمائنا فی ذلک (3).

قوله : ( وفی اعتبار الحریة تردد ).

اختلف الأصحاب فی اعتبار هذا الشرط ، فذهب الشیخ إلی اعتباره (4) ، واستدل له فی المعتبر بأن العامل یستحق نصیبا من الزکاة ، والعبد لا یملک ومولاه لم یعمل ، ثم أجاب عنه بأن عمل العبد کعمل المولی (5).

ص: 212


1- التهذیب 4 : 58 - 154 ، الوسائل 6 : 185 أبواب المستحقین للزکاة ب 29 ح 1.
2- المبسوط 1 : 248.
3- المختلف : 184.
4- المبسوط 1 : 248 ، والاقتصاد : 283.
5- المعتبر 2 : 571.

والإمام بالخیار بین أن یقرر له جعالة مقدرة أو أجرة عن مدة مقدّرة.

والمؤلّفة :

وهم الکفار الذین یستمالون إلی الجهاد ، ولا نعرف مؤلفة غیرهم

______________________________________________________

وقوّی العلاّمة فی المختلف عدم اعتبار هذا الشرط ، لحصول الغرض بعمله ، ولأن العمالة نوع إجارة والعبد صالح لذلک مع إذن سیده (1). ویظهر من المصنف فی المعتبر المیل إلیه (2) ، ولا بأس به. أما المکاتب فلا ریب فی جواز عمالته ، لأنه صالح للملک والتکسب.

قوله : ( والإمام مخیّر بین أن یقرر لهم جعالة مقدرة ، أو أجرة عن مدة مقررة ).

لا ریب فی جواز کل من الأمرین ، مع ثالث وهو عدم التعیین وإعطاؤهم ما یراه الإمام علیه السلام کباقی الأصناف ، لما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : ما یعطی المصدّق؟ قال : « ما یری الإمام ولا یقدّر له شی ء » (3).

قال الشهید فی البیان : ولو عیّن له أجرة فقصر السهم عن أجرته أتمّه الإمام من بیت المال أو من باقی السهام ، ولو زاد نصیبه عن أجرته فهو لباقی المستحقین (4). هذا کلامه - رحمه الله - ولا یخفی أن ذلک إنما یتفرع علی وجوب البسط علی الأصناف علی وجه التسویة وهو غیر معتبر عندنا.

قوله : ( والمؤلّفة ، وهم الکفار الذین یستمالون للجهاد ، ولا نعرف مؤلفة غیرهم ).

کیفیة إعطاء العامل

المؤلفة

ص: 213


1- المختلف : 185.
2- المعتبر 2 : 571.
3- الکافی 3 : 563 - 13 ، الوسائل 6 : 178 أبواب المستحقین للزکاة ب 23 ح 3.
4- البیان : 194.

______________________________________________________

أجمع العلماء کافة علی أن للمؤلّفة قلوبهم سهما من الزکاة ، والقرآن الکریم ناطق بذلک (1) ، وإنما الخلاف فی اختصاص التألیف بالکفّار أو شموله للمسلمین أیضا ، فقال الشیخ فی المبسوط : ( وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) عندنا هم الکفّار الذین یستمالون بشی ء من مال الصدقات إلی الإسلام ویتألّفون لیستعان بهم علی قتال أهل الشرک ، ولا یعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام (2). واختاره المصنف فی هذا الکتاب وجماعة (3).

وقال المفید - رحمه الله - : ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) ضربان : مسلمون ومشرکون (4).

وربما ظهر من کلام ابن الجنید اختصاص التألیف بالمنافقین ، فإنه قال : ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) من أظهر الدین بلسانه وأعان المسلمین وإمامهم بیده وکان معهم إلاّ قلبه (5).

وحکی المصنف فی المعتبر عن الشافعی أنه قسّم المؤلّفة قسمة أولیّة إلی قسمین : مسلمین ومشرکین وقال : إن المشرکین ضربان : ضرب لهم قوّة وشوکة یخاف منهم فإن أعطوا کفّوا شرهم وکفّ غیرهم معهم ، وضرب لهم میل إلی الإسلام فیعطون من سهم المصالح لتقوی نیّتهم فی الإسلام ویمیلون إلیه.

والمسلمین أربعة : قوم لهم نظراء فإذا أعطوا رغب نظراؤهم ، وقوم فی نیّاتهم ضعف فیعطون لتقوی نیّاتهم ، وقوم من الأعراب فی أطراف بلاد الإسلام بإزائهم قوم من أهل الشرک فإذا أعطوا رغب الآخرون ، وقوم بإزائهم آخرون

ص: 214


1- التوبة : 60.
2- المبسوط 1 : 249.
3- منهم ابن البراج فی شرح الجمل : 260 ، والعلامة فی التحریر 1 : 68 ، والشهید الأول فی البیان : 194.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 573.
5- حکاه عنه فی المختلف : 181.

______________________________________________________

من أصحاب الصدقات فإذا أعطوا جبوها وأغنوا الإمام عن عامل. ثم قال المصنف - رحمه الله - : ولست أری بهذا التفصیل بأسا ، فإن ذلک مصلحة ، ونظر المصلحة موکول إلی الإمام (1).

وأقول : إنه لا ریب فی جواز الدفع إلی جمیع هذه الأقسام من الزکاة لکن مع عدم تحقق التألیف یکون الدفع من سهم المصالح أو من سهم العاملین.

وهل یسقط هذا السهم بعد النبی صلی الله علیه و آله ؟ قیل : نعم ، وبه قطع ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه (2) ، وهو قول لبعض العامة ، معللین بأن الله سبحانه أعزّ الدین وقوّی شوکته فلا یحتاج إلی التألیف (3).

وقال المصنف فی المعتبر : إن الظاهر بقاؤه ، لأن النبی صلی الله علیه و آله کان یعتمد التألیف إلی حین وفاته ولا نسخ بعده (4).

وقال الشیخ : إنه یسقط فی زمن غیبة الإمام علیه السلام خاصة ، لأن الذی یتألفهم إنما یتألفهم للجهاد ، وأمر الجهاد موکول إلی الإمام علیه السلام وهو غائب (5).

قال فی المنتهی : ونحن نقول : قد یجب الجهاد فی الجهاد فی حال غیبة الإمام علیه السلام بأن یدهم المسلمین - والعیاذ بالله - عدوّ یخاف منه علیهم فیجب علیهم الجهاد لدفع الأذی لا للدعاء إلی الإسلام ، فإن احتیج إلی التألیف حینئذ جاز صرف السهم إلی أربابه من المؤلّفة (6). ولا ریب فی قوّة هذا القول ، تمسکا بظاهر التنزیل السالم من المعارض.

ص: 215


1- المعتبر 2 : 573.
2- الفقیه 2 : 3.
3- منهم الکاسانی فی بدائع الصنائع 2 : 45 ، وابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 275.
4- المعتبر 2 : 573 و 574.
5- النهایة : 185.
6- المنتهی 1 : 520.

( وَفِی الرِّقابِ ) :

وهم ثلاثة : المکاتبون ، والعبید الذین تحت الشدّة ، والعبد یشتری ویعتق وإن لم یکن فی شدّة لکن بشرط عدم المستحق.

______________________________________________________

قوله : ( وَفِی الرِّقابِ ) .

إنما أتی المصنف هنا بلفظ « فی » ولم یجعل المستحق نفس الرقاب علی نهج ما قبله ، متابعة للآیة الشریفة ، وذکر جمع من المفسرین أن الوجه فی العدول فیها من « اللام » إلی « فی » أن الأصناف الأربعة الأولی یصرف المال إلیهم حتی یتصرّفوا فیه کیف شاؤا ، وأما الأربعة الأخیرة فلا یصرف المال إلیهم کذلک ، بل إنما یصرف فی جهات الحاجات المعتبرة فی الصفات التی لأجلها استحقوا الزکاة ، ففی الرقاب یوضع فی تخلیص رقابهم من الرّقّ والأسر ، وفی ( الْغارِمِینَ ) یصرف المال إلی قضاء دیونهم ، وکذا ( فِی سَبِیلِ اللهِ ) و ( ابْنِ السَّبِیلِ ) (1).

وقال فی الکشاف : إنما عدل للإیذان بأنهم أرسخ فی استحقاق التصدق علیهم ممن سبق ، لأن « فی » للوعاء فنبّه به علی أنهم أحقاء بأن یجعلوا مصبّا للصدقات ، وتکریر « فی » فی قوله ( وَفِی سَبِیلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِیلِ ) فیه فضل ترجیح لهذین علی الرقاب ( وَالْغارِمِینَ ) (2).

قوله : ( وهم ثلاثة : المکاتبون ، والعبید الذین تحت الشدة ، والعبد یشتری ویعتق وإن لم یکن فی شدة ، لکن بشرط عدم المستحق ).

أما جواز الدفع من هذا السهم إلی المکاتبین والعبید إذا کانوا فی ضرّ وشدّة فهو قول علمائنا وأکثر العامة (3) ، لظاهر قوله تعالی ( وَفِی الرِّقابِ ) والمراد إزالة رقّها فیتناول الجمیع.

فی الرقاب

ص: 216


1- منهم النیسابوری فی غرائب القرآن ( جامع البیان للطبری 10 ) : 111 ، والبیضاوی فی تفسیره 3 : 72.
2- الکشاف 2 : 283.
3- (3) حکاه الکاسانی فی بدائع الصنائع 2 : 45 ، والقرطبی فی بدایة المجتهد 1 : 277

______________________________________________________

قال فی المعتبر (1) : وإنما شرطنا الشدة والضرّ لما رواه الأصحاب عن أبی عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام : فی الرجل تجتمع عنده الزکاة یشتری بها نسمة یعتقها فقال : « إذن یظلم قوما آخرین حقوقهم » ثم قال : « إلاّ أن یکون عبدا مسلما فی ضرورة یشتریه ویعتقه » (2) وهذه الروایة أوردها الشیخ فی الصحیح ، عن عمرو بن أبی نصر ، عن أبی عبد الله علیه السلام .

وأما جواز شراء العبد من الزکاة وعتقه وإن لم یکن فی شدّة بشرط عدم المستحق فقال فی المعتبر أیضا : إن علیه فقهاء الأصحاب (3). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عبید بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أخرج زکاة ماله ألف درهم فلم یجد لها موضعا یدفع ذلک إلیه فنظر إلی مملوک یباع فاشتراه بتلک الألف الدرهم التی أخرجها من زکاته فأعتقه ، هل یجوز ذلک؟ قال : « نعم لا بأس بذلک » (4).

وجوّز العلاّمة فی القواعد الإعتاق من الزکاة مطلقا وشراء الأب منها (5) ، وقوّاه ولده فی الشرح (6) ونقله عن المفید وابن إدریس ، وهو جید ، لإطلاق الآیة الشریفة ، ویؤیده ما رواه ابن بابویه فی کتاب علل الشرائع والأحکام عن أبیه ، عن سعد بن عبد الله ، عن هارون بن مسلم ، عن أیوب بن الحرّ أخی أدیم بن الحرّ قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : مملوک یعرف هذا الأمر الذی نحن علیه أشتریه من الزکاة وأعتقه؟ قال ، فقال : « اشتره وأعتقه » قلت : فإن هو مات وترک مالا؟ قال ، فقال : « میراثه لأهل الزکاة ، لأنه

ص: 217


1- المعتبر 2 : 574.
2- الکافی 3 : 557 - 2 ، التهذیب 4 : 100 - 282 ، الوسائل 6 : 202 أبواب المستحقین للزکاة ب 43 ح 1.
3- المعتبر 2 : 575.
4- التهذیب 4 : 100 - 281 ، الوسائل 6 : 203 أبواب المستحقین للزکاة ب 43 ح 2.
5- القواعد 1 : 57.
6- إیضاح الفوائد 1 : 196.

وروی رابع ، وهو من وجبت علیه کفارة ولم یجد ، فإنه یعتق عنه ، وفیه تردد.

______________________________________________________

اشتری بشیئهم (1) » قال : وفی حدیث آخر : بما لهم (2).

وما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی محمد الوابشی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سأله بعض أصحابنا عن رجل اشتری أباه من الزکاة زکاة ماله ، قال : « اشتری خیر رقبة ، لا بأس بذلک » (3).

وذکر الشارح أن اشتراط الضرورة أو عدم المستحق إنما هو فی إعتاقه من سهم الرقاب ، فلو أعتق من سهم سبیل الله لم یتوقف علی ذلک (4). وهو غیر جید ، لعدم استفادته من النص بل ظهوره فی خلافه ، إذ المتبادر من الروایة الأولی کون الشراء وقع بجمیع الزکاة ، والأولی حملها علی الکراهة. أما الثانیة فلا دلالة لها علی اعتبار هذا الشرط أعنی عدم المستحق ، لأن ذلک إنما وقع فی کلام السائل ، ولیس فی الجواب دلالة علی اختصاص الحکم بالمسئول عنه کما هو واضح.

قوله : ( وروی رابع ، وهو من وجبت علیه کفارة ولم یجد ، فإنه یعتق عنه ، وفیه تردد ).

هذه الروایة أوردها علیّ بن إبراهیم فی کتاب التفسیر ، عن العالم علیه السلام ، قال : « ( وَفِی الرِّقابِ ) قوم لزمتهم کفّارات فی قتل الخطأ وفی الظهار وفی الأیمان وفی قتل الصید فی الحرم ولیس عندهم ما یکفّرون به وهم مؤمنون ،

ص: 218


1- فی « ح » والمصدر : بسهمهم.
2- علل الشرائع : 372 - 1 ، الوسائل 6 : 203 أبواب المستحقین للزکاة ب 43 ح 3.
3- الکافی 3 : 552 - 1 ، الوسائل 6 : 173 أبواب المستحقین للزکاة ب 19 ح 1.
4- المسالک 1 : 60.

والمکاتب إنما یعطی من هذا السهم إذا لم یکن معه ما یصرفه فی کتابته.

______________________________________________________

فجعل الله تعالی لهم سهما فی الصدقات لیکفّر عنهم » (1).

ومقتضی الروایة جواز إخراج الکفّارة من الزکاة وإن لم یکن عتقا ، لکنها غیر واضحة الإسناد ، لأن علیّ بن إبراهیم أوردها مرسلة ، ومن ثمّ تردد المصنف فی العمل بها ، وهو فی محله.

وقال الشیخ فی المبسوط : الأحوط عندی أن یعطی ثمن الرقبة لکونه فقیرا فیشتری هو ویعتق عن نفسه (2). ولا ریب فی جواز الدفع إلیه من سهم الفقراء إذا کان فقیرا.

وجوّز المصنف فی المعتبر إعطاءه من سهم الغارمین أیضا ، لأن القصد بذلک إبراء ذمة المکفّر مما فی عهدته (3). وهو جید ، لأن ذلک فی معنی الغرم.

قوله : ( والمکاتب إنما یعطی من هذا السهم إذا لم یکن معه ما یصرفه فی کتابته ).

مقتضی العبارة جواز إعطاء المکاتب من هذا السهم إذا لم یکن معه ما یصرفه فی کتابته وإن کان قادرا علی تحصیله بالتکسب ، وهو کذلک عملا بالإطلاق ، واعتبر الشهید فی البیان قصور کسبه عن مال الکتابة (4).

والأظهر عدم توقف الإعطاء علی حلول النجم (5) للعموم ، وقیل : لا

ص: 219


1- تفسیر القمی 1 : 299 ، الوسائل 6 : 145 أبواب المستحقین للزکاة ب 1 ح 7 ، ورواها فی التهذیب 4 : 49 - 129.
2- المبسوط 1 : 250.
3- المعتبر 2 : 574.
4- البیان : 195.
5- تنجیم الدّین : هو أن یقدّر عطاؤه فی أوقات معلومة متتابعة. ومنه تنجیم المکاتب ونجوم الکتابة - لسان العرب 12 : 570.

ولو صرفه فی غیره والحال هذه جاز ارتجاعه ، وقیل : لا. ولو دفع إلیه من سهم الفقراء لم یرتجع.

______________________________________________________

یجوز قبله ، لانتفاء الحاجة فی الحال (1). وهو ضعیف.

قال فی المنتهی : ویجوز الدفع إلی السید بإذن المکاتب ، وإلی المکاتب بإذن السید وبغیر إذنه (2). وهو حسن ، بل لا یبعد جواز الدفع إلی السید بغیر إذن المکاتب أیضا ، لعموم الآیة.

قوله : ( ولو صرفه فی غیره والحال هذه جاز ارتجاعه ، وقیل : لا ، ولو دفع إلیه من سهم الفقراء لم یرتجع ).

إذا صرف المکاتب ما أخذه من سهم الرّقاب فی مال کتابته وتحرّر فقد وقع موقعه إجماعا ، ولو دفعه إلی السید ثم عجز عن الأداء فی المشروطة فاسترقّ فقد قطع الشیخ (3) وغیره بعدم جواز ارتجاعه ، لأن المالک مأمور بالدفع إلی المکاتب لیدفعه إلی سیده وقد فعل ، والامتثال یقتضی الإجزاء.

وحکی العلاّمة فی التذکرة فی ذلک وجها للشافعیة بجواز ارتجاعه ، لأن القصد تحصیل العتق فإذا لم یحصل به وجب استرجاعه کما لو کان فی ید المکاتب ، ثم قال : والفرق ظاهر ، لأن السید ملک المدفوع بالدفع (4). ولو لم یدفعه إلی السید بأن أبرأه من مال الکتابة أو تطوّع علیه متطوّع قال الشیخ : لا یرتجع لأنه ملکه بالقبض فکان له التصرف فیه کیف شاء (5).

واستشکله المصنف فی المعتبر وقال : إن الوجه أنه إن دفعه إلیه لیصرفه فی مال الکتابة ارتجع بالمخالفة ، لأن للمالک الخیرة فی صرف الزکاة فی

ص: 220


1- التذکرة 1 : 236.
2- المنتهی 1 : 511.
3- المبسوط 1 : 250.
4- التذکرة 1 : 237.
5- المبسوط 1 : 254.

ولو ادعی أنه کوتب ، قیل : یقبل ، وقیل : لا إلاّ بالبیّنة أو بحلف ، والأول أشبه. ولو صدّقه مولاه قبل.

______________________________________________________

الأصناف (1). وهو جید ، لکن یبقی الکلام فی اعتبار هذا القصد من المالک ، ومقتضی کلامه فی الغارم وابن السبیل اعتباره ، فإنه استدل علی جواز الارتجاع بأن کلاّ من الغارم وابن السبیل إنما ملک المال لیصرفه فی وجه مخصوص فلا یسوغ له غیره (2). وهو غیر بعید ، إذ لو لا ذلک لجاز إعطاء المکاتب والغارم وابن السبیل ما یزید عن قدر حاجتهم وهو باطل اتفاقا ، ولو کان الدفع إلی المکاتب من سهم الفقراء کان له التصرف فیه کیف شاء ، لأن الفقیر لا یحتکم علیه فیما یأخذه من الزکاة إجماعا.

قوله : ( ولو ادعی أنه کوتب ، قیل : یقبل ، وقیل : لا ، إلا بالبینة أو بحلف ، والأول أشبه ، ولو صدقه مولاه قبل ).

إذا ادعی العبد الکتابة فإن أقام بیّنة أو علم صدقه فلا بحث ، وان لم یقم بیّنة ولم یعلم صدقه فإن کذّبه السیّد لم یقبل قوله إلاّ بالبیّنة ، لأن الأصل بقاء الرقّیة ، وإن صدّقه السیّد فقد قطع الأصحاب بقبول قوله ، وعلّله فی التذکرة بأصالة العدالة ، وبأن الحق فی العبد له فإذا أقرّ بالکتابة قبل (3). وقال الشافعی : لا یقبل ، لجواز التواطؤ لأخذ الزکاة (4). وقال الشیخ : الأول أولی فیمن عرف أن له عبدا ، والثانی أحوط فیمن لا یعرف ذلک من حاله (5). وهو حسن.

ولو لم یعلم حال السید من تصدیق أو تکذیب إما لبعده أو لغیر ذلک فقد قطع الأکثر بقبول دعواه ، وعلله المصنف فی المعتبر والعلاّمة فی التذکرة والمنتهی

ص: 221


1- المعتبر 2 : 575.
2- المعتبر 2 : 576.
3- التذکرة 1 : 236.
4- حکاه عنه الفیروزآبادی فی المهذب 1 : 172.
5- المبسوط 1 : 253.

والغارمون :

وهم الذین علتهم الدیون فی غیر معصیة ، فلو کان فی معصیة لم تقض عنه.

______________________________________________________

بأنه مسلم أخبر عن أمر ممکن فیقبل قوله کالفقیر ، وبأصالة العدالة الثابتة للمسلم (1). ویتوجه علیهما ما سبق.

وقال بعض العامة : لا یقبل إلاّ بالبیّنة لإمکانها (2). وظاهر العبارة تحقق القائل بذلک من الأصحاب ، ولا یخلو من قوة.

قوله : ( والغارمون ، وهم الذین علتهم الدیون فی غیر معصیة ، فلو کان فی معصیة لم تقض عنه ).

استحقاق الغارمین ثابت بالکتاب والسنّة والإجماع ، وفسّرهم الأصحاب بأنهم المدینون فی غیر معصیة ، قال فی المعتبر : ولا خلاف فی جواز تسلیمها إلی من هذا شأنه (3). وقال فی المنتهی : وقد أجمع المسلمون علی دفع النصیب إلی من هذا شأنه (4).

ویدل علی هذا التفسیر مضافا إلی الإجماع کلام أهل اللغة ، قال الزجاج : أصل الغرم لزوم ما یشق (5) ، وسمی الدین غرما لأنه شاق لازم ، فالغارمون المدیونون. وقال فی الجمهرة : الغرم کل شی ء غرمته من مال أو غیره ، والمتدائنان کل واحد منها غریم صاحبه. وقال فی القاموس : الغریم المدیون ، والدائن ضد (6).

ویعتبر فی الغارم أن یکون غیر متمکن من القضاء ، کما صرّح به

الغارمون

ص: 222


1- المعتبر 2 : 568 ، والتذکرة 1 : 236 ، والمنتهی 1 : 526.
2- کالشافعی فی الأم 2 : 73.
3- المعتبر 2 : 575.
4- المنتهی 1 : 521.
5- فی الأصل : لزوم ما یستحق.
6- القاموس المحیط 4 : 158.

______________________________________________________

الشهیدان (1) وجماعة ، لأن الزکاة إنما شرعت لسدّ الخلّة ودفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها.

ولو تمکن من قضاء البعض دون البعض أعطی ما لا یتمکن من قضائه.

وقال المصنف فی المعتبر : إن الغارم لا یعطی مع الغنی (2). والظاهر أن مراده بالغنی انتفاء الحاجة إلی القضاء ، لا الغنی الذی هو ملک قوت السنة ، إذ لا وجه لمنع مالک قوت السنة من أخذ ما یوفی به الدین إذا کان غیر متمکن من قضائه.

واستقرب العلاّمة فی النهایة جواز الدفع إلی المدیون وإن کان عنده ما یفی بدینه إذا کان بحیث لو دفعه یصیر فقیرا ، لانتفاء الفائدة فی أن یدفع ماله ثم یأخذ الزکاة باعتبار الفقر (3).

ومقتضی کلامه أن الأخذ والحال هذه یکون من سهم الغارمین ، وهو غیر بعید (4) ، لعدم صدق التمکن من أداء الدین عرفا بذلک.

واشترط الأصحاب فی جواز الدفع إلی الغارم أن لا تکون استدانته فی معصیة ، واستدلوا علیه بأن فی قضاء دین المعصیة حملا للغریم علی المعصیة وهو قبیح عقلا فلا یکون متعبدا به شرعا ، وبما روی عن الرضا علیه السلام أنه قال : « یقضی ما علیه من سهم الغارمین إذا کان أنفقه فی طاعة الله عزّ وجلّ ، وإذا کان أنفقه فی معصیة الله فلا شی ء له علی الإمام » (5).

ص: 223


1- الأول فی الدروس : 62 ، والثانی فی المسالک 1 : 60.
2- المعتبر 2 : 576.
3- نهایة الأحکام 2 : 391.
4- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : لإطلاق الآیة و ...
5- الکافی 5 : 93 - 5 ، التهذیب 6 : 185 - 385 ، الوسائل 13 : 91 أبواب الدین والقرض ب 9 ح 3.

نعم لو تاب صرف إلیه من سهم الفقراء ، وجاز أن یقضی هو.

______________________________________________________

ویمکن المناقشة فی الأول بأن إعانة المستدین فی المعصیة إنما یقبح مع عدم التوبة لا مطلقا ، وفی الروایة بالطعن فی السند ، فإنا لم نقف علیها مسندة فی شی ء من الأصول ، ومن ثمّ ذهب المصنف فی المعتبر إلی جواز إعطائه مع التوبة من سهم الغارمین (1) ، وهو حسن.

واعلم أن العلاّمة - رحمه الله - ذکر فی التذکرة والمنتهی أن الغارمین قسمان : أحدهما المدیون لمصلحة نفسه وحکمه ما سبق ، والثانی المدیون لإصلاح ذات البین بین شخصین أو قبیلتین بسبب تشاجر بینهما ، إمّا لقتیل لم یظهر قاتله ، أو إتلاف مال کذلک ، وحکم بجواز الدفع إلی من هذا شأنه مع الغنی والفقر ، ولم ینقل فی ذلک خلافا ، واستدل علیه بعموم الآیة الشریفة السالم من المخصص ، وبما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « لا تحلّ الصدقة لغنی إلا لخمس » وذکر رجلا تحمل حمالة (2) ، وبأن تحمله وضمانه إنما یقبل إذا کان غنیا فأخذه فی الحقیقة إنما هو لحاجتنا (3) إلیه فلم یعتبر فیه الفقر کالمؤلّفة (4).

وجوّز الشهید فی البیان صرف الزکاة فی إصلاح ذات البین ابتداء (5). وهو حسن إلاّ أنه یکون من سهم سبیل الله لا من سهم الغارمین.

قوله : ( نعم لو تاب صرف إلیه من سهم الفقراء وجاز أن یقضی هو ).

لا ریب فی جواز الدفع إلیه من سهم الفقراء إذا کان فقیرا ، وإنما یتوقف قضاء دین المعصیة من سهم الفقراء علی التوبة إن اشترطنا العدالة ، وإلاّ لم یتوقف جواز الدفع إلیه علی ذلک کما هو واضح.

ص: 224


1- المعتبر 2 : 575.
2- سنن ابن ماجة 1 : 590 - 1841 ، سنن أبی داود 2 : 119 - 1635.
3- کذا ، وفی المصدر : لحاجة.
4- التذکرة 1 : 233 ، والمنتهی 1 : 521.
5- البیان : 198.

ولو جهل فی ماذا أنفقه ، قیل : یمنع ، وقیل : لا ، وهو الأشبه.

ولو کان للمالک دین علی الفقیر جاز أن یقاصه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو جهل فی ماذا أنفقه قیل : یمنع ، وقیل : لا ، وهو الأشبه ).

القول بالمنع للشیخ (1) - رحمه الله - وربما کان مستنده روایة محمد بن سلیمان ، عن رجل من أهل الجزیرة یکنّی أبا محمد ، عن الرضا علیه السلام قال ، قلت : فهو لا یعلم فیما أنفقه فی طاعة أم فی معصیة ، قال : « یسعی فی ماله فیردّه علیه وهو صاغر » (2) وهذه الروایة ضعیفة جدا فلا یمکن التعویل علیها فی إثبات حکم مخالف للأصل.

والأصح الجواز کما اختاره ابن إدریس (3) والمصنف وجماعة ، لأن الأصل فی تصرفات المسلم وقوعها علی الوجه المشروع ، ولأن تتبع مصارف الأموال عسر فلا یقف دفع الزکاة علی اعتباره.

قوله : ( وکذا لو کان للمالک دین علی الفقیر جاز أن یقاصه ).

المراد بالمقاصّة هنا القصد إلی إسقاط ما فی ذمة الفقیر للمزکی من الدین علی وجه الزکاة ، وفی معنی الفقیر الغنی - أعنی مالک قوت السنة - إذا کان بحیث لا یتمکن من أداء الدین.

وذکر الشارح أن معنی المقاصة احتساب الزکاة علی الفقیر ثم أخذها مقاصة من دینه (4). وهو بعید.

جواز مقاصة الفقیر

ص: 225


1- النهایة : 306.
2- المتقدمة فی ص 223.
3- السرائر : 162.
4- المسالک 1 : 60.

______________________________________________________

وهذا الحکم - أعنی جواز مقاصّة المدیون بما علیه من الزکاة - مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل ظاهر المصنف فی المعتبر والعلاّمة فی التذکرة والمنتهی (1) أنه لا خلاف فیه بین العلماء ، ویدل علیه روایات : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن دین (2) علی قوم طال حبسه عندهم لا یقدرون علی قضائه وهم مستوجبون للزکاة ، هل لی أن أدعه وأحتسب به علیهم من الزکاة؟ قال : « نعم » (3).

وعن عقبة بن خالد ، قال : دخلت أنا والمعلّی وعثمان بن عمران علی أبی عبد الله علیه السلام فلما رآنا قال : « مرحبا بکم وجوه تحبّنا ونحبّها ، جعلکم الله معنا فی الدنیا والآخرة » فقال له عثمان : جعلت فداک ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « نعم فمه؟ » قال : إنی رجل موسر فقال له : « بارک الله لک فی یسارک » قال : فیجی ء الرجل فیسألنی الشی ء ولیس هو إبّان زکاتی ، فقال له أبو عبد الله علیه السلام : « القرض عندنا بثمانیة عشر والصدقة بعشرة ، وما ذا علیک إذا کنت موسرا أعطیته ، فإذا کان إبّان زکاتک احتسبت بها من الزکاة ، یا عثمان لا تردّه فإن ردّه عند الله عظیم ، یا عثمان إنک لو علمت ما منزلة المؤمن من ربّه ما توانیت فی حاجته ، ومن أدخل علی مؤمن سرورا فقد أدخل علی رسول الله صلی الله علیه و آله ، وقضاء حاجة المؤمن یدفع الجنون والجذام والبرص » (4).

وروی الکلینی أیضا فی الموثق ، عن سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون له الدین علی رجل فقیر یرید أن یعطیه من الزکاة ، فقال : « إذا کان الفقیر عنده وفاء بما کان علیه من دین من

ص: 226


1- المعتبر 2 : 576 ، التذکرة 1 : 242 ، المنتهی 1 : 521.
2- فی « ض » ، « م » ، « ح » والمصدر زیادة : لی.
3- الکافی 3 : 558 - 1 ، الوسائل 6 : 206 أبواب المستحقین للزکاة ب 46 ح 2.
4- الکافی 4 : 34 - 4 ، الوسائل 6 : 208 أبواب المستحقین للزکاة ب 49 ح 2.

وکذا لو کان الغارم میتا جاز أن یقضی عنه وأن یقاص.

______________________________________________________

عرض من دار أو متاع من متاع البیت أو یعالج عملا یتقلّب فیها بوجهه فهو یرجو أن یأخذ منه ماله عنده من دینه فلا بأس أن یقاصّه بما أراد أن یعطیه من الزکاة ویحتسب بها ، وإن لم یکن عند الفقیر وفاء ولا یرجو أن یأخذ منه شیئا فلیعطه من زکاته ولا یقاصّه بشی ء من الزکاة » (1).

قوله : ( ولو کان الغارم میتا جاز أن یقضی عنه وأن یقاص ).

اتفق علماؤنا وأکثر العامة (2) علی أنه یجوز للمزکّی قضاء الدین عن الغارم من الزکاة بأن یدفعه إلی مستحقه ومقاصّته بما علیه من الزکاة ، ویدل علیه روایات : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل عارف فاضل توفّی وترک علیه دینا لم یکن بمفسد ولا مسرف ولا معروف بالمسألة ، هل یقضی عنه من الزکاة الألف والألفان؟ قال : « نعم » (3).

وعن یونس بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « قرض المؤمن غنیمة وتعجیل أجر ، إن أیسر قضاک وإن مات قبل ذلک احتسبت به من الزکاة » (4).

وفی الحسن عن زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل حلّت علیه الزکاة ومات أبوه وعلیه دین ، أیؤدی زکاته فی دین أبیه وللابن مال کثیر؟ فقال : « إن کان أبوه أورثه مالا ثم ظهر علیه دین لم یعلم به یومئذ فیقضیه عنه قضاه من جمیع المیراث ولم یقضه من زکاته ، وإن لم یکن أورثه مالا لم یکن أحد

جواز قضاء دین المیت من الزکاة

ص: 227


1- الکافی 3 : 558 - 2 ، الوسائل 6 : 206 أبواب المستحقین للزکاة ب 46 ح 3.
2- نقله عن ابن تمیم فی الإنصاف : 3 : 251.
3- الکافی 3 : 549 - 2 ، الوسائل 6 : 205 أبواب المستحقین للزکاة ب 46 ح 1.
4- الکافی 3 : 558 - 1 ، الفقیه 2 : 32 - 127. الوسائل 6 : 208 أبواب المستحقین للزکاة ب 49 ح 1.

وکذا لو کان الدین علی من تجب نفقته جاز أن یقضی عنه حیا أو میتا وأن یقاص.

______________________________________________________

أحق بزکاته من دین أبیه ، فإذا أدّاها فی دین أبیه علی هذه الحال أجزأت عنه » (1).

ویستفاد من هذه الروایة اعتبار قصور الترکة عن الدین کالحی ، وبه صرح ابن الجنید (2) والشیخ فی المبسوط (3).

وقال فی المختلف : لا یعتبر ذلک ، لعموم الأمر باحتساب الدین علی المیت من الزکاة ، ولأنه بموته انتقلت الترکة إلی ورثته فصار فی الحقیقة عاجزا (4).

ویرد علی الأول أن العموم مخصوص بحسنة زرارة فإنها صریحة فی اعتبار هذا الشرط ، وعلی الثانی أن انتقال الترکة إلی الوارث إنما یتحقق بعد الدین والوصیة کما هو منطوق الآیة الشریفة (5).

واستثنی الشارح - قدس سره - من ذلک ما لو تعذر استیفاء الدین من الترکة ، إما لعدم إمکان إثباته ، أو لغیر ذلک ، فجوّز الاحتساب علیه حینئذ وإن کان غنیا (6). وللنظر فیه مجال.

قوله : ( وکذا لو کان الدین علی من تجب نفقته جاز أن یقضی عنه حیا ومیتا وأن یقاص ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل ظاهر المصنف فی المعتبر

جواز قضاء الدین عمن تجب نفقته

ص: 228


1- الکافی 3 : 553 - 3 ، الوسائل 6 : 172 أبواب المستحقین للزکاة ب 18 ح 1.
2- حکاه عنه فی المختلف : 183 ، والبیان : 195.
3- المبسوط 1 : 229.
4- المختلف : 183.
5- النساء : 12.
6- المسالک 1 : 60.

ولو صرف الغارم ما دفع إلیه من سهم الغارمین فی غیر القضاء ارتجع منه علی الأشبه.

______________________________________________________

والعلاّمة فی التذکرة والمنتهی أنه موضع وفاق بین العلماء (1). ویدل علیه مضافا إلی العموم المتناول لذلک روایات : منها حسنة زرارة المتقدمة (2) ، وما رواه الکلینی عن أحمد بن إدریس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن یحیی ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل علی أبیه دین ولابنه مؤنة أیعطی أباه من زکاته یقضی دینه؟ قال : « نعم ، ومن أحقّ من أبیه؟! » (3).

ولا ینافی ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج : « خمسة لا یعطون من الزکاة شیئا : الأب والأمّ والولد والمملوک والمرأة ، وذلک أنهم عیاله لازمون له » (4) لأن المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة کما یدل علیه قوله علیه السلام : « وذلک أنهم عیاله لازمون له » فإن قضاء الدین لا یلزم المکلف بالاتفاق.

قوله : ( ولو صرف الغارم ما دفع إلیه من سهم الغارمین فی غیر القضاء ارتجع علی الأشبه ).

علله المصنف فی المعتبر بأن فیه مخالفة لقصد المالک ، ثم قال : وقال الشیخ فی المبسوط والجمل : لا یرتجع ، لأنه ملکه بالقبض فلا یحتکم علیه ، وقلنا : ملکه لیصرفه فی وجه مخصوص فلا یسوغ له غیره (5). وهو حسن.

حکم صرف الغارم الزکاة فی غیر الدین

ص: 229


1- المعتبر 2 : 576 ، التذکرة 1 : 234 ، المنتهی 1 : 521.
2- فی ص 227.
3- الکافی 3 : 553 - 2 ، الوسائل 6 : 172 أبواب المستحقین للزکاة ب 18 ح 2.
4- الکافی 3 : 552 - 5 ، التهذیب 4 : 56 - 150 ، الإستبصار 2 : 33 - 101 ، الوسائل 6 : 165 أبواب المستحقین للزکاة ب 13 ح 1 ، وفیهما : ولأبیه مؤنة.
5- المعتبر 2 : 576.

ولو ادعی أن علیه دینا قبل قوله إذا صدّقه الغریم. وکذا لو تجردت دعواه عن التصدیق والإنکار ، وقیل : لا یقبل ، والأول أشبه.

وفی سبیل الله :

وهو الجهاد خاصة ، وقیل : یدخل فیه المصالح ، کبناء القناطر ، والحج ، ومساعدة الزائرین ، وبناء المساجد ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعی أن علیه دینا قبل قوله إذا صدّقه الغریم ، وکذا لو تجردت دعواه عن التصدیق والإنکار ، وقیل : لا یقبل ، والأول أشبه ).

الکلام فی هذه المسألة کما تقدم فی دعوی الفقر ، بل ربما کان عدم القبول هنا أولی ، لأن الغرم مما یمکن إقامة البیّنة علیه.

وقول المصنف : وقیل : لا یقبل ، یحتمل أن یکون المراد به عدم القبول بدون البیّنة أو الیمین ، ولن أقف علی مصرّح بذلک من الأصحاب ، نعم حکی العلاّمة فی التذکرة عن الشافعی أنه قال : لا تقبل دعوی الغرم إلاّ بالبیّنة لأنه مدّع (1). ولا یخلو من قوة.

وموضع الخلاف الغارم لمصلحة نفسه ، أما الغارم لمصلحة ذات البین فلا تقبل دعواه إلاّ بالبیّنة قولا واحدا.

قوله : ( وفی سبیل الله ، وهو الجهاد ، وقیل : یدخل فیه المصالح ، کبناء القناطر ، والحج ، ومساعدة الزائرین ، وبناء المساجد ، وهو الأشبه ).

أجمع العلماء کافة علی أن لسبیل الله سهما من الزکاة ، وإنما اختلفوا فی معناه فقال الشیخ فی النهایة : المراد به الجهاد ، لأن إطلاق السبیل ینصرف

حکم ادعاء الغرم

فی سبیل الله

ص: 230


1- التذکرة 1 : 236.

______________________________________________________

إلیه (1). وقال فی المبسوط والخلاف : تدخل فیه الغزاة ومعونة الحاج وقضاء الدین عن الحیّ والمیّت وبناء القناطر وجمیع سبل الخیر والمصالح (2). وإلی هذا القول ذهب ابن إدریس (3) والمصنف وسائر المتأخرین ، وهو المعتمد.

لنا : إن السبیل هو الطریق ، فإذا أضیف إلی الله سبحانه کان عبارة عن کل ما یکون وسیلة إلی الثواب فیتناول الجهاد وغیره ، وإنما حمل علی الجهاد الذی هو بعض مدلول اللفظ فی بعض المواضع لقرینة ، ویدل علیه أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین أنه قال لأبی الحسن علیه السلام : یکون عندی المال من الزکاة أفأحجّ به موالیّ وأقاربی؟ قال : « نعم » (4).

وما رواه علیّ بن إبراهیم فی کتاب التفسیر عن العالم علیه السلام أنه قال : « وفی سبیل الله قوم یخرجون إلی الجهاد ولیس عندهم ما یتقوون به ، أو قوم من المؤمنین لیس عندهم ما یحجّون به ، وفی جمیع سبل الخیر » (5).

واعلم أن العلاّمة - رحمه الله - قال فی التذکرة بعد أن ذکر أنه یدخل فی سهم سبیل الله معونة الزوّار والحجیج : وهل یشترط حاجتهم إشکال ، ینشأ من اعتبار الحاجة کغیره من أهل السهمان ، ومن اندراج إعانة الغنی تحت سبیل الخیر (6).

وجزم الشارح باعتبار الحاجة ، بل صرّح باعتبار الفقر فقال : ویجب تقیید المصالح بما لا یکون فیه معونة لغنی مطلق بحیث لا یدخل فی شی ء من الأصناف

ص: 231


1- النهایة : 184.
2- المبسوط 1 : 252 ، والخلاف 2 : 134.
3- السرائر : 106.
4- الفقیه 2 : 19 - 61 ، الوسائل 6 : 201 أبواب المستحقین للزکاة ب 42 ح 1.
5- تفسیر القمی 1 : 299 ، الوسائل 6 : 145 أبواب المستحقین للزکاة ب 1 ح 7.
6- التذکرة 1 : 237.

والغازی یعطی وإن کان غنیّا قدر کفایته علی حسب حاله.

______________________________________________________

الباقیة فیشترط فی الحاج والزائر الفقر أو کونه ابن سبیل أو ضیفا ، والفرق بینهما حینئذ وبین الفقیر أن الفقیر لا یعطی الزکاة لیحجّ بها من جهة کونه فقیرا ویعطی لکونه فی سبیل الله (1). وهو مشکل ، لأن فیه تخصیصا لعموم الأدلة من غیر دلیل.

والمعتمد جواز صرف هذا السهم فی کل قربة لا یتمکن فاعلها من الإتیان بها بدونه ، وإنما صرنا إلی هذا التقیید لأن الزکاة إنما شرّعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها ، ومع ذلک فاعتباره محل تردّد.

قوله : ( والغازی یعطی وإن کان غنیا قدر کفایته علی حسب حاله ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی التذکرة بعموم قوله تعالی ( وَفِی سَبِیلِ اللهِ ) (2) وقول النبی صلی الله علیه و آله : « لا تحلّ الصدقة لغنیّ إلاّ لثلاثة » وعدّ منها الغازی (3). وبأن ما یأخذه من الزکاة کالأجرة علی الغزو فلا یعتبر فی إعطائه وصف آخر (4). وهو حسن.

وقد نصّ الأصحاب علی أن الغازی إنما یعطی کفایته علی حسب حاله فیدفع إلیه ما یشتری به السلاح والحمولة إن احتاج إلیها ، والفرس إن کان فارسا ، ویختلف ذلک باختلاف حاله فی الشرف والضعة وقرب المسافة وبعدها ، والضابط حصول الکفایة بالنسبة إلی ذلک الغازی عرفا.

عدم اشتراط الفقر فی الغازی

ص: 232


1- المسالک 1 : 60.
2- التوبة : 60.
3- سنن ابن ماجة 1 : 590 - 1841 ، سنن أبی داود 2 : 119 - 1635 ، وفیهما : لخمسة ، بدل : لثلاثة.
4- التذکرة 1 : 236.

وإذا غزا لم یرتجع منه ، وإن لم یغز استعید.

وإذا کان الإمام مفقودا سقط نصیب الجهاد وصرف فی المصالح. وقد یمکن وجوب الجهاد مع عدمه ، فیکون النصیب باقیا مع وقوع ذلک التقدیر.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا غزا لم یرتجع منه ، وإن لم یغز استعید ).

أما أنه لا یرتجع منه شی ء مع الغزو فقال فی التذکرة : إنه موضع وفاق بین العلماء ، لأن المدفوع إلیه کالأجرة وقد أتی بالعمل المستأجر علیه ، ولأن ما وصل إلیه کان بقدر کفایته وإنما فضل منه بما ضیّق علی نفسه فلا یستردّ منه (1).

وأما استعادة المدفوع إلیه مع عدم الغزو فظاهر ، لأنه إنما ملکه لیصرفه فی الوجه المخصوص وهو الغزو ولم یحصل ، قال فی التذکرة : وهو اختیار الشیخ أیضا ، وکذا لو خرج إلی الغزو ثم رجع من الطریق قبل الغزو (2).

قوله : ( وإذا کان الإمام مفقودا سقط نصیب الجهاد وصرف فی المصالح ).

أما علی ما اخترناه من دخول المصالح فی سهم سبیل الله فظاهر ، وأما علی القول باختصاصه بالجهاد فینبغی سقوطه مطلقا ، أو حفظه إلی أن یمکن صرفه فیه ، ولا یجوز صرفه فی غیره.

قوله : ( وقد یمکن وجوب الجهاد مع عدمه ، فیکون النصیب باقیا مع وقوع ذلک التقدیر ).

إنما یجب الجهاد فی حال الغیبة إذا دهم المسلمین - والعیاذ بالله - عدوّ یخاف منه علی بیضة الإسلام ، لا للدعوة إلی الإسلام ، فإن ذلک لا یکون إلاّ مع الإمام علیه السلام .

ارتجاع الزکاة مع عدم الغزو

حکم نصیب الجهاد مع فقد الامام

ص: 233


1- التذکرة 1 : 237.
2- التذکرة 1 : 237.

وکذا یسقط سهم السعاة وسهم المؤلفة ، ویقتصر بالزکاة علی بقیة الأصناف.

وابن السبیل :

وهو المنقطع به ولو کان غنیا فی بلده ، وکذا الضیف.

______________________________________________________

قوله : ( وکذا یسقط سهم السعاة وسهم المؤلفة ، ویقتصر بالزکاة علی بقیة الأصناف ).

قد تقدم الکلام فی سهم المؤلّفة ، وأن الأصح عدم سقوطه ، لإمکان الاحتیاج إلی التألیف مع وجوب الجهاد فی زمن الغیبة.

وأما سهم السعاة فلم أقف علی ما یقتضی سقوطه والحال هذه ، ومن ثمّ جزم الشهید فی الدروس ببقائه فی زمن الغیبة مع تمکن الحاکم من نصبهم (1).وهو جید ، لاندراجهم فی العاملین.

قوله : ( وابن السبیل ، وهو المنقطع به ولو کان غنیا فی بلده ، وکذا الضیف ).

اختلف الأصحاب فی معنی ابن السبیل ، فقال المفید - رحمه الله - : إنهم المنقطع بهم فی الأسفار قال : وقد جاءت روایة أنهم الأضیاف ، یراد بهم من أضیف لحاجته إلی ذلک وإن کان له فی موضع آخر غنی ویسار ، وذلک راجع إلی ما قدمناه (2). ونحوه قال الشیخ فی النهایة والمبسوط (3). وقال ابن الجنید : وأما سهم ابن السبیل فإلی المسافرین فی طاعات الله أو المریدین لذلک ولیس فی أیدیهم ما یکفیهم لسفرهم ورجوعهم إلی منازلهم إذا کان قصدهم فی سفرهم قضاء فرض أو قیاما بسنة (4). والمعتمد اختصاصه بالمجتاز بغیر بلده المنقطع

حکم سهم السعاة والمؤلفة مع فقد الامام

ابن السبیل

ص: 234


1- الدروس : 65.
2- المقنعة : 39.
3- النهایة : 184 ، والمبسوط 1 : 252.
4- نقله عنه فی المختلف : 182.

______________________________________________________

به ، وعدم دخول الضیف فیه إلاّ إذا کان کذلک.

لنا : إن السبیل لغة الطریق ، وإنما سمّی المسافر المنقطع به ابن السبیل لملازمته للطریق وکونه فیه ، فکان کأنّ الطریق ولدته ، والمنشئ للسفر لا یصدق علیه ذلک حقیقة.

ویؤیده ما ذکره علیّ بن إبراهیم فی کتاب التفسیر عن العالم علیه السلام قال : « وابن السبیل أبناء الطریق الذین یکونون فی الأسفار فی طاعة الله تعالی فیقطع علیهم ویذهب ما لهم ، فعلی الإمام أن یردّهم إلی أوطانهم من مال الصدقات » (1).

وأما ما حکاه المفید فی المقنعة والشیخ فی المبسوط (2) من ورود الروایة بدخول الضیف فی ابن السبیل فلم نقف علیها فی شی ء من الأصول ، ولا نقلها ناقل فی کتب الاستدلال.

احتج ابن الجنید علی ما نقل عنه بأن المنشئ للسفر یسمی ابن السبیل لأنه یرید الطریق ، وبأنه یرید إنشاء سفر فی غیر معصیة فجاز أن یعطی من سهم ابن السبیل ، کما لو نوی المسافر إقامة مدة ینقطع سفره فیها ثم أراد الخروج فإنه یدفع إلیه من الصدقة وإن کان منشئا للسفر (3).

والجواب عن الأول أنه إن أراد التسمیة علی سبیل الحقیقة فممنوع ، وإن أراد علی سبیل المجاز تسمیة للشی ء باسم ما یؤول إلیه فمسلّم ، ولکن عند الإطلاق وعراء اللفظ عن القرائن یجب الحمل علی الحقیقة.

وعن الثانی : أن انقطاع السفر فی الصورة التی ذکرها حکم شرعی لا لغوی ولا عرفی ، إذ من المعلوم أن الخارج من موضع إقامة العشر لا یصدق

ص: 235


1- تفسیر القمی 1 : 299 ، الوسائل 6 : 145 أبواب المستحقین للزکاة ب 1 ح 7.
2- المقنعة : 39 ، والمبسوط 1 : 252.
3- حکاه عنه فی المختلف : 182.

ولا بد أن یکون سفرهما مباحا ، فلو کان معصیة لم یعط ،

______________________________________________________

علیه بمجرد إقامة العشر أنه منشئ للسفر ، بل الحقّ جواز الدفع إلیه فی حال الإقامة أیضا وإن لم یرد إنشاء السفر ، لأنه یصدق علیه أنه مسافر عرفا وإن انقطع سفره شرعا ، بخلاف من یرید إنشاء السفر من بلده فإنه لا یصدق علیه اسم المسافر حقیقة فضلا عن کونه ابن سبیل.

ویعتبر فی ابن السبیل الحاجة فی السفر وإن کان غنیّا فی بلده إذا کان بحیث یعجز عن التصرف فی أمواله ببیع ونحوه. ولا یشترط فیه العجز عن الاستدانة عملا بالعموم. وحکی الشارح - قدس سره - عن المصنف فی المعتبر أنه لم یعتبر فی ابن السبیل العجز عن الاستدانة ولا عن بیع ماله ، ونفی عنه البعد عملا بإطلاق النص (1). وکأنّه بعید.

قوله : ( ولا بدّ أن یکون سفرهما مباحا ، فلو کان معصیة لم یعط ).

لا خلاف بین العلماء فی عدم جواز الدفع إلی المسافر من سهم ابن السبیل إذا کان سفره معصیة ، لما فی ذلک من الإعانة له علی الإثم والعدوان. وظاهر ابن الجنید أنه لا تکفی الإباحة ، بل لا بدّ من کونه واجبا أو ندبا (2). ومقتضی روایة علیّ بن إبراهیم اعتبار کونه طاعة ، لکنها مجهولة الإسناد.

وأجاب عنها فی المختلف بأن الطاعة تصدق علی المباح بمعنی أن فاعله معتقد لکونه مباحا ، مطیع فی اعتقاده وإیقاع الفعل علی وجهه (3). وهو ضعیف جدا ، فإن الطاعة موافقة الأمر وهو لا یتعلق بالمباح ، وأما اعتقاد الإباحة فأمر خارج عن الفعل.

اعتبار إباحة السفر فی ابن السبیل

ص: 236


1- المسالک 1 : 61.
2- راجع ص 234.
3- المختلف : 182.

ویدفع إلیه قدر الکفایة إلی بلده ، ولو فضل منه شی ء أعاده ، وقیل : لا. القسم الثانی : فی أوصاف المستحق

الوصف الأول : الإیمان ، فلا یعطی کافرا ، ولا معتقدا لغیر الحق.

______________________________________________________

قوله : ( ویدفع إلیه قدر الکفایة إلی بلده ، فلو فضل منه شی ء أعاده ، وقیل : لا ).

الکلام فی هذه المسألة کما سبق فی الرقاب والغارم ، وقال المصنف فی المعتبر : إن الوجه استعادته إذا دفع علیه بقصد الإعانة ، اقتصارا علی قصد الدافع (1). وهو حسن.

قوله : ( القسم الثانی ، فی أوصاف المستحقین ، الوصف الأول : الإیمان ، فلا یعطی کافرا ، ولا معتقدا لغیر الحق ).

المراد بالإیمان هنا معناه الخاص ، وهو الإسلام مع الولایة للأئمة الاثنی عشر علیهم السلام ، واعتبار هذا الوصف مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی ، واستدل علیه بأن الإمامة من أرکان الدین وأصوله وقد علم ثبوتها من النبی صلی الله علیه و آله ضرورة ، فالجاحد بها لا یکون مصدّقا للرسول صلی الله علی وآله فی جمیع ما جاء به فیکون کافرا لا یستحق الزکاة ، وبأن الزکاة معونة وإرفاق فلا تعطی غیر المؤمن لأنه محادّ لله ولرسوله ، والمعونة والإرفاق مودّة فلا یجوز فعلها مع غیر المؤمن ، لقوله تعالی ( لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ) (2) (3) وفی الدلیلین بحث.

اعطاء ابن السبیل بقدر الکفایة إلی بلده

أوصاف المستحق

الوصف الأول : الایمان

اشارة

ص: 237


1- المعتبر 2 : 578.
2- المجادلة : 22.
3- المنتهی 1 : 522.

ومع عدم المؤمن یجوز صرف الفطرة خاصة إلی المستضعف.

______________________________________________________

وقد ورد باعتبار هذا الوصف روایات کثیرة : منها ما رواه الکلینی والشیخ فی الحسن وابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة وبکیر والفضیل ومحمد بن مسلم وبرید بن معاویة العجلی ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا فی الرجل یکون فی بعض هذه الأهواء الحروریة والمرجئة والعثمانیة والقدریة ثم یتوب ویعرف هذا الأمر ویحسن رأیه ، أیعید کلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زکاة أو حج أو لیس علیه إعادة شی ء من ذلک؟ قال : « لیس علیه إعادة شی ء من ذلک غیر الزکاة فإنه لا بدّ أن یؤدّیها ، لأنه وضع الزکاة فی غیر موضعها ، وإنما موضعها أهل الولایة » (1).

وفی الصحیح ، عن برید بن معاویة العجلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « کل عمل عمله وهو فی حال نصبه وضلالته ثم منّ الله علیه وعرّفه الولایة فإنه یؤجر علیه إلاّ الزکاة فإنه یعیدها ، لأنه وضعها فی غیر مواضعها لأنها لأهل الولایة ، وأما الصلاة والحج والصیام فلیس علیه قضاء » (2).

وفی الصحیح ، عن إسماعیل بن سعد الأشعری ، عن الرضا علیه السلام قال : سألته عن الزکاة هل توضع فیمن لا یعرف؟ قال : « لا ، ولا زکاة الفطرة » (3).

ویجب أن یستثنی من ذلک المؤلّفة وبعض أفراد سبیل الله ، وإنما أطلق العبارة اعتمادا علی الظهور.

قوله : ( ومع عدم المؤمن یجوز صرف الفطرة خاصة إلی المستضعفین ).

جواز صرف الفطرة للمستضعف

ص: 238


1- الکافی 3 : 545 - 1 ، التهذیب 4 : 54 - 143 ، علل الشرائع : 373 - 1 ، الوسائل 6 : 148 أبواب المستحقین للزکاة ب 3 ح 2.
2- التهذیب 5 : 9 - 23 ، الوسائل 6 : 148 أبواب المستحقین للزکاة ب 3 ح 1.
3- الکافی 3 : 547 - 6 ، التهذیب 4 : 52 - 137 ، المقنعة : 39 ، الوسائل 6 : 152 أبواب المستحقین للزکاة ب 5 ح 1.

______________________________________________________

نبّه بقوله : یجوز صرف الفطرة خاصة ، علی أن زکاة المال لا یجوز دفعها إلی غیر المؤمن وإن تعذّر الدفع إلی المؤمن ، لأن غیرهم لا یستحق الزکاة علی ما دلت علیه الأخبار المتقدمة فیکون الدفع إلیهم جاریا مجری الدفع إلی غیر الأصناف الثمانیة.

أما زکاة الفطرة فقد اختلف فیها کلام الأصحاب ، فذهب الأکثر ومنهم المفید (1) والمرتضی (2) وابن الجنید (3) وابن إدریس (4) إلی عدم جواز دفعها إلی غیر المؤمن مطلقا کالمالیة ، ویدل علیه مضافا إلی العمومات قوله علیه السلام فی صحیحة إسماعیل بن سعد الأشعری المتقدمة : « لا ، ولا زکاة الفطرة ».

وذهب الشیخ (5) وأتباعه إلی جواز دفعها مع عدم المؤمن إلی المستضعف وهو الذی لا یعاند فی الحق من أهل الخلاف ، واستدل علیه بما رواه فی الموثق ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبی إبراهیم علیه السلام قال : سألته عن صدقة الفطرة أعطیها غیر أهل ولایتی من جیرانی؟ قال : « الجیران أحقّ بها ، لمکان الشهرة » (6).

وعن مالک الجهنی قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن زکاة الفطرة فقال : « تعطیها المسلمین ، فإن لم تجد مسلما فمستضعفا » (7).

ویدل علیه أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین أنه

ص: 239


1- المقنعة : 41.
2- الانتصار : 82.
3- حکاه عنه فی المختلف : 201.
4- السرائر : 109.
5- التهذیب 4 : 88 ، والنهایة : 192 ، والمبسوط 1 : 242.
6- التهذیب 4 : 88 - 259 ، الإستبصار 2 : 51 - 172 ، الوسائل 6 : 250 أبواب زکاة الفطرة ب 15 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 174 - 19 ، وعلل الشرائع : 391 - 1.
7- الکافی 4 : 173 - 18 ، التهذیب 4 : 87 - 255 ، الوسائل 6 : 250 أبواب زکاة الفطرة ب 15 ح 1.

وتعطی الزکاة أطفال المؤمنین دون أطفال غیرهم.

______________________________________________________

سأل أبا الحسن الأول علیه السلام عن زکاة الفطرة أتصلح أن تعطی الجیران والظؤرة ممن لا یعرف ولا ینصب؟ فقال : « لا بأس بذلک إذا کان محتاجا » (1).

قال فی المعتبر : والروایة المانعة أشبه بالمذهب ، لما قررته الإمامیة من تضلیل مخالفها فی الاعتقاد ، وذلک یمنع الاستحقاق (2). وهو کذلک ، ویمکن حمل الأخبار المبیحة علی التقیة کما یدل علیه قوله علیه السلام فی روایة إسحاق بن عمّار : « الجیران أحقّ بها ، لمکان الشهرة ».

ویدل علی المنع مطلقا مضافا إلی ما سبق ما رواه الشیخ ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عیسی ، عن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ما تقول فی الزکاة لمن هی؟ قال ، فقال : « هی لأصحابک » قال ، قلت : فإن فضل منهم؟ قال : « فأعد علیهم » قلت : فإن فضل عنهم؟ قال : « فأعد علیهم » قلت : فإن فضل منهم؟ قال : « فأعد علیهم » قلت : فیعطی السؤّال منها شیئا؟ قال ، فقال : « لا والله إلاّ التراب ، إلاّ أن ترحمه فإن رحمته فأعطه کسرة ثم أومأ بیده فوضع إبهامه علی أصول أصابعه » (3).

قوله : ( وتعطی الزکاة أطفال المؤمنین دون أطفال غیرهم ).

هذا الحکم مجمع علیه بین علمائنا وأکثر العامة (4) ، ویدل علیه مضافا إلی إطلاق الکتاب والسنّة روایات : منها ما رواه الشیخ ( فی الحسن ) (5) عن أبی

حکم إعطاء الزکاة الأطفال

ص: 240


1- الفقیه 2 : 118 - 507 ، الوسائل 6 : 251 أبواب زکاة الفطرة ب 15 ح 6.
2- المعتبر 2 : 580.
3- التهذیب 4 : 53 - 142 ، الوسائل 6 : 153 أبواب المستحقین للزکاة ب 5 ح 6.
4- نقله عن أحمد واختاره فی المغنی : 2 - 508 ، ونسبه الی المعظم واختاره فی الإنصاف : 3 - 219.
5- فی « م » : فی الصحیح.

______________________________________________________

بصیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یموت ویترک العیال یعطون من الزکاة؟ قال : « نعم » (1).

وعن أبی خدیجة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ورثة الرجل المسلم إذا مات یعطون من الزکاة والفطرة کما کان یعطی أبوهم حتی یبلغوا ، فإذا بلغوا وعرفوا ما کان أبوهم یعرف أعطوا وإن نصبوا لم یعطوا » (2).

ونصّ الشیخ فی التبیان والسیّد المرتضی فی المسائل الطبریات علی أنه یجوز أن تعطی أطفال المؤمنین وإن کان آباؤهم فسّاقا (3). واستحسنه العلاّمة فی المنتهی قال : لأن حکم الأولاد حکم آبائهم فی الإیمان والکفر لا فی جمیع الأحکام (4). وهو جیّد ، إذ لیس فی الأدلة التی استدل بها علی المنع من إعطاء الفاسق ما یدل علی المنع من إعطاء الطفل.

ومن هنا یظهر أن ما ذکره الشارح - قدس سرّه - من أن هذا یعنی إعطاء الأطفال إنما یتمّ إذا لم نعتبر العدالة فی المستحق ، أما لو اعتبرناها أمکن عدم جواز إعطاء الأطفال مطلقا لعدم اتصافهم بها ، والجواز لأن المانع الفسق وهو منفی عنهم (5). غیر جیّد.

واعلم أن العلاّمة - رحمه الله - صرّح فی التذکرة بأنه لا یجوز دفع الزکاة إلی الصغیر وإن کان ممیزا ، واستدل علیه بأنه لیس محلا لاستیفاء ماله من الغرماء فکذا هنا ثم قال : ولا فرق بین أن یکون یتیما أو غیره فإنّ الدفع إلی الولیّ ، فإن لم یکن له ولیّ جاز أن یدفع إلی من یقوم بأمره ویعتنی بحاله (6).

ومقتضی کلامه - رحمه الله - جواز الدفع إلی غیر ولیّ الطفل إذا لم یکن له

ص: 241


1- التهذیب 4 : 102 - 287 ، الوسائل 6 : 155 أبواب المستحقین للزکاة ب 6 ح 1.
2- الکافی 3 : 549 - 3 ، الوسائل 6 : 156 أبواب المستحقین للزکاة ب 6 ح 2.
3- نقله عنهما فی السرائر : 106.
4- المنتهی 1 : 523.
5- المسالک 1 : 61.
6- التذکرة 1 : 236.

ولو أعطی مخالف زکاته أهل نحلته ثم استبصر أعاد.

______________________________________________________

ولیّ ، ولا بأس به إذا کان مأمونا ، بل لا یبعد جواز تسلیمها إلی الطفل بحیث یصرف فی وجه یسوغ للولیّ صرفها فیه. وحکم المجنون حکم الطفل. أما السفیه فإنه یجوز الدفع إلیه وإن حجر علیه الحاکم بعد ذلک.

قوله : ( ولو أعطی مخالف زکاته أهل نحلته ثم استبصر أعاد ).

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، ویدل علیه روایات : منها قول الصادقین علیهماالسلام فی صحیحة الفضلاء المتقدمة : « لیس علیه إعادة شی ء من ذلک غیر الزکاة لا بدّ أن یؤدّیها ، لأنه وضع الزکاة فی غیر موضعها ، وإنما موضعها أهل الولایة » (1).

وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة برید بن معاویة العجلی : « کل عمل عمله وهو فی حال نصبه وضلالته ثمّ منّ الله علیه وعرّفه الولایة فإنه یؤجر علیه إلاّ الزکاة فإنه یعیدها ، لأنه وضعها فی غیر موضعها لأنها لأهل الولایة » (2).

قال العلاّمة - رحمه الله - فی التذکرة بعد أن أورد روایة الفضلاء المتقدمة : وهذا الحدیث حسن الطریق ، وهل هو مطلق؟ نصّ علماؤنا علی أنه فی الحج إذا لم یخلّ بشی ء من أرکانه لا تجب علیه الإعادة ، أما الصلاة والصوم ففیها إشکال من حیث إن الطهارة لم تقع علی الوجه المشروع ، والإفطار قد یقع منهم فی غیر وقته. ویمکن الجواب بأن الجهل عذر کالتقیة فصحّت الطهارة ، والإفطار قبل الغروب إذا کان لشبهة قد لا یستعقب القضاء کالظلمة الموهمة فکذا هنا ، وبالجملة فالمسألة مشکلة (3).

وأقول : إن هذا الإشکال ضعیف جدا ، فإن روایة الفضلاء المتضمنة لسقوط الإعادة عن المخالف بعد استبصاره وإن کانت حسنة فی التهذیب لکن

حکم زکاة المخالف إذا استبصر

ص: 242


1- فی ص 238.
2- المتقدمة فی ص 238.
3- التذکرة 1 : 234.

الوصف الثانی : العدالة ، وقد اعتبرها کثیر. واعتبر آخرون مجانبة الکبائر کالخمر والزنا ، دون الصغائر وإن دخل بها فی جملة الفسّاق ، والأول أحوط.

______________________________________________________

ابن بابویه أوردها فی کتاب علل الشرائع والأحکام بطریق صحیح ، وفی معناها أخبار کثیرة فیتعین العمل بها علی إطلاقها ، ولا وجه لتقیید ذلک فی الحج بعدم الإخلال برکن منه کما سنبینه فی محله ، لکن لیس فی هذا الحکم - أعنی سقوط القضاء - دلالة علی صحة الأداء بوجه ، فإن القضاء فرض مستأنف فلا یثبت إلاّ مع الدلالة فکیف مع قیام الدلیل علی خلافه ، مع أن الحق بطلان عبادة المخالف وإن فرض وقوعها مستجمعة لشرائط الصحة عندنا ، للأخبار المستفیضة المتضمنة لعدم انتفاعه بشی ء من أعماله (1) ، ولتفصیل الکلام فی ذلک محل آخر.

قوله : ( الوصف الثانی ، العدالة : وقد اعتبرها کثیر ، واعتبر آخرون مجانبة الکبائر کالخمر والزنا ، دون الصغائر وإن دخل بها فی جملة الفسّاق ، والأول أحوط ).

القول باعتبار العدالة للشیخ (2) والمرتضی (3) وابن حمزة (4) وابن البراج (5) وغیرهم (6) ، والقول باعتبار مجانبة الکبائر خاصة لابن الجنید علی ما نقل عنه (7) ، واقتصر ابنا بابویه (8) وسلاّر (9) علی اعتبار الإیمان ولم یشترطا شیئا من

الوصف الثانی : العدالة

ص: 243


1- الوسائل 1 : 90 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
2- المبسوط 1 : 247 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 206.
3- الانتصار : 82.
4- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 681.
5- (5) المهذب 1 : 169 ،
6- کأبی الصلاح فی الکافی فی الفقه : 172.
7- نقله عنه فی المختلف : 182.
8- الصدوق فی المقنع : 52 ، والهدایة : 43 ، وحکاه عن علی بن بابویه فی المختلف : 182.
9- المراسم : 133.

______________________________________________________

ذلک ، وإلیه ذهب المصنف - رحمه الله - وعامة المتأخرین وهو المعتمد.

لنا : قوله تعالی ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساکِینِ ) (1) وهما متناولان للعدل وغیره ، وقوله علیه السلام فی عدة أخبار صحیحة : « إن موضعها أهل الولایة » (2) وهو یتناول الجمیع.

وصحیحة أحمد بن حمزة قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : رجل من موالیک له قرابة کلّهم یقول بک وله زکاة أیجوز أن یعطیهم جمیع زکاته؟ قال : « نعم » (3) وترک الاستفصال فی جواب السؤال مع قیام الاحتمال یفید العموم.

احتج المرتضی - رضی الله عنه - بإجماع الطائفة والاحتیاط ، وکل ظاهر من سنّة أو قرآن تضمّن المنع من معونة الفاسق (4).

والجواب ، أما عن الإجماع فبالمنع منه مع تحقق الخلاف من قوم بأعیانهم واحتمال وجود المشارک لهم فی الفتوی ، وأما الاحتیاط فلیس بدلیل شرعی حتی یتقید به إطلاق الألفاظ القرآنیة ، وأما الظواهر المتضمنة للنهی عن معونة الفاسق فالموجود منها إنما یدل علی المنع من معونة الفاسق علی فسقه ونحن نقول بموجبه ، لکن الدفع إلیه أعمّ من ذلک.

أما القائلون باعتبار مجانبة الکبائر خاصة فربما کان مستندهم فی ذلک ما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن داود الصرمی قال : سألته عن شارب الخمر یعطی من الزکاة شیئا؟ قال :

ص: 244


1- التوبة : 60.
2- الوسائل 6 : 148 أبواب المستحقین للزکاة ب 3.
3- الکافی 3 : 552 - 7 ، التهذیب 4 : 54 - 144 ، الإستبصار 2 : 35 - 104 ، الوسائل 6 : 169 أبواب المستحقین للزکاة ب 15 ح 1.
4- الانتصار : 82.

الوصف الثالث : ألا یکون ممّن تجب نفقته علی المالک ، کالأبوین وإن علوا ، والأولاد وإن سفلوا ، والزوجة ، والمملوک.

______________________________________________________

« لا » (1) وهذه الروایة ضعیفة السند بجهالة المسئول وعدم وضوح حال السائل فلا تبلغ حجة فی تقیید العمومات المتضمنة لاستحقاق الأصناف الثمانیة من الکتاب والسنّة ، ومع ذلک فهی مختصة بشارب الخمر فلا تتناول غیره.

قال الشهید فی الشرح : والعدالة هنا هیئة راسخة فی النفس تبعث علی ملازمة التقوی بحیث لا تقع منه کبیرة ولا یصرّ علی صغیرة فإن وقعت استدرکت بالتوبة (2). ونبّه بقوله : « هنا » علی أن العدالة فی غیر هذا المحل یعتبر فیها المروّة ، وکأنّ وجه عدم اعتبارها هنا أن الدلیل إنما دلّ علی منع فاعل المعصیة وعدم المروّة لیس معصیة وإن أخلّ بالعدالة ، وقد تقدّم الکلام فی تحقیق العدالة مفصلا فی شرائط إمام الجمعة (3).

قوله : ( الوصف الثالث ، أن لا یکون ممن تجب نفقته علی المالک ، کالأبوین وإن علوا ، والأولاد وإن سفلوا ، والزوجة ، والمملوک ).

أجمع الأصحاب علی أنه یشترط فی مستحق الزکاة لفقره أن لا یکون ممن تجب نفقته علی المالک ، بل قال فی المنتهی : إنه قول کل من یحفظ عنه العلم (4). ویدل علیه روایات (5) : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « خمسة لا یعطون من الزکاة شیئا : الأب والأمّ والولد والمملوک والزوجة ، وذلک أنهم عیاله لازمون له » (6).

الوصف الثالث : غیر واجب النفقة

اشارة

ص: 245


1- الکافی 3 : 563 - 15 ، الوسائل 6 : 171 أبواب المستحقین للزکاة ب 17 ح 1.
2- نقله عنه فی المسالک 1 : 61.
3- فی ص 192 حجری.
4- المنتهی 1 : 523.
5- فی « ح » زیادة : کثیرة.
6- التهذیب 4 : 56 - 150 ، الإستبصار 2 : 33 - 101 ، الوسائل 6 : 165 أبواب المستحقین للزکاة ب 13 ح 1.

______________________________________________________

وفی الموثق ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال ، قلت له : لی قرابة أنفق علی بعضهم وأفضّل علی بعضهم فیأتینی إبّان الزکاة أفأعطیهم منها؟ قال : « مستحقون لها؟ » قلت : نعم قال : « هم أفضل من غیرهم أعطهم قال ، قلت : فمن الذی یلزمنی من ذوی قرابتی حتی لا أحتسب الزکاة علیهم؟ فقال : « أبوک وأمّک » قلت : أبی وأمّی؟! قال : « الوالدان والولد » (1).

وعن زید الشحّام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال فی الزکاة : « یعطی منها الأخ والأخت والعمّ والعمّة والخال والخالة ولا یعطی الجدّ والجدّة » (2).

واستدل علیه فی المنتهی أیضا بأن المالک یجب علیه شیئان : الزکاة والإنفاق ، ومع صرف الزکاة إلی من تجب نفقته یسقط أحد الواجبین فیکون الدفع فی الحقیقة عائدا إلیه کما لو قضی دین نفسه (3). وهو حسن.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن عمران بن إسماعیل القمی قال : کتبت إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام أن لی ولدا رجالا ونساء فیجوز أن أعطیهم من الزکاة شیئا؟ فکتب : « إن ذلک جائز لک » (4) لأنا نجیب عنه أولا بالطعن فی السند بجهالة الراوی ، وثانیا بأنه یحتمل أن یکون الإمام علیه السلام علم من حال السائل أنه غیر متمکن من النفقة علی الأولاد فساغ له دفع الزکاة إلیهم لذلک.

وأجاب عنه فی المنتهی أیضا بجواز أن یکون النساء والرجال من ذوی

ص: 246


1- الکافی 3 : 551 - 1 ، التهذیب 4 : 56 - 149 ، الإستبصار 2 : 33 - 100 ، الوسائل 6 : 169 أبواب المستحقین للزکاة ب 15 ح 2 ، وأورد ذیله فی ص 165 ب 13 ح 2.
2- الکافی 3 : 552 - 6 ، التهذیب 4 : 56 - 151 ، الوسائل 6 : 166 أبواب المستحقین للزکاة ب 13 ح 3.
3- المنتهی 1 : 523.
4- التهذیب 4 : 56 - 152 ، الإستبصار 2 : 34 - 102 ، الوسائل 6 : 167 أبواب المستحقین للزکاة ب 14 ح 3.

______________________________________________________

الأقارب ، وأطلق علیهم اسم الولد مجازا بسبب مخالطتهم للأولاد ، وباحتمال أن یکون أراد الزکاة المندوبة (1).

وهل یجوز لمن وجبت نفقته علی غیره إذا لم یکن مالکا لقوت السنة تناول الزکاة من غیر المخاطب بالإنفاق مع یسار المنفق وبذله؟ الأصح عدم الجواز فی الزوجة ، لأن نفقتها کالعوض ، والجواز فی غیرها ، وهو اختیار العلاّمة فی المنتهی والشهید فی الدروس والبیان (2) ، لعدم خروج من لم یملک قوت السنة بوجوب النفقة عن وصف الفقر عرفا ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام قال : سألته عن الرجل یکون أبوه أو عمّه أو أخوه یکفیه مؤنته أیأخذ من الزکاة فیوسع به إذا کانوا لا یوسعون علیه فی کل ما یحتاج إلیه؟ قال : « لا بأس » (3).

وجزم العلاّمة فی التذکرة بعدم الجواز فی الجمیع ، لأن الکفایة حاصلة لهم بما یصلهم من النفقة الواجبة فأشبهوا من له عقار یستعین بأجرته (4). وهو قیاس مع الفارق.

ولو امتنع المنفق من الإنفاق جاز التناول فی الجمیع قولا واحدا. فروع :

الأول : یجوز للمالک أن یصرف إلی قریبه الواجب النفقة ما زاد علی النفقة الواجبة کنفقة الزوجة والمملوک ، لعدم وجوب ذلک علیه ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن : « وذلک أنهم عیاله لازمون له » (5) فإن

جواز اعطاء ما زاد علی النفقة الواجبة

ص: 247


1- المنتهی 1 : 523.
2- المنتهی 1 : 519 ، والدروس : 62 ، والبیان : 196.
3- التهذیب 4 : 108 - 310 ، الوسائل 6 : 163 أبواب المستحقین للزکاة ب 11 ح 1.
4- التذکرة 1 : 231.
5- الکافی 3 : 552 - 5 ، التهذیب 4 : 56 - 150 ، الإستبصار 2 : 33 - 101 ، الوسائل 6 : 165 أبواب المستحقین للزکاة ب 13 ح 1.

ویجوز دفعها إلی من عدا هؤلاء من الأنساب ولو قربوا ، کالأخ والعم.

______________________________________________________

مقتضی التعلیل أن المانع لزوم الإنفاق وهو منتف فیمن ذکرناه.

الثانی : لو کانت الزوجة ناشزا فهل یجوز الدفع إلیها مع الفقر أم لا؟ الأصح عدم الجواز ، لأنها غنیّة بالقدرة علی الطاعة فی کل وقت. واستقرب الشهید فی الدروس الجواز تفریعا علی القول بجواز إعطاء الفاسق (1). وهو ضعیف. وأولی بالمنع المعقود علیها ولمّا تبذل التمکین.

الثالث : یجوز للزوج دفع الزکاة إلی زوجته المستمتع بها ، لسقوط الإنفاق ، ولظاهر قوله علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن : « وذلک أنهم عیاله لازمون له » وربما قیل بالمنع لإطلاق النص ، وهو ضعیف.

الرابع : یجوز للزوجة أن تدفع زکاتها إلی زوجها وإن کان ینفق علیها منها ، للأصل ، وانتفاء المانع. ونقل عن ابن بابویه المنع من إعطائه مطلقا (2). وعن ابن الجنید الجواز لکن لا ینفق منه علیها ولا علی ولدها (3). وهما ضعیفان.

الخامس : لو کان فی عائلته من لا یجب الإنفاق علیه جاز أن یدفع زکاته إلیه إجماعا منّا ، لأنه داخل فی الأصناف المستحقین ولم یرد فی منعه نص ولا إجماع. ومنع منه بعض العامة ، لأنه ینتفع بدفعها إلیه لاستغنائه بها عن مؤنته (4). وبطلانه ظاهر.

قوله : ( ویجوز دفعها إلی من عدا هؤلاء من الأنساب ولو قربوا ، کالأخ والعم ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة (5) ، ویدل علیه مضافا إلی العمومات

حکم إعطاء الزوجة الناشز والمستمتع بها
جواز إعطاء الزوجة الزکاة

ص: 248


1- الدروس : 63.
2- المقنع : 52.
3- نقله عنه فی المختلف : 183.
4- کابن قدامة فی المغنی 2 : 512.
5- حکاه ابن قدامة فی المغنی 2 : 510.

ولو کان من تجب نفقته عاملا جاز أن یأخذ من الزکاة ، وکذا الغازی ، والغارم ، والمکاتب ،

______________________________________________________

السالمة من المخصص صحیحة أحمد بن حمزة قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : رجل من موالیک له قرابة کلّهم یقول بک وله زکاة أیجوز أن یعطیهم جمیع زکاته؟ قال : « نعم » (1).

وموثقة إسحاق بن عمّار ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال ، قلت له : لی قرابة أنفق علی بعضهم وأفضّل علی بعضهم فیأتینی إبّان الزکاة أفأعطیهم منها؟ قال : « مستحقون لها؟ » قلت : نعم قال : « هم أفضل من غیرهم » (2).

وقال بعض العامة : لا یجوز الدفع إلی الوارث کالأخ أو العمّ مع فقد الولد ، بناء منه علی أن علی الوارث نفقة المورّث فدفع الزکاة إلیه یعود نفعها علی الدافع (3). وهو معلوم البطلان.

قوله : ( ولو کان من تجب نفقته عاملا جاز أن یأخذ من الزکاة ، وکذا الغازی ، والغارم ، والمکاتب ).

الوجه فی ذلک عموم الآیة السالم من المعارض ، فإن ظاهر الأخبار المانعة من الدفع إلی القریب کون المدفوع من سهم الفقراء ، وأیضا فإن ما یأخذه العامل والغازی کالأجرة ولهذا جاز لهما الأخذ مع الیسر والعسر ، والمکاتب إنما یأخذ لفداء رقبته ، والغارم لوفاء دینه وهما لا یجبان علی القریب إجماعا فانتفی المانع من الأخذ ، ویؤیّده ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن صفوان بن یحیی ، عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل علی أبیه دین ولابنه مؤنة أیعطی أباه من الزکاة

حکم إعطاء الواجب النفقة من غیر سهم الفقراء

ص: 249


1- الکافی 3 : 552 - 7 ، التهذیب 4 : 54 - 144 ، الإستبصار 2 : 35 - 104 ، الوسائل 6 : 169 أبواب المستحقین للزکاة ب 15 ح 1.
2- المتقدمة فی ص 246.
3- کابن قدامة فی المغنی 2 : 510.

وابن السبیل ، لکن یأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلیة مما یحتاج إلیه فی سفره کالحمولة.

الوصف الرابع : أن لا یکون هاشمیا ، فلو کان کذلک لم تحلّ له زکاة غیره ،

______________________________________________________

یقضی دینه؟ قال : « نعم » (1).

وفی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « وإن لم یکن أورثه مالا لم یکن أحد أحقّ بزکاته من دین أبیه » (2).

وفی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی محمد الوابشی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سأله بعض أصحابنا عن رجل اشتری أباه من الزکاة زکاة ماله قال : « اشتری خیر رقبة لا بأس بذلک » (3).

قوله : ( وابن السبیل ، لکن یأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلیة مما یحتاج إلیه فی سفره کالحمولة ).

الوجه فی ذلک معلوم مما سبق ، فإن الممتنع بالنسبة إلی القریب تناول النفقة الواجبة خاصة وهی نفقة الحضر دون ما زاد علی ذلک.

قوله : ( الوصف الرابع ، أن لا یکون هاشمیا ، فلو کان کذلک لم تحل له زکاة غیره ).

أجمع علماء الإسلام کافة علی أن الصدقة المفروضة من غیر الهاشمی محرّمة علی الهاشمی حکاه فی المنتهی (4) ، والنصوص الواردة به من الطرفین مستفیضة ، فروی الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « الصدقة

الوصف الرابع : أن لا یکون هاشمیا

اشارة

ص: 250


1- الکافی 3 : 553 - 2 ، الوسائل 6 : 172 أبواب المستحقین للزکاة ب 18 ح 2.
2- الکافی 3 : 553 - 3 ، الوسائل 6 : 172 أبواب المستحقین للزکاة ب 18 ح 1.
3- الکافی 3 : 552 - 1 ، الوسائل 6 : 173 أبواب المستحقین للزکاة ب 19 ح 1.
4- المنتهی 1 : 524.

______________________________________________________

محرّمة علی بنی هاشم » وقال علیه السلام : « هذه الصدقة أوساخ الناس فلا تحلّ لمحمد وآل محمد » (1).

ورووا أیضا أن الحسن علیه السلام أخذ تمرة من تمر الصدقة فقال له النبی صلی الله علیه و آله : « کخ کخ لیطرحها » وقال : « أما شعرت أنا لا نأکل الصدقة » (2).

ومن طریق الأصحاب ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن أناسا من بنی هاشم أتوا رسول الله صلی الله علیه و آله فسألوه أن یستعملهم علی صدقات المواشی وقالوا : یکون لنا هذا السهم الذی جعله الله عزّ وجلّ للعاملین علیها فنحن أولی به ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : یا بنی عبد المطلب إن الصدقة لا تحلّ لی ولا لکم ولکنی قد وعدت الشفاعة - ثم قال أبو عبد الله علیه السلام : والله لقد وعدها صلی الله علیه و آله - فما ظنکم یا بنی عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أترونی مؤثرا علیکم غیرکم؟! » (3).

وفی الحسن ، عن محمد بن مسلم وزرارة ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام قالا : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إنّ الصدقة أوساخ أیدی الناس ، وإن الله قد حرّم علیّ منها ومن غیرها ما قد حرّمه ، وإن الصدقة لا تحلّ لبنی عبد المطلب ، ثم قال : والله لو قدمت علی باب الجنة ثم أخذت بحلقته لقد علمتم أنی لا أؤثر علیکم ، فارضوا لأنفسکم ما رضی الله ورسوله لکم ، قالوا : قد رضینا » (4).

ص: 251


1- صحیح مسلم 2 : 753 - 167 ، 168 بتفاوت یسیر.
2- مسند أحمد 2 : 409 ، سنن الدارمی 1 : 387 ، صحیح مسلم 2 : 751 - 161.
3- التهذیب 4 : 58 - 154 ، الوسائل 6 : 185 أبواب المستحقین للزکاة ب 29 ح 1.
4- الکافی 4 : 58 - 2 ، التهذیب 4 : 58 - 155 ، الإستبصار 2 : 35 - 106 ، الوسائل 6 : 186 أبواب المستحقین للزکاة ب 29 ح 2.

وتحلّ له زکاة مثله فی النسب.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تحلّ الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بنی هاشم » (1).

لا یقال : قد روی الشیخ ، عن أبی خدیجة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « أعطوا من الزکاة بنی هاشم من أرادها منهم ، وإنما تحرم علی النبی صلی الله علیه و آله وعلی الإمام الذی یکون بعده وعلی الأئمة علیهم السلام » (2).

لأنا نجیب عنه بالطعن فی السند ، فإن فی طریقه علیّ بن الحسن وهو فطحی ، وأبو خدیجة ضعّفه الشیخ فی کتاب الرجال (3).

وأجاب عنه فی التهذیب بالحمل علی حال الضرورة قال : ویکون وجه اختصاص الأئمة علیهم السلام منهم بالذکر فی الخبر أنّ الأئمة علیهم السلام لا یضطرون إلی أکل الزکوات والتقوّت بها ، وغیرهم من بنی عبد المطلب قد یضطرون إلی ذلک (4).

قوله : ( وتحلّ له زکاة مثله فی النسب ).

المراد بالمثل هنا مطلق الهاشمی وإن لم یماثله فی الأب الخاص ، وهذا الحکم أعنی جواز تناول الهاشمی زکاة مثله مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، وعزاه فی المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (5). ویدل علیه مضافا إلی العمومات وعدم صراحة الأخبار المانعة فی تناول

حلیة زکاة الهاشمی لمثله

ص: 252


1- التهذیب 4 : 59 - 158 ، الإستبصار 2 : 35 - 109 ، الوسائل 6 : 186 أبواب المستحقین للزکاة ب 29 ح 3.
2- التهذیب 4 : 60 - 161 ، الإستبصار 2 : 36 - 110 ، الوسائل 6 : 186 أبواب المستحقین للزکاة ب 29 ح 5.
3- الفهرست : 79 - 327.
4- التهذیب 4 : 60.
5- المنتهی 1 : 524.

______________________________________________________

صدقات بعضهم علی بعض روایات کثیرة : منها ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : صدقات بنی هاشم بعضهم علی بعض تحلّ لهم؟ قال : « نعم » (1).

وعن أبی أسامة زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الصدقة التی حرّمت علیهم فقال : « هی الزکاة المفروضة ولم تحرم علینا صدقة بعضنا علی بعض » (2).

وعن إسماعیل بن الفضل الهاشمی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصدقة التی حرّمت علی بنی هاشم ما هی؟ فقال : « هی الزکاة » قلت : فتحلّ صدقة بعضهم علی بعض؟ قال : « نعم » (3).

وعن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته هل تحلّ لبنی هاشم الصدقة؟ قال : « لا » قلت : لموالیهم؟ قال : « تحلّ لموالیهم ولا تحلّ لهم إلاّ صدقات بعضهم علی بعض » (4).

وما رواه عبد الله بن جعفر الحمیری فی کتابه قرب الإسناد ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال : وسألته عن الصدقة تحلّ لبنی هاشم؟ فقال : « لا ولکن صدقات بعضهم علی بعض تحلّ لهم » (5).

ص: 253


1- التهذیب 4 : 61 - 164 ، الوسائل 6 : 190 أبواب المستحقین للزکاة ب 32 ح 6.
2- التهذیب 4 : 59 - 157 ، الإستبصار 2 : 35 - 108. الوسائل 6 : 190 أبواب المستحقین للزکاة ب 32 ح 4.
3- التهذیب 4 : 58 - 156 ، الإستبصار 2 : 35 - 107 ، الوسائل 6 : 190 أبواب المستحقین للزکاة ب 32 ح 5.
4- التهذیب 4 : 60 - 160 ، الإستبصار 2 : 37 - 114 ، الوسائل 6 : 192 أبواب المستحقین للزکاة ب 34 ح 4.
5- قرب الإسناد : 163 ، الوسائل 6 : 190 أبواب المستحقین للزکاة ب 32 ح 8.

ولو لم یتمکن الهاشمی من کفایته من الخمس جاز أن یأخذ من الزکاة ولو من غیر هاشمی ، وقیل : لا یتجاوز قدر الضرورة.

______________________________________________________

وبالجملة فالروایات الواردة بذلک مستفیضة جدا ولا معارض لها فیتعین العمل بها.

قوله : ( وإن لم یتمکن الهاشمی من کفایته من الخمس جاز له أن یأخذ الزکاة ولو من غیر هاشمی ، وقیل : لا یتجاوز قدر الضرورة ).

أما جواز تناول الزکاة للهاشمیین مع قصور الخمس عن کفایتهم فقال فی المنتهی : إن علیه فتوی علمائنا أجمع (1). والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لو کان العدل ما احتاج هاشمی ولا مطلبی إلی صدقة ، إن الله جعل لهم فی کتابه ما کان فیه سعتهم » ثم قال : « إن الرجل إذا لم یجد شیئا حلّت له المیتة ، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا یجد شیئا ویکون فیمن تحلّ له المیتة » (2).

واختلف الأصحاب فی قدر المأخوذ فقیل : لا یتجاوز قدر الضرورة (3). وهو الأصح ، لروایة زرارة المتقدمة ، ولأن المقتضی للمنع قائم ولا دلیل علی إباحة ما زاد عن قدر الضرورة من نصّ أو إجماع فوجب تحریمه. وفسّر قدر الضرورة بقوت یوم ولیلة (4). ومقتضی روایة زرارة اعتبار ما دون ذلک.

جواز أخذ الهاشمی الزکاة عند الضرورة

ص: 254


1- المنتهی 1 : 526.
2- التهذیب 4 : 59 - 159 ، الإستبصار 2 : 36 - 111 ، الوسائل 6 : 191 أبواب المستحقین للزکاة ب 33 ح 1.
3- قال به العلامة فی المنتهی 1 : 526 ، والسیوری فی التنقیح الرائع 1 : 325.
4- حکاه فی المسالک 1 : 61.

ویجوز للهاشمی أن یتناول المندوبة من هاشمی وغیره.

______________________________________________________

وقیل : إنه لا یتقدر بقدر ، وعزاه فی المختلف إلی الأکثر (1) ، واستدل علیه بأنه أبیح له الزکاة فلا یتقدر بقدر ، أما المقدمة الأولی فلأن التقدیر ذلک ، وأما الثانیة فلقوله : « إذا أعطیته فأغنه » (2) وضعف هذا الاستدلال معلوم مما قرّرناه.

قوله : ( ویجوز للهاشمی أن یتناول المندوبة من هاشمی وغیره ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة (3) ، ویدل علیه عموم قوله تعالی : ( وَتَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَالتَّقْوی ) (4) وقوله عزّ وجلّ ( قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی ) (5) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لو حرمت الصدقة علینا لم یحلّ لنا أن نخرج إلی مکة لأن کلّما (6) بین مکة والمدینة فهو صدقة » (7).

وفی الصحیح ، عن جعفر بن إبراهیم الهاشمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : أتحلّ الصدقة لبنی هاشم؟ قال : « إنما تلک الصدقة الواجبة علی الناس لا تحلّ لنا ، فأما غیر ذلک فلیس به بأس ، ولو کان کذلک ما استطاعوا أن یخرجوا إلی مکة ، لأن هذه المیاه عامتها صدقة » (8).

جواز الزکاة المندوبة للهاشمی

ص: 255


1- المختلف : 185.
2- التهذیب 4 : 64 - 174 ، الوسائل 6 : 179 أبواب المستحقین للزکاة ب 24 ح 4.
3- منهم الشافعی فی الأم 2 : 81 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 520 ، والنووی فی شرح صحیح مسلم ( إرشاد الساری 7 ) : 176.
4- المائدة : 2.
5- الشوری : 23.
6- فی « ض » ، « م » ، « ح » : کل ماء.
7- التهذیب 4 : 61 - 165 ، الوسائل 6 : 188 أبواب المستحقین للزکاة ب 31 ح 1.
8- الکافی 4 : 59 - 3 ، التهذیب 4 : 62 - 166 ، الوسائل 6 : 189 أبواب المستحقین للزکاة ب 31 ح 3.

والذین یحرم علیهم الصدقة الواجبة من ولده هاشم علی الأظهر.

______________________________________________________

وعن إسماعیل بن الفضل الهاشمی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصدقة التی حرمت علی بنی هاشم ما هی؟ فقال : « هی الزکاة » (1).

وعن زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الصدقة التی حرمت علیهم ما هی؟ فقال : « الزکاة المفروضة » (2).

ویستفاد من هذه الروایات عدم تحریم ما عدا الزکاة من الصدقة المنذورة (3) والموصی بها والکفارة ، وهو کذلک.

قوله : ( والذین یحرم علیهم الصدقة الواجبة من ولده هاشم خاصة علی الأظهر ).

خالف فی ذلک المفید - رحمه الله - فی المسائل الغریّة فذهب إلی تحریم الزکاة علی بنی المطّلب أیضا وهو عمّ عبد المطلب (4) ، واختاره ابن الجنید أیضا (5) ، والأصح ما اختاره المصنف رحمه الله .

لنا : الأصل ، وقوله تعالی ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساکِینِ ) (6) خرج من ذلک بنو هاشم بالإجماع والأخبار المستفیضة فیبقی الباقی مندرجا فی العموم.

ویشهد له أیضا قول النبی صلی الله علیه و آله : « إن الصدقة لا تحلّ

بیان الهاشمی

ص: 256


1- الکافی 4 : 59 - 5 ، التهذیب 4 : 58 - 156 ، الإستبصار 2 : 35 - 107 ، الوسائل 6 : 190 أبواب المستحقین للزکاة ب 32 ح 5.
2- التهذیب 4 : 59 - 157 ، الإستبصار 2 : 35 - 108 ، الوسائل 6 : 190 أبواب المستحقین للزکاة ب 32 ح 4.
3- فی « م » : المندوبة.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 585 ، والمختلف : 183.
5- حکاه عنه فی المختلف : 183.
6- التوبة : 60.

وهم الآن أولاد أبی طالب ، والعباس ، والحارث ، وأبی لهب.

______________________________________________________

لی ولا لکم یا بنی عبد المطّلب » (1) وقول الصادق علیه السلام : « لا تحلّ الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بنی هاشم » (2) والمراد بذلک کلّه شرف المنزلة وتعظیم نسب النبی صلی الله علیه و آله فلو شارکهم بنو المطّلب فی ذلک لذکروا فی معرض التعظیم.

احتج المفید - رحمه الله - بما رواه زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لو کان العدل ما احتاج هاشمی ولا مطّلبی إلی صدقة ، إن الله جعل لهم فی کتابه ما کان فیه سعتهم » (3).

وأجاب عنه فی المعتبر بأنه خبر واحد نادر فلا یخصّ به عموم القرآن (4). وهو جید ، مع أنه مرویّ فی التهذیب بطریق فیه علیّ بن الحسن بن فضّال ، ولا تعویل علی ما ینفرد به.

قوله : ( وهم الآن أولاد أبی طالب ، والعباس ، والحارث ، وأبی لهب ).

احترز بقوله : الآن ، عن زمن النبی صلی الله علیه و آله فإنهم کانوا أکثر من ذلک ثم انقرضوا.

وذکر جماعة من أهل النسب أن عبد المطّلب ولد له عشرة ذکور وست بنات ، أسماء الذکور : عبد الله وهو أبو النبی صلی الله علیه و آله ، والزبیر ، وأبو طالب واسمه عبد مناف ، والعباس ، والمقرّم ، وحمزة ، وضرار ، وأبو

ص: 257


1- الکافی 4 : 58 - 1 ، التهذیب 4 : 58 - 154 ، الوسائل 6 : 185 أبواب المستحقین للزکاة ب 29 ح 1.
2- التهذیب 4 : 59 - 158 ، الإستبصار 2 : 35 - 109 ، الوسائل 6 : 186 أبواب المستحقین للزکاة ب 29 ح 3.
3- التهذیب 4 : 59 - 159 ، الإستبصار 2 : 36 - 111 ، الوسائل 6 : 191 أبواب المستحقین للزکاة ب 33 ح 1.
4- المعتبر 2 : 586.

القسم الثالث : فی المتولی للإخراج وهم ثلاثة : المالک ، والإمام ، والعامل. وللمالک أن یتولی تفریق ما وجب علیه بنفسه ، وبمن یوکّله

______________________________________________________

لهب واسمه عبد العزی ، والحارث ، والغیداق واسمه جحل بفتح الجیم قبل الحاء وسکون الحاء ، والجحل : الیعسوب العظیم ، وأسماء البنات : عاتکة ، وأمیمة ، والبیضاء ، وبرّة ، وصفیّة ، وأروی ، وهؤلاء الذکور والإناث لأمّهات شتی فلم یعقب هاشم إلاّ من عبد المطّلب ، ولم یعقب عبد المطّلب من أولاده الذکور إلاّ من خمسة وهم عبد الله وأبو طالب والعباس والحارث وأبو لهب (1).

قوله : ( القسم الثالث ، فی المتولی للإخراج ، وهم ثلاثة : المالک والإمام والعامل ، وللمالک أن یتولی تفریق ما وجب علیه بنفسه وبمن یوکله ).

کان الأولی جعلهم أربعة : المالک ووکیله والإمام ونائبه. ولا خلاف بین علماء الإسلام (2) فی قبول هذا الفعل للنیابة ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه کصحیحة زرارة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل بعث إلیه أخ له زکاته لیقسّمها فضاعت قال : « لیس علی الرسول ولا علی المؤدّی ضمان » (3) الحدیث.

وروایة صالح بن رزین قال : دفع إلیّ شهاب بن عبد ربّه دراهم من الزکاة أقسّمها فأتیته یوما فسألنی هل قسّمتها؟ فقلت : لا ، فأسمعنی کلاما فیه بعض الغلظة ، فطرحت ما کان بقی معی من الدراهم وقمت مغضبا فقال

ص: 258


1- کابن إدریس فی السرائر : 107.
2- فی « م » : بین العلماء.
3- الکافی 3 : 553 - 4 ، التهذیب 4 : 48 - 126 ، الوسائل 6 : 198 أبواب المستحقین للزکاة ب 39 ح 2.

والأولی حمل ذلک إلی الإمام. ویتأکد الاستحباب فی الأموال الظاهرة کالمواشی والغلات.

______________________________________________________

لی : ارجع حتی أحدّثک بشی ء سمعته من جعفر بن محمد علیهماالسلام فرجعت فقال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی إذا وجدت زکاتی أخرجها فأدفع منها إلی من أثق به یقسّمها قال : « لا بأس بذلک ، أما إنه أحد المعطین » قال صالح : فأخذت الدراهم حیث سمعت الحدیث فقسّمتها (1) (2).

قوله : ( والأولی حمل ذلک إلی الإمام ، ویتأکد الاستحباب فی الأموال الظاهرة کالمواشی والغلات ).

لا ریب فی استحباب حملها إلی الإمام ، لأنه أبصر بمواقعها وأعرف بمواضعها ، ولما فی ذلک من إزالة التهمة عن المالک بمنع الحق وتفضیل بعض المستحقین بمجرد المیل الطبیعی.

وأما تأکد الاستحباب فی الأموال الظاهرة فلم أقف علی حدیث یدل علیه بمنطوقه ، ولعل الوجه فیه ما یتضمنه من الإعلان بشرائع الإسلام والاقتداء بالسلف الکرام.

وقال المفید (3) وأبو الصلاح (4) وابن البراج (5) یجب حملها إلی الإمام علیه السلام مع ظهوره ، ومع غیبته فإلی الفقیه المأمون من أهل ولایته. واحتج له فی المختلف بقوله تعالی ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (6) قال :

المتولی للاخراج

استحباب حمل الزکاة إلی الامام

ص: 259


1- الکافی 4 : 17 - 1 ، الوسائل 6 : 194 أبواب المستحقین للزکاة ب 35 ح 4.
2- (2) فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : وتعتبر عدالة الوکیل ویقبل قوله فی فعل ما تعلّقت به الوکالة
3- المقنعة : 41.
4- الکافی فی الفقه : 172.
5- المهذب 1 : 171 و 175.
6- التوبة : 103.

ولو طلبها الإمام وجب صرفها إلیه. ولو فرّقها المالک والحال هذه ، قیل : لا یجزی. وقیل : یجزی وإن أثم ، والأول أشبه. (1) وولی الطفل کالمالک فی ولایة الإخراج.

______________________________________________________

ووجوب الأخذ یستلزم وجوب الدفع (2). وهو ضعیف جدا ، فإن المتنازع وجوب الحمل ابتداء لا وجوب الدفع مع الطلب. والأصح أن ذلک علی سبیل الاستحباب ، لاستفاضة الروایات بجواز تولّی المالک لذلک بنفسه ووکیله (3).

قوله : ( ولو طلبها الإمام وجب صرفها إلیه ، ولو فرقها المالک والحال هذه قیل : لا یجزی ، وقیل : یجزی وإن أثم ، والأول أشبه ).

لا ریب فی وجوب صرفها إلی الإمام علیه السلام مع الطلب ، لوجوب طاعته وتحریم مخالفته. ولو دفعها المالک إلی المستحقین والحال هذه قال الشیخ : لا یجزیه (4) ، لأنها عبادة لم یؤت بها علی وجهها المطلوب شرعا ، فلا یخرج المکلف بها عن العهدة ، ولأن الأمر بالشی ء یقتضی النهی عن ضده الخاص ، والنهی فی العبادة مفسد.

وقیل : یجزی ، واختاره فی التذکرة ، لأنه دفع المال إلی مستحقه فخرج عن العهدة کالدین إذا دفعه إلی مستحقه (5). والمسألة محل تردد إلاّ أن الأمر فیها هیّن لاختصاص الحکم بطلب الإمام علیه السلام ، ومع ظهوره عجّل الله فرجه تنضح الأحکام کلّها إن شاء الله.

قوله : ( وولیّ الطفل کالمالک فی ولایة الإخراج ).

وجوب صرف الزکاة إلی الامام إذا طلبها

ولی الطفل کالمالک

ص: 260


1- المختلف : 187.
2- المختلف : 187.
3- الوسائل 6 : 195 أبواب المستحقین للزکاة ب 36 وص 296 أبواب الصدقة ب 26.
4- المبسوط 1 : 244.
5- التذکرة 1 : 241.

ویجب علی الإمام أن ینصب عاملا لقبض الصدقات. (1) ویجب دفعها إلیه عند المطالبة. ولو قال المالک : أخرجت قبل قوله ، ولا یکلف بینة ولا یمینا.

______________________________________________________

فله التفرقة بنفسه ووکیله والدفع إلی الإمام وساعیه ، وتعتبر عدالة الوکیل مطلقا.

قوله : ( ویجب علی الإمام أن ینصب عاملا لقبض الصدقات ).

هذا الحکم ذکره الشیخ فی المبسوط ، واحتج علیه بأن النبی صلی الله علیه و آله کان یبعثهم فی کل عام ، ومتابعته واجبة (2). وقیّده فی المنتهی بما إذا عرف أو غلب علی ظنه أن الصدقة لا تجمع إلاّ بالعامل (3). وهو حسن ، لکن لا یخفی أن أمثال هذه المباحث لا تناسب أصولنا ، لأن الإمام علیه السلام أعلم بما یجب علینا وعلیه.

قوله : ( ویجب دفعها إلیه عند المطالبة ).

لا ریب فی ذلک ، لأن العامل نائب عن الإمام علیه السلام وأمره مستند إلی أمره فتکون مخالفته فی الحقیقة مخالفة له.

قوله : ( ولو قال المالک : أخرجت ، قبل قوله ، ولا یکلف بینة ولا یمینا ).

یدل علی ذلک قول أمیر المؤمنین صلوات الله علیه لعامله : « قل لهم : یا عباد الله أرسلنی إلیکم ولیّ الله لآخذ منکم حق الله فی أموالکم فهل لله فی أموالکم حق فتؤدّوه إلی ولیّه؟ فإن قال لک قائل : لا فلا تراجعه ، وإن أنعم لک بنعم فانطلق معه » (4).

وجوب نصب العامل علی الزکاة

قبول دعوی الاخراج من المالک

ص: 261


1- المبسوط 1 : 244.
2- المبسوط 1 : 244.
3- المنتهی 1 : 515.
4- الکافی 3 : 536 - 1 ، التهذیب 4 : 96 - 274 ، نهج البلاغة ( صبحی الصالح ) : 380 ، الوسائل 6 : 88 أبواب زکاة الأنعام ب 14 ح 1.

ولا یجوز للساعی تفریقها إلا بإذن الإمام (1) ، وإذا أذن له جاز أن یأخذ نصیبه ثم یفرق الباقی.

وإذا لم یکن الإمام موجودا دفعت إلی الفقیه المأمون من الإمامیة ، فإنه أبصر بمواقعها.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یجوز للساعی تفریقها إلا بإذن الإمام ).

وذلک لأن العمالة ولایة ووکالة فیقتصر فیها علی موضع الإذن من الموکّل ، ولو أذن له المالک فی تفریقها ولم نوجب حملها إلی الإمام علیه السلام ابتداء جاز له ذلک مع احتمال العدم ، لأن طلب الساعی قائم مقام طلب الإمام علیه السلام .

قوله : ( وإذا أذن له جاز أن یأخذ نصیبه ثم یفرق الباقی ).

أی وإذا أذن الإمام للساعی فی التفریق جاز له أن یأخذ نصیبه لأنه أحد المستحقین ثم یفرق الباقی علی أربابه.

ثم إن کانت الأذن مطلقة تصرّف کیف شاء بما تحصل به البراءة ، وإن کانت مقیدة لم یجز التعدی ، ولو عیّن المالک وعیّن له الإمام واختلف المحل أو التقسیط اتبع تعیین الإمام خاصة لأنه أولی بنا من أنفسنا ، ولو أطلق الإمام وعیّن المالک لم یبعد جواز التعدی عن تعیینه لزوال ولایته بالدفع إلی الساعی.

قوله : ( وإذا لم یکن الإمام موجودا دفعت إلی الفقیه المأمون من الإمامیة ، فإنه أبصر بمواقعها ).

المراد بالفقیه حیث یطلق فی أبواب الفقه الجامع لشرائط الفتوی ، وبالمأمون من لا یتوصل إلی أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحیل الشرعیة ، کذا

بعض أحکام العامل

الدفع إلی الفقیه عند عدم الامام

ص: 262

والأفضل قسمتها علی الأصناف ، واختصاص جماعة من کل صنف ، ولو صرفها فی صنف واحد جاز. ولو خص بها ولو شخصا واحدا من بعض الأصناف جاز أیضا.

______________________________________________________

ذکره المتأخرون (1) ، ولا بأس به ، لأن فی غیر المأمون بهذا المعنی نقصا فی الهمّة وانحطاطا عمّا أهّله الشارع له وفی الدفع إلیه إضرارا بالمستحقین ونقضا للحکمة التی لأجلها شرعت الزکاة.

وذهب المفید (2) - رحمه الله - وأبو الصلاح (3) إلی وجوب حملها إلی الفقیه ابتداء ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ( والأفضل قسمتها فی الأصناف واختصاص جماعة من کل صنف ، ولو صرفها فی صنف واحد جاز ، ولو خص بها ولو شخصا واحدا من بعض الأصناف جاز أیضا ).

أما جواز تخصیص بعض الأصناف بجمیع الزکاة بل جواز دفعها إلی شخص واحد من بعض الأصناف وإن کثرت فقال فی التذکرة : إنه مذهب علمائنا أجمع وهو قول أکثر الجمهور أیضا (4). ویدل علیه الأخبار المستفیضة کحسنة عبد الکریم بن عتبة الهاشمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یقسم صدقة أهل البوادی فی أهل البوادی وصدقة أهل الحضر لأهل الحضر ، ولا یقسّمها بینهم بالسویة ، وإنما یقسّمها بینهم علی قدر ما یحضره منهم وما یری وقال : لیس فی ذلک شی ء مؤقت » (5).

کیفیة قسمة الزکاة

ص: 263


1- منهم الشهید الثانی فی المسالک 1 : 61 ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة 4 : 206.
2- راجع ص 259.
3- راجع ص 259.
4- التذکرة 1 : 244.
5- الکافی 3 : 554 - 8 ، الفقیه 2 : 16 - 48 ، التهذیب 4 : 103 - 292 ، الوسائل 6 : 183 أبواب المستحقین للزکاة ب 28 ح 1.

______________________________________________________

وصحیحة أحمد بن حمزة قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : رجل من موالیک له قرابة کلهم یقول بک وله زکاة أیجوز أن یعطیهم جمیع زکاته؟ قال : « نعم » (1).

وحسنة زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل وجبت علیه الزکاة ومات أبوه وعلیه دین ، أیؤدّی زکاته فی دین أبیه؟ فقال علیه السلام بعد کلام طویل : « وإن لم یکن أورثه الأب مالا لم یکن أحد أحق بزکاته من دین أبیه فإذا أدّاها فی دین أبیه علی هذه الحال أجزأت عنه » (2).

وصحیحة عمرو بن أبی نصر (3) ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یجتمع عنده من الزکاة الخمسمائة والستمائة ، یشتری منها نسمة یعتقها؟ فقال : « إذن یظلم قوما آخرین حقوقهم » ثم مکث ملیّا ثم قال : « إلا أن یکون عبدا مسلما فی ضرورة یشتریه ویعتقه » (4).

وصحیحة علیّ بن یقطین أنه قال لأبی الحسن علیه السلام : یکون عندی المال من الزکاة أفأحجّ به موالیّ وأقاربی؟ قال : « نعم لا بأس » (5).

وقال بعض العامة : تجب قسمة کل صنف منها علی الأصناف الستة الموجودین علی السواء ، ویجعل لکل صنف ثلاثة أسهم فصاعدا ، ولو لم یوجد إلاّ واحدا من ذلک صرف حصة الصنف إلیه ، لأنه تعالی جعل الزکاة لهم بلام

ص: 264


1- الکافی 3 : 552 - 7 ، التهذیب 4 : 54 - 144 ، الإستبصار 2 : 35 - 104 ، الوسائل 6 : 169 أبواب المستحقین للزکاة ب 15 ح 1.
2- الکافی 3 : 553 - 3 ، الوسائل 6 : 172 أبواب المستحقین للزکاة ب 18 ح 1.
3- کذا ، وفی المصادر : عمرو ، عن أبی بصیر.
4- الکافی 3 : 557 - 2 ، التهذیب 4 : 100 - 282 ، الوسائل 6 : 202 أبواب المستحقین للزکاة ب 43 ح 1.
5- الفقیه 2 : 19 - 61 ، الوسائل 6 : 201 أبواب المستحقین للزکاة ب 42 ح 1.

______________________________________________________

الملک وعطف بعضهم علی بعض بواو التشریک ، وذلک یوجب الاشتراک فی الحکم (1).

وأجیب عنه بأنه تعالی جعل جملة الصدقات لهؤلاء الثمانیة ، فلا یلزم أن یکون کل جزء من أجزائها کصدقة زید مثلا موزّعا علی کل واحد منهم.

وأجاب عنه فی المعتبر بأن اللام فی الآیة الشریفة للاختصاص لا للملک کما تقول : باب الدار ، فلا یقتضی وجوب البسط ولا التسویة فی العطاء » (2).

وأجاب عنه فی المنتهی (3) أیضا بأن المراد من الآیة بیان المصرف ، أی الأصناف التی تصرف الزکاة إلیهم لا إلی غیرهم کما یدل علیه الحصر بإنما ، وقوله تعالی ( وَمِنْهُمْ مَنْ یَلْمِزُکَ فِی الصَّدَقاتِ ) (4) الآیة.

ویشکل بأن سوق الآیة لبیان المصرف لا ینافی وجوب البسط لو کان اللام وواو التشریک دالین علیه ، وکیف کان فهذا الحکم لا إشکال فیه لأنه موضع نص ووفاق.

وأما أن الأفضل قسمتها علی الأصناف وإعطاء جماعة من کل صنف فلما فیه من شمول النفع وعموم الفائدة ، ولأنه أقرب إلی امتثال ظاهر الآیة الشریفة. واستدل علیه فی التذکرة والمنتهی بما فیه من التخلص من الخلاف وحصول الإجزاء یقینا (5). وکأنه أراد بذلک خلاف العامة ، لأنه صرّح قبل ذلک بإجماع علمائنا علی عدم وجوب البسط.

ویستحب تخصیص أهل الفضل بزیادة النصیب ، لما رواه الشیخ ، عن

ص: 265


1- کابن قدامة فی المغنی 2 : 528.
2- المعتبر 2 : 588.
3- المنتهی 1 : 528.
4- التوبة : 58.
5- التذکرة 1 : 244 ، والمنتهی 1 : 528.

ولا یجوز أن یعدل بها إلی غیر الموجود ، ولا إلی غیر أهل البلد مع وجود المستحق فی البلد ،

______________________________________________________

عبد الله بن عجلان السکونی قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنی ربما قسّمت الشی ء بین أصحابی أصلهم به فکیف أعطیهم؟ فقال : « أعطهم علی الهجرة فی الدین والفقه والعقل » (1).

وینبغی تفضیل الذی لا یسأل علی الذی یسأل ، لحرمانه فی أکثر الأوقات فکانت حاجته أمسّ غالبا ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الزکاة ، یفضّل بعض من یعطی ممن لا یسأل علی غیره؟ قال : « نعم یفضل الذی لا یسأل علی الذی یسأل » (2).

وینبغی صرف صدقة المواشی إلی المتجملین ومن لا عادة له بالسؤال ، وصرف صدقة غیرها إلی الفقراء المدقعین (3) المعتادین للسؤال ، لما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إن صدقة الخفّ والظلف تدفع إلی المتجملین من المسلمین ، فأما صدقة الذهب والفضة وما کیل بالقفیز وما أخرجته الأرض فللفقراء المدقعین » قال ابن سنان ، قلت : فکیف صار هذا هکذا؟ فقال : « لأن هؤلاء یتجملون یستحیون من الناس ، فیدفع إلیهم أجمل الأمرین عند الناس ، وکلّ صدقة » (4).

قوله : ( ولا یجوز أن یعدل بها إلی غیر الموجودین ، ولا إلی غیر أهل البلد مع وجود المستحق فی البلد ).

المراد بالعدول بها إلی غیر الموجودین : تأخیر الإخراج مع التمکن منه وسیجی ء الکلام فیه ، وبالعدول بها إلی غیر أهل البلد : نقلها من بلد المال إلی

حکم نقل الزکاة وتأخیرها

ص: 266


1- التهذیب 4 : 101 - 285 ، الوسائل 6 : 181 أبواب المستحقین للزکاة ب 25 ح 2.
2- التهذیب 4 : 101 - 284 ، الوسائل 6 : 181 أبواب المستحقین للزکاة ب 25 ح 1.
3- فقر مدقع : أی ملصق بالدقعاء ، والدقعاء : التراب - الصحاح 3 : 1208.
4- التهذیب 4 : 101 - 286 ، الوسائل 6 : 182 أبواب المستحقین للزکاة ب 26 ح 1.

______________________________________________________

غیره وإن کانت العبارة قاصرة عن تأدیة ذلک.

واختلف الأصحاب فی جواز النقل ، فذهب الشیخ فی الخلاف إلی تحریمه (1) ، واختاره العلاّمة - رحمه الله - فی التذکرة وقال : إنه مذهب علمائنا أجمع (2). مع أنه قال فی المنتهی : قال بعض علمائنا : یحرم نقل الصدقة من بلدها مع وجود المستحق فیه ، وبه قال عمر بن عبد العزیز وسعید بن جبیر ومالک وأحمد ، وقال أبو حنیفة : یجوز. وبه قال المفید من علمائنا ، والشیخ فی بعض کتبه (3) ، وهو الأقرب عندی.

وقال فی المختلف : والأقرب عندی جواز النقل علی کراهیة مع وجود المستحق ، ویکون صاحب المال ضامنا کما اختاره صاحب الوسیلة (4).

وقال الشیخ فی المبسوط : لا یجوز نقلها من البلد مع وجود المستحق إلاّ بشرط الضمان (5). والمعتمد الجواز مطلقا.

لنا : قوله تعالی ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساکِینِ ) والدفع إلی الأصناف یتحقق مع النقل وبدونه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یعطی الزکاة یقسّمها إله أن یخرج الشی ء منها من البلدة التی هو فیها إلی غیرها؟ قال : « لا بأس » (6).

ص: 267


1- الخلاف 1 : 310.
2- التذکرة 1 : 244.
3- المنتهی 1 : 529.
4- المختلف : 190.
5- المبسوط 1 : 234 ، 246.
6- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ ، وجدناها فی : الکافی 3 : 554 - 7 ، الفقیه 2 : 16 - 50 ، الوسائل 6 : 195 أبواب المستحقین للزکاة ب 37 ح 1.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن أحمد بن حمزة قال : سألت أبا الحسن الثالث علیه السلام عن الرجل یخرج زکاته من بلد إلی بلد آخر ویصرفها إلی إخوانه فهل یجوز ذلک؟ قال : « نعم » (1).

وعن درست بن أبی منصور ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : فی الزکاة یبعث بها الرجل إلی بلد غیر بلده فقال : « لا بأس بأن یبعث بالثلث أو الربع » الشک من أبی أحمد (2).

احتج المانعون بأن فیه نوع خطر وتغریر بالزکاة وتعریضا لإتلافها مع إمکان إیصالها إلی مستحقها فیکون حراما ، وبأنه مناف للفوریة الواجبة (3).

والجواب عن الأول أن استلزام النقل للخطر یندفع بالضمان ، وعن الثانی أولا منع الفوریة (4) ، وثانیا إن النقل شروع فی الإخراج فلم یکن منافیا لها ، کالقسمة مع التمکن من إیصالها إلی شخص واحد.

وهنا مباحث :

الأول : لو نقلها مع وجود المستحق ضمن إجماعا قاله فی المنتهی ، لأن المستحق موجود والدفع ممکن فالعدول إلی الغیر یقتضی وجوب الضمان (5). ویدل علیه الأخبار المتضمنة لثبوت الضمان بمجرد التأخیر مع وجود المستحق کحسنة زرارة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل بعث إلیه أخ له زکاة له لیقسّمها فضاعت فقال : « لیس علی الرسول ولا علی

ص: 268


1- التهذیب 4 : 46 - 122 ، الوسائل 6 : 196 أبواب المستحقین للزکاة ب 37 ح 4.
2- الکافی 3 : 554 - 6 ، الفقیه 2 : 16 - 49 ، التهذیب 4 : 46 - 120 ، الوسائل 6 : 196 أبواب المستحقین للزکاة ب 37 ح 2 ، والمراد بأبی أحمد هو ابن أبی عمیر الواقع فی طریقها.
3- حکاه فی المختلف : 190.
4- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : المنافیة لذلک.
5- المنتهی 1 : 529.

______________________________________________________

المؤدّی ضمان » قلت : فإنه لم یجد لها أهلا ففسدت وتغیرت أیضمنها؟ قال : « لا ولکن إن عرف أن لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حین أخّرها » (1).

وحسنة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام رجل بعث زکاة ماله فتقسم فضاعت هل علیه ضمانها حتی تقسم؟ فقال : « إذا وجد لها موضعا فلم یدفعها فهو لها ضامن حتی یدفعها ، وإن لم یجد لها من یدفعها إلیه فبعث بها إلی أهلها فلیس علیه ضمان لأنها خرجت من یده ، وکذلک الوصیّ الذی یوصی إلیه یکون ضامنا لما دفع إلیه إذا وجد ربّه الذی أمر بدفعه إلیه فإن لم یجد فلیس علیه ضمان.

وکذلک من وجّه إلیه زکاة مال لیفرقها ووجد لها موضعا فلم یفعل ثم هلک کان ضامنا » (2).

الثانی : لو قلنا بتحریم النقل فنقلها أجزأته إذا وصلت إلی الفقراء عند علمائنا أجمع لصدق الامتثال. وقال بعض العامة : لا یجزیه ، لأنه دفعها إلی غیر من أمر بالدفع إلیه فأشبه ما لو دفعها إلی غیر الأصناف (3). وهو معلوم البطلان.

الثالث : قال فی المنتهی : إذا قلنا بجواز النقل کان مکروها ، والأولی صرفها إلی فقراء بلدها دفعا للخلاف (4).

الرابع : قال فی المنتهی أیضا : إذا نقلها اقتصر علی أقرب الأماکن

ص: 269


1- الکافی 3 : 553 - 4 ، التهذیب 4 : 48 - 126 ، الوسائل 6 : 198 أبواب المستحقین للزکاة ب 39 ح 2.
2- الکافی 3 : 553 - 1 ، الفقیه 2 : 15 - 46 ، التهذیب 4 : 47 - 125 ، الوسائل 6 : 198 أبواب المستحقین للزکاة ب 39 ح 1.
3- کابن قدامة فی المغنی 2 : 531 ، وذیلها أورده فی التهذیب فقط ، والظاهر أنه من کلام الشیخ رحمه الله .
4- المنتهی 1 : 529.

ولا أن یؤخر دفعها مع التمکن ، فإن فعل شیئا من ذلک أثم وضمن.

وکذا کل من کان فی یده مال لغیره وطالبه فامتنع ، (1) أو أوصی إلیه بشی ء فلم یصرفه فیه ، أو دفع إلیه ما یوصله إلی غیره.

______________________________________________________

التی یوجد المستحق فیها استحبابا عندنا ، ووجوبا عند القائلین بتحریم النقل (2).

قوله : ( ولا أن یؤخّر دفعها مع التمکن ، فإن فعل شیئا من ذلک أثم وضمن ).

أما الضمان بالتأخیر مع وجود المستحق مع النقل وبدونه فلا خلاف فیه وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه ، وأما أنه لا یجوز تأخیر الدفع مع التمکن فهو أحد الأقوال فی المسألة ، والأصح جواز تأخیره شهرا وشهرین خصوصا للبسط وطلب الأفضل کما سیجی ء تحقیقه.

قوله : ( وکذا کل من فی یده مال لغیره فطالبه فامتنع ).

لا ریب فی الضمان بذلک لتحقق العدوان.

قوله : ( أو أوصی إلیه بشی ء فلم یصرفه فیه ، أو دفع إلیه ما یوصله إلی غیره ).

یدل علی ذلک قوله علیه السلام فی حسنة محمد بن مسلم المتقدمة : « وکذلک الوصی » (3) إلخ ، ولعل ذلک هو الوجه فی ذکر هذه المسألة فی هذا الباب. ولو نصّ الموصی أو الدافع علی جواز التراخی أو دلت القرائن علیه انتفت الفوریة قطعا.

ص: 270


1- فی ص 269.
2- المنتهی 1 : 529.
3- فی ص 269.

ولو لم یجد المستحق جاز نقلها إلی بلد آخر ، ولا ضمان علیه مع التلف ، إلا أن یکون هناک تفریط.

ولو کان ماله فی غیر بلده فالأفضل صرفها إلی بلد المال. ولو دفع العوض فی بلده جاز.

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم یوجد المستحق جاز نقلها إلی بلد آخر ، ولا ضمان علیه مع التلف إلاّ أن یکون هناک تفریط ).

لا ریب فی جواز النقل إذا عدم المستحق فی البلد ، بل الظاهر وجوبه لتوقف الدفع الواجب علیه. وأما انتفاء الضمان فیدل علیه الأصل ، وإباحة الفعل ، وحسنتا زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمتان (1). وأما الضمان مع التفریط فمعلوم من قواعد الأمانات ، وقال العلاّمة فی المنتهی : إنه لا خلاف فی ذلک کله (2).

قوله : ( ولو کان له مال فی غیر بلده فالأفضل صرفها فی بلد المال ، ولو دفع العوض فی بلده جاز ).

أما استحباب صرف الزکاة فی بلد المال فهو مذهب العلماء کافة ، والمستند فیه من طریق الأصحاب ما رواه عبد الکریم بن عتبة الهاشمی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یقسم صدقة أهل البوادی فی أهل البوادی وصدقة أهل الحضر فی أهل الحضر » (3).

وأما جواز دفع العوض فی بلده وغیره فلا خلاف فیه بین الأصحاب أیضا لوصول الحق إلی مستحقه. والمراد بالعوض مثل الواجب فی النصاب ، ویمکن أن یرید به الأعم من المثل أو القیمة.

ص: 271


1- فی ص 268 ، 269.
2- المنتهی 1 : 529.
3- المتقدمة فی ص 263.

ولو نقل الواجب إلی بلده ضمن.

وفی زکاة الفطرة الأفضل أن یؤدی فی بلده وإن کان ماله فی

______________________________________________________

قوله : ( ولو نقل الواجب إلی بلدة ضمن ).

المراد أنه لا فرق فی لزوم الضمان بالنقل بین أن یکون إلی بلد المالک أو غیره ، لعموم الأدلة الدالة علی ذلک. ولا یخفی أن نقل الواجب إنما یتحقق مع عزله بالنیة ، وإلاّ کان المنقول مشترکا بین المالک والزکاة وإن ضمنها مع التلف.

وذکر الشارح - قدس سره - أن الذاهب مع عدم العزل یکون من مال المالک ، لعدم تعینه (1). وهو غیر واضح.

ثم إن قلنا بجواز العزل مع وجود المستحق کما هو ظاهر المعتبر (2) وصریح التذکرة والدروس (3) فالحکم واضح ، وإن قلنا إن العزل إنما یصح مع عدم المستحق أمکن تحقق الضمان بالنقل بتقدیر وجود المستحق بعد العزل.

ومن هنا یعلم أن ما ذکره الشارح من أن الحکم بالضمان وعدمه لا یتحقق علی القول بعدم صحة العزل مع وجود المستحق ، حتی أنه احتمل کون المراد بالواجب فی قول المصنف : ولو نقل الواجب ، مماثلة فی القدر والوصف ، وکون المراد بضمانه ذهابه من ماله وبقاء الحق فی ماله أو ذمته (4) ، غیر جید.

قوله : ( وفی زکاة الفطرة الأفضل أن یؤدی فی بلده وإن کان له

حکم نقل زکاة الفطرة

ص: 272


1- المسالک 1 : 62.
2- المعتبر 2 : 553.
3- التذکرة 1 : 238 ، والدروس : 65.
4- المسالک 1 : 62.

غیره ، لأنها تجب فی الذمّة. ولو عین زکاة الفطرة من مال غائب عنه ضمن بنقله عن ذلک البلد مع وجود المستحق فیه.

القسم الرابع : ( فی اللواحق ، وفیه مسائل ) الأولی : إذا قبض

______________________________________________________

مال فی غیره ، لأنها تجب فی الذمة ).

المراد ببلده البلد الذی هو فیها سواء کانت بلده أم لا ، ولو أراد إخراج القیمة اعتبرت قیمة تلک البلد.

قوله : ( ولو عیّن زکاة الفطرة من مال غائب عنه ضمن بنقله عن ذلک البلد مع وجود المستحق فیه ).

سیأتی إن شاء الله أن زکاة الفطرة وإن کانت واجبة فی الذمة لکنها تتعین بالعزل وتصیر أمانة ، وقد قطع الأصحاب بمساواتها والحال هذه للمالیة فی تحریم النقل إن قلنا بذلک فی المالیة ، وتحقق الضمان بتأخیر الإخراج مع التمکن منه ، ولا فرق فی ذلک بین أن یعیّن من مال حاضر أو غائب کما صرّح به الشهید فی البیان حیث قال : ولو عزلها فی مال حاضر أو غائب فی موضع جواز العزل ثم نقلها لعدم المستحق فلا ضمان کما لا یضمن فی زکاة المال (1).

وربما کان الوجه فی فرض (2) المسألة فی تعیین الفطرة من المال الغائب التنبیه علی أن استحباب إخراج الفطرة فی بلد المخرج لا یقتضی انتفاء الضمان لنقلها من بلد المال مع وجود المستحق فیه (3).

قوله : ( القسم الرابع ، فی اللواحق ، وفیه مسائل ، الأولی : إذا

براءة الذمة بقبض الساعی

ص: 273


1- البیان : 201.
2- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : المصنف.
3- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : ولا یخفی ما فیه.

الإمام أو الساعی الزکاة برئت ذمة المالک ، ولو تلفت بعد ذلک.

الثانیة : إذا لم یجد المالک لها مستحقا فالأفضل له عزلها.

______________________________________________________

قبض الإمام أو الساعی الزکاة برئت ذمة المالک ولو تلفت بعد ذلک ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، لأن الإمام أو نائبه کالوکیل لأهل السهمان ، فکان قبضهما جاریا مجری قبض المستحق ، ویدل علیه أیضا فحوی صحیحة عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم یسمّها لأحد فقد بری ء منها » (1).

قوله : ( الثانیة ، إذا لم یجد المالک لها مستحقا فالأفضل له عزلها ).

لا ریب فی استحباب العزل مع عدم وجود المستحق ، بل جزم العلاّمة فی التذکرة والمنتهی باستحبابه حال حؤول الحول سواء کان المستحق موجودا أم لا ، وسواء أذن له الساعی فی ذلک أم لم یأذن ، واستدل علیه بأن له ولایة الإخراج بنفسه فیکون له ولایة التعیین ، وبأنه أمین علی حفظها فیکون أمینا علی تعیینها وإفرادها ، وبأن له دفع القیمة وتملک العین فله إفرادها ، وبأن منعه من إفرادها یقتضی منعه من التصرف فی النصاب وذلک ضرر عظیم (2).

وتدل علیه أیضا موثقة یونس بن یعقوب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : زکاة تحلّ علیّ شهرا فیصلح لی أن أحبس منها شیئا مخافة أن یجیئنی من یسألنی یکون عندی عدّة؟ قال : « إذا حال الحول فأخرجها من مالک ولا تخلطها بشی ء وأعطها کیف شئت » قال ، قلت : وإن أنا کتبتها وأثبتها یستقیم لی؟ قال : « نعم لا یضرّک » (3).

حال الزکاة عند عدم المستحق

ص: 274


1- الکافی 3 : 553 - 3 ، الوسائل 6 : 199 أبواب المستحقین للزکاة ب 39 ح 4.
2- التذکرة 1 : 238 ، والمنتهی 1 : 511 و 529.
3- الکافی 3 : 522 - 3 ، التهذیب 4 : 45 - 119 ، الوسائل 6 : 213 أبواب المستحقین للزکاة ب 52 ح 2.

ولو أدرکته الوفاة أوصی بها وجوبا.

______________________________________________________

وحسنة عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم یسمّها لأحد فقد بری ء منها » (1).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إذا أخرج الرجل الزکاة من ماله ثم سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إلیهم فضاعت فلا شی ء علیه » (2).

والمراد بالعزل تعیینها فی مال خاص فمتی حصل ذلک صارت أمانة فی یده لا یضمنها إلاّ بالتفریط أو تأخیر الإخراج مع التمکن منه ، ولیس له إبدالها بعد العزل قطعا ، ویتبعها النماء متصلا کان أو منفصلا علی الأظهر ، وقال فی الدروس : إنه للمالک (3). وهو ضعیف.

وروی الکلینی - رضی الله عنه - عن علیّ بن أبی حمزة ، عن أبیه ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عن الزکاة تجب علیّ فی موضع لا یمکننی أن أؤدّیها؟ قال : « اعزلها ، فإن اتجرت بها فأنت ضامن لها ولها الربح » ثم قال : « وإن لم تعزلها واتجرت بها فی جملة مالک فلها بقسطها من الربح ولا وضیعة علیها » (4).

قوله : ( ولو أدرکته الوفاة أوصی بها وجوبا ).

المعتبر من الوصیة ما یحصل به الثبوت الشرعی ولا ریب فی وجوب ذلک ، لتوقف الواجب علیه ، ولعموم الأمر بالوصیة. وأوجب الشهید فی الدروس مع الوصیة العزل أیضا (5). وهو أحوط.

ص: 275


1- المتقدمة فی ص 274.
2- الکافی 3 : 553 - 2 ، الفقیه 2 : 16 - 47 ، التهذیب 4 : 47 - 123 ، الوسائل 6 : 198 أبواب المستحقین للزکاة ب 39 ح 3.
3- الدروس : 65.
4- الکافی 4 : 60 - 2 ، الوسائل 6 : 214 أبواب المستحقین للزکاة ب 52 ح 3.
5- الدروس : 65.

الثالثة : المملوک الذی یشتری من الزکاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزکاة. وقیل : بل یرثه الإمام ، والأول أظهر.

______________________________________________________

وروی الکلینی فی الحسن وابن بابویه فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین قال ، قلت لأبی الحسن الأول علیه السلام : رجل مات وعلیه زکاة وأوصی أن تقضی عنه الزکاة وولده محاویج إن دفعوها أضرّ بهم ذلک ضررا شدیدا؟ فقال : « یخرجونها فیعودون بها علی أنفسهم ، ویخرجون منها شیئا فیدفع إلی غیرهم » (1).

قوله : ( الثالثة ، المملوک الذی یشتری من الزکاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزکاة ، وقیل : بل یرثه الإمام ، والأول أظهر ).

المراد بالوارث المنفی الوارث الخاص وهو من عدا الإمام وأرباب الزکاة ، للإجماع علی أن أحدهما وارث فلا یتحقق عدم الوارث العام.

والقول بأن میراثه لأرباب الزکاة مذهب الأکثر ، بل قال المصنف فی المعتبر : إن علیه علماءنا (2). وهو یؤذن بدعوی الإجماع علیه ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عبید بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أخرج زکاة ماله ألف درهم فلم یجد لها موضعا یدفع ذلک إلیه فنظر إلی مملوک یباع فیمن یزید فاشتراه بتلک الألف الدرهم التی أخرجها من زکاته فأعتقه هل یجوز ذلک؟ قال : « نعم لا بأس بذلک » قلت : فإنه لما أعتق وصار حرّا اتجر واحترف فأصاب مالا ثم مات ولیس له وارث فمن یرثه إذا لم یکن له وارث؟ قال : « یرثه فقراء المؤمنین الذین یستحقون الزکاة ، لأنه إنما اشتری بمالهم » (3) وهذه الروایة مع قصورها من حیث السند

حکم المملوک المشتری من الزکاة

ص: 276


1- الکافی 3 : 547 - 5 ، الفقیه 2 : 20 - 69 ، الوسائل 6 : 168 أبواب المستحقین للزکاة ب 14 ح 5.
2- المعتبر 2 : 589.
3- التهذیب 4 : 100 - 281 ، الوسائل 6 : 203 أبواب المستحقین للزکاة ب 43 ح 2.

______________________________________________________

لا تدل علی أن إرثه لأرباب الزکاة مطلقا بل إنما تدل علی اختصاص الفقراء بذلک ، والظاهر أن قوله : لأنه اشتری بمالهم ، توجیه للحکمة المقتضیة لذلک والمراد أنه اشتری بالمال الذی کان یسوغ صرفه فی الفقراء لا أنه اشتری بسهم الفقراء خاصة.

وذکر الشهید فی الدروس أن فی هذا التعلیل إیماء إلی أنه لو اشتری من سهم الرقاب لم یطرد الحکم لأنه اشتری بنصیبه لا بمال غیره (1). وهو غیر جید ، لأن ظاهر الروایة وقوع الشراء بجمیع الزکاة لا بسهم مخصوص منها.

والأجود الاستدلال علی ذلک بما رواه ابن بابویه فی کتاب العلل فی الصحیح ، عن أیوب بن الحرّ أخی أدیم بن الحرّ قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : مملوک یعرف هذا الأمر الذی نحن علیه أشتریه من الزکاة وأعتقه؟ فقال : « اشتره وأعتقه » قلت : فإن هو مات وترک مالا؟ قال ، فقال : « میراثه لأهل الزکاة لأنه اشتری بشیئهم (2) » (3) وهذه الروایة مع کونها صحیحة السند واضحة الدلالة لم یحتج بها أحد من الأصحاب فیما أعلم.

والقول بأن میراثه للإمام علیه السلام مجهول القائل من القدماء ، واختاره من المتأخرین العلاّمة فی القواعد وولده فی الشرح (4) ، لأن الرقاب أحد مصارف الزکاة فیکون سائبة.

ویظهر من المصنف فی المعتبر المیل إلیه فإنه قال : ویمکن أن یقال : لا یرثه الفقراء لأنهم لا یملکون العبد المبتاع بمال الزکاة لأنه أحد مصارفها فیکون کالسائبة ، وتضعف الروایة لأن فی طریقها ابن فضال وهو فطحی وعبد الله بن بکیر وفیه ضعف ، غیر أن القول بها عندی أقوی لمکان سلامتها

ص: 277


1- الدروس : 63.
2- فی « ح » والمصدر : بسهمهم.
3- علل الشرائع : 372 - 1 ، الوسائل 6 : 203 أبواب المستحقین للزکاة ب 43 ح 3.
4- القواعد 1 : 59 ، إیضاح الفوائد 1 : 207.

الرابعة : إذا احتاجت الصدقة إلی کیل أو وزن کانت الأجرة علی المالک ، وقیل : تحتسب من الزکاة ، والأول أشبه.

الخامسة : إذا اجتمع للفقیر سببان أو ما زاد یستحق بهما الزکاة کالفقر والکتابة والغزو جاز أن یعطی بحسب کل سبب نصیبا.

______________________________________________________

عن المعارض وإطباق المحققین منّا علی العمل بها (1).

وربما ظهر من هذه العبارة عدم تحقق الخلاف فی المسألة ، وکیف کان فالأحوط صرف ذلک فی الفقراء خاصة لأنهم من أرباب الزکاة ، وفی حال الغیبة یستحقون ما یرثه الإمام ممن لا وارث له غیره فیکون الصرف إلیهم مجزیا علی القولین.

قوله : ( الرابعة ، إذا احتاجت الصدقة إلی کیل أو وزن کانت الأجرة علی المالک ، وقیل : تحتسب من الزکاة ، والأول أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف والأکثر من وجوب ذلک علی المالک ، لتوقف الدفع الواجب علیه. والقول باحتسابه من الزکاة للشیخ فی موضع من المبسوط (2). واحتج له فی المختلف بأن الله تعالی أوجب علی أرباب الزکاة قدرا معلوما من الزکاة فلا تجب الأجرة علیهم وإلاّ لزم أن یزاد علی الذی وجب علیهم (3). والجواب أن إیجاب الزکاة لا یستلزم نفی إیجاب غیرها مع قیام الدلیل علیه.

قوله : ( الخامسة ، إذا اجتمع للفقیر سببان أو ما زاد یستحق بهما الزکاة ، کالفقر والکتابة والغزو ، جاز أن یعطی بحسب کل سبب نصیبا ).

مؤنة الوزن علی المالک

حکم اجتماع سببان للمستحق

ص: 278


1- المعتبر 2 : 589.
2- المبسوط 1 : 257 قال : ویعطی الحاسب والوزان والکاتب من سهم العاملین.
3- المختلف : 191.

السادسة : أقل ما یعطی الفقیر ما یجب فی النصاب الأول : عشرة قراریط أو خمسة دراهم. وقیل : ما یجب فی النصاب الثانی : قیراطان أو درهم ، والأول أکثر.

______________________________________________________

کان الأولی أن یقول : إذا اجتمع للمستحق سببان ، لیعمّ الفقیر وغیره. ولا ریب فی جواز الدفع إلی من هذا شأنه بکلّ من الأسباب ، ثم إن کان أحدها الفقر فلا حدّ للإعطاء ، وإلاّ تقیّد بحسب الحاجة.

قوله : ( السادسة ، أقل ما یعطی الفقیر ما یجب فی النصاب الأول عشرة قراریط أو خمسة دراهم ، وقیل : ما یجب فی النصاب الثانی وهو قیراطان أو درهم ، والأول أکثر ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال المفید فی المقنعة (1) والشیخ فی جملة من کتبه (2) والمرتضی فی الانتصار (3) : لا یعطی الفقراء أقل مما یجب فی النصاب الأول وهو خمسة دراهم أو عشرة قراریط.

وقال سلار (4) وابن الجنید (5) : یجوز الاقتصار علی ما یجب فی النصاب الثانی وهو درهم أو عشر دینار.

وقال المرتضی فی الجمل (6) وابن إدریس (7) وجمع من الأصحاب : یجوز أن یعطی الفقیر من الزکاة القلیل والکثیر ولا یحدّ القلیل بحدّ لا یجزئ غیره. وهو المعتمد.

أقل ما یعطی الفقیر

ص: 279


1- المقنعة : 40.
2- النهایة : 189 ، والاقتصاد : 283 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 207.
3- الانتصار : 82.
4- المراسم : 133.
5- نقله عنه فی المختلف : 186.
6- جمل العلم والعمل : 125.
7- السرائر : 107.

______________________________________________________

لنا : التمسک بمقتضی الأصل ، وإطلاق الکتاب والسنّة فإن امتثال الأمر بإیتاء الزکاة یتحقق بصرفها إلی المستحقین علی أیّ وجه کان ، ویؤیده ما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن أبی الصهبان قال : کتبت إلی الصادق علیه السلام : هل یجوز لی یا سیدی أن أعطی الرجل من إخوانی من الزکاة الدرهمین والثلاثة والدرهم (1) فقد اشتبه ذلک علیّ؟ فکتب : « ذلک جائز » (2) والظاهر أن المراد بالصادق هنا الهادی علیه السلام ، لأنه من رجاله.

وفی معنی هذه الروایة ما رواه ابن بابویه فی کتاب من لا یحضره الفقیه ، عن محمد بن عبد الجبار : إنّ بعض أصحابنا کتب علی یدی أحمد بن إسحاق إلی علیّ بن محمد العسکری علیه السلام : أعطی الرجل من إخوانی من الزکاة الدرهمین والثلاثة؟ فکتب : « افعل إن شاء الله » (3).

دلت الروایة علی جواز إعطاء ما دون الخمسة دراهم والعشرة قراریط فلا یکون ذلک متعینا ، ولیس فی الروایة دلالة علی تعین دفع المسؤول عنه فیبقی الإطلاق سالما من المعارض.

احتج الشیخ ومن قال بمقالته بما رواه فی الصحیح ، عن أبی ولاّد الحنّاط ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته یقول : « لا یعطی أحد من الزکاة أقل من خمسة دراهم ، وهو أقلّ ما فرض الله من الزکاة فی أموال المسلمین ، فلا تعطوا أحدا أقل من خمسة دراهم فصاعدا » (4).

ص: 280


1- کذا ، وفی المصدر : والثلاثة الدراهم.
2- التهذیب 4 : 63 - 169 ، الإستبصار 2 : 38 - 118 ، الوسائل 6 : 178 أبواب المستحقین للزکاة ب 23 ح 5.
3- الفقیه 2 : 10 - 28 ، الوسائل 6 : 177 أبواب المستحقین للزکاة ب 23 ح 1.
4- التهذیب 4 : 62 - 167 ، الإستبصار 2 : 38 - 116 ، الوسائل 6 : 177 أبواب المستحقین للزکاة ب 23 ح 2 ، ورواها فی الکافی 3 : 548 - 1 ، والمحاسن : 319 - 49.

______________________________________________________

وعن معاویة بن عمار وعبد الله بن بکیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا یجوز أن یدفع الزکاة أقل من خمسة دراهم ، فإنها أقل الزکاة » (1).

والجواب بالحمل علی الکراهة جمعا بین الأدلة.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : الظاهر من کلام الأصحاب أن هذه التقدیرات علی سبیل الوجوب ، وعبارة المصنف فی المعتبر کالصریحة فی ذلک فإنه قال : وقول علم الهدی - یعنی عدم التحدید - لم أجد به حدیثا یستند إلیه ، والإعراض عن النقل المشهور مع عدم المعارض اقتراح ، والتمسک بقوله ( وَآتُوا الزَّکاةَ ) (2) غیر دال ، لأنه أمر بالإیتاء ولا یدل علی کیفیة ذلک فیرجع فیه إلی الکیفیة المنقولة (3).

وصرّح العلاّمة فی جملة من کتبه بأن ذلک علی سبیل الاستحباب (4) ، حتی أنه قال فی التذکرة بعد أن حکم بأنه یستحب أنه لا یعطی الفقیر أقل مما یجب فی النصاب الأول : وما قلناه علی الاستحباب لا الوجوب إجماعا (5). والأصح أن ذلک علی سبیل الاستحباب ، لکن الخلاف فی المسألة متحقق.

الثانی : لیس فیما وقفت علیه من الروایات دلالة علی اعتبار التحدید ببلوغ النصاب الأول والثانی من الذهب ، وإنما الموجود فیها التقدیر بخمسة دراهم أو درهم ، فیحتمل سقوط التحدید فی غیرها مطلقا کما هو قضیة

ص: 281


1- التهذیب 4 : 62 - 168 ، الإستبصار 2 : 38 - 117 ، الوسائل 6 : 178 أبواب المستحقین للزکاة ب 23 ح 4.
2- البقرة : 43 ، 83 ، 110.
3- المعتبر 2 : 590.
4- المختلف : 186 ، والقواعد 1 : 59 ، والتبصرة : 48.
5- التذکرة 1 : 244.

ولا حدّ للأکثر إذا کان دفعة. ولو تعاقبت العطیّة فبلغت مؤنة السنة حرم علیه ما زاد.

______________________________________________________

الأصل ، ویحتمل اعتبار بلوغ قیمة المدفوع ذلک ، واختاره الشارح (1) - قدس سره - ولا ریب أنه أحوط ، ولو فرض نقص قیمة الواجب عن ذلک کله کما لو وجبت علیه شاة واحدة لا تساوی خمسة دراهم دفعها إلی الفقیر وسقط اعتبار التقدیر قطعا.

الثالث : إنما یستحب إعطاء الخمسة دراهم أو یجب إذا بلغ الواجب ذلک ، فلو أعطی ما فی الأول لواحد ثم وجبت الزکاة علیه فی النصاب الثانی أخرج زکاته وسقط اعتبار التقدیر فیه إذا لم یجتمع منه نصب کثیرة تبلغ الأول.

ولو کان عند المالک نصابان أول وثان فقد ذکر الشارح (2) وغیره (3) أنه یجوز إعطاء ما فی الأول لواحد وما فی الثانی لآخر من غیر کراهة ولا تحریم علی القولین. وهو مشکل ، لإطلاق النهی عن إعطاء ما دون الخمسة وإمکان الامتثال بدفع الجمیع إلی الواحد ، وطریق الاحتیاط واضح.

قوله : ( ولا حدّ للأکثر إذا کان دفعة ، ولو تعاقبت علیه العطیة فبلغت مؤنة السنة حرم علیه الزائد ).

أما تحریم الزائد بعد ملک مؤنة السنة فلا ریب فیه ، لتحقق الغنی المانع من الاستحقاق. وأما أنه لا حدّ للأکثر إذا کان دفعة فهو قول علمائنا أجمع ، لکن لا وجه لاعتبار الدفعة ، لأن الفقیر متی ملک مؤنة السنة صار غنیا وحرم علیه تناول الزکاة ، ولقد أجاد المصنف فی النافع حیث قال : ولا حدّ للأکثر فخیر الصدقة ما أبقت غنی (4). ونحوه قال فی المعتبر (5).

لا حد لأکثر الزکاة

ص: 282


1- المسالک 1 : 62.
2- المسالک 1 : 62.
3- کالمحقق فی المعتبر 2 : 590.
4- المختصر النافع : 60.
5- المعتبر 2 : 590.

السابعة : إذا قبض الإمام الزکاة دعا لصاحبها وجوبا. وقیل :

______________________________________________________

وقال العلاّمة فی المنتهی : یجوز أن یعطی الفقیر ما یغنیه ویزید علی غناه وهو قول علمائنا أجمع (1). ویدل علی ذلک مضافا إلی العمومات روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن سعید بن غزوان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته کم یعطی الرجل الواحد من الزکاة؟ فقال : « أعطه من الزکاة حتی تغنیه » (2).

وفی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن زیاد بن مروان ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال : « أعطه ألف درهم » (3).

وفی الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال ، قلت له : أعطی الرجل من الزکاة ثمانین درهما؟ قال : « نعم وزده » قلت : أعطیه مائة؟ قال : « نعم وأغنه إن قدرت علی أن تغنیه » (4).

وفی الموثق ، عن عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه سئل کم یعطی الرجل من الزکاة؟ قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « إذا أعطیت فأغنه » (5).

قوله : ( السابعة ، إذا قبض الإمام الزکاة دعا لصاحبها وجوبا ،

استحباب دعاء الساعی لصاحب الزکاة

ص: 283


1- المنتهی 1 : 530.
2- التهذیب 4 : 63 - 170 ، الوسائل 6 : 179 أبواب المستحقین للزکاة ب 24 ح 5.
3- التهذیب 4 : 63 - 171 ، الوسائل 6 : 179 أبواب المستحقین للزکاة ب 24 ح 6.
4- الکافی 3 : 548 - 2 ، التهذیب 4 : 64 - 173 ، الوسائل 6 : 179 أبواب المستحقین للزکاة ب 24 ح 3.
5- الکافی 3 : 548 - 3 ، التهذیب 4 : 64 - 174 ، الوسائل 6 : 179 أبواب المستحقین للزکاة ب 24 ح 4.

استحبابا ، وهو الأشهر.

الثامنة : یکره أن یملک ما أخرجه فی الصدقة اختیارا ، واجبة

______________________________________________________

وقیل : استحبابا ، وهو الأظهر ).

الأصل فی هذه المسألة قوله تعالی ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَیْهِمْ إِنَّ صَلاتَکَ سَکَنٌ لَهُمْ ) (1) والسکن ما یسکن إلیه المرء وتطمئن به نفسه وذلک أن دعاءه علیه السلام معلوم الاستجابة.

والبحث فی وجوب ذلک علی النبی صلی الله علیه و آله والإمام علیه السلام أو استحبابه خال من الفائدة ، وإنما الکلام فی وجوب ذلک واستحبابه علی الساعی والفقیه والأصح عدم الوجوب ، للأصل ، ودلالة ظاهر التعلیل المستفاد من الآیة الشریفة علی اختصاص الحکم بالنبی صلی الله علیه و آله أو به وبالإمام ، ولأن أمیر المؤمنین علیه السلام لم یأمر بذلک ساعیه الذی أنفذه إلی بادیة الکوفة مع اشتمال وصیته التی أوصاه بها علی کثیر من الآداب والسنن.

أما المستحق فقیل : إنه لا یجب علیه الدعاء إجماعا. ولا ریب فی استحباب الدعاء للجمیع. ویجوز بصیغة الصلاة وغیرها ، وربما قیل بتعین لفظ الصلاة (2) ، وهو ضعیف.

وذکر العلاّمة فی التذکرة أنه ینبغی أن یقال فی صورة الدعاء : « آجرک الله فیما أعطیت وجعله لک طهورا وبارک الله لک فیما أبقیت » (3).

قوله : ( الثامنة ، یکره أن یملک ما أخرجه فی الصدقة اختیارا ،

کراهة تملک ما أخرجه فی الصدقة

ص: 284


1- التوبة : 103.
2- قال به السیوری فی التنقیح الرائع 1 : 329.
3- التذکرة 1 : 247.

کانت أو مندوبة ، ولا بأس إذا عادت بمیراث وما شابهه.

التاسعة : یستحب أن توسم نعم الصدقة فی أقوی مرضع منها

______________________________________________________

واجبة کانت أو مندوبة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه بین العلماء ، واستدل علیه بأنها طهارة للمال فیکره له شراء طهوره ، وبأنه ربما أستحیی الفقیر فیترک المماکسة معه ویکون ذلک وسیلة إلی استرجاع بعضها ، وربما طمع الفقیر فی غیرها منه فأسقط بعض ثمنها. ثم قال : ولو احتاج إلی شرائها بأن یکون الفرض جزءا من حیوان لا یتمکن الفقیر من الانتفاع به ولا یشتریه غیر المالک أو یحصل للمالک ضرر بشراء غیره جاز شراؤها وزالت الکراهة إجماعا (1).

ویدل علی جواز الشراء مضافا إلی الإجماع المنقول من جماعة (2) ، وإطلاق قوله تعالی ( إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ ) (3) ما رواه الشیخ ، عن محمد بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « فإذا أخرجها - یعنی الشاة - فلیقوّمها فیمن یرید (4) فإذا قامت علی ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها ، وإن لم یردها فلیبعها » (5).

قوله : ( ولا بأس إذا عادت إلیه بمیراث وشبهه ).

یندرج فی : شبهه ، شراء الوکیل العام واستیفاؤها له من مال الموکّل. ومعنی نفی البأس فی عودها إلیه بالمیراث أن الوارث یملک ما هذا شأنه ولا یستحب له إخراجه عن ملکه.

قوله : ( التاسعة ، یستحب أن توسم نعم الصدقة فی أقوی موضع

استحباب توسیم نعم الصدقة

ص: 285


1- المنتهی 1 : 530.
2- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 591 ، والعلاّمة فی المنتهی 1 : 530.
3- النساء : 29.
4- فی « م » و « ح » : یزید.
5- التهذیب 4 : 98 - 276 ، الوسائل 6 : 89 أبواب زکاة الأنعام ب 14 ح 3.

وأکشفه ، کأصول الآذان فی الغنم ، وأفخاذ الإبل والبقر. (1) ویکتب فی المیسم ما أخذت له : زکاة ، أو صدقة ، أو جزیة. القول فی وقت التسلیم

إذا أهل الثانی عشر وجب دفع الزکاة.

______________________________________________________

منها وأکشفه کأصول الآذان فی الغنم ، وأفخاذ الإبل والبقر ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة (2) ، واستدل علیه فی المنتهی بما رواه الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله إنه کان یسم الإبل فی إفخاذها (3). وعن أنس إنه دخل علی رسول الله صلی الله علیه و آله وهو یسم الغنم فی آذانها (4). وبأن فیه فائدة لا تحصل بدونه وهی تمییزها عن غیرها فربما شردت فیعرفها من یجدها فیردّها ، وربما رآها صاحب المال فامتنع من شرائها (5). ولا بأس به.

قوله : ( ویکتب علی المیسم ما أخذت له : زکاة ، أو صدقة ، أو جزیة ).

المیسم بکسر المیم وفتح السین : المکواة بکسر المیم أیضا ، والمراد أنه یستحب أن یوسم بمیسم مکتوب علیه ما أخذت له تلک النعم ، ففی نعم الصدقة : صدقة أو زکاة ، وفی الجزیة : جزیة. قال فی التذکرة : ولو کتب علیه « لله » کان أبرک وأولی (6).

قوله : ( القول فی وقت التسلیم ، إذا أهل الثانی عشر وجب دفع الزکاة ).

وقت تسلیم الزکاة

ص: 286


1- منهم الشافعی فی الأم 2 : 79 ، والفیروزآبادی فی المهذب 1 : 169.
2- منهم الشافعی فی الأم 2 : 79 ، والفیروزآبادی فی المهذب 1 : 169.
3- سنن البیهقی 7 : 36.
4- صحیح البخاری 7 : 126 ، سنن أبی داود 3 : 26 - 2563.
5- المنتهی 1 : 515.
6- التذکرة 1 : 242.

______________________________________________________

مقتضی العبارة استقرار الوجوب بإهلال الثانی عشر وإن لم تکمل أیامه وبذلک صرّح فی المعتبر فقال : لا تجب الزکاة فی الحیوان والأثمان حتی یحول علیها الحول وهو أن یمضی لها فی ملکه أحد عشر شهرا ثم یهلّ الثانی عشر وتکون الشرائط موجودة فیه کله وهو النصاب وإمکان التصرف والسوم فی الماشیة وکونها دراهم أو دنانیر فی الأثمان (1). والضمیر المجرور فی قوله : وتکون الشرائط موجودة فیه ، یرجع إلی الحول المعرّف سابقا کما هو واضح.

وأوضح من ذلک دلالة کلام العلاّمة فی المنتهی فإنه قال : لا تجب الزکاة فی الأنعام والأثمان حتی یحول علیها الحول أحد عشر شهرا ثم یهلّ الثانی عشر وهی علی الشرائط طول الحول وقد تقدم ذلک کله ، فإذا أهلّ الثانی عشر وجب دفع الزکاة علی الفور (2). وقریب من ذلک عبارة التذکرة (3).

والأصل فی ذلک ما رواه الشیخ والکلینی فی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : رجل کانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزکاة فعل ذلک قبل حلّها بشهر فقال : « إذا دخل الشهر الثانی عشر فقد حال علیها الحول ووجبت علیه فیها الزکاة » (4).

ومقتضی الروایة أن حولان الحول عبارة عن مضیّ أحد عشر شهرا کاملة علی المال فإذا دخل الثانی عشر وجبت الزکاة وإن لم تکمل أیامه ، وبمضمون هذه الروایة أفتی الأصحاب ، وقال العلاّمة فی التذکرة والمنتهی :

ص: 287


1- المعتبر 2 : 553.
2- المنتهی 1 : 510.
3- التذکرة 1 : 237.
4- الکافی 3 : 525 - 4 ، التهذیب 4 : 35 - 92 ، الوسائل 6 : 111 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 12 ح 2.

ولا یجوز التأخیر إلا لمانع ، أو لانتظار من له قبضها. وإذا عزلها جاز تأخیرها إلی شهر أو شهرین. والأشبه أن التأخیر إن کان لسبب مبیح دام بدوامه ولا یتحدد. وإن کان اقتراحا لم یجز ،

______________________________________________________

إنه قول علمائنا أجمع (1).

ومقتضی ذلک استقرار الوجوب بدخول الثانی عشر ، لکن صرّح الشارح بخلاف ذلک وأن استقرار الوجوب إنما یتحقق بتمام الثانی عشر وقال : إن الفائدة تظهر فی جواز تأخیر الإخراج إلی أن یستقر الوجوب ، وفیما لو اختلّت الشرائط فی الثانی عشر فتسقط الزکاة ویرجع بها إن کان أخرجها إذا علم القابض بالحال أو کانت العین باقیة (2).

وهذا القول لا نعرف به قائلا ممن سلف ، نعم ربما أو همه کلام المصنف فی النافع حیث قال : إذا أهلّ الثانی عشر وجبت الزکاة ، وتعتبر شرائط الوجوب فیه کلّه ، وعند الوجوب یتعین دفع الواجب ولا یجوز تأخیره (3). والظاهر أن الضمیر یرجع إلی الحول المدلول علیه بالمقام لا إلی الشهر الثانی عشر کما دلّت علیه عبارة الکتاب وکلامه فی المعتبر (4).

وبالجملة : فمقتضی الروایة والإجماع المنقول استقرار الوجوب بدخول الثانی عشر ، والمتجه إما العمل بهما کما هو الظاهر ، أو إلغاء الحکم من أصله والحکم بعدم تحقق حؤول الحول إلاّ بتمام الثانی عشر ، أما التفصیل فلا وجه له والله أعلم.

قوله : ( ولا یجوز التأخیر إلا المانع ، أو لانتظار من له قبضها ، وإذا عزلها جاز تأخیرها شهرا وشهرین ، والأشبه أنّ التأخیر إن کان لسبب مبیح دام بدوامه ولا یتحدد ، وإن کان اقتراحا لم یجز ).

حکم تأخیر الزکاة بعد العزل

ص: 288


1- التذکرة 1 : 205 ، والمنتهی 1 : 510.
2- المسالک 1 : 53.
3- المختصر النافع : 58.
4- راجع ص 287.

______________________________________________________

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة فأطلق الأکثر عدم جواز التأخیر عن وقت التسلیم إلاّ لمانع ، لأن المستحق مطالب بشاهد الحال ، فیجب التعجیل کالودیعة والدین.

وقال الشیخ فی النهایة : وإذا حال الحول فعلی الإنسان أن یخرج ما یجب علیه علی الفور ولا یؤخره ، ثم قال : وإذا عزل ما یجب علیه فلا بأس أن یفرقه ما بین شهر وشهرین ولا یجعل ذلک أکثر منه (1).

وقال ابن إدریس فی سرائره : وإذا حال الحول فعلی الإنسان أن یخرج ما یجب علیه إذا حضر المستحق ، فإن أخّر ذلک إیثارا به مستحقا غیر من حضر فلا إثم علیه بغیر خلاف إلاّ أنه إن هلک قبل وصوله إلی من یرید إعطاءه إیاه یجب علی ربّ المال الضمان ، وقال بعض أصحابنا : إذا حال الحول فعلی الإنسان أن یخرج ما علیه علی الفور ولا یؤخره. فإن أراد علی الفور وجوبا مضیقا فهذا بخلاف إجماع أصحابنا لأنه لا خلاف بینهم أن للإنسان أن یخصّ بزکاته فقیرا دون فقیر وأنه لا یکون مخلاّ بواجب ولا فاعلا لقبیح ، وإن أراد بقوله : علی الفور ، أنه إذا حال الحول وجب علیه إخراج الزکاة فإن لم یخرجها طلبا وإیثارا لغیر من حضر من مستحقیها وهلک المال فإنه یکون ضامنا فهذا الذی ذهبنا إلیه واخترناه (2).

وجوّز الشهید فی الدروس التأخیر لانتظار الأفضل والتعمیم (3) ، وزاد فی البیان تأخیرها لمعتاد الطلب منه بما لا یؤدی إلی الإهمال (4).

وجزم الشارح - قدس سره - بجواز تأخیرها شهرا وشهرین خصوصا للبسط أو لذی المزیة (5). وهو المعتمد ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه

ص: 289


1- النهایة : 183.
2- السرائر : 105.
3- الدروس : 64.
4- البیان : 203.
5- المسالک 1 : 62.

______________________________________________________

کصحیحة حمّاد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بتعجیل الزکاة شهرین وتأخیرها شهرین » (1).

وصحیحة معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : الرجل تحلّ علیه الزکاة فی شهر رمضان فیؤخّرها إلی المحرّم؟ قال : « لا بأس » قال ، قلت : فإنها لا تحلّ علیه إلاّ فی المحرّم فیعجّلها فی شهر رمضان؟ قال : « لا بأس » (2).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه قال فی الرجل یخرج زکاته فیقسم بعضها ویبقی بعض یلتمس لها المواضع فیکون بین أوله وآخره ثلاثة أشهر قال : « لا بأس » (3).

وموثقة یونس بن یعقوب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : زکاة تحلّ علیّ شهرا فیصلح لی أن أحبس منها شیئا مخافة أن یجیئنی من یسألنی یکون عندی عدّة؟ فقال : « إذا حال الحول فأخرجها من مالک ولا تخلطها بشی ء وأعطها کیف شئت » قال ، قلت : وإن أنا کتبتها وأثبتها یستقیم لی؟ قال : « نعم لا یضرک (4) » (5).

ص: 290


1- التهذیب 4 : 44 - 114 ، الإستبصار 2 : 32 - 96 ، الوسائل 6 : 210 أبواب المستحقین للزکاة ب 49 ح 11.
2- التهذیب 4 : 44 - 112 ، الإستبصار 2 : 32 - 94 ، الوسائل 6 : 210 أبواب المستحقین للزکاة ب 49 ح 9.
3- الکافی 3 : 523 - 7 ، التهذیب 4 : 45 - 118 ، السرائر : 484 ، الوسائل 6 : 214 أبواب المستحقین للزکاة ب 53 ح 1.
4- الکافی 3 : 522 - 3 ، التهذیب 4 : 45 - 119 ، الوسائل 6 : 213 أبواب المستحقین للزکاة ب 52 ح 2.
5- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : ویستفاد من صحیحة معاویة بن عمّار جواز التأخیر ثلاثة أشهر بل وأربعة ، ولا بأس بالعمل بمضمونها لمطابقتها لمقتضی الأصل ، وبالجملة فلیس علی وجوب الفوریة دلیل یعتد به إلاّ أن المصیر إلیه أولی وأحوط.

ویضمن إن تلفت.

ولا یجوز تقدیمها قبل وقت الوجوب. فإن آثر ذلک دفع مثلها

______________________________________________________

قوله : ( ویضمن إن تلفت ).

لا ریب فی الضمان إذا کان التأخیر لغیر عذر وإن قلنا بجوازه ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه کحسنة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل بعث بزکاة ماله لتقسم فضاعت هل علیه ضمانها حتی تقسم؟ فقال : « إذا وجد لها موضعا فلم یدفعها فهو لها ضامن حتی یدفعها ، وإن لم یجد لها من یدفعها إلیه فبعث بها إلی أهلها فلیس علیه ضمان لأنها قد خرجت من یده (1).

وحسنة زرارة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل بعث إلیه أخ له بزکاته لیقسمها فضاعت فقال : « لیس علی الرسول ولا علی المؤدّی ضمان » قلت : فإنه لم یجد لها أهلا ففسدت وتغیرت أیضمنها؟ قال : « لا ولکن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتی یخرجها » (2).

قال فی المنتهی : ولو کثر المستحقون فی البلد وتمکّن من الدفع إلیهم جاز له التأخیر فی الإعطاء لکل واحد بمقدار ما یعطی غیره ، وفی الضمان حینئذ تردد (3). وکأنّ منشأ التردد عموم ما دل علی الضمان بالتأخیر ، وأن مثل ذلک لا یسمی تأخیرا عرفا فلا یترتب علیه الضمان ، والأصح عدم الضمان.

قوله : ( ولا یجوز تقدیمها قبل وقت الوجوب ، فإن آثر ذلک دفع

حکم تقدیم الزکاة

ص: 291


1- الکافی 3 : 553 - 1 ، الفقیه 2 : 15 - 46 ، التهذیب 4 : 47 - 125 ، الوسائل 6 ، 198 أبواب المستحقین للزکاة ب 39 ح 1.
2- الکافی 3 : 553 - 4 ، التهذیب 4 : 48 - 126 بتفاوت یسیر ، الوسائل 6 : 198 أبواب المستحقین للزکاة ب 39 ح 2.
3- المنتهی 1 : 511.

قرضا ، ولا یکون ذلک زکاة ، ولا یصدق علیها اسم التعجیل.

______________________________________________________

مثلها قرضا ، ولا یکون ذلک زکاة ، ولا یصدق علیها اسم التعجیل ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ذهب إلیه الشیخان (1) والمرتضی (2) وأبو الصلاح (3) وابنا بابویه (4) وابن إدریس (5) وغیرهم.

وقال ابن أبی عقیل : یستحب إخراج الزکاة وإعطاؤها فی استقبال السنة الجدیدة فی شهر المحرّم ، وإن أحب تعجیله قبل ذلک فلا بأس (6). وقال سلاّر : وقد ورد الرسم بجواز تقدیم الزکاة عند حضور المستحق (7). قال فی المختلف : وفی کلامهما إشعار بجواز التعجیل (8). والأصح ما اختاره المصنف والأکثر من عدم جواز التقدیم إلاّ علی سبیل القرض.

لنا : أن حؤول الحول شرط الوجوب فلم یجز تقدیم الواجب علیه کما لا یقدم قبل تمام النصاب ، وما رواه الشیخ والکلینی فی الحسن ، عن عمر بن یزید قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یکون عنده المال أیزکیه إذا مضی نصف السنة؟ قال : « لا ولکن حتی یحول علیه الحول ویحلّ علیه ، إنه لیس لأحد أن یصلّی صلاة إلاّ لوقتها وکذلک الزکاة ولا یصوم أحد شهر رمضان إلاّ فی شهره إلاّ قضاء وکل فریضة إنما تؤدّی إذا حلّت » (9).

ص: 292


1- المفید فی المقنعة : 39 ، والشیخ فی النهایة : 183 ، والمبسوط 1 : 227 ، والخلاف 1 : 318.
2- جمع العلم والعمل : 124.
3- الکافی فی الفقه : 173.
4- الصدوق فی الفقیه 2 : 10 ، والمقنع : 51 ، وحکاه عنهما فی المختلف : 188.
5- السرائر : 105.
6- نقله عنه فی المختلف : 188.
7- المراسم : 128.
8- المختلف : 188.
9- الکافی 3 : 523 - 8 ، التهذیب 4 : 43 - 110 ، الإستبصار 2 : 31 - 92 ، الوسائل 6 : 212 أبواب المستحقین للزکاة ب 51 ح 2.

______________________________________________________

وفی الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : أیزکی الرجل ماله إذا مضی ثلث السنة؟ قال : « لا أیصلی الأولی قبل الزوال؟! » (1).

احتج المجوزون بصحیحة معاویة بن عمار المتقدمة حیث قال فیها ، قلت : فإنها لا تحلّ علیه إلاّ فی المحرّم فیعجّلها فی شهر رمضان؟ قال : « لا بأس » (2).

وصحیحة حمّاد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بتعجیل الزکاة شهرین وتأخیرها شهرین » (3).

وأجاب الشیخ فی کتابی الأخبار عن هاتین الروایتین وما فی معناهما بالحمل علی أن التقدیم علی سبیل القرض لا أنه زکاة معجلة ، واستدل علی هذا التأویل بما رواه فی الصحیح ، عن الأحول ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل عجّل زکاة ماله ثم أیسر المعطی قبل رأس السنة فقال : « یعید المعطی الزکاة » (4).

قال فی المعتبر : وما ذکره الشیخ لیس حجة علی ما ادعاه ، إذ یمکن القول بجواز التعجیل مع ما ذکره ، مع أن الروایة تضمنت أن المعجّل زکاة فتنزیله علی القرض تحکّم ، وکأن الأقوی ما ذکره المفید من تنزیل الروایة

ص: 293


1- الکافی 3 : 524 - 9 ، التهذیب 4 : 43 - 111 ، الإستبصار 2 : 32 - 93 ، الوسائل 6 : 212 أبواب المستحقین للزکاة ب 51 ح 3.
2- فی ص 290.
3- المتقدمة فی ص 290.
4- التهذیب 4 : 45 - 116 ، الإستبصار 2 : 33 - 98 ، الوسائل 6 : 211 أبواب المستحقین للزکاة ب 50 ح 1.

______________________________________________________

علی ظاهرها فی الجواز فیکون فیه روایتان (1). هذا کلامه رحمه الله .

( والحق أن ) (2) الروایات متنافیة بحسب الظاهر فیجب الجمع بینها ، وما ذکره الشیخ من الجمع جیّد إلاّ أن جواز التعجیل علی سبیل القرض لا یتقید بالشهرین والثلاثة فلا یظهر للتخصیص بذلک علی هذا التقدیر وجه ، لکن لیس فی الروایتین ما یدل علی التخصیص بالحکم صریحا ، والتخصیص بالذکر لا یقتضی التخصیص بالحکم خصوصا الروایة الأولی فإن التخصیص فیها وقع فی کلام السائل ولیس فی الجواب عن المقید المسؤول عنه دلالة علی نفی الحکم عما عداه.

ویشهد لهذا الجمع ما رواه الکلینی ، عن عقبة بن خالد : إن عثمان بن عمران دخل علی أبی عبد الله علیه السلام وقال له : إنی رجل موسر فقال له أبو عبد الله علیه السلام : « بارک الله فی یسارک » قال : ویجی ء الرجل فیسألنی الشی ء ولیس هو إبّان زکاتی ، فقال له أبو عبد الله علیه السلام : « القرض عندنا بثمانیة عشر والصدقة بعشرة ، وما ذا علیک إذا کنت کما تقول موسرا أعطیته فإذا کان إبّان زکاتک احتسبت بها من الزکاة » (3).

وعن یونس بن عمار قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « قرض المؤمن غنیمة وتعجیل أجر ، إن أیسر قضاک وإن مات قبل ذلک احتسبت به من الزکاة » (4).

وعن موسی بن بکر ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : « کان علیّ

ص: 294


1- المعتبر 2 : 556.
2- بدل ما بین القوسین ، فی « ض » وهو جیّد ولکن.
3- الکافی 4 : 34 - 4 ، الوسائل 6 : 208 أبواب المستحقین للزکاة ب 49 ح 1.
4- الکافی 3 : 558 - 1 ، الفقیه 2 : 32 - 127 ، الوسائل 6 : 208 أبواب المستحقین للزکاة ب 49 ح 1.

فإذا جاء وقت الوجوب احتسبها من الزکاة کالدین علی الفقیر ، بشرط بقاء القابض علی صفة الاستحقاق ، وبقاء الوجوب فی المال.

ولو کان النصاب یتم بالقرض لم تجب الزکاة ، سواء کانت

______________________________________________________

صلوات الله علیه یقول : قرض المال حمی (1) الزکاة (2) ».

قوله : ( فإذا جاء وقت الوجوب احتسبها من الزکاة کالدین علی الفقیر بشرط بقاء القابض علی صفة الاستحقاق وبقاء الوجوب فی المال ).

لا ریب فی اعتبار هذا الشرط بناء علی أن التقدیم علی سبیل القرض لا الزکاة المعجلة ، لأن هذا المدفوع دین للمالک فیجوز له احتسابه علی من هو علیه من الزکاة بعد وجوبها إذا کان مستحقا کغیره من الدیون ، وله المطالبة بعوضه ودفعه إلی غیره ودفع غیره إلیه ودفع غیره إلی غیره وإن بقی علی صفة الاستحقاق.

ولو قلنا إن المقدّم زکاة معجّلة فالظاهر اعتبار هذا الشرط أیضا کما قطع به فی المنتهی (3) ، لأن الدفع یقع مراعی فی جانب الدافع اتفاقا فکذا القابض ، وحکی عن بعض العامة قولا بأنه لا یعتبر ذلک لأنه حق أدّاه إلی مستحقه فکان کما لو أدّی الدین المؤجل قبل الأجل ، ثم یجاب عنه بالفرق فإن الدین یستقر فی الذمة بخلاف الزکاة (4).

قوله : ( ولو کان النصاب یتم بالقرض لم تجب الزکاة سواء کانت

انثلام النصاب بالقرض

ص: 295


1- حمی الزکاة أی حافظ لها ، بمعنی إذا مات المقترض أو أعسر احتسبت علیه - مجمع البحرین 1 : 109.
2- الکافی 3 : 558 - 2 ، التهذیب 4 : 107 - 305 ، الوسائل 6 : 209 أبواب المستحقین للزکاة ب 49 ح 5.
3- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة. لصحیحة الأحول المتقدمة و.
4- المنتهی 1 : 512.

عینه باقیة أو تالفة علی الأشبه.

ولو خرج المستحق عن الوصف استعیدت ، وله أن یمتنع من إعادة العین ببذل القیمة عند القبض کالقرض. ولو تعذر استعادتها غرم المالک الزکاة من رأس. ولو کان المستحق علی الصفات وحصلت شرائط الوجوب جاز أن یستعیدها ویعطی عوضها لأنها لم تتعین ، ویجوز

______________________________________________________

عینه باقیة أو تالفة علی الأشبه ).

هذا هو الأجود ، لأن القرض یخرج عن ملک المقرض بالقبض فلا یتمّ به النصاب. ونبّه بالتسویة بین أن تکون العین باقیة أو تالفة علی خلاف الشیخ حیث ذهب إلی أن القرض إنما یملک بالتصرف فلا ینثلم النصاب قبله (1). وهو ضعیف جدا. ونقل عنه قول آخر بأن النصاب لا ینثلم بالقرض مطلقا إذا تمکن المالک من استعادته ، بناء علی وجوب الزکاة فی الدین إذا کان مالکه متمکنا منه (2).

قال فی المعتبر : وهذا لیس بجید ، لأنا بیّنّا أن ما یدفعه یکون قرضا ، ولا ریب أن القرض یخرج عن ملک المقرض فلا یتم به النصاب (3).

ویتوجه علیه أنه لا ریب فی خروج القرض عن ملک المقرض إلاّ أن ما ثبت فی ذمة المقترض من المثل أو القیمة من أقسام الدین فیمکن تعلق الزکاة به عند من قال بوجوبها فی الدین وعدم سقوط الزکاة بإبدال النصاب أو بعضه بالمثل ، وقد بیّنّا ضعف ذلک کله فیما سبق.

قوله : ( ولو خرج المستحق عن الوصف استعیدت ، وله أن یمتنع من إعادة العین ببذل القیمة عند القبض کالقرض ، ولو تعذر استعادتها غرم المالک الزکاة من رأس. ولو کان المستحق علی الصفات وحصلت شرائط الوجوب جاز أن یستعیدها ویعطی عوضها لأنها لم تتعین ، ویجوز

حکم خروج المستحق عن الوصف بعد القرض

ص: 296


1- المبسوط 1 : 231.
2- المبسوط 1 : 211.
3- المعتبر 2 : 558.

أن یعدل بها عمّن دفعت إلیه أیضا. فروع :

الأول : لو دفع إلیه شاة فزادت زیادة متّصلة کالسمن لم یکن له استعادة العین مع ارتفاع الفقر ، وللفقیر بذل القیمة. وکذا لو کانت الزیادة منفصلة کالولد. لکن لو دفع الشاة لم یجب علیه دفع الولد.

______________________________________________________

أن یعدل بها عمن دفعت إلیه أیضا ).

الوجه فی هذه الأحکام کلها معلوم مما سبق ، فإن المدفوع إلی الفقیر قرض کما هو الفرض فکان حکمه حکم غیره من الدیون فی جواز احتسابه من الزکاة واستعادة مثله أو قیمته مع بقاء الآخذ علی صفة الاستحقاق وبدونه ، ولو قلنا إن المدفوع زکاة معجلة امتنعت استعادته مع بقاء الوجوب فی المال وبقاء القابض علی صفة الاستحقاق.

قوله : ( فروع ، الأول : لو دفع إلیه شاة فزادت زیادة متصلة کالسمن لم یکن له استعادة العین مع ارتفاع الفقر وللفقیر بذل القیمة ، وکذا لو کانت الزیادة منفصلة کالولد ، لکن لو دفع الشاة لم یجب علیه دفع الولد ).

قد عرفت أن التقدیم إنما یصح علی وجه القرض وأن القرض یخرج عن ملک الدافع ویملکه المقترض بالقبض ، ومقتضی ذلک أنه لیس للمقرض إلزام المقترض بإعادة العین مع الزیادة وعدمها ومع ارتفاع الفقر وبدونه وإنما له المطالبة بعوضه مثلا أو قیمة ، وإنما قیّد المصنف المنع من استعادة الشاة بهذین القیدین لأن الغالب عدم تعلق غرض المالک باستعادة العین بدونهما.

وربما وجّه اعتبار الأول بأنه مع الزیادة یمتنع إلزام المالک بالإعادة بکل وجه ، أما بدونه فقد ثبت جواز الإلزام علی القول بأن الواجب فی القیمی المثل إذا انحصرت الأفراد المطابقة للحق فی تلک العین. وهو توجیه بعید ،

ص: 297

الثانی : لو نقصت ، قیل : بردّها ولا شی ء علی الفقیر ، والوجه لزوم القیمة حین القبض.

الثالث : إذا استغنی بعین المال ثم حال الحول جاز احتسابه علیه ، ولا یکلف المالک أخذه وإعادته. وإن استغنی بغیره استعید القرض.

______________________________________________________

إذ مقتضی کلامه فی هذا الفرع وما بعده لزوم القیمة ، ولأنه لا إشعار فی العبارة بتعذر المثل.

قوله : ( الثانی ، لو نقصت قیل : بردها ولا شی ء علی الفقیر ، والوجه لزوم القیمة حین القبض ).

القول للشیخ فی المبسوط (1) ، وهو ضعیف جدا. والأصح ما اختاره المصنف من لزوم القیمة حین القبض ، لأن الشاة قیمیة لا مثلیة.

قوله : ( الثالث ، إذا استغنی بعین المال ثم حال الحول جاز احتسابه علیه ، ولا یکلف المالک أخذه وإعادته ، ولو استغنی بغیره استعید القرض ).

إما استعادة القرض علی تقدیر استغناء المقترض بغیره فظاهر ، لتحقق الغنی المانع من الاستحقاق. وتتحقق المغایرة باستغنائه بنماء المدفوع أو ربحه أو زیادة قیمته علی قیمته حین القبض بحیث یبقی الغنی مع أخذ تلک القیمة.

وأما جواز احتسابه علیه مع استغنائه بعینه فقد نص علیه الشیخ (2) وأکثر الأصحاب ، وبه قطع المصنف والعلاّمة فی جملة من کتبه من غیر نقل خلاف (3) ، واستدل علیه فی المنتهی بأن العین إنما دفعت إلیه لیستغنی بها

حکم استغناء الفقیر بالزکاة المقدمة

ص: 298


1- المبسوط 1 : 229.
2- المبسوط 1 : 230.
3- التذکرة 1 : 240 ، ونهایة الأحکام 2 : 407.

القول فی النیة والمراعی نیّة الدافع إن کان مالکا. وإن کان ساعیا أو الإمام أو

______________________________________________________

وترتفع حاجته وقد حصل الغرض فلا یمنع الإجزاء ، وبأنا لو استرجعناها منه لصار فقیرا فجاز دفعها إلیه بعد ذلک ، وذلک لا معنی له (1).

وقال ابن إدریس : لا یجوز الدفع إلیه مع الغنی وإن کان بعین المدفوع ، لأن الزکاة لا یستحقها غنیّ والمدفوع إلیه غنیّ بالدفع وإن کان قرضا ، لأن المستقرض یملک ما اقترضه (2).

وأجاب عنه فی المختلف بأن الغنی هنا لیس مانعا ، إذ لا حکمة ظاهرة فی أخذه ودفعه (3).

وفیه إن عدم ظهور الحکمة لا یقتضی عدمها فی نفس الأمر ، نعم لو قیل : إن من هذا شأنه لا یخرج عن حدّ الفقر عرفا لم یکن بعیدا من الصواب. ولو کانت أمواله قاصرة عن دیونه جاز احتساب المدفوع إلیه من سهم الغارمین بغیر إشکال.

قوله : ( القول فی النیة ).

أجمع الأصحاب علی أن النیة شرط فی أداء الزکاة ، بل قال المصنف فی المعتبر : إن ذلک مذهب العلماء کافة إلاّ الأوزاعی ، ویدل علی الاشتراط أن الدفع یحتمل الوجوب والندب والزکاة وغیرها فلا یتعین لأحد الوجوه إلاّ بالنیة ، وأن الزکاة عبادة فیجب إیقاعها علی وجه الإخلاص ولا یتحقق الإخلاص إلاّ مع القصد وهو المراد بالنیة (4).

قوله : ( والمراعی نیة الدافع إن کان مالکا ، وإن کان ساعیا أو

القول فی النیة

ص: 299


1- المنتهی 1 : 513.
2- السرائر : 105.
3- المختلف : 190.
4- المعتبر 2 : 559.

وکیلا جاز أن یتولی النیّة کل واحد من الدافع والمالک.

والولیّ عن الطفل والمجنون یتولی النیّة أو من له أن یقبض منه کالإمام والساعی.

______________________________________________________

الإمام أو وکیلا جاز أن یتولی النیة کل واحد من المالک والدافع ، والولی عن الطفل والمجنون یتولی النیة أو من له أن یقبض منه کالإمام أو الساعی ).

المراد أن المعتبر فی النیة نیة الدافع إلی الفقیر إن کان مالکا ، وإن کان الدافع إلی الفقیر الإمام أو الساعی أو الوکیل جاز أن یتولّی النیة کل واحد من المالک والدافع ، أما المالک فلتعلق الزکاة به أصالة فکانت نیته عند الدفع إلی المستحق کافیة ، وأما الإمام ونائبه والوکیل فلقیامهم مقام المالک.

ویحتمل أن یکون المراد أن الدافع إلی الفقیر إن کان الإمام أو الساعی أو الوکیل جاز أن یتولی النیة المالک عند الدفع إلی أحد الثلاثة ، أو أحد الثلاثة عند الدفع إلی الفقیر.

ویشکل بأن ید الوکیل ید الموکل فتکون نیة الموکل عند الدفع إلی الوکیل بمنزلة نیته والمال فی یده.

وجزم المصنف فی المعتبر بأن المالک إذا دفع إلی الساعی لم یحتج الساعی إلی النیة عند الدفع ، لأن الساعی کالوکیل لأهل السهمان وقال : إن الموکل لو دفع إلی الوکیل لم یجز عن نیة الوکیل حالة الدفع ، ولو نوی الوکیل عند الدفع لم یجز عن نیة الموکل حال التسلیم إلی الوکیل (1). واجتزأ العلاّمة (2) ومن تأخر عنه (3) بنیة الوکیل حال التسلیم إلی الفقیر. وهو غیر بعید ، وبالجملة فالأمر فی النیة هیّن کما بیّنّاه مرارا.

ص: 300


1- المعتبر 2 : 559.
2- التذکرة 1 : 243.
3- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 63.

وتتعین عند الدفع ، ولو نوی بعد الدفع لم استبعد جوازه.

______________________________________________________

قوله : ( وتتعین عند الدفع ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة. وقال بعضهم : یجوز تقدیمها بالزمان الیسیر (1). وهو باطل ، لأن ما سبق إن لم یستدم خلا الدفع من النیة ، وإن استدیم تحقق الشرط وهو مقارنة النیة للدفع.

والمراد بالدفع الدفع إلی المستحق أو الإمام علیه السلام أو نائبه ، وفی معنی الدفع إلی المستحق الدفع إلی وکیله إن سوغنا الوکالة فی ذلک ، لکن الأظهر عدم الجواز کما اختاره ابن إدریس فی سرائره ونقله عن ابن البراج ، لأن إقامة الوکیل مقام الموکل فی ذلک یحتاج إلی دلیل ولم یثبت.

واستدل علیه ابن إدریس أیضا بأن الذمة مرتهنة بالزکاة ولا خلاف بین الأمة أن بتسلیمها إلی مستحقها تبرأ الذمة بیقین ، ولیس کذلک إذا سلّمت إلی الوکیل لأنه لیس من الثمانیة الأصناف بلا خلاف.

وبأن التوکیل إنما یثبت فیما یستحق الموکل المطالبة به ، والزکاة لا یستحقها واحد بعینه ولا یملکها إلاّ بعد القبض (2).

قوله : ( ولو نوی بعده لم استبعد جوازه ).

لا ریب فی الإجزاء مع بقاء العین لعدم خروجها عن ملک الدافع فیصادفها النیة ، وکذا مع التلف إذا کان القابض عالما بالحال لثبوت العوض فی ذمته فیجوز احتسابه کما فی سائر الدیون ، أما مع انتفاء العلم فمشکل لانتفاء الضمان. وقال الشیخ فی المبسوط : ینبغی المقارنة ثم قال : ولا یجوز نقل زکاة ما بان تلفه إلی غیره لفوات وقت النیة (3). وهو یشعر بعدم الاجتزاء بالنیة بعد الدفع ، ولا ریب فی ضعفه.

ص: 301


1- کابن قدامة فی المغنی 2 : 503 ، والمرداوی فی الإنصاف 3 : 195.
2- السرائر : 174.
3- المبسوط 1 : 232.

وحقیقتها : القصد إلی القربة ، والوجوب أو الندب ، وکونها زکاة مال أو فطرة. ولا یفتقر إلی نیّة الجنس الذی یخرج منه.

______________________________________________________

قوله : ( وحقیقتها القصد إلی القربة والوجوب أو الندب وکونها زکاة مال أو فطرة ).

الأصح عدم اعتبار ما زاد علی نیة القربة والتعیین ، ولقد أحسن المصنف فی المعتبر حیث قال : والنیة اعتقاد بالقلب ، فإذا اعتقد عند دفعها أنها زکاة تقربا إلی الله تعالی کفی ذلک ، ولو کان نائبا عن غیره کوصی الیتیم والوکیل اعتقد ذلک عند التسلیم (1).

قوله : ( ولا یفتقر إلی نیة الجنس الذی یخرج منه ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین أن یکون محل الوجوب عنده متحدا أو متعددا ، ولا بین أن یکون الحق متحد النوع کأربعین من الغنم وخمس من الإبل أو مختلفة کنصاب من النقدین وآخر من النعم ، وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ونقل علیه فی المنتهی الإجماع (2) ، وعلی هذا فلو وجب علیه شاتان فی نصابین مختلفین فأخرج شاة عما فی ذمته برئت الذمة منها وبقی علیه شاة ، وکذا لو أخرج قیمة شاة إن سوّغنا ذلک.

وهل یتخیر المالک بعد ذلک فی صرفه إلی ما شاء منهما أو یوزّع؟ قولان ، ذهب إلی الأول منهما العلاّمة فی التذکرة (3) ، وإلی الثانی الشهید فی البیان (4).

وتظهر الفائدة فیما لو تلف أحد النصابین قبل التمکن من إخراج الثانیة ، فعلی الأول له صرف المخرج إلی أیهما شاء فإن صرفه إلی الباقی

ص: 302


1- المعتبر 2 : 559.
2- المنتهی 1 : 516.
3- التذکرة 1 : 243.
4- البیان : 201.

فروع : لو قال : إن کان مالی الغائب باقیا فهذه زکاته ، وإن کان تالفا فهی نافلة ، صحّ. ولا کذا لو قال : أو نافلة.

ولو کان له مالان متساویان حاضر وغائب فأخرج زکاة ونواها عن أحدهما أجزأته. (2) وکذا لو قال : إن کان الغائب سالما.

______________________________________________________

برئت ذمته وإن صرفه إلی التالف أخرج شاة أخری ، وعلی الثانی یسقط عنه نصف شاة. ویمکن فرض عدم التمکن من إخراج الثانیة مع القدرة علی إخراج الأولی بأن لا یجد من یستحق إلاّ واحدة کالغارم وابن السبیل إذا اندفعت حاجتهما بها.

قوله : ( فروع ، لو قال : إن کان مالی الغائب باقیا فهذه زکاته وإن کان تالفا فهی نافلة صحّ ، ولا کذا لو قال : أو نافلة ).

الفرق بین المسألتین أن الزکاة فی المسألة الأولی مجزوم بها علی تقدیر سلامة المال ، وکذا نیة النفل علی تقدیر تلفه ، ولا مانع من صحة ذلک بخلاف الثانیة لأن التردید بین کون المدفوع زکاة أو نافلة علی تقدیر واحد وهو کون الغائب سالما.

قوله : ( ولو کان له مالان متساویان حاضر وغائب فأخرج زکاة ونواها عن أحدهما أجزأته ).

المراد بتساوی المالین تساویهما فی نوع الواجب ، وإنما اعتبر ذلک لیمکن صرف المدفوع إلی کل منهما ، إذ لو کانا مختلفین وکان المدفوع من جنس أحدهما انصرف إلیه خاصة.

قوله : ( وکذا لو قال : إن کان الغائب سالما ).

الظاهر أن هذه المسألة تتمة للمسألة السابقة ، والمراد أنه لو کان له مالان حاضر وغائب فأخرج زکاة عن أحدهما صح وإن ضمّ إلی ذلک تقیید

حکم نیة زکاة المال الغائب

ص: 303

ولو أخرج عن ماله الغائب إن کان سالما ثم بان تالفا جاز نقلها إلی غیره علی الأشبه.

ولو نوی عن مال یرجو وصوله لم یجز ولو وصل. (1) ولو لم ینو ربّ المال ونوی الساعی أو الإمام عند التسلیم ، فإن أخذها الساعی کرها جاز ، وإن أخذها طوعا ، قیل : لا یجزی ، والإجزاء أشبه.

______________________________________________________

الغائب بکونه سالما ، لأن سلامته شرط لوقوع الزکاة عنه فی الواقع فهو مراد ذکر أو لم یذکر.

ویحتمل أن تکون مسألة برأسها ویکون المراد أنه لو أخرج الزکاة عن ماله الغائب إن کان سالما جاز بمعنی أنه لو بان سالما وقع ذلک زکاة عنه ولم یضر اشتراط الواقع فی النیة.

قوله : ( ولو أخرج عن ماله الغائب إن کان سالما ثم بان تالفا جاز نقلها إلی غیره علی الأشبه ، ولو نوی عن مال مرجو وصوله لم یجز ولو وصل ).

خالف فی ذلک الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط فمنع من جواز نقلها إلی غیره ، لفوات وقت النیة (2). وهو ضعیف.

ولو لم تکن عین المدفوع باقیة جاز له احتساب مثلها أو قیمتها إذا کان القابض عالما بالحال ، بل لا یبعد الجواز مطلقا لفساد الدفع فی نفس الأمر وإن لم یعلم به المستحق.

قوله : ( ولو لم ینو رب المال ونوی الساعی أو الإمام عند التسلیم ، فإن أخذها الساعی کرها جاز ، وإن أخذها طوعا قیل : لا یجزی ، والإجزاء أشبه ).

حکم نیة الساعی دون المالک

ص: 304


1- المبسوط 1 : 232.
2- المبسوط 1 : 232.

______________________________________________________

القول بعدم الإجزاء للشیخ - رحمه الله - لکنه قال : إنه لیس للإمام ولا للساعی مطالبته بها مرة ثانیة (1).

واستدل علیه فی المنتهی بأن الزکاة عبادة فتفتقر إلی النیة ، وبأن الإمام نائب عن الفقراء والنیة معتبرة فی دفع الزکاة إلیهم فکذا إلی نائبهم ، ثم قوّی الإجزاء ، لأن الإمام کالوکیل وهذه عبادة تصح فیها النیابة فاعتبرت نیة النائب کالحج (2).

وهذا البحث لا تظهر له فائدة فیما إذا کان الآخذ الإمام علیه السلام ، وإنما تظهر فیما إذا کان الآخذ الساعی ، خصوصا إن قلنا بجواز نصبه فی زمن الغیبة. والظاهر تحقق النیة بمجرد تسلیمها طوعا إلی الساعی. والله تعالی أعلم.

ص: 305


1- المبسوط 1 : 233.
2- المنتهی 1 : 516.

القسم الثانی

فی زکاة الفطرة

______________________________________________________

قوله : ( القسم الثانی ، فی زکاة الفطرة ).

أجمع العلماء کافة إلاّ من شذّ من العامة علی وجوب زکاة الفطرة ، والأصل فیها الکتاب والسنة ، قال الله عزّ وجلّ ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَکّی وَذَکَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّی ) (1).

وقد نصّ الصادق علیه السلام علی أنّ المراد بالزکاة هنا : زکاة الفطرة. وروی ذلک ابن بابویه فی الصحیح ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز عن أبی بصیر وزرارة قالا ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إنّ من تمام الصوم إعطاء الزکاة - یعنی الفطرة - کما أنّ الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله من تمام الصلاة ، لأنّه من صام ولم یؤدّ الزکاة فلا صوم له إذا ترکها متعمدا ، ولا صلاة له إذا ترک الصلاة علی النبی وآله.

إنّ الله عزّ وجلّ بدأ بها قبل الصلاة فقال ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَکّی وَذَکَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّی ) » (2).

زکاة الفطرة

وجوب زکاة الفطرة

ص: 306


1- الأعلی : 14 ، 15.
2- الفقیه 2 : 119 - 515 ، الوسائل 6 : 221 أبواب زکاة الفطرة ب 1 ح 5.

وأرکانها أربعة : الأوّل : فی من تجب علیه. تجب الفطرة بشروط ثلاثة : الأول : التکلیف ، فلا تجب علی الصبی ، ولا علی المجنون ،

______________________________________________________

وأمّا السنة فمستفیضة جدا کما ستقف علیه فی تضاعیف هذا الباب.

والمراد بالفطرة إمّا الخلقة أو الدین أو الفطر من الصوم ، والمعنی علی الأوّل زکاة الخلقة ، أی البدن ، وعلی الثانی زکاة الدین والإسلام ، وعلی الثالث زکاة الفطر من الصیام.

قوله : ( وأرکانها أربعة ، الأول : تجب الفطرة بشروط ثلاثة ، الأول : التکلیف ، فلا تجب علی الصبی ، ولا علی المجنون ).

هذا قول علمائنا أجمع ، حکاه المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی (1) ، ویدل علیه مضافا إلی أنّ غیر المکلف لا یتوجه إلیه إطلاق الأمر ، وتکلیف الولی بذلک منفی بالأصل ، روایات منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن القاسم بن الفضیل البصری قال : کتبت إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام أسأله عن الوصی یزکی زکاة الفطرة عن الیتامی إذا کان لهم مال؟ فکتب : « لا زکاة علی یتیم » وعن المملوک یموت مولاه وهو عنه غائب فی بلد آخر وفی یده مال لمولاه ویحضر الفطر ، أیزکی عن نفسه من مال مولاه وقد صار للیتامی؟ فقال : « نعم » (2).

ویستفاد من هذه الروایة أنّ الساقط عن الیتیم فطرته خاصة لا فطرة غلامه ، وأنّ للمملوک التصرف فی مال الیتیم علی هذا الوجه ، وکلا الحکمین مشکل.

شروط وجوب الفطرة

ص: 307


1- المعتبر 2 : 593 ، والمنتهی 1 : 531.
2- الکافی 4 : 172 - 13 ، الوسائل 6 : 55 أبواب من تجب علیه الزکاة ب 1 ح 4 وص 226 أبواب زکاة الفطرة ب 4 ح 3.

ولا علی من أهلّ شوّال وهو مغمی علیه.

الثانی : الحریة ، فلا تجب علی المملوک ولو قیل یملک ، ولا علی المدبّر ، ولا علی أم الولد ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا علی من أهل شوال وهو مغمی علیه ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب وقد ذکره العلامة (1) وغیره مجردا عن الدلیل (2) ، وهو مشکل علی إطلاقه ، نعم ولو کان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب اتجه ذلک.

قوله : ( الثانی ، الحریة : فلا تجب علی المملوک ولو قیل یملک ، ولا علی المدبر ، ولا علی أم الولد ).

هذا الشرط مجمع علیه بین الأصحاب أیضا ، بل قال فی المنتهی : إنّه مذهب أهل العلم کافة إلاّ داود ، فإنّه قال : تجب علی العبد ویلزم السید تمکینه من الاکتساب لیؤدیها (3).

ویدل علی انتفاء الوجوب علیه - مضافا إلی الأصل - الأخبار المستفیضة المتضمنة لوجوب فطرة المملوک علی مولاه من غیر تفصیل (4).

ولو ملک المملوک عبدا علی القول بملکه ، فهل تجب فطرته علی المولی أو العبد؟ قال فی المنتهی : الذی یقتضیه المذهب وجوبها علی المولی ، لأنه المالک فی الحقیقة ، والعبد مالک بمعنی إساغة التصرف ، ولأنّ ملکه ناقص (5).

ص: 308


1- التذکرة 1 : 247 ، والقواعد 1 : 60 ، والتحریر 1 : 70.
2- منهم فخر المحققین فی إیضاح الفوائد 1 : 209 ، والشهید الأول فی الدروس : 65 ، والبیان : 205.
3- المنتهی 1 : 532.
4- الوسائل 6 : 227 أبواب زکاة الفطرة ب 5.
5- المنتهی 1 : 534.

ولا علی المکاتب المشروط ، ولا المطلق الذی لم یتحرر منه شی ء.

ولو تحرر منه شی ء وجبت علیه بالنسبة. ولو عاله المولی وجبت علیه دون المملوک.

______________________________________________________

واحتمل الشهید فی البیان السقوط عنهما ، أمّا عن العبد فلمانع العبودیة ، وأمّا عن المولی فلسلب الملکیة (1).

وصرّح العلامة فی التذکرة بأنّه لا یجب علی المملوک إخراج الفطرة عن نفسه ، ولا عن زوجته وإن قلنا أنّه یملک (2). والمسألة محل إشکال علی هذا التقدیر ، إلاّ أنّ مقتضی الأصل سقوط الزکاة عن المملوک مطلقا ، فیجب المصیر إلیه إلی أن یثبت المخرج عنه.

قوله : ( ولا المکاتب المشروط ، ولا المطلق الذی لم یتحرر منه شی ء ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا سوی الصدوق فی من لا یحضره الفقیه ، فإنّه قال بعد أن روی فی الصحیح ، عن علی بن جعفر : أنّه سأل أخاه موسی علیه السلام عن المکاتب ، هل علیه فطرة شهر رمضان أو علی من کاتبه؟ وتجوز شهادته؟ قال : « الفطرة علیه ولا تجوز شهادته » ، قال مصنف هذا الکتاب : وهذا علی الإنکار لا علی الإخبار ، یرید بذلک کیف تجب علیه الفطرة ولا تجوز شهادته ، أی أنّ شهادته جائزة کما أنّ الفطرة علیه واجبة (3). ومقتضی ذلک وجوب الفطرة علیه ، وهو جید لدلالة الروایة علیه ، سواء حملت علی الإخبار أو الإنکار.

قوله : ( ولو تحرر منه شی ء وجبت علیه بالنسبة. ولو عاله المولی وجبت علیه دون المملوک ).

ص: 309


1- البیان : 210.
2- التذکرة 1 : 248.
3- الفقیه 2 : 117 - 502 ، الوسائل 6 : 253 أبواب زکاة الفطرة ب 17 ح 3.

الثالث : الغنی ، فلا تجب علی الفقیر ، وهو من لا یملک أحد النصب الزکاتیة ، وقیل : من تحل له الزکاة. وضابطه ألا یملک قوت سنة له ولعیاله ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

أما وجوبها علی المولی إذا انفرد بمؤنته فظاهر ، لأنّ العیلولة کافیة فی الوجوب وإن کانت تبرعا کما سیجی ء بیانه (1).

وأمّا الوجوب علیه وعلی المولی بالنسبة مع انتفاء العیلولة ، فاستدل علیه فی المنتهی بأنّ النصیب المملوک تجب نفقته علی مالکه فتکون فطرته لازمة له ، وأمّا النصیب الحر ، فلا یجب علی السید أداء الزکاة عنه ، لأنّه لا تتعلق به الرقیّة ، بل تکون زکاته واجبة علیه إذا ملک بجزئه الحر ما تجب به الزکاة عملا بالعموم (2).

وقوی الشیخ فی المبسوط سقوط الزکاة عنه وعن المولی إذا لم یعله المولی ، لأنّه لیس بحر فیلزمه حکم نفسه ، ولا هو مملوک فتجب زکاته علی مالکه ، لأنّه قد تحرر بعضه ، ولا هو فی عیلولة مولاه ، فتلزمه فطرته ، لمکان العیلولة (3). ولا یخلو من قوة.

أمّا علی ما ذکره ابن بابویه من وجوب فطرة المکاتب علی نفسه وإن لم یتحرر منه شی ء (4) فالوجوب هنا أولی.

قوله : ( الثالث ، الغنی : فلا تجب علی الفقیر ، وهو من لا یملک أحد النصب الزکاتیة ، وقیل : من تحل له الزکاة ، وضابطه من لا یملک قوت السنة له ولعیاله ، وهو الأشبه ).

الخلاف فی هذه المسألة وقع فی موضعین :

استحباب اخراج الزکاة للفقیر

ص: 310


1- فی ص 315.
2- المنتهی 1 : 534.
3- المبسوط 1 : 239.
4- الفقیه 2 : 117.

______________________________________________________

أحدهما : فی اشتراط الغنی فیمن تجب علیه هذه الزکاة ، فذهب الأکثر إلی اشتراطه ، بل قال العلامة - رحمه الله - فی المنتهی : إنّه قول علمائنا أجمع إلاّ ابن الجنید. وقال ابن الجنید : تجب علی من فضل عن مؤنته ومؤنة عیاله لیومه ولیلته صاع (1). وحکاه فی الخلاف عن کثیر من أصحابنا (2). والمعتمد الأوّل.

لنا أصالة البراءة مما لم یقم دلیل علی وجوبه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن رجل یأخذ من الزکاة ، علیه صدقة الفطرة؟ قال : « لا » (3) والمراد بأخذ الزکاة أخذها من حیث الفقر والمسکنة ، لأنّه المتبادر.

وفی الصحیح عن صفوان بن یحیی ، عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی إبراهیم علیه السلام : علی الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ قال : « لیس علیه فطرة » (4).

وفی الصحیح عن أبان بن عثمان ، عن یزید بن فرقد النهدی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یقبل الزکاة ، هل علیه صدقة الفطرة؟ قال : « لا » (5).

وبإزاء هذه الروایات روایات أخر دالّة بظاهرها علی عدم اعتبار هذا

ص: 311


1- المنتهی 1 : 532.
2- الخلاف 1 : 368.
3- التهذیب 4 : 73 - 201 ، الإستبصار 2 : 40 - 125 ، الوسائل 6 : 223 أبواب زکاة الفطرة ب 2 ح 1.
4- التهذیب 4 : 73 - 205 ، الإستبصار 2 : 41 - 129 ، الوسائل 6 : 223 أبواب زکاة الفطرة ب 2 ح 6.
5- التهذیب 4 : 74 - 206 ، الإستبصار 2 : 41 - 130 ، الوسائل 6 : 223 أبواب زکاة الفطرة ب 2 ح 5.

______________________________________________________

الشرط ، کصحیحة عبد الله بن میمون ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « زکاة الفطرة صاع من تمر ، أو صاع من زبیب ، أو صاع من شعیر ، أو صاع من أقط عن کل إنسان حر أو عبد ، صغیر أو کبیر ، ولیس علی من لا یجد ما یتصدق به حرج » (1).

وروایة زرارة قال ، قلت : الفقیر الذی یتصدق علیه ، هل تجب علیه صدقة الفطرة؟ قال : « نعم ، یعطی مما یتصدق به علیه » (2).

وروایة الفضیل بن یسار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أعلی من قبل الزکاة زکاة؟ فقال : « أمّا من قبل زکاة المال فإنّ علیه زکاة الفطرة ، ولیس علیه لما قبله زکاة ، ولیس علی من یقبل الفطرة فطرة » (3).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی الاستحباب (4) ، وهو حسن ، مع أنّ الروایة الأولی غیر صریحة فی الوجوب علی الفقیر ، والروایتان الأخیرتان ضعیفتا السند باشتمال سند الأولی علی محمد بن عیسی عن یونس ، وقد نقل ابن بابویه عن شیخه ، محمد بن الحسن بن الولید أنّه کان یقول : ما تفرد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه (5) ، وبأنّ فی طریق الثانیة إسماعیل بن سهل ، وقد ذکر النجاشی

ص: 312


1- التهذیب 4 : 75 - 211 ، الإستبصار 2 : 42 - 135 ، الوسائل 6 : 223 أبواب زکاة الفطرة ب 2 ح 2 ، وفیها : عن أبی عبد الله عن أبیه علیهماالسلام .
2- الکافی 4 : 172 - 11 ، التهذیب 4 : 74 - 208 ، الاستبصار 2 : 41 - 132 ، وفی المقنعة : 40 ، والوسائل 6 : 225 أبواب زکاة الفطرة ب 3 ح 2. ومسندة عن أبی عبد الله علیه السلام ، وکذا فی التهذیب.
3- التهذیب 4 : 73 - 204 ، الإستبصار 2 : 41 - 128 ، المقنعة : 40 وفیه : عن الفضیل وزرارة ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام ، الوسائل 6 : 224 أبواب زکاة الفطرة ب 2 ح 10.
4- التهذیب 4 : 75 ، والاستبصار 2 : 42.
5- راجع رجال النجاشی : 235.

______________________________________________________

إسماعیل بن سهل الدهقان وقال : إنّه ضعّفه أصحابنا (1) ، فتکون الروایة ضعیفة ، وکیف کان فالحمل علی الاستحباب مع تکافؤ السند متعین ، صونا للأخبار عن التنافی.

وثانیهما : فیما یتحقق به الغنی المقتضی للوجوب ، والأصح أنّه ملک قوت السنة فعلا أو قوّة ، لأنّ من لم یملک ذلک تحل له الزکاة علی ما بیناه فیما سبق فلا تجب علیه الفطرة ، کما دلت علیه صحیحة الحلبی المتقدمة (2) وغیرها.

ومقتضی ذلک أنّه لا یعتبر ملک مقدار زکاة الفطرة زیادة علی قوت السنة ، وبه قطع الشارح قدس سره (3) ، وجزم المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی باعتبار ذلک (4) ، ولا بأس به.

وقال الشیخ فی الخلاف : تجب زکاة الفطرة علی من یملک نصابا تجب فیه الزکاة أو قیمة نصاب (5). واعتبر ابن إدریس ملک عین النصاب دون قیمته (6).

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : وما ذکره الشیخ ، لا أعرف به حجة ولا قائلا من قدماء الأصحاب ، فإن کان تعویله علی ما احتج به أبو حنیفة فقد بینا ضعفه ، وبالجملة فإنّا نطالبه من أین قاله ، وبعض المتأخرین ادعی علیه الإجماع وخص الوجوب بمن معه أحد النصب الزکاتیة ومنع القیمة وادعی اتفاق الإمامیة علی قوله ، ولا ریب أنّه وهم ، ولو احتج بأنّ مع ملک

ص: 313


1- رجال النجاشی : 21.
2- فی ص 311.
3- المسالک 1 : 64.
4- المعتبر 2 : 594 ، المنتهی 1 : 532.
5- الخلاف 1 : 368.
6- السرائر : 108.

ویستحب للفقیر إخراجها ، وأقلّ ذلک أن یدیر صاعا علی عیاله ثم یتصدق به.

______________________________________________________

النصاب تجب الزکاة بالإجماع ، منعنا ذلک ، فإنّ من ملک النصاب ولا یکفیه لمؤنة عیاله یجوز له أن یأخذ الزکاة ، وإذا أخذ الزکاة لم تجب علیه الفطرة ، لما روی عن أبی عبد الله علیه السلام فی عدة روایات ، منها روایة الحلبی ویزید بن فرقد ومعاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنّه سئل عن الرجل یأخذ من الزکاة ، علیه صدقة الفطرة؟ قال : « لا » (1) (2). انتهی کلامه رحمه الله ، وهو فی غایة الجودة.

قوله : ( ویستحب للفقیر إخراجها ، وأقل ذلک أن یدیر صاعا علی عیاله ثم یتصدق به ).

أمّا إنّه یستحب للفقیر إخراجها عن نفسه وعن عیاله فقال فی المنتهی : إنّه مذهب علمائنا أجمع إلاّ من شذ (3). وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه.

وأمّا إنّ أقل ما یتأدی به الاستحباب أن یدیر صاعا علی عیاله ثم یتصدق به ، فاستدل علیه بما رواه الشیخ فی الموثق ، عن إسحاق بن عمّار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل لا یکون عنده شی ء من الفطرة إلاّ ما یؤدی عن نفسه وحدها ، یعطیه غریبا أو یأکل هو وعیاله؟ قال : « یعطی بعض عیاله ثم یعطی الآخر عن نفسه یترددونها فتکون عنهم جمیعا فطرة واحدة » (4) ومقتضاها الاکتفاء فی تأدّی السنّة بإخراج الصاع علی هذا الوجه مع العجز عما سوی ذلک ، وظاهر العبارة أنّ المتصدق هو الأوّل.

ص: 314


1- الوسائل 6 : 223 أبواب زکاة الفطرة ب 2 ح 1 ، 5 ، 8.
2- المعتبر 2 : 594.
3- المنتهی 1 : 536.
4- التهذیب 4 : 74 - 209 ، الإستبصار 2 : 42 - 133 ، الوسائل 6 : 225 أبواب زکاة الفطرة ب 3 ح 3.

ومع الشروط یخرجها عن نفسه ، وعن جمیع من یعوله ، فرضا أو نفلا ، من زوجة وولد وما شاکلهما ، وضیف وما شابهه ، صغیرا کان أو کبیرا ، حرّا أو عبدا ، مسلما أو کافرا.

______________________________________________________

وذکر الشهید فی البیان أنّ الأخیر منهم یدفعه إلی الأجنبی (1) ، وهو لا یطابق معنی الإدارة الّتی ذکرها هو وغیره ، والروایة خالیة من ذلک کله.

قال الشارح قدس سره : ولو کانوا غیر مکلفین أو بعضهم ، تولی الولی ذلک عنه ، ولا یشکل إخراج ما صار ملکه عنه بعد النص وثبوت مثله فی الزکاة المالیة (2).

وهو جید لو کان النص صالحا لإثبات ذلک ، لکنه ضعیف من حیث السند ، قاصر من حیث المتن عن إفادة ذلک ، بل ظاهره اختصاص الحکم بالمکلفین.

والأصح اختصاص الحکم بهم ، لانتفاء ما یدل علی تکلیف ولی الطفل بذلک ، بل یمکن المناقشة فی هذا الحکم من أصله إن لم یکن إجماعیا.

قوله : ( ومع الشروط یخرجها عن نفسه وعن جمیع من یعوله ، فرضا أو نفلا ، من زوجة وولد وما شاکلهما ، وضیف وما شابهه ، صغیرا کان أو کبیرا ، حرا أو عبدا ، ومسلما أو کافرا ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : ویجب أن یخرج الفطرة عن نفسه ومن یعوله أیّ یموّنه ، ذهب إلیه علمائنا أجمع ، وهو قول أکثر أهل العلم إلاّ أبا حنیفة ، فإنّه اعتبر الولایة الکاملة ، فمن لا ولایة له علیه لا تجب علیه فطرته (3).

وجوب اخراج الفطرة عن العیال

ص: 315


1- البیان : 209.
2- المسالک 1 : 64.
3- المنتهی 1 : 533.

______________________________________________________

والأصل فی هذا الحکم الأخبار المستفیضة ، فمن ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمر بن یزید ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون عنده الضیف من إخوانه فیحضر یوم الفطر ، یؤدی عنه الفطرة؟ فقال : « نعم ، الفطرة واجبة علی کل من یعول من ذکر أو أنثی ، صغیر أو کبیر ، حر أو مملوک » (1).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی صدقة الفطرة فقال : « تصدق عن جمیع من تعول من صغیر أو کبیر ، أو حر أو مملوک ، عن کل إنسان نصف صاع من حنطة ، أو صاع من تمر ، أو صاع من شعیر ، والصاع أربعة أمداد » (2).

وعن عبد الله بن سنان أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کل من ضممت إلی عیالک من حر ، أو مملوک ، فعلیک أن تؤدّی الفطرة عنه » (3).

وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنّه سأله عن صدقة الفطرة ، فقال : « علی کل من یعول الرجل ، علی الحر والعبد والصغیر والکبیر صاع من تمر ، أو نصف صاع من بر ، والصاع أربعة أمداد » (4).

وفی الصحیح ، عن زرارة وبکیر ابنی أعین ، والفضیل بن یسار ،

ص: 316


1- الفقیه 2 : 116 - 497 ، الوسائل 6 : 227 أبواب زکاة الفطرة ب 5 ح 2.
2- التهذیب 4 : 81 - 234 ، الإستبصار 2 : 47 - 155 ، الوسائل 6 : 233 أبواب زکاة الفطرة ب 6 ذ. ح 12.
3- التهذیب 4 : 71 - 193 ، الوسائل 6 : 229 أبواب زکاة الفطرة ب 5 ح 8.
4- التهذیب 4 : 81 - 233 ، الإستبصار 2 : 47 - 154 ، الوسائل 6 : 233 أبواب زکاة الفطرة ب 6 ح 12.

______________________________________________________

ومحمد بن مسلم ، وبرید بن معاویة ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنّهما قالا : « علی الرجل أن یعطی عن کل من یعول ، یعطی یوم الفطر » (1) الحدیث.

وعن محمد بن أحمد بن یحیی رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یؤدّی الرجل زکاته عن مکاتبه ، ورقیق امرأته ، وعبده النصرانی والمجوسی ، وما أغلق علیه بابه » (2).

قال فی المعتبر : وهذا وإن کان مرسلا إلاّ أنّ فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه (3).

ویستفاد من هذه الروایات أنّه لا فرق فی المعال بین الحر والعبد ، ولا بین الصغیر والکبیر ، ولا بین المسلم والکافر ، ولا بین واجب النفقة وغیره.

ولا ینافی ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل ینفق علی رجل لیس من عیاله إلاّ أنّه یتکلف له نفقته وکسوته ، أتکون علیه فطرته؟ قال : « لا ، إنّما تکون فطرته علی عیاله صدقة دونه وقال : « العیال : الولد ، والمملوک ، والزوجة ، وأمّ الولد » (4). لأنّا نجیب عنه بأنّه لیس فی الروایة تصریح باختصاص الحکم بهذه الأربعة ، بل الظاهر أنّ ذکرهم إنّما وقع علی سبیل التمثیل علی معنی أنّ تکلف الإنفاق والکسوة لا یکفی فی وجوب الفطرة ، بل لا بدّ معه من صدق العیلولة ، کما فی الزوجة ، والولد ، والمملوک.

ص: 317


1- التهذیب 4 : 76 - 215 ، الإستبصار 2 : 45 - 147 ، الوسائل 6 : 246 أبواب زکاة الفطرة ب 12 ح 4.
2- التهذیب 4 : 72 - 195 ، الوسائل 6 : 229 أبواب زکاة الفطرة ب 5 ح 9.
3- المعتبر 2 : 597.
4- الفقیه 2 : 118 - 509 ، الوسائل 6 : 227 أبواب زکاة الفطرة ب 5 ح 3.

______________________________________________________

واختلف الأصحاب فی قدر الضیافة المقتضیة لوجوب الفطرة علی المضیف ، فاشترط الشیخ (1) والمرتضی الضیافة طول الشهر (2) ، واکتفی المفید بالنصف الأخیر منه (3) ، واجتزأ ابن إدریس بلیلتین فی آخره (4) ، والعلامة باللّیلة الواحدة (5).

وحکی المصنف فی المعتبر عن بعض الأصحاب قولا بالاکتفاء بمسمّی الضیافة فی جزء من الشهر ، بحیث یهلّ الهلال وهو فی ضیافته ، قال : وهذا هو الأولی ، لقوله علیه السلام : « ممن تمونون » (6) ، وهو یصلح للحال والاستقبال ، لکن تنزیله علی الحال أولی ، لأنّه وقت الوجوب ، والحکم المعلق علی الوصف یتحقق عند حصوله ، لا مع مضیّه ولا مع توقّعه (7). ( وهو غیر بعید ، لأنّ الحکم وقع فی النص معلقا علی حضور یوم الفطر ویکون عند الرجل الضیف من إخوانه ، وهو یتحقق بذلک ، ویحتمل قویّا اعتبار صدق العیلولة عرفا حیث جعلت مناط الوجوب ) (8).

وإطلاق النص یقتضی عدم الفرق فی الضیف بین المتحد والمتعدد ، والموسر والمعسر.

ص: 318


1- الخلاف 1 : 361.
2- الانتصار : 88.
3- المقنعة : 43.
4- السرائر : 108.
5- التذکرة 1 : 249 ، المنتهی 1 : 536 ، والمختلف : 196.
6- الوسائل 6 : 230 أبواب زکاة الفطرة ب 5 ح 15.
7- المعتبر 2 : 604.
8- بدل ما بین القوسین فی « ض » ، « م » ، « ح » ویشکل بعدم المؤن عرفا بذلک ، مع أن الروایة التی نقلها غیر واضحة الإسناد. واستدل علی هذا القول أیضا بتعلیق الحکم فی روایة عمر بن یزید المتقدمة علی حضور یوم الفطر ویکون عند الرجل الضیف من إخوانه ، فإن ذلک یتحقق بمسمّی الضیافة فی جزء من الشهر ، وهو منظور فیه ، أیضا لأن مقتضی قوله علیه السلام : نعم الفطرة واجبة علی کل من یعول ، اعتبار صدق العیلولة عرفا فی الضیف کغیره ، ولو قیل بذلک کان حسنا.

والنیّة معتبرة فی أدائها ، (1) فلا یصحّ إخراجها من الکافر وإن وجبت علیه. ولو أسلم سقطت عنه.

______________________________________________________

وإنّما تجب علی المضیف مع یساره ، فمع إعساره قیل : تجب علی الضیف الموسر ، لأنّ العیلولة لا تسقط فطرة الغنی إلاّ إذا تحملها المعیل (2). ویحتمل السقوط مطلقا ، أمّا عن المضیف فلإعساره ، وأمّا عن الضیف فلمکان العیلولة ، ولعل الأوّل أرجح.

قال الشارح قدس سره : ولو تبرع المعسر بإخراجها عنه ، ففی الإجزاء قولان ، وجزم الشهید بعدمه ، وهو حسن مع عدم إذن الضیف ، وإلاّ فالإجزاء أحسن ، والظاهر أنّ موضع الإشکال ما لو کان الإخراج بغیر إذنه ، ولو تبرع الضیف بإخراجها عن الموسر توقف الإجزاء علی إذنه ، وکذا القول فی الزوجة وغیرها (3). هذا کلامه - رحمه الله - وهو مشکل جدا ، فإنّ إسقاط الواجب بفعل من لم یتعلق به الوجوب مع الإذن وبدونه یتوقف علی الدلیل ، وحمله علی الدّین أو الزکاة المالیة لا یخرج عن القیاس.

والمراد بمشابه الضّیف : من یعوله الإنسان تبرّعا وإن کان أجنبیّا بحیث یهلّ الهلال وهو فی عائلته ، ولیس منه الأجیر المشروط نفقته علی المستأجر کما نصّ علیه فی المعتبر (4) ، لأنّ النفقة المشترطة کالأجرة.

قوله : ( والنیّة معتبرة فی أدائها ).

وذلک لأنّها عبادة ، فیعتبر وقوعها علی وجه الإخلاص ، ولا یعنی بالنیة إلاّ ذلک.

قوله : ( ولا یصح إخراجها من الکافر وإن وجبت علیه ، ولو أسلم سقطت عنه ).

اعتبار النیة فی الفطرة

عدم صحة الفطرة من الکافر

ص: 319


1- کما فی المختلف : 196 ، والبیان : 209.
2- المسالک 1 : 65 ، 66.
3- المعتبر 2 : 601.
4-

مسائل ثلاثة :

الأولی : من بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملک ما یصیر به غنیّا وجبت علیه. ولو کان بعد ذلک ما لم یصلّ العید استحبت.

______________________________________________________

هذه الأحکام کلها إجماعیّة ، وقد تقدّم الکلام فی الحکمین الأوّلین فی نظائر المسألة مرارا (1) ، وحکی المصنف فی المعتبر ، عن الشافعی وأبی حنیفة أنّهما منعا من وجوب هذه الزکاة علی الکافر ، لأنّه لیس من أهل الطهرة ، والزکاة طهرة (2) ، وهو ضعیف جدّا فإنّ الطهرة ممکنة بتقدیم إسلامه.

ویدل علی سقوطها بالإسلام علی الخصوص ، ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مولود ولد لیلة الفطر ، علیه فطرة؟ قال : « لا قد خرج الشهر » وسألته عن یهودی أسلم لیلة الفطر ، علیه فطرة؟ قال : « لا » (3).

قوله : ( مسائل ثلاثة ، الأولی : من بلغ قبل الهلال أو أسلم أو زال جنونه أو ملک ما یصیر به غنیا وجبت علیه ، ولو کان بعد ذلک ما لم یصلّ العید استحبت ).

أمّا الوجوب مع استکمال الشرائط قبل رؤیة الهلال ، والمراد به غروب الشمس من لیلة الفطر ، کما نصّ علیه فی المعتبر (4) ، فموضع وفاق بین العلماء ، ویدل علیه مضافا إلی ما سبق ، ما رواه ابن بابویه ، عن علی بن أبی حمزة ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المولود

حکم توفر الشروط قبل الهلال وبعده

ص: 320


1- راجع ج 1 ص 276.
2- المعتبر 2 : 595.
3- التهذیب 4 : 72 - 197 ، الوسائل 6 : 245 أبواب زکاة الفطرة ب 11 ح 2.
4- المعتبر 2 : 611.

وکذا التفصیل لو ملک مملوکا أو ولد له.

______________________________________________________

یولد لیلة الفطر ، والیهودی والنصرانی یسلم لیلة الفطر ، قال : « لیس علیهم فطرة ، لیس الفطرة إلاّ علی من أدرک الشهر » (1).

وأمّا أنّه یستحب الإخراج إذا حصل ذلک ما بین الغروب وصلاة العید ، والمراد به زوال الشمس من یوم الفطر ، علی ما نصّ علیه فی المعتبر أیضا (2) ، فاستدل علیه بما رواه الشیخ فی التهذیب مرسلا : أنّ من ولد له ولد قبل الزوال یخرج عنه الفطرة ، وکذلک من أسلم قبل الزوال (3).

قال الشیخ رحمه الله : وذلک محمول علی الاستحباب دون الفرض والإیجاب.

ویدل علیه أیضا ما رواه ابن بابویه ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عمّا یجب علی الرجل فی أهله من صدقة الفطرة ، قال : « یصدق عن جمیع من یعول من حر أو عبد ، صغیر أو کبیر ، من أدرک منهم الصلاة » (4).

قوله : ( وکذا التفصیل لو ملک مملوکا أو ولد له ).

أی : وکذا یجب إخراج الفطرة عن الولد والمملوک إن حصلت الولادة أو الملک قبل رؤیة الهلال ، ویستحب لو کان قبل الصلاة ، یعنی انتهاء وقتها ، کما نصّ علیه فی المعتبر (5) ، وقد تقدم مستند الحکمین.

وحکی العلامة فی المختلف (6) ، عن ابن بابویه فی المقنع ، أنّه قال :

ص: 321


1- الفقیه 2 : 116 - 500 ، الوسائل 6 : 245 أبواب زکاة الفطرة ب 11 ح 1.
2- المعتبر 2 : 611.
3- التهذیب 4 : 72 - 198 ، الوسائل 6 : 245 أبواب زکاة الفطرة ب 11 ح 3.
4- الفقیه 2 : 118 - 511 ، الوسائل 6 : 228 أبواب زکاة الفطرة ب 5 ح 6.
5- المعتبر 2 : 604.
6- المختلف : 199.

الثانیة : الزوجة والمملوک تجب الزکاة عنهما ولو لم یکونا فی عیاله إذا لم یعلهما غیره ، وقیل : لا تجب إلاّ مع العیلولة ، وفیه تردد.

______________________________________________________

وإن ولد لک مولود یوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة ، وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة علیه ، وکذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال وبعده (1).

والظاهر أنّ مراده بذلک الاستحباب لا الوجوب ، کما یدل علیه کلامه فی من لا یحضره الفقیه ، حیث قال : وإن ولد لک مولود یوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة استحبابا ، وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة علیه ، وکذلک الرجل إذا أسلم قبل الزوال وبعده ، وهذا علی الاستحباب ، والأخذ بالأفضل ، فأمّا الواجب فلیست الفطرة إلاّ علی من أدرک الشهر (2).

قوله : ( الثانیة ، الزوجة والمملوک تجب الزکاة عنهما ولو لم یکونا فی عیاله إذا لم یعلمها غیره ، وقیل : لا تجب إلاّ مع العیلولة ، وفیه تردد ).

أجمع العلماء کافة علی وجوب إخراج الفطرة عن الزوجة والمملوک فی الجملة ، وصرّح الأکثر بأنّ فطرة الزوجة إنّما تجب إذا کانت واجبة النفقة ، دون الناشز ، والصغیرة ، وغیر المدخول بها إذا کانت غیر ممکنة ، وهو کذلک ، بل لا بد مع ذلک من حصول العیلولة ، لأنّ الحکم بالوجوب وقع معلقا علی العیلولة ، فینتفی بانتفائها.

وقال ابن إدریس : یجب إخراج الفطرة عن الزوجات ، سواء کنّ نواشز أو لم یکنّ ، وجبت النفقة علیهنّ أو لم تجب ، دخل بهنّ أو لم یدخل ، دائمات أو منقطعات ، للإجماع والعموم ، من غیر تفصیل من أحد من أصحابنا (3). وضعفه ظاهر ، لمنع الإجماع والعموم.

وجوب الزکاة عن الزوجة والمملوک

ص: 322


1- المقنع : 67.
2- الفقیه 2 : 116.
3- السرائر : 108.

______________________________________________________

وبالغ المصنف فی المعتبر فی إنکاره فقال : وقال بعض المتأخرین ، الزوجیة سبب لإیجاب الفطرة ، لا باعتبار وجوب مؤنتها ، ثمّ قال : تخرج عن الناشز والصغیرة الّتی لا یمکن الاستمتاع بها ، ولم یبد حجّة عدا دعوی الإجماع علی ذلک ، وما عرفنا أحدا من فقهاء الإسلام فضلا عن الإمامیة أوجب الفطرة عن الزوجة من حیث هی ، بل لیس تجب فطرة إلاّ عمن تجب مؤنته ، أو یتبرع بها علیه ، فدعواه إذا عریة من الفتوی والأخبار (1).

وأمّا المملوک ، فقد قطع الأصحاب بوجوب فطرته علی المولی مطلقا ، بل قال فی المنتهی : أجمع أهل العلم کافة علی وجوب إخراج الفطرة عن العبید الحاضرین ، غیر المکاتبین والمغصوبین ، والآبقین ، وعبید التجارة صغارا کانوا أو کبارا ، لأنّ نفقتهم واجبة علی المولی ، فیندرج تحت العموم بإیجاب الفطرة عن کل من یعوله (2).

وقال المصنف فی المعتبر : تجب الفطرة عن العبد الغائب الّذی تعلم حیاته ، والآبق ، والمرهون ، والمغصوب ، وبه قال الشافعی ، وأحمد ، وأکثر أهل العلم. وقال أبو حنیفة : لا تلزمه زکاته ، لسقوط نفقته کما تسقط عن الناشز. لنا أنّ الفطرة تجب علی من یجب أن یعوله ، وبالرّق تلزم العیلولة فتجب الفطرة ، وحجته ضعیفة ، لأنّا لا نسلم أنّ نفقته تسقط عن المالک مع الغیبة وإن اکتفی بغیر المالک ، کما لو کان حاضرا واستغنی بکسبه (3). هذا کلامه رحمه الله .

ویستفاد منه وجوب الفطرة عن المملوک وإن لم یکن فی عیلولة المولی ، للزوم النفقة ، وهو غیر جیّد ، لأنّ مقتضی الروایات أنّ الفطرة تابعة للعیلولة نفسها ، لا لوجوبها ، ومقتضی العبارة تحقق الخلاف فی ذلک ، وأنّ

ص: 323


1- المعتبر 2 : 601. ولکن فیه غریبة بدل عریة.
2- المنتهی 1 : 534.
3- المعتبر 2 : 598.

الثالثة : کل من وجبت زکاته علی غیره سقطت عن نفسه ، وإن کان لو انفرد وجبت علیه ، کالضیف الغنی والزوجة.

______________________________________________________

فی المسألة قولا بعدم وجوب الزکاة عنه إلاّ مع العیلولة ، کالزوجة ، وهو متجه.

نعم لو عال المملوک أو الزوجة من تتعلق به الزکاة سقطت فطرتهما عن. الزوج والسید بغیر إشکال.

واعلم أنّ القریب کالزوجة فی أنّه لا تجب فطرته علی قریبه إلاّ مع العیلولة ، لأنّها مناط الوجوب.

وحکی العلامة فی المختلف عن الشیخ فی المبسوط ، أنّه قال : الأبوان والأجداد والأولاد الکبار إذا کانوا معسرین کانت نفقتهم وفطرتهم علیه ، واحتج علیه بکونهم واجبی النفقة ، ثمّ ردّه بأنّ الفطرة تابعة للنفقة لا لوجوبها (1).

ولو کان الولد الصغیر موسرا کانت نفقته فی ماله ، ولا تجب فطرته علی أبیه ، لأنّه لم یمنه ، ولا علی نفسه ، لما شرطناه من البلوغ ، وقال الشیخ فی المبسوط : إنّ نفقته فی ماله وفطرته علی أبیه ، لأنّه من عیاله (2). وهو ضعیف جدّا.

قوله : ( الثالثة ، کل من وجبت فطرته علی غیره سقطت عن نفسه وإن کان لو انفرد وجبت علیه ، کالضیف الغنی والزوجة ).

من وجبت فطرته علی غیره ، فإمّا أن یکون بحیث لو انفرد لوجبت علیه ، کالضیف الغنی والزوجة کذلک ، أو لا یکون کذلک ، کالعبد والقریب ، والثانی تسقط عنه الفطرة إجماعا ، لفوات الشرط. وأمّا الأوّل فقد

سقوط الفطرة عمن وجبت علی غیره

ص: 324


1- المختلف : 195.
2- المبسوط 1 : 239.

______________________________________________________

قطع أکثر الأصحاب بسقوط الفطرة عنه أیضا ، لأنّ ظاهر الأخبار المتضمنة لوجوب الزکاة علی المعیل سقوطها عن المعال ، واستدل علیه فی المختلف (1) بقوله علیه السلام : « لا ثنی فی صدقة » (2) ونقل عن ظاهر ابن إدریس أنّه أوجب الفطرة علی الضیف والمضیف (3) ، وهو ضعیف.

وربّما لاح من العبارة أنّ الزوجة الموسرة إذا لم تجب فطرتها علی الزوج لإعساره ، یجب علیها أن تخرجها عن نفسها ، وبه قطع ابن إدریس (4) ، وقوّاه المصنف فی المعتبر ، قال : لأنّها ممن یصح أن یزکی ، والشرط المعتبر موجود فیها ، وإنّما تسقط عنها بوجوبها علی الزوج ، فإذا لم تجب علیه وجبت علیها (5).

وقال الشیخ فی المبسوط : لا فطرة علیها ، ولا علی الزوج ، لأنّ الفطرة علی الزوج ، فإذا کان معسرا لا تجب علیه الفطرة ، ولا تلزم الزوجة ، لأنّه لا دلیل علیه (6). وقوّاه فخر المحققین فی الإیضاح (7).

وفصّل العلامة فی المختلف ، فقال : والأقرب أن نقول : إن بلغ الإعسار بالزوج إلی حدّ تسقط عنه نفقة الزوجة بأن لا یفضل معه شی ء البتّة ، فالحق ما قاله ابن إدریس ، وإن لم ینته الحال إلی ذلک ، فإن کان الزوج ینفق علیها مع إعساره ، فلا فطرة هنا والحق ما قاله الشیخ.

ثمّ استدل علی الأوّل بعموم الأدلّة الدالّة علی وجوب الفطرة علی کل

ص: 325


1- المختلف : 196.
2- الصحاح 6 : 2294 ، النهایة لابن الأثیر 1 : 224 ، المغنی والشرح الکبیر 2 : 627 - 1922.
3- السرائر : 108.
4- السرائر : 108.
5- المعتبر 2 : 602.
6- المبسوط 1 : 241.
7- إیضاح الفوائد 1 : 211.

فروع : الأول : إذا کان له مملوک غائب یعرف حیاته ، فإن کان یعول نفسه أو فی عیال مولاه وجبت علی المولی ، وإن عاله غیره وجبت الزکاة

______________________________________________________

مکلف غنیّ ، خرج منه زوجة الموسر لمکان العیلولة ، فیبقی الباقی مندرجا فی العموم.

وعلی الثانی بأنّها فی عیلولة الزوج ، فسقطت فطرتها عن نفسها ، وعن زوجها ، لفقره (1).

وضعّفه الشهید فی البیان ، بأنّ النفقة لا تسقط فطرة الغنی إلاّ إذا تحملها المنفق (2). وهو جیّد ، لأنّه المستفاد من الأدلة.

ثمّ قال فی المختلف : والتحقیق أنّ الفطرة إن کانت بالأصالة علی الزوج سقطت لإعساره عنه وعنها ، وإن کانت بالأصالة علی الزوجة وإنّما یتحملها الزوج سقطت عنه لفقره ، ووجبت علیها عملا بالأصل (3). وفیه نظر ، فإنّ ظاهر الأخبار وکلام الأصحاب وإن اقتضی وجوب الفطرة بالأصالة علی الزوج مع یساره إلاّ أنّ ذلک لا یقتضی سقوطها عن الزوجة الموسرة مع إعساره.

وقد ظهر من ذلک قوة القول بوجوب الفطرة علیها إذا لم تجب فطرتها علی الزوج مطلقا.

وموضع الإشکال ما إذا تکلف الزوج المعسر إعالة الزوجة الموسرة ، فلو أعالت نفسها وجبت علیها الفطرة بغیر إشکال.

قوله : فروع ، الأول : إذا کان له مملوک غائب یعرف حیاته فإن کان یعول نفسه أو فی عیال مولاه وجبت علی المولی ، وإن عاله غیره

حکم المملوک الغائب

ص: 326


1- المختلف : 196.
2- البیان : 208.
3- المختلف : 196.

علی العائل.

______________________________________________________

وجبت الزکاة علی العائل.

أمّا وجوب الزکاة علی المعیل سواء کان المولی أو الأجنبی فلا ریب فیه ، لأنّ العیلولة مقتضیة للوجوب وإن کانت تبرعا إجماعا. وإنّما الکلام فی وجوب فطرته علی المولی إذا کان فی عوالة نفسه ، فإنّه إنّما یتمّ ذلک إذا کان ذلک بإذن المولی ، لأنّ نفقته تکون من جملة أموال المولی ، أما بدون ذلک فمشکل ، لعدم صدق العیلولة.

وربّما ظهر من العبارة أنّه لو لم تعرف حیاة المملوک لم تجب علی المولی فطرته ، وهو أحد القولین فی المسألة ، ذهب إلیه الشیخ فی الخلاف (1) ، والمصنف فی المعتبر (2) ، والعلامة فی المنتهی (3) ، واستدلوا علیه بأنّه لا یعلم أنّ له مملوکا فلا تجب علیه زکاته ، وبأنّ الإیجاب شغل للذمة فیقف علی ثبوت المقتضی وهو الحیاة ، وهی غیر معلومة ، وبأنّ الأصل عصمة مال الغیر فیقف انتزاعه علی العلم بالسبب ولم یعلم.

وقال ابن إدریس : تجب فطرته علی المولی ، لأنّ الأصل البقاء ، ولأنّه یصح عتقه فی الکفارة إذا لم یعلم بموته ، وهو إنّما یتحقق مع الحکم ببقائه فتجب فطرته (4).

وأجیب عن الأوّل ، بأنّ أصالة البقاء معارضة بأصالة براءة الذمة.

وعن الثانی ، بالمنع من الإجزاء فی الکفارة ، وبالفرق بأنّ العتق إسقاط ما فی الذمة من حقوق الله تعالی وهی مبنیة علی التخفیف ، بخلاف

ص: 327


1- الخلاف 1 : 363.
2- المعتبر 1 : 598.
3- المنتهی 1 : 534.
4- السرائر : 108.

الثانی : إذا کان العبد بین شریکین فالزکاة علیهما ، فإن عاله أحدهما فالزکاة علی العائل.

______________________________________________________

الفطرة ، لأنّها إیجاب مال علی المکلف لم یثبت سبب وجوبه (1).

وأقول إنّ محل الخلاف فی هذه المسألة غیر محرّر ، فإنّه إن کان المملوک الّذی جهل خبره أو انقطع خبره ، کما ذکره الشهید فی البیان (2) ، اتجه القول بعدم لزوم فطرته ، للشک فی السبب وإن جاز عتقه فی الکفارة بدلیل من خارج ، فإنّ ابن إدریس ادعی الإجماع علی الجواز (3) ، ورواه الکلینی فی الصحیح ، عن أبی هاشم الجعفری ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل أبق منه مملوک ، أیجوز أن یعتقه فی کفارة الظهار؟ قال : « لا بأس به ما لم یعرف منه موتا » (4).

وإن کان محل الخلاف مطلق المملوک الغائب الّذی لا تعلم حیاته ، فینبغی القطع بالوجوب مع تحقق العیلولة إذا لم ینقطع خبره ، وإن لم تکن حیاته معلومة ، بل ولا مظنونة ، کما فی الولد الغائب وغیره ، إذ لو کان العلم بالحیاة معتبرا لم یجب إخراج الفطرة عن غائب ، وهو معلوم البطلان.

ویدل علی الوجوب مضافا إلی العمومات ، ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن جمیل بن درّاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یعطی الرجل عن عیاله وهم غیّب عنه ، ویأمرهم فیعطون عنه وهو غائب عنهم » (5).

قوله : ( الثانی ، إذا کان العبد بین شریکین فالزکاة علیهما ، وإن عاله أحدهما فالزکاة علی العائل ).

حکم العبد الذی بین شریکین

ص: 328


1- کما فی المنتهی 1 : 534.
2- البیان : 206.
3- السرائر : 108.
4- الکافی 6 : 199 - 3 ، الوسائل 16 : 62 أبواب العتق ب 48 ح 1.
5- الکافی 4 : 171 - 7 ، الوسائل 6 : 254 أبواب زکاة الفطرة ب 19 ح 1.

الثالث : لو مات المولی وعلیه دین ، فإن کان بعد الهلال وجبت زکاة مملوکه فی ماله ، وإن ضاقت الترکة قسمت علی الدین والفطرة بالحصص.

______________________________________________________

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من أنّ العبد المشترک تجب فطرته علی موالیه بالحصص ، إلاّ أن یختص أحدهم بإعالته فتجب علیه خاصة ، قول أکثر الأصحاب ، وقال ابن بابویه ، لا فطرة علیهم إلاّ أن یکمل لکل واحد منهم رأس تام (1) ، ورواه فی کتابه من لا یحضره الفقیه ، عن محمد بن مسعود العیّاشی ، قال : حدّثنا سهل بن زیاد ، قال : حدّثنی منصور بن العباس ، قال : حدثنا إسماعیل بن سهل ، عن حمّاد بن عیسی ، عن حریز ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : عبد بین قوم ، علیهم فیه زکاة الفطرة؟ قال : « إذا کان لکل إنسان رأس فعلیه أن یؤدّی عنه فطرته ، وإن کان عدّة العبید وعدّة الموالی سواء أدّوا زکاتهم ، کل واحد منهم علی قدر حصته ، وإن کان لکل إنسان منهم أقلّ من رأس فلا شی ء علیهم » (2). وهذه الروایة وإن کانت ضعیفة السند ، إلاّ أنّه لا یبعد المصیر إلی ما تضمنته ، لمطابقته لمقتضی الأصل ، وسلامتها من المعارض.

قوله : ( الثالث ، لو مات المولی وعلیه دین ، فإن کان بعد الهلال وجبت زکاة مملوکه فی ماله ، وإن ضاقت الترکة قسمت علی الدین والفطرة بالحصص ).

الوجه فی هذین الحکمین ظاهر ، فإنّ زکاة الفطرة واجبة فی الذمّة ، فتکون جاریة مجری غیرها من الدیون.

وفی حکم المملوک الزوجة والقریب والمعال تبرعا ، وإنّما خص

حکم موت المولی لیلة الفطر

ص: 329


1- الهدایة : 52.
2- الفقیه 2 : 119 - 512 ، الوسائل 6 : 254 أبواب زکاة الفطرة ب 18 ح 1.

وإن مات قبل الهلال لم تجب علی أحد ، إلا بتقدیر أن یعوله.

الرابع : إذا أوصی له بعبد ثم مات الموصی ، فإن قبل الوصیّة قبل الهلال وجبت علیه ، وإن قبل بعده سقطت ، وقیل : تجب علی الورثة ، وفیه تردد.

______________________________________________________

المملوک بالذکر ، لیتفرع علیه ما بعده ، وهو ما لو مات المولی قبل الهلال ، فإنّ ذلک یختص بالمملوک بناء علی القول بعدم انتقال الترکة التی هو منها إلی الوارث علی تقدیر وجود الدین المستوعب.

قوله : ( وإن مات قبل الهلال لم تجب علی أحد إلا بتقدیر أن یعوله ).

هذا الحکم مبنی علی ما ذهب إلیه المصنف - رحمه الله - من عدم انتقال الترکة إلی الوارث مع الدین المستوعب (1) ، ولو قلنا : بانتقالها إلی الوارث وإن منع من التصرف فیها قبل وفاء الدین کانت الزکاة علی الوارث.

قوله : ( الرابع ، إذا أوصی له بعبد ثم مات الموصی ، فإن قبل الوصیة قبل الهلال وجبت علیه ، وإن قبل بعده سقطت ، وقیل : تجب علی الورثة ، وفیه تردد ).

إذا أوصی إنسان إلی آخر بمملوک ثمّ مات الموصی قبل الغروب ، فإن قبل الموصی له الوصیة قبل الغروب أیضا وجبت فطرته علی الموصی له بغیر خلاف ، وإن وقع بعده ففی سقوط الفطرة عن الجمیع ، أو وجوبها علی الموصی له ، أو الوارث أقوال : أحدها وهو اختیار الشیخ فی المبسوط والخلاف (2) : السقوط مطلقا ، أمّا عن الوارث ، فلأنّ الوصیة مانعة من دخوله فی ملکه ، وأمّا عن الموصی له ، فلأنّه إنّما یملک بالقبول ،

حکم الموصی له بعبد

ص: 330


1- الشرائع 4 : 16.
2- المبسوط 1 : 240 ، والخلاف 1 : 367.

ولو وهب له ولم یقبض لم تجب الزکاة علی الموهوب. ولو مات الواهب کانت علی ورثته ، وقیل : لو قبل ومات ثم قبض الورثة قبل الهلال وجبت علیهم ، وفیه تردد.

______________________________________________________

والمفروض تأخّره عن الغروب.

وثانیها : الوجوب علی الوارث ، لأنّ الملک لا بدّ له من مالک وهو إمّا الوارث أو الموصی له ، لأنّ المیت غیر صالح للملک ، لمساواته للجماد ، والموصی له إنّما یملک بالقبول ، فیکون الملک للوارث وتلزمه زکاته.

ویشکل بأنّه لا ریب فی استحالة وجود الملک بغیر مالک ، لکن لا استحالة فی کون الترکة مع الدین المستوعب ، أو الوصیة النافذة غیر مملوکة لأحد ، بل تصرف فی الوجوه المخصوصة ، فإن فضل منها شی ء استحقه الوارث. ولتفصیل الکلام فی ذلک محل آخر.

وثالثها : الوجوب علی الموصی له ، واختاره الشارح فی جملة من کتبه (1) ، بناء علی أنّ القبول کاشف عن ملک الموصی له من حین الموت ، وهو ضعیف ، والأصح السقوط مطلقا ، کما اختاره الشیخ رحمه الله (2).

قوله : ( ولو وهب له ولم یقبض لم تجب الزکاة علی الموهوب ، ولو مات الواهب کانت علی الورثة ، وقیل : لو قبل ومات ثم قبض الورثة قبل الهلال وجبت علیهم ، وفیه تردد ).

القول للشیخ فی المبسوط (3) ، وهو لا یطابق ما ذهب إلیه فیه من أنّ القبض شرط فی الصحة (4) ، لأنّ الموهوب علی هذا التقدیر لم ینتقل إلی المیت ، فلا ینتقل إلی وارثه ، وإنّما یستقیم علی القول بأنّه لیس شرطا فی

حکم الموهوب له عبد

ص: 331


1- المسالک 1 : 65.
2- المبسوط 1 : 240 ، والخلاف 1 : 367.
3- المبسوط 1 : 240.
4- المبسوط 3 : 303.

الثّانی : فی جنسها وقدرها. والضابط : إخراج ما کان قوتا غالبا کالحنطة والشعیر ودقیقهما وخبزهما ، والتمر ، والزبیب ، والأرز ، واللبن.

______________________________________________________

الصحة کما ذهب إلیه فی الخلاف (1) ، وسیجی ء تحقیق المسألة فی محلها إن شاء الله.

قوله : ( الثانی ، فی جنسها وقدرها ، والضابط إخراج ما کان قوتا غالبا ، کالحنطة ، والشعیر ودقیقهما وخبزهما ، والتمر ، والزبیب ، والأرز ، واللبن ).

اختلفت عبارات الأصحاب فیما یجب إخراجه فی الفطرة ، فقال علی بن بابویه فی رسالته (2) ، وولده فی مقنعه وهدایته (3) ، وابن أبی عقیل فی متمسکه (4) : صدقة الفطرة صاع من حنطة ، أو صاع من شعیر ، أو صاع من تمر ، أو صاع من زبیب ، وهو یشعر بوجوب الاقتصار علی هذه الأنواع الأربعة.

وقال الشیخ فی الخلاف : یجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة : التمر ، أو الزبیب ، أو الحنطة ، أو الشعیر ، أو الأرز ، أو الأقط ، أو اللبن ، للإجماع علی إجزاء هذه ، وما عداها لیس علی جوازه دلیل (5).

وقال ابن الجنید : ویخرجها من وجبت علیه من أغلب الأشیاء علی قوته ، حنطة ، أو شعیر ، أو تمر ، أو زبیب ، أو سلت ، أو ذرة (6). وبه

جنس الفطرة

ص: 332


1- الخلاف 1 : 368.
2- حکاه عنه فی المختلف : 197.
3- المقنع : 66 ، الهدایة : 51.
4- حکاه عنه فی المختلف : 197.
5- الخلاف 1 : 369.
6- حکاه عنه فی المختلف : 197.

______________________________________________________

قال أبو الصلاح (1) ، وابن إدریس (2) ، والمصنف (3) ، وجماعة. والمعتمد وجوب إخراج الحنطة والشعیر والتمر والزبیب والأقط خاصة.

لنا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن صفوان الجمال ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفطرة؟ فقال : « علی الصغیر والکبیر ، والحر والعبد ، عن کل إنسان صاع من حنطة ، أو صاع من تمر ، أو صاع من زبیب » (4).

وفی الصحیح عن سعد بن سعد الأشعری ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الفطرة کم یدفع عن کل رأس من الحنطة والشعیر والتمر والزبیب؟ قال : « صاع بصاع النبی صلی الله علیه و آله » (5).

وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « صدقة الفطرة علی کل رأس من أهلک ، الصغیر والکبیر ، والحر والمملوک ، والغنی والفقیر ، عن کل إنسان نصف صاع من حنطة أو شعیر ، أو صاع من تمر ، أو صاع من زبیب لفقراء المسلمین » (6).

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن میمون ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن أبیه علیه السلام ، قال : « زکاة الفطرة صاع من تمر ، أو صاع من زبیب ، أو صاع من شعیر ، أو صاع من أقط ، علی کل إنسان حر

ص: 333


1- الکافی فی الفقه : 169.
2- السرائر : 108.
3- المعتبر 2 : 605 ، والمختصر النافع : 61.
4- التهذیب 4 : 71 - 194 ، الإستبصار 2 : 46 - 149 ، الوسائل 6 : 227 أبواب زکاة الفطرة ب 5 ح 1.
5- الکافی 4 : 171 - 5 ، الفقیه 2 : 115 - 492 ، التهذیب 4 : 80 - 227 ، الإستبصار 2 : 46 - 148 ، الوسائل 6 : 231 أبواب زکاة الفطرة ب 6 ح 1.
6- التهذیب 4 : 75 - 210 ، الإستبصار 2 : 42 - 134 ، الوسائل 6 : 225 أبواب زکاة الفطرة ب 3 ح 1 وأورد ذیله فی ص 233 ب 6 ح 11.

______________________________________________________

أو عبد ، صغیر أو کبیر ، ولیس علی من لا یجد ما یتصدق به حرج » (1).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یعطی أصحاب الإبل والغنم فی الفطرة ، من الأقط صاعا » (2).

احتج الشیخ - رحمه الله (3) - علی إجزاء الأرز بما رواه عن إبراهیم بن محمد الهمدانی ، عن أبی الحسن العسکری علیه السلام ، قال : « وعلی أهل طبرستان الأرز » (4).

وعلی إجزاء اللبن بما رواه عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، وعن یونس عن ابن مسکان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الفطرة علی کل قوم ، ما یغذون به عیالاتهم ، لبن أو زبیب أو غیره » (5).

وبهذه الروایة احتج القائلون بإجزاء إخراج ما کان قوتا غالبا (6) ، وبما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عمن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : جعلت فداک ، هل علی أهل البوادی الفطرة؟ فقال : « الفطرة علی کل من

ص: 334


1- التهذیب 4 : 75 - 211 ، الإستبصار 2 : 42 - 135 ، الوسائل 6 : 229 أبواب زکاة الفطرة ب 5 ح 11.
2- التهذیب 4 : 80 - 230 ، الإستبصار 2 : 46 - 151 ، الوسائل 6 : 231 أبواب زکاة الفطرة ب 6 ح 2.
3- (3) التهذیب 4 : 79 ، والاستبصار 2 : 44 ، والخلاف 1 : 370 ، والمبسوط 1 : 241
4- التهذیب 4 : 79 - 226 ، الإستبصار 2 : 44 - 140 ، الوسائل 6 : 238 أبواب زکاة الفطرة ب 8 ح 2.
5- التهذیب 4 : 78 - 221 ، الإستبصار 2 : 43 - 137 ، الوسائل 6 : 238 أبواب زکاة الفطرة ب 8 ح 1.
6- حکاه عن ابن الجنید فی المختلف : 197 ، واحتج به المحقق فی المعتبر 2 : 605 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 65.

ومن غیر ذلک یخرج بالقیمة السوقیة ،

______________________________________________________

اقتات قوتا ، فعلیه أن یؤدّی من ذلک القوت » (1).

وهذه الروایات کلها قاصرة من حیث السند ، فلا یمکن الخروج بها عن مقتضی الأخبار الصحیحة المتضمنة للأمر بإخراج تلک الأنواع الخمسة (2).

واعلم أنّ المصنف - رحمه الله - قال فی المعتبر : الرکن الثانی فی جنسها وقدرها ، والضابط إخراج ما کان قوتا غالبا ، کالحنطة والشعیر والتمر والزبیب والأرز والأقط واللبن ، وهو مذهب علمائنا (3).

ثمّ قال بعد ذلک : قال الشیخ فی الخلاف ، لا یجزی الدقیق والسویق من الحنطة والشعیر علی أنّهما أصل ، ویجزیان بالقیمة. ثمّ نقل عن بعض فقهائنا قولا بجواز إخراجهما أصالة ، وقال : إنّ الوجه ما ذکره الشیخ فی الخلاف ، لأنّ النّبی صلی الله علیه و آله نصّ علی الأجناس المذکورة ، فیجب الاقتصار علیها أو علی قیمتها.

وقال بعد ذلک : ولا یجزی الخبز علی أنّه أصل ، ویجزی بالقیمة ، وقال شاذّ منّا یجزی ، لأنّ نفعه معجل ، ولیس بوجه ، لاقتصار النص علی الأجناس المعیّنة فلا یصار إلی غیرها إلاّ بالقیمة (4). هذا کلامه - رحمه الله - ، وهو جیّد لکنّه رجوع عما أفهمه ظاهر کلامه فی الضابط الّذی ذکره أوّلا ، اللهم إلاّ أن یقال بانحصار القوت الغالب فی هذه الأنواع السبعة ، وهو بعید.

قوله : ( ومن غیر ذلک یخرج بالقیمة السوقیة ).

خراج الفطرة بالقیمة السوقیة

ص: 335


1- الکافی 4 : 173 - 14 ، الوسائل 6 : 239 أبواب زکاة الفطرة ب 8 ح 4.
2- الوسائل 6 : 231 أبواب زکاة الفطرة ب 6.
3- المعتبر 2 : 605.
4- المعتبر 2 : 609.

______________________________________________________

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ونصّ المصنف فی المعتبر (1) وغیره (2) علی أنّه لا فرق فی ذلک بین أن تکون الأنواع المنصوصة موجودة أو معدومة ، والمستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : بعثت إلی الرضا علیه السلام بدراهم لی ولغیری ، وکتبت إلیه أخبره أنّها من فطرة العیال ، فکتب بخطه : « قبضت وقبلت » (3).

وفی الصحیح ، عن أیّوب بن نوح ، قال ، کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام : إنّ قوما یسألونی عن الفطرة ، ویسألونی أن یحملوا قیمتها إلیک ، وقد بعثت إلیک العام عن کل رأس من عیالی بدرهم علی قیمة تسعة أرطال بدرهم ، فرأیک جعلنی الله فداک فی ذلک؟ فکتب « الفطرة قد کثر السؤال عنها ، وأنا أکره کلما أدّی إلی الشهرة ، فاقطعوا ذکر ذلک ، واقبض ممن دفع لها ، وأمسک عمن لم یدفع » (4).

وفی الموثق عن إسحاق بن عمار الصیرفی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ، ما تقول فی الفطرة أیجوز أن أؤدّیها فضة بقیمة هذه الأشیاء الّتی سمیتها؟ قال : « نعم إنّ ذلک أنفع له ، یشتری ما یرید » (5).

وفی الموثق عن إسحاق بن عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بالقیمة فی الفطرة » (6).

ص: 336


1- المعتبر 2 : 608.
2- کالشیخ فی النهایة : 191 ، والمبسوط 1 : 242.
3- التهذیب 4 : 91 - 266 ، الوسائل 6 : 239 أبواب زکاة الفطرة ب 9 ح 1.
4- الکافی 4 : 174 - 24 ، التهذیب 4 : 91 - 265 ، الوسائل 6 : 240 أبواب زکاة الفطرة ب 9 ح 3.
5- التهذیب 4 : 86 - 251 ، الإستبصار 2 : 50 - 166 ، الوسائل 6 : 241 أبواب زکاة الفطرة ب 9 ح 6.
6- التهذیب 4 : 86 - 252 ، الإستبصار 2 : 50 - 167 ، الوسائل 6 : 241 أبواب زکاة الفطرة ب 9 ح 9.

والأفضل إخراج التمر ، ثم الزبیب ، ویلیه أن یخرج کل إنسان ما یغلب علی قوته.

______________________________________________________

ویستفاد من إطلاق هذه الروایة جواز إخراج القیمة من الدراهم وغیرها ، وبهذا التعمیم صرح الشیخ فی المبسوط ، فقال : یجوز إخراج القیمة عن أحد الأجناس الّتی قدّرناها ، سواء کان الثمن سلعة أو حبا أو خبزا أو ثیابا أو دراهم أو شیئا له ثمن ، بقیمة الوقت (1). وهو مشکل لقصور الروایة المطلقة من حیث السند عن إثبات مثل ذلک ، واختصاص الأخبار السلیمة بإخراج القیمة من الدراهم (2).

ثمّ لو قلنا بالجواز فأخرج نصف صاع أعلی قیمة یساوی صاعا أدون قیمة فالأصح عدم الإجزاء ، کما اختاره فی البیان (3) ، لأنّ هذه الأصول لا تکون قیمة ، وقیل : یجزی ، لأنّ القیمة لا تخص عینا ، واختاره فی المختلف (4) ، وهو ضعیف.

نعم لو باعه علی المستحق بثمن المثل ثمّ احتسب الثمن قیمة عن جنس من الأجناس أجزأه ذلک إن أجزنا احتساب الدین هنا کالمالیة.

قوله : ( والأفضل إخراج التمر ثم الزبیب ، ویلیه أن یخرج کل إنسان ما یغلب علی قوته ).

اختلف کلام الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخان (5) ، وابنا بابویه (6) ، وابن أبی عقیل (7) : إنّ أفضل ما یخرج التمر. قال الشیخ : ثمّ

أفضل ما یخرج فی الفطرة

ص: 337


1- المبسوط 1 : 242.
2- الوسائل 6 : 239 أبواب زکاة الفطرة ب 9.
3- البیان : 212.
4- المختلف : 199.
5- المفید فی المقنعة : 41 ، والشیخ فی المبسوط 1 : 242 ، والنهایة : 190.
6- الصدوق فی الفقیه 2 : 117 ، والمقنع : 66 ، وحکاه من والد الصدوق فی المختلف : 197.
7- حکاه عنه فی المختلف : 197.

______________________________________________________

الزبیب (1). وقال ابن البراج : التمر والزبیب هو أفضل ما یخرج فی الفطرة (2). وقال الشیخ فی الخلاف : المستحب ما یغلب علی قوت البلد (3). واستحسنه فی المعتبر (4) ، وقال سلار : الأفضل الأرفع قیمة (5). والمعتمد الأوّل.

لنا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « التمر فی الفطرة أفضل من غیره ، لأنّه أسرع منفعة ، وذلک أنّه إذا وقع فی ید صاحبه أکل منه » (6) وهذا التعلیل یقتضی مساواة الزبیب له فی ذلک.

وعن زید الشحام قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لأن أعطی صاعا من تمر أحب إلیّ من أن أعطی صاعا من ذهب فی الفطرة » (7).

وعن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صدقة الفطرة ، فقال : « عن کل رأس من أهلک ، الصغیر منهم والکبیر ، الحر والمملوک ، والغنی والفقیر ، کل من ضممت إلیک ، عن کل إنسان صاع من حنطة ، أو صاع من شعیر ، أو تمر ، أو زبیب » وقال : « التمر أحب إلیّ » (8).

احتج الشیخ فی الخلاف (9) بما رواه عن إبراهیم بن محمد الهمدانی ،

ص: 338


1- النهایة : 190.
2- المهذب 1 : 175.
3- الخلاف 1 : 370.
4- المعتبر 2 : 606.
5- المراسم : 135.
6- التهذیب 4 : 85 - 248 ، الوسائل 6 : 244 أبواب زکاة الفطرة ب 10 ح 8.
7- التهذیب 4 : 85 - 249 ، الوسائل 6 : 244 أبواب زکاة الفطرة ب 10 ح 6.
8- التهذیب 4 : 86 - 250 ، الوسائل 6 : 229 أبواب زکاة الفطرة ب 5 ح 12.
9- الخلاف 1 : 370.

والفطرة من جمیع الأقوات المذکورة صاع ،

______________________________________________________

أنّه کتب إلی أبی الحسن صاحب العسکر علیه السلام ، یسأله عن اختلاف الروایات فی الفطرة ، فکتب « إنّ الفطرة صاع من قوت بلدک ، علی أهل مکة والیمن والطائف وأطراف الشام والیمامة والبحرین والعراقین وفارس والأهواز وکرمان تمر ، وعلی أهل أوساط الشام زبیب ، وعلی أهل الجزیرة والموصل والجبال کلها برّ أو شعیر ، وعلی أهل طبرستان الأرز ، وعلی أهل خراسان البرّ ، إلاّ أهل مرو والری فعلیهم الزبیب ، وعلی أهل مصر البرّ ، ومن سوی ذلک فعلیهم ما غلب قوتهم ، ومن سکن البوادی من الأعراب فعلیهم الأقط ، والفطرة علیک وعلی الناس کلهم ومن تعول من ذکر وأنثی ، صغیر وکبیر ، حر أو عبد ، فطیم أو رضیع ، تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدینة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما ، تکون الفطرة ألفا ومائة وسبعین درهما » (1).

وهذه الروایة ضعیفة فی التهذیب ، إلاّ أنّ الشیخ فی الخلاف (2) ادعی إجماع الطائفة علی العمل بها ، وما تضمنته من التعیین علی سبیل الاستحباب لا الوجوب إجماعا.

قوله : ( والفطرة من جمیع الأقوات المذکورة صاع ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة (3) ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن صفوان الجمال ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفطرة ، فقال : « علی الصغیر والکبیر ، والحر والعبد ، عن کل إنسان صاع من برّ ، أو صاع من تمر ، أو صاع من الزبیب » (4).

قدر الفطرة

ص: 339


1- التهذیب 4 : 79 - 226 ، الإستبصار 2 : 44 - 140 ، الوسائل 6 : 238 أبواب زکاة الفطرة ب 8 ح 2.
2- الخلاف 1 : 370.
3- منهم الشافعی فی الأم 2 : 67 ، 68 ، والقرطبی فی بدایة المجتهد 1 : 281 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 652 ، 659 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 130.
4- التهذیب 4 : 71 - 194 ، الإستبصار 2 : 46 - 149 ، الوسائل 6 : 227 أبواب زکاة الفطرة ب 5 ح 1.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن سعد بن سعد الأشعری ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الفطرة ، کم تدفع عن کل رأس من الحنطة والشعیر والتمر والزبیب؟ قال : « صاع بصاع النبی صلی الله علیه و آله » (1)

وعن عبد الله بن المغیرة ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام : فی الفطرة ، قال : « یعطی من الحنطة صاع ومن الشعیر والأقط صاع » (2).

وفی مقابل هذه الروایات أخبار أخر دالّة علی الاجتزاء فی الحنطة بنصف صاع ، کصحیحة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صدقة الفطرة ، فقال : « علی کل من یعول الرجل ، علی الحر والعبد والصغیر والکبیر صاع من تمر ، أو نصف صاع من برّ ، والصاع أربعة أمداد » (3).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی صدقة الفطرة ، فقال : « تصدق عن جمیع من تعول ، من صغیر أو کبیر ، حرّ أو مملوک ، علی کل إنسان نصف صاع من حنطة ، أو صاع من تمر ، أو صاع من شعیر ، والصاع أربعة أمداد » (4).

وأجاب الشیخ فی کتابی الأخبار عن هذه الروایات وما یجری مجراها بالحمل علی التقیة (5) ، قال فی الاستبصار : ووجه التقیة فی ذلک أنّ السنّة کانت جاریة فی إخراج الفطرة صاع من کل شی ء ، فلمّا کان زمن عثمان

ص: 340


1- الکافی 4 : 171 - 5 ، الفقیه 2 : 115 - 492 ، التهذیب 4 : 80 - 227 ، الإستبصار 2 : 46 - 148 ، الوسائل 6 : 231 أبواب زکاة الفطرة ب 6 ح 1.
2- التهذیب 4 : 80 - 229 ، الإستبصار 2 : 46 - 150 ، الوسائل 6 : 231 أبواب زکاة الفطرة ب 6 ح 3.
3- التهذیب 4 : 81 - 233 ، الإستبصار 2 : 47 - 154 ، الوسائل 6 : 233 أبواب زکاة الفطرة ب 6 ح 12.
4- التهذیب 4 : 81 - 234 ، الإستبصار 2 : 47 - 155 ، الوسائل 6 : 233 أبواب زکاة الفطرة ب 6 ذ. ح 12.
5- التهذیب 4 : 82 ، والاستبصار 2 : 48.

______________________________________________________

وبعده فی أیّام معاویة جعل نصف صاع من حنطة بإزاء صاع من تمر ، وتابعهم الناس علی ذلک ، فخرجت هذه الأخبار وفاقا لهم علی جهة التقیة (1). وهو جیّد.

وروی العلامة فی المنتهی ، عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه سئل عن الفطرة ، فقال : « صاع من طعام » فقیل : أو نصف صاع؟ فقال ( بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِیمانِ ) (2) (3). ثمّ قال - رحمه الله - وإذا کان التغییر حادثا حملنا الأحادیث من طرقنا علی التقیة ، وکان العمل بما ثبت فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله متعیّنا.

واعلم أنّ المستفاد من الروایات وجوب إخراج صاع من أحد الأجناس المنصوصة ، فلا یجزی إخراج صاع من جنسین ، وبه قطع الشیخ (4) وجماعة ، وقال المصنف فی المعتبر ، إنّه لا یجزی إلاّ علی وجه القیمة (5).

واستقرب العلامة فی المختلف إجزاء ذلک أصالة ، واستدل علیه بأنّ المطلوب شرعا إخراج الصاع وقد حصل ، ولیس تعیین الأجناس معتبرا فی نظر الشرع وإلاّ لما جاز التخییر فیه. وبأنّه یجوز إخراج الأصوع المختلفة من الشخص الواحد عن جماعة فکذا الصاع الواحد. وبأنّه إذا أخرج أحد النصفین ، فقد خرج عن عهدته وسقط عنه نصف الواجب ، فیبقی مخیرا فی النصف الآخر ، لأنّه کان مخیرا فیه قبل إخراج الأوّل فیستصحب (6).

ویدفع ذلک کله تعلّق الأمر بإخراج صاع من حنطة أو صاع من شعیر أو

ص: 341


1- الاستبصار 2 : 48.
2- الحجرات : 11.
3- المنتهی 1 : 537 ، ورواها فی المعتبر 2 : 607 ، والوسائل 6 : 235 أبواب زکاة الفطرة ب 6 ح 21.
4- المبسوط 1 : 241.
5- المعتبر 2 : 608.
6- المختلف : 199.

أربعة أمداد ، وهی تسعة أرطال بالعراقی. (1) ومن اللبن أربعة أرطال ، وفسّره قوم بالمدنی.

______________________________________________________

صاع من تمر أو صاع من زبیب ، والصاع المجتمع من الجنسین لا یصدق علیه اسم أحدها ، فلا یتحقق به الامتثال.

قوله : ( والصاع أربعة أمداد ، وهی تسعة أرطال بالعراقی ).

قد تقدم الکلام فی هذین الحکمین مفصلا فی زکاة الغلاّت ، فلیطلب من هناک (2)

قوله : ( ومن اللّبن أربعة أرطال ، وفسّره قوم بالمدنی ).

أمّا الاجتزاء بأربعة أرطال من اللّبن ، فذکره الشیخ (3) ، وجمع من الأصحاب.

قال فی المنتهی (4) : ولم نقف فیه علی مستند سوی ما رواه ، عن القاسم بن الحسن ، رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن رجل فی البادیة لا یمکنه الفطرة ، قال : « یتصدق بأربعة أرطال من لبن » (5).

وهذه الروایة ضعیفة مرسلة ، فلا عبرة بها ، ومع ذلک فالأرطال فیها مطلقة. وفسرها الشیخ (6) وأتباعه بالمدنی (7) ، لما رواه ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن محمد بن عیسی ، عن محمد بن الریان ، قال : کتبت

ص: 342


1- راجع ص 134.
2- راجع ص 134.
3- النهایة : 191 ، والمبسوط 1 : 241 ، والاقتصاد : 285.
4- المنتهی 1 : 537.
5- التهذیب 4 : 84 - 245 ، الإستبصار 2 : 50 - 165 ، الوسائل 6 : 236 أبواب زکاة الفطرة ب 7 ح 3.
6- النهایة : 191 ، والمبسوط 1 : 241 ، والاقتصاد : 285.
7- منهم ابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 681 ، وابن إدریس فی السرائر : 109.

ولا تقدیر فی عوض الواجب ، بل یرجع إلی قیمة السوق : وقدّره قوم بدرهم ، وآخرون بأربعة دوانیق فضة ، ولیس بمعتمد ، وربما نزّل علی اختلاف الأسعار. (1)

الثالث : فی وقتها. وتجب بهلال شوّال ،

______________________________________________________

إلی الرجل أسأله عن الفطرة کم تؤدی؟ فقال : « أربعة أرطال بالمدنی » (2).

قال فی المعتبر : والروایة فی الضعف علی ما تری (3). وکأن الوجه فی ذلک إطباق الأصحاب علی ترک العمل بظاهرها ، وإلاّ فهی معتبرة الإسناد.

وقال الشیخ فی التهذیب : إنّ هذا الخبر یحتمل وجهین : أحدهما أنّه أراد علیه السلام أربعة أمداد ، فتصحّف علی الراوی بالأرطال. وقد قدّمنا ذلک فیما مضی. والثانی أراد أربعة أرطال من اللبن والأقط ، لأنّ کل من کان قوته ذلک ، یجب علیه منه القدر المذکور فی الخبر حسب ما قدّمناه (4).

قوله : ( ولا تقدیر فی عوض الواجب ، بل یرجع إلی قیمة السوق ، وقدّره قوم بدرهم ، وآخرون بأربعة دوانیق فضة ، وربما نزّل علی اختلاف الأسعار ).

هذان القولان مجهولا القائل والمستند ، وقال فی المعتبر : إنّهما لیسا بشی ء (5). وما ذکره المصنف من التنزیل جیّد ، والأصح ما اختاره المصنف والأکثر من الرجوع فی ذلک إلی القیمة السوقیة وقت الإخراج ، لأنّ القیمة بدل عن الواجب ، فتعتبر قیمته وقت الإخراج.

قوله : ( الثالث ، فی وقتها : وتجب بهلال شوال ).

وقت اخراج الفطرة

ص: 343


1- التهذیب 4 : 84 - 244 ، الإستبصار 2 : 49 - 164 ، الوسائل 6 : 237 أبواب زکاة الفطرة ب 7 ح 5.
2- التهذیب 4 : 84 - 244 ، الإستبصار 2 : 49 - 164 ، الوسائل 6 : 237 أبواب زکاة الفطرة ب 7 ح 5.
3- المعتبر 2 : 608.
4- التهذیب 4 : 84.
5- المعتبر 2 : 609.

______________________________________________________

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ فی الجمل : تجب الفطرة بغروب الشمس من آخر یوم من شهر رمضان (1). وهو اختیار ابن حمزة (2) ، وابن إدریس (3).

وقال ابن الجنید : أوّل وقت وجوبها طلوع الفجر الثانی من یوم الفطر (4). واختاره المفید فی المقنعة (5) ، والسید المرتضی (6) ، وأبو الصلاح (7) ، وابن البرّاج (8) ، وسلاّر (9) ، وابن زهرة (10) ، وهو المعتمد.

لنا أنّ الوجوب فی هذا الوقت متحقق وقبله مشکوک فیه ، فیجب الاقتصار علی المتیقن ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفطرة ، متی هی؟ فقال : « قبل الصلاة یوم الفطر » قلت : فإن بقی منه شی ء بعد الصلاة؟ قال : « لا بأس نحن نعطی عیالنا منه ثمّ یبقی فنقسمه » (11).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمّار ، عن إبراهیم بن میمون قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « الفطرة إن أعطیت قبل أن تخرج إلی العید ، فهی

ص: 344


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 209.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 681.
3- السرائر : 109.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 611 ، والمختلف : 199 ، 200.
5- المقنعة : 41.
6- جمل العلم والعمل : 126.
7- الکافی فی الفقه : 169.
8- المهذب 1 : 176 ، وشرح الجمل : 267.
9- المراسم : 134.
10- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 569.
11- التهذیب 4 : 75 - 212 ، الإستبصار 2 : 44 - 141 ، الوسائل 6 : 246 أبواب زکاة الفطرة ب 12 ح 5.

ولا یجوز تقدیمها قبله إلا علی سبیل القرض علی الأظهر.

______________________________________________________

فطرة ، وإن کان بعد ما تخرج إلی العید فهی صدقة » (1).

احتج الآخرون (2) بأنّها تضاف إلی الفطر فکانت واجبة عنده ، وبأنّها مشبهة بالصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله مع الصلاة ، حیث کانت تماما ، فتکون مشابهة لها فی التعقیب.

وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مولود ولد لیلة الفطر ، علیه فطرة؟ قال : « لا قد خرج الشهر » وسألته عن یهودی أسلم لیلة الفطر ، علیه فطرة؟ قال : « لا » (3).

والجواب عن الأوّل ، أنّ الفطر إنّما یتحقق نهارا ، فینبغی أن یکون الوجوب فیه.

وعن الثانی ، أنّ التشبیه إنّما وقع فی کون الفطرة متمّمة للصوم کما أنّ الصلاة علی النبی وآله متمّمة للصلاة ، وهذا لا یقتضی المساواة من کل وجه.

وعن الروایة ، بأنّها إنّما تدل علی وجوب الإخراج عمن أدرک الشهر ، لا علی أنّ أوّل وقت الإخراج الغروب ، وأحدهما غیر الآخر.

قوله : ( ولا یجوز تقدیمها قبله إلا علی سبیل القرض علی الأظهر ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ذهب إلیه الشیخ فی الاقتصاد (4) ،

حکم تقدیم الفطرة

ص: 345


1- الکافی 4 : 171 - 4 ، التهذیب 4 : 76 - 214 ، الإستبصار 2 : 44 - 143 ، الوسائل 6 : 246 أبواب زکاة الفطرة ب 12 ح 2.
2- کالمحقق فی المعتبر 2 : 611.
3- التهذیب 4 : 72 - 197 ، الوسائل 6 : 245 أبواب زکاة الفطرة ب 11 ح 2.
4- الاقتصاد : 285.

______________________________________________________

والمفید فی المقنعة (1) ، وأبو الصلاح (2) ، وابن إدریس (3) ، وغیرهم ، لأنّها زکاة الفطر فلا تجب قبله ، وإذا لم تکن واجبة لم یکن الإتیان بها مجزیا.

وقال الشیخ فی النهایة ، والمبسوط ، والخلاف : یجوز إخراج الفطرة فی شهر رمضان من أوّله (4). وکذا قال ابنا بابویه (5) ، واختاره المصنف فی المعتبر (6) ، وجماعة ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة وبکیر ابنی أعین ، والفضیل بن یسار ، ومحمد بن مسلم ، وبرید بن معاویة ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنّهما قالا : « علی الرجل أن یعطی عن کل من یعول ، من حر وعبد ، وصغیر وکبیر ، یعطی یوم الفطر فهو أفضل ، وهو فی سعة أن یعطیها من أوّل یوم یدخل فی شهر رمضان إلی آخره ، فإن أعطی تمرا فصاع لکل رأس ، وإن لم یعط تمرا فنصف صاع لکل رأس من حنطة أو شعیر ، والحنطة والشعیر سواء ، ما أجزأ عنه الحنطة فالشعیر یجزی » (7).

وأجیب عن الروایة ، بالحمل علی کون التقدیم علی سبیل القرض کما فی المالیة (8) ، وهو مشکل ، لأنّ الضمیر فی قوله « وهو فی سعة أن یعطیها » یرجع إلی الفطرة المحدث عنها ، لا القرض ، ولأنّه علی هذا التقدیر لا یبقی

ص: 346


1- المقنعة : 39.
2- الکافی فی الفقه : 173.
3- السرائر : 109.
4- النهایة : 191. المبسوط 1 : 4. الخلاف 1 : 372.
5- الصدوق فی الفقیه 2 : 118 ، والمقنع : 67 ، وحکاه عن ابنی بابویه فی المختلف : 200.
6- المعتبر 2 : 613.
7- التهذیب 4 : 76 - 215 ، الإستبصار 2 : 45 - 147 ، الوسائل 6 : 246 أبواب زکاة الفطرة ب 12 ح 4.
8- کما فی السرائر : 105.

ویجوز إخراجها بعده ، وتأخیرها إلی قبل صلاة العید أفضل ،

______________________________________________________

للتحدید بأوّل یوم من شهر رمضان فائدة ، اللهم إلاّ أن یمنع احتساب الدین فی غیر هذه الصورة.

ویمکن القدح فی هذه الروایة باشتمالها علی ما أجمع الأصحاب علی بطلانه ، وهو الاجتزاء بنصف صاع من الحنطة ، بل مقتضاها إجزاء نصف صاع من الشعیر أیضا ، وهو مخالف لإجماع المسلمین. والمسألة محل تردد ، وطریق الاحتیاط فیها واضح.

قوله : ( وتأخیرها إلی قبل صلاة العید أفضل ).

لا ریب فی أفضلیة ذلک لأنّه موضع نصّ ووفاق ، وإنّما الکلام فی انتهاء وقتها بالصلاة وعدمه ، وقد اختلف فیه کلام الأصحاب ، فذهب الأکثر إلی أنّ آخر وقتها صلاة العید ، حتی قال فی المنتهی : ولا یجوز تأخیرها عن صلاة العید اختیارا ، فإنّ أخّرها أثم ، وبه قال علماؤنا أجمع. لکنه قال بعد ذلک بأسطر قلیلة : والأقرب عندی جواز تأخیرها عن الصلاة ، وتحریم التأخیر عن یوم العید (1) ، ومقتضی ذلک امتداد وقتها إلی آخر النهار.

وقال ابن الجنید : أوّل وقت وجوبها طلوع الفجر من یوم الفطر ، وآخره زوال الشمس منه (2). واستقر به العلامة فی المختلف (3).

احتج القائلون بانتهاء وقتها بالصلاة (4) ، بما رواه الشیخ عن إبراهیم بن میمون قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « الفطرة إن أعطیت قبل أن تخرج إلی العید ، فهی فطرة ، وإن کان بعد ما تخرج إلی العید ، فهی صدقة » (5).

والمراد بالصدقة هنا المندوبة ، مقابل الفطرة الواجبة ، وقد ورد ذلک

أفضل وقت الفطرة

ص: 347


1- المنتهی 1 : 541.
2- نقله عنه فی المختلف : 200.
3- المختلف : 200.
4- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 612 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 540.
5- المتقدمة فی ص 344.

______________________________________________________

فی أخبار العامة ، فإنّهم رووا عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال : « إنّ الله عزّ وجلّ فرض زکاة الفطرة طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساکین ، فمن أدّاها قبل الصلاة فهی زکاة مقبولة ، ومن أدّاها بعد الصلاة فهی صدقة من الصدقات » (1).

والجواب ، الطعن فی السند ، فإنّ الروایة الأولی ضعیفة بجهالة الراوی ، والثانیة إنّما وردت من طریق الجمهور فهی ساقطة.

احتج العلامة فی المختلف علی انتهاء وقتها بالزوال ، بأنّها تجب قبل صلاة العید ، ووقت صلاة العید یمتدّ إلی الزوال ، فیمتدّ وقت الإخراج إلی ذلک الوقت (2).

ویتوجّه علیه أوّلا : المنع من وجوب إخراجها قبل الصلاة ، لما بینّاه من ضعف مستنده.

وثانیا : أنّ اللازم من ذلک خروج وقتها بالصلاة ، تقدّمت أو تأخّرت ، لا امتداد وقتها إلی الزوال.

احتج العلامة فی المنتهی علی جواز تأخیرها عن الصلاة وتحریم التأخیر عن یوم العید (3) ، بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفطرة متی هی؟ فقال : « قبل الصلاة یوم الفطر » قلت : فإن بقی منه شی ء بعد الصلاة؟ قال : « لا بأس ، نحن نعطی عیالنا منه ثمّ یبقی فنقسمه » (4).

ویدل علیه أیضا ، إطلاق قول الصادقین علیهماالسلام فی صحیحة

ص: 348


1- سنن ابن ماجة 1 : 585 - 1827 ، سنن أبی داود 2 : 111 - 1609.
2- المختلف : 200.
3- المنتهی 1 : 541.
4- المتقدم فی ص 344.

فإن خرج وقت الصلاة وقد عزلها أخرجها واجبا بنیّة الأداء.

______________________________________________________

الفضلاء : « یعطی یوم الفطر فهو أفضل » (1) والاحتیاط یقتضی الإخراج قبل الصلاة ، وإن کان القول بامتداد وقتها إلی آخر النهار کما اختاره فی المنتهی خصوصا مع العزل (2) لا یخلو من قوّة.

قوله : ( فإن خرج وقت الصلاة وقد عزلها أخرجها واجبا بنیة الأداء ).

المراد بالعزل : تعیینها فی مال بقدرها. وإطلاق عبارات الأصحاب یقتضی جوازه مع وجود المستحق وعدمه.

ویدل علی وجوب إخراجها مع العزل مطلقا ، ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن صفوان بن یحیی ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الفطرة ، قال : « إذا عزلتها فلا یضرک متی ما أعطیتها » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أخرج فطرته فعزلها حتی یجد لها أهلا فقال : « إذا أخرجها من ضمانه فقد بری ء ، وإلاّ فهو ضامن لها حتی یؤدّیها إلی أربابها » (4).

وعن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الفطرة : « إذا عزلتها وأنت تطلب بها الموضع أو تنتظر به رجلا فلا بأس به » (5).

حکم اخراج الفطرة بعد الصلاة

ص: 349


1- المتقدم فی ص 346.
2- المنتهی 1 : 541.
3- الفقیه 2 : 118 - 510 ، الوسائل 6 : 248 أبواب زکاة الفطرة ب 13 ح 4.
4- التهذیب 4 : 77 - 219 ، الوسائل 6 : 248 أبواب زکاة الفطرة ب 13 ح 2.
5- التهذیب 4 : 77 - 217 ، الإستبصار 2 : 45 - 145 ، الوسائل 6 : 248 أبواب زکاة الفطرة ب 13 ح 5.

وإن لم یکن عزلها ، قیل : سقطت ، وقیل : یأتی بها قضاء ، وقیل : أداء ، والأول أشبه.

______________________________________________________

لکن مقتضی التوقیت کون الإتیان بها بعد خروج الوقت قضاء لا أداء ، إلاّ أنّ الأمر فی ذلک هیّن.

قوله : ( وإن لم یعزلها قیل : سقطت ، وقیل : یأتی بها قضاء ، وقیل : أداء ، والأول أشبه ).

القول بالسقوط للمفید (1) ، وابنی بابویه (2) ، وأبی الصلاح (3) ، وابن البراج (4) ، وابن زهرة مدعیا علیه الإجماع (5) ، والمصنف فی کتبه الثلاثة (6) ، لأنّها عبادة موقتة فات وقتها ، فیتوقف وجوب قضائها علی دلیل من خارج ، ولم یثبت.

واستدل علیه فی المعتبر أیضا (7) ، بقوله علیه السلام : « هی قبل الصلاة زکاة مقبولة ، وبعد الصلاة صدقة من الصدقات » (8) والتفصیل یقطع الشرکة.

والقول بوجوب الإتیان بها قضاء للشیخ (9) ، وجماعة ، واختاره العلامة فی جملة من کتبه (10) ، واستدل علیه فی المختلف ، بأنّه لم یأت

ص: 350


1- المقنعة : 41.
2- الصدوق فی المقنع : 67 ، وحکاه عن ابنی بابویه فی المختلف : 200.
3- الکافی فی الفقه : 169.
4- المهذب 1 : 176 ، وشرح الجمل : 267.
5- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 569.
6- المعتبر 2 : 614 ، والمختصر النافع : 62.
7- المعتبر 2 : 614.
8- المتقدم فی ص 348.
9- الخلاف 1 : 372. والاقتصاد : 285.
10- التذکرة 1 : 250 ، والمختلف : 201 ، والقواعد 1 : 61 ، والتحریر 1 : 72.

______________________________________________________

بالمأمور به ، فیبقی فی عهدة التکلیف إلی أن یأتی به.

وبأنّ المقتضی للوجوب قائم ، والمانع لا یصلح للمانعیة. أمّا الأولی ، فبالعموم الدال علی وجوب إخراج الفطرة عن کل رأس صاع ، وأمّا الثانیة ، فلأنّ المانع لیس إلاّ خروج وقت الأداء ، لکنه لا یصلح للمعارضة ، إذ خروج الوقت لا یسقط الحق کالدین وزکاة المال والخمس.

وبصحیحة زرارة المتقدمة ، حیث قال فیها : « وإلاّ فهو ضامن لها حتی یؤدّیها » (1).

ویتوجّه علی الأوّل ما بینّاه مرارا من أنّ الأمر بالأداء لا یتناول القضاء.

وعلی الثانی منع وجود المقتضی علی سبیل الإطلاق ، لأنّه إنّما تعلّق بوقت مخصوص ، وقوله : « إنّ خروج الوقت لا یسقط الحق کالدین وزکاة المال والخمس » قیاس محض مع الفارق ، فإنّ الدین وزکاة المال والخمس لیس من قبیل الواجب الموقت ، بخلاف الفطرة.

وعلی الروایة أنّها إنّما تدل علی وجوب الإخراج مع العزل ، وهو خلاف محل النزاع.

والظاهر أنّ المراد بإخراجها من ضمانه تسلیمها إلی المستحق ، وبقوله : « وإلاّ فهو ضامن لها حتی یؤدّیها » کونه مخاطبا بإخراجها وإیصالها إلی مستحقها ، لا کونه بحیث یضمن مثلها أو قیمتها مع التلف ، لأنّها بعد العزل تصیر أمانة فی ید المالک.

ویحتمل أن یکون الضمیر فی قوله : « أخرجها » عائدا إلی مطلق الزکاة ، ویکون المراد بإخراجها من ضمانه عزلها ، والمراد أنّه إن عزلها فقد

ص: 351


1- فی ص 349.

وإذا أخّر دفعها بعد العزل مع الإمکان کان ضامنا. وإن کان لا معه لم یضمن. ولا یجوز حملها إلی بلد آخر مع وجود المستحق ویضمن. ویجوز مع عدمه ولا یضمن.

______________________________________________________

بری ء ، وإلاّ فهو مکلف بأدائها إلی أن یوصلها إلی أربابها ، ولا ریب أنّ المعنی الأوّل أقرب.

والقول بوجوب الإتیان بها أداء لابن إدریس فی سرائره ، واستدل علیه بأنّ الزکاة المالیة والرأسیة تجب بدخول وقتها ، فإذا دخل وجب الأداء ، ولا یزال الإنسان مؤدّیا لها ، لأنّ ما بعد دخول وقتها هو وقت الأداء جمیعه (1).

قال فی المعتبر : وهذا لیس بشی ء ، لأنّ وجوبها موقت فلا یتحقق وجوبها بعد الوقت (2).

وقد ظهر من ذلک أنّ القول بالسقوط لا یخلو من قوّة ، وإن کان الاحتیاط یقتضی الإتیان بها بعد خروج الوقت من غیر تعرض لأداء ولا قضاء.

قوله : ( وإذا أخّر دفعها مع الإمکان بعد العزل کان ضامنا ، وإن کان لا معه لم یضمن ).

الوجه فی ذلک أنّ الزکاة بعد العزل تصیر أمانة فی ید المالک ، فلا یضمنها إلاّ بالتعدی أو التفریط المتحقق بتأخیر الدفع إلی المستحق مع القدرة علیه ، لأنّ المستحق مطالب بشاهد الحال فیجب التعجیل مع التمکن منه.

قوله : ( ولا یجوز حملها إلی بلد آخر مع وجود المستحق ویضمن ، ویجوز مع عدمه ولا یضمن ).

حکم تأخیر دفع الفطرة

حکم النقل إلی بلد آخر

ص: 352


1- السرائر : 109.
2- المعتبر 2 : 614.

الرّابع : فی مصرفها. وهو مصرف زکاة المال ،

______________________________________________________

لا یخفی أنّ الحمل إنّما یتحقق مع العزل ، وإنّما کان محرّما مع وجود المستحق ، لمنافاته الفوریة الواجبة ، ویترتب علیه الضمان.

قوله : ( الرابع ، فی مصرفها : وهو مصرف زکاة المال ).

(1)هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی المنتهی بأنّها زکاة فتصرف إلی من تصرف إلیه سائر الزکوات ، وبأنّها صدقة فتدخل تحت قوله تعالی ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ) (2) الآیة (3).

وربّما ظهر من کلام المفید فی المقنعة اختصاص الفطرة بالمساکین (4).

وفی صحیحة الحلبی : « عن کل إنسان نصف صاع ، من حنطة أو شعیر ، أو صاع من تمر أو زبیب لفقراء المسلمین » (5).

وفی روایة الفضیل عن أبی عبد الله علیه السلام ، قلت له : لمن تحل الفطرة؟ فقال : « لمن لا یجد » (6).

وفی روایة زرارة ، قلت له : هل علی من قبل الزکاة زکاة؟ قال : « أمّا من قبل زکاة المال ، فإنّ علیه الفطرة ، ولیس علی من قبل الفطرة فطرة » (7)

مصرف الفطرة

ص: 353


1- التوبة : 60.
2- المنتهی 1 : 541.
3- المقنعة : 41.
4- التهذیب 4 : 75 - 210 ، الإستبصار 2 : 42 - 134 ، الوسائل 6 : 233 أبواب زکاة الفطرة ب 6 ح 11.
5- التهذیب 4 : 73 - 203 ، الإستبصار 2 : 41 - 127 ، الوسائل 6 : 249 أبواب زکاة الفطرة ب 14 ح 4.
6- التهذیب 4 : 74 - 207 ، الإستبصار 2 : 41 - 131 ، الوسائل 6 : 224 أبواب زکاة الفطرة ب 2 ح 10.
7-

ویجوز أن یتولی المالک إخراجها ، والأفضل دفعها إلی الإمام أو من نصّبه ، ومع التعذر إلی فقهاء الشیعة. ولا یعطی غیر المؤمن أو المستضعف مع عدمه ، ویعطی أطفال المؤمنین ولو کان آباؤهم فسّاقا. ولا یعطی الفقیر أقلّ من صاع ، إلا أن یجتمع جماعة لا یتسع لهم.

______________________________________________________

والمسألة محل إشکال ، وطریق الاحتیاط واضح.

قوله : ( والأفضل دفعها إلی الإمام أو من نصّبه ، ومع التعذر إلی فقهاء الشیعة ).

لأنّهم أبصر بمواقعها ، وأعلم بمحالها ، قال فی المنتهی : ویجوز للمالک أن یفرقها بنفسه بغیر خلاف بین العلماء کافة فی ذلک (1).

قوله : ( ولا تعطی غیر المؤمن أو المستضعف مع عدمه ).

بل الأصح عدم جواز إعطائها لغیر المؤمن مطلقا ، وقد تقدّم الکلام فی ذلک (2).

قوله : ( وتعطی أطفال المؤمنین وإن کان آباؤهم فساقا ).

لأنّ حکم أولاد المؤمنین حکم آبائهم فیما یرجع إلی الإیمان والکفر ، لا مطلقا. والکلام فی هذه المسألة کما فی زکاة المال ، فلیطلب من هناک.

قوله : ( ولا یعطی الفقیر أقل من صاع إلا أن یجتمع جماعة لا یتسع لهم ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، حتی أنّ السید المرتضی - رضی الله عنه - قال فی الانتصار : مما انفردت به الإمامیة القول بأنّه لا یجوز أن یعطی الفقیر الواحد أقلّ من صاع ، وباقی الفقهاء یخالفون فی ذلک. ثمّ استدل

أقل ما یعطی الفقیر

ص: 354


1- المنتهی 1 : 542.
2- راجع ص 259.

ویجوز أن یعطی الواحد ما یغنیه دفعة.

______________________________________________________

علیه بالإجماع ، وبحصول الیقین ببراءة الذمة ، وحصول الإجزاء بذلک دون غیره (1) ، وبأنّ کل من ذهب إلی أنّ الصاع تسعة أرطال ، ذهب إلی ذلک ، فالتفرقة بین المسألتین خلاف الإجماع.

ویدل علی ذلک ما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تعط أحدا أقلّ من رأس » (2).

وقال المصنف فی المعتبر : وهذه الروایة مرسلة ، فلا تقوی أن تکون حجة ، والأولی أن یحمل ذلک علی الاستحباب تفصّیا من خلاف الأصحاب (3). وهو حسن.

ولو اجتمع من لم یتسع لهم قسّمه علیهم وإن لم یبلغ نصیب الواحد صاعا ، لأنّ فی ذلک تعمیما للنفع ، ولأنّ فی منع البعض أذیة للمؤمن ، فکانت التسویة أولی.

قوله : ( ویجوز أن یعطی الواحد ما یغنیه دفعة ).

لا وجه لاعتبار الدفعة ، بل الحق أنّه لا حدّ لذلک کما ذکره المصنف فی النافع (4) ، ومتی خرج عن حدّ الفقر امتنع الدفع إلیه بعد ذلک ، وممّن صرّح بما ذکرناه ، العلامة فی المنتهی فقال : ویجوز أن یعطی الواحد أصواعا کثیرة بغیر خلاف ، سواء کانت من دافع واحد أو من جماعة ، علی التعاقب أو دفعة واحدة ، ما لم یحصل الغنی فی صورة التعاقب (5).

جواز اعطاء ما یغنی

ص: 355


1- الانتصار : 88.
2- التهذیب 4 : 89 - 261. الإستبصار 2 :2. 174 ، الوسائل 6 : 252 أبواب زکاة الفطرة ب 16 ح 2.
3- المعتبر 2 : 616.
4- المختصر النافع : 60.
5- المنتهی 1 : 542.

ویستحب اختصاص ذوی القرابة بها ، ثم الجیران.

______________________________________________________

ویدل علی ذلک مضافا إلی إطلاق الأمر ، ما رواه الشیخ ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یعطی الرجل الرأسین ، والثلاثة ، وأربعة » یعنی الفطرة (1).

قوله : ( ویستحب اختصاص ذوی القرابة بها ، ثم الجیران ).

لا ریب فی استحباب تخصیص الأقارب بها ، ثمّ الجیران مع الاستحقاق ، لقوله صلی الله علیه و آله : « لا صدقة وذو رحم محتاج » (2) وقوله علیه السلام : « أفضل الصدقة علی ذی الرحم الکاشح » (3) ، وقوله علیه السلام : « جیران الصدقة أحق بها » (4).

وینبغی ترجیح أهل الفضل فی الدین والعلم ، لأنّهم أفضل من غیرهم فکانت العنایة بهم أولی ، ویؤیّده ما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن عجلان السکونی قال ، قلت : لأبی جعفر علیه السلام : إنّی ربّما قسمت الشی ء بین أصحابی أصلهم به ، فکیف أعطیهم؟ فقال : « أعطهم علی الهجرة فی الدین ، والفقه ، والعقل » (5).

ص: 356


1- التهذیب 4 : 90 - 263 ، الوسائل 6 : 253 أبواب زکاة الفطرة ب 16 ح 3.
2- الفقیه 2 : 38 - 166 ، الوسائل 6 : 286 أبواب زکاة الفطرة ب 20 ح 4.
3- الکافی 4 : 10 - 2 ، الفقیه 2 : 38 - 165 ، التهذیب 4 : 106 - 301 ، ثواب الأعمال : 173 - 18 ، الوسائل 6 : 286 أبواب زکاة الفطرة ب 20 ح 1.
4- الفقیه 2 : 117 - 506 ، التهذیب 4 : 78 - 224 ، الوسائل 6 : 241 أبواب زکاة الفطرة ب 9 ح 10.
5- التهذیب 4 : 101 - 285 ، الوسائل 6 : 181 أبواب المستحقین للزکاة ب 25 ح 2.

استحباب تخصیص القرابة بالفطرة

کتاب الخمس

ص: 357

ص: 358

کتاب الخمس وفیه فصلان :

الأوّل : فی ما یجب فیه ، وهو سبعة :

______________________________________________________

کتاب الخمس

قوله : ( کتاب الخمس ).

الخمس حق مالی ثبت لبنی هاشم بالأصل عوض الزکاة. وهو ثابت بالکتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالی ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبی ) الآیة (1).

وقال الصادق علیه السلام : « إن الله تعالی لما حرم علینا الصدقة أنزل لنا الخمس ، فالصدقة علینا حرام ، والخمس لنا فریضة ، والکرامة لنا حلال » (2).

وأما الإجماع فمن المسلمین کافة.

قوله : ( الأول ، فیما یجب فیه ، وهو سبعة ).

کتاب الخمس

وجوب الخمس

ص: 359


1- الأنفال : 41.
2- الفقیه 2 : 21 - 77 ، الخصال : 290 - 52 ، تفسیر العیاشی 2 : 64 - 65 ، الوسائل 6 : 337 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 1 ح 2.

الأول : غنائم دار الحرب ، مما حواه العسکر وما لم یحوه من أرض وغیرها ، ما لم یکن غصبا من مسلم أو معاهد ، قلیلا کان أو کثیرا.

______________________________________________________

هذا الحصر استقرائی مستفاد من تتبع الأدلة الشرعیة. وذکر الشهید فی البیان أن هذه السبعة کلها مندرجة فی الغنیمة (1).

قوله : ( الأول ، غنائم دار الحرب : ما حواه العسکر وما لم یحوه من أرض وغیرها ، ما لم یکن غصبا من مسلم أو معاهد ، قلیلا کان أو کثیرا ).

هذا الحکم مجمع علیه بین المسلمین. والأصل فیه قوله تعالی : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ ) . والأخبار المستفیضة ، کحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل من أصحابنا یکون فی لوائهم فیکون معهم فیصیب غنیمة ، فقال : « یؤدی خمسنا ویطیب له » (2).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لیس الخمس إلا فی الغنائم » (3).

وصحیحة ربعی بن عبد الله بن الجارود ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وکان ذلک له ، ثم یقسم ما بقی خمسة أخماس ویأخذ خمسه ، ثم یقسم أربعة أخماس بین الناس الذین قاتلوا علیه ، ثم قسم الخمس الذی أخذه خمسة أخماس ، یأخذ خمس الله عزّ وجلّ لنفسه ، ثم یقسم الأربعة

وجوب الخمس فی الغنائم

ص: 360


1- البیان : 213.
2- التهذیب 4 : 124 - 357 ، الوسائل 6 : 340 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 2 ح 8.
3- الفقیه 2 : 21 - 74 ، التهذیب 4 : 124 - 359 ، الإستبصار 2 : 56 - 184 ، الوسائل 6 : 338 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 2 ح 1.

الثانی : المعادن ، سواء کانت منطبعة کالذهب والفضة

______________________________________________________

الأخماس بین ذوی القربی والیتامی والمساکین وأبناء السبیل یعطی کل واحد منهم جمیعا ، وکذلک الإمام یأخذ کما أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله » (1).

ونبه المصنف - رحمه الله - بالتسویة بین القلیل والکثیر علی خلاف المفید - رحمه الله - فی المسائل الغریة حیث اعتبر فی الغنیمة بلوغ عشرین دینارا (2). وهو مدفوع بالعمومات السالمة من المخصص.

وفی حکم غنیمة دار الحرب غنیمة مال البغاة التی حواها العسکر عند الأکثر ، ومنهم المصنف (3) ، فکان علیه أن یذکرها أیضا.

أما ما یسرق من أموال أهل الحرب أو یؤخذ غیلة ، فقد صرح الشهید فی الدروس بأنه لآخذه ولا یجب فیه الخمس ، لأنه لا یسمی غنیمة (4). وربما قیل بالوجوب (5) ، ویدل علیه فحوی ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « خذ مال الناصب حیث ما وجدته ، وادفع إلینا الخمس » (6).

وعن أبی بکر الحضرمی ، عن المعلی ، قال : « خذ مال الناصب حیث ما وجدته ، وابعث إلینا الخمس » (7).

قوله : ( الثانی ، المعادن ، سواء کانت منطبعة کالذهب والفضة

وجوب الخمس فی المعادن

ص: 361


1- التهذیب 4 : 128 - 365 ، الإستبصار 2 : 56 - 186 ، الوسائل 6 : 356 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.
2- حکاه عنه فی المختلف : 203.
3- الشرائع 1 : 179.
4- الدروس : 67.
5- مجمع الفائدة والبرهان 4 : 344.
6- التهذیب 4 : 122 - 350 ، الوسائل 6 : 340 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 2 ح 6.
7- التهذیب 4 : 123 - 351 ، الوسائل 6 : 340 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 2 ح 7.

والرصاص ، أو غیر منطبعة کالیاقوت والزبرجد والکحل ، أو مائعة کالقیر والنفط والکبریت.

______________________________________________________

والرصاص ، أو غیر منطبعة کالیاقوت والزبرجد والکحل ، أو مائعة کالقیر والنفط والکبریت ).

أجمع الأصحاب علی وجوب الخمس فی هذا النوع. والمستند فیه الأخبار المستفیضة ، کصحیحة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المعادن کم فیها؟ قال : « الخمس » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن معادن الذهب والفضة والحدید والرصاص ، فقال : « علیها الخمس جمیعا » (2)

وصحیحة عبید الله الحلبی : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الکنز کم یجب فیه؟ قال : « الخمس » وعن المعادن کم فیها؟ قال : « الخمس » وعن الرصاص والصفر والحدید وما کان من المعادن کم فیها؟ قال : « یؤخذ منها کما یؤخذ من معادن الذهب والفضة » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الملاحة ، فقال : « وما الملاحة؟ » فقلت : أرض سبخة مالحة یجتمع فیها الماء فیصیر ملحا. فقال : « هذا المعدن ، فیه الخمس » فقلت : فالکبریت والنفط یخرج من الأرض؟ فقال : « هذا وأشباهه فیه الخمس » (4) کذا فی

ص: 362


1- الکافی 1 : 546 - 19 ، الفقیه 2 : 21 - 73 ، التهذیب 4 : 121 - 346 ، الوسائل 6 : 342 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 2.
2- الکافی 1 : 544 - 8 ، التهذیب 4 : 121 - 345 ، الوسائل 6 : 342 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 1.
3- الکافی 1 : 546 - 19 ، الفقیه 2 : 21 - 73 ، التهذیب 4 : 121 - 346 ، الوسائل 6 : 342 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 2.
4- التهذیب 4 : 122 - 349 ، المقنع : 53 ، الوسائل 6 : 343 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 4.

______________________________________________________

التهذیب. وفی من لا یحضره الفقیه أورد الروایة بعینها إلا أنه قال بعد قوله فیصیر ملحا : فقال : « هذا مثل المعدن ، فیه الخمس » (1).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لیس الخمس إلا فی الغنائم » (2).

لأنا نجیب عنه بالحمل علی أن المراد : لیس الخمس بظاهر القرآن إلا فی الغنائم ، لأن الخمس فی غیرها إنما ثبت بالسنة ، کما ذکره الشیخ فی التهذیب (3) ، أو بالتزام اندراج الجمیع فی اسم الغنیمة ، لأنها اسم للفائدة فتتناول الجمیع.

والمعادن : جمع معدن کمجلس ، وهو منبت الجوهر من ذهب ونحوه ، سمی بذلک لإقامة أهله فیه دائما ، أو لإنبات (4) الله تعالی إیاه فیه. قاله فی القاموس (5).

وقال ابن الأثیر فی النهایة : المعدن کل ما خرج من الأرض مما یخلق فیها من غیرها مما له قیمة (6).

وقال العلامة فی التذکرة : المعادن کلما خرج من الأرض مما یخلق فیها من غیرها مما له قیمة ، سواء کان منطبعا بانفراده ، کالرصاص والصفر والنحاس والحدید ، أو مع غیره کالزئبق ، أو لم یکن منطبعا ، کالیاقوت

ص: 363


1- الفقیه 2 : 21 - 76.
2- التهذیب 4 : 124 - 359 ، الإستبصار 2 : 56 - 184 ، الوسائل 6 : 338 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 2 ح 1.
3- التهذیب : 124.
4- فی بعض النسخ : لإثبات.
5- القاموس المحیط 4 : 248.
6- النهایة لابن الأثیر 3 : 192.

ویجب فیه الخمس بعد المؤنة ، وقیل : لا یجب حتی یبلغ عشرین دینارا ، وهو المروی.

______________________________________________________

والفیروزج والبلخش (1) والعقیق والبلور والسبج (2) والکحل والزاج والزرنیخ والمغرة (3) والملح أو کان مائعا ، کالقیر والنفط والکبریت عند علمائنا أجمع (4). ونحوه قال فی المنتهی (5).

وقد یحصل التوقف فی مثل المغرة ونحوها ، للشک فی إطلاق اسم المعدن علیها علی سبیل الحقیقة ، وانتفاء ما یدل علی وجوب الخمس فیها علی الخصوص. وجزم الشهیدان بأنه یندرج فی المعادن المغرة والجصّ والنورة وطین الغسل وحجارة الرحی (6). وفی الکل توقف.

قوله : ( ویجب فیه الخمس بعد المؤنة ، وقیل : لا یجب حتی یبلغ عشرین دینارا ، وهو المروی ، والأول أکثر ).

اختلف الأصحاب فی اعتبار النصاب فی المعادن ، وفی قدره. فقال الشیخ فی الخلاف : یجب الخمس فی المعادن ولا یراعی فیها نصاب (7). وبه قطع ابن إدریس فی سرائره فقال : إجماع الأصحاب منعقد علی وجوب إخراج الخمس من المعادن علی اختلاف أجناسها ، قلیلا کان أو کثیرا ، ذهبا أو فضة ، من غیر اعتبار مقدار (8). وهو اختیار ابن الجنید (9) ، والسید

اشتراط النصاب فی المعادن

ص: 364


1- البلخش : لعل ، ضرب من الیاقوت - ملحقات لسان العرب : 68.
2- السبج : الخرز الأسود - راجع الصحاح 1 : 321.
3- المغرة : الطین الأحمر - مختار الصحاح : 629.
4- التذکرة 1 : 251.
5- المنتهی 1 : 544.
6- الشهید الأول فی الدروس : 68 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 2 : 66 ، والمسالک 1 : 66.
7- الخلاف 1 : 356.
8- السرائر : 113.
9- حکاه فی المختلف : 203.

______________________________________________________

المرتضی (1) ، وابن أبی عقیل (2) ، وابن زهرة (3) ، وسلار (4) ، وغیرهم.

وقال أبو الصلاح : یعتبر بلوغ قیمته دینارا واحدا (5) ، ورواه ابن بابویه - مرسلا - فی المقنع ، ومن لا یحضره الفقیه (6).

وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط : لا یجب فیها شی ء حتی تبلغ عشرین دینارا (7) (8). وإلیه ذهب عامة المتأخرین. وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الشیخ ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن یعقوب بن یزید ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عما أخرج من المعدن من قلیل أو کثیر هل فیه شی ء؟ قال : « لیس فیه شی ء حتی یبلغ ما یکون فی مثله الزکاة عشرین دینارا » (9) وهی مع صحة سندها نصّ فی المطلوب.

احتج القائلون بعدم اعتبار النصاب بإطلاق النصوص المتضمنة لوجوب الخمس فی المعادن من غیر تفصیل ، وإجماع الأصحاب علی وجوب إخراج الخمس من المعادن من غیر اعتبار مقدار (10).

ص: 365


1- الانتصار : 86 ، ورسائل الشریف المرتضی 1 : 226.
2- حکاه عنه فی المختلف : 203.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 569.
4- المراسم : 139.
5- الکافی فی الفقه : 170.
6- الفقیه 2 : 21 - 72 ، المقنع : 53 ، الوسائل 6 : 343 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 5 ، وأورده فی النهایة : 43.
7- النهایة : 197 ، والمبسوط 1 : 237.
8- فی « ح » زیادة : واختاره العلامة.
9- التهذیب 4 : 138 - 391 ، الوسائل 6 : 344 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 4 ح 1.
10- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 356 ، وابن إدریس فی السرائر : 113.

______________________________________________________

والجواب أن الإطلاق مقید بما ذکرناه من الدلیل.

قال فی المنتهی : ودعوی الإجماع فی موضع الخلاف ظاهرة البطلان (1).

احتج أبو الصلاح (2) بما رواه الشیخ ، عن سعد ، عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب ، عن أحمد بن أبی نصر ، عن محمد بن علی بن أبی عبد الله ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عما یخرج من البحر من اللؤلؤ والیاقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضة هل فیه زکاة؟ فقال : « إذا بلغ قیمته دینارا ففیه الخمس » (3). وقد روی ذلک ابن بابویه مرسلا عن الکاظم علیه السلام (4).

والجواب أولا : بالطعن فی السند بجهالة الراوی ، مع أن الراوی عنه - وهو ابن أبی نصر - روی عن الرضا علیه السلام اعتبار العشرین دینارا بغیر واسطة. وثانیا : بالحمل علی الاستحباب جمعا بین الأدلة.

وأجاب عنه الشیخ فی التهذیب بأنه إنما یتناول حکم ما یخرج من البحر لا المعادن (5). وهو بعید جدا.

وقال فی المنتهی : إن دلالة حدیثنا علی ما اعتبرناه من النصاب أقوی من دلالة هذه الروایة ، وأیضا : فحدیثنا یتناول المعادن وهو لفظ عام ، وحدیثکم یتناول معادن الذهب والفضة خاصة ، وإذا احتمل کان الاستدلال بحدیثنا أولی ، علی أن حدیثنا معتضد بالأصل وهو براءة الذمة ونفی الضرر (6).

ص: 366


1- المنتهی 1 : 549.
2- حکاه عنه فی المنتهی 1 : 549.
3- التهذیب 4 : 139 - 392 ، الوسائل 6 : 343 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 5.
4- الفقیه 2 : 21 - 72.
5- التهذیب 4 : 139.
6- المنتهی 1 : 549.

______________________________________________________

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : لا یعتبر فی النصاب الإخراج دفعة ، بل لو أخرج المعدن فی دفعات متعددة ضم بعضه إلی بعض واعتبر النصاب من المجموع وإن تخلل بین المرتین الإعراض ، لعموم النص.

وقال العلامة فی المنتهی : یعتبر النصاب فیما أخرج دفعة أو دفعات لا یترک العمل بینها ترک إهمال ، فلو أخرج دون النصاب وترک العمل مهملا له ، ثم أخرج دون النصاب وکملا نصابا لم یجب علیه شی ء. ولو بلغ أحدهما نصابا أخرج خمسه ولا شی ء علیه فی الآخر. أما لو ترک العمل لا مهملا بل للاستراحة - مثلا - أو لإصلاح آلة أو طلب أکل وما أشبهه ، فالأقرب وجوب الخمس إذا بلغ المنضم النصاب ، ثم یخرج من الزائد مطلقا ما لم یترکه مهملا ، وکذا لو اشتغل بالعمل فخرج بین المعدن تراب أو شبهه (1). هذا کلامه رحمه الله ، ولم أقف علی دلیل یدل علی اعتبار هذا الشرط ، فکان منفیا بالأصل والعمومات المتضمنة لوجوب الخمس فی هذا النوع.

ولا یشترط فی الضم اتحاد المعدن فی النوع. وحکی العلامة فی المنتهی عن بعض العامة قولا بعدم الضم مع الاختلاف مطلقا ، وعن آخرین عدم الضم فی الذهب والفضة خاصة حملا علی الزکاة (2).

الثانی : لو اشترک جماعة فی استخراج المعدن اشترط بلوغ نصیب کل واحد النصاب ، وتتحقق الشرکة بالاجتماع علی الحفر والحیازة. ولو اختص أحدهم بالحیازة والآخر بالنقل وثالث بالسبک ، فإن نوی الحیازة لنفسه کان الجمیع له وعلیه أجرة الناقل والسابک ، وإن نوی الشرکة کان بینهم أثلاثا ،

ص: 367


1- المنتهی 1 : 549.
2- المنتهی 1 : 549.

الثالث : الکنوز ، وهو کل مال مذخور تحت الأرض ، فإن بلغ عشرین دینارا وکان فی أرض دار الحرب أو دار الإسلام ولیس علیه أثره وجب الخمس. ولو وجده فی ملک مبتاع عرّفه البائع. فإن عرفه فهو أحق به.

وإن جهله فهو للمشتری وعلیه الخمس.

______________________________________________________

ویرجع کل واحد منهم علی الآخرین بثلث عمله بناء علی أن نیة الحائز تؤثر فی ملک غیره.

الثالث : قال الشیخ رحمه الله : یمنع الذمی من العمل فی المعدن لنفسه ، فإن خالف وأخرج شیئا منه ملکه وأخرج خمسه (1). ولم أقف علی دلیل یدل علی منع الذمی من ذلک.

الرابع : المعدن إن کان فی ملک ملکه صاحب الملک ، فیصرف الخمس لأربابه والباقی له ، ولا شی ء للمخرج ، ولا تعد هذه مؤنة بالنسبة إلی المالک. وإن کان فی أرض مباحة فهو لمخرجه وعلیه الخمس.

الخامس : لو أخرج خمس تراب المعدن لم یجزئه ، لجواز اختلافه فی الجوهر. ولو علم الساوی جاز.

السادس : لو لم یخرج من المعدن حتی عمله دراهم أو دنانیر أو حلیا ، اعتبر فی الأصل نصاب المعدن ، ویتعلق بالزائد حکم المکاسب.

قوله : ( الثالث ، الکنوز : وهو کل مال مذخور تحت الأرض ، فإن بلغ عشرین دینارا وکان فی أرض الحرب أو دار الإسلام ولیس علیه أثره وجب الخمس ، ولو وجده فی ملک مبتاع عرّفه البائع ، فإن عرفه فهو أحق به ، وإن جهله فهو للمشتری وعلیه الخمس ).

وجوب الخمس فی الکنوز

ص: 368


1- الخلاف 1 : 357.

______________________________________________________

الکنز لغة : المال المدفون (1) ، وعرفه المصنف بأنه المال المذخور تحت الأرض ، وهو قریب من المعنی اللغوی.

وقد أجمع العلماء کافة علی وجوب الخمس فی الکنوز. والأصل فیه من طریق الأصحاب ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، فقال : « علیه الخمس » قال : وسألته عن الکنز کم فیه؟ قال : « الخمس » وعن المعادن کم فیها؟ قال : « الخمس » (2).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن المعادن کم فیها؟ فقال : « کل ما کان رکازا ففیه الخمس » (3).

والرکاز : ما رکزه الله فی المعادن أی أحدثه ، ودفین أهل الجاهلیة ، وقطع الذهب والفضة من المعدن ، قاله فی القاموس (4).

وقد نصّ الأصحاب علی أن الخمس إنما یجب فی الکنز إذا بلغ النصاب. ویدل علیه ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عما یجب فیه الخمس من الکنز ، فقال : « ما تجب الزکاة فی مثله ففیه الخمس » (5).

ومقتضی الروایة تعلق الخمس به إذا بلغ نصاب أحد النقدین ، إلا أن المصنف وجماعة اقتصروا علی ذکر نصاب الذهب.

ص: 369


1- الصحاح 3 : 893.
2- التهذیب 4 : 121 - 346 ، الوسائل 6 : 347 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 7 ح 1.
3- التهذیب 4 : 122 - 347 ، الوسائل 6 : 343 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 3.
4- القاموس المحیط 2 : 183.
5- الفقیه 2 : 21 - 75 ، الوسائل 6 : 345 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 5 ح 2.

______________________________________________________

وبما ذکرناه صرح العلامة فی المنتهی ، فقال : هذا المقدار المعین وهو العشرون مثقالا معتبر فی الذهب ، والفضة یعتبر فیها مائتا درهم ، وما عداهما یعتبر فیه قیمته بأحدهما. ثم قال فی المنتهی : ولیس للرکاز نصاب آخر ، بل لا یجب الخمس فیه إلا أن یکون عشرین مثقالا ، فإذا بلغها وجب الخمس فیه وفیما زاد ، قلیلا کان أو کثیرا (1).

ویشکل بأن مقتضی روایة ابن أبی نصر مساواة الخمس للزکاة فی اعتبار النصاب الثانی کالأول ، إلا أنی لا أعلم بذلک مصرحا.

واعلم أن الکنز إما أن یوجد فی دار الحرب ، أو فی دار الإسلام ، وعلی التقدیر الثانی. فإما أن یوجد فی أرض مباحة کالموات وما باد أهله ، أو مملوکة للواجد ، أو لغیره ، فالصور أربع :

الأولی : أن یکون فی دار الحرب. وقد قطع الأصحاب بأنه لواجده ، سواء کان علیه أثر الإسلام ، وهو اسم النبی صلی الله علیه و آله أو أحد ولاة الإسلام ، أم لا ، وعلیه الخمس.

أما وجوب الخمس ، فلما تقدم. وأما أنه لواجده ، فلأن الأصل فی الأشیاء الإباحة ، والتصرف فی مال الغیر إنما ثبت تحریمه إذا ثبت کون المال لمحترم ، أو تعلق به نهی خصوصا أو عموما ، والکل هنا منتف. وتؤیده صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الورق توجد فی دار ، فقال : « إن کانت الدار معمورة فیها أهلها فهی لأهلها ، وإن کانت خربة فأنت أحق بما وجدت » (2).

الثانیة : أن یکون فی أرض مباحة من دار الإسلام. والأصح أنه کالأول ، کما هو ظاهر اختیار المصنف فی کتاب اللقطة من هذا الکتاب (3) ،

حکم الکنز

ص: 370


1- المنتهی 1 : 549.
2- التهذیب 6 : 390 - 1165 ، الوسائل 17 : 354 أبواب اللقطة ب 5 ح 2.
3- الشرائع 3 : 293.

______________________________________________________

وإلیه ذهب الشیخ فی جملة من کتبه (1) ، وابن إدریس (2) ، وجماعة ، لعین ما ذکرناه سابقا من الدلیل.

وقال الشیخ فی المبسوط : إن کان علیه أثر الإسلام فهو لقطة ، وإن لم یکن علیه أثر الإسلام ملکه وأخرج خمسه (3). واختاره المصنف ، وأکثر المتأخرین.

واستدلوا علی القسم الثانی بنحو ما ذکرناه ، وعلی القسم الأول بأن ما علیه أثر الإسلام یصدق علیه أنه مال ضائع علیه أثر ملک إنسان ووجد فی دار الإسلام ، فیکون لقطة کغیره ، وبأن أثر الإسلام یدل علی سبق ید مسلم والأصل بقاء ملکه ، وبما رواه الشیخ ، عن محمد بن قیس ، عن الباقر علیه السلام ، قال : « قضی علی علیه السلام فی رجل وجد ورقا فی خربة أن یعرّفها ، فإن وجد من یعرفها وإلا تمتع بها » (4).

ویتوجه علی الأول : المنع من إطلاق اسم اللقطة علی المال المکنوز ، إذ المتبادر من معناها أنها المال الضائع علی غیر هذا الوجه ، علی أن اللازم من ذلک عدم الفرق بین ما علیه أثر الإسلام وغیره ، وهم لا یقولون به.

وعلی الثانی : أن وجود أثر الإسلام علی المال المکنوز لا یقتضی جریان ملک المسلم علیه ، إذ یمکن صدور الأثر من غیر المسلم ، کما اعترف به الأصحاب فی القسم الأول ، وهو الموجود فی دار الحرب.

وأما الروایة فغیر دالة علی هذا التفصیل بوجه ، والجمع بینها وبین صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة (5) یقتضی حملها علی ما إذا کانت الخربة

ص: 371


1- الخلاف 1 : 358.
2- السرائر : 113.
3- المبسوط 1 : 236.
4- التهذیب 6 : 398 - 1199 ، الوسائل 17 : 355 أبواب اللقطة ب 5 ح 5.
5- فی ص 370.

وکذا لو اشتری دابة ووجد فی جوفها شیئا له قیمة.

______________________________________________________

لمالک معروف ، أو علی ما إذا کان الورق غیر مکنوز. وکیف کان فلا دلالة لها علی ما اعتبروه من التفصیل ، فالمصیر إلیه لا یخلو من تحکم.

الثالثة : أن یکون فی أرض مملوکة للواجد. فإن ملکت بالإحیاء کان کالموجود فی المباح ، وإن کانت مبتاعة ولم یدخل الکنز فی البیع فقد نصّ الشارح (1) وجماعة علی أنه یجب تعریف کل من جرت یده علی المبیع مقدّما الأقرب فالأقرب ، فإن عرفه فهو له ، وإلا کان کالموجود فی المباح.

ویمکن المناقشة فی وجوب تعریفه لذی الید السابقة إذا احتمل عدم جریان یده علیه ، لأصالة البراءة من هذا التکلیف ، مضافا إلی أصالة عدم التقدم. ولو علم انتفاؤه عن بعض الملاّک فینبغی القطع بسقوط تعریفه ، لانتفاء فائدته ، وکذا الکلام لو کانت موروثة.

الرابعة : أن یکون فی أرض مملوکة لمسلم أو معاهد. والحکم فیه کما فی الموجود فی الأرض المبتاعة. ولو علم انتفاء الکنز عن المالک المعروف سقط تعریفه وکان کالموجود فی المباح ، لأن المالک والحال هذه مجهول ، فجاز أن یکون غیر محترم. والله تعالی أعلم.

قوله : ( وکذا ، لو اشتری دابة ووجد فی جوفها شیئا له قیمة ).

أی : وکذا یجب تعریف البائع لو اشتری دابة فوجد فی بطنها شیئا له قیمة ، فإن عرفه فهو أحق به ، وإن جهله فهو للمشتری وعلیه الخمس.

أما وجوب التعریف ، فتدل علیه صحیحة عبد الله بن جعفر ، قال : کتبت إلی الرجل أسأله عن رجل اشتری جزورا أو بقرة للأضاحی ، فلما ذبحها وجد فی جوفها صرة فیها دراهم أو دنانیر أو جوهر ، لمن یکون ذلک؟

حکم ما یوجد فی جوف الحیوان

ص: 372


1- المسالک 1 : 66.

ولو ابتاع سمکة فوجد فی جوفها شیئا أخرج خمسه ، وکان له الباقی ، ولا یعرّف.

______________________________________________________

فوقع علیه السلام : « عرفها البائع ، فإن لم یکن یعرفها فالشی ء لک ، رزقک الله إیاه » (1).

وإطلاق الروایة یقتضی عدم الفرق بین ما علیه أثر الإسلام وغیره ، بل الظاهر کون الدراهم فی ذلک الوقت مسکوکة بسکة الإسلام. ولعل ذلک هو الوجه فی إطلاق الأصحاب الحکم فی هذه المسألة والتفصیل فی المسألة السابقة.

ویستفاد من هذه الروایة أیضا أنه لا یجب تتبع من جرت یده علی الدابة من الملاّک ، وهو کذلک ، إذ من الجائز عدم جریان ید (2) ذی الملک المتقدم علی هذا الموجود. بل لو علم تأخر ابتلاع الدابة لما وجد فی جوفها عن البیع ، لم یبعد سقوط تعریف البائع أیضا.

وأما وجوب الخمس فی هذا الموجود ، فقد قطع به الأصحاب ولم ینقلوا علیه دلیلا ، وظاهرهم اندراجه فی مفهوم الکنز ، وهو بعید. نعم یمکن دخوله فی قسم الأرباح.

قوله : ( ولو ابتاع سمکة فوجد فی جوفها شیئا أخرج خمسه وکان الباقی له ، ولا یعرّف ).

الفرق بین الدابة والسمکة حیث جعل ما یوجد فی جوف الدابة کالموجود فی الأرض المبیعة ، وما فی جوف السمکة کالموجود فی المباح : أن الدابة مملوکة فی الأصل للغیر ، فکانت کالأرض ، بخلاف السمکة فإنها فی الأصل من المباحات التی لا تملک إلا بالحیازة ونیة التملک. ومن

ص: 373


1- الکافی 5 : 139 - 9 ، التهذیب 6 : 392 - 1174 ، الوسائل 17 : 358 أبواب اللقطة ب 9 ح 1.
2- أثبتناه من « س ».

تفریع : إذا وجد کنزا فی أرض موات من دار الإسلام ، فإن لم یکن علیه سکة أو کان علیه سکة عادیة أخرج خمسه وکان له الباقی ، وإن کان علیه سکة الإسلام ، قیل : یعرّف کاللقطة ، وقیل : یملکه الواجد وعلیه الخمس ، والأول أشبه.

______________________________________________________

المعلوم عدم توجه القصد إلی ملک ما فی بطن السمکة لعدم الشعور به ، بل ربما أمکن دعوی عدم صدق حیازته ، فیکون باقیا علی أصالة الإباحة وإن کان علیه أثر الإسلام ، لأن ذلک لا یدل علی جریان ملک المسلم علیه کما بیناه.

وربما لاح من کلام العلامة فی التذکرة المیل إلی إلحاق السمکة بالدابة ، لأن القصد إلی حیازتها یستلزم القصد إلی حیازة جمیع أجزائها (1). وهو بعید.

وأما وجوب الخمس فی ذلک ، فالکلام فیه کما فی الموجود فی جوف الدابة.

قوله : ( تفریع ، إذا وجد کنزا فی أرض موات من دار الإسلام ، فإن لم یکن علیه سکة أو کان علیه سکة عادیة أخرج خمسه وکان له الباقی ، وإن کان علیه أثر الإسلام قیل : یعرّف کاللقطة ، وقیل : یملکه الواجد وعلیه الخمس ، والأول أشبه ).

قد تقدم الکلام فی ذلک ، وأن القول الثانی لا یخلو من قوة (2)

والعادیّ - بالتشدید - : الشی ء القدیم ، کأنه منسوب إلی عاد قوم هود. والمراد بالسکة العادیة هنا ما قابل سکة الإسلام سواء کانت قدیمة أو حادثة.

ص: 374


1- التذکرة 2 : 265.
2- فی ص 370.

الرابع : کل ما یخرج من البحر بالغوص ، کالجواهر والدرر ، بشرط أن تبلغ قیمته دینارا فصاعدا ،

______________________________________________________

قوله : ( الرابع ، کل ما یخرج من البحر بالغوص ، کالجواهر والدرر ، بشرط أن تبلغ قیمته دینارا فصاعدا ).

أما وجوب الخمس فی هذا النوع فقال العلامة - رحمه الله - فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (1) ، واستدل بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، قال : « علیه الخمس » (2) وهی قاصرة عن إفادة التعمیم (3).

وأما اعتبار النصاب فیه ( فهو ) (4) موضع وفاق بینهم أیضا. واختلف کلامهم فی تقدیره ، فذهب الأکثر إلی أنه دینار واحد ، لما رواه الشیخ ، عن أحمد بن أبی نصر ، عن محمد بن علی بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عما یخرج من البحر من اللؤلؤ والیاقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضة ، هل فیه زکاة؟ فقال : « إذا بلغ قیمته دینارا ففیه الخمس » (5) وهذه الروایة وإن کانت ضعیفة السند بجهالة الراوی إلا أن الإجماع المنقول منعقد علی اعتبار النصاب ، ولا قائل باعتبار ما دون ذلک.

وحکی العلامة فی المختلف عن المفید فی المسائل الغریة أنه جعل نصابه عشرین دینارا کالمعدن (6). ولم نقف له علی مستند.

قال فی المنتهی : ولا یعتبر فی الزائد نصاب إجماعا ، بل لو زاد قلیلا

وجوب الخمس فی الغوص

ص: 375


1- المنتهی 1 : 547.
2- التهذیب 4 : 121 - 346 ، الوسائل 6 : 347 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 7 ح 1.
3- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : لاختصاصها بغوص اللؤلؤ إلاّ أن یقال أنه لا قائل بالفرق.
4- فی « ض » ، « م » : فقیل إنه.
5- التهذیب 4 : 124 - 356 ، الوسائل 6 : 343 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 5.
6- المختلف : 203.

ولو أخذ منه شی ء من غیر غوص لم یجب الخمس فیه.

______________________________________________________

أو کثیرا وجب فیه الخمس (1)

والبحث فی الدفعة والدفعات کما سلف فی المعدن ، والأقرب ضم الجمیع وإن أعرض أو تباعد الزمان.

ولو اشترک فی الغوص جماعة اعتبر بلوغ نصیب کل واحد منهم النصاب. ویضم أنواع المخرج بعضها إلی بعض فی التقویم.

ولو أخرج من البحر حیوانا بالغوص فالأصح أنه لا یتعلق به حکم الغوص ، بل یکون من باب الأرباح والفوائد التی یعتبر فیها مؤنة السنة کما اختاره فی المعتبر (2). وحکی الشهید فی البیان عن بعض من عاصره أنه جعله من قبیل الغوص (3). وهو ضعیف ، لأن الروایة المعتبرة إنما تضمّنت غوص اللؤلؤ خاصة ، وما عداه إنما ثبت حکمه بالإجماع إن تم ، وهو غیر منعقد هنا.

قوله : ( ولو أخذ منه شی ء من غیر غوص لم یجب فیه الخمس ).

المراد أنه لا یجب فیه الخمس من هذه الجهة ، ولا ینافی ذلک وجوب الخمس فیه اعتبار کونه من الأرباح. واستقرب الشهیدان مساواة ما یؤخذ من البحر من غیر غوص لما یؤخذ بالغوص (4). وربما کان مستنده إطلاق روایة محمد بن علی المتقدمة عن أبی الحسن علیه السلام ، حیث سأله عما یخرج من البحر فقال : « إذا بلغ قیمته دینارا ففیه الخمس » (5) لکنها ضعیفة

حکم المأخوذ من غیر غوص

ص: 376


1- المنتهی 1 : 550.
2- المعتبر 2 : 623.
3- البیان : 216.
4- الشهید الأول فی البیان : 216 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 67.
5- الکافی 1 : 547 - 21 ، الفقیه 2 : 21 - 72 ، التهذیب 4 : 124 - 356 ، المقنعة : 46 وفیها : عن الصادق علیه السلام ، المقنع : 53 ، الوسائل 6 : 343 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 5.

تفریع : العنبر إن أخرج بالغوص روعی فیه مقدار دینار ، وإن جنی من وجه الماء أو من الساحل کان له حکم المعادن.

______________________________________________________

السند (1).

وکیف کان فینبغی القطع بعدم وجوب الخمس فیما یوجد مطروحا فی الساحل ، لأصالة البراءة السالمة من المعارض.

قوله : ( تفریع ، العنبر إذا أخرج بالغوص روعی فیه مقدار دینار ، وإن جنی من وجه الماء أو من الساحل کان له حکم المعادن ).

اختلف کلام أهل اللغة فی حقیقة العنبر ، فقال فی القاموس : العنبر من الطیب ، روث دابة بحریة ، أو نبع عین فیه (2). ونقل ابن إدریس فی سرائره عن الجاحظ فی کتاب الحیوان أنه قال : العنبر یقذفه البحر إلی جزیرة فلا یأکل منه شی ء إلا مات ، ولا ینقره طائر بمنقاره إلا نصل فیه منقاره ، وإذا وضع رجلیه علیه نصلت أظفاره (3).

وحکی الشهید فی البیان عن أهل الطب أنهم قالوا : إنه جماجم تخرج من عین فی البحر ، أکبرها وزنه ألف مثقال (4).

وقد أجمع الأصحاب علی وجوب الخمس فی العنبر. وهو مروی فی صحیحة الحلبی المتقدمة عن الصادق علیه السلام (5). واختلف کلامهم فی مقدار نصابه ، فذهب الأکثر إلی أنه إن أخرج بالغوص روعی فیه مقدار دینار ، وإن جنی من وجه الماء أو من الساحل کان له حکم المعادن.

حکم اخراج العنبر

ص: 377


1- ووجهه هو کون راویها مجهولا - راجع ص 366.
2- القاموس المحیط 2 : 100.
3- السرائر : 113.
4- البیان : 216.
5- فی ص 375.

الخامس : ما یفضل عن مؤنة السنة له ولعیاله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات.

______________________________________________________

ویشکل بانتفاء ما یدل علی اعتبار الدینار فی مطلق المخرج بالغوص ، وبالمنع من إطلاق اسم المعدن علی ما یجنی من وجه الماء.

وأطلق المفید فی المسائل الغریة أن نصابه عشرون دینارا کالکنز والمعدن (1). وهو ضعیف. ولو قیل بوجوب الخمس فیه مطلقا کما هو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (2) کان قویا.

قوله : ( الخامس ، ما یفضل عن مؤنة السنة له ولعیاله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات ).

البحث فی هذه المسألة یقع فی مواضع :

الأول : فی وجوب الخمس فی هذا النوع ، وهو مقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، بل ادعی علیه العلامة فی التذکرة والمنتهی الإجماع وتواتر الأخبار (3).

وقال ابن الجنید فی مختصر الأحمدی : فأما ما استفید من میراث أو کد بدن أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلک فالأحوط إخراجه لاختلاف الروایة فی ذلک ، ولو لم یخرجه الإنسان لم یکن کتارک الزکاة التی لا خلاف فیها (4).

وظاهر کلامه العفو عن هذا النوع. وحکاه الشهید فی البیان عن ظاهر ابن أبی عقیل أیضا فقال : وظاهر ابن الجنید وابن أبی عقیل العفو عن هذا النوع وأنه لا خمس فیه ، والأکثر علی وجوبه ، وهو المعتمد ، لانعقاد

وجوب الخمس فیما یفضل عن مؤنة السنة

ص: 378


1- حکاه عنه فی المختلف : 203.
2- النهایة : 197.
3- التذکرة 1 : 252 ، والمنتهی 1 : 548.
4- حکاه عنه فی المختلف : 202.

______________________________________________________

الإجماع علیه فی الأزمنة السابقة لزمانهما واشتهار الروایات فیه (1) ، انتهی.

احتج الموجبون بقوله تعالی ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ) (2) والغنیمة اسم للفائدة ، فکما یتناول هذا اللفظ غنیمة دار الحرب بإطلاقه یتناول غیرها من الفوائد ، وبالأخبار المستفیضة کروایة عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « علی کل امرئ غنم واکتسب الخمس مما أصاب لفاطمة علیهاالسلام ولمن یلی أمرها من بعدها من ورثتها الحجج علی الناس ، فذلک لهم خاصة یضعونه حیث شاءوا ، وحرم علیهم الصدقة ، حتی الخیاط یخیط قمیصا بخمسة دوانیق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شیعتنا لتطیب لهم به الولادة » (3).

وروایة حکم مؤذن بنی عبیس (4) ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : واعلموا أنما غنمتم من شی ء فأن لله خمسه وللرسول ، قال : « هی والله الإفادة یوما بیوم ، إلا أن أبی جعل شیعتنا فی حل من ذلک لیزکوا » (5).

وروایة محمد بن الحسن الأشعری ، قال : کتب بعض أصحابنا إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام : أخبرنی عن الخمس أعلی جمیع ما یستفید الرجل من قلیل وکثیر من جمیع الضروب وعلی الضیاع وکیف ذلک؟ فکتب بخطه : « الخمس بعد المؤنة » (6).

ص: 379


1- البیان : 218.
2- الأنفال : 41.
3- التهذیب 4 : 122 - 348 ، الإستبصار 2 : 55 - 180 ، الوسائل 6 : 351 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 8 ح 8. فی التهذیب والوسائل و « ض » و « م » : ذریتها بدل ورثتها.
4- فی التهذیب والاستبصار و « ض » : بنی عبس ، وفی الکافی : ابن عیسی ، والموجود هو الموافق لحجری الاستبصار - راجع معجم رجال الحدیث 6 : 188.
5- الکافی 1 : 544 - 10 ، التهذیب 4 : 121 - 344 ، الاستبصار 2 : 54 - 179 ، والوسائل 6 : 380 أبواب الأنفال وما یختص بالإمام ب 4 ح 8.
6- التهذیب 4 : 123 - 352 ، الإستبصار 2 : 55 - 181 ، الوسائل 6 : 348 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 8 ح 1. وفیها وفی « ض » : الصناع بدل الضیاع.

______________________________________________________

وروایة علی بن مهزیار قال ، قال لی أبو علی بن راشد ، قلت له : أمرتنی بالقیام بأمرک وأخذ حقک فأعلمت موالیک ذلک ، فقال لی بعضهم : وأی شی ء حقه؟ فلم أدر ما أجیبه فقال : « یجب علیهم الخمس » فقلت فی أی شی ء؟ فقال : « فی أمتعتهم وضیاعهم ، والتاجر علیه ، والصانع بیده ، وذلک إذا أمکنهم بعد مؤنتهم » (1).

وروایة الریان بن الصلت ، قال : کتبت إلی أبی محمد علیه السلام : ما الذی یجب علیّ یا مولای فی غلة رحی ، فی أرض قطیعة لی ، وفی ثمن سمک وبردی وقصب أبیعه من أجمة هذه القطیعة؟ فکتب : « یجب علیک فیه الخمس إن شاء الله » (2).

وصحیحة علی بن مهزیار ، قال : کتب إلیه أبو جعفر وقرأت أنا کتابه إلیه فی طریق مکة ، قال : « الذی أوجبت فی سنتی هذه وهی سنة عشرین ومائتین فقط لمعنی من المعانی أکره تفسیر المعنی کله خوفا من الانتشار ، وسأفسر لک بعضه إن شاء الله : إنّ موالیّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصّروا فیما یجب علیهم فعلمت ذلک فأحببت أن أطهرهم وأزکیهم بما فعلت فی عامی هذا من أمر الخمس ، قال الله تعالی ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَیْهِمْ إِنَّ صَلاتَکَ سَکَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ. أَلَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَیَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِیمُ. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلی عالِمِ الْغَیْبِ وَالشَّهادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (3) ولم أوجب علیهم

ص: 380


1- التهذیب 4 : 123 - 353 ، الإستبصار 2 : 55 - 182 ، الوسائل 6 : 348 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 8 ح 3 ، بتفاوت یسیر.
2- التهذیب 4 : 139 - 394 ، الوسائل 6 : 351 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 8 ح 9 بتفاوت یسیر.
3- التوبة : 103 - 105.

______________________________________________________

ذلک فی کل عام ولا أوجب علیهم إلا الزکاة التی فرضها الله علیهم ، وإنما أوجبت علیهم الخمس فی سنتی هذه من الذهب والفضة التی قد حال علیها الحول ، ولم أوجب ذلک علیهم فی متاع ولا آنیة ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه فی تجارة ولا ضیعة إلا ضیعة سأفسر لک أمرها ، تخفیفا منی عن موالی ، ومنا منی علیهم ، لما یغتال السلطان من أموالهم ، ولما ینوبهم فی ذاتهم. فأما الغنائم والفوائد فهی واجبة علیهم فی کل عام ، قال الله تعالی : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبی وَالْیَتامی وَالْمَساکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ إِنْ کُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلی عَبْدِنا یَوْمَ الْفُرْقانِ یَوْمَ الْتَقَی الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ ) (1) والغنائم والفوائد - یرحمک الله - فهی الغنیمة یغنمها المرء ، والفائدة یفیدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التی لها خطر ، والمیراث الذی لا یحتسب من غیر أب ولا ابن ، ومثل عدو یصطلم فیؤخذ ماله ، ومثل مال یوجد لا یعرف له صاحب ، ومن ضرب ما صار إلی موالیّ من أموال الخرمیة (2) الفسقة ، فقد عرفت أن أموالا عظاما صارت إلی قوم من موالیّ ، فمن کان عنده شی ء من ذلک فلیوصل إلی وکیلی ، ومن کان نائیا بعید الشقة فلیتعمد لإیصاله ولو بعد حین ، فإن نیة المؤمن خیر من عمله. فأما الذی أوجب من الضیاع والغلات فهو نصف السدس ممن کانت ضیعته تقوم بمؤنته ، ومن کان ضیعته لا تقوم بمؤنته فلیس علیه نصف سدس ولا غیر ذلک » (3).

وفی جمیع هذه الأدلة نظر :

أما الآیة الشریفة فلأن المتبادر من الغنیمة الواقعة فیها غنیمة دار الحرب

ص: 381


1- الأنفال : 41.
2- فی الأصل و « ض » : الجرمیة ، وما أثبتناه من المصدر و « م ». والخرمیة هم أصحاب التناسخ والإباحة - راجع تاریخ الطبری 7 : 2. ولسان العرب 12 : 172.
3- التهذیب 4 : 141 - 398 ، الإستبصار 2 : 60 - 198 ، الوسائل 6 : 349 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 8 ح 5 بتفاوت یسیر.

______________________________________________________

کما یدل علیه سوق الآیات السابقة واللاحقة ، فلا یمکن التجوز بها فی غیره إلا مع قیام الدلالة علیه.

وأما الروایات فلا یخلو شی ء منها من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة.

أما الروایة الأولی ، فلأن من جملة رجالها عبد الله بن القاسم الحضرمی ، وقال النجاشی : إنه کان کذابا یروی عن الغلاة لا خیر فیه ولا یعتد بروایته (1). والعجب من وصف العلامة فی المنتهی لها مع ذلک بالصحة (2). وأیضا فإن ظاهرها اختصاص الخمس بالأئمة علیهم السلام ، وهو خلاف المعروف من مذهب الأصحاب.

وأما الروایة الثانیة ، فلاشتمال سندها علی عدة من الضعفاء والمجاهیل ، منهم محمد بن سنان وغیره.

وأما الروایة الثالثة ، فلأن راویها وهو محمد بن الحسن الأشعری مجهول ، فلا یمکن التعویل علی روایته.

وأما الروایة الرابعة ، فلأن راویها وهو أبو علی بن راشد لم یوثق صریحا ، مع أنها کالأولی فی الدلالة.

وأما روایة الریان فهی جیدة السند ، لأن الشیخ - رحمه الله - وإن رواها فی التهذیب عنه مرسلا (3) ، إلا أن طریقه إلیه فی الفهرست صحیح (4). لکنها قاصرة من حیث المتن ، لاختصاصها بالأرض القطیعة ، وهی علی ما نص علیه الجوهری طائفة من أرض الخراج (5) ، أو محال ببغداد أقطعها

ص: 382


1- رجال النجاشی : 226 - 594.
2- المنتهی 1 : 548.
3- المتقدمة فی ص 380.
4- الفهرست : 71.
5- الصحاح 3 : 1268 قال : وأقطعته قطیعة ، أی طائفة من أرض الخراج.

______________________________________________________

المنصور أناسا من أعیان دولته لیعمروها ویسکنوها کما ذکره فی القاموس (1). ومستحق الخمس فیها غیر مذکور ، فجاز أن یکون غیر مستحق الغنائم.

وأما روایة علی بن مهزیار فهی معتبرة السند ، لکنها متروکة الظاهر من حیث اقتضائها وجوب الخمس فیما حال علیه الحول من الذهب والفضة. ومع ذلک فمقتضاها اندراج الجائزة الخطیرة والمیراث ممن لا یحتسب والمال الذی لا یعرف صاحبه وما یحل تناوله من مال العدو فی اسم الغنائم ، فیکون مصرف الخمس فیها مصرف خمس الغنائم.

وأما مصرف السهم المذکور فی آخر الروایة ، وهو نصف السدس فی الضیاع والغلات فغیر مذکور صریحا ، مع أنا لا نعلم بوجوب ذلک علی الخصوص قائلا. ویمکن أن یستدل علی ثبوت الخمس فی هذا النوع فی الجملة بصحیحة الحارث بن المغیرة النضری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : إنّ لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلک وقد علمت أن لک فیها حقا ، قال : « فلم أحللنا إذا لشیعتنا إلا لتطیب ولادتهم ، وکل من والی آبائی فهم فی حل مما فی أیدیهم من حقنا ، فلیبلغ الشاهد الغائب » (2).

وصحیحة زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : هلک الناس فی بطونهم وفروجهم ، لأنهم لا یؤدون إلینا حقنا ، ألا وإن شیعتنا من ذلک وأبناءهم فی حل » (3).

وبالجملة فالأخبار الواردة بثبوت الخمس فی هذا النوع مستفیضة

ص: 383


1- القاموس المحیط 3 : 72.
2- التهذیب 4 : 143 - 399 ، الوسائل 6 : 381 أبواب الأنفال وما یختص بالإمام ب 4 ح 9.
3- التهذیب 4 : 137 - 386 ، الإستبصار 2 : 58 - 191 ، المقنعة : 46 وفیها : محمد بن مسلم فقط ، علل الشرائع : 377 - 2 ، الوسائل 6 : 378 أبواب الأنفال وما یختص بالإمام ب 4 ح 1.

______________________________________________________

جدا (1) ، بل الظاهر أنها متواترة کما ادعاه فی المنتهی (2). وإنما الإشکال فی مستحقه ، وفی العفو عنه فی زمن الغیبة وعدمه ، فإن فی بعض الروایات دلالة علی أن مستحقه مستحق خمس الغنائم ، وفی بعض آخر إشعارا باختصاص الإمام علیه السلام بذلک. وروایة علی بن مهزیار مفصلة کما بیناه (3).

ومقتضی صحیحة الحارث بن المغیرة النضری ، وصحیحة الفضلاء وما فی معناهما ( العفو عن هذا النوع کما اختاره ابن الجنید (4) ) (5). والمسألة قویة الإشکال ، والاحتیاط فیها مما لا ینبغی ترکه بحال ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

الثانی : المشهور بین الأصحاب وجوب الخمس فی جمیع أنواع التکسب من تجارة وصناعة وزراعة وغیر ذلک ، عدا المیراث والصداق والهبة ، وفی کثیر من الروایات بإطلاقها دلالة علیه.

وقال أبو الصلاح : یجب فی المیراث والهبة والهدیة أیضا (6). وأنکر ذلک ابن إدریس وقال : هذا شی ء لم یذکره أحد من أصحابنا غیر أبی الصلاح (7).

واستدل له فی المنتهی (8) بصحیحة علی بن مهزیار المتقدمة (9). وهی

ص: 384


1- الوسائل 6 : 348 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 8.
2- المنتهی 1 : 548.
3- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : وفی الجمیع ما عرفت.
4- حکاه عنه فی المختلف : 202.
5- بدل ما بین القوسین فی « ض » ، « م » : إباحتهم علیهم السلام لشیعتهم حقوقهم من هذا النوع ، فإن ثبت اختصاصهم بخمس ذلک وجب القول بالعفو عنه مطلقا کما أطلقه ابن الجنید ، وإلا سقط استحقاقهم من ذلک خاصة وبقی نصیب الباقین.
6- الکافی فی الفقه : 170.
7- السرائر : 114.
8- المنتهی 1 : 548.
9- فی ص 380.

السادس : إذا اشتری الذمیّ أرضا من مسلم وجب فیها الخمس ،

______________________________________________________

إنما تدل علی وجوب الخمس فی الجائزة الخطیرة والمیراث إذا کان ممن لا یحتسب ، لا علی تعلق الوجوب بمطلق المیراث والهبة کما قاله أبو الصلاح (1).

الثالث : مذهب الأصحاب أن الخمس إنما یجب فی الأرباح إذا فضلت عن مؤنة السنة له ولعیاله ، ویدل علیه مضافا إلی ما سبق ما ذکره ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه : أن فی توقیعات الرضا علیه السلام إلی إبراهیم بن محمد الهمدانی : « إن الخمس بعد المؤنة » (2).

والمراد بالمؤنة هنا : مؤنة السنة له ولعیاله ، الواجبی النفقة وغیرهم ، ومنها الهدیة والصلة اللائقتان بحاله ، وما یؤخذ منه فی السنة قهرا أو یصانع به الظالم اختیارا ، والحقوق اللازمة له بالأصل أو بالعارض ، ومؤنة التزویج ، وثمن الدابة والخادم اللائقین بحاله ، وما یغرمه فی أسفار الطاعات ، کل ذلک علی الاقتصاد من غیر إسراف ولا إقتار ، فیخمس الزائد عن ذلک.

ولو کان له مال آخر لا خمس فیه ففی احتساب المؤنة منه أو من الکسب أو منهما بالنسبة أوجه ، أحوطها الأول ، وأجودها الثانی.

قوله : ( السادس ، إذا اشتری الذمی أرضا من مسلم وجب فیها الخمس ).

هذا الحکم ذکره الشیخ رحمه الله (3) وأتباعه (4) ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی التهذیب ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبی جعفر ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی أیوب إبراهیم بن عثمان ، عن أبی عبیدة الحذاء ، قال :

وجوب الخمس فی الأرض التی یشتریها الذمی

ص: 385


1- الکافی فی الفقه : 170.
2- الفقیه 2 : 22 - 80 ، الوسائل 6 : 354 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 12 ح 2.
3- النهایة : 197 ، والمبسوط 1 : 237.
4- منهم ابن البراج فی المهذب 1 : 177 وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 569 ، وابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 682.

سواء کانت مما فیه الخمس کالأرض المفتوحة عنوة ، أو لیس

______________________________________________________

سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « أیما ذمی اشتری من مسلم أرضا فإن علیه الخمس » (1).

وحکی العلامة فی المختلف عن کثیر من المتقدمین کابن الجنید والمفید وابن أبی عقیل وسلار وأبی الصلاح أنهم لم یذکروا هذا القسم (2). وظاهرهم سقوط الخمس فیه ، ومال إلیه جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد ، استضعافا للروایة الواردة بذلک. وذکر فی الروضة تبعا للعلامة فی المختلف أنها من الموثق (3). وهو غیر جید ، لأن ما أوردناه من السند من أعلی مراتب الصحة ، فالعمل بها متعین ، لکنها خالیة من ذکر ( مصرف الخمس ) (4).

وقال بعض العامة : إن الذمی إذا اشتری أرضا من مسلم وکانت عشریة ضوعف علیه العشر وأخذ منه الخمس (5). ولعل ذلک هو المراد من النص.

قال فی المعتبر : والظاهر أن مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المساکن (6). وهو جید ، لأنه المتبادر. وجزم الشارح - قدس سره - بتناوله لمطلق الأرض سواء کانت بیاضا أو مشغولة بغرس أو بناء ، عملا بالإطلاق (7). وهو ضعیف.

قوله : ( سواء کانت مما فیه الخمس کالأرض المفتوحة عنوة ، أو

ص: 386


1- التهذیب 4 : 123 - 355 ، الوسائل 6 : 352 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 9 ح 1.
2- المختلف : 203.
3- الروضة البهیة 2 : 73.
4- بدل ما بین القوسین فی « ض » ، « م » : متعلق الخمس صریحا ومصرفه.
5- کابنی قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 579 ، 590.
6- المعتبر 2 : 624.
7- المسالک 1 : 67.

فیه کالأرض التی أسلم علیها أهلها.

السابع : الحلال إذا اختلط بالحرام ولا یتمیز وجب فیه الخمس.

______________________________________________________

لیس فیه کالأرض التی أسلم علیها أهلها ).

الوجه فی هذا التعمیم إطلاق النص المتقدم. ویتصور بیع الأرض المفتوحة عنوة فی مصالح العسکر ومن أرباب الخمس إذا أخذوا منها شیئا علی هذا الوجه ، وأما بیعها تبعا لآثار المتصرف کما ذکره جمع من المتأخرین فمشکل ، لعدم دخولها فی ملک المتصرف بتلک الآثار قطعا ، ومتی انتفی الملک امتنع تعلق البیع بها کما هو واضح.

قوله : ( السابع ، الحلال إذا اختلط بالحرام وجب فیه الخمس ).

هذا الإطلاق مشکل ، والتفصیل : أن الحلال إذا اختلط بالحرام فإما أن یجهل قدره ومستحقه ، أو یعلم کل منهما ، أو یعلم أحدهما دون الآخر ، فالصور أربع :

الأولی : أن یکون قدر الحرام ومستحقه مجهولین. وقد قطع الشیخ (1) وجماعة بوجوب إخراج الخمس منه وحل الباقی بذلک.

قال فی المعتبر : ولعل الحجة فیه (2) ما رواه الشیخ ، عن الحسن بن زیاد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن أمیر المؤمنین علیه السلام أتاه رجل فقال : یا أمیر المؤمنین إنی أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه فقال : أخرج الخمس من ذلک ، فإن الله تعالی قد رضی من المال بالخمس ، واجتنب ما کان صاحبه یعمل (3) » (4).

وجوب الخمس فی الحلال المختلط بالحرام

ص: 387


1- النهایة : 197 ، والمبسوط 1 : 236.
2- المعتبر 2 : 624.
3- کذا فی جمیع النسخ والتهذیب ، ولکن فی الوسائل : یعلم وهو الأنسب.
4- التهذیب 4 : 124 - 358 ، الوسائل 6 : 352 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 10 ح 1.

______________________________________________________

ومثل ذلک روی محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إنّ رجلا أتی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فقال : إنی اکتسبت مالا أغمضت فی مطالبه حلالا وحراما ، وقد أردت التوبة ولا أدری الحلال منه من الحرام وقد اختلط علیّ ، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : تصدق بخمس مالک ، فإن الله رضی من الأشیاء بالخمس ، وسائر المال لک » (1).

وفی الروایتین قصور من حیث السند فیشکل التعلق بهما ، مع أنه لیس فی الروایتین دلالة علی أن مصرف هذا الخمس مصرف خمس الغنائم ، بل ربما کان فی الروایة الثانیة إشعار بأن مصرفه مصرف الصدقات.

ومن ثم لم یذکر هذا القسم المفید ولا ابن الجنید ولا ابن أبی عقیل. والمطابق للأصول وجوب عزل ما یتیقن انتفاؤه عنه والتفحص عن مالکه إلی أن یحصل الیأس من العلم به فیتصدق به علی الفقراء کما فی غیره من الأموال المجهولة المالک ، وقد ورد بالتصدق بما هذا شأنه روایات کثیرة (2) مؤیدة بالإطلاقات المعلومة وأدلة العقل فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله.

الثانیة : أن یکون القدر والمستحق معلومین ، والحکم فی هذه الصورة ظاهر.

الثالثة : أن یعلم المالک خاصة ، ویجب مصالحته ، فإن أبی قال فی التذکرة : دفع إلیه خمسه ، لأن هذا القدر جعله الله تعالی مطهرا للمال (3) وهو مشکل ، والاحتیاط یقتضی وجوب دفع ما یحصل به یقین البراءة. ولا یبعد الاکتفاء بدفع ما یتیقن انتفاؤه عنه. ولو علم أنه أحد جماعة محصورین وجب التخلص من الجمیع بالصلح.

ص: 388


1- الکافی 5 : 125 - 5 ، الوسائل 6 : 353 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 10 ح 4.
2- الوسائل 6 : 352 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 10.
3- التذکرة 1 : 252.

فروع : الأول : الخمس یجب فی الکنز ، سواء کان الواجد له حرّا أو عبدا ، صغیرا أو کبیرا ، وکذا المعادن والغوص.

______________________________________________________

الرابعة : أن یعلم القدر دون المالک ، والأصح وجوب التصدق به مع الیأس من المالک سواء کان بقدر الخمس أو أزید منه أو أنقص ، وأوجب العلامة فی التذکرة وجماعة فی صورة الزیادة إخراج الخمس ثم التصدق بالزائد (1). والاحتیاط یقتضی دفع الجمیع إلی الأصناف الثلاثة من الهاشمیین ، لأن هذه الصدقة لا تحرم علیهم قطعا.

ولو لم یعلم قدره علی التعیین لکن علم أنه أقل من الخمس (2) اقتصر علی إخراج ما تتحقق به البراءة ، ویحتمل قویا الاکتفاء بإخراج ما یتیقن انتفاؤه عنه.

ولو تبین المالک بعد إخراج الخمس أو الصدقة قیل : یضمن ، لأنه تصرف بغیر إذن المالک (3). ویحتمل قویا عدمه ، للإذن فیه من الشارع فلا یستعقب الضمان.

قوله : ( فروع ، الأول : الخمس یجب فی الکنز ، سواء کان الواجد له حرا أو عبدا ، صغیرا أو کبیرا ، وکذا المعادن والغوص ).

الوجه فی ذلک عموم الأخبار المتضمنة لوجوب الخمس فی هذه الأنواع فإنها متناولة للجمیع کصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المعادن کم فیها؟ قال : « الخمس » (4).

عدم اعتبار الحریة والبلوغ فی الکنز

ص: 389


1- التذکرة 1 : 253.
2- فی « ض » ، « ح » زیادة : مثلا.
3- قال به الشهید الأول فی البیان : 218 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 67.
4- الفقیه 2 : 21 - 73 ، التهذیب 4 : 121 - 346 ، الوسائل 6 : 342 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 2.

الثانی : لا یعتبر الحول فی شی ء من الخمس ، ولکن یؤخّر ما یجب فی أرباح التجارات احتیاطا للمکتسب.

______________________________________________________

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کلما کان رکازا ففیه الخمس » (1).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، قال : « علیه الخمس » (2).

ولا یخفی أن المخاطب بالإخراج هو الولی إذا کان الواجد مولی علیه ، أو المولی إن کان عبدا.

وربما لاح من العبارة اعتبار التکلیف والحریة فی غیر هذه الأنواع الثلاثة ، وهو مشکل علی إطلاقه ، فإن مال المملوک لمولاه فیتعلق به خمسه. نعم اعتبار التکلیف فی الجمیع متجه.

قوله : ( الثانی ، لا یعتبر الحول فی شی ء من الخمس ، ولکن یؤخر ما یجب فی أرباح التجارات احتیاطا للمکتسب ).

أما عدم اعتبار الحول فی غیر الأرباح فمجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول العلماء کافة إلا من شذ من العامة ، حیث ذهب إلی أن الواجب فی المعدن الزکاة لا الخمس (3).

وأما الأرباح فالمشهور عدم اعتباره فیها بمعنی وجوب الخمس فیما علم زیادته عن مؤنة السنة وجوبا موسعا من حین حصول الربح إلی تمام الحول احتیاطا للمکتسب ، لاحتمال زیادة مؤنته بتجدد ولد أو مملوک أو زوجة أو حصول غرامة غیر متوقعة أو خسارة فی تجارة ونحو ذلک.

عدم اعتبار الحول فی الخمس

ص: 390


1- التهذیب 4 : 122 - 347 ، الوسائل 6 : 343 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 3 ح 3.
2- الکافی 1 : 548 - 28 ، التهذیب 4 : 121 - 346 ، الوسائل 6 : 347 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 7 ح 1.
3- المنتهی 1 : 545 ، 547.

الثالث : إذا اختلف المالک والمستأجر فی الکنز ، فإن اختلفا فی ملکه فالقول قول المؤجر مع یمینه.

______________________________________________________

وربما ظهر من کلام ابن إدریس فی سرائره عدم مشروعیة الإخراج قبل الحول فإنه قال : المستفاد من الأرباح والمکاسب والزراعات لا یجب فیها شی ء بعد حصولها ، بل بعد السنة ، لجواز تجدد الاحتیاج (1).

ویدفعه إطلاق الأخبار المتضمنة لثبوت الخمس فی هذا النوع من دون اعتبار الحول (2).

قال الشارح قدس سره : وإنما یعتبر الحول بسبب الربح ، فأوله ظهور الربح فیعتبر منه مؤنة السنة المستقبلة ، ولو تجدد ربح آخر فی أثناء الحول کانت مؤنة بقیة الحول الأول معتبرة منهما ، وله تأخیر إخراج خمس الربح الثانی إلی آخر حوله ویختص بمؤنة بقیة حوله بعد انقضاء حول الأول وهکذا فإن المراد بالحول هنا ما تجدد بعد الربح لا بحسب اختیار المکتسب (3). هذا کلامه رحمه الله .

وفی استفادة ما ذکره من الأخبار نظر. ولو قیل باعتبار الحول من حین ظهور شی ء من الربح ثم احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلک إلی تمام الحول وإخراج الخمس من الفاضل عن مؤنة ذلک الحول کان حسنا.

قوله : ( الثالث ، إذا اختلف المالک والمستأجر فی الکنز ، فإن اختلفا فی ملکه فالقول قول المؤجر مع یمینه ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من أن القول قول المؤجر مع یمینه أحد القولین فی المسألة. واستدل علیه فی المعتبر بأن دار المالک کیده فکان القول قوله (4).

حکم اختلاف المالک والمستأجر فی الکنز

ص: 391


1- السرائر : 113.
2- الوسائل 6 : 348 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 8.
3- المسالک 1 : 68.
4- المعتبر 2 : 621.

وإن اختلفا فی قدره فالقول قول المستأجر.

الرابع : الخمس یجب بعد المؤنة التی یفتقر إلیها إخراج الکنز والمعدن ، من حفر وسبک وغیره.

______________________________________________________

وقال الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف : القول قول المستأجر (1). واستقربه العلامة فی المختلف ، واحتج علیه بأن ید المستأجر علیه فکان القول قوله ، وبأن المالک یدعی خلاف الظاهر فإن الظاهر أن المالک لا یکری دارا فیها دفین ، فإن فعل کان نادرا فکان القول قول مدعی الظاهر مع یمینه (2). ویعضده أصالة عدم تقدم وضع الکنز علی الإجارة. وموضع الخلاف ما إذا انتفت القرائن الدالة علی أحد الأمرین ، وإلا وجب العمل بمقتضاها إذا أفادت العلم من غیر یمین.

قوله : ( ولو اختلفا فی قدره فالقول قول المستأجر ).

هذا إنما یتم إذا کان المستأجر منکرا للزیادة ، ولو انعکس الحال کان القول قول المؤجر. والضابط تقدیم قول من نسب إلی الخیانة بیمینه.

قوله : ( الرابع ، الخمس یجب بعد المؤنة التی یفتقر إلیها إخراج الکنز والمعدن ، من حفر وسبک وغیره ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی المنتهی بأن المؤنة وصلة إلی تحصیل ذلک وطریق إلی تناوله فکانت من الجمیع کالشریکین (3). ولا یخلو من نظر.

ثم إن قلنا بالاستثناء فهل یعتبر النصاب بعد المؤنة أم قبلها فیخرج منه ما بقی بعد المؤنة؟ وجهان ، أظهرهما الثانی.

وجوب الخمس بعد المؤنة

ص: 392


1- الخلاف 1 : 358.
2- المختلف : 204.
3- المنتهی 1 : 549.

الفصل الثّانی : فی قسمته یقسم ستة أقسام :

ثلاثة للنبی علیه السلام ، وهی : سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم ذی القربی ، وهو الإمام ، وبعده للإمام القائم مقامه.

وما کان قبضه النبی أو الإمام ینتقل إلی وارثه.

وثلاثة للأیتام والمساکین وأبناء السبیل ، وقیل : بل یقسّم خمسة أقسام ، والأول أشهر.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثانی ، فی قسمته ، یقسم ستة أقسام : ثلاثة للنبی علیه السلام ، وهی سهم الله ، وسهم رسوله ، وسهم ذی القربی وهو الإمام ، وبعده للإمام القائم مقامه ، وما کان قبضه النبی أو الإمام ینتقل إلی وارثه ، وثلاثة للأیتام ، والمساکین وأبناء السبیل. وقیل : بل یقسم خمسة أقسام ، والأول أشهر ).

البحث فی هذه المسألة یقع فی مقامین :

أحدهما : فی کمیة القسمة ، وقد اختلف فیها کلام الأصحاب وغیرهم ، فذهب أکثر علمائنا إلی أنه یقسم ستة أقسام کما ذکره المصنف (1) ، ثلاثة للنبی صلی الله علیه و آله ، وهی سهم الله وسهم رسوله وسهم ذی القربی ، وبعده للإمام القائم مقامه ، والثلاثة الأخر - وهی النصف - للیتامی والمساکین وابن السبیل.

وحکی المصنف (2) والعلامة (3) عن بعض الأصحاب قولا بأنه یقسم خمسة أقسام : سهم الله لرسوله ، وسهم ذی القربی لهم ، والثلاثة الباقیة

قسمة الخمس

تقسیم الخمس ستة أقسام

ص: 393


1- المعتبر 2 : 627.
2- الشرائع 1 : 182.
3- المنتهی 1 : 550 ، والتذکرة 1 : 253.

______________________________________________________

للیتامی والمساکین وأبناء السبیل. وإلی هذا القول ذهب أکثر العامة واختلفوا فی سهم النبی صلی الله علیه و آله بعد وفاته ، فقال قوم : إنه یصرف فی المصالح کبناء القناطر وعمارة المساجد ونحو ذلک ، وقال آخرون : إنه یسقط بموته علیه السلام ، وقال بعضهم : إنه یکون لولی الأمر بعده (1).

احتج القائلون (2) بأنه یقسّم ستة أقسام بقوله تعالی ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبی وَالْیَتامی وَالْمَساکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ ) (3) فإن اللام للملک والاختصاص ، والعطف بالواو یقتضی التشریک ، فیجب صرفه فی الأصناف الستة.

وما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما : فی قول الله عزّ وجلّ ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبی وَالْیَتامی وَالْمَساکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ ) قال : « خمس الله عزّ وجلّ للإمام ، وخمس الرسول للإمام ، وخمس ذوی القربی لقرابة الرسول الإمام ، والیتامی یتامی آل الرسول والمساکین منهم وأبناء السبیل منهم ، فلا یخرج منهم إلی غیرهم » (4).

وعن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، قال : حدثنا بعض أصحابنا رفع الحدیث ، قال : « الخمس من خمسة أشیاء : الکنز والمعادن والغوص والمغنم الذی یقاتل علیه » إلی أن قال : « فأما الخمس فیقسم علی ستة أسهم : سهم لله تعالی ، وسهم للرسول صلی الله علیه و آله ، وسهم لذوی القربی ، وسهم للیتامی ، وسهم للمساکین ، وسهم لأبناء السبیل ، فالذی لله فرسول الله صلی الله علیه و آله أحق به فهو له ، والذی

ص: 394


1- کالفخر الرازی فی التفسیر الکبیر 15 : 165.
2- کالعلامة فی المنتهی 1 : 550.
3- الأنفال : 41.
4- التهذیب 4 : 125 - 361 ، الوسائل 6 : 356 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 2.

______________________________________________________

للرسول هو لذی القربی والحجة فی زمانه فالنصف له خاصة ، والنصف للیتامی والمساکین وأبناء السبیل من آل محمد علیهم السلام الذین لا تحل لهم الصدقة ولا الزکاة ، عوّضهم الله تعالی مکان ذلک بالخمس ، فهو یعطیهم علی قدر کفایتهم ، فإن فضل شی ء فهو له ، فإن نقص عنهم ولم یکفهم أتمه لهم من عنده ، کما صار له الفضل کذلک یلزمه النقصان » (1).

وعن علی بن الحسن بن فضال ، قال : حدثنی علی بن یعقوب أبو الحسن البغدادی (2) ، عن الحسن بن إسماعیل بن صالح الصیمری (3) قال حدثنی الحسن بن راشد ، قال حدثنی حماد بن عیسی ، قال : روی لی بعض أصحابنا ذکره عن العبد الصالح أبی الحسن الأول علیه السلام ، قال : « الخمس من خمسة أشیاء ، من الغنائم ، ومن الغوص والکنوز ، ومن المعادن والملاحة ». وفی روایة لیونس « العنبر » أصبتها فی بعض کتبه - هذا الحرف وحده العنبر - ولم أسمعه « ویؤخذ من کل هذه الصنوف الخمس فیجعل لمن جعله الله له ، ویقسم أربعة أخماس بین من قاتل علیه وولی ذلک ، ویقسم بینهم الخمس علی ستة أسهم ، سهم لله ، وسهم لرسول الله صلی الله علیه و آله ، وسهم لذی القربی ، وسهم للیتامی ، وسهم للمساکین ، وسهم لأبناء السبیل ، فسهم الله وسهم رسوله لرسول الله صلی الله علیه و آله ، وسهم الله وسهم رسوله لولی الأمر بعد رسول الله وراثة ، له ثلاثة أسهم سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله ، فله نصف الخمس کملا ، ونصف الخمس الباقی بین أهل بیته ، سهم لأیتامهم ، وسهم لمساکینهم ، وسهم لأبناء سبیلهم ، یقسم بینهم علی الکفاف والسعة ما یستعینون به فی سنتهم ، فإن فضل عنهم شی ء یستغنون عنه فهو للولی ، وإن عجز أو نقص

ص: 395


1- التهذیب 4 : 126 - 364 ، الوسائل 6 : 359 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.
2- فی التهذیب والوسائل : علی بن یعقوب عن أبی الحسن البغدادی.
3- فی النسخ : الضمری.

______________________________________________________

عن استغنائهم کان علی الوالی أن ینفق من عنده بقدر ما یستغنون به ، وإنما صار علیه أن یمونهم لأن له ما فضل عنهم » (1).

احتج القائل بأنه یقسم خمسة أقسام بالآیة الشریفة ، قالوا : ومعنی قوله ( فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) أن لرسول الله صلی الله علیه و آله خمسه ، کقوله تعالی ( وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ یُرْضُوهُ ) (2). وقال بعضهم : الافتتاح بذکر اسم الله تعالی علی جهة التیمن والتبرک لأن الأشیاء کلها له عزّ وجلّ (3). وذکر بعضهم أن معنی الآیة أن من حق الخمس أن یکون متقربا به إلی الله عزّ وجلّ لا غیر. وأن قوله عزّ وجلّ ( وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبی ) . (4) من قبیل التخصیص بعد التعمیم تفضیلا لهذه الوجوه علی غیرها کقوله ( وَمَلائِکَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِیلَ وَمِیکالَ ) (5) (6) وإلی هذا المعنی ذهب القائلون بأن خمس الغنیمة مفوض إلی اجتهاد الإمام علیه السلام یصرفه فیمن شاء من هذه الأصناف وغیرهم.

ویدل علی هذا القول أیضا - أعنی کونه یقسم خمسة أقسام - من طریق الأصحاب ما رواه الشیخ ، عن الحسین بن سعید ، عن حماد بن عیسی ، عن ربعی بن عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وکان ذلک له ، ثم یقسم ما بقی خمسة أخماس ویأخذ خمسه ، ثم یقسم أربعة أخماس بین الناس الذین قاتلوا علیه ، ثم قسم الخمس الذی أخذه خمسة أخماس یأخذ خمس الله عزّ وجلّ

ص: 396


1- التهذیب 4 : 128 - 366 ، الإستبصار 2 : 56 - 185 ، الوسائل 6 : 358 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
2- التوبة : 62.
3- منهم الفخر الرازی فی التفسیر الکبیر 15 : 166 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 7 : 301.
4- الأنفال : 41.
5- البقرة : 98.
6- حکاه عن الزمخشری فی البحر المحیط 4 : 497.

______________________________________________________

لنفسه ، ثم یقسم الأربعة الأخماس بین ذوی القربی والیتامی والمساکین وأبناء السبیل یعطی کل واحد منهم جمیعا ، وکذلک الإمام یأخذ کما أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله » (1).

وهذه الروایة أصح ما بلغنا فی هذا الباب ، ومقتضاها أن للإمام علیه السلام خمس الخمس خاصة والباقی لبقیة الأصناف.

وأجاب عنها الشیخ فی الاستبصار بأنها إنما تضمنت حکایة فعله صلی الله علیه و آله ، وجاز أن یکون علیه السلام أخذ دون حقه توفیرا للباقی علی المستحقین (2). وهو بعید جدا ، لأن قوله علیه السلام : « وکذلک الإمام یأخذ کما أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله » یأبی ذلک.

الثانی : فی کیفیة القسمة ، والمشهور بین الأصحاب أن للإمام النصف سهم الله تعالی وسهم رسوله بالوارثة ، وسهم ذی القربی بالأصالة ، والنصف الآخر للیتامی والمساکین وابن السبیل ، ویدل علیه المراسیل الثلاثة المتقدمة.

واستدل المصنف فی المعتبر أیضا علی اختصاص سهم ذی القربی بالإمام علیه السلام بأن قوله تعالی ( وَلِذِی الْقُرْبی ) (3) لفظ مفرد فلا یتناول أکثر من الواحد فینصرف إلی الإمام علیه السلام ، لأن القول بأن المراد واحد مع أنه غیر الإمام منفی بالإجماع ، ثم قال ، لا یقال : أراد الجنس کما قال وابن السبیل ، لأنا نقول : تنزیل اللفظ الموضوع للواحد علی الجنس مجاز وحقیقته إرادة الواحد فلا یعدل عن الحقیقة ، ولیس کذلک قوله : وابن السبیل ، لأن إرادة الواحد هنا إخلال بمعنی اللفظ ، إذ لیس هناک واحد

ص: 397


1- التهذیب 4 : 128 - 365 ، الإستبصار 2 : 56 - 186 ، الوسائل 6 : 356 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.
2- الإستبصار 2 : 57.
3- الأنفال : 41.

______________________________________________________

متعین یمکن حمل اللفظ علیه (1).

ویتوجه علیه أن لفظ ذی القربی صالح للجنس وغیره ، بل المتبادر منه فی هذا المقام الجنس کما فی قوله تعالی ( وَآتِ ذَا الْقُرْبی حَقَّهُ ) - ( إِنَّ اللهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِیتاءِ ذِی الْقُرْبی ) (2) وغیر ذلک من الآیات الکثیرة فیجب الحمل علیه إلی أن یثبت المقتضی للعدول عنه ، ومع ذلک فإرادة الواحد من هذا اللفظ هنا تتوقف علی قیام الحجة بذلک ، أما بدونه فیکون ممتنعا کما فی ابن السبیل.

ونقل السید المرتضی عن بعض علمائنا أن سهم ذی القربی لا یختص بالإمام علیه السلام ، بل هو لجمیع قرابة الرسول صلی الله علیه و آله من بنی هاشم (3). قال فی المختلف (4) : ورواه ابن بابویه فی کتاب المقنع وکتاب من لا یحضره الفقیه ، وهو اختیار ابن الجنید.

ویدل علیه مضافا إلی إطلاق الآیة الشریفة قوله علیه السلام فی صحیحة ربعی المتقدمة : « ثم یقسم الأربعة الأخماس بین ذوی القربی والیتامی والمساکین وأبناء السبیل ».

وما رواه ابن بابویه عن زکریا بن مالک الجعفی : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبی وَالْیَتامی وَالْمَساکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ ) فقال : « أما خمس الله عزّ وجلّ فللرسول یضعه فی سبیل الله ، وأما خمس الرسول فلأقاربه ، وخمس ذوی القربی فهم أقرباؤه ، والیتامی یتامی أهل بیته ، فجعل هذه الأربعة أسهم فیهم ، وأما المساکین وأبناء السبیل فقد عرفت أنا لا نأکل الصدقة

ص: 398


1- المعتبر 2 : 629.
2- الاسراء : 26 ، النحل : 90.
3- الانتصار : 87.
4- المختلف : 204.

ویعتبر فی الطوائف الثلاث انتسابهم إلی عبد المطلب بالأبوّة ، فلو انتسبوا بالأم خاصة لم یعطوا من الخمس شیئا علی الأظهر.

______________________________________________________

ولا تحل لنا فهی للمساکین وأبناء السبیل ».

وهذه الروایة وإن کانت ضعیفة السند بجهالة الراوی إلا أن ما تضمنته من إطلاق ذی القربی مطابق لظاهر التنزیل.

واعلم أن الآیة الشریفة إنما تضمنت ذکر مصرف الغنائم خاصة إلا أن الأصحاب قاطعون بتساوی الأنواع فی المصرف.

واستدل علیه فی المعتبر بأن ذلک غنیمة فیدخل تحت عموم الآیة ویتوجه علیه ما سبق (1).

وربما لاح من بعض الروایات اختصاص بعض خمس الأرباح بالإمام علیه السلام (2). ومقتضی روایة أحمد بن محمد المتقدمة (3) أن الخمس من الأنواع الخمسة یقسم علی الستة الأسهم ، لکنها ضعیفة بالإرسال. والمسألة قویة الإشکال. والله تعالی أعلم بحقیقة الحال.

قوله : ( ویعتبر فی الطوائف الثلاث انتسابهم إلی عبد المطلب بالأبوّة ، فلو انتسبوا بالأم خاصة لم یعطوا من الخمس شیئا علی الأظهر ).

الخلاف فی هذه المسألة وقع فی موضعین :

أحدهما : إنه یعتبر فی الطوائف الثلاث - أعنی الیتامی والمساکین وأبناء السبیل - الانتساب إلی عبد المطلب جد النبی صلی الله علیه و آله ، وهو قول

اعتبار الانتساب إلی عبد المطلب بالأب فی الطوائف

ص: 399


1- المعتبر 2 : 632.
2- الوسائل 6 : 355 أبواب قسمة الخمس ب 1.
3- فی ص 394.

______________________________________________________

معظم الأصحاب ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه.

واستدل علیه فی المعتبر أیضا بأن الخمس عوض الزکاة فیختص به من یمنع منها ، وبأن اهتمام النبی صلی الله علیه و آله بخیر بنی هاشم أتم من اهتمامه بغیرهم فلو شارک غیرهم لکان اهتمامه بذلک الغیر أتم ، لانفراده بالزکاة ومشارکته بالخمس ، وبأن بنی هاشم أشرف الأمة والخمس أرفع درجة من الزکاة فیختص به القبیل الأشرف ، وکما لا یشارک الهاشمی غیره فی الزکاة یجب أن لا یشارکه غیره فی الخمس (1).

ولا یخفی أن هذه الوجوه إنما تصلح توجیهات للنص الدال علی الاختصاص ، لا أدلة مستقلة علی الحکم.

وقال ابن الجنید : وأما سهام الیتامی والمساکین وابن السبیل وهی نصف الخمس فلأهل هذه الصفات من ذوی القربی وغیرهم من المسلمین إذا استغنی عنها ذوو القربی (2).

والظاهر أن هذا القید علی سبیل الأفضلیة عنده ، لا علی سبیل التعیین.

ویدل علی ما ذکره إطلاق الآیة الشریفة (3) ، وصحیحة ربعی المتقدمة (4) ، وغیرها من الأخبار (5).

وأجاب عنه فی المختلف بأن العام هنا مخصوص بالإجماع بالإیمان فیکون مخصوصا بالقرابة لما تقدم (6). وهو جید لو کان النص المتضمن

ص: 400


1- المعتبر 2 : 630.
2- حکاه عنه فی المختلف : 205.
3- الأنفال : 41.
4- فی ص : 396.
5- الوسائل 6 : 355 أبواب قسمة الخمس ب 1.
6- المختلف : 205.

______________________________________________________

لذلک صالحا للتقید. وکیف کان فلا خروج عما علیه الأصحاب.

وثانیهما : کون الانتساب إلی عبد المطلب بالأبوة ، فلو کانت الأم هاشمیة والأب غیر هاشمی منع من ذلک عند أکثر الأصحاب. وقال السید المرتضی رضی الله عنه : یکفی فی الاستحقاق الانتساب بالأم (1). واختاره ابن حمزة (2).

احتج المانعون (3) بأن الانتساب إنما یصدق حقیقة إذا کان من جهة الأب ، فلا یقال تمیمی إلا لمن انتسب إلی تمیم بالأب ، ولا حارثی إلا لمن انتسب إلی حارث بالأب ، وبقول الکاظم علیه السلام فی مرسلة حماد بن عیسی : « ومن کانت أمه من بنی هاشم وأبوه من سائر قریش فإن الصدقة تحل له ولیس له من الخمس شی ء ، لأن الله تعالی یقول ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) (4) » (5).

احتج المرتضی - رضی الله عنه - بأن ولد البنت ولد حقیقة ، قال : وذلک أنه لا خلاف بین الأمة فی أن لظاهر قوله تعالی ( حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهاتُکُمْ وَبَناتُکُمْ ) (6) حرم علینا بنات أولادنا ، فلو لم تکن بنت البنت بنتا علی الحقیقة لما دخلت تحت هذه الآیة ، قال : ومما یدل علی أن ولد البنت یطلق علیه اسم الولد علی الحقیقة أنه لا خلاف فی تسمیة الحسن والحسین علیهماالسلام بأنهما ابنا رسول الله صلی الله علیه و آله ، وإنهما یفضّلان بذلک ویمدحان ، ولا فضیلة ولا مدح فی وصف مجاز مستعار ، فثبت أنه

ص: 401


1- نقله عنه فی السرائر : 394 ، والمختلف : 205.
2- وجدنا خلاف ذلک فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 682.
3- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 631 ، والعلامة فی المختلف : 205.
4- الأحزاب : 5.
5- الکافی 1 : 539 - 4 ، التهذیب 4 : 128 - 366 ، الإستبصار 2 : 56 - 185 ، الوسائل 6 : 358 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
6- النساء : 23.

______________________________________________________

حقیقة. ثم قال رضی الله عنه : وما زالت العرب فی الجاهلیة تنسب الولد إلی جده إما فی موضع مدح أو ذم ، ولا یتناکرون ذلک ، ولا یحتشمون منه ، وقد کان الصادق أبو عبد الله علیه السلام یقال له أبدا أنت ابن الصدیق ، لأن أمه بنت القاسم بن محمد بن أبی بکر ، ولا خلاف بین الأمة فی أن عیسی من بنی آدم وولده وإنما ینسب إلیه بالأمومة دون الأبوة.

ثم اعترض علی نفسه فقال ، إن قیل : اسم الولد یجری علی ولد البنات مجازا ، ولیس کل شی ء استعمل فی غیره یکون حقیقة قلت : الظاهر من الاستعمال الحقیقة ، وعلی من ادعی المجاز الدلالة (1). هذا کلامه رحمه الله .

ویتوجه علیه أن الاستعمال کما یوجد مع الحقیقة کذا یوجد مع المجاز فلا دلالة له علی أحدهما بخصوصه ، وقولهم إن الأصل فی الاستعمال الحقیقة إنما هو إذا لم یستلزم ذلک الاشتراک وإلا فالمجاز خیر منه کما قرر فی محله.

نعم یمکن الاستدلال علی کون الإطلاق هنا علی سبیل الحقیقة شرعا أو لغة بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : « لو لم یحرم علی الناس أزواج النبی صلی الله علیه و آله لقول الله عزّ وجلّ ( وَما کانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْکِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) (2) حرم علی الحسن والحسین علیهماالسلام لقول الله عزّ وجلّ ( وَلا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ مِنَ النِّساءِ ) (3) » (4) دلت الروایة

ص: 402


1- حکاه عنه فی السرائر : 394 ، والمختلف : 729.
2- الأحزاب : 53.
3- النساء : 22.
4- التهذیب 7 : 281 - 1190 ، الإستبصار 3 : 155 - 566 ، الوسائل 14 : 312 أبواب ما یحرم بالمصاهرة ونحوها ب 2 ح 1.

ولا یجب استیعاب کل طائفة ، بل لو اقتصر من کل طائفة علی واحد جاز

______________________________________________________

علی أن أب الأم أب حقیقة ، إذ لو لا ذلک لما اقتضت الآیة (1) تحریم زوجة الجد علی ولد البنت ، فیکون ولد البنت ولدا حقیقة للتضایف بینهما کما هو واضح.

قوله : ( ولا یجب استیعاب کل طائفة ، بل لو اقتصر من کل طائفة علی واحد جاز ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، لأن المراد من الیتامی والمساکین فی الآیة الشریفة الجنس کابن السبیل ، کما فی آیة الزکاة ، لا العموم ، إما لتعذر الاستیعاب ، أو لأن الخطاب للجمیع ، بمعنی أن الجمیع یجب علیهم الدفع إلی جمیع المساکین ، بأن یعطی کل بعض بعضا.

ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن علیه السلام : وسئل عن قوله تعالی ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ) قال : « فما کان لله فللرسول ، وما کان للرسول فهو للإمام » قیل : أرأیت إن کان صنف أکثر من صنف کیف یصنع؟ فقال : « ذلک إلی الإمام ، أرأیت رسول الله صلی الله علیه و آله کیف صنع؟ إنما کان یعطی علی ما یری ، وکذلک الإمام » (2).

وقال الشهید فی الدروس بعد أن تنظر فی اعتبار تعمیم الأصناف : أما الأشخاص فیعم الحاضر ولا یجوز النقل إلی بلد آخر إلا مع عدم المستحق (3). وهذا الکلام یقتضی بظاهره وجوب التعمیم فی الأشخاص الحاضرین ، وهو بعید.

عدم وجوب استیعاب الطوائف

ص: 403


1- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : بمجردها.
2- التهذیب 4 : 126 - 363 ، الوسائل 6 : 362 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 1.
3- الدروس : 69.

وهنا مسائل : الأولی : مستحق الخمس هو من ولده عبد المطلب ، وهم بنو أبی طالب والعباس والحارث وأبی لهب ، الذکر والأنثی. وفی استحقاق بنی المطلب تردد ، أظهره المنع.

______________________________________________________

قوله : ( مسائل ، الأولی : مستحق الخمس وهو من ولده عبد المطلب ، وهم بنو أبی طالب والعباس والحارث وأبی لهب ، للذکر والأنثی ، وفی استحقاق بنی المطلب تردد ، أظهره المنع ).

منشأ التردد هنا اختلاف الروایات ، فروی الشیخ ، عن حماد بن عیسی ، عن بعض أصحابه ، عن أبی الحسن علیه السلام أنه قال : « وهؤلاء الذین جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبی صلی الله علیه و آله ، وهم بنو عبد المطلب أنفسهم للذکر والأنثی منهم ، لیس فیهم من أهل بیوتات قریش ولا من العرب أحد » (1).

وروی أیضا عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لو کان العدل ما احتاج هاشمی ولا مطلبی إلی صدقة ، إن الله جعل لهم فی کتابه ما کان فیه سعتهم » یعنی الخمس (2). والروایتان ضعیفتا السند (3). لکن الأقرب المنع کما اختاره المصنف - رحمه الله - لأنهم یستحقون الزکاة علی ما بیناه فیما سبق فلا یستحقون الخمس ، ولعدم حصول یقین البراءة بالدفع إلیهم فیبقی المکلف تحت العهدة إلی أن یتحقق الامتثال.

تعیین أبناء عبد المطلب

ص: 404


1- التهذیب 4 : 128 - 366 ، الإستبصار 2 : 56 - 185 ، الوسائل 6 : 358 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8.
2- التهذیب 4 : 59 - 159 ، الإستبصار 2 : 36 - 111 ، الوسائل 6 : 191 أبواب المستحقین للزکاة ب 33 ح 1.
3- لعل وجه الضعف هو إرسال الأولی ووقوع علی بن الحسن بن فضال فیهما وهو فطحی.

الثانیة : هل یجوز أن یخصّ بالخمس طائفة؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأحوط.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة ، هل یجوز أن یخص بالخمس طائفة؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأحوط ).

موضع الخلاف : النصف الذی لا یختص بالإمام علیه السلام ، والقول بالمنع من التخصیص للشیخ فی المبسوط فی ظاهر کلامه (1) وأبی الصلاح (2) ، عملا بظاهر الآیة ، فإن اللام للملک أو الاختصاص ، والعطف بالواو یقتضی التشریک فی الحکم.

والقول بالجواز هو المشهور بین المتأخرین ، واستدلوا علیه بروایة ابن أبی نصر المتقدمة حیث قال فیها : « ذلک إلی الإمام ، أرأیت رسول الله صلی الله علیه و آله کیف صنع؟ إنما کان یعطی علی ما یری ، وکذلک الإمام » (3).

وأجابوا عن الآیة الشریفة بأنها مسوقة لبیان المصرف کما فی آیة الزکاة فلا تدل علی وجوب البسط.

ویمکن المناقشة فی الروایة بالطعن فی السند باشتماله علی ابنی فضال وهما فطحیان ، مع أنها غیر صریحة فی جواز التخصیص.

وأما الآیة الشریفة فحملها علی أن المراد بها بیان المصرف خاصة یتوقف علی دلیل من خارج کما فی آیة الزکاة ، مع أنها لو کانت کذلک لجاز تخصیص أحد الأصناف الستة بجمیع الخمس ، والأصحاب لا یقولون به ، بل یوجبون دفع النصف إلی الإمام علیه السلام (4). وکیف کان فلا ریب أن

جواز تخصیص طائفة بالخمس

ص: 405


1- المبسوط 1 : 262.
2- الکافی فی الفقه : 173.
3- فی ص 403.
4- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : نعم یمکن أن یقال أن الآیة الشریفة إنما تدل علی جعل جملة خمس ، الغنائم لهذه الأصناف الستة ، ولا یلزم أن یکون کل جزء من أجزائها کذلک واختصاص الإمام علیه السلام بالنصف إن تم ثبت بدلیل من خارج.

الثالثة : یقسّم الإمام علی الطوائف الثلاث قدر الکفایة مقتصدا ، فإن فضل کان له ، وإن أعوز أتمّ من نصیبه.

______________________________________________________

بسط ذلک فی الأصناف الستة کما هو ظاهر الآیة الشریفة أولی وأحوط.

قوله : ( الثالثة ، یقسم الإمام علی الطوائف الثلاث قدر الکفایة مقتصدا ، فإن فضل کان له ، وإن أعوز أتم من نصیبه ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، واستدلوا علیه بمرفوعة أحمد بن محمد (1) حیث قال فیها : « فهو یعطیهم علی قدر کفایتهم ، فإن فضل شی ء فهو له ، وإن نقص عنهم ولم یکفهم أتمه لهم من عنده ، کما صار له الفضل کذلک یلزمه النقصان » (2).

ومرسلة حماد بن عیسی ، عن بعض أصحابه ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام ، قال : « ونصف الخمس الباقی بین أهل بیته ، سهم لأیتامهم ، وسهم لمساکینهم ، وسهم لأبناء سبیلهم ، یقسم بینهم علی الکفاف والسعة ما یستعینون به فی سنتهم ، فإن فضل عنهم شی ء فهو للوالی ، وإن عجز أو نقص عن استغنائهم کان علی الوالی أن ینفق من عنده بقدر ما یستغنون به ، وإنما صار علیه أن یمونهم لأن له ما فضل عنهم » (3).

وفی الروایتین ضعف من حیث السند ، لکن قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بعد أن اعترف بضعف الروایتین : والذی ینبغی العمل به اتباع ما نقله الأصحاب وأفتی به الفضلاء ولم یعلم لباقی الأصحاب الفضلاء ردا لما ذکر من کون الإمام علیه السلام یأخذ لما فضل ویتم ما أعوز ، وإذا سلم النقل

کیفیة تقسیم الخمس

ص: 406


1- فی « ض » زیادة : بن أبی نصر.
2- التهذیب 4 : 126 - 364 ، الوسائل 6 : 364 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 2.
3- الکافی 1 : 539 - 4 ، التهذیب 4 : 128 - 366 ، الوسائل 6 : 363 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 1.

______________________________________________________

عن المعارض ومن المنکر لم یقدح إرسال الروایة الموافقة لفتواهم ، فإنا نعلم ما ذهب إلیه أبو حنیفة والشافعی وإن کان الناقل عنهم ممن لا یعتمد علی قوله ، وربما لم یعلم الناقل عنهم بلا فصل وإن علمنا نقل المتأخرین له. ولیس کلما أسند عن مجهول لا یعلم نسبته إلی صاحب المقالة ، ولو قال إنسان لا أعلم مذهب أبی هاشم فی الکلام ولا مذهب الشافعی فی الفقه لأنه لم ینقل مسندا کان متجاهلا ، وکذا مذهب أهل البیت علیهم السلام ینسب إلیهم بحکایة بعض شیعتهم سواء أرسل أو أسند إذا لم ینقل عنهم ما یعارضه ولا رده الفضلاء منهم (1). هذا کلامه رحمه الله .

وما ذکره من أن النقل إذا سلم عن المعارض وعن المنکر لم یقدح إرسال الروایة غیر واضح ، فإن انتفاء ذلک لا یقتضی قبول المراسیل التی یحتمل کون المرسل عنه عدلا وفاسقا ، مع أن الأصل والإطلاقات تکفی فی المعارضة هنا ، وإذا کانت الروایة مطابقة لمقتضی الأصل والعمومات تکون الحجة فی ذلک ، لا فی نفس الروایة.

أما قوله : إنا نعلم ما ذهب إلیه أبو حنیفة والشافعی وإن کان الناقل عنهم غیر معتمد ، فجید ، لأن ذلک یکون من باب التواتر وهو یتحقق بإخبار العدل وغیره ، ومثل ذلک العلم بکون المسح والمتعة ونحوهما مذهبا لأهل البیت علیهم السلام ، إلا أن ذلک إنما یتفق فی آحاد المسائل لا فی مثل هذه المسألة کما یشهد به الوجدان.

وخالف فی هذا الحکم ابن إدریس فقال : لا یجوز له أن یأخذ فاضل نصیبهم ، ولا یجب علیه إکمال ما نقص لهم (2). واستدل بوجوه ثلاثة :

الأول : إن مستحق الأصناف یختص بهم ، فلا یجوز التسلط علی

ص: 407


1- المعتبر 2 : 639.
2- السرائر : 114.

______________________________________________________

مستحقهم من غیر إذنهم ، لقوله علیه السلام : « لا یحل مال امرئ مسلم إلا عن طیب نفس منه » (1).

الثانی : إن الله سبحانه جعل للإمام قسطا وللباقین قسطا : فلو أخذ الفاضل وأتم الناقص لم یبق للتقدیر فائدة.

الثالث : إن الذین یجب الإنفاق علیهم محصورون (2) ، ولیس هؤلاء من الجملة ، فلو أوجبنا علیه إتمام ما یحتاجون إلیه لزدنا فیمن یجب علیهم الإنفاق فریقا لم یقم علیه دلالة.

وأجاب المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی (3) عن الأول بالمنع من کونهم مالکین للنصف کیف کان ، بل استحقاقهم لسد خلتهم علی وجه الکفایة ، ولهذا یمنع الغنی منهم.

وعن الثانی بالمنع من أن تعدد الأصناف لبیان مقادیر الاستحقاق ، بل کما یحتمل ذلک یحتمل أن یکون لبیان المستحقین کما فی آیة الزکاة ولهذا لا تجب قسمته علیهم بالسویة ، بل یجوز أن یعطی صنف أکثر من صنف ، نظرا إلی سد الخلة ، وتحصیلا للکفایة کما تضمنته روایة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن علیه السلام .

وعن الثالث بأن وجوب الإتمام لا یستلزم وجوب النفقة ، لأنا بیّنا أن حصصهم الثلاث تبسط علیهم بالکفایة لا بالقسمة ولا یستبقی فاضل قبیل (4) له ، بل یقسم علی الصنفین الآخرین ، وإن کان بعضهم لا تجب علیه نفقة

ص: 408


1- الکافی 7 : 273 - 12 عن زید الشحام و 274 - 5 عن سماعة ، الفقیه 4 : 66 - 195 عن زرعة عن سماعة ، تفسیر القمی 1 : 171 رواه مرسلا ، الوسائل 19 : 3 أبواب القصاص فی النفس ب 1 ح 3.
2- إنه لم یعرف عیال للإمام تجب نفقتهم علیه غیر عیاله - الجواهر 16 : 109.
3- المعتبر 2 : 639 ، والمنتهی 1 : 554.
4- فی المعتبر : قبل ، والقبیل : الکفیل - الصحاح 5 : 1797.

الرابعة : ابن السبیل لا یعتبر فیه الفقر ، بل الحاجة فی بلد التسلیم ، ولو کان غنیّا فی بلده.

______________________________________________________

البعض الآخر ، فکذا الإمام علیه السلام .

ویتوجه علی الأول أن مقتضی الآیة الشریفة والأخبار الکثیرة استحقاق کل من الأصناف الستة مطلقا ، وکون النصف للأصناف الثلاثة وما اعتبره من القید غیر مستفاد من هذا الإطلاق ، فیتوقف علی دلیل صالح لذلک ، ومنع الغنی من تلک الأصناف إن ثبت فإنما هو بدلیل من خارج.

وعلی الثانی ما بیناه فیما سبق من أن مقتضی لام الاستحقاق وواو العطف الاشتراک فی الاستحقاق ، وکون التعداد لبیان المصرف خاصة یتوقف علی دلیل من خارج کما (1) فی آیة الزکاة ، مع أن ذلک لو تم لاقتضی جواز صرف الخمس کله فی أحد الأصناف الستة ، وهم لا یقولون به.

وعلی الثالث بالفرق بین مستحقه علیه السلام ومستحق الأصناف ، بأن الأول مقدر فلو وجب الإتمام منه لاقتضی وجوب الإنفاق ، بخلاف الثانی فإن کلا من الأسهم الثلاثة غیر مقدر فلا یلزم من عدم استبقاء فاضل قبیل له وجوب إنفاق بعضهم علی بعض ، والحق أنه لا ضرورة فی التزام هذا اللازم لو ثبت مستنده لکنه موضع الکلام.

وبالجملة فقول ابن إدریس جید علی أصوله ، بل المصیر إلیه متعین إن لم یتم العمل بالروایتین. وقال العلامة فی المختلف : إن قول ابن إدریس لا یخلو من قوة ومخالفة أکثر الأصحاب أیضا مشکل ، فنحن فی هذه المسألة من المتوقفین (2). وهو فی محله.

قوله : ( الرابعة ، ابن السبیل لا یعتبر فیه الفقر ، بل الحاجة فی بلد التسلیم ، ولو کان غنیا فی بلده ).

عدم اعتبار الفقر فی ابن السبیل

ص: 409


1- فی « ض » و « ح » ، زیادة : وجد.
2- المختلف : 206.

وهل یراعی ذلک فی الیتیم؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، والأول أحوط.

الخامسة : لا یحل حمل الخمس إلی غیر بلده مع وجود المستحق ، ولو حمل والحال هذه ضمن ، ویجوز مع عدمه.

______________________________________________________

البحث فی ابن السبیل هنا کالبحث فی باب الزکاة ، وقد تقدم الکلام فیه مفصّلا.

قوله : ( وهل یراعی ذلک فی الیتیم؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، والأول أحوط ).

المراد بالیتیم : الطفل الذی لا أب له. والقول بعدم اعتبار الفقر فیه للشیخ فی المبسوط (1) وابن إدریس (2) ، تمسکا بعموم الآیة ، وبأنه لو اعتبر الفقر فیه لم یکن قسما برأسه. وقیل : یعتبر ، لأن الخمس جبر ومساعدة فیختص به أهل الخصاصة کالزکاة ، ولأن الطفل لو کان له أب ذو مال لم یستحق شیئا ، فإذا کان المال له کان أولی بالحرمان ، إذ وجود المال له أنفع من وجود الأب (3). ولا ریب أن اعتبار ذلک أحوط ، ولو قلنا بأن الخمس إنما یصرف علی قدر الکفایة کما قاله الأکثر تعیّن اعتبار هذا الشرط.

قوله : ( الخامسة ، لا یحل حمل الخمس إلی غیره بلده مع وجود المستحق ، ولو حمل والحال هذه ضمن ، ویجوز مع عدمه ).

لا ریب فی جواز النقل مع عدم المستحق ، لأنه توصل إلی إیصال الحق إلی مستحقه. أما مع وجوده فقد قطع المصنف (4) وجماعة بالمنع منه ، لأنه منع للحق مع مطالبة

المستحق ، فیکون حراما ، ویضمن لو فعل لعدوانه. والأصح ما اختاره الشارح من جواز النقل مع الضمان ، خصوصا

حکم نقل الخمس

ص: 410


1- المبسوط 1 : 262.
2- السرائر : 115.
3- قال به السیوری فی التنقیح الرائع 1 : 342.
4- المعتبر 2 : 632 ، والمختصر النافع : 63 ، والشرائع 1 : 183.

السادسة : الإیمان معتبر فی المستحق علی تردد ، (1) والعدالة لا تعتبر علی الأظهر.

______________________________________________________

لطلب المساواة بین المستحقین والأشد حاجة کما فی الزکاة (2).

قوله : ( السادسة ، الإیمان معتبر فی المستحق علی تردد ).

منشأ التردد إطلاق الآیة ، وأن الخمس عوض الزکاة ، والإیمان معتبر فی مستحقها إجماعا. وقطع المصنف فی المعتبر باعتبار هذا الشرط ، واستدل علیه بأن غیر المؤمن محاد لله بکفره فلا یفعل معه ما یؤذن بالمودة (3). وهذا الدلیل مخالف لما هو المعهود من مذهبه.

قال المحقق الشیخ علی رحمه الله : ومن العجائب هاشمی مخالف یری رأی بنی أمیة ، فیشترط الإیمان لا محالة.

قوله : ( والعدالة لا تعتبر علی الأظهر ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، تمسکا بإطلاق الکتاب والسنة. واستدل علیه فی المعتبر أیضا بأن المستحق هنا یستحق بالقرابة فلا تشترط زیادة (4). والقول باعتبار العدالة هنا مجهول القائل ، ولا ریب فی ضعفه.

شروط مستحق الخمس

ص: 411


1- المسالک 1 : 68.
2- المسالک 1 : 68.
3- المعتبر 2 : 632.
4- المعتبر 2 : 632.

ویلحق بذلک مقصدان : الأول : فی الأنفال

وهی ما یستحقه الإمام من الأموال علی جهة الخصوص ، کما کان للنبی علیه السلام ،

______________________________________________________

قوله : ( ویلحق بذلک مقصدان ، الأول : فی الأنفال ، وهی ما یستحقه الإمام من الأموال علی جهة الخصوص کما کان للنبی علیه السلام ).

الأنفال : جمع نفل بالتحریک ، وهو لغة الغنیمة والهبة ، قاله فی القاموس (1).

وقال الأزهری : النفل ما کان زیادة عن الأصل ، سمّیت الغنائم بذلک لأن المسلمین فضّلوا بها علی سائر الأمم الذین لم تحل لهم الغنائم ، وسمیت صلاة التطوع نافلة لأنها زائدة عن الفرض ، وقال تعالی ( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَیَعْقُوبَ نافِلَةً ) (2) أی زیادة علی ما سأل (3).

والمراد بها هنا ما یخص الإمام علیه السلام بالانتقال من النبی صلی الله علیه و آله (4).

الأنفال

تعریف النفل

ص: 412


1- القاموس المحیط 4 : 60.
2- الأنبیاء : 72.
3- تهذیب اللغة 15 : 355.
4- فی « م » زیادة : سمیت بذلک لنحو ما ذکر فی الغنائم.

وهی خمسة :

الأرض التی تملک من غیر قتال ، سواء انجلی أهلها أو سلّموها طوعا.

______________________________________________________

قوله : ( وهی خمسة ).

هذا الحصر استقرائی مستفاد من تتبع الأدلة الشرعیة ، وزاد الشیخان قسما سادسا وهو المعادن (1).

قال فی المعتبر : فإن کانا یریدان ما یکون فی الأرض المختصة به أمکن ، أما ما یکون فی أرض لا تختص بالإمام علیه السلام فالوجه أنه لا یختص به ، لأنه أموال مباحة تستحق بالسبق إلیها والإخراج لها ، والشیخان یطالبان بدلیل ما أطلقاه (2).

قوله : ( الأرض التی تملک من غیر قتال ، سواء انجلی أهلها أو سلّموها طوعا ).

(3) المراد بانجلاء أهلها خروجهم عنها وترکها للمسلمین ، وبتسلیمها طوعا تمکین المسلمین من التسلط علیها مع بقائهم فیها.

ویدل علی أن هذا النوع من الأنفال روایات کثیرة :

منها ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته یقول : « إن الأنفال ما کان من أرض لم یکن فیها هراقة دم أو قوم صولحوا وأعطوا بأیدیهم ، وما کان من أرض خربة أو

حصر الأنفال

ص: 413


1- المفید فی المقنعة : 45 ، والشیخ فی النهایة : 419.
2- المعتبر 2 : 634.
3-

والأرضون الموات ، سواء ملکت ثم باد أهلها أو لم یجر علیها ملک ، (1) کالمفاوز وسیف البحار

______________________________________________________

بطون أودیة فهذا کله من الفی ء ، والأنفال لله وللرسول ، فما کان لله فهو للرسول یضعه حیث یحب » (2).

وعن محمد بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الأنفال فقال : « الأنفال ما کان من الأرضین باد أهلها » (3).

وعن حماد بن عیسی ، قال : روی لی بعض أصحابنا ذکره عن العبد الصالح أبی الحسن الأول علیه السلام أنه قال فی خبر طویل : « وله بعد الخمس الأنفال ، والأنفال کل أرض خربة قد باد أهلها ، وکل أرض لم یوجف علیها بخیل ولا رکاب ولکن صولحوا علیها وأعطوا بأیدیهم علی غیر قتال ، وله رؤوس الجبال وبطون الأودیة والآجام وکل أرض میتة لا رب لها ، وله صوافی الملوک مما کان فی أیدیهم من غیر وجه الغصب ، لأن الغصب کله مردود ، وهو وارث من لا وارث له » (4).

قوله : ( والأرضون الموات ، سواء ملکت ثم باد أهلها ، أو لم یجر علیها ملک ).

المراد أن له الأرضین الموات التی لیس لها مالک معروف ، سواء ملکت ثم باد أهلها وماتت ، أو لم یجر علیها ملک.

والمرجع فی الموات إلی العرف.

ص: 414


1- التهذیب 4 : 133 - 370 ، الوسائل 6 : 367 أبواب الأنفال ب 1 ح 10.
2- التهذیب 4 : 133 - 370 ، الوسائل 6 : 367 أبواب الأنفال ب 1 ح 10.
3- التهذیب 4 : 133 - 371 ، الوسائل 6 : 367 أبواب الأنفال ب 1 ح 11.
4- الکافی 1 : 539 - 4 ، التهذیب 4 : 128 - 366 ، الوسائل 6 : 365 أبواب الأنفال ب 1 ح 4.

ورؤوس الجبال وما یکون بها ، وکذا بطون الأودیة والآجام.

______________________________________________________

وعرّفها المصنف فی کتاب إحیاء الموات من هذا الکتاب بأنها ما لا ینتفع به لعطلته ، إما لانقطاع الماء عنه ، أو لاستیلاء الماء علیه ، أو لاستیجامه ، أو غیر ذلک من موانع الانتفاع (1).

وربما ظهر من قول المصنف سواء ملکت ثم باد أهلها أو لم یجر علیها ملک أنها لو کانت لمالک معروف لم یکن کذلک. وهو کذلک ، لکن سیأتی إن شاء الله أن ما مات من الأرض بعد أن ملک بالإحیاء یکون للإمام علیه السلام وإن کان مالکه معروفا.

وکیف کان فالضابط فی ذلک اختصاصه علیه السلام بالموات الذی لا مالک له.

ویدل علی اختصاصه علیه السلام بهذا القسم مضافا إلی ما سبق (2) ما رواه الشیخ عن سماعة بن مهران ، قال : سألته عن الأنفال فقال : « کل أرض خربة أو شی ء کانت تکون للملوک فهو خالص للإمام لیس للناس فیها سهم » قال : « ومنها البحرین لم یوجف علیها بخیل ولا رکاب » (3).

قوله : ( ورؤوس الجبال وما یکون بها ، وکذا بطون الأودیة والآجام ).

الظاهر أن المرجع فی الأولین إلی العرف. والآجام - بکسر الهمزة وفتحها مع المد - : جمع أجمة بالتحریک ، وهی الشجر الکثیر الملتف ، قاله فی القاموس (4). وإطلاق النص (5) وکلام أکثر الأصحاب یقتضی اختصاصه

ص: 415


1- الشرائع 3 : 271.
2- راجع ص 1683.
3- التهذیب 4 : 133 - 373 ، الوسائل 6 : 367 أبواب الأنفال ب 1 ح 8.
4- القاموس المحیط 4 : 74.
5- الوسائل 6 : 364 أبواب الأنفال ب 1.

وإذا فتحت دار الحرب ، فما کان لسلطانهم من قطائع وصفایا فهی للإمام إذا لم تکن مغصوبة من مسلم أو معاهد.

وکذا له أن یصطفی من الغنیمة ما شاء من فرس أو ثوب

______________________________________________________

علیه السلام بهذه الأنواع الثلاثة من أی أرض کانت.

ومنع ابن إدریس من اختصاص الإمام بذلک علی الإطلاق ، بل قیّده بما یکون فی موات الأرض أو الأرضین المملوکة للإمام (1).

ورده الشهید فی البیان بأنه یفضی إلی التداخل وعدم الفائدة فی ذکر اختصاصه بهذین النوعین (2). وهو جید لو کانت الأخبار المتضمنة لاختصاصه علیه السلام بذلک علی الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحکم ، لکنها ضعیفة السند ، فیتجه المصیر إلی ما ذکره ابن إدریس ، قصرا لما خالف الأصل علی موضع الوفاق.

قوله : ( وإذا فتحت دار الحرب فما کان لسلطانهم من قطائع وصفایا فهی للإمام ، إذا لم تکن مغصوبة من مسلم أو معاهد ).

المراد بالقطائع : الأرض ، وبالصفایا : غیرها مما لا ینقل ویحول. والضابط أن کل أرض فتحت من دار (3) أهل الحرب فما کان یختص به ملکهم فهو للإمام إذا لم یکن غصبا من مسلم أو معاهد ، کما کان للنبی صلی الله علیه و آله . ویدل علی ذلک مضافا إلی ما سبق ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن داود بن فرقد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قطائع الملوک کلها للإمام ، لیس للناس فیها شی ء » (4).

قوله : ( وکذا له أن یصطفی من الغنیمة ما شاء من فرس أو ثوب

ص: 416


1- السرائر : 116.
2- البیان : 222.
3- أثبتناه من « ض ».
4- التهذیب 4 : 134 - 377 ، الوسائل 6 : 366 أبواب الأنفال ب 1 ح 6.

أو جاریة أو غیر ذلک ما لم یجحف. (1) وما یغنمه المقاتلون بغیر إذنه فهو له علیه السلام .

______________________________________________________

أو جاریة أو غیر ذلک ما لم یجحف ).

هذا القید مستغنی عنه ، بل کان الأولی ترکه. ویدل علی أن له اصطفاء ما شاء من الغنیمة روایات ، منها صحیحة الربعی المتقدمة عن الصادق علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وکان ذلک له » ثم قال فی آخر الروایة : « وکذلک الإمام یأخذ کما أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله » (2).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صفو المال ، قال : « الإمام یأخذ الجاریة الروقة ، والمرکب الفاره ، والسیف القاطع ، والدرع ، قبل أن یقسم الغنیمة ، فهذا صفو المال » (3).

قوله : ( وما یغنمه الغانمون بغیر إذنه فهو له علیه السلام ).

هذا الحکم ذکره الشیخان (4) والمرتضی (5) وأتباعهم (6). واستدلوا علیه بروایة العباس الورّاق ، عن رجل سماه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا غزی قوم بغیر أمر الإمام فغنموا کانت الغنیمة کلها للإمام ، فإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا کان للإمام الخمس » (7). وهذه الروایة ضعیفة بالإرسال وغیره.

ص: 417


1- التهذیب 4 : 128 - 365 ، الإستبصار 2 : 56 - 186 ، الوسائل 6 : 356 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.
2- التهذیب 4 : 128 - 365 ، الإستبصار 2 : 56 - 186 ، الوسائل 6 : 356 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 3.
3- التهذیب 4 : 134 - 375 ، السرائر : 484 ، الوسائل 6 : 369 أبواب الأنفال ب 1 ح 15.
4- المفید فی المقنعة : 45 ، والشیخ فی النهایة : 200 ، والمبسوط 1 : 263 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 208.
5- حکاه عنه فی المعتبر 2 : 635.
6- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 186.
7- التهذیب 4 : 135 - 378 ، الوسائل 6 : 369 أبواب الأنفال ب 1 ح 16.

______________________________________________________

ونقل عن ابن إدریس أنه ادعی الإجماع علی هذا الحکم (1). ورده المصنف فی المعتبر فقال : وبعض المتأخرین یستسلف صحة الدعوی مع إنکاره العمل بخبر الواحد ، فیحتج لقوله بدعوی إجماع الإمامیة ، وذلک مرتکب فاحش ، إذ هو یقول إن الإجماع إنما یکون حجة إذا علم أن الإمام فی الجملة ، فإن کان یعلم ذلک فهو منفرد بعلمه ، فلا یکون حجة علی من لم یعلم (2).

وظاهر المصنف فی النافع التوقف فی هذا الحکم حیث قال : وقیل إذا غزا قوم بغیر إذنه فغنیمتهم له والروایة مقطوعة (3).

وقوی العلامة فی المنتهی مساواة ما یغنم بغیر إذن الإمام لما یغنم بإذنه (4). وهو جید ، لإطلاق الآیة الشریفة (5) ، وخصوص حسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل من أصحابنا یکون فی لوائهم فیکون معهم فیصیب غنیمة فقال : « یؤدی خمسنا ویطیب له » (6).

ومن الأنفال میراث من لا وارث له عند علمائنا أجمع ، قاله فی المنتهی (7). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من مات ولیس له وارث من قبل قرابته ولا مولی عتاقه ولا ضامن جریرة فما له من الأنفال » (8).

ص: 418


1- السرائر : 116 ، 156.
2- المعتبر 2 : 635.
3- المختصر النافع : 64.
4- المنتهی 1 : 554.
5- الأنفال : 41.
6- التهذیب 4 : 124 - 357 ، الوسائل 6 : 340 أبواب ما یجب فیه الخمس ب 2 ح 8.
7- المنتهی 1 : 553.
8- الکافی 7 : 169 - 2 ، الفقیه 4 : 242 - 773 ، التهذیب 9 : 387 - 1381 ، الوسائل 17 : 547 أبواب ولاء ضمان الجریرة ب 3 ح 1.

الثانی : فی کیفیة التصرف فی مستحقه ، وفیه مسائل : الأولی : لا یجوز التصرف فی ذلک بغیر إذنه ، ولو تصرّف متصرّف کان غاصبا ، ولو حصل له فائدة کانت للإمام.

______________________________________________________

وعن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « من مات ولا مولی له ولا ورثة فهو من أهل هذه الآیة ( یَسْئَلُونَکَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) (1) (2).

قوله : ( الثانی ، فی کیفیة التصرف فی مستحقه ، وفیه مسائل ، الأولی : لا یجوز التصرف فی ذلک بغیر إذنه ، ولو تصرف متصرف کان غاصبا ، ولو حصل له فائدة کانت للإمام ).

المراد أنه لا یجوز التصرف فی ذلک - یعنی الأنفال - بغیر إذن الإمام علیه السلام فی حال حضوره ، کما نص علیه فی المعتبر (3). أما فی حال الغیبة فالأصح إباحة الجمیع کما نص علیه الشهیدان (4) وجماعة ، للأخبار الکثیرة المتضمنة لإباحة حقوقهم لشیعتهم فی حال الغیبة (5).

قال فی البیان : وهل یشترط فی المباح له الفقر؟ ذکره الأصحاب فی میراث فاقد الوارث أما غیره فلا (6).

وأقول إن مقتضی العمومات عدم اشتراط ذلک مطلقا ، نعم ورد فی

کیفیة التصرف بالأنفال

ص: 419


1- الکافی 1 : 546 - 18 ، الفقیه 2 : 23 - 89 ، التهذیب 4 : 134 - 374 ، الوسائل 6 : 369 أبواب الأنفال ب 1 ح 14.
2- الأنفال : 1.
3- المعتبر 2 : 635.
4- الشهید الأول فی الدروس : 70 ، والبیان : 221 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 2 : 85 ، والمسالک 1 : 68.
5- الوسائل 6 : 378 أبواب الأنفال ب 4.
6- البیان : 221.

الثانیة : إذا قاطع الإمام علی شی ء من حقوقه حلّ ما فضل عن القطیعة ، ووجب علیه الوفاء.

الثالثة : ثبت إباحة المناکح والمساکن والمتاجر فی حال الغیبة ، وإن کان ذلک بأجمعه للإمام أو بعضه ، ولا یجب إخراج حصّة الموجودین من أرباب الخمس منه.

______________________________________________________

المیراث روایة ضعیفة ربما تعطی اعتبار ذلک ، ولاستقصاء البحث فی ذلک محل آخر.

قوله : ( الثانیة ، إذا قاطع الإمام علی شی ء من حقوقه حلّ ما فضل عن القطیعة ووجب علیه الوفاء ).

هذا الحکم واضح المأخذ ، لکن کان ترک التعرض لذکره أقرب إلی الصواب.

قوله : ( الثالثة ، ثبت إباحة المناکح والمساکن والمتاجر فی حال الغیبة ، وإن کان ذلک بأجمعه للإمام أو بعضه ، ولا یجب إخراج حصة الموجودین من أرباب الخمس ).

أما إباحة المناکح فقال العلامة فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (1). والمراد بها : الجواری التی تسبی من دار الحرب فإنه یجوز شراؤها ووطؤها وإن کانت بأجمعها للإمام إذا کانت الغنیمة بغیر إذنه ، أو بعضها مع الإذن.

قال فی الدروس : ولیس ذلک من باب تبعیض التحلیل ، بل تملیک للحصة أو الجمیع من الإمام (2). وهو حسن.

وفسرها بعضهم بثمن السراری ومهر الزوجة من الربح ، وهو یرجع إلی

إباحة المناکح والمساکن والمتاجر

ص: 420


1- المنتهی 1 : 555.
2- الدروس : 69.

______________________________________________________

المؤنة المستثناة فی الأرباح (1). وربما ظهر من عبارة الدروس استثناء ذلک من جمیع ما یجب فیه الخمس فلا یکون مختصا بمؤنة الأرباح (2).

وأما المساکن والمتاجر فألحقهما الشیخ وجماعة بالمناکح (3). وفسرت المساکن بما یتخذ منها فیما یختص بالإمام علیه السلام من الأرض ، أو من الأرباح ، بمعنی أنه یستثنی من الأرباح مسکن فما زاد مع الحاجة (4). ومرجع الأول إلی الأنفال المباحة فی زمن الغیبة ، والثانی إلی المؤنة المستثناة من الأرباح.

وفسرت المتاجر بما یشتری من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب فی حال الغیبة وإن کانت بأسرها أو بعضها للإمام علیه السلام (5).

وفسرها ابن إدریس بشراء متعلق الخمس ممن لا یخمس ، فلا یجب علی المشتری إخراج الخمس إلا أن یتجر فیه ویربح (6). وفسرها بعضهم بما یکتسب من الأرض والأشجار المختصة بالإمام علیه السلام (7). ومرجعه إلی الأنفال أیضا.

والأصح إباحة ما یتعلق بالإمام علیه السلام من ذلک خاصة ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة علی بن مهزیار ، قال : قرأت فی کتاب لأبی جعفر علیه السلام من رجل یسأله أن یجعله فی حل من مأکله ومشربه من الخمس فکتب بخطه : « من أعوزه شی ء من حقی فهو فی حل » (8).

ص: 421


1- کالشهید الثانی فی الروضة البهیة 2 : 80.
2- الدروس : 69.
3- النهایة : 200 ، والمبسوط 1 : 263.
4- کما فی التنقیح الرائع 1 : 345.
5- کما فی المسالک 1 : 69.
6- السرائر : 116.
7- المهذب البارع 1 : 569.
8- الفقیه 2 : 23 - 88 ، التهذیب 4 : 143 - 400 ، الوسائل 6 : 379 أبواب الأنفال ب 4 ح 2.

______________________________________________________

وصحیحة الحارث بن المغیرة النصری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلک ، وقد علمت أن لک فیها حقا قال : « فلم أحللنا إذا لشیعتنا إلا لتطیب ولادتهم ، وکل من والی آبائی فهم فی حل مما فی أیدیهم من حقنا ، فلیبلغ الشاهد الغائب » (1).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إن أمیر المؤمنین علیه السلام حللهم من الخمس » یعنی الشیعة (2).

وصحیحة زرارة ومحمد بن مسلم وأبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : هلک الناس فی بطونهم وفروجهم ، لأنهم لا یؤدون إلینا حقنا ، ألا وإن شیعتنا من ذلک وأبناءهم فی حل » (3).

وصحیحة عمر بن یزید ، قال : رأیت أبا سیار مسمع بن عبد الملک بالمدینة وکان قد حمل إلی أبی عبد الله علیه السلام مالا فی تلک السنة فرده علیه ، فقلت له : لم ردّ علیک أبو عبد الله علیه السلام المال الذی حملته إلیه؟ فقال : إنی قلت له حین حملت إلیه المال : إنی کنت ولیت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها إلیک ثمانین ألف درهم ، وکرهت أن أحبسها عنک أو أعرض لها وهی حقک الذی جعله الله لک فی أموالنا فقال : « وما لنا فی الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس!؟ یا أبا سیار ، الأرض کلها لنا فما أخرج الله منها من شی ء فهو لنا » قال قلت له : أنا أحمل إلیک المال کله ، فقال لی : « یا أبا سیار قد طیبناه لک وحللناک منه ،

ص: 422


1- التهذیب 4 : 143 - 399 ، الوسائل 6 : 381 أبواب الأنفال ب 4 ح 9.
2- علل الشرائع : 377 - 1 ، الوسائل 6 : 383 أبواب الأنفال ب 4 ح 15.
3- (3) التهذیب 4 : 137 - 386 ، الاستبصار 2 : 58 - 191 ، علل الشرائع : 377 - 2 ، المقنعة : 46 وفیه : عن محمد بن مسلم فقط ، الوسائل 6 : 378 أبواب الأنفال ب 4

______________________________________________________

فضم إلیک مالک ، وکلما کان فی أیدی شیعتنا من الأرض فهم فیه محللون یحل لهم ذلک إلی أن یقوم قائمنا » (1).

وموثقة یونس بن یعقوب ، قال : کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فدخل علیه رجل من القماطین فقال : جعلت فداک تقع فی أیدینا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أن حقک فیها ثابت ، وإنا عن ذلک مقصرون فقال : « ما أنصفناکم إن کلفناکم ذلک الیوم » (2).

ونقل عن ابن الجنید أنه قال : لا یصح التحلیل إلا لصاحب الحق فی زمانه ، إذ لا یسوغ تحلیل ما یملکه غیره (3).

قال المصنف فی المعتبر : وهذا لیس بشی ء ، لأن الإمام لا یحل إلا ما یعلم أن له الولایة فی تحلیله ، ولو لم یکن له ذلک لاقتصر فی التحلیل علی زمانه ولم یقیده بالدوام (4).

ویشکل بأن أکثر الأخبار المعتبرة خالیة من التقیید بالدوام لکنها ظاهرة فی ذلک کما یرشد إلیه التعلیل المستفاد من صحیحة الحارث بن المغیرة بطیب الولادة ، وقوله علیه السلام : « فهم فی حل مما فی أیدیهم من حقنا ، فلیبلغ الشاهد الغائب » (5) وفی صحیحة الفضلاء : « ألا وإن شیعتنا من ذلک وأبناءهم فی حل » (6).

واعلم أنه ربما ظهر من قول المصنف رحمه الله : ثبت إباحة المناکح والمساکن والمتاجر فی حال الغیبة ، عدم إباحة ما عدا ذلک من الأنفال فی

ص: 423


1- الکافی 1 : 408 - 3 ، التهذیب 4 : 144 - 403 ، الوسائل 6 : 382 أبواب الأنفال ب 4 ح 12 ، وفیها : بتفاوت یسیر.
2- الفقیه 2 : 23 - 87 ، التهذیب 4 : 138 - 389 ، الإستبصار 2 : 59 - 194 ، المقنعة : 46 ، الوسائل 6 : 380 أبواب الأنفال ب 4 ح 6.
3- المعتبر 2 : 637.
4- المعتبر 2 : 637.
5- المتقدمة فی ص 422.
6- المتقدمة فی ص 422.

الرابعة : ما یجب من الخمس یجب صرفه إلیه مع وجوده ، ومع عدمه قیل : یکون مباحا ، وقیل : یجب حفظه ثم یوصی

______________________________________________________

زمن الغیبة ، لأن أحد التفسیرات للمناکح : أنها السراری التی تسبی من دار الحرب بغیر إذن الإمام علیه السلام ، وهی من الأنفال عند أکثر الأصحاب ، وأحد التفسیرات للمساکن : أنها المتخذة فی أرض الأنفال ، وللمتاجر : أنها المتخذة منها أیضا (1) ، وهو خلاف ما صرح به الأکثر ، بل أطبق علیه الجمیع من أن الأرض المیتة المختصة به علیه السلام یملکها المحیی فی زمن الغیبة من غیر إذن.

والذی صرح به العلامة فی المنتهی إباحة المناکح فی حال ظهور الإمام وغیبته ، وقال : إن ذلک قول علمائنا أجمع ، ثم قال : وألحق الشیخ المساکن والمتاجر ، واستدل علیه بما ظاهره إباحة الجمیع کذلک (2). وبهذا التعمیم صرح فی التذکرة فقال : وقد أباح الأئمة علیهم السلام لشیعتهم المناکح والمساکن والمتاجر فی حال ظهور الإمام وغیبته (3). وعلی هذا فلا یکون فی تخصیص ذلک دلالة علی تحریم ما عدا ذلک من الأنفال فی حال الغیبة بوجه ، ولو اقتصر فی تفسیر الثلاثة علی ما یتعلق بالأخماس لیکون الاستثناء منها خاصة کما هو ظاهر کلام المفید فی المقنعة والشیخ فی النهایة (4) کان أولی. وکیف کان فالمستفاد من الأخبار المتقدمة (5) إباحة حقوقهم علیهم السلام من جمیع ذلک والله تعالی أعلم.

قوله : ( الرابعة ، ما یجب من الخمس یجب صرفه إلیه مع وجوده ، ومع عدمه قیل : یکون مباحا ، وقیل : یجب حفظه ثم یوصی

حکم الخمس مع عدم الامام

ص: 424


1- کذلک فسرها الشهید الثانی فی المسالک 1 : 68 ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان 4 : 361.
2- المنتهی 1 : 555.
3- التذکرة 1 : 255.
4- المقنعة : 46 ، والنهایة : 200.
5- الوسائل 6 : 378 أبواب الأنفال ب 4.

به عند ظهور أمارة الموت ، وقیل : یدفن ، وقیل : یصرف النصف إلی إلی مستحقیه ویحفظ ما یختص به بالوصاة أو الدفن ، وقیل : بل تصرف حصته إلی الأصناف الموجودین أیضا ، لأن علیه الإتمام عند عدم الکفایة ، وکما یجب ذلک مع وجوده فهو واجب علیه عند غیبته ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

به عند ظهور أمارة الموت ، وقیل : یدفن ، وقیل : یصرف النصف إلی مستحقه ویحفظ ما یختص به بالوصاة أو الدفن ، وقیل : بل تصرف حصته إلی الأصناف الموجودین أیضا ، لأن علیه الإتمام مع عدم الکفایة وکما یجب ذلک مع وجوده فهو واجب علیه عند غیبته ، وهو الأشبه ).

أما وجوب صرف الخمس کله إلی الإمام علیه السلام مع حضوره فمشکل علی إطلاقه ، لکن الأمر فیه هیّن. وإنما الإشکال فی حکمه فی حال الغیبة وقد اختلف فیه کلام الأصحاب اختلافا کثیرا.

قال المفید فی المقنعة : اختلف الأصحاب فی حدیث الخمس عند الغیبة ، وذهب کل فریق منهم إلی مقال ، فمنهم من یسقط فرض إخراجه لغیبة الإمام بما تقدم من الرخص فیه من الأخبار ، وبعضهم یذهب إلی کنزه ویتأول خبرا ورد أن الأرض تظهر کنوزها عند ظهور الإمام ، وأنه علیه السلام إذا قام دلّه الله تعالی علی الکنوز فیأخذها من کل مکان ، وبعضهم یری صلة الذریة وفقراء الشیعة علی وجه الاستحباب ، وبعضهم یری عزله لصاحب الأمر علیه السلام فإن خشی إدراک الموت قبل ظهوره وصی به إلی من یثق به فی عقله ودیانته فیسلّمه إلی الإمام علیه السلام إن أدرک قیامه وإلا وصی به إلی من یقوم مقامه فی الثقة والدیانة ، ثم علی هذا الشرط إلی أن یظهر إمام الزمان علیه السلام (1) ، وهذا القول عندی أوضح من جمیع ما تقدم ، لأن

ص: 425


1- فی نسخة الأصل وباقی النسخ زیادة : قال الشیخ فی التهذیب. ولکن الکلام الذی یلیه هو کلام المفید فی المقنعة وکما یظهر من مراجعة التهذیب ، فرجحنا حذفها من المتن وجعله کلاما واحدا.

______________________________________________________

الخمس حق لصاحب لم یرسم فیه قبل غیبته رسما (1) حتی یجب الانتهاء إلیه فوجب حفظه علیه إلی وقت إیابه والتمکن من إیصاله إلیه أو وجود من انتقل إلیه الحق ، ویجری ذلک مجری الزکاة التی یعدم عند حلولها مستحقها ، ولا یجب عند عدم ذلک سقوطها ، ولا یحل التصرف فیها علی حسب التصرف فی الأملاک ، ویجب حفظها بالنفس أو الوصیة بها إلی أن یقوم بإیصالها إلی مستحقها من أهل الزکاة من الأصناف ، وإن ذهب ذاهب إلی ما ذکرناه فی شطر الخمس الذی هو خالص الإمام علیه السلام ، وجعل الشطر الآخر لأیتام آل محمد صلی الله علیه و آله وأبناء سبیلهم ومساکینهم علی ما جاء فی القرآن لم یبعد إصابته الحق فی ذلک ، بل کان علی صواب (2). انتهی کلامه رحمه الله .

والذی جزم به المصنف ومن تأخر عنه (3) صرف الجمیع إلی الأصناف الموجودین مع احتیاجهم إلیه ، أما النصف المستحق لهم فظاهر ، وأما ما یختص به علیه السلام فلما ذکره المصنف من وجوب إتمام ما یحتاجون إلیه من حصته مع ظهوره علیه السلام ، وإذا کان هذا لازما له فی حال حضوره کان لازما له فی غیبته ، لأن الحق الواجب لا یسقط بغیبته من یلزمه ذلک ، ویتولاه المأذون له علی سبیل العموم ، وهو الفقیه المأمون من فقهاء أهل البیت علیهم السلام (4). وهو جید لو ثبت الأصل المذکور ، لکنه موضع کلام کما سلف.

وربما أید ذلک بأن مثل هذا التصرف لا ضرر فیه علی المالک بوجه فینتفی المانع منه ، بل ربما یعلم رضاه به إذا کان المدفوع إلیه من أهل الاضطرار والتقوی ، وکان المال معرّضا للتلف مع التأخیر کما هو الغالب فی

ص: 426


1- أثبتناه من المصدر.
2- المقنعة : 46 ، والتهذیب 4 : 147.
3- کالعلامة فی التحریر 1 : 75.
4- المعتبر 2 : 641.

الخامسة : یجب أن یتولی صرف حصة الإمام فی الأصناف الموجودین من إلیه الحکم بحق النیابة ، کما یتولی أداء ما یجب علی الغائب.

______________________________________________________

مثل هذا الزمان ، فیکون دفعه إلی من ذکرناه إحسانا محضا و ( ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ ) . وهو حسن لو لا ما تلوناه سابقا من الأخبار المتضمنة لتحلیلهم علیهم السلام لشیعتهم من ذلک (1) ، وطریق الاحتیاط بالنسبة إلی المالک واضح. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( الخامسة ، یجب أن یتولی صرف حصة الإمام علیه السلام إلی الأصناف الموجودین من إلیه الحکم بحق النیابة کما یتولی أداء ما یجب علی الغائب ).

المراد بمن إلیه الحکم : الثقة (2) العدل الإمامی الجامع لشرائط الفتوی ، وإنما وجب تولیه (3) لذلک لما أشار إلیه المصنف من أنه منصوب من قبله علیه السلام علی وجه العموم فیکون له ، تولی ذلک کما یتولی أداء ما یجب علی الغائب من الدیون.

قال الشارح قدس سره : ولو تولی ذلک غیره کان ضامنا عند کل من أوجب صرفه إلی الأصناف (4).

ونقل عن المفید - رحمه الله - أنه قال فی المسائل الغریة : إذا فقد إمام الحق ووصل إلی إنسان ما یجب فیه الخمس فلیخرجه إلی یتامی آل محمد صلی الله علیه و آله ومساکینهم وأبناء سبیلهم ، ولیوفر قسط ولد آل أبی طالب (5) ، لعدول الجمهور عن صلتهم ، ولمجی ء الروایة عن أئمة الهدی

تولی نائب الامام لصرف حصة الامام

ص: 427


1- الوسائل 6 : 378 أبواب الأنفال ب 4.
2- فی « ض » ، « م » ، « ح » : الفقیه.
3- فی الأصل و « ض » تولیته ، وما أثبتناه من « م » و « ح » هو الأنسب.
4- المسالک 1 : 69.
5- فی « م » : آل أبی طالب ، وفی « ح » : ولد أبی طالب.

______________________________________________________

بتوفیر ما یستحقونه من الخمس فی هذا الوقت علی فقراء أهلهم وأیتامهم وأبناء سبیلهم. وربما لاح من ذلک جواز تولی المالک لصرف ذلک بنفسه (1). ولا یخلو من إشکال. والله تعالی أعلم بحقیقة الحال.

ص: 428


1- حکاه عنه فی المعتبر 2 : 241 ، والمختلف : 209.

فهرس الجزء الخامس

کتاب الزکاة

تعریف الزکاة .................................................................. 5

وجوب الزکاة .................................................................. 6

علة الزکاة وفضیلتها ............................................................ 8

عقاب تارک الزکاة ............................................................ 10

عدم وجوب غیر الزکاة والخمس ................................................ 12

من تجب علیه الزکاة ........................................................... 15

استحباب الزکاة فی مال الطفل المتجر به ......................................... 16

استحباب الزکاة فی غلات الطفل ............................................... 20

حکم أموال المجنون ............................................................ 22

حکم المال الذی بید العبد ...................................................... 24

اشتراط الملک فی الزکاة ........................................................ 25

حکم المال الموهوب ............................................................ 26

حکم المال الموصی به .......................................................... 27

حکم العوض فی البیع الخیاری .................................................. 28

ص: 429

حکم المال المستقرض .......................................................... 29

حکم الغنیمة .................................................................. 30

حکم نذر الصدقة بعین النصاب ................................................ 31

اشتراط التمکن من التصرف ................................................... 32

اعتبار التمکن من الأداء فی الضمان ............................................. 33

استحباب تزکیة المفقود لسنة إذا وجده .......................................... 37

حکم القرض والدین ........................................................... 38

وجوب الزکاة علی الکافر ..................................................... 41

حکم تلف الزکاة ............................................................. 43

ما تجب فیه الزکاة

وجوب الزکاة فی تسعة أنواع ................................................... 45

استحباب الزکاة فیما أنبتت الأرض ............................................. 48

حکم زکاة مال التجارة ........................................................ 49

استحباب الزکاة فی الخیل ...................................................... 51

حکم المتولد بین زکاتی وغیره ................................................... 52

زکاة الأنعام

اشتراط النصاب ............................................................... 53

نصاب الإبل .................................................................. 53

نصاب البقر .................................................................. 58

نصاب الغنم .................................................................. 59

عفو ما بین النصابین واسمه ...................................................... 64

حکم الشرکاء فی نصاب ....................................................... 66

حکم المالین المتباعدین .......................................................... 66

اشتراط السوم ................................................................ 67

اشتراط الحول ................................................................. 70

ص: 430

اعتبار الحول فی مال التجارة .................................................... 71

حد الحول .................................................................... 71

بطلان الحول باختلال أحد الشروط ............................................. 73

بطلان الحول بالمعاوضة بالمثل .................................................... 74

حکم السخال المتولدة .......................................................... 76

حکم تلف بعض النصاب بعد الحول ............................................ 78

حکم ارتداد المسلم قبل الحول وبعده ............................................. 78

اشتراط عدم کونها عوامل ...................................................... 79

بیان الفریضة فی زکاة الأنعام ................................................... 79

بیان الفریضة فی زکاة البقر ..................................................... 81

الابدال ....................................................................... 81

حکم من وجبت علیه سن ولیست عنده ......................................... 82

عدم إجزاء ما فوق الجذع ...................................................... 85

لا جبران فیما عد الإبل ........................................................ 87

تعریف بنت المخاض ........................................................... 87

تعریف بنت اللبون ............................................................ 87

تعریف الحقة .................................................................. 88

تعریف الجذعة ................................................................ 88

تعریف التبیع ................................................................. 89

تعریف المسنة ................................................................. 90

جواز الاخراج بالقیمة ......................................................... 90

أقل الشاة التی تؤخذ ........................................................... 92

لا تؤخذ المریضة والهرمة وذات العوار ............................................ 94

حکم وقوع المشاحة بین الساعی والمالک ......................................... 95

وجوب الزکاة فی العین ........................................................ 96

ص: 431

حکم من فرط فی اخراج الزکاة ................................................. 98

حکم المهر إذا کان نصابا ...................................................... 99

حکم النصاب إذا حال علیه أحوال ............................................ 100

حکم النصاب المجتمع من المعز والضان ، والبقر والجاموس ، والعراب والبخاتی ...... 101

قبول إدعاء المالک اخراج الزکاة ............................................... 102

حکم الأموال المتفرقة ......................................................... 103

حکم السن الواجبة إذا کانت مریضة .......................................... 104

حکم ما إذا کان النصاب کله مریضا .......................................... 104

عدم أخذ الربی .............................................................. 104

عدم أخذ الأکولة ............................................................ 106

جواز الدفع من غیر غنم البلد ................................................. 107

زکاة الذهب والفضة

أقل ما تجب فیه الزکاة من الذهب ............................................. 108

أقل ما تجب فیه الزکاة من الفضة .............................................. 112

مقدار الدرهم ............................................................... 113

اشتراط کون الذهب والفضة مضروبین ........................................ 115

اشتراط حؤول الحول فی زکاة النقدین .......................................... 116

عدم وجوب الزکاة فی الحلی .................................................. 118

عدم وجوب الزکاة فی السبائک والنقار والتبر ................................... 119

عدم اعتبار اختلاف الرغبة ................................................... 121

اعتبار بلوغ الخالص نصاباً فی المغشوشة ........................................ 122

عدم إجزاء اخراج المغشوشة عن الجیاد ......................................... 123

کیفیة اخراج الزکاة من المغشوشة ............................................. 123

حکم مال القرض ............................................................ 124

ص: 432

حکم النفقة التی تترک للاهل .................................................. 126

عدم ضم أحد النقدین إلی الاخر ............................................... 127

زکاة الغلات

استحباب الزکاة فی غیر الأجناس الأربعة ....................................... 130

اشتراط بلوغ النصاب فی زکاة الغلات ......................................... 131

مقدار الصاع ................................................................ 132

مقدار المد ................................................................... 134

وجوب الزکاة فیما زاد عن النصاب ........................................... 136

الحد الذی تتعلق به الزکاة .................................................... 137

وقت الاخراج ............................................................... 139

اعتبار ملک الغلة بالزراعة ..................................................... 140

وجوب الزکاة مرة واحدة فی الغلة ............................................. 141

استثناء حصة السلطان والمؤن .................................................. 142

وجوب نصف العشر فیما یسقی بالآلة والعشر فی غیره .......................... 146

حکم ما یسفی بالآلة وبغیر آلة ................................................ 148

ضم الزروع المتباعدة ......................................................... 150

حکم النخل الذی یطلع مرتین ................................................ 151

عدم أخذ الرطب والعنب عن التمر والزبیب .................................... 152

حکم موت المالک وعلیه دین .................................................. 153

حکم من ملک ثمرة قبل بدو صلاحها .......................................... 157

نصاب ما تستحب فیه الزکاة ................................................. 158

حکم الخرص ............................................................... 160

زکاة مال التجارة

تعریف مال التجارة .......................................................... 164

اشتراط النصاب فی زکاة مال التجارة .......................................... 167

ص: 433

اشتراط الطلب برأس المال .................................................... 169

اشتراط الحول ............................................................... 170

تعلق زکاة التجارة بقیمة المتاع ................................................ 173

تقویم المتاع بالدراهم والدنانیر ................................................. 175

حکم تملک نصاب زکاتی للتجارة ............................................. 176

حکم تعویض أربعین ساعة بمثلها للتجارة ....................................... 178

حکم زکاة مال المضاربة ...................................................... 180

عدم منع الدین للزکاة ........................................................ 180

استحباب الزکاة فی حاصل العقار ............................................. 184

عدم استحباب الزکاة فی المساکن والأمتعة ...................................... 185

استحباب الزکاة فی الخیل ..................................................... 186

المستحقون للزکاة ........................................................... 187

الفقراء والمساکین ............................................................ 188

حرمة الزکاة للقادر علی الاکتساب ........................................... 196

جواز الزکاة لمن یقصر کسبه ................................................. 197

جواز الزکاة لصاحب الدار والخادم ............................................ 199

حکم مدعی الفقر ........................................................... 201

عدم وجوب إعلام الفقیر بالزکاة .............................................. 203

حکم دفع الزکاة للغنی ....................................................... 204

حکم دفع الزکاة إلی الکافر .................................................. 207

العاملون .................................................................... 208

شروط العامل ............................................................... 211

کیفیة إعطاء العامل .......................................................... 213

المؤلفة ...................................................................... 213

فی الرقاب .................................................................. 216

ص: 434

الغارمون .................................................................... 222

جواز مقاصة الفقیر ........................................................... 225

جواز قضاء دین المیت من الزکاة .............................................. 227

جواز قضاء الدین عمن تجب نفقته ............................................. 228

حکم صرف الغارم الزکاة فی غیر الدین ........................................ 229

حکم ادعاء الغرم ............................................................ 230

فی سبیل الله ................................................................. 230

عدم اشتراط الفقر فی الغازی .................................................. 232

ارتجاع الزکاة مع عدم الغزو .................................................. 233

حکم نصیب الجهاد مع فقد الامام ............................................. 233

حکم سهم السعاة والمؤلفة مع فقد الامام ....................................... 234

ابن السبیل .................................................................. 234

اعتبار إباحة السفر فی ابن السبیل .............................................. 236

اعطاء ابن السبیل بقدر الکفایة إلی بلده ........................................ 237

أوصاف المستحق

الوصف الأول : الایمان ...................................................... 237

جواز صرف الفطرة للمستضعف .............................................. 238

حکم إعطاء الزکاة الأطفال ................................................... 240

حکم زکاة المخالف إذا استبصر ............................................... 242

الوصف الثانی : العدالة ....................................................... 243

الوصف الثالث : غیر واجب النفقة ............................................ 245

جواز اعطاء ما زاد علی النفقة الواجبة .......................................... 247

حکم إعطاء الزوجة الناشز والمستمتع بها ....................................... 248

جواز إعطاء الزوجة الزکاة ................................................... 248

حکم إعطاء الواجب النفقة من غیر سهم الفقراء ................................ 249

ص: 435

الوصف الرابع : أن لا یکون هاشمیا ........................................... 250

حلیة زکاة الهاشمی لمثله ....................................................... 252

جواز أخذ الهاشمی الزکاة عند الضرورة ......................................... 254

جواز الزکاة المندوبة للهاشمی .................................................. 255

بیان الهاشمی ................................................................. 256

المتولی للاخراج

استحباب حمل الزکاة إلی الامام ............................................... 259

وجوب صرف الزکاة إلی الامام إذا طلبها ...................................... 260

ولی الطفل کالمالک ........................................................... 260

وجوب نصب العامل علی الزکاة .............................................. 261

قبول دعوی الاخراج من المالک ............................................... 261

بعض أحکام العامل .......................................................... 262

الدفع إلی الفقیه عند عدم الامام ............................................... 262

کیفیة قسمة الزکاة .......................................................... 263

حکم نقل الزکاة وتأخیرها ................................................... 266

حکم نقل زکاة الفطرة ....................................................... 272

براءة الذمة بقبض الساعی .................................................... 273

حال الزکاة عند عدم المستحق ................................................ 274

حکم المملوک المشتری من الزکاة .............................................. 276

مؤنة الوزن علی المالک ....................................................... 278

حکم اجتماع سببان للمستحق ................................................ 278

أقل ما یعطی الفقیر .......................................................... 279

لا حد لأکثر الزکاة ......................................................... 282

استحباب دعاء الساعی لصاحب الزکاة ........................................ 283

کراهة تملک ما أخرجه فی الصدقة ............................................. 284

ص: 436

استحباب توسیم نعم الصدقة ................................................. 285

وقت تسلیم الزکاة .......................................................... 286

حکم تأخیر الزکاة بعد العزل ................................................. 288

حکم تقدیم الزکاة ........................................................... 291

انثلام النصاب بالقرض ....................................................... 295

حکم خروج المستحق عن الوصف بعد القرض .................................. 296

حکم استغناء الفقیر بالزکاة المقدمة ............................................ 298

القول فی النیة ............................................................... 299

حکم نیة زکاة المال الغائب ................................................... 303

حکم نیة الساعی دون المالک ................................................. 304

زکاة الفطرة

وجوب زکاة الفطرة ......................................................... 306

شروط وجوب الفطرة ........................................................ 307

استحباب اخراج الزکاة للفقیر ................................................ 310

وجوب اخراج الفطرة عن العیال .............................................. 315

اعتبار النیة فی الفطرة ......................................................... 319

عدم صحة الفطرة من الکافر .................................................. 319

حکم توفر الشروط قبل الهلال وبعده .......................................... 320

وجوب الزکاة عن الزوجة والمملوک ............................................ 322

سقوط الفطرة عمن وجبت علی غیره .......................................... 324

حکم المملوک الغائب ......................................................... 326

حکم العبد الذی بین شریکین ................................................ 328

حکم موت المولی لیلة الفطر ................................................... 329

حکم الموصی له بعبد ......................................................... 330

حکم الموهوب له عبد ........................................................ 331

ص: 437

جنس الفطرة ................................................................ 332

اخراج الفطرة بالقیمة السوقیة ................................................. 335

أفضل ما یخرج فی الفطرة ..................................................... 337

قدر الفطرة ................................................................. 339

وقت اخراج الفطرة .......................................................... 343

حکم تقدیم الفطرة ........................................................... 345

أفضل وقت الفطرة .......................................................... 347

حکم اخراج الفطرة بعد الصلاة ............................................... 349

حکم تأخیر دفع الفطرة ...................................................... 352

حکم النقل إلی بلد آخر ...................................................... 352

مصرف الفطرة .............................................................. 353

أقل ما یعطی الفقیر .......................................................... 354

جواز اعطاء ما یغنی .......................................................... 355

استحباب تخصیص القرابة بالفطرة ............................................. 356

کتاب الخمس

وجوب الخمس .............................................................. 359

وجوب الخمس فی الغنائم ..................................................... 360

وجوب الخمس فی المعادن ..................................................... 361

اشتراط النصاب فی المعادن .................................................... 364

وجوب الخمس فی الکنوز ..................................................... 368

حکم الکنز ................................................................. 370

حکم ما یوجد فی جوف الحیوان .............................................. 372

وجوب الخمس فی الغوص .................................................... 375

حکم المأخوذ من غیر غوص .................................................. 376

حکم اخراج العنبر ........................................................... 377

ص: 438

وجوب الخمس فیما یفضل عن مؤنة السنة ...................................... 378

وجوب الخمس فی الأرض التی یشتریها الذمی ................................... 385

وجوب الخمس فی الحلال المختلط بالحرام ....................................... 387

عدم اعتبار الحریة والبلوغ فی الکنز ............................................ 389

عدم اعتبار الحول فی الخمس .................................................. 390

حکم اختلاف المالک والمستأجر فی الکنز ....................................... 391

وجوب الخمس بعد المؤنة ..................................................... 392

قسمة الخمس

تقسیم الخمس ستة أقسام ..................................................... 393

اعتبار الانتساب إلی عبد المطلب بالأب فی الطوائف ............................. 399

عدم وجوب استیعاب الطوائف ................................................ 403

تعیین أبناء عبد المطلب ....................................................... 404

جواز تخصیص طائفة بالخمس ................................................. 405

کیفیة تقسیم الخمس ......................................................... 406

عدم اعتبار الفقر فی ابن السبیل ................................................ 409

حکم نقل الخمس ............................................................ 410

شروط مستحق الخمس ....................................................... 411

الأنفال

تعریف النفل ................................................................ 412

حصر الأنفال ............................................................... 413

کیفیة التصرف بالأنفال ...................................................... 419

إباحة المناکح والمساکن والمتاجر ............................................... 420

حکم الخمس مع عدم الامام .................................................. 424

تولی نائب الامام لصرف حصة الامام .......................................... 427

ص: 439

المجلد 6

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

کتاب الصوم

والنظر فی أرکانه وأقسامه ولواحقمه وأرکانه أربعة :

الأوّل : الصوم :

وهو الکفّ عن المفطّرات مع النیّة.

______________________________________________________

کتاب الصوم

قوله : ( الصوم هو الکف عن المفطرات مع النیة ).

الصوم فی اللغة هو الإمساک (1) ، قال ابن درید : کل شی ء سکنت حرکته فقد صام صوما. وقال أبو عبیدة : کل ممسک عن طعام أو کلام أو سیر فهو صائم (2). وقال فی القاموس : صام صوما وصیاما واصطام ، أمسک عن الطعام والشراب والکلام والنکاح (3).

وقد استعمله الشارع فی معنی أخص من المعنی اللغوی وصار حقیقة عند الفقهاء. واختلفت عباراتهم فی تعریفه ، فعرفه المصنف بأنه الکف عن المفطرات مع النیة. فالکف بمنزلة الجنس ، وقوله : عن المفطرات ،

کتاب الصوم

تعریف الصوم

ص: 5


1- راجع الصحاح 5 : 1970.
2- حکاه عنه فی الصحاح 5 : 1970.
3- القاموس المحیط 4 : 143.

______________________________________________________

کالفصل ، یخرج به الکف عن غیرها ، ومع النیة ، فصل آخر یخرج به الکف عن المفطرات بدون النیة ، فإنه لا یسمی صوما شرعیا.

ونقض فی طرده بالکف عن المفطرات مع النیة وقتا ما ، وفی عکسه بمتناول المفطر سهوا ، فإنه صائم مع عدم الکف.

ویمکن الجواب عن الأول بأن المراد بالنیة : الشرعیة ، وهی لا تتعلق بغیر الزمان المخصوص.

وعن الثانی بأن التناول علی وجه النسیان لا ینافی الکف ، وبإضمار قید یحترز به عنه.

وأورد علیه أیضا أن المفطر عبارة عن مفسد الصوم فیکون تعریفه به دوریا ، وأن الکف أمر عدمی فلا یمکن التکلیف به.

والجواب عن الأول : أن المراد بالمفطر ما صدق علیه ذلک من مفسدات الصوم ، فیصیر التعریف فی قوة : الکف عن الأکل والشرب.

وعن الثانی بمنع کون الکف أمرا عدمیا ، بل هو أمر وجودی ، وهو بعث النفس علی ترک ما تعلق به الکف. لکن یتوجه علی هذا التعریف ما هو أشکل من ذلک ، وهو أن الکف إن کان أمرا زائدا علی النیة وترک المفطرات فلیس بواجب ، وإن کان هو النیة لم یکن التعریف صحیحا ، إذ الصوم غیر النیة ، ویکون اعتبار النیة معه تکرار ، أو یلزم منه علی التقدیر الأول بطلان صوم الذاهل ، لعدم تحقق الکف فی حال ذهوله ، وهو معلوم البطلان. فالأولی أن یراد بالکف هنا نفس الترک ، بل الأصح أن ذلک متعلق النهی ، لأنه المتبادر منه ، ولتحقق الامتثال به وإن لم یتحقق معه بعث النفس علیه ، وهو مقدور للمکلف باعتبار استمراره ، إذ له أن یفعل الفعل فینقطع استمرار العدم وأن لا یفعله فیستمر ، فلا مانع من التکلیف به کما حقق فی محله.

وعرفه العلامة فی القواعد بأنه توطین النفس علی الامتناع عن

ص: 6

______________________________________________________

المفطرات مع النیة (1). وهو قریب من تعریف المصنف رحمه الله ، لأن التوطین أمر وجودی کالکف ، فیرد علیه ما ورد علی تعریف المصنف.

وعرفه الشهید فی الدروس بأنه توطین النفس لله تعالی علی ترک الثمانیة ، الأکل ، والشرب - إلی آخره - من طلوع الفجر الثانی إلی الغروب من المکلف أو الممیز المسلم الخالی عن السفر والموانع التی عددها (2). واستحسن الشارح هذا التعریف (3). وهو غیر جید ، لأن التوطین المذکور عبارة عن النیة ، وهی خلاف الصوم. ولو جعل الجار فی قوله : من طلوع الفجر ، متعلقا بتوطین النفس فسد من وجه آخر ، وهو لزوم وجوب استحضار النیة فی جمیع أجزاء الصوم وبطلان صوم الذاهل عن التوطین المذکور والنائم ، وهو معلوم البطلان. لکن الأمر فی هذه التعاریف هیّن کما بیناه مرارا.

وهنا فوائد :

الأولی : الصوم من أفضل الطاعات وأشرف العبادات ولو لم یکن فیه إلا الارتقاء من حضیض حظوظ النفس البهیمیة إلی ذروة التشبه بالملائکة الروحانیة لکفی به فضلا ومنقبة ، والأخبار الواردة بذلک أکثر من أن تحصی ، فروی شیخنا المتقدم محمد بن یعقوب الکلینی - رضی الله عنه - فی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « بنی الإسلام علی خمسة أشیاء ، علی الصلاة والزکاة والحج والصوم والولایة ، وقال رسول الله صلی الله علیه و آله الصوم جنة من النار » (4).

فضیلة الصوم

ص: 7


1- القواعد 1 : 63.
2- الدروس : 70.
3- المسالک 1 : 69.
4- الکافی 4 : 62 - 1 ، الوسائل 1 : 7 أبواب العبادات ب 1 ح 2 وج 7 : 289 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 1.

______________________________________________________

وعن عبد الله بن طلحة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : الصائم فی عبادة وإن کان علی فراشه ما لم یغتب مسلما » (1).

وعن مسعدة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « نوم الصائم عبادة ، ونفسه تسبیح » (2).

وعن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أوحی الله إلی موسی علیه السلام : ما یمنعک من مناجاتی ، فقال : یا رب أجلّک عن المناجاة لخلوق فم الصائم ، فأوحی الله إلیه : یا موسی لخلوق فم الصائم أطیب عندی من ریح المسک » (3).

وروی ابن بابویه - رضی الله عنه - فی کتابه من لا یحضره الفقیه عن الصادق علیه السلام أنه قال : « من صام لله عزّ وجلّ یوما فی شدة الحر فأصابه ظمأ وکّل الله به ألف ملک یمسحون وجهه ویبشرونه بالجنة حتی إذا أفطر قال الله جلّ جلاله : ما أطیب ریحک وروحک ، یا ملائکتی اشهدوا أنی قد غفرت له » (4).

وعنه علیه السلام قال : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبیح ، وعمله متقبل ، ودعاؤه مستجاب » (5).

ص: 8


1- الکافی 4 : 64 - 9 ، الفقیه 2 : 44 - 197 ، التهذیب 4 : 190 - 538 بتفاوت یسیر ، الوسائل 7 : 291 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 12.
2- الکافی 4 : 64 - 12 ، التهذیب 4 : 190 - 540 ، المحاسن : 72 - 148 ، قرب الإسناد : 46 رواه مرسلا ، الوسائل 7 : 290 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 4.
3- الکافی 4 : 64 - 13 ، الفقیه 2 : 45 - 203 ، الوسائل 7 : 290 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 5.
4- الفقیه 2 : 45 - 205 ، الوسائل 7 : 299 أبواب الصوم المندوب ب 3 ح 1.
5- الفقیه 2 : 46 - 207 ، الوسائل 7 : 292 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 17 ، وأوردها فی الکافی 4 : 64 - 12.

______________________________________________________

وعنه علیه السلام فی قول الله عزّ وجلّ ( وَاسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (1) قال : « یعنی بالصبر الصوم » وقال : « إذا نزلت بالرجل النازلة والشدة فلیصم فإن الله عزّ وجلّ یقول ( وَاسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (2).

وأعظم الصیام أجرا صوم شهر رمضان ، فروی عن أمیر المؤمنین صلوات الله علیه أنه قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من صام شهر رمضان إیمانا واحتسابا وکفّ سمعه وبصره ولسانه عن الناس قبل الله صومه وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأعطاه ثواب الصابرین » (3).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : « إن النبی صلی الله علیه و آله لما انصرف من عرفات وسار إلی منی دخل المسجد فاجتمع الناس یسألونه عن لیلة القدر ، فقام صلی الله علیه و آله خطیبا فقال بعد الثناء علی الله عزّ وجلّ : أما بعد فإنکم سألتمونی عن لیلة القدر ولم أطوها عنکم لأنی لم أکن بها عالما ، اعلموا أیها الناس إنه من ورد علیه شهر رمضان وهو صحیح سوی فصام نهاره وقام وردا من لیله وواظب علی صلاته وهجر إلی جمعته وغدا إلی عیده فقد أدرک لیلة القدر وفاز بجائزة الرب عزّ وجلّ » وقال أبو عبد الله علیه السلام : « فاز والله بجوائز لیست کجوائز العباد » (4).

الثانیة : روی ابن بابویه - رضی الله عنه - فی کتاب من لا یحضره الفقیه ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « قال الله تبارک وتعالی : الصوم لی وأنا أجزی به » (5).

فضل صیام رمضان

الصوم لله تبارک وتعالی

ص: 9


1- البقرة : 45.
2- الفقیه 2 : 45 - 201 ، الوسائل 7 : 298 أبواب الصوم المندوب ب 2 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 4 : 63 - 7.
3- المقنعة : 49 ، الوسائل 7 : 118 أبواب آداب الصائم ب 11 ح 7.
4- الفقیه 2 : 60 - 257 ، الوسائل 7 : 219 أبواب أحکام شهر رمضان ب 18 ح 1.
5- الفقیه 2 : 44 - 198 ، الوسائل 7 : 292 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 16.

______________________________________________________

وروی الکلینی نحو ذلک عن أبی الصباح الکنانی عن الصادق علیه السلام قال : « إن الله تبارک وتعالی یقول : الصوم لی وأنا أجزی علیه » (1).

وروی الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « قال الله تبارک وتعالی : کل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لی وأنا أجزی به » (2).

وأورد هنا سؤال مشهور ، وهو أن کل الأعمال الصالحة لله فما وجه تخصیص الصوم بأنه له تبارک وتعالی دون غیره؟ وأجیب بوجوه :

الأول : إنه اختص بترک الشهوات والملاذ فی الفرج والبطن ، وذلک أمر عظیم یوجب التشریف.

وعورض بالجهاد فإن فیه ترک الحیاة فضلا عن الشهوات ، وبالحج إذ فیه الإحرام ومحظوراته کثیرة.

الثانی : إن الصوم یوجب صفاء العقل والفکر بوساطة ضعف القوی الشهویة بسبب الجوع ، ولذلک قال علیه السلام : « لا تدخل الحکمة جوفا ملی ء طعاما » (3) وصفاء العقل والفکر یوجبان حصول المعارف الربانیة التی هی أشرف أحوال النفس الإنسانیة.

ورد بأن سائر العبادات إذا واظب علیها المکلف أورثت ذلک خصوصا الصلاة ، قال الله عزّ وجلّ ( وَالَّذِینَ جاهَدُوا فِینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (4) وقال تعالی :

ص: 10


1- الکافی 4 : 63 - 6 ، الوسائل 7 : 290 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 7.
2- صحیح البخاری 3 : 34 ، صحیح مسلم 2 : 806 - 161.
3- غوالی اللآلی 1 : 425 - 111.
4- العنکبوت : 69.

______________________________________________________

( اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ یُؤْتِکُمْ کِفْلَیْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَیَجْعَلْ لَکُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ) (1).

الثالث : إن الصوم أمر خفی لا یمکن الاطلاع علیه فلذلک شرف ، بخلاف الصلاة والحج والجهاد وغیرها من الأعمال.

وعورض بأن الإیمان والإخلاص وأفعال القلب خفیة مع أن الحدیث متناول لها. ویمکن دفعه بتخصیص الأعمال بأفعال الجوارح لأنها المتبادر من اللفظ.

وقال بعض المحققین : هب أن کل واحد من هذه الأجوبة مدخول بما ذکر فلم لا یکون مجموعها هو الفارق؟ فإن هذه الأمور المذکورة لا تجتمع فی غیر الصوم.

الثالثة : فی علة فرض الصیام ، روی ابن بابویه - رضی الله عنه - فی کتاب من لا یحضره الفقیه فی الصحیح ، عن هشام بن الحکم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن علة الصیام فقال : « إنما فرض الله تعالی الصیام لیستوی به الغنی والفقیر ، وذلک أن الغنی لم یکن لیجد مس الجوع فیرحم الفقیر ، لأن الغنی کلما أراد شیئا قدر علیه ، فأراد الله عزّ وجلّ أن یسوی بین خلقه ، وأن یذیق الغنی مس الجوع والألم لیرقّ علی الضعیف ویرحم الجائع » (2).

وعن الحسن بن علی بن أبی طالب علیه السلام أنه قال : « جاء نفر من الیهود إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فسأله أعلمهم عن مسائل ، فکان فیما سأله أن قال له : لأی شی ء فرض الله عزّ وجلّ الصوم علی أمتک بالنهار ثلاثین یوما ، وفرض علی الأمم أکثر من ذلک؟ فقال النبی صلی الله علیه

علة فرض الصیام

ص: 11


1- الحدید : 28.
2- الفقیه 2 : 43 - 192 ، الوسائل 7 : 2 أبواب وجوب الصیام ونیته ب 1 ح 1.

______________________________________________________

وآله : إن آدم علیه السلام لما أکل من الشجرة بقی فی بطنه ثلاثین یوما ففرض الله علی ذریته ثلاثین یوما الجوع والعطش ، والذی یأکلونه باللیل تفضّل من الله عزّ وجلّ علیهم ، وکذلک کان علی آدم ، ففرض الله ذلک علی أمته (1) ثم تلا هذه الآیة ( کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ کَما کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ أَیّاماً مَعْدُوداتٍ ) (2) قال الیهودی : صدقت یا محمد ، فما جزاء من صامها؟ فقال النبی صلی الله علیه و آله : ما من مؤمن یصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارک وتعالی له سبع خصال : أولها یذوب الحرام من سجدة ، والثانیة یقرب من رحمة الله عزّ وجلّ ، والثالثة یکون قد کفر خطیئة آدم أبیه ، والرابعة یهوّن الله علیه سکرات الموت ، والخامسة أمان من الجوع والعطش یوم القیامة ، والسادسة یعطیه الله براءة من النار ، والسابعة یطعمه الله من طیبات الجنة. قال : صدقت یا محمد » (3).

والرابعة : فی آداب الصائم ، روی الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا صمت فلیصم سمعک وبصرک وشعرک وجلدک » وعدد أشیاء غیر هذا وقال : « لا یکون یوم صومک کیوم فطرک » (4).

وعن جراح المدائنی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن الصیام لیس من الطعام والشراب وحده » ثم قال : « قالت مریم : ( إِنِّی نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً ) أی صمتا ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتکم ، وغضوا أبصارکم ، ولا تنازعوا ، ولا تحاسدوا » قال : « وسمع رسول الله صلی الله علیه و آله امرأة تسب جاریتها وهی صائمة فدعا رسول الله صلی الله علیه و آله بطعام فقال

آداب الصائم

ص: 12


1- کذا ، وفی المصدر : أمتی.
2- البقرة : 183.
3- الفقیه 2 : 43 - 195 ، علل الشرائع : 378 - 1 ، مجالس الصدوق : 162 - 1 ، الخصال : 346 - 14 ، الوسائل 7 : 172 أبواب أحکام شهر رمضان ب 1 ح 4.
4- الکافی 4 : 87 - 1 ، الوسائل 7 : 116 أبواب آداب الصائم ب 11 ح 1.

______________________________________________________

لها : کلی ، فقالت : إنی صائمة ، فقال : کیف تکونین صائمة وقد سببت جاریتک ، إن الصوم لیس من الطعام والشراب » قال ، وقال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا صمت فلیصم سمعک وبصرک من الحرام والقبیح ، ودع المراء وأذی الخادم ، ولیکن علیک وقار الصیام ، ولا تجعل یوم صومک کیوم فطرک » (1).

وعن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله لجابر بن عبد الله : یا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من لیله وعف بطنه وفرجه وکف لسانه خرج من ذنوبه کخروجه من الشهر ، فقال جابر : یا رسول الله ما أحسن هذا الحدیث! فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : یا جابر وما أشد هذه الشروط! » (2).

وعن مسعدة بن صدقة ، عن أبی عبد الله ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : « قال النّبی صلی الله علیه و آله : ما من عبد صالح صائم یشتم فیقول : إنی صائم سلام علیک لا أشتمک کما تشتمنی إلا قال الرب تبارک وتعالی : استجار عبدی بالصوم من شر عبدی [ و ] (3) قد أجرته من النار » (4).

وفی الحسن عن حماد بن عثمان وغیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا ینشد الشعر بلیل ولا ینشد فی شهر رمضان بلیل ولا نهار » فقال له إسماعیل : یا أبتاه فإنه فینا؟ قال : « وإن کان فینا » (5).

وعن أبی یزید ، عن حصین ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه : علیکم فی شهر رمضان بکثرة

ص: 13


1- الکافی 4 : 87 - 3 ، الوسائل 7 : 116 أبواب آداب الصائم ب 11 ح 3.
2- الکافی 4 : 87 - 2 ، الوسائل 7 : 116 أبواب آداب الصائم ب 11 ح 2.
3- أثبتناه من « ض » و « ح ».
4- الکافی 4 : 88 - 5 ، الوسائل 7 : 120 أبواب آداب الصائم ب 12 ح 2.
5- الکافی 4 : 88 - 6 ، الوسائل 7 : 121 أبواب آداب الصائم ب 13 ح 2.

______________________________________________________

الاستغفار والدعاء ، فأما الدعاء فیدفع به عنکم البلاء ، وأما الاستغفار فیمحی (1) ذنوبکم » (2).

الخامسة : صوم شهر رمضان واجب بالکتاب والسنة والإجماع ، قال الله عزّ وجلّ ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیامُ کَما کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ أَیّاماً مَعْدُوداتٍ ) - إلی قوله - ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ ) (3).

واختلف فی الأیام المعدودات ، فقیل : إنها غیر شهر رمضان وکانت ثلاثة أیام من کل شهر (4). وقیل : هی مع صوم عاشوراء (5). ثم اختلفوا أیضا ، فقیل : کان تطوعا (6) ، وقیل : بل کان واجب (7). واتفقوا علی أنه نسخ بصوم رمضان. وذهب الأکثر إلی أن المراد بها صوم شهر رمضان ، أجمل الله تعالی أولا ذکر الصیام ، ثم بینه بعض البیان بقوله ( أَیّاماً مَعْدُوداتٍ ) ثم کمّل البیان بقوله ( شَهْرُ رَمَضانَ ) فالآیة غیر منسوخة.

وقیل : أول ما فرض صوم شهر رمضان لم یکن واجبا عینیا ، بل کان مخیرا بینه وبین الفدیة وکان الصوم أفضل (8) ، وذلک قوله تعالی ( وَعَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْکِینٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَیْراً فَهُوَ خَیْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَیْرٌ لَکُمْ ) (9) ثم نسخ بقوله ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ ) .

وقیل ، إن معناه : وعلی الذین کانوا یطیقونه ثم صاروا بحیث لا

وجوب صوم رمضان

ص: 14


1- کذا ، وفی الکافی : فیمحی ، وفی الوسائل : فتمحی به ، وهو الأنسب.
2- الکافی 4 : 88 - 7 ، الوسائل 7 : 223 أبواب أحکام شهر رمضان ب 18 ح 11.
3- البقرة : 183 - 185.
4- نقل هذه الأقوال بتمامها فی التفسیر الکبیر 5 : 78 ، وروح المعانی 2 : 57.
5- نقل هذه الأقوال بتمامها فی التفسیر الکبیر 5 : 78 ، وروح المعانی 2 : 57.
6- نقل هذه الأقوال بتمامها فی التفسیر الکبیر 5 : 78 ، وروح المعانی 2 : 57.
7- نقل هذه الأقوال بتمامها فی التفسیر الکبیر 5 : 78 ، وروح المعانی 2 : 57.
8- نقل هذه الأقوال بتمامها فی التفسیر الکبیر 5 : 78 ، وروح المعانی 2 : 57.
9- البقرة : 184.

______________________________________________________

یطیقونه (1) (2). وعلی هذا فلا نسخ.

وأما السنة فمتواترة.

وأما الإجماع فمن المسلمین کافة.

واختلف فی رمضان ، فقیل : إنه اسم من أسماء الله تعالی (3). وعلی هذا فمعنی شهر رمضان : شهر الله ، وقد ورد ذلک فی عدة أخبار ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن هشام بن سالم ، عن سعد ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : کنا عنده ثمانیة رجال فذکرنا رمضان فقال : « لا تقولوا هذا رمضان ، ولا ذهب رمضان ، ولا جاء رمضان ، فإن رمضان اسم من أسماء الله عزّ وجلّ لا یجی ء ولا یذهب ، وإنما یجی ء ویذهب الزائل ، ولکن قولوا : شهر رمضان فإن الشهر مضاف إلی الاسم والاسم اسم الله عزّ ذکره ، وهو الشهر الذی أنزل فیه القرآن جعله مثلا وعیدا » (4).

وعن غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین صلوات الله علیه : لا تقولوا رمضان ، ولکن قولوا شهر رمضان ، فإنکم لا تدرون ما رمضان » (5).

وقیل : إن رمضان علم للشهر ، کرجب وشعبان ، ومنع الصرف للعلمیة والألف والنون (6).

واختلف فی اشتقاقه ، فعن الخلیل - رحمه الله - إنه من الرمض - بتسکین المیم - : وهو مطر یأتی فی وقت الخریف یطهر وجه الأرض من

معنی رمضان

ص: 15


1- حکاه فی التفسیر الکبیر 5 : 78 ، وروح المعانی 2 : 51.
2- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : وهو المروی فی أخبار أهل البیت علیهم السلام .
3- نقله عن مجاهد فی التفسیر الکبیر 5 : 91.
4- الکافی 4 : 69 - 2 ، الوسائل 7 : 232 أبواب أحکام شهر رمضان ب 19 ح 2.
5- الکافی 4 : 69 - 1 ، الوسائل 7 : 231 أبواب أحکام شهر رمضان ب 19 ح 1.
6- المصباح المنیر : 238.

فهی إما رکن فیه وإما شرط فی صحته ، وهی بالشرط أشبه.

______________________________________________________

الغبار ، سمی الشهر بذلک لأنه یطهر الأبدان عن أوضار الأوزار (1). وقیل من الرمض ، یعنی شدة الحر من وقع الشمس (2).

وقال الزمخشری فی الکشاف : الرمضان مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء ، سمی بذلک إما لارتماضهم فیه من حر الجوع ، کما سموه ناتقا ، لأنه کان ینتقهم ، أی یزعجهم بشدته علیهم ، أو لأن الذنوب ترمض فیه ، أی تحترق (3).

وقیل إنما سمی بذلک لأن الجاهلیة کانوا یرمضون أسلحتهم فیه لیقضوا منها أوطارهم فی شوال قبل دخول الأشهر الحرام (4).

وقیل إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القدیمة سموها بالأزمنة التی وقعت فیها ، فوافق هذا الشهر أیام رمض الحر فسمیت بذلک (5).

قوله : ( فهی إما رکن فیه وإما شرط فی صحته ، وهی بالشرط أشبه ).

المراد بالرکن : الجزء الأقوی الذی تلتئم منه الماهیة ، وبالشرط : الأمر الخارج الذی یلزم من عدمه عدم المشروط.

ولا ریب أن النیة بالشرط أشبه کما ذکره المصنف رحمه الله ، لأن المتبادر من معنی الصوم فی اللغة والشرع أنه الإمساک مطلقا ، أو الإمساک المخصوص ، فتکون النیة خارجة عن حقیقته ، ولأن النیة تتعلق بالصوم فلا

نیة الصوم

ص: 16


1- حکاه عنه فی التفسیر الکبیر 5 : 91 ولم یذکره فی کتاب العین بل قال : الرمضان : شهر الصوم - راجع العین 7 : 39.
2- حکاه فی التفسیر الکبیر 5 : 91.
3- الکشاف 1 : 226 - 227.
4- حکاه عن ابن السکّیت فی الجامع لأحکام القرآن 2 : 291.
5- قال به الفیروزآبادی فی القاموس المحیط 2 : 345 ، والقرطبی فی الجامع لأحکام القرآن 2 : 291.

ویکفی فی رمضان أن ینوی أنه یصوم متقرّبا إلی الله.

______________________________________________________

تکون جزءا منه ، وإلا لزم تعلق الشی ء بنفسه. والأمر فی ذلک هیّن لأن القدر المطلوب وهو اعتبار النیة فی الصوم بحیث یبطل بالإخلال بها عمدا وسهوا ثابت علی کل من التقدیرین ، ولو أطلق علی النیة اسم الرکن بهذا الاعتبار صح وإن کانت خارجة عن المنوی کما فعله العلامة وجماعة فی نیة الصلاة ، فإنهم أطلقوا علیها اسم الرکن مع اعترافهم بخروجها عن الماهیة (1).

قوله : ( ویکفی فی رمضان أنه یصوم متقربا إلی الله ).

لا ریب فی الاکتفاء بذلک لما بیناه مرارا من أن المعتبر من النیة قصد الفعل طاعة لله عزّ وجلّ ، وإن ما عدا ذلک من القیود لا دلیل علی اعتباره. واستدل علیه فی المعتبر أیضا بقوله تعالی ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ ) قال : فإذا حصل مع نیة التقرب فقد حصل الامتثال ، وکان ما زاد منفیا (2).

قال الشهید فی البیان : ولو أضاف التعیین إلی القربة والوجوب فی شهر رمضان فقد زاد خیرا ، والأقرب استحبابه ، أما التعرض لرمضان هذه السنة فلا یستحب ولا یضر ، ولو تعرض لرمضان سنة معینة فی غیرها فإن کان غلطا لغا وإن تعمد فالوجه البطلان (3).

ویمکن المناقشة فی البطلان مع العمد لحصول الإمساک مع نیة التقرب فیحصل الامتثال ویلغو الزائد ، مع أن هذه النیة لا معنی لها فإنها إنما تقع علی سبیل التصور لا التصدیق کما لا یخفی.

فرع : المتوخی لشهر رمضان کالمحبوس الذی لا یعلم الأهلة هل یشترط فی صومه التعیین؟ فیه أوجه ، ثالثها أنه إن وجب التحری وتحصیل

ص: 17


1- التحریر 1 : 37.
2- المعتبر 2 : 644.
3- البیان : 224.

وهل یکفی ذلک فی النذر المعین؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

الأمارة التی یغلب معها الظن بدخول الشهر لم یجب التعیین ، وإلا وجب. ولا بأس به.

قوله : ( وهل یکفی ذلک فی النذر المعیّن؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه ).

القول بالاکتفاء بذلک منقول عن السید المرتضی رضی الله عنه (1) ، وابن إدریس (2) ، وقواه فی المنتهی (3). وهو المعتمد ، لأنه زمان تعین بالنذر للصوم فکان کشهر رمضان ، واختلافهما بأصالة التعیین وعرضیته لا یقتضی اختلافهما فی هذا الحکم.

والقول بافتقاره إلی التعیین للشیخ (4) وجماعة ، واستقربه فی المختلف (5) ، واستدل علیه بأنه زمان لم یعینه الشارع فی الأصل للصوم فافتقر إلی التعیین کالنذر المطلق ، وبأن الأصل وجوب التعیین ، إذ الأفعال إنما تقع علی الوجوه المقصودة ، ترک ذلک فی شهر رمضان لأنه زمان لا یقع فیه غیره ، فیبقی الباقی علی أصالته ، وضعف الدلیلین ظاهر.

أما الأول فلأنه مصادرة علی المطلوب ، وإلحاقه بالنذر المطلق قیاس مع الفارق.

وأما الثانی فلمنع أصالة الوجوب ، ولأن الوجه الذی لأجله ترک العمل بالأصل الذی ذکره فی صوم شهر رمضان آت فی النذر المعین ، فإنه إن أرید

ص: 18


1- رسائل المرتضی 1 : 441.
2- السرائر : 83.
3- المنتهی 2 : 557.
4- الخلاف 1 : 375 ، والمبسوط 1 : 277 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 211.
5- المختلف : 211.

ولا بد فیما عداهما من نیّة التعیین ، وهو القصد إلی الصوم المخصوص.

______________________________________________________

بعدم وقوع غیره فیه استحالته عقلا کان منفیا فیهما ، وإن أرید امتناعه شرعا کان ثابتا کذلک.

وذکر الشارح - قدس سره - أن من قال بوجوب التعیین هنا یلزمه اعتبار الوجوب لاتحادهما فی المأخذ (1). وهو غیر جید ، لعدم التلازم بینهما کما اعترف به هو - رحمه الله - فی مواضع من کتبه (2).

وهل یلحق بالنذر المعین المنذور المطلق إذا نذر تعیینه؟ قیل : لا ، لأن غیره من الأزمنة صالح لوقوعه فیه ، وإنما أفاد النذر فوریته خاصة ، فکان کالواجب المطلق (3). وقیل : نعم ، لأنه زمان تعین بالنذر وامتنع وقوع غیر ذلک المعین فیه فصار کالمتعین ابتداء فی انصراف المطلق إلیه.

وربما بنی الوجهان علی تفسیر المعین ، فإن فسر بأنه الفعل الذی إذا فات عن محله صار قضاء لم یکن معینا ، وإن فسر بأنه الفعل الذی لا یجوز تأخیره عن ذلک الزمان الذی تعلق به کان معینا. وهو مبنی ضعیف لعدم دوران الحکم مع هذا اللفظ لیرجع إلی تفسیره.

والأصح مساواته للمعین ابتداء ، لأن هذا القدر من التعیین کاف فی انصراف المطلق إلیه. وکذا الوجهان فیما لو تضیق القضاء بتضیق شهر رمضان ، بل یمکن انسحابهما فی قضاء شهر رمضان إذا لم یکن فی ذمة المکلف صوم واجب سواه ، وقلنا بامتناع المندوب ممن فی ذمته واجب.

قوله : ( ولا بد فیما عداهما من نیة التعیین ، وهو القصد إلی

ص: 19


1- المسالک 1 : 69.
2- الروضة 2 : 108.
3- قال به العلامة فی المنتهی 2 : 557.

فلو اقتصر علی نیّة القربة وذهب عن تعیینه لم یصحّ. ولا بد من حضورها عند أول جزء من الصوم أو تبییتها مستمرا علی حکمها.

ولو نسیها لیلا جدّدها نهارا ما بینه وبین الزوال. ولو زالت الشمس

______________________________________________________

الصوم المخصوص ، فلو اقتصر علی نیة القربة وهل ذهل عن تعیینه لم یصح ).

المراد أنه لا بد فیما عدا صوم شهر رمضان والنذر المعین - إن ألحقناه به - من نیة التعیین ، وهو القصد إلی الصوم المخصوص کالقضاء والنذر والکفارة والنافلة ، لأنه زمان لا یتعین فیه صوم مخصوص فلا یتعین إلا بالنیة.

قال فی المعتبر : وعلی ذلک فتوی الأصحاب (1).

واستثنی الشهید فی البیان الندب المتعین کأیام البیض فألحقه بالصوم المعیّن فی عدم افتقاره إلی التعیین (2). ونقل عنه فی بعض تحقیقاته أنه ألحق المندوب مطلقا بالمتعین لتعینه شرعا فی جمیع الأیام إلا ما استثنی. واستحسنه جدی - قدس سره - فی الروضة (3). ولا بأس به خصوصا مع براءة ذمة المکلف من الصوم الواجب.

واعلم أن الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط اکتفی بنیة التعیین عن القربة ، لأنها لا تنفک عنها (4). قال المصنف فی المعتبر : وفیه ضعف ، لأنهما أمران متغایران یجوز قصد أحدهما مع الغفول عن الآخر (5).

قوله : ( ولا بد من حضورها عند أول جزء من الصوم أو تبییتها مستمرا علی حکمها. ولو نسیها لیلا جددها نهارا ما بینه وبین زوال

محل النیة

ص: 20


1- المعتبر 2 : 644.
2- البیان : 223.
3- الروضة 2 : 108.
4- المبسوط 1 : 278.
5- المعتبر 2 : 645.

فات محلّها ، واجبا کان الصوم أو ندبا. وقیل : یمتد وقتها إلی الغروب لصوم النافلة ، والأول أشهر.

______________________________________________________

الشمس ، فلو زالت الشمس فات محلها ، واجبا کان الصوم أو ندبا ، وقیل : یمتد وقتها إلی الغروب لصوم النافلة ، والأول أشهر ).

المراد بحضور النیة عند أول جزء من الصوم وقوعها فی آخر جزء من اللیل ، وتبییتها وقوعها قبل ذلک فی أثناء اللیل. وإنما وجب ذلک لأن الإخلال بکلا الأمرین عمدا یقتضی مضی جزء من الصوم بغیر نیة فیفسد لانتفاء شرطه والصوم لا یتبعض.

ونقل عن ظاهر ابن أبی عقیل أنه حتم تبییت النیة. وربما کان لتعذر المقارنة ، فإن الطلوع یعلم إلا بعد الوقوع فتقع النیة بعده (1).

وعن ظاهر ابن الجنید جواز تجدید النیة فی القرض وغیره بعد الزوال مع الذکر والنسیان (2). والظاهر أن مراده بالفرض غیر المعین.

وعن المرتضی - رضی الله عنه - أنه أطلق أن وقت النیة فی الصیام الواجب من قبل طلوع الفجر إلی قبل زوال الشمس (3). والظاهر أن مراده ما یتناول وقت الاختیار والاضطرار ، وإن کان مراده الإطلاق فلا ریب فی ضعفه.

وأما جواز تجدید النیة إلی الزوال مع النسیان بمعنی أن وقتها یمتد إلیه لکن تجب المبادرة بها بعد الذکر علی الفور فظاهر المصنف فی المعتبر والعلامة فی التذکرة والمنتهی أنه موضع وفاق بین الأصحاب (4). واستدلوا علیه بما روی أن لیلة الشک أصبح الناس فجاء أعرابی إلی النبی صلی الله علیه و آله فشهد برؤیة الهلال ، فأمر النبی صلی الله علیه و آله منادیا ینادی : من

ص: 21


1- حکاه عنه فی المختلف : 212.
2- حکاه عنه فی المختلف : 212.
3- نقله عنه فی المختلف : 212.
4- المعتبر 2 : 645 ، والتذکرة 1 : 256 ، والمنتهی 2 : 558.

______________________________________________________

لم یأکل فلیصم ، ومن أکل فلیمسک (1).

قال فی المنتهی : وإذا جاز مع العذر وهو الجهل بالهلال جاز مع النسیان (2).

ویمکن أن یستدل علیه بفحوی ما دل علی انعقاد الصوم من المریض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال ، وأصالة عدم اعتبار تبییت النیة مع النسیان.

ونقل عن ظاهر ابن أبی عقیل أنه ساوی بین الناسی والعامد فی بطلان الصوم مع الإخلال بالنیة من اللیل (3). وهو نادر.

ولم یذکر المصنف هنا حکم الواجب الذی لیس بمعین کالقضاء والنذر المطلق صریحا ، وقد قطع الأصحاب بأن وقت النیة فیه یستمر من اللیل إلی الزوال إذا لم یفعل المنافی نهارا. وتدل علیه روایات کثیرة ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی الرجل یبدو له بعد ما یصبح ویرتفع النهار فی صوم ذلک الیوم لیقضیه من شهر رمضان وإن لم یکن نوی ذلک من اللیل ، قال : « نعم لیصمه ولیعتد به إذا لم یکن أحدث شیئا » (4).

وفی الصحیح عن محمد بن قیس ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال علی علیه السلام : إذا لم یفرض الرجل علی نفسه صیاما ثم ذکر الصیام قبل أن یطعم طعاما أو یشرب شرابا ولم یفطر فهو بالخیار إن شاء صام

ص: 22


1- لم نعثر فی مصادر العامة والخاصة علی هذه الروایة ، ولکنها موجودة فی المعتبر 2 : 646.
2- المنتهی 2 : 558.
3- حکاه عنه فی المختلف : 212.
4- التهذیب 4 : 186 - 522 ، الوسائل 7 : 4 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 2 ح 2 ، والروایة فی التهذیب غیر مسندة إلی الإمام وبتفاوت ، ولکنها مسندة ومطابقة فی الکافی 4 : 122 - 4.

______________________________________________________

وإن شاء أفطر » (1).

وفی الحسن عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : إن رجلا أراد أن یصوم ارتفاع النهار قال : « نعم » (2).

وفی الصحیح عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان أمیر المؤمنین علیه السلام یدخل إلی أهله فیقول : عندکم شی ء وإلا صمت ، فإن کان عندهم شی ء أتوه به وإلا صام » (3).

قال المصنف فی المعتبر (4) : وإنما قدرناه بنصف النهار ، لأن الصوم الواجب یجب أن یأتی به من أول النهار أو بنیة تقوم مقام الإتیان به من أوله ، وقد روی أن من صام قبل الزوال حسب له یومه ، روی ذلک هشام بن سالم عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له : الرجل یصبح لا ینوی الصوم فإذا تعالی النهار حدث له رأی فی الصوم فقال : « إن هو نوی الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له یومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذی نوی فیه » (5) ، وأید ذلک ما رواه عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یکون علیه أیام من شهر رمضان یرید أن یقضیها متی ینوی الصیام؟ قال : « هو بالخیار إلی زوال الشمس ، فإذا زالت فإن کان قد نوی الصوم فلیصم ، وإن کان نوی الإفطار فلیفطر » سئل : فإن کان نوی الإفطار یستقیم أن ینوی الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال : « لا » (6).

وقال ابن الجنید : ویستحب للصائم فرضا وغیر فرض أن یبیّت الصیام

ص: 23


1- التهذیب 4 : 187 - 525 ، الوسائل 7 : 5 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 2 ح 5.
2- الکافی 4 : 121 - 1 ، الوسائل 7 : 4 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 2 ح 1.
3- التهذیب 4 : 188 - 531 ، الوسائل 7 : 6 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 2 ح 7.
4- المعتبر 2 : 647.
5- التهذیب 4 : 188 - 528 ، الوسائل 7 : 6 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 2 ح 8.
6- التهذیب 4 : 280 - 847 ، الإستبصار 2 : 121 - 394 ، الوسائل 7 : 6 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 2 ح 10.

______________________________________________________

من اللیل لما یریده به ، وجائز أن یبتدئ بالنیة وقد بقی بعض النهار ویحتسب به من واجب إذا لم یکن أحدث ما ینقض الصیام ، ولو جعله تطوعا کان أحوط (1). وإطلاق کلامه یقتضی جواز تجدید النیة بعد الزوال أیضا ، وله شواهد من الأخبار کصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن الرجل یصبح ولم یطعم ولم یشرب ولم ینو صوما وکان علیه یوم من شهر رمضان ، أله أن یصوم ذلک الیوم وقد ذهب عامة النهار؟ قال : « نعم له أن یصومه ویعتد به من شهر رمضان » (2).

ومرسلة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عمن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : الرجل یکون علیه القضاء من شهر رمضان ویصبح فلا یأکل إلی العصر ، أیجوز له أن یجعله قضاء من شهر رمضان؟ قال : « نعم » (3).

وأجاب العلامة فی المختلف عن الروایة الأولی باحتمال أن یکون قد نوی قبل الزوال ، ویصدق علیه أنه ذهب عامة النهار علی سبیل المجاز.

وعن الروایة الثانیة بالطعن فی السند بالإرسال ، وباحتمال أن یکون قد نوی صوما مطلقا مع نسیان القضاء فجاز صرفه إلیه (4).

ویمکن المناقشة فی الأول بأن المتبادر من ذهاب عامة النهار ذهاب أکثره ، وهو لا یتحقق بما قبل الزوال.

وفی الثانی بأنه لیس فی شی ء من الروایات دلالة علی الاحتمال الذی ذکره فلا یمکن المصیر إلیه.

ص: 24


1- حکاه عنه فی المختلف : 212.
2- التهذیب 4 : 187 - 526 و 188 - 530 ، الوسائل 7 : 5 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 2 ح 6.
3- التهذیب 4 : 188 - 529 و 315 - 956 ، الاستبصار 2 : 118 - 385 ، الوسائل 7 : 6 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 2 ح 9.
4- المختلف : 212.

______________________________________________________

وکیف کان فالمذهب ما علیه أکثر الأصحاب.

وقد ظهر من ذلک وجه امتداد وقت النیة فی صوم النافلة إلی الزوال کما هو مذهب الأکثر ، والقول بامتداده إلی الغروب للشیخ فی المبسوط (1) والمرتضی (2) وجماعة.

وقال الشیخ رحمه الله : وتحقیق ذلک أن یبقی بعد النیة من الزمان ما یمکن صومه ، لا أن یکون انتهاء النیة مع انتهاء النهار. ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة هشام بن سالم المتقدمة : « وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذی نوی فیه » (3).

وروایة أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة ، قال : « هو بالخیار ما بینه وبین العصر ، وإن مکث حتی العصر ثم بدا له أن یصوم ولم یکن نوی ذلک فله أن یصوم ذلک الیوم إن شاء الله » (4).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی الاکتفاء بوقوع النیة فی أی وقت کان من اللیل ، وقال بعض العامة : إنما تصح النیة فی النصف الثانی دون الأول (5). ولا ریب فی بطلانه. ونقل عن ابن الجنید أنه جوّز تقدیم النیة وقد بقی بعض النهار وإن کان الصوم واجبا (6). وهو ضعیف.

ص: 25


1- المبسوط 1 : 278.
2- الانتصار : 60.
3- فی ص 23.
4- الکافی 4 : 122 - 2 ، الفقیه 2 : 55 - 242 ، المقنع : 63 ، الوسائل 7 : 7 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 3 ح 1.
5- منهم الفیروزآبادی فی المهذب 1 : 180 ، والبکری فی حاشیة إعانة الطالبین 2 : 222.
6- حکاه عنه فی المختلف : 212.

______________________________________________________

الثانی : لا تبطل النیة بفعل ما ینافی الصوم بعدها قبل طلوع الفجر سواء فی ذلک الجماع وغیره. وجزم الشهید فی البیان بعدم بطلانها بالتناول ثم قال : وفی الجماع وما یبطل الغسل تردد ، من أنه مؤثر فی صیرورة المکلف غیر قابل للصوم فیزیل حکم النیة ، ومن حصول شرط الصحة وزوال المانع بالغسل (1). ولا یخفی ضعف الوجه الأول من وجهی التردد فإنه مجرد دعوی خالیة من الدلیل.

الثالث : لو أخل بالنیة لیلا فی المعین عمدا فسد صومه ، لفوات الشرط ووجب القضاء ، وهل تجب الکفارة؟ قیل : نعم ، وحکاه فی البیان عن بعض مشایخه ، نظرا إلی أن فوات الشرط والرکن أشد من فوات متعلق الإمساک (2). وقیل : لا ، وبه قطع فی المنتهی ، لأصالة البراءة السالمة من المعارض (3). وهو قوی.

الرابع : لو نوی من اللیل صوما غیر معیّن ثم نوی الإفطار ولم یفطر کان له تجدید النیة بعد ذلک بناء علی أن ذلک مفسد للصوم ، کما لو أصبح بنیة الإفطار ثم جدد النیة بعد ذلک. ویحتمل العدم ، لفساد الصوم بذلک کما هو المفروض. ولا ریب فی ضعفه.

الخامس : لو جدد النیة فی أثناء النهار فهل یحکم له بالصوم الشرعی المثاب علیه من وقت النیة أو من ابتداء النهار أو یفرق بین ما إذا وقعت النیة بعد الزوال أو قبله؟ أوجه ، أجودها الأخیر ، لقوله علیه السلام فی صحیحة هشام بن سالم المتقدمة : « إن هو نوی الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له یومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذی نوی فیه » (4).

ص: 26


1- البیان : 227.
2- البیان : 225.
3- المنتهی 2 : 558.
4- فی ص 23.

وقیل : یختص رمضان بجواز تقدیم نیته علیه ، ولو سها عند دخوله فصام کانت النیّة الأولی کافیة.

______________________________________________________

قوله : ( وقیل یختص رمضان بجواز تقدیم نیته علیه ، ولو سها عند دخوله فصام کانت النیة الأولی کافیة ).

القائل بذلک الشیخ فی الخلاف والنهایة والمبسوط (1) ، ونقله فی الخلاف عن الأصحاب ، وصرح بجواز تقدیمها بیوم وأیام.

قال المصنف فی المعتبر بعد أن عزی ذلک إلی الشیخ ، وذکر أنه لم یذکر مستندا : ولعل ذلک لکون المقارنة غیر مشروطة ، وکما جاز أن یتقدم من أول لیلة الصوم وإن یعقبها النوم والأکل والشرب والجماع جاز أن یتقدم علی تلک اللیلة بالزمان المقارب ، کالیومین والثلاثة ، لکن هذه الحجة ضعیفة ، لأن تقدیمه فی أول لیلة الصوم مستفاد من قوله علیه السلام : « من لم یبیت نیة الصوم من اللیل فلا صیام له » (2) ولأن إیقاعها قبل الفجر بحیث یکون طلوعه عند إکمال النیة عسر فینتفی ، ولیس کذلک التقدم بالأیام ، ولأن اللیلة متصلة بالیوم اتصال أجزاء النهار بخلاف الأیام (3) ، وهو جید.

والأصح عدم الاکتفاء بالعزم المتقدم ، لأن من شرط النیة المقارنة للمنوی ، خرج من ذلک تقدیم نیة الصوم من اللیل بالنص والإجماع فیبقی الباقی.

واعلم أن الشیخ - رحمه الله - صرح فی النهایة والمبسوط بأن العزم السابق إنما یجزی مع السهو عن تجدید النیة عند دخول الشهر (4). بل قال :

ص: 27


1- الخلاف 1 : 376 ، والنهایة : 151 ، والمبسوط 1 : 276.
2- سنن البیهقی 4 : 213 بتفاوت یسیر.
3- المعتبر 2 : 649. وفیه : آخر ، بدل : أجزاء.
4- النهایة : 151 ، والمبسوط 1 : 276.

وکذا قیل : تجزی نیّة واحدة لصیام الشهر کلّه.

______________________________________________________

الشهید فی البیان : ولو ذکر عند دخول الشهر لم یجز العزم السابق قولا واحدا (1).

وهذا التفصیل من مضعفات هذا القول ، فإن المقارنة إن لم تکن معتبرة وجب الاکتفاء بالعزم السابق مطلقا ، وإن کانت معتبرة لم یکن معتدا به کذلک ، فالتفصیل لا وجه له.

قوله : ( وکذا قیل : تجزی نیة واحدة لصیام الشهر کله ).

القائل بذلک الشیخ (2) ، والمرتضی (3) ، وأبو الصلاح (4) ، وسلار (5) ، وابن إدریس (6) ، وغیرهم ، قال المرتضی - رضی الله عنه - فی المسائل الرسیة : تغنی النیة الواحدة فی ابتداء شهر رمضان عن تجدیدها فی کل لیلة ، وهو المذهب الصحیح الذی علیه إجماع الإمامیة ، ولا خلاف بینهم فیه ، ولا رووا خلافه.

ثم اعترض نفسه بأنه کیف تجزی النیة فی جمیع الشهر وهی متقدمة فی أول لیلة منه.

وأجاب بأنها تؤثر فی الشهر کله کما تؤثر فی الیوم کله وإن وقعت فی ابتدائه ، ولو اشترط فی تروک الأفعال فی زمان الصوم مقارنة النیة لها لوجب تجدید النیة فی کل حال من زمان کل یوم من شهر رمضان ، لأنه فی هذه الأحوال کلها تارک لما یوجب کونه مفطرا ، وقد علمنا أن استمرار النیة طول النهار غیر واجب ، وأن النیة قبل طلوع الفجر کافیة مؤثرة فی کون تروکه

إجزاء نیة واحدة لصیام رمضان

ص: 28


1- البیان : 227.
2- النهایة : 151 ، والمبسوط 1 : 276 ، والاقتصاد : 287.
3- الانتصار : 61.
4- الکافی فی الفقه : 181.
5- المراسم : 96.
6- السرائر : 84.

______________________________________________________

المستمرة طول النهار صوما ، فکذا نقول فی النیة الواحدة إذا فرضنا أنها لجمیع شهر رمضان أنها مؤثرة شرعا فی صیام جمیع أیامه وإن تقدمت (1). انتهی کلامه رحمه الله .

ورده المصنف فی المعتبر بأنه قیاس محض فلا یتمشی علی أصولنا ، قال : لکن علم الهدی ادعی علی ذلک الإجماع ، وکذلک الشیخ أبو جعفر ، والأولی تجدید النیة لکل یوم فی لیلته ، لأنا لا نعلم ما ادعیاه من الإجماع (2). ولا ریب فی أولویة ذلک ، لأن کل یوم عبادة منفردة عن الأخری لا یفسد بفساد ما قبله ولا بما بعده ، فیفتقر إلی نیة متصلة به حقیقة أو حکما کغیره من العبادات.

تنبیهات :

الأول : قال فی المنتهی : لو قلنا بالاکتفاء بالنیة الواحدة فإن الأولی تجدیدها بلا خلاف (3). واستشکله الشارح - قدس سره - من حیث إنّ القائل بالاکتفاء بالنیة الواحدة للشهر یجعله عبادة واحدة ، ومن شأن العبادة الواحدة أن لا یجوز تفریق النیة علی أجزائها (4). وهو مدفوع بانتفاء ما یدل علی امتناع تفریق النیة علی أجزاء العبادة ، خصوصا مع انفصال بعضها من بعض کموضع النزاع.

الثانی : قال فی المنتهی أیضا : لو فاتته النیة من أول الشهر لعذر وغیره هل یکتفی بالنیة فی ثانی لیلة أو ثالث لیلة للباقی من الشهر؟ فیه تردد ، أما إن قلنا بعدم الاکتفاء فی الأول قلنا به ها هنا ، وإن قلنا بالاکتفاء هناک فالأولی الاکتفاء هنا ، لأن النیة الواحدة قد کانت مجزیة عن الجمیع فعن البعض

ص: 29


1- رسائل المرتضی : 355.
2- المعتبر 2 : 649.
3- المنتهی 2 : 560.
4- المسالک 1 : 70.

ولا یقع فی رمضان صوم غیره.

______________________________________________________

أولی (1). وهو جید.

واستوجه الشهید فی البیان عدم الاکتفاء بذلک ، لأن شهر رمضان إما عبادة واحدة أو ثلاثون عبادة ، فلا یجوز أن یجعل قسما آخرا (2). وضعفه ظاهر ، إذ المفروض کونه عبادة واحدة فلا وجه لتفریق النیة ، لکن العبادة الواحدة لا یمتنع الإتیان ببعضها لفوات البعض الآخر ، ومتی وجب الإتیان به تعین اعتبار النیة فیه علی هذا الوجه.

الثالث : قال فی المنتهی أیضا : لو نذر شهرا معینا أو أیاما معینة متتابعة لم یکتف فیها بالنیة الواحدة ، أما عندنا فلعدم النص ، وأما عندهم فللفرق بین صوم لا یقع فیه غیره وبین صوم یجوز أن یقع فیه سواه (3). هذا کلامه رحمه الله ، وکأن مراده جواز الوقوع لو لا النذر ، إذ لا ریب فی امتناعه بعده. وأما تعلیله أولا بعدم النص فهو مشترک بین صوم شهر رمضان وغیره. وکیف کان فالأجود عدم الإکتفاء بالنیة (4) هنا ، بل قال فی الدروس إنه إجماع (5).

قوله : ( ولا یقع فی رمضان صوم غیره ).

المراد أنه لا یقع فی شهر رمضان صوم غیر الصوم الواجب فیه بالأصالة ، وعلی هذا فلو أراد المسافر صومه ندبا - إن سوغنا له الصوم المندوب - أو واجبا بالنذر المقید بالحضر والسفر لم یکن له ذلک ، ولا ریب فی ذلک ، لأن العبادة وظیفة متلقاة من الشارع فیتوقف علی النقل ، ولم یثبت التعبد فی شهر رمضان بصوم سوی الصوم الواجب فیه بالأصالة ، فیکون فعله بدعة محرمة.

ویؤیده ما رواه الشیخ عن الحسن بن بسام الجمال ، عن رجل قال :

حکم من نوی غیر صوم رمضان فیه

ص: 30


1- المنتهی 2 : 560.
2- البیان : 227.
3- المنتهی 2 : 560.
4- فی « م » زیادة : الواحدة.
5- الدروس : 70.

ولو نوی غیره واجبا کان أو ندبا أجزأ عن رمضان دون ما نواه.

______________________________________________________

کنت مع أبی عبد الله علیه السلام فیما بین مکة والمدینة فی شعبان وهو صائم ثم رأینا هلال شهر رمضان فأفطر ، فقلت له : جعلت فداک أمس کان من شعبان وأنت صائم ، والیوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟! فقال : « إن ذلک تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض ولیس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا » (1).

ونقل عن الشیخ فی المبسوط أنه جوّز التطوع بالصوم من المسافر فی شهر رمضان (2). وهو ضعیف جدا ، أما أولا فلما ذکرناه من انتفاء التوقیف.

وأما ثانیا فلأن الروایة التی اعتمد علیها فی جواز صیام النافلة فی السفر متضمنة لعدم وقوعه فی شهر رمضان کما عرفت ، فتبقی الأخبار المانعة من وقوع الصیام فی السفر (3) سلیمة عن المعارض.

قوله : ( ولو نوی غیره واجبا کان أو ندبا أجزأ عن رمضان دون ما نواه ).

المراد أن الحاضر إذا نوی فی شهر رمضان غیره من الصیام وقع عن رمضان دون ما نواه. وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین الجاهل بالشهر والعالم به ، وبهذا التعمیم قطع فی المعتبر (4).

أما الوقوع عن رمضان مع الجهالة بالشهر فالظاهر أنه موضع وفاق کما اعترف به الأصحاب فی صیام یوم الشک بنیة الندب ، وسیجی ء الکلام فیه.

وأما مع العلم فهو اختیار الشیخ (5) والمرتضی (6) والمصنف هنا ظاهرا ،

ص: 31


1- التهذیب 4 : 236 - 693 ، الإستبصار 2 : 103 - 335 ، الوسائل 7 : 145 أبواب من یصح منه الصوم ب 12 ح 5.
2- المبسوط 1 : 277.
3- الوسائل 7 : 123 أبواب من یصح منه الصوم ب 1.
4- المعتبر 2 : 645.
5- المبسوط 1 : 276.
6- جمل العلم والعمل : 89.

ولا یجوز أن یردد نیّته بین الواجب والندب ، بل لا بد من قصد أحدهما تعیینا.

______________________________________________________

وفی المعتبر صریحا ، واستدل علیه بأن النیة المشترطة حاصلة ، وهی نیة القربة ، وما زاد لغو لا عبرة به ، فکان الصوم حاصلا بشرطه فیجزی عنه (1).

ویشکل بأن من هذا شأنه لم ینو المطلق لینصرف إلی رمضان ، وإنما نوی صوما معینا ، فما نواه لم یقع ، وغیره لیس بمنوی فیفسد لانتفاء شرطه.

ومن ثم ذهب ابن إدریس إلی عدم الإجزاء مع العلم (2). ورجحه فی المختلف ، للتنافی بین نیة صوم رمضان ونیة غیره ، ولأنه منهی عن نیة غیره والنهی مفسد ، ولأن مطابقة النیة للمنوی واجبة (3). وهو جید.

ولا یتوجه مثل ذلک مع الجهل لخروجه بالإجماع وحدیث رفع الخطأ والروایات المتضمنة لإجزاء صیام یوم الشک بنیة الندب عن صیام شهر رمضان (4) ، وفی بعضها تلویح بأن العلة فی ذلک العذر فیتعدی إلی غیره کما سیجی ء بیانه إن شاء الله.

قوله : ( ولا یجوز أن یردد نیته بین الوجوب والندب ، بل لا بد من قصد أحدهما تعیینا ).

لا یخفی أن الحکم بوجوب قصد أحدهما تعیینا مناف لما سبق من أنه یکفی فی رمضان أن ینوی أنه یصوم متقربا إلی الله ، فإنه یدل بظاهره علی عدم اعتبار ملاحظة نیة الوجه ، ولعل المراد أنه مع التعرض للوجه یتعین قصد أحدهما. واحتمل الشارح - قدس سره - کون المراد بالقربة ما یتناول الطاعة

عدم جواز التردید فی النیة

ص: 32


1- المعتبر 2 : 645.
2- السرائر : 84.
3- المختلف : 214.
4- الوسائل 7 : 12 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 5.

ولو نوی الوجوب آخر یوم من شعبان مع الشک لم یجز عن أحدهما.

______________________________________________________

بالفعل والوجه الذی یقع علیه إما الوجوب أو الندب (1). وهو بعید.

ثم إن عدم إجزاء التردید بین الوجوب والندب ظاهر علی اعتبار الوجه لما بینهما من التنافی ، أما علی الاکتفاء بالقربة فمشکل ، لأن هذه الضمیمة غیر منافیة للتقرب فلا تکون مبطلة. ولو قلنا بصحة العبادة وإن اشتملت علی الوجه الذی لا یکون مطابقا للواقع - کما ذکره المصنف فی بعض رسائله - کان الحکم بالصحة هنا أولی.

قوله : ( ولو نوی الوجوب آخر یوم من شعبان مع الشک لم یجز عن أحدهما ).

المراد أنه لو نوی الوجوب المعهود - وهو وجوب شهر رمضان - کان الصوم فاسدا ، ولا یجزئ عن رمضان لو ظهر أنه منه ، ولا یحکم بکونه مندوبا لو لم یظهر أنه کذلک ، وإلی هذا القول ذهب المعظم کالشیخ فی النهایة وکتابی الأخبار (2) ، والمرتضی (3) ، وابنی بابویه (4) ، وأبی الصلاح (5) ، وسلار (6) ، وابن البراج (7) ، وابن إدریس (8) ، وابن حمزة (9). وقال ابن أبی عقیل (10) وابن الجنید (11) أنه یجزئه. واختاره الشیخ فی الخلاف (12). والمعتمد الأول.

نیة صوم یوم الشک

ص: 33


1- المسالک 1 : 69.
2- النهایة : 151 ، والتهذیب 4 : 182 ، والاستبصار 2 : 79 ، 80.
3- رسائل الشریف المرتضی ( المجموعة الثانیة ) : 354.
4- الصدوق فی الفقیه 2 : 79 ، وحکاه عنهما فی المختلف : 214.
5- الکافی فی الفقه : 181.
6- المراسم : 96.
7- المهذب 1 : 189 ، وجواهر الفقه : 478 ، وشرح الجمل : 198.
8- السرائر : 87.
9- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 683.
10- حکاه عنهما فی المختلف : 214.
11- حکاه عنهما فی المختلف : 214.
12- الخلاف 1 : 383.

______________________________________________________

لنا أن إیقاع المکلف الصوم فی الزمان المحکوم بکونه من شعبان علی أنه من شهر رمضان یتضمن إدخال ما لیس من الشرع فیه فیکون حراما لا محالة ، کالصلاة بغیر طهارة ، فلا یتحقق به الامتثال. ویدل علیه روایات منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یصوم الیوم الذی یشک فیه من رمضان فقال علیه السلام : « علیه قضاؤه وإن کان کذلک » (1).

وعن سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إنما یصام یوم الشک من شعبان ، ولا تصومه من شهر رمضان » (2).

وعن محمد بن شهاب الزهری ، قال : سمعت علی بن الحسین علیهماالسلام یقول : « یوم الشک أمرنا به ونهینا عنه ، أمرنا أن نصومه علی أنه من شعبان ، ونهینا أن نصومه علی أنه من شهر رمضان » (3).

احتج الشیخ فی الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم علی أن من صام یوم الشک أجزأه عن شهر رمضان ولم یفرقوا (4) - وهو احتجاج ضعیف ، لأن الفرق فی النص وکلام الأصحاب متحقق کما بیناه.

ولا یخفی أن نیة الوجوب مع الشک إنما تتصور من الجاهل الذی یعتقد الوجوب لشبهته ، أما العالم بانتفائه شرعا فلا یتصور منه ملاحظة الوجوب إلا علی سبیل التصور وهو غیر النیة ، فإنها إنما تتحقق مع الاعتقاد کما هو واضح.

ص: 34


1- التهذیب 4 : 182 - 507 ، الإستبصار 2 : 78 - 239 ، الوسائل 7 : 15 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 6 ح 1.
2- التهذیب 4 : 182 - 508 ، الإستبصار 2 : 79 - 240 ، الوسائل 7 : 13 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 5 ح 4.
3- التهذیب 4 : 164 - 463 ، الإستبصار 2 : 80 - 243 ، الوسائل 7 : 16 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 6 ح 4 ، بتفاوت یسیر.
4- الخلاف 1 : 383.

ولو نواه مندوبا أجزأ عن رمضان إذا انکشف أنه منه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو نواه مندوبا أجزأ عن رمضان إذا انکشف أنه منه ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل ظاهر المصنف فی المعتبر (1) والعلامة فی جملة من کتبه (2) أنه لا خلاف فیه بین المسلمین. واستدل علیه فی المعتبر بأن نیة القربة کافیة فی الزمان المتعین للصوم ، وهی متحققة.

ویدل علیه روایات منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن سعید الأعرج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی صمت الیوم الذی یشک فیه وکان من شهر رمضان أفأقضیه؟ فقال : « لا هو یوم وقفت له » (3).

وفی الحسن عن معاویة بن وهب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یصوم الیوم الذی یشک فیه من شهر رمضان فیکون کذلک فقال : « هو شی ء وفق له » (4).

وفی الموثق عن سماعة قال : سألته علیه السلام عن الیوم الذی یشک فیه من شهر رمضان ، لا یدری أهو من شعبان أو من شهر رمضان فصامه فکان من شهر رمضان فقال : « هو یوم وفق له ولا قضاء علیه » (5).

وفی روایة أخری لسماعة عن الصادق علیه السلام ، قال : « إنما یصام یوم الشک من شعبان ولا یصومه من شهر رمضان ، لأنه قد نهی أن ینفرد الإنسان بالصیام فی یوم الشک ، وإنما ینوی من اللیلة أن یصوم من شعبان ،

ص: 35


1- المعتبر 2 : 651.
2- التذکرة 1 : 257 ، والمنتهی 2 : 561 ، والقواعد 1 : 63.
3- الکافی 4 : 82 - 4 ، الوسائل 7 : 12 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 5 ح 2.
4- الکافی 4 : 82 - 3 ، الوسائل 7 : 13 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 5 ح 5.
5- الکافی 4 : 81 - 2 ، التهذیب 4 : 181 - 503 ، الإستبصار 2 : 78 - 235 ، الوسائل 7 : 13 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 5 ح 6.

______________________________________________________

فإن کان من شهر رمضان أجزأه عنه بتفضل الله عزّ وجلّ » (1).

وعن محمد بن حکیم ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الیوم الذی یشک فیه ، فإن الناس یزعمون أنه من صامه بمنزلة من أفطر فی شهر رمضان فقال : « کذبوا ، إن کان من شهر رمضان فهو یوم وفق له ، وإن کان من غیره فهو بمنزلة ما مضی من الأیام » (2).

وبالجملة فهذا الحکم لا إشکال فیه ، لأنه موضع نص ووفاق. وألحق الشهیدان بذلک کل واجب معین فعل بنیة الندب مع عدم علمه (3). ولا بأس به.

قال الشهید فی الدروس بعد أن حکم بتأدی رمضان بنیة النفل مع عدم علمه : ویتأدی رمضان وکل معین بنیة الفرض ، وغیره بطریق أولی (4). وما ذکره - رحمه الله - غیر بعید وإن أمکن المناقشة فی الأولویة کما بیناه مرارا. ویحتمل إجزاؤه عما نواه ، لأنه کان مأمورا بإیقاعه علی ذلک الوجه والامتثال یقتضی الإجزاء.

واعلم أن المصنف - رحمه الله - صرح فی المعتبر بأن من صام یوم الشک ندبا یجب علیه تجدید نیة الوجوب إذا بان أنه من رمضان فی أثناء النهار (5). وهو إنما یتم إذا اعتبرنا ذلک فی صوم رمضان. نعم لا بأس باعتبار التعیین هنا وإن لم یفتقر إلیه صوم رمضان ، لتعلق النیة بغیره فلا ینصرف إلیه بغیر نیة.

ص: 36


1- الکافی 4 : 82 - 6 ، التهذیب 4 : 182 - 508 ، الإستبصار 2 : 79 - 240 ، الوسائل 7 : 13 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 5 ح 4.
2- الکافی 4 : 83 - 88 ، التهذیب 4 : 181 - 502 ، الإستبصار 2 : 77 - 234 ، المقنعة : 48 ، الوسائل 7 : 13 أبواب وجوب الصوم ونیته ب 5 ح 7.
3- الشهید الأول فی الدروس : 70 ، والشهید الثانی فی الروضة 2 : 139.
4- الدروس : 70.
5- المعتبر 2 : 651.

ولو صام علی أنه إن کان من رمضان کان واجبا وإلا کان مندوبا ، قیل : یجزی ، وقیل : لا یجزی وعلیه الإعادة ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو صام علی أنه کان من شهر رمضان کان واجبا وإلا کان مندوبا ، قیل : یجزی ، وقیل : لا یجزی وعلیه الإعادة ، وهو الأشبه ).

القولان للشیخ رحمه الله ، أولهما فی المبسوط والخلاف (1) ، والثانی فی باقی کتبه ، واختاره ابن إدریس والمصنف وأکثر المتأخرین ، وهو المعتمد.

لنا : أن صوم یوم الشک إنما یقع علی وجه الندب ، ففعله علی خلاف ذلک یکون تشریعا ، فلا یتحقق به الامتثال.

احتج القائلون بالإجزاء بأنه نوی الواقع فوجب أن یجزیه. وبأنه نوی العبادة علی وجهها فوجب أن یخرج من العهدة ، أما المقدمة الأولی فلأن الصوم إن کان من شهر رمضان کان واجبا وإن کان من شعبان کان نفلا ، وأما الثانیة فظاهرة. وبأن نیة القربة کافیة وقد نوی القربة.

والجواب عن الأول والثانی بالمنع من کون النیة مطابقة للواقع وکون العبادة واقعة علی وجهها ، فإن الوجه المعتبر هنا هو الندب خاصة وإن فرض کون ذلک الیوم فی الواقع من شهر رمضان ، فإن الوجوب إنما یتحقق إذا ثبت دخول الشهر لا بدونه ، والوجوب فی نفس الأمر لا معنی له.

وعن الثالث بأنه لا یلزم من الاکتفاء فی صوم شهر رمضان بنیة القربة الصّحّة مع إیقاعه علی خلاف الوجه المأمور به ، بل علی الوجه المنهی عنه.

وأجاب عنه فی المعتبر أیضا بأن نیة التعیین تسقط فیما علم أنه من شهر

ص: 37


1- المبسوط 1 : 277 ، والخلاف 1 : 383.

ولو أصبح بنیّة الإفطار ثم بان أنه من الشهر جدّد النیّة واجتزأ کان ذلک بعد الزوال أمسک وعلیه القضاء.

______________________________________________________

رمضان لا فیما لم یعلم (1). وهو حسن.

ولا یخفی أن موضوع هذه المسألة أخص من موضوع المسألة السابقة - أعنی قوله : ولا یجوز أن یردد فی نیته بین الواجب والندب - لاختصاص هذه بصوم یوم الشک وإطلاق تلک ، فما ذکره بعض الشراح من اتحاد المسألتین وأنها مکررة (2) ، لیس بجید.

قوله : ( ولو أصبح بنیة الإفطار ثم بان أنه من الشهر جدّد النیة واجتزأ به ، فإن کان ذلک بعد الزوال أمسک وعلیه القضاء ).

أما وجوب تجدید النیة والاجتزاء به إذا بان أنه من الشهر قبل الزوال ولم یکن أفسد صومه فظاهر المصنف فی المعتبر (3) والعلامة فی جملة من کتبه (4) أنه موضع وفاق بین العلماء. واستدل علیه فی المعتبر بما روی أن لیلة الشک أصبح الناس فجاء أعرابی فشهد برؤیة الهلال فأمر النبی صلی الله علیه و آله منادیا ینادی : من لم یأکل فلیصم ، ومن أکل فلیمسک (5) ، وبأنه صوم لم یثبت فی الذمة فجاز أن ینویه قبل الزوال کالنفل (6).

ویمکن أن یستدل علیه بفحوی ما دل علی انعقاد الصوم من المریض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال ، لأن من هذا شأنه ربما کان أعذر منهما ، وتعضده أصالة عدم اعتبار تقدیم النیة علی هذا الوجه ، وأصالة عدم وجوب قضاء هذا الیوم.

حکم من أصبح بنیة الافطار فبان رمضان

ص: 38


1- المعتبر 2 : 652.
2- المسالک 1 : 70 ، قال : وربما قیل باتحادهما.
3- المعتبر 2 : 652.
4- التذکرة 1 : 256 ، والمنتهی 2 : 561.
5- راجع ص 22.
6- المعتبر 2 : 646.

فروع ثلاثة :

الأول : لو نوی الإفطار فی یوم من رمضان ثم جدّد قبل الزوال ، قیل : لا ینعقد وعلیه القضاء ، ولو قیل : بانعقاده کان أشبه.

الثانی : لو عقد نیّة الصوم ثم نوی الإفطار ولم یفطر ثم جدد النیّة

______________________________________________________

وأما وجوب الإمساک والقضاء إذا کان ذلک بعد الزوال فهو قول الأکثر.

ونقل عن ابن الجنید أنه ساوی بین ما قبل الزوال وما بعده فی وجوب تجدید النیة والاجتزاء به إذا بقی جزء من النهار (1). وهو ضعیف.

قوله : ( الأول ، لو نوی الإفطار فی یوم من رمضان ثم جدد قبل الزوال قیل : لا ینعقد وعلیه القضاء ، ولو قیل بانعقاده کان أشبه ).

القول بعدم الانعقاد ووجوب القضاء هو المعروف من مذهب الأصحاب حتی أن العلامة - رحمه الله - فی المنتهی لم ینقل فیه خلافا ، لأن الإخلال بالنیة فی جزء من الصوم یقتضی فساد ذلک الجزء لفوات شرطه ویلزم منه فساد الکل ، لأن الصوم لا یتبعض فیجب قضاؤه (2). وفی وجوب الکفارة بذلک قولان تقدم الکلام فیهما (3).

وذکر الشارح - قدس سره - أن قول المصنف : ولو قیل بالانعقاد کان أشبه ، إنما یتجه علی القول بالاجتزاء بالنیة الواحدة للشهر کله مع تقدمها ، أو علی القول بجواز تأخیر النیة إلی قبل الزوال اختیارا (4). وهو غیر جید ، لأن القول الثانی غیر متحقق ، واللازم علی الأول عدم اعتبار تجدید النیة مطلقا للاکتفاء بالنیة السابقة. وکیف کان فلا ریب فی ضعف هذا القول.

قوله : ( الثّانی ، لو عقد نیة الصوم ثم نوی الإفطار ولم یفطر ثم

ص: 39


1- حکاه عنه فی المختلف : 212 ، 214.
2- المنتهی 2 : 562.
3- فی ص 26.
4- المسالک 1 : 70.

کان صحیحا.

______________________________________________________

جدد النیة کان صحیحا ).

ما اختاره المصنف من عدم بطلان الصوم بنیة الإفطار هو المشهور بین الأصحاب ، ذهب إلیه الشیخ (1) والمرتضی وأتباعهما ، واستدلوا علیه بأن النواقض محصورة ولیست هذه النیة من جملتها فمن ادعی کونها ناقضة فعلیه الدلیل.

وبأن نیة الإفطار إنما تنافی نیة الصوم لا حکمها الثابت بالانعقاد الذی لا ینافیه النوم والعزوب إجماعا.

وبأن النیة لا یجب تجدیدها فی کل أزمنة الصوم إجماعا فلا تتحقق المنافاة.

ونقل عن أبی الصلاح أنه جزم بفساد الصوم بذلک وجعله موجبا للقضاء والکفارة (2).

واستقرب العلامة فی المختلف فساد الصوم بذلک وأنه موجب للقضاء دون الکفارة ، واستدل علی انتفاء الکفارة بالأصل السلیم من المعارض.

وعلی أنه مفسد للصوم بأنه عبادة مشروطة بالنیة وقد فات شرطها فتبطل.

وبأن الأصل اعتبار النیة فی جمیع أجزاء العبادة لکن لما کان ذلک مشقا اعتبر حکمها ، وهو أن لا یأتی بنیة تخالفها ولا ینوی قطعها ، فإذا نوی القطع زالت النیة حقیقة وحکما فکان الصوم باطلا لفوات شرطه.

وبأنه عمل خلا من النیة حقیقة وحکما فلا یکون معتبرا فی نظر الشرع ، وإذا فسد صوم جزء من النهار فسد صوم ذلک الیوم بأجمعه ، لأن الصوم لا

ص: 40


1- المبسوط 1 : 278.
2- الکافی فی الفقه : 182.

الثالث : نیّة الصبی الممیز صحیحة وصومه شرعی.

______________________________________________________

یتبعض (1).

وفی الأدلة من الجانبین نظر. والحق أن مرجع الخلاف فی هذه المسألة إلی أن استمرار النیة فی زمان الصوم هل هو شرط أم لا؟ وقد قطع الشیخ (2) والمرتضی (3) والمصنف فی المعتبر (4) بعدم اشتراطه کما فی الإحرام. ولا بأس به ، لأنه الأصل ولیس له معارض یعتد به ، فالمسألة محل تردّد.

واعلم أن قول المصنف : لو عقد نیة الصوم ثم نوی الإفطار ولم یفطر ثم جدد النیة کان صحیحا ، یقتضی بظاهره أن تجدید نیة الصوم بعد نیة المفطر له مدخل فی الصحة ، وبذلک صرح العلامة فی المنتهی فقال : قد بیّنا أنه لو نوی الإفطار بعد انعقاد الصوم لم یفطر لأنه انعقد شرعا فلا یخرج عنه إلا بدلیل شرعی ، هذا إذا عاد ونوی الصوم أما لو لم ینو بعد ذلک الصوم فالوجه وجوب القضاء (5). هذا کلامه رحمه الله وهو غیر جید ، لأن المقتضی للفساد عند القائل به العزم علی فعل المفطر ، فإن ثبت ذلک وجب الحکم بالبطلان مطلقا ، وإلا وجب القول بالصحة کذلک ، کما أطلقه فی المعتبر. والله أعلم.

قوله : ( الثالث ، نیة الصبی الممیز صحیحة وصومه شرعی ).

اختلف الأصحاب فی أن عبادة الصبی هل هی شرعیة بمعنی أنها مستندة إلی أمر الشارع فیستحق علیها الثواب أو تمرینیة؟ فذهب الشیخ (6).

حکم نیة الصبی

ص: 41


1- المختلف : 215. وفیه منتفیا بدل مشقا.
2- الخلاف 1 : 401.
3- رسائل السید المرتضی 2 : 356.
4- المعتبر 2 : 652.
5- المنتهی 2 : 569.
6- المبسوط 1 : 278.

______________________________________________________

وجماعة منهم المصنف (1) إلی الأول ، لإطلاق الأمر ، ولأن الأمر بالأمر بالشی ء أمر بذلک الشی ء ، بمعنی أن الظاهر من حال الآمر کونه مریدا لذلک الشی ء.

واستقرب العلامة فی المختلف أنها تمرینیة ، لأن التکلیف مشروط بالبلوغ ، ومع انتفائه ینتفی المشروط (2).

ویمکن المناقشة فی اعتبار هذا الشرط علی إطلاقه ، فإن العقل لا یأبی توجه الخطاب إلی الصبی الممیز ، والشرع إنما اقتضی توقف التکلیف بالواجب والمحرم علی البلوغ لحدیث رفع القلم ونحوه ، أما التکلیف بالمندوب وما فی معناه فلا مانع عنه عقلا ولا شرعا.

وبالجملة فالخطاب بإطلاقه متناول له ، والفهم الذی هو شرط التکلیف حاصل کما هو المقدّر ، ومن ادعی اشتراط ما زاد علی ذلک طولب بدلیله.

ویتفرع علی ذلک وصف العبادة الصادرة منه بالصحة وعدمه ، فإن قلنا إنها شرعیة جاز وصفها بالصحة ، لأنها عبارة عن موافقة الأمر ، وإن قلنا إنها تمرینیة لم توصف بصحة ولا بفساد.

وذکر الشارح - قدس سره - أنه لا إشکال فی صحة صومه ، لأن الصحة من باب خطاب الوضع ، وهو غیر متوقف علی التکلیف وإن کان صومه تمرینیا (3). وهو غیر جید ، لأن الصحة والبطلان اللذین هما موافقة الأمر ومخالفته لا یحتاج إلی توقیف من الشارع ، بل یعرف بمجرد العقل ، ککونه (4) مؤدیا للصلاة وتارکا لها فلا یکون من حکم الشرع فی شی ء ، بل هو عقلی مجرد کما صرح به ابن الحاجب وغیره.

ص: 42


1- الشرائع 1 : 188.
2- المختلف : 216.
3- المسالک 1 : 70.
4- فی « ض » : لکونه.

الثّانی : ما یمسک عنه الصائم

وفیه مقاصد :

الأول : یجب الإمساک عن کل مأکول ، معتادا کان کالخبز والفواکه ، أو غیر معتاد کالحصی والبرد ، وعن کل مشروب ولو لم یکن معتادا ، کمیاه الأنوار وعصارة الأشجار ،

______________________________________________________

قوله : ( الأول ، یجب الإمساک عن کل مأکول ، معتادا کان کالخبز والفواکه ، أو غیر معتاد کالحصی والبرد ، وعن کل مشروب ولو لم یکن معتادا ، کمیاه الأنوار وعصارة الأشجار ).

أما تحریم المعتاد من کل مأکول ومشروب فعلیه إجماع العلماء ، ویدل علیه قوله تعالی ( وَکُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّی یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیْلِ ) (1).

وأما غیر المعتاد فالمعروف من مذهب الأصحاب تحریمه أیضا ، لأن تحریم الأکل والشرب یتناول المعتاد وغیره ، ولأن الصوم إمساک عما یصل إلی الجوف ، وتناول هذه الأشیاء ینافی الإمساک.

ونقل عن السید المرتضی أنه قال فی بعض کتبه : إن ابتلاع غیر المعتاد کالحصاة ونحوها لا یفسد الصوم (2). وحکاه فی المختلف عن ابن الجنید أیضا (3) ، واستدل لهما بأن تحریم الأکل والشرب إنما ینصرف إلی المعتاد لأنه المتعارف ، فیبقی الباقی علی أصل الإباحة. ثم أجاب عنه بالمنع من تناوله المعتاد خاصة ، بل یتناول المعتاد وغیره. ولا بأس به إذا صدق علی تناوله اسم الأکل والشرب.

ما یمسک عنه الصائم

الامساک عن المأکول والمشروب

ص: 43


1- البقرة : 187.
2- جمل العلم والعمل : 90.
3- المختلف : 216.

وعن الجماع فی القبل إجماعا ، وفی دبر المرأة علی الأظهر ، ویفسد صوم المرأة.

______________________________________________________

قوله : ( وعن الجماع فی القبل إجماعا ، وفی دبر المرأة علی الأظهر ، ویفسد صوم المرأة ).

أما تحریم الجماع علی الصائم فی القبل وکونه مفسدا للصوم فموضع وفاق بین المسلمین ، ویدل علیه قوله تعالی ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما کَتَبَ اللهُ لَکُمْ وَکُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّی یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (1) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « لا یضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام ، والشراب ، والنساء ، والارتماس فی الماء » (2).

وأما الوطء فی الدبر ، فإن کان مع الإنزال فلا خلاف بین العلماء کافة فی أنه مفسد للصوم ، وإن کان بدون الإنزال فالمعروف من مذهب الأصحاب أنه کذلک ، لإطلاق النهی عن المباشرة فی الآیة الکریمة ، خرج من ذلک ما عدا الوطء فی القبل والدبر فیبقی الباقی مندرجا فی الإطلاق ، ومتی ثبت التحریم کان مفسدا للصوم بالإجماع المرکب.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن علی بن الحکم ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أتی الرجل المرأة فی الدبر وهی صائمة لم ینقض صومها ولیس علیهما غسل » (3) لأنا نجیب عنه بالطعن فی السند بالإرسال. وقال الشیخ فی التهذیب : هذا خبر غیر معمول علیه وهو مقطوع الإسناد (4).

الامساک عن الجماع

ص: 44


1- البقرة : 187.
2- التهذیب 4 : 202 - 584 و 318 - 971 ، الاستبصار 2 : 80 - 244 و 84 - 261 ، الوسائل 7 : 18 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 1 ح 1 ، وفیها : ثلاث خصال بدل أربع خصال.
3- التهذیب 4 : 319 - 977 ، الوسائل 1 : 481 أبواب الجنابة ب 12 ح 3 ، وفیها : علیها بدل علیهما.
4- التهذیب 4 : 320.

وفی فساد الصوم بوطء الغلام والدابة تردد وإن حرم ، وکذا القول فی فساد صوم الموطوء ، والأشبه أنه یتبع وجوب الغسل ،

______________________________________________________

واعلم أنه (1) لم یتقدم من المصنف - رحمه الله - ما یدل علی فساد صوم الواطئ حتی یتبعه بفساد صوم المرأة ، وإنما تقدم وجوب الإمساک عن الجماع ، وهو لا یستلزم کونه مفسدا للصوم ، فکان الأولی ذکر فساد صوم الواطئ أولا ، أو تأخیر حکم فساد صوم المرأة إلی المطلب (2) الثانی.

قوله : ( وفی فساد الصوم بوطء الغلام والدابة تردد وإن حرم ، وکذا القول فی فساد صوم الموطوء ، والأشبه أنه یتبع وجوب الغسل ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ فی المبسوط : إن وطء الغلام والدابة مفسد للصوم ویجب به القضاء والکفارة (3).

وقال فی الخلاف : إذا أدخل ذکره فی دبر امرأة أو غلام کان علیه القضاء والکفارة. وادعی علیه الإجماع ثم قال : وإذا أتی بهیمة فأمنی کان علیه القضاء والکفارة ، فإن أولج ولم ینزل فلیس لأصحابنا فیه نص ، لکن مقتضی المذهب أن علیه القضاء ، لأنه لا خلاف فیه ، فأما الکفارة فلا تلزمه ، لأن الأصل براءة الذمة (4).

قال ابن إدریس : لما وقفت علی کلامه کثر تعجبی منه ، والذی دفع به الکفارة یدفع القضاء مع قوله لا نص لأصحابنا فیه ، وإذا لم یکن فیه نص مع قولهم : « اسکتوا عما سکت الله عنه » فقد کلفه القضاء بغیر دلیل ، وأی مذهب لنا یقتضی وجوب القضاء ، بل أصول المذهب تقتضی نفیه ، وهی براءة الذمة والخبر المجمع علیه (5).

ص: 45


1- فی « ض » زیادة : لو.
2- فی « ض » ، « م » ، « ح » : المقصد.
3- المبسوط 1 : 270.
4- الخلاف 1 : 387.
5- السرائر : 86.

وعن الکذب علی الله وعلی رسوله والأئمة علیهم السلام ، وهل یفسد الصوم بذلک؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه ،

______________________________________________________

وقد یقال إن مراد الشیخ - رحمه الله - بالنص الذی نفاه أولا النص الصادر من المعصوم ، وانتفاؤه لا ینافی ثبوت الحکم بدلیل آخر ، وهو الإجماع الذی ادعاه.

واستقرب المصنف (1) والعلامة فی جملة من کتبه (2) أن فساد الصوم بکل من هذین الأمرین تابع لوجوب الغسل ، واستدل علیه فی المختلف بأن الغسل معلول للجنابة وهی علة للأحکام المذکورة ، فإذا حصل المعلول دل علی وجود العلة ، فیلزم وجود المعلول الآخر. وهو جید لو ثبت أن الجنابة علة فی فساد الصوم ولیس فی الأخبار ما یدل علی ذلک صریحا ، لکن یلوح من بعضها ذلک. والمسألة محل إشکال ، وإن کان المصیر إلی ما ذکره المصنف لا یخلو من قرب.

قوله : ( وعن الکذب علی الله وعلی رسوله وعلی الأئمة علیهم السلام ، وهل یفسد الصوم بذلک؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب فی فساد الصوم بالکذب علی الله وعلی رسوله صلی الله علیه و آله وعلی الأئمة علیهم السلام ، بعد اتفاقهم علی أن غیره من أنواع الکذب لا یفسد الصوم وإن کان محرما ، فقال الشیخان (3) والسید المرتضی فی الانتصار (4) : إنه مفسد للصوم ، ویجب به القضاء والکفارة. وقال السید المرتضی فی الجمل (5) وابن إدریس (6) : لا یفسد. وهو المعتمد.

الامساک عن الکذب علی الله

ص: 46


1- المعتبر 2 : 654.
2- المختلف : 216.
3- المفید فی المقنعة : 54 ، والشیخ فی النهایة : 153 ، والخلاف 1 : 401 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 212 ، والمبسوط 1 : 270.
4- الانتصار : 62.
5- جمل العلم والعمل : 90.
6- السرائر : 85.

______________________________________________________

لنا : التمسک بمقتضی الأصل والحصر المستفاد من صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة (1).

احتج الأولون بإجماع الفرقة وما رواه الشیخ ، عن منصور بن یونس ، عن أبی بصیر ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « الکذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال قلت له هلکنا قال : « لیس حیث تذهب ، إنما ذلک الکذب علی الله وعلی رسوله صلی الله علیه و آله وعلی الأئمة علیهم السلام » (2).

وعن سماعة ، قال : سألته عن رجل کذب فی شهر رمضان فقال : « قد أفطر وعلیه قضاؤه وهو صائم یقضی صومه ووضوءه إذا تعمد » (3).

والجواب أما عن الإجماع فبأنه مکابرة کما ذکره المصنف فی المعتبر ، وأما عن الروایتین فأولا بالطعن فی السند ، باشتمال سند الأولی علی منصور بن یونس بزرج ، وقال الشیخ : إنه کان واقفیا (4). وروی الکشی حدیثا معتبر الإسناد متضمنا لأنه جحد النص علی الرضا علیه السلام لأموال کانت فی یده (5). وبأن راویها وهو أبو بصیر مشترک بین الثقة والضعیف.

وبضعف الروایة الثانیة بالإضمار وباشتمال سندها علی عدة من الواقفیة.

وثانیا بأن الروایتین متضمنتان لما أجمع العلماء علی خلافه ، وهو نقض الوضوء بذلک ، وهذا مما یضعف الخبر.

وقال الشیخ فی التهذیب : إن المراد بنقض الوضوء نقض کمال الوضوء

ص: 47


1- فی ص 44.
2- التهذیب 4 : 203 - 585 ، الوسائل 7 : 20 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 2 ح 2.
3- التهذیب 4 : 203 - 586 ، الوسائل 7 : 20 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 2 ح 3.
4- رجال الطوسی : 360 - 21.
5- رجال الکشی 2 : 768 - 893.

وعن الارتماس ، وقیل : لا یحرم بل یکره ، والأول أظهر ، وهل یفسد بفعله؟ الأشبه لا ،

______________________________________________________

وثوابه ووجهه الذی یستحق به الثواب (1). وهو تأویل بعید.

قوله : ( وعن الارتماس ، وقیل : لا یحرم بل یکره ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی حکم الارتماس فی الصوم ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخان فی المقنعة والنهایة والمبسوط إلی أنه مفسد للصوم (2). وبه قطع المرتضی - رضی الله عنه - فی الانتصار وادعی علیه إجماع الفرقة (3). وقال ابن إدریس : إنه مکروه (4). وحکاه فی المعتبر عن المرتضی أیضا فی مسائل الخلاف (5). وقال الشیخ فی الاستبصار : إنه محرم ولا یوجب قضاء ولا کفارة (6). وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الصائم یستنقع فی الماء ولا یرمس رأسه » (7).

وفی الصحیح عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یرمس الصائم ولا المحرم رأسه فی الماء » (8).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ،

الامساک عن الارتماس

ص: 48


1- التهذیب 4 : 203.
2- المقنعة : 54 ، والنهایة : 154 ، والمبسوط 1 : 270.
3- الانتصار : 62.
4- السرائر : 85 ، 88.
5- المعتبر 2 : 657.
6- الاستبصار 2 : 85.
7- التهذیب 4 : 203 - 587 ، الإستبصار 2 : 84 - 258 ، الوسائل 7 : 24 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 3 ح 7.
8- التهذیب 4 : 203 - 588 ، الإستبصار 2 : 84 - 259 ، الوسائل 7 : 24 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 3 ح 8.

______________________________________________________

قال : « الصائم یستنقع فی الماء ویصب علی رأسه ویتبرد بالثوب وینضح المروحة وینضح البوریا تحته ولا یغمس رأسه فی الماء » (1).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « لا یضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام ، والشراب ، والنساء ، والارتماس فی الماء » (2) وهذه الروایات مع کثرتها سلیمة عن المعارض ، ومقتضاها التحریم لأنه حقیقة النهی.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کره للصائم أن یرتمس فی الماء » (3) لأنا نجیب عنه أولا بالطعن فی السند باشتماله علی عدة من الضعفاء ، وثانیا بأن الکراهة کثیرا ما تستعمل بمعنی التحریم ، بل ربما ظهر من بعض الروایات کونها حقیقة فیه ، فلا یتحقق التنافی.

وإنما قلنا إنه غیر مفسد (4) ، لأن النهی هنا عن أمر خارج عن العبادة. ویؤیده ما رواه الشیخ ، عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل صائم ارتمس فی الماء متعمدا أعلیه قضاء ذلک الیوم؟ قال : لیس علیه قضاء ولا یعودن » (5).

قال الشیخ فی الاستبصار : ولست أعرف حدیثا فی إیجاب القضاء.

ص: 49


1- الکافی 4 : 106 - 3 ، التهذیب 4 : 204 - 591 ، الإستبصار 2 : 84 - 260 ، الوسائل 7 : 22 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 3 ح 2.
2- الفقیه 2 : 67 - 276 ، التهذیب 4 : 202 - 584 ، الإستبصار 2 : 80 - 244 ، الوسائل 7 : 18 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 1 ح 1.
3- التهذیب 4 : 209 - 606 ، الإستبصار 2 : 84 - 262 ، الوسائل 7 : 24 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 3 ح 9.
4- فی « م » زیادة : للصوم.
5- التهذیب 4 : 209 - 607 ، الإستبصار 2 : 84 - 263 ، الوسائل 7 : 27 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 6 ح 1.

______________________________________________________

والکفارة ، أو إیجاب أحدهما علی من ارتمس فی الماء (1). وهو کذلک ، نعم ربما کان فی روایة ابن مسلم إشعار بمساواته للأکل والشرب والنساء لکنها غیر صریحة فی ذلک.

وقال المصنف فی المعتبر : ویمکن أن یکون الوجه فی التحریم الاحتیاط فی الصوم ، فإن المرتمس فی الأغلب لا ینفک أن یصل الماء إلی جوفه فیحرم وإن لم یجب منه قضاء ولا کفارة إلا مع الیقین بابتلاعه ما یوجب المفطر (2). وهو حسن.

وهنا مباحث :

الأول : المراد بالارتماس غمس الرأس فی الماء دفعة عرفیة وإن کان البدن خارج الماء ، کما دلت علیه الأخبار المتقدمة ، ولو غمسه علی التعاقب لم یتعلق به التحریم ، لعدم صدق الارتماس مع احتماله. والمراد بالرأس هنا ما فوق الرقبة ، ولا یبعد تعلق التحریم بغمس المنافذ کلها دفعة وإن کانت منابت الشعر خارجة من الماء.

الثانی : إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی أنه لا فرق فی هذا الحکم بین صوم الفریضة والنافلة ، ثم إن قلنا أنه مفسد جاز فعله فی صوم النافلة کغیره من المفطرات ، وإن قلنا بالتحریم خاصة کما هو الظاهر احتمل التحریم فی صوم النافلة - کالتکفیر فی الصلاة المندوبة - والإباحة ، إما لقصور الأخبار المانعة عن إفادة العموم ، أو لأنه إذا جاز تناول المفطر جاز فعل ما هو مظنة له بطریق أولی.

الثالث : ذکر الشارح - قدس سره - أن فائدة التحریم تظهر فیما لو ارتمس فی غسل مشروع ، فإنه یقع فاسدا للنهی عن بعض أجزائه المقتضی

ص: 50


1- الإستبصار 2 : 85.
2- المعتبر 2 : 657.

وفی إیصال الغبار إلی الحلق خلاف ، والأظهر التحریم وفساد الصوم ،

______________________________________________________

للفساد فی العبادة (1). وهو جید إن وقع الغسل فی حال الأخذ فی الارتماس أو الاستقرار فی الماء ، لاستحالة اجتماع الواجب والحرام فی الشی ء الواحد ، أما لو وقع فی حال الأخذ فی رفع الرأس من الماء فإنه یجب الحکم بصحته ، لأن ذلک واجب محض لم یتعلق به نهی أصلا ، فینتفی المقتضی للفساد.

الرابع : ذکر الشارح أیضا أن المرتمس ناسیا یرتفع حدثه لعدم توجه النهی إلیه ، وأن الجاهل عامد (2). وما ذکره فی حکم الناسی جید ، لکن الأظهر مساواة الجاهل له فی ذلک ، لاشتراکهما فی عدم توجه النهی إلیهما وإن أثم الجاهل بتقصیره فی التعلم علی بعض الوجوه کما بیناه مرارا.

قوله : ( وفی إیصال الغبار إلی الحلق خلاف ، والأظهر التحریم وفساد الصوم ).

هذا قول معظم الأصحاب ، قال فی المنتهی : وعلی قول السید المرتضی - رضی الله عنه - ینبغی عدم الفساد بذلک (3).

احتج القائلون (4) بالفساد بأنه أوصل إلی جوفه ما ینافی الصوم فکان مفسدا له ، وبما رواه الشیخ عن سلیمان المروزی قال : سمعته یقول : « إذا تمضمض الصائم فی شهر رمضان ، أو استنشق متعمدا ، أو شم رائحة غلیظة ، أو کنس بیتا فدخل فی أنفه وحلقه غبار فعلیه صوم شهرین متتابعین ، فإن ذلک له فطر مثل الأکل والشرب والنکاح » (5).

حکم إیصال الغبار إلی الحلق

ص: 51


1- المسالک 1 : 71.
2- المسالک 1 : 71.
3- المنتهی 2 : 565 وقول السید هو ما تقدم عنه فی ص 43 من أن ابتلاع غیر المعتاد کالحصاة ونحوها لا یفسد الصوم.
4- کالعلامة فی المنتهی 2 : 565.
5- التهذیب 4 : 214 - 621 ، الإستبصار 2 : 94 - 305 ، الوسائل 7 : 48 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 22 ح 1.

______________________________________________________

ویتوجه علی الأول المنع من کون مطلق الإیصال مفسدا ، بل المفسد الأکل والشرب وما فی معناهما.

وعلی الروایة أولا الطعن فی السند باشتماله علی عدة من المجاهیل مع جهالة القائل.

وثانیا باشتمالها علی ما أجمع الأصحاب علی خلافه من ترتب الکفارة علی مجرد المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة الغلیظة.

وثالثا بأنها معارضة بما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عمرو بن سعید عن الرضا علیه السلام قال : سألته عن الصائم یدخن بعود أو بغیر ذلک فیدخل (1) الدخنة فی حلقه ، قال : « لا بأس » وسألته عن الصائم یدخل الغبار فی حلقه ، قال : « لا بأس » (2).

ویظهر من المصنف - رحمه الله - فی المعتبر التوقف فی هذا الحکم ، حیث قال بعد أن أورد روایة سلیمان المروزی : وهذه الروایة فیها ضعف ، لأنا لا نعلم القائل ، ولیس الغبار کالأکل والشرب ، ولا کابتلاع الحصی والبرد (3). وهو فی محله.

واعلم أن المصنف لم یقید الغبار فی هذا الکتاب بکونه غلیظا ، وقد صرح الأکثر ومنهم المصنف فی المعتبر باعتباره (4). ولا بأس به قصرا لما خالف الأصل علی موضع الوفاق إن تم ، إلا أن الاعتبار یقتضی عدم الفرق بین الغلیظ وغیره ، لأن الغبار نوع من المتناولات ، فإن کان مفسدا للصوم أفسد قلیله وکثیره ، وإلا لم یفسد کذلک.

وألحق المتأخرون بالغبار الدخان الغلیظ الذی یحصل منه أجزاء

ص: 52


1- فی « ض » و « ح » : فتدخل.
2- التهذیب 4 : 324 - 1003 ، الوسائل 7 : 48 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 22 ح 2.
3- المعتبر 2 : 655.
4- المعتبر 2 : 654.

وعن البقاء علی الجنابة عامدا حتی یطلع الفجر من غیر ضرورة علی الأشهر

______________________________________________________

ویتعدی إلی الحلق ، وبخار القدر ونحوهما. وهو بعید.

قوله : ( وعن البقاء علی الجنابة عامدا حتی یطلع الفجر ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قیل إنه إجماع (1). وقال ابن بابویه فی کتابه المقنع : سأل حماد بن عثمان أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أجنب فی شهر رمضان من أول اللیل فأخر الغسل إلی أن یطلع الفجر فقال له : « قد کان رسول الله صلی الله علیه و آله یجامع نساءه من أول اللیل ویؤخر الغسل حتی یطلع الفجر » (2) ومن طریقته - رحمه الله - فی ذلک الکتاب نقل متون الأخبار وإفتاؤه بمضمونها. والمعتمد ما علیه أکثر الأصحاب.

لنا : الأخبار المستفیضة ، کصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یجنب من أول اللیل ثم ینام حتی یصبح فی شهر رمضان ، قال : « لیس علیه شی ء » قلت : فإنه استیقظ ثم نام حتی أصبح ، قال : « فلیقض ذلک الیوم عقوبة » (3).

وصحیحة ابن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یجنب فی شهر رمضان حتی (4) یستیقظ ثم ینام حتی یصبح ، قال : « یتم یومه ویقضی یوما آخر ، وإن لم یستیقظ حتی أصبح أتم یومه وجاز له » (5).

وصحیحة أحمد بن محمد ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله فی شهر رمضان ، أو أصابته جنابة ثم ینام حتی

حرمة البقاء علی الجنابة

ص: 53


1- کما فی الانتصار : 63 ، والمعتبر 2 : 655.
2- المقنع : 60 ، الوسائل 7 : 38 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 13 ح 3.
3- التهذیب 4 : 212 - 615 ، الإستبصار 2 : 87 - 271 ، الوسائل 7 : 41 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 15 ح 1.
4- کذا ، وفی المصدر : ثم.
5- الفقیه 2 : 75 - 323 ، التهذیب 4 : 211 - 612 ، الإستبصار 2 : 86 - 269 ، الوسائل 7 : 41 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 15 ح 2.

______________________________________________________

یصبح متعمدا ، قال : « یتم ذلک الیوم وعلیه قضاؤه » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل تصیبه الجنابة فی رمضان ثم ینام قبل أن یغتسل ، قال : سألته عن الرجل تصیبه الجنابة فی رمضان ثم ینام قبل أن یغتسل ، قال : « یتم صومه ویقضی ذلک الیوم إلا أن یستیقظ قبل أن یطلع الفجر ، فإن انتظر ماءا یسخّن له أو یستقی فطلع الفجر فلا یقضی یومه » (2) والأخبار الواردة بذلک کثیرة جدا (3).

حجة القول الثانی قوله تعالی ( أُحِلَّ لَکُمْ لَیْلَةَ الصِّیامِ الرَّفَثُ إِلی نِسائِکُمْ ) (4) وقوله ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) - إلی قوله - ( حَتّی یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (5). فإن وجوب تقدیم الغسل علی طلوع الفجر یقتضی تحریم الرفث والمباشرة فی الجزء الأخیر من اللیل ، وهو خلاف ما دل علیه إطلاق الآیة.

وصحیحة عیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أجنب فی شهر رمضان فی أول اللیل فأخر الغسل حتی یطلع الفجر قال یتم صومه ولا قضاء علیه » (6).

وصحیحة حبیب الخثعمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلی صلاة اللیل فی شهر رمضان ثم

ص: 54


1- التهذیب 4 : 211 - 614 ، الإستبصار 2 : 86 - 268 ، الوسائل 7 : 42 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 15 ح 4.
2- الکافی 4 : 105 - 2 ، التهذیب 4 : 211 - 613 ، الإستبصار 2 : 86 - 270 ، الوسائل 7 : 41 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 15. ح 13
3- الوسائل 7 : 41 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 15.
4- البقرة : 187.
5- البقرة : 187.
6- التهذیب 4 : 210 - 608 ، الإستبصار 2 : 85 - 264 ، الوسائل 7 : 39 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 13 ح 4.

______________________________________________________

یجنب ثم یؤخر الغسل متعمدا حتی یطلع الفجر » (1).

وروایة إسماعیل بن عیسی ، قال سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن رجل أصابته جنابة فی شهر رمضان فنام عمدا حتی أصبح ، أی شی ء علیه؟ قال : « لا یضره هذا ولا یفطر ولا یبالی ، فإن أبی علیه السلام قال ، قالت عائشة : إن رسول الله صلی الله علیه و آله أصبح جنبا من جماع من غیر احتلام » (2).

والجواب أما عن إطلاق الآیة فبأنه مقید بما أوردناه من الروایات. وأما عن الروایة الأولی فبعدم الصراحة فی أن التأخیر وقع علی وجه العمد. وأما عن الروایتین الأخیرتین فبالحمل علی التقیة کما تشعر به الروایة الأخیرة ، حیث أسند النقل فیها إلی عائشة ولم یسنده إلی آبائه علیهم السلام .

وهنا مباحث :

الأول : قال المصنف فی المعتبر بعد أن أورد الروایات المتضمنة لفساد صوم شهر رمضان بتعمد البقاء علی الجنابة : ولقائل أن یخص هذا الحکم برمضان دون غیره من الصیام (3).

وقال العلامة - رحمه الله - فی المنتهی : هل یختص هذا الحکم برمضان؟ فیه تردد ، ینشأ من تنصیص الأحادیث علی رمضان من غیر تعمیم ولا قیاس یدل علیه ، ومن تعمیم الأصحاب وإدراجه فی المفطرات مطلقا (4).

وأقول : إنه لا یخفی ضعف الوجه الثانی من وجهی التردد ، فإن تعمیم

ص: 55


1- التهذیب 4 : 213 - 620 ، الإستبصار 2 : 88 - 276 ، الوسائل 7 : 44 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 16 ح 5.
2- التهذیب 4 : 210 - 610 ، الإستبصار 2 : 85 - 266 ، الوسائل 7 : 39 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 13 ح 6.
3- المعتبر 2 : 656.
4- المنتهی 2 : 566.

______________________________________________________

الأصحاب لا یعارض أصالة البراءة.

والحق أن قضاء رمضان ملحق بأدائه ، بل الظاهر عدم وقوعه من الجنب فی حال الاختیار مطلقا لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقضی رمضان فیجنب من أول اللیل ولا یغتسل حتی آخر اللیل وهو یری أن الفجر قد طلع ، قال : « لا یصوم ذلک الیوم ویصوم غیره » (1).

وفی الصحیح عن عبد الله بن سنان أیضا ، قال : کتبت إلی أبی عبد الله علیه السلام - وکان یقضی شهر رمضان - وقال : إنی أصبحت بالغسل وأصابتنی جنابة فلم اغتسل حتی طلع الفجر ، فأجابه : « لا تصم هذا الیوم وصم غدا » (2).

وینبغی القطع بعدم توقف الصوم المندوب علی الغسل مطلقا ، تمسکا بمقتضی الأصل وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن حبیب الخثعمی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أخبرنی عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأیام إذا أجنبت من أول اللیل فاعلم إنی أجنبت وأنام متعمدا حتی ینفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال : « صم » (3).

ویبقی الإشکال فیما عدا قضاء رمضان من الصوم الواجب. والمطابق لمقتضی الأصل عدم اعتبار هذا الشرط ، والواجب المصیر إلیه إلی أن یثبت المخرج عنه.

الثانی : قال فی المنتهی : لم أجد لأصحابنا نصا صریحا فی حکم الحیض فی ذلک ، یعنی أنها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل یجب علیها

حکم إخلال الحائض بالغسل

ص: 56


1- التهذیب 4 : 277 - 837 ، الوسائل 7 : 46 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 19 ح 1.
2- الکافی 4 : 105 - 4 ، الوسائل 7 : 46 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 19 ح 2.
3- الفقیه 2 : 49 - 212 ، الوسائل 7 : 47 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 20 ح 1.

______________________________________________________

الاغتسال ویبطل الصوم لو أخلت به حتی یطلع الفجر؟ والأقرب ذلک ، لأن حدث الحیض یمنع الصوم فکان أقوی من الجنابة (1).

ویتوجه علیه أن هذا الاستدلال إنما یتم مع ظهور التعلیل فی الأصل کما بیناه غیر مرة ، نعم یمکن الاستدلال علی الوجوب بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن طهرت بلیل من حیضها ثم توانت أن تغتسل فی رمضان حتی أصبحت علیه قضاء ذلک الیوم » (2) لکن الروایة ضعیفة السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة ، واشتراک أبی بصیر بین الثقة والضعیف. ومن ثم تردد فی ذلک المصنف فی المعتبر (3). وجزم العلامة فی النهایة بعدم الوجوب (4). ولا یخلو من قوة.

الثالث : أطلق المصنف فی کتاب الطهارة من هذا الکتاب وجمع من الأصحاب توقف صوم المستحاضة علی الإتیان بما یلزمها من الأغسال ، وقیدها المتأخرون بالأغسال النهاریة ، وحکموا بعدم توقف صوم الیوم الماضی علی غسل اللیلة المستقبلة ، وترددوا فی توقف صوم الیوم الآتی علی غسل اللیلة الماضیة.

ویظهر من المصنف فی المعتبر التوقف فی ذلک کله حیث قال فی أحکام المستحاضة : ولو صامت والحال هذه روی أصحابنا أن علیها القضاء (5).

ولعله أشار بالروایة إلی ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن مهزیار قال ، کتبت إلیه : امرأة طهرت من حیضها أو من دم نفاسها فی أول

حکم المستحاضة

ص: 57


1- المنتهی 2 : 566.
2- التهذیب 1 : 393 - 1213 ، الوسائل 7 : 48 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 21 ح 1.
3- المعتبر 1 : 226.
4- نهایة الأحکام 1 : 119.
5- المعتبر 1 : 248.

______________________________________________________

یوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان کله من غیر أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لکل صلاتین ، هل یجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فکتب علیه السلام : « تقضی صومها ولا تقضی صلاتها ، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یأمر فاطمة علیهاالسلام والمؤمنات من نسائه بذلک » (1) وهذه الروایة ضعیفة بجهالة المکتوب إلیه ، واشتمالها علی ما أجمع الأصحاب علی خلافه من وجوب قضاء الصوم دون الصلاة ، ومع ذلک فإنما تدل علی وجوب القضاء بترک جمیع الأغسال ، فإثبات ما زاد علی ذلک یحتاج إلی دلیل.

الرابع : هل یجب التیمم علی الجنب وذات الدم مع تعذر الغسل؟ الأصح عدم الوجوب لاختصاص الأمر بالغسل فیسقط بتعذره وینتفی التیمم بالأصل.

وقیل : یجب ، لعموم ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیَمَّمُوا ) ولأن حدث الجنابة والحیض مانع من الصوم فیستصحب إلی أن یثبت المزیل وهو الغسل أو ما یقوم مقامه فی الإباحة (2). وضعف الدلیلین ظاهر.

ثم إن قلنا بالوجوب فهل یجب البقاء علیه إلی أن یطلع الفجر؟ قیل : نعم ، لانتفاء فائدة التیمم لو جاز نقضه قبل الفجر ، ولأن النوم ناقض للتیمم کنقض الجنابة للغسل فکما لا یجوز تعمد البقاء علی الجنابة إلی أن یطلع الفجر فکذا لا یجوز نقض التیمم والعود إلی حکم الجنابة قبله إلا أن یتحقق الانتباه قبل الفجر بحیث یتیمم ثانیا (3). وقیل : لا یجب ، لأن انتقاض التیمم بالنوم لا یحصل إلا بعد تحققه وبعده یسقط التکلیف لاستحالة تکلیف الغافل (4). ولا یخلو من قوة.

ص: 58


1- التهذیب 4 : 310 - 937 ، الوسائل 7 : 45 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 18 ح 1.
2- قال به الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 4.
3- قال به الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 4.
4- مجمع الفائدة والبرهان 5 : 48.

ولو أجنب فنام غیر ناو للغسل فطلع الفجر فسد الصوم.

______________________________________________________

قوله : ( ولو (1) أجنب فنام غیر ناو للغسل وطلع الفجر فسد صومه ).

الفرق بین هذه المسألة وبین تعمد البقاء علی الجنابة فرق ما بین العام والخاص ، فإن تعمد البقاء عزم علی عدم الغسل ، وعدم نیة الغسل أعم من العزم علی عدمه لتحققه مع الذهول عن الغسل.

وقد قطع المصنف وغیره بأن من نام حتی أصبح علی هذا الوجه لزمه القضاء. واستدل علیه فی المعتبر بأن مع العزم علی ترک الاغتسال یسقط اعتبار النوم ویعود کالمعتمد للبقاء علی الجنابة (2). وهو غیر جید ، لأن عدم نیة الغسل أعم من العزم علی ترک الاغتسال. نعم یمکن الاستدلال علیه بإطلاق بعض الروایات المتضمنة لفساد الصوم مع تعمد النوم کصحیحة أحمد بن محمد ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله فی شهر رمضان ، أو أصابته جنابة ثم ینام حتی یصبح متعمدا قال : « یتم ذلک الیوم وعلیه قضاؤه » (3).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی رجل احتلم أول اللیل وأصاب من أهله ثم نام متعمدا فی شهر رمضان حتی أصبح ، قال : « یتم صومه ویقضیه إذا أفطر فی شهر رمضان ویستغفر ربه » (4).

حکم الجنب إذا نام ولم ینو الغسل

ص: 59


1- فی « ض » : فلو.
2- المعتبر 2 : 672.
3- التهذیب 4 : 211 - 614 ، الإستبصار 2 : 86 - 268 ، الوسائل 7 : 42 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 15 ح 4.
4- الکافی 4 : 105 - 1 ، الوسائل 7 : 42 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 16 ح 1.

ولو کان نوی الغسل صحّ صومه. ولو انتبه ثم نام ناویا فأصبح نائما فسد صومه وعلیه قضاؤه.

______________________________________________________

ویتوجه علیه أن الظاهر من المعنی تعمد النوم العزم علی البقاء علی الجنابة فتنتفی الدلالة علی وجوب القضاء فی حال الذهول. وبالجملة فوجوب القضاء فی هذه الصورة غیر واضح لکنها نادرة.

واعلم أن الشارح - قدس سره - نص علی أن النومة الأولی بعد الجنابة إنما تصح مع نیة الغسل ، قال : ولا بد مع ذلک من احتماله الانتباه ، وإلا کان کمتعمد البقاء ، وشرط بعض الأصحاب مع ذلک اعتیاد الانتباه وإلا کان کمتعمد البقاء علی الجنابة ، ولا بأس به (1) هذا کلامه رحمه الله . وهو مشکل جدا ، خصوصا علی القول بأن غسل الجنابة إنما یجب لغیره ، مع أنه لا معنی لتحریم النوم لسقوط التکلیف معه ، ولعل المراد تعلق الحرمة بالتوجه إلیه والأخذ فی مقدماته. وکیف کان فلا ریب فی تحریم العزم علی ترک الاغتسال ، وأما تعلق الحرمة بالنوم فغیر واضح ، خصوصا مع اعتیاد الانتباه قبل طلوع الفجر.

قوله : ( ولو کان نوی الغسل صح صومه ، ولو انتبه ثم نام ناویا فأصبح نائما فسد صومه وعلیه قضاؤه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا وتدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یجنب من أول اللیل ثم ینام حتی یصبح فی شهر رمضان ، قال : « لیس علیه شی ء » قلت : فإنه استیقظ ثم نام حتی أصبح ، قال : « فلیقض ذلک الیوم عقوبة » (2).

قال الشارح قدس سره : وقد تقدم أن النومة الأولی إنما تصح مع العزم

ص: 60


1- المسالک 1 : 71.
2- التهذیب 4 : 212 - 615 ، الإستبصار 2 : 87 - 271 ، الوسائل 7 : 41 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 15 ح 1.

ولو استمنی أو لمس امرأة فأمنی فسد صومه.

______________________________________________________

علی الغسل وإمکان الانتباه أو اعتیاده ، فإذا نام بالشرط ثم انتبه لیلا حرم علیه النوم ثانیا وإن عزم علی الغسل واعتاد الانتباه ، لکن لو خالف فنام وأصبح نائما وجب علیه القضاء خاصة (1). هذا کلامه رحمه الله .

ویمکن المناقشة فی تحریم النومة الثانیة ، لعدم وضوح مأخذه ، وربما استدل علیه بقوله علیه السلام : « فلیقض ذلک الیوم عقوبة » والعقوبة إنما تثبت علی فعل المحرم ، وهو استدلال ضعیف ، فإن ترتب هذه العقوبة علی فعل لا یقتضی تحریمه. والأصح إباحة النومة الثانیة ، بل والثالثة أیضا وإن ترتب علیهما القضاء ، کما اختاره العلامة فی المنتهی ، تمسکا بمقتضی الأصل السلیم من المعارض (2).

قوله : ( ولو استمنی أو لمس امرأة فأمنی فسد صومه ).

المراد بالاستمناء : طلب الإمناء بغیر الجماع مع حصوله ، لا مطلق طلبه وإن کان محرما أیضا ، إلا أنه لا یترتب علیه حکم سوی الإثم. وقد أجمع العلماء کافة علی أن الاستمناء مفسد للصوم.

وأما الإمناء الواقع عقیب اللمس فقد أطلق المصنف هنا وفی المعتبر کونه کذلک (3). وهو مشکل ، خصوصا إذا کانت الملموسة محللة ولم یقصد بذلک الإمناء ولا کان من عادته ذلک. ویدل علی ذلک فساد الصوم بالاستمناء مضافا إلی الإجماع ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یعبث بأهله فی شهر رمضان حتی یمنی ، قال : « علیه الکفارة مثل ما علی الذی یجامع » (4).

فساد الصوم بالاستمناء

ص: 61


1- المسالک 1 : 71.
2- المنتهی 2 : 577.
3- المعتبر 2 : 670.
4- التهذیب 4 : 206 - 597 ، الإستبصار 2 : 81 - 247 ، الوسائل 7 : 25 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 4 ح 1.

ولو احتلم بعد نیة الصوم نهارا لم یفسد صومه.

______________________________________________________

وأما فساده بالإمناء عقیب الملامسة فاستدل علیه بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل وضع یده علی شی ء من جسد امرأته فأدفق فقال : « کفارته أن یصوم شهرین متتابعین ، أو یطعم ستین مسکینا ، أو یعتق رقبة » (1).

وعن حفص بن سوقة ، عمن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یلاعب أهله أو جاریته وهو فی قضاء شهر رمضان فیسبقه الماء فینزل فقال : « علیه من الکفارة مثل ما علی الذی یجامع فی شهر رمضان » (2) وفی الروایتین ضعف من حیث السند. والأصح أن ذلک إنما یفسد الصوم إذا تعمد الإنزال بذلک.

قوله : ( ولو احتلم بعد نیة الصوم نهارا لم یفسد صومه ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (3). وقال فی المنتهی : لو احتلم نهارا فی رمضان نائما أو من غیر قصد لم یفسد صومه ویجوز له تأخیر الغسل ولا نعلم فیه خلافا (4).

وروی الشیخ فی التهذیب ، عن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن بعض موالیه ، قال : سألته عن احتلام الصائم فقال : « إذا احتلم فی شهر رمضان نهارا فلیس له أن ینام حتی یغتسل ، ومن أجنب لیلا فی شهر رمضان فلا ینام إلی ساعة حتی یغتسل » (5) وهذه الروایة ضعیفة بالإرسال ، ولا بأس بحملها علی الکراهة.

حکم الاحتلام نهارا

ص: 62


1- التهذیب 4 : 320 - 981 ، الوسائل 7 : 26 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 4 ح 5.
2- الکافی 4 : 103 - 7 ، التهذیب 4 : 321 - 983 ، الوسائل 7 : 25 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 4 ح 2.
3- التذکرة 1 : 257.
4- المنتهی 2 : 567.
5- التهذیب 4 : 212 - 618 ، الوسائل 7 : 43 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 16 ح 4.

وکذا لو نظر إلی امرأة فأمنی علی الأظهر ، أو استمع فأمنی. والحقنة بالجامد جائزة ، وبالمائع محرمة ، ویفسد بها الصوم علی تردد.

______________________________________________________

قوله : ( وکذا لو نظر إلی امرأة فأمنی علی الأظهر ، أو استمع فأمنی ).

أی : وکذا لا یفسد صومه. وهذا أحد الأقوال فی المسألة. وقال الشیخ فی المبسوط : من نظر إلی ما لا یحل له بشهوة فأمنی فعلیه القضاء ، وإن کان نظره إلی من یحل فأمنی لم یکن علیه شی ء (1). وقال أبو الصلاح : لو أصغی إلی حدیث أو ضم أو قبّل فأمنی فعلیه القضاء (2).

والأصح أن ذلک غیر مفسد إلا إذا کان من عادته الإمناء بذلک وفعله عامدا قاصدا به إلی حصول الإمناء ، وکذا القول فی التخیل لو ترتب علیه الإنزال.

قوله : ( والحقنة بالجامد جائزة ، وبالمائع محرمة ، ویفسد بها الصوم علی تردد ).

اختلف الأصحاب فی حکم الحقنة فی الصوم ، فقال المفید إنها تفسد الصوم ، وأطلق (3). وقال علی بن بابویه : ولا یجوز للصائم أن یحتقن (4). وقال ابن الجنید : یستحب للصائم الامتناع من الحقنة ، لأنها تصل إلی الجوف (5). واستقرب العلامة فی المختلف أنها مفطرة مطلقا ویجب بها القضاء خاصة (6). وقال الشیخ فی جملة من کتبه (7) وابن إدریس (8) : تحرم

حکم الحقنة للصائم

ص: 63


1- المبسوط 1 : 272.
2- الکافی فی الفقه : 183.
3- المقنعة : 54.
4- حکاه عنهما فی المختلف : 221.
5- حکاه عنهما فی المختلف : 221.
6- المختلف : 221.
7- الاستبصار 2 : 84 ، والنهایة : 156.
8- السرائر : 88.

______________________________________________________

الحقنة بالمائع خاصة ولا یجب بها قضاء ولا کفارة. واستوجه المصنف فی المعتبر تحریم الحقنة بالمائع والجامد دون الإفساد (1). وهو المعتمد.

لنا علی التحریم : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن علیه السلام : إنه سأله عن الرجل یحتقن تکون به العلة فی شهر رمضان فقال : « الصائم لا یجوز له أن یحتقن » (2).

ولنا علی أنه غیر مفسد : أن الصوم عبادة شرعیة انعقدت بمقتضی الشرع فلا یفسد إلا بموجب شرعی ، عملا بالأصل السلیم من المعارض.

قال فی المعتبر : والنهی عن الاحتقان لا یقتضی فساد الصوم ، لاحتمال أن یکون حراما ، لا لکون الصوم یفسد به ، بل لحکمة شرعیة لا یلزمنا إبداؤها کما قلنا فی الارتماس (3).

احتج القائلون بجواز الحقنة بالجامد بما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد ، عن علی بن الحسن ، عن أبیه ، قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام : ما تقول فی اللطف یستدخله الإنسان وهو صائم ، فکتب : « لا بأس بالجامد » (4)

والجواب بالطعن فی السند بأن علی بن الحسن وأباه فطحیان فلا یمکن التعویل علی روایتهما. نعم یمکن ترجیح هذا القول بأن المتبادر من الاحتقان ما کان بالمائع فیجب الحمل علیه ، ویبقی الاحتقان بالجامد علی الإباحة.

ص: 64


1- المعتبر 2 : 659 ، 679.
2- التهذیب 4 : 204 - 589 ، الإستبصار 2 : 83 - 256 ، الوسائل 7 : 27 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 5 ح 4.
3- المعتبر 2 : 679.
4- التهذیب 4 : 204 - 590 ، الاستبصار 2 : 83 - 257 ، وفیهما : التلطف بدل اللطف ، والتلطف هو إدخال الشی ء فی الفرج - مجمع البیان 5 : 121 ، الوسائل 7 : 26 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 5 ح 2.

مسألتان :

الأولی : کل ما ذکرنا أنه یفسد الصیام إنما یفسده إذا وقع عمدا ،

______________________________________________________

احتج العلامة فی المختلف علی أن ذلک مفسد للصوم بأنه قد أوصل إلی جوفه المفطر فأشبه ما لو ابتلعه ، لاشتراکهما فی الاغتذاء ، وبقوله علیه السلام : « الصائم لا یجوز له أن یحتقن » قال : وتعلیق الحکم علی الوصف یشعر بالعلیة ، فیکون بین الصوم والاحتقان الذی هو نقیض المعلول منافاة ، وثبوت أحد المتنافیین یوجب عدم الآخر ، وذلک یوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان فوجب القضاء (1). وهو احتجاج ضعیف.

أما الأول فلأنه قیاس مع الفارق ، فإن الحقنة لا تصل إلی المعدة ، ولا إلی موضع الاغتذاء ، کما ذکره فی المعتبر (2).

وأما الثانی فلأن نقیض المعلول إنما هو جواز الاحتقان لا نفس الاحتقان ، واللازم من ذلک انتفاء الصوم عند جواز الاحتقان لا عند حصوله وإن کان محرما کما هو واضح.

ولا یلحق بالحقنة فی التحریم أو الإفساد إیصال الدواء إلی الجوف من جرح ونحوه ، ولا تقطیر الدهن ونحوه فی الأذن ، للأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصائم یشتکی أذنه یصب فیها الدواء؟ قال : « لا بأس به » (3).

وقیل : إن ذلک مفسد الصوم (4). وهو ضعیف.

قوله : ( وهنا مسألتان ، الأولی : کل ما ذکرنا أنه یفسد الصیام

حکم الافطار سهوا

ص: 65


1- المختلف : 221.
2- المعتبر 2 : 679.
3- التهذیب 4 : 258 - 764 ، الوسائل 7 : 50 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 24 ح 1.
4- قال به أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 183.

سواء کان عالما أو جاهلا.

______________________________________________________

إنما یفسده إذا وقع عمدا ، سواء کان عالما أو جاهلا علی تردد فی الجاهل ).

المراد بالعمد هنا القصد ، واحترز به عما یحصل من غیر قصد کالذباب الذی یطیر إلی الحلق ، والغبار الذی یدخل من غیر قصد ، ونحو ذلک. ویحتمل أن یکون المراد به : الذکر لکونه صائما ، مقابل السهو ، فإن المراد به نسیان الصیام.

وقول المصنف : سواء کان عالما أو جاهلا ، یرید به العالم بالحکم والجاهل به. أما العامد العالم فلا ریب فی فساد صومه بذلک ، وإنما الخلاف فی الجاهل ، فذهب الأکثر إلی فساد صومه کالعالم. وقال ابن إدریس : لو جامع أو أفطر جاهلا بالتحریم فلا یجب علیه شی ء (1). ونحوه قال الشیخ فی موضع من التهذیب (2). وإطلاق کلامهما یقتضی سقوط القضاء والکفارة ، واحتمله فی المنتهی إلحاقا للجاهل بالناسی (3).

وقال المصنف فی المعتبر : والذی یقوّی عندی فساد صومه ووجوب القضاء دون الکفارة (4). وإلی هذا القول ذهب أکثر المتأخرین. وهو المعتمد.

لنا علی الحکم الأول : إطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضیة لفساد الأداء ، فإنه یتناول العالم والجاهل.

ولنا علی سقوط الکفارة : التمسک بمقتضی الأصل وما رواه الشیخ ، عن زرارة وأبی بصیر ، قالا : سألنا أبا جعفر علیه السلام عن رجل أتی أهله فی

ص: 66


1- السرائر : 88.
2- التهذیب 4 : 208.
3- المنتهی 2 : 569.
4- المعتبر 2 : 662.

______________________________________________________

شهر رمضان ، أو أتی أهله وهو محرم وهو لا یری إلا أن ذلک حلال له ، قال : « لیس علیه شی ء » (1).

لا یقال : الأصل یرتفع بالروایات المتضمنة لترتب الکفارة علی الإفطار (2) ، المتناولة بإطلاقها للعالم والجاهل کما اعترفتم به فی وجوب القضاء ، والروایة قاصرة من حیث السند فلا تنهض حجة فی إثبات هذا الحکم.

لأنا نقول : لا دلالة فی شی ء من الروایات التی وصلت إلینا فی هذا الباب علی تعلق الکفارة بالجاهل ، إذ الحکم وقع فیها معلقا علی تعمد الإفطار ، وهو إنما یتحقق مع العلم بکون ذلک الفعل مفسدا للصوم ، فإن من أتی بالمفطر جاهلا کونه کذلک لا یصدق علیه أنه تعمد الإفطار وإن صدق علیه أنه متعمد لذلک الفعل ، بل روایة ابن سنان (3) التی هی الأصل فی هذا الباب إنما تضمنت تعلق الکفارة بمن أفطر فی شهر رمضان متعمدا من غیر عذر ، والجهل بالحکم من أقوی الأعذار ، کما تدل علیه صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج المتضمنة لحکم تزویج المرأة فی عدتها (4) حیث قال فیها قلت : فأی الجهالتین أعذر ، جهالة أن ذلک محرم علیه أم جهالته أنها فی عدة؟ فقال : « إحدی الجهالتین أهون من الأخری ، الجهالة بأن الله حرم ذلک علیه ، وذلک أنه لا یقدر علی الاحتیاط معها » فقلت : فهو فی الأخری معذور؟ قال : « نعم » (5).

ص: 67


1- التهذیب 4 : 208 - 603 ، الوسائل 7 : 35 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 9 ح 12.
2- الوسائل 7 : 24 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 4 وص 28 ب 8 وص 35 ب 10.
3- الکافی 4 : 101 - 1 ، الفقیه 2 : 72 - 308 ، التهذیب 4 : 205 - 594 ، الإستبصار 2 : 95 - 310 ، الوسائل 7 : 28 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 8 ح 1.
4- فی « ض » و « م » زیادة : إن جاهل الحکم أعذر من جاهل الأصل.
5- الکافی 5 : 427 - 3 ، التهذیب 7 : 306 - 1274 ، الإستبصار 3 : 186 - 676 ، الوسائل 14 : 345 أبواب ما یحرم بالمصاهرة ونحوها ب 17 ح 4.

ولو کان سهوا لم یفسد ، سواء کان الصوم واجبا أو ندبا.

______________________________________________________

وأما الروایة فهی وإن کانت لا تبلغ مرتبة الصحیح لکنها معتبرة الإسناد ، إذ لیس فی طریقها من قد یتوقف فی شأنه سوی علی بن الحسن بن فضال ، وقال النجاشی : إنه کان فقیه أصحابنا بالکوفة ، ووجههم ، وثقتهم ، وعارفهم بالحدیث ، والمسموع قوله فیه ، سمع منه شیئا کثیرا ولم یعثر له علی زلة فیه ولا ما یشینه ، وقل ما یروی عن ضعیف (1).

ویمکن أن یستدل علی هذا القول أیضا بقول الصادق علیه السلام فی صحیحة عبد الصمد بن بشیر الواردة فیمن لبس قمیصا فی حال الإحرام : « أی رجل رکب أمرا بجهالة فلا شی ء علیه » (2) وغیر ذلک من العمومات المتضمنة لعذر الجاهل.

قوله : ( ولو کان سهوا لم یفسد ، سواء کان الصوم واجبا أو ندبا ).

المراد بالسهو هنا نسیان الصیام ، قال فی المنتهی : ولا خلاف بین علمائنا فی أن الناسی لا یفسد صومه ولا یجب علیه قضاء ولا کفارة بفعل المفطر ناسیا (3).

ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن رجل نسی ء فأکل أو شرب ثم ذکر ، قال : « لا یفطر ، إنما هو شی ء رزقه الله عزّ وجلّ فلیتم صومه » (4).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن قیس ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان أمیر المؤمنین علیه السلام یقول : من صام فنسی

ص: 68


1- رجال النجاشی : 257 - 676.
2- التهذیب 5 : 72 - 239 ، الوسائل 9 : 125 أبواب تروک الإحرام ب 45 ح 3.
3- المنتهی 2 : 577.
4- الکافی 4 : 101 - 1 ، الوسائل 7 : 33 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 9 ح 1.

وکذا لو أکره علی الإفطار أو وجر فی حلقه.

______________________________________________________

فأکل وشرب فلا یفطر من أجل أنه نسی ، فإنما هو رزق رزقه الله فلیتم صومه » (1).

وما رواه ابن بابویه فی الموثق ، عن عمار بن موسی : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل نسی وهو صائم فجامع أهله ، قال : « یغتسل ولا شی ء علیه » (2).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الصوم بین الواجب والمندوب ، ولا فی الواجب بین المعین وغیره. وهو کذلک.

قوله : ( وکذا لو أکره علی الإفطار أو وجر فی حلقه ).

المراد بالإکراه علی الإفطار : التوعد علی ترکه بما یکون مضرا به فی نفسه أو من یجری مجراه بحسب حاله مع قدرة المتوعد علی فعل ما توعد به وشهادة القرائن بأنه یفعله به لو لم یفعل ، وبوجور المفطر فی حلقه : وضعه فیه بغیر اختیاره. ولا خلاف فی أن من وجر فی حلقه المفطر لا یفطر به ، وفی معناه من بلغ به الإکراه حدا رفع قصده. وإنما الخلاف فیمن لم یبلغ إکراهه ذلک ، کمن خوف حتی أکل باختیاره ، فذهب الأکثر إلی أنه لا یفطر بذلک ، للأصل ، وقوله علیه السلام : « رفع عن أمتی الخطأ والنسیان وما استکرهوا علیه » (3) ، ولأن المکره لا خیرة له فلا یتوجه إلیه النهی فیکون تناوله سائغا کالناسی.

قال فی المعتبر : لا یقال ، المکره دفع عن نفسه الضرر بتناوله فیلزمه القضاء کالمریض ، لأنا نقول ، مقتضی الدلیل سقوط القضاء فی الموضعین ،

حکم المکره علی الافطار

ص: 69


1- التهذیب 4 : 268 - 809 ، الوسائل 7 : 34 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 9 ح 9.
2- الفقیه 2 : 74 - 319 ، الوسائل 7 : 33 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 9 ح 2.
3- سنن ابن ماجة 1 : 659 - 2045.

______________________________________________________

ترک العمل بالمقتضی فی المرض عملا بالدلیل فیعمل بالمقتضی فیما عداه (1).

وقال الشیخ فی المبسوط : یفسد صومه ، لأنه مع التوعّد یختار الفعل فیصدق علیه أنه فعل المفطر اختیارا فوجب علیه القضاء (2). وهو احتجاج ضعیف ( إذ لیس لمضطر اختیار )(3).

نعم یمکن الاستدلال علی هذا القول بعموم ما دل علی کون الإتیان بتلک الأمور المخصوصة مفسدا للصیام. لکن فی إثبات العموم علی وجه یتناول المکره نظر.

وفی معنی الإکراه الإفطار فی یوم یجب صومه للتقیة ، أو التناول قبل الغروب لأجل ذلک. ویکفی فی الجواز ظن الضرر بالترک.

وربما ظهر من عبارة الدروس أن ذلک إنما یسوغ عند خوف التلف (4).

ویدفعه إطلاق الأخبار المسوغة للتقیة مع الضرر ، کقوله علیه السلام فی حسنة زرارة : « التقیة فی کل ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حین تنزل به » (5) وفی حسنة الفضلاء : « التقیة فی کل شی ء مضطر إلیه ابن آدم فقد أحله الله » (6).

قال الشارح قدس سره : وحیث ساغ الإفطار للإکراه والتقیة یجب الاقتصار علی ما تندفع به الحاجة ، فلو زاد علیه کفّر ، ومثله ما لو تأدّت

ص: 70


1- المعتبر 2 : 662.
2- المبسوط 1 : 273.
3- بدل ما بین القوسین فی « ض » ، « م » ، « ح » : لأنا نمنع کون الفعل الصادر عن الاختیار علی هذا الوجه مفسد للصوم بل ذلک محل النزاع فکیف یجعل دلیلا.
4- الدروس : 72.
5- الکافی 2 : 219 - 13 ، الوسائل 11 : 468 أبواب الأمر والنهی ب 25 ح 1.
6- الکافی 2 : 220 - 18 ، المحاسن : 259 - 308 ، الوسائل 11 : 468 أبواب الأمر والنهی ب 25 ح 2 ، وفیها وفی جمیع النسخ : یضطر بدل مضطر.

الثانیة : لا بأس بمصّ الخاتم ، ومضغ الطعام للصبی ، وزقّ الطائر ، وذوق المرق ،

______________________________________________________

بالأکل فشرب معه أو بالعکس (1).

ولا ریب فی وجوب الاقتصار علی ما تتأدی به الضرورة. نعم یمکن المناقشة فی وجوب الکفارة بالزائد بناء علی ما ذهب إلیه الشارح من کون التناول علی وجه الإکراه مفسدا للصوم (2) ، لأن الکفارة تختص بما یحصل به الفطر ویفسد به الصوم ، وما حصل به الفطر هنا کان مباحا فلا تتعلق به الکفارة ، وما زاد علیه لم یستند إلیه الفساد فلا تتعلق به الکفارة وإن کان محرما. وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی (3).

قوله : ( الثانیة ، لا بأس بمص الخاتم ، ومضغ الطعام للصبی ، وزقّ الطائر ، وذوق المرق ).

یدل علی ذلک مضافا إلی الأصل وقوله علیه السلام : « لا یضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس » (4) روایات منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق المرق تنظر إلیه فقال : « لا بأس » قال : وسئل عن المرأة یکون لها الصبی وهی صائمة فتمضغ الخبز وتطعمه ، قال : « لا بأس ، والطیر إن کان لها » (5).

وفی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام :

جواز مضغ الطعام للصبی وأمثاله

ص: 71


1- المسالک 1 : 71.
2- المسالک 1 : 71.
3- فی ص 81.
4- الفقیه 2 : 67 - 276 ، التهذیب 4 : 318 - 971 ، الإستبصار 2 : 80 - 244 ، الوسائل 7 : 18 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 1 ح 1.
5- التهذیب 4 : 312 - 942 ، الإستبصار 2 : 95 - 308 ، الوسائل 7 : 74 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 37 ح 1 وص 76 ب 38 ح 1.

______________________________________________________

فی الرجل یعطش فی شهر رمضان ، قال : « لا بأس بأن یمص الخاتم » (1).

وفی الصحیح عن حماد بن عثمان ، قال : سأل عبد الله بن أبی یعفور أبا عبد الله علیه السلام وأنا أسمع عن الرجل یصب الدواء فی أذنه ، قال : « نعم ویذوق المرق ویزق الفرخ » (2).

قال الشیخ فی التهذیب : ولا ینافی هذه الأخبار ما رواه الحسین بن سعید ، عن علی بن النعمان ، عن سعید الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصائم یذوق الشی ء ولا یبلعه فقال : « لا » ، لأن هذه الروایة محمولة علی من لا یکون به حاجة إلی ذلک ، والرخصة إنما وردت فی ذلک لصاحبة الصبی ، أو الطبّاخ الذی یخاف فساد طعامه ، أو من عنده طائر إن لم یزقه هلک ، فأما من هو مستغن عن جمیع ذلک فلا یجوز له أن یذوق الطعام (3).

ولا یخفی ما فی هذا الجمع من البعد ، والأجود حمل النهی علی الکراهة ، إذ لا دلالة فی الأخبار المتقدمة علی ما اعتبره من التقیید.

ولو مضغ الصائم شیئا فسبق منه شی ء إلی الحلق بغیر اختیاره فالأصح أن صومه لا یفسد بذلک ، للإذن فیه وعدم تعمد الازدراد. وقال فی المنتهی : لو أدخل فی فمه شیئا وابتلعه سهوا ، فإن کان لغرض صحیح فلا قضاء علیه ، وإلا وجب القضاء (4). وفی وجوب القضاء علی هذا التقدیر نظر.

ص: 72


1- الکافی 4 : 115 - 1 ، التهذیب 4 : 324 - 1001 ، الوسائل 7 : 77 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 40 ح 1.
2- التهذیب 4 : 311 - 941 ، الإستبصار 2 : 95 - 307 ، الوسائل 7 : 75 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 37 ح 3.
3- التهذیب 4 : 312 - 943 ، والروایة فی الوسائل 7 : 74 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 37 ح 2.
4- المنتهی 2 : 568.

والاستنقاع فی الماء للرجال. ویستحب السواک للصلاة بالرطب والیابس

______________________________________________________

قوله : ( والاستنقاع فی الماء للرجال ).

المراد أنه لیس بمکروه. ویدل علی ذلک مضافا إلی الأصل ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن الحسن بن راشد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الحائض تقضی الصلاة؟ قال : « لا » قلت : تقضی الصوم؟ قال : « نعم » قلت : من أین جاء هذا؟ قال : « أول من قاس إبلیس » قلت : فالصائم یستنقع فی الماء؟ قال : « نعم » قلت : فیبل ثوبا علی جسده؟ قال : « لا » قلت : من أین جاء هذا؟ قال : « من ذاک » (1).

وعن حنان بن سدیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصائم یستنقع فی الماء ، قال : « لا بأس ، ولکن لا یغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع فی الماء لأنها تحمله بقبلها » (2).

قوله : ( ویستحب السواک للصائم بالیابس والرطب ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع ، إلا ابن أبی عقیل ، فإنه کرهه بالرطب (3). ویدل علی الاستحباب مضافا إلی العمومات ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یستاک الصائم أی ساعة من النهار أحب » (4).

وفی الصحیح عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ،

جواز الاستنقاع للرجل

استحباب السواک للصائم

ص: 73


1- التهذیب 4 : 267 - 807 ، الإستبصار 2 : 93 - 301 ، الوسائل 7 : 23 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 3 ح 5.
2- الکافی 4 : 106 - 5 ، الفقیه 2 : 71 - 32 ، التهذیب 4 : 263 - 789 ، علل الشرائع : 388 - 1 ، الوسائل 7 : 23 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 3 ح 6.
3- المنتهی 2 : 568.
4- التهذیب 4 : 261 - 780 ، الوسائل 7 : 57 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 28 ح 1.

المقصد الثانی : فیما یترتب علی ذلک ، وفیه مسائل :

الأولی : تجب مع القضاء الکفّارة بسبعة أشیاء : الأکل والشرب

______________________________________________________

أیستاک الصائم بالماء والعود الرطب یجد طعمه؟ فقال : « لا بأس به » (1).

احتج ابن أبی عقیل (2) بما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصائم یستاک ، قال : « لا بأس به ، وقال : لا یستاک بسواک رطب » (3).

وفی الحسن عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه کره للصائم أن یستاک بسواک رطب ، وقال : « لا یضر أن یبل سواکه بالماء ثم ینفضه حتی لا یبقی فیه شی ء » (4).

وفی الموثق عن عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الصائم ینزع ضرسه ، قال : « لا ، ولا یدمی فاه ، ولا یستاک بعود رطب » (5).

ولا بأس بالمصیر إلی ما تضمنته هذه الروایات ، لأن روایة ابن سنان مطلقة ، وروایة الحلبی غیر صریحة فی انتفاء کراهة السواک بالرطب ، لأن نفی البأس لا ینافی الکراهة.

وقال الشیخ فی التهذیب : إن الکراهة فی هذه الأخبار إنما توجهت إلی من لا یضبط نفسه فیبصق ما یحصل فی فیه من رطوبة العود ، فأما من یتمکن من حفظ نفسه فلا بأس باستعماله علی کل حال (6).

قوله : ( الأولی ، تجب مع القضاء الکفارة بسبعة أشیاء : الأکل

ما یوجب القضاء والکفارة

ص: 74


1- التهذیب 4 : 262 - 782 ، الإستبصار 2 : 91 - 291 ، الوسائل 7 : 58 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 28 ح 3.
2- حکاه عنه فی المختلف : 223.
3- الکافی 4 : 112 - 2 ، الوسائل 7 : 59 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 28 ح 10.
4- الکافی 4 : 112 - 3 ، الوسائل 7 : 59 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 28 ح 11.
5- الکافی 4 : 112 - 4 ، الوسائل 7 : 59 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 28 ح 12.
6- التهذیب 4 : 263.

المعتاد وغیره. والجماع حتی تغیب الحشفة فی قبل المرأة أو دبرها. وتعمد البقاء علی الجنابة حتی یطلع الفجر.

______________________________________________________

والشرب ، المعتاد وغیره ).

أما وجوب القضاء والکفارة بأکل المعتاد وشربه فموضع وفاق بین المسلمین ، وإنما الخلاف فی غیر المعتاد ، فذهب الأکثر إلی أنه کذلک. وقیل : إنه لا یفسد الصوم (1). وقیل : إنه موجب للقضاء خاصة (2).

والأصح وجوب القضاء والکفارة بمطلق الأکل والشرب للمعتاد وغیره ، أما ما لا یصدق علیه ذلک فالأصح أنه غیر موجب للکفارة ، بل لا یبعد کونه غیر مفسد للصوم کما بیناه فیما سبق (3).

قوله : ( والجماع حتی تغیب الحشفة فی قبل المرأة ودبرها ).

لا خلاف بین علماء الإسلام فی وجوب القضاء والکفارة بالوطء فی القبل ، وإنما الخلاف فی الدبر ، والأصح مساواته للقبل ، لتناول الجماع لکل منهما ، وهو مناط الوجوب.

ولم یذکر المصنف فیما یوجب القضاء والکفارة وطء الغلام والدابة ، لأن الظاهر من کلامه فیما سبق أنه غیر مفسد للصوم ، حیث جعل الفساد تابعا لوجوب الغسل ، ورجح فی باب الغسل عدم وجوبه.

قوله : ( وتعمّد البقاء علی الجنابة حتی یطلع الفجر ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب. والمستند فیه ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أجنب فی شهر رمضان باللیل ثم ترک الغسل متعمدا حتی أصبح ، قال : « یعتق رقبة ، أو یصوم

ص: 75


1- قال به المرتضی فی الجمل : 90.
2- نقله المرتضی عن قوم فی جمل العلم والعمل : 90.
3- فی ص 43.

وکذا لو نام غیر ناو للغسل حتی یطلع الفجر.

______________________________________________________

شهرین متتابعین ، أو یطعم ستین مسکینا » قال ، وقال : « إنه خلیق أن لا أراه یدرکه أبدا » (1).

وعن سلیمان بن جعفر المروزی ، عن الفقیه ، قال : « إذا أجنب الرجل فی شهر رمضان بلیل فعلیه صوم شهرین متتابعین مع صوم ذلک الیوم ، ولا یدرک فضل یومه » (2).

وعن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن بعض موالیه ، قال : سألته عن احتلام الصائم قال ، فقال : « إذا احتلم نهارا فی شهر رمضان فلیس له أن ینام حتی یغتسل ، وإن احتلم لیلا فی شهر رمضان فلیس له أن ینام إلی ساعة حتی یغتسل ، فمن أجنب فی شهر رمضان فنام حتی یصبح فعلیه عتق رقبة ، أو إطعام ستین مسکینا وقضاء ذلک الیوم ویتم صیامه ولن یدرکه أبدا » (3).

وهذه الروایات کلها ضعیفة السند (4) فیشکل التعویل علیها فی إثبات حکم مخالف للأصل. ومن هنا یظهر رجحان ما ذهب إلیه ابن أبی عقیل (5) والمرتضی - رضی الله عنه (6) - من أن الواجب بذلک القضاء دون الکفارة.

أما الحائض والمستحاضة والنفساء فینبغی القطع بعدم ترتب الکفارة علیهن مع الإخلال بالغسل ، تمسکا بمقتضی الأصل السلیم من المعارض.

قوله : ( وکذا لو نام غیر ناو للغسل ).

ص: 76


1- التهذیب 4 : 212 - 616 ، الإستبصار 2 : 87 - 272 ، الوسائل 7 : 43 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 16 ح 2.
2- التهذیب 4 : 212 - 617 ، الإستبصار 2 : 87 - 273 ، الوسائل 7 : 43 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 16 ح 3. وفیها : ولا یغتسل حتی یصبح فعلیه. ولعله أسقطه لوضوحه.
3- التهذیب 4 : 212 - 618 ، الإستبصار 2 : 87 - 274 ، الوسائل 7 : 43 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 16 ح 4.
4- الأولی باشتراک راویها بین الضعیف والثقة ، والثانیة بجهالة راویها ، والثالثة بالإرسال.
5- حکاه عنه فی المختلف : 220.
6- الانتصار : 63 ، وجمل العلم والعمل : 91.

والاستمناء. وإیصال الغبار إلی الحلق.

______________________________________________________

أی : یجب علیه القضاء والکفارة. واستدل علیه فی المعتبر بأنه مع العزم علی ترک الاغتسال یسقط اعتبار النوم ویعود کالمتعمد للبقاء علی الجنابة (1).

ویشکل بأنه لا یلزم من انتفاء نیة الغسل تحقق العزم علی ترک الاغتسال ، لجواز الذهول عن کل منهما ، وینبغی القطع بسقوط الکفارة علی هذا التقدیر.

قوله : ( والاستمناء ).

المراد به طلب الإمناء بغیر الجماع مع حصوله ، ولا خلاف فی أن ذلک موجب للقضاء والکفارة ، وتدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یعبث بأهله فی شهر رمضان حتی یمنی ، قال : « علیه من الکفارة مثل ما علی الذی یجامع » (2).

قوله : ( وإیصال الغبار إلی الحلق ).

ما اختاره المصنف من وجوب القضاء والکفارة بذلک أحد الأقوال فی المسألة ، لروایة سلیمان بن جعفر المروزی قال ، سمعته یقول : « إذا تمضمض الصائم فی رمضان ، أو استنشق متعمدا ، أو شم رائحة غلیظة ، أو کنس بیتا فدخل أنفه وحلقه غبار فعلیه القضاء صوم شهرین متتابعین ، فإن ذلک فطر له مثل الأکل والشرب والنکاح » (3) وهذه الروایة ضعیفة السند بجهالة الراوی والقائل ، متروکة الظاهر من حیث اقتضائها ترتب الکفارة علی مجرد المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة الغلیظة ولا قائل به.

ص: 77


1- المعتبر 2 : 672.
2- التهذیب 4 : 206 - 597 ، الإستبصار 2 : 81 - 247 ، الوسائل 7 : 25 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 4 ح 1.
3- التهذیب 4 : 214 - 621 ، الإستبصار 2 : 94 - 305 ، الوسائل 7 : 48 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 22 ح 1.

الثانیة : لا تجب الکفارة إلا فی صوم رمضان ، وقضائه بعد الزوال ، والنذر المعین ، وفی صوم الاعتکاف إذا وجب.

______________________________________________________

وحکی الشیخ فی المبسوط عن بعض أصحابنا قولا بأن ذلک لا یوجب الکفارة ، وإنما یوجب القضاء خاصة (1). واختاره ابن إدریس ، قال : لأن الأصل براءة الذمة من الکفارة ، وبین أصحابنا فی ذلک خلاف ، والقضاء مجمع علیه (2). وهو جید لو انعقد الإجماع علی الوجوب لکنه غیر ثابت ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ( الثانیة ، لا تجب الکفارة إلا فی صوم شهر رمضان ، وقضائه بعد الزوال ، والنذر المعین ، وفی صوم الاعتکاف إذا وجب ).

أما وجوب الکفارة فی صوم شهر رمضان والنذر المعین وما فی معناه وصوم الاعتکاف الواجب فلا خلاف فیه بین الأصحاب ، وإنما الخلاف فی وجوبها فی قضاء رمضان ، فذهب الأکثر إلی الوجوب.

وقال ابن أبی عقیل : من جامع أو أکل أو شرب فی قضاء شهر رمضان أو صوم کفارة أو نذر فقد أثم وعلیه القضاء ولا کفارة علیه ، وأطلق (3).

احتج الموجبون بما رواه الشیخ ، عن برید العجلی ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل أتی أهله فی یوم یقضیه من شهر رمضان ، قال : « إن کان أتی أهله قبل الزوال فلا شی ء علیه إلا یوما مکان یوم ، وإن کان أتی أهله بعد الزوال فإن علیه أن یتصدق علی عشرة مساکین » (4).

وفی الصحیح عن هشام بن سالم قال ، قلت لأبی عبد الله

الصوم الذی فیه الکفارة

ص: 78


1- المبسوط 1 : 271.
2- السرائر : 85.
3- حکاه عنه فی المختلف : 228.
4- التهذیب 4 : 278 - 844 ، الإستبصار 2 : 120 - 391 ، الوسائل 7 : 253 أبواب أحکام شهر رمضان ب 29 ح 1.

______________________________________________________

علیه السلام : رجل وقع علی أهله وهو یقضی شهر رمضان فقال : « إن کان وقع علیها قبل صلاة العصر فلا شی ء علیه یصوم یوما بدله ، وإن فعل بعد العصر صام ذلک الیوم وأطعم عشرة مساکین ، فإن لم یمکنه صام ثلاثة أیام کفارة لذلک » (1).

ویمکن المناقشة فی الروایة الأولی من حیث السند باشتماله علی الحارث بن محمد ، وهو مجهول. وفی الروایة الثانیة من حیث المتن باقتضائها تعلق الکفارة بالمواقعة بعد العصر وسقوطها قبل ذلک ، وهو خلاف المدعی.

وقال الشیخ فی الاستبصار : إنه لا تنافی بین الخبرین ، لأنه إذا کان وقت الصلاتین عند زوال الشمس إلا أن الظهر قبل العصر علی ما بیناه فیما تقدم جاز أن یعبر عما قبل الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بین الوقتین ، ویعبر عما بعد الزوال بأنه بعد العصر لمثل ذلک (2). وهو حمل بعید. ولو جمع بین الروایتین بحمل ما تضمن الکفارة قبل صلاة العصر علی الاستحباب أمکن. والمسألة محل إشکال.

احتج ابن أبی عقیل (3) بأصالة البراءة ، وما رواه عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : عن الرجل یکون علیه أیام من شهر رمضان ویرید أن یقضیها متی یرید أن ینوی الصیام قال : « هو بالخیار إلی أن تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فإن کان نوی الصوم فلیصم وإن کان نوی الإفطار فلیفطر » سئل : فإن کان نوی الإفطار یستقیم أن ینوی الصوم بعد ما زالت الشمس؟ قال : « لا » سئل : فإن نوی الصوم ثم أفطر بعد

ص: 79


1- التهذیب 4 : 279 - 845 ، الإستبصار 2 : 120 - 392 ، الوسائل 7 : 254 أبواب أحکام شهر رمضان ب 29 ح 2.
2- الاستبصار 2 : 121.
3- حکاه عنه فی المختلف : 247.

وما عداه لا تجب فیه الکفارة ، مثل صوم الکفارات ، والنذر غیر المعین ، والمندوب ، وإن فسد الصوم.

تفریع : من أکل ناسیا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه

______________________________________________________

ما زالت الشمس قال : « قد أساء ولیس علیه شی ء إلا قضاء ذلک الیوم الذی أراد أن یقضیه (1). وهذه الروایة ضعیفة السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة.

وأجاب عنها الشیخ فی الاستبصار بأن الوجه فی قوله علیه السلام : « لیس علیه شی ء » أن نحمله علی أنّه لیس علیه شی ء من العقاب ، لأن من أفطر فی هذا الیوم لا یستحق العقاب وإن أفطر بعد الزوال وإن لزمته الکفارة بحسب ما قدمناه (2). وفی هذا الجواب اعتراف بجواز الإفطار بعد الزوال فیبعد مجامعته لوجوب الکفارة.

قوله : ( وما عداه لا تجب فیه الکفارة ، مثل صوم الکفارات ، والنذر غیر المعین ، والمندوب ، ولو فسد الصوم ).

هذا موضع وفاق بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول العلماء کافة (3). وقد نص العلامة (4) وغیره (5) علی جواز الإفطار فی هذا النوع قبل الزوال وبعده. وربما قیل بتحریم قطع کل واجب ، لعموم النهی عن إبطال العمل (6). وهو ضعیف.

قوله : ( تفریع ، من أکل ناسیا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد

حکم إفطار جاهل الحکم

ص: 80


1- التهذیب 4 : 280 - 847 ، الإستبصار 2 : 121 - 394 ، الوسائل 7 : 6 أبواب وجوب الصوم ب 2 ج 10 ، وأورد بقیة الحدیث فی ص 254 أبواب أحکام شهر رمضان ب 29 ح 4.
2- الاستبصار 2 : 122.
3- المنتهی 2 : 576.
4- المنتهی 2 : 620 ، والتذکرة 1 : 280.
5- کالشهید الثانی فی الروضة 2 : 119.
6- قال به ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 3 : 94 ، 115.

وعلیه القضاء. وفی وجوب الکفارة تردد ، والأشبه الوجوب. ولو وجر فی حلقه أو أکره إکراها یرتفع معه الاختیار لم یفسد صومه. ولو خوّف فأفطر وجب القضاء علی تردد ولا کفارة.

الثالثة : الکفارة فی رمضان : عتق رقبة ، أو صیام شهرین متتابعین ، أو إطعام ستین مسکینا ، مخیرا فی ذلک. وقیل : بل هی علی الترتیب. وقیل : یجب بالإفطار بالمحرّم ثلاث کفارات وبالمحلّل کفارة ، والأول أکثر.

______________________________________________________

صومه وعلیه القضاء ، وفی وجوب الکفارة تردد ، والأشبه الوجوب ).

هذا من جملة أفراد جاهل الحکم ، لأن المراد به من لا یعلم حکم ما فعله من المفطر ، سواء جهل حکم نوعه کما لو جهل هنا تحریم الأکل مطلقا ، أو شخصه بأن علم ذلک ولکن جهل تحریم التناول الخاص کالمسألة المفروضة ، فإنه جهل تحریم تناول من أفطر ناسیا وإن علم تحریم أصل الأکل ، وقد تقدم الکلام فی حکم جاهل الحکم وأن الأظهر وجوب القضاء علیه دون الکفارة (1).

قوله : ( ولو وجر فی حلقه أو أکره إکراها یرتفع معه الاختیار لم یفسد صومه ، ولو خوّف فأفطر وجب القضاء علی تردد ولا کفارة ).

قد تقدم الکلام فی هذه المسألة أیضا وأن القول بسقوط القضاء فی الموضعین لا یخلو من قوة ، أما الکفارة فمنتفیة فی الموضعین قطعا (2).

قوله : ( الثالثة ، الکفارة فی رمضان : عتق رقبة ، أو صیام شهرین متتابعین ، أو إطعام ستین مسکینا ، مخیرة فی ذلک ، وقیل : بل هی علی الترتیب ، وقیل : تجب بالإفطار بالمحرم ثلاث کفارات وبالمحلل کفارة ، والأول أکثر ).

کفارة الافطار فی رمضان

ص: 81


1- فی ص 66.
2- فی ص 69.

______________________________________________________

القول بالتخییر بین الأنواع الثلاثة للشیخ - رحمه الله - فی جملة من کتبه (1) ، والمرتضی فی أحد قولیه (2) ، وأبی الصلاح (3) ، وسلار (4) ، وابن إدریس (5) ، وغیرهم (6).

والقول بأنها مرتبة ، العتق ثم الصیام ثم الإطعام لابن أبی عقیل (7) ، وحکاه المصنف فی المعتبر عن المرتضی فی أحد قولیه (8).

والقول بالتفصیل ووجوب الثلاث بالإفطار المحرم کالزنا وأکل مال الغیر ، والواحدة علی سبیل التخییر بالإفطار بالمحلل لابن بابویه - رحمه الله - فیمن لا یحضره الفقیه (9) ، والشیخ فی کتابی الأخبار (10). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أفطر فی شهر رمضان متعمدا یوما واحدا من غیر عذر ، قال : « یعتق نسمة ، أو یصوم شهرین متتابعین ، أو یطعم ستین مسکینا ، فإن لم یقدر تصدق بما یطیق » (11) وهی نص فی المطلوب.

وفی الصحیح عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله

ص: 82


1- النهایة : 154 ، والمبسوط 1 : 271 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 212.
2- الانتصار : 69.
3- الکافی فی الفقه : 183.
4- المراسم : 187.
5- السرائر : 94.
6- کابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 571 ، والعلامة فی التذکرة 1 : 259 ، والشهید الثانی فی الروضة 2 : 120.
7- حکاه عنه فی المختلف : 225.
8- المعتبر 2 : 672.
9- الفقیه 2 : 72.
10- التهذیب 4 : 205 ، 208 ، والاستبصار 2 : 96 ، 97.
11- التهذیب 4 : 205 - 594 ، الإستبصار 2 : 95 - 310 ، الوسائل 7 : 28 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 8 ح 1.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أفطر یوما من شهر رمضان متعمدا قال : « علیه خمسة عشر صاعا ، لکل مسکین مد » (1) دلت الروایة علی الاجتزاء بالصدقة مطلقا ، ولو کانت متأخرة عن العتق والصیام لوجب ذکره فی مقام البیان.

احتج القائلون بأنها مرتبة (2) بما رواه ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه ، عن عبد المؤمن بن الهیثم الأنصاری ، عن أبی جعفر علیه السلام : « إن رجلا أتی النبی صلی الله علیه و آله فقال هلکت وأهلکت ، فقال وما أهلکک؟ قال : أتیت امرأتی فی شهر رمضان وأنا صائم ، فقال النبی صلی الله علیه و آله : أعتق رقبة ، قال : لا أجد ، فقال : صم شهرین متتابعین ، قال : لا أطیق ، فقال : تصدق علی ستین مسکینا ، فقال : لا أجد ، فأتی النبی صلی الله علیه و آله بعذق فی مکتل فیه خمسة عشر صاعا من تمر فقال النبی صلی الله علیه و آله : خذها فتصدق بها ، فقال : والذی بعثک بالحق ما بین لابتیها أهل بیت أحوج إلیه منا ، فقال : خذه فکله أنت وأهلک فإنه کفارة لک » (3).

والجواب أولا بالطعن فی السند بجهالة الراوی فلا یعارض الأخبار السلیمة ، وثانیا بأن أمر النبی صلی الله علیه و آله بالشی ء بعد الشی ء لیس صریحا فی الترتیب ، ولو کان کذلک لوجب تنزیله علی الاستحباب ، فنکون جامعین بین العمل بالروایتین ، ولیس کذلک لو أوجبنا الترتیب ، بل یلزم منه سقوط خبر التخییر.

احتج المفصلون بما رواه أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه

ص: 83


1- التهذیب 4 : 207 - 599 ، الإستبصار 2 : 96 - 312 ، الوسائل 7 : 31 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 8 ح 10.
2- کابن أبی عقیل ، حکاه عنه فی المختلف : 225 ، والمحقق فی المعتبر 2 : 672.
3- الفقیه 2 : 72 - 309 ، الوسائل 7 : 30 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 8 ح 5.

______________________________________________________

رضی الله عنه ، عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النیشابوری ، عن علی بن محمد بن قتیبة ، عن حمدان بن سلیمان ، عن عبد السلام بن صالح الهروی قال ، قلت للرضا علیه السلام : یا ابن رسول الله قد روی عن آبائک علیهم السلام فیمن جامع فی شهر رمضان أو أفطر فیه ثلاث کفارات ، وروی عنهم أیضا کفارة واحدة فبأی الحدیثین نأخذ؟ قال : « بهما جمیعا ، فمتی جامع الرجل حراما أو أفطر علی حرام فی شهر رمضان فعلیه ثلاث کفارات : عتق رقبة ، وصیام شهرین متتابعین ، وإطعام ستین مسکینا ، وقضاء ذلک الیوم ، وإن کان نکح حلالا أو أفطر علی حلال فعلیه کفارة واحدة » (1).

وحکم العلامة فی التحریر بصحة هذه الروایة (2). وقال فی المختلف : إن عبد الواحد بن عبدوس النیشابوری لا یحضرنی الآن حاله ، فإن کان ثقة فالروایة صحیحة یتعین العمل بها (3).

وأقوال إن عبد الواحد بن عبدوس وإن لم یوثق صریحا لکنه من مشایخ الصدوق المعتبرین الذین أخذ عنهم الحدیث ، فلا یبعد الاعتماد علی روایته ، لکن فی طریق هذه الروایة علی بن محمد بن قتیبة ، وهو غیر موثق بل ولا ممدوح مدحا یعتد به. وعبد السلام بن صالح الهروی ، وفیه کلام. فیشکل التعویل علیها فی إثبات حکم مخالف للأصل ، لکن قال الصدوق فیمن لا یحضره الفقیه : إنه وجد ذلک فی روایات أبی الحسین الأسدی فیما ورد علیه من الشیخ أبی جعفر محمد بن عثمان العمری قدس الله روحه (4). والظاهر اتصال ذلک بصاحب الأمر علیه السلام ، فیترجح المصیر إلی ذلک.

ص: 84


1- الفقیه 3 : 238 - 1128 ، الوسائل 7 : 35 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 10 ح 1 ، وأوردها فی التهذیب 4 : 209 - 605 ، والاستبصار 2 : 97 - 316.
2- التحریر 2 : 110.
3- المختلف : 226.
4- الفقیه 2 : 74.

الرابعة : إذا أفطر زمانا نذر صومه علی التعیین کان علیه القضاء وکفارة کبری مخیرة ، وقیل : کفارة یمین ، والأول أظهر.

______________________________________________________

وقال فی المعتبر بعد أن أورد روایة عبد السلام الهروی : إن هذه الروایة لم یظهر العمل بها بین الأصحاب ظهورا یوجب العمل بها ، وربما حملناها علی الاستحباب لیکون آکد فی الزجر (1).

قوله : ( الرابعة ، إذا أفطر زمانا نذر صومه علی التعیین کان علیه القضاء وکفارة کبری مخیرة ، وقیل : کفارة الیمین ، والأول أظهر ).

أما وجوب القضاء فمقطوع به فی کلام الأصحاب. ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن مهزیار : أنه کتب إلی أبی الحسن علیه السلام : یا سیدی ، رجل نذر أن یصوم یوما من الجمعة دائما ما بقی ، فوافق ذلک الیوم یوم عید فطر أو أضحی أو یوم جمعة أو أیام التشریق أو سفرا أو مرضا ، هل علیه صوم ذلک الیوم أو قضاؤه أو کیف یصنع یا سیدی؟ فکتب إلیه : « قد وضع الله الصیام فی هذه الأیام کلها ، ویصوم یوما بدل یوم إن شاء الله » (2) ویمکن المناقشة فی هذه الروایة من حیث المتن باشتمالها علی ما أجمع الأصحاب علی خلافه من تحریم صوم یوم الجمعة فتضعف بذلک عن أن تکون حجة.

وأما وجوب الکفارة فلا خلاف فیه بین الأصحاب ، وإنما الخلاف فی قدرها ، فذهب الأکثر إلی أنها کفارة کبری مخیرة ، وذهب ابن بابویه (3) والمصنف فی النافع (4) إلی أنها کفارة یمین ، وهی عتق رقبة أو إطعام عشرة

کفارة الصوم المنذور.

ص: 85


1- المعتبر 2 : 668.
2- التهذیب 8 : 305 - 1135 ، الإستبصار 2 : 101 - 328 ، الوسائل 7 : 139 أبواب من یصح منه الصوم ب 10 ح 2.
3- الفقیه 3 : 232.
4- المختصر النافع : 208.

______________________________________________________

مساکین أو کسوتهم ، ومع العجز فصیام ثلاثة أیام (1). وهو المعتمد.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یجعل علیه نذرا ولا یسمّیه ، قال : « إن سمیت فهو ما سمیت ، وإن لم تسم شیئا فلیس بشی ء ، فإن قلت لله علیّ فکفارة یمین » (2).

ویؤیده ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن مهزیار ، قال : کتب بندار مولی إدریس : یا سیدی إنی نذرت أن أصوم کل سبت ، وإن لم أصمه ما یلزمنی من الکفارة؟ فکتب وقرأته : « لا تترکه إلا من علة ، ولیس علیک صومه فی سفر ولا مرض إلا أن تکون نویت ذلک ، وإن کنت أفطرت فیه من غیر علة فتصدق بعدد کل یوم لسبعة مساکین » (3).

وبمضمون هذه الروایة عبّر الصدوق فی المقنع إلا أنه قال بدل سبعة ، عشرة (4) ، فیکون بعض أفراد کفارة الیمین ، ومن شأنه - رحمه الله - فی ذلک الکتاب نقل متون الأخبار وإفتاؤه بمضمونها ، ولعل لفظ السبعة وقع فی التهذیب سهوا.

احتج القائلون بأنها کبری مخیرة بما رواه الشیخ عن عبد الملک بن عمرو ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من جعل لله علیه أن لا یرکب محرما فرکبه - قال ولا أعلمه إلا قال - فلیعتق رقبة ، أو لیصم شهرین ، أو لیطعم ستین مسکینا » (5).

ص: 86


1- المختصر النافع : 208.
2- الفقیه 3 : 230 - 1087 ، الوسائل 16 : 222 أبواب النذر والعهد ب 2 ح 5.
3- التهذیب 4 : 286 - 867 وج 8 : 305 - 1134 ، الاستبصار 2 : 102 - 331 و 125 - 408 ، الوسائل 7 : 277 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 7 ح 4.
4- المقنع : 137.
5- التهذیب 8 : 314 - 1165 ، الإستبصار 4 : 54 - 188 ، الوسائل 15 : 575 أبواب الکفارات ب 23 ح 7.

الخامسة : الکذب علی الله وعلی رسوله وعلی الأئمة علیهم السلام

______________________________________________________

وعن القاسم بن الفضیل : کتبت إلیه یا سیدی : رجل نذر أن یصوم یوما لله تعالی فوقع فی ذلک الیوم علی أهله ما علیه من الکفارة؟ فأجابه : « یصوم یوما بدل یوم وتحریر رقبة مؤمنة » (1).

وعن علی بن مهزیار ، قال : کتبت إلیه یا سیدی رجل نذر أن یصوم یوما بعینه فوقع فی ذلک الیوم علی أهله ما علیه من الکفارة؟ فکتب إلیه : « یصوم یوما بدل یوم وتحریر رقبة مؤمنة » (2).

والجواب أولا بالطعن فی السند بأن راوی الأولی غیر موثق ، بل ولا ممدوح مدحا یعتد به ، وبأن راوی الثانیة وهو القاسم بن الفضیل مجهول ، وبأن الثالثة مضمرة وفی طریقها محمد بن جعفر الرزاز(3) وهو غیر موثق أیضا ، وما هذا شأنه لا یمکن التعلق به فی إثبات حکم مخالف للأصل.

وثانیا بأن الروایتین الأخیرتین إنما تضمنتا الأمر بتحریر الرقبة وهو غیر متعین إجماعا ، فکما یحتمل التخییر بینه وبین نوعی الکبری کذا یحتمل التخییر بینه وبین إطعام العشرة مساکین أو کسوتهم کما تضمنته صحیحة الحلبی. وأما الروایة الأولی فیمکن حملها علی الاستحباب ، جمعا بین الأدلة.

قوله : ( الخامسة ، الکذب علی الله وعلی رسوله وعلی الأئمة

حکم الکذب علی الله والرسول والأئمة

ص: 87


1- التهذیب 4 : 286 - 865 ، الإستبصار 2 : 125 - 406 ، الوسائل 7 : 277 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 7 ح 3.
2- التهذیب 4 : 286 - 866 ، الإستبصار 2 : 125 - 407 ، الوسائل 7 : 277 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 7 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 7 : 456 - 12.
3- في الأصل و باقی النسخ : علی بن محمد بن جعفر الرزاز. وما أثبتناه کما فی المصادر هو الصحیح ، لعدم وجود راو بذلک العنوان - راجع معجم رجال الحدیث 12 : 132 وج 15 : 364.

حرام علی الصائم وغیره ، وإن تأکد فی الصائم ، لکن لا یجب به قضاء ولا کفارة علی الأشبه.

السادسة : الارتماس حرام علی الأظهر ، ولا تجب به کفارة ولا قضاء ، وقیل : یجبان به ، والأول أشبه.

______________________________________________________

حرام علی الصائم وغیره ، وإن تأکد علی الصائم ، لکن لا یجب به قضاء ولا کفارة علی الأشبه ).

قد تقدم أن الأصح أن ذلک غیر مفسد للصوم (1). والقول بأنه موجب للقضاء والکفارة للشیخ (2) وجماعة ، استنادا إلی روایة ضعیفة مشتملة علی ما أجمع الأصحاب علی بطلانه ، ومع ذلک فلا تدل علی لزوم الکفارة صریحا ، لأنه قال فیها : « الکذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » (3) والإفطار یستلزم وجوب القضاء ، أما لزوم الکفارة فلا.

لا یقال : إنه قد ثبت وجوب الکفارة علی من أفطر متعمدا ، وهذا الکذب مفطر کما هو المقدر ، فیترتب علیه الکفارة.

لأنا نقول : المتبادر من معنی الإفطار : إفساد الصوم بالأکل والشرب فیکون حقیقة فیه ، واللفظ إنما یحمل علی حقیقته لا علی مجازه. وبالجملة فهذه الروایة ضعیفة جدا فلا یمکن التعلق بها فی إثبات حکم مخالف للأصل.

قوله : ( السادسة ، الارتماس حرام علی الأظهر ، ولا تجب به کفارة ولا قضاء ، وقیل : یجبان به ، والأول أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله - من تحریم الارتماس وأنه لا

حکم الارتماس للصائم

ص: 88


1- فی ص 46.
2- النهایة : 154 ، والمبسوط 1 : 270 ، والخلاف 1 : 401 ، والاقتصاد : 287.
3- الکافی 4 : 89 - 10 ، التهذیب 4 : 203 - 585 ، الوسائل 7 : 20 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 2 ح 2 ، وفیها : بتفاوت یسیر.

السابعة : لا بأس بالحقنة بالجامد علی الأصحّ ، ویحرم بالمائع ، ویجب به القضاء علی الأظهر.

الثامنة : من أجنب ونام ناویا للغسل ، ثم انتبه ثم نام کذلک ، ثم انتبه ونام ثالثة ناویا حتی طلع الفجر ، لزمته الکفارة علی قول مشهور ، وفیه تردد.

______________________________________________________

یجب به قضاء ولا کفارة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک (1).

قوله : ( السابعة ، لا بأس بالحقنة بالجامد علی الأصح ، ویحرم بالمائع ، ویجب به القضاء علی الأظهر ).

الأصح تحریم الاحتقان مطلقا ، وأنه لا یوجب قضاء ولا کفارة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک أیضا (2).

قوله : ( الثامنة ، من أجنب ونام ناویا للغسل ، ثم انتبه ثم نام کذلک ، ثم انتبه ونام ثالثة ناویا حتی طلع الفجر ، لزمته الکفارة علی قول مشهور ، وفیه تردد ).

القول للشیخین (3) وأتباعهما (4) ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أجنب فی شهر رمضان باللیل ثم ترک الغسل متعمدا حتی أصبح ، قال : « یعتق رقبة ، أو یصوم شهرین متتابعین ، أو یطعم ستین مسکینا » قال ، وقال : « إنه خلیق أن لا أراه یدرکه أبدا » (5).

ما یجب بالاحتقان

ما یجب بتکرار النوم حتی الفجر

ص: 89


1- فی ص 48.
2- فی ص 63.
3- المفید فی المقنعة : 55 ، والشیخ فی النهایة : 154 ، والخلاف 1 : 401.
4- کابن البراج فی المهذب 1 : 192 ، وابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 683.
5- التهذب 4 : 212 - 616 ، الإستبصار 2 : 87 - 272 ، الوسائل 7 : 43 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 16 ح 2.

______________________________________________________

وعن سلیمان بن جعفر المروزی ، عن الفقیه ، قال : « إذا أجنب الرجل فی شهر رمضان بلیل فعلیه صوم شهرین متتابعین مع صوم ذلک الیوم ، ولا یدرک فضل یومه » (1).

وعن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن بعض موالیه ، قال : سألته عن احتلام الصائم ، قال ، فقال : « إذا احتلم نهارا فی شهر رمضان فلا ینام حتی یغتسل ، ومن أجنب فی شهر رمضان فنام حتی یصبح فعلیه عتق رقبة أو إطعام ستین مسکینا وقضاء ذلک الیوم ویتم صیامه ، ولن یدرکه أبدا » (2) ولیس فی هذه الروایات مع اشتراکها فی ضعف السند دلالة علی هذا التفصیل بوجه.

أما الأولی فلأنها إنما تضمنت تعلق الکفارة بمن تعمد ترک الاغتسال لا بمن تکرر نومه علی هذا الوجه.

وأما الثانیة فلأنها مطلقة ولیس حملها علی حالة تکرار النوم بأولی من حملها علی حالة التعمد.

وأما الروایة الثالثة فلاقتضائها ترتب الکفارة علی من أصبح فی النومة الأولی ولا قائل به ، مع أنها ضعیفة جدا بجهالة السائل والمسؤول ، ویمکن حملها علی من نام مع العزم علی ترک الاغتسال فإنه کتعمد البقاء علی الجنابة.

والأصح ما اختاره المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی المنتهی (3) من سقوط الکفارة مع تکرار النوم ناویا للغسل ، تمسکا بأصالة البراءة ، وأن النوم سائغ ولا قصد له فی ترک الغسل فلا عقوبة ، إذ الکفارة إنما تترتب علی

ص: 90


1- التهذیب 4 : 212 - 617 ، الإستبصار 2 : 87 - 273 ، الوسائل 7 : 43 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 16 ح 3 ، وفیها : ولا یغتسل حتی یصبح فعلیه. ولعله أسقطه لوضوحه.
2- التهذیب 4 : 212 - 618 ، الإستبصار 2 : 87 - 274 ، الوسائل 7 : 43 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 16 ح 4.
3- المعتبر 2 : 674 ، والمنتهی 2 : 577.

التاسعة : یجب القضاء فی الصوم الواجب المتعین بتسعة : فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة.

______________________________________________________

التفریط والإثم ، ولیس أحدهما ثابتا.

قوله : ( التاسعة ، یجب القضاء فی الصوم الواجب المعین بتسعة ).

قال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : إنما اشترطنا الوجوب والتعیین لأن ما لیس بمتعین وإن فسد صومه فلیس الإتیان ببدله قضاء ، لأن القضاء اسم لفعل مثل المقضی بعد خروج وقته ، وإلا فکل صوم صادفه أحد ما نذکره فإنه یفسد ، فإن کان واجبا غیر متعین أتی بالبدل ولا یسمی قضاء ، وإن کان متعینا فالبدل قضاء (1). وهو جید.

وقد ذکر المصنف وغیره أن من أخر صیام الثلاثة الأیام من الشهر استحب له قضاؤها ، وعلی هذا فیستحب قضاؤها إذا صادفها أحد هذه الأمور التسعة ، وقد یجب بالنذر وشبهه لکن الوجوب بالأصالة إنما یثبت فی الواجب المعین کما ذکره المصنف رحمه الله .

قوله : ( فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة ).

المراد أن من استصحب بقاء اللیل ففعل المفطر ولم یراع الفجر مع القدرة علی المراعاة فصادف فعله النهار وجب علیه القضاء دون الکفارة ، أما سقوط الکفارة فللأصل وإباحة الفعل ، إذ لا خلاف فی جواز فعل المفطر مع الظن الحاصل من استصحاب بقاء اللیل ، بل مع الشک فی طلوع الفجر فینتفی المقتضی للتکفیر.

وأما وجوب القضاء فتدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن رجل

ما یوجب القضاء فقط

ص: 91


1- المعتبر 2 : 675.

______________________________________________________

تسحّر ثم خرج من بیته وقد طلع الفجر وتبین فقال : « یتم صومه ذلک ثم لیقضیه ، وإن تسحّر فی غیر شهر رمضان بعد الفجر أفطر » ثم قال : « إن أبی کان لیلة یصلی وأنا آکل فانصرف فقال : أما جعفر فقد أکل وشرب بعد الفجر ، فأمرنی فأفطرت ذلک الیوم فی غیر شهر رمضان » (1).

وفی الموثق عن سماعة بن مهران ، قال : سألته عن رجل أکل أو شرب بعد ما طلع الفجر فی شهر رمضان فقال : « إن کان قام فنظر فلم یر الفجر فأکل ثم عاد فرأی الفجر فلیتم صومه ولا إعادة علیه ، وان کان قام فأکل وشرب ثم نظر إلی الفجر فرأی أنه قد طلع فلیتم صومه ویقضی یوما آخر ، لأنه بدأ بالأکل قبل النظر فعلیه الإعادة » (2).

ویستفاد من قول المصنف : فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ، انتفاء القضاء إذا تناول المفطر بعد المراعاة ، أی بعد ظن بقاء اللیل المستند إلی المراعاة ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل وموثقة سماعة المتقدمة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : آمر الجاریة أن تنظر طلع الفجر أم لا فتقول : لم یطلع ، فآکل ثم أنظر فأجده قد طلع حین نظرت ، قال : « تتم یومه وتقضیه ، وأما أنک لو کنت أنت الذی نظرت ما کان علیک قضاؤه » (3).

ویستفاد من اعتبار قید القدرة أن من ترک المراعاة مع العجز عنها فتناول فصادف النهار لا یجب علیه القضاء. وهو کذلک ، للأصل ، واختصاص

ص: 92


1- التهذیب 4 : 269 - 812 ، الإستبصار 2 : 116 - 379 ، الوسائل 7 : 83 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 45 ح 1 ، وأورد صدر الحدیث فی ص 81 ب 44 ح 1.
2- التهذیب 4 : 269 - 811 ، الإستبصار 2 : 116 - 378 ، الوسائل 7 : 82 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 44 ح 3.
3- التهذیب 4 : 269 - 813 ، الوسائل 7 : 84 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 46 ح 1. وفیهما : یومک بدل یومه.

والإفطار إخلادا إلی من أخبر أن الفجر لم یطلع ، مع القدرة علی عرفانه ویکون طالعا. وترک العمل بقول المخبر بطلوعه والإفطار لظنّه کذبه.

______________________________________________________

الروایات المتضمنة لوجوب القضاء بالقادر علی المراعاة ، فیبقی ما عداه علی حکم الأصل.

واعلم أن مقتضی روایة الحلبی أن من تناول المفطر فی غیر شهر رمضان بعد طلوع الفجر فسد صومه سواء کان الصوم واجبا أو مندوبا ، وسواء کان التناول مع المراعاة أو بدونها (1) ، وبذلک صرح العلامة وغیره. وینبغی تقییده بغیر الواجب المعین ، أما المعین فالأظهر مساواته لصوم رمضان فی الحکم.

قوله : ( والإفطار إخلادا إلی من أخبر أن الفجر لم یطلع مع القدرة علی عرفانه ویکون طالعا ).

المراد أنه لو أخبره غیره بأن الفجر لم یطلع فأخلد إلیه ، أی رکن إلیه مع القدرة علی المراعاة وترکها ، ثم فعل المفطر وتبین طلوعه وقت التناول وجب علیه القضاء دون الکفارة ، ومستند الحکمین معلوم مما سبق.

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی المخبر بین الواحد والمتعدد ، واستقرب المحقق الشیخ علی سقوط القضاء لو کان المخبر عدلین لأنهما حجة شرعیة (2). ونفی عنه الشارح البأس ، قال : والخبر لا ینافیه ، لأنه فرض فیه کون المخبر واحدا (3). وهو کذلک.

قوله : ( وترک العمل بقول المخبر بطلوعه والإفطار لظنه کذبه ).

الإفطار معطوف علی قوله : وترک العمل ، والمراد بظن کذبه ظن المفطر أن المخبر کاذب فی إخباره ، وقد قطع الأصحاب بوجوب القضاء علی

ص: 93


1- راجع ص 91.
2- جامع المقاصد 1 : 153.
3- المسالک 1 : 72.

وکذا الإفطار تقلیدا أن اللیل دخل ثم تبین فساد الخبر.

______________________________________________________

من هذا شأنه دون الکفارة ، أما انتفاء التکفیر فلما سبق ، وأما وجوب القضاء فلما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل خرج فی رمضان وأصحابه یتسحرون فی بیت فنظر إلی الفجر فناداهم ، فکف بعضهم ، وظن بعض أنه یسخر فأکل ، قال : « یتم صومه ویقضی » (1) ومورد الروایة إخبار الواحد.

ومن ثم استقرب العلامة فی المنتهی (2) والشهیدان (3) وجوب القضاء والکفارة لو کان المخبر عدلین ، للحکم بقولهما (4) شرعا ، فیکون کتعمد الإفطار مع تیقن الطلوع.

قوله : ( وکذا الإفطار تقلیدا أن اللیل دخل ثم تبین فساد الخبر ).

هذا الإطلاق مشکل ، لأن المفطر إن کان ممن لا یسوغ له التقلید فینبغی أن یکون علیه القضاء والکفارة ، وإن کان ممن یسوغ له ذلک اتجه الحکم بسقوطهما ، لاستناد فعله إلی إذن الشارع علی هذا التقدیر ، إلا أن یقال إن ذلک لا یقتضی سقوط القضاء کما فی تناول المفطر قبل مراعاة الفجر. وهو جید لو ثبت دلیل الوجوب هنا کما ثبت هناک.

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی المخبر بین المتحد والمتعدد ، ولا بین العدل والفاسق.

وجزم المحقق الشیخ علی بأنه لو شهد بالغروب عدلان ثم بان کذبهما فلا شی ء علی المفطر ، وإن کان ممن لا یجوز له التقلید ، لأن شهادتهما حجة شرعیة (5).

ص: 94


1- التهذیب 4 : 270 - 814 ، الوسائل 7 : 84 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 47 ح 1.
2- المنتهی 2 : 578.
3- الشهید الأول فی الدروس : 72 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 72.
4- فی « ض » : بقبولهما.
5- جامع المقاصد 1 : 153.

والإفطار للظلمة الموهمة دخول اللیل ، فلو غلب علی ظنّه لم یفطر.

______________________________________________________

ویشکل بانتفاء ما یدل علی جواز التعویل علی البینة علی وجه العموم ، خصوصا فی موضع یجب فیه تحصیل الیقین.

قوله : ( والإفطار للظلمة الموهمة دخول اللیل ، فلو غلب علی ظنه لم یفطر ).

الکلام فی هذه المسألة یتوقف علی بیان مقدمة ، وهی أنه لا خلاف بین علمائنا ظاهرا فی جواز الإفطار عند ظن الغروب إذا لم یکن للظان طریق إلی العلم ، وإنما اختلفوا فی وجوب القضاء وعدمه إذا انکشف فساد الظن ، فذهب الشیخ فی جملة من کتبه (1) ، وابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه (2) ، وجمع من الأصحاب إلی أنه غیر واجب. وقال المفید (3) وأبو الصلاح (4) بالوجوب. واختاره المصنف فی المعتبر (5). والمعتمد الأول.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل والأخبار المستفیضة ، کصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال لرجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلک فقال : « لیس علیه قضاء » (6).

وفی روایة أخری صحیحة لزرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأیته بعد ذلک وقد صلیت أعدت الصلاة ومضی صومک ، وتکف عن الطعام إن کنت أصبت منه شیئا » (7).

ص: 95


1- التهذیب 4 : 270 ، والاستبصار 2 : 116 ، والنهایة : 155.
2- الفقیه 2 : 75.
3- المقنعة : 57.
4- الکافی فی الفقه : 183.
5- المعتبر 2 : 678.
6- التهذیب 4 : 318 - 968 ، الوسائل 7 : 88 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 51 ح 2.
7- الفقیه 2 : 75 - 327 ، التهذیب 4 : 271 - 818 ، الإستبصار 2 : 115 - 376 ، الوسائل 7 : 87 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 51 ح 1.

______________________________________________________

وروایة أبی الصباح الکنانی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وفی السماء علة فأفطر ثم أن السحاب انجلی فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تم صومه ولا یقضیه » (1).

وروایة زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل صام ثم ظن أن اللیل قد دخل وأن الشمس قد غابت وکان فی السماء سحاب فأفطر ، ثم إن السحاب انجلی فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « تم صومه ولا یقضیه » (2).

احتج القائلون بالوجوب (3) بأنه تناول ما ینافی الصوم عمدا فلزمه القضاء ، وتسقط الکفارة ، لعدم العلم ولحصول الشبهة. وما رواه الشیخ ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن أبی بصیر وسماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قوم صاموا شهر رمضان فغشیهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنه اللیل فقال : « علی الذی أفطر صیام ذلک الیوم ، إن الله عزّ وجلّ یقول ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیْلِ ) فمن أکل قبل أن یدخل اللیل فعلیه قضاؤه ، لأنه أکل متعمدا » (4).

والجواب عن الأول بالمنع من الملازمة ، فإن القضاء فرض مستأنف فلا یثبت إلا مع قیام الدلیل علیه ، فکیف مع قیام الدلیل علی خلافه.

وأما الروایة فضعیفة السند باشتماله علی محمد بن عیسی عن یونس ،

ص: 96


1- الفقیه 2 : 75 - 326 ، التهذیب 4 : 270 - 816 ، الإستبصار 2 : 115 - 374 ، الوسائل 7 : 88 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 51 ح 3 ، وفیها : غیم بدل علة.
2- التهذیب 4 : 271 - 817 ، الإستبصار 2 : 115 - 375 ، الوسائل 7 : 88 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 51 ح 4.
3- کالشیخ فی التهذیب 4 : 270 ، والمحقق فی المعتبر 2 : 678.
4- التهذیب 4 : 270 - 815 وفیه : محمد بن عیسی عن عبید عن یونس. ، الإستبصار 2 :4. 377 ، الوسائل 7 : 87 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 50 ح 1 وفیهما : محمد بن عیسی بن عبید.

______________________________________________________

وباشتراک أبی بصیر بین الثقة والضعیف ، ونصّ الشیخ علی أن سماعة کان واقفیا (1). ومع ذلک فیمکن حملها علی الاستحباب توفیقا بین الأدلة.

وقال الشیخ فی الإستبصار : الوجه فی هذه الروایة أنه متی شک فی دخول اللیل عند العارض وتساوت ظنونه ولم یکن لأحدهما مزیة علی الآخر لم یجز له أن یفطر حتی یتیقن دخول اللیل أو یغلب علی ظنه ، ومتی أفطر والأمر علی ما وصفناه وجب علیه القضاء حسب ما تضمنه هذا الخبر ، فأما من غلب علی ظنه دخول اللیل فأفطر ثم یتبین بعد ذلک أنه لم یکن قد دخل فلیکف عن الطعام ولیس علیه قضاء حسب ما تضمنته الأخبار الأولة (2).

إذا تقرر ذلک فنقول یمکن أن یرید المصنف بالوهم فی قوله : والإفطار للظلمة الموهمة ، معناه المتعارف وهو الطرف المرجوح المقابل للظن ، وإیجاب القضاء علی هذا التقدیر واضح ، لکن الحکم بعدم وجوب الکفارة مشکل علی إطلاقه ، بل ینبغی القطع بالوجوب لو انکشف فساد الوهم وبقاء النهار ، کما أن الظاهر سقوطها وسقوط القضاء أیضا لو تبین دخول اللیل وقت الإفطار ، وإنما الإشکال مع استمرار الاشتباه فیمکن القول بالوجوب لأصالة بقاء النهار ، وعدمه للشک فی الموجب ، وهو الإفطار فی نهار رمضان ، وهو خیرة المنتهی (3) ، وعلی هذه الصورة یمکن حمل ( العبارة ) (4).

ویمکن أن یکون المراد بالوهم فی عبارة المصنف : الظن ، فإنه أحد معانیه ، لکن یشکل الحکم بوجوب القضاء معه وسقوطه مع غلبة الظن ، لانتفاء ما یدل علی هذا التفصیل من النص ، ولأن مراتب الظن غیر منضبطة ، إذ ما من ظن إلا وفوقه ما هو أقوی منه ودونه أدنی ، لاختلاف الأمارات

ص: 97


1- رجال الطوسی 351 - 4.
2- الاستبصار 2 : 116.
3- المنتهی 2 : 579.
4- فی « ض » ، « م » ، « ح » : عبارة المصنف.

وتعمد القی ء ، ولو ذرعه لم یفطر.

______________________________________________________

الموجبة له ، فالوقوف علی أول جزء من مراتبه لا یکاد یتحقق ، بل ولا علی ما فوقه.

وفرق الشهید فی بعض تحقیقاته علی هذا المحل بین الوهم والظن ، بأن المراد من الوهم ترجیح أحد الطرفین لا لأمارة شرعیة ، ومن الظن الترجیح لأمارة شرعیة. وهو مع غرابته غیر مستقیم ، لأن الظن المجوز للإفطار لا یفرق فیه بین الأسباب المثیرة (1) له ، بل مورد النصوص سقوط القضاء مع حصول الظن الذی سمّاه الشهید وهما. وکیف کان فالأمر فی العبارة هیّن إذا کان الحکم واضح المأخذ.

قوله : ( وتعمد القی ء ، ولو ذرعه لم یفطر ).

اختلف الأصحاب فی حکم تعمد القی ء للصائم بعد اتفاقهم علی أنه لو ذرعه - أی سبقه بغیر اختیاره - لم یفطر ، فذهب الشیخ وأکثر الأصحاب إلی أنه موجب للقضاء خاصة (2). وقال ابن إدریس : إنه محرم ولا یجب به قضاء ولا کفارة (3). وحکی السید المرتضی عن بعض علمائنا قولا بأنه موجب للقضاء والکفارة ، وعن بعضهم أنه ینقض الصوم ولا یبطله ، قال : وهو الأشبه (4). والمعتمد الأول.

لنا : علی انتفاء الکفارة التمسک بمقتضی الأصل ، وعلی وجوب القضاء ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا تقیأ الصائم فعلیه قضاء ذلک الیوم ، وإن ذرعه من غیر أن یتقیأ فلیتم صومه » (5).

ص: 98


1- فی « ض » : الممیزة.
2- النهایة : 155 ، والمبسوط 1 : 272.
3- السرائر : 88.
4- جمل العلم والعمل : 90.
5- التهذیب 4 : 264 - 790 ، الوسائل 7 : 61 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 29 ح 3.

والحقنة بالمائع.

______________________________________________________

وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا تقیأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غیر أن یتقیأ فلیتم صومه » (1).

وربما أمکن الاستدلال بهذه الروایة علی وجوب الکفارة أیضا ، لاقتضائها کون القی ء مفطرا ، ومن تعمد الإفطار لزمته الکفارة کما دلّت علیه الأخبار الکثیرة.

ویتوجه علیه ما سبق من أن المتبادر من الإفطار إفساد الصوم بالأکل والشرب فیجب الحمل علیه خاصة ، لأن اللفظ إنما یحمل علی حقیقته.

احتج ابن إدریس والمرتضی بأصالة البراءة من وجوب القضاء ، وبأن الصوم إمساک عما یصل إلی الجوف لا عما ینفصل عنها (2). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن میمون ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ثلاثة لا یفطرن الصائم : القی ء والاحتلام والحجامة » (3).

والجواب عن الأول بأن الأصل یرتفع بما ذکرناه من الأدلة. وعن الثانی بأنه اجتهاد فی مقابلة النص فلا یکون مسموعا. وعن الروایة بالحمل علی غیر العامد ، جمعا بین الأدلة.

قوله : ( والحقنة بالمائع ).

قد تقدم الکلام فی ذلک ، وأن الأظهر أنها لا توجب قضاء ولا کفارة وإن کانت محرمة (4).

ص: 99


1- الکافی 4 : 108 - 2 ، التهذیب 4 : 264 - 791 ، الوسائل 7 : 60 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 29 ح 1.
2- السرائر : 88.
3- التهذیب 4 : 260 - 775 ، الإستبصار 2 : 90 - 288 ، الوسائل 7 : 56 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 26 ح 11.
4- راجع ص 63.

ودخول الماء الحلق للتبرد دون التمضمض به للطهارة.

______________________________________________________

قوله : ( ودخول الماء للحلق للتبرد ، دون المضمضة به للطهارة ).

المراد أن من أدخل فمه الماء فابتلعه سهوا ، فإن کان متبردا فعلیه القضاء ، وإن کان للمضمضة به للطهارة فلا شی ء علیه. قال فی المنتهی : وهذا مذهب علمائنا (1) ، واستدل علیه بما رواه الشیخ عن سماعة ، قال : وسألته عن رجل عبث بالماء یتمضمض به من عطش فدخل حلقه ، قال : « علیه القضاء ، وإن کان فی وضوء فلا بأس » (2).

وعن یونس قال : الصائم فی شهر رمضان یستاک متی شاء (3) ، وإن تمضمض فی غیر وقت فریضة فدخل الماء حلقه فعلیه الإعادة (4).

وفی الروایتین ضعف من حیث السند (5) ، مع أن الشیخ - رحمه الله - روی فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الصائم یتوضأ للصلاة فیدخل الماء حلقه فقال : « إن کان وضوءه لصلاة فریضة فلیس علیه شی ء ، وإن کان وضوءه لصلاة نافلة فعلیه القضاء » (6) دلت الروایة علی وجوب القضاء إذا دخل الماء للحق من وضوء النافلة. ویستفاد منه وجوب القضاء إذا دخل من مضمضة التبرد أو العبث بطریق أولی. أما الکفارة فلا تثبت إلا مع تعمّد الازدراد قطعا.

ص: 100


1- المنتهی 2 : 579.
2- التهذیب 4 : 322 - 991 ، الوسائل 7 : 50 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 23 ح 4.
3- فی المصدر وهامش « م » زیادة : وإن تمضمض فی وقت فریضة فدخل الماء حلقه فلا شی ء علیه وقد تم صومه.
4- التهذیب 4 : 205 - 593 ، الإستبصار 2 : 94 - 304 ، الوسائل 7 : 49 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 23 ح 3.
5- أما الأولی فلأن راویها واقفی ، والثانیة فلأن فی طریقها سهل بن زیاد وهو ضعیف ، وهذا من کلام الراوی نفسه.
6- التهذیب 4 : 324 - 999 ، الوسائل 7 : 49 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 23 ح 1.

ومعاودة الجنب النوم ثانیا حتی یطلع الفجر ناویا للغسل.

______________________________________________________

وفی معنی دخول الماء من الوضوء الواجب دخوله من المضمضة للتداوی ، أو لإزالة النجاسة.

ولا یلحق بالمضمضة الاستنشاق فی هذا الحکم قطعا ، فلا یجب بما یسبق منه قضاء ولا کفارة ، بل لو قیل بأن تعمد إدخال الماء من الأنف غیر مفسد للصوم لم یکن بعیدا.

واعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب جواز المضمضة للصائم فی الوضوء وغیره ، بل قال فی المنتهی : ولو تمضمض لم یفطر بلا خلاف بین العلماء کافة سواء کان فی الطهارة أو غیرها (1).

وربما ظهر من کلام الشیخ فی الاستبصار عدم جواز المضمضة للتبرد ، فإنه روی عن زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی صائم یتمضمض ، قال : « لا یبلع ریقه حتی یبزق ثلاث مرات » (2) ثم قال ، قال محمد بن الحسن : هذا الخبر مختص بالمضمضة إذا کانت لأجل الصلاة ، فأما للتبرد فإنه لا یجوز علی حال ، یدل علی ذلک ما رواه محمد بن یعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن الریان بن الصلت ، عن یونس ، قال : الصائم فی شهر رمضان یستاک متی شاء ، وإن تمضمض فی وقت فریضة فدخل الماء حلقه فلا شی ء علیه ، والأفضل للصائم أن لا یتمضمض (3). وهذه الروایة لا تدل علی ما ذکره ، مع أنها ضعیفة جدا باشتمال سندها علی سهل بن زیاد ، وبأنها موقوفة علی یونس ، ولیس قوله حجة.

قوله : ( ومعاودة الجنب النوم ثانیا حتی یطلع الفجر ناویا للغسل ).

ص: 101


1- المنتهی 2 : 579.
2- الإستبصار 2 : 94 - 303 ، الوسائل 7 : 64 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 31 ح 1.
3- الاستبصار 2 : 94 ، والروایة فی : الکافی 4 : 107 - 4 ، التهذیب 4 : 205 - 593 ، الوسائل 7 : 49 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 23 ح 3.

ومن نظر إلی من یحرم علیه نظرها بشهوة فأمنی قیل : علیه القضاء ، وقیل : لا یجب ، وهو الأشبه. وکذا لو کانت محللة لم یجب.

فروع :

[ الأول ] : لو تمضمض متداویا أو طرح فی فیه خرزا أو غیره لغرض صحیح فسبق إلی حلقه لم یفسد صومه. ولو فعل ذلک عبثا ، قیل : علیه القضاء ، وقیل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

تدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یجنب من أول اللیل ثم ینام حتی یصبح فی شهر رمضان ، قال : « لیس علیه شی ء » قلت : فإنه استیقظ ثم نام حتی أصبح ، قال : « فلیقض ذلک الیوم عقوبة » (1).

وقول المصنف رحمه الله : ثانیا ، الظاهر أنه حال من المعاودة ، وهو إنما یصح إذا کانت جنابته من احتلام ، فلو قال : ونوم الجنب ثانیا حتی یطلع الفجر ، لکان أخصر وأظهر.

قوله : ( ومن نظر إلی من یحرم علیه نظرها بشهوة فأمنی ، قیل : علیه القضاء ، وقیل : لا یجب ، وهو الأشبه. وکذا لو کانت محللة لم یجب ).

الأصح عدم الوجوب إلا إذا کان معتادا للإمناء عقیب النظر وقصد ذلک فیجب القضاء والکفارة ، سواء کانت محرمة أو محللة.

قوله : ( فروع ، لو تمضمض متداویا أو طرح فی فمه خرزا أو غیره لغرض صحیح فسبق إلی حلقه لم یفسد صومه. ولو فعل ذلک عبثا ، قیل : علیه القضاء ، وقیل : لا ، وهو الأشبه ).

ص: 102


1- التهذیب 4 : 212 - 615 ، الإستبصار 2 : 87 - 271 ، الوسائل 7 : 41 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 15 ح 1.

الثانی : ما یخرج من بقایا الغذاء من بین أسنانه یحرم ابتلاعه للصائم ، فإن ابتلعه عمدا وجب علیه القضاء ، والأشبه القضاء والکفارة.

______________________________________________________

أما أنه لا یفسد صومه إذا کان وضع المفطر فی الفم لغرض صحیح فلا ریب فیه ، للإذن فی الفعل ، وعدم تعمد الازدراد. وإنما الکلام مع انتفاء الغرض ، فقیل : إنه کالأول ، لعین ما سبق (1) ، وقیل : یجب القضاء ، لفحوی ما دل علی وجوبه فی مضمضة التبرد ووضوء النافلة (2). وإنما جزم المصنف بوجوب القضاء فی دخول الماء للتبرد ورجح سقوطه فی طرح الخرز ونحوه لغیر غرض مع أن العابث أولی بالمؤاخذة لاختصاص الأول بالنص ومنع أولویة الحکم فی غیر الماء کما لا یخفی.

قوله : ( الثانی ، ما یخرج من بقایا الغذاء من بین أسنانه یحرم ابتلاعه للصائم ، فإن ابتلعه عمدا وجب علیه القضاء ، والأشبه القضاء والکفارة ).

القول بوجوب القضاء للشیخ فی الخلاف والمبسوط ولم یتعرض لوجوب الکفارة (3) ، وإنما کان الأشبه وجوب القضاء والکفارة ، لأنه تناول المفطر عامدا فساوی ما لو ازدرده من خارج.

ویمکن المناقشة فی فساد الصوم بذلک ، لعدم تسمیته أکلا ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل الصائم یقلس (4) فیخرج منه الشی ء أیفطره ذلک؟

ص: 103


1- قال به الأردبیلی فی مجمع الفائدة 5 : 117.
2- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 73.
3- الخلاف 1 : 381 ، والمبسوط 1 : 272.
4- القلس : ما خرج من الحلق مل ء الفم أو دونه ولیس بقی ء ، یقال : قلس الرجل یقلس قلسا وهو خروج القلس من حلقه - العین 5 : 78.

وفی السهو لا شی ء علیه.

الثالث : لا یفسد الصوم ما یصل إلی الجوف بغیر الحلق عدا الحقنة بالمائع وقیل : صبّ الدواء فی الإحلیل حتی یصل إلی الجوف یفسده ، وفیه تردد.

______________________________________________________

قال : « لا » قلت : فإن ازدرده بعد أن صار علی لسانه؟ قال : « لا یفطره ذلک » (1).

قوله : ( وفی السهو لا شی ء علیه ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین من قصّر فی التخلیل وغیره ، وقیل إن المقصر فی التخلیل لو ابتلع شیئا من الباقی ناسیا یجب علیه القضاء لتفریطه وتعرضه للإفطار. ومال إلیه الشارح قدس سره (2). وهو ضعیف.

قوله : ( وقیل صب الدواء فی الإحلیل حتی یصل إلی الجوف یفسده ، وفیه تردد ).

القول للشیخ فی المبسوط (3) ، وجماعة منهم العلامة فی المختلف (4) ، واستدل علیه بأنه قد أوصل إلی جوفه مفطرا بأحد المسلکین ، فإن المثانة تنفذ إلی الجوف فکان موجبا للإفطار کما فی الحقنة.

وقال الشیخ فی الخلاف : التقطیر فی الذکر لا یفطر (5). واختاره المصنف فی المعتبر ، واحتج بأن المثانة لیست موضعا للاغتذاء ، قال :

حکم صب الدواء فی الإحلیل

ص: 104


1- التهذیب 4 : 265 - 796 ، الوسائل 7 : 62 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 29 ح 9.
2- المسالک 1 : 73.
3- المبسوط 1 : 273.
4- المختلف : 221.
5- الخلاف 1 : 397.

الرابع : لا یفسد الصوم بابتلاع النخامة والبصاق ، ولو کان عمدا ما لم ینفصل عن الفم ، وما ینزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل وتعدی الحلق من غیر قصد لم یفسد الصوم ، ولو تعمّد ابتلاعه أفسد.

______________________________________________________

وقولهم للمثانة منفذا إلی الجوف ، قلنا : لا نسلم ، بل ربما کان ما یرد إلیها من الماء علی سبیل الترشح ، ولا یبطل الصوم بالأمر المحتمل (1). ولا ریب فی قوة هذا القول.

قوله : ( الرابع ، لا یفسد الصوم بابتلاع النخامة والبصاق ولو کان عمدا ما لم ینفصل عن الفم ، وما ینزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل وتعدی الحلق من غیر قصد لم یفسد الصوم ، ولو تعمد ابتلاعه أفسد ).

مقتضی العبارة أن النخامة مختصة بما یخرج من الصدر لعطف ما ینزل من الرأس علیها بالواو والمؤذن بالمغایرة. وأطلق جماعة من الأصحاب علیها اسم النخامة ، وهو المطابق للعرف.

وقد اختلف کلام الأصحاب فی حکمهما ، فجوز المصنف فی هذا الکتاب ابتلاع الأولی ما لم تنفصل عن الفم ، ومنع من ازدراد الثانیة وإن لم تصل إلی الفم. وحکم الشهیدان بالتسویة بینهما فی جواز الازدراد ما لم تصلا إلی فضاء الفم ، والمنع إذا صارتا فیه (2). وجزم المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی التذکرة والمنتهی بجواز اجتلاب النخامة من الصدر والرأس وابتلاعهما ما لم تنفصلا عن الفم (3). وهو المعتمد.

لنا : إن ذلک لا یسمی أکلا ولا شربا فکان سائغا ، تمسکا بمقتضی

حکم ابتلاع النخامة

ص: 105


1- المعتبر 2 : 661.
2- الشهید الأول فی الدروس : 74 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 73.
3- المعتبر 2 : 653 ، والتذکرة 1 : 256 ، والمنتهی 2 : 563.

______________________________________________________

الأصل السالم من المعارض.

ولنا أیضا : أن النخامة مساویة للریق فی عدم الوصول من خارج فوجب مساواتها له فی الحکم.

واستدل علیه فی المعتبر أیضا بأن ذلک لا ینفک منه الصائم إلا نادرا فوجب العفو عنه لعموم البلوی به (1). ویؤیده ما رواه الکلینی عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یزدرد الصائم نخامته » (2) وقد روی هذه الروایة الشیخ فی التهذیب ، عن أیوب بن نوح ، عن صفوان ، عن سعد بن أبی خلف ، قال : حدثنی غیاث عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یزدرد الصائم نخامته » (3) ولیس فی هذا السند من یتوقف فی شأنه سوی غیاث بن إبراهیم ، فإن النجاشی وثقه (4) ، لکن قال العلامة : إنه بتری (5). ولا یبعد أن یکون الأصل فیه کلام الکشی نقلا عن حمدویه ، عن بعض أشیاخه ، وذلک البعض مجهول فلا تعویل علی قوله.

ثم إن قلنا إن ذلک مفسد للصوم فالأصح أنه غیر موجب للکفارة ، لأنه الأصل ولا مخرج عنه.

وربما قیل بوجوب کفارة الجمع بذلک ، بناء علی تحریم ازدراد ذلک علی غیر الصائم (6). وهو مدفوع بالأصل وما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « من تنخع فی المسجد

ص: 106


1- المعتبر 2 : 653.
2- الکافی 4 : 115 - 1 ، الوسائل 7 : 77 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 39 ح 1.
3- التهذیب 4 : 323 - 995.
4- رجال النجاشی : 305 - 833.
5- خلاصة العلامة : 245.
6- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 73.

الخامس : ما له طعم کالعلک ، قیل : یفسد الصوم ، وقیل : لا یفسده ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

ثم ردها فی جوفه لم تمر بداء فی جوفه إلا أبرأته » (1).

قوله : ( الخامس ، ما له طعم کالعلک قیل : یفسد الصوم ، وقیل : لا یفسده ، وهو الأشبه ).

المراد أن ما له طعم إذا تغیر الریق بطعمه ولم ینفصل منه أجزاء فابتلع الصائم الریق المتغیر بطعمه ففی فساد الصوم به قولان :

أحدهما : الإفساد ، واستدل له فی المختلف بأن وجود الطعم فی الریق دلیل علی تخلل شی ء من أجزاء ذی الطعم فیه ، لاستحالة انتقال الأعراض ، فکان ابتلاعه مفطرا (2). وهو استدلال ضعیف ، لاحتمال الانفعال بالمجاورة کما ینفعل الماء والهواء بذلک. قال فی المنتهی : وقد قیل إن من لطّخ باطن قدمیه بالحنظل وجد طعمه ولا یفطره إجماعا (3).

ویمکن أن یستدل علی هذا القول أیضا بما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : « الصائم یمضغ العلک؟ قال : « لا » (4) ویشکل بأن أقصی ما تدل علیه الروایة التحریم ، أما الإفساد فلا ، والأجود حمل النهی علی الکراهة کما اختاره الشیخ فی المبسوط (5) وابن إدریس (6) وجماعة لما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن

حکم العلک للصائم

ص: 107


1- التهذیب 3 : 256 - 714 ، الإستبصار 1 : 442 - 1706 ، الوسائل 3 : 500 أبواب أحکام المساجد ب 20 ح 1.
2- المختلف : 222.
3- المنتهی 2 : 568.
4- الکافی 4 : 114 - 1 ، الوسائل 7 : 74 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 36 ح 2.
5- المبسوط 1 : 273.
6- السرائر : 88.

السادس : إذا طلع الفجر وفی فیه طعام لفظه ، ولو ابتلعه فسد صومه وعلیه مع القضاء الکفارة.

السابع : المنفرد برؤیة هلال شهر رمضان إذا أفطر علیه القضاء والکفارة.

______________________________________________________

محمد بن مسلم قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « یا محمد إیاک أن تمضغ علکا فإنی مضغت الیوم علکا وأنا صائم فوجدت فی نفسی منه شیئا » (1).

وما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصائم یمضغ العلک؟ فقال : « نعم إن شاء الله » (2).

قوله : ( السادس ، إذا طلع الفجر وفی فیه طعام لفظه ، ولو ابتلعه فسد صومه وعلیه مع القضاء الکفارة ).

هذا الحکم موضع وفاق بین العلماء ، ووجهه معلوم مما سبق.

قوله : ( السابع ، المنفرد برؤیة هلال شهر رمضان إذا أفطر علیه القضاء والکفارة ).

أجمع الأصحاب علی أن من انفرد برؤیة هلال شهر رمضان یجب علیه الصیام عدلا کان أو غیر عدل ، شهد عند الحاکم أو لم یشهد ، قبلت شهادته أو ردّت. وقال بعض العامة : لا یصوم إلا فی جماعة الناس (3). ولا ریب فی بطلانه.

ویترتب علی وجوب الصیام لزوم القضاء والکفارة مع الإفطار. وقال أبو حنیفة لا تجب الکفارة مع أنه حکم بوجوب الصوم ، لأن الکفارة عقوبة فلا

حکم المنفرد برؤیة الهلال

ص: 108


1- الکافی 4 : 114 - 2 ، الوسائل 7 : 73 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 36 ح 1.
2- التهذیب 4 : 324 - 1002 ، الوسائل 7 : 74 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 36 ح 3.
3- حکاه فی المغنی 3 : 96.

المسألة العاشرة : یجوز الجماع حتی یبقی لطلوع الفجر مقدار إیقاعه والغسل. ولو تیقن ضیق الوقت فواقع فسد صومه وعلیه الکفارة. ولو فعل ذلک ظانا سعته ، فإن کان مع المراعاة لم یکن علیه شی ء ، وإن أهمل فعلیه القضاء.

______________________________________________________

تجب بفعل مختلف فیه ، ولأنه لا یجب علی الجمیع فأشبه زمان القضاء (1). وبطلانهما ظاهر.

قوله : ( المسألة العاشرة ، یجوز الجماع حتی یبقی لطلوع الفجر مقدار إیقاعه والغسل ، ولو تیقن ضیق الوقت فواقع فسد صومه وعلیه الکفارة ).

لا ریب فی تحریم الجماع مع تیقن ضیق الوقت عن زمانه وزمان الغسل وفی فساد الصوم بذلک ، وإنما الکلام فی وجوب الکفارة ، وقد تقدم الکلام فیه ، ولا یخفی أن ذلک مفید بما إذا کان المکلف ذاکرا للصوم ، وإلا فلا شی ء علیه.

قوله : ( ولو فعل ذلک ظانا سعته ، فإن کان مع المراعاة لم یکن علیه شی ء ، وإن أهمل فعلیه القضاء ).

أما إنه لا شی ء علیه مع المراعاة فلا ریب فیه ، لأنه الأصل.

وأما وجوب القضاء مع الإهمال فربما کان لعدم تحقق الإمساک فی مجموع النهار فلا یتحقق به الامتثال.

ویتوجه علیه ما بیناه مرارا من أن فساد الأداء لا یستلزم وجوب القضاء.

ویمکن أن یستدل علیه أیضا بما دل علی وجوب القضاء بالأکل قبل المراعاة من باب التنبیه ، إلا أن ذلک یتوقف علی ثبوت التعلیل.

حکم الجماع لیلاً للصائم

ص: 109


1- حکاه فی المغنی 3 : 96.

الحادیة عشرة : تتکرر الکفارة بتکرر الموجب إذا کان فی یومین من صوم تتعلق به الکفارة. وإن کان فی یوم واحد ، قیل : تتکرر مطلقا ، وقیل : إن تخلّله التکفیر ، وقیل : لا تتکرر ، وهو الأشبه ، سواء کان من جنس واحد أو مختلفا.

______________________________________________________

قوله : ( الحادیة عشرة ، تتکرر الکفارة بتکرر الموجب إذا کان فی یومین من صوم تتعلق به الکفارة ، وإن کان فی یوم واحد قیل : تتکرر مطلقا ، وقیل : إن تخلله التکفیر ، وقیل : لا تتکرر ، وهو الأشبه ، سواء کان من جنس واحد أو مختلفا ).

أجمع الأصحاب علی تکرر الکفارة بتکرر الموجب إذا کان فی یومین أو أزید سواء کفّر عن الأول أو لم یکفّر ، حکاه فی المنتهی (1). وإنما الخلاف فی تکررها بتکرر الموجب فی الیوم الواحد ، فقال الشیخ فی المبسوط : لیس لأصحابنا فیه نص ، والذی یقتضیه مذهبنا أنه لا تتکرر الکفارة (2). واختاره ابن حمزة (3) ، وجماعة منهم المصنف فی کتبه الثلاثة (4).

وقال المرتضی رضی الله عنه : تتکرر بتکرر الوطء (5).

وقال ابن الجنید : إن کفّر عن الأول کفّر ثانیا ، وإلا کفّر کفارة واحدة عنهما (6).

وقال العلامة فی المختلف : الأقرب عندی إن تغایر جنس المفطر تعددت الکفارة ، سواء اتحد الزمان أو لا ، کفّر عن الأول أو لا ، وإن اتحد جنس المفطر فی یوم واحد فإن کفر عن الأول تعددت الکفارة ، وإلا فلا (7).

تکرر الکفارة بتکرر الموجب

ص: 110


1- المنتهی 2 : 580.
2- المبسوط 1 : 274.
3- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 684.
4- المعتبر 2 : 680 ، والشرائع 1 : 194 ، والمختصر النافع : 67.
5- حکاه عنهما فی المعتبر 2 : 680 ، والمختلف : 227.
6- حکاه عنهما فی المعتبر 2 : 680 ، والمختلف : 227.
7- المختلف : 227.

______________________________________________________

ورجح المحقق الشیخ علی فی حواشی الکتاب تکرر الکفارة بتکرر السبب مطلقا (1). قال الشارح قدس سره : وهو الأصح إن لم یکن قد سبق الإجماع علی خلافه. ثم قال : والأکل والشرب مختلفان ویتعددان بتعدد الازدراد (2). وهو بعید جدا.

والأصح ما اختاره المصنف من عدم التکرر مطلقا.

لنا : أن المقتضی لوجوب الکفارة تعمد الإفطار فی نهار رمضان ، وهو إنما یحصل بفعل ما یحصل به الفطر ویفسد به الصوم ، فلا یثبت فیما عداه ، عملا بمقتضی الأصل السلیم من المعارض.

ولا ینافی ذلک تعلیق الحکم علی الاستمناء والجماع فی صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج (3) ، لأن ذلک إنما ورد بصیغة الفعل المثبت وهو لا یفید العموم ، مع أن المتبادر فی هذا المقام من ذلک تعلق السؤال بالاستمناء والجماع الذی یحصل به الفطر ویفسد به الصوم الصحیح کما هو واضح.

ویؤیده إطلاق قوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان وقد سأله عن رجل أفطر فی شهر رمضان : « یعتق رقبة ، أو یصوم شهرین متتابعین ، أو یطعم ستین مسکینا » (4) من غیر استفصال عن تکرر الموجب وعدمه ، مع أن الأغلب تکرره مع الإفطار ، خصوصا علی ما ذکره الشارح من تعدده بتعدد الازدراد (5).

ص: 111


1- الکتاب غیر موجود. وهو موجود فی جامع المقاصد 1 : 153.
2- المسالک 1 : 73.
3- الکافی 4 : 102 - 4 ، التهذیب 4 : 206 - 597 ، الإستبصار 2 : 81 - 347 ، الوسائل 7 : 25 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 4 ح 1.
4- الکافی 4 : 101 - 1 ، الفقیه 1 : 72 - 308 ، التهذیب 4 : 205 - 594 ، الإستبصار 2 : 95 - 310 ، الوسائل 7 : 28 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 8 ح 1.
5- المسالک 1 : 73.

______________________________________________________

احتج القائلون بالتکرر مطلقا بأن الأصل اختلاف المسببات عند اختلاف الأسباب إلا ما وقع النص فیه علی التداخل ، وهو منفی هنا.

والجواب أولا إنا قد بیّنا أن السبب ما یحصل به الفطر ویفسد به الصوم ، وهو إنما یصدق علی الأول خاصة.

وثانیا إن هذه الأسباب من قبیل المعرفات فلا بعد فی اجتماعها علی مسبب واحد کما اعترف به الأصحاب فی تداخل الأغسال والغسلات المعتبرة فی التطهیر.

احتج العلامة فی المختلف علی التکرر مع تغایر الجنس بأن الکفارة تترتب علی کل واحد من المفطرات فمع الاجتماع لا یسقط الحکم وإلا لزم خروج الماهیة عن مقتضاها حالة انضمامها إلی غیرها فلا تکون تلک الماهیة هذا خلف.

قال : ویؤیده ما رواه عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن الصادق علیه السلام : فی رجل أفطر یوما من شهر رمضان متعمدا ، قال : « علیه خمسة عشر صاعا » (1) وفی الصحیح عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن الصادق علیه السلام : فی الرجل یعبث بأهله فی شهر رمضان حتی یمنی ، قال : « علیه من الکفارة مثل ما علی الذی یجامع » (2). إذا عرفت هذا فنقول : لو أفطر إنسان بأکل أو شرب أو جماع وجب علیه الکفارة بالحدیث الأول ، ولو عاد فعبث بأهله حتی أمنی وجب علیه الکفارة للحدیث الثانی ، فإنه دال علی إطلاق هذا الفعل ، ولأن إیجاب الکفارة یتعلق علی الجماع مطلقا وهو صادق علی المتأخر عن الإفطار صدقه فی المتقدم وماهیته واحدة

ص: 112


1- التهذیب 4 : 207 - 599 ، الإستبصار 2 : 96 - 312 ، الوسائل 7 : 31 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 8 ح 10.
2- المتقدم فی ص 77.

______________________________________________________

فیهما فیثبت الحکم المعلق علی مطلق الماهیة.

قال : وأما مع اتحاد الجنس فإن کفّر عن الأول تعددت الکفارة أیضا ، لأن الثانی جماع وقع فی زمان یجب الإمساک عنه فیترتب علیه وجوب الکفارة ، لأنها معلقة علی مطلق الجماع ، والثانی مساو للأول فی الماهیة ، وإذا کان موجبا للکفارة فإما أن تکون الکفارة الواجبة هی التی وجبت أولا فیلزم تحصیل الحاصل وهو محال ، وإن کانت غیرها ثبت المطلوب ، ویؤیده ما روی عن الرضا علیه السلام : « إن الکفارة تکرر بتکرر الوطء » (1) ، لا یقال : هذا أعم من أن یقع عقیب أداء الکفارة وعدمه ، لأنا نقول : المطلق لا عموم له ، وإلا لم یبق فرق بینه وبین العام. وأما إذا لم یکفّر عن الأول فلأن الحکم معلق علی الإفطار وهو أعم من المتحد والمتعدد ، والأصل براءة الذمة (2). هذا کلامه رحمه الله .

وجوابه معلوم مما قررناه ، فإن الکفارة إنما تترتب علی ما حصل به الفطر لا علی مطلق الأکل والشرب والجماع ونحوها ، مع أن ما ذکره أولا من أن المطلق لا عموم له مناف لما ذکره أولا من أن إیجاب الکفارة معلق علی الجماع مطلقا ، وهو صادق فی المتأخر عن الإفطار صدقه فی المتقدم وماهیته واحدة فیهما ، فیثبت الحکم المعلق علی مطلق الماهیة ، إذ مقتضی ذلک کون المطلق کالعام.

وقوله فی آخر کلامه : إن الحکم معلق علی الإفطار وهو أعم من المتحد والمتعدد ، غیر جید ، فإن الإفطار الذی هو إفساد الصوم إنما یستند إلی السبب الأول خاصة ، مع أن ما استدل به علی التکرر مع تخلل التکفیر یمکن إجراؤه فی هذه الصورة.

ص: 113


1- المختلف : 227 ، وعنه فی الوسائل 7 : 37 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 11 ح 3.
2- المختلف : 227.

فرع :

من فعل ما تجب به الکفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر أو حیض وشبهه ، قیل : تسقط الکفارة ، وقیل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

وبالجملة فکلامه - رحمه الله - فی هذه المسألة لا یخلو من تدافع ، والله أعلم.

قوله : ( فرع ، من فعل ما تجب به الکفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر أو حیض وشبهه قیل : تسقط الکفارة ، وقیل : لا ، وهو الأشبه ).

القول بعدم السقوط للشیخ - رحمه الله - فی الخلاف وأکثر الأصحاب ، وادعی علیه فی الخلاف إجماع الفرقة (1). واستدل علیه بأنه أفسد صوما واجبا من رمضان فاستقرت علیه الکفارة کما لو لم یطرأ العذر ، وبأنه أوجد المقتضی وهو الهتک والإفساد بالسبب الموجب للکفارة فیثبت الأثر ، والمعارض وهو العذر المسقط لفرض الصوم لا یصلح للمانعیة عملا بالأصل.

والقول بالسقوط حکاه المصنف وغیره ، واختاره العلامة فی جملة من کتبه ، واستدل علیه بأن هذا الیوم غیر واجب صومه علیه فی علم الله تعالی ، وقد انکشف لنا ذلک بتجدد العذر فلا تجب فیه الکفارة کما لو انکشف أنه من شوال بالبینة (2).

وذکر العلامة ومن تأخر عنه (3) أن مبنی المسألة علی قاعدة أصولیة ، وهی أن المکلّف إذا علم فوات شرط الفعل هل یجوز أن یکلّف به أم یمتنع؟ فعلی الأول تجب الکفارة ، وعلی الثانی تسقط.

وعندی فی هذا البناء نظر ، إذ لا منافاة بین الحکم بامتناع التکلیف

حکم من أفطر ثم سافر

ص: 114


1- الخلاف 1 : 400.
2- التذکرة 1 : 263 ، والمختلف : 227 ، والقواعد 1 : 65.
3- کفخر المحققین فی إیضاح الفوائد 1 : 230 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 74.

______________________________________________________

بالفعل مع علم الآمر بانتفاء الشرط کما هو الظاهر ، وبین الحکم بثبوت الکفارة هنا لتحقق الإفطار فی صوم واجب بحسب الظاهر کما هو واضح. والمسألة محل تردد وإن کان القول بعدم السقوط لا یخلو من قوة.

نعم لو انکشف بعد الإفطار کون ذلک الیوم من غیر شهر رمضان ، کما لو ثبت بالبینة أنه من شوال سقطت الکفارة قطعا ، لأن الکفارة إنما تتعلق بمن أفطر فی نهار شهر رمضان ، والمفروض کونه من شوال.

ویظهر من کلام العلامة فی مطولاته الثلاثة (1) والشارح - قدس سره (2) - أن سقوط الکفارة فی هذه الصورة لا خلاف فیه ، فإنهما استدلا علی سقوط الکفارة مع سقوط الفرض بسقوطها إذا انکشف کون ذلک الیوم من شوال بالبینة ، ومقتضی ذلک کون السقوط هنا مسلما عند الجمیع.

واعلم أن الظاهر أن موضع الخلاف ما إذا لم یکن المسقط من فعل المکلف ، بحیث یقصد به إسقاط الکفارة ، فإنها لا تسقط ، وإلا لزم إسقاط الکفارة عن کل مفطر باختیاره والإقدام علی المحرمات.

ویدل علیه أیضا ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « أیما رجل کان له مال وحال علیه الحول فإنه یزکیه » قلت له : فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو یومین؟ قال : « لیس علیه شی ء أبدا » وقال زرارة عنه إنه قال : « هذا بمنزلة رجل أفطر فی شهر رمضان یوما فی إقامته ثم خرج فی آخر النهار فی سفر فأراد بسفره ذلک إبطال الکفارة التی وجبت علیه » وقال : « إنه حین رأی الهلال الثانی عشر وجبت علیه الزکاة ، ولکنه لو وهبها قبل ذلک لجاز ولم یکن علیه شی ء بمنزلة من خرج ثم أفطر » (3).

ص: 115


1- التذکرة 1 : 264 ، والمنتهی 2 : 584 ، والمختلف : 227.
2- المسالک 1 : 74.
3- الکافی 3 : 525 - 4 ، الوسائل 6 : 111 أبواب زکاة الذهب والفضة ب 12 ح 2.

الثانیة عشرة : من أفطر فی شهر رمضان عالما عامدا عزّر مرة ، فإن عاد کذلک عزّر ثانیا ، فإن عاد قتل.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة عشرة ، من أفطر فی شهر رمضان عامدا عالما عزّر مرة ، فإن عاد کذلک عزّر ثانیا ، فإن عاد قتل ).

من أفطر فی شهر رمضان فإما أن یکون معتقدا للعصیان أو یکون مستحلا ، فإن کان معتقدا للعصیان عزّر ، فإن عاد عزر ، فإن عاد قتل فی الثالثة عند أکثر الأصحاب ، لروایة سماعة ، قال : سألته عن رجل أخذ فی شهر رمضان وقد أفطر ثلاث مرات وقد رفع إلی الإمام ثلاث مرات ، قال : « فلیقتل فی الثالثة » (1).

وقیل إنما یقتل فی الرابعة (2) ، لما رواه الشیخ مرسلا عنهم علیهم السلام : « إن أصحاب الکبائر یقتلون فی الرابعة » (3).

والروایتان ضعیفتا السند (4) ، لکن لا بأس بالمصیر إلی هذا القول اقتصارا فی التهجم علی الدماء علی موضع الیقین ، قال فی التذکرة : وإنما یقتل فی الثالثة أو الرابعة علی الخلاف لو رفع فی کل مرة إلی الإمام وعزر ، أما لو لم یرفع فإنه یجب علیه التعزیر خاصة ، وإن زاد علی الأربع (5). وهو حسن.

وإن کان مستحلا للإفطار فهو مرتد إن کان ممن عرف قواعد الإسلام وکان إفطاره بما علم تحریمه من دین الإسلام ضرورة کالأکل والشرب

تعزیر المفطر

ص: 116


1- الکافی 4 : 103 - 6 ، الفقیه 2 : 73 - 315 ، التهذیب 4 : 207 - 598 ، الوسائل 7 : 179 أبواب أحکام شهر رمضان ب 2 ح 2.
2- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 74.
3- المبسوط 1 : 129.
4- أما الأولی فلأن راویها واقفی ، وأما الثانیة فبالإرسال - راجع رجال الطوسی : 351.
5- التذکرة 1 : 265.

الثالثة عشرة : من وطئ زوجته فی شهر رمضان وهما صائمان مکرها لها کان علیه کفارتان ، ولا کفارة علیها.

______________________________________________________

والجماع ، ولو استحل غیر ذلک لم یکفر ، خلافا للحلبی (1).

ولو ادعی الشبهة الممکنة قبل منه ، وروی الشیخ فی الصحیح ، عن برید العجلی ، قال : سئل أبو جعفر علیه السلام عن رجل شهد علیه شهود أنه أفطر فی شهر رمضان ثلاثة أیام ، قال : « یسئل هل علیک فی إفطارک فی شهر رمضان إثم؟ فإن قال لا فإن علی الإمام أن یقتله ، وإن قال نعم فإن علی الإمام أن ینهکه ضربا » (2).

قوله : ( الثالثة عشرة ، من وطئ زوجته فی شهر رمضان وهما صائمان مکرها لها کان علیه کفارتان ، ولا کفارة علیها ).

الأصل فی هذه المسألة ما رواه الکلینی رضی الله عنه ، عن علی بن محمد بن بندار ، عن إبراهیم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الله بن حماد ، عن المفضل بن عمر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أتی امرأته وهو صائم وهی صائمة ، فقال : « إن استکرهها فعلیه کفارتان ، وإن کانت مطاوعة فعلیه کفارة وعلیها کفارة ، وإن کان أکرهها فعلیه ضرب خمسین سوطا نصف الحد ، وإن کانت طاوعته ضرب خمسة وعشرین سوطا ، وضربت خمسة وعشرین سوطا » (3).

قال المصنف فی المعتبر : وإبراهیم بن إسحاق هذا ضعیف متهم ، والمفضل بن عمر ضعیف جدا کما ذکره النجاشی ، وقال ابن بابویه : لم یرو هذه غیر المفضل ، فإذن الروایة فی غایة الضعف ، لکن علماؤنا ادعوا علی ذلک إجماع الإمامیة ، ومع ظهور القول بها ونسبة الفتوی إلی الأئمة

حکم من أکره امرأة علی الجماع

ص: 117


1- الکافی فی الفقه : 183.
2- التهذیب 4 : 215 - 624 ، الوسائل 7 : 178 أبواب أحکام شهر رمضان ب 2 ح 1.
3- الکافی 4 : 103 - 9 ، الوسائل 7 : 37 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 12 ح 1.

______________________________________________________

علیهم السلام یجب العمل بها. ونسبة الفتوی إلی الأئمة علیهم السلام باشتهارها بین ناقلی مذهبهم کما یعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباع مذاهبهم وإن أسندت فی الأصل إلی الضعفاء والمجاهیل (1). هذا کلامه رحمه الله وهو جید لو علم استناد الفتوی بذلک إلی الأئمة علیهم السلام کما علم بعض أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم ، لکنه غیر معلوم ، وإنما یتفق حصول هذا العلم فی آحاد المسائل کما یعلم بالوجدان.

ونقل عن ظاهر ابن أبی عقیل أنه أوجب علی الزوج مع الإکراه کفارة واحدة کما فی حال المطاوعة (2). وهو غیر بعید ، خصوصا علی ما ذهب إلیه الأکثر من عدم فساد صوم المرأة بذلک ، فینتفی المقتضی للتکفیر.

ولم یذکر المصنف تضاعف التعزیر علی الزوج بالإکراه ، وکان الأولی ذکره کما فعل فی المعتبر ، لوروده مع تعدد التکفیر فی الروایة (3).

وقد یجتمع فی الوطء الواحد الإکراه والمطاوعة ، ابتداء واستدامة ، فیلزمه حکمه ویلزمها حکمها. ولا فرق فی الزوجة بین الدائم والمستمتع بها.

وألحق الشیخ بالمکرهة النائمة (4) ، قال فی المعتبر : ونحن نساعده علی المکرهة وقوفا عند ما ادعاه من إجماع الإمامیة ، أما النائمة فلا ، لأن فی الإکراه نوعا من تهجم لیس موجودا فی النائمة ، ولأن ذلک ثبت علی خلاف الأصل ، فلا یلزم من ثبوت الحکم هناک لوجود الدلالة ثبوته هنا مع عدمها (5).

تفریع : لو وطأ المجنون زوجته وهی صائمة ، فإن طاوعته لزمتها

ص: 118


1- المعتبر 2 : 681.
2- حکاه عنه فی المختلف : 223.
3- المعتبر 2 : 681.
4- الخلاف 1 : 384.
5- المعتبر 2 : 682.

فإن طاوعته فسد صومها ، وعلی کل واحد منهما کفارة عن نفسه ، ویعزّر بخمسة وعشرین سوطا. وکذا لو کان الإکراه لأجنبیّة ، وقیل : لا یتحمل هنا ، وهو الأشبه.

الرابعة عشرة : کل من وجب علیه شهران متتابعان فعجز صام

______________________________________________________

الکفارة ، وإن أکرهها سقطت الکفارة عنهما. أما عنه فلعدم التکلیف. وأما عنها فللإکراه.

ولو أکره المسافر زوجته قیل : وجبت الکفارة علیه عنها لا عنه (1). واحتمل العلامة فی القواعد السقوط مطلقا ، لکونه مباحا له غیر مفطر لها (2). وربما لاح من هذا التعلیل إباحة الإکراه علی هذا الوجه ، وکأن وجهه انتفاء المقتضی للتحریم ، وهو فساد الصوم ، إذ المفروض أن صومها لا یفسد بذلک ، والأصح التحریم ، لأصالة عدم جواز إجبار المسلم علی غیر الحق الواجب علیه.

قوله : ( وکذا لو کان الإکراه لأجنبیة ، وقیل : لا یحتمل هنا. وهو الأشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف ، لاختصاص النص الوارد بالتحمل بالوطء المحلل ، فینتفی فی غیره. وقیل : یتحمل ، لأن الزنا أغلظ حکما من الوطء المحلل فالذنب فیه أفحش ، فیکون أولی بالمؤاخذة ، وإیجاب التکفیر نوع من المؤاخذة (3). وهو تعلیل ضعیف ، فإن الکفارة لتکفیر الذنب ، وقد یغلظ الذنب فلا تؤثر الکفارة فی عقابه تخفیفا ولا سقوطا ، کما فی قتل الصید عمدا ، فإنه لا کفارة فیه مع ثبوت الکفارة فی الخطأ.

قوله : ( الرابعة عشرة ، کل من وجب علیه شهران متتابعان فعجز

حکم من عجز عن صوم شهرین

ص: 119


1- قال به العلامة فی القواعد 1 : 66.
2- القواعد 1 : 66.
3- کما فی المختلف : 223.

ثمانیة عشر یوما ،

______________________________________________________

صام ثمانیة عشر یوما ).

إطلاق وجوب الشهرین یشمل ما لو وجبا بسبب کفارة أو نذر وما فی معناه ، وما لو وجبا فی الکفارة تعیینا أو تخییرا ، وهو مشکل علی إطلاقه. والمستند فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر وسماعة بن مهران ، قالا : سألنا أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یکون علیه صیام شهرین متتابعین فلم یقدر علی الصیام ، ولم یقدر علی العتق ، ولم یقدر علی الصدقة ، قال : « فلیصم ثمانیة عشر یوما عن کل عشرة مساکین ثلاثة أیام » (1) ومقتضاها الانتقال إلی الثمانیة عشر بعد العجز عن الخصال الثلاثة فی الکفارة ، لکنها ضعیفة السند باشتماله علی إسماعیل بن مرار ، وهو مجهول ، وعبد الجبار بن المبارک وقد ذکره العلامة فی الخلاصة ولم یورد فیه مدحا ولا قدحا (2) ، فلا یسوغ التعلق بها.

والأصح الانتقال بعد العجز عن الخصال الثلاثة فی الکفارة المخیرة إلی التصدق بالممکن ، کما اختاره ابن الجنید (3) والصدوق فی المقنع (4) ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أفطر فی شهر رمضان متعمدا یوما واحدا من غیر عذر ، قال : « یعتق نسمة ، أو یصوم شهرین متتابعین ، أو یطعم ستین مسکینا ، فإن لم یقدر تصدق بما یطیق » (5).

ص: 120


1- التهذیب 4 : 207 - 601 ، الإستبصار 2 : 97 - 314 ، الوسائل 7 : 279 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 9 ح 1.
2- رجال العلامة : 130.
3- حکاه عنه فی المختلف : 226.
4- المقنع : 61.
5- التهذیب 4 : 205 - 594 ، الإستبصار 2 : 95 - 310 ، الوسائل 7 : 28 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 8 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 4 : 101 - 1 ، والفقیه 2 : 72 - 308.

ولو عجز عن الصوم أصلا استغفر الله فهو کفارته.

______________________________________________________

وجمع الشهید فی الدروس بین الروایتین بالتخییر بین الأمرین (1) ، وبه قطع الشارح قدس سره (2) ، وهو جید لو تکافأ السندان ، لکن الأمر بخلاف ذلک.

وجعل العلامة فی المنتهی التصدق بالممکن بعد العجز عن صوم الثمانیة عشر (3). وهو بعید جدا.

وهل یشترط فی صوم الثمانیة عشر التتابع؟ قیل : لا ، لإطلاق الخبر (4). وقیل : نعم ، لأنه بدل من صوم یعتبر فیه التتابع فاعتبر فیه ذلک (5). والملازمة ممنوعة.

ولو تجددت القدرة بعد فعل البدل لم یجب الإتیان بالمبدل ، لتوجه الخطاب بفعل البدل فیحصل الامتثال بفعله.

ولو حصل العجز بعد صوم شهر احتمل وجوب تسعة ، لأن الثمانیة عشر بدل عن الشهرین فیکون نصفها بدلا عن الشهر ، والسقوط لصدق صیام الثمانیة عشر ، ووجوب ثمانیة عشر بعد العجز ، لأن الانتقال إلی البدل إنما یکون بعد العجز عن المبدل ، وما صامه أولا إنما یکون محسوبا من المبدل فلا یجزی عن البدل ، وهذا الاحتمال لا یخلو من قوة.

قوله : ( ولو عجز عن الصوم أصلا استغفر الله فهو کفارته ).

المراد أن من عجز عن صوم الثمانیة عشر ینتقل فرضه إلی الاستغفار ویکون کفارة له. وربما لاح من قوله : ولو عجز عن الصوم أصلا ، أنه یجب

ص: 121


1- الدروس : 74.
2- المسالک 1 : 74.
3- المنتهی 2 : 575.
4- کما فی المسالک 1 : 74.
5- قال به المفید فی المقنعة : 55 ، والشهید الأول فی الدروس : 74.

الخامسة عشرة : لو تبرع متبرع بالتکفیر عمن وجبت علیه الکفارة جاز ، لکن یراعی فی الصوم الوفاة.

______________________________________________________

الإتیان بالممکن من الصوم بعد العجز عن صوم الثمانیة عشر.

وهذا الحکم أعنی الانتقال مع العجز عن الصوم إلی الاستغفار مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل ظاهرهم أنه موضع وفاق. وتدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کل من عجز عن الکفارة التی تجب علیه [ من ] (1) صوم أو عتق أو صدقة فی یمین أو نذر أو قتل أو غیر ذلک مما یجب علی صاحبه فیه الکفارة فالاستغفار له کفارة ما خلا یمین الظهار » (2).

وعن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن شی ء من کفارة الیمین - إلی أن قال - قلت : فإنه عجز عن ذلک ، قال : « فلیستغفر الله عزّ وجلّ ولا یعود » (3) وفی الروایتین ضعف من حیث السند (4) ، وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک فی باب الکفارات إن شاء الله تعالی.

قوله : ( ولو تبرع متبرع بالتکفیر عمن وجبت علیه الکفارة جاز ، لکن یراعی فی الصوم الوفاة ).

الأصح عدم جواز التبرع بالتکفیر عن الحی مطلقا ، لأن الأمر بالتکفیر إنما توجه إلی فاعل الخطیئة فلا یحصل الامتثال بفعل غیره ، وقال الشیخ فی المبسوط : لو تبرع بالتکفیر عن الحی أجزأ (5). وإطلاق کلامه یقتضی عدم

جواز تبرع التکفیر عن المفطر.

ص: 122


1- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 8 : 16 - 50 ، الإستبصار 4 : 56 - 195 ، الوسائل 15 : 554 أبواب الکفارات ب 6 ح 1.
3- التهذیب 8 : 298 - 1104 ، الاستبصار 4 : 52 - 180 ، وفیه : عن أبی عبد الله علیه السلام ، الوسائل 15 : 562 أبواب الکفارات ب 12 ح 6.
4- أما الأولی فلاشتراک راویها بین الثقة والضعیف ، وأما الثانیة فلأن فی طریقها ابن فضال وابن بکیر وهما فطحیان.
5- المبسوط : 1 : 276.

______________________________________________________

الفرق فی ذلک بین الصوم وغیره ، واختاره فی المختلف ، واستدل علیه بأنه دین فضی عن المدیون فوجب أن تبرأ ذمته کما لو کان لأجنبی ، بل هنا أولی ، لأن حق الله تعالی مبنی علی التخفیف. (1) وهو قیاس محض ، والأولویة المدعاة ممنوعة ، فإن التکفیر نوع من العبادة ، ومن شأن العبادة أن لا تقبل النیابة.

وبالجملة فإسقاط الواجب بفعل من لم یتعلق به الوجوب یحتاج إلی دلیل.

أما المیت فالظاهر جواز التبرع عنه بالتکفیر مطلقا ، لإطلاق الروایات المتضمنة لانتفاعه بما یلحقه من الطاعات ، کروایة حماد بن عثمان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إن الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وکل عمل صالح ینفع المیت ، حتی أن المیت لیکون فی ضیق فیوسع علیه ، ویقال : هذا بعمل ابنک فلان ، وبعمل أخیک فلان ، أخوه فی الدین » (2).

وروایة عمر بن یزید قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « من عمل من المؤمنین عن میت عملا صالحا أضعف الله أجره وینعم المیت بذلک » (3).

وروایة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یقضی عن المیت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن » (4) وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة (5).

ص: 123


1- المختلف : 227.
2- الذکری : 74 ، الوسائل 5 : 368 أبواب قضاء الصلاة ب 12 ح 15. ونقله عن کتاب غیاث سلطان الوری أیضا.
3- الذکری : 75 ، الوسائل 5 : 369 أبواب قضاء الصلاة ب 12 ح 25. ونقله عن کتاب غیاث سلطان الوری أیضا.
4- الذکری : 74 ، الوسائل 5 : 369 أبواب قضاء الصلاة ب 12 ح 23. ونقله عن کتاب غیاث سلطان الوری أیضا.
5- الوسائل 5 : 365 أبواب قضاء الصلاة ب 12.

المقصد الثالث : فیما یکره للصائم

وهو تسعة أشیاء :

النساء تقبیلا ولمسا وملاعبة

______________________________________________________

قوله : ( المقصد الثالث ، فیما یکره للصائم ، وهو تسعة أشیاء : النساء تقبیلا ولمسا وملاعبة ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین من یحرّک اللمس ونحوه شهوته وغیره ، والأصح اختصاص الکراهة بالأول ، کما اختاره المصنف فی المعتبر ، والعلامة فی التذکرة (1) ، وجماعة ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه کصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن رجل یمس من المرأة شیئا ، أیفسد ذلک صومه أو ینقضه؟ فقال : « إن ذلک یکره للرجل الشاب مخافة أن یسبقه المنی » (2).

وصحیحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : إنه سئل هل یباشر الصائم أو یقبّل فی شهر رمضان؟ فقال : « إنی أخاف علیه فلیتنزه عن ذلک ، إلا أن یثق أن لا یسبقه منیه » (3).

وصحیحة منصور بن حازم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی الصائم یقبّل الجاریة والمرأة؟ فقال : « أما الشیخ الکبیر مثلی ومثلک فلا بأس ، وأما الشاب الشبق فلا ، إنه لا یؤمن ، والقبلة إحدی الشهوتین » قلت : فما تری فی مثلی تکون له الجاریة فیلاعبها؟ فقال : « إنک لشبق یا أبا حازم ، کیف طعمک؟ قلت : إن شبعت أضرنی ، وإن جعت

ما یکره للصائم

کراهة النساء للصائم

ص: 124


1- المعتبر 2 : 663 ، والتذکرة 1 : 264.
2- الکافی 4 : 104 - 1 ، الوسائل 7 : 68 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 33 ح 1.
3- التهذیب 4 : 271 - 821 ، الإستبصار 2 : 82 - 251 ، الوسائل 7 : 70 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 33 ح 13.

والاکتحال بما فیه صبر أو مسک

______________________________________________________

أضعفنی ، قال : « کذلک أنا فکیف أنت والنساء؟ قلت : لا شی ء ، قال : « ولکنی یا أبا حازم ما أشاء شیئا أن یکون ذلک منی إلا فعلت » (1).

قوله : ( والاکتحال بما فیه صبر أو مسک ).

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد ، عن أحدهما علیهماالسلام : إنه سئل عن المرأة تکتحل وهی صائمة فقال : « إذا لم یکن کحلا تجد له طعما فی حلقها فلا بأس » (2).

ومقتضی الروایة کراهة الاکتحال بکل ما له طعم یصل إلی الحلق ، وبه قطع العلامة فی التذکرة والمنتهی (3) ، وهو کذلک.

بل لا یبعد کراهة الاکتحال مطلقا ، لما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن سعد بن سعد الأشعری ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال سألته عمن یصیبه الرمد فی شهر رمضان ، هل یذر عینیه بالنهار وهو صائم؟ قال : « یذرها إذا أفطر ، ولا یذرها وهو صائم » (4).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یکتحل وهو صائم فقال : « لا ، إنی أتخوف أن یدخل رأسه » (5). ویستفاد من هذا التعلیل کون النهی للکراهة لا للتحریم.

ویدل علی جواز الاکتحال صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الصائم یکتحل فقال :

کراهة الاکتحال للصائم

ص: 125


1- الکافی 4 : 104 - 3 ، الوسائل 7 : 68 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 33 ح 3.
2- التهذیب 4 : 259 - 771 ، الإستبصار 2 : 90 - 284 ، الوسائل 7 : 52 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 25 ح 52.
3- التذکرة 1 : 265 ، والمنتهی 2 : 582.
4- الکافی 4 : 111 - 2 ، الوسائل 7 : 52 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 25 ح 3.
5- التهذیب 4 : 259 - 769 ، الإستبصار 2 : 89 - 282 ، الوسائل 7 : 53 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 25 ح 9.

وإخراج الدم المضعف

______________________________________________________

« لا بأس به ، لیس بطعام ولا شراب » (1).

وفی الصحیح عن عبد الحمید بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بالکحل للصائم » (2).

وعن عبد الله بن أبی یعفور ، قال : « سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الکحل للصائم فقال : « لا بأس به ، إنه لیس بطعام یؤکل » (3).

وعن الحسین بن أبی غندر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : اکتحل بکحل فیه مسک وأنا صائم؟ قال : « لا بأس به » (4).

قوله : ( وإخراج الدم المضعف ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین أن یکون إخراجه بفصد أو حجامة أو غیرهما ، وبهذا التعمیم صرح فی المعتبر (5) ، ونحوه قال فی المنتهی ، وقال : إن ذلک لیس محظورا عند علمائنا أجمع (6).

والمستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن سعید الأعرج ، قال : « سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصائم یحتجم فقال : « لا بأس إلا

کراهة اخراج الدم المضعف

ص: 126


1- التهذیب 4 : 258 - 765 ، الإستبصار 2 : 89 - 278 ، الوسائل 7 : 51 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 25 ح 1.
2- التهذیب 4 : 259 - 767 ، الإستبصار 2 : 89 - 280 ، الوسائل 7 : 53 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 25 ح 7.
3- التهذیب 4 : 258 - 766 ، الإستبصار 2 : 89 - 279 ، الوسائل 7 : 52 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 25 ح 6.
4- التهذیب 4 : 260 - 772 ، الإستبصار 2 : 90 - 285 ، الوسائل 7 : 53 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 25 ح 11.
5- المعتبر 2 : 664.
6- المنتهی 2 : 582.

ودخول الحمّام کذلک.

______________________________________________________

أن یتخوف علی نفسه الضعف » (1).

وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصائم أیحتجم؟ فقال : « إنی أتخوف علیه ، أما یتخوف علی نفسه؟! » قلت : ماذا یتخوف علیه؟ قال : « الغشیان أو تثور به مرة » قلت : أرأیت إن قوی علی ذلک ولم یخش شیئا؟ قال : « نعم إن شاء الله » (2).

وفی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یحتجم الصائم إلا فی رمضان ، فإنی أکره أن یغرر بنفسه إلا أن لا یخاف علی نفسه ، وإنا إذا أردنا الحجامة فی رمضان احتجمنا لیلا » (3) وهذه الروایات کما تری مختصة بالحجامة ، إلا أن مقتضی التعلیل تعدیة الحکم إلی غیرها مما شارکها فی المعنی.

قوله : ( ودخول الحمام کذلک ).

أی یکره مع خوف الضعف ، لما لا یؤمن معه من الضرر أو التعرض للإفطار.

ویدل علیه أیضا ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یدخل الحمام وهو صائم فقال : « لا بأس ما لم یخش ضعفا » (4).

کراهة دخول الحمام للصائم

ص: 127


1- التهذیب 4 : 260 - 774 ، الإستبصار 2 : 90 - 287 ، الوسائل 7 : 56 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 26 ح 10.
2- الکافی 4 : 109 - 1 ، الفقیه 2 : 68 - 287 ، التهذیب 4 : 261 - 777 ، الإستبصار 2 : 91 - 290 ، الوسائل 7 : 54 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 26 ح 1.
3- التهذیب 4 : 260 - 776 ، الإستبصار 2 : 91 - 289 ، الوسائل 7 : 56 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 26 ح 12.
4- الکافی 4 : 109 - 3 ، الوسائل 7 : 57 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 27 ح 1.

السّعوط بما لا یتعدی الحلق ،

______________________________________________________

قوله : ( والسعوط بما لا یتعدی الحلق ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من کراهة التسعط بما لا یتعدی الحلق أشهر الأقوال فی المسألة وأوضحها ، لفحوی ما دل علی کراهة الاکتحال بما له طعم یصل إلی الحلق ، وما رواه الشیخ ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال : « لا بأس بالکحل للصائم ، وکره السعوط للصائم » (1).

وعن لیث المرادی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصائم یصب فی أذنه الدهن ، قال : « لا بأس إلا السعوط فإنه یکره » (2).

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ولا یجوز للصائم أن یتسعط (3). والروایتان قاصرتان عن إفادة ذلک.

ونقل عن المفید (4) وسلار (5) أنهما أوجبا به القضاء والکفارة. واحتج لهما فی المختلف بأنه أوصل إلی الدماغ المفطر فکان علیه القضاء والکفارة ، لأن الدماغ جوف (6). وهو احتجاج ضعیف ، لأنا نمنع کون مطلق الإیصال إلی مطلق الجوف مفسدا ، بل المفسد الإیصال إلی المعدة بما یسمی أکلا وشربا.

وقال الشیخ فی التهذیب : وأما السعوط فلیس فی شی ء من الأخبار أنه یلزم المتسعط الکفارة ، وإنما وردت مورد الکراهة (7).

کراهة السعوط للصائم

ص: 128


1- التهذیب 4 : 214 - 622 ، الوسائل 7 : 28 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 7 ح 3.
2- الکافی 4 : 110 - 4 ، التهذیب 4 : 204 - 592 ، الوسائل 7 : 50 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 24 ح 3 وفیه : یحتجم ویصب.
3- الفقیه 2 : 69.
4- المقنعة : 54.
5- المراسم : 98.
6- المختلف : 221.
7- التهذیب 4 : 214.

وشمّ الریاحین ، ویتأکد فی النرجس

______________________________________________________

وربما ظهر من قول المصنف : والسعوط بما لا یتعدی الحلق ، المنع من السعوط بالمتعدی ، وبه قطع الشیخ (1) وجماعة ، ونص العلامة (2) ومن تأخر عنه (3) علی أن تعمده یوجب القضاء والکفارة. واحتج علیه فی المختلف بأنه أوصل إلی جوفه المفطر متعمدا فکان علیه القضاء والکفارة کما لو وصل إلی حلقه بفمه (4). ویمکن المناقشة فیه بانتفاء ما یدل علی کون مطلق الإیصال مفسد کما بیناه مرارا.

قوله : ( وشم الریاحین ، ویتأکد فی النرجس ).

أما کراهة شم الریاحین للصائم - والمراد بها کل نبت طیب الریح کما نص علیه أهل اللغة (5) - فقال فی المنتهی إنه قول علمائنا أجمع (6) ، ویدل علیه ما رواه الشیخ ، عن الحسن بن راشد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الصائم یشم الریحان قال : « لا » (7). وعن الحسن الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصائم یلبس الثوب المبلول فقال : « لا ، ولا یشم الریحان » (8).

وأما تأکد الکراهة فی النرجس فیدل علیه ما رواه الکلینی رضی الله عنه ، عن محمد بن الفیض ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام ینهی عن

کراهة شم الریاحین للصائم

ص: 129


1- المبسوط 1 : 272.
2- المختلف : 221.
3- کالشهید الأول فی الدروس : 73.
4- المختلف : 221.
5- کالفیروزآبادی فی القاموس المحیط 1 : 232 ، وابن الأثیر فی النهایة 2 : 288.
6- المنتهی 2 : 583.
7- التهذیب 4 : 267 - 807 ، الإستبصار 2 : 93 - 301 ، الوسائل 7 : 65 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 7.
8- التهذیب 4 : 267 - 806 ، الإستبصار 2 : 93 - 300 ، الوسائل 7 : 66 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 13.

______________________________________________________

النرجس للصائم فقلت : جعلت فداک لم ذاک؟ فقال : « لأنه ریحان الأعاجم » (1).

قال الکلینی رضی الله عنه : وأخبرنی بعض أصحابنا أن الأعاجم کانت تشمه إذا صامت وقال : إنه یمسک الجوع (2).

وعلل المفید فی المقنعة کراهة النرجس بوجه آخر ، وهو أن ملوک العجم کان لهم یوم معین یصومونه ویکثرون فیه شم النرجس ، فنهوا علیهم السلام عن ذلک خلافا لهم (3).

وألحق العلامة فی المنتهی (4) بالنرجس المسک ، لشدة رائحته ، ولما رواه الشیخ ، عن غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال : « إن علیا علیه السلام کره المسک أن یتطیب به الصائم » (5).

واعلم أن هذه الروایات کلها قاصرة من حیث السند ، وبإزائها أخبار کثیرة معتبرة الإسناد ، دالة بظاهرها علی انتفاء الکراهة ، کصحیحة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الصائم یشم الریحان والطیب ، قال : « لا بأس » (6).

وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الصائم یشم الریحان أم لا تری له ذلک؟ فقال :

ص: 130


1- الکافی 4 : 112 - 2 ، الوسائل 7 : 65 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 4.
2- الکافی 4 : 112 - 2 ، الوسائل 7 : 65 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 5.
3- المقنعة : 56.
4- المنتهی 2 : 583.
5- التهذیب 4 : 266 - 801 ، الوسائل 7 : 65 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 6.
6- الکافی 4 : 113 - 4 ، التهذیب 4 : 266 - 800 ، الإستبصار 2 : 92 - 296 ، الوسائل 7 : 64 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 1.

الاحتقان بالجامد. وبل الثوب علی الجسد.

______________________________________________________

« لا بأس » (1).

وروایة سعد بن سعد ، قال : کتب رجل إلی أبی الحسن علیه السلام : هل یشم الصائم الریحان یتلذذ به؟ فقال علیه السلام : « لا بأس به » (2).

ولا یکره للصائم شم الطیب قطعا ، بل روی الکلینی عن الحسن بن راشد أنه قال : کان أبو عبد الله علیه السلام إذا صام تطیب بالطیب ویقول : « الطیب تحفة الصائم » (3).

وروی ابن بابویه مرسلا عن الصادق علیه السلام : إنه سئل عن المحرم یشم الریحان؟ قال : « لا » قیل : فالصائم؟ قال « لا » قیل : یشم الصائم الغالیة والدخنة؟ قال : « نعم » قیل : کیف حل له أن یشم الطیب ولا یشم الریحان؟ قال : « لأن الطیب سنة والریحان بدعة للصائم » (4).

قوله : ( وبلّ الثوب علی الجسد ).

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ ، عن الحسن بن راشد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الحائض تقضی الصلاة؟ قال : « لا » قلت : تقضی الصوم؟ قال : « نعم » قلت : من أین جاء هذا؟ قال : « أول من قاس إبلیس » قلت : فالصائم یستنقع فی الماء؟ قال : « نعم » قلت : فیبل ثوبا علی جسده؟ قال : « لا » قلت : من أین جاء هذا؟ قال : « من ذاک » (5).

کراهة بل الثوب للصائم

ص: 131


1- التهذیب 4 : 266 - 802 ، الإستبصار 2 : 93 - 297 ، الوسائل 7 : 65 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 8.
2- التهذیب 4 : 266 - 803 ، الإستبصار 2 : 93 - 298 ، الوسائل 7 : 66 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 10.
3- الکافی 4 : 113 - 3 ، الوسائل 7 : 64 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 3.
4- الفقیه 2 : 71 - 302 ، الوسائل 7 : 66 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 14.
5- التهذیب 4 : 267 - 807 ، الإستبصار 2 : 93 - 301 ، الوسائل 7 : 23 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 3 ح 5.

وجلوس المرأة فی الماء.

______________________________________________________

وعن الحسن الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصائم یلبس الثوب المبلول فقال : « لا » (1).

وعن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا تلزق ثوبک وهو رطب وأنت صائم حتی تعصره » (2).

قال فی المنتهی (3) : وهذا النهی نهی تنزیه لا نهی تحریم ، عملا بالأصل المقتضی للإباحة ، وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الصائم یستنقع فی الماء ، ویصب علی رأسه ، ویتبرد بالثوب ، وینضح المروحة ، وینضح البوریا تحته ، ولا یغمس رأسه فی الماء » (4).

وهذه الروایة غیر صریحة فی إباحة بلّ الثوب علی الجسد ، لکن الروایات المتضمنة للنهی کلها ضعیفة السند ، فغایة ما یمکن إثباته بها الکراهة.

قوله : ( وجلوس المرأة فی الماء ).

لما رواه الشیخ ، عن حنان بن سدیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الصائم یستنقع فی الماء ، قال : « لا بأس ، ولکن لا یغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع فی الماء لأنها تحمله بقبلها » (5).

قال فی المعتبر : وحنان المذکور واقفی ، لکن روایته حسنة مشهورة

کراهة جلول الصائمة فی الماء.

ص: 132


1- التهذیب 4 : 267 - 806 ، الإستبصار 2 : 93 - 300 ، الوسائل 7 : 66 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 32 ح 13.
2- الکافی 4 : 106 - 4 ، الوسائل 7 : 23 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 3 ح 3.
3- المنتهی 2 : 584.
4- التهذیب 4 : 262 - 785 ، الإستبصار 2 : 91 - 292 ، الوسائل 7 : 22 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 3 ح 2.
5- التهذیب 4 : 263 - 789 ، الوسائل 7 : 23 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 3 ح 6.

______________________________________________________

فتحمل علی الکراهة کما اختاره الشیخان (1) (2).

وقال أبو الصلاح : إذا جلست المرأة فی الماء إلی وسطها لزمها القضاء (3). ونقل عن ابن البراج أنه أوجب الکفارة أیضا بذلک (4). وهما ضعیفان.

وألحق الشهید فی اللمعة بالمرأة الخنثی والخصی الممسوح ، لمساواتهما لها فی العلة (5).

ص: 133


1- المعتبر 2 : 667.
2- المفید فی المقنعة : 56 ، والشیخ فی المبسوط 1 : 274.
3- الکافی فی الفقه : 183.
4- المهذب 1 : 192.
5- اللمعة : 60.

الرکن الثالث

الزمان الذی یصح فیه الصوم

وهو النهار دون اللیل ، ولو نذر الصیام لیلا لم ینعقد. وکذا لو ضمّه إلی النهار.

______________________________________________________

قوله : ( الرکن الثالث ، الزمان الذی یصح فیه الصوم ، وهو النهار دون اللیل ، ولو نذر الصیام لیلا لم ینعقد ).

أما اختصاص الصوم بالنهار دون اللیل فقال فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه بین المسلمین (1) ، والأدلة علیه من الکتاب والسنة کثیرة.

وأما إنه لا ینعقد نذر صوم اللیل فواضح بعد ثبوت اختصاص الصوم بالنهار ، لأن اللیل إذا لم یکن محلا للصوم فلا یکون الإمساک فیه عبادة مطلوبة للشارع فلا ینعقد نذره.

وکما لا ینعقد نذر صوم اللیل منفردا کذا لا ینعقد منضما إلی النهار ، لأنه لا یصح صومه بانفراده فلا یصح منضما إلی غیره ، قال فی التذکرة : ولا ینعقد نذر صوم النهار حینئذ ، لأن المجموع لا ینعقد نذرره ، لأنه معصیة ، فلا ینعقد نذر بعضه (2). وهو حسن.

ظرف الصوم

تعین النهار للصوم

ص: 134


1- المنتهی 2 : 587.
2- التذکرة 1 : 268.

ولا یصحّ صوم العیدین ، ولو نذر صومهما لم ینعقد.

ولو نذر یوما معینا فاتفق أحد العیدین لم یصحّ صومه. وهل یجب قضاؤه؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یصح صوم العیدین ، ولو نذر صومهما لم ینعقد ).

أما تحریم صوم العیدین وعدم صحة صومهما فقال المصنف فی المعتبر : إنه اتفاق فقهاء الإسلام (1).

وأما أنه لا ینعقد نذره فهو قول علمائنا وأکثر العامة (2) ، لأنه معصیة فلا یکون نذره سائغا. وقال بعضهم : ینعقد نذره وعلیه قضاؤه ولو صامه أجزأ عن النذر ویسقط القضاء (3). ولا ریب فی بطلانه.

قوله : ( ولو نذر یوما معیّنا فاتفق أحد العیدین لم یصح صومه ، وهل یجب قضاؤه؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه ).

القولان للشیخ رحمه الله ، أولهما فی النهایة وموضع من المبسوط (4) ، وتبعه ابن حمزة (5) ، ونقل عن الصدوق أیضا (6). والثانی فی موضع آخر من المبسوط (7) ، واختاره ابن البراج (8) ، وأبو الصلاح (9) ، وابن إدریس (10).

عدم صحة صوم العیدین

ص: 135


1- المعتبر 2 : 712.
2- منهم المزنی فی مختصره : 298 ، وابن حجر فی فتح الباری 4 : 194.
3- نقله عن أبی حنیفة فی بدائع الصنائع 2 : 80.
4- النهایة : 163 ، والمبسوط 2 : 281.
5- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 684.
6- المقنع : 137.
7- المبسوط 2 : 282.
8- المهذب 1 : 198.
9- الکافی فی الفقه : 185.
10- السرائر : 90.

______________________________________________________

وربما استند الشیخ فی وجوب القضاء إلی ما رواه فی التهذیب ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن القاسم بن أبی القاسم الصیقل : إنه کتب إلیه : یا سیدی رجل نذر أن یصوم یوما من الجمعة دائما ما بقی فوافق ذلک الیوم یوم عید فطر أو أضحی أو أیام التشریق أو سفر أو مرض ، هل علیه صوم ذلک الیوم أو قضاؤه أو کیف یصنع یا سیدی؟ فکتب إلیه قد وضع الله عنک الصیام فی هذه الأیام کلها ، وتصوم یوما بدل یوم إن شاء الله » (1).

وعن محمد بن یعقوب ، عن أبی علی الأشعری ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن علی بن مهزیار ، قال : وکتب إلیه - یعنی أبا الحسن علیه السلام - : یا سیدی رجل نذر أن یصوم یوما من الجمعة دائما ما بقی فوافق ذلک الیوم یوم عید فطر أو أضحی أو یوم جمعة أو أیام التشریق أو سفرا أو مرضا ، هل علیه صوم ذلک الیوم أو قضاؤه أو کیف یصنع یا سیدی؟ فکتب إلیه : « قد وضع الله الصیام فی هذه الأیام کلها ، ویصوم یوما بدل یوم إن شاء الله » (2).

ویمکن المناقشة فی الروایة الأولی من حیث السند بجهالة الکاتب والمکتوب إلیه.

وفی الثانیة من حیث المتن باقتضائها ما أجمع الأصحاب علی خلافه من مساواة یوم الجمعة لیومی العیدین فی تحریم الصوم.

وأجاب عنهما فخر المحققین بالحمل علی الاستحباب ، لأن القضاء لو کان واجبا لم یعلقه بالمشیة بلفظ إن ، لأن أن یختص بالمحتمل لا

ص: 136


1- التهذیب 4 : 234 - 686 ، الوسائل 7 : 383 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 1 ح 6.
2- الکافی 7 : 456 - 12 ، التهذیب 8 : 305 - 1135 ، الوسائل 16 : 233 أبواب النذر والعهد ب 10 ح 1.

وکذا البحث فی أیام التشریق لمن کان بمنی.

______________________________________________________

المتحقق (1). وهو ضعیف إذ من المعلوم أن هذا التعلیق للتبرک لا للشک ، مع أن المندوب مساو للواجب فی مشیة الله تعالی له. والمسألة محل تردد ، ولا ریب أن القضاء أولی وأحوط.

قوله : ( وکذا البحث فی أیام التشریق لمن کان بمنی ).

المراد بأیام التشریق : الیوم الحادی عشر والثانی عشر والثالث عشر من ذی الحجة ، سمّیت بذلک لأن لحوم الأضاحی تشرّق فیها أی تقدّد ، أو لأن الهدی لا ینحر حتی تشرق الشمس ، ذکرهما فی القاموس (2).

وقد نقل المصنف فی المعتبر وغیره إجماع علمائنا علی تحریم صومها لمن کان بمنی (3) ، فیکون حکمها حکم یومی العیدین فی الأحکام المتقدمة.

عدم صحة صوم أیام التشریق

ص: 137


1- إیضاح الفوائد 4 : 58.
2- القاموس المحیط 3 : 258.
3- المعتبر 2 : 713.

الرکن الرّابع

من یصح منه الصوم

وهو العاقل المسلم ، فلا یصحّ صوم الکافر وإن وجب علیه ، ولا المجنون.

______________________________________________________

قوله : ( الرابع ، من یصح منه : وهو العاقل المسلم ، فلا یصح صوم الکافر وإن وجب علیه ، ولا المجنون ).

أما إنه لا یصح صوم الکافر بأنواعه فلا ریب فیه ، بل الأصح اعتبار الإیمان أیضا ، لما بیناه فیما سبق من بطلان عبادة المخالف وإن فرض استجماعها لشرائط الصحة عندنا عدا الولایة.

وأما إنه لا یصح صوم المجنون ، فلأن التکلیف یسقط مع زوال العقل وجوبا وندبا فلا یکون صومه مأمورا به ، فتنتفی الصحة ، لأنها عبارة عن موافقة الأمر.

وقد نص العلامة (1) وغیره (2) علی أن الجنون إذا عرض فی أثناء النهار لحظة واحدة أبطل صوم ذلک الیوم.

ونقل عن ظاهر الشیخ فی الخلاف أنه ساوی بینه وبین الإغماء فی الصحة مع سبق النیة (3). ولا یخلو من قرب.

من یصح منه الصوم

عدم صحة صوم الکافر والمجنون

ص: 138


1- التذکرة 1 : 266.
2- کالشهید الأول فی الدروس : 71.
3- الخلاف 1 : 392.

ولا المغمی علیه ، وقیل : إذا سبقت من المغمی علیه النیّة کان بحکم الصائم ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولا المغمی علیه ، وقیل : إذا سبقت من المغمی علیه النیة کان بحکم الصائم ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی صوم المغمی علیه ، فذهب الأکثر إلی أنه یفسد بحصول الإغماء فی جزء من أجزاء النهار کالجنون.

وقال المفید فی المقنعة : فإن استهل علیه الشهر وهو یعقل فنوی صیامه وعزم علیه ثم أغمی علیه وقد صام شیئا منه أو لم یصم ثم أفاق بعد ذلک فلا قضاء علیه ، لأنه فی حکم الصائم ، بالنیة والعزیمة علی أداء الفرض (1).

ونحوه قال الشیخ فی الخلاف (2).

وجزم المصنف (3) والعلامة (4) بالأول ، واحتج علیه فی المنتهی بأنه بزوال عقله یسقط التکلیف عنه وجوبا وندبا فلا یصح منه الصوم مع سقوطه ، وبأن کلما أفسد الصوم إذا وجد فی جمیعه أفسده إذا وجد فی بعضه کالجنون والحیض.

وبأن سقوط القضاء یستلزم سقوط الأداء فی الصوم ، والأول ثابت علی ما یأتی فیتحقق الثانی.

صحة صوم المغمی علیه

ص: 139


1- المقنعة : 56.
2- الخلاف 1 : 391.
3- المعتبر 2 : 696.
4- التذکرة 1 : 267 ، والمنتهی 2 : 585.

ویصحّ صوم الصبیّ الممیّز ، والنائم إذا سبقت منه النیّة ، ولو استمر إلی اللیل.

______________________________________________________

ویتوجه علی الأول المنع من الملازمة ، فإن النائم غیر مکلف قطعا ، مع أن صومه لا یفسد بذلک إجماعا.

وعلی الثانی المنع من کون الإغماء فی جمیع النهار مفسدا للصوم مع سبق النیة ، بل ذلک محل النزاع فکیف یجعل دلیلا؟!

وعلی الثالث إن سقوط القضاء یجامع صحة الأداء وفساده ، کما أن وجوبه یجامع وجوب الأداء وعدمه ، لأنه فرض مستأنف فیتوقف علی الدلیل وینتفی بانتفائه ، فلا یکون فی سقوط القضاء دلالة علی سقوط الأداء.

والحق أن الصوم إن کان عبارة عن مجرد الإمساک عن الأمور المخصوصة مع النیة کما هو المستفاد من العمومات وجب الحکم بصحة صوم المغمی علیه إذا سبقت منه النیة کما اختاره الشیخان.

وإن اعتبر مع ذلک وقوعه بجمیع أجزائه علی وجه الوجوب أو الندب بحیث یکون کل جزء من أجزائه موصوفا بذلک اتجه القول بفساد ذلک الجزء الواقع فی حال الإغماء ، لأنه لا یوصف بوجوب ولا ندب ، ویلزم من فساده فساد الکل ، لأن الصوم لا یتبعض ، إلا أن ذلک منفی بالأصل ، ومنقوض بالنائم ، فإنه غیر مکلف قطعا ، مع أن صومه لا یفسد بذلک إجماعا.

قوله : ( ویصح صوم الصبی الممیز ، والنائم إذا سبقت منه النیة ، ولو استمر إلی اللیل ).

أما صحة صوم الصبی الممیز بمعنی استحقاق الثواب به ودخوله فی

صحة صوم الصبی

ص: 140

______________________________________________________

قسم الصائمین فقد تقدم الکلام فیه (1) ، وأن ذلک إنما یتم علی القول بأن عبادته شرعیة ، وأن ما ذکره الشارح من أن الصحة لا تستلزم کون صومه شرعیا ، لأنها من باب خطاب الوضع ، وهو لا یتوقف علی التکلیف (2) ، غیر جید.

وأما صحة صوم النائم إذا سبقت منه النیة وإن استمر نومه فی مجموع النهار فعلیه اتفاق العلماء ، لتحقق الصوم الذی هو عبارة عن الإمساک عن تعمد فعل المفطر مع النیة.

ویدل علی أن النوم غیر مناف للصوم مضافا إلی الإجماع القطعی روایات کثیرة ، منها قول النبی صلی الله علیه و آله : « الصائم فی عبادة وإن کان نائما علی فراشه ما لم یغتب مسلما » (3) وقول الصادق علیه السلام : « نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبیح ، وعمله متقبل ، ودعاؤه مستجاب » (4) وقول الکاظم علیه السلام : « قیلوا فإن الله تبارک وتعالی یطعم الصائم ویسقیه فی منامه » (5) إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة.

وقال ابن إدریس : النائم غیر مکلف بالصوم ولیس صومه شرعیا (6). ومراده أن الإمساک فی حال النوم لا یوصف بوجوب ولا ندب فلا یوصف بالصحة ، لکنه بحکم الصحیح فی استحقاق الثواب علیه ، للإجماع القطعی علی أن النوم لا یبطل الصوم.

ص: 141


1- راجع ص 41.
2- المسالک 1 : 70.
3- الکافی 4 : 64 - 9 ، الفقیه 2 : 44 - 197 ، التهذیب 4 : 190 - 538 ، المقنعة : 49 ، الوسائل 7 : 98 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 3.
4- الکافی 4 : 64 - 12 أورد صدر الحدیث ، الفقیه 2 : 46 - 207 ، التهذیب 4 : 190 - 540. أورد صدر الحدیث ، الوسائل 7 : 292 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 17.
5- الکافی 4 : 65 - 14 ، الفقیه 2 : 46 - 206 ، الوسائل 7 : 98 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 1.
6- السرائر : 82.

______________________________________________________

وغلّطه العلامة فی المختلف فی ذلک قائلا : إنه بحکم الصائم وإنه لا یسقط عنه التکلیف بنومه لزوال عذره سریعا (1).

وذکر الشارح - قدس سره - نحو ذلک ثم قال : إن تکلیف النائم والغافل وغیرهما ممن یفقد شروط التکلیف قد ینظر فیه من حیث الابتداء به ، بمعنی توجه الخطاب إلی المکلف بالفعل وأمره بإیقاعه علی الوجه المأمور به بعد الخطاب ، وقد ینظر فیه من حیث الاستدامة بمعنی أنه لو شرع فی الفعل قبل النوم والغفلة وغیرهما ثم عرض له ذلک فی الأثناء ، والقسم الأول لا إشکال فی امتناع التکلیف به عند المانع من تکلیف ما لا یطاق من غیر فرق بین أنواع الغفلة ، وهذا هو المعنی الذی أطلق الأکثر من الأصولیین وغیرهم امتناعه ، کما یرشد إلی ذلک دلیلهم علیه وإن أطلقوا الکلام فیه ، لأنهم احتجوا علیه بأن الإتیان بالفعل المعین لغرض امتثال الأمر یقتضی العلم به المستلزم للعلم بتوجه الأمر نحوه ، فإن هذا الدلیل غیر قائم فی أثناء العبادة فی کثیر من الموارد إجماعا ، إذ لا تتوقف صحتها علی توجه الذهن إلیها فضلا عن إیقاعها علی الوجه المطلوب کما سنبینه ، وأما الثانی فالعارض قد یکون مخرجا عن أهلیة الخطاب والتهیؤ له أصلا کالجنون والإغماء علی أصح القولین ، وهذا یمنع استدامة التکلیف کما یمنع ابتداءه ، وقد لا یخرج عن ذلک کالنوم والسهو والنسیان مع بقاء التعقل ، وهذه المعانی وإن منعت من ابتداء التکلیف بالفعل لکن لا تمنع استدامته إذا وقع علی وجهه (2) ، هذا کلامه رحمه الله وهو غیر جید ، فإن کلام الأصولیین مطلق فی امتناع تکلیف الغافل ، وکذا الدلیل الذی عوّلت علیه الإمامیة فی امتناع ذلک من کونه قبیحا عقلا لجریانه مجری تکلیف البهائم والجمادات صریح فی سقوط التکالیف کلها عنه ، وکذا حدیث رفع القلم.

ص: 142


1- المختلف : 228.
2- المسالک 1 : 75.

ولو لم یعقد صومه بالنیّة مع وجوبه ثم طلع الفجر علیه نائما واستمر حتی زالت الشمس فعلیه القضاء.

ولا یصحّ صوم الحائض ولا النفساء ، سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر.

______________________________________________________

وبالجملة فالمستفاد من الأدلة العقلیة والنقلیة عدم تکلیف الغافل بوجه. وأنه لا فرق بین المجنون والمغمی علیه والنائم فی ذلک ، لاشتراک الجمیع فی تحقق الغفلة المقتضیة لقبح التکلیف معها ، سواء فی ذلک الابتداء والاستدامة ، علی أن اللازم من کون النائم مکلفا بالاستدامة کونه آثما بالإخلال بها وهو باطل ضرورة.

وکیف کان فلا ضرورة إلی ما ارتکبه الشارح - قدس سره - من التکلف فی هذا المقام بعد ثبوت عدم منافاة النوم للصوم بالنص والإجماع (1).

قوله : ( ولو لم ینعقد صومه بالنیة مع وجوبه ثم طلع الفجر علیه نائما واستمر حتی زالت الشمس فعلیه القضاء ).

لا ریب فی وجوب القضاء ، لفساد الأداء بفوات النیة التی هی شرط فیه ، ولا تجب الکفارة بذلک ، بل الأصح عدم وجوب الکفارة بتعمد الترک أیضا ، وإن أثم بذلک ووجب القضاء کما بیناه فیما سبق.

قوله : ( ولا یصح صوم الحائض والنفساء ، سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر ).

هذا موضع وفاق بین العلماء ، قاله فی المعتبر (2) ، وتدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عیص بن القاسم البجلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة طمثت فی شهر رمضان

عدم صحة صوم الحائض

ص: 143


1- المسالک 1 : 74.
2- المعتبر 2 : 683.

ویصحّ من المستحاضة إذا فعلت ما یجب علیها من الأغسال أو الغسل.

______________________________________________________

قبل أن تغیب الشمس قال : « تفطر حین تطمث » (1).

وفی الحسن عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو کان العشاء حاضت ، أتفطر؟ قال : « نعم ، وإن کان قبل المغرب فلتفطر » وسألته عن امرأة رأت الطهر أول النهار فی شهر رمضان فتغتسل ولم تطعم کیف تصنع فی ذلک الیوم؟ قال :« تفطر ذلک الیوم ، قال : « تطر ذلک الیوم ، فإنما إفطارها من الدم » (2). وما رواه ابن بابویه عن أبی الصباح عن أبی عبد الله علیه السلام : فی امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو کان العشاء حاضت أفطر؟ قال : « نعم ، وإن کان قبل المغرب فلتفطر » وعن امرأة تری الطهر فی أول النهار فی شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم کیف تصنع بذلک الیوم؟ قال : « إنما فطرها من الدم » (3).

وفی الصحیح عن عبد الرحمن بن الحجاج : إنه سأل أبا الحسن علیه السلام عن المرأة تلد بعد العصر ، أتتم ذلک الیوم أم تفطر؟ فقال : « تفطر ثم تقضی ذلک الیوم » (4).

قوله : ( ویصح من المستحاضة إذا فعلت ما یجب علیها من الأغسال أو الغسل ).

لا ریب فی صحة صومها مع إتیانها بما یجب علیها من الأغسال فی

صحة صوم المستحاضة

ص: 144


1- التهذیب 1 : 393 - 1215 ، الإستبصار 1 : 145 - 498 ، الوسائل 7 : 163 أبواب من یصح منه الصوم ب 25 ح 2.
2- الکافی 4 : 135 - 2 ، التهذیب 4 : 311 - 939 ، الوسائل 7 : 162 أبواب من یصح منه الصوم ب 25 ح 1.
3- الفقیه 2 : 94 - 418 ، الوسائل 7 : 162 أبواب من یصح منه الصوم ب 25 ح 1.
4- الکافی 4 : 135 - 4 ، الفقیه 2 : 94 - 421 ، الوسائل 7 : 164 أبواب من یصح منه الصوم ب 26 ح 1.

ولا یصحّ الصوم الواجب من مسافر یلزمه التقصیر ، إلا ثلاثة أیام فی بدل الهدی ، والثمانیة عشر یوما فی بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا ، والنذر المشترط سفرا وحضرا علی قول مشهور.

______________________________________________________

الکثیرة ، أو الغسل الواحد لصلاة الصبح فی المتوسطة ، وإنما الکلام فی بطلان صومها إذا أخلت بذلک ، وقد تقدم الکلام فیه مفصلا (1).

قوله : ( ولا یصح الصوم الواجب من مسافر یلزمه التقصیر ، إلا ثلاثة أیام فی بدل الهدی ، والثمانیة عشر فی بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا ، والنذر المشروط سفرا وحضرا ، علی قول مشهور ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم صحة الصوم الواجب من المسافر الذی یلزمه التقصیر إلا فی بدل الهدی والبدنة والنذر المقید بالسفر والحضر مذهب أکثر الأصحاب.

وحکی المصنف فی المعتبر عن المفید قولا بجواز صوم ما عدا شهر رمضان من الواجبات فی السفر (2). وکأنه فی غیر المقنعة ، فإن مذهبه فیها موافق للمشهور (3). والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار المستفیضة کصحیحة صفوان بن یحیی ، عن أبی الحسن علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یسافر فی شهر رمضان فیصوم فقال : « لیس من البر الصیام فی السفر » (4) والعبرة بعموم الجواب لا بخصوص السؤال.

وصحیحة عمار بن مروان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته

عدم صحة صوم المسافر

ص: 145


1- راجع ج 2 ص 38.
2- المعتبر 2 : 685.
3- المقنعة : 55.
4- التهذیب 4 : 217 - 632 ، الوسائل 7 : 125 أبواب من یصح منه الصوم ب 1 ح 10.

______________________________________________________

یقول : « من سافر قصر وأفطر إلا أن یکون رجلا سفره إلی صید ، أو فی معصیة الله ، أو رسولا لمن یعصی الله عزّ وجلّ ، أو طلب عدو وشحناء وسعایة ، أو ضرر علی قوم مسلمین » (1).

وروایة أبان بن تغلب ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : خیار أمتی الذین إذا سافروا أفطروا وقصّروا ، وإذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساؤا استغفروا » (2).

وموثقة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فیمن ظاهر فی شعبان ولم یجد ما یعتق : « ینتظر حتی یصوم رمضان ثم یصوم شهرین متتابعین ، وإن ظاهر وهو مسافر أفطر حتی یقدم » (3).

وموثقة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إن أمی کانت جعلت علیها نذرا إن ردّ الله علیها بعض ولدها من شی ء کانت تخافه علیه أن تصوم ذلک الیوم الذی یقدم فیه ما بقیت ، فخرجت معنا مسافرة إلی مکة فأشکل علینا لمکان النذر ، أتصوم أم تفطر؟ فقال : « لا تصوم وضع الله عزّ وجلّ عنها حقه ، وتصوم هی ما جعلت علی نفسها » قلت : فما تری إذا هی رجعت إلی المنزل أتقضیه؟ قال : « لا » قلت : أفتترک ذلک؟ قال : « لا ، إنی أخاف أن تری فی الذی نذرت فیه ما تکره » (4).

وموثقة کرام قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی جعلت علی نفسی أن أصوم حتی یقوم القائم فقال : « صم ولا تصم فی السفر ، ولا

ص: 146


1- الکافی 4 : 129 - 3 ، التهذیب 4 : 119 - 640 ، الوسائل 5 : 509 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.
2- الکافی 4 : 127 - 4 ، الفقیه 2 : 91 - 408 ، الوسائل 7 : 124 أبواب من یصح منه الصوم ب 1 ح 6.
3- التهذیب 4 : 232 - 681 ، الوسائل 7 : 138 أبواب من یصح منه الصوم ب 9 ح 1.
4- الکافی 4 : 143 - 10 ، التهذیب 4 : 234 - 687 ، الإستبصار 2 : 101 - 329 ، الوسائل 7 : 139 أبواب من یصح منه الصوم ب 10 ح 3.

______________________________________________________

العیدین ، ولا أیام التشریق ، ولا الیوم الذی یشک فیه من شهر رمضان » (1).

وموثقة عمار الساباطی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقول : لله علیّ أن أصوم شهرا أو أکثر من ذلک أو أقل فیعرض له أمر لا بد أن یسافر ، یصوم وهو مسافر؟ قال : « إذا سافر فلیفطر ، لأنه لا یحل له الصوم فی السفر ، فریضة کان أو غیره ، والصوم فی السفر معصیة » (2).

وروایة عقبة بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل مرض فی شهر رمضان فلما برأ أراد الحج فکیف یصنع بقضاء الصوم؟ فقال : « إذا رجع فلیقضه » (3).

وروایة سماعة ، قال : سألته عن الصیام فی السفر ، قال : « لا صیام فی السفر ، قد صام أناس علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فسماهم العصاة ، فلا صیام فی السفر إلا الثلاثة الأیام التی قال عزّ وجلّ فی الحج » (4).

وروایة محمد بن حکیم ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لو أن رجلا مات صائما فی السفر ما صلیت علیه » (5).

وهذه الأخبار مع کثرتها سلیمة من المعارض موافقة لفتوی الأصحاب فیتعین العمل بها.

ص: 147


1- الکافی 4 : 141 - 1 ، التهذیب 4 : 233 - 683 ، الإستبصار 2 : 100 - 325 ، الوسائل 7 : 141 أبواب من یصح منه الصوم ب 1 ح 9.
2- التهذیب 4 : 328 - 1022 ، الوسائل 7 : 141 أبواب من یصح منه الصوم ب 10 ح 8.
3- الکافی 4 : 121 - 6 ، الفقیه 2 : 95 - 425 ، التهذیب 4 : 276 - 834 ، الإستبصار 2 : 120 - 388 ، الوسائل 7 : 137 أبواب من یصح منه الصوم ب 8 ح 2.
4- التهذیب 4 : 230 - 677 ، الوسائل 7 : 142 أبواب من یصح منه الصوم ب 11 ح 1.
5- الکافی 4 : 128 - 7 ، الفقیه 2 : 91 - 405 ، التهذیب 4 : 217 - 629 ، الوسائل 7 : 125 أبواب من یصح منه الصوم ب 1 ح 9.

______________________________________________________

وقد استثنی الأصحاب من المنع من صوم الواجب سفرا مواضع :

أحدها : صوم ثلاثة أیام فی بدل الهدی ، لإطلاق قوله عزّ وجلّ :

( فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ ) (1) وخصوص صحیحة رفاعة بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام الواردة فی صوم هذه الأیام حیث قال فیها ، قلت : یصوم وهو مسافر؟ قال : « نعم ، ألیس هو یوم عرفة مسافرا؟ إنا أهل بیت نقول ذلک لقول الله عزّ وجلّ ( فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ ) » (2).

وثانیها : صوم ثمانیة عشر یوما لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا عالما وعجز عن الفداء وهو بدنة ، لما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن ضریس ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغیب الشمس ، قال : « علیه بدنة ینحرها یوم النحر ، فإن لم یقدر صام ثمانیة عشر یوما بمکة ، أو فی الطریق ، أو فی أهله » (3).

وثالثها : من نذر یوما معینا وشرط فی نذره أن یصومه سفرا أو حضرا ، ذهب إلیه الشیخان (4) وأتباعهما (5) ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یجعل لله علیه صوم یوم مسمی ، قال : « یصومه أبدا فی السفر والحضر » (6) فإنه حمل هذه الروایة علی من نذر یوما وشرط علی نفسه أن

ص: 148


1- البقرة : 196.
2- الکافی 4 : 506 - 1 ، التهذیب 5 : 38 - 114 ، الوسائل 10 : 155 أبواب الذبح ب 46 ح 1.
3- الکافی 4 : 467 - 4 ، الوسائل 10 : 30 أبواب إحرام الحج ب 23 ح 3.
4- المفید فی المقنعة : 55 ، والشیخ فی النهایة : 163.
5- منهم ابن البراج فی المهذب 1 : 194 ، وابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 685 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 572.
6- التهذیب 4 : 235 - 688 ، الوسائل 7 : 141 أبواب من یصح منه الصوم ب 10 ح 7.

______________________________________________________

یصومه فی السفر والحضر. واستدل علی هذا التأویل بما رواه عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد وعبد الله بن محمد ، عن علی بن مهزیار ، قال : کتب إلیه بندار مولی إدریس : یا سیدی نذرت أن أصوم کل یوم سبت ، وإن أنا لم أصمه ما یلزمنی من الکفارة؟ فکتب وقرأته : « لا تترکه إلا من علة ، ولیس علیک صومه فی سفر ولا مرض إلا أن تکون نویت ذلک ، وإن کنت أفطرت من غیر علة فتصدق بقدر کل یوم لسبعة مساکین ، نسأل الله التوفیق لما یحب ویرضی » (1).

قال المصنف فی المعتبر : ولمکان ضعف هذه الروایة جعلناه قولا مشهورا (2). وکأن وجه ضعفها الإضمار واشتمالها علی ما لم یقل به أحد من وجوب الصوم فی المرض إذا نوی ذلک ، وإلا فهی صحیحة السند ولا تضر جهالة الکاتب ، لأن مقتضی الروایة أخبار علی بن مهزیار بقراءة المکتوب. والمسألة محل إشکال ، والاحتیاط یقتضی عدم التعرض لإیقاع هذا النذر.

ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - أنه استثنی من المنع من صوم الواجب سفرا مطلق الصوم المنذور إذا علق بوقت معین فحضر وهو مسافر(3). وتدل علی ما ذکره روایة إبراهیم بن عبد الحمید المتقدمة ، لکنها ضعیفة جدا (4) ، ومعارضة بغیرها مما هو أجود منها سندا وأوضح دلالة ، والله أعلم.

ص: 149


1- التهذیب 4 : 235 - 689 ، الإستبصار 2 : 102 - 331 ، الوسائل 7 : 139 أبواب من یصح منه الصوم ب 10 ح 1.
2- المعتبر 2 : 684.
3- جمل العلم والعمل : 92 قال : والصوم الواجب مع السفر صوم ثلاثة أیام لدم المتعة من جملة العشرة وصوم النذر إذا علق بسفر وحضر.
4- لوقوع محمد بن أبی الصباح الکنانی وعلی بن الحسن بن فضال فی طریقها والأول مجهول والثانی فطحی.

وهل یصوم مندوبا؟ قیل لا ، وقیل : نعم ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وهل یصوم مندوبا؟ قیل : لا ، وقیل : نعم ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب فی صیام التطوع فی السفر ، فقال المفید رحمه الله : لا یجوز ذلک إلا ثلاثة أیام للحاجة عند قبر النبی صلی الله علیه و آله ، أو فی مشهد من مشاهد الأئمة علیهم السلام (1).

وقال الشیخ فی النهایة : ویکره صیام النوافل فی السفر علی کل حال ، وقد وردت روایة فی جواز ذلک فمن عمل بها لم یکن مأثوما ، إلا أن الأحوط ما قدمناه (2).

وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : فأما صوم التطوع فی السفر فقد قال الصادق علیه السلام : « لیس من البر الصوم فی السفر » (3).

وقال فی المقنع : لا یصوم فی السفر تطوعا ولا فرضا ، واستثنیا من التطوع صوم ثلاثة أیام للحاجة فی مسجد النبی صلی الله علیه و آله ، وصوم الاعتکاف فی المساجد الأربعة (4).

وقال سلار : لا یصوم المسافر تطوعا ولا فرضا إلا ثلاثة أیام بدل المتعة ، وصوم یوم النذر إذا علقه بوقت حضر فی السفر ، وصوم الثلاثة الأیام للحاجة (5).

والأصح المنع من التطوع مطلقا إلا ثلاثة أیام للحاجة عند قبر النبی صلی الله علیه و آله خاصة.

حکم الصوم المندوب فی السفر

ص: 150


1- المقنعة : 55.
2- النهایة : 162.
3- الفقیه 2 : 92 - 411 ، الوسائل 7 : 126 أبواب من یصح منه الصوم ب 1 ح 11.
4- المقنع : 63.
5- المراسم : 97 وفیه : لدم بدل کلمة بدل.

______________________________________________________

لنا : الأخبار المستفیضة ، کقول أبی الحسن علیه السلام فی صحیحة صفوان بن یحیی : « لیس من البر الصیام فی السفر » (1) وقول أبی عبد الله علیه السلام فی صحیحة عمار بن مروان : « من سافر قصر وأفطر » (2) وهما متناولتان بإطلاقهما لصوم الفریضة والنافلة.

وصحیحة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لم یکن رسول الله صلی الله علیه و آله یصوم فی السفر فی شهر رمضان ولا غیره » (3).

وصحیحة أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الصیام بمکة والمدینة ونحن سفر (4) قال : « فریضة؟ » فقلت : لا ، ولکنه تطوع کما یتطوع بالصلاة فقال : « تقول الیوم وغدا؟ » قلت : نعم فقال : « لا تصم » (5).

قال الشیخ فی التهذیب بعد أن أورد هذه الروایات : ولو خلینا وظاهر هذه الأخبار لقلنا إن صوم التطوع فی السفر محظور کما أن صوم الفریضة محظور ، غیر أنه قد ورد فیه من الرخصة ما نقلنا عن الحظر إلی الکراهة (6).

ثم أورد فی ذلک روایتین ، روی إحداهما بطریق فیه عدة من الضعفاء والمجاهیل عن إسماعیل بن سهل ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : خرج أبو عبد الله علیه السلام من المدینة فی أیام بقین

ص: 151


1- التهذیب 4 : 217 - 632 ، الوسائل 7 : 125 أبواب من یصح منه الصوم ب 1 ح 10.
2- الفقیه 2 : 92 - 409 ، التهذیب 4 : 219 - 640 ، الوسائل 5 : 509 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.
3- التهذیب 4 : 235 - 691 ، الإستبصار 2 : 102 - 333 ، الوسائل 7 : 143 أبواب من یصح منه الصوم ب 11 ح 4.
4- فی « ح » والمصدر : فی سفر ، وقال فی القاموس 2 : 50 وقوم سفر ، ضد الحضر.
5- التهذیب 4 : 235 - 690 ، الإستبصار 2 : 102 - 332 ، الوسائل 7 : 144 أبواب من یصح منه الصوم ب 12 ح 2.
6- التهذیب 4 : 236.

______________________________________________________

من شعبان فکان یصوم ثم دخل علیه شهر رمضان وهو فی السفر فأفطر ، فقیل له أتصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟! فقال : « نعم ، شعبان إلیّ إن شئت صمته وإن شئت لا ، وشهر رمضان عزم من الله عزّ وجلّ علی الإفطار » (1).

والثانیة رواها بطریق ضعیف جدا عن الحسن بن بسام الجمال ، عن رجل قال : کنت مع أبی عبد الله علیه السلام فیما بین مکة والمدینة فی شعبان وهو صائم ، ثم رأینا هلال شهر رمضان فأفطر ، فقلت له : جعلت فداک أمس کان من شعبان وأنت صائم ، والیوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟! فقال : « إن ذلک تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض ولیس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا » (2).

ولا یخفی أن الخروج عن مقتضی الأخبار الصحیحة المستفیضة بهاتین الروایتین الضعیفتین غیر جید.

ویدل علی استثناء صوم الثلاثة الأیام للحاجة بالمدینة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن کان لک مقام بالمدینة ثلاثة أیام صمت أول یوم الأربعاء ، وتصلی لیلة الأربعاء عند أسطوانة أبی لبابة ، وهی أسطوانة التوبة التی کان ربط فیها نفسه حتی نزل عذره من السماء ، وتقعد عندها یوم الأربعاء ، ثم تأتی لیلة الخمیس التی تلیها مما یلی مقام النبی صلی الله علیه و آله لیلتک ویومک وتصوم یوم الخمیس ، ثم تأتی الأسطوانة التی تلی مقام النبی صلی الله علیه و آله ومصلاه لیلة الجمعة فتصلی عندها لیلتک ویومک وتصوم یوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تتکلم بشی ء فی هذه الأیام إلا ما لا بد لک منه ، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ، ولا تنام فی لیل ولا نهار فافعل ، فإن ذلک مما یعد فیه الفضل ، ثم احمد الله فی یوم الجمعة وأثن علیه وصل علی النبی صلی الله علیه و آله

ص: 152


1- التهذیب 4 : 236 - 692 ، الوسائل 7 : 144 أبواب من یصح منه الصوم ب 12 ح 4.
2- التهذیب 4 : 236 - 693 ، الوسائل 7 : 145 أبواب من یصح منه الصوم ب 12 ح 5.

ویصحّ کل ذلک ممن له حکم المقیم.

ولا یصحّ من الجنب إذا ترک الغسل عامدا مع القدرة حتی یطلع الفجر. ولو استیقظ جنبا لم ینعقد صومه قضاء عن رمضان ،

______________________________________________________

وسل حاجتک ، ولیکن فیما تقول : اللهم ما کانت لی إلیک من حاجة شرعت أنا فی طلبها والتماسها أو لم أشرع ، سألتکها أو لم أسألکها ، فإنی أتوجه إلیک بنبیک محمد نبی الرحمة صلی الله علیه و آله فی قضاء حوائجی صغیرها وکبیرها ، فإنک أحری أن تقضی حاجتک إن شاء الله » (1).

قوله : ( ویصح ممن له حکم المقیم ).

یندرج فی ذلک : کثیر السفر ، والعاصی به ، ومن نوی إقامة عشرة فی غیر بلده ، أو مضی علیه ثلاثون یوما مترددا فی الإقامة. ولا ریب فی صحة الصوم من الجمیع کما یجب علیهم إتمام الصلاة ، وفی صحیحة معاویة بن وهب عن الصادق علیه السلام : « هما - یعنی التقصیر والإفطار - واحد ، إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » (2) وقد تقدم الکلام فی ذلک مفصلا فی کتاب الصلاة.

قوله : ( ولا یصح من الجنب إذا ترک الغسل عامدا مع القدرة حتی یطلع الفجر ، ولو استیقظ جنبا لم ینعقد صومه قضاء عن شهر رمضان ).

قد تقدم الکلام فی حکم الصوم مع تعمد البقاء علی الجنابة (3).

وأما إن من استیقظ جنبا لم ینعقد صومه قضاء عن شهر رمضان فیدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : کتب أبی

صحة الصوم لمن له حکم المقیم

عدم صحة صوم الجنب

ص: 153


1- التهذیب 4 : 232 - 682 ، الوسائل 7 : 143 أبواب من یصح منه الصوم ب 12 ح 1.
2- الفقیه 1 : 280 - 1270 ، الوسائل 7 : 130 أبواب من یصح منه الصوم ب 4 ح 1.
3- راجع ص 53.

وقیل : ولا ندبا.

______________________________________________________

إلی أبی عبد الله علیه السلام وکان یقضی شهر رمضان ، وقال : إنی أصبحت بالغسل وأصابتنی جنابة فلم اغتسل حتی طلع الفجر ، فأجابه : « لا تصم هذا الیوم وصم غدا » (1).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین من أصبح فی النومة الأولی أو الثانیة ، ولا فی القضاء بین الموسع والمضیق. واحتمل الشارح - قدس سره - جواز القضاء مع التضیق لمن لم یعلم الجنابة حتی أصبح (2). ویحتمل مساواته لصوم رمضان فیصح إذا أصبح فی النومة الأولی خاصة.

قال الشارح قدس سره : وفی حکم القضاء النذر المطلق والکفارة قبل التلبس بها ، ولو کان فی الأثناء حیث یشترط التتابع ، أو فی أثناء صوم یشترط تتابعه فوجهان ، أجودهما عدم صحة الصوم ولا یقطع التتابع لعدم التقصیر (3).

ویمکن المناقشة فی إلحاق النذر المطلق وصوم الکفارة بالقضاء لعدم وضوح مستنده ، وکذا فی عدم انقطاع التتابع مع فساد الصوم ، لأن عدم التقصیر إنما یقتضی انتفاء الإثم ، لا تحقق الامتثال مع عدم الإتیان المأمور به علی وجهه.

قوله : ( وقیل ولا ندبا ).

نسبته إلی القول ساکتا علیه یشعر بتوقفه فیه ، ویظهر من کلامه فی المعتبر التوقف فیما عدا صوم رمضان ، لاختصاص النص به (4) ، کما بیناه

ص: 154


1- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ ، وهی موجودة فی الکافی 4 : 105 - 4 ، الوسائل 7 : 46 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 19 ح 2.
2- المسالک 1 : 75.
3- المسالک 1 : 75.
4- المعتبر 2 : 656.

______________________________________________________

فیما سبق (1).

قال الشارح قدس سره : ووجه عدم الجواز أنه غیر معین ، فلم یصح صومه کقضاء رمضان ، وأن الجنب غیر قابل للصوم فی تلک الحال والصوم لا یتبعض ، ومستند الجواز روایة عبد الله بن بکیر ، عن الصادق علیه السلام : فی الرجل یجنب ثم ینام حتی یصبح ، أیصوم ذلک الیوم تطوعا؟ فقال :« ألیس هو بالخیار ما بینه وبین نصف النهار » (2) وفی روایة کلیب إطلاق الصحة إذا اغتسل (3) ، وحملها الشهید - رحمه الله - علی المعین أو الندب ، وهو یشعر بتجویزه ذلک ، ویؤیده أیضا جواز تجدید الندب للعازم علی الإفطار خصوصا بعد الزوال وهو أیضا مناف للصوم ، وعدم قابلیة الصوم للجنب إنما یمنع منه حال الجنابة أما بعد الغسل فلا ، ویمنع عدم تبعّض الصوم مطلقا ، کیف وقد تقدم النص الصحیح بأن الناوی بعد الزوال إنما له من الصوم ما بعد النیة ، وهذه الأدلة وإن ضعف بعضها إلا أنها لا تقصر عن أدلة جواز صوم النافلة سفرا ، وقد عمل بها المصنف والجماعة تساهلا بأدلة السنن وخبر من بلغه شی ء من أعمال الخیر یشملهما (4). انتهی کلامه رحمه الله .

ولا یخفی أن ما استدل به أولا علی عدم الجواز قیاس محض مع الفارق ، والدلیل الثانی مجرد دعوی عاریة من الدلیل. وأما أدلة الجواز فکلها ضعیفة ، وکان الأولی الاستدلال بأصالة الجواز فإنها سلیمة من المعارض ، لاختصاص الروایات المتضمنة لاعتبار الغسل فی الصوم بأداء رمضان وقضائه کما بیناه فیما سبق (5).

ص: 155


1- فی ص 55.
2- الکافی 4 : 105 - 3 ، الوسائل 7 : 47 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 2 ح 2.
3- لم نعثر علیها.
4- المسالک 1 : 75 ، 76.
5- فی ص 56.

فإن کان فی رمضان فصومه صحیح ، وکذا فی النذر المعیّن. ویصحّ من المریض ما لم یستضر به.

______________________________________________________

ویدل علی الجواز أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن حبیب الخثعمی قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أخبرنی عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأیام إذا أجنبت من أول اللیل فأعلم أنی أجنبت فأنام متعمدا حتی ینفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال : « صم » (1) وهذه الروایة مع صحة سندها صریحة فی المطلوب ، ولم یستدل بها أحد من الأصحاب فیما أعلم.

قوله : ( ویصح من المریض ما لم یستضر به ).

یتحقق الضرر المجوّز للإفطار بخوف زیادة المرض بسبب الصوم ، أو بطء برئه ، أو بحصول مشقة لا یتحمل مثلها عادة ، أو بحدوث مرض آخر ، والمرجع فی ذلک کله إلی الظن ، سواء استند إلی أمارة أو تجربة أو قول عارف وإن کان فاسقا.

ویدل علی وجوب الإفطار فی جمیع هذه الصور قوله تعالی ( فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ ) (2) وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الصائم إذا خاف علی عینیه من الرمد أفطر » (3) وقال علیه السلام : « کلما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب » (4).

وفی الصحیح عن بکر بن محمد الأزدی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سأله أبی وأنا أسمع عن حد المرض الذی یترک الإنسان

حکم صوم المریض

ص: 156


1- الفقیه 2 : 49 - 212 ، الوسائل 7 : 47 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 20 ح 1.
2- البقرة : 185.
3- الفقیه 2 : 84 - 373 ، الوسائل 7 : 155 أبواب من یصح منه الصوم ب 19 ح 1.
4- الفقیه 2 : 84 - 374 ، الوسائل 7 : 156 أبواب من یصح منه الصوم ب 20 ح 2.

______________________________________________________

فیه الصوم ، قال : « إذا لم یستطع أن یتسحر » (1).

وفی الموثق عن ابن بکیر ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام : ما حد المرض الذی یفطر فیه الرجل ویدع الصلاة من قیام؟ فقال : « ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلی نَفْسِهِ بَصِیرَةٌ ) ، هو أعلم بما یطیقه » (2).

وفی الصحیح عن جمیل بن دراج ، عن الولید بن صبیح - وهو ثقة - قال : حممت بالمدینة یوما من شهر رمضان فبعث إلیّ أبو عبد الله علیه السلام بقصعة فیها خل وزیت وقال : « أفطر وصل وأنت قاعد » (3).

ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن ابن أذینة ، قال : کتبت إلی أبی عبد الله علیه السلام أسأله ما حد المرض الذی یفطر صاحبه ، والمرض الذی یدع صاحبه الصلاة؟ فقال : « بل الإنسان علی نفسه بصیرة » وقال : « ذلک إلیه هو أعلم بنفسه » (4) والمراد بقوله ویدع صاحبه الصلاة أنه یدع الصلاة من قیام کما تضمنته روایة زرارة المتقدمة.

تفریع : قال فی المنتهی : الصحیح الذی یخشی المرض بالصیام هل یباح له الفطر؟ فیه تردد ، ینشأ من وجوب الصوم بالعموم وسلامته من معارضة المرض ، ومن کون المریض إنما أبیح له الفطر لأجل التضرر به وهو حاصل هنا ، لأن الخوف من تجدد المرض فی معنی الخوف من زیادته وتطاوله (5). انتهی کلامه رحمه الله .

ص: 157


1- الکافی 4 : 118 - 6 ، الفقیه 2 : 83 - 371 ، الوسائل 7 : 156 أبواب من یصح منه الصوم ب 2 ح 1.
2- الفقیه 2 : 83 - 369 ، الوسائل 7 : 157 أبواب من یصح منه الصوم ب 20 ح 5.
3- الکافی 4 : 118 - 1 ، الفقیه 2 : 83 - 370 ، الوسائل 7 : 155 أبواب من یصح منه الصوم ب 18 ح 2.
4- التهذیب 4 : 256 - 758 ، الإستبصار 2 : 114 - 371 ، الوسائل 7 : 157 أبواب من یصح منه الصوم ب 20 ح 5.
5- المنتهی 2 : 596.

مسألتان :

الأولی : البلوغ الذی تجب معه العبادات : الاحتلام ، أو الإنبات ،

______________________________________________________

ویمکن ترجیح الوجه الثانی بعموم قوله تعالی ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) وقوله عزّ وجلّ ( یُرِیدُ اللهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلا یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ ) (2) وقوله علیه السلام فی صحیحة حریز المتقدمة : « کلما أضر به الصوم فالإفطار له واجب » (3).

قوله : ( مسألتان ، الأولی : البلوغ الذی تجب معه العبادات : الاحتلام ).

هذا مذهب علماء الإسلام کافة ، قاله فی التذکرة (4) ، والمراد بالاحتلام هنا خروج المنی من ذکر الرجل أو قبل المرأة ، سواء کان بجماع أو غیره ، فی نوم أو یقظة.

ولو ظن الصبی أنه یمنی بالجماع لم یجب التعرض له. ولو وجد علی ثوبه المختص به منیا حکم بلوغه إذا علم انتفاءه عن غیره ، واکتفی الشهید فی الدروس فی تحقق بلوغه بإمکان کونه منه (5).

ولو اشترک الثوب بین صبیین لم یحکم ببلوغ أحدهما ، وقال الشهید فی الدروس : إن الأولی تعبدهما (6). ولا ریب فی الأولویة.

قوله : ( أو الإنبات ).

المراد به إنبات الشعر الخشن علی العانة ، قال فی التذکرة : ونبات

معنی البلوغ

ص: 158


1- الحج : 78.
2- البقرة : 185.
3- فی ص 156.
4- التذکرة 2 : 74.
5- الدروس : 71.
6- الدروس : 71.

أو بلوغ خمس عشرة سنة فی الرجال علی الأظهر ، وتسع فی النساء.

______________________________________________________

هذا الشعر دلیل علی البلوغ فی حق المسلمین والکفار عند علمائنا أجمع ، وألحق بالإنبات اخضرار الشارب ، لقضاء العادة بتأخره عن البلوغ (1) ، وقواه جدی - قدس سره - فی الروضة (2) وهو مشکل ، لعدم العلم باطراد العادة بذلک.

قوله : ( أو بلوغ خمس عشرة سنة فی الرجال علی الأظهر ).

ذکر الشارح وغیره أن المراد ببلوغ الخمس عشرة إکمالها ، فلا یکفی الطعن فیها (3). ولا خلاف فی تحقق البلوغ بذلک ، وإنما الخلاف فی الاکتفاء بما دونه ، فقیل بالاکتفاء ببلوغ أربع عشرة سنة (4) ، وقیل بالاکتفاء بإتمام ثلاث عشرة سنة والدخول فی الرابعة عشرة.

ویدل علیه ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا بلغ الغلام أشده ثلاث عشرة سنة ودخل فی الأربع عشرة وجب علیه ما وجب علی المحتملین ، احتلم أو لم یحتلم ، وکتب علیه السیئات ، وکتب له الحسنات ، وجاز له کل شی ء إلا أن یکون ضعیفا أو سفیها » (5) وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : ( وتسع فی النساء ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب وبه روایات متعددة لکنها ضعیفة

ص: 159


1- التذکرة 2 : 73.
2- الروضة 2 : 145.
3- المسالک 1 : 76.
4- حکاه عن ابن الجنید فی المختلف : 423.
5- الفقیه 4 : 164 - 571 ، التهذیب 9 : 183 - 739 ، الوسائل 13 : 431 أبواب الوصایا فی الأحکام ب 44 ح 11.

الثانیة : یمرّن الصبیّ والصبیّة علی الصوم قبل البلوغ ، ویشدّد علیهما لسبع مع الطاقة.

______________________________________________________

السند ، واعتبر الشیخ فی المبسوط (1) ، وابن حمزة بلوغ العشر (2). ولا ریب أن الأول أحوط فی التکلیف بالعبادة.

قوله : ( الثانیة ، یمرّن الصبی والصبیة علی الصوم قبل البلوغ ، ویشدد علیهما لسبع مع الطاقة ).

التمرین تفعیل من المرانة ، وهی العادة ، یقال : مرن علی الشی ء مرونا ومرانة ، تعوّده واستمر علیه ومرّنه تمرینا ، والمراد به هنا حمل الولی للصبی والصبیة علی الصیام لیعتاده فلا یجد له مشقة بعد البلوغ.

ویفهم من قول المصنف رحمه الله : ویشدد علیهما لسبع ، أنهما یؤمران به قبل السبع من غیر تشدید مع الطاقة.

وقال المفید فی المقنعة : یؤخذ الصبی بالصیام إذا بلغ الحلم ، أو قدر علی صیام ثلاثة أیام متتابعات قبل أن یبلغ الحلم (3).

وقال الشیخ فی النهایة : ویستحب أن یؤخذ الصبیان بالصیام إذا أطاقوه وبلغوا تسع سنین وإن لم یکن ذلک واجبا علیهم (4). ولم یتعرض لما قبل التسع ، وظاهره أنهم لا یؤمرون قبل ذلک ، ونحوه قال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (5). وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الکلینی والشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إنا نأمر صبیاننا بالصیام إذا کانوا بنی سبع سنین

تمرین الصبی

ص: 160


1- المبسوط 1 : 266.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 682.
3- المقنعة : 58.
4- النهایة : 149.
5- الفقیه 2 : 76.

______________________________________________________

بما أطاقوا من صیام الیوم وإن کان إلی نصف النهار أو أکثر من ذلک أو أقل ، فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتی یتعودوا الصوم ویطیقوه ، فمروا صبیانکم إذا کانوا أبناء تسع سنین بما أطاقوا من صیام ، فإذا غلبهم العطش أفطروا » (1).

وما رواه ابن بابویه مرسلا ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « الصبی یؤخذ بالصیام إذا بلغ تسع سنین علی قدر ما یطیقه ، فإن أطاق إلی الظهر أو بعده صام إلی ذلک الوقت ، فإذا غلب علیه الجوع والعطش أفطر » (2).

ولا ینافی ذلک ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام فی کم یؤخذ الصبی بالصیام؟ فقال : « ما بینه وبین خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، فإن هو صام قبل ذلک فدعه ، ولقد صام ابنی فلان قبل ذلک فترکته » (3) لأن أخذ الصبی بالصوم بین الأربع عشرة والخمس عشرة لا ینافی استحباب أمره قبل ذلک.

وذکر الشارح - قدس سره - أن مقتضی هذه الروایة عدم تحدید مبدأ وقت التمرین (4). وهو غیر جید ، إذ لو کان کذلک لم یبق لقوله : « فإن هو صام قبل ذلک فدعه » معنی ، وکذا قوله : « ولقد صام ابنی فلان قبل ذلک فترکته ».

ولم نقف لما ذکره المصنف من استحباب أمره قبل السبع والتشدید علیه للسبع علی مستند.

أما ما ذهب إلیه المفید - رحمه الله - فربما کان مستنده ما رواه الکلینی

ص: 161


1- الکافی 4 : 124 - 1 ، التهذیب 4 : 282 - 853 ، الإستبصار 2 : 123 - 400 ، الوسائل 7 : 167 أبواب ما یصح منه الصوم ب 29 ح 3.
2- الفقیه 2 : 76 - 329 ، الوسائل 7 : 169 أبواب من یصح منه الصوم ب 29 ح 11.
3- الکافی 4 : 125 - 2 ، الوسائل 7 : 167 أبواب من یصح منه الصوم ب 29 ص 1.
4- المسالک 1 : 76.

______________________________________________________

رضی الله عنه ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أیام متتابعة فقد وجب علیه صیام شهر رمضان » (1) وهی ضعیفة السند (2) ، ولو صح سندها لأمکن الجمع بینها وبین روایة الحلبی المتقدمة بالحکم باستحباب التمرین بعد بلوغ التسع أو القدرة علی صیام الثلاثة الأیام.

واعلم أن ما وقفت علیه من الروایات فی هذه المسألة مختص بصوم الصبی ، وقد قطع الأصحاب باستحباب تمرین الصبیة قبل البلوغ والتشدید علیها للسبع ، ولا ریب فی استحباب التمرین ، إلا أن تعیین مبدأه یتوقف علی ورود النقل.

ص: 162


1- الکافی 4 : 125 - 4 ، الوسائل 7 : 168 أبواب من یصح منه الصوم ب 29 ح 5.
2- لأن راویها عامی - راجع عدة الأصول : 380.

النظر الثانی

فی أقسامه

وهی أربعة : واجب ، وندب ، ومکروه ، ومحظور.

الأوّل : والواجب ستة : صوم شهر رمضان ، والکفارات ، ودم المتعة ، والنذر وما فی معناه ، والاعتکاف علی وجه ، وقضاء الواجب.

القول فی شهر رمضان

والکلام فی : علامته ، وشروطه ، وأحکامه.

______________________________________________________

قوله : ( النظر الثانی ، فی أقسامه ، وهی أربعة : واجب ، وندب ، ومکروه ، ومحظور ).

لا یخفی أن المنقسم إلی الأقسام الأربعة مطلق الصوم المتناول للصحیح والفاسد ، لأن الصحیح لا یکون إلا راجحا ، إما واجبا أو مندوبا ، والمکروه فی هذا الباب لا یخرج عنهما کما بیناه مرارا (1).

قوله : ( والواجب ستة : صوم شهر رمضان ، والکفارات ، ودم المتعة ، والنذر وما فی معناه ، والاعتکاف علی وجه ، وقضاء الواجب ).

أقسام الصوم

ص: 163


1- راجع ج 1 ص 117.

أما الأول : فیعلم الشهر برؤیة الهلال. فمن رآه وجب علیه الصوم ولو انفرد ، وکذا لو شهد فردّت شهادته. وکذا یفطر لو انفرد بهلال شوّال.

______________________________________________________

هذا الحصر استقرائی مستفاد من تتبع الأدلة الشرعیة ، وقد أجمع الأصحاب علی وجوب هذه الأنواع الستة خاصة. والمراد بالوجه الذی یتحقق فیه وجوب الاعتکاف : ما لو اعتکف یومین ندبا فإنه یجب الثالث. ویمکن تناوله للمنذور وشبهه.

قوله : ( أما الأول ، فیعلم الشهر برؤیة الهلال ، فمن رآه وجب علیه الصوم ولو انفرد ، وکذا لو شهد فردت شهادته ، وکذا یفطر لو انفرد بهلال شوال ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، وقال بعضهم : لا یصوم المنفرد برؤیة الهلال ، ولا یفطر إلا فی جماعة الناس (1). ولا ریب فی بطلانه. ویدل علی الوجوب مضافا إلی الإجماع قوله تعالی ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ ) (2).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی الصباح والحلبی جمیعا ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الأهلة فقال : « هی أهلة الشهور ، فإذا رأیت الهلال فصم ، وإذا رأیته فأفطر » (3).

وفی الصحیح عن المفضل وعن زید الشحام جمیعا ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الأهلّة فقال : « هی أهلة الشهور ، فإذا رأیت الهلال

القول فی شهر رمضان

ص: 164


1- حکاه فی بدائع الصنائع 2 : 81.
2- البقرة : 185.
3- التهذیب 4 : 156 - 434 ، الإستبصار 2 : 63 - 204 ، الوسائل 7 : 183 أبواب أحکام شهر رمضان ب 3 ح 7.

ومن لم یره لا یجب علیه الصوم ، إلا أن یمضی من شعبان ثلاثون یوما ، أو یری رؤیة شائعة.

______________________________________________________

فصم ، وإذا رأیته فأفطر » (1).

ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن علی بن جعفر : إنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن الرجل یری الهلال فی شهر رمضان وحده لا یبصره غیره ، أله أن یصوم؟ قال : « إذا لم یشک فیه فلیصم ، وإلا فلیصم مع الناس » (2).

قوله : ( ومن لم یره لا یجب علیه الصوم ، إلا أن یمضی من شعبان ثلاثون یوما ، أو یری رؤیة شائعة ).

أما وجوب الصوم مع مضی ثلاثین یوما من شعبان فمجمع علیه بین المسلمین ، بل الظاهر أنه من ضروریات الدین.

وأما الوجوب إذا رئی رؤیة شائعة فقال المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه بین العلماء (3). واستدل علیه فی المنتهی بأنه نوع تواتر یفید العلم ، ونحوه قال فی التذکرة ثم قال : ولو لم یحصل العلم بل حصل ظن غالب بالرؤیة فالأقوی التعویل علیه ، کالشاهدین فإن الظن الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشیاع (4). ونحوه ذکر الشارح (5) وغیره (6) ، واحتمل فی موضع من الشرح اعتبار زیادة الظن علی ما یحصل بقول العدلین

ص: 165


1- التهذیب 4 : 155 - 430 ، الإستبصار 2 : 62 - 200 ، الوسائل 7 : 182 أبواب أحکام شهر رمضان ب 3 ح 3.
2- الفقیه 2 : 77 - 341 ، التهذیب 4 : 317 - 964 ، الوسائل 7 : 188 أبواب أحکام شهر رمضان ب 4 ح 1.
3- المعتبر 2 : 686 ، والمنتهی 2 : 590.
4- التذکرة 1 : 271.
5- المسالک 1 : 76.
6- کالأردبیلی فی مجمع الفائدة 5 : 287.

فإن لم یتفق ذلک وشهد شاهدان ، قیل : لا تقبل ، وقیل : تقبل مع العلّة ، وقیل : تقبل مطلقا ، وهو الأظهر ، سواء کانا من البلد أو خارجه.

______________________________________________________

لتتحقق الأولویة المعتبرة فی مفهوم الموافقة (1).

ویشکل بأن ذلک یتوقف علی کون الحکم بقبول شهادة العدلین معللا بإفادتهما الظن لیتعدی إلی ما یحصل به ذلک وتتحقق الأولویة المذکورة ، ولیس فی النص ما یدل علی هذا التعلیل ، وإنما هو مستنبط فلا عبرة به ، مع أن اللازم من اعتباره الاکتفاء بالظن الحاصل من القرائن إذا ساوی الظن الحاصل من شهادة العدلین ، أو کان أقوی ، وهو باطل إجماعا.

والأصح اعتبار العلم کما اختاره العلامة فی المنتهی (2) ، وصرح به المصنف - رحمه الله - فی کتاب الشهادات من هذا الکتاب (3) ، لانتفاء ما یدل علی اعتبار الشیاع بدون ذلک. وعلی هذا فینبغی القطع بجریانه فی جمیع الموارد وحیث کان المعتبر ما أفاد العلم فلا ینحصر المخبرون فی عدد ، ولا یفرق فی ذلک بین خبر المسلم والکافر ، والصغیر والکبیر ، والأنثی والذکر کما قرر فی حکم التواتر.

قوله : ( وإن لم یتفق ذلک وشهد شاهدان قیل : لا تقبل ، وقیل : تقبل مع العلة ، وقیل : تقبل مطلقا ، وهو الأظهر ، سواء کان من البلد أو خارجه ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب المفید (4) والمرتضی (5)

ص: 166


1- المسالک 2 : 410.
2- المنتهی 2 : 590.
3- الشرائع 4 : 132.
4- المقنعة : 48.
5- جمل العلم والعمل : 89.

______________________________________________________

وابن إدریس (1) والمصنف وأکثر الأصحاب إلی أنه یثبت بشاهدین عدلین ذکرین ، من خارج البلد وداخله ، صحوا وغیما.

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : لا یقبل مع الصحو إلا خمسون نفسا أو شاهدان من خارج البلد (2). وقال فی النهایة : لا یقبل مع الصحو إلا خمسون رجلا من خارج البلد ، ومع العلة یعتبر الخمسون من البلد ، ویکفی الاثنان من غیره (3). والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار المستفیضة کصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن علیا علیه السلام کان یقول : لا أجیز فی رؤیة الهلال إلا شهادة رجلین عدلین » (4).

وصحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « صم لرؤیة الهلال وأفطر لرؤیته ، فإن شهد عندک شاهدان مرضیا بأنهما رأیاه فاقضه » (5).

وصحیحة زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الأهلة فقال : « هی أهلة الشهور ، فإذا رأیت الهلال فصم ، وإذا رأیته فأفطر » فقلت : أرأیت إن کان الشهر تسعة وعشرین یوما أقضی ذلک الیوم؟ فقال : « لا ، إلا أن تشهد لک بینة عدول ، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلک فاقض ذلک الیوم » (6).

ص: 167


1- السرائر : 86.
2- المبسوط 1 : 267 ، والخلاف 1 : 379.
3- النهایة : 150.
4- الکافی 4 : 76 - 2 ، الفقیه 2 : 77 - 338 ، الوسائل 7 : 207 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 1.
5- التهذیب 4 : 157 - 436 ، الإستبصار 2 : 63 - 205 ، الوسائل 7 : 208 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 4.
6- التهذیب 4 : 155 - 430 ، الإستبصار 2 : 62 - 200 ، الوسائل 7 : 190 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 4.

______________________________________________________

وصحیحة عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال علی علیه السلام : لا تقبل شهادة النساء فی رؤیة الهلال إلا شهادة رجلین عدلین » (1) وفی معنی هذه الروایات روایات کثیرة (2).

احتج الشیخ - رحمه الله - بما رواه عن أبی أیوب إبراهیم بن عثمان الخزاز ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : کم یجزی فی رؤیة الهلال؟ فقال : « إن شهر رمضان فریضة من فرائض الله فلا تؤده بالتظنی ، ولیس رؤیة الهلال أن تقوم عدة فیقول واحد : قد رأیته ، ویقول الآخرون : لم نره ، إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا یجوز فی رؤیة الهلال إذا لم یکن فی السماء علة أقل من شهادة خمسین وإذا کانت فی السماء علة قبلت شهادة رجلین یدخلان ویخرجان من مصر » (3).

وعن حبیب الجماعی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تجوز الشهادة فی رؤیة الهلال دون خمسین رجلا عدد قسامة ، وإنما تجوز شهادة رجلین إذا کانا من خارج المصر وکان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأیاه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤیة » (4).

وأجاب المصنف فی المعتبر عن هاتین الروایتین بأن اشتراط الخمسین لم یوجد فی حکم سوی قسامة الدم ، ثم لا یفید الیقین بل قوة الظن ، وهی تحصل بشهادة العدلین ، ثم قال : وبالجملة فإنه مخالف لما علیه عمل المسلمین کافة فکان ساقطا (5).

ص: 168


1- الفقیه 2 : 77 - 340 ، التهذیب 4 : 180 - 498 ، الوسائل 7 : 208 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 7.
2- الوسائل 7 : 207 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11.
3- التهذیب 4 : 160 - 451 ، الوسائل 7 : 209 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 10.
4- التهذیب 4 : 159 - 448 ، الإستبصار 2 : 74 - 227 ، الوسائل 7 : 210 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 13 ، وفیها وفی « ض » ، « م » ، « ح » : القسامة بدل قسامة.
5- المعتبر 2 : 688.

______________________________________________________

وأجاب عنهما فی المنتهی بالمنع من صحة السند (1) ، وکأن وجهه جهالة حبیب الجماعی راوی الثانیة ، وأن فی طریق الأولی العباس بن موسی ، وهو غیر معلوم الحال ، وإن کان الظاهر أنه الوراق الثقة الذی هو من أصحاب یونس ، بقرینة روایته هنا عنه ، وفی یونس کلام.

وأجاب عنهما فی المختلف بالحمل علی عدم عدالة الشهود ، وحصول التهمة فی إخبارهم (2). وهو غیر بعید. وکیف کان فالمعتمد ما دلت علیه الأخبار الصحیحة المستفیضة من الاکتفاء بالشاهدین العدلین مطلقا (3).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : صرح العلامة (4) وغیره بأنه لا یعتبر فی ثبوت الهلال بالشاهدین فی الصوم والفطر حکم الحاکم ، فلو رآه اثنان ولم یشهدا عند الحاکم وجب علی من سمع شهادتهما وعرف عدالتهما الصوم أو الفطر (5). وهو کذلک ، لقول الصادق علیه السلام فی صحیحة منصور بن حازم : « فإن شهد عندک شاهدان مرضیان بأنهما رأیاه فاقضه » (6) وفی صحیحة الحلبی وقد قال له : أرأیت إن کان الشهر تسعة وعشرین یوما أقضی ذلک الیوم؟ قال : « لا إلا أن تشهد بذلک بیّنة عدول ، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلک فاقض ذلک الیوم » (7).

ص: 169


1- المنتهی 2 : 589.
2- المختلف : 235.
3- الوسائل 7 : 207 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11.
4- المنتهی 2 : 590 ، والتحریر 1 : 82.
5- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 76.
6- التهذیب 4 : 157 - 436 ، الإستبصار 2 : 63 - 205 ، المقنعة : 48 ، الوسائل 7 : 208 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 4.
7- التهذیب 4 : 156 - 434 ، الإستبصار 2 : 63 - 204 ، الوسائل 7 : 191 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 9.

______________________________________________________

الثانی : لو اختلف الشاهدان فی صفة الهلال بالاستقامة والانحراف بطلت شهادتهما ، ولا کذلک لو اختلفا فی زمان الرؤیة مع اتحاد اللیلة ، ولو شهد أحدهما برؤیة شعبان الاثنین وشهد الآخر برؤیة رمضان الأربعاء احتمل القبول ، لاتفاقهما فی المعنی ، وعدمه ، لأن کل واحد یخالف الآخر فی شهادته ولم تثبت إحداهما.

الثالث : لا یکفی قول الشاهد الیوم الصوم أو الفطر ، بل یجب علی السامع الاستفصال ، لاختلاف الأقوال فی المسألة ، فیجوز استناد الشاهد إلی سبب لا یوافق مذهب السامع. نعم لو علمت الموافقة أجزأ الإطلاق کما فی الجرح والتعدیل.

الرابع : هل یثبت الهلال بالشهادة علی الشهادة؟ قیل : لا ، وبه قطع فی التذکرة ، وأسنده إلی علمائنا ، واستدل علیه بأصالة البراءة ، واختصاص ورود القبول بالأموال وبحقوق الآدمیین (1).

وقیل : نعم ، وبه جزم الشارح من غیر نقل خلاف ، أخذا بالعموم وانتفاء ما یصلح للتخصیص ، والتفاتا إلی أن الشهادة حق لازم الأداء ، فتجوز الشهادة علیه کسائر الحقوق (2). ولا بأس به.

ولو استند الشاهدان إلی الشیاع المفید للعلم وجب القبول قطعا.

الخامس : لا یخفی أن شهادة الخمسین حیث تعتبر إنما هو مع عدم حصول الشیاع بدونها ، أما معه فلا ریب فی الاجتزاء بالأقل.

السادس : هل یکفی قول الحاکم الشرعی وحده فی ثبوت الهلال؟ فیه وجهان ، أحدهما : نعم ، وهو خیرة الدروس (3) ، لعموم ما دل علی أن

ص: 170


1- التذکرة 1 : 270.
2- المسالک 2 : 415.
3- الدروس : 77.

وإذا رئی فی البلاد المتقاربة کالکوفة وبغداد وجب الصوم علی ساکنیها أجمع ، دون المتباعدة کالعراق وخراسان ، بل یلزم حیث رئی.

______________________________________________________

للحاکم أن یحکم بعلمه ، ولأنه لو قامت عنده البینة فحکم بذلک وجب الرجوع إلی حکمه کغیره من الأحکام والعلم أقوی من البینة ، ولأن المرجع فی الاکتفاء بشهادة العدلین وما تتحقق به العدالة إلی قوله فیکون مقبولا فی جمیع الموارد. ویحتمل العدم ، لإطلاق قوله علیه السلام : « لا أجیز فی رؤیة الهلال إلا شهادة رجلین عدلین » (1).

قوله : ( وإذا رئی فی البلاد المتقاربة کالکوفة وبغداد وجب الصوم علی ساکنها أجمع ، دون المتباعدة کالعراق وخراسان ، بل یلزم حیث رئی ).

المراد أنه إذا رؤی الهلال فی إحدی البلاد المتقاربة - وهی التی لم تختلف مطالعها - ولم یر فی الباقی وجب الصوم علی جمیع من فی تلک البلاد ، بخلاف المتباعدة ، وهی ما علم اختلاف مطالعها فإن الصوم یلزم من رأی دون من لم یر.

وحکی العلامة فی التذکرة قولا عن بعض علمائنا بأن حکم البلاد کلها واحد ، فمتی رئی الهلال فی بلد وحکم بأنه أول الشهر کان ذلک الحکم ماضیا فی جمیع أقطار الأرض ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، اختلفت مطالعها أو لا (2). وإلی هذا القول ذهب العلامة فی المنتهی فی أول کلامه ، فإنه قال : إذا رأی الهلال أهل بلد وجب الصوم علی جمیع الناس ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، واستدل علیه بأنه یوم من شهر رمضان فی بعض البلاد بالرؤیة ، وفی الباقی بالشهادة ، فیجب صومه ، وبأن البینة العادلة

علامة شهر رمضان

حکم الرؤیة فی بلد آخر

ص: 171


1- الکافی 4 : 76 - 2 ، الفقیه 2 : 77 - 338 ، الوسائل 7 : 207 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 1.
2- التذکرة 1 : 269.

______________________________________________________

شهدت بالهلال فیجب الصوم کما لو تقاربت البلاد ، وبأنه شهد برؤیته من یقبل قوله فیجب القضاء لو فات للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کقول الصادق علیه السلام فی صحیحة منصور : « فإن شهد عندک شاهدان مرضیان بأنهما رأیاه فاقضه » (1).

وفی صحیحة هشام بن الحکم : فیمن صام تسعة وعشرین یوما : « إن کانت له بینة عادلة علی أهل مصر أنهم صاموا ثلاثین علی رؤیة قضی یوما » (2) علق علیه السلام قضاء الیوم علی الشهادة علی أهل مصر ، وهو نکرة شائعة تتناول الجمیع علی البدل ، فلا یخص ببعض الأمصار إلا بدلیل.

ثم قال فی آخر کلامه : ولو قالوا إن البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن یری الهلال فی بعضها دون بعض لکریة الأرض ، قلنا : إن المعمور منها قدر یسیر وهو الربع ، ولا اعتداد به عند السماء ، وبالجملة إن علم طلوعه فی بعض الأصقاع وعدم طلوعه فی بعضها المتباعد عنه لکریة الأرض لم یتساو حکماهما ، أو بدون ذلک فالتساوی هو الحق (3). هذا کلامه رحمه الله وهو جید.

ولا ینافی ذلک الروایات المتضمنة لوجوب القضاء لو فات وقامت البینة بالرؤیة ، لأنها غیر صریحة فی التعمیم علی وجه یتناول البلاد المختلفة المطالع.

قال المحقق الشیخ فخر الدین فی شرح القواعد : ومبنی هذه المسألة علی أن الأرض هل هی کریة أو مسطحة ، والأقرب الأول ، لأن الکواکب تطلع فی المساکن الشرقیة قبل طلوعها فی المساکن الغربیة ، وکذا فی

ص: 172


1- المتقدمة فی ص 169.
2- التهذیب 4 : 158 - 443 ، الوسائل 7 : 192 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 13.
3- المنتهی 2 : 592 وفیه وفی « ح » : لکرویة بدل لکریة ومعناهما واحد.

________________________________________________________

الغروب ، وکل (1) بلد غربی بعد عن الشرقی بألف میل یتأخر غروبه عن غروب الشرقی ساعة واحدة ، وإنما عرفنا ذلک بإرصاد الکسوفات القمریة ، حیث ابتدأت فی ساعات أقل من ساعات بلدنا فی المساکن الغربیة ، وأکثر من ساعات بلدنا فی المساکن الشرقیة ، فعرفنا أن غروب الشمس فی المساکن الشرقیة قبل غروبها فی بلدنا ، وغروبها فی المساکن الغربیة بعد غروبها فی بلدنا ، ولو کانت الأرض مسطحة لکان الطلوع والغروب فی جمیع المواضع فی وقت واحد ، ولأن السائر علی خط من خطوط نصف النهار علی الجانب الشمالی یزداد علیه ارتفاع (2) الشمالی وانخفاض الجنوبی وبالعکس (3). انتهی.

ویتفرع علی اختلاف الحکم مع التباعد أن المکلف بالصوم لو رأی الهلال فی بلد وسافر إلی آخر یخالفه فی حکمه انتقل حکمه إلیه ، فلو رأی الهلال فی بلد لیلة الجمعة مثلا ثم سافر إلی بلد بعیدة شرقیة قد رئی فیها لیلة السبت ، أو بالعکس ، صام فی الأول إحدی وثلاثین ، ویفطر فی الثانی علی ثمانیة وعشرین.

ولو أصبح معیّدا ثم انتقل لیومه ووصل قبل الزوال أمسک بالنیة وأجزأه ، ولو وصل بعد الزوال أمسک مع القضاء.

ولو أصبح صائما للرؤیة ثم انتقل احتمل جواز الإفطار لانتقال الحکم ، وعدمه لتحقق الرؤیة ، وسبق التکلیف بالصوم.

قال فی الدروس : ولو روعی الاحتیاط فی هذه الفروض کان أولی (4). ولا ریب فی ذلک ، لأن المسألة قویة الإشکال.

ص: 173


1- فی المصدر : فکل.
2- فی المصدر زیادة : القطب.
3- إیضاح الفوائد 1 : 252.
4- الدروس : 76.

ولا یثبت بشهادة الواحد علی الأصحّ.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یثبت بشهادة الواحد علی الأصح ).

خالف فی ذلک سلار رحمه الله ، فاجتزأ فی هلال شهر رمضان بشهادة الواحد (1). واستدل له فی المختلف بما رواه الشیخ ، عن محمد بن قیس ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : إذا رأیتم الهلال فأفطروا ، أو شهد علیه عدل من المسلمین ، وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصیام إلی اللیل ، وإن غمّ علیکم فعدوا ثلاثین ثم أفطروا » (2).

وأجاب عنها بالطعن فی السند باشتراک محمد بن قیس بین جماعة منهم الضعیف (3). وهو غیر جید ، لأن الظاهر کون الراوی هنا وهو البجلی الکوفی الثقة صاحب کتاب القضایا المعروف ، الذی یرویه عنه عاصم بن حمید ویوسف بن عقیل ، بقرینة کون الراوی عنه فی هذه الروایة یوسف بن عقیل (4).

وأجاب عنها فی التذکرة بالقول بالموجب وعدم الدلالة علی المطلوب ، لأن لفظة العدل یصح إطلاقها علی الواحد فما زاد ، لأنه مصدر یصدق علی القلیل والکثیر ، تقول رجل عدل ورجلان عدل ورجال عدل (5).

وأقول : إن الشیخ - رحمه الله - قد روی هذه الروایة فی الاستبصار بطریقین أحدهما کما نقله فی المختلف ، والثانی هکذا : « إذا رأیتم الهلال فأفطروا أو تشهد علیه بینة عدل من المسلمین » (6) ورواها فی التهذیب

حکم شهادة الواحد بالرؤیة

ص: 174


1- المراسم : 96.
2- التهذیب 4 : 158 - 440 ، الإستبصار 2 : 73 - 222 ، الوسائل 7 : 191 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 11.
3- المختلف : 234.
4- راجع رجال النجاشی : 323 - 881.
5- التذکرة 1 : 270.
6- الاستبصار 2 : 64 - 207 وفیه عدول بدل عدل.

ولا بشهادة النساء. ولا اعتبار بالجدول.

______________________________________________________

بطریقین ، أحدهما کالأول ، وصورة الثانی : « إذا رأیتم الهلال فأفطروا وأشهدوا علیه عدولا من المسلمین » (1) واضطراب متن الخبر علی هذا الوجه مما یضعف الاحتجاج به ، خصوصا مع مصادمته للأخبار المستفیضة المتضمنة لعدم الاکتفاء بما دون العدلین (2) ، ومع ذلک فمورد الروایة هلال شوال وهو خلاف المدعی. وکیف کان فلا ریب فی ضعف هذا القول.

قوله : ( ولا بشهادة النساء ).

أی : ولا یثبت هلال شهر رمضان بشهادة النساء منفردات ولا منضمات إلی الرجال ، وهذا الحکم إجماعی منصوص فی عدة روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن علیا علیه السلام کان یقول : لا أجیز فی رؤیة الهلال إلا شهادة رجلین عدلین » (3).

وما رواه ابن بابویه مرسلا عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال : « لا تقبل شهادة النساء فی رؤیة الهلال إلا شهادة رجلین عدلین » (4).

ولو حصل بإخبار النساء الشیاع المفید للعلم وجب التعویل علیه قطعا ، لکنه لیس من باب الشهادة.

قوله : ( ولا اعتبار بالجدول ).

هو حساب مخصوص مأخوذ من [ سیر ] القمر واجتماعه بالشمس ، ولا ریب فی عدم اعتباره ، لاستفاضة الروایات بأن الطریق إلی ثبوت دخول الشهر أحد أمرین ، إما رؤیة الهلال ، أو مضی ثلاثین یوما من الشهر المتقدم (5) ،

حکم شهادة النساء بالرؤیة

حکم بعض العلائم المدعاة

ص: 175


1- التهذیب 4 : 177 - 491.
2- الوسائل 7 : 207 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11.
3- التهذیب 4 : 180 - 499 ، الوسائل 7 : 208 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 8.
4- الفقیه 2 : 77 - 340 ، الوسائل 7 : 207 أبواب أحکام شهر رمضان ب 11 ح 3.
5- الوسائل 7 : 182 أبواب أحکام شهر رمضان ب 3.

ولا بالعدد.

______________________________________________________

ولو کان الرجوع إلی المنجم حجة لأرشدوا إلیه ، وأیضا فإن أکثر أحکام التنجیم مبنی علی قواعد ظنیة مستفادة من الحدس الذی یخطئ أکثر مما یصیب ، وأیضا فإن أهل التقویم لا یثبتون أول الشهر بمعنی جواز الرؤیة ، بل بمعنی تأخر القمر عن محاذاة الشمس لیرتبوا علیه مطالبهم من حرکات الکواکب وغیرها ، ویعترفون بأنه قد لا تمکن رؤیته ، والشارع إنما علق الأحکام علی رؤیة الهلال لا علی التأخر المذکور.

وحکی الشیخ فی الخلاف عن شاذ منّا العمل بالجدول (1). ونقله فی المنتهی عن بعض الجمهور ، تمسکا بقوله تعالی ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُونَ ) (2) وبأن الکواکب والمنازل یرجع إلیها فی القبلة والأوقات ، وهی أمور شرعیة ، فکذا هنا (3).

والجواب [ عن الأول ] (4) أن الاهتداء بالنجم یتحقق بمعرفة الطرق ومسالک البلدان وتعریف الأوقات.

وعن الثانی بأن الذی یرجع إلیه فی الوقت والقبلة مشاهدة النجم ، لا ظنون أهل التنجیم الکاذبة فی أکثر الأوقات.

قال فی التذکرة (5) : وقد شدد النبی صلی الله علیه و آله فی النهی عن سماع کلام المنجم حتی قال صلی الله علیه و آله : « من صدّق کاهنا أو منجما فهو کافر بما أنزل علی محمد » (6).

قوله : ( ولا بالعدد ).

ص: 176


1- الخلاف 1 : 378.
2- النحل : 16.
3- المنتهی 2 : 590.
4- أثبتناه من « ح ».
5- التذکرة 1 : 271.
6- غوالی اللآلی 3 : 140 - 30 ، الوسائل 7 : 215 أبواب أحکام شهر رمضان ب 15 ح 2.

______________________________________________________

المراد بالعدد هنا : عد شعبان ناقصا أبدا ، وشهر رمضان تاما أبدا ، وقد صرح بذلک المصنف فی المعتبر فقال : ولا بالعدد ، فإن قوما من الحشویة یزعمون أن شهور السنة قسمان : ثلاثون یوما ، وتسعة وعشرون یوما ، فرمضان لا ینقص أبدا ، وشعبان لا یتم أبدا ، محتجین بأخبار منسوبة إلی أهل البیت علیهم السلام ، یصادمها عمل المسلمین فی الأقطار بالرؤیة ، وروایات صریحة لا یتطرق إلیها الاحتمال فلا ضرورة إلی ذکرها (1). هذا کلامه رحمه الله .

وأشار بالروایات الصریحة إلی ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی شهر رمضان : « هو شهر من الشهور یصیبه ما یصیب الشهور من النقصان » (2).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « وإذا کانت علة فأتم شعبان ثلاثین » (3).

وفی الصحیح عن عبید الله الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : أرأیت إن کان الشهر تسعة وعشرین یوما ، أقضی ذلک الیوم؟ فقال : « لا ، إلا أن تشهد لک بینة عدول ، فإن شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلک الیوم فاقض ذلک الیوم » (4) إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة (5).

والقول باعتبار العدد منقول عن شیخنا المفید فی بعض کتبه ، وإلیه ذهب ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه (6) ، فإنه روی عن محمد بن سنان ،

ص: 177


1- المعتبر 2 : 688.
2- التهذیب 4 : 160 - 452 ، الوسائل 7 : 190 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 3.
3- التهذیب 4 : 156 - 433 ، الإستبصار 2 : 63 - 203 ، الوسائل 7 : 190 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 17.
4- التهذیب 4 : 161 - 455 ، الوسائل 7 : 193 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 17.
5- الوسائل 7 : 189 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5.
6- الفقیه 2 : 111.

ولا بغیبوبة الهلال بعد الشفق.

______________________________________________________

عن حذیفة بن منصور ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « شهر رمضان ثلاثون یوما لا ینقص أبدا » (1).

وعن حذیفة بن منصور أیضا بطریق فیه محمد بن سنان ، عن معاذ بن کثیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « شهر رمضان ثلاثون یوما لا ینقص والله أبدا » (2).

ثم قال - بعد أن أورد هاتین الروایتین وما فی معناهما - : قال مصنف هذا الکتاب من خالف هذه الأخبار ، وذهب إلی الأخبار الموافقة للعامة فی ضدها اتقی کما تتقی العامة ، ولا یکلم إلا بالتقیة کائنا من کان ، إلا أن یکون مسترشدا فیرشد ویبین له ، فإن البدعة إذا تمات وتبطل بترک ذکرها ، ولا قوة إلا بالله.

وأقول إن ما أورده - رحمه الله - فی هذا الباب من الروایات کلها ضعیفة السند ، وقد ضعفها الشیخ فی کتابی الأخبار ، وتأولها بوجوه من التأویل وعارضها بأخبار کثیرة صریحة فی خلاف ما تضمنته (3) ، وقد أوردنا من ذلک ما فیه کفایة.

قوله : ( ولا بغیبوبة الهلال بعد الشفق ).

خالف فی ذلک ابن بابویه رحمه الله ، فقال فی المقنع : واعلم أن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لیلة ، وإن غاب بعد الشفق فهو للیلتین ، وإن رئی فیه ظل الرأس فهو لثلاث لیالی (4).

ص: 178


1- الفقیه 2 : 110 - 470 ، الوسائل 7 : 195 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 26.
2- الفقیه 2 : 110 - 471 ، الوسائل 7 : 195 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 27.
3- التهذیب 4 : 169.
4- المقنع : 58.

ولا برؤیته یوم الثلاثین قبل الزوال.

______________________________________________________

وربما کان مستنده ما رواه فیمن لا یحضره الفقیه عن حماد بن عیسی ، عن إسماعیل بن الحر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لیلة ، وإذا غاب بعد الشفق فهو للیلتین » (1).

وعن محمد بن مرازم ، عن أبیه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا تطوق الهلال فهو للیلتین ، وإذا رأیت ظل رأسک فیه فهو لثلاث لیالی » (2).

والروایة الأولی ضعیفة بجهالة الراوی ، والثانیة وإن کانت معتبرة الإسناد إلا أنها لا تنهض حجة فی معارضة الأصل والإطلاقات المعلومة.

قوله : ( ولا برؤیته یوم الثلاثین قبل الزوال ).

هذا قول معظم الأصحاب ، ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - أنه قال فی بعض مسائله : إذا رئی الهلال قبل الزوال فهو للّیلة الماضیة (3). وقال العلامة فی المختلف : إن الأقرب اعتبار ذلک فی الصوم دون الفطر (4). والمعتمد الأول ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن قیس المتقدمة : « فإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصیام إلی اللیل » (5).

ویؤیده ما رواه الشیخ عن جراح المدائنی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « من رأی هلال شوال نهارا فی رمضان فلیتم صیامه » (6).

ص: 179


1- الفقیه 2 : 78 - 343 ، الوسائل 7 : 204 أبواب أحکام شهر رمضان ب 9 ح 3.
2- الفقیه 2 : 78 - 342 ، الوسائل 7 : 203 أبواب أحکام شهر رمضان ب 9 ح 2.
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 206.
4- المختلف : 235.
5- الفقیه 2 : 77 - 337 ، التهذیب 4 : 158 - 440 ، الإستبصار 2 : 64 - 207 ، الوسائل 7 : 201 أبواب أحکام شهر رمضان ب 8 ح 1.
6- التهذیب 4 : 178 - 492 ، الإستبصار 2 : 73 - 223 ، الوسائل 7 : 201 أبواب أحکام شهر رمضان ب 8 ح 2.

______________________________________________________

وعن محمد بن عیسی ، قال : کتبت إلیه علیه السلام : جعلت فداک ربما غمّ علینا هلال شهر رمضان فیری من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأیناه بعد الزوال ، فتری أن نفطر قبل الزوال إذا رأیناه أم لا؟ وکیف تأمر فی ذلک؟ فکتب علیه السلام : « تتم إلی اللیل ، فإنه إذا کان تاما رئی قبل الزوال » (1).

حجة القول الثانی قوله علیه السلام : « إذا رأیت الهلال فصم ، وإذا رأیته فأفطر » (2) فإن ذلک شامل لما قبل الزوال ، وقد تقدم أن وقت النیة یستمر للمعذور إلی الزوال ، فیجب الصوم لرؤیة الهلال وبقاء الوقت.

وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّیلة الماضیة ، وإذا رأوه بعد الزوال فهو للّیلة المستقبلة » (3).

وفی الموثق عن عبید بن زرارة ، وعبد الله بن بکیر قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا رئی الهلال قبل الزوال فذلک الیوم من شوال ، وإذا رئی بعد الزوال فهو من شهر رمضان » (4).

وبهذه الروایات استدل العلامة فی المختلف علی اعتبار ذلک فی الصوم ثم قال : لا یقال : الأحادیث التی ذکرتموها تقتضی المساواة فی الصوم والفطر ، لأنا نقول : الفرق إنما هو الاحتیاط للصوم ، وهو إنما یتم بما فصلناه نحن ، إذا عرفت هذا فنقول : لو رئی فی أول الشهر قبل الزوال ولم یر لیلة

ص: 180


1- التهذیب 4 : 177 - 490 ، الإستبصار 2 : 73 - 221 ، الوسائل 7 : 201 أبواب أحکام شهر رمضان ب 8 ح 4.
2- المقنعة : 48 ، الوسائل 7 : 182 أبواب أحکام شهر رمضان ب 3 ح 1.
3- التهذیب 4 : 176 - 488 ، الإستبصار 2 : 73 - 225 ، الوسائل 7 : 202 أبواب أحکام شهر رمضان ب 8 ح 6.
4- التهذیب 4 : 176 - 489 ، الإستبصار 2 : 74 - 226 ، الوسائل 7 : 202 أبواب أحکام شهر رمضان ب 8 ح 5.

ولا بتطوقه

______________________________________________________

إحدی وثلاثین هلال شوال وجب صومه إن کان هذا الفرض ممکنا ، أو حصلت علة ، لأن الاحتیاط للصوم متعین فلا یجوز الإقدام علی الإفطار بناء علی مثل هذه الروایات (1). هذا کلامه رحمه الله ، وفیه اعتراف بعدم اعتبار ذلک مطلقا ، وأن الصوم إنما هو لمجرد الاحتیاط. والمسألة قویة الإشکال ، فإن الروایتین المتضمنتین لاعتبار ذلک معتبرتا الإسناد ، بل الأولی لا تقصر عن مرتبة الصحیح ، لأن دخولها فی مرتبة الحسن بإبراهیم بن هاشم. ومن ثم تردد فی ذلک المصنف فی النافع (2) والمعتبر (3) ، وهو فی محله.

قوله : ( ولا بتطوقه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. نعم روی الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مرازم ، عن أبیه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا تطوق الهلال فهو للیلتین ، وإذا رأیت ظل رأسک فیه فهو لثلاث لیالی » (4).

وقال فی کتابی الأخبار بعد أن أوردها وأورد روایة إسماعیل بن الحر : إن الوجه فی هذین الخبرین وما یجری مجراهما مما هو فی معناهما أن ذلک إنما یکون إمارة علی اعتبار دخول الشهر إذا کان فی السماء علة من غیم وما یجری مجراها ، فجاز حینئذ اعتباره فی اللیلة المستقبلة بتطوق الهلال وغیبوبته قبل الشفق أو بعد الشفق ، فأما مع زوال العلة وکون السماء مصحیة فلا تعتبر هذه الأشیاء (5).

ص: 181


1- المختلف : 235.
2- المختصر النافع : 69.
3- المعتبر 2 : 689.
4- التهذیب 4 : 178 - 495 ، الإستبصار 2 : 75 - 229 ، الوسائل 7 : 203 أبواب أحکام شهر رمضان ب 9 ح 2.
5- التهذیب 4 : 178 ، والاستبصار 2 : 75.

ولا بعد خمسة أیام من أول الهلال فی الماضیة.

______________________________________________________

وهذا التفصیل مشکل ، لأن التطوق ونحوه إن کان مقتضیا للحکم بکون الهلال للیلتین وجب اطراده ، وإلا فلا.

والأصح عدم اعتبار ذلک مطلقا ، لأن هذه الروایة لا تنهض حجة فی معارضة الأصل والإطلاقات المتضمنة لانحصار الطریق فی الرؤیة أو مضی الثلاثین.

قوله : ( ولا بعد خمسة أیام من أول الهلال فی الماضیة ).

أی : ولا اعتبار بعد خمسة أیام من أول شهر رمضان من السنة الماضیة ، بمعنی أنه لا یتعین صیام یوم الخامس من ذلک الشهر ، وقد ورد باعتبار الخامس روایة رواها الشیخ عن عمران الزعفرانی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن السماء تطبق علینا بالعراق الیومین والثلاثة ، فأی یوم نصوم؟ قال : « انظر الیوم الذی صمت من السنة الماضیة ، وصم یوم الخامس » (1).

وروی أیضا عن عمران الزعفرانی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنما نمکث فی الشتاء الیوم والیومین لا نری شمسا ولا نجما ، فأی یوم نصوم؟ قال : « أنظر إلی الیوم الذی صمت من السنة الماضیة وعدّ خمسة أیام وصم الیوم الخامس » (2).

ونزلهما فی التهذیب علی أن السماء إذا کانت مغیمة فعلی الإنسان أن یصوم یوم الخامس احتیاطا ، فإن اتفق أنه یکون فی شهر رمضان فقد أجزأ عنه ، وإن کان من شعبان کتب له من النوافل. قال : ولیس فی الخبر أنه

ص: 182


1- التهذیب 4 : 179 - 496 ، الإستبصار 2 : 76 - 230 ، الوسائل 7 : 205 أبواب أحکام شهر رمضان ب 10 ح 3.
2- التهذیب 4 : 179 - 497 ، الإستبصار 2 : 76 - 231 ، الوسائل 7 : 205 أبواب أحکام شهر رمضان ب 10 هامش 3.

ویستحب صوم الثلاثین من شعبان بنیّة الندب ، فإن انکشف من الشهر أجزأ.

______________________________________________________

یصوم یوم الخامس علی أنه من شهر رمضان ، وإذا لم یکن هذا فی ظاهره واحتمل ما قلناه سقطت المعارضة به ، ولم یناف ما ذکرناه من العمل علی الأهلة (1).

ونحوه قال فی الاستبصار ، وقال إن راوی هاتین الروایتین عمرا الزعفرانی وهو مجهول ، وأسناد (2) الحدیثین قوم ضعفاء لا یعمل بما یختصون بروایته (3).

وذکر جمع من الأصحاب أن اعتبار الخامس إنما یتم فی غیر السنة الکبیسة ، أما فیها فإنه یکون یوم السادس ، وهو مروی فی بعض الأخبار أیضا (4). والکل ضعیف.

قوله : ( ویستحب صوم یوم الثلاثین من شعبان بنیة الندب ، فإن انکشف من الشهر أجزأ ).

أما استحباب صوم یوم الثلاثین من شعبان بنیة الندب فهو قول معظم الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی ما دل علی رجحان مطلق الصوم روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن سعید الأعرج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی صمت الیوم الذی یشک فیه وکان من شهر رمضان ، أفأقضیه؟ قال : « لا ، هو یوم وفقت له » (5).

حکم صوم یوم الشک

ص: 183


1- راجع ص 182.
2- فی المصدر : وفی إسناد.
3- الاستبصار 2 : 76 - 77.
4- الکافی 4 : 81 - 3 ، الوسائل 7 : 205 أبواب أحکام شهر رمضان ب 10 ح 2.
5- التهذیب 4 : 182 - 506 ، الإستبصار 2 : 78 - 238 ، الوسائل 7 : 12 أبواب وجوب الصوم ب 5 ح 2.

______________________________________________________

وعن بشیر النبال ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صیام یوم الشک فقال : « صمه ، فإن یک من شعبان کان تطوعا ، وإن یک من شهر رمضان فیوم وفقت له » (1).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن قتیبة الأعشی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن صوم ستة أیام : العیدین ، وأیام التشریق ، والیوم الذی یشک فیه من شهر رمضان » (2).

وعن عبد الکریم بن عمرو قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی جعلت علی نفسی أن أصوم حتی یقوم القائم فقال : « لا تصم فی السفر ، ولا العیدین ، ولا أیام التشریق ، ولا الیوم الذی یشک فیه » (3).

لأنا نجیب عنهما بالحمل علی صومه بنیة أنه من شهر رمضان لیرتفع التنافی بین الأخبار ، ویدل علی هذا التأویل ما رواه الشیخ ، عن محمد بن شهاب الزهری قال : سمعت علی بن الحسین علیه السلام یقول : « یوم الشک أمرنا بصیامه ونهینا عنه ، أمرنا أن یصومه الإنسان علی أنه من شعبان ، ونهینا عن أن یصومه علی أنه من شهر رمضان » (4).

وحکی المصنف فی المعتبر عن المفید - رحمه الله - أنه قال : إنما یستحب صومه مع الشک فی الهلال ، لا مع الصحو وارتفاع الموانع ، ویکره

ص: 184


1- التهذیب 4 : 181 - 504 ، الإستبصار 2 : 78 - 236 ، الوسائل 7 : 12 أبواب وجوب الصوم ب 5 ح 3.
2- التهذیب 4 : 183 - 509 ، الإستبصار 2 : 79 - 241 ، الوسائل 7 : 16 أبواب وجوب الصوم ب 6 ح 2.
3- التهذیب 4 : 183 - 510 ، الإستبصار 2 : 79 - 242 ، الوسائل 7 : 16 أبواب وجوب الصوم ب 6 ح 3.
4- التهذیب 4 : 183 - 511 ، الإستبصار 2 : 80 - 243 ، الوسائل 7 : 16 أبواب وجوب الصوم ب 6 ح 4.

ولو صامه بنیّة رمضان لأمارة ، قیل : یجزیه ، وقیل : لا ، وهو الأشبه. وان أفطر فأهلّ شوال لیلة التاسع والعشرین من هلال رمضان قضاه وکذا لو قامت بیّنة برؤیته لیلة الثلاثین من شعبان.

______________________________________________________

لا مع ذلک إلا لمن کان صائما قبله (1). ولم نقف له فی هذا التفصیل علی مستند.

وأما الإجزاء إذا وقع صومه علی وجه الندب ثم انکشف کونه من شهر رمضان فهو موضع نص ووفاق ، وقد تقدم الکلام فیه مستوفی (2).

قوله : ( ولو صامه بنیة رمضان لأمارة قیل : یجزیه ، وقیل : لا ، وهو الأشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم الإجزاء ، لأن صوم یوم الشک بنیة رمضان غیر مشروع فلا یقع علی وجه الطاعة. وقد تقدم الکلام فی ذلک أیضا (3).

قوله : ( وإن أفطر فأهلّ شوال لیلة التاسع والعشرین من هلال رمضان قضاه ، وکذا لو قامت بینة برؤیته لیلة الثلاثین من شعبان ).

لا خلاف فی وجوب قضائه فی هاتین الصورتین ، ویدل علیه فی الصورة الأولی ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حماد بن عیسی ، عن عبد الله بن سنان ، عن رجل نسی حماد بن عیسی اسمه ، قال : صام علی علیه السلام بالکوفة ثمانیة وعشرین یوما شهر رمضان فرأوا الهلال ، فأمر منادیا ینادی : اقضوا یوما ، فإن الشهر تسعة وعشرون یوما (4).

حکم تبین یوم الشک من رمضان

ص: 185


1- المعتبر 2 : 650.
2- فی ص 35.
3- فی ص 33.
4- التهذیب 4 : 158 - 444 ، الوسائل 7 : 214 أبواب أحکام شهر رمضان ب 14 ح 1.

وکل شهر تشتبه رؤیته یعدّ مما قبله ثلاثین.

ولو غمّت شهور السنة عدّ کل شهر منها ثلاثین ، وقیل : ینقص منها لقضاء العادة بالنقیصة ، وقیل : یعمل فی ذلک بروایة الخمسة ، والأول أشبه.

______________________________________________________

وعلی الوجوب فی الثانیة روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه قال فیمن صام تسعة وعشرین یوما : « إن کان له بینة عادلة علی أهل مصر أنهم صاموا ثلاثین علی رؤیة قضی یوما » (1).

قوله : ( وکل شهر تشتبه رؤیته یعدّ ما قبله ثلاثین ).

یدل علی ذلک مضافا إلی امتناع الحکم بدخول الشهر بمجرد الاحتمال روایات ، منها قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة محمد بن قیس : « إن أمیر المؤمنین علیه السلام کان یقول : وإن غمّ علیکم فعدوا ثلاثین ثم أفطروا » (2) وقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم : « وإذا کانت علة فأتم شعبان ثلاثین » (3).

قوله : ( ولو غمت شهور السنة عدّ کل شهر منها ثلاثین ، وقیل : ینقص منها لقضاء العادة بالنقیصة ، وقیل : یعمل فی ذلک بروایة الخمسة ، والأول أشبه ).

حکم اشتباه الشهر

حکم ما لو غمت السنة کلها

ص: 186


1- التهذیب 4 : 158 - 443 ، الوسائل 7 : 192 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 13.
2- الفقیه 2 : 77 - 337 ، التهذیب 4 : 158 - 440 ، الإستبصار 2 : 64 - 207 ، الوسائل 7 : 201 أبواب أحکام شهر رمضان ب 8 ح 1.
3- التهذیب 4 : 156 - 433 ، الإستبصار 2 : 63 - 203 ، الوسائل 7 : 190 أبواب أحکام شهر رمضان ب 5 ح 5.

ومن کان بحیث لا یعلم الشهر کالأسیر والمحبوس صام شهرا تغلیبا ، فإن استمر الاشتباه فهو بری ء. وإن اتفق فی شهر رمضان أو بعده أجزأه ، وإن کان قبله قضاه.

______________________________________________________

القول بعدّ الثلاثین فی کل شهر للشیخ فی المبسوط (1) وجماعة ، وهو مشکل ، لما ذکره المصنف من قضاء العادة بالنقیصة ، والقول باحتساب بعضها ناقصة مجهول القائل ، مع جهالة قدر النقص أیضا. والقول بالعمل فی ذلک بروایة الخمسة للشیخ فی المبسوط أیضا (2) ، واختاره العلامة فی جملة من کتبه (3) ، وذکر فی المختلف أنه إنما اعتمد فی ذلک علی العادة لا علی الروایة (4). وهو مشکل أیضا ، لعدم اطراد العادة بالنقیصة علی هذا الوجه.

وموضع الخلاف ما إذا غمّت شهور السنة کلها أو أکثرها ، أما الشهران والثلاثة فینبغی القطع بعدّها ثلاثین ، لما ذکرناه من امتناع الحکم بدخول الشهر بمجرد الاحتمال (5). والله تعالی أعلم.

قوله : ( ومن کان بحیث لا یعلم الشهر کالأسیر والمحبوس صام شهرا تغلیبا ، فإن استمر الاشتباه فهو بری ء ، وإن اتفق فی شهر رمضان أو بعده أجزأه ، وإن کان قبله قضاه ).

أراد بالتغلیب تحرّی شهر یغلب علی ظنه أنه شهر رمضان ، فیجب علیه صومه ، ویجزیه مع استمرار الاشتباه أو ظهور الموافقة أو التأخر ، وإن ظهر التقدم لم یجزیه.

حکم السجین

ص: 187


1- المبسوط 1 : 268.
2- المبسوط 1 : 268.
3- التذکرة 1 : 271 ، والمنتهی 2 : 593 ، والتحریر 1 : 82.
4- المختلف : 236.
5- راجع ص 186.

______________________________________________________

وهذه الأحکام کلها إجماعیة علی ما نقله العلامة فی التذکرة والمنتهی (1) ، والأصل فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : رجل أسرته الروم ولم یصم شهر رمضان ، ولم یدر أی شهر هو ، قال :« یصوم شهرا یتوخاه ویحسب ، فإن کان الشهر الذی صامه قبل رمضان لم یجزه ، وإن کان بعد رمضان أجزأه » (2).

وفی طریق هذه الروایة عبیس بن هشام وهو مجهول ، لکن الصدوق فیمن لا یحضره الفقیه رواها بطریق صحیح ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبی العلاء (3) والظاهر أنه تحریف وأن الصواب عبد الرحمن بن أبی عبد الله فتکون الروایة صحیحة ، ومقتضاها وجوب التوخی ، وهو التحری ، وصیام الشهر الذی یظن کونه شهر رمضان ، والاجتزاء به لو ظهر کونه بعد شهر رمضان دون ما إذا ظهر التقدم.

والظاهر أن المراد بالبعدیة والقبلیة بالنسبة إلی شهر رمضان تلک السنة ، فشهر شعبان من سنة إحدی وتسعین مثلا متأخر عن شهر رمضان الذی هو من سنة تسعین ، کما أن شهر شوال من سنة تسعین متقدم علی شهر رمضان من سنة إحدی وتسعین.

ومع ظهور التأخر تعتبر المطابقة بین ما صامه وبین شهر رمضان ،

ص: 188


1- التذکرة 1 : 272 ، والمنتهی 2 : 593.
2- التهذیب 4 : 310 - 935 وفیه : ویحتسب به بدل ویحسب ، الوسائل 7 : 200 أبواب أحکام شهر رمضان ب 7 ح 1.
3- الفقیه 2 : 78 - 346.

______________________________________________________

فلو اتفق صوم شهر شوال وجب قضاء یوم إن کانا تامین أو ناقصین ، ولو کان شوال ناقصا ورمضان تاما وجب قضاء یومین ، ولو انعکس الفرض لم یجب علیه شی ء.

وذکر الشارح (1) وغیره أن الشهر المظنون یتعلق به حکم شهر رمضان من وجوب الکفارة بإفطار یوم منه ووجوب متابعته وإکماله ثلاثین لو لم یر الهلال ، وأحکام العید بعده من الصلاة والفطرة (2). وللمناقشة فی ذلک مجال ، لأصالة البراءة من جمیع ذلک ، واختصاص النص بالصوم.

ولو لم یغلب علی ظن الأسیر شهرا فقد قطع الأصحاب بأنه یتخیر فی کل سنة شهرا ویصومه ، وقال بعض العامة : لا یلزمه الصوم ، لأنه لم یعلم دخول شهر رمضان ولا ظنه (3). وهو محتمل.

وعلی القول بالوجوب فتجب المطابقة بین ما صامه وبین شهر رمضان کما سبق.

ولو صام الأسیر تطوعا فوافق شهر رمضان فالأقرب أنه یجزیه کما اختاره فی المنتهی (4) ، لظاهر قوله علیه السلام فی صیام یوم الشک بنیة الندب : « هو یوم وفقت له » (5).

ص: 189


1- المسالک 1 : 77.
2- کالعلامة فی المنتهی 2 : 594.
3- کابن حزم فی المحلّی 6 : 262.
4- المنتهی 2 : 594.
5- الکافی 4 : 82 - 4 ، التهذیب 4 : 182 - 506 ، الإستبصار 2 : 78 - 238 ، الوسائل 7 : 12 أبواب وجوب الصوم ب 5 ح 2.

ووقت الإمساک طلوع الفجر الثانی.

ووقت الإفطار غروب الشمس ، وحدّه ذهاب الحمرة من المشرق.

ویستحب تأخیر الإفطار حتی یصلی المغرب ، إلا أن تنازعه نفسه ، أو یکون من یتوقعه للإفطار.

______________________________________________________

قوله : ( ووقت الإمساک طلوع الفجر الثانی ).

هذا قول علماء الإسلام کافة ، ویدل علیه قوله تعالی ( کُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّی یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) (1) ویستثنی من ذلک الجماع ، فیجب الإمساک عنه قبل طلوع الفجر إذا لم یتسع الزمان له وللاغتسال ، لبطلان الصوم بتعمد البقاء علی الجنابة.

قوله : ( ووقت الإفطار غروب الشمس ، وحدّه ذهاب الحمرة من الشرق ).

هذا أحد القولین فی المسألة ، وقال الشیخ فی الاستبصار (2) ، وابن بابویه فی کتاب علل الشرائع والأحکام (3) : إن وقته استتار القرص. ولا یخلو من قوة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ( ویستحب تأخیر الإفطار حتی یصلی المغرب ، إلا أن تنازعه نفسه ، أو یکون من یتوقعه للإفطار ).

أما استحباب تأخیر الإفطار حتی یصلی المغرب إذا لم یکن هناک

وقت الامساک والافطار

ص: 190


1- البقرة : 187.
2- الاستبصار 1 : 270.
3- علل الشرائع : 350.

______________________________________________________

من یتوقعه للإفطار وإلا استحب تقدیم الإفطار فتدل علیه روایات ، منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الإفطار ، قبل الصلاة أو بعدها؟ قال : « إن کان معه قوم یخاف أن یحبسهم عن عشائهم فلیفطر معهم ، وإن کان غیر ذلک فلیصل ثم لیفطر » (1).

وفی الصحیح عن زرارة والفضیل ، عن أبی جعفر علیه السلام : أنه قال : « الغسل فی شهر رمضان عند وجوب الشمس قبیله ، ثم یصلی ویفطر » (2).

وما رواه الشیخ فی الموثق ، عن زرارة وفضیل ، عن أبی جعفر علیه السلام : « فی رمضان تصلی ثم تفطر ، إلا أن تکون مع قوم ینتظرون الإفطار ، فإن کنت معهم فلا تخالف علیهم وأفطر ثم صل ، وإلا فابدأ بالصلاة » فإن کنت معهم فلا تخالف علیهم وأفطر ثم صل ، وإلا فابدأ بالصلاة » قلت : ولم ذاک؟ قال : « لأنه قد حضرک فرضان : الإفطار والصلاة ، فابدأ بأفضلهما ، وأفضلهما الصلاة » ثم قال : « تصلی وأنت صائم فتکتب صلاتک تلک وتختم بالصوم أحب إلیّ » (3).

وربما ظهر من العبارة استحباب تأخیر الإفطار إذا نازعته نفسه فی تقدیم الصلاة ، ولم أقف علی روایة تدل علیه ، وربما کان وجهه

ص: 191


1- الفقیه 2 : 81 - 360 ، الوسائل 7 : 107 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 1.
2- الفقیه 2 : 100 - 448 ، الوسائل 2 : 952 أبواب الأغسال المسنونة ب 13 ح 2. ووجوب الشمس : غروبها - الصحاح 1 : 232.
3- التهذیب 4 : 198 - 570 ، الوسائل 7 : 108 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 2.

الثانی : فی الشروط ، وهی قسمان : الأول : ما باعتباره یجب الصوم ، وهو سبعة :

البلوغ ، وکمال العقل : فلا یجب علی الصبی ، ولا علی المجنون ، إلا أن یکملا قبل طلوع الفجر ، ولو کملا بعد طلوعه لم یجب علی الأظهر.

______________________________________________________

استلزام تقدیم الصلاة علی هذا الوجه فوات الخشوع والإقبال المطلوب فی العبادة ، وعندی أن الأولی تقدیم الصلاة فی هذه الصورة ، لإطلاق النصوص المتقدمة ، ومخالفة النفس فی المیل إلا خلافه ، فإن الخیر عادة.

قوله : ( الأول ، ما باعتباره یجب الصوم ، وهو سبعة : البلوغ ، وکمال العقل : فلا یجب علی الصبی ، ولا علی المجنون إلا أن یکملا قبل طلوع الفجر ، ولو کملا بعد طلوعه لم یجب علی الأظهر ).

أما وجوب الصوم علیهم إذا کملا قبل طلوع الفجر فلا ریب فیه ، لتوجه الخطاب إلیهما بذلک کغیرهما من المکلفین. وأما أنه لا یجب علیهما إذا کملا بعد طلوع الفجر فهو قول أکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی المعتبر بأن الصبی والمجنون لیسا من أهل الخطاب ، وإذا لم یصح خطابه فی أول النهار لم یصح خطابه فی باقیه ، لأن صوم بعض الیوم لا یصح (1). وتؤیده الروایات المتضمنة لسقوط الصوم عن الکافر والحائض إذا زالت أعذارهما فی أثناء النهار (2).

شروط صوم رمضان

شروط وجوب صوم رمضان

ص: 192


1- المعتبر 2 : 693.
2- الوسائل 7 : 162 أبواب من یصح منه الصوم ب 25 وص 238 أبواب أحکام شهر رمضان ب 22.

وکذا المغمی علیه ، وقیل : إن نوی الصوم قبل الإغماء وإلا کان علیه القضاء ، والأول أشبه.

______________________________________________________

وحکی المصنف فی المعتبر عن الشیخ قولا بأن الصبی والکافر إذا زال عذرهما قبل الزوال ولم یتناولا یجددان نیة الصوم ولا یجب علیهما القضاء ثم قال : وهو قوی ، لأن الصوم ممکن فی حقهما ووقت النیة باق ، لا یقال : لم یکن الصبی مخاطبا ، لأنا نقول : لکنه صار الآن مخاطبا ، ولو قیل : لا یجب صوم بعض الیوم ، قلنا : متی؟ إذا تمکن من نیة یسری حکمها إلی أول النهار ، أو إذا لم یتمکن؟ وهنا هو متمکن من نیة تسری إلی أوله (1) ، وکذا البحث فی المغمی علیه (2). انتهی کلامه رحمه الله وقوته ظاهرة.

قوله : ( وکذا المغمی علیه ، وقیل : إن نوی الصوم قبل الإغماء وإلا کان علیه القضاء ، والأول أشبه ).

لا ریب فی سقوط الصوم عن المغمی علیه ، لخروجه بذلک عن أهلیة التکلیف ، وإنما الخلاف فی صحة صومه مع سبق النیة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک (3).

واختلف الأصحاب فی وجوب القضاء علی المغمی علیه بعد الإفاقة ، فقال : الشیخ فی الخلاف (4) والمفید (5) والمرتضی (6) : لا یقضی

ص: 193


1- فی الأصل : آخره. وصححناها کما فی باقی النسخ والمصدر.
2- المعتبر 2 : 711.
3- راجع ص 139.
4- الخلاف 1 : 391.
5- المقنعة : 56.
6- جمل العلم والعمل : 93.

______________________________________________________

إن سبقت منه النیة ، ویقتضی إن لم ینو.

وقال فی النهایة والمبسوط : لا قضاء علیه مطلقا (1). وبه قطع ابن إدریس (2) وعامة المتأخرین ، وهو المعتمد ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه کصحیحة أیوب بن نوح ، قال : کتبت إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام أسأله عن المغمی علیه یوما أو أکثر هل یقضی ما فاته من الصلاة أم لا؟ فکتب : لا یقضی الصوم ولا یقضی الصلاة » (3).

وصحیحة علی بن مهزیار ، قال : سألته عن المغمی علیه یوما أو أکثر ، هل یقضی ما فاته من الصلاة أم لا؟ فکتب : « لا یقضی الصوم ولا یقضی الصلاة » (4).

ولم نقف للقائلین بالوجوب علی حجة یعتد بها.

واحتج له فی المختلف بأنه مریض فیلزمه القضاء ، تمسکا بعموم الآیة وبأخبار وردت بقضاء الصلاة ، وقال : إنه لا قائل بالفرق (5).

والجواب عن الأول المنع من تسمیة المغمی علیه مریضا ، سلمنا

ص: 194


1- النهایة : 165 ، والمبسوط 1 : 285.
2- السرائر : 94.
3- الفقیه 1 : 237 - 1041 ، التهذیب 4 : 243 - 711 ، الإستبصار 1 : 458 - 1775 ، الوسائل 7 : 161 أبواب من یصح منه الصوم ب 24 ح 1.
4- الفقیه 1 : 237 - 1042 بتفاوت یسیر ، الوسائل 7 : 162 أبواب من یصح منه الصوم ب 24 ح 6.
5- المختلف : 228.

والصحة من المرض : فإن برء قبل الزوال ولم یتناول وجب الصوم. وإن کان تناول أو کان برؤه بعد الزوال أمسک استحبابا ولزمه القضاء.

______________________________________________________

ذلک لکن لا نسلم وجوب القضاء علی کل مریض ، والسند ما تلوناه من الأخبار.

وعن الروایات المتضمنة لقضاء الصلاة بأنها محمولة علی الاستحباب ، توفیقا بینها وبین ما تضمن سقوط القضاء صریحا فیسقط الاحتجاج بها ، ثم لو کانت للوجوب لم یلزم منه وجوب قضاء الصوم ما لم ینعقد الإجماع علی التسویة بینهما ، وعدم العلم بالقائل لا یقتضی العلم بالعدم کما بیناه مرارا.

ولا یخفی أن نقل المصنف القول بوجوب القضاء مع عدم سبق النیة فی هذه المسألة وقع فی غیر محله ، وإنما محله القسم الثانی ، وهو ما باعتباره یجب القضاء ، وأیضا فإن جعل القول المحکی مقابلا للمختار لا یخلو من شی ء ، إذ الظاهر أنه لا خلاف فی سقوط وجوب الأداء عن المغمی علیه ، وإن قیل بأن صومه لا یفسد بذلک مع سبق النیة کما فی النائم.

قوله : ( والصحة من المرض ، فإن برأ قبل الزوال ولم یتناول وجب الصوم ، وإن کان تناول أو کان برؤه بعد الزوال أمسک استحبابا ).

هذا قول علمائنا أجمع ، أما وجوب الصوم إذا حصل البرء قبل الزوال فاستدل علیه المصنف فی المعتبر والعلامة فی التذکرة والمنتهی بأنه قبل الزوال یتمکن من أداء الواجب علی وجه تؤثر النیة فی ابتدائه

ص: 195

والإقامة أو حکمها : فلا یجب علی المسافر ، ولا یصح منه ، بل یلزمه القضاء.

______________________________________________________

فوجب (1) ، ویدل علیه فحوی ما دل علی ثبوت ذلک فی المسافر ، فإن المریض أعذر منه.

وأما أنه لا یجب إذا حصل البرء بعد التناول أو بعد الزوال فظاهر ، لفساد الصوم بالتناول ، أو فوات وقت النیة التی هی شرط صحة الصوم.

وأما استحباب الإمساک فی هاتین الصورتین فعلله فی المنتهی بما فیه من التشبه بالصائمین ، وأمنه من تهمة من یراه (2). ویدل علیه أیضا مع التناول قبل البرء قول علی بن الحسین علیهماالسلام فی روایة الزهری : « وکذلک من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوی بقیة یومه أمر بالإمساک عن الطعام بقیة یومه تأدیبا ولیس بفرض » (3).

قوله : ( والإقامة أو حکمها ، فلا یجب علی المسافر ولا یصح منه ، بل یلزمه القضاء ).

هذا قول علمائنا أجمع ، ویدل علیه قوله تعالی ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ وَمَنْ کانَ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ ) (4) والتفصیل یقطع الشرکة ، فکما یلزم الحاضر الصوم فرضا مضیقا یلزم المسافر القضاء کذلک ، وإذا لزم القضاء مطلقا سقط الصوم ، والأخبار الواردة بذلک کثیرة جدا (5) ، وقد أوردنا طرفا منها فیما

ص: 196


1- المعتبر 2 : 694 ، والتذکرة 1 : 274 ، والمنتهی 2 : 600.
2- المنتهی 2 : 600.
3- الکافی 4 : 83 - 1 بتفاوت یسیر ، الفقیه 2 : 46 - 208 ، التهذیب 4 : 294 - 895 ، الوسائل 7 : 136 أبواب من یصح منه الصوم ب 7 ح 3.
4- البقرة : 185.
5- الوسائل 7 : 123 أبواب من یصح منه الصوم ب 1.

ولو صام لم یجزئه مع العلم ، ویجزیه مع الجهل.

______________________________________________________

سبق (1).

قوله : ( ولو صام لم یجزیه مع العلم ویجزیه مع الجهل ).

المراد أن من صام شهر رمضان أو غیره فی السفر مع العلم بوجوب التقصیر لم یجزیه ، ویجزیه مع الجهل بذلک ، والمستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن أبی شعبة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل صام فی السفر فقال : « إن کان بلغه أن رسول الله صلی الله علیه و آله نهی عن ذلک فعلیه القضاء ، وإن لم یکن بلغه فلا شی ء علیه » (2).

وفی الصحیح عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صام شهر رمضان فی السفر فقال : « إن کان لم یبلغه أن رسول الله صلی الله علیه و آله نهی عن ذلک فلیس علیه القضاء ، وقد أجزأ عنه الصوم » (3).

وفی الحسن عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : رجل صام فی السفر فقال : « إن کان بلغه أن رسول الله صلی الله علیه و آله نهی عن ذلک فعلیه القضاء ، وإن لم یکن بلغه فلا شی ء علیه » (4).

ولو علم المسافر بالحکم فی أثناء النهار وجب علیه الإفطار والقضاء قطعا.

حکم الصوم فی السفر

ص: 197


1- راجع ص 145.
2- التهذیب 4 : 221 - 644 ، الوسائل 7 : 127 أبواب من یصح منه الصوم ب 2 ح 3.
3- التهذیب 4 : 221 - 646 ، الوسائل 7 : 127 أبواب من یصح منه الصوم ب 2 ح 2.
4- الکافی 4 : 128 - 1 ، الفقیه 2 : 93 - 417 ، التهذیب 4 : 220 - 643 ، الوسائل 7 : 127 أبواب من یصح منه الصوم ب 2 ح 3.

ولو حضر بلده أو بلدا یعزم فیه الإقامة عشرة کان حکمه حکم المریض فی الوجوب وعدمه.

______________________________________________________

وهل یلحق بجاهل الحکم ناسیة؟ قیل : نعم ، لاشتراکهما فی العذر (1). وقیل : لا (2). وهو الأصح ، قصرا لما خالف الأصل علی مورد النص.

ولو صام المریض وجب علیه الإعادة مع العلم والجهل ، لأنه أتی بخلاف ما هو فرضه ، وإلحاقه بالمسافر قیاس لا نقول به.

قوله : ( ولو حضر بلده أو بلدا یعزم فیه الإقامة کان حکمه حکم المریض فی الوجوب وعدمه ).

بمعنی أن نیة الإقامة إن حصلت قبل الزوال ولم یتناول وجب الصوم وأجزأه ، وإلا أمسک استحبابا ولزمه القضاء.

أما الوجوب إذا قدم قبل الزوال ولم یکن قد تناول فیدل علیه مضافا إلی ما سبق ما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد ، قال :سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل قدم من سفر فی شهر رمضان ولم یطعم شیئا قبل الزوال قال : « یصوم » (3).

وعن أبی بصیر ، قال : سألته عن الرجل یقدم من سفر فی شهر رمضان فقال : « إن قدم قبل زوال الشمس فعلیه صیام ذلک الیوم ویعتد به » (4).

حکم من حضر فی رمضان

ص: 198


1- کما فی المسالک 1 : 77.
2- کما فی اللمعة : 59.
3- التهذیب 4 : 255 - 755 ، الوسائل 7 : 135 أبواب من یصح منه الصوم ب 6 ح 4.
4- التهذیب 4 : 255 - 754 ، الوسائل 7 : 136 أبواب من یصح منه الصوم ب 6 ح 6.

وفی حکم الإقامة کثرة السفر ، کالمکاری والملاّح وشبههما ،

______________________________________________________

ولو عرف المسافر أنه یصل إلی موضع إقامته قبل الزوال کان مخیرا فی الإمساک والإفطار ، والأفضل الإمساک لیدرک صوم یومه ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یقدم من سفر فی شهر رمضان فیدخل أهله حین یصبح أو ارتفاع النهار فقال : « إذا طلع الفجر وهو خارج لم یدخل أهله فهو بالخیار ، إن شاء صام وإن شاء أفطر » (1).

وفی الحسن عن رفاعة بن موسی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقبل فی شهر رمضان من سفر حتی یری أنه سیدخل ضحوة أو ارتفاع النهار ، قال : « إذا طلع الفجر وهو خارج لم یدخل فهو بالخیار ، إن شاء صام وإن شاء أفطر » (2).

وربما ظهر من إطلاق الروایتین تخییر المسافر بعد الدخول أیضا إذا طلع الفجر علیه وهو خارج البلد. وأظهر منهما فی الدلالة علی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سافر الرجل فی شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعلیه صیام ذلک الیوم ، ویعتد به من شهر رمضان ، فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو یرید الإقامة بها فعلیه صوم ذلک الیوم ، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صیام علیه ، وإن شاء صام » (3) والمسألة محل إشکال. وکیف کان فالمعتمد ما علیه الأصحاب.

قوله : ( وفی حکم الإقامة کثرة السفر ، کالمکاری والملاح

حکم کثرة السفر

ص: 199


1- التهذیب 4 : 256 - 757 ، الوسائل 7 : 135 أبواب من یصح منه الصوم ب 6 ح 3.
2- الکافی 4 : 132 - 756 ، الفقیه 2 : 93 - 414 ، التهذیب 4 : 255 - 756 ، الاستبصار 2 : 98 - 318 ذیل الحدیث ، الوسائل 7 : 135 أبواب من یصح منه الصوم ب 6 ح 2.
3- الکافی 4 : 131 - 4 ، الفقیه 2 : 92 - 413 ، التهذیب 4 : 229 - 672 ، الإستبصار 2 : 99 - 322 ، الوسائل 7 : 134 أبواب من یصح منه الصوم ب 6 ح 1.

ما لم یحصل لهم الإقامة عشرة أیام.

والخلو من الحیض والنفاس : فلا یجب علیهما ، ولا یصحّ منهما ، وعلیهما القضاء.

الثانی : ما باعتباره یجب القضاء ، وهو ثلاثة شروط :

البلوغ ، وکمال العقل ، والإسلام. فلا یجب علی الصبی القضاء ، إلا الیوم الذی بلغ فیه قبل طلوع فجره ، وکذا المجنون ، والکافر وإن

______________________________________________________

وشبههما ، ما لم یحصل لهم الإقامة عشرة ).

المراد بشبههما : من کان السفر عمله کالتاجر والجمّال ، وبإقامة العشرة : الإقامة القاطعة لکثرة السفر ، وقد تقدم الکلام فی ذلک مستوفی فی کتاب الصلاة.

قوله : ( والخلو من الحیض والنفاس ، فلا یجب علیهما ، ولا یصح منهما ، وعلیهما القضاء ).

هذه الأحکام کلها إجماعیة ، والنصوص بها مستفیضة (1) ، وحکی العلامة فی المنتهی عن شاذ من العامة قولا بوجوب الصوم علی الحائض والنفساء وإن وجب علیهما الإفطار ، لوجوب الصوم علی الحائض والنفساء وإن وجب علیهما الإفطار ، لوجوب القضاء علیهما ، قال : وهو خطأ ، لأن وجوب الصوم مع وجوب الإفطار مما یتنافیان ، ووجوب القضاء بأمر جدید لا بالأمر السابق (2).

قوله : ( الثانی ، ما باعتباره یجب القضاء ، وهو ثلاثة شروط : البلوغ ، وکمال العقل ، والإسلام ، فلا یجب علی الصبی القضاء إلا الیوم الذی بلغ فیه قبل طلوع فجره ، وکذا المجنون ، والکافر وإن وجب

اشتراط الخلو من الحیض والنفاس

قضاء الصوم

شروط وجوب القضاء

ص: 200


1- الوسائل 7 : 162 أبواب من یصح من الصوم ب 25.
2- المنتهی 2 : 600.

وجب علیه ، لکن لا یجب القضاء إلا ما أدرک فجره مسلما.

______________________________________________________

علیه ، لکن لا یجب القضاء إلا ما أدرک فجره مسلما ).

لا خلاف فی سقوط القضاء عن الصبی والمجنون والکافر ، بعد البلوغ والإقامة والإسلام ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل قوله علیه السلام : « رفع القلم عن ثلاثة ، عن الصبی حتی یبلغ ، وعن النائم حتی یستیقظ ، وعن المجنون حتی یفیق » (1) وقوله علیه السلام : « الإسلام یجبّ ما قبله » (2).

ویدل علی سقوط القضاء عن الکافر أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن رجل أسلم فی النصف من شهر رمضان ، ما علیه من صیامه؟ قال : « لیس علیه إلا ما أسلم فیه » (3).

وفی الصحیح عن عیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قوم أسلموا فی شهر رمضان وقد مضی منه أیام ، هل علیهم أن یقضوا ما مضی منه؟ أو یومهم الذی أسلموا فیه؟ قال : « لیس علیهم قضاء ، ولا یومهم الذی أسلموا فیه ، إلا أن یکونوا أسلموا قبل طلوع الفجر » (4).

والمراد بالکافر : الأصلی ، أما غیره کالمرتد ومن انتحل الإسلام

ص: 201


1- الخصال : 93 - 40 ، غوالی اللئالی 1 : 209 - 48 ، الوسائل 1 : 32 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
2- غوالی اللآلی 2 : 224 - 38 ، مسند أحمد 4 : 199 ، 204 ، 205.
3- التهذیب 4 : 245 - 727 ، الإستبصار 2 : 107 - 348 ، الوسائل 7 : 239 أبواب أحکام شهر رمضان ب 22 ح 2.
4- الکافی 4 : 125 - 3 ، الفقیه 2 : 80 - 357 ، التهذیب 4 : 245 - 728 ، الإستبصار 2 : 107 - 349 ، الوسائل 7 : 238 أبواب أحکام شهر رمضان ب 22 ح 1.

______________________________________________________

من الفرق المحکوم بکفرها ، کالخوارج والغلاة فیجب علیهم القضاء قطعا.

ولو استبصر المخالف وجب علیه قضاء ما فاته من العبادات دون ما أتی به ، سوی الزکاة ، أما قضاء الفائت فلعموم الروایات المتضمنة لذلک المتناولة للمخالف وغیره ، وأما أنه لا یجب علیه قضاء ما أتی به صحیحا عنده سوی الزکاة فیدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم وبرید والفضیل وزرارة ، عنهما علیهماالسلام : فی الرجل یکون فی بعض هذه الأهواء کالحروریة والمرجئة والعثمانیة والقدریة ثم یتوب ویعرف هذا الأمر ویحسن رأیه ، أیعید کل صلاة صلاها أو صوم أو زکاة أو حج أو لیس علیه إعادة شی ء؟ قال : « لیس علیه إعادة شی ء من ذلک غیر الزکاة ، فإنه لا بد أن یؤدیها ، لأنه وضع الزکاة فی غیر موضعها ، وإنما موضعها أهل الولایة » (1).

واعلم أن سقوط القضاء عن المخالف بعد استبصاره إنما هو تفضّل من الله سبحانه ، کما تفضل علی الکافر الأصلی بسقوط القضاء ، لا لصحة عبادته ، فإن الحق أنه لا ینتفع بشی ء من أعماله إذا مات علی خلافه ، وإن فرض استجماعها لشرائط الصحة عدا الإیمان ، للأخبار المستفیضة الدالة علی ذلک ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، وهی طویلة قال فی آخرها : « وکذلک والله یا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله ظاهر عادل أصبح ضالا تائها ، وإن مات علی هذه الحال مات میتة کفر ونفاق ، وأعلم یا محمد أن أئمة

ص: 202


1- التهذیب 4 : 54 - 143 ، الوسائل 6 : 148 أبواب المستحقین للزکاة ب 3 ح 2.

ولو أسلم فی أثناء الیوم أمسک استحبابا. ویصوم ما یستقبله وجوبا ، وقیل : یصوم إذا أسلم قبل الزوال ، وإن ترک قضی ، والأول أشبه.

______________________________________________________

الجور وأتباعهم لمعزولون عن دین الله ، قد ضلوا وأضلوا ، فأعمالهم التی یعملونها کرماد اشتدت به الریح فی یوم عاصف لا یقدرون مما کسبوا علی شی ء ذلک هو الضلال البعید » (1).

وصحیحة أبی حمزة الثمالی قال ، قال لنا علی بن الحسین صلوات الله علیه : « أی البقاع أفضل؟ » قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : « إن أفضل البقاع ما بین الرکن والمقام ، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح فی قومه ألف سنة إلا خمسین عاما یصوم النهار ویقوم اللیل فی ذلک المکان ثم لقی الله بغیر ولایتنا لم ینتفع بذلک شیئا » (2) وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة.

قوله : ( ولو أسلم فی أثناء النهار أمسک استحبابا ، ویصوم ما یستقبله ، وقیل : یصوم إذا أسلم قبل الزوال ، وإن ترک قضی ، والأول أشبه ).

ما اختاره المصنف قول معظم الأصحاب ، واستدلوا علیه بقوله علیه السلام فی صحیحة العیص المتقدمة : « لیس علیهم قضاء ، ولا یومهم الذی أسلموا فیه ، إلا أن یکونوا أسلموا قبل طلوع الفجر » (3).

والقول بوجوب الأداء إذا أسلم قبل الزوال ومع الإخلال به فالقضاء

حکم من أسلم أثناء النهار

ص: 203


1- الکافی 1 : 183 - 8 ، الوسائل 1 : 90 أبواب مقدمة العبادات ب 29 ح 1.
2- الفقیه 2 : 159 - 686 ، عقاب الأعمال : 244 - 2 ، مجالس الطوسی : 131 ، الوسائل 1 : 93 أبواب مقدمة العبادات ب 29 ح 12.
3- الکافی 4 : 125 - 3 ، الفقیه 3 ، 2 : 80 - 357 ، التهذیب 4 : 245 - 728 ، الإستبصار 2 : 107 - 349 ، الوسائل 7 : 238 أبواب أحکام شهر رمضان ب 22 ح 1.

الثالث : ما یلحقه من الأحکام

من فاته شهر رمضان ، أو شی ء منه ، لصغر أو جنون أو کفر أصلی فلا قضاء علیه. وکذا إن فاته لإغماء ، وقیل : یقضی ما لم ینو قبل إغمائه ، والأول أظهر.

ویجب القضاء علی المرتد ، سواء کان عن فطرة أو عن کفر.

______________________________________________________

للشیخ فی المبسوط (1) ، وقواه فی المعتبر ، لإطلاق الأمر بالصوم ، وبقاء وقت النیة علی وجه یسری حکمها إلی أول النهار ، کالمریض والمسافر (2). وهو جید لو لا ورود الروایة بعدم الوجوب.

قوله : ( الثالث ، ما یلحقه من الأحکام : من فاته شهر رمضان أو شی ء منه لصغر أو جنون أو کفر أصلی فلا قضاء علیه ، وکذا إذا فاته لإغماء ، وقیل : یقضی ما لم ینو قبل إغمائه ، والأول أظهر ).

قد تقدم الکلام فی ذلک وأن الأصح سقوط القضاء عن الجمیع (3).

قوله : ( ولا یجب القضاء علی المرتد ، سواء کان عن فطرة أو عن کفر ).

إنما وجب القضاء علی المرتد بنوعیه لعموم الأدلة الدالة علی وجوب قضاء ما فات من الصیام ، المتناولة للمرتد وغیره ، السلیمة من المعارض. وقد یحصل التوقف فی وجوب القضاء علی المرتد عن فطرة إن قلنا بعدم قبول توبته باطنا ، لامتناع ذلک منه ، فیستحیل التکلیف به ، بل یتوجه علی ذلک سقوط التکالیف کلها عنه ، وهو مشکل جدا ،

وجوب القضاء علی المرتد

ص: 204


1- المبسوط 1 : 286.
2- المعتبر 2 : 711.
3- راجع ص 201.

والحائض ، والنفساء ،

______________________________________________________

والأصح قبول توبته باطنا کما سیجی ء بیانه.

قال فی المعتبر : ولو عقد الصوم مسلما ثم ارتد ثم عاد لم یفسد صومه ، وقال الشافعی : یفسد فی أحد قولیه ، لقوله تعالی ( وَلَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَإِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ ) (1) وقلنا : شرط الإحباط أن یموت علی الشرک (2). هذا کلامه رحمه الله ، وما ذکره من عدم بطلان الصوم بالارتداد مذهب الشیخ (3) وابن إدریس (4) وجماعة.

وقطع العلامة فی جملة من کتبه (5) ، والشهید فی الدروس بأن ذلک مفسد للصوم (6) ، لأن الإسلام شرط وقد فات فیفوت مشروطه ، ویلزم من فساد الجزء فساد الکل ، لأن الصوم عبادة واحدة لا تقبل التجزی ، ولا یخلو من قوة.

قوله : ( والحائض والنفساء ).

هذا موضع وفاق بین العلماء ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « الحائض لیس علیها أن تقضی الصلاة ، وعلیها أن تقضی صوم شهر رمضان » (7).

وجوب القضاء علی الحائض والنفساء

ص: 205


1- الزمر : 65.
2- المعتبر 2 : 697.
3- المبسوط 1 : 266.
4- السرائر : 82.
5- المنتهی 2 : 580 ، والمختلف : 229.
6- الدروس : 71.
7- التهذیب 1 : 160 - 459 ، الوسائل 2 : 589 أبواب الحیض ب 41 ح 2.

وکل تارک له بعد وجوبه علیه إذا لم یقم مقامه غیره.

______________________________________________________

وفی الحسن عن الحسن بن راشد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الحائض تقضی الصلاة؟ قال : « لا » قلت : تقضی الصوم؟ قال : « نعم » قلت : من أین جاء هذا؟ قال : « إن أول من قاس إبلیس » (1).

قوله : ( وکل تارک له بعد وجوبه علیه إذا لم یقم مقامه غیره ).

أراد بذلک إخراج نحو الشیخ والشیخة وذی العطاش ومن استمر به المرض إلی رمضان آخر ، فإن الفدیة تقوم مقام القضاء.

ولا یخفی أنه یخرج من هذه الکلیة النائم والساهی ، فإنهما غیر مخاطبین بالأداء إذا حصل عذرهما فی مجموع النهار مع وجوب القضاء علیهما قطعا ، فلو قال : وکل تارک له بعد بلوغه وعقله ، لکان أشمل.

ویدل علی وجوب القضاء علی الجمیع مضافا إلی ما سبق فی تضاعیف هذا الکتاب ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کان علی الرجل شی ء من صوم شهر رمضان فلیقضه فی أی الشهور شاء » (2).

وفی الصحیح عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من أفطر شیئا من رمضان فی عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل ، وإن قضاه متفرقا فحسن » (3).

وجوب القضاء علی تارک الصوم

ص: 206


1- الکافی 3 : 104 - 2 ، التهذیب 4 : 267 - 807 ، الإستبصار 2 : 93 - 301 ، الوسائل 2 : 589 أبواب الحیض ب 41 ح 3.
2- التهذیب 4 : 274 - 828 الإستبصار 2 : 117 - 380 الوسائل 7 : 249 أبواب أحکام شهر رمضان ب 26 ح 5.
3- الکافی 4 : 120 - 3 ، التهذیب 4 : 274 - 829 ، الإستبصار 2 : 117 - 381 ، الوسائل 7 : 249 أبواب أحکام شهر رمضان ب 26 ح 4.

وتستحب الموالاة فی القضاء احتیاطا للبراءة ، وقیل : بل یستحب التفریق للفرق ، وقیل : یتابع فی ستة ویفرّق الباقی للروایة ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وتستحب الموالاة فی القضاء احتیاطا للبراءة ، وقیل : بل یستحب التفریق للفرق ، وقیل : یتابع فی ستة ویفرّق الباقی للروایة ، والأول أحوط ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من استحباب الموالاة فی القضاء قول أکثر الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی ما أشار إلیه المصنف من الاحتیاط للبراءة العمومات المتضمنة لرجحان المسابقة إلی الخیرات ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کان علی الرجل شی ء من صوم شهر رمضان فلیقضه فی أی الشهور شاء ، أیاما متتابعة ، فإن لم یستطع فلیقضه کیف شاء ولیحص الأیام ، فإن فرّق فحسن ، وإن تابع فحسن » قال ، قلت : أرأیت إن بقی علیه شی ء من صوم رمضان ، أیقضیه فی ذی الحجة؟ قال : « نعم » (1).

وفی الصحیح عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أفطر شیئا من شهر رمضان فی عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل ، وإن قضاه متفرقا فحسن » (2) وهما نص فی المطلوب.

والقول باستحباب التفریق حکاه ابن إدریس فی سرائره عن بعض الأصحاب (3) ، وربما ظهر من کلام المفید فی المقنعة المیل إلیه ، فإنه قال بعد أن حکم بالتخییر بین التتابع والتفریق : وقد روی عن الصادق علیه السلام إذا کان علیه یومان فصل بینهما بیوم ، وکذا إن کان علیه

استحباب الموالاة فی القضاء

ص: 207


1- المتقدمتان فی ص 206.
2- المتقدمتان فی ص 206.
3- السرائر : 93.

______________________________________________________

خمسة أیام وما زاد ، فإن کان علیه عشرة أو أکثر تابع بین الثمانیة إن شاء ثم فرّق الباقی ، والوجه فی ذلک أنه إن تابع بین الصیام فی القضاء لم یکن فرق بین الشهر فی صومه وبین القضاء ، فأوجبت السنة الفصل بین الأیام لیقع الفرق بین الأمرین (1). انتهی کلامه رحمه الله .

وما ذکره من ورود السنة بالفصل بین الأیام لیقع الفرق بین الأداء والقضاء لم نقف علیه فی شی ء من الأصول ، وهو أعلم بما قال.

والقول بالتتابع فی السنة والتفریق فی البواقی حکاه ابن إدریس أیضا عن بعض الأصحاب (2) ، وذکر المصنف أنه مروی (3) ، ولعله أشار بذلک إلی ما رواه الشیخ ، عن عمار بن موسی الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون علیه أیام من شهر رمضان کیف یقضیها؟ قال : « إن کان علیه یومان فلیفطر بینهما یوما ، وإن کان علیه خمسة أیام فلیفطر بینها أیاما ، ولیس له أن یصوم أکثر من ستة أیام متوالیة ، وإن کان علیه ثمانیة أیام أو عشرة أفطر بینها یوما » (4) وهذه الروایة ضعیفة السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة فلا تصلح لمعارضة الأخبار السلیمة المطابقة لظاهر القرآن.

وهنا مباحث :

الأول : المعروف من مذهب الأصحاب أن وجوب قضاء الصوم علی التراخی لا علی الفور. وربما ظهر من عبارة أبی الصلاح وجوبه

قضاء الصوم علی التراخی

ص: 208


1- المقنعة : 57.
2- السرائر : 93.
3- الشرائع 1 : 203.
4- التهذیب 4 : 275 - 831 ، الإستبصار 2 : 118 - 383 ، الوسائل 7 : 249 أبواب أحکام شهر رمضان ب 26 ح 6.

______________________________________________________

علی الفور فإنه قال : یلزم من یتعین علیه فرض القضاء لشی ء من شهر رمضان أن یبادر به فی أول أحوال الإمکان (1). ویدفعه صریحا صحیحتا الحلبی وابن سنان المتقدمتان (2) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کنّ نساء النبی صلی الله علیه و آله إذا کان علیهن صیام أخّرن ذلک إلی شعبان ، کراهة أن یمنعن رسول الله صلی الله علیه و آله ، فإذا کان شعبان صمن ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : شعبان شهری » (3).

الثانی : ذکر العلامة - رحمه الله - فی التذکرة وغیره أنه لا یجب الترتیب فی قضاء الصوم ، فلو قدم آخره جاز (4). وهو کذلک ، تمسکا بمقتضی الأصل السلیم من المعارض.

نعم ذکر الشارح أن الأفضل تقدیم الأول فالأول (5). واستشکله الشهید فی الدروس فقال : وهل یستحب نیة الأول فالأول؟ إشکال (6). وربما کان منشأ الإشکال من تساوی الأیام فی التعلق بالذمة مع انتفاء النص علی تقدیم بعضها علی بعض ، ومن سبق الأول فی الذمة فکان أولی بالمبادرة. ولا یخفی ضعف الوجه الثانی من وجهی الإشکال ، إلا أن الأمر فی ذلک هین.

وکما لا یعتبر الترتیب بین الأیام فی الواجب المعین ، فکذا لا

عدم وجوب الترتیب فی القضاء

ص: 209


1- الکافی فی الفقه : 184.
2- فی ص 206.
3- التهذیب 4 : 316 - 960 ، الوسائل 7 : 360 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 2.
4- التذکرة 1 : 276.
5- المسالک 1 : 77.
6- الدروس : 73.

______________________________________________________

یعتبر بین أفراد الواجب کالقضاء والکفارة. وقال ابن أبی عقیل : لا یجوز صوم عن نذر أو کفارة لمن علیه قضاء من شهر رمضان حتی یقضیه (1). ولم نقف علی مأخذه.

الثالث : اختلف الأصحاب فی جواز التطوع بالصوم ممن فی ذمته واجب ، فمنعه الأکثر ، واختاره المرتضی - رضی الله عنه (2) - وجماعة منهم العلامة فی القواعد (3). وربما ظهر من کلام الکلینی اختصاص المنع بما إذا کان الواجب من قضاء رمضان (4). وهو المعتمد.

لنا علی الجواز فی غیره التمسک بمقتضی الأصل ، وعلی المنع فیه ما رواه الکلینی - رضی الله عنه - فی الحسن ، عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل علیه من شهر رمضان طائفة ، أیتطوع؟ قال : « لا حتی یقضی ما علیه من شهر رمضان » (5).

وعن أبی الصباح الکنانی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل علیه من شهر رمضان أیام ، أیتطوع؟ قال : « لا حتی یقضی ما علیه من شهر رمضان » (6).

والظاهر أن المنع من التطوع مع اشتغال الذمة بالصوم الواجب عند من قال به إنما یتحقق حیث یمکن فعله ، فلو کان بحیث لا یمکن صوم

حکم التطوع لمن علیه صوم واجب

ص: 210


1- حکاه عنه فی المختلف : 247.
2- رسائل الشریف المرتضی 2 : 366.
3- القواعد 1 : 68.
4- الکافی 4 : 123 - 2 ، الوسائل 7 : 253 أبواب أحکام شهر رمضان ب 28 ح 5.
5- الکافی 4 : 123 - 2 ، الوسائل 7 : 253 أبواب أحکام شهر رمضان ب 28 ح 5.
6- الکافی 4 : 123 - 1 ، الوسائل 7 : 253 أبواب أحکام شهر رمضان ب 28 ح 6.

وفی هذا الباب مسائل :

الأولی : من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض ، فإن مات فی مرضه لم یقض عنه وجوبا ، واستحب.

______________________________________________________

شعبان ندبا لمن علیه کفارة کبیرة جاز صومه ، کما نبه علیه فی الدروس (1).

قوله : ( الأولی ، من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض ، فإن مات فی مرضه لم یقض عنه وجوبا ، واستحب ).

أما أن من هذا شأنه لا یجب القضاء عنه فقال العلامة فی المنتهی : إنه قول العلماء کافة (2). ویدل علیه روایات کثیرة ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن رجل أدرکه رمضان وهو مریض فتوفی قبل أن یبرأ ، قال : لیس علیه شی ء ، ولکن یقضی عن الذی یبرأ ثم یموت قبل أن یقضی » (3).

وعن منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المریض فی شهر رمضان فلا یصح حتی یموت ، قال : « لا یقضی عنه » والحائض تموت فی شهر رمضان ، قال : « لا یقضی عنها » (4).

وفی الموثق عن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل دخل علیه شهر رمضان وهو مریض لا یقدر علی

حکم المریض فی القضاء

ص: 211


1- الدروس : 75.
2- المنتهی 2 : 603.
3- التهذیب 4 : 248 - 738 ، الإستبصار 2 : 110 - 359 ، الوسائل 7 : 240 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 2.
4- التهذیب 4 : 247 - 734 ، الإستبصار 2 : 108 - 353 ، الوسائل 7 : 242 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 9.

______________________________________________________

الصیام فمات فی شهر رمضان أو فی شهر رمضان ولم تقدر علی الصوم فماتت فی شهر رمضان أو فی شوال فقال : « لا صیام علیه ولا قضاء عنه » قلت : فامرأة نفساء دخل شهر رمضان ولم تقدر علی الصوم فماتت فی شهر رمضان أو فی شوال؟ فقال : « لا یقضی عنها » (1).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن أبی مریم الأنصاری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صام الرجل شیئا من شهر رمضان ثم لم یزل مریضا حتی مات فلیس علیه قضاء ، وإن صح ثم مات وکان له مال تصدق عنه مکان کل یوم بمد ، فإن لم یکون له مال صام عنه ولیه » (2).

وأما استحباب القضاء عنه فأسنده فی المنتهی إلی الأصحاب ، واستحسنه ، واستدل علیه بأنه طاعة فعلت عن المیت فوصل إلیه ثوابها (3). وهو استدلال ضعیف ، إذ لیس الکلام فی جواز التطوع بالصوم وإهداء ثوابه إلی المیت ، بل فی قضاء الفائت عنه ، والحکم بشرعیته یتوقف علی الدلیل ، لأن الوظائف الشرعیة إنما تستفاد من النقل ، ولم یرد التعبد بذلک ، بل مقتضی الأخبار المتقدمة عدم مشروعیة القضاء.

وأوضح من ذلک دلالة ما رواه الکلینی ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة مرضت فی شهر رمضان

ص: 212


1- التهذیب 4 : 247 - 733 ، الإستبصار 2 : 108 - 352 ، الوسائل 7 : 242 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 10.
2- الفقیه 2 : 98 - 439 وفیه : وإن صح ثم مرض ثم مات. ، الوسائل 7 : 241 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 7.
3- المنتهی 2 : 603.

وإن استمر به المرض إلی رمضان آخر سقط قضاؤه علی الأظهر ، وکفّر عن کل یوم من السالف بمدّ من طعام.

______________________________________________________

وماتت فی شوال فأوصتنی أن أقضی عنها ، قال : « هل برئت من مرضها؟ » قلت : لا ، ماتت فیه ، قال : « لا تقض عنها ، فإنّ الله لم یجعله علیها » قلت : فإنی اشتهی أن أقضی عنها وقد أوصتنی بذلک ، قال : « فکیف تقضی شیئا لم یجعله الله علیها ، فإن اشتهیت أن تصوم لنفسک فصم » (1).

قوله : ( وإن استمر به المرض إلی رمضان آخر سقط قضاؤه علی الأظهر ، وکفّر عن کل یوم من السالف بمد من طعام ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من سقوط القضاء ووجوب التکفیر مع استمرار المرض إلی الرمضان الثانی قول أکثر الأصحاب ، وعلیه دلت الأخبار الکثیرة کصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یمرض فیدرکه شهر رمضان ویخرج عنه وهو مریض فلا یصح حتی درکه شهر رمضان آخر ، قال : « یتصدق عن الأول ویصوم الثانی ، وإن کان صح فیما بینهما ولم یصم حتی أدرکه شهر رمضان آخر صامهما جمیعا وتصدق عن الأول » (2).

وحسنة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام ، قال : سألتهما عن رجل مرض فلم یصم حتی أدرکه شهر رمضان آخر فقالا : « إن کان قد برأ ثم توانی قبل أن یدرکه رمضان الآخر صام الذی أدرکه وتصدق عن کل یوم بمد من طعام علی مسکین

ص: 213


1- الکافی 4 : 137 - 8 ، الوسائل 7 : 242 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 12.
2- الکافی 4 : 119 - 2 ، الفقیه 2 : 95 - 429 ، التهذیب 4 : 250 - 744 ، الإستبصار 2 : 111 - 362 ، الوسائل 7 : 245 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25 ح 2.

______________________________________________________

وعلیه صیامه ، وإن کان لم یزل مریضا حتی أدرکه رمضان آخر صام الذی أدرکه وتصدق عن الأول لکل یوم مدا علی مسکین ، ولیس علیه قضاء » (1) ونحوه روی أبو الصباح الکنانی عن أبی عبد الله علیه السلام (2) ، وعلی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام (3).

قال فی المعتبر : ومع ظهور هذه الأخبار واشتهارها وسلامتها من المعارض یجب العمل بها (4).

وحکی المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی عن أبی جعفر بن بابویه أنه أوجب فی هذه الصورة القضاء دون الصدقة (5). وحکاه فی المختلف عن غیره من الأصحاب أیضا ، واستدل له بعموم الآیة الشریفة (6). وقواه فی المنتهی محتجا بأن الأحادیث التی استدل بها علی سقوط القضاء المرویة من طریق الآحاد لا تعارض الآیة. وهو مخالف لما قرره فی الأصول من أن عموم الکتاب یخص بخبر الواحد ، ثم قال رحمه الله : وقولهم أن وقت القضاء بین الرمضانین ممنوع ، ووجوب القضاء فیه لا یستلزم تعینه له ، ولهذا لو فرط وجب قضاؤه بعد الرمضان الثانی (7). وهو جید لو لا ورود الأخبار المستفیضة بسقوط القضاء (8).

ص: 214


1- الکافی 4 : 119 - 1 ، التهذیب 4 : 250 - 743 ، الإستبصار 2 : 110 - 361 ، الوسائل 7 : 244 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25 ح 1.
2- الکافی 4 : 120 - 3 ، التهذیب 4 : 251 - 745 ، الإستبصار 2 : 111 - 363 ، الوسائل 7 : 245 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25 ح 3. بتفاوت بین المصادر.
3- قرب الإسناد : 103 ، الوسائل 7 : 247 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25 ح 9.
4- المعتبر 2 : 700.
5- المعتبر 2 : 699 ، والمنتهی 2 : 603.
6- المختلف : 240.
7- المنتهی 2 : 603.
8- الوسائل 7 : 244 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25.

______________________________________________________

وحکی الشهید فی الدروس عن ابن الجنید أنه احتاط بالجمع بین القضاء والصدقة ، قال : وهو مروی (1). ولعله أشار بذلک إلی ما رواه الشیخ ، عن سماعة ، قال : سألته عن رجل أدرکه رمضان وعلیه رمضان قبل ذلک لم یصمه فقال : « یتصدق بدل کل یوم من الرمضان الذی علیه بمد من طعام ، ولیصم هذا الذی أدرک ، فإذا أفطر فلیصم رمضان الذی کان علیه ، فإنی کنت مریضا فمر علیّ ثلاث رمضانات لم أصح فیهن ثم أدرکت رمضانا فتصدقت بدل کل یوم مما مضی بمد من طعام ، ثم عافانی الله وصمتهن » (2).

والجواب أولا بالطعن فی السند ، وثانیا بالحمل علی الاستحباب توفیقا بین الأدلة ، ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أفطر شیئا من رمضان فی عذر ثم أدرکه رمضان آخر وهو مریض فلیتصدق بمد لکل یوم ، وأما أنا فإنی صمت وتصدقت » (3).

واعلم أن العلامة - رحمه الله - فی التحریر قال بعد أن قوّی ما ذهب إلیه ابن بابویه من وجوب القضاء دون التکفیر ، ونقل عن الشیخین القول بوجوب التکفیر دون القضاء : وعلی قول الشیخین لو صام ولم یکفر فالوجه الإجزاء (4). ومقتضی ذلک کون الثابت عندهما التخییر بین

ص: 215


1- الدروس : 77.
2- التهذیب 4 : 251 - 747 ، الإستبصار 2 : 112 - 366 ، الوسائل 7 : 245 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25 ح 5.
3- التهذیب 4 : 252 - 748 ، الإستبصار 2 : 112 - 367 ، الوسائل 7 : 245 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25 ح 4.
4- التحریر 1 : 83.

______________________________________________________

والقضاء والتکفیر لا تعین التکفیر ، وهو خلاف ما صرحوا به ودلت علیه أدلتهم.

وهنا مباحث :

الأول : اختلف القائلون بوجوب الصدقة فیما یجب التصدق به ، فذهب الأکثر إلی أنه مد لکل یوم ، وهو الأصح ، لروایتی ابن سنان وابن مسلم المتقدمتین (1).

وقال الشیخ فی النهایة : یتصدق عن کل یوم بمدین من طعام ، فإن لم یمکنه فبمد (2). واستدل له فی المختلف بأن نصف الصاع بدل عن الیوم فی کفارة جزاء الصید ، فیکون کذلک هنا ، بل هذا آکد ، فإن صوم شهر رمضان آکد من غیره ، وإذا کان نصف الصاع بدلا عن الأول امتنع فی الحکمة أن یکون المد الذی هو ربع الصاع بدلا عن الآکد ، ثم رده بأنه اجتهاد فی مقابلة النص فلا یکون مسموعا (3) ، وهو کذلک.

الثانی : هل یتعدی هذا الحکم - أعنی سقوط القضاء ولزوم الکفارة - إلی من فاته الصوم بغیر المرض ثم حصل له المرض المستمر أم لا؟ قیل : نعم ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی الخلاف (4) ، وربما کان مستنده قوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان المتقدمة : « من أفطر شیئا من رمضان فی عذر ثم أدرکه رمضان آخر وهو مریض فلیتصدق بمد لکل یوم » (5) فإن العذر یتناول المرض وغیره.

بعض احکام الکفارة علی المریض

ص: 216


1- فی ص 213.
2- النهایة : 158.
3- المختلف : 240.
4- الخلاف 1 : 395.
5- التهذیب 4 : 252 - 748 ، الإستبصار 2 : 112 - 367 ، الوسائل 7 : 245 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25 ح 4.

______________________________________________________

وقیل : لا ، وبه قطع العلامة فی المختلف ، تمسکا بعموم ما دل علی وجوب القضاء السالم من معارضة النصوص المسقطة ، لاختصاصها بالمرض. وأجاب عن روایة ابن سنان بأنها لا تنهض حجة فی معارضة عموم ( الآیة الدال ) (1) علی وجوب القضاء ، لأن قوله علیه السلام : « من أفطر شیئا من رمضان فی عذر » وإن کان مطلقا إلا أن قوله علیه السلام : « ثم أدرکه رمضان آخر وهو مریض » یشعر بأن هذا هو العذر (2). وما ذکره رحمه الله لا یخلو من وجه ، وإن کان القول بالتسویة أوجه.

الثالث : لو کان الفوات بالمرض والمانع من القضاء غیره کالسفر الضروری فهل یتعدی إلیه هذا الحکم أم لا؟ الأصح العدم ، لاختصاص النقل بما إذا کان المانع من القضاء استمرار المرض ، وأولی بوجوب القضاء ما لو کان الفوات بغیر المرض.

الرابع : لا تتکرر الفدیة بتکرر السنین ، لأصالة البراءة السالمة من المعارض ، وهو خیرة المنتهی بعد التردد (3). وجزم فی التذکرة بالتکرر (4) ، وهو ضعیف.

الخامس : لا فرق بین فوات رمضان واحد أو أکثر ، کما نص علیه الشیخ (5) وغیره (6) ، قال فی الدروس : وقد یظهر من ابن بابویه - رحمه

ص: 217


1- فی « ح » : الأدلة الدالة.
2- المختلف : 241.
3- المنتهی 2 : 603.
4- التذکرة 1 : 275.
5- الخلاف 1 : 396 ، والمبسوط 1 : 286.
6- کالعلامة فی التحریر 1 : 83.

وإن برأ بینهما وأخّره عازما علی القضاء قضاه ولا کفارة. وإن ترکه تهاونا قضاه وکفّر عن کل یوم من السالف بمدّ من طعام.

______________________________________________________

الله - أن الرمضان الثانی یقضی بعد الثالث وإن استمر المرض ، ولا وجه له (1).

السادس : ذکر الشهید فی الدروس (2) ومن تأخر عنه (3) أن مستحق هذه الصدقة مستحق الزکاة لحاجته. والأجود اختصاصها بالمساکین ، کما تضمنته روایة ابن مسلم (4) ، وقد بینا فیما سبق أن المسکین أسوأ حالا من الفقیر ، وأن ما ذکره الشارح وغیره من دخول أحدهما تحت الآخر حیث ذکر منفردا غیر واضح.

قوله : ( وإن برأ بینهما وأخّره عازما علی القضاء قضاه ولا کفارة ، وإن ترکه تهاونا قضاه وکفّر عن کل یوم من السالف بمد من طعام ).

یلوح من العبارة أن المراد بالمتهاون غیر العازم علی القضاء فیکون غیر المتهاون العازم علی القضاء وإن أخره لغیر عذر ، والعرف یأباه ، والأخبار لا تساعد علیه. والأصح ما أطلقه الصدوقان (5) واختاره المصنف فی المعتبر (6) والشهیدان (7) من وجوب القضاء والفدیة علی من برأ من مرضه وأخر القضاء توانیا من غیر عذر حتی دخل رمضان الثانی ،

ص: 218


1- الدروس : 77.
2- الدروس : 77.
3- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 78.
4- الکافی 4 : 119 - 1 ، التهذیب 4 : 250 - 743 ، الإستبصار 2 : 110 - 361 ، الوسائل 7 : 244 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25 ح 1.
5- الصدوق فی المقنع : 64 ، وحکاه عن والد الصدوق فی المختلف : 240.
6- المعتبر 2 : 698.
7- الشهید الأول فی الدروس : 77 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 78 ، والروضة 2 : 122.

______________________________________________________

سواء عزم علی القضاء أم لا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة المتقدمة : « وإن کان صح فیما بینهما ولم یصم حتی أدرکه شهر رمضان آخر صامهما جمیعا وتصدق عن الأول » (1).

وفی روایة أبی الصباح الکنانی : « إن کان صح فیما بین ذلک ثم لم یقضه حتی أدرکه رمضان قابل فإن علیه أن یصوم وأن یطعم لکل یوم مسکینا » (2).

وفی حسنة محمد بن مسلم : « إن کان برأ ثم توانی قبل أن یدرکه الرمضان الآخر صام الذی أدرکه وتصدق عن الأول ، عن کل یوم بمد من طعام علی مسکین ، وعلیه قضاؤه » (3).

وبهذه الروایة استدل العلامة فی المختلف علی القول بالفرق بین العازم علی القضاء وغیره (4) ، وهی لا تدل علی ذلک بوجه ، بل مقتضی جعل دوام المرض فیها قسیما للتوانی أن المراد بالمتوانی التارک للقضاء مع القدرة علیه کما دل علیه إطلاق صحیحة زرارة وغیرها.

ونقل عن ابن إدریس أنه خالف فی هذا الحکم فأوجب القضاء دون الکفارة وإن توانی (5) ، وهو جید علی مذهبه ، فإن وجوب التکفیر إنما ورد من طریق الآحاد ، وهو غیر حجة عنده. وبالغ المصنف فی

ص: 219


1- فی ص 213.
2- الکافی 4 : 120 - 3 ، التهذیب 4 : 251 - 745 ، الإستبصار 2 : 111 - 363 ، الوسائل 7 : 245 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25 ح 3.
3- الکافی 4 : 119 - 1 ، التهذیب 4 : 250 - 743 ، الإستبصار 2 : 110 - 361 ، الوسائل 7 : 244 أبواب أحکام شهر رمضان ب 25 ح 1.
4- المختلف : 240.
5- السرائر : 90.

الثانیة : یجب علی الولی أن یقضی ما فات المیت من صیام واجب ، رمضان کان أو غیره ، سواء فات لمرض أو غیره.

______________________________________________________

المعتبر فی إنکاره فقال : ولا عبرة بخلاف بعض المتأخرین فی إیجاب الکفارة هنا ، فإنه ارتکب ما لم یذهب إلیه أحد من فقهاء الإمامیة فیما علمت. ثم نقل ما أوردناه من الروایات عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبی الصباح الکنانی ، وقال : إن هؤلاء فضلاء السلف من الإمامیة ، ولیس لروایتهم معارض إلا ما یحتمل رده إلی ما ذکرناه ، فالراد لذلک متکلف ما لا ضرورة إلیه (1).

واعلم أن ما وصل إلینا من الروایات فی هذا الباب مختص بما إذا کان الفوات بالمرض ، وبمضمونها أفتی أکثر الأصحاب ، لکن العلامة فی المختلف فصل فی ذلک وحکم بتعدی الحکم المذکور إلی غیر المرض إذا کان تأخیر القضاء توانیا ، والاکتفاء بالقضاء إذا کان التأخیر بغیر توان ، واستدل علی الثانی بعموم ما دل علی وجوب القضاء السالم من المعارض ، وعلی الأول بأن الکفارة وجبت فی أعظم الأعذار وهو المرض ، ففی الأدون أولی ، قال : ولیس ذلک من باب القیاس فی شی ء کما توهمه بعضهم ، بل هو من دلالة التنبیه (2). واستجود الشارح - قدس سره - ذلک (3) ، وهو غیر بعید وإن أمکن المناقشة فی هذا الاستدلال بعدم ثبوت تعلیل الأصل کما بیناه مرارا.

قوله : ( الثانیة ، یجب علی الولی أن یقضی ما فات المیت من صیام واجب ، رمضان کان أو غیره ، سواء فات بمرض أو غیره ).

قضاء الولی عن المیت

ص: 220


1- المعتبر 2 : 699.
2- المختلف : 241.
3- المسالک 1 : 78.

______________________________________________________

یندرج فی غیر المرض السفر وغیره من الأعذار وتعمد الترک ، والأصل فی وجوب القضاء ما رواه الکلینی - رضی الله عنه - فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یموت وعلیه صلاة أو صیام ، قال : « یقضی عنه أولی الناس بمیراثه » قلت : فإن کان أولی الناس به امرأة؟ قال : « لا ، إلا الرجال » (1).

وعن حماد بن عثمان ، عمن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یموت وعلیه من شهر رمضان ، من یقضی عنه؟ قال : « أولی الناس به » قلت : وإن کان أولی الناس به امرأة؟ قال : « لا ، إلا الرجال » (2).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن محمد بن الحسن الصفار : إنه کتب إلی أبی محمد الحسن بن علی علیهماالسلام فی رجل مات وعلیه قضاء [ عشرة أیام ] من شهر رمضان ، وله ولیان ، هل یجوز لهما أن یقضیا عنه جمیعا خمسة أیام أحد الولیین ، وخمسة أیام الآخر ، فوقع علیه السلام : « یقضی عنه أکبر ولییه عشرة أیام ولاء إن شاء الله تعالی » (3).

قال الصدوق - رحمه الله - فیمن لا یحضره الفقیه : قال مصنف هذا الکتاب : وهذا التوقیع عندی مع توقیعاته إلی محمد بن الحسن الصفار بخطه علیه السلام .

ص: 221


1- الکافی 4 : 123 - 1 ، الوسائل 7 : 241 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 5.
2- الکافی 4 : 124 - 4 ، الوسائل 7 : 241 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 6.
3- الفقیه 2 : 98 - 441 ، الوسائل 7 : 240 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 3. وما بین المعقوفین من « م » ، « ح » والمصادر.

ولا یقضی الولی إلا ما تمکن المیت من قضائه وأهمله ، إلا ما یفوت بالسفر ، فإنه یقضی ولو مات مسافرا علی روایة.

______________________________________________________

وإطلاق هذه الروایات وما فی معناها یقتضی عدم الفرق بین أن یکون الفوات لعذر أو غیره (1).

وحکی الشهید فی الذکری عن المصنف - رحمه الله - أنه قال فی مسائله البغدادیة المنسوبة إلی سؤال جمال الدین بن حاتم المشغری رحمه الله : الذی ظهر لی أن الولد یلزمه قضاء ما فات المیت من صیام وصلاة لعذر کالمرض والسفر والحیض ، لا ما ترکه عمدا مع قدرته علیه ، ثم قال الشهید رحمه الله : وقد کان شیخنا عمید الدین - قدس الله لطیفه - ینصر هذا القول ، ولا بأس به فإن الروایات تحمل علی الغالب من الترک ، وهو إنما یکون علی هذا الوجه (2). وهو اعتبار حسن.

قوله : ( ولا یقضی الولی إلا ما تمکن المیت من قضائه ، إلا ما یفوت بالسفر ، فإنه یقضی ولو مات مسافرا علی روایة ).

هذا التفصیل ورد فی عدة روایات ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن أبی حمزة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة مرضت فی شهر رمضان ، أو طمثت ، أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل یقضی عنها؟ قال : « أما الطمث والمرض فلا ، وأما السفر فنعم » (3).

وما رواه الشیخ فی الموثق ، عن محمد وهو ابن مسلم ، عن أبی

ص: 222


1- الفقیه 2 : 99.
2- الذکری : 138.
3- الکافی 4 : 137 - 9 ، الوسائل 7 : 241 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 4.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام : فی امرأة مرضت فی شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن یخرج رمضان ، هل یقضی عنها؟ قال : « أما الطمث والمرض فلا ، وأما السفر فنعم » (1).

وعن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یسافر فی شهر رمضان فیموت ، قال : « یقضی عنه ، وإن امرأة حاضت فی رمضان فماتت لم یقض عنها ، والمریض فی رمضان لم یصح حتی مات لا یقضی عنه » (2).

وعلی هذه الروایة اقتصر الشارح - قدس سره - ثم قوّی اعتبار التمکن من القضاء فی المسافر ولو بالإقامة فی أثناء السفر کغیره ، وأجاب عن الروایة بضعف السند وإمکان حملها علی الاستحباب ، أو علی الوجوب لکون السفر معصیة (3). وهو غیر جید ، فإنا قد بینا أن هذا المعنی مستفاد من عدة روایات ، وفیها ما هو صحیح السند ، ولا معارض له ، فیتعین العمل بها.

ویستفاد من إطلاق الأمر بالقضاء عدم الفرق بین من ترک ما یمکن التصدق به عما علیه من الصیام وغیره ، ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - أنه اعتبر فی وجوب القضاء علی الولی أن لا یخلف المیت ما یتصدق به عنه عن کل یوم بمد (4). ویدل علی ما ذکره صریحا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن أبان بن عثمان ، عن أبی مریم الأنصاری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صام الرجل شیئا

ص: 223


1- التهذیب 4 : 249 - 741 ، الوسائل 7 : 243 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 16.
2- التهذیب 4 : 249 - 740 ، الوسائل 7 : 243 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 15.
3- المسالک 1 : 78.
4- الانتصار : 70.

والولی هو أکبر أولاده الذکور ، ولو کان الأکبر أنثی لم یجب علیها القضاء.

______________________________________________________

من شهر رمضان ثم لم یزل مریضا حتی مات فلیس علیه قضاء ، وإن صح ثم مات وکان له مال تصدق عنه ، مکان کل یوم بمد ، فإن لم یکن له مال صام عنه ولیه » (1) وقد روی هذه الروایة کذلک الکلینی - رضی الله عنه - بطریق فیه ضعف (2) ، ورواها الشیخ فی التهذیب بطریق صحیح ، إلا أن متنها مغایر لما فی الکتابین ، فإنه قال فیها : « وإن صح ثم مرض حتی یموت وکان له مال تصدق عنه ، فإن لم یکن له مال تصدق عنه ولیه » (3) وبمضمون هذه الروایة أفتی ابن أبی عقیل ، وادعی فیه تواتر الأخبار (4).

والمسألة قویة الإشکال لاختلاف متن الروایة وإن کان الظاهر ترجیح ما فی الکافی ومن لا یحضره الفقیه کما یعلمه من یقف علی حقیقة هذه الکتب.

قال فی المعتبر : وأنکر بعض المتأخرین الصدقة عن المیت ، ورغم أنه لم یذهب إلی القول بها محقق ، ولیس ما قاله صوابا مع وجود الروایة الصریحة المشتهرة ، وفتوی الفضلاء من الأصحاب ، ودعوی علم الهدی الإجماع علی ما ذکره ، فلا أقل من أن یکون قولا ظاهرا بینهم ، فدعوی المتأخر أن محققا لم یذهب إلیه تهجم (5).

قوله : ( والولی هو أکبر أولاده الذکور ، ولو کان الأکبر أنثی لم یجب علیها القضاء ).

ص: 224


1- الفقیه 2 : 98 - 439 ، الوسائل 7 : 241 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 7.
2- الکافی 4 : 123 - 3.
3- التهذیب 4 : 248 - 735.
4- حکاه عنه فی المختلف : 241.
5- المعتبر 2 : 702.

______________________________________________________

ذکر الشارح (1) وغیره (2) أن المراد بالولد الأکبر من لیس هناک أکبر منه ، فلو لم یخلف المیت إلا ولدا واحدا تعلق به الوجوب.

والقول باختصاص الوجوب بالولد الذکر الأکبر للشیخ (3) وجماعة ، واستدل علیه فی المعتبر بأصالة براءة ذمة الوارث إلا ما حصل الاتفاق علیه ، وهو ما ذهب إلیه الشیخ من اختصاص القضاء بالولد الذکر الأکبر (4).

وقال المفید رحمه الله : لو لم یکن له ولد من الرجال قضی عنه أکبر أولیائه من أهله وأولاهم به وإن لم یکن إلا من النساء (5).

قال فی الدروس بعد أن حکی ذلک عن المفید : وهو ظاهر القدماء والأخبار والمختار (6). وهو غیر جید فإن صحیحة حفص بن البختری ومرسلة حماد بن عثمان المتقدمتین (7) صریحتان فی اختصاص الوجوب بالرجال ، نعم مقتضاهما عدم اختصاص الوجوب بالولد الأکبر ، بل تعلقه بالأولی بالمیراث من الذکور مطلقا. وبمضمونهما أفتی ابن الجنید (8) ، وابنا بابویه (9) ، وجماعة ، ولا بأس به.

وهل یشترط فی تعلق الوجوب بالولی بلوغه حین موت مورثه ، أم

ص: 225


1- المسالک 1 : 78.
2- کالعلامة فی المنتهی 2 : 604
3- النهایة : 157 ، والمبسوط 1 : 286.
4- المعتبر 2 : 702.
5- حکاه عنه فی المختلف : 242.
6- الدروس : 77.
7- فی ص 221.
8- حکاه عنه فی المختلف : 242.
9- الصدوق فی المقنع : 63 ، وحکاه عن والد الصدوق فی المختلف : 242.

ولو کان له ولیّان أو أولیاء متساوون فی السّن تساووا فی القضاء ، وفیه تردد.

______________________________________________________

یراعی الوجوب ببلوغه فیتعلق به حینئذ لو کان غیر مکلف؟ قولان.

قوله : ( ولو کان له ولیان أو أولیاء متساوون فی السن تساووا فی القضاء ، وفیه تردد ).

هذا قول الشیخ (1) وجماعة ، ویدل علیه عموم الأمر بالقضاء عن المیت ، وقوله علیه السلام فی صحیحة حفص بن البختری : « یقضی عنه أولی الناس بمیراثه » (2) فإن ذلک کما یتناول المتحد یتناول المتعدد ، وإذا وجب القضاء علیهما تساویا فیه ، لامتناع الترجیح من غیر مرجح ، وقال ابن البراج یقرع بینهما (3).

وقال ابن إدریس : لا قضاء ، لأن التکلیف بذلک یتعلق بالولد الأکبر ولیس هنا ولد أکبر (4). وهو غیر جید ، فإن اختصاص الوجوب بالأکبر إنما هو مع وجوده لا مطلقا.

وأجاب عنه فی المختلف بأن کل واحد من المتساویین فی السن یصدق علیه أنه أکبر (5). وهو غیر واضح.

والأصح وجوب التوزیع ، ولو انکسر منه یوم فکفرض الکفایة ، بمعنی أن الجمیع مخاطبون بفعله ویسقط الخطاب بفعل البعض ، والظاهر عدم تحقق السقوط إلا بتمام فعله ، فلو صامه الولیان کان فعلهما موصوفا بالوجوب کما فی صلاة المأموم علی المیت بعد تلبس الإمام. ولو کان الیوم من قضاء رمضان وأفطرا فیه بعد الزوال احتمل وجوب

ص: 226


1- المبسوط 1 : 286.
2- المتقدمة فی ص 221.
3- المهذب 1 : 196.
4- السرائر : 91.
5- المختلف : 243.

ولو تبرّع بالقضاء بعض سقط ،

______________________________________________________

الکفارة علیهما ، إذ یصدق علی صوم کل منهما أنه قضاء عن رمضان فیتعلق به حکمه ، واتحاد الأصل لا ینافی التعدد باعتبار المقدمة.

واحتمل الشهید فی الدروس وجوب کفارة واحدة علیهما بالسویة ، أو کونها فرض کفایة کأصل الصوم ، ثم استقرب سقوط الکفارة عنهما (1). واستوجهه الشارح قدس سره (2) ، وهو غیر بعید ، لانتفاء ما یدل علی وجوب الکفارة فی القضاء علی وجه یتناول ذلک.

قال فی الدروس : ولو أفطر أحدهما فلا شی ء علیه إذا ظن بقاء الآخر ، وإلا أثم لا غیر (3). ومقتضی کلامه جواز الإفطار بعد الزوال مع ظن بقاء الآخر ، ویمکن المناقشة فیه بأن صوم کل منهما یصدق علیه أنه صوم واجب من قضاء رمضان فلا یجوز الإفطار فیه بعد الزوال ، اللهم إلا أن یناقش فی العموم المتناول لذلک کما فی الکفارة.

قوله : ( ولو تبرع بالقضاء بعض سقط ).

الظاهر أن المراد أنه لو تبرع بعض الأولیاء المتساوین فی السن بقضاء الصیام عن البعض الآخر سقط الفرض بفعل ذلک المتبرع. ویمکن أن یکون المراد منه ما یعم تبرع الأجنبی عن الولی أیضا.

قال الشارح قدس سره : ووجه السقوط حصول المقتضی وهو براءة ذمة المیت من الصوم (4).

ویتوجه علیه أن الوجوب تعلق بالولی وسقوطه بفعل غیره یحتاج

ص: 227


1- الدروس : 77.
2- المسالک 1 : 78.
3- الدروس : 77.
4- المسالک 1 : 78.

وهل یقضی عن المرأة ما فاتها؟ فیه تردد.

الثالثة : إذا لم یکن له ولی أو کان الأکبر أنثی سقط القضاء ، وقیل : یتصدق عنه عن کل یوم بمدّ من ترکته.

______________________________________________________

إلی دلیل. ومن ثم ذهب ابن إدریس (1) والعلامة فی المنتهی (2) إلی عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وإن وقع بإذن من تعلق به الوجوب ، لأصالة عدم سقوط الفرض عن المکلف بفعل غیره. وقوته ظاهره.

قوله : ( وهل یقضی عن المرأة ما فاتها؟ فیه تردد ).

الأصح وجوب القضاء عن المرأة کالرجل ، لأن الغالب اشتراکهما فی الأحکام ، ویدل علیه صریحا ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن أبی حمزة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة مرضت فی شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل یقضی عنها؟ فقال : « أما الطمث والمرض فلا ، وأما السفر فنعم » (3) ونحوه روی الشیخ فی الموثق ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام (4).

وقال ابن إدریس : لا قضاء عن المرأة ، لأن الإجماع إنما انعقد علی وجوب القضاء عن الرجل خاصة ، وإلحاق المرأة به یحتاج إلی دلیل (5). وجواب معلوم مما قررناه.

قوله : ( الثالثة ، إذا لم یکن له ولی أو کان الأکبر أنثی سقط القضاء ، وقیل : یتصدق عنه عن کل یوم بمد من ترکته ).

ص: 228


1- السرائر : 93.
2- المنتهی 2 : 604.
3- الکافی 4 : 137 - 9 ، الوسائل 7 : 241 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 4.
4- التهذیب 4 : 249 - 741 ، الوسائل 7 : 243 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23 ح 16.
5- السرائر : 91.

ولو کان علیه شهران متتابعان صام الولی شهرا ، وتصدّق من مال المیت عن شهر.

______________________________________________________

أما سقوط القضاء مع انتفاء الولی فظاهر ، لفوات متعلقة ، وأما سقوطه إذا کان الأکبر أنثی فإنما یستقیم إذا لم یکن له (1) إلا إناث ، أو لم یکن له غیرها ، أما إذا کان له ذکر دون الأنثی فی السن تعلق به الوجوب مع بلوغه ، وإلا فعند بلوغه کما سبق.

والقول بوجوب التصدق عنه عن کل یوم بمد من ترکته للشیخ (2) وجماعة ، واستدل علیه بروایة أبی مریم (3) ، ومقتضاها علی ما فی الکافی ومن لا یحضره الفقیه : عدم وجوب الصوم علی الولی إلا إذا لم یخلف المیت ما یتصدق به عنه ، وعلی ما فی التهذیب وجوب التصدق علی الولی أیضا ، وقد تقدم الکلام فی ذلک (4).

قوله : ( ولو کان علیه شهران متتابعان صام الولی شهرا وتصدق من مال المیت عن شهر ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الشهرین بین کونهما واجبین عینا أو تخییرا ، والمستند فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن الوشاء عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال ، سمعته یقول : « إذا مات الرجل وعلیه صیام شهرین متتابعین من علة فعلیه أن یتصدق عن الشهر الأول ویقضی الثانی » (5).

ص: 229


1- فی « ض » زیادة : وارث.
2- المبسوط 1 : 286.
3- المتقدمة فی ص 223.
4- راجع ص 223.
5- التهذیب 4 : 249 - 742 ، الوسائل 7 : 244 أبواب أحکام شهر رمضان ب 24 ح 1.

الرابعة : القاضی لشهر رمضان لا یحرم علیه الإفطار قبل الزوال ، لعذر وغیره. ویحرم بعده ،

______________________________________________________

قال فی المنتهی : وفی طریق هذه الروایة سهل بن زیاد ، وهو ضعیف ، غیر أن العمل بمضمونها حسن ، لما فیه من التخفیف عن الولی (1). وهو مشکل ، لأن ذلک لا یصلح معارضا لإطلاق ما دل علی وجوب القضاء.

وأوجب ابن إدریس قضاء الشهرین إلا أن یکونا من کفارة مخیرة فیتخیر بینه وبین العتق أو الإطعام من مال المیت (2). واختاره العلامة فی المختلف (3) وجماعة ، وهو متجه.

قوله : ( الرابعة ، القاضی لشهر رمضان لا یحرم علیه الإفطار قبل الزوال لعذر وغیره ، ویحرم بعده ).

أما تحریم الإفطار بعد الزوال فهو مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. وأما الجواز قبله فمذهب الأکثر ، بل لم ینقل المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی فیه خلافا (4). وحکی فی المختلف عن أبی الصلاح أن کلامه یشعر بتحریمه (5).

وقال ابن أبی عقیل : من أصبح صائما لقضاء کان علیه من رمضان وقد نوی الصوم من اللیل فأراد أن یفطر فی بعض النهار لم یکن له ذلک (6).

حکم الافطار فی صوم القضاء

ص: 230


1- المنتهی 2 : 605.
2- السرائر : 91.
3- المختلف : 244.
4- المعتبر 2 : 704 ، والمنتهی 2 : 605.
5- المختلف : 247.
6- حکاه عنه فی المختلف : 247.

______________________________________________________

ومقتضی ذلک المنع من الإفطار قبل الزوال وبعده إذا کان قد نوی ذلک من اللیل ، والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أصبح وهو یرید الصیام ثم بدا له أن یفطر فله أن یفطر ما بینه وبین نصف النهار ، ثم یقضی ذلک الیوم » (1).

وروی الشیخ أیضا بطریق آخر - وصفه العلامة فی المختلف بالصحة (2) ، وهو غیر بعید (3) - عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صوم النافلة لک أن تفطر ما بینک وبین اللیل متی شئت ، وصوم قضاء الفریضة لک أن تفطر إلی زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فلیس لک أن تفطر » (4).

وفی الصحیح عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه قال فی الذی یقضی شهر رمضان : « إنه بالخیار إلی زوال الشمس ، وإن کان تطوعا فإنه بالخیار إلی اللیل » (5).

وفی الموثق عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ،

ص: 231


1- التهذیب 4 : 187 - 524 ، الوسائل 7 : 10 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 7.
2- المختلف : 247.
3- فی الطریق عبید بن الحسین ، وهو غیر مذکور فی کتب الرجال ، وإنما الموجود فیها عبید بن الحسن ، وهو ثقة ، ولعله هو ( منه رحمه الله ).
4- التهذیب 4 : 278 - 841 ، الإستبصار 2 : 120 - 389 ، الوسائل 7 : 10 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 9.
5- التهذیب 4 : 280 - 849 ، الإستبصار 2 : 122 - 396 ، الوسائل 7 : 9 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 4.

______________________________________________________

قال : « الذی یقضی رمضان هو بالخیار فی الإفطار ما بینه وبین أن تزول الشمس ، وفی التطوع ما بینه وبین أن تغیب الشمس » (1). وعن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تقضی شهر رمضان فیکرهها زوجها علی الإفطار فقال : « لا ینبغی أن یکرهها بعد الزوال » (2) والأخبار الواردة بذلک کثیرة.

وربما استند المانعون إلی ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألته عن الرجل یقضی رمضان ، أله أن یفطر بعد ما یصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ قال : « إذا کان نوی ذلک من اللیل وکان من قضاء رمضان فلا یفطر ولیتم صومه » (3).

وعن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل یقضی من رمضان فأتی النساء ، قال : « علیه من الکفارة مثل ما علی الذی أصاب فی رمضان ، لأن ذلک الیوم عند الله من أیام رمضان » (4).

والجواب عن الروایة الأولی بالحمل علی الکراهة ، جمعا بین الأدلة ، وعن الروایة الثانیة أولا بالطعن فی السند باشتماله علی علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی ، وثانیا بالحمل علی ما بعد الزوال کما یدل علیه قول أبی جعفر علیه السلام فی روایة برید العجلی فی رجل

ص: 232


1- التهذیب 4 : 280 - 848 ، الإستبصار 2 : 122 - 395 ، الوسائل 7 : 10 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 10.
2- الکافی 4 : 122 - 6 ، الفقیه 2 : 96 - 432 ، التهذیب 4 : 278 - 842 ، الإستبصار 2 : 120 - 390 ، الوسائل 7 : 8 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 2.
3- التهذیب 4 : 186 - 522 ، الوسائل 7 : 9 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 6.
4- التهذیب 4 : 279 - 846 ، الإستبصار 2 : 121 - 393 ، الوسائل 7 : 254 أبواب أحکام شهر رمضان ب 29 ح 3.

وتجب معه الکفارة ، وهی إطعام عشرة مساکین ، لکل مسکین مدّ من طعام. فإن لم یمکنه صام ثلاثة أیام.

______________________________________________________

أتی أهله فی یوم یقضیه من شهر رمضان : « إن کان أتی أهله قبل الزوال فلا شی ء علیه إلا یوما مکان یوم ، وإن کان أتی أهله بعد الزوال فعلیه أن یتصدق علی عشرة مساکین » (1).

هذا کله مع اتساع وقت القضاء ، أما مع تضیقه فیحرم الإفطار فیه قبل الزوال أیضا ، لکن لا تجب به الکفارة.

ولا یلحق بقضاء رمضان غیره من الواجبات الموسعة کالنذر المطلق وصوم الکفارة ، بل یجوز الإفطار فیه قبل الزوال وبعده ، عملا بمقتضی الأصل السلیم من المعارض ، وحکی الشارح عن أبی الصلاح أنه أوجب المضی فی کل صوم واجب شرع فیه ، وحرّم قطعه مطلقا (2). ولا ریب أنه أحوط.

قوله : ( وتجب معه الکفارة ، وهی إطعام عشرة مساکین لکل مسکین مد من طعام ، فإن لم یمکنه صام ثلاثة أیام ).

اختلف الأصحاب فی کفارة قضاء رمضان فذهب الأکثر إلی أنها إطعام عشرة مساکین ، لکل مسکین مد ، ومع العجز فصیام ثلاثة أیام ، ومستنده قول أبی جعفر علیه السلام فی روایة برید العجلی : « وإن کان أتی أهله بعد الزوال فعلیه أن یتصدق علی عشرة مساکین ».

وصحیحة هشام بن سالم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام :

ص: 233


1- الکافی 4 : 122 - 5 ، الفقیه 2 : 96 - 430 ، التهذیب 4 : 278 - 844 ، الاستبصار 2 : 120 - 391 ، المقنع : 63 ، الوسائل 7 : 8 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 1.
2- المسالک 1 : 79.

______________________________________________________

رجل وقع علی أهله وهو یقضی شهر رمضان فقال : « إن کان وقع علیها قبل صلاة العصر فلا شی ء علیه یصوم یوما بدل یوم ، وإن فعل بعد العصر صام ذلک الیوم وأطعم عشرة مساکین ، فإن لم یمکنه صام ثلاثة أیام کفارة لذلک » (1).

ویمکن المناقشة فی الروایة الأولی من حیث السند باشتماله علی الحارث بن محمد ، وهو مجهول ، وفی الروایة الثانیة من حیث المتن بأنها مخالفة لما علیه الأصحاب من ترتب الکفارة علی فعل المفطر بعد الزوال.

وقال ابن البراج : کفارة قضاء رمضان کفارة یمین (2). وقال أبو الصلاح : إنها صیام ثلاثة أیام أو إطعام عشرة مساکین (3). ولم نقف لهذین القولین علی مستند.

وقال ابنا بابویه : إنها کفارة رمضان (4). وربما کان مستندهما ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتی النساء ، قال : « علیه من الکفارة مثل ما علی الذی أصاب فی رمضان ، لأن ذلک الیوم عند الله من أیام رمضان » (5).

ص: 234


1- التهذیب 4 : 279 - 845 ، الإستبصار 2 : 120 - 392 ، الوسائل 7 : 254 أبواب أحکام شهر رمضان ب 29 ح 2.
2- المهذب 1 : 203.
3- الکافی فی الفقه : 184.
4- الصدوق فی المقنع : 63 ، ونقله عن والد الصدوق فی المختلف : 246.
5- التهذیب 4 : 279 - 846 ، الإستبصار 2 : 121 - 393 ، الوسائل 7 : 254 أبواب أحکام شهر رمضان ب 29 ح 3.

الخامسة : إذا نسی غسل الجنابة ومرّ علیه أیام أو الشهر کله ، قیل : یقضی الصلاة والصوم ، وقیل : یقضی الصلاة حسب ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی من أفطر تهاونا (1). قال فی المعتبر : ولیس حسنا ، والأقرب أن تحمل علی الاستحباب جمعا بین الروایات (2). وهو کذلک.

قوله : ( الخامسة ، إذا نسی غسل الجنابة ومر علیه أیام أو الشهر کله ، قیل : یقضی الصلاة والصوم ، وقیل : یقضی الصلاة حسب ، وهو الأشبه ).

أما وجوب قضاء الصلاة فلا ریب فیه لمکان الحدث ، وهو إجماع ، وإنما الخلاف فی قضاء الصوم ، فذهب الأکثر إلی وجوبه ، ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل أجنب فی شهر رمضان فنسی أن یغتسل حتی خرج رمضان ، قال : « علیه أن یقضی الصلاة والصیام » (3).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن علی بن رئاب ، عن إبراهیم بن میمون ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یجنب باللیل فی شهر رمضان ثم ینسی أن یغتسل حتی یمضی لذلک جمعة أو یخرج شهر رمضان فقال : « یقضی الصلاة والصیام » (4).

حکم ناسی الغسل طول الشهر

ص: 235


1- التهذیب 4 : 279 ، والاستبصار 2 : 121.
2- المعتبر 2 : 705.
3- التهذیب 4 : 322 - 990 ، الوسائل 7 : 171 أبواب من یصح منه الصوم ب 30 ح 3.
4- الفقیه 2 : 74 - 320 ، الوسائل 7 : 170 أبواب من یصح منه الصوم ب 30 ح 1.

______________________________________________________

قال ابن بابویه رحمه الله : وفی خبر آخر أن من جامع فی أول شهر رمضان ثم نسی الغسل حتی خرج شهر رمضان أن علیه أن یغتسل ویقضی صلاته وصومه ، إلا أن یکون قد اغتسل للجمعة ، فإنه یقضی صلاته وصیامه إلی ذلک الیوم ، ولا یقضی ما بعد ذلک (1).

وقال ابن إدریس : لا یجب قضاء الصوم ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولأن الصوم لیس من شرطه الطهارة فی الرجال إلا إذا ترکها الإنسان متعمدا من غیر اضطرار ، وهذا لم یتعمد ترکها (2). وهو جید علی أصوله ، ووافقه المصنف هنا وفی النافع (3).

وقال فی المعتبر بعد أن أورد روایة الحلبی : وربما خطر التسلیم لما تضمنت من قضاء الصلاة ، لأن الطهارة شرط لا تصح الصلاة مع ترکها عمدا وسهوا ، أما الصوم فلا یفسده إلا ما یتعمد ، لا ما یقع نسیانا ، ویمکن أن یقال فتوی الأصحاب علی أن المجنب إذا نام مع القدرة علی الغسل ثم انتبه ثم نام وجب علیه القضاء ، سواء ذکر الاحتلام بعد ذکره الأول أو نسیه ، وإذا کان التفریط السابق مؤثرا فی إیجاب القضاء فقد حصل هاهنا تکرار النوم مع ذکر الجنابة أول مرة ، فیکون القضاء لازما کما کان هناک لازما ، خصوصا وقد وردت الروایة الصحیحة الصریحة المشهورة بذلک ، فإن قیل : إنما وجب علیه القضاء فی تکرار النوم مع نیة الاغتسال فیکون ذاکرا للغسل ومفرطا فیه فی کل نومة ، قلنا : الذی ذکر نیة الغسل بعض المصنفین ولا عبرة بقوله مع ورود النصوص مطلقة ، ولو قیل : إنما یلزم ذلک إذا تکرر النوم فی اللیلة

ص: 236


1- الفقیه 2 : 74 - 321 ، الوسائل 7 : 170 أبواب من یصح منه الصوم ب 30 ح 2.
2- السرائر : 93.
3- المختصر النافع : 70.

السادسة : إذا أصبح یوم الثلاثین من شهر رمضان صائما ، وثبتت الرؤیة فی الماضیة أفطر وصلی العید. وإن کان بعد الزوال فقد فاتت الصلاة.

______________________________________________________

الواحدة ، قلنا : کما عمل بتلک الأخبار فی اللیلة الواحدة وإن کان لم یتعمد البقاء علی الجنابة جاز أن یعمل بهذا الخبر فی تکرر النوم فی اللیالی المتعددة ، ولا استبعاد فی هذا إلا أن یستبعد ذلک ، ولا یقال فتلزم الکفارة ، لأنا نقول : إنا بینا أن إیجاب الکفارة مع تکرر النوم لم یثبت ، واقتصرنا علی القضاء لا غیر فی الموضعین (1). انتهی کلامه رحمه الله .

وأقول إنه لا حاجة إلی ما ذکره المصنف من التکلف بعد ثبوت الحکم بالنصوص المعتبرة المطابقة لفتوی الأصحاب ، لکن ینبغی تقیید ذلک بما إذا عرض النسیان فی اللیلة الأولی وانتبه قبل طلوع الفجر علی وجه یمکنه الاغتسال لو کان ذاکرا ، أو أصبح فی النومة الثانیة ، أما إذا حصل بعد طلوع الفجر من الیوم الأول وکان قد أصبح فی النومة الأولی فینبغی القطع بسقوط قضاء ذلک الیوم ، للأخبار الصحیحة المستفیضة المتضمنة لأن الجنب إذا أصبح فی النومة الأولی فلا قضاء علیه (2) ، أما ما عدا الیوم الأول فلا ریب فی وجوب قضائه عملا بالنص الصحیح السالم من المعارض.

قوله : ( إذا أصبح یوم الثلاثین من شهر رمضان صائما وثبتت الرؤیة فی الماضیة أفطر وصلی العید ، وإن کان بعد الزوال فقد فاتت الصلاة ).

حکم الصائم إذا تثبت الرؤیة

ص: 237


1- المعتبر 2 : 705.
2- الوسائل 7 : 38 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 13.

______________________________________________________

أما وجوب الإفطار والصلاة إذا ثبتت الرؤیة قبل زوال الشمس فظاهر ، لإطلاق الأمر وبقاء الوقت ، وأما فوات الصلاة إذا لم تثبت الرؤیة إلا بعد الزوال فلانتهاء وقت الأداء بزوال الشمس ، وتوقف القضاء علی أمر مستأنف. وقال ابن الجنید : إن تحققت الرؤیة بعد الزوال أفطروا وغدوا إلی العید (1). وهو ظاهر اختیار الکلینی رضی الله عنه ، وله شواهد من الأخبار (2) ، وقد تقدم الکلام فی هذه المسألة مستوفی فی کتاب الصلاة.

ص: 238


1- حکاه عنه فی المختلف : 114.
2- الکافی 4 : 169 - 1 ، 2 ، الوسائل 7 : 199 أبواب أحکام شهر رمضان ب 6 ح 1 ، 2.

القول فی صوم الکفارات

وهو اثنا عشر ، وینقسم علی أربعة أقسام :

الأول : ما یجب فیه الصوم مع غیره ، وهو کفارة القتل العمد ، فإن خصالها الثلاث تجب جمیعا.

______________________________________________________

قوله : ( القول فی صوم الکفارات ، وهو اثنا عشر ).

الکفارة اسم للتکفیر ، وأصلها الستر ، لأنها تستر الذنب ، ومنه الکافر ، لأنه یستر الحق. ویقال للیل کافر ، لأنه یستر من یفعل فیه شیئا.

وعرّفها بعضهم فی الشرع : بأنها طاعة مخصوصة مسقطة للذنب أو مخففة غالبا. وقید بالأغلبیة لتدخل کفارة قتل الخطأ فإنه لا یعدّ ذنبا ، والأمر فی هذه التعاریف هیّن.

قوله : ( وینقسم أربعة أقسام ، الأول : ما یجب الصوم فیه مع غیره ، وهی کفارة قتل العمد ، فإن خصالها الثلاث تجب جمیعا ).

المستند فی ذلک بعد الإجماع الأخبار المستفیضة کصحیحة ابن سنان وبکیر (1) عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل ، المؤمن یقتل المؤمن متعمدا ، أله توبة؟ فقال : « إن کان قتله لإیمانه فلا توبة له ، وإن کان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنیا فإن توبته أن یقاد منه ، وإن

صوم الکفارات

کفارة قتل العمد

ص: 239


1- کذا فی الأصل وباقی النسخ والتهذیب ، وفی باقی المصادر و « ح » : ابن بکیر ، وهو الصحیح - راجع معجم رجال الحدیث 22 : 163.

وألحق بذلک من أفطر علی محرّم فی شهر رمضان عامدا علی روایة.

الثانی : ما یجب الصوم فیه بعد العجز عن غیره ، وهو ستة : صوم کفارة قتل الخطأ ،

______________________________________________________

لم یکن علم به أحد انطلق إلی أولیاء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم ، فإن عفوا عنه فلم یقتلوه أعطاهم الدیة ، وأعتق نسمة ، وصام شهرین متتابعین ، وأطعم ستین مسکینا » (1).

قوله : ( وألحق بذلک من أفطر علی محرّم فی شهر رمضان عامدا علی روایة ).

قد تقدم الکلام فی ذلک ، وأن العمل بالروایة لا یخلو من قوة (2).

قوله : ( الثانی ، ما یجب الصوم فیه بعد العجز عن غیره ، وهو ستة : صوم کفارة قتل الخطأ ).

هذه الکفارة منصوصة فی القرآن ، قال الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ ) إلی قوله ( فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ ) (3) وهی صریحة فی الترتیب ، وفی معناها أخبار کثیرة ، وعلی ذلک عمل الأصحاب إلا من شذ ، ونقل عن ظاهر المفید (4) وسلار (5) أن هذه الکفارة مخیرة. وهو ضعیف.

کفارة قتل الخطأ

ص: 240


1- الکافی 7 : 276 - 2 ، الفقیه 4 : 69 - 208 ، التهذیب 10 : 163 - 651 ، الوسائل 19 : 19 أبواب القصاص فی النفس ب 9 ح 1.
2- راجع ص 81.
3- النساء : 92.
4- المقنعة : 57.
5- المراسم : 187.

والظّهار ، والإفطار فی قضاء شهر رمضان بعد الزوال ، وکفّارة الیمین ، والإفاضة من عرفات عامدا قبل الغروب ،

______________________________________________________

قوله : ( والظهار ).

هذه الکفارة منصوصة فی القرآن أیضا ، قال الله عزّ وجلّ : ( وَالَّذِینَ یُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ یَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ ) إلی قوله ( فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ یَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّینَ مِسْکِیناً ) (1) وهی نص فی الترتیب.

قوله : ( والإفطار فی قضاء شهر رمضان بعد الزوال ).

قد تقدم الکلام فی هذه الکفارة مستوفی (2).

قوله : ( والکفارة فی الیمین ).

هذه الکفارة منصوصة فی القرآن أیضا قال الله عزّ وجلّ ( لا یُؤاخِذُکُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِی أَیْمانِکُمْ وَلکِنْ یُؤاخِذُکُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَیْمانَ فَکَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساکِینَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِیکُمْ أَوْ کِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِیرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ ذلِکَ کَفّارَةُ أَیْمانِکُمْ إِذا حَلَفْتُمْ ) (3).

قوله : ( والإفاضة من عرفات عامدا قبل الغروب ).

سیأتی إن شاء الله تعالی أن الواجب فی هذه الکفارة بدنة ، ومع العجز صیام ثمانیة عشر یوما ، والمستند ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ضریس ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عمن أفاض من

کفارة الظهار

کفارة الیمین

کفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب

ص: 241


1- المجادلة : 3 ، 4.
2- راجع 2 ص 83.
3- المائدة : 89.

وفی کفارة جزاء الصید تردد ، وتنزیلها علی الترتیب أظهر. وألحق بهذه کفارة شق الرجل ثوبه علی زوجته أو ولده ، وکفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعر رأسها.

______________________________________________________

عرفات قبل أن تغیب الشمس ، قال : « علیه بدنة ینحرها یوم النحر ، فإن لم یقدر صام ثمانیة عشر یوما » (1).

قوله : ( وفی کفارة جزاء الصید تردد ، وتنزیلها علی الترتیب أظهر ).

المراد بالصید هنا : النعامة والبقرة الوحشیة والظبی وما ألحق بها ، لا مطلق الصید ، لأن فی کفارته ما هو مرتب قطعا. ومنشأ التردد فی هذه المسألة من دلالة قوله تعالی ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّیْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْکُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ یَحْکُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْکُمْ ) (2) الآیة ، علی التخییر ، لأن لفظ « أو » صریح فی ذلک ، ومن دلالة الأخبار الکثیرة علی الترتیب ، ولا ریب أن اعتبار الترتیب أحوط وإن کان القول بالتخییر لا یخلو من رجحان ، عملا بظاهر الآیة ، وتحمل الروایات علی الأفضلیة.

قوله : ( وألحق بهذا الکفارة شق الرجل ثوبه علی زوجته أو ولده ، وکفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعر رأسها ).

هاتان الکفارتان کفارة یمین ، ومستندهما روایة خالد بن سدیر ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « وإذا شقّ زوج علی امرأته ، أو والد علی ولده فکفارته کفارة حنث یمین ، ولا صلاة لهما حتی یکفرا أو یتوبا

کفارة جزاء الصید

کفارة شق الثوب

ص: 242


1- التهذیب 5 : 186 - 620 ، الوسائل 10 : 30 أبواب إحرام الحج ب 23 ح 3.
2- المائدة : 95. وتکملتها : هَدْیاً بالِغَ الْکَعْبَةِ أَوْ کَفّارَةٌ طَعامُ مَساکِینَ أَوْ عَدْلُ ذلِکَ صِیاماً لِیَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَیَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِیزٌ ذُو انْتِقامٍ.

الثالث : ما یکون الصوم مخیرا فیه بینه وبین غیره ، وهو خمسة : صوم کفارة من أفطر فی یوم من شهر رمضان عامدا ، وکفارة خلف النذر والعهد ، والاعتکاف الواجب ، وکفارة حلق الرأس ،

______________________________________________________

من ذلک ، وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففی جزء الشعر عتق رقبة أو صیام شهرین متتابعین أو إطعام ستین مسکینا ، وفی خدش الوجه إذا أدمت ، وفی النتف کفارة حنث یمین » (1) وهی ضعیفة جدا ، فإن راویها وهو خالد بن سدیر غیر موثق ، وقال الصدوق : إن کتابه موضوع (2). ومن ثم جعل المصنف هاتین الکفارتین إلحاقا. وقال ابن إدریس : أنهما مستحبتان (3). ولا بأس به ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی وضع الوفاق.

والمراد : خدش المرأة وجهها ونتفها شعرها فی المصاب لا فی مطلق الأحوال. وینبغی تقیید الخدش بکونه مدمیا کما تضمنته الروایة ، وإنما أجمل المصنف الکلام فی ذلک اعتمادا علی ما سیجی ء من التفصیل فی باب الکفارات ، وإنما الغرض هنا مجرد ذکر الصوم.

قوله : ( الثالث ، ما یکون الصوم مخیرا فیه بینه وبین غیره ، وهو خمسة : کفارة من أفطر یوما فی شهر رمضان عامدا ، وکفارة خلف النذر والعهد ، والاعتکاف الواجب ، وکفارة حلق الرأس فی حال الإحرام ).

قد تقدم الکلام فی کفارة رمضان وکفارة النذر.

وأما کفارة العهد فالمشهور بین الأصحاب أنها مخیرة ، وقیل إنها

کفارة العهد

ص: 243


1- التهذیب 8 : 325 - 1207 ، الوسائل 15 : 583 أبواب الکفارات ب 31 ح 1.
2- حکاه عنه فی الفهرست : 66 - 259.
3- السرائر : 362.

وألحق بهذا کفارة جزّ المرأة رأسها فی المصاب.

______________________________________________________

مرتبة (1) ، وقیل : إنها کفارة یمین (2) ، وهو غیر بعید ، خصوصا علی ما اخترناه من أن کفارة النذر کفارة یمین.

وأما کفارة الاعتکاف الواجب فذهب الأکثر إلی أنها مخیرة ، تعویلا علی روایة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن معتکف واقع أهله ، قال : « علیه ما علی الذی أفطر یوما من شهر رمضان متعمدا : عتق رقبة ، أو صیام شهرین متتابعین ، أو إطعام ستین مسکینا » (3).

وقال ابن بابویه : إنها مرتبة ، لما رواه فی الصحیح ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المعتکف یجامع ، قال : « إذا فعل ذلک فعلیه ما علی المظاهر » (4) وهو جید لصحة مستنده.

وأما کفارة حلق الرأس فی حال الإحرام فهی منصوصة فی القرآن بقوله تعالی ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَکُمْ حَتّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ ) (5) ولفظ « أو » صریح فی التخییر.

قوله : ( وألحق بهذا کفارة جز المرأة رأسها فی المصاب ).

أی : وألحق بهذا القسم ، وهو ما یکون الصوم مخیرا فیه بینه

کفارة الاعتکاف

کفارة حلق المحرم رأسه

کفارة جز المرأة رأسها

ص: 244


1- قال به المفید فی المقنعة : 88.
2- قال به العلامة فی التحریر 2 : 108.
3- التهذیب 4 : 292 - 888 ، الإستبصار 2 : 130 - 425 ، الوسائل 7 : 407 أبواب کتاب الاعتکاف ب 6 ح 5.
4- الفقیه 2 : 122 - 532 ، ورواها فی التهذیب 4 : 291 - 887 ، والاستبصار 2 : 130 - 424 ، والوسائل 7 : 406 أبواب کتاب الاعتکاف ب 6 ح 1.
5- البقرة : 196.

الرابع : ما یجب مرتّبا علی غیره مخیرا بینه وبین غیره ، وهو کفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه.

وکل الصوم یلزم فیه التتابع إلا أربعة : صوم النذر المجرد عن التتابع وما فی معناه من یمین أو عهد ، وصوم القضاء ، وصوم جزاء الصید ، والسبعة فی بدل الهدی.

______________________________________________________

وبین غیره ، کفارة جز المرأة شعر رأسها فی المصاب ، فإنها عتق رقبة ، أو صیام شهرین متتابعین ، أو إطعام ستین مسکینا عند أکثر الأصحاب ، لروایة خالد بن سدیر المتقدمة عن أبی عبد الله علیه السلام (1) ، وقد عرفت أنها ضعیفة السند. وقال ابن إدریس إنها مرتبة ، وأسنده إلی ما رواه بعض الأصحاب (2). وهو مستند واه ، والأصح أنها تأثم ولا کفارة ، استضعافا للروایة ، وتمسکا بالأصل.

قوله : ( الرابع ، ما یجب مرتبا علی غیره مخیرا بینه وبین غیره : وهو کفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه ).

سیأتی إن شاء الله أن هذه الکفارة بدنة أو بقرة أو شاة ، فإن عجز عن الأولین فشاة أو صیام ثلاثة أیام ، فالصیام فیها مترتب علی غیره وهو البدنة والبقرة ، مخیر بینه وبین غیره وهو الشاة ، وإنما أجمل المصنف الکلام فی هذه المسائل لأن غرضه هنا استیفاء أقسام الصوم ، وسیجی ء تمام الکلام فیها فی أبوابها إن شاء الله.

قوله : ( وکل الصوم یلزم فیه التتابع إلا أربعة : صوم النذر المجرد عن التتابع وما فی معناه من یمین أو عهد ، وصوم القضاء ، وصوم جزاء الصید ، والسبعة فی بدل الهدی ).

کفارة وطء الأمة المحرمة

ما لا یجب فیه التتابع فی الصوم

ص: 245


1- راجع ص 243.
2- السرائر : 362.

______________________________________________________

یندرج فی هذه الکلیة صوم رمضان ، والاعتکاف ، وکفارة رمضان وقضائه ، وکفارة خلف النذر وما فی معناه ، وکفارة الظهار والقتل ، وکفارة حلق الرأس فی حال الإحرام ، وصوم الثلاثة الأیام فی بدل الهدی ، وصوم الثمانیة عشر فی بدل البدنة وبدل الشهرین عند العجز عنهما.

ویمکن المناقشة فی وجوب المتابعة فی صیام کفارة قضاء رمضان ، وحلق الرأس ، وصوم الثمانیة عشر فی الموضعین ، لإطلاق الأمر بالصوم فی جمیع هذه الموارد ، فیحصل الامتثال مع التتابع وبدونه.

وأما استثناء صوم النذر المجرد عن التتابع وما فی معناه من العهد والیمین ، وصوم القضاء ، ویندرج فیه قضاء رمضان والنذر المعین ، وصوم جزاء الصید مطلقا ، والسبعة فی بدل الهدی فهو قول أکثر الأصحاب ، تمسکا بإطلاق الأمر.

وحکی الشهید فی الدروس عن ظاهر کلام الشامیین وجوب المتابعة فی النذر المطلق ، وعن المفید والمرتضی وسلار أنهم أوجبوا المتابعة فی صیام الستین یوما فی بدل النعامة ، وعن أبی الصلاح وابن أبی عقیل أنهما أوجبا المتابعة فی صیام السبعة بدل الهدی ، واستقرب وجوب المتابعة فی قضاء النذر المعین المشروط فیه المتابعة (1).

والأصح عدم وجوب المتابعة فی جمیع ذلک ، عملا بالإطلاق وسیجی ء الکلام فی کفارات الإحرام والصوم الواجب فی بدل البدنة فی کتاب الحج مفصلا إن شاء الله.

ص: 246


1- الدروس : 79.

وکل ما یشترط فیه التتابع إذا أفطر فی أثنائه لعذر بنی عند زواله.

______________________________________________________

قوله : ( وکل ما یشترط فیه التتابع إذا أفطر فی أثنائه لعذر یبنی عند زواله ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین صوم الشهرین والثمانیة عشر والثلاثة ، وجزم جماعة منهم العلامة فی القواعد ، والشهید فی الدروس (1) ، والشارح - قدس سره (2) - بوجوب الاستئناف مع الإخلال بالمتابعة فی کل ثلاثة یجب تتابعها ، سواء کان لعذر أو لا ، إلا ثلاثة الهدی لمن صام یومین وکان الثالث العید ، فإنه یبنی علی الیومین الأولین بعد انقضاء أیام التشریق. وهو جید ، بل الأجود اختصاص البناء مع الإخلال بالتتابع للعذر بصیام الشهرین المتتابعین والاستئناف فی غیره ، أما الاستئناف فیما عدا صیام الشهرین فلأن الإخلال بالمتابعة یقتضی عدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، فیبقی المکلف تحت العهدة إلی أن یتحقق الامتثال.

وأما البناء فی صیام الشهرین فیدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ، رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل علیه صیام شهرین متتابعین فصام شهرا ومرض ، قال : « یبنی علیه ، الله حسبه » قلت : امرأة کان علیها صیام شهرین متتابعین فصامت وأفطرت أیام حیضها ، قال : « تقضیها » قلت : فإنها قضتها ثم یئست من المحیض ، قال : « لا تعیدها ، أجزأها » (3) وفی الصحیح عن محمد بن

حکم التفریق فیما اعتبر فیه التتابع

ص: 247


1- القواعد 1 : 69 ، والدروس : 79.
2- المسالک 1 : 79.
3- التهذیب 4 : 284 - 859 ، الإستبصار 2 : 124 - 402 ، الوسائل 7 : 274 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 3 ح 10.

______________________________________________________

مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام نحو ذلک (1).

وعن سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل کان علیه صیام شهرین متتابعین فصام خمسة عشر یوما ثم مرض ، فإذا برأ أیبنی علی صومه أم یعید صومه کله؟ فقال : « یبنی علی ما کان صام » ثم قال : « هذا مما غلب الله علیه ، ولیس علی ما غلب الله عزّ وجلّ علیه شی ء » (2).

ویستفاد من التعلیل المستفاد من قوله علیه السلام : « الله حبسه » وقوله : « هذا مما غلب الله علیه » عدم الفرق بین أن یکون العذر مرضا أو سفرا ضروریا أو حیضا أو إغماء أو غیر ذلک.

لا یقال : قد روی الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل ومحمد بن حمران ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یلزمه صوم شهرین متتابعین فی ظهار فیصوم شهرا ثم یمرض ، قال : « یستقبل ، فإن زاد علی الشهر الآخر یوما أو یومین بنی علی ما بقی » (3).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن کان علی الرجل صیام شهرین متتابعین فأفطر أو مرض فی الشهر الأول فإن علیه أن یعید الصیام ، وإن صام الشهر الأول وصام من الشهر الثانی شیئا

ص: 248


1- التهذیب 4 : 284 - 860 ، الإستبصار 2 : 124 - 403 ، الوسائل 7 : 274 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 3 ح 11.
2- التهذیب 4 : 284 - 858 ، الإستبصار 2 : 124 - 401 ، الوسائل 7 : 274 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 3 ح 12.
3- التهذیب 4 : 284 - 861 ، الإستبصار 2 : 124 - 404 ، الوسائل 7 : 272 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 3 ح 3.

وإن أفطر لغیر عذر استأنف ، إلا ثلاثة مواضع :

من وجب علیه صوم شهرین متتابعین فصام شهرا ومن الثانی ولو یوما بنی ، ولو کان قبل ذلک استأنف.

______________________________________________________

فإنما علیه أن یقضی » (1).

لأنا نجیب عنهما بالحمل علی الاستحباب جمعا بین الأدلة ، وتأولهما الشیخ فی الاستبصار أیضا بالحمل علی المرض الذی لا یکون مانعا من الصوم (2) ، وهو بعید.

ومتی جاز البناء للعذر فالأصح وجوب المبادرة إلی الصوم بعد زواله ، لأنه بتعمد الإفطار بعده یصیر مخلا بالتتابع اختیارا ، وقطع الشهید فی الدروس بعدم الوجوب (3) ، وهو ضعیف.

ولو نسی النیة فی بعض أیام الشهر حتی فات محلها فسد صوم ذلک الیوم ، وهل ینقطع التتابع بذلک؟ قیل : نعم ، لأن فساد الصوم یقتضی عدم تحقق التتابع ، وقیل : لا ، لحدیث رفع ، وظاهر التعلیل المستفاد من قوله علیه السلام : « الله حبسه » وقوله علیه السلام : « ولیس علی ما غلب الله عزّ وجلّ علیه شی ء » (4) ، وبه قطع الشارح قدس سره (5) ، ولا یخلو من قوة.

قوله : ( وإن أفطر لغیر عذر استأنف ، إلا فی ثلاثة مواضع ، الأول : من وجب علیه صوم شهرین متتابعین فصام شهرا ومن الثانی یوما ).

ص: 249


1- التهذیب 4 : 285 - 862 ، الإستبصار 2 : 125 - 405 ، الوسائل 7 : 272 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 3 ح 6.
2- الاستبصار 2 : 125.
3- الدروس : 73.
4- المتقدمان فی ص 247.
5- المسالک 2 : 97.

______________________________________________________

أما وجوب الاستئناف إذا أفطر فی أثناء الشهر الأول أو بعد إکماله قبل أن یصوم من الشهر الثانی شیئا لغیر عذر فقال فی المنتهی : إنه قول علماء الإسلام ، لأنه لم یأت بالمأمور به ، إذ هو صوم شهرین متتابعین ولم یفعله فلا یخرج عن العهدة (1).

وأما وجوب البناء إذا کان قد صام من الشهر الثانی یوما فصاعدا فقال العلامة فی التذکرة والمنتهی وولده فی الشرح : إنه قول علمائنا أجمع (2). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صیام کفارة الیمین فی الظهار شهران متتابعان ، والتتابع أن یصوم شهرا ویصوم من الآخر أیاما أو شیئا منه ، فإن عرض له شی ء یفطر منه أفطر ثم قضی ما بقی علیه ، وإن صام شهرا ثم عرض له شی ء فأفطر قبل أن یصوم من الآخر شیئا فلم یتابع ، فلیعد الصوم کله » (3).

وفی الصحیح عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه قال فی رجل صام فی ظهار شعبان ثم أدرکه شهر رمضان ، قال : « یصوم شهر رمضان ویستأنف الصوم ، فإن صام فی الظهار فزاد فی النصف یوما قضی بقیته » (4).

وعن سماعة بن مهران ، قال : سألته عن الرجل یکون علیه صیام شهرین متتابعین ، أیفرق بین الأیام؟ فقال : « إذا صام أکثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، وإن کان أقل من شهر أو شهرا

ص: 250


1- المنتهی 2 : 621.
2- التذکرة 1 : 282 ، والمنتهی 2 : 621 ، وإیضاح الفوائد 4 : 100.
3- التهذیب 4 : 283 - 856 ، الوسائل 7 : 273 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 3 ح 9.
4- التهذیب 4 : 283 - 857 ، الوسائل 7 : 275 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 4 ح 1.

______________________________________________________

فعلیه أن یعید الصیام » (1).

واختلف الأصحاب فی جواز التفریق اختیارا بعد الإتیان بما یتحقق به التتابع ، فذهب الأکثر إلی الجواز ، للأصل ، وظاهر قوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی المتقدمة : « والتتابع أن یصوم شهرا ویصوم من الآخر أیاما أو شیئا منه » وفی صحیحة منصور بن حازم : « فإن صام فی الظهار فزاد فی النصف یوما قضی بقیته ».

وقال المفید رحمه الله : لو تعمد الإفطار بعد أن صام من الشهر الثانی شیئا فقد أخطأ وإن جاز له الإتمام (2). واختاره ابن إدریس محتجا بأن التتابع أن یصوم الشهرین (3).

قال فی المنتهی : ونحن نمنع ذلک لما ثبت فی حدیث الحلبی الصحیح عن الصادق علیه السلام : « إن حد التتابع أن یصوم شهرا ویصوم من الآخر أیاما أو شیئا منه » وحینئذ لا یتوجه الخطاب إلی المکلف ، وقول الصادق علیه السلام أولی بالاتباع من قول ابن إدریس.

ثم قال رحمه الله : إن التفریق وإن کان جائزا علی ما بیناه فالأولی ترکه ، وأن یتابع الشهرین معا ، خلاصا من الخلاف ، ولما فیه من المسارعة إلی فعل الطاعات والمغفرة من الله تعالی (4). ولا ریب فی الأولویة وإن کان الظاهر ما اختاره الأکثر من جواز التفریق ، لتحقق

ص: 251


1- التهذیب 4 : 282 - 855 ، الوسائل 7 : 272 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 3 ح 5.
2- المقنعة : 57.
3- السرائر : 94.
4- المنتهی 2 : 621.

ومن وجب علیه صوم شهر متتابع بنذر فصام خمسة عشر یوما ثم أفطر لم یبطل صومه وبنی علیه ، ولو کان قبل ذلک استأنف.

وفی صوم ثلاثة أیام عن الهدی ، إن صام یوم الترویة وعرفة ثم أفطر یوم النحر جاز أن یبنی بعد انقضاء أیام التشریق. ولو کان أقل من ذلک

______________________________________________________

التتابع الشرعی بصیام الیوم مع الشهر ، وإلا لم یجز البناء ، وهو باطل إجماعا.

قوله : ( ومن وجب علیه صوم شهر متتابع بنذر فصام خمسة عشر یوما ثم أفطر لم یبطل صومه وبنی علیه ، ولو کان قبل ذلک استأنف ).

المستند فی هذا التفصیل ما رواه الشیخ ، عن موسی بن بکر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل جعل علیه صوم شهر فصام منه خمسة عشر یوما ثم عرض له أمر فقال : « إن کان صام خمسة عشر یوما فله أن یقضی ما بقی ، وإن کان أقل من خمسة عشر یوما لم یجز حتی یصوم شهرا تاما » (1).

وعن الفضیل بن یسار ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال فی رجل جعل علی نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر یوما ثم عرض له أمر فقال : « جاز له أن یقضی ما بقی علیه ، وإن کان أقل من خمسة عشر یوما لم یجز له حتی یصوم شهرا تاما » (2) وضعف الروایتین من حیث السند یمنع من العمل بهما.

قوله : ( وفی صوم الثلاثة الأیام عن الهدی لمن صام یوم الترویة وعرفة ثم أفطر یوم النحر جاز أن یبنی بعد انقضاء أیام التشریق ، ولو کان

ص: 252


1- التهذیب 4 : 285 - 863 ، الوسائل 7 : 276 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 5 ح 1.
2- التهذیب 4 : 285 - 864 ، الوسائل 7 : 276 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 5 ح 1.

استأنف. وکذا لو فصل بین الیومین والثالث بإفطار غیر العید استأنف أیضا.

وألحق به من وجب علیه شهر فی کفارة قتل الخطأ أو الظهار لکونه مملوکا ، وفیه تردد.

______________________________________________________

أقل من ذلک استأنف ، وکذا لو فصل بین الیومین والثالث بإفطار غیر العید استأنف أیضا ).

أما وجوب التتابع فی صیام هذه الثلاثة الأیام فی غیر هذه الصورة - وهی ما إذا کان الثالث العید - فموضع نص ووفاق ، وإنما الکلام فی استثناء هذه الصورة ، فإن الروایات الواردة بذلک ضعیفة الإسناد ، وفی مقابلها أخبار أخر صحیحة السند دالة علی خلاف ما تضمنته ، وسیجی ء تحقیق ذلک فی کتاب الحج إن شاء الله.

قوله : ( وألحق به من وجب علیه شهر فی کفارة قتل الخطأ أو الظهار لکونه مملوکا ، وفیه تردد ).

الضمیر المجرور فی « به » یعود إلی ما ذکره سابقا ، وهو من وجب علیه صوم شهر متتابع بالنذر. والملحق هو الشیخ فی المبسوط والجمل (1).

ومنشأ التردد من اختصاص النص الوارد بذلک بالنذر وما فی معناه ، حیث وقع السؤال فیه عن رجل جعل علیه صوم شهر ، ومن المشارکة فی المعنی. ولا یخفی ضعف الوجه الثانی من وجهی التردد ، فإنه قیاس محض.

وحاول العلامة فی المختلف إدراج الجمیع فی النص فقال : إن

ص: 253


1- المبسوط 1 : 280 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 217.

وکل من وجب علیه صوم متتابع لا یجوز أن یبتدئ زمانا لا یسلم فیه.

فمن وجب علیه شهران متتابعان لا یصوم شعبان إلا أن یصوم قبله ولو یوما ، ولا شوالا مع یوم من ذی القعدة ویقتصر ، وکذا الحکم فی ذی الحجّة مع یوم من آخر.

______________________________________________________

الجعل یتحقق فی الظهار وقتل الخطأ باعتبار فعل السبب (1). وهو بعید جدا.

قوله : ( وکل من وجب علیه صوم متتابع لا یجوز أن یبتدئ زمانا لا یسلم فیه ، فمن وجب علیه شهران متتابعا لا یصوم شعبان إلا أن یصوم قبله ولو یوما ، ولا شوالا مع یوم من ذی القعدة ویقتصر ، وکذا الحکم فی ذی الحجة مع یوم من آخر ).

یستفاد من قول المصنف رحمه الله : لا یصوم شعبان إلا أن یصوم قبله ولو یوما. أن البدأة بالصوم فی أثناء الشهر لا توجب کونه ثلاثین متصلة ، وإلا لم یتم الحکم إلا بتقدیر کون شعبان تاما لیسلم له أحد وثلاثون یوما.

ولا یخفی أن قول المصنف : ولا شوالا إلا مع یوم من ذی القعدة ویقتصر. غیر جید ، لأنه لا یتفرع علی الحکم المتقدم.

ویدل علی هذا الحکم ، أعنی عدم جواز الابتداء بزمان لا یسلم فیه الصوم المتتابع مضافا إلی ما سبق ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه قال فی رجل صام فی ظهار شعبان ثم أدرکه شهر رمضان ، قال : « یصوم شهر رمضان

ص: 254


1- المختلف : 248.

وقیل : القاتل فی أشهر الحرم یصوم شهرین منها ولو دخل فیهما العید وأیام التشریق ، والأول أشبه.

______________________________________________________

ویستأنف الصوم ، فإن صام فی الظهار فزاد فی النصف یوما قضی بقیته » (1).

قوله : ( وقیل ، القاتل فی أشهر الحرم یصوم شهرین منها وإن دخل فیهما العید وأیام التشریق ، والأول أظهر ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی التهذیب (2) ، واستدل علیه بما رواه عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رجل قتل رجلا خطأ فی الشهر الحرام ، قال : « تغلظ علیه العقوبة ، وعلیه عتق رقبة أو صیام شهرین متتابعین من أشهر الحرم » قلت : فإنه یدخل فی هذا شی ء ، قال : « وما هو؟ » قلت : یوم العید وأیام التشریق ، قال : « یصوم فإنه حق لزمه » (3).

قال المصنف فی المعتبر : والروایة المذکورة مخالفة لعموم الأحادیث المجمع علیها ومخصصة لها ، ولا یقوی الخبر الشاذ علی تخصیص العموم المعلوم ، علی أنه لیس بصریح فی صوم العید. والأمر المطلق بالصوم فی الأشهر الحرم لیس بصریح فی صوم عیدها (4). وهو حسن ، مع أن فی طریق هذه الروایة سهل بن زیاد وهو ضعیف.

نعم روی الکلینی بعد هذه الروایة روایة أخری عن زرارة فی

ص: 255


1- التهذیب 4 : 283 - 857 ، الوسائل 7 : 275 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 4 ح 1.
2- التهذیب 4 : 297.
3- التهذیب 4 : 297 - 896 ، الوسائل 7 : 278 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 8 ح 1.
4- المعتبر 2 : 713.

______________________________________________________

الحسن قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل قتل رجلا فی الحرم ، قال : « علیه دیة وثلث ، ویصوم شهرین متتابعین من أشهر الحرم ، ویعتق رقبة ، ویطعم ستین مسکینا » قال : قلت : یدخل فی هذا شی ء ، قال : « وما یدخل » قلت : العیدان وأیام التشریق ، قال : « یصوم ، فإنه حق لزمه » (1) وهذه الروایة وإن کانت معتبرة الإسناد إلا أن الخروج بها عن مقتضی الأخبار الصحیحة المتضمنة لتحریم صوم هذه الأیام مشکل (2). وکیف کان فالمعتمد التحریم مطلقا.

ص: 256


1- الکافی 4 : 140 - 9 ، الوسائل 7 : 278 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 8 ح 2.
2- الوسائل 7 : 282 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 1.

الصوم المستحبّ

والندب من الصوم : قد لا یختص وقتا :

کصیام أیام السنة ، فإنه جنّة من النار.

______________________________________________________

قوله : ( والندب من الصوم قد لا یختص وقتا ، کصیام أیام السنة ، فإنه جنة من النار ).

هذا لفظ الحدیث النبوی ، والجنة : السترة ، قاله الجوهری (1).

والمراد أنه موجب للعفو عن الذنوب الموجبة للنار زیادة علی غیره من العبادات.

وإلا فکل واجب یقی من العذاب المستحق بترکه ، ویرجی بفعله تکفیر الصغائر الموجبة له ، کما یستفاد من قوله عزّ وجلّ ( إِنَّ الْحَسَناتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئاتِ ) (2).

ولا یخفی أنه یجب أن یستثنی من أیام السنة ما وجب صومه منها وما حرم.

أما المکروه بالمعنی المتعارف عند أهل الشرع فلا یخرج عن الواجب والندب ، والعبادة لا توصف بالإباحة ، لأن الصحیح منها لا یکون إلا راجحا : إما واجبة أو مندوبة.

الصوم المندوب

ما لا یختص وقتاً من المندوب

ص: 257


1- الصحاح 5 : 2094.
2- هود : 114.

وقد یختص وقتا :

والمؤکد منه أربعة عشر قسما : صوم ثلاثة أیام من کل شهر ، أول خمیس منه ، وآخر خمیس ، وأول أربعاء فی العشر الثانی.

______________________________________________________

قوله : ( وقد یختص وقتا ، والمؤکد منه أربعة عشر قسما : صوم ثلاثة أیام من کل شهر ، أول خمیس منه ، وآخر خمیس منه ، وأول أربعاء فی العشر الثانی ).

لا ریب فی تأکد استحباب صیام هذه الأیام الثلاثة ، لکثرة الحث علیها فی السنّة المطهرة.

فمن ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صام رسول الله صلی الله علیه و آله حتی قیل : ما یفطر ، ثم أفطر حتی قیل : ما یصوم ، ثم صام صوم داود علیه السلام یوما ویوما ، ثم قبض صلی الله علیه و آله علی صیام ثلاثة أیام فی الشهر وقال : یعدلن صوم الدهر ، ویذهبن بوحر الصدر » قال حماد : الوحر الوسوسة ، قال حماد ، فقلت : وأی الأیام هی؟ قال : « أول خمیس فی الشهر ، وأول أربعاء بعد العشر منه ، وآخر خمیس منه » فقلت : وکیف صارت هذه الأیام التی تصام؟ فقال :« من قبلنا من الأمم ، کان إذا نزل علی أحدهما العذاب نزل فی هذه الأیام المخوفة » (1).

وفی الصحیح عن الحسن بن محبوب ، عن جمیل بن صالح ، عن محمد بن مروان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصوم حتی یقال : لا یفطر ، ویفطر

ما یختص وقتا من الصوم المندوب

ص: 258


1- الفقیه 2 : 49 - 210 ، الوسائل 7 : 303 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 1.

______________________________________________________

حتی یقال : لا یصوم ، ثم صام یوما وأفطر یوما ، ثم صام الاثنین والخمسین ، ثم آل من ذلک إلی صیام ثلاثة أیام فی الشهر : الخمیس فی أول الشهر ، وأربعاء فی وسط الشهر ، وخمیس فی آخر الشهر ، وکان علیه السلام یقول : ذلک صوم الدهر. وقد کان أبی علیه السلام یقول : ما من أحد أبغض علی الله عزّ وجلّ من رجل یقال له : کان رسول الله صلی الله علیه و آله یفعل کذا وکذا ، فیقول لا یعذبنی الله علی أن اجتهد فی الصلاة والصیام ، کأنه یری أن رسول الله صلی الله علیه و آله ترک شیئا من الفضل عجزا عنه » (1).

والظاهر أن المراد بالأربعاء فی وسط الشهر أول أربعاء منه کما تدل علیه الروایة المفصلة. وفی الموثق عن زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : بما جرت السنة من الصوم؟ فقال : « ثلاثة أیام من کل شهر : الخمیس فی العشر الأول ، والأربعاء فی العشر الأوسط ، والخمیس فی العشر الآخر » قال ، قلت : هذا جمیع ما جرت به السنة فی الصوم؟ قال : « نعم » (2).

وهنا فوائد :

الأولی : روی ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن حبیب الخثعمی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أخبرنی عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأیام إذا أجنبت من أول اللیل فأعلم أنی أجنبت فأنام متعمدا حتی ینفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ قال :« صم » (3).

ص: 259


1- الفقیه 2 : 48 - 209 ، الوسائل 7 : 305 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 5.
2- الفقیه 2 : 51 - 220 ، الوسائل 7 : 305 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 6.
3- الفقیه 2 : 49 - 212 ، الوسائل 7 : 47 أبواب ما یمسک عنه الصائم ب 20 ح 1.

ومن أخّرها استحب له القضاء ،

______________________________________________________

الثانیة : روی ابن بابویه أیضا ، عن الفضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صام أحدکم الثلاثة الأیام من الشهر فلا یجادلن أحدا ، ولا یجهل ، ولا یسرع إلی الحلف والأیمان بالله ، وإن جهل علیه أحد فلیحتمل » (1).

الثالثة : قال علی بن بابویه - رضی الله عنه - فی رسالته إلی ولده : إذا أردت سفرا وأردت أن تقدم من صوم السنّة شیئا فصم ثلاثة أیام للشهر الذی ترید الخروج فیه (2). ولم نقف له فی ذلک علی مستند ، بل قد روی الکلینی - رضی الله عنه - ما ینافیه ، فإنه روی عن المرزبان بن عمران قال ، قلت للرضا علیه السلام : أرید السفر فأصوم لشهری الذی أسافر فیه؟ قال : « لا » قلت : فإذا قدمت أقضیه؟ قال : « لا ، کما لا تصوم کذلک لا تقضی » (3).

قوله : ( ومن أخرها استحب له القضاء ).

یدل علی ذلک ما رواه الکلینی ، عن عدة من أصحابه ، عن سهل بن زیاد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ولا یقضی شیئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأیام التی کان یصومها من کل شهر » (4).

ولو کان الفوات لمرض أو سفر لم یستحب قضاؤها ، لما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن سعد بن سعد الأشعری ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن صوم ثلاثة أیام فی الشهر ، هل فیه

ص: 260


1- الفقیه 2 : 49 - 211 ، الوسائل 7 : 120 أبواب آداب الصائم ب 12 ح 1.
2- الفقیه 2 : 51.
3- الکافی 4 : 130 - 4 ، الوسائل 7 : 159 أبواب من یصح منه الصوم ب 21 ح 4.
4- الکافی 4 : 142 - 8 ، الوسائل 7 : 159 أبواب من یصح منه الصوم ب 21 ح 2.

ویجوز تأخیرها اختیارا من الصیف إلی الشتاء.

______________________________________________________

قضاء علی المسافر؟ قال : « لا » (1) وإذا سقط القضاء عن المسافر سقط عن المریض بطریق أولی ، لأنه أعذر منه.

وروی الکلینی أیضا ، عن عذافر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أصوم هذه الثلاثة الأیام فی الشهر ، فربما سافرت ، وربما أصابتنی علة ، فیجب علیّ قضاؤها؟ قال ، فقال لی : « إنما یجب الفرض ، فأما غیر الفرض فأنت فیه بالخیار » قلت : بالخیار فی السفر والمرض؟ قال ، فقال : « المرض قد وضعه الله عزّ وجلّ عنک ، والسفر إن شئت فاقضه ، وإن لم تقضه فلا جناح علیک » (2) وهذه الروایة ضعیفة السند بجهالة الراوی ، وبأن فی طریقها أحمد بن هلال ، وقال العلامة فی الخلاصة : إنه غال ورد فیه ذم کثیر من سیدنا أبی محمد العسکری علیه السلام (3).

قوله : ( ویجوز تأخیرها اختیارا من الصیف إلی الشتاء ).

المراد إن من أخرها من الصیف إلی الشتاء وأتی بها فیه یکون مؤدیا للسنة ، وقد ورد بذلک روایات ، منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن الحسن بن أبی حمزة قال ، قلت لأبی جعفر ، أو لأبی عبد الله علیهماالسلام : إنی قد اشتد علیّ صیام ثلاثة أیام فی کل شهر ، أؤخره فی الصیف إلی الشتاء ، فإنی أجده أهون علیّ؟ قال : « نعم فاحفظها » (4).

وما رواه الکلینی ، عن الحسن بن راشد قال ، قلت لأبی عبد الله

ص: 261


1- الکافی 4 : 130 - 3 ، الوسائل 7 : 159 أبواب من یصح منه الصوم ب 21 ح 3.
2- الکافی 4 : 130 - 2 ، الوسائل 7 : 159 أبواب من یصح منه الصوم ب 21 ح 5.
3- خلاصة العلامة : 202.
4- الفقیه 2 : 51 - 219 ، الوسائل 7 : 314 أبواب الصوم المندوب ب 9 ح 1.

وإن عجز استحب له أن یتصدق عن کل یوم بدرهم أو مدّ. وصوم أیام البیض ، وهی الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.

______________________________________________________

علیه السلام أو لأبی الحسن علیه السلام : الرجل یتعمد الشهر فی الأیام القصار یصومه لسنة ، قال : « لا بأس » (1).

قوله : ( وإن عجز استحب له أن یتصدق عن کل یوم بدرهم أو مد ).

یدل علی ذلک ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عیص بن القاسم ، قال : سألته عمن لم یصم الثلاثة الأیام من کل شهر وهو یشتد علیه الصیام ، هل فیه فداء؟ قال : « مد من طعام » (2) وعن عقبة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک إنی قد کبرت وضعفت عن الصیام ، فکیف أصنع بهذه الثلاثة الأیام فی کل شهر؟ فقال : « یا عقبة تصدق بدرهم عن کل یوم » قال ، قلت : درهم واحد!؟ قال : « لعلها کبرت عندک وأنت تستقل الدرهم؟ » قال ، قلت : إن نعم الله عزّ وجلّ علیّ لسابغة فقال : « یا عقبة لإطعام مسلم خیر من صیام شهر » (3).

قوله : ( وصوم أیام البیض ، وهی الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ).

استحباب صوم هذه الأیام مذهب العلماء کافة ، قاله فی المنتهی (4) ، ولم أقف فیه علی روایة من طرق الأصحاب سوی ما رواه ابن بابویه فی کتاب علل الشرائع والأحکام بإسناده إلی ابن مسعود ،

ص: 262


1- الکافی 4 : 145 - 1 ، الوسائل 7 : 314 أبواب الصوم المندوب ب 9 ح 2.
2- الکافی 4 : 144 - 4 ، الوسائل 7 : 317 أبواب الصوم المندوب ب 11 ح 1.
3- الکافی 4 : 144 - 7 ، الوسائل 7 : 318 أبواب الصوم المندوب ب 11 ح 4.
4- المنتهی 2 : 609.

______________________________________________________

قال : سمعت النبی صلی الله علیه و آله یقول : « إن آدم لما عصی ربه عزّ وجلّ ناداه مناد من لدن العرش : یا آدم اخرج من جواری فإنه لا یجاورنی أحد عصانی ، فبکی وبکت الملائکة ، فبعث الله عزّ وجلّ جبرئیل فأهبطه إلی الأرض مسودا ، فلما رأته الملائکة ضجّت وبکت وانتحبت وقالت : یا رب خلقا خلقته ، ونفخت فیه من روحک ، وأسجدت له ملائکتک ، بذنب واحد حولت بیاضه سوادا ، فنادی مناد من السماء : صم لربک ، فصام فوافق یوم ثلاثة عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ، ثم نودی یوم الرابع عشر أن صم لربک الیوم ، فصام فذهب ثلثا السواد ، ثم نودی یوم خمسة عشر بالصیام ، فصام فأصبح وقد ذهب السواد کله ، فسمیت أیام البیض للذی رد الله عزّ وجلّ فیه علی آدم من بیاضه ثم نادی مناد من السماء : یا آدم هذه الثلاثة أیام جعلها لک ولولدک من صامها فی کل شهر فکأنما صام الدهر » (1).

قال الصدوق - رحمه الله - بعد أن أورد هذه الروایة : قال مصنف هذا الکتاب هذا الخبر صحیح ولکن الله تبارک وتعالی فوّض إلی نبیه محمد صلی الله علیه و آله أمر دینه فقال عزّ وجلّ ( وَما آتاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (2) فسنّ رسول الله صلی الله علیه و آله مکان أیام البیض خمیسا فی أول الشهر ، وأربعاء فی وسط الشهر ، وخمیسا فی آخر الشهر ، وذلک صوم السنة ، من صامها کان کمن صام الدهر ، لقول الله عزّ وجلّ ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (3) وإنما ذکرت الحدیث لما فیه من ذکر العلة ، ولیعلم السبب فی ذلک ،

ص: 263


1- علل الشرائع : 379 - 1 ، الوسائل 7 : 319 أبواب الصوم المندوب ب 12 ح 1.
2- الحشر : 7.
3- الأنعام : 160.

وصوم یوم الغدیر. ویوم مولد النبی علیه السلام . ویوم مبعثه.

______________________________________________________

لأن الناس أکثرهم یقولون إن أیام البیض إنما سمیت بیضا لأن لیالیها مقمرة من أولها إلی آخرها (1). انتهی کلامه رحمه الله .

ومقتضاه أن صوم هذه الأیام منسوخ بصوم الخمیسین والأربعاء ، وربما کان فی بعض الروایات المتضمنة لاستحباب صومها إشعار بذلک.

قوله : ( وصوم یوم الغدیر ).

هو الثامن عشر من ذی الحجة ، وقد روی الحسن بن راشد ، عن أبی عبد الله علیه السلام أن صومه یعدل صوم ستین شهرا (2). وفی الطریق ضعف.

قوله : ( ویوم مولد النبی صلی الله علیه و آله ومبعثه ).

المشهور بین الأصحاب أن یوم المولد السابع عشر من ربیع الأول ، وقال الکلینی رضی الله عنه : إنه یوم الثانی عشر منه (3). وهو الذی صححه الجمهور (4) ، ومال إلیه جدی - قدس سره - فی حواشی القواعد ، ولیس فی الباب روایة تصلح لإثبات أحد القولین.

ویدل علی استحباب صوم یوم السابع عشر من ربیع الأول والسابع والعشرین من رجب ما رواه الشیخ بسند مشتمل علی عدة من الضعفاء

ص: 264


1- علل الشرائع : 380 ، الوسائل 7 : 318 أبواب الصوم المندوب ب 12 ح 1.
2- الکافی 4 : 148 - 1 ، الفقیه 2 : 54 - 240 ، التهذیب 4 : 305 - 921 ، مصباح المتهجد : 680 ، الوسائل 7 : 323 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 2 ، بتفاوت یسیر.
3- الکافی 1 : 439.
4- منهم ابن هشام فی السیرة النبویة 1 : 167 ، وابن کثیر فی السیرة النبویة 1 : 199.

ویوم دحو الأرض.

______________________________________________________

والمجاهیل ، عن [ أبی ] (1) إسحاق بن عبد الله العلوی العریضی ، عن أبی الحسن الثالث علیه السلام أنه قال له : « یا أبا إسحاق جئت تسألنی عن الأیام التی یصام فیهن ، وهی الأربعة : أولهن یوم السابع والعشرین من رجب یوم بعث الله تعالی محمدا صلی الله علیه و آله إلی خلقه رحمة للعالمین ، ویوم مولده صلی الله علیه و آله وهو یوم السابع عشر من شهر ربیع الأول ، ویوم الخامس والعشرین من ذی القعدة فیه دحیت الکعبة ، ویوم الغدیر فیه أقام رسول الله صلی الله علیه و آله أخاه علیا علیه السلام علما للناس وإماما من بعده » (2).

قوله : ( ویوم دحو الأرض ).

وهو یوم الخامس والعشرین من ذی القعدة ، ومعنی دحو الأرض : بسطها ، والمراد هنا بسطها من تحت الکعبة ، وقد ورد باستحباب صوم هذا الیوم روایات أوضحها سندا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحسن بن علی الوشاء ، قال : کنت مع أبی وأنا غلام فتعشینا عند الرضا علیه السلام لیلة خمسة وعشرین من ذی القعدة فقال له : « لیلة خمسة وعشرین من ذی القعدة ولد فیها إبراهیم علیه السلام ، وولد فیها عیسی بن مریم علیه السلام ، وفیها دحیت الأرض من تحت الکعبة ، فمن صام ذلک الیوم کان کمن صام ستین شهرا » (3) ومقتضی ذلک عد الشهور قبل الدحو.

واستشکله جدی - قدس سره - فی فوائد القواعد بما علم من أنه تعالی خلق السموات والأرض وما بینهما فی ستة أیام ، وأن المراد من

ص: 265


1- أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 4 : 305 - 922 ، الوسائل 7 : 324 أبواب الصوم المندوب ب 14 ح 3.
3- الفقیه 2 : 54 - 238 ، الوسائل 7 : 331 أبواب الصوم المندوب ب 16 ح 1.

وصوم عرفة لمن لم یضعفه عن الدعاء وتحقق الهلال.

______________________________________________________

الیوم دوران الشمس فی فلکها دورة واحدة ، وهو یقتضی عدم خلق السماوات قبل ذلک ، فلا یتم عد الأشهر فی تلک المدة.

ویمکن دفعه بأن الکتاب العزیز ناطق بتأخر الدحو عن خلق السماء والأرض واللیل والنهار ، حیث قال عزّ وجلّ ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها. رَفَعَ سَمْکَها فَسَوّاها. وَأَغْطَشَ لَیْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِکَ دَحاها ) (1) وعلی هذا فیمکن تحقق الأهلة وعد الأیام قبل ذلک.

قوله : ( وصوم یوم عرفة لمن لم یضعفه عن الدعاء وتحقق الهلال ).

یرید بذلک أن استحباب صوم هذا الیوم مشروط بشرطین ، أحدهما : أن لا یضعفه عن الدعاء ، أی عما هو عازم علیه منه فی الکمیة والکیفیة ، ویستفاد من ذلک أن الدعاء فی ذلک الیوم أفضل من الصوم.

والثانی : أن یتحقق الهلال ، بمعنی أن یری فی أول الشهر رؤیة لا یحصل فیها التباس واحتمال کونه للیلة الماضیة ، حذرا من صوم العید وینبغی قراءة « وتحقق » بفتح القافین ، لیکون فعلا ماضیا ، والضمیر المستکن فیه عائدا إلی الموصول.

ویدل علی استحباب صومه لمن لم یضعفه عن الدعاء ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن صوم یوم عرفة ، قال : « من قوی علیه

ص: 266


1- النازعات : 27 - 30.

وصوم عاشوراء علی وجه الحزن.

______________________________________________________

فحسن ، إن لم یمنعک من الدعاء - فإنه یوم دعاء ومسألة - فصمه ، وإن خشیت أن تضعف عن ذلک فلا تصمه » (1) ومقتضی الروایة کراهة صومه إذا خیف الضعف.

ویدل علی کراهة صومه مع الشک فی الهلال ما رواه ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه ، عن حنان بن سدیر ، عن أبیه ، قال : سألته عن صوم یوم عرفة فقلت : جعلت فداک إنهم یزعمون أنه یعدل صوم سنة ، قال : « کان أبی علیه السلام لا یصومه » قلت : ولم جعلت فداک؟ قال : یوم عرفة یوم دعاء ومسألة فأتخوف أن یضعفنی عن الدعاء ، وأکره أن أصومه أتخوف أن یکون یوم عرفة یوم الأضحی ولیس بیوم صوم » (2).

قوله : ( وصوم عاشوراء علی وجه الحزن ).

اختلفت الروایات فی صوم یوم عاشوراء ، فورد فی بعضها الأمر بصومه وأنه کفارة سنة (3) ، وورد فی بعض آخر النهی عنه ، وأن من صامه کان حظه من ذلک الیوم حظ ابن مرجانة وآل زیاد ، وهو النار (4).

وجمع الشیخ فی الإستبصار بینها بأن من صام یوم عاشوراء علی طریق الحزن بمصاب آل محمد علیهم السلام والجزع لما حل بعترته فقد أصاب ، ومن صامه علی ما یعتقد فیه مخالفونا من الفضل فی صومه والتبرک به والاعتقاد لبرکته وسعادته فقد أثم وأخطأ. ونقل هذا الجمع عن شیخه المفید رحمه الله (5). وهو جید ، ومن ذلک یعلم معنی قول

ص: 267


1- التهذیب 4 : 299 - 904 ، الوسائل 7 : 343 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 4.
2- الفقیه 2 : 53 - 235 ، الوسائل 7 : 344 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 6.
3- الوسائل 7 : 337 أبواب الصوم المندوب ب 20.
4- الوسائل 7 : 339 أبواب الصوم المندوب ب 21.
5- الاستبصار 2 : 135.

______________________________________________________

المصنف رحمه الله : وصوم عاشوراء علی وجه الحزن.

وهنا فوائد :

الأولی : روی الشیخ فی المصباح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام فی یوم عاشوراء فألفیته کاسف اللون ، ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر من عینیه کاللؤلؤ المتساقط ، قلت : یا بن رسول الله مم بکاؤک؟ لا أبکی الله عینیک ، فقال لی : « أو فی غفلة أنت؟ أما علمت أن الحسین بن علی علیه السلام أصیب فی مثل هذا الیوم؟ » فقلت : یا سیدی فما قولک فی صومه؟ فقال : « صمه من غیر تبییت ، وأفطره من غیر تشمیت ، ولا تجعله یوم صوم کملا ، ولیکن إفطارک بعد العصر بساعة علی شربة من ماء ، فإنه فی ذلک الوقت من ذلک الیوم تجلت الهیجاء عن [ آل ] (1) رسول الله صلی الله علیه و آله وانکشفت الملحمة عنهم » (2) وینبغی العمل بمضمون هذه الروایة لاعتبار سندها ، إلا أن الإمساک علی هذا الوجه لا یسمی صوما.

وذکر الشارح - قدس سره - أن معنی الصوم علی وجه الحزن الصوم إلی العصر بغیر نیة الصوم کما تضمنته الروایة (3). وهو مع بعده فی نفسه مخالف لما نص علیه المصنف فی المعتبر (4) وغیره (5).

الثانیة : قال فی المنتهی یوم عاشوراء هو العاشر من المحرم ، وبه

ص: 268


1- أثبتناه من « ح » والمصدر.
2- مصباح المتهجد : 724 ، الوسائل 7 : 338 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 7.
3- المسالک 1 : 80.
4- المعتبر 2 : 709.
5- کابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 573.

ویوم المباهلة.

______________________________________________________

قال سعید بن المسیب والحسن البصری ، وروی عن ابن عباس أنه قال : التاسع من المحرم ، ولیس بمعتمد ، لما تقدم فی أحادیثنا إنه یوم قتل الحسین علیه السلام ، ویوم قتل الحسین علیه السلام هو العاشر بلا خلاف (1).

الثالثة : اختلف فی صوم عاشوراء ، هل کان واجبا أم لا؟ والمروی فی أخبارنا أنه کان واجبا قبل نزول صوم شهر رمضان ، وممن روی ذلک زرارة ومحمد بن مسلم ، قال : سألنا أبا جعفر علیه السلام عن صوم یوم عاشوراء فقال : « کان صومه قبل شهر رمضان ، فلما نزل شهر رمضان ترک » (2).

قوله : ( ویوم المباهلة ).

هو الرابع والعشرون من ذی الحجة ، فیه بأهل رسول الله صلی الله علیه و آله نصاری نجران بأمیر المؤمنین وفاطمة والحسن والحسین علیهم السلام . وقیل : إنه فی هذا الیوم تصدق أمیر المؤمنین علیه السلام بخاتمه فی رکوعه ونزل فیه ( إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَهُمْ راکِعُونَ ) (3) (4).

ولم أقف فی استحباب صوم هذا الیوم علی نص بالخصوص ، وعلله فی المنتهی بأنه یوم شریف ، وقد أظهر الله فیه نبینا علیه السلام علی خصمه ، وحصل فیه من التنبیه علی قرب علی علیه السلام من

ص: 269


1- المنتهی 2 : 611.
2- الفقیه 2 : 51 - 224 ، الوسائل 7 : 339 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 1.
3- المائدة : 55.
4- قال به العلامة فی المنتهی 2 : 611 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 80.

وصوم کل خمیس. وکل جمعة. وأول ذی الحجة.

______________________________________________________

ربه ، واختصاصه ، وعظم منزلته ، وثبوت ولایته ، واستجابة الدعاء به ، ما لم یحصل لغیره ، وذلک من أعظم الکرامات الموجبة لإخبار الله تعالی أن نفسه نفس رسول الله صلی الله علیه و آله ، فیستحب صومه شکرا لهذه النعمة الجسیمة (1).

قوله : ( وکل خمیس وکل جمعة ).

وذلک لأن الصوم فیه طاعة فی نفسه ، وهذان الیومان شریفان تضاعف فیهما الحسنات ، فاستحب فعله فیهما ، وتشهد له روایة أسامة بن زید : إن النبی صلی الله علیه و آله کان یصوم الاثنین والخمیس ، فسئل عن ذلک فقال : « إن أعمال الناس تعرض یوم الاثنین والخمیس » (2).

وروایة ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : رأیته صائما یوم الجمعة ، فقلت : جعلت فداک إن الناس یزعمون أنه یوم عید ، فقال : « کلا إنه یوم خفض ودعة » (3).

قوله : ( وأول ذی الحجة ).

یدل علی ذلک ما رواه الکلینی ، عن عدة من أصحابه ، عن سهل بن زیاد ، عن بعض أصحابه ، عن أبی الحسن الأول علیه السلام أنه قال : « فی أول یوم من ذی الحجة ولد إبراهیم خلیل الرحمن ، فمن صام ذلک الیوم کتب الله له صیام ستین شهرا » (4).

ص: 270


1- المنتهی 2 : 611.
2- سنن أبی داود 2 : 325 - 2436.
3- التهذیب 4 : 316 - 959 ، الوسائل 7 : 301 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 5.
4- الکافی 4 : 149 - 2 ، الوسائل 7 : 333 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 1.

وصوم رجب. وصوم شعبان.

______________________________________________________

وما رواه ابن بابویه مرسلا ، عن موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : « من صام أول یوم من ذی الحجة کتب الله له صوم ثمانین شهرا ، فإن صام التسع کتب الله عزّ وجلّ له صوم الدهر » (1).

قوله : ( وصوم رجب وصوم شعبان ).

ویدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه المفید مرسلا عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « من صام رجب کله کتب الله له رضاه ، ومن کتب له رضاه لم یعذبه » (2).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام إنه کان یصومه ویقول : « رجب شهری ، وشعبان شهر رسول الله صلی الله علیه و آله » (3).

وما رواه ابن بابویه ، عن أبان بن عثمان ، عن کثیر النواء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : إن نوحا رکب السفینة أول یوم من رجب وأمر من معه أن یصوموا ذلک الیوم وقال : « من صامه تباعدت عنه النیران مسیرة سنة ، ومن صام سبعة أیام غلقت عنه أبواب النیران السبعة ، ومن صام ثمانیة أیام فتحت له أبواب الجنان الثمانیة ، ومن صام خمسة عشر یوما أعطی مسألته ، ومن صام خمسة وعشرین قیل له استأنف العمل فقد غفر الله لک ، ومن زاد زاده الله عزّ وجلّ » (4).

وما رواه الشیخ ، عن أبی الصباح الکنانی ، قال : سمعت أبا

ص: 271


1- الفقیه 2 : 52 - 230 ، الوسائل 7 : 334 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 3.
2- المقنعة : 59 ، الوسائل 7 : 356 أبواب الصوم المندوب ب 26 ح 15.
3- المقنعة : 59 ، مصباح المتهجد : 734 ، الوسائل 7 : 356 أبواب الصوم المندوب ب 26 ح 16.
4- الفقیه 2 : 55 - 243 ، الوسائل 7 : 348 أبواب الصوم المندوب ب 26 ح 1.

ویستحب الإمساک تأدیبا وإن لم یکن صوما فی سبعة مواطن : المسافر إذا قدم أهله أو بلدا یعزم فیه الإقامة عشرة فما زاد بعد الزوال أو

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام یقول : « صوم شعبان وشهر رمضان متتابعین توبة من الله » (1).

وعن أبی حمزة ، عن أبی جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال :« قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من صام شعبان کان له طهارة من کل زلة ووصمة وبادرة » قال أبو حمزة ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما الوصمة؟ قال : « الیمین فی المعصیة » فقلت : ما البادرة؟ قال : « الیمین عند الغضب ، والتوبة منها الندم » (2).

قال الشیخ فی التهذیب بعد أن أورد طرفا من الأخبار المتضمنة للترغیب فی صوم شعبان : فأما الأخبار التی رویت فی النهی عن صوم شعبان ، وأنه ما صامه أحد من الأئمة علیهم السلام ، فالمراد بها أنه لم یصمه أحد من الأئمة علیهم السلام علی أن صومه یجری مجری شهر رمضان فی الفرض والوجوب ، لأن قوما قالوا إن صومه فریضة ، وکان أبو الخطاب - لعنه الله - وأصحابه یذهبون إلیه ، ویقولون إن من أفطر فیه لزمه من الکفارة ما یلزم من أفطر یوما من شهر رمضان ، فورد عنهم علیهم السلام الإنکار لذلک ، وأنه لم یصمه أحد منهم علی هذا الوجه (3).

قوله : ( ویستحب الإمساک تأدیبا وإن لم یکن صوما فی سبعة مواطن : المسافر إذا قدم أهله أو بلدا یعزم فیه الإقامة عشرة فما زاد بعد

الأماکن التی یستحب فیها الامساک

ص: 272


1- التهذیب 4 : 307 - 925 ، الوسائل 7 : 368 أبواب الصوم المندوب ب 29 ح 1.
2- التهذیب 4 : 307 - 928 ، الوسائل 7 : 362 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 7.
3- التهذیب 4 : 309.

قبله وقد أفطر ، وکذا المریض إذا بری ء ، وتمسک الحائض والنفساء إذا طهرتا فی أثناء النهار. والکافر إذا أسلم. والصبی إذا بلغ ، والمجنون إذا أفاق. وکذا المغمی علیه.

ولا یجب صوم النافلة بالدخول فیه ، وله الإفطار أیّ وقت شاء. ویکره بعد الزوال.

______________________________________________________

الزوال وقبله وقد أفطر ، وکذا المریض إذا بری ء ، وتمسک الحائض والنفساء إذا طهرتا فی أثناء النهار ، والکافر إذا أسلم ، والصبی إذا بلغ ، والمجنون إذا أفاق ، وکذا المغمی علیه ).

هذا القسم هو المسمی بصوم التأدیب ، وهو عبارة عن الإمساک عن المفطرات فی بعض النهار استحبابا ، تشبّها بالصائمین. وثبوته فی هذه المواطن السبعة موضع وفاق ، وقد تقدم المستند فی بعض الصور ، ویدل علیه أیضا روایة الزهری الطویلة عن زین العابدین علیه السلام المتضمنة لأن الصوم علی أربعین وجها ، حیث قال فیها : « فإما صوم التأدیب فأن یؤخذ الصبی إذا راهق بالصوم تأدیبا ولیس بفرض ، وکذلک من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوی بقیة یومه أمر بالإمساک عن الطعام بقیة یومه تأدیبا ولیس بفرض ، وکذلک المسافر إذا أکل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالإمساک بقیة یومه ولیس بفرض ، وکذلک الحائض إذا طهرت أمسکت بقیة یومها » (1).

قوله : ( ولا یجب صوم النافلة بالدخول فیه ، وله الإفطار فی أیّ وقت شاء ، ویکره بعد الزوال ).

أما إنه لا یجب بالشروع فیه فیدل علیه مضافا إلی الأصل

ص: 273


1- الکافی 4 : 83 - 1 ، الفقیه 2 : 46 - 208 ، التهذیب 4 : 294 - 895 ، الوسائل 7 : 168 أبواب من یصح منه الصوم ب 29 ح 4.

______________________________________________________

والإجماع ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه قال فی الذی یقضی شهر رمضان : « إنه بالخیار إلی زوال الشمس ، وإن کان تطوعا فإنه إلی اللیل بالخیار » (1).

وعن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صوم النافلة لک أن تفطر ما بینک وبین اللیل متی شئت ، وصوم قضاء الفریضة لک أن تفطر إلی زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فلیس لک أن تفطر » (2).

وأما کراهة الإفطار فیه بعد الزوال فیدل علیه ما رواه الشیخ ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن أبیه علیه السلام : « إن علیا علیه السلام قال : الصائم تطوعا بالخیار ما بینه وبین نصف النهار ، فإن انتصف النهار فقد وجب الصوم » (3).

قال الشیخ فی التهذیب : المراد به أن الأولی إذا کان بعد الزوال أن یصومه ، وقد یطلق علی ما الأولی فعله أنه واجب ، وقد بیناه فی غیر موضع فیما تقدم ، کما تقول : غسل الجمعة واجب ، وصلاة اللیل واجبة ، ولم ترد به الفرض الذی یستحق بترکه العقاب ، وإنما المراد به الأولی ، فلیس ینبغی ترکه إلا لعذر (4).

ص: 274


1- التهذیب 4 : 280 - 849 ، الإستبصار 2 : 122 - 396 ، الوسائل 7 : 9 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 4.
2- التهذیب 4 : 278 - 841 ، الإستبصار 2 : 120 - 389 ، الوسائل 7 : 10 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 9.
3- التهذیب 4 : 281 - 850 ، الإستبصار 2 : 122 - 397 ، الوسائل 7 : 11 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 11.
4- التهذیب 4 : 281.

والمکروه أربعة : صوم عرفة لمن یضعفه عن الدعاء ومع الشک فی الهلال.

وصوم النافلة فی السفر ، عدا ثلاثة أیام بالمدینة للحاجة.

______________________________________________________

قوله : ( والمکروه أربعة : صوم عرفة لمن یضعفه عن الدعاء ومع الشک فی الهلال ).

أما کراهته مع خوف الضعف عن الدعاء فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة : « وإن خشیت أن تضعف عن ذلک فلا تصمه » (1) والنهی هنا للکراهة ، کما أن الأمر بالصوم مع انتفاء خوف الضعف للاستحباب.

وأما الکراهة مع الشک فی الهلال فیدل علیه قوله علیه السلام فی روایة سدیر : « وأکره أن صومه - یعنی یوم عرفة - أتخوف أن یکون یوم عرفة یوم الأضحی ، ولیس بیوم صوم » (2) ومقتضی الروایة تحقق الکراهة بمجرد حصول الغیم لیلة الثلاثین من ذی القعدة وإن لم یتحدث الناس بتقدمه ، لکن فی السند ضعف (3)

قوله : ( وصوم النافلة فی السفر ، عدا ثلاثة أیام بالمدینة للحاجة ).

بل الأصح تحریم صیام النافلة فی السفر عدا هذه الثلاثة الأیام کما بیناه فیما سبق (4).

الصوم المکروه

ص: 275


1- المتقدمتان فی ص 266 ، 267.
2- المتقدمتان فی ص 266 ، 267.
3- لأن فی طریقها حنان بن سدیر ، وقال الشیخ أنه واقفی - رجال الطوسی : 346.
4- فی ص 150.

وصوم الضیف نافلة من غیر إذن مضیفه ، والأظهر أنه لا ینعقد مع النهی.

______________________________________________________

قوله : ( وصوم الضیف نافلة من دون إذن مضیفه ، والأظهر أنه لا ینعقد مع النهی ).

اختلف الأصحاب فی صوم الضیف نافلة من دون إذن مضیفه ، فقال المصنف فی هذا الکتاب : إنه مکروه إلا مع النهی فیفسد. وقال فی النافع والمعتبر : أنه غیر صحیح (1). وأطلق العلامة وجماعة الکراهة (2). وهو المعتمد.

لنا : ما رواه ابن بابویه ، عن نشیط بن صالح ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من فقه الضیف أن لا یصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصیحته لمولاه أن لا یصوم تطوعا إلا بإذن مولاه ، ومن بر الولد بأبویه أن لا یصوم تطوعا إلا بإذن أبویه وأمرهما ، وإلا کان الضیف جاهلا ، وکانت المرأة عاصیة ، وکان العبد فاسقا ، وکان الولد عاقا » (3).

وعن الفضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إذا دخل رجل بلدة فهو ضیف علی من بها من أهل دینه حتی یرحل عنهم ، ولا ینبغی للضیف أن یصوم إلا بإذنهم ، لئلا یعلموا شیئا فیفسد ، ولا ینبغی لهم أن یصوموا إلا بإذن

ص: 276


1- المختصر النافع : 71 ، والمعتبر 2 : 712.
2- القواعد 1 : 68 ، والتحریر 1 : 75.
3- الفقیه 2 : 99 - 445 ، علل الشرائع : 385 - 4 ، الوسائل 7 : 396 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 10 ح 2.

وکذا یکره صوم الولد من غیر إذن والده ،

______________________________________________________

الضیف ، لئلا یحتشم ویشتهی ویترکه لهم » (1).

والروایتان مع تسلیم سندهما لا تدلان علی أزید من الکراهة ، أما الأولی فلأن الجهل یتحقق بفعل المکروه ، فلا یدل علی التحریم ، وأما الثانیة فلأن لفظ لا ینبغی ظاهر فی الکراهة.

ولم نقف للمانعین علی حجة یعتد بها. واستدل علیه فی المعتبر (2) بما رواه الزهری ، عن علی بن الحسین علیهماالسلام أنه قال : « وأما صوم الإذن : فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها ، والعبد لا یصوم تطوعا إلا بإذن مولاه ، والضیف لا یصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، قال : رسول الله صلی الله علیه و آله : من نزل علی قوم فلا یصوم تطوعا إلا بإذنهم » (3) وهذه الروایة ضعیفة السند جدا (4) فلا تنهض حجة فی إثبات التحریم.

قوله : ( وکذا یکره صوم الولد من غیر إذن والده ).

القول بالکراهة مذهب الأکثر ، وقال المصنف فی النافع : إنه غیر صحیح (5). وفی الأخبار المتقدمة دلالة علیه ، بل مقتضی روایة

ص: 277


1- الفقیه 2 : 99 - 444 ، علل الشرائع : 384 - 3 ، الوسائل 7 : 394 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 9 ح 1.
2- المعتبر 2 : 712.
3- الکافی 4 : 83 - 1 ، الفقیه 2 : 46 - 208 ، التهذیب 4 : 294 - 895 ، الوسائل 7 : 268 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 1 ح 1.
4- لاشتمال سندها علی مجموعة من الضعفاء کالزهری وسفیان بن عیینة وسلیمان بن داود والقاسم بن محمد الجوهری - راجع رجال الکشی 2 : 689 ، ورجال النجاشی : 184 ، ورجال الطوسی : 101 ، 358.
5- المختصر النافع : 71.

والصوم ندبا لمن دعی إلی طعام.

______________________________________________________

هشام بن الحکم توقفه علی إذن الأبوین (1) ، لکنها قاصرة من حیث السند عن إثبات ذلک.

قوله : ( والصوم ندبا لمن دعی إلی طعام ).

إطلاق العبارة وغیرها یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین کون الطعام معمولا لأجله وعدمه ، ولا فی الداعی بین من یشق علیه ترک الإجابة وغیره ، ولا فی الدعوة بین أن تقع أول النهار أو آخره ، ولم نقف علی روایة تتضمن النهی عن الصوم والحال هذه ، وإنما المستفاد من الروایات أن الإجابة إلی الإفطار أفضل من الصوم ، فمن ذلک ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « من دخل علی أخیه وهو صائم فأفطر عنده ولم یعلمه بصومه فیمنّ علیه ، کتب الله له صوم سنة » (2).

وعن صالح بن عقبة ، قال : دخلت علی جمیل بن دراج وبین یدیه خوان علیه غسانیة یأکل منها فقال : ادن فکل ، فقلت : إنی صائم ، فترکنی حتی إذا أکلها فلم یبق منها إلا الیسیر عزم علی إلاّ أفطرت فقلت له : ألا کان هذا قبل الساعة؟ فقال : « أردت بذلک أدبک ، ثم قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام : « یقول أیما رجل مؤمن دخل علی أخیه وهو صائم فسأله الأکل فلم یخبره بصیامه لیمنّ علیه بإفطاره کتب الله جلّ ثناؤه له بذلک الیوم صیام سنة » (3).

وعن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال :

ص: 278


1- المتقدمة فی 276.
2- الکافی 4 : 150 - 3 ، الوسائل 7 : 109 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 4.
3- الکافی 4 : 150 - 4 ، الوسائل 7 : 110 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 5.

والمحظور تسعة : صوم العیدین. وأیام التشریق لمن کان بمنی علی الأشهر.

______________________________________________________

« إفطارک لأخیک المؤمن أفضل من صیامک تطوعا » (1).

وعن علی بن حدید قال ، قلت لأبی الحسن الماضی علیه السلام : أدخل علی القوم وهم یأکلون وقد صلیت العصر وأنا صائم فیقولون : أفطر ، فقال : « أفطر فإنه أفضل » (2).

قوله : ( والمحظور تسعة : صوم العیدین ، وأیام التشریق لمن کان بمنی علی الأشهر ).

أما تحریم صوم یومی العیدین فقال المصنف فی المعتبر : إن علیه اتفاق فقهاء الإسلام (3). والنصوص به مستفیضة (4).

وأما تحریم صوم أیام التشریق فقال فی المعتبر : إنه إجماع علمائنا ، واستدل علیه بما رواه الشیخ عن قتیبة الأعشی ، قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن صوم ستة أیام : العیدین ، وأیام التشریق ، والیوم الذی یشک فیه من شهر رمضان » (5). ثم قال الشیخ : إنما یحرم علی من کان بمنی ، وعلیه أکثر الأصحاب ، ودل علیه ما رواه معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صیام أیام التشریق فقال : « أما بالأمصار فلا

الصوم المحظور

ص: 279


1- الکافی 4 : 150 - 1 ، الوسائل 7 : 109 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 3.
2- الکافی 4 : 151 - 5 ، الوسائل 7 : 110 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 7 وفیه : علی بن حدید عن عبد الله بن جندب.
3- المعتبر 2 : 712.
4- الوسائل 7 : 382 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 1.
5- التهذیب 4 : 183 - 509 ، الإستبصار 2 : 79 - 241 ، الوسائل 7 : 383 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 1 ح 7.

______________________________________________________

بأس به ، وأما بمنی فلا » (1) والعمل بهذه أولی من الأخبار المطلقة ، لأنها لیست علی حد الیقین ، فیؤخذ بما وقع الاتفاق علیه ، وتمسکا فیما عداه بالأصل (2). هذا کلامه رحمه الله وهو جید ، لأن الروایة المفصلة صحیحة السند ، والمفصّل یحکّم علی المطلق.

وخص العلامة فی القواعد التحریم بمن کان بمنی ناسکا (3). وإطلاق الروایة یدفعه.

إذا عرفت ذلک فاعلم أن قول المصنف : علی الأشهر ، یمکن تعلقه بمن کان بمنی ، ویکون فی مقابل الأشهر : تحریم صومها مطلقا. وربما کان فی کلام المعتبر إشعار به ، حیث عزی اعتبار ذلک إلی الشیخ وأکثر الأصحاب.

ویمکن أن یکون إشارة إلی ما ذکره الشیخ - رحمه الله - من أن القاتل فی الأشهر الحرم یجب علیه صوم شهرین (4) من أشهر الحرم وإن دخل فیهما العید وأیام التشریق (5). وربما ظهر ذلک من عبارة النافع حیث قال بعد أن حکم بتحریم صوم هذه الأیام : وقیل القاتل فی أشهر الحرم یصوم شهرین منها وإن دخل فیهما العید وأیام التشریق ، لروایة زرارة (6) ، والمشهور عموم المنع (7).

ص: 280


1- التهذیب 4 : 297 - 897 ، الإستبصار 2 : 132 - 429 ، الوسائل 7 : 385 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 2 ح 1.
2- المعتبر 2 : 713.
3- القواعد 1 : 68.
4- فی « م » و « ح » زیادة : متتابعین ، وهو الموافق للمصدر.
5- التهذیب 4 : 297.
6- الکافی 4 : 139 - 8 ، التهذیب 4 : 297 - 896 ، الوسائل 7 : 278 أبواب بقیة الصوم الواجب ب 8 ح 1.
7- ذکره فی المختصر النافع : 71.

وصوم یوم الثلاثین من شعبان بنیّة الفرض. وصوم نذر المعصیة ،

______________________________________________________

وذکر الشارح - قدس سره - أنه یمکن أن یعود إلی ما دل علیه إطلاق تحریم صوم هذه الأیام لمن کان بمنی ، فیکون إشارة إلی خلاف من خص التحریم بالناسک (1).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن زیاد بن أبی الحلال قال ، قال لنا أبو عبد الله علیه السلام : « لا صیام بعد الأضحی ثلاثة أیام ، ولا بعد الفطر ثلاثة أیام ، لأنها أیام أکل وشرب » (2) وأقل مراتب ذلک الکراهة ، ومن ذلک یظهر أن ما ذکره الشیخ (3) وأتباعه (4) من استحباب صوم ستة أیام بعد الفطر تعویلا علی روایة ضعیفة وردت بذلک من طریق الجمهور ، غیر جید.

قوله : ( وصوم یوم الثلاثین من شعبان بنیة الفرض ).

أی الفرض المعهود ، وهو صوم رمضان ، وإنما کان محرما لورود النهی عنه ، ولأن صومه علی هذا الوجه تشریع محرم.

قوله : ( وصوم نذر المعصیة ).

وهو أن ینذر الصوم إن تمکن من المعصیة الفلانیة ، ویقصد الشکر علی تیسیرها ، لا الزجر عنها. ولا ریب فی عدم انعقاد هذا النذر ، وتحریم الصوم علی هذا الوجه ، لأن الصوم یفتقر إلی القربة ، وهذا مما لا یمکن التقرب به.

ص: 281


1- المسالک 1 : 81.
2- التهذیب 4 : 330 - 1031 ، الوسائل 7 : 387 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 3 ح 1.
3- النهایة : 169.
4- کسلار فی المراسم : 95.

وصوم الصمت .. وصوم الوصال ، وهو أن ینوی صوم یوم ولیلة إلی السحر ، وقیل : هو أن یصوم یومین مع لیلة بینهما.

______________________________________________________

قوله : ( وصوم الصمت ).

وهو أن ینوی الصوم ساکتا ، وقد أجمع الأصحاب علی تحریمه ، لأنه غیر مشروع فی ملة الإسلام فیکون بدعة ، ولقول علی بن الحسین علیهماالسلام فی روایة الزهری : « وصوم الوصال حرام ، وصوم الصمت حرام » (1) وظاهر الأصحاب أن الصوم علی هذا الوجه یقع فاسدا لمکان (2) النهی ، ویحتمل الصحة ، لصدق الامتثال بالإمساک عن المفطرات مع النیة ، وتوجه النهی إلی الصمت المنوی ونیته ، وهو خارج عن حقیقة العبادة.

قوله : ( وصوم الوصال ، وهو أن ینوی صوم یوم ولیلة إلی السحر ، وقیل : هو أن یصوم یومین مع لیلة بینهما ).

أجمع الأصحاب علی تحریم صوم الوصال ، لأنه تشریع محرم ، وللنهی عنه فی روایة الزهری المتقدمة.

واختلفت الروایة عن أبی عبد الله علیه السلام فی حقیقته ، فروی الکلینی فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الوصال فی الصیام أن یجعل عشاءه سحوره » (3).

وفی الصحیح عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله

ص: 282


1- الفقیه 2 : 46 - 208 ، التهذیب 4 : 294 - 895 ، الوسائل 7 : 382 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 1 ح 1.
2- فی « م » : بإمکان.
3- الکافی 4 : 95 - 2 ، الوسائل 7 : 388 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 4 ح 7.

وأن تصوم المرأة ندبا بغیر إذن زوجها أو مع نهیه لها.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « المواصل فی الصیام یصوم یوما ولیلة ویفطر فی السحر » (1) وبمضمون هاتین الروایتین أفتی الشیخ فی النهایة (2) وأکثر الأصحاب.

وفی روایة محمد بن سلیمان ، عن أبیه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال : « وإنما قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « لا وصال فی صیام ، یعنی لا یصوم الرجل یومین متوالیین من غیر إفطار » (3) وبمضمونها أفتی الشیخ فی الاقتصاد (4) وابن إدریس (5). قال فی المعتبر : ولعل هذا أولی (6). وکأن وجهه الاقتصار فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق ، لکن الروایة بذلک ضعیفة جدا ، فکان المصیر إلی الأول متعینا ، لصحة مستنده.

وإنما یحرم تأخیر العشاء إلی السحر إذا نوی کونه جزءا من الصوم ، أما لو أخره الصائم بغیر نیة فإنه لا یحرم فیما قطع به الأصحاب ، والاحتیاط یقتضی اجتناب ذلک ، إذ المستفاد من الروایة تحقق الوصال بجعل العشاء سحورا مطلقا. والکلام فی بطلان الصوم هنا کما سبق فی صوم الصمت.

قوله : ( وأن تصوم المرأة ندبا بغیر إذن زوجها أو مع نهیه ).

ص: 283


1- الکافی 4 : 96 - 3 ، الوسائل 7 : 389 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 4 ح 9.
2- النهایة : 170.
3- الکافی 4 : 92 - 5 ، التهذیب 4 : 307 - 927 ، الإستبصار 2 : 138 - 452 ، الوسائل 7 : 368 أبواب الصوم المندوب ب 29 ح 3.
4- الاقتصاد : 293.
5- السرائر : 97.
6- المعتبر 2 : 714.

وکذا المملوک. وصوم الواجب سفرا ، عدا ما استثنی.

النظر الثالث : فی اللواحق ، وفیه مسائل :

الأولی : المرض الذی یجب معه الإفطار ما یخاف به الزیادة

______________________________________________________

هذا موضع وفاق بین العلماء ، قاله فی المعتبر (1) ، وتدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال النبی صلی الله علیه و آله : لیس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها » (2).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الزوجة بین الدائم والمستمتع بها ، ولا فی الزوج بین الحاضر والغائب ، واشترط الشافعی حضوره ، وإطلاق النصوص یدفعه.

قوله : ( وکذا المملوک ).

أی : لا یصح صومه ندبا بغیر إذن مولاه. وهذا الحکم إجماعی ، منصوص فی عدة روایات (3). ولا فرق فی ذلک بین أن یکون المولی حاضرا أو غائبا ، ولا بین أن یضعف المملوک عن حق مولاه وعدمه.

قوله : ( وصوم الواجب سفرا عدا ما استثنی ).

المستثنی ثلاثة : المنذور سفرا وحضرا ، والثلاثة فی بدل الهدی ، والثمانیة عشر فی بدل البدنة.

قوله : ( الأولی ، المرض الذی یجب معه الإفطار ما یخاف به

اللواحق

المرض الموجب للافطار

ص: 284


1- المعتبر 2 : 712.
2- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ ، وهی موجودة فی : الکافی 4 : 152 - 4 ، والوسائل 7 : 393 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 8 ح 1.
3- الوسائل 7 : 395 أبواب الصوم المحرم والمکروه ب 10.

بالصوم. ویبنی فی ذلک علی ما یعلمه من نفسه أو یظنّه لأمارة ، کقول عارف ، ولو صام مع تحقق الضرر متکلّفا قضاه.

الثانیة : المسافر إذا اجتمعت فیه شرائط القصر وجب ، ولو صام عالما بوجوبه قضاه ، وإن کان جاهلا لم یقض.

الثالثة : الشرائط المعتبرة فی قصر الصلاة معتبرة فی قصر الصوم ،

______________________________________________________

الزیادة بالصوم ، ویبنی فی ذلک علی ما یعلمه من نفسه أو یظنه لأمارة ، کقول عارف ).

تتحقق الزیادة بزیادة المرض ، أو زیادة مدته ، أو زیادة مشقته ، والمرجع فی ذلک کله إلی الظن المستند إلی أمارة ، أو تجربة. أو قول من یفید قوله الظن ، وإن کان فاسقا أو کافرا. والوجه فی ذلک کله إطلاق الآیة الشریفة والأخبار الکثیرة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ( ولو صام مع تحقق الضرر متکلفا قضاه ).

المراد أنه لو صام مع حصول (1) الضرر ولو ظنا کان صومه فاسدا ووجب علیه قضاؤه ، لقوله تعالی ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ ) (2) ولا فرق فی ذلک بین العالم والجاهل.

قوله : ( الثانیة ، المسافر إذا اجتمعت فیه شرائط القصر وجب ، ولو صام عالما بوجوبه قضاه ، وإن کان جاهلا لم یقض ).

هذان الحکمان إجماعیان منصوصان فی عدة روایات ، وقد تقدم الکلام فیهما مستوفی.

قوله : ( الثالثة ، الشرائط المعتبرة فی قصر الصلاة معتبرة فی قصر

حکم صوم المسافر

ما یعتبر فی قصر الصوم

ص: 285


1- فی « ض » : تحقق.
2- البقرة : 184.

ویزید علی ذلک تبییت النیّة ، وقیل : لا یعتبر ، بل یکفی خروجه قبل الزوال ، وقیل : لا یعتبر أیضا ، بل یجب القصر ولو خرج قبل الغروب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

الصوم ، ویزید علی ذلک تبییت النیة ، وقیل : لا یعتبر ، بل یکفی خروجه قبل الزوال ، وقیل : لا یعتبر أیضا ، بل یجب القصر ولو خرج قبل الغروب ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب السید المرتضی رضی الله عنه (1) ، وعلی بن بابویه (2) ، والحسن بن أبی عقیل (3) ، وابن إدریس (4) إلی أن شرائط قصر الصلاة والصوم واحدة ، فمن سافر فی جزء من أجزاء النهار أفطر وإن خرج قبل الغروب.

وقال المفید رحمه الله : المسافر إن خرج من منزله قبل الزوال وجب علیه الإفطار والقصر فی الصلاة ، وإن خرج بعد الزوال وجب علیه التمام فی الصیام والقصر فی الصلاة (5). وهو اختیار ابن الجنید (6) وأبی الصلاح ، إلا أن أبا الصلاح أوجب الإمساک مع الخروج بعد الزوال والقضاء (7).

وقال الشیخ فی النهایة : إذا خرج الرجل إلی السفر بعد طلوع الفجر أیّ وقت کان من النهار وکان قد بیّت نیته من اللیل للسفر وجب علیه الإفطار ، وإن لم یکن قد بیت نیته من اللیل ثم خرج بعد طلوع

ص: 286


1- جمل العلم والعمل : 91.
2- حکاه عنهما فی المختلف : 230.
3- حکاه عنهما فی المختلف : 230.
4- السرائر : 89.
5- حکاه عنه فی السرائر : 89 ، والمختلف : 230.
6- حکاه عنه فی المختلف : 230.
7- الکافی فی الفقه : 182.

______________________________________________________

الفجر کان علیه إتمام ذلک الیوم ، ولیس علیه قضاؤه. ثم قال : ومتی بیّت نیته للسفر من اللیل ولم یتفق له الخروج إلا بعد الزوال کان علیه أن یمسک بقیة النهار وعلیه القضاء (1). وهذا یدل علی اعتبار تبییت النیة والخروج قبل الزوال فی جواز الإفطار.

وقال فی کتابی الأخبار : إنه إذا بیّت النیة وخرج قبل الزوال وجب علیه الإفطار ، وإن خرج بعد الزوال استحب له إتمام الصوم وجاز له الإفطار ، وإن لم یکن قد نوی السفر من اللیل فلا یجوز له الإفطار علی وجه (2). والمعتمد ما اختاره المفید رحمه الله .

لنا : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، والشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یخرج من بیته یرید السفر وهو صائم قال ، فقال : « إن خرج من قبل أن ینتصف النهار فلیفطر ولیقض ذلک الیوم ، وإن خرج بعد الزوال فلیتم یومه » (3) وهی نص فی المطلوب.

وفی الصحیح عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سافر الرجل فی شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعلیه صیام ذلک الیوم ویعتد به من شهر رمضان » (4) وهی دالة بمنطوقها علی وجوب الصوم مع السفر بعد الزوال ، وبمفهومها علی انتفاء الحکم قبله.

ص: 287


1- النهایة : 161.
2- التهذیب 4 : 229 ، والاستبصار 2 : 99 - 100.
3- الفقیه 2 : 92 - 412 ، التهذیب 4 : 228 - 671 ، الإستبصار 2 : 99 - 321 ، الوسائل 7 : 131 أبواب من یصح منه الصوم ب 5 ح 2.
4- الفقیه 2 : 92 - 413 ، التهذیب 4 : 229 - 672 ، الإستبصار 2 : 99 - 322 ، الوسائل 7 :131 أبواب من یصح منه الصوم ب 5 ح 1.

______________________________________________________

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یسافر فی شهر رمضان ، یصوم أو یفطر؟ قال : « إن خرج قبل الزوال فلیفطر ، وإن خرج بعد الزوال فلیصم » (1).

وفی الموثق عن عبید بن زرارة أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا خرج الرجل فی شهر رمضان بعد الزوال أتم الصیام ، فإذا خرج قبل الزوال أفطر » (2).

احتج القائلون بوجوب التقصیر مطلقا بعموم قوله تعالی ( فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ ) (3) وهو یصدق علی من خرج قبل الغروب بشی ء یسیر فیجب علیه الإفطار ، وما رواه الشیخ ، عن عبد الأعلی مولی آل سام : فی الرجل یرید السفر فی شهر رمضان ، قال : « یفطر وإن خرج قبل أن تغیب الشمس بقلیل » (4).

والجواب أما عن الآیة الشریفة فبأنها مطلقة وأخبارنا مفصلة ، فکان العمل بها أولی ، مع أن بعض المفسرین ذکر أن فی العدول من قوله : « مسافرین ، إلی قوله : علی سفر ، إیماء إلی أن من سافر فی بعض الیوم لم یفطر ، لأن لفظ علی یدل علی الاستعلاء والاستیلاء ، فیکون المراد إن کنتم علی سفر یعتد به ویعد سفرا.

وأما الروایة فضعیفة السند جدا کما اعترف به الشیخ فی

ص: 288


1- الکافی 4 : 131 - 3 ، الوسائل 7 : 132 أبواب من یصح منه الصوم ب 5 ح 3.
2- الکافی 4 : 131 - 2 ، الوسائل 7 : 132 أبواب من یصح منه الصوم ب 5 ح 4.
3- البقرة : 184.
4- التهذیب 4 : 229 - 674 ، الإستبصار 2 : 99 - 324 ، الوسائل 7 : 134 أبواب من یصح منه الصوم ب 5 ح 14.

______________________________________________________

التهذیب (1) ، ثم حملها علی من خرج بعد تبییت النیة ، وسیأتی ما فیه.

احتج الشیخ - رحمه الله - علی اعتبار تبییت النیة بما رواه عن سلیمان بن جعفر المروزی ، قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الرجل ینوی السفر فی شهر رمضان فیخرج من أهله بعد ما یصبح ، قال : « إذا أصبح فی أهله فقد وجب علیه صیام ذلک الیوم إلا أن یدلج دلجة (2) » (3).

وعن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام : فی الرجل یسافر فی شهر رمضان ، أیفطر فی منزله؟ قال : « إذا حدث نفسه فی اللیل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم یحدث نفسه من اللیلة ثم بدا له فی السفر من یومه أتم صومه » (4).

وعن صفوان بن یحیی ، عمن رواه ، عن أبی بصیر ، قال : « إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من اللیل فأتم الصوم واعتد به من رمضان » (5).

والجواب أن هذه الروایات کلها ضعیفة السند (6) فلا تعارض

ص: 289


1- التهذیب 4 : 229. قال : فأول ما فیه أنه موقوف غیر مسند إلی أحد من الأئمة علیهم السلام . ونضیف أن راویها مجهول ، وفی طریقها بعض الفطحیة.
2- الدلجة : السیر من آخر اللیل - الصحاح 1 : 315.
3- التهذیب 4 : 227 - 667 ، الإستبصار 2 : 98 - 317 ، الوسائل 7 : 132 أبواب من یصح منه الصوم ب 5 ح 6 ، وفیها : سلیمان بن جعفر الجعفری.
4- التهذیب 4 : 228 - 669 ، الإستبصار 2 : 98 - 319 ، الوسائل 7 : 133 أبواب من یصح منه الصوم ب 5 ح 10.
5- التهذیب 4 : 228 - 670 ، الإستبصار 2 : 98 - 320 ، الوسائل 7 : 133 أبواب من یصح منه الصوم ب 5 ح 12.
6- أما الأولی فبجهالة راویها ووقوع علی بن أحمد بن أشیم فی طریقها وهو مجهول أیضا. وأما الثانیة فلأن فی طریقها علی بن الحسن بن فضال وهو فطحی. وأما الثالثة فبالإرسال واشتراک راویها بین الضعیف والثقة.

______________________________________________________

الأخبار الصحیحة ، مع إمکان تأویلها بما یوافق الأخبار المتقدمة.

واستدل المصنف فی المعتبر علی هذا القول أیضا بأن من عزم علی السفر من اللیل لم ینو الصوم فلا یکون صومه تاما ، قال : ولو قیل یلزم علی ذلک لو لم یخرج أن یقضیه التزمنا ذلک فإنه صام من غیر نیة ، إلا أن یجدد ذلک قبل الزوال (1). وهو استدلال ضعیف ، فإنا نمنع منافاة العزم علی السفر لنیة الصوم ، کما لا ینافیه احتمال طروء المسقط من الحیض ونحوه ، إذا الذی ینوی الواجب من الصوم وغیره فإنما ینویه مع بقائه علی شرائط التکلیف ، وقبل تحقق السفر الموجب للقصر یجب الصوم قطعا ، إذ من الممکن عدم السفر ، وإن حصل العزم علیه فتجب نیته علی هذا الوجه کما هو واضح.

واعلم أن العلامة - رحمه الله - قال فی المختلف فی آخر کلامه : وأعلم أنه لیس بعیدا من الصواب تخیّر المسافر بین القصر والإتمام إذا خرج بعد الزوال ، لروایة رفاعة بن موسی الصحیحة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یرید السفر فی شهر رمضان ، قال : « إذا أصبح فی بلدة ثم خرج فإن شاء صام وإن شاء أفطر » (2) وإنما قیدنا ذلک بالخروج بعد الزوال جمعا بین الأخبار (3).

وأقول : إن هذا الحمل بعید جدا ، نعم لو قیل بالتخییر مطلقا کما هو ظاهر الروایة لم یکن بعیدا ، وبذلک یحصل الجمع بین الأخبار.

ص: 290


1- المعتبر 2 : 716.
2- التهذیب 4 : 327 - 1019 ، الوسائل 7 : 132 أبواب من یصح منه الصوم ب 5 ح 7.
3- المختلف : 232.

وکل سفر یجب قصر الصلاة فیه یجب قصر الصوم ، وبالعکس ، إلا لصید التجارة علی قول.

______________________________________________________

قوله : ( وکل سفر یجب قصر الصلاة فیه یجب قصر الصوم ، وبالعکس ، إلا لصید التجارة علی قول ).

القول للشیخ فی النهایة والمبسوط ، فإنه ذهب فیهما إلی أن من سافر طلبا للصید للتجارة یقصر صومه ویتم صلاته (1). قال فی المعتبر : ونحن نطالبه بدلالة الفرق ، ونقول : إن کان مباحا قصّر فیهما ، وإلا أتم فیهما (2). ویدل علی التلازم بین قصر الصوم والصلاة صریحا قول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب : « هما واحد ، إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » (3).

قال الشارح قدس سره : ویستثنی من الکلیة الثانیة السفر فی مواضع التخییر الأربعة ، فإن قصر الصلاة فیها غیر متعین بخلاف الصوم ، ویمکن تکلف العناء عن الاستثناء بالتزام کون قصر الصلاة فی هذه الأربعة واجبا تخییریا بینه وبین التمام ، لأن الواجب وهو الصلاة لا یتأدی إلا بأحدهما ، فیکون کل واحد منهما موصوفا بالوجوب ، کالجهر والإخفات فی بسملة القراءة الواجبة الإخفاتیة. قال : ولا یجوز أن یحمل العکس المذکور علی الاصطلاحی ، وهو العکس المستوی لتکون القضیة فیه جزئیة ، لأن المعکوس موجبة کلیة فلا ینافیه خروج بعض الأفراد ، لأن الاستثناء الذی بعده یدل علی کلیة العکس ، لأنه استثناء

السفر الذی یقصر فیه الصوم

ص: 291


1- النهایة : 122 ، والمبسوط 1 : 136.
2- المعتبر 2 : 471.
3- الفقیه 1 : 280 - 1270 ، التهذیب 3 : 220 - 551 ، الوسائل 7 : 130 أبواب من یصح منه الصوم ب 4 ح 1.

الرابعة : الذین یلزمهم إتمام الصلاة سفرا یلزمهم الصوم ، وهم الذین سفرهم أکثر من حضرهم ، ما لم یحصل لأحدهم إقامة عشرة أیام فی بلده أو غیره ، وقیل : یلزمهم الإتمام مطلقا عدا المکاری.

الخامسة : لا یفطر المسافر حتی یتواری عنه جدران بلده أو یخفی علیه أذان ، فلو أفطر قبل ذلک کان علیه مع القضاء الکفارة.

______________________________________________________

منه ، والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل ، فتعین إرادة العکس اللغوی (1). انتهی کلامه رحمه الله قال : وهو جید.

قوله : ( الرابعة ، الذین یلزمهم إتمام الصلاة سفرا یلزمهم الصوم ، وهم الذین سفرهم أکثر من حضرهم ، ما لم یحصل لأحدهم إقامة عشرة أیام فی بلده أو غیره ، وقیل : یلزمهم الإتمام مطلقا عدا المکاری ).

هذا القول لم نظفر بقائله ، قال بعض شراح النافع : ولعل المصنف سمعه من معاصر له فی غیر کتاب مصنف (2). والأقرب تساوی الجمیع فی الحکم ، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی کتاب الصلاة مستوفی.

قوله : ( الخامسة ، لا یفطر المسافر حتی تتواری عنه جدران بلده أو یخفی علیه أذانه ، فلو أفطر قبل ذلک کان علیه مع القضاء الکفارة ).

لا إشکال فی ثبوت الکفارة مع العلم بتحریم الإفطار قبل الخفاء ، لإفساده صوما واجبا من شهر رمضان ، وإنما الکلام فی سقوطها بعد الخفاء ، ووجوب الإفطار ، وقد تقدم أن الأقوی عدم السقوط ، خصوصا إذا کان السفر اختیاریا. ولو کان جاهلا بالحکم فالأصح أنه لا شی ء علیه

ذکر من یلزمه الصوم فی السفر

متی یفطر المسافر

ص: 292


1- المسالک 1 : 81.
2- کابن فهد فی المهذب البارع : 488.

السادسة : الهمّ والکبیرة وذو العطاش یفطرون فی رمضان ، ویتصدقون عن کل یوم بمدّ من طعام. ثم إن أمکن القضاء وجب وإلا سقط. وقیل : إن عجز الشیخ والشیخة سقط التکفیر کما یسقط الصوم. وإن أطاقا بمشقّة کفّرا ، والأول أظهر.

______________________________________________________

سوی القضاء ، وقد تقدم الکلام فی ذلک أیضا.

قوله : ( السادسة ، الهمّ والکبیرة وذو العطاش یفطرون فی رمضان ویتصدقون عن کل یوم بمد من طعام ، ثم إن أمکن القضاء وجب وإلا سقط ، وقیل : إن عجز یوم بمد من طعام ، ثم إن أمکن القضاء وجب وإلا سقط ، وقیل : إن عجز الشیخ والشیخة سقط التکفیر کما یسقط الصوم ، وإن أطاقا بمشقة کفّرا ، والأول أظهر ).

تضمّنت هذه العبارة مسألتین ، إحداهما : إن الهم - والمراد به الشیخ الکبیر کما هو مورد النص - والعجوز الکبیرة إذا عجزا عن الصوم أو أطاقاه بمشقة شدیدة یفطران ویتصدقان عن کل یوم بمد من طعام ، وإلی ذلک ذهب الشیخ (1) وجماعة (2) ، لکنه أوجب فی النهایة التصدق بمدین ، فإن لم یمکن فبمد (3).

وقال المفید (4) والمرتضی (5) : إن عجزا عن الصوم سقطت عنهما الکفارة أیضا کما یسقط الصیام ، وإن أطاقاه بمشقة شدیدة وجبت. واختاره العلامة فی المختلف (6) ، والشارح قدس سره (7). والمعتمد الأول.

حکم الهم والکبیرة وذی العطاش

ص: 293


1- الإستبصار 2 : 104.
2- منهم الصدوق فی المقنع : 61 ، والعلامة فی المنتهی 2 : 618.
3- النهایة : 159.
4- المقنعة : 56.
5- الانتصار : 67 ، وجمل العلم والعمل : 92.
6- المختلف : 245.
7- المسالک 1 : 81.

______________________________________________________

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « الشیخ الکبیر والذی به العطاش لا حرج علیهما أن یفطرا فی شهر رمضان ویتصدق کل واحد فی کل یوم بمد من طعام ، ولا قضاء علیهما ، فإن لم یقدرا فلا شی ء علیهما » (1).

وفی الصحیح عن عبد الملک بن عتبة لهاشمی ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الشیخ الکبیر والعجوز الکبیرة التی تضعف عن الصوم فی شهر رمضان ، قال : « یتصدق عن کل یوم بمد من حنطة » (2).

وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل کبیر یضعف عن صوم شهر رمضان فقال : « یتصدق بما یجزی عنه ، طعام مسکین لکل یوم » (3). ومقتضی هذه الروایات إجزاء التصدق بالمد.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام ، وذکر الحدیث إلا أنه قال : « ویتصدق کل واحد منهما فی کل یوم بمدین من طعام » (4) لأنا نجیب عنه بالحمل علی الاستحباب کما ذکره الشیخ فی الاستبصار (5).

ص: 294


1- الکافی 4 : 116 - 2 ، التهذیب 4 : 238 - 697 ، الإستبصار 2 : 104 - 338 ، الوسائل 7 : 149 أبواب من یصح منه الصوم ب 15 ح 1.
2- الفقیه 2 : 85 - 379 ، التهذیب 4 : 238 - 696 ، الإستبصار 2 : 103 - 337 ، الوسائل 7 : 150 أبواب من یصح منه الصوم ب 15 ح 4.
3- التهذیب 4 : 237 - 694 ، الإستبصار 2 : 103 - 336 ، الوسائل 7 : 151 أبواب من یصح منه الصوم ب 15 ح 9.
4- التهذیب 4 : 238 - 698 ، الإستبصار 2 : 104 - 339 ، الوسائل 7 : 150 أبواب من یصح منه الصوم ب 15 ح 2.
5- الاستبصار 2 : 104.

______________________________________________________

وقال الشیخ فی التهذیب : إن هذا الخبر لیس بمضاد للأحادیث التی تضمنت مدا من طعام أو إطعام مسکین ، لأن هذا الحکم یختلف بحسب اختلاف أحوال المکلفین ، فمن أطاق إطعام مدین یلزمه ذلک ، ومن لم یطق إلا إطعام مد فعلیه ذلک ، ومن لم یقدر علی شی ء منه فلیس علیه شی ء حسب ما قدمناه (1). وما ذکره - رحمه الله - نوع من الجمع ، إلا أن الأول أقرب.

ولم نقف للمفید وأتباعه علی روایة تدل علی ما ذکروه من التفصیل ، وقد اعترف بذلک الشیخ فی التهذیب ، فقال بعد أن أورد عبارة المفید : هذا الذی فصّل به بین من یطیق الصیام بمشقة وبین من لم یطقه أصلا لم أجد به حدیثا مفصلا ، والأحادیث کلها علی أنه متی عجزا کفرا عنه ، والذی حمله علی هذا التفصیل هو أنه ذهب إلی أن الکفارة فرع علی وجوب الصوم ، ومن ضعف عن الصیام ضعفا لا یقدر علیه جملة فإنه یسقط عنه وجوبه جملة ، لأنه لا یحسن تکلیفه بالصیام وحاله هذه ، وقد قال الله تعالی ( لا یُکَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ) (2).

قال : وهذا لیس بصحیح ، لأن وجوب الکفارة لیس بمبنی علی وجوب الصوم ، إذ لا یمتنع أن یقول الله تعالی : متی لم تطیقوا الصوم صارت مصلحتکم فی الکفارة ، وسقط وجوب الصوم عنکم ، ولیس لأحدهما تعلق بالآخر (3). هذا کلامه رحمه الله وهو جید ، لکن ما وجه به کلام المفید لا وجه له ، فإن التکلیف بالصیام کما یسقط مع العجز عنه لإناطة التکلیف بالوسع ، کذا یسقط مع المشقة الشدیدة لأن العسیر غیر

ص: 295


1- التهذیب 4 : 238.
2- البقرة : 286.
3- التهذیب 4 : 237.

______________________________________________________

مراد لله تعالی ، وأیضا فإنه لا خلاف فی جواز الإفطار مع المشقة الشدیدة ، وإنما الکلام فی وجوب التکفیر معه کما هو واضح.

واستدل العلامة فی المختلف علی هذا التفصیل بقوله تعالی : ( وَعَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعامُ مِسْکِینٍ ) (1) قال : فإنه یدل بمفهومه علی سقوط الفدیة عن الذین لا یطیقونه ، وبأصالة البراءة من وجوب التکفیر مع العجز ، ومنع دلالة الروایات علی الوجوب ، أما روایة ابن مسلم فلاقتضائها نفی الحرج علیهما عن الإفطار ، ونفی الحرج یفهم منه ثبوت التکلیف ، وإنما یتم مع القدرة ، وأما روایتا الحلبی وعبد الملک الهاشمی فلأن موردهما من ضعف عن الصوم ، والضعف لا یستلزم العجز (2).

ویتوجه علیه أن الآیة الشریفة غیر محمولة علی ظاهرها ، بل إما منسوخة کما هو قول بعض المفسرین (3) ، أو محمولة علی أن المراد : وعلی الذین کانوا یطیقونه ثم عجزوا عنه ، کما هو مروی فی أخبارنا (4).

وأما الروایات فهی بإطلاقها متناولة للحالین ، فإن الضعف عن الصوم یتحقق بالعجز عنه وبالمشقة اللازمة منه ، وکذا نفی الحرج یتحقق مع الوصفین. وبالجملة فالأحادیث مطلقة فیجب حملها علی إطلاقها.

ومقتضی العبارة وجوب القضاء علیهما مع التمکن کما فی ذی

ص: 296


1- البقرة : 184.
2- المختلف : 244.
3- منهم الشیخ فی التبیان 2 : 118 ، والرازی فی التفسیر الکبیر 5 : 86.
4- الوسائل 7 : 149 أبواب من یصح منه الصوم ب 15.

______________________________________________________

العطاش ، وهو مشکل ، لإطلاق الروایة المتضمنة للسقوط.

الثانیة : إن ذی العطاش - وهو بالضم داء لا یروی صاحبه - یجوز له الإفطار إذا شق علیه الصوم ، ویجب علیه التکفیر عن کل یوم بمد والقضاء مع البرء.

أما جواز الإفطار فلأن التکلیف منوط بالوسع ، فیسقط مع العجز ، وکذا مع المشقة الشدیدة ، لأن العسر غیر مراد الله تعالی.

وأما وجوب التکفیر فلقوله علیه السلام فی صحیحة ابن مسلم : « ویتصدق کل واحد - یعنی الشیخ الکبیر والذی به العطاش - عن کل یوم بمد من طعام » (1).

وأما وجوب القضاء بعد البرء فاستدل علیه بأنه أفطر للمرض فیجب علیه القضاء ، لقوله تعالی ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ ) ویشکل بأن مقتضی الروایة سقوط القضاء مطلقا ، حیث قال فیها : « ولا قضاء علیهما ».

وفی المسألة قولان آخران ، أحدهما : إن العطاش إذا کان مرجو الزوال یجب علی صاحبه القضاء بعد البرء ولا کفارة ، اختاره العلامة فی جملة من کتبه ، لأنه مریض فلا تجب علیه الکفارة مع القضاء کغیره (2).

وثانیهما : إن العطاش إذا کان غیر مرجو الزوال لم تجب الکفارة ولا القضاء لو برأ علی خلاف الغالب ، اختاره المحقق الشیخ علی رحمه

ص: 297


1- التهذیب 4 : 238 - 697 ، الإستبصار 2 : 104 - 338 ، الوسائل 7 : 149 أبواب من یصح منه الصوم ب 15 ح 1.
2- المنتهی 2 : 619 ، والمختلف : 245.

السابعة : الحامل المقرب والمرضع القلیلة اللبن یجوز لهما الإفطار فی رمضان ، وتقضیان مع الصدقة عن کل یوم بمدّ من طعام.

______________________________________________________

الله (1) ، وقبله سلار من المتقدمین (2) ، وهما مدفوعان بالروایة المتضمنة لوجوب التکفیر مطلقا.

وهل یجب علی ذی العطاش الاقتصار من الشرب علی ما تندفع به الضرورة أم یجوز له التملی من الشراب وغیره؟ قیل بالأول (3) لروایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصیبه العطش حتی یخاف علی نفسه ، قال : « یشرب بقدر ما یمسک به رمقه ، ولا یشرب حتی یروی » (4).

وقیل بالثانی ، وهو خیرة الأکثر ، لإطلاق قوله علیه السلام : « الشیخ الکبیر والذی به العطاش یفطران » (5) ولا ریب أن الأول أحوط.

قوله : ( السابعة ، الحامل المقرب والمرضع القلیلة اللبن یجوز لهما الإفطار فی رمضان ، وتقضیان مع الصدقة عن کل یوم بمد من طعام ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین أن تخاف الحامل والمرضع علی أنفسهما وعلی الولد ، وبهذا التعمیم صرح المصنف فی المعتبر (6) ، واستدل بما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن

افطار الحامل المقرب والقلیلة اللبن

ص: 298


1- جامع المقاصد 1 : 154.
2- المراسم : 97.
3- کما فی جامع المقاصد 1 : 154 ، والمسالک 1 : 81.
4- الکافی 4 : 117 - 6 ، الفقیه 2 : 84 - 376 ، التهذیب 4 : 240 - 702 و 326 - 1011 ، الوسائل 7 : 152 أبواب من یصح منه الصوم ب 16 ح 1.
5- التهذیب 4 : 238 - 697 ، الإستبصار 2 : 104 - 338 ، الوسائل 7 : 149 أبواب من یصح منه الصوم ب 15 ح 1.
6- المعتبر 2 : 718.

______________________________________________________

محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « الحامل المقرب ، والمرضع القلیلة اللبن لا حرج علیهما أن تفطرا فی شهر رمضان ، لأنهما لا تطیقان الصوم ، وعلیهما أن تتصدق کل واحدة منهما فی کل یوم تفطران فیه بمد من طعام ، وعلیهما قضاء کل یوم أفطرا فیه ، تقضیانه بعد » (1).

ثم نقل عن الشافعی قولا بأنهما إذا خافتا علی أنفسهما أفطرتا وقضتا ولا کفارة ، ثم قال رحمه الله : وما ذکره لا وجه له مع وجود الأحادیث المطلقة (2). وهو کذلک.

ومن العجب أن الشارح - قدس سره - جعل هذا التفصیل هو المشهور (3) ، مع أنا لم نقف علی مصرح به سوی المحقق الشیخ فخر الدین (4) وبعض من تأخر عنه (5) ، لکن عبارة التذکرة والمنتهی توهم ذلک ، فإنه قال فی التذکرة فی أول کلامه : الحامل المقرب والمرضع القلیلة اللبن إذا خافتا علی أنفسهما أفطرتا وعلیهما القضاء بلا خلاف بین علماء الإسلام ، ولا کفارة علیهما. لکنه قال فی آخر کلامه : إذا عرفت هذا فالصدقة بما تضمنته الروایة واجبة (6). وأشار بذلک إلی روایة ابن مسلم المتقدمة ، ونحوه قال فی المنتهی (7).

ص: 299


1- الفقیه 2 : 84 - 378 ، التهذیب 4 : 239 - 701 ، الوسائل 7 : 153 أبواب من یصح منه الصوم ب 17 ح 1.
2- المعتبر 2 : 719.
3- المسالک 1 : 82.
4- إیضاح الفوائد 1 : 235.
5- کالکرکی فی جامع المقاصد 1 : 154.
6- التذکرة 1 : 281.
7- المنتهی 2 : 619.

الثامنة : من نام فی رمضان واستمر نومه ، فإن کان نوی الصوم فلا قضاء علیه ، وإن لم ینو فعلیه القضاء ، والمجنون والمغمی علیه لا یجب علی أحدهما القضاء ، سواء عرض ذلک أیاما أو بعض یوم ، وسواء سبقت منهما نیة أو لم تسبق ، وسواء عولج بما یفطر أو لم یعالج ، علی الأشبه.

______________________________________________________

وکیف کان فلا ریب فی ضعف هذا التفصیل ، لإطلاق الروایة ، بل ربما کان الظاهر من قوله : « لأنهما لا تطیقان الصوم » تحقق الخوف علی النفس.

واعلم أن إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی المرضع بین الأم وغیرها ، ولا بین المتبرعة والمستأجرة ، إذا لم یقم غیرها مقامها ، أما لو قام غیرها مقامها بحیث لا یحصل علی الطفل ضرر فالأجود عدم جواز الإفطار ، لانتفاء الضرورة المسوغة له.

والفدیة من مال المرأة وإن کان لها زوج.

والمراد بالطعام فی جمیع هذه المسائل : ما هو الواجب فی الکفارات ، ومصرفه مصرفها ، نعم لا یجب فیه التعدد.

قوله : ( الثامنة ، من نام فی رمضان واستمر نومه ، فإن کان نوی الصوم فلا قضاء علیه ، وإن ینوه فعلیه القضاء ، والمجنون والمغمی علیه لا یجب علی أحدهما القضاء ، سواء عرض ذلک أیاما أو بعض یوم ، وسواء سبقت منهما نیة أو لم تسبق ، وسواء عولج بما یفطر أو لم یعالج ، علی الأشبه ).

قد تقدم الکلام فی هذه المسائل مفصلا. ورد المصنف بقوله : وسواء سبقت منه النیة أو لم تسبق ، علی المفید (1) وأتباعه (2) ، حیث

ص: 300


1- المقنعة : 56.
2- کالقاضی بن البراج فی المهذب 1 : 196.

التاسعة : من یسوغ له الإفطار فی شهر رمضان یکره له التملّی من الطعام والشراب ، وکذا الجماع ، وقیل : یحرم ، والأول أشبه.

______________________________________________________

أوجبوا القضاء علی المغمی علیه إذا لم تسبق منه النیة. وبقوله : سواء عولج بما یفطر أو لم یعالج ، علی الشیخ فی المبسوط ، حیث أوجب القضاء علی المغمی علیه إذا طرح فی حلقه شی ء علی وجه المداواة (1) ، وهما ضعیفان.

قوله : ( التاسعة ، من یسوغ له الإفطار یکره له التملّی من الطعام والشراب ).

یندرج فیمن یسوغ له الإفطار : المریض ، والمسافر ، والحائض ، والشیخ ، والشیخة ، وغیرهم. وقد قطع الأصحاب بکراهة التملّی من الطعام والشراب للجمیع ، واستدلوا علیه بأن فیه تشبیها بالصائمین ، وامتناعا من الملاذ طاعة لله تعالی. ویدل علی کراهة التملّی للمسافر صریحا قول الصادق علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « إنی إذا سافرت فی شهر رمضان ما آکل إلا القوت ، وما أشرب کل الری » (2).

قوله : ( وکذا الجماع ، وقیل : یحرم ، والأول أشبه ).

أی : وکذا یکره لمن یسوغ له الإفطار فی شهر رمضان الجماع نهارا ، وإلی ذلک ذهب الأکثر ، والقول بالتحریم للشیخ رحمه الله (3) ، والمعتمد الأول.

کراهة التملی للمفطر

کراهة الجماع للمفطر

ص: 301


1- المبسوط 1 : 266.
2- الکافی 4 : 134 - 5 ، الفقیه 2 : 93 - 416 وفیه : کل ، بدل إلا ، التهذیب 4 : 240 - 705 ، الاستبصار 2 : 105 - 342 وفیه کما فی الفقیه ، الوسائل 7 : 147 أبواب من یصح منه الصوم ب 13 ح 5.
3- النهایة : 162 ، والمبسوط 1 : 285.

______________________________________________________

لنا : أن فیه جمعا بین ما تضمن المنع من ذلک ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا سافر الرجل فی رمضان فلا یقرب النساء بالنهار فی رمضان ، فإن ذلک محرم علیه » (1) وصحیحة ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال « إن الله عزّ وجلّ رخص للمسافر فی الإفطار والتقصیر رحمة وتخفیفا ، لموضع التعب والنصب ووعث السفر ، ولم یرخص له فی مجامعة النساء فی السفر بالنهار فی شهر رمضان » (2).

وبین ما تضمن الإذن فی ذلک ، کصحیحة عمر بن یزید ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یسافر فی شهر رمضان ، إله أن یصیب من النساء؟ قال : « نعم » (3) وصحیحة عبد الملک بن عتبة الهاشمی ، قال : سألت أبا الحسن - یعنی موسی علیه السلام - عن الرجل یجامع أهله فی السفر وهو فی شهر رمضان ، قال : « لا بأس به » (4).

وأجاب الشیخ فی کتابی الأخبار عن هاتین الروایتین بالحمل علی من غلبته الشهوة ، أو علی کون الجماع لیلا لا نهارا (5). وهو بعید.

واعلم أن المصنف - رحمه الله - لم یذکر فی هذا الکتاب حکم

حکم السفر فی رمضان

ص: 302


1- التهذیب 4 : 240 - 704 ، الاستبصار 2 : 105 - 341 ، علل الشرائع : 386 - 1 ، الوسائل 7 : 148 أبواب من یصح منه الصوم ب 13 ح 8.
2- الکافی 4 : 134 - 5 ، الفقیه 2 : 93 - 416 ، التهذیب 4 : 240 - 705 ، الإستبصار 2 : 105 - 342 ، الوسائل 7 : 147 أبواب من یصح منه الصوم ب 13 ح 5.
3- الکافی 4 : 133 - 1 ، التهذیب 4 : 241 - 708 ، الإستبصار 2 : 106 - 345 ، الوسائل 7 : 146 أبواب من یصح منه الصوم ب 13 ح 1.
4- الکافی 4 : 134 - 3 ، الوسائل 7 : 147 أبواب من یصح منه الصوم ب 13 ح 3.
5- التهذیب 4 : 242 ، والاستبصار 2 : 106.

______________________________________________________

السفر فی شهر رمضان صریحا ، وقد اختلف فیه کلام الأصحاب ، فذهب الأکثر إلی جوازه علی کراهیة إلی أن یمضی من الشهر ثلاثة وعشرون یوما فتزول الکراهة. ونقل عن أبی الصلاح أنه قال : إذا دخل الشهر علی حاضر لم یحل له السفر مختارا (1). والمعتمد الجواز مطلقا وإن کانت الإقامة أفضل.

لنا علی الجواز : التمسک بمقتضی الأصل وظاهر قوله تعالی : ( فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیّامٍ أُخَرَ ) (2).

وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة عمار بن مروان : « من سافر قصر وأفطر » (3).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یعرض له السفر فی شهر رمضان وهو مقیم وقد مضی منه أیام فقال : « لا بأس بأن یسافر ویفطر ولا یصوم » (4) قال ابن بابویه رحمه الله : وقد روی ذلک أبان بن عثمان [ عن ] (5) الصادق علیه السلام (6).

وروی أیضا فی الصحیح ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل من أصحابی جاءنی خبره

ص: 303


1- الکافی فی الفقه : 182.
2- البقرة : 184.
3- الکافی 4 : 129 - 3 وفیه : محمد بن مروان ، الفقیه 2 : 92 - 409 ، التهذیب 4 : 219 - 640 ، الوسائل 5 : 509 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.
4- الفقیه 2 : 90 - 400 ، الوسائل 7 : 129 أبواب من یصح منه الصوم ب 3 ح 2.
5- ساقطة من نسخة الأصل.
6- الفقیه 2 : 90.

______________________________________________________

من الأعواض (1) ، وذلک فی شهر رمضان ، أتلقاه وأفطر؟ قال : « نعم » قلت : أتلقاه وأفطر ، أو أقیم وأصوم؟ قال : « تلقاه وأفطر » (2).

وروی أیضا مرسلا عن الصادق علیه السلام : إنه سئل عن الرجل یخرج یشیع أخاه مسیرة یومین أو ثلاثة فقال : « إن کان فی شهر رمضان فلیفطر » قیل أیهما أفضل ، یصوم أو یشیعه؟ قال : « یشیعه إن الله عزّ وجلّ وضع الصوم عنه إذا شیعه » (3).

ولنا علی أن الإقامة أفضل : ما رواه الکلینی فی الحسن ، وابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یدخل شهر رمضان وهو مقیم لا یرید براحا ، ثم یبدو له بعد ما یدخل شهر رمضان أن یسافر ، فسکت ، فسألته غیر مرة ، فقال : « یقیم أفضل ، إلا أن یکون له حاجة لا بد من الخروج فیها ، أو یتخوف علی ماله » (4).

وما رواه الشیخ عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قلت له : جعلت فداک یدخل علیّ شهر رمضان فأصوم بعضه ، فتحضرنی نیة فی زیارة قبر أبی عبد الله علیه السلام ، فأزوره وأفطر ذاهبا وجائیا ، أو أقیم حتی أفطر وأزوره بعد ما أفطر بیوم أو یومین؟ فقال : « أقم حتی تفطر » قلت له : جعلت فداک فهو أفضل؟ قال : « نعم ، أما

ص: 304


1- کذا فی نسخة الأصل وباقی النسخ ، وفی المصدر : والأعوص موضع قرب المدینة - راجع معجم البلدان 1 : 223.
2- الفقیه 2 : 90 - 402 ، الوسائل 5 : 513 أبواب صلاة المسافر ب 10 ح 2.
3- الفقیه 2 : 90 - 401 ، الوسائل 5 : 513 أبواب صلاة المسافر ب 10 ح 3.
4- الکافی 4 : 126 - 2 ، الفقیه 2 : 89 - 399 ، الوسائل 7 : 128 أبواب من یصح منه الصوم ب 3 ح 1.

______________________________________________________

تقرأ فی کتاب الله تعالی ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ ) » (1).

وأما انتفاء الکراهة بعد مضی ثلاثة وعشرون یوما من الشهر فاستدل علیه بما رواه الشیخ ، عن علی بن أسباط ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخل شهر رمضان فلله تعالی فیه شرط ، قال الله تعالی ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ ) فلیس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن یخرج إلا فی حج أو عمرة ، أو مال یخاف تلفه ، أو أخ یخاف هلاکه ، ولیس له أن یخرج فی إتلاف مال غیره ، فإذا مضت لیلة ثلاث وعشرین فلیخرج حیث یشاء » (2) ومقتضی الروایة انتفاء الکراهة فی الیوم الثالث والعشرین أیضا ، لکنها ضعیفة السند جدا.

ولم نقف لأبی الصلاح علی حجة یعتد بها ، وربما کان مستنده ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الخروج فی شهر رمضان ، قال : « لا ، إلا فیما أخبرک به : خروج إلی مکة ، أو غزو فی سبیل الله ، أو مال تخاف هلاکه ، أو أخ ترید وداعه » (3) وهی ضعیفة السند ، قاصرة الدلالة علی المنع ، ومع ذلک فحملها علی الکراهة متعین ، جمعا بین الأدلة ، والله تعالی أعلم.

ص: 305


1- التهذیب 4 : 316 - 961 ، الوسائل 7 : 130 أبواب من یصح منه الصوم ب 3 ح 7.
2- التهذیب 4 : 216 - 626 ، الوسائل 7 : 129 أبواب من یصح منه الصوم ب 3 ح 6.
3- التهذیب 4 : 327 - 1018 ، الوسائل 7 : 129 أبواب من یصح منه الصوم ب 3 ح 3 ، وفیهما : أو أخا تخاف هلاکه بدل أو أخ ترید وداعه.

ص: 306

کتاب الاعتکاف

والکلام فیه وفی أقسامه وأحکامه.

الاعتکاف : هو اللبث المتطاول للعبادة ،

______________________________________________________

کتاب الاعتکاف

قوله : ( والکلام فی أقسامه وأحکامه ، الاعتکاف : هو اللبث المتطاول للعبادة ).

الاعتکاف لغة : الاحتباس ، قال الجوهری : عکفه أی حبسه ووقفه ، یعکفه ویعکفه عکفا ، ومنه قوله تعالی ( وَالْهَدْیَ مَعْکُوفاً ) (1) ومنه الاعتکاف فی المسجد ، وهو الاحتباس ، وعکف علی الشی ء یعکف ویعکف عکوفا ، أی أقبل علیه مواظبا ، قال الله تعالی : ( یَعْکُفُونَ عَلی أَصْنامٍ لَهُمْ ) (2) وعکفوا حول الشی ء : استداروا (3).

ص: 307


1- الفتح : 25.
2- الأعراف : 138.
3- الصحاح 4 : 1406.

______________________________________________________

ونحوه قال فی القاموس (1).

وقال ابن الأثیر فی نهایته : الاعتکاف والعکوف هو الإقامة علی الشی ء بالمکان (2).

وهو منقول فی الشرع إلی معنی أخص من ذلک. وعرفه المصنف بأنه اللبث المتطاول للعبادة ، ولا یتوجه علیه أن ذلک أعم من المعرّف ، لأن ذلک لا یقدح فی التعاریف اللفظیة التی هی مراد الفقهاء کما بیناه مرارا.

وعرفه الشهید فی الدروس بأنه لبث فی مسجد جامع ثلاثة أیام فصاعدا صائما للعبادة (3). وهو أعم من المعرّف أیضا.

والأجود فی تعریفه أنه لبث فی مسجد جامع مشروط بالصوم ابتداء.

ویدل علی مشروعیة الاعتکاف الکتاب والسنة والإجماع ، أما الکتاب فقوله تعالی ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاکِفُونَ فِی الْمَساجِدِ ) (4) وقوله عزّ وجلّ ( أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَالْعاکِفِینَ وَالرُّکَّعِ السُّجُودِ ) (5).

وأما السنة فمستفیضة جدا ، منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا کان العشر الآخر اعتکف فی المسجد ، وضربت له قبة من شعر ، وشمّر المئزر ، وطوی فراشه » وقال بعضهم : واعتزل

کتاب الاعتکاف

تعریف الاعتکاف

ص: 308


1- القاموس المحیط 3 : 183.
2- النهایة لابن الأثیر 3 : 284.
3- الدروس : 80.
4- البقرة : 187.
5- البقرة : 125.

______________________________________________________

النساء ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « أما اعتزال النساء فلا » (1).

قال ابن بابویه رحمه الله : قال مصنف هذا الکتاب أما اعتزال النساء فلا ، هو أنه لم یمنعهن من خدمته والجلوس معه ، فأما المجامعة فإنه امتنع منها کما منع. ومعلوم من معنی قوله : « وطوی فراشه » ترک المجامعة (2).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کانت بدر فی شهر رمضان فلم یعتکف رسول الله صلی الله علیه و آله ، فلما أن کان من قابل اعتکف عشرین ، عشرا لعامه وعشرا قضاء لما فاته » (3).

وعن أبی العباس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اعتکف رسول الله صلی الله علیه و آله فی شهر رمضان فی العشر الأول ، ثم اعتکف فی الثانیة فی العشر الوسطی ، ثم اعتکف فی الثالثة فی العشر الأواخر ، ثم لم یزل یعتکف فی العشر الأواخر » (4).

ویستفاد من ذلک أن أفضل أوقات الاعتکاف العشر الأواخر من رمضان.

قال ابن بابویه رحمه الله : وفی روایة السکونی بإسناده قال قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « اعتکاف عشر فی شهر رمضان یعدل حجتین وعمرتین » (5).

ص: 309


1- الفقیه 2 : 120 - 517 ، الوسائل 7 : 397 أبواب کتاب الاعتکاف ب 1 ح 1.
2- الفقیه 2 : 120.
3- الکافی 4 : 175 - 2 ، الوسائل 7 : 397 أبواب کتاب الاعتکاف ب 1 ح 2.
4- الکافی 4 : 175 - 3 ، الوسائل 7 : 397 أبواب کتاب الاعتکاف ب 1 ح 4.
5- الفقیه 2 : 122 - 531 ، الوسائل 7 : 397 أبواب کتاب الاعتکاف ب 1 ح 3.

ولا یصحّ إلا من مکلّف مسلم.

وشرائطه ستة :

الأول : النیة ، وتجب فیه نیّة القربة ، ثم إن کان منذورا نواه واجبا ، وإن کان مندوبا نوی الندب. وإذا مضی له یومان وجب الثالث علی الأظهر وجدّد نیّة الوجوب.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یصح إلا من مکلف مسلم ).

أما أنه لا یصح من غیر المسلم فلا ریب فیه ، بل الظاهر أنه لا یصح من غیر المؤمن کما بیناه مرارا.

وأما أنه لا یصح من غیر المکلف فمبنی علی أن عبادة الصبی تمرینیة لا شرعیة ، وقد تقدم فی کلام المصنف أن صومه صحیح شرعی ، فیکون اعتکافه کذلک.

قوله : ( وشرائطه ستة ، الأول : النیة ، وتجب فیه نیة القربة ، ثم إن کان منذورا نواه واجبا ، وإن کان مندوبا نوی الندب ، فإن مضی یومان وجب الثالث علی الأظهر ، وجدد نیة الوجوب ).

الکلام فی اعتبار النیة وما یجب اشتمالها علیه کما تقدم فی غیره من العبادات (1) ، ثم إن قلنا بالاکتفاء بالقربة کما هو الظاهر فالأمر واضح ، وإن قلنا باعتبار التعرض للوجه ، أو أراد المعتکف التعرض له فإن کان منذورا نوی الوجوب ، وإن کان مندوبا وقلنا إن المندوب لا یجب بالدخول [ فیه ] (2) ولو مضی الیومان نوی الندب ، وإن قلنا إنه یجب بالشروع أو بمضی الیومین نواه علی هذا الوجه ، بمعنی أن یکون

ص: 310


1- أثبتناه من « ض » ، « م » ، « ح ».
2- المسالک 1 : 82.

______________________________________________________

الجزء الأول منه أو الیومان الأولان علی وجه الندب والباقی علی وجه الوجوب.

ولا یتوجه علیه ما ذکره الشارح من تقدم النیة علی محلها ، لأن محلها أول الفعل ، غایة الأمر أنه یقع علی وجهین مختلفین فتجب نیتهما کذلک.

ولو اقتصر علی نیة الیومین الأولین ندبا ثم جدد نیة الثالث علی وجه الوجوب کما هو ظاهر عبارة المصنف رحمه الله کان جیدا.

ولا یرد علیه ما ذکره بعضهم من أن الثالثة أقل ما تتحقق به هذه العبادة ، وهی متصلة شرعا ، ومن شأن العبادة المتصلة أن لا تفرق النیة علی أجزائها ، بل تقع بنیة واحدة.

لأنا نقول إنه لا دلیل علی امتناع التفریق ، بل قد اعترف الأصحاب بجوازه فی الوضوء ونحوه فلیکن هنا کذلک.

وأما ما قیل من أن الاعتکاف لما کان الأصل فیه الندب ، والوجوب لا یتعلق به إلا بأمر عارض جاز أن ینوی فیه أجمع ما هو مقتضی الأصل ، وهو الندب ، فضعیف جدا ، إذ لا معنی لإیقاع الفعل الواجب علی وجه الندب کما هو واضح.

قال جدی - قدس سره - فی فوائده علی القواعد : ولو لم یعتبر الوجه کما هو الوجه استرحنا من هذا الإشکال ، واکتفی بنیة ما یشاء من الأیام ، وکان معنی وجوب الثالث علی القول به ترتب الثواب علی فعله والعقاب علی ترکه بخلاف غیره. ولا ریب فی قوة هذا الوجه.

إذا تقرر ذلک فنقول : اختلف الأصحاب فی وجوب الاعتکاف

شروط المعتکف

شروط الاعتکاف

الأول : النیة

ص: 311

______________________________________________________

المندوب بالدخول فیه ، فقال السید المرتضی (1) وابن إدریس (2) : لا یجب أصلا ، بل له الرجوع فیه متی شاء. واختاره العلامة فی جملة من کتبه (3) ، وقال المصنف فی المعتبر : إنه الأشبه بالمذهب (4). وقال الشیخ فی المبسوط (5) وأبو الصلاح الحلبی (6) : یجب بالدخول فیه کالحج.

وقال ابن الجنید (7) وابن البراج (8) : لا یجب إلا أن یمضی یومان فیجب الثالث. وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (9) ، واختاره المصنف فی هذا الکتاب (10) ، وجمع من المتأخرین ، وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الکلینی رضی الله عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبی أیوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا اعتکف یوما ولم یکن اشترط فلیس له أن یخرج ویفسخ الاعتکاف ، وإن أقام یومین ولم یکن اشترط فلیس له أن یفسخ اعتکافه حتی یمضی ثلاثة أیام » (11).

وعن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبی أیوب ، عن

ص: 312


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 207.
2- السرائر : 97.
3- المنتهی 2 : 637 ، والمختلف : 252 ، والقواعد 1 : 70.
4- المعتبر 2 : 737.
5- المبسوط 1 : 289.
6- الکافی فی الفقه : 186.
7- حکاه عنه فی المختلف : 251.
8- المهذب 1 : 204.
9- النهایة : 171.
10- الشرائع 1 : 215.
11- الکافی 4 : 177 - 3 ، الوسائل 7 : 404 أبواب کتاب الاعتکاف ب 4 ح 1.

______________________________________________________

أبی عبیدة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « ومن اعتکف ثلاثة أیام فهو یوم الرابع بالخیار إن شاء زاد ثلاثة أیام أخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام یومین بعد الثلاثة فلا یخرج من المسجد حتی یتم ثلاثة أخر » (1).

ومقتضی هذه الروایة وجوب السادس أیضا ، ویلزم من ذلک وجوب کل ثالث ، إذ لا قائل بالفصل ، وربما کان فی الروایة إشعار بذلک.

وأجاب العلامة فی المنتهی عن هاتین الروایتین بأن فی طریقهما علی بن فضال وحاله معلوم (2). وهو غیر جید ، فإن ذلک إنما وقع فی کتابی الشیخ (3) ، أما طریق الکلینی فلا ریب فی صحته کما نقلناه.

واحتج المرتضی (4) ومن قال بمقالته بأن الاعتکاف عبادة مندوبة فلا تجب بالشروع کالصلاة المندوبة ، قال : ولا ینتقض بالحج والعمرة ، لخروجهما بدلیل.

وجوابه أن الدلیل کما وجد فی الحج والعمرة ، کذا وجد فی الاعتکاف ، وهو ما أوردناه من الروایتین الصحیحتی السند الواضحتی الدلالة (5).

أما القائلون بوجوبه بالدخول فیه فلم نقف لهم علی مستند ، قال

ص: 313


1- الکافی 4 : 177 - 4 ، الوسائل 7 : 404 أبواب کتاب الاعتکاف ب 4 ح 3.
2- المنتهی 2 : 637 ، 638.
3- روایة محمد بن مسلم فی : التهذیب 4 : 289 - 879 ، والاستبصار 2 : 129 - 421 ، وروایة أبی عبیدة فی التهذیب 4 : 288 - 872 ، والاستبصار 2 : 129 - 420.
4- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 207.
5- کالعلامة فی المختلف : 252.

الثانی : الصوم ، فلا یصحّ إلا فی زمان یصحّ فیه الصوم ممن یصحّ منه ، فإن اعتکف فی العیدین لم یصحّ ، وکذا لو اعتکفت الحائض أو النفساء.

______________________________________________________

فی المعتبر : ویمکن أن یستدل الشیخ علی وجوبه بالشروع بإطلاق وجوب الکفارة علی المعتکف ، وقد روی ذلک من طرق ، ثم قال : والجواب عنه أن هذه مطلقة فلا عموم لها ، ویصدق بالجزء والکل ، فیکفی فی العمل بها تحققها فی بعض الصور ، فلا یکون حجة فی الوجوب (1). وهو جید ، مع أنا لو سلمنا عمومها لم یلزم من ذلک الوجوب ، لاختصاصها بجماع المعتکف کما ستقف علیه ، ولا امتناع فی وجوب الکفارة بذلک فی الاعتکاف المستحب.

قوله : ( الثانی ، الصوم : فلا یصح إلا فی زمان یصح فیه الصوم ممن یصح منه الصوم ، فإن اعتکف فی العیدین لم یصح ، وکذا لو اعتکفت الحائض والنفساء ).

هذا الشرط مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا اعتکاف إلا بصوم » (2).

وفی الحسن عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : لا اعتکاف إلا بصوم فی مسجد الجامع » (3).

وعن أبی العباس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا اعتکاف إلا بصوم » (4).

ص: 314


1- المعتبر 2 : 737.
2- الکافی 4 : 176 - 2 ، الوسائل 7 : 399 أبواب کتاب الاعتکاف ب 2 ح 6.
3- الکافی 4 : 176 - 3 ، الوسائل 7 : 400 أبواب کتاب الاعتکاف ب 3 ح 1.
4- الکافی 4 : 176 - 1 ، الوسائل 7 : 399 أبواب کتاب الاعتکاف ب 2 ح 5.

______________________________________________________

وقد صرح المصنف فی المعتبر (1) وغیره (2) بأنه لا یعتبر إیقاع الصوم لأجل الاعتکاف ، بل یکفی وقوعه فی أی صوم اتفق ، واجبا کان أو ندبا ، رمضان کان أو غیره ، قال فی المعتبر : وعلیه فتوی علمائنا. ویدل علیه تنکیر لفظ الصوم الواقع فی الروایات المتقدمة.

قال فی التذکرة بعد أن ذکر نحو ذلک : فلو نذر اعتکاف ثلاثة أیام مثلا وجب الصوم بالنذر ، لأن ما لا یتم الواجب إلا به یکون واجبا (3). وهو مشکل علی إطلاقه ، لأن المنذور المطلق یصح إیقاعه فی صوم شهر رمضان أو واجب غیره فلا یکون نذر الاعتکاف مقتضیا لوجوب الصوم ، کما أن من نذر الصلاة فاتفق کونه متطهرا فی الوقت الذی تعلق به النذر لم یفتقر إلی طهارة مستأنفة ، نعم لو کان الوقت معینا ولم یکن صومه واجبا اتجه وجوب صومه ، لکن لا یتعین صومه للنذر أیضا ، فلو نذر المعتکف صیاما وصام تلک الأیام عن النذر أجزأ.

ثم قال فی التذکرة : وکذا لو نذر اعتکافا وأطلق فاعتکف فی أیام أراد صومها مستحبا جاز (4). وهذا الکلام بظاهره مناف لما ذکره أولا من أن نذر الاعتکاف یقتضی وجوب الصوم.

وجزم الشارح - قدس سره - بالمنع من جعل صوم الاعتکاف المنذور مندوبا ، للتنافی بین وجوب المضی علی الاعتکاف الواجب وجواز قطع الصوم المندوب (5). وهو جید إن ثبت وجوب المضی فی مطلق الاعتکاف الواجب وإن کان مطلقا ، لکنه غیر واضح کما ستقف

الثانیة : الصوم

ص: 315


1- المعتبر 2 : 726.
2- کالشیخ فی الخلاف 1 : 403.
3- التذکرة 1 : 285.
4- التذکرة 1 : 285.
5- المسالک 1 : 82.

الثالث : لا یصحّ الاعتکاف إلا ثلاثة ، فمن نذر اعتکافا مطلقا ، وجب علیه أن یأتی بثلاثة.

______________________________________________________

علیه ، أما بدون ذلک فیتجه جواز إیقاع المنذور المطلق فی الصوم المستحب. أما المعین فلا ریب فی امتناع وقوعه کذلک ، لما ذکره الشارح من التنافی بین وجوب المضی فیه وجواز قطع الصوم.

قوله : ( الثالث ، لا یصح الاعتکاف إلا ثلاثة ، فمن نذر اعتکافا مطلقا وجب علیه أن یأتی بثلاثة ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (1) ، وقال فی المعتبر : وقد أجمع علمائنا علی أنه لا یجوز أقل من ثلاثة أیام بلیلتین ، وأطبق الجمهور علی خلاف ذلک (2). ویدل علیه أن الاعتکاف عبادة متلقاة من الشارع فیتوقف علی النقل ، ولم ینقل اعتکاف ما دون الثلاثة ، ویدل علی هذا التحدید صریحا ما رواه الکلینی ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یکون الاعتکاف أقل من ثلاثة أیام » (3).

وعن داود بن سرحان قال : بدأنی أبو عبد الله علیه السلام من غیر أن أسأله فقال : « الاعتکاف ثلاثة أیام ، یعنی السنة إن شاء الله » (4).

وما رواه الشیخ ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا اعتکف العبد فلیصم » وقال : « لا یکون اعتکاف أقل من ثلاثة أیام » (5).

ص: 316


1- التذکرة 1 : 287.
2- المعتبر 2 : 728.
3- الکافی 4 : 177 - 2 ، الوسائل 7 : 404 أبواب کتاب الاعتکاف ب 4 ح 2.
4- الکافی 4 : 178 - 5 ، الوسائل 7 : 405 أبواب کتاب الاعتکاف ب 4 ح 4.
5- التهذیب 4 : 289 - 878 ، الإستبصار 2 : 129 - 419 ، الوسائل 7 : 399 أبواب کتاب الاعتکاف ب 2 ح 9.

______________________________________________________

والظاهر أن المراد من الأیام النهار خاصة ، لأنه حقیقة اللفظ وإن دخلت اللیلتان الأخیرتان بدلیل من خارج ، وبه قطع المصنف فی المعتبر ، قال : لأن دخول اللیالی فی الأیام لا یستفاد من مجرد اللفظ ، بل بالقرائن ، وإلا فالیوم حقیقة ما بین طلوع الفجر إلی غروب الشمس ، واللیلة ما عدا ذلک ، واستعمال أحدهما فی مسمّاه منضمّا لا یعلم بمجرد اللفظ (1).

وحکی الشارح فی المسألة قولا بدخول اللیالی فی الأیام ، وأسنده إلی العلامة وجعله أولی ، واستدل علیه باستعماله شرعا فیهما فی بعض الموارد ، وبدخول اللیل فی الیومین الأخیرین (2). وهو استدلال ضعیف ، فإن الاستعمال أعم من الحقیقة ، ودخول اللیل فی الیومین الأخیرین إنما استفید من دلیل من خارج کما ستقف علیه ، لا لدخولهما فی مسمّی الیوم. فعلی الأول مبدأ الثلاثة طلوع الفجر ، فتکون النیة مقارنة له أو متقدمة علیه ، وعلی الثانی غروب الشمس.

واحتمل بعض الأصحاب دخول اللیلة المستقبلة فی مسمّی الیوم (3). وعلی هذا فلا تنتهی الأیام الثلاثة إلا بانتهاء اللیلة الرابعة ، وهو بعید جدا ، بل مقطوع بفساده.

إذا تقرر ذلک فنقول : إن من نذر اعتکافا مطلقا انصرف إلی ثلاثة أیام ، لأنها أقل ما یمکن جعله اعتکافا ، ومبدؤها طلوع الفجر أو غروب الشمس علی الخلاف المتقدم. ویعتبر کونها تامة ، فلا یجزی الملفق من الأول والرابع ، لأن نصف الیومین لا یصدق علیهما أنه یوم ،

الثالثة : الاعتکاف ثلاثا

اشارة

ص: 317


1- المعتبر 2 : 730.
2- المسالک 1 : 82.
3- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 155 ، والأردبیلی فی مجمع الفائدة 5 : 358.

وکذا إذا وجب علیه قضاء یوم من اعتکاف اعتکف ثلاثة لیصحّ ذلک الیوم.

______________________________________________________

واستقرب العلامة فی المختلف الجواز إن صدق علیه أنه اعتکف ثلاثة أیام ، وإلا فلا (1). وهو جید ، لکن الظاهر عدم صدق الثلاثة بذلک.

ولو نذر شهرا معینا کرمضان دخلت اللیلة الأولی وإن لم نقل بدخولها ، ثم لأن الشهر اسم مرکب من جمیع الزمان المعین الشامل للیل والنهار ، بخلاف الیوم.

ولو نذر اعتکاف العشر الأخیر من رمضان ففی دخول اللیلة الأولی الوجهان.

ولو نذر اعتکاف عشرة أیام ولم یعینها لم یجب التتابع ولا تدخل اللیالی ، بل لیلتان من کل ثلاث ، وذلک کله واضح.

قوله : ( وکذا إذا وجب علیه قضاء یوم من اعتکاف اعتکف ثلاثة لیصح ذلک الیوم.

هذا مما یتفرع علی أن أقل زمان الاعتکاف ثلاثة أیام ، ولا یختص هذا الحکم بالقضاء ، بل لو نذر اعتکاف أربعة أیام فاعتکف ثلاثة ، أو نذر اعتکاف یوم ولم یقیده بعدم الزائد فکذلک. ویتخیر بین تقدیم الزائد وتأخیره وتوسیطه ، لکن ذکر جمع من المتأخرین أن الزائد علی الواجب أصالة إن تأخر عن الواجب لم یقع إلا واجبا ، وإن تقدم جاز أن ینوی به الوجوب من باب مقدمة الواجب ، والندب لعدم تعین الزمان له.

وقد یشکل إذا کان الواجب یوما واحدا فإن اعتکاف الیومین بنیة الندب یوجب الثالث فلا یکون مجزیا عما فی ذمته ، وأیضا فإن

ص: 318


1- المختلف : 252.

ومن ابتدأ اعتکافا مندوبا کان بالخیار فی المضی فیه وفی الرجوع ، فإن اعتکف یومین وجب الثالث. وکذا لو اعتکف ثلاثة ثم اعتکف یومین بعدها وجب السادس.

ولو دخل فی الاعتکاف قبل العید بیوم أو یومین لم یصحّ.

ولو نذر اعتکاف ثلاثة من دون لیالیها ، قیل : یصحّ ، وقیل : لا ،

______________________________________________________

لاعتکاف یتضمن الصوم ، وهو لا یقع مندوبا ممن فی ذمته واجب.

ویمکن الجواب عن الأول بأن غایة ما یستفاد من الأدلة الشرعیة أن من اعتکف یومین یتعین علیه اعتکاف الثالث ، وهو لا ینافی وجوبه من جهة أخری.

وعن الثانی بأن الممتنع إنما هو وقوع النافلة ممن فی ذمته قضاء رمضان ، لا مطلق الواجب کما بیناه فیما سبق.

قوله : ( ومن ابتدأ اعتکافا مندوبا کان بالخیار فی المضی فیه وفی الرجوع ، فإن اعتکف یومین وجب الثالث ، وکذا لو اعتکف ثلاثة ثم اعتکف یومین بعدها وجب السادس ).

قد تقدم الکلام فی ذلک (1) وأن الأصح وجوب کل ثالث ، لدلالة خبر أبی عبیدة علی وجوب السادس صریحا وعدم القائل بالفصل.

قوله : ( ولو دخل فی الاعتکاف قبل العید بیوم أو یومین لم یصح ).

الوجه فی ذلک معلوم مما سبق ، فإن أقل مدة الاعتکاف ثلاثة أیام ، وهو مشروط بالصوم فتعتبر صلاحیة الزمان له.

قوله : ( ولو نذر اعتکاف ثلاثة من دون لیالیها قیل : یصح ،

ص: 319


1- فی ص 312.

لأنه بخروجه عن قید الاعتکاف یبطل اعتکاف ذلک الیوم.

ولا یجب التوالی فیما نذره من الزیادة علی الثلاثة ، بل لا بد أن یعتکف ثلاثة ثلاثة فما زاد ، إلا أن یشترط التتابع لفظا أو معنی.

______________________________________________________

وقیل : لا ، لأنه بخروجه عن قید الاعتکاف یبطل اعتکاف ذلک الیوم ).

القول بالصحة للشیخ - رحمه الله - فی موضع من الخلاف (1) ، وهو مبنی علی أن اللیلتین الأخیرتین لا تدخلان فی الاعتکاف کاللیلة الأولی ، مع أنه قال فی موضع آخر منه : إن أقل مدة الاعتکاف ثلاثة أیام بلیلتین (2). وهو الأصح ، لأنه المتبادر من قوله علیه السلام : « لا یکون اعتکاف أقل من ثلاثة أیام » (3) ولما أشار إلیه المصنف من أن اللیالی إذا لم تدخل فی الاعتکاف یتحقق الخروج منه بدخول اللیل فیجوز له فعل ما ینافی فینقطع اعتکاف ذلک الیوم عن غیره ویصیر منفردا ، فلو صح ذلک لصح اعتکاف أقل من ثلاثة وهو معلوم البطلان. وإذا ثبت دخولهما فی الاعتکاف لم یصح الاعتکاف مع الخروج فیهما ، ولو نذر ذلک لم یصح النذر کما هو واضح.

قوله : ( ولا یجب التوالی فیما نذره من الزیادة علی الثلاثة ، بل لا بد أن یعتکف ثلاثة ثلاثة فما زاد ، إلا أن یشترط التتابع لفظا أو معنی ).

المراد باشتراط التتابع اللفظی : التصریح فی النذر بقید التتابع أو مرادفه ، وبالمعنوی : أن لا یکون مدلولا علیه باللفظ بل بالالتزام ، کما

وجوب المضی لمن اعتکف یومین

ص: 320


1- الخلاف 1 : 409.
2- الخلاف 1 : 405.
3- الکافی 4 : 177 - 2 ، الفقیه 2 : 121 - 525 ، التهذیب 4 : 289 - 876 ، الإستبصار 2 : 128 - 418 ، الوسائل 7 : 404 أبواب کتاب الاعتکاف ب 4 ح 2.

الرابع : المکان ، فلا یصحّ إلا فی مسجد جامع ، وقیل : لا یصحّ إلا فی المساجد الأربعة : مسجد مکة ، ومسجد النبی علیه السلام ، ومسجد الجامع بالکوفة ، ومسجد البصرة ، وقائل جعل موضعه مسجد المدائن.

وضابطه : مسجد جمع فیه نبی أو وصیّ جماعة ، ومنهم من قال جمعة ،

______________________________________________________

لو نذر اعتکاف شهر رجب مثلا ، فإن الإتیان بالمنذور لا یتحقق إلا مع التتابع ، لأن الشهر اسم مرکب من الأیام المعدودة ، فإذا أخل ببعضه لم یتحقق الامتثال.

ولا ریب فی وجوب التتابع إذا اشترطه لفظا أو معنی ، وإن انتفی الأمران أجزأ التتابع والتفریق ، لتحقق الامتثال بکل منهما ، لکن لیس له أن ینقص عن ثلاثة ، لأنها أقل مدة الاعتکاف.

واستقرب العلامة فی التذکرة والمنتهی عدم تعین ذلک أیضا ، وجوز له اعتکاف یوم عن النذر وضم یومین مندوبین إلیه ، أو واجبین من غیر النذر ، کما لو نذر أن یعتکف یوما وسکت عن الزائد (1). وهو حسن.

قوله : ( الرابع ، المکان : فلا یصح إلا فی مسجد جامع ، وقیل : لا یصح إلا فی المساجد الأربعة : مسجد مکة ، ومسجد النبی علیه السلام ، ومسجد الجامع بالکوفة ، ومسجد البصرة ، وقائل : جعل موضعه مسجد المدائن ، وضابطه : مسجد جمع فیه نبی أو وصی جماعة ، ومنهم من قال جمعة ).

أجمع العلماء کافة علی أن الاعتکاف لا یقع إلا فی مسجد ،

ص: 321


1- التذکرة 1 : 289 ، والمنتهی 2 : 630.

______________________________________________________

وإنما اختلفوا فی تعیینه ، فقال الشیخ (1) والمرتضی (2) : لا یصح إلا فی المساجد الأربعة : مسجد مکة والمدینة والجامع بالکوفة والبصرة. وبه قال ابن بابویه فی کتاب من لا یحضره الفقیه (3) ، وأبو الصلاح (4) ، وابن إدریس (5) ، واختاره العلامة فی المختلف (6).

وأبدل علی بن بابویه - رضی الله عنه - مسجد البصرة بمسجد المدائن (7) ، وقال ابنه فی المقنع : لا یصح الاعتکاف إلا فی خمسة مساجد. وضم مسجد المدائن إلی المساجد الأربعة (8). والضابط عند هؤلاء أن یکون مسجدا قد جمع فیه نبی أو وصی.

وصرح الشیخ فی المبسوط والمرتضی فی الانتصار بأن المعتبر من ذلک صلاة الجمعة ، وأنه لا یکفی مطلق الجماعة (9).

وظاهر ابنی بابویه الاکتفاء بمطلق الجماعة (10). قال العلامة فی المختلف : ولا أری لهذا الخلاف فائدة ، إلا أن تثبت زیادة مسجد صلی فیه بعض الأئمة علیهم السلام جماعة لا جمعة (11).

الرابع : المکان

المساجد التی یصح فیها الاعتکاف

ص: 322


1- النهایة : 171 ، والمبسوط 1 : 289 ، والخلاف 1 : 403.
2- الانتصار : 72.
3- الفقیه 2 : 120.
4- الکافی فی الفقه : 186.
5- السرائر : 97.
6- المختلف : 251.
7- حکاه عنه فی المختلف : 251.
8- المقنع : 66.
9- المبسوط 1 : 289 ، والانتصار 72.
10- الصدوق فی الفقیه 2 : 120 ، ونقله عن والد الصدوق فی المختلف : 251.
11- المختلف : 251.

______________________________________________________

وقال ولده فی الشرح : إن فائدة الخلاف تظهر فی مسجد المدائن ، فإن المروی أن الحسن علیه السلام صلی فیه جماعة لا جمعة (1).

ولم یعتبر المفید - رحمه الله - ذلک کله ، بل جوز الاعتکاف فی کل مسجد أعظم (2). والظاهر أن مراده به المسجد الجامع کما نقله عنه المصنف (3) وغیره (4) ، وإلی هذا القول ذهب ابن أبی عقیل (5) والمصنف وغیرهم من الأصحاب ، وهو المعتمد.

لنا : أن ذلک أقرب إلی إطلاق القرآن ، وأبعد من تخصیصه ، فکان المصیر إلیه أولی. ولنا أیضا : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا اعتکاف إلا بصوم فی مسجد الجامع » (6).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سئل عن الاعتکاف فقال « لا یصلح الاعتکاف إلا فی المسجد الحرام ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، أو مسجد الکوفة ، أو مسجد جماعة ، وتصوم ما دمت معتکفا » (7).

وعن داود بن سرحان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن علیا علیه السلام کان یقول : لا أری الاعتکاف إلا فی المسجد الحرام ،

ص: 323


1- إیضاح الفوائد 1 : 256.
2- حکاه عنه فی المختلف : 251.
3- المعتبر 2 : 731.
4- کالفاضل المقداد فی التنقیح الرائع 1 : 401.
5- حکاه عنه فی المختلف : 251.
6- الفقیه 2 : 119 - 516 ، الوسائل 7 : 400 أبواب کتاب الاعتکاف ب 3 ح 1.
7- الکافی 4 : 176 - 3 ، الوسائل 7 : 401 أبواب کتاب الاعتکاف ب 3 ح 7.

______________________________________________________

أو مسجد الرسول ، أو مسجد جامع » (1).

وما رواه الشیخ ، عن علی بن عمران ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن أبیه علیه السلام ، قال : « المعتکف یعتکف فی المسجد الجامع » (2).

وعن یحیی بن أبی العلاء الرازی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یکون الاعتکاف إلا فی مسجد جماعة » (3).

وفی الموثق عن أبی الصباح الکنانی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن علیا علیه السلام کان یقول : لا أری الاعتکاف إلا فی المسجد الحرام ، أو فی مسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، أو فی مسجد جامع » (4).

وروی المصنف فی المعتبر ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر فی جامعه ، عن داود بن الحصین ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا اعتکاف إلا بصوم وفی مسجد المصر الذی تلبث فیه » (5).

وبالجملة فالأخبار الواردة بذلک مستفیضة جدا (6) ، ومع ذلک فهی

ص: 324


1- الکافی 4 : 176 - 2 ، الفقیه 2 : 120 - 521 ، التهذیب 4 : 290 - 884 ، والاستبصار 2 : 126 - 411 ، الوسائل 7 : 402 أبواب کتاب الاعتکاف ب 3 ح 10.
2- التهذیب 4 : 290 - 880 ، الاستبصار 2 : 127 - 413 وفیه : ابن غراب بدل ابن عمران ، الوسائل 7 : 401 أبواب کتاب الاعتکاف ب 3 ح 4.
3- التهذیب 4 : 290 - 881 ، الإستبصار 2 : 127 - 414 ، الوسائل 7 : 401 أبواب کتاب الاعتکاف ب 3 ح 6.
4- التهذیب 4 : 291 - 885 ، الإستبصار 2 : 127 - 412 ، الوسائل 7 : 401 أبواب کتاب الاعتکاف ب 3 ح 5.
5- المعتبر 2 : 733 ، الوسائل 7 : 402 أبواب کتاب الاعتکاف ب 3 ح 11.
6- الوسائل 7 : 400 أبواب کتاب الاعتکاف ب 3.

______________________________________________________

مطابقة لظاهر التنزیل ، وسالمة عما یصلح للمعارضة فیتعین العمل بها.

احتج الشیخ (1) والمرتضی (2) علی اختصاص الحکم بالمساجد الأربعة بإجماع الفرقة ، وبأن الاعتکاف عبادة شرعیة یقف العمل فیها علی مواضع الوفاق. واستدل العلامة فی المختلف علی هذا القول أیضا (3) بما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عمر بن یزید قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی الاعتکاف ببغداد فی بعض مساجدها؟ قال : « لا یعتکف إلا فی مسجد جماعة قد صلی فیه إمام عدل جماعة ، ولا بأس بأن یعتکف فی مسجد الکوفة والبصرة ومسجد المدینة ومسجد مکة » (4).

والجواب عن الإجماع بالمنع منه فی موضع النزاع ، قال فی المعتبر : واحتجاج الشیخ بإجماع الفرقة لا نعرفه ، ویلزم ذلک من عرف إجماعهم علیه ، وکیف یکون إجماعا والأخبار علی خلافه ، والأعیان من فضلاء الأصحاب قائلون بضده (5).

وعن الثانی بأن الاقتصار علی المتفق علیه إنما یلزم إذا لم توجد الدلالة علی ما زاد علیه ، والدلالة موجودة وهی ما قدمناه.

وعن الروایة بأنها غیر دالة علی المطلوب ، بل ربما دلت علی نقیضه ، فإن الإمام العدل لا یختص بالمعصوم کالشاهد العدل ، ولو کان

ص: 325


1- الخلاف : 403.
2- الانتصار : 72.
3- المختلف : 251.
4- الفقیه 2 : 120 - 519 ، ورواها فی : الکافی 4 : 176 - 1 ، والتهذیب 4 : 290 - 882 ، والاستبصار 2 : 126 - 409 ، والوسائل 7 : 401 أبواب کتاب الاعتکاف ب 3 ح 8.
5- کالمفید وابن أبی عقیل کما نقله عنهما فی المختلف : 251.

ویستوی فی ذلک الرجل والمرأة.

الخامس : إذن من له ولایة ، کالمولی لعبده والزوج لزوجته.

______________________________________________________

المراد بها ذلک لأمکن حمل النهی الواقع فیها علی ضرب من الکراهة ، توفیقا بین الأدلة.

قوله : ( ویستوی فی ذلک الرجل والمرأة ).

هذا قول علمائنا أجمع ، ووافقنا علیه أکثر العامة ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی بعد أن ذکر أن المعتکف لا یخرج من المسجد إلا لحاجة : « واعتکاف المرأة مثل ذلک » (1).

وقال بعض العامة ، یجوز أن تعتکف المرأة فی مسجد بیتها ، وهو الموضع الذی جعلته لصلاتها من بیتها (2). ولا ریب فی بطلانه.

قوله : ( الخامس ، إذن من له الولایة ، کالمولی لعبده والزوج لزوجته ).

لا إشکال فی اعتبار الإذن فی هذین ، لمنافاة الاعتکاف للخدمة المستحقة علی العبد ، والاستمتاع المستحق علی الزوجة. وإنما الکلام فیما عداهما ، کالولد بالنسبة إلی الوالد ، والضیف بالنسبة إلی المضیف ، والأصح عدم اعتبار إذنهما فی ذلک ، للأصل ، وبطلان القیاس. نعم لو وقع فی صوم مندوب جاء فی اعتبار إذنهما فیه ما سبق من الخلاف.

ص: 326


1- الکافی 4 : 178 - 3 ، الفقیه 2 : 122 - 529 ، التهذیب 4 : 288 - 871 ، الوسائل 7 : 408 أبواب کتاب الاعتکاف ب 7 ح 2.
2- منهم القرطبی فی بدایة المجتهد 1 : 325 ، وذکره الکاسانی فی بدائع الصنائع 2 : 113.

وإذا أذن من له ولایة کان له المنع قبل الشروع وبعده ما لم یمض یومان ، أو یکون واجبا بنذر وشبهه.

فرعان :

الأول : المملوک إذا هایاه مولاه جاز له الاعتکاف فی أیامه وإن لم یأذن له مولاه.

الثانی : إذا أعتق فی أثناء الاعتکاف لم یلزمه المضیّ فیه ، إلا أن یکون شرع بإذن المولی.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا أذن من له الولایة کان له المنع قبل الشروع وبعده ما لم یمض یومان ، وکذا لو کان واجبا بنذر وشبهه ).

لا ریب فی جواز المنع قبل تلبس المأذون له بالاعتکاف الواجب ، والوجوب إنما یتحقق عند المصنف بالنذر وشبهه ، أو بمضی الیومین ، وعلی قول الشیخ یتجه عدم جواز المنع بعد الشروع مطلقا (1).

قوله : ( الأول ، المملوک إذا هایاه مولاه جاز له الاعتکاف فی أیامه وإن لم یأذن له مولاه ).

إنما یجوز ذلک إذا کانت المهایاة تفی بأقل مدة الاعتکاف ولم یضعفه عن الخدمة فی نوبة المولی ، ولم یکن الاعتکاف فی صوم مندوب إن منعنا المبعض من الصوم بغیر إذن المولی ، وإلا لم یجز إلا بالإذن کما هو واضح.

قوله : ( الثانی ، إذا أعتق فی أثناء الاعتکاف لم یلزمه المضی فیه إلا أن یکون شرع فیه بإذن المولی ).

مقتضی العبارة أنه لو شرع فیه بإذن المولی یلزمه المضی فیه ،

الخامس : إذن الولی

ص: 327


1- المبسوط 1 : 290.

السادس : استدامة اللبث فی المسجد ، فلو خرج لغیر الأسباب المبیحة بطل اعتکافه ، طوعا خرج أو کرها. فإن لم تمض ثلاثة بطل الاعتکاف ، وإن مضت فهی صحیحة إلی حین خروجه.

______________________________________________________

وهو إنما یتم عند المصنف مع وجوب الاعتکاف بنذر أو شبهه ، أو مضی یومین.

قوله : ( السادس ، استدامة اللبث فی المسجد ، فلو خرج لغیر الأسباب المبیحة بطل اعتکافه ، طوعا خرج أو کرها ).

أجمع العلماء کافة علی أنه لا یجوز للمعتکف الخروج من المسجد الذی وقع فیه الاعتکاف لغیر الأسباب المبیحة ، حکاه فی التذکرة (1). وقال المصنف فی المعتبر : لا یجوز للمعتکف الخروج من الموضع الذی اعتکف فیه إلا لما لا بد منه ، وعلیه اتفاق الفقهاء (2). ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس علی المعتکف أن یخرج من المسجد إلا الجمعة ، أو جنازة ، أو غائط » (3).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، وابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا ینبغی للمعتکف أن یخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ، ثم لا یجلس حتی یرجع ، ولا یخرج فی شی ء إلا لجنازة ، أو یعود مریضا ، ولا یجلس حتی یرجع » قال : « واعتکاف المرأة مثل ذلک » (4).

ص: 328


1- التذکرة 1 : 290.
2- المعتبر 2 : 733.
3- الکافی 4 : 178 - 1 ، الوسائل 7 : 409 أبواب کتاب الاعتکاف ب 7 ح 6.
4- الکافی 4 : 178 - 3 ، الفقیه 2 : 122 - 529 ، الوسائل 7 : 408 أبواب کتاب الاعتکاف ب 7 ح 2.

______________________________________________________

وعن داود بن سرحان ، قال : کنت بالمدینة فی شهر رمضان فقلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أرید أن اعتکف ، فما ذا أقول؟ وماذا أفرض علی نفسی؟ فقال : « لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ، ولا تقعد تحت ظلال حتی تعود إلی مجلسک » (1).

وقد قطع المصنف ببطلان الاعتکاف بالخروج المحرم ، سواء کان طوعا أو کرها ، واستدل علیه فی المعتبر بأن الاعتکاف لبث فی المسجد ، فیکون الخروج منافیا له (2).

وفصّل العلامة فی التذکرة فقال : « إن الاعتکاف إنما یبطل بمطلق الخروج المحرم إذا وقع اختیارا ، أما إذا أخرج کرها فإنه لا یبطل إلا مع طول الزمان ، بحیث یخرج عن کونه معتکفا (3). ولا بأس به تمسکا بمقتضی الأصل ، وحدیث رفع ، والتفاتا إلی عدم توجه النهی إلی هذا الفعل.

وإنما یتحقق الخروج من المسجد بخروجه بجمیع بدنه ، فلو أخرج رأسه أو یده أو رجله لم یبطل اعتکافه ، وبه قطع المصنف فی المعتبر من غیر نقل خلاف ، قال : لأن المنافی للاعتکاف خروجه لا خروج بعضه (4) وقد روی الجمهور عن عائشة أنها قالت : إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یدنی إلیّ رأسه لا رجله (5).

وجزم الشارح - قدس سره - بتحقق الخروج من المسجد بخروج

السادس : استدامة اللبث

ص: 329


1- الکافی 4 : 178 - 2 ، الفقیه 2 : 122 - 528 ، التهذیب 4 : 287 - 870 ، الوسائل 7 : 408 أبواب کتاب الاعتکاف ب 7 ح 3.
2- المعتبر 2 : 733.
3- التذکرة 1 : 290 - 292.
4- المعتبر 2 : 734.
5- صحیح البخاری 3 : 63.

ولو نذر اعتکاف أیام معیّنة ثم خرج قبل إکمالها بطل الجمیع إن شرط التتابع ، ویستأنف.

______________________________________________________

جزء من بدن المعتکف عنه (1). وهو ضعیف جدا.

وهل یتحقق الصعود إلی سطح المسجد من داخله ، قیل : نعم ، وبه قطع یتحقق بالصعود إلی سطح المسجد من داخله ، قیل : نعم ، وبه قطع فی الدروس لعدم دخوله فی مسمّاه (2) ، وقیل : لا ، وبه قطع فی المنتهی من غیر نقل خلاف ، ونقله عن الفقهاء الأربعة ، قال : لأنه من جملة المسجد ویجوز له أن یبیت فیه (3). وهو حسن.

قوله : ( ولو نذر اعتکاف أیام معینة ثم خرج قبل إکمالها بطل الجمیع إن شرط التتابع ، ویستأنف ).

المراد بتعیین الأیام حصرها فی زمان معین ، کالعشر الأواخر من شهر رمضان ، وقد عرفت أن مثل ذلک یقتضی التتابع معنی ، فقوله إن شرط التتابع یرید به اشتراطه لفظا مع کونه متتابعا معنی.

وهذا الحکم أعنی بطلان الجمیع والحال هذه ووجوب الاستئناف ذکره الشیخ فی المبسوط (4). واستدل له فی المختلف بفوات المتابعة المشترطة ، ثم قال : ولقائل أن یقول : لا یجب الاستئناف وإن وجب علیه الإتمام متتابعا وکفارة خلف النذر ، لأن الأیام التی اعتکفها متتابعة وقعت علی الوجه المأمور به ، فیخرج بها عن العهدة ، ولا یجب علیه استینافها ، لأن غیرها لم یتناوله النذر ، بخلاف ما إذا أطلق النذر وشرط التتابع فإنه هنا یجب الاستیناف ، لأنه أخل بصفة النذر فوجب علیه استئنافه من رأس ، بخلاف صورة النزاع ، والفرق بینهما تعین الزمان

ص: 330


1- المسالک 1 : 84.
2- الدروس : 80.
3- المنتهی 2 : 635.
4- المبسوط 1 : 291.

ویجوز الخروج للأمور الضروریة. کقضاء الحاجة ،

______________________________________________________

هناک وإطلاقه هنا ، فکل صوم متتابع فی أی زمان کان مع الإطلاق یصح أن یجعله المنذور ، أما مع التعیین فلا یمکنه البدلیة (1). انتهی کلامه رحمه الله ، وهو جید ، ولا یخفی أن عدم الاستئناف إنما یتجه إذا کان ما أتی به ثلاثة فصاعدا کما هو واضح.

قوله : ( ویجوز الخروج للأمور الضروریة ).

هذا قول العلماء کافة ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه (2) ، ویندرج فی الأمور الضروریة تحصیل المأکول والمشروب إذا لم یکن له من یأتیه بهما ، وجوز العلامة فی التذکرة (3) والشارح (4) الخروج للأکل أیضا إذا کان فی فعله فی المسجد غضاضة علیه ، بخلاف الشرب ، إذ لا غضاضة فیه ، ولا یعد ترکه من المروة. وهو غیر بعید ، لکن لو اندفعت الغضاضة بالسترة فی المسجد امتنع الخروج قطعا.

قوله : ( کقضاء الحاجة ).

الظاهر أن المراد بالحاجة هنا التخلی کما یشعر به عطف الاغتسال علیه وجعله مثالا للأمور الضروریة. ولا ریب فی جواز الخروج إلی ذلک ، لکن یجب تحرّی أقرب الطرق إلی المواضع التی تصلح لقضاء الحاجة بحسب حاله.

وقال فی المنتهی : لو کان إلی جانب المسجد سقایة خرج إلیها ، إلا أن یجد غضاضة بأن یکون من أهل الاحتشام فیجد المشقة بدخولها لأجل الناس ، فعندی هاهنا یجوز أن یعدل عنها إلی منزله وإن کان

ص: 331


1- المختلف : 253.
2- الوسائل 7 : 408 أبواب کتاب الاعتکاف ب 7.
3- التذکرة 1 : 290.
4- المسالک 1 : 84.

______________________________________________________

أبعد. ثم قال : ولو بذل له صدیق منزله وهو قریب من المسجد لقضاء حاجته لم تلزمه الإجابة ، لما فیه من المشقة بالاحتشام ، بل یمضی إلی منزله (1). وما ذکره رحمه الله غیر بعید مع المشقة اللازمة من ذلک ، وإن کان الاقتصار فی الخروج علی ما تندفع به الضرورة طریق الاحتیاط.

واحتمل الشارح - قدس سره - أن یکون المراد بالحاجة فی کلام المصنف مطلق الحاجة ، ویکون ذکر الاغتسال من باب عطف الخاص علی العام ، ثم قال : ولا فرق فی الحاجة بالمعنی الثانی بین أن تکون له أو لغیره من المؤمنین (2). وبالجواز قطع العلامة فی المنتهی من غیر نقل خلاف (3) ، واستدل علیه بأنه طاعة فلا یمنع منها الاعتکاف ، قال : ویؤیده ما رواه ابن بابویه عن میمون بن مهران ، قال : کنت جالسا عند الحسن بن علی علیهماالسلام ، فأتاه رجل فقال : یا بن رسول الله إن فلانا له علیّ مال ویرید أن یحبسنی ، فقال : « والله ما عندی مال فأقضی عنک » قال : فکلمه فلبس علیه السلام نعله فقلت له : یا بن رسول الله أنسیت اعتکافک؟ فقال : « لم أنس ، ولکنی سمعت أبی علیه السلام یحدث عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال من سعی فی حاجة أخیه المسلم فکأنما عبد الله عزّ وجلّ تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما لیله » (4) وهذه الروایة صریحة فی المطلوب ، لکنها قاصرة من حیث السند (5) ، فلا تصلح لتخصیص الأخبار المتضمنة لإطلاق

موارد جواز الخروج

ص: 332


1- المنتهی 2 : 634.
2- المسالک 1 : 84.
3- المنتهی 2 : 635.
4- الفقیه 2 : 123 - 538 ، الوسائل 7 : 409 أبواب کتاب الاعتکاف ب 7 ح 4.
5- بالإرسال وجهالة الراوی وضعف الطریق - راجع معجم رجال الحدیث 19 : 114 - 12944.

والاغتسال ، وشهادة الجنازة ، وعود المرضی ، وتشییع المؤمن ،

______________________________________________________

المنع من الخروج.

قوله : ( والاغتسال ).

قیده فی التذکرة بکونه للاحتلام ، فلا یجوز الخروج للغسل المندوب (1) ، وهو حسن. وفی معنی غسل الجنابة غسل المرأة للاستحاضة ، ولو أمکن الغسل فی المسجد علی وجه لا تتعدی إلیه النجاسة فقد أطلق جماعة المنع من ذلک ، لما فیه من الاستهانة المنافیة (2) لاحترام المسجد ، ویحتمل الجواز کما فی الوضوء والغسل المندوب.

قوله : ( وشهادة الجنازة ).

لورود الإذن فی ذلک فی صحیحتی الحلبی وابن سنان المتقدمتین (3) ، ولا فرق فی ذلک بین من یتعین علیه حضور الجنازة وغیره ، لإطلاق النص.

قوله : ( وعود المرضی وتشییع المؤمن ).

أما جواز الخروج لعیادة المرضی فقال فی التذکرة : إنه قول علمائنا أجمع (4). وهو مروی فی صحیحة الحلبی المتقدمة عن الصادق علیه السلام (5). وأما جواز الخروج لتشییع المؤمن فذکره المصنف (6) والعلامة (7) ، ولم أقف علی روایة تدل علیه ، فالأولی ترکه.

ص: 333


1- التذکرة 1 : 290.
2- فی الأصل وباقی النسخ والحجری : الاستهان المنافی ، ولم نجد هذا المصدر فی معاجم اللغة التی بین أیدینا.
3- فی ص 329.
4- التذکرة 1 : 291.
5- راجع ص 329.
6- الشرائع 1 : 217.
7- القواعد 1 : 71. المنتهی 2 : 634.

وإقامة الشهادة.

وإذا خرج لشی ء من ذلک لم یجز له الجلوس ، ولا المشی تحت الظلال ،

______________________________________________________

قوله : ( وإقامة الشهادة ).

إنما یجوز الخروج لإقامة الشهادة إذا تعینت علیه ولم یمکن أداؤها بدون الخروج. وفی معنی الإقامة التحمل الواجب.

قوله : ( وإذا خرج لشی ء من ذلک لم یجز له الجلوس ، ولا المشی تحت الظلال ).

أما تحریم الجلوس فلا ریب فیه ، لقوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « لا ینبغی للمعتکف أن یخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ، ثم لا یجلس حتی یرجع » (1) وفی روایة داود بن سرحان : « ولا تقعد تحت ظلال حتی تعود إلی مجلسک » (2).

وأما تحریم المشی تحت الظلال فذکره الشیخ فی الجمل (3) ، واعترف المصنف (4) ومن تأخر عنه (5) بعدم الوقوف علی مستنده ، وقال الشیخ فی المبسوط : لیس المحرم إلا القعود تحت الظل وغیره (6). واختاره المصنف فی المعتبر (7) وأکثر المتأخرین ، وهو المعتمد ،

ص: 334


1- المتقدمة فی ص 329.
2- الکافی 4 : 178 - 2 ، الفقیه 2 : 122 - 528 ، التهذیب 4 : 287 - 870 ، الوسائل 7 : 408 أبواب کتاب الاعتکاف ب 7 ح 3.
3- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 222.
4- المعتبر 2 : 735.
5- کالعلامة فی المختلف : 255 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 84.
6- المبسوط 1 : 293.
7- المعتبر 2 : 735.

ولا الصلاة خارج المسجد إلا بمکة ، فإنه یصلی بها أین شاء.

______________________________________________________

تمسکا بمقتضی الأصل فیما لم یقم دلیل علی تحریمه.

قوله : ( ولا الصلاة خارج المسجد إلا بمکة ، فإنه یصلی بها أین شاء ).

المراد أن المعتکف إذا خرج فی مکة من المسجد الذی اعتکف فیه لضرورة ثم حضر وقت الصلاة وهو فی بیت من بیوتها جاز له الصلاة فیه ، بخلاف ما عدا مکة ، فإن المعتکف إذا خرج لضرورة فحضر وقت الصلاة لم یجز له الصلاة حتی یرجع إلی المسجد الذی اعتکف فیه ، إلا مع ضیق الوقت فیصلی حیث شاء.

أما أنه لا یجوز له الصلاة خارج المسجد الذی اعتکف فیه فی غیر مکة مع عدم تضیق الوقت فظاهر ، لأن الخروج من المسجد إنما یجوز للضرورة فیتقدر بقدرها.

وأما جواز الصلاة فی مکة فی أی بیوتها شاء فیدل علیه روایات ، منها ما رواه الکلینی وابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المعتکف بمکة یصلی فی أی بیوتها شاء ، وسواء علیه صلی فی المسجد أو فی بیوتها » (1).

وما رواه الشیخ والکلینی فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المعتکف بمکة یصلی فی أی بیوتها شاء ، والمعتکف فی غیرها لا یصلی إلا فی المسجد الذی سمّاه » (2).

عدم جواز الجلوس للخارج

ص: 335


1- الکافی 4 : 177 - 4 ، الفقیه 2 : 121 - 522 ، الوسائل 7 : 410 أبواب کتاب الاعتکاف ب 8 ح 1.
2- الکافی 4 : 177 - 5 ، التهذیب 4 : 293 - 892 ، الإستبصار 2 : 128 - 417 ، الوسائل 7 : 410 أبواب کتاب الاعتکاف ب 8 ح 2.

ولو خرج من المسجد ساهیا لم یبطل اعتکافه.

فروع :

[ الأول ] : إذا نذر اعتکاف شهر معین ولم یشرط التتابع فاعتکف بعضه وأخلّ بالباقی صحّ ما فعل وقضی ما أهمل ، ولو تلفظ فیه بالتتابع استأنف.

______________________________________________________

ویستثنی من المنع من الصلاة خارج المسجد فی غیر مکة صلاة الجمعة ، فإنه یخرج لأدائها إذا أقیمت فی غیر المسجد الذی اعتکف فیه ، لأنه خروج لا بد منه شرعا ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « لیس علی المعتکف أن یخرج من المسجد إلا إلی الصلاة الجمعة أو جنازة أو غائط » (1).

وألحق الشیخ فی المبسوط بصلاة الجمعة صلاة العید (2) ، وهو مبنی علی جواز صومه للقاتل فی الأشهر الحرم.

قوله : ( ولو خرج من المسجد ساهیا لم یبطل اعتکافه ).

هکذا أطلق الأکثر ، واستدلوا علیه بالأصل ، وحدیث رفع ، وعدم توجه النهی إلی الساهی. وقیده الشارح بما إذا لم یطل زمان الخروج بحیث یخرج عن کونه معتکفا ، وإلا بطل وإن انتفی الإثم (3) ، ولا بأس به ، وحیث لا یبطل فیجب علیه العود حین الذکر ، فلو أخر اختیارا بطل.

قوله : ( فروع : الأول : إذا نذر اعتکاف شهر معین ولم یشترط التتابع فاعتکف بعضه وأخل بالباقی صح ما فعل وقضی ما أهمل ، ولو تلفظ فیه بالتتابع استأنف ).

عدم جواز الصلاة خارج المسجد

ص: 336


1- الکافی 4 : 178 - 1 ، الوسائل 7 : 409 أبواب کتاب الاعتکاف ب 7 ح 6.
2- المبسوط 1 : 292.
3- المسالک 1 : 84.

الثانی : إذا نذر اعتکاف شهر معین ولم یعلم به حتی خرج - کالمحبوس أو الناسی - قضاه.

الثالث : إذا نذر اعتکاف أربعة أیام فأخلّ بیوم قضاه ، لکن یفتقر أن یضمّ إلیه آخرین ، لیصح الإتیان به.

______________________________________________________

بل الأصح عدم بطلان ما فعل إذا کان ثلاثة فصاعدا مع التلفظ بالتتابع وبدونه ، إذ المفروض تعیین الزمان ، وقد عرفت أن التلفظ بالتتابع لا یفید مع تعیین الزمان إلا مجرد التأکید ، لإفادة التعیین التتابع المعنوی ، وقد بینا ذلک فیما سبق.

قوله : ( الثانی ، إذا نذر اعتکاف شهر معین ولم یعلم به حتی خرج - کالمحبوس والناسی - قضاه ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی المنتهی بأنه نذر فی طاعة أخل به فوجب علیه قضاؤه (1). وهو إعادة للمدعی ، وینبغی التوقف فی ذلک إلی أن یقوم علی وجوب القضاء دلیل یعتد به ، أما الکفارة فلا ریب فی سقوطها للعذر.

قال فی الدروس : ولو اشتبه الشهر فالظاهر التخییر ، وکذا لو غمت الشهور علیه (2). ویمکن المناقشة فی هذا الحکم أیضا بأن الأصل عدم وجوب المنذور المعین إلا إذا علم دخول وقته ، وإلحاقه بصوم رمضان یحتاج إلی دلیل ، وإن کان ما ذکره أحوط.

قوله : ( الثالث ، إذا نذر اعتکاف أربعة أیام فأخل بیوم قضاه ، لکن یفتقر أن یضم إلیه آخرین ، لیصح الإتیان به ).

المراد بقضاء ذلک الیوم : الإتیان به لیتناول المنذور المطلق

حکم الخروج سهوا

أحکام الاعتکاف المنذور

ص: 337


1- المنتهی 2 : 631.
2- الدروس : 81.

الرابع : إذا نذر اعتکاف یوم لا أزید لم ینعقد ، ولو نذر اعتکاف ثانی قدوم زید صحّ ، ویضیف إلیه آخرین.

وأما أقسامه : فإنه ینقسم إلی واجب وندب. فالواجب ما وجب بنذر وشبهه ، والمندوب ما تبرع به. فالأول : یجب بالشروع. والثانی.لا یجب المضیّ فیه حتی یمضی یومان فیجب الثالث. وقیل : لا یجب ، والأول أظهر.

______________________________________________________

والمعین. ولو کان المنذور خمسة وجب أن یضم إلیها سادسا ، سواء أفرد الیومین أم ضمهما إلی الثلاثة ، لما بیناه فیما سبق من أن الأظهر وجوب کل ثالث (1).

قوله : ( الرابع ، إذا نذر اعتکاف یوم لا أزید لم ینعقد ، ولو نذر اعتکاف ثانی قدوم زید صح ، ویضیف إلیه آخرین ).

المراد بنفی الزائد فی الصورة الأولی جعله مقیدا فی اعتکاف الیوم ، أی نذر اعتکاف یوم مع نفی الزائد ، ووجه عدم الانعقاد علی هذا التقدیر ظاهر ، لعدم ثبوت التعبد باعتکاف الیوم الواحد خاصة ، أما لو نذر یوما وسکت عن الزائد فإنه ینعقد نذره ویضم إلیه آخرین ، وقد نبه علیه بقوله : ولو نذر اعتکاف ثانی قدوم زید صح ویضیف إلیه آخرین.

قوله : ( وأما أقسامه ، فإنه ینقسم إلی واجب وندب ، فالواجب ما وجب بنذر وشبهه ، والمندوب ما تبرع به ، والأول یجب بالشروع ، والثانی لا یجب المضی فیه حتی یمضی یومان فیجب الثالث ، وقیل : لا یجب ، والأول أظهر ).

البحث فی هذه الجملة معلوم مما سبق ، لکن الظاهر من قول المصنف : إن الأول وهو ما وجب بنذر وشبهه یجب بالشروع ، إنه یجب

ص: 338


1- راجع ص 314.

ولو شرط فی حال نذره الرجوع إذا شاء کان له ذلک أیّ وقت شاء ، ولا قضاء. ولو لم یشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه.

______________________________________________________

المضی فیه بمجرد الشروع ، وهو جید مع تعین الزمان ، أما مع إطلاقه فمشکل ، ولو قیل بمساواته للمندوب فی عدم وجوب المضی فیه قبل مضی الیومین لم یکن بعیدا.

قوله : ( ولو شرط فی حال نذره الرجوع إذا شاء کان له ذلک أی وقت شاء ، ولا قضاء ، ولو لم یشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه ).

البحث فی هذه المسألة یقع فی مواضع :

الأول : فی مشروعیة هذا الشرط ، وهو مقطوع به فی کلام الأصحاب وغیرهم ، قال فی المنتهی : ویستحب للمعتکف أن یشترط علی ربه فی الاعتکاف أنه إن عرض له عارض أن یخرج من الاعتکاف ، ولا نعرف فیه مخالفا إلا ما حکی عن مالک أنه قال : لا یصح الاشتراط (1).

والأصل فی ذلک من طریق الأصحاب ما رواه الشیخ ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا اعتکف العبد فلیصم » وقال : « لا یکون اعتکاف أقل من ثلاثة أیام ، واشترط علی ربک فی اعتکافک کما تشترط عند إحرامک ، أن ذلک فی اعتکافک عند عارض إن عرض لک من علة تنزل بک من أمر الله » (2).

وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن أبی أیوب ، عن أبی بصیر ،

ص: 339


1- المنتهی 2 : 638.
2- التهذیب 4 : 289 - 878 ، الإستبصار 2 : 129 - 419 ، الوسائل 7 : 399 أبواب کتاب الاعتکاف ب 2 ح 9.

______________________________________________________

عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یکون الاعتکاف أقل من ثلاثة أیام ، ومن اعتکف صام ، وینبغی للمعتکف إذا اعتکف أن یشترط کما یشترط الذی یحرم » (1).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا اعتکف یوما ولم یکن اشترط فله أن یخرج ویفسخ الاعتکاف ، وإن أقام یومین ولم یکن اشترط فلیس له أن یفسخ اعتکافه حتی یمضی ثلاثة أیام » (2). والأخبار الواردة بذلک کثیرة.

الثانی : فی محله ، وهو فی المتبرّع به عند نیته والدخول فیه ، وأما المنذور فقد صرح المصنف (3) وغیره (4) بأن محل اشتراط ذلک فی عقد النذر.

قال فی المعتبر : أما إذا أطلقه من الاشتراط علی ربه فلا یصح له الاشتراط عند إیقاع الاعتکاف ، وإنما یصح فیما یبتدئ به من الاعتکاف لا غیر (5). ولم أقف علی روایة تدل علی ما ذکروه من شرعیة اشتراط ذلک فی عقد النذر ، وإنما المستفاد من النصوص أن محل ذلک نیة الاعتکاف مطلقا ، ولو قیل بجواز اشتراطه فی نیة الاعتکاف المنذور إذا کان مطلقا لم یکن بعیدا ، خصوصا علی ما أشرنا إلیه سابقا من مساواته للمندوب فی عدم وجوب المضی فیه إلا بمضی الیومین.

أقسام الاعتکاف

حکم اشتراط الرجوع عند نذر الاعتکاف

ص: 340


1- الکافی 4 : 177 - 2 ، الوسائل 7 : 404 أبواب کتاب الاعتکاف ب 4 ح 2.
2- الکافی 4 : 177 - 3 ، الفقیه 2 : 121 - 526 ، التهذیب 4 : 289 - 879 ، الإستبصار 2 : 129 - 421 ، الوسائل 7 : 404 أبواب کتاب الاعتکاف ب 4 ح 1.
3- المعتبر 2 : 739.
4- کالعلامة فی المنتهی 2 : 638.
5- المعتبر 2 : 740.

______________________________________________________

ولو قلنا إن اشتراط الخروج إنما یسوغ عند العارض وفسرناه بالأمر الضروری جاز اشتراطه فی المنذور المعین أیضا.

الثالث : فی کیفیته وقد اختلفت عبارات الأصحاب فی ذلک ، فأطلق المصنف أنه یجوز للمعتکف اشتراط الرجوع إذا شاء (1) ، وبه قطع فی الدروس وصرح بأنه یجوز للمعتکف والحال هذه الرجوع متی شاء ولا یتقید بالعارض (2).

وقال العلامة فی التذکرة : یستحب للمعتکف أن یشترط علی ربه فی الاعتکاف أنه إن عرض له عارض أن یخرج من الاعتکاف بإجماع العلماء (3). ونحوه قال فی المنتهی (4).

وقال المصنف فی المعتبر : یستحب أن یشترط فی اعتکافه کما یشترط فی إحرامه (5). ومقتضی ذلک تقیده بالعارض کما فی حال الإحرام ، ونحوه قال فی النافع (6) ، وبه قطع الشارح قدس سره (7) ، وهو جید ، لأنه المستفاد من تشبیه هذا الشرط بشرط المحرم فی روایتی عمر بن یزید وأبی بصیر المتقدمتین (8) ، لکن ینبغی أن یراد بالعارض ما هو أعم من العذر کما تدل علیه صحیحة أبی ولاد عن الصادق علیه السلام : وقد سأله عن امرأة معتکفة بإذن زوجها وهو غائب ، فلما

ص: 341


1- المعتبر 2 : 739 ، والمختصر النافع : 74.
2- الدروس : 81.
3- التذکرة 1 : 293.
4- المنتهی 2 : 638.
5- المعتبر 2 : 738.
6- المختصر النافع : 74.
7- المسالک 1 : 85.
8- فی ص 340.

______________________________________________________

بلغها قدومه خرجت من المسجد وتهیأت له حتی واقعها فقال : « إن کانت خرجت من المسجد قبل أن تمضی ثلاثة أیام ولم تکن اشترطت ، فإن علیها ما علی المظاهر » (1) دلت الروایة بظاهرها علی سقوط الکفارة عن المرأة والحال هذه مع الاشتراط ، مع أن حضور الزوج لیس من الأعذار المسوغة للخروج من الاعتکاف ، نعم هو من جملة العوارض.

ویدل علیه أیضا قوله علیه السلام فی صحیحة ابن مسلم : « إذا اعتکف یوما ولم یکن اشترط فله أن یخرج ویفسخ الاعتکاف ، وإن أقام یومین ولم یکن اشترط فلیس له أن یفسخ اعتکافه حتی یمضی ثلاثة أیام » (2) فإنه یدل بظاهره علی أن للمعتکف فسخ الاعتکاف بعد الیومین مع الاشتراط لا بدونه ، والفرق إنما یظهر إذا لم یکن المقتضی للخروج أمرا ضروریا مسوغا للخروج بنفسه ، وإلا جاز مع الشرط وبدونه کما هو واضح.

الرابع : فی فائدة هذا الشرط ، وفائدته جواز الرجوع عند العارض ، أو متی شاء - علی ما هو ظاهر اختیار المصنف - وإن مضی الیومان ، أو کان واجبا بالنذر وشبهه.

ولو خصصنا اشتراط الرجوع بالعارض وفسرناه بالعذر الطاری بغیر اختیاره کالمرض والخوف انتفت هذه الفائدة ، لجواز الرجوع والحال هذه مع الشرط وبدونه.

ص: 342


1- الکافی 4 : 177 - 1 ، الفقیه 2 : 121 - 524 ، التهذیب 4 : 289 - 877 ، الإستبصار 2 : 130 - 422 ، الوسائل 7 : 407 أبواب کتاب الاعتکاف ب 6 ح 6.
2- الکافی 4 : 177 - 3 ، الفقیه 2 : 121 - 526 ، التهذیب 4 : 289 - 879 ، الإستبصار 2 : 129 - 421 ، الوسائل 7 : 404 أبواب کتاب الاعتکاف ب 4 ح 1.

وأما أحکامه ، فقسمان :

الأول : إنما یحرم علی المعتکف : النساء لمسا وتقبیلا وجماعا ،

______________________________________________________

وذکر المصنف (1) وغیره (2) أن فائدة الشرط سقوط القضاء مع الرجوع فی الواجب المعین. وهو جید ، لمطابقته لمقتضی الأصل ، وإن أمکن المناقشة فیه لو قلنا بوجوب القضاء بدون الشرط.

أما الواجب المطلق - أعنی الذی لم یتعین زمانه - فالأظهر وجوب الإتیان به بعد ذلک کما اختاره المصنف فی المعتبر والشهید فی الدروس (3) والشارح قدس سره (4).

وربما ظهر من قول المصنف : ولا قضاء ، سقوط القضاء هنا أیضا ، فإنهم یطلقون القضاء علی ما یتناول ذلک وإن کان حقیقته الإتیان بالواجب بعد خروج وقته.

وقول المصنف : ولو لم یشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه ، إنما یتم فی المطلق المشروط فیه التتابع ، أما المعین والمطلق الذی لم یشترط فیه التتابع فقد تقدم ما فیه من التفصیل.

قوله : ( وأما أحکامه فقسمان : الأول : إنما یحرم علی المعتکف النساء لمسا وتقبیلا وجماعا ).

المراد من اللمس والتقبیل ما کان بشهوة ، أما ما لم یکن کذلک فلیس بمحرم. وقد قطع الأصحاب بتحریم کل من الثلاثة ، لإطلاق قوله تعالی ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ ) (5) فإنه یتناول الجمیع. نعم استقرب

ص: 343


1- المختصر النافع : 74.
2- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 85.
3- المعتبر 2 : 740 ، والدروس : 81.
4- المسالک 1 : 85.
5- البقرة : 187.

وشم الطیب علی الأظهر ، واستدعاء المنیّ ، والبیع والشراء ،

______________________________________________________

العلامة فی المختلف عدم فساد الاعتکاف بالتقبیل واللمس وإن کانا محرمین (1). ولا بأس به.

قوله : ( وشم الطیب علی الأظهر ).

خالف فی ذلک الشیخ فی المبسوط ، فحکم بعدم تحریمه (2). والأصح ما اختاره الأکثر من تحریم شم الطیب والریاحین ، لما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن أبی عبیدة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « المعتکف لا یشم الطیب ، ولا یتلذذ بالریحان ، ولا یماری ، ولا یشتری ، ولا یبیع » (3).

قوله : ( واستدعاء المنی ).

لم أقف فی ذلک علی نص بالخصوص ، وربما کان وجهه أنه أشد منافاة للاعتکاف من التقبیل واللمس المحرمین ، فیکون تحریمه أولی.

قوله : ( والبیع والشرائع ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، لورود النهی عنه فی صحیحة أبی عبیدة المتقدمة.

وقال فی المنتهی : کلما یقتضی الاشتغال بالأمور الدنیویة من أصناف المعایش ینبغی القول بالمنع منه ، عملا بمفهوم النهی عن البیع والشراء (4). وهو غیر جید ، لأن النهی عن البیع والشراء لا یقتضی

أحکام الاعتکاف

حرمة النساء علی المعتکف

ص: 344


1- المختلف : 253.
2- المبسوط 1 : 293.
3- الکافی 4 : 177 - 4 ، الوسائل 7 : 411 أبواب کتاب الاعتکاف ب 10 ح 1.
4- المنتهی 2 : 639.

والمماراة.

______________________________________________________

النهی عما ذکره بمنطوق ولا مفهوم. نعم ربما دلت علیه بالعلة المستنبطة وهی غیر معتبرة عندنا.

ثم قال : الوجه تحریم الصنائع المشغلة عن العبادة ، کالخیاطة وشبهها ، إلا ما لا بد منه. والکلام فیه کالذی قبله.

ویستثنی من تحریم البیع والشراء ما تدعو الحاجة إلیه کشراء ما یضطر إلیه من المأکول والملبوس ، وبیع ما یشتری به ذلک. وشرط الشهید فی الدروس تعذر المعاطاة (1). وهو مبنی علی أنها لیست بیعا ، وهو غیر واضح ، نعم لو اعتبر فی ذلک عدم تمکنه من التوکیل کان وجها قویا.

قوله : ( والمماراة ).

لورود النهی عنها فی صحیحة أبی عبیدة المتقدمة (2). والمماراة لغة المجادلة (3) ، قال الشارح قدس سره : والمراد به هنا المجادلة علی أمر دنیوی أو دینی لمجرد إثبات الغلبة أو الفضیلة ، کما یتفق لکثیر من المتسمین بالعلم ، وهذا النوع محرم فی غیر الاعتکاف أیضا.

ثم قال : ولو کان الغرض من الجدال فی المسألة العلمیة مجرد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ کان من أفضل الطاعات ، والمائز بین ما یحرم منه وما یجب أو یستحب النیة ، فلیتحرز المکلف من تحویل الشی ء من کونه واجبا إلی جعله من کبار القبائح (4).

حرمة شم الطیب

حرمة الاستمناء

حرمة البیع والشراء

ص: 345


1- الدروس : 80.
2- فی ص 345.
3- راجع القاموس المحیط 4 : 392.
4- المسالک 1 : 85.

وقیل : یحرم علیه ما یحرم علی المحرم ، ولم یثبت. فلا یحرم علیه لبس المخیط ، ولا إزالة الشعر ، ولا أکل الصید ، ولا عقد النکاح.

ویجوز له النظر فی معاشه ، والخوض فی المباح.

______________________________________________________

قوله : ( وقیل ، یحرم علیه ما یحرم علی المحرم ولم یثبت ، فلا یحرم علیه لبس المخیط ، ولا إزالة الشعر ، ولا أکل الصید ، ولا عقد النکاح ).

هذا القول منقول عن الشیخ فی الجمل وهذه عبارته : ویجب علیه تجنّب کلما یجب علی المحرم تجنبه من النساء والتطیب والمماراة والجدال ، ویزید علیه تسعة أشیاء : البیع ، والشراء (1). وهذه العبارة کما تری غیر صریحة فی تحریم الجمیع وإن کانت لا تخلو من قصور فی تأدیة المراد.

وقال العلامة فی التذکرة : إن الشیخ لا یرید بذلک العموم ، لأنه لا یحرم علی المعتکف لبس المخیط إجماعا ، ولا إزالة الشعر ، ولا أکل الصید ، ولا عقد النکاح (2). وهو جید.

وکیف کان فلا ریب فی ضعف هذا القول ، لانتفاء الدلیل علیه رأسا ، ولأنه لم ینقل من فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام والصحابة والتابعین ، ولو کان ثابتا لنقل کما نقل غیره من الأحکام المتعلقة بذلک.

قوله : ( ویجوز النظر فی معاشه والخوض فی المباح ).

لا ریب فی جواز النظر فی أمور معاشه والتکلم بالمباح ، لکن الأولی الاقتصار من ذلک علی ما یضطر إلیه ، والاشتغال بما هو وظیفة

حرمة المماراة

ص: 346


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 222.
2- التذکرة 1 : 286.

وکل ما ذکرناه من المحرمات علیه نهارا یحرم علیه لیلا عدا الإفطار.

ومن مات قبل انقضاء اعتکافه الواجب ، قیل : یجب علی الولی القیام به ، وقیل : یستأجر من یقوم به ، والأول أشبه.

______________________________________________________

المعتکف من العبادات ، کالصلاة ، والذکر ، وقراءة القرآن.

قال فی المنتهی : ویستحب له دراسة العلم والمناظرة فیه وتعلیمه وتعلمه فی الاعتکاف ، بل هو أفضل من الصلاة المندوبة (1). وهو کذلک.

قوله : ( وکل ما ذکرناه من المحرمات علیه نهارا یحرم علیه لیلا عدا الإفطار ).

المراد أن کل ما یحرم علی المعتکف من حیث إنه معتکف فإن تحریمه یتناول اللیل والنهار ، لدخول اللیالی فی الاعتکاف کالأیام ، أما ما وجب الإمساک عنه باعتبار الصوم فإنه یمسک عنه نهارا ، لأنه زمان الصوم.

وهل تختص هذه المحرمات بالاعتکاف الواجب أو تتناول المندوب أیضا؟ إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی الثانی ، وقد تقدم نظیره فی التکفیر فی صلاة النافلة ، والارتماس فی الصوم المندوب.

قوله : ( ومن مات قبل انقضاء الواجب قیل : یجب علی الولی القیام به ، وقیل : یستأجر من یقوم به ، والأول أشبه ).

هذان القولان حکاهما الشیخ فی المبسوط (2) ، واستدل لهما بما روی أن من مات وعلیه صوم واجب وجب علی ولیه أن یقضی عنه أو

عدم حرمة ما یحرم علی المحرم

جواز النظر فی أمر المعاش

ص: 347


1- المنتهی 2 : 639.
2- المبسوط 1 : 293.

القسم الثانی : فیما یفسده ، وفیه مسائل :

الأولی : کل ما یفسد الصوم یفسد الاعتکاف ، کالجماع والأکل والشرب والاستمناء ، فمتی أفطر فی الیوم الأول والثانی لم یجب به کفارة إلا أن یکون واجبا. وإن أفطر فی الثالث وجبت الکفارة. ومنهم من خصّ الکفارة بالجماع حسب ، واقتصر فی غیره من المفطرات علی القضاء وهو الأشبه.

______________________________________________________

یتصدق عنه (1). قال فی المعتبر : وما ذکره - رحمه الله - إنما یدل علی وجوب قضاء الصوم ، أما الاعتکاف فلا (2). وهو جید ، وقد بینا فیما سبق أن الصوم لا یجب لأجل الاعتکاف ، لجواز إیقاعه فی صوم مستحق کرمضان فلا یکون وجوب الاعتکاف مقتضیا لوجوب الصوم لیجب علی الولی القیام به کما هو واضح.

قوله : ( الأولی ، کل ما یفسد الصوم یفسد الاعتکاف ، کالجماع والأکل والشرب والاستمناء ، فمن أفطر فی الیوم الأول أو الثانی لم یجب به کفارة إلا أن یکون واجبا ، وإن أفطر فی الثالث وجبت الکفارة ، ومنهم من خص الکفارة بالجماع حسب واقتصر فی غیره من المفطرات علی القضاء ، وهو الأشبه ).

أما فساد الاعتکاف بکل ما یفسد الصوم فلا ریب فیه ، لأنه لا یصح إلا بصوم ، فیفسد بفساد شرطه.

وأما وجوب الکفارة بفعل المفطر فی الاعتکاف الواجب فهو اختیار المفید (3) والمرتضی (4) ، قال فی المعتبر : ولا أعرف مستندهما (5).

حکم موت المعتکف

ص: 348


1- الوسائل 7 : 240 أبواب أحکام شهر رمضان ب 23.
2- المعتبر 2 : 744.
3- المقنعة : 58.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 742.
5- المعتبر 2 : 742.

______________________________________________________

والأصح ما اختاره الشیخ (1) والمصنف وأکثر المتأخرین من اختصاص الکفارة بالجماع دون ما عداه من المفطرات ، وإن کان یفسد به الصوم ، ویجب به القضاء فیما قطع به الأصحاب.

أما وجوب الکفارة بالجماع فتدل علیه روایات ، منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن علی بن رئاب ، عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المعتکف یجامع فقال : « إذا فعل ذلک فعلیه ما علی المظاهر » (2).

وأما انتفاء الکفارة فی غیره فللأصل السلیم من المعارض.

واعلم أن إطلاق الروایات المتضمنة لوجوب الکفارة بالجماع یقتضی بظاهره عدم الفرق فی الاعتکاف بین الواجب والمندوب ، ولا فی الواجب بین المطلق والمعین ، وبمضمونها أفتی الشیخان (3).

قال فی المعتبر : ولو خصا ذلک بالیوم الثالث أو بالاعتکاف اللازم کان ألیق بمذهبهما ، لأنا بینا أن الشیخ ذکر فی النهایة والخلاف أن للمعتکف الرجوع فی الیومین الأولین من اعتکافه ، وأنه إذا اعتکفهما وجب الثالث ، وإذا کان له الرجوع لم یکن لإیجاب الکفارة مع جواز الرجوع وجه ، لکن یصح هذا علی قول الشیخ فی المبسوط ، فإنه یری وجوب الاعتکاف بالدخول فیه (4). وما ذکره غیر بعید ، لأن المطلق لا

ما یفسد الاعتکاف

فساد الاعتکاف بما یفسد الصوم

ص: 349


1- المبسوط 1 : 294 ، والنهایة : 172.
2- الفقیه 2 : 122 - 532 ، الوسائل 7 : 406 أبواب کتاب الاعتکاف ب 6 ح 1.
3- المفید فی المقنعة : 58 ، والشیخ فی النهایة : 172 ، والخلاف 1 : 408 ، والمبسوط 1 : 294.
4- المعتبر 2 : 743.

وتجب کفارة واحدة إن جامع لیلا. وکذا إن جامع نهارا فی غیر رمضان. ولو کان فیه لزمه کفارتان.

______________________________________________________

عموم له ، فیکفی فی العمل به إجراؤه فی الواجب.

والأصح أن کفارة الاعتکاف کفارة ظهار ، لصحیحة زرارة المتقدمة (1) ، وذهب الأکثر إلی أنها مخیرة ، لموثقة سماعة بن مهران ، قال : « سألت أبا عبد الله علیه السلام عن معتکف واقع أهله فقال : « هو بمنزلة من أفطر یوما من شهر رمضان » (2).

قال فی المختلف : والروایة الأولی أصح طریقا ، والثانیة أوضح عند الأصحاب (3).

قوله : ( وتجب کفارة واحدة إن جامع لیلا ، وکذا إن جامع نهارا فی غیر رمضان ، ولو کان فیه لزمه کفارتان ).

أما وجوب الکفارتین إذا جامع نهارا فی شهر رمضان ، إحداهما للاعتکاف ، والأخری لصوم رمضان ، فهو مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ویدل علیه مضافا إلی ما تکرر فی کلام الأصحاب من أن اختلاف الأسباب یقتضی اختلاف المسببات ، ما رواه ابن بابویه ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الأعلی بن أعین ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل وطئ امرأته وهو معتکف لیلا فی شهر رمضان ، قال : « علیه الکفارة » قال ، قلت : وإن وطئها نهارا ، قال : « علیه کفارتان » (4).

ص: 350


1- فی ص 350.
2- الکافی 4 : 179 - 2 ، الفقیه 2 : 123 - 534 ، التهذیب 4 : 291 - 886 ، الإستبصار 2 : 130 - 423 ، الوسائل 7 : 406 أبواب کتاب الاعتکاف ب 6 ح 2.
3- المختلف : 254.
4- الفقیه 2 : 122 - 533 ، الوسائل 7 : 407 أبواب کتاب الاعتکاف ب 6 ح 4.

الثانیة : الارتداد موجب للخروج من المسجد ، ویبطل الاعتکاف وقیل : لا یبطل ، وإن عاد بنی ، والأول أشبه.

______________________________________________________

وینبغی تقییده بما إذا کان الاعتکاف واجبا کالمنذور والثوالث ، بناء علی أن الکفارة إنما تثبت فی الاعتکاف الواجب.

وفی معنی صوم رمضان الصوم المنذور إذا تعلق بزمان معین ، وقضاء رمضان ، فیجب فیهما کفارتان ، إحداهما للاعتکاف ، والأخری للقضاء أو النذر.

وأما وجوب الکفارة الواحدة للاعتکاف إذا جامع لیلا فی شهر رمضان ، أو نهارا فی غیر رمضان وما فی معناه فظاهر ، لأن إفساد الاعتکاف إنما یوجب کفارة واحدة ولا مقتضی للزائد.

ونقل عن السید المرتضی - رضی الله عنه - أنه أطلق وجوب الکفارتین علی المعتکف إذا جامع نهارا ، والواحدة إذا جامع لیلا (1) ، قال فی التذکرة : والظاهر أن مراده رمضان (2). واستقرب الشهید فی الدروس هذا الإطلاق ، قال : لأن فی النهار صوما واعتکافا (3). وهو ضعیف ، لأن مطلق الصوم لا یترتب علی إفساده الکفارة کما هو واضح.

قوله : ( الثانیة ، الارتداد موجب للخروج من المسجد ، ویبطل الاعتکاف ، وقیل : لا یبطل ، وهو الأشبه ).

القولان للشیخ رحمه الله ، أولهما فی الخلاف ، وثانیهما فی المبسوط (4) ، والأصح الأول ، لأن المرتد یقتل إن کان عن فطرة ،

ص: 351


1- الانتصار : 73.
2- التذکرة 1 : 294.
3- الدروس : 81.
4- الخلاف 1 : 407 ، والمبسوط 1 : 294.

الثالثة : قیل ، إذا أکره امرأته علی الجماع وهما معتکفان نهارا فی شهر رمضان لزمه أربع کفارات. وقیل : یلزمه کفارتان ، وهو الأشبه.

الرابعة : إذا طلّقت المعتکفة رجعیة خرجت إلی منزلها ، ثم قضت

______________________________________________________

ویجب خروجه من المسجد إن لم یکن عن فطرة ، وعلی التقدیرین فجلوسه فی المسجد منهی عنه ، فلا یکون منعقدا (1) به ، ویلزم من ذلک فساد الاعتکاف ، لعدم حصول التوالی المعتبر فیه.

قوله : ( الثالثة ، قیل : إذا أکره امرأته علی الجماع وهما معتکفان نهارا فی شهر رمضان لزمه أربع کفارات ، وقیل : یلزمه کفارتان ، وهو الأشبه ).

القول بلزوم الأربع للشیخ (2) والمرتضی (3) وجماعة (4) ، قال فی المعتبر : وهذا لیس بصواب ، إذ لا مستند له ، وجعله کالإکراه فی صوم رمضان قیاس (5). والأصح ما اختاره المصنف من وجوب الکفارتین خاصة ، إحداهما للاعتکاف ، والأخری لصوم شهر رمضان ، لکن اختیار المصنف لذلک مناف لما جزم به فی الصوم من تعدد الکفارة علیه فی صوم شهر رمضان ، إذ مقتضاه أنه یجب علی المعتکف هنا ثلاث کفارات ، اثنتان عنه ، وواحدة عن المرأة ، ولعله رجوع عن الفتوی لضعف مستند التعدد کما بیناه فیما سبق.

قوله : ( الرابعة ، إذا طلقت المعتکفة رجعیة خرجت إلی منزلها ،

فساد الاعتکاف بالارتداد

ص: 352


1- فی « ض » و « م » : متعبدا.
2- المبسوط 1 : 294.
3- الانتصار : 73.
4- منهم ابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 686 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 573 ، والقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 204.
5- المعتبر 2 : 742.

واجبا إن کان واجبا أو مضی یومان ، وإلا ندبا.

الخامسة : إذا باع أو اشتری ، قیل : یبطل اعتکافه ، وقیل : یأثم ولا یبطل ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قضت واجبا إن کان واجبا أو مضی یومان ، وإلا ندبا ).

أما وجوب خروجها إلی منزلها للاعتداد فقال فی التذکرة : إنه مذهب علمائنا أجمع (1) ، واستدل علیه بقوله تعالی ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُیُوتِهِنَّ وَلا یَخْرُجْنَ ) (2) وبأن الاعتداد فی بیتها واجب ، فیلزمها الخروج إلیه کالجمعة فی حق الرجل.

وإطلاق العبارة وغیرها یقتضی عدم الفرق فی الاعتکاف بین الواجب المعین وغیره ، ولا بین أن یشترط المعتکف الخروج عند العارض وعدمه.

وقال الشارح قدس سره : إن ذلک إنما یتم مع کون الاعتکاف مندوبا ، أو واجبا غیر معین ، أو مع اشتراطها الحل عند العارض ، ولو کان معینا من غیر شرط فالأقوی اعتدادها فی المسجد زمن الاعتکاف ، فإن دین الله أحق أن یقضی (3). وهو حسن.

وأما وجوب القضاء فإنما یتم مع عدم الاشتراط أیضا ، لما تقدم من سقوطه بالشرط ، إلا أن یکون واجبا مطلقا.

قوله : ( الخامسة ، إذا باع أو اشتری قیل : بطل اعتکافه ، وقیل : یأثم ولا یبطل ، وهو الأشبه ).

الأصح عدم البطلان تمسکا بمقتضی الأصل السلام من

حکم جماع المعتکف بالمعتکفة

خروج المطلقة الرجعیة إلی منزلها

ص: 353


1- التذکرة 1 : 292.
2- الطلاق : 1.
3- المسالک 1 : 86.

السادسة : إذا اعتکف ثلاثة متفرقة ، قیل : یصحّ ، لأن التتابع لا یجب إلا بالاشتراط ، وقیل : لا ، وهو الأصحّ.

______________________________________________________

المعارض. والقول ببطلان الاعتکاف بذلک لابن إدریس بل مقتضی کلامه أنه یبطل بفعل جمیع المباحات التی لا حاجة له إلیها ، واستدل بأن الاعتکاف هو اللبث للعبادة ، فإذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إلیها خرج عن حقیقة المعتکف (1). وهو ضعیف ، فإن کون العبادة غایة للبث لا یقتضی اعتبار حصولها فی جمیع أحواله.

قال فی المختلف : ونحن نطالبه بوجه ما قاله ، واحتجاجه أضعف من أن یکون شبهة ، فضلا عن کونه حجة ، فإن الاعتکاف لو اشترط فیه إدامة العبادة بطل حالة النوم والسکون وإهمال العبادة ، ولیس کذلک بالإجماع (2).

قوله : ( السادسة ، إذا اعتکف ثلاثة متفرقة قیل : یصح ، لأن التتابع لا یجب إلا بالاشتراط ، وقیل : لا ، وهو الأصح ).

المراد بتفریق الأیام الثلاثة : اعتکاف النهار دون اللیل ، وقد تقدم أن الشیخ یجیزه مع الإطلاق ، وأن الأصح خلافه (3). وأما تفریق الأیام الثلاثة بمعنی عدم تتابع النهار فقیل إنه غیر جائز إجماعا.

واحتمل الشارح - قدس سره - بأن یکون المراد بالتفریق اعتکاف یوم عن النذر ویوم عن العهد ثم الثالث عن النذر وهکذا (4). وفی حمل العبارة علیه بعد ، وإن کان الأظهر جوازه ، لانتفاء المانع منه والله الموفق.

بطلان الاعتکاف بالبیع والشراء

ص: 354


1- السرائر : 98.
2- المختلف : 255.
3- تقدم فی ص 321.
4- المسالک 1 : 86.

حکم الاعتکاف نهارا فقط

فهرس الجزء السادس

کتاب الصوم

تعریف الصوم................................................................ 5

فضیلة الصوم................................................................. 7

فضل صیام رمضان............................................................ 9

الصوم لله تبارک وتعالی......................................................... 9

علة فرض الصیام............................................................ 11

آداب الصائم............................................................... 12

وجوب صوم رمضان........................................................ 14

معنی رمضان................................................................ 15

نیة الصوم.................................................................. 16

محل النیة.................................................................... 20

إجزاء نیة واحدة لصیام رمضان............................................... 28

حکم من نوی غیر صوم رمضان فیه........................................... 30

عدم جواز التردید فی النیة.................................................... 32

نیة صوم یوم الشک.......................................................... 33

ص: 355

حکم من أصبح بنیة الافطار فبان رمضان...................................... 38

حکم نیة الصبی............................................................. 41

ما یمسک عنه الصائم

الامساک عن المأکول والمشروب............................................... 43

الامساک عن الجماع......................................................... 44

الامساک عن الکذب علی الله ................................................ 46

الامساک عن الارتماس........................................................ 48

حکم إیصال الغبار إلی الحلق.................................................. 51

حرمة البقاء علی الجنابة...................................................... 53

حکم إخلال الحائض بالغسل................................................. 56

حکم المستحاضة............................................................ 57

حکم الجنب إذا نام ولم ینو الغسل............................................. 59

فساد الصوم بالاستمناء...................................................... 61

حکم الاحتلام نهارا.......................................................... 62

حکم الحقنة للصائم.......................................................... 63

حکم الافطار سهوا.......................................................... 65

حکم المکره علی الافطار..................................................... 69

جواز مضغ الطعام للصبی وأمثاله.............................................. 71

جواز الاستنقاع للرجل....................................................... 73

استحباب السواک للصائم..................................................... 73

ما یوجب القضاء والکفارة................................................... 74

الصوم الذی فیه الکفارة...................................................... 78

حکم إفطار جاهل الحکم..................................................... 80

کفارة الافطار فی رمضان..................................................... 81

کفارة الصوم المنذور......................................................... 85

ص: 356

حکم الکذب علی الله والرسول والأئمة........................................ 87

حکم الارتماس للصائم....................................................... 88

ما یجب بالاحتقان........................................................... 89

ما یجب بتکرار النوم حتی الفجر............................................... 89

ما یوجب القضاء فقط....................................................... 91

حکم صب الدواء فی الإحلیل............................................... 104

حکم ابتلاع النخامة....................................................... 105

حکم العلک للصائم........................................................ 107

حکم المنفرد برؤیة الهلال................................................... 108

حکم الجماع لیلاً للصائم................................................. 109

تکرر الکفارة بتکرر الموجب................................................ 110

حکم من أفطر ثم سافر..................................................... 114

تعزیر المفطر............................................................... 116

حکم من أکره امرأة علی الجماع............................................ 117

حکم من عجز عن صوم شهرین............................................. 119

جواز تبرع التکفیر عن المفطر............................................... 122

ما یکره للصائم

کراهة النساء للصائم....................................................... 124

کراهة الاکتحال للصائم................................................... 125

کراهة اخراج الدم المضعف................................................. 126

کراهة دخول الحمام للصائم................................................ 127

کراهة السعوط للصائم..................................................... 128

کراهة شم الریاحین للصائم................................................. 129

کراهة بل الثوب للصائم.................................................... 131

کراهة جلول الصائمة فی الماء................................................ 132

ص: 357

ظرف الصوم

تعین النهار للصوم......................................................... 134

عدم صحة صوم العیدین.................................................... 135

عدم صحة صوم أیام التشریق............................................... 137

من یصح منه الصوم

عدم صحة صوم الکافر والمجنون............................................. 138

صحة صوم المغمی علیه..................................................... 139

صحة صوم الصبی.......................................................... 140

عدم صحة صوم الحائض.................................................... 143

صحة صوم المستحاضة..................................................... 144

عدم صحة صوم المسافر.................................................... 145

حکم الصوم المندوب فی السفر.............................................. 150

صحة الصوم لمن له حکم المقیم.............................................. 153

عدم صحة صوم الجنب..................................................... 153

حکم صوم المریض......................................................... 156

معنی البلوغ............................................................... 158

تمرین الصبی............................................................... 160

أقسام الصوم.............................................................. 163

القول فی شهر رمضان...................................................... 164

علامة شهر رمضان

حکم الرؤیة فی بلد آخر.................................................... 171

حکم شهادة الواحد بالرؤیة................................................. 174

حکم شهادة النساء بالرؤیة................................................. 175

ص: 358

حکم بعض العلائم المدعاة.................................................. 175

حکم صوم یوم الشک...................................................... 183

حکم تبین یوم الشک من رمضان............................................ 185

حکم اشتباه الشهر......................................................... 186

حکم ما لو غمت السنة کلها............................................... 186

حکم السجین............................................................. 187

وقت الامساک والافطار.................................................... 190

شروط صوم رمضان

شروط وجوب صوم رمضان................................................ 192

حکم الصوم فی السفر...................................................... 197

حکم من حضر فی رمضان.................................................. 198

حکم کثرة السفر.......................................................... 199

اشتراط الخلو من الحیض والنفاس............................................ 200

قضاء الصوم

شروط وجوب القضاء..................................................... 200

حکم من أسلم أثناء النهار.................................................. 203

وجوب القضاء علی المرتد.................................................. 204

وجوب القضاء علی الحائض والنفساء........................................ 205

وجوب القضاء علی تارک الصوم............................................ 206

استحباب الموالاة فی القضاء................................................. 207

قضاء الصوم علی التراخی.................................................. 208

عدم وجوب الترتیب فی القضاء............................................. 209

حکم التطوع لمن علیه صوم واجب.......................................... 210

حکم المریض فی القضاء.................................................... 211

ص: 359

بعض احکام الکفارة علی المریض............................................ 216

قضاء الولی عن المیت....................................................... 220

حکم الافطار فی صوم القضاء............................................... 230

حکم ناسی الغسل طول الشهر.............................................. 235

حکم الصائم إذا تثبت الرؤیة............................................... 237

صوم الکفارات

کفارة قتل العمد........................................................... 239

کفارة قتل الخطأ........................................................... 240

کفارة الظهار.............................................................. 241

کفارة الیمین.............................................................. 241

کفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب....................................... 241

کفارة جزاء الصید......................................................... 242

کفارة شق الثوب.......................................................... 242

کفارة العهد............................................................... 243

کفارة الاعتکاف.......................................................... 244

کفارة حلق المحرم رأسه..................................................... 244

کفارة جز المرأة رأسها..................................................... 244

کفارة وطء الأمة المحرمة.................................................... 245

ما لا یجب فیه التتابع فی الصوم.............................................. 245

حکم التفریق فیما اعتبر فیه التتابع........................................... 247

الصوم المندوب

ما لا یختص وقتا " من المندوب.............................................. 257

ما یختص وقتا من الصوم المندوب............................................ 258

الأماکن التی یستحب فیها الامساک............................................ 272

ص: 360

الصوم المکروه............................................................. 275

الصوم المحظور............................................................. 279

اللواحق

المرض الموجب للافطار..................................................... 284

حکم صوم المسافر......................................................... 285

ما یعتبر فی قصر الصوم..................................................... 285

السفر الذی یقصر فیه الصوم............................................... 291

ذکر من یلزمه الصوم فی السفر.............................................. 292

متی یفطر المسافر........................................................... 292

حکم الهم والکبیرة وذی العطاش............................................ 293

افطار الحامل المقرب والقلیلة اللبن............................................ 298

کراهة التملی للمفطر...................................................... 301

کراهة الجماع للمفطر...................................................... 301

حکم السفر فی رمضان..................................................... 302

کتاب الاعتکاف

تعریف الاعتکاف......................................................... 308

شروط المعتکف........................................................... 311

شروط الاعتکاف

الأول : النیة.............................................................. 311

الثانیة : الصوم............................................................ 315

الثالثة : الاعتکاف ثلاثا.................................................... 317

وجوب المضی لمن اعتکف یومین............................................ 320

الرابع : المکان............................................................. 322

ص: 361

المساجد التی یصح فیها الاعتکاف........................................... 322

الخامس : إذن الولی........................................................ 327

السادس : استدامة اللبث................................................... 329

موارد جواز الخروج........................................................ 332

عدم جواز الجلوس للخارج.................................................. 335

عدم جواز الصلاة خارج المسجد............................................ 336

حکم الخروج سهوا........................................................ 337

أحکام الاعتکاف المنذور................................................... 337

أقسام الاعتکاف

حکم اشتراط الرجوع عند نذر الاعتکاف................................... 340

أحکام الاعتکاف

حرمة النساء علی المعتکف.................................................. 344

حرمة شم الطیب.......................................................... 345

حرمة الاستمناء............................................................ 345

حرمة البیع والشراء........................................................ 345

حرمة المماراة.............................................................. 346

عدم حرمة ما یحرم علی المحرم............................................... 347

جواز النظر فی أمر المعاش................................................... 347

حکم موت المعتکف....................................................... 348

ما یفسد الاعتکاف

فساد الاعتکاف بما یفسد الصوم............................................ 349

فساد الاعتکاف بالارتداد.................................................. 352

حکم جماع المعتکف بالمعتکفة............................................... 353

ص: 362

خروج المطلقة الرجعیة إلی منزلها............................................. 353

بطلان الاعتکاف بالبیع والشراء............................................. 354

حکم الاعتکاف نهارا فقط.................................................. 355

* * *

ص: 363

المجلد 7

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

کتاب الحج

وهو یعتمد علی ثلاثة أرکان

الأوّل : فی المقدمات ، وهی أربع :

المقدمة الأولی : الحج.

وإن کان فی اللغة القصد ، فقد صار فی الشرع اسما لمجموع المناسک المؤدّاة فی المشاعر المخصوصة.

______________________________________________________

کتاب الحج

بسم الله الرحمن الرحیم

وبه نستعین

الحمد لله حمدا کثیرا یلیق بجلاله ، والصلاة علی سیدنا محمد وآله.

قوله رحمه الله : ( کتاب الحج ، وهو یعتمد علی ثلاثة أرکان. الأول : فی المقدمات ، وهی أربع ، المقدمة الأولی : الحج ، وإن کان فی اللغة القصد ، فقد صار فی الشرع اسما لمجموع المناسک المؤداة فی المشاعر المخصوصة ).

ذکر فی القاموس للحج معانی : القصد ، والکف ، والقدوم ، والغلبة

کتاب الحج

تعریف الحج

ص: 5

______________________________________________________

بالحجة ، وکثرة الاختلاف والتردد ، وقصد مکة للنسک (1).

وقال الخلیل الحج : کثرة القصد إلی من یعظّمه ، وسمی الحج حجا لأن الحاج یأتی قبل الوقوف بعرفة إلی البیت ، ثم یعود إلیه لطواف الزیارة ، ثم ینصرف إلی منی ثم یعود إلیه لطواف الوداع (2).

ویستفاد من قول المصنف : الحج وإن کان فی اللغة القصد فقد صار فی الشرع اسما لمجموع المناسک. أنّ الحج منقول عن معناه اللغوی ، ولا ریب فی تحقق النقل عند الفقهاء إن لم یثبت کونه حقیقة لغویة فی المعنی المصطلح علیه عندهم ، وإن لم یثبت النقل عند الشارع.

وما قیل (3) من أنّ النقل عند الفقهاء إنما یتحقق علی تعریف المصنف ، وأما علی تعریف الشیخ - قدس سره - من أنه عبارة عن قصد البیت الحرام لأداء مناسک مخصوصة عنده (4) ، فلا ، بل المتحقق علی هذا التعریف تخصیص المعنی اللغوی خاصة. ففاسد ، لأن النقل متحقق علی هذا التقدیر جزما ، غایة الأمر أنّ النقل علی تعریف الشیخ یکون لمناسبة ، وعلی تعریف المصنف لغیر مناسبة.

وأورد المصنف فی المعتبر علی تعریف الشیخ أنه یخرج عنه الوقوف بعرفة والمشعر ، لأنهما لیسا عند البیت الحرام ، مع أنهما رکنان من الحج إجماعا ، قال : فأذن الأسلم أن یقال : الحج اسم لمجموع المناسک المؤداة فی المشاعر المخصوصة (5). وهذا التعریف مع سلامته مما أورده المصنف علی تعریف الشیخ مطابق لما هو المتبادر من لفظ الحج عند أهل الشرع من کونه عبادة مرکبة من جملة عبادات ، کالصلاة المؤلفة من الأفعال والأذکار

ص: 6


1- القاموس المحیط 1 : 188.
2- کتاب العین 3 : 9.
3- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 86.
4- المبسوط 1 : 296.
5- المعتبر 2 : 745.

______________________________________________________

المخصوصة ، لا مجرد القصد ، فقوله : اسم لمجموع المناسک ، وقع فی التعریف بمنزلة الجنس ، وقوله : المؤداة فی المشاعر المخصوصة - وهی محال العبادة - بمنزلة الفصل ، یخرج به ما عدا الحج من العبادات حتی العمرة ، فإن مشاعرها خلاف مشاعر الحج.

وأورد علیه شیخنا الشهید فی الشرح أنّ الآتی بالبعض التارک للبعض الذی لا مدخل له فی البطلان یصدق علیه اسم الحاج فلا یکون الحج اسما للمجموع ، وأنه منقوض فی طرده بالعمرة وبکل عبادة مقیدة بمکان ، إذ هی مناسک لأنها عبادات وواقعة فی أماکن مخصوصة (1).

ویمکن تکلف الجواب عن ذلک لکن لا مشاحة فی هذه التعریفات کما بیناه مرارا.

وقد أجمع المسلمون کافة علی وجوب الحج ، والأصل فیه قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعالَمِینَ ) (2) وفی الآیة ضروب من التأکید والمبالغة ، منها : قوله ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ ) أی حق واجب علیهم لکونه إلها ، فیجب علیهم الانقیاد ، سواء عرفوا وجه الحکمة فیه أم لم یعرفوا ، فإنّ کثیرا من أفعال الحج تعبّد محض.

ومنها : بناء الکلام علی الإبدال لیکون تثبیتا (3) للمراد ، وتفصیلا بعد الإجمال ، وإیرادا للغرض فی صورتین ، تقریرا له فی الأذهان.

ومنها : ذکر من کفر مکان من لم یحج ، وفیه من التغلیظ ما فیه ، وإلیه الإشارة بقول النبی صلی الله علیه و آله : « من مات ولم یحج فلیمت إن شاء

وجوب الحج

ص: 7


1- المسالک 1 : 86.
2- آل عمران : 97.
3- فی « ض » ، « م » : تثنیة.

______________________________________________________

یهودیا وإن شاء نصرانیا » (1) وقول الصادق علیه السلام : « من مات ولم یحج حجة الإسلام لم یمنعه من ذلک حاجة تجحف به ، أو مرض لا یطیق فیه الحج ، أو سلطان یمنعه ، فلیمت یهودیا أو نصرانیا » (2).

ومنها : إظهار الغنی ، وتهویل الخطب بذکر اسم الله دون أن یقول فإنه أو فإنی ، وإنه یدل علی غایة السخط والخذلان.

ومنها : وضع المظهر مقام المضمر ، حیث قال : عن العالمین ، ولم یقل عنه ، لأنه إذا کان غنیا عن کل العالمین فلأن یکون غنیا عن طاعة ذلک الواحد أولی.

ولنورد هنا عشرین خبرا تتضمن فوائد فی هذا الباب :

الأول : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن أبی العباس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لما ولد إسماعیل حمله أبوه إبراهیم وأمه علی حمار وأقبل معه جبرائیل حتی وضعه فی موضع الحجر ومعه شی ء من زاد وسقاء فیه شی ء من ماء ، والبیت یومئذ ربوة حمراء من مدر ، فقال إبراهیم لجبرائیل علیهماالسلام : هاهنا أمرت؟ قال : نعم » قال : « ومکة یومئذ سلم وسمر ، وحول مکة یومئذ ناس من العمالیق » (3).

الثانی : ما رواه ابن بابویه فی کتاب علل الشرائع والأحکام فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إنّ إبراهیم علیه السلام لما خلّف إسماعیل بمکة عطش الصبی ، وکان فیما بین الصفا والمروة شجر ، فخرجت أمه حتی قامت علی الصفا ، فقالت : هل بالوادی من أنیس؟ فلم یجبها أحد ، فمضت حتی انتهت إلی المروة فقالت :

أخبار متعلقة بالحج

ص: 8


1- المعتبر 2 : 746 ، الوسائل 8 : 21 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 7 ح 5.
2- الکافی 4 : 268 - 1 ، التهذیب 5 : 17 - 49 ، المقنعة : 61 ، الوسائل 8 : 19 أبواب الحج وشرائطه ب 7 ح 1.
3- الکافی 4 : 201 - 1.

______________________________________________________

هل بالوادی من أنیس؟ فلم تجب ، ثم رجعت إلی الصفا وقالت ، حتی صنعت ذلک سبعا ، فأتاها جبرائیل علیه السلام ، فقال لها : من أنت؟ قالت : أنا أم ولد إبراهیم ، فقال : إلی من وکلکم؟ فقالت : أما إذا قلت ذلک فقد قلت له حیث أراد الذهاب : یا إبراهیم إلی من تکلنا؟ فقال : إلی الله عزّ وجلّ ، فقال جبرائیل : لقد وکلکم إلی کاف ، قال : وکان الناس یتجنبون الممر بمکة لمکان الماء ، ففحص الصبی برجله فنبعت زمزم ، ورجعت من المروة إلی الصبی وقد نبع الماء ، فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة أن یسیح الماء ، ولو ترکته لکان سیحا ، قال : فلما رأت الطیر الماء حلقت علیه ، قال : فمر رکب من الیمن ، فلما رأوا الطیر حلقت علیه قالوا : ما حلقت إلا علی ماء ، فأتوهم فسقوهم من الماء وأطعموهم الرکب من الطعام ، وأجری الله عزّ وجلّ لهم بذلک رزقا ، فکانت الرکب تمر بمکة فیطعمونهم من الطعام ویسقونهم من الماء » (1).

الثالث : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الحرم وأعلامه فقال : « إنّ آدم علیه السلام لما هبط علی أبی قبیس شکی إلی ربه الوحشة ، وأنه لا یسمع ما کان یسمع فی الجنة ، فأنزل الله علیه یاقوتة حمراء فوضعها فی موضع البیت ، فکان یطوف بها ، وکان قد بلغ ضوءها موضع الاعلام ، فعلمت الاعلام علی ضوئها ، فجعله الله حرما » (2).

الرابع : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن سعید بن عبد الله الأعرج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إنّ قریشا فی الجاهلیة هدموا البیت ، فلما أرادوا بناءه حیل بینه وبینهم ، وألقی فی روعهم الرعب ، حتی قال قائل منهم : لیأت کل رجل منکم بأطیب ماله ، ولا تأتوا بمال اکتسبتموه من قطیعة رحم أو حرام ، ففعلوا فخلی بینهم وبین بنیانه فبنوه ، حتی انتهوا

ص: 9


1- علل الشرائع : 432 - 1 ، الوسائل 9 : 512 أبواب السعی ب 1 ح 10.
2- التهذیب 5 : 448 - 1562 ، الوسائل 9 : 334 أبواب مقدمات الطواف ب 13 ح 1.

______________________________________________________

إلی موضع الحجر الأسود فتشاجروا فیه ، أیهم یضع الحجر فی موضعه ، حتی کاد أن یکون بینهم شر ، فحکّموا أول من یدخل من باب المسجد ، فدخل رسول الله صلی الله علیه و آله ، فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ، ثم وضع الحجر فی وسطه ، ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ، ثم تناوله علیه السلام فوضعه فی موضعه ، فخصه الله عزّ وجلّ به » (1).

قال ابن بابویه بعد نقل هذه الروایة : وروی أن الحجاج لما فرغ من بناء الکعبة سأل علی بن الحسین علیهماالسلام أن یضع الحجر فی موضعه ، فأخذه ووضعه فی موضعه.

الخامس : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح أیضا ، عن سعید الأعرج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إنما سمی البیت العتیق لأنه أعتق من الغرق وأعتق الحرم معه ، کفّ عنه الماء » (2).

السادس : ما رواه فی الصحیح أیضا ، عن الفضیل ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إنما سمیت بکة لأنه تبک بها الرجال والنساء ، والمرأة تصلی بین یدیک وعن یمینک وعن شمالک ومعک ، ولا بأس بذلک ، وإنما یکره فی سائر البلدان » (3).

السابع : ما رواه فی الصحیح أیضا ، عن حریز بن عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان الحجر الأسود أشد بیاضا من اللبن ، فلو لا ما مسه من أرجاس الجاهلیة ما مسه ذو عاهة إلا بری ء بإذن الله تعالی » (4).

الثامن : ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لما أفاض آدم من منی تلقته الملائکة فقالوا :

ص: 10


1- الفقیه 2 : 160 - 693 ، الوسائل 9 : 329 أبواب مقدمات الطواف ب 11 ح 9.
2- علل الشرائع : 399 - 4.
3- علل الشرائع : 397 - 4 ، الوسائل 3 : 429 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 10.
4- الفقیه 2 : 124 - 541 ، الوسائل 9 : 404 أبواب الطواف ب 13 ح 6 ( بتفاوت یسیر ).

______________________________________________________

یا آدم برّ حجّک ، أما إنا قد حججنا هذا البیت قبل أن تحجه بألفی عام » (1).

التاسع : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عز وجلّ ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) (2) قال : « من دخل الحرم مستجیرا به فهو آمن من سخط الله عزّ وجلّ ، وما دخل من الطیر والوحش کان آمنا من أن یهاج أو یؤذی حتی یخرج من الحرم » (3).

العاشر : ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن ابن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِی بِبَکَّةَ مُبارَکاً وَهُدیً لِلْعالَمِینَ فِیهِ آیاتٌ بَیِّناتٌ ) (4) ما هذه الآیات البینات؟ قال : « مقام إبراهیم حیث قام علی الحجر فأثّرت فیه قدماه ، والحجر الأسود ، ومنزل إسماعیل علیه السلام » (5).

الحادی عشر : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وجد فی حجر : إنی أنا الله ذو بکة ، خلقتها یوم خلقت السماوات والأرض ، ویوم خلقت الشمس والقمر ، وحففتها بسبعة أملاک حفا ، مبارک لأهلها فی الماء واللبن ، یأتیها رزقها من ثلاثة سبل ، من أعلاها وأسفلها والثنیة » (6).

الثانی عشر : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أتی النبیّ صلی الله علیه و آله رجلان ،

ص: 11


1- الکافی 4 : 194 - 4 ، الوسائل 8 : 5 أبواب وجوب الحج ب 1 ح 6.
2- آل عمران : 97.
3- الفقیه 2 : 163 - 703 ، الوسائل 9 : 339 أبواب مقدمات الطواف ب 14 ح 12.
4- آل عمران 96 ، 97.
5- الکافی 4 : 223 - 1 ، الوسائل 9 : 346 أبواب مقدمات الطواف ب 18 ح 5.
6- الفقیه 2 : 158 - 684 ، الوسائل 9 : 349 أبواب مقدمات الطواف ب 19 ح 2.

______________________________________________________

رجل من الأنصار ورجل من ثقیف ، فقال الثقیفی : یا رسول الله حاجتی ، فقال : سبقک أخوک الأنصاری ، فقال : یا رسول الله إنی علی ظهر سفر ، وإنی عجلان ، وقال الأنصاری : إنی قد أذنت له ، فقال : إن شئت سألتنی ، وإن شئت نبأتک ، فقال : نبئنی یا رسول الله ، فقال : جئت تسألنی عن الصلاة وعن الوضوء وعن المسجد ، فقال الرجل : إی والذی بعثک بالحق ، فقال : أسبغ الوضوء ، واملأ یدیک من رکبتیک ، وعفر جبینک فی التراب ، وصل صلاة مودع ، وقال الأنصاری یا رسول الله حاجتی ، قال : إن شئت سألتنی ، وإن شئت نبأتک ، فقال : یا رسول الله نبئنی ، فقال : جئت تسألنی عن الحج وعن الطواف بالبیت ، والسعی بین الصفا والمروة ، ورمی الجمار ، وحلق الرأس ، ویوم عرفة ، فقال الرجل : إی والذی بعثک بالحق نبیا ، فقال : لا ترفع ناقتک خفا إلا کتب الله لک حسنة ، ولا تضع خفا إلا حطّ به عنک سیئة ، وطواف بالبیت وسعی بین الصفا والمروة تنفتل کما ولدتک أمک من الذنوب ، ورمی الجمار ذخر یوم القیامة ، وحلق الرأس لک بکل شعرة نور یوم القیامة ، ویوم عرفة یوم یباهی الله عزّ وجلّ به الملائکة ، فلو حضرت ذلک الیوم برمل عالج وقطر السماء وأیام العالم ذنوبا تبت ذلک الیوم » (1).

الثالث عشر : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله لقیه أعرابی فقال : یا رسول الله إنی خرجت أرید الحج ففاتنی وأنا رجل ممیل ، فمرنی أن أصنع فی مالی ما أبلغ به مثل أجر الحاج ، قال : فالتفت إلیه رسول الله صلی الله علیه و آله فقال له : انظر إلی أبی قبیس ، فلو أن أبا قبیس لک ذهبة حمراء أنفقته فی سبیل الله ما بلغت ما یبلغ الحاج. ثم قال : إن الحاج إذا أخذ فی جهازه لم یرفع شیئا ولم یضعه إلا کتب الله له

ص: 12


1- الکافی 4 : 261 - 37 ، الوسائل 8 : 159 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 16 وأورد صدره فی ج 4 : 677 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.

______________________________________________________

عشر حسنات ، ومحی عنه عشر سیئات ، ورفع له عشر درجات ، فإذا رکب بعیره لم یرفع خفا ولم یضعه إلا کتب الله له مثل ذلک ، فإذا طاف بالبیت خرج من ذنوبه ، فإذا سعی بین الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر خرج من ذنوبه ، فإذا رمی الجمار خرج من ذنوبه ، قال : فعدد رسول الله صلی الله علیه و آله کذا وکذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه ، ثم قال : أنی لک أن تبلغ ما یبلغه الحاج » قال أبو عبد الله علیه السلام : « ولا تکتب علیه الذنوب أربعة أشهر وتکتب له الحسنات إلا أن یأتی بکبیرة » (1).

الرابع عشر : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الحاج علی ثلاثة أصناف : صنف یعتق من النار ، وصنف یخرج من ذنوبه کهیئة یوم ولدته أمه ، وصنف یحفظ فی أهله وماله ، وهو أدنی ما یرجع به الحاج » (2).

الخامس عشر : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : الحج والعمرة ینفیان الفقر والذنوب ، کما ینفی الکیر خبث الحدید » قال معاویة ، فقلت له : حجة أفضل أو عتق رقبة؟ قال : « حجة أفضل » قلت : فثنتین؟ قال : « فحجة أفضل » قال معاویة : فلم أزل أزید ویقول حجة أفضل حتی بلغت ثلاثین رقبة ، فقال : « حجة أفضل » (3).

السادس عشر : ما رواه الشیخ فی الصحیح أیضا ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من مات فی طریق مکة ذاهبا أو جائیا أمن من الفزع الأکبر یوم القیامة » (4).

ص: 13


1- التهذیب 5 : 19 - 56 ، الوسائل 8 : 79 أبواب وجوب الحج ب 42 ح 1.
2- الکافی 4 : 262 - 40 ، الوسائل 8 : 65 أبواب وجوب الحج ب 38 ح 3.
3- التهذیب 5 : 21 - 60 ، الوسائل 8 : 74 أبواب وجوب الحج ب 38 ح 43.
4- التهذیب 5 : 23 - 68 ، الوسائل 8 : 69 أبواب وجوب الحج ب 38 ح 21.

______________________________________________________

السابع عشر : ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « النظر إلی الکعبة عبادة ، والنظر إلی الوالدین عبادة ، والنظر إلی الإمام عبادة » قال : « من نظر إلی الکعبة کتبت له حسنة ، ومحیت عنه عشر سیئات » (1).

الثامن عشر : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن صفوان الجمال ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « ما یعبأ بمن یؤم هذا البیت إلا أن یکون فیه خصال ثلاث : حلم یملک به غضبه ، وخلق یخالق به من صحبه ، وورع یحجزه عن معاصی الله » (2).

التاسع عشر : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ما یعبأ بمن یسلک هذا الطریق إذا لم یکن فیه ثلاث خصال : ورع یحجزه عن معاصی الله ، وحلم یملک به غضبه ، وحسن الصحبة لمن صحبه » (3).

العشرون : ما رواه الکلینی مرسلا ، عن أمیر المؤمنین صلوات الله علیه أنه قال فی خطبة له : « ولو أراد الله جل ثناؤه بأنبیائه حیث بعثهم أن یفتح لهم کنوز الذّهبان ، ومعادن العقیان (4) ، ومغارس الجنان ، وأن یحشر معهم طیر السماء ووحوش الأرض لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء ، وبطل الجزاء ، واضمحل الابتلاء ، ولما وجب للعالمین أجور المبتلین ، ولا لحق المؤمنین ثواب المحسنین ، ولا لزمت الأسماء أهالیها علی معنی مبین ، وکذلک لو أنزل الله من السماء آیة فظلت أعناقهم لها خاضعین ، ولو فعل لسقط البلوی

ص: 14


1- الکافی 4 : 240 - 5 ، الوسائل 9 : 364 أبواب مقدمات الطواف ب 29 ح 4.
2- التهذیب 5 : 445 - 1549 ، الوسائل 8 : 403 أبواب أحکام العشرة ب 2 ح 5.
3- الکافی 4 : 286 - 2 ، الوسائل 8 : 402 أبواب أحکام العشرة ب 2 ح 4.
4- معادن العقیان : هو الذهب الخالص وقیل : هو ما ینبت فیه نباتا. والألف والنون زائدتان - النهایة لابن الأثیر 3 : 283.

______________________________________________________

هذه الأحکام کلها إجماعیة علی ما نقله جماعة منهم المصنف فی المعتبر (1). أما الوجوب علی کل مکلف مستطیع فیدل علیه عموم قوله تعالی ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) (2) وهو یتناول الرجال والنساء والخناثی.

وأما أنّ الوجوب بأصل الشرع مرة واحدة فقال الشیخ فی التهذیب : إنه لا خلاف فیه بین المسلمین ، فلأجل ذلک لم نتشاغل بإیراد الأخبار فیه (3).

ثم أورد بعد ذلک عدة أحادیث متضمنة لأن الله عزّ وجلّ فرض الحج علی أهل الجدة فی کل عام ، وفیها ما هو صحیح السند. وأجاب عنها بالحمل علی أنّ المعنی أنه یجب علی أهل الجدة فی کل عام علی طریق البدل ، لأن من وجب علیه الحج فی السنة الأولة فلم یفعل وجب علیه فی الثانیة ، وکذلک إذا لم یحج فی الثانیة وجب علیه فی الثالثة ، وعلی هذا فی کل سنة إلی أن یحج (4).

وقال المصنف فی المعتبر : إنّ هذه الروایات محمولة علی الاستحباب ، لأن تنزیلها علی ظاهرها مخالف لإجماع المسلمین کافة (5). وهو حسن.

وأما أنّ الوجوب فوری فیدل علیه مضافا إلی الإجماع روایات کثیرة ، کصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قدر الرجل علی ما یحج به ثم دفع ذلک ولیس له شغل یعذره الله فیه فقد ترک شریعة من شرائع الإسلام » (6).

ص: 15


1- المعتبر 2 : 745.
2- آل عمران : 97.
3- التهذیب 5 : 16.
4- التهذیب 5 : 16.
5- المعتبر 2 : 747.
6- التهذیب 5 : 18 - 54 ، الوسائل 8 : 17 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 6 ح 3.

وهو فرض کل من اجتمعت فیه الشرائط الآتیة ، من الرجال والنساء والخناثی.

ولا یجب بأصل الشرع إلا مرة واحدة ، وهی حجة الإسلام. وتجب علی الفور. والتأخیر مع الشرائط کبیرة موبقة.

______________________________________________________

یهزّوا مناکبهم ذللا لله حوله ، ویرملوا (1) علی أقدامهم شعثا غبرا قد نبذوا القنع والسراویل وراء ظهورهم ، وحسروا بالشعور حلقا عن رؤسهم ، ابتلاء عظیما ، واختبارا کثیرا ، وامتحانا شدیدا ، وتمحیصا بلیغا ، وفتونا مبینا ، جعله الله سببا لرحمته ، ووصلة ووسیلة إلی جنته ، وعلة لمغفرته ، وابتلاء للخلق برحمته ، ولو کان الله تبارک وتعالی وضع بیته الحرام ومشاعره العظام بین جنات وأنهار ، وسهل وقرار ، جم الأشجار ، دانی الثمار ، ملتف النبات ، متصل القری ، بین برة سمراء ، وروضة خضراء ، وأریاف محدقة ، وعراص مغدقة ، وزروع ناضرة ، وطرق عامرة ، وحدائق کثیرة ، لکان قد صغر قدر الجزاء ، علی حسب ضعف البلاء ، ثم لو کانت الأساس المحمول علیها والأحجار المرفوع بها بین زمردة خضراء ویاقوتة حمراء ونور وضیاء لخفف ذلک مصارعة الشک فی الصدور ، ولوضع مجاهدة إبلیس عن القلوب ، ولنفی معتلج الریب من الناس ، ولکن الله عزّ وجلّ یختبر عبیده بأنواع الشدائد ، ویتعبدهم بألوان المجاهد ، ویبتلیهم بضروب المکاره ، إخراجا للتکبر من قلوبهم ، وإسکانا للتذلل فی نفوسهم ، ولیجعل ذلک أبوابا إلی فضله ، وأسبابا ذللا لعفوه » (2).

قوله : ( وهو فرض علی کل من اجتمعت فیه الشرائط الآتیة ، من الرجال والنساء والخناثی. ولا یجب بأصل الشرع إلا مرّة واحدة ، وهی حجة الإسلام ، وتجب علی الفور ، والتأخیر مع الشرائط کبیرة موبقة ).

الحج الواجب والمستحب

ص: 16


1- الرمل : الهرولة ( الصحاح 4 : 1713 ) ، وفی بعض النسخ : یزملوا ، وفی المصدر : یرملون.
2- الکافی 4 : 198 - 2.

______________________________________________________

عن الناس أجمعین ، ولکن الله جل ثناؤه جعل رسله أولی قوة فی عزائم نیاتهم ، وضعفة فیما تری الأعین من حالاتهم ، من قناعة تملأ القلوب والعیون غناؤه ، وخصاصة تملأ الأسماع والأبصار أذاؤه ، ولو کانت الأنبیاء أهل قوة لا ترام ، وعزة لا تضام ، وملک تمد نحوه أعناق الرجال ، ویشد إلیه عقد الرحال ، لکان أهون علی الخلق فی الاختبار ، وأبعد لهم من الاستکبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم ، فکانت النیات مشترکة ، والحسنات مقتسمة ، ولکن الله سبحانه أراد أن یکون الاتباع لرسله والتصدیق بکتبه والخشوع لوجهه والاستکانة لأمره والاستسلام إلیه أمورا له خاصة ، لا تشوبها من غیرها شائبة. وکلما کانت البلوی والاختبار أعظم کانت المثوبة والجزاء أجزل ، ألا ترون أن الله جل ثناؤه اختبر الأولین من لدن آدم إلی الآخرین من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بیته الحرام الذی جعله للناس قیاما ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا ، وأقل نتائق(1)الدنیا مدرا ، وأضیق بطون الأودیة معاشا ، وأغلظ محال المسلمین میاها ، بین جبال خشنة ، ورمال دمثة2(2)، وعیون وشلة (3) ، وقری منقطعة ، وأثر من مواضع قطر السماء داثر ، لیس یزکو به خف ولا ظلف ولا حافر ، ثم أمر آدم وولده أن یثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم ، وغایة لملقی رحالهم ، تهوی إلیه ثمار الأفئدة من مفاوز(4)قفار متصلة ، وجزائر بحار منقطعة ، ومهاوی فجاج عمیقة ، حتی

ص: 17


1- تائق : جمع نتیقة ، فعیلة بمعنی مفعولة ، من النتق ، وهو أن تقلع الشی ء فترفعه من مکانه لترمی به ، هذا هو الأصل. وأراد بها هنا البلاد ، لرفع بنائها وشهرتها فی موضعها - النهایة لابن الأثیر 5 : 13.
2- دمثة : الدمث ، وهو الأرض السهلة الرخوة ، والرمل الذی لیس بمتلبّد - النهایة لابن الأثیر 2 : 132.
3- وشلة : الوشل : الماء القلیل ، وقد وشل یشل وشلانا - النهایة لابن الأثیر 5 : 189.
4- المفاوز : المفاز والمفازة : البرّیّة القفر ، والجمع : المفاوز ، سمیت بذلک لأنها مهلکة - النهایة لابن الأثیر 3 : 478.

وقد یجب الحج بالنذر وما فی معناه ، وبالإفساد ،

______________________________________________________

وصحیحة ذریح المحاربی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من مات ولم یحج حجة الإسلام لم یمنعه من ذلک حاجة تجحف به ، أو مرض لا یطیق فیه الحج ، أو سلطان یمنعه ، فلیمت یهودیا أو نصرانیا » (1) والوعید مطلقا دلیل التضییق.

ومعنی وجوب الفوریة فیه : وجوب المبادرة إلیه فی أول عام الاستطاعة مع الإمکان ، وإلا ففیما یلیه وهکذا ، ولو توقف علی مقدمات من سفر وغیره تعین الإتیان بها علی وجه یدرکه کذلک.

ولو تعددت الرفقة فی العام الواحد قیل : وجب علیه المسیر مع أولها ، فإن أخّر عنها وأدرکه مع التالیة ، وإلا کان کمؤخره عمدا فی استقراره ، وبه قطع جدی - قدس سره - فی الروضة (2). وجوز الشهید فی الدروس التأخر عن الأولی إن وثق بالمسیر مع غیرها (3) ، وهو حسن ، بل (4) یحتمل قویا جواز التأخیر بمجرد احتمال سفر الثانیة ، لانتفاء الدلیل علی فوریة المسیر بهذا المعنی. وأطلق العلامة فی التذکرة جواز التأخیر عن الرفقة الأولی (5) ، لکن المسألة فی کلامه مفروضة فی حج النائب.

وینبغی القطع بالجواز إذا کان سفر الأولی قبل أشهر الحج وقبل تضیّق الوقت الذی یمکن إدراکه فیه ، لأنه الأصل ، ولا مقتضی للخروج عنه ، والله أعلم.

قوله : ( وقد یجب الحج بالنذر ، وما فی معناه ، وبالإفساد ).

ص: 18


1- الکافی 4 : 268 - 1 ، الفقیه 2 : 273 - 1333 ، التهذیب 5 : 17 - 49 ، المحاسن : 88 - 31 ، عقاب الأعمال : 281 - 2 ، المقنعة : 61 ، المعتبر 2 : 746 ، الوسائل 8 : 19 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 7 ح 1.
2- الروضة البهیة 2 : 161.
3- الدروس : 85.
4- فی « م » : و.
5- التذکرة 1 : 313.

وبالاستیجار للنیابة. ویتکرر بتکرر السبب.

وما خرج عن ذلک مستحب.

ویستحب لفاقد الشروط ، کمن عدم الزاد والراحلة إذا تسکع ، سواء شقّ علیه السعی أو سهل ، وکالمملوک إذا أذن له مولاه.

______________________________________________________

المراد بما فی معنی النذر : العهد والیمین. ولو لم یعطف علیه الإفساد والاستیجار لأمکن اندراجهما فیه أیضا. ولا فرق فی وجوب الحج ثانیا بإفساده بین کونه واجبا أو مندوبا ، فإن المندوب یجب بالشروع فیه ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله (1).

قوله : ( وبالاستیجار للنیابة ).

لا فرق فی ذلک بین الواجب والمندوب أیضا.

قوله : ( ویتکرر بتکرر السبب ).

الضمیر یرجع إلی الحج الواجب بالعارض مطلقا ، ولا ریب فی تکرر الوجوب فی هذه المواضع بتکرر السبب ، لأن وجوده یقتضی وجود المسبب.

قوله : ( وما خرج عن ذلک مستحب ، ویستحب لفاقد الشرائط ، کمن عدم الزاد والراحلة إذا تسکّع ، سواء شق علیه السعی أو سهل ، وکالمملوک إذا أذن له مولاه ).

لا ریب فی استحباب الحج فی جمیع هذه الصور ، لعموم الترغیب فیه. ویستحب لمن حج تکرار الحج استحبابا مؤکدا ، فروی ابن بابویه فی کتاب من لا یحضره الفقیه ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « من حج حجة الإسلام فقد حل عقدة النار من عنقه ، ومن حج حجتین لم یزل فی خیر حتی یموت ، ومن حج ثلاث حجج متوالیات ثم حج أو لم یحج فهو بمنزلة

ص: 19


1- فی ج 8 ص 408.

المقدمة الثانیة : فی الشرائط ، والنظر فی : حجة الإسلام ، وما یجب بالنذر ، وما فی معناه ، وفی أحکام النیابة. القول فی حجة الإسلام. وشروط وجوبها خمسة :

الأول : کمال العقل ، فلا تجب علی الصبی ، ولا علی المجنون.

ولو حج الصبی أو حجّ عنه أو عن المجنون لم یجز عن حجة الإسلام.

______________________________________________________

مدمن الحج » (1) قال : وقد روی أن من حج ثلاث حجات لم یصبه فقر أبدا (2) والأخبار الواردة بذلک أکثر من أن تحصی.

ویکره ترک الحج للموسر خمس سنین ، لما رواه الکلینی ، عن ذریح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من مضت له خمس سنین فلم یفد إلی ربه وهو موسر ، إنه لمحروم » (3).

وعن حمران ، عن أبی جعفر علیه السلام إنه قال : « إنّ لله ملکا ینادی : أیّ عبد أحسن الله إلیه وأوسع علیه فی رزقه فلم یفد إلیه فی کل خمسة أعوام مرة لیطلب نوافله ، إنّ ذلک لمحروم » (4).

قوله : ( القول فی حجة الإسلام ، وشرائط وجوبها خمسة : الأول : البلوغ وکمال العقل ، فلا تجب علی الصبی ولا علی المجنون ، ولو حج الصبی أو حج عنه أو عن المجنون لم یجز عن حجة الإسلام ).

أما أنه لا یجب علی الصبی والمجنون فقال المصنف فی المعتبر : إنه

شروط وجوب حجة الاسلام

- الأول : البلوغ کمال العقل

حکم حج الصبی

ص: 20


1- الفقیه 2 : 139 - 603 ، الوسائل 8 : 90 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 45 ح 13.
2- الفقیه 2 : 139 - 604 ، الوسائل 8 : 90 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 45 ح 14.
3- الکافی 4 : 278 - 1 ، الوسائل 8 : 98 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 49 ح 1.
4- الکافی 4 : 278 - 2 ، الوسائل 8 : 98 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 49 ح 2.

ولو دخل الصبیّ الممیز والمجنون فی الحجّ ندبا ثم کمل کل واحد منهما وأدرک المشعر أجزأ عن حجة الإسلام علی تردد.

______________________________________________________

قول العلماء کافة (1). ویدل علیه مضافا إلی استحالة توجه الخطاب إلی غیر الکامل قوله علیه السلام : « رفع القلم عن الصبی حتی یبلغ ، وعن المجنون حتی یفیق » (2).

وأما إنهما إذا حجا أو حج عنهما فزال نقصهما بعد انقضاء الحج لم یجزهما عن حجة الإسلام فقال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا (3). ویدل علیه روایات کثیرة ، منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن ابن عشر سنین یحج؟ قال : « علیه حجة الإسلام إذا احتلم ، وکذلک الجاریة علیها الحج إذا طمثت » (4).

وما رواه الشیخ ، عن مسمع بن عبد الملک ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ولو أنّ غلاما حج عشر سنین ثم احتلم کانت علیه فریضة الإسلام » (5).

وعن شهاب ، قال : سألته عن ابن عشر سنین یحج؟ قال : « علیه حجة الإسلام إذا احتلم ، وکذلک الجاریة علیها الحج إذا طمثت » (6).

قوله : ( ولو دخل الصبی الممیز والمجنون فی الحج ندبا ثم کمل کل واحد منهما وأدرک المشعر أجزأ عن حجة الإسلام علی تردد ).

ص: 21


1- المعتبر 2 : 747.
2- الخصال : 175 - 233 ، الوسائل 1 : 32 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
3- المنتهی 2 : 648.
4- الفقیه 2 : 266 - 1296 ، الوسائل 8 : 30 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 12 ح 1.
5- التهذیب 5 : 6 - 15 ، الإستبصار 2 : 146 - 477 ، الوسائل 8 : 30 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 13 ح 2.
6- الکافی 4 : 276 - 8 ، التهذیب 5 : 6 - 14 ، الإستبصار 2 : 146 - 476 ، الوسائل 8 : 30 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 12 ح 2.

______________________________________________________

إذا دخل الصبی الممیز أو المجنون فی الحج ندبا ثم کمل فی أثنائه ، فإن کان بعد الوقوف بالموقفین أتم تطوعا ، ولم یجزیه عن حجة الإسلام إجماعا ، قاله فی التذکرة (1) ، لأصالة عدم إجزاء المندوب عن الواجب. وإن أدرک المشعر کاملا فقد ذکر الشیخ وأکثر الأصحاب أنه یدرک الحج بذلک ویجزیه عن حجة الإسلام (2) ، ونقل فیه فی التذکرة الإجماع ، واستدل علیه بالروایات المتضمنة للإجزاء فی العبد إذا أدرک المشعر معتقا (3). وهو قیاس مع الفارق.

واستدل علیه فی المنتهی بأنه زمان یصح إنشاء الحج فیه فکان مجزیا بأن یجدد فیه نیة الوجوب (4).

ویتوجه علیه أن جواز إنشاء الحج فی ذلک الزمان علی بعض الوجوه بنص خاص لا یقتضی إلحاق غیره به ، خصوصا مع مصادمته لمقتضی الأصل من عدم إجزاء المندوب عن الواجب. ومن ثم تردد فی ذلک المصنف رحمه الله هنا وفی المعتبر (5) وهو فی محله. ثم إن قلنا بالإجزاء فیجب تجدید نیة الوجوب لباقی الأفعال.

وهل یعتبر فیه کون الصبی أو المجنون مستطیعا قبل ذلک الحج من حیث الزاد والراحلة؟ قیل : نعم ، وبه قطع الشهیدان (6) ، لأن البلوغ والعقل أحد الشرائط الموجبة ، کما إنّ الاستطاعة کذلک ، فوجود أحدهما دون الآخر

ص: 22


1- التذکرة 1 : 283.
2- النهایة : 202.
3- التذکرة 1 : 299.
4- المنتهی 2 : 649.
5- المعتبر 2 : 749.
6- الشهید الأول فی الدروس : 83 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 87 ، والروضة 2 : 165.

ویصحّ إحرام الصبی الممیّز وإن لم یجب علیه.

______________________________________________________

غیر کاف فی الوجوب ، وقیل : لا (1) ، وهو ظاهر الأکثر ، حیث لم یتعرضوا لاشتراط ذلک ، تمسکا بالإطلاق ، والتفاتا إلی النصوص الصحیحة المتضمنة للإجزاء فی العبد إذا أدرک المشعر معتقا ، مع امتناع الاستطاعة السابقة فی حقه عند من قال بإحالة ملکه.

ثم إن قلنا باعتبار الاستطاعة فیکفی حصولها من المیقات ، بل لا یبعد الاکتفاء بحصولها من حین التکلیف ، وظاهر الشهیدین اعتبار حصولها من البلد (2) ، وهو غیر واضح لما سنبینه إن شاء الله تعالی من عدم اعتبار ذلک مطلقا.

واعلم أنّ إطلاق کلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الإجزاء عند القائلین به بین حج التمتع وغیره ، وهو ظاهر اختیار الشهید فی الدروس حیث قال : ویعتد بالعمرة المتقدمة لو کان الحج تمتعا فی ظاهر الفتوی (3). ونقل عن شارح ترددات الکتاب أنه قوّی اختصاص ذلک بالقارن والمفرد ، استبعادا لإجزاء العمرة الواقعة بتمامها علی وجه الندب عن الواجب (4) ، ولا بأس به قصرا لما خالف الأصل علی موضع الوفاق إن تم ، وإلا اتجه عدم الإجزاء مطلقا.

قوله : ( ویصح إحرام الصبی الممیّز وإن لم یجب علیه ).

أما انتفاء الوجوب علیه فقد تقدم الکلام فیه ، وأما صحة إحرامه فظاهر التذکرة والمنتهی أنه لا خلاف فیه بین العلماء (5) ، ویدل علیه روایات کثیرة سیجی ء طرف منها إن شاء الله فی غضون هذا الباب. وإنما یصح إحرام الصبی الممیز مع إذن ولیه ، لأن الإحرام عقد یؤدی إلی لزوم مال ، فجری

صحة إحرام الصبی

ص: 23


1- قاله العلامة فی التبصرة : 86.
2- الشهید الأول فی الدروس : 83 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 87.
3- الدروس : 83.
4- المسالک 1 : 87.
5- التذکرة 1 : 297 ، والمنتهی 2 : 648.

ویصح أن یحرم عن غیر الممیز ولیه ندبا ، وکذا المجنون.

______________________________________________________

مجری سائر عقوده التی لا تصح إلا بإذن ولیه.

واختلف الأصحاب فی توقف الحج المندوب من الولد البالغ علی إذن الأب أو الأبوین ، فأطلق الشیخ عدم اعتبار استئذانهما (1) ، وهو ظاهر اختیار الشهید فی الدروس (2). واعتبر العلامة فی القواعد إذن الأب خاصة (3) ، وقوی الشارح توقفه علی إذن الأبوین (4). وقال فی الروضة : إنّ عدم اعتبار إذنهما حسن إذا لم یکن الحج مستلزما للسفر المشتمل علی الخطر ، وإلا فالاشتراط أحسن (5). ولم أقف فی هذه المسألة علی نص بالخصوص ، ومقتضی الأصل عدم الاشتراط ، والواجب المصیر إلیه إلی أن یثبت المخرج عنه.

قوله : ( ویصح أن یحرم عن غیر الممیز ولیه ندبا ، وکذا المجنون ).

لیس المراد بإحرام الولی عن غیر الممیز والمجنون کونه نائبا عنهما فی ذلک ، بل جعلهما محرمین ، سواء کان هو محلا أو محرما ، کما صرح به الأصحاب ، ونطقت به الأخبار ، کصحیحة زرارة عن أحدهما علیهماالسلام : قال : « إذا حج الرجل بابنه وهو صغیر فإنه یأمره أن یلبّی ویفرض الحج ، فإن لم یحسن أن یلبی لبوا عنه ، ویطاف به ، ویصلی عنه » قلت : لیس لهم ما یذبحون عنه ، قال : « یذبح عن الصغار ویصوم الکبار ، ویتقی ما یتقی المحرم من الثیاب والطیب ، فإن قتل صیدا فعلی أبیه » (6).

ص: 24


1- الخلاف 1 : 495.
2- الدروس : 82.
3- القواعد 1 : 73.
4- المسالک 1 : 87.
5- الروضة البهیة 2 : 164.
6- الکافی 4 : 303 - 1 ، الفقیه 2 : 265 - 1291 ، التهذیب 5 : 409 - 1424 ، الوسائل 8 : 208 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 5.

______________________________________________________

وصحیحة معاویة بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « انظروا من کان معکم من الصبیان فقدموه إلی الجحفة ، أو إلی بطن مرو ، یصنع بهم ما یصنع بالمحرم ، ویطاف بهم ، ویرمی عنهم ، ومن لم یجد الهدی فلیصم عنه ولیه » (1).

ویستفاد من هاتین الروایتین وما فی معناهما أنّ الولی یأمر الصبی بالتلبیة ، فإن لم یحسنها لبی عنه ، ثم یلبسه ثوبی الإحرام ، ویجنبه ما یجتنبه المحرم ، ویحضره الموقفین ومنی ، ویرمی عنه إن لم یحسن الرمی ، ویطوف به إن لم یتمکن من المباشرة ، وإذا طاف به فلیکونا متطهرین ، واحتمل فی الدروس الاجتزاء بطهارة الولی (2). ولا یخلو من قوة.

ولو أرکبه دابة فیه أو فی السعی قیل : وجب کونه سائقا به أو قائدا ، إذ لا قصد لغیر الممیز (3).

وینبغی القطع بجواز الاستنابة فی ذلک ، لإطلاق الأمر بالطواف به ، ولصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام المتضمنة لکیفیة حج الصبیان حیث قال فیها : « ثم مروا الخادم أن یطوف به بالبیت وبین الصفا والمروة » (4).

ویستفاد من إطلاق الأمر بالصلاة عن الصبی أنه لا یؤمر بإیقاع صورة الصلاة کما یؤمر بالإتیان بالطواف ، واحتمل فی الدروس أمره بالإتیان بصورة

ص: 25


1- الکافی 4 : 304 - 4 ، الفقیه 2 : 266 - 1294 ، التهذیب 5 : 409 - 1423 ، الوسائل 8 : 207 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.
2- الدروس : 82.
3- قال به الشهید الأول فی الدروس : 82.
4- الکافی 4 : 300 - 5 ، التهذیب 5 : 410 - 1425 ، الوسائل 8 : 207 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 1 ، فی الکافی والوسائل بتفاوت یسیر.

والولیّ : هو من له ولایة المال ، کالأب ، والجدّ للأب ، والوصیّ. وقیل : للأمّ ولایة الإحرام بالطفل.

______________________________________________________

الصلاة أیضا کالطواف (1). وهو غیر بعید ، إلا أن ظاهر النص الفرق بین الأمرین.

واعلم أنّ ما وقفت علیه فی هذه المسألة من الروایات مختص بالصبی (2) ، ولا ریب أن الصبیة فی معناه.

وألحق به الأصحاب المجنون ، واستدل علیه فی المنتهی بأنه لیس أخفض حالا منه (3). وهو مشکل ، لأنه قیاس مع الفارق.

قوله : ( والولی من له ولایة المال ، کالأب والجد للأب والوصی ).

أما ولایة الأب والجد للأب فی ذلک فقال فی التذکرة : إنه قول علمائنا أجمع (4) ، وفی الأخبار دلالة علیه. وأما ولایة الوصی فمقطوع بها فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه بأن له ولایة المال علی الطفل فکان له ولایة الإذن فی الحج. وهو حسن ، وفی النصوص بإطلاقها دلالة علیه أیضا.

وربما ظهر من قول المصنف رحمه الله : والولی من له ولایة المال ، ثبوت الولایة فی ذلک للحاکم أیضا ، ونقل عن الشیخ - رحمه الله - فی بعض کتبه التصریح بذلک (5) ، ولا بأس به لأنه کالوصی.

قوله : ( وقیل ، للأم ولایة الإحرام بالطفل ).

القول للشیخ (6) - رحمه الله - وأکثر الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه

تعیین ولی الصبی

ص: 26


1- الدروس : 82.
2- الوسائل 8 : 207 أبواب أقسام الحج ب 17.
3- المنتهی 2 : 649.
4- التذکرة 1 : 281.
5- المبسوط 1 : 328.
6- المبسوط 1 : 329.

ونفقته الزائدة تلزم الولی دون الطفل.

______________________________________________________

الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال ، سمعته یقول : « مر رسول الله صلی الله علیه و آله برویثة وهو حاج ، فقامت إلیه امرأة ومعها صبی لها ، فقالت یا رسول الله : أیحج عن مثل هذا؟ قال : نعم ، ولک أجره » (1) ولا یضاف إلیها الأجر إلا لتبعیته لها فی الأفعال. وقال ابن إدریس : لا ولایة لها فی ذلک ، لانتفاء ولایتها فی المال والنکاح ، فتنتفی هنا (2). وقواه فخر المحققین (3). وهو مدفوع بالروایة المتقدمة.

قوله : ( ونفقته الزائدة تلزم الولی دون الطفل ).

المراد بها : ما یغرمه زائدا عما کان یغرمه لو کان حاضرا فی بلده ، کأجرة الدابة ، وآلات السفر ، ونحوهما. وإنما کانت النفقة الزائدة علی الولی لأنه غرم أدخله علیه فلزمه بالتسبیب ، ولأن الولی یلزمه کفارة الصید علی ما تضمنته صحیحة زرارة المتقدمة (4) فالنفقة أولی.

وألحق الأکثر بالنفقة الزائدة الفدیة التی تلزم المکلف فی حالتی العمد والخطأ ، وهی کفارة الصید. وجزم فی التذکرة بلزومها للصبی للزومها بجنایته ، فکان کما لو أتلف مال غیره (5). وتدفعه صحیحة زرارة.

واختلف الأصحاب أیضا فیما یختلف حکم عمده وسهوه فی البالغ ، کالوطء واللبس إذا تعمده الصبی ، فقال الشیخ رحمه الله : الظاهر أنه تتعلق به الکفارة علی ولیه ، وإن قلنا لا یتعلق به شی ء لما روی عنهم

ص: 27


1- التهذیب 5 : 6 - 16 ، الإستبصار 2 : 146 - 478 ، الوسائل 8 : 37 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 20 ح 1.
2- السرائر : 150.
3- إیضاح الفوائد 1 : 264.
4- فی ص 24.
5- التذکرة 1 : 297.

الثانی : الحریّة ، فلا یجب علی المملوک ولو أذن له مولاه. ولو تکلّفه بإذنه صحّ حجّه ، لکن لا یجزیه عن حجة الإسلام.

______________________________________________________

علیهم السلام : « إنّ عمد الصبی وخطأه واحد » (1) والخطأ فی هذه الأشیاء لا یتعلق به کفارة من البالغین کان قویا (2). وهو جید لو ثبت اتحاد عمد الصبی وخطائه علی وجه العموم ، لکنه غیر واضح ، لأن ذلک إنما ثبت فی الدیات خاصة.

وقیل بالوجوب ، تمسکا بالإطلاق ، ونظرا إلی أن الولی یجب علیه منع الصبی عن هذه المحظورات ، ولو کان عمده خطأ لما کان وجب علیه المنع ، لأن الخطأ لا یتعلق به حکم ، ولا یجب المنع منه (3). والمسألة محل تردد ، وإن کان الأقرب عدم الوجوب اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع النص وهو الصید.

وذکر الشیخ - رحمه الله - أنه یتفرع علی الوجهین ما لو وطئ قبل أحد الموقفین متعمدا ، فإن قلنا إنّ عمده وخطأه سواء لم یتعلق به فساد الحج ، وإن قلنا إن عمده عمد فسد حجه ولزمه القضاء. ثم قال : والأقوی الأول ، لأن إیجاب القضاء یتوجه إلی المکلف ، وهذا لیس بمکلف (4). وهو جید.

ثم إن قلنا بالإفساد فلا یجزئه القضاء حتی یبلغ ( فیما قطع به الأصحاب ، ولا یجزئه عن حج الإسلام ) (5) إلا أن یکون بلغ فی الفاسد قبل الوقوف بالمشعر أن اجتزأنا بذلک.

قوله : ( الثانی ، الحریة ، فلا یجب علی المملوک وإن أذن له مولاه ، ولو تکلّفه بإذنه صح حجه ، لکن لا یجزیه عن حجة

- الثانی : الحریة

اشارة

ص: 28


1- التهذیب 10 : 233 - 920 ، الوسائل 19 : 307 أبواب العاقلة ب 11 ح 2.
2- المبسوط 1 : 329.
3- قال به العلامة فی التذکرة 1 : 297.
4- المبسوط 1 : 329.
5- بدل ما بین القوسین فی « ض » : ولا یجزی حج الإسلام.

______________________________________________________

الإسلام ).

أما عدم وجوب الحج علی المملوک وإن أذن له مولاه ، فقال فی المعتبر : إنّ علیه إجماع العلماء (1). ویدل علیه روایات ، منها روایة آدم بن علی ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « لیس علی المملوک حج ولا عمرة حتی یعتق » (2).

وأما إنه إذا تکلف الحج بإذن مولاه یصح حجه ولا یجزئه عن حجة الإسلام ، فقال فی المنتهی : إنه قول کل من یحفظ عنه العلم (3). ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : « المملوک إذا حج ثم عتق فإن علیه إعادة الحج » (4).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المملوک إذا حج وهو مملوک ثم مات قبل أن یعتق أجزأه ذلک ، وإن أعتق أعاد الحج » (5).

وروایة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن أم الولد یکون الرجل قد أحجها ، أیجزیها ذلک عن حجة الإسلام؟ قال : « لا » قلت : لها أجر فی حجتها ، قال : « نعم » (6).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ عن حکم الصیرفی ، قال : سمعت أبا

ص: 29


1- المعتبر 2 : 749.
2- التهذیب 5 : 4 - 5 ، الوسائل 8 : 32 أبواب وجوب الحج ب 15 ح 4 ، بتفاوت یسیر.
3- المنتهی 2 : 650.
4- التهذیب 5 : 4 - 7 ، الإستبصار 2 : 147 - 479 ، الوسائل 8 : 33 أبواب وجوب الحج ب 16 ح 3.
5- التهذیب 5 : 4 - 8 ، الإستبصار 2 : 147 - 480 ، الوسائل 8 : 33 أبواب وجوب الحج ب 16 ح 4.
6- الفقیه 2 : 265 - 1288 ، التهذیب 5 : 5 - 10 ، الإستبصار 2 : 147 - 482 ، الوسائل 8 : 34 أبواب وجوب الحج ب 16 ح 6.

فإن أدرک الوقوف بالمشعر معتقا أجزأه.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام یقول : « أیما عبد حج به موالیه فقد قضی حجة الإسلام » (1) لأنا نجیب عنه بالحمل علی من استمر به العبودیة إلی وفاته ، أو علی من أدرک العتق قبل الوقوف ، کما ذکره العلامة فی المنتهی ، قال : لأن الأمّة لم تخالف فی هذا الحکم ، فیحمل مثل هذا الخبر الواحد الذی لا یبلغ المعارضة للإجماع علی مثل هذا التأویل (2). وهو حسن.

ویستفاد من قول المصنف : ولو تکلفه بإذنه صح حجه ، أنه لو حج بغیر إذن سیده لم یصح ، وهو کذلک ، لأن منافعه مستحقة للسید ، فصرفها فیما لم یأذن فیه یکون منهیا عنه ، فلا یقع عبادة ، لتضاد الوجهین.

قوله : ( فإن أدرک الوقوف بالمشعر معتقا أجزأه ).

هذا قول علمائنا أجمع ، حکاه فی المنتهی (3). والمستند فیه ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : مملوک أعتق یوم عرفة ، قال : « إذا أدرک أحد الموقفین فقد أدرک الحج » (4).

وفی الصحیح عن الحسن بن محبوب ، عن شهاب ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أعتق عشیة عرفة عبدا له ، قال : « یجزی العبد حجة الإسلام ، ویکتب للسید أجران : ثواب العتق ، وثواب الحج » (5).

وإنما جزم المصنف هنا بالاجتزاء وتردد فی الصبی والمجنون لوجود

ص: 30


1- التهذیب 5 : 5 - 11 ، الإستبصار 2 : 147 - 483 ، الوسائل 8 : 34 أبواب وجوب الحج ب 16 ح 7.
2- المنتهی 2 : 650.
3- المنتهی 2 : 650.
4- الفقیه 2 : 265 - 1290 ، الوسائل 8 : 35 أبواب وجوب الحج ب 17 ح 2.
5- الفقیه 2 : 265 - 1289 ، المحاسن : 66 - 122 ، الوسائل 8 : 35 أبواب وجوب الحج ب 17 ح 1.

______________________________________________________

النص فی العبد دونهما.

وینبغی القطع بعدم اعتبار الاستطاعة هنا مطلقا ، لإطلاق النص ، خصوصا السابقة. واعتبر الشهید فی الدروس تقدم الاستطاعة وبقاءها مع حکمه بإحالة ملک العبد (1). وهو عجیب.

فروع :

الأول : لو أذن السید لعبده فی الحج لم یجب علیه التلبس به ، لکن لو تلبس وجب کغیره من أفراد المندوب. ویجوز لسیده الرجوع فی الإذن قبل التلبس لا بعده.

ولو رجع قبل التلبس ولم یعلم العبد حتی أحرم فالظاهر وجوب الاستمرار ، لدخوله دخولا مشروعا ، فکان رجوع المولی کرجوع الموکل قبل التصرف ولم یعلم الوکیل.

وقال الشیخ : إنه یصح إحرامه ، وللسید أن یحلله (2) ، وضعفه ظاهر ، لأن صحة الإحرام إنما هو لبطلان رجوع المولی ، فکان کما لو لم یرجع ، والإحرام لیس من العبادات الجائزة ، وإنما یجوز الخروج منه فی مواضع مخصوصة ، ولم یثبت أن هذا منها.

الثانی : لو أحرم العبد بإذن مولاه ثم باعه صح البیع إجماعا ، لأن الإحرام لا یمنع التسلیم ، فلا یمنع صحة البیع. ثم إن کان المشتری عالما بذلک فلا خیار له ، وإن لم یعلم ثبت له الخیار علی الفور ، إلا مع قصر الزمان بحیث لا یفوته شی ء من المنافع.

الثالث : لا فرق فی المملوک بین القن والمکاتب المطلق الذی لم یؤد والمشروط وأم الولد والمبعض. نعم لو تهایا المبعض مع المولی ووسعت

حکم حج العبد وإحرامه

ص: 31


1- الدروس : 83.
2- المبسوط 1 : 327.

______________________________________________________

نوبته للحج وانتفی الخطر والضرر کان له الحج ندبا بغیر إذن السید ، کما یجوز له غیره من الأعمال.

الرابع : لو جنی العبد فی إحرامه بما یلزم به الدم کاللباس والطیب وحلق الشعر وقتل الصید قال الشیخ رحمه الله : إنه یلزم العبد ، لأنه فعل ذلک بدون إذن مولاه ، ویسقط الدم إلی الصوم ، لأنه عاجز ففرضه الصیام ، ولسیده منعه منه ، لأنه فعل موجبه بدون إذن مولاه (1). وقال المفید رحمه الله : علی السید الفداء فی الصید (2). وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : إن جنایاته کلها علی السید ، لأنها من توابع إذنه فی الحج (3).

ولما رواه الشیخ وابن بابویه - رضی الله عنهما - فی الصحیح ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کلما أصاب العبد وهو محرم فی إحرامه فهو علی السید إذا أذن له » (4).

ویظهر من کلام الشیخ فی التهذیب اختیار ذلک ، فإنه قال بعد نقل هذه الروایة : ولا یعارض هذا الحدیث ما رواه سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسین ، عن عبد الرحمن بن أبی نجران ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن عبد أصاب صیدا وهو محرم ، هل علی مولاه شی ء من الفداء؟ فقال : « لا شی ء علی مولاه » لأن هذا الخبر لیس فیه أنه کان قد أذن له فی الإحرام أو لم یأذن ، وإذا لم یکن فی ظاهره حملناه علی من أحرم من غیر إذن مولاه فلا یلزمه حینئذ حسب ما تضمنه الخبر (5).

واستوجه العلامة فی المنتهی سقوط الدم ولزوم الصوم ، إلا أن یأذن له

ص: 32


1- المبسوط 1 : 328.
2- المقنعة : 69.
3- المعتبر 2 : 751.
4- الفقیه 2 : 264 - 1284 ، التهذیب 5 : 382 - 1334 ، الإستبصار 2 : 216 - 741 ، الوسائل 9 : 251 أبواب کفارات الصید ب 56 ح 1.
5- التهذیب 5 : 383.

ولو أفسد حجه ثم أعتق مضی فی الفاسد وعلیه بدنة وقضاؤه ، وأجزأه عن حجة الإسلام. وإن أعتق بعد فوات الموقفین وجب القضاء ، ولم یجزئه عن حجة الإسلام.

______________________________________________________

السید فی الجنایة ، فیلزمه الفداء (1). والمسألة محل تردد ، وإن کان مختار المعتبر لا یخلو من قوة.

قوله : ( ولو أفسد حجه ثم أعتق مضی فی الفاسد وعلیه بدنة وقضاؤه ، وأجزأه عن حجة الإسلام ، وإن أعتق بعد فوات الموقفین وجب القضاء ، ولم یجزه عن حجة الإسلام ).

إذا أفسد العبد حجة المأذون فیه وجب علیه المضی فیه وبدنة والقضاء کالحر ، لأنه حج صحیح ، وإحرام متعبد به ، فیترتب علیه أحکامه.

وهل یجب علی السید تمکینه من القضاء؟ قیل : نعم (2) ، لأن إذنه فی الحج إذن فی مقتضیاته ، ومن جملتها القضاء لما أفسده. وقیل : لا (3) ، لأن المأذون فیه الحج لا إفساده ، ولیس الإفساد من لوازم معنی الحج ، بل من منافیات المأذون فیه ، لأن الإذن فی العبادة الموجبة للثواب دون ما یترتب علی فعله العقاب.

وربما بنی الوجهان علی أن القضاء هل هو الفرض والفساد عقوبة أم بالعکس؟ فعلی الثانی لا یجب التمکین ، لعدم تناول الإذن له ، وعلی الأول یجب ، لأن الإذن بمقتضی الإفساد انصرفت إلی القضاء ، وقد لزم بالشروع ، فلزمه التمکین (4) ، ویشکل بأن الإذن لم تتناول الحج ثانیا وإن قلنا إنه الفرض ، لأنها إنما تعلقت بالأول خاصة. والمسألة محل تردد ، وإن کان

ص: 33


1- المنتهی 2 : 651.
2- قال به العلامة فی التذکرة 1 : 300 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 88.
3- قال به المحقق الثانی فی جامع المقاصد 1 : 159 ، واحتمله واستدل له فخر المحققین فی الإیضاح 1 : 266.
4- کما فی جامع المقاصد 1 : 159.

الثالث : الزاد والراحلة ، وهما یعتبران فیمن یفتقر إلی قطع المسافة.

______________________________________________________

القول بعدم وجوب التمکین لا یخلو من قوة.

ولو أعتقه المولی فی الفاسد قبل الوقوف بالمشعر أتم حجه وقضی فی القابل ، وأجزأه عن حجة الإسلام ، سواء قلنا إن الأولی عقوبة والثانیة حجة الإسلام ، أم قلنا بالعکس ، أما علی الأول فظاهر ، لوقوع حجة الإسلام فی حال الحریة التامة ، وأما علی الثانی فلما سبق من أن العتق علی هذا الوجه یقتضی إجزاء الحج من حج الإسلام (1).

ولو کان العتق بعد فوات الموقفین کان علیه إتمام الحجة والقضاء ، ولا یجزئه عن حجة الإسلام ، بل تجب علیه مع الاستطاعة ، ویجب تقدیمها علی القضاء ، للنص والإجماع علی فوریتها ، فلو بدأ بالقضاء قال الشیخ : انعقد عن حجة الإسلام ، ولو کان القضاء فی ذمته ، وإن قلنا لا یجزی عن واحدة منهما کان قویا (2). هذا کلامه رحمه الله ، وهو جید إن قلنا باقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن ضده الخاص ، وإلاّ اتّجه صحة القضاء وإن أثم بتأخیر حج الإسلام. وإنما یجب علیه حجة الإسلام مع الاستطاعة الشرعیة ، فلو لم تکن حاصلة وجب القضاء خاصة ، إذ یکفی فیه الاستطاعة العادیة.

قوله : ( الثالث ، الزاد والراحلة ، وهما معتبران فیمن یفتقر إلی قطع المسافة ).

أجمع العلماء کافة علی أن الاستطاعة شرط فی الحج ، قال الله تعالی ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) (3) وقال عزّ وجلّ ( لا یُکَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ) (4).

- الثالث : الزاد والراحلة

اشارة

ص: 34


1- راجع ص 30.
2- المبسوط 1 : 328.
3- آل عمران : 97.
4- البقرة : 286.

______________________________________________________

قال فی المنتهی : وقد اتفق علماؤنا علی أن الزاد والراحلة شرطان فی الوجوب ، فمن فقدهما أو أحدهما مع بعد مسافته لم یجب علیه الحج وإن تمکن من المشی (1).

ویدل علی اعتبارهما مضافا إلی عدم تحقق الاستطاعة عرفا بدونهما غالبا صحیحة محمد بن یحیی الخثعمی ، قال : سأل حفص الکناسی أبا عبد الله علیه السلام وأنا عنده عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) ما یعنی بذلک؟ قال : « من کان صحیحا فی بدنه ، مخلا سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممن یستطیع الحج - أو قال - : ممن کان له مال » فقال له حفص الکناسی : وإذا کان صحیحا فی بدنه ، مخلا سربه ، له زاد وراحلة ، فلم یحج فهو ممن یستطیع الحج؟ قال : « نعم » (2).

وصحیحة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : قوله تعالی ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) قال : « یکون له ما یحج به » قلت : فإن عرض علیه الحج فاستحیا؟ قال : « هو ممن یستطیع ، ولم یستحیی؟! ولو علی حمار أجذع أبتر. قال : فإن کان یستطیع أن یمشی بعضا ویرکب بعضا فلیفعل » (3).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قول الله عزّ وجلّ : ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) ما السبیل؟ قال : « أن یکون له ما یحج به ». قال ، قلت : من عرض علیه ما یحج به فاستحیا من ذلک ، أهو ممن یستطیع إلیه سبیلا؟ قال : « نعم ، ما شأنه یستحی؟! ولو

ص: 35


1- المنتهی 2 : 652.
2- التهذیب 5 : 3 - 2 ، الإستبصار 2 : 139 - 454 ، الوسائل 8 : 22 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8 ح 4.
3- التهذیب 5 : 3 - 4 ، الإستبصار 2 : 140 - 456 ، الوسائل 8 : 22 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8 ح 1.

______________________________________________________

یحج علی حمار أبتر ، فإن کان یستطیع أن یمشی بعضا ویرکب بعضا فلیحج » (1).

قال فی المنتهی : وإنما یشترط الزاد والراحلة فی حق المحتاج إلیهما لبعد مسافته ، أما القریب فیکفیه الیسیر من الأجرة بنسبة حاجته ، والمکی لا تعتبر الراحلة فی حقه ، ویکفیه التمکن من المشی (2). ونحوه قال فی التذکرة ، وصرح بأن القریب إلی مکة لا یعتبر فی حقه وجود الراحلة إذا لم یکن محتاجا إلیها (3). وهو جید ، لکن فی تحدید القرب الموجب لذلک خفاء ، والرجوع إلی اعتبار المشقة وعدمها جید ، إلا أن اللازم منه عدم اعتبار الراحلة فی حق البعید أیضا إذا تمکن من المشی من غیر مشقة شدیدة ، ولا نعلم به قائلا.

ومقتضی روایتی محمد بن مسلم والحلبی المتقدمتین وجوب الحج علی من یتمکن من المشی فی بعض الطریق والرکوب فی بعض ، بل ورد فی کثیر من الروایات وجوب الحج علی من أطاق المشی ، کصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل علیه دین ، أعلیه أن یحج؟ قال : « نعم ، إن حجة الإسلام واجبة علی من أطاق المشی من المسلمین » (4).

وروایة أبی بصیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) قال : « یخرج ویمشی إن لم یکن عنده » قلت : لا یقدر علی المشی ، قال :

ص: 36


1- التهذیب 5 : 3 - 3 ، الإستبصار 2 : 140 - 455 ، الوسائل 8 : 22 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 8 ح 3.
2- المنتهی 2 : 652.
3- التذکرة 1 : 301.
4- الفقیه 2 : 193 - 882 ، التهذیب 5 : 11 - 27 ، الإستبصار 2 : 140 - 458 ، الوسائل 8 : 29 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 11 ح 1.

ولا تباع ثیاب مهنته ،

______________________________________________________

« یمشی ویرکب » قلت : لا یقدر علی ذلک ، یعجز عن المشی ، قال : « یخدم القوم ویخرج معهم » (1).

وأجاب عنهما الشیخ فی التهذیب بالحمل علی الاستحباب (2). وهو مشکل ، خصوصا فی الروایة الثانیة ، حیث وقع السؤال فیها عن معنی الآیة الشریفة.

وبالجملة فالمسألة قویة الإشکال ، إذ المستفاد من الآیة الشریفة تعلق الوجوب بالمستطیع ، وهو القادر علی الحج ، سواء کانت استطاعته بالقدرة علی تحصیل الزاد والراحلة ، أو بالقدرة علی المشی ، کما اعترف به الأصحاب فی حق القریب ، والأخبار غیر منافیة لذلک ، فإن الاستطاعة مفسرة (3) فی صحیحة محمد بن مسلم وحسنة الحلبی المتقدمتین (4) بأن یکون له ما یحج به. وروایة محمد بن یحیی الخثعمی المتضمنة لاعتبار الراحلة (5) یمکن حملها علی من یشق علیه المشی کما هو شأن البعید غالبا. وکیف کان فلا ریب فی اعتبار الراحلة إذا شق المشی مطلقا.

ولا یخفی أن الراحلة إنما تعتبر مع توقف قطع المسافة علیها ، فلو أمکن السفر فی البحر من غیر مشقة شدیدة اعتبر قدرته علی أجرة المرکب خاصة.

قوله : ( ولا تباع ثیاب مهنته ).

المهنة - بالفتح - : الخدمة. ونقل الجوهری عن الکسائی الکسر ،

ما لا یجب بیعه للحج

ص: 37


1- الفقیه 2 : 194 - 883 ، التهذیب 5 : 10 - 26 ، الإستبصار 2 : 140 - 457 ، الوسائل 8 : 29 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 11 ح 2.
2- التهذیب 5 : 11.
3- فی « م » : معتبرة.
4- فی ص 35.
5- المتقدمة فی ص 35.

ولا خادمه ، ولا دار سکناه للحج.

______________________________________________________

یقال : امتهنت الشی ء إذا ابتذلته (1). والمراد بثیاب المهنة ما یبتذل من الثیاب.

وربما أشعرت العبارة بعدم استثناء ثیاب التجمل ، وقیل باستثناء الثیاب مطلقا إذا کانت لائقة بحاله بحسب زمانه ومکانه (2).

وذکر الشارح أن حلیّ المرأة المعتاد لها بحسب حالها وزمانها ومکانها فی حکم الثیاب (3).

وعندی فی جمیع ذلک توقف ، لعموم ما دل علی وجوب الحج علی المستطیع ، وفقد النص المقتضی لاستثناء ذلک علی الخصوص. والأجود استثناء ما تدعو الضرورة إلیه من ذلک خاصة ، اقتصارا فی تقیید الآیة الشریفة علی موضع الضرورة والوفاق.

قوله : ( ولا خادمه ، ولا دار سکناه للحج ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء کافة ، حکاه فی المنتهی ، واستدل علیه بأن ذلک مما تمس الحاجة إلیه ، وتدعو إلیه الضرورة ، فلا یکلف ببیعه (4).

وألحق بذلک فرس الرکوب ، وکتب العلم ، وأثاث البیت من فراش وبساط وآنیة ونحو ذلک. ولا ریب فی استثناء جمیع ما تدعو الضرورة إلیه من ذلک ، لما فی التکلیف ببیعه مع الحاجة الشدیدة إلیه من الحرج المنفی.

ولو غلت هذه المستثنیات وأمکنه بیعها وشراء ما یلیق به من ذلک بأقل من ثمنها فالأقرب وجوب البیع وشراء الأدون ، تمسکا بإطلاق الآیة الشریفة ،

ص: 38


1- الصحاح 6 : 2209.
2- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 88.
3- المسالک 1 : 88.
4- المنتهی 2 : 653.

والمراد بالزاد : قدر الکفایة من القوت والمشروب ذهابا وعودا. وبالراحلة : راحلة مثله.

______________________________________________________

السالم من معارضة الحرج المنفی.

ولو زادت أعیانها من قدر الحاجة وجب بیع الزائد قطعا (1).

وجزم الشارح - قدس سره - بأن من لم یکن له هذه المستثنیات یستثنی له أثمانها (2). وهو جید إذا دعت الضرورة إلیه ، أما مع الاستغناء عنها أو عن بعضها باستئجار ونحوه ، ووثق بحصوله عادة ، ولم یکن علیه فی ذلک مشقة فمشکل. ولا یتوجه ( علیه ) (3) مثل ذلک إذا کانت له هذه المستثنیات وأمکنه الاستغناء عنها بتحصیل بدلها بإجارة ونحوها ، حیث لا یجب علیه بیعها للمشقة اللازمة من وجوب البیع. ولو لا الإجماع علی الاستثناء مطلقا أمکن المناقشة فیه فی هذا الفرض.

وبالجملة فمقتضی الآیة الشریفة والأخبار المستفیضة وجوب الحج علی کل من تمکن من تحصیل الزاد والراحلة ، بل قد عرفت أن مقتضی کثیر من الأخبار الوجوب علی من أطاق المشی ، فیجب الاقتصار فی تخصیصها أو تقییدها علی قدر الضرورة ، والله تعالی أعلم.

قوله : ( والمراد بالزاد قدر الکفایة من القوت والمشروب ذهابا وعودا ، وبالراحلة راحلة مثله ).

المعتبر فی القوت والمشروب تمکنه من تحصیلهما إما بالشراء فی المنازل ، أو بالقدرة علی تحمیلهما من بلده ، أو من غیره.

وقال العلامة فی التذکرة والمنتهی : إن الزاد إذا لم یجده فی کل منزل وجب حمله ، بخلاف الماء وعلف البهائم ، فإنهما إذا فقدا من المواضع

المراد بالزاد والراحلة

ص: 39


1- فی « م » : مطلقا.
2- المسالک 1 : 88.
3- زیادة من « م ».

______________________________________________________

المعتادة لهما لم یجب حملهما من بلده ، ولا من أقرب البلدان إلی مکة کأطراف الشام ، ویسقط الحج إذا توقف علی ذلک (1). وهو مشکل ، والمتجه عدم الفرق فی وجوب حمل الجمیع مع الإمکان وسقوطه مع المشقة الشدیدة.

وقول المصنف : ( وبالراحلة راحلة مثله ) یمکن أن یرید المماثلة فی القوة والضعف ، وبه قطع الشهید فی الدروس حیث قال : والمعتبر فی الراحلة ما یناسبه ولو محملا إذا عجز عن القتب ، ولا یکفی علو منصبه فی اعتبار المحمل والکنیسة ، فإن النبیّ صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام حجوا علی الزوامل (2). ویمکن أن یرید المماثلة فی الرفعة والضعة ، وهو ظاهر اختیار العلامة فی التذکرة (3) والأصح الأول ، لقوله علیه السلام فیمن عرض علیه الحج فاستحیا : « هو ممن یستطیع ، ولم یستحی ولو علی حمار أجذع أبتر » (4).

وعلی هذا فمن کان یستمسک علی الراحلة من غیر محمل ولا یلحقه من ذلک ضرر ولا مشقة لم یعتبر فی حقه إلا وجدان الراحلة ، وإن لحقه من ذلک مشقة اعتبر فی حقه وجود المحمل ، ولو وجد مشقة عظیمة فی رکوب المحمل اعتبر فی حقه الکنیسة ، ولا فرق فی ذلک کله بین الرجل والمرأة.

وفی حکم الزاد والراحلة الآلات والأوعیة التی یحتاج إلیها فی الطریق ، کالغرائر وأوعیة الماء من القربة ونحوها ، والسفرة وشبهها ، لأن ذلک کله مما یحتاج إلیه فی السفر ، فلا تتحقق الاستطاعة بدونه.

وإطلاق العبارة وغیرها یقتضی اعتبار قدر الکفایة من الزاد والراحلة ذهابا

ص: 40


1- التذکرة 1 : 300 ، والمنتهی 2 : 653.
2- الدروس : 84.
3- التذکرة 1 : 301.
4- التهذیب 5 : 3 - 4 ، الإستبصار 2 : 140 - 456 ، الوسائل 8 : 26 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 10 ح 1.

ویجب شراؤها ولو کثر الثمن مع وجوده ، وقیل : إن زاد عن ثمن المثل لم یجب ، والأول أصحّ.

______________________________________________________

وإیابا ، سواء کان له أهل وعشیرة یأوی إلیهم أو لم یکن ، وسواء کان له فی بلدة مسکن أم لا. وبهذا التعمیم صرح فی التذکرة والمنتهی ، محتجا بأن فی التکلیف بالإقامة فی غیر الوطن مشقة شدیدة وحرجا عظیما فیکون منفیا (1). وهو حسن فی صورة تحقق المشقة بذلک ، أما مع انتفائها کما إذا کان وحیدا لا تعلّق له بوطن ، أو کان له وطن ولا یرید العود إلیه ، فیحتمل قویا عدم اعتبار کفایة العودة فی حقه ، تمسکا بإطلاق الأوامر السالم من معارضة الحرج.

ولا یعتبر فی الاستطاعة حصولها من البلد ، فلو اتفق کون المکلف فی غیر بلده واستطاع للحج والعود إلی بلده وجب علیه الحج قطعا وإن کان فی أحد المواقیت. ویدل علیه مضافا إلی صدق الاستطاعة بذلک ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یمر مجتازا یرید الیمن أو غیرها من البلدان وطریقه بمکة ، فیدرک الناس وهم یخرجون إلی الحج ، فیخرج معهم إلی المشاهد ، أیجزیه ذلک من حجة الإسلام؟ قال : « نعم » (2).

وذکر الشارح - قدس سره - أن من أقام فی غیر بلده إنما یجب علیه الحج إذا کان مستطیعا من بلده ، إلا أن تکون إقامته فی الثانیة علی وجه الدوام ، أو مع انتقال الفرض ، کالمجاور بمکة بعد السنتین (3). وهو غیر واضح ، وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی (4).

قوله : ( ویجب شراؤهما ولو کثر الثمن مع وجوده ، وقیل : إن زاد عن ثمن المثل لم یجب ، والأول أصحّ ).

وجوب شراء الزاد والراحلة

ص: 41


1- التذکرة 1 : 300 ، والمنتهی 2 : 653.
2- الکافی 4 : 275 - 6 ، الوسائل 8 : 40 أبواب وجوب الحج ب 22 ح 2.
3- المسالک 1 : 102.
4- ج 8 ص 209.

ولو کان له دین وهو قادر علی اقتضائه وجب علیه. فإن منع منه ولیس له سواه سقط الفرض.

______________________________________________________

القول للشیخ - رحمه الله - فی المبسوط (1) ، واستدل علیه بأن من خاف علی ماله التلف لم یجب علیه الحج حفظا للمال ، فکذا هنا (2). وهو ضعیف ، لمنع الأصل ، ووجود الفرق ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (3).

والأصح ما علیه الأکثر من وجوب شراء کلما یتوقف علیه الحج مع التمکن منه مطلقا ، لأن الحج وإن کان واجبا مشروطا بالاستطاعة إلا أنه بعد حصولها یصیر وجوبه مطلقا ، فیکون ما یتوقف علیه من المقدمات واجبا.

قوله : ( ولو کان له دین وهو قادر علی اقتضائه وجب علیه ، وإن منع منه ولیس له سواه سقط الفرض ).

تتحقق القدرة علی الاقتضاء بإمکان تحصیله بنفسه أو وکیله ، ولو احتاج إلی مساعدة الحاکم الشرعی ووجد فهو مستطیع.

ولو توقف علی إمداد حاکم الجور وانتفی الضرر ففیه وجهان ، أظهرهما أنه کذلک.

ومتی امتنع الاقتضاء ، إما لتأجیل الدین ، أو لکونه علی جاحد ولم یکن له سواه لم یجب علیه الحج ، لأن الاستطاعة غیر حاصلة. ولا تجب علیه الاستدانة ، ویحتمل قویا الوجوب إذا کان بحیث یمکنه الاقتضاء بعد الحج ، کما إذا کان عنده مال لا یمکنه الحج به.

وبالجملة فالحج واجب مشروط بالنظر إلی الاستطاعة ، ومطلق بالنسبة إلی غیرها من المقدمات ، فمتی لم تتحقق الاستطاعة لم یجب تحصیلها

وجوب اقتضاء الدین للحج

ص: 42


1- المبسوط 1 : 300.
2- کما فی إیضاح الفوائد 1 : 268.
3- ص 62.

ولو کان له مال وعلیه دین بقدره لم یجب ، إلا أن یفضل عن دینه ما یقوم بالحج. ولا یجب الاقتراض للحج ، إلا أن یکون له مال بقدر ما یحتاج إلیه زیادة عما استثنیناه.

______________________________________________________

بإجارة ولا بکسب وإن سهل ، لأن شرط الواجب المشروط لا یجب تحصیله. ومتی تحققت الاستطاعة صار الوجوب مطلقا ، فیجب تحصیل ما یتوقف علیه من شراء الزاد والراحلة وغیرهما ، لأن ما لا یتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب.

قوله : ( ولو کان له مال وعلیه دین بقدره لم یجب ، إلا أن یفضل عن دینه ما یقوم بالحج ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الدین بین أن یکون حالا أو مؤجلا ، وبهذا التعمیم صرح فی المنتهی ، واستدل علیه بعدم تحقق الاستطاعة مع الحلول ، وتوجه الضرر مع التأجیل ، فیسقط الحج (1).

ولمانع أن یمنع توجه الضرر فی بعض الموارد ، کما إذا کان الدین مؤجلا أو حالا لکنه غیر مطالب به ، وکان للمدیون وجه للوفاء بعد الحج ، ومتی انتفی الضرر وحصل التمکن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضیة للوجوب. وقد روی الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل علیه دین ، أعلیه أن یحج؟ قال : « نعم ، إن حجة الإسلام واجبة علی من أطاق المشی من المسلمین » (2).

قوله : ( ولا یجب الاقتراض للحج ، إلا أن یکون له مال بقدر ما یحتاج إلیه زیادة عما استثنیناه ).

مقتضی العبارة وجوب الاقتراض إذا کان له مال بقدر ما یحتاج إلیه ،

عدم وجوب الاقتراض للحج

ص: 43


1- المنتهی 2 : 653.
2- التهذیب 5 : 11 - 27 ، الإستبصار 2 : 140 - 458 ، الوسائل 8 : 29 أبواب وجوب الحج ب 11 ح 1.

ولو کان معه قدر ما یحج به فنازعته نفسه إلی النکاح لم یجز صرفه فی النکاح وإن شقّ ترکه ، وکان علیه الحج.

______________________________________________________

وهو إنما یتم إذا کان ماله من جنس لا یمکنه تحصیل الزاد والراحلة به ، فإنه یجب اقتراض الجنس الذی یمکن به الحج مع الإمکان. اللهم إلا أن یراد بالوجوب الأعم من العینی والتخییری ، فإن وجوب الاقتراض ثابت مع إمکان الحج بماله لکن علی وجه التخییر.

ولقد أحسن الشهید فی الدروس حیث قال : ویجب الاستدانة عینا إذا تعذر بیع ماله وکان وافیا بالقضاء ، وتخییرا إذا أمکن الحج بماله (1).

ویستفاد من وجوب الاستدانة إذا تعذر بیع ماله أنه لو کان له دین مؤجل یکفی للحج وأمکنه اقتراض ما یحج به کان مستطیعا ، وهو کذلک ، لصدق التمکن من الحج.

ومن هنا یظهر أن ما ذکره فی المنتهی من أن من کان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا إلی بعد فواته سقط عنه الحج ، لأنه غیر مستطیع. فلیس بجید علی إطلاقه ، قال : وهذه حیلة یتصور ثبوتها فی إسقاط فرض الحج علی الموسر ، وکذا لو کان له مال فوهبه قبل الوقت أو أنفقه ، فلما جاء وقت الحج کان فقیرا لم یجب علیه ، وجری مجری من أتلف ماله قبل حلول الأجل (2). وینبغی أن یراد بالوقت وقت خروج الوفد الذی یجب الخروج معه ، وقد تقدم الکلام فیه (3).

قوله : ( ولو کان معه قدر ما یحج به فنازعته نفسه إلی النکاح لم یجز صرفه فی النکاح وإن شق ترکه ، وکان علیه الحج ).

وذلک لأن الحج مع الاستطاعة واجب ، والنکاح مندوب ، والمندوب لا یعارض الواجب. ولو حصل له من ترک النکاح ضرر شدید لا یتحمل مثله فی

حکم المستطیع الراغب فی الزواج

ص: 44


1- الدروس : 84.
2- المنتهی 2 : 653 وفیه : الحول ، بدل : الأجل.
3- ص 18.

ولو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعیاله وجب علیه.

______________________________________________________

العادة ، أو خشی منه حدوث مرض ، أو الوقوع فی الزنا قدم النکاح کما صرح به العلامة فی المنتهی (1).

ولا یخفی أن تحریم صرف المال فی النکاح إنما یتحقق مع توجه الخطاب بالحج وتوقفه علی المال ، فلو صرف فیه قبل سفر الوفد الذی یجب الخروج معه ، أو أمکنه الحج بدونه ، انتفی التحریم قطعا.

قوله : ( ولو بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعیاله وجب علیه ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی التذکرة (2). ویدل علیه مضافا إلی صدق الاستطاعة بذلک روایات کثیرة ، کصحیحة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : قوله تعالی ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) قال : « یکون له ما یحج به » قلت : فإن عرض علیه الحج فاستحیا ، قال : « هو ممن یستطیع ، ولم یستحی ، ولو علی حمار أجذع أبتر » قال : « فإن کان یستطیع أن یمشی بعضا ویرکب بعضا فلیفعل » (3).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « فإن کان دعاه قوم أن یحجوه فاستحیا فلم یفعل ، فإنه لا یسعه إلا أن یخرج ولو علی حمار أجذع أبتر » (4).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : من عرض علیه ما یحج به فاستحیا من ذلک ، أهو ممن یستطیع إلیه سبیلا؟ قال : « نعم ، ما شأنه یستحیی ، ولو یحج علی حمار أبتر ، فإن کان یستطیع أن

حکم من بذل له الزاد والراحلة

ص: 45


1- المنتهی 2 : 653.
2- التذکرة 1 : 302.
3- التهذیب 5 : 3 - 4 ، الإستبصار 2 : 140 - 456 ، الوسائل 8 : 26 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 1.
4- التهذیب 5 : 18 - 52 ، الوسائل 8 : 26 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 3.

______________________________________________________

یمشی بعضا ویرکب بعضا فلیحج » (1).

وصحیحة هشام بن سالم ، عن أبی بصیر ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « من عرض علیه الحج ولو علی حمار أجذع مقطوع الذنب فأبی فهو مستطیع للحج » (2).

وإطلاق هذه الروایات یقتضی عدم الفرق فی البذل بین الواجب وغیره ، ولا فی الباذل بین أن یکون موثوقا به أم لا.

ونقل عن ابن إدریس أنه اعتبر فی وجوب الحج بالبذل تملیک المبذول (3). وهو تقیید للنص من غیر دلیل.

واعتبر فی التذکرة وجوب البذل بنذر وشبهه ، حذرا من استلزام تعلیق الواجب بغیر الواجب (4). وهو ضعیف ، لأنا نعتبر فی استمرار الوجوب استمرار البذل ، کما أن من شرائط الوجوب استمرار الاستطاعة التی یمکن زوالها فی ثانی الحال.

نعم لا یبعد اعتبار الوثوق بالباذل ، لما فی التکلیف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض للخطر علی النفس ، المستلزم للحرج التعظیم والمشقة الزائدة ، فکان منفیا.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : إطلاق النص وکلام ( أکثر ) (5) الأصحاب یقتضی عدم الفرق بین بذل عین الزاد والراحلة وأثمانهما ، وبه صرح فی التذکرة (6).

ص: 46


1- الکافی 4 : 266 - 1 ، التهذیب 5 : 3 - 3 ، الإستبصار 2 : 140 - 455 ، الوسائل 8 : 27 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 5.
2- الفقیه 2 : 259 - 1256 ، الوسائل 8 : 27 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 7.
3- السرائر : 121.
4- التذکرة 1 : 301.
5- لیست فی « ض ».
6- التذکرة 1 : 301.

______________________________________________________

واعتبر الشارح - قدس سره - بذل عین الزاد والراحلة ، قال : فلو بذل له أثمانهما لم یجب القبول ، وکذا لو نذر لمن یحج وأطلق ثم بذل لمعین ، أو أوصی بمال لمن یحج ثم بذله کذلک ، لأن ذلک موقوف علی القبول ، وهو شرط للواجب المشروط ، فلا یجب تحصیله (1).

ویتوجه علیه أولا أن مقتضی الروایات المتقدمة تحقق الاستطاعة ببذل ما یحج به ، وهو کما یتناول بذل عین الزاد والراحلة ، کذا یتناول أثمانهما.

وثانیا أن الظاهر تحقق الاستطاعة - وهی التمکن من الحج - بمجرد البذل ، ومتی تحققت الاستطاعة یصیر الوجوب مطلقا ، وحینئذ فیجب کلما یتوقف علیه من المقدمات.

الثانی : لا فرق بین بذل الزاد والراحلة وهبتهما ، وقال فی الدروس : إنه لا یجب قبول هبتهما ، ثم تنظّر فی الفرق (2). ووجه النظر معلوم مما قررناه.

الثالث : لا یشترط فی الوجوب بالبذل عدم الدین أو ملک ما یوفیه به ، بل یجب علیه الحج وإن بقی الدین ، لإطلاق النص.

الرابع : لو وجد بعض ما یلزمه الحج وعجز عن الباقی فبذل له ما عجز عنه وجب علیه الحج ، لأنه ببذل الجمیع مع عدم تمکنه من شی ء أصلا یجب علیه ، فمع تمکنه من البعض یکون الوجوب أولی.

الخامس : الأصح أنه لا یجب علی المبذول له إعادة الحج بعد الیسار ، وهو قول الأکثر ، للأصل ، وصدق الامتثال ، وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل لم یکن له مال فحج به رجل من إخوانه ، هل یجزی ذلک عنه من حجة الإسلام أو هی ناقصة؟

ص: 47


1- المسالک 1 : 89.
2- الدروس : 83.

ولو وهب له مال یجب علیه قبوله.

ولو استؤجر للمعونة علی السفر وشرط له الزاد والراحلة أو بعضه وکان بیده الباقی مع نفقة أهله وجب علیه ، وأجزأه عن الفرض إذا حج عن نفسه.

______________________________________________________

قال : « بل هی حجة تامة » (1).

وقال الشیخ فی الاستبصار : تجب علیه الإعادة ، واستدل علیه بما رواه عن الفضل بن عبد الملک ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل لم یکن له مال فحج به أناس من أصحابه ، أقضی حجة الإسلام؟ قال : « نعم ، فإن أیسر بعد ذلک فعلیه أن یحج » (2) وهی مع ضعف سندها بالإرسال واشتماله علی عدة من الواقفیة محمولة علی الاستحباب ، جمعا بین الأدلة.

قوله : ( ولو وهب له مال لم یجب قبوله ).

علله الشارح - قدس سره - بأن الهبة نوع اکتساب ، وهو غیر واجب للحج ، لأن وجوبه مشروط بوجود الاستطاعة ، فلا یجب تحصیل شرطه (3).

وربما علل باشتماله علی المنّة ولا یجب تحملها. ویتوجه علی الأول ما سبق ، وعلی الثانی منع تأثیر مثل ذلک فی سقوط الواجب ، مع أن ذلک بعینه یأتی فی بذل عین الزاد والراحلة ، وهو غیر ملتفت إلیه.

قوله : ( ولو استؤجر للمعونة علی السفر وشرط له الزاد والراحلة أو بعضه وکان بیده الباقی مع نفقة أهله وجب علیه ، وأجزأه عن الفرض إذا حج عن نفسه ).

عدم وجوب قبول الهبة للحج
حکم من استؤجر للحج

ص: 48


1- التهذیب 5 : 7 - 17 ، الإستبصار 2 : 143 - 468 ، الوسائل 8 : 26 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 2.
2- الاستبصار 2 : 143 - 467 ، والروایة فی التهذیب 5 : 7 - 18 ، والوسائل 8 : 27 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 6.
3- المسالک 1 : 89.

ولو کان عاجزا عن الحج فحجّ عن غیره لم یجزئه عن فرضه ، وکان علیه الحج إن وجد الاستطاعة.

______________________________________________________

إنما وجب علیه الحج والحال هذه لتحقق الاستطاعة - التی هی القدرة علی تحصیل الزاد والراحلة - بعد إجارة نفسه لذلک ، وإن کانت الإجارة غیر واجبة ، لعدم وجوب تحصیل شرط الواجب المشروط.

وأورد هنا إشکال (1) ، وهو أن الوصول إلی مکة والمشاعر قد صار واجبا علی الأجیر بالإجارة ، فکیف یکون مجزیا عن حجة الإسلام ، وما الفرق بینه وبین ناذر الحج فی سنة معینة إذا استطاع فی تلک السنة لحجة الإسلام ، حیث حکموا بعدم تداخل الحجتین.

وجوابه : أن الحج الذی هو عبارة عن مجموع الأفعال المخصوصة لم تتعلق به الإجارة ، وإنما تعلقت بالسفر خاصة ، وهو غیر داخل فی أفعال الحج ، وإنما الغرض منه مجرد انتقال البدن إلی تلک الأمکنة لیقع الفعل ، حتی لو تحققت الاستطاعة فانتقل ساهیا أو مکرها أو علی وجه محرم ثم أتی بتلک الأفعال صح الحج ، ولا یعتبر وقوعه لأجل الحج قطعا ، وهذا بخلاف نذر الحج فی السنة المعینة ، فإن الحج نفسه یصیر واجبا بالنذر ، فلا یکون مجزیا عن حجة الإسلام ، لاختلاف السببین ، مع احتمال التداخل فیه أیضا ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (2).

قوله : ( ولو کان عاجزا عن الحج فحجّ عن غیره لم یجزئه عن فرضه ، وکان علیه الحج إن وجد الاستطاعة ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. واستدل علیه فی المنتهی (3) بأن من هذا شأنه یصدق علیه بعد الیسار أنه مستطیع ولم یحج عن نفسه فیجب علیه الحج ، عملا بالمقتضی السالم من المعارض. وبما رواه

حکم حج العاجز عن غیره

ص: 49


1- کما فی المسالک 1 : 89.
2- فی ص 99.
3- المنتهی 2 : 654.

______________________________________________________

الشیخ ، عن آدم بن علی ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « من حج عن إنسان ولم یکن له مال یحج به أجزأت عنه حتی یرزقه الله ما یحج به ، ویجب علیه الحج » (1).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لو أن رجلا معسرا أحجه رجل کانت له حجة ، فإن أیسر بعد ذلک کان علیه الحج ، وکذلک الناصب إذا عرف فعلیه الحج » (2).

والروایتان ضعیفتا السند (3) ، مع أن مورد الثانیة خلاف محل النزاع ، وبإزائهما أخبار دالة بظاهرها علی الاجتزاء بذلک عن حجة الإسلام ، کصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل حج عن غیره ، أیجزیه ذلک عن حجة الإسلام؟ قال : « نعم » (4).

وصحیحة جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل لیس له مال حج عن رجل ، أو أحجه رجل ثم أصاب مالا ، هل علیه الحج؟ فقال : « یجزی عنهما » (5).

وأجاب الشیخ فی الاستبصار عن الروایة الأولی بالحمل علی أن المراد بحجة الإسلام الحجة المندوب إلیها فی حال الإعسار ، دون التی تجب فی حال الیسار (6). وهو تأویل بعید ، مع أنه لا یجری فی الروایة الثانیة ، إلا أنه

ص: 50


1- التهذیب 5 : 8 - 20 ، الإستبصار 2 : 144 - 469 ، الوسائل 8 : 38 أبواب وجوب الحج ب 21 ح 1.
2- الکافی 4 : 273 - 1 ، الفقیه 2 : 260 - 1265 ، التهذیب 5 : 9 - 22 ، الإستبصار 2 : 144 - 470 ، الوسائل 8 : 39 أبواب وجوب الحج ب 21 ح 5.
3- بجهالة راوی الأولی واشتراک راوی الثانیة بین الضعیف والثقة.
4- الکافی 4 : 274 - 3 ، الفقیه 2 : 260 - 1264 ، التهذیب 5 : 8 - 19 ، الإستبصار 2 : 144 - 471 ، الوسائل 8 : 39 أبواب وجوب الحج ب 21 ح 4.
5- الفقیه 2 : 261 - 1268 ، الوسائل 8 : 39 أبواب وجوب الحج ب 21 ح 6.
6- الاستبصار 2 : 144.

الرابع : أن یکون له ما یموّن عیاله حتی یرجع ، فاضلا عما یحتاج إلیه. ولو قصر ماله عن ذلک لم یجب علیه. ولو حج عنه من یطیق الحج لم یسقط عنه فرضه ، سواء کان واجدا للزاد والراحلة أو فاقدهما.

______________________________________________________

لا خروج عما علیه الأصحاب.

قوله : ( الرابع ، أن یکون له ما یموّن به عیاله حتی یرجع ، فاضلا عما یحتاج إلیه ، ولو قصر ماله عن ذلک لم یجب ).

المراد بعیاله : الواجبی النفقة ، وبالمؤنة : ما یتناول الکسوة وغیرها حیث یحتاجون إلیها. وإنما اعتبر ذلک فی الاستطاعة ، لأنه حق لآدمی سابق علی وجوب الحج ، فکان مقدما علیه ، ولروایة أبی الربیع الشامی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن السبیل إلی الحج ، فقال : « السعة فی المال ، إذا کان یحج ببعض ویبقی بعضا لقوت عیاله » (1).

ولا یعتبر حصول المؤذنة دفعة قبل السفر ، بل لو حصلت إدرارا من عقار وغیره کفی. ویعتبر فیها القصد بحسب حالهم ، من غیر إسراف ولا تقتیر.

قوله : ( ولو حج عنه من یطیق الحج لم یسقط عنه فرضه ، سواء کان واجدا للزاد والراحلة أو فاقدهما ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، لأن الواجب علی المستطیع إیقاع الحج مباشرة ، فلا تکون الاستنابة فیه مجزیة.

( ولا وجه لقول المصنف : ولو حج عنه من یطیق الحج ، بل کان الأولی أن یقول : ولو حج عنه غیره ) (2) ولو أرید بمن یطیق الحج من یمکنه

- الرابع : ما یمون به عیاله

حکم الحج عن الغیر المستطیع

ص: 51


1- الکافی 4 : 267 - 3 ، الفقیه 2 : 258 - 1255 ، التهذیب 5 : 2 - 1 ، الإستبصار 2 : 139 - 453 ، الوسائل 8 : 24 أبواب وجوب الحج ب 9 ح 1.
2- بدل ما بین القوسین فی « ض » : والأوجه لقول المصنف ولو حج عنه غیره.

وکذا لو تکلف الحج مع عدم الاستطاعة. ولا یجب علی الولد بذل ماله لوالده فی الحج.

______________________________________________________

الحج عقلا لیتناول المستطیع وغیره أمکن ، لکن لا یخفی ما فیه من السماحة.

قوله : ( وکذا لو تکلف الحج مع فقد الاستطاعة ).

وذلک لأن الحج علی هذا الوجه مندوب ، والمندوب لا یجزی عن الواجب کما هو واضح.

قوله : ( ولا یجب علی الولد بذل ماله لوالده فی الحج ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ فی النهایة : من لم یملک الاستطاعة وکان له ولد له مال وجب أن یأخذ من مال ولده قدر ما یحج به علی الاقتصاد ویحج (1). وبه قال ابن البراج (2).

وقال فی المبسوط والخلاف : روی أصحابنا أنه إذا کان له ولد له مال وجب أن یأخذ من ماله ما یحج به ، ویجب علیه إعطاؤه (3). ثم قال فی الخلاف : ولم یرو الأصحاب خلاف هذه الروایة ، فدل علی إجماعهم علیها.

وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : وإن کان الرجل لا مال له ولولده مال ، فإنه یأخذ من مال ولده ما یحج به من غیر إسراف وتقتیر (4). واستدل له الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن سعید بن یسار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یحج من مال ابنه وهو صغیر ، قال : « نعم ، یحج منه حجة الإسلام » قلت : وینفق منه؟ قال : « نعم » ثم

حکم تکلف الغیر المستطیع الحج
عدم وجوب بذل الولد ماله لوالده فی الحج

ص: 52


1- النهایة : 204.
2- المهذب 1 : 267.
3- المبسوط 1 : 299 ، والخلاف 1 : 413.
4- لم نعثر علیه فی المقنعة ، ولکنه موجود فی التهذیب 5 : 15.

الخامس : إمکان المسیر ، وهو یشتمل علی الصحة ، وتخلیة السّرب ، والاستمساک علی الراحلة ، وسعة الوقت لقطع المسافة.

______________________________________________________

قال : « إن مال الولد لوالده ، إن رجلا اختصم هو ووالده إلی النبیّ صلی الله علیه و آله ، فقضی أن المال والولد للوالد » (1).

ومنع ابن إدریس (2) ومن تأخر عنه (3) من ذلک ، لأن مال الولد لیس مالا للوالد.

وأجاب العلامة فی المختلف عن الروایة بالحمل علی الاستدانة بعد تحقق الاستطاعة ، أو علی من وجب علیه الحج أولا واستقر فی ذمته وفرط فیه ثم تمکن من الاقتراض من مال الولد ، فإنه یلزمه ذلک (4). وهذا الحمل بعید جدا ، لمنافاته لما تضمنته الروایة من قضاء النبیّ صلی الله علیه و آله .

وکیف کان فالأصح ما ذهب إلیه المتأخرون ، لأن هذه الروایة لا تبلغ حجة فی إثبات هذا الحکم المخالف للأدلة القطعیة.

قوله : ( الخامس ، إمکان المسیر ، وهو یشتمل علی الصحّة ، وتخلیة السرب ، والاستمساک علی الراحلة ، وسعة الوقت لقطع المسافة ).

هذا الشرط متفق علیه بین العلماء ، قاله فی المعتبر (5). ویدل علیه مضافا إلی عدم تحقق الاستطاعة عرفا مع انتفائه قول الصادق علیه السلام فی صحیحة ذریح : « من مات ولم یحج حجة الإسلام لم یمنعه من ذلک حاجة تجحف به ، أو مرض لا یطیق فیه الحج ، أو سلطان یمنعه ، فلیمت یهودیا أو

- الخامس : إمکان المسیر

اشارة

ص: 53


1- التهذیب 5 : 15 - 44 ، الوسائل 8 : 63 أبواب وجوب الحج ب 36 ح 1.
2- السرائر : 121.
3- کالعلامة فی المختلف : 256 ، والتذکرة 1 : 301.
4- المختلف : 256.
5- المعتبر 2 : 754.

فلو کان مریضا بحیث یتضرر بالرکوب لم یجب. ولا یسقط باعتبار المرض مع إمکان الرکوب. ولو منعه عدو ، أو کان معضوبا لا یستمسک علی الراحلة ، أو عدم المرافق مع اضطراره إلیه ، سقط الفرض.

______________________________________________________

نصرانیا » (1).

قوله : ( فلو کان مریضا بحیث یتضرر بالرکوب لم یجب ، ولا یسقط باعتبار المرض مع إمکان الرکوب ).

المراد بالتضرر بالرکوب حصول المشقة الشدیدة منه. ولا خلاف فی کون ذلک مسقطا للفرض ، لما فی التکلیف بالحج مع من العسر والحرج المنفیین بالآیة والروایة.

ولو کان المرض یسیرا لا یشق معه الرکوب لم یسقط الحج باعتباره قطعا ، تمسکا بعموم الآیة السالم من معارضة الحرج المنفی.

قوله : ( ولو منعه عدو ، أو کان معضوبا لا یستمسک علی الراحلة ، أو عدم المرافق مع اضطراره إلیه ، سقط الفرض ).

لا ریب فی سقوط الفرض فی جمیع هذه الصور ، لعدم تحقق الاستطاعة مع هذه العوارض ، ولما فی التکلیف بالحج معها من الضرر والحرج والعسر ، والکل منفی.

والمعضوب لغة : الضعیف (2) ، والزمن لا حراک به ، قاله فی القاموس (3). فعلی المعنی الأول یکون الوصف بعدم الاستمساک مخصصا ، وعلی الثانی کاشفا.

والمراد بالاستمساک المنفی : ما یتناول الاستمساک علی القتب

ص: 54


1- الکافی 4 : 268 - 1 ، التهذیب 5 : 462 - 1610 ، الوسائل 8 : 19 أبواب وجوب الحج ب 7 ح 1.
2- الصحاح 1 : 184.
3- القاموس المحیط 1 : 109.

وهل تجب الاستنابة مع المانع من مرض أو عدو؟ قیل : نعم ، وهو المروی ، وقیل ، لا.

______________________________________________________

والمحمل ، فلو عجز عن الاستمساک علی القتب وأمکنه الاستمساک فی المحمل وتمکن منه وجب.

قوله : ( وهل تجب الاستنابة مع المانع من مرض أو عدو؟ قیل : نعم ، وهو المروی ، وقیل : لا ).

موضع الخلاف ما إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب ، أما لو استقر ثم عرض المانع وجبت الاستنابة قولا واحدا ، کما ذکره الشارح (1) وغیره (2). والقول بوجوب الاستنابة للشیخ (3) وأبی الصلاح (4) وابن الجنید (5) وابن البراج (6) وغیرهم. وقال ابن إدریس : لا تجب (7). واستقربه فی المختلف (8).

والمعتمد الأول ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن کان موسرا حال بینه وبین الحج مرض أو أمر یعذره الله فیه فإن علیه أن یحج عنه من ماله صرورة لا مال له » (9).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان علی صلوات الله علیه یقول : لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو

وجوب الاستنابة مع المانع

ص: 55


1- المسالک 1 : 90 ، والروضة البهیة 2 : 167.
2- کالأردبیلی فی مجمع الفائدة 6 : 79.
3- المبسوط 1 : 299 ، والخلاف 1 : 414 ، والنهایة : 203.
4- الکافی فی الفقه : 219.
5- حکاه عنه فی المختلف : 257.
6- المهذب 1 : 267.
7- السرائر : 120.
8- المختلف : 257.
9- الکافی 4 : 273 - 5 ، التهذیب 5 : 403 - 1405 ، الوسائل 8 : 44 أبواب وجوب الحج ب 24 ح 2.

______________________________________________________

خالطه سقم فلم یستطع الخروج فلیجهز رجلا من ماله ثم لیبعثه مکانه » (1).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن أمیر المؤمنین علیه السلام أمر شیخنا کبیرا لم یحج قط ولم یطق الحج لکبره أن یجهز رجلا یحج عنه » (2).

وروایة علی بن أبی حمزة ، قال : سألته عن رجل مسلم حال بینه وبین الحج مرض ، أو أمر یعذره الله فیه ، فقال : « علیه أن یحج من ماله صرورة لا مال له » (3).

احتج العلامة فی المختلف بأصالة البراءة ، وبأن الاستطاعة شرط وهی مفقودة هنا ، فیسقط الوجوب قضیة للشرط (4). وجوابه أن الأصل یرتفع بالدلیل وقد بیناه ، والاستطاعة شرط فی وجوب الحج مباشرة ولا نزاع فیه.

وإنما تجب الاستنابة مع الیأس من البرء ، فلو رجا البرء لم تجب علیه الاستنابة إجماعا ، قاله فی المنتهی (5) ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من معارضة الأخبار المتقدمة ، إذ المتبادر منها تعلق الوجوب بمن حصل له الیأس من زوال المانع ، والتفاتا إلی أنه لو وجبت الاستنابة مع المرض مطلقا لم یتحقق اعتبار التمکن من المسیر فی حق أحد من المکلفین ، إلا أن یقال إن اعتبار ذلک إنما هو فی الوجوب البدنی خاصة ( وهو بعید ) (6).

ص: 56


1- الکافی 4 : 273 - 4 ، التهذیب 5 : 14 - 40 ، الوسائل 8 : 44 أبواب وجوب الحج ب 24 ح 5.
2- الکافی 4 : 273 - 2 ، الفقیه 2 : 260 - 1263 ، التهذیب 5 : 460 - 1601 ، الوسائل 8 : 45 أبواب وجوب الحج ب 24 ح 6.
3- الکافی 4 : 273 - 3 ، التهذیب 5 : 14 - 39 ، الوسائل 8 : 45 أبواب وجوب الحج ب 24 ح 7.
4- المختلف : 257.
5- المنتهی 2 : 655.
6- لیس فی « ض ».

______________________________________________________

وربما لاح من کلام الشهید فی الدروس وجوب الاستنابة مع عدم الیأس من البرء علی التراخی (1). وهو ضعیف ، نعم قال فی المنتهی باستحباب الاستنابة والحال هذه (2). ولا بأس به.

ولو حصل له الیأس بعد الاستنابة وجبت علیه الإعادة ، لأن ما فعله أولا لم یکن واجبا ، فلا یجزی عن الواجب.

ولو اتفق موته قبل حصول الیأس لم یجب القضاء عنه ، لعدم حصول شرطه الذی هو استقرار الحج أو الیأس من البرء.

فروع :

الأول : یستفاد من صحیحة الحلبی المتقدمة (3) أنه لا فرق فی وجوب الاستنابة بین أن یکون المانع من الحج مرضا ، أو ضعفا أصلیا ، أو هرما ، أو عدوا ، وأنه لا فرق بین من استقر الحج فی دمته وغیره.

الثانی لو لم یجد الممنوع مالا لم تجب علیه الاستنابة قطعا. وکذا لو وجد المال ولم یجد من یستأجره ، فإنه یسقط فرضه إلی العام المقبل. ولو وجد من یستأجره بأکثر من أجرة المثل وجب مع المکنة.

الثالث : لو وجد الممنوع الذی لا مال له من یعطیه مالا لأداء الحج لم یجب علیه قبوله ، لأن الاستنابة إنما تجب علی الموسر علی ما تضمنته الأخبار المتقدمة. ولا یقاس علی الصحیح إذا بذل له الزاد والراحلة حیث وجب علیه الحج بذلک ، لاختصاصه بالنص ، وبطلان القیاس.

الرابع : قال فی الدروس : لو وجب علیه الحج بإفساد أو نذر فهو کحجة الإسلام ، بل أقوی (4). وهو غیر واضح فی النذر ، بل ولا الإفساد

ص: 57


1- الدروس : 84.
2- المنتهی 2 : 655.
3- فی ص 55.
4- الدروس : 86.

فإن أحجّ نائبا واستمر المانع فلا قضاء ، وإن زال وتمکن وجب علیه ببدنه. ولو مات بعد الاستقرار ولم یؤدّ قضی عنه.

______________________________________________________

أیضا إن قلنا إن الثانیة عقوبة ، لأن الحکم بوجوب الاستنابة علی خلاف الأصل ، فیقتصر فیه علی مورد النص ، وهو حج الإسلام. والنذر والإفساد إنما اقتضیا وجوب الحج مباشرة ، وقد سقط بالتعذر.

ثم إن قلنا بوجوب الاستنابة ، فلو اجتمع علی الممنوع حجتان جاز له استنابة اثنین فی عام واحد ، لعدم اعتبار الترتیب بینهما ، کما فی قضاء الصوم.

الخامس : لو استناب الممنوع فزال عذره قبل التلبس بالإحرام انفسخت النیابة فیما قطع به الأصحاب ، ولو کان بعد الإحرام احتمل الإتمام والتحلل ، وعلی الأول فإن استمر الشفاء حج ثانیا ، وإن عاد المرض قبل التمکن فالأقرب الإجزاء.

قوله : ( فإن أحج نائبا واستمر المانع فلا قضاء ، وإن زال وتمکن وجب علیه ببدنه ، ولو مات بعد الاستقرار ولم یؤدّ قضی عنه ).

أما سقوط القضاء مع استمرار المانع فلا ریب فیه ، لتحقق الامتثال. وأما وجوب الحج مع زوال المانع والتمکن منه فعزاه المصنف فی المعتبر إلی الشیخ فی النهایة والمبسوط (1) ، وظاهر العلامة فی التذکرة أنه لا خلاف فیه بین علمائنا ، واستدل علیه بأن ما فعله کان واجبا فی ماله وهذا یلزمه فی نفسه (2) ، ومرجعه إلی إطلاق الأمر بالحج المتناول لجمیع المکلفین ممن لم یحج ، ومن استناب فی الحج لا یصدق علیه أنه حج حقیقة ، فیتناوله الإطلاق. واحتمل بعض الأصحاب عدم الوجوب کما لو لم یبرأ ، للأصل ، ولأنه أدّی حج الإسلام بأمر الشارع ، فلم یلزمه حج ثان کما لو حج

حکم زوال المانع بعد الاستنابة

ص: 58


1- المعتبر 2 : 756.
2- التذکرة 1 : 303.

ولو کان لا یستمسک خلقة ، قیل : یسقط الفرض عن نفسه وماله ، وقیل : تلزمه الاستنابة ، والأول أشبه.

______________________________________________________

بنفسه (1). وهذا الاحتمال غیر بعید ، إلا أنّ الأول أقرب ، تمسکا بإطلاق الأمر.

ومتی وجب علیه الحج فأخل به مع القدرة قضی عنه بعد الموت کغیره.

قوله : ( ولو کان لا یستمسک خلقة ، قیل : یسقط الفرض عن نفسه وماله ، وقیل : تلزمه الاستنابة ، والأول أشبه ).

الأصح لزوم الاستنابة ، لإطلاق قوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « إن کان موسرا حال بینه وبین الحج مرض أو أمر یعذره الله فیه فإنّ علیه أن یحج عنه من ماله صرورة لا مال له » (2) وهو کما یتناول المانع العارضی یتناول الخلقی.

وإنما حکم المصنف بسقوط الفرض هنا لاختصاص أکثر الأخبار المتضمنة لوجوب الاستنابة بمن عرض له العجز (3) ، حتی أن المصنف فی المعتبر (4) اقتصر علی إیراد تلک الأخبار (5) ، ولم یورد روایة الحلبی المتناولة للجمیع.

ورجح الشارح - قدس سره - وجوب الاستنابة ، لعدم العلم بالقائل بالفرق ، ولما ورد فی بعض الروایات ، قال : سألته عن رجل مسلم حال بینه

حکم من لا یستمسک خلقة

ص: 59


1- کالکرکی فی جامع المقاصد 1 : 159.
2- الکافی 4 : 273 - 5 ، التهذیب 5 : 403 - 1405 ، الوسائل 8 : 44 أبواب وجوب الحج ب 24 ح 2.
3- الوسائل 8 : 43 أبواب وجوب الحج ب 24.
4- المعتبر 2 : 756.
5- راجع ص 56.

ولو احتاج فی سفره إلی حرکة عنیفة للالتحاق أو الفرار فضعف سقط الوجوب فی عامه ، وتوقّع المکنة فی المستقبل. ولو مات قبل التمکن والحال هذه لم یقض عنه.

______________________________________________________

وبین الحج أمر یعذره الله فیه ، قال : « علیه أن یحج عنه من ماله » (1). وهو احتجاج ضعیف ، فإن إحداث القول فی المسألة لا یتوقف علی وجود القائل إذا لم ینعقد الإجماع علی خلافه کما بیناه مرارا. والروایة التی أوردها لا تنهض حجة ، لأن راویها علی بن أبی حمزة ، وقال النجاشی : إنه کان أحد عمد الواقفة (2).

قوله : ( ولو احتاج فی سفره إلی حرکة عنیفة للالتحاق أو الفرار فضعف سقط الوجوب فی عامه ، وتوقّع المکنة فی المستقبل ، ولو مات قبل التمکن والحال هذه لم یقض عنه ).

لا ریب فی سقوط الوجوب مع العجز عن الحرکة المحتاج إلیها فی السفر ، وکذا مع المشقة الشدیدة اللازمة من ذلک ، لما فی التکلیف بالحج معها من الحرج والعسر المنفیین بالآیة والروایة. ومنه یعلم سقوط القضاء لو مات قبل التمکن من الحج ، لانتفاء شرط الوجوب ، وهو استقرار الحج فی الذمة.

ویستفاد من هذه العبارة وغیرها أن من هذا شأنه لو تکلف وتحمل المشقة فأدرک الحج لم یجزئه عن حج الإسلام ، وکذا المریض والممنوع بالعدو ، لعدم تحقق الاستطاعة التی هی شرط الوجوب ، فکان کما لو تکلفه الفقیر ، وبذلک صرح العلامة فی التذکرة حیث قال بعد أن ذکر هذه الشرائط : إن من الشرائط ما هو شرط فی الصحة والوجوب ، وهو العقل ، لأن المجنون لا یجب علیه الحج ولا یصح منه ، ومنها ما هو شرط فی الصحة دون الوجوب ، وهو الإسلام ، ومنها ما هو شرط فی الوجوب دون الصحة وهو

حکم احتیاج الحج إلی حرکة عنیفة

ص: 60


1- المسالک 1 : 90.
2- رجال النجاشی : 175.

ویسقط فرض الحج لعدم ما یضطر إلیه من الآلات ، کالقربة وأوعیة الزاد.

______________________________________________________

البلوغ والحریة والاستطاعة والقدرة علی المسیر ، لأن الصبی والمملوک ومن لیس معه زاد ولا راحلة ولیس بمخلی السرب ولا یمکنه المسیر لو تکلفوا الحج لصح منهم ، وإن لم یکن واجبا علیهم ، ولا یجزیهم عن حجة الإسلام (1).

وفرق الشهید فی الدروس بین الفقیر وغیره ، فقال بعد أن ذکر أنه لو حج فاقد هذه الشرائط لم یجزئه ، وعندی لو تکلف المریض والمغصوب والممنوع بالعدو وبضیق الوقت أجزأ ، لأن ذلک من باب تحصیل الشرط ، فإنه لا یجب ، ولو حصله وجب وأجزأ ، نعم لو أدی ذلک إلی إضرار بالنفس یحرم إنزاله ، ولو قارن بعض المناسک احتمل عدم الإجزاء (2). وفی الفرق نظر.

والمتجه أنه إن حصلت الاستطاعة الشرعیة قبل التلبس بالإحرام ثبت الوجوب والإجزاء ، لما بیناه من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد ، وإن حصل التلبس قبل تحقق الاستطاعة انتفی الأمران معا ، سواء کان عدم تحقق الاستطاعة بعدم القدرة علی تحصیل الزاد والراحلة ، أو بالمرض المقتضی لسقوط الحج ، أو بخوف الطریق ، أو غیر ذلک ، لأن ما فعله لم یکن واجبا ، فلا یجزئ عن الواجب ، کما لا یجزئ فعل الواجب الموقت قبل دخول وقته.

قوله : ( ویسقط فرض الحج لعدم ما یضطر إلیه من الآلات ، کالقرب وأوعیة الزاد ).

لا ریب فی سقوط الفرض بذلک ، لدخول کلما یحتاج إلیه فی مفهوم الاستطاعة. ویجب شراء ذلک کله أو استیجاره بالعوض المقدور ، وإن کان أزید من أجرة المثل ، للعموم.

سقوط الحج بعدم ما یحتاج إلیه

ص: 61


1- التذکرة 1 : 306.
2- الدروس : 85.

ولو کان له طریقان فمنع من إحداهما سلک الأخری ، سواء کانت أبعد أو أقرب. ولو کان فی الطریق عدو لا یندفع إلا بمال ، قیل : یسقط وإن قلّ. ولو قیل : یجب التحمّل مع المکنة کان حسنا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو کان له طریقان فمنع من إحداهما سلک الأخری ، سواء کانت أبعد أو أقرب ).

إنما یجب سلوک الأبعد إذا لم تقصر نفقته عنه واتسع الزمان له ، أما لو قصرت نفقته عنه أو قصر الزمان عن سلوکة توقف الوجوب علی إمکان سلوک الأقرب.

قوله : ( ولو کان فی الطریق عدو لا یندفع إلا بمال ، قیل : یسقط وإن قلّ ، ولو قیل : یجب التحمّل مع المکنة کان حسنا ).

القول بالسقوط للشیخ (1) - رحمه الله - وجماعة ، نظرا إلی انتفاء الشرط ، وهی تخلیة السرب ، والتفاتا إلی أن المأخوذ علی هذا الوجه ظلم لا ینبغی الإعانة علیه ، وإن من خاف من أخذ المال قهرا لا یجب علیه الحج وإن قلّ المال وهذا فی معناه.

ویتوجه علی الأول : منع توقف الوجوب علی تخلیة السرب بالفعل ، بل الشرط التمکن من المسیر ، وهو حاصل ، إذ المفروض اندفاع العدو بالمال المقدور ، وبعد تحقق الشرط یصیر الوجوب مطلقا ، فتجب مقدماته کلها علی ما بیناه.

وعلی الثانی : أن المدفوع علی هذا الوجه لم یقصد به المعاونة علی الظلم ، بل التوصل إلی فعل الواجب ، وهو راجح شرعا لا مرجوح ، کما فی دفع المال إلی الظالم لاستنقاذ مسلم من الهلاک ونحوه.

وعلی الثالث : أولا منع السقوط فی الأصل ، لانتفاء الدلیل علیه ، وثانیا منع المساواة ، فإن بذل المال بالاختیار علی هذا الوجه لیس فیه دنوة

منع طریق واحد لایسقط الحج
حکم العدو الذی یندفع بمال

ص: 62


1- المبسوط 1 : 301.

ولو بذل له باذل وجب علیه الحج ، لزوال المانع. نعم لو قال له : اقبل وادفع أنت ، لم یجب.

______________________________________________________

ولا مشقة زائدة ، بخلاف أخذه قهرا ، فإن فیه غضاضة تامة ومشقة زائدة علی أهل المروة ، فلا یلزم من عدم وجوب تحمله عدم وجوب البذل مع الاختیار.

وربما فرق بینهما بأن الثابت فی بذل المال بالاختیار الثواب علی الله تعالی وهو دائم ، وفی الأخذ قهرا العوض وهو منقطع. وضعف هذا الفرق ظاهر ، فإن تارک المال للص ونحوه طلبا لفعل الواجب داخل فی موجب الثواب أیضا.

والأصح ما اختاره المصنف من وجوب بذل المال مع القدرة مطلقا ، لتوقف الواجب علیه ، فکان کأثمان الآلات.

قوله : ( ولو بذل له باذل وجب علیه الحج ، لزوال المانع ، ولو قال له : اقبل وادفع أنت ، لم یجب ).

أما وجوب الحج إذا بذل المطلوب باذل فانکشف العدو فواضح ، لتحقق الاستطاعة حینئذ.

وأما أنه لا یجب القبول إذا قال له الباذل : اقبل هبته وادفعه ، فعلل بأن القبول شرط للواجب المشروط ، وشرط الواجب المشروط لا یجب تحصیله. ویشکل بأن الشرط التمکن من الحج ، وهو حاصل بمجرد البذل ، وبأن قوله علیه السلام : « من عرض علیه ما یحج به فاستحیا فهو ممن یستطیع الحج » (1) یتناول من عرض علیه ذلک ، فلو قیل بوجوب القبول والدفع لم یکن بعیدا.

ص: 63


1- التهذیب 5 : 3 - 4 ، الإستبصار 2 : 140 - 456 ، الوسائل 8 : 26 أبواب وجوب الحج ب 10 ح 1.

وطریق البحر کطریق البرّ ، فإن غلب ظن السلامة ، وإلا سقط. ولو أمکن الوصول بالبرّ والبحر ، فإن تساویا فی غلبة السلامة کان مخیّرا. وإن اختصّ أحدهما تعیّن. ولو تساویا فی رجحان العطب سقط الفرض.

ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمّته ، وقیل : یجتزئ بالإحرام ، والأول أظهر.

______________________________________________________

قوله : ( وطریق البحر کطریق البر ، فإن غلب ظن السلامة ، وإلا سقط ، ولو أمکن الوصول بالبر والبحر ، فإن تساویا فی غلبة السلامة کان مخیّرا ، وإن اختصّ أحدهما تعیّن ، ولو تساویا فی رجحان العطب سقط الفرض ).

مقتضی العبارة أن طریق البحر إنما یجب سلوکه مع غلبة ظن السلامة ، فلا یجب مع اشتباه الحال. ولم یعتبر الشارح ذلک ، بل اکتفی بعدم ترجیح العطب (1). وهو حسن.

والحاصل أن طریق البحر کطریق البر ، فیعتبر فیه ما اعتبر ثمّ من عدم خوف العطب بظهور أماراته ، ومنه خوف الغرق بسبب القرائن الدالة علیه. ولو اشتبه الحال وجب سلوکه کالبر.

وإنما یسقط الحج مع الخوف إذا حصل فی ابتداء السیر ، أو فی أثنائه والرجوع لیس بمخیف ، أما لو تساویا مع المقام فی الخوف احتمل ترجیح الذهاب ، لحصول المرجح فیه بالحج ، والسقوط کما لو حصل ابتداء ، لفقد الشرط ، ولعل الأول أقرب.

قوله : ( ومن مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمّته ، وقیل : یجتزئ بالإحرام ، والأول أظهر ).

أما براءة الذمة إذا مات الحاج بعد الإحرام ودخول الحرم وعدم وجوب إکماله فهو مذهب الأصحاب ، لا نعلم فیه مخالفا. والمستند فیه ما رواه

حکم طریق البحر
حکم من مات فی الطریق

ص: 64


1- المسالک 1 : 91.

______________________________________________________

الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن برید العجلی ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات فی الطریق ، قال : « إن کان صرورة ثم مات فی الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن کان مات وهو صرورة قبل أن یحرم جعل جمله وزاده ونفقته فی حجة الإسلام ، وإن فضل من ذلک شی ء فهو للورثة إن لم یکن علیه دین » قلت : أرأیت إن کانت الحجة تطوعا ثم مات فی الطریق قبل أن یحرم ، لمن یکون جملة ونفقته وما معه؟ قال : « یکون جمیع ما معه وما ترک للورثة ، إلا أن یکون علیه دین فیقتضی عنه ، أو یکون أوصی بوصیة فینفذ ذلک لمن أوصی له ، ویجعل ذلک من ثلثه » (1).

وفی الصحیح عن ضریس ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات فی الطریق ، فقال : « إن مات فی الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام ، وإن کان مات دون الحرم فلیقض عنه ولیه حجة الإسلام » (2).

وإطلاق کلام المصنف - رحمه الله - وغیره (3) یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین أن یقع التلبس بإحرام الحج أو العمرة ، ولا بین أن یموت فی الحل أو الحرم ، محرما أو محلا ، کما لو مات بین الإحرامین ، وبهذا التعمیم قطع المتأخرون ، ولا بأس به.

والقول بالاجتزاء بالإحرام للشیخ فی الخلاف (4) وابن إدریس (5) ،

ص: 65


1- الفقیه 2 : 269 - 1314 ، التهذیب 5 : 407 - 1416 ، الوسائل 8 : 47 أبواب وجوب الحج ب 26 ح 2.
2- الکافی 4 : 276 - 10 ، الفقیه 2 : 269 - 1313 ، الوسائل 8 : 47 أبواب وجوب الحج ب 26 ح 1.
3- کالشهید الأول فی الدروس : 86 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 91.
4- الخلاف 1 : 476 ، وکلامه وارد فی حج النائب دون الحاج لنفسه - مستند الشیعة 2 : 166.
5- السرائر : 148 ، وهو کما فی الخلاف.

وان کان قبل ذلک قضیت عنه إن کانت مستقرّة ، وسقطت ان لم تکن کذلک.

______________________________________________________

وربما أشعر به مفهوم قوله علیه السلام فی صحیحة برید : « وإن کان مات وهو صرورة قبل أن یحرم جعل جمله وزاده ونفقته فی حجة الإسلام » لکنه معارض بمنطوق قوله علیه السلام : « وإن کان مات دون الحرم فلیقض عنه ولیه حجة الإسلام ».

واستدل العلامة فی المختلف لهذا القول بأن القصد التلبس وقد حصل بالإحرام ، ثم أجاب عنه بالمنع من ذلک ، قال : بل المطلوب قصد البیت الحرام ، وإنما یحصل بدخول الحرم (1).

والأصح عدم الاجتزاء بذلک ، لأن الحج لا یتم إلا بإکمال أرکانه ، فلا تبرأ الذمة بفعل بعضه ، خرج من ذلک ما إذا مات الحاج بعد الإحرام ودخول الحرم للأخبار الصحیحة المؤیدة بعمل الأصحاب فبقی ما عداه علی الأصل ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ینتهی إلی مکة ، قال : « یحج عنه إن کانت حجة الإسلام ویعتمر ، إنما هو شی ء علیه » (2).

ولقد کان الأنسب بقواعد ابن إدریس عدم الاجتزاء بالإحرام ودخول الحرم أیضا ، حیث إن الاجتزاء بذلک إنما ثبت من طریق الأخبار (3) ، إلا أن یکون الحکم إجماعیا عنده.

قوله : ( وإن کان قبل ذلک قضیت عنه إن کانت مستقرّة ، وسقطت إن لم تکن کذلک ).

لا ریب فی وجوب القضاء والحال هذه مع استقرار الحج ، للأخبار

ص: 66


1- المختلف : 258.
2- التهذیب 5 : 422 - 1466 ، الوسائل 8 : 48 أبواب وجوب الحج ب 26 ح 3.
3- فی « ض » : الآحاد.

ویستقر الحج فی الذمة إذا استکملت الشرائط وأهمل.

______________________________________________________

الکثیرة الدالة علیه.

وفی الاکتفاء بالقضاء من المیقات أو وجوب القضاء من موضع الموت قولان سیجی ء الکلام فیهما (1) ، ولا یجب القضاء هنا من البلد قطعا ، لما سنبینه إن شاء الله من أن المراد بالبلد بلد الموت (2).

ولو حصل الموت بعد الإحرام وقبل دخول الحرم وجب القضاء عنه من المیقات ، إلا أن یتعذر العود فمن حیث أمکن.

وقد قطع المتأخرون بسقوط القضاء إذا لم تکن الحجة مستقرة فی ذمته ، بأن کان خروجه فی عام الاستطاعة. وأطلق المفید فی المقنعة (3) والشیخ فی جملة من کتبه (4) وجوب القضاء إذا مات قبل دخول الحرم. ولعلهما نظرا إلی إطلاق الأمر بالقضاء فی الروایتین المتقدمتین (5). وأجیب (6) عنهما بالحمل علی من استقر الحج فی ذمته ، لأن من خرج فی عام الاستطاعة ثم مات فی الطریق یتبین بموته عدم وجوب الحج علیه ، ومتی انتفی وجوب الأداء انتفی القضاء. وهو غیر بعید ، وإن کان الإطلاق متجها أیضا ، لما بیناه مرارا من أن القضاء قد یجب مع سقوط الأداء ، لأنه فرض مستأنف فیتوقف علی الدلالة خاصة.

قوله : ( ویستقر الحج فی الذمة إذا استکملت الشرائط فأهمل ).

اختلف کلام الأصحاب فیما یتحقق به استقرار الحج ، فأطلق المصنف تحققه بالإهمال مع استکمال الشرائط ، واعتبر الأکثر مع ذلک مضی زمان

حکم من استطاع ولم یحج

ص: 67


1- فی ص 84.
2- فی ص 87.
3- لم نعثر علیه ، ولکنه أورد روایة بهذا المعنی فی المقنعة : 70.
4- النهایة : 284 ، والمبسوط 1 : 306.
5- فی ص 65.
6- کما فی المختلف : 322.

______________________________________________________

یمکن فیه الإتیان بجمیع أفعال الحج مستجمعا للشرائط ، واکتفی العلامة فی التذکرة بمضی زمان یمکن فیه تأدی الأرکان خاصة ، واحتمل الاکتفاء بمضی زمان یمکنه فیه الإحرام ودخول الحرم (1).

وما وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار خال عن لفظ الاستقرار فضلا عما یتحقق به ، وإنما اعتبر الأصحاب ذلک بناء علی أن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وإنما یتحقق وجوبه بمضی زمان یمکن فیه الحج مستجمعا للشرائط ، ویشکل بما بیناه مرارا من أن وجوب القضاء لیس تابعا لوجوب الأداء ، وبأن المستفاد من کثیر من الأخبار ترتب القضاء علی عدم الإتیان بالأداء مع توجه الخطاب به ظاهرا ، کما فی صحیحتی برید وضریس المتقدمتین (2).

وقد قطع الأصحاب بأن من حصلت له الشرائط فتخلف عن الرفقة ثم مات قبل حج الناس لا یجب القضاء عنه ، لتبین عدم استقرار الحج فی ذمته بظهور عدم الاستطاعة ، وهو جید إن ثبت أن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء.

وجزم العلامة فی التذکرة بأن من تلف ماله قبل عود الحاج وقبل مضی إمکان عودهم لم یستقر الحج فی ذمته ، لأن نفقة الرجوع لا بد منها فی الشرائط (3).

ویشکل باحتمال بقاء المال لو سافر ، وبأن فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لا یؤثر فی سقوطه قطعا ، وإلا لوجب إعادة الحج مع تلف المال فی الرجوع ، أو حصول المرض الذی یشق معه السفر ، وهو معلوم البطلان.

ص: 68


1- التذکرة 1 : 307.
2- فی ص 65.
3- التذکرة 1 : 310.

والکافر یجب علیه الحج ولا یصح منه. فلو أحرم ثم أسلم أعاد الإحرام. وإذا لم یتمکن من العود إلی المیقات أحرم من موضعه. ولو أحرم بالحج وأدرک الوقوف بالمشعر لم یجزئه ، إلا أن یستأنف إحراما. وإن ضاق الوقت أحرم ولو بعرفات.

______________________________________________________

قوله : ( والکافر یجب علیه الحج ولا یصح منه ).

هذان الحکمان إجماعیان عندنا ، وخالف فی الأول أبو حنیفة ، فزعم أن الکافر غیر مخاطب بشی ء من الفروع (1). ولا ریب فی بطلانه.

ویترتب علی الوجوب أنه لو مات کذلک أثم بالإخلال بالحج ، لکن لا یجب قضاؤه عنه ، ولو أسلم وجب علیه الإتیان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعا ، وبدونها فی أظهر الوجهین. واعتبر العلامة فی التذکرة فی وجوب الحج استمرار الاستطاعة إلی زمان الإسلام (2) ، وهو غیر واضح.

قوله : ( فلو أحرم ثم أسلم أعاد الإحرام ، وإذا لم یتمکن من العود إلی المیقات أحرم من موضعه ).

أما وجوب الرجوع إلی المیقات مع الإمکان وإعادة الإحرام منه فظاهر ، لتوقف الواجب علیه. وأما الاکتفاء بالإحرام من موضع الإسلام مع تعذر العود ، فلأن من هذا شأنه أعذر من الناسی والجاهل وأنسب بالتخفیف مع ثبوت ذلک بالنسبة إلیهما ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (3). ولو کان قد دخل مکة خرج إلی خارج الحرم ، فإن تعذر أحرم من مکانه.

قوله : ( ولو أحرم بالحج وأدرک الوقوف بالمشعر لم یجزئه إلا أن یستأنف إحراما ، ولو ضاق الوقت أحرم ولو بعرفات ).

قال الشارح قدس سره : کان حق العبارة أن یقول : أحرم ولو

حکم حج الکافر

ص: 69


1- نقله عنه الکاسانی فی بدائع الصنائع 2 : 6.
2- التذکرة 1 : 307.
3- فی ص 172.

ولو حج المسلم ثم ارتدّ لم یعد علی الأصحّ.

______________________________________________________

بالمشعر ، لأنه أبعد ما یمکن فرض الإحرام منه ، فیحسن دخول لو علیه ، بخلاف عرفة ، وإن کان الإحرام منها جائزا بل أولی به (1). هذا کلامه رحمه الله ، وهو جید إن ثبت جواز استئناف الإحرام من المشعر ، لکنه غیر واضح ، کما سیجی ء تحقیقه (2).

ثم إن کان الحج قرانا أو إفرادا أتم حجه واعتمر بعده ، وإن کان فرضه التمتع وقد قدم عمرته ففی الاجتزاء بها أو العدول إلی حج الإفراد وجهان ، وجزم الشارح بالثانی ، وقال : إن هذا من مواضع الضرورة المسوغة للعدول من التمتع إلی قسیمیه (3).

قوله : ( ولو حج المسلم ثم ارتد لم یعد علی الأصح ).

خالف فی ذلک الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط ، فذهب إلی وجوب الإعادة ، محتجا بأن ارتداده یدل علی أن إسلامه لم یکن إسلاما فلا یصح حجه (4).

قال فی المعتبر : وما ذکره - رحمه الله - بناء علی قاعدة باطلة قد بینا فسادها فی الأصول (5). ویدفعه صریحا قوله تعالی ( إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ) (6) حیث أثبت الکفر بعد الإیمان.

واستدل (7) علی وجوب الإعادة أیضا بقوله تعالی ( وَمَنْ یَکْفُرْ بِالْإِیمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) (8). وهو استدلال ضعیف ، لأن الإحباط مشروط

حکم ارتداد الحاج

ص: 70


1- المسالک 1 : 91.
2- فی ص 233.
3- المسالک 1 : 91.
4- المبسوط 1 : 305.
5- المعتبر 2 : 757.
6- النساء : 137.
7- نقله عن أبی حنیفة فی التذکرة 1 : 307.
8- المائدة : 5.

ولو لم یکن مستطیعا فصار کذلک فی حال ردّته وجب علیه الحج وصحّ منه إذا تاب. ولو أحرم مسلما ثم ارتدّ ثم تاب لم یبطل إحرامه علی الأصح.

______________________________________________________

بالموافاة علی الکفر ، کما یدل علیه قوله تعالی ( وَمَنْ یَرْتَدِدْ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَیَمُتْ وَهُوَ کافِرٌ فَأُولئِکَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ) (1).

والأصح عدم وجوب الإعادة ، لأنه أتی بالحج علی الوجه المشروع فیکون مجزیا ، وتؤیده روایة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من کان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة فکفر ثم تاب یحسب له کل عمل صالح عمله ولا یبطل منه شی ء » (2).

قوله : ( ولو لم یکن مستطیعا فصار کذلک فی حال ردّته وجب علیه الحج وصحّ منه إذا تاب ).

لا ریب فی ذلک ، ولا یعتبر فی الوجوب بقاء الاستطاعة إلی زمان الإسلام قطعا.

قوله : ( ولو أحرم مسلما ثم ارتدّ ثم تاب لم یبطل إحرامه علی الأصح ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

وقال الشیخ فی المبسوط : وإن أحرم ثم ارتد ثم عاد إلی الإسلام جاز أن یبنی علیه ، إلا علی ما استخرجناه فی المسألة المتقدمة فی قضاء الحج. وأشار بذلک إلی ما ذکره سابقا من أن الإسلام لا یتعقبه کفر (3). وقد عرفت فساد تلک القاعدة.

ص: 71


1- البقرة : 217.
2- التهذیب 5 : 459 - 1597 ، الوسائل 1 : 96 أبواب مقدمة العبادات ب 30 ح 1.
3- المبسوط 1 : 305.

والمخالف إذا استبصر لا یعید الحج ، إلا أن یخلّ برکن منه.

______________________________________________________

ثم أورد الشیخ علی نفسه أنه یلزم علی هذا القول أن المرتد لا یلزمه قضاء العبادات التی فاتته فی حال الارتداد ، لأنا إذا لم نحکم بإسلامه یکون کفره أصلیا وکافر الأصل (1) لا یلزمه قضاء ما فاته فی الکفر (2). وهذا الإیراد متوجه ، وهو من جملة الأدلة علی فساد تلک القاعدة.

قوله : ( والمخالف إذا استبصر لا یعید الحج ، إلا أن یخل برکن منه ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وقد ورد بعدم الإعادة روایات کثیرة ، کصحیحة برید بن معاویة العجلی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل حج وهو لا یعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله علیه بمعرفته والدینونة به ، علیه حجة الإسلام أو قد قضی فریضته؟ فقال : « قد قضی فریضته ، ولو حج لکان أحب إلی » قال : وسألته عن رجل وهو فی بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدین ، ثم منّ الله علیه فعرف هذا الأمر ، یقضی حجة الإسلام؟ فقال : « یقضی أحب إلی » وقال : « کل عمل عمله وهو فی حال نصبه وضلالته ثم منّ الله علیه وعرّفه الولایة فإنه یؤجر علیه ، إلا الزکاة ، فإنه یعیدها ، لأنه وضعها فی غیر مواضعها ، لأنها لأهل الولایة ، وأما الصلاة والحج والصیام فلیس علیه قضاء » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم وبرید وزرارة والفضیل بن یسار ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام : فی الرجل یکون فی بعض هذه الأهواء ، کالحروریة والمرجئة والعثمانیة والقدریة ، ثم یتوب ، ویعرف هذا الأمر ، ویحسن رأیه ، أیعید کل صلاة صلاها أو صوم أو زکاة أو حج أو لیس علیه

عدم إعادة المخالف الحج إذا استبصر

ص: 72


1- فی جمیع النسخ : الأصلی.
2- المبسوط 1 : 305.
3- التهذیب 5 : 9 - 23 ، الإستبصار 2 : 145 - 472 ، الوسائل 8 : 42 أبواب وجوب الحج ب 23 ح 1.

______________________________________________________

إعادة شی ء من ذلک؟ قال : « لیس علیه إعادة شی ء من ذلک غیر الزکاة ، فإنه لا بد أن یؤدیها ، لأنه وضع الزکاة فی غیر موضعها ، وإنما موضعها أهل الولایة » (1) وحسنة عمر بن أذینة ، قال : کتبت إلی أبی عبد الله علیه السلام أسأله عن رجل حج ولا یدری ولا یعرف هذا الأمر ، ثم منّ الله علیه بمعرفته والدینونة به ، أعلیه حجة الإسلام أو قد قضی فریضة الله؟ قال : « قد قضی فریضة الله ، والحج أحب إلی » وعن رجل وهو فی بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدین ، ثم منّ الله علیه فعرف هذا الأمر ، أیقضی عنه حجة الإسلام أو علیه أن یحج من قابل؟ قال : « یحج أحب إلیّ » (2).

ونقل عن ابن الجنید (3) وابن البراج (4) أنهما أوجبا الإعادة علی المخالف وإن لم یخلّ بشی ء. وربما کان مستندهما مضافا إلی ما دل علی بطلان عبادة المخالف ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لو أن رجلا معسرا أحجه رجل کانت له حجة ، فإن أیسر بعد ذلک کان علیه الحج ، وکذلک الناصب إذا عرف فعلیه الحج » (5).

والجواب أولا بالطعن فی السند بضعف الراوی ، وهو أبو بصیر ، لأن المراد به یحیی بن القاسم وکان ضعیفا ، وبأن فی طریقه علی بن أبی حمزة

ص: 73


1- الکافی 3 : 545 - 1 ، التهذیب 4 : 54 - 143 ، علل الشرائع : 373 - 1 ، الوسائل 6 : 148 أبواب المستحقین للزکاة ب 3 ح 2.
2- الکافی 4 : 275 - 4 ، الفقیه 2 : 263 - 1281 وفیه صدر الحدیث ، التهذیب 5 : 10 - 25 ، الإستبصار 2 : 146 - 475 ، الوسائل 8 : 42 أبواب وجوب الحج ب 23 ح 2 ، 3.
3- حکاه عنه فی المختلف : 258.
4- المهذب 1 : 268.
5- التهذیب 5 : 9 - 22 ، الاستبصار 2 : 144 - 470 وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 8 : 39 أبواب وجوب الحج ب 21 ح 5.

______________________________________________________

البطائنی ، وقال النجاشی : إنه کان أحد عمد الواقفة (1).

وثانیا بالحمل علی الاستحباب ، جمعا بین الأدلة مع أنه إنما تضمن إعادة الناصب ، وهو أخص من المخالف.

وهنا مباحث :

الأول : اعتبر الشیخ - رحمه الله - وأکثر الأصحاب فی عدم إعادة الحج أن لا یکون المخالف قد أخلّ برکن منه (2) ، والنصوص خالیة من هذا القید.

ونص المصنف فی المعتبر والعلامة فی المنتهی والشهید فی الدروس : علی أن المراد بالرکن ما یعتقده أهل الحق رکنا ، لا ما یعتقده الضال تدینا (3). مع أنهم صرحوا فی قضاء الصلاة ، بأن المخالف یسقط عنه قضاء ما صلاة صحیحا عنده ، وإن کان فاسدا عندنا (4). وفی الجمع بین الحکمین إشکال ، ولو فسر الرکن بما کان رکنا عندهم کان أقرب إلی الصواب ، لأن مقتضی النصوص أن من حج من أهل الخلاف لا یجب علیه الإعادة.

ومن أتی منهم بحج فاسد عندهم کان کمن لم یأت بالحج ( ومن هنا یظهر أنه لا فرق فی الإجزاء بین أن یوافق فعله النوع الواجب عندنا کالتمتع وقسیمیه أو لا ) (5).

الثانی : إطلاق العبارة وغیرها یقتضی عدم الفرق فی المخالف بین من حکم بکفره کالناصب وغیره ، وهو کذلک ، وقد وقع التصریح فی صحیحة برید بعدم إعادة الناصب (6) ، وفی صحیحة الفضلاء بعدم إعادة الحروریة (7) ،

ص: 74


1- رجال النجاشی : 175.
2- المبسوط 1 : 303 ، والنهایة : 205.
3- المعتبر 2 : 765 ، والمنتهی 2 : 860 ، والدروس : 85.
4- الشهید فی الدروس : 24 ، والذکری : 135.
5- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
6- المتقدمة فی ص 72.
7- المتقدمة فی ص 72.

______________________________________________________

وهم کفار ، لأنهم خوارج ، وربما ظهر من کلام العلامة فی المختلف اختصاص الحکم بغیر الکافر (1). وهو ضعیف.

الثالث : الأظهر أن هذا الحکم أعنی سقوط الإعادة عن المخالف تفضل من الله سبحانه ، کما تفضل علی الکافر الأصلی بعد الإسلام بسقوط قضاء الفائت مطلقا.

وقال العلامة فی المختلف : إن سقوط الإعادة إنما هو لتحقق الامتثال بالفعل المتقدم ، إذ المفروض عدم الإخلال برکن منه ، والإیمان لیس شرطا فی صحة العبادة (2). وهو فاسد ، أما أولا فلأن عبادة المخالف لا یکاد یتصور استجماعها للشرائط المعتبرة ، خصوصا الصلاة ، مع أن الأخبار مصرحة بعدم وجوب قضائها مطلقا ، فعلم أن عدم وجوب الإعادة لیس لتحقق الامتثال بالفعل المتقدم ، بل لما ذکرناه من التفضل.

وأما ثانیا فللأخبار المستفیضة الدالة علی بطلان عبادة المخالف وإن فرض استجماعها لشرائط الصحة عندنا ، کصحیحة أبی حمزة قال ، قال لنا علی بن الحسین صلوات الله علیهما : « أی البقاع أفضل؟ » قلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، قال : « إن أفضل البقاع ما بین الرکن والمقام ، ولو أن رجلا عمّر ما عمّر نوح فی قومه ألف سنة إلا خمسین عاما یصوم النهار ویقوم اللیل فی ذلک المکان ثم لقی الله بغیر ولایتنا لم ینتفع بذلک شیئا » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول - وذکر حدیثا طویلا قال فی آخره - : « وکذلک والله یا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عزّ وجلّ ظاهرا عادلا أصبح ضالا تائها ، وإن مات علی هذه الحال مات میتة کفر ونفاق ، واعلم یا محمد أن أئمة الجور

ص: 75


1- المختلف : 259.
2- المختلف : 259.
3- الفقیه 2 : 159 - 686 ، عقاب الأعمال : 244 - 2 ، مجالس الطوسی : 131 ، الوسائل 1 : 93 أبواب مقدمة العبادات ب 29 ح 12.

وهل الرجوع إلی الکفایة من صناعة أو مال أو حرفة شرط فی وجوب الحج؟ قیل : نعم ، لروایة أبی الربیع ، وقیل : لا ، عملا بعموم الآیة. وهو الأولی.

______________________________________________________

وأتباعهم لمعزولون عن دین الله عزّ وجلّ ، قد ضلوا وأضلوا ، فأعمالهم التی یعملونها کرماد اشتدت به الریح فی یوم عاصف لا یقدرون مما کسبوا علی شی ء ذلک هو الضلال البعید » (1) والأخبار الواردة بذلک أکثر من أن تحصی.

فرع :

قال الشهید - رحمه الله - فی الدروس : ولو حج المحق حج غیره جاهلا ففی الإجزاء تردد ، من التفریط ، وامتناع تکلیف الغافل مع مساواته المخالف فی الشبهة (2).

وأقول : إنه لا یخفی ضعف الوجه الثانی من وجهی التردد ، لأن إیجاب الإعادة بعد العلم لا یستلزم تکلیف الغافل ، وإلحاقه بالمخالف قیاس مع الفارق ، والأصح اختصاص الحکم بالمخالف واعتبار استجماع الشرائط المعتبرة فی غیره لعدم تحقق الامتثال بدونه.

قوله : ( وهل الرجوع إلی کفایة من صناعة أو مال حرفة شرط فی وجوب الحج؟ قیل : نعم ، لروایة أبی الربیع ، وقیل : لا ، عملا بعموم الآیة ، وهو الأولی ).

المراد بالرجوع إلی کفایة : أن یکون له بعد العود ما یحصل به الکفایة عادة ، بأن یکون له عقار متخذ للنماء ، أو یبقی فی یده مال یتعیش به ، أو یکون له صناعة أو حرفة یحصل منها کفایته.

والفرق بین الصناعة والحرفة أن الصناعة هی الملکة الحاصلة من التمرّن علی العمل کالخیاطة والکتابة ، والحرفة ما یکتسب به مما لا یفتقر إلی

- عدم اشتراط الرجوع إلی کفایة

ص: 76


1- الکافی 1 : 183 - 8 ، الوسائل 1 : 90 أبواب مقدمة العبادات ب 29 ح 1.
2- الدروس : 85.

______________________________________________________

ذلک کالاحتطاب والاحتشاش.

وقد اختلف الأصحاب فی اعتبار هذا الشرط ، فذهب الأکثر ومنهم المرتضی (1) وابن إدریس (2) وابن أبی عقیل (3) وابن الجنید (4) إلی عدم اعتباره ، وقال الشیخان : یشترط (5) ، ورواه ابن بابویه فی کتابه من لا یحضره الفقیه (6). وبه قال أبو الصلاح (7) وابن البراج (8) وابن حمزة (9). والمعتمد الأول.

لنا : قوله تعالی ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) (10) والاستطاعة مفسرة بالزاد والراحلة مع الشرائط المتقدمة ، فما زاد منفی بالأصل السلیم من المعارض.

ولنا أیضا : قول الصادق علیه السلام فی صحیحة محمد بن یحیی الخثعمی : « من کان صحیحا فی بدنه ، مخلا سربه ، له زاد وراحلة ، فلم یحج فهو ممن یستطیع الحج » (11).

وما رواه الحلبی فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) قال :

ص: 77


1- جمل العلم والعمل : 103.
2- السرائر : 118.
3- نقله عنهما فی المختلف : 256.
4- نقله عنهما فی المختلف : 256.
5- المفید فی المقنعة : 60 ، والشیخ فی الخلاف 1 : 411 ، والمبسوط 1 : 296 ، والنهایة : 203.
6- الفقیه 2 : 258 - 1255 ، الوسائل 8 : 24 أبواب وجوب الحج ب 9 ح 1.
7- الکافی فی الفقه : 192.
8- شرح الجمل : 205.
9- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 686.
10- آل عمران : 97.
11- الکافی 4 : 267 - 2 ، التهذیب 5 : 3 - 2 ، الإستبصار 2 : 139 - 454 ، الوسائل 8 : 22 أبواب وجوب الحج ب 8 ح 4.

______________________________________________________

« أن یکون له ما یحج به » (1).

احتج الشیخ (2) - رحمه الله - بأصالة البراءة ، وبالإجماع ، وبما رواه عن أبی الربیع الشامی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) فقال : « ما یقول الناس؟ » قال ، فقلت له : الزاد والراحلة قال ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « قد سئل أبو جعفر علیه السلام عن هذا ، فقال : هلک الناس إذا ، لئن کان من کان له زاد وراحلة قدر ما یقوت عیاله ویستغنون به عن الناس ینطلق إلیه فیسلبهم إیاه لقد هلکوا إذا ، فقیل له : فما السبیل؟ قال ، فقال : السعة فی المال ، إذا کان یحج ببعض ویبقی بعض لقوت عیاله ، ألیس قد فرض الله الزکاة فلم یجعلها إلا علی من ملک مائتی درهم » (3).

والجواب عن الأول أن الأصل إنما یصار إلیه إذا لم یقم دلیل علی خلافه ، وقد بینا الدلیل.

وعن الثانی بالمنع من الإجماع کما بیناه مرارا.

وعن الروایة أولا بالطعن فی السند بجهالة الراوی ، وبأن من جملة رجاله خالد بن جریر ، ولم یرد فیه توثیق ، بل ولا مدح یعتد به. وثانیا بالقول بالموجب فإنا نعتبر زیادة عن الزاد والراحلة بقاء النفقة لعیاله مدة ذهابه وعوده.

وحکی العلامة فی المختلف عن المفید فی المقنعة أنه أورد روایة أبی

ص: 78


1- الکافی 4 : 266 - 1 ، التهذیب 5 : 3 - 3 ، الإستبصار 2 : 140 - 455 ، الوسائل 8 : 22 أبواب وجوب الحج ب 8 ح 3.
2- الخلاف 1 : 411.
3- التهذیب 5 : 2 - 1 ، الإستبصار 2 : 139 - 453 ، الوسائل 8 : 24 أبواب وجوب الحج ب 9 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 267 - 3 ، والفقیه 2 : 258 - 1255 ، وعلل الشرائع : 453 - 3 ، والمقنعة : 60.

وإذا اجتمعت الشرائط فحج متسکّعا ، أو حج ماشیا ، أو حج فی نفقة غیره ، أجزأه عن الفرض.

______________________________________________________

الربیع بزیادة مرجحة لما ذهب إلیه ، وهی قد قیل لأبی جعفر علیه السلام ذلک فقال : « هلک الناس ، إذا کان من له زاد وراحلة لا یملک غیرها ومقدار (1) ذلک مما یقوت به عیاله ویستغنی به عن الناس فقد وجب علیه أن یحج ثم یرجع فیسأل الناس بکفه لقد هلک إذن ، فقیل له : فما السبیل عندک؟ قال : السعة فی المال ، وهو أن یکون معه ما یحج ببعضه ویبقی البعض یقوت به نفسه وعیاله » (2).

وأقول : إن هذه الروایة مع هذه الزیادة لا تدل علی اعتبار الرجوع إلی الکفایة بالمعنی الذی ذکروه ، فإن أقصی ما یدل علیه قوله علیه السلام : « ثم یرجع فیسأل الناس بکفه » اعتبار بقاء شی ء من المال ، وکذا قوله : « ویبقی البعض یقوت به نفسه وعیاله » ویمکن أن یکون المراد منه قوت السنة له ولعیاله ، لأن ذلک کاف فی عدم السؤال بعد الرجوع ، ولأن به یتحقق الغناء شرعا. وکیف کان فهذه الروایة مع إجمالها لا تنهض حجة فی معارضة الأحادیث الصحیحة وعموم القرآن.

قوله : ( ولو اجتمعت الشرائط فحج متسکعا أو فی نفقة غیره أجزأه عن الفرض ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، لأن الحج واجب علیه وقد امتثل بفعل. المناسک المخصوصة فیحصل الإجزاء ، وصرف المال غیر واجب لذاته ، وإنما یجب إذا توقف علیه الواجب. وهذا بخلاف ما إذا حج متسکعا قبل تحقق الاستطاعة ، حیث لا یکون حجة مجزئا ، لانتفاء الوجوب حینئذ ، فیکون الإتیان بالحج علی هذا الوجه جاریا مجری فعل العبادة الموقتة قبل دخول وقتها.

حکم المستطیع الذی یحج بنفقته غیره

ص: 79


1- فی المقنعة : أو مقدار.
2- المقنعة : 60 ، والمختلف : 256.

ومن وجب علیه الحج فالمشی أفضل له من الرکوب إذا لم یضعفه ، ومع الضعف الرکوب أفضل.

______________________________________________________

قوله : ( ومن وجب علیه الحج فالمشی أفضل له من الرکوب إذا لم یضعفه ، ومع الضعف الرکوب أفضل ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، واستدل علیه فی المعتبر بأن فیه جمعا بین ما دل علی أفضلیة المشی مطلقا (1) ، کصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ما عبد الله بشی ء أشد من المشی ولا أفضل » (2) وصحیحة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فضل المشی فقال : « إن الحسن بن علی علیه السلام قاسم ربه ثلاث مرات ، حتی نعلا ونعلا ، وثوبا وثوبا ، ودینارا ودینارا ، وحج عشرین حجة ماشیا علی قدمیه » (3).

وما دل علی أفضلیة الرکوب مطلقا ، کصحیحة رفاعة وابن بکیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سئل عن الحج ماشیا أفضل أو راکبا فقال : « بل راکبا ، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله حج راکبا » (4) وروی الشیخ أیضا عن رفاعة بسند لا تبعد صحته عن الصادق علیه السلام نحو ذلک (5).

ویشهد لهذا الجمع ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن سیف التمار أنه قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أی شی ء أحب إلیک ، نمشی أو

أفضلیة المشی للحج

ص: 80


1- المعتبر 2 : 759.
2- التهذیب 5 : 11 - 28 ، الإستبصار 2 : 141 - 460 ، الوسائل 8 : 54 أبواب وجوب الحج ب 32 ح 1.
3- التهذیب 5 : 11 - 29 ، الإستبصار 2 : 141 - 461 ، الوسائل 8 : 55 أبواب وجوب الحج ب 32 ح 3.
4- الکافی 4 : 456 - 4 ، التهذیب 5 : 478 - 1691 ، علل الشرائع : 446 - 2 ، الوسائل 8 : 57 أبواب وجوب الحج ب 33 ح 4.
5- التهذیب 5 : 12 - 31 ، الإستبصار 2 : 142 - 463 ، الوسائل 8 : 57 أبواب وجوب الحج ب 33 ح 1.

______________________________________________________

نرکب؟ فقال : « ترکبون أحب إلی ، فإن ذلک أقوی علی الدعاء والعبادة » (1).

وللأصحاب فی هذه المسألة وجوه أخر فی الجمع بین الأخبار :

منها : أن المشی أفضل لمن کان قد ساق معه ما إذا أعیا رکبه ، ذکره الشیخ فی کتابی الأخبار وقال : من أضعفه المشی ولم یکن معه ما یلجأ إلی رکوبه عند إعیائه فلا یجوز له أن یخرج إلا راکبا (2). واستدل علی هذا الجمع بما رواه عن موسی بن القاسم ، عن صفوان ، عن عبد الله بن بکیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنا نرید الخروج إلی مکة فقال : « لا تمشوا وارکبوا » فقلت : أصلحک الله بلغنا أن الحسن بن علی علیهماالسلام حج عشرین حجة ماشیا فقال : « إن الحسن بن علی علیهماالسلام کان یمشی وتساق معه محامله ورحاله » (3).

ومنها : أن الرکوب أفضل من المشی لمن یضعف بالمشی عن التقدم للعبادة ، ذکره الشیخ فی کتابی الأخبار احتمالا (4) ، واختاره الشهید فی الدروس (5) ، واستدل علیه الشیخ بما رواه عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن علی ، عن هشام بن سالم ، قال : دخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام أنا وعنبسة بن مصعب وبضعة عشر رجلا من أصحابنا فقلت : جعلنی الله فداک أیهما أفضل المشی أو الرکوب؟ فقال : « ما عبد الله بشی ء أفضل من المشی » فقلنا : أیما أفضل نرکب إلی مکة فنعجل فنقیم بها إلی أن

ص: 81


1- التهذیب 5 : 12 - 32 ، الإستبصار 2 : 142 - 464 ، الوسائل 8 : 58 أبواب وجوب الحج ب 33 ح 5.
2- التهذیب 5 : 12 ، والاستبصار 2 : 142.
3- التهذیب 5 : 12 - 33 ، الإستبصار 2 : 142 - 465 ، الوسائل 8 : 58 أبواب وجوب الحج ب 33 ح 6.
4- التهذیب 5 : 13 ، الاستبصار 2 : 143.
5- الدروس : 86.

مسائل أربع :

الأولی : إذا استقرّ الحج فی ذمته ثم مات قضی عنه من أصل ترکته. فإن کان علیه دین وضاقت الترکة قسّمت علی الدین وأجرة المثل بالحصص.

______________________________________________________

یقدم الماشی أو نمشی؟ فقال : « الرکوب أفضل » (1).

ومنها : أن الرکوب أفضل لمن کان الحامل له علی المشی توفیر المال مع استغنائه عنه ، والمشی أفضل إن کان الحامل له علیه کسر النفس ومشقة العبادة ، اختاره الإمام الربانی میثم البحرانی فی شرح النهج (2) ، وهو جید ، لأن الشّح جامع لمساوی العیوب کما ورد فی الخبر (3) ، فیکون دفعه أولی من العبادة بالمشی. ویدل علیه أیضا ما رواه الکلینی ، عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المشی أفضل أو الرکوب؟ فقال : « إن کان الرجل موسرا یمشی لیکون أقل لنفقته فالرکوب أفضل » (4).

ولا فرق فی ذلک کله بین حجة الإسلام وغیرها وان کانت العبارة تشعر باختصاص الحکم بها.

قوله : ( الأولی ، إذا استقر الحج فی ذمته ثم مات قضی عنه من أصل ترکته ، فإن کان علیه دین وضاقت الترکة قسّمت علی الدین وأجرة المثل بالحصص ).

أما وجوب القضاء عن المیت من أصل ترکته مع استقرار الحج فی ذمته فقال العلامة فی التذکرة والمنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (5). ووافقنا علیه

- القضاء عن المیت

ص: 82


1- التهذیب 5 : 13 - 34 ، الإستبصار 2 : 143 - 466 ، الوسائل 8 : 54 أبواب وجوب الحج ب 32 ح 2.
2- شرح نهج البلاغة 1 : 225.
3- نهج البلاغة ( محمد عبده ) : 245 - الکلمات القصار - رقم 378.
4- الکافی 4 : 456 - 3 ، الوسائل 8 : 59 أبواب وجوب الحج ب 33 ح 10.
5- التذکرة 1 : 306 ، والمنتهی 2 : 871.

______________________________________________________

أکثر العامة (1). والمستند فیه الأخبار المستفیضة ، کصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یقضی عن الرجل حجة الإسلام من جمیع ماله » (2).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یموت ولم یحج حجة الإسلام ویترک مالا ، قال : « علیه أن یحج عنه من ماله رجلا صرورة لا مال له » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل مات ولم یحج حجة الإسلام یحج عنه؟ قال : « نعم » (4).

وموثقة سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یموت ولم یحج حجة الإسلام ، ولم یوص بها ، وهو موسر ، فقال : « یحج عنه من صلب ماله ، لا یجوز غیر ذلک » (5).

وأما أنه مع ضیق الترکة یجب قسمتها علی الدین ، وأجرة المثل بالحصص فواضح ، لاشتراک الجمیع فی الثبوت وانتفاء الأولویة.

ثم إن قامت حصة الحج من التوزیع أو من جمیع الترکة مع انتفاء الدین بأجرة الحج فواضح ، ولو قصرت عن الحج والعمرة من أقرب المواقیت ووسعت لأحدهما فقد أطلق جمع من الأصحاب وجوبه.

ص: 83


1- منهم المزنی فی مختصره : 62 ، وابن حزم فی المحلی 7 : 62 ، وابن قدامة فی المغنی 3 : 196.
2- التهذیب 5 : 403 - 1405 ، الوسائل 8 : 50 أبواب وجوب الحج ب 28 ح 3.
3- الکافی 4 : 306 - 3 ، التهذیب 5 : 15 - 42 ، الوسائل 8 : 49 أبواب وجوب الحج ب 28 ح 1.
4- الفقیه 2 : 270 - 1320 وفیه زیادة : ولم یوص بها ، وکذا فی « م » ، التهذیب 2 : 15 - 43 ، الوسائل 8 : 50 أبواب وجوب الحج ب 28 ح 2.
5- التهذیب 5 : 15 - 41 ، الوسائل 8 : 50 أبواب وجوب الحج ب 28 ح 4.

الثانیة : یقضی الحج من أقرب الأماکن ، وقیل : یستأجر من بلد المیت ، وقیل : إن اتسع المال فمن بلده ، وإلا فمن حیث یمکن ، والأول أشبه.

______________________________________________________

ولو تعارضا احتمل التخییر لعدم الأولویة ، وتقدیم الحج لأنه أهم فی نظر الشرع ، ویحتمل قویا سقوط الفرض مع القصور عن الحج والعمرة إن کان الفرض التمتع لدخول العمرة فی الحج علی ما سیجی ء بیانه (1).

ولو قصر نصیب الحج عن أحد الأمرین وجب صرفه فی الدین إن کان معه ، وإلا عاد میراثا ، ولا یجب صرفه فی شی ء من أفعال الحج والعمرة ، لعدم ثبوت التعبد بذلک علی الخصوص.

قوله : ( الثانیة ، یقضی الحج من أقرب الأماکن ، وقیل : یستأجر من بلد المیت ، وقیل : إن اتسع المال فمن بلده ، وإلا فمن حیث یمکن ، والأول أشبه ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من الاکتفاء بقضاء الحج من أقرب الأماکن قول أکثر الأصحاب. والمراد بأقرب الأماکن أقرب المواقیت إلی مکة إن أمکن الاستیجار منه ، وإلا فمن غیره مراعیا للأقرب فالأقرب ، فإن تعذر الاستیجار من أحد المواقیت وجب الاستیجار من أقرب ما یمکن الحج منه إلی المیقات. وقال ابن إدریس : لا یجزی إلا من بلده إن خلّف سعة ، وإن قصرت الترکة حج عنه من المیقات (2). وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (3). والمعتمد الأول.

لنا : أن الواجب قضاء الحج ، وهو عبارة عن المناسک المخصوصة ، وقطع المسافة لیس جزءا منه ، بل ولا واجبا لذاته ، وإنما وجب لتوقف الواجب علیه ، فإذا انتفی التوقف انتفی الوجوب. علی أنه لو سلمنا وجوبه

قضاء الحج من أقرب الأماکن

ص: 84


1- فی ص 168.
2- السرائر : 120.
3- النهایة : 203.

______________________________________________________

لم یلزم من ذلک وجوب قضائه ، لأن القضاء إنما یجب بدلیل من خارج ، وهو إنما قام علی وجوب قضاء الحج خاصة.

واستدل المصنف فی المعتبر علی هذا القول بأن الواجب فی الذمة لیس إلا الحج ، فلا یکون قطع المسافة معتبرا ، وبأن المیت لو اتفق حضوره بعض المواقیت لا بقصد الحج أجزأه الحج من المیقات ، فکذا لو قضی عنه (1). ونحوه قال فی المختلف ، وقال : إن المسافر لو اتفق قربه من المیقات فحصلت له الشرائط وجب علیه أن یحج من ذلک الموضع ، وکذا لو استطاع فی غیر بلده لم یجب علیه قصد بلده وإنشاء الحج منه بلا خلاف ، فعلم أن قطع المسافة لیس واجبا فلا یجب الاستیجار منه (2).

ویمکن أن یستدل علی ذلک أیضا بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حریز بن عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أعطی رجلا حجة یحج عنه من الکوفة فحج عنه من البصرة ، قال : « لا بأس ، إذا قضی جمیع المناسک فقد تم حجه » (3).

وفی الصحیح عن علی بن رئاب ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أوصی أن یحج عنه حجة الإسلام ، فلم یبلغ جمیع ما ترک إلا خمسون درهما ، قال : « یحج عنه من بعض الأوقات التی وقت رسول الله صلی الله علیه و آله من قرب » (4) أطلق علیه السلام الحج عنه من بعض المواقیت ولم یستفصل عن إمکان الحج بذلک من البلد أو غیره مما هو أبعد من المیقات ، فدل علی عدم وجوبه.

ص: 85


1- المعتبر 2 : 760.
2- المختلف : 257.
3- التهذیب 5 : 415 - 1445 ، الوسائل 8 : 127 أبواب النیابة فی الحج ب 11 ح 1.
4- التهذیب 5 : 405 - 1411 ، الإستبصار 2 : 318 - 1128 ، الوسائل 8 : 117 أبواب النیابة فی الحج ب 2 ح 1 ، ورواها عن ابن رئاب فی الکافی 4 : 308 - 4.

______________________________________________________

وعن زکریا بن آدم ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل مات وأوصی بحجة ، أیجزیه أن یحج عنه من غیر البلد الذی مات فیه؟ فقال : « ما کان دون المیقات فلا بأس » (1).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « وإن أوصی أن یحج عنه حجة الإسلام ولم یبلغ ماله ذلک فلیحج عنه من بعض المواقیت » (2) وما رواه الکلینی ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن محمد بن عبد الله ، قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الرجل یموت فیوصی بالحج من أین یحج عنه؟ قال : « علی قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله ، وإن لم یسعه ماله من منزله فمن الکوفة ، فإن لم یسعه من الکوفة فمن المدینة » (3).

لأنا نجیب عنهما بأنهما إنما تضمنتا الحج من البلد مع الوصیة ، ولعل القرائن الحالیة کانت دالة علی إرادة الحج من البلد ، کما هو الظاهر من الوصیة عند الإطلاق فی زماننا ، فلا یلزم مثله مع انتفاء الوصیة.

احتج ابن إدریس علی وجوب الحج من البلد بتواتر الأخبار بذلک ، وبأن المحجوج عنه کان یجب علیه الحج من بلده ونفقة طریقه ، فمع الموت لا تسقط النفقة (4).

وأجاب المصنف فی المعتبر عن الأول بالمنع من تواتر الأخبار بذلک ، قال : ودعوی المتأخرین تواتر الأخبار غلط ، فإنا لم نقف فی ذلک علی خبر شاذ ، فکیف یدعی التواتر؟!

ص: 86


1- الکافی 4 : 308 - 1 ، الوسائل 8 : 117 أبواب النیابة فی الحج ب 2 ح 4.
2- التهذیب 5 : 405 - 1410. ولکنه من کلام الشیخ ، وعدّه من روایة الحلبی السابقة علیه غفلة منه رحمه الله . وقد ورد بهذا المعنی روایات کثیرة - راجع الوسائل 8 : 117 أبواب النیابة فی الحج ب 2.
3- الکافی 4 : 308 - 3 ، الوسائل 8 : 117 أبواب النیابة فی الحج ب 2 ح 3.
4- السرائر : 121.

______________________________________________________

وعن الثانی بأنه لیس بشی ء ، لأنا لا نسلم وجوب الحج من البلد ، بل لو أفاق المجنون عند بعض المواقیت أو استغنی الفقیر وجب أن یحج من موضعه ، علی أنه یحصل (1) إلی أن الإنسان یجب علیه أن ینشئ حجه من بلده ، فدعواه هذه غلط ، فما رتبه علیه أشد غلطا (2).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : الموجود فیما وقفت علیه من کتب الأصحاب حتی فی کلام المصنف فی المعتبر (3) أن فی المسألة قولین کما نقلناه ، وقد جعل المصنف هنا الأقوال ثلاثة ، ولا یتحقق الفرق بین القولین الأخیرین إلا علی تقدیر القول بسقوط الحج مع عدم سعة المال للحج من البلد علی القول الثانی ، ولا نعرف بذلک قائلا ، مع أنه مخالف للروایات کلها.

الثانی : الظاهر أن المراد من البلد الذی یجب الحج منه علی القول به محل الموت حیث کان ، کما صرح به ابن إدریس (4) ، ودل علیه دلیله. وقال فی التذکرة : لو کان له موطنان قال الموجبون للاستنابة من البلد یستناب من أقربهما (5). وهو غیر واضح ، لأن دلیل الموجبین إنما یدل علی ما ذکرناه.

الثالث : أوجب الشهید فی الدروس القضاء من المنزل مع السعة ، ثم قال : ولو قضی مع السعة من المیقات أجزأ وإن أثم الوارث ، ویملک المال الفاضل ، ولا یجب صرفه فی نسک أو بعضه ، أو فی وجوه البر (6). ویشکل بعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه علی هذا التقدیر ، فلا یتحقق الامتثال.

ص: 87


1- أی : یرجع ، والموجود فی المعتبر : علی أنه لم یذهب محصل إلی.
2- المعتبر 2 : 760.
3- المعتبر 2 : 760.
4- السرائر : 120.
5- التذکرة 1 : 307.
6- الدروس : 86.

الثالثة : من وجب علیه حجة الإسلام لا یحج عن غیره ، ولا تطوعا

______________________________________________________

الرابع : موضع الخلاف ما إذا لم یوص بالحج من البلد ، أو یطلق وتدل القرائن الحالیة أو المقالیة علی إرادته ، أما مع الوصیة به کذلک فیجب قضاؤه من البلد الذی تعلقت به الوصیة ، سواء کانت بلد الموت أو غیرها بغیر إشکال.

الخامس : لو أوصی بالحج من البلد فإن قلنا بوجوبه کذلک بدون الوصیة کانت أجرة المثل لذلک خارجة من أصل المال ، وإن قلنا الواجب الحج من المیقات کان ما زاد علی أجرة ذلک محسوبا من الثلث إن أمکن الاستیجار من المیقات ، وإلا وجب الإخراج من حیث یمکن ، وکانت أجرة الجمیع خارجة من الأصل کما هو واضح.

قوله : ( الثالثة ، من وجب علیه حجة الإسلام لا یحج عن غیره ، ولا تطوعا ).

أما المنع من التطوع فواضح ، لمنافاته الواجب الفوری المقدور علیه بالتمکن من التطوع. وأما المنع من الحج عن الغیر فإنما یتم مع التمکن من الإتیان بالواجب ، فلو تعذر جازت الاستنابة (1). لجواز تأخیر ذلک الواجب الفوری بالعجز عنه ، ومتی جاز التأخیر انتفی المنع (2) من الاستنابة کما هو ظاهر.

وقد قطع الأصحاب بفساد التطوع والحج عن الغیر والحال هذه ، وهو إنما یتم إذا ورد فیه نهی علی الخصوص ، أو قلنا باقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن ضده الخاص.

وربما ظهر من صحیحة سعد بن أبی خلف خلاف ذلک ، فإنه قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن الرجل الصرورة یحج عن المیت ،

عدم جواز النیابة لمن وجب علیه الحج

ص: 88


1- بأن کان غیر متمکنا من الحج بعد استقراره علیه ولو متسکعا ، أو کان غیر عالم بالاستطاعة.
2- فی « م » و « ح » : المانع.

وکذا من وجب علیه بنذر أو إفساد.

الرابعة : لا یشترط وجود المحرم فی النساء ، بل یکفی غلبة ظنها بالسلامة ،

______________________________________________________

قال : « نعم إذا لم یجد الصرورة ما یحج به عن نفسه ، فإن کان له ما یحج به عن نفسه فلیس یجزی عنه حتی یحج من ماله ، وهو یجزی للمیت إن کان للصرورة مال وإن لم یکن له مال » (1) والمسألة محل تردد.

قوله : ( وکذا من وجب علیه بنذر أو إفساد ).

الکلام فی الواجب بالإفساد کما سبق فی حج الإسلام ، لأن ظاهر الأخبار وکلام الأصحاب مساواته له فی الفوریة. وأما الواجب بالنذر فإنما یتم الحکم فیه إذا کان معینا أو مطلقا وقلنا باقتضاء الإطلاق الفوریة ، وإلا أمکن القول بجواز الاستنابة مع الإطلاق ، بل والتطوع أیضا إن لم یثبت النهی عن التطوع ممن فی ذمته واجب هنا کما فی الصلاة والصوم.

قوله : ( الرابعة ، لا یشترط وجود المحرم فی النساء ، بل یکفی غلبة ظنها بالسلامة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی (2). ویدل علیه مضافا إلی الأوامر المطلقة أخبار کثیرة ، کصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تخرج إلی مکة بغیر ولی فقال : « لا بأس ، تخرج مع قوم ثقات » (3).

وصحیحة سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المرأة

عدم اشتراط وجود المحرم مع النساء.

ص: 89


1- الکافی 4 : 305 - 2 ، التهذیب 5 : 410 - 1427 ، الإستبصار 2 : 319 - 1131 ، الوسائل 8 : 121 أبواب النیابة فی الحج ب 5 ح 1.
2- المنتهی 2 : 658.
3- الکافی 4 : 282 - 5 ، الفقیه 2 : 268 - 1308 ، الوسائل 8 : 109 أبواب وجوب الحج ب 58 ح 3.

______________________________________________________

ترید الحج ولیس معها محرم ، هل یصلح لها الحج؟ فقال : « نعم إذا کانت مأمونة » (1).

وصحیحة صفوان الجمال قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : قد عرفتنی بعملی ، تأتینی المرأة أعرفها بإسلامها وحبها إیاکم وولایتها لکم لیس لها محرم فقال : « إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها ، فإن المؤمن محرم المؤمنة ، ثم تلا هذه الآیة ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ ) (2) » (3) والظاهر أن المراد من قوله علیه السلام : « المؤمن محرم المؤمنة » أن المؤمن کالمحرم فی جواز مرافقته للمرأة.

ومقتضی هذه الروایات الاکتفاء فی المرأة بوجود الرفقة المأمونة ، وهی التی یغلب ظنها بالسلامة معها ، فلو انتفی الظن المذکور بأن خافت علی النفس أو البضع أو العرض ولم یندفع ذلک إلا بالمحرم اعتبر وجوده قطعا ، لما فی التکلیف بالحج مع الخوف من فوات شی ء من ذلک من الحرج والضرر المنفیین بالآیة والروایة ، بل یحتمل قویا اعتبار المحرم فی من تشق علیها مخاطبة الأجانب من النساء مشقة شدیدة ، دفعا للحرج اللازم من عدم اعتباره.

والمراد بالمحرم هنا الزوج ومن یحرم علیه نکاحها مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، ومع الاحتیاج إلیه یشترط فی الوجوب علیها سفره معها ، ولا یجب علیها إجابتها إلیه تبرعا ولا بأجرة ، ولو طلب الأجرة وجب علیها دفعها مع القدرة ، لکونها جزء من استطاعتها.

ولو ادعی الزوج الخوف علیها وأنکرت عمل بشاهد الحال مع انتفاء

ص: 90


1- الکافی 4 : 282 - 4 ، الفقیه 2 : 268 - 1309 ، الوسائل 8 : 108 أبواب وجوب الحج ب 58 ح 2.
2- التوبة : 71.
3- الفقیه 2 : 268 - 1301 ، الوسائل 8 : 108 أبواب وجوب الحج ب 58 ح 1.

ولا یصحّ حجها تطوعا إلا بإذن زوجها ، ولها ذلک فی الواجب کیف کان ،

______________________________________________________

البینة ، ومع فقدهما یقدم قولها. وفی اعتبار الیمین وجهان ، من أصالة عدم سلطته علیها فی ذلک ، ومن أنها لو اعترفت لنفعه اعترافها. وقرب الشهید فی الدروس انتفاء الیمین (1). وهو قریب (2).

وهل یملک الزوج والحال هذه منعها باطنا؟ قیل : نعم ، لأنه محق عند نفسه (3) ، وقیل : لا ، لتوجه الوجوب إلیها ومخاطبتها بالسفر شرعا لظنها السلامة (4). ولعل هذا أقرب.

قوله : ( ولا یصح حجها تطوعا إلا بإذن زوجها ).

هذا قول علمائنا أجمع ، بل قال فی المنتهی : إنه لا نعلم فیه خلافا بین أهل العلم ، واستدل علیه بأن حق الزوج واجب فلا یجوز لها تفویته بما لیس بواجب (5) ، وبما رواه ابن بابویه فی الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام تقول لزوجها حجنی (6) مرة أخری ، أله أن یمنعها؟ قال : « نعم ، یقول لها : حقی علیک أعظم من حقک علیّ فی ذا » (7).

وقد یقال : إن الدلیل الأول إنما یقتضی المنع من الحج إذا استلزم تفویت حق الزوج ، والمدعی أعم من ذلک ، والروایة إنما تدل علی أن للزوج المنع ، ولا یلزم منه التوقف علی الإذن ، إلا أنه لا خروج عما علیه الأصحاب.

قوله : ( ولها ذلک فی الواجب کیف کان ).

عدم اشتراط إذن الزوج للحج الواجب

ص: 91


1- الدروس : 85.
2- فی « ض » : أقرب.
3- کما فی المسالک 1 : 92 ، والروضة البهیة 2 : 170.
4- کما فی المبسوط 1 : 303.
5- المنتهی 2 : 659.
6- فی « م » : حج بی ، وفی المصدر : أحجنی.
7- الفقیه 2 : 268 - 1307 ، الوسائل 8 : 110 أبواب وجوب الحج ب 59 ح 2.

وکذا لو کانت فی عدّة رجعیّة ،

______________________________________________________

یستفاد من هذا التعمیم أنه لا فرق فی الواجب بین المضیق وغیره ، وهو کذلک. وربما قیل بأن للزوج المنع فی الموسع إلی محل التضییق. وهو ضعیف ، لأصالة عدم سلطنته علیها فی ذلک.

ویدل علی عدم اعتبار إذن الزوج فی حجة الإسلام صریحا روایات ، منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة لها زوج وهی صرورة ولا یأذن لها فی الحج ، قال : « تحج وإن لم یأذن لها » (1) قال الصدوق - رحمه الله - بعد نقل هذه الروایة : وفی روایة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن الصادق علیه السلام ، قال : « تحج وإن رغم أنفه » (2).

قوله : ( وکذا لو کانت فی عدّة رجعیة ).

المراد أن المعتدة رجعیة کالزوجة فی توقف حجها المندوب علی إذن الزوج دون الواجب. ویدل علی الحکمین ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المطلقة إن کانت صرورة حجت فی عدتها ، وإن کانت حجت فلا تحج حتی تنقضی عدتها » (3) ولعل المراد أنها لا تحج بدون إذنه کما یدل علیه قوله علیه السلام فی حسنة الحلبی : « لا ینبغی للمطلقة أن تخرج إلا بإذن زوجها حتی تنقضی عدتها » (4) وفی روایة معاویة بن عمار : « المطلقة تحج فی عدتها إن طابت نفس زوجها » (5).

ص: 92


1- الفقیه 2 : 268 - 1305 ، الوسائل 8 : 111 أبواب وجوب الحج ب 59 ح 4.
2- الفقیه 2 : 268 - 1306 ، الوسائل 8 : 111 أبواب وجوب الحج ب 59 ح 5.
3- التهذیب 5 : 402 - 1399 ، الإستبصار 2 : 318 - 1125 ، الوسائل 8 : 112 أبواب وجوب الحج ب 60 ح 2.
4- الکافی 6 : 89 - 1 ، التهذیب 8 : 116 - 402 ، الإستبصار 3 : 333 - 1184 ، الوسائل 15 : 434 أبواب العدد ب 18 ح 1.
5- الکافی 6 : 91 - 12 ، التهذیب 8 : 131 - 452 ، الإستبصار 3 : 333 - 1187 ، الوسائل 15 : 439 أبواب العدد ب 22 ح 2.

وفی البائنة لها المبادرة من دون إذنه.

القول فی شرائط ما یجب بالنذر ، والیمین ، والعهد

وشرائطها اثنان :

الأول : کمال العقل ، فلا ینعقد نذر الصبی ، ولا المجنون.

الثانی : الحریة ، فلا یصح نذر العبد إلا بإذن مولاه.

______________________________________________________

قوله : ( وفی البائنة لها ذلک من دون إذنه ).

وذلک لانقطاع العصمة بینه وبینها وصیرورته أجنبیا منها ، فلا تعتبر إذنه کسائر الأجانب. ویدل علی جواز الحج لها مطلقا فی عدة الوفاة ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن التی یتوفی عنها زوجها ، أتحج فی عدتها؟ قال : « نعم » (1).

قوله : ( القول فی شرائط ما یجب بالنذر والیمین والعهد ).

هذه الشرائط مذکورة علی التفصیل فی کتاب الإیمان والنذور ، وقد جرت عادة الأصحاب بذکر طرف منها فی هذا الباب. واعلم أنه لا یشترط فی الحج الواجب بالنذر وما فی معناه شرائط حج الإسلام ، بل یکفی فی وجوبه التمکن منه من غیر مشقة شدیدة.

قوله : ( وشرائطها اثنان ).

أی : شرائط النذر والعهد والیمین.

قوله : ( الأول ، کمال العقل ، فلا ینعقد نذر الصبی ولا المجنون ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، لارتفاع القلم عنهما ، وسقوط حکم عبادتهما ، وکما لا ینعقد نذرهما لا ینعقد یمینهما ولا عهدهما.

قوله : ( الثانی الحریة ، فلا یصح نذر العبد إلا بإذن مولاه ).

الحج المنذور

- شرائط الحج المنذور

ص: 93


1- الفقیه 2 : 269 - 1312 ، الوسائل 8 : 113 أبواب وجوب الحج ب 61 ح 2.

ولو أذن له فی النذر فنذر وجب وجاز له المبادرة ولو نهاه. وکذا الحکم فی ذات البعل.

______________________________________________________

لا یخفی ما فی عنوان هذا الشرط من القصور وعدم الملائمة للتفریع ، وکان الأولی جعل الشرط الحریة أو إذن المولی. وقد أجمع الأصحاب علی أن المملوک لا یصح نذره ولا یمینه ولا عهدة إلا بإذن مولاه. ویدل علیه مضافا إلی عموم ما دل علی الحجر علیه (1) صحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا یمین لولد مع والده ، ولا لمملوک مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها » (2) وغیر ذلک من الأخبار.

قوله : ( ولو أذن له فی النذر وجب وجاز له المبادرة ولو نهاه ).

المراد أن المولی إذا أذن لمملوکه فی النذر أو ما فی معناه فأتی به وقع صحیحا ، ووجب علی المملوک الوفاء به ، وجاز له المبادرة إلی الإتیان بالواجب إذا کان وقته موسعا ولو نهاه المولی عن ذلک ، وهو کذلک ، تمسکا بأصالة عدم سلطنة المولی فی الواجب.

وجزم العلامة فی المنتهی بأنه یجب علی المولی إعانة المملوک علی أداء الحج بالحمولة إن احتاج إلیها ، لأنه السبب فی شغل ذمته (3). وهو غیر واضح ، لأن سببیته فی شغل الذمة لا تقتضی ذلک. نعم لو قیل بوجوب تمکینه من تحصیل ما یتوقف علیه الحج لتوقف الواجب (4) علیه کان وجها قویا.

قوله : ( وکذا الحکم فی ذات البعل ).

ص: 94


1- الوسائل 13 : 144 أبواب الحج ب 4 وص 466 أبواب الوصایا ب 78.
2- الکافی 7 : 440 - 6 ، الفقیه 3 : 227 - 1070 ، التهذیب 8 : 285 - 1050 ، الوسائل 16 : 155 أبواب الأیمان ب 10 ح 2.
3- المنتهی 2 : 875.
4- فی « م » : السبب.

مسائل ثلاث :

الأولی : إذا نذر الحج مطلقا فمنعه مانع أخّره حتی یزول المانع.

______________________________________________________

أی : لا یصح نذرها إلا بإذن بعلها ، ومتی أذن لها فی النذر فنذرت وجب وجاز لها المبادرة ولو نهاها.

والوجه فی هذه الأحکام معلوم مما سبق ، لکن یمکن المناقشة فی توقف نذر الزوجة علی إذن الزوج ، لأن الروایات إنما تضمنت توقف الیمین علی ذلک ، والنذر خلاف الیمین.

وقد یقال إن نذر الزوجة وإن لم یتوقف علی إذن الزوج علی وجه العموم لکن یجب اعتبار الإذن هنا من حیث إن من شرائط المنذور أن یکون مشروعا قبل النذر ، وقد تقدم أن حج المرأة تطوعا إنما یصح بإذن زوجها (1).

ویتوجه علیه أن اللازم من ذلک اعتبار الإذن فی الحج لا النذر ، وأحدهما غیر الآخر.

ولم یذکر المصنف حکم توقف یمین الولد وعهده ونذره علی إذن الوالد ، ولا ریب فی توقف الیمین علی الإذن ، للأخبار الصحیحة الدالة علیه (2). وفی النذر والعهد قولان ، یلتفتان إلی اختصاص النص بالیمین ، وإلی إطلاق الیمین علی النذر فی بعض الروایات فیثبت له حکمه. لکن لا یخفی ضعف الوجه الثانی ، لأن الإطلاق أعم من الحقیقة. وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک مفصلا إن شاء الله تعالی.

قوله : ( الأولی ، إذا نذر الحج مطلقا فمنعه مانع أخّره حتی یزول المانع ).

المراد بنذر الحج مطلقا : عدم تعیینه بوقت مقابل الوقت (3) الذی

حکم من نذر الحج ومنعه مانع

ص: 95


1- فی ص 91.
2- الوسائل 16 : 155 أبواب الأیمان ب 10 وص 237 أبواب النذر والعهد ب 15.
3- فی « ض » : القید.

ولو تمکن من أدائه ثم مات قضی عنه من أصل ترکته. ولا یقضی عنه قبل التمکن.

______________________________________________________

بعده ، وقد قطع الأصحاب بأن من نذر الحج مطلقا یجوز له تأخیره إلی أن یتضیق وقته بظن الوفاة ، بل قال الشارح قدس سره : إنه لا خلاف فیه (1).

واضح ، إذ لیس فی الأدلة النقلیة ما یدل علی اعتبار الفوریة ، والأمر المطلق إنما یدل علی طلب الماهیة من غیر إشعار بفور ولا تراخ ، کما بیناه مرارا.

وإنما قید المصنف التأخیر بالمانع لیترتب علیه ما بعده من الفروع ، وذکر الشارح - قدس سره - أن وجه التقیید دفع توهم بطلان النذر مع المانع لکون المنذور غیر مقدور علیه حینئذ ، وذلک لأن المعتبر فی بطلانه سلب القدرة فی جمیع الأوقات التی تدخل تحت الإطلاق (2). وهذا الوهم بعید جدا ، ودفعه بهذا التقیید أبعد. والمتجه ما ذکرناه.

قوله : ( ولو تمکن من أدائه ثم مات قضی عنه من أصل ترکته ، ولا یقضی عنه قبل التمکن ).

أما أنه لا یقضی عنه إذا مات قبل التمکن من أدائه فظاهر ، للأصل السالم من المعارض.

وأما وجوب قضائه من أصل الترکة إذا مات بعد التمکن من الحج فمقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، واستدلوا علیه بأنه واجب مالی ثابت فی الذمة فیجب قضاؤه من أصل ماله کحج الإسلام ، وهو استدلال ضعیف ، أما أولا فلأن النذر إنما اقتضی وجوب الأداء ، والقضاء یحتاج إلی أمر جدید کما فی حج الإسلام ، وبدونه یکون منفیا بالأصل السالم من المعارض.

وأما ثانیا فلمنع کون الحج واجبا مالیا ، لأنه عبارة عن المناسک المخصوصة ، ولیس بذل المال داخلا فی ماهیته ولا فی ضروریاته ، وتوقفه

ص: 96


1- المسالک 1 : 93.
2- المسالک 1 : 93.

فإن عین الوقت فأخل [ به ] مع القدرة قضی عنه. وإن منعه عارض لمرض أو عدو حتی مات لم یجب قضاؤه عنه.

______________________________________________________

علیه فی بعض الصور کتوقف الصلاة علیه علی بعض الوجوه ، کما إذا احتاج إلی شراء الماء واستیجار المکان والساتر ونحو ذلک مع القطع بعدم وجوب قضائها من الترکة.

وذهب جمع من الأصحاب إلی وجوب قضاء الحج المنذور من الثلث ، ومستنده غیر واضح أیضا.

وبالجملة فالنذر إنما تعلق بفعل الحج مباشرة ، وإیجاب قضائه من الأصل أو الثلث یتوقف علی الدلیل. وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله عند ذکر المصنف الخلاف فی المسألة (1).

قوله : ( فإن عیّن الوقت فأخل به مع القدرة قضی عنه ، وإن منعه عارض کمرض أو عدو حتی مات لم یجب قضاؤه عنه ).

إذا نذر الحج فی وقت معیّن وجب علی الناذر الإتیان به فی ذلک الوقت مع الإمکان ، فإن أخل به مع القدرة وجب علیه الکفارة والقضاء فیما قطع به الأصحاب. ویتوجه علی وجوب القضاء ما سبق من الإشکال.

ولو لم یتمکن الناذر من الإتیان بالمنذور بأن منعه عارض کمرض أو عدو حتی مات لم یجب قضاؤه عنه إجماعا ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

ولا یخفی أن طرو المانع من فعل المنذور فی وقته لا یقتضی بطلان النذر ، لوقوعه صحیحا ابتداء وإن سقط الواجب بالعجز عنه ، وهذا بخلاف نذر غیر المقدور ابتداء کالطیران ونحوه ، فإن النذر یقع فاسدا من أصله کما هو واضح.

ص: 97


1- فی ص 152.

ولو نذر الحج أو أفسد حجه وهو معضوب ، قیل : یجب أن یستنیب ، وهو حسن.

الثانیة : إذا نذر الحج ، فإن نوی حجة الإسلام تداخلا ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو نذر الحج أو أفسد حجه وهو معضوب قیل : یجب أن یستنیب ، وهو حسن ).

الظاهر أن قوله : وهو معضوب ، جملة حالیة من فاعل نذر وأفسد فیفید اعتبار وقوع النذر والإفساد فی حال العضب. والقول بوجوب الاستنابة فیهما للشیخ (1) وأتباعه ، وهو متوجه فی الإفساد إن قلنا إن الثانیة حجة الإسلام ، لما بیناه فیما سبق من وجوب الاستنابة فیها مع العضب.

وأما فی النذر فمشکل ، أما أولا فلسقوط الواجب بالعجز عنه ، واختصاص الروایات المتضمنة لوجوب الاستنابة بحج الإسلام (2).

وأما ثانیا فلأن النذر إذا وقع فی حال العضب فإن کان مقیدا بوقت معین واستمر المانع إلی ذلک الوقت بطل النذر ، وإن کان مطلقا توقع المکنة ، ومع الیأس یبطل ، ولا تجب الاستنابة فی الصورتین ، نعم لو لاحظ فی نذره الاستنابة وجبت قولا واحدا.

ولو حصل العضب بعد النذر والتمکن من الفعل فقد قطع الشارح (3) وغیره (4) بوجوب الاستنابة ( فی الصورتین ) (5) ونحن نطالبهم بدلیله.

قوله : ( الثانیة ، إذا نذر الحج ، فإن نوی حجة الإسلام تداخلا ،

حکم من نذر الحج وعلیه حجة الاسلام.

ص: 98


1- المبسوط 1 : 299.
2- الوسائل 8 : 43 أبواب وجوب الحج ب 24.
3- المسالک 1 : 93.
4- کالشهید فی الدروس : 84.
5- ما بین القوسین لیس فی « م ».

وإن نوی غیرها لم یتداخلا. وان أطلق ، قیل : إن حج ونوی النذر أجزأه عن حجة الإسلام ، وإن نوی حجة الإسلام لم یجز عن النذر ، وقیل : لا یجزی إحداهما عن الأخری ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

وإن نوی غیرها لم یتداخلا ، وأن أطلق قیل : إن حج ونوی النذر أجزأه عن حجة الإسلام ، وإن نوی حجة الإسلام لم یجز عن النذر ، وقیل : لا تجزی إحداهما عن الأخری. وهو الأشبه ).

إذا نذر المکلف الحج ، فإما أن ینوی حجة الإسلام ، أو غیرها ، أو یطلق بأن لا ینوی شیئا منهما ، فالصور ثلاث :

الأولی : أن ینذر حج الإسلام ، والأصح انعقاد نذره للعموم ، وفائدة النذر زیادة الانبعاث علی الفعل ، ووجوب الکفارة مع تأخیره عن الوقت المعین. وإنما یجب الحج مع الاستطاعة کما لو تجرد عن النذر ، ولا یجب تحصیلها قطعا ، لأن المنذور لیس أمرا زائدا علی حج الإسلام ، إلا أن ینذر تحصیلها فیجب. ولو قید النذر بسنة معیّنة فتخلفت الاستطاعة عنها بطل النذر.

الثانیة : أن ینذر حجا غیر حجة الإسلام ، ولا ریب فی عدم التداخل علی هذا التقدیر.

ثم إن کان مستطیعا حال النذر وکانت حجة النذر مطلقة أو مقیدة بزمان متأخر عن ذلک العام قدّم حج الإسلام ، وإن قیدها بسنة الاستطاعة وقصد الحج عن النذر مع بقاء الاستطاعة بطل النذر من أصله ، لأنه نذر ما لا یصح فعله ، وإن قصد الحج مع فقد الاستطاعة صح ، ولو خلا عن القصد احتمل البطلان ، لأنه نذر فی عام الاستطاعة غیر حج الإسلام ، والصحة حملا للنذر علی الوجه المصحح ، وهو ما إذا فقدت الاستطاعة.

وإن تقدم النذر علی الاستطاعة وجب الإتیان بالمنذور مع القدرة وإن لم تحصل الاستطاعة الشرعیة کما فی غیره من الواجبات.

ولو اتفق حصول الاستطاعة قبل الإتیان بالحج المنذور قدمت حجة

ص: 99

______________________________________________________

الإسلام إن کان النذر مطلقا أو مقیدا بما یزید عن تلک السنة أو بمغایرها ، لأن وجوبها علی الفور بخلاف المنذورة علی هذا الوجه ، وإلا قدّم النذر ، لعدم تحقق الاستطاعة فی تلک السنة ، لأن المانع الشرعی کالمانع العقلی. وعلی هذا فیراعی فی وجوب حج الإسلام بقاء الاستطاعة إلی السنة الثانیة.

واعتبر الشهید فی الدروس فی حج النذر الاستطاعة الشرعیة ، وحکم بتقدیم حج النذر مع حصول الاستطاعة بعده وإن کان مطلقا (1). وکلا الحکمین مشکل ، أما الأول فلأن الاستطاعة بهذا المعنی إنما ثبت اعتبارها فی حج الإسلام ، وغیره من الواجبات یراعی فیه التمکن من الفعل خاصة.

وأما الثانی فلأن النذر المطلق موسع وحجة الإسلام مضیقة ، والمضیق مقدم علی الموسع.

الثالثة : أن یطلق النذر ، بأن لا یقصد حجة الإسلام ولا غیرها. وقد اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی الجمل والخلاف (2) وابن البراج (3) وابن إدریس (4) إلی أن حکمها کالثانیة ، تعویلا علی أن اختلاف السبب یقتضی اختلاف المسبب. وهو احتجاج ضعیف ، فإن هذا الاقتضاء إنما یتم فی الأسباب الحقیقیة دون المعرفات الشرعیة ، ولذا حکم کل من قال بانعقاد نذر الواجب بالتداخل إذا تعلق النذر بحج الإسلام من غیر التفات إلی اختلاف الأسباب.

وقال الشیخ فی النهایة : إن نوی حج النذر أجزأ عن حج الإسلام ، وإن نوی حجة الإسلام لم یجزئه عن المنذورة (5). ومرجع هذا القول إلی التداخل مطلقا ، وإنما لم یکن الحج المنوی به حج الإسلام خاصة مجزیا

ص: 100


1- الدروس : 86.
2- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 224 ، والخلاف 1 : 478.
3- المهذب 1 : 268 ، وجواهر الفقه ( الجوامع الفقهیة ) : 480.
4- السرائر : 121.
5- النهایة : 205.

______________________________________________________

عن الحج المنذور ، لأن الحج إنما ینصرف إلی النذر بالقصد ، بخلاف حج الإسلام ، فإنه یکفی فیه الإتیان بالحج ، ولا یعتبر فیه ملاحظة کونه حج الإسلام.

احتج الشیخ علی هذا القول بما رواه فی الصحیح ، عن رفاعة بن موسی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نذر أن یمشی إلی بیت الله الحرام فمشی ، هل یجزیه عن حجة الإسلام؟ قال : « نعم » قلت : أرأیت إن حج عن غیره ولم یکن له مال وقد نذر أن یحج ماشیا ، أیجزی عنه ذلک من مشیه؟ قال : « نعم » (1) والظاهر أن المراد بنذر المشی إلی بیت الله نذر الحج ماشیا کما یدل علیه آخر الروایة.

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل نذر أن یمشی إلی بیت الله فمشی ، أیجزیه عن حجة الإسلام؟ قال : « نعم » (2).

ویدل علی هذا القول أیضا صدق الامتثال بالفعل الواحد علی حد ما قیل فی تداخل الأغسال ، فإن من أتی بالحج بعد الاستطاعة یصدق علیه أنه امتثل الأوامر الواردة بحج الإسلام ووفّی بنذره.

وأجاب العلامة فی المختلف عن هاتین الروایتین بالحمل علی ما إذا تعلق النذر بحج الإسلام (3). وهو بعید.

وبالجملة فهذا القول لا یخلو من قوة وإن کان التعدد أحوط. ولو عمم الناذر النذر ، بأن نذر الإتیان بأی حج اتفق قوی القول بالاجتزاء بحج الإسلام وبحج النیابة أیضا ، والله أعلم.

ص: 101


1- التهذیب 5 : 406 - 1415 ، الوسائل 8 : 49 أبواب وجوب الحج ب 27 ح 3.
2- التهذیب 5 : 459 - 1595 ، الوسائل 8 : 48 أبواب وجوب الحج ب 27 ح 1.
3- المختلف : 322.

الثالثة : إذا نذر الحج ماشیا وجب

______________________________________________________

قوله : ( الثالثة ، إذا نذر الحج ماشیا وجب ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال فی المعتبر : إذا نذر الحج ماشیا وجب مع التمکن ، وعلیه اتفاق العلماء (1). ویدل علیه مضافا إلی العمومات المتضمنة لانعقاد نذر العبادات (2) خصوص صحیحة رفاعة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل نذر أن یمشی إلی بیت الله الحرام ، قال : « فلیمش » (3) وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة المتضمنة لأحکام نذر المشی فی الحج کما ستجی ء فی تضاعیف هذه المسائل.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی عبیدة الحذاء ، عن أبی جعفر علیه السلام : أنه سئل عن رجل نذر أن یمشی إلی مکة حافیا فقال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله خرج حاجا فنظر إلی امرأة تمشی بین الإبل فقال : من هذه؟ فقالوا : أخت عقبة بن عامر ، نذرت أن تمشی إلی مکة حافیة ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : یا عقبة انطلق إلی أختک فمرها فلترکب ، فإن الله غنی عن مشیها وحفاها ، قال : فرکبت » (4) لأنا نقول أقصی ما تدل علیه هذه الروایة عدم انعقاد نذر المشی مع الحفاء ، وکأنه لما فیه من المشقة الشدیدة ، فلا یلزم من ذلک عدم انعقاد نذر المشی مطلقا.

وأجاب المصنف فی المعتبر عن هذه الروایة بأنها حکایة حال ، فلعلّ النبی صلی الله علیه و آله علم منها العجز (5). وهو مشکل ، لأن إیراد ذلک

حکم من نذر الحج ماشیا

ص: 102


1- المعتبر 2 : 763.
2- الوسائل 16 : 219 أبواب النذر والعهد ب 1.
3- التهذیب 5 : 403 - 1402 ، الإستبصار 2 : 150 - 492 ، الوسائل 8 : 59 أبواب وجوب الحج ب 34 ح 1.
4- التهذیب 5 : 13 - 37 ، الإستبصار 2 : 150 - 491 ، الوسائل 8 : 60 أبواب وجوب الحج ب 34 ح 4.
5- المعتبر 2 : 763.

ویقوم فی مواضع العبور.

______________________________________________________

فی الروایة علی سبیل الجواب یقتضی عدم اختصاص الحکم بتلک المرأة.

وقال العلامة فی القواعد : لو نذر الحج ماشیا وقلنا المشی أفضل انعقد الوصف ، وإلا فلا (1).

وقال ولده فی الإیضاح : إذا نذر الحج ماشیا انعقد أصل النذر إجماعا ، وهل یلزم القید مع القدرة؟ فیه قولان مبنیان علی أن المشی أفضل من الرکوب ، أو الرکوب أفضل من المشی (2). وهذا البناء غیر سدید ، فإن المنذور وهو الحج علی هذا الوجه لا ریب فی رجحانه وإن کان غیره أرجح منه ، وذلک کاف فی انعقاد نذره ، إذ لا یعتبر فی المنذور کونه أفضل من جمیع ما عداه.

واختلف الأصحاب فی مبدأ المشی ومنتهاه ، والذی یقتضیه الوقوف مع المعنی المستفاد من اللفظ وجوبه من حین الشروع فی أفعال الحج ، وانتهاؤه بآخر أفعاله وهو رمی الجمار ، لأن ماشیا وقع حالا من فاعل أحجّ ، فیکون وصفا له ، وإنما یصدق حقیقة بتلبّسه به.

ولو تعلق النذر بالمشی من بلد النذر أو الناذر أو غیرهما أو دل العرف علیه وجب ، ولو اضطرب العرف بالنسبة إلی بلد النذر أو الناذر فالظاهر الاکتفاء بالمشی من أقرب البلدین إلی المیقات ، للشک فی وجوب الزائد.

قوله : ( ویقوم فی مواضع العبور ).

أی : یقف فی السفینة لو اضطر إلی العبور فیها. والمستند فی ذلک ما رواه السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه : « إن علیا علیه السلام سئل عن رجل نذر أن یمشی إلی البیت الحرام فمر فی المعبر ، قال : فلیقم فی

ص: 103


1- القواعد 2 : 142.
2- إیضاح الفوائد 4 : 66.

فإن رکب طریقه قضی.

______________________________________________________

المعبر قائما حتی یجوز » (1).

قال فی المعتبر : وهل هو علی الوجوب؟ فیه وجهان ، أحدهما نعم ، لأن المشی یجمع بین القیام والحرکة ، فإذا فات أحدهما تعیّن الآخر ، والأقرب أنه علی الاستحباب ، لأن نذر المشی ینصرف إلی ما یصح المشی فیه ، فیکون موضع العبور مستثنی بالعادة (2). وما قربه رحمه الله جید ، بل یمکن المناقشة فی استحباب القیام أیضا لضعف مستنده .

ولو تعارض فی النهر العبور علی قنطرة أو سفینة قدم ما یحصل معه المشی ، لعدم تحقق الاستثناء بالعادة إلا أن یکون المقصود العبور فی السفینة.

ولو أخل بالقیام فی موضع وجوبه قیل : کان کمن أخل بالمشی ، فیجی ء فیه ما هناک من التفصیل (3). ولو قلنا إن وجوبه لورود الأمر به لا لدخوله فی المنذور اتجه عدم منافاته لصحة الحج ، کما ذکره المحقق الشیخ علی رحمه الله (4).

قوله : ( فإن رکب طریقه قضی ).

المراد بالقضاء هنا الإعادة ، کما صرح به فی المعتبر (5).

ثم إن کانت السنة معینة فالقضاء بمعناه المتعارف ، ویلزمه مع ذلک کفارة خلف النذر. وإن کان النذر مطلقا فالقضاء بمعنی الفعل ثانیا ، ولا

وجوب القضاء لمن نذر المشی فرکب.

ص: 104


1- الکافی 7 : 455 - 6 ، الفقیه 3 : 235 - 1113 ، التهذیب 5 : 478 - 1693 ، الإستبصار 4 : 50 - 171 ، الوسائل 8 : 64 أبواب وجوب الحج ب 37 ح 1.
2- المعتبر 2 : 763.
3- احتمله ومال إلیه فی المسالک : 94.
4- 5جامع المقاصد 1 : 160.
5- المعتبر 2 : 764.

وإن رکب بعضا ، قیل : یقضی ویمشی مواضع رکوبه ، وقیل : بل یقضی ماشیا لإخلاله بالصفة المشترطة ، وهو أشبه.

______________________________________________________

کفارة. وإنما وجب علیه إعادة الحج ثانیا لإخلاله بالصفة المشروطة ، وتوقف الامتثال علی الإتیان بها.

ویستفاد من الحکم بوجوب إعادة الحج کون الحج المأتی به فاسدا ، وکأن وجهه أنه غیر مطابق للمنذور ، فلا یقع عن النذر لعدم المطابقة ، ولا عن غیره لانتفاء النیة کما هو المقدر.

واحتمل المصنف فی المعتبر الصحة وإجزاءه عن النذر وإن وجبت الکفارة بالإخلال بالمشی ، قال : لأن الإخلال بالمشی لیس مؤثرا فی الحج ، ولا هو من صفاته بحیث یبطل بفواته ، بل غایته أنه أخل بالمشی المنذور ، فإن کان مع القدرة وجبت علیه کفارة خلف النذر (1). وهو إنما یتوجه إذا کان المنذور الحج والمشی ، غیر مقید أحدهما بالآخر ، والمفهوم من نذر الحج ماشیا خلاف ذلک.

قوله : ( وإن رکب بعضا قیل : یقضی ویمشی مواضع رکوبه ، وقیل : یقضی ماشیا ، لإخلاله بالصفة المشترطة ، وهو أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله - لأن رکوب البعض مقتض للإخلال بالصفة المشترطة کرکوب الجمیع.

والقول بالقضاء ومشی موضع الرکوب للشیخ (2) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب ، واحتج علیه فی المختلف بأن الواجب علیه قطع المسافة ماشیا ، وقد حصل بالتلفیق ، فیخرج عن العهدة. ثم أجاب عنه بالمنع من حصوله مع التلفیق ، إذ لا یصدق علیه أنه قد حج ماشیا (3). وهو جید إن وقع الرکوب بعد التلبس بالحج ، إذ لا یصدق علی من رکب فی جزء من الطریق

ص: 105


1- المعتبر 2 : 764.
2- المبسوط 1 : 303.
3- المختلف : 323.

ولو عجز قیل : یرکب ویسوق بدنة ، وقیل : یرکب ولا یسوق ، وقیل : إن کان مطلقا توقع المکنة من الصفة ، وإن کان معینا بوقت سقط فرضه لعجزه ، والمروی الأول ، والسیاق ندب.

______________________________________________________

بعد التلبس بالحج أنه حج ماشیا ، وهذا بخلاف (1) ما إذا وقع الرکوب قبل التلبس بالحج مع تعلق النذر بالمشی من البلد ، لأن الواجب قطع تلک المسافة فی حال المشی وإن فعل فی أوقات متعددة ، وهو یحصل بالتلفیق ، إلا أن یکون المقصود قطعها کذلک فی عام الحج ، فتأمل.

قوله : ( ولو عجز قیل : یرکب ویسوق بدنة ، وقیل : یرکب ولا یسوق ، وقیل : إن کان مطلقا توقع المکنة من الصفة ، وإن کان معینا بوقت سقط فرضه لعجزه ، والمروی الأول ، والسیاق ندب ).

أما جواز الرکوب مع العجز فقال المصنف فی المعتبر : إنه مجمع علیه بین العلماء ، لأن الوجوب یسقط بالعجز ، لإناطة التکلیف بالوسع (2).

وإنما الخلاف فی وجوب السیاق وعدمه ، فذهب الشیخ (3) وجمع من الأصحاب إلی الوجوب ، واستدلوا علیه بصحیحة الحلبی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل نذر أن یمشی إلی بیت الله الحرام وعجز أن یمشی ، قال : « فلیرکب ولیسق بدنة ، ذلک یجزی عنه إذا عرف الله منه الجهد » (4).

وصحیحة ذریح المحاربی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل حلف لیحج ماشیا فعجز عن ذلک فلم یطقه ، قال : « فلیرکب ولیسق

حکم عاجز ناذر المشی

ص: 106


1- فی « ض » : الخلاف.
2- المعتبر 2 : 764.
3- النهایة : 205.
4- التهذیب 5 : 13 - 36 ، الإستبصار 2 : 149 - 489 ، الوسائل 8 : 60 أبواب وجوب الحج ب 34 ح 3.

______________________________________________________

الهدی » (1).

وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : وإذا جعل الرجل علی نفسه المشی إلی بیت الله فعجز عنه فلیرکب ولا شی ء علیه (2). ومقتضاه عدم وجوب السیاق ، وهو اختیار ابن الجنید علی ما نقل عنه (3) ، وبه قطع المصنف رحمه الله . واستدلوا علیه بأصالة البراءة ، وصحیحة رفاعة بن موسی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل نذر أن یمشی إلی بیت الله ، قال : « فلیمش » قلت : فإنه تعب ، قال : « إذا تعب رکب » (4).

وروایة عنبسة بن مصعب ، قال : نذرت فی ابن لی إن عافاه الله أن أحج ماشیا ، فمشیت حتی بلغت العقبة فاشتکیت فرکبت ، ثم وجدت راحة فمشیت ، فسألت أبا عبد الله علیه السلام ، قال : « إنی أحب إن کنت موسرا أن تذبح بقرة » فقلت : معی نفقة ، ولو شئت أن أذبح لفعلت ، وعلیّ دین ، فقال : « إنی أحب إن کنت موسرا أن تذبح بقرة » فقلت : شی ء واجب أفعله؟ فقال : « لا ، من جعل لله شیئا فبلغ جهده فلیس علیه شی ء » (5).

ویتوجه علیه أن الروایة الأولی لا تنافی وجوب السیاق ، لأن عدم ذکره لا یعارض ما دل علی الوجوب : والروایة الثانیة ضعیفة السند ، لأن راویها واقفی ناووسی (6).

ص: 107


1- التهذیب 5 : 403 - 1403 ، الإستبصار 2 : 149 - 490 ، الوسائل 8 : 60 أبواب وجوب الحج ب 34 ح 2.
2- المقنعة : 69.
3- کما فی المختلف : 659.
4- التهذیب 5 : 403 - 1402 ، الإستبصار 2 : 150 - 492 ، الوسائل 8 : 59 أبواب وجوب الحج ب 34 ح 1.
5- التهذیب 8 : 313 - 1163 ، الإستبصار 4 : 49 - 170 ، الوسائل 16 : 232 أبواب النذر والعهد ب 8 ح 5.
6- راجع رجال الکشی 2 : 659 - 676.

القول فی النیابة وشرائط النائب ثلاثة : الإسلام ، وکمال العقل ، وأن لا یکون علیه حج واجب.

______________________________________________________

وقال ابن إدریس : إن کان النذر مطلقا وجب علی الناذر توقع المکنة من الصفة ، وإن کان مقیدا بسنة معینة سقط الفرض لعجزه عنا (1).

قال الشهید فی الشرح : وکأنه نظر إلی أن الحج ماشیا مغایر له راکبا ، وفیه نظر ، لأن الحج راکبا وماشیا واحد وإن اختلفا بصفة واحدة ، فإذا نذر الحج ماشیا استلزم نذر الحج المطلق وأن یکون ماشیا ، فإذا تعذر أحد الجزأین لا یلزم سقوط الآخر. هذا کلامه رحمه الله ، وهو غیر جید ، لأن المفهوم من نذر الحج ماشیا إیجاب الحج علی هذا الوجه المخصوص ، بمعنی کون المشی شرطا فی الحج ، وذلک لا یستلزم نذر مطلق الحج ، کما أن من نذر صلاة فی موضع معین لا یکون ناذرا لمطلق الصلاة.

والمعتمد ما ذهب إلیه ابن إدریس إن کان العجز قبل التلبس بالإحرام ، وإن کان بعده اتجه القول بوجوب إکماله وسیاق البدنة وسقوط الفرض بذلک ، عملا بظاهر النصوص المتقدمة ، والتفاتا إلی إطلاق الأمر بوجوب إکمال الحج والعمرة مع التلبس بهما ، واستلزام إعادتهما المشقة الشدیدة.

قوله : ( وشرائط النیابة ثلاثة : الإسلام ، وکمال العقل ، وأن لا یکون علیه حج واجب ).

لا ریب فی اعتبار هذه الشرائط ، بل الأصح اعتبار الإیمان أیضا ، لما بیناه من بطلان عبادة المخالف.

وإنما یشترط خلو ذمة النائب من الحج الواجب إذا کان مخاطبا به فی ذلک العام علی الفور وحصل التمکن منه ، فلو کان موسعا أو واجبا فی عام بعده - کمن نذره کذلک أو استوجر له - صحت نیابته قبله. وکذا لو وجب علیه

النیابة

شرائط النائب

ص: 108


1- السرائر : 357.

______________________________________________________

فی ذلک العام وعجز عنه ولو مشیا حیث لا یشترط فیه الاستطاعة - کالمستقر من حج الإسلام - فإنه یجوز له الاستنابة فی ذلک العام ، لسقوط الوجوب فیه بالعجز وإن کان ثابتا فی الذمة ، لکن یراعی فی جواز استنابته ضیق الوقت ، بحیث لا یحتمل تجدد الاستطاعة عادة.

ولم یذکر المصنف من الشرائط عدالة الأجیر ، وقد اعتبرها المتأخرون فی الحج الواجب ، لا لأن عبادة الفاسق تقع فاسدة ، بل لأن الإتیان بالحج الصحیح إنما یعلم بخبره ، والفاسق لا یقبل إخباره بذلک. واکتفی بعض الأصحاب فیه بکونه ممن یظن صدقه ، ویحصل الوثوق بإخباره ، وهو حسن.

وقال الشهید فی الدروس : والعدالة شرط فی الاستنابة عن المیت ، ولیست شرطا فی صحة النیابة ، فلو حج الفاسق عن غیره أجزأ ، وفی قبول إخباره بذلک تردد ، أظهره القبول ، من ظاهر حال المسلم ، ومن عموم قوله تعالی ( فَتَبَیَّنُوا ) (1) (2).

ویتوجه علیه أولا أن ما استدل به علی القبول من ظاهر حال المسلم لا یعارض الآیة الشریفة المتضمنة لوجوب التثبت عند خبر الفاسق.

وثانیا أنه لا وجه للمنع من استنابة الفاسق إلا عدم قبول إخباره ، فمتی حکم بقبول إخباره انتفی المانع من جواز الاستنابة.

ومن الشرائط أیضا قدرة الأجیر علی العمل وفقهه فی الحج. واکتفی الشهید فی الدروس بحجه مع مرشد عدل (3). وهو جید حیث یوثق بحصول ذلک.

ومن شرائط النیابة فی الواجب موت المنوب أو عجزه ، وهو معلوم مما سبق.

ص: 109


1- الحجرات : 6.
2- الدروس : 87.
3- الدروس : 87.

فلا تصحّ نیابة الکافر لعجزه عن نیّة القربة ، ولا نیابة المسلم عن الکافر ، ولا عن المسلم المخالف إلا أن یکون أبا النائب ،

______________________________________________________

قوله : ( فلا تصحّ نیابة الکافر ، لعجزه عن نیّة القربة ، ولا نیابة المسلم عن الکافر ).

لا ریب فی اعتبار الإسلام النائب والمنوب ، أما النائب فلما ذکره المصنف من أن الکافر عاجز عن نیة القربة ما دام کافرا ، فلا یقع منه الفعل المشروط بها.

وأما المنوب فلاستحقاقه فی الآخرة الخزی والعقاب لا الأجر والثواب ، وهما من لوازم صحة الفعل ، فیلزم من انتفائهما انتفاء الملزوم ، ویؤیده ظاهر قوله تعالی ( ما کانَ لِلنَّبِیِّ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَنْ یَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِکِینَ وَلَوْ کانُوا أُولِی قُرْبی ) (1) وقوله عزّ وجلّ ( وَأَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعی ) (2) خرج منه القضاء عن المؤمن بالنص والإجماع فیبقی الباقی.

قوله : ( ولا عن المسلم المخالف ، إلا أن یکون أبا للنائب ).

أما أنه لا تصح النیابة عن المسلم المخالف فهو قول الشیخین (3) وأتباعهما (4) ، قال فی المعتبر : وربما کان التفاتهم إلی تکفیر من خالف الحق ، ولا تصح النیابة عمن اتصف بذلک ، ونحن نقول : لیس کل مخالف للحق لا تصح منه العبادة ، ونطالبهم بالدلیل علیه ونقول : اتفقوا علی أنه لا یعید عباداته التی فعلها مع استقامته سوی الزکاة ، ثم قرب اختصاص المنع بالناصب خاصة (5).

عدم صحة نیابة الکافر والنیابة عنه

عدم صحة النیابة عن المخالف

ص: 110


1- التوبة : 113.
2- النجم : 39.
3- الشیخ الطوسی فی التهذیب 5 : 414 ، والمبسوط 1 : 326 ، والنهایة : 280 ، وحکاه عنهما فی المعتبر 2 : 766.
4- کابن البراج فی المهذب 1 : 269.
5- المعتبر 2 : 766.

______________________________________________________

وعندی أن التعمیم أجود ، لظاهر قوله تعالی ( وَأَنْ لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعی ) (1) ویعضده الأخبار الکثیرة المتضمنة لعدم انتفاع المخالف بشی ء من الأعمال (2). وقد بینا فیما سبق أن عدم وجوب الإعادة علیه بعد الاستقامة تفضّل من الله تعالی کما تفضّل علی الکافر الأصلی بعدم وجوب قضاء ما فاته من العبادات لا لصحتها فی نفس الأمر (3). والعجب أن العلامة - رحمه الله - صرح فی کتبه الأصولیة بأن المخالف یستحق العقاب الدائم ، ثم ذکر فی هذا المقام نحو کلام المصنف (4).

وأما استثناء الأب فذکره الشیخ (5) وجمع من الأصحاب أیضا ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن وهب بن عبد ربه قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیحج الرجل عن الناصب؟ قال : « لا » قلت : فإن کان أبی؟ قال : « إن کان أباک فنعم » (6).

والظاهر أن المراد بالناصب المخالف غیر الکافر ، لأن الکافر المستحق للعقاب الدائم لا یعقل انتفاعه بشی ء من العبادات.

وأنکر ابن إدریس النیابة عن الأب أیضا ، وادعی علیه الإجماع (7) قال المصنف رحمه الله : ولست أدری الإجماع الذی یدعیه ابن إدریس أین هو ، والتعویل إنما هو علی ما نقل عن الأئمة علیهم السلام ، والمنقول عنهم خبر واحد لا غیر ، مقبول عند الجماعة ، وهو یتضمن الحکمین معا ، فقبول أحدهما

ص: 111


1- النجم : 39.
2- الوسائل 1 : 90 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
3- فی ص 75.
4- المختلف : 312.
5- النهایة : 280. المبسوط 1 : 326.
6- التهذیب 5 : 414 - 1441 ، الوسائل 8 : 135 أبواب النیابة فی الحج ب 20 ح 1.
7- السرائر : 149.

ولا نیابة المجنون لانغمار عقله بالمرض المانع من القصد ، وکذا الصبی غیر الممیّز.

وهل تصحّ نیابة الممیّز؟ قیل : لا ، لاتصافه بما یوجب رفع القلم. وقیل : نعم ، لأنه قادر علی الاستقلال بالحج ندبا.

______________________________________________________

ورد الآخر ودعوی الإجماع علی مثله تحکمات یرغب عنها (1).

وهذا الکلام لا یخلو من حیف علی ابن إدریس ، فإنه لم یستند فی المنع فی غیر الأب إلی الروایة حتی یکون قد عمل ببعض الخبر ورد بعضه ، وإنما استند فی ذلک إلی ما ذهب إلیه من تکفیر من خالف الحق ، وأنه لا ینتفع بشی ء من أعماله وغیر ذلک من الأدلة ، وبالجملة فقول ابن إدریس جید علی أصله ، بل لو لا صحة الروایة الواردة بالاستثناء لتعین المصیر إلیه.

قوله : ( ولا نیابة المجنون ، لانغمار عقله بالمرض المانع من القصد ، وکذا الصبی غیر الممیز ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، والمراد بالمجنون : المطبق ، دون ذوی الأدوار ، لصحة عبادته ومعاملته وقت الإفاقة ، ولو لم یحصل الوثوق بتمکنه من العمل المستأجر علیه اتجه القول بعدم جواز نیابته أیضا.

قوله : ( وهل تصحّ نیابة الممیّز؟ قیل : لا ، لاتصافه بما یوجب رفع القلم ، وقیل : نعم ، لأنه قادر علی الاستقلال بالحج ندبا ).

المعروف من مذهب الأصحاب القول بالمنع ، واختاره المصنف فی المعتبر ، نظرا إلی أن حج الصبی إنما هو تمرین ، والحکم بصحته بالنسبة إلی ما یراد من تمرینه لا لأنه یقع مؤثرا فی الثواب (2). وهو غیر جید ، لما بیناه فیما سبق من أن الأظهر أن عبادات الصبی شرعیة یستحق علیها الثواب ،

عدم صحة نیابة المجنون

حکم نیابة الممیز

ص: 112


1- المعتبر 2 : 766.
2- المعتبر 2 : 766.

ولا بد من نیّة النیابة وتعیین المنوب عنه بالقصد.

وتصحّ نیابة المملوک بإذن مولاه.

______________________________________________________

لأنها مرادة للشارع وإن لم یکن مکلفا بالواجب والحرام لرفع القلم عنه. ومع ذلک فالظاهر عدم صحة نیابته ، لعدم الوثوق بإخباره ، لعلمه برفع القلم عنه وعدم مؤاخذته بما یصدر منه.

ورجح بعض مشایخنا المعاصرین جواز نیابته مع الوثوق بإخباره (1). ولیس ببعید من الصواب. وکیف کان فینبغی القطع بجواز استنابته فی الحج المندوب کما فی الفاسق.

قوله : ( ولا بد من نیّة النیابة وتعیین المنوب عنه بالقصد ).

لا یخفی أن (2) تعیین المنوب عنه بالقصد مغن عن نیة النیابة ، فلا وجه للجمع بینهما ، وموضع التعیین الأفعال المفتقرة إلی النیة. ولا یعتبر اللفظ ، لخروجه عن حقیقة النیة ، ولصحیحة البزنطی ، قال : سأل رجل أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یحج عن الرجل ، یسمیه باسمه؟ قال : « الله لا تخفی علیه خافیة » (3).

قوله : ( وتصح نیابة المملوک بإذن مولاه ).

هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، لأنه مکلف مسلم قادر علی الاستقلال بالحج فجازت نیابته کالحر ، وحکی العلامة فی المنتهی عن بعض الجمهور قولا بالمنع ، لأنه لم یسقط فرض الحج عن نفسه فلم یجز له أن ینوب عن غیره ، ثم أجاب عنه بأن الحج غیر واجب علیه ، والإسقاط إنما یکون بعد الثبوت (4). وهو حسن.

اعتبار نیة النیابة

صحة نیابة المملوک

ص: 113


1- الأردبیلی فی مجمع الفائدة 6 : 128.
2- فی « م » و « ح » زیادة : اعتبار.
3- الفقیه 2 : 279 - 1367 ، الوسائل 8 : 132 أبواب النیابة فی الحج ب 16 ح 5.
4- المنتهی 2 : 862.

ولا تصحّ نیابة من وجب علیه الحج واستقر ، إلا مع العجز ولو مشیا. وکذا لا یصحّ حجه تطوعا. ولو تطوع ، قیل : یقع عن حجة الإسلام ، وتحکّم. ولو حج عن غیره لم یجز عن أحدهما.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تصحّ نیابة من وجب علیه الحج واستقر ، إلا مع العجز عن الحج ولو مشیا ).

قد بینا فیما سبق أن من استقر علیه الحج لا تعتبر فی حقه الاستطاعة الشرعیة ، بل یکفی تمکنه من الحج ولو مشیا ، فمع العجز عنه بکل وجه تجوز استنابته إذا لم یحتمل تجدد الاستطاعة عادة فی ذلک العام. ولو اتفق حصولها علی خلاف العادة لم تنفسخ الإجارة ، وکذا لا تنفسخ بتجدد الاستطاعة لحج الإسلام ، بل لا یجب إلا مع بقاء الاستطاعة إلی القابل.

قوله : ( وکذا لا یصحّ حجه تطوعا ، ولو تطوع قیل : یقع عن حجة الإسلام ، وهو تحکّم ).

أما المنع من التطوع لمن فی ذمته واجب فقد تقدم الکلام فیه (1) ، ولا یخفی أن الحکم بفساد التطوع إنما یتم إذا ثبت تعلق النهی به نطقا (2) أو التزاما.

والقول بوقوع التطوع عن حج الإسلام للشیخ فی المبسوط (3). وهو مشکل ، لأن ما فعله قد قصد به خلاف حج الإسلام فکیف ینصرف إلیه. ونقل عنه فی الخلاف أنه حکم بصحة التطوع وبقاء حج الإسلام فی ذمته (4). وهو جید إن لم یثبت تعلق النهی به المقتضی للفساد.

حکم نیابة من وجب علیه الحج أو العمرة

ص: 114


1- فی ص 88.
2- فی « م » : مطلقا.
3- المبسوط 1 : 302.
4- الخلاف 1 : 416.

ویجوز لمن حج أن یعتمر عن غیره إذا لم تجب علیه العمرة. وکذا لمن اعتمر أن یحج عن غیره إذا لم یجب علیه الحج.

وتصحّ نیابة من لم یستکمل الشرائط وإن کان صرورة.

______________________________________________________

قوله : ( ویجوز لمن حج أن یعتمر عن غیره إذا لم تجب علیه العمرة ، وکذا لمن اعتمر أن یحج عن غیره إذا لم یجب علیه الحج ).

قد تقدم أن وجوب الحج علی المکلف إنما یقتضی المنع من استنابته فیه إذا کان فوریا متمکنا منه (1) ، وکذا العمرة. ولا یظهر لتقیید المصنف جواز الاستنابة فی أحد النسکین بمن فعل النسک الآخر وجه یعتد به ، فإن ذلک لیس شرطا فی صحة النیابة قطعا.

قوله : ( وتصحّ نیابة من لم یستکمل الشرائط وإن کان صرورة ).

أی : لم یستکمل شرائط وجوب الحج علیه مع استکماله لشرائط النیابة.

والصرورة - بفتح الصاد - الذی لم یحج ، یقال : رجل صرورة وامرأة صرورة.

وقد أجمع الأصحاب علی جواز نیابة الصرورة إذا کان ذکرا ، علی ما نقله جماعة ، منهم المصنف - رحمه الله - فی المعتبر (2). ویدل علیه مضافا إلی العمومات روایات کثیرة ، کصحیحة معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یموت ولم یحج حجة الإسلام ویترک مالا ، قال : « علیه أن یحج عنه من ماله رجل صرورة لا مال له » (3).

وصحیحة سعد بن أبی خلف ، قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن الرجل الصرورة یحج عن المیت ، قال : « نعم إذا لم یجد

حکم نیابة الصرورة

ص: 115


1- فی ص 108.
2- المعتبر 2 : 767. لعله یستفاد ذلک من إطلاق کلامه حیث قال : وینوب من لم یجب علیه وهو اتفاق ، لکن علی الکراهیة.
3- التهذیب 5 : 15 - 42 ، الوسائل 8 : 49 أبواب وجوب الحج ب 28 ح 1.

ویجوز أن تحج المرأة عن الرجل وعن المرأة.

______________________________________________________

الصرورة ما یحج به عن نفسه » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یحج الصرورة عن الصرورة » (2).

قوله : ( ویجوز أن تحج المرأة عن الرجل وعن المرأة ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی المرأة بین أن تکون صرورة أو غیر صرورة ، وبهذا التعمیم صرح فی المعتبر (3) ، وهو قول معظم الأصحاب. ومنع الشیخ فی الاستبصار من نیابة المرأة الصرورة عن الرجل (4) ، وفی النهایة أطلق المنع من نیابة المرأة الصرورة (5) ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی التهذیب (6) ، والمعتمد الأول.

لنا : أن الحج مما تصح فیه النیابة ولها أهلیة الاستقلال بالحج فتکون نیابتها جائزة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن رفاعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « تحج المرأة عن أختها وعن أخیها » وقال : « تحج المرأة عن أبیها » (7).

وفی الحسن عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یحج عن المرأة ، والمرأة تحج عن الرجل ، قال :

جواز حج المرأة عن الرجل

ص: 116


1- الکافی 4 : 305 - 2 ، التهذیب 5 : 410 - 1427 ، الإستبصار 2 : 319 - 1131 ، الوسائل 8 : 121 أبواب النیابة فی الحج ب 5 ح 1.
2- التهذیب 5 : 411 - 1429 ، الإستبصار 2 : 320 - 1133 ، الوسائل 8 : 122 أبواب النیابة فی الحج ب 6 ح 1.
3- المعتبر 2 : 767.
4- الإستبصار 2 : 322.
5- النهایة : 280.
6- التهذیب 5 : 413.
7- التهذیب 5 : 413 - 1438 ، الإستبصار 2 : 322 - 1140 ، الوسائل 8 : 124 أبواب النیابة فی الحج ب 8 ح 5.

ومن استؤجر فمات فی الطریق ، فإن أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت عمّن حج عنه. ولو مات قبل ذلک لم تجز ، وعلیه من الأجرة ما

______________________________________________________

« لا بأس » (1).

احتج الشیخ فی کتابی الأخبار بما رواه عن زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « یحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ، ولا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة » (2).

وعن مصادف ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، أتحج المرأة عن الرجل؟ قال : « نعم إذا کانت فقیهة مسلمة وکانت قد حجت ، ربّ امرأة خیر من رجل » (3).

والجواب عن الروایتین أولا بالطعن فی السند باشتمال سند الأولی علی المفضل وهو مشترک بین عدة من الضعفاء ، وبأن راوی الثانیة وهو مصادف نص العلامة علی ضعفه (4).

وثانیا بالحمل علی الکراهة ، کما یشعر به روایة سلیمان بن جعفر ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة ، قال : « لا ینبغی » (5) ولفظ لا ینبغی صریح فی الکراهة.

قوله : ( ومن استؤجر ومات فی الطریق ، فإن أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت عمن حج عنه ، ولو مات قبل ذلک لم تجز ، وعلیه أن یعید

حکم موت الأجیر للحج

ص: 117


1- التهذیب 5 : 413 - 1437 ، الإستبصار 2 : 322 - 1141 ، الوسائل 8 : 124 أبواب النیابة فی الحج ب 8 ح 2.
2- التهذیب 5 : 414 - 1439 ، الإستبصار 2 : 323 - 1143 ، الوسائل 8 : 125 أبواب النیابة فی الحج ب 9 ح 1.
3- التهذیب 5 : 413 - 1436 ، الإستبصار 2 : 322 - 1142 ، الوسائل 8 : 125 أبواب النیابة فی الحج ب 8 ح 7.
4- خلاصة العلامة : 261 - 11.
5- التهذیب 5 : 414 - 1440 ، الإستبصار 2 : 323 - 1144 ، الوسائل 8 : 126 أبواب النیابة فی الحج ب 9 ح 3.

قابل المتخلّف من الطریق ذاهبا وعائدا. ومن الفقهاء من اجتزأ بالإحرام ، والأول أظهر.

______________________________________________________

من الأجرة ما قابل المختلف من الطریق ذاهبا وعائدا ، ومن الفقهاء من اجتزأ بالإحرام ، والأول أظهر ).

هنا مسألتان ، إحداهما : أن النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم فقد أجزأت حجته عمن حج عنه ، فإن مات قبل ذلک لم تجزئ. وإلی ذلک ذهب أکثر الأصحاب.

واکتفی الشیخ فی الخلاف (1) وابن إدریس (2) فی الإجزاء بموته بعد الإحرام ، ولم یعتبرا دخول الحرم. وهو ضعیف ، لأن مقتضی الدلیل بقاء الحج فی الذمة ، لأنه فعل لا یتم إلا بإکمال أرکانه ، فلا تبرأ الذمة بفعل بعضه ، ترک العمل بمقتضی الدلیل بعد الإحرام ودخول الحرم للإجماع المنقول من جماعة منهم العلامة فی المنتهی (3) ، ولروایتی برید بن معاویة (4) وضریس (5) ، فیعمل بمقتضی الأصل فیما عداه.

ولا یقال إن الروایتین مختصتان بمن حج عن نفسه فلا تتناولان حج النائب ، لأنه إذا ثبت ذلک فی حق الحاج ثبت فی نائبه ، لأن فعله کفعل المنوب.

ویدل علی حکم النائب صریحا الإجماع المنقول ، وما رواه الشیخ فی الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته

ص: 118


1- الخلاف 1 : 476.
2- السرائر : 148.
3- المنتهی 2 : 863.
4- الکافی 4 : 276 - 11 ، الفقیه 2 : 269 - 1314 ، التهذیب 5 : 407 - 1416 ، الوسائل 8 : 47 أبواب وجوب الحج ب 26 ح 2.
5- الکافی 4 : 276 - 10 ، الفقیه 2 : 269 - 1313 ، الوسائل 8 : 47 أبواب وجوب الحج ب 26 ح 1.

______________________________________________________

عن الرجل یموت فیوصی بحجة ، فیعطی رجل دراهم لیحج بها عنه ، فیموت قبل أن یحج ، قال : « إن مات فی الطریق أو بمکة قبل أن یقضی مناسکه فإنه یجزی عن الأول » (1) وهی مخصوصة بما إذا حصل الموت بعد الإحرام ودخول الحرم ، لعدم ثبوت الاکتفاء بما دون ذلک.

الثانیة : إن النائب إذا مات قبل الإحرام ودخول الحرم وجب أن یعاد من الأجرة ما قابل المختلف من الطریق ذاهبا وعائدا ، وصرح العلامة (2) وغیره (3) بأن النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم استحق جمیع الأجرة ، لأنه قد فعل ما أبرأ ذمة المنوب عنه ، فکان کما لو أکمل الحج. وهو الظاهر من عبارة المصنف ، حیث خص الإعادة بما إذا حصل الموت قبل دخول الحرم.

وکلا الحکمین محتاج إلی التقیید ، أما الثانی فلأنه إنما یتم إذا تعلق الاستیجار بالحج المبرئ للذمة ، أما لو تعلق بالأفعال المخصوصة لم یتوجه استحقاقه لجمیع الأجرة ، وإن کان ما أتی به مبرئا للذمة ، لعدم الإتیان بالفعل المستأجر علیه.

وأما الأول فلأنه إنما یستقیم إذا تعلق الاستیجار بمجموع الحج مع الذهاب والإیاب ، وهو غیر متعین ، لأن الحج اسم للمناسک المخصوصة ، والذهاب والعود خارجان عن حقیقته ، وإنما کان الإتیان به موقوفا علی الذهاب ، لکن یجوز الاستیجار علیهما وعلی أحدهما ، لأنهما عملان محللان مقصودان.

وکیف کان فمتی أتی الأجیر ببعض ما استؤجر علیه استحق من الأجرة بتلک النسبة إلی المجموع ، وعلی هذا فإن تعلق الاستیجار بالحج خاصة لم

ص: 119


1- التهذیب 5 : 417 - 1450 ، الوسائل 8 : 130 أبواب النیابة فی الحج ب 15 ح 1.
2- المنتهی 2 : 863.
3- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 95.

ویجب أن یأتی بما شرط علیه من تمتع ، أو قران ، أو إفراد. وروی إذا أمر أن یحج مفردا أو قارنا فحج متمنعا جاز ، لعدوله إلی الأفضل ، وهذا یصحّ إذا کان الحج مندوبا ، أو قصد المستأجر الإتیان بالأفضل ، لا مع تعلق الفرض بالقران أو الإفراد.

______________________________________________________

یستحق الأجیر مع موته قبل الإحرام شیئا من الأجرة ، لخروجه عن العمل المستأجر علیه وإن کان من مقدماته ، لأن الأجرة إنما توزع علی أجزاء العمل المستأجر علیه ، لا علی ما یتوقف علیه من الأفعال الخارجة عنه ، ولو مات بعد الإحرام استحق بنسبة ما فعل إلی الجملة. ولو تعلق الاستیجار بقطع المسافة ذاهبا وعائدا والحج وزعت الأجرة علی الجمیع ، واستحق الأجیر مع الإتیان بالبعض بنسبة ما عمل. ولو استؤجر علی قطع المسافة ذاهبا والحج وزعت الأجرة علیهما خاصة ، وذلک کله واضح موافق للقواعد المقررة.

ومتی مات الأجیر قبل إکمال العمل المستأجر علیه أو ما یقوم مقامه بطلت الإجارة إن کان المطلوب عمل الأجیر بنفسه ، کما هو المتعارف فی أجیر الحج والصلاة ، ورجع الحال إلی ما کان علیه ، فإن کانت الحجة عن میت تعلق بماله وکلف بها وصیه أو الحاکم أو بعض ثقات المؤمنین ، وإن کانت عن حی عاجز تعلق الوجوب به. وإن کانت الإجارة مطلقة بأن کان المطلوب تحصیل العمل المستأجر علیه بنفسه أو بغیره لم یبطل بالموت ووجب علی وصیه أن یستأجر من ماله من یحج عن المستأجر من موضع الموت خاصة ، إلا أن یکون بعد الإحرام فیجب من المیقات.

قوله : ( ویجب أن یأتی بما شرط علیه من تمتع أو قران أو إفراد ، وروی إذا أمر أن یحج مفردا أو قارنا فحج متمتعا جاز ، لعدوله إلی الأفضل ، وهذا یصحّ إذا کان الحج مندوبا ، أو قصد المستأجر الإتیان بالأفضل ، لا مع تعلق الفرض بالقران أو الإفراد ).

سیأتی إن شاء الله تعالی أن أنواع الحج ثلاثة : تمتع وقران وإفراد ، ومقتضی قواعد الإجارة أنه یعتبر فی صحة الإجارة علی الحج تعیین النوع

ما یجب علی الأجیر

ص: 120

______________________________________________________

الذی یریده المستأجر لاختلافها فی الکیفیة والأحکام ، وأن الأجیر متی شرط علیه نوع معیّن وجب علیه الإتیان به ، لأن الإجارة إنما تعلقت بذلک المعین ، فلا یکون الآتی بغیره آتیا بما استؤجر علیه ، سواء کان أفضل مما استؤجر علیه أم لا. ویؤید ذلک ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحسن بن محبوب ، عن علی - والظاهر أنه ابن رئاب - : فی رجل أعطی رجلا دراهم یحج بها حجة مفردة ، قال : « لیس له أن یتمتع بالعمرة إلی الحج ، لا یخالف صاحب الدراهم » (1).

والروایة التی أشار إلیها المصنف - رحمه الله - رواها الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أحدهما علیه السلام : فی رجل أعطی رجلا دراهم یحج عنه حجة مفردة ، أیجوز له أن یتمتع بالعمرة إلی الحج؟ قال : « نعم ، إنما خالف إلی الفضل (2) » (3) وهی ضعیفة السند باشتراک الراوی بین الثقة والضعیف ، وبمضمونها أفتی الشیخ (4) وجماعة.

ومقتضی التعلیل الواقع فی الروایة اختصاص الحکم بما إذا کان المستأجر مخیرا بین الأنواع ، کالمتطوع ، وذی المنزلین المتساویین فی الإقامة بمکة وناء ، وناذر الحج مطلقا ، لأن التمتع لا یجزی مع تعیّن الإفراد ، فضلا عن أن یکون أفضل منه.

وقال المصنف فی المعتبر : إن هذه الروایة محمولة علی حج مندوب ، والغرض به تحصیل الأجر ، فتعرف الإذن من قصد المستأجر ، ویکون ذلک

ص: 121


1- التهذیب 5 : 416 - 1447 ، الإستبصار 2 : 323 - 1146 ، الوسائل 8 : 128 أبواب النیابة فی الحج ب 12 ح 2.
2- فی « ض » : الأفضل.
3- التهذیب 5 : 415 - 1446 ، الإستبصار 2 : 323 - 1145 ، الوسائل 8 : 128 أبواب النیابة فی الحج ب 12 ح 1.
4- التهذیب 5 : 415 ، والنهایة : 278 ، والمبسوط 1 : 324.

ولو شرط الحج علی طریق معین لم یجز العدول إن تعلق بذلک غرض ، وقیل : یجوز مطلقا.

______________________________________________________

کالمنطوق به (1). وما ذکره جید إن ثبت أن المقصود فی هذه العقود یکون کالمنطوق به ولکنه موضع کلام.

أما ما ذکره المصنف - رحمه الله - هنا من حمل الروایة علی ما إذا کان الحج مندوبا أو قصد المستأجر الإتیان بالأفضل ( فغیر جید ، لأن مقتضاه أن کلا من ندب الحج أو قصد المستأجر الإتیان بالأفضل ) (2) مصحح للحکم المذکور ، ولا بد من اعتبارهما معا. ومع ذلک فتخصیص الحج بکونه مندوبا لا یظهر له وجه ، فإن ما ذکرناه من أفراد الحج الواجب مساو للندب فی هذا المعنی.

ومتی جاز العدول استحق الأجیر تمام الأجرة ، أما مع امتناعه فیقع الفعل عن المنوب عنه ولا یستحق الأجیر شیئا ، وقد صرح بذلک جماعة ، منهم المصنف فی المعتبر فقال : والذی یناسب مذهبنا أن المستأجر إذا لم یعلم منه التخییر وعلم منه إرادة التعیین یکون الأجیر متبرعا بفعل ذلک النوع ، ویکون للمنوب عنه بنیة النائب ، ولا یستحق أجرا ، کما لو عمل فی ماله عملا بغیر إذنه ، أما فی الحال التی یعلم أن قصد المستأجر تحصیل الأجر لا حجا معینا فإنه یستحق الأجرة ، لأنه معلوم من قصده ، فکان کالمنطوق به (3).

قوله : ( ولو شرط الحج علی طریق معیّن لم یجز له العدول إن تعلق بذلک غرض ، وقیل : یجوز مطلقا ).

القول بالجواز مطلقا للشیخ فی جملة من کتبه (4) ، والمفید فی

ص: 122


1- المعتبر 2 : 769.
2- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
3- المعتبر 2 : 769.
4- النهایة : 278 ، والمبسوط 1 : 325.

______________________________________________________

المقنعة (1) ، واستدل فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن حریز بن عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أعطی رجلا حجة یحج عنه من الکوفة فحج عنه من البصرة فقال : « لا بأس ، إذا قضی جمیع المناسک فقد تم حجة » (2) وهی لا تدل صریحا علی جواز المخالفة ، لاحتمال أن یکون قوله : من الکوفة ، صفة لرجل ، لا صلة لیحج.

والأصح ما ذهب إلیه المصنف - رحمه الله - من عدم جواز العدول مع تعلق الغرض بذلک الطریق المعین ، بل الأظهر عدم جواز العدول إلا مع العلم بانتفاء الغرض فی ذلک الطریق ، وأنه هو وغیره سواء عند المستأجر ، ومع ذلک فالأولی وجوب الوفاء بالشرط مطلقا.

وقد قطع المصنف وغیره بصحة الحج مع المخالفة وإن تعلق الغرض بالطریق المعین ، لأنه بعض العمل المستأجر علیه وقد امتثل بفعله. ویشکل بأن المستأجر علیه الحج المخصوص ، وهو الواقع عقیب قطع المسافة المعینة ، ولم یحصل الإتیان به. نعم لو تعلق الاستیجار بمجموع الأمرین من غیر ارتباط لأحدهما بالآخر اتجه ما ذکروه.

قال فی التذکرة بعد أن ذکر نحو ما ذکره المصنف من جواز العدول مع عدم تعلق غرض المستأجر بتعیین الطریق : إذا عرفت هذا فإنه یجب علی الأجیر رد التفاوت بین الطریقین إن کان ما سلکه أسهل مما استؤجر علیه ، لأن العادة قاضیة بنقصان أجرة الأسهل عن أجرة الأصعب ، وقد استؤجر للأصعب ولم یأت به ، فیتعین علیه رد التفاوت ، ولو استؤجر للسلوک بالأسهل وسلک الأصعب لم یکن له شی ء ، هذا إذا لم یتعلق غرض المستأجر بتعیین الطریق ، وإن تعلق غرض المستأجر بطریق معین فاستؤجر علی أن یسلکه الأجیر فسلک غیره فالأقرب فساد المسمی والرجوع إلی أجرة المثل ، ویجزی

ص: 123


1- لم نعثر علیه فی المقنعة ، وهو موجود فی التهذیب 5 : 415.
2- التهذیب 5 : 415 - 1445 ، الوسائل 8 : 127 أبواب النیابة فی الحج ب 11 ح 1.

______________________________________________________

الحج عن المستأجر ، لأنه استؤجر علی فعل وأتی ببعضه. ثم قال : ولو خالف الأجیر فی سلوک ما شرطه المؤجر من الطریق فأحصر لم یستحق الأجیر شیئا فی الموضعین (1). هذا کلامه - رحمه الله - وفیه نظر من وجوه :

الأول : حکمه رحمه الله بوجوب رد التفاوت بین الطریقین مع العلم بانتفاء تعلق غرض المستأجر بنفس الطریق غیر جید ، لأنه مع انتفاء الغرض تکون الإجارة علی قولهم متناولة لکل من الطریقین ، والإذن متعلقة بهما ، فینبغی استحقاق المسمی بسلوک أیهما کان ، ولو لا ذلک لکان المتجه عدم استحقاق الأجیر شیئا بسلوک غیر الطریق الذی تعلق به العقد ، لأن ما استؤجر علیه لم یأت به وما أتی به لم تتناوله الإجارة. ونصّ العلامة فی المختلف علی وجوب رد التفاوت مع تعلق الغرض بالطریق المعین (2). وهو بعید جدا ، بل المتجه عدم استحقاق الأجیر بسلوک غیره شیئا. وما أبعد ما بین هذا الوجه وبین ما أطلقه فی المبسوط من عدم وجوب رد التفاوت بین الطریقین (3).

الثانی : إن ما استقربه من أنه مع تعلق الغرض بالطریق المعین یصح الحج ویفسد المسمی ویثبت له بما فعله أجرة المثل غیر جید أیضا ، لأن الحج بعض العمل المستأجر علیه ، بل الرکن الأعظم منه ، فمتی قلنا بصحته وإجزائه عن المنوب عنه کان اللازم منه استحقاق الأجیر بنسبة ما یخصه من المسمی لا أجرة المثل.

الثالث : حکمه بأن الأجیر إذا أحصر مع المخالفة لم یستحق شیئا فی الموضعین غیر جید ، لأنه بدون الإحصار یستحق بسلوکه المسمی مع رد التفاوت أو أجرة المثل کما ذکره ، والإحصار لا یصلح مقتضیا لإسقاط ذلک ، وإن کان الحکم بعدم الاستحقاق متجها مع تعلق الغرض بالطریق المعین ،

ص: 124


1- التذکرة 1 : 313.
2- المختلف : 314.
3- المبسوط 1 : 325.

وإذا استؤجر بحجة لم یجز أن یؤجر نفسه لأخری حتی یأتی بالأولی. ویمکن أن یقال بالجواز إن کانت لسنة غیر الأولی.

______________________________________________________

بل وبدونه أیضا ، لأنه لم یفعل شیئا مما استؤجر علیه.

قوله : ( وإذا استؤجر لحجة لم یجز أن یؤجر نفسه لأخری حتی یأتی بالأولی ، ویمکن أن یقال بالجواز إن کانت لسنة غیر الأولی ).

إذا استؤجر الأجیر لیحج عن غیره ، فإما أن یعین له السنة التی یحج فیها أو لا ، فمع التعیین لا یصح له أن یؤجر نفسه لیحج عن آخر تلک السنة قطعا ، لاستحقاق الأول منافعه تلک السنة لأجل الحج ، فلا یجوز صرفها إلی غیره ، ویجوز استیجاره لسنة غیرها ، لعدم المنافاة بین الإجارتین ، لکن یعتبر فی صحة الإجارة الثانیة إذا تعلقت بسنة متأخرة عن السنة الأولی إما کون الحج غیر واجب فوری أو تعذر التعجیل کما هو واضح.

وإن کانت الإجارة الأولی مطلقة فقد أطلق الشیخ المنع من استیجاره ثانیا (1) ، واحتمل المصنف الجواز إن کان الاستیجار لسنة غیر الأولی. وهو حسن ، بل یحتمل قویا جواز الاستیجار للسنة الأولی إذا کانت الإجارة الأولی موسعة ، إما مع تنصیص المؤجر علی ذلک أو علی القول بعدم اقتضاء الإطلاق التعجیل. ونقل عن شیخنا الشهید فی بعض تحقیقاته أنه حکم باقتضاء الإطلاق فی کل الإجارات التعجیل ، فیجب المبادرة بالعمل بحسب الإمکان (2) ومستنده غیر واضح ، نعم لو کان الحج المستأجر علیه حج الإسلام أو صرح المستأجر بإرادة الفوریة ووقعت الإجارة علی هذا الوجه اتجه ما ذکره.

تفریع : لو أخر الأجیر فی المطلقة عن السنة الأولی اختیارا ثم حج بعد ذلک أجزأ عن المنوب واستحق الأجرة ، لأنه أتی بالعمل المستأجر علیه ، وإن أثم بالتأخیر. وقطع فی الدروس بعدم استحقاق الأجیر شیئا علی هذا

حکم الاستیجار لأکثر من حجة

ص: 125


1- النهایة : 278 ، والمبسوط 1 : 326.
2- کما فی المسالک 1 : 97.

ولو صدّ قبل الإحرام ودخول الحرم استعید من الأجرة بنسبة المختلف.

______________________________________________________

التقدیر ، مع أنه حکم بأن الأجیر المطلق لو أهمل لغیر عذر تخیر المستأجر بین الفسخ والإمضاء (1) ، وبین الحکمین تدافع.

ولو انعکس الفرض بأن قدم الحج عن السنة المعینة ففی الصحة وجهان ، أقربهما ذلک مع العلم بانتفاء الغرض فی التعیین ، وقرب فی التذکرة الإجزاء مطلقا (2).

قوله : ( ولو صد قبل الإحرام ودخول الحرم استعید من الأجرة بنسبة المتخلف ).

قد بینا فیما سبق أن الاستیجار علی العمل المخصوص یقتضی توزیع الأجرة علی جمیع أجزائه ، وإن من أتی ببعض العمل المستأجر علیه ثم عرض له مانع عن إکماله یستحق من الأجرة بنسبة ما عمل (3). ومقتضی ذلک أن الإجارة إن تعلقت بالحج خاصة قصد الأجیر قبل الإحرام لم یستحق شیئا ، لأنه لم یفعل شیئا منه ، وإن تعلقت بالحج مع الذهاب والعود أو الذهاب خاصة فصدّ بعد الشروع فی العمل استحق الأجرة بنسبة ما عمل واستعید من الأجرة بنسبة المتخلف.

ولا فرق بین أن یقع الصد قبل الإحرام ودخول الحرم أو بعدهما أو بینهما ، وإن أشعرت العبارة بخلاف ذلک ، لأن عدم الاستعادة مع الموت لو وقع بعد الإحرام ودخول الحرم إنما ثبت من دلیل من خارج فلا وجه لإلحاق غیره به ، مع أن الحق ثبوت الاستعادة هناک أیضا إن تعلقت الإجارة بخصوصیة الأعمال ، وإن حصل الإجزاء ، کما بیناه فیما سبق (4).

حکم الأجیر المصدود

ص: 126


1- الدروس : 89.
2- التذکرة 1 : 314.
3- راجع ص 119.
4- فی ص 119.

ولو ضمن الحج فی المستقبل لم تلزم إجابته ، وقیل : تلزم.

______________________________________________________

وذکر الشارح أنه یمکن أن تکون فائدة التقیید بقبلیة الإحرام ودخول الحرم الاحتراز عما لو کان بعدهما ، فإنه لا تتحقق استعادة الأجرة مطلقا ، بل یبقی علی الإحرام إلی أن یأتی ببقیة المناسک مع الإمکان ، قال : إلا أن قید دخول الحرم لا مدخل له فی ذلک ، بل مجرد الإحرام کاف فیه (1). وهو غیر جید ، فإنه إن أراد بقوله : مع الإمکان ، إمکان الإتیان ببقیة المناسک فی ذلک العام فهو آت مع الصد قبل الإحرام ، وإن أراد به ما هو أعم من ذلک لم یکن مستقیما ، فإن المصدود یتحلل بالهدی ، ولو صابر ففاته الحج تحلل بالعمرة ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله (2).

وأطلق المصنف فی النافع أنه مع الصد قبل الإکمال یستعاد من الأجرة بنسبة المختلف (3). وهو أجود.

ولا یخفی أن الاستعانة إنما تثبت مع کون الإجارة مقیدة بتلک السنة ، لانفساخ الإجارة بفوات الزمان الذی تعلقت به ، أما المطلقة فإنها لا تنفسخ بالصد ، ویجب علی الأجیر الإتیان بالحج بعد ذلک.

ومتی انفسخت الإجارة وجب الاستیجار من موضع الصد مع الإمکان ، إلا أن یکون بین المیقات ومکة فمن المیقات ، لوجوب إنشاء الإحرام منه.

قوله : ( ولو ضمن الحج فی المستقبل لم تلزم إجابته ، وقیل : تلزم ).

المراد أن الأجیر إذا ضمن للمستأجر الحج فی المستقبل ، بأن تعهد له بفعله مع انفساخ الإجارة بالصد لم یلزم المستأجر إجابته إلی ذلک ، لأن العقد تناول إیقاع الحج فی زمان معین ولم یتناول غیره ، فلم یجب علی المستأجر الإجابة. نعم لو اتفق المستأجر والمؤجر علی ذلک جاز ، وتکون إجارة

ص: 127


1- المسالک 1 : 97.
2- فی ح 8 ص 288.
3- المختصر النافع : 77.

وإذا استؤجر فقصرت الأجرة لم یلزم الإتمام. وکذا لو فضل عن النفقة لم یرجع علیه بالفاضل.

______________________________________________________

مستأنفة. والقول بلزوم الإجابة للشیخ (1) - رحمه الله - وضعفه معلوم مما قررناه.

قوله : ( وإذا استؤجر فقصرت الأجرة لم یلزم الإتمام ، وکذا لو فضل عن النفقة لم یرجع علیه بالفاضل ).

هذا مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی أن ذلک مقتضی صحة الإجارة روایات کثیرة ، کروایة مسمع قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أعطیت رجلا دراهم یحج بها عنی ففضل منها شی ء فلم یرده علیّ ، فقال : « هو له ، لعله ضیّق علی نفسه فی النفقة لحاجته إلی النفقة » (2).

وروایة محمد بن عبد الله القمی ، قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الرجل یعطی الحجة یحج بها ویوسع علی نفسه فیفضل منها ، أیردها علیه؟ قال : « لا هو له » (3).

وموثقة عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یأخذ الدراهم لیحج بها عن رجل ، هل یجوز له أن ینفق منها فی غیر الحج؟ قال : « إذا ضمن الحجة فالدراهم له یصنع بها ما أحب وعلیه حجة » (4).

ص: 128


1- النهایة : 278.
2- التهذیب 5 : 414 - 1442 ، الوسائل 8 : 126 أبواب النیابة فی الحج ب 10 ح 1.
3- الکافی 4 : 313 - 1 ، التهذیب 5 : 415 - 1443 ، الوسائل 8 : 126 أبواب النیابة فی الحج ب 10 ح 2.
4- الکافی 4 : 313 - 2 ، التهذیب 5 : 415 - 1444 ، الوسائل 8 : 127 أبواب النیابة فی الحج ب 10 ح 3.

ولا تجوز النیابة فی الطواف الواجب للحاضر إلا مع العذر ، کالإغماء والبطن وما شابههما.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تجوز النیابة فی الطواف الواجب للحاضر ، إلا مع العذر ، کالإغماء والبطن وما شابههما ).

أما أنه لا تجوز النیابة فی الطواف الواجب للحاضر المتمکن من الطواف فظاهر ، لأنه عبادة تتعلق بالبدن ، فلا تصح النیابة فیه مع التمکن.

وأما جواز النیابة مع العذر کالإغماء والمرض الذی لا یستمسک معه الطهارة فیدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة حبیب الخثعمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أمر رسول الله صلی الله علیه و آله أن یطاف عن المبطون والکسیر (1) » (2).

وصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المریض المغلوب والمغمی علیه یرمی عنه ویطاف عنه » (3).

والظاهر عدم توقف النیابة فی الطواف عن المغمی علیه علی استنابته کما یدل علیه إطلاق الروایة.

ولیس الحیض من الأعذار المسوغة للاستنابة فی طواف العمرة ، لما سیأتی إن شاء الله من أن الحائض إذا منعها عذرها عن إتمام أفعال العمرة تعدل إلی حج الإفراد (4) ، وقد ورد بذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن صفوان بن یحیی وابن أبی عمیر وفضالة ، عن جمیل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت

حکم النیابة فی الطواف للحاضر

ص: 129


1- فی « ح » ونسخة فی الوسائل : والکبیر.
2- التهذیب 5 : 124 - 405 ، الإستبصار 2 : 226 - 781 ، الوسائل 9 : 459 أبواب الطواف ب 49 ح 5.
3- التهذیب 5 : 123 - 403 ، الإستبصار 2 : 226 - 779 ، الوسائل 9 : 458 أبواب الطواف ب 49 ح 1.
4- فی ص 178.

ویجب أن یتولی ذلک بنفسه. ولو حمله حامل فطاف به أمکن أن یحتسب کل منهما طوافه عن نفسه.

______________________________________________________

مکة یوم الترویة قال : « تمضی کما هی إلی عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقیم حتی تطهر وتخرج إلی التنعیم فتحرم فتجعلها عمرة » قال ابن أبی عمیر : کما صنعت عائشة (1).

وقوّی الشارح جواز استنابة الحائض فی طواف الحج وطواف النساء مع الضرورة الشدیدة اللازمة بانقطاعها عن أهلها فی البلاد البعیدة (2) وهو غیر بعید ، ویقوی الجواز فی طواف النساء ، بل مقتضی صحیحة أبی أیوب إبراهیم بن عثمان الخزار جواز ترکه والحال هذه ، فإنه قال : کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فدخل علیه رجل فقال : أصلحک الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ، ویأبی الجمال أن یقیم علیها ، قال : فأطرق وهو یقول : « لا تستطیع أن تتخلف عن أصحابها ولا یقیم علیها جمالها - ثم رفع رأسه إلیه فقال - : تمضی فقد تم حجها » (3).

قوله : ( ولو حمله حامل فطاف به أمکن أن یحتسب کل منهما طوافه عن نفسه ).

إنما کان لکل منهما أن یحتسب بذلک طوافا عن نفسه لحصول الطواف من کل منهما ، أما الحامل فظاهر ، وأما المحمول فلأن فرضه الحصول طائفا حول البیت ، وقد امتثل ، ویؤیده ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المرأة تطوف بالصبی وتسعی ، هل یجوز ذلک عنها وعن الصبی؟ فقال : « نعم » (4).

حکم طواف الحامل لعاجز

ص: 130


1- التهذیب 5 : 390 - 1363 ، الوسائل 8 : 214 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 2.
2- المسالک 1 : 97.
3- الکافی 4 : 451 - 5 ، الفقیه 2 : 245 - 1176 ، الوسائل 9 : 500 أبواب الطواف ب 84 ح 13.
4- التهذیب 5 : 125 - 411 ، الوسائل 9 : 460 أبواب الطواف ب 50 ح 3 ، ورواها فی الکافی 4 : 429 - 13.

ولو تبرع إنسان بالحج عن غیره بعد موته برئت ذمته.

______________________________________________________

وفی الصحیح عن الهیثم بن عروة التمیمی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : حملت امرأتی ثم طفت بها وکانت مریضة ، وقلت له : إنی طفت بها بالبیت فی طواف الفریضة وبالصفا والمروة واحتسبت بذلک لنفسی ، فهل یجزی؟ فقال : « نعم » (1).

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الحمل بین أن یکون تبرعا أو بأجرة ، وحکی فی المختلف عن ابن الجنید أنه قال : والحامل للمریض یجزیه طوافه عن الطواف الواجب علیه إذا لم یکن أجیرا ، واستحسنه ، ثم قال : والتحقیق أنه إن استؤجر للحمل فی الطواف أجزأ عنهما ، وإن استؤجر للطواف لم یجز عن الحامل (2). وهو حسن.

قوله : ( ولو تبرع إنسان بالحج عن غیره بعد موته برئت ذمته ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی المیت بین أن یخلف ما یحج به عنه وغیره ، ولا فی المتبرع بین کونه ولیا أو غیره. وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه لا یعلم فیه خلافا (3). واستدل علیه فی المعتبر بأن الحج مما تصح فیه النیابة ولا تفتقر صحته إلی المسألة ولا إلی العوض فأجزأ المتبرّع (4). ویدل علیه ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یموت ولم یحج حجة الإسلام ولم یوص بها ، أتقضی عنه؟ قال : « نعم » (5).

وفی الصحیح عن عبد الله بن مسکان ، عن عمار بن عمیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : بلغنی عنک أنک قلت لو أن رجلا مات ولم یحج

براءة المیت بتبرع الحج عنه

ص: 131


1- التهذیب 5 : 125 - 410 ، الوسائل 9 : 460 أبواب الطواف ب 50 ح 2 ، ورواها فی الفقیه 2 : 309 - 1534.
2- المختلف : 288.
3- التذکرة 1 : 310.
4- المعتبر 2 : 772.
5- الکافی 4 : 277 - 15 ، الوسائل 8 : 50 أبواب وجوب الحج ب 28 ح 6.

______________________________________________________

حجة الإسلام فأحج عنه بعض أهله أجزأ ذلک عنه؟ فقال : « أشهد علی أبی أنه حدثنی عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه أتاه رجل فقال : یا رسول الله إن أبی مات ولم یحج حجة الإسلام ، فقال : حج عنه ، فإن ذلک یجزی عنه » (1).

وربما ظهر من تخصیص الإجزاء بالتبرع عن المیت عدم إجزاء التبرع عن الحی ، وهو مع تمکنه من الإتیان بالحج ظاهر ، أما مع العجز عنه المسوغ للاستنابة فیحتمل الإجزاء کالمیت ، لأن الذمة تبرأ بالعوض فکذا بدونه ، ولأن الواجب الحج عنه وقد حصل ، ویحتمل قویا العدم ، لأن براءة ذمة المکلف بفعل غیره یتوقف علی الدلیل ، وهو منتف هنا.

هذا کله فی الحج الواجب ، أما التطوع فیجوز التبرع به عن الحی والمیت إجماعا ، ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة حماد بن عثمان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إن الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وکل عمل صالح ینفع المیت ، حتی أن المیت لیکون فی ضیق فیوسع علیه ، ویقال هذا بعمل ابنک فلان ، وبعمل أخیک فلان ، أخوه فی الدین » (2).

وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن أبی قد حج ووالدتی قد حجت وإن أخویّ قد حجا ، وقد أردت أن أدخلهم فی حجتی ، کأنی قد أحببت أن یکونوا معی فقال : « اجعلهم معک ، فإن الله عزّ وجلّ جاعل لهم حجا ولک حجا ولک أجرا بصلتک إیاهم » (3).

وموثقة إسحاق بن عمار ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یحج فیجعل حجته وعمرته أو بعض طوافه لبعض أهله وهو عنه

ص: 132


1- الکافی 4 : 277 - 13 وفیه عن عامر بن عمیرة ، التهذیب 5 : 404 - 1407 ، الوسائل 8 : 54 أبواب وجوب الحج ب 31 ح 2.
2- الوسائل 5 : 368 أبواب قضاء الصلوات ب 12 ح 15. رواه عن غیاث سلطان الوری وهو مخطوط.
3- الفقیه 2 : 279 - 1369 ، الوسائل 8 : 143 أبواب النیابة فی الحج ب 28 ح 6.

وکل ما یلزم النائب من کفارة ففی ماله. ولو أفسده حجّ من قابل. وهل یعاد بالأجرة علیه؟ یبنی علی القولین.

______________________________________________________

غائب ببلد آخر : قال : قلت : فینقص ذلک من أجره؟ قال : « لا ، هی له ولصاحبه ، وله أجر سوی ذلک بما وصل » قلت : وهو میت هل یدخل ذلک علیه؟ قال : « نعم ، حتی یکون مسخوطا علیه فیغفر له ، أو یکون مضیقا علیه فیوسع علیه » قلت : فیعلم هو فی مکانه إن عمل ذلک لحقه؟ قال : « نعم » (1).

وصحیحة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یشرک أباه أو أخاه أو قرابته فی حجه فقال : « إذا یکتب لک حجا مثل حجهم ، وتزاد أجزأ بما وصلت » (2).

وصحیحة محمد بن إسماعیل ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام ، کم أشرک فی حجتی؟ قال : « کم شئت » (3).

قوله : ( وکل ما یلزم النائب من کفارة ففی ماله ).

المراد : کفارات الإحرام ، وإنما کانت فی مال النائب لأنها عقوبة علی جنایة صدرت عنه ، أو ضمان فی مقابلة إتلاف وقع منه ، فاختصت بالجانی.

قوله : ( ولو أفسده حج من قابل ، وهل یعاد بالأجرة علیه؟ یبنی علی القولین ).

أشار بالقولین إلی القولین المشهورین فی أن المفسد للحج إذا قضاه فهل تکون الأولی فرضه وتسمیتها فاسدة مجاز والثانیة عقوبة ، أو بالعکس؟ فإن قلنا إن الأولی فرضه والثانیة عقوبة کما اختاره الشیخ (4) ودلت علیه حسنة

وجوب الکفارة علی النائب

حکم إفساد النائب للحج

ص: 133


1- الکافی 4 : 315 - 4 ، الوسائل 8 : 139 أبواب النیابة فی الحج ب 25 ح 5.
2- الکافی 4 : 316 - 6 ، الوسائل 8 : 142 أبواب النیابة فی الحج ب 28 ح 3.
3- الکافی 4 : 317 - 9 ، الوسائل 8 : 142 أبواب النیابة فی الحج ب 28 ح 1.
4- النهایة : 230.

______________________________________________________

زرارة (1) فقد برئت ذمة المستأجر بإتمامه ، واستحق الأجیر الأجرة. وإن قلنا إن الأولی فاسدة والإتمام عقوبة والثانیة فرضه کان الجمیع لازما للنائب وتستعاد منه الأجرة إن کانت الإجارة متعلقة بزمان معین وقد فات ، وإن کانت مطلقة لم تنفسخ الإجارة وکان علی الأجیر الحج عن المستأجر بعد ذلک.

ولم یفرق المصنف هنا بین المعینة والمطلقة ، لکن الحکم بإعادة الأجرة إنما یستقیم فی المعینة ، کما صرح به فی المعتبر (2).

واختلف الأصحاب فی أن قضاء الفاسد فی المطلقة علی هذا التقدیر هل یکون مجزیا عن حج النیابة أو یجب إیقاع حج النیابة بعد القضاء؟ فذهب الشیخ فی المبسوط والخلاف إلی الثانی (3) ، واختاره العلامة فی جملة من کتبه (4) ، وقواه فی المنتهی ، واستدل علیه بأن من أتی بالحج الفاسد فقد أوقع الحج علی غیر وجهه المأذون فیه ، لأنه إنما أذن له فی حج صحیح فأتی بفاسد فیقع عن الفاعل ، کما لو أذن له فی شراء عین بصفة فاشتراها بغیر تلک الصفة فإن الشراء یقع له دون الآمر ، وإذا ثبت أنه ینقلب إلیه فنقول إنه قد أفسد حجا قد وقع عنه فلزمه قضاؤه عن نفسه ، وکان علیه الحج عن المستأجر بعد حجة القضاء ، لأنها تجب علی الفور (5). وضعف هذا الاستدلال ظاهر.

واستقرب المصنف فی المعتبر والعلامة فی المختلف إجزاء القضاء عن المستأجر ، لأنها قضاء عن الحجة الفاسدة ، والقضاء کما یجزی الحاج عن نفسه فکذا عمن حج عنه ، ولأن إتمام الفاسدة إذا کان عقوبة تکون الثانیة هی

ص: 134


1- الکافی 4 : 373 - 1 ، التهذیب 5 : 317 - 1092 ، الوسائل 9 : 257 أبواب کفارات الاستمتاع ب 3 ح 9.
2- المعتبر 2 : 776.
3- المبسوط 1 : 322 ، والخلاف 1 : 475.
4- کالقواعد 1 : 78.
5- المنتهی 2 : 865.

وإذا أطلق الإجارة اقتضی التعجیل ما لم یشترط الأجل. ولا یصحّ أن ینوب عن اثنین فی عام.

______________________________________________________

الفرض ، فلا مقتضی لوجوب حج آخر (1). وهو جید.

قال فی المعتبر : وهذا القول موجود فی أحادیث أهل البیت علیهم السلام ، والآخر تخریج غیر مستند إلی روایة ، ثم أورد ما رواه الشیخ عن الحسین بن عثمان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل حج عن رجل فاجترح فی حجه شیئا یلزمه فیه الحج من قابل وکفارة ، قال : « هی للأول تامة ، وعلی هذا ما اجترح » (2).

وعن صفوان بن یحیی ، عن إسحاق بن عمار قال ، قلت : فإن ابتلی بشی ء یفسد علیه حجه حتی یصیر علیه الحج من قابل ، أیجزی عن الأول؟ قال : « نعم » قلت : لأن الأجیر ضامن للحج؟ قال : « نعم » (3).

قوله : ( وإذا أطلق الإجارة اقتضی التعجیل ما لم یشترط الأجل ).

قد تقدم الکلام فی اقتضاء الإطلاق التعجیل ، ولا یخفی أن اشتراط الأجل إنما یصح فی الواجب الفوری إذا لم یمکن استیجار من یحج قبل ذلک.

قوله : ( ولا یصح أن ینوب عن اثنین فی عام ).

لأن الحجة الواحدة لا تقع عن اثنین إجماعا ، حکاه فی الخلاف (4) ، ومتی وقع الحج علی هذا الوجه وقع باطلا ، لامتناع وقوعها عنهما ، ولیس

حکم النیابة عن اثنین

ص: 135


1- المعتبر 2 : 776 ، والمختلف : 314.
2- التهذیب 5 : 461 - 1606 ، الوسائل 8 : 130 أبواب النیابة فی الحج ب 15 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 544 - 23.
3- التهذیب 5 : 417 - 1450 ، الوسائل 8 : 130 أبواب النیابة فی الحج ب 15 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 306 - 4.
4- الخلاف 1 : 475.

ولو استأجراه لعام صحّ للأسبق. ولو اقترن العقدان وزمان الإیقاع بطلا. وإذا أحصر تحلل بالهدی ، ولا قضاء علیه.

______________________________________________________

أحدهما أولی بها من صاحبه ، ولا یمکن انقلابها إلیه لأنه لم ینوها لنفسه ، فلم یبق إلا البطلان.

هذا فی الحج الواجب ، أما المندوب فقد دلت الأخبار علی أنه یجوز الاشتراک فیه ، وإذا جاز ذلک جازت الاستنابة فیه علی هذا الوجه ، وقد یتفق ذلک فی الواجب أیضا بأن ینذر جماعة الاشتراک فی حج یستنیبون فیه کذلک.

قوله : ( ولو استأجراه لعام صح الأسبق ، ولو اقترن العقدان وزمان الإیقاع بطلان ).

لا ریب فی البطلان مع اقتران العقدین وزمان الإیقاع ، لما تقدم من امتناع النیابة عن اثنین فی عام واحد ، واستحالة الترجیح من غیر مرجح.

ولو اختلف زمان الإیقاع صح العقدان ، إلا مع فوریة وجوب الحج المتأخر وإمکان استنابة من یأتی به فی ذلک العام ، فیبطل العقد المتأخر.

ولو اقترن العقدان مع إطلاق زمان الإیقاع احتمل البطلان ، لاقتضاء کل واحد التعجیل ، فیقع التنافی ، کما لو عیّنا الزمان. والأصح الصحة مع تعذر التعجیل ، لأن المبادرة إنما تجب بحسب الإمکان ، وعلی هذا فیحتمل تخییر الأجیر فی البدأة بأیهما شاء لاستحالة الترجیح من غیر مرجح ، والقرعة لأنها لکل أمر مشکل.

قوله : ( وإذا أحصر تحلل بالهدی ، ولا قضاء علیه ).

أما تحلل المحصر بالهدی فلا ریب فیه ، لعموم قوله تعالی ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ) (1) وأما سقوط القضاء عنه فجیّد مع تعیین الزمان ، لأن العقد یتناول إیقاع الحج فی زمان معین ولم یتناول غیره.

حکم احصار الأجیر

ص: 136


1- البقرة : 196.

ومن وجب علیه حجان مختلفان ، کحجة الإسلام والنذر فمنعه عارض جاز أن یستأجر أجیرین لهما فی عام واحد.

______________________________________________________

أما لو کانت مطلقة فإنه یجب علی الأجیر الإتیان بالحج المستأجر علیه بعد زوال الحصر قطعا ، لکن مثل ذلک لا یسمی قضاء ، لأن القضاء إنما یتحقق مع تعین زمان الأداء کما بیّناه مرارا.

ومتی تحلل الأجیر مع تعیین الزمان استحق من المسمی بنسبة ما عمل کما فی حالة الصّد ، ویبقی المستأجر علی ما کان علیه من وجوب الحج إن کان واجبا علیه.

ولو لم یتحلل الأجیر وأقام علی إحرامه حتی فات الحج تحلل بعمرة ، ولا یستحق الأجیر بأفعالها أجرة ، لأنه لم یفعلها للمستأجر بل لیتحلل من إحرامه.

قوله : ( ومن وجب علیه حجان مختلفان ، کحجة الإسلام والنذر ومنعه عارض جاز أن یستأجر أجیرین لهما فی عام واحد ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل ظاهر العلاّمة فی التذکرة أنه موضع وفاق بین علمائنا (1). ووجهه واضح ، فإن غایة ما یستفاد من الأخبار وجوب الاستنابة فی الحجین المختلفین مع العذر ، لا وجوب تقدیم أحدهما علی الآخر.

ولا ینافی ذلک وجوب تقدیم حج الإسلام علی المنوب عنه أو حج النذر علی بعض الوجوه ، لأن وجوب التقدیم إنما کان لتضیق أحد الواجبین وعدم إمکان الجمع بینهما فی عام واحد ، لا لوجوب الترتیب بینهما.

وما قیل من أن الترتیب بین الحجین لا یتحقق إلاّ بتقدیم المقدم منهما بکماله لا بعدم تأخره (2). فجید لو ثبت وجوب الترتیب ، لکنه غیر ثابت ، بل

جواز استیجار أجیرین لحجین

ص: 137


1- التذکرة 1 : 311.
2- کما فی المسالک 1 : 97.

ویستحب أن یذکر النائب من ینوب عنه باسمه فی المواطن وعند کل فعل من أفعال الحج والعمرة ،

______________________________________________________

منفی بالأصل ، وإنما الواجب عدم تأخیر الواجب الفوری عن أول وقت الإمکان ، وهو یتحقق بالإتیان بالحجین فی العام الواحد کما هو واضح ، ولا یعتبر فی صحة الحجین فی العام الواحد سبق إحرام حج الإسلام ، لأن الحجین یقعان فی ذلک العام.

ولو صدّ النائب فی حج الإسلام أو أحصر فی ذلک العام لم یکن مؤثرا فی صحة حج النذر ، لأن الدخول فیه وقع بإذن الشارع ، والامتثال یقتضی الإجزاء.

قوله : ( ویستحب أن یذکر النائب المنوب عنه باسمه فی المواطن ، وعند کل فعل من أفعال الحج والعمرة ).

هذا مذهب الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعلم فیه خلافا (1). والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : ما یجب علی الذی یحج عن الرجل؟ قال : « یسمیه فی المواطن والمواقف » (2) قال الشیخ فی التهذیب : وهذا علی جهة الأفضل ، لأن من لم یفعل ذلک کانت حجته جائزة ، ثم استدل بما رواه عن مثنی بن عبد السلام ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یحج عن الإنسان یذکره فی جمیع المواطن کلها ، قال : « إن شاء فعل وإن شاء لم یفعل ، الله یعلم أنه حج عنه ، ولکن یذکره عند الأضحیّة إذا ذبحها » (3).

ویدل علیه أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن البزنطی ، قال :

استحباب تسمیة المنوب عنه

ص: 138


1- المنتهی 2 : 871.
2- التهذیب 5 : 418 - 1453 ، الإستبصار 2 : 324 - 1148 ، الوسائل 8 : 131 أبواب النیابة فی الحج ب 16 ح 1.
3- التهذیب 5 : 419 - 1454 ، الوسائل 8 : 132 أبواب النیابة فی الحج ب 16 ح 4.

وأن یعید ما یفضل معه من الأجرة بعد حجه ، وأن یعید المخالف حجته إذا استبصر ، وإن کانت مجزیة.

______________________________________________________

سأل رجل أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یحج عن الرجل یسمیه باسمه؟ قال : « الله لا تخفی علیه خافیة » (1).

وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : الرجل یحج عن أخیه أو عن أبیه أو عن رجل من الناس ، هل ینبغی له أن یتکلم بشی ء؟ قال : « نعم یقول بعد ما یحرم : اللهم ما أصابنی فی سفری هذا من تعب أو شدة أو بلاء أو شعث فآجر فلانا فیه ، وآجرنی فی قضائی عنه » (2).

قوله : ( وأن یعید ما یفضل معه من الأجرة بعد حجه ).

هذا الحکم مشهور بین الأصحاب ، ولم أقف له علی مستند ، واستدل علیه فی المعتبر بأنه مع الإعادة یکون قصده بالنیابة القربة لا العوض (3). ( وکأن مراده أنه مع قصد الإعادة ابتداء یکون قصده بالنیابة القربة لا العوض ) (4) وهو حسن.

وذکر الأصحاب أنه یستحب للمستأجر أن یتم للأجیر لو أعوزته الأجرة ، وهو کذلک ، لما فیه من المساعدة للمؤمن ، والرفق به ، والتعاون علی البرّ والتقوی.

قوله : ( وأن یعید المخالف حجته إذا استبصر وإن کانت مجزیة ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة : منها قوله علیه السلام فی صحیحة

استحباب إعادة الفاضل من الأجة

استحباب إعادة المخالف الحج

ص: 139


1- الفقیه 2 : 279 - 1367 ، الوسائل 8 : 132 أبواب النیابة فی الحج ب 16 ح 5.
2- الکافی 4 : 310 - 1 ، الفقیه 2 : 278 - 1365 ، التهذیب 5 : 418 - 1452 ، الإستبصار 2 : 324 - 1147 ، الوسائل 8 : 131 أبواب النیابة فی الحج ب 16 ح 2.
3- المعتبر 2 : 773.
4- ما بین القوسین لیس فی « ض ».

ویکره أن تنوب المرأة إذا کانت صرورة.

مسائل ثمان :

الأولی : إذا أوصی أن یحج عنه ولم یعیّن الأجرة انصرف ذلک إلی أجرة المثل. وتخرج من الأصل إذا کانت واجبة ، ومن الثلث إن کانت ندبا.

______________________________________________________

برید بن معاویة العجلی فی المخالف إذا استبصر بعد الحج : « قد قضی فریضته ، ولو حجّ لکان أحبّ إلیّ » (1).

وفی حسنة عمر بن أذینة : « قد قضی فریضة الله ، والحجّ أحبّ إلیّ » (2). وقد تقدم الکلام فی هذه المسألة مفصّلا (3).

قوله : ( ویکره أن تنوب المرأة إذا کانت صرورة ).

لورود النهی عن استنابتها فی بعض الأخبار (4) ، وبمضمونها أفتی الشیخ (5) وابن البراج (6) ، وحملت علی الکراهة لقصورها من حیث السند عن إثبات التحریم ، وقد تقدم الکلام فی ذلک (7).

قوله : ( الأولی ، إذا أوصی أن یحج عنه ولم یعیّن الأجرة انصرف ذلک إلی أجرة المثل ، وتخرج من الأصل إذا کانت واجبة ، ومن الثلث إذا کانت ندبا ).

کراهة نیابة المرأة الصرورة

حکم الوصیة بالحج

ص: 140


1- التهذیب 5 : 9 - 23 ، الإستبصار 2 : 145 - 472 ، الوسائل 8 : 42 أبواب وجوب الحج ب 23 ح 1.
2- الکافی 4 : 275 - 4 ، الفقیه 2 : 263 - 1281 ، التهذیب 5 : 10 - 25 ، الإستبصار 2 : 146 - 475 ، الوسائل 8 : 42 أبواب وجوب الحج ب 23 ح 2.
3- فی ص 72.
4- الوسائل 8 : 125 أبواب النیابة فی الحج ب 9.
5- المبسوط 1 : 326 ، والنهایة : 280.
6- المهذب 1 : 269.
7- فی ص 117.

ویستحقها الأجیر بالعقد ،

______________________________________________________

أما انصراف الأجرة مع عدم التعیین إلی أجرة المثل فواضح ، لأن الواجب العمل بالوصیة مع الاحتیاط للوارث ، فیکون ما جرت به العادة کالمنطوق به ، وهو المراد من أجرة المثل.

ولو وجد من یأخذ أقل من أجرة المثل اتفاقا وجب الاقتصار علیه ، احتیاطا للوارث.

وأما خروج الواجب وهو حج الإسلام من الأصل والمندوب من الثلث فیدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه سئل عن رجل مات فأوصی أن یحجّ عنه ، قال : « إن کان صرورة فمن جمیع المال ، وإن کان تطوعا فمن ثلثه » (1).

وقد بیّنّا فیما سبق (2) أن الواجب الحج من المیقات ، إلاّ مع إرادة خلافه ، ویعلم باللفظ الدال علیه أو القرائن المفیدة له. وفی خروج الحج المنذور من الأصل أو الثلث قولان سیأتی الکلام فیهما.

قوله : ( ویستحقها الأجیر بالعقد ).

أی : یملکها ، ولا ریب فی تحقق الملک بالعقد ، لأن ذلک مقتضی صحة المعاوضة ، فلو کانت عینا فزادت بعد العقد أو نمت فهما للأجیر ، لکن لا یجب تسلیمها إلاّ بعد العمل ، کما فی مطلق الإجارة ، وعلی هذا فلیس للوصی التسلیم قبله ، ولو سلّم کان ضامنا ، إلاّ مع الإذن من الموصی المستفادة من اللفظ ، أو اطراد العادة ، لأن ما جرت به العادة یکون کالمنطوق به.

ولو توقف عمل الأجیر علی دفع الأجرة إلیه ولم یدفعها الوصی فقد استقرب الشهید فی الدروس جواز فسخه ، للضرر اللازم من اشتغال ذمته بما

ملک الأجیر الأجرة بالعقد

ص: 141


1- التهذیب 5 : 404 - 1409 ، الوسائل 8 : 46 أبواب وجوب الحج ب 25 ح 1.
2- راجع ص 84.

فإن خالف ما شرط ، قیل : کان له أجرة المثل ، والوجه أن لا أجرة.

الثانیة : من أوصی أن یحجّ عنه ولم یعین المرّات ، فإن لم یعلم منه

______________________________________________________

استؤجر علیه مع عدم تمکنه منه (1). ویحتمل عدمه فینتظر وقت الإمکان ، لأن التسلط علی فسخ العقد اللازم یتوقف علی الدلیل ، ومثل هذا الضرر لم یثبت کونه مسوّغا ، نعم لو علم عدم التمکن مطلقا تعین القول بجواز الفسخ.

قوله : ( فإن خالف ما شرط قیل : کان له أجرة المثل ، والوجه أن لا أجرة ).

القول بثبوت أجرة المثل مع المخالفة حکاه فی المنتهی (2) عن الشیخ - رحمه الله - وهو بعید جدا ، بل الظاهر أنه - رحمه الله - لا یقول بثبوتها فی جمیع الموارد ، فإن من استؤجر علی الحج فاعتمر أو علی الاعتمار فحجّ لا یعقل استحقاقه بما فعله أجرة ، لأنه متبرع محض ، وإنما یتخیل ثبوتها مع المخالفة فی وصف من أوصاف العمل الذی تعلقت به الإجارة ، کما إذا استأجره علی الحج ماشیا فرکب ، أو علی الإحرام من میقات معین فأحرم من غیره ، مع أن المتجه مع صحة الفعل استحقاقه من الأجرة بنسبة ما عمل إلی المسمّی لا أجرة المثل ، إلاّ أن ما استحق به الأجرة علی هذا التقدیر لم تتحقق به المخالفة ، وکیف کان فالأجود ما أطلقه المصنف من سقوط الأجرة مع المخالفة.

ثم إن کانت الإجارة فوریة وقلنا باقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن ضده الخاص کان الفعل المأتی به المضادّ للمستأجر علیه فاسدا ، لتوجه النهی إلیه ، وإلاّ کان صحیحا ووقع عن المنوب عنه ، ولا تثبت به أجرة.

قوله : ( الثانیة ، من أوصی أن یحجّ عنه ولم یعیّن المرّات ، فإن

کفایة المرة عمن أوصی بالحج

ص: 142


1- الدروس : 89.
2- المنتهی 2 : 874.

إرادة التکرار اقتصر علی المرّة. وإن علم إرادة التکرار حجّ عنه حتی یستوفی الثلث من ترکته.

الثالثة : إذا أوصی أن یحجّ [ عنه ] کل سنة بقدر معین فقصر جمع نصیب سنتین واستؤجر به لسنة. وکذا لو قصر ذلک أضیف إلیه من نصیب الثالثة.

______________________________________________________

لم یعلم منه إرادة التکرار اقتصر علی المرّة ، وإن علم إرادة التکرار حج عنه حتی یستوفی الثلث من ترکته ).

أما وجوب الاقتصار علی المرة إذا لم یعلم منه إرادة التکرار فظاهر ، لتحقق الامتثال بذلک. وأما وجوب الحج عنه إلی أن یستوفی الثلث إذا علم منه إرادة التکرار فلأن الوصیة لا تنفذ إلاّ فی الثلث إذا لم یجز الوارث ، ویؤیده روایة محمد بن الحسین بن أبی خالد ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل أوصی أن یحج عنه مبهما فقال : « یحج عنه ما بقی من ثلثه شی ء » (1).

ولا یخفی أن ذلک إنما یتمّ إذا علم منه إرادة التکرار علی هذا الوجه ، وإلا اکتفی بالمرتین ، لتحقق التکرار بذلک ، کما تکفی المرّة مع الإطلاق.

ولو کان فی الحج الموصی به حجّ الإسلام لم یحتسب من الثلث بل یخرج من الأصل أوّلا ثم یکرر الحج بقدر الثلث.

قوله : ( الثالثة ، إذا أوصی أن یحجّ عنه کل سنة بقدر معیّن فقصر جمع نصیب سنتین واستؤجر به لسنة ، وکذا لو قصر ذلک أضیف إلیه من نصیب الثالثة ).

المراد أنه إذا أوصی أن یحج عنه سنین متعددة وعیّن لکل سنة قدرا

حکم الوصیة بالحج بسنین مع قصور الثلث

ص: 143


1- التهذیب 5 : 408 - 1420 ، الإستبصار 2 : 319 - 1129 ، الوسائل 8 : 120 أبواب النیابة فی الحج ب 4 ح 2.

______________________________________________________

معینا إمّا مفصّلا کمائة أو مجملا کغلّة بستان فقصر عن أجرة الحج جمع ممّا زاد علی السنة ما یکمل به أجرة المثل لسنة ثم یضمّ الزائد إلی ما بعده وهکذا.

وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بأن القدر المعیّن قد انتقل بالوصیة عن ملک الورثة ووجب صرفه فیما عیّنه الموصی بقدر الإمکان ، ولا طریق إلی إخراجه إلاّ بجمعه علی هذا الوجه فیتعین ، وبما رواه الکلینی - رحمه الله - عن إبراهیم بن مهزیار قال : کتبت إلی أبی محمد علیه السلام : أن مولاک علیّ بن مهزیار أوصی أن یحج عنه من ضیعة صیّر ربعها لک فی کل سنة حجة بعشرین دینارا ، وأنه منذ انقطع طریق البصرة تضاعفت المؤمن علی الناس فلیس یکتفون بعشرین دینارا ، وکذلک أوصی عدة من موالیک فی حجّهم ، فکتب علیه السلام : « تجعل ثلاث حجج حجتین إن شاء الله » (1).

وعن إبراهیم قال : کتب إلیه علیّ بن محمد الحصینی : أن ابن عمّی أوصی أن یحجّ عنه بخمسة عشر دینارا فی کل سنة ، فلیس یکفی ، فما تأمرنی فی ذلک؟ فکتب علیه السلام : « تجعل حجتین حجة ، إن الله تعالی عالم بذلک » (2).

وفی الروایتین ضعف من حیث السند (3) ، أما الوجه الأول فلا بأس به وإن أمکن المناقشة فیه بأن انتقال القدر المعین بالوصیة إنما یتحقق مع إمکان صرفه فیها ، ولهذا وقع الخلاف فی أنه إذا قصر المال الموصی به عن الحج هل یصرف فی وجوه البرّ أو یعود میراثا فیمکن إجراء مثل ذلک هنا ، لتعذر صرف القدر الموصی به فی الوصیة ، والمسألة محل تردد وإن کان المصیر

ص: 144


1- الکافی 4 : 310 - 1 ، الوسائل 8 : 119 أبواب النیابة فی الحج ب 3 ح 2.
2- الکافی 4 : 310 - 2 ، الفقیه 2 : 272 - 1327 ، التهذیب 5 : 408 - 1418 ، الوسائل 8 : 119 أبواب النیابة فی الحج ب 3 ح 1.
3- الظاهر أن وجه الضعف هو الإرسال فیهما.

الرابعة : لو کان عند إنسان ودیعة ومات صاحبها وعلیه حجة الإسلام وعرف أن الورثة لا یؤدّون جاز أن یقتطع قدر أجرة الحج فیستأجر به ، لأنه خارج عن ملک الورثة.

______________________________________________________

إلی ما ذکره الأصحاب لا یخلو من قرب. والقول فی اعتبار الحج من البلد أو من المیقات کما مرّ (1).

قوله : ( الرابعة ، لو کان عند إنسان ودیعة ومات صاحبها وعلیه حجة الإسلام وعلم أن الورثة لا یؤدّون جاز أن یقتطع قدر أجرة الحج فیستأجر به ، لأنه خارج عن ملک الورثة ).

الأصل فی هذه المسألة ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن برید العجلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل استودعنی مالا فهلک ولیس لوارثه شی ء ولم یحج حجة الإسلام قال : « حجّ عنه وما فضل فأعطهم » (2).

واعتبر المصنف وغیره (3) فی جواز الإخراج علم المستودع أن الورثة لا یؤدّون وإلاّ وجب استئذانهم ، وهو جید ، لأن مقدار أجرة الحج وإن کان خارجا عن ملک الورثة إلاّ أن الوارث مخیّر فی جهات القضاء ، وله الحج بنفسه والاستقلال بالترکة والاستئجار بدون أجرة المثل ، فیقتصر فی منعه من الترکة علی موضع الوفاق.

واعتبر فی التذکرة مع ذلک أمن الضرر ، فلو خاف علی نفسه أو ماله لم یجز له ذلک. وهو حسن ، واعتبر أیضا عدم التمکن من الحاکم وإثبات الحق عنده وإلاّ وجب استئذانه (4).

جواز حج المودع بمال المیت إذا وجب علیه

ص: 145


1- راجع ص 84.
2- الفقیه 2 : 272 - 1328 ، التهذیب 5 : 416 - 1448 ، الوسائل 8 : 128 أبواب النیابة فی الحج ب 13 ح 1.
3- کالعلاّمة فی القواعد 1 : 78.
4- التذکرة 1 : 308.

______________________________________________________

وحکی الشهید فی اللمعة قولا باعتبار إذن الحاکم فی ذلک مطلقا واستبعده (1). وذکر الشارح أن وجه البعد إطلاق النص الوارد بذلک (2). وهو غیر جید ، فإن الروایة إنما تضمنت أمر الصادق علیه السلام لبرید بالحج عمن له عنده الودیعة وهو إذن وزیادة ، ولا ریب أن استئذان الحاکم مع إمکانه أولی ، أما مع التعذر فلا یبعد سقوطه حذرا من تعطیل الحق الذی یعلم من بیده المال ثبوته.

ومورد الروایة الودیعة ، وألحق بها غیرها من الحقوق المالیة حتی الغصب والدین (3). ویقوی اعتبار استئذان الحاکم فی الدین ، فإنه إنما یتعین بقبض المالک (4) أو ما فی معناه.

ومقتضی الروایة أن المستودع یحج ، لکن جواز الاستیجار ربما کان أولی خصوصا إذا کان الأجیر أنسب لذلک من الودعی.

وصرّح الشارح بأن إخراج الحج واجب علی المستودع ، لظاهر الأمر فلو دفعه إلی الوارث اختیارا ضمن إن لم یتفق منه الأداء (5). وهو حسن.

وهل یتعدی الحاکم إلی غیر حجة الإسلام من الحقوق المالیة کالدین والزکاة والخمس؟ قیل : نعم ، لاشتراک الجمیع فی المعنی المجوز (6). وقیل : لا ، قصرا للروایة المخالفة للأصل علی موردها (7). والجواز بشرط العلم بامتناع الوارث من الأداء فی الجمیع حسن إن شاء الله تعالی.

ص: 146


1- اللمعة الدمشقیة : 66.
2- المسالک 1 : 99.
3- المسالک 1 : 99.
4- فی « ض » : المال.
5- المسالک 1 : 99.
6- کما فی المسالک 1 : 99.
7- کما فی جامع المقاصد 1 : 161.

الخامسة : إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه ، ثم نقل النیّة إلی نفسه لم یصحّ. فإذا أکمل الحجة وقعت عن المستأجر عنه ، ویستحق الأجرة. ویظهر لی أنها لا تجزی عن أحدهما.

______________________________________________________

تفریع : لو تعدد من عنده الودیعة وعلموا بالحق جاز لکل منهم الإخراج علی الوجه المتقدم ، بل وجب کفایة. ولو توازعوا الأجرة جاز. ولو لم یعلم بعضهم الحق تعیّن علی العالم. ولو حجوا جمیعا مع علم بعضهم ببعض صحّ السابق خاصة وضمن اللاحق ، فإن أحرموا دفعة وقع الجمیع عن المنوب عنه ، قیل (1) ویسقط من ودیعة کل واحد ما یخصه من الأجرة الموزعة ویغرم الباقی (2). ولو انتفی العلم فلا ضمان مع الاجتهاد ، ولو حصل العلم بعد الإحرام تحللوا ما عدا واحد بالقرعة.

قوله : ( الخامسة ، إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه ثم نقل النیة إلی نفسه لم یصح ، فإذا أکمل الحجة وقعت عن المستأجر عنه ویستحق الأجرة ، ویظهر لی أنها لا تجزی عن أحدهما ).

أما عدم جواز نقل النیة إلی نفسه فقال الشهید فی الشرح : إنه لا نزاع فیه ، لأن الإحرام قد انعقد عن المستأجر فلا یزول إلاّ بمحلّل.

والأصح ما اختاره المصنف من عدم إجزاء الحج مع النقل عن أحدهما ، أما عن النائب فلعدم صحة النقل اتفاقا ، وأما عن المنوب عنه فلانتفاء النیة فی باقی الأفعال.

والقول بوقوعه عن المستأجر للشیخ (3) - رحمه الله - واختاره المصنف فی المعتبر ، واستدل علیه بأن ما فعله وقع عن المستأجر فلا یصح العدول بها بعد إیقاعها ، وبأن أفعال الحج استحقت لغیره فلا یصح نقلها ، وإذا لم یصح

حکم نقل الأجیر النیة إلی نفسه

ص: 147


1- فی « ض » زیادة : وقع الجمیع عن المنوب عنه.
2- کما فی المسالک 1 : 99.
3- الخلاف 1 : 414. المبسوط 1 : 299.

السادسة : إذا أوصی أن یحجّ عنه وعیّن المبلغ ، فإن کان بقدر ثلث الترکة أو أقلّ صحّ واجبا کان أو مندوبا ، وإن کان أزید وکان واجبا ولم یجز الورثة ، کانت أجرة المثل من أصل المال ، والزائد من الثلث. وإن کان ندبا حجّ عنه من بلده إن احتمل الثلث ، وان قصر حجّ عنه من بعض الطریق ،

______________________________________________________

النقل فقد تمّت الحجة لمن بدأ بالنیة له ، واستحق الأجیر الأجرة لقیامه بما اشترط علیه (1). ویتوجه علیه ما ذکرناه.

قال الشهید فی الشرح : ویمکن أن یحتج للشیخ بروایة ابن أبی حمزة ، عن الصادق علیه السلام فی رجل أعطی رجلا مالا یحجّ عنه فحجّ عن نفسه قال : « هی عن صاحب المال » (2) قال - رحمه الله - : فإنه إذا کان یجزی عن المنوب لا مع نیة الإحرام فلأن یجزی بنیته أولی.

وأقول : إن هذه الروایة ضعیفة باشتراک ابن أبی حمزة بین الثقة والضعیف ، وفی التهذیب رواها عن علیّ بن أبی حمزة ، عن الحسین ، عن أبی عبد الله علیه السلام . والحسین مشترک بین جماعة أیضا ، ومع ذلک فهی روایة شاذة متروکة الظاهر ، فلا یمکن التعلق بها فی إثبات هذا الحکم.

قوله : ( السادسة ، إذا أوصی أن یحجّ عنه وعیّن المبلغ ، فإن کان بقدر ثلث الترکة أو أقل صحّ واجبا کان أو مندوبا ، وإن کان أزید وکان واجبا ولم یجز الورثة کانت أجرة المثل من أصل المال والزائد من الثلث ، وإن کان ندبا حجّ عنه من بلده إن احتمل الثلث ، وإن قصر عنه حجّ عنه من بعض الطریق ).

من أوصی بالحج فإما أن یعیّن الأجیر والأجرة معا ، أو لا یعیّنهما ، أو

حکم قصور الثلث عما عینه للحج به عنه

ص: 148


1- المعتبر 2 : 777.
2- التهذیب 5 : 461 - 1605 ، الوسائل 8 : 136 أبواب النیابة فی الحج ب 22 ح 1 وفیهما : عن ابن أبی حمزة والحسین.

______________________________________________________

یعیّن الأجیر دون الأجرة ، أو بالعکس ، ثم إما أن یکون الحج واجبا أو مندوبا فالصور ثمان :

الأولی : أن یعیّن الأجیر والأجرة معا ویکون الحج واجبا ، ویجب اتباع ما عیّنه الموصی ، ثم إن کانت الأجرة المعیّنة مقدار أجرة المثل أو أقل نفذت من الأصل ، وإن زادت کان أجرة المثل من الأصل والزیادة من الثلث إن لم تجز الورثة ، ولو امتنع الموصی له من الحج بطلت الوصیة واستؤجر غیره بأقل ما یوجد من یحجّ به عنه.

الثانیة : الصورة بحالها والحج مندوب ، ویجب إخراج الوصیة من الثلث إلاّ مع الإجازة فتنفذ من الأصل ، ولو امتنع الموصی له من الحج فالظاهر سقوطه ، لأن الوصیة إنما تعلقت بذلک المعیّن فلا یتناول غیره. نعم لو علم تعلق غرض الموصی بالحج مطلقا وجب إخراجه ، لأن الوصیة علی هذا التقدیر تکون فی قوة شیئین ، فلا یبطل أحدهما بفوات الآخر.

الثالثة : أن یعیّن الأجیر خاصة والحج واجب ، ویجب استیجاره بأقل أجرة یوجد من یحجّ بها عنه. واحتمل الشهید فی الدروس وجوب إعطائه أجرة مثله إن اتسع الثلث (1). وهو حسن ، بل لا یبعد وجوب إجابته إلی ما طلب مطلقا مع اتساع الثلث ، تنفیذا للوصیة بحسب الإمکان ، ویکون الزائد عن الأقل محسوبا من الثلث إلاّ مع الإجازة ، ولو امتنع الموصی له من الحج وجب استیجار غیره بمهما أمکن.

الرابعة : الصورة بحالها والحج مندوب ، والکلام فیه کما سبق من احتساب الأجرة کلها من الثلث ، ولو امتنع الموصی له من القبول سقطت الوصیة ، إلاّ إذا علم تعلق غرض الموصی بالحج مطلقا کما بیّناه.

الخامسة : أن یعیّن الأجرة خاصة والحج واجب ، فإن کانت مساویة

ص: 149


1- الدروس : 89.

وإن قصر عن الحج حتی لا یرغب فیه أجیر صرف فی وجوه البر ، وقیل : یعود میراثا.

______________________________________________________

لأجرة المثل صرفها الوارث إلی من شاء ممّن یقوم بالحج ، وکذا إن نقص. وإن کان أزید کان ما یساوی أجرة المثل من الأصل والزائد من الثلث.

السادسة : الصورة بحالها والحج مندوب ، وحکمها معلوم مما سبق من احتساب الأجرة کلّها من الثلث إلاّ مع الإجازة.

السابعة : أن لا یعیّن الأجیر ولا الأجرة والحج واجب ، والواجب الحج عنه من أصل المال بأقل ما یوجد من یحج به عنه.

الثامنة : الصورة بحالها والحج مندوب ، والأجرة هنا من الثلث إلاّ مع الإجازة کما تقدم.

والحج فی جمیع هذه الصور من المیقات إلاّ أن ینصّ الموصی علی إرادة الحج من البلد ، أو تدل القرائن علیه کما هو المتعارف الآن.

ومن هنا یظهر عدم المنافاة بین حکم المصنف بالحج من البلد مع الوصیة ، والاکتفاء بقضائه بدونها من أقرب الأماکن.

ومع الوصیة لا فرق بین الحج المندوب والواجب.

ولو قصر المال عن الحج من البلد وجب بحسب الممکن ، ولا یتعیّن المیقات. وقد تقدم ما یعلم منه هذه الأحکام.

قوله : ( وإن قصر عن الحج حتی لا یرغب فیه أجیر أصلا صرف فی وجوه البرّ ، وقیل : یعود میراثا ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من صرفه فی وجوه البرّ هو المشهور بین الأصحاب ، وبه قطع فی المنتهی ، واستدل علیه بأن هذا القدر من المال قد خرج عن ملک الورثة بالوصیة النافذة ولا یمکن صرفه فی الطاعة التی عیّنها

حکم عدم کفایة الثلث للحج

ص: 150

السابعة : إذا أوصی فی حجّ وغیره قدّم الواجب. فإن کان الکل واجبا وقصرت الترکة قسمت علی الجمیع بالحصص.

______________________________________________________

الموصی فیصرف إلی غیرها من الطاعات ، لدخولها فی الوصیة ضمنا (1).

ویتوجه علیه أولا منع خروجه عن ملک الوارث بالوصیة ، لأن ذلک إنما یتحقق مع إمکان صرفه فیها والمفروض امتناعه ، ومتی ثبت الامتناع المذکور کشف عن عدم خروجه عن ملک الوارث.

وثانیا أن الوصیة إنما تعلقت بطاعة مخصوصة وقد تعذرت ، وغیرها لم یدل علیه لفظ الموصی نطقا ولا فحوی ، فلا معنی لوجوب صرف الوصیة إلیه. وقوله : إن غیرها من الطاعات داخل فی الوصیة ضمنا ، غیر واضح ، لما بیّنّاه مرارا من أن الموجود فی ضمن المقید حصة من المطلق مقوّمة له ومنعدمة بانعدامه ، لا نفس الماهیة المطلقة ، ومن هنا یظهر قوة القول بعوده میراثا.

وفصّل المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی هذه المسألة فقال : إن کان قصوره حصل ابتداء بحیث لم یمکن صرفه فی الحج فی وقت ما ، کان میراثا ، وإن کان ممکنا ثم طرأ القصور بعد ذلک لطروّ زیادة الأجرة ونحوه فإنه لا یعود میراثا ، لصحة الوصیة ابتداء فخرج بالموت عن الوارث فلا یعود إلیه إلاّ بدلیل ولم یثبت ، غایة الأمر أنه قد تعذر صرفه فی الوجه المعیّن فیصرف فی وجوه البرّ کما فی المجهول المالک (2). واستوجهه الشارح (3) - قدس سره - ولعل الحکم بعوده میراثا مطلقا أقرب ، ولو أمکن استتمام المال بالتجارة وصرفه فی الحج بعد مدة لم یبعد جوازه.

قوله : ( السابعة ، إذا أوصی فی حجّ وغیره قدّم الواجب ، فإن کان الکل واجبا وقصرت الترکة قسمت علی الجمیع بالحصص ).

حکم من أوصی بحج وغیره

ص: 151


1- المنتهی 2 : 874.
2- جامع المقاصد 1 : 161.
3- المسالک 1 : 99.

الثامنة : من علیه حجة الإسلام ونذر أخری ثم مات بعد الاستقرار أخرجت حجة الإسلام من الأصل ، والمنذورة من الثلث. ولو ضاق المال إلا عن حجة الإسلام اقتصر علیها ، ویستحب أن یحجّ عنه النذر. ومنهم من سوّی بین المنذورة وحجة الإسلام فی الإخراج من الأصل والقسمة مع قصور الترکة ، وهو أشبه. وفی الروایة : إذا نذر أن یحجّ رجلا ومات وعلیه حجة الإسلام أخرجت حجة الإسلام من الأصل ، وما نذره من الثلث ، والوجه التسویة لأنهما دین.

______________________________________________________

المراد بالوجوب هنا المالی ، کالحج والزکاة والکفارة وسائر الدیون ، ولا ریب فی تقدیمه علی الوصایا المتبرع بها ، لخروجه من الأصل.

ولو أوصی بالحج وغیره من الواجبات المالیة فالمشهور بین الأصحاب قسمة الترکة علی الجمیع بالحصص ، لأنها دیون لزمت الذمة ولیس أحدها أولی فوجب قسمة الترکة بینها ، وحکی العلاّمة فی التذکرة عن بعض علمائنا قولا بتقدیم الحج ، لأولویته (1). وهو ضعیف.

قوله : ( الثامنة : من علیه حجة الإسلام ونذر أخری ثم مات بعد الاستقرار أخرجت حجة الإسلام من الأصل والمنذورة من الثلث ، ولو ضاق المال إلاّ عن حجة الإسلام اقتصر علیها ، ویستحب أن یحج عنه النذر ، ومنهم من سوّی بین المنذورة وحجة الإسلام فی الإخراج من الأصل والقسمة مع قصور الترکة ، وهو أشبه ، وفی الروایة : إذا نذر أن یحج رجلا ومات وعلیه حجة الإسلام أخرجت حجة الإسلام من الأصل وما نذره من الثلث ، والوجه التسویة ، لأنهما دین ).

أما وجوب إخراج حج الإسلام من الأصل فهو موضع نصّ ووفاق ، وإنما الخلاف فی حج النذر ، فذهب جمع من الأصحاب منهم ابن

حکم المیت الذی علیه حجان

ص: 152


1- التذکرة 1 : 308.

______________________________________________________

إدریس (1) والمصنف ومن تأخر عنه (2) إلی وجوب إخراجها من الأصل أیضا کحج الإسلام ، لما أشار إلیه المصنف من تساویهما فی کونهما دینا ، وهو إنما یتم بعد قیام الدلیل علی وجوب قضائهما من الترکة ، ولم نقف فی ذلک علی روایة سوی روایة ضریس التی أوردها المصنف - رحمه الله - وقد بیّنّا فیما سبق أن الحج لیس واجبا مالیا بل هو واجب بدنی وإن توقف علی المال مع الحاجة إلیه کما تتوقف الصلاة علیه کذلک ، وإنما وجب قضاء حج الإسلام بالنصوص الصحیحة المستفیضة (3) ، وإلحاق حج النذر به یتوقف علی الدلیل.

وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط والتهذیب : یجب إخراج المنذورة من الثلث (4) ، واحتج علیه فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن ضریس بن أعین قال : سألت أبا جعفر عن رجل علیه حجة الإسلام ونذر فی شکر لیحجن رجلا فمات الرجل الذی نذر قبل أن یحجّ حجة الإسلام وقبل أن یفی لله بنذره فقال : « إن کان ترک مالا حج عنه حجة الإسلام من جمیع ماله ویخرج من ثلثه ما یحج به عنه للنذر ، وإن لم یکن ترک مالا إلاّ بقدر حجة الإسلام حج عنه حجة الإسلام مما ترک وحج عنه ولیّه النذر ، فإنما هو دین علیه » (5).

وأجاب عنها فی المختلف بالحمل علی من نذر فی مرض الموت (6). وهو یتوقف علی وجود المعارض.

ص: 153


1- السرائر : 153.
2- کالعلامة فی المنتهی 2 : 872.
3- الوسائل 8 : 49 أبواب وجوب الحج ب 28.
4- النهایة : 283 ، والمبسوط 1 : 306 ، والتهذیب 5 : 406.
5- التهذیب 5 : 406 - 1413 ، الوسائل 8 : 51 أبواب وجوب الحج ب 29 ح 1 ، ورواه فی الفقیه 2 : 263 - 1280.
6- المختلف : 321.

______________________________________________________

نعم یمکن المناقشة فی هذا الاستدلال بأن مورد الروایة خلاف محل النزاع ، لأن موردها من نذر أن یحجّ رجلا ، أی یبذل له ما یحج به ، وهو خلاف نذر الحج ، ولعل ذلک هو السرّ فی إیراد المصنف الروایة بعد حکایة القولین من دون أن یجعلها سندا لأحدهما فتأمل.

ومقتضی الروایة أن المال إذا ضاق إلاّ عن حجة الإسلام یقتصر علیه ، وبه جزم فی المنتهی (1) ، وهو کذلک ، لوجوب تقدیمها علی المنوب عنه ، ولأن وجوب إخراجها بعد الموت قطعی ، وفی وجوب إخراج المنذورة ما سبق من الإشکال.

وما ذکره المصنف من قسمة الترکة بینهما مع القصور مشکل ، لأن الترکة إذا کانت قاصرة عن أجرة مثل الحجتین کانت القسمة مقتضیة لعدم الإتیان بواحدة منهما ، إلاّ أن یتفق من یحج بدون أجرة المثل ، والمتجه وجوب تقدیم حج الإسلام مع القصور کما بیّنّاه.

وقال الشیخ فی التهذیب : قوله علیه السلام : « فلیحج عنه ولیه ما نذر » علی جهة التطوع والاستحباب ، دون الفرض والإیجاب. واستدل علیه بما رواه فی الصحیح ، عن عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل نذر لله لئن عافا الله ابنه من وجعه لیحجنه إلی بیت الله الحرام ، فعافا الله الابن ومات الأب فقال : « الحجة علی الأب یؤدّیها عنه بعض ولده » قلت : هی واجبة علی ابنه الذی نذر فیه؟ فقال : « هی واجبة علی الأب من ثلثه ، أو یتطوع ابنه فیحج عن أبیه » (2) والکلام فی هذه الروایة کما سبق فی الروایة الأولی من أن موردها خلاف محل النزاع ، وقد ظهر من ذلک أن الحکم بوجوب قضاء حج النذر من أصله مشکل جدا ، فإن کان إجماعیا فینبغی المصیر إلی ما ذکره الشیخ من خروجه من الثلث ، اقتصارا

ص: 154


1- المنتهی 2 : 872.
2- التهذیب 5 : 406 - 1414 ، الوسائل 8 : 52 أبواب وجوب الحج ب 29 ح 3.

المقدمة الثالثة : فی أقسام الحج

وهی تمتع ، وقران ، وإفراد

______________________________________________________

فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق.

قوله : ( المقدمة الثالثة : فی أقسام الحج ، وهی ثلاثة : تمتّع ، وقران ، وإفراد ).

هذا موضع وفاق بین العلماء ، ویدل علیه روایات کثیرة : منها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « الحج ثلاثة أصناف : حج مفرد وقران وتمتّع بالعمرة إلی الحجّ ، وبها أمر رسول الله صلی الله علیه و آله ، والفضل فیها ، ولا نأمر الناس إلاّ بها » (1).

وعن منصور الصیقل قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « الحج عندنا علی ثلاثة أوجه : حاجّ متمتّع ، وحاجّ مقرن سائق للهدی ، وحاجّ مفرد للحج » (2).

قال فی المعتبر : ویدل علی الحصر أن العمرة إما أن تتقدم علی الحج مع اتفاق شروط التمتع ، أو یبدأ بالحج ، والأول تمتع ، والثانی إفراد ، ثم إن الإفراد إما أن ینضمّ إلیه سیاق أو لا یضمّ ، والأول قران ، والثانی أفراد (3). هذا کلامه - رحمه الله - ولا یخلو من تسامح ، فإن الدلیل علی الحصر فی الحقیقة النصوص المتضمنة لهذا التقسیم لا نفس التقسیم.

ووجه التسمیة أما فی الإفراد ، فلانفصاله عن العمرة وعدم ارتباطه بها.

وأما القران فلاقتران الإحرام بسیاق الهدی.

- أقسام الحج

ص: 155


1- التهذیب 5 : 24 - 72 ، الإستبصار 2 : 153 - 504 ، الوسائل 8 : 148 أبواب أقسام الحج ب 1 ح 1.
2- التهذیب 5 : 24 - 73 ، الإستبصار 2 : 153 - 505 ، الوسائل 8 : 149 أبواب أقسام الحج ب 1 ح 2 ، ورواه فی الکافی 4 : 291 - 2 ، والفقیه 2 : 203 - 926.
3- المعتبر 2 : 779.

أما التمتع : فصورته أن یحرم من المیقات بالعمرة المتمتع بها ، ثم یدخل مکة ، فیطوف سبعا بالبیت ، ویصلی رکعتیه بالمقام ، ثم یسعی بین الصفا والمروة سبعا ، ویقصّر.

ثم ینشئ إحراما للحج من مکة یوم الترویة علی الأفضل ، وإلا

______________________________________________________

وأما التمتع فهو لغة التلذذ والانتفاع ، وإنما سمّی هذا النوع بذلک لما یتخلل بین عمرته وحجه من التحلل المقتضی لجواز الانتفاع والتلذذ بما کان قد حرّمه الإحرام قبله مع الارتباط بینهما وکونهما کالشی ء الواحد ، فیکون التمتع الواقع بینهما کأنه حاصل فی أثناء الحج. أو لأنه یربح میقاتا ، لأنه لو أحرم بالحج من میقات بلده لکان یحتاج بعد فراغه من الحج إلی أن یخرج إلی أدنی الحلّ فیحرم بالعمرة عنه ، وإذا تمتّع استغنی عن الخروج ، لأنه یحرم بالحج من جوف مکة.

قال الله تعالی ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ) (1) ومعنی التمتع بها إلی الحج : الانتفاع بثوابها والتقرب بها إلی الله تعالی قبل الانتفاع بالحج ، إلی وقت الحج ، فیجتمع حینئذ التقربان ، أو المنتفع بها إذا فرغ منها باستباحة ما کان محرّما إلی وقت التلبس بالحج ، فالباء سببیة ، وهذان المعنیان ذکرهما الزمخشری فی الکشاف (2) ، والنیسابوری فی تفسیره (3). وقیل : إن المعنی فمن انتفع بسبب العمرة قاصدا إلی الحج فعلیه ما تهیّأ له من الهدی (4).

قوله : ( أما التمتع فصورته أن یحرم من المیقات بالعمرة المتمتّع بها ، ثم یدخل مکة فیطوف سبعا بالبیت ، ویصلّی رکعتیه بالمقام ، ثم یسعی بین الصفا والمروة سبعا ، ویقصّر ، ثم ینشئ إحراما آخر للحج

حج التمتع

صورة حج التمتع

ص: 156


1- البقرة : 196.
2- الکشاف 1 : 241.
3- غرائب القرآن ( تفسیر الطبری ) 2 : 238.
4- حکاه فی الکشاف 1 : 224.

بقدر ما یعلم أنه یدرک الوقوف ، ثم یأتی عرفات فیقف بها إلی الغروب ، ثم یفیض إلی المشعر فیقف به بعد طلوع الفجر ، ثم یفیض إلی منی فیحلق بها یوم النحر ویذبح هدیه ویرمی جمرة العقبة.

ثم إن شاء أتی مکة لیومه أو لغده ، فطاف طواف الحج وصلی رکعتیه وسعی سعیه ، وطاف طواف النساء وصلی رکعتیه ، ثم عاد إلی منی لرمی ما تخلّف علیه من الجمار.

وإن شاء أقام بمنی حتی یرمی جماره الثلاث یوم الحادی عشر ، ومثله یوم الثانی عشر ، ثم ینفر بعد الزوال. وإن أقام إلی النفر الثانی جاز أیضا ، وعاد إلی مکة للطوافین والسعی.

______________________________________________________

من مکة یوم الترویة علی الأفضل ، وإلاّ بقدر ما یعلم أنه یدرک الوقوف ، ثم یأتی عرفات فیقف بها إلی الغروب ، ثم یفیض إلی المشعر فیقف به بعد طلوع الفجر ، ثم یفیض إلی منی فیحلق بها یوم النحر ، ویذبح هدیه ، ویرمی جمرة العقبة ، ثم إن شاء أتی مکة لیومه أو لغده فطاف طواف الحج وصلّی رکعتیه وسعی سعیه ، وطاف طواف النساء وصلّی رکعتیه ، ثم عاد إلی منی لیرمی ما تخلّف علیه من الجمار ، وإن شاء أقام بمنی حتی یرمی جماره الثلاث یوم الحادی عشر ، ومثله یوم الثانی عشر ، ثم ینفر بعد الزوال. وإن أقام إلی النفر الثانی جاز أیضا ، وعاد إلی مکة للطوافین والسعی ).

هذه الصورة متفق علیها بین الأصحاب فی الجملة ، وکان ینبغی أن یذکر المبیت لیلة العاشر بالمشعر فإنه واجب ، وکذا الأکل من الهدی فإنه واجب عند المصنف ، وتقیید النفر فی الأول بمن اتقی الصید والنساء ، وإنما ترک ذلک اعتمادا علی ما سیجی ء من التفصیل.

لکن حکمه - رحمه الله - بجواز الإقامة بمنی أیام التشریق قبل الطوافین

ص: 157

وهذا القسم فرض من کان بین منزله ومکة اثنا عشر میلا فما زاد من کل جانب ، وقیل : ثمانیة وأربعون میلا ،

______________________________________________________

والسعی مناف لما سیذکره فی محله من عدم جواز تأخیر ذلک من غد یوم النحر (1) ، وکأنه (2) رجوع عن الفتوی.

وربما جمع بین الکلامین بحمل الجواز هنا علی معنی الإجزاء ، وهو لا ینافی حصول الإثم بالتأخیر. وهو مقطوع بفساده.

والأصح ما اختاره المصنف هنا من جواز تأخیر ذلک إلی انقضاء أیام التشریق ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، وسیجی ء الکلام فی ذلک مفصّلا إن شاء الله تعالی.

قوله : ( وهذا القسم فرض من کان بین منزله وبین مکة اثنا عشر میلا فما زاد من کل جانب ، وقیل : ثمانیة وأربعون میلا ).

أجمع علماؤنا کافة علی أن فرض من نأی عن مکة التمتع ، لا یجوز لهم غیره إلاّ مع الضرورة ، قاله فی التذکرة (3). وقال فی المنتهی : قال علماؤنا أجمع : فرض الله علی المکلفین ممن نأی عن المسجد الحرام ولیس من حاضریه التمتع مع الاختیار ، لا یجزیهم غیره ، وهو مذهب فقهاء أهل البیت علیهم السلام قال : وأطبق الجمهور کافة علی جواز النسک بأیّ الأنواع الثلاثة شاء ، وإنما اختلفوا فی الأفضل (4).

والأصل فی وجوب التمتع علی النائی قوله تعالی ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ) إلی قوله ( ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (5) والظاهر عود الإشارة إلی جمیع ما تقدم.

تعین التمتع علی النائی

ص: 158


1- فی ص 109.
2- فی « م » : وکان له.
3- التذکرة 1 : 317.
4- المنتهی 2 : 659.
5- البقرة : 196.

______________________________________________________

وحکی المصنف فی المعتبر عن بعض فضلاء العربیة أنهم قالوا : تقدیره : ذلک التمتع (1). وهو جید ، لما نصّ علیه أهل العربیة من أن « ذلک » للبعید.

وأما الأخبار الواردة بذلک فمستفیضة جدا ، بل تکاد أن تبلغ حدّ التواتر ، فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله جعفر بن محمد علیهماالسلام ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : « لمّا فرغ رسول الله صلی الله علیه و آله من سعیه بین الصفا والمروة أتاه جبرئیل علیه السلام عند فراغه من السعی وهو علی المروة فقال : إن الله یأمرک أن تأمر الناس أن یحلّوا إلاّ من ساق الهدی ، فأقبل رسول الله صلی الله علیه و آله علی الناس بوجهه فقال : یا أیها الناس هذا جبرئیل - وأشار بیده إلی خلفه - یأمرنی عن الله عز وجل أن آمر الناس أن یحلّوا إلاّ من ساق الهدی ، فأمرهم بما أمر الله به ، فقام إلیه رجل فقال : یا رسول الله صلی الله علیه و آله نخرج إلی منی ورؤوسنا تقطر من النساء؟! وقال آخر : یأمرنا بشی ء ویصنع هو غیره؟! فقال : یا أیها الناس لو استقبلت من أمری ما استدبرت صنعت کما صنع الناس ، ولکنی سقت الهدی ، ولا یحلّ من ساق الهدی حتی یبلغ الهدی محلّه ، فقصّر الناس وأحلّوا وجعلوها عمرة ، فقام إلیه سراقة بن مالک بن خثعم (2) المدلجی فقال : یا رسول الله صلی الله علیه و آله هذا الذی أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال : بل للأبد إلی یوم القیامة ، وشبک بین أصابعه. وأنزل الله فی ذلک قرآنا ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ) (3).

وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « دخلت العمرة فی الحج إلی یوم القیامة ، لأن الله تعالی یقول : ( فَمَنْ

ص: 159


1- المعتبر 2 : 785.
2- فی « م » : جشیم ، وفی التهذیب : جشعم ، وفی الوسائل جعشم.
3- التهذیب 5 : 25 - 74 ، الوسائل 8 : 171 أبواب أقسام الحج ب 3 ح 1.

______________________________________________________

تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ) فلیس لأحد إلاّ أن یتمتّع ، لأن الله تعالی أنزل ذلک فی کتابه وجرت به السنّة من رسول الله صلی الله علیه و آله » (1).

وفی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من حجّ فلیتمتّع ، إنّا لا نعدل بکتاب ربّنا عزّ وجلّ وسنة نبیه صلی الله علیه و آله » (2).

إذا تقرّر ذلک فاعلم أن للأصحاب فی حدّ البعد المقتضی لتعین التمتع قولین ، أحدهما : إنه البعد عن مکة باثنی عشر میلا فما زاد من کل جانب ، ذهب إلیه الشیخ فی المبسوط (3) وابن إدریس (4) والمصنف فی هذا الکتاب ، مع أنه رجع عنه فی المعتبر وقال : إنه قول نادر لا عبرة به (5).

والثانی : إنه البعد عن مکة بثمانیة وأربعین میلا ، ذهب إلیه الشیخ فی التهذیب والنهایة (6) وابنا بابویه (7) وأکثر الأصحاب ، لکن مقتضی کلام الشیخ - رحمه الله - أن البعد إنما یتحقق بالزیادة عن الثمانیة والأربعین. والأمر فی ذلک هیّن ، لأن الحصول علی رأس المسافة المذکورة من غیر زیادة ولا نقصان نادر ، وهذا القول هو المعتمد.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر

حد النائی

ص: 160


1- التهذیب 5 : 25 - 75 ، الإستبصار 2 : 150 - 493 ، الوسائل 8 : 172 أبواب أقسام الحج ب 3 ح 2.
2- الکافی 4 : 291 - 6 ، التهذیب 5 : 27 - 82 ، الإستبصار 2 : 152 - 500 ، الوسائل 8 : 175 أبواب أقسام الحج ب 3 ح 14.
3- المبسوط 1 : 306.
4- السرائر : 121.
5- المعتبر 2 : 785.
6- التهذیب 5 : 32 ، والنهایة : 206.
7- الصدوق فی المقنع : 67 ، وحکاه عنهما فی المختلف : 260.

______________________________________________________

علیه السلام قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : قول الله عزّ وجلّ فی کتابه : ( ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) فقال : « یعنی أهل مکة لیس علیهم متعة ، کل من کان أهله دون ثمانیة وأربعین میلا ، ذات عرق وعسفان کما یدور حول مکة فهو ممن دخل فی هذه الآیة ، وکل من کان أهله وراء ذلک فعلیه المتعة » (1).

وذکر فی القاموس أن عسفان کعثمان موضع علی مرحلتین من مکة (2). وذات عرق موضع بالبادیة میقات العراقیین.

ویشهد لهذا القول أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی وسلیمان بن خالد وأبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس لأهل مکة ولا لأهل مرّ ولا لأهل سرف متعة ، وذلک لقول الله عزّ وجلّ ( ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (3) قال فی المعتبر : ومعلوم أن هذه المواضع أکثر من اثنی عشر میلا (4). قلت : ذکر فی القاموس أن بطن مرّ موضع من مکة علی مرحلة (5). وسرف ککتف موضع قرب التنعیم (6).

وفی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی حاضری المسجد الحرام قال : « ما دون الأوقات إلی مکة » (7).

ص: 161


1- التهذیب 5 : 33 - 98 ، الإستبصار 2 : 157 - 516 ، الوسائل 8 : 187 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 3.
2- القاموس المحیط 3 : 181.
3- التهذیب 5 : 32 - 96 ، الإستبصار 2 : 157 - 514 ، الوسائل 8 : 186 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 1.
4- المعتبر 2 : 785.
5- القاموس المحیط 2 : 138.
6- القاموس المحیط 3 : 156.
7- التهذیب 5 : 476 - 1683 ، الوسائل 8 : 187 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 5.

______________________________________________________

وعن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال فی حاضری المسجد الحرام قال : « ما دون المواقیت إلی مکة فهو حاضری المسجد الحرام ، ولیس لهم متعة » (1).

وقد ذکر العلاّمة فی موضع من التذکرة أن أقرب المواقیت إلی مکة ذات عرق ، وهی مرحلتان من مکة (2). وقال فی موضع آخر : إن قرن المنازل ویلملم والعقیق علی مسافة واحدة ، بینها وبین مکة لیلتان قاصدتان (3).

ولم نقف للشیخ - رحمه الله - فی اعتبار الاثنی عشر میلا علی مستند ، وقد اعترف بذلک المصنف فی المعتبر والشهید فی الدروس (4). وقال فی المختلف : وکأن الشیخ نظر إلی توزیع الثمانیة والأربعین من الأربع جوانب فکان قسط کل جانب ما ذکرناه (5). ولیس بجید ، لأن دخول ذات عرق وعسفان فی حاضری مکة ینافی ذلک.

وبالجملة فروایة زرارة صحیحة السند واضحة الدلالة ولیس لها معارض یعتدّ به فیتعین العمل بها ، نعم روی الکلینی فی الحسن ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قول الله عزّ وجلّ ( ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) قال : « من کان منزله علی ثمانیة عشر میلا من بین یدیها ، وثمانیة عشر میلا خلفها ، وثمانیة عشر میلا عن یمینها ، وثمانیة عشر میلا عن یسارها ، فلا متعة له ، مثل مرّ وأشباهها » (6).

ویمکن الجمع بینها وبین صحیحة زرارة المتقدمة بالحمل علی أن من

ص: 162


1- التهذیب 5 : 33 - 99 ، الإستبصار 2 : 158 - 517 ، الوسائل 8 : 187 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 4.
2- التذکرة 1 : 320.
3- التذکرة 1 : 322.
4- المعتبر 2 : 784 ، الدروس : 91.
5- المختلف : 206.
6- الکافی 4 : 300 - 3 ، الوسائل 8 : 188 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 10.

فإن عدل هؤلاء إلی القران أو الإفراد فی حجة الإسلام اختیارا لم یجز ، ویجوز مع الاضطرار.

______________________________________________________

بعد ثمانیة عشر میلا کان مخیرا بین الإفراد والتمتع ، ومن بعد بالثمانیة والأربعین تعین علیه التمتع والله أعلم.

قوله : ( فإن عدل هؤلاء إلی القران أو الإفراد فی حجة الإسلام اختیارا لم یجز ، ویجوز مع الاضطرار ).

أما عدم جواز العدول لهؤلاء إلی القران أو الإفراد فی حجة الإسلام مع الاختیار فقال المصنف فی المعتبر (1) والعلاّمة فی جملة من کتبه (2) : إنه قول علمائنا أجمع. لأن فرضهم التمتع علی ما بیّنّاه فیما سبق ، فیجب أن لا یجزیهم غیره لإخلالهم بما فرض علیهم.

وأما جوازه مع الاضطرار کضیق الوقت عن الإتیان بأفعال العمرة قبل الوقوف أو حصول الحیض المانع من ذلک فیدل علیه روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن صفوان بن یحیی وابن أبی عمیر وفضالة ، عن جمیل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مکة یوم الترویة ، قال : « تمضی کما هی إلی عرفات فتجعلها حجة ثم تقیم حتی تطهر فتخرج إلی التنعیم فتحرم فتجعلها عمرة » ثم قال ابن أبی عمیر : کما صنعت عائشة (3).

واعلم أن الشیخ فی کتابی الأخبار (4) ، والمصنف فی المعتبر (5) ،

حکم العدول إلی غیر التمتع

ص: 163


1- المعتبر 2 : 783.
2- التذکرة 1 : 317 ، والمنتهی 2 : 659.
3- التهذیب 5 : 390 - 1363 ، الوسائل 8 : 214 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 2 ، وأورد صدر الحدیث فی الفقیه 2 : 240 - 1146.
4- التهذیب 5 : 31 ، والاستبصار 2 : 155.
5- المعتبر 2 : 790.

______________________________________________________

والعلاّمة فی جملة من کتبه (1) ، والشهید فی الدروس (2) صرّحوا بأن من أراد التطوع بالحج کان مخیّرا بین الأنواع الثلاثة ، لکن التمتع أفضل. ویدل علی ذلک روایات کثیرة : منها صحیحة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المتعة والله أفضل ، وبها نزل القرآن وجرت السنّة » (3).

وصحیحة أبی أیوب إبراهیم بن عیسی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام أیّ أنواع الحج أفضل فقال : « المتعة ، وکیف یکون شیئا أفضل منها ورسول الله صلی الله علیه و آله یقول : لو استقبلت من أمری ما استدبرت فعلت کما فعل الناس! » (4).

وصحیحة عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی قرنت العام وسقت الهدی فقال : « ولم فعلت ذلک؟! التمتع والله أفضل ، لا تعودن » (5).

وصحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام فی السنة التی حجّ فیها وذلک سنة اثنتی عشرة ومائتین فقلت : جعلت فداک بأیّ شی ء دخلت مکة ، مفردا أو متمتعا؟ فقال : « متمتعا » فقلت : أیما أفضل التمتع بالعمرة إلی الحج أو من أفرد وساق الهدی؟ فقال : « کان أبو جعفر علیه السلام یقول : التمتع بالعمرة إلی الحج أفضل من المفرد السائق للهدی ، وکان یقول : لیس یدخل الحاج بشی ء أفضل من

ص: 164


1- المنتهی 2 : 662.
2- الدروس : 91.
3- التهذیب 5 : 29 - 88 ، الإستبصار 2 : 154 - 506 ، الوسائل 8 : 180 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 15.
4- الکافی 4 : 291 - 3 ، الفقیه 2 : 204 - 935 ، التهذیب 5 : 29 - 89 ، الإستبصار 2 : 154 - 507 ، الوسائل 8 : 180 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 16.
5- التهذیب 5 : 29 - 90 ، الإستبصار 2 : 154 - 508 ، الوسائل 8 : 180 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 17.

وشروطه أربعة : النیّة.

______________________________________________________

المتعة » (1).

وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام ونحن بالمدینة : إنی اعتمرت عمرة فی رجب وأنا أرید الحج ، فأسوق الهدی أو أفرد أو أتمتع؟ فقال : « فی کل فضل وکل حسن » قلت : وأیّ ذلک أفضل؟ فقال : « إن علیّا علیه السلام کان یقول : لکل شهر عمرة ، تمتّع فهو والله أفضل » (2).

وروایة عبد الملک بن عمرو : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن التمتع فقال : « تمتع » قال : فقضی أنه أفرد الحج فی ذلک العام أو بعده فقلت : أصلحک الله سألتک فأمرتنی بالتمتع وأراک قد أفردت الحج؟! فقال : « أما والله إن الفضل لفی الذی أمرتک به ، ولکنی ضعیف فشقّ علیّ طوافان بین الصفا والمروة فلذلک أفردت » (3) والأخبار الواردة بذلک أکثر من أن تحصی.

قوله : ( وشروطه أربعة : النیة ).

صرح المصنف فی المعتبر بأن المراد بالنیة هنا نیة إحرام العمرة (4). وهو جید ، إلاّ أنه سیأتی فی باب الإحرام التصریح بوجوبها (5) ، وهو مغن عن ذکرها هنا. وذکر الشارح أن ظاهر الأصحاب المراد بهذه النیة نیة الحج

- شروط حج التمتع

ص: 165


1- الکافی 4 : 292 - 11 ، التهذیب 5 : 30 - 92 ، الإستبصار 2 : 155 - 510 ، الوسائل 8 : 176 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 1.
2- الکافی 4 : 293 - 15 ، التهذیب 5 : 31 - 94 ، الإستبصار 2 : 156 - 512 ، الوسائل 8 : 180 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 18.
3- الکافی 4 : 292 - 12 ، التهذیب 5 : 28 - 84 ، الإستبصار 2 : 153 - 502 ، الوسائل 8 : 179 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 10.
4- المعتبر 2 : 781.
5- فی ص 257.

ووقوعه فی أشهر الحج ، وهی : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وقیل : وعشرة من ذی الحجة ، وقیل : وتسعة من ذی الحجة ، وقیل : إلی طلوع الفجر من یوم النحر. وضابط وقت الإنشاء ما یعلم أنه یدرک المناسک.

______________________________________________________

بجملته (1). ونقل عن سلاّر التصریح بذلک (2). ومقتضاه أنه یجب الجمع بین هذه النیة وبین نیة کل فعل من أفعال الحج علی حدة ، وهو غیر واضح ، والأخبار خالیة من ذلک کله ، وقد بیّنّا الوجه فی ذلک مرارا.

قوله : ( ووقوعه فی أشهر الحج ، وهی : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، وقیل : وعشرة من ذی الحجة ، وقیل : وتسعة من ذی الحجة. وقیل : وإلی طلوع الفجر من یوم النحر. وضابط وقت الإنشاء ما یعلم أنه یدرک المناسک ).

اختلف الأصحاب وغیرهم فی أشهر الحج ، فقال الشیخ فی النهایة : هی شوّال وذو القعدة وذو الحجة (3). وبه قال ابن الجنید (4). ورواه الصدوق فی کتاب من لا یحضره الفقیه (5).

وقال المرتضی (6) وسلاّر (7) وابن أبی عقیل (8) : شوّال وذو القعدة وعشر من ذی الحجة.

ص: 166


1- المسالک 1 : 100.
2- الموجود فی المسالک 1 : 100 ، قوله ویظهر من سلار فی الرسالة أن المراد بها نیة الخروج ، انتهی ، ویمکن أن تکون فی النسخة التی عنده من المسالک : الحج ، عوض الخروج ، کما نبه علی ذلک فی الحدائق 14 : 352 والجواهر 18 : 11 ، والموجود فی المراسم : 104. قوله : فالفعل النیة والدعاء المرسوم عند الخروج من المنزل.
3- النهایة : 207.
4- نقله عنه فی المختلف : 260.
5- الفقیه 2 : 274 و 277.
6- نقله عنه فی المختلف : 260.
7- المراسم : 104.
8- نقله عنه فی المختلف : 260.

______________________________________________________

وقال الشیخ فی الجمل (1) وابن البراج (2) : وتسعة من ذی الحجة (3).

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : إلی طلوع الفجر من یوم النحر (4).

وقال ابن إدریس : وإلی طلوع الشمس من یوم النحر (5).

قال العلاّمة فی المنتهی : ولیس یتعلق بهذا الاختلاف حکم (6).

وقال فی المختلف : التحقیق أن هذا نزاع لفظی ، فإنهم إن أرادوا بأشهر الحج ما یفوت الحج بفواته ، فلیس کما ذی الحجة من أشهره ، لما یأتی من فوات الحج دونه علی ما یأتی تحقیقه ، وإن أرادوا بها ما یقع فیه أفعال الحج فهی ثلاثة کملا ، لأن باقی المناسک یقع فی کمال ذی الحجة فقد ظهر أن النزاع لفظی (7). وهو حسن ، إذ لا خلاف فی فوات الإنشاء بعدم التمکن من إدراک المشعر قبل زوال یوم النحر ، کما أنه لا خلاف فی وقوع بعض أفعال الحج کالطوافین والسعی والرّمی فی ذی الحجة بأسره.

وقد ظهر من ذلک أن هذا الاختلاف لا یترتب علیه حکم ، وأن النزاع فی هذه المسألة یرجع إلی تفسیر هذا اللفظ وهو أشهر الحج ، والظاهر إطلاقها علی مجموع الثلاثة حقیقة ، لأنها أقل الجمع ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن الله

ص: 167


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 226.
2- المهذب 1 : 213.
3- ما بین القوسین لیس فی « م ».
4- المبسوط 1 : 308 ، والخلاف 1 : 417.
5- السرائر : 122.
6- المنتهی 2 : 664.
7- المختلف : 260.

وأن یأتی بالحج والعمرة فی سنة واحدة.

______________________________________________________

تعالی یقول ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِیهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِی الْحَجِّ ) (1) وهی شوّال وذو القعدة وذو الحجة » (2) ونحوه روی زرارة فی الحسن ، عن الباقر علیه السلام (3).

إذا تقرر ذلک فنقول : إنه یعتبر فی الحج وقوع أفعاله فی هذه الأشهر إجماعا ، لقوله تعالی ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) وتقدیره : وقت الحج أو أشهر الحج ، فحذف المضاف وأقیم المضاف إلیه مقامه. وإذا کان هذا الزمان وقتا للحج لم یجز تقدیمه علیه کما لا یجوز تأخیره عنه ، ویدل علیه روایات : منها روایة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، لیس لأحد أن یحرم بالحج فی سواهنّ » (4).

قوله : ( وأن یأتی بالحج والعمرة فی سنة واحدة ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، ویدل علیه التأسّی ، وقوله علیه السلام : « دخلت العمرة فی الحج » (5) فکما یعتبر وقوع أفعال الحج کلها فی العام الواحد ، فکذا العمرة. ولو بقی علی إحرامه بالعمرة من غیر إتمام الأفعال إلی القابل لم یجز التمتع بها ، واحتمل فی الدروس الإجزاء ثم قال : ولو قلنا إنه صار معتمرا بمفردة بعد خروج أشهر الحج ولما یحل لم یجز (6). وهو جید.

ص: 168


1- البقرة : 197.
2- التهذیب 5 : 445 - 1550 ، الوسائل 8 : 196 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 1.
3- الکافی 4 : 289 - 1 ، التهذیب 5 : 51 - 155 ، الإستبصار 2 : 161 - 527 ، الوسائل 8 : 196 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 5.
4- الکافی 4 : 289 - 1 ، التهذیب 5 : 51 - 155 ، الإستبصار 2 : 161 - 527 ، الوسائل 8 : 196 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 5.
5- الکافی 4 : 245 - 4 ، التهذیب 5 : 454 - 1588 ، الوسائل 8 : 168 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4 ، 27 ، 33.
6- الدروس : 94.

وأن یحرم بالحج له من بطن مکة ، وأفضلها المسجد وأفضله المقام.

ولو أحرم بالعمرة المتمتّع بها فی غیر أشهر الحج لم یجز له التمتع بها ، وکذا لو فعل بعضها فی أشهر الحج ، ولم یلزمه الهدی.

______________________________________________________

قوله : ( وأن یحرم بالحج له من بطن مکة ، وأفضلها المسجد ، وأفضله المقام ).

المراد ببطن مکة ما دخل عن شی ء من بنائها. وقد أجمع العلماء کافة علی أن میقات حج التمتع مکة ، ویدل علیه روایات : منها صحیحة عمرو بن حریث الصیرفی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : من أین أهلّ بالحج؟ فقال : « إن شئت من رحلک ، وإن شئت من الکعبة ، وإن شئت من الطریق » (1).

وأفضل مکة المسجد اتفاقا ، وأفضل المسجد مقام إبراهیم علیه السلام ، أو الحجر ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمّار : « إذا کان یوم الترویة إن شاء الله فاغتسل ، ثم البس ثوبیک ، وادخل المسجد حافیا وعلیک السکینة والوقار ، ثم صلّ رکعتین عند مقام إبراهیم علیه السلام أو فی الحجر ، ثم اقعد حتی تزول الشمس ، فصلّ المکتوبة ، ثم قل فی دبر صلاتک کما قلت حین أحرمت من الشجرة ، فأحرم بالحج » (2).

قوله : ( ولو أحرم بالعمرة المتمتع بها فی غیر أشهر الحج لم یجز له التمتع بها ، وکذا لو فعل بعضها فی أشهر الحج ، ولم یلزمه الهدی ).

ص: 169


1- الکافی 4 : 455 - 4 ، التهذیب 5 : 166 - 555 ، الوسائل 8 : 246 أبواب المواقیت ب 21 ح 2.
2- الکافی 4 : 454 - 1 ، التهذیب 5 : 167 - 557 ، الوسائل 8 : 246 أبواب المواقیت ب 21 ح 1.

______________________________________________________

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات : منها صحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه قال : « لیس تکون متعة إلاّ فی أشهر الحج » (1).

وردّ المصنف بقوله : وکذا لو فعل بعضها فی أشهر الحج ، علی العامة حیث ذهب بعضهم إلی الاکتفاء بوقوع التحلل من العمرة فی أشهر الحج (2). وذهب بعض آخر إلی أن من أتی بأکثر أفعال العمرة فی أشهر الحج صار متمتعا (3). ولا ریب فی بطلانهما.

ومتی لم یصح التمتع بالعمرة انتفی لزوم الهدی ، لأنه من توابعه (4).

وربما لاح من العبارة أن من أحرم بالعمرة المتمتع بها فی غیر أشهر الحج تقع عمرته صحیحة لکن لا یتمتع بها ، وبه جزم العلاّمة فی التذکرة والمنتهی من غیر نقل خلاف (5) ، بل صرّح فی المنتهی بما هو أبلغ من ذلک فقال : إن من أحرم بالحج فی غیر أشهر الحج لم ینعقد إحرامه للحج وانعقد للعمرة (6). واستدل علیه بما رواه ابن بابویه ، عن أبی جعفر الأحول ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل فرض الحج فی غیر أشهر الحج قال : « یجعلها عمرة » (7) وهی لا تدل علی المطلوب صریحا ، لاحتمال أن یکون المراد منها أن من أراد فرض الحج فی غیر أشهره لا یقع حجه صحیحا ، بل ینبغی أن یجعل النسک الذی یرید فعله عمرة.

ص: 170


1- التهذیب 5 : 435 - 1513 ، الوسائل 8 : 205 أبواب أقسام الحج ب 15 ح 1.
2- نقله القرطبی عن مالک فی جامع أحکام القرآن 2 : 397 ، وابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 334.
3- نقله عن الشافعی فی بدایة المجتهد 1 : 334.
4- فی « ح » زیادة : فحیث لم یقع لم یلزم.
5- التذکرة 1 : 319 ، والمنتهی 2 : 665.
6- المنتهی 2 : 665.
7- الفقیه 2 : 278 - 1361 ، الوسائل 8 : 197 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 7.

والإحرام من المیقات مع الاختیار. ولو أحرم بحج التمتع من غیر مکة لم یجزه. ولو دخل مکة بإحرامه علی الأشبه ، ووجب استئنافه منها. ولو تعذر ذلک ، قیل : یجزیه ، والوجه أنه یستأنفه حیث أمکن ، ولو بعرفة ، إن لم یتعمد ذلک.

______________________________________________________

والأصح عدم الصحة مطلقا ، أما عن المنوی فلعدم حصول شرطه ، وأما عن غیره فلعدم نیته ، ونیة المقید لا تستلزم نیة المطلق کما بیناه مرارا.

قوله : ( والإحرام من المیقات مع الاختیار. ولو أحرم بحج التمتع من غیر مکة لم یجزه. ولو دخل مکة بإحرامه علی الأشبه ، ووجب استئنافه منها ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وبه قطع فی المعتبر من غیر نقل خلاف (1). وأسنده العلاّمة فی التذکرة والمنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (2).

وربما أشعرت عبارة المصنف بوقوع الخلاف فیه ، ونقل الشارح - قدس سره - عن شارح ترددات الکتاب أنه أنکر ذلک ، ونقل عن شیخه أن المصنف قد یشیر فی کتابه إلی خلاف الجمهور أو إلی ما یختاره من غیر أن یکون خلافه مذهبا لأحد من الأصحاب فیظن أن فیه خلافا (3).

وکیف کان فالخلاف فی هذه المسألة إن تحقق فهو ضعیف جدا ، لأن الإحرام بحج التمتع من غیر مکة یقع فاسدا ، فلا یکون المرور علی المیقات کافیا ما لم یجدد الإحرام منه ، لأن الإحرام الأول غیر منعقد ، فیکون مروره بالمیقات جاریا مجری مرور المحلّ به کما هو ظاهر.

قوله : ( ولو تعذر ذلک قیل : یجزیه ، والوجه أنه یستأنفه حیث أمکن ولو بعرفة إن لم یتعمد ذلک ).

ص: 171


1- المعتبر 2 : 781.
2- التذکرة 1 : 320 ، والمنتهی 2 : 667.
3- المسالک 1 : 100.

وهل یسقط الدم والحال هذه؟ فیه تردد.

______________________________________________________

القول بالإجزاء للشیخ فی الخلاف (1). وهو ضعیف جدا ، والأصح ما استوجهه المصنف من البطلان مع العمد والاستئناف من حیث أمکن مع الجهل أو النسیان ، أما الأول فلعدم تحقق الامتثال المقتضی لبقاء المکلف تحت العهدة ، وأما الثانی فلصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن رجل نسی الإحرام بالحج فذکره وهو بعرفات ما حاله؟ قال : « یقول : اللهم علی کتابک وسنة نبیک ، فقد تمّ إحرامه ، فإن جهل أن یحرم یوم الترویة بالحج حتی رجع إلی بلده إن کان قضی مناسکه کلها فقد تمّ حجه » (2).

قوله : ( وهل یسقط الدم والحال هذه؟ فیه تردد ).

المراد بالدم هنا هدی التمتع. وقوله : والحال هذه ، الظاهر تعلقه بمن استأنف الإحرام حیث أمکن للعذر ، إذ لا یمکن تعلقه بأصل المسألة أعنی من أحرم بحج التمتع من غیر مکة مع الاختیار ، فإن من هذا شأنه یقع إحرامه باطلا ، فلا وجه للتردد فی سقوط هدی التمتع عنه ، لأن الحج الفاسد لا یجب فیه هدی. ومع ذلک فلا وجه للتردد فی سقوط الهدی عمن أحرم من غیر مکة للعذر ، لأن هدی التمتع عندنا نسک کغیره من أفعال الحج لا تعلق له بالإحرام.

نعم ذهب بعض العامة إلی أنه جبران لما فات فی إحرام حج التمتع من الإحرام من المیقات (3). وهو ظاهر اختیار الشیخ فی المبسوط (4). وعلی هذه فیمکن سقوط الدم فی المسألة المفروضة إذا اتفق حصول الإحرام من المیقات اضطرارا أو مرّ علیه محرما ، أما سقوطه بمجرد الإحرام من غیر مکة

ص: 172


1- الخلاف 1 : 420.
2- التهذیب 5 : 175 - 586 ، الوسائل 8 : 239 أبواب المواقیت ب 14 ح 8.
3- کالفیروزآبادی فی المهذب 1 : 201.
4- المبسوط 1 : 307.

ولا یجوز للمتمتع الخروج من مکة حتی یأتی بالحج ، لأنه صار مرتبطا به ، إلا علی وجه لا یفتقر إلی تجدید عمرة.

______________________________________________________

فلا وجه له أصلا ، لکن لما کان الإحرام من غیر مکة شاملا بإطلاقه لما إذا حصل من المیقات أمکن إطلاق التردد فیه بالنظر إلی بعض أفراده.

ولقد أحسن الشهید فی الدروس حیث قال فی هذه المسألة : ولا یسقط عنه دم التمتع ولو أحرم من میقات المتعة (1). فزاد علی المسألة المفروضة ذکر موضع النزاع ، ومراده بمن أحرم من میقات المتعة من أحرم کذلک اضطرارا ، للقطع بأن من أحرم منه اختیارا لا ینعقد إحرامه کما بیّنّاه.

قوله : ( ولا یجوز للمتمتع الخروج من مکة حتی یأتی بالحج ، لأنه صار مرتبطا به ، إلاّ علی وجه لا یفتقر إلی تجدید عمرة ).

المراد بالوجه الذی لا یفتقر إلی تجدید عمرة أن یخرج منها محرما أو یرجع قبل شهر کما سیجی ء بیانه إن شاء الله ، وما اختاره المصنف من تحریم الخروج المحوج إلی تجدید العمرة علی المتمتع هو المشهور بین الأصحاب ، وحکی الشهید فی الدروس عن الشیخ فی النهایة وجماعة أنهم أطلقوا المنع من الخروج من مکة للمتمتع ، لارتباط عمرة التمتع بالحج ثم قال : ولعلهم أرادوا الخروج المحوج إلی عمرة أخری کما قال فی المبسوط ، أو الخروج لا بنیة العود (2).

وقال ابن إدریس : لا یحرم ذلک مطلقا بل یکره ، لأنه لا دلیل علی حظر الخروج من مکة بعد الإحلال من العمرة (3).

وقال الشیخ فی التهذیب : ولا ینبغی للمتمتع بالعمرة إلی الحج أن یخرج من مکة قبل أن یقضی مناسکه کلها إلاّ لضرورة ، فإن اضطرّ إلی

حکم خروج المتمتع من مکة

ص: 173


1- الدروس : 94.
2- الدروس : 93.
3- السرائر : 150.

______________________________________________________

الخروج خرج إلی حیث لا یفوته الحج ویخرج محرما بالحج ، فإن أمکنه الرجوع إلی مکة وإلاّ مضی إلی عرفات (1). والظاهر أن مراده - رحمه الله - بقوله : ولا ینبغی ، التحریم ، ومقتضاه عدم جواز الخروج من مکة للمتمتع بعد قضاء عمرته إلاّ محرما بالحج ، وهو المعتمد.

لنا : ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن حمّاد بن عیسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من دخل مکة متمتعا فی أشهر الحج لم یکن له أن یخرج حتی یقضی الحج ، فإن عرضت له حاجة إلی عسفان أو إلی الطائف أو إلی ذات عرق خرج محرما ودخل ملبّیا بالحج فلا یزال علی إحرامه ، فإن رجع إلی مکة رجع محرما ولم یقرب البیت حتی یخرج مع الناس إلی منی » قلت : فإن جهل فخرج إلی المدینة أو إلی نحوها بغیر إحرام ثم رجع فی إبّان الحج فی أشهر الحج یرید الحج ، أیدخلها محرما أو بغیر إحرام؟ فقال : « إن رجع فی شهره دخل بغیر إحرام ، وإن دخل فی غیر الشهر دخل محرما » قلت : فأیّ الإحرامین والمتعتین متعة الأولی أو الأخیرة؟ قال : « الأخیرة هی عمرته ، وهی المحتبس بها التی وصلت بحجته » (2).

وفی الحسن ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل قضی متعته وعرضت له حاجة وأراد أن یمضی إلیها قال ، فقال : « فلیغتسل للإحرام ولیهلّ بالحج ولیمض فی حاجته ، فإن لم یقدر علی الرجوع إلی مکة مضی إلی عرفات » (3).

وفی الحسن ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یتمتع بالعمرة إلی الحج یرید الخروج إلی الطائف قال : « یهلّ بالحج من مکة ، وما أحبّ أن یخرج منها إلاّ محرما ، ولا یجاوز الطائف إنها قریبة

ص: 174


1- التهذیب 5 : 163.
2- التهذیب 5 : 163 - 546 ، الوسائل 8 : 219 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 6.
3- الکافی 4 : 443 - 4 ، التهذیب 5 : 164 - 548 ، الوسائل 8 : 218 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 4.

ولو جدّد عمرة تمتع بالأخیرة.

ولو دخل بعمرته إلی مکة وخشی ضیق الوقت جاز له نقل النیّة إلی الإفراد ، وکان علیه عمرة مفردة.

______________________________________________________

من مکة » (1).

ویستفاد من إطلاق هذه الروایات أن من أکمل عمرة التمتع المندوبة یجب علیه الحج کما نصّ علیه الشیخ (2) وجمع من الأصحاب ، ویؤیده قول النبی صلی الله علیه و آله : « دخلت العمرة فی الحج هکذا » وشبک بین أصابعه (3). ویحتمل عدم الوجوب ، لأنهما نسکان متغایران. وهو ضعیف.

قوله : ( ولو جدّد عمرة تمتع بالأخیرة ).

المراد أنه لو خرج علی وجه یفتقر إلی تجدید العمرة ، بأن خرج محلاّ وعاد بعد خروج الشهر فجدّد صارت الثانیة عمرة التمتع وتصیر الأولی مفردة ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی حسنة حمّاد المتقدمة : « الأخیرة هی عمرته ، وهی المحتبس بها التی وصلت بحجته ».

وهل تفتقر الأولی إلی استدراک طواف النساء؟ وجهان : من أن مقتضی إفرادها ذلک ، ومن تحقق الخروج من أفعال العمرة سابقا وحلّ النساء منها بالتقصیر فلا یعود التحریم ، ولعل الثانی أرجح.

قوله : ( ولو دخل بعمرته إلی مکة وخشی ضیق الوقت جاز له نقل النیة إلی الإفراد ، وکان علیه عمرة مفردة ).

حکم من جدد العمرة

موارد جواز نقل النیة إلی الافراد

ص: 175


1- الکافی 4 : 443 - 3 ، التهذیب 5 : 164 - 547 ، الوسائل 8 : 219 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 7.
2- المبسوط 1 : 304.
3- الکافی 4 : 245 - 4 ، التهذیب 5 : 454 - 1588 ، الوسائل 8 : 150 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.

______________________________________________________

أما جواز العدول إلی الإفراد مع ضیق الوقت فلا خلاف فیه بین الأصحاب ، وإنما الخلاف فی حدّ الضیق ، فقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : من دخل مکة یوم الترویة وطاف بالبیت وسعی بین الصفا والمروة فأدرک ذلک قبل مغیب الشمس أدرک المتعة ، وإذا غابت الشمس قبل أن یفعل ذلک فلا متعة له ، فلیقم علی إحرامه ویجعلها حجة مفردة (1).

وقال علیّ بن بابویه : تفوت المتعة المرأة إذا لم تطهر حین تزول الشمس من یوم الترویة. وهو منقول عن المفید أیضا (2).

وقال الشیخ فی النهایة : فإن دخل مکة یوم عرفة جاز له أن یتحلل أیضا ما بینه وبین زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فقد فاتته العمرة ، وکانت حجته مفردة (3). وإلی هذا القول ذهب ابن الجنید (4) وابن حمزة (5) وابن البراج (6).

وقال ابن إدریس : تبقی المتعة ما لم یفت اضطراری عرفة (7). واستقرب العلاّمة فی المختلف اعتبار اختیاری عرفة (8). وقوّاه فی الدروس (9).

الأصح ما اختاره الشیخ فی النهایة من فوات المتعة بزوال الشمس من یوم عرفة.

ص: 176


1- المقنعة : 67.
2- نقله عن المفید فی السرائر : 137. وعن علی بن بابویه فی المختلف : 2. والدروس : 92.
3- النهایة : 247.
4- حکاه عنه فی المختلف : 294.
5- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 691.
6- المهذب 1 : 243.
7- السرائر : 137.
8- المختلف : 295.
9- الدروس : 93.

______________________________________________________

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المتمتع له المتعة إلی زوال الشمس من یوم عرفة ، وله الحج إلی زوال الشمس من یوم النحر » (1) وهو نص فی المطلوب.

وتشهد له حسنة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أهلّ بالحج والعمرة جمیعا ثم قدم مکة والناس بعرفات ، فخشی إن هو طاف وسعی بین الصفا والمروة أن یفوته الموقف فقال : « یدع العمرة ، فإذا أتم حجه صنع کما صنعت عائشة ، ولا هدی علیه » (2).

وقد ورد فی بعض الروایات أنه یعتبر فی صحة المتعة إدراک الناس بمنی ، کصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المتمتع یطوف بالبیت ویسعی بین الصفا والمروة ما أدرک الناس بمنی » (3).

وورد فی بعض آخر توقیت المتعة بغروب الشمس یوم الترویة ، کصحیحة عیص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المتمتع یقدم مکة یوم الترویة صلاة العصر ، تفوته المتعة؟ فقال : « لا ما بینه وبین غروب الشمس » (4).

وورد فی بعض آخر إن آخر وقت المتعة سحر لیلة عرفة ، کصحیحة محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إلی متی یکون للحاج

ص: 177


1- التهذیب 5 : 171 - 569 ، الإستبصار 2 : 247 - 864 ، الوسائل 8 : 213 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 15.
2- التهذیب 5 : 174 - 584 ، الإستبصار 2 : 250 - 879 ، الوسائل 8 : 215 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 6.
3- التهذیب 5 : 170 - 565 ، الإستبصار 2 : 246 - 860 ، الوسائل 8 : 212 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 8.
4- التهذیب 5 : 172 - 574 ، الإستبصار 2 : 248 - 869 ، الوسائل 8 : 212 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 10.

وکذا الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلل وإنشاء الإحرام بالحج لضیق الوقت عن التربص.

______________________________________________________

عمرة؟ قال ، فقال : « إلی السحر من لیلة عرفة » (1).

قال الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب - ونعم ما قال - : والمتمتع بالعمرة إلی الحج تکون عمرته تامة ما أدرک الموقفین سواء کان ذلک یوم الترویة أو لیلة عرفة أو یوم العرفة إلی بعد زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس من یوم عرفة فقد فاتت المتعة ، لأنه لا یمکنه أن یلحق الناس بعرفات والحال کما وصفناه ، إلا أن مراتب الناس تتفاضل فی الفضل والثواب فمن أدرک یوم الترویة عند زوال الشمس یکون ثوابه أکثر ومتعته أکمل ممن لحق باللیل ، ومن أدرک باللیل یکون ثوابه دون ذلک وفوق من یلحق یوم عرفة إلی بعد الزوال ، والأخبار التی وردت فی أن من لم یدرک یوم الترویة فقد فاتته المتعة المراد بها فوات الکمال الذی یرجوه بلحوقه یوم الترویة ، وما تضمنت من قولهم علیهم السلام : « ویجعلها حجة مفردة » فالإنسان بالخیار فی ذلک بین أن یمضی المتعة وبین أن یجعلها حجة مفردة إذا لم یخف فوت الموقفین وکانت حجته غیر حجة الإسلام التی لا یجوز فیها الإفراد مع الإمکان حسب ما بیّنّاه ، وإنما یتوجه وجوبها والحتم علی أن تجعل حجة مفردة لمن غلب علی ظنه أنه إن اشتغل بالطواف والسعی والإحلال ثم الإحرام بالحج یفوته الموقفان ، ومهما حملنا هذه الأخبار علی ما ذکرناه لم نکن قد دفعنا شیئا منها (2). وهذا کلامه - أعلی الله مقامه - وهو فی غایة الجودة.

قوله : ( وکذا الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلّل وإنشاء الإحرام بالحج لضیق الوقت عن التربص ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل ادعی علیه العلاّمة فی المنتهی

ص: 178


1- التهذیب 5 : 172 - 573 ، الإستبصار 2 : 248 - 872 ، الوسائل 8 : 212 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 9.
2- التهذیب 5 : 170.

______________________________________________________

الإجماع وهذه عبارته : إذا دخلت المرأة مکة متمتعة طافت وسعت وقصّرت ثم أحرمت بالحج کما یفعل الرجل سواء ، فإن حاضت قبل الطواف لم یکن لها أن تطوف بالبیت إجماعا ، لأن الطواف صلاة ، ولأنها ممنوعة من الدخول إلی المسجد ، وتنتظر إلی وقت الوقوف بالموقفین ، فإن طهرت وتمکنت من الطواف والسعی والتقصیر وإنشاء الإحرام بالحج وإدراک عرفة صحّ لها التمتع ، وإن لم تدرک ذلک وضاق علیها الوقت أو استمرّ بها الحیض إلی وقت الوقوف بطلت متعتها وصارت حجتها مفردة ، ذهب إلیه علماؤنا أجمع (1). ونحوه قال فی التذکرة (2). مع أن الشهید فی الدروس حکی عن علیّ بن بابویه وأبی الصلاح الحلبی وابن الجنید قولا بأنها مع ضیق الوقت تسعی ثم تحرم بالحج وتقضی طواف العمرة مع طواف الحج (3). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ ، عن الحسین بن سعید ، عن صفوان بن یحیی وابن أبی عمیر وفضالة ، عن جمیل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مکة یوم الترویة قال : « تمضی کما هی إلی عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقیم حتی تطهر وتخرج إلی التنعیم فتحرم فتجعلها عمرة » قال ابن أبی عمیر : کما صنعت عائشة (4).

وعن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن المرأة تدخل مکة متمتعة فتحیض قبل أن تحلّ ، متی تذهب متعتها؟ فقال : « کان جعفر علیه السلام یقول : زوال الشمس من یوم الترویة ، وکان موسی علیه السلام یقول : صلاة الصبح من یوم الترویة » فقلت : جعلت فداک عامة موالیک یدخلون یوم الترویة ویطوفون ویسعون ثم یحرمون بالحج فقال : « زوال الشمس » فذکرت

ص: 179


1- المنتهی 2 : 855.
2- التذکرة 1 : 399.
3- الدروس : 117.
4- التهذیب 5 : 390 - 1363 ، الوسائل 8 : 214 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 2.

______________________________________________________

له روایة عجلان أبی صالح فقال : « لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة » فقلت : فهی علی إحرامها أو تجدّد إحراما للحج؟ فقال : « لا ، هی علی إحرامها » فقلت : فعلیها هدی؟ فقال : « لا ، إلاّ أن تحب أن تتطوع » ثم قال : « أما نحن فإذا رأینا هلال ذی الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة » (1).

قال فی المنتهی : وهذا الحدیث کما یدل علی سقوط وجوب الدم یدل علی الاجتزاء بالإحرام الأول ، وأما اختلاف الإمامین علیهماالسلام فی فوات المتعة فالضابط فیه ما تقدم من أنه إذا أدرکت أحد الموقفین صحّت متعتها إذا کانت قد طافت وسعت ، وإلاّ فلا ، وقد تقدم البحث فیه (2). هذا کلامه - رحمه الله - وهو جید.

ویشهد لهذا القول أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن المرأة تجی ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبیت حتی تخرج إلی عرفات فقال : « تصیر حجة مفردة وعلیها دم أضحیتها » (3).

حجة القول الآخر روایات ، منها ما رواه الکلینی ، عن عجلان أبی صالح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة متمتعة قدمت فرأت الدم کیف تصنع؟ قال : « تسعی بین الصفا والمروة وتجلس فی بیتها ، فإن طهرت طافت بالبیت ، وإن لم تطهر فإذا کان یوم الترویة أفاضت علیها الماء وأهلّت بالحج وخرجت إلی منی فقضت المناسک کلها ، فإذا قدمت مکة طافت بالبیت طوافین ثم سعت بین الصفا والمروة ، فإذا فعلت ذلک فقد حلّ لها کل شی ء ما خلا فراش زوجها » (4) وفی معناها روایات کثیرة لکنها مشترکة

ص: 180


1- التهذیب 5 : 391 - 1366 ، الإستبصار 2 : 311 - 1107 ، الوسائل 8 : 216 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 14.
2- المنتهی 2 : 856.
3- الفقیه 2 : 240 - 1147 ، الوسائل 8 : 216 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 13.
4- الکافی 4 : 446 - 3 ، الوسائل 9 : 497 أبواب الطواف ب 84 ح 2.

ولو تجدد العذر وقد طافت أربعا صحت متعتها وأتت بالسعی وبقیة المناسک ، وقضت بعد طهرها ما بقی من طوافها.

______________________________________________________

فی ضعف السند.

وأوضح ما وقفت علیه فی ذلک سندا ومتنا ما رواه الکلینی ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن حفص بن البختری ، عن العلاء بن صبیح وعبد الرحمن بن الحجاج وعلیّ بن رئاب وعن عبد الله بن صالح کلهم یروونه عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المرأة المتمتعة إذا قدمت مکة ثم حاضت ما بینها وبین الترویة فإن طهرت طافت بالبیت وسعت ، وإن لم تطهر إلی یوم الترویة اغتسلت واحتشت ثم سعت بین الصفا والمروة ثم خرجت إلی منی ، فإذا قضت المناسک وزارت البیت طافت بالبیت طوافا لعمرتها ، ثم طافت طوافا للحج ، ثم خرجت فسعت فإذا فعلت ذلک فقد أحلّت من کل شی ء یحلّ منه المحرم إلاّ فراش زوجها ، فإذا طافت أسبوعا آخر حلّ لها فراش زوجها » (1).

والجواب أنه بعد تسلیم السند والدلالة یجب الجمع بینها وبین الروایات السابقة المتضمنة للعدول إلی الإفراد بالتخییر بین الأمرین ، ومتی ثبت ذلک کان العدول أولی ، لصحة مستنده ، وصراحة دلالته ، وإجماع الأصحاب علیه کما عرفت ، والله تعالی أعلم.

قوله : ( ولو تجدد العذر وقد طافت أربعا صحت متعتها ، وأتت بالسعی وبقیة المناسک ، وقضت بعد طهرها ما بقی من طوافها ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من صحة المتعة إذا تجدد العذر بعد طواف الأربع هو المشهور بین الأصحاب ، ذهب إلیه الشیخان (2)

ص: 181


1- الکافی 4 : 445 - 1 ، الوسائل 9 : 497 أبواب الطواف ب 84 ح 1.
2- الشیخ المفید فی المقنعة : 69 ، والشیخ الطوسی فی المبسوط 1 : 331 ، والنهایة : 275 ، والاقتصاد 311.

______________________________________________________

والصدوقان (1) وابن حمزة (2) وابن البراج (3) وغیرهم (4) ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ ، عن أبی إسحاق صاحب اللؤلؤ قال : حدثنی من سمع أبا عبد الله علیه السلام یقول فی المرأة المتمتعة : « إذا طافت بالبیت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة ، وتقضی ما فاتها من الطواف بالبیت وبین الصفا والمروة ، وتخرج إلی منی قبل أن تطوف الطواف الأخیر » (5).

وعن ابن مسکان ، عن إبراهیم ، عمن سأل أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة طافت بالبیت أربعة أشواط وهی معتمرة ثم طمثت قال : « تتم طوافها ، ولیس علیها غیره ، ومتعتها تامة ، ولها أن تطوف بین الصفا والمروة ، وذلک لأنها زادت علی النصف ، وقد مضت متعتها ، ولتستأنف بعد الحجّ » (6) وفی الروایتین قصور من حیث السند بالإرسال وجهالة المرسل.

وقال ابن إدریس : الذی تقتضیه الأدلة أنه إذا جاءها الحیض قبل جمیع الطواف فلا متعة لها ، وإنما ورد بما قاله شیخنا أبو جعفر خبران مرسلان فعمل علیهما ، وقد بیّنّا أنه لا یعمل بأخبار الآحاد وإن کانت مسندة فکیف بالمراسیل (7).

وهذا القول لا یخلو من قوة ، لامتناع إتمام العمرة المقتضی لعدم وقوع التحلل. ویشهد له صحیحة محمد بن إسماعیل المتقدمة حیث قال فیها : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن المرأة تدخل مکة متمتعة فتحیض قبل

ص: 182


1- الصدوق فی المقنع : 84 ، وحکاه عن علی بن بابویه فی المختلف : 316.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 694.
3- المهذب 1 : 232.
4- کأبی الصلاح فی الکافی فی الفقه : 195.
5- التهذیب 5 : 393 - 1370 ، الإستبصار 2 : 313 - 1111 ، الوسائل 9 : 503 أبواب الطواف ب 86 ح 2.
6- الإستبصار 2 : 313 - 1112 ، الوسائل 9 : 502 أبواب الطواف ب 86 ح 1.
7- السرائر : 147.

______________________________________________________

أن تحلّ ، متی تذهب متعتها؟ الحدیث (1).

ویستفاد من تقیید المصنف صحة المتعة بما إذا حصل العذر بعد إکمال الأربع أنه لو حصل قبله بطلت المتعة ، وإلیه ذهب أکثر الأصحاب ، ووجهه معلوم مما سبق.

وللصدوق - رحمه الله - قول بصحة المتعة والحال هذه ، لما رواه فی الصحیح ، عن حریز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أطواف أو أقل من ذلک ثم رأت دما قال : « تحفظ مکانها ، فإذا طهرت طافت بقیته واعتدت بما مضی » (2) وهذه الروایة لا تدل علی مطلوبه صریحا ، لأن اعتدادها بما مضی لا یقتضی صحة التمتع مع عدم الإتیان بالباقی قبل فوات الوقت.

ولو حصل الحیض بعد الطواف وصلاة الرکعتین صحت المتعة قطعا ، ووجب علیها الإتیان بالسعی والتقصیر ، لعدم توقفهما علی الطهارة ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن امرأة طافت بالبیت ثم حاضت قبل أن تسعی قال : « تسعی » قال : وسألته عن امرأة طافت بین الصفا والمروة فحاضت بینهما قال : « تتم سعیها » (3).

ولو حاضت بعد الطواف وقبل صلاة الرکعتین فقد صرّح العلاّمة (4) وغیره (5) بأنها تترک الرکعتین وتسعی وتقصّر فإذا فرغت من المناسک قصتهما. واستدل علیه فی المنتهی بما رواه الشیخ ، عن أبی الصباح الکنانی قال :

ص: 183


1- فی ص 179.
2- الفقیه 2 : 241 - 1153 ، الوسائل 9 : 501 أبواب الطواف ب 85 ح 3.
3- التهذیب 5 : 395 - 1376 ، الإستبصار 2 : 315 - 1117 ، الوسائل 9 : 505 أبواب الطواف ب 89 ح 1.
4- المنتهی 2 : 857.
5- کالشیخ فی النهایة : 276. والمبسوط 1 : 331.

وإذا صحّ التمتع سقطت العمرة المفردة.

______________________________________________________

سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة طافت بالبیت فی حج أو عمرة ثم حاضت قبل أن تصلی الرکعتین قال : « إذا طهرت فلتصلّ رکعتین عند مقام إبراهیم علیه السلام وقد قضت طوافها » (1) وفی الدلالة نظر ، وفی الحکم إشکال ، والله تعالی أعلم.

قوله : ( وإذا صحّ التمتع سقطت العمرة المفردة ).

المراد أن عمرة التمتع تجزی عن العمرة المفردة ، بمعنی أنه لا یجب علی المکلف الجمع بینهما ، وهذا قول العلماء کافة ، حکاه فی المنتهی (2). ویدل علیه روایات کثیرة ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن یعقوب بن شعیب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : قول الله عزّ وجلّ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (3) یکفی الرجل إذا تمتّع بالعمرة إلی الحج مکان تلک العمرة المفردة؟ قال : « کذلک أمر رسول الله صلی الله علیه و آله أصحابه » (4).

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا تمتّع الرجل بالعمرة فقد قضی ما علیه من فریضة العمرة » (5).

وعن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن العمرة أواجبة هی؟ قال : « نعم » قلت : فمن تمتّع یجزی عنه؟ قال : « نعم » (6).

ص: 184


1- التهذیب 5 : 397 - 1381 ، الوسائل 9 : 504 أبواب الطواف ب 88 ح 2.
2- المنتهی 2 : 876.
3- البقرة : 196.
4- التهذیب 5 : 433 - 1504 ، الإستبصار 2 : 325 - 1151 ، الوسائل 10 : 243 أبواب العمرة ب 5 ح 4.
5- التهذیب 5 : 433 - 1503 ، الإستبصار 2 : 325 - 1150 ، الوسائل 10 : 242 أبواب العمرة ب 5 ح 1.
6- التهذیب 5 : 434 - 1506 ، الإستبصار 2 : 325 - 1153 ، الوسائل 10 : 242 أبواب العمرة ب 5 ح 3.

وصورة الإفراد : أن یحرم من المیقات ، أو من حیث یسوغ له الإحرام بالحج ، ثم یمضی إلی عرفات فیقف بها ، ثم إلی المشعر فیقف به ، ثم إلی منی فیقضی مناسکه بها ، ثم یطوف بالبیت ویصلی رکعتیه ، ویسعی بین الصفا والمروة ، ویطوف طواف النساء ویصلی رکعتیه.

______________________________________________________

قوله : ( وصورة الإفراد أن یحرم من المیقات أو من حیث یسوغ له الإحرام بالحج ).

المراد بالموضع الذی یسوغ منه الإحرام المجعول قسیما للمیقات هو دویرة أهل المفرد إن کانت أقرب إلی عرفات من المیقات کما صرّح به المصنف فی المعتبر (1) ، لکن سیأتی فی کلام المصنف جعل دویرة الأهل أحد المواقیت الستة (2) ، وهو لا یلائم جعلها قسیما له.

ویمکن أن یرید بالموضع ما یمکن الإحرام منه غیر المواقیت الستة ، کما فی ناسی الإحرام ونحوه ، فإنه یحرم مع تعذر العود إلی المیقات من حیث أمکن ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (3).

قوله : ( ثم یمضی إلی عرفات فیقف بها ، ثم إلی المشعر فیقف به ، ثم إلی منی فیقضی مناسکه بها ، ثم یطوف بالبیت ویصلی رکعتیه ، ویسعی بین الصفا والمروة ، ویطوف طواف النساء ویصلی رکعتیه ).

المستند فی ذلک الأخبار المستفیضة ، کصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه قال : « وأما المفرد للحج فعلیه طواف بالبیت ورکعتان عند مقام إبراهیم علیه السلام ، وسعی بین الصفا والمروة ، وطواف الزیارة وهو طواف النساء ، ولیس علیه هدی ولا أضحیة » (4).

حج الافراد

صورة حج الافراد

ص: 185


1- المعتبر 2 : 786.
2- فی ص 191.
3- فی ص 191.
4- الکافی 4 : 298 - 1 ، التهذیب 5 : 44 - 131 ، الوسائل 8 : 156 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 13.

وعلیه عمرة مفردة بعد الحج والإحلال منه ، یأتی بها من أدنی الحلّ.

______________________________________________________

وصحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یکون القارن قارنا إلاّ بسیاق الهدی ، وعلیه طوافان بالبیت وسعی بین الصفا والمروة کما یفعل المفرد ، ولیس أفضل من المفرد إلاّ بسیاق الهدی » (1).

ولم یذکر المصنف فی أفعال الحج العود إلی منی لرمی الجمار بناء علی ما ذکره سابقا من جواز الإقامة بمنی إلی انقضاء أیام التشریق.

قوله : ( وعلیه عمرة مفردة بعد الحج والإحلال منه ).

ربما أشعرت العبارة ونظائرها بلزوم العمرة المفردة لکل حاجّ مفرد ، ولیس کذلک ، بل إنما تلزم فی حج الإسلام دون الحج المندوب والمنذور إذا لم یتعلق النذر بالعمرة ، کما یدل علیه الأخبار الواردة بکیفیة حج الإفراد. وقد صرّح العلاّمة (2) وغیره (3) بأن من استطاع الحج مفردا دون العمرة وجب علیه الحج دونها ، ثم یراعی الاستطاعة لها. بل صرّح الشارح - قدس سره - بوجوب العمرة خاصة لو استطاع لها دون الحج (4).

وذکر جمع من الأصحاب أن من نذر الحج لا یجب علیه العمرة إلاّ أن ینذر حج التمتع فیجب ، لدخولها فیه. وذلک کلّه مؤیّد لما ذکرناه.

قوله : ( یأتی بها من أدنی الحلّ ).

المراد بأدنی الحل أقربه إلی الحرم وألصقه به ، والمعتبر منه ما قارب الحرم عرفا. وخیّر العلاّمة فی التذکرة والشهید فی الدروس بین الإحرام من

وجوب عمرة مفردة علی المفرد

الاتیان بالعمرة من أدنی الحل

ص: 186


1- الکافی 4 : 295 - 1 ، التهذیب 5 : 42 - 123 ، الوسائل 8 : 156 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 10.
2- القواعد 1 : 91.
3- کالشهید فی الدروس : 94.
4- المسالک 1 : 146.

ویجوز وقوعها فی غیر أشهر الحج.

______________________________________________________

أدنی الحلّ ومن أحد المواقیت التی وقّتها النبی صلی الله علیه و آله (1). وهو حسن.

قال فی التذکرة : وینبغی أن یحرم من الجعرانة (2) ، فإن النبی صلی الله علیه و آله اعتمر منها ، فإن فاتته فمن التنعیم (3) ، لأن النبی صلی الله علیه و آله أمر عائشة بالإحرام منه ، فإن فاته فمن الحدیبیة (4) (5).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أراد أن یخرج من مکة لیعتمر أحرم من الجعرانة أو الحدیبیة وما أشبههما » (6).

والأولی الإحرام من أحد هذه الأماکن المنصوصة. وظاهر المنتهی لأنه لا خلاف فی جواز الإحرام من أدنی الحل (7). وفی إجزاء ما خرج من الحلّ عن حدّ القرب عرفا وعن أحد المواقیت وجهان ، أظهرهما العدم.

قوله : ( ویجوز وقوعها فی غیر أشهر الحج ).

أی : ویجوز وقوع العمرة المفردة التی یجب الإتیان بها بعد الحج فی غیر أشهر الحج ، وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : والعمرة المبتولة تجوز فی جمیع أیام السنة ، ولا نعرف فیه

جواز العمرة المفردة فی غیر أشهر الحج

ص: 187


1- التذکرة 1 : 320 ، الدروس : 147.
2- موضع بین مکة والطائف وهی علی سبعة أمیال من مکة وهی بالتخفیف - المصباح المنیر : 102.
3- موضع قریب من مکة وهو أقرب أطراف الحلّ إلی مکة ویقال بینه وبین مکة أربعة أمیال - المصباح المنیر : 614.
4- بئر بقرب مکة علی طریق جدّة دون مرحلة ثم أطلق علی الموضع - المصباح المنیر : 123.
5- التذکرة 1 : 320.
6- الفقیه 2 : 276 - 1350 ، الوسائل 8 : 247 أبواب المواقیت ب 22 ح 1.
7- المنتهی 2 : 668.

ولو أحرم بها من دون ذلک ثم خرج إلی أدنی الحل لم یجزئه الإحرام

______________________________________________________

خلافا (1). ویدل علیه إطلاق الأمر بالعمرة من الکتاب والسنّة الخالی من التقیید ، لکن سیأتی فی کلام المصنف أن وجوب العمرة علی الفور ، وهو بإطلاقه یتناول المتمتع بها والمفردة ، ومقتضی ذلک وجوب المبادرة إلی العمرة المفردة بعد الفراغ من الحج.

وجوّز الشهید فی الدروس تأخیرها إلی استقبال المحرّم وقال : إن هذا القدر لیس منافیا للفوریة (2). وهو مشکل بعد ثبوت الفوریة ، لأن النصّ الوارد به ضعیف مرسل.

واستشکله الشارح - قدس سره - بوجوب إیقاع الحج والعمرة فی عام واحد قال : إلاّ أن یرید بالعام اثنی عشر شهرا (3). ویمکن المناقشة فی اعتبار هذا الشرط ، لعدم وضوح دلیله.

وبالجملة : فلم نقف فی هذه المسألة علی روایة معتبرة تقتضی التوقیت ، لکن مقتضی وجوب الفوریة التأثیم بالتأخیر ، وهو لا ینافی وقوعها فی جمیع أیام السنة ، کما قطع به الأصحاب.

نعم روی الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المعتبر بعد الحج ، قال : « إذا أمکن الموسی من رأسه فحسن » (4) وهی لا تدل علی التوقیت ، إلاّ أن العمل بمضمونها أولی ، وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک فی کتاب العمرة إن شاء الله تعالی.

قوله : ( ولو أحرم بها من دون ذلک ثم خرج إلی أدنی الحلّ لم

حکم الاحرام بالعمرة من دون أدنی الحل

ص: 188


1- المنتهی 2 : 665.
2- الدروس : 93.
3- المسالک 1 : 148.
4- التهذیب 5 : 438 - 1521 ، الوسائل 10 : 249 أبواب العمرة ب 8 ح 2.

الأول ، وافتقر إلی استئنافه.

وهذا القسم أو القران فرض أهل مکة ومن بینه وبینها دون اثنی عشر میلا من کل جانب. فإن عدل هؤلاء إلی التمتع اضطرارا جاز.

وهل یجوز اختیارا؟ قیل نعم ، وقیل : لا ، وهو أکثر.

______________________________________________________

یجزئه الإحرام الأول ، وافتقر إلی استئنافه ).

لا ریب فی وجوب استئناف الإحرام من أدنی الحلّ ، لأن الإحرام من الحرم غیر منعقد فلا یکون الخروج به إلی الحلّ کافیا ما لم یستأنف الإحرام منه کخروج المحلّ.

قوله : ( وهذا القسم والقران فرض أهل مکة ومن بینه وبینها دون اثنی عشر میلا من کل جانب ).

قد تقدم أن الأظهر اعتبار ثمانیة وأربعین میلا (1). والتقدیر من منتهی عمارة مکة إلی منزله.

قوله : ( فإن عدل هؤلاء إلی التمتع اضطرارا جاز ).

تتحقق الضرورة المسوغة للعدول بخوف الحیض المتأخر عن النفر مع عدم إمکان تأخیر العمرة إلی أن تطهر ، أو خوف عدوّ بعده ، أو فوت الصحبة (2) کذلک. وهذا الحکم - أعنی جواز عدول المکّی إلی التمتع مع الضرورة - مذهب الأصحاب ، لا أعلم فیه مخالفا. ویدل علیه مضافا إلی العمومات فحوی ما دلّ علی جواز عدول المتمتع إلی الحج الإفراد مع الضرورة ، فإن الضرورة إذا کانت مسوّغة للعدول من الأفضل إلی المفضول کانت مسوّغة للعکس بطریق أولی.

قوله : ( وهل یجوز اختیارا؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو أکثر ).

وجوب الافراد أو القران علی أهل مکة

حکم عدول الحاضر إلی التمتع

ص: 189


1- راجع ص 160.
2- فی « ح » : الصحة.

______________________________________________________

المراد أنه هل یجوز لأهل مکة ومن فی حکمهم أن یؤدّوا فرضهم من حج الإسلام بالتمتع أم لا یجزیهم إلاّ الإفراد أو القران؟ وقد اختلف الأصحاب فی ذلک ، فذهب الشیخ فی أحد قولیه (1) ، وابنا بابویه (2) ، وابن أبی عقیل (3) ، وابن إدریس (4) إلی أن ذلک غیر جائز. وبه قطع المصنف فی المعتبر (5). وللشیخ قول آخر بالجواز (6). وهو ضعیف.

لنا قوله تعالی ( ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (7) فإنه یدل بمفهومه علی أن الحاضر لیس له ذلک ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر قال ، قلت لأخی موسی بن جعفر علیه السلام : لأهل مکة أن یتمتّعوا بالعمرة إلی الحج؟ فقال : « لا یصلح أن یتمتّعوا ، لقول الله عزّ وجلّ ( ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (8).

وفی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی وسلیمان بن خالد وأبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس لأهل مکة ولا لأهل مرّ ولا لأهل سرف متعة ، وذلک لقول الله عزّ وجلّ ( ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (9) والأخبار الواردة بذلک کثیرة.

ص: 190


1- النهایة : 206.
2- الصدوق فی الهدایة : 54 ، وحکاه عنهما فی المختلف : 260.
3- نقله عنه فی المختلف : 260.
4- السرائر : 121.
5- المعتبر 2 : 785.
6- المبسوط 1 : 306.
7- البقرة : 196.
8- التهذیب 5 : 32 - 97 ، الإستبصار 2 : 157 - 515 ، الوسائل 8 : 186 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 2.
9- التهذیب 5 : 32 - 96 ، الإستبصار 2 : 157 - 514 ، الوسائل 8 : 186 أبواب أقسام الحج ب 6 ح 1.

ولو قیل : بالجواز لم یلزمهم هدی.

وشروطه ثلاثة : النیّة ، وأن یقع فی أشهر الحج ، وأن یعقد إحرامه من میقاته ، أو من دویرة أهله إن کان منزله دون المیقات.

______________________________________________________

احتج الشیخ علی ما نقل عنه بأن المتمتع أتی بصورة الإفراد وزیادة غیر منافیة فوجب أن یجزیه (1).

وأجاب عنه فی المعتبر بأنا لا نسلّم أنه أتی بصورة الإفراد ، وذلک لأنه أخل بالإحرام للحج من میقاته وأوقع مکانه العمرة ولیس مأمورا بها ، فوجب أن لا یجزیه (2). وهو حسن.

وقد بیّنّا فیما سبق أن موضع الخلاف حج الإسلام ، أما المتطوع بالحج والناذر له مطلقا فیتخیر بین الأنواع الثلاثة ،

قوله : ( ولو قیل بالجواز لم یلزمهم هدی ).

بل الأصح اللزوم ، تمسکا بالعموم ، وبه قطع المصنف فی باب الهدی من غیر نقل خلاف ، وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی (3).

قوله : ( وشروطه ثلاثة : النیّة ، وأن یقع فی أشهر الحج ، وأن یعقد إحرامه من میقاته أو من دویرة أهله إن کان منزله دون المیقات ).

الکلام فی النیة کما سبق فی حج التمتع.

وأما اشتراط وقوعه فی أشهر الحج فقال فی المعتبر : إن علیه اتفاق العلماء (4). ویدل علیه قوله تعالی ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) (5) أی وقته.

وأما اشتراط عقد إحرامه من المیقات أو من دویرة أهله إن کان منزله

شروط حج الافراد.

ص: 191


1- المبسوط 1 : 306.
2- المعتبر 2 : 786.
3- فی ج 8 ص 16.
4- المعتبر 2 : 786.
5- البقرة : 197.

واما القران وأفعال القارن وشروطه کالمفرد ، غیر أنه یتمیز عنه بسیاق الهدی عند إحرامه.

______________________________________________________

دون المیقات فلا خلاف فیه أیضا.

وذکر المصنف فی المعتبر أن المعتبر القرب إلی عرفات (1). والمصرّح به فی الأخبار الکثیرة هو القرب إلی مکة کما سیجی ء فی محلّه.

وعلی ما اعتبره المصنف من مراعاة القرب إلی عرفات فأهل مکة یحرمون من منزلهم ، لأن دویرتهم أقرب من المیقات إلیها ، وعلی اعتبار مکة فالحکم کذلک ، إلاّ أن الأقربیة لا تتم لاقتضائها المغایرة بینهما ، وظاهر العلاّمة فی التذکرة دعوی الإجماع علی ذلک ، فإنه قال : أهل مکة یحرمون للحج من مکة وللعمرة من أدنی الحل ، سواء کان مقیما بمکة أو غیر مقیم ، لأن کل من أتی علی میقات کان میقاتا له ، ولا نعلم فی ذلک خلافا (2).

قوله : ( وأفعال القارن وشروطه کالمفرد ، غیر أنه یتمیز عنه بسیاق الهدی عند إحرامه ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب. وقال ابن أبی عقیل : القارن من ساق وجمع بین الحج والعمرة ، فلا یتحلل منها حتی یتحلل بالحج (3). ونحوه قال الجعفی (4) وحکی المصنف فی المعتبر عن الشیخ فی الخلاف أنه قال : إذا أتّم المتمتع أفعال عمرته وقصّر فقد صار محلاّ ، فإن کان ساق هدیا لم یجز له التحلل وکان قارنا ، ثم قال : وبه قال ابن أبی عقیل (5). ومقتضاه أن المتمتع السائق قارن ، والمعتمد ما علیه أکثر الأصحاب.

لنا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله

حج القران

صورة حج القران

ص: 192


1- المعتبر 2 : 786.
2- التذکرة 1 : 322.
3- نقله عنه فی المختلف : 259.
4- نقله عنه الشهید فی الدروس : 91.
5- المعتبر 2 : 791. الخلاف 1 : 428.

______________________________________________________

علیه السلام إنه قال فی القارن : « لا یکون قران إلاّ بسیاق الهدی ، وعلیه طواف بالبیت ، ورکعتان عند مقام إبراهیم علیه السلام ، وسعی بین الصفا والمروة ، وطواف بعد الحج وهو طواف النساء » (1).

وفی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا یکون القارن قارنا إلاّ بسیاق الهدی ، وعلیه طوافان بالبیت ، وسعی بین الصفا والمروة کما یفعل المفرد ، ولیس أفضل من المفرد إلاّ بسیاق الهدی » (2).

وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إنما نسک الذی یقرن بین الصفا والمروة مثل نسک المفرد لیس بأفضل منه إلاّ بسیاق الهدی ، وعلیه طواف بالبیت ، وصلاة رکعتین خلف المقام ، وسعی واحد بین الصفا والمروة ، وطواف بالبیت بعد الحج » (3).

وجه الدلالة أنه علیه السلام حصر أفعال حج القران فیما ذکره ، فتکون أفعال العمرة خارجة عنه ، وجعل امتیاز القران عن الإفراد بسیاق الهدی خاصة فلا یکون غیره معتبرا.

وأوضح من ذلک دلالة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « القارن الذی یسوق الهدی علیه طوافان بالبیت ، وسعی واحد بین الصفا والمروة ، وینبغی به أن یشترط علی ربّه إن لم تکن حجة فعمرة » (4).

احتج ابن أبی عقیل علی ما نقل عنه (5) بما روی أن علیّا علیه السلام

ص: 193


1- التهذیب 5 : 41 - 122 ، الوسائل 8 : 156 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 12.
2- الکافی 4 : 295 - 1 ، التهذیب 5 : 42 - 123 ، الوسائل 8 : 156 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 10.
3- التهذیب 5 : 42 - 124 ، الوسائل 8 : 154 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 6.
4- التهذیب 5 : 43 - 125 ، الوسائل 8 : 150 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 3.
5- حکاه عنه فی المختلف : 259.

______________________________________________________

حیث أنکر علی عثمان قرن بین الحج والعمرة فقال : « لبیک بحجة وعمرة معا لبیک » (1) وبقوله علیه السلام فی آخر صحیحة الحلبی المتقدمة : « أیما رجل قرن بین الحج والعمرة فلا یصلح إلاّ أن یسوق الهدی قد أشعره وقلّده (2) ، والإشعار أن یطعن فی سنامها بحدیدة حتی یدمیها ، وإن لم یسق الهدی فلیجعلها متعة ».

وأجاب العلاّمة فی المختلف عن الأول بأنه مرویّ من طرق الجمهور فلا یکون حجة علینا. وعن الثانی بما ذکره الشیخ فی التهذیب وهو أن قوله علیه السلام : « أیما رجل قرن بین الحج والعمرة » یرید به فی تلبیة الإحرام ، لأنه یحتاج أن یقول : إن لم یکن حجة فعمرة ، ویکون الفرق بینه وبین المتمتع أن المتمتع یقول هذا القول وینوی العمرة قبل الحج ثم یحلّ بعد ذلک ویحرم بالحج فیکون متمتعا ، والسائق یقول هذا القول وینوی الحج ، فإن لم یتمّ له الحج فلیجعله عمرة مبتولة (3). ثم استدل علیه بصحیحة الفضیل المتقدمة ، وهو تأویل بعید.

وقد یقال : إن أقصی ما تدل علیه هذه الروایة أن من قرن بین الحج والعمرة فی النیة یلزمه السیاق ، ولا یلزم من ذلک وجوب تقدیم العمرة علی الحج ، ولا عدم التحلل منها إلاّ بالتحلل من الحج ، کما ذکره ابن أبی عقیل ، خصوصا مع التصریح فی أول الروایة بعدم تمیز القران عن الإفراد إلاّ بالسیاق خاصة.

وکیف کان فلا یمکن الخروج عن ظاهر الأخبار المستفیضة بمثل هذه الروایة المجملة ، وأما الروایة السابقة المنقولة عن أمیر المؤمنین علیه السلام

ص: 194


1- التهذیب 5 : 85 - 282 ، الإستبصار 2 : 171 - 564 ، الوسائل 9 : 30 أبواب الإحرام ب 21 ح 7.
2- فی « ض » : أو قلّده.
3- المختلف : 260.

وإذا لبّی استحب له إشعار ما یسوقه من البدن بشق سنامه من الجانب الأیمن ، ویلطّخ صفحته بدمه.

______________________________________________________

فهی موجودة فی أخبارنا ، لکن لا دلالة لها علی ما ذکره ابن أبی عقیل بوجه ، لأن الجمع بینهما فی النیة مندوب إلیه فی عمرة التمتع لدخول العمرة فی الحج ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (1).

قوله : ( وإذا لبّی استحب له إشعار ما یسوقه من البدن بشق سنامه من الجانب الأیمن ، ویلطخ صفحته بدمه ).

سیأتی إن شاء الله تعالی أن الإحرام ینعقد بثلاثة أشیاء : التلبیة ، والإشعار ، والتقلید ، وأنه متی بدأ بالتلبیة کان الإشعار أو التقلید مستحبا. ویدل علی الحکم الأول روایات : منها صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یوجب الإحرام ثلاثة أشیاء : التلبیة ، والإشعار ، والتقلید ، فإذا فعل شیئا من هذه الثلاثة فقد أحرم » (2).

وأما استحباب الإشعار أو التقلید بعد التلبیة فلم نقف فیه علی نص بالخصوص ، ولعل إطلاق الأمر بهما کاف فی ذلک.

وذکر الأصحاب أن الإشعار أن یشق سنام البعیر من الجانب الأیمن ویلطخ صفحته بدم إشعاره (3). وفی صحیحة الحلبی : « والإشعار أن یطعن فی سنامها بحدیدة حتی یدمیها » (4) وفی صحیحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البدنة کیف نشعرها؟ قال : « تشعرها وهی بارکة ، وتنحرها وهی قائمة ، وتشعرها من جانبها الأیمن ، ثم تحرم إذا قلّدت أو أشعرت » (5).

استحباب إشعار البدن للقارن

ص: 195


1- فی ص 257.
2- التهذیب 5 : 43 - 129 ، الوسائل 8 : 202 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 20.
3- منهم ابن البراج فی المهذب 1 : 209 ، والمحقق فی المعتبر 2 : 792 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 2 : 211.
4- التهذیب 5 : 42 - 124 ، الوسائل 8 : 201 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 16.
5- الکافی 4 : 297 - 4 ، الوسائل 8 : 201 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 18.

وإن کان معه بدن دخل بینها وأشعرها یمینا وشمالا.

والتقلید : أن یعلّق فی رقبة المسوق نعلا قد صلی فیه.

والإشعار والتقلید للبدن ، ویختص البقر والغنم بالتقلید.

______________________________________________________

قوله : ( وإن کان معه بدن دخل بینها وأشعرها یمینا وشمالا ).

هذا فی قوة الاستثناء مما قبله ، والمراد أنه یشعرها فی الأیمن إلاّ أن یکون معه بدن ، فإنه یدخل بینها ویشعر هذه فی یمینها وهذه فی شمالها ، من غیر أن یرتبها ترتیبا یوجب الإشعار فی الیمین. والمستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حریز بن عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کانت بدن کثیرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بین کل بدنتین فیشعر هذه من الشق الأیمن ، ویشعر هذه من الشق الأیسر ، ولا یشعرها أبدا حتی یتهیأ للإحرام ، فإنه إذا أشعرها وقلّدها وجب علیه الإحرام ، وهو بمنزلة التلبیة » (1).

قوله : ( والتقلید أن یعلّق فی رقبة المسوق نعلا قد صلّی فیه ).

الظاهر أن الفعل وهو صلّی مبنیّ للمعلوم وضمیره المستتر یعود إلی السائق ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « تقلّدها نعلا خلقا قد صلّیت فیها ، والإشعار والتقلید بمنزلة التلبیة » (2) ویکفی مسمّی الصلاة ولو نافلة.

قوله : ( والإشعار والتقلید للبدن ، ویختص البقر والغنم بالتقلید ).

لضعفهما من الإشعار ، ولما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان الناس یقلّدون الغنم والبقر ، وإنما

معنی التقلید

بیان ما یشعر ویقلد

ص: 196


1- التهذیب 5 : 43 - 128 ، الوسائل 8 : 201 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 19.
2- الفقیه 2 : 209 - 956 ، الوسائل 8 : 200 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 11.

ولو دخل القارن أو المفرد مکة وأراد الطواف جاز ،

______________________________________________________

ترکه الناس حدیثا ، ویقلّدون بخیط أو سیر » (1).

قوله : ( ولو دخل القارن أو المفرد مکة وأراد الطواف جاز ).

الظاهر أن المراد بالطواف هنا الطواف الواجب کما صرّح به فی المعتبر (2) ، والمراد أنه یجوز للمفرد والقارن تقدیم طوافهما علی المضی إلی عرفات ، ویمکن أن یرید به ما هو أعم من ذلک لیتناول الواجب والمندوب. أما جواز طواف المندوب لهما فلأنه مقتضی الأصل ولا معارض له. وأما أنه یجوز لهما تقدیم الطواف الواجب فهو مذهب الأکثر ، وعزاه فی المعتبر إلی فتوی الأصحاب (3) ، ویدل علیه روایات کثیرة : منها صحیحة حمّاد بن عثمان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مفرد الحج ، أیعجل طوافه أو یؤخّره؟ قال : « هو والله سواء ، عجله أو أخره » (4) وموثقة زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المفرد للحج یدخل مکة ، أیقدّم طوافه أو یؤخره؟ قال : « سواء » (5).

ونقل عن ابن إدریس أنه منع من التقدیم محتجا بإجماع علمائنا علی وجوب الترتیب (6). وأجاب عنه فی المنتهی بأن الشیخ ادعی الإجماع علی جواز التقدیم فکیف یصح له دعوی الإجماع علی خلافه؟! قال : والشیخ أعرف بمواضع الوفاق والخلاف (7).

وربما ظهر من تخصیص الحکم بالقارن والمفرد أن المتمتع لا یجوز له

جواز الطواف للقارن والمفرد عند دخول مکة

ص: 197


1- الفقیه 2 : 209 - 952 ، الوسائل 8 : 200 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 9.
2- المعتبر 2 : 793.
3- المعتبر 2 : 793.
4- الکافی 4 : 459 - 2 ، التهذیب 5 : 45 - 135 ، الوسائل 8 : 204 أبواب أقسام الحج ب 14 ح 1.
5- الکافی 4 : 459 - 1 ، التهذیب 5 : 45 - 134 ، الوسائل 8 : 204 أبواب أقسام الحج ب 14 ح 2.
6- السرائر : 135.
7- المنتهی 2 : 709.

______________________________________________________

ذلک ، وقد قطع الأصحاب بأنه لا یجوز له تقدیم طواف الحج ، وادعوا علیه الإجماع ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر قال ، قلت : رجل کان متمتعا فأهلّ بالحج ، قال : « لا یطوف بالبیت حتی یأتی عرفات ، فإن هو طاف قبل أن یأتی منی من غیر علّة فلا یعتدّ بذلک الطواف » (1) وهی مع ضعف سندها باشتماله علی عدّة من الضعفاء معارضة بأخبار کثیرة دالة علی جواز التقدیم مطلقا ، کصحیحة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن (2) علیه السلام عن الرجل المتمتع یهلّ بالحج ثم یطوف ویسعی بین الصفا والمروة قبل خروجه إلی منی ، قال : « لا بأس به » (3).

وصحیحة جمیل إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المتمتع یقدّم طوافه وسعیه فی الحج فقال : « هما سیّان ، قدّمت أو أخّرت » (4).

وصحیحة حفص بن البختری ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی تعجیل الطواف قبل الخروج إلی منی فقال : « هما سواء ، أخّر ذلک أو قدّمه » یعنی للمتمتع (5).

وأجاب الشیخ عن هذه الروایات بالحمل علی حالة الضرورة (6). وهو بعید ، مع أنه لا ضرورة إلی ارتکابه لانتفاء ما یصلح للمعارضة ، والمتجه جواز التقدیم مطلقا إن لم ینعقد الإجماع القطعی علی خلافه.

وفی جواز الطواف المندوب للمتمتع قبل الخروج إلی منی قولان (7) ،

ص: 198


1- التهذیب 5 : 130 - 429 ، الوسائل 8 : 203 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 5 ، ورواها فی الکافی 4 : 458 - 4.
2- فی « م » و « ح » زیادة : الرضا.
3- التهذیب 5 : 131 - 430 ، الإستبصار 2 : 229 - 794 ، الوسائل 8 : 203 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 3.
4- الفقیه 2 : 244 - 1168 ، التهذیب 5 : 477 - 1685 ، الوسائل 8 : 203 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 1.
5- الفقیه 2 : 244 - 1168 ، التهذیب 5 : 477 - 1685 ، الوسائل 8 : 203 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 1.
6- الفقیه 2 : 244 - 1167 ، الوسائل 9 : 474 أبواب الطواف ب 64 ح 3.
7- التهذیب 5 : 131 ، والاستبصار 2 : 230.

لکن یجدّدان التلبیة عند کل طواف لئلا یحلاّ علی قول ، وقیل : إنما یحل المفرد دون السائق. والحقّ أنه لا یحل إلا بالنیّة ، لکن الأولی تجدید التلبیة عقیب صلاة الطواف.

______________________________________________________

أشهرهما المنع ، لما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی قال : سألته عن الرجل یأتی المسجد الحرام یطوف بالبیت؟ قال : « نعم ، ما لم یحرم » (1) ویمکن حمل النهی علی الکراهة.

قوله : ( لکن یجدّدان التلبیة عند کل طواف لئلاّ یحلاّ علی قول ، وقیل : إنما یحلّ المفرد دون السائق. والحقّ أنه لا یحلّ إلاّ بالنیة ، لکن الأولی تجدید التلبیة عقیب صلاة الطواف ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الشیخ فی النهایة وموضع من المبسوط إلی أن القارن والمفرد إذا طافا قبل المضی إلی عرفات الطواف الواجب أو غیره جدّدا التلبیة عند فراغهما من الطواف ، وبدونها یحلاّن وینقلب حجهما عمرة (2).

وقال فی التهذیب : إن المفرد یحلّ بترک التلبیة دون القارن (3).

وقال المفید (4) والمرتضی (5) : إن التلبیة بعد الطواف تلزم القارن لا المفرد. ولم یتعرضا للتحلل بترک التلبیة ولا لعدمه.

ونقل عن ابن إدریس أنه أنکر ذلک وقال : إن التحلل إنما یحصل بالنیة لا بالطواف والسعی ، ولیس تجدید التلبیة بواجب ولا ترکها مؤثرا فی انقلاب

تحقق الاحلال بالنیة لا بالتلبیة

ص: 199


1- التهذیب 5 : 169 - 563 ، الوسائل 9 : 496 أبواب الطواف ب 83 ح 4 ، وفیهما بتفاوت یسیر.
2- النهایة : 208 ، والمبسوط 1 : 311.
3- التهذیب 5 : 44.
4- المقنعة : 61.
5- جمل العلم والعمل : 105.

______________________________________________________

الحج عمرة (1). واختاره المصنف فی کتبه الثلاثة (2) والعلاّمة فی المختلف (3).

احتج الشیخ فی التهذیب علی أن المفرد یحل بالطواف والسعی ما لم یجدّد التلبیة بما رواه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أرید الجواز فکیف أصنع؟ قال : « إذا رأیت الهلال هلال ذی الحجة فاخرج إلی الجعرانة فأحرم منها بالحج » فقلت له : کیف أصنع إذا دخلت مکة ، أقیم إلی یوم الترویة ولا أطوف بالبیت؟ فقال : « تقیم عشرا لا تأتی الکعبة ، إنّ عشرا لکثیر ، إن البیت لیس بمهجور ، ولکن إذا دخلت فطف بالبیت واسع بین الصفا والمروة » فقلت : ألیس کل من طاف بالبیت وسعی بین الصفا والمروة فقد أحلّ؟ فقال : « إنک تعقد بالتلبیة » ثم قال : « کلما طفت طوافا وصلّیت رکعتین فاعقد بالتلبیة » (4).

وفی الموثق ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « من طاف بالبیت وبالصفا والمروة أحلّ أحبّ أو کره » (5).

وفی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن المفرد للحج ، هل یطوف بالبیت بعد طواف الفریضة؟ قال : « نعم ما شاء ، ویجدد التلبیة بعد الرکعتین ، والقارن بتلک المنزلة یعقدان ما أحلاّ من الطواف بالتلبیة » (6).

قال الشیخ فی التهذیب : قال محمد بن الحسن : وفقه هذا الحدیث أنه قد رخّص للقارن والمفرد أن یقدّما طواف الزیارة قبل الوقوف بالموقفین ،

ص: 200


1- السرائر : 123.
2- المعتبر 2 : 796 ، المختصر النافع : 80.
3- المختلف : 262.
4- التهذیب 5 : 45 - 137 ، الوسائل 8 : 206 أبواب أقسام الحج ب 16 ح 1.
5- التهذیب 5 : 44 - 132 ، الوسائل 8 : 184 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 5.
6- التهذیب 5 : 44 - 131 ، الوسائل 8 : 206 أبواب أقسام الحج ب 16 ح 2.

______________________________________________________

فمتی فعلا ذلک فإن لم یجدّدا التلبیة یصیرا محلّین ولا یجوز ذلک ، فلأجله أمر المفرد والسائق بتجدید التلبیة عند الطواف ، مع أن السائق لا یحلّ وإن کان قد طاف بسیاقه الهدی (1).

ثم استدل علی عدم تحلل القارن بما رواه عن یونس بن یعقوب ، عمن أخبره ، عن أبی الحسن علیه السلام قال ، قال : « ما طاف بین هذین الحجرین الصفا والمروة أحد إلاّ أحلّ ، إلاّ السائق للهدی » (2) وضعف هذه الروایة بالإرسال وغیره یمنع من العمل بها.

قال الشهید فی الشرح بعد أن أورد هذه الروایات : وبالجملة فدلیل التحلل ظاهر ، والفتوی مشهورة ، والمعارض منتف. وهو کذلک ، لکن لیس فی الروایات دلالة علی صیرورة الحجة مع التحلل عمرة کما ذکره الشیخ (3) وأتباعه (4) ، نعم ورد فی روایات العامة التصریح بذلک ، لأنهم رووا عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إذا أهلّ الرجل بالحج ثم قدم إلی مکة وطاف بالبیت وبین الصفا والمروة فقد أحلّ وهی عمرة » (5).

احتج العلاّمة فی المختلف (6) بأنه دخل فی الحج دخولا مشروعا فلا یجوز الخروج عنه إلاّ بدلیل شرعی ، وبقوله علیه السلام : « إنما الأعمال بالنیات » (7).

والجواب عن الأول أن الدلیل علی الخروج ثابت کما بیّناه ، وعن

ص: 201


1- التهذیب 5 : 44.
2- التهذیب 5 : 44 - 133 ، الوسائل 8 : 184 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 6.
3- النهایة : 208 ، والمبسوط 1 : 311.
4- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 210.
5- سنن أبی داود 2 : 156 - 1791.
6- المختلف : 262.
7- التهذیب 1 : 83 - 218 ، الوسائل 1 : 34 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 7.

______________________________________________________

الثانی أن توقف العمل علی النیة لا یقتضی عدم حصول التحلل بما عدّه الشارع محللا.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : الظاهر أن المراد بالنیة فی قول المصنف ومن قال بمقالته : إن المفرد لا یحلّ إلا بالنیة ، نیة العدول إلی العمرة ، والمعنی أن المفرد لا یتحلل قبل إکمال أفعال الحج إلاّ بنیة العدول إلی العمرة ، فیتحلل مع العدول بإتمام أفعالها ، وعلی هذا فلا یتحقق التحلل بالنیة إلاّ فی موضع یسوغ فیه العدول إلی العمرة.

وذکر المحقق الشیخ علی فی حواشیه أن المراد بالنیة نیة التحلل بالطواف ، ثم قال : إن اعتبار النیة لا یکاد یتحقق ، لأن الطواف منهی عنه إذا قصد به التحلل ، فیکون فاسدا ، فلا یعتدّ به فی کونه محللا ، لعدم صدق الطواف الشرعی حینئذ (1). ویتوجه علیه أیضا أن اعتبار النیة لا دلیل علیه أصلا ، بل العمل بالروایات المتضمنة للتحلل بترک التلبیة یقتضی حصول التحلل بمجرد الترک ، واطراحها یقتضی عدم التحلل بالطواف وإن نوی به التحلل مع انتفاء نیة العدول کما هو واضح.

الثانی : حیث قلنا بانقلاب الحج عمرة فیجب الإتیان بأفعالها. قال المحقق الشیخ علی فی حواشی القواعد : وهل یحتاج إلی طواف العمرة أم لا؟ وجهان کل منهما مشکل ، أما الأول فلأنه لو احتیج إلیه لم یکن لهذا الطواف أثر فی الإحلال وهو باطل ، وأما الثانی فلأن إجزاءه عن طواف العمرة بغیر نیة أیضا معلوم البطلان (2). وهذا الإشکال إنما یتوجه علی المعنی الذی ذکره ، أما علی ما ذکرناه فلا ورود له ، ومتی قلنا بانقلاب الحج عمرة صار متمتعا ولم یکن الإتیان به مجزیا عن الفرض إذا کان الإفراد أو القران متعینا

حکم انقلاب الحج عمرة

ص: 202


1- جامع المقاصد 1 : 157.
2- جامع المقاصد 1 : 157.

ویجوز للمفرد إذا دخل مکة أن یعدل إلی التمتع ، ولا یجوز ذلک للقارن.

______________________________________________________

علیه ، لأنه عدول اختیاری.

الثالث : المستفاد من الروایات المتقدمة توقف البقاء علی الإحرام علی التلبیة بعد رکعتی الطواف ، وعلی هذا فتکون التلبیة مقتضیة لعدم التحلل ، لا أن التحلل یتحقق بالطواف ثم ینعقد الإحرام بالتلبیة کما توهمه بعض المتأخرین (1). وذکر الشارح أن محل التلبیة بعد الطواف (2). ولم أقف له علی مستند.

الرابع : ذکر جمع من الأصحاب أن المتمتع لو قدّم طوافه للضرورة وجب علیه تجدید التلبیة ، وکذا لو طاف ندبا قبل الوقوف إن سوّغنا له ذلک کما هو الظاهر ، ویدل علیه إطلاق قوله علیه السلام فی روایة زرارة : « من طاف بالبیت وبالصفا والمروة أحلّ أحبّ أو کره » (3) لکنها قاصرة من حیث السند (4) ، والروایتان الأخیرتان مختصتان بالقارن والمفرد ، والمسألة محل تردد وطریق الاحتیاط واضح.

قوله : ( ویجوز للمفرد إذا دخل مکة أن یعدل إلی التمتع ، ولا یجوز ذلک للقارن ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وأسنده المصنف فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه ، قال : وزعم فقهاء الجمهور أن نقل حج الإفراد إلی التمتع منسوخ (5). وذکر الشارح أن هذه هی المتعة

جواز عدول المفرد إلی التمتع

ص: 203


1- کالشهید الثانی فی الروضة البهیة 2 : 212.
2- المسالک 1 : 102.
3- التهذیب 5 : 44 - 132 ، الوسائل 8 : 184 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 5.
4- لوقوع حسن بن علی بن فضال وابن بکیر فی طریقها وهما فطحیان - الفهرست : 47 و 106.
5- المعتبر 2 : 797.

______________________________________________________

التی أنکرها الثانی (1).

والأصل فی جواز العدول ما رواه الأصحاب وغیرهم بطرق متعددة وصحیحة أن النبی صلی الله علیه و آله أمر أصحابه حین دخلوا مکة محرمین بالحج فقال : « من لم یسق الهدی فلیحلّ ولیجعلها عمرة » فطافوا وسعوا وأحلّوا ، وسئل عن نفسه فقال : « إنی سقت الهدی ، ولا ینبغی لسائق الهدی أن یحلّ حتی یبلغ الهدی محلّه » (2).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل لبّی بالحج مفردا ثم دخل مکة وطاف بالبیت وسعی بین الصفا والمروة قال : « فلیحلّ ولیجعلها متعة ، إلاّ أن یکون ساق الهدی فلا یستطیع أن یحلّ حتی یبلغ الهدی محلّه » (3).

وإنما یجوز للمفرد العدول إذا لم یتعین علیه الإفراد بأصل الشرع أو بنذر وشبهه ، فإن تعیّن لم یجز العدول قطعا ، لعموم ما دل علی وجوب الوفاء بالنذر (4) ، وعلی أن أهل مکة وحاضریها لا یجزیهم التمتع عن فرضهم (5).

ولا ینافی ذلک أخبار العدول ، أما روایة معاویة فلانتفاء العموم فیها علی وجه یتناول من تعین علیه ذلک ، وأما أمر النبی صلی الله علیه و آله أصحابه بذلک فلأنه لم یتعلق بالحاضر وإنما تعلق بالبعید ، وکان ذلک قبل مشروعیة التمتع فنزل جبرائیل علیه السلام علی النبی صلی الله علیه و آله وهو

ص: 204


1- المسالک 1 : 102.
2- الوسائل 8 : 149 أبواب أقسام الحج ب 2.
3- التهذیب 5 : 89 - 293 ، الإستبصار 2 : 174 - 575 ، الوسائل 8 : 32 أبواب الإحرام ب 22 ح 5.
4- الوسائل 16 : 247 أبواب النذر والعهد ب 25.
5- الوسائل 8 : 186 أبواب أقسام الحج ب 6.

والمکّی إذا بعد عن أهله وحج حجة الإسلام علی میقات أحرم منه وجوبا.

______________________________________________________

علی المروة وأمره أن یأمر الناس بالإحلال إلاّ من ساق الهدی وأنزل الله فی ذلک ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ) (1) الآیة (2).

ومن هنا یظهر أن ما ذکره الشارح - قدس سره - من أن تخصیص الحکم بمن لم یتعین علیه الإفراد بعید عن ظاهر النص (3). غیر جید.

ولا یخفی أن العدول إنما یتحقق إذا لم یکن ذلک فی نیة المفرد ابتداء ، وإلاّ لم یقع الحج من أصله صحیحا ، لعدم تعلق النیة بحج الإفراد فلا یتحقق العدول عنه کما هو واضح.

قوله : ( والمکّی إذا بعد عن أهله وحجّ حجة الإسلام علی میقات أحرم منه وجوبا ).

هذا مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، ویدل علیه أنه لا یجوز لقاصد مکة مجاوزة المیقات إلاّ محرما ، وقد صار هذا میقاتا له باعتبار مروره علیه وإن کان میقاته فی الأصل دویرة أهله ، کغیره إذا مرّ علی غیر میقاته.

والأخبار الواردة بذلک کثیرة : منها صحیحة صفوان بن یحیی ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام إنه کتب إلیه : « أن رسول الله صلی الله علیه و آله وقّت المواقیت لأهلها ومن أتی علیها من غیر أهلها ، وفیها رخصة لمن کانت به علة ، فلا یجاوز المیقات إلاّ من علة » (4).

واعلم أنه لیس فی العبارة دلالة علی تعیین النوع الذی یحرم به المکّی من المیقات ، والظاهر أنه یحرم بما هو فرضه.

حکم المکی البعید عن مکة

ص: 205


1- البقرة : 196.
2- فی « ض » زیادة : الحکم بغیر الحاضر.
3- المسالک 1 : 102.
4- الکافی 4 : 323 - 2 ، الوسائل 8 : 240 أبواب المواقیت ب 15 ح 1.

ولو أقام من فرضه التمتع بمکة سنة أو سنتین لم ینتقل فرضه ، وکان علیه الخروج إلی المیقات إذا أراد حجة الإسلام. ولو لم یتمکن من ذلک خرج إلی خارج الحرم ، فإن تعذر أحرم من موضعه.

______________________________________________________

واختلف الأصحاب فی جواز التمتع له والحال هذه ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی جملة من کتبه (1) والمصنف فی المعتبر ، والعلاّمة فی المنتهی (2) إلی الجواز ، لصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج وعبد الرحمن بن أعین قالا : سألنا أبا الحسن موسی علیه السلام عن رجل من أهل مکة خرج إلی بعض الأمصار ثم رجع فمرّ ببعض المواقیت التی وقّت رسول الله صلی الله علیه و آله ، أله أن یتمتّع؟ فقال : « ما أزعم أن ذلک لیس له ، والإهلال بالحج أحبّ إلیّ » (3) ومقتضی الروایة رجحان الإهلال بالحج بالنسبة إلیه ، ولا ریب أنه أولی.

وقال ابن أبی عقیل : لا یجوز له التمتع ، لأنه لا متعة لأهل مکة ، لقول الله عزّ وجلّ ( ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (4) (5) وهو جید لو لا ورود الروایة الصحیحة بالجواز.

قوله : ( ولو أقام من فرضه التمتع بمکة سنة أو سنتین لم ینتقل فرضه ، وکان علیه الخروج إلی المیقات إذا أراد حجة الإسلام ، ولو لم یتمکن من ذلک خرج إلی خارج الحرم ، فإن تعذر أحرم من موضعه ).

لا ریب أن من فرضه التمتع إذا أقام بمکة أو ما فی حکمها إقامة لا تقتضی انتقال فرضه إلی الإفراد أو القران یجب علیه التمتع ، وقد قطع

حکم المقیم بمکة

ص: 206


1- النهایة : 206 ، والمبسوط 1 : 308.
2- المعتبر 2 : 798 ، والمنتهی 2 : 664.
3- التهذیب 5 : 33 - 100 ، الإستبصار 2 : 158 - 518 ، الوسائل 8 : 189 أبواب أقسام الحج ب 7 ح 1.
4- البقرة : 196.
5- نقله عنه فی المختلف : 261.

______________________________________________________

الأصحاب بأن من هذا شأنه إذا أراد حج الإسلام یخرج إلی المیقات مع الإمکان فیحرم منه بعمرة التمتع ، فإن تعذّر خرج إلی أدنی الحل ، فإن تعذّر أحرم من مکة.

أما وجوب الخروج إلی المیقات فاستدل علیه بأن فرضه لم ینتقل عن فرض إقلیمه فلزمه الإحرام من میقاتهم ، وبروایة سماعة ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن المجاور ، أله أن یتمتع بالعمرة إلی الحج؟ قال : « نعم ، یخرج إلی مهلّ أرضه فلیلبّ إن شاء » (1).

وأما الاجتزاء بالخروج إلی أدنی الحلّ مع تعذر الوصول إلی المیقات ، والإحرام من مکة مع تعذر الخروج إلی أدنی الحل فاستدل علیه بأن خارج الحرم میقات مع الضرورة ، والإحرام من مکة سائغ معها أیضا کما تدل علیه روایة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : رجل ترک الإحرام حتی دخل مکة ، قال : « یرجع إلی میقات أهل بلاده الذین یحرمون منه فیحرم ، وإن خشی أن یفوته الحج فلیحرم من مکانه ، فإن استطاع أن یخرج من الحرم فلیخرج » (2).

ویحتمل ( قویّا ) (3) الاکتفاء بالخروج إلی أدنی الحلّ مطلقا ، لصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من أراد أن یخرج من مکة لیعتمر أحرم من الجعرانة والحدیبیة وما أشبههما » (4) وصحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، لأهل مکة أن یتمتعوا؟ فقال : « لا ، لیس لأهل مکة أن یتمتعوا » قال ، قلت : فالقاطنین بها؟ قال : « إذا أقاموا سنة أو سنتین صنعوا کما یصنع أهل مکة ، فإذا أقاموا شهرا فإن لهم أن

ص: 207


1- الکافی 4 : 302 - 7 ، التهذیب 5 : 59 - 188 ، الوسائل 8 : 190 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 1.
2- التهذیب 5 : 58 - 180 ، الوسائل 8 : 239 أبواب المواقیت ب 14 ح 7.
3- لیست فی « ض ».
4- الفقیه 2 : 176 - 1350 ، الوسائل 8 : 247 أبواب المواقیت ب 22 ح 1.

______________________________________________________

یتمتعوا » قلت : من أین؟ قال : « یخرجون من الحرم » قلت : من أین یهلّون بالحج؟ قال : « من مکة نحوا مما یقول الناس » (1) ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکره الأصحاب.

واعلم أن ( أقصی ) (2) ما یستفاد من الأدلة الشرعیة تحقق الاستطاعة بالنسبة إلی المقیم فی مکة وغیرها بتمکنه من الحج علی الوجه المعتبر من موضع الإقامة والعود إلی بلده.

واعتبر الشارح - قدس سره - فی وجوب الحج الاستطاعة من البلد إلاّ مع انتقال الفرض فتنتقل الاستطاعة ثم قال : ولو قیل : إن الاستطاعة تنتقل مع نیة الدوام من ابتداء الإقامة أمکن ، لفقد النص المنافی هنا (3). وما ذکره - قدس سره - من فقد النص المنافی لذلک جید ، لکن اعتبار نیة الدوام لا دلیل علیه ، إذ المستفاد من الآیة الشریفة (4) وجوب الحج علی کل متمکن منه ، والأخبار غیر منافیة لذلک ، بل مؤکّدة له ، إذ غایة ما یستفاد منها اعتبار الزاد والراحلة مع الحاجة إلیهما لا مطلقا ، بل قد ورد فی عدّة أخبار أن حجة الإسلام واجبة علی من أطاق المشی من المسلمین (5).

وروی معاویة بن عمار فی الصحیح قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یمرّ مجتازا یرید الیمن أو غیرها من البلدان وطریقه بمکة فیدرک الناس وهم یخرجون إلی الحج فیخرج معهم إلی المشاهد ، أیجزیه ذلک من حجة الإسلام؟ قال : « نعم » (6) وقد بیّنّا ذلک کله مفصلا فیما

ص: 208


1- التهذیب 5 : 35 - 103 ، الوسائل 8 : 192 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 3.
2- لیست فی « م ».
3- المسالک 1 : 102.
4- آل عمران : 97.
5- الوسائل 8 : 28 أبواب وجوب الحج ب 11.
6- الکافی 4 : 275 - 6 ، الفقیه 2 : 264 - 1283 ، الوسائل 8 : 40 أبواب وجوب الحج ب 22 ح 2.

فإن دخل فی الثالثة مقیما ثم حج انتقل فرضه إلی القران أو الافراد.

______________________________________________________

سبق (1).

قوله : ( فإن دخل فی الثالثة مقیما ثم حجّ انتقل فرضه إلی القران أو الإفراد ).

لا یخفی أن الحکم بانتقال الفرض بالدخول فی الثالثة مناف لما حکم به أولا من أن إقامة السنتین لا توجب انتقال الفرض ، فإن إقامة السنتین إنما تتحقق بالدخول فی الثالثة ، والأصح ما ذهب إلیه ( أکثر الأصحاب ) (2) من انتقال الفرض بإقامة السنتین ، لصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « من أقام بمکة سنتین فهو من أهل مکة لا متعة له » فقلت لأبی جعفر علیه السلام : أرأیت إن کان له أهل بالعراق وأهل بمکة؟ قال : « فلینظر أیّهما الغالب علیه فهو من أهله » (3) وصحیحة عمر بن یزید قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « المجاور بمکة یتمتع بالعمرة إلی الحج إلی سنتین ، فإذا جاوز سنتین کان قاطنا ولیس له أن یتمتّع » (4).

وقال الشیخ فی النهایة : لا ینتقل الفرض حتی یقیم ثلاثا (5). ولم نقف له علی مستند.

نعم ورد فی کثیر من الروایات انتقال الفرض بإقامة ما دون السنتین ، کصحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، لأهل مکة أن یتمتّعوا؟ فقال : « لا ، لیس لأهل مکة أن یتمتعوا » قال ، قلت : فالقاطنین بها؟ قال : « إذا أقاموا سنة أو سنتین صنعوا کما یصنع أهل مکة ، فإذا أقاموا شهرا فإن لهم أن یتمتعوا » قلت : من أین؟ قال : « یخرجون من الحرم »

ص: 209


1- راجع ص 41.
2- فی « ض » : الأکثر.
3- التهذیب 5 : 34 - 101 و 492 - 1767 ، الاستبصار 2 : 159 - 519 ، الوسائل 8 : 191 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 1.
4- التهذیب 5 : 34 - 102 ، الوسائل 8 : 192 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 2.
5- النهایة : 206.

______________________________________________________

قلت : من أین یهلّون بالحج؟ قال : « من مکة نحوا مما یقول الناس » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « من أقام بمکة سنة فهو بمنزلة أهل مکة » (2).

وصحیحة حفص وهو ابن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المجاور بمکة یخرج إلی أهله ثم یرجع إلی مکة بأیّ شی ء یدخل؟ فقال : « إن کان مقامه بمکة أکثر من ستة أشهر فلا یتمتع ، وإن کان أقل من ستة أشهر فله أن یتمتع » (3).

ویمکن الجمع بینهما بالتخییر بعد السنة والستّة الأشهر بین الفرضین.

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بین کونها بنیة الدوام أو المفارقة ، وربما قیل : إن الحکم مخصوص بالمجاور بغیر نیة الإقامة ، أما لو کان بنیتها انتقل فرضه من أول سنة. وإطلاق النص یدفعه.

وذکر الشارح (4) وغیره (5) أن انتقال الفرض إنما یتحقق إذا تجددت الاستطاعة بعد الإقامة المقتضیة للانتقال ، فلو کانت سابقه لم ینتقل الفرض وإن طالت المدة ، لاستقرار الأول. وفی استفادة ذلک من الأخبار نظر ، لکن علی هذا یبعد انتقال الفرض علی ما ذکرناه من الاکتفاء بحصول الاستطاعة من مکة مطلقا ، لأن استطاعة مکة سهلة غالبا. ولو انعکس الفرض بأن أقام المکی فی الآفاق لم ینتقل فرضه بذلک إلاّ مع نیة الدوام وصدق خروجه من حاضری مکة عرفا ، واحتمل بعض الأصحاب إلحاقه بالمقیم فی مکة فی

ص: 210


1- التهذیب 5 : 35 - 103 ، الوسائل 8 : 192 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 3.
2- التهذیب 5 : 476 - 1680 ، الوسائل 8 : 191 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 4.
3- التهذیب 5 : 476 - 1679 ، الوسائل 8 : 191 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 3.
4- المسالک 1 : 102.
5- کالأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان 6 : 40.

ولو کان له منزلان بمکة وغیرها من البلاد لزمه فرض أغلبهما علیه ، وإن تساویا کان له الحج بأی الأنواع شاء.

______________________________________________________

انتقال الفرض بإقامة السنتین (1). وهو ضعیف.

قوله : ( ولو کان له منزلان بمکة وغیرها من البلاد لزمه فرض أغلبهما علیه ، فإن تساویا کان له الحج بأیّ الأنواع شاء ).

إنما لزمه فرض أغلبهما إقامة ، لأن مع غلبة أحدهما یضعف جانب الآخر فیسقط اعتباره کما فی نظائره ، ومع التساوی لا یکون حکم أحدهما أرجح من الآخر فیتحقق التخییر. ویدل علی اعتبار الأغلب قول زرارة فی صحیحته المتقدمة : فقلت لأبی جعفر علیه السلام : أرأیت إن کان له أهل بالعراق وأهل بمکة؟ قال : « فلینظر أیّهما الغالب علیه فهو من أهله » (2) ویستفاد منها أن الاعتبار بالأهل لا بالمنزل.

ویجب تقیید هذا الحکم بما إذا لم تکن إقامته فی مکة سنتین متوالیتین ، فإنه حینئذ یلزمه حکم أهل مکة وإن کانت إقامته فی النائی أکثر ، لما تقدم من أن إقامة السنتین توجب انتقال حکم النائی الذی لیس له بمکة مسکن أصلا ، فمن له مسکن أولی.

ولو اشتبه الحال فلم یعلم هل کان هناک أغلب أم لا فالظاهر التخییر ، لانتفاء شرط التعیین ولا یجب علیه حجان. واحتمل الشارح وجوب التمتع ، ولا ریب أن اختیاره أولی قال : وفی حکم الاستطاعة حینئذ إشکال ، من أصالة براءة الذمة من الوجوب حیث لا یتحقق الزائد ، ومن أن جواز النوع الخاص یقتضی الحکم باستطاعته ، ویتوجه علی تقدیر التخییر أن یکون إیجاب الحج باختیار المکلف لو فرض استطاعته من مکة خاصة (3).

حکم من له منزلان بمکة وغیرها

ص: 211


1- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 102.
2- فی ص 209.
3- المسالک 1 : 103.

ویسقط الهدی عن القارن والمفرد وجوبا ، ولا تسقط التضحیة استحبابا.

ولا یجوز القران بین الحج والعمرة بنیّة واحدة ، ولا إدخال أحدهما علی الآخر ،

______________________________________________________

وأقول : إن هذا الإشکال منتف علی ما قررناه من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد وتحققها بمجرد التمکن من موضع الإقامة علی الوجه المعتبر کما لا یخفی.

قوله : ( ویسقط الهدی عن القارن والمفرد وجوبا ، ولا تسقط التضحیة استحبابا ).

هذان الحکمان إجماعیان عندنا ، والمراد بالهدی هنا هدی التمتع ، وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله (1).

قوله : ( ولا یجوز القران بین الحج والعمرة بنیّة واحدة ).

نبّه بذلک علی خلاف ابن أبی عقیل حیث جوّز ذلک وجعله تفسیرا للقران وقال : من هذا شأنه لا یحلّ من عمرته حتی یحلّ من حجه إذا طاف طواف الزیارة ، ولا یجوز قران الحج مع العمرة إلاّ لمن ساق الهدی (2). وقد تقدم الکلام فی ذلک (3).

قوله : ( ولا إدخال أحدهما علی الآخر ).

بأن ینوی الإحرام بالحج قبل التحلل من العمرة ، أو بالعمرة قبل الفراغ من أفعال الحج وإن تحلل فإن ذلک غیر جائز عند علمائنا ، ونقل الشارح فیه الإجماع (4) ، ویدل علیه مضافا إلی أن العبادات موقوفة علی النقل ولم یرد

عدم وجوب الهدی علی القارن والمفرد

عدم جواز القران بین الحج والعمرة

عدم جواز إدخال العمرة علی الحج

ص: 212


1- فی ج 8 ص 15.
2- نقله عنه فی المعتبر 2 : 80.
3- راجع ص 192.
4- المسالک 1 : 103.

ولا نیّة حجتین ولا عمرتین ، ولو فعل قیل : تنعقد واحدة ، وفیه تردد.

______________________________________________________

التعبد بذلک ، قوله تعالی ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (1) ومع الإدخال لا یتحقق الإتمام ، وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام إنه سأله عن رجل متمتع نسی أن یقصّر حتی أحرم بالحج قال : « یستغفر الله » (2).

ومتی امتنع الإدخال وقع الثانی فاسدا ، إلاّ إذا وقع الإحرام بالحج بعد السعی وقبل التقصیر من العمرة ، فإنه یصح فی المشهور ، وتصیر الحجة مفردة وسیأتی تحقیقه.

قوله : ( ولا نیة حجتین ولا عمرتین ، ولو فعل قیل : تنعقد واحدة ، وفیه تردد ).

القول بالانعقاد للشیخ - رحمه الله - فی الخلاف فإنه قال : من أهلّ بحجتین انعقد إحرامه بواحدة منهما ، وکان وجود الأخری وعدمها سواء ولا یتعلق بها حکم ، فلا یجب قضاؤها ولا الفدیة ، وهکذا من أهلّ بعمرتین (3). وردّ بقوله : فلا یجب قضاؤها ، علی أبی حنیفة حیث ذهب إلی وجوب قضاء إحداهما ، لأنه أحرم بهما ولم یتمهما (4).

وذکر الشارح أن منشأ التردد من اشتمال النیة علی الأمرین معا ، فإذا بطل أحدهما وقع الآخر صحیحا ، ومن تساویهما فی الصحة والبطلان ، فبطلان أحدهما دون الآخر ترجیح من غیر مرجح کالمختلفین (5).

والحق أنه إن کان المراد بنیة الحجتین والعمرتین الإتیان بالحجة الثانیة

عدم جواز نیة حجتین أو عمرتین

ص: 213


1- البقرة : 196.
2- الکافی 4 : 440 - 1 ، الفقیه 2 : 237 - 1129 بتفاوت یسیر ، التهذیب 5 : 90 - 297 ، الإستبصار 2 : 175 - 577 ، الوسائل 9 : 72 أبواب الإحرام ب 54 ح 1.
3- الخلاف 1 : 473.
4- حکاه عنه الکاسانی فی بدائع الصنائع 2 : 170 ، وابن قدامة فی الشرح الکبیر 3 : 261.
5- المسالک 1 : 103.

المقدمة الرابعة : فی المواقیت والکلام فی : أقسامها وأحکامها

والمواقیت ستة :

______________________________________________________

أو العمرة بعد التحلل من الأولی اتجه ما ذکره الشیخ ، لأن الأولی وقعت نیتها صحیحة ، وضمیمة نیة الإتیان بالثانیة بعد التحلل من الأولی لا یقتضی الفساد. وإن کان المراد به الإتیان بالثانیة قبل التحلل من الأولی واحتساب الفعل الواحد عنهما فلا ریب فی فساده.

قوله : ( المقدمة الرابعة فی المواقیت ، والکلام فی أقسامها وأحکامها ، والمواقیت ستة ).

المواقیت : جمع میقات ، وهو الوقت المضروب للفعل والموضع یقال : هذا میقات أهل الشام للموضع الذی یحرمون منه ، قاله الجوهری (1). وقال فی القاموس : الوقت المقدار من الدهر ، وأکثر ما یستعمل فی الماضی کالمیقات ، ثم قال : ومیقات الحاج مواضع إحرامهم (2).

وما ذکره المصنف من حصر المواقیت فی ستة حصر جعلی وإلاّ فهی تزید علی ذلک ، وذکر الشهید فی الدروس أنها عشرة : الستة التی ذکرها المصنف - رحمه الله - ومکة لحج التمتع ، ومحاذاة المیقات لمن لم یمرّ به وحاذاه ، وأدنی الحلّ أو مساواة أقرب المواقیت إلی مکة لمن لم یحاذ میقاتا ، وفخّ (3) لإحرام الصبیان (4). وهذه المواقیت الأربعة مذکورة فی تضاعیف کلام المصنف - رحمه الله - وربما کان الوجه فی تخصیص هذه الستة تقدم ذکر مکة فی کلامه - رحمه الله - ورجوع المحاذاة وما فی معناها إلی هذه الستة ،

أقسام المواقیت

عدد المواقیت

ص: 214


1- الصحاح 1 : 269.
2- القاموس المحیط 1 : 166.
3- موضع عند مکة - النهایة لابن الأثیر 3 : 418.
4- الدروس : 94.

______________________________________________________

وکون فخّ لیس میقاتا للحج الواجب ، والأمر فی ذلک هیّن.

وقد أجمع الأصحاب علی أن هذه المواقیت الستة منصوصة من الرسول صلی الله علیه و آله ، وأخبارهم ناطقة بذلک ، فروی الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من تمام الحج والعمرة أن تحرم من المواقیت التی وقّتها رسول الله صلی الله علیه و آله ، لا تجاوزها إلاّ وأنت محرم ، فإنه وقّت لأهل العراق - ولم یکن یومئذ عراق - بطن العقیق من قبل العراق ، ووقّت لأهل الیمن یلملم ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة وهی مهیعة ، ووقّت لأهل المدینة ذا الحلیفة ، ومن کان منزله خلف هذه المواقیت مما یلی مکة فوقته منزله » (1).

وفی الحسن ، عن الحلبی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « الإحرام من مواقیت خمسة وقّتها رسول الله صلی الله علیه و آله ، لا ینبغی لحاجّ ولا لمعتمر أن یحرم قبلها ولا بعدها ، وقّت لأهل المدینة ذا الحلیفة وهو مسجد الشجرة یصلّی فیه ویفرض الحج ، ووقّت لأهل الشام الجحفة ، ووقّت لأهل نجد العقیق ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل الیمن یلملم ، ولا ینبغی لأحد أن یرغب عن مواقیت رسول الله صلی الله علیه و آله » (2).

وفی الصحیح ، عن أبی أیوب الخزّاز قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : حدثنی عن العقیق أوقت وقّته رسول الله صلی الله علیه و آله أو شی ء صنعه الناس؟ فقال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله وقّت لأهل المدینة ذا الحلیفة ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة وهی عندنا مکتوبة مهیعة ، ووقّت لأهل الیمن یلملم ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل نجد

ص: 215


1- التهذیب 5 : 54 - 166 ، الوسائل 8 : 222 أبواب المواقیت ب 1 ح 2.
2- التهذیب 5 : 55 - 167 ، الوسائل 8 : 222 أبواب المواقیت ب 1 ح 3.

لأهل العراق : العقیق ، وأفضله المسلح ، ویلیه غمرة ، وآخره ذات عرق.

______________________________________________________

العقیق وما أنجدت » (1) والأخبار الواردة بذلک کثیرة جدا.

وقال بعض العامة : إن میقات أهل العراق لم یثبت بالنص من الرسول صلی الله علیه و آله ، وإنما ثبت قیاسا ، لأن أهل العراق کانوا مشرکین فی زمانه (2). ولا حجة فیه ، لعلمه صلی الله علیه و آله بأنهم یسلمون أو یمرّ علی هذا المیقات مسلمون.

قال فی التذکرة : واعلم أن أبعد المواقیت ذو الحلیفة علی عشر مراحل من مکة ، ویلیه فی البعد الجحفة ، والمواقیت الثلاثة علی مسافة واحدة بینها وبین مکة لیلتان قاصدتان (3).

قوله : ( لأهل العراق العقیق ، وأفضله المسلح ، ویلیه غمرة ، وآخره ذات عرق ).

مقتضی العبارة أن العقیق کله میقات فیجوز الإحرام من کل جهاته ، وبه صرح المصنف فی المعتبر (4) ، ویدل علیه إطلاق الأخبار المتقدمة. وذکر الأصحاب أن الأفضل الإحرام من المسلح ویلیه غمرة وآخره ذات عرق ، واستدلوا علیه بما رواه ابن بابویه مرسلا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « وقّت رسول الله صلی الله علیه و آله لأهل العراق العقیق ، وأوّله المسلح ، وأوسطه غمرة ، وآخره ذات عرق ، وأوله أفضل » (5) وما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « حدّ العقیق : أوله

میقات أهل العراق

ص: 216


1- التهذیب 5 : 55 - 168 ، الوسائل 8 : 221 أبواب المواقیت ب 1 ح 1.
2- کالشافعی فی کتاب الأم 2 : 138.
3- التذکرة 1 : 320.
4- المعتبر 2 : 803.
5- الفقیه 2 : 199 - 907 ، الوسائل 8 : 227 أبواب المواقیت ب 3 ح 4.

______________________________________________________

المسلح وآخره ذات عرق » (1).

وحکی الشهید فی الدروس عن ظاهر علیّ بن بابویه والشیخ فی النهایة أنهما منعا من تأخیر الإحرام إلی ذات عرق إلاّ لتقیة أو مرض (2). وربما کان مستندهما صحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « وقّت رسول الله صلی الله علیه و آله لأهل المشرق العقیق ، نحوا من بریدین ما بین برید البعث إلی غمرة » (3) وروی معاویة بن عمار فی الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « أول العقیق برید البعث ، وهو دون المسلح بستة أمیال مما یلی العراق ، وبینه وبین غمرة أربعة وعشرون میلا بریدان » (4) ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی أن لا یتجاوز غمرة إلاّ محرما ، لضعف الخبرین المتضمنین لتحدیده بذات عرق.

والظاهر الاکتفاء فی معرفة هذه المواقیت بالشیاع المفید للظن الغالب ، کما یدل علیه صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یجزیک إذا لم تعرف العقیق أن تسأل الناس والأعراب عن ذلک » (5).

واعلم أنا لم نقف فی ضبط المسلح وغمرة علی شی ء یعتدّ به ، وقال فی التنقیح : إن المسلح بالسین والحاء المهملتین واحد المسالح وهو المواضع العالیة (6). ونقل الشارح عن بعض الفقهاء أنه ضبط المسلح بالخاء المعجمة من السلخ وهو النزع ، لأنه تنزع فیه الثیاب للإحرام ، ومقتضی ذلک

ص: 217


1- التهذیب 5 : 56 - 171 ، الوسائل 8 : 226 أبواب المواقیت ب 2 ح 7 ، وفیهما : المسلخ بدل : المسلح.
2- الدروس : 94 ، وهو فی النهایة : 210.
3- التهذیب 5 : 56 - 170 ، الوسائل 8 : 223 أبواب المواقیت ب 1 ح 6.
4- الکافی 4 : 321 - 10 ، التهذیب 5 : 57 - 175 ، الوسائل 8 : 225 أبواب المواقیت ب 2 ح 2 ، وفیها : المسلخ بدل : المسلخ.
5- الفقیه 2 : 198 - 905 ، الوسائل 8 : 228 أبواب المواقیت ب 5 ح 1.
6- التنقیح الرائع 1 : 446.

ولأهل المدینة : مسجد الشجرة ،

______________________________________________________

تأخر التسمیة عن وضعه میقاتا (1).

وأما ذات عرق فقال فی القاموس : أنها بالبادیة میقات العراقیین (2). وقیل : إنها کانت قریة فخربت (3). ونقل العلاّمة فی المنتهی (4) عن سعید بن جبیر أنه رأی رجلا یرید أن یحرم بذات عرق فأخذ بیده حتی أخرجه من البیوت وقطع به الوادی فأتی به المقابر ثم قال : هذه ذات عرق الأولی (5).

قوله : ( ولأهل المدینة مسجد الشجرة ).

مقتضی العبارة أن المیقات نفس المسجد ، وهو ظاهر اختیار العلاّمة - رحمه الله - فی جملة من کتبه (6). وجعل بعضهم المیقات الموضع المسمّی بذی الحلیفة ، وهو موضع علی ستة أمیال من المدینة علی ما قاله فی القاموس (7) ، وبه قطع الشهید - رحمه الله - فی اللمعة والدروس (8) ، والمحقق الشیخ علی فی حواشی القواعد وقال : إن جواز الإحرام من الموضع المسمی بذی الحلیفة وإن کان خارج المسجد لا یکاد یدفع (9). ویدل علیه إطلاق قوله علیه السلام فی عدة أخبار صحیحة : « ووقّت لأهل المدینة ذا الحلیفة » (10) لکن مقتضی روایة الحلبی الصحیحة عن الصادق علیه السلام أن ذا الحلیفة عبارة عن نفس المسجد فإنه علیه السلام قال فیها :

میقات أهل المدینة

ص: 218


1- المسالک 1 : 103.
2- القاموس المحیط 3 : 272.
3- کما فی مغنی المحتاج 1 : 473.
4- فی « ح » : التذکرة.
5- المنتهی 2 : 671 ، وفی التذکرة 1 : 322.
6- المنتهی 2 : 665 ، والتذکرة 1 : 320 ، والقواعد 1 : 79.
7- القاموس المحیط 3 : 133.
8- اللمعة : 68 ، والدروس : 94.
9- جامع المقاصد 1 : 162.
10- الوسائل 8 : 221 أبواب المواقیت ب 1.

وعند الضرورة الجحفة.

______________________________________________________

« ووقت لأهل المدینة ذا الحلیفة وهو مسجد الشجرة » (1) وعلی هذا فتصیر الأخبار متفقة فی المعنی ، ویتعین الإحرام من نفس المسجد. ولو کان المحرم جنبا أو حائضا أحرما به مجتازین ، فإن تعذر الاجتیاز أحرما من خارجه.

قوله : ( وعند الضرورة الجحفة ).

قال فی القاموس : الجحفة میقات أهل الشام ، وکانت قریة جامعة علی اثنین وثمانین میلا من مکة ، وکانت تسمی مهیعة ، فنزل بنو عبید وهم إخوة عاد وکان أخرجهم العمالیق من یثرب فجاءهم سیل فاجتحفهم فسمیت الجحفة (2).

وقال الجوهری : جحفة موضع بین مکة والمدینة ، وهو میقات أهل الشام ، وکان اسمها مهیعة فأجحف السیل بأهلها فسمّیت جحفة (3).

وقد أجمع علماؤنا علی جواز تأخیر المدنی الإحرام إلی الجحفة عند الضرورة ( وهی المشقة التی یعسر تحملها ) (4) واحتج علیه فی المعتبر (5) بما رواه الشیخ عن أبی بصیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : خصال عابها علیک أهل مکة قال : « وما هی؟ » قلت : قالوا : أحرم من الجحفة ورسول الله صلی الله علیه و آله أحرم من الشجرة فقال : « الجحفة أحد الوقتین ، فأخذت بأدناهما وکنت علیلا » (6).

وفی الصحیح ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام من أین یحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال : « من الجحفة ، ولا یتجاوز

ص: 219


1- الکافی 4 : 319 - 2 ، الفقیه 2 : 198 - 903 ، التهذیب 5 : 55 - 167 ، الوسائل 8 : 222 أبواب المواقیت ب 1 ح 3.
2- القاموس المحیط 3 : 125.
3- الصحاح 4 : 1335.
4- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
5- المعتبر 2 : 803.
6- التهذیب 5 : 57 - 176 ، الوسائل 8 : 229 أبواب المواقیت ب 6 ح 4.

______________________________________________________

الجحفة إلاّ محرما » (1).

ولیس فی هاتین الروایتین تصریح باشتراط الضرورة فی جواز الإحرام من الجحفة ، بل ربما ظهر منهما الجواز اختیارا کما هو المنقول عن ظاهر الجعفی (2) ، ویدل علیه أیضا صحیحة معاویة بن عمار : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل من أهل المدینة أحرم من الجحفة فقال : « لا بأس » (3).

وصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن إحرام أهل الکوفة وأهل خراسان وما یلیهم وأهل الشام ومصر من أین هو؟ قال : « أما أهل الکوفة وخراسان وما یلیهم فمن العقیق ، وأهل المدینة من ذی الحلیفة والجحفة ، وأهل الشام ومصر من الجحفة ، وأهل الیمن من یلملم ، وأهل السند من البصرة » یعنی من میقات أهل البصرة (4).

وکیف کان فینبغی القطع بصحة الإحرام من الجحفة وإن حصل الإثم بتأخیره عن ذی الحلیفة. وإنما یتوقف التأخیر علی الضرورة علی القول به مع مروره علی ذی الحلیفة ، فلو عدل ابتداء عن ذلک الطریق أجزأ وکان الإحرام من الجحفة اختیاریا.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال : سألته عن قوم قدموا المدینة فخافوا کثرة البرد وکثرة الأیام - یعنی الإحرام من الشجرة - فأرادوا أن یأخذوا منها إلی ذات عرق فیحرموا منها قال : « لا - وهو مغضب - من دخل المدینة فلیس له أن یحرم إلاّ من المدینة » (5) لأنا نجیب أولا بالطعن فی السند بأن راویها وهو إبراهیم بن

ص: 220


1- التهذیب 5 : 57 - 177 ، الوسائل 8 : 229 أبواب المواقیت ب 6 ح 3.
2- نقله عنه الشهید الأول فی الدروس : 147.
3- الفقیه 2 : 199 - 908 ، الوسائل 8 : 229 أبواب المواقیت ب 6 ح 1.
4- التهذیب 5 : 55 - 169 ، الوسائل 8 : 223 أبواب المواقیت ب 1 ح 5.
5- التهذیب 5 : 57 - 179 ، الوسائل 8 : 230 أبواب المواقیت ب 8 ح 1.

ولأهل الشام : الجحفة.

ولأهل الیمن : یلملم.

ولأهل الطائف : قرن المنازل.

______________________________________________________

عبد الحمید واقفی ، وبأن من جملة رجالها جعفر بن محمد بن حکیم وهو مجهول. وثانیا بالحمل علی الکراهة جمعا بین الأدلة.

قوله : ( ولأهل الشام الجحفة ).

وکذا لأهل مصر وأهل المغرب کما وقع التصریح به فی روایتی علیّ بن جعفر (1) ، وأبی أیوب الخزاز (2).

قوله : ( ولأهل الیمن یلملم ).

قال فی القاموس : یلملم وألملم میقات الیمن ، جبل علی مرحلتین من مکة (3).

قوله : ( ولأهل الطائف قرن المنازل ).

قال فی القاموس : قرن المنازل بفتح القاف وسکون الراء : قریة عند الطائف أو اسم الوادی کلّه ، قال : وغلط الجوهری فی تحریکه وفی نسبة أویس القرنی إلیه ، لأنه منسوب إلی قرن بن رومان (4) بن ناجیة بن مراد (5).

وقد ورد فی عدّة أخبار أن قرن المنازل میقات لأهل الطائف (6). وروی العامة عن النبی صلی الله علیه و آله أنه وقّت قرن المنازل لأهل نجد (7) ، وهو

میقات أهل الشام والیمن والطائف

ص: 221


1- التهذیب 5 : 55 - 169 ، الوسائل 8 : 223 أبواب المواقیت ب 1 ح 5.
2- الکافی 4 : 319 - 3 ، التهذیب 5 : 55 - 168 ، علل الشرائع : 434 - 3 ، الوسائل 8 : 221 أبواب المواقیت ب 1 ح 1.
3- القاموس المحیط 4 : 179.
4- فی المصدر : ردمان.
5- القاموس المحیط 4 : 260.
6- الوسائل 8 : أبواب المواقیت ب 1 ح 1 - 4 و 9 - 12.
7- صحیح البخاری 2 : 164 - 166 ، صحیح مسلم 2 : 838.

ومیقات من منزله أقرب من المیقات منزله.

______________________________________________________

موجود فی روایات أصحابنا أیضا ، رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن الصادق علیه السلام (1). لکن مقتضی أکثر الروایات أن میقات أهل نجد العقیق (2). ولیس بین هذه الروایات تناف ، إذ من الجائز أن یکون لأهل نجد طریقان ، إحداهما یمرّ بالعقیق ، والأخری بقرن المنازل ، فیجب علیهم الإحرام عند مرورهم بأحد المیقاتین.

قوله : ( ومیقات من منزله أقرب من المیقات منزله ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول أهل العلم کافة إلاّ مجاهد (3). والمستند فیه الأخبار المستفیضة کصحیحة معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من کان منزله دون الوقت إلی مکة فلیحرم من منزله » (4).

قال الشیخ فی التهذیب بعد نقل هذه الروایة : وقال فی حدیث آخر : « إذا کان منزله دون المیقات إلی مکة فلیحرم من دویرة أهله » (5).

وصحیحة مسمع ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا کان منزل الرجل دون ذات عرق إلی مکة فلیحرم من منزله » (6).

وصحیحة عبد الله بن مسکان قال : حدثنی أبو سعید قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمن کان منزله دون الجحفة إلی مکة قال : « یحرم منه » (7).

میقات من منزله أقرب من المیقات

ص: 222


1- التهذیب 5 : 56 - 170 ، الوسائل 8 : 223 أبواب المواقیت ب 1 ح 6.
2- الوسائل 8 : أبواب المواقیت ب 1 ح 1 ، 3 ، 7 ، 10.
3- المنتهی 2 : 667.
4- التهذیب 5 : 59 - 183 ، الوسائل 8 : 242 أبواب المواقیت ب 17 ح 1.
5- التهذیب 5 : 59 - 184 ، الوسائل 8 : 242 أبواب المواقیت ب 17 ح 2.
6- التهذیب 5 : 59 - 185 ، الوسائل 8 : 242 أبواب المواقیت ب 17 ح 3.
7- التهذیب 5 : 59 - 186 ، الوسائل 8 : 242 أبواب المواقیت ب 17 ح 4.

ولو حج علی طریق لا یفضی إلی أحد المواقیت ، قیل : یحرم إذا غلب علی ظنّه محاذاة أقرب المواقیت إلی مکة.

______________________________________________________

ویستفاد من هذه الروایات أن المعتبر القرب إلی مکة. واعتبر المصنف فی المعتبر القرب إلی عرفات (1). والأخبار تدفعه.

ثم إن کان المعتبر القرب إلی عرفات فأهل مکة یحرمون من منازلهم ، لأن دویرتهم أقرب من المیقات إلیها. وعلی اعتبار مکة فالحکم کذلک ، إلاّ أن الأقربیة لا تتم ، لاقتضائها المغایرة بینهما.

قوله : ( ولو حجّ علی طریق لا یفضی إلی أحد المواقیت قیل : یحرم إذا غلب علی ظنه محاذاة أقرب المواقیت إلی مکة ).

إذا حج المکلف علی طریق لا یفضی إلی أحد المواقیت فقد ذکر جمع من الأصحاب أنه یجب علیه الإحرام إذا غلب علی ظنه محاذاة المیقات ، لصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من أقام بالمدینة وهو یرید الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له أن یخرج فی غیر طریق المدینة فإذا کان حذاء الشجرة مسیرة ستة أمیال فلیحرم منها » (2).

ومقتضی العبارة أن المراد بالمیقات الذی یجب الإحرام عند محاذاته أقرب المواقیت إلی مکة. واعتبر العلاّمة فی المنتهی المیقات الذی هو أقرب إلی طریقه ، وحکم بأنه إذا کان بین میقاتین (3) متساویین فی القرب إلیه تخیّر فی الإحرام من أیّهما شاء (4). وما ذکره المصنف أجود ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع الوفاق.

ولو سلک طریقا لم یؤد إلی محاذاة میقات قیل : یحرم من مساواة أقرب المواقیت إلی مکة ، أی من محل یکون بینه وبین مکة بقدر ما بین مکة وأقرب

حکم الطریق الذی لا میقات فیه

ص: 223


1- المعتبر 2 : 786.
2- الفقیه 2 : 200 - 913 ، الوسائل 8 : 230 أبواب المواقیت ب 7 ح 3.
3- فی « ض » : طریقین.
4- المنتهی 2 : 671.

______________________________________________________

المواقیت إلیها وهو مرحلتان تقریبا ، لأن هذه المسافة لا یجوز لأحد قطعها إلاّ محرما من أیّ جهة دخل ، وإنما الاختلاف فیما زاد علیها (1).

واستقرب العلاّمة فی القواعد ، وولده فی الشرح وجوب الإحرام من أدنی الحل (2). وهو حسن ، لأصالة البراءة من وجوب الزائد ، وقولهم : إن هذه المسافة لا یجوز لأحد قطعها إلاّ محرما ، فی موضع المنع ، لأن ذلک إنما ثبت مع المرور علی المیقات لا مطلقا ، بل لو لا ورود الروایة بوجوب الإحرام من محاذاة المیقات لأمکن المناقشة فیه بمثل ما ذکرناه ، ومع ذلک فیتوجه علیه أن الروایة إنما تدل علی وجوب الإحرام من محاذاة الشجرة خاصة ، فإلحاق غیره به یحتاج إلی دلیل ، وبالجملة فالمسألة قویة الإشکال والاحتیاط للدین یقتضی المرور علی المیقات والإحرام منه اتباعا للمنقول وتخلصا من هذا الإشکال.

واعلم أن مقتضی عبارة المصنف التوقف فی هذا الحکم من أصله حیث لم یذکره بطریق الجزم وإنما حکاه بلفظ : قیل ، وأنه لیس فی العبارة دلالة علی حکم من لم یحاذ المیقات. ویظهر من کلام الشارح - قدس سره - أنه حمل عبارة المصنف علی هذه الصورة حیث قال : ومعنی غلبة الظن بمحاذاة أقرب المواقیت حینئذ بلوغ محل بینه وبین مکة بقدر ما بین مکة وأقرب المواقیت إلیها (3). وهذا المعنی بعید من اللفظ ، فإن الظاهر من اعتبار محاذاة أقرب المواقیت إلی مکة أنه مع تعدد المواقیت التی یتحقق محاذاتها فی الطریق یجب الإحرام من محاذاة أقربها إلی مکة دون الأبعد ، وما ذکره خلاف معنی المحاذاة فتأمل.

ص: 224


1- کما فی المسالک 1 : 104.
2- القواعد 1 : 79 ، وإیضاح الفوائد 1 : 284.
3- المسالک 1 : 104.

وکذا من حج فی البحر. وکل من حج علی میقات لزمه الإحرام منه.

______________________________________________________

فروع :

الأول : قال فی المنتهی : لو لم یعرف حذو المیقات المقارب لطریقة احتاط وأحرم من بعد بحیث یتیقن أنه لم یجاوز المیقات إلاّ محرما (1). ویشکل بأنه کما یمتنع تأخیر الإحرام من المیقات کذا یمتنع تقدیمه علیه ، وتجدید الإحرام فی کل مکان یحتمل المحاذاة مشکل ، لأنه تکلیف شاق لا یمکن إیجابه بغیر دلیل.

الثانی : قال فی المنتهی أیضا : إنه لا یلزمه الإحرام حتی یعلم أنه قد حاذاه أو یغلب علی ظنه ذلک ، لأن الأصل عدم وجوبه فلا یجب بالشک (2). وهو جید ، ولو لا الروایة لأمکن المناقشة فی وجوبه مع الظن أیضا ، لأن الأصل الذی ذکره کما ینفی الوجوب مع الشک کذا ینفیه مع الظن أیضا.

الثالث : لو أحرم کذلک بالظن ثم تبینت الموافقة ، أو استمرّ الاشتباه أجزأ. ولو تبین تقدمه قبل تجاوز محل المحاذاة أعاده ، ولو کان بعد التجاوز أو تبین تأخره عن محاذاة المیقات ، ففی الإعادة وجهان : من المخالفة ، ومن تعبده بظنه المقتضی للإجزاء.

قوله : ( وکذا من حجّ فی البحر ).

أی : یلزمه الإحرام إذا غلب علی ظنه محاذاة أقرب المواقیت إلی مکة.

وقال ابن إدریس : میقات أهل مصر ومن صعد البحر جدّة (3). ولم نقف له علی مستند. وقال فی المختلف : إنه إنما یصح إذا کانت جدّة تحاذی أحد المواقیت لا لخصوصیتها (4). وهو حسن.

قوله : ( وکل من حج علی میقات لزمه الإحرام منه ).

المراد أن هذه المواقیت المذکورة لأهلها ولمن یمرّ بها ممن یرید الحج

حکم من حج فی البحر

وجوب الاحرام من المیقات الذی یمر به

ص: 225


1- المنتهی 2 : 671.
2- المنتهی 2 : 671.
3- السرائر : 124.
4- المختلف : 263.

والحج والعمرة یتساویان فی ذلک. وتجرّد الصبیان من فخّ.

______________________________________________________

والعمرة ، فإذا حجّ الشامی من المدینة فمرّ بذی الحلیفة أحرم منها ، وإن حجّ من الیمن فمیقاته یلملم ، وإن حجّ من العراق فمیقاته العقیق ، وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعلم فیه خلافا (1).

ویدل علیه روایات : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن صفوان بن یحیی ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام أنه کتب إلیه : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله وقّت المواقیت لأهلها ومن أتی علیها من غیر أهلها ، وفیها رخصة لمن کانت به علّة ، فلا یجاوز المیقات إلا من علّة » (2).

قوله : ( والحج والعمرة یتساویان فی ذلک ).

أی فی هذه المواقیت ، فمن قدم إلی مکة حاجا أو معتمرا ومرّ بها یجب علیه الإحرام منها ، سواء کانت العمرة عمرة تمتع أو إفراد ، وسواء کان الحج إفرادا أو قرانا.

أما حج التمتع فمیقاته مکة کما تقدم (3).

ولو أراد المفرد والقارن الاعتمار بعد الحج لزمها الخروج إلی أدنی الحلّ فیحرمان منه ثم یعودان إلی مکة للطواف والسعی ، ویدل علیه روایات : منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن من أراد أن یخرج من مکة لیعتمر أحرم من الجعرانة والحدیبیة أو ما أشبههما » (4) وقال العلاّمة فی المنتهی : إنه لا خلاف فی ذلک کله (5).

قوله : ( وتجرّد الصبیان من فخّ ).

تجرید الصبیان من فخ

ص: 226


1- المنتهی 2 : 667.
2- الکافی 4 : 323 - 2 ، الوسائل 8 : 240 أبواب المواقیت ب 15 ح 1.
3- فی ص 157.
4- الفقیه 2 : 276 - 1350 ، الوسائل 8 : 247 أبواب المواقیت ب 22 ح 1.
5- المنتهی 2 : 668.

______________________________________________________

المراد بالتجرید الإحرام کما صرّح به المصنف فی المعتبر (1) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (2). وفخّ بئر معروف علی نحو فرسخ من مکة ، وقد نصّ الشیخ (3) وغیره (4) علی أن الأفضل الإحرام بالصبیان من المیقات ، لکن رخص فی تأخیر الإحرام بهم حتی یصیروا إلی فخّ.

أما أن الأفضل الإحرام بهم من المیقات فیدل علیه روایات : منها صحیحة معاویة بن عمار قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « قدّموا من کان معکم من الصبیان إلی الجحفة أو إلی بطن مرّ ثم یصنع بهم ما یصنع بالمحرم ویطاف بهم ویسعی بهم » (5) الحدیث.

وأما جواز تأخیر الإحرام بهم إلی فخّ فیدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أیوب بن الحرّ قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصبیان من أین نجرّدهم؟ فقال : « کان أبی یجرّدهم من فخّ » (6) وفی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام مثل ذلک (7).

وذکر المحقق الشیخ علی أن المراد بالتجرید التجرید من المخیط خاصة ، فیکون الإحرام من المیقات کغیرهم ، لأن المیقات موضع الإحرام ، فلا یجاوزه أحد إلاّ محرما (8). وهو ضعیف ، لمنع ما ادّعاه من العموم بحیث یتناول غیر المکلف ، وظهور التجرید فی المعنی الذی ذکرناه.

ص: 227


1- المعتبر 1 : 804.
2- المنتهی 2 : 667 ، والتحریر 1 : 94 ، والتذکرة 1 : 320.
3- حکاه عنه فی المسالک 1 : 104.
4- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 104.
5- التهذیب 5 : 409 - 1423 ، الوسائل 8 : 207 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.
6- التهذیب 5 : 409 - 1421 ، الوسائل 8 : 208 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 6.
7- التهذیب 5 : 409 - 1422 ، الوسائل 8 : 208 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 6.
8- جامع المقاصد 1 : 162.

وأما أحکامها ففیه مسائل : الأولی : من أحرم قبل هذه المواقیت لم ینعقد إحرامه ، إلا لناذر بشرط أن یقع إحرام الحج فی أشهره ، أو لمن أراد العمرة المفردة فی رجب وخشی تقضّیه.

______________________________________________________

قوله : ( وأما أحکامها ففیه مسائل ، الأولی : من أحرم قبل هذه المواقیت لم ینعقد إحرامه ، إلاّ لناذر ، بشرط أن یقع إحرام الحج فی أشهره ، أو لمن أراد العمرة المفردة فی رجب وخشی تقضّیه ).

أما عدم انعقاد الإحرام قبل هذه المواقیت فی غیر هاتین الصورتین فقال فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (1). والأخبار الواردة بعدم انعقاد الإحرام قبل هذه المواقیت مستفیضة : منها قوله علیه السلام فی صحیحة عبید الله الحلبی : « الإحرام من مواقیت خمسة ، وقّتها رسول الله صلی الله علیه و آله ، لا ینبغی لحاجّ ولا لمعتمر أن یحرم قبلها ولا بعدها » (2).

وفی حسنة ابن أذینة : « من أحرم بالحج فی غیر أشهر الحج فلا حجّ له ، ومن أحرم دون الوقت فلا إحرام له » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن عقبة ، عن میسرة قال : دخلت علی أبی عبد الله علیه السلام وأنا متغیر اللون فقال لی : « من أین أحرمت؟ » فقلت : من موضع کذا وکذا فقال : « ربّ طالب خیر تزلّ قدمه » ثم قال : « یسرّک أن صلّیت الظهر فی السفر أربعا؟ » قلت : لا ، قال : « فهو والله ذاک » (4).

أحکام المواقیت

حکم الاحرام قبل المیقات

ص: 228


1- المنتهی 2 : 668.
2- الفقیه 2 : 198 - 903 ، التهذیب 5 : 55 - 167 ، الوسائل 8 : 222 أبواب المواقیت ب 1 ح 3.
3- الکافی 4 : 322 - 4 ، التهذیب 5 : 52 - 157 ، الإستبصار 2 : 162 - 529 ، الوسائل 8 : 196 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 4.
4- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ ، وهی موجودة فی : الکافی 4 : 322 - 6 ، الوسائل 8 : 234 أبواب المواقیت ب 11 ح 5.

______________________________________________________

وقد استثنی الأصحاب من ذلک صورتین ، إحداهما : من أراد الإحرام لعمرة مفردة فی رجب وخشی تقضّیه إن أخّر الإحرام حتی یدرک المیقات ، فجوّزوا له الإحرام قبل المیقات لتقع العمرة فی رجب ، طلبا لفضلها ، قال فی المعتبر : وعلیه اتفاق علمائنا (1). والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لیس ینبغی أن یحرم دون الوقت الذی وقته رسول الله صلی الله علیه و آله ، إلاّ أن یخاف فوت الشهر فی العمرة » (2).

وفی الصحیح ، عن صفوان بن یحیی ، عن إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یجی ء معتمرا ینوی عمرة رجب فیدخل علیه الهلال قبل أن یبلغ العقیق ، أیحرم قبل الوقت ویجعلها لرجب أو یؤخر الإحرام إلی العقیق ویجعلها لشعبان؟ قال : « یحرم قبل الوقت لرجب ، فإن لرجب فضلا وهو الذی نوی » (3) ویستفاد من هذه الروایة أن الاعتمار فی رجب یحصل بالإهلال فیه وإن وقعت الأفعال فی غیره ، والأولی تأخیر الإحرام إلی آخر الشهر اقتصارا فی تخصیص العمومات علی موضع الضرورة.

وثانیهما : من نذر الإحرام من موضع معین قبل أحد هذه المواقیت فذهب الشیخان (4) وأتباعهما (5) إلی انعقاد النذر ووجوب الوفاء به بشرط وقوعه فی أشهر الحج إن کان الإحرام لحج أو عمرة متمتع بها ، وإن کان لمفردة

ص: 229


1- المعتبر 2 : 806.
2- التهذیب 5 : 53 - 161 ، الإستبصار 2 : 163 - 533 ، الوسائل 8 : 236 أبواب المواقیت ب 12 ح 1.
3- الکافی 4 : 323 - 9 ، التهذیب 5 : 53 - 160 ، الإستبصار 2 : 162 - 532 ، الوسائل 8 : 236 أبواب المواقیت ب 12 ح 2.
4- لم نعثر علیه فی المقنعة ولکن وجدناه فی التهذیب 5 : 53 ، ونقله عنه فی المنتهی 2 : 669 ، والشیخ الطوسی فی النهایة : 209 ، والمبسوط 1 : 311 ، والخلاف 1 : 430.
5- منهم سلار فی المراسم : 108 ، وابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 687.

الثانیة : إذا أحرم قبل المیقات لم ینعقد ولا یکفی مروره فیه ما لم یجدد الإحرام من رأس.

______________________________________________________

وجب مطلقا. ومنع من ذلک ابن إدریس (1) ، واختاره العلاّمة فی المختلف (2). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الإستبصار ، عن الحسین بن سعید ، عن حمّاد ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل جعل لله علیه شکرا أن یحرم من الکوفة قال : « فلیحرم من الکوفة ولیف لله بما قال » (3) وعن علیّ بن أبی حمزة قال : کتبت إلی أبی عبد الله علیه السلام أسأله عن رجل جعل لله علیه أن یحرم من الکوفة قال : « یحرم من الکوفة » (4) وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سمعته یقول : « لو أن عبدا أنعم الله علیه نعمة أو ابتلاه ببلیة فعافاه من تلک البلیة فجعل علی نفسه أن یحرم بخراسان کان علیه أن یتمّ » (5).

احتج المانعون بأن نذر التقدیم نذر عبادة غیر مشروعة فکانت معصیة فلا ینعقد نذرها. والجواب أن هذه القاعدة مخصوصة بما نقلناه من الروایات ، ولا استبعاد فی أن یقول الشارع : إن الفعل محرّم بدون النذر وواجب معه لمصلحة لا نعلمها ، وبالجملة فقول ابن إدریس متجه لولا ورود روایة الحلبی الصحیحة بالجواز.

قوله : ( الثانیة ، إذا أحرم قبل المیقات لم ینعقد ولا یکفی مروره فیه ما لم یجدّد الإحرام من رأس ).

ص: 230


1- السرائر : 123.
2- المختلف : 263.
3- الإستبصار 2 : 163 - 534 ، الوسائل 8 : 236 أبواب المواقیت ب 13 ح 1.
4- التهذیب 5 : 53 - 163 ، الإستبصار 2 : 163 - 535 ، الوسائل 8 : 237 أبواب المواقیت ب 13 ح 2.
5- التهذیب 5 : 54 - 164 ، الإستبصار 2 : 163 - 536 ، الوسائل 8 : 237 أبواب المواقیت ب 13 ح 3.

ولو أخره عن المیقات لمانع ثم زال المانع عاد إلی المیقات. فإن تعذر جدد الإحرام حیث زال.

______________________________________________________

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، لأن الإحرام قبل المیقات غیر منعقد ، فیکون مروره علی المیقات جاریا مجری مرور المحلّ به.

قوله : ( ولو أخره عن المیقات لمانع ثم زال المانع عاد إلی المیقات ، فإن تعذّر جدّد الإحرام حیث زال ).

أما وجوب العود إلی المیقات مع المکنة فلا ریب فیه ، لتوقف الواجب علیه. وأما الاکتفاء بتجدید الإحرام من محل زوال العذر مع تعذر العود إلی المیقات فلأن تأخیره لم یکن محرّما فکان کالناسی ، وسیأتی أن الناسی یحرم من موضع الذکر مع تعذر العود إلی المیقات (1) ، لکن لا یخفی أنه إنما یجب العود إذا لم یکن فی طریقه میقات آخر ، وإلا لم یجب - کما مرّ - بل یؤخره إلی المیقات.

ولو وجب العود فتعذّر ، ففی وجوب العود إلی ما أمکن من الطریق وجهان : أظهرهما العدم ، للأصل ، ولظاهر الروایات المتضمنة لحکم الناسی.

واعلم أن الشیخ - رحمه الله - ذکر فی النهایة أن من عرض له مانع من الإحرام جاز له أن یؤخره عن المیقات ، فإذا زال المنع أحرم من الموضع الذی انتهی إلیه (2). وقال ابن إدریس : مقصوده تأخیر کیفیة الإحرام الظاهرة من نزع الثیاب وکشف الرأس والارتداء والتوشّح والائتزار ، فأما النیة والتلبیة مع القدرة علیهما فلا یجوز له ذلک إذ لا مانع (3).

وفصلّ المصنف فی المعتبر تفصیلا حسنا فقال : من منعه مانع عند

حکم الاحرام بعد المیقات

ص: 231


1- فی ص 232.
2- النهایة : 209.
3- السرائر : 123.

ولو دخل مکة خرج إلی المیقات. فإن تعذر خرج إلی خارج الحرم. ولو تعذر أحرم من مکة. وکذا لو ترک الإحرام ناسیا ،

______________________________________________________

المیقات فإن کان عقله ثابتا عقد الإحرام بقلبه ، ولو زال عقله بإغماء وشبهه سقط عنه الحج ، ولو أحرم عنه رجل جاز ، ولو أخر وزال المانع عاد إلی المیقات إن تمکّن وإلاّ أحرم من موضعه ، ودلّ علی جواز الإحرام عنه ما رواه جمیل ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی مریض أغمی علیه فلم یعقل حتی أتی الموقف قال : « یحرم عنه رجل » (1) والذی یقتضیه الأصل أن إحرام الولی جائز ، لکن لا یجزی عن حجة الإسلام ، لسقوط الفرض بزوال عقله ، نعم إذا زال العارض قبل الوقوف أجزأه (2). هذا کلامه - رحمه الله - وهو فی محله.

وقد بیّنّا فیما سبق أن المراد بالإحرام عن غیر الممیز والمجنون الإحرام بهما لا کون الولی نائبا عنهما ، وأنه یکفی فی سقوط الفرض إدراک اضطراری المشعر عند أکثر الأصحاب.

قوله : ( وکذا لو ترک الإحرام ناسیا ).

أی : یجب علیه العود إلی المیقات مع المکنة ، فإن تعذّر جدّده حیث زال العذر ، وینبغی تقییده بما إذا لم یکن قد دخل الحرم ، وإلاّ وجب علیه الخروج إلی خارجه مع الإمکان وإلاّ أحرم من مکانه. ویدل علی هذه الأحکام روایات : منها ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یحرم حتی دخل الحرم قال : « قال أبی : یخرج إلی میقات أهل أرضه ، فإن خشی أن یفوته الحج أحرم من مکانه ، فإن استطاع أن یخرج من الحرم فلیخرج ثم لیحرم » (3).

حکم تارک الاحرام نسیانا

ص: 232


1- الکافی 4 : 325 - 8 بتفاوت یسیر ، التهذیب 5 : 60 - 191 ، الوسائل 8 : 245 أبواب المواقیت ب 20 ح 4.
2- المعتبر 2 : 809.
3- الکافی 4 : 323 - 1 ، الوسائل 8 : 238 أبواب المواقیت ب 14 ح 1.

أو لم یرد النسک.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل مرّ علی الوقت الذی یحرم الناس منه فنسی أو جهل فلم یحرم حتی أتی مکة فخاف إن رجع إلی الوقت أن یفوته الحجّ فقال : « یخرج من الحرم ویحرم ویجزئه ذلک » (1) ویستفاد من هذه الروایة أن الجاهل کالناسی.

وذکر العلاّمة فی التذکرة والمنتهی أن من نسی الإحرام یوم الترویة بالحج حتی حصل بعرفات فلیحرم من هناک (2) ، واستدل بما رواه علی بن جعفر فی الصحیح ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : وسألته عن رجل نسی الإحرام بالحج فذکره وهو بعرفات ما حاله؟ قال : « یقول : اللهم علی کتابک وسنة نبیک ، فقد تمّ إحرامه » (3).

وربما ظهر من تخصیص الحکم بعرفات ، ومن قول المصنف فیما سبق : إن الکافر إذا أسلم وضاق علیه الوقت عن العود إلی المیقات أحرم ولو بعرفات ، أنه لا یجوز تجدید الإحرام بالمشعر ، وجزم الشهیدان بالجواز (4). ویمکن أن یستدل علیه بفحوی صحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن رجل کان متمتعا خرج إلی عرفات وجهل أن یحرم یوم الترویة بالحج حتی رجع إلی بلده ما حاله؟ قال : « إذا قضی المناسک کلها فقد تمّ حجه » (5) وإذا تمّ الحج مع قضاء المناسک کلها بغیر إحرام فالبعض أولی ، ومع ذلک فالمسألة محل تردد.

قوله : ( أو لم یرد النسک ).

حکم من بدا له الحج بعد المیقات

ص: 233


1- الکافی 4 : 324 - 6 ، التهذیب 5 : 58 - 181 ، الوسائل 8 : 238 أبواب المواقیت ب 14 ح 2.
2- التذکرة 1 : 370 ، والمنتهی 2 : 715.
3- التهذیب 5 : 476 - 1678 ، الوسائل 8 : 245 أبواب المواقیت ب 20 ح 3.
4- الدروس : 120 ، والمسالک 1 : 91.
5- التهذیب 5 : 476 - 1678 ، الوسائل 8 : 245 أبواب المواقیت ب 20 ح 2.

______________________________________________________

سیأتی (1) إن شاء الله أنه لا یجوز لأحد دخول مکة إلاّ محرما بالحج أو العمرة عدا ما استثنی من المتکرّر ومن دخلها لقتال ، ومقتضی ذلک أنه لا یجوز لقاصد مکة إذا کان ممن یلزمه الإحرام لدخولها مجاوزة المیقات إلاّ محرما ، لإطلاق النهی عن ذلک لکل حاج ومعتمر. ویندرج فی قول المصنف - رحمه الله - : أو لم یرد النسک ، من لا یکون قاصدا دخول مکة عند مروره علی المیقات ثم تجدد له قصد ذلک ، وکذا من لا یجب علیه الإحرام لدخولها کالمتکرر ، ومن دخلها لقتال إذا لم یکن مریدا للنسک ثم تجدد له إرادته ، أما من مرّ علی میقات قاصدا دخول مکة وکان ممن یلزمه الإحرام لدخولها لکنه لم یرد النسک فهو فی معنی متعمد ترک الإحرام ( من المیقات مع إرادته ) (2) بل أولی بالمؤاخذة کما لا یخفی.

وقد أجمع العلماء علی أن من مرّ علی المیقات وهو لا یرید دخول مکة بل یرید حاجة فیما سواها لا یلزمه الإحرام ، للأصل ، ولأن النبی صلی الله علیه و آله أتی بدرا مرتین ومرّ علی ذی الحلیفة وهو محلّ (3).

ولو تجدد له إرادة الدخول إلی مکة ، أو تجدد لمن لا یلزمه الإحرام لدخول مکة إرادة النسک فقد قطع الأصحاب بمساواته للناسی فی وجوب العود إلی المیقات مع المکنة فیحرم منه ، ومع التعذر یحرم من موضعه. أما أنه لا یجب علیه العود مع التعذر فلا ریب فیه ، لأن من هذا شأنه أعذر من الناسی وأنسب بالتخفیف. وأما وجوب العود مع الإمکان فاستدل علیه فی المعتبر بأنه یتمکن من الإتیان بالنسک علی الوجه المأمور به فیکون واجبا (4) ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل ترک الإحرام حتی دخل الحرم فقال : « یرجع إلی

ص: 234


1- فی ص 380.
2- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
3- نقلها فی الشرح الکبیر لابن قدامة 3 : 221.
4- المعتبر 2 : 808.

وکذا المقیم بمکة إذا کان فرضه التمتع. أما لو أخره عامدا لم یصح إحرامه حتی یعود إلی المیقات ، ولو تعذر لم یصحّ إحرامه.

______________________________________________________

میقات أهل بلده الذی یحرمون منه ، وإن خشی أن یفوته الحج فلیحرم من مکانه ، فإن استطاع أن یخرج من الحرم فلیخرج ثم لیحرم » (1).

وحکی العلاّمة فی المنتهی عن بعض العامة قولا بأن من هذا شأنه یحرم من موضعه (2). وهو ضعیف.

وفی حکم من لا یرید النسک غیر المکلف به کالصبی والعبد والکافر إذا بلغ بعد مجاوزة المیقات أو أعتق أو أسلم.

قوله : ( أما لو أخّره عامدا لم یصح إحرامه حتی یعود إلی المیقات ، ولو تعذر لم یصح إحرامه ).

المراد أن من ترک الإحرام من المیقات عمدا مع إرادته النسک ( بمعنی وجوبه علیه ) (3) یجب علیه الرجوع إلی المیقات والإحرام منه مع المکنة ، فإن تعذر العود لخوف أو مرض أو ضیق الوقت لم یصح إحرامه من غیره ، لعدم تحقق الامتثال فیحرم علیه دخول مکة لتوقفه علی الإحرام. وظاهر الأصحاب القطع بعدم الاکتفاء بإحرامه من أدنی الحلّ ، واحتمل بعض الأصحاب (4) الاکتفاء بذلک إذا خشی أن یفوته الحج ، لإطلاق صحیحة الحلبی المتقدمة ، وهو غیر بعید.

قال الشارح : وحیث یتعذر رجوعه مع التعمد یبطل نسکه ویجب علیه قضاؤه ، وإن لم یکن مستطیعا للنسک ، بل کان وجوبه بسبب إرادة دخول الحرم ، فإن ذلک موجب للإحرام ، فإذا لم یأت به وجب قضاؤه

ص: 235


1- التهذیب 5 : 58 - 180 ، الوسائل 8 : 239 أبواب المواقیت ب 14 ح 7.
2- المنتهی 2 : 670.
3- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
4- کالأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان 6 : 174.

الثالثة : لو نسی الإحرام ولم یذکر حتی أکمل مناسکه ، قیل : یقضی إن کان واجبا ، وقیل : یجزیه ، وهو المروی.

______________________________________________________

کالمنذور (1). وهو غیر جید ، لأن القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی دلیل ، وهو منتف هنا.

والأصح سقوط القضاء کما اختاره فی المنتهی ، واستدل علیه بأصالة البراءة من القضاء ، وبأن الإحرام مشروع لتحیة البقعة فإذا لم یأت به سقط کتحیة المسجد (2). وهو حسن. قال فی التذکرة : ولو تجاوز المیقات ورجع ولم یدخل الحرم فلا قضاء علیه بلا خلاف نعلمه ، سواء أراد النسک أو لم یرده (3).

ولا یخفی أن من کان منزله دون المیقات فحکمه فی مجاوزة منزله إلی ما یلی الحرم حکم المجاوز للمیقات فی الأحوال السابقة ، لأن منزله میقاته فهو فی حقه کأحد المواقیت الخمسة فی حق الآفاقی.

قوله : ( الثالثة ، لو نسی الإحرام ولم یذکر حتی أکمل مناسکه قیل : یقضی إن کان واجبا. وقیل : یجزیه ، وهو المروی ).

القول بالإجزاء للشیخ - رحمه الله - فی النهایة والمبسوط (4). وجمع من الأصحاب ، واستدل علیه فی المعتبر (5) بأنه فات نسیانا فلا یفسد به الحج کما لو نسی الطواف ، وبقوله صلی الله علیه و آله : « رفع عن أمتی الخطأ والنسیان » (6) وبأنه مع استمرار النسیان یکون مأمورا بإیقاع بقیة الأرکان والأمر یقتضی الإجزاء ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن

حکم من نسی الاحرام حتی إکمال المناسک

ص: 236


1- المسالک 1 : 105.
2- المنتهی 2 : 689.
3- التذکرة 1 : 322.
4- النهایة : 211 ، والمبسوط 1 : 314.
5- المعتبر 2 : 810.
6- الفقیه 1 : 36 - 132 ، الخصال : 417 - 9 ، الوسائل 5 : 345 أبواب الخلل ب 30 ح 2.

______________________________________________________

أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن رجل کان متمتعا خرج إلی عرفات وجهل أن یحرم یوم الترویة بالحج حتی رجع إلی بلده ما حاله؟ قال : « إذا قضی المناسک کلّها وطاف قد تمّ حجّه » (1).

وفی الحسن ، عن جمیل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی رجل نسی أن یحرم أو جهل وقد شهد المناسک کلها وطاف وسعی قال : « تجزیه نیته ، إذا کان قد نوی ذلک فقد تمّ حجه وإن لم یهلّ » (2) والظاهر أن المراد بقوله : « إذا کان قد نوی ذلک » أنه نوی الحج بجمیع أجزائه جملة لا نوی الإحرام ، لأن نیته من الجاهل به غیر معقول وکذا من الناسی أیضا.

وربما ظهر من کلام الشیخ فی النهایة حمله علی العزم المتقدم عن محل الإحرام فإنه قال : فإن لم یذکر أصلا حتی فرغ من جمیع مناسکه فقد تمّ حجه ولا شی ء علیه إذا کان قد سبق فی عزمه الإحرام (3).

وفی جمیع هذه الأدلة نظر :

أما الأول : فلأن الناسی للإحرام غیر آت بالمأمور به علی وجهه فیبقی فی عهدة التکلیف إلی أن یثبت صحة الحج مع الإخلال به بدلیل من خارج ، کما فی نسیان الطواف.

وأما الثانی : فلأن المرتفع فی الخطأ والنسیان المؤاخذة خاصة لا جمیع الأحکام.

وأما الثالث : فبعدم تحقق الامتثال بالنسبة إلی ذلک الجزء المنسی ، والکلّ یعدم بعدم جزئه.

ص: 237


1- التهذیب 5 : 476 - 1678 ، الوسائل 8 : 245 أبواب المواقیت ب 20 ح 2.
2- الکافی 4 : 325 - 8 ، التهذیب 5 : 61 - 192 ، الوسائل 8 : 245 أبواب المواقیت ب 20 ح 1.
3- النهایة : 211.

______________________________________________________

وأما الروایة الأولی : فبأنها إنما تدل علی صحة حج تارک الإحرام مع الجهل وهو خلاف محل النزاع ، وما قیل من أن الناسی أعذر من الجاهل فغیر واضح کما بیّنّاه غیر مرّة ، مع أنها مخصوصة بإحرام الحج فإلحاق إحرام العمرة به لا یخرج عن القیاس.

وأما الروایة الثانیة : فواضحة الدلالة لکن إرسالها یمنع من العمل بها.

والقول بفساد الحج بذلک ووجوب الإتیان بالنسک الواجب الذی أخلّ بإحرامه لابن إدریس (1) ، ووجهه معلوم مما قررناه. وحکی المصنف فی المعتبر عنه أنه احتجّ علی ذلک بقوله علیه السلام : « الأعمال بالنیات » (2) قال : ولست أدری کیف تخیّل هذا الاستدلال ولا کیف یوجّهه؟! فإن کان یقول : إن الإخلال بالإحرام إخلال بالنیة فی بقیة المناسک فنحن نتکلم علی تقدیر إیقاع نیة کل منسک علی وجهه ظانا أنه أحرم أو جاهلا بالإحرام فالنیة حاصلة مع إیقاع کل منسک فلا وجه لما قاله (3).

وأجاب عنه شیخنا الشهید - رحمه الله - فی الشرح بأن مراد ابن إدریس أن فقد نیة الإحرام یجعل باقی الأفعال فی حکم المعدوم ، لعدم صحة نیتها محلاّ فتبطل ، إذ العمل بغیر نیة باطل. ولا یخفی ما فی هذا الجواب من التکلف.

وقال العلاّمة فی المنتهی : الظاهر أن ابن إدریس وهم فی هذا الاستدلال ، فإن الشیخ اجتزأ بالنیة عن الفعل فتوهّم أنه اجتزأ بالفعل بغیر نیة (4). وکأن مراده باجتزاء الشیخ بالنیة عن الفعل اجتزاؤه بالعزم المتقدم کما ذکر فی النهایة (5) ، لا النیة المقارنة للإحرام ، إذ لیس فی کلام الشیخ دلالة

ص: 238


1- السرائر : 124.
2- التهذیب 2 : 186 - 518 ، الوسائل 1 : 34 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 6.
3- المعتبر 2 : 810.
4- المنتهی 2 : 685.
5- النهایة : 211.

______________________________________________________

علی اعتبارها بوجه. والمسألة محل تردد وإن کان القول بالإجزاء لا یخلو من رجحان.

واختلفت عبارات الأصحاب فی حقیقة الإحرام ، فذکر العلاّمة فی المختلف فی مسألة تأخیر الإحرام عن المیقات أن الإحرام ماهیة مرکبة من النیة والتلبیة ولبس الثوبین (1). ومقتضاه أنه ینعدم بانعدام أحد أجزائه.

وحکی الشهید فی الشرح عن ابن إدریس أنه جعل الإحرام عبارة عن النیة والتلبیة ولا مدخل للتجرد ولبس الثوبین فیه ، وعن ظاهر المبسوط والجمل أنه جعله أمرا واحدا بسیطا وهو النیة. ثم قال : وکنت قد ذکرت فی رسالة أن الإحرام هو توطین النفس علی ترک المنهیات المعهودة إلی أن یأتی بالمناسک ، والتلبیة هی الرابطة لذلک التوطین ، نسبتها إلیه کنسبة التحریمة إلی الصلاة. ثم أطال الکلام فی ذلک وقال فی آخر کلامه : فعلی هذا یتحقق نسیان الإحرام بنسیان النیة ونسیان التلبیة.

وذکر المحقق الشیخ علی أن المنسی إن کان نیة الإحرام لم یجزه وإن کان المنسی التلبیات أجزأ (2). وکأنّ وجهه حمل النیة الواقعة فی مرسلة جمیل علی نیة الإحرام ، وهو بعید ، فإن مقتضی الروایة صحة الحج مع ترک الإحرام جهلا أو نسیانا ، والظاهر من حال الجاهل بوجوب الإحرام والناسی له أنه لم یأت بالنیة ولا بالتلبیة ولا التجرد ولا لبس الثوبین ، وإذا ثبت صحة الحج مع الإخلال بذلک کله فمع البعض أولی.

ص: 239


1- المختلف : 263.
2- جامع المقاصد 1 : 163.

الرکن الثانی

فی أفعال الحج

والواجب اثنا عشر : الإحرام ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، ونزول منی ، والرمی ، والذبح ، والحلق بها أو التقصیر ، والطواف ، ورکعتاه ، والسعی ، وطواف النساء ، ورکعتاه.

______________________________________________________

قوله : ( الرکن الثانی ، فی أفعال الحج. والواجب اثنا عشر : الإحرام ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، ونزول منی ، والرمی ، والذبح ، والحلق بها أو التقصیر ، والطواف ، ورکعتاه ، والسعی ، وطواف النساء ، ورکعتاه ).

هذه الواجبات منها ما هو رکن یبطل الحج بترکه عمدا لا سهوا ، ومنها ما هو فعل لا یبطل الحج بترکه مطلقا وإن حصل الإثم.

وذکر المصنف وغیره (1) أن الأرکان منها خمسة : الإحرام بالحج ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، وطواف الحج ، وسعیه.

وجعل الشهید فی الدروس الأرکان ثمانیة بإضافة النیة والتلبیة والترتیب إلی هذه الخمسة (2).

ومراده بالنیة المذکورة نیة الإحرام کما صرّح به بعد ذلک (3) ، لکن لا وجه لذکرها علی الخصوص فإن نیة سائر الأرکان کذلک.

- أفعال الحج الواجبة

ص: 240


1- یحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 180.
2- الدروس : 91.
3- الدروس : 94.

ویستحب أمام التوجه الصدقة ،

______________________________________________________

ویستثنی من عدم بطلان الحج بفوات الرکن سهوا ما لو کان الفائت الموقفین معا ، فإن الحج یبطل بذلک وإن کان سهوا ، وسیجی ء الکلام فی ذلک کلّه مفصلا إن شاء الله تعالی (1).

قوله : ( ویستحب أمام التوجه الصدقة ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة کصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « تصدّق واخرج أیّ یوم شئت » (2).

وصحیحة حمّاد بن عثمان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیکره السفر فی شی ء من الأیام المکروهة مثل الأربعاء وغیره؟ فقال : « افتتح سفرک بالصدقة واخرج إذا بدا لک ، واقرأ آیة الکرسی واحتجم إذا بدا لک » (3).

وصحیحة ابن أبی عمیر أنه قال : کنت أنظر فی النجوم وأعرفها وأعرف الطالع فیدخلنی من ذلک شی ء ، فشکوت ذلک إلی أبی الحسن موسی بن جعفر علیهماالسلام فقال : « إذا وقع فی نفسک شی ء فتصدّق علی أول مسکین ، ثم امض فإن الله عزّ وجلّ یدفع عنک » (4).

وروایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « کان

- ما یستحب قبل التوجه للحج

ص: 241


1- فی ص 434.
2- الکافی 4 : 283 - 4 ، الفقیه 2 : 175 - 781 ، التهذیب 5 : 49 - 151 ، المحاسن : 348 - 23 ، الوسائل 8 : 272 أبواب آداب السفر إلی الحج ب 15 ح 1.
3- الکافی 4 : 283 - 3 ، الفقیه 2 : 175 - 782 ، التهذیب 5 : 49 - 150 وفیه عن الحلبی ، المحاسن : 348 - 22 ، الوسائل 8 : 272 أبواب آداب السفر إلی الحج ب 15 ح 2.
4- الفقیه 2 : 175 - 783 ، المحاسن : 349 - 26 وفیه عن سفیان بن عمر ، الوسائل 8 : 273 أبواب آداب السفر إلی الحج ب 15 ح 3.

وصلاة رکعتین ، وأن یقف علی باب داره. ویقرأ فاتحة الکتاب أمامه وعن یمینه وعن شماله وآیة الکرسی کذلک ،

______________________________________________________

علیّ بن الحسین علیهماالسلام إذا أراد الخروج إلی بعض أمواله اشتری السلامة من الله عزّ وجلّ بما تیسّر له ، ویکون ذلک إذا وضع رجلیه فی الرکاب » (1).

قوله : ( وصلاة رکعتین ).

یدل علی ذلک ما رواه ابن بابویه مرسلا عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « ما استخلف رجل علی أهله بخلافة أفضل من رکعتین یرکعهما إذا أراد الخروج إلی سفر ویقول : « اللهم إنی أستودعک نفسی وأهلی ومالی وذریتی ودنیای وآخرتی وأمانتی وخاتمة عملی » فما قال ذلک أحد إلاّ أعطاه الله عزّ وجلّ ما سأل » (2).

قوله : ( وأن یقف علی باب داره ، ویقرأ فاتحة الکتاب أمامه وعن یمینه وعن شماله ، وآیة الکرسی کذلک ).

المستند فی ذلک ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن صباح الحذّاء قال : سمعت موسی بن جعفر علیهماالسلام یقول : « لو کان الرجل منکم إذا أراد السفر قام علی باب داره وتلقاء وجهه الذی یتوجه له فقرأ فاتحة الکتاب أمامه وعن یمینه وعن شماله وآیة الکرسی أمامه وعن یمینه وعن شماله ثم قال : « اللهم احفظنی واحفظ ما معی وسلّمنی وسلّم ما معی وبلّغنی وبلّغ ما معی ببلاغک الحسن » لحفظه الله وحفظ ما معه وسلّمه وسلّم ما معه وبلّغه وبلّغ ما معه » (3).

ص: 242


1- الفقیه 2 : 176 - 785 ، المحاسن : 348 - 25 بتفاوت یسیر ، الوسائل 8 : 273 أبواب آداب السفر إلی الحج ب 15 ح 5.
2- الفقیه 2 : 177 - 789 ، الوسائل 8 : 275 أبواب آداب السفر إلی الحج ب 18 ح 1.
3- الکافی 4 : 283 - 1 ، الوسائل 8 : 277 أبواب آداب السفر إلی الحج ب 19 ح 1.

وأن یدعو بکلمات الفرج وبالأدعیة المأثورة ، وأن یقول إذا جعل رجله فی الرکاب : بسم الله الرحمن الرحیم ، بسم الله وبالله والله أکبر. فإذا استوی علی راحلته دعا بالدعاء المأثور.

______________________________________________________

قوله : ( وأن یدعو بکلمات الفرج وبالأدعیة المأثورة ، وأن یقول إذا جعل رجلیه فی الرکاب : بسم الله الرحمن الرحیم بسم الله والله أکبر ، فإذا استوی علی راحلته دعا بالدعاء المأثور ).

المستند فی ذلک ما رواه الکلینی رضی الله عنه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا خرجت من بیتک ترید الحج والعمرة إن شاء الله فادع دعاء الفرج وهو : « لا إله إلاّ الله الحلیم الکریم ، لا إله إلاّ الله العلیّ العظیم ، سبحان الله ربّ السموات السبع وربّ الأرضین السبع وربّ العرش العظیم ، والحمد لله رب العالمین ».

ثم قل : « اللهم کن لی جارا من کل جبار عنید ومن کل شیطان رجیم ».

ثم قل : « بسم الله دخلت وبسم الله خرجت وفی سبیل الله ، اللهم إنی أقدّم بین یدی نسیانی وعجلتی بسم الله وما شاء الله فی سفری هذا ذکرته أو نسیته ، اللهم أنت المستعان علی الأمور کلها وأنت الصاحب فی السفر والخلیفة فی الأهل.

اللهم هوّن علینا سفرنا واطو لنا الأرض ، وسیّرنا فیها بطاعتک وطاعة رسولک ، اللهم أصلح لنا ظهرنا ، وبارک لنا فیما رزقتنا وقنا عذاب النار.

اللهم إنی أعوذ بک من وعثاء السفر وکآبة المنقلب وسوء المنظر فی الأهل والمال والولد.

اللهم أنت عضدی وناصری بک أحلّ وبک أسیر.

ص: 243

القول فی الإحرام

والنظر فی مقدماته ، وکیفیته ، وأحکامه.

والمقدمات کلّها مستحبة وهی : توفیر شعر رأسه من أول ذی القعدة

______________________________________________________

اللهم إنی أسألک فی سفری هذا السرور والعمل بما یرضیک عنی.

اللهم اقطع عنی بعده ومشقته واصحبنی فیه واخلفنی فی أهلی بخیر لا حول ولا قوة إلا بالله.

اللهم إنی عبدک وهذا حملانک والوجه وجهک والسفر إلیک وقد اطلعت علی ما لم یطلع علیه أحد ، فاجعل سفری هذا کفارة لما قبله من ذنوبی وکن عونا لی علیه واکفنی وعثه ومشقته ولقّنّی من القول والعمل رضاک ، فإنما أنا عبدک وبک ولک ».

فإذا جعلت رجلک فی الرکاب فقل : « بسم الله الرحمن الرحیم بسم الله والله أکبر » فإذا استویت علی راحلتک واستوی بک محملک فقل : « الحمد لله الذی هدانا للإسلام ومنّ علینا بمحمد صلی الله علیه و آله ، سبحان الله سبحان الذی سخّر لنا هذا وما کنّا له مقرنین وإنّا إلی ربنا لمنقلبون والحمد لله ربّ العالمین.

اللهم أنت الحامل علی الظهر والمستعان علی الأمر ، اللهم بلّغنا بلاغا یبلغ إلی خیر ، بلاغا یبلغ إلی مغفرتک ورضوانک ، اللهم لا طیر إلاّ طیرک ولا خیر إلاّ خیرک ولا حافظ غیرک » (1).

قوله : ( القول فی الإحرام والنظر فی مقدماته وکیفیته وأحکامه ، والمقدمات کلها مستحبة ، وهی : توفیر شعر الرأس من أول ذی القعدة

مقدمات الاحرام

استحباب توفیر شعر الرأس

ص: 244


1- الکافی 4 : 284 - 2 ، الوسائل 8 : 278 أبواب آداب السفر إلی الحج ب 19 ح 5.

إذا أراد التمتع ، ویتأکد عند هلال ذی الحجة ، علی الأشبه.

______________________________________________________

إذا أراد التمتع ، ویتأکد عند هلال ذی الحجة ، علی الأشبه ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من استحباب توفیر شعر الرأس للمتمتع من أول ذی القعدة وتأکده عند هلال ذی الحجة قول الشیخ فی الجمل (1) وابن إدریس (2) وسائر المتأخرین (3).

وقال الشیخ فی النهایة : فإذا أراد الإنسان أن یحجّ متمتعا فعلیه أن یوفّر شعر رأسه ولحیته من أول ذی القعدة ولا یمسّ شیئا منها (4). وهو یعطی الوجوب ، ونحوه قال فی الاستبصار (5).

وقال المفید فی المقنعة : إذا أراد الحج فلیوفّر شعر رأسه فی مستهلّ ذی القعدة ، فإن حلقه فی ذی القعدة کان علیه دم یهریقه (6).

وقد ورد بالأمر بالتوفیر روایات : منها ما رواه الشیخ فی الحسن وابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) : شوّال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن أراد الحج وفرّ شعره إذا نظر إلی هلال ذی القعدة ، ومن أراد العمرة وفرّ شعره شهرا » (7) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن مسکان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تأخذ من شعرک وأنت ترید الحج فی ذی القعدة ولا فی الشهر الذی ترید فیه الخروج إلی العمرة » (8) وما رواه الکلینی فی

ص: 245


1- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 227. ولکن لم یذکر تأکده عند هلال ذی الحجة.
2- السرائر : 122. وهو کسابقه.
3- منهم العلامة فی القواعد 1 : 79 ، والشهید الأول فی الدروس : 95 ، واللمعة : 69.
4- النهایة : 206.
5- الاستبصار 2 : 160.
6- المقنعة : 61.
7- الفقیه 2 : 197 - 899 ، التهذیب 5 : 46 - 139 ، الإستبصار 2 : 160 - 520 ، الوسائل 9 : 4 أبواب الإحرام ب 2 ح 4.
8- التهذیب 5 : 46 - 138 وفیه : عن ابن سنان ، الوسائل 9 : 4 أبواب الإحرام ب 2 ح 1. وفیه : عن ابن سنان ( مسکان ).

______________________________________________________

الحسن ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « أعف شعرک للحج إذا رأیت هلال ذی القعدة وللعمرة شهرا » (1).

وبظاهر هذه الروایات أخذ الموجبون ، وأجاب عنها فی المختلف (2) بالقول بالموجب ، فإن المستحب مأمور به کالواجب ، واستدل علی الاستحباب بأصالة البراءة ، وبما رواه سماعة ، عن الصادق علیه السلام قال : سألته عن الحجامة وحلق القفا فی أشهر الحج فقال : « لا بأس به والسواک والنورة » (3). ولا یخفی ما فی هذا الجواب والاستدلال من النظر.

أما الأول : فلأنه إن أراد بکون المستحب مأمورا به أنه یستعمل فیه صیغة افعل حقیقة منعناه ، لأن الحقّ أنها حقیقة فی الوجوب کما هو مذهبه - رحمه الله - فی کتبه الأصولیة ، وإن أراد أن المندوب یطلق علیه هذا اللفظ أعنی المأمور به سلّمناه ولا ینفعه.

وأما الثانی : فلأن الأصل یخرج عنه بما نقلناه من الأدلة ، وروایة سماعة ضعیفة السند (4) قاصرة الدلالة. والمسألة محل تردد ، ولا ریب أن الأولی والأحوط التوفیر علی الوجه المتقدم ، لکن لا دلالة لشی ء من الروایات علی اختصاص الحکم بمن یرید حج التمتع فالتعمیم أولی.

أما ما ذکره المفید - رحمه الله - من لزوم الدم بالحق فی ذی القعدة فاستدل علیه الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب بما رواه عن جمیل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن متمتع حلق رأسه بمکة قال : « إن کان جاهلا فلیس علیه شی ء ، وإن تعمد ذلک فی أول الشهور للحج بثلاثین

ص: 246


1- الکافی 4 : 318 - 5 ، الوسائل 9 : 5 أبواب الإحرام ب 2 ح 5.
2- المختلف : 264.
3- الفقیه 2 : 198 - 902 ، التهذیب 5 : 47 - 145 ، الإستبصار 2 : 160 - 522 ، الوسائل 9 : 7 أبواب الإحرام ب 4 ح 3.
4- لوقوع زرعة وسماعة فی طریقها وهما واقفیان. راجع رجال الطوسی : 350 و 351.

وأن ینظف جسده ، ویقصّ أظفاره ، ویأخذ من شاربه ، ویزیل الشعر عن جسده وإبطیه مطلیا.

______________________________________________________

یوما فلیس علیه شی ء ، وإن تعمد بعد الثلاثین التی یوفّر فیها الشعر للحج فإن علیه دما یهریقه » (1).

والجواب عن الروایة أولا : بالطعن فی السند باشتماله علی علیّ بن حدید ، وقال الشیخ فی موضع من التهذیب : إنه ضعیف جدا لا یعوّل علی ما ینفرد به (2).

وثانیا : بالمنع من الدلالة ، فإنها إنما تضمنت لزوم الدم بالحلق بعد الثلاثین التی یوفر فیها الشعر للحج ، وهو خلاف المدعی ، مع أن السؤال إنما وقع عمّن حلق رأسه بمکة ، والجواب مقید بذلک السؤال ، لعود الضمیر الواقع فیه إلی المسئول عنه ، فلا یمکن الاستدلال بها علی لزوم الدم بذلک علی وجه العموم.

وبالجملة فهذه الروایة ضعیفة السند متهافتة المتن فلا یمکن الاستناد إلیها فی إثبات حکم مخالف للأصل.

قوله : ( وأن ینظف جسده ، ویقصّ أظفاره ، ویأخذ من شاربه ، ویزیل الشعر عن جسده وإبطیه مطلیا ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة کصحیحة معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا انتهیت إلی العقیق من قبل العراق أو إلی وقت من هذه المواقیت وأنت ترید الإحرام إن شاء الله فانتف إبطیک وقلّم أظفارک واطل عانتک وخذ من شاربک ، ولا یضرّک بأیّ ذلک بدأت ، ثم استک واغتسل والبس ثوبیک ، ولیکن فراغک من ذلک إن شاء الله عند زوال الشمس وإن لم

استحباب التنظیف أمام الاحرام

ص: 247


1- التهذیب 5 : 48 - 149 ، الوسائل 9 : 8 أبواب الإحرام ب 5 ح 1.
2- التهذیب 7 : 101.

ولو کان قد أطلی أجزأه ما لم یمض خمسة عشر یوما.

______________________________________________________

یکن عند زوال الشمس فلا یضرّک » (1).

وصحیحة حریز قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التهیؤ للإحرام فقال : « تقلیم الأظفار وأخذ الشارب وحلق العانة » (2).

وروی حریز فی الحسن أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « السنّة فی الإحرام : تقلیم الأظفار وأخذ الشارب وحلق العانة » (3).

وصحیحة معاویة بن وهب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ونحن بالمدینة عن التهیؤ للإحرام فقال : « اطل بالمدینة وتجهّز بکلّما ترید واغتسل إن شئت ، وإن شئت استمتعت بقمیصک حتی تأتی مسجد الشجرة » (4).

قوله : ( ولو کان قد أطلی أجزأه ما لم یمض خمسة عشر یوما ).

ربما أشعرت العبارة بعدم استحباب إعادة الإطلاء قبل مضی هذه المدة ، وربما کان مستنده ما رواه الشیخ ، عن علیّ بن أبی حمزة قال : سأل أبو بصیر أبا عبد الله علیه السلام وأنا حاضر فقال : إذا أطلیت للإحرام الأول کیف أصنع فی الطلیة الأخیرة وکم بینهما؟ قال : « إذا کان بینهما جمعتان خمسة عشر یوما فاطل » (5).

والأولی استحباب إعادة الإطلاء وإن لم تمض هذه المدة کما ذکره العلاّمة (6) وغیره (7) ، لأنه زیادة فی التنظیف ، ولما رواه الکلینی ، عن

ص: 248


1- الکافی 4 : 326 - 1 ، الفقیه 2 : 200 - 914 ، الوسائل 9 : 22 أبواب الإحرام ب 15 ح 6.
2- التهذیب 5 : 61 - 194 ، الوسائل 9 : 8 أبواب الإحرام ب 6 ح 1.
3- الکافی 4 : 326 - 2 ، الوسائل 9 : 9 أبواب الإحرام ب 6 ح 5.
4- الفقیه 2 : 200 - 915 ، التهذیب 5 : 62 - 196 ، الوسائل 9 : 10 أبواب الإحرام ب 7 ح 1.
5- التهذیب 5 : 62 - 198 ، الوسائل 9 : 10 أبواب الإحرام ب 7 ح 4.
6- المنتهی 2 : 672 ، والتحریر 1 : 95.
7- کالشهید الأول فی الدروس : 96.

والغسل للإحرام ، وقیل : إن لم یجد ماءا یتیمم له.

______________________________________________________

عبد الله بن أبی یعفور قال : کنّا بالمدینة فلاحانی زرارة فی نتف الإبط وحلقه قلت : حلقه أفضل ، وقال زرارة : نتفه أفضل ، فاستأذنّا علی أبی عبد الله علیه السلام فأذن لنا وهو فی الحمام یطلی قد أطلی إبطیه ، فقلت لزرارة : یکفیک؟ قال : لا لعله فعل هذا لما لا یجوز لی أن أفعله فقال : « فیما أنتما؟ » فقلت : إن زرارة لاحانی فی نتف الإبط وحلقه ، فقلت : حلقه أفضل وقال زرارة : نتفه أفضل ، فقال : « أصبت السنّة وأخطأها زرارة ، حلقه أفضل من نتفه وطلیه أفضل من حلقه » ثم قال لنا : « اطلیا » فقلنا : فعلنا منذ ثلاث فقال : « أعیدا فإن الإطلاء طهور » (1).

قوله : ( والغسل للإحرام ).

استحباب هذا الغسل هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا (2). ونقل عن ابن أبی عقیل أنه قال : غسل الإحرام فرض واجب (3). وهو ضعیف ، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی باب الأغسال المسنونة (4).

قوله : ( وقیل : إن لم یجد ماءا یتیمّم له ).

القول للشیخ (5) - رحمه الله - وهو ضعیف جدا ، لأن الأمر إنما تعلّق بالغسل فلا یتناول غیره وإن کان مما یصلح قیامه مقامه علی بعض الوجوه ، وقد تقدم الکلام فی ذلک مفصّلا فی أوائل کتاب الطهارة (6).

الغسل للاحرام

استحباب التیمم عند عدم الماء

ص: 249


1- الکافی 4 : 327 - 6 ، الوسائل 1 : 437 أبواب آداب الحمام ب 85 ح 4.
2- المنتهی 2 : 672.
3- حکاه عنه فی المختلف : 264.
4- فی ج 2 ص 168.
5- المبسوط 1 : 314.
6- فی ص 24.

ولو اغتسل وأکل أو لبس ما لا یجوز للمحرم أکله ولا لبسه أعاد الغسل استحبابا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اغتسل وأکل أو لبس ما لا یجوز للمحرم أکله ولا لبسه أعاد الغسل استحبابا ).

یدل علی ذلک روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا لبست ثوبا لا ینبغی لک لبسه أو أکلت طعاما لا ینبغی لک أکله فأعد الغسل » (1).

وفی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنّع ولا تطیّب ولا تأکل طعاما فیه طیب فتعید الغسل » (2).

( وفی صحیحة ) (3) محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إذا اغتسل الرجل وهو یرید أن یحرم فلبس قمیصا قبل أن یلبّی فعلیه الغسل » (4).

واستحب الشهید فی الدروس إعادة الغسل للتطیّب أیضا (5) ، ویدل علیه صحیحة عمر بن یزید المتقدمة. والظاهر عدم استحباب الإعادة بفعل ما عدا ذلک من تروک الإحرام ، لفقد النص.

ولو قلّم أظفاره بعد الغسل لم یعده ویمسحها بالماء ، لما رواه الشیخ فی الحسن ، عن جمیل بن دراج ، عن بعض أصحابه ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل اغتسل للإحرام ثم قلّم أظفاره قال : « یمسحها بالماء

نقض ما لا یجوز للمحرم للغسل

ص: 250


1- التهذیب 5 : 71 - 232 ، الوسائل 9 : 16 أبواب الإحرام ب 13 ح 1.
2- التهذیب 5 : 71 - 231 ، الوسائل 9 : 16 أبواب الإحرام ب 13 ح 2.
3- بدل ما بین القوسین فی « ض » : وعن.
4- الکافی 4 : 329 - 8 ، التهذیب 5 : 65 - 210 ، الوسائل 9 : 15 أبواب الإحرام ب 11 ح 2.
5- الدروس : 96.

ویجوز له تقدیمه علی المیقات إذا خاف عوز الماء فیه. ولو وجده استحب له الإعادة.

______________________________________________________

ولا یعید الغسل » (1).

قوله : ( ویجوز له تقدیمه علی المیقات إذا خاف عوز الماء فیه ، ولو وجده استحب له الإعادة ).

أما جواز التقدیم مع خوف عوز الماء فمجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن هشام بن سالم قال : « أرسلنا إلی أبی عبد الله علیه السلام ونحن جماعة ونحن بالمدینة : إنا نرید أن نودّعک فأرسل إلینا أن : « اغتسلوا بالمدینة فإنی أخاف أن یعزّ علیکم الماء بذی الحلیفة فاغتسلوا بالمدینة والبسوا ثیابکم التی تحرمون فیها ثم تعالوا فرادی أو مثانی » ثم قال فی آخر الروایة : فلما أردنا أن نخرج قال : « لا علیکم أن تغتسلوا إن وجدتم ماءا إذا بلغتم ذا الحلیفة » (2).

ولا یبعد جواز التقدیم مطلقا ، لصحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یغتسل بالمدینة للإحرام أیجزیه عن غسل ذی الحلیفة؟ قال : « نعم » (3).

وصحیحة معاویة بن وهب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التهیؤ للإحرام فقال : « اطّل بالمدینة فإنه طهور ، وتجهّز بکلّ ما ترید ، وإن شئت استمتعت بقمیصک حتی تأتی الشجرة فتفیض علیک من الماء وتلبس ثوبیک إن شاء الله » (4).

حکم تقدیم الغسل علی المیقات

ص: 251


1- التهذیب 5 : 66 - 211 ، الوسائل 9 : 16 أبواب الإحرام ب 12 ح 2.
2- الکافی 4 : 328 - 7 ، وفیه صدر الحدیث ، الفقیه 2 : 201 - 918 ، التهذیب 5 : 63 - 202 و 303 - 1034 ، الاستبصار 2 : 182 - 605 وفیه ذیل الحدیث ، الوسائل 9 : 11 أبواب الإحرام ب 8 ح 1 وص 12 ح 2.
3- التهذیب 5 : 63 - 201 ، الوسائل 9 : 12 أبواب الإحرام ب 8 ح 5.
4- الفقیه 2 : 200 - 915 ، التهذیب 5 : 64 - 203 ، الوسائل 9 : 10 أبواب الإحرام ب 7 ح 3.

ویجزی الغسل فی أول النهار لیومه ، وفی أول اللیل للیلته ما لم ینم.

______________________________________________________

وأما استحباب الإعادة إذا وجد الماء فی المیقات ، فیدل علیه قوله علیه السلام فی آخر صحیحة هشام المتقدمة : « لا علیکم أن تغتسلوا إن وجدتم ماءا إذا بلغتم ذا الحلیفة »(1).

قوله : ( ویجزی الغسل فی أول النهار لیومه ، وفی أول اللیل للیلته ما لم ینم ).

أما الاجتزاء بالغسل فی أول النهار لیومه وفی أول اللیل للیلته فیدل علیه روایات : منها صحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من اغتسل بعد طلوع الفجر کفاه غسله إلی اللیل فی کل موضع یجب فیه الغسل ، ومن اغتسل لیلا کفاه غسله إلی طلوع الفجر » (2).

والأظهر الاکتفاء بغسل الیوم للیلته أیضا وغسل اللیلة للیوم ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « غسل یومک یجزیک للیلتک ، وغسل لیلتک یجزیک لیومک » (3).

وأما انتقاضه بالنوم فاستدل علیه بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن النضر بن سوید ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن رجل یغتسل للإحرام ثم ینام قبل أن یحرم قال : « علیه إعادة الغسل » (4).

والأصح عدم انتقاض الغسل بذلک وإن استحبت الإعادة ، بل لا یبعد عدم تأکد استحباب الإعادة کما تدل علیه صحیحة العیص بن القاسم قال :

سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یغتسل للإحرام بالمدینة ویلبس

الزمان الذی یجزی الغسل له

ص: 252


1- فی ص 251.
2- التهذیب 5 : 64 - 204 ، الوسائل 9 : 14 أبواب الإحرام ب 9 ح 4.
3- الفقیه 2 : 202 - 923 ، الوسائل 9 : 13 أبواب الإحرام ب 9 ح 1.
4- الکافی 4 : 328 - 3 ، التهذیب 5 : 65 - 206 ، الإستبصار 2 : 164 - 537 ، الوسائل 9 : 14 أبواب الإحرام ب 10 ح 1.

ولو أحرم بغیر غسل أو صلاة ثم ذکر تدارک ما ترکه وأعاد الإحرام.

______________________________________________________

ثوبین ثم ینام قبل أن یحرم قال : « لیس علیه غسل » (1) والظاهر أن المراد نفی تأکد الغسل. وحمله الشیخ علی أن المراد به نفی الوجوب (2) ، وهو بعید ، لأن سوق الخبر یقتضی أن سقوط الإعادة للاعتداد بالغسل المتقدم لا لکونه غیر واجب. ونقل عن ابن إدریس أنه نفی استحباب الإعادة بذلک (3) ، وهو ضعیف.

وألحق الشهید فی الدروس بالنوم غیره من نواقض الوضوء (4) ، ونفی عنه الشارح البأس ، نظرا إلی أن غیره أقوی (5). وهو ضعیف ، والأصح عدم الاستحباب لانتفاء الدلیل ، وربما کان فی صحیحة جمیل المتقدمة إشعار بذلک.

قوله : ( ولو أحرم بغیر غسل أو صلاة ثم ذکر تدارک ما ترکه وأعاد الإحرام ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (6) وجمع من الأصحاب ، وصرّح فی المبسوط بأن الإعادة علی سبیل الاستحباب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن الحسین بن سعید ، عن أخیه الحسن قال : کتبت إلی العبد الصالح أبی الحسن علیه السلام : رجل أحرم بغیر صلاة أو بغیر غسل جاهلا أو عالما ما علیه فی ذلک؟ وکیف ینبغی له أن یصنع؟ فکتب : « یعید » (7) وإنما حمل (8)

حکم من أحرم بغیر غسل وتدارکه

ص: 253


1- الفقیه 2 : 202 - 925 ، التهذیب 5 : 65 - 208 ، الإستبصار 2 : 164 - 539 ، الوسائل 9 : 15 أبواب الإحرام ب 10 ح 3.
2- التهذیب 5 : 65 ، والاستبصار 2 : 164.
3- السرائر : 124.
4- الدروس : 96.
5- المسالک 1 : 106.
6- النهایة : 213 ، والمبسوط 1 : 315.
7- التهذیب 5 : 78 - 260 ، الوسائل 9 : 28 أبواب الإحرام ب 20 ح 1.
8- فی « ض » و « ح » : حملنا.

وأن یحرم عقیب فریضة الظهر أو فریضة غیرها. وإن لم یتفق صلی للإحرام ست رکعات ، وأقله رکعتان.

______________________________________________________

الأمر بالإعادة علی الاستحباب ، لأن السؤال إنما وقع عمّا ینبغی أن یصنع لا عمّا یجب. وأنکر ابن إدریس استحباب الإعادة (1). وهو جید علی أصوله.

وقد نصّ الشهیدان علی أن المعتبر هو الأول ، إذ لا سبیل إلی إبطال الإحرام بعد انعقاده (2). وعلی هذا فلا وجه لاستئناف النیة ، بل ینبغی أن یکون المعاد بعد الغسل والصلاة التلبیة واللبس خاصة.

وربما ظهر من عبارة العلاّمة فی المختلف أن المعتبر هو الثانی ، لأنه قال : ولا استبعاد فی استحباب إعادة الفرض لأجل النفل ، کما فی الصلاة المکتوبة إذا دخل المصلّی متعمدا بغیر أذان ولا إقامة ، فإنه یستحب إعادتها (3).

وأجاب عنه الشارح - قدس سره - بالفرق بین الموضعین ، فإن الصلاة تقبل الإبطال بخلاف الإحرام (4). وقال فی القواعد : وأیّهما المعتبر؟ إشکال ، وتجب الکفارة بالمتخلل بینهما (5). ومقتضاه أن وجوب الکفارة بالمتخلل بینهما لا إشکال فیه ، وعلی هذا فیکون اعتبار الثانی علی تقدیره إنما هو فی بعض الموارد کاحتساب الشهر بین العمرتین إذا اعتبر من حین الإهلال ، والعدول إلی عمرة التمتع لو وقع الثانی فی أشهر الحج.

قوله : ( وأن یحرم عقیب فریضة الظهر أو فریضة غیرها ، فإن لم یتفق صلّی للإحرام ستّ رکعات ، وأقله رکعتان ).

مقتضی العبارة أنه مع صلاة الفریضة لا یحتاج إلی سنّة الإحرام ، وأنها

استحباب الاحرام عقیب صلاة الظهر

صلاة ست رکعات للاحرام

ص: 254


1- السرائر : 125.
2- الشهید الأول فی الدروس : 96 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 106.
3- المختلف : 264.
4- المسالک 1 : 106.
5- القواعد 1 : 80.

______________________________________________________

إنما تکون إذا لم یتفق وقوع الإحرام عقیب الظهر أو فریضة ، وعلی ذلک دلت الأخبار کصحیحة معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا یکون إحرام إلاّ فی دبر صلاة مکتوبة أو نافلة ، فإن کانت مکتوبة أحرمت فی دبرها بعد التسلیم ، وإن کانت نافلة صلّیت رکعتین وأحرمت فی دبرها ، فإذا انفتلت من الصلاة فاحمد الله عزّ وجلّ وأثن علیه ، وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله ، وتقول : اللهم إنی أسألک » (1) الحدیث.

وفی روایة أخری صحیحة لمعاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أردت الإحرام فی غیر وقت صلاة فریضة فصلّ رکعتین ثم أحرم فی دبرهما » (2).

ومن هنا یظهر أن ما ذکره الشارح من أن المراد أن السنة أن یصلی سنّة الإحرام أولا ثم یصلی الظهر أو غیرها من الفرائض ثم یحرم فی دبرها ، وإن لم یتفق ثمّ فریضة اقتصر علی سنة الإحرام (3) ، غیر جید. ومن العجب قوله - رحمه الله - : وقد اتفق أکثر العبارات علی القصور عن تأدیة المراد هنا. إذ لا وجه لحمل عبارات الأصحاب علی المعنی الذی ذکره ، فإن الأخبار ناطقة بخلافه کما بیّنّاه.

ومقتضی الروایتین أنه إذا لم یتفق وقوع الإحرام عقیب صلاة مکتوبة یصلی رکعتین نافلة ویحرم فی دبرهما ، وقد ورد باستحباب الست روایة أخری رواها علیّ بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « تصلی للإحرام ست رکعات تحرم فی دبرها » (4) وهی

ص: 255


1- الکافی 4 : 331 - 2 ، الفقیه 2 : 206 - 939 ، التهذیب 5 : 77 - 253 ، الاستبصار 2 : 166 - 548 وفیه صدر الحدیث فقط ، الوسائل 9 : 22 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.
2- التهذیب 5 : 78 - 258 ، الاستبصار 2 : 166 - 546 و 167 - 550 ، الوسائل 9 : 26 أبواب الإحرام ب 18 ح 5.
3- المسالک 1 : 106.
4- التهذیب 5 : 78 - 257 ، الإستبصار 2 : 166 - 545 ، الوسائل 9 : 26 أبواب الإحرام ب 18 ح 4.

یقرأ فی الأولی : الحمد وقل یا أیها الکافرون ، وفی الثانیة : الحمد وقل هو الله أحد ، وفیه روایة أخری.

ویوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو کان وقت فریضة ، مقدّما للنافلة ما لم یتضیق الحاضرة.

______________________________________________________

ضعیفة السند ، لکن لا بأس بالعمل بمضمونها إن شاء الله.

قوله : ( ویقرأ فی الأولی الحمد وقل یا أیها الکافرون ، وفی الثانیة الحمد وقل هو الله أحد ، وفیه روایة أخری ).

ما ذکره المصنف من استحباب قراءة الجحد فی الأولی والإخلاص فی الثانیة لم أقف له علی مستند ، والذی وقفت علیه فی ذلک ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن معاذ بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تدع أن تقرأ قل هو الله وقل یا أیها الکافرون فی سبعة مواطن : فی الرکعتین قبل الفجر ، ورکعتی الزوال ، ورکعتین بعد المغرب ، ورکعتین فی أول صلاة اللیل ، ورکعتی الإحرام ، والفجر إذا أصبحت بها ، ورکعتی الطواف » (1).

قال الشیخ فی التهذیب بعد أن أورد هذه الروایة : وفی روایة أخری أنه یقرأ فی هذا کله بقل هو الله أحد وفی الثانیة بقل یا أیها الکافرون ، إلاّ فی الرکعتین قبل الفجر فإنه یبدأ بقل یا أیها الکافرون ثم یقرأ فی الثانیة قل هو الله أحد. هذا کلامه - رحمه الله - ولا ریب أن العمل بالروایة المفصلة أولی.

قوله : ( ویوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو کان وقت فریضة ، مقدّما للنافلة ما لم یتضیق الحاضرة ).

ذکر الشارح - قدس سره - أن الضمیر المجرور فی قوله : تبعا له ، یرجع إلی الإحرام ، والمراد أنه لا یکره ولا یحرم فعل النافلة فی وقت الفریضة قبل أن یصلی الفریضة ، کما لا یحرم أو یکره فعل النوافل التابعة

وقت نافلة الاحرام

ص: 256


1- التهذیب 2 : 74 - 273 ، الوسائل 4 : 751 أبواب القراءة فی الصلاة ب 15 ح 1 ، ورواها فی الکافی 3 : 316 - 22 ، والخصال : 347 - 20.

وأما کیفیته ، فتشتمل علی واجب ، ومندوب : فالواجبات ثلاثة :

الأول : النیّة ، وهی أن یقصد بقلبه إلی أمور أربعة : ما یحرم به من حجّ أو عمرة متقربا ، ونوعه من تمتع أو قران أو إفراد ، وصفته من وجوب أو ندب ، وما یحرم له من حجة الإسلام أو غیرها.

______________________________________________________

للفرائض کذلک قال : وقد خرجت هذه بالنص کما خرجت تلک فإن إیقاع الإحرام فی وقت الفریضة بعدها وبعد النافلة یقتضی ذلک غالبا (1). هذا کلامه - رحمه الله - وهو جید لو ثبت مستنده ، لکن ما وجدناه من الأخبار المعتبرة إنما تضمن الأمر بالنافلة إذا اتفق وقوع الإحرام فی غیر أوقات الفرائض.

ونقل عن شارح الترددات أنه جعل الضمیر فی : له ، عائدا إلی الغسل ، أی یوقع النافلة تابعة للغسل لا یتراخی عنه. وهو مع بعده من حیث اللفظ لا دلیل علیه ، بل الدلیل قائم علی خلافه.

قوله : ( الأول ، النیة ، وهی أن یقصد بقلبه إلی أمور أربعة : ما یحرم به من حج أو عمرة متقربا ، ونوعه من تمتع أو قران أو إفراد ، وصفته من وجوب أو ندب ، وما یحرم له من حجة الإسلام أو غیرها ).

قد تقدم الکلام فی النیة مرارا وأن المعتبر فیها قصد المنوی طاعة لله عزّ وجلّ ، وما عدا ذلک فلا دلیل علی اعتباره وإن کان القصد إلی هذه الأمور الأربعة أولی وأحوط.

واعلم أن العلاّمة فی التذکرة والمنتهی اعتبر فی نیة الإحرام القصد إلی هذه الأمور الأربعة ثم قال : ولو نوی الإحرام مطلقا ولم ینو حجّا ولا عمرة انعقد إحرامه وکان له صرفه إلی أیهما شاء (2).

واجبات الاحرام

الأول : النیة

اشارة

ص: 257


1- المسالک 1 : 106.
2- التذکرة 1 : 375 ، والمنتهی 2 : 674.

______________________________________________________

ولا یخفی ما بینهما من التدافع وإن کان ما ذکره من انعقاد الإحرام مع الإطلاق متّجها ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وفحوی ما صحّ عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه لما قدم من الیمن أهلّ إهلالا کإهلال رسول الله صلی الله علیه و آله فقال له رسول الله صلی الله علیه و آله : « کن علی إحرامک مثلی ، فأنت شریکی فی هدیی » (1).

وبالجملة فالأمر فی النیة هیّن کما بیّنّاه غیر مرّة ، وأحسن ما وقفت علیه فی کیفیة عقد الإحرام ما رواه المشایخ الثلاثة فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا یکون إحرام إلاّ فی دبر صلاة مکتوبة أو نافلة ، فإن کانت مکتوبة أحرمت فی دبرها بعد التسلیم ، وإن کانت نافلة صلیت رکعتین وأحرمت فی دبرها ، فإذا انفتلت من صلاتک فاحمد الله وأثن علیه وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله وقل : اللهم إنی أسألک أن تجعلنی ممن استحباب لک وآمن بوعدک واتبع أمرک فإنی عبدک وفی قبضتک لا أوقی إلا ما وقیت ولا آخذ إلاّ ما أعطیت وقد ذکرت الحج فأسألک أن تعزم لی علیه علی کتابک وسنّة نبیک وتقوّینی علی ما ضعفت عنه وتسلّم منی مناسکی فی یسر منک وعافیة واجعلنی من وفدک الذی رضیت وارتضیت وسمّیت وکتبت ، اللهم إنی خرجت من شقّة بعیدة وأنفقت مالی ابتغاء مرضاتک اللهم فتمم لی حجتی وعمرتی ، اللهم إنی أرید التمتع بالعمرة إلی الحج علی کتابک وسنة نبیک صلی الله علیه و آله فإن عرض لی شی ء یحبسنی فحلّنی حیث حبستنی لقدرک الذی قدّرت علیّ ، اللهم إن لم تکن حجة فعمرة أحرم لک شعری وبشری ولحمی ودمی وعظامی ومخّی وعصبی من النساء والثیاب والطیب أبتغی بذلک وجهک والدار الآخرة » قال : « ویجزیک أن تقول هذا مرّة واحدة حین تحرم ، ثم قم فامش هنیئة ، فإذا استوت بک الأرض ماشیا کنت أو راکبا فلبّ » (2).

ص: 258


1- الکافی 4 : 245 - 4 ، الوسائل 8 : 150 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
2- الکافی 4 : 331 - 2 ، الفقیه 2 : 206 - 939 ، التهذیب 5 : 77 - 253 ، الاستبصار 2 : 166 - 548 وفیه صدر الحدیث فقط ، الوسائل 9 : 22 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.

ولو نوی نوعا ونطق بغیره عمل علی نیته. ولو أخلّ بالنیّة عمدا أو سهوا لم یصح إحرامه.

______________________________________________________

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن حمّاد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : إنی أرید أن أتمتع بالعمرة إلی الحج کیف أقول؟ قال : « تقول : اللهم إنی أرید أن أتمتّع بالعمرة إلی الحج علی کتابک وسنّة نبیک ، وإن شئت أضمرت الذی ترید » (1).

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : « اللهم إنی أرید ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلی الحج فیسّر لی ذلک وتقبّله منی وأعنّی علیه وحلّنی حیث حبستنی لقدرک الذی قدّرت علیّ ، أحرم لک شعری وبشری من النساء والطیب والثیاب » وإن شئت فلبّ حین تنهض ، وإن شئت فأخّره حتی ترکب بعیرک وتستقیل القبلة فافعل » (2).

قوله : ( ولو نوی نوعا ونطق بغیره عمل علی نیته ).

لا ریب فی ذلک ، لأن اللفظ غیر النیة ، والمعتبر النیة لا اللفظ ، ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر قال ، قلت لأبی الحسن علیّ بن موسی الرضا علیه السلام : کیف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال : « لبّ بالحج وانو المتعة » (3) لأن المراد أنه یهلّ بحج التمتع وینوی الإتیان بعمرة التمتع قبله کما سنبیّنه إن شاء الله.

قوله : ( ولو أخلّ بالنیة عمدا أو سهوا لم یصح إحرامه ).

هذا مما لا خلاف فیه بین علمائنا ، لأن فوات الشرط یقتضی فوات

ص: 259


1- التهذیب 5 : 79 - 261 ، الإستبصار 2 : 167 - 551 ، الوسائل 9 : 24 أبواب الإحرام ب 17 ح 1.
2- التهذیب 5 : 79 - 263 ، الاستبصار 2 : 167 - 553 وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 9 : 23 أبواب الإحرام ب 16 ح 2.
3- التهذیب 5 : 86 - 285 ، الإستبصار 2 : 172 - 567 ، الوسائل 9 : 31 أبواب الإحرام ب 22 ح 4.

ولو أحرم بالحج والعمرة وکان فی أشهر الحج کان مخیّرا بین الحج والعمرة إذا لم یتعیّن علیه أحدهما. وإن کان فی غیر أشهر الحج تعین للعمرة. ولو قیل بالبطلان فی الأول ولزوم تجدید النیّة کان أشبه.

______________________________________________________

المشروط. وحکی العلاّمة فی التذکرة عن بعض العامة قولا بأن الإحرام ینعقد بالتلبیة من غیر نیة (1). ولا ریب فی بطلانه. ویستفاد من هذه العبارة وغیرها أن الإحرام أمر آخر غیر النیة وهو کذلک ، لوجوب مغایرة النیة للمنوی فیکون المراد به ترک المحرمات المعهودة ، ولا یخفی أن الحکم ببطلان الإحرام بفوات نیته عمدا أو سهوا لا یقتضی بطلان الحج بفواته ، وقد تقدم الکلام فی ذلک مفصّلا.

قوله : ( ولو أحرم بالحج والعمرة وکان فی أشهر الحج کان مخیّرا بین الحج والعمرة إذ لم یتعیّن علیه أحدهما ، وإن کان فی غیر أشهر الحج تعیّن للعمرة ، ولو قیل بالبطلان فی الأول ولزوم تجدید النیة کان أشبه ).

القول بالتخییر فی هذه الصورة منقول عن الشیخ فی الخلاف (2). وهو ضعیف جدا ، لأن المنوی أعنی وقوع الإحرام الواحد للحج والعمرة معا لم یثبت جوازه شرعا فیکون التعبد به باطلا ، وغیره لم یتعلق به النیة. مع أن العلاّمة فی المنتهی نقل عن الشیخ فی الخلاف أنه قال : لا یجوز القران بین حج وعمرة بإحرام واحد وادعی علی ذلک الإجماع (3).

وعلی ما ذکره ابن أبی عقیل فی تفسیر القارن بأنه الذی یسوق الهدی ویجمع بین الحج والعمرة فلا یتحلل منها حتی یتحلل من الحج (4) ، یتحقق جواز الجمع بین الحج والعمرة بإحرام واحد فی الجملة.

ص: 260


1- التذکرة 1 : 325.
2- لم نعثر علیه فی الخلاف ، وهو موجود فی المبسوط 1 : 316.
3- المنتهی 2 : 685.
4- نقله عنه فی المختلف : 259.

ولو قال : کإحرام فلان ، وکان عالما بما ذا أحرم صحّ. وإن کان جاهلا قیل : یتمتع احتیاطا.

______________________________________________________

ومقتضی العبارة أن البطلان إنما یثبت فی الصورة الأولی خاصة ، وهو ما إذا وقعت النیة المذکورة فی أشهر الحج دون الثانیة وهو الإحرام بهما فی غیر أشهر الحج فیصیر عمرة مفردة لا غیر ، إذ لا یقبل الزمان سواها. والمتجه البطلان هنا أیضا ، لعین ما ذکرناه من الدلیل.

قوله : ( ولو قال : کإحرام فلان ، وکان عالما بما ذا أحرم صحّ. وإن کان جاهلا قیل : یتمتع احتیاطا ).

أما الصحة مع العلم فلا ریب فیه ، لحصول النیة المعتبرة. وإنما الخلاف فی الصحة مع الجهل ، والأصح صحته أیضا ، لما صحّ عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إن أمیر المؤمنین علیه السلام لما قدم من الیمن أحرم کذلک ولم یکن عالما بما أحرم به النبی صلی الله علیه و آله » (1) وعلی هذا فإن انکشف الحال قبل الطواف کما اتفق لعلیّ علیه السلام فالأمر واضح ، وإن استمر الاشتباه لموت أو غیبة قال الشیخ : یتمتع احتیاطا للحج والعمرة ، لأنه إن کان متمتعا فقد وافق ، وإن کان غیره فالعدول منه جائز (2). وهو غیر جید ، لأن العدول إنما یسوغ فی حج الإفراد خاصة إذا لم یکن متعینا علیه.

وحکی الشارح فی المسألة قولا بالبطلان. ویمکن القول بالتخییر کما فی حالة الإطلاق ونسیان ما أحرم به ، ولعل البطلان أقرب. ومن هنا یظهر أن قول المصنف : وإن کان جاهلا قیل : یتمتع إلخ (3) ، لیس بجید ، لأن التمتع علی القول به إنما هو مع استمرار الاشتباه لا مطلقا.

قال فی التذکرة : ولو بان أن فلانا لم یحرم انعقد مطلقا ، وکان له صرفه إلی أیّ نسک شاء ، وکذا لو لم یعلم هل أحرم فلان أم لا ، لأصالة عدم

ص: 261


1- إرشاد المفید : 91 ، مستدرک الوسائل 8 : 84 أبواب أقسام الحج ب 3 ح 4.
2- المبسوط 1 : 317 ، الخلاف 1 : 432.
3- المسالک 1 : 106.

ولو نسی بما ذا أحرم کان مخیّرا بین الحج والعمرة إذا لم یلزمه أحدهما.

______________________________________________________

إحرامه (1). وهو حسن. ولو طاف قبل التعیین فالظاهر عدم الاعتداد به ، لأنه لم یطف فی حج ولا عمرة.

قوله : ( ولو نسی بما ذا أحرم کان مخیرا بین الحج والعمرة إذا لم یلزمه أحدهما ).

مقتضی العبارة أنه مع تعین أحد النسکین علیه ینصرف إحرامه إلی ذلک المعین ، وبه قطع العلاّمة (2) ومن تأخر عنه (3) ، لأن الظاهر من حال المکلف أنه إنما یأتی بما هو فرضه. وهو حسن ، خصوصا مع العزم المتقدم علی الإتیان بذلک الواجب.

وأما التخییر بین الحج والعمرة إذا لم یلزمه أحدهما فهو اختیار الشیخ فی المبسوط (4) وجمع من الأصحاب ، لأنه لا سبیل إلی الحکم بالخروج من الإحرام بعد الحکم بانعقاده ، ولا ترجیح لأحدهما علی الآخر فیتخیر بینهما.

وقال الشیخ فی الخلاف : یجعله للعمرة ، لأنه إن کان متمتعا فقد وافق وإن کان غیره فالعدول منه إلی غیره جائز قال : وإذا أحرم بالعمرة لا یمکنه أن یجعلها حجة مع القدرة علی الإتیان بأفعال العمرة ، فلهذا قلنا یجعله عمرة علی کل حال (5). واستحسنه فی المنتهی (6). ولعل التخییر أجود.

ولو شک المحرم قبل الطواف بما ذا أحرم فکالناسی ، ولو تجدد الشک بعد الطواف فقد جزم العلاّمة بأنه یجعلها عمرة متمتعا بها إلی الحج (7). وهو حسن إن لم یتعین غیره وإلاّ صرف إلیه.

حکم من نسی بماذا أحرم

ص: 262


1- التذکرة 1 : 325.
2- التذکرة 1 : 325 ، والمنتهی 2 : 675.
3- کالشهید الأول فی الدروس : 97 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 106.
4- المبسوط 1 : 317.
5- الخلاف 1 : 432.
6- المنتهی 2 : 676.
7- المنتهی 2 : 676 ، والتذکرة 1 : 325 ، والتحریر 1 : 95.

الثانی : التلبیات الأربع ، فلا ینعقد الإحرام لمتمتع ولا لمفرد إلا بها ،

______________________________________________________

قوله : ( الثانی : التلبیات الأربع ، فلا ینعقد الإحرام لمتمتع ولا لمفرد إلا بها ).

أما وجوب التلبیات الأربع وعدم انعقاد الإحرام للمتمتع والمفرد إلاّ بها فقال العلاّمة فی التذکرة والمنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (1). والأخبار به مستفیضة (2).

وإنما الکلام فی اشتراط مقارنتها للنیة ، فنقل عن ابن إدریس أنه اعتبر مقارنتها لها کمقارنة التحریمة لنیة الصلاة (3). وبه قطع الشهید فی اللمعة (4) ، لکن ظاهر کلامه فی الدروس التوقف فی ذلک فإنه قال : الثالث : مقارنة النیة للتلبیات ، فلو تأخرن عنها أو تقدّمن لم ینعقد ، ویظهر من الروایة والفتوی جواز تأخیر التلبیة عنها (5). وکلام باقی الأصحاب خال من الاشتراط ، بل صرّح کثیر منهم بعدمه حتی قال الشیخ فی التهذیب : وقد رویت رخصة فی جواز تقدیم التلبیة فی الموضع الذی یصلّی فیه ، فإن عمل الإنسان بها لم یکن علیه فیه بأس (6).

وینبغی القطع بجواز تأخیر التلبیة عن نیة الإحرام ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه کصحیحة معاویة بن عمار حیث قال فی آخرها : « ویجزیک أن تقول هذا مرّة واحدة حین تحرم ثم قم فامش هنیئة فإذا استوت بک الأرض

الثانی : التلبیات الأربع

اشارة

ص: 263


1- التذکرة 1 : 327 ، والمنتهی 2 : 676.
2- الوسائل 9 : 47 أبواب الإحرام ب 36.
3- السرائر : 121.
4- اللمعة : 69.
5- الدروس : 97.
6- التهذیب 5 : 84.

______________________________________________________

ماشیا کنت أو راکبا فلبّ » (1).

وصحیحة حفص بن البختری ومعاویة بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبی جمیعا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا صلیّت فی مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد فی دبر الصلاة ما یقول المحرم ، ثم قم فامش هنیئة حتی تبلغ المیل وتستوی بک البیداء فإذا استوت بک فلبّ ، وإن أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبّیت خلف المقام ، وأفضل ذلک أن تمضی حتی تأتی الرقطاء فتلبّی قبل أن تصیر إلی الأبطح » (2).

وصحیحة حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی من عقد الإحرام فی مسجد الشجرة ، ثم وقع علی أهله قبل أن یلبّی قال : « لیس علیه شی ء » (3).

وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه صلّی رکعتین وعقد فی مسجد الشجرة ثم خرج فأتی بخبیص فیه زعفران فأکل قبل أن یلبّی منه (4).

وصحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا صلیت عند الشجرة فلا تلبّ حتی تأتی البیداء حیث یقول الناس یخسف بالجیش (5).

ص: 264


1- الکافی 4 : 331 - 2 ، الفقیه 2 : 206 - 939 ، التهذیب 5 : 77 - 253 ، الوسائل 9 : 22 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.
2- الکافی 4 : 333 - 11 ، الفقیه 2 : 207 - 943 ، الوسائل 9 : 46 أبواب الإحرام ب 35 ح 3.
3- الفقیه 2 : 208 - 946 ، الوسائل 9 : 20 أبواب الإحرام ب 14 ح 13.
4- الفقیه 2 : 208 - 948 ، التهذیب 5 : 82 - 275 ، الإستبصار 2 : 188 - 633 ، الوسائل 9 : 17 أبواب الإحرام ب 14 ح 3.
5- التهذیب 5 : 84 - 278 ، الإستبصار 2 : 170 - 560 ، الوسائل 9 : 44 أبواب الإحرام ب 34 ح 4.

______________________________________________________

وصحیحة عبد الله بن سنان قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله لم یکن یلبّ حتی یأتی البیداء » (1).

وهذه الروایات مع سلامة سندها واستفاضتها صریحة فی جواز تأخیر التلبیة عن موضع عقد الإحرام ، بل ربما ظهر من صحیحة معاویة بن عمار تعیّن ذلک حیث قال فیها : « ثم قم فامش هنیئة فإذا استوت بک الأرض ماشیا کنت أو راکبا فلبّ » (2) فإن الأمر حقیقة فی الوجوب ، لکن الظاهر أنه هنا للاستحباب کما تدل علیه صحیحة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن أحرمت من غمرة أو برید البعث صلّیت وقلت ما یقول المحرم فی دبر صلاتک ، وإن شئت لبّیت من موضعک والفضل أن تمشی قلیلا ثم تلبّی » (3).

وصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن کنت ماشیا فاجهر بإهلاک وتلبیتک من المسجد ، وإن کنت راکبا فإذا علت بک راحلتک البیداء » (4) وعلی هذه الروایة اعتمد الشیخ فی التهذیب فی الجمع بین الأخبار وقال : إن من کان ماشیا یستحب له أن یلبّی من المسجد وإن کان راکبا فلا یلبّی إلا من البیداء (5). وهو غیر واضح.

أما أولا : فلأن حمل الروایات المتضمنة للأمر بتأخیر التلبیة إلی البیداء من غیر تفصیل علی الراکب بعید جدا.

ص: 265


1- التهذیب 5 : 84 - 279 ، الإستبصار 2 : 170 - 561 ، الوسائل 9 : 44 أبواب الإحرام ب 34 ح 5.
2- المتقدمة فی ص 263.
3- الفقیه 1 : 208 - 944 ، الوسائل 9 : 46 أبواب الإحرام ب 35 ح 1.
4- التهذیب 5 : 85 - 281 ، الإستبصار 2 : 170 - 563 ، الوسائل 9 : 44 أبواب الإحرام ب 34 ح 1.
5- التهذیب 5 : 85.

أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها.

والقارن بالخیار ، إن شاء عقد إحرامه بها وإن شاء قلّد أو أشعر علی الأظهر.

______________________________________________________

وأما ثانیا : فللتصریح فی صحیحة معاویة بن عمار بالأمر بالتلبیة للماشی والراکب بعد المشی هنیئة. والذی یقتضیه الجمع بین الروایات التخییر بین التلبیة فی موضع عقد الإحرام وبعد المشی هنیئة وبعد الوصول إلی البیداء وإن کان الأولی العمل بما تضمنته صحیحة معاویة بن عمار.

قوله : ( أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها ).

المراد أن إحرام الأخرس ینعقد بالإشارة بالإصبع مع عقد قلبه بالتلبیة أی تصور معناها الإجمالی. والأولی تحریک اللسان أیضا ، لقول علی علیه السلام فی روایة السکونی : « تلبیة الأخرس وتشهده وقراءته القرآن فی الصلاة تحریک لسانه وإشارته بإصبعه » (1).

ونقل عن ابن الجنید أنه أوجب علی الأخرس استنابة غیره فی التلبیة (2). وهو ضعیف. ولو تعذر علی الأعجمی التلبیة فالظاهر وجوب الترجمة ، قال فی الدروس : وروی أن غیره یلبّی عنه (3).

قوله : ( والقارن بالخیار ، إن شاء عقد إحرامه بها ، وإن شاء قلّد أو أشعر ، علی الأظهر ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات کثیرة : منها صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یوجب الإحرام ثلاثة أشیاء : التلبیة والإشعار والتقلید ، فإذا فعل شیئا من هذه الثلاثة فقد أحرم » (4).

تخییر القارن بین التلبیات وبین الاشعار والتقلید

ص: 266


1- التهذیب 5 : 93 - 305 ، الوسائل 9 : 52 أبواب الإحرام ب 39 ح 1.
2- نقله عنه فی المختلف : 266.
3- الدروس : 97.
4- التهذیب 5 : 43 - 129 ، الوسائل 8 : 202 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 20.

وبأیهما بدأ کان الآخر مستحبا.

وصورتها أن یقول : لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک. وقیل یضیف إلی ذلک : إنّ الحمد والنعمة لک والملک ، لا شریک لک. وقیل : بل یقول : لبیک اللهم لبیک ، لبیک إن الحمد والنعمة لک والملک ، لا شریک لک لبیک ، والأول أظهر.

______________________________________________________

وصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم یتکلم بقلیل ولا کثیر » (1).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « تقلّدها نعلا خلقا قد صلّیت فیه ، والإشعار والتقلید بمنزلة التلبیة » (2).

وقال السید المرتضی (3) وابن إدریس (4) : لا ینعقد إحرام الأصناف الثلاثة إلاّ بالتلبیة ، لأن انعقاد الإحرام بالتلبیة مجمع علیه ولا دلیل علی انعقاده بهما. وهذا الاستدلال جید علی أصولهما من عدم العمل بأخبار الآحاد ، أما عند من یعمل به فالدلیل قائم علی انعقاده بهما کما بیّنّاه.

قوله : ( وبأیّهما بدأ کان الآخر مستحبا ).

ذکر الشارح - قدس سره - المراد أنه إن بدأ بالتلبیة کان التقلید أو الإشعار مستحبا وإن بدأ بأحدهما کان التلبیة مستحبة (5). ولم أقف علی روایة تتضمن ذلک صریحا ولعل إطلاق الأمر بکل من الثلاثة کاف فی ذلک.

قوله : ( وصورتها أن یقول : لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک. وقیل ، یضیف إلی ذلک : إنّ الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک. وقیل ، بل یقول : لبیک اللهم لبیک ، لبیک إنّ الحمد والنعمة لک والملک ، لا شریک لک لبیک. والأول أظهر ).

صورة التلبیة

ص: 267


1- التهذیب 5 : 44 - 130 ، الوسائل 8 : 202 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 21.
2- الفقیه 2 : 209 - 956 ، الوسائل 8 : 200 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 11.
3- الانتصار : 102.
4- السرائر : 125.
5- المسالک 1 : 106.

______________________________________________________

أجمع العلماء کافة علی أن الواجب التلبیات الأربع خاصة وإنما اختلفوا فی کیفیتها ، فذهب المصنف - رحمه الله - إلی أن الواجب : لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک. وقال المفید (1) وابنا بابویه (2) وابن أبی عقیل (3) وابن الجنید (4) وسلاّر (5) یضیف إلی ذلک : إن الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک.

وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط : والتلبیات الأربع فریضة وهی لبیک ، اللهم لبیک ، لبیک إن الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک لبیک. وبه قال أبو الصلاح (6) وابن البراج (7) وابن حمزة (8) وابن إدریس (9) وأکثر المتأخرین. والأصح ما اختاره المصنف رحمه الله .

لنا : ما رواه الکلینی والشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا فرغت من صلاتک وعقدت ما ترید فقم وامش هنیئة فإذا استوت بک الأرض ماشیا کنت أو راکبا فلبّ ، والتلبیة أن تقول : « لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک ، إن الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک ، لبیک ذا المعارج لبیک ، لبیک داعیا إلی دار السلام لبیک ، لبیک غفار الذنوب لبیک ، لبیک أهل التلبیة لبیک ، لبیک ذا الجلال والإکرام لبیک ، لبیک تبدئ والمعاد إلیک لبیک ، لبیک تستغنی

ص: 268


1- المقنعة : 62.
2- الصدوق فی المقنع : 69 ، والهدایة : 55 ، وحکاه عن والده فی المختلف : 265.
3- نقله عنهما فی المختلف : 265.
4- نقله عنهما فی المختلف : 265.
5- المراسم : 108.
6- الکافی فی الفقه : 193.
7- المهذب 1 : 215.
8- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 687.
9- السرائر : 125.

______________________________________________________

ویفتقر إلیک لبیک ، لبیک مرهوبا ومرغوبا إلیک لبیک ، لبیک إله الحق لبیک ، لبیک ذا النعماء والفضل الحسن الجمیل لبیک ، لبیک کشّاف الکرب العظام لبیک ، لبیک عبدک وابن عبدیک لبیک ، لبیک یا کریم لبیک » تقول هذا فی دبر کل صلاة مکتوبة أو نافلة ، وحین ینهض بک بعیرک ، وإذا علوت شرفا ، أو هبطت وادیا ، أو لقیت راکبا ، أو استیقظت من منامک وبالأسحار ، وأکثر ما استطعت منها ، واجهر بها ، وإن ترکت بعض التلبیة فلا یضرّک غیر أن تمامها أفضل.

واعلم أنه لا بدّ لک من التلبیات الأربع التی کنّ أول الکلام وهی الفریضة وهی التوحید وبها لبّی المرسلون ، وأکثر من ذی المعارج فإن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یکثر منها ، وأول من لبّی إبراهیم علیه السلام قال : إن الله عزّ وجلّ یدعوکم أن تحجوا بیته ، فأجابوه بالتلبیة فلم یبق أحد أخذ میثاقه بالموافاة فی ظهر رجل ولا بطن امرأة إلاّ أجاب بالتلبیة » (1).

وجه الدلالة قوله علیه السلام : « واعلم أنه لا بدّ لک من التلبیات الأربع التی کنّ أول الکلام » فلا یکون قوله : « إن الحمد والنعمة لک » إلی آخره واجبا بل یکون داخلا فی التلبیات المستحبة. ویشهد لذلک قوله علیه السلام فی صحیحة عمر بن یزید : « إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن کنت ماشیا لبّیت من مکانک من المسجد تقول : لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک ، لبیک ذا المعارج لبیک ، لبیک بحجة تمامها علیک » (2).

دلت الروایة علی عدم وجوب إن الحمد إلی آخره وما عداها لیس بواجب کما دلت علیه الروایة المتقدمة. ولا ریب أن إضافة قوله : إن الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک ، إلی التلبیات الأربع أولی وأحوط ، لاحتمال دخولها فی الأربع کما یشعر به قوله علیه السلام : « وأکثر من ذی

ص: 269


1- الکافی 4 : 335 - 3 ، التهذیب 5 : 91 - 300 ، الوسائل 9 : 44 أبواب الإحرام ب 34 ح 2 وذیله فی ص 53 ب 40 ح 2.
2- التهذیب 5 : 92 - 301 ، الوسائل 9 : 53 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.

______________________________________________________

المعارج » إذ ربما لاح منه أن ما قبله متعین ، ولورود هذا اللفظ فی کثیر من الأخبار الصحیحة المتضمنة لبیان کیفیة التلبیة کصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لما لبّی رسول الله صلی الله علیه و آله قال : لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک ، إن الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک ، لبیک ذا المعارج لبیک ، وکان علیه السلام یکثر من ذی المعارج وکان یلبی کلما لقی راکبا أو علا أکمة أو هبط وأدیا ومن آخر اللیل وفی أدبار الصلوات » (1).

وصحیحة معاویة بن وهب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التهیؤ للإحرام فقال : « فی مسجد الشجرة ، فقد صلّی فیه رسول الله صلی الله علیه و آله ، وقد تری ناسا یحرمون فلا تفعل حتی تنتهی إلی البیداء حیث المیل فتحرمون کما أنتم فی محاملکم تقول : لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک ، إن الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک ، لبیک بمتعة بعمرة إلی الحج » (2).

وقد ظهر بذلک مستند القولین الأولین ، وأما القول الثالث فلم أقف له علی مستند مع شهرته بین الأصحاب ، وقد ذکره العلاّمة فی المنتهی مجردا عن الدلیل ، ثم نقل ما اختاره المصنف - رحمه الله - وقال : وهو الذی دل علیه حدیث معاویة بن عمار فی الصحیح (3). وقال فی المختلف بعد أن أورد الأقوال فی المسألة من غیر احتجاج لشی ء منها : والأقرب عندی ما رواه معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام ، ونقل الروایة المتقدمة ثم قال : وهو أصحّ حدیث رأینا فی هذا الباب (4).

ص: 270


1- الفقیه 2 : 210 - 959 ، الوسائل 9 : 54 أبواب الإحرام ب 40 ح 4.
2- التهذیب 5 : 84 - 277 ، الإستبصار 2 : 169 - 559 ، الوسائل 9 : 44 أبواب الإحرام ب 34 ح 3.
3- المنتهی 2 : 677.
4- المختلف : 265.

______________________________________________________

ومن العجب قول الشهید فی الدروس : الرابع : التلبیات الأربع ، وأتمها : لبیک اللهم لبیک ، لبیک إن الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک لبیک. ویجزی لبیک ، اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک ، وإن أضاف إلی هذا : إن الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک ، کان حسنا (1). فإنّ جعلها أتم الصور یقتضی قوة مستندها بالنظر إلی مستند القولین الآخرین والحال أن ما وصل إلینا من الأخبار الصحیحة والضعیفة خال من ذلک رأسا مع صحة مستند القولین الآخرین واستفاضة الروایات بذلک ، وهم أعلم بما قالوه والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

تفسیر : قال فی القاموس : ألبّ أقام کلبّ ، ومنه لبیک أی أنا مقیم علی طاعتک إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة. أو معناه اتّجاهی وقصدی لک من داری ، تلبّ داره أی تواجهها. أو معناه محبتی لک من امرأة لبّه محبة لزوجها. أو معناه إخلاصی لک من حسب لباب خالص (2). انتهی.

وهو منصوب علی المصدر کقولک : حمدا وشکرا ، وکان حقه أن یقال : لبّا لک ، وثنّی تأکیدا أی إلبابا لک بعد إلباب. وقد ورد فی صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة أن التلبیة جواب لله عزّ وجلّ قال : وأول من لبّی إبراهیم علیه السلام قال : إن الله یدعوکم إلی أن تحجوا بیته ، فأجابوه بالتلبیة فلم یبق أحد أخذ میثاقه بالموافاة فی ظهر رجل ولا بطن امرأة إلاّ أجاب بالتلبیة.

وروی ابن بابویه فی کتاب علل الشرائع والأحکام فی الصحیح ، عن عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته لم جعلت التلبیة؟ فقال : « إن الله عزّ وجلّ أوحی إلی إبراهیم علیه السلام : ( وَأَذِّنْ فِی النّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجالاً ) (3) فنادی فأجیب من کل فجّ

ص: 271


1- الدروس : 97.
2- القاموس المحیط 1 : 131.
3- الحج : 27.

ولو عقد نیّة الإحرام ، ولبس ثوبیه ثم لم یلبّ وفعل ما لا یحل للمحرم فعله لم یلزمه بذلک کفارة إذا کان متمتعا أو مفردا. وکذا

______________________________________________________

یلبّون » (1).

وروی أیضا فی العلل وفی کتاب من لا یحضره الفقیه حدیثا طویلا قال فی آخره : « قال الله عزّ وجلّ : یا موسی أما علمت أن فضل أمة محمّد صلی الله علیه و آله علی جمیع الأمم کفضله علی جمیع خلقی ، فقال موسی : یا ربّ لیتنی أراهم ، فأوحی الله جلّ جلاله إلیه : یا موسی إنک لن تراهم فلیس هذا أوان ظهورهم ولکن سوف تراهم فی الجنان ، جنّات عدن والفردوس بحضرة محمّد صلی الله علیه و آله فی نعیمها یتقلّبون وفی خیراتها یتبجّحون أفتحبّ أن أسمعک کلامهم؟ فقال : نعم یا إلهی قال عزّ وجلّ : قم بین یدی واشدد مئزرک قیام العبد الذلیل بین یدی الملک الجلیل ، ففعل ذلک موسی ، فنادی ربّنا عزّ وجلّ : یا أمة محمد ، فأجابوه کلهم وهم فی أصلاب آبائهم وأرحام أمّهاتهم : لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک ، إن الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک قال : فجعل الله تلک الإجابة شعار الحج » (2).

فائدة : یجوز کسر الهمزة من : « إن الحمد » وفتحها. وحکی العلاّمة فی المنتهی عن بعض أهل العربیة أنه قال : من قال : « أن » بفتحها فقد خصّ ومن قال بالکسر فقد عمّ (3). وهو واضح ، لأن الکسر یقتضی تعمیم التلبیة وإنشاء الحمد مطلقا ، والفتح یقتضی تخصیص التلبیة أی لبیک بسبب أن الحمد لک.

قوله : ( ولو عقد نیة الإحرام ولبس ثوبیه ثم لم یلبّ وفعل ما لا یحلّ للمحرم فعله لم یلزمه بذلک کفارة إذا کان متمتعا أو مفردا ، وکذا

عدم وجوب کفارة قبل التلبیة أو الاشعار

ص: 272


1- علل الشرائع : 416 - 1 ، الوسائل 9 : 47 أبواب الإحرام ب 36 ح 1.
2- علل الشرائع : 416 - 3 ، الفقیه 2 : 211 - 967 ، الوسائل 9 : 54 أبواب الإحرام ب 40 ح 5.
3- المنتهی 2 : 681.

لو کان قارنا ولم یشعر ولم یقلّد.

______________________________________________________

لو کان قارنا ولم یشعر ولم یقلّد ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ونقل المرتضی فی الانتصار فیه إجماع الفرقة (1). وتدل علیه روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس أن یصلی الرجل فی مسجد الشجرة ویقول الذی یرید أن یقوله ولا یلبّی ثم یخرج فیصیب من الصید وغیره ولیس علیه شی ء » (2).

وفی الصحیح ، عن حفص بن البختری وعبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه صلّی رکعتین فی مسجد الشجرة وعقد الإحرام ثم خرج فأتی بخبیص فیه زعفران فأکل منه » (3).

وفی معنی هاتین الروایتین أخبار کثیرة. وربما ظهر منها أنه لا یجب استئناف نیة الإحرام بعد ذلک بل یکفی الإتیان بالتلبیة ، وعلی هذا فیکون المنوی عند عقد الإحرام اجتناب ما یجب علی المحرم اجتنابه من حین التلبیة.

وصرّح المرتضی فی الانتصار بوجوب استئناف النیة قبل التلبیة والحال هذه (4). ویدل علیه ما رواه الکلینی ، عن النضر بن سوید ، عن بعض أصحابه قال : کتبت إلی أبی إبراهیم علیه السلام رجل دخل مسجد الشجرة فصلّی وأحرم وخرج من المسجد فبدا له قبل أن یلبی أن ینقض ذلک بمواقعة النساء أله ذلک؟ فکتب : « نعم ولا بأس به » (5) لکن الروایة ضعیفة

ص: 273


1- الانتصار : 96.
2- التهذیب 5 : 82 - 272 ، الإستبصار 2 : 188 - 631 ، الوسائل 9 : 17 أبواب الإحرام ب 14 ح 1.
3- الفقیه 2 : 208 - 948 وفیه عن عبد الرحمن بن الحجاج فقط ، التهذیب 5 : 82 - 275 ، الإستبصار 2 : 188 - 633 ، الوسائل 9 : 17 أبواب الإحرام ب 14 ح 3.
4- الانتصار : 96.
5- الکافی 4 : 331 - 9 ، الوسائل 9 : 19 أبواب الإحرام ب 14 ح 12.

الثالث : لبس ثوبی الإحرام ، وهما واجبان ، ولا یجوز الإحرام فیما لا یجوز لبسه فی الصلاة.

______________________________________________________

بالإرسال ، ولا ریب أن استئناف النیة أولی وأحوط.

قوله : ( الثالث : لبس ثوبی الإحرام وهما واجبان ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعلم فیه خلافا (1). ویدل علیه مضافا إلی التأسی قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ثم استک واغتسل والبس ثوبیک » (2) والأمر للوجوب. والمراد بالثوبین الإزار والرداء ، ویعتبر فی الإزار ستر ما بین السّرة والرّکبة ، وفی الرداء کونه مما یستر المنکبین ، ویمکن الرجوع فیه إلی العرف ولا یعتبر فی وصفه کیفیة مخصوصة.

ولو کان الثوب طویلا فاتّزر ببعضه وارتدی بالباقی فقد جزم الشهید فی الدروس بالاجتزاء به (3). ویمکن المناقشة فیه بعدم صدق الثوبین المأمور بهما. ولا یجب استدامة اللبس قطعا ، ولو أخلّ باللبس ابتداء فقد ذکر جمع من الأصحاب أنه لا یبطل إحرامه وإن أثم. وهو حسن.

قوله : ( ولا یجوز الإحرام فیما لا یجوز لبسه فی الصلاة ).

مقتضی العبارة عدم جواز الإحرام فی الحریر للرجل ، وجلد غیر المأکول ، وما یحکی العورة ، والثوب المتنجس بنجاسة لا یعفی عنها فی الصلاة.

أما المنع من الإحرام فی الحریر للرجل وجلد غیر المأکول فیدل علیه مضافا إلی العمومات المانعة من لبس الحریر مفهوم قوله علیه السلام فی

الثالث : لبس ثوبی الاحرام

ما یجوز الاحرام به من الثیاب

ص: 274


1- المنتهی 2 : 681.
2- الکافی 4 : 326 - 1 ، الفقیه 2 : 200 - 914 ، الوسائل 9 : 9 أبواب الإحرام ب 6 ح 4.
3- الدروس : 96.

وهل یجوز الإحرام فی الحریر للنساء؟ قیل : نعم ، لجواز لبسهن له فی الصلاة ، وقیل : لا ، وهو أحوط.

______________________________________________________

صحیحة حریز : « کل ثوب تصلّی فیه فلا بأس أن تحرم فیه » (1) بل یحتمل قویا عدم الاجتزاء بجلد المأکول أیضا ، لعدم صدق اسم الثوب علیه عرفا.

وأما الحاکی فإطلاق عبارات الأصحاب یقتضی عدم جواز الإحرام فیه مطلقا من غیر فرق بین الإزار والرداء. وجزم الشهید فی الدروس بالمنع من الإزار الحاکی ، وجعل اعتبار ذلک فی الرداء أحوط (2). ولا یبعد عدم اعتباره فیه ، للأصل ، وجواز الصلاة فیه علی هذا الوجه.

وأما اعتبار الطهارة فیدل علیه - مضافا إلی مفهوم صحیحة حریز المتقدمة - ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : وسألته عن المحرم یقارن بین ثیابه وغیرها التی أحرم فیها قال : « لا بأس بذلک إذا کانت طاهرة » (3).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن المحرم تصیب ثوبه الجنابة قال : « لا یلبسه حتی یغسله ، وإحرامه تام » (4) ومقتضی الروایة عدم جواز لبس النجس حالة الإحرام مطلقا ، ویمکن حمله علی ابتداء اللبس ، إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن ، إلاّ أن یقال بوجوب إزالتها عن البدن أیضا للإحرام ، ولم أقف علی مصرّح به وإن کان الاحتیاط یقتضی ذلک.

قوله : ( وهل یجوز الإحرام فی الحریر للنساء؟ قیل : نعم ، لجواز لبسه لهنّ فی الصلاة. وقیل : لا ، وهو أحوط ).

ص: 275


1- الکافی 4 : 339 - 3 ، الفقیه 2 : 215 - 976 ، التهذیب 5 : 66 - 212 ، الوسائل 9 : 36 أبواب الإحرام ب 27 ح 1.
2- الدروس : 96.
3- الکافی 4 : 340 - 9 ، الوسائل 9 : 39 أبواب الإحرام ب 30 ح 2.
4- الفقیه 2 : 219 - 1006 ، الوسائل 9 : 117 أبواب تروک الإحرام ب 37 ح 1.

______________________________________________________

القول بالجواز للمفید - رحمه الله - فی کتاب أحکام النساء علی ما نقل عنه ابن إدریس (1) وجمع من الأصحاب. ویدل علیه مضافا إلی الأصل ومفهوم صحیحة حریز المتقدمة خصوص صحیحة یعقوب بن شعیب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المرأة تلبس القمیص تزرّه علیها وتلبس الحریر والخزّ والدیباج؟ قال : « نعم لا بأس به » (2) والمراد اللبس حال الإحرام کما هو واضح.

والقول بالمنع للشیخ (3) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب ، ومستنده صحیحة العیص بن القاسم قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثیاب غیر الحریر والقفّازین » (4) ویمکن الجمع بین الروایتین إما بحمل النهی المستفاد من الروایة الثانیة علی الکراهیة کما یشهد به قوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « لا بأس أن تحرم المرأة فی الذهب والخزّ ولیس یکره إلاّ الحریر المحض » (5) لکن فی حمل الکراهة الواقعة فی الروایات علی المعنی المتعارف نظر تقدم تقریره مرارا.

وأما بحمل الأخبار المبیحة علی أن المراد بالحریر غیر المحض کما یشهد به روایة داود بن الحصین ، عن أبی عبد الله علیه السلام حیث قال فیها ، قلت : تلبس - یعنی المحرمة - الخزّ؟ قال : « نعم » قلت : فإنّ سداه إبریسم وهو حریر؟ قال : « ما لم یکن حریرا خالصا فلا بأس » (6) وهذه

ص: 276


1- السرائر : 124 ، وهو فی أحکام النساء ( رسائل المفید ) : 19.
2- التهذیب 5 : 74 - 246 ، الإستبصار 2 : 309 - 1100 ، الوسائل 9 : 41 أبواب الإحرام ب 33 ح 1.
3- النهایة : 218.
4- الکافی 4 : 344 - 1 ، التهذیب 5 : 73 - 243 ، الإستبصار 2 : 308 - 1099 ، الوسائل 9 : 43 أبواب الإحرام ب 33 ح 9.
5- الفقیه 2 : 220 - 1020 ، الوسائل 9 : 42 أبواب الإحرام ب 33 ح 4.
6- التهذیب 5 : 75 - 247 ، الإستبصار 2 : 309 - 1101 ، الوسائل 9 : 42 أبواب الإحرام ب 33 ح 3.

ویجوز أن یلبس المحرم أکثر من ثوبین ، وأن یبدل ثیاب إحرامه ، فإذا أراد الطواف فالأفضل أن یطوف فیهما. وإذا لم یکن مع الإنسان ثوبا الإحرام وکان معه قباء جاز لبسه مقلوبا ویجعل ذیله علی کتفیه.

______________________________________________________

الروایة ضعیفة السند ، والمسألة محل تردد ، وإن کان القول بالجواز لا یخلو من رجحان ، ولا ریب أن الاجتناب عنه طریق الاحتیاط والله تعالی أعلم.

قوله : ( ویجوز أن یلبس المحرم أکثر من ثوبین ، وأن یبدل ثیاب إحرامه ، فإذا أراد الطواف فالأفضل أن یطوف فیهما ).

أما جواز لبس الزائد عن الثوبین لاتقاء الحرّ والبرد فیدل علیه - مضافا إلی الأصل السالم عمّا یصلح للمعارضة - ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یتردّی بالثوبین قال : « نعم ، والثلاثة إن شاء یتقی بها الحرّ والبرد » (1).

وأما جواز الإبدال وأفضلیة الطواف فیما أحرم فیه فیدل علیه ما رواه الکلینی والشیخ فی الحسن ، عن معاویة بن عمّار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا بأس بأن یغیّر المحرم ثیابه ، ولکن إذا دخل مکة لبس ثوبی إحرامه الذین أحرم فیهما وکره أن یبیعهما » (2).

قوله : ( وإذا لم یکن مع الإنسان ثوبا الإحرام وکان معه قباء جاز لبسه مقلوبا ، ویجعل ذیله علی کتفیه ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل ظاهر التذکرة والمنتهی أنه موضع وفاق (3). ویدل علیه روایات کثیرة کصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا اضطّر المحرم إلی القباء ولم یجد ثوبا غیره

جواز لبس أکثر من ثوبین للمحرم
جواز تبدیل ثیاب الاحرام
حکم من لیس معه ثوبا الاحرام

ص: 277


1- الکافی 4 : 341 - 10 ، الوسائل 9 : 39 أبواب الإحرام ب 30 ح 1.
2- الکافی 4 : 341 - 11 ، التهذیب 5 : 71 - 233 ، الوسائل 9 : 39 أبواب الإحرام ب 31 ح 1.
3- التذکرة 1 : 326 ، والمنتهی 2 : 683.

______________________________________________________

فلیلبسه مقلوبا ولا یدخل یدیه فی یدی القباء » (1).

وصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یلبس المحرم الخفین إذا لم یکن یجد نعلین ، وإن لم یکن له رداء طرح قمیصه علی عنقه أو قباءه بعد أن ینکسه » (2).

وحسنة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلاّ أن تنکسه » (3).

وروایة مثنّی الحنّاط ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من اضطرّ إلی ثوب وهو محرم ولیس معه إلاّ قباء فلینکّسه ولیجعل أعلاه أسفله ویلبسه » (4).

ویستفاد من هذه الروایات (5) أن معنی قلب الثوب تنکیسه وجعل الذیل علی الکتفین کما ذکره ابن إدریس (6). وفسره بعضهم بجعل باطن القباء ظاهرا (7). واجتزأ العلاّمة فی المختلف بکل من الأمرین ، أما التنکیس فلما تقدم ، وأما جعل الباطن ظاهرا فلقوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « فلیلبسه مقلوبا ولا یدخل یدیه فی یدی القباء » قال : وهذا النهی إنما یتحقق مع القلب بالتفسیر الثانی. ولقوله علیه السلام فی روایة محمد بن مسلم : « ویلبس المحرم القباء إذا لم یکن له رداء ویقلب ظاهره لباطنه » (8) قال : وهو نص فی المعنی الثانی (9).

ص: 278


1- التهذیب 5 : 70 - 228 ، الوسائل 9 : 124 أبواب تروک الإحرام ب 44 ح 1.
2- التهذیب 5 : 70 - 229 ، الوسائل 9 : 124 أبواب تروک الإحرام ب 44 ح 2.
3- الفقیه 2 : 218 - 998 ، الوسائل 9 : 115 أبواب تروک الإحرام ب 36 ح 1.
4- الکافی 4 : 347 - 5 ، الوسائل 9 : 124 أبواب تروک الإحرام ب 44 ح 3.
5- فی « م » : الروایة.
6- السرائر : 127.
7- منهم الفاضل المقداد فی التنقیح 1 : 461.
8- الفقیه 2 : 218 - 997 ، الوسائل 9 : 124 أبواب تروک الإحرام ب 44 ح 7.
9- المختلف : 268.

وأما أحکامه ، فمسائل : الأولی : لا یجوز لمن أحرم أن ینشئ إحراما آخر حتی یکمل أفعال ما أحرم له. فلو أحرم متمتعا ودخل مکة وأحرم بالحج قبل التقصیر ناسیا لم یکن علیه شی ء ، وقیل : علیه دم ، وحمله علی لاستحباب أظهر.

______________________________________________________

ویمکن المناقشة فی الروایة الأولی بعدم الصراحة فی المعنی الثانی ، وفی الروایة الثانیة بعدم الصحة ، لأن فی طریقها الحکم بن مسکین وهو مجهول. ولا ریب أن التنکیس کاف فی تحقق القلب ، والاحتیاط یقتضی الجمع بین الأمرین.

وقول المصنف : ویجعل ذیله علی کتفیه ، الظاهر أنه تفسیر لمعنی القلب ، ویمکن أن یکون مغایرا له ویکون مفاد العبارة اعتبار الجمع بین الأمرین.

واعلم أن قول المصنف : وإذا لم یکن مع الإنسان ثوبا الإحرام وکان معه قباء جاز لبسه مقلوبا ، یشعر بأن واجد أحدهما لا یجوز له لبسه. وأوضح من ذلک عبارة النافع حیث قال فیها : ویجوز لبس القباء مع عدمهما مقلوبا (1). والظاهر جوازه مع فقد الرداء خاصة کما صرّح به الشهیدان (2) ، ودلت علیه صحیحة عمر بن یزید. وذکر الشارح - قدس سره - أن المراد بالجواز فی قول المصنف - رحمه الله - : جاز لبسه مقلوبا ، معناه الأعم والمراد منه الوجوب ، لأنه بدل عن الواجب ، وعملا بظاهر الأمر فی النصوص (3). وهو أحوط وإن کان للمناقشة فی الوجوب مجال.

قوله : ( الأولی : لا یجوز لمن أحرم أن ینشئ إحراما آخر حتی یکمل أفعال ما أحرم له ، فلو أحرم متمتعا ودخل مکة وأحرم بالحج قبل التقصیر ناسیا لم یکن علیه شی ء ، وقیل : علیه دم ، وحمله علی

أحکام الاحرام

عدم جواز الاحرام للمحرم

ص: 279


1- المختصر النافع : 83.
2- الشهید الأول فی الدروس : 96 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 107.
3- المسالک 1 : 107.

______________________________________________________

الاستحباب أظهر ).

أما أنه لا یجوز للمحرم إنشاء إحرام آخر قبل التحلل من الإحرام الأول فظاهر العلاّمة فی المنتهی أنه موضع وفاق بین الأصحاب (1) ، ویدل علیه الأخبار الکثیرة الواردة فی بیان حج التمتع ، حیث یذکر فیها التقصیر والإحلال من إحرام العمرة ثم الإهلال بإحرام الحج ، فیکون الإتیان بالإحرام قبل التقصیر تشریعا محرّما.

وأما أن من أحرم بحج التمتع قبل التقصیر من إحرام عمرته ناسیا یصح حجه ولا شی ء علیه فهو اختیار ابن إدریس (2) وسلاّر (3) وأکثر المتأخرین. وقال الشیخ (4) وعلیّ بن بابویه (5) : یلزمه بذلک دم.

وحکی العلاّمة فی المنتهی قولا لبعض أصحابنا ببطلان الإحرام الثانی والبقاء علی الإحرام الأول (6) ، مع أنه قال فی المختلف : لو أخلّ بالتقصیر ساهیا وأدخل إحرام الحج علی العمرة سهوا لم یکن علیه إعادة الإحرام وتمّت عمرته إجماعا وصحّ إحرامه ، ثم نقل الخلاف فی وجوب الدم خاصة (7). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی رجل متمتع نسی أن یقصّر حتی أحرم بالحج قال : « یستغفر الله » (8) وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله

ص: 280


1- المنتهی 2 : 685.
2- السرائر : 136.
3- المراسم : 124.
4- المبسوط 1 : 363 ، والنهایة : 246 ، والتهذیب 5 : 158.
5- نقله عنه فی المختلف : 267.
6- المنتهی 2 : 686.
7- المختلف : 267.
8- التهذیب 5 : 90 - 297 ، الإستبصار 2 : 175 - 577 ، الوسائل 9 : 72 أبواب الإحرام ب 54 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 440 - 1 ، والفقیه 2 : 237 - 1129.

وإن فعل ذلک عامدا ، قیل : بطلت عمرته وصارت حجة مبتولة ، وقیل : بقی علی إحرامه الأول وکان الثانی باطلا ، والأول هو المروی.

______________________________________________________

علیه السلام عن رجل أهلّ بالعمرة ونسی أن یقصّر حتی دخل فی الحج قال : « یستغفر الله ولا شی ء علیه وتمّت عمرته » (1) وفی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلی الحج فدخل مکة فطاف وسعی ولبس ثیابه وأحلّ ونسی أن یقصّر حتی خرج إلی عرفات قال : « لا بأس به ، یبنی علی العمرة وطوافها وطواف الحج علی أثره » (2).

احتج الشیخ فی التهذیب علی وجوب الدم بما رواه عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی إبراهیم علیه السلام : الرجل یتمتع فینسی أن یقصّر حتی یهلّ بالحج قال : « علیه دم یهریقه » (3) وأجاب ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه عن هذه الروایة بالحمل علی الاستحباب (4). وهو حسن.

قوله : ( وإن فعل ذلک عامدا قیل : بطلت عمرته وصارت حجة مبتولة. وقیل : بقی علی إحرامه الأول وکان الثانی باطلا ، والأول هو المروی ).

القول ببطلان العمرة بذلک وصیرورة الحجة مبتولة للشیخ (5) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن إسحاق بن عمار ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال :

ص: 281


1- التهذیب 5 : 91 - 299 ، الإستبصار 2 : 175 - 579 ، الوسائل 9 : 73 أبواب الإحرام ب 54 ح 3 ، ورواها فی الکافی 4 : 440 - 2.
2- التهذیب 5 : 90 - 298 و 159 - 530 ، الاستبصار 2 : 175 - 578 وص 243 - 847 ، الوسائل 9 : 73 أبواب الإحرام ب 54 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 440 - 3.
3- التهذیب 5 : 58 - 527 ، الوسائل 9 : 73 أبواب الإحرام ب 54 ح 6.
4- الفقیه 2 : 237.
5- النهایة : 215 ، والمبسوط 1 : 316.

______________________________________________________

« المتمتع إذا طاف وسعی ثم لبّی قبل أن یقصّر فلیس له أن یقصّر ولیس له متعة » (1).

وعن محمد بن سنان ، عن العلاء بن الفضیل قال : سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل أن یقصّر قال : « بطلت متعته وهی حجة مبتولة » (2) وفی الروایتین قصور من حیث السند فیشکل التعویل علیهما فی إثبات حکم مخالف للأصل والاعتبار.

وأجاب عنهما فی الدروس بالحمل علی متمتع عدل عن الإفراد ثم لبّی بعد السعی قال : لأنه روی التصریح بذلک (3). وهو حمل بعید ، وما ادعاه من النص لم نقف علیه.

والقول ببطلان الإحرام الثانی والبقاء علی الأول لابن إدریس محتجا بأن الإحرام بالحج إنما یسوغ التلبس به بعد التحلل من الأول ، وقبله یکون منهیا عنه ، والنهی فی العبادة یقتضی الفساد ، وبأن الإجماع منعقد علی أنه لا یجوز إدخال الحج علی العمرة ولا العمرة علی الحج قبل فراغ مناسکهما (4).

وأجیب عنه بمنع کون النهی هنا مفسدا ، لرجوعه إلی وصف خارج عن ماهیة الإحرام. ومنع تحقق الإدخال ، لأن التقصیر محلّل لا جزء من العمرة. ویتوجه علی الأول أن المنهی عنه نفس الإحرام ، لأن التلبس به قبل التحلل من إحرام العمرة إدخال فی الدین ما لیس منه فیکون تشریعا محرّما ویفسد ، لأن النهی فی العبادة یقتضی الفساد ، وإذا کان فاسدا یکون وجوده کعدمه ویبقی الحال علی ما کان علیه من وجوب التقصیر وإنشاء إحرام الحج.

ص: 282


1- التهذیب 5 : 159 - 529 ، الوسائل 9 : 73 أبواب الإحرام ب 54 ح 5.
2- التهذیب 5 : 90 - 296 ، الإستبصار 2 : 175 - 580 ، الوسائل 9 : 73 أبواب الإحرام ب 54 ح 4.
3- الدروس : 92.
4- السرائر : 136.

الثانیة : لو نوی الإفراد ثم دخل مکة جاز أن یطوف ویسعی ویقصر ویجعلها عمرة یتمتع بها ما لم یلبّ. فإن لبّی انعقد إحرامه. وقیل : لا اعتبار بالتلبیة ، وإنما هو بالقصد.

______________________________________________________

وعلی الثانی أن المستفاد من الأخبار الکثیرة المتضمنة لبیان أفعال العمرة کون التقصیر من جملة أفعالها وإن حصل التحلّل به کما فی طواف الحج وطواف النساء ، وقد صرّح بذلک العلاّمة فی المنتهی مدعیا الإجماع وهذه عبارته : أفعال العمرة هی الإحرام والطواف ورکعتاه والسعی والتقصیر ذهب إلیه علماؤنا أجمع ، فالتقصیر حینئذ نسک یثاب علیه (1). انتهی کلامه - رحمه الله - وهو صریح فیما ذکرناه ، ومتی ثبت کون التقصیر نسکا تحقق الإدخال بالتلبس بإحرام الحج قبل الإتیان به جزما ، علی أن اللازم ممّا ذکره المجیب من عدم اقتضاء النهی الفساد وعدم تحقق الإدخال المنهی عنه صحة الإحرام بالحج لا صیرورة الحجة مبتولة وهم لا یقولون بذلک.

ویظهر من المصنف - رحمه الله - التردد فی هذه المسألة حیث اقتصر علی نقل القولین من غیر ترجیح لأحدهما ، وهو فی محله ، وإن کان مقتضی الأصل المصیر إلی ما ذکره ابن إدریس إلی أن یثبت سند الروایتین. ثم إن قلنا بصیرورة العمرة حجة مفردة کما ذکره الشیخ فیجب إکمالها ولا تجزیه عن فرضه لانتفاء الضرورة المسوّغة للعدول ، ویحتمل الإجزاء لعدم الأمر بالإعادة فی الروایتین فلا تکون واجبة ، وإلاّ لتأخر البیان عن وقت الحاجة.

قوله : ( الثانیة ، لو نوی الإفراد ثم دخل مکة جاز له أن یطوف ویسعی ویقصّر ویجعلها عمرة ویتمتع بها ما لم یلبّ ).

قد تقدم الکلام فی ذلک وأن الأظهر اختصاصه بمن لم یتعین علیه الإفراد بالأصل أو العارض.

قوله : ( فإن لبّی انعقد إحرامه ، وقیل : لا اعتبار بالتلبیة وإنما هو بالقصد ).

جواز عدول من نوی الافراد إلی التمتع

ص: 283


1- المنتهی 2 : 709.

______________________________________________________

المراد أن المفرد إنما یجوز له العدول إلی المتعة إذا لم یکن لبّی بعد الطواف والسعی ، فإن لبّی بعده امتنع منه العدول ووجب علیه المضی فی حجه. وهذا الحکم ذکره الشیخ (1) وأتباعه (2) ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن موسی بن القاسم ، عن صفوان بن یحیی ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی بصیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یفرد الحج ثم یطوف بالبیت ویسعی بین الصفا والمروة ثم یبدو له أن یجعلها عمرة قال : « إن کان لبّی بعد ما سعی قبل أن یقصّر فلا متعة له » (3) وهذه الروایة قاصرة من حیث السند باشتماله علی إسحاق بن عمار ، واشتراک راویها بین الثقة والضعیف فوصفها بالصحة کما فعله الشارح (4) وغیره (5) غیر جید.

وقال ابن إدریس : لا أری لذکر التلبیة هنا وجها وإنما الحکم للنیة دون التلبیة (6) ، لقوله علیه السلام : « إنما الأعمال بالنیات » (7) وفسر کلامه بأمرین ، أحدهما : أن الاعتبار بقصد الإهلال بالتلبیة لا بالتلبیة وحدها ، فیکون مقتضاه أنه لو لبّی قاصدا إلی عقد الإحرام امتنع عنه العدول إلی التمتع لا بدونه. ویشکل بأن مقتضی الروایة کون التلبیة مقتضیة لانعقاد الإحرام وامتناع العدول ، فإن لم نقل بموجبها امتنع کونها مؤثرة مع النیة لانتفاء الدلیل علیه رأسا.

الثانی : أن المراد أن الاعتبار بقصده إلی العدول إلی التمتع عملا بالحکم الثابت من جواز النقل بالنیة ولا عبرة بالتلبیة. وهذا المعنی أقرب إلی

ص: 284


1- النهایة : 215.
2- کابن البراج فی المهذب 1 : 217.
3- التهذیب 5 : 90 - 295 ، الوسائل 8 : 210 أبواب أقسام الحج ب 19 ح 1.
4- المسالک 1 : 107.
5- کالعلامة فی المختلف : 268.
6- السرائر : 126.
7- التهذیب 1 : 83 - 218 ، الوسائل 1 : 34 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 7.

الثالثة : إذا أحرم الولی بالصبی جرّده من فخ ، وفعل به ما یجب علی المحرم ، وجنّبه ما یجتنبه.

______________________________________________________

کلامه وأوفق بالدلیل.

ولو وقع العدول قبل الطواف ثم لبّی بعده فینبغی القطع بجواز التحلل له ، للأصل ، ولأن أقصی ما یستفاد من الروایة المتقدمة أنه لا یجوز العدول لمن لبّی بعد طوافه وسعیه ولا یلزم منه کون التلبیة مقتضیة لإبطال العدول المتقدم ، والعجب أن الشارح (1) - قدس سره - جعل ذلک مورد الخلاف مع أن النص وکلام الأصحاب کالصریحین فی خلافه.

قوله : ( الثالثة ، إذا أحرم الولی بالصبی جرّده من فخ وفعل به ما یجب علی المحرم وجنّبه ما یجتنبه ).

قد تقدم الکلام فی ذلک وأن التجرید کنایة عن الإحرام ، وإن ذلک علی سبیل الرخصة ، وإلاّ فالأفضل الإحرام به من المیقات (2). ویدل علی أنه یجب علی الولی أن یفعل به ما یجب علی المحرم ویجنّبه ما یجتنبه روایات : منها صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « انظروا من کان معکم من الصبیان فقدموه إلی الجحفة أو إلی بطن مرو یصنع بهم ما یصنع بالمحرم ، ویطاف بهم ، ویرمی عنهم ، ومن لا یجد الهدی منهم فلیصم عنه ولیه » (3).

وصحیحة زرارة عن أحدهما علیه السلام ، قال : « إذا حج الرجل بابنه وهو صغیر فإنه یأمره أن یلبّی ویفرض الحج ، فإن لم یحسن أن یلبّی لبّوا عنه ، ویطاف به ، ویصلی عنه » قلت : لیس لهم ما یذبحون عنه ، قال : « یذبح عن الصغار ویصوم الکبار ، ویتقی ما یتقی المحرم من الثیاب

کیفیة الاحرام بالصبی

ص: 285


1- المسالک 1 : 107.
2- فی ص 226.
3- الکافی 4 : 304 - 4 ، الفقیه 2 : 266 - 1294 ، التهذیب 5 : 409 - 1423 ، الوسائل 8 : 207 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 3.

ولو فعل الصبی ما تجب به الکفارة لزم ذلک الولی فی ماله. وکل ما یعجز عنه الصبی یتولاّه الولی ، من تلبیة وطواف وسعی وغیر ذلک.

______________________________________________________

والطیب ، فإن قتل صیدا فعلی أبیه » (1).

قوله : ( ولو فعل الصبی ما تجب به الکفارة لزم ذلک الولی فی ماله ).

المراد أنه لو فعل الصبی ما تجب به الکفارة علی المکلف لزم ذلک الولی فی ماله ، فإن الصبی لا یجب علیه اجتناب موجبها ، وإنما یجب علی الولی أن یجنّبه ذلک ، کما دلت علیه الروایات السابقة.

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین ما یوجب الکفارة عمدا وسهوا کالصید ، أو عمدا لا سهو کلبس المخیط. والأصح اختصاص الحکم بالأول کما اختاره الشیخ (2) وأکثر الأصحاب (3) ، اقتصارا فیما خالف الأصل علی موضع النص ، وهو الصید (4).

قوله : ( وکل ما یعجز عنه الصبی یتولاّه الولی ، من تلبیة وطواف وسعی وغیر ذلک ).

وقد تقدم ما یدل علی هذا الحکم من الأخبار ، ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام وکنا تلک السنة مجاورین وأردنا الإحرام یوم الترویة فقلت : إن معنا مولودا صبیا فقال : « مروا أمه فلتلق حمیدة فلتسألها کیف تعمل بصبیانها » قال : فأتتها فسألتها فقالت لها : إذا کان یوم الترویة فجردوه

کفارة الصبی علی الولی

تولی الولی ما یعجز عنه الصبی

ص: 286


1- الکافی 4 : 303 - 1 ، الفقیه 2 : 265 - 1291 ، التهذیب 5 : 409 - 1424 ، الوسائل 2 : 208 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 5.
2- المبسوط 1 : 329.
3- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 748 ، والشهید الأول فی الدروس : 82 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 107.
4- فی « م » و « ح » زیادة : وما فی معناه.

ویجب علی الولی الهدی من ماله أیضا. وروی : إذا کان الصبی ممیّزا جاز أمره بالصیام عن الهدی ، ولو لم یقدر علی الصیام صام الولی عنه مع العجز عن الهدی.

______________________________________________________

وغسلوه کما یجرد المحرم ، ثم أحرموا عنه ، ثم قفوا به فی المواقف ، فإذا کان یوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه ، ثم زوروا به البیت ، ثم مروا الخادم أن یطوف به البیت وبین الصفا والمروة ، وإذا لم یکن الهدی فلیصم عنه ولیه إذا کان متمتعا » (1).

قوله : ( ویجب علی الولی الهدی من ماله أیضا ، وروی إذا کان الصبی ممیّزا جاز أمره بالصیام عن الهدی ، ولو لم یقدر علی الصیام صام عنه ولیه مع العجز عن الهدی ).

یمکن أن تکون الروایة التی أشار إلیها المصنف صحیحة زرارة المتقدمة حیث قال فیها ، قلت : لیس لهم ما یذبحون ، قال : « یذبح عن الصغار ویصوم الکبار » (2) إذ الظاهر أن المراد من الکبار الممیزون.

وفی روایة سماعة : « ولو أنه أمرهم فصاموا قد أجزأ عنهم » (3).

ومقتضی العبارة أن صوم الولی یترتب علی عجز الصبی عن الصوم ، والظاهر جوازه مطلقا ، لإطلاق الأمر به فی صحیحة ( معاویة بن عمار ) (4). وعبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتین.

وفی صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن الصادق علیه السلام :

وجوب هدی الصبی علی الولی

ص: 287


1- التهذیب 5 : 410 - 1425 ، ورواه فی الکافی 4 : 300 - 5 ، والوسائل 8 : 207 أبواب أقسام الحج ب 17 ح 1 وفیهما بتفاوت یسیر ، یظهر من المصنف أنه عدّ الجمیع من کلام الإمام علیه السلام وعول علیه واستدل به فیما بعد ، ولکن الظاهر أن قوله : وإذا لم یکن الهدی إلی آخره من کلام الشیخ کما یظهر من مراجعة التهذیب ، ولیس هو فی الکافی.
2- فی ص 285.
3- الکافی 4 : 305 - 9 ، الفقیه 2 : 266 - 1295 ، الوسائل 10 : 90 أبواب الذبح ب 2 ح 8.
4- بدل ما بین القوسین فی « ض » : زرارة.

الرابعة : إذا اشترط فی إحرامه أن یحله حیث حبسه ثم أحصر تحلل ، وهل یسقط الهدی؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار ، وقیل : یجوز التحلل من غیر شرط ، والأول أظهر.

______________________________________________________

« یصوم عن الصبی ولیه إذا لم یجد هدیا وکان متمتعا » (1) ولا ریب أن صوم الولی أولی لصحة مستنده وصراحته.

قوله : ( الرابعة ، إذا اشترط فی إحرامه أن یحله حیث حبسه ، ثم أحصر تحلّل ، وهل یسقط الهدی؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو الأشبه. وفائدة الاشتراط جواز التحلّل عند الإحصار ، وقیل : یجوز التحلّل من غیر شرط ، والأول أظهر ).

أجمع علماؤنا وأکثر العامة علی أنه یستحب لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن یشترط علی ربه عند عقد إحرامه أن یحله حیث حبسه. والأصل فیه الأخبار المستفیضة کصحیحة معاویة بن عمار ، وعن أبی عبد الله علیه السلام الواردة فی کیفیة عقد الإحرام ، حیث قال فیها : « اللهم إنی أرید التمتع بالعمرة إلی الحج علی کتابک وسنة نبیک صلی الله علیه و آله ، فإن عرض لی شی ء یحبسنی فحلنی حیث حبستنی بقدرک الذی قدّرت علیّ ، اللهم إن لم تکن حجة فعمرة » (2).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت الإحرام والتمتع فقل : اللهم إنی أرید ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلی الحج ، فیسر لی ذلک ، وتقبله منی ، وأعنی علیه ، وحلّنی حیث حبستنی بقدرک الذی قدّرت علیّ » (3).

ثمرة اشتراط التحلیل

ص: 288


1- التهذیب 5 : 410 - 1426 ، الوسائل 10 : 91 أبواب الذبح ب 3 ح 2.
2- الکافی 4 : 331 - 2 ، الفقیه 2 : 206 - 939 ، التهذیب 5 : 77 - 253 ، الاستبصار 2 : 166 - 548 وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 9 : 22 أبواب الإحرام ب 16 ح 1.
3- التهذیب 5 : 79 - 263 ، الإستبصار 2 : 167 - 553 ، الوسائل 9 : 23 أبواب الإحرام ب 16 ح 2.

______________________________________________________

وروایة الفضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المعتمر عمرة مفردة یشترط علی ربه أن یحله حیث حبسه » (1).

إذا تقرر ذلک فنقول : اختلف الأصحاب فی فائدة هذا الاشتراط علی أقوال ، أحدها : أن فائدته سقوط الهدی مع الإحصار والتحلل بمجرد النیة ، ذهب إلیه المرتضی (2) وابن إدریس (3) ، ونقلا فیه إجماع الفرقة. وقال الشیخ : لا یسقط ، لعموم قوله تعالی ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ) (4) (5).

وأجاب عنه السید بأنه محمول علی من لم یشترط (6). وهو غیر بعید ، لأن المتبادر من قوله : « وحلنی حیث حبستنی » أن التحلل لا یتوقف علی شی ء أصلا.

وأظهر من ذلک دلالة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ذریح المحاربی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلی الحج وأحصر بعد ما أحرم ، کیف یصنع؟ قال ، فقال : « أو ما اشترط علی ربه قبل أن یحرم أن یحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ » فقلت : بلی قد اشترط ذلک ، قال : « فلیرجع إلی أهله حلالا إحرام علیه ، إن الله أحق من وفی ما اشترط علیه » قلت : أفعلیه الحج من قابل؟ قال : « لا » (7) دلت الروایة علی التحلل بمجرد الإحصار من غیر

ص: 289


1- الکافی 4 : 335 - 15 ، التهذیب 5 : 81 - 271 ، الوسائل 9 : 33 أبواب الإحرام ب 23 ح 2.
2- الانتصار : 104.
3- السرائر : 125.
4- البقرة : 196.
5- الخلاف 1 : 494.
6- الانتصار : 105.
7- التهذیب 5 : 81 - 270 ، الإستبصار 2 : 169 - 558 ، الوسائل 9 : 35 أبواب الإحرام ب 24 ح 3.

______________________________________________________

تعرض لاعتبار الهدی ، ولو کان واجبا لذکر فی مقام البیان.

وموضع الخلاف من لم یسق الهدی ، أما السائق فقال فخر المحققین : إنه لا یسقط عنه بإجماع الأمة (1).

وثانیها : ما ذکره المصنف - رحمه الله - من أن فائدته جواز التحلل عند الإحصار ، والظاهر أن المراد به جواز التحلل عند الإحصار من غیر تربص إلی أن یبلغ الهدی محله ، فإنه لو لم یشترط لم یجز له التعجیل عند المصنف ومن قال بمقالته ، وإلا فثبوت أصل التحلل مع الإحصار لا نزاع فیه مع الشرط وبدونه. وبهذا التفسیر صرح المصنف فی النافع فقال : ولا یسقط هدی التحلل بالشرط ، بل فائدته جواز التحلل للمحصور من غیر تربص (2).

وذکر فخر المحققین لجواز التحلل عند الإحصار معنی آخر ، فقال بعد نقل قول والده فی القواعد « وفائدة الاشتراط جواز التحلل » : لیس المراد منه المنع من التحلل لو لم یشترط ، بل معناه أن التحلل ممنوع منه ومع العذر وعدم الاشتراط یکون جواز التحلل رخصة ، ومع الاشتراط یصیر التحلل مباح الأصل. قال : والفائدة تظهر فیما لو نذر أن یتصدق عن کل ما فعل رخصة وفی التعلیق (3).

ویتوجه علیه. أولا أن هذه الفائدة لا اعتداد بها ، فیبعد أن تکون مقصودة من الأمر. وثانیا أنه علی هذا التفسیر لا یظهر لتخصیص الحصر فائدة ، فإن ذلک آت فی الحصر والصّدّ ، اللهم إلا أن یراد بالحصر هنا ما یشمل الأمرین.

وثالثها : أن فائدة هذا الشرط سقوط الحج فی القابل عمن فاته الموقفان ، ذکره الشیخ فی موضع من التهذیب ، واستدل علیه بما رواه فی

ص: 290


1- إیضاح الفوائد 1 : 327.
2- المختصر النافع : 84.
3- إیضاح الفوائد 1 : 292.

______________________________________________________

الصحیح ، عن ضریس بن أعین ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلی الحج فلم یبلغ مکة إلا یوم النحر فقال : « یقیم علی إحرمه ، ویقطع التلبیة حین یدخل مکة ، فیطوف ، ویسعی بین الصفا والمروة ، ویحلق رأسه ، وینصرف إلی أهله إن شاء » وقال : « هذا لمن اشترط علی ربه عند إحرامه ، فإن لم یکن اشترط فإن علیه الحج من قابل » (1).

واستشکله العلامة فی المنتهی بأن الحج الفائت إن کان واجبا لم یسقط فرضه فی العام المقبل بمجرد الاشتراط ، وإن لم یکن واجبا لم یجب بترک الاشتراط. ثم قال : والوجه حمل إلزام الحج فی القابل مع ترک الاشتراط علی شدة الاستحباب (2). وهو حسن. مع أن العلامة - رحمه الله - قال فی موضع آخر من المنتهی : الاشتراط لا یفید سقوط فرض الحج فی القابل لو فاته الحج ، ولا نعلم فیه خلافا (3).

ورابعها : أن فائدة هذا الشرط استحقاق الثواب بذکره فی عقد الإحرام ، لأنه دعاء مأمور به وإن لم یکن له حکم مخالف لحکم غیر المشترط. وهذا هو الذی رجّحه الشارح فی جملة من مصنفاته (4).

والذی یقتضیه النظر أن فائدته سقوط التربص عن المحصر ، کما یستفاد من قوله علیه السلام : « وحلّنی حیث حبستنی » وسقوط الهدی عن المصدود ، لما ذکرناه من الأدلة ، مضافا إلی ضعف دلیل وجوبه بدون الشرط کما سنبینه فی محله. بل لا یبعد سقوطه مع الحصر أیضا ، کما ذهب إلیه

ص: 291


1- التهذیب 5 : 295 - 1001 ، الإستبصار 2 : 308 - 1098 ، الوسائل 10 : 65 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.
2- المنتهی 2 : 853.
3- المنتهی 2 : 680.
4- المسالک 1 : 108 ، الروضة البهیة 2 : 369.

الخامسة : إذا تحلّل المحصور لا یسقط الحج عنه فی القابل إن کان واجبا ، ویسقط إن کان ندبا.

والمندوبات : رفع الصوت بالتلبیة للرجال ، وتکرارها عند نومه واستیقاظه ، وعند علوّ الآکام ونزول الأهضام ،

______________________________________________________

المرتضی (1) وابن إدریس (2).

ولا ینافی ذلک قوله علیه السلام فی حسنة زرارة : « هو حل إذا حبسه اشترط أو لم یشترط (3) لأن أقصی ما یستفاد من الروایة ثبوت التحلل مع الحبس فی الحالین ونحن نقول به ، ولا یلزم من ذلک تساویهما من کل وجه ، فیجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط ولزومه بدونه ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( الخامسة ، إذا تحلّل المحصور لا یسقط الحج عنه فی القابل إن کان واجبا ، ویسقط إن کان ندبا ).

أما سقوط الندب فلا إشکال فیه. وکذا الواجب الذی لم یستقر قبل عام الحصر ، لأن الحصر یکشف عن انتفاء الوجوب فی نفس الأمر ، لعدم استجماع شرائطه. نعم لو کان الحج مستقرا فی الذمة قبل عام الحصر وجب فعله فی المستقبل. وکذا لو حصلت الاستطاعة بعد ذلک العام. ولا فرق فی ذلک کله بین المشترط وغیره.

قوله : ( والمندوبات ، رفع الصوت بالتلبیة للرجال ، وتکرارها عند نومه واستیقاظه ، وعند علوّ الآکام ونزول الأهضام ).

یدل علیه روایات کثیرة ، منها صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة فی

عدم سقوط الحج عن المحصور

مندوبات الاحرام

استحباب رفع الصوت بالتلبیة

مواضع استحباب تکرار التلبیة

ص: 292


1- الانتصار : 104.
2- السرائر : 125.
3- الکافی 4 : 333 - 7 ، التهذیب 5 : 80 - 267 ، الوسائل 9 : 35 أبواب الإحرام ب 25 ح 1.

______________________________________________________

صدر الباب ، حیث قال فی آخرها : « تقول هذا فی دبر کل صلاة مکتوبة أو نافلة ، وحین ینهض بک بعیرک ، وإذا علوت شرفا ، أو هبطت وادیا ، أو لقیت راکبا ، أو استیقظت من منامک ، وبالأسحار ، وأکثر ما استطعت ، واجهر بها » (1).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، حیث قال فیها بعد أن ذکر کیفیة تلبیة النبی صلی الله علیه و آله : « وکان یلبی کلما لقی راکبا ، أو علا أکمة ، أو هبط وأدیا ، ومن آخر اللیل ، وفی أدبار الصلاة » (2).

وصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « واجهر بها کلما رکبت ، وکلما نزلت ، وکلما هبطت وادیا ، أو علوت أکمة ، أو لقیت راکبا ، وبالأسحار » (3).

ولیس فی هذه الروایات دلالة علی استحباب التلبیة عند النوم ، وکان الأولی أن یذکر فی محله التلبیة بالأسحار ، وعند ملاقاة الراکب ، وتکرارها فی دبر کل صلاة مکتوبة أو نافلة ، کما تضمنته الروایات.

ویدل علی استحباب الجهر بالتلبیة مضافا إلی ما سبق ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حریز ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام ، أنهما قالا : « لما أحرم رسول الله صلی الله علیه و آله أتاه جبرائیل علیه السلام فقال له : مر أصحابک بالعج والثج ، فالعج : رفع الصوت بالتلبیة ، والثج : نحر البدن » (4).

ص: 293


1- الکافی 4 : 335 - 3 ، التهذیب 5 : 91 - 300 ، الوسائل 9 : 53 أبواب الإحرام ب 40 ح 2.
2- الفقیه 2 : 210 - 959 ، الوسائل 9 : 54 أبواب الإحرام ب 40 ح 4.
3- التهذیب 5 : 92 - 301 ، الوسائل 9 : 53 أبواب الإحرام ب 40 ح 3.
4- التهذیب 5 : 92 - 302 ، الوسائل 9 : 50 أبواب الإحرام ب 37 ح 1.

فإن کان حاجا فإلی یوم عرفة عند الزوال ،

______________________________________________________

وقال الشیخ فی التهذیب : إن الإجهار بالتلبیة واجب مع القدرة والإمکان (1). ولعل مراده تأکد الاستحباب.

ویدل علی اختصاص الاستحباب بالرجال ما رواه الشیخ ، عن فضالة بن أیوب ، عمن حدثه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن الله تعالی وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبیة ، والسعی بین الصفا والمروة ، ودخول الکعبة ، والاستلام » (2).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس علی النساء جهر بالتلبیة » (3).

والإکام بکسر الهمزة : جمع أکم بالفتح ، والأکم : جمع أکمة بالفتح أیضا ، وهی التل. والآکام بفتح الهمزة وقلب الثانیة حرف مد : جمع أکم بالضم ، مثل عنق وأعناق ، والأکم بالضم : جمع إکام بالکسر ، وهو الجمع المتقدم مثل کتاب وکتب ، فالآکام بالهمزتین جمع رابع ، وهو ثالث جمع الجمع (4).

والأهضام : جمع هضم بکسر الهاء وفتحها وسکون الضاد ، وهو المطمئن من الأرض وبطن الوادی (5).

قوله : ( فإن کان حاجا فإلی یوم عرفة عند الزوال ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة ، منها صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا زالت الشمس یوم عرفة فاقطع التلبیة عند

محل قطع التلبیة

ص: 294


1- التهذیب 5 : 92.
2- التهذیب 5 : 93 - 303 ، الوسائل 9 : 51 أبواب الإحرام ب 38 ح 1.
3- التهذیب 5 : 93 - 304 ، الوسائل 9 : 51 أبواب الإحرام ب 38 ح 5.
4- راجع الصحاح 5 : 1862.
5- راجع القاموس المحیط 4 : 193.

وإن کان معتمرا بمتعة فإذا شاهد بیوت مکة.

______________________________________________________

زوال الشمس » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الحاج یقطع التلبیة یوم عرفة زوال الشمس » (2).

وصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا زاغت الشمس یوم عرفة فاقطع التلبیة » (3).

ومقتضی الروایات وجوب القطع حینئذ. ونقل عن علی بن بابویه (4) والشیخ (5) التصریح بذلک ، وهو حسن.

قوله : ( وإن کان معتمرا بمتعة فإذا شاهد بیوت مکة ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المتمتع إذا نظر إلی بیوت مکة قطع التلبیة » (6).

قال المفید فی المقنعة : وحد بیوت مکة عقبة المدنیین ، وإن کان قاصدا إلیها من طریق العراق فإنه یقطع التلبیة إذا بلغ عقبة ذی طوی (7). وکأن مستنده الجمع بین صحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام : أنه سئل عن المتمتع متی یقطع التلبیة؟ قال :

ص: 295


1- التهذیب 5 : 181 - 608 ، الوسائل 9 : 59 أبواب الإحرام ب 44 ح 5.
2- الکافی 4 : 462 - 1 ، الوسائل 9 : 59 أبواب الإحرام ب 44 ح 1.
3- التهذیب 5 : 182 - 610 ، الوسائل 10 : 10 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 9 ح 4.
4- نقله عنه فی الدروس : 98.
5- النهایة : 248 ، والمبسوط 1 : 365 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 233 ، الخلاف 1 : 433.
6- التهذیب 5 : 94 - 307 ، الإستبصار 2 : 176 - 581 ، الوسائل 9 : 57 أبواب الإحرام ب 43 ح 2 ، ورواه فی الکافی 4 : 399 - 3.
7- المقنعة : 63.

وإن کان بعمرة مفردة ، قیل : کان مخیرا فی قطع التلبیة عند دخول الحرم ، أو مشاهدة الکعبة. وقیل : إن کان ممن خرج من مکة للإحرام فإذا شاهد الکعبة وإن کان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم ، والکل جائز.

______________________________________________________

« إذا نظر إلی عراش مکة عقبة ذی طوی » قلت : بیوت مکة قال : « نعم » (1). وروایة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخلت مکة وأنت متمتع فنظرت إلی بیوت مکة فاقطع التلبیة ، وحد بیوت مکة التی کانت قبل الیوم إذا بلغت عقبة المدنیین فاقطع التلبیة » (2).

قوله : ( وإن کان بعمرة مفردة ، قیل : کان مخیرا فی قطع التلبیة عند دخول الحرم أو مشاهدة الکعبة ، وقیل : إن کان ممّن خرج من مکة للإحرام فإذا شاهد الکعبة ، وإن کان ممّن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم ، والکل جائز ).

القول بالتخییر لابن بابویه - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه ، فإنه روی فی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال : « ومن خرج من مکة یرید العمرة ثم دخل معتمرا لم یقطع التلبیة حتی ینظر إلی الکعبة » (3).

وفی الموثق عن یونس بن یعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یعتمر عمرة مفردة ، من أین یقطع التلبیة؟ قال : « إذا رأیت بیوت مکة ذی طوی فاقطع التلبیة » (4).

ص: 296


1- الکافی 4 : 399 - 4 ، التهذیب 5 : 94 - 310 ، الإستبصار 2 : 176 - 584 ، الوسائل 9 : 57 أبواب الإحرام ب 43 ح 4.
2- الکافی 4 : 399 - 1 ، التهذیب 5 : 94 - 309 ، الإستبصار 2 : 176 - 583 ، الوسائل 9 : 57 أبواب الإحرام ب 43 ح 1.
3- الفقیه 2 : 276 - 1350 ، الوسائل 9 : 61 أبواب الإحرام ب 45 ح 8.
4- الفقیه 2 : 277 - 1354 بتفاوت یسیر ، التهذیب 5 : 95 - 314 ، الإستبصار 2 : 177 - 587 ، الوسائل 9 : 61 أبواب الإحرام ب 45 ح 3.

______________________________________________________

وعن الفضیل بن یسار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، قلت : دخلت بعمرة ، فأین أقطع التلبیة؟ قال : « حیال العقبة عقبة المدنیین » فقلت : أین عقبة المدنیین؟ قال : « حیال القصارین » (1).

وعن مرازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یقطع صاحب العمرة المفردة التلبیة إذا وضعت الإبل أخفافها فی الحرم » (2).

ثم قال : وروی أنه یقطع التلبیة إذا نظر إلی بیوت مکة (3).

وقال ، قال مصنف هذا الکتاب : هذه الأخبار کلها صحیحة متفقة لیست مختلفة ، والمعتمر عمرة مفردة یقطع التلبیة فی أی موضع من هذه المواضع شاء (4).

وقال الشیخ فی الاستبصار بعد أن أورد هذه الروایات : قال محمد بن الحسن ، الوجه فی الجمع بین هذه الأخبار أن نحمل الروایة الأخیرة - وعنی بها روایة الفضیل بن یسار - علی من جاء من طریق المدینة (5) ، والروایة التی تضمنت عند النظر إلی الکعبة علی من یکون قد خرج من مکة للعمرة ، وعلی هذا الوجه لا تنافی بینها ولا تضاد ، والروایة التی ذکرناها فی الباب الأول بأنه یقطع المعتمر التلبیة إذا دخل الحرم نحملها علی الجواز ، وهذه الروایات مع اختلاف ألفاظها علی الفضل والاستحباب. ثم قال : وکان أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه - رحمه الله - حین روی هذه الروایات

ص: 297


1- الفقیه 2 : 277 - 1353 ، التهذیب 5 : 96 - 316 ، الإستبصار 2 : 177 - 589 ، الوسائل 9 : 62 أبواب الإحرام ب 45 ح 11.
2- الکافی 4 : 537 - 1 ، الفقیه 2 : 277 - 1355 ، الوسائل 9 : 61 أبواب الإحرام ب 45 ح 6.
3- الفقیه 2 : 277 - 1356 ، الوسائل 9 : 62 أبواب الإحرام ب 45 ح 7.
4- الفقیه 2 : 277.
5- فی الاستبصار زیادة یحسن ذکرها : والروایة التی فیها : إنه یقطع التلبیة عند ذی طوی علی من جاء من طریق العراق.

ویرفع صوته بالتلبیة إذا حج علی طریق المدینة إذا علت راحلته البیداء ، إن کان راجلا فحیث یحرم.

______________________________________________________

یحملها علی التخییر حین ظن أنها متنافیة ، وعلی ما فسرناه لیست متنافیة ، ولو کانت متنافیة لکان الوجه الذی ذکره صحیحا (1). هذا کلامه رحمه الله .

والحق أن الأخبار مختلفة ظاهرا ، والجمع بینها بکل من الأمرین محتمل ، إلا أن ما ذکره الشیخ أقرب إلی مدلولها ، فیکون المصیر إلیه أولی.

قوله : ( ویرفع صوته بالتلبیة إذا حج علی طریق المدینة إذا علت راحلته البیداء ، وإن کان راجلا فحیث یحرم ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن کنت ماشیا فاجهر بإهلالک وتلبیتک من المسجد ، وإن کانت راکبا فإذا علت راحلتک البیداء » (2).

وقال الشیخ فی التهذیب : وأول المواضع التی یجهر الإنسان فیها بالتلبیة إذا أراد الحج علی طریق المدینة البیداء حیث المیل ، روی ذلک الحسین بن سعید ، عن حماد ، عن معاویة بن وهب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التهیؤ للإحرام فقال : « فی مسجد الشجرة فقد صلی فیه رسول الله صلی الله علیه و آله ، وقد تری ناسا یحرمون [ منه ] (3) فلا تفعل حتی تنتهی إلی البیداء حیث المیل ، فتحرمون کما أنتم فی محاملکم ، تقول : لبیک اللهم لبیک ، لبیک لا شریک لک لبیک ، إن الحمد والنعمة لک والملک لا شریک لک لبیک بمتعة بعمرة إلی الحج » (4).

موضع رفع الصوت بالتلبیة لمن حج من المدینة

ص: 298


1- الاستبصار 2 : 177.
2- التهذیب 5 : 85 - 281 ، الإستبصار 2 : 170 - 563 ، الوسائل 9 : 44 أبواب الإحرام ب 34 ح 1.
3- أثبتناه من المصدر.
4- التهذیب 5 : 84 - 277 ، الإستبصار 2 : 169 - 559 ، الوسائل 9 : 44 أبواب الإحرام ب 34 ح 3.

ویستحب التلفظ بما یعزم علیه ،

______________________________________________________

وعنه ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت عند الشجرة فلا تلب حتی تأتی البیداء حیث یقول الناس یخسف بالجیش » (1).

وعنه ، عن صفوان ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله لم یکن یلب حتی یأتی البیداء » (2).

وأقول : إن هذه الروایات لا دلالة لها علی حکم الجهر ، وإنما المستفاد منها النهی عن التلبیة قبل الوصول إلی البیداء ، وغایة ما یمکن حمله علی الکراهة ، جمعا بین الأدلة.

قوله : ( ویستحب التلفظ بما یعزم علیه ).

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : إنی أرید أن أتمتع بالعمرة إلی الحج ، کیف أقول؟ قال : « تقول : اللهم إنی أرید أن أتمتع بالعمرة إلی الحج علی کتابک وسنة نبیک ، وإن شئت أضمرت الذی ترید » (3).

والأفضل أن یذکر فی تلبیة عمرة التمتع الحج والعمرة معا ، علی معنی أنه ینوی فعل العمرة أولا ثم الحج بعدها ، باعتبار دخولها فی حج التمتع ، لقوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « إن أمیر المؤمنین علیه السلام کان

استحباب التلفظ بما یعزم علیه

ص: 299


1- التهذیب 5 : 84 - 278 ، الإستبصار 2 : 170 - 560 ، الوسائل 9 : 44 أبواب الإحرام ب 34 ح 4.
2- التهذیب 5 : 84 - 279 ، الإستبصار 2 : 170 - 561 ، الوسائل 9 : 44 أبواب الإحرام ب 34 ح 5.
3- التهذیب 5 : 79 - 261 ، الإستبصار 2 : 167 - 551 ، الوسائل 9 : 24 أبواب الإحرام ب 17 ح 1.

______________________________________________________

یقول فیها : لبیک بحجة وعمرة معا لبیک » (1).

وفی صحیحة یعقوب بن شعیب ، قلت له : کیف تصنع أنت؟ فقال : « أجمعهما فأقول : لبیک بحجة وعمرة معا » (2).

ولو أهل المتمتع بالحج جاز ، لدخول عمرة التمتع فیه ، کما تدل علیه صحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام ، کیف أتمتع؟ قال : « تأتی الوقت فتلبی بالحج ، فإذا دخلت مکة طفت بالبیت ، وصلیت رکعتین خلف المقام ، وسعیت بین الصفا والمروة ، وقصّرت ، وأحللت من کل شی ء ، ولیس لک أن تخرج من مکة حتی تحج » (3).

قال الشهید فی الدروس بعد أن ذکر أن فی بعض الروایات الإهلال بعمرة التمتع ، وفی بعضها الإهلال بالحج ، وفی بعض آخر الإهلال بهما : ولیس ببعید إجزاء الجمیع ، إذ الحج المنوی هو الذی دخلت فیه العمرة ، فهو دال علیها بالتضمن ، ونیتهما معا باعتبار دخول الحج فیها (4). وهو حسن.

قال فی المنتهی : ولو اتقی کان الأفضل الإضمار (5). واستدل علیه بروایات ، منها صحیحة منصور بن حازم ، قال : أمرنا أبو عبد الله علیه السلام أن نلبّی ولا نسمّی شیئا ، وقال : « أصحاب الإضمار أحب إلیّ » (6) ولا بأس به.

ص: 300


1- التهذیب 5 : 85 - 282 ، الإستبصار 2 : 171 - 564 ، الوسائل 9 : 30 أبواب الإحرام ب 21 ح 7.
2- التهذیب 5 : 88 - 291 ، الإستبصار 2 : 173 - 573 ، الوسائل 9 : 25 أبواب الإحرام ب 21 ح 3.
3- التهذیب 5 : 86 - 284 ، الإستبصار 2 : 171 - 566 ، الوسائل 9 : 31 أبواب الإحرام ب 22 ح 3.
4- الدروس : 97.
5- المنتهی 2 : 676.
6- الکافی 4 : 333 - 8 وفیه عن الحضرمی والشحام وابن حازم ، التهذیب 5 : 87 - 287 ، الإستبصار 2 : 172 - 569 ، الوسائل 9 : 25 أبواب الإحرام ب 17 ح 5.

والاشتراط أن یحله حیث حبسه. وإن لم یکن حجة فعمرة ، وأن یحرم فی الثیاب القطن ، وأفضله البیض.

______________________________________________________

قوله : ( والاشتراط أن یحله حیث حبسه ، وإن لم تکن حجة فعمرة ).

موضع الشرط عقد الإحرام ، ولا تکفی فیه النیة ، لورود النص بالقول. ولو کان الإحرام بالعمرة المفردة اقتصر علی الشرط الأول ، وقد تقدم الکلام فی ذلک (1).

قوله : ( وأن یحرم فی الثیاب القطن ، وأفضله البیض ).

أما استحباب الإحرام فی الثیاب القطن فیدل علیه ما رواه الکلینی مرسلا عن بعضهم ، قال : « أحرم رسول الله صلی الله علیه و آله فی ثوبی کرسف » (2).

وأما أفضلیة البیض فلما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « خیر ثیابکم البیض ، فألبسوها أحیاءکم ، وکفنوا بها موتاکم » (3) ویؤیده صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان ثوبا رسول الله صلی الله علیه و آله اللذان أحرم فیهما یمانیین عبری وأظفار ، وفیهما کفّن » (4) والظاهر أنهما کانا أبیضین ، للقطع باستحباب ذلک فی الکفن.

ولا بأس بالإحرام فی الثوب الأخضر ، لما رواه ابن بابویه ، عن خالد بن أبی العلاء الخفاف ، قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام وعلیه

استحباب اشتراط التحلیل

استحباب الاحرام بثیاب القطن البیض

ص: 301


1- راجع ص 288.
2- الکافی 4 : 339 - 1 ، الوسائل 9 : 37 أبواب الإحرام ب 27 ح 3.
3- أمالی الطوسی : 398 ، الوسائل 3 : 356 أبواب أحکام الملابس ب 14 ح 5.
4- الکافی 4 : 339 - 2 ، الفقیه 2 : 214 - 975 ، الوسائل 9 : 36 أبواب الإحرام ب 27 ح 2.

وإذا أحرم بالحج من مکة رفع صوته بالتلبیة إذا أشرف علی الأبطح.

______________________________________________________

برد أخضر وهو محرم (1).

ولا کراهة فی الثوب المصبوغ بالمشق ، لما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یحرم الرجل فی ثوب مصبوغ بمشق » (2).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عاصم بن حمید ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سمعته وهو یقول : « کان علی علیه السلام محرما ومعه بعض صبیانه وعلیه ثوبان مصبوغان ، فمر به عمر بن الخطاب فقال : یا أبا الحسن ما هذان الثوبان المصبوغان؟

فقال له علیه السلام : ما نرید أحدا یعلمنا بالسنة ، إنما هما ثوبان صبغا بالمشق ، یعنی الطین » (3).

قوله : ( وإذا أحرم بالحج من مکة رفع صوته بالتلبیة إذا أشرف علی الأبطح ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کان یوم الترویة إن شاء الله فاغتسل ، ثم ألبس ثوبیک وادخل المسجد حافیا وعلیک السکینة والوقار ، ثم صل رکعتین عند مقام إبراهیم علیه السلام أو فی الحجر ، ثم اقعد حتی تزول الشمس فصل المکتوبة ، ثم قل فی دبر صلاتک کما قلت حین أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج ، ثم امض وعلیک السکینة والوقار ، فإذا انتهیت إلی الرقطاء دون الردم فلب ، فإذا انتهیت إلی الردم وأشرفت علی الأبطح فارفع صوتک بالتلبیة حتی تأتی منی » (4).

محل رفع الصوت بالتلبیة للمحرم من مکة

ص: 302


1- الفقیه 2 : 215 - 978 ، الوسائل 9 : 37 أبواب الإحرام ب 28 ح 1.
2- الکافی 4 : 343 - 20 ، الوسائل 9 : 121 أبواب الإحرام ب 42 ح 3.
3- التهذیب 5 : 67 - 219 ، الوسائل 9 : 121 أبواب الإحرام ب 42 ح 2.
4- التهذیب 5 : 167 - 557 ، الوسائل 10 : 2 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 1 ح 1.

ویلحق بذلک تروک الإحرام ، وهی محرمات ومکروهات : فالمحرمات عشرون شیئا : مصید البرّ ، اصطیادا أو أکلا

______________________________________________________

ومقتضی الروایة تأخیر التلبیة عن الإحرام إلی أن ینتهی إلی الرقطاء دون الردم فیلبی سرا ، ثم یجهر بها إذا أشرف علی الأبطح. ویستفاد من إطلاقها عدم الفرق فی ذلک بین الماشی والراکب.

وقال الشیخ فی التهذیب : إن الماشی یلبی من الموضع الذی یصلی فیه ، والراکب یلبی عند الرقطاء ، أو عند شعب الذب ، ولا یجهران بالتلبیة إلا عند الإشراف علی الأبطح (1). واستدل علی ذلک بما رواه عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کان یوم الترویة فاصنع کما صنعت بالشجرة ، ثم صل رکعتین خلف المقام ، ثم أهل بالحج ، فإن کنت ماشیا فلب عند المقام ، وإن کنت راکبا فإذا نهض بک بعیرک » (2) وهی مع ضعف سندها (3) غیر دالة علی ما ذکره.

ویجوز التلبیة من المسجد للماشی والراکب ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ومعاویة بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبی جمیعا عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وإن أهللت من المسجد الحرام للحج ، فإن شئت لبیت خلف المقام ، وأفضل ذلک أن تمضی حتی تأتی الرقطاء ، وتلبی قبل أن تصیر إلی الأبطح » (4).

قوله : ( ویلحق بذلک تروک الإحرام ، وهی محرمات ومکروهات ، فالمحرمات عشرون شیئا : مصید البر ، اصطیادا أو أکلا

محرمات الاحرام

حرمة مصید البر

ص: 303


1- التهذیب 5 : 168.
2- التهذیب 5 : 169 - 561 ، الإستبصار 2 : 252 - 886 ، الوسائل 9 : 63 أبواب الإحرام ب 46 ح 2.
3- لأن من جملة رجالها محمد بن عمر بن یزید وهو لم یوثق.
4- الفقیه 2 : 207 - 943 ، الوسائل 9 : 63 أبواب الإحرام ب 46 ح 1.

ولو صاده محل ، وإشارة ودلالة ، وإغلاقا وذبحا.

______________________________________________________

ولو صاده محل ، وإشارة ودلالة ، وإغلاقا وذبحا ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول کل من یحفظ عنه العلم (1). والأصل فیه الکتاب والسنة ، قال الله تعالی : ( وَحُرِّمَ عَلَیْکُمْ صَیْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (2) وقال الله عزّ وجلّ ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّیْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (3).

وأما السنة فمستفیضة ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تستحلن شیئا من الصید وأنت حرام ، ولا أنت حلال فی الحرم ، ولا تدل علیه محلا ولا محرما فیصطاده ، ولا تشر إلیه فیستحل من أجلک ، فإن فیه الفداء لمن تعمده » (4).

وفی الصحیح عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المحرم لا یدل علی الصید ، فإن دل علیه فقتل فعلیه الفداء » (5).

وما رواه الشیخ (6) ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « واجتنب فی إحرامک صید البر کله ، ولا تأکل مما صاده غیرک ، ولا تشر إلیه فیصیده غیرک » (7).

وفی الصحیح عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن لحوم الوحش تهدی للرجل وهو محرم لم یعلم بصیده ولم یأمر به ، أیأکله؟

ص: 304


1- المنتهی 2 : 802.
2- المائدة : 96.
3- المائدة : 95.
4- الکافی 4 : 381 - 1 ، الوسائل 9 : 208 أبواب کفارات الصید وتوابعها ب 17 ح 1.
5- الکافی 4 : 381 - 2 ، التهذیب 5 : 467 - 1634 ، الإستبصار 2 : 187 - 629 ، الوسائل 9 : 208 أبواب کفارات الصید ب 17 ح 2.
6- فی « ض » زیادة : فی الصحیح.
7- التهذیب 5 : 300 - 1021 ، الوسائل 9 : 75 أبواب تروک الإحرام ب 1 ح 5.

______________________________________________________

قال : « لا » (1).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تأکل من الصید وأنت حرام وإن کان أصابه محل ، ولیس علیک فداء ما أتیته بجهالة إلا الصید ، فإن علیک الفداء فیه بجهل کان أو بعمد » (2) والأخبار الواردة فی ذلک کثیرة جدا.

ولم یذکر المصنف هنا ما یحرم من الصید ، وذکر فیما سیأتی أن الصید هو الحیوان الممتنع ، وخصه فی النافع بالحیوان المحلّل الممتنع ، وألحق به جمع من الأصحاب ستة من المحرّم وهی : الثعلب ، والأرنب ، والضب ، والیربوع ، والقنفذ ، والقمل ، وألحق به آخرون الزنبور ، والأسد ، والعظایة. ونقل عن أبی الصلاح أنه حرم قتل جمیع الحیوانات ، إلا إذا خاف منه ، أو کان حیة ، أو عقربا ، أو فأرة ، أو غرابا (3). وسیجی ء الکلام فی ذلک مفصلا إن شاء الله تعالی (4).

واعلم أن الدلالة أعم من الإشارة ، لتحققها بالإشارة بشی ء من أجزاء البدن والکتابة والقول ، واختصاص الإشارة بأجزاء البدن.

ولا فرق فی تحریم الدلالة علی المحرم بین کون المدلول محرما أو محلا ، ولا بین الدلالة الخفیة والواضحة.

ولو فعل المحرم عند رؤیة الصید فعلا فطن غیره بسببه للصید ، کما لو تشوف إلیه أو ضحک ، ففی تحریمه وجهان : من الشک فی تسمیته دلالة ، وکونه فی معناها.

ولا یخفی أن الدلالة إنما تحرم لمن یرید الصید إذا کان جاهلا

ص: 305


1- التهذیب 5 : 314 - 1084 ، الوسائل 9 : 77 أبواب تروک الإحرام ب 2 ح 1.
2- التهذیب 5 : 315 - 1085 ، الوسائل 9 : 77 أبواب تروک الإحرام ب 2 ح 3.
3- الکافی فی الفقه : 203.
4- فی ج 8 ص 312.

ولو ذبحه کان میتة حراما علی المحل والمحرم.

______________________________________________________

بالمدلول علیه ، فلو لم یکن مریدا للصید ، أو کان عالما به ولم تفده الدلالة زیادة انبعاث فلا حکم لها ، بل الظاهر أن مثل ذلک لا یسمی دلالة.

قوله : ( ولو ذبحه کان میتة حراما علی المحل والمحرم ).

هذا الحکم مشهور بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (1). واستدل علیه بما رواه الشیخ ، عن وهب ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علی علیه السلام ، قال : « إذا ذبح المحرم الصید لم یأکله الحلال والحرام ، وهو کالمیتة ، وإذا ذبح الصید فی الحرم فهو میتة حلال ذبحه أو حرام » (2).

وعن إسحاق عن جعفر أن علیا علیه السلام کان یقول : « إذا ذبح المحرم الصید فی غیر الحرم فهو میتة لا یأکله محل ولا محرم ، وإذا ذبح المحل الصید فی جوف الحرم فهو میتة لا یأکله محل ولا محرم » (3).

وفی الروایتین قصور من حیث السند ، أما الأولی فباشتراک وهب الراوی بین الضعیف وغیره ، وأما الثانیة فبأن من جملة رجالها الحسن بن موسی الخشاب ، وهو غیر موثق ، بل ولا ممدوح مدحا یعتد به ، وإسحاق بن عمار وهو فطحی.

وذهب الصدوق فی من لا یحضره الفقیه إلی أن مذبوح المحرم فی غیر الحرم لا یحرم علی المحل مطلقا (4). وحکاه شیخنا الشهید فی الدروس عن ابن الجنید أیضا (5). ویدل علی هذا القول مضافا إلی الأصل روایات کثیرة ،

ص: 306


1- المنتهی 2 : 803.
2- التهذیب 5 : 377 - 1315 ، الإستبصار 2 : 214 - 733 ، الوسائل 9 : 86 أبواب تروک الإحرام ب 10 ح 4.
3- التهذیب 5 : 377 - 1316 ، الإستبصار 2 : 214 - 734 ، الوسائل 9 : 86 أبواب تروک الإحرام ب 10 ح 5.
4- الفقیه 2 : 235.
5- الدروس : 103.

______________________________________________________

کصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أصاب صیدا وهو محرم ، أیأکل منه الحلال؟ فقال : « لا بأس ، إنما الفداء علی المحرم » (1).

وصحیحة حریز ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن محرم أصاب صیدا ، أیأکل منه المحل؟ فقال : « لیس علی المحل شی ء ، إنما الفداء علی المحرم » (2).

وصحیحة منصور بن حازم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أصاب صیدا وهو محرم ، آکل منه وأنا حلال؟ قال : « أنا کنت فاعلا » قلت له : فرجل أصاب مالا حراما فقال : « لیس هذا مثل هذا یرحمک الله » (3).

وحسنة الحلبی ، قال : « المحرم إذا قتل الصید فعلیه جزاؤه ، ویتصدق بالصید علی مسکین » (4).

وحسنة معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا أصاب المحرم الصید فی الحرم وهو محرم فإنه ینبغی له أن یدفنه ولا یأکله أحد ، وإذا أصابه فی الحل فإن الحلال یأکله وعلیه هو الفداء » (5).

وأجاب الشیخ فی التهذیب عن الروایتین الأخیرتین بالحمل علی ما إذا أدرک الصید وبه رمق بحیث یحتاج إلی الذبح ، فإنه یجوز للمحل والحال هذه

ص: 307


1- التهذیب 5 : 375 - 1307 ، الإستبصار 2 : 215 - 738 ، الوسائل 9 : 78 أبواب تروک الإحرام ب 3 ح 5.
2- التهذیب 5 : 375 - 1306 ، الإستبصار 2 : 215 - 737 ، الوسائل 9 : 78 أبواب تروک الإحرام ب 3 ح 4.
3- التهذیب 5 : 375 - 1305 ، الوسائل 9 : 78 أبواب تروک الإحرام ب 3 ح 3.
4- التهذیب 5 : 467 - 1633 ، الإستبصار 2 : 211 - 720 ، الوسائل 9 : 244 أبواب کفارات الصید ب 48 ح 1.
5- الکافی 4 : 382 - 6 ، التهذیب 5 : 378 - 1318 ، الإستبصار 2 : 215 - 736 ، الوسائل 9 : 78 أبواب تروک الإحرام ب 3 ح 2.

وکذا یحرم فرخه وبیضه. والجراد فی معنی الصید البرّی.

______________________________________________________

أن یذبحه ویأکله. وهو تأویل بعید ، ثم قال : ویجوز أیضا أن یکون المراد إذا قتله برمیه إیاه ولم یکن ذبحه ، فإنه إذا کان الأمر علی ذلک جاز أکله للمحل دون المحرم. والأخبار الأولة تناولت من ذبح وهو محرم ، ولیس الذبح من قبیل الرمی فی شی ء (1). وهذا التفصیل ظاهر اختیار شیخنا المفید فی المقنعة (2) ، وفیه جمع بین الأخبار المتعارضة ، إلا أنها لیست متکافئة من حیث السند کما بیناه. وکیف کان فالاقتصار علی إباحة غیر المذبوح من الصید - کما ذکره الشیخان - أولی وأحوط ، وأحوط منه اجتناب الجمیع.

قوله : ( وکذا یحرم فرخه وبیضه ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء ، قال فی التذکرة (3) : ویدل علیه الروایات الکثیرة المتضمنة لثبوت الکفارة بذلک ، کصحیحة حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فی الحمامة درهم ، وفی الفرخ نصف درهم ، وفی البیض ربع درهم » (4).

قوله : ( والجراد فی معنی الصید البری ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، قاله فی التذکرة (5). وقال بعض العامة : إنه من صید البحر ، لأنه یتولد من روث السمک (6). ویدل علی تحریمه علی المحرم روایات کثیرة ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « مر علی صلوات الله علیه علی قوم یأکلون جرادا وهم محرمون ، فقال : سبحان الله وأنتم محرمون! فقالوا : إنما هو من صید

حرمة فرخ وبیض مصید البر

الجراد من صید البر

ص: 308


1- التهذیب 5 : 377.
2- المقنعة : 69.
3- التذکرة 1 : 328.
4- الکافی 4 : 234 - 10 ، التهذیب 5 : 345 - 1196 ، الإستبصار 2 : 200 - 677 ، الوسائل 9 : 196 أبواب کفارات الصید ب 10 ح 5.
5- التذکرة 1 : 330.
6- ذکره العینی فی عمدة القاری 10 : 164.

ولا یحرم صید البحر ، وهو ما یبیض ویفرّخ فی الماء.

______________________________________________________

البحر ، فقال : ارموه فی الماء إذن » (1).

وصحیحة معاویة (2) ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لیس للمحرم أن یأکل جرادا ولا یقتله » (3) وحسنة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « اعلم أنه ما وطئت من الدباء أو أوطأته بعیرک فعلیک فداؤه » (4).

قوله : ( ولا یحرم صید البحر ، وهو ما یبیض ویفرّخ فی الماء ).

أجمع العلماء کافة علی عدم تحریم صید البحر وجواز أکله وسقوط الفدیة فیه. والأصل فیه قوله تعالی ( أُحِلَّ لَکُمْ صَیْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَکُمْ وَلِلسَّیّارَةِ ) (5).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یصید المحرم السمک ویأکل مالحه وطریّه ویتزوّد وقال ( أُحِلَّ لَکُمْ صَیْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَکُمْ ) قال : مالحه الذی یأکلون ، وفصل ما بینهما : کل طیر یکون فی الآجام یبیض فی البر ویفرّخ فی البر فهو من صید البر ، وما کان من صید البر یکون فی البر ویبیض فی البحر (6) فهو من صید البحر » (7).

ویستفاد من هذه الروایة أن ما کان من الطیور یعیش فی البر والبحر یعتبر

عدم حرمة صید البحر

ص: 309


1- الکافی 4 : 393 - 6 ، وفی الفقیه 2 : 235 - 1119 ، والتهذیب 5 : 363 - 1263 ، والوسائل 9 : 83 أبواب تروک الإحرام ب 7 ح 1 : ارمسوه بدل ارموه ، وکذا فی « م ».
2- فی « ض » و « ح » والوسائل زیادة : ابن عمار.
3- التهذیب 5 : 363 - 1264 ، الوسائل 9 : 84 أبواب تروک الإحرام ب 7 ح 4.
4- الکافی 4 : 393 - 5 ، الوسائل 9 : 249 أبواب کفارات الصید ب 53 ح 2.
5- المائدة : 96.
6- فی الکافی زیادة : ویفرخ فی البحر.
7- الکافی 4 : 392 - 1 ، الوسائل 9 : 82 أبواب تروک الإحرام ب 6 ح 3.

والنساء ، وطئا وعقدا لنفسه ولغیره ،

______________________________________________________

بالبیض ، فإن کان مما یبیض فی البر فهو صید البر وإن کان ملازما للماء کالبط ونحوه ، وإن کان مما یبیض فی البحر فهو صید البحر. وقال العلامة - رحمه الله - فی المنتهی : إنه لا یعلم فی ذلک خلافا إلا من عطاء (1).

قوله : ( والنساء وطئا وعقدا لنفسه ولغیره ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، والأصل فیه قوله تعالی : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِی الْحَجِّ ) (2) والرفث هو الجماع بالنص الصحیح من الصادق والکاظم علیهماالسلام .

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس للمحرم أن یتزوج ولا یزوج ، فإن تزوج أو زوج محلا فتزوجه باطل » (3).

وفی الحسن عن معاویة بن عمار قال : « المحرم لا یتزوج ولا یزوّج ، فإن فعل فنکاحه باطل » (4).

وفی الصحیح عن محمد بن قیس ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل ملک بضع امرأة وهو محرم قبل أن یحل ، فقضی أن یخلّی سبیلها ، ولم یجعل نکاحه شیئا حتی یحل ، فإذا أحل خطبها إن شاء ، فإن شاء أهلها زوّجوه ، وإن شاءوا لم یزوّجوه » (5).

ومقتضی الروایة أنها لا تحرم مؤبدا بالعقد. وحملها الشیخ (6) علی

- حرمة النساء للمحرم

ص: 310


1- المنتهی 2 : 802.
2- البقرة : 197.
3- التهذیب 5 : 328 - 1128 ، الإستبصار 2 : 193 - 647 ، الوسائل 9 : 89 أبواب تروک الإحرام ب 14 ح 1.
4- الکافی 4 : 372 - 4 ، التهذیب 5 : 330 - 1135 ، الوسائل 9 : 90 أبواب تروک الإحرام ب 14 ح 9.
5- التهذیب 5 : 330 - 1134 ، الوسائل 9 : 92 أبواب تروک الإحرام ب 15 ح 3.
6- التهذیب 5 : 329.

وشهادة علی العقد وإقامة ولو تحملها محلا ،

______________________________________________________

الجاهل ، جمعا بینها وبین خبرین ضعیفین وردا بالتحریم المؤبد بذلک مطلقا ، وحملا علی العالم. وهو مشکل ، لکن ظاهر المنتهی أن الحکم مجمع علیه بین الأصحاب (1) ، فإن تم فهو الحجة ، وإلا فللنظر فیه مجال.

قوله : ( وشهادة علی العقد ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین أن یکون العقد لمحل أو محرم ، وبهذا التعمیم صرح العلامة فی التذکرة والمنتهی (2) ، واستدل علیه بما رواه الشیخ ، عن الحسن بن علی ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المحرم لا ینکح ولا ینکح ولا یشهد ، فإن نکح فنکاحه باطل » (3).

وعن عثمان بن عیسی ، عن أبی شجرة ، عمن ذکره ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المحرم یشهد علی نکاح المحلین ، قال : « لا یشهد » (4).

وفی الروایتین قصور من حیث السند ، إلا أن الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب.

وینبغی قصر الحکم علی حضور العقد لأجل الشهادة ، فلو اتفق حضوره لا لأجل الشهادة لم یکن محرما.

ولا یبطل العقد بشهادة المحرم له قطعا ، لأن النکاح عندنا لا یعتبر فیه الشهادة.

قوله : ( وإقامة ولو تحملها محلاّ ).

حرمة الشهادة علی العقد وإقامتها

ص: 311


1- المنتهی 2 : 808.
2- التذکرة 1 : 342 ، والمنتهی 2 : 809.
3- التهذیب 5 : 330 - 1136 ، الوسائل 9 : 90 أبواب تروک الإحرام ب 14 ح 7.
4- التهذیب 5 : 315 - 1087 ، الإستبصار 2 : 188 - 630 ، الوسائل 9 : 89 أبواب تروک الإحرام ب 14 ح 5.

ولا بأس به بعد الإحلال ، وتقبیلا ونظرا بشهوة ،

______________________________________________________

نبّه بقوله : ولو تحملها محلا ، علی خلاف الشیخ - رحمه الله - حیث قیّد تحریم إقامة شهادة النکاح علی المحرم بما إذا تحملها وهو محرم (1). والمشهور عموم المنع ، لکن دلیله غیر واضح.

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی تحریم الإقامة بین أن یکون العقد الواقع بین محلّین أو محرمین أو بالتفریق. واستوجه العلامة فی التذکرة اختصاصه بعقد وقع بین محرمین أو محرم ومحل (2). وحکی عنه ولده فی شرح القواعد أنه قال : إن ذلک هو المقصود من کلام الأصحاب (3). ولا بأس به ، قصرا لما خالف الأصل علی موضع الوفاق إن تم ، وإلا اتجه عدم التحریم مطلقا.

وکیف کان فإنما یحرم علی المحرم الإقامة إذا لم یترتب علی ترکها محرّم ، فلو خاف به وقوع الزنا المحرّم وجب علیه تنبیه الحاکم علی أن عنده شهادة لیوقف الحکم إلی إحلاله ، ولو لم یندفع إلا بالشهادة وجب إقامتها قطعا.

قوله : ( ولا بأس به بعد الإحلال ).

هذه العبارة لا تخلو من شی ء ، وکأن (4) المراد منها أنه لا بأس بإقامة الشهادة بعد الإحلال وإن کان قد تحملها فی حال الإحرام. وینبغی (5) تقییده بما إذا وقعت الشهادة بعد التوبة ، لتحریم التحمل وقت الإحرام علی ما سبق.

قوله : ( وتقبیلا ونظرا بشهوة ).

حرمة التقبیل والنظر بشهوة

ص: 312


1- المبسوط 1 : 317.
2- التذکرة 1 : 343.
3- إیضاح الفوائد 1 : 292.
4- فی « ح » : ولو کان.
5- فی « ح » : فینبغی.

______________________________________________________

یدل علی ذلک روایات کثیرة ، کصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن محرم نظر إلی امرأته فأمنی أو أمذی وهو محرم ، قال : « لا شی ء علیه ، ولکن لیغتسل ویستغفر ربه ، وإن حملها من غیر شهوة فأمنی فلا شی ء علیه ، وإن حملها أو مسها بشهوة فأمنی أو أمذی فعلیه دم » وقال فی المحرم ینظر إلی امرأته وینزلها بشهوة حتی ینزل ، قال : « علیه بدنة » (1).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المحرم یضع یده من غیر شهوة علی امرأته ، قال : « نعم ، یصلح علیها خمارها ، ویصلح علیها ثوبها ومحملها » قلت : أفیمسها وهی محرمة!؟ قال : « نعم » قلت : المحرم یضع یده بشهوة ، قال : « یهریق دم شاة » قلت : فإن قبّل؟ قال : « هذا أشد ، ینحر بدنة » (2).

وروایة محمد بن مسلم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یحمل امرأته ویمسها فأمنی أو أمذی فقال : « إن حملها أو مسها بشهوة فأمنی أو لم یمن ، أو أمذی أو لم یمذ ، فعلیه دم شاة یهریقه ، وإن حملها أو مسها بغیر شهوة فلیس علیه شی ء ، أمنی أو لم یمن ، أمذی أو لم یمذ » (3).

قال الشارح قدس سره : ولا فرق فی ذلک - یعنی تحریم النظر بشهوة - بین الزوجة والأجنبیة بالنسبة إلی النظرة الأولی إن جوزناها ، وإلا فالحکم مخصوص بالزوجة (4). وکأن وجه الاختصاص عموم تحریم النظر إلی الأجنبیة علی هذا التقدیر ، وعدم اختصاصه بحالة الشهوة ، وهو جید ، إلا أن ذلک لا

ص: 313


1- الکافی 4 : 375 - 1 ، وفی التهذیب 5 : 325 - 1117 ، والاستبصار 2 : 191 - 642 : وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 9 : 274 أبواب کفارات الاستمتاع ب 17 ح 1.
2- الکافی 4 : 375 - 2 ، الوسائل 9 : 274 أبواب کفارات الاستمتاع ب 17 ح 2.
3- الفقیه 2 : 214 - 972 ، التهذیب 5 : 326 - 1119 ، المقنع : 76 ، الوسائل 9 : 275 أبواب کفارات الاستمتاع ب 17 ح 6.
4- المسالک 1 : 109.

وکذا الاستمناء.

تفریع :

الأول : إذا اختلف الزوجان فی العقد ، فادّعی أحدهما وقوعه فی الإحرام وأنکر الآخر ، فالقول قول من یدّعی الإحلال ، ترجیحا لجانب

______________________________________________________

ینافی اختصاص التحریم الإحرام بما کان بالشهوة ، کما أطلقه المصنف رحمه الله .

قوله : ( وکذا الاستمناء ).

وهو استدعاء المنی ، ولا ریب فی تحریمه ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یعبث بامرأته حتی یمنی وهو محرم من غیر جماع ، أو یفعل ذلک فی شهر رمضان فقال : « علیهما جمیعا الکفارة مثل ما علی الذی یجامع » (1).

وروایة إسحاق بن عمار ، عن أبی الحسن علیه السلام قال ، قلت له : ما تقول فی محرم عبث بذکره فأمنی؟ قال : « أری علیه مثل ما علی من أتی أهله وهو محرم : بدنة ، والحج من قابل » (2).

والظاهر أن الأمر بالحج محمول علی الاستحباب ، لضعف الروایة من حیث السند عن إثبات الوجوب ، ولما سیجی ء إن شاء الله من أن الحج إنما یفسد بالجماع قبل الموقفین (3).

قوله : ( تفریع ، إذا اختلف الزوجان فی العقد ، فادعی أحدهما وقوعه فی الإحرام ، وأنکر الآخر ، فالقول قول من یدّعی الإحلال ،

حرمة الاستمناء

حکم اختلاف الزوجان فی وقوع العقد فی الاحرام

ص: 314


1- الکافی 4 : 376 - 5 وفیه عن أبی الحسن علیه السلام ، التهذیب 5 : 327 - 1124 ، الوسائل 9 : 271 أبواب کفارات الاستمتاع ب 14 ح 1.
2- الکافی 4 : 376 - 6 ، التهذیب 5 : 324 - 1113 ، الإستبصار 2 : 192 - 646 ، الوسائل 9 : 272 أبواب کفارات الاستمتاع ب 15 ح 1.
3- فی ج 8 ص 406.

الصحة ،

______________________________________________________

ترجیحا لجانب الصحة ).

إذا اتفق الزوجان علی أن العقد وقع فی حال الإحرام بطل وسقط المهر قبل الدخول ، سواء کانا جاهلین أو عالمین أو بالتفریق ، لفساد العقد إجماعا. وإن دخل بها وهی جاهلة ثبت لها مهر المثل بما استحل من فرجها ، وفرّق بینهما مؤبدا مع العلم علی ما قطع به الأصحاب ، وإلی أن یحصل الإحلال مع الجهل.

ولو اختلفا فادعی أحدهما أنه وقع فی حال الإحلال ، وادعی الآخر وقوعه فی حال الإحرام فقد حکم المصنف وغیره (1)بأن القول قول من یدعی وقوعه فی حالة الإحلال ، حملا لفعل المسلم علی الصحة ، والتفاتا إلی أنهما مختلفان فی وصف زائد علی أرکان العقد المتفق علی حصولها یقتضی الفساد ، وهو وقوع العقد فی حالة الإحرام ، فالقول قول منکره. وفی الوجهین نظر :

أما الأول ، فلأنه إنما یتم إذا کان المدعی لوقوع الفعل فی حال الإحرام عالما بفساد ذلک ، أما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل علی الصحة.

وأما الثانی فلأن کلا منهما یدعی وصفا ینکره الآخر ، فتقدیم أحدهما یحتاج إلی دلیل.

وکیف کان فینبغی القطع بتقدیم قول من یدعی الإحلال مع اعتراف مدعی الفساد بالعلم بالحکم ، وإنما یحصل التردد مع الجهل ، ومعه یحتمل تقدیم قول من یدعی تأخر العقد مطلقا ، لاعتضاد دعواه بأصالة عدم التقدیم ، ویحتمل تقدیم قول مدعی الفساد ، لأصالة عدم تحقق الزوجیة إلی أن تثبت شرعا ( والمسألة محل تردد ) (2).

ص: 315


1- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 109.
2- ما بین القوسین لیس فی « ض ».

لکن إن کان المنکر المرأة ، کان لها نصف المهر ، لاعترافه بما یمنع من الوطء ، ولو قیل : لها المهر کلّه کان حسنا.

______________________________________________________

قوله : ( لکن إن کان المنکر المرأة کان لها نصف المهر ، لاعترافه بما یمنع من الوطء ، ولو قیل لها المهر کله کان حسنا ).

موضع الخلاف ما إذا وقعت الدعوی قبل الدخول ، والقول بتنصیف المهر بذلک للشیخ - رحمه الله - لما ذکره المصنف من التعلیل (1). وهو ضعیف جدا ، والأصح ما حسنة المصنف من لزوم جمیع المهر ، لثبوته بالعقد ، وتنصیفه بالمفارقة قبل الدخول علی خلاف الأصل ، فیقتصر فیه علی موضع النص والوفاق وهو الطلاق ، ولا یلحق به ما أشبهه ، لبطلان القیاس. ولو کان النزاع بعد الدخول وجب المسمی بأجمعه قولا واحدا.

وقد قطع الأصحاب بأن قبول قول مدعی الصحة بیمینه إنما هو بحسب الظاهر ، وإلا فیجب علی کل منهما فیما بینه وبین الله تعالی فعل ما هو حکمه فی نفس الأمر ، فإن کان المدعی للصحة هو الزوج ثبت النکاح ظاهرا ، وحرم علیه التزویج بأختها ، ووجب علیه نفقتها ، والمبیت عندها ، ویجب علیها فیما بینها وبین الله أن تعمل بما تعلم أنه الحق بحسب الإمکان ، ولو بالهرب واستدعاء الفراق ، ولیس لها المطالبة بشی ء من حقوق الزوجیة ، ولا بالمهر قبل الدخول ، أما بعده فتطالب بأقل الأمرین من المسمی ومهر المثل مع جهلها.

وإن کان المدعی للصحة هی المرأة کان لها المطالبة بالمهر کله علی ما بیناه ، وکذا النفقة ، وسائر حقوق الزوجیة ، ولا یحل لها التزوج بغیره ، ولا الأفعال المتوقفة علی إذنه بدون الإذن.

ونص الشارح (2) وغیره (3) علی أنه یجوز له بحسب الظاهر التزوج

ص: 316


1- المبسوط 1 : 318.
2- المسالک 1 : 109.
3- کالکرکی فی جامع المقاصد 1 : 164.

الثانی : إذا وکل فی حال إحرامه فأوقع ، فإن کان قبل إحلال الموکل بطل ، وإن کان بعده صحّ.

______________________________________________________

بأختها وخامسة ونحو ذلک من لوازم الفساد ، لأنها کالأجنبیة بحسب دعواه. ثم قال الشارح قدس سره : وإنما جمعنا بین هذه الأحکام المتنافیة مع أن اجتماعها فی الواقع ممتنع ، جمعا بین الحقین المبنیین علی المضایفة المحضة ، وعملا فی کل سبب بمقتضاه بحیث یمکن.

وأقول : إن إثبات هذه الأحکام مشکل جدا ، للتضاد ، خصوصا جواز تزویجه بأختها مع دعواه الفساد ، إذ اللازم منه جواز تزویجها بغیره إذا ادعت ذلک ، وهو معلوم البطلان. والذی یقتضیه النظر أنه متی حکم بصحة العقد شرعا ترتبت علیه لوازمه ، فیکون لها المطالبة بحقوق الزوجیة ظاهرا وإن ادعت الفساد ، ولا یجوز له التزویج بأختها وإن ادعی ذلک ، لحکم الشارع بصحة العقد ظاهرا ، وأما فی نفس الأمر فیکلف کل منهما بحسب ما یعلمه من حاله ، لکن لو وقع منهما أو من أحدهما حکم مخالف لما ثبت فی الظاهر وجب الحکم ببطلانه کذلک والله تعالی أعلم.

قوله : ( الثانی ، إذا وکّل فی حال إحرامه فأوقع ، فإن کان قبل إحلال الموکّل بطل ، وإن کان بعده صح ).

أما الصحة إذا وقع بعد إحلال الموکل فظاهر ، للأصل السالم عما یصلح للمعارضة. وأما البطلان إذا وقع قبل الإحلال فمقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : ولو وکّل محل محلا فی التزویج ، فعقد له الوکیل بعد إحرام الموکّل لم یصح النکاح ، سواء حضره الموکّل أو لم یحضره ، وسواء علم الوکیل أو لم یعلم (1). واستدل علیه بأن الوکیل نائب عن الموکّل ، فکان الفعل فی الحقیقة مستندا إلیه وهو محرم ( وهو جید إن ثبت امتناع ذلک منه علی وجه العموم ) (2) وفی استفادة ذلک من الأخبار نظر.

حکم ایقاع الوکیل العقد عن المحرم

ص: 317


1- المنتهی 2 : 809.
2- ما بین القوسین لیس فی « ض ».

وتجوز مراجعة المطلقة الرجعیة ، وشراء الإماء فی حال الإحرام.

والطیب علی العموم ، ما خلا خلوق الکعبة ، ولو فی الطعام. ولو اضطر إلی أکل ما فیه طیب أو لمس الطیب قبض علی أنفه. وقیل : إنما

______________________________________________________

قوله : ( ویجوز مراجعة المطلقة الرجعیة وشراء الإماء فی حال الإحرام ).

لا خلاف فی جواز کل من الأمرین ، أما المراجعة فلأن متعلق النهی التزویج فی حال الإحرام ، والمراجعة لیست ابتداء نکاح ، لأن المطلقة رجعیة فی حکم الزوجة ، ولا فرق فی ذلک بین المطلقة تبرعا والمختلعة إذا رجعت فی البذل.

وأما شراء الإماء فیدل علی جوازه مضافا إلی الأصل السالم من المعارض صحیحة سعد بن سعد ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن المحرم یشتری الجواری ویبیع؟ قال : « نعم » (1).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی شراء الإماء بین أن یقصد بهن الخدمة أو التسری ، وهو کذلک وإن حرمت المباشرة.

وقال الشارح قدس سره : إنه لو قصد المباشرة عند عقد الشراء فی حال الإحرام حرم ، وهل یبطل الشراء؟ فیه وجه ، منشؤه النهی عنه ، والأقوی العدم ، لأنه عقد لا عبادة (2). قلت : لا ریب فی عدم البطلان ، بل الظاهر عدم تحریم الشراء أیضا ، لأنه لیس منهیا عنه بخصوصه ، ولا علة فی المحرّم ، أعنی المباشرة ، فلا یکون تحریمها مستلزما لتحریمه کما هو واضح.

قوله : ( والطیب علی العموم ، ما خلا خلوق الکعبة ، ولو فی الطعام ، ولو اضطر إلی أکل ما فیه طیب أو لمس الطیب قبض علی

جواز مراجعة المطلقة وشراء الإماء

- حرمة الطیب للمحرم

ص: 318


1- الکافی 4 : 373 - 8 ، الفقیه 2 : 308 - 1529 ، التهذیب 5 : 331 - 1139 ، الوسائل 9 : 92 أبواب تروک الإحرام ب 16 ح 1.
2- المسالک 1 : 109.

یحرم المسک والعنبر والزعفران والعود والکافور والورس. وقد یقتصر بعض علی أربعة : المسک والعنبر والزعفران والورس ، والأول أظهر.

______________________________________________________

أنفه ، وقیل : إنما یحرم المسک والعنبر والزعفران والعود والکافور والورس ، وقد یقتصر بعض علی أربعة : المسک والعنبر والزعفران والورس ، والأول أظهر ).

تضمنت هذه العبارة مسائل ، الأولی : أنه یحرم علی المحرم الطیب شما وأکلا ، وهو فی الجملة موضع وفاق. وإنما الخلاف فیما یحرم من الطیب ، فذهب المفید (1) والمرتضی (2) وابن بابویه (3) والشیخ فی موضع من المبسوط (4) وابن إدریس (5) والمصنف ومن تأخر عنه (6) إلی تحریم الطیب بأنواعه.

وقال الشیخ فی التهذیب : إنما یحرم المسک والعنبر والزعفران والورس (7). وأضاف فی النهایة والخلاف إلی هذه الأربعة : العود والکافور (8).

احتج القائلون بالتعمیم بالأخبار الکثیرة الدالة علی ذلک ، کصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تمس شیئا من الطیب ولا من الدهن فی إحرامک ، واتق الطیب فی طعامک ، وأمسک علی

ص: 319


1- المقنعة : 67.
2- جمل العلم والعمل : 107.
3- الفقیه 2 : 217 ، والمقنع : 72.
4- المبسوط 1 : 319.
5- السرائر : 128.
6- کالعلامة فی التحریر 1 : 113 ، وفخر المحققین فی الإیضاح 1 : 293 ، والشهید الأول فی الدروس : 106 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 109.
7- التهذیب 5 : 299.
8- النهایة : 219 ، والخلاف 1 : 437.

______________________________________________________

أنفک من الرائحة الطیبة ، ولا تمسک عنه من الریح المنتنة ، فإنه لا ینبغی للمحرم أن یتلذذ بریح طیبة » (1).

وصحیحة (2) حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یمس المحرم شیئا من الطیب ولا من الریحان ولا یتلذذ به ، فمن ابتلی بشی ء من ذلک فلیتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه » یعنی من الطعام (3).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من أکل زعفرانا متعمدا أو طعاما فیه طیب فعلیه دم ، فإن کان ناسیا فلا شی ء علیه ویستغفر الله ویتوب إلیه » (4).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المحرم یمسک علی أنفه من الریح الطیبة ، ولا یمسک علی أنفه من الریح المنتنة » (5). وروی هشام بن الحکم فی الصحیح عن الصادق علیه السلام نحو ذلک وقال : « لا بأس بالریح الطیبة فیما بین الصفا والمروة من ریح العطارین ولا یمسک علی أنفه » (6).

احتج الشیخ فی التهذیب علی وجوب اجتناب الأنواع الأربعة خاصة بما رواه بطریقین ، أحدهما صحیح ، والآخر ضعیف ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إنما یحرم علیک من الطیب أربعة أشیاء :

ص: 320


1- الکافی 4 : 353 - 1 ، الوسائل 9 : 94 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 5.
2- فی « ض » : وروایة.
3- التهذیب 5 : 297 - 1007 ، الإستبصار 2 : 178 - 591 ، الوسائل 9 : 95 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 11.
4- الکافی 4 : 354 - 3 ، الفقیه 2 : 223 - 1046 ، الوسائل 9 : 284 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 4 ح 1.
5- الکافی 4 : 354 - 4 ، الوسائل 9 : 100 أبواب تروک الإحرام ب 24 ح 1.
6- الکافی 4 : 354 - 5 ، الفقیه 2 : 225 - 1056 ، التهذیب 5 : 300 - 1018 ، الإستبصار 2 : 180 - 599 ، الوسائل 9 : 98 أبواب تروک الإحرام ب 20 ح 1.

______________________________________________________

المسک والعنبر والزعفران والورس ، غیر أنه یکره للمحرم الأدهان الطیبة الریح » (1).

وفی الصحیح عن ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الطیب المسک والعنبر والزعفران والعود » (2).

وعن سیف - وهو ابن أبی عمیرة - قال : حدثنی عبد الغفار ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « الطیب : المسک والعنبر والزعفران والورس ، وخلوق الکعبة لا بأس به (3) » (4).

والظاهر أن المراد من هاتین الروایتین حصر الطیب الذی یحرم علی المحرم کما یدل علیه قوله فی الروایة الثانیة : وخلوق الکعبة لا بأس به ، علی أن حصر الطیب فی هذه الأنواع الأربعة کاف فی التخصیص.

ومن هنا یظهر أن ما ذکره الشیخ فی الإستبصار من أن هذین الخبرین لیس فیهما أکثر من الإخبار بأن الطیب أربعة أشیاء ، ولیس فیهما ذکر ما یجب اجتنابه علی المحرم ، وأنه إنما تأولهما لذکر الأصحاب لهما فی أبواب ما یجب علی المحرم اجتنابه ، وإلا فلا حاجة إلی تأویلهما (5). محل نظر.

ویبقی الإشکال فی اختلاف الروایات فی الحصر ، فإن الروایة الأولی

ص: 321


1- الطریق الصحیح فی : التهذیب 5 : 304 - 1039 ، الوسائل 9 : 94 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 8. والطریق الضعیف فی : التهذیب 5 :1. 1013 ، الإستبصار 2 : 179 - 596 ، الوسائل 9 : 96 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 14.
2- التهذیب 5 : 299 - 1014 ، الإستبصار 2 : 179 - 597 ، الوسائل 9 : 96 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 15.
3- قوله : وخلوق الکعبة لا بأس به ، لم یرد فی الاستبصار والوسائل ، وقد یظهر من التهذیب أنه من کلام الشیخ فتأمل.
4- التهذیب 5 : 299 - 1015 ، الإستبصار 2 : 180 - 598 ، الوسائل 9 : 96 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 16.
5- الاستبصار 2 : 180

______________________________________________________

تضمنت ذکر الورس مع الأنواع الثلاثة ، والروایة الثانیة العود ، والجمع بین الروایتین یقتضی عدم وجوب النوع الرابع منهما.

ولیس فی الروایات المفصلة تعرض لذکر الکافور ، مع أنه یحرم علی المحرم المیت إجماعا ، فالحی أولی علی ما ذکروه. والمسألة قویة الإشکال ، والاحتیاط للدین یقتضی تحریم الطیب بجمیع أنواعه.

وعرفه الشارح قدس سره : بأنه الجسم ذو الریح الطیبة ، المتخذ للشم غالبا ، غیر الریاحین ، کالمسک والعنبر والزعفران وماء الورد (1). وهو حسن.

وذکر الشیخ (2) والعلامة (3) وغیرهما (4) أن أقسام النبات الطیّب ثلاثة :

الأول ، ما لا ینبت للطیب ولا یتخذ منه ، کالشیخ (5) والقیصوم (6) والخزامی (7) وحبق الماء (8) والفواکه کلها من الأترج والتفاح والسفرجل وأشباهه. وهذا کله لیس بمحرم ، ولا یتعلق به کفارة إجماعا ، ویدل علیه صحیحة معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا بأس أن تشم الإذخر والقیصوم والخزامی والشیح وأشباهه وأنت محرم » (9).

ص: 322


1- المسالک 1 : 109.
2- المبسوط 1 : 352.
3- المنتهی 2 : 784 ، والتحریر 1 : 113 ، والتذکرة 1 : 333.
4- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 109.
5- الشیح : نبات سهلی له رائحة طیبة وطعم مر - لسان العرب 2 : 502.
6- القیصوم : نبات طیب الرائحة من ریاحین البر ورقه هدب وله نورة صفراء ، وهی تنهض علی ساق وتطول - لسان العرب 12 : 486.
7- الخزامی : بقلة طیبة الرائحة طویلة العیدان صغیرة الورق حمراء الزهرة وهی من أطیب الأزهار - المصباح المنیر : 168 ، ولسان العرب 12 : 176.
8- حبق الماء : النعناع.
9- الکافی 4 : 355 - 14 ، الفقیه 2 : 225 - 29 ، التهذیب 5 : 305 - 1041 ، الوسائل 9 : 101 أبواب تروک الإحرام ب 25 ح 1.

______________________________________________________

وصحیحة ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن التفاح والأترج والنبق وما طاب ریحه فقال : « یمسک عن شمه ویأکله » (1).

وروایة عمار الساباطی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یتخلل؟ قال : « نعم لا بأس به » قلت له : یأکل الأترج؟ قال : « نعم » قلت له : فإن له رائحة طیبة فقال : « إن الأترج طعام ولیس هو من الطیب » (2).

الثانی ، ما ینبته الآدمیون للطیب ولا یتخذ منه طیب ، کالریحان الفارسی والمرزجوش (3) والنرجس ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمه ، فقال الشیخ : إنه غیر محرم ولا یتعلق به کفارة (4). واستقرب العلامة فی التحریر تحریمه (5). وهو غیر واضح. نعم لو صدق علیه اسم الریحان عرفا لحقه حکمه.

الثالث ، ما یقصد شمه ویتخذ منه الطیب ، کالیاسمین والورد والنیلوفر (6). وقد وقع الاختلاف فی حکمه أیضا ، واستقرب العلامة فی التذکرة والمنتهی التحریم (7) ، لأن الفدیة تجب فیما یتخذ منه ، فکذا فی

ص: 323


1- التهذیب 5 : 305 - 1042 ، الإستبصار 2 : 183 - 606 ، الوسائل 9 : 103 أبواب تروک الإحرام ب 26 ح 3.
2- الکافی 4 : 356 - 17 وأورد صدره فی ص 366 - 5 ، التهذیب 5 : 306 - 1043 ، الإستبصار 2 : 183 - 607 ، الوسائل 9 : 102 أبواب تروک الإحرام ب 26 ح 2 وأورد صدره فی ص 179 ب 92 ح 3.
3- المرزجوش : السمسق ، نافع لعسر البول والمغص ولسعة العقرب - القاموس المحیط 2 : 299.
4- المبسوط 1 : 352.
5- تحریر الأحکام 1 : 113.
6- 6النیلوفر : ضرب من الریاحین ینبت فی المیاه الراکدة. ملین صالح للسعال وأوجاع الجنب والرئة - القاموس المحیط 2 : 152.
7- التذکرة 1 : 333 ، والمنتهی 2 : 784.

______________________________________________________

أصله. وهو استدلال ضعیف ، والظاهر دخول هذا النوع قبل الجفاف فی قسم الریاحین ، وقد اختار المصنف کراهة استعمالها ، وسیجی ء الکلام فیه (1) ، وأن الأظهر تحریمها ، لقوله علیه السلام فی روایة حریز : « لا یمس المحرم شیئا من الطیب ، ولا من الریحان ، ولا یتلذذ به » (2) وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « لا تمس الریحان وأنت محرم » (3).

الثانیة : إنه یستثنی من الطیب المحرّم علی المحرم خلوق الکعبة ، وهو مجمع علیه بین الأصحاب علی ما نقله جماعة (4) ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن خلوق الکعبة ، وخلوق القبر یکون فی ثوب الإحرام ، فقال : « لا بأس به ، هما طهوران » (5).

والخلوق - کصبور - : ضرب من الطیب ، قاله فی القاموس (6). وقال الشارح قدس سره : إنه أخلاط خاصة من الطیب ، منها الزعفران ، فعلی هذا لو کان طیب الکعبة غیرها حرم ، کما لو جمرت الکعبة ، لکن لا یحرم علیه الجلوس فیها وعندها ، وإنما یحرم الشم (7).

وذهب الشیخ (8) والعلامة (9) إلی عدم تحریم الشم أیضا ، ویدل علیه

ما یستثنی من الطیب

ص: 324


1- فی ج 8 ص 433.
2- التهذیب 5 : 297 - 1007 ، الإستبصار 2 : 178 - 591 ، الوسائل 9 : 95 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 11.
3- التهذیب 5 : 307 - 1048 ، الوسائل 9 : 95 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 10.
4- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 439 والعلامة فی المنتهی 2 : 785.
5- التهذیب 5 : 299 - 1016 ، الوسائل 9 : 98 أبواب تروک الإحرام ب 21 ح 3.
6- القاموس المحیط 3 : 236.
7- المسالک 1 : 109.
8- لم نعثر علیه فی کتب الشیخ ولکن نقله عنه فی الدروس : 106.
9- التذکرة 1 : 334 ، قال فیها : ویجوز الجلوس عند الکعبة وهی تجمّر ، ولا یجوز الجلوس عند رجل متطیب ولا فی سوق العطارین لأنه یشم الطیب حینئذ.

______________________________________________________

فحوی صحیحة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ولا بأس بالریح الطیبة فیما بین الصفا والمروة من ریح العطارین ، ولا یمسک علی أنفه » (1) فإنه إذا جاز شم الرائحة الطیبة من العطارین بین الصفا والمروة فرائحة الکعبة أولی. وقد ظهر من هذه الروایة استثناء العطر فی السعی (2) ، ولا بأس به ، لصحة مستنده.

الثالثة : إن من اضطر إلی مس الطیب أو أکل ما فیه طیب قبض علی أنفه وجوبا ، ویدل علیه روایات کثیرة ، منها صحیحة الحلبی ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « المحرم یمسک علی أنفه من الریح الطیبة ، ولا یمسک علی أنفه من الریح الخبیثة » (3).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « وأمسک علی أنفک من الرائحة الطیبة ، ولا تمسک عنه من الریح المنتنة ، فإنه لا ینبغی للمحرم أن یتلذذ بریح طیبة » (4).

وحکم الشهید فی الدروس بتحریم القبض علی الأنف من کریه الرائحة ، آخذا بظاهر النهی (5). وهو أحوط ، وإن کان فی تعیّنه نظر.

فروع :

الأول : یحرم علی المحرم لبس الثوب المطیب ، سواء صبغ بالطیب أو غمس فیه - کما یغمس فی الماء الورد - أو بخّر به. وکذا لا یجوز له افتراشه والجلوس علیه والنوم. ولو فرش فوقه ثوب صفیق یمنع الرائحة والمباشرة جاز

حکم المضطر إلی مس الطیب

فروع تتعلق بالطیب

ص: 325


1- الکافی 4 : 354 - 5 ، الفقیه 2 : 225 - 1056 ، التهذیب 5 : 300 - 1018 ، الإستبصار 2 : 180 - 599 ، الوسائل 9 : 98 أبواب تروک الإحرام ب 20 ح 1.
2- فی « ض » و « م » : المسعی.
3- الفقیه 2 : 224 - 1055 ، الوسائل 9 : 100 أبواب تروک الإحرام ب 24 ح 1.
4- الکافی 4 : 353 - 1 ، التهذیب 5 : 304 - 1039 ، الوسائل 9 : 101 أبواب تروک الإحرام ب 24 ح 2.
5- الدروس : 106.

______________________________________________________

الجلوس علیه والنوم. ولو کان الحائل بینهما ثیاب بدنه فوجهان ، الجواز ، للأصل ، وعدم صدق مس الطیب الذی هو متعلق النهی ، والمنع ، وهو خیرة المنتهی (1) ، لأن المحرم کما منع من استعمال الطیب فی بدنه منع من استعماله فی ثوبه.

الثانی : لو غسل الثوب حتی ذهب طیبه جاز لبسه بإجماع العلماء ، ولو کان معه ماء لا یکفیه لغسل الثوب والطهارة ، ولم یمکن قطع رائحة الطیب بشی ء غیر الماء صرفه فی غسله وتیمم ، لأن للطهارة المائیة بدلا ، ولا بدل للغسل الواجب ، ویحتمل وجوب الطهارة به ، لأن وجوب الطهارة قطعی ووجوب الإزالة والحال هذه مشکوک فیه ، لاحتمال استثنائه للضرورة ، کما استثنی شمه فی الکعبة والسعی (2) ، والاحتیاط یقتضی تقدیم الغسل علی التیمم ، لتحقق (3) فقد الماء حالته.

الثالث : لو أصاب ثوب المحرم طیب أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة ، وروی ابن أبی عمیر فی الحسن ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المحرم یصیب ثوبه الطیب ، قال : « لا بأس بأن یغسله بید نفسه » (4).

الرابع : قد تقدم أنه کما یحرم شم الطیب یحرم أکله ، وهو إجماع ، والنصوص به مستفیضة ، وقد تقدم طرف منها فیما سبق (5).

قال فی التذکرة : ولو استهلک الطیب فیه ولم یبق له ریح ولا طعم ولا لون فالأقرب أنه لا فدیة فیه (6). وهو حسن ، وربما کان فی صحیحة عمران

ص: 326


1- المنتهی 2 : 785.
2- فی « ض » و « م » : والمسعی.
3- فی « ض » : لیتحقق.
4- الکافی 4 : 354 - 8 ، الوسائل 9 : 99 أبواب تروک الإحرام ب 22 ح 3.
5- فی ص 319.
6- التذکرة 1 : 334.

______________________________________________________

الحلبی إشعار به ، فإنه قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن المحرم یکون به الجرح فیتداوی بدواء فیه زعفران ، فقال : « إن کان الغالب علی الدواء الزعفران فلا ، وإن کانت الأدویة الغالبة علیه فلا بأس » (1) والفرق بین الأمرین إنما یتجه مع انتفاء الضرورة ، أما معها فیجوز مطلقا.

الخامس : قال ابن بابویه : إذا اضطر المحرم علی سعوط فیه مسک من ریح یعرض له فی وجهه وعلة تصیبه فلا بأس أن یتسعط به ، فقد سأل إسماعیل بن جابر أبا عبد الله علیه السلام عن ذلک فقال : « استعط به » (2).

السادس : روی ابن بابویه فی الصحیح ، عن علی بن مهزیار أنه قال : سألت ابن أبی عمیر عن التفاح والأترج والنبق وما طاب ریحه فقال : تمسک عن شمه وکله ولم یرو فیه شیئا (3). وقد روی الشیخ فی التهذیب ذلک عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام (4) ، ولعل هذه الروایة متأخرة عن الروایة الأولی. وظاهر الشیخ فی التهذیب وجوب الإمساک علی الأنف عند أکل ذلک ، وهو أحوط.

السابع : یجوز للمحرم شراء الطیب والنظر إلیه إجماعا ، لأن المنع إنما ورد عن استعماله ، وذلک لیس استعمالا له ، وروی محمد بن إسماعیل فی الصحیح ، قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام کشف بین یدیه طیب لینظر إلیه وهو محرم فأمسک علی أنفه بثوبه من ریحه (5).

الثامن : روی الکلینی عن حماد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی جعلت ثوبی مع أثواب قد جمّرت فأخذ من ریحها ، قال :

ص: 327


1- الکافی 4 : 359 - 8 ، الفقیه 2 : 222 - 1037 ، الوسائل 9 : 154 أبواب تروک الإحرام ب 69 ح 3.
2- الفقیه 2 : 224 - 1054 ، الوسائل 9 : 97 أبواب تروک الإحرام ب 19 ح 3.
3- الفقیه 2 : 225 - 1058 ، الوسائل 9 : 102 أبواب تروک الإحرام ب 26 ح 1.
4- التهذیب 5 : 305 - 1042 ، الوسائل 9 : 103 أبواب تروک الإحرام ب 26 ح 3.
5- الکافی 4 : 354 - 6 ، الوسائل 9 : 93 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 1.

ولبس المخیط للرجال ،

______________________________________________________

« فانشرها فی الریح حتی یذهب ریحها » (1).

قوله : ( ولبس المخیط للرجال ).

أجمع العلماء کافة علی أنه یحرم علی الرجل المحرم لبس الثیاب المخیطة ، قاله فی التذکرة (2). وقال فی المنتهی : یحرم علی المحرم لبس المخیط من الثیاب إن کان رجلا ، ولا نعلم فیه خلافا (3). والأصل فیه من طریق الأصحاب ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تلبس وأنت ترید الإحرام ثوبا تزره ، ولا تدرعه ، ولا تلبس سراویل ، إلا أن لا یکون لک إزار ، ولا الخفین إلا أن لا یکون لک نعلان » (4).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا لبست قمیصا وأنت محرم فشقه وأخرجه من تحت قدمیک » (5).

وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا اضطر المحرم إلی القباء ولم یجد ثوبا غیره فلیلبسه مقلوبا ولا یدخل یدیه فی یدی القباء » (6).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنکسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراویل إلا أن لا یکون لک إزار ، ولا خفین إلا

حرمة لبس المخیط للرجل

ص: 328


1- الکافی 4 : 356 - 19 ، الوسائل 9 : 94 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 4.
2- التذکرة 1 : 332.
3- المنتهی 2 : 781.
4- التهذیب 5 : 69 - 227 ، الوسائل 9 : 115 أبواب تروک الإحرام ب 35 ح 2.
5- التهذیب 5 : 72 - 237 ، الوسائل 9 : 125 أبواب تروک الإحرام ب 45 ح 1.
6- التهذیب 5 : 70 - 228 ، الوسائل 9 : 124 أبواب تروک الإحرام ب 44 ح 1.

______________________________________________________

أن لا یکون لک نعل » (1).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : سألته عما یکره للمحرم أن یلبسه فقال : « یلبس کل ثوب إلا ثوبا یتدرعه » (2).

وأقول إن هذه الروایات إنما تدل علی تحریم القمیص والقباء والسراویل والثوب المزرّر والمدرع ، لا علی تحریم مطلق المخیط ، وقد اعترف بذلک الشهید فی الدروس فقال : ولم أقف الآن علی روایة بتحریم عین المخیط إنما نهی عن القمیص والقباء والسراویل ، وفی صحیح معاویة (3) : « لا تلبس ثوبا تزره ولا تدرعه ولا تلبس سراویل » (4) وتظهر الفائدة فی الخیاطة فی الإزار وشبهه (5). انتهی کلامه رحمه الله وهو جید.

ومن هنا یعلم أن ما اشتهر بین المتأخرین من أنه یکفی فی المنع مسمی الخیاطة وإن قلّت غیر واضح ، ونقل عن ابن الجنید أنه قید المخیط بالضام للبدن (6). ومقتضاه عدم تحریم التوشح به ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل قوله علیه السلام فی روایة معاویة بن عمار : « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنکسه » (7) ولا ریب أن اجتناب مطلق المخیط کما ذکره المتأخرون أحوط.

وهنا مباحث :

ص: 329


1- الفقیه 2 : 218 - 998 ، الوسائل 9 : 114 أبواب تروک الإحرام ب 35 ح 1.
2- الفقیه 2 : 218 - 999 ، الوسائل 9 : 116 أبواب تروک الإحرام ب 36 ح 5.
3- فی « م » وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، وفی « ح » : وفی الصحیح عن معاویة بن عمار عن أبی عبد الله علیه السلام وهو الموافق للتهذیب والوسائل وما أثبتناه من « ض » وهو الموافق للدروس.
4- التهذیب 5 : 69 - 227 ، الوسائل 9 : 115 أبواب تروک الإحرام ب 35 ح 2
5- الدروس : 144.
6- حکاه عنه فی الدروس : 107.
7- الکافی 4 : 340 - 9 ، الفقیه 2 : 218 - 998 ، الوسائل 9 : 115 أبواب تروک الإحرام ب 36 ح 1.

______________________________________________________

الأول : ألحق الأصحاب بالمخیط ما أشبهه ، کالدرع المنسوج ، وجبة اللبد ، والملصق بعضه ببعض ، واحتج علیه فی التذکرة بالحمل علی المخیط لمشابهته إیاه فی المعنی من التّرفه والتنعم (1). وهو استدلال ضعیف ، والأجود الاستدلال علیه بالنصوص المتضمنة لتحریم الثیاب علی المحرم ، فإنها متناولة بإطلاقها لهذا النوع ، ولیس فیها تقیید بالمخیط حتی یکون إلحاق غیره به خروجا عن المنصوص.

الثانی : ذکر العلامة (2) وغیره (3) أنه یحرم علی المحرم عقد الرداء وزرّه وتخلیله ، واستدلوا علیه بما رواه ابن بابویه فی الموثق ، عن سعید الأعرج : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یعقد إزاره فی عنقه؟ قال : « لا » (4) ویمکن حملها علی الکراهیة ، لقصورها من حیث السند عن إثبات التحریم.

الثالث : قال فی المنتهی : یجوز للمحرم أن یعقد إزاره علیه ، لأنه یحتاج إلیه لستر العورة ، فیباح ، کاللباس للمرأة (5). وهو حسن. وکذا یجوز له عقد الهمیان ، للأصل ، وصحیحة یعقوب بن شعیب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یصر الدراهم فی ثوبه قال : « نعم ویلبس المنطقة والهمیان » (6) وقال فی المنتهی : إنه لو أمکن إدخال سیور الهمیان بعضها فی بعض وعدم عقدها فعل ، لانتفاء الحاجة إلی العقد ، ولو لم یثبت بذلک کان له عقده (7). وهو حسن ، وإن کان الأظهر الجواز مطلقا. ومقتضی الروایة استثناء المنطقة أیضا ، وهی ما یشد بها الوسط ، وبه قطع فی

ص: 330


1- التذکرة 1 : 332.
2- لتذکرة 1 : 333.
3- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 101.
4- الفقیه 2 : 221 - 1023 ، الوسائل 9 : 135 أبواب تروک الإحرام ب 53 ح 1.
5- المنتهی 2 : 783.
6- الکافی 4 : 344 - 3 ، الوسائل 9 : 128 أبواب تروک الإحرام ب 47 ح 1.
7- المنتهی 2 : 783.

وفی النساء خلاف ، والأظهر الجواز ، اضطرارا واختیارا.

______________________________________________________

الدروس (1).

الرابع : یجوز للمحرم شد العمامة علی بطنه ، للأصل ، وصحیحة عمران الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المحرم یشد علی بطنه العمامة ، وإن شاء یعصبها علی موضع الإزار ، ولا یرفعها إلی صدره » (2) ومقتضی الروایة تحریم عصبها علی الصدر. والأولی اجتناب شدها مطلقا ، لما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عاصم بن حمید ، عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یشد علی بطنه العمامة؟ قال : « لا » ثم قال : « کان أبی یقول : یشد علی بطنه المنطقة التی فیها نفقته یستوثق بها فإنها من تمام حجه » (3).

قوله : ( وفی النساء خلاف ، والأظهر الجواز ، اضطرارا واختیارا ).

القول بالجواز هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه مجمع علیه بین العلماء (4). وقال فی المنتهی : یجوز للمرأة لبس المخیط إجماعا ، لأنها عورة ، ولیست کالرجال. ولا نعلم فیه خلافا إلا قولا شاذا للشیخ لا اعتداد به (5) ، وهذا القول ذهب إلیه الشیخ فی النهایة فی ظاهر کلامه حیث قال : ویحرم علی المرأة فی حال الإحرام من لبس الثیاب جمیع ما یحرم علی الرجل ، ویحل لها ما یحل له. مع أنه قال بعد ذلک : وقد وردت روایة بجواز لبس القمیص للنساء ، والأفضل ما قدمناه ، فأما السراویل فلا بأس بلبسه لهن علی کل حال (6). وکیف کان فالمعتمد

جواز لبس المخیط للنساء

ص: 331


1- الدروس : 107.
2- الفقیه 2 : 221 - 1026 ، الوسائل 9 : 158 أبواب تروک الإحرام ب 72 ح 1.
3- الکافی 4 : 343 - 2 ، الوسائل 9 : 158 أبواب تروک الإحرام ب 72 ح 2.
4- التذکرة 1 : 333.
5- المنتهی 2 : 783.
6- النهایة : 218.

______________________________________________________

الجواز.

لنا الأصل ، واختصاص الأخبار المانعة من لبس الثیاب للمحرم بالرجل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن یعقوب بن شعیب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المرأة تلبس القمیص تزرّه علیها وتلبس الحریر والخز والدیباج؟ فقال : « نعم لا بأس به ، وتلبس الخلخالین والمسک (1) » (2).

وفی الصحیح عن عیص بن القاسم قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثیاب غیر الحریر والقفازین » (3).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن محمد الحلبی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة إذا أحرمت ، أتلبس السراویل؟ فقال : « نعم ، إنما ترید بذلک الستر » (4).

ویستفاد من روایة العیص تحریم لبس القفازین ، وبه قطع العلامة فی التذکرة والمنتهی (5) ، وظاهره دعوی الإجماع علیه ، ولو لا ذلک لأمکن القول بالجواز ، وحمل النهی الوارد عن لبسهما علی الکراهة ، کما فی الحریر.

قال فی التذکرة : والمراد بالقفازین شی ء تتخذه المرأة للیدین یحشی بقطن ویکون له أزرار تزرّه علی الساعدین من البرد تلبسه المرأة (6). ونحوه

ص: 332


1- المسک : أسورة من العاج فی أیدی النساء مکان السوار - العین 5 : 318.
2- التهذیب 5 : 74 - 246 ، الإستبصار 2 : 309 - 1100 ، الوسائل 9 : 41 أبواب الإحرام ب 33 ح 1.
3- الکافی 4 : 344 - 1 ، التهذیب 73 - 243 ، الإستبصار 2 : 308 - 1099 ، الوسائل 9 : 43 أبواب الإحرام ب 33 ح 9.
4- الفقیه 2 : 219 - 1013 ، الوسائل 9 : 133 أبواب تروک الإحرام ب 50 ح 2.
5- التذکرة 1 : 333 ، والمنتهی 2 : 783.
6- التذکرة 1 : 333.

وأما الغلالة فجائزة للحائض إجماعا. ویجوز لبس السراویل للرجل إذا لم یجد إزارا.

______________________________________________________

قال فی المنتهی (1). وقال فی القاموس : القفاز کرمان شی ء یعمل للیدین یحشی بقطن تلبسهما المرأة للبرد أو ضرب من الحلی للیدین والرجلین (2).

قوله : ( وأما الغلالة فجائزة للحائض إجماعا ).

الغلالة بکسر الغین : ثوب رقیق یلبس تحت الثیاب. وقد أجمع العلماء علی جواز لبسه للحائض ، حتی أن الشیخ فی النهایة مع منعه من لبس المخیط لهن علی ما أفهمه أول کلامه قال : ویجوز للحائض أن تلبس تحت ثیابها غلالة تقی ثیابها من النجاسات (3). ویدل علی الجواز صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تلبس المرأة الحائض تحت ثیابها غلالة » (4).

قوله : ( ویجوز لبس السراویل للرجال إذا لم یجد إزارا ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، ویدل علیه روایات ، منها صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنکسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراویل إلا أن لا یکون لک إزار ، ولا خفین إلا أن لا یکون لک نعل » (5).

وقد صرح العلامة فی التذکرة والمنتهی بأنه لا فدیة فی لبسه علی هذا الوجه ، للأصل ، وجواز اللبس ، ونقل عن بعض العامة قولا بالوجوب (6) ،

بعض ما استثنی من المخیط

ص: 333


1- المنتهی 2 : 783.
2- القاموس المحیط 2 : 194.
3- النهایة : 218.
4- التهذیب 5 : 76 - 251 ، الوسائل 9 : 135 أبواب تروک الإحرام ب 52 ح 1.
5- الکافی 4 : 340 - 9 ، الفقیه 2 : 218 - 998 ، الوسائل 9 : 114 أبواب تروک الإحرام ب 35 ح 1.
6- التذکرة 1 : 332 ، والمنتهی 2 : 782.

وکذا لبس طیلسان له أزرار ، لکن لا یزرّه علی نفسه.

______________________________________________________

ولا ریب فی بطلانه ، لأنه إثبات شی ء لا دلیل علیه.

قوله : ( وکذا لبس طیلسان له أزرار ، لکن لا یزرّه علی نفسه ).

لم أقف فی کلام أهل اللغة علی معنی الطیلسان ، وعرفه الشارح بأنه ثوب منسوج محیط بالبدن (1).

ومقتضی العبارة جواز لبسه اختیارا ، وبه صرح العلامة فی جملة من کتبه (2) ، والشهید فی الدروس (3). واعتبر العلامة فی الإرشاد فی جواز لبسه الضرورة (4).

والمعتمد الجواز مطلقا ، للأصل ، والأخبار الکثیرة ، کصحیحة یعقوب بن شعیب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یلبس الطیلسان المزرور فقال : « نعم ، وفی کتاب علی علیه السلام : لا تلبس طیلسانا حتی تنزع أزراره ، فحدثنی أبی : إنما کره ذلک مخافة أن یزرّه الجاهل علیه » (5).

وصحیحة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المحرم یلبس الطیلسان المزرّر فقال : « نعم ، وفی کتاب علی علیه السلام : لا تلبس طیلسانا حتی تنزع أزراره » وقال : « إنما کره ذلک مخافة أن یزرّه الجاهل ، فأما الفقیه فلا بأس أن یلبسه » (6).

ص: 334


1- المسالک 1 : 110.
2- کالقواعد 1 : 82.
3- الدروس : 107.
4- الإرشاد ( مجمع الفائدة ) 6 : 347.
5- الکافی 4 : 340 - 7 ، الوسائل 9 : 116 أبواب تروک الإحرام ب 36 ح 2.
6- الکافی 4 : 340 - 8 ، الفقیه 2 : 217 - 995 ، علل الشرائع : 408 - 1 ، الوسائل 9 : 116 أبواب تروک الإحرام ب 36 ح 3.

والاکتحال بالسواد علی قول ، وبما فیه طیب.

______________________________________________________

قوله : ( والاکتحال بالسواد علی قول ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی النهایة والمبسوط (1) والمفید (2) وسلار (3) وابن إدریس (4) وابن الجنید (5). وقال الشیخ فی الخلاف : إنه مکروه. والأصح التحریم ، لورود النهی عنه فی أخبار کثیرة ، کصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یکتحل الرجل والمرأة المحرمان بالکحل الأسود إلا من علّة » (6).

وصحیحة حریز عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تکتحل المرأة المحرمة بالسواد ، إنّ السواد زینة » (7) ومقتضی التعلیل تحریمه وإن لم تقصد به الزینة ، لأنه علیه السلام جعل العلة فیه حصول الزینة به لا قصدها.

قال فی المنتهی : ویجوز الاکتحال بما عدا الأسود من أنواع الاکتحال إلا ما فیه طیب بلا خلاف (8).

قوله : ( وبما فیه طیب ).

سوق العبارة یقتضی عدم تحقق الخلاف فی ذلک ، وبه صرح فی التذکرة فقال : أجمع علماؤنا علی أنه لا یجوز للمحرم أن یکتحل بکحل فیه طیب ، سواء کان رجلا أو امرأة (9).

- حرمة الاکتحال للمحرم

ص: 335


1- النهایة : 220 ، والمبسوط 1 : 321.
2- المقنعة : 68.
3- المراسم : 106.
4- السرائر : 128.
5- حکاه عنه فی المختلف : 269.
6- التهذیب 5 : 301 - 1023 ، الوسائل 9 : 111 أبواب تروک الإحرام ب 33 ح 2.
7- الکافی 4 : 356 - 1 ، التهذیب 5 : 301 - 1025 ، علل الشرائع : 456 - 2 ، الوسائل 9 : 112 أبواب تروک الإحرام ب 33 ح 4.
8- المنتهی 2 : 788.
9- التذکرة 1 : 335.

ویستوی فی ذلک الرجل والمرأة.

وکذا النظر فی المرآة ، علی الأشهر.

______________________________________________________

ویدل علی التحریم مضافا إلی العمومات المانعة من استعمال الطیب روایات ، منها صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن تکتحل وأنت محرم بما لم یکن فیه طیب یوجد ریحه ، فأما للزینة فلا » (1).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « یکتحل المحرم إن هو رمد بکحل لیس فیه زعفران » (2).

وروایة أبان ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا اشتکی المحرم عینه فلیکتحل بکحل لیس فیه مسک ولا طیب » (3).

وحکی العلامة فی المختلف عن ابن البراج أنه جعل الاکتحال بما فیه طیب مکروها ، واحتج له بالأصل ، وأجاب بالخروج عنه بالروایات (4). وهو کذلک ، والفدیة هنا فدیة الطیب.

قوله : ( ویستوی فی ذلک الرجل والمرأة ).

هذا مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه.

قوله : ( وکذا النظر فی المرآة علی الأشهر ).

المشار إلیه بذا هو التحریم علی الرجل والمرأة ، وقد اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الأکثر إلی التحریم ، وقال الشیخ فی الخلاف : إنه مکروه (5). والأصح التحریم ، لصحیحة حماد ، عن أبی عبد الله

- حرمة النظر فی المرآة

ص: 336


1- الکافی 4 : 357 - 5 ، الوسائل 9 : 112 أبواب تروک الإحرام ب 33 ح 8.
2- التهذیب 5 : 301 - 1026 ، الوسائل 9 : 112 أبواب تروک الإحرام ب 33 ح 5.
3- الکافی 4 : 357 - 4 ، الوسائل 9 : 112 أبواب تروک الإحرام ب 33 ح 9.
4- المختلف : 269.
5- الخلاف 1 : 445.

ولبس الخفین ، وما یستر ظهر القدم.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « لا تنظر فی المرآة وأنت محرم ، فإنها من الزینة » (1).

وصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تنظر فی المرآة وأنت محرم لأنه من الزینة » (2).

قوله : ( ولبس الخفین وما یستر ظهر القدم ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ولا تلبس سراویل إلا أن لا یکون لک إزار ، ولا خفین إلا أن لا یکون لک نعل » (3).

وفی صحیحة الحلبی : « وأی محرم هلکت نعلاه فلم یکن له نعلان فله أن یلبس الخفین إذا اضطر إلی ذلک ، والجوربین یلبسهما إذا اضطر إلی لبسهما » (4).

وفی صحیحة رفاعة أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یلبس الخفین والجوربین قال : « إذا اضطر إلیهما » (5).

وهذه الروایات کما تری إنما تدل علی تحریم لبس الخف والجورب خاصة ، وغایة ما یمکن أن یلحق بهما ما أشبههما ، أما ستره بما لا یسمی لبسا فلیس بمحرّم قطعا کما صرح به الشهیدان (6). والأصح اختصاص

حرمة لبس الخفین وما یستر ظهر القدم

ص: 337


1- التهذیب 5 : 302 - 1029 ، الوسائل 9 : 114 أبواب تروک الإحرام ب 34 ح 1.
2- الکافی 4 : 356 - 1 ، الفقیه 2 : 221 - 1031 ، علل الشرائع : 458 - 1 ، الوسائل 9 : 114 أبواب تروک الإحرام ب 34 ح 3.
3- الکافی 4 : 340 - 9 ، الفقیه 2 : 218 - 998 ، الوسائل 9 : 114 أبواب تروک الإحرام ب 35 ح 1.
4- التهذیب 5 : 384 - 1341 ، الوسائل 9 : 134 أبواب تروک الإحرام ب 51 ح 2.
5- الکافی 4 : 347 - 2 ، الفقیه 2 : 217 - 996 ، الوسائل 9 : 134 أبواب تروک الإحرام ب 51 ح 4.
6- الشهید الأول فی الدروس : 107 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 110.

فإن اضطر جاز. وقیل : یشقهما ، وهو متروک.

______________________________________________________

التحریم بما کان ساترا لظهر القدم بأجمعه دون الساتر للبعض ، بل یمکن اختصاصه بساتر الجمیع إذا کان له ساق ، کما فی الخف والجورب.

وما قیل من أن کل جزء من أجزاء الظهر لیس أولی من غیره بتحریم الستر ، فلو لم یعم التحریم لزم الترجیح من غیر مرجح (1) ، ففساده واضح ، لأن الترجیح من غیر مرجح إنما یلزم من تحریم ستر جزء بعینه من غیر دلیل ، أما تحریم ستر الجمیع دون البعض فلا استحالة فیه بوجه. ومن هنا یظهر عدم وجوب تخفیف الشراک والشسع إلی قدر تندفع به الحاجة. وهذا الحکم مختص بالرجل ، لاختصاص الروایات المانعة به ، فلا یحرم علی المرأة لبس الخف اختیارا کما صرح به فی الدروس (2).

قوله : ( فإن اضطر جاز ، وقیل : یشقهما ، وهو متروک ).

أما جواز لبسهما مع الاضطرار فقال فی المنتهی : إنه لا نعلم فیه مخالفا (3). وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه (4). وإنما الخلاف فی وجوب شقهما ، فقال الشیخ (5) وأتباعه (6) بالوجوب ، لروایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی المحرم یلبس الخف إذا لم یکن له نعل ، قال : نعم ولکن یشق ظهر القدم » (7).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل هلکت نعلاه ولم یقدر علی نعلین ، قال : « له أن یلبس الخفین إذا اضطر إلی ذلک ، ولیشقه من ظهر القدم » (8).

ص: 338


1- کما فی المسالک 1 : 110.
2- الدروس : 107.
3- المنتهی 2 : 782.
4- فی ص 337.
5- المبسوط 1 : 320 ، والخلاف 1 : 434.
6- کابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 688.
7- الفقیه 2 : 218 - 997 ، الوسائل 9 : 135 أبواب تروک الإحرام ب 51 ح 5.
8- الکافی 4 : 346 - 1 ، الوسائل 9 : 134 أبواب تروک الإحرام ب 51 ح 3.

______________________________________________________

وفی سند الروایتین ضعف ، لأن فی طریق الأولی الحکم بن مسکین ، وهو مجهول ، وفی طریق الثانیة علی بن أبی حمزة البطائنی قائد أبی بصیر الضریر الذی یروی الحدیث ، وهما ضعیفان.

وقال ابن إدریس (1) والمصنف وجمع من الأصحاب لا یجب شق النعلین ، للأصل ، وإطلاق الأمر بلبس الخفین مع عدم النعلین فی عدة أخبار صحیحة ، ولو کان الشق واجبا لذکر فی مقام البیان ، وقد یقال إن هذه الأخبار مطلقة ، فلا ینافی الأخبار المفصّلة ، لأن المفصّل یحکم علی المجمل. ویتوجه علیه أن ذلک إنما یتم مع تکافؤ السند ، وهو منتف کما بیناه.

وکیف کان فلا ریب أن الشق أولی ، تخلصا من الخلاف ، وأخذا بالمتیقن.

وقد اختلف کلام الأصحاب فی کیفیة القطع ، فقال الشیخ فی المبسوط : یشق ظهر قدمیهما (2). وقال فی الخلاف : إنه یقطعهما حتی یکونا أسفل من الکعبین (3). وقال ابن الجنید : ولا یلبس المحرم الخفین إذا لم یجد نعلین حتی یقطعهما أسفل الکعبین (4). وقال ابن حمزة : إنه یشق ظاهر القدمین ، وإن قطع الساقین کان أفضل (5).

والذی دلت علیه الروایتان شق ظهر القدم ، نعم ورد فی روایات العامة عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « فإن لم یجد نعلین فلیلبس خفین ، ولیقطعهما حتی یکونا إلی الکعبین » (6) والاحتیاط یقتضی الجمع بین

ص: 339


1- السرائر : 127.
2- المبسوط 1 : 320.
3- الخلاف 1 : 434.
4- نقله عنه فی المختلف : 270.
5- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 688.
6- صحیح مسلم 2 : 835 - 3 بتفاوت یسیر.

والفسوق ، وهو الکذب.

______________________________________________________

القطع کذلک وشق ظهر القدم.

قوله : ( والفسوق ، وهو الکذب ).

أجمع العلماء کافة علی تحریم الفسوق فی الحج وغیره ، والأصل فیه قوله تعالی ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِی الْحَجِّ ) (1) والحج یتحقق بالتلبس بإحرامه ، بل بالتلبس بإحرام عمرة التمتع ، لدخولها فی الحج ، وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « إذا أحرمت فعلیک بتقوی الله ، وذکر الله ، وقلة الکلام إلا بخیر ، فإن تمام الحج والعمرة أن یحفظ المرء لسانه إلا من خیر ، کما قال الله تعالی فإن الله یقول ( فَمَنْ فَرَضَ فِیهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِی الْحَجِّ ) فالرفث : الجماع ، والفسوق : الکذب والسباب والجدال ، قول الرجل ولا والله ، وبلی والله » (2).

واختلف کلام الأصحاب فی تفسیر الفسوق ، فقال الشیخ (3) وابنا بابویه (4) والمصنف وجماعة : إنه الکذب. وخصه ابن البراج بالکذب علی الله تعالی وعلی رسوله والأئمة علیهم السلام (5). وقال المرتضی (6) وابن الجنید (7) وجمع من الأصحاب : إنه الکذب والسباب. وقال ابن أبی عقیل : إنه کل لفظ قبیح (8). وقد وقع التصریح فی صحیحة معاویة بأن الفسوق

- حرمة الفسوق للمحرم

ص: 340


1- البقرة : 197.
2- الکافی 4 : 337 - 3 ، التهذیب 5 : 296 - 1003 ، الوسائل 9 : 108 أبواب تروک الإحرام ب 32 ح 1.
3- المبسوط 1 : 320 ، الاقتصاد : 302.
4- الصدوق فی المقنع : 71 ، وحکاه عن والده فی المختلف : 270.
5- المهذب 1 : 221.
6- جمل العلم والعمل : 106.
7- حکاه عنهما فی المختلف : 270.
8- حکاه عنهما فی المختلف : 270.

والجدال ، وهو قول : لا والله ، وبلی والله.

______________________________________________________

الکذب والسباب (1) ، وفی صحیحة علی بن جعفر بأنه الکذب والمفاخرة (2) ، والجمع بینهما یقتضی المصیر إلی أن الفسوق هو الکذب خاصة ، لاقتضاء الأولی نفی المفاخرة ، والثانیة نفی السباب.

لکن قال فی المختلف : إن المفاخرة لا تنفک عن السباب ، إذ المفاخرة إنما تتم بذکر فضائل له وسلبها عن خصمه ، أو سلب رذائل عنه وإثباتها لخصمه ، وهذا هو معنی السباب (3). ولا بأس به.

وکیف کان فلا ریب فی تحریم الجمیع ، ولا کفارة فی الفسوق سوی الاستغفار ، ولما رواه الحلبی ومحمد بن مسلم فی الصحیح ، أنهما قالا لأبی عبد الله علیه السلام : أرأیت من ابتلی بالفسوق ما علیه؟ قال : « لم یجعل الله له حدا ، یستغفر الله ویلبی » (4).

قوله : ( والجدال ، وهو قول : لا والله ، وبلی والله ).

هذا التفسیر مروی فی عدة روایات ، کروایة معاویة بن عمار المتقدمة ، وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام أنه قال : « والجدال قول الرجل : لا والله ، وبلی والله (5) وفی صحیحة أخری لمعاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام : « إنما الجدال قول الرجل : لا والله وبلی والله » (6).

ویستفاد من هذه الروایات انحصار الجدال فی هاتین الصیغتین ،

- حرمة الجدال للمحرم

ص: 341


1- الکافی 4 : 337 - 3 ، التهذیب 5 : 296 - 1003 ، الوسائل 9 : 108 أبواب تروک الإحرام ب 32 ح 1.
2- التهذیب 5 : 297 - 1005 ، الوسائل 9 : 109 أبواب تروک الإحرام ب 32 ح 4.
3- المختلف : 270.
4- الفقیه 2 : 212 - 968 ، الوسائل 9 : 108 أبواب تروک الإحرام ب 32 ح 2.
5- تقدمت الإشارة إلیها فی هامش 2.
6- التهذیب 5 : 336 - 1157 ، الوسائل 9 : 109 أبواب تروک الإحرام ب 32 ح 3.

وقتل هوام الجسد ، حتی القمل.

______________________________________________________

وقیل : یتعدی إلی کل ما یسمی یمینا (1) ، واختاره الشهید فی الدروس (2) ، ولعل مستنده إطلاق قول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « إن الرجل إذا حلف ثلاثة أیمان فی مقام ولاء وهو محرم فقد جادل وعلیه حد الجدال دم یهریقه ویتصدق به » (3) وهو ضعیف ، لأن هذا الإطلاق غیر مناف للحصر المتقدم.

وهل الجدال مجموع اللفظین ، أعنی لا والله وبلی والله ، أو إحداهما؟ قولان ، أظهرهما الثانی ، وهو خیرة المنتهی (4).

ولو اضطر إلی الیمین لإثبات حق أو نفی باطل فالأقرب جوازه ولا کفارة ، وقال ابن الجنید : یعفی عن الیمین فی طاعة الله وصلة الرحم ما لم یدأب فی ذلک (5). ونفی عنه البأس فی المختلف (6) ، ویشهد له ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الله بن مسکان ، عن أبی بصیر - والظاهر أنه لیث المرادی بقرینة روایة ابن مسکان عنه - عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المحرم یرید أن یعمل العمل فیقول له صاحبه : والله لا تعمله ، فیقول : والله لأعملنه ، فیخالفه مرارا ، أیلزمه ما یلزم صاحب الجدال؟ قال : « لا ، إنما أراد بهذا إکرام أخیه ، إنما ذلک فی ما کان فیه معصیة » (7).

قوله : ( وقتل هوامّ الجسد ، حتی القمل ).

الهوامّ بالتشدید : جمع هامّة - به أیضا - وهی الدابة ، قاله فی

- حرمة قتل هوام الجسد

ص: 342


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 165.
2- الدروس : 110.
3- التهذیب 5 : 335 - 1152 ، الوسائل 9 : 280 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 1 ح 5.
4- المنتهی 2 : 844.
5- نقله عنه ونفی عنه البأس فی المختلف : 271.
6- نقله عنه ونفی عنه البأس فی المختلف : 271.
7- الکافی 4 : 338 - 5 ، الوسائل 9 : 110 أبواب تروک الإحرام ب 32 ح 7 ، ورواها فی الفقیه 2 : 214 - 973 ، وعلل الشرائع : 457 - 1 ، والمستطرفات ( السرائر ) : 474.

______________________________________________________

القاموس (1). وهذا الحکم ، أعنی تحریم قتل هوامّ الجسد من القمل والبراغیث والصّئبان (2) علی المحرم سواء کان علی الثوب أو الجسد هو المشهور بین الأصحاب ، ونقل عن الشیخ فی المبسوط (3) وابن حمزة (4) أنهما جوّزا قتل ذلک علی البدن.

احتج القائلون بالتحریم مطلقا (5) بما رواه الشیخ ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المحرم ینزع القملة عن جسده فیلقیها فقال : « یطعم مکانها طعاما » (6).

وعن حماد بن عیسی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یبین القملة عن جسده فیلقیها ، قال : « یطعم مکانها طعاما » (7).

وعن الحسین بن أبی العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المحرم لا ینزع القمل من جسده ولا من ثوبه متعمدا ، وإن قتل شیئا من ذلک خطأ فلیطعم مکانها طعاما قبضة بیده » (8).

وهذه الروایات إنما تدل علی تحریم قتل القملة خاصة ، والأجود الاستدلال علی تحریم قتل الجمیع بما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أحرمت فاتق قتل

ص: 343


1- القاموس المحیط 4 : 194.
2- الصّؤابة بالهمز بیضة القملة ، والجمع الصّؤاب والصّئبان. لسان العرب 1 : 514.
3- المبسوط 1 : 339.
4- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 687.
5- منهم الشیخ فی التهذیب 5 : 336.
6- التهذیب 5 : 336 - 1159 ، الإستبصار 2 : 196 - 660 ، الوسائل 9 : 297 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 15 ح 2.
7- التهذیب 5 : 336 - 1158 ، الإستبصار 2 : 196 - 659 ، الوسائل 9 : 297 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 15 ح 1.
8- التهذیب 5 : 336 - 1160 ، الإستبصار 2 : 196 - 661 ، الوسائل 9 : 297 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 15 ح 3.

ویجوز نقله من مکان إلی آخر من جسده. ویجوز إلقاء القراد والحلم.

______________________________________________________

الدواب کلها إلا الأفعی والعقرب والفأرة » (1).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، قال : سألته عن المحرم ، هل یحک رأسه أو یغتسل بالماء؟ فقال : « یحک رأسه ما لم یتعمد قتل دابة » (2) ودابة الرأس تتناول القمل وغیره.

قوله : ( ویجوز نقله من مکان إلی آخر من جسده ).

یدل علی ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « فإذا أراد أن یحول قملة من مکان إلی مکان فلا یضره » (3).

وإطلاق النص والفتوی یقتضی عدم الفرق بین نقله إلی مکان أحرز مما کان فیه أو غیره. وقیده بعض المتأخرین بالمساوی أو الأحرز (4) ، وهو تقیید لإطلاق النص من غیر دلیل. نعم یمکن القول بالمنع من وضعه فی محل یکون معرضا للسقوط ، لأنه یؤول إلی الإلقاء المحرّم ، وفیه ما فیه.

قوله : ( ویجوز إلقاء القراد والحلم ).

الحلم - بفتح الحاء واللام - : واحدة حلمة بالفتح أیضا القراد العظیم ، قاله الجوهری (5) ، وقد قطع المصنف وأکثر الأصحاب بجواز إلقاء القراد والحلم عن نفسه وبعیره ، واستدلوا علیه بأصالة الإباحة ، وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أرأیت إن وجدت علیّ قرادا أو حلمة أطرحهما؟ قال : « نعم وصغار لهما ،

جواز نقل القملة

جواز إلقاء القراد والحلم

ص: 344


1- الکافی 4 : 363 - 2 ، الوسائل 9 : 166 أبواب تروک الإحرام ب 81 ح 2.
2- الفقیه 2 : 230 - 1092 ، المقنع : 75 ، الوسائل 9 : 159 أبواب تروک الإحرام ب 73 ح 4.
3- الفقیه 2 : 230 - 1091 ، التهذیب 5 : 336 - 1161 ، الوسائل 9 : 163 أبواب تروک الإحرام ب 78 ح 5.
4- اختاره فی المسالک 1 : 110.
5- الصحاح 5 : 1903.

ویحرم لبس الخاتم للزینة - ویجوز للسنّة

______________________________________________________

إنهما رقیا فی غیر مرقاهما » (1) ولا دلالة فی هذه الروایة علی جواز إلقائهما عن البعیر.

وقال الشیخ فی التهذیب : ولا بأس أن یلقی المحرم القراد عن بعیره ، ولیس له أن یلقی الحلمة. واستدل علیه بما رواه ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن ألقی المحرم القراد عن بعیره فلا بأس ، ولا یلقی الحلمة » (2) وفی طریق هذه الروایة إبراهیم ، وهو ابن أبی سماک ، وحاله غیر معلوم ، لکنها مرویة فی کتاب من لا یحضره الفقیه بطریق صحیح (3) (4).

ویدل علیه أیضا حسنة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن القراد لیس من البعیر ، والحلمة من البعیر بمنزلة القملة من جسدک ، فلا تلقها وألق القراد » (5) وروایة عمر بن یزید ، قال : « لا بأس أن تنزع القراد عن بعیرک ، ولا ترم الحلمة » (6) وهذا التفصیل لا یخلو من قوة لصحة مستنده.

قوله : ( ویحرم لبس الخاتم للزینة ویجوز للسنة ).

أما تحریم لبس الخاتم للزینة فاستدل علیه بروایة مسمع عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته أیلبس المحرم الخاتم؟ قال : « لا یلبسه للزینة » (7) وفی الطریق ضعف ، لکن مقتضی قوله علیه السلام فی صحیحة

- حرمة لبس الخاتم للزینة

ص: 345


1- الکافی 4 : 362 - 4 ، الوسائل 9 : 164 أبواب تروک الإحرام ب 79 ح 1.
2- التهذیب 5 : 338 - 1167 ، الوسائل 9 : 165 أبواب تروک الإحرام ب 80 ح 1.
3- فی « م » : حسن.
4- الفقیه 2 : 232 - 1106.
5- الکافی 4 : 364 - 8 ، الفقیه 2 : 232 - 1107 ، الوسائل 9 : 165 أبواب تروک الإحرام ب 80 ح 2.
6- التهذیب 5 : 338 - 1168 ، الوسائل 9 : 165 أبواب تروک الإحرام ب 80 ح 4.
7- التهذیب 5 : 73 - 242 ، الإستبصار 2 : 165 - 544 ، الوسائل 9 : 127 أبواب تروک الإحرام ب 46 ح 4.

ولبس المرأة الحلیّ للزینة ، وما لم یعتد لبسه منه علی الأولی ،

______________________________________________________

حریز « لا تنظر فی المرآة وأنت محرم لأنه من الزینة ، ولا تکتحل المرأة المحرمة بالسواد ، إنّ السواد زینة » (1) تحریم کلما یتحقق به الزینة.

وأما جواز لبسه للسنة فیدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل ، قال : رأیت العبد الصالح وهو محرم وعلیه خاتم وهو یطوف طواف الفریضة (2). وفی الحسن عن ابن أبی نصر ، عن نجیح ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « لا بأس بلبس الخاتم للمحرم » (3) وهو محمول علی لبسه للسنة ، جمعا بین الروایات.

قوله : ( ولبس المرأة الحلی للزینة ، وما لم تعتد لبسه منه علی الأولی ).

أما تحریم لبسه للزینة فلا إشکال فیه ، ویدل علیه مضافا إلی ما سبق قوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم : « المحرمة تلبس الحلی کله إلا حلیا مشهورا للزینة » (4) لکن مقتضی الروایة اختصاص التحریم بالمشهور منه أی الظاهر ، إلا أن الظاهر أن التزیّن إنما یتحقق به غالبا.

وأما تحریم لبس ما لم تعتد (5) لبسه من الحلی وإن لم یکن بقصد الزینة فیمکن أن یستدل علیه بمفهوم قوله علیه السلام فی صحیحة حریز : « إذا کان للمرأة حلی لم تحدثه للإحرام لم ینزع عنها » (6) وقول المصنف فی غیر

- حرمة لبس المرأة الحلی الغیر المعتاد لها.

ص: 346


1- الکافی 4 : 356 - 1 ، وفی الفقیه 2 : 221 - 1031 ، وعلل الشرائع : 458 - 1 ، والوسائل 9 : 114 أبواب تروک الإحرام ب 34 ح 3 : صدر الحدیث.
2- التهذیب 5 : 73 - 241 ، الإستبصار 2 : 165 - 543 ، الوسائل 9 : 127 أبواب تروک الإحرام ب 46 ح 3.
3- التهذیب 5 : 73 - 240 ، الإستبصار 2 : 165 - 542 ، الوسائل 9 : 127 أبواب تروک الإحرام ب 46 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 343 - 22.
4- الفقیه 2 : 220 - 1016 ، التهذیب 5 : 75 - 249 ، الإستبصار 2 : 310 - 1105 ، الوسائل 9 : 132 أبواب تروک الإحرام ب 49 ح 4.
5- فی « ض » : یعتد.
6- الفقیه 2 : 220 - 1021 ، الوسائل 9 : 132 أبواب تروک الإحرام ب 49 ح 9.

ولا بأس بما کان معتادا لها ، لکن یحرم علیها إظهاره لزوجها.

واستعمال دهن فیه طیب محرّم بعد الإحرام ، وقبله إذا کان ریحه یبقی إلی الإحرام.

______________________________________________________

المعتاد : علی الأولی ، یشعر بعدم جزمه بتحریمه ، وکأن وجهه عدم دلالة النصوص علیه صریحا ، وتعمیم الإباحة فی روایة محمد بن مسلم لکل حلی إلا الحلی المشهور للزینة (1).

قوله : ( ولا بأس بما کان معتادا لها ، لکن یحرم علیها إظهاره لزوجها ).

أی ولا بأس بلبس ما کان معتادا لها من الحلی إذا لم یکن للزینة ، وقد ورد بذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المرأة یکون علیها الحلی والخلخال والمسکة والقرطان من الذهب والورق تحرم فیه وهو علیها وقد کانت تلبسه فی بیتها قبل حجها ، أتنزعه إذا أحرمت أو تترکه علی حاله؟ قال : « تحرم فیه وتلبسه وتلبس من غیر أن تظهره للرجال فی مرکبها ومسیرها » (2).

ومقتضی الروایة تحریم إظهاره للرجال مطلقا ، فیندرج فی ذلک الزوج والمحارم وغیرهما ، فلا وجه لتخصیص الحکم بالزوج. ولا شی ء فی لبس الحلی والخاتم المحرّمین سوی الاستغفار.

قوله : ( واستعمال دهن فیه طیب محرّم بعد الإحرام وقبله إذا کان ریحه یبقی إلی الإحرام ).

حکم استعمال الدهن قبل وبعد الاحرام

ص: 347


1- الفقیه 2 : 220 - 1016 ، التهذیب 5 : 75 - 249 ، الإستبصار 2 : 310 - 1105 ، الوسائل 9 : 132 أبواب تروک الإحرام ب 49 ح 4.
2- التهذیب 5 : 75 - 248 ، الإستبصار 2 : 310 - 1104 ، الوسائل 9 : 131 أبواب تروک الإحرام ب 49 ح 1.

______________________________________________________

أما تحریم استعمال الأدهان الطیبة کدهن الورد والبنفسج والبان فی حال الإحرام فقال فی المنتهی : إنه قول عامة أهل العلم ، ویجب به الفدیة إجماعا (1).

وأما تحریم استعمالها قبل الإحرام إذا کانت رائحته تبقی إلی وقت الإحرام فهو قول الأکثر ، وجعله ابن حمزة مکروها (2) ، والأصح التحریم ، لورود النهی عنه فی عدة روایات ، کحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تدهن حین ترید أن تحرم بدهن فیه مسک ولا عنبر ، من أجل أن رائحته تبقی فی رأسک بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حین ترید أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم علیک الدهن حتی تحل » (3).

وروایة علی بن أبی حمزة ، قال : سألته عن الرجل یدهن بدهن فیه طیب وهو یرید أن یحرم ، فقال : « لا تدهن حین ترید أن تحرم بدهن فیه مسک ولا عنبر تبقی ریحه فی رأسک بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حین ترید أن تحرم قبل الغسل وبعده ، فإذا أحرمت فقد حرم علیک الدهن حتی تحل » (4).

ومقتضی الروایتین جواز التدهن بغیر المطلب قبل الإحرام ، ونقل علیه فی التذکرة الإجماع (5).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین ما یبقی أثره إلی حال الإحرام وغیره ، واحتمل بعض الأصحاب تحریم الإدهان

ص: 348


1- المنتهی 2 : 787.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 688.
3- الکافی 4 : 329 - 2 ، التهذیب 5 : 303 - 1032 ، الاستبصار 2 : 181 - 603 ، علل الشرائع : 451 - 1 ، الوسائل 9 : 104 أبواب تروک الإحرام ب 29 ح 1.
4- الفقیه 2 : 202 - 921 ، التهذیب 5 : 302 - 1031 ، الإستبصار 2 : 181 - 602 ، الوسائل 9 : 105 أبواب تروک الإحرام ب 29 ح 1.
5- التذکرة 1 : 335.

وکذا ما لیس بطیّب اختیارا بعد الإحرام ، ویجوز اضطرارا.

______________________________________________________

مما یبقی أثره بعد الإحرام قیاسا علی المطیب (1). وهو بعید.

ولا یخفی أن تحریم الإدهان بالمطیب قبل الإحرام إنما یتحقق مع وجوب الإحرام وتضیّق وقته ، وإلاّ لم یکن الإدهان محرما وإن حرم إنشاء الإحرام قبل زوال أثره کما هو واضح.

قوله : ( وکذا ما لیس بطیب اختیارا بعد الإحرام ، ویجوز اضطرارا ).

اختلف الأصحاب فی جواز الإدهان بغیر الأدهان الطیبة کالشیرج والسمن والزیت اختیارا ، فمنعه الشیخ فی النهایة والمبسوط (2) وجمع من الأصحاب ، وسوغه المفید (3) وسلار (4) وابن أبی عقیل (5) وأبو الصلاح (6) ، والمعتمد الأول.

لنا قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ولا تمس شیئا من الطیب ولا من الدهن فی إحرامک » (7) وفی حسنة الحلبی : « فإذا أحرمت فقد حرم علیک الدهن حتی تحل » (8).

احتج المجوزون (9) بأصالة الإباحة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ،

ص: 349


1- کما فی المسالک 1 : 110.
2- النهایة : 220 ، والمبسوط 1 : 321.
3- المقنعة : 68.
4- المراسم : 106.
5- نقله عنه فی المختلف : 269.
6- الکافی فی الفقه : 203.
7- التهذیب 5 : 297 - 1006 ، الإستبصار 2 : 178 - 590 ، الوسائل 9 : 105 أبواب تروک الإحرام ب 29 ح 3.
8- الکافی 4 : 329 - 2 ، التهذیب 5 : 303 - 1032 ، الاستبصار 2 : 181 - 603 ، علل الشرائع : 451 - 1 ، الوسائل 9 : 104 أبواب تروک الإحرام ب 29 ح 1.
9- نقل احتجاجهم فی المختلف : 269.

وإزالة الشعر ، قلیله وکثیره ، ومع الضرورة لا إثم.

______________________________________________________

عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : سألته عن محرم تشققت یداه قال ، فقال : « یدهنهما بزیت أو سمن أو إهالة » (1) وفی الصحیح عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فلیبطه ولیداوه بسمن أو زیت »(2).

والجواب أما عن الأصل فبأنه إنما یصار إلیه مع انتفاء ما یدل علی خلافه وقد بیناه ، وأما عن الروایتین فبالقول بالموجب ، فإن الضرورة مبیحة لاستعماله إجماعا ، وموضع الخلاف الإدهان بغیر المطیب لا استعماله مطلقا ، فإن أکله جائز إجماعا ، حکاه فی التذکرة (3).

ولو ادهن بغیر المطیب فعل حراما ولا فدیة فیه ، للأصل السالم من المعارض. أما المطیّب فقال فی المنتهی : إنه تجب الفدیة باستعماله ولو اضطر إلیه (4). لصحیحة معاویة بن عمار : فی محرم کانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : « إن کان فعله بجهالة فعلیه طعام مسکین ، وإن کان تعمد فعلیه دم شاة یهریقه » (5) وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی (6).

قوله : ( وإزالة الشعر ، قلیله وکثیره ، ومع الضرورة لا إثم ).

أما تحریم إزالة الشعر قلیله وکثیره عن الرأس واللحیة وسائر البدن بحلق ونتف وغیرهما مع الاختیار فقال فی المنتهی : إنه مجمع علیه بین العلماء (7). ویدل علیه مضافا إلی قوله تعالی : ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَکُمْ حَتّی

حرمة إزالة الشعر للمحرم

ص: 350


1- التهذیب 5 : 304 - 1037 ، الوسائل 9 : 107 أبواب تروک الإحرام ب 31 ح 2.
2- التهذیب 5 : 304 - 1036 ، الوسائل 9 : 107 أبواب تروک الإحرام ب 31 ح 1.
3- التذکرة 1 : 335.
4- المنتهی 2 : 787.
5- التهذیب 5 : 304 - 1038 ، الوسائل 9 : 285 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 4 ح 5.
6- فی ج 8 ص 448.
7- المنتهی 2 : 793.

______________________________________________________

یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ ) (1) روایات کثیرة کصحیحة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « من حلق أو نتف إبطه ناسیا أو ساهیا أو جاهلا فلا شی ء علیه ، ومن فعله متعمدا فعلیه دم » (2).

وصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا نتف الرجل إبطیه بعد الإحرام فعلیه دم » (3).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم کیف یحک رأسه؟ قال : « بأظافیره ما لم یدم أو یقطع الشعر » (4).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن نتف المحرم من شعر لحیته وغیرها شیئا فعلیه أن یطعم مسکینا فی یده » (5).

وروی الحلبی فی الحسن أیضا ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یحتجم ، قال : لا إلا أن لا یجد بدا فلیحتجم ، ولا یحلق مکان المحاجم » (6).

وأما جواز إزالته مع الضرورة فموضع وفاق بین العلماء أیضا ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل ونفی الحرج وعدم عموم الأخبار المانعة قوله تعالی : ( فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ ) (7).

ص: 351


1- البقرة : 196.
2- الکافی 4 : 361 - 8 بتفاوت یسیر ، التهذیب 5 : 339 - 1174 ، الإستبصار 2 : 199 - 672 ، الوسائل 9 : 291 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 10 ح 1.
3- الفقیه 2 : 228 - 1079 ، التهذیب 5 : 340 - 1177 ، الإستبصار 2 : 199 - 675 ، الوسائل 9 : 292 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 11 ح 1.
4- الفقیه 2 : 229 - 1086 بتفاوت یسیر ، التهذیب 5 : 313 - 1076 ، الوسائل 9 : 159 أبواب تروک الإحرام ب 73 ح 1.
5- الکافی 4 : 361 - 9 ، الوسائل 9 : 300 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 16 ح 9.
6- الکافی 4 : 360 - 1 ، الوسائل 9 : 143 أبواب تروک الإحرام ب 62 ح 1.
7- البقرة : 196.

______________________________________________________

وصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « مرّ رسول الله صلی الله علیه و آله علی کعب بن عجرة (1) الأنصاری والقمل یتناثر من رأسه فقال : أتؤذیک هوامّک؟ فقال : نعم » قال : « فأنزلت هذه الآیة ( فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ ) (2) فأمره رسول الله صلی الله علیه و آله فحلق رأسه وجعل علیه الصیام ثلاثة أیام ، والصدقة علی ستة مساکین لکل مسکین مدان ، والنسک شاة » وقال أبو عبد الله علیه السلام : « وکل شی ء فی القرآن ( أو ) فصاحبه بالخیار یختار ما شاء وکل شی ء فی القرآن ( فمن لم یجد فعلیه کذا ) فالأول بالخیار » (3).

فروع :

الأول : قال فی المنتهی : لو کان له عذر من مرض أو وقع فی رأسه قمل أو غیر ذلک من أنواع الأذی جاز له الحلق إجماعا ، للآیة ، والأحادیث السابقة ، ثم ینظر فإن کان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدیة علیه ، کما لو نبت فی عینه أو نزل شعر حاجبه بحیث یمنعه الإبصار ، لأن الشعر أضر به ، فکان له إزالة ضرره ، کالصید إذا صال علیه ، وإن کان الأذی من غیر الشعر لکن لا یتمکن من إزالة الأذی إلا بحلق الشعر کالقمل والقروح برأسه والصداع من الحر بکثرة الشعر وجبت الفدیة ، لأنه قطع الشعر لإزالة ضرر عنه ، فصار کما لو أکل الصید للمخمصة ، لا یقال : القمل من ضرر الشعر والحر سببه کثرة الشعر فکان الضرر منه أیضا ، لأنا نقول : لیس القمل من الشعر وإنما لا یمکنه المقام إلا بالرأس ذی الشعر ، فهو محل لا سبب ، وکذلک الحر من الزمان ، لأن الشعر یوجد فی البرد ولا یتأذی به ، فقد ظهر

جواز الحلق للعذر

ص: 352


1- هکذا ضبطه فی تنقیح المقال 2 : 39 ، وهو الموافق للمصادر ، وفی جمیع النسخ : عجیزة.
2- البقرة : 196.
3- الکافی 4 : 358 - 2 ، التهذیب 5 : 333 - 1147 ، الاستبصار 2 : 195 - 656 ، المقنع : 75 ، الوسائل 9 : 295 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 14 ح 1.

وتغطیة الرأس ،

______________________________________________________

إن الأذی فی هذین النوعین لیس من الشعر (1). هذا کلامه - رحمه الله - وهو غیر واضح.

والمتجه لزوم الفدیة إذا کانت الإزالة بسبب (2) المرض والأذی الحاصل فی الرأس مطلقا ، لإطلاق الآیة الشریفة ، دون ما عدا ذلک ، لأن الضرورة مسوغة لإزالته ، والفدیة منتفیة بالأصل.

الثانی : لو قطع یده وعلیها شعر فقد قطع العلامة (3) وغیره (4) بأنه لا یضمن الشعر ، لأنه تابع للید فلا ینفرد بالضمان ، والید لا تضمن فدیتها فکذلک التابع. ولا بأس به.

الثالث : لا یجوز للمحرم حلق رأس المحرم إجماعا ، وفی جواز حلقه رأس المحل قولان ، أصحهما المنع ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یأخذ المحرم من شعر الحلال » (5).

قوله : ( وتغطیة الرأس ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : یحرم علی الرجل حالة الإحرام تغطیة رأسه اختیارا بإجماع العلماء (6). ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : الرجل المحرم یرید أن ینام ، یغطی وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ، ولا یخمّر رأسه » (7).

- حرمة تغطیة الرأس للمحرم

ص: 353


1- المنتهی 2 : 793 ولکن فیه وفی جمیع النسخ : لیسا من الشعر. والصحیح ما أثبتناه.
2- فی « ض » : لإزالة سبب.
3- المنتهی 2 : 793 ، والتذکرة 1 : 338.
4- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 110.
5- التهذیب 5 : 340 - 1179 ، الوسائل 9 : 145 أبواب تروک الإحرام ب 63 ح 1.
6- التذکرة 1 : 336.
7- التهذیب 5 : 307 - 1051 ، الإستبصار 2 : 184 - 614 ، الوسائل 9 : 138 أبواب تروک الإحرام ب 55 ح 5.

______________________________________________________

وفی الصحیح عن حریز ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن محرم غطی رأسه ناسیا ، قال : « یلقی القناع عن رأسه ویلبی ولا شی ء علیه » (1).

وتنقیح المسألة یتم ببیان أمور :

الأول : صرح العلامة (2) وغیره (3) بأنه لا فرق فی التحریم بین أن یغطی رأسه بالمعتاد کالعمامة والقلنسوة أو بغیره حتی الطین والحنّاء وحمل متاع یستره ، وهو غیر واضح ، لأن المنهی عنه فی الروایات المعتبرة تخمیر الرأس ووضع القناع علیه والستر بالثوب ، لا مطلق الستر ، مع أن النهی لو تعلق به لوجب حمله علی ما هو المتعارف منه ، وهو الستر بالمعتاد ، إلا أن المصیر إلی ما ذکروه أحوط.

قال فی التذکرة : ولو توسّد بوسادة فلا بأس ، وکذا لو توسّد بعمامة مکورة ، لأن المتوسّد یطلق علیه عرفا أنه مکشوف الرأس (4). وهو حسن.

الثانی : لو ستر رأسه بیده أو ببعض أعضائه فالأظهر جوازه ، کما اختار العلامة فی المنتهی (5) ، واستشکله فی التحریر (6) ، وجعل فی الدروس ترکه أولی (7). ویدل علی الجواز مضافا إلی الأصل وعدم صدق الستر ووجوب مسح الرأس فی الوضوء المقتضی لستره بالید فی الجملة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا

ص: 354


1- التهذیب 5 : 307 - 1050 ، الإستبصار 2 : 184 - 613 ، الوسائل 9 : 138 أبواب تروک الإحرام ب 55 ح 3 ، ورواها فی الفقیه 2 : 227 - 1071.
2- المنتهی 2 : 789 ، والتذکرة 1 : 336 ، والتحریر 1 : 114.
3- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 110.
4- التذکرة 1 : 336.
5- المنتهی 2 : 790.
6- التحریر 1 : 114.
7- الدروس : 108.

______________________________________________________

بأس أن یضع المحرم ذراعه علی وجهه من حر الشمس » وقال : « لا بأس أن یستر بعض جسده ببعض » (1).

الثالث : ذکر جمع من الأصحاب أن المراد بالرأس هنا منابت الشعر خاصة حقیقة وحکما (2) ، وظاهرهم خروج الأذنین منه ، وبه صرح الشارح قدس سره (3). واستوجه العلامة فی التحریر تحریم سترهما (4) ، وهو متجه ، لما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الرحمن - والظاهر أنه ابن الحجاج - قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المحرم یجد البرد فی أذنیه یغطهما؟ قال : « لا » (5).

الرابع : قال فی المنتهی : یحرم تغطیة بعض الرأس کما یحرم تغطیته ، لأن النهی عن إدخال الستر فی الوجود یستلزم النهی عن إدخال أبعاضه (6). وهو جید لو ثبت ما ذکره ، لکنه غیر ثابت.

والأجود الاستدلال علیه بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول لأبی وشکی إلیه حر الشمس وهو محرم وهو یتأذی به وقال : تری أن أستتر بطرف ثوبی؟ قال : « لا بأس بذلک ما لم یصب رأسک » (7) فإن إطلاق النهی عن إصابة الثوب الرأس یقتضی ذلک.

ویستثنی من ذلک وضع عصام القربة علی الرأس لحملها ، فإنه جائز

ص: 355


1- التهذیب 5 : 308 - 1055 ، الوسائل 9 : 152 أبواب تروک الإحرام ب 67 ح 3.
2- فی « م » و « ح » : أو حکما.
3- المسالک 1 : 111.
4- التحریر 1 : 114.
5- الکافی 4 : 349 - 4 ، الوسائل 9 : 137 أبواب تروک الإحرام ب 55 ح 1.
6- المنتهی 2 : 789.
7- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ ، وهی موجودة فی الفقیه 2 : 227 - 1068 ، الوسائل 9 : 152 أبواب تروک الإحرام ب 67 ح 4.

______________________________________________________

وإن تحقق به ستر البعض ، لصحیحة محمد بن مسلم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یضع عصام القربة علی رأسه إذا استسقی؟ قال : « نعم » (1) ولا یتقید ذلک بالضرورة ، لإطلاق النص.

وتجوز العصابة للصداع لصحیحة معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یعصب الرجل المحرم رأسه من الصداع » (2) واستدل علیه فی المنتهی أیضا بأنه غیر ساتر لجمیع العضو ، فکان سائغا کسیر النعل (3). وهو مناف لما ذکره أولا من أن ستر البعض کستر الکل.

الخامس : اختلف الأصحاب فی جواز تغطیة الرجل المحرم وجهه ، فذهب الأکثر إلی الجواز ، بل قال فی التذکرة : إنه قول علمائنا أجمع (4). ومنعه ابن أبی عقیل : وجعل کفارته إطعام مسکین فی یده (5). وقال الشیخ فی التهذیب : فأما تغطیة الوجه فیجوز مع الاختیار ، غیر أنه یلزمه الکفارة ، ومتی لم ینو الکفارة لم یجز له ذلک (6).

وقد ورد بالجواز مطلقا روایات کثیرة ، کصحیحة عبد الله بن سنان المتقدمة (7) ، وصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : الرجل المحرم یرید أن ینام ، یغطی وجهه من الذباب؟ قال : « نعم ولا یخمّر رأسه » (8).

حکم تغطیة الوجه

ص: 356


1- الفقیه 2 : 221 - 1024 ، الوسائل 9 : 140 أبواب تروک الإحرام ب 57 ح 1.
2- الکافی 4 : 359 - 10 ، التهذیب 5 : 308 - 1056 ، الوسائل 9 : 156 أبواب تروک الإحرام ب 70 ح 4.
3- المنتهی 2 : 789.
4- التذکرة 1 : 337.
5- نقله عنه فی المختلف : 286.
6- التهذیب 5 : 308.
7- فی ص 355.
8- التهذیب 5 : 307 - 1051 ، الإستبصار 2 : 184 - 614 ، الوسائل 9 : 138 أبواب تروک الإحرام ب 55 ح 5.

وفی معناه الارتماس.

______________________________________________________

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یکره للمحرم أن یجوز بثوبه فوق أنفه » (1).

وصحیحة حفص بن البختری وهشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « یکره للمحرم أن یجوز ثوبه أنفه من أسفل » وقال : « اضح لمن أحرمت له » (2).

وروایة منصور بن حازم ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام وقد توضأ وهو محرم ثم أخذ مندیلا فمسح به وجهه » (3).

احتج الشیخ فی التهذیب علی لزوم الکفارة بذلک بما رواه فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : « المحرم إذا غطی وجهه فلیطعم مسکینا فی یده » قال : « ولا بأس أن ینام علی وجهه علی راحلته » (4).

وأجیب عن الروایة بالحمل علی الاستحباب (5). وهو غیر بعید ، لإطلاق الإذن بالتغطیة فی الأخبار الکثیرة ، ولو کانت الکفارة واجبة لذکرت فی مقام البیان ، ولا ریب أن التکفیر أولی وأحوط.

قوله : ( وفی معناه الارتماس ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب أیضا. ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یرتمس المحرم فی الماء » (6).

- حرمة الارتماس للمحرم

ص: 357


1- الفقیه 2 : 226 - 1066 ، الوسائل 9 : 143 أبواب تروک الإحرام ب 61 ح 1.
2- الفقیه 2 : 226 - 1067 ، الوسائل 9 : 143 أبواب تروک الإحرام ب 61 ح 2.
3- الفقیه 2 : 226 - 1065 ، الوسائل 9 : 143 أبواب تروک الإحرام ب 61 ح 3.
4- التهذیب 5 : 308 - 1054 ، الوسائل 9 : 138 أبواب تروک الإحرام ب 55 ح 4.
5- کما فی المنتهی 2 : 790.
6- التهذیب 5 : 312 - 1071 ، الوسائل 9 : 140 أبواب تروک الإحرام ب 58 ح 3.

ولو غطّی رأسه ناسیا ألقی الغطاء واجبا ، وجدّد التلبیة استحبابا.

______________________________________________________

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « لا تمس الریحان وأنت محرم ، ولا تمس شیئا فیه زعفران ، ولا تأکل طعاما فیه زعفران ، ولا ترتمس فی ماء تدخل فیه رأسک » (1) ویستفاد من هذه الروایة أن المراد بالارتماس إدخال الرأس فی الماء.

قال فی التذکرة : ویجوز للمحرم أن یغسل رأسه ویفیض علیه الماء إجماعا ، لأنه لا یطلق علیه اسم التغطیة ، ولیس فهو فی معناها کالارتماس. ویدل علیه صحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب علی رأسه الماء ویمیّز الشعر بأنامله بعضه من بعض (2) » (3).

وصحیحة یعقوب بن شعیب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یغتسل؟ فقال : « نعم ، یفیض الماء علی رأسه ولا یدلکه » (4).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن أبان ، عن زرارة ، قال : سألته عن المحرم هل یحک رأسه أو یغتسل بالماء؟ فقال : « یحک رأسه ما لم یتعمد قتل دابة ، ولا بأس أن یغتسل بالماء ، ویصب علی رأسه ما لم یکن ملبّدا ، فإن کان ملبّدا فلا یفیض علی رأسه الماء إلا من احتلام » (5).

قوله : ( ولو غطی رأسه ناسیا ألقی الغطاء واجبا ، وجدّد التلبیة استحبابا ).

أما وجوب إلقاء الغطاء عند الذکر فلا ریب فیه ، لأن استدامة التغطیة

حکم من غطی رأسه نسیانا

ص: 358


1- التهذیب 5 : 307 - 1048 ، الوسائل 9 : 140 أبواب تروک الإحرام ب 58 ح 1.
2- التذکرة 1 : 336.
3- الکافی 4 : 365 - 2 ، الفقیه 2 : 230 - 1094 ، التهذیب 5 : 313 - 1080 ، الوسائل 9 : 160 أبواب تروک الإحرام ب 75 ح 2.
4- الفقیه 2 : 230 - 1093 ، التهذیب 5 : 313 - 1079 ، الوسائل 9 : 160 أبواب تروک الإحرام ب 75 ح 1.
5- الفقیه 2 : 230 - 1092 ، الوسائل 9 : 160 أبواب تروک الإحرام ب 75 ح 3.

ویجوز ذلک للمرأة لکن علیها أن تسفر عن وجهها. ولو أسدلت قناعها علی رأسها إلی طرف أنفها جاز.

______________________________________________________

محرمة کابتدائه ، وأما استحباب التلبیة فعلل بأن التغطیة تنافی الإحرام ، فاستحب تجدید ما ینعقد به وهو التلبیة ، ویدل علی الحکمین ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حریز ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن محرم غطی رأسه ناسیا ، قال : « یلقی القناع عن رأسه ویلبی ولا شی ء علیه » (1).

ویدل علی استحباب التلبیة أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یغطی رأسه ناسیا أو نائما ، فقال : « یلبی إذا ذکر » (2).

ومقتضی الروایتین وجوب التلبیة ، وحملتا علی الاستحباب لعدم القائل بالوجوب. ولا یخفی ما فیه.

قوله : ( ویجوز ذلک للمرأة ، لکن علیها أن تسفر عن وجهها ، ولو أسدلت قناعها علی رأسها إلی طرف أنفها جاز ).

أجمع الأصحاب علی أن إحرام المرأة فی وجهها ، فلا یجوز لها تغطیته ، بل قال فی المنتهی : إنه قول علماء الأمصار. والأصل فیه قول النبی صلی الله علیه و آله : « إحرام الرجل فی رأسه ، وإحرام المرأة فی وجهها » (3).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « مر أبو جعفر علیه السلام بامرأة متنقبة وهی محرمة ، فقال : أحرمی وأسفری وأرخی ثوبک من فوق رأسک ، فإنک إن تنقبت لم یتغیر لونک ، فقال رجل : إلی أین ترخیه؟ فقال : تغطی عینیها » قال :

جواز تغطیة المرأة رأسها دون وجهها

ص: 359


1- التهذیب 5 : 307 - 1050 ، الإستبصار 2 : 184 - 613 ، الوسائل 9 : 138 أبواب تروک الإحرام ب 55 ح 3.
2- الفقیه 2 : 227 - 1070 ، الوسائل 9 : 138 أبواب تروک الإحرام ب 55 ح 6.
3- المنتهی 2 : 790. وقول النبی صلی الله علیه و آله فی المقنعة : 70.

______________________________________________________

« قلت : یبلغ فمها؟ قال : نعم » (1).

وفی الحسن عن عبد الله بن میمون ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال : « المحرمة لا تتنقب ، لأن إحرام المرأة فی وجهها ، وإحرام الرجل فی رأسه » (2).

وعن أحمد بن محمد ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « مر أبو جعفر علیه السلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة ، فأماط المروحة بنفسه عن وجهها » (3).

وذکر جمع من الأصحاب أنه لا فرق فی التحریم بین أن تغطیه بثوب وغیره. وهو مشکل ، وینبغی القطع بجواز وضع الیدین علیه ، وجواز نومها علی وجهها ، لعدم تناول الأخبار المانعة لذلک.

ویستثنی من الوجه ما یتوقف علیه ستر الرأس ، فیجب ستره فی الصلاة ، تمسکا بمقتضی العمومات المتضمنة لوجوب ستره ، السالمة عما یصلح للتخصیص.

وقد أجمع الأصحاب وغیرهم علی أنه یجوز للمحرمة سدل ثوبها من فوق رأسها علی وجهها إلی طرف أنفها ، قاله فی التذکرة (4). وقال فی المنتهی : لو احتاجت إلی ستر وجهها لمرور الرجال قریبا منها سدلت ثوبها من فوق رأسها علی وجهها إلی طرف أنفها ، ولا نعلم فیه خلافا (5). ویدل علیه مضافا إلی ما سبق ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حماد ، عن

ص: 360


1- الکافی 4 : 344 - 3 ، الوسائل 9 : 129 أبواب تروک الإحرام ب 48 ح 3.
2- الکافی 4 : 345 - 7 ، الفقیه 2 : 219 - 1009 ، المقنعة : 70 وفیه عن النبی صلی الله علیه و آله ، الوسائل 9 : 129 أبواب تروک الإحرام ب 48 ح 1.
3- الکافی 4 : 346 - 9 ، وفی الفقیه 2 : 219 - 1010 ، وقرب الإسناد : 160 بتفاوت یسیر ، الوسائل 9 : 130 أبواب تروک الإحرام ب 48 ح 4.
4- التذکرة 1 : 337.
5- المنتهی 2 : 791.

______________________________________________________

حریز قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « المحرمة تسدل الثوب علی وجهها إلی الذقن » (1).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « تسدل المرأة الثوب علی وجهها من أعلاها إلی النحر إذا کانت راکبة » (2).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المحرمة تسدل ثوبها إلی نحرها » (3).

ویستفاد من هذه الروایات جواز سدل الثوب إلی النحر.

واعلم أن إطلاق هذه الروایات یقتضی عدم اعتبار مجافاة الثوب عن الوجه ، وبه قطع فی المنتهی ، واستدل علیه بأنه لیس بمذکور فی الخبر ، مع أن الظاهر خلافه ، فإن سدل الثوب لا تکاد تسلم معه البشرة من الإصابة ، فلو کان شرطا لبیّن ، لأنه موضع الحاجة (4).

ونقل عن الشیخ أنه أوجب علیها مجافاة الثوب عن وجهها بخشبة وشبهها بحیث لا یصیب البشرة ، وحکم بلزوم الدم إذا أصاب الثوب وجهها ولم تزله بسرعة (5). وکلا الحکمین مشکل ، لانتفاء الدلیل علیه.

ثم إن قلنا بعدم اعتبار المجافاة فیکون المراد بتغطیة الوجه المحرّمة تغطیته بالنقاب خاصة ، إذ لا یستفاد من الأخبار أزید منه ، أو تغطیته بغیر السدل. وکیف کان فإطلاق الحکم بتحریم تغطیة الوجه مع الحکم بجواز سدل الثوب علیه وإن أصاب البشرة غیر جید ، والأمر فی ذلک هیّن بعد

ص: 361


1- الفقیه 2 : 219 - 1007 ، الوسائل 9 : 130 أبواب تروک الإحرام ب 48 ح 6.
2- الفقیه 2 : 219 - 1008 ، الوسائل 9 : 130 أبواب تروک الإحرام ب 48 ح 8.
3- الفقیه 2 : 227 - 1074 ، الوسائل 9 : 130 أبواب تروک الإحرام ب 48 ح 7.
4- المنتهی 2 : 791.
5- المبسوط 1 : 320.

وتظلیل المحرم علیه سائرا ،

______________________________________________________

وضوح المأخذ.

قوله : ( وتظلیل المحرم علیه سائرا ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : یحرم علی المحرم الاستظلال حالة السیر ، فلا یجوز له الرکوب فی المحمل وما فی معناه ، کالهودج والکنیسة والعماریة وأشباه ذلک عند علمائنا أجمع (1). ونحوه قال فی المنتهی (2). ونقل عن ابن الجنید أنه جعل ترک التظلیل مستحبا (3). والمعتمد الأول.

لنا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن المغیرة قال ، قلت لأبی الحسن الأول علیه السلام : أظلل وأنا محرم؟ قال : « لا » قلت : أظلل وأکفر؟ قال : « لا » قلت : فإن مرضت؟ قال : « ظلّل وکفّر » ثم قال : « أما علمت أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال : ما من حاج یضحی ملبیا حتی تغیب الشمس إلا غابت ذنوبه معها » (4).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یرکب فی القبة ، قال : « ما یعجبنی ذلک إلا أن یکون مریضا » (5).

وفی الصحیح عن إسماعیل بن عبد الخالق ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، هل یستتر المحرم من الشمس؟ قال : « لا ، إلا أن یکون شیخا کبیرا ، أو قال : ذا علة » (6).

- حرمة تظلیل المحرم

ص: 362


1- التذکرة 1 : 337.
2- المنتهی 2 : 791.
3- حکاه عنه فی المختلف : 285.
4- الفقیه 2 : 225 - 1059 ، الوسائل 9 : 146 أبواب تروک الإحرام ب 64 ح 3.
5- التهذیب 5 : 309 - 1058 ، الإستبصار 2 : 185 - 619 ، الوسائل 9 : 146 أبواب تروک الإحرام ب 64 ح 5.
6- التهذیب 5 : 310 - 1062 ، الإستبصار 2 : 186 - 622 ، الوسائل 9 : 147 أبواب تروک الإحرام ب 64 ح 9 ، ورواها فی الکافی 4 : 351 - 8.

______________________________________________________

وفی الصحیح عن سعد بن سعد الأشعری عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن المحرم یظلّل علی نفسه فقال : « أمن علة؟ » فقلت : یؤذیه حر الشمس وهو محرم فقال : « هی علة یظلل ویفدی » (1).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بالظلال للنساء ، وقد رخص فیه للرجال » (2) وفی الصحیح عن موسی بن القاسم ، عن علی بن جعفر ، قال : سألت أخی ، أظلل وأنا محرم؟ فقال : « نعم » قال : فرأیت علیا إذا قدم مکة ینحر بدنة لکفارة الظل (3). لأن الروایة الأولی إنما تضمنت الرخصة فیه للرجال ، ونحن نقول به لکن مع الضرورة ، فإن الرخصة إنما تطلق غالبا علی ما منع منه أولا ثم أذن فیه لضرورة کأکل المیتة.

وأما الروایة الثانیة فلاحتمال أن یکون إذن الکاظم علیه السلام لأخیه فی ذلک لعلمه بتضرره من ترکه کما هو واضح.

وهذا الحکم مختص بحالة السیر ، فیجوز للمحرم حالة النزول الاستظلال بالسقف والشجرة والخباء والخیمة لضرورة وغیر ضرورة عند العلماء کافة ، قاله فی التذکرة (4). ویدل علیه مضافا إلی الأصل ما رواه الشیخ ، عن جعفر بن المثنی ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : کان رسول الله صلی الله علیه و آله یرکب راحلته فلا یستظل علیها وتؤذیه الشمس فیستر بعض جسده ببعض ، وربما ستر وجهه بیده ، وإذا نزل استظل بالخباء

ص: 363


1- التهذیب 5 : 310 - 1064 ، الإستبصار 2 : 186 - 624 ، الوسائل 9 : 287 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 6 ح 4.
2- التهذیب 5 : 312 - 1074 ، الإستبصار 2 : 187 - 628 ، الوسائل 9 : 147 أبواب تروک الإحرام ب 64 ح 10.
3- التهذیب 5 : 334 - 1150 ، الوسائل 9 : 287 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 6 ح 2 ، وفیهما : فقال : نعم وعلیک الکفارة.
4- التذکرة 1 : 337.

______________________________________________________

وفی البیت وبالجدار » (1).

ویجوز للمحرم المشی تحت الظلال کما نص علیه الشیخ (2) وغیره (3). وقال الشارح : إنما یحرم - یعنی التظلیل - حالة الرکوب ، فلو مشی تحت الظل کما لو مشی تحت الجمل والمحمل جاز (4).

ویدل علی الجواز صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : کتبت إلی الرضا علیه السلام : هل یجوز للمحرم أن یمشی تحت ظل المحمل؟ فکتب : « نعم » (5).

وقال العلامة فی المنتهی : إنه یجوز للمحرم أن یمشی تحت الظلال ، وأن یستظل بثوب ینصبه إذا کان سائرا ونازلا ، لکن لا یجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة وغیر ضرورة عند جمیع أهل العلم (6).

ومقتضی ذلک تحریم الاستظلال فی حال المشی بالثوب إذا جعله فوق رأسه ، وربما کان مستنده صحیحة إسماعیل بن عبد الخالق المتضمنة لتحریم الاستتار من الشمس ، إلا أن المتبادر منه الاستتار حال الرکوب. والمسألة محل تردد ، وإن کان الاقتصار فی المنع من التظلیل علی حالة الرکوب کما ذکره الشارح لا یخلو من قرب.

وإنما یحرم الاستظلال علی الرجل ، أما المرأة فیجوز لها ذلک إجماعا ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن المحرم یرکب القبة؟ قال : « لا »

ص: 364


1- التهذیب 5 : 309 - 1061 ، الوسائل 9 : 149 أبواب تروک الإحرام ب 66 ح 1.
2- المبسوط 1 : 321 ، والنهایة : 221.
3- کالشهید الأول فی الدروس : 107 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 2 : 244.
4- المسالک 1 : 111.
5- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ وهی موجودة فی الکافی 4 : 351 - 5 ، الوسائل 9 : 152 أبواب تروک الإحرام ب 67 ح 1.
6- المنتهی 2 : 792.

ولو اضطر لم یحرم. ولو زامل علیلا أو امرأة اختصّ العلیل والمرأة بجواز التظلیل.

______________________________________________________

قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : « نعم » (1) وصحیحة حریز قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا بأس بالقبة علی النساء والصبیان وهم محرمون » (2).

قوله : ( ولو اضطر لم یحرم ).

المراد بالضرورة : المشقة اللازمة من ترکه إما بواسطة الحر أو البرد أو المطر. ویدل علی جواز التظلیل والحال هذه مضافا إلی ما سبق صحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذی مطر أو شمس وأنا أسمع فأمره أن یفدی شاة یذبحها بمنی (3).

وصحیحة إبراهیم بن أبی محمود قال ، قلت للرضا علیه السلام : المحرم یظلّل علی محمله ویفدی إذا کانت الشمس والمطر یضر به قال : « نعم » قلت : کم الفداء؟ قال : « شاة » (4).

قوله : ( ولو زامل علیلا أو امرأة اختص العلیل والمرأة بجواز التظلیل ).

الوجه فی هذا الاختصاص ظاهر ، لقیام المانع من التظلیل فی حق غیر العلیل والمرأة ، ویؤیده روایة بکر بن صالح ، قال : کتبت إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام : إن عمتی معی وهی زمیلتی ویشتد علیها الحر إذا

ما یستثنی من التظلیل

ص: 365


1- التهذیب 5 : 312 - 1070 ، الوسائل 9 : 146 أبواب تروک الإحرام ب 64 ح 1.
2- التهذیب 5 : 312 - 1071 ، الوسائل 9 : 148 أبواب تروک الإحرام ب 65 ح 1.
3- الکافی 4 : 351 - 5 ، الفقیه 2 : 226 - 1063 ، التهذیب 5 : 311 - 1065 ، الإستبصار 2 : 186 - 625 ، الوسائل 9 : 228 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 6 ح 6.
4- الکافی 4 : 351 - 9 ، التهذیب 5 : 311 - 1066 ، الإستبصار 2 : 187 - 626 ، الوسائل 9 : 287 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 6 ح 5.

وإخراج الدم ، إلا عند الضرورة ، وقیل : یکره. وکذا قیل : فی حکّ الجلد المفضی إلی إدمائه. وکذا فی السواک ، والکراهیة أظهر.

______________________________________________________

أحرمت ، أفتری أن أظلل علیّ وعلیها؟ فکتب؟ « ظلل علیها وحدها » (1).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن العباس بن معروف ، عن بعض أصحابه ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن المحرم له زمیل فاعتل فظلّل علی رأسه ، إله أن یستظل؟ قال : « نعم » (2) لأنا نجیب عنها أولا بالطعن فی السند بالإرسال ، وثانیا بالمنع من الدلالة علی خلاف ما دلت علیه الروایة المتقدمة ، لاحتمال عود الضمیر فی قوله : إله أن یستظل ، إلی المریض الذی قد ظلل ، کما ذکره الشیخ فی التهذیب (3).

قوله : ( وإخراج الدم ، إلا عند الضرورة ، وقیل : یکره ، وکذا قیل فی حکّ الجلد المفضی إلی إدمائه ، وکذا فی السواک ، والکراهة أظهر ).

القول بالتحریم فی الجمیع للشیخ فی النهایة والمفید فی المقنعة (4) والمرتضی (5) وابن إدریس (6) وغیرهم (7) ، تمسکا بمقتضی الأخبار المتضمنة للنهی عن ذلک ، کحسنة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یحتجم ، قال : « لا إلا أن لا یجد بدا فلیحتجم ولا یحلق مکان

- حرمة اخراج الدم

ص: 366


1- الکافی 4 : 352 - 12 ، الفقیه 2 : 226 - 1061 ، التهذیب 5 : 311 - 1068 ، الإستبصار 2 : 185 - 616 ، الوسائل 9 : 153 أبواب تروک الإحرام ب 68 ح 1.
2- التهذیب 5 : 311 - 1069 ، الإستبصار 2 : 185 - 617 ، الوسائل 9 : 153 أبواب تروک الإحرام ب 68 ح 2.
3- التهذیب 5 : 312.
4- النهایة : 220 و 221. والمقنعة : 68.
5- جمل العلم والعمل : 107.
6- السرائر : 128.
7- کالعلاّمة فی المختلف : 269 والشهید الأول فی الدروس : 110 والشهید الثانی فی المسالک 1 : 111.

______________________________________________________

المحاجم » (1).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم ، کیف یحک رأسه؟ فقال : « بأظافیره ما لم یدم أو یقطع الشعر » (2).

وصحیحة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یستاک؟ قال : « نعم ، ولا یدمی » (3).

والقول بالکراهة للشیخ فی الخلاف (4) وجمع من الأصحاب ، وهو المعتمد ، جمعا بین ما تضمن النهی عن ذلک ، وما تضمن الإذن فی الفعل ، کصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یحتجم المحرم ما لم یحلق أو یقطع الشعر ، واحتجم الحسن بن علی علیهماالسلام وهو محرم » (5).

وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المحرم یستاک؟ قال : « نعم » قلت : فإن أدمی یستاک؟ قال : « نعم ، هو السنة » (6).

وروی معاویة فی الصحیح أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المحرم یعصر الدمل ویربط علی القرحة ، قال : « لا بأس » (7).

ص: 367


1- الکافی 4 : 360 - 1 ، الوسائل 9 : 143 أبواب تروک الإحرام ب 62 ح 1.
2- الفقیه 2 : 229 - 1086 بتفاوت یسیر ، التهذیب 5 : 313 - 1076 ، الوسائل 9 : 159 أبواب تروک الإحرام ب 73 ح 1.
3- التهذیب 5 : 313 - 1078 ، الوسائل 9 : 159 أبواب تروک الإحرام ب 73 ح 3.
4- الخلاف 1 : 443.
5- الفقیه 2 : 222 - 1033 ، 1034 ، التهذیب 5 : 306 - 1046 ، الإستبصار 2 : 183 - 610 ، الوسائل 9 : 144 أبواب تروک الإحرام ب 62 ح 5 ، 7.
6- الکافی 4 : 366 - 6 ، الفقیه 2 : 222 - 1032 ، علل الشرائع : 408 - 1 ، الوسائل 9 : 158 أبواب تروک الإحرام ب 71 ح 4.
7- الکافی 4 : 359 - 5 ، الوسائل 9 : 156 أبواب تروک الإحرام ب 70 ح 5.

وقصّ الأظفار.

______________________________________________________

ویمکن الجمع بین الروایات بحمل هذه علی حالة الضرورة ، لکن الأول أقرب ، ویشهد له روایة یونس بن یعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یحتجم ، قال : « لا أحبه » (1) فإن لفظ « لا أحبه » ظاهر فی الکراهة.

وکیف کان فینبغی القطع بعدم وجوب الکفارة بذلک ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض ، وحکی الشهید فی الدروس عن بعض أصحاب المناسک أنه جعل فدیة إخراج الدم شاة (2). وعن الحلبی أنه جعل فی حک الجسم حتی یدمی إطعام مسکین (3).

هذا کله مع انتفاء الضرورة إلی إخراج الدم ، أما معها فقال فی التذکرة : إنه جائز بلا خلاف ، ولا فدیة فیه إجماعا (4).

قوله : ( وقص الأظفار ).

أجمع فقهاء الأمصار کافة علی أن المحرم ممنوع من قص الأظفار مع الاختیار ، قاله فی التذکرة (5). ویدل علیه روایات کثیرة ، منها صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « من قلم أظافیره ناسیا أو ساهیا أو جاهلا فلا شی ء علیه ، ومن فعله متعمدا فعلیه دم » (6) ویستفاد من هذه الروایة أن الحکم لیس مقصورا علی القص ، أعنی قطعها بالمقصّ ، بل هو متناول لمطلق الإزالة ، لأن القلم لغة مطلق القطع.

ولو انکسر ظفره وتأذی ببقائه فقال فی التذکرة : إن له إزالته بلا خلاف

- حرمة قص الأظفار.

ص: 368


1- التهذیب 5 : 306 - 1045 ، الإستبصار 2 : 183 - 609 ، الوسائل 9 : 144 أبواب تروک الإحرام ب 62 ح 4.
2- الدروس : 110.
3- الکافی فی الفقیه : 204.
4- التذکرة 1 : 339.
5- التذکرة 1 : 339.
6- التهذیب 5 : 333 - 1145 ، الإستبصار 2 : 195 - 655 ، الوسائل 9 : 291 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 10 ح 5.

وقطع الشجر والحشیش ، إلا أن ینبت فی ملکه. ویجوز قلع شجر الفواکه والإذخر والنخل وعودی المحالة علی روایة.

______________________________________________________

وإن وجبت الفدیة (1). ویدل علی الحکمین ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم تطول أظفاره أو ینکسر بعضها فیؤذیه ، قال : « لا یقص منها شیئا إن استطاع ، فإن کانت تؤذیه فلیقصها ولیطعم مکان کل ظفر قبضة من طعام » (2).

قوله : ( وقطع الشجر والحشیش ، إلا أن ینبت فی ملکه ، ویجوز قلع شجر الفواکه ، والإذخر ، والنخل ، وعودی المحالة علی روایة ).

المراد بالشجر والحشیش : النابتین فی الحرم. وهذا الحکم - أعنی تحریم قطعهما علی المحرم - مجمع علیه فی الجملة. قال فی المنتهی : یحرم علی المحرم قطع شجر الحرم ، وهو قول علماء الأمصار (3). وقال فی التذکرة : أجمع علماء الأمصار علی تحریم قطع شجر الحرم غیر الإذخر وما أنبته الآدمی من البقول والزروع والریاحین (4).

والأصل فی هذه المسألة الأخبار المستفیضة کصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کل شی ء ینبت فی الحرم فهو حرام علی الناس أجمعین ، إلا ما أنبتّه أنت أو غرسته » (5).

وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن شجرة أصلها فی الحرم وفرعها فی الحل فقال : « حرم فرعها لمکان أصلها » قال ، قلت : فإن أصلها فی الحل وفرعها فی الحرم؟ فقال : « حرم أصلها

- حرمة قطع الشجر

ص: 369


1- التذکرة 1 : 339.
2- الفقیه 2 : 228 - 1077 ، الوسائل 9 : 293 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 12 ح 4.
3- المنتهی 2 : 797.
4- التذکرة 1 : 340.
5- الکافی 4 : 230 - 2 ، الفقیه 2 : 166 - 718 ، التهذیب 5 : 380 - 1325 ، الوسائل 9 : 173 أبواب تروک الإحرام ب 86 ح 4.

______________________________________________________

لمکان فرعها » (1).

وموثقة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « حرم الله حرمه بریدا فی بریدان یختلی خلاه ، ویعضد شجره إلا الإذخر » (2) والخلی - مقصور - : الرطب من النبات ، واختلاء النبات جزّه ، قاله فی القاموس (3).

وقد استثنی المصنف وغیره (4) من ذلک أربعة أشیاء :

الأول : ما ینبت فی ملک الإنسان ، واستدلوا علیه بروایة حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الشجرة یقلعها الرجل من منزله فی الحرم فقال : « إن بنی المنزل والشجرة فیه فلیس له أن یقلعها ، وإن کانت نبتت فی منزله وهو له قلعها » (5) دلت الروایة علی جواز قطع الشجرة من المنزل ، ولا قائل بالفصل بینه وبین غیره ، ولا بین الشجر والحشیش. وللمناقشة فی أمثال هذه التعمیمات مجال ، مع أن فی طریق هذه الروایة محمد بن یحیی الصیرفی وهو مجهول. وکیف کان فلا ریب فی جواز قطع (6) ما أنبته الإنسان ، لقوله علیه السلام فی صحیحة حریز : « إلا ما أنبتّه أنت أو غرسته ».

الثانی : شجر الفواکه ، وقد قطع الأصحاب بجواز قلعه سواء أنبته الله تعالی أو الآدمیون ، وظاهر المنتهی أنه موضع وفاق بین الأصحاب (7). ویدل علیه ما رواه ابن بابویه فی الحسن ، عن سلیمان بن خالد : أنه سأل أبا

ما یجوز قلعه من الشجر

ص: 370


1- الکافی 4 : 231 - 4 ، الفقیه 2 : 165 - 717 ، التهذیب 5 : 379 - 1321 ، الوسائل 9 : 177 أبواب تروک الإحرام ب 90 ح 1.
2- التهذیب 5 : 381 - 1332 ، الوسائل 9 : 174 أبواب تروک الإحرام ب 87 ح 4.
3- القاموس المحیط 4 : 327.
4- کالعلامة فی المنتهی 2 : 797.
5- التهذیب 5 : 380 - 1327 ، الوسائل 9 : 174 أبواب تروک الإحرام ب 87 ح 3.
6- فی « ض » : قلع.
7- المنتهی 2 : 797.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام عن الرجل یقطع من الأراک الذی بمکة قال : « علیه ثمنه یتصدق به ، ولا ینزع من شجر مکة شی ء إلا النخل وشجر الفواکه » (1). وإطلاق الإذن فی النزع یتناول القلع والقطع. ولو کان الشجر مما أنبته الآدمیون جاز قلعه وقطعه بغیر إشکال ، لصحیحة حریز المتقدمة.

الثالث : شجر الإذخر ، وقد نقل العلامة فی التذکرة والمنتهی الإجماع علی جواز قطعه (2). ویدل علیه قوله علیه السلام فی موثقة زرارة المتقدمة « إلا الإذخر ».

الرابع : عودا المحالة ، وهما اللذان یجعل علیهما المحالة لیستقی بها ، والمحالة بفتح المیم علی ما نص علیه الجوهری : البکرة العظیمة (3). ویدل علی هذا الاستثناء ما رواه الشیخ ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « رخص رسول الله صلی الله علیه و آله فی قطع عودی المحالة - وهی البکرة التی یستقی بها - من شجر الحرم والإذخر » (4) وفی الطریق ضعف (5).

ولا بأس بقطع الیابس من الشجر والحشیش ، للأصل ، ولأنه میت فلم یبق له حرمة ، ولأن الخلی المحرم جزّه الرطب من النبات ، لا مطلق النبات.

ویجوز للمحرم أن یأخذ الکمأة من الحرم ، لأنه لیس بحشیش ، وأن یترک إبله لترعی الحشیش وإن حرم علیه قطعه ، للأصل ، وصحیحة حریز بن عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تخلی عن البعیر فی الحرم

ص: 371


1- الفقیه 2 : 166 - 720 ، الوسائل 9 : 301 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 18 ح 2.
2- التذکرة 1 : 341 ، والمنتهی 2 : 798.
3- الصحاح 5 : 1817.
4- التهذیب 5 : 381 - 1330 ، الوسائل 9 : 174 أبواب تروک الإحرام ب 87 ح 5.
5- بالإرسال وغیره.

وتغسیل المحرم لو مات بالکافور.

______________________________________________________

یأکل ما شاء » (1).

بل لو قیل بجواز نزع الحشیش للإبل لم یکن بعیدا ، للأصل ، وصحیحة جمیل ومحمد بن حمران قالا : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن النبت الذی فی أرض الحرم أینزع؟ فقال : « أما شی ء تأکله الإبل فلیس به بأس أن تنزعه » (2).

وقال الشیخ فی التهذیب : قوله علیه السلام « لا بأس أن تنزعه » یعنی الإبل ، لأن الإبل یخلی عنها ترعی کیف شاءت ، واستدل علی ذلک بصحیحة حریز المتقدمة. ولیس بین الروایتین تناف یقتضی المصیر إلی ما ذکره من التأویل.

واعلم أن قطع شجرة الحرم کما یحرم علی المحرم یحرم علی المحل أیضا ، کما صرح به الأصحاب ، ودلت علیه النصوص. وحینئذ فکان المناسب أن لا یجعل ذلک من تروک الإحرام ، بل یجعل مسألة برأسها کما فعل فی الدروس (3).

قوله : ( وتغسیل المحرم لو مات بالکافور ).

أی لا یجوز ذلک ، لأن الکافور طیب. وکذا لا یجوز تحنیطه به ، وقد ورد بذلک روایات کثیرة ، منها صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : عن المحرم إذا مات کیف یصنع به؟ قال : « یغطی وجهه ویصنع به کما یصنع بالحلال ، غیر أنه لا یقربه طیبا » (4) والأصح عدم وجوب

- حرمة تغسیل المحرم بالکافور

ص: 372


1- الکافی 4 : 231 - 5 ، الفقیه 2 : 166 - 719 ، التهذیب 5 : 381 - 1329 ، الوسائل 9 : 176 أبواب تروک الإحرام ب 89 ح 1.
2- التهذیب 5 : 380 - 1328 ، الوسائل 9 : 177 أبواب تروک الإحرام ب 89 ح 2 ، وفیهما : جمیل وعبد الرحمن بن أبی نجران عن محمد بن حمران. قال : سألت.
3- الدروس : 111.
4- التهذیب 5 : 384 - 1338 ، الوسائل 9 : 170 أبواب تروک الإحرام ب 83 ح 1.

ولبس السلاح لغیر الضرورة ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

الغسل بمسه بعد الغسل ، لأنه غسل اختیاری تام بالنسبة إلی المحرم.

قوله : ( ولبس السلاح لغیر الضرورة ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه ).

القول بالتحریم مذهب الأکثر ، واستدل علیه بصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، أیحمل السلاح [ المحرم ] (1)؟ فقال : « إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فلیلبس السلاح » (2) وصحیحة عبد الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا کفارة علیه » (3).

وأجاب عنه فی المنتهی بأن هذا الاحتجاج مأخوذ من دلیل الخطاب ، وهو ضعیف عندنا (4). وهو غیر جید ، لأن هذا المفهوم مفهوم شرط ، وهو حجة عنده وعند أکثر المحققین ، لکن یتوجه علیه أن المفهوم إنما یعتبر إذا لم یظهر للتعلیق وجه سوی نفی الحکم عما عدا محل الشرط ، وهنا لیس کذلک ، إذ لا یبعد أن یکون التعلیق باعتبار عدم الاحتیاج إلی لبس السلاح عند انتفاء الخوف ، وأیضا فإن مقتضی الروایة الثانیة لزوم الکفارة بلبس السلاح مع انتفاء الخوف ولا نعلم به قائلا ، ویمکن تأویلها بحمل السلاح علی ما یجوز لبسه للمحرم ، کالدرع والبیضة ، ومعه یسقط الاحتجاج بها رأسا.

وبالجملة فالخروج عن مقتضی الأصل بمثل هاتین الروایتین مشکل ، والقول بالکراهة متجه ، إلا أن الاحتیاط یقتضی اجتناب ذلک مع انتفاء الحاجة إلیه ، أما مع الحاجة فیجوز إجماعا.

- حرمة لبس السلاح

ص: 373


1- أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 5 : 387 - 1352 ، الوسائل 9 : 137 أبواب تروک الإحرام ب 54 ح 2.
3- التهذیب 5 : 387 - 1351 ، الوسائل 9 : 137 أبواب تروک الإحرام ب 54 ح 1.
4- المنتهی 2 : 811.

والمکروهات عشرة : الإحرام فی الثیاب المصبوغة بالسواد والعصفر وشبهه ، ویتأکد فی السواد ،

______________________________________________________

قوله : ( والمکروهات عشرة : الإحرام فی الثیاب المصبوغة بالسواد والعصفر وشبهه ، ویتأکد فی السواد ).

أما کراهة الإحرام فی الثیاب المصبوغة بالسواد فاستدل علیه فی المنتهی بأنه لباس أهل النار فلا یقتدی بهم (1) ، وما رواه الشیخ ، عن الحسین بن مختار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : یحرم الرجل فی الثوب الأسود؟ قال : « لا یحرم فی الثوب الأسود » (2) وفی الطریق ضعف (3). وقال الشیخ فی النهایة : إن الإحرام فی الثوب الأسود غیر جائز (4). ولعله یرید به الکراهة.

وأما کراهة المعصفر وشبهه فذکره المصنف وجمع من الأصحاب وقال فی المنتهی : لا بأس بالمعصفر من الثیاب ، ویکره إذا کان مشبعا ، وعلیه علماؤنا (5). وهو یؤذن بدعوی الإجماع علیه ، ثم استدل علی الکراهة بما رواه الشیخ ، عن أبان بن تغلب ، قال : سأل أبا عبد الله علیه السلام أخی وأنا حاضر عن الثوب یکون مصبوغا بالعصفر ثم یغسل ، ألبسه وأنا محرم؟ قال : « نعم ، لیس العصفر من الطیب ولکن أکره أن تلبس ما یشهرک بین الناس » (6).

مکروهات الاحرام

کراهة المصبوغ بالسواد والعصفر

ص: 374


1- المنتهی 2 : 682.
2- التهذیب 5 : 66 - 214 ، الوسائل 9 : 36 أبواب تروک الإحرام ب 26 ح 1.
3- ووجه الضعف هو أن راویها واقفی - رجال الطوسی : 346. ولأن من جملة رجالها الحسن بن علی - وهو ابن فضال - فطحی.
4- النهایة : 217.
5- المنتهی 2 : 682.
6- التهذیب 5 : 69 - 224 ، الإستبصار 2 : 165 - 541 ، الوسائل 9 : 120 أبواب تروک الإحرام ب 40 ح 5.

والنوم علیها ، وفی الثیاب الوسخة وإن کانت طاهرة ،

______________________________________________________

وعن عامر بن جذاعة : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن مشبعات الثیاب تلبسها المرأة المحرمة فقال : « لا بأس إلا المقدم المشهور » (1). وفی الروایتین ضعف من حیث السند(2).

والأصح عدم کراهة المعصفر مطلقا لصحیحة علی بن جعفر : أنه سأل أخاه موسی علیه السلام ، أیلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر؟ فقال : « إذا لم یکن فیه طیب فلا بأس به » (3).

ولا بأس بالإحرام فی الثوب الأخضر ، لما رواه الشیخ وابن بابویه ، عن خالد بن أبی العلاء الخفاف ، قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام وعلیه رداء أخضر وهو محرم (4).

قوله : ( والنوم علیها ).

أی علی الثیاب المصبوغة بالسواد والعصفر وشبهه ، واستدل علیه فی المنتهی (5) بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یکره للمحرم أن ینام علی الفراش الأصفر والمرفقة الصفراء » (6) وکراهة الأصفر یقتضی کراهة الأسود بطریق أولی ، لکن فی الطریق ضعف.

قوله : ( وفی الثیاب الوسخة وإن کانت طاهرة ).

یدل علی ذلک صحیحة العلاء بن رزین ، قال : سئل أحدهما

کراهة الثیاب الوسخة

ص: 375


1- الکافی 4 : 346 - 10 ، الفقیه 2 : 220 - 1015 ، الوسائل 9 : 119 أبواب تروک الإحرام ب 40 ح 1.
2- ووجهه إهمال الراوی فیهما.
3- التهذیب 5 : 67 - 217 ، الاستبصار 2 : 165 - 540 ، قرب الإسناد : 104 ، الوسائل 9 : 120 أبواب تروک الإحرام ب 40 ح 4.
4- الفقیه 2 : 215 - 978 ، ولم نعثر علیها فی کتب الشیخ وهی موجودة فی الکافی 4 : 339 - 5 ، الوسائل 9 : 37 أبواب تروک الإحرام ب 28 ح 1.
5- المنتهی 2 : 683.
6- التهذیب 5 : 68 - 221 ، الوسائل 9 : 104 أبواب تروک الإحرام ب 28 ح 2.

ولبس الثیاب المعلمة ،

______________________________________________________

علیه السلام عن الثوب الوسخ أیحرم فیه المحرم؟ فقال : « لا ، ولا أقول إنه حرام ، ولکن یطهره أحب إلیّ ، وطهره غسله » (1).

ولو عرض له الوسخ فی أثناء الإحرام لم یغسل ما دامت طاهرة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : « لا یغسل الرجل ثوبه الذی یحرم فیه حتی یحل وإن توسخ ، إلا أن تصیبه جنابة أو شی ء فیغسله » (2).

قوله : ( ولبس الثیاب المعلمة ).

الثوب المعلم : المشتمل علی علم ، وهو لون یخالف لونه لیعرف به ، یقال : أعلم الثوب القصار فهو معلم بالبناء للفاعل ، والثوب معلم بسکون العین وفتح اللام. وقد قطع المصنف وجمع من الأصحاب بکراهة الإحرام فیه ، واستدلوا بصحیحة معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا بأس أن یحرم الرجل فی الثوب المعلم ، وترکه أحب إلیّ إذا قدر علی غیره » (3).

وفی الدلالة نظر ، مع أن ابن بابویه روی فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سألته - یعنی أبا عبد الله علیه السلام - عن الرجل یحرم فی ثوب له علم ، فقال : « لا بأس به » (4) وفی الصحیح عن لیث المرادی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الثوب المعلم ، هل یحرم فیه الرجل؟ قال : « نعم ، إنما یکره الملحم » (5).

کراهة الثیاب المعلمة

ص: 376


1- التهذیب 5 : 68 - 222 ، الوسائل 9 : 118 أبواب تروک الإحرام ب 38 ح 3.
2- التهذیب 5 : 71 - 234 ، الوسائل 9 : 117 أبواب تروک الإحرام ب 38 ح 1.
3- الفقیه 2 : 216 - 986 ، التهذیب 5 : 71 - 235 ، الوسائل 9 : 118 أبواب تروک الإحرام ب 39 ح 3.
4- الفقیه 2 : 216 - 985 ، الوسائل 9 : 119 أبواب تروک الإحرام ب 39 ح 4.
5- الکافی 4 : 342 - 16 ، الفقیه 2 : 216 - 987 ، الوسائل 9 : 118 أبواب تروک الإحرام ب 39 ح 1.

واستعمال الحنّاء للزینة ، وکذا للمرأة ولو قبل الإحرام إذا قارنته ،

______________________________________________________

قوله : ( واستعمال الحنّاء للزینة ، وکذا للمرأة ولو قبل الإحرام إذا قارنته ).

اختلف الأصحاب فی استعمال الحناء للزینة فی حال الإحرام ، فذهب الأکثر إلی کراهته ، واستوجه العلامة فی المختلف التحریم (1) ، واختاره الشارح (2) - قدس سره - وهو جید ، لأن مقتضی قوله علیه السلام فی صحیحة حریز : « لا تنظر فی المرآة وأنت محرم ، لأنه من الزینة ، ولا تکتحل المرأة بالسواد ، إن السواد زینة » (3) تحریم کلما یتحقق به الزینة.

ولا ینافی ذلک ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الحناء فقال : « إن المحرم لیمسه ویداوی به بعیره ، وما هو بطیب ، وما به بأس » (4) لأن الزینة لا تتحقق بمسه علی هذا الوجه.

قال الشارح قدس سره : ولو اتخذه للسنة فلا تحریم ولا کراهة والفارق القصد (5). ویمکن المناقشة فیه بأن قصد السنة به لا یخرجه عن کونه زینة کما تقدم فی الاکتحال. ولا ریب أن اجتنابه مطلقا أحوط.

وأما کراهة استعمال الحناء قبل الإحرام إذا قارنه فیدل علیه روایة أبی الصباح الکنانی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة خافت الشقاق ، فإذا أرادت أن تحرم ، هل تخضب یدیها بالحناء قبل ذلک؟ قال :

کراهة استعمال الحناء للزینة

ص: 377


1- المختلف : 269.
2- المسالک 1 : 111 ، والروضة 2 : 244.
3- الکافی 4 : 356 - 1 ، وفی الفقیه 2 : 221 - 1031 ، وعلل الشرائع : 458 - 1 : صدر الحدیث ، الوسائل 9 : 114 أبواب تروک الإحرام ب 34 ح 3.
4- الکافی 4 : 356 - 18 ، الفقیه 2 : 224 - 1052 ، التهذیب 5 : 300 - 1019 ، الوسائل 9 : 100 أبواب تروک الإحرام ب 23 ح 1.
5- المسالک 1 : 111.

والنقاب للمرأة علی تردد ،

______________________________________________________

« ما یعجبنی أن تفعل » (1) وهذه الروایة مع ضعف سندها لا تدل علی أزید من الکراهة.

وقال الشارح قدس سره : إنه لا فرق بین الواقع بعد نیة الإحرام وبین السابق علیه إذا کان یبقی بعده (2). وجزم فی الروضة بتحریم الحناء قبل الإحرام إذا بقی أثره إلیه (3) ، والروایة قاصرة عن إفادة ذلک ، ویستفاد منها أن محل الکراهة استعماله عند إرادة الإحرام ، وعلی هذا فلا یکون استعماله قبل ذلک محرما ولا مکروها.

قوله : ( والنقاب للمرأة علی تردد ).

القول بتحریم النقاب للمرأة مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا. ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « مر أبو جعفر علیه السلام بامرأة متنقبة وهی محرمة فقال : أحرمی وأسفری وجهک وأرخی ثوبک من فوق رأسک فإنک إن تنقبت لم یتغیر لونک » (4).

وفی الحسن عن عبد الله بن میمون ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال : « المحرمة لا تتنقب ، لأن إحرام المرأة فی وجهها ، وإحرام الرجل فی رأسه » (5).

وربما کان الوجه فی تردد المصنف فی ذلک الالتفات إلی ظاهر النهی

حکم النقاب للمرأة

ص: 378


1- الفقیه 2 : 223 - 1042 ، التهذیب 5 : 300 - 1020 ، الوسائل 9 : 100 أبواب تروک الإحرام ب 23 ح 2.
2- المسالک 1 : 111.
3- الروضة البهیة 2 : 243.
4- التهذیب 5 : 74 - 245 ، الوسائل 9 : 129 أبواب تروک الإحرام ب 48 ح 3.
5- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ ، وهی موجودة فی الکافی 4 : 345 - 7 ، الفقیه 2 : 219 - 1009 ، الوسائل 9 : 129 أبواب تروک الإحرام ب 48 ح 1.

ودخول الحمام ، وتدلیک الجسد فیه ، وتلبیته من ینادیه ،

______________________________________________________

المستفاد من هاتین الروایتین ، وإلی قول الصادق علیه السلام فی صحیحة العیص بن القاسم : « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثیاب غیر الحریر والقفازین ، وکره النقاب » (1) فإن العدول عن استثنائه بلفظ غیر إلی الحکم بکراهته یقتضی عدم تحریمه ، لکن الکراهة تستعمل فی کلامهم کثیرا بمعنی التحریم ، فلا یمکن التعلق بهذا اللفظ فی الخروج عن ظاهر النهی.

قوله : ( ودخول الحمام ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ ، عن عقبة بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المحرم یدخل الحمام ، قال : « لا یدخل » (2). وإنما حملنا النهی هنا علی الکراهة جمعا بین هذه الروایة وبین ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یدخل المحرم الحمام ، ولکن لا یتدلک » (3) ونقل العلامة فی التذکرة إجماع علمائنا علی انتفاء التحریم (4).

قوله : ( وتدلیک الجسد فیه ).

وکذا فی غیره ، ویدل علیه مضافا إلی ما سبق ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن یعقوب بن شعیب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یغتسل فقال : « نعم ، یفیض الماء علی رأسه ولا یدلکه » (5).

قوله : ( وتلبیة من ینادیه ).

کراهة دخول الحمام وتدلیک الجسد

کراهة تلبیة المنادی

ص: 379


1- الکافی 4 : 344 - 1 ، التهذیب 5 : 73 - 243 ، الإستبصار 2 : 308 - 1099 ، الوسائل 9 : 43 أبواب تروک الإحرام ب 33 ح 9.
2- التهذیب 5 : 386 - 1349 ، الإستبصار 2 : 184 - 612 ، الوسائل 9 : 161 أبواب تروک الإحرام ب 76 ح 2.
3- التهذیب 5 : 314 - 1081 و 386 - 1350 ، الاستبصار 2 : 184 - 611 ، الوسائل 9 : 161 أبواب تروک الإحرام ب 76 ح 1.
4- التذکرة 1 : 340.
5- التهذیب 5 : 313 - 1079 ، الوسائل 9 : 160 أبواب تروک الإحرام ب 75 ح 1.

واستعمال الریاحین. خاتمة :

کل من دخل مکة وجب أن یکون محرما ،

______________________________________________________

بأن یقول له : لبیک ، لأنه فی مقام التلبیة لله فلا یشرک غیره فیها ، ولما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن حماد بن عیسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس للمحرم أن یلبی من دعاه حتی ینقضی إحرامه » قلت : کیف یقول؟ قال : « یقول : یا سعد » (1).

قوله : ( واستعمال الریاحین ).

بل الأصح تحریم استعمالها ، لورود النهی عنه فی صحیحتی حریز (2) وعبد الله بن سنان (3) ، وقد تقدم الکلام فی ذلک (4). ویستثنی من الریاحین الشیح والخزامی والإذخر والقیصوم إن أطلق علیها اسم الریحان ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « لا بأس أن تشم الإذخر والقیصوم والخزامی والشیح وأشباهه وأنت محرم » (5) والظاهر أن المراد بأشباهه مطلق نبات الصحراء ، فیکون المراد بالریاحین المحرمة ما ینبته الآدمیون من ذلک ، ویحتمل أن یراد به ما هو أخص من ذلک.

قوله : ( کل من دخل مکة وجب أن یکون محرما ).

أجمع الأصحاب علی أنه لا یجوز لأحد دخول مکة بغیر إحرام عدا ما استثنی ، وأخبارهم به ناطقة ، فروی الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن

کراهة استعمال الریاحین

خاتمة بحث الاحرام

وجوب الاحرام لدخول الحرم

ص: 380


1- الکافی 4 : 366 - 4 ، الوسائل 9 : 178 أبواب تروک الإحرام ب 91 ح 1.
2- التهذیب 5 : 297 - 1007 ، الإستبصار 2 : 178 - 591 ، الوسائل 9 : 95 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 11.
3- التهذیب 5 : 307 - 1048 ، الوسائل 9 : 95 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 10.
4- فی ص : 318.
5- الکافی 4 : 355 - 14 ، الفقیه 2 : 225 - 1057 ، التهذیب 5 : 305 - 1041 ، الوسائل 9 : 101 أبواب تروک الإحرام ب 25 ح 1.

______________________________________________________

مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام ، هل یدخل الرجل مکة بغیر إحرام؟ قال : « لا ، إلا أن یکون مریضا أو به بطن » (1).

وفی الصحیح عن عاصم بن حمید قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیدخل أحد الحرم إلا محرما؟ قال : « لا ، إلا مریض أو مبطون » (2).

ومقتضی الروایتین سقوط الإحرام عن المریض ، وبه قطع الشیخ فی جملة من کتبه (3) ، والمصنف فی النافع (4).

وقال الشیخ فی التهذیب : إن الأفضل للمریض الإحرام. واستدل علیه بما رواه فی الصحیح ، عن رفاعة بن موسی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل به بطن ووجع شدید یدخل مکة حلالا؟ فقال : « لا یدخلها إلا محرما » وقال : « یحرمون عنه » (5). وهو حسن ، والظاهر أن الإحرام عنه إنما یثبت مع المرض المزیل للعقل ، وهو محمول علی الاستحباب أیضا.

وإنما یجب الإحرام لدخول مکة إذا کان الدخول إلیها من خارج الحرم ، فلو خرج أحد من مکة ولم یصل إلی خارج الحرم ثم عاد إلیها عاد بغیر إحرام.

ویجب علی الداخل أن ینوی بإحرامه الحج أو العمرة ، لأن الإحرام عبادة لا یستقل بنفسه ، بل إما أن یکون بحج أو عمرة ، ویجب إکمال النسک

ص: 381


1- التهذیب 5 : 165 - 551 ، الوسائل 9 : 67 أبواب تروک الإحرام ب 50 ح 4.
2- التهذیب 5 : 165 - 550 ، الوسائل 9 : 67 أبواب تروک الإحرام ب 50 ح 1.
3- النهایة : 247 ، التهذیب 5 : 165 ، المبسوط 1 : 355. قال : ولا یجوز لأحد أن یدخل مکة إلا محرما. وقد روی جواز دخولها بغیر إحرام للحطابة والمرضی.
4- المختصر النافع : 85.
5- التهذیب 5 : 165 - 552 ، الإستبصار 2 : 245 - 857 ، الوسائل 9 : 67 أبواب تروک الإحرام ب 50 ح 3.

إلا أن یکون دخوله بعد إحرامه قبل مضی شهر ،

______________________________________________________

الذی تلبس به لیتحلل من الإحرام. ولا یخفی أن الإحرام إنما یوصف بالوجوب مع وجوب الدخول ، وإلا کان شرطا غیر واجب کوضوء النافلة. ومتی أخل الداخل بالإحرام أثم ولم یجب قضاؤه.

واستثنی الشیخ وجماعة من ذلک العبید ، فجوزوا لهم دخول مکة بغیر إحرام. واستدل علیه فی المنتهی : بأن السید لم یأذن لهم بالتشاغل بالنسک عن خدمته ، فإذا لم یجب علیهم حجة الإسلام لهذا المعنی فعدم وجوب الإحرام لذلک أولی (1). ولا بأس به.

قوله : ( إلا أن یکون دخوله بعد إحرامه قبل مضی شهر ).

الظاهر أن المراد بمضی الشهر مضیه من وقت إحلاله من الإحرام المتقدم کما اختاره الشارح (2) وجماعة ، واستشکل العلامة فی القواعد احتساب الشهر من حین الإحرام أو الإحلال (3).

وقال المصنف فی النافع : ولو خرج بعد إحرامه ثم عاد فی شهر خروجه أجزأه ، وإن عاد فی غیره أحرم ثانیا (4).

ومقتضی ذلک عدم اعتبار مضی الشهر من حین الإحرام أو الإحلال ، بل الاکتفاء فی سقوط الإحرام بعوده فی شهر خروجه إذا وقع بعد إحرام متقدم.

وقریب من ذلک عبارة الشیخ فی النهایة ، فإنه قال فی المتمتع : فإن خرج من مکة بغیر إحرام ثم عاد ، فإن کان عوده فی الشهر الذی خرج فیه لم یضره أن یدخل مکة بغیر إحرام ، وإن دخل فی غیر الشهر الذی خرج فیه

من یجوز دخوله الحرم بغیر إحرام

ص: 382


1- المنتهی 2 : 689.
2- المسالک 1 : 112.
3- القواعد 1 : 81.
4- المختصر النافع : 85.

______________________________________________________

دخلها محرما بالعمرة إلی الحج ، وتکون عمرته الأخیرة (1).

ونحوه قال المفید فی المقنعة (2). واستدل له فی التهذیب بما رواه فی الحسن ، عن حماد بن عیسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی المتمتع قال ، قلت : فإن جهل فخرج إلی المدینة أو نحوها بغیر إحرام ثم رجع فی إبان الحج فی أشهر الحج یرید الحج ، أیدخلها محرما أو بغیر إحرام؟ فقال : « إن رجع فی شهره دخل بغیر إحرام ، وإن دخل فی غیر الشهر دخل محرما » (3).

وفی الموثق عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المتمتع یجی ء فیقضی متعته ثم تبدو له الحاجة فیخرج إلی المدینة أو إلی ذات عرق ، أو إلی بعض المعادن ، قال : « یرجع إلی مکة بعمرة إن کان فی غیر الشهر الذی یتمتع فیه ، لأن لکل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج » (4) وربما ظهر من هذه الروایة اعتبار مضی الشهر من حین الإحلال لیتحقق تخلل الشهر بین العمرتین ، لکنها قاصرة من حیث السند (5).

وظاهر الروایة الأولی اعتبار الدخول فی شهر الخروج کما ذکره الشیخ رحمه الله (6) ، ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حفص بن البختری وأبان بن عثمان ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یخرج فی الحاجة من الحرم قال : « إن رجع فی الشهر الذی خرج فیه دخل بغیر إحرام ، وإن دخل فی غیره دخل بإحرام » (7).

ص: 383


1- النهایة : 246.
2- لم نعثر علیه فی المقنعة وهو موجود فی التهذیب 5 : 163.
3- التهذیب 5 : 163 - 546 ، الوسائل 8 : 219 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 6.
4- التهذیب 5 : 164 - 549 ، الوسائل 8 : 220 أبواب أقسام الحج ب 22 ح 8.
5- علی مبناه من عدم الاعتماد علی روایة غیر الإمامی الإثنا عشری ، حیث إن إسحاق بن عمار فطحی.
6- النهایة : 246.
7- التهذیب 5 : 166 - 554 ، الإستبصار 2 : 246 - 859 ، الوسائل 9 : 70 أبواب الإحرام ب 51 ح 4.

أو یتکرر کالحطّاب والحشّاش. وقیل : من دخلها لقتال جاز أن یدخل محلا ، کما دخل النبی علیه السلام عام الفتح وعلیه المغفر.

______________________________________________________

قال الشیخ فی التهذیب : فأما الخبر الذی رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یخرج إلی جدة فی الحاجة فقال : « یدخل مکة بغیر إحرام » فمحمول علی من خرج من مکة وعاد فی الشهر الذی خرج فیه (1). وهو جید ، لأن المفصل یحکم علی المجمل ، لکن لیس فی الروایتین دلالة علی أن الخروج وقع بعد إحرام سابق. والمسألة قویة الإشکال ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( أو یتکرر ، کالحطّاب والحشّاش ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن رفاعة بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إن الحطابین والمجتلبة أتوا النبی صلی الله علیه و آله فسألوه فأذن لهم أن یدخلوا حلالا » (2) ویدخل فی المجتلبة ناقل الحشیش والحنطة والشعیر وغیر ذلک. ومقتضی عبارة المصنف وغیره (3) استثناء کل من یتکرر دخوله وإن لم یدخل فی قسم المجتلبة ، وهو غیر بعید ، وإن کان الاقتصار فی الجواز علی مورد النص أولی.

قوله : ( وقیل من دخلها لقتال جاز أن یدخلها محلاّ ، کما دخل النبی صلی الله علیه و آله عام الفتح وعلیه المغفر ).

هذا القول مشهور بین الأصحاب ، واستدل علیه فی المنتهی بأن النبی صلی الله علیه و آله دخلها عام الفتح وعلیه عمامة سوداء (4). وهو استدلال

ص: 384


1- التهذیب 5 : 166.
2- التهذیب 5 : 165 - 552 ، الإستبصار 2 : 245 - 857 ، الوسائل 9 : 70 أبواب الإحرام ب 51 ح 2.
3- إرشاد الأذهان ( مجمع الفائدة والبرهان ) 6 : 166.
4- المنتهی 1 : 688.

وإحرام المرأة کإحرام الرجل إلا فیما استثنیناه. ولو حضرت المیقات جاز لها أن تحرم ولو کانت حائضا ، لکن لا تصلی صلاة الإحرام.

______________________________________________________

ضعیف ، فإن المروی فی صحیحة معاویة بن عمار أن النبی صلی الله علیه و آله قال : « إن الله حرم مکة یوم خلق السموات والأرض ، وهی حرام إلی أن تقوم الساعة ، لم تحل لأحد قبلی ، ولا تحل لأحد بعدی ، ولم تحل لی إلا ساعة من نهار » (1).

قوله : ( وإحرام المرأة کإحرام الرجل إلا فیما استثنیناه ).

استثنی من ذلک لبس المخیط والحریر ، والتظلیل سائرا ، وستر الرأس ، ووجوب کشف الوجه بالمعنی المتقدم.

قوله : ( ولو حضرت المیقات جاز لها أن تحرم ، ولو کانت حائضا ، لکن لا تصلی صلاة الإحرام ).

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض تحرم وهی حائض؟ قال : « نعم ، تغتسل وتحتشی وتصنع کما یصنع المحرم ولا تصلی » (2).

وفی الصحیح عن منصور بن حازم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المرأة الحائض تحرم وهی لا تصلی؟ فقال : « نعم إذا بلغت الوقت فلتحرم » (3).

وفی الصحیح عن العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله

کیفیة إحرام المرأة

جواز احرام الحائض ولا تصلی

ص: 385


1- الکافی 4 : 226 - 4 ، الفقیه 2 : 159 - 687 ، الوسائل 9 : 68 أبواب الإحرام ب 50 ح 1.
2- التهذیب 5 : 388 - 1358 ، الوسائل 9 : 65 أبواب الإحرام ب 48 ح 4.
3- التهذیب 5 : 389 - 1359 ، الوسائل 9 : 64 أبواب الإحرام ب 48 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 445 - 3.

ولو ترکت الإحرام ظنا أنه لا یجوز رجعت إلی المیقات وأنشأت الإحرام ولو منعها مانع أحرمت من موضعها. ولو دخلت مکة خرجت إلی أدنی الحل. ولو منعها مانع أحرمت من مکة.

______________________________________________________

علیه السلام ، أتحرم المرأة وهی طامث؟ فقال : « نعم ، تغتسل وتلبی » (1).

ومقتضی هذه الروایات أن الحائض فی ذلک کالطاهر ، غیر أنها لا تصلی ستة الإحرام. وذکر جدی - قدس سره - فی مناسک الحج أنها تترک غسل الإحرام أیضا. وهو غیر جید ، لورود الأمر به فی الأخبار الکثیرة.

ولو کان المیقات مسجد الشجرة أحرمت منه اختیارا ، فإن تعذر أحرمت من خارجه.

قوله : ( ولو ترکت الإحرام ظنا أنه لا یجوز رجعت إلی المیقات وأنشأت الإحرام ، ولو منعها مانع أحرمت من موضعها ، ولو دخلت مکة خرجت إلی أدنی الحل ، ولو منعها مانع أحرمت من مکة ).

أما وجوب الرجوع إلی المیقات وإنشاء الإحرام منه مع القدرة فلا إشکال فیه ، لتوقف الواجب علیه ، وأما الاکتفاء بإحرامها من موضعها إذا تعذر علیها العود إلی المیقات أو أدنی الحل فللضرورة ، ونفی الحرج ، وفحوی الروایات المتضمنة لثبوت ذلک فی الجاهل والناسی ، وخصوص صحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام ، عن امرأة کانت مع قوم فطمثت فأرسلت إلیهم فسألتهم فقالوا : ما ندری علیک إحرام أم لا وأنت حائض ، فترکوها حتی دخلت الحرم ، فقال : « إن کان علیها مهلة فلترجع إلی الوقت فلتحرم منه ، وإن لم یکن علیها وقت فلترجع إلی ما قدرت علیه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا یفوتها » (2).

ومقتضی الروایة أنه یجب علیها مع تعذر الرجوع إلی المیقات الرجوع

حکم ترک الحائض الاحرام جهلا

ص: 386


1- التهذیب 5 : 389 - 1360 ، الوسائل 9 : 65 أبواب الإحرام ب 48 ح 5.
2- الکافی 4 : 325 - 10 ، التهذیب 5 : 389 - 1362 ، الوسائل 8 : 238 أبواب المواقیت ب 14 ح 4.

القول فی الوقوف بعرفات والنظر فی مقدمته ، وکیفیته ، ولواحقه

أما المقدمة : فیستحب للمتمتع أن یخرج إلی عرفات یوم الترویة بعد أن یصلی الظهرین.

______________________________________________________

إلی ما أمکن من الطریق. ویمکن حمله علی الاستحباب ، لعدم وجوب ذلک علی الناسی والجاهل مع الاشتراک فی العذر ، ولما رواه الکلینی فی الموثق ، عن زرارة ، عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلی الوقت وهی لا تصلی ، فجهلوا أن مثلها ینبغی أن تحرم ، فمضوا بها کما هی حتی قدموا مکة وهی طامث حلال ، فسألوا الناس ، فقالوا : تخرج إلی بعض المواقیت فتحرم منه ، وکان إذا فعلت لم تدرک الحج ، فسألوا أبا جعفر علیه السلام فقال : « تحرم من مکانها قد علم الله نیتها » (1).

قوله : ( القول فی الوقوف بعرفات والنظر فی : مقدمته وکیفیته ولواحقه ، أما المقدمة فیستحب للمتمتع أن یخرج إلی عرفات یوم الترویة ، بعد أن یصلی الظهرین ).

ما اختاره المصنف من استحباب الخروج للمتمتع إلی عرفات یوم الترویة بعد أن یصلی الظهرین أحد الأقوال فی المسألة ، وهو اختیار الشیخ فی النهایة والمبسوط (2) وجمع من الأصحاب. وذهب المفید (3) والمرتضی (4) إلی استحباب الخروج قبل صلاة الفرضین وإیقاعهما بمنی. وقال الشیخ فی التهذیب : إن الخروج بعد الصلاة یختص بمن عدا الإمام من الناس ، فأما الإمام نفسه فلا یجوز له أن یصلی الظهر والعصر یوم الترویة إلا بمنی (5).

الوقوف بعرفات

استحباب الخروج إلی عرفات یوم الترویة

ص: 387


1- الکافی 4 : 324 - 5 ، الوسائل 8 : 239 أبواب المواقیت ب 14 ح 6.
2- النهایة : 248 ، والمبسوط 1 : 364.
3- المقنعة : 64.
4- جمل العلم والعمل : 109.
5- التهذیب 5 : 175.

______________________________________________________

وذکر العلامة فی المنتهی أن مراد الشیخ بعدم الجواز شدة الاستحباب (1). والأصح التخییر لغیر الإمام بین الخروج قبل الصلاة وبعدها ، أما الإمام فیستحب له التقدم وإیقاع الفرضین بمنی.

لنا علی التخییر أن فیه جمعا بین ما تضمن الأمر بالخروج بعد الصلاة کصحیحة معاویة بن عمار الواردة فی کیفیة إحرام الحج حیث قال فیها : « ثم اقعد حتی تزول الشمس فصل المکتوبة ثم قل فی دبر صلاتک کما قلت حین أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج » (2) وما تضمن الأمر بالخروج قبلها کصحیحة معاویة بن عمار أیضا قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا انتهیت إلی منی فقل - وذکر الدعاء قال - ثم تصلی بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، والإمام یصلی بها الظهر لا یسعه إلا ذلک » (3).

ولنا علی أن الإمام یستحب له إیقاع الفرضین بمنی مضافا إلی هذه الروایة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا ینبغی للإمام أن یصلی الظهر یوم الترویة إلا بمنی ، ویبیت بها إلی طلوع الشمس » (4) وفی الصحیح عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی للإمام أن یصلی الظهرین یوم الترویة بمنی ، ویبیت بها ویصبح حتی تطلع الشمس ثم یخرج » (5).

والظاهر أن المراد بالإمام هنا أمیر الحج.

ص: 388


1- المنتهی 2 : 715.
2- الکافی 4 : 454 - 1 ، التهذیب 5 : 167 - 557 ، الوسائل 10 : 2 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 1 ح 1.
3- الکافی 4 : 461 - 1 ، التهذیب 5 : 177 - 596 ، الوسائل 10 : 6 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 4 ح 5.
4- التهذیب 5 : 176 - 591 ، الإستبصار 2 : 253 - 891 ، الوسائل 10 : 5 أبواب إحرام الحج ب 4 ح 1.
5- التهذیب 5 : 177 - 592 ، الإستبصار 2 : 254 - 892 ، الوسائل 10 : 5 أبواب إحرام الحج ب 4 ح 2.

إلا المضطر کالشیخ الهم ومن یخشی الزحام ،

______________________________________________________

وکما یستحب الخروج فی هذا الوقت یستحب إیقاع الإحرام فیه ، وقال فی المنتهی : إنه لا یعلم فیه خلافا (1). ونقل عن ابن حمزة أنه أوجب الإحرام فی یوم الترویة (2).

( قال فی المنتهی : ولا خلاف أنه لو أحرم المتمتع بحجة أو المکی قبل ذلک فی أیام الحج فإنه یجزیه (3) ) (4).

واعلم أنه لیس فی کلام المصنف دلالة علی حکم القارن والمفرد ، ونقل الشارح عن بعض الأصحاب التصریح بأنهما کالمتمتع (5) ، وفی بعض الروایات بإطلاقها دلالة علیه. وحکی العلامة فی المنتهی عن العامة أن لهم فی وقت الإحرام بالحج للمکی قولین ، أحدهما أنه یوم الترویة کالمتمتع ، والثانی أنه عند هلال ذی الحجة ، ولم یرجح أحدهما ، ثم قال : ولا خلاف أنه لو أحرم المتمتع أو المکی قبل ذلک فی أیام الحج فإنه یجزیه (6).

قوله : ( إلا المضطر ، کالشیخ الهمّ ، والمریض ، ومن یخشی الزحام ).

هذا استثناء ممن یستحب له الإحرام یوم الترویة بعد صلاة الظهرین ، والمراد أن المضطر کالشیخ الکبیر والمریض ومن یخشی الزحام له الخروج إلی منی قبل صلاة الظهر بیوم أو یومین أو ثلاثة ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن بعض أصحابه قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : یتعجل الرجل قبل الترویة بیوم أو یومین من

ص: 389


1- المنتهی 2 : 714.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 691.
3- المنتهی 2 : 714.
4- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
5- المسالک 1 : 112.
6- المنتهی 2 : 714.

______________________________________________________

أجل الزحام وضغاط الناس فقال : « لا بأس » (1).

وفی الموثق عن إسحاق بن عمار ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون شیخا کبیرا أو مریضا یخاف ضغاط الناس وزحامهم یحرم بالحج ویخرج إلی منی قبل یوم الترویة قال : « نعم » قلت فیخرج الرجل الصحیح یلتمس مکانا أو یتروح بذلک ، قال : « لا » قلت : یتعجل بیوم؟ قال : « نعم » قلت : یتعجل بیومین؟ قال : « نعم » قلت : بثلاثة؟ قال : « نعم » قلت : أکثر من ذلک؟ قال : « لا » (2).

فائدة :

یوم الترویة هو یوم الثامن من ذی الحجة ، سمی یوم الترویة لما رواه ابن بابویه فی کتاب علل الشرائع والأحکام فی الحسن ، عن عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته لم سمی یوم الترویة یوم الترویة؟ قال : « إنه لم یکن بعرفات ماء ، وکانوا یستقون من مکة من المار بهم وکان یقول بعضهم لبعض ترویتم ترویتم فسمی یوم الترویة لذلک » (3).

وحکی العلامة فی المنتهی فی ذلک وجها آخر ، وهو أن إبراهیم علیه السلام رأی فی تلک اللیلة التی رأی فیها ذبح الولد رؤیاه فأصبح یروی فی نفسه أهو حلم أم هو من الله تعالی ، فسمی یوم الترویة ، فلما کان لیلة عرفة رأی ذلک أیضا فعرف أنه من الله تعالی فسمی یوم عرفة (4).

وروی ابن بابویه فی وجه تسمیته یوم عرفة بذلک وجها آخر رواه فی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن

ص: 390


1- التهذیب 5 : 176 - 590 ، الإستبصار 2 : 253 - 890 ، الوسائل 10 : 5 أبواب إحرام الحج ب 3 ح 3.
2- التهذیب 5 : 176 - 589 ، الإستبصار 2 : 253 - 889 ، الوسائل 10 : 4 أبواب إحرام الحج ب 3 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 460 - 1.
3- علل الشرائع : 435 - 1.
4- المنتهی 2 : 714.

وأن یمضی إلی منی ویبیت بها لیلته إلی طلوع الفجر من یوم عرفة ، لکن لا یجوز وادی محسر إلا بعد طلوع الشمس.

ویکره الخروج قبل الفجر إلا لضرورة کالمریض والخائف.

______________________________________________________

عرفات لم سمی عرفات؟ فقال : « إن جبرائیل علیه السلام خرج بإبراهیم علیه السلام یوم عرفة ، فلما زالت الشمس قال له جبرائیل علیه السلام : یا إبراهیم اعترف بذنبک واعرف مناسکک ، فسمیت عرفات لقول جبرائیل علیه السلام : اعترف ، فاعترف » (1).

قوله : ( وأن یمضی إلی منی ویبیت بها لیلته إلی طلوع الفجر من یوم عرفة ، لکن لا یجوز وادی محسر إلا بعد طلوع الشمس ).

أما استحباب المبیت بها إلی طلوع الفجر فیدل علیه روایات ، منها قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ثم یصلی بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر » (2)

وأما کراهیة جواز وادی محسر قبل طلوع الشمس فهو قول أکثر الأصحاب ، لصحیحة هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یجوز وادی محسر حتی تطلع الشمس » (3) ونقل عن الشیخ (4) وابن البراج (5) القول بالتحریم أخذا بظاهر النهی ، وهو أحوط.

قوله : ( ویکره الخروج قبل الفجر إلا لضرورة کالمریض والخائف ).

استحباب المبیت بمنی لیلة عرفة

کراهة الخروج من منی قبل الفجر

ص: 391


1- علل الشرائع : 436 - 1.
2- الکافی 4 : 461 - 1 ، التهذیب 5 : 177 - 596 ، الوسائل 10 : 6 أبواب إحرام الحج ب 4 ح 5.
3- التهذیب 5 : 178 - 597 ، الوسائل 10 : 8 أبواب إحرام الحج ب 7 ح 4.
4- التهذیب 5 : 178 ، والنهایة : 250 ، والمبسوط 1 : 368 ، والاقتصاد : 306.
5- المهذب 1 : 251.

والإمام یستحب له الإقامة بها إلی طلوع الشمس. ویستحب الدعاء بالمرسوم عند الخروج

______________________________________________________

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وقال أبو الصلاح (1) وابن البراج (2) : لا یجوز الخروج منها اختیارا قبل طلوع الفجر. وهو ضعیف ، بل یمکن المناقشة فی الکراهة أیضا لعدم الظفر بما یتضمن النهی عن ذلک ، نعم لا ریب أنه خلاف الأولی.

وأما استثناء المضطر کالمریض والخائف فاستدل علیه بما رواه الشیخ ، عن عبد الحمید الطائی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنا مشاة فکیف نصنع؟ قال : « أما أصحاب الرحال فکانوا یصلون الغداة بمنی ، وأما أنتم فامضوا حیث تصلون فی الطریق » (3).

قوله : ( والإمام یستحب له الإقامة بها إلی طلوع الشمس ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة ، منها صحیحة جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « علی الإمام أن یصلی الظهر بمنی ثم یبیت بها ویصبح حتی تطلع الشمس ثم یخرج » (4).

وموثقة إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن من السنة أن لا یخرج الإمام من منی إلی عرفة حتی تطلع الشمس » (5).

قوله : ( ویستحب الدعاء بالمرسوم عند الخروج ).

روی الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله

استحباب الإقامة للامام إلی طلوع الشمس

استحباب الدعاء بالمرسوم عند الخروج

ص: 392


1- الکافی فی الفقه : 213.
2- المهذب 1 : 251.
3- التهذیب 5 : 179 - 599 ، الوسائل 10 : 8 أبواب إحرام الحج ب 7 ح 1.
4- الکافی 4 : 460 - 2 ، الفقیه 2 : 280 - 1373 ، الوسائل 10 : 6 أبواب إحرام الحج ب 4 ح 6.
5- الکافی 4 : 461 - 1 ، التهذیب 5 : 178 - 598 ، الوسائل 10 : 8 أبواب إحرام الحج ب 7 ح 2.

وأن یغتسل للوقوف.

وأما الکیفیة فیشتمل علی واجب وندب.

فالواجب : النیّة ،

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « إذا غدوت إلی عرفة فقل وأنت متوجه إلیها : اللهم إلیک صمدت ، وإیاک اعتمدت ، ووجهک أردت ، أسألک أن تبارک لی فی رحلی ، وأن تقضی لی حاجتی ، وإن تجعلنی ممن تباهی به الیوم من هو أفضل منی » (1).

قوله : ( وأن یغتسل للوقوف ).

استحباب الغسل للوقوف مجمع علیه بین الأصحاب. ووقته بعد زوال الشمس ، لقوله علیه السلام فی حسنة الحلبی : « الغسل یوم عرفة إذا زالت الشمس » (2) وفی صحیحة معاویة بن عمار : « فإذا زالت الشمس یوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتین » (3).

قوله : ( وأما الکیفیة فتشتمل علی واجب وندب ، فالواجب : النیة ).

قد تقدم الکلام فی النیة مرارا وأن الأظهر الاکتفاء فیها بقصد الطاعة بالفعل المتعبد به ، وأنه لا یعتبر فیها ملاحظة الوجه مطلقا ، خصوصا فیما لا یقع إلا علی وجه واحد ، کالوقوف.

واعتبر الأصحاب فی النیة وقوعها عند تحقق الزوال لیقع الوقوف الواجب - وهو ما بین الزوال والغروب - بأسره بعد النیة ، وما وقفت علیه من الأخبار فی هذه المسألة لا یعطی ذلک ، بل ربما ظهر من بعضها خلافه ،

استحباب الاغتسال للوقوف

واجبات الوقوف بعرفة

نیة الوقوف

ص: 393


1- التهذیب 5 : 179 - 600 ، الوسائل 10 : 9 أبواب إحرام الحج ب 8 ح 1.
2- الکافی 4 : 462 - 4 ، التهذیب 5 : 181 - 607 ، الوسائل 10 : 10 أبواب إحرام الحج ب 9 ح 2.
3- الکافی 4 : 461 - 3 ، التهذیب 5 : 179 - 600 ، الوسائل 10 : 9 أبواب إحرام الحج ب 9 ح 1.

والکون بها إلی الغروب.

______________________________________________________

کقول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار الواردة فی صفة حج النبی صلی الله علیه و آله : « إنه علیه السلام انتهی إلی نمرة وهی بطن عرنة بحیال الأراک فضرب قبته وضرب الناس أخبیتهم عندها ، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلی الله علیه و آله ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبیة حتی وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ثم صلی الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتین ثم مضی إلی الموقف فوقف به » (1).

وفی روایة أخری صحیحة لمعاویة بن عمار : « ثم تلبی وأنت غاد إلی عرفات ، فإذا انتهیت إلی عرفات فاضرب خباک بنمرة وهی بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس یوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتین ، وإنما تعجل العصر وتجمع بینهما لتفرغ نفسک للدعاء ، فإنه یوم دعاء ومسألة ، قال : وحد عرفة من بطن عرنة وثویة ونمرة إلی ذی المجاز وخلف الجبل موقف » (2).

ویشهد له روایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا ینبغی الوقوف تحت الأراک ، فأما النزول تحته حتی تزول الشمس وتنهض إلی الموقف فلا بأس » (3) والمسألة محل إشکال ، ولا ریب أن ما اعتبره الأصحاب أولی وأحوط.

قوله : ( والکون بها إلی الغروب ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء ، ویدل علیه روایات ، منها صحیحة معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إن المشرکین

الکون بها إلی الغروب

ص: 394


1- الکافی 4 : 245 - 4 ، التهذیب 5 : 454 - 1588 ، الوسائل 8 : 150 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
2- الکافی 4 : 461 - 3 ، التهذیب 5 : 179 - 600 ، الوسائل 10 : 9 أبواب إحرام الحج ب 9 ح 1.
3- التهذیب 5 : 181 - 605 ، الوسائل 10 : 12 أبواب إحرام الحج ب 10 ح 7.

فلو وقف بنمرة أو عرنة أو ثویّة أو ذی المجاز أو تحت الأراک لم یجزه.

______________________________________________________

کانوا یفیضون قبل أن تغیب الشمس فخالفهم رسول الله صلی الله علیه و آله فأفاض بعد غروب الشمس » (1).

وموثقة یونس بن یعقوب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : متی نفیض من عرفات؟ فقال : « إذا ذهبت الحمرة من ها هنا ، وأشار بیده إلی المشرق إلی مطلع الشمس » (2).

ولا یعتبر فی الکون وجه مخصوص ، بل کیف ما حصل بعرفة أجزأه ، سواء کان قائما أو جالسا أو راکبا وإن کان القیام أفضل ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی (3).

قوله : ( فلو وقف بنمرة أو عرنة أو ثویّة أو ذی المجاز أو تحت الأراک لم یجزه ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، قال فی المنتهی : وبه قال الجمهور کافة إلا ما حکی عن مالک أنه لو وقف ببطن عرنة أجزأه ولزم الدم (4). ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة : « وحد عرفة من بطن عرنة وثویة ونمرة إلی ذی المجاز وخلف الجبل موقف » (5).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله

عدم إجزاء الوقوف فی حدود عرفة

ص: 395


1- الکافی 4 : 467 - 2 ، التهذیب 5 : 186 - 619 ، الوسائل 10 : 29 أبواب إحرام الحج ب 22 ح 1.
2- التهذیب 5 : 186 - 618 ، الوسائل 10 : 29 أبواب إحرام الحج ب 22 ح 2.
3- فی ص 416.
4- المنتهی 2 : 722.
5- الکافی 4 : 461 - 3 ، التهذیب 5 : 179 - 600 ، الوسائل 10 : 10 أبواب إحرام الحج ب 10 ح 1.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله فی الموقف : ارتفعوا عن بطن عرنة ، وقال : أصحاب الأراک لا حج لهم » (1).

وعن ابن أبی عمیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن النبی صلی الله علیه و آله قال : إن أصحاب الأراک لا حج لهم » (2) یعنی الذین یقفون عند الأراک.

ونمرة بفتح النون وکسر المیم وفتح الراء. وعرنة بضم العین المهملة وفتح الراء والنون ، وثویّة بفتح الثاء المثلثة وکسر الواو وتشدید الیاء المثناة من تحت المفتوحة. والأراک کسحاب موضع بعرفة قرب نمرة قاله فی القاموس (3) ، قال الشارح قدس سره : وهذه الأماکن الخمسة حدود عرنة ، وهی راجعة إلی أربعة کما هو المعروف من الحدود ، لأن نمرة بطن عرفة کما روی فی حدیث معاویة بن عمار عن الصادق علیه السلام (4) ولا یقدح ذلک فی کون کل واحد منها حدا فإن أحدهما ألصق من الآخر ، وغیرهما وإن شارکهما باعتبار اتساعه فی إمکان جعله کذلک لکن لیس لإجزائه أسماء خاصة بخلاف نمرة وعرنة (5).

وأقول : إن ما ذکره - قدس سره - من أن نمرة فی بطن عرنة جید ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة : « فاضرب خباک بنمرة وهی بطن عرنة » (6) والظاهر أن مراد المصنف بعرنة بطن عرنة ، لأن

ص: 396


1- الکافی 4 : 463 - 3 ، الوسائل 10 : 25 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 10.
2- علل الشرائع : 455 - 1 ، الوسائل 10 : 12 أبواب إحرام الحج ب 10 ح 11 ، وفیهما : عن محمد بن أبی عمیر ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبید الله بن علی الحلبی قال.
3- القاموس المحیط 3 : 301.
4- الکافی 4 : 461 - 3 ، التهذیب 5 : 179 - 600 ، الوسائل 10 : 9 أبواب إحرام الحج ب 9 ح 1.
5- المسالک 1 : 112.
6- تقدمت الإشارة إلیها فی هامش 4.

ولو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسیا فلا شی ء علیه.

______________________________________________________

التحدید إنما وقع بذلک فی النص وکلام الأصحاب.

أما ما ذکره من أن ذلک لا یقدح فی کون کل واحد منهما حدا فإن أحدهما ألصق من الآخر فقد تقدمه فیه المحقق الشیخ علی فی حواشی القواعد فقال بعد أن ذکر أن اتحادهما ینافی کونهما حدین : ویمکن اعتبار کونهما حدین علی أن أحدهما ألصق من الآخر (1). وهو غیر جید ، لأن الحد فی الحقیقة هو الملاصق للمحدود ، مع أن ذلک لو تم لاقتضی المغایرة بینهما ، وهو خلاف ما دلت علیه الروایة. وبالجملة فالمنافاة بین الحکم باتحادهما وجعلهما حدین واضحة. ولعل الحکم بالاتحاد وقع علی سبیل المجاز ، وأن أحدهما جزء من الآخر وکل منهما ملاصق للمحدود والله أعلم.

قوله : ( ولو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسیا فلا شی ء علیه ).

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ، بل ظاهر التذکرة والمنتهی أنه موضع وفاق بین العلماء (2). أما أن ذلک غیر مفسد للحج فیدل علیه الروایات المتضمنة لعدم فساد الحج بتعمد ذلک ، واتفاق العلماء کافة علیه کما حکاه فی المنتهی (3).

وأما أنه لا کفارة علیه فیدل علیه مضافا إلی الأصل وعدم تحقق الذنب المقتضی لترتب الکفارة علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن مسمع بن عبد الملک ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس قال : « إن کان جاهلا فلا شی ء علیه ، وإن کان متعمدا فعلیه بدنة » (4).

حکم الإفاضة قبل الغروب

ص: 397


1- جامع المقاصد 1 : 169.
2- التذکرة 1 : 373 ، والمنتهی 2 : 721.
3- المنتهی 2 : 720.
4- التهذیب 5 : 187 - 621 ، الوسائل 10 : 30 أبواب إحرام الحج ب 23 ح 1.

وإن کان عامدا جبره ببدنة ، فإن لم یقدر صام ثمانیة عشر یوما.

______________________________________________________

ولو علم الجاهل بالحکم أو ذکر الناسی قبل الغروب وجب علیه العود مع الإمکان ، فإن أخل به قیل : کان کالعامد فی لزوم الدم (1).

قوله : ( وإن کان عامدا جبره ببدنة ، فإن لم یقدر صام ثمانیة عشر یوما ).

أجمع الأصحاب علی أن من أفاض قبل الغروب عامدا فقد فعل حراما ولا یفسد حجه ، لکن یجب علیه جبره بدم ، قال فی المنتهی : وبه قال عامة أهل العلم ، وقال مالک : لا حج لا ، ولا یعرف أحدا من فقهاء الأمصار قال بقول مالک (2).

واختلف الأصحاب فیما یجب جبره به ، فذهب الأکثر إلی أنه بدنة ، ویدل علیه روایة مسمع المتقدمة (3) ، وصحیحة ضریس عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغیب الشمس ، قال : « علیه بدنة ینحرها یوم النحر ، فإن لم یقدر صام ثمانیة عشر یوما بمکة ، أو فی الطریق ، أو فی أهله » (4).

وروایة الحسن بن محبوب ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أفاض من عرفات قبل أن تغیب الشمس ، قال : « علیه بدنة ، فإن لم یقدر علی بدنة صام ثمانیة عشر یوما » (5).

وقال ابنا بابویه : الکفارة شاة (6). ولم نقف لهما علی مستند.

ص: 398


1- کما فی المسالک 1 : 112.
2- المنتهی 2 : 720.
3- فی ص 397.
4- الکافی 4 : 467 - 4 ، التهذیب 5 : 186 - 620 ، الوسائل 10 : 30 أبواب إحرام الحج ب 23 ح 3.
5- التهذیب 5 : 480 - 1702 ، الوسائل 10 : 30 أبواب إحرام الحج ب 23 ح 2.
6- الصدوق فی المقنع : 86 ، ونقله عن والده فی المختلف : 299.

ولو عاد قبل الغروب لم یلزمه. وأما أحکامه فمسائل :

الأولی : الوقوف بعرفات رکن. من ترکه عامدا فلا حج له.

______________________________________________________

ویستفاد من روایة ضریس جواز صوم هذه الأیام فی السفر. وهل یجب فیها المتابعة؟ قیل : نعم ، واختاره فی الدروس (1) ، وقیل : لا ، لإطلاق النص (2) ، وهو أجود وإن کانت المتابعة أحوط.

قوله : ( ولو عاد قبل الغروب لم یلزمه ).

لأصالة البراءة ، ولأنه لو لم یقف أولا ثم أتی قبل غروب الشمس ووقف بها حتی تغرب لم یجب علیه شی ء ، فکذا هنا. وحکی فی المنتهی عن بعض العامة قولا باللزوم ، لحصول الإفاضة المحرمة المقتضیة للزوم الدم ، فلا یسقط إلا بدلیل (3). وهو غیر بعید ، وإن کان الأقرب السقوط. ولا تسقط الکفارة بعوده بعد الغروب قطعا.

قوله : ( وأما أحکامه فمسائل ، الأولی : الوقوف بعرفات رکن ، فمن ترکه عامدا فلا حج له ).

هذا قول علماء الإسلام ، والأصل فیه قول النبی صلی الله علیه و آله : « الحج عرفة » (4) وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ارتفعوا عن بطن عرنة ، وقال : أصحاب الأراک لا حج لهم » (5) وإذا انتفی الحج مع الوقوف

أحکام الوقوف بعرفة

الوقوف بعرفة رکن

ص: 399


1- الدروس : 121.
2- کما فی جامع المقاصد 1 : 169.
3- المنتهی 2 : 721.
4- سنن الدارمی 2 : 59 ، سنن ابن ماجة 2 : 1003 - 3015 ، سنن أبی داود 2 : 196 - 1949 ، وفیها بتفاوت یسیر.
5- التهذیب 5 : 287 - 976 ، الإستبصار 2 : 302 - 1079 ، الوسائل 10 : 25 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 10.

ومن ترکه ناسیا تدارکه ما دام وقته باقیا. ولو فاته الوقوف بها اجتزأ بالوقوف بالمشعر.

______________________________________________________

بحد عرفة فمع عدم الوقوف أولی.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن ابن فضال ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الوقوف بالمشعر فریضة ، والوقوف بعرفة سنة » (1) لأنا نجیب عنه بالطعن فی السند بالإرسال وضعف المرسل.

وقال الشیخ فی الاستبصار : إن المعنی فی هذا الخبر أن فرضه عرف من جهة السنة دون النص بظاهر القرآن ، وما عرف فرضه من جهة السنة جاز أن یطلق علیه الاسم بأنه سنة ، وقد بینا ذلک فی غیر موضع ، ولیس کذلک الوقوف بالمشعر ، لأن فرضه علم بظاهر القرآن ، قال الله تعالی ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْکُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) (2) (3).

ویستفاد من قول المصنف : فمن ترکه عامدا ، أن الرکن فی هذا الباب ما یبطل الحج بالإخلال به عمدا لا سهوا. وفی إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسی وجهان یأتی الکلام فیهما.

ولا یخفی أن الرکن من الوقوف مسماه ، لا جمیع الوقوف الواجب ، للقطع بأن من أخل بالوقوف عامدا فی أول الوقت أو أفاض قبل الغروب عامدا لا یبطل حجه ، وعلی هذا فیکون الزائد من الوقوف عن المسمی موصوفا بالوجوب لا غیر.

قوله : ( ومن ترکه ناسیا تدارکه ما دام وقته باقیا ، ولو فاته الوقوف بها اجتزأ بالوقوف بالمشعر ).

المراد أن من ترک الوقوف بعرفة نسیانا تدارکه ولو قبل طلوع الفجر من

حکم ترک الوقوف نسیانا

ص: 400


1- التهذیب 5 : 287 - 977 ، الإستبصار 2 : 302 - 1080 ، الوسائل 10 : 26 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 14.
2- البقرة : 198.
3- الاستبصار 2 : 302.

______________________________________________________

یوم النحر إن أمکن ، وإلا اجتزأ بالوقوف بالمشعر. وهذان الحکمان إجماعیان عندنا ، واستدلوا علیهما بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یأتی بعد ما یفیض الناس من عرفات فقال : « إن کان فی مهل حتی یأتی عرفات من لیلته فیقف بها ثم یفیض فیدرک الناس فی المشعر قبل أن یفیضوا فلا یتم حجه حتی یأتی عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فلیقف بالمشعر الحرام ، فإن الله أعذر لعبده ، فقد تم حجه إذا أدرک المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن یفیض الناس ، فإن لم یدرک المشعر الحرام فقد فاته الحج ، فلیجعلها عمرة مفردة ، وعلیه الحج من قابل » (1).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله فی سفر فإذا شیخ کبیر فقال : یا رسول الله ، ما تقول فی رجل أدرک الإمام بجمع؟ فقال له : إن ظن أنه یأتی عرفات فیقف بها قلیلا ثم یدرک جمعا قبل طلوع الشمس فلیأتها ، وإن ظن أنه لا یأتیها حتی یفیض الناس من جمع فلا یأتها وقد تم حجه » (2).

وعن إدریس بن عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أدرک الناس بجمع وخشی إن مضی إلی عرفات أن یفیض الناس من جمع قبل أن یدرکها فقال : « إن ظن أنه یدرک الناس بجمع قبل طلوع الشمس فلیأت عرفات ، وإن خشی أن لا یدرک جمعا فلیقف بجمع ثم لیفض مع الناس وقد تم حجه » (3).

ص: 401


1- التهذیب 5 : 289 - 981 ، الإستبصار 2 : 301 - 1076 ، الوسائل 10 : 56 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.
2- التهذیب 5 : 290 - 983 ، الإستبصار 2 : 303 - 1081 ، الوسائل 10 : 56 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 4.
3- التهذیب 5 : 289 - 982 ، الإستبصار 2 : 301 - 1077 ، الوسائل 10 : 56 أبواب الوقوف بالمشعر ب 56 ح 3.

الثانیة : وقت الاختیار لعرفة من زوال الشمس إلی الغروب. من ترکه عامدا فسد حجه. ووقت الاضطرار إلی طلوع الفجر من یوم النحر.

______________________________________________________

ولیس فی هذه الروایات تصریح بحکم الناسی ، نعم یمکن استفادته من التعلیل المستفاد من قوله علیه السلام فی روایة الحلبی : « الله أعذر لعبده » فإن النسیان من أقوی الأعذار ، بل یمکن الاستدلال بذلک علی عذر الجاهل أیضا ، کما هو ظاهر اختیار الشهید فی الدروس (1) ، ویدل علیه عموم قول النبی صلی الله علیه و آله : « من أدرک عرفات بلیل فقد أدرک الحج » (2) وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « من أدرک جمعا فقد أدرک الحج » (3).

قوله : ( الثانیة ، وقت الاختیار لعرفة من زوال الشمس إلی الغروب ، من ترکه عامدا فسد حجه ، ووقت الاضطرار إلی طلوع الفجر من یوم النحر ).

هذان الحکمان إجماعیان عندنا ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیهما (4). والواجب فی الوقوف الاضطراری مسمی الکون بعرفة لیلا ولا یجب الاستیعاب إجماعا ، قاله فی التذکرة (5). وقال فی المنتهی : لو لم یقف بعرفة نهارا ووقف بها لیلا أجزأه علی ما بیناه ، وجاز له أن یدفع من عرفات أی وقت شاء بلا خلاف (6).

وأطلق الشیخ فی الخلاف أن وقت الوقوف بعرفة من الزوال یوم عرفة

الوقت الاختیاری والاضطراری لعرفة

ص: 402


1- الدروس : 121.
2- کنز العمال 5 : 63 - 12060 ( بتفاوت یسیر ).
3- الفقیه 2 : 284 - 1394 ، التهذیب 5 : 294 - 998 ، الإستبصار 2 : 307 - 1095 ، الوسائل 10 : 63 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 2.
4- الوسائل 10 : 22 أبواب إحرام الحج ب 19.
5- التذکرة 1 : 372.
6- المنتهی 2 : 721.

الثالثة : من نسی الوقوف بعرفة رجع فوقف بها ولو إلی طلوع الفجر ، إذا عرف أنه یدرک المشعر قبل طلوع الشمس ، فلو غلب علی ظنّه الفوات اقتصر علی إدراک المشعر قبل طلوع الشمس وقد تم حجه.

______________________________________________________

إلی طلوع الفجر من یوم العید (1). ومراده بذلک مجموع الوقت الاختیاری والاضطراری ، لا أن ذلک وقت اختیاری ، لتصریحه بهذا التفصیل فی سائر کتبه (2). وعلی هذا فلا یرد علیه ما أورده ابن إدریس من أن هذا القول مخالف لأقوال علمائنا وإنما هو قول لبعض المخالفین أورده الشیخ فی کتابه إیرادا لا اعتقادا (3).

قال فی المختلف : والتحقیق أن النزاع هنا لفظی ، فإن الشیخ قصد الوقت الاختیاری وهو من زوال الشمس إلی غروبها والاضطراری وهو من الزوال إلی طلوع الفجر ، فتوهم ابن إدریس أن الشیخ قصد بذلک الوقت الاختیاری فأخطأ فی اعتقاده ، ونسب الشیخ إلی تقلید بعض المخالفین ، مع أن الشیخ أعظم المجتهدین وکبیرهم ، ولا ریب فی تحریم التقلید للمحق من المجتهدین فکیف للمخالف الذی یعتقد المقلد أنه مخطئ ، وهل هذا إلا جهالة منه واجتراء علی الشیخ رحمه الله (4).

قوله : ( الثالثة ، من نسی الوقوف بعرفة رجع فوقف بها ، ولو إلی طلوع الفجر إذا عرف أنه یدرک المشعر قبل طلوع الشمس ، فلو غلب علی ظنه الفوات اقتصر علی إدراک المشعر قبل طلوع الشمس وقد تم حجه ).

یستفاد من قول المصنف رحمه الله : إذا عرف أنه یدرک المشعر ، عدم وجوب العود إلی عرفات مع التردد فی ذلک ، وهو کذلک ، للأصل وقوله

حکم من نسی الوقوف بعرفة

ص: 403


1- الخلاف 1 : 453.
2- النهایة : 273 ، المبسوط 1 : 383.
3- السرائر : 138.
4- المختلف : 298.

وکذا لو نسی الوقوف بعرفات ولم یذکر إلا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس.

الرابعة : إذا وقف بعرفات قبل الغروب ولم یتفق له إدراک المشعر إلی قبل الزوال صحّ حجه.

______________________________________________________

علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة : « إن ظن أنه یأتی عرفات فیقف قلیلا ثم یدرک جمعا قبل طلوع الشمس فلیأتها » (1) واحتمل الشارح وجوب العود مع التردد تقدیما للوجوب الحاضر (2) ، وهو ضعیف.

ویستفاد من صحیحتی الحلبی ومعاویة بن عمار المتقدمتین (3) أن اختیاری المشعر مقدم علی اضطراری عرفة ، ولو تعارض الاضطراریان فإن قلنا بعدم إجزاء الاضطراری وحده آثر عرفات رجاء إدراک المشعر وإن بعد ، وإن قلنا بإجزاء اضطراری المشعر کما هو الظاهر قدمه قطعا.

قوله : ( وکذا لو نسی الوقوف بعرفات ولم یذکر إلا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس ).

المشبه به فی السابق المشار إلیه بذا هو تمام الحج ، أی وکذا یتم الحج لو نسی الوقوف بعرفات وأدرک اختیاری المشعر ، وهو موضع وفاق ، بل سیأتی إن شاء الله أن الأظهر الاجتزاء بإدراک اضطراری المشعر أیضا (4). وإنما فرض فوات عرفات بالنسیان لأنه لو فات عمدا بطل الحج کما بیناه فیما سبق (5).

قوله : ( الرابعة ، إذا وقف بعرفات قبل الغروب ولم یتفق له إدراک المشعر إلی قبل الزوال صح حجه ).

حکم درک اختیاری عرفة فقط

ص: 404


1- فی ص 401.
2- المسالک 1 : 112.
3- فی ص 401.
4- فی ص 343.
5- فی ص 399.

______________________________________________________

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی (1) ، ویدل علیه مضافا إلی العمومات المتضمنة لإدراک الحج بإدراک المشعر ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی رجل أفاض من عرفات إلی منی؟ قال : « فلیرجع فیأتی جمعا فیقف بها وإن کان الناس قد أفاضوا من جمع » (2).

وفی الموثق عن یونس بن یعقوب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أفاض من عرفات فمر بالمشعر فلم یقف حتی انتهی إلی منی ورمی الجمرة ولم یعلم حتی ارتفع النهار ، قال : « یرجع إلی المشعر فیقف به ، ثم یرجع فیرمی جمرة العقبة » (3).

وقال الشارح - قدس سره - بعد إیراد عبارة المصنف : لا إشکال فی الصحة حینئذ لإدراک اختیاری عرفة ، بل لو فرض عدم إدراکه المشعر أصلا صح أیضا ، فإن اختیاری أحدهما کاف (4). وقال فی موضع آخر : إنه لا خلاف فی الاجتزاء بأحد الموقفین الاختیاریین (5). وهو مشکل جدا ، لانتفاء ما یدل علی الاجتزاء بإدراک اختیاری عرفة خاصة ، مع أن الخلاف فی المسألة متحقق ، فإن العلامة فی المنتهی صرح بعدم الاجتزاء بذلک وهذه عبارته : ولو أدرک أحد الموقفین اختیارا وفاته الآخر مطلقا فإن کان الفائت هو عرفات فقد صح حجه لإدراک المشعر ، وإن کان هو المشعر ففیه تردد أقربه الفوات (6).

وقال فی التحریر : ولو أدرک أحد الاختیاریین وفاته الآخر اختیارا

ص: 405


1- المنتهی 2 : 728.
2- الکافی 4 : 472 - 3 ، الوسائل 10 : 55 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 2.
3- الکافی 4 : 472 - 4 ، الوسائل 10 : 55 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 3.
4- المسالک 1 : 112.
5- المسالک 1 : 113.
6- المنتهی 2 : 728.

الخامسة : إذا لم یتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف لیلا ، ثم لم یدرک المشعر حتی تطلع الشمس فقد فاته الحج ، وقیل : یدرکه ولو قبل الزوال ، وهو حسن.

______________________________________________________

واضطرارا فإن کان الفائت هو عرفة صح الحج ، وإن کان هو المشعر ففی إدراک الحج إشکال (1). ونحوه قال فی التذکرة (2). فعلم من ذلک أن الاجتزاء بإدراک اختیاری عرفة لیس إجماعیا کما ذکره الشارح (3) وأن المتجه فیه عدم الإجزاء ، لعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، وانتفاء ما یدل علی الصحة مع هذا الإخلال ، والله تعالی أعلم بحقیقة الحال.

قوله : ( الخامسة ، إذا لم یتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف لیلا ثم لم یدرک المشعر حتی تطلع الشمس فقد فاته الحج ، وقیل : یدرکه ولو قبل الزوال ، وهو حسن ).

هذا حکم من أدرک الوقوفین الاضطراریین ، والأصح ما اختاره المصنف من إدراک الحج بإدراکهما ، وهو اختیار الشیخ فی کتابی الأخبار (4) وجمع من الأصحاب ، ورواه بخصوصه الشیخ فی الصحیح ، عن الحسن العطار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أدرک الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم یدرک الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا فلیقف قلیلا بالمشعر الحرام ، ولیلحق الناس بمنی ، ولا شی ء علیه » (5).

واختلف الأصحاب فی حکم من أدرک اضطراری المشعر خاصة ، فذهب الأکثر إلی عدم إدراک الحج بذلک ، بل قال فی المنتهی : إنه موضع

حکم من أدرک الوقوفین الاضطراریین

ص: 406


1- تحریر الأحکام 1 : 103.
2- التذکرة 1 : 375.
3- المسالک 1 : 113.
4- التهذیب 5 : 290 و 292 ، والاستبصار 2 : 305.
5- التهذیب 5 : 292 - 290 ، الإستبصار 2 : 305 - 1088 ، الوسائل 10 : 62 أبواب الوقوف بالمشعر ب 24 ح 1.

______________________________________________________

وفاق (1) ( ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حریز ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل مفرد الحج فاته الموقفان جمیعا فقال : « له إلی طلوع الشمس من یوم النحر ، فإن طلعت الشمس من یوم النحر فلیس له حج ، ویجعلها عمرة ، وعلیه الحج من قابل » (2) ) (3).

وقال ابن الجنید (4) والمرتضی (5) وابن بابویه فی کتاب علل الشرائع والأحکام (6) : إنه یدرک الحج بذلک. واختاره الشارح (7) ، وهو المعتمد.

لنا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن عبد الله بن المغیرة ، قال : جاءنا رجل بمنی ، فقال : إنی لم أدرک الناس بالموقفین جمیعا ، فقال له عبد الله بن المغیرة : لا حج لک ، وسأل إسحاق بن عمار فلم یجبه ، فدخل إسحاق علی أبی الحسن علیه السلام فسأله عن ذلک فقال : « إذا أدرک مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس یوم النحر فقد أدرک الحج » (8).

وفی الحسن عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أدرک المشعر الحرام یوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرک الحج » (9) وقد روی نحو هذه الروایة ابن بابویه فی کتاب من لا یحضره

ص: 407


1- المنتهی 2 : 728.
2- التهذیب 5 : 291 - 986 ، الإستبصار 2 : 304 - 1084 ، الوسائل 10 : 66 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 4.
3- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
4- نقله عنه فی المختلف : 301.
5- الانتصار : 90.
6- علل الشرائع : 451.
7- المسالک 1 : 113.
8- التهذیب 5 : 291 - 989 ، الإستبصار 2 : 304 - 1086 ، الوسائل 10 : 58 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6.
9- التهذیب 5 : 291 - 988 ، الإستبصار 2 : 304 - 1087 ، الوسائل 10 : 59 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 9.

______________________________________________________

الفقیه بطریق صحیح عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أدرک الموقف بجمع یوم النحر من قبل أن تزول الشمس فقد أدرک الحج » (1) وقال فی کتاب علل الشرائع والأحکام : والذی أفتی به واعتمده فی هذا المعنی ما حدثنا به شیخنا محمد بن الحسن بن الولید - رضی الله عنه - قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن یعقوب بن یزید ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام (2) ، ونقل الروایة بعینها. وهذه الروایة مع صحتها واضحة الدلالة علی المطلوب.

ویدل علیه أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أدرک المشعر الحرام قبل أن تزول الشمس فقد أدرک الحج » (3).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « إذا أدرکت الزوال فقد أدرکت الموقف » (4).

واستدل الشارح (5) - قدس سره - علی هذا القول بصحیحة عبد الله بن مسکان ، عن الکاظم علیه السلام : « إذا أدرک مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس فقد أدرک الحج » وتقدمه فی ذلک الشیخ فخر الدین فی شرح القواعد (6).

ولم نقف علی هذه الروایة فی شی ء من الأصول ، ولا نقلها أحد

ص: 408


1- الفقیه 2 : 243 - 1162 ، الوسائل 10 : 59 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 9.
2- علل الشرائع : 451 ، الوسائل 10 : 59 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 8.
3- الفقیه 2 : 243 - 1163 ، الوسائل 10 : 59 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 11.
4- الفقیه 2 : 243 - 1165 ، الوسائل 10 : 60 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 15.
5- المسالک 1 : 113. إلا أن الروایة فیه عن عبد الله بن سنان.
6- إیضاح الفوائد 1 : 308.

والمندوب : الوقوف فی میسرة الجبل فی السفح ،

______________________________________________________

غیرهما فیما أعلم ، والظاهر أنها روایة عبد الله بن المغیرة (1) فوقع السهو فی ذکر الأب. والعجب أن الکشی قال : روی أن عبد الله بن مسکان لم یسمع من الصادق علیه السلام إلا حدیث : « من أدرک المشعر فقد أدرک الحج » (2).

( وأجاب الشیخ عن هذه الروایات تارة بتخصیصها بمن أدرک عرفات ثم جاء إلی المشعر قبل الزوال ، وأخری بأن المراد بإدراک الحج بذلک إدراک فضیلته وإن لم یسقط عنه الفرض (3). وهو بعید.

والأولی فی الجمع حمل الحج المنفی فی روایة حریز علی الحج الکامل ، وحمل الأمر بجعلها عمرة علی الاستحباب کما وقع نظیره فی وقت الحد الذی یدرک به التمتع ) (4).

واعلم أنه قد استفید من تضاعیف هذه المسائل أن أقسام الوقوفین بالنسبة إلی الاختیاری والاضطراری ثمانیة ، أربعة مفردة ، وهی کل واحد من الاختیاریین والاضطراریین ، وأربعة مرکبة ، وهی : الاختیاریان ، والاضطراریان ، واختیاری عرفة مع اضطراری المشعر ، وبالعکس. والصور کلها مجزئة إلا اضطراری عرفة فإنه غیر مجز قولا واحدا ، کما قاله فی الدروس (5). وکذا الاختیاری أیضا علی ما بیناه. وفی الاضطراریین واضطراری المشعر وحده ما مر من الخلاف.

قوله : ( والمندوب ، الوقوف فی میسرة الجبل فی السفح ).

المراد : میسرته بالإضافة إلی القادم إلیه من مکة ، وسفح الجبل

مندوبات الوقوف بعرفة

الوقوف فی میسرة الجبل

ص: 409


1- المتقدمة فی ص 408.
2- رجال الکشی 2 : 680 - 716 ، الوسائل 10 : 60 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 14.
3- التهذیب 5 : 292 ، والاستبصار 2 : 304.
4- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
5- الدروس : 123.

والدعاء المتلقّی عن أهل البیت علیهم السلام أو غیره من الأدعیة ، وأن یدعو لنفسه ولوالدیه وللمؤمنین ،

______________________________________________________

أسفله ، حیث ینسفح فیه الماء ، وهو مضجعه ، قاله الجوهری (1). وقال فی القاموس : السفح عرض الجبل المضطجع أو أصله أو أسفله (2).

ویدل علی استحباب الوقوف فی المیسرة ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قف فی میسرة الجبل فإن رسول الله صلی الله علیه و آله وقف بعرفات فی میسرة الجبل » (3).

وعلی استحباب الوقوف فی السفح ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الوقوف بعرفات ، فوق الجبل أحب إلیک أم علی الأرض؟ فقال : « علی الأرض » (4).

قوله : ( والدعاء المتلقی عن أهل البیت : أو غیره من الأدعیة ، وأن یدعو لنفسه ولوالدیه وللمؤمنین ).

لا ریب فی تأکد استحباب الدعاء فی هذا الیوم ، فإنه یوم شریف کثیر البرکة ، بل ذهب بعض علمائنا إلی وجوب صرف زمان الوقوف کله فی الذکر والدعاء.

والدعوات المأثورة فیه عن النبی صلی الله علیه و آله وأهل بیته علیهم السلام أکثر من أن تحصی ، وأحسنه الدعاء المنقول عن سیدنا ومولانا أبی عبد الله الحسین علیه السلام (5) ، وعن ولده زین العابدین

الدعاء

ص: 410


1- الصحاح 1 : 375.
2- القاموس المحیط 1 : 237.
3- الکافی 4 : 463 - 4 ، الوسائل 10 : 13 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 11 ح 1.
4- التهذیب 5 : 180 - 603 الوسائل 10 : 11 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 10 ح 5.
5- البلد الأمین : 251 ، بحار الأنوار 95 : 227.

______________________________________________________

علیه السلام (1).

ولنورد هنا طرفا من الأحادیث المرویة عنهم علیهم السلام فی هذا الباب ، فروینا فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا وقفت بعرفات فاحمد الله ، وهلله ، ومجده ، وأثن علیه ، وکبره مائة تکبیرة ، واقرأ قل هو الله أحد مائة مرة ، وتخیر لنفسک من الدعاء ما أحببت ، واجتهد فإنه یوم دعاء ومسألة ، وتعوّذ بالله من الشیطان فإن الشیطان لن یذهلک فی موضع أحب إلیه من أن یذهلک فی ذلک الموضع ، وإیاک أن تشتغل بالنظر إلی الناس ، وأقبل قبل نفسک ، ولیکن فیما تقول : اللهم رب المشاعر کلها فک رقبتی من النار ، وأوسع علیّ من الرزق الحلال وادرأ عنی شر فسقة الجن والإنس ، اللهم لا تمکر بی ، ولا تخدعنی ، ولا تستدرجنی یا أسمع السامعین ، ویا أبصر الناظرین ، ویا أسرع الحاسبین ، ویا أرحم الراحمین ، أسألک أن تصلی علی محمد وآل محمد ، وأن تفعل بی کذا وکذا ، ولیکن فیما تقول وأنت رافع یدیک إلی السماء : اللهم رب حاجتی التی إن أعطیتنیها لم یضرنی ما منعتنی ، وإن منعتنیها لم ینفعنی ما أعطیتنی ، أسألک خلاص رقبتی من النار ، اللهم إنی عبدک ، وملک یدک ، وناصیتی بیدک ، وأجلی بعلمک ، وأسألک أن توفقنی لما یرضیک عنی ، وأن تسلّم منی مناسکی التی أریتها إبراهیم خلیلک صلی الله علیه ، ودللت علیها حبیبک محمدا صلی الله علیه و آله ، ولیکن فیما تقول : اللهم اجعلنی ممن رضیت عمله ، وأطلت عمره ، وأحییته بعد الممات حیاة طیبة » (2).

وفی الصحیح عن عبد الله بن میمون ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله وقف بعرفات فلما همّت الشمس أن تغیب قبل أن یندفع قال : اللهم إنی أعوذ بک من الفقر ،

ص: 411


1- الصحیفة السجادیة : الدعاء 47.
2- التهذیب 5 : 182 - 611 ، الوسائل 10 : 15 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 14 ح 1.

______________________________________________________

ومن تشتت الأمر ، ومن شر ما یحدث باللیل والنهار ، أمسی ظلمی مستجیرا بعفوک ، وأمسی خوفی مستجیرا بأمانک ، وأمسی ذلی مستجیرا بعزک ، وأمسی وجهی الفانی مستجیرا بوجهک الباقی ، یا خیر من سئل ، ویا أجود من أعطی ، جللنی برحمتک ، وألبسنی عافیتک ، واصرف عنی شر جمیع خلقک - قال عبد الله بن میمون : وسمعت أبی یقول یا خیر من سئل ، ویا أجود من أعطی ، ویا أرحم من استرحم - ثم سل حاجتک » (1).

وعن عبد الله بن سنان ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام : ألا أعلمک دعاء یوم عرفة ، وهو دعاء من کان قبلی من الأنبیاء؟ قال : تقول لا إله إلا الله ، وحده لا شریک له ، له الملک ، وله الحمد ، یحیی ویمیت ، وهو حی لا یموت ، بیده الخیر ، وهو علی کل شی ء قدیر ، اللهم لک الحمد کما تقول ، وخیر ما نقول (2) ، وفوق ما یقول القائلون ، اللهم لک ( صَلاتِی وَنُسُکِی وَمَحْیایَ وَمَماتِی ) ، ولک تراثی ، وبک حولی ، ومنک قوتی ، اللهم إنی أعوذ بک من الفقر ، ومن وساوس الصدور ، ومن شتات الأمر ، ومن عذاب القبر ، اللهم إنی أسألک خیر الریاح ، وأعوذ بک من شر ما تجی ء به الریاح ، وأسألک خیر اللیل وخیر النهار ، اللهم اجعل فی قلبی نورا ، وفی سمعی وبصری نورا ، ولحمی ودمی وعظامی وعروقی ومقعدی ومقامی ومدخلی ومخرجی نورا ، وأعظم لی نورا یا رب یوم ألقاک ، إنک علی کل شی ء قدیر » (3).

ویستحب أن یکثر الدعاء لإخوانه المؤمنین ویؤثرهم علی نفسه بذلک ،

ص: 412


1- الکافی 4 : 464 - 5 ، قرب الإسناد : 12 ، الوسائل 10 : 31 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 24 ح 1.
2- فی التهذیب : وخیرا مما نقول. وهی لیست موجودة فی الفقیه والوسائل.
3- الفقیه 2 : 324 - 1547 ، التهذیب 5 : 183 - 612 ، الوسائل 10 : 17 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 14 ح 3.

وأن یضرب خباءه بنمرة ،

______________________________________________________

فقد روینا فی الحسن ، عن إبراهیم بن هاشم ، قال : رأیت عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا کان أحسن من موقفه ، ما زال مادّا یده إلی السماء ودموعه تسیل علی خدیه حتی تبلغ الأرض ، فلما صرف الناس قلت : یا أبا محمد ما رأیت موقفا قط أحسن من موقفک! قال : والله ما دعوت فیه إلا لإخوانی المؤمنین ، وذلک لأن أبا الحسن موسی علیه السلام أخبرنی أنه من دعا لأخیه بظهر الغیب نودی من العرش : ولک مائة ألف ضعف مثله ، وکرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدری تستجاب أم لا (1).

قوله : ( وأن یضرب خباءه بنمرة ).

یدل علی ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار « فإذا انتهیت إلی عرفات فاضرب خباءک بنمرة ، وهی بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس یوم عرفة فاغتسل » (2) الحدیث.

وفی صحیحة معاویة بن عمار الواردة فی صفة حج النبی صلی الله علیه و آله : « إنه صلی الله علیه و آله انتهی إلی نمرة - وهی بطن عرفة بحیال الأراک - فضرب قبته وضرب الناس أخبیتهم عندها ، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلی الله علیه و آله ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبیة حتی وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلی الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتین ، ثم مضی إلی الموقف فوقف به ، فجعل الناس یبتدرون أخفاف ناقته یقفون إلی جنبها ، فنحاها ، ففعلوا مثل ذلک ، فقال : أیها الناس إنه لیس موضع أخفاف ناقتی الموقف ، ولکن هذا کله موقف ، وأومأ بیده إلی

ضرب الخباء بنمرة

ص: 413


1- الکافی 2 : 508 - 6 ، وج 4 : 465 - 7 ، التهذیب 5 : 184 - 615 ، أمالی الصدوق : 369 - 2 ، الوسائل 10 : 20 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 17 ح 1.
2- الکافی 4 : 461 - 3 ، التهذیب 5 : 179 - 600 ، الوسائل 10 : 9 أبواب إحرام الحج ب 9 ح 1.

وأن یقف علی السهل ، وأن یجمع رحله ویسدّ الخلل به وبنفسه ،

______________________________________________________

الموقف ، فتفرق الناس (1).

ومقتضی الروایة أنه لا ینتقل من نمرة حتی تزول الشمس ، واستشکله الشارح بفوات جزء من الوقوف الواجب عند الزوال (2). وقد یقال إن الإشکال مندفع بالنصوص الصحیحة.

قوله : ( وأن یقف علی السهل ).

وهو ما قابل الحزونة ، وإنما استحب ذلک لاستحباب الاجتماع فی الموقف والتضام کما سیأتی ، وغیر السهل لا یتیسر فیه ذلک إلا بتکلف.

قوله : ( وأن یجمع رحله ).

أی یضم أمتعته بعضها إلی بعض ، لیأمن علیها من الذهاب ، ویتوجه بقلبه إلی الدعاء.

قوله : ( ویسد الخلل به وبنفسه ).

المراد أنه یسد الفرج الکائنة علی الأرض برحله وبنفسه ، بأن لا یدع بینه وبین أصحابه فرجة ، لتستتر الأرض التی یقفون فیها ، والمستند فی ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « فإذا رأیت خللا فسدّه بنفسک وراحلتک ، فإن الله عزّ وجلّ یحب أن تسدّ تلک الخلال » (3).

وربما علل استحباب سدّ الفرج الکائنة علی الأرض بأنها إذا بقیت فربما یطمع أجنبی فی دخولها فیشتغلون بالتحفظ منه عن الدعاء ، ویؤذیهم فی شی ء من أمورهم.

الوقوف علی السهل

استحباب جمع الرحل

استحباب سد الخلل

ص: 414


1- الکافی 4 : 245 - 4 ، التهذیب 5 : 454 - 1588 ، الوسائل 8 : 150 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
2- المسالک 1 : 113.
3- الکافی 4 : 463 - 4 ، الفقیه 2 : 281 - 1377 ، الوسائل 10 : 15 أبواب إحرام الحج ب 13 ح 2.

وأن یدعو قائما.

ویکره الوقوف فی أعلی الجبل ،

______________________________________________________

واحتمل بعض الأصحاب کون متعلق الجار فی به وبنفسه محذوفا صفة للخلل ، والمعنی أنه یسد الخلل الکائن بنفسه وبرحله ، بأن یأکل إن کان جائعا ، ویشرب إن کان عطشانا ، وهکذا یصنع ببعیره ، ویزیل الشواغل المانعة عن الإقبال والتوجه فی الدعاء (1). وهو اعتبار حسن ، إلا أن المعنی الأول هو المستفاد من النقل.

قوله : ( وأن یدعو قائما ).

لأنه أفضل أفراد الکون الواجب ، لکونه أشق وأفضل الأعمال أحمزها.

وینبغی أن یکون ذلک حیث لا ینافی الخشوع لشدة التعب ونحوه ، وإلا سقطت وظیفة القیام.

قوله : ( ویکره الوقوف فی أعلی الجبل ).

لما رواه الشیخ ، عن إسحاق بن عمار أنه قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الوقوف بعرفات ، فوق الجبل أحب إلیک أم علی الأرض؟ فقال : « علی الأرض » (2).

ونقل عن ابن البراج (3) وابن إدریس (4) أنهما حرّما الوقوف علی الجبل إلا لضرورة. ومع الضرورة کالزحام وشبهه ینتفی الکراهة والتحریم إجماعا ، قاله فی التذکرة (5) ، ویدل علیه روایة سماعة : أنه قال لأبی عبد الله علیه السلام : فإذا کانوا بالموقف وکثروا کیف یصنعون؟ قال : « یرتفعون إلی

الدعاء قائما

کراهة الوقوف أعلی الجبل

ص: 415


1- المسالک 1 : 113.
2- التهذیب 5 : 180 - 603 ، الوسائل 10 : 11 أبواب إحرام الحج ب 10 ح 5.
3- المهذب 1 : 246.
4- السرائر : 138.
5- التذکرة 1 : 372. إلا أنه لم یدع الإجماع.

وراکبا ، وقاعدا.

القول فی الوقوف بالمشعر

والنظر فی مقدمته ، وکیفیته.

______________________________________________________

الجبل » (1).

قوله : ( وراکبا ، وقاعدا ).

أقف علی روایة تتضمن النهی عن ذلک ، نعم لا ریب أنه خلاف الأولی ، لاستحباب القیام. وقال بعض العامة : إن الرکوب أفضل من القیام ، لما رووه من أن النبی صلی الله علیه و آله وقف راکبا (2). وهو ضعیف.

قوله : ( القول فی الوقوف بالمشعر والنظر فی : مقدمته ، وکیفیته ).

قال الجوهری : المشاعر موضع المناسک ، والمشعر الحرام أحد المشاعر ، وکسر المیم لغة (3). وقال أیضا : ویقال للمزدلفة جمع ، لاجتماع الناس بها (4). وقال فی القاموس : المشعر الحرام - وتکسر میمه - المزدلفة ، وعلیه بناء الیوم ، ووهم من ظنه جبلا بقرب ذلک البناء (5). وقال أیضا : والجمع بلا لام المزدلفة (6) ( ویقال (7) أیضا : المزدلفة موضع بین عرفات ومنی ولأنه یتقرب [ فیها ] (8) إلی الله تعالی ، أو لازدلاف الناس إلی منی

کراهة الوقوف راکبا أو قاعدا

ص: 416


1- التهذیب 5 : 180 - 604 ، الوسائل 10 : 13 أبواب إحرام الحج ب 11 ح 4.
2- کابن قدامة فی المغنی 3 : 436.
3- الصحاح 2 : 698.
4- الصحاح 3 : 1198.
5- القاموس المحیط 2 : 61.
6- القاموس المحیط 3 : 14.
7- کذا والأنسب : وقال. لأنه موجود فی القاموس.
8- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.

أما المقدمة : فیستحب الاقتصاد فی سیره إلی المشعر ، وأن یقول إذا بلغ الکثیب الأحمر عن یمین الطریق : اللهم ارحم موقفی ، وزد فی عملی ، وسلّم لی دینی ، وتقبل مناسکی.

______________________________________________________

بعد الإقامة ، أو لمجی ء الناس إلیها فی زلف من اللیل ، أو لأنها أرض مستویة مکنونة ، وهذا أقرب (1) (2).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال فی حدیث إبراهیم علیه السلام : « إن جبرائیل علیه السلام انتهی به إلی الموقف وأقام به حتی غربت الشمس ، ثم أفاض به ، فقال : یا إبراهیم ازدلف إلی المشعر الحرام ، فسمیت مزدلفة » (3).

وعن إسماعیل بن جابر وغیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « سمیت جمع لأن آدم علیه السلام جمع فیها بین الصلاتین : المغرب والعشاء » (4).

وروی ابن بابویه فی الصحیح أیضا ، عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ما لله عزّ وجلّ منسک أحب إلی الله تبارک وتعالی من موضع المشعر ، وذلک أنه یذل فیه کل جبار عنید » (5).

قوله : ( أما المقدمة ، فیستحب الاقتصاد فی سیره إلی المشعر ، وأن یقول إذا بلغ الکثیب الأحمر عن یمین الطریق : اللهم ارحم موقفی ، وزد فی عملی ، وسلّم لی دینی ، وتقبل مناسکی ).

روی الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله

الوقوف بالمشعر

استحباب الاقتصاد فی السیر إلی المشعر

استحباب الدعاء عند بلوغ الکثیب الأحمر

ص: 417


1- القاموس المحیط 3 : 154 مع وجود اختلاف.
2- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
3- علل الشرائع : 436 - 1 ، الوسائل 10 : 38 أبواب الوقوف بالمشعر ب 4 ح 4.
4- علل الشرائع : 437 - 1 ، الوسائل 10 : 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 7.
5- علل الشرائع : 433 - 1 ، الوسائل 9 : 513 أبواب السعی ب 1 ح 13.

وأن یؤخر المغرب والعشاء إلی المزدلفة ولو صار إلی ربع اللیل ،

______________________________________________________

علیه السلام : « إن المشرکین کانوا یفیضون من قبل أن تغیب الشمس ، فخالفهم رسول الله صلی الله علیه و آله وأفاض بعد غروب الشمس » قال ، وقال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعلیک السکینة والوقار ، وأفض بالاستغفار فإن الله عزّ وجلّ یقول ( ثُمَّ أَفِیضُوا مِنْ حَیْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ ) فإذا انتهیت إلی الکثیب الأحمر عن یمین الطریق فقل : اللهم ارحم موقفی ، وزدنی عملی ، وسلم لی دینی ، وتقبل مناسکی ، وإیاک والوجیف الذی یصنعه الناس ، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قال : یا أیها الناس إن الحج لیس بوجیف الخیل ، ولا إیضاح الإبل ، ولکن اتقوا الله وسیروا سیرا جمیلا ، لا توطئوا ضعیفا ولا توطئوا مسلما وتوأدوا واقتصدوا فی المسیر ، وإن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یکف ناقته حتی یصیب رأسها مقدم الرجل ویقول : أیها الناس علیکم بالدعة ، فسنة رسول الله صلی الله علیه و آله تتبع » قال معاویة بن عمار : وسمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « اللهم أعتقنی من النار » وکررها حتی أفاض ، فقلت : ألا تفیض فقد أفاض الناس؟ فقال : « إنی أخاف الزحام ، وأخاف أن أشرک فی عنت إنسان » (1).

فائدة :

الکثب : الجمع والصب ، والکثیب : التل من الرمل. والوجیف : الاضطراب وضرب من سیر الخیل والإبل. وإیضاع الإبل : حملها علی العدو السریع. والتؤدة : الرزانة والتأنی ، وقد اتأد وتوأد. والدعة : الخفض والسعة فی العیش.

قوله : ( وأن یؤخّر المغرب والعشاء إلی المزدلفة ، ولو صار إلی ربع اللیل ).

استحباب تأخیر العشائین إلی المزدلفة

ص: 418


1- الکافی 4 : 467 - 2 ، الوسائل 10 : 29 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 22 ح 1 ، وص 34 أبواب الوقوف بالمشعر ب 1 ح 2.

ولو منعه مانع صلی فی الطریق.

______________________________________________________

بل یستحب التأخیر وإن صار ثلث اللیل بإجماع العلماء کافة ، حکاه فی المنتهی (1). ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : « لا تصلی المغرب حتی تأتی جمعا وإن ذهب ثلث اللیل » (2).

وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تصلی المغرب حتی تأتی جمعا ، فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتین ، وانزل بطن الوادی عن یمین الطریق قریبا من المشعر » (3).

قوله : ( وإن منعه مانع صلی فی الطریق ).

المراد أنه لو منعه مانع من الوصول إلی المزدلفة قبل فوات الوقت صلی فی الطریق ، ولا ریب فی ذلک ، بل الأقرب جواز الصلاة فی عرفة وفی الطریق اختیارا ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یصلی الرجل المغرب إذا أمسی بعرفة » (4).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « عثر محمل أبی بین عرفة والمزدلفة فنزل فصلی المغرب وصلی العشاء بالمزدلفة » (5).

ص: 419


1- المنتهی 2 : 723.
2- التهذیب 5 : 188 - 625 ، الإستبصار 2 : 254 - 895 ، الوسائل 10 : 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 1.
3- التهذیب 5 : 188 - 626 ، الوسائل 10 : 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 468 - 1.
4- التهذیب 5 : 189 - 629 ، الإستبصار 2 : 255 - 898 ، الوسائل 10 : 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 3.
5- التهذیب 5 : 189 - 628 ، الإستبصار 2 : 255 - 897 ، الوسائل 10 : 39 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 4.

وأن یجمع بین المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتین من غیر نوافل بینهما. ویؤخر نوافل المغرب إلی بعد العشاء.

______________________________________________________

وقال الشیخ فی الاستبصار : إنه لا یجوز صلاة المغرب بعرفات لیلة النحر (1). وهو ضعیف.

قوله : ( وأن یجمع بین المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتین ، من غیر نوافل بینهما ، ویؤخر نوافل المغرب إلی بعد العشاء ).

هذا قول علمائنا أجمع وأکثر العامة ، ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : صلاة المغرب والعشاء بجمع ، بأذان واحد وإقامتین ، ولا تصل بینهما شیئا » وقال : « هکذا صلی فیه رسول الله صلی الله علیه و آله » (2).

وروایة عنبسة بن مصعب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرکعات التی بعد المغرب لیلة المزدلفة؟ فقال : « صلها بعد العشاء أربع رکعات » (3).

ویجوز تقدیم النوافل علی العشاء أیضا ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبان بن تغلب ، قال : صلیت خلف أبی عبد الله علیه السلام المغرب بالمزدلفة ، فقال فصلی المغرب ثم صلی العشاء الآخرة ولم یرکع فیما بینهما ، ثم صلیت خلفه بعد ذلک بسنة ، فلما صلی المغرب قام فتنفل بأربع رکعات (4).

والظاهر امتداد وقتها بامتداد وقت المغرب وإن استحب تأخیرها عن

استحباب الجمع بین المغرب والعشاء

ص: 420


1- الاستبصار 2 : 254.
2- التهذیب 5 : 190 - 630 ، الإستبصار 2 : 255 - 899 ، الوسائل 10 : 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 3.
3- الکافی 4 : 469 - 2 ، الوسائل 10 : 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 2.
4- التهذیب 5 : 190 - 632 ، الإستبصار 2 : 256 - 901 ، الوسائل 10 : 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 5.

وأما الکیفیة : فالواجب النیّة. والوقوف بالمشعر. وحدّه ما بین المأزمین إلی الحیاض ، إلی وادی محسّر.

______________________________________________________

العشاء ، لما بیناه فیما سبق من انتفاء ما یدل علی خروج وقتها بذهاب الشفق. قوله : ( وأما الکیفیة ، فالواجب : النیة ).

وهی قصد الفعل طاعة لله عزّ وجلّ ، والتعرض للوجه مع تعیین نوع الحج أحوط.

قوله : ( والوقوف بالمشعر ، وحدّه : ما بین المأزمین إلی الحیاض إلی وادی محسّر ).

المأزم بالهمزة الساکنة وکسر الزاء : کل طریق ضیق بین جبلین ، ومنه سمی الموضع الذی بین جمع وعرفة مأزمین ، قاله الجوهری (1). وقال فی القاموس : والمأزم ویقال المأزمان مضیق بین جمع وعرفة ، وآخر بین مکة ومنی (2).

وهذا التحدید مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعلم فیه خلافا (3). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : حد المشعر الحرام من المأزمین إلی الحیاض إلی وادی محسر (4).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، أنه قال للحکم بن عتیبة : ما حد المزدلفة؟ فسکت ، فقال أبو جعفر علیه السلام :

واجبات الوقوف بالمشعر

- النیة

الوقوف بالمشعر

حد المشعر

ص: 421


1- الصحاح 5 : 1861.
2- القاموس المحیط 4 : 75.
3- المنتهی 2 : 726.
4- التهذیب 5 : 190 - 633 ، الوسائل 10 : 42 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 1.

ولا یقف بغیر المشعر ، ویجوز مع الزحام الارتفاع إلی الجبل. ولو نوی الوقوف ثم نام أو جنّ أو أغمی علیه صحّ وقوفه ، وقیل : لا ، والأول أشبه.

______________________________________________________

« حدها ما بین المأزمین إلی الجبل إلی حیاض محسر » (1).

قوله : ( ویجوز مع الزحام الارتفاع إلی الجبل ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه الکلینی فی الموثق ، عن سماعة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إذا کثر الناس بجمع وضاقت علیهم کیف یصنعون؟ قال : « یرتفعون إلی المأزمین » (2).

وجوز الشهیدان (3) وجماعة الارتفاع إلی الجبل اختیارا ، وهو مشکل ، لروایة زرارة المتقدمة (4) ، حیث جعل فیها الجبل من حدود المشعر الخارجة عن المحدود. وقال فی الدروس : والظاهر أن ما أقبل من الجبال من المشعر دون ما أدبر منها (5).

قوله : ( ولو نوی الوقوف ثم نام أو جنّ أو أغمی علیه صح وقوفه ، وقیل : لا ، والأول أشبه ).

القول بالصحة هو المعروف من مذهب الأصحاب ، لأن الرکن من الوقوف مسماه ، وهو یحصل بأن یسیر بعد النیة ، ولأن من دفع عمدا قبل طلوع الشمس لا یفسد حجه ، فکیف یتصور الفساد مع الخروج عن التکلیف.

ولم نقف فی هذا الحکم علی مخالف صریحا ، نعم ذکر الشیخ فی

جواز الارتفاع إلی الجبل مع الزحام

حکم من وقف فنام أو جن

ص: 422


1- التهذیب 5 : 190 - 634 ، الوسائل 10 : 42 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 2.
2- الکافی 4 : 471 - 7 ، الوسائل 10 : 44 أبواب الوقوف بالمشعر ب 9 ح 1.
3- الشهید الأول فی الدروس : 122 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 113.
4- المتقدم فی هامش 1.
5- الدروس : 122.

وأن یکون الوقوف بعد طلوع الفجر ،

______________________________________________________

المبسوط عبارة مقتضاها أنه یعتبر الإفاقة من الجنون والإغماء فی الموقفین ، ثم قال : وکذلک حکم النوم سواء (1).

والأولی أن یقول : یصح منه الوقوف بالموقفین وإن کان نائما ، لأن الفرض الکون فیه لا الذکر ، ولیس فی کلامه - رحمه الله - دلالة علی عدم صحة الوقوف إذا عرض أحد هذه الأعذار بعد النیة کما هو المنقول فی العبارة ، لکن ما ذکره من عدم الفرق بین الإغماء والجنون وبین النوم غیر جید. وکیف کان فینبغی القطع بالصحة مع الإتیان بالرکن ، أعنی ما یصدق علیه مسمّی الوقوف بعد النیة ، والبطلان بدونه.

قوله : ( وأن یکون الوقوف بعد طلوع الفجر ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی التأسی قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « أصبح علی طهر بعد ما تصلی الفجر ، فقف إن شئت قریبا من الجبل وإن شئت حیث تبیت ، فإذا وقفت فاحمد الله عزّ وجلّ » (2) الحدیث.

ولیس فی العبارة دلالة علی وجوب المبیت بالمشعر ، وظاهر الأکثر وجوبه ، وقال فی التذکرة : إنه لیس بواجب (3). والأصح الوجوب ، للتأسی ، وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة : « ولا تجاوز الحیاض لیلة المزدلفة » (4) وعلی هذا فلو نوی المکلف الکون بها إلی طلوع الشمس اجتزأ

- الوقوف بعد طلوع الفجر

ص: 423


1- المبسوط 1 : 384.
2- الکافی 4 : 469 - 4 ، التهذیب 5 : 191 - 635 ، الوسائل 10 : 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1.
3- التذکرة 1 : 375.
4- الکافی 4 : 468 - 1 ، التهذیب 5 : 188 - 626 ، الوسائل 10 : 44 أبواب الوقوف بالمشعر ب 10 ح 1. ولکن فیها : معاویة بن عمار وحماد ، عن الحلبی.

فلو أفاض قبله عامدا بعد أن کان به لیلا ولو قلیلا لم یبطل حجه إذا کان وقف بعرفات ، وجبره بشاة.

______________________________________________________

بذلک عن تجدید النیة بعد الفجر ، أما لو نوی المبیت خاصة وجب التجدید ، والأمر فی النیة سهل کما بیناه مرارا.

قوله : ( فلو أفاض قبله عامدا بعد أن کان به لیلا ولو قلیلا لم یبطل حجه إذا کان وقف بعرفات ، وجبره بشاة ).

هذا التفریع لا یلائم المفرّع علیه ، أعنی کون الوقوف الواجب بالمشعر بعد طلوع الفجر ، وربما ظهر من العبارة کون المبیت واجبا ، وإلا لم یکن مجزیا عن الوقوف الواجب ، لأن المستحب لا یجزی عن الواجب ، مع احتمال الاجتزاء به ، إذ لا دلیل علی امتناعه.

وهذا الحکم ، أعنی صحة الحج مع تعمد الإفاضة قبل الفجر وجبره بشاة مذهب أکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن مسمع ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن یفیض الناس ، قال : « إن کان جاهلا فلا شی ء علیه ، وإن کان أفاض قبل طلوع الفجر فعلیه دم شاة » (1).

وهذه الروایة ضعیفة السند باشتماله علی سهل بن زیاد وهو عامی ، وبأن راویها وهو مسمع غیر موثق ، فیشکل التعویل علی روایته ، نعم روی ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه هذه الروایة بطریق صحیح عن علی بن رئاب عن مسمع (2) ، فینتفی الطعن الأول ویبقی الثانی.

حکم من أفاض قبل طلوع الفجر

ص: 424


1- التهذیب 5 : 193 - 642 ، الإستبصار 2 : 256 - 902 ، الوسائل 10 : 49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 16 ح 1.
2- الفقیه 2 : 284 - 1393.

______________________________________________________

وربما استدل علی عدم فساد الحج بذلک بصحیحة هشام بن سالم وغیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال فی التقدم من منی إلی عرفات قبل طلوع الشمس : « لا بأس به » ، والتقدم من المزدلفة إلی منی ، یرمون الجمار ویصلون الفجر فی منازلهم بمنی : « لا بأس » (1) وهو استدلال ضعیف ، فإنها محمولة علی المضطر وما فی معناه ، لامتناع حملها علی ظاهرها إجماعا ، فلا یتم الاستدلال بها علی المطلوب.

وقال ابن إدریس : إن من أفاض قبل طلوع الفجر عامدا مختارا یبطل حجة ، لأن الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر إلی طلوع الشمس رکن ، فیبطل بالإخلال به (2).

وأجاب عنه العلامة فی المنتهی بالمنع من ذلک ، قال : فإنا لا نسلم له أن الوقوف بعد طلوع الفجر رکن ، نعم مطلق الوقوف لیلة النحر أو یومه رکن ، أما بعد طلوع الفجر فلا نسلم له ذلک ، وکون الوقوف یجب أن یکون بعد طلوع الفجر لا یعطی کون الوقوف فی هذا الوقت رکنا (3). وهو غیر جید ، فإن مجرد الحکم بوجوب الوقوف بعد الفجر کاف فی عدم تحقق الامتثال بدون الإتیان به إلی أن تثبت الصحة مع الإخلال به بدلیل من خارج.

ثم قال : وقول ابن إدریس لا نعرف لا موافقا فکان خارقا للإجماع (4). وضعفه ظاهر ، فإن عدم العلم بالموافق لا یقتضی انعقاد الإجماع علی خلافه.

ص: 425


1- التهذیب 5 : 193 - 643 ، الإستبصار 2 : 256 - 903 ، الوسائل 10 : 52 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 8.
2- السرائر : 138 - 139.
3- المنتهی 2 : 726.
4- المنتهی 2 : 725.

______________________________________________________

وذکر الشارح - قدس سره - أن الاجتزاء بالمبیت إنما یتم إذا کان قد نوی الوقوف لیلا ، وإلا کان کتارک الوقوف (1). وهو مشکل ، لأن الوقوف لغیر المضطر وما فی معناه إنما یقع نهارا فکیف تتحقق نیته لیلا.

واعلم أنه یستفاد من قول المصنف رحمه الله : إذا کان قد وقف بعرفات ، أن الوقوف بالمشعر لیلا لیس اختیاریا محضا وإلا لأجزأ وإن لم یقف بعرفة إذا کان الترک علی غیر وجه العمد.

قال الشارح قدس سره : وعلی ما اخترناه من إجزاء اضطراری المشعر وحده یجزی هنا بطریق أولی ، لأن الوقوف اللیلی بالمشعر فیه شائبة الاختیاری ، للاکتفاء به للمرأة اختیارا ، وللمضطر ، وللمتعمد مطلقا مع جبره بشاة ، والاضطراری المحض لیس کذلک (2).

ویمکن المناقشة فیه بأن الاجتزاء باضطراری المشعر إنما یثبت بقوله علیه السلام فی صحیحة جمیل بن دراج : « من أدرک المشعر الحرام یوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرک الحج » (3). ونحو ذلک ، ولا یلزم من ذلک الاجتزاء بالوقوف اللیلی مطلقا. وروایة مسمع (4) المتضمنة للاجتزاء بالوقوف اللیلی لا تدل علی العموم ، إذ المتبادر منها تعلق الحکم بمن أدرک عرفة.

نعم قوله علیه السلام : « من أدرک جمعا فقد أدرک الحج » عام فیمکن الاستدلال بعمومه علی موضع النزاع ، إلا أن المتبادر من الإدراک تحققه فی آخر الوقت ، لا قبله أو فی أوله ، والمسألة من أصلها قویة الإشکال ، والله تعالی أعلم بحقیقة الحال.

ص: 426


1- المسالک 1 : 114.
2- المسالک 1 : 114.
3- الکافی 4 : 476 - 3 ، التهذیب 5 : 291 - 988 ، الإستبصار 2 : 304 - 1087 ، الوسائل 10 : 59 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 9.
4- التهذیب 5 : 193 - 642 ، الوسائل 10 : 49 أبواب الوقوف بالمشعر ب 16 ح 1.

ویجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة ومن یخاف علی نفسه من غیر جبران.

______________________________________________________

قوله : ( ویجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة ومن یخاف علی نفسه من غیر جبران ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : ویجوز للخائف والنساء ولغیرهم من أصحاب الأعذار ومن له ضرورة الإفاضة قبل طلوع الفجر من مزدلفة ، وهو قول کل من یحفظ عنه العلم (1). ویدل علیه روایات کثیرة ، منها قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار الواردة فی صفة حج النبی صلی الله علیه و آله : « ثم أفاض وأمر الناس بالدعة ، حتی إذا انتهی إلی المزدلفة وهو المشعر الحرام فصلی المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتین ، ثم أقام فصلی فیها الفجر ، وعجل ضعفاء بنی هاشم باللیل ، وأمرهم أن لا یرموا جمرة العقبة حتی تطلع الشمس » (2).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن ابن مسکان عن أبی بصیر والظاهر أنه لیث المرادی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا بأس بأن تقدم النساء إذا زال اللیل ، فیقفن عند المشعر ساعة ، ثم ینطلق بهن إلی منی فیرمین الجمرة ، ثم یصبرن ساعة ، ثم یقصرن وینطلقن إلی مکة » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن سعید الأعرج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک معنا نساء فأفیض بهنّ بلیل؟ قال : « نعم ، ترید أن تصنع کما صنع رسول الله صلی الله علیه و آله ؟ » قلت : نعم ، قال : « أفض بهن بلیل ، ولا تفض بهن حتی تقف بهن بجمع ، ثم

جواز الإفاضة قبل الفجر للمرأة والخائف

ص: 427


1- المنتهی 2 : 726.
2- الکافی 4 : 245 - 4 ، التهذیب 5 : 454 - 1588 ، الوسائل 8 : 150 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
3- الفقیه 2 : 283 - 1392 ، الوسائل 10 : 51 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 7.

ولو أفاض ناسیا لم یکن علیه شی ء.

ویستحب الوقوف بعد أن یصلی الفجر وأن یدعو بالدعاء المرسوم ،

______________________________________________________

أفض بهن حتی تأتی الجمرة العظمی فیرمین الجمرة ، فإن لم یکن علیهن ذبح فلیأخذن من شعورهن أو یقصرن من أظفارهن ، ثم یمضین إلی مکة فی وجوههن ، ویطفن بالبیت ، ویسعین بین الصفا والمروة ، ثم یرجعن إلی البیت فیطفن أسبوعا ، ثم یرجعن إلی منی وقد فرغن من حجهن » (1).

وفی الحسن عن جمیل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا بأس أن یفیض الرجل بلیل إذا کان خائفا » (2).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « رخص رسول الله صلی الله علیه و آله للنساء والصبیان أن یفیضوا باللیل ، وأن یرموا الجمار باللیل ، وأن یصلوا الغداة فی منازلهم » (3).

ویستفاد من روایة أبی بصیر المتقدمة وروایة سعید الأعرج أن من هذا شأنه یقف الوقوف الواجب لیلا ثم یفیض.

قوله : ( ولو أفاض ناسیا لم یکن علیه شی ء ).

هذا مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، ولم أقف علی روایة تدل علیه صریحا ، وربما أمکن الاستدلال علیه بفحوی ما دل علی جواز ذلک للمضطر وما فی معناه ، وفی إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسی وجهان.

قوله : ( ویستحب الوقوف بعد أن یصلی الفجر ، وأن یدعو

حکم من أفاض قبل الفجر نسیانا

استحباب الوقوف بعد صلاة الفجر

استحباب الدعاء بالمرسوم

ص: 428


1- التهذیب 5 : 195 - 647 ، الوسائل 10 : 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 2.
2- الکافی 4 : 474 - 3 ، التهذیب 5 : 194 - 645 ، الإستبصار 2 : 257 - 905 ، الوسائل 10 : 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 1.
3- الکافی 4 : 474 - 5 ، التهذیب 5 : 194 - 646 ، الإستبصار 2 : 257 - 906 ، الوسائل 10 : 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 3.

أو ما یتضمن الحمد لله والثناء علیه والصلاة علی النبی وآله علیهم السلام .

______________________________________________________

بالدعاء المرسوم ، أو ما یتضمن الحمد لله والثناء علیه والصلاة علی النبی وآله علیهم السلام ).

ذکر الشارح - قدس سره - أن المراد بالوقوف هنا القیام للدعاء والذکر ، وأما الوقوف المتعارف بمعنی الکون فهو واجب من أول الفجر ، فلا یجوز تأخیر نیته إلی أن یصلی (1). وفی دلالة الأخبار علی ذلک نظر.

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار المعتبرة ما رواه الکلینی - رضی الله عنه - فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أصبح علی طهر بعد ما تصلی الفجر ، فقف إن شئت قریبا من الجبل وإن شئت حیث تبیت ، فإذا وقفت فاحمد الله عزّ وجلّ وأثن علیه واذکر من آلائه وبلائه ما قدرت علیه ، وصل علی النبی صلی الله علیه و آله ، ولیکن من قولک : اللهم رب المشعر الحرام فک رقبتی من النار ، وأوسع علیّ من رزقک الحلال ، وادرأ عنی شر فسقة الجن والإنس ، اللهم أنت خیر مطلوب إلیه وخیر مرغوب وخیر مسئول ، ولکل وافد جائزة ، فاجعل جائزتی فی موطنی هذا أن تقیلنی عثرتی ، وتقبل معذرتی ، وأن تجاوز عن خطیئتی ، ثم اجعل التقوی من الدنیا زادی ، ثم أفض حین یشرق لک ثبیر وتری الإبل مواضع أخفافها » (2).

ولیس فی هذه الروایة ذکر للنیة ، لکن الظاهر منها أن الوقوف المأمور به الوقوف الواجب ، ولا یبعد أن یکون ذلک هو المراد فی عبارة المصنف.

وقال العلامة فی المنتهی : ویستحب أن یقف بعد أن یصلی الفجر ، ولو وقف قبل الصلاة إذا کان قد طلع الفجر أجزأه (3). وهو کالصریح فی إرادة

ص: 429


1- المسالک 1 : 114.
2- الکافی 4 : 469 - 4 ، الوسائل 10 : 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1.
3- المنتهی 2 : 724.

وأن یطأ الصرورة المشعر برجله ،

______________________________________________________

هذا المعنی.

وبالجملة فما ذکره الشارح من الحمل إنما یتجه إذا ثبت وجوب مقارنة الوقوف الواجب لطلوع الفجر ، وهو غیر واضح المأخذ.

قوله : ( وأن یطأ الصرورة المشعر برجله ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تصل المغرب حتی تأتی جمعا فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتین ، وانزل بطن الوادی عن یمین الطریق قریبا من المشعر ، ویستحب للصرورة أن یقف علی المشعر أو یطأه برجله » (1).

وعن أبان بن عثمان ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یستحب للصرورة أن یطأ المشعر الحرام ، وأن یدخل البیت » (2).

والظاهر أن الوطء بالرجل یتحقق مع النعل والحفاء.

واختلف کلام الأصحاب فی تفسیر المشعر ، فقال الشیخ : إنه جبل هناک یسمی قزح (3). وفسره ابن الجنید بما قرب من المنارة (4). قال فی الدروس : والظاهر أنه المسجد الموجود الآن (5). والذی نص علیه أهل اللغة أن المشعر هو المزدلفة (6). وعلیه دلت صحیحة معاویة بن عمار المتضمنة

استحباب وطء الصرورة المشعر برجله

ص: 430


1- التهذیب 5 : 188 - 626 ، الوسائل 10 : 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 1 وص 41 ب 7 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 468 - 1.
2- التهذیب 5 : 191 - 636 ، الوسائل 10 : 42 أبواب الوقوف بالمشعر ب 7 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 469 - 3.
3- المبسوط 1 : 368 وفیه : فراخ ، مکان قزح.
4- نقله عنه فی الدروس : 122.
5- الدروس : 122.
6- انظر القاموس المحیط 2 : 61 ، ولسان العرب 4 : 414 ، وأقرب الموارد 1 : 595.

وقیل : یستحب الصعود علی قزح وذکر الله علیه. مسائل خمس :

الأولی : وقت الوقوف بالمشعر ما بین طلوع الفجر إلی طلوع الشمس ، وللمضطر إلی زوال الشمس.

______________________________________________________

لتحدید المشعر الحرام من المأزمین إلی الحیاض إلی وادی محسر (1). لکن مقتضی قوله علیه السلام فی روایة الحلبی المتقدمة : « انزل بطن الوادی عن یمین الطریق قریبا من المشعر » (2) أن المشعر أخص من المزدلفة.

وقال ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه : ویستحب للصرورة أن یطأ المشعر برجله أو براحلته إن کان راکبا (3). وهو کالصریح فی أن المشعر غیر المزدلفة ، اللهم إلا أن یکون المراد أن المستحب أن لا یکون محمولا علی غیر البعیر ، وهو بعید.

قوله : ( وقیل یستحب الصعود علی قزح وذکر الله علیه ).

القول للشیخ (4) ، ولم نقف له علی مستند بخصوصه من طریق الأصحاب ، نعم روی العامة أن النبی صلی الله علیه و آله أردف الفضل بن عباس ووقف علی قزح ، وقال : « إن هذا قزح ، وهو الموقف ، وجمع کلها موقف » (5) وقزح - کزفر - : جبل بالمزدلفة ، قاله فی القاموس (6).

قوله : ( الأولی ، وقت الوقوف بالمشعر ما بین طلوع الفجر إلی طلوع الشمس ، وللمضطر إلی زوال الشمس ).

هذان الحکمان إجماعیان عندنا ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل

حکم الصعود علی قزح

أحکام الوقوف بالمشعر

- الوقت الاختیاری والاضطراری للمشعر

ص: 431


1- التهذیب 5 : 190 - 633 ، الوسائل 10 : 42 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 1.
2- فی ص 430.
3- الفقیه 2 : 281.
4- المبسوط 1 : 368.
5- سنن أبی داود 2 : 193 - 1935 ، سنن الترمذی 2 : 185 - 886.
6- القاموس المحیط 1 : 253.

الثانیة : من لم یقف بالمشعر لیلا ولا بعد الفجر عامدا بطل حجه. ولو ترک ذلک ناسیا لم یبطل إن کان وقف بعرفة.

______________________________________________________

علیهما (1). وحکی ابن إدریس عن السید المرتضی أنه قال : إن وقت الوقوف بالمشعر جمیع الیوم من یوم العید ، فمن أدرک المشعر قبل غروب الشمس من یوم العید فقد أدرک المشعر (2). وقال فی المختلف : وهذا النقل غیر سدید ، وکیف یخالف السید جمیع علمائنا ، فإنهم نصوا علی أن الوقت الاضطراری للمشعر إلی زوال الشمس من یوم النحر (3). ثم أطال الکلام فی ذلک وبین وجه الوهم ، والأمر کما قال.

قوله : ( الثانیة ، من لم یقف بالمشعر لیلا ولا بعد الفجر عامدا بطل حجه ، ولو ترک ذلک ناسیا لم یبطل إن کان وقف بعرفة ).

مقتضی العبارة إدراک الحج باختیاری عرفة وحده مع النسیان کما یدرک باختیاری المشعر ، وقد تقدم الکلام فی ذلک ، وأن الأظهر عدم الاکتفاء باختیاری عرفة خاصة (4). کما اختاره فی المنتهی (5).

وإطلاق العبارة وغیرها یقتضی عدم الفرق فی بطلان الحج بتعمد ترک الوقوف بالمشعر بین العالم والجاهل ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ ، عن عبید الله وعمران ابنی علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا فاتتک المزدلفة فقد فاتک الحج » (6).

وقد ورد فی بعض الروایات ما یدل علی عدم بطلان حج الجاهل بذلک

حکم ترک الوقوف بالمشعر

ص: 432


1- فی ص 430.
2- السرائر : 146.
3- المختلف : 300.
4- فی ص 405.
5- المنتهی 2 : 728.
6- التهذیب 5 : 292 - 991 ، الإستبصار 2 : 305 - 1089 ، الوسائل 10 : 63 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 1.

______________________________________________________

کروایة محمد بن یحیی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال فی رجل لم یقف بالمزدلفة ولم یبت بها حتی أتی منی فقال : « ألم یر الناس لم ینکر منی حین دخلها!؟ » قلت : فإنه جهل ذلک ، قال : « یرجع » قلت : إن ذلک قد فاته قال : « لا بأس » (1) ( ومقتضی الروایة عدم بطلان الحج بفوات الوقوف بالمشعر جهلا ) (2).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی من ترک کمال الوقوف جهلا وقد أتی بالیسیر منه (3) ، واستدل علی هذا التأویل بما رواه عن محمد بن حکیم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أصلحک الله الرجل الأعجمی والمرأة الضعیفة تکون مع الجمال الأعرابی ، فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم کما هم إلی منی لم ینزل بهم جمعا قال : « ألیس قد صلوا بها فقد أجزأهم » قلت : فإن لم یصلوا؟ قال : « فذکروا الله فیها ، فإن کانوا ذکروا الله فیها فقد أجزأهم » (4).

وعن أبی بصیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک إن صاحبی هذین جهلا أن یقفا بالمزدلفة فقال : « یرجعان مکانهما فیقفان بالمشعر ساعة » قلت : فإنه لم یخبرهما أحد حتی کان الیوم وقد نفر الناس ، قال : فنکس رأسه ساعة ثم قال : « ألیسا قد صلیا الغداة بالمزدلفة؟ » قلت : بلی ، قال : « ألیس قد قنتا فی صلاتهما؟ » قلت : بلی ، قال : « تم حجهما » ثم قال : « المشعر من المزدلفة ، والمزدلفة من المشعر ، وإنما

ص: 433


1- الکافی 4 : 473 - 5 ، التهذیب 5 : 293 - 993 ، الإستبصار 2 : 305 - 1091 ، الوسائل 10 : 64 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 6.
2- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
3- التهذیب 5 : 293 ، الاستبصار 2 : 305.
4- التهذیب 5 : 293 - 995 ، الإستبصار 2 : 306 - 1093 ، الوسائل 10 : 63 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 3.

ولو ترکهما جمیعا بطل حجه ، عمدا أو نسیانا.

الثالثة : من لم یقف بعرفات وأدرک المشعر قبل طلوع الشمس صحّ حجه ، ولو فاته بطل. ولو وقف بعرفات جاز له تدارک المشعر إلی قبل الزوال.

______________________________________________________

یکفیهما الیسیر من الدعاء » (1).

ولا یخفی ما فی هذا الحمل من البعد ، إلا أن قصور هذه الروایات من حیث السند یمنع من العمل بها.

قوله : ( ولو ترکهما جمیعا بطل حجه عمدا کان أو نسیانا ).

هذا موضع وفاق بین العلماء ، ویدل علیه مضافا إلی عدم صدق الامتثال مع الإخلال بذلک قوله علیه السلام فی روایة عبید الله وعمران ابنی علی الحلبیین « إذا فاتتک المزدلفة فقد فاتک الحج » (2) ومفهوم قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « من أدرک جمعا فقد أدرک الحج » (3).

قوله : ( الثالثة ، من لم یقف بعرفات وأدرک المشعر قبل طلوع الشمس صح حجه ، ولو فاته بطل ، ولو وقف بعرفات جاز له تدارک المشعر إلی قبل الزوال ).

بل الأظهر إدراک الحج بإدراک اضطراری المشعر خاصة ، لقوله علیه السلام فی صحیحة جمیل : « من أدرک الموقوف بجمع یوم النحر من قبل

حکم إدراک المشعر فقط

ص: 434


1- التهذیب 5 : 293 - 994 ، الإستبصار 2 : 306 - 1092 ، الوسائل 10 : 64 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 7.
2- التهذیب 5 : 292 - 991 ، الإستبصار 2 : 305 - 1089 ، الوسائل 10 : 63 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 1.
3- الکافی 4 : 476 - 2 ، الفقیه 2 : 284 - 1394 ، التهذیب 5 : 294 - 998 ، الإستبصار 2 : 307 - 1095 ، الوسائل 10 : 65 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 1.

الرابعة : من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ،

______________________________________________________

أن تزول الشمس فقد أدرک الحج » (1) وقد تقدم الکلام فی ذلک (2).

قوله : ( الرابعة ، من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة ).

أجمع العلماء کافة علی أن من لم یقف بالموقفین فی وقتهما فاته الحج. وأجمع علماؤنا علی أن من فاته الحج تسقط عنه بقیة أفعاله ، ویتحلل بعمرة مفردة ، حکی ذلک العلامة فی التذکرة والمنتهی (3) ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أدرک جمعا فقد أدرک الحج » قال ، وقال أبو عبد الله علیه السلام : « أیما حاج سائق للهدی أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة إلی الحج قدم وقد فاته الحج فلیجعلها عمرة وعلیه الحج من قابل » (4).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار أیضا قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل خرج حاجا ففاته الحج ولم یکن طاف ، قال : « یقیم مع الناس حراما أیام التشریق ولا عمرة فیها ، فإذا انقضت طاف بالبیت وسعی بین الصفا والمروة وأحل وعلیه الحج من قابل ، یحرم من حیث أحرم » (5).

وفی الصحیح عن حریز ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل مفرد الحج فاته الموقفان جمیعا ، فقال : « له إلی طلوع الشمس یوم

حکم من فاته الحج

ص: 435


1- الکافی 4 : 476 - 3 ، وفی الفقیه 2 : 243 - 1162 ، والتهذیب 5 : 291 - 988 ، والاستبصار 2 : 304 - 1087 ، والوسائل 10 : 59 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 9 ، بتفاوت یسیر.
2- فی ص 404.
3- التذکرة 1 : 398 ، والمنتهی 2 : 852.
4- التهذیب 5 : 294 - 998 ، الإستبصار 2 : 307 - 1095 ، الوسائل 10 : 65 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 1.
5- التهذیب 5 : 295 - 999 ، الإستبصار 2 : 307 - 1096 ، الوسائل 10 : 66 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 3.

______________________________________________________

النحر ، فإن طلعت الشمس من یوم النحر فلیس له حج ویجعلها عمرة ، وعلیه الحج من قابل » (1).

وصرح العلامة فی المنتهی (2) وغیره (3) بأن معنی تحلله بالعمرة أنه ینقل إحرامه بالنیة من الحج إلی العمرة المفردة ، ثم یأتی بأفعالها. ویحتمل قویا انقلاب الإحرام إلیها بمجرد الفوات ، کما هو ظاهر اختیار العلامة فی موضع من القواعد (4) ، والشهید فی الدروس (5) ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة المتقدمة : « یقیم مع الناس حراما أیام التشریق ، فإذا انقضت طاف بالبیت وسعی » الحدیث وفی صحیحة ضریس « یقیم علی إحرامه ویقطع التلبیة حتی یدخل مکة ویطوف ویسعی بین الصفا والمروة ویحلق رأسه وینصرف إلی أهله إن شاء » (6) دلت الروایتان علی وجوب الإتیان بأفعال العمرة علی من فاته الحج من غیر تعرض لنقل النیة ، فلا یکون معتبرا.

ولا ینافی ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « فلیجعلها عمرة » (7) لأن الظاهر أن معنی جعلها عمرة الإتیان بأفعال العمرة. ولا ریب أن العدول أولی وأحوط.

وهذه العمرة واجبة بالفوات فلا تجزی عن عمرة الإسلام.

ص: 436


1- التهذیب 5 : 480 - 1704 ، الإستبصار 2 : 304 - 1084 ، الوسائل 10 : 66 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 4.
2- المنتهی 2 : 854.
3- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 114.
4- القواعد 1 : 87.
5- الدروس : 123.
6- الفقیه 2 : 243 - 1160 بتفاوت یسیر ، التهذیب 5 : 295 - 1001 ، الإستبصار 2 : 308 - 1098 ، الوسائل 10 : 65 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.
7- التهذیب 5 : 294 - 998 ، الإستبصار 2 : 307 - 1095 ، الوسائل 10 : 65 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 1

ثم یقضیه إن کان واجبا علی الصفة التی وجبت ، تمتعا أو قرانا أو إفرادا.

______________________________________________________

وهل یجب الهدی علی فائت الحج؟ قیل : لا (1) ، وهو المشهور بین الأصحاب ، تمسکا بمقتضی الأصل. وحکی الشیخ عن بعض أصحابنا قولا بالوجوب (2) ، لورود الأمر به فی روایة داود الرقی (3) ، وهی ضعیفة السند (4) ، فلا یمکن التعویل علیها فی إثبات حکم مخالف للأصل.

قوله : ( ثم یقضیه إن کان واجبا علی الصفة التی وجبت ، تمتعا أو قرانا ، أو إفرادا ).

إنما یجب قضاء الحج إذا کان مستقرا قبل عامه ، فلو خرج فی عام الوجوب ففاته الحج بغیر تفریط لم یجب القضاء.

وقال الشیخ فی التهذیب : إن من اشتراط فی حال الإحرام یسقط عنه القضاء ، ولو لم یشترط وجب. واحتج علیه بما رواه عن ضریس بن أعین ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلی الحج فلم یبلغ مکة إلا یوم النحر ، قال : « یقیم علی إحرامه ، ویقطع التلبیة حین یدخل مکة ، ویطوف ویسعی بین الصفا والمروة ، ویحلق رأسه وینصرف إلی أهله إن شاء ، وقال : هذا لمن اشترط علی ربه عند إحرامه ، فإن لم یکن قد اشترط فإن علیه الحج من قابل » (5).

واستشکله العلامة فی المنتهی بأن هذا الحج الفائت إن کان واجبا لم یسقط فرضه فی العام المقبل بمجرد الاشتراط ، وإن لم یکن واجبا لم یجب

ص: 437


1- کما فی المنتهی 2 : 853.
2- الخلاف 1 : 469.
3- الکافی 4 : 475 - 1 ، الفقیه 2 : 284 - 1395 ، التهذیب 5 : 295 - 1000 ، الإستبصار 2 : 307 - 1097 ، الوسائل 10 : 66 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 5.
4- لأن راویها وهو داود بن کثیر الرقی ضعفه النجاشی فی رجاله : 156 - 410 ، وابن الغضائری علی ما فی رجال العلامة : 68 ، فهو ضعیف وإن وثقه الشیخ فی رجاله : 349.
5- التهذیب 5 : 295 - 1001 ، الإستبصار 2 : 308 - 1098 ، الوسائل 10 : 65 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.

الخامسة : من فاته الحج سقطت عنه أفعاله. ویستحب له الإقامة بمنی إلی انقضاء أیام التشریق ، ثم یأتی بأفعال العمرة التی یتحلل بها.

______________________________________________________

بترک الاشتراط. ثم قال : إن الوجه فی هذه الروایة حمل إلزام الحج فی القابل مع ترک الاشتراط علی شدة الاستحباب (1). وهو حسن ، وعلی هذا فتکون محمولة علی غیر الواجب المستقر.

قوله : ( الخامسة ، من فاته الحج سقطت عنه أفعاله ، ویستحب له الإقامة بمنی إلی انقضاء أیام التشریق ، ثم یأتی بالعمرة التی یتحلل بها ).

أما سقوط أفعال الحج مع الفوات فموضع وفاق بین العلماء ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه. وأما استحباب الإقامة بمنی إلی انقضاء أیام التشریق ثم الإتیان بأفعال العمرة التی یتمتع بها فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار فیمن فاته الحج : « یقیم مع الناس حراما أیام التشریق ولا عمرة فیها ، فإذا انقضت طاف بالبیت وسعی بین الصفا والمروة وأحل ، وعلیه الحج من قابل » (2) وقد تقدم الکلام فی انقلاب الإحرام إلی العمرة بنفسه أو توقفه علی النیة (3).

ولو أراد من فاته الحج البقاء علی إحرامه إلی القابل لیحج به فالأصح أنه لیس له ذلک ، کما اختاره العلامة فی جملة من کتبه (4) والشهید فی الدروس (5) ، أما علی القول بانقلاب الإحرام بنفسه إلی العمرة فواضح ، وأما علی القول بتوقفه علی النیة فلوجوب العدول قطعا عملا بمقتضی الأمر فلا یکون البقاء جائزا ، وإنما یحصل التحلل لمن فاته الحج بالإتیان بأفعال

ص: 438


1- المنتهی 2 : 853.
2- التهذیب 5 : 295 - 999 ، الإستبصار 2 : 307 - 1096 ، الوسائل 10 : 66 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 3.
3- فی ص 436.
4- المنتهی 2 : 854 ، والتذکرة 1 : 399 ، والتحریر 1 : 124.
5- الدروس : 123.

خاتمة : إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصی منه ، وهو سبعون حصاة. ولو أخذه من غیره جاز ، لکن من الحرم عدا المساجد. وقیل : عدا المسجد الحرام ومسجد الخیف.

______________________________________________________

العمرة ، وعلی هذا فلو رجع إلی بلاده ولما یتحلل وتعذر العود لخوف الطریق فهو مصدود عن إکمال العمرة فله التحلل بالذبح والتقصیر فی بلده ، ولو عاد قبل التحلل لم یحتج إلی إحرام مستأنف من المیقات وإن بعد العهد ، بل یجب علیه إکمال العمرة أولا ثم یأتی بما یریده من النسک حتی لو کان فرضه التمتع وجب علیه الخروج إلی أحد المواقیت للعمرة فإن تعذر فمن أدنی الحل کما فی حکم من لم یتعمد مجاوزة المیقات.

قوله : ( خاتمة ، إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصی منه ، وهو سبعون حصاة ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، وقال بعضهم : یجوز ذلک ولیس بمستحب (1). ویدل علی الاستحباب روایات کثیرة ، منها ما رواه الشیخ فی الحسن عن معاویة بن عمار ، قال : خذ حصی الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلک بمنی أجزأک » (2).

وفی الحسن عن ربعی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « خذ حصی الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلک بمنی أجزأک » (3).

والسبعون حصاة هی الواجب ، ولو التقط أزید منها احتیاطا حذرا من سقوط بعضها لا بأس.

قوله : ( ولو أخذه من غیره جاز ، لکن من الحرم عدا المساجد ، وقیل : عدا المسجد الحرام ومسجد الخیف ).

أما اعتبار کونه من الحرم فیدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی

خاتمة

استحباب التقاط الحصی من المشعر

حرمة أخذ الحصی من المساجد

ص: 439


1- کابن قدامة فی المغنی 3 : 454.
2- التهذیب 5 : 195 - 650 ، الوسائل 10 : 52 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 1.
3- التهذیب 5 : 196 - 651 ، الوسائل 10 : 52 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 1.

وتجب فیه شروط ثلاثة : أن یکون مما یسمی حجرا ،

______________________________________________________

الحسن ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « حصی الجمار إن أخذته من الحرم أجزأک ، وإن أخذته من غیر الحرم لم یجزک » وقال : « لا ترم الجمار إلا بالحصی » (1) وهی نص فی المطلوب.

واستثنی الشیخ (2) وجماعة من الحرم المسجد الحرام ومسجد الخیف ، فمنعوا من أخذ الحصی منهما ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن حنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجوز أخذ حصی الجمار من جمیع الحرم ، إلا من المسجد الحرام ومسجد الخیف » (3).

وألحق المصنف ومن تبعه (4) بهما باقی المساجد ، لتساویها فی تحریم إخراج الحصی منها. وهو جید حیث یثبت التحریم ، وإلا فالجواز أجود.

وربما کان الوجه فی تخصیص هذین المسجدین فی الروایة وکلام الأصحاب أنهما الفرد المعروف من المساجد فی الحرم ، لا لانحصار الحکم فیهما.

قوله : ( ویجب فیه شروط ثلاثة : أن یکون مما یسمی حجرا ).

بل الأجود تعین الرمی بما یسمی حصاة ، لقوله علیه السلام فی حسنة زرارة المتقدمة : « لا ترم الجمار إلا بالحصی » فلا یجزی الرمی بالحجر الکبیر الذی لا یسمی حصاة ، خلافا للدروس (5) ، وکذا الصغیرة جدا. هذا

شروط الحجر الملتقط

ص: 440


1- التهذیب 5 : 196 - 654 ، الوسائل 10 : 53 أبواب الوقوف بالمشعر ب 19 ح 1.
2- التهذیب 5 : 196 ، والمبسوط 1 : 369 ، والنهایة : 253.
3- التهذیب 5 : 196 - 652 ، الوسائل 10 : 53 أبواب الوقوف بالمشعر ب 19 ح 2.
4- کالعلامة فی التبصرة : 73 ، والشهید الأول فی الدروس : 123 ، والسیوری فی التنقیح الرائع 1 : 486 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 114.
5- الدروس : 126.

ومن الحرم ، وأبکارا.

______________________________________________________

إذا کانت بحیث لا یقع علیها اسم الحصاة.

وجوز الشیخ فی الخلاف الرمی بالبرام والجوهر (1) ، قال فی الدروس : وفیه بعد إن کان من الحرم ، وأبعد إن کان من غیره (2).

ولو رمی بحصاة مستها النار أجزاء ما لم یستحل.

ولو رمی بخاتم فضة من حصی الحرم قبل : أجزأ ، لصدق الرمی بالحصاة (3) ، وقیل : لا (4) ، وهو الأظهر ، لعدم انصراف الإطلاق إلیه.

وفی اعتبار طهارة الحصی قولان ، أظهرهما العدم ، تمسکا بالإطلاق.

قوله : ( ومن الحرم ، وأبکارا ).

أما اعتبار کونها من الحرم فقد تقدم الکلام فیه (5) ، وقد کان قول المصنف سابقا : لکن من الحرم ، کافیا عن ذکر هذا الشرط ، وإن کان فی ذلک فائدة ، وهی التنبیه علی الشرطیة صریحا.

وأما اعتبار کونها أبکارا - أی لم یرم بها قبل ذلک رمیا صحیحا - فمجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی التأسی وإطباق الناس علی نقل الحصی الدال بظاهره علی عدم إجزاء مطلقها قوله علیه السلام فی مرسلة حریز المتقدمة : « لا تأخذه من موضعین : من خارج الحرم ، ومن حصی الجمار » (6) وفی روایة عبد الأعلی : « ولا تأخذ من حصی الجمار » (7).

ص: 441


1- الخلاف 1 : 455.
2- الدروس : 124.
3- کما فی الدروس : 126 ، والروضة البهیة 2 : 284.
4- نقله عن بعض العامة فی المنتهی 2 : 730.
5- فی ص 440.
6- الکافی 4 : 478 - 9 ، التهذیب 5 : 196 - 653 ، الوسائل 10 : 53 أبواب الوقوف بالمشعر ب 19 ح 3.
7- الکافی 4 : 483 - 3 ، الفقیه 2 : 285 - 1398 ، الوسائل 10 : 72 أبواب رمی جمرة العقبة ب 5 ح 2.

ویستحب أن تکون برشا ، رخوة ، بقدر الأنملة ، کحیلة منطقة ، ملتقطة.

______________________________________________________

وعلله فی المنتهی أیضا بما ذکره ابن عباس من أن ما قبل من ذلک یرفع ، فحینئذ یکون الباقی غیر مقبول ، فلا یجوز الرمی به (1).

قوله : ( ویستحب أن تکون برشا ، رخوة ، بقدر الأنملة ، کحلیة منقّطة ملتقطة ).

المستند فی ذلک ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی حصی الجمار قال : کره الصم منها ، وقال : « خذ البرش » (2).

وعن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « حصی الجمار یکون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداء ، ولا بیضاء ، ولا حمراء ، خذها کحلیة منقطة ، تخذفهن خذفا ، وتضعها علی الإبهام ، وتدفعها بظفر السبابة » (3).

والظاهر أن المراد بالبرش هنا کونها مختلفة الألوان ، لأن البرش فی شعر الفرس نکت تخالف سائر لونه علی ما ذکره الجوهری (4) وغیره (5). وعلی هذا فیکون هذا الوصف مغنیا عن کونها منقطة. وذکر الشارح أن الاختلاف فی الوصف الأول - أعنی کونها برشا - فی جملة الحصی ، وفی الثانی فی الحصاة نفسها (6). وهو بعید. وربما کان الوجه فی الجمع بین

ما یستحب فی الحجر الملتقط

ص: 442


1- المنتهی 2 : 730.
2- الکافی 4 : 477 - 6 ، الوسائل 10 : 54 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 1.
3- الکافی 4 : 478 - 7 ، الوسائل 10 : 54 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 2 ، ورواها فی التهذیب 5 : 197 - 656.
4- الصحاح 3 : 995.
5- کالفیروزآبادی فی القاموس المحیط 2 : 272.
6- المسالک 1 : 114.

ویکره أن تکون صلبة أو مکسّرة.

ویستحب لمن عدا الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس بقلیل ، ولکن لا یجوز وادی محسر إلا بعد طلوعها.

______________________________________________________

الوصفین ورودهما فی الروایتین ، لکنهما لم یردا علی وجه الجمع ، فکان الاکتفاء بذکر أحدهما کما وقع فی النص أولی.

ومعنی کونها ملتقطة : أن تکون کل واحدة علی حدتها مأخوذة من الأرض ، واحترز بها عن المکسرة.

قوله : ( ویکره أن تکون صلبة أو مکسّرة ).

أما کراهة الصلبة فیدل علیه قوله علیه السلام فی حسنة هشام المتقدمة : « کره الصم منها » والمراد بالصم : الصلبة ، کما نص علیه أهل اللغة (1).

وأما کراهة الرمی بالمکسرة فاستدل علیه بقوله علیه السلام فی روایة أبی بصیر : « التقط الحصی ولا تکسر منهن شیئا » (2) وهی إنما تدل علی کراهة التکسیر ، لا علی کراهة الرمی بالمکسرة ، لکنها مشعرة بذلک.

قوله : ( ویستحب لمن عدا الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس بقلیل ، لکن لا یجوز وادی محسر إلا بعد طلوعها ).

ما اختاره المصنف من استحباب الإفاضة لمن عدا الإمام قبل طلوع الشمس بقلیل بشرط أن لا یجوز وادی محسر قبل طلوعها هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعلم فیه خلافا (3). واستدل علیه بموثقة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام ، أی ساعة أحب إلیک أن نفیض من جمع؟ قال : « قبل أن تطلع الشمس بقلیل هی

کراهة التقاط صلبة أو مکسرة

استحباب الإفاضة قبل طلوع الفجر

ص: 443


1- راجع الصحاح 5 : 1967 ، والقاموس المحیط 4 : 142.
2- الکافی 4 : 477 - 4 ، التهذیب 5 : 197 - 657 ، الوسائل 10 : 54 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 3.
3- المنتهی 2 : 726.

______________________________________________________

أحب الساعات إلیّ » قلت : فإن مکثت حتی تطلع الشمس؟ فقال : « لا بأس » (1).

وروایة معاویة بن حکیم ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام ، أی ساعة أحب إلیک أن نفیض من جمع؟ فقال : « قبل أن تطلع الشمس بقلیل هی أحب الساعات إلیّ » قلت : فإن مکثت حتی تطلع الشمس؟ قال : « لیس به بأس » (2).

ونقل عن ظاهر المفید (3) وابنی بابویه (4) عدم جواز الإفاضة قبل طلوع الشمس. ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ثم أفض حین تشرق لک ثبیر وتری الإبل مواضع أخفافها » (5) ولا ریب أن العمل بمضمون هذه الروایة أولی وأحوط.

لکن قال العلامة فی التذکرة : ولو دفع قبل الإسفار بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لم یکن مأثوما إجماعا (6). ونحوه قال فی المنتهی (7).

وأما عدم جواز جواز وادی محسر قبل طلوع الشمس فیدل علیه (8) ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تجاوز وادی محسر حتی تطلع الشمس » (9) والمتبادر

ص: 444


1- الکافی 4 : 470 - 5 ، التهذیب 5 : 192 - 639 ، الإستبصار 2 : 257 - 908 ، الوسائل 10 : 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 1.
2- التهذیب 5 : 192 - 638 ، الإستبصار 2 : 257 - 907 ، الوسائل 10 : 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 3.
3- المقنعة : 65.
4- الصدوق فی الفقیه 2 : 282 ، ونقله عن والده فی المختلف : 300.
5- التهذیب 5 : 192 - 637 ، الوسائل 10 : 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 5.
6- التذکرة 1 : 375.
7- المنتهی 2 : 726.
8- فی « م » و « ح » زیادة : روایات منها. ولم نعثر علی روایة أخری دالة علی ذلک.
9- التهذیب 5 : 193 - 640 ، الوسائل 10 : 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 470 - 6.

والإمام یتأخر حتی تطلع. والسعی بوادی محسر وهو یقول : اللهم سلّم عهدی ، واقبل توبتی ، وأجب دعوتی ، واخلفنی فیمن ترکت بعدی.

______________________________________________________

من تحریم مجاوزته تحریم قطعه والخروج منه ، لکن صرح الأصحاب بعدم جواز قطعه ولا بعضه قبل طلوع الشمس ، لخروجه عن المشعر. ولا ریب أنه أولی وأحوط.

قوله : ( والإمام یتأخر حتی تطلع ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : ینبغی للإمام أن یقف بجمع حتی تطلع الشمس ، وسائر الناس إن شاءوا عجلوا وإن شاءوا أخروا » (1) والظاهر أن المراد بالإمام هنا أمیر الحجیج.

قوله : ( والسعی بوادی محسر وهو یقول : اللهم سلّم عهدی ، واقبل توبتی ، وأجب دعوتی ، واخلفنی فیمن ترکت بعدی ).

المراد بالسعی هنا : الهرولة ، وهو الإسراع فی المشی للماشی ، وتحریک الدابة للراکب. وقد أجمع العلماء کافة علی استحباب ذلک ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا مررت بوادی محسر - وهو وادی عظیم بین جمع ومنی ، وهو إلی منی أقرب - فاسع فیه حتی تجاوزه ، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله حرک ناقته فیه وقال : اللهم سلّم عهدی ، واقبل توبتی ، وأجب دعوتی ، واخلفنی بخیر فیمن ترکت بعدی » (2).

وفی الصحیح عن محمد بن إسماعیل ، عن أبی الحسن علیه السلام ،

استحباب تأخر الامام حتی تطلع الشمس

استحباب السعی والدعاء بوادی محسر

ص: 445


1- التهذیب 5 : 193 - 641 ، الإستبصار 2 : 258 - 909 ، الوسائل 10 : 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 4.
2- الفقیه 2 : 282 - 1384 ، الوسائل 10 : 46 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 470 - 3 ، والتهذیب 5 : 192 - 637.

ولو ترک السعی فیه رجع فسعی استحبابا.

______________________________________________________

قال : « الحرکة فی وادی محسر مائة خطوة » (1) قال الصدوق رحمه الله : وفی حدیث آخر مائة ذراع (2). ولا تستحب الهرولة فی الذهاب إلی عرفة إجماعا ، لأنها بدعة.

قوله : ( ولو ترک السعی فیه رجع فسعی استحبابا ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی التارک بین الناسی وغیره ، ویدل علی استحباب الرجوع مطلقا ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن حفص بن البختری وغیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال لبعض ولده : « هل سعیت فی وادی محسر؟ » قال : لا ، قال : فأمره أن یرجع حتی یسعی ، قال فقال له : إنی لا أعرفه ، فقال له : « سل الناس » (3).

وعن الحجال ، عن بعض أصحابه ، قال : مر رجل بوادی محسر فأمره أبو عبد الله علیه السلام بعد الانصراف إلی مکة أن یرجع فیسعی (4).

ص: 446


1- الفقیه 2 : 282 - 1385 ، الوسائل 10 : 46 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 3. ورواها فی الکافی 4 :1. 4.
2- الفقیه 2 : 282 - 1386 ، الوسائل 10 : 47 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 4.
3- الکافی 4 : 470 - 1 ، الوسائل 10 : 47 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 1.
4- الکافی 4 : 470 - 2 ، الوسائل 10 : 47 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 2.

فهرس الجزء السابع

کتاب الحج

تعریف الحج.................................................................. 5

وجوب الحج.................................................................. 7

أخبار متعلقة بالحج............................................................ 8

الحج الواجب والمستحب..................................................... 16

شروط وجوب حجة الاسلام

- الأول : البلوغ کمال العقل................................................ 20

حکم حج الصبی............................................................ 20

صحة إحرام الصبی.......................................................... 23

تعیین ولی الصبی............................................................. 26

- الثانی : الحریة............................................................ 28

حکم حج العبد وإحرامه..................................................... 31

- الثالث : الزاد والراحلة.................................................... 34

ما لا یجب بیعه للحج........................................................ 37

ص: 447

المراد بالزاد والراحلة......................................................... 39

وجوب شراء الزاد والراحلة................................................... 41

وجوب اقتضاء الدین للحج................................................... 42

عدم وجوب الاقتراض للحج.................................................. 43

حکم المستطیع الراغب فی الزواج............................................. 44

حکم من بذل له الزاد والراحلة............................................... 45

عدم وجوب قبول الهبة للحج................................................. 48

حکم من استؤجر للحج...................................................... 48

حکم حج العاجز عن غیره................................................... 49

- الرابع : ما یمون به عیاله................................................... 51

حکم الحج عن الغیر المستطیع................................................. 51

حکم تکلف الغیر المستطیع الحج.............................................. 52

عدم وجوب بذل الولد ماله لوالده فی الحج..................................... 52

- الخامس : إمکان المسیر.................................................... 53

وجوب الاستنابة مع المانع.................................................... 55

حکم زوال المانع بعد الاستنابة................................................ 58

حکم من لا یستمسک خلقة.................................................. 59

حکم احتیاج الحج إلی حرکة عنیفة............................................ 60

سقوط الحج بعدم ما یحتاج إلیه................................................ 61

منع طریق واحد لا یسقط الحج............................................... 62

حکم العدو الذی یندفع بمال.................................................. 62

حکم طریق البحر........................................................... 64

حکم من مات فی الطریق..................................................... 64

حکم من استطاع ولم یحج.................................................... 67

حکم حج الکافر............................................................ 69

حکم ارتداد الحاج........................................................... 70

ص: 448

عدم إعادة المخالف الحج إذا استبصر.......................................... 72

- عدم اشتراط الرجوع إلی کفایة............................................ 76

حکم المستطیع الذی یحج بنفقته غیره.......................................... 79

أفضلیة المشی للحج.......................................................... 80

- القضاء عن المیت......................................................... 82

قضاء الحج من أقرب الأماکن................................................. 84

عدم جواز النیابة لمن وجب علیه الحج.......................................... 88

عدم اشتراط وجود المحرم مع النساء............................................ 89

عدم اشتراط إذن الزوج للحج الواجب........................................ 91

الحج المنذور

- شرائط الحج المنذور....................................................... 93

حکم من نذر الحج ومنعه مانع................................................ 95

حکم من نذر الحج وعلیه حجة الاسلام........................................ 98

حکم من نذر الحج ماشیا................................................... 102

وجوب القضاء لمن نذر المشی فرکب........................................ 104

حکم عاجز ناذر المشی..................................................... 106

النیابة

شرائط النائب............................................................. 108

عدم صحة نیابة الکافر والنیابة عنه........................................... 110

عدم صحة النیابة عن المخالف............................................... 110

عدم صحة نیابة المجنون..................................................... 112

حکم نیابة الممیز........................................................... 112

اعتبار نیة النیابة............................................................ 113

صحة نیابة المملوک......................................................... 113

ص: 449

حکم نیابة من وجب علیه الحج أو العمرة.................................... 114

حکم نیابة الصرورة........................................................ 115

جواز حج المرأة عن الرجل.................................................. 116

حکم موت الأجیر للحج................................................... 117

ما یجب علی الأجیر........................................................ 120

حکم الاستیجار لأکثر من حجة............................................ 125

حکم الأجیر المصدود...................................................... 126

حکم النیابة فی الطواف للحاضر............................................. 129

حکم طواف الحامل لعاجز.................................................. 130

براءة المیت بتبرع الحج عنه.................................................. 131

وجوب الکفارة علی النائب................................................. 133

حکم إفساد النائب للحج................................................... 133

حکم النیابة عن اثنین....................................................... 135

حکم احصار الأجیر....................................................... 136

جواز استیجار أجیرین لحجین............................................... 137

استحباب تسمیة المنوب عنه................................................. 138

استحباب إعادة الفاضل من الأجرة.......................................... 139

استحباب إعادة المخالف الحج............................................... 139

کراهة نیابة المرأة الصرورة.................................................. 140

حکم الوصیة بالحج........................................................ 140

ملک الأجیر الأجرة بالعقد.................................................. 141

کفایة المرة عمن أوصی بالحج............................................... 142

حکم الوصیة بالحج بسنین مع قصور الثلث................................... 143

جواز حج المودع بمال المیت إذا وجب علیه................................... 145

حکم نقل الأجیر النیة إلی نفسه............................................. 147

حکم قصور الثلث عما عینه للحج به عنه.................................... 148

ص: 450

حکم عدم کفایة الثلث للحج............................................... 150

حکم من أوصی بحج وغیره................................................. 151

حکم المیت الذی علیه حجان............................................... 152

- أقسام الحج............................................................. 155

حج التمتع

صورة حج التمتع.......................................................... 156

تعین التمتع علی النائی..................................................... 158

حد النائی................................................................. 160

حکم العدول إلی غیر التمتع................................................. 163

- شروط حج التمتع...................................................... 165

حکم خروج المتمتع من مکة................................................ 173

حکم من جدد العمرة...................................................... 175

موارد جواز نقل النیة إلی الافراد............................................. 175

حج الافراد

صورة حج الافراد......................................................... 185

وجوب عمرة مفردة علی المفرد.............................................. 186

الاتیان بالعمرة من أدنی الحل................................................ 186

جواز العمرة المفردة فی غیر أشهر الحج....................................... 187

حکم الاحرام بالعمرة من دون أدنی الحل..................................... 188

وجوب الافراد أو القران علی أهل مکة...................................... 189

حکم عدول الحاضر إلی التمتع.............................................. 189

شروط حج الافراد......................................................... 191

ص: 451

حج القران

صورة حج القران.......................................................... 192

استحباب إشعار البدن للقارن............................................... 195

معنی التقلید............................................................... 196

بیان ما یشعر ویقلد........................................................ 196

جواز الطواف للقارن والمفرد عند دخول مکة................................. 197

تحقق الاحلال بالنیة لا بالتلبیة............................................... 199

حکم انقلاب الحج عمرة................................................... 202

جواز عدول المفرد إلی التمتع................................................ 203

حکم المکی البعید عن مکة................................................. 205

حکم المقیم بمکة........................................................... 206

حکم من له منزلان بمکة وغیرها............................................. 211

عدم وجوب الهدی علی القارن والمفرد....................................... 212

عدم جواز القران بین الحج والعمرة.......................................... 212

عدم جواز إدخال العمرة علی الحج.......................................... 212

عدم جواز نیة حجتین أو عمرتین............................................ 213

أقسام المواقیت

عدد المواقیت.............................................................. 214

میقات أهل العراق......................................................... 216

میقات أهل المدینة.......................................................... 218

میقات أهل الشام والیمن والطائف........................................... 221

میقات من منزله أقرب من المیقات........................................... 222

حکم الطریق الذی لا میقات فیه............................................ 223

ص: 452

حکم من حج فی البحر..................................................... 225

وجوب الاحرام من المیقات الذی یمر به....................................... 225

تجرید الصبیان من فخ...................................................... 226

أحکام المواقیت

حکم الاحرام قبل المیقات................................................... 228

حکم الاحرام بعد المیقات................................................... 231

حکم تارک الاحرام نسیانا.................................................. 232

حکم من بدا له الحج بعد المیقات............................................ 233

حکم من نسی الاحرام حتی إکمال المناسک................................... 236

- أفعال الحج الواجبة...................................................... 240

- ما یستحب قبل التوجه للحج............................................ 241

مقدمات الاحرام

استحباب توفیر شعر الرأس................................................. 244

استحباب التنظیف أمام الاحرام............................................. 247

الغسل للاحرام............................................................ 249

استحباب التیمم عند عدم الماء............................................... 249

نقض ما لا یجوز للمحرم للغسل............................................. 250

حکم تقدیم الغسل علی المیقات.............................................. 251

الزمان الذی یجزی الغسل له................................................ 252

حکم من أحرم بغیر غسل وتدارکه.......................................... 253

استحباب الاحرام عقیب صلاة الظهر........................................ 254

صلاة ست رکعات للاحرام................................................ 254

وقت نافلة الاحرام......................................................... 256

ص: 453

واجبات الاحرام

الأول : النیة.............................................................. 257

حکم من نسی بماذا أحرم................................................... 262

الثانی التلبیات الأربع....................................................... 263

تخییر القارن بین التلبیات وبین الاشعار والتقلید................................ 266

صورة التلبیة............................................................... 267

عدم وجوب کفارة قبل التلبیة أو الاشعار..................................... 272

الثالث : لبس ثوبی الاحرام................................................. 274

ما یجوز الاحرام به من الثیاب............................................... 274

جواز لبس أکثر من ثوبین للمحرم........................................... 277

جواز تبدیل ثیاب الاحرام................................................... 277

حکم من لیس معه ثوبا الاحرام.............................................. 277

أحکام الاحرام

عدم جواز الاحرام للمحرم.................................................. 279

جواز عدول من نوی الافراد إلی التمتع....................................... 283

کیفیة الاحرام بالصبی...................................................... 285

کفارة الصبی علی الولی..................................................... 286

تولی الولی ما یعجز عنه الصبی............................................... 286

وجوب هدی الصبی علی الولی.............................................. 287

ثمرة اشتراط التحلیل........................................................ 288

عدم سقوط الحج عن المحصور............................................... 292

مندوبات الاحرام

استحباب رفع الصوت بالتلبیة............................................... 292

ص: 454

مواضع استحباب تکرار التلبیة............................................... 292

محل قطع التلبیة............................................................ 294

موضع رفع الصوت بالتلبیة لمن حج من المدینة................................. 298

استحباب التلفظ بما یعزم علیه............................................... 299

استحباب اشتراط التحلیل.................................................. 301

استحباب الاحرام بثیاب القطن البیض........................................ 301

محل رفع الصوت بالتلبیة للمحرم من مکة..................................... 302

محرمات الاحرام

حرمة مصید البر........................................................... 303

حرمة فرخ وبیض مصید البر................................................ 308

الجراد من صید البر........................................................ 308

عدم حرمة صید البحر...................................................... 309

- حرمة النساء للمحرم.................................................... 310

حرمة الشهادة علی العقد وإقامتها........................................... 311

حرمة التقبیل والنظر بشهوة................................................. 312

حرمة الاستمناء............................................................ 314

حکم اختلاف الزوجان فی وقوع العقد فی الاحرام............................. 314

حکم ایقاع الوکیل العقد عن المحرم.......................................... 317

جواز مراجعة المطلقة وشراء الإماء........................................... 318

- حرمة الطیب للمحرم................................................... 318

ما یستثنی من الطیب....................................................... 324

حکم المضطر إلی مس الطیب............................................... 325

فروع تتعلق بالطیب........................................................ 325

حرمة لبس المخیط للرجل................................................... 328

جواز لبس المخیط للنساء................................................... 331

ص: 455

بعض ما استثنی من المخیط.................................................. 333

- حرمة الاکتحال للمحرم................................................. 335

- حرمة النظر فی المرآة..................................................... 336

حرمة لبس الخفین وما یستر ظهر القدم....................................... 337

- حرمة الفسوق للمحرم.................................................. 340

- حرمة الجدال للمحرم.................................................... 341

- حرمة قتل هوام الجسد................................................... 342

جواز نقل القملة........................................................... 344

جواز إلقاء القراد والحلم.................................................... 344

- حرمة لبس الخاتم للزینة.................................................. 345

- حرمة لبس المرأة الحلی الغیر المعتاد لها...................................... 346

حکم استعمال الدهن قبل وبعد الاحرام...................................... 347

حرمة إزالة الشعر للمحرم.................................................. 350

جواز الحلق للعذر.......................................................... 352

- حرمة تغطیة الرأس للمحرم.............................................. 353

حکم تغطیة الوجه......................................................... 356

- حرمة الارتماس للمحرم.................................................. 357

حکم من غطی رأسه نسیانا................................................. 358

جواز تغطیة المرأة رأسها دون وجهها......................................... 359

- حرمة تظلیل المحرم....................................................... 362

ما یستثنی من التظلیل....................................................... 365

- حرمة اخراج الدم....................................................... 366

- حرمة قص الأظفار...................................................... 368

- حرمة قطع الشجر...................................................... 369

ما یجوز قلعه من الشجر.................................................... 370

- حرمة تغسیل المحرم بالکافور.............................................. 372

ص: 456

- حرمة لبس السلاح..................................................... 373

مکروهات الاحرام

کراهة المصبوغ بالسواد والعصفر............................................ 374

کراهة الثیاب الوسخة...................................................... 375

کراهة الثیاب المعلمة....................................................... 376

کراهة استعمال الحناء للزینة................................................ 377

حکم النقاب للمرأة........................................................ 378

کراهة دخول الحمام وتدلیک الجسد......................................... 379

کراهة تلبیة المنادی......................................................... 379

کراهة استعمال الریاحین................................................... 380

خاتمة بحث الاحرام

وجوب الاحرام لدخول الحرم............................................... 380

من یجوز دخوله الحرم بغیر إحرام............................................ 382

کیفیة إحرام المرأة.......................................................... 385

جواز احرام الحائض ولا تصلی.............................................. 385

حکم ترک الحائض الاحرام جهلا............................................ 386

الوقوف بعرفات

استحباب الخروج إلی عرفات یوم الترویة..................................... 387

استحباب المبیت بمنی لیلة عرفة.............................................. 391

کراهة الخروج من منی قبل الفجر............................................ 391

استحباب الإقامة للامام إلی طلوع الشمس.................................... 392

استحباب الدعاء بالمرسوم عند الخروج....................................... 392

استحباب الاغتسال للوقوف................................................ 393

ص: 457

واجبات الوقوف بعرفة

نیة الوقوف............................................................... 393

الکون بها إلی الغروب...................................................... 394

عدم إجزاء الوقوف فی حدود عرفة.......................................... 395

حکم الإفاضة قبل الغروب.................................................. 397

أحکام الوقوف بعرفة

الوقوف بعرفة رکن........................................................ 399

حکم ترک الوقوف نسیانا................................................... 400

الوقت الاختیاری والاضطراری لعرفة........................................ 402

حکم من نسی الوقوف بعرفة............................................... 403

حکم درک اختیاری عرفة فقط.............................................. 404

حکم من أدرک الوقوفین الاضطراریین........................................ 406

مندوبات الوقوف بعرفة

الوقوف فی میسرة الجبل.................................................... 409

الدعاء.................................................................... 410

ضرب الخباء بنمرة......................................................... 413

الوقوف علی السهل....................................................... 414

استحباب جمع الرحل...................................................... 414

استحباب سد الخلل........................................................ 414

الدعاء قائما............................................................... 415

کراهة الوقوف أعلی الجبل................................................. 415

کراهة الوقوف راکبا أو قاعدا.............................................. 416

ص: 458

الوقوف بالمشعر

استحباب الاقتصاد فی السیر إلی المشعر....................................... 417

استحباب الدعاء عند بلوغ الکثیب الأحمر.................................... 417

استحباب تأخیر العشائین إلی المزدلفة......................................... 418

استحباب الجمع بین المغرب والعشاء......................................... 420

واجبات الوقوف بالمشعر

- النیة................................................................... 421

الوقوف بالمشعر........................................................... 421

حد المشعر................................................................ 421

جواز الارتفاع إلی الجبل مع الزحام.......................................... 422

حکم من وقف فنام أو جن................................................. 422

- الوقوف بعد طلوع الفجر................................................ 423

حکم من أفاض قبل طلوع الفجر............................................ 424

جواز الإفاضة قبل الفجر للمرأة والخائف..................................... 427

حکم من أفاض قبل الفجر نسیانا............................................ 428

استحباب الوقوف بعد صلاة الفجر.......................................... 428

استحباب الدعاء بالمرسوم................................................... 428

استحباب وطء الصرورة المشعر برجله....................................... 430

حکم الصعود علی قزح.................................................... 431

أحکام الوقوف بالمشعر

- الوقت الاختیاری والاضطراری للمشعر................................... 431

حکم ترک الوقوف بالمشعر.................................................. 432

حکم إدراک المشعر فقط.................................................... 434

ص: 459

حکم من فاته الحج......................................................... 435

خاتمة

استحباب التقاط الحصی من المشعر.......................................... 439

حرمة أخذ الحصی من المساجد.............................................. 439

شروط الحجر الملتقط....................................................... 440

ما یستحب فی الحجر الملتقط................................................ 442

کراهة التقاط صلبة أو مکسرة.............................................. 443

استحباب الإفاضة قبل طلوع الفجر.......................................... 443

استحباب تأخر الامام حتی تطلع الشمس..................................... 445

استحباب السعی والدعاء بوادی محسر....................................... 445

* * *

ص: 460

المجلد 8

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

القول

فی نزول منی وما بها من المناسک

فإذا هبط بمنی استحب له الدعاء بالمرسوم.

ومناسکه بها یوم النحر ثلاثة : رمی جمرة العقبة ، ثم الذبح ، ثم

______________________________________________________

قوله : ( القول فی نزول منی وما بها من المناسک )

قال فی القاموس : منی کإلی موضع بمکة ، وتصرف ، وسمیت به لما یمنی بها من الدماء ، قال ابن عباس : لأن جبرائیل علیه السلام لما أراد أن یفارق آدم علیه السلام قال له : تمنّ ، قال : أتمنّی الجنة ، فسمیت به لأمنیة آدم علیه السلام (1). انتهی.

وروی ابن بابویه فی کتاب العلل ، عن محمد بن سنان : أن أبا الحسن الرضا علیه السلام کتب إلیه : « العلة التی من أجلها سمیت منی منی أن جبرائیل علیه السلام قال هناک لإبراهیم علیه السلام : تمنّ علی ربک ما شئت ، فتمنی إبراهیم فی نفسه أن یجعل الله مکان ابنه إسماعیل کبشا یأمره بذبحه فداءا له ، فأعطی مناه » (2).

قوله : ( فإذا هبط بمنی استحب له الدعاء بالمرسوم ).

لم أقف علی دعاء مأثور فی هذا الموضع.

قوله : ( ومناسکه بها یوم النحر ثلاثة : رمی جمرة العقبة ،

نزول منی ومناسکها

مناسک یوم النحر

اشارة

ص: 5


1- القاموس 4 : 394.
2- علل الشرائع : 435 - 2.

الحلق.

______________________________________________________

ثم الذبح ، ثم الحلق ).

أما وجوب الذبح والحلق فسیجی ء الکلام فیه (1) ، وأما وجوب رمی جمرة العقبة فی یوم النحر فقال العلامة فی التذکرة والمنتهی : إنه لا یعلم فیه خلافا (2).

ثم قال فی المنتهی : وقد یوجد فی بعض العبارات أنه سنة ، وذلک فی بعض أحادیث الأئمة علیهم السلام وفی لفظ الشیخ فی الجمل والعقود ، وهو محمول علی الثابت بالسنة ، لا أنه مستحب (3).

وقال ابن إدریس : لا خلاف عندنا فی وجوبه ، ولا أظن أن أحدا من المسلمین یخالف فیه (4).

ویدل علی الوجوب : التأسی ، وقوله علیه السلام فی حسنة معاویة بن عمار : « ثم ائت الجمرة القصوی التی عند العقبة فارمها من قبل وجهها » (5) وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة (6).

فائدة :

روی ابن بابویه فی کتاب علل الشرائع والأحکام فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رمی الجمار لم جعل؟ قال : « لأن إبلیس اللعین کان یتراءی لإبراهیم علیه السلام فی

ص: 6


1- فی ص 19 و 88.
2- التذکرة 1 : 376 ، والمنتهی 2 : 729.
3- المنتهی 2 : 771.
4- السرائر : 143.
5- الکافی 4 : 478 - 1 ، التهذیب 5 : 198 - 661 ، الوسائل 10 : 70 أبواب رمی جمرة العقبة ب 3 ح 1.
6- الوسائل 10 : 67 أبواب رمی جمرة العقبة ب 1.

أما الأول : فالواجب فیه : النیّة ، والعدد وهو سبع ، وإلقاؤها بما یسمی رمیا ،

______________________________________________________

موضع الجمار فرجمه » (1).

قوله : ( أما الأول فالواجب فیه النیة ).

وهی قصد الفعل طاعة لله عزّ وجلّ ، وأما ملاحظة الوجه وتعیین نوع الحج والتعرض للأداء فغیر لازم ، وإن کان التعرض لذلک کله أولی.

وتجب مقارنتها لأول الرمی ، واستدامتها حکما إلی الفراغ ، کما فی نظائره.

قوله : ( والعدد ، وهو سبع حصیات ).

هذا قول علماء الإسلام ، ویدل علیه روایات کثیرة ، کروایة أبی بصیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ذهبت أرمی فإذا فی یدی ست حصیات فقال : « خذ واحدة من تحت رجلک » (2).

وروایة عبد الأعلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : رجل رمی الجمرة بست حصیات ووقعت واحدة فی الحصی قال : « یعیدها إن شاء من ساعته ، وإن شاء من الغد إذا أراد الرمی ، ولا یأخذ من حصی الجمار » (3).

قوله : ( وإلقاؤها بما یسمی رمیا ).

ص: 7


1- علل الشرائع : 437 - 1 ، وفی الوسائل 10 : 68 أبواب رمی جمرة العقبة ب 1 ح 5. مرسلا عن النبی والأئمة علیهم السلام .
2- الکافی 4 : 483 - 4 ، الفقیه 2 : 285 - 1397 ، الوسائل 10 : 218 أبواب العود إلی منی ب 7 ح 2.
3- الکافی 4 : 483 - 3 ، التهذیب 5 : 266 - 906 ، الوسائل 10 : 218 أبواب العود إلی منی ب 7 ح 3.

وإصابة الجمرة بها بفعله.

______________________________________________________

التی عند العقبة فارمها » (1) والأمر للوجوب ، والامتثال إنما یحصل بإیجاد الماهیة التی تعلق بها الأمر ، فلو وضعها بکفه فی المرمی لم یجز إجماعا ، وکذا لو طرحها طرحا لا یصدق علیه اسم الرمی.

وحکی العلامة فی المنتهی اختلافا فی الطرح ثم قال : والحاصل أن الخلاف وقع باعتبار الخلاف فی صدق الاسم ، فان سمی رمیا أجزأ بلا خلاف ، وإلا لم یجز إجماعا (2).

ویعتبر تلاحق الحصیات ، فلو رمی بها دفعة فالمحسوب واحدة. والمعتبر تلاحق الرمی لا الإصابة ، فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت ، ولو رمی بها دفعة فتلاحقت فی الإصابة لم یجز.

قوله : ( وإصابة الجمرة بها بفعله ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، ویدل علیه مضافا إلی التأسی ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فإن رمیت بحصاة فوقعت فی محمل فأعد مکانها » (3).

قال فی الدروس : والجمرة اسم لموضع الرمی ، وهو البناء أو موضعه مما یجتمع من الحصی وقیل : هو مجتمع الحصی لا السائل منه ، وصرح علی بن بابویه بأنه الأرض (4). انتهی.

الأول : رمی جمرة العقبة

واجبات الرمی

ص: 8


1- المتقدمة فی ص 6.
2- المنتهی 2 : 731.
3- الفقیه 2 : 285 - 1399 ، الوسائل 10 : 72 أبواب رمی جمرة العقبة ب 6 ح 1.
4- الدروس : 124.

فلو وقعت علی شی ء وانحدرت علی الجمرة جاز.

ولو قصرت فتمّمها حرکة غیره من حیوان أو إنسان لم یجز.

وکذا لو شکّ فلم یعلم وصلت الجمرة أم لا.

ولو طرحها علی الجمرة من غیر رمی لم یجز.

والمستحب فیه ستة : الطهارة.

______________________________________________________

وینبغی القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده ، لأنه المعروف الآن من لفظ الجمرة ، ولعدم تیقن الخروج من العهدة بدونه ، أما مع زواله فالظاهر الاکتفاء بإصابة موضعه.

قوله : ( فلو وقعت علی شی ء وانحدرت علی الجمرة جاز ، ولو قصرت فتممها حرکة غیره من حیوان أو إنسان لم یجز ).

والفرق بین المسألتین تحقق الإصابة بفعله فی الأول من غیر مشارکة ، وتحقق المشارکة فی الثانی ، وفی صحیحة معاویة بن عمار : « وإن أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت علی الجمار أجزأک » (1).

قوله : ( وکذا لو شک فلم یعلم وصلت الجمرة أم لا ).

أی : وکذا لا یحصل الإجزاء مع الشک فی وصولها إلی الجمرة ، لعدم تحقق الامتثال المقتضی لبقاء المکلف تحت العهدة.

قوله : ( والمستحب فیه ستة : الطهارة ).

ما اختاره المصنف من استحباب الطهارة فی الرمی هو المشهور بین

مستحبات الرمی

ص: 9


1- الکافی 4 : 483 - 5 ، الفقیه 2 : 285 - 1399 ، التهذیب 5 : 266 - 907 ، الوسائل 10 : 72 أبواب رمی جمرة العقبة ب 6 ح 1.

______________________________________________________

الأصحاب ، وقال المفید (1) والمرتضی (2) وابن الجنید (3) : لا یجوز رمی الجمار إلا علی طهر. والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال : « ویستحب أن یرمی الجمار علی طهر » (4) وهو نص فی المطلوب.

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یقضی المناسک کلها علی غیر وضوء ، إلا الطواف فإن فیه صلاة ، والوضوء أفضل » (5).

وعن حمید بن مسعود أبی غسان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رمی الجمار علی غیر طهور ، قال : « الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حیطان إن طفت بهما علی غیر طهور أجزأک ، والطهر أحب إلیّ ، فلا تدعه وأنت قادر علیه » (6) وفی طریق هذه الروایة ضعف (7).

احتج الموجبون (8) بما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجمار فقال : « لا ترم الجمار إلا وأنت علی طهر » (9) والجواب بالحمل علی الکراهة ، جمعا بینها وبین ما تضمن

ص: 10


1- المقنعة : 65.
2- جمل العلم والعمل : 110.
3- نقله عنه فی المختلف : 302.
4- التهذیب 5 : 198 - 661 ، الوسائل 10 : 70 أبواب رمی جمرة العقبة ب 2 ح 3.
5- التهذیب 5 : 154 - 509 ، الإستبصار 2 : 241 - 841 ، الوسائل 9 : 530 أبواب السعی ب 15 ح 1 ، ورواها فی الفقیه 2 : 250 - 1201.
6- التهذیب 5 : 198 - 660 وفیه : عن ابن أبی غسان عن حمید بن مسعود ، الإستبصار 2 : 258 - 912 ، الوسائل 10 : 70 أبواب رمی جمرة العقبة ب 2 ح 5.
7- لأن راویها مهمل.
8- نقله عن المفید فی المختلف : 302.
9- الکافی 4 : 482 - 10 ، التهذیب 5 : 197 - 659 ، الإستبصار 2 : 258 - 911 ، الوسائل 10 : 69 أبواب رمی جمرة العقبة ب 2 ح 1.

والدعاء عند إرادة الرمی ، وأن یکون بینه وبین الجمرة عشر أذرع إلی خمس عشرة ذراعا ، وأن یرمیها خذفا ،

______________________________________________________

الاستحباب صریحا. ومن هنا یعلم أن ما ذکره الشارح من النظر فی هذا الجمع لضعف روایة أبی غسان فلا تعارض صحیحة محمد بن مسلم (1) غیر جید ، لأن دلیل الاستحباب غیر منحصر فی روایة أبی غسان کما بیناه.

قوله : ( والدعاء عند إرادة الرمی ، وأن یکون بینه وبین الجمرة عشر أذرع إلی خمس عشرة ذراعا ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « خذ حصی الجمار ثم ائت الجمرة القصوی التی عند العقبة فارمها من قبل وجهها ، ولا ترمها من أعلاها ، وتقول والحصی فی یدیک : اللهم هؤلاء حصیاتی فأحصهن لی ، وارفعهن فی عملی ، ثم ترمی وتقول مع کل حصاة : الله أکبر ، اللهم ادحر عنی الشیطان ، اللهم تصدیقا بکتابک ، وعلی سنة نبیک صلی الله علیه و آله ، اللهم اجعله حجا مبرورا ، وعملا مقبولا ، وسعیا مشکورا ، وذنبا مغفورا ، ولیکن فیما بینک وبین الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا ، فإذا أتیت رحلک ورجعت من الرمی فقل : اللهم بک وثقت ، وعلیک توکلت ، فنعم الرب ، ونعم المولی ، ونعم النصیر » قال : « ویستحب أن یرمی الجمار علی طهر » (2).

قوله : ( وأن یرمیها خذفا ).

ما ذکره المصنف من استحباب الخذف هو المشهور بین الأصحاب ، وقال السید المرتضی رحمه الله : مما انفردت به الإمامیة القول بوجوب الخذف بحصی الجمار (3). وبه قطع ابن إدریس (4). والأصح الاستحباب.

ص: 11


1- المسالک 1 : 115.
2- التهذیب 5 : 198 - 661 ، الوسائل 10 : 70 أبواب رمی جمرة العقبة ب 3 ح 1.
3- الانتصار : 105.
4- السرائر : 139.

______________________________________________________

لنا علی انتفاء الوجوب الأصل ، وإطلاق الأمر بالرمی ، وعلی الاستحباب ما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « حصی الجمار یکون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداء ولا بیضاء ولا حمراء ، خذها کحلیة منقطة ، تخذفهن خذفا ، وتضعها علی الإبهام ، وتدفعها بظفر السبابة » (1) وهذا الروایة ضعیفة فی الکافی والتهذیب (2) لکنها مرویة فی کتاب قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحمیری بطریق صحیح (3) ، وما تضمنته من الأمر بالخذف محمول علی الاستحباب ، کما یشعر به الأوامر والنواهی المتقدمة علیه.

واختلف کلام الأصحاب فی کیفیة الخذف فقال الشیخان وأبو الصلاح : إنه وضع الحصاة علی ظهر إبهام یده الیمنی ویدفعها بظفر السبابة (4).

وقال : ابن البراج : ویأخذ الحصاة فیضعها علی باطن إبهامه ویدفعها بالمسبحة. قال : وقیل یضعها علی ظهر إبهامه ویدفعها بالمسبحة (5).

وقال المرتضی : الخذف هو وضع الحصاة علی إبهام یده الیمنی ودفعها بظفر إصبعه الوسطی (6).

وروایة البزنطی محتملة لما ذکره الشیخان وابن البراج ، وأما ما ذکره

ص: 12


1- التهذیب 5 : 197 - 656 ، الوسائل 10 : 73 أبواب رمی جمرة العقبة ب 7 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 478 - 7.
2- لوقوع سهل بن زیاد فی طریقها وهو عامی.
3- قرب الإسناد : 158.
4- نقله عنهم فی المختلف : 302 ، والموجود فی کتبهم أنه یضع الحصاة علی بطن الإبهام. المقنعة : 4. المبسوط 1 : 369 ، النهایة : 254 ، الاقتصاد : 307 ، الکافی فی الفقه : 215.
5- المهذب 1 : 255.
6- الانتصار : 105.

والدعاء مع کل حصاة ، وأن یکون ماشیا ، ولو رمی راکبا جاز ،

______________________________________________________

المرتضی فلم نعرف مأخذه.

ومقتضی کلام أهل اللغة خلاف ذلک کله ، قال فی القاموس : الخذف کالضرب رمیک بحصاة أو نواة ونحوهما تأخذ بین سبابتیک تخذف به (1) وقال الجوهری : الخذف بالحصی الرمی به بالأصابع (2).

قوله : ( وأن یکون ماشیا ، ولو رمی راکبا جاز ).

أما جواز الرمی راکبا فقال فی المنتهی : إنه مجمع علیه بین العلماء (3). ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل رمی الجمار وهو راکب ، فقال : « لا بأس به » (4) وصحیحة أحمد بن محمد بن عیسی أنه رأی أبا جعفر الثانی علیه السلام یرمی الجمار راکبا (5).

ویدل علی استحباب کونه ماشیا روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یرمی الجمار ماشیا » (6) ومقتضی الروایة أفضلیة المشی إلی الجمار والرمی کذلک ، وروی الکلینی عن عنبسة بن مصعب ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام بمنی یمشی ویرکب ، فحدثت نفسی أن أسأله حین أدخل علیه ، فابتدأنی هو بالحدیث ، فقال : « إن علی بن الحسین علیه السلام کان یخرج من منزله

ص: 13


1- القاموس المحیط 3 : 135.
2- الصحاح 4 : 1347.
3- المنتهی 2 : 732.
4- التهذیب 5 : 267 - 911 ، الإستبصار 2 : 298 - 1065 ، الوسائل 10 : 74 أبواب رمی جمرة العقبة ب 8 ح 4.
5- التهذیب 5 : 267 - 908 ، الإستبصار 2 : 298 - 1062 ، الوسائل 10 : 73 أبواب رمی جمرة العقبة ب 8 ح 1.
6- التهذیب 5 : 267 - 912 ، الإستبصار 2 : 298 - 1066 ، الوسائل 10 : 74 أبواب رمی جمرة العقبة ب 9 ح 1.

وفی جمرة العقبة یستقبلها ویستدبر القبلة ،

______________________________________________________

ماشیا إذا رمی الجمار ، ومنزلی الیوم أنفس من منزله ، فأرکب حتی آتی منزله ، فإذا انتهیت إلی منزله مشیت حتی أرمی الجمرة » (1).

( وفی الصحیح عن علی بن مهزیار ، قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام یمشی بعد یوم النحر حتی یرمی الجمرة ثم ینصرف راکبا ، وکنت أراه راکبا بعد ما یحاذی المسجد بمنی (2) ) (3).

وعن الحسن بن صالح ، عن بعض أصحابه ، قال : نزل أبو جعفر علیه السلام فوق المسجد بمنی قلیلا عن دابته حین توجه لیرمی الجمرة عند مضرب علی بن الحسین علیه السلام فقلت له : جعلت فداک لم نزلت ها هنا؟ فقال : « إن هذا مضرب علی بن الحسین علیه السلام ، ومضرب بنی هاشم ، وأنا أحب أن أمشی فی منازل بنی هاشم » (4).

وقال الشیخ فی المبسوط : الرکوب فی جمرة العقبة أفضل ، لأن النبی صلی الله علیه و آله رماها راکبا (5). ولم أقف علی روایة تتضمن ذلک من طریق الأصحاب.

قوله : ( وفی جمرة العقبة یستقبلها ویستدبر القبلة ).

المراد باستقبال الجمرة کونه مقابلا لها ، لا عالیا علیها ، إذ لیس لها وجه خاص حتی یتحقق به الاستقبال. ویدل علی استحباب ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ثم ائت الجمرة القصوی التی عند العقبة فارمها من قبل وجهها ، ولا ترمها من أعلاها » (6).

ص: 14


1- الکافی 4 : 485 - 3 ، الوسائل 10 : 74 أبواب رمی جمرة العقبة ب 9 ح 2.
2- الکافی 4 : 486 - 5 ، الوسائل 10 : 75 أبواب رمی جمرة العقبة ب 9 ح 4.
3- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
4- الکافی 4 : 486 - 6 ، الوسائل 10 : 75 أبواب رمی جمرة العقبة ب 9 ح 5.
5- المبسوط 1 : 369.
6- الکافی 4 : 478 - 1 ، التهذیب 5 : 198 - 661 ، الوسائل 10 : 70 أبواب رمی جمرة العقبة ب 3 ح 1.

وفی غیرها یستقبلها ویستقبل القبلة.

وأما الثانی : وهو الذبح فیشتمل علی أطراف.

الأول : فی الهدی.

وهو واجب علی المتمتع ، ولا یجب علی غیره ، سواء کان مفترضا أو متنفلا.

______________________________________________________

وأما استحباب استدبار القبلة ، فقال فی المنتهی : إنه قول أکثر أهل العلم ، واحتج علیه بما رواه الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله : أنه رمی جمرة العقبة مستدبر القبلة (1).

قوله : ( وفی غیرها یستقبلها ویستقبل القبلة ).

ذکر غیر جمرة العقبة هنا استطرادی. والکلام فی استقبال الجمرة کما سبق ، وأما استحباب استقبال القبلة فی غیر جمرة العقبة فلم أقف فیه علی نص ، وکأنه لشرف الاستقبال مع انتفاء المعارض.

قوله : ( الأول ، فی الهدی ، وهو واجب علی المتمتع ، ولا یجب علی غیره ، سواء کان مفترضا أو متنفلا ).

أما وجوب الهدی علی المتمتع بالعمرة إلی الحج فقال فی المنتهی : إنه قول علماء الإسلام (2). والأصل فیه قوله تعالی ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ) (3) وقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة فی المتمتع : « وعلیه الهدی » قال زرارة فقلت : وما الهدی؟ قال : أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسّه شاة » (4).

وأما أنه لا یجب علی غیر المتمتع قارنا کان أو مفردا ، مفترضا أو متنقلا

الثانی : الذبح

وجوب الهدی علی المتمتع فقط

ص: 15


1- المنتهی 2 : 731.
2- المنتهی 2 : 734.
3- البقرة : 196.
4- التهذیب 5 : 36 - 107 ، الوسائل 8 : 183 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 3.

ولو تمتع المکی وجب علیه الهدی.

______________________________________________________

فهو مجمع علیه بین الأصحاب أیضا ، حکاه فی التذکرة وقال : إن القارن یکفیه ما ساقه إجماعا ، وإن استحب له الأضحیّة (1). ویدل علیه مضافا إلی الأصل قوله علیه السلام فی حسنة معاویة بن عمار فی المفرد : « ولیس علیه هدی ولا أضحیّة » (2).

قوله : ( ولو تمتع المکی وجب علیه الهدی ).

هذا أحد الأقوال فی المسألة ، وقال الشیخ : لا یلزمه دم (3). وبه قطع المصنف فیما سبق فی ذکر أقسام الحج (4) ، وحکی الشهید فی الدروس عن المصنف قولا ثالثا ، وهو الوجوب إذا تمتع ابتداء ، لا إذا عدل إلی التمتع ثم قال : ویحتمل الوجوب إن کان لغیر حج الإسلام (5). والأصح الوجوب مطلقا ، تمسکا بإطلاق الروایات المتضمنة لوجوب الهدی علی المتمتع من غیر تفصیل.

احتج الشیخ - رحمه الله - علی السقوط بقوله تعالی ( ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (6) فإن معناه أن الهدی لا یلزم إلا من لم یکن من حاضری المسجد الحرام ، قال : ویجب أن یکون قوله ذلک راجعا إلی الهدی ، لا إلی التمتع ، ولو قلنا إنه راجع إلیهما وقلنا إنه لا یصح منهم التمتع أصلا لکان قویا (7).

وأجاب عنه فی المختلف بأن عود الإشارة هنا إلی الأبعد أولی ، لما عرف من أن النحاة فصلوا بین الرجوع إلی القریب والبعید والأبعد فی

ص: 16


1- التذکرة 1 : 378.
2- التهذیب 5 : 41 - 122 ، الوسائل 8 : 149 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1.
3- الخلاف 1 : 423.
4- فی ج 7 ص 191.
5- الدروس : 126.
6- البقرة : 196.
7- الخلاف 1 : 423.

ولو کان المتمتع مملوکا بإذن مولاه کان مولاه بالخیار بین أن یهدی عنه وأن یأمره بالصوم.

______________________________________________________

الإشارة ، فقالوا فی الأول ذا ، وفی الثانی ذاک ، وفی الثالث ذلک ، قال : مع أن الأئمة علیهم السلام استدلوا علی أن أهل مکة لیس لهم متعة بقوله تعالی ( ذلِکَ لِمَنْ لَمْ یَکُنْ أَهْلُهُ حاضِرِی الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) . والحجة فی قولهم (1). وهو جید.

واحتمال الدروس متجه لو سلم دلالة الآیة علی سقوط الهدی عن المکی ، لأن ذلک إنما هو فی حج الإسلام ، فثبت الوجوب فی غیره بالعموم.

قوله : ( ولو کان المتمتع مملوکا بإذن مولاه کان مولاه بالخیار بین أن یهدی عنه أو یأمره بالصوم ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة جمیل بن دراج ، قال : سأل رجل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أمر مملوکه أن یتمتع ، قال ، « فمره فلیصم ، وإن شئت فاذبح عنه » (2).

وصحیحة سعد بن أبی خلف ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام ، قلت : أمرت مملوکی أن یتمتع فقال : « إن شئت فاذبح عنه ، وإن شئت فمره فلیصم » (3).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : سئل عن المتمتع کم یجزیه؟ قال : « شاة » ، وسألته عن المتمتع المملوک فقال : « علیه مثل ما علی الحر ، إما أضحیّة وإما

حکم المملوک المتمتع فی الهدی

ص: 17


1- المختلف : 261.
2- التهذیب 5 : 200 - 667 ، الإستبصار 2 : 262 - 925 ، الوسائل 10 : 88 أبواب الذبح ب 2 ح 1.
3- التهذیب 5 : 200 - 666 ، و 482 - 1714 ، الاستبصار 2 : 262 - 924 ، الوسائل 10 : 88 أبواب الذبح ب 2 ح 2.

ولو أدرک المملوک أحد الموقفین معتقا لزمه الهدی مع القدرة ، ومع التعذر الصوم.

والنیّة شرط فی الذبح ، ویجوز أن یتولاها عنه الذابح.

______________________________________________________

صوم » (1) لأنا نجیب عنه بالحمل علی أن المراد بالمماثلة المماثلة فی کمیة ما یجب علیه وإن کانت فی کیفیة الوجوب مختلفة.

ولو لم یذبح المولی عن المملوک تعیّن علیه الصوم ، وإن منعه المولی منه ، لأنه صوم واجب ، فلم یکن للمولی المنع منه کصوم رمضان.

قوله : ( ولو أدرک المملوک أحد الموقفین معتقا لزمه الهدی مع القدرة ، ومع التعذر الصوم ).

الوجه فی ذلک أن المملوک إذا أدرک المشعر معتقا یکون حجة مجزیا عن حجة الإسلام ، فیساوی غیره من الأحرار فی وجوب الهدی علیه مع القدرة ، ومع التعذر فالصوم. وقال فی المنتهی : إنه لا یعلم فی هذا الحکم خلافا (2).

قوله : ( والنیة شرط فی الذبح ).

لأنه عبادة وکل عبادة یشترط فیها النیة ، ولأن جهات إراقة الدم متعددة فلا یتمحض المذبوح هدیا إلا بالقصد ، وقد تقدم مرارا أن المعتبر فی النیة قصد الفعل طاعة لله تعالی وإن کان التعرض للوجه وتعیین نوع الحج أحوط. ویجب مقارنتها لأول الذبح.

قوله : ( ویجوز أن یتولاها عنه الذابح ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی المنتهی

اشتراط النیة فی الذبح

ص: 18


1- التهذیب 5 : 201 - 668 ، الإستبصار 2 : 262 - 926 ، الوسائل 10 : 85 أبواب الذبح ب 1 ح 1.
2- المنتهی 2 : 737.

ویجب ذبحه بمنی.

______________________________________________________

بأن الذبح فعل تدخله النیابة ، فتدخل فی شرطه کغیره من الأفعال (1). وهو حسن ، ویدل علیه صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الضحیة یخطئ الذی یذبحها فیسمی غیر صاحبها ، أتجزی عن صاحب الضحیة؟ فقال : « نعم ، إنما له ما نوی » (2).

قوله : ( ویجب ذبحه بمنی ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وأسنده العلامة فی التذکرة والمنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (3) ، واحتج علیه بقول النبی صلی الله علیه و آله : « منی کلها منحر » (4) والتخصیص بالذکر یدل علی التخصیص بالحکم ، وبأنه علیه السلام نحر بمنی إجماعا وقال : « خذوا عنی مناسککم » (5) وبما رواه إبراهیم الکرخی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل قدم بهدیه مکة فی العشر فقال : « إن کان هدیا واجبا فلا ینحره إلا بمنی ، وإن کان لیس بواجب فلینحره بمکة إن شاء ، وإن کان قد أشعره وقلده فلا ینحره إلا بمنی یوم الأضحی » (6).

ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یضل هدیه فیجده رجل آخر فینحره ، قال : « إن کان نحره بمنی فقد أجزأ عن صاحبه الذی ضل عنه ،

وجوب الذبح بمنی

ص: 19


1- المنتهی 2 : 738.
2- الفقیه 2 : 296 - 1469 ، التهذیب 5 : 222 - 748 ، قرب الإسناد : 105 ، الوسائل 10 : 128 أبواب الذبح ب 29 ح 1 ، البحار 10 : 274 - 1.
3- التذکرة 1 : 380 ، والمنتهی 2 : 738.
4- مسند أحمد 1 : 76 ، سنن الدارمی 2 : 57 ، سنن ابن ماجة 2 : 1013 - 3048.
5- غوالی اللآلی 1 : 215 - 73 ، مسند أحمد 3 : 318.
6- الکافی 4 : 488 - 3 ، التهذیب 5 : 201 - 670 ، الإستبصار 2 : 263 - 928 ، الوسائل 10 : 92 أبواب الذبح ب 4 ح 1.

ولا یجزی واحد فی الواجب إلا عن واحد. وقیل : یجزی مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة إذا کانوا أهل خوان واحد ، والأول أشبه.

______________________________________________________

وإن کان نحره فی غیر منی لم یجز عن صاحبه » (1) وإذا لم یجز المذبوح فی غیر منی عن صاحبه مع الضرورة ، فمع الاختیار أولی.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن أهل مکة أنکروا علیک أنک ذبحت هدیک فی منزلک بمکة فقال : « إن مکة کلها منحر » (2) لاحتمال أن یکون الهدی الذی ذبحه بمکة کان تطوعا ، فإن التطوع یجوز ذبحه بمکة کما دل علیه الخبر المتقدم. وقال الشیخ فی التهذیب : إن هذا الخبر مجمل ، والخبر الأول - یعنی روایة إبراهیم الکرخی - مفصل ، فیکون الحکم به أولی (3).

قوله : ( ولا یجزی واحد فی الواجب إلا عن واحد ، وقیل : یجزی مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة إذا کانوا أهل خوان واحد ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ فی موضع من الخلاف : الهدی الواجب لا یجزی إلا واحد عن واحد (4). وبه قطع ابن إدریس (5) والمصنف وأکثر الأصحاب. وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط والجمل وموضع من الخلاف : یجزی الهدی الواجب عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعین (6). وقال المفید : تجزی البقرة عن خمسة إذا

حکم الهدی الواحد عن أکثر من واحد

ص: 20


1- التهذیب 5 : 219 - 739 ، الإستبصار 2 : 272 - 963 ، الوسائل 10 : 127 أبواب الذبح ب 28 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 495 - 8 ، والفقیه 2 : 297 - 1475.
2- التهذیب 5 : 202 - 671 ، الإستبصار 2 : 263 - 929 ، الوسائل 10 : 92 أبواب الذبح ب 4 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 488 - 6.
3- التهذیب 5 : 202.
4- الخلاف 2 : 535.
5- السرائر : 140.
6- النهایة : 258 ، والمبسوط 1 : 372 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 235 ، والخلاف 1 : 499.

______________________________________________________

کانوا أهل بیت (1). ونحوه قال ابن بابویه (2) وقال سلار : تجزی البقرة عن خمسة ، وأطلق (3).

احتج المانعون بما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن محمد الحلبی : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن النفر ، تجزیهم البقرة؟ فقال : « أما فی الهدی فلا ، وأما فی الأضحی فنعم ، ویجزی الهدی عن الأضحیّة » (4) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : « لا یجوز إلا عن واحد بمنی » (5) وروی أیضا بسند یقرب من الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تجزی البقرة والبدنة فی الأمصار عن سبعة ، ولا تجزی بمنی إلا عن واحد » (6).

احتج المجوزون بروایة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تجزی البقرة عن خمسة بمنی إذا کانوا أهل خوان واحد » (7) وحسنة حمران ، قال : عزّت البدن سنة بمنی حتی بلغت البدنة مائة دینار ، فسئل أبو جعفر علیه السلام عن ذلک فقال : « اشترکوا فیها » قال ، قلت : وکم؟ قال : « ما خف فهو أفضل » فقال ، قلت : عن کم

ص: 21


1- المقنعة : 65.
2- المقنع : 88.
3- المراسم : 114.
4- الفقیه 2 : 297 - 1472 ، الوسائل 10 : 113 أبواب الذبح ب 18 ح 3 ، ورواها فی التهذیب 5 : 210 - 705 ، والاستبصار 2 : 268 - 950.
5- التهذیب 5 : 208 - 696 ، الإستبصار 2 : 266 - 941 ، الوسائل 10 : 113 أبواب الذبح ب 18 ح 1.
6- التهذیب 5 : 207 - 695 ، الإستبصار 2 : 266 - 940 ، الوسائل 10 : 113 أبواب الذبح ب 18 ح 4.
7- التهذیب 5 : 208 - 697 ، الإستبصار 2 : 266 - 942 ، الوسائل 10 : 113 أبواب الذبح ب 18 ح 5.

ویجوز فی ذلک فی الندب.

______________________________________________________

تجزی؟ فقال : « عن سبعین » (1) وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « البدنة والبقرة تجزی عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بیت واحد ومن غیرهم » (2).

وفی معنی هذه الروایات غیرها وکلها ضعیفة السند ، نعم روی عبد الرحمن بن الحجاج فی الصحیح ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن قوم غلت علیهم الأضاحی وهم متمتعون ، وهم مترافقون ، لیسوا بأهل بیت واحد ، وقد اجتمعوا فی مسیرهم ، ومضربهم واحد ، ألهم أن یذبحوا بقرة؟ فقال : « لا أحب ذلک إلا من ضرورة » (3).

والمسألة محل تردد ، وإن کان القول بإجزاء البقرة عن خمسة کما تضمنته روایة معاویة بن عمار المتقدمة غیر بعید ، لاعتبار سند الروایة ، واعتضادها بباقی الروایات.

والخوان کغراب وکتاب : ما یؤکل علیه الطعام ، قاله فی القاموس (4) ، والظاهر أن المراد بکونهم أهل خوان واحد أن یکونوا رفقة مختلطین فی المأکل ، وقیل : إن ذلک کنایة عن کونهم أهل بیت (5) ، وهو أعم من ذلک.

قوله : ( ویجوز ذلک فی الندب ).

أی فی الهدی المندوب ، وهو الأضحیة ، والمبعوث من الآفاق ، والمتبرع بسیاقه إذا لم یتعین بالإشعار أو التقلید. ولا یجوز أن یکون المراد به

ص: 22


1- الکافی 4 : 496 - 4 ، التهذیب 5 : 209 - 703 ، الإستبصار 2 : 267 - 948 ، الوسائل 10 : 115 أبواب الذبح ب 18 ح 11.
2- التهذیب 5 : 208 - 699 ، الاستبصار 2 : 266 - 944 ، علل الشرائع : 441 - 1 ، الخصال : 356 - 38 ، الوسائل 10 : 114 أبواب الذبح ب 18 ح 10.
3- الکافی 4 : 496 - 2 ، التهذیب 5 : 210 - 706 ، الإستبصار 2 : 268 - 951 ، الوسائل 10 : 114 أبواب الذبح ب 18 ح 10.
4- القاموس المحیط 4 : 222.
5- التهذیب 5 : 207.

ولا یجب بیع ثیاب التجمّل فی الهدی ، بل یقتصر علی الصوم.

______________________________________________________

الهدی فی الحج المندوب ، لأنه یجب بالشروع فیه کما مر ، فیکون الهدی فیه واجبا کما یجب فی الواجب بأصل الشرع. وقد نقل العلامة فی المنتهی الإجماع علی إجزاء الهدی الواحد فی التطوع عن سبعة نفر ، سواء کان من الإبل أو البقر أو الغنم (1) ( ویدل علیه روایة الحلبی المتقدمة (2) (3) وقال فی التذکرة : أما التطوع فیجزی الواحد عن سبعة وعن سبعین حال الاختیار ، سواء کان من الإبل أو البقر أو الغنم إجماعا (4).

قوله : ( ولا یجب بیع ثیاب التجمل فی الهدی ، بل یقتصر علی الصوم ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن علی بن أسباط ، عن بعض أصحابه ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال ، قلت له : رجل تمتع بالعمرة إلی الحج وفی عیبته ثیاب ، أله أن یبیع من ثیابه شیئا ویشتری بدنة؟ قال : « لا هذا یتزین به المؤمن ، یصوم ولا یأخذ من ثیابه شیئا » (5) والروایة ضعیفة السند بالإرسال وغیره ، لکن لا ریب فی عدم وجوب بیع ما تدعوا الضرورة إلیه من ذلک وغیره. ولو باع شیئا من ذلک مع الحاجة إلیه واشتری بثمنه هدیا قیل : أجزأ ، کما لو تبرع علیه متبرع بالهدی (6). ویمکن المناقشة فیه بأن الآتی بذلک آت بغیر ما هو فرضه ، إذ الفرض الإتیان بالبدل والحال هذه ، وإلحاقه بحالة التبرع قیاس مع الفارق.

لا یجب بیع الثیاب للهدی

ص: 23


1- المنتهی 2 : 748.
2- فی ص 21.
3- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
4- التذکرة 1 : 384.
5- التهذیب 5 : 238 - 802 ، الوسائل 10 : 171 أبواب الذبح ب 57 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 508 - 5.
6- کما فی جامع المقاصد 1 : 171 ، والمسالک 1 : 115.

ولو ضلّ الهدی فذبحه غیر صاحبه لم یجز عنه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ضل الهدی فذبحه غیر صاحبه لم یجز عنه ).

وذلک لأنه لم یتعین بالشراء للذبح ، وإنما یتعین بالنیة ، فلا یقع من غیر المالک أو وکیله. والأصح أنه یجزی عنه إذا ذبحه عن صاحبه کما اختاره الشیخ (1) وجمع من الأصحاب ، لصحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل یضل هدیه فیجده رجل آخر فینحره ، قال : « إن کان نحره بمنی فقد أجزأ عن صاحبه الذی ضل عنه ، وإن کان نحره فی غیر منی لم یجز عن صاحبه » (2).

وذکر العلامة فی المنتهی أنه ینبغی لواجد الهدی الضال أن یعرّفه ثلاثة أیام ، فإن عرفه صاحبه وإلا ذبحه عنه (3). لصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : « إذا وجد الرجل هدیا ضالا فلیعرّفه یوم النحر والیوم الثانی والیوم الثالث ، ثم لیذبحها عن صاحبها عشیة الثالث » (4) ولا یبعد وجوب التعریف کما هو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (5) ، عملا بظاهر الأمر.

ولو قلنا بجواز الذبح قبل التعریف لم یبعد وجوبه بعده لیعلم المالک فیترک الذبح ثانیا.

ومتی جاز ذبحه فالظاهر وجوب الصدقة به والاهداء ، ویسقط وجوب الأکل قطعا ، لتعلقه بالمالک.

حکم ضلال الهدی

ص: 24


1- النهایة : 260.
2- الکافی 4 : 495 - 8 ، الفقیه 2 : 297 - 1475 ، التهذیب 5 : 219 - 739 ، الإستبصار 2 : 272 - 963 ، الوسائل 10 : 127 أبواب الذبح ب 28 ح 2.
3- المنتهی 2 : 751.
4- الکافی 4 : 494 - 5 ، التهذیب 5 : 217 - 731 ، الوسائل 10 : 127 أبواب الذبح ب 28 ح 1.
5- النهایة : 260.

ولا یجوز إخراج شی ء مما یذبحه عن منی ، بل یخرج إلی مصرفه بها.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یجوز إخراج شی ء مما یذبحه عن منی ، بل یخرجه إلی مصرفه بها ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : سألته عن اللحم ، أیخرج به من الحرم؟ فقال : « لا یخرج منه شی ء إلا السنام بعد ثلاثة أیام » (1).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تخرجن شیئا من لحم الهدی » (2).

وعن علی بن أبی حمزة ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : « لا یتزود الحاج من أضحیته ، وله أن یأکل بمنی أیامها » (3).

ثم قال الشیخ : فأما ما رواه محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن جمیل بن دراج ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن إخراج لحوم الأضاحی من منی فقال : « کنا نقول : لا یخرج شی ء ، لحاجة الناس إلیه ، فأما الیوم فقد کثر الناس ، فلا بأس بإخراجه » (4) فلا ینافی الأخبار المتقدمة ، لأن هذا الخبر لیس فیه أنه یجوز إخراج لحم الأضحیة مما یضحیه الإنسان أو مما

حکم اخراج لحم الهدی من منی

ص: 25


1- التهذیب 5 : 226 - 765 ، الإستبصار 2 : 274 - 974 ، الوسائل 10 : 150 أبواب الذبح ب 42 ح 1.
2- التهذیب 5 : 226 - 766 ، الإستبصار 2 : 275 - 975 ، الوسائل 10 : 150 أبواب الذبح ب 42 ح 2.
3- التهذیب 5 : 227 - 767 ، الإستبصار 2 : 275 - 976 ، الوسائل 10 : 150 أبواب الذبح ب 42 ح 3.
4- الکافی 4 : 500 - 7 ، التهذیب 5 : 227 - 768 ، الإستبصار 2 : 275 - 977 ، الوسائل 10 : 150 أبواب الذبح ب 42 ح 5.

______________________________________________________

یشتریه وإذا لم یکن فی ظاهره حملناه علی أن من اشتری لحوم الأضاحی فلا بأس بأن یخرجه.

ثم استدل علی ذلک بما رواه الحسین بن سعید ، عن أحمد بن محمد ، عن علی ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال ، سمعته یقول : « لا یتزود الحاج من أضحیته ، وله أن یأکل منها أیامها ، إلا السنام فإنه دواء ». قال أحمد ، قال : « ولا بأس أن یشتری الحاج من لحم منی ویتزوده » (1).

وللنظر فی هذا الجمع مجال ، إلا أنه لا خروج عما علیه الأصحاب.

واعلم أن أقصی ما تدل علیه هذه الروایات عدم جواز إخراج شی ء من اللحم عن منی ، وقال الشارح قدس سره : إنه لا فرق فی ذلک بین اللحم والجلد وغیرهما من الأطراف والأمعاء ، بل یجب الصدقة بجمیع ذلک ، لفعل النبی صلی الله علیه و آله (2). وفیه نظر ، لأن الفعل لا یقتضی الوجوب کما حقق فی محله ، نعم یمکن الاستدلال علیه بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الإهاب فقال : « تصدق به أو تجعله مصلی ینتفع به فی البیت ، ولا تعطی الجزارین » وقال : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یعطی جلالها وجلودها وقلائدها الجزارین ، وأمر أن یتصدق بها » (3).

وروی أیضا فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن جلود الأضاحی ، هل یصلح لمن ضحی بها أن یجعلها جرابا؟ قال : « لا یصلح أن یجعلها جرابا ، إلا أن یتصدق

ص: 26


1- التهذیب 5 : 227 - 769 ، الإستبصار 2 : 275 - 978 ، الوسائل 10 : 150 أبواب الذبح ب 42 ح 4.
2- المسالک 1 : 115.
3- التهذیب 5 : 228 - 771 ، الإستبصار 2 : 276 - 980 ، الوسائل 10 : 152 أبواب الذبح ب 43 ح 5.

ویجب ذبحه یوم النحر مقدّما علی الحلق ، فلو أخره أثم وأجزأ. وکذا لو ذبحه فی بقیة ذی الحجة جاز.

______________________________________________________

بثمنها » (1).

قوله : ( ویجب ذبحه یوم النحر مقدما علی الحلق ، ولو أخره أثم وأجزأ ).

أما وجوب ذبحه یوم النحر فهو قول علمائنا وأکثر العامة ، لأن النبی صلی الله علیه و آله نحر هدیه فی هذا الیوم وقال : « خذوا عنی مناسککم » (2).

وأما وجوب تقدیمه علی الحلق فهو أحد الأقوال فی المسألة ، واکتفی الشیخ فی التهذیب والنهایة والمبسوط فی جواز الحلق بحصول الهدی فی رحله ، قال : فإذا حصل فی رحله بمنی وأراد أن یحلق جاز له ذلک ، والأفضل أن لا یحلق حتی یذبح (3). وقال فی الخلاف : ترتیب مناسک منی مستحب لا واجب (4). وبه قطع ابن إدریس فی سرائره (5) ، واستقر به فی المختلف (6) ، وسیجی ء تفصیل الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی (7).

قوله : ( وکذا لو ذبحه فی بقیة ذی الحجة جاز ).

مقتضی العبارة جواز ذبحه فی بقیة ذی الحجة اختیارا ، وبه صرح الشیخ فی المصباح فقال : إن الهدی الواجب یجوز ذبحه ونحره طول ذی

حکم تأخیر الذبح عن یوم النحر

ص: 27


1- التهذیب 5 : 228 - 773 ، الإستبصار 2 : 276 - 982 ، الوسائل 10 : 151 أبواب الذبح ب 43 ح 4 ، ورواها فی قرب الإسناد : 106 ، والبحار 10 : 276.
2- غوالی اللآلی 4 : 34 - 118.
3- التهذیب 5 : 235 ، والنهایة : 262 ، والمبسوط 1 : 374.
4- الخلاف 1 : 457.
5- السرائر : 142.
6- المختلف : 307.
7- فی ص 99.

الثانی : فی صفاته ، والواجبات ثلاثة :

الأول : الجنس ، ویجب أن یکون من النعم : الإبل ، أو البقر ، أو الغنم.

الثانی : السّن ، فلا یجزی من الإبل إلا الثنی ، وهو الذی له خمس ودخل فی السادسة. ومن البقر والمعز ما له سنة ودخل فی الثانیة. ویجزی من الضأن الجذع لسنته.

______________________________________________________

الحجة ، ویوم النحر أفضل (1). وهو مشکل. وقال الشهید فی الدروس : إن زمانه یوم النحر ، فإن فات أجزأ فی ذی الحجة (2). ولم أقف فی الروایات علی ما یدل علی ذلک صریحا ، وإنما الموجود فیها أن من فقد الهدی ووجد ثمنه خلّفه عند ثقة لیذبحه عنه فی ذی الحجة.

قوله : ( الثانی ، فی صفاته ، والواجب ثلاثة : الأول ، الجنس ، ویجب أن یکون من النعم : الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة بن أعین ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی المتمتع قال : « وعلیه الهدی » فقلت : وما الهدی؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسه شاة » (3).

قوله : ( الثانی ، السن ، فلا یجزی من الإبل إلا الثنی ، وهو الذی له خمس ودخل فی السادسة ، ومن البقر والمعز ما له سنة ودخل فی الثانیة ، ویجزی من الضأن الجذع لسنته ).

مذهب الأصحاب أنه لا یجزی فی الهدی من غیر الضأن إلا الثنی ، أما

صفات الهدی

وجوب کونه من النعم

السن المعتبرة فی الهدی

ص: 28


1- مصباح المتهجد : 643.
2- الدروس : 127.
3- التهذیب 5 : 36 - 107 ، الوسائل 10 : 101 أبواب الذبح ب 10 ح 5.

______________________________________________________

الضأن فیجزی منه الجذع (1) ، ووافقنا علی ذلک أکثر العامة ، وقال بعضهم : لا یجزی إلا الثنی من کل شی ء (2). وقال آخرون : یجزی الجذع من الکل ، إلا المعز (3).

والمستند فیما ذکره الأصحاب ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « یجزی من الضأن الجذع ، ولا یجزی من المعز إلا الثنی » (4).

وفی الصحیح عن عیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن علی علیه السلام ، أنه کان یقول : « الثنیة من الإبل ، والثنیة من البقر ، والثنیة من المعز ، والجذع من الضأن » (5).

وفی الصحیح عن حماد بن عثمان ، قال : سألته أبا عبد الله علیه السلام عن أدنی ما یجزی من أسنان الغنم فی الهدی فقال : « الجذع من الضأن » قلت : فالمعز؟ قال : « لا یجوز الجذع من المعز » قلت : ولم؟ قال : « لأن الجذع من الضأن یلقح ، والجذع من المعز لا یلقح » (6).

واعلم أن المشهور فی کلام الأصحاب أن الثنی من الإبل ما کمل له خمس سنین ودخل فی السادسة ، ومن البقر والغنم ما دخل فی الثانیة.

وذکر العلامة فی موضع من التذکرة والمنتهی أن الثنی من المعز ما دخل فی الثالثة (7). وهو مطابق لکلام أهل اللغة ، قال الجوهری : الثنی الذی یلقی ثنیته ، ویکون ذلک فی الظلف والحافر فی السنة الثالثة وفی الخف فی

ص: 29


1- فی « ح » : أما الضأن فلا یجزی إلا الجذع.
2- حکاه ابن قدامة فی المغنی 3 : 595.
3- حکاه ابن قدامة فی المغنی 3 : 595.
4- التهذیب 5 : 206 - 689 ، الوسائل 10 : 103 أبواب الذبح ب 11 ح 2.
5- التهذیب 5 : 206 - 688 ، الوسائل 10 : 102 أبواب الذبح ب 11 ح 1.
6- التهذیب 5 : 206 - 690 ، الوسائل 10 : 103 أبواب الذبح ب 11 ح 4 ، ورواها فی الکافی 4 : 489 - 1 ، والمحاسن : 340 - 127 ، وعلل الشرائع : 441 - 1.
7- التذکرة 1 : 213 ، والمنتهی 1 : 491.

الثالث : أن یکون تاما ، فلا تجزی العوراء ، ولا العرجاء البیّن عرجها ،

______________________________________________________

السنة السادسة (1). وقال فی القاموس : الثنیة الناقة الطاعنة فی السادسة ، والفرس الداخلة فی الرابعة ، والشاة فی الثالثة کالبقرة (2).

وأما الجذع من الضأن فقال العلامة فی التذکرة والمنتهی فی هذه المسألة : إنه ما کمل له ستة أشهر (3). وهو موافق لکلام الجوهری. وقیل : إنه ما کمل له سبعة أشهر ودخل فی الثامن (4). وحکی فی التذکرة عن ابن الأعرابی أنه قال : إن ولد الضأن إنما یجذع ابن سبعة أشهر إذا کان أبواه شابین ، ولو کانا هرمین لم یجذع حتی یستکمل ثمانیة أشهر (5).

والتعویل علی ذلک کله مشکل ، نعم روی الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن حمران ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أسنان البقر تبیعها ومسنها سواء » (6) والتبیع ما دخل فی الثانیة. وحیث ثبت إجزاء الثنی فینبغی الرجوع فیما یصدق علیه ذلک إلی العرف إن لم یثبت المعنی اللغوی ( والأمر فی هذه المسائل ملتبس ، وطریق الاحتیاط واضح ) (7).

قوله : ( الثالث : أن یکون تاما ، فلا یجزی العوراء ، ولا العرجاء البیّن عرجها ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن علی بن جعفر : أنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن الرجل یشتری الأضحیة عوراء فلا یعلم إلا بعد شرائها هل

وجوب کون الهدی تاما

ص: 30


1- الصحاح 6 : 2295.
2- القاموس المحیط 4 : 311.
3- التذکرة 1 : 381 ، والمنتهی 2 : 740.
4- کما فی مجمع الفائدة 4 : 77.
5- التذکرة 1 : 213.
6- الکافی 4 : 489 - 3 ، الوسائل 10 : 104 أبواب الذبح ب 11 ح 7.
7- ما بین القوسین لیس فی « ض ».

______________________________________________________

یجزی عنه؟ قال : « نعم ، إلا أن یکون هدیا واجبا فإنه لا یجوز أن یکون ناقصا » (1) وهو نص فی المطلوب.

وعن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا یضحی بالعرجاء بیّن عرجها ، ولا بالعوراء بیّن عورها ، ولا بالعجفاء ، ولا بالخرقاء (2) ، ولا بالجذاء (3) ، ولا بالعضباء » (4).

وعن شریح بن هانی ، عن علی صلوات الله وسلامه علیه ، قال : « أمرنا رسول الله صلی الله علیه و آله فی الأضاحی أن نستشرف العین والأذن ، ونهانا عن الخرقاء ، والشرقاء ، والمقابلة ، والمدابرة » (5).

وفسرت الخرقاء : بالتی فی أذنها خرق مستدیر ، والشرقاء : بأنها المشقوقة الأذنین بائنتین ، والمقابلة : بأنها المقطوعة طرف الأذن ویترک معلقا ، والمدابرة : بأنها المقطوعة مؤخر الأذن کذلک ، والعضباء : بأنها الناقة المشقوقة الأذن والشاة المکسورة القرن الداخل ، والجذاء : بأنها المقطوعة الأذن (6).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی العور بین کونه

ص: 31


1- الفقیه 2 : 295 - 1463 ، التهذیب 5 : 213 - 719 ، الإستبصار 2 : 268 - 952 ، الوسائل 10 : 122 أبواب الذبح ب 24 ح 2.
2- فی الفقیه : ولا بالجرباء ، وفی التهذیب : ولا بالخرماء ، وفی الوسائل : ولا بالخرفاء ( بالخرقاء ، بالحریاء ).
3- فی « ح » ، الفقیه ، الوسائل : ولا بالجدعاء.
4- الفقیه 2 : 293 - 1450 ، التهذیب 5 : 213 - 716 ، معانی الأخبار : 221 - 1 ، الوسائل 10 : 119 أبواب الذبح ب 21 ح 3.
5- الفقیه 2 : 293 - 1449 ، التهذیب 5 : 212 - 715 ، معانی الأخبار : 222 - 1 ، الوسائل 10 : 119 أبواب الذبح ب 21 ح 2.
6- ذکر ذلک کله فی الصحاح 4 : 1468 و 1501 ، وج 5 : 1797 ، وج 1 : 183 وج 2 : 561.

ولا التی انکسر قرنها الداخل ، ولا المقطوعة الأذن ،

______________________________________________________

بیّنا کانخساف العین ، وغیره کحصول البیاض علیها ، وبهذا التعمیم صرح فی المنتهی (1).

أما العرج فاعتبر الأصحاب فیه کونه بیّنا ، کما ورد فی روایة السکونی. وفسروا البیّن بأنه المتفاحش الذی یمنعها السیر مع الغنم ومشارکتهن فی العلف والمرعی فتهزل.

ومقتضی صحیحة علی بن جعفر عدم إجزاء الناقص من الهدی مطلقا.

قوله : ( ولا التی انکسر قرنها الداخل ).

وهو الأبیض الذی فی وسط الخارج ، أما الخارج فلا عبرة به. ویدل علی الحکمین ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال فی المقطوع القرن أو المکسور القرن : « إذا کان القرن الداخل صحیحا فلا بأس وإن کان القرن الظاهر الخارج مقطوعا » (2).

وقال ابن بابویه : سمعت شیخنا محمد بن الحسن رضی الله عنه یقول : سمعت محمد بن الحسن الصفار یقول : إذا ذهب من القرن الداخل ثلثاه وبقی ثلثه فلا بأس بأن یضحی به (3).

قوله : ( ولا المقطوعة الأذن ).

للنهی عنه فی روایتی السکونی وشریح بن هانی المتقدمتین ، ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر بإسناده عن أحدهما علیه السلام ، قال : سئل عن الأضاحی إذا کانت الأذن

ص: 32


1- المنتهی 2 : 740.
2- التهذیب 5 : 213 - 717 ، الوسائل 10 : 121 أبواب الذبح ب 22 ح 3.
3- الفقیه 2 : 296.

ولا الخصی من الفحول.

______________________________________________________

مشقوقة أو مثقوبة بسمة فقال : « ما لم یکن منها مقطوعا فلا بأس » (1) ویستفاد من هذه الروایة إجزاء مشقوقة الأذن ومثقوبتها إذا لم یذهب منها شی ء.

وروی الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الضحیة تکون مشقوقة الأذن فقال : « إن کان شقها وسما فلا بأس ، وإن کان شقا فلا یصلح » (2).

وقد قطع الأصحاب بإجزاء الجماء ، وهی التی لم یخلق لها قرن ، والصمعاء وهی الفاقدة الأذن خلقة ، للأصل ، ولأن فقد هذه الأعضاء لا یوجب نقصا فی قیمة الشاة ولا فی لحمها. واستقرب العلامة فی المنتهی إجزاء البتراء أیضا ، وهی المقطوعة الذنب (3). ولا بأس به.

قوله : ( ولا الخصی من الفحول ).

المراد بالخصی المسلول الخصیة بضم الخاء وکسرها ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمه ، فذهب الأکثر إلی عدم إجزائه ، بل ظاهر التذکرة أنه قول علمائنا أجمع (4). وقال ابن أبی عقیل : إنه مکروه (5). والأصح الأول ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، أنه سأله أیضحی بالخصی؟ فقال : « لا » (6).

وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الرجل یشتری الهدی ، فلما ذبحه إذا هو خصی مجبوب ، ولم یکن یعلم أن الخصی لا یجوز فی الهدی ، هل یجزیه أم یعیده؟ قال :

ص: 33


1- التهذیب 5 : 213 - 718 ، الوسائل 10 : 121 أبواب الذبح ب 23 ح 1.
2- الکافی 4 : 491 - 11 ، الوسائل 10 : 121 أبواب الذبح ب 23 ح 2.
3- المنتهی 2 : 741.
4- التذکرة 1 : 381.
5- نقله عنه فی المختلف : 306.
6- التهذیب 5 : 205 - 686 ، الوسائل 10 : 105 أبواب الذبح ب 12 ح 1.

ولا المهزولة ،

______________________________________________________

« لا یجزیه إلا أن یکون لا قوة به علیه » (1).

وصحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، قال : سئل عن الخصی أیضحی به؟ فقال : « إن کنتم تریدون اللحم فدونکم » (2).

ولو لم یجد إلا الخصی فالأظهر إجزاؤه ، کما اختاره فی الدروس (3) ، لروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فالخصی یضحی به؟ قال : « لا إلا أن لا یکون غیره » (4).

وفی صحیحة معاویة بن عمار « اشتر فحلا سمینا للمتعة ، فإن لم تجد فموجوءا ، فإن لم تجد فمن فحولة المعز ، فإن لم تجد فنعجة ، فإن لم تجد فما استیسر من الهدی » (5) وفی صحیحة أخری لمعاویة : « فإن لم تجد فما تیسر علیک » (6).

قوله : ( ولا المهزولة ).

لأنه قد منع من العرجاء لأجل الهزال ، فالمهزولة أولی ، ولقول الصادق علیه السلام فی صحیحة العیص بن القاسم : « وإن اشتریته مهزولا فوجدته سمینا أجزأک ، وإن اشتریته مهزولا فوجدته مهزولا فلا یجزی » (7). وفی حسنة الحلبی : « إذا اشتری الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمینة فقد أجزأت عنه ، وإن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنها لا تجزی عنه » (8).

عدم اجزاء المهزول

ص: 34


1- التهذیب 5 : 211 - 708 ، الوسائل 10 : 105 أبواب الذبح ب 12 ح 4.
2- التهذیب 5 : 207 - 692 ، الإستبصار 2 : 265 - 937 ، الوسائل 10 : 112 أبواب الذبح ب 17 ح 1.
3- الدروس : 127.
4- الکافی 4 : 490 - 5 ، الوسائل 10 : 106 أبواب الذبح ب 12 ح 8.
5- الکافی 4 : 490 - 9 ، الوسائل 10 : 106 أبواب الذبح ب 12 ح 7.
6- التهذیب 5 : 204 - 679 ، الوسائل 10 : 97 أبواب الذبح ب 8 ح 1.
7- الکافی 4 : 491 - 15 ، الوسائل 10 : 111 أبواب الذبح ب 16 ح 6.
8- الکافی 4 : 490 - 6 ، الوسائل 10 : 111 أبواب الذبح ب 16 ح 5.

وهی التی لیس علی کلیتیها شحم.

ولو اشتراها علی أنها مهزولة فخرجت کذلک لم تجزه. ولو خرجت سمینة أجزأته ،

______________________________________________________

قوله : ( وهی التی لیس علی کلیتها شحم ).

هذا التفسیر مروی فی روایة الفضیل ، قال : حججت بأهلی سنة فعزت الأضاحی فانطلقت فاشتریت شاتین بغلاء ، فلما ألقیت إهابیهما ندمت ندامة شدیدة کثیرة لما رأیت بهما من الهزال ، فأتیته فأخبرته بذلک ، فقال : « إن کان علی کلیتیهما شی ء من الشحم أجزأت » (1) وفی طریق هذه الروایة یاسین الضریر وهو غیر موثق. ولو قیل بالرجوع فی حد الهزال إلی العرف لم یکن بعیدا.

ولو لم یجد إلا فاقد الشرائط قیل أجزأ ، وبه قطع الشهیدان (2) لظاهر قوله علیه السلام « فإن لم تجد فما استیسر من الهدی » واستقرب المحقق الشیخ علی الانتقال إلی الصوم ، لأن فاقد الشرائط لما لم یکن مجزیا کان وجوده کعدمه (3). والمسألة محل تردد.

قوله : ( ولو اشتراها علی أنها مهزولة فبانت کذلک لم تجزه ، ولو خرجت سمینة أجزأته ).

لا ریب فی الإجزاء إذا ظهر کونها سمینة قبل الذبح ، وإنما الخلاف فیما إذا ظهر ذلک بعده ، فذهب الأکثر إلی الإجزاء أیضا ، لقوله علیه السلام فی روایة الحلبی والعیص بن القاسم المقدمتین : « وإن اشتریته مهزولا فوجدته سمینا أجزأک » فإن المتبادر من الوجدان کونه بعد الذبح.

حکم من اشتری مهزولة فبانت سمینة

ص: 35


1- الکافی 4 : 492 - 16 ، التهذیب 5 : 212 - 714 ، الوسائل 10 : 110 أبواب الذبح ب 16 ح 3.
2- الشهید الأول فی الدروس : 127 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 115.
3- جامع المقاصد 1 : 171.

وکذا لو اشتراها علی أنها سمینة فخرجت مهزولة. ولو اشتراها علی أنها تامة فبانت ناقصة لم یجزه.

______________________________________________________

وقال ابن أبی عقیل : لا یجزیه ذلک ، لأن ذبح ما یعتقده مهزولا غیر جائز ، فلا یمکن التقرب به ، وإذا انتفت نیة القربة انتفی الإجزاء (1).

وأجیب عنه (2) بالمنع من الصغری ، إذ غایة ما یستفاد من الأدلة عدم إجزاء المهزول ، لا تحریم ذبح ما ظن کونه کذلک. وعلی هذا فیمکن القول بجواز ذبح المشتبه والمظنون الهزال رجاء ظهور الموافقة.

قوله : ( وکذا لو اشتراها علی أنها سمینة فخرجت مهزولة ).

أی بعد الذبح ، وإنما کانت مجزیة لصدق الامتثال ، وقوله علیه السلام فی صحیحة منصور (3) : « وإن اشتری الرجل هدیا وهو یری أنه سمین أجزأ عنه وإن لم یجده سمینا » (4).

ولو ظهر الهزال قبل الذبح لم یجز ، لإطلاق الروایات المتضمنة لعدم إجزاء التضحیة بالمهزول السالم عن معارضة النص المتقدم ، حیث إن المتبادر من الوجدان کونه بعد الذبح کما سبق ، وقیل بالإجزاء هنا أیضا (5). وهو ضعیف جدا.

قوله : ( ولو اشتراها علی أنها تامة فبانت ناقصة لم تجزه ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین أن یظهر النقصان قبل الذبح وبعده ، ولا بین أن یکون المشتری قد نقد الثمن أولا ، ویدل علیه ( مضافا إلی النهی عن الهدی الناقص ) (6) صحیحة علی بن جعفر : أنه سأل

حکم من اشتری سمینة فبانت مهزولة

ص: 36


1- نقله عنه فی المختلف : 306.
2- کما فی المختلف : 306.
3- فی « م » و « ح » زیادة : ابن حازم.
4- التهذیب 5 : 211 - 712 ، الوسائل 10 : 110 أبواب الذبح ب 16 ح 2.
5- المسالک 1 : 115.
6- ما بین القوسین لیس فی « ض ».

والمستحب أن تکون سمینة ، تنظر فی سواد وتبرک فی سواد وتمشی فی مثله ، أی یکون لها ظلّ تمشی فیه. وقیل : أن تکون هذه المواضع منها سودا ،

______________________________________________________

أخاه موسی علیه السلام عن الرجل یشتری الأضحیّة عوراء فلا یعلم إلا بعد شرائها ، هل یجزی عنه؟ قال : « نعم ، إلا أن یکون هدیا واجبا ، فإنه لا یجوز أن یکون ناقصا » (1).

وقال الشیخ فی التهذیب : إن من اشتری هدیا ولم یعلم أن به عیبا ونقّد ثمنه ثم وجد به عیبا فإنه یجزی عنه. واستدل علیه بما رواه فی الصحیح ، عن عمران الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من اشتری هدیا ولم یعلم أن به عیبا حتی نقّد ثمنه ثم علم به فقد تم » (2).

ثم قال : ولا ینافی هذا الخبر ما رواه محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل اشتری هدیا وکان به عیب ، عور أو غیره فقال : « إن کان نقّد ثمنه رده فاشتری غیره » (3) لأن هذا الخبر محمول علی من اشتری ولم یعلم أن به عیبا ، ثم علم قبل أن ینقّد الثمن عیبه ، ثم نقّد الثمن بعد ذلک ، فإن علیه رد الهدی ، وأن یسترد الثمن ویشتری بدله ، ولا تنافی بین الخبرین (4). هذا کلامه رحمه الله ، ولا بأس به.

قوله : ( والمستحب أن تکون سمینة ، تنظر فی سواد ، وتبرک فی سواد ، وتمشی فی مثله ، أی : یکون لها ظل تمشی فیه ، وقیل : أن یکون هذه المواضع منها سودا ).

استحباب کون الهدی سمینا

ص: 37


1- الفقیه 2 : 295 - 1463 ، التهذیب 5 : 213 - 719 ، الاستبصار 2 : 268 - 952 ، قرب الإسناد : 105 ، الوسائل 10 : 119 أبواب الذبح ب 21 ح 1.
2- التهذیب 5 : 214 - 720 ، الإستبصار 2 : 269 - 953 ، الوسائل 10 : 122 أبواب الذبح ب 24 ح 3.
3- الوسائل 10 : 122 أبواب الذبح ب 24 ح 1.
4- التهذیب 5 : 214.

______________________________________________________

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یضحی بکبش أقرن ، عظیم ، سمین ، فحل ، یأکل فی سواد ، وینظر فی سواد » (1).

وفی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یضحی بکبش أقرن ، فحل ، ینظر فی سواد ، ویمشی فی سواد » (2).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، قال : حدثنی من سمعه یقول : « ضح بکبش أسود أقرن فحل ، فإن لم تجد أسود فأقرن فحل ، یأکل فی سواد ، ویشرب فی سواد ، وینظر فی سواد » (3).

واختلف الأصحاب فی تفسیر اللفظ ، فقال بعضهم : المراد بذلک کون هذه المواضع سودا. واختاره ابن إدریس (4).

وقیل : معناه أن یکون من عظمته ینظر فی شحمه ، ویمشی فی فیئه ، ویبرک فی ظل شحمه (5). وهذا القول هو الذی نقله المصنف ، فإن المراد بقوله یکون لها ظل تمشی فیه : أن یکون لها ظل عظیم باعتبار عظم جثتها وسمنها ، لا مطلق الظل ، فإنه لازم لکل جسم کثیف.

ونقل عن بعض الفقهاء تفسیر ثالث ، وهو أن یکون السواد کنایة عن

ص: 38


1- التهذیب 5 : 205 - 686 ، الوسائل 10 : 107 أبواب الذبح ب 13 ح 2.
2- التهذیب 5 : 205 - 685 ، الوسائل 10 : 107 أبواب الذبح ب 13 ح 1 ، ورواها فی الفقیه 2 : 296 - 1470.
3- الکافی 4 : 489 - 4 ، الوسائل 10 : 108 أبواب الذبح ب 13 ح 5.
4- السرائر : 140.
5- نقله عن أهل التأویل واستقر به العلامة فی المختلف : 406 ، وجعله الأولی الفاضل المقداد فی التنقیح 1 : 490.

وأن تکون مما عرّف به ،

______________________________________________________

المرعی والنبت ، فإنه یطلق علیه ذلک لغة ، والمعنی حینئذ أن یکون الهدی رعی ومشی ونظر وبرک فی الخضرة والمرعی فسمن لذلک (1).

ونقل عن القطب الراوندی أنه قال : إن التفسیرات الثلاثة مرویة عن أهل البیت علیهم السلام (2).

ولا یخفی أن هذا الوصف علی التفسیر الثانی والثالث یکون مبالغة فی زیادة السمن ، أما علی التفسیر الأول فإنه یکون وصفا برأسه مغایرا لما قبله.

قوله : ( وأن تکون مما عرّف به ).

المشهور أن ذلک علی سبیل الاستحباب ، بل قال فی التذکرة : ویستحب أن یکون مما عرّف به ، وهو الذی أحضر عرفة عشیة عرفة إجماعا (3).

وقال فی المقنعة : لا یجوز أن یضحی إلا بما قد عرّف به ، وهو الذی أحضر عشیة عرفة بعرفة (4). وظاهره أن ذلک علی سبیل الوجوب ، لکن قال فی المنتهی : إن الظاهر أنه أراد به تأکد الاستحباب (5).

والأصل فی هذه المسألة من طریق الأصحاب ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یضحی إلا بما قد عرّف به » (6).

وفی الصحیح عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، قال : سئل عن

استحباب کونه مما عرف به

ص: 39


1- کالشهید الأول فی الدروس : 127 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 116.
2- نقله عنه فی الدروس : 127.
3- التذکرة 1 : 382.
4- لم نعثر علیه فی المقنعة وهو موجود فی التهذیب 5 : 206.
5- المنتهی 2 : 742.
6- التهذیب 5 : 207 - 691 ، الإستبصار 2 : 265 - 936 ، الوسائل 10 : 112 أبواب الذبح ب 17 ح 2.

وأفضل الهدی من البدن والبقر الإناث ، ومن الضأن والمعز الذکران ،

______________________________________________________

الخصی یضحی به؟ فقال : « إن کنتم تریدون اللحم فدونکم » وقال : « لا یضحی إلا بما قد عرّف به » (1).

وظاهر النهی التحریم ، إلا أنه حمل علی الکراهة ، لروایة سعید بن یسار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمن اشتری شاة لم یعرّف بها ، قال : « لا بأس بها عرّف بها أم لم یعرّف » (2) وفی طریق هذه الروایة محمد بن سنان وهو ضعیف (3).

ویکفی فی ثبوت التعریف إخبار البائع بذلک ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن سعید بن یسار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنا نشتری الغنم بمنی ولسنا ندری عرّف بها أم لا فقال : « إنهم لا یکذبون ، لا علیک ضح بها » (4) قال الشارح : وفی الاکتفاء بقوله فی سنّه احتمال (5).

قوله : ( وأفضل الهدی من البدن والبقر الإناث ، ومن الضأن والمعز الذکران ).

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل والبقر ، وقد تجزی الذکورة من البدن ، والضحایا من الغنم

أفضلیة إناث البدن والبقر وذکور الغنم

ص: 40


1- التهذیب 5 : 207 - 692 ، الإستبصار 2 : 265 - 937 ، الوسائل 10 : 112 أبواب الذبح ب 17 ح 1.
2- الفقیه 2 : 297 - 1473 ، التهذیب 5 : 207 - 693 ، الإستبصار 2 : 265 - 938 ، الوسائل 10 : 112 أبواب الذبح ب 17 ح 4.
3- راجع رجال النجاشی : 328 - 888 و 424 - 1140 ، والفهرست : 143 - 609 ، ورجال الشیخ : 386.
4- التهذیب 5 : 207 - 694 ، الإستبصار 2 : 265 - 939 ، الوسائل 10 : 112 أبواب الذبح ب 17 ح 3.
5- المسالک 1 : 116.

وأن ینحر الإبل قائمة ، قد ربطت بین الخف والرکبة ، ویطعنها من الجانب الأیمن ، وأن یدعو الله تعالی عند الذبح ،

______________________________________________________

الفحولة » (1). قال فی المنتهی : ولا نعلم خلافا فی جواز العکس فی البابین (2). ویدل علی إجزاء الذکران من الإبل والبقر صریحا قوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم : « الإناث والذکور من الإبل والبقر یجزی » (3).

قوله : ( وأن ینحر الإبل قائمة ، قد ربطت بین الخف والرکبة ، ویطعنها من الجانب الأیمن ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة ، کصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قول الله عزّ وجلّ ( فَاذْکُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَیْها صَوافَّ ) (4) قال : « ذلک حین تصف للنحر ، تربط یدیها ما بین الخف إلی الرکبة ، ووجوب جنوبها إذا وقعت علی الأرض » (5).

وروایة أبی الصباح الکنانی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام کیف تنحر البدنة؟ قال : « ینحرها وهی قائمة من قبل الیمین » (6).

ومعنی قول المصنف ویطعنها من الجانب الأیمن أن الذی ینحرها یقف من جانبها الأیمن ویطعنها فی موضع النحر.

قوله : ( وأن یدعو الله عند الذبح ).

استحباب نحر الإبل قائمة

ص: 41


1- التهذیب 5 : 204 - 680 ، الوسائل 10 : 99 أبواب الذبح ب 9 ح 1 ، ورواها فی المقنعة : 70.
2- المنتهی 2 : 742.
3- التهذیب 5 : 205 - 686 ، الوسائل 10 : 100 أبواب الذبح ب 9 ح 3.
4- الحج : 36.
5- الکافی 4 : 497 - 1 ، الفقیه 2 : 299 - 1487 ، التهذیب 5 : 220 - 743 ، الوسائل 10 : 134 أبواب الذبح ب 35 ح 1.
6- الکافی 4 : 497 - 2 ، الفقیه 2 : 299 - 1488 ، التهذیب 5 : 221 - 744 ، الوسائل 10 : 135 أبواب الذبح ب 35 ح 2.

ویترک یده مع ید الذابح. وأفضل منه أن یتولی الذبح بنفسه إذا أحسن.

ویستحب أن یقسمه ثلاثا ، یأکل ثلثه ، ویتصدق بثلثه ، ویهدی

______________________________________________________

روی الکلینی فی الصحیح ، عن صفوان وابن أبی عمیر قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا اشتریت هدیک فاستقبل القبلة وانحره أو اذبحه ، وقل : ( وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِیفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ ) ، ( إِنَّ صَلاتِی وَنُسُکِی وَمَحْیایَ وَمَماتِی لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ ، لا شَرِیکَ لَهُ ، وَبِذلِکَ أُمِرْتُ ) ، وأنا من المسلمین ، اللهم منک ولک ، بسم الله والله أکبر ، اللهم تقبل منی ، ثم أمر السکین ولا تنخعها حتی تموت » (1).

قوله : ( ویترک یده مع ید الذابح وأفضل منه أن یتولی الذبح بنفسه إذا أحسن ).

أما أنه یستحب للحاج تولی الذبح بنفسه إذا أحسن ذلک فیدل علیه التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله ، فإن المروی أنه نحر هدیه بنفسه (2) ، وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « وإن کانت امرأة فلتذبح لنفسها » (3).

وأما استحباب وضع ید صاحب الهدی مع ید الذابح إذا استناب فیه فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « کان علی بن الحسین علیه السلام یجعل السکین فی ید الصبی ، ثم یقبض الرجل علی ید الصبی فیذبح » (4).

قوله : ( ویستحب أن یقسمه أثلاثا ، یأکل ثلثه ، ویتصدق بثلثه ،

استحباب الذبح أو ترک الید مع الذابح

استحباب تثلیث الهدی

ص: 42


1- الکافی 4 : 498 - 6 ، الوسائل 10 : 137 أبواب الذبح ب 37 ح 1 ، ورواها فی الفقیه 2 : 299 - 1489 ، والتهذیب 5 : 221 - 746.
2- الکافی 4 : 235 - 8 ، الوسائل 10 : 136 أبواب الذبح ب 36 ح 3.
3- الکافی 4 : 497 - 4 ، الفقیه 2 : 299 - 1486 ، الوسائل 10 : 136 أبواب الذبح ب 36 ح 1.
4- الکافی 4 : 497 - 5 ، الوسائل 10 : 136 أبواب الذبح ب 36 ح 2.

ثلثه. وقیل : یجب الأکل منه ، وهو الأظهر.

______________________________________________________

ویهدی ثلثه ، وقیل : یجب الأکل منه ، وهو الأظهر ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی النهایة : ومن السنة أن یأکل الإنسان من هدیه لمتعته ، ویطعم القانع والمعتر ، یأکل ثلثه ، ویطعم القانع والمعتر ثلثه ، ویهدی للأصدقاء الثلث الباقی (1).

وقال أبو الصلاح : والسنة أن یأکل بعضها ویطعم الباقی (2).

وقال ابن أبی عقیل : ثم انحر واذبح وکل وأطعم وتصدق (3).

وقال ابن إدریس : وأما هدی المتمتع والقارن فالواجب أن یأکل منه ولو قلیلا ، ویتصدق علی القانع والمعتر ولو قلیلا ، لقوله تعالی ( فَکُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (4) (5). واستقر به العلامة فی المختلف (6).

وقال الشهید فی الدروس : ویجب صرفه فی الصدقة والاهداء والأکل (7) ، ولم یعین للصدقة والاهداء قدرا.

وأوجب الشارح - قدس سره - أکل شی ء من الهدی ، وإهداء الثلث إلی بعض إخوانه المؤمنین ، والصدقة بثلث علی فقرائهم (8).

والمعتمد وجوب الأکل منه والإطعام ، لقوله تعالی ( وَأَذِّنْ فِی النّاسِ بِالْحَجِّ ) (9) إلی قوله عزّ وجلّ ( وَیَذْکُرُوا اسْمَ اللهِ فِی أَیّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلی ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِیمَةِ الْأَنْعامِ فَکُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِیرَ ) (10) وقوله تعالی :

ص: 43


1- النهایة : 261.
2- الکافی فی الفقه : 200.
3- حکاه عنه فی المختلف : 306.
4- الحج : 36.
5- السرائر : 141.
6- المختلف : 306.
7- الدروس : 127.
8- المسالک 1 : 116.
9- الحج : 27 ، 28.
10- الحج : 27 ، 28.

______________________________________________________

( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَکُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (1) ( لکن مقتضی الآیة الأولی أن الواجب إطعام البائس الفقیر ، ومقتضی الثانیة وجوب إطعام القانع والمعتبر ) (2) ویمکن الجمع بینهما إما بتقیید کل من القانع والمعتر بکونه فقیرا ، وإما بالتخییر بین الدفع إلیهما أو إلی الفقیر ، والأول أولی ، وإن کان الثانی لا یخلو من رجحان.

ویدل علی وجوب الأکل والإطعام مضافا إلی ذلک ما رواه الشیخ ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا ذبحت أو نحرت فکل وأطعم کما قال الله تعالی ( فَکُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) وقال : القانع الذی یقنع بما أعطیته ، والمعتر الذی یعتریک ، والسائل الذی یسألک فی یدیه ، والبائس الفقیر » (3) وفی طریق هذا الروایة النخعی ، وهو مشترک بین الثقة والضعیف.

وقد روی الکلینی نحو هذه الروایة فی الصحیح ، عن صفوان ومعاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قول الله جلّ ثناؤه : ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَکُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) قال : « القانع الذی یقنع بما أعطیته ، والمعتر الذی یعتریک ، والسائل الذی یسألک فی یدیه ، والبائس هو الفقیر » (4).

احتج القائل بوجوب إهداء الثلث والصدقة بالثلث بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن سیف التمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إن سعد بن عبد الملک قدم حاجا فلقی أبی فقال : إنی سقت هدیا ، فکیف أصنع به؟ فقال له أبی : أطعم منه أهلک ثلثا ، وأطعم القانع والمعتر ثلثا ، وأطعم المساکین ثلثا ، فقلت : المساکین هم السؤال؟ فقال : نعم ، وقال : القانع

ص: 44


1- الحج : 36.
2- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
3- التهذیب 5 : 223 - 751 ، الوسائل 10 : 142 أبواب الذبح ب 40 ح 1.
4- الکافی 4 : 500 - 9 ، الوسائل 10 : 145 أبواب الذبح ب 40 ح 14.

وتکره التضحیة بالجاموس وبالثور ، وبالموجوء

______________________________________________________

الذی یقنع بما أرسلت إلیه من البضعة فما فوقها ، والمعتر ینبغی له أکثر من ذلک ، هو أغنی من القانع ، یعتریک فلا یسألک » (1).

والجواب أولا أن هذا الروایة إنما تدل علی اعتبار القسمة کذلک فی هدی السیاق ، لا فی هدی التمتع الذی هو محل النزاع.

وثانیا أنها معارضة بروایتی معاویة بن عمار المتقدمتین الدالتین بظاهرهما علی عدم وجوب القسمة کذلک ، فتحمل هذه علی الاستحباب ، بل ذلک متعین بالنسبة إلی الأمر الأول - أعنی إطعام الأهل الثلث - إذ لا قائل بوجوبه ، وکون هذا الأمر للاستحباب قرینة علی أن ما بعده کذلک.

ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی القسمة علی هذا الوجه ، وصرف ثلث إلی القانع والمعتر ، وثلث إلی المساکین.

والأولی اعتبار الإیمان فی المستحق ، وإن کان فی تعینه نظر.

والأصح عدم جواز التوکیل فی قبض ذلک ، کما لا یصح التوکیل فی قبض الزکاة.

قوله : ( وتکره التضحیة بالجاموس والثور ).

أما کراهیة التضحیة بالثور فیدل علیه ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، قال : سألته عن الأضاحی فقال : « أفضل الأضاحی فی الحج الإبل والبقر » وقال : « ذوا الأرحام ، ولا یضحی بثور ولا جمل » (2) وهی ضعیفة السند باشتراک الراوی بین الثقة والضعیف.

وأما کراهیة التضحیة بالجاموس فلم أقف علی روایة تدل علیه.

قوله : ( وبالموجوء ).

وهو مرضوض الخصیتین حتی تفسدا ، وقد قطع الأصحاب بکراهة

کراهة التضحیة بالجاموس والثور

کراهة التضحیة بالموجوء

ص: 45


1- التهذیب 5 : 223 - 753 ، الوسائل 10 : 142 أبواب الذبح ب 40 ح 3 ، ورواها فی معانی الأخبار : 208 - 2.
2- التهذیب 5 : 204 - 682 ، الوسائل 10 : 100 أبواب الذبح ب 9 ح 4.

الثالث : فی البدل

ومن فقد الهدی ووجد ثمنه ، قیل : یخلفه عند من یشتریه طول ذی الحجة ، وقیل : ینتقل فرضه إلی الصوم ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

التضحیة به ، واستدلوا علیه بقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « اشتر فحلا سمینا للمتعة ، فإن لم تجد فموجوءا ، فإن لم تجد فمن فحولة المعز ، فإن لم تجد فما استیسر من الهدی » (1).

وفی صحیحة محمد بن مسلم : « الفحل من الضأن خیر من الموجوء ، والموجوء خیر من النعجة ، والنعجة خیر من المعز » (2).

ولیس فی الروایتین تصریح بالکراهة ، وإنما المستفاد منهما أن الفحل من الضأن أفضل من الموجوء ، وأن الموجوء من الضأن خیر من المعز.

قوله : ( الثالث : فی البدل ، من فقد الهدی ووجد ثمنه قیل : یخلفه عند من یشتریه طول ذی الحجة ، وقیل : ینتقل فرضه إلی الصوم ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخان (3) والصدوقان (4) والمرتضی (5) إلی أن من فقد الهدی یجب علیه إبقاء الثمن عند ثقة لیشتری له به هدیا ، ویذبحه عنه فی ذی الحجة ، فإن تعذر فمن القابل فیه.

وقال ابن إدریس : الأظهر والأصح أنه إذا لم یجد الهدی ووجد ثمنه لا یلزمه أن یخلفه ، بل الواجب علیه إذا عدم الهدی الصوم ، سواء وجد الثمن

بدل الهدی

حکم من فقد الهدی ووجد ثمنه

ص: 46


1- الکافی 4 : 490 - 9 ، الوسائل 10 : 106 أبواب الذبح ب 12 ح 7.
2- التهذیب 5 : 205 - 686 ، الوسائل 10 : 109 أبواب الذبح ب 14 ح 1.
3- نقله عن المفید فی المختلف : 304 ، والشیخ فی المبسوط 1 : 370 والنهایة : 254.
4- اختاره ونقله عن والده فی الفقیه 2 : 304.
5- الانتصار : 93.

______________________________________________________

أو لم یجد (1). واختاره المصنف رحمه الله .

وقال ابن الجنید : لو لم یجد الهدی إلی یوم النفر کان مخیرا بین أن ینظر أوسط ما وجد به فی سنته هدی فیتصدق به بدلا منه ، وبین أن یصوم ، وبین أن یدع الثمن عند بعض أهل مکة یذبح عنه إلی آخر ذی الحجة (2).

احتج الشیخ فی التهذیب علی وجوب إبقاء الثمن بما رواه عن محمد بن یعقوب ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی متمتع یجد الثمن ولا یجد الغنم ، قال : « یخلف الثمن عند بعض أهل مکة ویأمر من یشتری له ویذبح عنه ، وهو یجزی عنه ، فإذا مضی ذو الحجة أخّر ذلک إلی قابل من ذی الحجة » (3).

وعن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن النضر بن قرواش ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلی الحج ، فوجب علیه النسک ، فطلبه فلم یصبه ، وهو موسر حسن الحال ، وهو یضعف عن الصیام ، فما ینبغی له أن یصنع؟ قال : « یدفع ثمن النسک إلی من یذبحه بمکة إن کان یرید المضی إلی أهله ، ولیذبح عنه فی ذی الحجة » فقلت : فإنه دفعه إلی من یذبح عنه فلم یصب فی ذی الحجة نسکا وأصابه بعد ذلک ، قال : « لا یذبح عنه إلا فی ذی الحجة » (4).

والروایة الأولی معتبرة الإسناد ، بل الظاهر أنها لا تقصر عن مرتبة الصحیح کما بیناه مرارا. وأما الروایة الثانیة فقاصرة من حیث السند ، لأن

ص: 47


1- السرائر : 139.
2- نقله عنه فی المختلف : 304.
3- التهذیب 5 : 37 - 109 ، الإستبصار 2 : 260 - 916 ، الوسائل 10 : 153 أبواب الذبح ب 44 ح 1.
4- التهذیب 5 : 37 - 110 ، الإستبصار 2 : 260 - 917 ، الوسائل 10 : 153 أبواب الذبح ب 44 ح 2.

وإذا فقدهما صام عشرة أیام ، ثلاثة فی الحج متتابعات ، یوما قبل الترویة ، ویوم الترویة ، ویوم عرفة.

______________________________________________________

راویها غیر موثق ، لکن ربما کان فی روایة البزنطی عنه إشعار بمدحه ، لأنه ممن نقل الکشی إجماع العصابة علی تصحیح ما یصح عنه ، والإقرار له بالفقه (1).

احتج ابن إدریس بأن الله تعالی نقلنا إلی الصوم مع عدم الوجدان ، والنقل إلی الثمن یحتاج إلی دلیل شرعی (2).

وأجاب عنه فی المنتهی بمنع عدم الوجدان ، قال : ومع ذلک فالدلیل الشرعی ما بیناه من الحدیثین ، فإن زعم أنه لا یعمل بأخبار الآحاد فهو غالط ، إذ أکثر مسائل الشریعة مستفادة منها (3).

ولا یخفی ما فی هذا الجواب من التعسف ، والحق أن کلام ابن إدریس جید علی أصله ، بل لو لا ما ذکرناه من قوة إسناد الروایتین لتعین المصیر إلیه.

قوله : ( وإذا فقدهما صام عشرة أیام ، ثلاثة فی الحج متوالیات : یوما قبل الترویة ، ویوم الترویة ، ویوم عرفة ).

أما وجوب صوم العشرة الأیام مع فقد الهدی وثمنه فقال العلامة فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه بین العلماء کافة (4). والأصل فیه قوله تعالی : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْکَ عَشَرَةٌ کامِلَةٌ ) (5).

والمراد بصوم الثلاثة فی الحج صومها فی بقیة أشهر الحج ، وهو شهر

فاقد الهدی والثمن یصوم عشرة أیام

زمان صوم الأیام الثلاثة فی الحج

ص: 48


1- رجال الکشی 2 : 830.
2- السرائر : 139.
3- المنتهی 2 : 743.
4- المنتهی 2 : 743.
5- البقرة : 196.

______________________________________________________

ذی الحجة ، کما ورد فی أخبار أهل البیت علیهم السلام (1). وفائدة الفذلکة (2) إما دفع توهم کون ( الواو ) بمعنی ( أو ) ، أو التوصل بذلک إلی وصف العشرة بکونها کاملة فی البدلیة ومساویة للمبدل فی الفضیلة ، إذ لو اقتصر علی ( تلک ) جاز أن یعود إلی الثلاثة أو السبعة.

قال فی المنتهی : ویستحب أن تکون الثلاثة فی الحج هی یوم قبل الترویة ، ویوم الترویة ، ویوم عرفة ، فیکون آخرها یوم عرفة عند علمائنا أجمع (3). وتدل علیه روایات ، منها صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن متمتع لم یجد هدیا ، قال : « یصوم ثلاثة أیام فی الحج : یوما قبل الترویة ، ویوم الترویة ، ویوم عرفة » قال ، قلت : فإن فاته ذلک؟ قال : « یتسحر لیلة الحصبة ویصوم ذلک الیوم ویومین بعده » قلت : فإن لم یقم علیه جماله ، أیصومها فی الطریق؟ قال : « إن شاء صامها فی الطریق ، وإن شاء إذا رجع إلی أهله » (4).

وصحیحة رفاعة بن موسی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المتمتع لا یجد هدیا ، قال : « یصوم قبل الترویة بیوم ، ویوم الترویة ، ویوم عرفة » قلت : فإن قدم یوم الترویة؟ قال : « یصوم ثلاثة أیام بعد التشریق » قلت : لم یقم علیه جماله ، قال : « یصوم یوم الحصبة وبعده یومین » قال ، قلت : وما الحصبة؟ قال : « یوم نفره » قلت : یصوم وهو مسافر؟ قال : « نعم ، ألیس هو یوم عرفة مسافرا ، إنا أهل بیت نقول ذلک لقول الله عزّ وجلّ ( فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ ) یقول فی ذی الحجة » (5).

ص: 49


1- الوسائل 10 : 154 أبواب الذبح ب 46.
2- أشار بذلک الی قوله تعالی ( تِلْکَ عَشَرَةٌ کامِلَةٌ ) .
3- المنتهی 2 : 743.
4- الکافی 4 : 507 - 3 ، التهذیب 5 : 39 - 115 ، الوسائل 10 : 155 أبواب الذبح ب 46 ح 4.
5- الکافی 4 : 506 - 1 ، التهذیب 5 : 38 - 114 ، الوسائل 10 : 155 أبواب الذبح ب 46 ح 1.

ولو لم یتفق اقتصر علی الترویة وعرفة ، ثم صام الثالث بعد النفر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم یتفق اقتصر علی یوم الترویة وعرفة ، ثم صام الثالث بعد النفر ).

المراد أن جعل الثلاثة - الیوم الذی قبل یوم الترویة ویوم الترویة ویوم عرفة - أفضل ، فإن أخلّ بصوم الیوم الذی قبلها جاز له الاقتصار علی صومهما وتأخیر الثالث ثم صومه بعد النفر. وهذا الحکم مشهور بین الأصحاب ، وادعی علیه ابن إدریس الإجماع ، حکاه فی المختلف (1).

واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی من صام یوم الترویة ویوم عرفة ، قال : « یجزیه أن یصوم یوما آخر » (2).

وعن صفوان ، عن یحیی الأزرق ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن رجل قدم یوم الترویة متمتعا ولیس له هدی ، فصام یوم الترویة ویوم عرفة ، قال : « یصوم یوما آخر بعد أیام التشریق » (3) وفی الروایتین ضعف من حیث السند.

وبإزائهما أخبار کثیرة دالة علی خلاف ذلک ، کصحیحة معاویة المتقدمة (4) حیث قال فیها ، قلت : فإن فاته ذلک؟ قال : « یتسحر لیلة الحصبة ویصوم ذلک الیوم ویومین بعده ».

وصحیحة العیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن متمتع یدخل فی یوم الترویة ولیس معه هدی ، قال : « فلا یصوم

ص: 50


1- السرائر : 140 والمختلف : 304.
2- التهذیب 5 : 231 - 780 ، الإستبصار 2 : 279 - 991 ، الوسائل 10 : 167 أبواب الذبح ب 52 ح 1.
3- التهذیب 5 : 231 - 781 ، الإستبصار 2 : 279 - 992 ، الوسائل 10 : 167 أبواب الذبح ب 52 ح 2.
4- فی ص 49.

ولو فاته یوم الترویة أخّره إلی بعد النفر.

______________________________________________________

ذلک الیوم ولا یوم عرفة ، ویتسحر لیلة الحصبة فیصبح صائما وهو یوم النفر ، ویصوم یومین بعده » (1).

وصحیحة حماد بن عیسی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « قال علی : صیام ثلاثة أیام فی الحج قبل الترویة یوم ویوم الترویة ویوم عرفة ، فمن فاته ذلک فلیتسحر لیلة الحصبة - یعنی لیلة النفر - ویصبح صائما ، ویومین بعده ، وسبعة إذا رجع » (2).

وروایة إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یصوم الثلاثة الأیام متفرقة » (3).

والمسألة محل تردد ولا ریب أن المصیر إلی ما دلت علیه هذه الأخبار أولی وأحوط.

قوله : ( ولو فاته یوم الترویة أخره إلی بعد النفر ).

بل الأظهر جواز صوم یوم النفر - وهو الثالث عشر ، ویسمی یوم الحصبة - کما اختاره الشیخ فی النهایة (4) وابنا بابویه (5) وابن إدریس (6) ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، وإن کان الأفضل تأخیر الصوم إلی ما بعد أیام التشریق ، کما تدل علیه صحیحة رفاعة عن الصادق علیه السلام ، حیث قال فیها ، قلت : فإن قدم یوم الترویة؟ قال : « یصوم ثلاثة أیام بعد التشریق »

ص: 51


1- الکافی 4 : 508 - 4 ، الوسائل 10 : 155 أبواب الذبح ب 46 ح 3.
2- التهذیب 5 : 232 - 786 ، الإستبصار 2 : 280 - 996 ، الوسائل 10 : 169 أبواب الذبح ب 53 ح 3.
3- التهذیب 5 : 232 - 784 ، الإستبصار 2 : 280 - 994 ، الوسائل 10 : 168 أبواب الذبح ب 53 ح 1.
4- النهایة : 255.
5- الصدوق فی الفقیه 2 : 302 ، ونقله عن والده فی المختلف : 304.
6- السرائر : 139.

ویجوز تقدیمها من أول ذی الحجة بعد أن یتلبس بالمتعة.

______________________________________________________

قلت : لم یقم علیه جمّاله قال : « یصوم یوم الحصبة وبعده یومین » (1). وقد ظهر من هذه الروایات أن یوم الحصبة هو الثالث من أیام التشریق.

ونقل عن الشیخ فی المبسوط أنه جعل لیلة التحصیب لیلة الرابع (2) ، والظاهر أن مراده لیلة الرابع من یوم النحر ، لا الرابع عشر ، لصراحة الأخبار فی أن یوم التحصیب هو یوم النفر. وربما ظهر من کلام بعض أهل اللغة أنه یوم الرابع عشر ، ولا عبرة فیه.

قوله : ( ویجوز تقدیمها من أول ذی الحجة بعد التلبس بالمتعة ).

هذا الحکم ذکره الشیخ فی النهایة والمبسوط والخلاف غیر جازم به ، فإنه قال : قد وردت رخصة فی جواز تقدیم صوم الثلاثة أیام من أول ذی الحجة (3). ونحوه قال فی التهذیب ، ثم قال : والعمل علی ما رویناه أولا (4).

وقال ابن إدریس : وقد رویت رخصة فی تقدیم صوم الثلاثة الأیام من أول العشر ، والأحوط الأول. ثم قال بعد ذلک : إلا أن الأصحاب أجمعوا علی أنه لا یجوز الصیام إلا یوم قبل الترویة ، ویوم الترویة ، ویوم عرفة ، وقبل ذلک لا یجوز (5).

والأصل فی جواز التقدیم ( قول أبی الحسن علیه السلام فی تفسیر

ص: 52


1- الکافی 4 : 506 - 1 ، التهذیب 5 : 38 - 114 ، الوسائل 10 : 155 أبواب الذبح ب 46 ح 1.
2- المبسوط 1 : 370 ، 380 ، قال : ومن فاته صوم هذه الأیام صام یوم الحصبة وهو یوم النفر ، وقال : النفر نفران أولهما. والثانی یوم الثالث من التشریق وهو الرابع من النحر ونقله عنه فی المختلف : 304.
3- النهایة : 255 ، والمبسوط 1 : 370 ، والخلاف 1 : 425.
4- التهذیب 5 : 235.
5- السرائر : 140.

ویجوز صومها طول ذی الحجة.

______________________________________________________

الآیة : « کان جعفر علیه السلام یقول : ذو الحجة کله من أشهر الحج » (1) و) (2) ما رواه الکلینی والشیخ ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من لم یجد الهدی وأحب أن یصوم الثلاثة الأیام فی أول العشر فلا بأس بذلک » (3) وهی ضعیفة السند ، باشتماله فی التهذیب علی أبان الأزرق ، وهو مجهول ، وفی الکافی علی عبد الکریم بن عمرو ، وهو واقفی (4). والمسألة محل تردد. ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی عدم صوم ما قبل السابع.

وإنما یسوغ تقدیم الصوم من أول ذی الحجة مع التلبس بالعمرة ، واعتبر بعضهم التلبس بالحج (5) ، ویدفعه تعلق الأمر فی الأخبار الکثیرة بصوم یوم قبل الترویة مع استحباب الإحرام بالحج یوم الترویة ، وبنی الشهید فی الدروس الاکتفاء بالتلبس بالعمرة علی أن الحج المندوب هل یجب بالشروع فی العمرة أم لا ، فعلی الأول یکفی الشروع فی العمرة دون الثانی (6). ولا حاجة إلی هذا البناء بعد ما أوردناه من الدلیل علی الاکتفاء بذلک ، فإنه ثابت علی التقدیرین.

قوله : ( ویجوز صومها طول ذی الحجة ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، ویدل علیه مضافا إلی إطلاق الآیة الشریفة خصوص صحیحة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال :

ص: 53


1- التهذیب 5 : 230 - 779 ، الإستبصار 2 : 278 - 988 ، الوسائل 10 : 165 أبواب الذبح ب 51 ح 4.
2- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
3- الکافی 4 : 507 - 2 إلا أن فیه عن أحدهما علیهماالسلام ، التهذیب 5 : 235 - 793 ، الإستبصار 2 : 283 - 1005 ، الوسائل 10 : 155 أبواب الذبح ب 46 ح 2 ، وص 156 ح 8.
4- راجع رجال النجاشی : 245 - 645 ، ورجال الشیخ : 254 ، علی بعض النسخ.
5- المختصر النافع : 90.
6- الدروس : 128.

ولو صام یومین وأفطر الثالث لم یجزئه واستأنف ، إلا أن یکون ذلک هو العید ، فیأتی بالثالث بعد النفر.

ولا یصح صوم هذه الثلاثة إلا فی ذی الحجة بعد التلبس بالمتعة.

______________________________________________________

« من لم یجد ثمن الهدی فأحب أن یصوم الثلاثة الأیام فی العشر الأواخر فلا بأس بذلک » (1). وحکی فی التذکرة عن بعض العامة قولا بخروج وقتها بمضی یوم عرفة (2) ، ولا ریب فی بطلانه.

قوله : ( ولو صام یومین وأفطر الثالث لم یجزه واستأنف ، إلا أن یکون ذلک هو العید ، فیأتی بالثالث بعد النفر ).

أما وجوب التتابع فی الثلاثة فی غیر هذه الصورة - وهی ما إذا کان الثالث العید - فقال فی المنتهی : إنه مجمع علیه بین الأصحاب (3). وقد تقدم من النص ما یدل علیه. وإنما الکلام فی استثناء هذه الصورة ، فإن الروایات الواردة بذلک ضعیفة الإسناد ، وفی مقابلها أخبار کثیرة دالة علی خلاف ما تضمنته ، وهی أقوی منها إسنادا وأوضح دلالة ، لکن نقل العلامة فی المختلف الإجماع علی الاستثناء (4) ، فإن تم فهو الحجة ، وإلا فللنظر فیه مجال. ونقل عن ابن حمزة أنه استثنی أیضا ما إذا أفطر یوم عرفة لضعفه عن الدعاء وقد صام یومین قبله (5) ، ونفی عنه البأس فی المختلف (6) ، وهو بعید.

قوله : ( ولا یصح صوم هذه الثلاثة إلا فی ذی الحجة ، بعد التلبس بالمتعة ).

ص: 54


1- الفقیه 2 : 303 - 1508 ، الوسائل 10 : 158 أبواب الذبح ب 46 ح 13.
2- التذکرة 1 : 382.
3- المنتهی 2 : 743.
4- المختلف : 305.
5- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 692.
6- المختلف : 305.

ولو خرج ذو الحجة ولم یصمها تعیّن الهدی. ولو صامها ثم وجد الهدی ولو قبل التلبس بالسبعة لم یجب علیه الهدی ، وکان له المضی علی الصوم. ولو رجع إلی الهدی کان أفضل.

______________________________________________________

هذا قول علمائنا أجمع ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا إلا ما روی عن أحمد أنه یجوز تقدیم صومها علی إحرام العمرة. قال : وهو خطأ ، لأنه تقدیم للواجب علی وقته وسببه ، ومع ذلک فهو خلاف قول العلماء (1). ویتحقق التلبس بالمتعة بدخوله فی العمرة کما بیناه سابقا (2).

قوله : ( ولو خرج ذو الحجة ولم یصمها تعین الهدی ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، ویدل علیه روایات ، منها صحیحة عمران الحلبی ، أنه قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یصوم الثلاثة الأیام التی علی المتمتع إذا لم یجد الهدی حتی یقدم إلی أهله ، حتی قال : « یبعث بدم » (3).

وحسنة منصور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من لم یصم فی ذی الحجة حتی یهل هلال المحرم فعلیه دم شاة ، ولیس له صوم ، ویذبح بمنی » (4).

ویستفاد من روایة الحلبی أنه لا فرق فی ذلک بین أن یکون تأخیر الصوم عن ذی الحجة لعذر أو لغیره.

قوله : ( ولو صامها ثم وجد الهدی ولو قبل التلبس بالسبعة لم یجب علیه الهدی ، وکان له المضی علی الصوم ، ولو رجع إلی الهدی کان أفضل ).

حکم من خرج ذو الحجة ولم یصم

حکم من صام ثم وجد الهدی

ص: 55


1- المنتهی 2 : 745.
2- فی ج 7 : ص 156.
3- الفقیه 2 : 304 - 1511 ، التهذیب 5 : 235 - 792 ، الإستبصار 2 : 279 - 990 ، الوسائل 10 : 160 أبواب الذبح ب 47 ح 3.
4- الکافی 4 : 509 - 10 ، التهذیب 5 : 39 - 116 ، الإستبصار 2 : 278 - 989 ، الوسائل 10 : 159 أبواب الذبح ب 47 ح 1.

______________________________________________________

أما جواز المضی فی الصوم وعدم وجوب الهدی إذا وجده بعد صوم الأیام الثلاثة فهو قول أکثر الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی ظاهر قوله تعالی ( فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ ) (1) الدال علی انتقال غیر الواجد إلی الصیام ، فیحصل الامتثال بفعله ، خصوص روایة حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن متمتع صام ثلاثة أیام فی الحج ، ثم أصاب هدیا یوم خرج من منی ، قال : « أجزأه صیامه » (2). وفی طریق هذه الروایة فی الکافی عبد الله بن بحر ، وهو ضعیف (3) ، وفی التهذیب مکان عبد الله بن بحر عبد الله بن یحیی ، ولعله تحریف ، مع أنه مشترک.

واستقرب العلامة فی القواعد وجوب الهدی إذا وجده فی وقت الذبح (4) ، واستدل علیه ولده فی الشرح بأنه مأمور بالذبح فی وقت وقد وجده فیه فیجب (5).

وعلی هذا فبدلیة الصوم مع تقدیمه إنما تتحقق مع عدمه فی الوقت المعین لا مطلقا.

وربما ظهر من قول المصنف : ولو صامها ثم وجد الهدی ولو قبل التلبس بالسبعة لم یجب علیه الهدی ، أن من صام دون الثلاثة ثم وجد الهدی وجب علیه الاهداء ، وبه قال أکثر الأصحاب.

وذهب ابن إدریس (6) والعلامة فی جملة من کتبه (7) إلی سقوط الهدی

ص: 56


1- البقرة : 196.
2- الکافی 4 : 509 - 11 ، التهذیب 5 : 38 - 112 ، الإستبصار 2 : 260 - 919 ، الوسائل 10 : 154 أبواب الذبح ب 45 ح 1.
3- راجع خلاصة العلامة : 238 - 34.
4- القواعد 1 : 88.
5- إیضاح الفوائد 1 : 311.
6- السرائر : 140.
7- التذکرة 1 : 383 والمنتهی 2 : 747.

وصوم السبعة بعد وصوله إلی أهله ،

______________________________________________________

بمجرد التلبس بالصوم ، واحتج علیه فی المنتهی بقوله تعالی ( فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ ثَلاثَةِ أَیّامٍ فِی الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) إذ مقتضاه وجوب الصوم علی غیر الواجد ، فالانتقال عنه إلی الهدی یحتاج إلی دلیل ، ثم قال : لا یقال هذا یقتضی عدم إجزاء الهدی وإن لم یدخل فی الصوم ، لأنا نقول : لو خلینا والظاهر لحکمنا بذلک ، لکن الوفاق وقع علی خلافه ، فبقی ما عداه علی الأصل.

والمسألة محل تردد ، وإن کان ما ذهب إلیه ابن إدریس لا یخلو من قوة ( إلا أن الاهداء مع التمکن منه فی وقته أحوط ) (1).

وأما أن الرجوع إلی الهدی إذا وجده بعد صوم الثلاثة أفضل فاستدل علیه الشیخ فی کتابی الأخبار بما رواه عن عقبة بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل تمتع ولیس معه ما یشتری به هدیا ، فلما أن صام ثلاثة أیام فی الحج أیسر ، أیشتری به هدیا فینحره أو یدع ذلک ویصوم سبعة أیام إذا رجع إلی أهله؟ قال : « یشتری هدیا فینحره ، ویکون صیامه الذی صامه نافلة » (2).

قال الشیخ فی الاستبصار بعد أن أورد هذه الروایة : فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی ضرب من الاستحباب والندب ، لأن من أصاب ثمن الهدی بعد أن صام الثلاثة الأیام فهو بالخیار : إن شاء صام بقیة ما علیه ، وإن شاء ذبح الهدی ، والهدی أفضل (3).

قوله : ( وصوم السبعة بعد وصوله إلی بلده ).

الأصل فی ذلک قوله تعالی ( وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) (4) وإنما یتحقق

صوم السبعة بعد الوصول إلی البلد

ص: 57


1- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
2- التهذیب 5 : 38 - 113 ، الإستبصار 2 : 261 - 920 ، الوسائل 10 : 154 أبواب الذبح ب 45 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 510 - 14.
3- الاستبصار 2 : 261.
4- البقرة : 196.

ولا تشترط فیها الموالاة علی الأصح ،

______________________________________________________

الرجوع بالعود إلی الوطن.

وتدل علیه أیضا صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من کان متمتعا فلم یجد هدیا فلیصم ثلاثة أیام فی الحج وسبعة إذا رجع إلی أهله » (1).

وصحیحة سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل تمتع ولم یجد هدیا ، قال : « یصوم ثلاثة أیام بمکة وسبعة إذا رجع إلی أهله ، فإن لم یقم علیه أصحابه ولم یستطع المقام بمکة فلیصم عشرة أیام إذا رجع إلی أهله » (2).

وخالف فی هذه المسألة أکثر العامة ، فقال بعضهم : یصوم السبعة إذا فرغ من أفعال الحج (3). وقال بعضهم : إنه یصوم إذا خرج من مکة سائرا فی الطریق (4) وهما مدفوعان بظاهر التنزیل.

قوله : ( ولا تشترط فیها الموالاة علی الأصح ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال العلامة فی التذکرة والمنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا (5) أو یدل علیه إطلاق الأمر بالصوم فلا یتقید إلا بدلیل ، وخصوص روایة إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : إنی قدمت الکوفة ولم أصم السبعة الأیام حتی نزعت فی حاجة إلی بغداد ، قال : « صمها ببغداد » قلت : أفرقها؟ قال : « نعم » (6).

عدم اشتراط الموالاة فی صوم السبعة

ص: 58


1- التهذیب 5 : 234 - 790 ، الإستبصار 2 : 282 - 1002 ، الوسائل 10 : 160 أبواب الذبح ب 47 ح 4.
2- التهذیب 5 : 233 - 789 ، الإستبصار 2 : 282 - 1001 ، الوسائل 10 : 156 أبواب الذبح ب 46 ح 7.
3- کالکاسانی فی بدائع الصنائع 2 : 174.
4- کابن حجر فی فتح الباری 3 : 340.
5- التذکرة 1 : 383 ، والمنتهی 2 : 744.
6- التهذیب 5 : 233 - 787 ، الإستبصار 2 : 281 - 998 ، الوسائل 10 : 170 أبواب الذبح ب 55 ح 1.

فإن أقام بمکة انتظر قدر وصوله إلی أهله ، ما لم یزد علی شهر.

______________________________________________________

وهذا الروایة ضعیفة السند جدا باشتماله علی محمد بن أسلم ، وقال النجاشی : إنه یقال إنه کان غالیا فاسد الحدیث (1).

ونقل عن ابن أبی عقیل (2) وأبی الصلاح (3) أنهما أوجبا الموالاة فی السبعة کالثلاثة. وقواه فی المختلف (4) ، واستدل علیه بروایة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن صوم ثلاثة أیام فی الحج وسبعة ، أیصومها متوالیة أو یفرق بینها؟ قال : « یصوم الثلاثة الأیام لا یفرق بینها ، والسبعة لا یفرق بینها » (5).

وهذه الروایة معتبرة الإسناد ، إذ لیس فی طریقها من قد یتوقف فی شأنه إلا محمد بن أحمد العلوی وهو غیر معلوم الحال ، لکن کثیرا ما یصف العلامة الروایات الواقع فی طریقها بالصحة ، ولعل ذلک شهادة منه بتوثیقه ، ولا ریب أن المتابعة أولی وأحوط.

قوله : ( فإن أقام بمکة انتظر مدة وصوله إلی أهله ، ما لم یزد علی شهر ).

المراد أن من وجب علیه صوم السبعة بدل الهدی إذا أقام بمکة انتظر بصیامها مضی مدة یمکن أن یصل فیها إلی بلده إن لم تزد تلک المدة علی شهر ، فإن زادت علی ذلک کفی مضی الشهر ، ومبدأ الشهر من انقضاء أیام التشریق.

ویدل علی هذا التفصیل ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن

حکم من أقام بمکة وعلیه صوم سبعة أیام

ص: 59


1- رجال النجاشی : 260.
2- کما فی المختلف : 238.
3- الکافی فی الفقه : 188.
4- المختلف : 238.
5- التهذیب 4 : 315 - 957 ، الإستبصار 2 : 281 - 999 ، الوسائل 10 : 170 أبواب الذبح ب 55 ح 2.

ولو مات من وجب علیه الصوم ولم یصم وجب أن یصوم عنه ولیه الثلاثة دون السبعة ، وقیل : بوجوب قضاء الجمیع ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من کان متمتعا فلم یجد هدیا فلیصم ثلاثة أیام فی الحج وسبعة إذا رجع إلی أهله ، فإن فاته ذلک وکان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أیام بمکة ، وإن لم یکن له مقام صام فی الطریق أو فی أهله ، وإن کان له مقام بمکة وأراد أن یصوم السبعة ترک الصیام بقدر مسیره إلی أهله أو شهرا ثم صام » (1).

قال الشارح قدس سره : وإنما یکفی الشهر منه بمکة ، وإلا تعین الانتظار مقدار الوصول إلی أهله کیف کان ، اقتصارا علی مورد النص ، وتمسکا بقوله تعالی ( وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) حملا للرجوع علی ما یکون حقیقة أو حکما (2). هذا کلامه رحمه الله ، ولا بأس به ، بل المستفاد من ظاهر الآیة الشریفة اعتبار الرجوع حقیقة. والمسألة محل إشکال.

قوله : ( ولو مات من وجب علیه الصوم ولم یصم وجب أن یصوم عنه ولیه الثلاثة دون السبعة ، وقیل : بوجوب قضاء الجمیع ، وهو الأشبه ).

القول بوجوب قضاء الجمیع لابن إدریس (3) وأکثر المتأخرین (4) ، تمسکا بعموم ما دل علی وجوب قضاء ما فات المیت من الصیام ، وخصوص صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من مات

حکم موت من یجب علیه الصوم بدل الهدی

ص: 60


1- التهذیب 5 : 234 - 790 ، الإستبصار 2 : 282 - 1002 ، الوسائل 10 : 160 أبواب الذبح ب 47 ح 4.
2- المسالک 1 : 116.
3- السرائر : 139.
4- کالعلامة فی المنتهی 2 : 746. والشهید فی الدروس : 128.

ومن وجبت علیه بدنة فی نذر أو کفارة ولم یجد کان علیه سبع شیاه.

______________________________________________________

ولم یکن له هدی لمتعته فلیصم عنه ولیه » (1).

والقول بوجوب قضاء صیام الثلاثة الأیام دون السبعة للشیخ رحمه الله (2) وجمع من الأصحاب ، واستدل الشیخ فی التهذیب علی عدم وجوب قضاء السبعة بما رواه فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن رجل تمتع بالعمرة إلی الحج ولم یکن له هدی فصام ثلاثة أیام فی ذی الحجة ، ثم مات بعد أن رجع إلی أهله قبل أن یصوم السبعة الأیام ، أعلی ولیه أن یقضی عنه؟ قال : « ما أری علیه قضاء » (3).

قال فی المنتهی : وهذه الروایة لا حجة فیها ، لاحتمال أن یکون موته قبل أن یتمکن من الصیام ، ومع هذا الاحتمال لا تبقی فیها دلالة علی المطلوب (4). وهو حسن.

وربما ظهر من کلام الصدوق أن قضاء الثلاثة علی سبیل الاستحباب أیضا (5) ، وهو ضعیف.

قوله : ( ومن وجبت علیه بدنة فی نذر أو کفارة ولم یجد کان علیه سبع شیاه ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (6) وجمع من الأصحاب (7) ، واستدلوا علیه بما رواه داود الرقی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یکون علیه بدنة

حکم من وجبت علیه بدنة ولم یجد

ص: 61


1- الکافی 4 : 509 - 12 ، التهذیب 5 : 40 - 117 ، الإستبصار 2 : 261 - 921 ، الوسائل 10 : 161 أبواب الذبح ب 48 ح 1.
2- النهایة : 255.
3- التهذیب 5 : 40 - 118 ، الإستبصار 2 : 261 - 922 ، الوسائل 10 : 161 أبواب الذبح ب 48 ح 2. ورواها فی الکافی 4 :3. 13.
4- المنتهی 2 : 746.
5- الفقیه 2 : 303.
6- النهایة : 262.
7- کالحلی فی السرائر : 141 ، والعلامة فی المنتهی 2 : 748.

ولو تعیّن الهدی فمات من وجب علیه أخرج من أصل ترکته.

الرابع : فی هدی القران.

لا یخرج هدی القران عن ملک سائقه ، وله إبداله والتصرف فیه ،

______________________________________________________

واجبة فی فداء قال : « إذا لم یجد بدنة فسبع شیاه ، فإن لم یقدر صام ثمانیة عشر یوما » (1) وهذه الروایة مع ضعف سندها مختصة ببدنة الفداء ، فلا یتم الاستدلال بها علی وجه العموم. ومع ذلک فیجب تقیید هذا الحکم بما إذا لم یکن للبدنة بدل منصوص کما فی کفارة النعامة ، فإنه مع العجز عنها ینتقل إلی إبدالها المقررة ، ولا یجزی السبع شیاه قطعا. ولو وجب علیه سبع شیاه لم تجز البدنة وإن کانت السبع بدلا منها ، لفقد النص.

وفی إجزاء البدنة عن البقرة وجهان ، أظهرهما العدم. واستقرب فی المنتهی الإجزاء ، لأنها أکثر لحما (2) ، وهو ضعیف.

قوله : ( ولو تعین الهدی فمات من وجب علیه أخرج من أصل ترکته ).

لأنه حق مالی فیخرج من الأصل کالدین. ولو قصرت الترکة عنه وعن الدیون وزعت الترکة علی الجمیع بالحصص ، فإن لم تف حصته بأقل هدی قیل : یجب إخراج جزء من هدی مع الإمکان (3) ، فإن لم یمکن فالأصح عوده میراثا. بل یحتمل قویا ذلک مع إمکان شراء الجزء أیضا ، وفی المسألة قول ضعیف بوجوب الصدقة به.

قوله : ( لا یخرج هدی القران عن ملک سائقه ، وله إبداله

حکم موت من تعین علیه الهدی

هدی القرآن

عدم خروج هدی السیاق عن ملک سائقه

ص: 62


1- الکافی 4 : 385 - 2 ، الفقیه 2 : 232 - 1111 ، التهذیب 5 : 481 - 1711 ، الوسائل 9 : 184 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 4.
2- المنتهی 2 : 748.
3- کما فی المسالک 1 : 117.

وإن أشعره أو قلده.

ولکن متی ساقه فلا بد من نحره بمنی إن کان لإحرام الحج ، وإن کان للعمرة فبفناء الکعبة بالحزورة.

______________________________________________________

والتصرف فیه وإن أشعره أو قلده ، لکن متی ساقه فلا بد من نحره بمنی إن کان لإحرام الحج ، وإن کان لإحرام العمرة فبفناء الکعبة بالحزورة ).

هذا الحکم ذکره المصنف والعلامة فی جملة من کتبه (1) بعبارة متحدة أو متقاربة ، ومقتضاه أن هدی القران لا یخرج عن ملک سائقه وله إبداله والتصرف فیه قبل الإشعار ، وبعده ما لم ینضم إلیه السیاق ، فإن انضم إلیه السیاق وجب نحره. ویلزم منه عدم جواز التصرف فیه والحال هذه بما ینافی النحر ، لکن المنقول عن الشیخ - رحمه الله - (2) وابن إدریس أن مجرد الإشعار یقتضی وجوب نحر الهدی وعدم جواز التصرف فیه بما ینافی ذلک وإن لم ینضم إلیه السیاق ، وبه قطع الشهید (3) - رحمه الله - ومن تأخر عنه (4).

واستدلوا علیه بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یشتری البدنة ثم تضل قبل أن یشعرها ویقلدها ، فلا یجدها حتی یأتی منی فینحر ویجد هدیه ، قال : « إن لم یکن قد أشعرها فهی من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن کان أشعرها نحرها » (5) ویتوجه علیه أن أقصی ما تدل علیه هذه الروایة وجوب نحر الهدی

وجوب النحر بمنی بالسیاق

ص: 63


1- المنتهی 2 : 755 ، والتحریر 1 : 107. والقواعد 1 : 88.
2- النهایة : 260.
3- الدروس : 129.
4- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 117.
5- التهذیب 5 : 219 - 738 ، الإستبصار 2 : 271 - 962 ، الوسائل 10 : 131 أبواب الذبح ب 32 ح 1.

______________________________________________________

الذی ضل بعد الإشعار ثم وجد فی منی ، ولا یلزم منه تعینه للنحر بعد الإشعار مطلقا. وما ذکره المصنف من جواز التصرف فیه بعد الإشعار وقبل السیاق مطابق لمقتضی الأصل ، فیجب المصیر إلیه إلی أن یقوم الدلیل علی خلافه.

إذا تقرر ذلک فاعلم أن المحقق الشیخ علی (1) والشارح (2) - رحمهما الله - أوردا علی عبارة المصنف أنها لا تخلو من التدافع بحسب الظاهر ، لأن جواز إبدال الهدی والتصرف فیه بعد الإشعار ینافی وجوب نحره بمنی. وهذا الإیراد إنما یتجه لو اتحد متعلق الحکمین ، لکن العبارة کالصریحة فی خلافه ، فإن موضع الجواز فیها ما بعد الإشعار وقبل السیاق ، وموضع الوجوب المقتضی لعدم جواز التصرف ما بعد السیاق.

واختلف کلامهما فی تنزیل العبارة علی ما یندفع به التنافی ویحصل به المطابقة للحکم المذکور ، فقال المحقق الشیخ علی : إن المراد بالإشعار أو التقلید الواقع فی العبارة ما وقع منهما علی غیر الوجه المعتبر ، وهو المقصود بهما الإحرام أو المکمل بهما ، فإن ذلک لا یقتضی المنع من التصرف فی الهدی ، والمراد بالسیاق فی قوله : لکن متی ساقه فلا بد من نحره ، الإشعار أو التقلید الواقعان علی الوجه المعتبر (3). ولا یخفی ما فی هذا التنزیل من البعد وشدة المخالفة للظاهر ، لاقتضائه استعمال کل من الإشعار والتقلید والسیاق فی غیر معناه الشرعی والعرفی.

وذکر الشارح فی تنزیل العبارة علی ما تندفع به المنافاة وتحصل به المطابقة للحکم المذکور وجها آخر ، وهو أن یراد بالهدی الذی یجوز لسائقه إبداله والتصرف فی الهدی المعد للسیاق من غیر أن یتعین بالإشعار أو التقلید

ص: 64


1- جامع المقاصد 1 : 172 أورد ذلک علی مثل عبارة المصنف.
2- المسالک 1 : 117.
3- جامع المقاصد 1 : 172.

______________________________________________________

مجازا باعتبار ما یؤل إلیه ، ویجعل قوله : وإن أشعره أو قلده ، وصلیا ، لقوله : لا یخرج عن ملکه ، وما بینهما معترض ، والتقدیر أنه لا یخرج عن ملکه وإن أشعره أو قلده ، لکن بالسیاق الذی هو عبارة عن الإشعار أو التقلید یتعین ذبحه ، وله إبداله والتصرف فیه قبل ذلک (1). ولا یخفی ما فی العبارة من التعقید علی هذا التنزیل وارتکاب المجاز من غیر قرینة.

ونقل الشارح عن بعض السادة الفضلاء فی دفع المنافاة بین جواز إبدال الهدی بعد الإشعار ووجوب نحره بعد السیاق وجها آخر ، وهو جعل قوله : وإن أشعره أو قلده ، وصلیا لقوله : وله إبداله والتصرف فیه ، کما هو الظاهر ، فیجوز إبداله بعد الإشعار أو التقلید المعقود بهما الإحرام ، وحمل قوله : لکن متی ساقه فلا بد من نحره ، علی أن المعنی أنه متی أشعر الهدی أو قلده وجب علیه نحر هدی ، سواء کان هو المسوق أو بدله. قال : ولا ینافیه قوله : نحره ، فإن البدلیة تصیره هدی قران ، لأنه عوضه (2).

وهذا التنزیل مع بعده غیر مطابق للحکم المتقدم الذی هو الموجب لهذا التکلف ، أعنی عدم جواز إبدال الهدی والتصرف فیه بعد الإشعار ، ومع ذلک فهو مخالف لما دلت علیه صحیحة الحلبی من تعین نحر ما تعلق به الإشعار ، والواجب رد الحکم إلی الأدلة الشرعیة لا التصرف فی العبارات کیف اتفق.

ویدل علی وجوب نحر الهدی بمنی إن قرنه بإحرام الحج ، وبمکة إن قرنه بإحرام العمرة مضافا إلی الإجماع والتأسی قول الصادق علیه السلام فی روایة عبد الأعلی : « لا هدی إلا من الإبل ، ولا ذبح إلا بمنی » (3) وموثقة شعیب العقرقوفی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : سقت فی العمرة

ص: 65


1- المسالک 1 : 117.
2- المسالک 1 : 117.
3- التهذیب 5 : 214 - 722 ، الوسائل 10 : 93 أبواب الذبح ب 4 ح 6.

ولو هلک لم تجب إقامة بدله ، لأنه لیس بمضمون. ولو کان مضمونا کالکفارات وجبت إقامة بدله.

______________________________________________________

بدنة ، فأین أنحرها؟ قال : « بمکة » (1).

والحزورة کقسورة : هی التل ، وهی خارج المسجد بین الصفا والمروة ، وذکر الأصحاب أنها أفضل مواضع الذبح بمکة.

قوله : ( ولو هلک لم تجب إقامة بدله ، لأنه لیس بمضمون. ولو کان مضمونا کالکفارات وجبت إقامة بدله ).

المتبادر من العبارة عود الضمیر المستکن فی « کان » إلی هدی السیاق ، فیستفاد منه أن هدی السیاق لا یشترط فیه أن یکون متبرعا به ابتداء ، بل لو کان مستحقا کالنذر والکفارة تأدت به وظیفة السیاق ، وعبارات الأصحاب کالصریحة فی ذلک ، وکذا الأخبار الصحیحة.

واحتمل الشارح - قدس سره - أن یکون الضمیر عائدا إلی مطلق الهدی ، وأن یکون إدخاله فی باب هدی القران من باب الاستطراد ، کما أدخل قوله بعد ذلک : وکل هدی واجب کالکفارات لا یجوز أن یعطی الجزار منها شیئا ، فإن هذا الحکم لا یختص بالمسوق (2). ولا ضرورة لارتکاب ذلک هنا بعد ثبوت تأدی وظیفة السیاق بالواجب.

ویدل علی الحکمین ، أعنی وجوب إقامة بدل الهدی المضمون دون غیره روایات ، منها صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : سألته عن الهدی الذی یقلد أو یشعر ثم یعطب ، قال : « إن کان تطوعا فلیس علیه غیره ، وإن کان جزاء أو نذرا فعلیه بدله » (3).

حکم هلاک هدی السیاق

ص: 66


1- الکافی 4 : 488 - 5 ، التهذیب 5 : 202 - 672 ، الوسائل 10 : 92 أبواب الذبح ب 4 ح 3.
2- المسالک 1 : 117.
3- التهذیب 5 : 215 - 724 ، الإستبصار 2 : 269 - 955 ، الوسائل 10 : 123 أبواب الذبح ب 25 ح 1.

ولو عجز هدی السیاق عن الوصول جاز أن ینحر أو یذبح ، ویعلم بما یدل علی أنه هدی.

______________________________________________________

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الهدی إذا عطب قبل أن یبلغ المنحر ، أیجزی عن صاحبه؟ فقال : « إن کان تطوعا فلینحر ولیأکل منه ، وقد أجزأ عنه بلغ المنحر أو لم یبلغ ، ولیس علیه فداء ، وإن کان مضمونا فلیس علیه أن یأکل منه بلغ المنحر أو لم یبلغ ، وعلیه مکانه » (1).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال : « وکل شی ء إذا دخل فی الحرم فعطب فلا بدل علی صاحبه تطوعا أو غیره » (2) لأنا نجیب عنه بالحمل علی العجز عن البدل ، أو علی عطب غیر الموت کالکسر ، فینحره علی ما به ویجزیه ، کما ذکره الشیخ فی کتابی الأخبار. وهذا التأویل وإن کان بعیدا ، إلا أنه لا بأس بالمصیر إلیه ، لعدم صحة الروایة ، ولو کانت صحیحة لوجب العمل بمقتضاها ، لأنها مفصلة ، وحمل ما تضمن لزوم البدل علی ما إذا حصل العطب قبل دخول الحرم.

قوله : ( ولو عجز هدی السیاق عن الوصول جاز أن ینحر أو یذبح ، ویعلم بما یدل علی أنه هدی ).

الظاهر أن المراد بالجواز هنا معناه الأعم ، والمقصود منه الوجوب ، لورود الأمر به فی عدة روایات ، کصحیحة حفص بن البختری قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل ساق الهدی فعطب فی موضع لا یقدر علی من یتصدق به علیه ولا یعلم أنه هدی ، قال : « ینحره ویکتب کتاب یضعه

حکم عجز هدی السیاق عن الوصول

ص: 67


1- التهذیب 5 : 215 - 726 ، الإستبصار 2 : 270 - 957 ، الوسائل 10 : 123 أبواب الذبح ب 25 ح 3.
2- التهذیب 5 : 216 - 727 ، الإستبصار 2 : 270 - 958 ، الوسائل 10 : 124 أبواب الذبح ب 25 ح 6.

______________________________________________________

علیه ، لیعلم من مر به أنه صدقة » (1).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أی رجل ساق بدنة فانکسرت قبل أن تبلغ محلها ، أو عرض لها موت أو هلاک ، فلینحرها إن قدر علی ذلک ، ثم لیلطخ نعلها التی قلدت به بدم ، حتی یعلم من مر بها أنها قد ذکیت ، فیأکل من لحمها إن أراد ، وإن کان الهدی الذی انکسر وهلک مضمونا فإن علیه أن یبتاع مکان الذی انکسر أو هلک ، والمضمون هو الشی ء الواجب علیک فی نذر أو غیره ، وإن لم یکن مضمونا وإنما هو شی ء تطوع به فلیس علیه أن یبتاع مکانه إلا من یشاء أن یتطوع » (2).

وروایة علی بن أبی حمزة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل ساق بدنة فانکسرت قبل أن تبلغ محلها ، أو عرض لها موت أو هلاک ، قال : « یذکیها إن قدر علی ذلک ویلطخ نعلها التی قلدت بها حتی یعلم من مر بها أنها قد ذکیت فیأکل من لحمها إن أراد » (3).

وحسنة حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کل من ساق هدیا تطوعا فعطب هدیه فلا شی ء علیه ، ینحره ویأخذ تقلید النعل فیغمسها فی الدم فیضرب به صفحة سنامه ولا بدل علیه ، وما کان من جزاء صید أو نذر فعطب فعل مثل ذلک وعلیه البدل ، وکل شی ء إذا دخل الحرم فعطب فلا بدل علی صاحبه تطوعا أو غیره » (4).

وروایة عمر بن حفص الکلبی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل ساق الهدی فعطب فی موضع لا یقدر علی من یتصدق به علیه ، ولا من

ص: 68


1- الفقیه 2 : 297 - 1477 ، الوسائل 10 : 130 أبواب الذبح ب 31 ح 1.
2- علل الشرائع : 435 - 3 ، الوسائل 10 : 130 أبواب الذبح ب 31 ح 4.
3- الفقیه 2 : 298 - 1478 ، الوسائل 10 : 130 أبواب الذبح ب 31 ح 3.
4- المتقدمة فی ص 67.

ولو أصابه کسر جاز بیعه ، والأفضل أن یتصدق بثمنه أو یقیم بدله.

______________________________________________________

یعلمه أنه هدی ، قال : « ینحره ویکتب کتابا ویضعه علیه ، لیعلم من مر به أنه صدقة » (1).

ویستفاد من هذه الروایات جواز التعویل علی هذه القرائن فی الحکم بالتذکیة وجواز الأکل ، وأنه لا تجب الإقامة عنده إلی أن یوجد المستحق. وأوجب الشارح الأکل منه بناء علی وجوب الأکل من هدی السیاق (2). وهو أحوط.

ولو کان الهدی مضمونا کالکفارة وجزاء الصید والمنذور غیر المعین وجب إقامة بدله قطعا ، کما تدل علیه صحیحة الحلبی المتقدمة (3) وغیرها ، أما الواجب المعین فکالمتبرع به فی عدم وجوب إقامة بدله مقامه ، لأنه لم یتعلق بالذمة وإنما تعلق بالعین فیسقط بتلفها کالودیعة.

قوله : ( ولو أصابه کسر جاز بیعه ، والأفضل أن یتصدق بثمنه أو یقیم بدله ).

الضمیر فی « إصابة » یرجع إلی هدی السیاق الذی قد تعینت تذکیته بالإشعار أو التقلید ، لیظهر لحکمه بجواز البیع فائدة ، إذ لو کان قبل ذلک لجاز له التصرف فیه کیف شاء ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « إن لم یکن أشعرها فهی من ماله ، إن شاء نحرها وإن شاء باعها » (4).

والمراد بالهدی : المتبرع به کما هو الغالب فی هدی السیاق ، وفی حکمه الواجب المعین ، أما المضمون کالکفارات والمنذور غیر المعین فإنه تجب إقامة بدله.

حکم کسر هدی السیاق

ص: 69


1- التهذیب 5 : 218 - 736 ، الوسائل 10 : 131 أبواب الذبح ب 31 ح 6.
2- المسالک 1 : 117.
3- فی ص 68.
4- المتقدمة فی ص 63.

______________________________________________________

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیه السلام ، قال : سألته عن الهدی الواجب إذا أصابه کسر أو عطب ، أیبیعه صاحبه ویستعین بثمنه فی هدی؟ قال : « لا یبیعه ، فإن باعه تصدق بثمنه ویهدی هدیا آخر » (1).

وفی الحسن عن الحلبی ، قال : سألته عن الهدی الواجب إذا أصابه کسر أو عطب ، أیبیعه صاحبه ویستعین بثمنه فی هدی آخر؟ قال : « یبیعه ویتصدق بثمنه ویهدی هدیا آخر » (2).

ومورد الروایتین الهدی الواجب ، ومقتضاهما أنه إذا بیع یجب التصدق بثمنه وإقامة بدله ، وأما الهدی المتبرع به فلم أقف فی جواز بیعه وأفضلیة التصدق بثمنه أو إقامة بدله علی روایة تدل علیه ، والأصح تعین ذبحه مع العجز عن الوصول وتعلیمه بما یدل علی أنه هدی ، سواء کان عجزه بواسطة الکسر أو غیره. وما ادعاه الشارح من ورود النص بالفرق بین العجز والکسر (3) ، غیر جید ، فإن صحیحة الحلبی مصرحة بالذبح والتعلیم علی هذا الوجه مع الکسر ، وباقی الروایات وقع الحکم فیها منوطا بعطب الهدی ، والعطب یتناول الکسر وغیره ، بل ظاهر کلام أهل اللغة اختصاصه بالکسر ، قال فی القاموس : عطب کفرح هلک ، والبعیر والفرس انکسر (4).

وبالجملة فالمستفاد من الأخبار أن هدی السیاق المتبرع به متی عجز عن الوصول بکسر أو غیره وجب ذبحه فی مکانه علی الوجه المتقدم ، وأما البیع والصدقة بالثمن مع إقامة البدل فإنما ورد فی الهدی الواجب ، فیجب

ص: 70


1- التهذیب 5 : 217 - 731 ، الوسائل 10 : 126 أبواب الذبح ب 27 ح 2 ، ورواها فی الفقیه 2 : 298 - 1482.
2- التهذیب 5 : 217 - 730 ، الوسائل 10 : 126 أبواب الذبح ب 27 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 494 - 4.
3- المسالک 1 : 118.
4- القاموس المحیط 1 : 110.

ولا یتعین هدی السیاق للصدقة إلا بالنذر.

ولو سرق من غیر تفریط لم یضمن.

______________________________________________________

قصر الحکم علیه إلی أن یثبت الجواز فی غیره ، ومع ذلک فالأظهر کراهة بیعه للنهی عنه فی صحیحة ابن مسلم.

واستشکل المحقق الشیخ علی - رحمه الله - فی حاشیة الکتاب الحکم من أصله ، بأن هدی السیاق صار نحره متعینا فکیف یجوز بیعه (1). وهو مدفوع بالنص الصحیح الدال علی ذلک ، ولولاه لتعین القول بوجوب ذبحه فی مکانه ، کما دل علیه إطلاق تلک الأخبار.

قوله : ( ولا یتعین هدی السیاق للصدقة إلا بالنذر ).

مقتضی العبارة أن الواجب فی هدی السیاق هو النحر أو الذبح خاصة ، فإذا فعل ذلک صنع به ما شاء ، إن لم یکن منذورا للصدقة. واستقرب الشهید فی الدروس مساواته لهدی التمتع فی وجوب الأکل منه والإطعام (2). ولا بأس به ، لإطلاق قوله تعالی ( فَکُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا ) (3) المتناول لهدی التمتع وغیره.

قوله : ( ولو سرق من غیر تفریط لم یضمن ).

الضمیر یرجع إلی هدی السیاق. وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فیه بین المتبرع به أو المتعین بالنذر وشبهه ، وإنما لم یضمنه إذا سرق من غیر تفریط ، لأنه کالأمانة ، ومن شأن الأمانة أن لا تضمن إلا مع التعدی أو التفریط. واستدل علیه فی التهذیب بما رواه أحمد بن محمد بن عیسی فی کتابه ، عن غیر واحد من أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل

عدم تعین هدی السیاق للصدقة

ص: 71


1- لا یحضرنا الآن حاشیة الشرائع ولکنه موجود فی جامع المقاصد 1 : 172.
2- الدروس : 129.
3- الحج : 36.

______________________________________________________

اشتری شاة لمتعته فسرقت منه أو هلکت فقال : « إن کان أوثقها فی رحله فضاعت فقد أجزأت عنه » (1) وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل اشتری أضحیة فماتت أو سرقت قبل أن یذبحها ، قال : « لا بأس ، وإن أبدلها فهو أفضل ، فإن لم یشتر فلیس علیه شی ء » (2).

وربما تناولت العبارة بإطلاقها الواجب المطلق ، کدم التمتع وجزاء الصید والمنذور غیر المعین إذا عینه فی فرد فسرق ، وقد قطع العلامة فی المنتهی بأنه بعطبه أو سرقته یرجع الواجب إلی الذمة ، کالدین إذا رهن علیه رهن فإن الحق یتعلق بالذمة والرهن ، فمتی تلف الرهن استوفی من الدین ، وقال : إنه لا یعلم فیه خلافا (3).

ویستفاد من قول المصنف : ولو سرق من غیر تفریط لم یضمن ، أنه لو کان ذهابه بتفریط ضمنه مطلقا. وهو کذلک ، لتعین ذبحه وصرفه فی الأکل والإطعام کما سبق.

وأورد المحقق الشیخ علی فی حواشی الکتاب علی هذا الحکم أنه مناف لما سبق من قوله : ولا یتعین هدی السیاق للصدقة إلا بالنذر ، لأنه إذا لم یتعین للصدقة جاز له التصرف فیه کیف شاء ، فکیف یضمنه مع التفریط. قال : ولو حمل علی أنه مضمون فی الذمة لوجب إقامة بدله مطلقا فرط فیه أم لا (4). وهو إیراد ضعیف ، لعدم المنافاة بین الأمرین ، فإن هدی السیاق وإن لم یتعین للصدقة لکن یجب ذبحه أو نحره بمکة أو منی قطعا ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، فإذا فرط فیه قبل فعل الواجب ضمنه ، فیجب علیه ذبح

حکم سرقة هدی السیاق

ص: 72


1- التهذیب 5 : 217 - 732 ، الوسائل 10 : 129 أبواب الذبح ب 30 ح 2.
2- الکافی 4 : 493 - 2 ، التهذیب 5 : 217 - 733 ، الوسائل 10 : 129 أبواب الذبح ب 30 ح 1.
3- المنتهی 2 : 749.
4- نقله عنه الشهید فی المسالک 1 : 118.

ولو ضلّ فذبحه الواجد عن صاحبه أجزأ عنه. ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ولم یجب ذبح الأخیر. ولو ذبح الأخیر ذبح الأول ندبا ، إلا أن یکون منذورا.

______________________________________________________

البدل أو نحره وإن لم تجب الصدقة به کما هو واضح.

قوله : ( ولو ضل فذبحه الواجد عن صاحبه أجزأ عنه ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین أن یکون الهدی الذی تعلق به السیاق متبرعا به أو واجب بنذر أو کفارة. وهو کذلک ، لصحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یضل هدیه فیجده رجل آخر فینحره فقال : « إن کان نحره بمنی فقد أجزأ عن صاحبه الذی ضل منه ، وإن کان نحره فی غیر منی لم یجز عن صاحبه » (1).

واستشکل المحقق الشیخ علی - رحمه الله - علی ذلک فی الواجب (2). وهو مدفوع بالنص الصحیح ، مع أنه وافق علی الإجزاء فی هدی التمتع وهو واجب غیر متعین ، فلتکن الکفارة ونحوها کذلک.

واحترز بذبح الواجد له عن صاحبه عما لو ذبحه عن نفسه ، فإنه لا یجزی عن أحدهما ، کما صرح به الشیخ (3) وجمع من الأصحاب ، ودلت علیه مرسلة جمیل عن الصادق علیه السلام (4).

قوله : ( ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ، ولم یجب ذبح الأخیر ، ولو ذبح الأخیر ذبح الأول ندبا ، إلا أن یکون منذورا ).

هذا الحکم ذکره المصنف والعلامة فی جملة من کتبه (5) بعبارة

حکم ضلال هدی السیاق

حکم وجدان الضال بعد إقامة بدله

ص: 73


1- الکافی 4 : 495 - 8 ، الفقیه 2 : 297 - 1475 ، التهذیب 5 : 219 - 739 ، الإستبصار 2 : 272 - 963 ، الوسائل 10 : 127 أبواب الذبح ب 28 ح 2.
2- نقله عنه الشهید فی المسالک 1 : 118.
3- الاستبصار 1 : 272.
4- الکافی 4 : 495 - 9 ، التهذیب 5 : 220 - 740 ، الإستبصار 2 : 272 - 964 ، الوسائل 10 : 132 أبواب الذبح ب 33 ح 1 ، وفیها : عن أحدهما علیهماالسلام .
5- التحریر 1 : 107 ، والقواعد 1 : 88.

______________________________________________________

متقاربة ، والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یشتری البدنة ثم تضل قبل أن یشعرها ویقلدها ، فلا یجدها حتی یأتی منی فینحر ویجد هدیه ، قال : « إن لم یکن أشعرها فهی من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن کان أشعرها نحرها » (1).

وعن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل اشتری کبشا فهلک منه ، قال : « یشتری مکانه آخر » قلت : فإن اشتری مکانه آخر ثم وجد الأول؟ قال : إن کانا جمیعا قائمین فلیذبح الأول ولیبع الأخیر وإن شاء ذبحه ، وإن کان ذبح الأخیر ذبح الأول معه » (2) وفی طریق هذه الروایة محمد بن سنان ، وهو ضعیف.

إذا تقرر ذلک فاعلم أن قول المصنف : ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ولم یجب ذبح الأخیر ، یقتضی بظاهره وجوب إقامة البدل فی هدی السیاق المتبرع به ووجوب ذبحه إذا لم یجد الأول ، وهو مناف لما تقدم من عدم وجوب إقامة بدله لو هلک.

وأجاب عنه الشارح - قدس سره - إما بالتزام وجوب إقامة البدل مع الضیاع ، وسقوطه مع السرقة والهلاک ، قال : ولا بعد فی ذلک بعد ورود النص. وإما بتخصیص الضیاع بما وقع منه بتفریط (3).

وأقول : إن الوجه الثانی مستقیم فی نفسه ، أما الأول فمشکل. وما ذکره - قدس سره - من أنه لا بعد فی ذلک بعد ورود النص ، مسلم إلا أن

ص: 74


1- التهذیب 5 : 219 - 738 ، الإستبصار 2 : 271 - 962 ، الوسائل 10 : 131 أبواب الذبح ب 32 ح 1.
2- التهذیب 5 : 218 - 737 ، الإستبصار 2 : 271 - 961 ، الوسائل 10 : 132 أبواب الذبح ب 32 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 494 - 7 ، والفقیه 2 : 298 - 1480.
3- المسالک 1 : 118.

ویجوز رکوب الهدی ما لم یضر به ، وشرب لبنه ما لم یضر بولده.

______________________________________________________

الکلام فی إثبات ذلک ، فإنا لم نقف فی هذه المسألة علی روایة سوی ما أوردناه من الخبرین ، ولا دلالة لهما علی وجوب الإبدال فی هدی السیاق المتبرع به بوجه :

أما الأول ، فلأنه إنما یدل علی وجوب ذبح الأول بعد ذبح الأخیر إذا کان قد أشعره ، ولا دلالة له علی وجوب الإبدال. وأما الثانی ، فلعدم التعرض فیه لهدی السیاق ، بل الظاهر أن المسئول عنه فیه هدی التمتع.

ویمکن حمل عبارة المصنف علی الهدی الواجب ، لیتم وجوب إقامة بدله ، ویکون المراد أنه لو وجد الأول بعد ذبح الأخیر لم یجب ذبحه لقیام البدل مقامه ، إلا إذا کان منذورا علی التعیین فیجب ذبحه بعد ذبح الأخیر لتعینه بالنذر لذلک.

وکیف کان فالمتجه عدم وجوب إقامة البدل فی المتبرع به إذا ذهب بغیر تفریط مطلقا ، تمسکا بمقتضی الأصل المعتضد بالنصوص المتضمنة لعدم وجوب إقامة البدل مع العطب والسرقة ، وإنه متی وجد الأول وجب ذبحه إن کان منذورا أو کان قد أشعره ، وإلا فلا.

قوله : ( ویجوز رکوب الهدی ما لم یضر به ، وشرب لبنه ما لم یضر بولده ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الهدی بین المتبرع به والواجب ، وهو فی المتبرع به موضع وفاق ، لما بیناه فیما سبق من عدم خروجه بالسیاق عن الملک ، وإنما الخلاف فی الواجب ، فذهب بعضهم إلی مساواته للأول فی ذلک (1) ، لإطلاق قول الصادق علیه السلام فی صحیحة سلیمان بن خالد : « إن نتجت بدنتک فاحلبها ما لم یضر بولدها ، ثم انحرهما جمیعا »

جواز رکوب الهدی وشرب لبنه

ص: 75


1- کالشهید الأول فی الدروس : 129.

وکل هدی واجب کالکفارات لا یجوز أن یعطی الجزار منها شیئا ، ولا أخذ شی ء من جلودها ،

______________________________________________________

قلت : أشرب من لبنها وأسقی؟ قال : « نعم » (1) وفی روایة أبی الصباح الکنانی : « إن احتاج إلی ظهرها رکبها من غیر أن یعنف علیها ، فإن کان لها لبن حلبها حلابا لا ینهکها » (2).

وذهب ابن الجنید (3) والعلامة فی المختلف (4) والشارح (5) - قدس سره - إلی عدم جواز تناول شی ء من الهدی المضمون ، ولا الانتفاع به مطلقا ، ووجوب المثل أو القیمة مع التناول لمستحق أصله ، وهو مساکین الحرم. وهو مشکل ، نعم یمکن القول بذلک فی الواجب المعین ، لخروجه عن الملک ، فیتبعه النماء ، بخلاف المضمون.

وأما الصوف والشعر ، فإن کان موجودا عند التعیین تبعه ولم تجز إزالته ، إلا أن یضر به فیزیله ویتصدق به علی الفقراء ، ولیس له التصرف فیه ، ولو تجدد بعد التعیین کان کاللبن والولد.

ویستفاد من قول المصنف رحمه الله : وشرب لبنه ما لم یضر بولده ، أن الولد یتبعه فی وجوب الذبح ، وهو کذلک إذا کان موجودا حال السیاق مقصودا بالسوق ، أو متجددا بعده مطلقا ، أما لو کان موجودا حال السیاق ولم یقصد بالسوق لم یجب ذبحه قطعا ، ولو أضر به شرب اللبن فلا ضمان وإن أثم بذلک.

قوله : ( وکل هدی واجب کالکفارات لا یجوز أن یعطی الجزار منها شیئا ، ولا أخذ شی ء من جلودها ).

عدم إعطاء الجزار من الهدی

ص: 76


1- الکافی 4 : 493 - 2 ، التهذیب 5 : 220 - 741 ، الوسائل 10 : 133 أبواب الذبح ب 34 ح 6.
2- الکافی 4 : 492 - 1 ، التهذیب 5 : 220 - 742 ، الوسائل 10 : 133 أبواب الذبح ب 34 ح 5.
3- نقله عنه فی المختلف : 307.
4- المختلف : 307.
5- المسالک 1 : 118.

ولا أکل شی ء منها. فإن أکل تصدق بثمن ما أکل.

______________________________________________________

یدل علی ذلک روایات کثیرة ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الإهاب فقال : « تصدق به ، أو تجعله مصلی ینتفع به فی البیت ، ولا یعطی الجزارین » وقال : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یعطی جلالها وجلودها وقلائدها الجزارین ، وأمر أن یتصدق بها » (1).

ولا یخفی أن المنع من إعطاء الجزارین منها إنما هو علی وجه الأجرة ، أما لو أعطاه صدقة وکان مستحقا لذلک فلا بأس به ، لأنه من المستحقین ، وقد باشرها وتاقت نفسه إلیها ، کما ذکره فی المنتهی (2).

قوله : ( ولا أکل شی ء منها. فإن أکل تصدق بثمن ما أکل ).

یستثنی من هذه الکلیة هدی التمتع ، فإنه هدی واجب والأکل منه مستحب أو واجب. ولا یستثنی من ذلک هدی السیاق المتبرع به ، فإنه غیر واجب وإن تعین ذبحه بالسیاق ، لأن المراد بالواجب ما وجب ذبحه بغیر السیاق کما هو واضح.

وهذا الحکم - أعنی عدم الجواز الأکل من کل هدی واجب غیر هدی التمتع - مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی (3) ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فداء الصید یأکل منه من لحمه؟ فقال : « یأکل من أضحیته ، ویتصدق بالفداء » (4).

حکم الأکل من الهدی

ص: 77


1- التهذیب 5 : 228 - 771 ، الإستبصار 2 : 276 - 980 ، الوسائل 10 : 152 أبواب الذبح ب 43 ح 5.
2- المنتهی 2 : 760. ذکر ذلک فی الأضحیة ، ولم نجده فی بحث الهدی.
3- المنتهی 2 : 752.
4- التهذیب 5 : 224 - 757 ، الإستبصار 2 : 273 - 966 ، الوسائل 10 : 145 أبواب الذبح ب 40 ح 15.

______________________________________________________

وعن أبی بصیر ، قال : سألته عن رجل أهدی هدیا فانکسر ، قال : « إن کان مضمونا - والمضمون ما کان فی یمین یعنی نذرا أو جزاء - فعلیه فداؤه » قلت : یأکل منه؟ قال : « لا ، إنما هو للمساکین ، وإن لم یکن مضمونا فلیس علیه شی ء » قلت : یأکل منه؟ قال : « یأکل منه » (1).

وعن عبد الرحمن ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الهدی ، ما نأکل منه؟ قال : « کل هدی من نقصان الحج فلا تأکل منه ، وکل هدی من تمام الحج فکل » (2).

قال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : وفی روایة حماد عن حریز فی حدیث یقول فی آخره : « إن الهدی المضمون لا یأکل منه إذا عطب ، فإن أکل منه غرم » (3).

وقد ورد بإزاء هذه الروایات روایات أخر دالة علی جواز الأکل من الواجب وغیره ، کروایة عبد الله بن یحیی الکاهلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یؤکل من الهدی کله ، مضمونا کان أو غیره مضمون » (4).

وروایة جعفر بن بشیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البدن التی تکون جزاء الأیمان والنساء ولغیره ، یؤکل منها؟ قال : « نعم یؤکل من البدن » (5).

ص: 78


1- التهذیب 5 : 224 - 756 ، الإستبصار 2 : 272 - 965 ، الوسائل 10 : 145 أبواب الذبح ب 40 ح 16. ورواها فی الکافی 4 :1. 8.
2- التهذیب 5 : 224 - 758 ، الإستبصار 2 : 273 - 967 ، الوسائل 10 : 143 أبواب الذبح ب 40 ح 4.
3- الفقیه 2 : 299 - 1483 ، الوسائل 10 : 147 أبواب الذبح ب 40 ح 26.
4- التهذیب 5 : 225 - 759 ، الإستبصار 2 : 273 - 968 ، الوسائل 10 : 143 أبواب الذبح ب 40 ح 6.
5- التهذیب 5 : 225 - 760 ، الإستبصار 2 : 273 - 969 ، الوسائل 10 : 143 أبواب الذبح ب 40 ح 7.

ومن نذر أن ینحر بدنة ، فإن عیّن موضعا وجب ، وإن أطلق نحرها بمکة.

ویستحب أن یأکل من هدی السیاق ، وأن یهدی ثلثه ، ویتصدق

______________________________________________________

وأجاب عنهما الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی حالة الضرورة ، واستدل علیه بما رواه عن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : « إذا أکل الرجل من الهدی تطوعا فلا شی ء علیه ، وإن کان واجبا فعلیه قیمة ما أکل » (1). ولا بأس بالمصیر إلی هذا الحمل وإن کان بعیدا ، لأن هاتین الروایتین لا تصلحان لمعارضة الإجماع والأخبار الکثیرة.

قوله : ( ومن نذر أن ینحر بدنة ، فإن عین موضعا وجب ، وإن أطلق نحرها بمکة ).

أما وجوب صرفها مع التعیین فی الموضع المعین فلا ریب فیه ، لعموم ما دل علی وجوب الوفاء بالنذر ، وأما وجوب نحرها بمکة مع الإطلاق فاستدل علیه بقوله تعالی ( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَی الْبَیْتِ الْعَتِیقِ ) (2) وبأن النذر ینصرف إلی المعهود شرعا ، والمعهود فی الهدی الواجب ذبحه هناک ، وبما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسین بن سعید ، عن إسحاق الأزرق الصائغ ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل جعل لله علیه بدنة ینحرها بالکوفة فی شکر ، فقال لی : « علیه أن ینحرها حیث جعل لله علیه ، وإن لم یکن سمی بلدا فإنه ینحرها قبالة الکعبة منحر البدن » (3).

وفی جمیع هذه الأدلة نظر ، ولو قیل بوجوب النحر مع الإطلاق حیث شاء کان وجها قویا.

قوله : ( ویستحب أن یأکل من هدی السیاق ، ویهدی ثلثه ،

موضع نحر البدنة المنذور

استحباب تثلیت هدی السیاق

ص: 79


1- التهذیب 5 : 225 - 761 ، الإستبصار 2 : 273 - 970 ، الوسائل 10 : 143 أبواب الذبح ب 40 ح 5.
2- الحج : 33.
3- التهذیب 5 : 239 - 806 ، الوسائل 10 : 94 أبواب الذبح ب 5 ح 2.

بثلثه کهدی التمتع ، وکذا الأضحیّة.

______________________________________________________

ویتصدق بثلثه ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن شعیب العقرقوفی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : سقت فی العمرة بدنة ، فأین أنحرها؟ قال : « بمکة » قلت : فأی شی ء أعطی منها؟ قال : « کل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث » (1).

وصحیحة سیف التمار فی هدی السیاق : « أطعم أهلک ثلثا ، وأطعم القانع والمعتر ثلثا ، وأطعم المساکین ثلثا » (2).

والمراد بهدی السیاق : المتبرع به ، أما الواجب کفارة أو بنذر إذا ساقه فلا یصح تناول شی ء منه ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ( وکذا الأضحیة ).

أی : یستحب أن یأکل منها ، ویهدی ثلثا ، ویتصدق بثلث ، ولم أقف علی روایة تتضمن ذلک صریحا ، قال فی المنتهی : ویجوز أن یأکل أکثرها وأن یتصدق بالأقل (3). وهو کذلک ، وقال الشیخ : إن الصدقة بالجمیع أفضل (4). والظاهر أن مراده الصدقة بالجمیع بعد أکل المسمی ، لإجماع علمائنا علی استحباب الأکل ، وتصریحه بذلک.

ولو أکل الجمیع ضمن للفقراء القدر المجزی وجوبا أو استحبابا بحسب حال الأضحیة.

وقد أطلق الأصحاب عدم جواز بیع لحمها من غیر تقیید بوجوبها ،

استحباب تثلیث الأضحیة

ص: 80


1- التهذیب 5 : 202 - 672 ، الوسائل 10 : 92 أبواب الذبح ب 4 ح 3.
2- التهذیب 5 : 223 - 753 ، الوسائل 10 : 142 أبواب الذبح ب 40 ح 3 ، ورواها فی معانی الأخبار : 208 - 2.
3- المنتهی 2 : 759.
4- المبسوط 1 : 393.

الخامس : فی الأضحیة.

______________________________________________________

واستدل علیه فی المنتهی بأنها خرجت عن ملک المضحی بالذبح ، واستحقها المساکین (1). وهو إنما یتم فی الواجب دون المتبرع به ، والأصح اختصاص المنع بالأضحیة الواجبة ، ولعل ذلک مراد الأصحاب.

قوله : ( الخامس ، فی الأضحیة ).

الأضحیّة - بضم الهمزة وکسرها وتشدید الباء المفتوحة فیهما - : ما یضحی بها ، سمیت بذلک لذبحها فی الضحیة أو الضحی غالبا ، والأضحیة مستحبة عند علمائنا وأکثر العامة (2) استحبابا مؤکدا ، والأصل فیه قوله تعالی : ( فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ ) (3) ذکر المفسرون أن المراد بالنحر نحر الأضحیة بعد صلاة العید (4).

والأخبار الواردة بذلک من طریق الأصحاب مستفیضة ، منها ما رواه ابن بابویه عن أم سلمة - رضی الله عنها - أنها جاءت إلی النبی صلی الله علیه و آله فقالت : یا رسول الله یحضر الأضحی ولیس عندی ثمن الأضحیة ، فاستقرض وأضحی؟ قال : « فاستقرضی ، فإنه دین مقضی » (5).

وروی أیضا عن أمیر المؤمنین صلوات الله علیه أنه کان یضحی عن رسول الله صلی الله علیه و آله کل سنة بکبش ، فیذبحه ویقول : « بسم الله ، ( وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِیفاً ) مسلما ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ ) ، ( إِنَّ صَلاتِی وَنُسُکِی وَمَحْیایَ وَمَماتِی لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ ) ، اللهم منک ولک » ثم یقول : « اللهم هذا عن نبیک » ثم یذبحه ، ویذبح کبشا آخر عن نفسه (6). وفیه إشعار باستحباب الأضحیة عن الغیر وإن کان میتا.

الأضحیة

استحباب الأضحیة

ص: 81


1- المنتهی 2 : 759.
2- کالشافعی فی الأم 2 : 221 ، وابن راشد فی بدایة المجتهد 1 : 429.
3- الکوثر : 2.
4- منهم الشیخ فی التبیان 10 : 418 ، والطبرسی فی مجمع البیان 5 : 549.
5- الفقیه 2 : 292 - 1447 ، الوسائل 10 : 177 أبواب الذبح ب 64 ح 1.
6- الفقیه 2 : 293 - 1448 ، الوسائل 10 : 174 أبواب الذبح ب 60 ح 7.

ووقتها بمنی أربعة أیام ، أولها یوم النحر. وفی الأمصار ثلاثة.

______________________________________________________

ونقل عن ابن الجنید أنه قال بوجوب الأضحیة (1). وربما کان مستنده ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن سوید القلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « الأضحیة واجبة علی من وجد من صغیر أو کبیر وهی سنة » (2).

وعن العلاء بن الفضیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إن رجلا سأله عن الأضحی؟ فقال : « هو واجب علی کل مسلم إلا من لم یجد » فقال له السائل : فما تری فی العیال؟ قال : « إن شئت فعلت ، وإن شئت لم تفعل ، وأما أنت فلا تدعه » (3).

ویجاب بمنع کون المراد بالوجوب المعنی المتعارف عند الفقهاء کما بیناه غیر مرة ، وقوله علیه السلام : « فأما أنت فلا تدعه » معارض بقوله علیه السلام فی روایة ابن مسلم : « وهی سنة » فإن المتبادر من السنة المستحب. وبالجملة فلا یمکن الخروج عن مقتضی الأصل والإجماع المنقول علی انتفاء الوجوب بمثل هاتین الروایتین ، مع إمکان حملهما علی ما تحصل به الموافقة.

قوله : ( ووقتها بمنی أربعة أیام أولها یوم النحر ، وفی الأمصار ثلاثة ).

هذا قول علمائنا أجمع ، حکاه فی المنتهی (4) ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الأضحی کم هو بمنی؟ فقال : « أربعة

وقت الأضحیة

ص: 82


1- کما فی المختلف : 307.
2- الفقیه 2 : 292 - 1445 ، الوسائل 10 : 173 أبواب الذبح ب 60 ح 3.
3- الفقیه 2 : 292 - 1446 ، الوسائل 10 : 173 أبواب الذبح ب 60 ح 5.
4- المنتهی 2 : 755.

______________________________________________________

أیام » وسألته عن الأضحی فی غیر منی فقال : « ثلاثة » فقلت : فما تقول فی رجل مسافر قدم بعد الأضحی بیومین ، أله أن یضحی فی الیوم [ الثالث ] (1)؟ قال : « نعم » (2).

وفی الموثق عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الأضحی بمنی؟ فقال : « أربعة أیام » وعن الأضحی فی سائر البلدان؟ فقال : « ثلاثة أیام » (3).

وقد ورد فی بعض الروایات ما یخالف بظاهره ذلک ، کحسنة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، فقال : « الأضحی یومان بعد یوم النحر ، ویوم واحد بالأمصار » (4).

وروایة کلیب الأسدی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن النحر؟ فقال ، قال : « أما بمنی فثلاثة أیام ، وأما فی البلدان فیوم واحد » (5).

وأجاب عنهما الشیخ فی التهذیب بالحمل علی أن المراد أن أیام النحر التی لا یجوز فیها الصوم بمنی ثلاثة أیام ، وفی سائر البلدان یوم واحد (6). ثم استدل علی ذلک بما رواه عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله

ص: 83


1- أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 5 : 202 - 673 ، الإستبصار 2 : 264 - 930 ، الوسائل 10 : 93 أبواب الذبح ب 6 ح 1.
3- التهذیب 5 : 203 - 674 ، الإستبصار 2 : 264 - 931 ، الوسائل 10 : 95 أبواب الذبح ب 6 ح 2. ورواها فی الفقیه 2 :3. 1439.
4- الکافی 4 : 486 - 1 ، التهذیب 5 : 203 - 677 ، الإستبصار 2 : 264 - 934 ، الوسائل 10 : 96 أبواب الذبح ب 6 ح 7.
5- الکافی 4 : 486 - 1 ، الفقیه 2 : 291 - 1440 ، التهذیب 5 : 203 - 676 ، الإستبصار 2 : 264 - 933 ، الوسائل 10 : 96 أبواب الذبح ب 6 ح 6.
6- التهذیب 5 : 203.

ولا بأس بادخار لحمها.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « النحر بمنی ثلاثة أیام ، فمن أراد الصوم لم یصم حتی تمضی الثلاثة الأیام ، والنحر بالأمصار یوم ، فمن أراد الصوم صام من الغد » (1).

ومقتضی هذا الحمل عدم تحریم الصوم یوم الثالث من أیام التشریق ، وهو مشکل ، لأنه مخالف لما أجمع علیه الأصحاب ودلت علیه أخبارهم.

ویمکن حمل روایة منصور علی أن المراد بالصوم ما کان بدلا عن الهدی ، لما سبق من أن الأظهر جواز صوم یوم الحصبة وهو یوم النفر فی ذلک (2).

والأجود حمل روایتی محمد بن مسلم وکلیب الأسدی علی أن الأفضل ذبح الأضحیة فی الأمصار فی یوم النحر ، وفی منی فی یوم النحر أو فی الیومین الأولین من أیام التشریق.

قوله : ( ولا بأس بادّخار لحمها ).

موضع الشبهة ادخارها بعد ثلاثة أیام ، فقد قیل : إن ادخارها بعد الثلاثة کان محرما فنسخ (3) ، وروی الشیخ عن جابر بن عبد الله الأنصاری ، قال : أمرنا رسول الله صلی الله علیه و آله أن لا نأکل لحم الأضاحی بعد ثلاثة ثم أذن لنا أن نأکل ونقدد ونهدی إلی أهالینا (4).

وعن حنان بن سدیر ، عن أبیه ، عن الباقر علیه السلام ، وعن أبی الصباح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قالا : « نهی رسول الله صلی الله

جواز ادخار لحم الأضحیة

ص: 84


1- التهذیب 5 : 203 - 678 ، الإستبصار 2 : 265 - 935 ، الوسائل 10 : 95 أبواب الذبح ب 6 ح 5.
2- فی ص 51.
3- کما فی المسالک 1 : 119.
4- التهذیب 5 : 225 - 762 ، الإستبصار 2 : 274 - 971 ، الوسائل 10 : 148 أبواب الذبح ب 41 ح 2.

ویکره أن یخرج به من منی. ولا بأس بإخراج ما یضحیه غیره.

______________________________________________________

علیه وآله عن لحوم الأضاحی بعد ثلاثة أیام ، ثم أذن فیها فقال : کلوا من لحوم الأضاحی بعد ذلک وادخروا » (1).

قوله : ( ویکره أن یخرج به من منی ، ولا بأس بإخراج ما یضحیه غیره ).

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد ، عن علی ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « لا یتزود الحاج من أضحیته وله أن یأکل منها أیامها ، إلا السنام فإنه دواء » قال أحمد ، وقال : « لا بأس أن یشتری الحاج من لحم منی ویتزوده » (2).

وربما ظهر من بعض الروایات انتفاء الکراهة مطلقا ، کحسنة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن إخراج لحوم الأضاحی من منی فقال : « کنا نقول لا یخرج شی ء لحاجة الناس إلیه ، فأما الیوم فقد کثر الناس فلا بأس بإخراجه » (3).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابیه بالحمل علی ما یضحیه الغیر (4). وهو بعید.

وکیف کان فیستثنی من ذلک السنام ، للإذن فی إخراجه فی عدة روایات.

حکم اخراج لحم الأضحیة من منی

ص: 85


1- التهذیب 5 : 226 - 763 ، الإستبصار 2 : 274 - 972 ، الوسائل 10 : 148 أبواب الذبح ب 41 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 501 - 1.
2- التهذیب 5 : 227 - 769 ، الإستبصار 2 : 275 - 978 ، الوسائل 10 : 150 أبواب الذبح ب 42 ح 4.
3- الکافی 4 : 500 - 7 ، التهذیب 5 : 227 - 768 ، الإستبصار 2 : 275 - 977 ، الوسائل 10 : 150 أبواب الذبح ب 42 ح 5.
4- التهذیب 5 : 227 ، والاستبصار 2 : 275.

ویجزی الهدی الواجب عن الأضحیة ، والجمع بینهما أفضل. ومن لم یجد الأضحیة تصدق بثمنها. فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلی والأوسط والأدون ، وتصدق بثلث الجمیع.

______________________________________________________

قوله : ( ویجزی الهدی الواجب عن الأضحیة ، والجمع بینهما أفضل ).

أما إجزاء المهدی الواجب عن الأضحیة فیدل علیه روایات ، منها صحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یجزیه فی الأضحیة هدیه » (1) وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « یجزی الهدی عن الأضحیة » (2).

وأما استحباب الجمع بینهما فعلل بما فیه من فعل المعروف ونفع المساکین ، ولا بأس به ، وربما کان فی لفظ الإجزاء الواقع فی الروایتین إشعار به.

قوله : ( ومن لم یجد الأضحیة تصدق بثمنها ، فإن اختلفت أثمانها جمع الأعلی والأوسط والأدون وتصدق بثلث الجمیع ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن عمر ، قال : کنا بمکة فأصابنا غلاء فی الأضاحی ، فاشترینا بدینار ، ثم بدینارین ، ثم بلغت سبعة ، ثم لم یوجد بقلیل ولا کثیر ، فوقع هشام المکاری إلی أبی الحسن علیه السلام فأخبره بما اشترینا وإنا لم نجد بعد ، فوقع إلیه انظروا إلی الثمن الأول والثانی والثالث فاجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه » (3).

ولا یخفی أن جمع الأعلی والأوسط والأدون والتصدق بثلث الجمیع إنما یتم إذا کانت القیم ثلاثا ، والضابط أن تجمع القیمتان أو القیم ویتصدق

اجزاء الهدی الواجب عن الأضحیة

التصدق بالثمن عند عدم الأضحیة

ص: 86


1- التهذیب 5 : 238 - 803 ، الوسائل 10 : 173 أبواب الذبح ب 60 ح 2.
2- الفقیه 2 : 297 - 1472.
3- التهذیب 5 : 238 - 805 ، الوسائل 10 : 172 أبواب الذبح ب 58 ح 1.

ویستحب أن تکون التضحیة بما یشتریه. ویکره بما یربیه.

______________________________________________________

بقیمة منسوبة إلی القیم بالسویة ، فمن الثلاث الثلث ، ومن الأربع الربع ، وهکذا. قال الشهید فی الدروس : واقتصار الأصحاب علی الثلث تبعا للروایة التابعة لواقعة هشام (1).

قوله : ( ویستحب أن تکون التضحیة بما یشتریه ، ویکره بما یربیه ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ ، عن محمد بن الفضیل ، عن أبی الحسن علیه السلام قال ، قلت : جعلت فداک کان عندی کبش سمین لأضحی به ، فلما أخذته وأضجعته نظر إلی فرحمته ورققت له ، ثم إنی ذبحته ، فقال لی : « ما کنت لأجب لک أن تفعل ، لا تربین شیئا من هذا ثم تذبحه » (2).

وما رواه ابن بابویه عن أبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام أنه قال : « لا یضحی بشی ء من الدواجن » (3).

والدواجن هی الشاة المستأنسة التی تألف البیوت ، قاله الجوهری (4). وقال فی القاموس : دجن بالمکان دجونا أقام ، والحمام والشاة وغیرهما ألفت ، وهی داجن (5). انتهی. وتسمی الدواجن رواجن أیضا ، قال فی القاموس : رجن بالمکان رجونا أقام به ، والإبل وغیرها ألفت ، وتثلث ، ودابته حبسها فی المنزل علی العلف (6).

استحباب التضحیة بما یشتری

ص: 87


1- الدروس : 131.
2- التهذیب 5 : 452 - 1578 ، الوسائل 10 : 175 أبواب الذبح ب 61 ح 1.
3- الفقیه 2 : 296 - 1468 ، الوسائل 10 : 176 أبواب الذبح ب 61 ح 2.
4- الصحاح 6 : 2111 نقل ذلک عن ابن السکیت.
5- القاموس المحیط 4 : 222.
6- القاموس المحیط 4 : 228

ویکره أن یأخذ شیئا من جلود الأضاحی ، وأن یعطیها الجزار ، والأفضل أن یتصدق بها.

الثالث : فی الحلق والتقصیر.

______________________________________________________

قوله : ( ویکره أن یأخذ شیئا من جلود الأضاحی ، وأن یعطیها الجزّار ، والأفضل أن یتصدق بها ).

یدل علی ذلک روایات ، منها صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن جلود الأضاحی. هل یصلح لمن ضحی بها أن یجعلها جرابا؟ قال : « لا یصلح أن یجعلها جرابا إلا أن یتصدق بثمنها » (1).

وروایة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینتفع بجلد الأضحیة ، ویشتری به المتاع ، وإن تصدق به فهو أفضل » وقال : « نحر رسول الله صلی الله علیه و آله بدنة ولم یعط الجزارین جلودها ، ولا قلائدها ، ولا جلالها ، ولکن تصدق به ، ولا تعط السلاّخ منها شیئا ، ولکن أعطه من غیر ذلک » (2).

ولا یخفی أن کراهة إعطاء الجزارین منها إنما ثبت إذا وقع علی سبیل الأجرة ، أما لو أعطاه صدقة وکان مستحقا لذلک فلا بأس.

قوله : ( الثالث ، فی الحلق والتقصیر ).

المعروف من مذهب الأصحاب أن الحلق والتقصیر نسک واجب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (3). ونقل عن الشیخ فی التبیان أنه قال : إن الحلق أو التقصیر مندوب غیر واجب (4). وهو نادر ، مردود بفعل

کراهة أخذ جلودها أو إعطائها الجزار

الحلق والتقصیر

وجوب الحلق والتقصیر

ص: 88


1- التهذیب 5 : 228 - 773 ، الاستبصار 2 : 276 - 982 ، قرب الإسناد : 106 ، الوسائل 10 : 151 أبواب الذبح ب 43 ح 4.
2- الکافی 4 : 501 - 2 ، الوسائل 10 : 151 أبواب الذبح ب 43 ح 2.
3- المنتهی 2 : 762.
4- التبیان 2 : 154.

فإذا فرغ من الذبح فهو مخیّر ، إن شاء حلق وإن شاء قصّر ، والحلق أفضل. ویتأکد فی حق الصرورة ومن لبّد شعره ، وقیل : لا یجزیه إلا الحلق ، والأول أظهر.

______________________________________________________

النبی صلی الله علیه و آله الواقع فی مقام البیان ، والأوامر الکثیرة الواردة بذلک عن أئمة الهدی صلوات الله علیهم.

والمشهور بین الأصحاب أن وقته یوم النحر بعد ذبح الهدی أو حصوله فی رحله علی ما تقدم من الخلاف (1). ونقل عن أبی الصلاح أنه جوّز تأخیر الحلق إلی آخر أیام التشریق ، لکن لا یزور البیت قبله (2). واستحسنه العلامة فی التذکرة والمنتهی ، مستدلا علیه بأن الله تعالی بین أوله بقوله تعالی : ( حَتّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ ) ولم یبین آخره ، فمتی أتی به أجزأ ، کالطواف للزیارة والسعی (3). وهو غیر بعید ، إلا أن الأولی إیقاعه یوم النحر ، للاتفاق علی کونه وقتا لذلک والشک فیما عداه.

قوله : ( فإذا فرغ من الذبح فهو مخیر : إن شاء حلق ، وإن شاء قصر ، والحلق أفضل ، ویتأکد فی حق الصرورة ومن لبّد شعره ، وقیل : لا یجزیه إلا الحلق ، والأول أظهر ).

ما اختاره المصنف من التخییر بین الحلق والتقصیر مطلقا وأفضلیة الحلق وتأکده فی حق الصرورة والملبد - وهو من أخذ عسلا وصمغا وجعله فی رأسه لئلا یقمل أو یتسخ - هو المشهور بین الأصحاب.

وقال الشیخ فی جملة من کتبه : لا یجزی الصرورة والملبّد إلا الحلق (4). وزاد فی التهذیب المعقوص شعره (5).

التخییر بین الحلق والتقصیر

أفضلیة الحلق

ص: 89


1- فی ص 27.
2- الکافی فی الفقه : 201 لکن لم یذکر تقدیمه علی زیارة البیت ، وإنما هو شی ء ذکره العلامة کما سیأتی.
3- التذکرة 1 : 390 ، والمنتهی 2 : 765.
4- المبسوط 1 : 376 ، والنهایة : 262.
5- التهذیب 5 : 160 و 244.

______________________________________________________

وقال ابن أبی عقیل : ومن لبد رأسه أو عقصه فعلیه الحلق واجب (1). ولم یذکر حکم الصرورة بالنصوصیة.

ونقل عن یونس بن عبد الرحمن أنه قال : إن عقص شعره أی ضفره ، أو لبده - أی ألزقه بصمغ أو ربط بعضه إلی بعض یسیرا - وکان صرورة تعین الحلق فی الحج وعمرة الإفراد (2).

احتج القائلون بالتخییر مطلقا بالأصل ، وظاهر قوله تعالی ( مُحَلِّقِینَ رُؤُسَکُمْ وَمُقَصِّرِینَ ) (3) إذ الجمع غیر مراد إجماعا فیثبت التخییر فی حق الجمیع ، وصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله یوم الحدیبیة : اللهم اغفر للمحلقین مرتین ، قیل : وللمقصرین یا رسول الله ، قال : وللمقصرین » (4).

احتج الشیخ فی التهذیب علی وجوب الحلق علی الصرورة والملبد ومن عقص شعره ما رواه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی للصرورة أن یحلق ، وإن کان قد حج فإن شاء قصر وإن شاء حلق » قال : « وإذا لبد شعره أو عقصه فإن علیه الحلق ولیس له التقصیر » (5).

وفی الصحیح أیضا عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أحرمت فعقصت رأسک أو لبدته فقد وجب علیک الحلق ولیس لک التقصیر ، وإن أنت لم تفعل فمخیر لک التقصیر والحلق فی الحج ، ولیس فی المتعة إلا التقصیر » (6).

ص: 90


1- نقله عنه فی المختلف : 307.
2- حکاه عنه فی الدروس : 132.
3- الفتح : 27.
4- التهذیب 5 : 243 - 822 ، الوسائل 10 : 186 أبواب الحلق والتقصیر ب 7 ح 6.
5- التهذیب 5 : 243 - 821 ، الوسائل 10 : 185 أبواب الحلق والتقصیر ب 7 ح 1.
6- التهذیب 5 : 160 - 533 ، الوسائل 10 : 186 أبواب الحلق والتقصیر ب 7 ح 8.

ولیس علی النساء حلق ، ویتعین فی حقهن التقصیر ، ویجززن منه ولو مثل الأنملة.

______________________________________________________

وفی الصحیح عن هشام بن سالم قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا عقص الرجل رأسه أو لبده فی الحج والعمرة فقد وجب علیه الحلق فیه » (1).

وفی الصحیح عن سوید القلاء ، عن أبی سعد عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجب الحلق علی ثلاثة نفر : رجل لبد ، ورجل حج ندبا لم یحج قبلها ، ورجل عقص رأسه » (2).

وأجاب العلامة فی المختلف عن هذه الروایات بالحمل علی الاستحباب ، جمعا بین الأدلة (3). وهو غیر جید ، لأن ما دل علی التخییر عام ، وما دل علی تعین الحلق فی هذه الصور خاص ، والخاص مقدم.

نعم یمکن أن یقال : إن هذه الروایات لا تدل علی وجوب الحلق علی الصرورة ، لأن لفظ « ینبغی » الواقع فی الروایة الأولی ظاهر فی الاستحباب ، ولفظ « الوجوب » الواقع فی الروایة الأخیرة محتملة لذلک کما بیناه مرارا ، لکنها واضحة الدلالة علی وجوب الحلق علی الملبد والمعقوص شعره ، فلا یبعد القول بالوجوب علیهما خاصة ، کما اختاره ابن أبی عقیل. ولا ریب أن الحلق لهما وللصرورة ، بل لکل حاج ومعتمر عمرة إفراد أولی وأحوط.

قوله : ( ولیس علی النساء حلق ، ویتعین فی حقهن التقصیر ، ویجزیهن منه ولو مثل الأنملة ).

أما تعین التقصیر علی النساء فموضع وفاق بین العلماء ، وحکی العلامة فی المختلف الإجماع علی تحریم الحلق علیهن أیضا (4).

تعین التقصیر للنساء

ص: 91


1- التهذیب 5 : 484 - 1724 ، الوسائل 10 : 185 أبواب الحلق والتقصیر ب 7 ح 2.
2- التهذیب 5 : 485 - 1729 ، الوسائل 10 : 185 أبواب الحلق والتقصیر ب 7 ح 3.
3- المختلف : 308.
4- المختلف : 308.

ویجب تقدیم التقصیر علی زیارة البیت لطواف الحج والسعی. فلو قدم ذلک علی التقصیر عامدا جبره بشاة. ولو کان ناسیا لم یکن علیه شی ء وعلیه إعادة الطواف علی الأظهر.

______________________________________________________

ویکفی فی التقصیر مسماه ، وإن کان الأولی عدم الاقتصار علی ما دون الأنملة ، کما هو ظاهر اختیار المصنف رحمه الله ، لقوله علیه السلام فی مرسلة ابن أبی عمیر : « تقصر المرأة من شعرها لتفثها (1) مقدار الأنملة » (2).

وذکر الشارح - قدس سره - أن قول المصنف : ویجزیهن منه ولو مثل الأنملة ، کنایة عن المسمی (3). وهو محتمل.

وربما ظهر من کلام ابن الجنید أنه لا یجزیها فی التقصیر ما دون القبضة (4). ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( ویجب تقدیم التقصیر علی زیارة البیت لطواف الحج والسعی ، فلو قدم ذلک علی التقصیر عامدا جبره بشاة ، ولو کان ناسیا لم یکن علیه شی ء ، وعلیه إعادة الطواف علی الأظهر ).

لا ریب فی وجوب تقدیم الحلق أو التقصیر علی زیارة البیت ، للتأسی والأخبار الکثیرة (5) ، فلو عکس بأن زار البیت قبل التقصیر فإما أن یکون عالما بالحکم ، أو ناسیا ، أو جاهلا ، فالصور ثلاث :

الأولی : أن یکون عالما بالحکم وقت الإتیان بالفعل - وهو المراد بالعامد فی کلام المصنف رحمه الله - وقد قطع الأصحاب بأنه یجب علیه دم

تقدیم التقصیر علی زیارة البیت

ص: 92


1- فی المصادر : لعمرتها. والتفث فی المناسک : ما کان من نحو قص الأظفار والشارب وحلق الرأس. الصحاح 1 : 274.
2- الکافی 4 : 503 - 11 ، التهذیب 5 : 244 - 824 ، الوسائل 9 : 541 أبواب الحلق والتقصیر ب 3 ح 3.
3- المسالک 1 : 119.
4- نقله عنه فی المختلف : 308.
5- الوسائل 10 : 180 أبواب الحلق والتقصیر ب 2 وص 182 ب 5.

______________________________________________________

شاة ، وعزاه فی الدروس إلی الشیخ وأتباعه ، قال : وظاهرهم أنه لا یعید الطواف (1). مع أن الشارح نقل الإجماع علی وجوب إعادة الطواف علی العامد (2). ویدل علیه أن الطواف المأتی به قبل التقصیر منهی عنه فیکون فاسدا ، فلا یتحقق به الامتثال ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصر حتی زارت البیت فطافت وسعت من اللیل ، ما حالها وما حال الرجل إذا فعل ذلک؟ قال : « لا بأس به ، یقصر ویطوف للحج ثم یطوف للزیارة ، ثم قد أحل من کل شی ء » (3) وهذه الروایة بإطلاقها متناولة للعامد وغیره.

ویدل علی وجوب الدم والحال هذه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل زار البیت قبل أن یحلق فقال : « إن کان زار البیت قبل أن یحلق وهو عالم أن ذلک لا ینبغی فإن علیه دم شاة » (4).

الثانیة : أن یکون ناسیا ، والمعروف من مذهب الأصحاب أن علیه إعادة الطواف خاصة بعد الحلق ، لإطلاق روایة علی بن یقطین المتقدمة. ومقتضی الکلام المصنف - رحمه الله - تحقق الخلاف فی المسألة ، ولم أقف علی مصرح به. نعم ربما ظهر من صحیحة جمیل بن دراج عدم وجوب الإعادة مع النسیان ، حیث قال فیها : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یزور البیت قبل أن یحلق ، قال : « لا ینبغی ، إلا أن یکون ناسیا » (5) لکنها غیر صریحة فی عدم وجوب الإعادة.

ص: 93


1- الدروس : 133.
2- المسالک 1 : 119.
3- التهذیب 5 : 241 - 811 ، الوسائل 10 : 182 أبواب الحلق والتقصیر ب 4 ح 1.
4- التهذیب 5 : 240 - 809 ، الوسائل 10 : 180 أبواب الحلق والتقصیر ب 2 ح 1.
5- الکافی 4 : 504 - 1 ، الفقیه 2 : 301 - 1496 ، التهذیب 5 : 222 - 750 ، الإستبصار 2 : 285 - 1009 ، الوسائل 10 : 140 أبواب الذبح ب 39 ح 4.

______________________________________________________

الثالثة : أن یکون جاهلا ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمه ، فقیل : إنه کالناسی فی وجوب الإعادة ونفی الکفارة. وبه قطع الشارح قدس سره (1). أما وجوب الإعادة فلتوقف الامتثال علیه ، ولإطلاق روایة علی بن یقطین المتقدمة المتضمنة لذلک ، وأما سقوط الدم فلأصالة البراءة من الوجوب ، ویؤیده ظاهر قوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم : « إن کان زار البیت قبل أن یحلق وهو عالم أن ذلک لا ینبغی له فإن علیه دم شاة ».

ونقل عن ظاهر الصدوق - رحمه الله - عدم وجوب الإعادة أیضا (2) ، وربما کان مستنده صحیحة جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یزور البیت قبل أن یحلق فقال : « لا ینبغی ، إلا أن یکون ناسیا » ، ثم قال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله أتاه أناس یوم النحر فقال بعضهم : یا رسول الله حلقت قبل أن أذبح ، وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمی ، فلم یترکوا شیئا کان ینبغی لهم أن یؤخروه إلا قدموه ، فقال : لا حرج ».

قال فی المختلف : وهذا کما یتناول مناسک منی کذا یتناول مناسک منی مع الطواف (3). وهو غیر بعید ، وإن کان الحکم بإعادة الطواف بعد التقصیر أولی وأحوط.

وهل یجب إعادة السعی حیث تجب إعادة الطواف؟ الأصح الوجوب ، کما اختاره العلامة فی التذکرة والمنتهی (4) ، لتوقف الامتثال علیه ، وربما ظهر من عبارة المصنف - رحمه الله - عدم الوجوب.

ولو قدم الطواف علی الذبح أو علی الرمی ، ففی إلحاقه بتقدیمه علی

ص: 94


1- المسالک 1 : 119.
2- المقنع : 89. والفقیه 2 :2. 1496.
3- المختلف : 308.
4- التذکرة 1 : 390 ، والمنتهی 2 : 764.

ویجب أن یحلق بمنی. فلو رحل رجع فحلق بها.

______________________________________________________

التقصیر وجهان ، أجودهما ذلک.

قوله : ( ویجب أن یحلق بمنی ، فلو رحل رجع فحلق بها ).

کان الأولی أن یقول : ویجب أن یحلق بمنی أو یقصر ، فلو رحل قبله رجع للحلق أو التقصیر. کما فعل فی النافع (1) ، وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل ظاهر التذکرة والمنتهی أنه موضوع وفاق (2).

واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یقصر من شعره أو یحلقه حتی ارتحل من منی قال : « یرجع إلی منی حتی یلقی شعره بها ، حلقا کان أو تقصیرا » (3).

وعن أبی بصیر قال : سألته عن رجل جهل أن یقصر من رأسه أو یحلق حتی ارتحل من منی ، قال : « فلیرجع إلی منی حتی یحلق شعره بها أو یقصر » (4).

ثم قال الشیخ رحمه الله : والذی رواه موسی بن القاسم ، عن علی بن رئاب ، عن مسمع قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یحلق رأسه أو یقصر حتی نفر ، قال : « یحلق رأسه فی الطریق أو أین کان » (5) فلیس بمناف لما ذکرناه ، لأن هذه الروایة محمولة علی من لم یتمکن من الرجوع إلی منی ، فأما مع التمکن منه فلا بد من ذلک حسب ما.

الحلق بمنی

ص: 95


1- المختصر النافع : 92.
2- التذکرة 1 : 390 ، والمنتهی 2 : 764.
3- التهذیب 5 : 241 - 812 ، الإستبصار 2 : 285 - 1011 ، الوسائل 10 : 182 أبواب الحلق والتقصیر ب 5 ح 1.
4- التهذیب 5 : 241 - 813 ، الإستبصار 2 : 285 - 1012 ، الوسائل 10 : 183 أبواب الحلق والتقصیر ب 5 ح 4.
5- التهذیب 5 : 241 - 814 ، الإستبصار 2 : 285 - 1013 ، الوسائل 10 : 182 أبواب الحلق والتقصیر ب 5 ح 2

فإن لم یتمکن حلق أو قصّر مکانه وبعث بشعره لیدفن بها. ولو لم یمکنه لم یکن علیه شی ء.

______________________________________________________

قدمناه. وهو جید ، مع أن راوی هذه الروایة وهو مسمع غیر موثق ، فلا یترک لروایته الخبر الصحیح المعتضد بعمل الأصحاب.

قوله : ( فإن لم یتمکن حلق أو قصر مکانه وبعث بشعره لیدفن بها ، ومن لم یمکنه لم یکن علیه شی ء ).

أما وجوب الحلق أو التقصیر فی مکانه یعنی فی غیر منی مع تعذر العود إلی منی فلا إشکال فیه ، وإنما الکلام فی أن بعث الشعر ودفنه بمنی واجب أو مستحب ، فقیل : بالوجوب ، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (1) والمصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب. وقیل : بالاستحباب ، وبه جزم المصنف فی النافع والعلامة فی المنتهی (2). واستوجه العلامة فی المختلف وجوب البعث إن کان خروجه من منی عمدا ، وسقوطه إن کان علی وجه النسیان (3).

احتج الموجبون بما رواه الشیخ فی الحسن ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یحلق رأسه بمکة ، قال : « یرد الشعر إلی منی » (4).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل زار البیت ولم یحلق رأسه قال : « یحلقه بمکة ، ویحمل شعره إلی منی ، ولیس علیه شی ء » (5).

ص: 96


1- النهایة : 263.
2- المختصر النافع : 92 ، والمنتهی 2 : 764.
3- المختلف : 308.
4- التهذیب 5 : 242 - 816 ، الإستبصار 2 : 286 - 1015 ، الوسائل 10 : 184 أبواب الحلق والتقصیر ب 6 ح 1.
5- التهذیب 5 : 242 - 817 ، الإستبصار 2 : 286 - 1016 ، الوسائل 10 : 185 أبواب الحلق والتقصیر ب 6 ح 7.

ومن لیس علی رأسه شعر أجزأه إمرار الموسی علیه.

______________________________________________________

وأجاب عنها القائلون بالندب بالحمل علی الاستحباب (1) ، جمعا بینها وبین ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل ینسی أن یحلق رأسه حتی ارتحل من منی فقال : « ما یعجبنی أن یلقی شعره إلا بمنی » ولم یجعل علیه شیئا (2).

وهذه الروایة لا تدل علی عدم وجوب البعث صریحا ، مع أنها مختصة بما إذا وقع ذلک علی جهة النسیان ، کما ذکره فی المختلف (3) ، ومع ذلک فهی قاصرة من حیث السند ، فلا تعارض ما دل بظاهره علی وجوب البعث.

ومتی تعذر البعث سقط ولم یکن علیه شی ء إجماعا.

أما دفن الشعر بمنی فقد قطع الأکثر باستحبابه ، وأوجبه الحلبی (4) ، والأصح الاستحباب ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : کان علی بن الحسین علیه السلام یدفن شعره فی فسطاطه بمنی ویقول : « کانوا یستحبون ذلک » قال : وکان أبو عبد الله علیه السلام یکره أن یخرج الشعر من منی ویقول : « من أخرجه فعلیه أن یرده » (5) ویستفاد من هذه الروایة أنه لا یختص استحباب الدفن بمن حلق فی غیر منی وبعث شعره إلیها ، کما قد یوهمه ظاهر العبارة ، بل یستحب للجمیع.

قوله : ( ومن لیس علی رأسه شعر أجزأه إمرار الموسی علیه ).

أجمع العلماء کافة علی أن من لیس علی رأسه شعر یسقط عنه الحلق ،

حکم الأقرع

ص: 97


1- کما فی المختلف : 308.
2- التهذیب 5 : 242 - 818 ، الإستبصار 2 : 286 - 1017 ، الوسائل 10 : 184 أبواب الحلق والتقصیر ب 6 ح 6.
3- المختلف : 308.
4- الکافی فی الفقه : 201.
5- التهذیب 5 : 242 - 815 ، الإستبصار 2 : 286 - 1014 ، الوسائل 10 : 184 أبواب الحلق والتقصیر ب 6 ح 5.

وترتیب هذه المناسک واجب یوم النحر : الرمی ، ثم

______________________________________________________

وإنما اختلفوا فی أن إمرار الموسی علی رأسه واجب أو مستحب ، فذهب الأکثر إلی الاستحباب ، ونقل الشیخ فی الخلاف فیه الإجماع (1) ، وقیل بالوجوب مطلقا (2) ، أو علی من حلق فی إحرام العمرة والاستحباب للأقرع (3).

والأصل فی هذه المسألة ما رواه الشیخ عن زرارة : إن رجلا من أهل خراسان قدم حاجا وکان أقرع الرأس لا یحسن أن یلبی فاستفتی له أبو عبد الله علیه السلام فأمر أن یلبی عنه ویمر الموسی علی رأسه ، فإن ذلک یجزی عنه (4). وهذه الروایة قاصرة من حیث السند (5) عن إثبات الوجوب.

وما قیل فی توجیهه من أن ذا الشعر تجب علیه إزالة الشعر وإمرار الموسی علی رأسه ، فلا یسقط الأخیر بفوات الأول (6) ، فضعیف جدا ، لأن الواجب من الإمرار ما تحقق فی ضمن الحلق ، لا مطلقا.

وذکر الشارح - قدس سره - أن بالتفصیل روایة ، وأن العمل بها أولی (7). ولم نقف علیها فی شی ء من الأصول ، ولا نقلها غیره.

ومقتضی روایة زرارة حصول التحلل بالإمرار وإن لم یطلق علیه اسم الحلق أو التقصیر ، وحیث کانت الروایة ضعیفة وجب اطراحها والقول بتعین التقصیر ، لأنه قسیم اختیاری للحلق.

قوله : ( وترتیب هذه المناسک واجب یوم النحر : الرمی ، ثم

وجوب ترتیب مناسک یوم النحر

ص: 98


1- الخلاف 1 : 450 و 451.
2- نقله عن أبی حنیفة ومال إلیه فی التذکرة 1 : 390.
3- کما فی جامع المقاصد 1 : 173 ، والمسالک 1 : 119.
4- لاشتماله علی یاسین الضریر وهو مهمل.
5- التهذیب 5 : 244 - 828 ، الوسائل 10 : 191 أبواب الحلق والتقصیر ب 12 ح 3.
6- المسالک 1 : 119.
7- المسالک 1 : 119.

الذبح ، ثم الحلق.

______________________________________________________

الذبح ، ثم الحلق ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الشیخ فی الخلاف (1) وابن أبی عقیل (2) وأبو الصلاح (3) وابن إدریس (4) إلی أن ترتیب هذه المناسک علی هذا الوجه مستحب لا واجب. واختاره العلامة فی المختلف (5) ، ویفهم من الشارح المیل إلیه (6).

وذهب الشیخ فی المبسوط والاستبصار إلی وجوب الترتیب (7) ، وإلیه ذهب أکثر المتأخرین (8).

احتج الموجبون بأن النبی صلی الله علیه و آله قال : « خذوا عنی مناسککم » (9) وقدم المناسک بعضها علی بعض ، فتجب متابعته. وبما رواه الشیخ عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا ذبحت أضحیتک فاحلق رأسک » (10) والفاء للترتیب. وعن جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یبدأ بمنی بالذبح قبل الحلق ، وفی العقیقة بالحلق قبل الذبح » (11) وعن موسی بن القاسم ، عن علی قال : « لا یحلق رأسه ولا یزور

ص: 99


1- الخلاف 1 : 457.
2- نقله عنه فی المختلف : 307.
3- الکافی فی الفقه : 200.
4- السرائر : 142.
5- المختلف : 307.
6- المسالک 1 : 115.
7- المبسوط 1 : 374 ، والاستبصار 2 : 284.
8- کالعلاّمة فی التحریر 1 : 103 ، والمنتهی 2 : 729 ، والشهید فی اللمعة : 77 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 170.
9- غوالی اللآلی 1 : 215 - 73 وج 4 : 34 - 118.
10- التهذیب 5 : 240 - 808 ، الوسائل 10 : 177 أبواب الحلق والتقصیر ب 1 ح 1.
11- الکافی 4 : 498 - 7 ، التهذیب 5 : 222 - 749 ، الوسائل 10 : 139 أبواب الذبح ب 39 ح 3.

______________________________________________________

البیت حتی یضحی فیحلق رأسه ویزور متی شاء (1).

وربما أمکن الاستدلال علیه أیضا بصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن یضحی قال : « لا بأس ، ولیس علیه شی ء ، ولا یعودن » (2) فإن النهی عن العود یقتضی التحریم ، فیکون الترتیب واجبا.

احتج القائلون بالاستحباب بما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله أتاه أناس یوم النحر فقال بعضهم : یا رسول الله حلقت قبل أن أذبح ، وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمی ، فلم یترکوا شیئا کان ینبغی لهم أن یقدموه إلا أخروه ، ولا شیئا کان ینبغی لهم أن یؤخروه إلا قدموه ، فقال : لا حرج » (3) ، ونحوه روی محمد بن حمران ، عن أبی عبد الله علیه السلام (4) ، وأحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی جعفر علیه السلام (5).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی حالة النسیان ، وهو بعید.

نعم لا یبعد حملها علی حالة الجهل ، لکن الروایات التی استدل بها

ص: 100


1- التهذیب 5 : 236 - 795 ، الإستبصار 2 : 284 - 1006 ، الوسائل 10 : 141 أبواب الذبح ب 39 ح 9.
2- التهذیب 5 : 237 - 798 ، الإستبصار 2 : 285 - 1010 ، الوسائل 10 : 141 أبواب الذبح ب 39 ح 10.
3- الفقیه 2 : 301 - 1496 ، التهذیب 5 : 236 - 797 ، الإستبصار 2 : 285 - 1009 ، الوسائل 10 : 140 أبواب الذبح ب 39 ح 4.
4- التهذیب 5 : 240 - 810 ، الوسائل 10 : 181 أبواب الحلق والتقصیر ب 2 ح 2.
5- الکافی 4 : 504 - 2 ، التهذیب 5 : 236 - 796 ، الإستبصار 2 : 284 - 1008 ، الوسائل 10 : 140 أبواب الذبح ب 39 ح 6.

فلو قدّم بعضها علی بعض أثم ولا إعادة.

______________________________________________________

علی وجوب الترتیب لا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة ، والمسألة محل تردد ، ولعل الوجوب أرجح.

واعلم أن الشیخ - رحمه الله - اکتفی فی المبسوط والنهایة والتهذیب فی جواز الحلق بحصول الهدی فی رحله (1) ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا اشتریت أضحیتک وقمطتها وصارت فی رحلک فقد بلغ الهدی محله ، فإن أحببت أن تحلق فاحلق » (2). وهی ضعیفة السند باشتراک الراوی بین الثقة والضعیف ، وبأن من جملة رجالها وهیب بن حفص ، وقال النجاشی : إنه کان واقفیا (3). فلا تعویل علی روایته ، لکنها مطابقة لظاهر القرآن. ولا ریب أن تأخیر الحلق عن الذبح أولی وأحوط.

قوله : ( فلو قدّم بعضها علی بعض أثم ولا إعادة ).

لا ریب فی حصول الإثم بالإخلال بالترتیب بناء علی القول بوجوبه. وإنما الکلام فی الحکم الثانی أعنی عدم الإعادة ، فإن عدم تحقق الامتثال مع الإخلال بالترتیب الواجب یقتضی الإعادة ، إلا أن الأصحاب قاطعون بعدم الوجوب. وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (4) ، واستدل علیه بصحیحة جمیل بن دراج المتقدمة وما فی معناها. وهو مشکل جدا ، لأن تلک الأخبار محمولة علی الناسی أو الجاهل عند القائلین بالوجوب ، فلا تبقی لها دلالة علی حکم العامد بوجه ، ولو قیل بتناولها للعامد لدلت علی ما ذهب إلیه الشیخ فی الخلاف وأتباعه من عدم وجوب الترتیب ، والمسألة محل تردد ، وإن کان المصیر إلی ما ذهب إلیه الأصحاب غیر بعید من الصواب.

حکم الاخلال بالترتیب

ص: 101


1- المبسوط 1 : 374 ، والنهایة : 262 ، والتهذیب 5 : 235.
2- التهذیب 5 : 235 - 794 ، الوسائل 10 : 141 أبواب الذبح ب 39 ح 7.
3- رجال النجاشی : 431 - 1159.
4- المنتهی 2 : 765.

مسائل :

الأولی : مواطن التحلیل ثلاثة. الأول : عقیب الحلق أو التقصیر ، یحل من کل شی ء ، إلا الطیب والنساء والصید.

______________________________________________________

قوله : ( مسائل ثلاث. الأولی : مواطن التحلیل ثلاثة ، الأول : عقیب الحلق أو التقصیر ، یحل من کل شی ء ، إلا الطیب والنساء والصید ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من التحلّل عقیب الحلق أو التقصیر من کل شی ء إلا الطیب والنساء والصید مذهب أکثر الأصحاب. واستثنی الشیخ فی التهذیب الطیب والنساء خاصة (1) ، ومقتضی کلامه حل الصید الإحرامی بذلک أیضا ، وقال ابنا بابویه : یتحلّل بالرمی إلا من الطیب والنساء (2).

والمعتمد ما اختاره الشیخ فی التهذیب ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من کل شی ء أحرم منه إلا النساء والطیب ، فإذا زار البیت وطاف وسعی بین الصفا والمروة فقد أحل من کل شی ء أحرم منه إلا النساء ، فإذا طاف طواف النساء فقد أحل من کل شی ء أحرم منه إلا الصید » (3) ، والمراد بالصید هنا الصید الحرمی لا الإحرامی کما هو واضح.

وصحیحة العلاء قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی حلقت رأسی وذبحت وأنا متمتع أطلی رأسی بالحناء؟ قال : « نعم ، من غیر أن تمس شیئا من الطیب » قلت : وألبس القمیص وأتقنع؟ قال : « نعم » قلت : قبل أن أطوف بالبیت؟ قال : « نعم » (4).

مواطن التحلل

الأول : عقیب الحلق أو التقصیر

ص: 102


1- التهذیب 5 : 245.
2- الصدوق فی الفقیه 1 : 328. ونقله عن والده فی المختلف : 308.
3- الفقیه 2 : 302 - 1501 ، الوسائل 10 : 192 أبواب الحلق والتقصیر ب 13 ح 1.
4- التهذیب 5 : 247 - 836 ، الإستبصار 2 : 289 - 1025 ، الوسائل 10 : 193 أبواب الحلق والتقصیر ب 13 ح 5.

______________________________________________________

وروایة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اعلم أنک إذا حلقت رأسک فقد حل لک کل شی ء إلا النساء والطیب » (1).

وروایة منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل رمی وحلق ، أیأکل شیئا فیه صفرة ، قال : « لا حتی یطوف بالبیت ویسعی بین الصفا والمروة ، ثم قد حل له کل شی ء إلا النساء حتی یطوف بالبیت طوافا آخر ، ثم قد حل له النساء » (2).

وقد ورد فی بعض الروایات حل الطیب عقیب الحلق أیضا ، کصحیحة سعید بن یسار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المتمتع إذا حلق رأسه یطلیه بالحناء؟ قال : « نعم ، الحناء والثیاب والطیب وکل شی ء إلا النساء » رددها علی مرتین أو ثلاث ، قال : وسألت أبا الحسن علیه السلام عنها فقال : « نعم ، الحناء والثیاب والطیب وکل شی ء إلا النساء » (3).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « سئل ابن عباس هل کان رسول الله صلی الله علیه و آله یتطیب قبل أن یزور البیت؟ قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه و آله یضمد رأسه بالمسک قبل أن یزول البیت » (4).

وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : ولد لأبی الحسن علیه السلام مولود بمنی فأرسل إلینا یوم النحر بخبیص فیه زعفران وکنا قد حلقنا ، قال عبد الرحمن : فأکلت أنا وامتنع الکاهلی ومرازم أن یأکلا منه وقال : لم نزر

ص: 103


1- التهذیب 5 : 245 - 831 ، الإستبصار 2 : 287 - 1020 ، الوسائل 10 : 193 أبواب الحلق والتقصیر ب 13 ح 4.
2- التهذیب 5 : 245 - 829 ، الإستبصار 2 : 287 - 1018 ، الوسائل 10 : 193 أبواب الحلق والتقصیر ب 13 ح 2.
3- الکافی 4 : 505 - 1 ، التهذیب 5 : 245 - 832 ، الإستبصار 2 : 287 - 1021 ، الوسائل 10 : 194 أبواب الحلق والتقصیر ب 13 ح 7.
4- التهذیب 5 : 246 - 834 ، الوسائل 10 : 196 أبواب الحلق والتقصیر ب 14 ح 2.

______________________________________________________

البیت ، فسمع أبو الحسن کلامنا فقال : لمصادف - وکان هو الرسول الذی جاءنا - : « فی أی شی ء کانوا یتکلمون؟ » فقال : أکل عبد الرحمن وأبی الآخران فقالا : لم نزر البیت بعد ، فقال : « أصاب عبد الرحمن » ثم قال : « أما تذکر حین أتینا به فی مثل هذا الیوم فأکلت أنا منه وأبی عبد الله أخی أن یأکل منه ، فلما جاء أبی حرّشه علی فقال : یا أبت إن موسی أکل خبیصا فیه زعفران ولم یزر بعد ، فقال أبی : هو أفقه منک ، ألیس قد حلقتم رؤوسکم » (1).

وأجاب الشیخ عن الروایة الأولی بالحمل علی أنه علیه السلام أراد أن الحاج متی حلق وطاف طواف الحج وسعی فقد حل له هذه الأشیاء ، وإن لم یذکره باللفظ ، لعلمه أن المخاطب عالم بذلک ، أو تعویلا علی غیره من الأخبار (2).

وعن الروایتین الأخیرتین بالحمل علی الحاج غیر المتمتع ، قال : لأنه یحل له استعمال کل شی ء إلا النساء فقط ، وإنما لا یحل استعمال الطیب مع ذلک للمتمتع دون غیره (3) ، ثم استدل علی هذا التأویل بما رواه عن محمد بن حمران ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحاج یوم النحر ما یحل له؟ قال : « کل شی ء إلا النساء » وعن المتمتع ما یحل له یوم النحر؟ قال : « کل شی ء إلا النساء والطیب » (4).

وهذا الحمل غیر بعید لو صح سند الروایة المفصلة ، ( وفی الطریق عبد الرحمن ، وفیه نوع التباس ، وإن کان الظاهر أنه ابن أبی نجران ، فتکون

ص: 104


1- الکافی 4 : 506 - 4 ، التهذیب 5 : 246 - 833 ، الإستبصار 2 : 288 - 1022 ، الوسائل 10 : 196 أبواب الحلق والتقصیر ب 14 ح 3.
2- التهذیب 5 : 246.
3- التهذیب 5 : 246.
4- التهذیب 5 : 247 - 835 ، الإستبصار 2 : 289 - 1024 ، الوسائل 10 : 196 أبواب الحلق والتقصیر ب 14 ح 2.

الثانی : إذا طاف طواف الزیارة حلّ له الطیب.

______________________________________________________

الروایة صحیحة ) (1).

ولو قیل : یحل الطیب للمتمتع وغیره بالحلق علی کراهة لم یکن بعیدا من الصواب إن لم ینعقد الإجماع علی خلافه.

وإنما یحصل التحلل بالحلق أو التقصیر إذا وقع أحدهما عقیب الرمی والذبح کما هو ظاهر روایة معاویة المتقدمة (2) ، فلو وقع قبلهما أو بینهما توقف علی فعل الثلاثة.

واعلم أن المصنف ذکر أن بالحلق بتحلل المحرم مما عدا الطیب والنساء والصید ، ثم ذکر أن بطواف الزیارة یحل له الطیب وبطواف النساء یحل له النساء ، ولم یذکر بما ذا یحل الصید ، وظاهر العلامة فی المنتهی أن التحلل منه إنما یقع بطواف النساء (3) ، لأنه استدل علی عدم التحلل منه بالحلق بقوله تعالی ( لا تَقْتُلُوا الصَّیْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (4) قال : والإحرام یتحقق بتحریم الطیب والنساء (5). وحکی الشهید فی الدروس عن العلامة أنه قال : إن ذلک - یعنی عدم التحلل من الصید إلا بطواف النساء - مذهب علمائنا (6). ولو لا ما أوردناه من العموم الذی لم یستثنی منه سوی الطیب والنساء لکان هذا القول متجها ، لظاهر الآیة الشریفة.

قوله : ( الثانی : إذا طاف طواف الزیارة حل له الطیب ).

ظاهر العبارة عدم توقف حل الطیب علی السعی ، وبه صرح فی

الثانی : عقیب طواف الزیارة

ص: 105


1- بدل ما بین القوسین فی « م » و « ح » : لکن فی الطریق عبد الرحمن ، وهو مشترک بین جماعة منهم الضعیف.
2- فی ص 102.
3- المنتهی 2 : 766.
4- المائدة : 95.
5- المنتهی 2 : 765.
6- الدروس : 133.

الثالث : إذا طاف طواف النساء حلّ له النساء.

______________________________________________________

المنتهی (1) ، والأصح أنه إنما یحل بالسعی الواقع بعد الطواف ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة (2) : « فإذا زار البیت وطاف وسعی بین الصفا والمروة فقد أحل من کل شی ء أحرم منه إلا النساء ».

وفی صحیحة أخری لمعاویة : « ثم اخرج إلی الصفا فاصعد علیه واصنع کما صنعت یوم دخلت مکة ، ثم ائت المروة فاصعد علیها وطف بینهما سبعة أشواط ، فتبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلک فقد أحللت من کل شی ء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع إلی البیت وطف به أسبوعا آخر ، ثم تصلی رکعتین عند مقام إبراهیم علیه السلام ، ثم قد أحللت من کل شی ء وفرغت من حجک کله وکل شی ء أحرمت منه » (3).

وإنما یحل الطیب بالطواف والسعی إذا تأخر عن الوقوفین ومناسک منی ، أما مع التقدیم کما فی القارن والمفرد مطلقا والمتمتع مع الاضطرار ، فالأصح عدم حله بذلک ، بل یتوقف علی الحلق المتأخر عن باقی المناسک ، تمسکا باستصحاب حکم الإحرام إلی أن یثبت المحلل ، والتفاتا إلی إمکان کون المحلل هو المرکب من الطواف والسعی وما قبلهما من الأفعال ، بمعنی کون السعی آخر العلة.

وذهب بعض الأصحاب إلی حل الطیب بالطواف وإن تقدم ، واستوجهه الشارح قدس سره (4) ، وهو ضعیف.

قوله : ( الثالث : إذا طاف طواف النساء حلت له النساء ).

هذا الحکم إجماعی ، منصوص فی عدة روایات ، وقد تقدم طرف منها

الثالث : عقیب طواف النساء

ص: 106


1- المنتهی 2 : 766.
2- فی ص 102.
3- الکافی 4 : 511 - 4 ، التهذیب 5 : 251 - 853 ، الوسائل 10 : 205 أبواب زیارة البیت ب 4 ح 1.
4- المسالک 1 : 119.

______________________________________________________

فیما سبق ، والکلام فی التحلّل بفعله قبل الوقوفین کما فی طواف الحج.

وینبغی القطع بتحریم الرجال علی النساء إلی أن یتحللن بطواف النساء أیضا ، لعموم قوله تعالی ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِی الْحَجِّ ) (1) والرفث هو الجماع بالنص الصحیح عن الصادق علیه السلام (2) ، والحج إنما یتم بطواف النساء.

ویظهر من العلامة فی المختلف التوقف فی هذا الحکم ، فإنه نقل ما ذکرناه عن علی بابویه واستشکله بعدم الظفر بدلیل یدل علیه (3). واستوجه الشارح هذا الإشکال ، نظرا إلی أن الأخبار الدالة علی حل ما عدا الطیب والنساء والصید بالحلق وما عدا النساء بالطواف ، متناولة للمرأة ، ومن جملة ذلک حل الرجال (4).

وأقول : إنا قد بینا الدلیل الدال بعمومه علی التحریم ، مع أن أحکام النساء فی مثل ذلک لا تذکر صریحا غالبا ، وإنما تذکر بالفحوی والکنایات ، کما وقع فی الروایات المتضمنة لتحریم أصل الفعل علیهن. وما اعتبره الشارح غیر واضح ، فإن الروایات المتضمنة لتلک الأحکام غیر متناولة للنساء صریحا ، بل هی مختصة بالرجال ، وأحکام النساء إنما تستفاد من أدلة أخر ، کالإجماع علی مساواتهن للرجال فی ذلک أو غیره ، وبالجملة ، فهذا الإشکال ضعیف جدا ، والمعتمد مساواتهن للرجال فی ذلک.

تنبیه :

ظهر مما حررناه أن الحاج لو طاف الطوافین وسعی قبل الوقوفین فی موضع الجواز فتحلّله واحد : عقیب الحلق بمنی ، ولو قدم طواف الحج

حکم من قدم الطوافین علی الوقف

ص: 107


1- البقرة : 197.
2- الکافی 4 : 337 - 3 ، التهذیب 5 : 296 - 1003 ، الوسائل 10 : 108 أبواب تروک الإحرام ب 32 ح 1.
3- المختلف : 309.
4- المسالک 1 : 120.

ویکره لبس المخیط حتی یفرغ من طواف الزیارة.

______________________________________________________

والسعی خاصة کان له تحللان ، أحدهما : عقیب الحلق مما عدا النساء ، والآخر : بعد طواف النساء لهن. ولو قلنا إنه یتحلل من الطیب بطواف الحج ومن النساء بطوافهن وإن تقدم علی الوقوفین کانت المحللات ثلاثة مطلقا.

قوله : ( ویکره لبس المخیط حتی یفرغ من طواف الزیارة ).

بل الأجود کراهة لبس المخیط وتغطیة الرأس إلی أن یتم السعی ، لصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل تمتع بالعمرة فوقف بعرفة ووقف بالمشعر ورمی الجمرة وذبح وحلق ، أیغطی رأسه؟ فقال : « لا ، حتی یطوف بالبیت وبالصفا والمروة » ، قیل له : فإن کان فعل؟ قال : « ما أری علیه شیئا » (1).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن إدریس القمی قال ، قلت : لأبی عبد الله علیه السلام : إن مولی لنا تمتع فلما حلق لبس الثیاب قبل أن یزور البیت ، فقال : « بئس ما صنع » فقلت : أعلیه شی ء؟ قال : « لا » قلت : فإنی رأیت ابن أبی سماک یسعی بین الصفا والمروة وعلیه خفان وقباء ومنطقة فقال : « بئس ما صنع » قلت : أعلیه شی ء؟ قال : « لا » (2).

وإنما حملنا النهی المستفاد من هاتین الروایتین علی الکراهة جمعا بینهما وبین ما أوردناه من الأخبار المتضمنة لإباحة ذلک بعد الحلق ، ویشهد لهذا الجمع ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال فی رجل کان متمتعا فوقف بعرفات وبالمشعر وذبح وحلق فقال : « لا یغطی رأسه حتی یطوف بالبیت وبالصفا والمروة ، فإن أبی علیه السلام کان یکره ذلک وینهی عنه ». فقلنا : فإن کان فعل؟ فقال : « ما

کراهة لبس المخیط قبل طواف الزیارة

ص: 108


1- التهذیب 5 : 247 - 837 ، الإستبصار 2 : 289 - 1026 ، الوسائل 10 : 199 أبواب الحلق والتقصیر ب 18 ح 2.
2- التهذیب 5 : 247 - 838 ، الاستبصار 2 : 289 - 1027 ، المقنع : 90 ، الوسائل 10 : 199 أبواب الحلق والتقصیر ب 18 ح 3.

وکذا یکره الطیب حتی یفرغ من طواف النساء.

الثانیة : إذا قضی مناسکه یوم النحر فالأفضل المضیّ إلی مکة للطواف والسعی لیومه. فإن أخّره فمن غده. ویتأکد ذلک فی حق المتمتع ، فإن أخّره أثم ، ویجزیه طوافه وسعیه. ویجوز للقارن والمفرد تأخیر ذلک طول ذی الحجة علی کراهیة.

______________________________________________________

أری علیه شیئا » (1).

قوله : ( وکذا یکره الطیب حتی یفرغ من طواف النساء ).

لأنه من دواعی شهوة النساء ، ولصحیحة محمد بن إسماعیل ، قال ، کتبت إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام : هل یجوز للمحرم المتمتع أن یمس الطیب قبل أن یطوف طواف النساء؟ قال : « لا » (2). وهی محمولة علی الکراهة جمعا.

قوله : ( الثانیة : إذا قضی مناسکه یوم النحر فالأفضل المضیّ إلی مکة للطواف والسعی لیومه ، فإن أخره فمن غده ، ویتأکد ذلک فی حق المتمتع ، فإن أخره أثم ، ویجزیه طوافه وسعیه. ویجوز للقارن والمفرد تأخیر ذلک طول ذی الحجة علی کراهیة ).

إذا قضی الحاج مناسکه بمنی من الرمی والذبح والحلق والتقصیر وجب علیه الرجوع إلی مکة لطواف الحج وصلاة رکعتیه والسعی وطواف النساء وصلاة رکعتیه.

ویسمی طواف الحج طواف الزیارة لأن الحاج یأتی من منی فیزور البیت ولا یقیم بمکة بل یرجع إلی منی. وقد ورد فی صحیحة علی بن یقطین

کراهة الطیب قبل طواف النساء

أحکام الرجوع إلی مکة

وجوب الرجوع إلی مکة بعد مناسک منی

ص: 109


1- التهذیب 5 : 248 - 839 ، الإستبصار 2 : 290 - 1028 ، الوسائل 10 : 198 أبواب الحلق والتقصیر ب 18 ح 1.
2- التهذیب 5 : 248 - 840 ، الإستبصار 2 : 290 - 1029 ، الوسائل 10 : 200 أبواب الحلق والتقصیر ب 19 ح 1.

______________________________________________________

إطلاق طواف الزیارة علی طواف النساء (1).

والأفضل إیقاع ذلک یوم النحر بعد أداء المناسک بمنی ، فإن تعذر فمن الغد ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی زیارة البیت یوم النحر ، قال : « زره ، فإن شغلت فلا یضرک أن تزور البیت من الغد ، ولا تؤخر أن تزور من یومک ، فإنه یکره للمتمتع أن یؤخر ، وموسع للمفرد أن یؤخره » (2).

وصحیحة عمران الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی للمتمتع أن یزور البیت یوم النحر أو من لیلته ولا یؤخر ذلک الیوم » (3).

واختلف الأصحاب فی جواز تأخیره عن الغد للمتمتع اختیارا ، فقال المفید (4) والمرتضی (5) وسلار (6) والمصنف : لا یجوز للمتمتع أن یؤخر الزیارة والطواف عن الیوم الثانی من النحر ، تمسکا بظاهر النهی.

وقال ابن إدریس : یجوز تأخیره طول ذی الحجة (7) ، وهو الظاهر من کلام الشیخ فی الاستبصار (8) ، واختاره العلامة فی المختلف (9) ، وسائر المتأخرین.

ص: 110


1- التهذیب 5 : 241 - 811 ، الوسائل 10 : 182 أبواب الحلق والتقصیر ب 4 ح 1.
2- الکافی 4 : 511 - 4 ، التهذیب 5 : 251 - 853 ، الإستبصار 2 : 292 - 1037 ، الوسائل 10 : 200 أبواب زیارة البیت ب 1 ح 1.
3- الکافی 4 : 511 - 3 ، التهذیب 5 : 249 - 843 ، الإستبصار 2 : 291 - 1032 ، الوسائل 10 : 201 أبواب زیارة البیت ب 1 ح 7.
4- المقنعة : 66.
5- جمل العلم والعمل : 110.
6- المراسم : 114.
7- السرائر : 142.
8- الاستبصار 2 : 295.
9- المختلف : 309.

______________________________________________________

وقد تقدم فی کلام المصنف فی أوائل الکتاب جواز تأخیر ذلک إلی النفر الثانی (1) ، فیکون حکمه هنا بالإثم بتأخیره عن الغد رجوعا عن ذلک الفتوی ، والمعتمد ما اختاره ابن إدریس.

لنا : قوله تعالی ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) (2) وقد سبق أن شهر ذی الحجة من أشهر الحج ، فیجوز إیقاع أفعاله فیه مطلقا إلا ما أخرجه الدلیل.

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یؤخر زیارة البیت إلی یوم النفر » (3).

وفی الصحیح عن عبید الله الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل نسی أن یزور البیت حتی أصبح فقال : « لا بأس ، أنا ربما أخرته حتی تذهب أیام التشریق ، ولکن لا یقرب النساء والطیب ». (4).

وفی الصحیح عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس إن أخّرت زیارة البیت إلی أن تذهب أیام التشریق ، إلا أنک لا تقرب النساء ولا الطیب » (5).

وما رواه الشیخ عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یؤخر زیارة البیت إلی یوم النفر ، وإنما یستحب تعجیل ذلک مخافة الأحداث والمعاریض » (6).

ص: 111


1- ج 7 ص 157.
2- البقرة : 197.
3- الفقیه 2 : 245 ، 1171 ، الوسائل 10 : 202 أبواب زیارة البیت ب 1 ح 9.
4- الفقیه 2 : 245 - 1172 ، التهذیب 5 : 250 - 847 ، الإستبصار 2 : 291 - 1035 ، الوسائل 10 : 201 أبواب زیارة البیت ب 1 ح 2.
5- الفقیه 2 : 245 - 1174 ، الوسائل 10 : 201 أبواب زیارة البیت ب 1 ح 3.
6- التهذیب 5 : 250 - 846 ، الإستبصار 2 : 291 - 1034 ، الوسائل 10 : 202 أبواب زیارة البیت ب 1 ح 9.

الثالثة : الأفضل لمن مضی إلی مکة للطواف والسعی : الغسل ، وتقلیم الأظفار ، وأخذ الشارب ، والدعاء إذا وقف علی باب المسجد.

______________________________________________________

وأجاب الأولون عن هذه الروایات بالحمل علی المفرد أو القارن ، وهو بعید جدا ، بل الأجود حمل ما تضمن النهی عن التأخیر علی الکراهة ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة : « فإنه یکره للمتمتع أن یؤخر » (1).

ویدل علی جواز تأخیر الزیارة للمفرد والقارن مضافا إلی ما سبق ، ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المتمتع متی یزور البیت؟ قال : « یوم النحر أو من الغد ولا یؤخر ، والمفرد والقارن لیسا بسواء ، موسع علیهما » (2).

قال الشهید فی الدروس : ولا یجوز تأخیر الطواف والسعی عن ذی الحجة ، فیبطل الحج ، کما قاله ابن إدریس إن تعمد ذلک (3). وهو کذلک.

قوله : ( الثالثة : الأفضل لمن مضی إلی مکة للطواف والسعی الغسل ، وتقلیم الأظفار ، وأخذ الشارب ، والدعاء إذا وقف علی باب المسجد ).

أما استحباب الغسل والتقلیم الأظفار والأخذ من الشارب فیدل علیه قوله علیه السلام فی روایة صحیحة عمر بن یزید : « ثم احلق رأسک ، واغتسل ، وقلم أظفارک ، وخذ من شاربک ، وزر البیت » (4).

مستحبات زیارة البیت

ص: 112


1- الکافی 4 : 511 - 4 ، التهذیب 5 : 251 - 853 ، الإستبصار 2 : 292 - 1037 ، الوسائل 10 : 200 أبواب زیارة البیت ب 1 ح 1.
2- التهذیب 5 : 249 - 844 ، الإستبصار 2 : 291 - 1036 ، الوسائل 10 : 202 أبواب زیارة البیت ب 1 ح 8.
3- الدروس : 134.
4- التهذیب 5 : 250 - 848 ، الوسائل 10 : 203 أبواب زیارة البیت ب 2 ح 2.

______________________________________________________

وفی صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الرجل یغتسل للزیارة ثم ینام ، أیتوضأ قبل أن یزور؟ قال : « یعید غسله ، لأنه إنما دخل بوضوء » (1).

وأما استحباب الدعاء إذا وقف علی باب المسجد ، فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « فإذا أتیت البیت یوم النحر فقمت علی باب المسجد قلت : اللهم أعنی علی نسکی ، وسلّمنی له ، وسلّمه لی ، أسألک مسألة العلیل الذلیل المعترف بذنبه أن تغفر لی ذنوبی ، وأن ترجعنی بحاجتی ، اللهم إنی عبدک والبلد بلدک والبیت بیتک ، جئت أطلب رحمتک وأؤم طاعتک ، متبعا لأمرک ، راضیا بقدرک ، أسألک مسألة المضطر إلیک ، المطیع لأمرک ، المشفق من عذابک ، الخائف لعقوبتک ، أن تبلغنی عفوک ، وتجیرنی من النار برحمتک ، ثم تأتی الحجر الأسود فتستلمه وتقبله ، فإن لم تستطع فاستقبله وکبر وقل کما قلت حین طفت بالبیت یوم قدمت مکة ، ثم طف بالبیت سبعة أشواط کما وصفت لک یوم قدمت مکة ، ثم صل عند مقام إبراهیم علیه السلام رکعتین ، تقرأ فیهما بقل هو الله وقل یا أیها الکافرون ، ثم ارجع إلی الحجر الأسود فقبله إن استطعت واستقبله وکبر ، ثم اخرج إلی الصفا فاصعد علیه واصنع کما صنعت یوم دخلت مکة ، ثم ائت المروة فاصعد علیها وطف بینهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلک فقد أحللت من کل شی ء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع إلی البیت وطف به أسبوعا آخر ، ثم تصلی رکعتین عند مقام إبراهیم علیه السلام ، ثم قد أحللت من کل شی ء ، وفرغت من حجک کله وکل شی ء أحرمت منه » (2).

ص: 113


1- التهذیب 5 : 251 - 851 ، الوسائل 10 : 204 أبواب زیارة البیت ب 3 ح 4.
2- الکافی 4 : 511 - 4 ، التهذیب 5 : 251 - 853 ، الوسائل 10 : 205 أبواب زیارة البیت ب 4 ح 1.

القول فی الطواف

وفیه ثلاث مقاصد :

الأول : فی المقدمات ، وهی واجبة ومندوبة :

فالواجبات الطهارة ،

______________________________________________________

قوله : ( القول فی الطواف. وفیه ثلاث مقاصد ، الأول : فی المقدمات ، وهی واجبة ومندوبة ، فالواجبات : الطهارة ).

أجمع علماؤنا کافة علی اشتراط الطهارة فی الطواف الواجب ، حکاه فی المنتهی (1) ، ویدل علیه روایات کثیرة :

کصحیحة معاویة بن عمار قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا بأس أن یقضی المناسک کلها علی غیر الوضوء إلا الطواف بالبیت ، والوضوء أفضل » (2).

وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن رجل طاف بالبیت وهو جنب فذکر وهو فی الطواف قال : « یقطع طوافه ولا یعتد بشی ء مما طاف » وسألته عن رجل طاف ثم ذکر أنه علی غیر وضوء ، قال : « یقطع طوافه ولا یعتد به » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن رجل طاف طواف الفریضة وهو علی غیر طهر ، قال : « یتوضأ ویعید طوافه ، وإن کان تطوعا توضأ وصلی رکعتین » (4).

ویستفاد من هذه الروایة عدم توقف الطواف المندوب علی الطهارة ،

مقدمات الطواف

الطهارة

ص: 114


1- المنتهی 2 : 690.
2- الفقیه 2 : 250 - 1201 ، الوسائل 9 : 443 أبواب الطواف ب 38 ح 1.
3- الکافی 4 : 420 - 4 ، التهذیب 5 : 117 - 381 ، الاستبصار 2 : 222 - 765 ، قرب الإسناد : 104 ، الوسائل 9 : 444 أبواب الطواف ب 38 ح 4 ، البحار 10 : 268.
4- الکافی 4 : 420 - 3 ، الفقیه 2 : 250 - 1202 ، التهذیب 5 : 116 - 380 ، الإستبصار 2 : 222 - 764 ، الوسائل 9 : 444 أبواب الطواف ب 38 ح 3.

______________________________________________________

وهو أحد القولین فی المسألة ، وأظهرهما.

وتدل علیه أیضا صحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل طاف تطوعا وصلی رکعتین وهو علی غیر وضوء ، قال : « یعید الرکعتین ولا یعید الطواف » (1).

وروایة عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لا بأس بأن یطوف الرجل النافلة علی غیر وضوء ثم یتوضأ ویصلی ، وإن طاف متعمدا علی غیر وضوء فلیتوضأ ولیصل ، ومن طاف تطوعا وصلی رکعتین علی غیر وضوء فلیعد الرکعتین ولا یعید الطواف » (2).

ونقل عن أبی الصلاح أنه اعتبر الطهارة فی الطواف المندوب کالواجب ، تمسکا بإطلاق بعض الروایات المتضمنة لاعتبار الطهارة فی الطواف (3). وهو ضعیف ، لأن المفصّل یحکم علی المجمل.

واعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب استباحة الطواف بالطهارة الترابیة کما یستباح بالمائیة ، ویدل علیه عموم قوله علیه السلام فی صحیحة جمیل : « إن الله جعل التراب طهورا کما جعل الماء طهورا » (4) ، وفی صحیحة محمد بن مسلم : « وهو بمنزلة الماء » (5).

وذهب فخر المحققین إلی أن التیمم لا یبیح للجنب الدخول فی

ص: 115


1- التهذیب 5 : 118 - 385 ، الوسائل 9 : 445 أبواب الطواف ب 38 ح 7.
2- الفقیه 2 : 250 - 1203 ، الوسائل 9 : 444 أبواب الطواف ب 38 ح 2.
3- الکافی فی الفقه : 195.
4- الفقیه 1 : 60 - 223 ، التهذیب 1 : 404 - 1264 ، الوسائل 2 : 994 أبواب التیمم ب 23 ح 1.
5- التهذیب 1 : 200 - 581 ، الإستبصار 1 : 163 - 566 ، الوسائل 2 : 995 أبواب التیمم ب 23 ح 2. وفی الجمیع : عن حماد بن عثمان ، ولم نعثر علی روایة بهذا النص عن محمد بن مسلم.

وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن ،

______________________________________________________

المسجدین ، ولا اللبث فیما عداهما من المساجد (1). ومقتضاه عدم استباحة الطواف به أیضا ، وهو ضعیف ، وقد تقدم الکلام فی ذلک فی کتاب الطهارة.

قوله : ( وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الطواف بین الواجب والندب ، ولا فی النجاسة بین المعفو عنها وغیرها ، ونقل عن ابن إدریس التصریح بهذا التعمیم (2) ، وهو ظاهر المنتهی (3). وذهب بعض الأصحاب إلی العفو هنا کما یعفی عنه فی الصلاة (4). ونقل عن ابن الجنید (5) وابن حمزة (6) أنهما کرها الطواف فی الثوب النجس.

احتج المانعون بقوله علیه السلام : « الطواف بالبیت صلاة » (7) وبروایة یونس بن یعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یری فی ثوبه الدم وهو فی الطواف ، قال : « ینظر الموضع الذی رأی فیه الدم فیعرفه ، ثم یخرج فیغسله ، ثم یعود فیتم طوافه » (8).

ویتوجه علی الروایة الأولی أنها غیر مسندة من طرق الأصحاب کما اعترف به العلامة فی المختلف (9) ، فلا یصح التعلق بها ، ومع ذلک فهی غیر

إزالة النجاسة

ص: 116


1- إیضاح الفوائد 1 : 66.
2- السرائر : 135.
3- المنتهی 2 : 690.
4- کالمحقق الثانی فی جامع المقاصد 1 : 165 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 120.
5- نقله عنهما فی المختلف : 291.
6- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 690.
7- غوالی اللآلی 2 : 167 - 3 ، سنن الدارمی 2 : 44.
8- التهذیب 5 : 126 - 415 ، الوسائل 9 : 462 أبواب الطواف ب 52 ح 2.
9- المختلف : 291.

وأن یکون مختونا ولا یعتبر فی المرأة.

______________________________________________________

واضحة الدلالة علی المطلوب ، إذ التشبیه لا یقتضی التساوی من جمیع الوجوه.

وعلی الروایة الثانیة الطعن فی السند باشتماله علی عدة من المجاهیل ، وبأن راویها وهو یونس بن یعقوب قیل : إنه فطحی (1) ، مع أنها معارضة بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قلت له : رجل فی ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة فی مثله فطاف فی ثوبه ، فقال : « أجزأه الطواف فیه ، ثم ینزعه ویصلی فی ثوب طاهر » (2) ، ولا یضر إرسالها لأنها مطابقة لمقتضی الأصل ، وسالمة عما یصلح للمعارضة.

ومن هنا یظهر رجحان ما ذهب إلیه ابن الجنید وابن حمزة ، إلا أن الأولی اجتناب ما لم یعف عنه فی الصلاة ، والأحوط اجتناب الجمیع کما ذکره ابن إدریس.

قوله : ( وأن یکون مختونا ولا یعتبر فی المرأة ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، بل ظاهر المنتهی أنه موضع وفاق (3) ، ویدل علیه روایات کثیرة :

کصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الأغلف لا یطوف بالبیت ، ولا بأس أن تطوف المرأة » (4).

وصحیحة حریز بن عبد الله وإبراهیم بن عمر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن تطوف المرأة غیر مخفوضة ، فأما الرجل فلا

الختنة

ص: 117


1- کما فی رجال الکشی 2 : 682.
2- التهذیب 5 : 126 - 416 ، الوسائل 9 : 462 أبواب الطواف ب 52 ح 3.
3- المنتهی 2 : 690.
4- التهذیب 5 : 126 - 413 ، الوسائل 9 : 369 أبواب مقدمات الطواف ب 33 ح 1.

______________________________________________________

یطوفن إلا وهو مختون » (1).

وروایة إبراهیم بن میمون ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل یسلم فیرید أن یختتن وقد حضره الحج ، أیحج أم یختتن؟ قال : « لا یحج حتی یختتن » (2).

ونقل عن ابن إدریس أنه توقف فی هذا الحکم (3). وهو جید علی أصله.

وجزم الشارح بأن الختان إنما یعتبر مع الإمکان ، فلو تعذر ولو بضیق الوقت سقط (4). ویحتمل قویا اشتراطه مطلقا کما فی الطهارة بالنسبة إلی الصلاة.

ومقتضی إخراج المرأة من هذا الحکم بعد اعتباره فی مطلق الطائف استواء الرجل والصبی والخنثی فی ذلک ، والروایة الأولی متناولة للجمیع ، فما ذکره الشارح من أن الأخبار خالیة من غیر الرجل والمرأة (5) غیر واضح.

وفائدة اعتبار ذلک فی الصبی مع عدم التکلیف فی حقه کون الختان شرطا فی صحة الطواف کالطهارة بالنسبة إلی الصلاة.

ولم یذکر المصنف من شرائط الطواف الستر ، وقد اعتبره الشیخ فی الخلاف (6) ، والعلامة فی جملة من کتبه (7)، واستدل علیه فی المنتهی بقوله

الستر

ص: 118


1- الفقیه 2 : 250 - 1205 ، التهذیب 5 : 126 - 414 ، الوسائل 9 : 369 أبواب مقدمات الطواف ب 33 ح 3.
2- الکافی 4 : 281 - 1 ، الفقیه 2 : 251 - 1206 ، التهذیب 5 : 469 - 1646 ، الوسائل 9 : 369 أبواب مقدمات الطواف ب 33 ح 2.
3- السرائر : 135 ، إلا أنه قال : ولا یجوز للرجل أن یطوف بالبیت وهو غیر مختون علی ما روی أصحابنا فی الأخبار. ونقله عنه الشهید فی الدروس : 112.
4- المسالک 1 : 120.
5- المسالک 1 : 120.
6- الخلاف 1 : 446.
7- المنتهی 2 : 690 ، والتذکرة 1 : 361 ، والقواعد 1 : 82.

والمندوبات ثمانیة : الغسل لدخول مکة ، فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله ، والأفضل أن یغتسل من بئر میمون أو من فخّ وإلا ففی منزله.

______________________________________________________

علیه السلام : « الطواف بالبیت صلاة » (1). وقوله علیه السلام : « لا یحج بعد العام مشرک ولا عریان » (2).

ویظهر من العلامة فی المختلف التوقف فی ذلک ، فإنه عزی الاشتراط إلی الشیخ وابن زهرة خاصة ، واحتج لهما بالروایة الأولی ثم قال : ولمانع أن یمنع ذلک ، وهذه الروایة غیر مسندة من طرقنا فلا حجة فیها (3). هذا کلامه رحمه الله وهو جید.

والمسألة محل تردد ، والواجب التمسک بمقتضی الأصل إلی أن یثبت دلیل الاشتراط ، وإن کان التأسی والاحتیاط یقتضیه.

قوله : ( والمندوبات ثمانیة : الغسل لدخول مکة ، فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله ، والأفضل أن یغتسل من بئر میمون أو فخ ، وإلا ففی منزله ).

المستند فی هذه المسألة ما رواه الشیخ ، عن أبان بن تغلب ، قال : کنت مع أبی عبد الله علیه السلام مزامله ما بین مکة والمدینة ، فلما انتهی إلی الحرم نزل واغتسل وأخذ نعلیه بیدیه ، ثم دخل الحرم حافیا ، فصنعت مثل ما صنع ، فقال : « یا أبان من صنع مثل ما صنعت تواضعا لله عزّ وجلّ محا الله عزّ وجلّ عنه مائة ألف سیئة ، وکتب له مائة ألف حسنة ، وبنی له مائة ألف درجة ، وقضی له مائة ألف حاجة » (4).

الغسل لدخول مکة

ص: 119


1- غوالی اللئالی 2 : 167 - 3 ، سنن الدارمی 2 : 44.
2- مسند أحمد بن حنبل 1 : 3 ، وسنن الدارمی 1 : 333. ورواها فی علل الشرائع :2. 2 ، الوسائل 9 : 463 أبواب الطواف ب 53 ح 1.
3- المختلف : 291.
4- التهذیب 5 : 97 - 317 ، الوسائل 9 : 315 أبواب مقدمات الطواف ب 1 ح 1.

______________________________________________________

وفی الصحیح عن ذریح قال : سألته عن الغسل فی الحرم ، قبل دخول مکة أو بعد دخوله؟ قال : « لا یضرک أی ذلک فعلت ، وإن اغتسلت بمکة فلا بأس ، وإن اغتسلت فی بیتک حین تنزل بمکة فلا بأس » (1).

وفی الحسن عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انتهیت إلی الحرم إن شاء الله فاغتسل حین تدخله ، وإن تقدمت فاغتسل من بئر میمون ، أو من فخ ، أو من منزلک بمکة » (2).

وفی الحسن عن الحلبی ، قال : أمرنا أبو عبد الله علیه السلام أن نغتسل من فخ قبل أن ندخل إلی مکة (3).

وعن محمد الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن الله عزّ وجلّ یقول فی کتابه ( وَطَهِّرْ بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَالْقائِمِینَ وَالرُّکَّعِ السُّجُودِ ) (4) فینبغی للعبد أن لا یدخل مکة إلا وهو طاهر قد غسل عرقه والأذی وتطهر » (5).

وعن عجلان أبی صالح قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « إذا انتهیت إلی بئر میمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل واخلع نعلیک وامش حافیا

ص: 120


1- التهذیب 5 : 97 - 318 ، الوسائل 9 : 316 أبواب مقدمات الطواف ب 2 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 398 - 5.
2- التهذیب 5 : 97 - 319 ، الوسائل 9 : 316 أبواب مقدمات الطواف ب 2 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 400 - 4.
3- التهذیب 5 : 99 - 323 ، الوسائل 9 : 318 أبواب مقدمات الطواف ب 5 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 400 - 5.
4- فی جمیع النسخ والکافی والوافی : وطهّر بیتی للطائفین والعاکفین والرکع والسجود ، وفی التهذیب والوسائل : وطهّرا. ولعل هذا خلط وقع فی أذهان النسّاخ بین آیة 125 من سورة الحج وهی ( أَنْ طَهِّرا بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَالْعاکِفِینَ وَالرُّکَّعِ السُّجُودِ ) بین آیة 26 من سورة الحج ( وَطَهِّرْ بَیْتِیَ لِلطّائِفِینَ وَالْقائِمِینَ وَالرُّکَّعِ السُّجُودِ ) وهی التی أثبتناها فی المتن.
5- التهذیب 5 : 98 - 322 ، الوسائل 9 : 318 أبواب مقدمات الطواف ب 5 ح 3 ، ورواها فی الکافی 4 : 400 - 3.

______________________________________________________

وعلیک السکینة والوقار » (1).

فهذه جملة ما وصل إلینا من الروایات فی هذه المسألة ، ومقتضاها استحباب غسل واحد إما قبل دخول الحرم أو بعده من بئر میمون الحضرمی الذی فی الأبطح ، أو من فخ وهو علی فرسخ من مکة للقادم من المدینة ، أو من المحل الذی ینزل فیه بمکة علی سبیل التخییر. وغایة ما یستفاد منها أن إیقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل ، فما ذکره المصنف وغیره (2) من استحباب غسل لدخول مکة وآخر لدخول المسجد غیر واضح. وأشکل منه حکم العلامة (3) وجمع من المتأخرین (4) باستحباب ثلاثة أغسال بزیادة غسل آخر لدخول الحرم. وکذا الإشکال فی قول المصنف : فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله ، إذ مقتضی الروایات التخییر بین الغسل قبل الدخول أو بعده لا اعتبار العذر فی تأخیره عن الدخول کما هو واضح.

وذکر الشیخ (5) وغیره (6) أن من نام بعد الغسل وقبل دخول مکة أعاده استحبابا. ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یغتسل لدخول مکة ثم ینام فیتوضأ قبل أن یدخل ، أیجزیه أو یعید؟ قال : « لا یجزیه ، لأنه إنما دخل بوضوء » (7).

ویستفاد من هذا التعلیل استحباب إعادة الغسل إذا حصل بعده ما ینقض

ص: 121


1- التهذیب 5 : 99 - 324 ، الوسائل 9 : 318 أبواب مقدمات الطواف ب 5 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 400 - 6.
2- کالشیخ فی المبسوط 1 : 355.
3- المنتهی 2 : 688 و 689 ، والتذکرة 1 : 360 و 361.
4- کالشهید الأول فی الدروس : 112.
5- النهایة : 235 ، والمبسوط 1 : 355.
6- کالعلامة فی المنتهی 2 : 688.
7- التهذیب 5 : 99 - 325 ، الوسائل 9 : 319 أبواب مقدمات الطواف ب 6 ح 1. وفیهما : عن أبی إبراهیم علیه السلام .

ومضغ الإذخر. وأن یدخل مکة من أعلاها.

______________________________________________________

الوضوء مطلقا. وربما لاح منه ارتفاع الحدث بالغسل المندوب کما ذهب إلیه المرتضی (1) - رضی الله عنه - فتأمل.

قوله : ( ومضغ الإذخر ).

یدل علی ذلک ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن ابن أبی عمیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه » (2) ، قال الکلینی بعد إیراد هذه الروایة : سألت بعض أصحابنا عن هذا فقالوا : یستحب ذلک لیطیب به الفم لتقبیل الحجر.

قوله : ( ویدخل مکة من أعلاها ).

لما روی فی الصحیح عن الصادق علیه السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله دخل من أعلا مکة من عقبة المدنیین (3). ولموثقة یونس بن یعقوب قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : من أین أدخل مکة وقد جئت من المدینة؟ فقال : « ادخل من أعلا مکة ، وإذا خرجت ترید المدینة فاخرج من أسفل مکة » (4).

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی هذا الحکم بین المدنی والشامی وغیرهما ، وبهذا التعمیم جزم الشارح قدس سره (5). وخصه العلامة فی التذکرة بمن یجی ء من المدینة أو الشام ، قال : فأما الذین یجیئون من سائر الأقطار فلا یؤمرون بأن یدوروا لیدخلوا من تلک الثنیة (6). وهو حسن.

مضغ الاذخر

دخول مکة من أعلاها

ص: 122


1- نقله عنه المحقق فی المعتبر 1 : 196 ، والعلامة فی المختلف : 33.
2- الکافی 4 : 398 - 4 ، الوسائل 9 : 316 أبواب مقدمات الطواف ب 3 ح 1.
3- الکافی 4 : 245 - 4 ، التهذیب 5 : 454 - 1588 ، الوسائل 9 : 317 أبواب مقدمات الطواف ب 4 ح 1.
4- الکافی 4 : 399 - 1 ، التهذیب 5 : 98 - 321 ، الوسائل 9 : 317 أبواب مقدمات الطواف ب 4 ح 2.
5- المسالک 1 : 120.
6- التذکرة 1 : 360.

وأن یکون حافیا علی سکینة ووقار. ویغتسل لدخول المسجد الحرام.

______________________________________________________

قال الشهید - رحمه الله - فی الدروس : ویستحب عندنا دخوله من ثنیة کداء - بالفتح والمد - وهی التی ینحدر منها إلی الحجون بمقبرة مکة ، ویخرج من ثنیة کدی - بالضم والقصر منونا - وهی بأسفل مکة (1).

قوله : ( وأن یکون حافیا علی سکینة ووقار ).

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافیا علی السکینة والوقار والخشوع » وقال : « من دخله بخشوع غفر له إن شاء الله ». قلت : ما الخشوع؟ قال : « السکینة ، لا تدخل بتکبر » (2).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من دخلها بسکینة غفر له ذنبه » قلت : کیف یدخلها بسکینة؟ قال : « یدخل غیر متکبر ولا متجبر » (3).

وعن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یدخل مکة رجل بسکینة إلا غفر له » قلت : وما السکینة؟ قال : « یتواضع » (4).

قوله : ( ویغتسل لدخول المسجد الحرام ).

قد تقدم الکلام فی ذلک وأن الأظهر الاکتفاء بغسل دخول مکة. نعم لو أحدث بعد الغسل وقبل دخول المسجد استحب إعادته.

التحفی والسکینة والوقار

الغسل لدخول المسجد

ص: 123


1- الدروس : 112.
2- التهذیب 5 : 99 - 327 ، الوسائل 9 : 321 أبواب مقدمات الطواف ب 8 ح 1.
3- الکافی 4 : 400 - 9 ، الوسائل 9 : 320 أبواب مقدمات الطواف ب 7 ح 1.
4- الکافی 4 : 401 - 10 ، الوسائل 9 : 320 أبواب مقدمات الطواف ب 7 ح 2.

ویدخل من باب بنی شیبة بعد أن یقف عندها ، ویسلم علی النبی علیه السلام ، ویدعو بالمأثور.

______________________________________________________

قوله : ( ویدخل من باب بنی شیبة بعد أن یقف عندها ، ویسلم علی النبی 7 ، ویدعو بالمأثور ).

أما استحباب الدخول من باب بنی شیبة فاستدل علیه فی المنتهی بأن النبی صلی الله علیه و آله دخل منها ، وعلل أیضا بأن هبل - بضم الهاء وفتح الباء وهو أعظم الأصنام - مدفون تحت عتبتها ، فإذا دخل منها وطئه برجله (1). وهذا الباب غیر معروف الآن لتوسعة المسجد ، لکن قیل إنه بإزاء باب السلام (2) ، فینبغی الدخول منه علی الاستقامة إلی أن یتجاوز الأساطین لیتحقق المرور به بناء علی هذا القول.

وأما استحباب الوقوف عند الباب والسلام علی النبی صلی الله علیه و آله والدعاء فیدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافیا علی السکینة والوقار والخشوع ، وقال : من دخله بخشوع غفر له إن شاء الله تعالی » قلت : ما الخشوع؟ قال : « السکینة ، لا تدخل بتکبر ، فإذا انتهیت إلی باب المسجد فقم وقل : السلام علیک أیها النبی ورحمة الله وبرکاته ، بسم الله وبالله وما شاء الله ، والسلام علی أنبیاء الله ورسله ، والسلام علی رسول الله ، والسلام علی إبراهیم ، والحمد لله رب العالمین ، فإذا دخلت المسجد فارفع یدیک واستقبل القبلة وقل : اللهم إنی أسألک فی مقامی هذا فی أول مناسکی أن تقبل توبتی ، وأن تجاوز عن خطیئتی ، وتضع عنی وزری ، الحمد لله الذی بلغنی بیته الحرام ، اللهم إنی أشهدک أن هذا بیتک الحرام الذی جعلته مثابة للناس وأمنا مبارکا وهدی للعالمین ، اللهم إن العبد عبدک ، والبلد بلدک ، والبیت بیتک ، جئت أطلب

الدخول من باب بنی شیبة والوقوف عندها

السلام علی النبی والدعاء

ص: 124


1- المنتهی 2 : 689. ولم یستدل بفعل النبی صلی الله علیه و آله .
2- کما فی الروضة 2 : 253 ، والمسالک 1 : 120.

المقصد الثانی : فی کیفیة الطواف ، وهو یشتمل علی : واجب وندب.

فالواجب سبعة : النیّة. والبداءة بالحجر. والختم به.

______________________________________________________

رحمتک ، وأؤم طاعتک ، مطیعا لأمرک ، راضیا بقدرک ، أسألک مسألة الفقیر إلیک ، الخائف لعقوبتک ، اللهم افتح لی أبواب رحمتک ، واستعملنی بطاعتک ومرضاتک » (1).

قوله : ( المقصد الثانی : فی کیفیة الطواف ، وهو یشتمل علی واجب وندب ، فالواجب سبعة : النیة ).

قد تکرر الکلام فی النیة وأن الأظهر الاکتفاء فیها بقصد الفعل المعین طاعة لله عزّ وجل ، وأما التعرض للوجه وکون الحج إسلامیا أو غیره تمتعا أو أحد قسیمیه فغیر لازم ، کما هو ظاهر اختیار العلامة فی المنتهی (2) ، وإن کان التعرض لذلک کله أحوط.

وحکی الشهید فی الدروس عن ظاهر بعض القدماء أن نیة الإحرام کافیة عن خصوصیات نیات باقی الأفعال (3) ، وکأن وجهه خلو الأخبار الواردة بتفاصیل أحکام الحج من ذکر النیة فی شی ء من أفعاله سوی الإحرام ، وربما کان الوجه فی تخصیص الإحرام بذلک توقف امتیاز نوع الحج والعمرة علیه.

وتجب مقارنة النیة لأول الطواف ، ولا یضر الفصل الیسیر ، واستدامتها حکما إلی الفراغ کما فی غیره من العبادات.

قوله : ( والبدأة بالحجر ، والختم به ).

هذا موضع وفاق بین العلماء علی ما نقله جماعة (4) ، والأصل فیه ما

واجبات الطواف

وجوب النیة والبدأة بالحجر والختم به

ص: 125


1- التهذیب 5 : 99 - 327 ، الوسائل 9 : 321 أبواب مقدمات الطواف ب 8 ح 1.
2- المنتهی 2 : 690.
3- الدروس : 112.
4- کما فی الخلاف 1 : 448 ، والمنتهی 2 : 690.

______________________________________________________

روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه بدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عیناه من البکاء (1) ، وقال : « خذوا عنی مناسککم » (2).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح والکلینی فی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من اختصر فی الحجر الطواف فلیعد طوافه من الحجر الأسود إلی الحجر الأسود » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح والکلینی فی الحسن ، عن الحسن بن عطیة ، قال : سأله سلیمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبیت ستة أشواط ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « وکیف طاف ستة أشواط؟ » قال : استقبل الحجر وقال : الله أکبر ، وعقد واحد ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « یطوف شوطا » فقال سلیمان : فإنه فاته ذلک حتی أتی أهله ، قال : « یأمر من یطوف عنه » (4).

وحیث تجب البدأة بالحجر فلو ابتدأ الطائف من غیره لم یعتد بما فعله حتی ینتهی إلی الحجر الأسود ، فیکون منه ابتداء طوافه إن جدد النیة عنده أو استصحبها فعلا.

والظاهر الاکتفاء فی تحقق البدأة بالحجر بما یصدق علیه ذلک عرفا. واعتبر العلامة (5) ومن تأخر عنه (6) جعل أول جزء من الحجر محاذیا لأول جزء من مقادیم بدنه بحیث یمر علیه بعد النیة بجمیع بدنه علما أو ظنا. وهو

ص: 126


1- المنتهی 2 : 690.
2- غوالی اللآلی 1 : 215 - 73 ، مسند أحمد 3 : 337 ، صحیح مسلم 2 : 943 - 310.
3- الکافی 4 : 419 - 2 ، الفقیه 2 : 249 - 1198 ، الوسائل 9 : 432 أبواب الطواف ب 31 ح 3.
4- الکافی 4 : 418 - 9 ، التهذیب 5 : 109 - 354 بتفاوت یسیر ، الوسائل 9 : 432 أبواب الطواف ب 32 ح 1.
5- التذکرة 1 : 361.
6- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 120.

______________________________________________________

أحوط ، لکن فی تعینه نظر ، لصدق الابتداء بالحجر عرفا بدون ذلک ، ولخلو الأخبار من هذا التکلیف مع استفاضتها فی هذا الباب واشتمالها علی تفاصیل مسائل الحج الواجبة والمندوبة ، بل ربما ظهر من طواف النبی صلی الله علیه و آله علی ناقته خلاف ذلک.

ویستحب استقبال الحجر بوجهه قبل الطواف ، للتأسی ، وظاهر روایة الحسن بن عطیة المتقدمة ، وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار الواردة فی کیفیة طواف الحج : « ثم تأتی الحجر الأسود فتستلمه وتقبله ، فإن لم تستطع فاستقبله وکبر وقل کما قلت حین طفت بالبیت یوم قدمت مکة ، ثم طف بالبیت سبعة أشواط کما وصفت لک یوم قدمت » (1) ، وفی روایة أبی بصیر : « إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتی تدنو من الحجر الأسود فتستقبله وتقول الحمد لله الذی هدانا لهذا. » (2).

وینبغی إیقاع النیة فی حال الاستقبال ثم الأخذ فی الحرکة علی الیسار عقیب النیة ، وما قیل من أن إیقاع النیة فی هذه الحالة یقتضی عدم مقارنتها لأول الطواف الذی هو الحرکة الدوریة فضعیف جدا ، لأن مثل ذلک لا یخل بالمقارنة قطعا.

ومعنی الختم بالحجر إکمال الشوط السابع إلیه ، واعتبر المتأخرون محاذاة الحجر فی آخر شوط کما ابتدأ أولا لیکمل الشوط من غیر زیادة ولا نقصان ، والکلام فیه کما سبق ، مع أن الظاهر الاکتفاء بتجاوزه بنیة أن ما زاد علی الشوط لا یکون جزاء من الطواف ، بل الظاهر عدم بطلان الطواف بمثل هذه الزیادة وإن قصد کونها من الطواف ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

ص: 127


1- الکافی 4 : 402 - 1 ، التهذیب 5 : 101 - 329 ، الوسائل 9 : 400 أبواب الطواف ب 12 ح 1 ، وفیها بتفاوت یسیر.
2- الکافی 4 : 403 - 2 ، التهذیب 5 : 102 - 330 ، الوسائل 9 : 401 أبواب الطواف ب 12 ح 3.

وأن یطوف علی یساره. وأن یدخل الحجر فی الطواف.

______________________________________________________

قوله : ( وأن یطوف علی یساره ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وأسنده فی التذکرة إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (1) ، واستدل علیه بفعل النبی صلی الله علیه و آله ، وقوله : « خذوا عنی مناسککم » (2).

ومعنی الطواف علی الیسار : جعل البیت علی یساره حال الطواف ، فلو استقبله بوجهه أو استدبره أو جعله علی یمینه ولو فی خطوة منه لم یجزئه ووجب علیه الإعادة ، ولا یقدح فی جعله علی الیسار الانحراف الیسیر إلی جهة الیمین قطعا.

قوله : ( وأن یدخل الحجر فی الطواف ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب أیضا ویدل علیه مضافا إلی التأسی روایات ، منها صحیحة الحلبی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل طاف بالبیت فاختصر شوطا واحدا فی الحجر ، کیف یصنع؟ قال : « یعید الطواف الواحد » (3).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من اختصر فی الحجر الطواف فلیعد طوافه من الحجر الأسود » (4).

واعلم أن وجوب إدخال الحجر فی الطواف لا یستلزم کونه من البیت ، بل الأصح أنه لیس منه ، کما یدل علیه صحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحجر ، أمن البیت هو أو فیه شی ء من

الطواف علی یساره

دخول الحجر فی الطواف

ص: 128


1- التذکرة 1 : 361.
2- غوالی اللآلی 1 : 215 - 73 ، مسند أحمد 3 : 337 ، صحیح مسلم 2 : 943 - 310.
3- الفقیه 2 : 249 - 1197 ، التهذیب 5 : 109 - 353 وفیه : یعید ذلک الشوط ، الوسائل 9 : 431 أبواب الطواف ب 31 ح 1.
4- الکافی 4 : 419 - 2 ، الفقیه 2 : 249 - 1198 ، الوسائل 9 : 432 أبواب الطواف ب 31 ح 3.

______________________________________________________

البیت؟ قال : « لا ولا قلامة ظفر ، ولکن إسماعیل دفن أمه فیه فکره أن یوطأ فحجّر علیه حجرا ، وفیه قبور أنبیاء » (1). وذکر الشهید فی الدروس أن المشهور کونه من البیت (2). ولم نقف فی ذلک علی روایة من طرق الأصحاب. نعم روی العامة أن عائشة قالت : نذرت أن أصلی رکعتین فی البیت فقال النبی صلی الله علیه و آله : « صل فی الحجر ، فإن ستة أذرع منه من البیت » (3) ، ولا اعتداد بهذه الروایة.

وذکر العلامة فی التذکرة أن البیت کان لاصقا بالأرض وله بابان شرقی وغربی فهدمه السیل قبل مبعث رسول الله صلی الله علیه و آله بعشر سنین وأعادت قریش عمارته علی الهیئة التی هو علیها الیوم ، وقصرت الأموال الطیبة والهدایا والنذور عن عمارته فترکوا من جانب الحجر بعض البیت وخلفوا الرکنین الشامیین عن قواعد إبراهیم وضیقوا عرض الجدار من الرکن الأسود إلی الشامی الذی یلیه فبقی من الأساس شبه الدکان مرتفعا وهو الذی یسمی الشاذروان (4). هذا کلامه ، ولم نقف علی مستنده ، مع أنه مخالف للروایة المتقدمة المتضمنة لأنه لیس فی الحجر شی ء من البیت.

وهل یجب علی من اختصر شوطا فی الحجر إعادة ذلک الشوط وحده أو إعادة الطواف من رأس؟ الأصح الأول ، لما رواه الشیخ فی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : رجل طاف بالبیت فاختصر شوطا واحدا فی الحجر ، قال : « یعید ذلک الشوط » (5) ونحوه روی أیضا فی الصحیح عن الحسن بن عطیة عن الصادق علیه السلام (6).

ص: 129


1- الکافی 4 : 210 - 15 ، الوسائل 9 : 429 أبواب الطواف ب 30 ح 1.
2- الدروس : 113.
3- سنن الترمذی 2 : 181 - 877 بتفاوت یسیر.
4- التذکرة 1 : 361.
5- التهذیب 5 : 109 - 353 ، الوسائل 9 : 431 أبواب الطواف ب 31 ح 1.
6- التهذیب 5 : 109 - 354 ، الوسائل 9 : 432 أبواب الطواف ب 32 ح 1.

وأن یکمله سبعا. وأن یکون بین البیت والمقام ،

______________________________________________________

ولا یکفی إتمام الشوط من موضع سلوک الحجر ، بل تجب البدأة من الحجر الأسود ، لأنه المتبادر من الأمر بإعادة الشوط ، ولقوله علیه السلام : « من اختصر فی الحجر الطواف فلیعد طوافه من الحجر الأسود » (1).

ولا ینافی ما ذکرناه من الاکتفاء بإعادة الشوط خاصة ما رواه ابن بابویه ، عن الحسین بن سعید ، عن إبراهیم بن سفیان ، قال ، کتبت إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام : امرأة طافت طواف الحج ، فلما کانت فی الشوط السابع اختصرت فطافت فی الحجر وصلت رکعتی الفریضة وسعت وطافت طواف النساء ثم أتت منی ، فکتب : « تعید » (2) ، لأنه غیر صریح فی توجه الأمر إلی إعادة الطواف من أصله ، فیحتمل تعلقه بإعادة ذلک الشوط الذی حصل فیه الإخلال.

قوله : ( وأن یکمّله سبعا ، وأن یکون بین البیت والمقام ).

أما وجوب إکمال السبع فموضع وفاق بین العلماء ، والنصوص به مستفیضة ، بل متواترة.

وأما أنه یعتبر کون الطواف واقعا بین البیت والمقام ، بمعنی کونه فی المحل الخارج عن جمیع البیت والداخل عن جمیع المقام ، فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، ویدل علیه ما رواه الکلینی ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عن حد الطواف بالبیت الذی من خرج منه لم یکن طائفا بالبیت : « کان الناس علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله یطوفون بالبیت والمقام ، وأنتم الیوم تطوفون ما بین المقام والبیت ، فکان الحد موضع المقام الیوم ، فمن جازه فلیس بطائف ، والحد قبل الیوم والیوم واحد قدر ما بین المقام وبین نواحی البیت کلها ، فمن طاف فتباعد من نواحیه أبعد من مقدار

إکمال سبعة بین البیت والمقام

ص: 130


1- الکافی 4 : 419 - 2 ، الفقیه 2 : 249 - 1198 ، الوسائل 9 : 432 أبواب الطواف ب 31 ح 3.
2- الفقیه 2 : 249 - 1199 ، الوسائل 9 : 432 أبواب الطواف ب 31 ح 4.

______________________________________________________

ذلک کان طائفا بغیر البیت ، بمنزلة من طاف بالمسجد ، لأنه طاف فی غیر حد ، ولا طواف له » (1) وفی طریق هذه الروایة یاسین الضریر ، وهو غیر موثق.

ونقل عن ابن الجنید أنه جوز الطواف خارج المقام عند الضرورة (2) ، وربما کان مستنده ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن أبان ، عن محمد الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الطواف خلف المقام ، قال : « ما أحب ذلک ، وما أری به بأسا ، فلا تفعله إلا أن لا تجد منه بدا » (3) ومقتضی الروایة الجواز علی کراهیة ، وظاهر الصدوق الإفتاء بمضمونها. وهو غیر بعید ، إلا أن المشهور أولی.

وقد قطع الأصحاب بأنه یجب مراعاة قدر ما بین البیت والمقام من جمیع الجهات ، وفی روایة محمد بن مسلم المتقدمة دلالة علیه ، وتحتسب المسافة من جهة الحجر من خارجه وإن کان خارجا من البیت ، لوجوب إدخاله فی الطواف ، فلا یکون محسوبا من المسافة.

واحتمل الشارح احتسابه منها علی القول بخروجه وإن لم یجز سلوکه (4) ، وهو أحوط.

واعلم أن المقام حقیقة : هو العمود من الصخر الذی کان إبراهیم علیه السلام یصعد علیه عند بنائه البیت وعلیه الیوم بناء ، ویطلق علی جمیعه مع ما فی داخله المقام عرفا.

وهل المعتبر وقوع الطواف بین البیت وحائط البناء الذی علی المقام الأصلی ، أم بینه وبین العمود المخصوص؟ احتمالان ، أظهرهما الثانی.

ص: 131


1- الکافی 4 : 413 - 1 ، الوسائل 9 : 427 أبواب الطواف ب 28 ح 1.
2- کما فی المختلف : 288.
3- الفقیه 2 : 249 - 1200 ، الوسائل 9 : 427 أبواب الطواف ب 28 ح 2.
4- المسالک 1 : 121.

ولو مشی علی أساس البیت أو حائط الحجر لم یجزئه.

______________________________________________________

ویستفاد من روایة محمد بن مسلم المتقدمة (1) أن المقام - أعنی العمود الصخر - مغیّر عما کان علیه فی عهد النبی صلی الله علیه و آله ، وأن الحکم فی الطواف منوط بمحله الآن.

وتدل علیه أیضا صحیحة إبراهیم بن أبی محمود قال ، قلت للرضا علیه السلام : أصلی رکعتی طواف الفریضة خلف المقام حیث هو الساعة أو حیث کان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ؟ قال : « حیث هو الساعة » (2).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة بن أعین أنه قال لأبی جعفر علیه السلام : قد أدرکت الحسین علیه السلام ، قال : « نعم ، أذکر وأنا معه فی المسجد الحرام وقد دخل فیه السیل والناس یقومون علی المقام ، یخرج الخارج فیقول قد ذهب به السیل ، ویدخل الداخل فیقول هو مکانه قال ، فقال : یا فلان ما یصنع هؤلاء؟ فقلت : أصلحک الله یخافون أن یکون السیل قد ذهب بالمقام ، قال : إن الله عز وجلّ جعله علما لم یکن لیذهب به فاستقروا ، وکان موضع المقام الذی وضعه إبراهیم علیه السلام عند جدار البیت ، فلم یزل هناک حتی حوله أهل الجاهلیة إلی المکان الذی هو فیه الیوم ، فلما فتح النبی صلی الله علیه و آله مکة رده إلی الموضع الذی وضعه إبراهیم علیه السلام ، فلم یزل هناک إلی أن ولی عمر فسأل الناس : من منکم یعرف المکان الذی فیه المقام؟ فقال له رجل : أنا کنت قد أخذت مقداره بنسع فهو عندی فقال : ائتنی به ، فأتاه به فقاسه ثم رده إلی ذلک المکان » (3).

قوله : ( ولو مشی علی أساس البیت أو حائط الحجر لم یجزه ).

حکم المشی علی أساس البیت أو حائط الحجر

ص: 132


1- فی ص 130.
2- الکافی 4 : 423 - 4 ، التهذیب 5 : 137 - 453 ، الوسائل 9 : 478 أبواب الطواف ب 71 ح 1.
3- الفقیه 2 : 158 - 681.

ومن لوازمه رکعتا الطواف. وهما واجبتان فی الطواف الواجب ،

______________________________________________________

قد عرفت أن الواجب الطواف بالبیت علی معنی أن یکون الطائف خارجا عن البیت بجمیع بدنه ، فلا یجوز المشی علی أساس البیت ، وهو القدر الباقی من أساس الحائط بعد عمارته أخیرا ویسمی الشاذروان ، لأنه من الکعبة علی ما قطع به الأصحاب ، ولا علی حائط الحجر لوجوب إدخاله فی الطواف.

وهل یجوز للطائف مس الجدار بیده فی موازاة الشاذروان؟ قیل : لا ، وهو خیرة التذکرة (1) ، لأن من مسه علی هذا الوجه یکون بعض بدنه فی البیت فلا یتحقق الشرط ، أعنی خروجه عنه بجمیع بدنه.

وقیل بالجواز ، وهو ظاهر اختیار العلامة فی القواعد (2) ، وجعله فی التذکرة وجها للشافعیة ، واستدل علیه بأن من هذا شأنه یصدق علیه أنه طائف بالبیت ، لأن معظم بدنه خارج عنه ، ثم أجاب عنه بالمنع من ذلک ، لأن بعض بدنه فی البیت ، فکان کما لو وضع إحدی رجلیه اختیارا علی الشاذروان (3).

والمسألة محل تردد ، وإن کان الجواز لا یخلو من قرب ، لعدم قیام دلیل یعتد به علی المنع.

قوله : ( ومن لوازمه رکعتا الطواف ، وهما واجبتان بعده فی الطواف الواجب ).

المراد أن صلاة الرکعتین من لوازم الطواف شرعا ، وجوبا فی الواجب وندبا فی الندب ، وهذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل الشیخ فی

وجوب رکعتا الطواف بعده

ص: 133


1- التذکرة 1 : 362.
2- القواعد 1 : 83.
3- التذکرة 1 : 362.

ولو نسیهما وجب علیه الرجوع. ولو شقّ قضاهما حیث ذکر.

______________________________________________________

الخلاف عن بعض أصحابنا استحبابهما فی الطواف الواجب (1) ، وهو ضعیف جدا.

لنا قوله عزّ وجلّ ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی ) (2) ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا فرغت من طوافک فائت مقام إبراهیم علیه السلام فصل رکعتین واجعله أماما ، واقرأ فی الأولی منهما سورة التوحید - قل هو الله أحد - وفی الثانیة قل یا أیها الکافرون ، ثم تشهد واحمد الله وأثن علیه وصل علی النبی صلی الله علیه و آله ، واسأله أن یتقبل منک ، وهاتان الرکعتان هما الفریضة لیس یکره أن تصلیهما فی أی الساعات شئت ، عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخرهما ، ساعة تطوف وتفرغ فصلهما » (3).

وفی الصحیح عن أحمد بن محمد بن أبی نصر قال : سأل رجل أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یطوف الأسباع جمیعا فیقرن فقال : « لا ، الأسبوع ورکعتان » (4).

قوله : ( ولو نسیهما وجب علیه الرجوع ، ولو شق قضاهما حیث ذکر ).

أما أنه یجب علی الناسی الرجوع إلی المقام وصلاتهما فیه مع انتفاء المشقة بذلک ، فیدل علیه مضافا إلی توقف الامتثال علیه صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سئل عن رجل طاف طواف

حکم من نسی رکعتا الطواف

ص: 134


1- الخلاف 1 : 448.
2- البقرة : 125.
3- التهذیب 5 : 104 - 339 ، الوسائل 9 : 391 أبواب الطواف ب 3 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 423 - 1.
4- التهذیب 5 : 116 - 376 ، الإستبصار 2 : 221 - 761 ، الوسائل 9 : 441 أبواب الطواف ب 36 ح 7.

______________________________________________________

الفریضة ولم یصلّ الرکعتین حتی طاف بین الصفا والمروة ، وطاف بعد ذلک طواف النساء ولم یصل أیضا لذلک الطواف حتی ذکر بالأبطح ، قال : « یرجع إلی مقام إبراهیم علیه السلام فیصلی فیه » (1) ویستفاد من ظاهر الروایة عدم وجوب إعادة السعی وطواف النساء.

وأما وجوب صلاتهما حیث أمکن إذا شق العود ، فیدل علیه روایات کثیرة ، منها صحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل نسی الرکعتین خلف مقام إبراهیم علیه السلام فلم یذکر حتی ارتحل من مکة ، قال : « فلیصلهما حیث ذکر ، وإن ذکرهما وهو بالبلد فلا یبرح حتی یقضیهما » (2).

وصحیحة هشام بن المثنی ، قال : نسیت رکعتی الطواف خلف مقام إبراهیم علیه السلام حتی انتهیت إلی منی ، فرجعت إلی مکة فصلیتهما ، فذکرنا ذلک لأبی عبد الله علیه السلام فقال : « أفلا صلاهما حیث ما ذکر » (3).

وشرط الشهید فی الدروس فی صلاتهما فی غیر المقام تعذر العود ، وأوجب العود إلی الحرم عند تعذر العود إلی المقام ، وجعل صلاتهما حیث شاء من البقاع إنما هو مع تعذر العود إلی الحرم (4). ولم نقف علی مستنده.

ونقل عن الشیخ فی المبسوط أنه أوجب الاستنابة فی صلاة الرکعتین إذا

ص: 135


1- الکافی 4 : 426 - 6 ، التهذیب 5 : 138 - 455 ، الإستبصار 2 : 234 - 810 ، الوسائل 9 : 482 أبواب الطواف ب 74 ح 5.
2- الکافی 4 : 425 - 2 ، الفقیه 2 : 253 - 1226 ، التهذیب 5 : 471 - 1653 ، الوسائل 9 : 485 أبواب الطواف ب 74 ح 18.
3- الکافی 4 : 426 - 4 ، التهذیب 5 : 139 - 460 ، الإستبصار 2 : 235 - 817 ، الوسائل 9 : 483 أبواب الطواف ب 74 ح 9 ، بتفاوت یسیر بینها.
4- الدروس : 113.

______________________________________________________

شق الرجوع (1) ، ورواه فی التهذیب عن عبد الله بن مسکان قال : حدثنی من سأله عن الرجل نسی رکعتی طواف الفریضة حتی یخرج فقال : « یوکل » (2) وهی ضعیفة بالقطع والإرسال ، وبأن من جملة رجالها محمد بن سنان ، وهو ضعیف. نعم روی ابن بابویه فی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن کان قد مضی قلیلا فلیرجع فلیصلهما أو یأمر بعض الناس فلیصلهما عنه » (3) ومقتضاها التخییر مع انتفاء المشقة بالعود بینه وبین الاستنابة. وکیف کان فالمعتمد ما أطلقه المصنف وأکثر الأصحاب.

وإطلاق النص والفتوی یقتضی أنه لا یعتبر فی صلاة الرکعتین وقوعهما فی أشهر الحج ، وقال الشارح ، إن الظاهر اعتبار ذلک (4). وهو أحوط.

ولا فرق فی هذه الأحکام بین رکعتی طواف الحج والنساء والعمرة.

ولم یذکر المصنف حکم غیر الناسی ، والظاهر إلحاق الجاهل به ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إن الجاهل فی ترک الرکعتین عند مقام إبراهیم علیه السلام بمنزلة الناسی » (5).

أما العامد فقال الشارح قدس سره : إن الأصحاب لم یتعرضوا لذکره ، والذی یقتضیه الأصل أنه یجب علیه العود مع الإمکان ، ومع التعذر یصلیهما حیث أمکن (6). ولا ریب أن مقتضی الأصل وجوب العود مع الإمکان ، وإنما الکلام فی الاکتفاء بصلاتهما حیث أمکن مع التعذر أو بقائهما فی الذمة إلی أن یحصل التمکن من الإتیان بهما فی محلهما. وکذا الإشکال فی صحة

ص: 136


1- حکاه عنه فی الدروس : 113.
2- التهذیب 5 : 140 - 463 ، الوسائل 9 : 484 أبواب الطواف ب 74 ح 14.
3- الفقیه 2 : 254 - 1227 ، الوسائل 9 : 482 أبواب الطواف ب 74 ح 1.
4- المسالک 1 : 121.
5- الفقیه 2 : 254 - 1230 ، الوسائل 9 : 482 أبواب الطواف ب 74 ح 3.
6- المسالک 1 : 121.

ولو مات قضاهما الولی.

______________________________________________________

الأفعال المتأخرة عنهما ، من صدق الإتیان بها ، ومن عدم وقوعها علی الوجه المأمور به.

قوله : ( ولو مات قضاهما عنه الولی ).

قد تقدم بیان الولی فی الصوم ، ویدل علی وجوب قضاء هاتین الرکعتین علیه صحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من نسی أن یصلی رکعتی طواف الفریضة حتی خرج من مکة فعلیه أن یقضی ، أو یقضی عنه ولیه ، أو رجل من المسلمین » (1) ومقتضی الروایة الاکتفاء بقضاء الولی أو غیره ( وأنه لا یعتبر فی فعل الغیر استئذان الولی کأداء الدین عن الحی والمیت ، فلا یبعد الاکتفاء بذلک فی مطلق الواجب ) (2).

قال الشارح قدس سره : ولو ترک معهما الطواف ففی وجوبهما حینئذ علیه ویستنیب فی الطواف ، أم یستنیب علیهما معا من ماله وجهان ، ولعل وجوبهما علیه مطلقا أقوی ، لعموم قضاء ما فاته من الصلوات الواجبة ، أما الطواف فلا یجب علیه قضاؤه عنه قطعا وإن کان بحکم الصلاة (3). هذا کلامه رحمه الله .

وما ذهب إلیه من وجوب قضاء الرکعتین مطلقا متجه ، أما قطعه بعدم وجوب قضاء الطواف فمنظور فیه ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل نسی طواف النساء حتی دخل إلی أهله ، قال : « لا تحل له النساء حتی یزور البیت ، وقال : یأمر من یقضی عنه إن لم یحج ، فإن توفی قبل أن یطاف عنه فلیقض عنه ولیه أو غیره » (4) وهذه الروایة وإن کانت مخصوصة بطواف النساء ولکن

حکم موت ناسی رکعتا الطواف

ص: 137


1- التهذیب 5 : 143 - 473 ، الوسائل 9 : 484 أبواب الطواف ب 74 ح 13.
2- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
3- المسالک 1 : 121.
4- التهذیب 5 : 128 - 422 ، الإستبصار 2 : 228 - 789 ، الوسائل 9 : 468 أبواب الطواف ب 58 ح 6.

مسائل ست :

الأولی : الزیادة علی السبع فی الطواف الواجب ، محظورة علی الأظهر. وفی النافلة مکروهة.

______________________________________________________

متی وجب قضاؤه وجب قضاء طواف العمرة والحج بطریق أولی.

قوله : ( الأولی ، الزیادة علی سبع فی الطواف الواجب محظورة علی الأظهر ، وفی النافلة مکروهة ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من تحریم الزیادة علی السبع فی الطواف الواجب هو المعروف من مذهب الأصحاب ، واستدلوا علیه بأن النبی صلی الله علیه و آله لم یفعله فلا یجوز فعله لقوله : « خذوا عنی مناسککم » (1) ، وبأنها فریضة ذات عدد فلا یجوز الزیادة علیها کالصلاة.

وبما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بالبیت ثمانیة أشواط ، قال : « یعید حتی یستتمه » (2).

وعن عبد الله بن محمد ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : « الطواف المفروض إذا زدت علیه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت علیها ، فإذا زدت علیها فعلیک الإعادة ، وکذلک السعی » (3).

وفی جمیع هذه الأدلة نظر :

أما الأول فلأن عدم فعل النبی صلی الله علیه و آله لما زاد علی السبع لا یقتضی تحریم فعله مطلقا ، ولا کونه مبطلا للطواف لخروجه عن الواجب ، غایة الأمر إن إیقاعه علی وجه العبادة یکون تشریعا.

أحکام واجبات الطواف

حکم الزیادة علی السبع فی الطواف

ص: 138


1- غوالی اللآلی 1 : 215 - 73 ، مسند أحمد 3 : 337 ، صحیح مسلم 2 : 943 - 310.
2- التهذیب 5 : 111 - 361 ، الإستبصار 2 : 217 - 746 ، الوسائل 9 : 436 أبواب الطواف ب 34 ح 1.
3- التهذیب 5 : 151 - 498 ، الإستبصار 2 : 217 - 747 ، الوسائل 9 : 438 أبواب الطواف ب 34 ح 11.

______________________________________________________

وأما الثانی فقیاس محض.

وأما الروایة الأولی فیتوجه علیها أولا الطعن فی السند باشتراک راویها بین الثقة والضعیف ، وثانیا إجمال المتن ، إذ یحتمل أن یکون المراد بالإعادة إتمام طواف آخر کما یشعر به قوله : « حتی یستتمه » وفی الکافی نقل الروایة بعینها إلا أن فیها موضع قوله « حتی یستتمه » « حتی یثبته » (1) وهو أوفق بالإعادة من قوله « حتی یستتمه » ومع ذلک فإنما تدل علی تحریم زیادة الشوط لا مطلق الزیادة.

وأما الروایة الثانیة فقاصرة من حیث السند باشتراک الراوی أیضا ، فلا تصلح لإثبات حکم مخالف للأصل.

وقد ظهر بذلک أنه لیس علی تحریم زیادة ما دون الشوط دلیل یعتد به ، ومع ذلک فإنما یتوجه التحریم إذا وقعت الزیادة بقصد الطواف ، أما لو تجاوز الحجر الأسود بنیة أن ما زاد علی الشوط لا یکون جزء من الطواف فلا محذور فیه ، ولو کانت الزیادة سهوا لم یبطل الطواف ، وسیأتی حکمه إن شاء الله تعالی.

هذا کله فی الطواف الواجب. أما المندوب فقد حکم المصنف وغیره بکراهة الزیادة فیه.

واعلم أن المصنف لم یذکر فی هذا الکتاب حکم القران بین الأسبوعین ، وقد جزم فی النافع بکراهیته فی النافلة ، وعزی تحریمه وبطلان الطواف به فی الفریضة إلی الشهرة (2) ونقل عن الشیخ - رحمه الله - أنه حکم بالتحریم خاصة فی الفریضة (3) ، وعن ابن إدریس أنه حکم بالکراهیة (4).

ص: 139


1- الکافی 4 : 417 - 5.
2- المختصر النافع : 93.
3- المبسوط 1 : 357 ، والنهایة : 238 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 231.
4- السرائر : 134.

الثانیة : الطهارة شرط فی الواجب دون الندب ، حتی أنه یجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة ، وإن کانت الطهارة أفضل.

______________________________________________________

والمستفاد من صحیحة زرارة کراهة القران فی الفریضة دون النافلة فإنه قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إنما یکره أن یجمع الرجل بین أسبوعین والطوافین فی الفریضة ، فأما النافلة فلا بأس به » (1).

ویؤیده ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة أیضا أنه قال : ربما طفت مع أبی جعفر علیه السلام وهو ممسک بیدی الطوافین والثلاثة ثم ینصرف ویصلی الرکعات ستا (2).

ویمکن أن یقال بالکراهة فی النافلة أیضا وحمل الروایتین المتقدمتین علی التقیة ، کما یدل علیه صحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر قال : سأل رجل أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یطوف الأسباع جمیعا فیقرن فقال : « لا ، الأسبوع ورکعتان » وإنما قرن أبو الحسن علیه السلام لأنه کان یطوف مع محمد بن إبراهیم لحال التقیة (3). ولا ریب أن اجتناب ذلک فی الفریضة والنافلة أولی وأحوط.

قوله : ( الثانیة ، الطهارة شرط فی الواجب دون الندب ، حتی أنه یجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة ، وإن کانت الطهارة أفضل ).

قد تقدم الکلام فی ذلک وأن الأصح ما اختاره المصنف من عدم توقف الطواف المندوب علی الطهارة ، أما صلاة الطواف فیستوی واجبها ومندوبها فی اشتراط الطهارة إجماعا.

حکم الشک فی الطهارة

ص: 140


1- الکافی 4 : 418 - 1 ، الفقیه 2 : 251 - 1207 ، التهذیب 5 : 115 - 372 ، الإستبصار 2 : 220 - 757 ، الوسائل 9 : 440 أبواب الطواف ب 36 ح 1.
2- الفقیه 2 : 251 - 1208 ، الوسائل 9 : 440 أبواب الطواف ب 36 ح 2.
3- التهذیب 5 : 116 - 376 ، الإستبصار 2 : 221 - 761 ، الوسائل 9 : 441 أبواب الطواف ب 36 ح 7.

الثالثة : یجب أن یصلی رکعتی الطواف فی المقام حیث هو الآن ، ولا یجوز فی غیره. فإن منعه زحام صلی وراءه أو إلی أحد جانبیه.

______________________________________________________

فرع :

قال فی التذکرة : لو شک فی الطهارة فإن کان فی أثناء الطواف تطهر واستأنف ، لأنه شک فی العبادة قبل فراغها فیعید کالصلاة ، ولو شک بعد الفراغ لم یستأنف (1). هذا کلامه رحمه الله ، وهو غیر جید ، ولا مطابق للأصول المقررة.

والحق أن الشک فی الطهارة إن کان بعد یقین الحدث وجب علیه الإعادة مطلقا ، للحکم بکونه محدثا شرعا ، وإن کان الشک فی الطهارة بمعنی الشک فی بقائها للشک فی وقوع الحدث بعد یقین الطهارة لم یجب علیه الإعادة کذلک ، لکونه متطهرا شرعا.

قوله : ( الثالثة ، یجب أن یصلی رکعتی الطواف فی المقام حیث هو الآن ، ولا یجوز فی غیره ، فإن منعه زحام صلی وراءه أو إلی أحد جانبیه ).

مقتضی العبارة أن رکعتی الطواف یتعین إیقاعهما فی نفس المقام وأنه لا یجوز إیقاعهما وراءه أو إلی أحد جانبیه إلا مع الزحام ، وهو غیر جید ، أما إن جعلنا المقام نفس العمود الصخر فواضح ، وأما إن أرید به مجموع البناء الذی حوله فلأنه لا یتعین وقوع الصلاة فیه قطعا ، بل یشکل جواز إیقاعها فیه ، لأن مقتضی الروایات وجوب الصلاة خلفه أو عنده.

وذکر الشارح أنه یمکن أن یتکلف فی تسدید العبارة بحمل الوراء والجانبین علی ما بعد عن الوراء والجانبین المحیطین بالمقام ، بأن یجعل المقام کنایة عن البناء وما قاربه من الخلف والجانبین (2). وهو بعید جدا ، وکیف کان فالعبارة قاصرة عن تأدیة المقصود.

محل صلاة الطواف

ص: 141


1- التذکرة 1 : 364.
2- المسالک 1 : 121.

______________________________________________________

وینبغی القطع بجواز الصلاة خلف المقام الذی هو البناء المخصوص بحیث لا یتباعد عنه عرفا اختیارا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « إذا فرغت من طوافک فائت مقام إبراهیم فصل رکعتین واجعله أماما » (1) وفی مرسلة صفوان : « لیس لأحد أن یصلی رکعتی طواف الفریضة إلا خلف المقام ، لقول الله عزّ وجلّ ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی ) (2) فإن صلیتهما فی غیره فعلیک إعادة الصلاة » (3).

ویدل علیه أیضا صحیحة إبراهیم بن أبی محمود قال ، قلت للرضا علیه السلام : أصلی رکعتی طواف الفریضة خلف المقام حیث هو الساعة ، أو حیث کان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ؟ قال : « حیث هو الساعة » (4).

وأما الصلاة إلی أحد جانبیه فلم أقف علی روایة تدل علیه بهذا العنوان ، نعم ورد فی عدة أخبار الصلاة عند المقام وفیها ما هو صحیح السند ، وفی حسنة الحسین بن عثمان قال : رأیت أبا الحسن موسی علیه السلام یصلی رکعتی طواف الفریضة بحیال المقام قریبا من ظلال المسجد (5). ولا بأس بالعمل بمضمون هذه الروایات ، إلا أن الأولی والأحوط الصلاة خلف المقام ، لاستفاضة الأخبار الواردة بذلک وصراحتها فی المطلوب ، ولقول الصادق علیه السلام فی مرسلة صفوان بن یحیی : « لیس لأحد أن یصلی رکعتی طواف الفریضة إلا خلف المقام » (6).

ص: 142


1- الکافی 4 : 423 - 1 ، التهذیب 5 : 104 - 339 ، الوسائل 9 : 391 أبواب الطواف ب 3 ح 1.
2- البقرة : 125.
3- التهذیب 5 : 137 - 451 ، الوسائل 9 : 480 أبواب الطواف ب 72 ح 1.
4- الکافی 4 : 423 - 4 ، التهذیب 5 : 137 - 453 ، الوسائل 9 : 478 أبواب الطواف ب 71 ح 1.
5- الکافی 4 : 423 - 2 ، الوسائل 9 : 486 أبواب الطواف ب 75 ح 2.
6- التهذیب 5 : 137 - 451 ، الوسائل 9 : 480 أبواب الطواف ب 72 ح 1.

______________________________________________________

وهذا الحکم - أعنی وجوب صلاة رکعتی طواف الفریضة خلف المقام أو إلی أحد جانبیه بحیث لا یتباعد عنه عرفا مع الاختیار - قول معظم الأصحاب. وقال الشیخ فی الخلاف : یستحب فعلهما خلف المقام ، فإن لم یفعل وفعل فی غیره أجزأ (1). ونقل عن أبی الصلاح أنه جعل محلهما المسجد الحرام مطلقا (2) ، ووافقه ابنا بابویه فی رکعتی طواف النساء خاصة (3) ، وهما مدفوعان بالأخبار المستفیضة المتضمنة لوجوب إیقاعهما خلف المقام أو عنده السلیمة من المعارض.

هذا کله مع الاختیار أما مع الاضطرار فیجوز التباعد عنه مع مراعاة الوراء أو أحد الجانبین مع الإمکان ، ولو تعذر ذلک کله وخیف فوت الوقت فقد قطع جمع من الأصحاب بسقوط اعتبار ذلک وجواز فعلها فی أی موضع شاء من المسجد ، ولا بأس به.

وهذا الحکم مختص بصلاة طواف الفریضة ، أما النافلة فیجوز فعلها حیث شاء من المسجد ، للأصل ، واختصاص الروایات المتضمنة للصلاة خلف المقام بطواف الفریضة ، ولما رواه الشیخ ، عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « لا ینبغی أن یصلی رکعتی طواف الفریضة إلا عند مقام إبراهیم علیه السلام ، فأما التطوع فحیث شئت من المسجد » (4).

فائدة

روی ابن بابویه - رضی الله عنه - فی کتاب علل الشرائع والأحکام فی الموثق ، عن سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لما أوحی الله عزّ وجلّ إلی إبراهیم علیه السلام أن أذّن فی الناس بالحج أخذ الحجر الذی فیه أثر قدمیه ثم قام علیه فنادی بأعلی صوته بما أمره الله عزّ وجلّ

ص: 143


1- الخلاف 1 : 449.
2- الکافی فی الفقه : 158.
3- الصدوق فی الهدایة : 64 ، ونقله عن والده فی المختلف : 291.
4- التهذیب 5 : 137 - 452 ، الوسائل 9 : 481 أبواب الطواف ب 73 ح 1.

الرابعة : من طاف فی ثوب نجس مع العلم لم یصح طوافه. وإن لم یعلم ثم علم فی أثناء طوافه أزاله وتمّم. ولو لم یعلم حتی فرغ کان طوافه ماضیا.

______________________________________________________

به ، فلما تکلم بالکلام لم یحتمله الحجر فغرقت رجلاه فیه ، فقلع إبراهیم علیه السلام رجلیه من الحجر قلعا ، فلما کثر الناس وصاروا إلی الشر والبلاء ازدحموا علیه فرأوا أن یضعوه فی هذا الموضع الذی هو فیه لیخلو الطواف لمن یطوف بالبیت ، فلما بعث الله عزّ وجلّ محمدا صلی الله علیه و آله رده إلی الموضع الذی وضعه فیه إبراهیم علیه السلام ، فما زال فیه حتی قبض رسول الله صلی الله علیه و آله ، وفی زمن أبی بکر وأول ولایة عمر ، ثم قال عمر : قد ازدحم الناس علی هذا المقام ، فأیکم یعرف موضعه فی الجاهلیة؟ فقال له رجل : أنا أخذت قدره بقدّة ، قال : والقدّة عندک؟ قال : نعم ، قال : فائت به ، فجاء به فأمر بالمقام فحمل ورد إلی الموضع الذی هو فیه الساعة » (1).

قوله : ( الرابعة : من طاف فی ثوب نجس مع العلم لم یصح طوافه ، وإن لم یعلم ثم علم فی أثناء الطواف أزاله وتمّم ، ولو لم یعلم حتی فرغ کان طوافه ماضیا ).

تضمنت العبارة مسائل ثلاث :

الأولی : أن من طاف وعلی ثوبه أو بدنه نجاسة لم یعف عنها مع العلم بها یبطل طوافه ، وهو موضع وفاق من القائلین باعتبار طهارة الثوب والجسد ، للنهی المقتضی للفساد فی العبادة.

الثانیة : أنّ من لم یعلم بالنجاسة حتی فرغ من طوافه کان طوافه صحیحا ، وهو مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، لتحقق الامتثال بفعل المأمور به وارتفاع النهی مع الجهل فینتفی الفساد. ولا ینافی ذلک وجوب إعادة الجاهل فی الصلاة إذا علم فی الوقت بدلیل من خارج ، مع أنا قد بینا

حکم الطواف فی الثوب النجس

ص: 144


1- علل الشرائع : 423.

______________________________________________________

هناک أن الأصح عدم الإعادة مطلقا. وبذلک یندفع ما قیل من أن هذا الحکم إنما یتم إذا لم نوجب علی المصلی مع جهله بالنجاسة الإعادة فی الوقت وإلا فینبغی وجوب الإعادة هنا مطلقا ، سواء ذکر فی الأثناء أو بعد الفراغ. والأظهر إلحاق ناسی النجاسة بالجاهل ، کما اختاره فی المنتهی (1) ، بل ویمکن إلحاق جاهل الحکم به أیضا ، لارتفاع النهی المقتضی للفساد فی الجمیع.

الثالثة : أن من لم یعلم بالنجاسة ثم علم فی أثناء الطواف وجب علیه إزالة النجاسة وإتمام الطواف ، وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین أن تتوقف الإزالة علی فعل یستدعی قطع الطواف وعدمه ، ولا بین أن یقطع العلم بعد إکمال أربعة أشواط أو قبل ذلک. والوجه فیه تحقق الامتثال بالفعل المتقدم وأصالة عدم وجوب الإعادة ، ویؤیده ما رواه ابن بابویه فی الموثق ، عن یونس بن یعقوب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل یری فی ثوبه الدم وهو فی الطواف قال : « ینظر الموضع الذی رأی فیه الدم فیعرفه ثم یخرج فیغسله ثم یعود فیتم طوافه » (2).

وفی الصحیح عن حماد بن عثمان ، عن حبیب بن مظاهر ، قال : ابتدأت فی طواف الفریضة فطفت شوطا فإذا إنسان قد أصاب أنفی فأدماه ، فخرجت فغسلته ثم جئت فابتدأت الطواف ، فذکرت ذلک لأبی عبد الله علیه السلام فقال : « بئس ما صنعت ، کان ینبغی لک أن تبنی علی ما طفت ، أما أنه لیس علیک شی ء » (3).

وجزم الشهیدان بوجوب الاستئناف إن توقفت الإزالة علی فعل یستدعی

ص: 145


1- المنتهی 2 : 697 ، 701.
2- الفقیه 2 : 246 - 1183 ، الوسائل 9 : 462 أبواب الطواف ب 52 ح 1 ، وفیهما بتفاوت یسیر.
3- الفقیه 2 : 247 - 1188 ، الوسائل 9 : 447 أبواب الطواف ب 41 ح 2.

الخامسة : یجوز أن یصلی رکعتی طواف الفریضة ولو فی الأوقات التی تکره لابتداء النوافل.

______________________________________________________

قطع الطواف ولما یکمل أربعة أشواط ، نظرا إلی ثبوت ذلک مع الحدث فی أثناء الطواف ، والحکم فی المسألتین واحد (1). وهو مع تسلیم الحکم فی الأصل لا یخرج عن القیاس ، ولو قیل بوجوب الاستئناف مطلقا مع الإخلال بالموالاة الواجبة بدلیل التأسی وغیره أمکن ، لقصور الروایتین المتضمنتین للبناء من حیث السند. والاحتیاط یقتضی البناء والإکمال ثم الاستئناف مطلقا.

قوله : ( الخامسة ، یجوز أن یصلی رکعتی طواف الفریضة ولو فی الأوقات التی تکره لابتداء النوافل ).

المراد أنه یجوز للطائف أن یصلی رکعتی طواف الفریضة من غیر کراهة فی کل وقت ، حتی فی الأوقات الخمسة التی یکره فیها ابتداء النوافل ، ویدل علی ذلک مضافا إلی الأصل روایات کثیرة منها :

صحیحة معاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام أنه قال فی رکعتی الطواف : « وهاتان الرکعتان هما الفریضة ، لیس یکره أن تصلیهما فی أی الساعات شئت ، عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلیهما » (2).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « أربع صلوات یصلیها الرجل فی کل ساعة ، صلاة فاتتک فمتی ما ذکرتها أدیتها ، وصلاة رکعتی طواف الفریضة ، وصلاة الکسوف ، والصلاة علی المیت » (3).

وقت رکعتا الطواف

ص: 146


1- الشهید الأول فی الدروس : 116 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 122.
2- الکافی 4 : 423 - 1 ، التهذیب 5 : 136 - 450 ، الوسائل 9 : 487 أبواب الطواف ب 76 ح 3.
3- الکافی 3 : 288 - 3 ، الفقیه 1 : 278 - 1265 ، الخصال : 247 - 107 ، الوسائل 3 : 174 أبواب المواقیت ب 39 ح 1.

______________________________________________________

وحسنة رفاعة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یطوف الطواف الواجب بعد العصر ، أیصلی الرکعتین حین یفرغ من طوافه؟ فقال : « نعم ، ما بلغک قول رسول الله صلی الله علیه و آله : یا بنی عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف » (1).

وقد ورد فی بعض الروایات کراهة ذلک عند اصفرار الشمس وعند طلوعها ، کصحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رکعتی طواف الفریضة فقال : « وقتهما إذا فرغت من طوافک ، وأکرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها » (2).

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح أیضا قال : سئل أحدهما علیهماالسلام عن الرجل یدخل مکة بعد الغداة أو بعد العصر ، قال : « یطوف ویصلی الرکعتین ما لم یکن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها » (3).

وأجاب الشیخ عن هاتین الروایتین بالحمل علی التقیة ، لأن ذلک موافق للعامة ، واحتمل حمل الروایة الثانیة علی طواف النافلة أیضا (4). وهو حسن ، ولو قیل بمضمونها أمکن ، وتحمل الکراهة المنفیة فی صحیحتی معاویة بن عمار وزرارة علی الکراهة المؤکدة.

واحترز المصنف - رحمه الله - بقوله : یجوز أن یصلی رکعتی طواف الفریضة ، عن رکعتی طواف النافلة ، فإنه یکره فعلهما بعد الغداة وبعد

ص: 147


1- الکافی 4 : 424 - 7 ، الوسائل 9 : 487 أبواب الطواف ب 76 ح 2.
2- التهذیب 5 : 141 - 467 ، الإستبصار 2 : 236 - 822 ، الوسائل 9 : 488 أبواب الطواف ب 76 ح 7.
3- التهذیب 5 : 141 - 468 ، الإستبصار 2 : 237 - 823 ، الوسائل 9 : 488 أبواب الطواف ب 76 ح 8.
4- الإستبصار 2 : 237.

السادسة : من نقص من طوافه ، فإن جاوز النصف رجع فأتم. ولو عاد إلی أهله أمر من یطوف عنه. وإن کان دون ذلک استأنف.

______________________________________________________

العصر علی ما نص علیه الشیخ (1) وغیره (2) ، واستدل علیه فی الإستبصار بما رواه فی الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع قال : سألت الرضا علیه السلام عن صلاة طواف التطوع بعد العصر فقال : « لا » فذکرت له قول بعض آبائه أن الناس لم یأخذوا عن الحسن والحسین إلا الصلاة بعد العصر بمکة فقال : « نعم ولکن إذا رأیت الناس یقبلون علی شی ء فاجتنبه » فقلت : إن هؤلاء یفعلون ، قال : « لستم مثلهم » (3).

ثم قال رحمه الله : فأما ما رواه أحمد بن محمد بن عیسی ، عن الحسن بن علی بن یقطین ، عن أخیه الحسین ، عن علی بن یقطین قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الذی یطوف بعد الغداة وبعد العصر وهو فی وقت الصلاة ، أیصلی رکعات الطواف نافلة کانت أو فریضة؟ قال : « لا » (4) فالوجه فی هذا الخبر ما تضمنه من أنه کان وقت صلاة فریضة فلم یجز له أن یصلی رکعتی الطواف إلا بعد أن یفرغ من الفریضة الحاضرة.

قوله : ( السادسة ، من نقص من طوافه ، فإن جاوز النصف رجع فأتم ، ولو عاد إلی أهله أمر من یطوف عنه ، وإن کان دون ذلک استأنف ).

هذا التفصیل مشهور بین الأصحاب ، ولم أقف علی روایة تدل علیه. وقال الشیخ فی التهذیب : ومن طاف بالبیت ستة أشواط وانصرف فلیضف إلیه شوطا آخر ولا شی ء علیه ، وإن لم یذکر حتی یرجع إلی أهله أمر من یطوف

حکم من نقص من الطواف

ص: 148


1- التهذیب 5 : 141 ، والاستبصار 2 : 237.
2- کالعلامة فی المنتهی 2 : 692.
3- الإستبصار 2 : 237 - 825 ، الوسائل 9 : 488 أبواب الطواف ب 76 ح 10.
4- التهذیب 5 : 142 - 471 ، الإستبصار 2 : 237 - 826 ، الوسائل 9 : 489 أبواب الطواف ب 76 ح 11.

______________________________________________________

عنه (1). ومقتضاه البناء مع الإخلال بالشوط الواحد ، وربما أشعر التخصیص بالذکر علی أن حکم ما زاد علی الشوط خلاف ذلک ، وظاهره کون النقص وقع علی سبیل النسیان ، کما هو ظاهر عبارة المصنف أیضا ، وقد صرح بهذا القید العلامة فی جملة من کتبه (2) ، والمعتمد البناء إن کان المنقوص شوطا واحدا وکان النقص علی وجه الجهل أو النسیان ، والاستئناف مطلقا فی غیره.

لنا علی البناء فی الأول وجواز الاستنابة مع تعذر العود ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحسن بن عطیة ، قال : سأله سلیمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبیت ستة أشواط ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « کیف طاف ستة أشواط؟ » قال : استقبل الحجر فقال الله أکبر وعقد واحدا ، فقال أبو عبد الله علیه السلام : « یطوف شوطا » فقال سلیمان : فإنه فاته ذلک حتی أتی أهله ، قال : « یأمر من یطوف عنه » (3).

ویستفاد من هذه الروایة جواز الاستنابة هنا مطلقا مع الخروج من مکة ، کما أطلقه المصنف وصرح به الشهیدان (4) ، وهو حسن.

وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : رجل طاف بالبیت فاختصر شوطا واحدا فی الحجر ، قال : « یعید ذلک الشوط » (5).

ولنا علی الاستئناف فی الثانی فوات الموالاة المعتبرة بدلیل التأسی والأخبار الکثیرة ، کصحیحة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال :

ص: 149


1- التهذیب 5 : 109.
2- المنتهی 2 : 700 ، والقواعد 1 : 83.
3- التهذیب 5 : 109 - 354 ، الوسائل 9 : 432 أبواب الطواف ب 32 ح 1.
4- الشهید الأول فی الدروس : 116 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 122.
5- التهذیب 5 : 109 - 353 ، الوسائل 9 : 431 أبواب الطواف ب 31 ح 1 ، ورواها فی الفقیه 2 : 249 - 1197 بتفاوت.

وکذا من قطع طواف الفریضة لدخول البیت أو بالسعی فی حاجة.

______________________________________________________

سألته عن رجل طاف بالبیت ثلاثة أشواط ثم وجد من البیت خلوة فدخله ، کیف یصنع؟ قال : « یعید طوافه وخالف السنة » (1).

وصحیحة حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی من کان یطوف بالبیت فعرض له دخول الکعبة فدخلها ، قال : « یستقبل طوافه » (2).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا طاف الرجل بالبیت أشواطا ثم اشتکی أعاد الطواف » یعنی الفریضة (3).

ولا یخفی أن النقص المقتضی لوجوب الاستیناف إنما یتحقق مع فوات الموالاة ، وإلا وجب الإتمام قولا واحدا.

وذکر الشارح (4) وغیره (5) أن المراد بمجاوزة النصف إتمام الأربع لا مطلق المجاوزة. وما وقفت علیه فی هذه المسألة من النص خال من هذا اللفظ فضلا عن تفسیره.

قوله : ( وکذا من قطع طواف الفریضة لدخول البیت أو للسعی فی حاجة ).

أی : یجب علیه البناء مع مجاوزة النصف والاستئناف قبله ، والکلام فی هذه المسألة کالسابقة من انتفاء ما یدل علی الفرق بین إکمال النصف وعدمه ، والمتجه الاستئناف مطلقا إن کان القطع لدخول البیت ، لصحیحة حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی من کان یطوف بالبیت فعرض له

حکم قطع الطواف لدخول البیت أو غیره

ص: 150


1- التهذیب 5 : 118 - 386 ، الإستبصار 2 : 223 - 768 ، الوسائل 9 : 447 أبواب الطواف ب 41 ح 3.
2- الفقیه 2 : 247 - 1187 ، الوسائل 9 : 447 أبواب الطواف ب 41 ح 1.
3- الکافی 4 : 414 - 4 ، الوسائل 9 : 453 أبواب الطواف ب 45 ح 1.
4- المسالک 1 : 122.
5- حکاه عن حاشیة الکرکی فی الجواهر 19 : 326.

______________________________________________________

دخول الکعبة فدخلها ، قال : « یستقبل طوافه » (1).

أما القطع لقضاء الحاجة فقد اختلفت الروایات فیه ، فروی الکلینی فی الحسن ، عن أبان بن تغلب ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل طاف شوطا أو شوطین ثم خرج مع رجل فی حاجة ، فقال : « إن کان طواف نافلة بنی علیه ، وإن کان طواف فریضة لم یبن علیه » (2).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن صفوان الجمال قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یأتی أخاه وهو فی الطواف فقال : « یخرج معه فی حاجته ثم یرجع فیبنی علی طوافه » (3).

قال ابن بابویه رحمه الله : وفی نوادر ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : فی الرجل یطوف فتعرض له الحاجة ، قال : « لا بأس أن یذهب فی حاجته أو حاجة غیره ویقطع الطواف ، وإذا أراد أن یستریح فی طوافه ویقعد فلا بأس به ، فإذا رجع بنی علی طوافه وإن کان أقل من النصف » (4).

والجمع بین الروایات یتحقق إما بحمل هاتین الروایتین علی طواف النافلة ، أو تخصیص الروایة الأولی بالطواف الواجب إذا کان قد طاف منه شوطین (5) خاصة.

وروی الشیخ ، عن أبان بن تغلب ، أنه قال لأبی عبد الله علیه السلام وهما فی الطواف : رجل من موالیک یسألنی أن أذهب معه فی حاجة ، فقال : ( یا أبان اقطع طوافک وانطلق معه فی حاجته فاقضها له » فقلت : إنی لم أتم

ص: 151


1- الفقیه 2 : 247 - 1187 ، الوسائل 9 : 447 أبواب الطواف ب 41 ح 1.
2- الکافی 4 : 413 - 1 ، الوسائل 9 : 448 أبواب الطواف ب 41 ح 5.
3- الفقیه 2 : 248 - 1189 ، الوسائل 9 : 450 أبواب الطواف ب 42 ح 1.
4- الفقیه 2 : 247 - 1185 ، الوسائل 9 : 449 أبواب الطواف ب 41 ح 8.
5- فی « ح » : شوطا.

______________________________________________________

طوافی فقال : « أحص ما طفت وانطلق معه فی حاجته » فقلت : وإن کان فریضة؟ قال : « نعم وإن کان فریضة » قال : « یا أبان وهل تدری ما ثواب من طاف بهذا البیت أسبوعا؟ » قال : « لا والله ، ما أدری ، قال : « یکتب له ستة آلاف حسنة ، ویمحی عنه ستة آلاف سیئة ، ویرفع له ستة آلاف درجة » قال وروی إسحاق بن عمار : « ویقضی له ستة آلاف حاجة ، ولقضاء حاجة مؤمن خیر من طواف وطواف حتی عد عشرة أسابیع » فقلت له : جعلت فداک أفریضة أم نافلة؟ فقال : « یا أبان إنما یسأل الله العباد عن الفرائض لا عن النوافل » (1).

وهذه الروایة صریحة فی جواز قطع طواف الفریضة لقضاء الحاجة والبناء علیه مطلقا ، لکن فی طریقها محمد بن سعید بن غزوان وهو غیر موثق ، فلا تصلح لمعارضة روایة أبان المتقدمة المتضمنة لعدم البناء فی طواف الفریضة (2) ، فإنّ دخولها فی قسم الحسن بواسطة إبراهیم بن هاشم ، وقد عرفت أن روایته لا تقصر عن الصحیح کما بیناه مرارا. ولعل الاستئناف فی طواف الفریضة مطلقا أحوط.

ولم یذکر المصنف هنا قطع الطواف لصلاة الفریضة ، وقد صرح فی النافع بجواز القطع لذلک والبناء وإن لم یبلغ النصف (3) ، وربما ظهر من کلام العلامة فی المنتهی دعوی الإجماع علی ذلک ، فإنه قال : ولو دخل علیه وقت فریضة وهو یطوف قطع الطواف وابتدأ بالفریضة ثم عاد فتمم طوافه من حیث قطع ، وهو قول العلماء إلا مالکا ، فإنه قال یمضی فی طوافه إلا أن یخاف أن یضر بوقت الصلاة (4). وإطلاق کلامه یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین بلوغ النصف وعدمه ، فما ذکره الشهید فی الدروس من نسبة هذا القول

ص: 152


1- التهذیب 5 : 120 - 392 ، 393 ، الوسائل 9 : 448 أبواب الطواف ب 41 ح 7.
2- فی ص 151.
3- المختصر النافع : 93.
4- المنتهی 2 : 698.

______________________________________________________

إلی الندرة (1) عجیب.

وقد ورد بجواز القطع والبناء فی هذه الصورة روایات ، منها صحیحة عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل کان فی طواف النساء فأقیمت الصلاة ، قال : « یصلی معهم الفریضة ، فإذا فرغ بنی من حیث قطع » (2).

وحسنة هشام ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه قال فی رجل کان فی طواف فریضة فأدرکته فریضة ، قال : « یقطع طوافه ویصلی الفریضة ، ثم یعود فیتم ما بقی علیه من طوافه » (3).

وألحق الشیخ (4) والمصنف فی النافع (5) والعلامة فی جملة من کتبه (6) بصلاة الفریضة صلاة الوتر إذا خاف فوت وقتها ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون فی الطواف وقد طاف بعضه وبقی علیه بعضه ، فیطلع علیه الفجر ، فیخرج من الطواف إلی الحجر أو إلی بعض المساجد إذا کان لم یوتر ، فیوتر ثم یرجع فیتم طوافه ، أفتری ذلک أفضل أو یتم الطواف ثم یوتر وإن أسفر بعض الإسفار؟ قال : « ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلک ثم أتم الطواف بعد » (7).

ص: 153


1- الدروس : 113.
2- الکافی 4 : 415 - 3 ، الفقیه 2 : 247 - 1184 ، التهذیب 5 : 121 - 396 ، الوسائل 9 : 451 أبواب الطواف ب 43 ح 2.
3- الکافی 4 : 415 - 1 ، التهذیب 5 : 121 - 395 ، الوسائل 9 : 451 أبواب الطواف ب 43 ح 1.
4- المبسوط 1 : 358.
5- المختصر النافع : 93.
6- المنتهی 2 : 698 ، والتذکرة 1 : 364 ، والتحریر 1 : 99.
7- التهذیب 5 : 122 - 397 ، الوسائل 9 : 452 أبواب الطواف ب 44 ح 1.

وکذا لو مرض فی أثناء طوافه.

______________________________________________________

وحیث قلنا بالبناء مع القطع فی موضع الجواز ، یجب أن یحفظ موضع القطع لیکمل منه بعد العود ، حذرا من الزیادة والنقصان ، ولو شک أخذ بالاحتیاط ، واحتمل الشارح - قدس سره - البطلان والحال هذه (1) ، وهو بعید.

وجوز العلامة فی المنتهی البناء علی الطواف السابق من الحجر وإن وقع القطع فی أثناء الشوط ، بل جعل ذلک أحوط من البناء من موضع القطع (2). وهو صریح فی عدم تأثیر مثل هذه الزیادة ، ولا بأس به.

قوله : ( وکذا لو مرض فی أثناء طوافه ).

أی : یجب علیه البناء إذا وقع ذلک بعد مجاوزة النصف - وهو بلوغ الأربع - والاستئناف قبله ، وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن رجل طاف بالبیت بعض طوافه طواف الفریضة ، ثم اعتل علة لا یقدر معها علی تمام طوافه ، قال : « إذا طاف أربعة أشواط أمر من یطوف عنه ثلاثة أشواط وقد تم طوافه ، وإن کان طاف ثلاثة أشواط وکان لا یقدر علی التمام فإن هذا مما غلب الله علیه ، ولا بأس أن یؤخره یوما أو یومین ، فإن کانت العافیة وقدر علی الطواف طاف أسبوعا ، فإن طالت علته أمر من یطوف عنه أسبوعا ویصلی عنه وقد خرج من إحرامه ، وفی رمی الجمار مثل ذلک » (3).

ویتوجه علی هذه الروایة أولا الطعن فیها من حیث السند ، بأن من جملة رجالها اللؤلؤی ، ونقل الشیخ عن ابن بابویه أنه ضعفه (4) ، وبأن راویها

حکم من مرض أثناء الطواف

ص: 154


1- المسالک 1 : 122.
2- المنتهی 2 : 698.
3- التهذیب 5 : 124 - 407 ، الإستبصار 2 : 226 - 783 ، الوسائل 9 : 453 أبواب الطواف ب 45 ح 2.
4- رجال الطوسی : 469 - 45.

ولو استمر مرضه بحیث لا یمکن أن یطاف به طیف عنه.

______________________________________________________

وهو إسحاق بن عمار قیل إنه فطحی (1).

وثانیا أنها معارضة بما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا طاف الرجل بالبیت أشواطا ثم اشتکی أعاد الطواف » یعنی الفریضة (2).

والمسألة محل تردد ، ولعل الاستئناف مطلقا أولی.

قوله : ( ولو استمر مرضه بحیث لا یمکن أن یطاف به طیف عنه ).

هذا مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، أما وجوب الطواف به مع الإمکان فیدل علیه روایات ، منها : صحیحة صفوان بن یحیی ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل المریض یقدم مکة فلا یستطیع أن یطوف بالبیت ولا یأتی بین الصفا والمروة ، قال : « یطاف به محمولا یخط الأرض برجلیه حتی تمس الأرض قدمیه فی الطواف ، ثم یوقف به فی أصل الصفا والمروة إذا کان معتلا » (3).

وصحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یطاف به ویرمی عنه قال ، فقال : « نعم ، إذا کان لا یستطیع » (4).

وموثقة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن المریض یطاف عنه بالکعبة ، قال : « لا ، ولکن یطاف به » (5).

ص: 155


1- الفهرست : 15.
2- الکافی 4 : 414 - 4 ، الوسائل 9 : 453 أبواب الطواف ب 45 ح 1.
3- التهذیب 5 : 123 - 401 ، الإستبصار 2 : 225 - 777 ، الوسائل 9 : 455 أبواب الطواف ب 47 ح 2.
4- التهذیب 5 : 123 - 402 ، الإستبصار 2 : 225 - 778 ، الوسائل 9 : 455 أبواب الطواف ب 47 ح 3.
5- التهذیب 5 : 123 - 399 ، الإستبصار 2 : 225 - 775 ، الوسائل 9 : 456 أبواب الطواف ب 47 ح 7.

وکذا لو أحدث فی طواف الفریضة.

______________________________________________________

وأما الاکتفاء بالطواف عنه إذا لم یمکن الطواف به ، إما لکونه لا یستمسک طهارته أو لغیر ذلک ، فیدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « المبطون والکسیر یطاف عنهما ویرمی عنهما » (1) وفی الصحیح عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المریض المغلوب والمغمی علیه یرمی عنه ویطاف عنه » (2).

وفی الصحیح عن حبیب الخثعمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أمر رسول الله صلی الله علیه و آله أن یطاف عن المبطون والکسیر » (3).

وقد ورد فی بعض الروایات الطواف بالکسیر (4) ، وهو محمول علی من یستمسک طهارته ولا یشق علیه ذلک ، وبذلک یندفع التنافی بین الأخبار.

قوله : ( وکذا لو أحدث فی طواف الفریضة ).

المراد أن من أحدث فی طواف الفریضة یتوضأ ویتم ما بقی إن کان حدثه بعد إکمال النصف ، وإن کان قبله أعاد الطواف من أوله ، وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن جمیل ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی الرجل یحدث فی طواف الفریضة وقد طاف بعضه ، قال : « یخرج ویتوضأ ، فإن کان قد جاز النصف بنی علی طوافه ، وإن کان أقل من النصف أعاد الطواف » (5)

حکم المحدث فی الطواف

ص: 156


1- التهذیب 5 : 124 - 404 ، الوسائل 9 : 458 أبواب الطواف ب 49 ح 3.
2- التهذیب 5 : 123 - 403 ، الإستبصار 2 : 225 - 776 ، الوسائل 9 : 458 أبواب الطواف ب 49 ح 1.
3- التهذیب 5 : 124 - 405 ، الإستبصار 2 : 226 - 781 ، الوسائل 9 : 459 أبواب الطواف ب 49 ح 5.
4- الوسائل 9 : 458 أبواب الطواف ب 49 ح 7.
5- التهذیب 5 : 118 - 384 ، الوسائل 9 : 446 أبواب الطواف ب 40 ح 1.

ولو دخل فی السعی فذکر أنه لم یتمّ طوافه رجع فأتم طوافه إن کان تجاوز النصف ، ثم تمّم السعی.

______________________________________________________

وهذه الروایة قاصرة من حیث السند بالإرسال وغیره ، لکن ظاهر المنتهی أن هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب (1) ، ولعله الحجة.

قوله : ( ولو دخل فی السعی فذکر أنه لم یتم طوافه رجع فأتم طوافه إن کان تجاوز النصف ثم تمم السعی ).

ما اختاره المصنف من الفرق بین تجاوز النصف وعدمه أحد القولین فی المسألة ، ولم أقف علی مستنده ، وأطلق الشیخ فی التهذیب (2) والمصنف فی النافع (3) والعلامة فی جملة من کتبه (4) الرجوع وإتمام الطواف من غیر فرق بین تجاوز النصف وعدمه ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه فی الموثق ، عن إسحاق بن عمار قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل طاف بالبیت ثم خرج إلی الصفا فطاف بین الصفا والمروة ، فبینما هو یطوف إذ ذکر أنه ترک بعض طوافه بالبیت ، قال : « یرجع إلی البیت فیتم طوافه ، ثم یرجع إلی الصفا والمروة فیتم ما بقی » (5).

ومقتضی الروایة عدم وجوب إعادة رکعتی الطواف والبناء علی السعی مطلقا وإن لم یتجاوز النصف ، لکن قصورها من حیث السند (6) یمنع من العمل بها.

وینبغی القطع بإتمام الطواف إذا کان الإخلال بشوط واحد کما تدل علیه

حکم السعی قبل إتمام الطواف

ص: 157


1- المنتهی 2 : 697.
2- التهذیب 5 : 130.
3- المختصر النافع : 93.
4- المنتهی 2 : 697 ، والتذکرة 1 : 364 ، والتحریر 1 : 100.
5- التهذیب 5 : 130 - 328 ، الوسائل 9 : 433 ، أبواب الطواف ب 32 ح 2.
6- لأن من جملة رجالها ابن جبلة وهو واقفی - راجع رجال النجاشی : 216 - 563 ، ولأن راویها وهو إسحاق بن عمار فطحی - راجع الفهرست : 15.

والندب خمسة عشر : الوقوف عند الحجر ، وحمد الله والثناء علیه والصلاة علی النبی وآله علیهم السلام . ورفع الیدین بالدعاء. واستلام الحجر علی الأصحّ. وتقبیله ، فإن لم یقدر فبیده. ولو کانت مقطوعة استلم بموضع القطع. ولو لم یکن له ید اقتصر علی الإشارة. وأن یقول : هذه أمانتی أدیتها ، ومیثاقی تعاهدته ، لتشهد لی بالموافاة ، اللهم تصدیقا بکتابک ، إلی آخر الدعاء.

______________________________________________________

صحیحتا الحلبی (1) والحسن بن عطیة (2) ، وإنما یحصل التردد فی الزائد ، ولعل الاستئناف أولی.

قوله : ( والمندوب خمسة عشر : الوقوف عند الحجر ، وحمد الله والثناء علیه والصلاة علی النبی وآله علیهم السلام ، ورفع الیدین بالدعاء ، واستلام الحجر الأسود علی الأصح ، وتقبیله ، فإن لم یقدر فبیده ، ولو کانت مقطوعة استلم بموضع القطع ، ولو لم یکن له ید اقتصر علی الإشارة ، وأن یقول : أمانتی أدّیتها ، ومیثاقی تعاهدته ، إلی آخر الدعاء ).

یدل علی هذه الجملة روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع یدیک واحمد الله وأثن علیه وصل علی النبی صلی الله علیه و آله ، واسأله أن یتقبل منک ، ثم استلم الحجر وقبله ، فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بیدیک ، فإن لم تستطع أن تستلمه فأشر إلیه ، وقل : اللهم أمانتی أدیتها ، ومیثاقی تعاهدته لیشهد علی بالموافاة ، اللهم تصدیقا بکتابک ، وعلی سنة نبیک ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شریک له ،

مندوبات الطواف

ما یستحب عند الحجر

ص: 158


1- الفقیه 2 : 249 - 1197 ، التهذیب 5 : 109 - 353 ، الوسائل 9 : 431 أبواب الطواف ب 31 ح 1.
2- الکافی 4 : 418 - 9 ، الفقیه 2 : 248 - 1194 ، التهذیب 5 : 109 - 354 ، الوسائل 9 : 432 أبواب الطواف ب 32 ح 1.

______________________________________________________

وأن محمدا عبده ورسوله ، آمنت بالله وکفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزی وعبادة الشیطان وعبادة کل ند یدعی من دون الله ، فإن لم تستطع أن تقول هذا کله فبعضه ، وتقول : اللهم إلیک بسطت یدی ، وفیما عندک عظمت رغبتی ، فاقبل سبحتی ، واغفر لی ، وارحمنی ، اللهم إنی أعوذ بک من الفقر والکفر ومواقف الخزی فی الدنیا والآخرة » (1).

وفی الصحیح عن سیف التمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أتیت الحجر الأسود فوجدت علیه زحاما ، فلم ألق إلا رجلا من أصحابنا ، فسألته فقال : لا بد من استلامه ، فقال : « إن وجدته خالیا ، وإلا فسلم من بعید » (2).

ونبّه المصنف - رحمه الله - بقوله واستلام الحجر علی الأصح ، علی خلاف سلاّر حیث أوجب الاستلام علی ما نقل عنه أخذا بظاهر الأمر (3). والأصح الاستحباب ، للأصل ، وصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل حج فلم یستلم الحجر ولم یدخل الکعبة ، قال : « هو من السنة ، فإن لم یقدر فالله أولی بالعذر » (4).

وحسنة معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « کنا نقول لا بد من أن یستفتح بالحجر ویختم به ، فأما الیوم فقد کثر الناس » (5).

وصحیحة یعقوب بن شعیب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام إنی لا

ص: 159


1- التهذیب 5 : 101 - 329 ، الوسائل 9 : 400 أبواب الطواف ب 12 ح 1.
2- التهذیب 5 : 103 - 333 ، الوسائل 9 : 410 أبواب الطواف ب 16 ح 4 ، ورواها فی الکافی 4 : 405 - 3.
3- المراسم : 114.
4- التهذیب 5 : 104 - 337 ، الوسائل 9 : 411 أبواب الطواف ب 16 ح 10.
5- الکافی 4 : 404 - 1 ، الوسائل 9 : 409 أبواب الطواف ب 16 ح 1.

______________________________________________________

أخلص إلی الحجر الأسود فقال : « إذا طفت طواف الفریضة فلا یضرک » (1).

وصحیحة معاویة بن عمار أنه قال ، قال أبو بصیر لأبی عبد الله علیه السلام : إن أهل مکة أنکروا علیک أنک لم تقبل الحجر وقد قبّله رسول الله صلی الله علیه و آله فقال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان إذا انتهی إلی الحجر یفرجون له ، وأنا لا یفرجون لی » (2).

تنبیه :

الاستلام لغة : المس ، قال فی القاموس : استلم الحجر مسه إما بالقبلة أو بالید (3). وقال السید المرتضی رضی الله عنه : الاستلام بغیر همز افتعال من السلام ، وهی الحجارة ، فإذا مس الحجر بیده أو مسحه بها قیل استلم ، أی مس السلام بیده ، وقیل : إنه مأخوذ من السّلام بمعنی أنه یحیّی نفسه عن الحجر ، إذ لیس الحجر ممن یجیبه ، وهذا کما یقال اختدم إذا لم یکن له خادم سوی نفسه (4). ونقل فی التذکرة عن تغلب أنه حکی فی الاستلام الهمز ، وفسره بأنه اتخذه جنة وسلاحا ، من اللامة ، وهی الدرع (5).

ومقتضی صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة أن الاستلام یتحقق بالمس بالید حیث قال : « فإن لم تستطع أن تقبله فاستمله بیدک » (6).

وربما ظهر من صحیحة یعقوب بن شعیب أن الاستلام إلصاق البطن

ص: 160


1- الکافی 4 : 405 - 5 ، التهذیب 5 : 103 - 335 ، الوسائل 9 : 410 أبواب الطواف ب 16 ح 6.
2- التهذیب 5 : 104 - 338 ، الوسائل 9 : 411 أبواب الطواف ب 16 ح 11.
3- القاموس المحیط 4 : 132.
4- نقله عنه فی التذکرة 1 : 363.
5- التذکرة 1 : 363.
6- الکافی 4 : 402 - 1 ، التهذیب 5 : 101 - 329 ، الوسائل 9 : 402 أبواب الطواف ب 13 ح 1.

وأن یکون فی طوافه داعیا ذاکرا لله سبحانه علی سکینة ووقار. مقتصدا فی مشیه ، وقیل : یرمل ثلاثا ویمشی أربعا.

______________________________________________________

بالممسوح فإنه قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن استلام الرکن ، قال : « استلامه أن تلصق بطنک به ، والمسح أن تمسحه بیدک » (1) ، إلا أن یقال إن معنی استلام الحجر خلاف معنی استلام الرکن ، مع أن الظاهر أن هذا التفسیر إنما هو للفرد الکامل من الاستلام ، لتأدی معناه بالمس بالید ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : ( وأن یکون فی طوافه داعیا ذاکرا لله سبحانه وتعالی ، علی سکینة ووقار ، ومقتصدا فی مشیه ، وقیل : یرمل ثلاثا ویمشی أربعا ).

أما استحباب الدعاء والذکر فی هذه الحالة فلا ریب فیه ، لرجحانه علی کل حال ، وورود الأمر فی عدة أخبار. وأما استحباب الاقتصاد فی المشی - وهو التوسط بین الإسراع والبطء - من غیر فرق بین الثلاثة الأول وغیرها ، ولا بین طواف القدوم وغیره ، فهو قول أکثر الأصحاب ، ویدل علیه بما رواه الشیخ ، عن عبد الرحمن بن سیابة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الطواف ، فقلت : أسرع وأکثر أو أمشی وأبطئ؟ قال : « مشی بین المشیین » (2).

وروی ابن بابویه عن سعید الأعرج أنه سأله أبا عبد الله علیه السلام عن المسرع والمبطئ فی الطواف فقال : « کل واسع ما لم یؤذ أحدا » (3).

والقول باستحباب الرمل فی الثلاثة الأول والمشی فی الأربعة الباقیة للشیخ فی المبسوط ، لکن قیّده بطواف القدوم (4) ، فإطلاق القول باستحبابه فی الثلاثة الأول غیر جید ، ولم أقف علی روایة تدل علیه من طریق

ما یستحب أثناء الطواف

ص: 161


1- الکافی 4 : 404 - 1 ، الوسائل 9 : 408 أبواب الطواف ب 15 ح 2.
2- التهذیب 5 : 109 - 352 ، الوسائل 9 : 428 أبواب الطواف ب 29 ح 4.
3- الفقیه 2 : 255 - 1238 ، الوسائل 9 : 428 أبواب الطواف ب 29 ح 1.
4- المبسوط 1 : 356.

وأن یقول : اللهم إنی أسألک باسمک الذی یمشی به علی ظلل الماء ، إلی آخر الدعاء.

______________________________________________________

الأصحاب ، نعم قال العلامة فی المنتهی : إن العامة کافة متفقون علی استحباب ذلک ، ورووا أن السبب فیه أنه لما قدم رسول الله صلی الله علیه و آله مکة فقال المشرکون : إنه تقدم علیکم قوم نهکتهم الحمی ولقوا منها شرا ، فأمرهم رسول الله صلی الله علیه و آله أن یرملوا الأشواط الثلاثة وأن یمشوا بین الرکنین ، فلما رأوهم قالوا ما تراهم إلا کالغزلان (1). ولا ریب فی ضعف هذا القول لعدم ثبوت هذا النقل ، ولو ثبت لما کان فیه دلالة علی الاستحباب مطلقا أیضا.

والرمل لغة : الهرولة ، علی ما نص علیه فی القاموس (2) ، وقال الأزهری : أنه الجمر والإسراع (3). وعرفه الشهید فی الدروس بأنه الإسراع فی المشی مع تقارب الخطی دون الوثوب والعدو ، وقال : إنه یسمی الجنب (4). والکل متقارب.

قوله : ( وأن یقول : اللهم إنی أسألک باسمک الذی یمشی به علی ظلل الماء ، إلی آخر الدعاء ).

روی الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « طف بالبیت سبعة أشواط ، وتقول فی الطواف : اللهم إنی أسألک باسمک الذی یمشی به علی ظلل الماء کما یمشی به علی جدد الأرض ، وأسألک باسمک الذی یهتز له عرشک ، وأسألک باسمک الذی تهتز له أقدام ملائکتک ، وأسألک باسمک الذی دعاک به موسی من جانب الطور فاستجبت له وألقیت علیه محبة منک ، وأسألک باسمک الذی غفرت به

ص: 162


1- المنتهی 2 : 696.
2- القاموس المحیط 3 : 398.
3- نقله عنه فی المنتهی 2 : 696.
4- الدروس : 114.

وأن یلتزم المستجار فی الشوط السابع. ویبسط یدیه علی حائطه. ویلصق به بطنه وخدّه ویدعو بالدعاء المأثور.

______________________________________________________

لمحمد صلی الله علیه و آله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت علیه نعمتک ، أن تفعل بی کذا وکذا ، وفإذا انتهیت إلی باب الکعبة فصل علی النبی صلی الله علیه و آله ، وتقول فیما بین الرکن الیمانی والحجر الأسود : ( رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا حَسَنَةً وَفِی الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) ، وقل فی الطواف : اللهم إنی إلیک فقیر ، وإنی خائف مستجیر ، فلا تغیر جسمی ، ولا تبدل اسمی » (1).

قوله : ( وأن یلتزم المستجار فی الشوط السابع ، ویبسط یدیه علی حائطه ، ویلصق به بطنه وخده ، ویدعو بالدعاء المأثور ).

عرّف المصنف فی النافع (2) وغیره (3) المستجار بأنه جزء من حائط الکعبة بحذاء الباب ، دون الرکن الیمانی بقلیل ، ویسمی الملتزم أیضا ، وقد ورد باستحباب التزامه علی هذا الوجه والدعاء روایات کثیرة ، کصحیحة عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا کنت فی الطواف السابع فائت المتعوذ وهو إذا قمت فی دبر الکعبة حذاء الباب فقل : اللهم البیت بیتک ، والعبد عبدک ، وهذا مقام العائذ بک من النار ، اللهم من قبلک الروح والفرج ، ثم استلم الرکن الیمانی ، ثم ائت الحجر فاختم به » (4).

وحسنة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه کان إذا انتهی إلی الملتزم قال لموالیه : « أمیطوا عنی حتی أقرّ لربی بذنوبی ، فإن هذا مکان لم یقرّ عبد لربه بذنوبه ثم استغفر إلا غفر الله له » (5).

وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا

استحباب التزام المستجار

ص: 163


1- الکافی 4 : 406 - 1 ، الوسائل 9 : 415 أبواب الطواف ب 20 ح 1.
2- المختصر النافع : 94.
3- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 122.
4- الکافی 4 : 410 - 3 ، التهذیب 5 : 107 - 347 ، الوسائل 9 : 423 أبواب الطواف ب 26 ح 1.
5- الکافی 4 : 410 - 4 ، الوسائل 9 : 424 أبواب الطواف ب 26 ح 5.

ولو جاوز المستجار لم یرجع.

______________________________________________________

فرغت من طوافک وبلغت مؤخر الکعبة - وهو بحذاء المستجار دون الرکن الیمانی بقلیل - فابسط یدیک علی البیت وألصق بطنک وخدک بالبیت وقل : اللهم البیت بیتک ، والعبد عبدک ، وهذا مکان العائذ بک من النار ، ثم أقرّ لربک بما عملت ، فإنه لیس من عبد مؤمن یقرّ لربه من ذنوبه فی هذا المکان إلا غفر الله له إن شاء الله ، وتقول : اللهم من قبل الروح والفرج والعافیة ، اللهم إن عملی ضعیف فضاعفه لی ، واغفر لی ما اطلعت علیه منی وخفی علی خلقک ، ثم تستجیر بالله من النار ، وتخیّر لنفسک من الدعاء ، ثم استلم الرکن الیمانی ، ثم ائت الحجر الأسود » (1).

ویستفاد من هذه الروایة أن موضع الالتزام حذاء المستجار ، وقد عرفت أنه حذاء الباب ، فیکون المستجار نفس الباب. وکیف کان فموضوع الالتزام حذاء الباب والأمر فی التسمیة هیّن.

والأولی لمن التزم واستلم حفظ موضع قیامه والعود إلی الطواف منه ، حذرا من الزیادة والنقیصة ، ولو شک فی الموقف تأخر احتیاطا ، وینبغی القطع بعدم تأثیر مثل هذه الزیادة ، للأصل ، وإطلاق الأمر بالاستلام والالتزام من غیر تعرض لشی ء من ذلک.

قوله : ( ولو جاوز المستجار إلی الرکن لم یرجع ).

للأصل ، وفوات المحل ، وصحیحة علی بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عمن نسی أن یلتزم فی آخر طوافه حتی جاز الرکن الیمانی ، أیصلح أن یلتزم بین الرکن الیمانی وبین الحجر أو یدع ذلک؟ قال : « یترک اللزوم ویمضی » (2) ، وأطلق المصنف فی النافع والعلامة فی القواعد الرجوع والالتزام إذا جاوز المستجار (3). واستحب الشهید فی

حکم من جاوز المستجار ولم یلتزم

ص: 164


1- الکافی 4 : 411 - 5 ، التهذیب 5 : 107 - 349 ، الوسائل 9 : 424 أبواب الطواف ب 26 ح 4.
2- التهذیب 5 : 108 - 350 ، الوسائل 9 : 426 أبواب الطواف ب 27 ح 1.
3- المختصر النافع : 94 ، والقواعد 1 : 83.

وأن یلتزم الأرکان ، وآکدها الذی فیه الحجر والیمانی.

______________________________________________________

الدروس الرجوع ما لم یبلغ الرکن (1) ، وهو حسن.

قوله : ( وأن یلتزم الأرکان کلها ، وآکدها الذی فیه الحجر والیمانی ).

اختلف الأصحاب فی استلام الأرکان ، فذهب الأکثر إلی استحباب استلام الأرکان کلها وإن تأکد استحباب استلام العراقی والیمانی (2) ، وأسنده العلامة فی المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (3). وأوجب سلار استلام الیمانی (4) ، ومنع ابن الجنید من استلام الشامی (5) ، والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل بن صالح ، قال : رأیت أبا عبد الله علیه السلام یستلم الأرکان کلها (6). وفی الصحیح عن إبراهیم بن أبی محمود قال ، قلت للرضا علیه السلام : استلم الیمانی والشامی والغربی؟ قال : « نعم » (7).

وإنما تأکد استلام العراقی والیمانی المواظبة النبی صلی الله علیه و آله علی استلامهما ، وقوله علیه السلام : « ما أتیت الرکن الیمانی إلا وجدت جبرائیل قد سبقنی إلیه یلتزمه » (8) ، وعلله فی الدروس بأنهما علی قواعد

استحباب التزام جمیع الأرکان

ص: 165


1- الدروس : 115.
2- منهم الشیخ فی المبسوط 1 : 356 ، والعلامة فی المنتهی 2 : 694 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 122.
3- المنتهی 2 : 694.
4- المراسم : 117.
5- نقله عنه فی المختلف : 290.
6- التهذیب 5 : 106 - 342 ، الوسائل 9 : 418 أبواب الطواف ب 22 ح 1.
7- التهذیب 5 : 106 - 343 ، الإستبصار 2 : 216 - 743 ، الوسائل 9 : 423 أبواب الطواف ب 25 ح 2.
8- الکافی 4 : 408 - 10 ، الوسائل 9 : 419 أبواب الطواف ب 22 ح 3.

ویستحب طواف ثلاثمائة وستین طوافا. فإن لم یتمکن فثلاثمائة

______________________________________________________

إبراهیم علیه السلام (1).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : بینا أنا فی الطواف إذ رجل یقول : ما بل هذین الرکنین یمسحان - یعنی الحجر والرکن الیمانی - وهذان لا یمسحان؟ قال : فقلت إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یمسح هذین ولم یمسح هذین ، فلا یتعرض لشی ء لم یعرض له رسول الله صلی الله علیه و آله (2).

واعلم أن مقتضی عبارة المصنف أن المستحب التزام الأرکان ، والمروی فی الأخبار الاستلام ، وربما کان الوجه فیه ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن یعقوب بن شعیب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن استلام الرکن قال : « استلامه أن تلصق بطنک به ، والمسح أن تمسحه بیدک » (3).

والظاهر تأدی السنة بالمسح بالید کما تدل علیه صحیحة سعید الأعرج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن استلام الحجر من قبل الباب فقال : « ألیس إنما ترید أن تستلم الرکن؟ » فقلت : نعم فقال « یجزیک حیث ما نالت یدک » (4).

فائدة :

الیمانی بتخفیف الیاء ، لأن الألف فیه عوض عن یاء النسبة ، ولو قیل الیمنیّ لشددت علی الأصل.

قوله : ( ویستحب طواف ثلاثمائة وستین طوافا. فإن لم یتمکن

استحباب ثلاثمائة وستین طوافا

ص: 166


1- الدروس : 114.
2- علل الشرائع : 428 - 2 ، الوسائل 9 : 420 أبواب الطواف ب 22 ح 13.
3- الکافی 4 : 404 - 1 ، الوسائل 9 : 419 أبواب الطواف ب 22 ح 4.
4- الکافی 4 : 406 - 10 ، التهذیب 5 : 103 - 332 ، الوسائل 9 : 408 أبواب الطواف ب 15 ح 1.

وستین شوطا ، ویلحق الزیادة بالطواف الأخیر ، وتسقط الکراهیّة هنا بهذا الاعتبار. وأن یقرأ فی رکعتی الطواف فی الأولی مع الحمد قل هو الله أحد ، وفی الثانیة معه قل یا أیها الکافرون. ومن زاد علی السبعة سهوا أکملها أسبوعین ، وصلی الفریضة أولا ، ورکعتی النافلة بعد الفراغ من السعی.

______________________________________________________

فثلاثمائة وستین شوطا ، ویلحق الزیادة بالطواف الأخیر ، وتسقط الکراهیة هنا بهذا الاعتبار ).

المستند فی ذلک ما رواه الکلینی فی الحسن وابن بابویه فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یستحب أن تطوف ثلاثمائة وستین أسبوعا عدد أیام السنة ، فإن لم تستطع فثلاثمائة وستین شوطا ، فإن لم تستطع فما قدرت علیه من الطواف » (1).

ومقتضی استحباب الثلاثمائة وستین شوطا أن یکون الطواف الأخیر عشرة أشواط ، وقد قطع المصنف بعدم کراهة هذه الزیادة هنا ، وهو کذلک لظاهر النص المتقدم.

ونقل العلامة فی المختلف عن ابن زهرة أنه استحب زیادة أربعة أشواط لیصیر الأخیر طوافا کاملا ، حذرا من کراهة القران ، ولیوافق عدد أیام السنة الشمسیة (2) ، ونفی عنه البأس فی المختلف (3) ، وهو حسن ، إلا أنه خلاف مدلول الروایة.

قوله : ( ومن زاد علی السبعة سهوا أکملها أسبوعین ، وصلی الفریضة أولا ، ورکعتی النافلة بعد الفراغ من السعی ).

حکم من زاد علی السبع سهوا

وقت رکعتی طواف النافلة

ص: 167


1- الکافی 4 : 429 - 14 ، الفقیه 2 : 255 - 1236 ، الوسائل 9 : 396 أبواب الطواف ب 7 ح 1.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 577.
3- المختلف : 292.

______________________________________________________

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من إکمال الأسبوعین مع الزیادة علی السبع سهوا قول أکثر الأصحاب ، ویدل علیه ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن أبی أیوب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل طاف بالبیت ثمانیة أشواط طواف فریضة ، قال : « فلیضم إلیها ستا ثم یصلی أربع رکعات » (1).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إن فی کتاب علی علیه السلام : إذا طاف الرجل بالبیت ثمانیة أشواط الفریضة واستیقن ثمانیة أضاف إلیها ستا ، وکذا إذا استیقن أنه سعی ثمانیة أضاف إلیها ستا » (2).

وفی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن علیا علیه السلام طاف طواف الفریضة ثمانیة فترک سبعة وبنی علی واحد وأضاف إلیها ستا ، ثم صلی رکعتین خلف المقام ، ثم خرج إلی الصفا والمروة ، فلما فرغ من السعی بینهما رجع فصلی الرکعتین للذی ترک فی المقام الأول » (3).

ولا یقدح فی صحة هذه الروایة اشتمال سندها علی عبد الرحمن وهو مشترک ، لوقوع التصریح فی هذا السند بعینه فی عدة روایات بأن ابن أبی نجران.

ومقتضی الروایة وقوع السهو من الإمام ، وقد قطع ابن بابویه بإمکانه ، ونقل عن شیخه محمد بن الحسن بن الولید أنه کان یقول : أول درجة فی

ص: 168


1- الفقیه 2 : 248 - 1191 ، الوسائل 9 : 438 أبواب الطواف ب 34 ح 13.
2- التهذیب 5 : 152 - 502 ، الإستبصار 2 : 240 - 835 ، الوسائل 9 : 438 أبواب الطواف ب 34 ح 10.
3- التهذیب 5 : 112 - 366 ، الإستبصار 2 : 218 - 752 ، الوسائل 9 : 437 أبواب الطواف ب 34 ح 7.

______________________________________________________

الغلو نفی السهو عن النبی صلی الله علیه و آله (1).

وفی هذه الروایة دلالة علی ما ذکره المصنف - رحمه الله - من إیقاع صلاة الفریضة قبل السعی وصلاة النافلة بعده.

ونقل عن ابن بابویه فی المقنع أنه أوجب الإعادة بمطلق الزیادة وإن وقعت سهوا (2). وهو ضعیف جدا ، مع أنه روی فیمن لا یحضره الفقیه عن أبی أیوب ما یوافق المشهور کما نقلناه.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : ذکر الشیخان (3) والمصنف فیما سیجی ء من کلامه (4) وغیرهم من الأصحاب أن إکمال الأسبوعین إنما یثبت إذا لم یذکر حتی یبلغ الرکن بأن یکون قد أکمل شوطا فصاعدا ، فلو ذکر قبل ذلک وجب القطع ، واستدل علیه الشیخ فی کتابی الأخبار بما رواه عن أبی کهمش قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی فطاف ثمانیة أشواط ، قال : « إن کان قد ذکر قبل أن یأتی الرکن فلیقطعه وقد أجزأ عنه ، وإن لم یذکر حتی بلغه فلیتم أربعة عشر شوطا ، ولیصل أربع رکعات » (5).

وهذه الروایة مع ضعف سندها (6) معارضة بما رواه الشیخ ، عن موسی بن القاسم ، عن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی

ص: 169


1- الفقیه 1 : 234.
2- المقنع : 85.
3- لم نعثر علیه فی المقنعة وهو موجود فی التهذیب 5 : 112 ، ولکنه نقل روایة فی المقنعة : 70. إلیک نصها : وقال علیه السلام : من طاف بالبیت ثمانیة أشواط ناسیا فلیضف إلیها ستة أشواط. والشیخ الطوسی فی النهایة : 3. والمبسوط 1 : 358 ، والتهذیب 5 : 112.
4- فی ص 181.
5- التهذیب 5 : 113 - 367 ، الإستبصار 2 : 219 - 753 ، الوسائل 9 : 437 أبواب الطواف ب 34 ح 3.
6- لأن راویها وهو أبو کهمش مجهول ، ولأن من جملة رجالها ابن فضال وهو فطحی.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « من طاف بالبیت فوهم حتی یدخل فی الثامن فلیتم أربعة عشر شوطا ، ثم لیصل رکعتین » (1).

وقال الشیخ فی الإستبصار : إن هذا الخبر مجمل وروایة أبی کهمش مفصلة والحکم بالمفصل أولی منه بالمجمل (2). وهو جید لو تکافأ السندان ، لکن الأولی ضعیفة لاشتمال سندها علی عدة من الضعفاء ، وهذه الروایة معتبرة الإسناد ، بل قد حکم العلامة فی المنتهی بصحتها (3) ، وهو غیر بعید.

الثانی : نص العلامة فی المنتهی (4) وغیره (5) علی أن الإکمال مع الزیادة علی سبیل الاستحباب ، ومقتضاه أن الطواف الأول هو طواف الفریضة. ونقل عن ابن الجنید (6) وعلی بن بابویه (7) أنهما حکما بکون الفریضة هو الثانی ، وفی روایة زرارة المتقدمة (8) دلالة علیه. وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه بعد أن أورد روایة أبی أیوب المتقدمة : وفی خبر آخر أن الفریضة هو الطواف الثانی والرکعتان الأولتان لطواف الفریضة ، والرکعتان الأخیرتان والطواف الأول تطوع (9). ولم نقف علی هذه الروایة مسندة ولعله أشار بها إلی روایة زرارة ، وعلی هذا فیکون الإتمام واجبا.

وذکر الشارح أن النیة الواقعة بعد الذکر تؤثر فی الشوط المتقدم ، کنیة

ص: 170


1- التهذیب 5 : 112 - 364 ، الإستبصار 2 : 218 - 750 ، الوسائل 9 : 437 أبواب الطواف ب 34 ح 5.
2- الاستبصار 2 : 219.
3- المنتهی 2 : 700.
4- المنتهی 2 : 700.
5- کالشهید الأول فی الدروس : 115.
6- نقله عنهما فی المختلف : 289.
7- نقله عنهما فی المختلف : 289.
8- التهذیب 5 : 112 - 366 ، الإستبصار 2 : 218 - 752 ، الوسائل 9 : 437 أبواب الطواف ب 34 ح 7.
9- الفقیه 2 : 248 - 1192 ، الوسائل 9 : 438 أبواب الطواف ب 34 ح 14.

وأن یتدانی من البیت.

ویکره الکلام فی الطواف بغیر الدعاء والقراءة.

______________________________________________________

العدول فی الصلاة بالنسبة إلی تأثیرها فیما سبق (1). والأمر فی النیة هین.

الثالث : الظاهر أن تأخیر رکعتی طواف النافلة إلی أن یأتی بالسعی علی سبیل الأفضلیة ، لإطلاق الأمر بصلاة الأربع فی روایة أبی أیوب ، ولعدم وجوب المبادرة بالسعی علی الفور.

قوله : ( وأن یتدانی من البیت ).

علله العلامة فی المنتهی بأن البیت هو المقصود فیکون الدنو منه أولی (2). ومثله یکفی فی مثله إن شاء الله تعالی ، قال فی الدروس : ولا یبالی بقلّة الخطی مع الدنو وکثرتها مع البعد (3).

قوله : ( ویکره الکلام فی الطواف بغیر الدعاء والقراءة ).

أجمع العلماء کافة علی جواز الکلام فی الطواف بالمباح ، حکاه فی المنتهی (4) ، ویدل علیها مضافا إلی الأصل ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الکلام فی الطواف وإنشاد الشعر والضحک ، فی الفریضة أو غیر الفریضة أیستقیم ذلک؟ قال : « لا بأس به ، والشعر ما کان لا بأس به منه » (5).

وصرح المصنف وجمع من الأصحاب بکراهة الکلام فی الطواف بغیر الدعاء والقراءة ، ولم یفرقوا بین الواجب وغیره. واستدل علیه فی المنتهی (6)

استحباب التدانی من البیت

کراهة الکلام فی الطواف

ص: 171


1- المسالک 1 : 123.
2- المنتهی 2 : 696.
3- الدروس : 115.
4- المنتهی 2 : 702.
5- التهذیب 5 : 127 - 418 ، الإستبصار 2 : 227 - 784 ، الوسائل 9 : 464 أبواب الطواف ب 54 ح 1.
6- المنتهی 2 : 702.

الثالث : فی أحکام الطواف ، وفیه اثنتا عشرة مسألة :

الأولی : الطواف رکن ، من ترکه عامدا بطل حجه ،

______________________________________________________

بما رواه الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « الطواف بالبیت صلاة ، فمن تکلم فلا یتکلم إلا بخیر » (1).

وهذه الروایة مجهولة الإسناد مع أن الشیخ روی عن محمد بن فضیل ، عن أبی جعفر الثانی علیه السلام أنه قال : « وطواف الفریضة لا ینبغی أن یتکلم فیه إلا بالدعاء وذکر الله وقراءة القرآن » قال : « والنافلة یلقی الرجل أخاه یسلم علیه ویحدثه بالشی ء من أمر الآخرة والدنیا لا بأس به » (2) ومقتضی هذه الروایة عدم کراهة الکلام بالمباح فی طواف النافلة.

قوله : ( الثالث فی أحکام الطواف ، وفیه اثنتا عشرة مسألة ، الأولی : الطواف رکن ، من ترکه عامدا بطل حجه ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین طواف الحج وطواف العمرة وطواف النساء ، وذکر الشارح - قدس سره - أن المراد به غیر طواف النساء ، فإنه لیس برکن إجماعا (3). وقال الشهید فی الدروس : کل طواف واجب رکن إلا طواف النساء (4).

ویستفاد من قول المصنف رحمه الله : من ترکه عامدا بطل حجه ، أن المراد بالرکن هنا ما یبطل الحج بترکه عمدا خاصة ، ولا ریب فی رکنیة طواف الحج والعمرة بهذا المعنی ، فإن الإخلال بهما أو بأحدهما یقتضی عدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، فیبقی المکلف تحت العهدة إلی أن یقوم علی الصحة دلیل من خارج ، وهو منتف هنا ، ألا أن ذلک بعینه آت فی طواف

أحکام الطواف

الطواف رکن

ص: 172


1- سنن الدارمی 2 : 44 ، سنن النسائی 5 : 222.
2- التهذیب 5 : 127 - 417 ، الإستبصار 2 : 227 - 785 ، الوسائل 9 : 465 أبواب الطواف ب 54 ح 2.
3- المسالک 1 : 123.
4- الدروس : 116.

______________________________________________________

النساء ، فإن الحکم بصحة الحج مع تعمد الإخلال به یتوقف علی الدلیل ، وربما أمکن الاستدلال علیه بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « وعلیه - یعنی المفرد - طواف بالبیت ، وصلاة رکعتین خلف المقام ، وسعی واحد بین الصفا والمروة ، وطواف بالبیت بعد الحج » (1) فإن المراد بهذا الطواف طواف النساء ، وکونه بعد الحج یقتضی خروجه عن حقیقته ، فلا یکون فواته مؤثرا فی بطلانه.

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن أبی أیوب الخزاز ، قال : کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فدخل علیه رجل فقال : أصلحک الله إن معنا امرأة حائضا ، ولم تطف طواف النساء ، ویأبی الجمال أن یقیم علیها ، قال : فأطرق وهو یقول : لا تستطیع أن تتخلف عن أصحابها ولا یقیم علیها جمالها » ثم رفع رأسه إلیه فقال : « تمضی فقد تم حجها » (2).

ویتحقق ترک الطواف فی الحج بخروج ذی الحجة قبل فعله ، وفی عمرة التمتع بضیق وقت الوقوف إلا عن التلبس بالحج قبله ، وفی العمرة المفردة المجامعة لحج الإفراد أو القران بخروج السنة بناء علی وجوب إیقاعها فیها ، لکنه غیر واضح. وفی المجردة إشکال ، إذ یحتمل وجوب الإتیان بالطواف فیها مطلقا لعدم التوقیت والبطلان بالخروج من مکة بنیة الإعراض عن فعله.

واحتمل الشارح - قدس سره - تحقق الترک فی الجمیع بینة الإعراض عنه والرجوع إلی ما یعد ترکا فی العرف (3). وهو غیر واضح ، لأنه مع بقاء الوقت یمکن الإتیان بالمأمور به علی وجهه فینتفی المقتضی للبطلان.

والمراد بالعامد هنا العالم بالحکم کما یظهر من مقابلته بالناسی ، وقد

ص: 173


1- التهذیب 5 : 42 - 124 ، الوسائل 8 : 154 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 6.
2- الفقیه 2 : 245 - 1176 ، الوسائل 9 : 500 أبواب الطواف ب 84 ح 13.
3- المسالک 1 : 123.

______________________________________________________

نص الشیخ (1) وغیره (2) أن الجاهل کالعامد فی هذا الحکم ، وهو جید ، وأوجب الأکثر علیه مع الإعادة بدنة ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل جهل أن یطوف بالبیت طواف الفریضة ، قال : « إن کان علی وجه جهالة فی الحج أعاد وعلیه بدنة » (3).

وعن علی بن أبی حمزة قال : سئل عن رجل جهل أن یطوف بالبیت حتی رجع إلی أهله ، قال : « إذا کان علی جهة الجهالة أعاد الحج وعلیه بدنة » (4).

وهذه البدنة عقوبة محضة لا جبران ، لأن النسک باطل من أصله فلا یتعلق به الجبران.

قال فی الدروس : وفی وجوب هذه البدنة علی العالم نظر ، من الأولویة (5). وفیه منع ، لاختصاص الجاهل بها بالتقصیر فی التعلم المناسب لزیادة العقوبة ، مع أنه یکفی فی منع الأولویة عدم ثبوت تعلیل الأصل کما بیناه مرارا.

فرع :

إذا بطل الحج بترک الرکن کالطواف وما فی معناه فهل یحصل التحلل بذلک؟ أو یبقی علی إحرامه إلی أن یأتی بالفعل الفائت فی محله ، ویکون إطلاق اسم البطلان علیه مجازا ، کما قاله الشهید فی الحج الفاسد بناء علی

ص: 174


1- التهذیب 5 : 127.
2- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 123.
3- التهذیب 5 : 127 - 420 ، الإستبصار 2 : 228 - 787 ، الوسائل 9 : 466 أبواب الطواف ب 56 ح 1.
4- التهذیب 5 : 127 - 419 ، الإستبصار 2 : 228 - 786 ، الوسائل 9 : 466 أبواب الطواف ب 56 ح 2.
5- الدروس : 116 وفی هامشه زیادة : ومن عدم النص.

ومن ترکه ناسیا قضاء ولو بعد المناسک. ولو تعذّر العود استناب فیه.

______________________________________________________

أن الأول هو الفرض (1)؟ أو یتحلل بأفعال العمرة؟ أوجه ، وجزم المحقق الشیخ علی فی حواشی القواعد بالأخیر ، وقال : إنه علی هذا لا یکاد یتحقق معنی الترک المقتضی للبطلان فی العمرة المفردة ، لأنها هی المحللة من الإحرام عند بطلان نسک آخر غیرها ، فلو بطلت احتیج فی التحلل من إحرامها إلی أفعال العمرة وهو معلوم البطلان (2).

وما ذکره - رحمه الله - غیر واضح المأخذ ، فإن التحلل بأفعال العمرة إنما یثبت مع فوات الحج لا مع بطلان النسک مطلقا. والمسألة قویة الإشکال ، من حیث استصحاب حکم الإحرام إلی أن یعلم حصول المحلل وإنما یعلم بالإتیان بأفعال العمرة ، ومن أصالة عدم توقفه علی ذلک مع خلو الأخبار الواردة فی مقام البیان منه ، ولعل المصیر إلی ما ذکره - رحمه الله - أحوط.

قوله : ( ومن ترکه ناسیا قضاء ولو بعد المناسک ، ولو تعذر العود استناب فیه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ونص الشهید فی الدروس علی أن المراد بالتعذر المشقة الشدیدة (3).

ولم أقف لهم فی هذا التفصیل علی مستند ، والذی وقفت علیه فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل نسی طواف الفریضة حتی قدم بلاده وواقع النساء ، کیف یصنع؟ قال : « یبعث بهدی ، إن کان ترکه فی حج یبعث به فی حج ، وإن کان ترکه فی عمرة بعث به فی عمرة ، و

حکم ناسی الطواف

ص:175


1- الدروس : 105.
2- جامع المقاصد 1 : 167.
3- الدروس : 116.

______________________________________________________

یطوف عنه ما ترکه من طوافه » (1).

وإطلاق الروایة یقتضی جواز الاستنابة للناسی إذا لم یذکر حتی قدم بلاده مطلقا ، وأنه لا فرق فی ذلک بین طواف الحج وطواف العمرة وطواف النساء. لکن قال الشیخ فی کتابی الأخبار : الوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی طواف النساء ، لأن من ترک طواف النساء ناسیا جاز له أن یستنیب غیره مقامه فی طوافه ، ولا یجوز ذلک فی طواف الحج (2). ثم استدل علی هذا التأویل بما رواه عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل نسی طواف النساء حتی دخل أهله ، قال : « لا تحل له النساء حتی یزور البیت » وقال : « یأمر أن یقضی عنه إن لم یحج ، فإن توفی قبل أن یطاف عنه فلیقض عنه ولیه أو غیره » (3).

وهذه الروایة إنما تدل علی جواز الاستنابة فی طواف النساء ، لا علی المنع منها فی طواف الحج لیحتاج إلی ما ذکره من الجمع.

واعلم أنه قد وقع فی کلام الشیخ فی کتابی الأخبار فی هذه المسألة تشویش عظیم ، فقال فی الاستبصار : باب من نسی طواف الحج حتی رجع إلی أهله ، ثم أورد روایتی علی بن أبی حمزة وعلی بن یقطین المتقدمتین فی المسألة المتقدمة المتضمنتین لإعادة من جهل أن یطوف بالبیت ثم قال : فأما ما رواه علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن رجل نسی طواف الفریضة. الحدیث ، فالوجه أن نحمله علی طواف النساء ، واستدل علی هذا الحمل بروایة معاویة بن عمار المتقدمة (4) ، ومقتضی هذا الجمع أنه

ص: 176


1- التهذیب 5 : 128 - 421 ، الإستبصار 2 : 228 - 788 ، الوسائل 9 : 467 أبواب الطواف ب 58 ح 1.
2- التهذیب 5 : 128 ، والاستبصار 2 : 228.
3- التهذیب 5 : 128 - 422 ، الإستبصار 2 : 228 - 789 ، الوسائل 9 : 468 أبواب الطواف ب 58 ح 6.
4- الإستبصار 2 : 228.

______________________________________________________

أراد دفع المنافاة بین خبری علی بن أبی حمزة وعلی بن یقطین وبین صحیحة علی بن جعفر ، مع أنه لا تنافی بینهما بوجه ، ولا دلالة لهما علی حکم الناسی ، فإیرادهما دلیلا علیه غیر جید.

وأغرب من ذلک کلامه - رحمه الله - فی التهذیب ، فإنه قال : ومن نسی طواف الحج حتی یرجع إلی أهله فإن علیه بدنة وعلیه إعادة الحج من قابل روی ذلک محمد بن أحمد بن یحیی. ونقل روایتی علی بن أبی حمزة وعلی بن یقطین (1). وهو صریح فی استدلاله بهما علی حکم الناسی ، مع أن ما ذکره من إعادة الحج علی الناسی غیر منقول فی کلام الأصحاب ، بل ظاهرهم الإجماع علی خلافه.

وقد ظهر من ذلک أن الأظهر وجوب الإتیان بالطواف المنسی وجواز الاستنابة فیه إذا شق العود أو مطلقا کما هو ظاهر صحیحة علی بن جعفر.

ومتی وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحج فالأقرب وجوب إعادة السعی أیضا ، کما اختاره الشیخ فی الخلاف والشهید فی الدروس (2) ، لصحیحة منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بین الصفا والمروة قبل أن یطوف بالبیت فقال : « یطوف بالبیت ثم یعود إلی الصفا والمروة فیطوف بینهما » (3).

وإنما یحصل التحلل مما یتوقف علی الطواف والسعی بالإتیان بهما ، ولا یحصل بدون فعلهما. ولو عاد لاستدراکهما بعد الخروج علی وجه یستدعی وجوب الإحرام لدخول مکة فهل یکتفی بذلک أو یتعین علیه الإحرام ثم یقتضی الفائت قبل الإتیان بأفعال العمرة أو بعده؟ وجهان ، ولعل الأول

ص: 177


1- التهذیب 5 : 127.
2- الخلاف 1 : 479 ، والدروس : 116.
3- الکافی 4 : 421 - 2 ، التهذیب 5 : 129 - 426 ، الوسائل 8 : 472 أبواب الطواف ب 63 ح 2.

ومن شک فی عدده بعد انصرافه لم یلتفت. وإن کان فی أثنائه وکان شکا فی الزیادة قطع ولا شی ء علیه.

______________________________________________________

أرجح ، تمسکا بمقتضی الأصل ، والتفاتا إلی أن من نسی الطواف یصدق علیه أنه محرم فی الجملة ، والإحرام لا یقع إلا من محل. والمسألة قویة الإشکال ، والله تعالی أعلم بحقیقة الحال.

قوله : ( ومتی شک فی عدده بعد انصرافه لم یلتفت ).

هذا مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، ویدل علیه عموم قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا خرجت من شی ء ثم دخلت فی غیره فشکک لیس بشی ء » (1) ( وظاهر التعلیل المستفاد من قوله علیه السلام فی حسنة بکیر بن أعین الواردة فی من شک فی وضوئه بعد الفراغ : « هو حین یتوضأ أذکر منه حین یشک » (2) (3).

قوله : ( وإن کان فی أثنائه ، فإن کان شاکا فی الزیادة قطع ولا شی ء علیه ).

لأصالة عدم الزیادة ، وصحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بالبیت طواف الفریضة فلم یدر أسبعة طاف أم ثمانیة فقال : « أما السبعة فقد استیقن وإنما وقع وهمه علی الثامن فلیصل رکعتین » (4).

وقال الشارح قدس سره : إنما یقطع مع شک الزیادة إذا کان علی منتهی الشوط ، أما لو کان فی أثنائه بطل طوافه لتردده بین محذورین : الإکمال

الشک فی عدد الطواف

ص: 178


1- التهذیب 5 : 352 - 1459 ، الوسائل 5 : 336 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 23 ح 1.
2- التهذیب 1 : 101 - 265 ، الوسائل 1 : 331 أبواب الوضوء ب 42 ح 7.
3- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
4- التهذیب 5 : 114 - 370 ، الإستبصار 2 : 220 - 756 ، الوسائل 9 : 439 أبواب الطواف ب 35 ح 1.

وإن کان فی النقصان استأنف فی الفریضة

______________________________________________________

المحتمل للزیادة عمدا ، والقطع المحتمل للنقیصة (1). ویتوجه علیه منع تأثیر احتمال الزیادة ، کما سیجی ء فی مسألة الشک فی النقصان.

قوله : ( وإن کان فی النقصان استأنف فی الفریضة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ذهب إلیه الشیخ (2) والصدوق (3) وابن البراج (4) وابن إدریس (5) وغیرهم (6) ، وقال المفید رحمه الله : من طاف بالبیت فلم یدر ستا طاف أم سبعا فلیطف طوافا آخر لیستیقن أنه طاف سبعا (7). وهو اختیار الشیخ علی بن بابویه فی رسالته (8) وأبی الصلاح (9) وابن الجنید (10) وهو المعتمد.

لنا : الأصل ، وما رواه الکلینی - رضی الله عنه - فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف طواف الفریضة فلم یدر ستة طاف أم سبعة ، قال : « فلیعد طوافه » قلت : ففاته ، فقال : « ما أری علیه شیئا ، والإعادة أحب إلی وأفضل » (11).

وما رواه الشیخ فی الصحیح أیضا ، عن منصور بن حازم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی طفت فلم أدر ستة طفت أم سبعة فطفت طوافا آخر فقال : « هلا استأنفت؟ » قلت : قد طفت وذهبت ، قال : « لیس علیک

ص: 179


1- المسالک 1 : 123.
2- التهذیب 5 : 110 ، والنهایة : 237 ، والمبسوط 1 : 357.
3- المقنع : 85.
4- المهذب 1 : 238.
5- السرائر : 134.
6- کیحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 198 ، والعلامة فی التحریر 1 : 99.
7- المقنعة : 69.
8- نقله عنه فی المختلف : 289.
9- الکافی فی الفقه : 195.
10- نقله عنه فی المختلف : 289.
11- الکافی 4 : 416 - 1 ، الوسائل 9 : 435 أبواب الطواف ب 33 ح 8.

______________________________________________________

شی ء » (1).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن رفاعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی رجل لا یدری ستة طاف أو سبعة ، قال : « یبنی علی یقینه » (2) والبناء علی الیقین هو معنی البناء علی الأقل.

احتج الشیخ - رحمه الله - بما رواه عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بالبیت فلم یدر أستة طاف أم سبعة طواف فریضة ، قال : « فلیعد طوافه » قیل : إنه قد خرج وفاته ذلک ، قال : « لیس علیه شی ء » (3).

وعن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام . فی رجل لم یدر أستة طاف أو سبعة قال : « یستقبل » (4).

وعن حنان بن سدیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی رجل طاف فأوهم قال إنی طفت أربعة وقال طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام : « أی الطوافین طواف نافلة أم طواف فریضة؟ ثم قال : إن کان طواف فریضة فلیلق ما فی یده ولیستأنف ، وإن کان طواف نافلة واستیقن الثلاث وهو فی شک من الرابع أنه طاف فلیبن علی الثلاث ، فإنه یجوز له » (5).

والجواب عن هذه الروایات أولا بالطعن فی السند ، بأن فی طریق الأولی عبد الرحمن بن سیابة وهو مجهول ، وفی طریق الثانیة النخعی وهو مشترک ، وراوی الثالثة وهو حنان بن سدیر قال الشیخ : إنه واقفی (6).

ص: 180


1- التهذیب 5 : 110 - 358 ، الوسائل 9 : 434 أبواب الطواف ب 33 ح 3.
2- الفقیه 2 : 249 - 1195 ، الوسائل 9 : 434 أبواب الطواف ب 33 ح 5.
3- التهذیب 5 : 110 - 356 ، الوسائل 9 : 433 أبواب الطواف ب 33 ح 1.
4- التهذیب 5 : 110 - 357 ، الوسائل 9 : 434 أبواب الطواف ب 33 ح 2.
5- التهذیب 5 : 111 - 360 ، الوسائل 9 : 434 أبواب الطواف ب 33 ح 7.
6- رجال الطوسی : 346 - 5.

وبنی علی الأقل فی النافلة.

الثانیة : من زاد علی السبع ناسیا وذکر قبل بلوغه الرکن قطع ولا شی ء علیه.

______________________________________________________

وثانیا بإمکان الحمل علی الاستحباب ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة منصور بن حازم : « والإعادة أحب إلی وأفضل » (1).

وکیف کان فینبغی القطع بعدم وجوب العود لاستدراک الطواف مع عدم الاستئناف کما تضمنته الأخبار المستفیضة.

قوله : ( وبنی علی الأقل فی النافلة ).

الوجه فی هذه المسألة معلوم مما سبق ، ویدل علیه أیضا روایة أبی بصیر أنه قال لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک رجل شک فی طواف نافلة ، قال : « یبنی علی الأقل » (2).

وذکر الشارح قدس سره أنه یجوز للشاک هنا البناء علی الأکثر حیث لا یستلزم الزیادة کالصلاة (3). وهو غیر واضح.

قوله : ( الثانیة ، من زاد علی السبع ناسیا وذکر قبل بلوغه الرکن قطع ولا شی ء علیه ).

هذه المسألة کالمقیدة لقوله : « ومن زاد علی السبعة سهوا أکملها أسبوعین » فإن الزیادة علیها تتحقق بخطوة مع عدم ثبوت ذلک الحکم ، وقد تقدم الکلام فی المسألتین مفصلا.

حکم من زاد علی السبع نسیانا

ص: 181


1- الکافی 4 : 416 - 1 ، الوسائل 9 : 735 أبواب الطواف ب 33 ح 8.
2- التهذیب 5 : 113 - 369 ، الإستبصار 2 : 219 - 755 ، الوسائل 9 : 435 أبواب الطواف ب 33 ح 12.
3- المسالک 1 : 123.

الثالثة : من طاف وذکر أنه لم یتطهّر أعاد فی الفریضة دون النافلة ، ویعید صلاة الطواف الواجب واجبا والندب ندبا.

الرابعة : من نسی طواف الزیارة حتی رجع إلی أهله وواقع ، قیل : علیه بدنة والرجوع إلی مکة للطواف ، وقیل : لا کفارة علیه ، وهو الأصحّ ، ویحمل القول الأول علی من واقع بعد الذکر.

______________________________________________________

قوله : ( الثالثة ، من طاف وذکر أنه لم یتطهر أعاد فی الفریضة دون النافلة ، ویعید صلاة الطواف الواجب واجبا ، والندب ندبا ).

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن رجل طاف طواف الفریضة وهو علی غیر طهور فقال : « یتوضأ ویعید طوافه ، وإن کان تطوعا توضأ وصلی رکعتین » (1) ، وقد تقدم الکلام فی هذه المسألة أیضا.

قوله : ( الرابعة ، من نسی طواف الزیارة حتی رجع إلی أهله وواقع ، قیل : علیه بدنة والرجوع إلی مکة للطواف ، وقیل : لا کفارة علیه ، وهو الأصح ، ویحمل القول الأول علی من واقع بعد الذکر ).

أما وجوب الرجوع إلی مکة لاستدراک الطواف مع الإخلال به علی وجه النسیان فقد تقدم الکلام فیه ، وأما وجوب البدنة مع ذلک إذا واقع قبل تدارکه فهو اختیار الشیخ فی النهایة والمبسوط (2).

وإطلاق کلامه یقتضی عدم الفرق بین أن تقع المواقعة بعد الذکر أو قبله ، واحتج له فی المختلف (3) بحسنة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن متمتع وقع علی أهله ولم یزر البیت ، قال : « ینحر

حکم من طاف بغیر طهر وذکر

حکم جماع الناسی لطواف الزیارة

ص: 182


1- التهذیب 5 : 116 - 380 ، الإستبصار 2 : 222 - 764 ، الوسائل 9 : 444 أبواب الطواف ب 38 ح 3.
2- النهایة : 240 ، والمبسوط 1 : 359.
3- المختلف : 292.

______________________________________________________

جزورا ، وقد خشیت أن یکون ثلم حجه إن کان عالما ، وإن کان جاهلا فلا شی ء علیه » (1).

وصحیحة عیص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل واقع أهله حین ضحی قبل أن یزور البیت ، قال : « یهریق دما » (2).

وهو احتجاج ضعیف ، لاختصاص الروایة الأولی بالعالم ، ولأن المتبادر من الروایة الثانیة وقوع الوقاع قبل الزیارة لا قبل الإتیان بالطواف المنسی. والأجود الاستدلال علی هذا القول بصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل نسی طواف الفریضة حتی قدم بلاده وواقع النساء ، کیف یصنع؟ قال : « یبعث بهدی ، إن کان ترکه فی حج بعث به فی حج ، وإن کان ترکه فی عمرة بعث به فی عمرة ، ووکل من یطوف عنه ما ترکه من طوافه » (3).

وقال ابن إدریس (4) والمصنف وأکثر الأصحاب إنما تجب الکفارة بالمواقعة بعد الذکر ، لأن من واقع قبل الذکر حکمه حکم من واقع ناسیا لإحرامه ، وسیأتی إن شاء الله أن من هذا شأنه لا کفارة علیه ، وهو جید لو لا ورود الروایة باللزوم مع التصریح فیها باستمرار النسیان إلی ما بعد المواقعة.

وذکر الشارح أن فی قول المصنف : ویحتمل القول الأول علی من واقع بعد الذکر ، تسامحا فإن الذی یناسب حمله علی ذلک الروایة لا القول (5).

ص: 183


1- الکافی 4 : 278 - 3 ، التهذیب 5 : 321 - 1104 ، الوسائل 9 : 264 أبواب کفارات الاستمتاع ب 9 ح 1.
2- الکافی 4 : 379 - 4 ، التهذیب 5 : 321 - 1105 ، الوسائل 9 : 264 أبواب کفارات الاستمتاع ب 9 ح 2.
3- التهذیب 5 : 128 - 421 ، الاستبصار 2 : 228 - 788 ، قرب الإسناد : 107 بتفاوت یسیر ، الوسائل 9 : 467 أبواب الطواف ب 58 ح 1.
4- السرائر : 135.
5- المسالک 1 : 123.

ولو نسی طواف النساء جاز أن یستنیب ،

______________________________________________________

وهو جید لکن الظاهر أن مراد المصنف أن عبارة الشیخ لیست صریحة فی لزوم الکفارة بالوقاع قبل الذکر ، لأنها مطلقة ، فیمکن أن یکون مراد الشیخ منها ما ذکره المصنف ، لأن الإطلاق لا یأبی ذلک ، بل هو شائع فی عباراتهم.

قوله : ( ولو نسی طواف النساء جاز له أن یستنیب )

إطلاق العبارة یقتضی أنه لا یشترط فی جواز الاستنابة هنا تعذّر العود کما اعتبر فی طواف الحج ، بل یجوز وإن أمکن ، وبهذا التعمیم صرح العلامة فی جملة من کتبه (1) وغیره (2) ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی طواف النساء حتی یرجع إلی أهله ، قال : « یرسل فیطاف عنه ، فإن توفی قبل أن یطاف عنه فلیطف عنه ولیه » (3).

وقال الشیخ فی التهذیب والعلامة فی المنتهی : إنما تجوز الاستنابة إذا تعذر علیه العود (4). واستدل بما رواه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل نسی طواف النساء حتی أتی الکوفة ، قال : « لا تحل له النساء حتی یطوف بالبیت » ، قلت : فإن لم یقدر؟ قال : « یأمر من یطوف عنه » (5) وهذه الروایة غیر صریحة فی المنع من الاستنابة إذا أمکن العود ، فکان القول بالجواز مطلقا أقوی.

نعم لو اتفق عوده وجب علیه المباشرة ولم تکن له الاستنابة قطعا ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله

حکم ناسی طواف النساء.

ص: 184


1- التذکرة 1 : 364 ، والقواعد 1 : 84.
2- کالشهید الأول فی اللمعة : 72. والشهید الثانی فی المسالک 1 : 123.
3- التهذیب 5 : 255 - 866 ، الإستبصار 2 : 233 - 808 ، الوسائل 9 : 468 أبواب الطواف ب 58 ح 3.
4- التهذیب 5 : 255 ، والمنتهی 2 : 769.
5- التهذیب 5 : 256 - 867 ، الوسائل 9 : 468 أبواب الطواف ب 58 ح 4.

ولو مات قضاه ولیّه وجوبا.

الخامسة : من طاف کان بالخیار فی تأخیر السعی إلی الغد ، ثم لا یجوز مع القدرة.

______________________________________________________

علیه السلام قال ، قلت له : رجل نسی طواف النساء حتی رجع إلی أهله ، قال : « یأمر أن یقضی عنه إن لم یحج ، فإنه لا تحل له النساء حتی یطوف بالبیت » (1).

قوله : ( ولو مات قضاه ولیه وجوبا ).

یدل علی ذلک روایات ، منها صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة ، وفی روایة أخری صحیحة له عنه علیه السلام : « فإن هو مات فلیقض عنه ولیه أو غیره » (2).

قوله : ( الخامسة : من طاف کان بالخیار فی تأخیر السعی إلی الغد ، ثم لا یجوز مع القدرة ).

بل الأظهر عدم جواز تأخیره إلی الغد ، کما اختاره الشیخ فی التهذیب والمصنف فی النافع (3) وغیرهم من الأصحاب (4) ، لصحیحة العلاء بن رزین ، قال : سألته عن رجل طاف بالبیت فأعیا ، أیؤخر الطواف بین الصفا والمروة إلی غد؟ قال : « لا » (5).

وصحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما ، قال : سألته عن رجل طاف

حکم تأخیر السعی عن الطواف

ص: 185


1- الفقیه 2 : 245 - 1175 ، الوسائل 9 : 469 أبواب الطواف ب 58 ح 8.
2- التهذیب 5 : 255 - 865 ، الإستبصار 2 : 233 - 807 ، الوسائل 9 : 467 أبواب الطواف ب 58 ح 2.
3- التهذیب 5 : 128 ، والمختصر النافع : 95.
4- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 124.
5- الکافی 4 : 422 - 5 ، التهذیب 5 : 129 - 425 ، الإستبصار 2 : 229 - 792 ، الوسائل 9 : 471 أبواب الطواف ب 60 ح 3.

السادسة : یجب علی المتمتع تأخیر الطواف والسعی حتی یقف بالموقفین ویقضی مناسک یوم النحر ، ولا یجوز التعجیل ، الا للمریض ، والمرأة التی تخاف الحیض ، والشیخ العاجز ،

______________________________________________________

بالبیت فأعیا ، أیؤخر الطواف بین الصفا والمروة إلی غد؟ قال : « لا » (1).

ویجوز تأخیره ساعة وساعتین ومن النهار إلی اللیل للراحة قطعا ، ( للأصل وما ) (2) رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقدم مکة حاجا وقد اشتد علیه الحر فیطوف بالکعبة ، أیؤخر السعی إلی أن یبرد؟ فقال : « لا بأس به ، وربما فعلته » (3). قال ابن بابویه رحمه الله : وفی حدیث آخر : « یؤخره إلی اللیل ».

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن رجل طاف بالبیت فأعیا ، أیؤخر الطواف بین الصفا والمروة؟ قال : « نعم » (4).

قوله : ( السادسة ، یجب علی المتمتع تأخیر الطواف والسعی حتی یقف بالموقفین ویقضی مناسک منی یوم النحر ، ولا یجوز التعجیل ، إلا للمریض ، والمرأة التی تخاف الحیض ، والشیخ العاجز ).

أما أنه لا یجوز للمتمتع تقدیم طوافه وسعیه علی المضی إلی عرفات اختیارا فقال فی المنتهی : إنه قول العلماء کافة (5). واستدل علیه بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر قال ، قلت : رجل کان متمتعا فأهل بالحج ، قال :

حکم تقدیم الطواف علی الوقوفین

ص: 186


1- الفقیه 2 : 253 - 1220 ، الوسائل 9 : 471 أبواب الطواف ب 60 ح 3.
2- بدل ما بین القوسین فی « م » : ولما.
3- الفقیه 2 : 252 - 1218 ، الوسائل 9 : 470 أبواب الطواف ب 60 ح 1.
4- التهذیب 5 : 129 - 424 ، الوسائل 9 : 471 أبواب الطواف ب 60 ح 2.
5- المنتهی 2 : 708.

______________________________________________________

« لا یطوف بالبیت حتی یأتی عرفات ، فإن هو طاف قبل أن یأتی منی من غیر علة فلا یعتد بذلک الطواف » (1) وهذه الروایة ضعیفة السنة باشتماله علی إسماعیل بن مرار وهو مجهول ، وعلی بن أبی حمزة وأبی بصیر وهو یحیی بن القاسم وهما واقفیان (2).

وفی مقابلها أخبار کثیرة دالة بظاهرها علی جواز التقدیم مطلقا ، کصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل المتمتع یهل بالحج ثم یطوف ویسعی بین الصفا والمروة قبل خروجه إلی منی ، قال : « لا بأس به » (3).

وصحیحة حفص بن البختری ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی تعجیل الطواف قبل الخروج إلی منی فقال : « هما سواء أخر ذلک أو قدمه » یعنی للمتمتع (4).

وصحیحة جمیل (5) : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المتمتع یقدم طوافه وسعیه فی الحج فقال : « هما سیان قدمت أو أخرت » (6).

وأجاب الشیخ (7) ومن تبعه (8) عن هذه الروایات بالحمل علی الشیخ الکبیر والمریض اللذین یخافان من الزحام بعد العود والمرأة التی تخاف وقوع

ص: 187


1- التهذیب 5 : 130 - 429 ، الإستبصار 2 : 229 - 793 ، الوسائل 8 : 203 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 5.
2- راجع رجال الکشی 1 : 404 - 296 ، ورجال النجاشی : 249 - 656 ، ورجال الطوسی : 353 و 364.
3- التهذیب 5 : 131 - 430 ، الإستبصار 2 : 229 - 794 ، الوسائل 8 : 203 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 3.
4- الفقیه 2 : 244 - 1167 ، الوسائل 9 : 474 أبواب الطواف ب 64 ح 3.
5- فی « م » و « ح » زیادة : ابن دراج.
6- الفقیه 2 : 244 - 1168 ، الوسائل 9 : 474 أبواب الطواف ب 64 ح 4.
7- التهذیب 5 : 131 ، والاستبصار 2 : 230.
8- کابن البراج فی المهذب 1 : 232.

______________________________________________________

الحیض بعده ، واستدلوا علی هذا التأویل بما رواه الشیخ ، عن إسماعیل بن عبد الخالق ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا بأس أن یعجل الشیخ الکبیر والمریض والمرأة والمعلول طواف الحج قبل أن یخرج إلی منی » (1).

وعن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المتمتع إن کان شیخا کبیرا أو امرأة تخاف الحیض تعجل طواف الحج قبل أن تأتی منی؟ قال : « نعم هکذا تعجل » (2).

وفی الصحیح عن صفوان ، عن یحیی الأزرق ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلی الحج ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل یوم النحر ، أیصلح لها أن تعجل طوافها طواف الحج قبل أن تأتی منی؟ قال : « إذا خافت أن تضطر إلی ذلک فعلت » (3).

ونقل عن ابن إدریس أنه منع من التقدیم مطلقا (4) ، وهو ضعیف ، بل لو لا الإجماع المدعی (5) علی المنع من جواز التقدیم اختیارا لکان القول به متجها ، لاستفاضة الروایات الواردة بذلک مع صحة سندها ووضوح دلالتها وقصور الأخبار المنافیة لذلک من حیث السند أو المتن ( ومع ذلک فالجواز غیر بعید ) (6).

ص: 188


1- التهذیب 5 : 131 - 431 ، الإستبصار 2 : 230 - 795 ، الوسائل 8 : 203 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 6.
2- التهذیب 5 : 131 - 432 ، الإستبصار 2 : 230 - 796 ، الوسائل 8 : 203 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 7 ، وفیها : نعم من کان هکذا یعجل.
3- التهذیب 5 : 398 - 1384 ، الوسائل 9 : 473 أبواب الطواف ب 64 ح 2.
4- السرائر : 135.
5- فی « م » و « ح » : المنعقد.
6- ما بین القوسین لیس فی « ض ».

ویجوز التقدیم للقارن والمفرد علی کراهیة.

______________________________________________________

قوله : ( ویجوز التقدیم للقارن والمفرد علی کراهیة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وقد ورد بجواز التقدیم روایات کثیرة ، کصحیحة حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مفرد الحج أیعجل طوافه أم یؤخره؟ قال : « هو والله سواء عجله أو أخره » (1).

وموثقة زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المفرد للحج یدخل مکة ، أیقدم طوافه أم یؤخره؟ فقال : « سواء » (2).

وروی عن زرارة فی الموثق أیضا قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن مفرد الحج یقدم طوافه أم یؤخره؟ فقال : « یقدمه » ، فقال : رجل إلی جنبه لکن شیخی لم یفعل ذلک کان إذا قدم أقام بفخ حتی إذا راح الناس إلی منی راح معهم ، فقلت من شیخک؟ فقال : علی بن الحسین ، فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علی بن الحسین علیه السلام لأمه (3).

ونقل عن ابن إدریس أنه منع من التقدیم هنا أیضا محتجا بالإجماع علی وجوب الترتیب (4) ( قال فی المنتهی : وهو مذهب الجمهور کافة ، ثم أجاب عن حجة ابن إدریس ) (5) بمنع الإجماع فی موضع الخلاف ، قال : علی أن شیخنا - رحمه الله - قد ادعی إجماع الطائفة علی جواز التقدیم فکیف

ص: 189


1- الکافی 4 : 459 - 2 ، التهذیب 5 : 132 - 434 ، الوسائل 8 : 204 أبواب أقسام الحج ب 14 ح 1.
2- الکافی 4 : 459 - 1 ، التهذیب 5 : 131 - 433 ، الوسائل 8 : 204 أبواب أقسام الحج ب 14 ح 2.
3- الکافی 4 : 459 - 3 ، التهذیب 5 : 45 - 136 ، الوسائل 8 : 204 أبواب أقسام الحج ب 14 ح 3.
4- السرائر : 135. إلا أنه لم یحتج بالإجماع. بل قال : ولا خلاف فیه ، ولکن نقل احتجاجه به فی المختلف : 262.
5- بدل ما بین القوسین فی « ض » : وأجاب عنه فی المنتهی.

السابعة : لا یجوز تقدیم طواف النساء علی السعی لمتمتع ولا لغیره اختیارا ، ویجوز مع الضرورة والخوف من الحیض.

______________________________________________________

یصح له حینئذ دعوی الإجماع علی خلافه والشیخ أعرف بمواضع الوفاق والخلاف (1).

ومتی قدّم المتمتع أو المفرد أو القارن الطواف جدّدوا التلبیة لیبقوا علی إحرامهم ، ولو لم یجددوا انقلبت الحجة عمرة عند الشیخ (2) وأکثر الأصحاب ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ( السابعة ، لا یجوز تقدیم طواف النساء علی السعی لمتمتع ولا لغیره اختیارا ، ویجوز مع الضرورة أو الخوف من الحیض ).

أما أنه لا یجوز تقدیم طواف النساء علی السعی لمتمتع ولا لغیره مع الاختیار فهو مذهب الأصحاب لا أعرف فیه مخالفا ، ویدل علیه الأخبار الکثیرة المتضمنة لوجوب تأخیره عن السعی ، کقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ثم اخرج إلی الصفا فاصعد علیه واصنع کما صنعت یوم دخلت مکة ، ثم ائت المروة فاصعد علیها وطف بینهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلک فقد أحللت من کل شی ء أحرمت منه إلا النساء ، ثم ارجع إلی البیت وطف به أسبوعا آخر ، ثم تصلی رکعتین عند مقام إبراهیم » (3) الحدیث. وثمّ یقتضی الترتیب قطعا.

ویؤیده روایة أحمد بن محمد (4) ، عمن ذکره قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : جعلت فداک متمتع زار البیت فطاف طواف الحج ثم طاف

حکم تقدیم طواف النساء علی السعی

ص: 190


1- المنتهی 2 : 709.
2- المبسوط 1 : 311.
3- الکافی 4 : 511 - 4 ، التهذیب 5 : 251 - 853 ، الوسائل 10 : 205 أبواب زیارة البیت ب 4 ح 1.
4- فی « ح » زیادة : ابن عثمان.

الثامنة : من قدّم طواف النساء علی السعی ساهیا أجزأه ، ولو کان عامدا لم یجز.

______________________________________________________

طواف النساء ثم سعی فقال : « لا یکون سعی إلا من قبل طواف النساء » (1).

وأما جواز تقدیمه علی السعی مع الضرورة والخوف من الحیض فمقطوع به فی کلام الأصحاب ، ولم أقف فیه علی نص بالخصوص ، وربما أمکن الاستدلال علیه مضافا إلی الحرج والمشقة اللازمین من إیجاب تأخیره مع الضرورة بما رواه الشیخ فی الموثق ، عن سماعة بن مهران ، عن أبی الحسن الماضی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن یسعی بین الصفا والمروة ، قال : « لا یضره ، یطوف بین الصفا والمروة وقد فرغ من حجه » (2). وهذه الروایة وإن کانت مطلقة إلا أنه یجب حملها علی حالة الضرورة ، توفیقا بین الأخبار.

ویؤیده فحوی صحیحة أبی أیوب إبراهیم بن عثمان الخراز قال : کنت عند أبی عبد الله علیه السلام فدخل علیه رجل فقال : أصلحک الله إن معنا امرأة حائضا ، ولم تطف طواف النساء ، ویأبی الجمال أن یقیم علیها ، قال ، فأطرق وهو یقول : « لا تستطیع أن تتخلف عن أصحابها ولا یقیم علیها جمالها » ثم رفع رأسه إلیه فقال : « تمضی فقد تم حجها » (3) وإذا جاز ترک الطواف من أصله للضرورة جاز تقدیمه بطریق أولی.

قوله : ( الثامنة ، من قدّم طواف النساء علی السعی ساهیا أجزأه ، ولو کان عامدا لم یجز ).

ص: 191


1- الکافی 4 : 512 - 5 ، التهذیب 5 : 133 - 438 ، الإستبصار 2 : 231 - 799 ، الوسائل 9 : 475 أبواب الطواف ب 65 ح 1.
2- التهذیب 5 : 133 - 439 ، الإستبصار 2 : 231 - 800 ، الوسائل 9 : 475 أبواب الطواف ب 65 ح 2.
3- الکافی 4 : 451 - 5 ، الفقیه 2 : 245 - 1176 ، الوسائل 9 : 500 أبواب الطواف ب 84 ح 13.

التاسعة : قیل : لا یجوز الطواف وعلی الطائف برطلة ، ومنهم من خصّ ذلک بطواف العمرة ، نظرا إلی تحریم تغطیة الرأس.

______________________________________________________

أما عدم الإجزاء مع العمد فمعلوم مما سبق ، وأما إجزاء التقدیم إذا وقع علی سبیل السهو فاستدل علیه فی التهذیب بروایة سماعة المتقدمة ، وهو جید لو صح السند.

وفی إلحاق الجاهل بالعامد أو بالساهی وجهان ، وروایة سماعة تتناوله لکن فیها ما عرفت.

قوله : ( التاسعة ، قیل : لا یجوز الطواف وعلی الطائف برطلّة ، ومنهم من خص ذلک بطواف العمرة ، نظرا إلی تحریم تغطیة الرأس ).

البرطلّة بضم الباء والطاء وإسکان الراء وتشدید اللام المفتوحة : قلنسوة طویلة کانت تلبس قدیما علی ما ذکره جماعة (1). وقد اختلف الأصحاب فی حکمها ، فقال الشیخ فی النهایة : إنه لا یجوز الطواف فیها (2). وقال فی التهذیب بالکراهة (3). وقال ابن إدریس : إن لبسها مکروه فی طواف الحج ومحرم فی طواف العمرة ، نظرا إلی تحریم تغطیة الرأس فیه (4).

والأصل فی هذه المسألة ما رواه الشیخ ، عن یزید بن خلیفة ، قال : رآنی أبو عبد الله علیه السلام أطوف حول الکعبة وعلیّ برطلّة ، فقال لی بعد ذلک : « قد رأیتک تطوف حول الکعبة وعلیک برطلّة ، لا تلبسها حول الکعبة فإنها من زیّ الیهود » (5).

وعن زیاد بن یحیی الحنظلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال :

حرمة الطواف بالبرطلة

ص: 192


1- کالمحقق الثانی فی جامع المقاصد 1 : 167 ، والشهید فی المسالک 1 : 124.
2- النهایة : 242.
3- التهذیب 5 : 134.
4- السرائر : 135.
5- التهذیب 5 : 134 - 443 ، الوسائل 9 : 477 أبواب الطواف ب 67 ح 2.

العاشرة : من نذر أن یطوف علی أربع ، قیل یجب علیه طوافان. وقیل لا ینعقد النذر. وربما قیل بالأول إذا کان الناذر امرأة اقتصارا علی مورد النقل.

______________________________________________________

« لا تطوفن بالبیت وعلیک برطلّة » (1).

والروایتان ضعیفتا السند (2) ، فلا یجوز التعویل علیهما فی إثبات حکم مخالف للأصل. نعم یمکن القول بالکراهة خروجا عن الخلاف وتساهلا فی أدلة السنن.

ولو کان الطواف مما یجب کشف الرأس فیه کطواف العمرة حرم ستر الرأس بهذه القلنسوة وبغیرها قطعا ، ولو طاف ساترا أثم ولم یبطل طوافه ، لرجوع النهی إلی وصف خارج عن العبادة.

قوله : ( العاشرة : من نذر أن یطوف علی أربع قیل : یجب علیه طوافان ، وقیل : لا ینعقد النذر ، وربما قیل بالأول إذا کان الناذر امرأة ، اختصارا علی مورد النقل ).

القول بوجوب الطوافین للشیخ (3) وجمع من الأصحاب (4) ، لروایة السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی امرأة نذرت أن تطوف علی أربع ، قال : تطوف أسبوعا لیدیها وأسبوعا لرجلیها » (5).

ص: 193


1- التهذیب 5 : 134 - 442 ، الوسائل 9 : 477 أبواب الطواف ب 67 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 427 - 4.
2- أما الثانیة فلأن من جملة رجالها سهل بن زیاد وهو ضعیف والمثنی وهو مشترک بین مهمل وضعیف ، علی أن راویها وهو زیاد بن یحیی الحنظلی مجهول. وأما الأولی فلأن راویها یزید بن خلیفة واقفی - راجع رجال الشیخ : 534.
3- التهذیب 5 : 135 ، والنهایة : 242 ، والمبسوط 1 : 360.
4- کالشهید الأول فی اللمعة : 73.
5- الکافی 4 : 430 - 18 ، الفقیه 2 : 308 - 1531 ، التهذیب 5 : 135 - 446 ، الوسائل 9 : 478 أبواب الطواف ب 70 ح 1.

الحادیة عشرة : لا بأس أن یعوّل الرجل علی غیره فی تعداد الطواف ، لأنه کالإمارة.

______________________________________________________

وروایة أبی الجهم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، عن أبیه ، عن آبائه عن علی علیهم السلام : أنه قال فی امرأة نذرت أن تطوف علی أربع ، قال : « تطوف أسبوعا لیدیها وأسبوعا لرجلیها » (1).

وهاتان الروایتان ضعیفتا السند جدا (2) ، فالأصح ما اختاره ابن إدریس من عدم انعقاد النذر ، لأن هذه الصفة غیر متعبد بها فلا یکون نذرها مشروعا (3).

وقال العلامة فی المنتهی : الذی ینبغی الاعتماد علیه بطلان النذر فی حق الرجل والتوقف فی حق المرأة ، فإن صح سند الخبرین عمل بموجبهما ، وإلا بطل کالرجل (4). وهو جید ، لکن لا ریب فی ضعف الروایتین.

فرع :

قال فی الدروس : لو عجز إلا عن المشی علی الأربع فالأشبه فعله ، ویمکن ترجیح الرکوب لثبوت التعبد به اختیارا (5). هذا کلامه ، ولا ریب فی ترجیح الرکوب وإن لم یثبت التعبد به اختیارا لثبوت التعبد به فی حق المعذور قطعا.

قوله : ( الحادیة عشرة ، لا بأس أن یعوّل الرجل علی غیره فی تعداد الطواف لأنه کالأمارة ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن سعید

حکم التعویل علی الغیر فی تعداد الطواف

ص: 194


1- الکافی 4 : 429 - 11 ، التهذیب 5 : 135 - 447 ، الوسائل 9 : 478 أبواب الطواف ب 70 ح 2.
2- أما الأولی فلأن راویها عامی - راجع عدة الأصول : 380 ، وأما الثانیة فلأن من جملة رجالها موسی بن عیسی الیعقوبی وهو مجهول ، ولأن راویها وهو أبو الجهم مشترک بین جماعة ومنهم من لم یوثق.
3- السرائر : 135.
4- المنتهی 2 : 703.
5- الدروس : 112.

ولو شکّا جمیعا عوّلا علی الأحکام المتقدمة.

الثانیة عشرة : طواف النساء واجب فی الحج والعمرة المفردة.

______________________________________________________

الأعرج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الطواف ، أیکتفی الرجل بإحصاء صاحبه؟ قال : « نعم » (1).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الحافظ بین الذکر والأنثی ، ولا بین من طلب الطائف منه الحفظ وغیره ، وهو کذلک.

نعم یشترط فیه البلوغ والعقل إذا لا اعتداد بخبر الصبی والمجنون. ولا یبعد اعتبار عدالته للأمر بالتثبت عند خبر الفاسق.

قوله : ( ولو شکّا جمیعا عوّلا علی الأحکام المتقدمة ).

المراد أنه إذا وقع الشک منهما معا رجع الطائف إلی شک نفسه ولزمه مقتضاه ، ولا ریب فی ذلک.

قوله : ( الثانیة عشرة ، طواف النساء واجب فی الحج والعمرة المفردة ).

أما وجوبه فی الحج بأنواعه فقال العلامة فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (2). وتدل علیه روایات کثیرة ، منها صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : علی المتمتع بالعمرة إلی الحج ثلاثة أطواف بالبیت وسعیان بین الصفا والمروة ، فعلیه إذا قدم طواف بالبیت ورکعتان عند مقام إبراهیم علیه السلام وسعی بین الصفا والمروة ثم یقصر وقد أحل هذا للعمرة ، وعلیه للحج طوافان وسعی بین الصفا والمروة ویصلی عند کل طواف بالبیت رکعتین عند مقام إبراهیم علیه السلام » (3).

- وجوب طواف النسا

ص: 195


1- الفقیه 2 : 255 - 1234 ، التهذیب 5 : 134 - 440 ، الوسائل 9 : 476 أبواب الطواف ب 66 ح 1.
2- المنتهی 2 : 768.
3- الکافی 4 : 295 - 1 ، التهذیب 5 : 35 - 104 ، الوسائل 8 : 155 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 8.

______________________________________________________

وصحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « علی المتمتع بالعمرة إلی الحج ثلاثة أطواف ، ویصلی لکل طواف رکعتین ، وسعیان بین الصفا والمروة » (1).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إنما نسک الذی یقرن بین الصفا والمروة مثل نسک المفرد لیس بأفضل منه إلا بسیاق الهدی وعلیه طواف بالبیت وصلاة رکعتین خلف المقام وسعی واحد بین الصفا والمروة وطواف بالبیت بعد الحج » (2).

وحسنة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : المفرد علیه طواف بالبیت ورکعتان عند مقام إبراهیم علیه السلام وسعی بین الصفا والمروة وطواف الزیارة وهو طواف النساء ، ولیس علیه هدی ولا أضحیة » (3).

وأما وجوبه فی العمرة المفردة فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل العلامة فی المنتهی فیه الإجماع (4) ، واستدل علیه بروایة إسماعیل بن ریاح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مفرد العمرة علیه طواف النساء؟ قال : « نعم » (5).

وروایة محمد بن عیسی ، قال : کتب أبو القاسم مخلد بن موسی الرازی إلی الرجل یسأله عن العمرة المبتولة هل علی صاحبها طواف النساء؟

ص: 196


1- الکافی 4 : 295 - 3 ، التهذیب 5 : 36 - 106 ، الوسائل 8 : 156 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 9.
2- التهذیب 5 : 42 - 124 ، الوسائل 8 : 154 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 6.
3- الکافی 4 : 298 - 1 ، التهذیب 5 : 44 - 131 ، الوسائل 8 : 156 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 13.
4- المنتهی 2 : 768.
5- الکافی 4 : 538 - 8 ، التهذیب 5 : 253 - 858 ، الإستبصار 2 : 231 - 801 ، الوسائل 9 : 495 أبواب الطواف ب 82 ح 8 ، وفیها عن أبی الحسن علیه السلام .

______________________________________________________

وعن التی یتمتع بها إلی الحج؟ فکتب : « أما العمرة المبتولة فعلی صاحبها طواف النساء ، وأما التی یتمتع بها إلی الحج فلیس علی صاحبها طواف النساء » (1).

وروایة إبراهیم بن عبد الحمید ، عن عمر بن یزید أو غیره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المعتمر یطوف ویسعی ویحلق ولا بد له بعد الحلق من طواف آخر » (2).

وهذه الروایات کلها قاصرة من حیث السند وبإزائها أخبار أخر دالة بظاهرها علی سقوط طواف النساء فی العمرة والمفردة.

کصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا دخل المعتمر مکة من غیر تمتع وطاف بالبیت وصلی رکعتین عند مقام إبراهیم وسعی بین الصفا والمروة فلیلحق بأهله إن شاء » (3).

وصحیحة صفوان بن یحیی قال : سأله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلی الحج وطاف وسعی وقصر ، هل علیه طواف النساء؟ قال : « لا ، إنما طواف النساء بعد الرجوع من منی » (4).

وروایة أبی خالد مولی علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن عن مفرد العمرة علیه طواف النساء؟ قال : « لیس علیه طواف النساء » (5).

ص: 197


1- الکافی 4 : 538 - 9 ، التهذیب 5 : 254 - 861 ، الإستبصار 2 : 232 - 804 ، الوسائل 9 : 493 أبواب الطواف ب 82 ح 1.
2- الکافی 4 : 538 - 7 ، التهذیب 5 : 254 - 859 ، الإستبصار 2 : 231 - 802 ، الوسائل 9 : 493 أبواب الطواف ب 82 ح 2.
3- الفقیه 2 : 275 - 1342 ، الوسائل 10 : 250 أبواب العمرة ب 9 ح 2.
4- التهذیب 5 : 254 - 862 ، الإستبصار 2 : 232 - 805 ، الوسائل 9 : 494 أبواب الطواف ب 82 ح 6.
5- التهذیب 5 : 254 - 860 ، الإستبصار 2 : 232 - 803 ، الوسائل 9 : 495 أبواب الطواف ب 82 ح 9.

دون المتمتع بها ،

______________________________________________________

وروایة یونس رواه قال : « لیس طواف النساء إلا علی الحاج » (1).

وحکی الشهید فی الدروس عن الجعفی الإفتاء بمضمون هذه الروایات (2) ، وهو غیر بعید ، لاعتبار سند بعضها وضعف معارضها ومطابقتها لمقتضی الأصل ، إلا أن المصیر إلی ما علیه أکثر الأصحاب أولی وأحوط.

قوله : ( دون المتمتع بها ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فی ذلک خلافا (3). والأخبار الصحیحة الواردة بذلک مستفیضة جدا ، منها قول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة : « فعلیه إذا قدم مکة طواف بالبیت ورکعتان عند مقام إبراهیم علیه السلام وسعی بین الصفا والمروة ثم یقصر وقد أحل هذا للعمرة » (4).

وفی صحیحة منصور بن حازم : « علی المتمتع بالعمرة إلی الحج ثلاثة أطواف بالبیت ویصلی لکل طواف رکعتین وسعیان بین الصفا والمروة » (5).

وقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة الواردة فی کیفیة المتعة : « یهل بالحج فی أشهر الحج ، فإذا طاف بالبیت وصلی رکعتین خلف المقام وسعی بین الصفا والمروة قصر وأحل ، فإذا کان یوم الترویة أهل بالحج » (6) الحدیث ، إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة السلیمة السند الواضحة الدلالة.

ص: 198


1- التهذیب 5 : 254 - 863 ، الإستبصار 2 : 232 - 806 ، الوسائل 9 : 495 أبواب الطواف ب 82 ح 10.
2- الدروس : 91.
3- المنتهی 2 : 709.
4- التهذیب 5 : 41 - 122 ، الوسائل 8 : 149 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1 و 2.
5- الکافی 4 : 495 - 3 ، التهذیب 5 : 36 - 106 ، الوسائل 8 : 156 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 9.
6- التهذیب 5 : 36 - 107 ، الوسائل 8 : 183 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 3.

وهو لازم للرجال والنساء والصبیان والخناثی.

______________________________________________________

ویؤیده حسنة الحلبی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک لما قضیت نسکی للعمرة أتیت أهلی ولم أقصر ، قال : « علیک بدنة » قال ، قلت : إنی لما أردت ذلک منها ولم تکن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها فقال : « رحمها الله کانت أفقه منک ، علیک بدنة ولیس علیها شی ء » (1).

وحکی الشهید فی الدروس عن بعض الأصحاب أن فی المتمتع بها طواف النساء کالمفردة (2). وربما کان مستنده روایة سلیمان بن حفص المروزی عن الفقیه علیه السلام قال : « إذا حج الرجل فدخل مکة متمتعا فطاف بالبیت وصلی رکعتین خلف مقام إبراهیم علیه السلام وسعی بین الصفا والمروة وقصر فقد حل له کل شی ء ما خلا النساء فإن علیه لتحلة النساء طوافا وصلاة » (3).

وهذه الروایة ضعیفة السند بجهالة الراوی ، وقال الشیخ فی التهذیب : لیس فی هذا الخبر أن الطواف والسعی اللذین لیس له الوطء بعدهما إلا بعد طواف النساء أهما للعمرة أو للحج ، وإذا لم یکن فی الخبر ذلک حملناه علی من طاف وسعی للحج (4). وبالجملة فالخلاف فی هذه المسألة غیر متحقق لعدم ظهور قائله ، ولو تحقق لکان معلوم البطلان.

قوله : ( وهو لازم للرجال والنساء والصبیان والخناثی والخصیان ).

إنما خصه بالذکر مع أن غیره من الأفعال کذلک لدفع توهم اختصاصه

ص: 199


1- الکافی 4 : 441 - 6 ، الفقیه 2 : 238 - 1138 وفیه عن حماد بن عثمان ، التهذیب 5 : 162 - 543 ، الإستبصار 2 : 244 - 852 ، الوسائل 9 : 540 أبواب التقصیر ب 3 ح 2.
2- الدروس : 91.
3- التهذیب 5 : 162 - 544 ، الإستبصار 2 : 244 - 853 ، الوسائل 9 : 494 أبواب الطواف ب 82 ح 7.
4- التهذیب 5 : 162.

القول فی السعی.

الأول فی المقدمات ومقدماته عشرة کلّها مندوبة : الطهارة.

______________________________________________________

بمن یباشر النساء ، ومعنی لزومه للصبیان أنهم یؤمرون به تمرینا ، فلو أخلوا به حرمت علیهم النساء بعد البلوغ. ولو کان الصبی غیر ممیز طاف به الولی کما مر ، ولو ترک تعلق بالصبی حکم الترک إلی أن یأتی به.

وتدل علی وجوبه علی جمیع المکلفین مضافا إلی عموم الخطاب صحیحة الحسین بن علی بن یقطین قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الخصیان والمرأة الکبیرة ، أعلیهم طواف النساء؟ قال : « نعم علیهم الطواف کلهم » (1).

قوله : ( القول فی السعی ومقدماته عشرة کلها مندوبة : الطهارة ).

ما اختاره المصنف من استحباب الطهارة فی السعی هو المشهور بین الأصحاب ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (2) ، ونقل عن ابن أبی عقیل أنه قال : لا یجوز الطواف والسعی بین الصفا والمروة إلا بطهارة (3). والمعتمد الأول.

لنا : أصالة البراءة مما لم یقم دلیل علی وجوبه ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس أن یقضی المناسک کلها علی غیر وضوء ، إلا الطواف فإن فیه صلاة ، والوضوء أفضل » (4).

السعی

مقدمات السعی

ص: 200


1- الکافی 4 : 513 - 4 ، التهذیب 5 : 255 - 864 ، الوسائل 9 : 389 أبواب الطواف ب 2 ح 1.
2- المنتهی 2 : 703.
3- نقله فی المختلف : 293.
4- التهذیب 5 : 154 - 509 ، الإستبصار 2 : 241 - 841 ، الوسائل 9 : 530 أبواب السعی ب 15 ح 1.

______________________________________________________

وفی الصحیح عن رفاعة بن موسی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أشهد شیئا من المناسک وأنا علی غیر وضوء؟ فقال : « نعم إلا الطواف بالبیت فإن فیه صلاة » (1).

وعن زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یسعی بین الصفا والمروة علی غیر وضوء ، قال : « لا بأس » (2).

وفی الصحیح عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن امرأة طافت بالبیت ثم حاضت قبل أن تسعی ، قال : « تسعی » قال : وسألته عن امرأة طافت بین الصفا والمروة فحاضت بینهما ، قال : « تتم سعیها » (3).

وما رواه ابن بابویه فی الحسن ، عن صفوان ، عن یحیی الأزرق قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : رجل سعی بین الصفا والمروة فسعی ثلاثة أشواط أو أربعة ثم بال ثم أتم سعیه بغیر وضوء فقال : « لا بأس ، ولو أتم مناسکه بوضوء کان أحب إلی » (4).

واحتج ابن أبی عقیل (5) بصحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تطوف بین الصفا والمروة وهی حائض؟ قال : « لا ، إن الله تعالی یقول ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) (6) » (7).

ص: 201


1- التهذیب 5 : 154 - 510 ، الإستبصار 2 : 241 - 838 ، الوسائل 9 : 530 أبواب السعی ب 15 ح 2.
2- التهذیب 5 : 154 - 507 ، الإستبصار 2 : 241 - 837 ، الوسائل 9 : 530 أبواب السعی ب 15 ح 4.
3- التهذیب 5 : 395 - 1376 ، الوسائل 9 : 530 أبواب السعی ب 15 ح 5 ، ورواها فی الکافی 4 : 448 - 9 ، والفقیه 2 : 240 - 1144.
4- الفقیه 2 : 250 - 1204 ، الوسائل 9 : 531 أبواب السعی ب 15 ح 6.
5- نقله عنه فی المختلف : 293.
6- البقرة : 158.
7- التهذیب 5 : 394 - 1373 ، الإستبصار 2 : 314 - 1114 ، الوسائل 9 : 530 أبواب السعی ب 15 ح 3.

واستلام الحجر. والشرب من زمزم. والصب علی الجسد من مائها من الدلو المقابل للحجر.

______________________________________________________

وروایة ابن فضال قال ، قال أبو الحسن علیه السلام : « لا تطوف ولا تسعی إلا علی وضوء » (1).

والجواب عن الروایتین بالحمل علی الکراهة ، جمعا بین الأدلة.

قوله : ( واستلام الحجر ، والشرب من زمزم ، والصب علی الجسد من مائها من الدلو المقابل للحجر ).

یدل علی ذلک روایات ، منها صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا فرغت من الرکعتین فائت الحجر الأسود فقبله واستلمه أو أشر إلیه فإنه لا بد من ذلک ، وقال : إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلی الصفا فافعل ، وتقول حین تشرب : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من کل داء وسقم ، قال : وبلغنا أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال حین نظر إلی زمزم : لو لا أن أشق علی أمتی لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبین » (2).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا فرغ الرجل من طوافه وصلی رکعتین فلیأت زمزم فیستقی منه ذنوبا أو ذنوبین ، فلیشرب منه ، ولیصب علی رأسه وظهره وبطنه ویقول : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من کل داء وسقم ، ثم یعود إلی الحجر الأسود » (3).

وصحیحة حفص بن البختری ، عن أبی الحسن موسی علیه السلام ،

ص: 202


1- الکافی 4 : 438 - 3 ، التهذیب 5 : 154 - 508 ، الإستبصار 2 : 241 - 839 ، الوسائل 9 : 531 أبواب السعی ب 15 ح 7.
2- الکافی 4 : 430 - 1 ، التهذیب 5 : 144 - 476 ، الوسائل 9 : 514 أبواب السعی ب 2 ح 1.
3- الکافی 4 : 430 - 2 ، التهذیب 5 : 144 - 477 ، الوسائل 9 : 515 أبواب السعی ب 2 ح 2.

وأن یخرج من الباب المحاذی للحجر. وأن یصعد الصفا.

ویستقبل الرکن العراقی. ویحمد الله ویثنی علیه وأن یطیل الوقوف علی الصفا ، ویکبّر الله سبعا ، ویهلّله سبعا ، ویقول : لا إله إلا الله ، وحده لا شریک له ، له الملک وله الحمد ، یحیی ویمیت وهو حیّ لا یموت ، بیده الخیر ، وهو علی کل شی ء قدیر - ثلاثا. ویدعو بالدعاء المأثور.

______________________________________________________

وعبید الله الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یستحب أن تستقی من ماء زمزم دلوا أو دلوین فتشرب منه وتصب علی رأسک وجسدک ، ولیکن ذلک من الدلو الذی بحذاء الحجر » (1).

قوله : ( وأن یخرج من الباب المقابل للحجر ، وأن یصعد علی الصفا ، ویستقبل الرکن العراقی ، ویحمد الله ویثنی علیه ، وأن یطیل الوقوف علی الصفا ، ویکبّر الله سبعا ، ویهلّل الله سبعا ، ویقول : لا إله إلا الله ، وحده لا شریک له ، له الملک وله الحمد ، یحیی ویمیت ، وهو حی لا یموت ، بیده الخیر ، وهو علی کل شی ء قدیر ، ثلاثا ، ویدعو بالدعاء المأثور ).

یدل علی هذه الجملة روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله حین فرغ من طوافه ورکعتیه قال : ابدؤا بما بدأ الله به إن الله عزّ وجلّ یقول ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) (2) قال أبو عبد الله علیه السلام : « ثم اخرج إلی الصفا من الباب الذی خرج منه رسول الله صلی الله علیه و آله ، وهو الباب الذی یقابل الحجر الأسود ، حتی تقطع الوادی وعلیک السکینة والوقار ، فاصعد علی الصفا حتی تنظر إلی البیت ، وتستقبل الرکن الذی فیه الحجر الأسود ، فاحمد الله عزّ وجلّ وأثن علیه ، واذکر من

ص: 203


1- التهذیب 5 : 145 - 478 ، الوسائل 9 : 515 أبواب السعی ب 2 ح 4.
2- البقرة : 158.

______________________________________________________

آلائه وبلائه وحسن ما صنع إلیک ما قدرت علی ذکره ، ثم کبر الله سبعا وهلله سبعا وقل : لا إله إلا الله ، وحده لا شریک له ، له الملک وله الحمد یحیی ویمیت وهو علی کل شی ء قدیر ، ثلاث مرات ، ثم صل علی النبی صلی الله علیه و آله وقل : الله أکبر ، الحمد لله علی ما هدانا ، والحمد لله علی ما أبلانا ، والحمد لله الحی القیوم ، والحمد لله الحی الدائم ، ثلاث مرات ، وقل : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، لا نعبد إلا إیاه ، مخلصین له الدین ولو کره المشرکون ، ثلاث مرات ، اللهم إنی أسألک العفو والعافیة ، والیقین فی الدنیا والآخرة ، ثلاث مرات ، اللهم ( آتِنا فِی الدُّنْیا حَسَنَةً ، وَفِی الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النّارِ ) ، ثلاث مرات ، ثم کبر مائة مرة ، وهلل مائة مرة ، واحمد الله مائة مرة ، وسبح مائة مرة ، وتقول : لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده ، فله الملک وله الحمد وحده ، اللهم بارک لی فی الموت ، وفیما بعد الموت ، اللهم إنی أعوذ بک من ظلمة القبر ووحشته ، اللهم أظلّنی فی عرشک یوم لا ظل إلا ظلک ، وأکثر من أن تستودع ربک دینک ونفسک وأهلک ، ثم تقول استودع الله الرحمن الرحیم ، الذی لا یضیّع ودائعه : دینی ونفسی وأهلی ، اللهم استعملنی علی کتابک وسنة نبیک ، وتوفنی علی ملته ، ثم أعذنی من الفتنة ، ثم تکبر ثلاثا ، ثم تعیدها مرتین ، ثم تکبر واحدة ، ثم تعیدها ، فإن لم تستطع هذا فبعضه » قال أبو عبد الله علیه السلام : « وإن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یقف علی الصفا بقدر ما یقرأ سورة البقرة مترسلا » (1).

قال الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه بعد أن أورد نحو ذلک : ثم انحدر وقف علی المرقاة الرابعة حیال الکعبة وقل : اللهم إنی أعوذ بک من عذاب القبر ، وفتنته ، وغربته ، ووحشته ، وظلمته ، وضیقه ، وضنکه ، اللهم أظلنی فی ظل عرشک یوم لا ظل إلا ظلک ، ثم انحدر عن

ص: 204


1- التهذیب 5 : 145 - 481 ، الوسائل 9 : 517 أبواب السعی ب 3 ح 2 وذیلها فی ب 4 ح 1.

______________________________________________________

المرقاة وأنت کاشف عن ظهرک وقل : یا رب العفو یا من أمر بالعفو یا من هو أولی بالعفو ، یا من یثبت علی العفو ، العفو العفو العفو ، یا جواد یا کریم یا قریب یا بعید اردد علیّ نعمتک ، واستعملنی بطاعتک ومرضاتک ، ثم امش وعلیک السکینة والوقار (1). وقد تضمنت هذه الروایة جمیع ما ذکره المصنف - رحمه الله - من الأحکام.

والظاهر أن المراد بقوله علیه السلام : « فاصعد علی الصفا حتی تنظر إلی البیت وتستقبل الرکن الذی فیه الحجر الأسود فاحمد الله. » الأمر بالصعود والنظر إلی البیت واستقبال الرکن ، لا الصعود إلی أن یری البیت ، لأن رؤیة البیت لا تتوقف علی الصعود ، ولصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن النساء یطفن علی الإبل وعلی الدواب ، أیجزیهن أن یقفن تحت الصفا والمروة؟ فقال : « نعم ، حیث یرین البیت » (2).

وبما ذکرناه أفتی الشیخ فی النهایة فقال : فإذا صعد إلی الصفا نظر إلی البیت واستقبل الرکن الذی فیه الحجر فحمد الله. (3). وذکر الشارح - رحمه الله - أن المستحب الصعود علی الصفا بحیث یری البیت ، وأن ذلک یحصل بالدرجة الرابعة (4). وهو غیر واضح.

واعلم أن الباب الذی خرج منه رسول الله صلی الله علیه و آله قد صار الآن فی داخل المسجد باعتبار توسعته ، لکن قال الشهید فی الدروس : إنه معلم بأسطوانتین هناک معروفتین فلیخرج من بینهما ، قال : والظاهر

ص: 205


1- الفقیه 2 : 319.
2- الکافی 4 : 437 - 5 ، الفقیه 2 : 257 - 1249 بتفاوت یسیر ، التهذیب 5 : 156 - 517 ، الوسائل 9 : 533 أبواب السعی ب 17 ح 1.
3- النهایة : 243.
4- المسالک 1 : 124.

والواجب فیه أربعة : النیّة. والبداءة بالصفا. والختم بالمروة.

______________________________________________________

استحباب الخروج من الباب الموازی لهما (1).

قوله : ( والواجب فیه أربعة : النیة ).

الکلام فی نیة السعی کما فی الطواف (2) ، ولتکن مقارنة للحرکة. ولا یجب الصعود علی الصفا إجماعا ، قاله فی التذکرة (3) ، لأن السعی بین الصفا والمروة یتحقق بدون ذلک ، بأن یلصق عقبه بالصفا ، فإذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب ، ولصحیحة عبد الرحمن المتقدمة. وقد تقدم استحباب الصعود ، وخصه العلامة - رحمه الله - بالرجال خاصة (4) ، وقال الشهید فی الدروس : إن الاحتیاط الترقی إلی الدرج وتکفی الرابعة (5). ولا ریب فی أولویة ما ذکره ، خصوصا مع استحضار النیة إلی أن یتجاوز الدرج.

قوله : ( والبدأة بالصفا والختم بالمروة ).

هذا قول العلماء کافة ، والنصوص الواردة مستفیضة ، منها صحیحة معاویة بن عمار المتقدمة (6). ولو عکس بأن بدأ بالمروة أعاد عامدا کان أو ناسیا أو جاهلا ، لعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار (7) قال : « من بدأ بالمروة قبل الصفا فلیطرح ما سعی ویبدأ بالصفا قبل المروة » (8).

وجوب النیة فی السعی

البدأة بالصفا والختم بالمروة

ص: 206


1- الدروس : 118.
2- فی ص 125.
3- التذکرة 1 : 366.
4- التذکرة 1 : 366 ، والمنتهی 2 : 706.
5- الدروس : 118.
6- فی ص 203.
7- فی المصدر زیادة : عن أبی عبد الله علیه السلام .
8- التهذیب 5 : 151 - 495 ، الوسائل 9 : 525 أبواب السعی ب 10 ح 1.

وأن یسعی سبعا ، یحتسب ذهابه شوطا وعوده آخر.

والمستحب أربعة : أن یکون ماشیا ، ولو کان راکبا جاز.

______________________________________________________

قوله : ( وأن یسعی سبعا یحتسب ذهابه شوطا وعوده آخر ).

هذا قول علمائنا أجمع حکاه فی المنتهی (1) ، ویدل علیه روایات کثیرة : منها ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « وطف بینهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة » (2) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن هشام بن سالم قال : سعیت بین الصفا والمروة أنا وعبید الله بن راشد فقلت له : تحفظ علیّ ، فجعل یعدّ ذاهبا وجائیا شوطا واحدا فأتممنا أربعة عشر شوطا فذکرنا ذلک لأبی عبد الله علیه السلام فقال : « وقد زادوا علی ما علیهم لیس علیهم شی ء » (3).

ویجب فی السعی الذهاب بالطریق المعهود ، فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم یجز. قال فی الدروس : وکذا لو سلک سوق اللیل (4). ومن الواجبات أیضا استقبال المطلوب بوجهه ، فلو مشی القهقری لم یجز لأنه خلاف المعهود ( فلا یتحقق به الامتثال ، أما الالتفات بالوجه فلا یضرّ قطعا ) (5).

قوله : ( والمستحب أربعة : أن یکون ماشیا ، وإن کان راکبا جاز ).

هذا قول العلماء کافة حکاه فی المنتهی (6) ، ویدل علیه صریحا ما رواه

- وجوب السعی سبعا

مستحبات السعی

ص: 207


1- المنتهی 2 : 705.
2- الکافی 4 : 434 - 6 ، الوسائل 9 : 521 أبواب السعی ب 6 ح 1.
3- التهذیب 5 : 152 - 501 ، الإستبصار 2 : 239 - 834 ، الوسائل 9 : 527 أبواب السعی ب 11 ح 1.
4- الدروس : 118.
5- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
6- المنتهی 2 : 705.

والمشی علی طرفیه. والهرولة ما بین المنارة وزقاق العطّارین ، ماشیا کان أو راکبا ،

______________________________________________________

ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : المرأة تسعی بین الصفا والمروة علی دابة أو علی بعیر قال : « لا بأس بذلک » قال : وسألته عن الرجل یفعل ذلک قال : « لا بأس به والمشی أفضل » (1).

وفی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج أنه سأل أبا إبراهیم علیه السلام عن النساء یطفن علی الإبل والدّواب بین الصفا والمروة أیجزیهن أن یقفن تحت الصفا حیث یرین البیت؟ قال : « نعم » (2).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یسعی بین الصفا والمروة علی الدابة قال : « نعم وعلی المحمل » (3).

قوله : ( والمشی علی طرفیه ، والهرولة ما بین المنارة وزقاق العطّارین ماشیا کان أو راکبا ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء أیضا ، ویدل علیه روایات : منها ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « انحدر من الصفا ماشیا إلی المروة وعلیک السکینة والوقار حتی تأتی المنارة وهی طرف المسعی فاسع ملأ فروجک وقل : « بسم الله والله أکبر وصلی الله علی محمد وأهل بیته ، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأکرم » حتی تبلغ المنارة الأخری فإذا جاوزتها فقل : « یا ذا المنّ والفضل والکرم والنعماء والجود اغفر لی ذنوبی إنه لا یغفر الذنوب إلا

ص: 208


1- الفقیه 2 : 257 - 1248 ، الوسائل 9 : 532 أبواب السعی ب 16 ح 4.
2- الکافی 4 : 437 - 5 بتفاوت یسیر ، الفقیه 2 : 257 - 1249 ، التهذیب 5 : 156 - 517 ، الوسائل 9 : 533 أبواب السعی ب 17 ح 1.
3- الکافی 4 : 437 - 1 ، الوسائل 9 : 532 أبواب السعی ب 16 ح 1.

ولو نسی الهرولة رجع القهقری ، وهرول موضعها.

______________________________________________________

أنت » ثم امش وعلیک السکینة والوقار حتی تأتی المروة فاصعد علیها حتی یبدو لک البیت واصنع علیها کما صنعت علی الصفا وطف بینهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة » (1).

وفی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لیس علی الراکب سعی ولکن لیسرع شیئا » (2).

وإنما تستحب الهرولة للرجال دون النساء ، لقوله علیه السلام فی موثقة سماعة : « وإنما السعی علی الرجال ولیس علی النساء سعی » (3) وفی روایة أبی بصیر : « لیس علی النساء جهر بالتلبیة ولا استلام الحجر ولا دخول البیت ولا سعی بین الصفا والمروة » یعنی الهرولة (4). ومن ترک الهرولة فلا شی ء علیه إجماعا قاله فی التذکرة (5) ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن سعید الأعرج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل ترک شیئا من الرّمل (6) فی سعیه بین الصفا والمروة قال : « لا شی ء علیه » (7).

قوله : ( ولو نسی الهرولة رجع القهقری وهرول موضعها ).

القهقری : الرجوع إلی خلف ، قاله فی القاموس (8). وهذا الحکم

ص: 209


1- الکافی 4 : 434 - 6 ، الوسائل 9 : 521 أبواب السعی ب 6 ح 1.
2- الکافی 4 : 437 - 6 ، الوسائل 9 : 533 أبواب السعی ب 17 ح 2 ، ورواها فی الفقیه 2 : 257 - 1250 ، والتهذیب 5 : 155 - 515.
3- الکافی 4 : 434 - 1 ، التهذیب 5 : 148 - 488 ، الوسائل 9 : 522 أبواب السعی ب 6 ح 4.
4- الکافی 4 : 405 - 8 ، الوسائل 9 : 412 أبواب الطواف ب 18 ح 1.
5- التذکرة 1 : 366.
6- الرمل بالتحریک : الهرولة - الصحاح 4 : 1713.
7- التهذیب 5 : 150 - 494 ، الوسائل 9 : 525 أبواب السعی ب 9 ح 1.
8- القاموس المحیط 2 : 128.

والدعاء فی سعیه ماشیا ومهرولا ، ولا بأس أن یجلس فی خلال السعی للراحة.

______________________________________________________

أعنی استحباب تدارک الهرولة علی هذا الوجه مع النسیان ذکره الشیخ (1) وجمع من الأصحاب ، وربما کان مستنده ما رواه الشیخ مرسلا عن أبی عبد الله وأبی الحسن موسی علیهماالسلام أنهما قالا : « من سها عن السعی حتی یصیر من السعی علی بعضه أو کلّه ثم ذکر فلا یصرف وجهه منصرفا ولکن یرجع القهقری إلی المکان الذی یجب فیه السعی » (2) وظاهر الروایة المنع من الرجوع بالوجه لکنها قاصرة من حیث السند عن إثبات التحریم ، بل یمکن المناقشة فی أصل الحکم لضعف مستنده. وهل استحباب العود مخصوص بمن ذکرها فی ذلک الشوط ، أم یرجع إلی الشوط الذی نسیها فیه وإن تجاوزه؟ وجهان أظهرهما الأول.

قوله : ( والدعاء فی سعیه ماشیا ومهرولا ).

قد تقدم ذکر الدعاء فی حسنة معاویة بن عمار (3).

قوله : ( ولا بأس أن یجلس فی خلال السعی للراحة ).

هذا قول معظم الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل روایات : منها صحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یطوف بین الصفا والمروة أیستریح؟ قال : « نعم إن شاء جلس علی الصفا والمروة وبینهما فیجلس » (4).

وصحیحة علیّ بن رئاب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یعیا فی الطواف أله أن یستریح؟ قال : « نعم یستریح ثم یقوم فیبنی علی

ص: 210


1- النهایة : 245 ، والمبسوط 1 : 363.
2- التهذیب 5 : 453 - 1581 ، الوسائل 9 : 525 أبواب السعی ب 9 ح 2.
3- المتقدمة فی ص 208.
4- الکافی 4 : 437 - 3 ، التهذیب 5 : 156 - 516 ، الوسائل 9 : 535 أبواب السعی ب 20 ح 1.

الأولی : السعی رکن ، من ترکه عامدا بطل حجه. ولو کان ناسیا وجب علیه الإتیان به. فإن خرج عاد لیأتی به. فإن تعذر علیه استناب فیه.

______________________________________________________

طوافه فی فریضة وغیرها ویفعل ذلک فی سعیه وجمیع مناسکه » (1).

ونقل عن الحلبیین أنهما منعا من الجلوس بین الصفا والمروة إلاّ مع الإعیاء (2). وربما کان مستندهما ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا یجلس بین الصفا والمروة إلاّ من جهد » (3) والجواب بالحمل علی الکراهة جمعا بین الأدلة.

قوله : ( ویلحق بهذا الباب مسائل ، الأولی : السعی رکن من ترکه عامدا بطل حجه ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب حکاه فی التذکرة والمنتهی (4) ، ویدل علیه روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « من ترک السعی متعمّدا فعلیه الحج من قابل » (5) وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی السعی بین کونه للحج أو العمرة ، والکلام فیما یتحقق به الترک کما سبق فی الطواف (6).

قوله : ( ولو کان ناسیا وجب علیه الإتیان به ، فإن خرج عاد لیأتی به ، فإن تعذر علیه استناب فیه ).

السعی رکن

حکم ناسی السعی

ص: 211


1- الکافی 4 : 416 - 4 ، قرب الإسناد : 77 ، الوسائل 9 : 454 أبواب الطواف ب 46 ح 1.
2- ابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 579 ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 196.
3- الفقیه 2 : 258 - 1251 ، الوسائل 9 : 536 أبواب السعی ب 20 ح 4.
4- التذکرة 1 : 366 ، والمنتهی 2 : 706.
5- التهذیب 5 : 471 - 1651 ، الوسائل 9 : 523 أبواب السعی ب 7 ح 2.
6- راجع ص 172.

______________________________________________________

أما وجوب الإتیان به مع النسیان والعود لاستدراکه فظاهر ، لتوقف الامتثال علیه ، ولما رواه الکلینی فی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فرجل نسی السعی بین الصفا والمروة؟ قال : « یعید السعی » قلت : فاته ذلک حتی خرج؟ قال : « یرجع فیعید السعی » (1).

وأما أنه تجب الاستنابة فیه مع تعذر العود - والظاهر أن المراد به المشقة اللازمة من ذلک (2) - فیدل علیه روایات کثیرة : منها صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن رجل نسی أن یطوف بین الصفا والمروة. فقال : « یطاف عنه » (3).

وروایة زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل نسی أن یطوف بین الصفا والمروة حتی یرجع إلی أهله فقال : « یطاف عنه » (4) ، وإنما حملناهما علی ما إذا تعذر العود جمعا بینهما وبین روایة معاویة بن عمار المتقدمة المتضمنة لوجوب العود لاستدراک السعی ، لکن الظاهر منها حصول الذکر حین الخروج من مکة.

وکیف کان فلا ریب فی جواز الاستنابة إذا شقّ العود. ولا یحلّ لمن أخلّ بالسعی ما یتوقف علیه من المحرمات کالنساء حتی یأتی به کملا بنفسه أو بنائبه ، وهل تلزمه الکفارة لو ذکر ثم واقع؟ لم أقف فیه علی نص ، ولکن الحکم بوجوبها علی من ظن إتمام السعی فواقع ثم تبین النقص کما سیأتی یقتضی الوجوب هنا بطریق أولی. وفی إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسی وجهان أظهرهما الأول.

ص: 212


1- الکافی 4 : 484 - 1 ، الوسائل 9 : 524 أبواب السعی ب 8 ح 1.
2- فی « ح » زیادة : کما فی الطواف.
3- الفقیه 2 : 256 - 1244 ، التهذیب 5 : 472 - 1658 ، الوسائل 9 : 524 أبواب السعی ب 8 ح 3.
4- التهذیب 5 : 150 - 493 ، الإستبصار 2 : 239 - 830 ، الوسائل 9 : 524 أبواب السعی ب 8 ح 2.

الثانیة : لا تجوز الزیادة علی سبعة ، ولو زاد عامدا بطل ، ولا تبطل بالزیادة سهوا.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة : لا تجوز الزیادة علی سبعة ، ولو زاد عامدا بطل ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه عن عبد الله بن محمد ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : « الطواف المفروض إذا زدت علیه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت علیها فعلیک الإعادة ، وکذلک السعی » (1) وهذه الروایة ضعیفة السند باشتراک الراوی بین الثقة والضعیف (2) ، ومع ذلک فالزیادة إنما یتحقق بالإتیان بما زاد علی سبعة علی أنه من جملة السعی المأمور به ، فلو تردد فی أثناء الشوط أو رجع بوجهه ثم عاد لم یکن ذلک قادحا فی الصحة قطعا.

قوله : ( ولا تبطل بالزیادة سهوا ).

لا ریب فی عدم البطلان بذلک. ویتخیر من زاد ساهیا بین طرح الزیادة والاعتداد بالسبعة ، وبین إکمال أسبوعین ویکون الثانی مستحبا ، أما طرح الزائد فیدل علیه مضافا إلی الأصل صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی إبراهیم علیه السلام : فی رجل سعی بین الصفا والمروة ثمانیة أشواط ما علیه؟ فقال : « إن کان خطأ طرح واحدا واعتدّ بسبعة » (3).

وصحیحة جمیل بن دراج قال : حججنا ونحن صرورة فسعینا بین الصفا

حکم الزیادة علی السبع

ص: 213


1- التهذیب 5 : 151 - 498 ، الإستبصار 2 : 239 - 831 ، الوسائل 9 : 438 أبواب الطواف ب 34 ح 11.
2- فی « ض » : وغیره.
3- الکافی 4 : 436 - 2 ، الفقیه 2 : 257 - 1246 ، التهذیب 5 : 472 - 1660 ، الإستبصار 2 : 239 - 832 ، الوسائل 9 : 528 أبواب السعی ب 13 ح 3.

ومن تیقن عدد الأشواط وشک فیما به بدأ ، فإن کان فی المزدوج علی الصفا فقد صحّ سعیه لأنه بدأ به ، وإن کان علی المروة أعاد. وینعکس الحکم مع انعکاس الفرض.

______________________________________________________

والمروة أربعة عشر شوطا فسألنا أبا عبد الله علیه السلام عن ذلک فقال : « لا بأس سبعة لک وسبعة تطرح » (1) ویستفاد من هذه الروایة إلحاق الجاهل بالناسی فی هذا الحکم.

وأما إکمال أسبوعین فیدل علیه صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « إن فی کتاب علیّ علیه السلام : إذا طاف الرجل بالبیت ثمانیة أشواط الفریضة واستیقن ثمانیة أضاف إلیها ستا ، وکذلک إذا استیقن أنه سعی ثمانیة أضاف إلیها ستا » (2) وإنما یتخیر بین الطرح والإکمال إذا لم یقع التذکر إلاّ بعد إکمال الثامن وإلاّ تعین القطع ، لاختصاص الروایة المتضمنة للإکمال بما إذا لم یحصل التذکر حتی أتمّ الثمانیة ، ومتی أکمل الزائد أسبوعین کان الثانی مستحبا لجواز الطرح ، ولا یشرع استحباب السعی إلاّ هنا ، ولا یشرع ابتداء مطلقا.

قوله : ( ومن تیقن عدد الأشواط وشک فیما به بدأ فإن کان فی المزدوج علی الصفا فقد صحّ سعیه لأنه بدأ به ، وإن کان علی المروة أعاد )

هذا إنما یکون شکا فی ابتداء الأمر وإلاّ فبعد العلم بکون عدده زوجا وهو علی الصفا یتحقق البدأة به کما أنه إذا علم ذلک وهو علی المروة یکون قد بدأ به ولا یکون من الشک فی شی ء إلاّ بالاعتبار الذی ذکرناه.

قوله : ( وینعکس الحکم مع انعکاس الفرض ).

حکم الشک فیما بدأ به

ص: 214


1- الکافی 4 : 436 - 3 ، التهذیب 5 : 152 - 500 ، الإستبصار 2 : 239 - 833 ، الوسائل 9 : 529 أبواب السعی ب 13 ح 5.
2- التهذیب 5 : 152 - 502 ، الإستبصار 2 : 240 - 835 ، الوسائل 9 : 438 أبواب الطواف ب 34 ح 10.

الثالثة : من لم یحصل عدد سعیه أعاده ، ومن تیقن النقیصة أتی بها.

______________________________________________________

المراد بانعکاس الفرض والحکم أنه إن کان فی الفرد علی الصفا أعاد وإن کان علی المروة صحّ سعیه ، لأنه یکون قد بدأ بالمروة فی الأول وبالصفا فی الثانی ، وبهذا المعنی صرّح فی النافع (1). وذکر المحقق الشیخ علی فی حواشیه أن المراد بانعکاس الفرض أن یتیقن ما به بدأ ویشک فی العدد ، وبانعکاس الحکم البطلان إن کان علی الصفا ، لعدم تحقق الإکمال ، وعدم جوازه حذرا من الزیادة ، والصحة إن کان علی المروة ، لأن الأصل عدم الزائد. ولا یخفی بعد هذا التوجیه وأنه إنما یتم إذا وقع الشک بعد إکمال العدد وموضوع المسألة أعم منه ، مع أن حکم الشک فی العدد قد ذکره المصنف بعد هذه المسألة بغیر فصل فلا وجه لحمل العبارة علیه.

قوله : ( الثالثة : من لم یحصل عدد سعیه أعاده ).

المراد بعدم تحصیل العدد الشک فیه ، وقد قطع الأصحاب بإعادة السعی بذلک ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة سعید بن یسار : « وإن لم یکن حفظ أنه سعی ستة فلیعد فلیبتدئ السعی حتی یکمل سبعة أشواط » (2) ویستثنی من ذلک ما لو شک فیه بین الإکمال والزیادة علی وجه لا ینافی البدأة بالصفا کما لو شک بین السبعة والتسعة وهو علی المروة فإنه لا یعید ، لتحقق الإکمال ، وأصالة عدم الزیادة ، ولو کان علی الصفا أعاد.

قوله : ( ومن تیقن النقیصة أتی بها ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین أن یذکرها قبل فوات الموالاة أو بعدها ، وبهذا التعمیم صرّح فی التذکرة فقال : لو سعی أقل من سبعة أشواط ولو خطوة وجب علیه الإتیان بها ولا یحصل له ما یحرم علی المحرم قبل الإتیان به ، فإن رجع إلی بلده وجب علیه العود مع المکنة وإتمام السعی ، لأن

حکم الشک فی عدد السعی

حکم تیقن النقیصة

ص: 215


1- المختصر النافع : 96.
2- التهذیب 5 : 153 - 504 ، الوسائل 9 : 529 أبواب السعی ب 14 ح 1.

ولو کان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتمّ فأحل وواقع النساء ثم ذکر ما نقص کان علیه دم بقرة علی روایة ویتمّ النقصان. وکذا قیل لو قلّم أظفاره أو قصّ شعره.

______________________________________________________

الموالاة لا تجب فیه إجماعا (1). ونحوه قال فی المنتهی وقال : إنه لا یعرف فیه خلافا (2). ویدل علیه مضافا إلی الأصل قوله علیه السلام فی صحیحة سعید بن یسار : « فإن کان یحفظ أنه سعی ستة أشواط فلیعد ولیتم شوطا » وغیر ذلک من الأخبار.

قوله : ( ولو کان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتمّ فأحل وواقع النساء ثم ذکر ما نقص ، کان علیه دم بقرة علی روایة ، ویتم النقصان ، وکذا قیل لو قلم أظفاره أو قصّ شعره ).

الروایة التی أشار إلیها المصنف رواها الشیخ ، عن عبد الله بن مسکان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بین الصفا والمروة ستة أشواط وهو یظن أنها سبعة فذکر بعد ما أحلّ وواقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط فقال : « علیه بقرة یذبحها ویطوف شوطا آخر » (3) وهذه الروایة تتناول بإطلاقها طواف العمرة وطواف الحج ، لکن فی طریقها محمد بن سنان وهو ضعیف.

والقول بإلحاق القلم وقصّ الشعر بالوقاع للشیخ (4) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن سعید بن یسار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل متمتع سعی بین الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع إلی منزله وهو یری أنه قد فرغ منه وقلم أظفاره

حکم المجامع الظان تمام الحج ثم ذکر

ص: 216


1- التذکرة 1 : 367.
2- المنتهی 2 : 707.
3- التهذیب 5 : 153 - 505 ، الوسائل 9 : 529 أبواب السعی ب 14 ح 2.
4- التهذیب 5 : 153 ، والنهایة : 245 ، والمبسوط 1 : 362.

______________________________________________________

وأحل ثم ذکر أنه سعی ستة أشواط فقال لی : « یحفظ أنه قد سعی ستة أشواط فإن کان یحفظ أنه قد سعی ستة أشواط فلیعد ولیتم شوطا ولیرق دما » فقلت : دم ما ذا؟ فقال : « بقرة » ، قال : « وإن لم یکن حفظ أنه سعی ستة أشواط فلیبتدئ السعی حتی یکمل سبعة أشواط ثم لیرق دم بقرة » (1) وفی الروایتین مخالفة للقواعد الشرعیة من وجوب الکفارة علی الناسی فی غیر الصید ، ووجوب البقرة فی تقلیم الأظفار مع أن الواجب بمجموعها شاة ، ووجوبها فی الجماع مطلقا مع أن الواجب به مع العلم بدنة ولا شی ء مع النسیان ، ومساواة القلم للجماع والحال أنهما مفترقان فی الحکم فی غیر هذه المسألة ، ولأجل هذه المخالفات حملهما بعض الأصحاب علی الاستحباب ، وبعضهم (2) تلقاهما بالقبول ولم یلتفت إلی هذه المخالفات ، فإن العقل لا یأباها بعد ورود النص بها.

قال الشارح : ویمکن توجیه هذه الأخبار بأن الناسی وإن کان معذورا لکن هناک قد قصّر حیث لم یلحظ النقص ، فإن من قطع السعی علی ستة أشواط یکون قد ختم بالصفا وهو واضح الفساد فلم یعذر بخلاف الناسی غیره فإنه معذور ، لکن یبقی أن المصنف فرض المسألة فیمن فعل ذلک قبل إتمام السعی من غیر تقیید بالستة فیشتمل ما لو قطع فی المروة علی خمسة وهو محل العذر (3). هذا کلامه - رحمه الله - وما ذکره من التوجیه جید بالنظر إلی الخبرین المتضمنین للحکمین ، إذ به یرتفع بعض المخالفات ، لکن قد عرفت أن الروایة الأولی ضعیفة ، والروایة الثانیة إنما تدل علی وجوب البقرة بالقلم قبل إکمال السعی إذا قطعه علی ستة أشواط فی عمرة التمتع فیمکن القول بوجوبها أخذا بظاهر الأمر ، ویمکن حملها علی الاستحباب کما اختاره

ص: 217


1- التهذیب 5 : 153 - 504 ، الوسائل 9 : 529 أبواب السعی ب 14 ح 1.
2- کالعلامة فی المنتهی 2 : 707.
3- المسالک 1 : 125.

الرابعة : لو دخل وقت فریضة وهو فی السعی قطعه وصلی ثم أتمه ، وکذا لو قطعه لحاجة له أو لغیره.

______________________________________________________

الشیخ فی أحد قولیه (1) وابن إدریس (2) نظرا إلی ما ذکر من المخالفة ، والمسألة محل تردد.

قوله : ( الرابعة : لو دخل وقت الفریضة وهو فی السعی قطعه وصلّی ثم أتمّه ، وکذا لو قطعه لحاجة له أو لغیره ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من جواز قطع السعی فی هاتین الصورتین والبناء مطلقا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه لا یعرف فیه خلافا (3). ونقل عن المفید وأبی الصلاح وسلار أنهم جعلوا ذلک کالطواف فی اعتبار مجاوزة النصف (4). والمعتمد الأول.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل ، وما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یدخل فی السعی بین الصفا والمروة فیدخل وقت الصلاة ، أیخفف أو یصلی ثم یعود أو یلبث کما هو علی حاله حتی یفرغ؟ فقال : « أو لیس علیهما مسجد؟! لا بل یصلی ثم یعود » قلت : ویجلس علی الصفا والمروة؟ قال : « نعم » (5).

جواز قطع السعی لاداء الفریضة أو حاجة

ص: 218


1- المبسوط 1 : 337 ، قال : وإن کان قد انصرف من السعی ظنا منه أنه تممه ثم جامع لم تلزمه الکفارة وکان علیه تمام السعی ، لأن هذا فی حکم الساهی. ولم یصرح بالاستحباب.
2- السرائر : 129. قال فی باب الکفارات بعد أن أوجب علی ظان إتمام السعی بدنة أو بقرة : وهذا لیس هو بحکم الناسی. وقال فی ص : 2. وإن کان قد واقع أهله قبل إتمامه السعی وجب علیه دم بقرة وکذلک إن قصر أو قلم أظفاره کان علیه دم بقرة وإتمام ما نقص من السعی إذا فعل ذلک عامدا. ولم یصرح بالاستحباب.
3- التذکرة 1 : 367.
4- نقله عنهم فی المختلف : 294.
5- الفقیه 2 : 258 - 1252 ، التهذیب 5 : 156 - 519 ، الوسائل 9 : 534 أبواب السعی ب 18 ح 1.

الخامسة : لا یجوز تقدیم السعی علی الطواف ، کما لا یجوز تقدیم طواف النساء علی السعی. فإن قدمه طاف ثم أعاد السعی.

______________________________________________________

وما رواه ابن بابویه فی الموثق ، عن ابن فضال قال : سأل محمد بن علی أبا الحسن علیه السلام فقال له : سعیت شوطا ثم طلع الفجر فقال : « صلّ ثم عد فأتم سعیک » (1).

وفی الصحیح ، عن علی بن النعمان وصفوان ، عن یحیی الأزرق قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یسعی بین الصفا والمروة فیسعی ثلاثة أشواط أو أربعة فیلقاه الصدیق فیدعوه إلی الحاجة أو إلی الطعام قال : « إن أجابه فلا بأس ولکن یقضی حق الله عزّ وجلّ أحبّ إلیّ من أن یقضی حق صاحبه » (2).

ولم یتعرض الأکثر لجواز قطعه اختیارا فی غیر هاتین الصورتین ، لکن مقتضی الإجماع المنقول (3) علی عدم وجوب الموالاة فیه الجواز مطلقا ، ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی عدم قطعه فی غیر المواضع المنصوصة.

قوله : ( الخامسة : لا یجوز تقدیم السعی علی الطواف کما لا یجوز تقدیم طواف النساء علی السعی ، فإن قدّمه طاف ثم أعاد السعی ).

أما أنه لا یجوز تقدیم السعی علی الطواف فلا خلاف فیه بین الأصحاب ، ویدل علیه الروایات الکثیرة المتضمنة لبیان أفعال الحج والعمرة حیث یذکر فیها الطواف أولا ثم السعی ، وصحیحة منصور بن حازم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل طاف بین الصفا والمروة قبل أن یطوف

عدم جواز تقدیم السعی علی الطواف

ص: 219


1- الفقیه 2 : 258 - 1254 ، الوسائل 9 : 534 أبواب السعی ب 18 ح 2.
2- الفقیه 2 : 258 - 1253 ، الوسائل 9 : 535 أبواب السعی ب 19 ح 1. ورواها فی التهذیب 5 :2. 520.
3- کما فی التذکرة 1 : 367.

ولو ذکر فی أثناء السعی نقصانا من طوافه - قطع - السعی.

______________________________________________________

بالبیت فقال : « یطوف بالبیت ثم یعود إلی الصفا والمروة فیطوف بینهما » (1).

وصرح الشهید فی الدروس بأن من قدم السعی علی الطواف یجب علیه إعادة السعی وإن کان سهوا (2). وهو کذلک ، لتوقف الامتثال علیه.

وأما أنه لا یجوز تقدیم طواف النساء علی السعی فیدل علیه مضافا إلی الروایات المتضمنة لکیفیة الحج والعمرة خصوص روایة أحمد بن محمد ، عمّن ذکره قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : جعلت فداک متمتع زار البیت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعی فقال : « لا یکون السعی إلاّ من قبل طواف النساء » فقلت : أعلیه شی ء؟ فقال : « لا یکون سعی إلاّ قبل طواف النساء » (3).

وقد صرح المصنف فیما سبق (4) وغیره (5) بأن من قدّم طواف النساء علی السعی ساهیا لا یجب علیه الإعادة ، وعلی هذا المعنی حمل الشیخ فی التهذیب ما رواه فی الموثق ، عن سماعة بن مهران ، عن أبی الحسن الماضی علیه السلام قال : سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن یسعی بین الصفا والمروة فقال : « لا یضرّه یطوف بین الصفا والمروة وقد فرغ من حجه » (6).

قوله : ( ولو ذکر فی أثناء السعی نقصانا من طوافه قطع السعی

عدم جواز تقدیم طواف النساء علی السعی

حکم من ذکر نقصان الطواف فی السعی

ص: 220


1- الکافی 4 : 421 - 2 ، التهذیب 5 : 129 - 426 ، الوسائل 9 : 472 أبواب الطواف ب 63 ح 2.
2- الدروس : 117.
3- الکافی 4 : 512 - 5 ، التهذیب 5 : 133 - 438 ، الإستبصار 2 : 231 - 799 ، الوسائل 9 : 475 أبواب الطواف ب 65 ح 1.
4- فی ص 190.
5- کالشیخ فی المبسوط 1 : 359 ، والعلامة فی التذکرة 1 : 367.
6- التهذیب 5 : 133 - 439 ، الوسائل 9 : 475 أبواب الطواف ب 65 ح 2.

وأتم الطواف ثم أتم السعی.

______________________________________________________

وأتمّ الطواف ثم أتمّ السعی ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین من تجاوز فی طوافه النصف ومن لم یتجاوز ، وخصّه الشارح بالأول وأوجب الإعادة فی الثانی (1). والأصل فی هذه المسألة ما رواه الشیخ ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل طاف بالبیت ثم خرج إلی الصفا فطاف به ثم ذکر أنه بقی علیه من طوافه شی ء فأمره أن یرجع إلی البیت فیتمّ ما بقی من طوافه ثم یرجع إلی الصفا فیتمّ ما بقی ، فقلت له : فإنه طاف بالصفا وترک البیت قال : « یرجع إلی البیت فیطوف به ثم یستقبل طواف الصفا » فقلت له : فما الفرق بین هذین؟ فقال : « لأنه قد دخل فی شی ء من الطواف وهذا لم یدخل فی شی ء منه » (2) وهذا التعلیل کالصریح فی عدم الفرق بین تجاوز النصف وعدمه ، لکن الروایة قاصرة من حیث السند (3) فیمکن المصیر إلی ما اعتبره الشارح من التقیید ، إذ الظاهر أنه لا خلاف فی البناء مع تجاوز النصف ، ومع ذلک فلا ریب أن الإتمام ثم الاستئناف طریق الاحتیاط.

ولو ذکر فی أثناء السعی أنه لم یصل الرکعتین قطع السعی وأتی بهما ثم أتمّ سعیه من حیث قطع ، لصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن رجل یطوف بالبیت ثم ینسی أن یصلی الرکعتین حتی یسعی بین الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقل من ذلک قال : « ینصرف حتی یصلی الرکعتین ثم یأتی مکانه الذی کان فیه ویتم سعیه » (4).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی

ص: 221


1- المسالک 1 : 125.
2- التهذیب 5 : 130 - 428 ، الوسائل 9 : 472 أبواب الطواف ب 63 ح 3.
3- لوقوع عبد الله بن جبلة فی طریقها وهو واقفی ، ولأن راویها وهو إسحاق بن عمار فطحی - راجع رجال النجاشی : 216 - 563 ، والفهرست : 15 - 52.
4- التهذیب 5 : 143 - 474 ، الوسائل 9 : 490 أبواب الطواف ب 77 ح 3.

القول فی الأحکام المتعلقة بمنی بعد العود.

وإذا قضی الحاج مناسکه بمکة من طواف الزیارة والسعی وطواف النساء فالواجب العود إلی منی للمبیت بها. ویجب علیه أن یبیت [ بها ] لیلتی الحادی عشر والثانی عشر.

______________________________________________________

رجل طاف طواف الفریضة ونسی الرکعتین حتی طاف بین الصفا والمروة ثم ذکر قال : « یعلم ذلک المکان ثم یعود فیصلی الرکعتین ثم یعود إلی مکانه » (1) قال ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه بعد أن أورد هذه الروایة : وقد رخّص له أن یتمّ طوافه ثم یرجع فیرکع خلف المقام روی ذلک محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام فبأیّ الخبرین أخذ جاز.

قوله : ( القول فی الأحکام المتعلقة بمنی بعد العود. فإذا قضی الحاج مناسکه بمکة من طواف الزیارة والسعی وطواف النساء فالواجب العود إلی منی للمبیت بها فیجب علیه أن یبیت بها لیلتی الحادی عشر والثانی عشر )

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب علی ما نقله جماعة منهم العلاّمة فی المنتهی (2) ، ووافقنا علیه أکثر العامة (3). والأصل فیه ما روی عن ابن عباس أنه قال : لم یرخص النبی صلی الله علیه و آله لأحد أن یبیت بمکة إلاّ العباس من أجل سقایته (4) ویدل علیه من طریق الأصحاب روایات کثیرة : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تبت لیالی التشریق إلاّ بمنی » (5) ونقل عن الشیخ فی

أحکام منی بعد العود ورمی

الجمار العود إلی منی بعد مناسک مکة

ص: 222


1- الفقیه 2 : 253 - 1224 ، الوسائل 9 : 489 أبواب الطواف ب 77 ح 1.
2- المنتهی 2 : 769.
3- نقله عن أحمد والخرقی وعروة ومجاهد وإبراهیم وعطاء ومالک والشافعی فی المغنی والشرح الکبیر 3 : 482 ، ومغنی المحتاج 1 : 505.
4- علل الشرائع : 451 - 1 ، الوسائل 10 : 210 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 21.
5- التهذیب 5 : 258 - 878 ، الإستبصار 2 : 293 - 1045 ، الوسائل 10 : 207 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 8 ، ورواها فی الکافی 4 : 514 - 1.

فلو بات بغیرها کان علیه عن کل لیلة شاة ،

______________________________________________________

التبیان القول باستحباب المبیت (1) ، وهو نادر.

قوله : ( فإن بات بغیرها کان علیه عن کل لیلة شاة ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وأسنده العلاّمة فی المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الاتفاق علیه (2). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن صفوان قال ، قال أبو الحسن علیه السلام : « سألنی بعضهم عن رجل بات لیلة من لیالی منی بمکة فقلت : لا أدری » فقلت له : جعلت فداک ما تقول فیها؟ قال علیه السلام : « علیه دم إذا بات » فقلت : إن کان إنما حبسه شأنه الذی کان فیه من طوافه وسعیه ، لم یکن لنوم ولا لذة أعلیه مثل ما علی هذا؟ قال : « لیس هذا بمنزلة هذا ، وما أحب أن ینشقّ له الفجر إلاّ وهو بمنی » (3).

وفی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر ، عن أخیه علیه السلام عن رجل بات بمکة فی لیالی منی حتی أصبح قال : « إن کان أتاها نهارا فبات فیها حتی أصبح فعلیه دم یهریقه » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عیص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل فاتته لیلة من لیالی منی قال : « لیس علیه شی ء وقد أساء » (5) وفی الصحیح ، عن سعید بن یسار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : فاتتنی لیلة المبیت بمنی من شغل

حکم من بات بغیر منی

ص: 223


1- التبیان 2 : 154.
2- المنتهی 2 : 770.
3- التهذیب 5 : 257 - 871 ، الإستبصار 2 : 292 - 1038 ، الوسائل 10 : 207 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 5.
4- التهذیب 5 : 257 - 873 ، الإستبصار 2 : 257 - 1040 ، الوسائل 10 : 206 أبواب العود إلی منی ب 7 ح 2.
5- التهذیب 5 : 257 - 874 ، الإستبصار 2 : 292 - 1041 ، الوسائل 10 : 207 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 7.

______________________________________________________

قال : « لا بأس » (1) لأنهما محمولان علی من بات بمکة مشغولا بالدعاء والمناسک ، أو علی من خرج من منی بعد انتصاف اللیل کما ذکره الشیخ فی التهذیب (2).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین العالم والجاهل ، وفی بعض الحواشی المنسوبة إلی شیخنا الشهید : أن الجاهل لا شی ء علیه (3). وهو محتمل ، ویمکن حمل الروایتین المتقدمتین علیه ، بل لو لا تخیل الإجماع علی هذا الحکم لأمکن القول بمضمونها وحمل علی ما تضمن لزوم الدم علی الاستحباب.

واعلم أن أقصی ما یستفاد من الروایات ترتب الدم علی مبیت اللیالی المذکورة فی غیر منی بحیث یکون خارجا عنها من أول اللیل إلی آخره ، بل أکثر الأخبار المعتبرة إنما تدل علی ترتب الدم علی مبیت هذه اللیالی بمکة ، ویؤکّد هذا الاختصاص ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا زار الحاج من منی فخرج من مکة فجاوز بیوت مکة فنام ثم أصبح قبل أن یأتی منی فلا شی ء علیه » (4) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی الرجل یزور فینام دون منی فقال : « إذا جاز عقبة المدنیین فلا بأس أن ینام » (5) وفی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من زار فنام فی الطریق فإن بات بمکة فعلیه دم ، وإن

ص: 224


1- التهذیب 5 : 257 - 875 ، الإستبصار 2 : 293 - 1042 ، الوسائل 10 : 208 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 12.
2- التهذیب 5 : 258.
3- نقله عنه فی جامع المقاصد 1 : 174.
4- الفقیه 2 : 287 - 1411 ، الوسائل 10 : 209 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 17.
5- التهذیب 5 : 259 - 880 ، الإستبصار 2 : 294 - 1047 ، الوسائل 10 : 209 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 15.

إلا أن یبیت بمکة مشتغلا بالعبادة ،

______________________________________________________

کان قد خرج منها فلیس علیه شی ء وإن أصبح دون منی » (1) والمسألة قویة الإشکال.

وقد ذکر الشیخ (2) وأکثر الأصحاب أنه قد رخص فی ترک المبیت لثلاثة : الرعاة ما لم تغرب علیهم الشمس بمنی ، وأهل سقایة العباس وإن غربت علیهم بمنی ، ومن اضطر إلی الخروج من منی لخوف علی النفس أو المال المضرّ فوته أو لتمریض مریض ونحو ذلک.

وتسقط الفدیة عن أهل السقایة والرعاة فیما قطع به الأصحاب ، وفی سقوطها عن المضطر وجهان ، أظهرهما ذلک ، تمسّکا بمقتضی الأصل ، والتفاتا إلی انتفاء العموم فی الأخبار المتضمنة للفدیة علی وجه یتناول المضطر ، وأن الظاهر کون الفدیة کفارة عن ترک الواجب وهو منتف هنا.

قوله : ( إلاّ أن یبیت بمکة مشتغلا بالعبادة ).

المراد أن من بات بمکة مشتغلا بالعبادة فی اللیالی التی یجب فیها المبیت بمنی لو لم یلزمه دم ، والظاهر أن المبیت علی هذا الوجه یکون جائزا سواء کان خروجه من منی لذلک قبل غروب الشمس أو بعده.

ونقل عن ابن إدریس أنه أوجب الکفارة علی المشتغل بالعبادة کغیره (3). وهو ضعیف.

لنا : ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل زار البیت فلم یزل فی طوافه ودعائه والسعی والدعاء حتی طلع الفجر قال : « لیس علیه شی ء کان فی طاعة الله

جواز البیتوتة بمکة للعبادة

ص: 225


1- التهذیب 5 : 259 - 881 ، الإستبصار 2 : 294 - 1048 ، الوسائل 10 : 209 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 16.
2- الخلاف 1 : 461.
3- السرائر : 142.

______________________________________________________

عزّ وجلّ » (1).

وقد نصّ الشهیدان علی أنه یجب استیعاب اللیلة بالعبادة إلاّ ما یضطر إلیه من غذاء أو شراب أو نوم یغلب علیه ، وصرّحا بأنه إذا أکمل الطواف والسعی قبل الفجر وجب علیه إکمال اللیلة بما شاء من العبادة (2). والأخبار لا تعطی ذلک.

واحتمل فی الدروس کون قدر الواجب ما کان یجب علیه بمنی وهو أن یتجاوز نصف اللیل (3). وهو غیر واضح أیضا.

وکیف کان فالأظهر أنه یجوز له الرجوع إلی منی لیلا ولو علم أنه لا یدرکها قبل الانتصاف ، کما هو ظاهر اختیار الشهید فی الدروس (4) ، لإطلاق قوله علیه السلام فی صحیحة جمیل بن دراج : « من زار فنام فی الطریق فإن بات بمکة فعلیه دم وإن کان قد خرج منها فلیس علیه شی ء وإن أصبح دون منی » (5) وفی صحیحة معاویة بن عمار : « لا تبت لیالی التشریق إلاّ بمنی ، فإن بتّ فی غیرها فعلیک دم ، فإن خرجت أول اللیل فلا ینتصف اللیل إلاّ وأنت فی منی إلاّ أن یکون شغلک فی نسکک أو قد خرجت من مکة » (6).

ویستفاد من روایة صفوان المتقدمة (7) أن العود إلی منی قبل طلوع الفجر أولی من البقاء فی مکة للعبادة حیث قال فیها : « وما أحب له أن ینشق الفجر إلاّ وهو بمنی » ویشهد له أیضا صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما

ص: 226


1- الفقیه 2 : 286 - 1407 ، التهذیب 5 : 258 - 876 ، الإستبصار 2 : 293 - 1043 ، الوسائل 10 : 208 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 13.
2- الشهید الأول فی الدروس : 134 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 125.
3- الدروس : 134.
4- الدروس : 134.
5- المتقدمة فی ص 224.
6- الکافی 4 : 514 - 1 ، التهذیب 5 : 258 - 878 ، الإستبصار 2 : 293 - 1045 ، الوسائل 10 : 207 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 8.
7- فی ص 223.

أو یخرج من منی بعد نصف اللیل. وقیل : بشرط أن لا یدخل مکة إلا بعد طلوع الفجر.

______________________________________________________

علیهماالسلام أنه قال : « فی الزیارة إذا خرجت من منی قبل غروب الشمس فلا تصبح إلاّ بمنی » (1) وصحیحة العیص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الزیارة من منی قال : « إن زار بالنهار أو عشاء فلا ینفجر الفجر إلاّ وهو بمنی » (2).

قوله : ( أو یخرج من منی بعد نصف اللیل ، وقیل : یشترط أن لا یدخل مکة إلاّ بعد طلوع الفجر ).

المراد أنه یکفی فی المبیت الواجب بمنی أن یتجاوز الکون بها نصف اللیل فله الخروج منها بعد الانتصاف ولو إلی مکة ، ولقد أحسن المصنف فی النافع حیث قال : وحدّ المبیت أن یکون بها لیلا حتی یتجاوز نصف اللیل ، وقیل : لا یدخل مکة حتی یطلع الفجر (3). وهذا القول للشیخ (4) - رحمه الله - وهو ضعیف ، لإطلاق الإذن فی الخروج بعد الانتصاف فی عدّة روایات کصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « وإن خرجت بعد نصف اللیل فلا یضرک أن تصبح فی غیرها » (5).

وروایة عبد الغفار الجازی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « فإن خرج من منی بعد نصف اللیل لم یضرّه شی ء » (6) بل صحیحة

جواز الخروج من منی بعد نصف اللیل

ص: 227


1- التهذیب 5 : 256 - 869 ، الوسائل 10 : 206 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 3.
2- الکافی 4 : 514 - 2 ، التهذیب 5 : 256 - 870 ، الوسائل 10 : 206 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 4.
3- المختصر النافع : 97.
4- النهایة : 265 ، والمبسوط 1 : 378.
5- الکافی 4 : 514 - 1 ، التهذیب 5 : 258 - 878 ، الإستبصار 2 : 293 - 1045 ، الوسائل 10 : 207 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 8.
6- التهذیب 5 : 258 - 877 ، الإستبصار 2 : 293 - 1044 ، الوسائل 10 : 209 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 14.

وقیل : لو بات اللیالی الثلاث بغیر منی لزمه ثلاث شیاه. وهو محمول علی من غربت الشمس فی اللیلة الثالثة وهو بمنی ، أو من لم یتّق الصید والنساء.

______________________________________________________

العیص بن القاسم صریحة فی جواز دخول مکة قبل طلوع الفجر حیث قال فیها : « وإن زار بعد نصف اللیل أو السحر فلا بأس علیه أن ینفجر الصبح وهو بمکة » (1).

قوله : ( وقیل : لو بات اللیالی الثلاث بغیر منی لزمه ثلاث شیاه. وهو محمول علی من غربت الشمس فی اللیلة الثالثة وهو بمنی ، أو من لم یتّق الصید والنساء ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی النهایة (2) وابن إدریس (3) وجمع من الأصحاب (4) ، ویدل علیه ما رواه الشیخ ، عن جعفر بن ناجیة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمّن بات لیالی منی بمکة فقال : « ثلاثة من الغنم یذبحهن » (5).

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : من بات عن منی لیلة کان علیه دم ، فإن بات عنها لیلتین کان علیه دمان ، فإن بات اللیلة الثالثة لا یلزمه لأن له النفر فی الأول ، وقد ورد فی بعض الأخبار أن من بات ثلاث لیالی عن منی فعلیه ثلاثة دماء ، وذلک محمول علی الاستحباب ، أو علی من لم ینفر فی الأول حتی غابت الشمس (6). واعترض ابن إدریس علی هذا القول فقال : التخریج الذی خرّجه الشیخ لا یستقیم له وذلک أن من علیه کفارة لا

حکم من بات اللیالی الثلاث بغیر منی

ص: 228


1- الکافی 4 : 514 - 2 ، التهذیب 5 : 256 - 870 ، الوسائل 10 : 206 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 4.
2- النهایة : 266.
3- السرائر : 143.
4- کالعلامة فی المختلف : 310.
5- التهذیب 5 : 257 - 872 و 489 - 1751 ، الاستبصار 2 : 292 - 1039 ، الوسائل 10 : 207 أبواب العود إلی منی ب 1 ح 6.
6- المبسوط 1 : 378 ، والخلاف 1 : 462.

ویجب أن یرمی کل یوم من أیام التشریق الجمار الثلاث ، کل جمرة بسبع حصیات. ویجب هنا زیادة علی ما تضمنه شروط الرمی الترتیب ، یبدأ بالأولی ، ثم الوسطی ، ثم جمرة العقبة. ولو رماها

______________________________________________________

یجوز له أن ینفر فی النفر الأول بغیر خلاف فقوله - رحمه الله - : له أن ینفر فی الأول ، غیر مسلم ، لأن علیه کفارة لأجل إخلاله بالمبیت لیلتین (1). هذا کلامه - رحمه الله - وهو غیر جید ، لما سنبینه إن شاء الله من أن المراد بالمتقی من اتقی الصید والنساء فی إحرامه لا من لم تلزمه کفارة ، ومن هنا یظهر أن الأجود ما ذکره المصنف من أن الدم إنما یجب بترک مبیت الثالثة علی من غربت الشمس فی اللیلة الثالثة وهو بمنی ، أو من لم یتق الصید والنساء ، لوجوب مبیت اللیلة الثالثة فی هاتین الصورتین کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : ( ویجب أن یرمی کل یوم من أیام التشریق الجمار الثلاث کل جمرة بسبع حصیات ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال العلاّمة فی التذکرة : إنه لا یعرف فیه خلافا (2). ونحوه قال فی المنتهی ثم قال : وقد یوجد فی بعض العبارات أنه سنّة وذلک فی أحادیث الأئمة علیهم السلام وفی لفظ الشیخ فی الجمل والعقود وهو محمول علی الثابت بالسنّة لا أنه مستحب ، لأن النبی صلی الله علیه و آله فعله نسکا وقال : « خذوا عنّی مناسککم » (3) وسیأتی وجوب أمور فیه فیکون واجبا (4).

قوله : ( ویجب هنا - زیادة علی ما تضمنه شروط الرمی - الترتیب : یبدأ بالأولی ، ثم الوسطی ، ثم جمرة العقبة. ولو رماها

وجوب رمی الجمار أیام التشریق

وجوب الترتیب بین الجمار

ص: 229


1- السرائر : 143.
2- التذکرة 1 : 392.
3- غوالی اللئالی 4 : 34 - 118.
4- المنتهی 2 : 771.

منکوسة أعاد علی الوسطی وجمرة العقبة.

ووقت الرمی ما بین طلوع الشمس إلی غروبها.

______________________________________________________

منکوسة أعاد علی الوسطی وجمرة العقبة ).

أما وجوب الترتیب بین الجمرات علی الوجه المذکور فهو قول علمائنا أجمع ، ویدل علیه مضافا إلی التأسّی روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ارم فی کل یوم عند زوال الشمس وقل کما قلت حین رمیت جمرة العقبة ، فابدأ بالجمرة الأولی فارمها عن یسارها فی بطن المسیل وقل کما قلت یوم النحر ، ثم قم عن یسار الطریق فاستقبل القبلة واحمد الله وأثن علیه وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله ثم تقدم قلیلا فتدعو وتسأله أن یتقبل منک ، ثم تقدم أیضا ثم افعل ذلک عند الثانیة واصنع کما صنعت بالأولی وتقف وتدعو الله کما دعوت ، ثم تمضی إلی الثالثة وعلیک السکینة والوقار فارم ولا تقف عندها » (1) والأمر بالبدأة والعطف بثمّ یقتضی الترتیب.

وأما وجوب الإعادة بما یحصل به الترتیب إذا رماها منکوسة فلا ریب فیه ، لتوقف الامتثال علیه ، ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل رمی الجمار منکوسة قال : « یعید علی الوسطی وجمرة العقبة » (2).

قوله : ( ووقت الرمی ما بین طلوع الشمس إلی غروبها ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ذهب إلیه الشیخ فی النهایة

وقت الرمی

ص: 230


1- التهذیب 5 : 261 - 888 ، الاستبصار 2 : 296 - 1057 ، وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 10 : 78 أبواب رمی جمرة العقبة ب 12 ح 1.
2- التهذیب 5 : 265 - 902 ، الوسائل 10 : 216 أبواب العود إلی منی ب 5 ح 3.

______________________________________________________

والمبسوط (1) والمرتضی (2) وأبو الصلاح (3) وابن الجنید (4) وغیرهم (5). وقال الشیخ فی الخلاف : لا یجوز الرمی أیام التشریق إلاّ بعد الزوال (6). واختاره ابن زهرة (7).

وقال ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه : وارم الجمار فی کل یوم بعد طلوع الشمس إلی الزوال وکلما قرب من الزوال فهو أفضل ، وقد رویت رخصة من أول النهار (8). وقال بأن حمزة : ووقت الرمی طول النهار والفضل فی الرمی عند الزوال (9). وبه قال ابن إدریس (10). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن منصور بن حازم وأبی بصیر جمیعا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « رمی الجمار من طلوع الشمس إلی غروبها » (11).

وفی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال للحکم بن عتیبة : « ما حدّ رمی الجمار؟ » فقال الحکم : عند زوال الشمس ، فقال أبو جعفر علیه السلام : « أرأیت لو أنهما کانا رجلین فقال أحدهما لصاحبه : احفظ علینا متاعنا حتی أرجع أکان یفوته الرمی؟! هو والله

ص: 231


1- النهایة : 266 ، والمبسوط 1 : 378.
2- جمل العلم والعمل : 111.
3- الکافی فی الفقه : 199.
4- نقله عنه فی المختلف : 310.
5- کالمفید فی المقنعة : 66 ، والشهید الأول فی الدروس : 124.
6- الخلاف 1 : 459.
7- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 581.
8- الفقیه 2 : 331 وفیه : من أول النهار إلی آخره.
9- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 693.
10- السرائر : 143.
11- الکافی 4 : 481 - 4 ، الوسائل 10 : 79 أبواب رمی جمرة العقبة ب 13 ح 6.

______________________________________________________

ما بین طلوع الشمس إلی غروبها » (1).

وما رواه الشیخ ، عن صفوان بن مهران قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « رمی الجمار ما بین طلوع الشمس إلی غروبها » (2).

احتج الشیخ فی الخلاف (3) بإجماع الفرقة وطریقة الاحتیاط ، فإن من رمی بعد الزوال کان فعله مجزئا إجماعا وقبله لیس کذلک لوجود الخلاف فیه ، وبما روایة معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ارم فی کل یوم عند زوال الشمس » (4).

وأجیب عن الإجماع بالمنع منه فی موضع النزاع ، بل قال فی المختلف : إن الإجماع قد دل علی خلاف قوله (5). وعن الاحتیاط بأنه لیس بدلیل شرعی ، مع أنه معارض بأصالة البراءة. وعن الروایة بالحمل علی الاستحباب جمعا بین الأدلة.

ویستفاد من هذه الروایة أن أفضل أوقات الرمی عند الزوال. وقال الشیخ فی المبسوط : إن أفضل أوقات الرمی بعد الزوال (6). ولم نقف علی مستنده.

ص: 232


1- الکافی 4 : 481 - 5 ، الوسائل 10 : 79 أبواب رمی جمرة العقبة ب 13 ح 5 ، ورواها فی التهذیب 5 : 262 - 892 ، والاستبصار 2 : 296 - 1056.
2- التهذیب 5 : 262 - 890 ، وفی الاستبصار 2 : 296 - 1054 ، والوسائل 10 : 78 أبواب رمی جمرة العقبة ب 13 ح 2 ، بتفاوت یسیر.
3- الخلاف 1 : 459.
4- الکافی 4 : 480 - 1 ، التهذیب 5 : 261 - 888 ، الإستبصار 2 : 296 - 1057 ، الوسائل 10 : 78 أبواب رمی جمرة العقبة ب 12 ح 1.
5- المختلف : 311.
6- المبسوط 1 : 378 ، قال : ویکون ذلک عند الزوال فإنه أفضل. وفی المختلف 6. قال : وفی المبسوط یکون ذلک بعد الزوال فإنه أفضل.

ولا یجوز أن یرمی لیلا إلا لعذر ، کالخائف والمریض والرعاة والعبید.

ومن حصل له رمی أربع حصیات ثم رمی علی الجمرة الأخری حصل بالترتیب.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یجوز أن یرمی لیلا إلاّ لعذر کالخائف والمریض والرعاة والعبید ).

أما أنه لا یجوز الرمی لیلا مع انتفاء العذر فوجهه معلوم مما سبق ، وأما جوازه مع العذر فیدل علیه روایات کثیرة : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بأن یرمی الخائف باللیل ویضحی ویفیض باللیل » (1) وفی الموثق ، عن سماعة بن مهران ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « رخّص للعبد والخائف والراعی فی الرمی لیلا » (2) وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی الخائف « لا بأس بأن یرمی الجمار باللیل ویضحی باللیل ویفیض باللیل » (3) وما رواه ابن بابویه ، عن أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الذی ینبغی له أن یرمی بلیل من هو؟ قال : « الحاطبة ، والمملوک الذی لا یملک من أمره شیئا ، والخائف ، والمدین ، والمریض الذی لا یستطیع أن یرمی یحمل إلی الجمار فإن قدر علی أن یرمی وإلاّ فارم عنه وهو حاضر » (4).

والظاهر أن المراد بالرمی لیلا رمی جمرات کلّ یوم فی لیلته ، ولو لم یتمکن من ذلک لم یبعد جواز رمی الجمیع فی لیلة واحدة ، لأنه أولی من الترک أو التأخیر ، وربما کان فی إطلاق بعض الروایات المتقدمة دلالة علیه.

قوله : ( ومن حصل له رمی أربع حصیات ثم رمی علی الجمرة الأخری حصل بالترتیب ).

ما یکفی فی الترتیب

ص: 233


1- التهذیب 5 : 263 - 895 ، الوسائل 10 : 80 أبواب رمی جمرة العقبة ب 14 ح 1.
2- التهذیب 5 : 263 - 896 ، الوسائل 10 : 80 أبواب رمی جمرة العقبة ب 14 ح 2.
3- الکافی 4 : 485 - 4 ، الوسائل 10 : 80 أبواب رمی جمرة العقبة ب 14 ح 4.
4- الفقیه 2 : 286 - 1403 ، الوسائل 10 : 81 أبواب رمی جمرة العقبة ب 14 ح 7.

______________________________________________________

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل ظاهر التذکرة والمنتهی أنه موضع وفاق (1). ویدل علیه روایات : منها صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی رجل رمی الجمرة الأولی بثلاث والثانیة بسبع والثالثة بسبع قال : « یعید رمیهنّ جمیعا بسبع سبع » قلت : فإن رمی الأولی بأربع والثانیة بثلاث والثالثة بسبع؟ قال : « یرمی الجمرة الأولی بثلاث والثانیة بسبع ویرمی جمرة العقبة بسبع » قلت : فإنه رمی الجمرة الأولی بأربع والثانیة بأربع والثالثة بسبع؟ قال : « یعید فیرمی الأولی بثلاث والثانیة بثلاث ولا یعید علی الثالثة » (2).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی رجل رمی الجمار منکوسة قال : « یعید علی الوسطی وجمرة العقبة ، فإن کان قد رمی من الجمرة الأولی أقل من أربع حصیات وأتم الجمرتین الأخیرتین فلیعد علی الثلاث الجمرات ، وإن کان قد رمی من الأولی أربعا فلیتم ذلک ولا یعید علی الأخیرتین ، وکذلک إن کان قد رمی من الثانیة ثلاثا فلیعد علیها وعلی الثالثة ، وإن کان قد رماهما بأربع ورمی الثالثة بسبع فلیتمهما ولا یعید علی الثالثة » (3) وإطلاق النص یقتضی البناء علی الأربع مع العمد والجهل والنسیان ، إلاّ أن الشیخ (4) وأکثر الأصحاب قیّدوه بحالتی النسیان والجهل ، وصرّحوا بوجوب إعادة ما بعد التی لم تکمل مع العمد مطلقا ، لتحریم الانتقال إلی الجمرة المتأخرة قبل إکمال المتقدمة. وهو جید إن ثبت التحریم ، لمکان النهی المفسد للعبادة ، لکن یمکن القول بالجواز تمسکا بإطلاق الروایتین وإن کان الأظهر المصیر إلی ما ذکروه. والضابط علی تقدیر الجهل والنسیان أن من رمی واحدة أربعا وانتقل منها إلی الأخری کفاه إکمال الناقصة. وإن کان أقل

ص: 234


1- التذکرة 1 : 393 ، والمنتهی 2 : 772.
2- التهذیب 5 : 265 - 904 ، الوسائل 10 : 217 أبواب العود إلی منی ب 6 ح 2.
3- التهذیب 5 : 265 - 903 ، وأورد صدر الحدیث فقط فی الکافی 4 : 483 - 2 ، والوسائل 10 : 216 أبواب العود إلی منی ب 5 ح 3 ، والظاهر أن الذیل وهو قوله : فإن کان قد رمی. من کلام الشیخ کما نبه علیه فی الجواهر 20 : 22.
4- النهایة : 267 ، والمبسوط 1 : 379.

ولو نسی رمی یوم قضاه من الغد مرتّبا ، یبدأ بالفائت ویعقب بالحاضر.

ویستحب أن یکون ما یرمیه لأمسه غدوة وما یرمیه لیومه عند الزوال.

______________________________________________________

استأنف التالیة قطعا ، وفی الناقصة قولان أجودهما استئنافها أیضا ، لقوله علیه السلام فی روایة معاویة بن عمار المتقدمة (1) وقد سأله عمّن رمی الجمرة الأولی بثلاث والثانیة والثالثة بسبع سبع : « یعید رمیهن جمیعا بسبع سبع » وفی حسنة الحلبی : « فإن کان قد رمی من الجمرة الأولی أقل من أربع حصیات وأتمّ الجمرتین الأخیرتین فلیعد علی الثلاث الجمرات » ونقل عن ابن إدریس أنه اکتفی بإتمام الأولی مطلقا ولم یوجب الاستئناف ، لعدم وجوب الموالاة فی الرمی (2). وهو مطابق لمقتضی الأصل إلاّ أن ظاهر الروایتین یدفعه.

قوله : ( ولو نسی رمی یوم قضاه من الغد مرتبا یبدأ بالفائت ویعقب بالحاضر ، ویستحب أن یکون ما یرمیه لأمسه غدوة ، وما یرمیه لیومه عند الزوال ).

أما وجوب قضاء ما فاته من الغد فیدل علیه ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : الرجل ینکس فی رمی الجمار فیبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطی ثم العظمی؟ قال : « یعود فیرمی الوسطی ثم یرمی جمرة العقبة وإن کان من الغد » (3).

وأما وجوب البدأة بالفائت واستحباب کون ما یرمیه لأمسه غدوة وما یرمیه لیومه عند الزوال فمقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه الکلینی فی الصحیح أیضا ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله

حکم من نسی رمی یوم

ص: 235


1- فی ص 234.
2- السرائر : 144.
3- الکافی 4 : 483 - 5 ، الوسائل 10 : 216 أبواب العود إلی منی ب 5 ح 4.

ولو نسی رمی الجمار حتی دخل مکة رجع ورمی. وإن خرج من

______________________________________________________

علیه السلام فی رجل أفاض من جمع حتی انتهی إلی منی فعرض له عارض فلم یرم الجمرة حتی غابت الشمس قال : « یرمی إذا أصبح مرتین إحداهما بکرة وهی للأمس والأخری عند زوال الشمس وهی لیومه » (1).

وحکی العلاّمة فی التذکرة عن بعض العامة قولا بعدم وجوب تقدیم الفائت (2). وهو جید لو لا ورود الروایة بذلک. وینبغی إیقاع الفائت بعد (3) طلوع الشمس وإن کان الظاهر جواز الإتیان به قبل طلوعها أیضا ، لإطلاق الخبر.

ولو فاته رمی یومین قضاه یوم الثالث وقدّم الأول علی الثانی وختم بالأداء ، وفی روایة معاویة بن عمار أنه یفصل بین کل رمیتین بساعة (4).

ولو فاته جمرة وجهل تعیینها أعاد علی الثلاث مرتبا ، لإمکان کونها الأولی فیبطل الأخیرتان ، وکذا لو فاته أربع حصیات من جمرة وجهلها. ولو فاته دون الأربع کرّره علی الثلاث ولا یجب الترتیب هنا ، لأن الفائت من واحدة ووجوب الباقی من باب المقدمة کوجوب ثلاث فرائض عن واحدة مشتبهة من الخمس. ولو فاته من کل جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث وجب الترتیب ، لتعدد الفائت بالأصالة. ولو فاته ثلاث وشک فی کونها من واحدة أو أکثر رماها عن کل واحدة مرتبا ، لجواز التعدد. ولو کان الفائت أربعا استأنف.

قوله : ( ولو نسی رمی الجمار حتی دخل مکة رجع ورمی ، فإن

حکم ناسی رمی الجمار

ص: 236


1- الکافی 4 : 484 - 2 ، الوسائل 10 : 81 أبواب رمی جمرة العقبة ب 15 ح 2.
2- التذکرة 1 : 393.
3- فی « م » : عند.
4- التهذیب 5 : 264 - 899 ، الإستبصار 2 : 297 - 1059 ، الوسائل 10 : 213 أبواب العود إلی منی ب 3 ح 3.

مکة لم یکن علیه شی ء إذا انقضی زمان الرمی ، فإن عاد فی القابل رمی ، وان استناب فیه جاز.

______________________________________________________

خرج من مکة لم یکن علیه شی ء إذا انقضی زمان الرمی ، فإن عاد فی القابل رمی ، وإن استناب فیه جاز ).

هنا مسألتان :

الأولی : أن من نسی رمی الجمار حتی دخل مکة یجب علیه الرجوع والرمی ، ویدل علیه حسنة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : رجل نسی أن یرمی الجمار حتی أتی مکة قال : « یرجع فیرمیها یفصل بین کل رمیتین بساعة » قلت : فاته ذلک وخرج؟ قال : « لیس علیه شی ء » (1).

وصحیحة معاویة بن عمار أیضا قال ، سألت أبا عبد الله علیه السلام ما تقول فی امرأة جهلت أن ترمی الجمار حتی نفرت إلی مکة؟ قال : « فلترجع فلترم الجمار کما کانت ترمی ، والرجل کذلک » (2).

وإطلاق هاتین الروایتین یقتضی وجوب الرجوع من مکة والرمی وإن کان بعد انقضاء أیام التشریق ، لکن صرّح الشیخ (3) وغیره (4) بأن الرجوع إنما یجب مع بقاء أیام التشریق ومع خروجها یقضی فی القابل. واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من أغفل رمی الجمار أو بعضها حتی تمضی أیام التشریق فعلیه أن یرمیها من قابل ، فإن لم یحج رمی عنه ولیّه ، فإن لم یکن له ولیّ استعان برجل من المسلمین یرمی عنه ، فإنه لا یکون رمی الجمار إلاّ فی أیام التشریق » (5)

ص: 237


1- الکافی 4 : 484 - 1 ، الوسائل 10 : 213 أبواب العود إلی منی ب 3 ح 2.
2- الکافی 4 : 484 - 3 ، الفقیه 2 : 285 - 1401 ، التهذیب 5 : 263 - 898 ، الإستبصار 2 : 296 - 1058 ، الوسائل 10 : 212 أبواب العود إلی منی ب 3 ح 1.
3- التهذیب 5 : 264 ، والاستبصار 2 : 297 ، والخلاف 1 : 460.
4- کالعلامة فی القواعد 1 : 90 ، والشهید الأول فی الدروس : 126.
5- التهذیب 5 : 264 - 900 ، الوسائل 10 : 213 أبواب العود إلی منی ب 3 ح 4.

______________________________________________________

وهذه الروایة واضحة الدلالة ، لکن فی طریقها محمد بن عمر بن یزید ولم یرد فیه توثیق بل ولا مدح یعتد به ، ولعل ذلک هو السرّ فی إطلاق المصنف وجوب الرجوع من مکة والرمی.

الثانیة : أن من خرج من مکة فلا شی ء علیه إذا انقضی زمان الرّمی ، وظاهر العبارة أن العود فی القابل لقضاء الرّمی أو الاستنابة فیه علی سبیل الاستحباب ، وبه صرّح فی النافع فقال : ولو نسی الرّمی حتی دخل مکة رجع وتدارک ، ولو خرج فلا حرج ، ولو حجّ فی القابل استحب القضاء ولو استناب جاز (1). ووجهه معلوم مما قررناه ، فإن القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلیل ، وروایة عمر بن یزید المتضمنة للقضاء فی القابل مباشرة أو استنابة (2) ضعیفة السند ، ومع ذلک فهی معارضة بقوله علیه السلام فی روایة معاویة بن عمّار فیمن خرج من مکة : « لیس علیه شی ء » (3).

وقال الشیخ فی التهذیب : إن المعنی أنه لیس علیه أن یعید فی هذه السنة وإن کان یجب علیه الإعادة فی العام القابل ، واستدل علی هذا التأویل بروایة عمر بن یزید المتقدمة. وهو جید لو صحّ السند ، وکیف کان فلا ریب أن الإتیان به فی العام القابل مباشرة أو استنابة أولی وأحوط.

تفریع : من ترک رمی الجمار متعمدا وجب علیه قضاؤه علی التفصیل المتقدم ولا یحرم علیه بذلک شی ء من محظورات الإحرام ، وفی روایة عبد الله بن جبلة ، عن الصادق علیه السلام : « من ترک رمی الجمار متعمدا لم تحل له النساء وعلیه الحج من قابل » (4) وهی ضعیفة السند (5). وقال

ص: 238


1- المختصر النافع : 97.
2- المتقدمتان فی 237.
3- المتقدمتان فی 237.
4- التهذیب 5 : 264 - 901 ، الإستبصار 2 : 297 - 1061 ، الوسائل 10 : 214 أبواب العود إلی منی ب 4 ح 5.
5- لوقوع یحیی بن مبارک فی سندها وهو مجهول ولأن راویها وهو عبد الله بن جبلة واقفی - راجع رجال النجاشی : 216 - 563.

ویجوز أن یرمی عن المعذور کالمریض.

______________________________________________________

الشهید فی الدروس : إنها محمولة علی الاستحباب ، لعدم الوقوف علی القائل بالوجوب (1).

قوله : ( ویجوز أن یرمی عن المعذور کالمریض ).

یدل علی ذلک روایات : منها ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن معاویة وعبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الکسیر والمبطون یرمی عنهما » قال : « والصبیان یرمی عنهم » (2).

وفی الموثق ، عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن المریض یرمی عنه الجمار؟ قال : « نعم یحمل إلی الجمرة ویرمی عنه » (3) ولا یشترط فی استنابة المریض الیأس من البرء عملا بإطلاق الروایة ، ولو زال عذره بعد فعل نائبه لم یجب الإعادة وإن کان فی الوقت ، لأن الامتثال یقتضی الإجزاء.

ولو أغمی علی المریض بعد الاستنابة لم ینعزل النائب قطعا ، للأصل ، وإطلاق الخبر. واستشکله بعض المتأخرین بأن الإغماء یوجب زوال الوکالة فتزول النیابة (4). وهو ضعیف ، لأن إلحاق هذه الاستنابة بالوکالة فی هذا الحکم لا یخرج عن القیاس ، مع أنا نمنع ثبوت الحکم فی الأصل إن لم یکن إجماعیا علی وجه لا یجوز مخالفته لانتفاء الدلیل علیه.

ولو أغمی علی المریض قبل الاستنابة وخیف فوات الوقت رمی عنه بعض المؤمنین کما یدل علیه صحیحة رفاعة بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل أغمی علیه فقال : « یرمی عنه الجمار » (5)

جواز الرمی عن المعذور

ص: 239


1- الدروس : 126.
2- الکافی 4 : 485 - 1 ، الوسائل 10 : 83 أبواب رمی جمرة العقبة ب 17 ح 3.
3- الکافی 4 : 485 - 2 ، التهذیب 5 : 268 - 915 ، الوسائل 10 : 83 أبواب رمی جمرة العقبة ب 17 ح 4.
4- کما فی جامع المقاصد 1 : 175.
5- التهذیب 5 : 268 - 916 ، الوسائل 10 : 84 أبواب رمی جمرة العقبة ب 17 ح 5.

ویستحب أن یقیم الإنسان بمنی أیام التشریق.

______________________________________________________

وربما ظهر من الروایة وجوب الرمی عنه کفایة. ویستفاد من موثقة إسحاق بن عمّار المتقدمة استحباب حمل المریض إلی الجمرة ثم الرمی عنه. وروی إسحاق بن عمّار أیضا ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن المریض یرمی عنه الجمار؟ قال : « یحمل إلی الجمار ویرمی عنه » قلت : فإنه لا یطیق ذلک قال : « یترک فی منزله ویرمی عنه » (1).

قوله : ( ویستحب أن یقیم الإنسان بمنی أیام التشریق ).

الظاهر أن المراد بالأیام هنا بیاض النهار لأنه قد سبق حکم المبیت ، ومع ذلک یشکل الحکم بالاستحباب علی إطلاقه ، لأن الإقامة فی زمن الرمی واجب إلاّ أن یقال : إن وجوب ذلک لا ینافی الحکم باستحباب المجموع ، أو یقال : إن فی الکلام مضافا محذوفا إی : ویستحب أن یقیم الإنسان بمنی بقیة أیام التشریق ، والمراد بها القدر الزائد علی الواجب وهو مجاز شائع.

وکیف کان فالأمر فی العبارة هیّن بعد وضوح الحکم فی نفسه ، ویدل علی استحباب الإقامة علی هذا الوجه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عیص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الزیارة بعد زیارة الحج فی أیام التشریق فقال : « لا » (2) وعن لیث المرادی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یأتی مکة أیام منی بعد فراغه من زیارة البیت فیطوف بالبیت تطوعا فقال : « المقام بمنی أفضل وأحبّ إلیّ » (3).

وقد ورد بجواز زیارة البیت فی أیام منی والتطوع بالطواف روایات کثیرة کصحیحة جمیل بن درّاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس أن

استحباب الإقامة بمنی أیام التشریق

ص: 240


1- الفقیه 2 : 286 - 1405 ، التهذیب 5 : 268 - 919 ، الوسائل 10 : 83 أبواب رمی جمرة العقبة ب 17 ح 2.
2- التهذیب 5 : 260 - 886 و 490 - 1754 ، الاستبصار 2 : 295 - 1052 ، الوسائل 10 : 212 أبواب العود إلی منی ب 2 ح 6.
3- التهذیب 5 : 260 - 887 و 490 - 1755 ، الاستبصار 2 : 295 - 1053 ، الوسائل 10 : 211 أبواب العود إلی منی ب 2 ح 5 ، ورواها فی الکافی 4 : 515 - 1.

وأن یرمی الجمرة الأولی عن یمینه ، ویقف ویدعو. وکذا الثانیة. ویرمی الثالثة مستدبرا القبلة ، مقابلا لها ، ولا یقف عندها.

______________________________________________________

یأتی الرجل مکة فیطوف بها فی أیام منی ولا یبیت بها » (1) وصحیحة رفاعة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یزور البیت فی أیام التشریق ، قال : « نعم إن شاء » (2) وصحیحة یعقوب بن شعیب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن زیارة البیت أیام التشریق فقال : « حسن » (3).

قوله : ( وأن یرمی الجمرة الأولی عن یمینه ).

أی : یمین الرامی ، کما یدل علیه قول الرضا علیه السلام فی صحیحة إسماعیل بن همّام : « ترمی الجمار من بطن الوادی وتجعل کل جمرة عن یمینک » (4) وفی صحیحة معاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام : « ابدأ بالجمرة الأولی فارمها عن یسارها فی بطن المسیل » (5) والمراد بیسارها جانبها الیسار بالإضافة إلی المتوجه إلی القبلة فیجعلها حینئذ عن یمینه فیکون ببطن المسیل لأنه عن یسارها ، وبمضمون هذه الروایة صرّح المصنف فی النافع فقال : ویستحب الوقوف عند کل جمرة ورمیها عن یسارها مستقبل القبلة ویقف داعیا ، عدا جمرة العقبة فإنه یستدبر القبلة ویرمیها عن یمینها (6).

قوله : ( ویقف ویدعو ، وکذا الثانیة ، ویرمی الثالثة مستدبر القبلة مقابلا له ولا یقف عندها ).

- مستحبات رمی الجمار

ص: 241


1- الفقیه 2 : 287 - 1412 ، التهذیب 5 : 260 - 883 و 490 - 1753 ، الاستبصار 2 : 295 - 1050 ، الوسائل 10 : 211 أبواب العود إلی منی ب 2 ح 1.
2- التهذیب 5 : 260 - 884 ، الاستبصار 2 : 295 - 1051 بتفاوت یسیر ، الوسائل 10 : 211 أبواب العود إلی منی ب 2 ح 2.
3- التهذیب 5 : 260 - 885 ، الوسائل 10 : 211 أبواب العود إلی منی ب 2 ح 3.
4- الکافی 4 : 482 - 7 ، الوسائل 10 : 76 أبواب رمی جمرة العقبة ب 10 ح 5.
5- الکافی 4 : 480 - 1 ، التهذیب 5 : 261 - 888 ، الوسائل 10 : 75 أبواب رمی جمرة العقبة ب 10 ح 2.
6- المختصر النافع : 97.

والتکبیر بمنی مستحب ، وقیل : واجب.

______________________________________________________

المستند فی ذلک صحیحة معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ارم فی کل یوم عند زوال الشمس وقل کما قلت حین رمیت جمرة العقبة فابدأ بالجمرة الأولی فارمها عن یسارها فی بطن المسیل وقل کما قلت یوم النحر ، ثم قم عن یسار الطریق فاستقبل القبلة واحمد الله وأثن علیه وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله ، ثم تقدم قلیلا فتدعو وتسأله أن یتقبل منک ، ثم تقدّم أیضا ، ثم افعل ذلک عند الثانیة واصنع کما صنعت بالأولی وتقف وتدعو الله کما دعوت ، ثم تمضی إلی الثالثة وعلیک السکینة والوقار فارم ولا تقف عندها » (1).

ولیس فی هذه الروایة ولا غیرها مما وقفت علیه من روایات الأصحاب دلالة علی استحباب استدبار القبلة فی رمی جمرة العقبة ، لکن قال فی المنتهی : إنه قول أکثر أهل العلم ، واحتج علیه بما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه رماها کذلک (2). ولعل مثل ذلک کاف فی إثبات مثل هذا الحکم.

قوله : ( والتکبیر بمنی مستحب. وقیل : واجب ).

القول بالوجوب للمرتضی - رحمه الله - واحتج علیه بإجماع الفرقة ، وقوله عزّ وجلّ ( وَاذْکُرُوا اللهَ فِی أَیّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (3) والمراد به هذا التکبیر (4). ویدل علی ذلک من طریق الأصحاب ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله عزّ وجلّ ( وَاذْکُرُوا اللهَ فِی أَیّامٍ مَعْدُوداتٍ ) قال : « هی أیّام التشریق ،

استحباب التکبیر بمنی

ص: 242


1- الکافی 4 : 480 - 1 ، التهذیب 5 : 261 - 888 ، الوسائل 10 : 75 أبواب رمی جمرة العقبة ب 10 ح 2.
2- المنتهی 2 : 731.
3- البقرة : 203.
4- نقله عنه فی المختلف : 311.

وصورته : الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلا الله - والله أکبر ،

______________________________________________________

کانوا إذا أقاموا بمنی بعد یوم النحر تفاخروا ، فقال الرجل منهم : کان أبی یفعل کذا وکذا ، فقال الله جل ثناؤه ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ ) . ( فَاذْکُرُوا اللهَ کَذِکْرِکُمْ آباءَکُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِکْراً ) (1) قال : « والتکبیر « الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله والله أکبر ، الله أکبر ولله الحمد ، الله أکبر علی ما هدانا ، الله أکبر علی ما رزقنا من بهیمة الأنعام » (2).

وفی الحسن ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَاذْکُرُوا اللهَ فِی أَیّامٍ مَعْدُوداتٍ ) قال : « التکبیر فی أیام التشریق صلاة الظهر من یوم النحر إلی صلاة الفجر من یوم الثالث ، وفی الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر بعد الأولی أمسک أهل الأمصار ، ومن أقام بمنی فصلّی بها الظهر والعصر فلیکبّر » (3).

ویمکن الجواب عن هذا الاستدلال بحمل الأمر علی الاستحباب ، کما یدل علیه صحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن التکبیر أیام التشریق أواجب أم لا؟ قال : « یستحب وإن نسی فلا شی ء علیه » (4) والمسألة محل تردد وإن کان الاستحباب لا یخلو من قوة.

قوله : ( وصورته : الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله والله أکبر ،

ص: 243


1- البقرة : 198 - 200 ، والآیات بتمامها : ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْکُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْکُرُوهُ کَما هَداکُمْ وَإِنْ کُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّینَ ثُمَّ أَفِیضُوا مِنْ حَیْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ فَإِذا قَضَیْتُمْ مَناسِکَکُمْ فَاذْکُرُوا اللهَ کَذِکْرِکُمْ آباءَکُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِکْراً. )
2- الکافی 4 : 516 - 3 ، الوسائل 5 : 124 أبواب صلاة العید ب 21 ح 3.
3- الکافی 4 : 516 - 1 ، الوسائل 10 : 219 أبواب العود إلی منی ب 8 ح 4 ، ورواها فی التهذیب 5 : 269 - 920 ، الاستبصار 2 : 299 - 1068.
4- التهذیب 5 : 488 - 1745 ، قرب الإسناد : 100 ، الوسائل 5 : 126 أبواب صلاة العید ب 21 ح 10 ، البحار 10 : 73.

الله أکبر علی ما هدانا ، والحمد لله علی ما أولانا ورزقنا من بهیمة الأنعام.

ویجوز النفر فی الأول ، وهو الیوم الثانی عشر من ذی الحجة لمن اجتنب النساء والصید فی إحرامه.

______________________________________________________

الله أکبر علی ما هدانا ، وله الحمد علی ما أولانا ورزقنا من بهیمة الأنعام ).

هذه الصورة مشهورة بین الأصحاب ولم أقف لها علی مستند ، والأجود العمل بما تضمنته صحیحة منصور بن حازم المتقدمة ، وأکل منه ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « والتکبیر أن یقول : الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلاّ الله والله أکبر ، الله أکبر ولله الحمد ، الله أکبر علی ما هدانا ، الله أکبر علی ما رزقنا من بهیمة الأنعام والحمد لله علی ما أبلانا » (1) وروی الکلینی أیضا فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : وسألته عن التکبیر بعد کل صلاة فقال : « کم شئت إنه لیس شی ء موقّت » یعنی فی الکلام (2).

قوله : ( ویجوز النفر فی الأول وهو الیوم الثانی عشر من ذی الحجة لمن اجتنب النساء والصید فی إحرامه ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء کافة قاله فی المنتهی (3). والأصل فیه قول الله عزّ وجلّ ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِی یَوْمَیْنِ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ لِمَنِ اتَّقی ) (4) وأورد هنا سؤال وهو أن المتأخر قد استوفی ما علیه من العمل فکیف ورد فی حقه : فلا إثم علیه ، وهذا إنما یقال فی حق المقصّر الذی یظن أنه قد لحقه آثام فیما أقدم علیه؟ وأجیب عنه بأن الرخصة قد

النفر الأول

ص: 244


1- الکافی 4 : 517 - 4 ، الوسائل 5 : 124 أبواب صلاة العید ب 21 ح 4.
2- الکافی 4 : 517 - 5 ، الوسائل 5 : 129 أبواب صلاة العید ب 24 ح 1.
3- المنتهی 2 : 775.
4- البقرة : 203.

______________________________________________________

یکون عزیمة کما فی المقصّر فلمکان هذا الاحتمال رفع الحرج فی الاستعجال والتأخر دلالة علی التخییر بین الأمرین ، أو بأن أهل الجاهلیة کانوا فریقین منهم من یجعل المستعجل آثما ومنهم من یجعل المتأخر آثما فبیّن الله تعالی أن لا إثم علی واحد منهما ، أو بأن المعنی فی إزالة الإثم عن المتأخر إنما هو لمن زاد علی مقام ثلاثة أیام فکأنه قیل : إن أیام منی التی ینبغی المقام فیها ثلاثة فمن نقص فلا إثم علیه ومن زاد علی الثلاثة ولم ینفر مع عامة الناس فلا شی ء علیه ، أو بأنه من باب رعایة المقابلة والمشاکلة مثل ( وَجَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها ) (1) بل هنا أولی ، لأن المندوب یصدق علیه أنه لا إثم علی صاحبه فیه وجزاء السیئة لیس سیئة أصلا ، أو بأن المراد رفع الوهم الحاصل من دلیل الخطاب حتی لا یتوهّم أحد أن تخصیص التعجیل بنفی الإثم یستلزم حصوله بالتأخیر ، وقد أشار الصادق علیه السلام إلی ذلک فی صحیحة أبی أیوب حیث قال : « إن الله جلّ ثناؤه یقول ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِی یَوْمَیْنِ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ ) فلو سکت لم یبق أحد إلاّ تعجّل ولکنه قال : ( وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ ) (2).

وأما قوله عزّ وجلّ ( لِمَنِ اتَّقی ) فقیل : إن معناه ذلک التخییر ونفی الإثم عن المتعجل والمتأخر لأجل الحاج المتقی کی لا یتخالج فی قلبه إثم منهما (3). وقیل : معناه أن هذه المغفرة إنما تحصل لمن کان متقیا قبل حجه کقوله ( إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ ) (4) أو لمن کان متقیا من المحظورات حال اشتغاله بالحج (5). وقیل : إن معناه ذلک التخییر إنما یثبت لمن اتقی

ص: 245


1- الشوری : 40.
2- الکافی 4 : 519 - 1 ، التهذیب 5 : 271 - 927 ، الاستبصار 2 : 300 - 1074 وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 10 : 222 أبواب العود إلی منی ب 9 ح 4 ، بتفاوت یسیر بینها.
3- کما فی مجمع البیان 1 : 299 والکشاف 1 : 250.
4- المائدة : 27.
5- کما فی التبیان 2 : 176 ، ومجمع البیان 1 : 299 ، والتفسیر الکبیر للفخر الرازی 5 : 214.

______________________________________________________

محظورات الإحرام فی إحرامه ، أو الصید والنساء خاصة (1). وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : وسمعته یقول فی قول الله عزّ وجلّ ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِی یَوْمَیْنِ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ لِمَنِ اتَّقی ) فقال : « یتقی الصید حتی ینفر أهل منی فی النفر الأخیر » (2).

قال ابن بابویه - رحمه الله - : وفی روایة ابن محبوب ، عن أبی جعفر الأحول ، عن سلام بن المستنیر ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « لمن اتقی الرفث والفسوق والجدال وما حرّم الله علیه فی إحرامه » (3).

وفی روایة علیّ بن عطیة ، عن أبیه ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « لمن اتقی الله عزّ وجلّ » (4) وروی : « أنه یخرج من ذنوبه کهیئة یوم ولدته أمّه » (5).

وفی روایة سلیمان بن داود المنقری ، عن سفیان بن عیینة ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله عزّ وجلّ ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِی یَوْمَیْنِ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ ) : یعنی من مات فلا إثم علیه ، ومن تأخّر أجله فلا إثم علیه لمن اتقی الکبائر » (6).

وهذه الروایات غیر نقیة الإسناد ، نعم الروایة الأولی صحیحة السند واضحة الدلالة. ویدل علی جواز النفر یوم الثانی عشر للمتقی مضافا إلی الإجماع وظاهر الآیة الشریفة روایات کثیرة کصحیحة أبی أیوب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنا نرید أن نتعجّل السیر - وکانت لیلة النفر حین

ص: 246


1- کنز العرفان : 320 ، وزبدة البیان : 282.
2- الفقیه 2 : 288 - 1415 ، الوسائل 10 : 226 أبواب العود إلی منی ب 11 ح 6.
3- الفقیه 2 : 288 - 1416 ، الوسائل 10 : 226 أبواب العود إلی منی ب 11 ح 7.
4- الفقیه 2 : 288 - 1417 ، الوسائل 10 : 226 أبواب العود إلی منی ب 11 ح 9.
5- الفقیه 2 : 288 - 1418 ، الوسائل 10 : 227 أبواب العود إلی منی ب 11 ح 10.
6- الفقیه 2 : 288 - 1420 ، الوسائل 10 : 227 أبواب العود إلی منی ب 11 ح 12.

______________________________________________________

سألته - فأیّ ساعة ننفر؟ فقال لی : « أما الیوم فلا تنفر حتی تزول الشمس وکانت لیلة النفر ، وأما الیوم الثالث فإذا ابیضّت الشمس فانفر علی برکة الله فإن الله جلّ ثناؤه یقول ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِی یَوْمَیْنِ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ ) فلو سکت لم یبق أحد إلاّ تعجّل ولکنه قال ( وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ ) (1).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أردت أن تنفر فی یومین فلیس لک أن تنفر حتی تزول الشمس ، وإن تأخرت إلی آخر أیام التشریق وهو یوم النفر الأخیر فلا علیک أیّ ساعة نفرت ورمیت قبل الزوال أو بعده » (2).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الرجل ینفر فی النفر الأول قبل أن تزول الشمس فقال : « لا ولکن یخرج ثقله إن شاء ولا یخرج حتی تزول الشمس » (3).

وصحیحة جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس أن ینفر الرجل فی النفر الأول ثم یقیم بمکة » (4) وحکی العلاّمة فی المختلف عن أبی الصلاح قولا بعدم جواز النفر فی الأول للصرورة (5). ولم نقف علی مستنده.

وقد قطع الأصحاب بأن من لم یتّق الصید والنساء فی إحرامه لا یجوز له

ص: 247


1- الکافی 4 : 519 - 1 ، التهذیب 5 : 271 - 927 ، الإستبصار 2 : 300 - 1074 ، الوسائل 10 : 222 أبواب العود إلی منی ب 9 ح 4.
2- الکافی 4 : 520 - 3 ، الفقیه 2 : 287 - 1414 ، التهذیب 5 : 271 - 926 ، الإستبصار 2 : 300 - 1073 ، الوسائل 10 : 221 أبواب العود إلی منی ب 9 ح 3.
3- الفقیه 2 : 288 - 1422 ، الوسائل 10 : 223 أبواب العود إلی منی ب 9 ح 6.
4- الکافی 4 : 521 - 6 ، الفقیه 2 : 289 - 1425 ، الوسائل 10 : 221 أبواب العود إلی منی ب 9 ح 1.
5- الکافی فی الفقه : 198. المختلف : 5. 212.

______________________________________________________

النفر فی الأول ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن محمد بن المستنیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من أتی النساء فی إحرامه لم یکن له أن ینفر فی الأول » (1) وعن حمّاد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام « فی قول الله عزّ وجلّ ( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِی یَوْمَیْنِ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَیْهِ لِمَنِ اتَّقی ) الصید یعنی فی إحرامه فإن أصابه لم یکن له أن ینفر فی النفر الأول » (2) وفی الروایتین ضعف من حیث السند بجهالة محمد بن المستنیر راوی الأولی ، وبأن فی طریق الروایة الثانیة عبد الله بن جبلة وهو واقفی ، ویحیی بن المبارک ومحمد بن یحیی الصیرفی وهما مجهولان. والآیة الشریفة محتملة لمعانی متعددة ، بل مقتضی روایة معاویة بن عمار الصحیحة أن المراد بالاتقاء خلاف هذا المعنی (3). والمسألة محل إشکال ولا ریب أن التأخر إلی النفر الثانی لغیر المتقی أولی وأحوط.

والمراد بعدم اتقاء الصید فی حال الإحرام قتله ، وبعدم اتقاء النساء جماعهنّ. وفی إلحاق باقی المحرّمات المتعلقة بالقتل والجماع بهما کأکل الصید ولمس النساء بشهوة وجهان.

ونقل عن ابن إدریس أنه قال : إنما یجوز النفر فی الأول لمن اتقی فی إحرامه کلّ محظور یوجب الکفارة (4). وربما کان مستنده روایة سلام بن المستنیر المتقدمة ، وهی ضعیفة بجهالة الراوی. وقد نصّ الأصحاب علی أن الاتقاء معتبر فی إحرام الحج ، وقوّی الشارح اعتباره فی عمرة التمتع لارتباطها بالحج ودخولها فیه (5). والمسألة قویة الإشکال والله تعالی أعلم بحقیقة الحال.

ص: 248


1- التهذیب 5 : 273 - 932 ، الوسائل 10 : 225 أبواب العود إلی منی ب 11 ح 1.
2- التهذیب 5 : 273 - 933 ، الوسائل 10 : 225 أبواب العود إلی منی ب 11 ح 2.
3- المتقدمة فی ص 246.
4- السرائر : 143.
5- المسالک 1 : 126.

والنفر الثانی ، وهو الیوم الثالث عشر. فمن نفر فی الأول لم یجز إلا بعد الزوال ، وفی الثانی یجوز قبله.

______________________________________________________

قوله : ( والنفر الثانی وهو الیوم الثالث عشر ، فمن نفر فی الأول لم یجز إلا بعد الزوال وفی الثانی یجوز قبله ).

هذان الحکمان إجماعیان منصوصان فی عدّة روایات وقد أوردنا طرفا منها فیما سبق. ولو غربت الشمس علی الحاج یوم النفر الأول وهو بمنی وجب علیه المبیت بها والنفر فی الأخیر إجماعا ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمّار : « إذا جاء اللیل بعد النفر الأول فبت بمنی ولیس لک أن تخرج منها حتی تصبح » (1) ولو ارتحل فغربت الشمس قبل تجاوز الحدود فالظاهر وجوب المبیت علیه أیضا ، لصدق الغروب علیه بمنی فإن إجزاءها متساویة فی وجوب المبیت بها. واستقرب العلاّمة فی التذکرة عدم وجوب المبیت ، لمشقة الرفع والحطّ (2). وهو ضعیف.

وهنا فوائد :

الأولی : قال فی المنتهی : قد بیّنّا أنه یجوز أن ینفر فی النفر الأول فحینئذ یسقط عنه رمی الجمار فی الیوم الثالث من أیام التشریق بلا خلاف ، إذا ثبت هذا فإنه یستحب له أن یدفن الحصا المختصة بذلک الیوم بمنی ، وأنکره الشافعی وقال : إنه لا یعرف فیه أثرا بل ینبغی أن یطرح أو یدفع إلی من لم یتعجّل (3). وهذا کلامه - رحمه الله - ولم یذکر علی استحباب الدفن دلیلا.

الثانیة : ینبغی النفر فی الیوم الثالث قبل الزوال لیصلّی الظهر بمکة کما تدل علیه صحیحة أیوب بن نوح قال : کتبت إلیه أن أصحابنا قد اختلفوا علینا

النفر الثانی

ص: 249


1- الکافی 4 : 521 - 7 ، التهذیب 5 : 272 - 930 ، الوسائل 10 : 224 أبواب العود إلی منی ب 10 ح 2.
2- التذکرة 1 : 394.
3- المنتهی 2 : 777.

______________________________________________________

فقال بعضهم : إن النفر یوم الأخیر بعد الزوال أفضل ، وقال بعضهم : قبل الزوال أفضل فکتب : « أما علمت أن رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی الظهر والعصر بمکة ولا یکون ذلک إلاّ وقد نفر قبل الزوال » (1) ویتأکد ذلک للإمام لیعلم الناس کیفیة الوداع ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « یصلّی الإمام الظهر یوم النفر بمکة » (2).

الثالثة : یستحب للمقیم بمنی أن یوقع صلاته کلّها فی مسجد الخیف فرضها ونفلها ، وأفضله فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وهو من المنارة إلی نحو من ثلاثین ذراعا إلی جهة القبلة ، وعن یمینها ویسارها وخلفها کذلک. ویدل علی هذه الأحکام ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « صلّ فی مسجد الخیف وهو مسجد منی ، وکان مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله علی عهده عند المنارة التی فی وسط المسجد وفوقها إلی القبلة نحوا من ثلاثین ذراعا وعن یمینها وعن یسارها وخلفها نحو من ذلک ، فإن استطعت أن یکون مصلاّک فیه فافعل فإنه قد صلّی فیه ألف نبی. وإنما سمّی الخیف لأنه مرتفع عن الوادی ، وما ارتفع عن الوادی یسمّی خیفا » (3).

وروی ابن بابویه بأسانید متعددة عن الثقة الجلیل أبی حمزة الثمالی ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « من صلّی فی مسجد الخیف بمنی مائة رکعة قبل أن یخرج منه عدلت عبادة سبعین عاما ، ومن سبّح الله فیه مائة تسبیحة کتب الله له کأجر عتق رقبة ، ومن هلّل الله فیه مائة تهلیلة عدلت أجر إحیاء نسمة ، ومن حمد الله فیه مائة تحمیدة عدلت أجر خراج العراقین

استحباب الصلاة بمسجد خیف للمقیم بمنی

ص: 250


1- الکافی 4 : 521 - 8 ، التهذیب 5 : 273 - 935 ، الوسائل 10 : 227 أبواب العود إلی منی ب 12 ح 2.
2- الکافی 4 : 520 - 5 ، التهذیب 5 : 273 - 934 ، الوسائل 10 : 227 أبواب العود إلی منی ب 12 ح 1.
3- الکافی 4 : 519 - 4 ، الوسائل 3 : 534 أبواب أحکام المساجد ب 50 ح 1.

______________________________________________________

یتصدّق به فی سبیل الله » (1).

الرابعة : روی الکلینی - رضی الله عنه - فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن أهل مکة یتمّون الصلاة بعرفات فقال : « ویلهم - أو ویحهم - وأیّ سفر أشدّ منه ، لا یتمّ » (2) وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن أهل مکة إذا خرجوا حجّاجا قصروا وإذا زاروا ورجعوا إلی منازلهم أتمّوا » (3).

وأقول : إنا قد بیّنّا فیما سبق تخییر المسافر فی الأربعة فراسخ بین القصر والإتمام ، کما هو اختیار شیخنا المفید (4) ، والشیخ الطوسی فی النهایة وکتابی الأخبار (5) ، وابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (6) ، وغیرهم (7). قال فی الذکری : وهو قویّ ، لکثرة الأخبار الصحیحة بالتحدید بأربعة فراسخ فلا أقلّ من الجواز (8). وحکی ذلک بعض مشایخنا السادة المعاصرین (9) عن جدّی - قدس سره - فی الفتاوی (10). وحکم أهل مکة فی عرفات من هذا القبیل کما صرّح به جماعة منهم الشهید فی الدروس فإنه قال : ولو لم یرد الرجوع لیومه فروایتان جمع جماعة بینهما بالتخییر ، وأهل مکة إذا قصدوا عرفات من هذا القبیل ، وفی الخبر الصحیح قصرهم (11)

حکم قصر الصلاة بمنی لأهل مکة

ص: 251


1- الفقیه 1 : 149 - 690 ، الوسائل 3 : 535 أبواب أحکام المساجد ب 51 ح 1.
2- الکافی 4 : 519 - 5 ، الوسائل 5 : 499 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 1.
3- الکافی 4 : 518 - 2 ، الوسائل 5 : 500 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 8.
4- نقله عنه فی المختلف : 162.
5- النهایة : 122 ، والتهذیب 3 : 208 ، والاستبصار 1 : 224.
6- الفقیه 1 : 280.
7- کسلار فی المراسم : 75.
8- الذکری : 256.
9- فی « ض » : المتأخرین.
10- مال إلیه فی روض الجنان : 384.
11- الدروس : 50.

______________________________________________________

انتهی. والظاهر أنه أشار بالخبر الصحیح إلی روایة معاویة بن عمار ، ویمکن حمل النهی الواقع فیها عن الإتمام علی الکراهیة ، أو علی أن متعلق النهی الإتمام علی وجه التعیین ، وقد تقدم الکلام فی ذلک مستوفی فی کتاب الصلاة.

وروی الکلینی أیضا فی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « حجّ النبی صلی الله علیه و آله فأقام بمنی ثلاثا یصلّی رکعتین ، ثم صنع ذلک أبو بکر وصنع ذلک عمر ، ثم صنع ذلک عثمان ست سنین ، ثم أکملها عثمان أربعا فصلّی الظهر أربعا ثم تمارض لیشدّ (1) بذلک بدعته فقال للمؤذن : اذهب إلی علیّ فقل له : فلیصلّ بالناس العصر ، فأتی المؤذّن علیّا علیه السلام فقال له : إن أمیر المؤمنین یأمرک أن تصلّی بالناس العصر فقال : إذن لا أصلّی إلاّ رکعتین کما صلی رسول الله صلی الله علیه و آله ، فذهب المؤذّن فأخبر عثمان بما قال علیّ ، فقال : اذهب إلیه وقل له : إنک لست من هذا فی شی ء اذهب فصلّ کما تؤمر ، فقال علیّ علیه السلام : لا والله لا أفعل ، فخرج عثمان فصلّی بهم أربعا ، فلما کان فی خلافة معاویة واجتمع الناس علیه وقتل أمیر المؤمنین علیه السلام حجّ معاویة فصلّی بالناس بمنی رکعتین الظهر ثم سلّم فنظرت بنو أمیّة بعضهم إلی بعض وثقیف ومن کان من شیعة عثمان ، ثم قالوا : قد قضی علی صاحبکم وخالف وأشمت به عدوّه فقاموا فدخلوا علیه فقالوا : أتدری ما صنعت؟ ما زدت أن قضیت علی صاحبنا وأشمت به عدوّه ورغبت عن صنیعه وسنته فقال : ویلکم أما تعلمون أن رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی فی هذا المکان رکعتین وأبو بکر وعمر وصلّی صاحبکم ستّ سنین کذلک فتأمرونی أن أدع سنة رسول الله صلی الله علیه و آله وما صنع أبو بکر وعمر وعثمان قبل أن یحدث؟! فقالوا : لا والله ما نرضی عنک إلاّ بذلک ، قال : فأقیلوا فإنی مشفّعکم وراجع إلی سنّة صاحبکم

ص: 252


1- فی « ض » و « ح » : لیسدّ.

ویستحب للإمام أن یخطب ویعلم الناس ذلک. ومن کان قضی مناسکه بمکة جاز أن ینصرف حیث شاء ، ومن بقی علیه شی ء من المناسک عاد وجوبا.

______________________________________________________

فصلّی العصر أربعا ، فلم یزل الخلفاء والأمراء علی ذلک إلی الیوم » (1).

الخامسة : قال الشهید فی الدروس : أسماء أیام منی علی الراء فالعاشر النحر ، والحادی عشر القر ، والثانی عشر النفر ، والثالث عشر الصدر ، ولیلته تسمی لیلة التحصیب ، وفی المبسوط هی لیلة الرابع وعشر (2).

قوله : ( ویستحب للإمام أن یخطب ویعلم الناس ذلک ).

أی : وقت النفر الأول والثانی ، وینبغی أن یعلمهم فیها أیضا کیفیة النفر والتودیع ، ویحثّهم علی طاعة الله تعالی وعلی أن یختموا حجهم بالاستقامة والثبات علی طاعة الله وأن یکونوا بعد الحج خیرا منهم قبله وأن یذکروا ما عاهدوا الله علیه من خیر. وذکر العلاّمة فی المنتهی أن محل هذه الخطبة بعد صلاة الظهرین من الیوم الثانی من أیام التشریق (3).

قوله : ( ومن کان قضی مناسکه بمکة جاز أن ینصرف حیث شاء ، ومن بقی علیه شی ء من المناسک عاد وجوبا ).

لا ریب فی جواز الانصراف من منی لمن لم یبق علیه شی ء من المناسک حیث شاء ، لفراغه من الأفعال الواجبة وإن استحب له العود إلی مکة لوداع البیت ، وروی الشیخ ، عن الحسین بن علیّ السریّ قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تری فی المقام بمنی بعد ما ینفر الناس؟ فقال : « إن کان قد قضی نسکه فلیقم ما شاء ولیذهب حیث شاء » (4).

أسماء أیام منی

استحباب الخطبة للامام بمنی

جواز الانصراف من منی لمن أتم المناسک

ص: 253


1- الکافی 4 : 518 - 3 ، الوسائل 5 : 500 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 9.
2- الدروس : 136.
3- المنتهی 2 : 775.
4- التهذیب 5 : 273 - 936 ، الوسائل 10 : 228 أبواب العود إلی منی ب 13 ح 1.

مسائل :

[ الأولی ] : من أحدث ما یوجب حدّا أو تعزیرا أو قصاصا ولجأ إلی الحرم ضیّق علیه فی المطعم والمشرب حتی یخرج. ولو أحدث فی الحرم قوبل بما تقتضیه جنایته فیه.

______________________________________________________

قوله : ( مسائل : الأولی : من أحدث ما یوجب حدّا أو تعزیرا أو قصاصا ولجأ إلی الحرم ضیّق علیه فی المطعم والمشرب حتی یخرج ، ولو أحدث فی الحرم قوبل بما تقتضیه جنایته فیه ).

یدل علی ذلک روایات : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل قتل رجلا فی الحلّ ثم دخل الحرم فقال : « لا یقتل ولا یطعم ولا یسقی ولا یبایع ولا یؤوی حتی یخرج من الحرم فیقام علیه الحد » قلت : فما تقول فی رجل قتل فی الحرم أو سرق؟ قال : « یقام علیه الحدّ فی الحرم صاغرا إنه لم یر للحرم حرمة وقد قال الله تعالی ( فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْکُمْ ) (1) فقال : « هذا فی الحرم وقال ( فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَی الظّالِمِینَ ) (2) » (3).

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) (4) قال : « إذا أحدث العبد جنایة فی غیر الحرم ثم فرّ إلی الحرم لم یسغ لأحد أن یأخذه فی الحرم ولکن یمنع من السوق ولا یبایع ولا یطعم ولا یسقی ولا یکلّم فإنه إذا فعل ذلک به یوشک أن یخرج فیؤخذ ، وإذا جنی فی الحرم جنایة أقیم علیه الحدّ فی الحرم ، لأنه لم یر للحرم حرمة » (5).

بعض أحکام مکة

حکم لجوء المجرم إلی الحرم

ص: 254


1- البقرة : 194.
2- البقرة : 193.
3- الکافی 4 : 227 - 4 ، الوسائل 9 : 336 أبواب مقدمات الطواف ب 14 ح 1.
4- آل عمران : 97.
5- الکافی 4 : 226 - 2 ، الوسائل 9 : 337 أبواب مقدمات الطواف ب 14 ح 2.

الثانیة : یکره أن یمنع أحد من سکنی دور مکة ، وقیل : یحرم ، والأول أصحّ.

______________________________________________________

وعن علیّ بن أبی حمزة ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی قول الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) قال : « إن سرق سارق بغیر مکة أو جنی جنایة علی نفسه ففرّ إلی مکة لم یؤخذ ما دام فی الحرم حتی یخرج عنه ولکن یمنع من السوق ولا یبایع ولا یجالس حتی یخرج منه فیؤخذ ، وإن أحدث فی الحرم ذلک الحدث أخذ فیه » (1).

ویستفاد من هذه الروایات أن من هذا شأنه یمنع من السوق ولا یطعم ولا یبایع ولا یسقی ولا یؤوی ولا یکلّم ولیس فیها لفظ التضییق علیه فی ذلک ، وإنما وقع هذا اللفظ فی عبارات الفقهاء ، وفسّروه بأن یطعم ویسقی ما لا یحتمله مثله عادة أو بما یسدّ الرمق. وکلا المعنیین مناسب للفظ التضییق لو کان واردا فی النصوص. ومورد النص الالتجاء إلی الحرم ، ونقل الشارح عن بعض علمائنا أنه ألحق به مسجد النبی صلی الله علیه و آله ومشاهد الأئمة علیهم السلام محتجا بإطلاق اسم الحرم علیها فی بعض الأخبار (2). وهو ضعیف لکنه مناسب للتعظیم.

قوله : ( الثانیة : یکره أن یمنع أحد من سکنی دور مکة ، وقیل : یحرم ، والأول أصح ).

القول بالتحریم منقول عن الشیخ (3) - رحمه الله - واستدل له فخر المحققین فی شرح القواعد بأن مکة کلها مسجد ، لقوله تعالی ( سُبْحانَ الَّذِی أَسْری بِعَبْدِهِ لَیْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (4) وکان الإسراء من دار أمّ

کراهة منع الناس سکنی دور مکة

ص: 255


1- الکافی 4 : 227 - 3 ، الوسائل 9 : 337 أبواب مقدمات الطواف ب 14 ح 3.
2- المسالک 1 : 126.
3- نقله فی إیضاح الفوائد 1 : 319. إلا أن کلامه فی النهایة : 3. والمبسوط 384 مشعر بالکراهیة.
4- الإسراء : 101.

______________________________________________________

هانی ، وإذا کانت کذلک فلا یجوز منع أحد منها ، لقوله تعالی ( سَواءً الْعاکِفُ فِیهِ وَالْبادِ ) (1) (2). وهو استدلال ضعیف.

أما أولا : فلأن الإجماع القطعی منعقد علی خلافه.

وأما ثانیا : فلمنع کون الإسراء من بیت أم هانی ، ثم لو سلّمناه لجاز مروره بالمسجد الحرام لیتحقق الإسراء منه حقیقة إلی المسجد الأقصی.

والأصح الکراهیة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لیس ینبغی لأهل مکة أن یجعلوا علی دورهم أبوابا ، وذلک أن الحاج ینزلون معهم فی ساحة الدار حتی یقضوا حجهم » (3) ولفظ « لیس ینبغی » ظاهر فی الکراهیة.

وعن الحسین بن أبی العلاء قال : ذکر أبو عبد الله علیه السلام هذه الآیة ( سَواءً الْعاکِفُ فِیهِ وَالْبادِ ) قال : « کانت مکة لیس علی شی ء منها باب وکان أول من علّق علی بابه المصراعین معاویة بن أبی سفیان ، ولیس ینبغی لأحد أن یمنع الحاج شیئا من الدور ومنازلها » (4).

وما رواه الکلینی ( فی الحسن ) (5) عن الحسین بن أبی العلاء قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إن معاویة أول من علّق علی بابه مصراعین فمنع حاجّ بیت الله ما قال الله عزّ وجلّ ( سَواءً الْعاکِفُ فِیهِ وَالْبادِ ) وکان الناس إذا قدموا مکة نزل البادی علی الحاضر حتی یقضی حجه وکان معاویة صاحب السلسلة التی قال الله عزّ وجلّ : ( فِی سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً

ص: 256


1- الحج : 25.
2- إیضاح الفوائد 1 : 319.
3- التهذیب 5 : 463 - 1615 ، الوسائل 9 : 368 أبواب مقدمات الطواف ب 32 ح 5.
4- التهذیب 5 : 420 - 1458 ، الوسائل 9 : 368 أبواب مقدمات الطواف ب 32 ح 4.
5- ما بین القوسین لیس فی « ض ».

الثالثة : یحرم أن یرفع أحد بناء فوق الکعبة ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه.

الرابعة : لا تحل لقطة الحرم ، قلیلة کانت أو کثیرة ، وتعرّف سنة. ثم إن شاء تصدّق بها ولا ضمان علیه ، وإن شاء جعلها فی یده أمانة.

______________________________________________________

فَاسْلُکُوهُ إِنَّهُ کانَ لا یُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِیمِ ) (1) وکان فرعون هذه الأمة » (2).

قوله : ( الثالثة : یحرم أن یرفع أحد بناء فوق الکعبة ، وقیل : یکره وهو الأشبه ).

القول بالتحریم للشیخ (3) وجمع من الأصحاب ، وهو مناسب للتعظیم إلاّ أن الأشبه الکراهیة ، لأصالة عدم التحریم ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن مسلم : « ولا ینبغی لأحد أن یرفع بناء فوق الکعبة » (4).

قوله : ( الرابعة : لا تحل لقطة الحرم قلیلة کانت أو کثیرة ، وتعرّف سنة ، ثم إن شاء تصدّق بها ولا ضمان علیه ، وإن شاء جعلها فی یده أمانة ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من تحریم لقطة الحرم قلیلة کانت أو کثیرة أحد الأقوال فی المسألة وهو اختیار الشیخ فی النهایة (5). وثانیها الکراهة مطلقا وهو خیرة المصنف فی کتاب اللقطة فی النافع (6). وثالثها جواز التقاط القلیل مطلقا والکثیر علی کراهة مع نیة التعریف وهو خیرة المصنف أیضا فی

حکم رفع بناء فوق الکعبة

حکم لقطة الحرم

ص: 257


1- إلحاقه : 32 - 33.
2- الکافی 4 : 243 - 1 ، الوسائل 9 : 367 أبواب مقدمات الطواف ب 32 ح 1.
3- نقله عنه فی إیضاح الفوائد 1 : 319. وکلامه فی النهایة : 3. والمبسوط 1 : 384 مشعر بالکراهیّة.
4- الکافی 4 : 230 - 1 ، الفقیه 2 : 165 - 714 ، التهذیب 5 : 420 - 1459 ، الوسائل 9 : 343 أبواب مقدمات الطواف ب 17 ح 1.
5- النهایة : 284.
6- المختصر النافع : 261.

______________________________________________________

کتاب اللقطة من هذا الکتاب (1).

احتج القائلون بالتحریم بصحیحة الفضیل بن یسار قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن لقطة الحرم فقال : « لا تمس أبدا حتی یجی ء صاحبها فیأخذها » قلت : فإن کان مالا کثیرا؟ قال : « فإن لم یأخذها إلاّ مثلک فلیعرفها » (2) وروایة علیّ بن أبی حمزة قال : سألت العبد الصالح عن رجل وجد دینارا فی الحرم فأخذه؟ قال : « بئس ما صنع ما کان ینبغی له أن یأخذه » قلت : ابتلی بذلک قال : « یعرّفه » قلت : فإنه عرّفه فلم یجد له باغیا قال : « یرجع به إلی بلده فیتصدّق به علی أهل بیت من المسلمین ، فإن جاء طالبه فهو له ضامن » (3) وصحیحة یعقوب بن شعیب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن اللقطة ونحن یومئذ بمنی فقال : « أما بأرضنا هذه فلا یصلح ، وأما عندکم فإن صاحبها الذی یجدها یعرّفها سنة فی کل مجمع ثم هی کسبیل ماله » (4).

وفی جمیع هذه الأدلة نظر ، أما الروایة الأولی فلأنها وإن تضمنت النهی عن مسّ اللقطة إلاّ أن ظاهر قوله : « فإن لم یأخذها إلاّ مثلک فلیعرّفها » جواز أخذها علی هذا الوجه ، فلا یتم الاستدلال بها علی التحریم مطلقا وقد روی الکلینی ، عن الفضیل بن یسار أنه قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یجد اللقطة فی الحرم قال : « لا یمسّها وأما أنت فلا بأس لأنک تعرّفها » (5) ولا یبعد حمل النهی فی الروایتین علی الکراهیة ، لورود مثله فی مطلق اللقطة کقوله علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « وکان علیّ بن

ص: 258


1- الشرائع 3 : 291.
2- التهذیب 5 : 421 - 1461 ، الوسائل 9 : 361 أبواب مقدمات الطواف ب 28 ح 2.
3- التهذیب 5 : 421 - 1462 ، الوسائل 9 : 361 أبواب مقدمات الطواف ب 28 ح 3.
4- التهذیب 5 : 421 - 1463 ، الوسائل 9 : 361 أبواب مقدمات الطواف ب 28 ح 1.
5- الکافی 4 : 239 - 2 ، الوسائل 9 : 362 أبواب مقدمات الطواف ب 28 ح 5.

______________________________________________________

الحسین علیهماالسلام یقول لأهله : لا تمسّوها » (1) وفی روایة الحسین بن أبی العلاء وقد سأله عن اللقطة : « لا تعرض لها فلو أن الناس ترکوها لجاء صاحبها فأخذها » (2).

وأما الروایة الثانیة : فهی مع ضعف سندها غیر صریحة فی التحریم ، بل هی أظهر فی الدلالة علی الکراهة. وکذا الکلام فی الثالثة. وقد ظهر بذلک قوة القول بالکراهة.

واختلف الأصحاب أیضا فی حکم هذه اللقطة بعد الالتقاط فخیّر المصنف هنا بعد التعریف بین التصدق بها ولا ضمان وبین إبقائها فی یده أمانة ، وظاهره عدم جواز تملکها مطلقا. وجوّز فی کتاب اللقطة من هذا الکتاب تملک ما دون الدرهم دون الزائد ، وخیّر بین إبقائه أمانة وبین التصدق به ولا ضمان (3). ونقل عن أبی الصلاح أنه جوّز تملک الکثیر أیضا. وربما کان مستنده عموم ما دل علی جواز تملک اللقطة السالم عمّا یصلح للمعارضة ، وهی غیر بعید وإن کان الأظهر وجوب التصدق بها بعد التعریف ، لروایة علیّ بن أبی حمزة المتقدمة (4) ، وما رواه الکلینی - رحمه الله - فی الحسن ، عن إبراهیم بن عمر - وهو الیمانی الصنعانی - قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « اللقطة لقطتان لقطة الحرم تعرّف سنة فإن وجدت لها طالبا وإلاّ تصدّقت بها ، ولقطة غیرها تعرّف سنة فإن لم تجد صاحبها فهی کسبیل مالک » (5) (6).

ص: 259


1- التهذیب 6 : 389 - 1163 ، الإستبصار 3 : 68 - 227 ، الوسائل 17 : 347 أبواب اللقطة ب 1 ح 1.
2- التهذیب 6 : 390 - 1166 ، الوسائل 17 : 348 أبواب اللقطة ب 1 ح 2.
3- الشرائع 3 : 291.
4- فی ص 255.
5- الکافی 4 : 238 - 1 ، الوسائل 9 : 361 أبواب مقدمات الطواف ب 28 ح 4.
6- فی « ح » زیادة : والمسألة محل تردد.

الخامسة : إذا ترک الناس زیارة النبی علیه السلام أجبروا علیها ، لما یتضمن من الجفاء المحرّم.

______________________________________________________

وینبغی علی القول بالتحریم أن تکون مضمونة علی الملتقط مطلقا للعدوان ، لکن أطلق القول بکونها أمانة من حرّم الالتقاط ومن جوّزه.

قوله : ( الخامسة : إذا ترک الناس زیارة النبی صلی الله علیه و آله أجبروا علیها ، لما یتضمن من الجفاء المحرّم ).

أشار بالتعلیل إلی ما روی عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنه قال : « من حج ولم یزرنی فقد جفانی » (1) ولا شک أن جفاءه محرم فیکون ترک زیارته المؤدیة إلی جفائه کذلک ، لکن هذه الروایة لم نقف علیها مستندة فی کتب الأصحاب ، ولو صحّ سندها لاقتضت وجوب زیارته علی کل حاج. ویدل علی وجوب الإجبار علی زیارته إذا ترکها الناس ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حفص بن البختری وهشام بن سالم ومعاویة بن عمّار وغیرهم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لو أن الناس ترکوا الحج لکان علی الوالی أن یجبرهم علی ذلک وعلی المقام عنده ، ولو ترکوا زیارة النبی صلی الله علیه و آله لکان علی الوالی أن یجبرهم علی ذلک وعلی المقام عنده ، فإن لم یکن لهم مال أنفق علیهم من بیت مال المسلمین » (2) ومقتضی الروایة أنه یجب علی الوالی الإجبار علی زیارته علی هذا الوجه وعلی المقام بالحرمین وهو یقتضی وجوب ذلک کفایة وإلا لم یجز الإجبار علیه ، إذ لا إجبار علی ما أجاز الشارع ترکه. وما قیل من أن الإجبار علی ذلک علی هذا الوجه وإن کان عقابا لا یدل علی الوجوب ، لأنه دنیوی وإنما یستحق بترک الواجب العقاب الأخروی (3). فضعیف ، لأن المعاقبة الدنیویة إنما تسوغ

إجبار الناس علی زیارة النبی ( ص ) مع الترک

ص: 260


1- الکافی 4 : 548 - 5 ، الفقیه 2 : 338 - 1571 ، علل الشرائع : 460 - 7 ، الوسائل 10 : 261 أبواب المزار ب 3 ح 3.
2- الفقیه 2 : 259 - 1259 ، الوسائل 8 : 15 أبواب وجوب الحج ب 5 ح 2.
3- کما فی المسالک 1 : 127.

ویستحب العود إلی مکة لمن قضی مناسکه لوداع البیت.

ویستحب أمام ذلک صلاة ست رکعات بمسجد الخیف ، وآکده استحبابا عند المنارة التی فی وسطه وفوقها إلی جهة القبلة بنحو من ثلاثین ذراعا ، وعن یمینها ویسارها کذلک ،

______________________________________________________

علی الإخلال بواجب أو فعل محرم لا علی ترک ما أذن الشارع فی ترکه کما هو واضح.

قوله : ( ویستحب العود إلی مکة لمن قضی مناسکه لوداع البیت ، ویستحب أمام ذلک صلاة ستّ رکعات بمسجد الخیف ، وآکده استحبابا عند المنارة التی فی وسطه وفوقها إلی جهة القبلة نحوا من ثلاثین ذراعا وعن یمینها وعن یسارها کذلک ).

أما استحباب العود إلی مکة لمن قضی نسکه لوداع البیت فقال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا (1). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أردت أن تخرج من مکة فتأتی أهلک فودّع البیت وطف أسبوعا » (2) الحدیث.

وأما استحباب صلاة ستّ رکعات بمسجد الخیف أمام العود إلی مکة فاستدل علیه بروایة علیّ بن أبی حمزة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « صلّ ستّ رکعات فی مسجد منی فی أصل الصومعة » (3) ومقتضی الروایة استحباب فعلها فی ذلک المکان.

وأما تأکد استحباب إیقاعها عند المنارة إلی نحو من ثلاثین ذراعا إلی جهة القبلة وعن یمینها وعن یسارها کذلک فاستدل علیه أیضا بصحیحة معاویة بن عمّار المتضمنة للحثّ علی إیقاع الصلاة فی هذا المحل ، لأنه کان

استحباب وداع البیت

ص: 261


1- المنتهی 2 : 779.
2- التهذیب 5 : 280 - 957 ، الوسائل : 10 : 231 أبواب العود إلی منی ب 18 ح 1.
3- الکافی 4 : 519 - 6 ، التهذیب 5 : 274 - 940 ، الوسائل 3 : 535 أبواب أحکام المساجد ب 51 ح 2.

ویستحب التحصیب لمن نفر فی الأخیر ، وأن یستلقی فیه.

______________________________________________________

المسجد علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله (1). وهو غیر جید ، لأن ذلک لا ینافی استحباب الإتیان بهذه الصلاة فی أصل الصومعة کما تضمنته الروایة التی هی مستند الحکم ، ولعل المراد بأصل الصومعة ما عند المنارة ، وکیف کان فعبارة المصنف - رحمه الله - غیر وافیة بالمقصود ، وکان علیه أیضا أن یذکر الثلاثین التی من خلف المنارة لوجوده مع ما ذکره من التحدید فی الروایة.

قوله : ( ویستحب التحصیب لمن نفر فی الأخیر ، وأن یستلقی فیه ).

التحصیب : النزول بالمحصب وهو الشعب الذی مخرجه إلی الأبطح علی ما نصّ علیه الجوهری (2) وغیره (3). وذکر الشیخ فی المصباح (4) وغیره (5) أن التحصیب النزول فی مسجد الحصبة. وهذا المسجد غیر معروف الآن بل الظاهر اندراسه من قرب زمن الشیخ کما اعترف به جماعة منهم ابن إدریس فإنه قال : لیس للمسجد أثر الآن فیتأدی هذه السنّة بالنزول بالمحصب من الأبطح قال : وهو ما بین العقبة وبین مکة (6). وقیل : هو ما بین الجبل الذی عنده مقابر مکة والجبل الذی یقابله مصعدا فی الشق الأیمن للقاصد مکة ولیست المقبرة منه ، واشتقاقه من الحصباء وهی الحصی المحمولة بالسیل. ونقل عن السید ضیاء الدین بن الفاخر شارح الرسالة أنه قال : ما

استحباب التحصیب لمن نفر فی الأخیر

ص: 262


1- الکافی 4 : 519 - 4 ، الفقیه 1 : 149 - 691 ، التهذیب 5 : 274 - 939 ، الوسائل 3 : 534 أبواب أحکام المساجد ب 50 ح 1.
2- الصحاح 1 : 112.
3- کالفیروزآبادی فی القاموس المحیط 1 : 57.
4- مصباح المتهجد : 647.
5- کالشهید الأول فی الدروس : 136 ، والمحقق الثانی فی جامع المقاصد 1 : 175. والشهید الثانی فی المسالک 1 : 127.
6- السرائر : 139 و 144.

وإذا عاد إلی مکة فمن السنّة أن یدخل الکعبة

______________________________________________________

شاهدت أحدا یعلمنی به فی زمانی وإنما وقفنی واحد علی أثر مسجد بقرب منی علی یمین قاصد مکة فی مسیل واد قال : وذکر آخرون أنه عند مخرج الأبطح إلی مکة (1).

ویدل علی استحباب التحصیب مضافا إلی الإجماع والتأسی ما رواه الشیخ ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : إذا نفرت وانتهیت إلی الحصبة - وهی البطحاء - فشئت أن تنزل بها قلیلا فإن أبا عبد الله علیه السلام قال : « إن أبی کان ینزلها ثم یرتحل فیدخل مکة من غیر أن ینام بها » (2) وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن أبان وهو ابن عثمان ، عن أبی مریم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سئل عن الحصبة فقال : « کان أبی علیه السلام ینزل بالأبطح ثم یدخل البیوت من غیر أن ینام بالأبطح » فقلت له : أرأیت من تعجّل فی یومین علیه أن یحصب؟ قال : « لا » وقال : « کان أبی علیه السلام ینزل الحصبة قلیلا ثم یرتحل وهو دون خبط وحرمان » (3) ویستفاد من هذه الروایة أن التحصیب النزول بالحصبة ، وأنه دون خبط وحرمان لکن لم أقف فی کلام أهل اللغة علی شی ء یعتدّ به فی ضبط هذین اللفظین وتفسیرهما ، وأن التحصیب إنما یستحب لمن نفر فی النفر الثانی ، وأنه یستحب النزول بالأبطح ساعة من غیر أن ینام فیه ثم یدخل مکة ، بل ربما ظهر من قوله علیه السلام : « کان أبی علیه السلام ینزل بالأبطح » فی جواب السؤال عن الحصبة أن ذلک هو التحصیب.

قوله : ( وإذا عاد إلی مکة فمن السنّة أن یدخل الکعبة ).

یدل علی ذلک روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال : « رأیت العبد الصالح علیه السلام دخل الکعبة فصلّی

مستحبات العود إلی بکة

ص: 263


1- نقله عنه الشهید فی الدروس : 137.
2- التهذیب 5 : 275 - 941 ، الوسائل 10 : 229 أبواب العود إلی منی ب 15 ح 1.
3- الفقیه 2 : 289 - 1428 ، الوسائل 10 : 229 أبواب العود إلی منی ب 15 ح 3.

ویتأکد فی حق الصرورة ، وأن یغتسل ویدعو عند دخولها. وأن یصلی بین الأسطوانتین علی الرخامة الحمراء رکعتین ، یقرأ فی الأولی الحمد وحم السجدة ، وفی الثانیة عدد آیها ، ویصلی فی زوایا البیت ، ثم یدعو

______________________________________________________

فیها رکعتین علی الرخامة الحمراء ، ثم قام فاستقبل الحائط بین الرکن الیمانی والغربی فرفع یده علیه ولصق به ودعا ، ثم تحول إلی الرکن الیمانی فلصق به ودعا ، ثم أتی إلی الرکن الغربی ، ثم خرج » (1).

وعن ابن القداح ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام قال : سألته عن دخول الکعبة قال : « الدخول فیها دخول فی رحمة الله والخروج منها خروج من الذنوب معصوم فیما بقی من عمره مغفور له ما سلف من ذنوبه » (2) ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حمّاد بن عثمان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن دخول البیت فقال : « أما الصرورة فیدخله وأما من قد حجّ فلا » (3) لأنه محمول علی أن المنفی تأکد الاستحباب الثابت فی حق الصرورة.

قوله : ( ویتأکد فی حق الصرورة ).

لقوله علیه السلام فی صحیحة سعید الأعرج : « لا بدّ للصرورة أن یدخل البیت قبل أن یرجع » (4)

قوله : ( وإن یغتسل ویدعو عند دخولها ، وأن یصلی بین الأسطوانتین علی الرخامة الحمراء رکعتین یقرأ فی الأولی الحمد وحم السجدة وفی الثانیة عدد آیها ، ویصلی فی زوایا البیت ، ثم یدعو

ص: 264


1- التهذیب 5 : 278 - 951 ، الوسائل 9 : 374 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 4.
2- التهذیب 5 : 275 - 944 ، الوسائل 9 : 370 أبواب مقدمات الطواف ب 34 ح 1 وج 10 : 230 أبواب العود إلی منی ب 16 ح 1.
3- التهذیب 5 : 277 - 948 ، الوسائل 9 : 371 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 3.
4- الکافی 4 : 529 - 6 ، التهذیب 5 : 277 - 947 ، الوسائل 9 : 371 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 1.

بالدعاء المرسوم. ویستلم الأرکان ، ویتأکد فی الیمانی.

______________________________________________________

بالدعاء المرسوم ، ویستلم الأرکان ویتأکد فی الیمانی ).

یدل علی هذه الجملة ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أردت دخول الکعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ، ولا تدخلها بحذاء وتقول إذا دخلت : « اللهم إنک قلت : ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) (1) فآمنّی من عذاب النار » ثم تصلّی بین الأسطوانتین علی الرخامة الحمراء تقرأ فی الرکعة الأولی حم السجدة وفی الثانیة عدد آیها من القرآن وتصلّی فی زوایاه وتقول : « اللهم من تهیّأ أو تعبّأ أو أعدّ أو استعدّ لوفادة إلی مخلوق رجاء رفده وجائزته ونوافله وفواضله فإلیک یا سیدی تهیئتی وتعبئتی وإعدادی واستعدادی رجاء رفدک ونوافلک وجائزتک فلا تخیّب الیوم رجائی یا من لا یخیب علیه سائل ولا ینقصه نائل فإنی لم آتک الیوم بعمل صالح قدّمته ولا شفاعة مخلوق رجوته ولکنی أتیتک مقرّا بالظلم والإساءة علی نفسی فإنه لا حجة لی ولا عذر فأسألک یا من هو کذلک أن تعطینی مسألتی وتقیلنی عثرتی وتقبلنی برغبتی ولا تردّنی مجبوها ممنوعا ولا خائبا یا عظیم یا عظیم یا عظیم أرجوک للعظیم أسألک یا عظیم أن تغفر لی الذنب العظیم لا إله إلاّ أنت » قال : « ولا تدخلها بحذاء ولا تبزق فیها ولا تمتخط ، ولم یدخلها رسول الله صلی الله علیه و آله إلاّ یوم فتح مکة » (2).

وفی الصحیح ، عن معاویة قال : رأیت العبد الصالح دخل الکعبة فصلی رکعتین علی الرخامة الحمراء ، ثم قام فاستقبل الحائط بین الرکن الیمانی والغربی فرفع (3) یده علیه ولزق به ودعا ، ثم تحول إلی الرکن الیمانی ثم أتی الرکن الغربی ثم خرج » (4).

ص: 265


1- آل عمران : 97.
2- الکافی 4 : 528 - 3 ، الوسائل 9 : 372 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 1.
3- فی الکافی : فوقع.
4- الکافی 4 : 529 - 5 ، الوسائل 9 : 374 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 4 ، ورواها فی التهذیب 5 : 278 - 951.

ثم یطوف بالبیت أسبوعا. ثم یستلم الأرکان والمستجار ، ویتخیر من الدعاء ما أحبّه. ثم یأتی زمزم فیشرب منها. ثم یخرج وهو یدعو.

______________________________________________________

وروی الکلینی أیضا فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار فی دعاء الولد قال : أفض علیک دلوا من ماء زمزم ثم ادخل البیت فإذا قمت علی الباب فخذ بحلقة الباب ثم قل : « اللهم إن البیت بیتک والعبد عبدک وقد قلت : ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) فآمنّی من عذابک وأجرنی من سخطک » ثم ادخل البیت فصلّ علی الرخامة الحمراء رکعتین ، ثم قم إلی الأسطوانة التی بحذاء الحجر وألصق بها صدرک ثم قل : « یا واحد یا أحد یا ماجد یا قریب یا بعید یا عزیز یا حکیم لا تذرنی فردا وأنت خیر الوارثین هب لی من لدنک ذریة طیبة إنک سمیع الدعاء » ثم در بالأسطوانة فألصق بها ظهرک وبطنک وتدعو بهذا الدعاء فإن یرد الله شیئا کان » (1).

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام وهو خارج من الکعبة وهو یقول : « الله أکبر الله أکبر » حتی قالها ثلاثا ثم قال : « اللهم لا تجهد بلاءنا ربنا ولا تشمت بنا أعداءنا فإنک أنت الضارّ النافع » ثم هبط یصلی إلی جانب الدرجة جعل الدرجة عن یساره مستقبل الکعبة لیس بینه وبینها أحد ، ثم خرج إلی منزله » (2).

قوله : ( ثم یطوف بالبیت أسبوعا ، ثم یستلم الأرکان والمستجار ، ویتخیر من الدعاء ما أحبّ ، ثم یأتی زمزم فیشرب منها ، ثم یخرج وهو یدعو ).

أجمع الأصحاب علی استحباب طواف الوداع ، وقال بعض العامة بوجوبه (3). وینبغی أن یعتمد فی کیفیته ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن

ص: 266


1- الکافی 4 : 530 - 11 ، الوسائل 9 : 374 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 5.
2- الکافی 4 : 529 - 7 ، الوسائل 9 : 377 أبواب مقدمات الطواف ب 40 ح 1 ، ورواها فی التهذیب 5 : 279 - 956.
3- کصاحب الجامع لأحکام القرآن 12 : 52.

______________________________________________________

معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أردت أن تخرج من مکة وتأتی أهلک فودّع البیت وطف بالبیت أسبوعا ، وإن استطعت أن تستلم الحجر الأسود والرکن الیمانی فی کل شوط فافعل وإلاّ فافتتح به واختم به فإن لم تستطع ذلک فموسّع علیک ، ثم تأتی المستجار فتصنع عنده کما صنعت یوم قدمت مکة وتخیّر لنفسک من الدعاء ، ثم ائت الحجر الأسود ، ثم ألصق بطنک بالبیت تضع یدک علی الحجر والأخری مما یلی الباب واحمد الله وأثن علیه وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله ثم قل : « اللهم صلّ علی محمد عبدک ورسولک ونبیک وأمینک وحبیبک ونجیّک (1) وخیرتک من خلقک اللهم کما بلّغ رسالاتک وجاهد فی سبیلک وصدع بأمرک وأوذی فی جنبک وعبدک حتی أتاه الیقین اللهم اقلبنی مفلحا منجحا مستجابا لی بأفضل ما یرجع به أحد من وفدک من المغفرة والبرکة والرحمة والرضوان والعافیة ، اللهم إن أمتّنی فاغفر لی وإن أحییتنی فارزقنیه من قابل ، اللهم لا تجعله آخر العهد من بیتک ، اللهم إنی عبدک ابن عبدک وابن أمتک حملتنی علی دوابّک وسیّرتنی فی بلادک حتی أقدمتنی حرمک وأمنک وقد کان فی حسن ظنی بک أن تغفر لی ذنوبی فإن کنت غفرت لی ذنوبی فازدد عنّی رضا وقرّبنی إلیک زلفی ولا تباعدنی وإن کنت لم تغفر لی فمن الآن فاغفر لی قبل أن تنأی عن بیتک داری فهذا أو ان انصرافی إن کنت أذنت لی غیر راغب عنک ولا عن بیتک ولا مستبدل بک ولا به ، اللهم احفظنی من بین یدیّ ومن خلفی وعن یمینی وعن شمالی حتی تبلغنی أهلی فإذا بلغتنی أهلی فاکفنی مؤنة عبادک وعیالی فإنک ولیّ ذلک من خلقک ومنّی ».

ثم ائت زمزم فاشرب من مائها ثم اخرج وقل : « آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون إلی ربنا راغبون إلی الله راجعون إن شاء الله ».

قال : وإن أبا عبد الله علیه السلام لمّا ودّعها وأراد أن یخرج من

ص: 267


1- فی بعض النسخ : ونجیبک.

ویستحب خروجه من باب الحنّاطین ، ویخر ساجدا ، ویستقبل القبلة ، ویدعو ، ویشتری بدرهم تمرا ویتصدّق به احتیاطا لإحرامه.

______________________________________________________

المسجد الحرام خرّ ساجدا عند باب المسجد طویلا ثم قام فخرج (1)

قوله : ( ویستحب خروجه من باب الحنّاطین ).

ذکر الشهید فی الدروس أن هذا الباب بإزاء الرکن الشامی (2) وأنه باب بنی جمح قبیلة من قریش. سمی بذلک لبیع الحنطة عنده ، وقیل : لبیع الحنوط (3). قال المحقق الشیخ علی : ولم أجد أحدا یعرف موضع هذا الباب فإن المسجد قد زید فیه فینبغی أن یتحری الخارج موازاة الرکن الشامی ثم یخرج (4).

قوله : ( ویخرّ ساجدا ویستقبل القبلة ویدعو ).

ظاهر العبارة یقتضی أن محل هذا السجود بعد الخروج من المسجد ومقتضی صحیحة معاویة بن عمّار المتقدمة استحباب السجود قبله ، وقریب منها صحیحة إبراهیم بن أبی محمود قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام ودّع البیت فلما أراد أن یخرج من باب المسجد خرّ ساجدا ثم قام واستقبل الکعبة فقال : « اللهم إنی أنقلب علی لا إله إلاّ الله » (5).

قوله : ( ویشتری بدرهم تمرا ثم یتصدّق به احتیاطا لإحرامه ).

یدل علی ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یستحب للرجل والمرأة أن لا یخرجا من

ص: 268


1- الکافی 4 : 530 - 1 ، الوسائل 10 : 231 أبواب العود إلی منی ب 18 ح 1.
2- الدروس : 138.
3- کما فی الروضة البهیة 2 : 329.
4- جامع المقاصد 1 : 175.
5- الکافی 4 : 531 - 2 ، التهذیب 5 : 281 - 958 ، عیون أخبار الرضا : 179 - 43 ، الوسائل 10 : 232 أبواب العود إلی منی ب 18 ح 2.

ویکره الحج علی الإبل الجلاّلة.

ویستحب لمن حج أن یعزم علی العود.

______________________________________________________

مکة حتی یشتریا بدرهم تمرا فیتصدّقا به لما کان منهما فی إحرامهما ولما کان فی حرم الله عزّ وجلّ ».

وما رواه الکلینی (1) فی الحسن ، عن معاویة بن عمّار وحفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « ینبغی للحاج إذا قضی نسکه وأراد أن یخرج أن یبتاع بدرهم تمرا فیتصدّق به فیکون کفارة لما دخل علیه فی حجة من حکّ أو قملة سقطت أو نحو ذلک » (2).

وعن أبی بصیر قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا أردت أن تخرج من مکة فاشتر بدرهم تمرا فتصدّق به قبضة قبضة فیکون لکل ما کان منک فی إحرامک وما کان منک بمکة » (3) ولو تصدّق بذلک ثم ظهر له موجب بتأدی بالصدقة فالظاهر الإجزاء کما اختاره الشهیدان (4) ، لظاهر النص المتقدم.

قوله : ( ویکره الحج علی الإبل الجلاّلة ).

لما رواه الکلینی ، عن إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن آبائه علیهم السلام : « أن علیا علیه السلام کان یکره الحج والعمرة علی الإبل الجلاّلات » (5) وفی الطریق ضعف (6).

قوله : ( ویستحب لمن حج أن یعزم علی العود ).

- کراهة الحج علی الإبل الجلالة

استحباب العزم علی العود للحاج

ص: 269


1- الفقیه 2 : 290 - 1430 ، الوسائل 10 : 234 أبواب العود إلی منی ب 20 ح 1.
2- الکافی 4 : 533 - 1 ، الوسائل 10 : 234 أبواب العود إلی منی ب 20 ح 2.
3- الکافی 4 : 533 - 2 ، الوسائل 10 : 235 أبواب العود إلی منی ب 20 ح 3.
4- الشهید الأول فی الدروس : 138 ، والشهید الثانی فی الروضة 2 : 330 ، والمسالک 1 : 127.
5- الکافی 4 : 543 - 13 ، الوسائل 8 : 330 أبواب آداب السفر إلی الحج وغیره ب 57 ح 1.
6- لوقوع غیاث بن کلوب فیه وهو عامی ، ولأن راویها وهو إسحاق بن عمار فطحی - راجع الفهرست : 15 - 52 ، وعدة الأصول : 380.

والطواف أفضل للمجاور من الصلاة ، وللمقیم بالعکس.

______________________________________________________

طاعة ، ولقول الصادق علیه السلام فی روایة عبد الله بن سنان : « من خرج من مکة وهو ینوی الحج من قابل زید فی عمره » (1) ویکره ترک العزم علی ذلک ، لقوله علیه السلام فی مرسلة الحسین بن عثمان : « من خرج من مکة وهو لا یرید العود إلیها فقد اقترب أجله ودنا عذابه » (2) وینبغی أن یضمّ إلی العزم سؤال الله تعالی ذلک خصوصا عند انصرافه. رزقنا الله تعالی العود إلی بیته الحرام وتکراره فی کل عام وزیارة النبی وآله علیهم السلام بمنّه وکرمه.

قوله : ( والطواف أفضل للمجاور من الصلاة وللمقیم بالعکس ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ فی التهذیب ، عن موسی بن القاسم ، عن عبد الرحمن ، عن حمّاد ، عن حریز قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الطواف لغیر أهل مکة ممّن جاور بها أفضل أو الصلاة؟ قال : « الطواف للمجاورین أفضل والصلاة لأهل مکة والقاطنین بها أفضل من الطواف » (3) والظاهر صحة هذه الروایة ، لأن الظاهر أن عبد الرحمن الواقع فی طریقها هو ابن أبی نجران ، وحمادا هو ابن عیسی کما وقع التصریح به فی عدّة مواضع من التهذیب (4).

وروی الشیخ أیضا فی الصحیح ، عن حفص بن البختری وحمّاد وهشام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أقام الرجل بمکة سنة فالطواف أفضل ، وإذا أقام سنتین خلط من هذا ومن هذا ، فإذا أقام ثلاث سنین فالصلاة أفضل » (5).

الطواف أفضل للمجاور من الصلاة وللمقیم العکس

ص: 270


1- الکافی 4 : 281 - 3 ، الوسائل 8 : 107 أبواب وجوب الحج ب 57 ح 1.
2- الکافی 4 : 270 - 2 ، الوسائل 8 : 398 أبواب الطواف ب 57 ح 2.
3- التهذیب 5 : 446 - 1555 ، الوسائل 9 : 398 أبواب الطواف ب 9 ح 4.
4- التهذیب 5 : 33 - 98.
5- التهذیب 5 : 447 - 1556 ، الوسائل 9 : 397 أبواب الطواف ب 9 ح 1.

ویکره المجاورة بمکة.

______________________________________________________

والظاهر أن المراد بالصلاة النوافل المطلقة غیر الرواتب ، إذ لیس فی الروایتین تصریح بأفضلیة الطواف علی کل صلاة ، وینبّه علیه صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج المتضمنة للأمر بقطع الطواف لخوف فوات الوتر والبدأة بالوتر ثم إتمام الطواف (1) ، وبالجملة فلا یمکن الخروج بهاتین الروایتین عن مقتضی الأخبار ( الصحیحة ) (2) المستفیضة المتضمنة للحثّ الأکید علی النوافل الراتبة وأنها مقتضیة لتکمیل ما نقص من الفرائض بترک الإقبال فیها وقد أوردنا طرفا من ذلک فی کتاب الصلاة.

قوله : ( ویکره المجاورة بمکة ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وعلّل بخوف الملالة وقلة الاحترام ، أو بالخوف من ملابسة الذنب فإن الذنب فیها أعظم ، أو بأن المقام فیها یقسی القلب ، أو بأن من سارع إلی الخروج منها یدوم شوقه إلیها وذلک مراد لله عزّ وجلّ. وهذه التوجیهات کلها مرویة لکن أکثرها غیر واضحة الإسناد.

ویدل علی الکراهیة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « لا ینبغی للرجل أن یقیم بمکة سنة » قلت : کیف یصنع؟ قال : « یتحول عنها » (3) وفی الصحیح ، عن الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ یُرِدْ فِیهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِیمٍ ) (4) فقال : « کلّ الظلم فیه إلحاد

کراهة المجاورة بمکة

ص: 271


1- الکافی 4 : 415 - 2 ، الفقیه 2 : 247 - 1186 ، التهذیب 5 : 122 - 397 ، الوسائل 9 : 452 أبواب الطواف ب 44 ح 1.
2- لیست فی « ض ».
3- التهذیب 5 : 448 - 1563 و 463 - 1616 ، الوسائل 9 : 342 أبواب مقدمات الطواف ب 16 ح 5.
4- الحج : 25.

ویستحب النزول بالمعرّس علی طریق المدینة وصلاة رکعتین به.

______________________________________________________

حتی لو ضربت خادمک ظلما خشیت أن یکون إلحادا » فلذلک کان الفقهاء یکرهون سکنی مکة (1).

وقد ورد فی بعض الأخبار ما یدل علی استحباب المجاورة کصحیحة علیّ بن مهزیار قال : سألت أبا الحسن علیه السلام المقام أفضل بمکة أو الخروج إلی بعض الأمصار؟ فکتب : « المقام عند بیت الله أفضل » (2).

والذی یقتضیه الجمع بین هذه الروایات کراهة المجاورة سنة تامة بحیث لا یخرج فیها إلی غیرها وکذا ما دونها مع الخوف من ملابسة الذنب ، واستحبابها علی غیر هذین الوجهین. وربما جمع بینهما بحمل أخبار الترغیب علی المجاورة للعبادة وحمل ما تضمّن النهی عن المجاورة لغیرها کالتجارة ونحوها. وهو غیر واضح ، إذ مقتضی الروایتین الأولیین کراهة المجاورة علی ذینک الوجهین مطلقا. وروی ابن بابویه فی کتاب من لا یحضره الفقیه مرسلا عن الباقر علیه السلام أنه قال : « من جاور سنة بمکة غفر الله له ذنوبه ولأهل بیته ولکل من استغفر له ولعشیرته ولجیرته ذنوب تسع سنین قد مضت وعصموا من کل سوء أربعین ومائة سنة » (3) ثم قال - رضی الله عنه - بعد ذلک : والانصراف والرجوع أفضل من المجاورة.

قوله : ( ویستحب النزول بالمعرّس علی طریق المدینة وصلاة رکعتین به ).

قال الجوهری : المعرس محل نزول القوم فی السفر آخر اللیل (4). وقال فی القاموس : أعرس القوم نزلوا فی آخر اللیل للاستراحة کعرسوا ،

استحباب النزول بالمعرس والصلاة به

ص: 272


1- التهذیب 5 : 420 - 1457 ، الوسائل 9 : 340 أبواب مقدمات الطواف ب 16 ح 1. والظاهر أن جملة : فلذلک کان. إلخ من کلام الشیخ رحمه الله .
2- التهذیب 5 : 476 - 1981 ، الوسائل 9 : 341 أبواب مقدمات الطواف ب 16 ح 2.
3- الفقیه 2 : 146 - 646 ، الوسائل 9 : 340 أبواب مقدمات الطواف ب 15 ح 2.
4- الصحاح 3 : 948.

______________________________________________________

ولیلة التعریس اللیلة التی نام فیها النبی صلی الله علیه و آله (1) انتهی.

والمعرس بضمّ المیم وفتح العین وتشدید الراء المفتوحة ویقال بفتح المیم وسکون العین وتخفیف الراء مسجد بقرب مسجد الشجرة بإزائه مما یلی القبلة. وقد أجمع الأصحاب علی استحباب النزول فیه والصلاة تأسّیا بالنبی صلی الله علیه و آله ویدل علیه روایات کثیرة : منها صحیحة معاویة بن عمّار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا انصرفت من مکة إلی المدینة وانتهیت إلی ذی الحلیفة وأنت راجع من مکة فائت معرّس النبی صلی الله علیه و آله فإن کنت فی وقت صلاة مکتوبة أو نافلة فصلّ فیه ، وإن کان فی غیر وقت صلاة ( مکتوبة ) (2) فانزل فیه قلیلا فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قد کان یعرّس فیه ویصلی » (3).

وصحیحة العیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه سأله عن الغسل فی المعرّس فقال : « لیس علیک غسل ، والتعریس هو أن یصلی فیه ویضطجع فیه ، لیلا مرّ به أو نهارا » (4).

وصحیحة محمد بن القاسم بن الفضیل قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : جعلت فداک إنّ جمّالنا مرّ بنا ولم ینزل المعرّس فقال : « لا بد أن ترجعوا إلیه » فرجعت إلیه (5).

وموثقة ابن فضّال قال ، قال علیّ بن أسباط لأبی الحسن علیه السلام ونحن نسمع : إنا لم نکن عرّسنا فأخبرنا ابن القاسم بن الفضیل أنه لم یکن

ص: 273


1- القاموس المحیط 2 : 238.
2- لیست فی الفقیه ، وهو الأنسب.
3- الکافی 4 : 565 - 1 ، الفقیه 2 : 335 - 1559 ، الوسائل 10 : 289 أبواب المزار ب 19 ح 1.
4- الفقیه 2 : 336 - 1561 ، الوسائل 10 : 289 أبواب المزار ب 19 ح 2.
5- الکافی 4 : 565 - 3 ، الفقیه 2 : 336 - 1560 ، الوسائل 10 : 291 أبواب المزار ب 20 ح 2.

مسائل ثلاث :

الأولی : للمدینة حرم ، وحده من عائر إلی وعیر. ولا یعضد شجره. ولا بأس بصیده ، إلا ما صید بین الحرّتین ، وهذا علی الکراهیة المؤکدة.

______________________________________________________

عرّس وأنه سألک فأمرته بالعود إلی المعرّس فیعرّس فیه فقال : « نعم » (1) ویستفاد من صحیحة العیص المتقدمة أنه لا فرق فی استحباب التعریس والنزول به بین أن یحصل المرور به لیلا أو نهارا ، ویستفاد من الروایة الأولی أن التعریس إنما یستحب فی العود من مکة إلی المدینة لا فی المضی إلی مکة ویدل علیه صریحا قول الصادق علیه السلام فی روایة معاویة بن عمار : « إنما المعرس إذا رجعت إلی المدینة لیس إذا بدأت » (2).

قوله : ( مسائل ثلاث : الأولی : للمدینة حرم ، وحدّه من عائر إلی وعیر. ولا یعضد شجره ، ولا بأس بصیده إلاّ ما صید بین الحرّتین ، وهذا علی الکراهیة المؤکدة ).

ذکر جمع من الأصحاب أن عایر ووعیر جبلان یکتنفان المدینة من المشرق والمغرب. ووعیر ضبطها الشهید فی الدروس بفتح الواو (3). وذکر المحقق الشیخ علی - رحمه الله - أنه وجدها فی مواضع معتمدة بضم الواو وفتح العین المهملة (4). والحرّتان موضعان أدخل منهما نحو المدینة وهما حرّة لیلی وحرّة واقم بکسر القاف ، وأصل الحرّة بفتح الحاء المهملة وتشدید الراء : الأرض التی فیها حجارة سود. وهذا الحرم برید فی برید ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمه فذهب الأکثر إلی أنه لا یجوز قطع شجرة ولا قتل صید ما بین الحرّتین منه ، وبه قطع فی المنتهی (5) وأسنده إلی علمائنا

أحکام المدینة

حرم المدینة

ص: 274


1- الکافی 4 : 566 - 4 ، الوسائل 10 : 291 أبواب المزار ب 20 ح 3.
2- التهذیب 6 : 16 - 36 ، الوسائل 10 : 290 أبواب المزار ب 19 ح 3.
3- الدروس : 157.
4- جامع المقاصد 1 : 175.
5- المنتهی 2 : 799.

______________________________________________________

مؤذنا بدعوی الإجماع علیه.

وقیل بالکراهة وهو ظاهر اختیار المصنف. وذکر الشارح أن هذا القول هو المشهور بین الأصحاب (1). وربما قیل بتحریم قطع الشجر وکراهیة الصید بین الحرّتین (2). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة بن أعین ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « حرّم رسول الله صلی الله علیه و آله المدینة ما بین لابتیها صیدها ، وحرّم ما حولها بریدا فی برید أن یختلی خلاها أو یعضد شجرها إلاّ عودی الناضح » (3) واللابة : الحرّة ، ذکره الجوهری قال : وفی الحدیث أنه حرّم ما بین لابتی المدینة (4).

وفی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « یحرم من صید المدینة ما صید بین الحرّتین » (5).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : إن مکة حرم الله حرّمها إبراهیم علیه السلام وإن المدینة حرمی ما بین لابتیها حرم ، لا یعضد شجرها ، وهو ما بین ظلّ عائر إلی ظلّ وعیر ، ولیس صیدها کصید مکة یؤکل هذا ولا یؤکل ذلک وهو برید » (6).

وعن الحسن بن سماعة ، عن غیر واحد ، عن أبی العباس قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : حرّم رسول الله صلی الله علیه و آله المدینة؟

ص: 275


1- المسالک 1 : 128.
2- کما فی المختلف : 323.
3- الفقیه 2 : 336 - 1562 ، الوسائل 10 : 285 أبواب المزار ب 17 ح 5.
4- الصحاح 1 : 220.
5- الفقیه 2 : 337 - 1566 ، الوسائل 10 : 285 أبواب المزار ب 17 ح 9 ، ورواها فی التهذیب 6 : 13 - 25.
6- التهذیب 6 : 12 - 23 ، الوسائل 10 : 283 أبواب المزار ب 17 ح 1.

______________________________________________________

فقال : « نعم بریدا فی برید عضاها » قال ، قلت : صیدها؟ قال : « لا ، یکذب الناس » (1) لأنا نجیب عنهما بالطعن فی السند بأن فی طریق الأولی الحسن بن علی الکوفی وهو مجهول الحال ، وفی طریق الثانیة إرسالا مع ضعف المرسل. وقال الشیخ فی التهذیب : ما تضمّن هذان الخبران من أن صید المدینة لا یحرم المراد به ما بین البرید إلی البرید وهو ظل عائر إلی ظل وعیر ویحرم ما بین الحرّتین وبها تمیز صید هذا الحرم من حرم مکة ، لأن صید مکة محرم فی جمیع الحرم ولیس کذلک فی حرم المدینة لأن الذی یحرم منها هو القدر المخصوص (2).

فائدة : قال العلاّمة فی المنتهی : حرم المدینة یفارق حرم مکة فی أمور. أحدهما : أنه لا کفارة فیما یقتل فیه من صید أو قطع شجر علی ما قلنا. الثانی : أنه یباح من شجر المدینة ما تدعو الحاجة إلیه من الحشیش للعلف روی الجمهور عن علیّ علیه السلام أنه قال : « المدینة حرام من عائر إلی وعیر لا یختلی خلاها ولا ینفر صیدها ولا یصلح أن یقطع منها شجره إلاّ أن یعلف رجل بعیره » ولأن المدینة یقرب منها شجر کثیر وزروع فلو منع من احتشاشها مع الحاجة حصل الضرر والحرج المنفی بالأصل والنصف بخلاف مکة. الثالث : أنه لا یجب دخولها بإحرام بخلاف حرم مکة. الرابع : أن من أدخل صیدا إلی المدینة لم یجب علیه إرساله ، لأن النبی صلی الله علیه و آله کان یقول : « یا أبا عمیر ما فعل النقیر » - وهو طائر صغیر - رواه الجمهور وظاهره إباحة إمساکه وإلاّ لأنکر علیه (3). انتهی کلامه - رحمه الله - وهو جید ، لمطابقة ما ذکره لمقتضی الأصل وإن أمکن المناقشة فی جواز الاحتشاش ، لإطلاق قوله علیه السلام : « وحرّم ما حولها بریدا فی برید أن یختلی خلاها » (4) فإن الخلا الرطب من النبات واختلاؤه جزّه کما نصّ علیه

ص: 276


1- التهذیب 6 : 13 - 24 ، الوسائل 10 : 285 أبواب المزار ب 17 ح 4.
2- التهذیب 6 : 13.
3- المنتهی 2 : 800.
4- الفقیه 2 : 336 - 1562 ، الوسائل 10 : 285 أبواب المزار وما یناسبه ب 17 ح 5.

الثانیة : تستحب زیارة النبی علیه السلام للحاج استحبابا مؤکدا.

______________________________________________________

أهل اللغة (1). ومع ذلک فالجواز غیر بعید ، وقد تقدم فی حکم شجر الحرم ما یدل علیه.

قوله : ( الثانیة : تستحب زیارة النبی صلی الله علیه و آله للحاج استحبابا مؤکدا ).

لا ریب فی تأکد الاستحباب ، بل مقتضی صحیحة حفص بن البختری وهشام بن سالم ومعاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام أن الناس لو ترکوا زیارة النبی صلی الله علیه و آله لوجب علی الوالی أن یجبرهم علی ذلک (2). والأخبار الواردة فی فضل زیارته أکثر من أن تحصی فروی الشیخ فی الصحیح ، عن ابن أبی نجران قال : سألت أبا جعفر الثانی علیه السلام عمّن زار النبی صلی الله علیه و آله قاصدا فقال : « له الجنة » (3) وعن السندی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من أتانی زائرا کنت شفیعه یوم القیامة » (4) وعن شهاب قال ، قال الحسین علیه السلام لرسول الله صلی الله علیه و آله : « یا أبتاه ما جزاء من زارک؟ فقال : یا بنی من زارنی حیّا أو میتا أو زار أباک أو زار أخاک أو زارک کان حقا علیّ أن أزوره یوم القیامة وأخلصه من ذنوبه » (5) وروی ابن بابویه ، عن محمد بن سلیمان الدیلمی ، عن إبراهیم بن (6) حجر الأسلمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من أتی مکة

استحباب زیارة البنی ( ص )

ص: 277


1- کالفیروزآبادی فی القاموس المحیط 3 : 381 ، والفیومی فی المصباح المنیر : 181 ، وصاحب مختار الصحاح : 189.
2- الکافی 4 : 272 - 1 ، الفقیه 2 : 259 - 1259 ، التهذیب 5 : 441 - 1532 ، الوسائل 8 : 16 أبواب وجوب الحج ب 5 ح 2.
3- التهذیب 6 : 3 - 3 ، الوسائل 10 : 260 أبواب المزار ب 3 ح 1.
4- التهذیب 6 : 4 - 4 ، الوسائل 10 : 261 أبواب المزار ب 3 ح 2.
5- التهذیب 6 : 4 - 7 ، الوسائل 10 : 256 أبواب المزار ب 2 ح 14. وفیهما : المعلی بن شهاب.
6- فی المصدر زیادة : أبی.

الثالثة : یستحب أن تزار فاطمة علیهاالسلام من عند الروضة ، والأئمة علیهم السلام بالبقیع.

______________________________________________________

حاجا ولم یزرنی إلی المدینة جفوته یوم القیامة ، ومن أتانی زائرا وجبت له شفاعتی ومن وجبت له شفاعتی وجبت له الجنة ، ومن مات فی أحد الحرمین مکة والمدینة لم یعرض ولم یحاسب ، ومن مات مهاجرا إلی الله عزّ وجلّ حشر یوم القیامة مع أصحاب بدر » (1).

قوله : ( الثالثة : یستحب أن تزار فاطمة علیهاالسلام من عند الروضة ، والأئمة علیهم السلام بالبقیع ).

لا ریب فی تأکد استحباب ذلک ، والأخبار الواردة بکیفیة زیارتهم علیهم السلام وآدابها وثوابها أکثر من أن تحصی فلیطلب من أماکنها. والروضة جزء من مسجد النبی صلی الله علیه و آله وهی ما بین قبره الشریف ومنبره إلی طرف الظلال. قال ابن بابویه فیمن لا یحضره الفقیه : اختلفت الروایات فی موضع قبر فاطمة سیدة نساء العالمین علیهاالسلام فمنهم من روی أنها دفنت فی البقیع ، ومنهم من روی أنها دفنت بین القبر والمنبر وأن النبی صلی الله علیه و آله إنما قال : « ما بین قبری ومنبری روضة من ریاض الجنة » لأن قبرها ما بین القبر والمنبر ، ومنهم من روی أنها دفنت فی بیتها فلما زادت بنو أمیة فی المسجد صارت فی المسجد وهذا هو الصحیح عندی وإنی لمّا حججت بیت الله الحرام کان رجوعی علی المدینة بتوفیق الله تعالی ذکره فلما فرغت من زیارة رسول الله صلی الله علیه و آله قصدت إلی بیت فاطمة علیهاالسلام وهو من الأسطوانة التی یدخل إلیها من باب جبرائیل علیه السلام إلی مؤخّر الحظیرة التی فیها النبی صلی الله علیه و آله فقمت عند الحظیرة ویساری إلیها وجعلت ظهری إلی القبلة واستقبلتها بوجهی وأنا علی غسل وقلت : السلام علیک یا بنت رسول الله صلی الله علیه و آله (2). وذکر الزیارة.

استحباب زیارة فاطمة ( ع )

ص: 278


1- الفقیه 2 : 338 - 1571 ، الوسائل 10 : 261 أبواب المزار ب 3 ح 3.
2- الفقیه 2 : 341 - 1573 - 1575 ، الوسائل 10 : 288 أبواب المزار ب 18 ح 4.

خاتمة :

یستحب المجاورة بها والغسل عند دخولها.

______________________________________________________

وقال الشیخ فی التهذیب بعد أن ذکر اختلاف الأصحاب فی ذلک وأن بعضهم قال : إنها دفنت فی الروضة. وقال بعضهم : إنها دفنت فی بیتها. وهاتان الروایتان کالمتقاربتین : والأفضل عندی أن یزور الإنسان فی الموضعین جمیعا فإنه لا یضرّه ذلک ویحوز به أجرا عظیما ، فأما من قال : إنها دفنت بالبقیع فبعید من الصواب (1) وأقول : إن سبب خفاء قبرها علیهاالسلام ما رواه المخالف والمؤالف من أنها علیهاالسلام أوصت إلی أمیر المؤمنین علیه السلام أن یدفنها لیلا لئلاّ یصلی علیها من آذاها ومنعها میراثها من أبیها صلوات الله علیه ، ( مع أن العامة رووا فی صحاحهم عن النبی صلی الله علیه و آله قال : « إنما فاطمة بضعة منی یؤذینی ما آذاها ویغضبنی ما أغضبها » (2) ) (3) والأصح أنها دفنت فی بیتها ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قبر فاطمة علیهاالسلام قال : « دفنت فی بیتها فلمّا زادت بنو أمیة فی المسجد صارت فی المسجد » (4).

قوله : ( یستحب المجاورة بها ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة : منها روایة مرازم قال : دخلت أنا وعمّار وجماعة علی أبی عبد الله علیه السلام بالمدینة فقال : « ما مقامکم؟ » فقال عمّار : قد سرحنا ظهرنا وأمرنا أن نؤتی به إلی خمسة عشر یوما فقال : « أصبتم المقام فی بلد رسول الله صلی الله علیه و آله والصلاة فی مسجده ، واعملوا لآخرتکم وأکثروا لأنفسکم إن الرجل قد یکون کیّسا فی الدنیا فیقال :

استحباب المجاورة بالمدینة

ص: 279


1- التهذیب 6 : 9.
2- صحیح البخاری 5 : 36 ، بتفاوت یسیر.
3- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
4- التهذیب 3 : 255 - 705 ، الوسائل 10 ، 288 أبواب المزار ب 18 ح 3.

وتستحب الصلاة بین القبر والمنبر ، وهو الروضة

______________________________________________________

ما أکیس فلانا وإنما الکیّس کیّس الآخرة » (1) وروایة الحسن بن الجهم ، عن أبی الحسن علیه السلام أنه قال : « إن المقام بالمدینة أفضل من المقام بمکة » (2) وروایة محمد بن عمرو الزیّات ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من مات فی المدینة بعثه الله عزّ وجلّ من الآمنین یوم القیامة » (3).

قوله : ( وتستحب الصلاة بین القبر والمنبر وهو الروضة ).

لا ریب فی استحباب الصلاة فی مسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، لاختصاصه بمزید الشرف ، ولقول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة ( بن عمّار : « وأکثر من الصلاة فی مسجد الرسول صلی الله علیه و آله » (4) وفی صحیحة معاویة ) (5) بن وهب قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : الصلاة فی مسجدی تعدل ألف صلاة فی غیره إلاّ المسجد الحرام فهو أفضل » (6).

ویتأکد الاستحباب فی الروضة وهی ما بین القبر والمنبر ، لأنها أشرف بقاع المسجد ، ولقول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمّار : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال : ما بین منبری وبیتی روضة من ریاض

استحباب الصلاة بین القبر والمنبر

ص: 280


1- الکافی 4 : 557 - 2 ، الوسائل 10 : 272 أبواب المزار ب 9 ح 2.
2- الکافی 4 : 557 - 1 ، التهذیب 6 : 14 - 29 ، الوسائل 10 : 272 أبواب المزار ب 9 ح 1.
3- الکافی 4 : 558 - 3 ، التهذیب 6 : 14 - 28 ، الوسائل 10 : 272 أبواب المزار ب 9 ح 3.
4- الکافی 4 : 553 - 1 ، التهذیب 6 : 7 - 12 ، الوسائل 10 : 265 أبواب المزار ب 5 ح 2.
5- ما بین القوسین لیس فی « ض ».
6- الکافی 4 : 555 - 8 ، التهذیب 6 : 8 - 15 ، الوسائل 3 : 542 أبواب أحکام المساجد ب 57 ح 1.

______________________________________________________

الجنة » (1).

وروی الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الله بن مسکان ، عن أبی بصیر - والظاهر أنه لیث المرادی - عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « حدّ الروضة فی مسجد الرسول صلی الله علیه و آله إلی طرف الظلال ، وحدّ المسجد إلی الأسطوانتین عن یمین المنبر إلی الطریق مما یلی سوق اللیل » (2).

وفی الصحیح ، عن محمد بن مسلم قال : سألته عن حد مسجد الرسول فقال : « الأسطوانة التی عند رأس القبر إلی الأسطوانتین من وراء المنبر عن یمین القبلة وکان من وراء المنبر طریق تمرّ فیه الشاة ویمرّ الرجل منحرفا وکانت ساحة المسجد من البلاط إلی الصحن » (3).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن وهب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : هل قال رسول الله صلی الله علیه و آله ما بین بیتی ومنبری روضة من ریاض الجنة؟ فقال : « نعم » وقال : « وبیت علیّ وفاطمة علیهماالسلام ما بین البیت الذی فیه النبی صلی الله علیه و آله إلی الباب الذی یحاذی الزّقاق إلی البقیع » قال : « فلو دخلت من ذلک الباب والحائط مکانه أصاب منکبک الأیسر » ثمّ سمی سائر البیوت » (4) وعن جمیل بن دراج قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الصلاة فی بیت فاطمة علیهاالسلام مثل الصلاة فی الروضة؟ قال : وأفضل » (5) وعن یونس بن یعقوب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الصلاة فی بیت فاطمة علیهاالسلام أفضل أو فی الروضة؟ قال : « فی بیت فاطمة علیهاالسلام » (6).

ص: 281


1- الکافی 4 : 553 - 1 ، التهذیب 6 : 7 - 12 ، الوسائل 10 : 270 أبواب المزار ب 7 ح 1.
2- الکافی 4 : 555 - 6 ، الوسائل 3 : 546 أبواب أحکام المساجد ب 58 ح 3.
3- الکافی 4 : 554 - 4 ، الوسائل 3 : 546 أبواب أحکام المساجد ب 58 ح 1.
4- الکافی 4 : 555 - 8 ، الوسائل 3 : 546 أبواب أحکام المساجد ب 57 ح 1.
5- الکافی 4 : 556 - 14 ، الوسائل 3 : 547 أبواب أحکام المساجد ب 59 ح 2.
6- الکافی 4 : 556 - 13 ، الوسائل 3 : 547 أبواب أحکام المساجد ب 59 ح 1.

وأن یصوم الإنسان بالمدینة ثلاثة أیام للحاجة ، وأن یصلی لیلة الأربعاء عند أسطوانة أبی لبابة ، ففی لیلة الخمیس عند الأسطوانة التی تلی مقام رسول الله صلی الله علیه و آله .

وأن یأتی المساجد بالمدینة ، کمسجد الأحزاب ومسجد الفتح

______________________________________________________

قوله : ( وأن یصوم الإنسان بالمدینة ثلاثة أیام للحاجة ، وأن یصلی لیلة الأربعاء عند أسطوانة أبی لبابة وفی لیلة الخمیس عند الأسطوانة التی تلی مقام رسول الله صلی الله علیه و آله ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن کان لک مقام بالمدینة ثلاثة أیام صمت أول یوم الأربعاء وتصلی لیلة الأربعاء عند أسطوانة أبی لبابة - وهی أسطوانة التوبة التی کان ربط فیها نفسه حتی نزل عذره من السماء - وتقعد عندها یوم الأربعاء ، ثم تأتی لیلة الخمیس إلی التی تلیها مما یلی مقام النبی صلی الله علیه و آله لیلتک ویومک وتصوم یوم الخمیس ، ثم تأتی الأسطوانة التی تلی مقام النبی صلی الله علیه و آله ومصلاّه لیلة الجمعة فصلّ عندها لیلتک ویومک وتصوم یوم الجمعة وإن استطعت أن لا تتکلم بشی ء فی هذه الأیام إلاّ ما لا بدّ لک منه ، ولا تخرج من المسجد إلاّ لحاجة ولا تنام فی لیل ولا نهار فافعل فإن ذلک مما یعدّ فیه الفضل ، ثم احمد الله فی یوم الجمعة وأثن علیه وصلّ علی النبی صلی الله علیه و آله وسل حاجتک ولیکن فیما تقول : « اللهم ما کانت لی إلیک من حاجة شرعت أنا فی طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتکها أو لم أسألکها فإنی أتوجه إلیک بنبیک محمّد نبی الرحمة صلی الله علیه و آله فی قضاء حوائجی صغیرها وکبیرها » فإنک حریّ أن تقضی حاجتک إن شاء الله » (1) ولا یخفی قصور العبارة عن تأدیة ما تضمنته الروایة.

قوله : ( وأن یأتی المساجد بالمدینة ، کمسجد الأحزاب ومسجد

صیام ثلاثة أیام بالمدینة للحاجة

استحباب إتیان مساجد المدینة

ص: 282


1- التهذیب 6 : 16 - 35 ، الوسائل 10 : 274 أبواب المزار ب 11 ح 1.

ومسجد الفضیخ ، وقبور الشهداء بأحد ، خصوصا قبر حمزة علیه السلام .

______________________________________________________

الفتح ومسجد الفضیخ وقبور الشهداء ب ( أحد ) خصوصا قبر حمزة علیه السلام ).

یدل علی ذلک روایات : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تدع إتیان المشاهد کلها ، مسجد قبا فإنه المسجد الذی أسّس علی التقوی من أول یوم ، ومشربة أم إبراهیم ، ومسجد الفضیخ ، وقبور الشهداء ، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح » قال : « وبلغنا أن النبی صلی الله علیه و آله کان إذا أتی قبور الشهداء قال : « السلام علیکم بما صبرتم فنعم عقبی الدار » ولیکن فیما تقول عند مسجد الفتح : « یا صریخ المکروبین ویا مجیب دعوة المضطرّین اکشف غمّی وهمّی وکربی کما کشفت عن نبیک همّه وغمّه وکربه وکفیته هول عدوّه فی هذا المکان » (1).

ویستفاد من هذه الروایة أن مسجد الأحزاب هو مسجد الفتح ، وبه قطع العلاّمة فی جملة من کتبه (2) ، والشهید فی الدروس (3).

وقیل : إنما سمّی مسجد الأحزاب لأن النبی صلی الله علیه و آله دعا فیه یوم الأحزاب فاستجاب الله له وجعل الفتح علی ید أمیر المؤمنین علیه السلام بقتل عمرو بن عبدود وانهزم الأحزاب (4).

ومسجد الفضیخ بالضاد والخاء المعجمتین قیل : سمّی بذلک لأنهم کانوا یفضخون فیه التمر قبل الإسلام أی یشد خونه (5). وفی روایة لیث

ص: 283


1- الکافی 4 : 560 - 1 ، الوسائل 10 : 275 أبواب المزار ب 12 ح 1.
2- المنتهی 2 : 889 ، والتذکرة 1 : 403 ، والتحریر 1 : 131.
3- الدروس : 157.
4- کما فی المسالک 1 : 128.
5- کما فی جامع المقاصد 1 : 175.

ویکره النوم فی المساجد ، ویتأکد الکراهة فی مسجد النبی علیه السلام .

______________________________________________________

المرادی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مسجد الفضیخ لم سمّی مسجد الفضیخ؟ قال : « لنخل یسمی الفضیخ فلذلک سمّی مسجد الفضیخ » (1) وذکر الشهید فی الدروس أن هذا المسجد هو الذی ردّت فیه الشمس لأمیر المؤمنین علیه السلام بالمدینة (2) ورواه الکلینی عن عمّار الساباطی أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

قوله : ( ویکره النوم فی المساجد ویتأکد فی مسجد النبی صلی الله علیه و آله ).

عللت الکراهة بأن المسجد موطن عبادة فیکره إیقاع غیرها فیه ، وربما ظهر من حسنة زرارة اختصاص الکراهة بالمسجد الحرام ومسجد النبی صلی الله علیه و آله فإنه قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما تقول فی النوم فی المساجد؟ فقال : « لا بأس إلاّ فی المسجدین مسجد النبی صلی الله علیه و آله ومسجد الحرام » قال : وکان یأخذ بیدی فی بعض اللیل ویتنحی ناحیة ثم یجلس ویتحدث فی المسجد الحرام فربما نام ، فقلت له فی ذلک ، فقال : « إنما یکره أن ینام فی المسجد الذی کان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فأما الذی فی هذا الموضع فلیس به بأس » (4).

ولا یبعد عدم تأکد الکراهیة فی المسجدین أیضا ، لصحیحة معاویة بن وهب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن النوم فی المسجد الحرام ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، قال : « نعم أین ینام الناس؟ » (5).

کراهة النوم فی مساجد المدینة

ص: 284


1- الکافی 4 : 561 - 5 ، التهذیب 6 : 18 - 40.
2- الدروس : 157.
3- الکافی 4 : 561 - 7 ، الوسائل 10 : 277 أبواب المزار ب 12 ح 4.
4- الکافی 3 : 370 - 11 ، التهذیب 3 : 258 - 721 ، الوسائل 3 : 496 أبواب أحکام المساجد ب 18 ح 2.
5- الکافی 3 : 369 - 10 ، التهذیب 3 : 258 - 720 ، الوسائل 3 : 496 أبواب أحکام المساجد ب 18 ح 1.

الرکن الثالث

فی اللواحق

وفیها مقاصد :

المقصد الأوّل : فی الإحصار والصد

الصد بالعدو والإحصار بالمرض لا غیر.

______________________________________________________

قوله : ( الرکن الثالث ، فی اللواحق ، وفیه مقاصد ، الأول : فی الإحصار والصدّ ، الصدّ بالعدوّ والإحصار بالمرض ).

قال فی القاموس : الحصر کالضرب والنصر : التضییق والحبس عن السفر وغیره (1). وقال : صدّ فلانا عن کذا : منعه (2). ونحوه قال الجوهری (3). ومقتضی کلامهما ترادف اللفظین وهو قول أکثر الجمهور (4). ونقل النیسابوری (5) وغیره (6) اتفاق المفسرین علی أن قوله تعالی ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ) (7) نزلت فی حصر الحدیبیة ولذلک احتج بها الأصحاب علی مسائل من أحکام الصدّ. لکن ظاهر المنتهی اتفاق الأصحاب علی أن اللفظین متغایران وأن الحصر هو المنع عن تتمة أفعال الحج بالمرض ، والصدّ بالعدوّ (8). کما ذکره المصنف رحمه الله .

ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمّار قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « المحصور غیر المصدود فإن

الاحصار والصد

معنی الصد والاحصار

ص: 285


1- القاموس المحیط 2 : 9.
2- القاموس المحیط 1 : 317.
3- الصحاح 2 : 495 و 632.
4- منهم أبو إسحاق فی المهذب 1 : 233 ، وابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 355 ، والقرطبی فی الجامع لأحکام القرآن 2 : 371 ، والشربینی فی مغنی المحتاج 1 : 532.
5- غرائب القرآن ( جامع البیان 2 ) : 242.
6- کابن کثیر فی تفسیر القرآن العظیم 1 : 361.
7- البقرة : 196.
8- المنتهی 2 : 846.

فالمصدود إذا تلبّس ثم صدّ تحلل من کل ما أحرم منه إذا لم یکن له طریق غیر موضع الصد ، أو کان له وقصرت نفقته.

______________________________________________________

المحصور هو المریض ، والمصدود هو الذی ردّه المشرکون کما ردّوا رسول الله صلی الله علیه و آله لیس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحلّ له النساء » (1).

واعلم أن الصدّ والحصر یشترکان فی ثبوت أصل التحلل بهما فی الجملة ویفترقان فی عموم التحلیل ، فإن المصدود یحل له بالمحلل کلما حرمه الإحرام والمحصور ما عدا النساء ، وفی مکان ذبح هدی التحلل فالمصدود یذبحه أو ینحره حیث یحصل له المانع والمحصور یبعثه إلی منی إن کان فی إحرام الحج أو مکة إن کان فی إحرام العمرة علی المشهور ، وفی إفادة الاشتراط تعجیل التحلل فی المحصر دون المصدود لجوازه بدون الشرط.

ولو اجتمع الإحصار والصدّ فالأظهر جواز الأخذ بالأخف من أحکامهما ، لصدق کل من الوصفین علی من هذا شأنه فیتعلق به حکمه. ولا فرق بین عروضهما دفعة أو متعاقبین ، واستقرب الشهید فی الدروس ترجیح السابق إذا کان عروض الصدّ بعد بعث المحصر ، أو الإحصار بعد الذبح المصدود ولما یقصّر (2). والمتجه التخییر مطلقا.

قوله : ( فالمصدود إذا تلبّس ثم صدّ تحلل من کل ما أحرم منه إذا لم یکن له طریق غیر موضع الصدّ أو کان له طریق وقصرت النفقة ).

إذا تلبّس الحاج أو المعتمر بالإحرام تعلق به وجوب الإتمام إجماعا ، لقوله تعالی ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (3) ومتی صدّ بعد إحرامه عن

- حکم المصدود

ص: 286


1- التهذیب 5 : 464 - 1621 و 423 - 1467 ، الوسائل 9 : 303 أبواب الإحصار والصد ب 1 ح 1.
2- الدروس : 144.
3- البقرة : 196.

______________________________________________________

الوصول إلی مکة ولم یکن له طریق سوی ما صدّ عنه أو کان له طریق وقصرت النفقة عنه تحلل بالإجماع قاله فی التذکرة (1). ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمّار المتقدمة : « والمصدود تحل له النساء » وفی روایة أخری صحیحة لمعاویة : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله حین صدّه المشرکون یوم الحدیبیة نحر وأحلّ ورجع إلی المدینة » (2) وروایة حمران ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله حین صدّ بالحدیبیة قصّر وأحلّ ونحر ثم انصرف منها » (3) وروایة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « المصدود یذبح حیث صدّ ویرجع صاحبه فیأتی النساء » (4).

وهل یعتبر فی جواز التحلل بالصدّ عدم رجاء زوال العذر؟ الظاهر من کلام الأصحاب عدم الاشتراط حیث صرّحوا بجواز التحلل مع ظن انکشاف العدوّ قبل الفوات ، وبه صرّح الشارح (5) عند قول المصنف : إذا غلب علی ظنّه انکشاف العدو قبل الفوات جاز أن یتحلل لکن الأفضل البقاء علی إحرامه. وربما ظهر من کلامه - قدس سره - فی شرح هذه المسألة اشتراط ذلک حیث خصّ جواز التحلل مع الصدّ بمن لم یرج زوال العدوّ. ولو قیل بالاکتفاء فی جواز التحلل بظن عدم انکشاف العدوّ قبل الفوات کان حسنا. ویجوز للمصدود فی إحرام الحج وعمرة التمتع البقاء علی إحرامه إلی أن یتحقق الفوات فیتحلل بالعمرة کما هو شأن من فاته الحج ویجب علیه إکمال أفعالها فإن استمر المنع تحلل منها بالهدی وإلاّ بقی علی إحرامه إلی أن یأتی بأفعالها ، ولو کان إحرامه بعمرة مفردة لم یتحقق الفوات بل یتحلل منها عند

ص: 287


1- التذکرة 1 : 395.
2- الفقیه 2 : 306 - 1517 ، التهذیب 5 : 424 - 1472 ، الوسائل 9 : 313 أبواب الإحصار والصد ب 9 ح 5 ، بتفاوت یسیر بینها.
3- الکافی 4 : 368 - 1 ، الوسائل 9 : 309 أبواب الإحصار والصد ب 6 ح 1.
4- الکافی 4 : 371 - 9 ، الوسائل 9 : 304 أبواب الإحصار والصد ب 1 ح 5.
5- المسالک 1 : 130.

ویستمر إذا کان له مسلک غیره ولو کان أطول مع تیسر نفقته. ولو خشی الفوات لم یتحلل وصبر حتی یتحقق ، ثم یتحلل بعمرة ، ثم یقضی فی القابل ، واجبا إن کان الحج واجبا ، وإلا ندبا.

______________________________________________________

تعذر إکمالها ولو أخّر التحلل کان جائزا فإن یئس من زوال العذر تحلل بالهدی حینئذ.

قوله : ( ویستمر إذا کان له مسلک غیره ولو کان أطول مع تیسّر النفقة ، ولو خشی الفوات لم یتحلل وصبر حتی یتحقق ، ثم یتحلل بعمرة ).

أما وجوب الاستمرار إذا کان له مسلک غیر المصدود عنه وتمکّن من سلوکه فظاهر ، لعدم تحقق الصدّ حینئذ. وأما عدم جواز التحلل علی هذا التقدیر وإن خشی فوات الحج فلأن التحلل بالهدی إنما یسوغ مع الصدّ والمفروض انتفاؤه وعلی هذا فیجب علی من هذا شأنه سلوک ذلک المسلک إلی أن یتحقق الفوات ثم یتحلل بعمرة کما هو شأن من فاته الحج. وبالجملة فالتمکن من سلوک غیر الطریق المصدود عنه خارج عن أفراد المصدود ، لصدق تمکنه من المسیر فإن فاته الحج ترتبت علیه أحکامه وإلاّ فلا.

قوله : ( ثم یقضی فی القابل واجبا إن کان الحج واجبا ، وإلاّ ندبا ).

إنما یجب قضاء الواجب بعد التحلل إذا کان مستقرا قبل عام الفوات وإلاّ لم یجب إلاّ إذا بقیت الاستطاعة. وألحق الشارح بذلک من قصّر فی السفر بحیث لولاه ما فاته الحج کأن ترک السفر مع القافلة الأولی ولم تصدّ (1). وهو إنما یتم إذا أوجبنا الخروج مع الأولی ، أما إذا جوّزنا التأخیر إلی سفر الثانیة مطلقا أو علی بعض الوجوه سقط وجوب القضاء لعدم ثبوت الاستقرار وانتفاء التقصیر. ولا یخفی أن المراد بالقضاء هنا الإتیان بالفعل لا

ص: 288


1- المسالک 1 : 129.

ولا یحلّ إلا بعد الهدی ونیة التحلل.

______________________________________________________

القضاء بالمعنی المصطلح علیه ، لانتفاء التوقیت فی الحج وإن وجبت الفوریة به کما هو واضح.

قوله : ( ولا یتحلل إلاّ بعد الهدی ونیة التحلل ).

المراد أن التحلل إنما یقع بذبح الهدی أو نحره ناویا به التحلل ، لأن الذبح یقع علی وجوه متعددة فلا ینصرف إلی بعضها إلاّ بالنیة. وهذا الحکم - أعنی توقف التحلل علی ذبح الهدی ناویا به التحلل - مذهب الأکثر ، واستدل علیه فی المنتهی بقوله تعالی ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَیْسَرَ مِنَ الْهَدْیِ ) (1) وبأن النبی صلی الله علیه و آله حیث صدّه المشرکون یوم الحدیبیة نحر بدنة ورجع إلی المدینة (2) قال : وفعله صلی الله علیه و آله بیان للواجب فیکون واجبا (3). وقد یقال : إن مورد الآیة الشریفة الحصر وهو خلاف الصدّ علی ما ثبت بالنص الصحیح ، وفعل النبی صلی الله علیه و آله لم یثبت کونه بیانا للواجب وبدون ذلک یحتمل الندب. وقال ابن إدریس : یتحلل المصدود بغیر هدی ، لأصالة البراءة ، ولأن الآیة الشریفة إنما تضمنت الهدی فی المحصور وهو خلاف المصدود (4). وقال فی الدروس : ویدفعه صحیحة معاویة بن عمار : إن النبی صلی الله علیه و آله حین صدّه المشرکون یوم الحدیبیة نحر وأحل (5). ویتوجه علیه ما سبق.

وبالجملة فالمسألة محل إشکال وإن کان المشهور لا یخلو من رجحان تمسکا باستصحاب حکم الإحرام إلی أن یعلم حصول المحلل ، ویؤیده روایة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « المصدود یذبح حیث صدّ ویرجع

ص: 289


1- البقرة : 196.
2- راجع ص 287.
3- المنتهی 2 : 846.
4- السرائر : 151.
5- الدروس : 142.

وکذا البحث فی المعتمر إذا منع عن الوصول إلی مکة.

ولو کان ساق ، قیل : یفتقر إلی هدی التحلل ، وقیل : یکفیه

______________________________________________________

صاحبه فیأتی النساء ، والمحصور یبعث بهدیه » (1) وما رواه ابن بابویه مرسلا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « المحصور والمضطر ینحران بدنتیهما فی المکان الذی یضطرّان فیه » (2).

وفی سقوط الهدی إذا شرط حلّه حیث حبسه قولان تقدم الکلام فیهما.

ومقتضی العبارة عدم توقف التحلل علی الحلق أو التقصیر بعد الذبح ، وقوّی الشهیدان الوجوب (3) ، وهو خیرة العلاّمة فی المنتهی بعد التردد من حیث إنه تعالی ذکر الهدی وحده ولم یشترط سواه ، ومن أنه علیه السلام حلق یوم الحدیبیة (4). وضعف الوجه الثانی من وجهی التردد معلوم مما سبق إلاّ أن الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکروه.

قوله : ( وکذا البحث فی المعتمر إذا منع من الوصول إلی مکة ).

لم یتقدم فی کلامه - رحمه الله - ما یدل علی اختصاص الأحکام السابقة بإحرام الحج صریحا حتی یلحق به إحرام العمرة إلاّ أن السیاق یقتضی ذلک. ولا ریب فی تحقق الصدّ فی العمرة بنوعیها بالمنع من الوصول إلی مکة ، وفی حکمه من وصل ومنع من الطواف والسعی. وکان الأولی تأخیر هذا الحکم إلی أن یذکر ما به یتحقق الصدّ فی الحج.

قوله : ( ولو کان ساق قیل : یفتقر إلی هدی التحلل. وقیل :

ص: 290


1- الکافی 4 : 371 - 9 ، الوسائل 9 : 304 أبواب الإحصار والصد ب 1 ح 5.
2- الفقیه 2 : 305 - 1513 ، الوسائل 9 : 303 أبواب الإحصار والصدّ ب 1 ح 2.
3- الشهید الأول فی الدروس : 142 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 129.
4- المنتهی 2 : 847.

ما ساقه ، وهو الأشبه.

ولا بدل لهدی التحلل فلو عجز عنه وعن ثمنه ، بقی علی إحرامه ولو تحلل لم یحلّ.

______________________________________________________

یکفیه ما ساقه ، وهو الأشبه ).

القول بعدم الاکتفاء بهدی السیاق عن هدی التحلل لابنی بابویه (1) وجمع من الأصحاب. ونص ابن الجنید علی أن المراد بهدی السیاق ما وجب ذبحه بإشعار أو غیره (2). والظاهر أن هذا القید مراد للجمیع ، لأن الهدی قبل الإشعار أو التقلید لا یدخل فی حکم المسوق. ولم نقف لهم فی ذلک علی مستند سوی ما ذکروه من أن اختلاف الأسباب یقتضی اختلاف المسببات. وهو استدلال ضعیف ، لأن هذا الاختلاف إنما یتم فی الأسباب الحقیقیة دون المعرّفات الشرعیة کما بیّنّاه غیر مرّة. والأصح ما اختاره المصنف والأکثر من الاکتفاء بهدی السیاق ، لصدق الامتثال بذبحه ، وأصالة البراءة من وجوب الزائد عنه.

قوله : ( ولا بدل الهدی التحلل فلو عجز عنه وعن ثمنه بقی علی إحرامه ولو تحلل لم یحلّ ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، ویدل علیه أن النص إنما تعلق بالهدی ولم یثبت بدلیّة غیره ، ومتی انتفی البدلیة وجب الحکم بالبقاء علی الإحرام إلی أن یحصل المحلل. ونقل عن ابن الجنید أنه حکم بالتحلل بمجرد النیة عند عدم الهدی ، لأنه ممن لم یتیسر له هدی (3). وهو غیر واضح.

نعم ورد فی بعض الروایات بدلیّة الصوم فی هدی الإحصار کحسنة

ص: 291


1- الصدوق فی الفقیه 2 : 514 ، ونقله عنهما فی المختلف : 317 ، والدروس : 141.
2- نقله عنه فی المختلف : 317.
3- نقله فی المختلف : 319.

ویتحقق الصد بالمنع عن الموقفین ، وکذا بالمنع من الوصول إلی مکة. ولا یتحقق بالمنع من العود إلی منی لرمی الجمار الثلاث والمبیت بها ، بل یحکم بصحة الحج ویستنیب فی الرمی.

______________________________________________________

معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی المحصور ولم یسق الهدی قال : « ینسک ویرجع فإن لم یجد ثمن هدی صام » (1) وروایة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أحصر فیه الرجل فبعث بهدیه فأذاه رأسه قبل أن یذبح هدیه فإنه یذبح مکان الذی أحصر فیه أو یصوم أو یتصدق ، والصوم ثلاثة أیام ، والصدقة علی ستة مساکین نصف صاع لکل مسکین » (2) والروایة الثانیة ضعیفة السند (3) ، والأولی مجملة المتن ولا یبعد حمل الصوم الواقع فیها علی الواجب فی بدل الهدی إلاّ أن إلحاق المصدود بالمحصور فی ذلک یتوقف علی الدلیل وحیث قلنا ببقاء المصدود مع العجز عن الهدی علی إحرامه فیستمر علیه إلی أن یتحقق الفوات فیتحلل حینئذ بعمرة إن أمکن وإلاّ بقی علی إحرامه إلی أن یجد الهدی أو یقدر علی العمرة.

قوله : ( ویتحقق الصدّ بالمنع من الموقفین ، وکذا بالمنع من الوصول إلی مکة ، ولا یتحقق بالمنع من العود إلی منی لرمی الجمار الثلاث والمبیت بها ، بل یحکم بصحة الحج ویستنیب فی الرمی ).

الکلام هنا فیما یتحقق به الصدّ ، والمصدود إما أن یکون حاجّا أو معتمرا فهنا مسألتان.

الأولی : ما یتحقق به الصدّ فی الحج ، ولا خلاف فی تحقق الصدّ فیه بالمنع من الموقفین وکذا من أحدهما إذا کان مما یفوت بفواته الحج ، وأما إذا أدرک الموقفین ثم صدّ فإن کان المنع عن نزول منی خاصة استناب فی الرمی

ما یتحقق به الصد

ص: 292


1- الکافی 4 : 370 - 5 ، الوسائل 9 : 310 أبواب الإحصار والصد ب 7 ح 2.
2- الکافی 4 : 370 - 6 ، التهذیب 5 : 334 - 1149 ، الإستبصار 2 : 196 - 658 ، الوسائل 9 : 308 أبواب الإحصار والصد ب 5 ح 2.
3- لوقوع سهل بن زیاد فی طریقها وهو عامی ضعیف.

______________________________________________________

والذبح کما فی المریض ثم حلق وتحلل وأتمّ باقی الأفعال ، فإن لم یمکنه الاستنابة فی ذلک احتمل البقاء علی إحرامه تمسکا بمقتضی الأصل ، وجواز التحلل لصدق الصدّ فیتناوله العموم وهو متجه ، وکذا الوجهان لو کان المنع عن مکة ومنی. وجزم العلاّمة فی التذکرة والمنتهی بالجواز نظرا إلی أن الصدّ یفید التحلل من الجمیع فمن بعضه أولی (1). وهو حسن. ولو کان المنع عن مکة خاصة بعد التحلل بمنی فقد استقرب الشهید فی الدروس البقاء علی إحرامه بالنسبة إلی الطیب والنساء والصید (2). واستوجهه المحقق الشیخ علی فی حواشی القواعد قال : لأن المحلل من الإحرام إما الهدی للمصدود والمحصور أو الإتیان بأفعال یوم النحر والطوافین والسعی ، فإذا شرع فی الثانی وأتی بمناسک منی یوم النحر تعیّن علیه الإکمال ، لعدم الدلیل الدال علی جواز التحلل بالهدی حینئذ فیبقی علی إحرامه إلی أن یأتی بباقی المناسک (3).

ویمکن المناقشة فیه بأن عموم ما تضمن التحلل بالهدی مع الصدّ متناول لهذه الصورة ولا امتناع فی حصول التحلل بکل من الأمرین والمتجه التحلل بالهدی هنا أیضا مع خروج ذی الحجة ، للعموم ، ولما فی الحکم ببقائه کذلک إلی القابل من الحرج. ولا یتحقق الصدّ بالمنع من العود إلی منی لرمی الجمار والمبیت بها إجماعا علی ما نقله جماعة (4) ، بل یحکم بصحة الحج ویستنیب فی الرمی إن أمکن وإلاّ قضاه فی القابل.

الثانیة : ما یتحقق به الصدّ فی العمرة ، ولا ریب فی تحققه بالمنع من الدخول إلی مکة ، وکذا بالمنع من الإتیان بأفعالها بعد الدخول. ولو منع من الطواف خاصة استناب فیه مع الإمکان ومع التعذر قیل : یبقی علی إحرامه

ص: 293


1- التذکرة 1 : 396 ، والمنتهی 2 : 847.
2- الدروس : 142.
3- جامع المقاصد 1 : 177.
4- منهم الشهید الثانی فی المسالک 1 : 129.

فروع :

الأول : إذا حبس بدین ، فإن کان قادرا علیه لم یتحلل. وإن عجز تحلل ، وکذا لو حبس ظلما.

______________________________________________________

إلی أن یقدر علیه أو علی الاستنابة. ویحتمل قویا جواز التحلل مع خوف الفوات ، للعموم ، ونفی الحرج اللازم من بقائه علی الإحرام. وکذا الکلام فی السعی وطواف النساء فی المفردة.

قوله : ( فروع : الأول : إذا حبس بدین وکان قادرا علیه لم یتحلل ، وإن عجز تحلل ).

أما أنه لا یتحلل مع قدرته علی أداء الدین الذی حبس علیه فظاهر ، لأنه بالقدرة علی ذلک یکون متمکنا من المسیر فلا یتحقق الصدّ حینئذ. وأما أنه یتحلل مع العجز فعلّله فی المنتهی بتحقق الصد الذی هو المنع ، لعجزه عن الوصول بسبب الإعسار (1). واستشکل بعض المتأخرین هذا الحکم بأن المصدود لیس هو الممنوع مطلقا بل الممنوع بالعدوّ وطالب الحق لا یتحقق عدوانه (2). وأجیب عنه بأن العاجز عن أداء الحق لا یجوز حبسه فیکون الحابس ظالما ، وبالمنع من اختصاص الصدّ بالمنع من العدوّ لأنهم عدوا من أسبابه فناء النفقة وفوات الوقت ونحو ذلک. وفیهما معا نظر.

وکیف کان فالأجود ما أطلقه المصنف وغیره من جواز التحلل مع العجز ، لأن المصدود هو الممنوع لغة إلاّ أن مقتضی الروایات اختصاصه بما إذا کان المنع بغیر المرض ، وذکر العدوّ فی بعض الأخبار إنما وقع علی سبیل التمثیل لا لحصر الحکم فیه.

قوله : ( وکذا لو حبس ظلما ).

یمکن أن یکون المشبّه به المشار إلیه بذا ثبوت التحلل مع العجز ،

حکم المحبوس بدین أو ظلما

ص: 294


1- المنتهی 2 : 848.
2- ذکر هذا الإیراد وجوابه فی المسالک 1 : 129.

الثانی : إذا صابر ففات الحج لم یجز له التحلل بالهدی وتحلل بعمرة ولا دم وعلیه القضاء إن کان واجبا.

______________________________________________________

والمراد أنه یجوز تحلل المحبوس ظلما وهو بإطلاقه یقتضی عدم الفرق بین أن یکون المطلوب منه قلیلا أو کثیرا ، ولا بین القادر علی دفع المطلوب منه وغیره. ویمکن أن یکون مجموع حکم المحبوس بدین بتفصیله بمعنی أن المحبوس ظلما علی مال إن کان قادرا علیه لم یتحلل وإن کان عاجزا تحلل ، إلا أن المستفاد (1) من العبارة هو الأول ، وهو الذی صرّح به العلاّمة فی جملة من کتبه (2). وأورد علیه أن الممنوع بالعدوّ إذا طلب منه مال یجب بذله مع المکنة کما صرّح به المصنف وغیره فلم لا یجب البذل علی المحبوس ظلما إذا کان حبسه یندفع بالمال وکان قادرا علیه. وأجیب عن ذلک بالفرق بین المسألتین فإن الحبس لیس بخصوص المنع من الحج ولهذا لا یندفع الحبس لو أعرض عن الحج بخلاف منع العدوّ فإنه للمنع من المسیر حتی لو أعرض عن الحج خلّی سبیله وحینئذ فیجب بذل المال فی الثانی ، لأنه بسبب الحج دون الأول (3). وهذا الفرق لیس بشی ء ، لأن بذل المال للعدوّ المانع من المسیر إنما وجب لتوقف الواجب علیه وهذا بعینه آت فی صورة الحبس إذا کان یندفع بالمال وبالجملة فالمتجه تساوی المسألتین فی وجوب بذل المال المقدور علیه ، لتوقف الواجب علیه سواء کان ذلک قبل التلبس بالإحرام أو بعده.

قوله : ( الثانی : إذا صابر ففات الحج لم یجز له التحلل بالهدی ، وتحلل بالعمرة ، ولا دم ، وعلیه القضاء إن کان واجبا ).

المراد أن المصدود إذا صابر ولم یتحلل بالهدی حتی فاته الحج تعلق به حکم الفوات ووجب علیه التحلل من إحرامه بعمرة ، والقضاء إن کان الحج واجبا مستقرا کما هو شأن من فاته الحج ، ولو استمر المنع عن مکة بعد

حکم عدم تحلل المصدود حتی فوت الحج

ص: 295


1- فی « ض » : المتبادر.
2- التذکرة 1 : 396 ، القواعد 1 : 92 ، والتحریر 1 : 123.
3- المسالک 1 : 130.

الثالث : إذا غلب علی ظنه انکشاف العدو قبل الفوات جاز أن یتحلل ، لکن الأفضل البقاء علی إحرامه ، فإذا انکشف أتمّ ، ولو اتفق الفوات أحل بعمرة.

______________________________________________________

الفوات تحلل من العمرة بالهدی کما کان یتحلل من الحج قال فی الدروس : وعلی هذا فلو صار إلی بلده ولما یتحلل وتعذّر العود فی عامه لخوف الطریق فهو مصدود فله التحلل بالذبح والتقصیر فی بلده (1). وهو کذلک ، وقد تقدم الکلام فیه فی حکم من فاته الحج.

قوله : ( الثالث ، إذا غلب علی ظنه انکشاف العدوّ قبل الفوات جاز له التحلل ، لکن الأفضل البقاء علی إحرامه ).

قال الشارح - قدس سره - : وجه الجواز تحقق الصدّ حینئذ فیلحقه حکمه وإن کان الأفضل الصبر مع الرجاء فضلا عن غلبة الظن عملا بظاهر الأمر بالإتمام (2). ولا ریب فی أفضلیة الصبر کما ذکره وإنما الکلام فی جواز التحلل مع غلبة الظن بانکشاف العدوّ قبل فوات الحج فإن ما وصل إلینا من الروایات لا عموم فیه بحیث یتناول هذه الصورة ومع انتفاء العموم یشکل الحکم بالجواز. ویلوح من کلام الشارح فی الروضة وموضع من الشرح أن التحلل إنما یسوغ إذا لم یرج المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت (3). ولا ریب أنه أولی.

قوله : ( فإذا انکشف أتمّ ، ولو اتفق الفوات تحلل بعمرة ).

أما وجوب الإتمام إذا انکشف العدوّ قبل التحلل ولمّا یفوت الوقت فلأنه محرم لم یأت بالمناسک مع إمکانها فوجب علیه الإتیان بها ، وأما التحلل بالعمرة مع الفوات فلما سبق مرارا من أن ذلک حکم من فاته الحج.

حکم من ظن انکشاف العدو قبل فوات الحج

ص: 296


1- الدروس : 143.
2- المسالک 1 : 130.
3- الروضة البهیة 2 : 370 ، المسالک 1 : 129.

الرابع : لو أفسد حجه فصدّ کان علیه بدنة ودم للتحلل والحج من قابل. ولو انکشف العدو فی وقت یتسع لاستئناف القضاء وجب ، وهو حج یقضی لسنته. وعلی ما قلناه حجة العقوبة باقیة.

______________________________________________________

قوله : ( الرابع ، لو أفسد حجّه فصدّ کان علیه بدنة ودم التحلل والحج من قابل ).

إنما وجب علیه ذلک لأن الصدّ موجب للهدی ، والإفساد موجب للإتمام والبدنة وإعادة الحج ، سقط الإتمام بالصدّ فبقی وجوب البدنة والإعادة بحاله. ثم إن قلنا إن الأولی فرضه والثانیة عقوبة لم یکف الواحدة بتقدیر کونها مستقرة ، لأن حج الإسلام إذا تحلل منه وکان وجوبه مستقرا وجب الإتیان به بعد ذلک وإن لم یفسده فإذا أفسده وجب علیه الإتیان بذلک الحج ووجب علیه حجة أخری عقوبة بسبب الإفساد ، أما لو کانت الحجة التی تعلق بها الصدّ غیر مستقرة بأن یکون وجوبها إنما حصل فی ذلک العام کفاه الواحدة وهی حجة الإفساد وحاصله أن حجة الإسلام علی هذا التقدیر لم یحصل وحجة العقوبة لا تجزی عنها فیجب علیه حجّ العقوبة وحج الإسلام مع الاستقرار أو بقاء الاستطاعة. وإن قلنا إن الأولی عقوبة والثانیة فرضه فالظاهر الاکتفاء بالحجة الواحدة ، لسقوط حجة العقوبة بالتحلل منها ووجوب قضائها منفی بالأصل فیجب علیه الحج مرّة واحدة. واحتمل بعضهم وجوب الحجتین علی هذا التقدیر أیضا ، لوجوب قضاء حجة العقوبة من حیث إنها حجة واجبة قد صدّ عنها ، وکل حجة واجبة قد صدّ عنها یجب قضاؤها (1). وکلیة الکبری ممنوعة ، فإن القضاء إنما یجب بأمر جدید ولم یثبت هنا.

قوله : ( ولو انکشف العدوّ فی وقت یتّسع لاستئناف القضاء وجب ، وهو حج یقضی لسنته ، وعلی ما قلناه فحجة العقوبة باقیة ).

- حکم من أفسد حجه فصد

ص: 297


1- کفخر المحققین فی الإیضاح 1 : 325.

______________________________________________________

لا ریب فی وجوب الإتیان بالحج إذا انکشف العدوّ قبل التحلل والوقت باق بحیث یسع الحج ، ثم إن قلنا إن إکمال الأولی التی قد فسدت عقوبة سقطت العقوبة بالتحلل واستأنف عند زوال العذر حجّ الإسلام ولا یجب علیه سواه ، لما بیّنّاه من عدم وجوب قضاء حج العقوبة فهو حج یقضی لسنته بمعنی أنه لا یبقی فی ذمة المکلف بعده حج آخر ، والمراد بالقضاء حینئذ التدارک. وإن قلنا إن الفاسد حجة الإسلام وکانت مستقرة أو قلنا بقضاء حج العقوبة لم یکن حجا یقضی لسنته ، لأن الواقع بعد التحلل فی السنة الأولی حجّ الإسلام ویبقی حج العقوبة فی ذمته. وذکر فخر المحققین فی هذا المحل من شرح القواعد تفسیرا آخر لکون الحج یقضی فی سنته وهو أن المراد بما یقضی فی سنته ما یؤتی به ثانیا بعینه فی تلک السنة وإن وجب الإتیان بحج آخر بعده ، فإذا قلنا إن الأولی حجة الإسلام وتمکن من فعلها ثانیا فهو حج یقضی لسنته ، لأن هذا الحج المأتی به قضاء عن تلک الفاسدة. وإن قلنا إن الأولی عقوبة لم یکن المأتی بها فی تلک السنة قضاء عنها لأنه حج الإسلام فلا یکون قضاء لتلک الفاسدة فلا یکون حجا یقضی لسنته. ولو قلنا بوجوب قضاء حج العقوبة لم یجز إیقاعه فی تلک السنة ، لأن حج الإسلام مقدّم علی قضاء العقوبة فلا یتحقق کون المأتی به فی تلک السنة قضاء عن الفاسدة علی هذا التقدیر (1).

ویتوجه علیه أن إرادة هذا المعنی یقتضی کون التقیید فی تصویر المسألة بالإفساد مستدرکا بل مخلاّ بالفهم ، لأن کل من صدّ إذا تحلل وانکشف العدوّ وفی الوقت سعة یجب علیه الحج ویأتی بمثل ما خرج منه مع أن الظاهر من کلامهم اعتبار القید فی تصویر المسألة ، وینبّه علی هذا قول العلاّمة فی المنتهی وغیره : ولیس یتصور القضاء فی العام الذی أفسد فیه فی غیر هذه المسألة (2). حیث خصّ الحکم بحالة الإفساد ولو کان المراد بالقضاء الإتیان

ص: 298


1- إیضاح الفوائد 1 : 326.
2- المنتهی 2 : 848.

ولو لم یکن تحلل مضی فی فاسده وقضاه فی القابل.

الخامس : لو لم یندفع العدو إلا بالقتال لم یجب ، سواء غلب علی الظن السلامة أو العطب.

______________________________________________________

بمثل ما خرج منه لتحقق قضاء الحج لسنته فی کل مصدود انکشف العدوّ عنه مع سعة الوقت.

واعلم أن قول المصنف : وعلی ما قلناه فحجة العقوبة باقیة ، یقتضی سبق إشارة منه إلی ما یدل علی أن الأول حجة الإسلام ، أو أن العقوبة یقضی ، لوجوب تقدیم حج الإسلام عند زوال العذر فیکون العقوبة باقیة فی ذمته ولم یتقدم فی کلامه ما یعطی ذلک ولعله أشار بذلک إلی ما یختاره فی المسألة.

قوله : ( ولو لم یکن تحلل مضی فی فاسدة وقضاه فی القابل ).

لا ریب فی وجوب القضاء وإن کان الفاسد مندوبا ، لما سیجی ء إن شاء الله تعالی من وجوب قضاء الحج الواجب والمندوب بالإفساد.

قوله : ( الخامس : لو لم یندفع العدوّ إلا بالقتال لم یجب علیه ، سواء غلب علی ظنه السلامة أو العطب ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی المنتهی بأن فی التکلیف بالقتال مشقة زائدة وحرجا عظیما لاشتماله علی المخاطرة بالنفس والمال فکان منفیا بقوله عزّ وجلّ ( وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) وقوله علیه السلام : « لا ضرر ولا ضرار » (2) (3) وهو جید حیث یثبت المشقة. وصرّح فی المنتهی بأنه لا فرق فی العدوّ بین المسلم والمشرک لکنه استحب قتال المشرک إذا غلب علی الظن الظفر به ، لما فیه من الجهاد وحصول النصر وإتمام النسک ودفعهم عن منع السبیل. ونقل عن الشیخ -

عدم وجوب دفع العدو بالقتال

ص: 299


1- الحج : 78.
2- الکافی 5 : 293 - 6 ، الوسائل 17 : 341 أبواب إحیاء الأموات ب 12 ح 5.
3- المنتهی 2 : 849.

ولو طلب مالا لم یجب بذله. ولو قیل بوجوبه إذا کان غیر مجحف کان حسنا.

المحصر : هو الذی یمنعه المرض عن الوصول إلی مکة أو عن الموقفین ،

______________________________________________________

رحمه الله - أنه منع من قتال المشرک أیضا نظرا إلی اعتبار إذن الإمام فی الجهاد (1). ودفعه الشهید فی الدروس بأن القتال علی هذا الوجه لیس من باب الجهاد وإنما هو من باب النهی عن المنکر (2). وهو جید ، علی أن لمانع أن یمنع توقف الجهاد علی الإذن إذا کان الغیر الدعوة إلی الإسلام فإنا لم نقف لهم فی ذلک علی مستند یعتدّ به.

قوله : ( ولو طلب مالا لم یجب بذله ، ولو قیل بوجوبه إذا کان غیر مجحف کان حسنا ).

لا ریب فی وجوب البذل مع عدم الإجحاف ، بل الأظهر وجوبه مع المکنة مطلقا کما ذهب إلیه المصنف - رحمه الله - سابقا ، لتحقق الاستطاعة بالقدرة علی البذل. ولا یخفی أن حکم المصنف بوجوب البذل مع المکنة مطلقا إذا کان الطلب قبل التلبس وتقییده بعدم الإجحاف إذا وقع الطلب بعده غیر جید ، بل کان المناسب التسویة بینهما أو عکس الحکم ، لوجوب إتمام الحج والعمرة بعد التلبس بهما فیجب ما کان وسیلة إلیه.

قوله : ( والمحصر هو الذی یمنعه المرض عن الوصول إلی مکة أو عن الموقفین ).

المحصر : اسم مفعول من أحصره المرض إحصارا فهو محصر ویقال للمحبوس حصر بغیر همز فهو محصور ذکر ذلک الإمام الطبرسی فی تفسیره ، ونقل عن الفرّاء أنه یجوز قیام کل واحد منهما مقام الآخر (3). والفقهاء

حکم طلب العدو مالا

ص: 300


1- المبسوط 1 : 334.
2- الدروس : 143.
3- مجمع البیان 1 : 289.

فهذا یبعث ما ساقه. ولو لم یسق بعث هدیا أو ثمنه. ولا یحل حتی یبلغ الهدی محلّه ، وهو منی إن کان حاجّا ، أو مکة إن کان معتمرا.

______________________________________________________

یستعملون اللفظین أعنی المحصر والمحصور ، هو جائز علی رأی الفرّاء ، وإن کان ما عبّر به المصنف أولی ، للاتفاق علی جوازه. والکلام فیما یتحقق به الحصر کما تقدم فی الصدّ وإن کان التحلل هنا أظهر لثبوته بنص القرآن.

قوله : ( فهذا یبعث ما ساقه ، ولو لم یسق بعث هدیا أو ثمنه ، ولا یحل حتی یبلغ الهدی محلّه ، وهو منی إن کان حاجا ، أو مکة إن کان معتمرا ).

الکلام فی الاکتفاء بالهدی المسوق هنا کما تقدم فی الصدّ ، وقد أجمع العلماء کافة علی أن المحصر یتحلل بالهدی ، ثم اختلفوا فذهب أکثر علمائنا إلی أنه یجب علیه بعثه إلی منی إن کان حاجا وإلی مکة إن کان معتمرا ولا یحلّ حتی یبلغ الهدی محلّه. ونقل عن ابن الجنید أنه خیّر المحصر بین البعث وبین الذبح حیث أحصر (1). وعن الجعفی أنه قال : یذبح مکان الإحصار ما لم یکن ساق (2). وعن سلاّر أن المتطوّع ینحر مکانه ویتحلل حتی من النساء ، والمفترض یبعث ولا یتحلل من النساء (3).

احتج القائلون بوجوب البعث بظاهر قوله تعالی ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَکُمْ حَتّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ ) (4) وهی غیر صریحة فی ذلک ، لاحتمال أن یکون معناه : حتی تنحروا هدیکم حیث حبستم کما هو المنقول من فعل النبی صلی الله علیه و آله . وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ورفاعة ، عن الصادقین علیهماالسلام أنهما قالا : « القارن یحصر وقد قال : وأشترط فحلّنی حیث حبستنی » قال : « یبعث بهدیه » قلنا : أیتمتع فی

ص: 301


1- نقله فی المختلف : 317.
2- نقله فی الدروس : 141.
3- المراسم : 118.
4- البقرة : 196.

______________________________________________________

قابل؟ قال : لا ولکن یدخل فی مثل ما خرج منه » (1).

وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إذا أحصر بعث بهدیه فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فلیمض إن ظنّ أنه یدرک الناس ، فإن قدم مکة قبل أن ینحر الهدی فلیقم علی إحرامه حتی یفرغ من جمیع المناسک وینحر هدیه ولا شی ء علیه ، وإن قدم مکة وقد نحر هدیه فإن علیه الحج من قابل أو العمرة » قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ینتهی إلی مکة قال : « یحج عنه إن کانت حجة الإسلام ویعتمر إنما هو شی ء علیه » (2).

وفی الموثق ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « المصدود یذبح حیث صدّ ویرجع صاحبه فیأتی النساء ، والمحصور یبعث بهدیه ویعدهم یوما فإذا بلغ الهدی أحلّ هذا فی مکانه » (3).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : وسألته عن رجل أحصر فبعث بالهدی قال : « یواعد أصحابه میعادا ، إن کان فی الحج فمحل الهدی یوم النحر فإذا کان یوم النحر فلیقصّر من رأسه ولا یجب علیه الحلق حتی یقضی المناسک ، وإن کان فی عمرة فلینظر مقدار وصول أصحابه مکة والساعة التی یعدهم فیها فإذا کان تلک الساعة قصّر وأحلّ ، وإن کان مرض فی الطریق بعد ما یخرج (4) فأراد الرجوع رجع إلی أهله ونحر بدنة أو أقام مکانه حتی یبرأ إذا کان فی عمرة وإذا بری ء فعلیه العمرة واجبة وإن کان علیه الحج فرجع إلی أهله أو أقام ففاته الحج فإن علیه الحج من قابل ، وإن الحسین بن علی علیهماالسلام خرج معتمرا فمرض فی

ص: 302


1- التهذیب 5 : 423 - 1468 ، الوسائل 9 : 307 أبواب الإحصار والصد ب 4 ح 1.
2- الکافی 4 : 370 - 4 ، الوسائل 9 : 306 أبواب الإحصار والصد ب 3 ح 1.
3- الکافی 4 : 371 - 9 ، الوسائل 9 : 304 أبواب الإحصار والصد ب 1 ح 5.
4- فی المصدر : بعد ما أحرم.

______________________________________________________

الطریق فبلغ علیا علیه السلام ذلک وهو بالمدینة فخرج فی طلبه فأدرکه بالسقیا وهو مریض بها فقال : یا بنیّ ما تشتکی؟ فقال : أشتکی رأسی فدعا علیّ علیه السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلی المدینة فلما بری ء من وجعه اعتمر » قلت : أرأیت حین بری ء من وجعه قبل أن یخرج إلی العمرة حلّ له النساء؟ قال : « لا یحل له النساء حتی یطوف بالبیت وبالصفا والمروة » قلت : فما بال رسول الله صلی الله علیه و آله حین رجع من الحدیبیة حلّت له النساء ولم یطف بالبیت؟ قال : « لیسا سواء کان النبی صلی الله علیه و آله مصدودا والحسین علیه السلام محصورا » (1) وهذه الروایة لا تدل علی وجوب البعث إذا وقع الإحصار بعد الإحرام بل مقتضی قوله علیه السلام : « وإن کان مرض فی الطریق بعد ما یخرج فأراد الرجوع رجع إلی أهله ونحر بدنة » وجوب النحر فی مکان الإحصار وکذا فعل أمیر المؤمنین بالحسین علیهماالسلام ، وعلی هذا فیمکن حمل قوله علیه السلام فی أول الروایة فیمن أحصر فبعث الهدی فواعد أصحابه یوما علی الهدی المتطوع به إذا بعثه المریض من منزله.

ویدل علی جواز الذبح فی موضع الحصر ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی المحصور ولم یسق الهدی قال : « ینسک ویرجع » قیل : فإن لم یجد هدیا؟ قال : « یصوم » (2).

وفی الصحیح ، عن رفاعة بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « خرج الحسین علیه السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتی انتهی إلی السقیا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مکانه ثم أقبل حتی جاء فضرب الباب

ص: 303


1- الکافی 4 : 369 - 3 ، الوسائل 9 : 305 أبواب الإحصار والصد ب 2 ح 1 ، ورواها فی التهذیب 5 : 421 - 1465.
2- الفقیه 2 : 305 - 1514 ، الوسائل 9 : 310 أبواب الإحصار والصد ب 7 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 370 - 5.

فإذا بلغ قصّر وأحلّ إلا من النساء خاصة ، حتی یحج فی القابل إن کان واجبا ، أو یطاف عنه طواف النساء إن کان تطوعا.

______________________________________________________

فقال : علیّ علیه السلام : ابنی وربّ الکعبة افتحوا له ، وکانوا قد حموا الماء فأکب علیه فشرب ثم اعتمر بعد » (1).

وروی ابن بابویه مرسلا عن الصادق علیه السلام أنه قال : « المحصور والمضطر ینحران بدنتیهما فی المکان الذی یضطران فیه » (2). والمسألة محل إشکال وإن کان القول بالتخییر مطلقا کما اختاره ابن الجنید (3) خصوصا لغیر السائق لا یخلو من قوة.

قوله : ( فإذا بلغ قصّر وأحل إلا من النساء خاصة حتی یحج فی القابل إن کان واجبا ، أو یطاف عنه طواف النساء إن کان تطوعا ).

أما أنه لا تحل له النساء بالذبح والتقصیر حتی یحج فی القابل فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « المصدود تحل له النساء ، والمحصور لا تحل له النساء » (4).

وقوله فی صحیحة معاویة أیضا قلت : أرأیت حین یبرأ من وجعه قبل أن یخرج إلی العمرة حل له النساء؟ قال : « لا تحل له النساء حتی یطوف بالبیت وبالصفا والمروة » (5).

وأما الاکتفاء بالاستنابة فی طواف النساء فی الحج المندوب فأسنده فی

ص: 304


1- الفقیه 2 : 305 - 1515 ، الوسائل 9 : 309 أبواب الإحصار والصد ب 6 ح 2.
2- الفقیه 2 : 305 - 1513 ، المقنع : 76 ، الوسائل 9 : 309 أبواب الإحصار والصد ب 6 ح 3.
3- المختلف : 317.
4- الکافی 4 : 369 - 3 ، الفقیه 2 : 304 - 1512 ، التهذیب 5 : 423 - 1467 ، المقنع : 77 ، معانی الأخبار : 222 - 1 ، الوسائل 9 : 303 أبواب الإحصار والصد ب 1 ح 1.
5- الکافی 4 : 369 - 3 ، التهذیب 5 : 421 - 1465 ، الوسائل 9 : 303 أبواب الإحصار والصد ب 1 ح 3.

______________________________________________________

المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه ولم یستدل علیه بشی ء (1).

واستدل علیه جمع من المتأخرین بأن الحج المندوب لا یجب العود لاستدراکه ، والبقاء علی تحریم النساء ضرر عظیم ، فاکتفی فی الحل بالاستنابة فی طواف النساء. وهو مشکل جدا ، لإطلاق قوله علیه السلام : « لا تحل له النساء حتی یطوف بالبیت وبالصفا والمروة ».

وکذا الإشکال فی إلحاق الواجب غیر المستقر بالمندوب کما ذکره الشارح (2) - قدس سره - بل الإشکال فیه أقوی.

وألحق العلامة فی القواعد بالحج المندوب الحج الواجب مع العجز عنه (3) ، وفی الدروس حکاه قولا فقال : قیل أو مع عجزه فی الواجب (4). وهو یقتضی التردد فیه ، وهو فی محله ، وإن کان القول بالجواز فیه غیر بعید ، دفعا للحرج والضرر اللازم من البقاء علی التحریم.

واعلم أن إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی العمرة بین المفردة والمتمتع بها ، وقال فی الدروس : ولو أحصر فی عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له ، إذ لا طواف لأجل النساء فیها (5). وقواه المحقق الشیخ علی (6) ، ومال إلیه جدی قدس سره (7) ، وهو غیر واضح ، إذ لیس فیما وصل إلینا من الروایات تعرض لذکر طواف النساء ، وإنما المستفاد من صحیحة معاویة بن عمار وغیرها توقف حل النساء فی المحصور علی الطواف والسعی ، وهو متناول للحج والعمرتین.

ص: 305


1- المنتهی 2 : 850.
2- المسالک 1 : 131.
3- القواعد 1 : 93.
4- الدروس : 141.
5- الدروس : 141.
6- جامع المقاصد 1 : 178.
7- المسالک 1 : 131.

ولو بان أن هدیه لم یذبح لم یبطل تحلّله وکان علیه ذبح هدی فی القابل.

______________________________________________________

ومن هنا یظهر أن ما ذکره المحقق الشیخ علی أیضا من أن الأخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن (1) ، غیر جید أیضا.

قوله : ( ولو بان أن هدیه لم یذبح لم یبطل تحلّله وکان علیه ذبح هدی فی القابل ).

لا خلاف (2) فی عدم بطلان تحلله إذا تبیّن عدم ذبح هدیه ، لأن تحلله وقع بإذن الشارع ، فلا یتعقبه البطلان ، ویدل علیه صریحا قول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « فإن ردوا الدراهم علیه ولم یجدوا هدیا ینحرونه وقد أحل لم یکن علیه شی ء ، ولکن یبعث من قابل ویمسک أیضا » (3).

ویستفاد من هذه الروایة وجوب الإمساک عن محرمات الإحرام إذا بعث الهدی فی القابل ، وبمضمونها أفتی الشیخ فی النهایة والمبسوط (4) ، وقال ابن إدریس : لا یجب علیه الإمساک عما یمسک عنه المحرم لأنه لیس بمحرم (5). واستوجهه المصنف فی النافع (6) والعلامة فی المختلف وقال : إن الأقرب عندی حمل الروایة علی الاستحباب ، جمعا بین النقل وما قاله ابن إدریس (7). ویشکل بأن ما ذکره ابن إدریس لا یصلح معارضا للنقل ، والمسألة محل تردد!

حکم المحصر

حکم من تحلل فبان عدم ذبح هدیه

ص: 306


1- جامع المقاصد 1 : 178.
2- فی « ض » : لا ریب.
3- الکافی 4 : 369 - 3 ، التهذیب 5 : 421 - 1465 ، الوسائل 9 : 305 أبواب الإحصار والصد ب 2 ح 1.
4- النهایة : 282 ، والمبسوط 1 : 335.
5- السرائر : 151.
6- المختصر النافع : 100.
7- المختلف : 317.

ولو بعث هدیه ثم زال العارض لحق بأصحابه. فإن أدرک أحد الموقفین فی وقته فقد أدرک الحج ، وإلا تحلل بعمرة وعلیه فی القابل قضاء الواجب. ویستحب قضاء الندب.

والمعتمر إذا تحلل یقضی عمرته عند زوال العذر ، وقیل : فی الشهر الداخل.

______________________________________________________

واعلم أنه لیس فی الروایة ولا فی کلام من وقفت علی کلامه من الأصحاب تعیین وقت الإمساک صریحا ، وإن ظهر من بعضها أنها من حین البعث ، وهو مشکل ، ولعل المراد أنه یمسک من حین إحرام المبعوث معه الهدی.

قوله : ( ولو بعث هدیه ثم زال العارض لحق بأصحابه ، فإن أدرک أحد الموقفین فی وقته فقد أدرک الحج ، وإلا تحلل بعمرة وعلیه فی القابل قضاء الواجب ، ویستحب قضاء الندب ).

لا ریب فی وجوب اللحاق مع زوال العارض ، لأنه محرم بأحد النسکین فیجب علیه إتمامه مع الإمکان والتقدیر أنه متمکن ، ثم إن أدرک اضطراری المشعر فقد أدرک الحج ، وإن لم یدرکه فقد فاته الحج ووجب علیه التحلل بالعمرة وقضاء الواجب المستقر دون غیره ، وهذه الأحکام کلها معلومة مما سبق.

واعلم أن إطلاق العبارة وغیرها یقتضی عدم الفرق فی وجوب التحلل بالعمرة مع الفوات بین أن یتبین وقوع الذبح عنه وعدمه ، وبهذا التعمیم صرح الشهیدان (1) ، نظرا إلی أن التحلل بالهدی إنما یحصل مع عدم التمکن من العمرة ، أما معها فلا ، لعدم الدلیل. ویحتمل عدم الاحتیاج إلی العمرة إذا تبین وقوع الذبح عنه ، لحصول التحلل به.

قوله : ( والمعتمر إذا تحلل یقضی عمرته عند زوال العذر ، وقیل : فی الشهر الداخل ).

حکم من بعث هدیه فزال العارض

ص: 307


1- الشهید الأول فی الدروس : 142 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 131.

والقارن إذا أحصر فتحلل لم یحج فی القابل إلا قارنا ، وقیل : یأتی بما کان واجبا. وإن کان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وإن کان الإتیان بمثل ما خرج منه أفضل.

______________________________________________________

ذکر الشارح (1) - قدس سره - وغیره (2) أن الخلاف فی هذه المسألة یرجع إلی الخلاف فی الزمان الذی یجب کونه بین العمرتین ، ویمکن المناقشة فیه بعدم تحقق العمرة ، لتحلله منها ، فلا یعتبر فی جواز الثانیة تحلل الزمان الذی یجب کونه بین العمرتین ، إلا أن یقال باعتبار مضی الزمان بین الإحرامین ، وسیجی ء تفصیل الکلام فی ذلک. وإنما یجب قضاء العمرة مع استقرار وجوبها قبل ذلک کما هو ظاهر.

قوله : ( والقارن إذا أحصر فتحلل لم یحج فی القابل إلا قارنا ، وقیل : یأتی بما کان واجبا ، وإن کان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وإن کان الإتیان بمثل ما خرج منه أفضل ).

ما اختاره المصنف من تعین القران والحال هذه مذهب الأکثر ، لصحیحة محمد بن مسلم ورفاعة ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام أنهما قالا : القارن یحصر وقد قال واشترط فحلنی حیث حبستنی ، قال : « یبعث بهدیه » قلت : هل یتمتع من قابل؟ قال : « لا ولکن یدخل بمثل ما خرج منه » (3).

قال فی المنتهی : ونحن نحمل هذه الروایة علی الاستحباب أو علی أنه قد کان القران متعینا فی حقه ، لأنه إذا لم یکن واجبا لم یجب القضاء ، فعدم وجوب الکیفیة أولی (4). وهو حسن.

والقول بوجوب الإتیان بما کان واجبا علیه والتخییر فی المندوب لابن

حج القارن فی القابل القران

ص: 308


1- المسالک 1 : 132.
2- کالمحقق الثانی فی جامع المقاصد 1 : 178.
3- التهذیب 5 : 423 - 1468 ، الوسائل 9 : 307 أبواب الإحصار والصد ب 4 ح 1.
4- المنتهی 2 : 851.

وروی أن باعث الهدی تطوعا یواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحره ، ثم یجتنب جمیع ما یجتنبه المحرم. فإذا کان وقت المواعدة أحلّ ، لکن هذا لا یلبّی. ولو أتی بما یحرم علی المحرم کفّر استحبابا.

______________________________________________________

إدریس (1) وجماعة (2) ، وقوته ظاهرة.

قوله : ( وروی أن باعث الهدی تطوعا یواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحره ثم یجتنب جمیع ما یجتنبه المحرم ، فإذا کان وقت المواعدة أحل ، لکن هذا لا یلبی ، ولو أتی بما یحرم علی المحرم کفّر استحبابا ).

هذه الکیفیة قد وردت فی عدة روایات ، کصحیحة معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یبعث بالهدی تطوعا ولیس بواجب ، قال : « یواعد أصحابه یوما فیقلدونه ، فإذا کان تلک الساعة اجتنب ما یجتنبه المحرم إلی یوم النحر ، فإذا کان یوم النحر أجزأ عنه » (3).

وصحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل بعث بهدیه مع قوم لیساق وواعدهم یوما یقلدون فیه هدیهم ویحرمون فقال : « یحرم علیه ما یحرم علی المحرم فی الیوم الذی واعدهم فیه حتی یبلغ الهدی محله » قلت : أرأیت إن اختلفوا فی المیعاد وأبطؤا فی المسیر علیه وهو یحتاج أن یحل فی الیوم الذی وعدهم فیه؟ قال : « لیس علیه جناح أن یحل فی الیوم الذی وعدهم فیه » (4).

وصحیحة هارون بن خارجة قال : إن أبا مراد بعث ببدنة وأمر الذی بعث بها معه أن یقلّد ویشعر فی یوم کذا وکذا فقلت له : إنه لا ینبغی لک أن تلبس الثیاب ، فبعثنی إلی أبی عبد الله علیه السلام وهو بالحیرة ، فقلت له :

حکم باعث الهدی تطوعا

ص: 309


1- السرائر : 151.
2- کالعلامة فی التذکرة 1 : 398 ، والشهید الأول فی الدروس : 141.
3- الکافی 4 : 540 - 3 ، الفقیه 2 : 306 - 1517 ، التهذیب 5 : 424 - 1472 ، الوسائل 9 313 أبواب الإحصار والصد ب 9 ح 5.
4- التهذیب 5 : 424 - 1471 ، الوسائل 9 : 313 أبواب الإحصار والصد ب 9 ح 4.

______________________________________________________

إن أبا مراد فعل کذا وکذا وأنه لا یستطیع أن یدع الثیاب لمکان أبی جعفر علیه السلام فقال : « مره فلیلبس الثیاب ولینحر بقرة یوم النحر عن لبسه الثیاب » (1).

وروایة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن ابن عباس وعلیا کانا یبعثان بهدیهما من المدینة ثم یتجردان ، وإن بعثا بهما من أفق من الآفاق واعدا أصحابهما بتقلیدهما وإشعارهما یوما معلوما ، ثم یمسکان یومئذ إلی یوم النحر عن کل ما یمسک عنه المحرم ، ویجتنبان کل ما یجتنب المحرم ، إلا أنه لا یلبی إلا من کان حاجا أو معتمرا » (2).

وروایة أبی الصباح الکنانی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل بعث بهدی مع قوم وواعدهم یوما یقلدون فیه هدیهم ویحرمون فیه فقال : « یحرم علیه ما یحرم علی المحرم فی الیوم الذی واعده حتی یبلغ الهدی محله » فقلت : أرأیت إن أخلفوا فی میعادهم وأبطؤا فی السیر ، علیه جناح فی الیوم الذی واعدهم؟ قال : « لا ، ویحل فی الیوم الذی واعدهم » (3).

وروایة سلمة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن علیا علیه السلام کان یبعث بهدیه ثم یمسک عما یمسک عنه المحرم قال : غیر أنه لا یلبی ویواعدهم یوم ینحر فیه بدنة فیحل » (4).

وهذه الروایات مع استفاضتها وسلامة سند أکثرها ذکرها الأصحاب فی کتبهم کالکلینی وابن بابویه والشیخ وغیرهم وأفتوا بمضمونها فلا یلتفت إلی

ص: 310


1- الکافی 4 : 540 - 4 بتفاوت یسیر ، التهذیب 5 : 425 - 1474 ، الوسائل 9 : 314 أبواب الإحصار والصد ب 10 ح 1.
2- التهذیب 5 : 424 - 1473 ، الوسائل 9 : 312 أبواب الإحصار والصد ب 9 ح 3.
3- الکافی 4 : 539 - 1 ، الوسائل 9 : 312 أبواب الإحصار والصد ب 9 ح 1.
4- الکافی 4 : 540 - 2 ، الوسائل 9 : 312 أبواب الإحصار والصد ب 9 ح 2.

______________________________________________________

إنکار ابن إدریس العمل بها زاعما بأن الشیخ أوردها فی کتبه إیرادا لا اعتقادا (1).

ویستفاد من مجموعها أن من أراد بعث الهدی واعد أصحابه یوما لإشعاره أو تقلیده فإذا حضر ذلک الوقت اجتنب ما یجتنبه المحرم لکن لا یلبی ویبقی علی إحرامه إلی یوم النحر حین المواعدة فیحل. وعبارة المصنف قاصرة عن تأدیة هذا المعنی بتمامه.

وذکر الشارح قدس سره : أن ملابسة تروک الإحرام بعد المواعدة للتقلید أو الإشعار مکروه لا محرم (2). ویشکل بأن مقتضی روایتی الحلبی وأبی الصباح الکنانی التحریم ، ولا معارض لهما یقتضی حملهما علی الکراهة.

أما ما ذکره المصنف وغیره (3) من استحباب التکفیر بملابسة ما یوجبه علی المحرم فلم أقف له علی مستند ، وغایة ما یستفاد من صحیحة هارون المتقدمة أن من لبس ثیابه للتقیة کفر ببقرة ، وهی مختصة باللبس ، ومع ذلک فحملها علی الاستحباب یتوقف علی وجود المعارض.

وروی ابن بابویه فی کتاب من لا یحضره الفقیه مرسلا عن الصادق علیه السلام أن قال : « ما یمنع أحدکم أن یحج کل سنة؟ » فقیل له : لا یبلغ ذلک أموالنا فقال : « أما یقدر أحدکم إذا خرج أخوه أن یبعث معه بثمن أضحیة ویأمره أن یطوف عنه أسبوعا بالبیت ویذبح عنه ، فإذا کان یوم عرفة لیس ثیابه وتهیأ وأتی المسجد فلا یزال فی الدعاء حتی تغرب الشمس » (4).

ولیس فی هذه الروایة مواعدة لإشعار الهدی ، ولا أمر باجتناب المرسل ما یجتنبه المحرم ، وإنما تضمنت استحباب إرسال ثمن الأضحیة وأمر

ص: 311


1- السرائر : 151.
2- المسالک 1 : 132.
3- کالسیوری فی التنقیح الرائع 1 : 530.
4- الفقیه 2 : 306 - 1518 ، الوسائل 9 : 313 أبواب الإحصار والصد ب 9 ح 6.

المقصد الثانی : فی أحکام الصید.

الصید : هو الحیوان الممتنع ، وقیل : بشرط أن یکون حلالا.

______________________________________________________

المرسل معه بذبحها وطواف أسبوع عنه ، ثم تهیّؤه فی یوم عرفة بلبس ثیابه وإتیان المسجد واشتغاله بالدعاء حتی تغرب الشمس. والظاهر أن مراده بلبس الثیاب لبس أحسن الثیاب کما ورد الأمر بذلک فی یوم الجمعة ویوم العید ، وعلی هذا فیکون ما تضمنته هذه الروایة من الحکم مغایرا لما دلت علیه تلک الأخبار. ولو عمل عامل بمضمون هذه الروایة جاز وإن کانت مرسلة ، لأنه مطابق للعمومات ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( المقصد الثانی ، فی أحکام الصید. الصید : هو الحیوان الممتنع ، وقیل : یشترط أن یکون حلالا ).

لا یخفی أن المعرّف هنا هو الصید المبحوث عنه فی هذا المقام - وهو المحرّم علی المحرم - وقد اختلف کلام المصنف وغیره فی تعریفه ، فعرفه المصنف فی النافع بأنه الحیوان المحلل الممتنع (1). وهو غیر جید ، لأن بعض أفراد غیر المأکول محرم عنده قطعا. وعرفه هنا بأنه الحیوان الممتنع. والظاهر أن مراده الممتنع بالأصالة ، وإلا لدخل فیه ما توحش من الأهلی وامتنع کالإبل والبقر ، مع أن قتله جائز إجماعا ، وخرج عنه ما استأنس من الحیوان البری کالظبی مع تحریم قتله إجماعا.

والممتنع بإطلاقه یتناول المأکول وغیره ، وذکر الشارح أن هذا التعمیم غیر مراد للمصنف - رحمه الله - بل الظاهر من مذهبه أنه لا یحرم من غیر المأکول غیر الثعلب والأرنب والضب والیربوع والقنفذ والزنبور (2). ویتوجه علیه أن أقصی ما یدل علیه کلام المصنف إباحة قتل الأفعی والعقرب والفأرة وعدم وجوب الکفارة بقتل ما عدا هذه الأنواع الستة من أفراد غیر المأکول ، ولا یلزم من ذلک إباحة قتله.

أحکام الصید

معنی الصید

ص: 312


1- المختصر النافع : 101.
2- المسالک 1 : 133.

والنظر فیه : یستدعی فصولا. الأوّل : الصید قسمان فالأول ما لا

______________________________________________________

ونقل عن أبی الصلاح التصریح بتحریم قتل جمیع الحیوان ما لم یخف منه أو یکن حیة أو عقربا أو فأرة (1). ومراده بالحیوان الممتنع قطعا للنقص والإجماع علی جواز ذبح (2) غیره کما سیجی ء بیانه ، وعلی هذا فیکون مطابقا لما اقتضاه کلام المصنف هنا من التعمیم ، ویدل علیه إطلاق قوله تعالی : ( لا تَقْتُلُوا الصَّیْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (3) وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « إذا أحرمت فاتق قتل الدواب کلها إلا الأفعی والعقرب والفأرة » (4) وفی مرسلة حریز : « کلما خاف المحرم علی نفسه من السباع والحیات وغیرها فلیقتله ، فإن لم یردک فلا ترده » (5) وفی حسنة الحلبی : « یقتل فی الحرم والإحرام الأفعی والأسود الغدر (6) وکل حیة سوء والعقرب والفأرة » (7) وفی روایة عمر بن یزید : « واجتنب فی إحرامک صید البر کله » (8).

ولا ینافی ذلک عدم ترتب الکفارة علی قتل بعض أنواع غیر المأکول إذ لیس من لوازم التحریم ترتب الکفارة کما هو واضح.

قوله : ( والنظر فیه یستدعی فصولا ، الأول : فی أقسامه ، الصید

ص: 313


1- الکافی فی الفقه : 203.
2- فی « م » : قتل
3- المائدة : 95.
4- الکافی 4 : 363 - 2 ، التهذیب 5 : 365 - 1273 ، علل الشرائع : 458 - 2 ، الوسائل 9 : 166 أبواب تروک الإحرام ب 81 ح 2.
5- الکافی 4 : 363 - 1 ، التهذیب 5 : 365 - 1272 ، الإستبصار 2 : 208 - 711 ، الوسائل 9 : 166 أبواب تروک الإحرام ب 81 ح 1.
6- فی « ح » : العدو.
7- الکافی 4 : 363 - 3 ، الوسائل 9 : 167 أبواب تروک الإحرام ب 81 ح 6.
8- التهذیب 5 : 300 - 1021 ، الوسائل 9 : 75 أبواب تروک الإحرام ب 1 ح 5.

یتعلق به کفارة کصید البحر ، وهو ما یبیض ویفرخ فی الماء ، ومثله الدجاج الحبشی ،

______________________________________________________

قسمان ، فالأول ما لا یتعلق به کفارة کصید البحر ، وهو ما یبیض ویفرخ فی الماء ).

المراد بنفی الکفارة فی هذا النوع جواز صیده کما صرح به فی النافع (1) ، لأنه موضع وفاق ، بل قال فی المنتهی : أجمع المسلمون کافة علی تحلیل صید البحر صیدا وأکلا وبیعا وشراءا مما یحل أکله لا خلاف بینهم فیه (2). وقد تقدم الکلام فی هذه المسألة مفصلا.

قوله : ( ومثله الدجاج الحبشی ).

المراد أن الدجاج الحبشی کصید البحر فی عدم تعلق الکفارة به - بمعنی (3) جواز ذبحه - وهو مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن دجاج الحبش فقال : « لیس من الصید ، إنما الطیر ما طار بین السماء والأرض وصف » (4) وفی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « کلما لم یصف من الطیر فهو بمنزلة الدجاج » (5). ونقل عن الشافعی أنه أوجب فی هذا النوع الفدیة (6) ، وهو باطل.

أما الدجاج الأهلی فقال فی المنتهی : إنه یجوز ذبحه للمحرم والمحل

حکم صید البحر

الدجاج الحبشی کصید البحر

ص: 314


1- المختصر النافع : 101.
2- المنتهی 2 : 800.
3- فی « م » : وفی بدل بمعنی.
4- الفقیه 2 : 172 - 756 ، التهذیب 5 : 367 - 1280 بتفاوت ، الوسائل 9 : 234 أبواب کفارات الصید ب 40 ح 1.
5- الفقیه 2 : 172 - 762 ، الوسائل 9 : 235 أبواب کفارات الصید ب 40 ح 5.
6- نقله عنه فی الخلاف 1 : 487.

وکذا النعم ولو توحشت.

ولا کفارة فی قتل السباع ، ماشیة کانت أو طائرة ، إلا الأسد فإن علی قاتله کبشا إذا لم یرده ، علی روایة فیها ضعف.

______________________________________________________

فی الحرم وغیره بلا خلاف (1).

قوله : ( وکذا النعم ولو توحشت ).

هذا قول علماء الأمصار ، حکاه فی المنتهی (2) ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل روایات ، منها حسنة حریز عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المحرم یذبح البقر والإبل والغنم وکلما لم یصف من الطیر » (3) وروایة عبد الله بن سنان قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المحرم ینحر بعیره أو یذبح شاته؟ قال : « نعم » (4) وروایة أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یذبح فی الحرم إلا الإبل والبقر والغنم والدجاج » (5).

قوله : ( ولا کفارة فی قتل السباع ، ماشیة کانت أو طائرة ، إلا الأسد فإن علی قاتله کبشا إذا لم یرده ، علی روایة فیها ضعف ).

یمکن أن یرید بنفی الکفارة فی قتل السباع عدم تحریم صیدها کما فی صید البحر ، ویمکن أن یرید معناه الحقیقی خاصة ویکون التحریم مستفادا من التعریف المتقدم ، لعدم المنافاة بین التحریم وانتفاء الکفارة ، وهو الظاهر من کلامه فی النافع ، حیث حکم أولا بحل صید البحر صریحا ثم غیر الأسلوب وقال : ولا کفارة فی قتل السباع. (6).

وکیف کان فالأظهر سقوط الکفارة بقتل السباع مطلقا ، عملا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

النعم المتوحشة کصید البحر

حکم قتل السباع

ص: 315


1- المنتهی 2 : 800.
2- المنتهی 2 : 800.
3- الکافی 4 : 365 - 1 ، الوسائل 9 : 169 أبواب تروک الإحرام ب 82 ح 3.
4- الکافی 4 : 365 - 2 ، الوسائل 9 : 170 أبواب تروک الإحرام ب 82 ح 4.
5- الکافی 4 : 231 - 1 ، الوسائل 9 : 170 أبواب تروک الإحرام ب 82 ح 5.
6- المختصر النافع : 101.

وکذا لا کفارة فیما تولد بین وحشیّ وإنسیّ ، أو بین ما یحل للمحرم وما یحرم ، ولو قیل : یراعی الاسم ، کان حسنا.

ولا بأس بقتل الأفعی والعقرب والفأرة

______________________________________________________

والروایة التی أشار إلیها المصنف لم نقف علیها فی شی ء من الأصول ، ولا نقلها أحد فی کتب الاستدلال بهذا المضمون ، ولعله أشار بذلک إلی ما رواه الشیخ فی التهذیب ، عن أبی سعید المکاری قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل قتل أسدا فی الحرم فقال : « علیه کبش یذبحه » (1) وحکی العلامة فی المختلف عن الشیخ فی الخلاف وابن بابویه وابن حمزة أنهم أوجبوا علی المحرم إذا قتل الأسد کبشا لهذه الروایة (2) وهی مع ضعف سندها (3) إنما تدل علی لزوم الکبش بقتله إذا وقع فی الحرم لا مطلقا ، وحملها العلامة فی المختلف علی الاستحباب (4) ، وهو أولی من القول بالوجوب وإن کان الأوفق بالأصول اطراحها رأسا.

قوله : ( وکذا لا کفارة فیما یتولد بین وحشی وإنسی ، أو بین ما یحل للمحرم وما یحرم ، ولو قیل یراعی الاسم کان حسنا ).

الأصح ما اختاره المصنف رحمه الله ، لأن الحکم بلزوم الکفارة وقع معلقا علی أشیاء مخصوصة ، فما ثبت له الاسم تعلق به الحکم وإلا فلا.

قوله : ( ولا بأس بقتل الأفعی والعقرب والفأرة ).

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أحرمت فاتق قتل الدواب کلها إلا الأفعی والعقرب والفأرة ، فإنها توهی السقاء (5) وتحرق

حکم المتولد بین الوحشی والانسی

جواز قتل الأفعی والعقرب والفأرة

ص: 316


1- التهذیب 5 : 366 - 1275 ، الوسائل 9 : 234 أبواب کفارات الصید ب 39 ح 1.
2- المختلف : 271.
3- لأن راویها کان وجها فی الواقفة - راجع رجال النجاشی : 38 - 78.
4- المختلف : 271.
5- توهی السقاء أی تخرقه وهو فعل الفأرة - الصحاح 6 : 2531.

وبرمی الحدأة والغراب رمیا.

______________________________________________________

علی أهل البیت ، وأما العقرب فإن نبی الله صلی الله علیه و آله مد یده إلی الحجر فلسعته عقرب فقال : لعنک الله لا برا تدعین ولا فاجرا ، والحیة إن أرادتک فاقتلها وإن لم تردک فلا تردها ، والأسود الغدر (1) فاقتله علی کل حال ، وارم الغراب رمیا والحدأة علی ظهر بعیرک »(2).

وفی الحسن عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یقتل فی الحرم والإحرام الأفعی ، والأسود الغدر (3) ، وکل حیة سوء ، والعقرب ، والفأرة وهی الفویسقة ، ویرجم الغراب والحدأة رجما ، فإن عرض لک لصوص امتنعت منهم » (4).

قوله : ( وبرمی الحدأة والغراب رمیا ).

الحدأة : کعنبة طائر معروف ، والجمع حداء وحدأ ، قاله فی القاموس (5). ویدل علی جواز رمی الحدأة والغراب بأنواعه عن البعیر وغیره حسنة الحلبی المتقدمة ، ولا ینافی ذلک تخصیص الحکم فی روایة ابن عمار برمیها عن البعیر ، إذ لا منافاة بینهما توجب الجمع. ومقتضی الروایتین عدم جواز قتلهما إلا أن یفضی الرمی إلیه ، ونقل عن ظاهر المبسوط الجواز (6) ، وهو ضعیف.

وذکر المحقق الشیخ علی أنه ینبغی تقیید الغراب الذی یجوز رمیه بالمحرّم الذی هو من الفواسق الخمس ، دون المحلّل لأنه محترم لا یعد من الفواسق (7). وهو غیر جید ، لأن الحکم بجواز الرمی وقع معلقا علی اسم

جواز رمی الحدأة والغراب

ص: 317


1- فی « ح » : العدو ، وقد تقرأ فی بعض النسخ : العذر.
2- الکافی 4 : 363 - 2 ، الوسائل 9 : 166 أبواب تروک الإحرام ب 81 ح 2.
3- فی « ح » : العدو.
4- الکافی 4 : 363 - 3 ، الوسائل 9 : 167 أبواب تروک الإحرام ب 81 ح 6.
5- القاموس المحیط 1 : 12.
6- نقله فی المسالک 1 : 133.
7- جامع المقاصد 1 : 179.

ولا بأس بقتل البرغوث.

وفی الزنبور تردد ، والوجه المنع ، ولا کفارة فی قتله خطأ. وفی قتله عمدا صدقة ولو کفّ من طعام.

______________________________________________________

الغراب فیتناول الجمیع ، لا علی الفواسق لیختص بما ثبت له هذا الاسم.

قوله : ( ولا بأس بقتل البرغوث ).

للأصل وروایة زرارة عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن المحرم یقتل البقة والبرغوث إذا رآه قال : « نعم » (1).

وذهب جماعة منهم الشیخ فی التهذیب (2) والعلامة فی جملة من کتبه (3) إلی تحریم قتله ، لصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : إذا أحرمت فاتق قتل الدواب کلها إلا الأفعی والعقرب والفأرة (4) وصحیحة زرارة : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم هل یحل رأسه أو یغتسل بالماء؟ فقال : « یحل رأسه ما لم یتعمد قتل دابة » (5) وهذا القول لا یخلو من قوة. وعلی القولین فلا فدیة له ، للأصل.

قوله : ( وفی الزنبور تردد ، والوجه المنع ، ولا کفارة فی قتله خطأ ، وفی قتله عمدا صدقة ولو بکف من طعام ).

الأصح ما اختاره المصنف رحمه الله ، لصحیحة معاویة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن محرم قتل زنبورا ، قال : « إن کان خطأ فلا شی ء

حکم قتل البرغوث والزنبورحکم قتل البرغوث والزنبور

ص: 318


1- الکافی 4 : 364 - 6 وفیه : أراده ، بدل رآه ، الوسائل 9 : 164 أبواب تروک الإحرام ب 79 ح 3.
2- التهذیب 5 : 365.
3- المنتهی 2 : 800 ، والتذکرة 1 : 331 ، والتحریر 1 : 114.
4- الکافی 4 : 363 - 2 ، التهذیب 5 : 365 - 1273 ، علل الشرائع : 458 - 2 ، الوسائل 9 : 166 أبواب تروک الإحرام ب 81 ح 2.
5- الکافی 4 : 366 - 7 ، الفقیه 2 : 230 - 1092 ، المقنع : 75 ، الوسائل 9 : 159 أبواب تروک الإحرام ب 73 ح 4.

ویجوز شراء القماری والدباسی وإخراجها من مکة علی روایة. ولا یجوز قتلها ولا أکلها.

______________________________________________________

علیه » قلت : بل متعمدا ، قال : « یطعم شیئا من الطعام » (1) ومقتضی الروایة تعین الطعام لا الاجتزاء بمطلق الصدقة ، وبمضمونها أفتی المصنف - رحمه الله - فی النافع (2) ، وهو جید. ولا یخفی أن المنع إنما یتوجه إلی العامد ، وإنما ذکر المصنف حکم الخطأ لدفع توهم مساواة الزنبور للصید فی اشتراک العامد والخاطی والناسی فی لزوم الفدیة بقتله.

قوله : ( ویجوز شراء القماری والدباسی وإخراجها من مکة علی روایة ، ولا یجوز قتلها ولا أکلها ).

أما أنه لا یجوز قتل هذین النوعین ولا أکلهما فلا ریب فیه ، للأخبار الکثیرة الدالة علی تحریم صید الحرم المتناولة لهما ولغیرهما. وأما جواز شرائهما وإخراجهما من مکة فهو اختیار الشیخ فی النهایة (3) ، وذکر المصنف أن به روایة ، ولم نقف علی روایة تتضمن الجواز صریحا ، ولعله أشار بذلک إلی ما رواه الشیخ ، عن عیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن شراء القماری یخرج من مکة والمدینة فقال : « ما أحب أن یخرج منها شی ء » (4) وهی مع اختصاصها بالقماری غیر صریحة فی الجواز.

وقال ابن إدریس : لا یجوز إخراج هذین النوعین من الحرم کغیرهما من طیور الحرم (5). وهو ظاهر اختیار الشیخ فی التهذیب حیث قال : ولا یجوز أن یخرج شی ء من طیور الحرم من الحرم (6). وهو المعتمد ، لصحیحة

جواز شراء القماری والدباسی من مکة

ص: 319


1- التهذیب 5 : 365 - 1271 ، الوسائل 9 : 192 أبواب کفارات الصید ب 8 ح 2.
2- المختصر النافع : 101.
3- النهایة 229.
4- التهذیب 5 : 349 - 1212 ، الوسائل 9 : 204 أبواب کفارات الصید ب 14 ح 3 ، ورواها فی الفقیه 2 : 168 - 734.
5- السرائر : 131.
6- التهذیب 5 : 349.

الثانی ما یتعلق به الکفارة ، وهو ضربان :

الأول : ما لکفارته بدل علی الخصوص ، وهو کل ما له مثل من النعم ،

______________________________________________________

علی بن جعفر قال : سألت أخی موسی علیه السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلی الکوفة أو إلی غیرها قال : « علیه أن یردها ، فإن ماتت فعلیه ثمنها یتصدق به » (1).

وصحیحة زرارة : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أخرج طیرا من مکة إلی الکوفة قال : « یرده إلی مکة » (2).

وروایة یعقوب بن یزید ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أدخلت الطیر المدینة فجائز لک أن تخرجه منها ما أدخلت ، وإذا أدخلت مکة فلیس لک أن تخرجه » (3).

ومتی قلنا بجواز الإخراج فأخرجا فالظاهر جواز إتلافهما للمحل ، لأن تجویز إخراجهما یلحقهما بغیرهما من الحیوانات التی لا حرمة لها ، ویحتمل استمرار التحریم للعموم وإن جاز الإخراج خاصة بالروایة ، وهو بعید.

والقماری : جمع قمریة بالضم ضرب من الحمام ، والقمرة بالضم لون إلی الخضرة أو الحمرة فیه کدرة ، والدبس بالضم : جمع الأدبس من الطیر الذی لونه بین السواد والحمرة ، ومنه الدبسی لطائر أدکن یقرقر ، ذکر ذلک فی القاموس (4).

قوله : ( الثّانی ، ما یتعلق به الکفّارة ، وهو ضربان ، الأول : ما لکفّارته بدل علی الخصوص ، وهو کل ما له مثل من النعم ).

حکم صید البر

ص: 320


1- التهذیب 5 : 349 - 1211 ، الوسائل 9 : 204 أبواب کفارات الصید ب 14 ح 2.
2- الکافی 4 : 234 - 9 ، الفقیه 2 : 171 - 749 ، الوسائل 9 : 206 أبواب کفارات الصید ب 14 ح 8.
3- التهذیب 5 : 349 - 1213 ، الوسائل 9 : 205 أبواب کفارات الصید ب 14 ح 5.
4- القاموس المحیط 2 : 125 و 221.

وأقسامه خمسة :

الأول : النعامة : وفی قتلها بدنة.

______________________________________________________

الأصل فی اعتبار المماثلة قوله تعالی : ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (1) والمتبادر من المماثلة ما کان بحسب الصورة ، وهو یتحقق فی مثل النعامة فإنّها تشابه البدنة ، وبقرة الوحش فإنّها تشابه البقرة الأهلیة ، والظبی تشابه الشاة ، لکنه لا یتم فی البیض مع أنّهم عدوه من ذوات الأمثال ، والأمر فی التسمیة هیّن بعد وضوح الحکم فی نفسه ، وسیجی ء تفصیل الکلام فی ذلک إن شاء الله تعالی.

قوله : ( وأقسامه خمسة ، الأول : النعامة وفی قتلها بدنة ).

هذا قول علمائنا أجمع ووافقنا علیه أکثر العامة (2) ، ویدل علیه روایات : منها. صحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنّه قال فی قول الله عزّ وجلّ ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) قال : « فی النعامة بدنة » (3). وصحیحة یعقوب بن شعیب ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : المحرم یقتل نعامة ، قال : « علیه بدنة من الإبل » (4).

والبدنة : هی الناقة علی ما نصّ علیه الجوهری (5) ، ومقتضاه عدم إجزاء الذکر ، وقیل بالإجزاء ، وهو اختیار الشیخ (6) وجماعة (7) ، نظرا إلی إطلاق اسم البدنة علیه کما یظهر من کلام بعض أهل اللغة (8) ، ولقول

کفارة قتل النعامة

ص: 321


1- المائدة : 95.
2- کالشربینی فی مغنی المحتاج 1 : 525.
3- التهذیب 5 : 341 - 1181 ، الوسائل 9 : 181 أبواب کفارات الصید ب 1 ح 1.
4- الکافی 4 : 386 - 4 ، الوسائل 9 : 182 أبواب کفارات الصید ب 1 ح 4.
5- الصحاح 5 : 2077.
6- المبسوط 1 : 339.
7- کالعلامة فی التحریر 1 : 115.
8- کالفیروزآبادی فی القاموس المحیط 4 : 202 ، وابن منظور فی لسان العرب 13 : 48.

ومع العجز تقوّم البدنة ویفضّ ثمنها علی البر ، ویتصدق به لکل مسکین مدّان. ولا یلزم ما زاد عن ستین.

______________________________________________________

الصادق علیه السلام فی روایة أبی الصّباح : « وفی النعامة جزور » (1). وفی الطریق ضعف (2) ، والمتجه المنع من إجزاء الذکر إن لم یثبت إطلاق اسم البدنة علیه حقیقة.

قوله : ( ومع العجز تقوّم البدنة ویفضّ ثمنها علی البر ، فیتصدق به ، لکل مسکین مدّان ، ولا یلزم ما زاد عن ستین ).

ما اختاره المصنف من الانتقال مع العجز عن البدنة إلی التصدق بالبرّ علی هذا الوجه قول أکثر الأصحاب ، ویدل علیه صحیحة أبی عبیدة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أصاب المحرم الصید ولم یجد ما یکفر من موضعه الّذی أصاب فیه الصید قوّم جزاؤه من النعم دراهم ، ثمّ قوّمت الدراهم طعاما ، لکل مسکین نصف صاع ، فإن لم یقدر علی الطعام صام لکل نصف صاع یوما » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم وزرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی محرم قتل نعامة قال : « علیه بدنة ، فإن لم یجد فإطعام ستین مسکینا ، فإن کانت قیمة البدنة أکثر من طعام ستین مسکینا لم یزد علی طعام ستین ، وإن کانت قیمة البدنة أقل من طعام ستین مسکینا لم یکن علیه إلاّ قیمة البدنة » (4).

ویستفاد من هذه الروایة أنّ قیمة البدنة لو زادت عن إطعام الستین لم

ص: 322


1- التهذیب 5 : 341 - 1180 ، الوسائل 9 : 181 أبواب کفارات الصید ب 1 ح 3.
2- لاشتماله علی أبی الفضیل علی ما فی التهذیب ونسخة من الوسائل وهو مجهول ، أو علی ابن الفضیل علی ما فی نسخة أخری من الوسائل وهو محمد بن الفضیل الأزدی ضعیف یرمی بالغلو - راجع رجال الشیخ : 389 ، 360.
3- الکافی 4 : 387 - 10 ، التهذیب 5 : 341 - 1183 ، الوسائل 9 : 183 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 1.
4- الفقیه 2 : 232 - 1110 ، الوسائل 9 : 185 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 7.

ولو عجز صام عن کل مدین یوما. وإن عجز صام ثمانیة عشر یوما.

______________________________________________________

یجب علیه التصدق بالزائد ، ولو نقصت لم یجب علیه الإکمال ، لکن لیس فیها دلالة علی تعیین المدّین لکل مسکین ، بل ربما ظهر منها الاکتفاء بالمد ، لأنّه المتبادر من الإطعام.

ومن ثمّ ذهب ابن بابویه (1) وابن أبی عقیل (2) إلی الاکتفاء بذلک ، ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « من أصاب شیئا فداؤه بدنة من الإبل ، فإن لم یجد ما یشتری به بدنة وأراد أن یتصدق فعلیه أن یطعم ستین مسکینا کل مسکین مدّا ، فإن لم یقدر علی ذلک صام مکان ذلک ثمانیة عشر یوما ، مکان کل عشرة مساکین ثلاثة أیّام » (3). والعمل بهذه الروایة متجه وتحمل روایة أبی عبیدة المتضمنة لإطعام المدّین علی الاستحباب.

ونقل عن أبی الصلاح أنّه جعل الواجب بعد العجز عن البدنة التصدق بالقیمة ، فإن عجز فضّها علی البرّ (4) ، ولم نقف له علی مستند.

واعلم أنّه لیس فی الروایات تعیین لإطعام البرّ ، ومن ثمّ اکتفی الشارح (5) وغیره (6) بمطلق الطعام ، وهو غیر بعید ، إلاّ أنّ الاقتصار علی إطعام البرّ أولی ، لأنّه المتبادر من الطعام.

قوله : ( ولو عجز صام عن کل مدّین یوما ، فإن عجز صام ثمانیة عشر یوما ).

مقتضی العبارة وجوب صوم ستین یوما إلاّ أن ینقص قیمة البدنة عن إطعام الستین ، فیقتصر علی صیام قدر ما وسعت من المساکین ، ویدل علی

ص: 323


1- نقله عنهما فی المختلف : 272.
2- نقله عنهما فی المختلف : 272.
3- التهذیب 5 : 343 - 1187 ، الوسائل 9 : 186 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 11.
4- الکافی فی الفقه : 205 ، ونقله عنه فی المختلف : 271.
5- المسالک 1 : 134.
6- کالمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة 6 : 362.

______________________________________________________

وجوب صیام الیوم عن کل مدّین قوله علیه السلام فی صحیحة أبی عبیدة المتقدمة (1) : « فإن لم یقدر علی الطعام صام لکل نصف صاع یوما ».

وذهب ابن بابویه (2) ، وابن أبی عقیل (3) إلی الاکتفاء بصوم الثمانیة عشر مع العجز عن الإطعام مطلقا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة المتقدمة : « فإن لم یقدر علی ذلک صام مکان ذلک ثمانیة عشر یوما ، مکان کل عشرة مساکین ثلاثة أیام ».

ولما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن مسکان ، عن أبی بصیر - والظاهر أنّه لیث المرادی - قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش قال : « علیه بدنة » قلت : فإن لم یقدر؟ قال : « یطعم ستین مسکینا » قلت : فإن لم یقدر علی ما یتصدق به ، ما علیه؟ قال : « فلیصم ثمانیة عشر یوما » (4).

وأجاب عنهما فی المختلف باحتمال أن یکون السؤال وقع عمن لا یقدر علی صوم الستین ، وأنّ قوله : « فلیصم ثمانیة عشر یوما » لا إشعار فیه بنفی الزائد (5). ولا یخفی ما فیه.

فرع :

قال فی المنتهی : لو بقی ما لا یعدل یوما کربع الصاع کان علیه صوم یوم کامل ، ولا نعلم فیه خلافا ، لأنّ صیام الیوم لا یتبعض ، والسقوط غیر ممکن لشغل الذمة ، فیجب إکمال الیوم (6). وهو حسن وإن أمکن المناقشة فیه بأنّ مقتضی الروایة أنّ صیام الیوم إنّما یجب بدلا عن نصف الصاع ، وهو

ص: 324


1- فی ص 322.
2- المقنع : 77.
3- نقله عنه فی المختلف : 272.
4- الفقیه 2 : 233 - 1112 ، الوسائل 9 : 183 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 3.
5- المختلف : 272.
6- المنتهی 2 : 821.

وفی الفراخ النعام روایتان ، إحداهما مثل ما فی النعام ، والأخری من صغار الإبل ، وهو أشبه.

الثانی : بقرة الوحش وحمار الوحش ، وفی قتل کل واحد منهما بقرة أهلیة.

______________________________________________________

غیر متحقق هنا.

قوله : ( وفی الفراخ النعامة روایتان : إحداهما مثل ما فی النعامة ، والأخری من صغار الإبل ، وهو أشبه ).

اختلف الأصحاب فیما یجب فی فراخ النعامة ، فذهب الأکثر إلی أنّ الواجب فیه بقدره من صغار الإبل ، لقوله تعالی ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (1) والمماثلة تتحقق بالصغر (2) ، وذکر المصنف أنّ بذلک روایة ، ولم نقف علیها فی شی ء من الأصول ، ولا نقلها غیره فی کتب الاستدلال.

وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط (3) : إنّه یجب فی فرخ النعامة ما یجب فی النعامة ، لصحیحة أبان بن تغلب ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قوم حجاج محرمین أصابوا أفراخ نعام فأکلوا جمیعا ، قال : « علیهم مکان کل فرخ أکلوه بدنة یشترکون فیها علی عدد الفراخ وعلی عدد الرجال » (4). وهذا القول متجه لصحة مستنده ، والظاهر أنّه لا خلاف فی إجزاء الکبیر.

قوله : ( الثانی ، بقرة الوحش وحمار الوحش ، وفی قتل کل واحد منهما بقرة أهلیة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات ، منها صحیحة

حکم قتل فراخ النعامة

کفارة قتل بقرة وحمار الوحش

ص: 325


1- المائدة : 95.
2- فی « ض » ، « م » : بالصغیر.
3- النهایة : 225 ، والمبسوط 1 : 342.
4- التهذیب 5 : 353 - 1227 ، الوسائل 9 : 185 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 9 بتفاوت یسیر.

ومع العجز یقوّم البقرة الأهلیة ویفض ثمنها علی البر ویتصدق به لکل مسکین مدّان. ولا یلزم ما زاد علی ثلاثین.

______________________________________________________

حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال فی قول الله عزّ وجلّ ( فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) قال : « فی النعامة بدنة ، وفی حمار الوحش بقرة ، وفی الظبی شاة ، وفی البقرة بقرة » (1) وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فإن أصاب بقرة أو حمار وحش ، ما علیه؟ قال : « علیه بقرة » (2).

وأوجب الصدوق - رحمه الله - فی الحمار بدنة ، لروایة أبی بصیر : أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن محرم أصاب نعامة أو حمار وحش فقال : « علیه بدنة » (3) وصحیحة سلیمان بن خالد قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « فی الظبی شاة ، وفی البقرة بقرة ، وفی الحمار بدنة ، وفی النعامة بدنة ، وفیما سوی ذلک قیمته » (4).

ونقل عن ابن الجنید أنّه خیّر فی فداء الحمار بین البدنة والبقرة (5) ، وهو جید لما فیه من الجمع بین الأخبار.

قوله : ( ومع العجز یقوّم البقرة الأهلیة ، ویفضّ ثمنها علی البر ، ویتصدق به ، لکل مسکین مدّان ، ولا یلزم ما زاد علی ثلاثین ).

أمّا وجوب فضّ ثمن البقرة علی البرّ والتصدق به علی هذا الوجه فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة أبی عبیدة المتقدمة : « إذا أصاب المحرم الصید ولم یجد ما یکفّر من موضعه الّذی أصاب فیه الصید قوّم جزاؤه من

ص: 326


1- التهذیب 5 : 341 - 1181 ، الوسائل 9 : 181 أبواب کفارات الصید ب 1 ح 1.
2- التهذیب 5 : 342 - 1186 ، الوسائل 9 : 185 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 10.
3- الکافی 4 : 385 - 1 ، الوسائل 9 : 183 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 3.
4- التهذیب 5 : 341 - 1182 ، الوسائل 9 : 181 أبواب کفارات الصید ب 1 ح 2.
5- کما فی المختلف : 272.

ومع العجز یصوم عن کل مدین یوما. وإن عجز صام تسعة أیام.

______________________________________________________

النعم دراهم ، ثمّ قومت الدراهم طعاما ، لکل مسکین نصف صاع » (1) فإنّه متناول للبدنة والبقرة وغیرهما.

وأمّا أنّه لا یلزم ما زاد علی ثلاثین ، فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمّار : « ومن کان علیه شی ء من الصید فداؤه بقرة ، فإن لم یجد فلیطعم ثلاثین مسکینا ، فإن لم یجد فلیصم تسعة أیّام » (2) والمراد إطعام مدّ لکل مسکین کما تضمنه أوّل الروایة. ونحوه روی ابن بابویه ، عن أبی بصیر ، عن الصادق علیه السلام (3).

ولو نقصت قیمة البقرة من إطعام الثلاثین لم یجب الإکمال ، لإطلاق الاجتزاء بالقیمة فی روایة أبی عبیدة (4). والمرجع فی البقرة إلی ما یصدق علیه الاسم عرفا.

ولو کان المقتول فرخا منهما فالظاهر الاکتفاء بما فی سنه من صغیر البقر ، تمسکا بإطلاق الآیة السالم من المعارض.

قوله : ( وإن عجز صام عن کل مدین یوما ، فإن عجز صام تسعة أیام ).

بل الأظهر الاکتفاء بصیام التسعة مطلقا کما اختاره المفید (5) والمرتضی (6) وابن بابویه (7) ، لروایتی معاویة بن عمّار ، وأبی بصیر ، عن الصادق علیه السلام .

ص: 327


1- فی ص 322.
2- التهذیب 5 : 343 - 1187 ، الوسائل 9 : 186 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 11.
3- الفقیه 2 : 233 - 1112 ، الوسائل 9 : 183 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 3.
4- المتقدمة فی ص 322.
5- المقنعة : 68.
6- جمل العلم والعمل : 113.
7- المقنع : 77.

الثالث : فی قتل الظبی شاة ، ومع العجز تقوّم الشاة ویفض ثمنها علی البر ویتصدق به لکل مسکین مدّان. ولا یلزم ما زاد عن عشرة. وإن عجز صام عن کل مدین یوما. فإن عجز صام ثلاثة أیام.

وفی الثعلب والأرنب شاة ، وهو المروی ، وقیل : فیه ما

______________________________________________________

قوله : ( الثالث ، فی قتل الظبی شاة ، ومع العجز تقوّم الشاة ویفض ثمنها علی البرّ ویتصدق به ، لکل مسکین مدّان ، ولا یلزم ما زاد علی عشرة ).

لا خلاف فی لزوم الشاة بقتل الظبی والانتقال مع العجز إلی فضّ ثمنها علی البرّ والتصدّق به ، وقد تقدّم من الأخبار ما یدل علیه ، ویدل علی عدم لزوم إطعام ما زاد عن العشرة إذا زادت قیمة الشاة عن ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمّار : « ومن کان علیه شاة فلم یجد ، فلیطعم عشرة مساکین ، فمن لم یجد صام ثلاثة أیّام » (1) والأظهر الاکتفاء بإطعام المدّ لکلّ مسکین کما تضمنته الروایة. ولو نقصت قیمة الشاة عن إطعام العشرة لم یجب الإکمال ، لروایة أبی عبیدة المتضمنة للاجتزاء بالقیمة من غیر تفصیل.

قوله : ( فإن عجز صام عن کل مدّین یوما ، فإن عجز صام ثلاثة أیام ).

الأظهر الاکتفاء بصوم الثلاثة مطلقا کما اختاره الأکثر لصحیحة معاویة بن عمّار المتقدمة وغیرها من الأخبار (2) ، ولا ینافی ذلک قوله علیه السلام فی روایة أبی عبیدة : « فإن لم یقدر علی الطعام صام لکل نصف صاع یوما » (3) لأنّا نجیب عنه بالحمل علی الاستحباب جمعا بین الأدلّة.

قوله : ( وفی الثعلب والأرنب شاة ، وهو المروی ، وقیل فیه ما

کفارة قتل الظبی

ص: 328


1- التهذیب 5 : 343 - 1187 ، الوسائل 9 : 186 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 11.
2- الوسائل 9 : 183 أبواب کفارات الصید ب 2.
3- الکافی 4 : 387 - 10 ، التهذیب 5 : 466 - 1626 ، الوسائل 9 : 183 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 1.

فی الظبی.

______________________________________________________

فی الظبی ).

لا خلاف بین الأصحاب فی لزوم الشاة فی قتل الثعلب والأرنب ، ویدل علیه روایات ، منها صحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الأرنب یصیبه المحرم فقال : « شاة هدیا بالغ الکعبة » (1).

وصحیحة أحمد بن محمد قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن محرم أصاب أرنبا أو ثعلبا فقال : « فی الأرنب شاة » (2).

وروایة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل قتل ثعلبا قال : « علیه دم » قلت : فأرنبا؟ قال : « مثل ما فی الثعلب » (3).

ویمکن المناقشة فی لزوم الشاة فی الثعلب إن لم یکن إجماعیا لضعف مستنده.

واختلف الأصحاب فی مساواتهما للظبی فی الأبدال من الإطعام والصیام ، فذهب الشیخان (4) ، والمرتضی (5) ، وابن إدریس (6) إلی تساوی الثلاثة فی ذلک ، واقتصر ابن الجنید (7) ، وابن بابویه (8) ، وابن أبی عقیل (9) علی الشاة ، ولم یتعرضوا لأبدالهما.

والأصح ثبوت الأبدال فیهما کما فی الظبی لقوله علیه السلام فی صحیحة أبی عبیدة : « إذا أصاب المحرم الصید ولم یجد ما یکفر من موضعه

ص: 329


1- الفقیه 2 : 233 - 1115 ، الوسائل 9 : 189 أبواب کفارات الصید ب 4 ح 2.
2- الکافی 4 : 387 - 2 ، التهذیب 5 : 343 - 1189 ، الوسائل 9 : 189 أبواب کفارات الصید ب 4 ح 3.
3- الکافی 4 : 386 - 7 ، الفقیه 2 : 233 - 1116 ، التهذیب 5 : 343 - 1188 ، الوسائل 9 : 190 أبواب کفارات الصید ب 4 ح 4.
4- المفید فی المقنعة : 68 ، والشیخ الطوسی فی المبسوط 1 : 340.
5- جمل العلم والعمل : 113.
6- السرائر : 131.
7- نقله عنهم فی المختلف : 273.
8- نقله عنهم فی المختلف : 273.
9- نقله عنهم فی المختلف : 273.

والأبدال فی الأقسام الثلاثة علی التخییر ، وقیل : علی الترتیب ، وهو الأظهر.

______________________________________________________

الّذی أصاب فیه الصید قوّم جزاؤه من النعم دراهم » (1) فإنّ الجزاء متناول للجمیع ، وفی صحیحة معاویة بن عمّار : « ومن کان علیه شاة فلم یجد فلیطعم عشرة مساکین ، فمن لم یجد صام ثلاثة أیّام » (2) وهی متناولة للجمیع أیضا.

وقوّی الشارح عدم إلحاقهما بالظبی فی الأبدال ، ثمّ حکم بالانتقال مع العجز عن الشاة هنا إلی إطعام العشرة مساکین ، ثمّ صیام الثلاثة أیّام لهذه الروایة ، وقال : إنّ الفرق بین مدلول الروایة وبین إلحاقهما بالظبی یظهر فیما لو نقصت قیمة الشاة عن إطعام عشرة مساکین ، فعلی الإلحاق یقتصر علی القیمة ، وعلی الروایة یجب إطعام العشرة (3).

ویتوجه علیه أنّ روایة أبی عبیدة المتضمنة للاقتصار علی التصدق بقیمة الجزاء متناولة للجمیع فلا وجه لتسلیم الحکم فی الظبی ومنعه هنا ، مع أنّ اللازم ممّا ذکره زیادة فداء الثعلب عن فداء الظبی ، وهو بعید جدّا.

قوله : ( والأبدال فی الأقسام الثلاثة علی التخییر ، وقیل : علی الترتیب ، وهو الأظهر ).

المراد بالإبدال الثلاثة الفرد من النعم ، والإطعام ، والصیام ، وقد اختلف الأصحاب فی کفارة جزاء الصید فی هذه الأقسام الثلاثة ، فذهب الأکثر کالشیخ فی النهایة والمبسوط (4) ، والمفید (5) ، والمرتضی (6) ،

ص: 330


1- الکافی 4 : 387 - 10 ، التهذیب 5 : 341 - 1183 ، الوسائل 9 : 183 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 1.
2- التهذیب 5 : 343 - 1187 ، الوسائل 9 : 186 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 11.
3- المسالک 1 : 134.
4- النهایة : 222 ، والمبسوط 1 : 340.
5- المقنعة : 68.
6- الانتصار : 101.

الرابع : فی کسر بیض النعام ، إذا تحرک فیها الفرخ بکارة من الإبل

______________________________________________________

وغیرهم إلی أنها علی الترتیب ، لقول الصادق علیه السلام فی صحیحة أبی عبیدة : « إذا أصاب المحرم الصید ولم یجد ما یکفر به قوّم جزاؤه من النعم دراهم ثمّ قوّمت الدراهم طعاما لکل مسکین نصف صاع ، فإن لم یقدر علی الطعام صام لکل نصف صاع یوما » (1) وفی صحیحة محمد بن مسلم وزرارة : فی محرم قتل نعامة « علیه بدنة ، فإن لم یجد فإطعام ستین مسکینا » (2) وفی صحیحة معاویة بن عمّار : « من أصاب شیئا فداؤه بدنة من الإبل ، فإن لم یجد ما یشتری به بدنة وأراد أن یتصدق فعلیه أن یطعم ستین مسکینا ، کل مسکین مدا ، فإن لم یقدر علی ذلک صام » (3) وذلک یدل علی الترتیب.

وقال الشیخ فی الخلاف (4) وابن إدریس (5) : إنّها علی التخییر ، لقوله تعالی ( هَدْیاً بالِغَ الْکَعْبَةِ أَوْ کَفّارَةٌ طَعامُ مَساکِینَ أَوْ عَدْلُ ذلِکَ صِیاماً ) (6) ووضع أو للتخییر ، ولقول الصادق علیه السلام فی صحیحة حریز : « کل شی ء فی القرآن « أو » فصاحبه بالخیار یختار ما شاء ، وکل شی ء فی القرآن « فمن لم یجد فعلیه کذا » فالأولی الخیار » (7) ولا ریب أنّ الترتیب أولی ، وإن کان القول بالتخییر لا یخلو من قوة ، وتحمل الروایات علی أفضلیة المتقدم.

قوله : ( الرابع ، فی کسر بیض النعام إذا تحرک فیها الفرخ بکارة

کفارة کسر بیض النعام

ص: 331


1- الکافی 4 : 387 - 10 ، التهذیب 5 : 341 - 1183 ، الوسائل 9 : 183 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 1.
2- الفقیه 2 : 232 - 1110 ، الوسائل 9 : 185 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 7.
3- التهذیب 5 : 343 - 1187 ، الوسائل 9 : 186 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 11.
4- الخلاف 1 : 482.
5- السرائر : 131.
6- المائدة : 95.
7- الکافی 4 : 358 - 2 ، التهذیب 5 : 333 - 1147 ، الاستبصار 2 : 195 - 656 ، المقنع : 75 ، الوسائل 9 : 295 أبواب کفارات الإحرام ب 14 ح 1.

لکل واحدة واحد. وقبل التحرک إرسال فحولة الإبل فی إناث منها بعدد البیض فما نتج فهو هدی.

______________________________________________________

من الإبل ، لکل واحدة واحد ).

البکر : الفتی من الإبل ، والأنثی بکرة ، والجمع بکرات وبکار وبکارة ، قاله فی الجمهرة ، ونحوه قال فی القاموس (1). وإنما جمع المصنف الجزاء هنا بلفظ البکارة بسبب جمعه البیض ، والمراد أنّ فی کل بیضة بکرا أو بکرة ، وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، قال : سألت أخی عن رجل کسر بیض نعام وفی البیض فراخ قد تحرک ، فقال : « علیه لکل فرخ تحرک بعیر ینحره فی المنحر » (2).

وفی الصحیح عن سلیمان بن خالد قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « فی کتاب علی علیه السلام : فی بیض القطاة بکارة من الغنم إذا أصابه المحرم ، مثل ما فی بیض النعام بکارة من الإبل » (3).

وهذه الروایة وإن کانت مطلقة فی وجوب البکرة فی بیض النعام إلاّ أنّها محمولة علی حالة التحرک جمعا بین الأدلة.

ولو ظهرت البیضة فاسدة أو الفرخ میتا لم یلزم شی ء ، کما نصّ علیه فی المنتهی (4) ، لأنّه بمنزلة الحجر.

قوله : ( وقبل التحرک إرسال فحولة الإبل فی إناث منها بعدد البیض ، فما نتج فهو هدی ).

المراد أنّ الإناث بعدد البیض وأمّا الذّکور فلا تقدیر لها ، إلاّ ما

ص: 332


1- القاموس المحیط 1 : 390.
2- التهذیب 5 : 355 - 1234 ، الوسائل 9 : 216 أبواب کفارات الصید ب 24 ح 1.
3- التهذیب 5 : 355 - 1233 ، الإستبصار 2 : 203 - 691 ، الوسائل 9 : 217 أبواب کفارات الصید ب 24 ح 4 ، ورواها فی الکافی 4 : 389 - 5.
4- المنتهی 2 : 823.

______________________________________________________

احتاجت إلیها الإناث عادة ، ولا یکفی مجرد الإرسال حتی تشاهد کل واحدة قد طرقت من الفحل. ویشترط صلاحیة الإناث للحمل. وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب أیضا ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أصاب بیض نعام وهو محرم فعلیه أن یرسل الفحل فی مثل عدة البیض من الإبل ، فإنّه ربّما فسد کله وربما خلق کله وربّما صلح بعضه وفسد بعضه ، فما ینتج الإبل فهو هدی بالغ الکعبة » (1).

وفی الصحیح ، عن أبی الصباح الکنانی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن محرم وطئ بیض نعام فشدخها ، قال : « قضی فیها أمیر المؤمنین علیه السلام أن یرسل الفحل فی مثل عدد البیض من الإبل الإناث ، فما لقح وسلم کان النتاج هدیا بالغ الکعبة » قال ، وقال أبو عبد الله علیه السلام : « وما وطئته أو وطئه بعیرک أو دابتک وأنت محرم فعلیک فداؤه » (2).

وروی الشیخ مرسلا أنّ رجلا سأل أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام فقال له : یا أمیر المؤمنین إنّی خرجت محرما فوطئت ناقتی بیض نعام فکسرته ، فهل علیّ کفّارة؟ فقال له : « امض فاسأل ابنی الحسن عنها » وکان بحیث یسمع کلامه ، فتقدم إلیه الرجل فسأله ، فقال له الحسن علیه السلام : « یجب علیک أن ترسل فحولة الإبل فی إناثها بعدد ما انکسر من البیض ، فما ینتج فهو هدی لبیت الله تعالی » فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام : « یا بنی کیف قلت ذلک وأنت تعلم أنّ الإبل ربّما أزلقت أو کان فیها ما یزلق؟! » فقال : « یا أمیر المؤمنین والبیض ربّما أمرق أو کان فیه ما

ص: 333


1- التهذیب 5 : 354 - 1230 ، الإستبصار 2 : 202 - 685 ، الوسائل 9 : 214 أبواب کفارات الصید ب 23 ح 1.
2- التهذیب 5 : 355 - 1232 ، الإستبصار 2 : 202 - 686 ، الوسائل 9 : 215 أبواب کفارات الصید ب 23 ح 2.

ومع العجز عن کل بیضة شاة. ومع العجز إطعام عشرة مساکین. وإن عجز صام ثلاثة أیام.

______________________________________________________

یمرق » فتبسم أمیر المؤمنین علیه السلام فقال له : « صدقت یا بنی ، ثمّ تلا : ( ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ ) (1) (2).

ویستفاد من روایة أبی الصباح المتقدمة وغیرها (3) أنّه لا فرق بین کسر البیضة بنفسه أو بدابّته ، وأنّه لا یجب تربیة النتاج بل یجوز صرفه من حینه.

ولیس فی الأخبار ولا فی کلام أکثر الأصحاب تعیین لمصرف هذا الهدی ، والظاهر أنّ مصرفه مساکین الحرم کما فی مطلق جزاء الصید مع إطلاق الهدی علیه فی الآیة الشریفة. وجزم الشارح فی الروضة بالتخییر بین صرفه فی مصالح الکعبة ومعونة الحاج کغیره من أموال الکعبة (4). وهو غیر واضح.

قوله : ( ومع العجز عن کل بیضة شاة ، ومع العجز إطعام عشرة مساکین ، فإن عجز صام ثلاثة أیّام ).

المستند فی هذه الأبدال ما رواه الشیخ ، عن علی بن أبی حمزة ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بیض نعامة وهو محرم ، قال : « یرسل الفحل فی الإبل علی عدد البیض » قلت : فإنّ البیض یفسد کله ویصلح کله؟ قال : « ما ینتج من الهدی فهو هدی بالغ الکعبة ، وإن لم ینتج فلیس علیه شی ء ، فمن لم یجد إبلا فعلیه لکل بیضة شاة ، فإن لم یجد فالصدقة علی عشرة مساکین لکل مسکین مدّ ، فإن لم یقدر فصیام ثلاثة أیّام » (5) وفی طریق هذه الروایة سهل بن زیاد ، وهو ضعیف إلاّ أنّ ظاهر

ص: 334


1- آل عمران : 34.
2- التهذیب 5 : 354 - 1231 ، الوسائل 9 : 215 أبواب کفارات الصید ب 23 ح 4.
3- الوسائل 9 : 214 أبواب کفارات الصید ب 23.
4- الروضة البهیة 2 : 337.
5- التهذیب 5 : 354 - 1229 ، الإستبصار 2 : 201 - 684 ، الوسائل 9 : 215 أبواب کفارات الصید ب 23 ح 5.

الخامس : فی کسر بیض القطا والقبج إذا تحرک الفرخ من صغار الغنم ، وقیل : عن البیضة مخاض من الغنم.

______________________________________________________

الأصحاب الاتفاق علی العمل بمضمونها ، ولعله الحجة.

قوله : ( الخامس ، فی کسر بیض القطا والقبج إذا تحرک الفرخ من صغار الغنم ، وقیل : عن البیضة مخاض من الغنم ).

الأصح ما اختاره المصنف - رحمه الله - من الاکتفاء فی بیض القطا بالصغیر من الغنم ، لقوله علیه السلام فی صحیحة سلیمان بن خالد : « فی کتاب علی علیه السلام : فی بیض القطاة بکارة من الغنم ، مثل ما فی بیض النعام بکارة من الإبل » (1) وقد عرفت أنّ البکر هو الفتیّ ، فیتحقق بالصغیر ، ویؤیده صحیحة سلیمان بن خالد المتضمنة للاکتفاء فی القطاة نفسها بالحمل الفطیم ، وإذا اکتفی بالحمل فی البائض ، ففی البیض أولی.

والقول بوجوب المخاض للشیخ (2) وجماعة ، وقد رواه فی التهذیب عن سلیمان بن خالد بطریق فیه عدة من الضعفاء (3) ، ومع ذلک فاللازم منه زیادة فداء البیض عن فداء بائضه ، وهو بعید جدا ، وعلی ما اخترناه فالإشکال منتف ، إذ غایة ما یلزم منه تساوی الصغیر والکبیر فی الفداء ، ولا محذور فیه.

وأمّا بیض القبج - بسکون الباء وهو الحجل - فلم أقف فیه بخصوصه علی نصّ ، والأجود إلحاقه ببیض الحمام کما اختاره ابن البرّاج (4) ، لأنّه صنف منه.

کفارة کسر بیض القطا والقبج

ص: 335


1- الکافی 4 : 389 - 5 ، التهذیب 5 : 355 - 1233 ، الإستبصار 2 : 203 - 691 ، الوسائل 9 : 217 أبواب کفارات الصید ب 24 ح 4.
2- التهذیب 5 : 357 ، والمبسوط 1 : 345.
3- التهذیب 5 : 356 - 1239 ، الوسائل 9 : 218 أبواب کفارات الصید ب 25 ح 4.
4- المهذب 1 : 224.

وقبل التحرک إرسال فحولة الغنم فی إناث منها بعدد البیض ، فما نتج فهو هدی ، فإن عجز کان کمن کسر بیض النعام.

______________________________________________________

قوله : ( وقبل التحرک ، إرسال فحولة الغنم فی إناث منها بعدد البیض ، فما نتج فهو هدی ).

هذا مذهب الأصحاب ، لا أعلم فیه مخالفا ، واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن منصور بن حازم وسلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام قالا : سألناه عن محرم وطئ بیض القطاة فشدخه ، قال : « یرسل الفحل فی مثل عدّة البیض من الغنم ، کما یرسل الفحل فی عدّة البیض من الإبل » (1) وهی محمولة علی ما إذا لم یکن تحرک الفرخ ، کما ذکره الشیخ فی التهذیب (2) ، واستدل علیه بما رواه فی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد ، أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فی کتاب علی : فی بیض القطاة کفارة مثل ما فی بیض النعام » (3).

قوله : ( فإن عجز کان کمن کسر بیض النعام ).

هذا الحکم ذکره الشیخ فی جملة من کتبه (4) ، وتبعه علیه المصنف والجماعة ، ولم نقف له علی مستند ، ومقتضی المماثلة أنّه یجب مع العجز عن الإرسال شاة ، فإن عجز عنها أطعم عشرة مساکین ، فإن عجز عنها صام ثلاثة أیّام.

وحکی العلامة فی المنتهی عن ابن إدریس أنّه فسّر کلام الشیخ بذلک ، وقال : إنّه لا استبعاد فیه إذا قام الدلیل علیه (5). ثمّ قال فی المنتهی : وعندی فی ذلک تردد ، فإنّ الشاة یجب مع تحرک الفرخ لا غیر ، بل ولا

ص: 336


1- التهذیب 5 : 356 - 1237 ، الوسائل 9 : 218 أبواب کفارات الصید ب 25 ح 1.
2- التهذیب 5 : 357.
3- التهذیب 5 : 357 - 1240 ، الوسائل 9 : 218 أبواب کفارات الصید ب 25 ح 2.
4- النهایة : 227 ، والمبسوط 1 : 345.
5- المنتهی 2 : 824.

الثانی : ما لا بدل له علی الخصوص ، وهو خمسة أقسام :

الأول : الحمام ، وهو اسم لکل طائر یهدر ویعبّ الماء ، وقیل : کل مطوّق.

______________________________________________________

یجب شاة کاملة بل صغیرة علی ما بیناه ، فکیف تجب الشاة الکاملة مع عدم التحرک وإمکان فساده وعدم خروج الفرخ منه ، والأقرب أنّ مقصود الشیخ بمساواته لبیض النعام وجوب الصدقة علی عشرة مساکین أو الصیام ثلاثة أیّام إذا لم یتمکن من الإطعام (1). هذا کلامه - رحمه الله - وللتوقف فی هذا الحکم من أصله مجال ، لعدم وضوح مستنده.

قوله : ( الثانی ، ما لا بدل له علی الخصوص ، وهو خمسة أقسام : الأول : الحمام ، وهو اسم لکل طائر یهدر ویعبّ الماء ، وقیل کل مطوّق ).

هذا القول المحکی موجود فی کلام الجوهری (2) وصاحب القاموس (3) ، وحکاه فی المنتهی عن الکسائی (4).

أمّا التعریف الأوّل ، فذکره الشیخ (5) وجمع من الأصحاب ، ولم أقف علیه فیما وصل إلینا من کلام أهل اللغة. ومعنی یهدر : تواتر صوته ، ومعنی یعبّ الماء - بالعین المهملة - : یشربه من غیر مصّ ، ولا یأخذه بمنقاره قطرة قطرة کالدجاج والعصافیر. والّذی تقتضیه القواعد وجوب الحمل علی المعنی العرفی إن لم یثبت اللغوی.

وصرّح العلامة فی المنتهی بدخول الفواخت والوراشین والقمری

معنی الحمام

ص: 337


1- المنتهی 2 : 824.
2- الصحاح 5 : 1906.
3- القاموس المحیط 4 : 101.
4- المنتهی 2 : 824.
5- المبسوط 1 : 346.

وفی قتلها شاة علی المحرم ، وعلی المحل فی الحرم درهم.

______________________________________________________

والدّبسی والقطا فی الحمام (1) ، وهو مشکل.

قوله : ( وفی قتلها شاة علی المحرم ).

هذا قول علمائنا أجمع ، حکاه فی المنتهی (2) ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، وعن أبی عبد الله علیه السلام : أنّه قال فی محرم ذبح طیرا : « إنّ علیه دم شاة یهریقه ، فإن کان فرخا فجدی أو حمل صغیر من الضأن » (3).

وفی الحسن عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المحرم إذا أصاب حمامة ففیها شاة ، وإن قتل فراخه ففیها حمل ، وإن وطئ البیض فعلیه درهم » (4).

والمراد أنّه یجب علی المحرم بقتل الحمام شاة من حیث الإحرام ، ولا ینافی ذلک لزوم شی ء آخر إذا کان فی الحرم. وسیأتی فی کلام المصنف التصریح بأنّ ذلک إذا وقع فی الحرم یجتمع علیه فداء الإحرام والحرم ، وهو الموجب لترک التقیید هنا.

قوله : ( وعلی المحل فی الحرم درهم ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « فی الحمامة درهم ، وفی الفرخ نصف درهم ، وفی البیضة ربع درهم » (5).

وفی الصحیح ، عن صفوان بن یحیی ، عن أبی الحسن الرضا

کفارة قتل الحمام

ص: 338


1- المنتهی 2 : 824.
2- المنتهی 2 : 824.
3- التهذیب 5 : 346 - 1201 ، الإستبصار 2 : 201 - 682 ، الوسائل 9 : 194 أبواب کفارات الصید ب 9 ح 6.
4- التهذیب 5 : 345 - 1197 ، الإستبصار 2 : 200 - 678 ، الوسائل 9 : 193 أبواب کفارات الصید ب 9 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 389 - 1.
5- الکافی 4 : 234 - 10 ، الوسائل 9 : 196 أبواب کفارات الصید ب 10 ح 5.

وفی فرخها للمحرم حمل ،

______________________________________________________

علیه السلام قال : « من أصاب طیرا فی الحرم وهو محل فعلیه القیمة ، والقیمة درهم یشتری به علفا لحمام الحرم » (1).

وربّما ظهر من هذه الروایة وجوب التصدق بالقیمة سواء زادت عن الدرهم أو نقصت ، وأنّ سبب التنصیص علی الدرهم کونه قیمة عنها وقت السؤال ، ویؤیده قول الصادق علیه السلام فی حسنة الحلبی : « فإن قتلها - یعنی الحمامة فی الحرم ولیس بمحرم - فعلیه ثمنها » (2) وفی حسنة معاویة بن عمّار : « وإن أصبته - یعنی الصید - وأنت حلال فی الحرم فقیمة واحدة » (3).

وقال العلامة فی المنتهی : إنّ الأحوط وجوب أکثر الأمرین من الدرهم والقیمة (4). وهو کذلک وإن کان المتجه اعتبار القیمة مطلقا.

وذکر المحقق الشیخ علی : أنّ إجزاء الدرهم فی الحمام مطلقا وإن کان مملوکا فی غایة الإشکال ، لأنّ المحل إذا قتل المملوک فی غیر الحرم یلزمه قیمته السوقیة بالغة ما بلغت ، فکیف یجزی الأنقص فی الحرم (5)؟ وهذا الإشکال إنّما یتجه إذا قلنا إن فداء المملوک لمالکه ، لکن سیأتی إن شاء الله أنّ الأظهر کون الفداء لله تعالی ، وللمالک القیمة السوقیة ، فلا بعد فی أن یجب لله تعالی فی حمام الحرم أقلّ من القیمة مع وجوبها للمالک.

قوله : ( وفی فرخها للمحرم حمل ).

الحمل : بالتحریک من أولاد الضأن ، ما له أربعة أشهر فصاعدا ،

کفارة قتل فرخ الحمام

ص: 339


1- الکافی 4 : 233 - 7 ، الوسائل 9 : 196 أبواب کفارات الصید ب 10 ح 3.
2- الکافی 4 : 395 - 1 ، التهذیب 5 : 370 - 1289 ، الوسائل 9 : 198 أبواب کفارات الصید ب 11 ح 3.
3- الکافی 4 : 395 - 4 ، الوسائل 9 : 241 أبواب کفارات الصید ب 44 ح 5.
4- المنتهی 2 : 825.
5- جامع المقاصد 1 : 180.

وللمحل فی الحرم نصف درهم.

ولو کان محرما فی الحرم اجتمع الأمران.

______________________________________________________

والأصح الاکتفاء بالجدی أیضا ، وهو من أولاد المعز ما بلغ سنّه کذلک. لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « فإن کان فرخا فجدی أو حمل صغیر من الضأن » (1) واللاّم فی قول المصنف : وفی فرخها للمحرم حمل ، بمعنی علی ، وهو جائز فی اللغة ، بل واقع فی القرآن الکریم قال الله تعالی ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها ) (2) أی فعلیها.

قوله : ( وللمحل فی الحرم نصف درهم ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة ، منها صحیحة حفص بن البختری المتقدمة ، وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فرخین مسرولین ذبحتهما وأنا بمکّة محل ، فقال لی : « لم ذبحتهما؟ » فقلت : جاءتنی بهما جاریة من أهل مکة فسألتنی أن أذبحهما ، فظننت أنّی بالکوفة ولم أذکر الحرم ، فقال : « علیک قیمتهما » قلت : کم قیمتهما؟ قال : « درهم وهو خیر منهما » (3) وفی صحیحة أخری لعبد الرحمن بن الحجاج : « فی قیمة الحمامة درهم ، وفی الفرخ نصف درهم ، وفی البیضة ربع درهم » (4).

قوله : ( ولو کان محرما فی الحرم اجتمع علیه الأمران ).

أی ولو کان القاتل محرما فی الحرم اجتمع علیه الشاة والدرهم فی الحمامة ، والحمل ونصف الدرهم فی الفرخ ، وإنّما اجتمعا علیه لأنّه هتک

ص: 340


1- التهذیب 5 : 346 - 1201 ، الإستبصار 2 : 201 - 682 ، الوسائل 9 : 194 أبواب کفارات الصید ب 9 ح 6.
2- الإسراء : 7.
3- الکافی 4 : 237 - 21 ، الفقیه 2 : 171 - 748 ، التهذیب 5 : 346 - 1200 ، الإستبصار 2 : 201 - 681 ، الوسائل 9 : 196 أبواب کفارات الصید ب 10 ح 7 ، بتفاوت یسیر بینهما.
4- الفقیه 2 : 171 - 754 ، الوسائل 9 : 195 أبواب کفارات الصید ب 10 ح 1.

وفی بیضها إذا تحرک الفرخ حمل.

______________________________________________________

حرمه الإحرام والحرم ، فوجب علیه فداؤهما.

ویدل علیه ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن قتل المحرم حمامة فی الحرم ، فعلیه شاة ، وثمن الحمامة درهم أو شبهه ، یتصدق به أو یطعمه حمام مکة ، فإن قتلها فی الحرم ولیس بمحرم فعلیه ثمنها » (1).

وفی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن أصبت الصید وأنت حرام فی الحرم فالفداء مضاعف علیک ، وإن أصبته وأنت حلال فی الحرم فقیمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام فی الحل فإنّما علیک فداء واحد » (2).

قوله : ( وفی بیضها إذا تحرک الفرخ حمل ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (3) وأکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن علی بن جعفر قال : سألت أخی موسی علیه السلام عن رجل کسر بیض الحمام وفی البیض فراخ قد تحرک ، فقال : « علیه أن یتصدق عن کل فرخ قد تحرک بشاة ، ویتصدق بلحومها إن کان محرما ، وإن کان الفرخ لم یتحرک تصدق بقیمته ورقا یشتری بقیمته علفا یطرحه لحمام الحرم » (4).

وفی الصحیح ، عن الحلبی عبید الله ، قال : حرک الغلام مکتلا فکسر

کفارة کسر بیض الحمام

ص: 341


1- الکافی 4 : 395 - 1 ، الوسائل 9 : 198 أبواب کفارات الصید ب 11 ح 3 ، ورواها فی التهذیب 5 : 370 - 1289.
2- التهذیب 5 : 370 - 1288 ، الوسائل 9 : 227 أبواب کفارات الصید ب 31 ح 5 ، وفیهما بتفاوت یسیر.
3- النهایة : 227 ، والمبسوط 1 : 345 ، والخلاف 1 : 488.
4- التهذیب 5 : 358 - 1244 ، الإستبصار 2 : 205 - 697 ، الوسائل 9 : 194 أبواب کفارات الصید ب 9 ح 8.

وقبل التحرک علی المحرم درهم وعلی المحل ربع درهم ، ولو کان محرما فی الحرم لزمه درهم وربع.

______________________________________________________

بیضتین فی الحرم ، فسألت أبا عبد الله علیه السلام فقال : « جدیین أو حملین » (1).

وإطلاق کلام المصنف وغیره یقتضی عدم الفرق فی هذا الحکم بین المحل فی الحرم والمحرم فی الحل والحرم ، وعبارة المصنف کالصریحة فی التعمیم حیث أطلق وجوب الشاة بعد التحرک وفصل الحکم قبله. وصرح الشهیدان بأنّ حکم البیض بعد تحرک الفرخ حکم الفرخ ، ومقتضاه اختصاص هذا الحکم بالمحرم فی الحل وأنّه یجب علی المحل فی الحرم نصف درهم ، ویجتمع الأمران علی المحرم فی الحرم (2) ، وهو غیر واضح ، لاختصاص الروایة الثانیة بحمام الحرم ، وظهور الروایة الأولی فی التعمیم.

قوله : ( وقبل التحرک ، علی المحرم درهم ، وعلی المحل ربع درهم ، ولو کان محرما فی الحرم لزمه درهم وربع ).

أمّا وجوب الدرهم علی المحرم فی الحل فیدل علیه قوله علیه السلام فی حسنة حریز : « المحرم إذا أصاب حمامة ففیها شاة ، وإن قتل فراخه ففیه حمل ، وإن وطئ البیض (3) فعلیه درهم ) (4).

وأمّا أنّه یجب علی المحل فی الحرم ربع درهم ، فیدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة حفص بن البختری : « فی الحمامة درهم ، وفی الفرخ نصف درهم ، وفی البیضة ربع درهم » (5).

ص: 342


1- التهذیب 5 : 358 - 1243 ، الإستبصار 2 : 204 - 696 ، الوسائل 9 : 219 أبواب کفارات الصید ب 26 ح 2.
2- الشهید الأول فی الدروس : 100 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 137.
3- فی « ض » و « م » : البیضة.
4- الکافی 4 : 389 - 1 ، التهذیب 5 : 345 - 1197 ، الإستبصار 2 : 200 - 678 ، الوسائل 9 : 193 أبواب کفارات الصید ب 9 ح 1.
5- الکافی 4 : 234 - 10 ، التهذیب 5 : 345 - 1196 ، الإستبصار 2 : 200 - 677 ، الوسائل 9 : 196 أبواب کفارات الصید ب 10 ح 5.

ویستوی الأهلی وحمام الحرم فی القیمة إذا قتل فی الحرم ، لکن یشتری بقیمة الحرمیّ علف الحمامة.

______________________________________________________

وأمّا اجتماع الأمرین علی المحرم فی الحرم فلاجتماع السببین.

قوله : ( ویستوی الأهلی وحمام الحرم فی القیمة إذا قتل فی الحرم ، لکن یشتری بقیمة الحرمی علف لحمامه ).

أمّا استواء الحمام الأهلی - یعنی المملوک - وحمام الحرم فی لزوم الکفارة إذا قتل فی الحرم ، فقال فی المنتهی : إنّه لا یعرف فیه خلافا إلاّ من داود ، حیث قال : لا جزاء فی صید الحرم (1) ، ویدل علیه روایات ، منها صحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أهدی له حمام أهلی وجی ء به وهو فی الحرم محلّ قال : « إن أصاب منه شیئا فلیتصدق مکانه بنحو من ثمنه » (2).

وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل أهدی له حمام أهلی وهو فی الحرم ، فقال : « إن هو أصاب منه شیئا فلیتصدق بثمنه نحوا ممّا کان یسوی فی القیمة » (3).

وصحیحة معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن طائر أهلی أدخل الحرم حیّا ، فقال : « لا یمس ، إنّ الله تعالی یقول ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) (4).

وأمّا أنّ قیمة حمام الحرم یشتری به علف لحمامه ، فیدل علیه صحیحة صفوان بن یحیی ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال : « من أصاب

حکم قتل حمام الحرم

ص: 343


1- المنتهی 2 : 825.
2- الفقیه 2 : 168 - 736 ، التهذیب 5 : 347 - 1205 ، الوسائل 9 : 197 أبواب کفارات الصید ب 10 ح 10.
3- الکافی 4 : 232 - 2 ، الوسائل 9 : 200 أبواب کفارات الصید ب 12 ح 5.
4- التهذیب 5 : 348 - 1206 ، الوسائل 9 : 201 أبواب کفارات الصید ب 12 ح 11 ، وفی الفقیه 2 : 170 - 743 ، وعلل الشرائع : 454 - 7 ، بتفاوت.

______________________________________________________

طیرا فی الحرم وهو محلّ فعلیه القیمة ، والقیمة درهم یشتری به علفا لحمام الحرم » (1).

وروایة حماد بن عثمان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أصاب طیرین ، واحد من حمام الحرم والآخر من حمام غیر الحرم؟ قال : « یشتری بقیمة الذی من حمام الحرم قمحا ویطعمه حمام الحرم ، ویتصدق بجزاء الآخر » (2) ومقتضی الروایة تعیین کون العلف قمحا ، لکنها ضعیفة السند (3). والأصح التخییر فی حمام الحرم بین التصدق بقیمته وشراء العلف به ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أغلق باب بیت علی طیر من حمام الحرم فمات ، قال : « یتصدق بدرهم أو یطعم به حمام الحرم » (4).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن قتل المحرم حمامة فی الحرم فعلیه شاة وثمن الحمامة ، درهم أو شبهه یتصدق به أو یطعمه حمام مکة ، فإن قتلها فی الحرم ولیس بمحرم فعلیه ثمنها » (5) والمراد بالقیمة هنا ما قابل الفداء ، وهی المقدرة فی الأخبار بالدرهم ونصفه وربعه.

وذکر الشارح - قدس سره - أنّ المراد بالقیمة هنا ما یعم الدرهم والفداء (6) ، وهو غیر واضح.

ص: 344


1- الکافی 4 : 233 - 7 ، الوسائل 9 : 196 أبواب کفارات الصید ب 10 ح 3.
2- الکافی 4 : 390 - 10 ، التهذیب 5 : 353 - 1228 ، الوسائل 9 : 214 أبواب کفارات الصید ب 22 ح 6.
3- لوقوع سهل بن زیاد فی طریقها وهو ضعیف.
4- الفقیه 2 : 167 - 728 ، الوسائل 9 : 207 أبواب کفارات الصید ب 16 ح 1.
5- الکافی 4 : 395 - 1 ، الوسائل 9 : 198 أبواب کفارات الصید ب 11 ح 3 ، ورواها فی التهذیب 5 : 370 - 1289.
6- المسالک : 1 : 127.

الثانی : فی کل واحد من القطا والحجل والدراج حمل قد فطم ورعی.

______________________________________________________

ولو أتلف الحمام الأهلی المملوک بغیر إذن مالکه اجتمع علی متلفه القیمة لحمام الحرم ، وقیمة أخری للمالک ، کما صرح به العلامة (1) ومن تأخر عنه (2).

قال المحقق الشیخ علی فی حواشی القواعد : ولا یتصور ملک الصید فی الحرم إلاّ فی القماری والدّباسی ، لجواز شرائهما وإخراجهما (3). وهو جیّد إن قلنا إنّ الصید لا یدخل فی ملک المحلّ فی الحرم ، کما هو اختیار المصنف فی هذا الکتاب ، أمّا إن قلنا إنّه یملکه وإن وجب علیه إرساله کما اختاره فی النافع (4) فیتصور وجود الحمام المملوک فی الحرم کغیره.

قوله : ( الثانی ، فی کل واحد من القطا والحجل والدرّاج حمل قد فطم ورعی ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « وجدنا فی کتاب علی علیه السلام فی القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللّبن وأکل من الشجر » (5).

وعن سلیمان بن خالد عن أبی جعفر علیه السلام قال : « فی کتاب علی علیه السلام : من أصاب قطاة أو حجلة أو درّاجة أو نظیرهنّ فعلیه دم » (6).

کفارة قتل القطا والحجل والدراج

ص: 345


1- المنتهی 2 : 819.
2- کالشهید الثانی فی الروضة 2 : 343.
3- جامع المقاصد 1 : 184.
4- المختصر النافع : 106.
5- التهذیب 5 : 344 - 1190 وفیه القطاط بدل القطاة ، الوسائل 9 : 190 أبواب کفارات الصید ب 5 ح 1.
6- التهذیب 5 : 344 - 1191 ، الوسائل 9 : 190 أبواب کفارات الصید ب 5 ح 2.

الثالث : فی قتل کل واحد من القنفذ والضب والیربوع جدی.

______________________________________________________

وقد تقدم أن الحمل ما بلغ سنّه من أولاد الغنم أربعة أشهر.

وذکر الشارح قدس سره : أنّ المراد بکونه قد فطم ورعی ، أنّه قد آن وقت فطامه ورعیه وإن لم یکونا قد حصلا له بالفعل. وأورد هنا إشکال وهو أنّ فی بیض کل واحدة من هذه بعد تحرک الفرخ مخاضا من الغنم ، وهی ما من شأنها أن یکون حاملا ، فکیف یجب فی فرخ البیضة مخاض وفی الطائر حمل (1)؟! وأجاب عنه فی الدروس (2) إمّا بحمل المخاض هناک علی بنت المخاض ، وهو بعید جدا ، وإمّا بالتزام وجوب ذلک فی الطائر بطریق أولی ، وفیه اطراح للنص المتقدم ، بل قیل : إنّ فیه مخالفة للإجماع أیضا ، وإمّا بالتخییر بین الأمرین ، وهو مشکل أیضا.

والأجود اطراح الروایة المتضمنة لوجوب المخاض فی الفرخ ، لضعفها ومعارضتها بما هو أوضح منها إسنادا وأظهر دلالة ، والاکتفاء فیه بالبکر من الغنم المتحقق بالصغیر. وغایة ما یلزم من ذلک مساواة الصغیر والکبیر فی الفداء ، ولا محذور فیه.

قوله : ( الثالث ، فی قتل کل واحد من القنفذ والضب والیربوع جدی ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن مسمع ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « الیربوع والقنفذ والضب إذا أصابه المحرم فعلیه جدی ، والجدی خیر منه ، وإنّما جعل علیه هذا لکی ینکل عن صید غیره » (3).

کفارة قتل القنفذ والضب والیربوع

ص: 346


1- المسالک 1 : 137.
2- الدروس : 101.
3- التهذیب 5 : 344 - 1192 ، الوسائل 9 : 191 أبواب کفارات الصید ب 6 ح 1.

الرابع : فی کل واحد من العصفور والقنبرة والصعوة مد من طعام.

______________________________________________________

وألحق الشیخان بهذه الثلاثة ما أشبهها (1) ، وأوجب أبو الصلاح فیها حملا فطیما (2) ، ولم نقف لهذین القولین علی مستند.

قوله : ( الرابع ، فی کل واحد من العصفور والقبّرة والصعوة مدّ من طعام ).

هذا قول الشیخ (3) وأکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه ، عن صفوان بن یحیی ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « القبرة والصعوة والعصفور إذا قتله المحرم فعلیه مدّ من طعام لکلّ واحد منهم » (4).

وأوجب علی بن بابویه فی کل طیر شاة (5) ، ولا یخلو من قوة ، لصحیحة ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه قال : فی محرم ذبح طیرا ، « إنّ علیه دم شاة یهریقه ، فإن کان فرخا فجدی أو حمل صغیر من الضأن » (6).

وأجاب العلامة فی المختلف عن هذه الروایة بأنّها عامة وروایة صفوان خاصة فتکون مقدمة (7) ، وهو جید لو تکافأ السندان.

والمراد بالعصفور هنا ما یصدق علیه اسمه عرفا ، والصعوة عصفور صغیر له ذنب طویل یرمح به ، والقبّر کسکّر طائر ، الواحدة بهاء ، ویقال :

کفارة قتل العصفور وأمثاله

ص: 347


1- المفید فی المقنعة : 68 ، والشیخ فی النهایة : 223 ، والمبسوط 1 : 340.
2- الکافی فی الفقه : 206.
3- النهایة : 223 ، والمبسوط 1 : 340.
4- التهذیب 5 : 344 - 1193 ، الوسائل 9 : 191 أبواب کفارات الصید ب 7 ح 1.
5- نقله عنه فی المختلف : 273.
6- التهذیب 5 : 346 - 1201 ، الإستبصار 2 : 201 - 682 ، الوسائل 9 : 194 أبواب کفارات الصید ب 9 ح 6.
7- المختلف : 274.

الخامس : فی قتل الجرادة تمرة ، والأظهر کف من طعام. وکذا فی القملة یلقیها عن جسده.

______________________________________________________

القنبراء ولا تقل : قنبرة کقنفذة أو لغیة ، ذکر ذلک فی القاموس (1).

قوله : ( الخامس ، فی قتل الجرادة تمرة ، والأظهر کف من الطعام ).

بل الأظهر التخییر بین الأمرین ، کما اختاره الشیخ فی المبسوط (2) جمعا بین ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی محرم قتل جرادة قال : « یطعم تمرة ، وتمرة خیر من جرادة » (3) وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عن محرم قتل جرادة ، قال : « کفّ من طعام ، وإن کان کثیرا فعلیه دم شاة » (4).

قوله : ( وکذا فی القملة یلقیها من جسده ).

أی : یجب بذلک کفّ من طعام ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه ، عن حماد بن عیسی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یبین القملة عن جسده فیلقیها ، قال : « یطعم مکانها طعاما » (5) وعن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المحرم ینزع القملة عن جسده فیلقیها ، قال : « یطعم مکانها » (6) وفی طریق هاتین الروایتین

کفارة قتل الجرادة وإلقاء القملة

ص: 348


1- القاموس المحیط 2 : 117.
2- المبسوط 1 : 348.
3- التهذیب 5 : 363 - 1265 ، الإستبصار 2 : 207 - 706 ، الوسائل 9 : 232 أبواب کفارات الصید ب 37 ح 2.
4- الکافی 4 : 393 - 3 ، الوسائل 9 : 233 أبواب کفارات الصید ب 37 ح 6.
5- التهذیب 5 : 336 - 1158 ، وفیه : علی جسده ، الوسائل 9 : 297 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 15 ح 1.
6- التهذیب 5 : 336 - 1159 ، الوسائل 9 : 297 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 15 ح 2.

وفی قتل الکثیر من الجراد دم شاة.

______________________________________________________

عبد الرحمن ، وهو مشترک بین جماعة منهم عبد الرحمن بن سیابة ، وهو مجهول.

وقد روی الشیخ فی الصحیح عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی محرم قتل قملة؟ قال : « لا شی ء فی القملة ، ولا ینبغی أن یتعمد قتلها » (1) وقال : إنّ هذه الروایة غیر منافیة للخبرین المتقدمین ، لأنها وردت مورد الرخصة ، ویجوز أن یکون المراد بها من یتأذّی بها ، فإنّه متی کان الأمر علی ذلک جاز له ذلک إلاّ أنّه تلزمه الکفارة ، وقوله : « لا شی ء علیه » یرید به إذا فعل ذلک لا شی ء علیه من العقاب ، أو لا شی ء علیه معینا کما یجب علیه فیما عدا ذلک من قتل الأشیاء (2). هذا کلامه - رحمه الله - وهو حمل بعید ، مع أنّه لا ضرورة تلجی ء إلیه ، لإمکان حمل ما تضمن الکفارة علی الاستحباب.

أمّا البرغوث فالظاهر جواز إلقائه وإن منعنا من قتله ، لقول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « المحرم یلقی عنه الدوابّ کلّها إلاّ القملة ، فإنّها من جسده » (3).

قوله : ( وفی قتل الکثیر من الجراد دم شاة ).

المرجع فی الکثرة إلی العرف ، ویدل علی وجوب الشاة فی الکثیر من الجراد صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة حیث قال فیها : « وإن کان کثیرا فعلیه دم شاة » (4).

کفارة قتل الجراد الکثیر

ص: 349


1- التهذیب 5 : 337 - 1166 ، الإستبصار 2 : 197 - 664 ، الوسائل 9 : 298 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 15 ح 6.
2- التهذیب 5 : 338.
3- الفقیه 2 : 230 - 1091 ، التهذیب 5 : 336 - 1161 ، الوسائل 9 : 163 أبواب تروک الإحرام ب 78 ح 5.
4- فی ص 348.

وان لم یمکنه التحرز من قتله بأن کان علی طریقه فلا إثم ولا کفارة. وکل ما لا تقدیر لفدیته ففی قتله قیمته. وکذا القول فی البیوض.

______________________________________________________

قوله : ( فإن لم یمکنه التحرز من قتله بأن کان فی طریقه فلا إثم ولا کفارة ).

المراد بعدم الإمکان هنا المشقة اللازمة من التحرز عنه ، ویدل علی انتفاء الإثم والکفارة والحال هذه روایات ، منها صحیحة حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « علی المحرم أن یتنکب الجراد إذا کان علی طریقه ، فإن لم یجد بدّا فقتل فلا بأس » (1).

وصحیحة معاویة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الجراد یکون علی ظهر الطریق والقوم محرمون ، فکیف یصنعون؟ قال : « یتنکبونه ما استطاعوا » قلت : فإن قتلوا منه شیئا ، ما علیهم؟ قال : « لا شی ء علیهم » (2).

قوله : ( وکل ما لا تقدیر لفدیته ففی قتله قیمته ، وکذا القول فی البیوض ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، والوجه فیه تحقق الضمان من غیر تقدیر للمضمون فیرجع إلی القیمة کما فی غیره ، ویدل علیه أیضا صحیحة سلیمان بن خالد قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « فی الضبی شاة ، وفی البقرة بقرة ، وفی الحمار بدنة ، وفی النعامة بدنة ، وفیما سوی ذلک قیمته » (3).

وتثبت القیمة بتقویم عدلین عارفین ، وإن کان الجانی أحدهما إذا کان

ص: 350


1- التهذیب 5 : 364 - 1268 ، الإستبصار 2 : 208 - 710 ، الوسائل 9 : 233 أبواب کفارات الصید ب 38 ح 1.
2- التهذیب 5 : 364 - 1269 ، الإستبصار 2 : 208 - 709 ، الوسائل 9 : 233 أبواب کفارات الصید ب 38 ح 2.
3- التهذیب 5 : 341 - 1182 ، الوسائل 9 : 181 أبواب کفارات الصید ب 1 ح 2.

وقیل فی البطة والإوزة والکرکی شاة ، وهو تحکّم.

فروع خمسة :

الأول : إذا قتل صیدا معیبا کالمکسور والأعور فداه بصحیح ، ولو فداه بمثله جاز.

______________________________________________________

مخطئا أو تاب.

قوله : ( وقیل فی البطة والإوزة والکرکی شاة ، وهو تحکّم ).

القول للشیخ - رحمه الله (1) - ولا مستند له علی الخصوص ، ومن ثمّ نسبه المصنف إلی التحکم. نعم روی الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی محرم ذبح طیرا : « إنّ علیه دم شاة یهریقه ، فإن کان فرخا فجدی ، أو حمل من صغیر الضأن » (2) ومقتضی الروایة وجوب الشاة فی الطیر بأنواعه ، وبمضمونها أفتی ابن بابویه حیث لم یستثن سوی النعامة (3) ، وینبغی العمل بمضمونها فیما لم یقم دلیل من خارج علی خلافه ، وعلی هذا فیکون الطیر بأنواعه من المنصوص.

قوله : ( فروع خمسة ، الأوّل : إذا قتل صیدا معیبا کالمکسور والأعور فداه بصحیح ، ولو فداه بمثله جاز ).

لا ریب فی الجواز لتحقق المماثلة ، ولو اختلف العیب بأن کان أحدهما أعور ، والآخر أعرج لم یجز ، ولو اختلف العیب بالمحل بأن فدی أعور الیمنی بأعور الیسری ، أو أعرج إحدی الرجلین بأعرج الأخری ، ففی الإجزاء وجهان : من الاشتراک فی أصل العیب ، وتحقق المخالفة. وقطع العلامة فی جملة من کتبه بالإجزاء (4) ، لأنّ هذا المقدار من التخالف لا یخرجه عن المماثلة ، وهو حسن.

حکم قتل البطة وأشباهها

حکم قتل الصید المعیب

ص: 351


1- المبسوط 1 : 346.
2- التهذیب 5 : 346 - 1201 ، الإستبصار 2 : 201 - 682 ، الوسائل 9 : 194 أبواب کفارات الصید ب 9 ح 6.
3- المقنع : 78.
4- المنتهی 2 : 828 ، والتذکرة 1 : 347 ، والتحریر 1 : 117.

ویفدی الذکر بمثله وبالأنثی. وکذا الأنثی ، وبالمماثل أحوط.

الثانی : الاعتبار بتقویم الجزاء وقت الإخراج. وفیما لا تقدیر لفدیته وقت الإتلاف.

الثالث : إذا قتل ماخضا مما له مثل یخرج ماخضا. ولو تعذر قوّم الجزاء ماخضا.

______________________________________________________

قوله : ( ویفدی الذکر بمثله وبالأنثی ، وکذا الأنثی ، وبالمماثل أحوط ).

لا ریب فی أحوطیة الفداء بالمماثل وإن کان الأظهر جواز الفداء بالمخالف علی هذا الوجه ، إذ المتبادر من المماثلة المماثلة فی الخلقة خاصة لا فی جمیع الصفات ، ومقتضی کلام العلامة فی التذکرة والمنتهی أنّ إجزاء الأنثی عن الذکر لا خلاف فیه لأنّها أطیب لحما وأرطب ، وإنّما الخلاف فی العکس (1).

قوله : ( الثانی ، الاعتبار بتقویم الجزاء وقت الإخراج. وفیما لا تقدیر لفدیته وقت الإتلاف ).

الوجه فی ذلک أنّ الواجب فی الأوّل هو المثل ، وإنّما ینظر إلی القیمة عند إرادة الإخراج وتعذر المثل کسائر المثلیات ، وفی الثانی ابتداء هو القیمة وهی ثابتة فی الذمة وقت الجنایة فیعتبر قدرها حینئذ.

قوله : ( الثالث ، إذا قتل ماخضا مما له مثل یخرج ماخضا ، ولو تعذر قوّم الجزاء ماخضا ).

إنّما وجب إخراج الماخض ، لتتحقق المماثلة المعتبرة ، ولأنّ الحمل فضیلة مقصودة فلا سبیل إلی إهمالها ، ویحتمل قویا إجزاء الفداء بغیر

جواز فداء الذکر بالأنثی وبالعکس

الاعتبار بتقویم الجزاء وقت الاخراج

حکم قتل الماخض

ص: 352


1- التذکرة 1 : 347 ، المنتهی 2 : 827.

الرابع : إذا أصاب صیدا حاملا فألقت جنینا حیا ثم ماتا فدی الأم بمثلها والصغیر بصغیر. ولو عاشا لم یکن علیه فدیة ، إذا لم یعب المضروب. ولو عاب ضمن أرشه.

______________________________________________________

الماخض ، لأنّ هذه الصفة لا تأثر لها فی زیادة اللحم ، بل ربّما اقتضت نقصه فلا یعتبر وجودها کاللون. نعم لو کان الغرض إخراج القیمة لم یجز إلاّ تقویم الماخض ، لأنّها أعلی قیمة فی الأغلب ، وباختلاف القیمة یختلف المخرج.

قوله : ( الرابع ، إذا أصاب صیدا حاملا فألقت جنینا حیا ثمّ ماتا فدی الأم بمثلها ، والصغیر بصغیر ).

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، لإطلاق الأمر بالفداء بالمماثل المتناول للصغیر والکبیر.

قوله : ( ولو عاشا لم یکن علیه فدیة إذا لم یعب المضروب ، ولو عاب ضمن أرشه ).

أمّا سقوط الفدیة إذا عاشا معا ولم یتعیبا فلا ریب فیه ، للأصل السالم من المعارض ، وأمّا ضمان الأرش إذا تعیبا أو تعیب أحدهما ، فلأنّه نقص حصل بسببه فی حیوان مضمون فکان مضمونا.

ثمّ إن کان المضمون القیمة فالأرش جزء منها ، وإن کان المثل ، کما لو ضرب ظبیا فنقص عشر قیمته ، ففی وجوب إخراج جزء من المماثل کعشر الشاة فی المثال بناء علی أنّ الکفارة مرتبة أو الانتقال إلی القیمة أقوال ، ثالثها أنّه لا یلزم الجزء من العین إلاّ مع وجود مشارک فی الباقی ، وبه قطع العلامة فی جملة من کتبه (1) ، وجزم الشهیدان بوجوب الجزء مطلقا ، لوجوب العین فی الجمیع فیقسط فی البعض (2) ، ولعله أحوط.

حکم إصابة الحامل

ص: 353


1- المنتهی 2 : 827 ، والتحریر 1 : 117 ، والقواعد 1 : 95.
2- الشهید الأول فی الدروس : 102 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 138.

ولو مات أحدهما فداه دون الآخر. ولو ألقت جنینا میتا لزمه الأرش ، وهو ما بین قیمتها حاملا ومجهضا.

الخامس : إذا قتل المحرم حیوانا وشک فی کونه صیدا لم یضمن.

______________________________________________________

وکیفیة معرفة الأرش أن یقوّم الصید صحیحا ومعیبا وینظر إلی التفاوت ویؤخذ بتلک النسبة من الفداء أو من قیمته ، فلو قوّم بثلاثین صحیحا وعشرین معیبا کان التفاوت الثلث ، فیجب ثلث الفداء أو ثلث القیمة.

قوله : ( ولو مات أحدهما فداه دون الآخر ).

الوجه فی هذا الاختصاص معلوم مما سبق ، ثمّ إن کان المیت الأم ضمنها بأنثی أو بذکر علی ما مرّ ، ولو مات الولد ضمنه بصغیر ، ولو ماتا معا قبل سقوط الولد ضمنها بحامل ، فإن تعذر المثل ضمن الجزاء حاملا ، ولو زادت قیمة جزاء الحامل عن إطعام المقدر ، کالعشرة فی شاة الظبی ، فالظاهر وجوب الزیادة بسبب الحمل إلاّ أن یزید عن العشرین فلا یجب الزائد ، إذ غایة فداء الولد أن یکون کأمّه.

قوله : ( ولو ألقت جنینا میّتا لزمه الأرش ، وهو ما بین قیمتها حاملا ومجهضا ).

الکلام فی الأرش هنا کما مرّ ، قال الشارح قدس سره : ولا یعتبر الولد هنا للشک فی حیاته ، والحکم إنّما یتعلق بالحی بعد الولادة حتی لو علم بحرکته قبلها لم یعتد به ، لعدم تسمیته حینئذ حیوانا (1). وهو حسن.

قوله : ( الخامس ، إذا قتل المحرم حیوانا وشک فی کونه صیدا لم یضمن ).

لأصالة البراءة ، وکذا لو شک فی قتله فی الحرم لیتضاعف علیه الفداء إن کان محرما ، أو لیتعلق به الحکم إن کان محلا.

حکم قتل المشکوک کونه صیدا

ص: 354


1- المسالک 1 : 138.

الفصل الثانی : فی موجبات الضمان

وهی ثلاثة : مباشرة الإتلاف ، والید ، والسبب.

أما المباشرة فنقول : قتل الصید موجب لفدیته. فإن أکله لزمه فداء آخر. وقیل : یفدی ما قتل ، ویضمن قیمة ما أکل ، وهو الوجه.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثانی فی موجبات الضمان ، وهی ثلاثة : مباشرة الإتلاف ، والید ، والسبب. أمّا المباشرة فنقول : قتل الصید موجب لفدیته ، فإن أکله لزمه فداء آخر ، وقیل : یفدی ما قتل ، ویضمن قیمة ما أکل ، وهو الوجه ).

القول بوجوب الفداءین للشیخ فی النهایة والمبسوط (1) ، وجمع من الأصحاب ، واحتج علیه فی المختلف (2) بصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن قوم اشتروا ظبیا فأکلوا منه جمیعا وهم حرم ، ما علیهم؟ فقال : « علی کل من أکل منه فداء صید ، علی کل إنسان منهم علی حدته فداء صید کامل » (3) وروایة یوسف الطاطری قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : صید أکله قوم محرمون قال : « علیهم شاة شاة (4) ، ولیس علی الّذی ذبحه إلاّ شاة » (5).

وهو احتجاج ضعیف ، إذ لیس فی الروایتین دلالة علی تعدد الفداء بوجه ، بل ولا علی ترتب الکفارة علی الأکل علی وجه العموم ، لاختصاص مورد الأولی بمن اشتری الصید وأکله ، وظهور الثانیة فی مغایرة الآکل

موجبات الضمان

الأول : مباشرة الاتلاف

أکل الصید موجب لفداء آخر

ص: 355


1- النهایة : 277 ، والمبسوط 1 : 342.
2- المختلف : 278.
3- التهذیب 5 : 351 - 1221 ، قرب الإسناد : 107 ، الوسائل 9 : 209 أبواب کفارات الصید ب 18 ح 2.
4- فی « ض » ، والکافی ، والوسائل : علیهم شاة.
5- الکافی 4 : 391 - 3 ، الفقیه 2 : 235 - 1122 ، التهذیب 5 : 352 ، 1225 ، الوسائل 9 : 211 أبواب کفارات الصید ب 18 ح 8.

ولو رمی صیدا فأصابه ولم یؤثر فیه فلا فدیة. ولو جرحه ثم رآه سویا ضمن أرشه ، وقیل : ربع القیمة.

______________________________________________________

للذابح (1).

والقول بوجوب فداء القتل وضمان قیمة المأکول للشیخ فی الخلاف (2) والمصنف والعلامة فی جملة من کتبه (3) ، ولم نقف لهم فی ضمان القیمة علی دلیل یعتد به ، ولو لا تخیل الإجماع علی ثبوت أحد الأمرین لأمکن القول بالاکتفاء بفداء القتل تمسکا بمقتضی الأصل ، ویؤیده صحیحة أبان بن تغلب : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن محرمین أصابوا أفراخ نعام فذبحوها وأکلوها فقال : « علیهم مکان کل فرخ أصابوه وأکلوه بدنة » (4) أطلق الاکتفاء بالبدنة ، ولو تعدد الفداء أو وجبت القیمة مع فداء القتل لوجب ذکره فی مقام البیان ، والمسألة محل إشکال.

قوله : ( ولو رمی صیدا فأصابه ولم یؤثر فیه فلا فدیة ).

المراد أنّه تحقق عدم التأثیر فیه ، لما سیجی ء فی کلامه من ثبوت الفدیة مع الشک فی التأثیر ، وینبغی تقیید ذلک بما إذا لم یکن لغیر المؤثر شریک فی الرمی بحیث أصاب شریکه ، وإلاّ ضمن وإن أخطأ کما سیصرح به المصنف - رحمه الله .

قوله : ( ولو جرحه ثمّ رآه سویّا ضمن أرشه ، وقیل : ربع القیمة ).

وجه الأوّل : أنّها جنایة مضمونة فکان علیه أرشها. والقول بلزوم ربع

حکم جرح الصید

ص: 356


1- فی « ح » : للذبح.
2- الخلاف 1 : 484.
3- المنتهی 2 : 827 ، والتحریر 1 : 117 ، والقواعد 1 : 95.
4- الفقیه 2 : 236 - 1123 ، التهذیب 5 : 353 - 1227 ، الوسائل 9 : 209 أبواب کفارات الصید ب 18 ح 4.

وإن لم یعلم حاله لزمه الفداء. وکذا لو لم یعلم أثّر فیه أم لا.

______________________________________________________

القیمة (1) بذلک الشیخ (2) وجماعة (3) ، واستدل علیه بصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل رمی صیدا وهو محرم. فکسر یده أو رجله ، فمضی الصید علی وجهه ، فلم یدر الرجل ما صنع الصید ، قال : « علیه الفداء کاملا إذا لم یدر ما صنع الصید ، فإن رآه بعد أن کسر یده أو رجله وقد رعی وانصلح فعلیه ربع قیمته » (4) وهذه الروایة لا تدل علی ما ذکر الشیخ من التعمیم ، والمتجه قصر الحکم علی مورد الروایة (5) ، ووجوب الأرش فی غیره إن ثبت کون الأجزاء مضمونة کالجملة ، لکن ظاهر المنتهی أنّه موضع وفاق (6).

قوله : ( وإن لم یعلم حاله لزمه الفداء ).

المراد أنّه إذا جرحه ولم یعلم حاله بعد الجرح یجب علیه فداء کامل ، وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (7) ، واستدل علیه بصحیحة علی بن جعفر المتقدمة ، وهی لا تدل علی العموم لاختصاصها بالکسر المخصوص ، فتعدیة الحکم إلی غیره یحتاج إلی دلیل.

قوله : ( وکذا لو لم یعلم أثّر فیه أم لا ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (8) وجمع من الأصحاب ، ولم أقف له علی دلیل یعتد به ، وظاهر المصنف فی النافع التوقف فیه ، حیث اقتصر علی

ص: 357


1- المراد ربع قیمة الفداء ، لا ربع قیمة الصید کما ربما یتوهم - الجواهر 20 : 262.
2- النهایة : 228 ، والمبسوط 1 : 343.
3- کابن إدریس فی السرائر : 133 ، والشهید الأول فی الدروس : 102.
4- التهذیب 5 : 359 - 1246 ، قرب الإسناد : 107 ، الوسائل 9 : 221 أبواب کفارات الصید ب 27 ح 1.
5- وهو کسر الید والرجل خاصة.
6- المنتهی 2 : 828.
7- المنتهی 2 : 828.
8- النهایة : 228 ، والمبسوط 1 : 343.

وروی فی کسر قرنی الغزال نصف قیمته ، وفی کل واحد ربع ، وفی عینیه کمال قیمته ، وفی کسر إحدی یدیه نصف قیمته ، وکذا فی إحدی رجلیه ، وفی الروایة ضعف.

______________________________________________________

حکایته بلفظ قیل (1) ، ولو قیل بعدم لزوم الفدیة هنا کما فی حالة الشک فی الإصابة کان حسنا.

قوله : ( وروی فی کسر قرنی الغزال نصف قیمته ، وفی کل واحد ربع ، وفی عینیه کمال قیمته ، وفی کسر إحدی یدیه نصف قیمته ، وکذا فی إحدی رجلیه ، وفی الروایة ضعف ).

هذه الروایة رواها الشیخ بطریق فیه عدّة من الضعفاء : منهم أبو جمیلة المفضل بن صالح ، وقیل : إنّه کان کذّابا یضع الحدیث (2) ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فما تقول فی محرم کسر إحدی قرنی غزال فی الحل؟ قال : « علیه ربع قیمة الغزال » قلت : فإن کسر قرنیه؟ قال : « علیه نصف قیمته یتصدق به » قلت : فإن هو فقأ عینیه؟ قال : « علیه قیمته » قلت : فإن هو کسر إحدی یدیه؟ قال : « علیه نصف قیمته » قلت : فإن هو کسر إحدی رجلیه؟ قال : « علیه نصف قیمته » قلت : فإن هو قتله؟ قال : « علیه قیمته » قلت : فإن هو فعل به وهو محرم فی الحرم؟ قال : « علیه دم یهریقه ، وعلیه هذه القیمة إذا کان محرما فی الحرم » (3) وبمضمون هذه الروایة أفتی الشیخ - رحمه الله (4) - والأظهر ما علیه الأکثر من وجوب الأرش بجمیع ذلک بناء علی ما علیه الأصحاب وغیرهم من کون الأجزاء مضمونة کالجملة.

فداء کسر قرن الغزال

ص: 358


1- المختصر النافع : 103.
2- کما فی خلاصة العلامة : 258.
3- التهذیب 5 : 387 - 1354 ، الوسائل 9 : 223 أبواب کفارات الصید ب 28 ح 3.
4- النهایة : 227 ، والمبسوط 1 : 342.

ولو اشترک جماعة فی قتل الصید ضمن کل واحد منهم فداءا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اشترک جماعة فی قتل صید ضمن کل واحد منهم فداءا کاملا ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، وتدل علیه روایات ، منها صحیحة معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا اجتمع قوم علی صید وهم محرمون فی صیده ، أو أکلوا منه فعلی کل واحد منهم قیمته » (1).

وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجلین أصابا صیدا وهما محرمان ، الجزاء بینهما أو علی کل واحد منهما جزاء؟ فقال : « لا بل علیهما أن یجزی کل واحد منهما الصید » قلت : إنّ بعض أصحابنا سألنی عن ذلک فلم أدر ما علیه فقال : « إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعلیکم بالاحتیاط حتی تسألوا عنه فتعلموا » (2).

وصحیحة زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی محرمین أصابا صیدا فقال : « علی کل واحد منهما الفداء » (3).

وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام : عن قوم اشتروا ظبیا فأکلوا منه جمیعا وهم حرم ، ما علیهم؟ قال : « علی کل من أکل منهم فداء صید ، کل إنسان منهم علی حدته فداء صید کاملا » (4).

وهذه الروایات إنّما تدل علی ضمان کل من المشترکین فی قتل الصید الفداء الکامل إذا کانوا محرمین ، وذکر الشارح أنّه لا فرق فی هذا الحکم بین

حکم اشتراک جماعة فی قتل الصید

ص: 359


1- الکافی 4 : 391 - 2 ، التهذیب 5 : 351 - 1219 ، الوسائل 9 : 209 أبواب کفارات الصید ب 18 ح 1.
2- الکافی 4 : 391 - 1 ، التهذیب 5 : 466 - 1631 ، الوسائل 9 : 210 أبواب کفارات الصید ب 18 ح 6.
3- الکافی 4 : 392 - 6 ، الفقیه 2 : 236 - 1124 ، الوسائل 9 : 211 أبواب کفارات الصید ب 18 ح 7.
4- التهذیب 5 : 351 - 1221 ، قرب الإسناد : 107 ، الوسائل 9 : 209 أبواب کفارات الصید ب 18 ح 2.

ومن ضرب بطیر الأرض کان علیه دم ، وقیمة للحرم ، واخری لاستصغاره.

______________________________________________________

المحرمین والمحلین فی الحرم (1). وهو غیر واضح ، وسیجی ء الکلام فی حکم صید الحرم فی محله إن شاء الله تعالی.

قوله : ( ومن ضرب بطیر علی الأرض کان علیه دم ، وقیمة للحرم ، واخری لاستصغاره ).

الأصل فی هذه المسألة ما رواه الشیخ ، عن موسی بن القاسم ، عن محمد بن أبی بکر ، عن زکریا ، عن معاویة بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول فی محرم اصطاد طیرا فی الحرم فضرب به الأرض فقتله قال : « علیه ثلاث قیمات : قیمة لإحرامه ، وقیمة للحرم ، وقیمة لاستصغاره إیّاه » (2) وهی ضعیفة السند بجهالة حال زکریا ومحمد بن أبی بکر ، فیشکل التعویل علیها فی إثبات حکم مخالف للأصل ، ومع ذلک فمقتضی الروایة وجوب ثلاث قیم ، لا دم وقیمتان ، وبمضمونها أفتی المصنف فی النافع (3) ، ونسب ما ذکره هنا إلی الشیخ (4) ، وکان الحامل للشیخ علی ذلک ورود الأخبار الکثیرة بوجوب الدم فی الطیر فیکون القیمة الواحدة کنایة عنه ، وهو غیر بعید إلاّ أنّ الدم لا یجب فی جمیع أفراد الطیر ، لأنّ الفداء فی العصفور وشبهه کفّ من طعام.

وذکر الشهید فی الدروس أنّ الضمیر فی إیّاه یمکن عوده إلی الحرم وإلی الطیر قال : وتظهر الفائدة فیما لو ضربه فی الحل ، إلاّ أن یراد الاستصغار بالصید المختص بالحرم (5). هذا کلامه - رحمه الله - ولا ریب فی تعین إرادة ما ذکره ، لأنّ الضمیر علی الثانی لا یعود إلی الطیر مطلقا وإنّما

حکم من ضرب بطیر علی الأرض

ص: 360


1- المسالک 1 : 141.
2- التهذیب 5 : 370 - 1290 ، الوسائل 9 : 242 أبواب کفارات الصید ب 45 ح 1.
3- المختصر النافع : 103.
4- النهایة : 226 ، والمبسوط 1 : 342.
5- الدروس : 102.

ومن شرب لبن ظبیة فی الحرم لزمه دم وقیمة اللبن.

______________________________________________________

یعود إلی الطیر المحدّث عنه وهو الحرمی ، فاختصاص الحکم به ثابت علی التقدیرین.

وفی انسحاب الحکم المذکور إلی غیر الطیر وجهان ، أظهرهما العدم.

ولا یخفی ما فی عبارة المصنف من القصور حیث لم یذکر استناد قتل الصید إلی الضرب المذکور ولا کونه فی الحرم ، وإن أمکن استفادة الثانی من قوله وقیمة للحرم.

قوله : ( ومن شرب لبن ظبیة فی الحرم لزمه دم وقیمة اللّبن ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (1) وجمع من الأصحاب ، واستدل علیه بما رواه فی التهذیب عن یزید بن عبد الملک ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل مرّ وهو محرم فی الحرم فأخذ عنز ظبیة فاحتلبها وشرب لبنها قال : « علیه دم وجزاء الحرم عن اللّبن » (2).

وهذه الروایة ضعیفة السند بجهالة الراوی ، وبأنّ من جملة رجالها صالح بن عقبة ، وقیل : إنّه کان کذابا غالیا لا یلتفت إلیه (3).

والظاهر أنّ المراد بجزاء الحرم عن اللّبن : القیمة فیکون الدم عن الإحرام والقیمة عن الحرم ، ومقتضی ذلک وجوب الدم علی المحرم فی الحل ، والقیمة علی المحل فی الحرم ، إلاّ أن یقال إنّ المقتضی لوجوب کل من الأمرین اجتماع الوصفین ، أعنی الإحرام والوقوع فی الحرم.

والمتجه اطراح هذه الروایة لضعفها والاقتصار علی وجوب القیمة فی الجمیع ، لأنّه علی هذا التقدیر یکون ممّا لا نصّ فیه.

حکم من شرب لبن ظبیة

ص: 361


1- النهایة : 226 ، والمبسوط 1 : 342.
2- التهذیب 5 : 466 - 1627 ، الوسائل 9 : 249 أبواب کفارات الصید ب 54 ح 1.
3- کما فی خلاصة العلامة : 230.

ولو رمی الصید وهو حلال فأصابه وهو محرم لم یضمنه. وکذا لو جعل فی رأسه ما یقتل القمل وهو محل ثم أحرم فقتله.

الموجب الثانی : الید ، ومن کان معه صید فأحرم زال ملکه عنه ووجب إرساله.

______________________________________________________

ومورد الروایة حلب الظبیة ثمّ شرب لبنها ، وقد فرضه المصنف فی شرب اللّبن فقط ، وهو خروج عن موضع النص.

وفی انسحاب الحکم إلی غیر الظبیة کبقرة الوحش وجهان ، أظهرهما العدم.

قوله : ( ولو رمی الصید وهو حلال فأصابه وهو محرم لم یضمنه ).

لأنّ الجنایة وقعت غیر مضمونة فکان کما لو أصابه قبل الإحرام. ولا ینافی ذلک حکمهم بوجوب الفدیة فیما لو رماه فی الحل فمات فی الحرم ، لأنّا نمنع الوجوب أوّلا ، ولو سلمناه لکانت تلک المسألة خارجة بالنّص فیبقی ما عداها علی الأصل.

قوله : ( وکذا لو جعل فی رأسه ما یقتل القمل ثم أحرم فقتله ).

قیده المحقق الشیخ علی - رحمه الله - بما إذا لم یتمکن من إزالته حال الإحرام وإلاّ ضمن (1). ولا بأس به ، ومثله ما لو نصب شبکة للصید محلا فاصطادت محرما ، أو احتفر بئرا لذلک.

قوله : ( الموجب الثانی ، الید : ومن کان معه صید فأحرم زال ملکه عنه ووجب إرساله ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وأسنده العلامة فی المنتهی

حکم من جعل فی رأسه ما یقتل القمل

الثانی : الید

حکم من أحرم وعنده صید

ص: 362


1- جامع المقاصد 1 : 181.

______________________________________________________

إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه (1) ، واستدل علیه بما رواه الشیخ ، عن أبی سعید المکاری ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا یحرم أحد ومعه شی ء من الصید حتی یخرجه عن ملکه ، فإن أدخله الحرم وجب علیه أن یخلیه ، فإن لم یفعل حتی یدخل الحرم ومات لزمه الفداء » (2) وعن بکیر بن أعین قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل أصاب ظبیا فأدخله الحرم فمات الظبی فی الحرم فقال : « إن کان حین أدخله خلّی سبیله فلا شی ء علیه ، وإن أمسکه حتی مات فعلیه الفداء » (3).

ویمکن المناقشة فی الروایة الأولی من حیث السند بأنّ راویها وهو أبو سعید المکاری مطعون فیه بالوقف (4) ، ومع ذلک فلا دلالة لها علی خروج الصید عن ملک المحرم بمجرد الإحرام ، بل مقتضاها أنّه یجب علیه إخراجه عن ملکه وهو خلاف المدعی.

وأمّا الروایة الثانیة فلا دلالة لها علی زوال ملک المحرم عن الصید بوجه ، بل ولا علی وجوب إرساله بعد الإحرام ، وإنّما تدل علی لزوم الفدیة بإمساکه بعد دخول الحرم ، وسیجی ء الکلام فیه.

ومن هنا یظهر قوّة ما ذهب إلیه ابن الجنید من عدم خروج الصید عن ملک المحرم بمجرد الإحرام وإن وجب علیه إرساله إذا دخل الحرم لکنه قال : ولا استحب أن یحرم وفی یده صید.

ثمّ لو قلنا بخروجه عن الملک أو وجوب الإرسال فأرسله إنسان من یده لم یکن علیه ضمان ، لأنه فعل ما یلزمه فعله ، فکان کمن دفع المغصوب إلی مالکه من ید الغاصب.

ص: 363


1- المنتهی 2 : 830.
2- التهذیب 5 : 362 - 1257 ، الوسائل 9 : 230 أبواب کفارات الصید ب 34 ح 3.
3- التهذیب 5 : 362 - 1259 ، الوسائل 9 : 231 أبواب کفارات الصید ب 36 ح 3 ، ورواها فی الکافی 4 : 238 - 27.
4- راجع رجال النجاشی : 38 - 78.

فلو مات قبل إرساله لزمه ضمانه. ولو کان الصید نائیا عنه لم یزل ملکه.

______________________________________________________

قوله : ( فلو مات قبل إرساله لزمه ضمانه ).

المستفاد من الأخبار ضمان الصید إذا أمسک بعد دخول الحرم لا بعد الإحرام ، ومع ذلک فیجب تقیده بما إذا تمکن من الإرسال ، أمّا لو لم یمکنه الإرسال وتلف قبل إمکانه فلا ضمان ، للأصل وانتفاء العدوان ، ولو فرض أنّه لم یرسله حتی أحل فلا شی ء علیه سوی الإثم.

وفی وجوب إرساله بعد الإحلال قولان أظهرهما العدم ، ولو أدخله الحرم ثمّ أخرجه قیل : وجب إعادته إلیه ، لأنّه قد صار من صید الحرم (1) ، ویمکن المناقشة فی وجوب إعادة ما عدا الطیر ، لاختصاص الروایات المتضمنة لوجوب الإعادة به کما سیجی ء بیانه فی صید الحرم.

قال الشارح قدس سره : ولو کان الصید بید المحرم أمانة وتعذر المالک وجب دفعه عند إرادة الإحرام إلی ولیّه وهو الحاکم أو وکیله ، فإن تعذر فإلی بعض العدول ، فإن تعذر أرسله وضمن (2). وفی استفادة هذه الأحکام من الأخبار نظر.

قوله : ( ولو کان الصید نائیا عنه لم یزل ملکه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الصید یکون عند الرجل من الوحش فی أهله أو من الطیر یحرم وهو فی منزله قال : « وما به بأس لا یضره » (3) وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یحرم وعنده فی أهله صید إمّا وحش وإمّا طیر قال : « لا بأس » (4).

ص: 364


1- المسالک 1 : 139.
2- المسالک 1 : 139.
3- التهذیب 5 : 362 - 1260 ، الوسائل 9 : 229 أبواب کفارات الصید ب 34 ح 1.
4- الفقیه 2 : 167 - 731 ، الوسائل 9 : 230 أبواب کفارات الصید ب 34 ح 4.

ولو أمسک المحرم صیدا فذبحه محرم ضمن کل منهما فداء. ولو کانا فی الحرم تضاعف الفداء ما لم یکن بدنة. ولو کانا محلّین فی الحرم لم یتضاعف. ولو کان أحدهما محرما تضاعف الفداء فی حقه. ولو أمسکه المحرم فی الحل فذبحه المحل ضمنه المحرم خاصة.

______________________________________________________

وکما لا یمنع الإحرام استدامة ملک البعید لا یمنع ابتداء ، فلو اشتری المحرم صیدا نائیا عنه أو اتهبه انتقل إلی ملکه ، والظاهر تحقق النأی بأن لا یکون مصاحبا له فی حال الإحرام.

قوله : ( ولو أمسک المحرم صیدا فذبحه محرم ضمن کل منهما فداء ، ولو کانا فی الحرم تضاعف الفداء ما لم یکن بدنة ، ولو کانا محلّین فی الحرم لم یتضاعف ، ولو کان أحدهما محرما تضاعف الفداء فی حقه ).

أمّا لزوم الفداء بالذبح فلا ریب فیه ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه. وأمّا لزومه بالإمساک فلأنّ الفداء یجب بالدلالة علی ما سیجی ء بیانه (1) ، فبالإمساک الّذی هو إعانة حقیقة أولی.

ومعنی تضاعف الفداء فی الحرم وجوب المثل المنصوص والقیمة ، کما سیصرح به المصنف - رحمه الله - ، فالتضاعف مجاز إذ لم یتکرر أحدهما.

وما ذکره المصنف - رحمه الله - من عدم التضاعف إذا بلغ الفداء بدنة أحد القولین فی المسألة ، وقال ابن إدریس : یتضاعف مطلقا (2). وسیجی ء الکلام فیه إن شاء الله فی صید الحرم (3).

قوله : ( ولو أمسکه المحرم فی الحل فذبحه المحل ضمنه المحرم خاصة ).

حکم الصید الذی أمسکه محرم وذبحه آخر

ص: 365


1- فی ص : 375.
2- السرائر : 132.
3- فی ص 392.

ولو نقل بیض صید عن موضعه ففسد ضمنه. فلو أحضنه فخرج الفرخ سلیما لم یضمنه. وإن ذبح المحرم صیدا کان میتة ویحرم علی المحل. ولا کذا لو صاده وذبحه محل.

الموجب الثالث : السبب ، وهو یشتمل علی مسائل :

الأولی : من أغلق علی حمام من حمام الحرم وله فراخ وبیض ضمن بالإغلاق. فإن زال السبب وأرسلها سلیمة سقط الضمان. ولو هلکت

______________________________________________________

الوجه فی هذا الاختصاص ظاهر ، لأنّ المحل لم یهتک حرمه الإحرام ولا الحرم فلم یکن علیه شی ء.

قوله : ( ولو نقل بیض صید عن موضعه ففسد ضمنه ، ولو أحضنه فخرج الفرخ سلیما لم یضمنه ).

ظاهر العبارة یقتضی عدم الضمان إلاّ مع تحقق الفساد ، وقوّی الشارح الضمان ما لم یتحقق خروج الفرخ منه سلیما (1) ، وهو أحوط.

قوله : ( ولو ذبح المحرم صیدا کان میتة ، ویحرم علی المحل ).

قد تقدم الکلام فی ذلک وأن فی المسألة قولا بعدم تحریمه علی المحل ، ولا یخلو من قوّة.

قوله : ( ولا کذا لو صاده وذبحه محل ).

المراد أنّ المحرم إذا اصطاد صیدا وذبحه المحل فإنّه یحل للمحل ، لأنّه ذبح فی الحل من محل ، وإن لزم المحرم بإعانته الفداء ، وهذا موضع وفاق.

قوله : ( الموجب الثالث ، السبب : وهو یشتمل علی مسائل ، الأولی : من أغلق علی حمام من حمام الحرم وله فراخ وبیض ضمن بالإغلاق ، فإن زال السب وأرسلها سلیمة سقط الضمان ، ولو هلکت

حکم نقل البیض وفساده
حکم الصید المذبوح

الثالث : السبب

حکم الاغلاق علی حمام الحرم وله فراخ وبیض

ص: 366


1- المسالک 1 : 140.

ضمن الحمامة بشاة والفرخ بحمل والبیضة بدرهم إن کان محرما. وإن کان محلا ففی الحمامة درهم ، وفی الفرخ نصف ، وفی البیضة ربع.

وقیل : یستقر الضمان بنفس الإغلاق ، لظاهر الروایة ، والأول أشبه.

______________________________________________________

ضمن الحمامة بشاة ، والفرخ بحمل ، والبیضة بدرهم إن کان محرما ، وإن کان محلا ففی الحمامة درهم ، وفی الفرخ نصف ، وفی البیضة ربع ، وقیل : یستقر الضمان بنفس الإغلاق ، لظاهر الروایة ، والأوّل أشبه ).

الأصل فی هذه المسألة ما رواه الشیخ ، عن یونس بن یعقوب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أغلق بابه علی حمام من حمام الحرم وفراخ وبیض فقال : « إن کان أغلق علیها قبل أن یحرم فإنّ علیه لکلّ طیر درهما ، ولکلّ فرخ نصف درهم ، والبیض لکلّ بیضة ربع درهم ، وإن کان أغلق علیها بعد ما أحرم فإنّ علیه لکل طائر شاة ولکلّ فرخ حملا ، وللبیض نصف درهم » (1).

ومقتضی الروایة وجوب الفدیة بنفس الإغلاق لکنها ضعیفة السند (2) ، وبمضمونها أفتی الشیخ (3) وجمع من الأصحاب (4). ونزلها المصنف علی ما إذا هلکت بالإغلاق ، لأنّه قبل التلف مخاطب بالإطلاق لا بالفداء ولا بالقیمة ، وهو جید ، لکن یتوجه علیه أنّ إتلاف المحرم لحمام الحرم موجب للفداء والقیمة معا لا للفداء خاصة ، وإن کان بسبب الإغلاق کما صرّح به

ص: 367


1- التهذیب 5 : 350 - 1216 ، الوسائل 9 : 207 أبواب کفارات الصید ب 16 ح 3.
2- لأن من جملة رجالها موسی وهو مشترک بین الضعیف والثقة ولأن راویها یونس بن یعقوب قیل إنه فطحی ( راجع رجال الکشی 2 : 682 ).
3- النهایة : 224 ، المبسوط 1 : 341.
4- کالعلامة فی المنتهی 2 : 831.

الثانیة : قیل إذا نفّر حمام الحرم ، فإن عاد فعلیه شاة واحدة ، وإن لم یعد فعن کل حمامة شاة.

______________________________________________________

العلامة فی المنتهی (1) وغیره (2).

وحمل الإغلاق الواقع فی الروایة علی ما کان فی غیر الحرم غیر مستقیم ، أمّا أوّلا فلأنّه خلاف المتبادر من اللفظ ، وأمّا ثانیا فلأنّ لزوم القیمة به لغیر المحرم یقتضی وجوب الفداء والقیمة علی المحرم علی ما سیجی ء بیانه ، إلاّ أن یقال بوجوب الفداء خاصة علی المحرم فی الحرم فی هذا النوع من الإتلاف وإن وجب التضاعف فی غیره ، ویمکن تنزیل الروایة علی ما إذا جهل حال الحمام وبیضه وفراخه بعد الإغلاق ومنع مساواة فدائه لهذا الإتلاف ، لانتفاء الدلیل علیه ، إلاّ أنّ ذلک کله موقوف علی صحة السند.

قوله : ( الثانیة ، قیل : إذا نفّر حمام الحرم فإن عاد فعلیه شاة واحدة ، وإن لم یعد فعن کلّ حمامة شاة ).

القائل بذلک المفید - رحمه الله - فی المقنعة (3). وقال الشیخ فی التهذیب بعد نقل عبارته : ذکر ذلک علی بن الحسین بن بابویه فی رسالته ولم أجد به حدیثا مسندا (4). وإطلاق الحکم یشمل مطلق التنفیر وإن لم یخرج من الحرم ، وقیّده الشهید فی بعض تحقیقاته بما لو تجاوز الحرم (5).

وإطلاق کلام المصنف وغیره یقتضی عدم الفرق فی المنفّر بین أن یکون محلا أو محرما ، واحتمل بعض الأصحاب وجوب الفداء والقیمة إذا کان محرما فی الحرم ، وهو بعید جدا ، أمّا مع العود فواضح ، وأمّا مع عدمه فلأنّ مثل ذلک لا یعد إتلافا.

حکم تنفیر حمام الحرم

ص: 368


1- المنتهی 2 : 831.
2- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 140.
3- المقنعة : 68.
4- التهذیب 5 : 350.
5- نقله عنه فی المسالک 1 : 140.

الثالثة : إذا رمی اثنان فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر فعلی المصیب فداء بجنایته ، وکذا علی المخطئ لإعانته.

______________________________________________________

ولو کان المنفّر حمامة واحدة ففی وجوب الشاة مع العود وعدمه وجهان ، یلتفتان إلی أن الحمام اسم جنس أو جمع فعلی الأوّل یتعلق الحکم بالواحدة دون الثانی.

واستقرب العلامة فی القواعد (1) ، وجماعة عدم وجوب الشاة فی تنفیر الواحدة مع العود ، حذرا من لزوم تساوی حالتی العود وعدمه ، مع أنّ مقتضی أصل الحکم الفرق بینهما.

ولو کان المنفّر جماعة ففی تعدد الفداء علیهم أو اشتراکهم فیه خصوصا مع کون فعل کلّ واحد لا یوجب النفور وجهان ، وکذا الوجهان فی إلحاق غیر الحمام به ، والکلام فی فروع هذه المسألة قلیل الفائدة ، لعدم ثبوت مستند الحکم من أصله کما اعترف به الشیخ (2) وغیره (3). والمطابق للقواعد عدم وجوب شی ء مع العود ولزوم فدیة التلف علی الوجه المقرر فی حکم الإحرام والحرم مع عدمه إن نزّلنا التنفیر مع عدم العود منزلة الإتلاف ، وإلاّ اتجه السقوط مطلقا.

قوله : ( الثالثة ، إذا رمی اثنان فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر فعلی المصیب فداء لجنایته ، وکذا علی المخطئ لإعانته ).

لا یخفی أن رمی الاثنین وإصابة أحدهما دون الآخر لا یقتضی تحقق الإعانة من المخطئ ، والأصح لزوم الفدیة للمخطئ مطلقا کما اختاره الشیخ (4) وأکثر الأصحاب ، لصحیحة ضریس بن أعین قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجلین محرمین رمیا صیدا فأصابه أحدهما قال : « علی کلّ

حکم الصید الذی رماه اثنان فأصابه أحدهما

ص: 369


1- القواعد 1 : 96.
2- التهذیب 5 : 350.
3- کالعلامة فی المنتهی 2 : 831 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 140.
4- النهایة : 225 ، والمبسوط 1 : 341.

الرابعة : إذا أوقد جماعة نارا فوقع فیها صید لزم کل واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطیاد ، وإلا ففداء واحد.

______________________________________________________

واحد منهما الفداء » (1).

وروایة إدریس بن عبد الله قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن محرمین یرمیان صیدا فأصابه أحدهما ، الجزاء بینهما أو علی کل واحد منهما؟ قال : « علیهما جمیعا ، یفدی کلّ واحد منهما علی حدته » (2).

وقال ابن إدریس : لا یجب علی المخطئ شی ء إلاّ أن یدل فیجب للدلالة لا للرمی (3). وهو جید لو لا ورود الروایتین باللزوم.

ولو تعدد الرماة ففی تعدی الحکم إلی الجمیع أوجه ، أوجهها لزوم فداء واحد لجمیع من أخطأ. والأظهر عدم تعدی هذا الحکم إلی المحلین إذا رمیا الصید فی الحرم بالنسبة إلی القیمة ، قصرا لما خالف الأصل علی موضع الوفاق.

قوله : ( الرابعة : إذا أوقد جماعة نارا فوقع فیها صید لزم لکلّ واحد منهم فداء إذا قصدوا الاصطیاد ، وإلا ففداء واحد ).

الأصل فی هذه المسألة ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن أبی ولاّد الحنّاط قال : خرجنا ستة نفر من أصحابنا إلی مکّة فأوقدنا نارا عظیمة فی بعض المنازل أردنا أن نطرح علیها لحما نکببه وکنا محرمین فمرّ بنا طائر صاف مثل حمامة أو شبهها فأحرقت جناحاه فسقطت فی النّار فماتت فاغتممنا لذلک ، فدخلت علی أبی عبد الله علیه السلام بمکّة فأخبرته وسألته فقال : « علیکم فداء واحد ، دم شاة تشترکون فیه جمیعا لأنّ ذلک کان منکم علی غیر تعمد ، ولو کان ذلک منکم تعمدا لیقع فیها الصید فوقع ألزمت کلّ رجل

حکم من أوقد نارا فوقع فیها صید

ص: 370


1- التهذیب 5 : 352 - 1223 ، الوسائل 9 : 212 أبواب کفارات الصید ب 20 ح 1.
2- التهذیب 5 : 351 - 1222 ، الوسائل 9 : 212 أبواب کفارات الصید ب 20 ح 2.
3- السرائر : 131.

الخامسة : إذا رمی صیدا ، فاضطرب فقتل فرخا أو صیدا آخر کان علیه فداء الجمیع ، لأنه سبب الإتلاف.

السادسة : السائق یضمن ما تجنیه دابته ، وکذا الراکب إذا

______________________________________________________

منکم دم شاة » قال أبو ولاّد : وکان ذلک منا قبل أن ندخل الحرم (1).

ومورد الروایة إیقاد النّار فی حال الإحرام قبل دخول الحرم ، وألحق جمع من الأصحاب بذلک ، المحل فی الحرم بالنسبة إلی لزوم القیمة ، وصرحوا باجتماع الأمرین علی المحرم فی الحرم. وهو جید مع القصد بذلک إلی الاصطیاد ، أمّا بدونه فمشکل ، لانتفاء النص.

ولو اختلفوا فی القصد وعدمه بأن قصد بعض دون بعض اختص کلّ بحکمه ، فیجب علی کل من القاصدین فداء ، وعلی من لم یقصد فداء واحد ، ولو کان غیر القاصد واحدا فإشکال ینشأ من مساواته القاصد مع أنّه أخفّ منه حکما. واحتمل الشهید فی الدروس مع اختلافهم فی القصد أن یجب علی من لم یقصد ما کان یلزمه مع عدم قصد الجمیع ، فلو کانا اثنین مختلفین فعلی القاصد شاة ، وعلی الآخر نصفها لو کان الواقع کالحمامة (2). وهو حسن.

قوله : ( الخامسة ، إذا رمی صیدا فاضطرب فقتل فرخا أو صیدا آخر کان علیه فداء الجمیع ، لأنه سبب فی الإتلاف ).

أمّا ضمان الصید المرمی (3) فواضح ، وأمّا ضمان الفرخ والصید الآخر المقتول فلمکان السببیة کالدلالة ، ولا فرق فی ذلک بین المحرم فی الحل والمحل فی الحرم ومن جمع الوصفین ، فیضمن کل واحد ما یلزمه شرعا.

قوله : ( السادسة ، السائق یضمن ما تجنیه دابته ، وکذا الراکب

حکم من رمی صیدا فقتل آخر
ضمان السائق ما تجنیه دابته

ص: 371


1- الکافی 4 : 392 - 5 ، الوسائل 9 : 211 أبواب کفارات الصید ب 19 ح 1.
2- الدروس : 101.
3- فی « م » زیادة : إذا قتل أو جرح ولم یعلم حاله.

وقف بها. وإذا سار ضمن ما تجنیه بیدیها.

______________________________________________________

إذا وقف بها ، وإذا سار ضمن ما تجنیه بیدیها ).

إطلاق ضمان السائق والراکب فی حال الوقوف ما تجنیه الدابّة یشمل یدیها ورأسها ورجلیها ، ومقتضی تخصیص ضمان الراکب إذا کان سائرا بما تجنیه الدابّة بیدیها عدم ضمان جنایة غیرهما من الرأس والرجلین. وألحق العلامة فی المنتهی الرأس بالیدین واقتصر علی سقوط ضمان جنایة الرجلین خاصة (1) ، واستدل بقوله علیه السلام « الرجل جبار » (2) أی هدر.

ولم أقف فی هذا التفصیل علی روایة من طرق الأصحاب إلاّ أنّ حکمها فی مطلق الجنایة کذلک. نعم روی الشیخ فی الصحیح ، عن أبی الصباح الکنانی أنّه قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ما وطئته أو وطئه بعیرک أو دابّتک وأنت محرم فعلیک فداؤه » (3) وروی الکلینی فی الحسن. عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ما وطئته أو وطئه بعیرک وأنت محرم فعلیک فداؤه » (4) وهاتان الروایتان مطلقتان فی ضمان ما تطأه الدابّة من غیر فرق بین الیدین والرجلین.

وذکر العلامة فی المنتهی (5) أنّ الدابّة لو انفلتت فأتلفت صیدا لم یضمنه ، لانتفاء الید والحال هذه ، ولقول النبی صلی الله علیه و آله « العجماء جبار » (6). وهو جید ، بل یحتمل قویا عدم الضمان إذا أتلفت شیئا وهی سائبة للرعی أو الاستراحة ، للأصل وانتفاء الید وعدم العموم فی الخبرین المتقدمین.

ص: 372


1- المنتهی 2 : 831.
2- سنن أبی داود 4 : 196 - 4592 ، سنن البیهقی 8 : 344.
3- التهذیب 5 : 355 - 1232 ، الإستبصار 2 : 202 - 686 ، الوسائل 9 : 215 أبواب کفارات الصید ب 23 ح 2.
4- الکافی 4 : 382 - 10 ، الوسائل 9 : 249 أبواب کفارات الصید ب 53 ح 1.
5- المنتهی 2 : 831.
6- سنن البیهقی 8 : 343.

السابعة : إذا أمسک صیدا له طفل فتلف بإمساکه ضمن. وکذا لو أمسک المحل صیدا له طفل فی الحرم.

الثامنة : إذا أغری المحرم کلبه بصید فقتله ضمن ، سواء

______________________________________________________

ومورد الروایتین ضمان المحرم ما یطؤه بعیره أو دابّته ، أمّا المحل فی الحرم فلم أقف علی روایة تتضمن تضمینه بجنایة دابّته إلاّ أنّ الأصحاب قاطعون بأنّ ما یضمنه المحرم فی الحل یضمنه المحل فی الحرم ، ویتضاعف الجزاء مع اجتماع الأمرین.

قوله : ( السابعة ، إذا أمسک صیدا له طفل فتلف بإمساکه ضمن ).

المراد أنّه إذا أمسک المحرم صیدا له طفل فتلف الطفل بإمساک الصید ضمن الطفل ، ولا ریب فی ذلک لکون الممسک سببا فی الإتلاف ، ولأنّ ذلک أقوی من الدلالة المقتضیة للضمان بالنص الصحیح. أمّا الصید الممسک فإن تلف ضمن أیضا ، وإلاّ فلا.

قوله : ( وکذا لو أمسک المحل صیدا له طفل فی الحرم ).

أی : وکذا یضمن الطفل الکائن فی الحرم بإمساک أمّه - لمکان السببیة - وإن کان الإمساک فی الحل ، لکن لا یضمن الأمّ علی هذا التقدیر ، ولو کان الإمساک فی الحرم ضمنهما معا کالمحرم.

ولو أمسک المحل الأمّ فی الحرم فمات الطفل فی الحلب ضمن الأمّ مع التلف قطعا ، وفی ضمان الطفل وجهان : من کون الإتلاف بسبب صدر فی الحرم فصار کما لو رمی من الحرم ، ومن أنّ الإتلاف فی الحل فلا یکون مضمونا. وقوّی الشارح الأوّل (1) ، وهو أحوط.

قوله : ( الثامنة : إذا أغری المحرم کلبه بصید فقتله ضمن ، سواء

حکم تلف الفرخ بإمساک أمه
حکم اغراء المحرم کلبه بصید

ص: 373


1- المسالک 1 : 141.

کان فی الحل أو الحرم ، لکن یتضاعف إذا کان الحرم.

التاسعة : لو نفّر صیدا فهلک بمصادمة شی ء أو أخذه جارح ضمنه.

العاشرة : لو وقع الصید فی شبکة فأراد تخلیصه فهلک أو عاب ضمن.

______________________________________________________

کان فی الحل أو فی الحرم ، لکن یتضاعف إذا کان فی الحرم ).

لا ریب فی الضمان مع الإغراء بالصید ، لأنّه سبب فی إتلافه ، واحترز المصنف بقوله : إذا أغری المحرم کلبه بصید ، عمّا لو أغراه عابثا من غیر معاینة صید فاتفق خروج الصید فقتله ، فإنّه لا یضمن ، لأنّه لم یوجد منه قصد الصید ، مع احتمال الضمان لحصول التلف بسببه ، وعدم تأثیر الجهالة فی ذلک ، لأنّ الصید یضمن مع الجهل.

وألحق العلامة فی التذکرة بالإغراء بالصید حلّ المحرم رباط الکلب عند معاینة الصید ، لأنّه یصید عند المعاینة بمقتضی طبعه ، فیکون الحلّ سببا فی التلف کالإغراء (1). وهو حسن.

قوله : ( التاسعة ، لو نفّر صیدا فهلک بمصادمة شی ء أو أخذه جارح ضمنه ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بأنّ الصید یضمن بالتنفیر إلی أن یعود إلی السکون ، وهو قریب من المدعی. وینبغی القطع بعدم الضمان مع اشتباه الحال. وفی ضمانه إذا تلف فی حال النفار بآفة سماویة وجهان ، ذکرهما فی التذکرة ولم یرجح شیئا (2).

قوله : ( العاشرة ، لو وقع الصید فی شبکة فأراد تخلیصه فهلک أو عاب ضمن ).

هذا الحکم مشکل أیضا علی إطلاقه ، وینبغی القطع بعدم الضمان مع

حکم من نفر صیدا فهلک
حکم من أراد تخلیص الصید فهلک

ص: 374


1- التذکرة 1 : 350.
2- التذکرة 1 : 350.

الحادیة عشرة : من دل علی صید فقتل ضمنه.

______________________________________________________

انتفاء التعدی والتفریط ، لأنّ تخلیصه علی هذا الوجه مباح بل إحسان محض ، و ( ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ ) ، ومثله ما لو خلّص الصید من فم هرّة أو سبع ، أو من شقّ جدار ، أو أخذه لیداویه ویتعهده فمات فی یده.

قوله : ( الحادیة عشرة ، من دلّ علی صید فقتل ضمنه ).

أجمع علماؤنا وأکثر العامة علی أن المحرم إذا دلّ علی صید فقتل ضمنه ، ویدلّ علیه من طریق الأصحاب روایات ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المحرم لا یدلّ علی الصید ، فإن دلّ علیه فقتل فعلیه الفداء » (1) وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تستحلنّ شیئا من الصید وأنت حرام ، ولا وأنت حلال فی الحرم ، ولا تدلّنّ علیه محلا ولا محرما فیصطادوه ، ولا تشر إلیه فیستحل من أجلک ، فإنّ فیه فداءا لمن تعمده » (2).

ویستفاد من قول المصنف : من دل علی صید فقتل ضمنه ، أنّه لو لم یقتل فلا ضمان علی الدّال ، وهو کذلک وإن أثم بالدّلالة.

وقد قطع العلامة (3) وغیره (4) بمساواة المحل فی الحرم للمحرم فی الضمان بالدلالة. وهو جید ، لظاهر صحیحة الحلبی المتقدمة ، أمّا المحل فی الحل فلا ضمان علیه قطعا لکنّه یأثم إذا کان المدلول محرما أو محلا فی الحرم ، وإن کان الصید فی الحل فیما قطع به الأصحاب ، لما فیه من المعاونة علی الإثم والعدوان ، واحتمل العلامة فی المنتهی الضمان علی هذا

حکم من دل علی صید فقتل

ص: 375


1- الکافی 4 : 381 - 2 ، الوسائل 9 : 208 أبواب کفارات الصید ب 17 ح 2.
2- الکافی 4 : 381 - 1 ، الوسائل 9 : 208 أبواب کفارات الصید ب 17 ح 1.
3- المنتهی 2 : 832.
4- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 141.

الفصل الثّالث : فی صید الحرم.

یحرم من الصید علی المحل فی الحرم ما یحرم علی المحرم فی الحل.

______________________________________________________

التقدیر أیضا ، لأنّه أعان علی محرم فکان کالمشارک (1).

واعلم أنّ صور المسألة ترتقی إلی اثنتین وثلاثین صورة. لأنّ الدال والمدلول إمّا أن یکونا محلّین أو محرمین أو بالتفریق ، وعلی کلّ تقدیر فإمّا أن یکونا فی الحل أو فی الحرم أو بالتفریق ، فهذه ست عشرة صورة ، وعلی کلّ تقدیر فإمّا أن یکون الصید فی الحل أو فی الحرم ، وأحکامها یعلم مما حررناه.

قوله : ( الفصل الثالث ، فی صید الحرم : یحرم من الصید علی المحل فی الحرم ما یحرم علی المحرم فی الحل ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء کافة ، حکاه فی المنتهی (2) ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان : أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) (3) فقال : « من دخل الحرم مستجیرا به فهو آمن من سخط الله عزّ وجلّ ، وما دخل من الوحش والطیر کان آمنا من أن یهاج أو یؤذی حتی یخرج من الحرم » (4) وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تستحلنّ شیئا من الصید وأنت حرام ، ولا وأنت حلال فی الحرم » (5).

ویجوز للمحل فی الحرم قتل القمل والبراغیث والبق والنمل إجماعا ، لما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی

صید الحرم

حرمة صید الحرم علی المحل

ص: 376


1- المنتهی 2 : 802.
2- المنتهی 2 : 800.
3- آل عمران : 97.
4- الفقیه 2 : 163 - 703 ، الوسائل 9 : 202 أبواب کفارات الصید ب 13 ح 1.
5- الکافی 4 : 381 - 1 ، الوسائل 9 : 203 أبواب کفارات الصید ب 13 ح 6.

فمن قتل صیدا فی الحرم کان علیه فداؤه.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام أنّه قال : « لا بأس بقتل البق والنمل فی الحرم » وقال : « لا بأس بقتل القملة فی الحرم وغیره » (1) وما رواه الکلینی ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة فی الحرم » (2).

قوله : ( فمن قتل صیدا فی الحرم کان علیه فداؤه ).

لا فرق فی القاتل بین أن یکون محلا أو محرما ، لکن المراد هنا المحل بقرینة المقام ، ولتصریح المصنف بعد ذلک بحکم المحرم. والمراد بالفداء هنا القیمة ، لأنّها هی الواجبة فی صید الحرم عند المصنف (3) ، وأکثر الأصحاب بل قیل : إنّه إجماع (4). ولقد أحسن المصنف فی النافع حیث قال : من قتل فیه - یعنی الحرم - صیدا ضمنه ولو کان محلا (5). إذ المتبادر من الضمان ضمان القیمة کما أنّ المتبادر من الفداء خلافه.

وقد ورد بضمان القیمة فی صید الحرم روایات کثیرة ، کحسنة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : قال : « إن أصبت الصید وأنت حرام فی الحرم فالفداء مضاعف علیک ، وإن أصبته وأنت حلال فی الحرم فقیمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام فی الحل فإنّما علیک فداء واحد » (6).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه قال : « فإن قتلها -

وجوب الفداء علی قاتل صیدالحرم

ص: 377


1- الفقیه 2 : 172 - 761 ، التهذیب 5 : 366 - 1277 ، الوسائل 9 : 171 أبواب تروک الإحرام ب 84 ح 2 ، 3.
2- الکافی 4 : 364 - 11 ، الوسائل 9 : 171 أبواب تروک الإحرام ب 84 ح 4.
3- راجع ص 338.
4- کما فی التذکرة 1 : 330.
5- المختصر النافع : 103.
6- الکافی 4 : 395 - 4 ، الوسائل 9 : 241 أبواب کفارات الصید ب 44 ح 5.

ولو اشترک جماعة فی قتله فعلی کل واحد فداء ، وفیه تردد.

وهل یحرم وهو یؤمّ الحرم؟ قیل : نعم ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

یعنی الحمامة - فی الحرم ولیس بمحرم فعلیه ثمنها » (1).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إذا أصاب المحرم فی الحرم حمامة إلی أن یبلغ الظبی فعلیه دم یهریقه ویتصدق بمثل ثمنه ، فإن أصاب منه وهو حلال فعلیه أن یتصدق بمثل ثمنه » (2) والأخبار الواردة بذلک کثیرة جدا.

وحکی العلامة فی المختلف عن الشیخ قولا بأنّ من ذبح صیدا فی الحرم وهو محل کان علیه دم (3). وهو ضعیف.

قوله : ( ولو اشترک جماعة فی قتله فعلی کلّ واحد فداء ، وفیه تردد ).

المراد بالفداء هنا : القیمة ، وذکر الشارح أنّ منشأ التردد أصالة البراءة واشتراک المحلین والمحرمین فی العلة المقتضیة للزوم الفداء وهی الإقدام علی قتل الصید فیتساویان فی الحکم (4). ولا یخفی ضعف الوجه الثانی من وجهی التردد ، فإنّه لا یخرج عن القیاس. وقوّی الشیخ - رحمه الله - لزوم الجمیع جزاء واحد ، لأصالة البراءة من الزائد (5). وهو متجه.

قوله : ( وهل یحرم وهو یؤم الحرم؟ قیل : نعم ، وقیل : یکره ، وهو الأشبه ).

حکم اشتراک جماعة فی قتل صید الحرم

حکم الصید الذی یؤم الحرم

ص: 378


1- الکافی 4 : 395 - 1 ، التهذیب 5 : 370 - 1289 ، الوسائل 9 : 240 أبواب کفارات الصید ب 44 ح 2.
2- الفقیه 2 : 167 - 726 ، الوسائل 9 : 240 أبواب کفارات الصید ب 44 ح 1.
3- المختلف : 278.
4- المسالک 1 : 141.
5- المبسوط 1 : 346.

______________________________________________________

القول بالتحریم للشیخ (1) - رحمه الله - وجمع من الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : کان یکره أن یرمی الصید وهو یؤم الحرم (2). وعن علی بن عقبة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل قضی حجّه ثمّ أقبل حتی إذا خرج من الحرم فاستقبله صید قریبا من الحرم والصید متوجه نحو الحرم فرماه فقتله ، ما علیه؟ قال : « یفدیه علی نحوه » (3).

وفی الروایتین ضعف من حیث السند (4) ، مع أنّهما معارضتان بما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل رمی صیدا فی الحل وهو یؤم الحرم فیما بین البرید والمسجد ، فأصابه فی الحل ، فمضی برمیته حتی دخل الحرم فمات من رمیته ، هل علیه جزاء؟ قال : « لیس علیه جزاء إنّما مثل ذلک مثل من نصب شرکا فی الحل إلی جانب الحرم فوقع فیه صید فاضطرب حتی دخل الحرم فلیس علیه جزاؤه ، لأنّه نصب حیث نصب وهو له حلال ، ورمی حیث رمی وهو له حلال ، فلیس علیه فیما کان بعد ذلک شی ء » ، فقلت : هذا القیاس عند الناس ، فقال : « إنّما شبّهت لک ذلک الشی ء بالشی ء لتعرفه » (5).

والقول بالکراهة لابن إدریس (6) وأکثر المتأخرین ، ووجهه معلوم ممّا قررناه.

ص: 379


1- المبسوط 1 : 443.
2- التهذیب 5 : 359 - 1249 ، الوسائل 9 : 223 أبواب کفارات الصید ب 29 ح 1.
3- التهذیب 5 : 360 - 1251 ، الإستبصار 2 : 206 - 703 ، الوسائل 9 : 224 أبواب کفارات الصید ب 30 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 397 - 8.
4- أما الأولی فبالإرسال وإن کان المرسل ابن أبی عمیر کما صرح بذلک المصنف مرارا ، وأما الثانیة فلأن من جملة رجالها ابن فضال وهو فطحی ، وعقبة بن خالد فإنه لم یوثق صریحا فی کتب الرجال.
5- الفقیه 2 : 168 - 737 ، الوسائل 9 : 225 أبواب کفارات الصید ب 30 ح 3.
6- السرائر : 131.

لکن لو أصابه ودخل الحرم فمات ضمنه ، وفیه تردد.

ویکره الاصطیاد بین البرید والحرم علی الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( لکن لو أصابه ودخل الحرم فمات ضمنه ، وفیه تردد ).

منشأ التردد تعارض روایتی علی بن عقبة وعبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتین ، والأصح عدم الضمان لصحة مستنده.

وذکر الشارح أنّه میتة علی القولین (1) ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن مسمع ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل حل رمی صیدا فی الحل فتحامل الصید حتی دخل الحرم فقال : « لحمه حرام مثل المیتة » (2).

قوله : ( ویکره الاصطیاد بین البرید والحرم علی الأشبه ).

هذا البرید خارج الحرم محیط به من کل جانب ویسمی حرم الحرم ، والحرم فی داخله بریدا فی برید ستة عشر فرسخا ، ومعنی الاصطیاد بین البرید والحرم : الاصطیاد بین منتهی البرید وطرف الحرم.

وقد اختلف الأصحاب فی حکمه ، فذهب الأکثر إلی إباحته ، للأصل ، ولأن المانع من الاصطیاد إمّا الحرم أو الإحرام وهما مفقودان فتثبت الإباحة. وقال المفید فی المقنعة : وکل من قتل صیدا وهو محل فیما بینه وبین الحرم علی مقدار برید لزمه الفداء (3). وهو یعطی التحریم ، واستدل له الشیخ فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا کانت محلا فی الحل فقتلت صیدا فیما بینک وبین البرید إلی الحرم فإنّ علیک جزاءه ، فإن فقأت عینه أو کسرت قرنه تصدقت

کراهة الاصطیاد بین البرید والحرم

ص: 380


1- المسالک 1 : 142.
2- التهذیب 5 : 359 - 1250 ، الإستبصار 2 : 206 - 702 ، الوسائل 9 : 224 أبواب کفارات الصید ب 29 ح 2.
3- المقنعة : 69.

فلو أصاب صیدا فیه ففقأ عینه ، أو کسر قرنه کان علیه صدقة استحبابا. ولو ربط صیدا فی الحل فدخل الحرم لم یجز إخراجه.

______________________________________________________

بصدقة » (1).

وأجاب عنها المتأخرون بالحمل علی الاستحباب ، وهو مشکل لانتفاء المعارض.

قوله : ( فلو أصاب صیدا ففقأ عینه أو کسر قرنه کان علیه صدقة استحبابا ).

لورود الأمر بذلک فی صحیحة الحلبی المتقدمة ، ویتوجه علی حملها علی الاستحباب الإشکال المتقدم ، ولم یتعرض الأصحاب لغیر هاتین الجنایتین ، لعدم النص. وأصالة البراءة تقتضی عدم ترتب الکفارة فی غیرهما وإن کانت الجنایة محرمة ، إذ لیس من لوازم التحریم ترتب الکفارة کما بیّناه مرارا.

قوله : ( ولو ربط صیدا فی الحل فدخل الحرم لم یجز إخراجه ).

لأنّه بعد الدخول یصیر من صید الحرم فیتعلق به حکمه ، ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن ظبی دخل الحرم قال : « لا یؤخذ ولا یمس إنّ الله تعالی یقول ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) (2) (3) وعن عبد الأعلی بن أعین قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أصاب صیدا فی الحل فربطه إلی جانب الحرم فمشی الصید بربطه حتی دخل الحرم والرباط فی عنقه فاجتره الرجل بحبله حتی أخرجه - والرجل فی الحل - من الحرم فقال :

حکم من ربط صیدا فدخل الحرم

ص: 381


1- التهذیب 5 : 361 - 1255 ، الوسائل 9 : 228 أبواب کفارات الصید ب 32 ح 1.
2- آل عمران : 97.
3- التهذیب 5 : 362 - 1258 ، الوسائل 9 : 231 أبواب کفارات الصید ب 36 ح 2.

ولو کان فی الحل ورمی صیدا فی الحرم فقتله فداه. وکذا لو کان فی الحرم ورمی صیدا فی الحل فقتله.

______________________________________________________

« ثمنه ولحمه حرام مثل المیتة » (1)

قوله : ( ولو کان فی الحل فرمی صیدا فی الحرم فقتله فداه ).

یدل علی ذلک مضافا إلی الإجماع المنقول (2) قول الصادق علیه السلام فی صحیحة عبد الله بن سنان : « وما دخل من الوحش والطیر کان آمنا من أن یهاج أو یؤذی حتی یخرج من الحرم » (3).

وفی معنی إرسال السهم إرسال الکلب ونحوه ، لکن یشترط فی ضمان مقتول الکلب ونحوه أن یکون مرسلا إلیه ، فلو أرسل علی صید فی الحل فدخل الکلب بنفسه إلی الحرم فقتل صیدا غیره فلا ضمان ، کما لو استرسل من نفسه من غیر أن یرسله صاحبه. ولو أرسله علی صید فی الحل فدخل الصید الحرم فتبعه الکلب فقتله فی الحرم فقد استقرب العلاّمة فی المنتهی الضمان ، لأنّه قتل صیدا حرمیا بإرسال کلبه علیه فکان علیه ضمانه (4) ، ویحتمل العدم للأصل وعدم ثبوت کلیّة کبری الدلیل الأوّل.

قوله : ( وکذا لو کان فی الحرم فرمی صیدا فی الحل فقتله ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه عن مسمع ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل حل فی الحرم رمی صیدا خارجا من الحرم فقتله قال : « علیه الجزاء لأنّ الآفة

ص: 382


1- التهذیب 5 : 361 - 1254 ، الوسائل 9 : 206 أبواب کفارات الصید ب 15 ح 1 ، ورواها فی الکافی 4 : 238 - 30.
2- کما فی المسالک 1 : 142.
3- الکافی 4 : 226 - 1 ، الفقیه 2 : 163 - 703 ، الوسائل 9 : 202 أبواب کفارات الصید ب 13 ح 1.
4- المنتهی 2 : 807.

ولو کان بعض الصید فی الحرم فأصاب ما هو فی الحل أو فی الحرم منه فقتله ضمنه. ولو کان الصید علی فرع شجرة فی الحل فقتله ضمن إذا کان أصلها فی الحرم.

ومن دخل بصید إلی الحرم وجب علیه إرساله. ولو أخرجه فتلف

______________________________________________________

جاءت الصید من ناحیة الحرم » (1) وفی الطریق ضعف (2).

قوله : ( ولو کان بعض الصید فی الحرم فأصاب ما هو فی الحل أو فی الحرم منه فقتله ضمنه ).

علّله فی المنتهی بتغلیب جانب الحرم (3). وربما کان فی صحیحة ابن سنان المتقدمة دلالة علیه.

قوله : ( ولو کان الصید علی فرع شجرة فی الحل فقتله ضمنه إذا کان أصلها فی الحرم ).

یدل علی ذلک صریحا ما رواه الشیخ ، عن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علی علیه السلام : أنّه سئل عن شجرة أصلها فی الحرم وأغصانها فی الحل علی غصن منها طیر رماه رجل فصرعه قال : « علیه جزاؤه إذا کان أصلها فی الحرم » (4) ویشهد لهذه الروایة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن شجرة أصلها فی الحرم وفرعها فی الحل فقال : « حرم فرعها لمکان أصلها قال ، قلت : فإن أصلها فی الحل وفرعها فی الحرم قال حرم أصلها لمکان فرعها » (5).

قوله : ( ومن دخل بصید إلی الحرم وجب علیه إرساله ، ولو

حکم من دخل بصید إلی الحرم

ص: 383


1- التهذیب 5 : 362 - 1256 ، الوسائل 9 : 229 أبواب کفارات الصید ب 33 ح 1.
2- لوقوع الهیثم بن أبی مسروق فیه ، ولیس هناک ما یعتمد علیه فی توثیقه عند المصنف.
3- المنتهی 2 : 807.
4- التهذیب 5 : 386 - 1347 ، الوسائل 9 : 177 أبواب تروک الإحرام ب 90 ح 2.
5- التهذیب 5 : 379 - 1321 ، الوسائل 9 : 177 أبواب تروک الإحرام ب 90 ح 1.

کان علیه ضمانه ، سواء کان التلف بسببه أو بغیره.

______________________________________________________

أخرجه فتلف کان علیه ضمانه ، سواء کان التلف بسببه أو بغیره ).

هذا قول علمائنا وأکثر العامة ، ویدل علیه روایات کثیرة ، منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن شهاب بن عبد ربه قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنّی أتسحر بفراخ أوتی بها من غیر مکة فتذبح فی الحرم فأتسحر بها فقال : « بئس السحور سحورک ، أما علمت أنّ ما أدخلت به الحرم حیا فقد حرم علیک ذبحه وإمساکه » (1).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار : أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن طیر أهلی أقبل فدخل الحرم فقال : « لا تمس إنّ الله عزّ وجلّ یقول : ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) (2) » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن ظبی دخل الحرم قال : « لا یؤخذ ولا یمس إنّ الله تعالی یقول ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) (4) » (5).

وفی الصحیح ، عن بکیر بن أعین قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أصاب ظبیا فأدخله الحرم فمات الظبی فی الحرم فقال : « إن کان حین أدخله خلی سبیله فلا شی ء علیه ، وإن أمسکه حتی مات فعلیه الفداء » (6) ویستفاد من هذه الروایة لزوم الفداء بإمساکه فی الحرم إلی أن یموت سواء أخرجه أو لم یخرجه.

ص: 384


1- الفقیه 2 : 170 - 746 ، الوسائل 9 : 200 أبواب کفارات الصید ب 12 ح 4.
2- آل عمران : 97.
3- الفقیه 2 : 170 - 743 ، الوسائل 9 : 231 أبواب کفارات الصید ب 36 ح 1.
4- آل عمران : 97.
5- التهذیب 5 : 362 - 1258 ، الوسائل 9 : 231 أبواب کفارات الصید ب 36 ح 2.
6- التهذیب 5 : 362 - 1259 ، الوسائل 9 : 231 أبواب کفارات الصید ب 36 ح 3. ورواها فی الکافی 4 :6. 27.

ولو کان طائرا مقصوصا وجوب علیه حفظه حتی یکمل ریشه ثم یرسله.

______________________________________________________

قوله : ( ولو کان طائرا مقصوصا وجوب علیه حفظه حتی یکمل ریشه ثمّ یرسله ).

یدل علی ذلک روایات منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فیمن أصاب طیرا فی الحرم قال : « إن کان مستوی الجناح فلیخلّ عنه ، وإن کان غیر مستو نتفه وأطعمه وأسقاه ، فإذا استوی جناحاه خلّی عنه » (1).

وفی الصحیح ، عن زرارة : أنّ الحکم سأل أبا جعفر علیه السلام عن رجل أهدی له فی الحرم حمامة مقصوصة فقال : « انتفها وأحسن علفها حتی إذا استوی ریشها فخل سبیلها » (2).

وروایة کرب الصیرفی قال : کنا جماعة فاشترینا طیرا فقصصناه ودخلنا به مکة فعاب ذلک علینا أهل مکة ، فأرسل کرب إلی أبی عبد الله علیه السلام فسأله فقال : « استودعوه رجلا من أهل مکة مسلما أو امرأة مسلمة فإذا استوی خلوا سبیله » (3).

ومقتضی الروایة جواز إیداعه المسلم لیحفظه إلی أن یکمل ریشه.

واعتبر العلاّمة فی المنتهی کونه ثقة (4) لقول الصادق علیه السلام فی روایة مثنی : « تنظرون امرأة لا بأس بها فتعطونها الطیر تعلفه وتمسکه حتی إذا استوی جناحاه خلّته » (5).

ویستفاد من هذه الروایات وجوب مؤنته علی الممسک زمان بقائه. ولو

حکم من دخل بطائر مقصوص الجناح

ص: 385


1- الفقیه 2 : 167 - 730 ، الوسائل 9 : 199 أبواب کفارات الصید ب 12 ح 1.
2- الفقیه 2 : 168 - 735 ، الوسائل 9 : 199 أبواب کفارات الصید ب 12 ح 2.
3- الفقیه 2 : 169 - 738 ، الوسائل 9 : 201 أبواب کفارات الصید ب 12 ح 13. ورواها فی الکافی 4 :3. 6.
4- المنتهی 2 : 806.
5- الکافی 4 : 237 - 24 ، الوسائل 9 : 200 أبواب کفارات الصید ب 12 ح 10.

وهل یجوز صید حمام الحرم وهو فی الحل؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو أحوط. ومن نتف ریشة من حمام الحرم کان علیه صدقة ، ویجب أن یسلمها بتلک الید.

______________________________________________________

أرسله قبل ذلک قیل : یضمنه مع تلفه أو اشتباه حاله ، لأنّ ذلک بمنزلة الإتلاف (1). وهو حسن.

وهل یلحق بالطائر ما یشارکه فی عدم الامتناع کالفرخ؟ قیل : لا ، لعدم النص. وقیل : نعم (2) ، لأنّ إرساله فی معنی إتلافه. ویقوی الإشکال إذا کان زمنا مأیوسا من عوده إلی الصحة ، لما فی الالتزام بحفظه ومؤنته دائما من الحرج.

قوله : ( وهل یجوز صید حمام الحرم وهو فی الحل؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو أحوط ).

القولان للشیخ رحمه الله (3) ، والأصح التحریم ، لصحیحة علی بن جعفر قال : سألت أخی موسی علیه السلام عن حمام الحرم یصاد فی الحل؟ فقال : « لا یصاد حمام الحرم حیث کان إذا علم أنّه من حمام الحرم » (4).

قوله : ( ومن نتف ریشة من حمام الحرم کان علیه صدقة ، ویجب أن یسلمها بتلک الید ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی المنتهی (5) بما رواه الشیخ ، عن إبراهیم بن میمون قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام رجل نتف ریشة حمامة من حمام الحرم فقال : « یتصدق بصدقة

حکم صید حمام الحرم فی الحل

حکم من نتف ریشة من حمام الحرم

ص: 386


1- کما فی المنتهی 2 : 806 ، والتذکرة 1 : 331.
2- جامع المقاصد 1 : 183.
3- التهذیب 5 : 348 ، والمبسوط 1 : 341.
4- التهذیب 5 : 348 - 1209 ، الوسائل 9 : 203 أبواب کفارات الصید ب 13 ح 4.
5- المنتهی 2 : 828.

ومن أخرج صیدا من الحرم وجب علیه إعادته. ولو تلف قبل ذلک ضمنه.

______________________________________________________

علی مسکین ، ویعطی بالید الّتی نتف بها ، فإنّه قد أوجعه » (1).

وهذه الروایة ضعیفة السند بجهالة الراوی ، ومقتضاها أنّه یجزی مسمی الصدقة وأنّه لا یجوز إخراجها بغیر الید الجانیة.

ومورد الروایة نتف الریشة الواحدة فلو نتف أکثر احتمل الأرش کغیره من الجنایات ، وتعدد الفدیة بتعدده. واستوجه العلامة فی المنتهی تکرر الفدیة إن کان النتف متفرقا ، والأرش إن کان دفعة (2). ویشکل الأرش حیث لا یوجب ذلک نقصا أصلا ، لکن هذه الروایة مرویة فی الکافی ، ومن لا یحضره الفقیه وصورة متنها : رجل نتف حمامة من حمام الحرم قال : « یتصدق. » (3) وهو یتناول نتف الریشة فما فوقها.

ولو نتف غیر الحمامة أو غیر الریش قیل : وجب الأرش (4). وهو جیّد إذا اقتضی ذلک نقص القیمة.

ولو حدث بنتف الریشة عیب فی الحمامة ضمن أرشه مع الصدقة ، ولا یجب تسلیم الأرش بالید الجانیة ، ولا تسقط الفدیة بنبات الریش.

قوله : ( ومن أخرج صیدا من الحرم وجب علیه إعادته ، ولو تلف قبل ذلک ضمنه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ویدل علیه روایات ، منها صحیحة علی بن جعفر قال : سألت أخی موسی علیه السلام عن رجل أخرج حمامة من حمام الحرم إلی الکوفة أو إلی غیرها قال : « علیه أن یردّها ، فإن

حکم من أخرج صیدا من الحرم

ص: 387


1- التهذیب 5 : 348 - 1210. الوسائل 9 : 203 أبواب کفارات الصید ب 13 ح 5.
2- المنتهی 2 : 828.
3- الکافی 4 : 235 - 17 ، الفقیه 2 : 169 - 739 ، الوسائل 9 : 203 أبواب کفارات الصید ب 13 ح 5.
4- کما فی المنتهی 2 : 828.

ولو رمی بسهم فی الحل فدخل الحرم ثم خرج إلی الحل فقتل صیدا لم یجب الفداء.

ولو ذبح المحل فی الحرم صیدا کان میتة.

______________________________________________________

ماتت فعلیه ثمنها یتصدق به » (1) وصحیحة زرارة : أنّه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل أخرج طیرا من مکة إلی الکوفة قال : « یرده إلی مکة » (2).

ولیس فی الروایتین دلالة علی حکم غیر الطیر إلاّ أنّ الأصحاب قاطعون بتساوی أنواع الصید فی هذا الحکم.

قوله : ( ولو رمی بسهم فی الحل فدخل الحرم ثمّ خرج الی الحل فقتل صیدا لم یجب الفداء ).

إنّما لم یجب علیه الفداء لکون السبب من الحل والمقتول فی الحل ، ومجرد مرور السهم فی الحرم لم یثبت کونه مقتضیا للضمان. وعلّله فی المنتهی أیضا بأنّه لو عدا فسلک الحرم فی طریقه ثم خرج منه وقتل صیدا فی الحل فإنّه لا یضمنه إجماعا ، فالسهم أولی (3). وهو حسن.

قوله : ( ولو ذبح المحل فی الحرم صیدا کان میتة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات کثیرة ، منها صحیحة منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی حمام ذبح فی الحل فقال : « لا یأکله محرم ، وإذا أدخل مکة أکله المحل بمکة ، وإذا أدخل الحرم حیا ثمّ ذبح فی الحرم فلا یأکله لأنّه ذبح بعد ما دخل مأمنه » (4).

حکم رمی الصید عبر الحرم

حکم ذبح المحل الصید فی الحرم

ص: 388


1- التهذیب 5 : 349 - 1211 ، الوسائل 9 : 204 أبواب کفارات الصید ب 14 ح 2.
2- الکافی 4 : 234 - 9 وفیه عن أبی جعفر علیه السلام ، الفقیه 2 : 171 - 749 ، الوسائل 9 : 206 أبواب کفارات الصید ب 14 ح 8.
3- المنتهی 2 : 807.
4- التهذیب 5 : 376 - 1310 ، الإستبصار 2 : 213 - 728 ، الوسائل 9 : 80 أبواب تروک الإحرام ب 5 ح 4.

ولو ذبحه فی الحل وأدخله الحرم لم یحرم علی المحل ویحرم علی المحرم.

______________________________________________________

وصحیحة الحلبی قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن صید رمی فی الحل ثمّ أدخل الحرم وهو حی فقال : « إذا أدخله الحرم وهو حی فقد حرم لحمه وإمساکه » وقال : « لا تشتره فی الحرم إلاّ مذبوحا قد ذبح فی الحل ثمّ أدخل الحرم فلا بأس به » (1).

وصحیحة شهاب بن عبد ربه قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أتسحر بفراخ أوتی بها من غیر مکة فتذبح فی الحرم فأتسحر بها فقال : « بئس السحور سحورک ، أما علمت أنّ ما أدخلت به الحرم حیا فقد حرم علیک ذبحه وإمساکه » (2).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا یذبح فی الحرم إلاّ الإبل والبقر والغنم والدجاج » (3).

قوله : ( ولو ذبحه فی الحل وأدخله الحرم لم یحرم علی المحل ، ویحرم علی المحرم ).

أمّا تحریمه علی المحرم فلا ریب فیه ، وأمّا أنّه یحل للمحل فیدل علیه صحیحتا الحلبی ومنصور بن حازم المتقدمتان (4) ، وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه سئل عن الصید یصاد فی الحل ثمّ یجاء به إلی الحرم وهو حی فقال : « إذا أدخله الحرم حرم علیه أکله وإمساکه فلا تشترین فی الحرم إلا مذبوحا ذبح فی الحل ثمّ جی ء به إلی الحرم مذبوحا فلا بأس به للحلال » (5) وصحیحة عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله

حکم الصید المذبوح لو ادخل الحرم

ص: 389


1- التهذیب 5 : 376 - 1313 ، الإستبصار 2 : 214 - 731 ، الوسائل 9 : 80 أبواب تروک الإحرام ب 5 ح 1.
2- الفقیه 2 : 170 - 746 ، الوسائل 9 : 200 أبواب کفارات الصید ب 12 ح 4.
3- الکافی 4 : 231 - 1 ، الوسائل 9 : 170 أبواب تروک الإحرام ب 82 ح 5 ، وفیهما : بمکة ، بدل : فی الحرم.
4- فی ص 388.
5- الکافی 4 : 233 - 4 ، الوسائل 9 : 205 أبواب کفارات الصید 14 ح 6.

ولا یدخل فی ملکه شی ء من الصید علی الأشبه ، وقیل : یدخل وعلیه إرساله إن کان حاضرا معه.

______________________________________________________

علیه السلام الصید یصاد فی الحل ویذبح فی الحل ویدخل الحرم أیؤکل؟ قال : « نعم لا بأس به » (1).

قوله : ( ولا یدخل فی ملکه شی ء من الصید علی الأشبه ، وقیل : یدخل وعلیه إرساله إن کان حاضرا معه ).

موضع الخلاف ملک المحل فی الحرم ، لأنّ حکم المحرم فی ذلک سیجی ء التصریح به فی کلام المصنف - رحمه الله - وقد صرّح بذلک المصنف فی النافع فقال : وهل یملک المحل صیدا فی الحرم؟ الأشبه أنّه یملک ویجب إرسال ما یکون معه (2). ومقتضی قول المصنف : ولا یدخل فی ملکه شی ء من الصید ، أنّه لا فرق فی ذلک بین الحاضر والنائی ، وهو بعید جدا. واحتمل الشارح أن یکون قوله : إن کان حاضرا شرطا لقوله : ولا یدخل فی ملکه شی ء من الصید (3). وهو حسن من جهة المعنی إلاّ أنّه بعید من جهة اللفظ.

والقول بعدم دخول الصید فی الحرم فی ملک المحل والمحرم قیل : إنّه مذهب الأکثر (4). واستدل علیه بصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن طائر أهلی أدخل الحرم حیا فقال : « لا یمس ، إنّ الله عزّ وجلّ یقول ( وَمَنْ دَخَلَهُ کانَ آمِناً ) (5) » (6).

عدم دخول الصید فی الملک

ص: 390


1- التهذیب 5 : 377 - 1314 ، الإستبصار 2 : 214 - 732 ، الوسائل 9 : 80 أبواب تروک الإحرام ب 5 ح 2.
2- المختصر النافع : 106.
3- المسالک 1 : 142.
4- کما فی التذکرة 1 : 349.
5- آل عمران : 97.
6- الفقیه 2 : 170 - 743 ، التهذیب 5 : 348 - 1206 ، المقنعة : 70 ، الوسائل 9 : 201 أبواب کفارات الصید ب 12 ح 11.

الفصل الرّابع : فی التوابع

کل ما یلزم المحرم فی الحل من کفارة الصید أو المحل فی الحرم یجتمعان علی المحرم فی الحرم ، حتی ینتهی إلی البدنة فلا یتضاعف.

______________________________________________________

وصحیحة أخری لمعاویة بن عمار قال الحکم بن عتبة : سألت أبا جعفر علیه السلام ، ما تقول فی رجل أهدی له حمام أهلی وهو فی الحرم؟ فقال : « أما إن کان مستویا خلیت سبیله » (1).

ولیس فی الروایتین تصریح بعدم دخول فی الملک وإنّما المستفاد منهما وجوب إرساله خاصة کما هو اختیار المصنف فی النافع (2) ، وحکاه فخر المحققین فی شرحه عن الشیخ أیضا (3) ، وهو متجه.

ویندرج فی قول المصنف : ولا یدخل فی ملکه شی ء من الصید ، تملّکه بالشراء والاتهاب والإرث وغیر ذلک من الأسباب المملکة ، وعلی هذا فیکون الإحرام بالإضافة إلی الصید من موانع الإرث. واستقرب العلاّمة فی التذکرة انتقال الصید إلی المحرم بالمیراث ثمّ زوال ملکه عنه (4). ومستنده غیر واضح.

وکیف کان فینبغی القطع بدخول الصید النائی فی الملک ، تمسکا بعموم الأدلة وفحوی ما دلّ علی بقائه فی ملک المحرم.

قوله : ( الفصل الرابع ، فی التوابع : کل ما یلزم المحرم فی الحل من کفارة الصید أو المحل فی الحرم یجتمعان علی المحرم فی الحرم حتی ینتهی إلی البدنة فلا یتضاعف ).

ص: 391


1- التهذیب 5 : 348 - 1207 ، المقنعة : 70 ، الوسائل 9 : 201 أبواب کفارات الصید ب 12 ح 12.
2- المختصر النافع : 106.
3- إیضاح الفوائد 1 : 340.
4- التذکرة 1 : 351.

______________________________________________________

أمّا اجتماع الفداء والقیمة علی المحرم فی الحرم ، فهو قول أکثر الأصحاب ، واستدل علیه بأنّه جمع بین الإحرام والحرم وقد هتکهما فیلزمه جزاؤهما. ویدل علیه صریحا ما رواه الکلینی فی الحسن عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن قتل المحرم حمامة فی الحرم فعلیه شاة وثمن الحمامة ، درهم أو شبهه یتصدق به أو یطعمه حمام مکة ، فإن قتلها فی الحرم ولیس بمحرم فعلیه ثمنها » (1) وفی الحسن ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن أصبت الصید وأنت حرام فی الحرم فالفداء مضاعف علیک ، وإن أصبته وأنت حلال فی الحرم فقیمة واحدة ، وإن أصبته وأنت حرام فی الحل فإنّما علیک فداء واحد » (2).

وقال ابن الجنید (3) والمرتضی (4) فی أحد قولیه : یجب علی المحرم فی الحرم الفداء مضاعفا. ولعل مرادهما بذلک لزوم الفداء والقیمة.

وأما عدم التضاعف مع انتهاء الفداء إلی البدنة بمعنی أنّ ما یجب فیه بدنة لا یجب معها القیمة فهو اختیار الشیخ فی جملة من کتبه (5). ونصّ ابن إدریس علی التضاعف مع بلوغ البدنة أیضا (6). قال فی المختلف : وباقی أصحابنا أطلقوا القول بالتضعیف (7).

احتج الشیخ - رحمه الله - بما رواه عن الحسن بن علی بن فضال ، عن رجل سمّاه ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الصید : « یضاعفه ما بینه وبین البدنة فإذا بلغ البدنة فلیس علیه التضعیف » (8) وقد روی الکلینی نحو ذلک ،

ص: 392


1- الکافی 4 : 395 - 1 ، الوسائل 9 : 198 أبواب کفارات الصید ب 11 ح 3.
2- الکافی 4 : 395 - 4 ، الوسائل 9 : 241 أبواب کفارات الصید ب 44 ح 5.
3- نقله عنه فی المختلف : 277.
4- جمل العلم والعمل : 114 ، والانتصار : 99.
5- التهذیب 5 : 371 ، والنهایة : 226 ، والمبسوط 1 : 342.
6- السرائر : 132.
7- المختلف : 278.
8- التهذیب 5 : 372 - 1294 ، الوسائل 9 : 243 أبواب کفارات الصید ب 46 ح 2.

وکلّما تکرر الصید من المحرم نسیانا وجب علیه ضمانه. ولو تعمّد وجبت الکفارة أولا ، ثم لا تتکرر ، وهو ممن ینتقم الله منه ، وقیل : تتکرر ، والأول أشبه.

______________________________________________________

عن الحسن بن علی ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إنّما یکون الجزاء مضاعفا فیما دون البدنة حتی یبلغ البدنة ، فإذا بلغ البدنة فلا یضاعف ، لأنه أعظم ما یکون » (1) وهذه الروایة ضعیفة بالإرسال وغیره.

وذکر الشارح أنّ المراد ببلوغ البدنة بلوغ نفس البدنة أو قیمتها (2). وهو غیر واضح ، إذ المستفاد من الروایة وکلام الأصحاب تعلق الحکم بنفس البدنة ولا یلحق بالبدنة أرشها قطعا.

قوله : ( وکلما تکرر الصید من المحرم نسیانا وجب علیه ضمانه ، ولو تعمد وجبت الکفارة أوّلا ثم لا تتکرر ، وهو ممن ینتقم الله منه ، وقیل : تتکرر ، والأول أشبه ).

أمّا تکرر الکفّارة بتکرر الصید علی المحرم ، إذا وقع خطأ أو نسیانا فموضع وفاق بین العلماء ، وإنّما الخلاف فی تکررها مع العمد - أی القصد - وینبغی أن یراد به هنا ما یتناول العلم أیضا ، فذهب الشیخ فی المبسوط والخلاف (3) ، وابن إدریس (4) ، وابن الجنید (5) إلی أنّها تتکرر. وقال ابن بابویه (6) والشیخ فی النهایة (7) ، وابن البراج (8) : لا تتکرر. وهو المعتمد.

ص: 393


1- الکافی 4 : 395 - 5 ، الوسائل 9 : 243 أبواب کفارات الصید ب 46 ح 1.
2- المسالک 1 : 142.
3- المبسوط 1 : 342 ، والخلاف 1 : 480.
4- السرائر : 132.
5- نقله عنه فی المختلف : 277.
6- الفقیه 2 : 234.
7- النهایة : 226.
8- المهذب 1 : 228.

______________________________________________________

لنا : ظاهر قوله تعالی ( وَمَنْ عادَ فَیَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (1) جعل سبحانه جزاء العود الانتقام بعد أن جعل جزاء ابتدائه الفدیة فلا تکون واجبة مع العود بمقتضی المقابلة. وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المحرم إذا قتل الصید فعلیه جزاؤه ، ویتصدق بالصید علی مسکین ، فإن عاد فقتل صیدا آخر لم یکن علیه جزاء ، وینتقم الله منه ، والنقمة فی الآخرة » (2).

وقد روی الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام نحو ذلک ، وقال : « إذا أصاب آخر فلیس علیه کفارة ، وهو ممن قال الله تعالی ( وَمَنْ عادَ فَیَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (3).

ثمّ قال الکلینی - رضی الله عنه - قال ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه : إذا أصاب المحرم الصید خطأ فعلیه أبدا فی کل ما أصاب الکفارة ، فإن عاد فأصاب ثانیا متعمدا فلیس علیه الکفارة ، وهو ممن قال الله عزّ وجلّ ( وَمَنْ عادَ فَیَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (4).

احتج القائلون بالتکرار بعموم قوله تعالی ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْکُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (5) فإنّه یتناول المبتدی والعائد ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : محرم أصاب صیدا قال : « علیه الکفارة » قلت : فإنّه عاد (6)

ص: 394


1- المائدة : 95.
2- التهذیب 5 : 372 - 1297 ، الإستبصار 2 : 211 - 720 ، الوسائل 9 : 244 أبواب کفارات الصید ب 48 ح 1.
3- الکافی 4 : 394 - 2 ، الوسائل 9 : 245 أبواب کفارات الصید ب 48 ح 4.
4- الکافی 4 : 394 - 3 ، الوسائل 9 : 245 أبواب کفارات الصید ب 48 ح 5.
5- المائدة : 95.
6- فی التهذیب : فإن هو عاد ، وفی الاستبصار : فإن عاد.

ویضمن الصید بقتله عمدا وسهوا. فلو رمی صیدا فمرق السهم فقتل آخر کان علیه فداءان. وکذا لو رمی غرضا فأصاب صیدا ضمنه.

______________________________________________________

قال : « علیه کلما عاد کفارة » (1) ، وفی الحسن ، عن معاویة بن عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المحرم یصید الصید قال : « علیه الکفارة فی کل ما أصاب » (2).

والجواب عن الآیة معلوم مما سبق ، وعن الروایتین بالحمل علی غیر المتعمد جمعا بین الأدلّة ، ومع ذلک فلا ریب أنّ التکرار أولی وأحوط.

وموضوع الخلاف العمد بعد العمد فی إحرام واحد ، أما بعد الخطأ أو بالعکس فیتکرر قطعا.

وألحق الشارح بالإحرام الواحد الإحرامین المرتبطین کحج التمتع مع عمرته (3) ، وهو حسن.

هذا کله فی صید المحرم ، أمّا صید المحل فی الحرم فلم نقف فیه علی نص بالخصوص. وقوّی الشارح تکرر الکفارة علیه مطلقا (4) ، وهو أحوط وإن کان فی تعینه مطلقا نظر.

قوله : ( ویضمن الصید بقتله عمدا وسهوا ، فلو رمی صیدا فمرق السهم فقتل آخر کان علیه فداءان ، وکذا لو رمی غرضا فأصاب صیدا ضمنه ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : الجزاء

توابع بحث الصید

ضمان الصید

ص: 395


1- التهذیب 5 : 372 - 1296 ، الإستبصار 2 : 210 - 719 ، الوسائل 9 : 244 أبواب کفارات الصید ب 47 ح 3.
2- الکافی 4 : 394 - 1 ، التهذیب 5 : 372 - 1295 ، الإستبصار 2 : 210 - 718 ، الوسائل 9 : 243 أبواب کفارات الصید ب 47 ح 1.
3- المسالک 1 : 142.
4- المسالک 1 : 143.

ولو اشتری محلّ بیض نعام لمحرم فأکله کان علی المحرم عن کل بیضة شاة وعلی المحل عن کل بیضة درهم.

______________________________________________________

یجب علی المحرم إذا قتل الصید عمدا أو سهوا أو خطأ بإجماع العلماء (1). ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه قال : « ولیس علیک فداء ما أتیته بجهالة إلاّ الصید فإنّ علیک الفداء فیه بجهل کان أو بعمد » (2).

وفی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال : سألته عن المحرم یصید الصید بجهالة قال : « علیه کفارة » قلت : فإن أصابه خطأ؟ قال : « وأیّ شی ء الخطأ عندک؟ » قلت : یرمی هذه النخلة فیصیب نخلة أخری قال : « نعم هذا الخطأ وعلیه الکفارة » (3).

وفی الصحیحة ، عن مسمع بن عبد الملک ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا رمی المحرم صیدا فأصاب اثنین ، فإنّ علیه کفارتین جزاؤهما » (4).

قوله : ( ولو اشتری محلّ بیض نعام لمحرم فأکله کان علی المحرم عن کل بیضة شاة ، وعلی المحل عن کل بیضة درهم ).

الأصل فی هذه المسألة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی عبیدة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل محل اشتری لمحرم بیض نعام فأکله المحرم ، فما علی الذی أکله؟ فقال : « علی الذی اشتراه فداء ، لکل بیضة درهم ، وعلی المحرم لکل بیضة شاة » (5).

حکم شراء المحل بیض النعام من المحرم

ص: 396


1- التذکرة 1 : 351.
2- الکافی 4 : 381 - 3 ، الوسائل 9 : 226 أبواب کفارات الصید ب 31 ح 1.
3- الکافی 4 : 381 - 4 ، الوسائل 9 : 226 أبواب کفارات الصید ب 31 ح 2.
4- الکافی 4 : 381 - 5 ، الوسائل 9 : 227 أبواب کفارات الصید ب 31 ح 6.
5- التهذیب 5 : 466 - 1628 ، الوسائل 9 : 217 أبواب کفارات الصید ب 24 ح 5.

______________________________________________________

وتنقیح المسألة یتم ببیان أمور :

الأوّل : إطلاق النص یقتضی عدم الفرق فی لزوم الدرهم للمحل بین أن یکون فی الحل أو الحرم ، ولا استبعاد فی ترتب الکفارة بذلک علی المحل فی الحل ، لأنّ المساعدة علی المعصیة لمّا کانت معصیة لم یمتنع أن یترتب علیه الکفارة بالنص الصحیح ، وإن لم یجب علیه الکفارة مع مشارکته للمحرم فی قتل الصید. واحتمل الشارح - قدس سره - وجوب أکثر الأمرین من الدرهم والقیمة علی المحل فی الحرم (1) ، وهو ضعیف.

الثانی : إطلاق النص المذکور یقتضی عدم الفرق فی لزوم الشاة للمحرم بالأکل بین أن یکون فی الحل أو فی الحرم أیضا ، وهو مخالف لما سبق من تضاعف الجزاء علی المحرم فی الحرم ، وقوّی الشارح التضاعف علی المحرم فی الحرم ، وحمل هذه الروایة علی المحرم فی الحل (2). وهو حسن.

الثالث : قد عرفت فیما تقدم أنّ کسر بیض النعام قبل التحرک موجوب للإرسال ، فلا بد من تقیید هذه المسألة بأن لا یکسره المحرم ، بأن یشتریه المحل مطبوخا أو مکسورا أو یطبخه أو یکسره هو ، فلو تولی کسره المحرم فعلیه الإرسال ، ویمکن إلحاق الطبخ بالکسر لمشارکته إیّاه فی منع الاستعداد للفرخ.

الرابع : لو کان المشتری للمحرم محرما احتمل وجوب الدرهم خاصة ، لأنّ إیجابه علی المحل یقتضی إیجابه علی المحرم بطریق أولی والزائد منفی بالأصل ، ویحتمل وجوب الشاة کما لو باشر أحد المحرمین القتل ودلّ الآخر ، ولعل هذا أجود. ولو اشتراه المحرم لنفسه فکسره وأکله أو کان مکسورا فأکله وجب علیه فداء الکسر والأکل قطعا. وفی لزوم الدرهم أو

ص: 397


1- المسالک 1 : 143.
2- المسالک 1 : 143.

ولا یدخل الصید فی ملک المحرم باصطیاد ، ولا ابتیاع ، ولا هبة ، ولا میراث ، هذا إذا کان عنده ، ولو کان فی بلده فیه تردد ،

______________________________________________________

الشاة بالشراء وجهان أظهرهما العدم ، قصرا لما خالف الأصل علی موضع النص.

الخامس : لو ملکه المحل بغیر شراء وبذله للمحرم فأکله ، ففی وجوب الدرهم علی المحل وجهان أظهرهما العدم. أو قوّی ابن فهد فی المهذب الوجوب ، لأنّ السبب إعانة المحرم ولا أثر لخصوصیة سبب تملک العین.

السادس : لو اشتری المحل للمحرم غیر البیض من المحرّمات ، ففی انسحاب الحکم المذکور إلیه وجهان أظهرهما العدم ، ووجهه معلوم مما سبق.

قوله : ( ولا یدخل الصید فی ملک المحرم باصطیاد ، ولا بابتیاع ، ولا هبة ، ولا میراث ، هذا إذا کان عنده ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، واستدل علیه بقوله تعالی ( وَحُرِّمَ عَلَیْکُمْ صَیْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (1) - أی وجوه انتفاع عامة فیخرج عن المالیة بالإضافة إلیه ، وهو استدلال ضعیف ، إذ لا یلزم من تحریم الانتفاع به علی المحرم فی حال إحرامه خروجه عن المالیة بالنسبة إلیه مطلقا. ونقل عن الشیخ - رحمه الله - أنّه حکم بدخوله فی الملک وإن وجب إرساله کما فی صید الحرم (2). ولا یخلو من قوّة.

قوله : ( ولو کان فی بلده فیه تردد ).

ذکر الشارح - قدس سره - أنّ منشأ التردد من وجود الإحرام المانع من الملک ومن البعد الموجب لعدم خروج الصید عن ملکه فیقبل دخوله فیه (3).

عدم دخول الصید فی ملک المحرم بأسبابه

ص: 398


1- المائدة : 96.
2- المبسوط 1 : 348.
3- المسالک 1 : 143.

والأشبه أنه یملک. ولو اضطر المحرم إلی أکل الصید أکله وفداه. ولو کان عنده میتة أکل الصید إن أمکنه الفداء ، وإلا أکل المیتة.

______________________________________________________

ولا یخفی ضعف الوجه الأوّل من وجهی التردد ، فإنّه دعوی عاریة من الدلیل ، والأصح دخوله فی الملک ، إذا لم یکن معه حال الإحرام ، سواء کان فی بلده أم فی غیرها.

قوله : ( ولو اضطر المحرم إلی أکل الصید أکله وفداه ).

هذا موضع وفاق بین العلماء. قال فی المنتهی : ویباح أکل الصید للمحرم فی حال الضرورة ، یأکل منه بقدر ما یأکل المیتة مما یمسک به الرمق ویحفظ به الحیاة لا غیر ، ولا یجوز به الشبع ولا التجاوز عن ذلک ، ولا نعلم فیه خلافا (1). ویدل علی جواز الأکل والفداء روایات ، منها صحیحة زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل اضطر إلی میتة وصید وهو محرم قال : « یأکل الصید ویفدی » (2).

قوله : ( ولو کان عنده میتة أکل الصید إن أمکنه الفداء ، وإلا أکل المیتة ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - أحد الأقوال فی المسألة. وأطلق المفید (3) والمرتضی (4) أکل الصید والفداء. وأطلق آخرون أکل المیتة (5).

وقال ابن إدریس : اختلف أصحابنا فی ذلک ، فبعض قال : یأکل المیتة ، وبعض قال : یأکل الصید ویفدیه ، وکل منهما أطلق مقالته ، وبعض قال : لا یخلو الصید إمّا أن یکون حیا أو لا ، فإن کان حیا فلا یجوز له ذبحه

حکم الاضطرار إلی أکل الصید

ص: 399


1- المنتهی 2 : 805.
2- الکافی 4 : 383 - 3 ، الوسائل 9 : 238 أبواب کفارات الصید ب 43 ح 3.
3- المقنعة : 69.
4- جمل العلم والعمل : 114 ، والانتصار : 100.
5- حکاه عن الحسن والثوری ومالک ابن قدامة فی المغنی 3 : 296 ، وهو مقتضی عبارة المقنع.

______________________________________________________

بل یأکل المیتة ، لأنّه إذا ذبحه صار میتة بغیر خلاف ، وأمّا إن کان مذبوحا فلا یخلو ذابحه إمّا أن یکون محرما أو محلا ، فإن کان محرما فلا فرق بینه وبین المیتة ، وإن کان ذابحه محلا فإن ذبحه فی الحرم فهو میتة أیضا ، وإن ذبحه فی الحل ، فإن کان المحرم المضطر قادرا علی الفداء أکل الصید ولم یأکل المیتة ، وإن کان غیر قادر علی فدائه أکل المیتة. قال : وهذا الذی یقوی فی نفسی ، لأنّ الأدلة تعضده وأصول المذهب تؤیده (1). هذا کلامه - رحمه الله - وما فصّله أوّلا من کون الذابح محلا أو محرما فی الحل أو الحرم جیّد إن ثبت أنّ مذبوح المحرم (2) میتة مطلقا لکنّه غیر واضح ، ومع ذلک فیمکن أن یقال إنّ ذبح المحرم والمحل فی الحرم الصید علی هذا الوجه یفید الذکاة کما احتمله فی الدروس (3) ، لارتفاع النهی عن الذبح والحال هذه ، وانتفاء ما یدل علی عموم کون الذبح مع أحد هذین الوصفین لا یفید شیئا ، وکیف کان فالمعتمد ما أطلقه المفید (4) والمرتضی (5) من أکل الصید والفداء.

لنا : أنّ تحریم المیتة ثابت بالأدلة القطعیة وإباحته مع وجود الصید مشکوک فیه لاندفاع الضرورة المسوغة له فیجب المنع منه إلی أن یقوم دلیل علی الإباحة. وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن ابن بکیر وزرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل اضطر إلی میتة وصید وهو محرم قال : « یأکل الصید ویفدی » (6).

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن المحرم یضطر فیجد المیتة والصید أیهما یأکل؟ قال : « یأکل من

ص: 400


1- السرائر : 133.
2- فی « م » : الحرم.
3- الدروس : 103.
4- المقنعة : 69.
5- جمل العلم والعمل : 114.
6- الکافی 4 : 383 - 3 ، الوسائل 9 : 238 أبواب کفارات الصید ب 43 ح 3.

______________________________________________________

الصید ، ألیس هو بالخیار أن یأکل من ماله؟ » قلت : بلی قال : « إنّما علیه الفداء فلیأکل ولیفده » (1).

وفی الموثق ، عن یونس بن یعقوب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یضطر إلی المیتة وهو یجد الصید قال : « یأکل الصید » قلت : إنّ الله قد أحلّ له المیتة إذا اضطر إلیها ولم یحل له الصید قال : « تأکل من مالک أحب إلیک أو میتة؟ » قلت : من مالی قال : « هو مالک لأنّ علیک فداه » قلت : فإن لم یکن عندی مال قال : « تقضیه إذا رجعت إلی مالک » (2).

احتج المخالف بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الغفار الجازی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم إذا اضطر إلی میتة فوجدها ووجود صیدا فقال : « یأکل المیتة ویترک الصید » (3).

وأجاب الشیخ فی الاستبصار عن هذه الروایة بأنّها تحتمل أحد شیئین : أحدهما أن یکون محمولا علی ضرب من التقیة ، لأنّ ذلک مذهب بعض العامة ، والثانی أن یکون متوجها إلی من وجد الصید غیر مذبوح فإنّه یأکل المیتة ویخلی سبیله قال : وإنّما قلنا ذلک ، لأنّ الصید إذا ذبحه المحرم کان حکمه حکم المیتة ، وإذا کان کذلک ووجد المیتة فلیقتصر علیها ولا یذبح الحی بل یخلیه (4).

وأجاب عنه فی التهذیب أیضا بالحمل علی من لا یتمکن من

ص: 401


1- الکافی 4 : 383 - 1 ، الوسائل 9 : 238 أبواب کفارات الصید ب 43 ح 1 ، ورواها فی التهذیب 5 : 368 - 1283 ، والاستبصار 2 : 209 - 714 ، بتفاوت یسیر.
2- الکافی 4 : 383 - 2 ، الوسائل 9 : 238 أبواب کفارات الصید ب 43 ح 2 ، ورواها فی التهذیب 5 : 368 - 1285 ، والاستبصار 2 : 210 - 716.
3- التهذیب 5 : 467 - 1632 ، و 369 - 1286 ، الاستبصار 2 : 210 - 717 ، الوسائل 9 : 240 أبواب کفارات الصید ب 43 ح 12.
4- الاستبصار 2 : 210.

وإذا کان الصید مملوکا ففداؤه لصاحبه.

______________________________________________________

الفداء (1).

ولعل الحمل علی التقیة أولی ، فإنّ أکل المیتة منقول عن الحسن البصری ، والثوری وأبی حنیفة ، ومحمد بن الحسن ، ومالک ، وأحمد (2) ، وهم أشرار أهل الخلاف.

قوله : ( وإذا کان الصید مملوکا ففداؤه لصاحبه ).

المفهوم من الفداء ما یلزم المحرم بسبب الجنایة علی الصید من مال أو صوم أو إرسال وهو شامل لما زاد عن قیمة الصید المملوک أو نقص ، ولما إذا کانت الجنایة غیر موجبة لضمان الأموال کالدلالة علی الصید. ومقتضی جعل الفداء للمالک أنّه لا یجب بسببه شی ء سوی ما یصرفه إلی المالک.

وأورد علی هذا الحکم إشکالات :

منها أنّ الواجب فی المتلفات من الأموال القیمة ، وهی ما کان معینا بالأثمان - أعنی الدراهم والدنانیر - فإیجاب غیرها کالبدنة فی النعامة للمالک خروج عن الواجب.

ومنها أنّه لو عجز عن الفداء یجب علیه الصوم علی ما سبق ، وإیجابه خاصة یقتضی ضیاع حق المالک. وإیجاب القیمة معه خروج عن إطلاق کون الفداء للمالک ، وعدم إیجابه أصلا أبعد ، لأنّ فیه خروجا عن نص الکتاب العزیز.

ومنها أنّ الفداء لو کان أنقص من القیمة فإیجاب شی ء آخر معه یقتضی الخروج عن إطلاق استحقاق المالک الفداء ، وعدم إیجابه واضح البطلان ، لأنّ فیه تضییعا للمال المحترم بغیر سبب ظاهر ، ولأنّه إذا وجبت القیمة السوقیة فی حال عدم الإحرام والخروج عن الحرم فالمناسب التغلیظ معهما أو

فداء الصید المملوک لصاحبه

ص: 402


1- التهذیب 5 : 369.
2- تقدمت الإشارة إلیها فی ص 399.

______________________________________________________

مع أحدهما ، فلا أقلّ من المساواة.

ومنها أنّه لو کان المتلف بیضا ووجب الإرسال ، وقلنا إنّ الفداء للمالک ، ولم ینتج شیئا ، یلزم ضیاع حق المالک ، وهو باطل. وإن أوجبنا القیمة السوقیة معه لم یصدق أنّ الفداء للمالک ، وإن نفینا الإرسال وأوجبنا القیمة لزم الخروج عن النصوص الصحیحة المتفق علی العمل بمضمونها بین الأصحاب.

ومنها أنّه لو اشترک فی قتله جماعة فقد تقدم أنّه یلزم علی کل واحد فداء ، واجتماع الجمیع للمالک خروج عن قاعدة ضمان الأموال.

ومنها أنّه قد تقدم أن المباشر إذا اجتمع مع السبب - کالذابح مع الدال - ضمن کل واحد منهما فداء ، واجتماعهما للمالک خروج عن القاعدة وإعطاء له زیادة عما یجب له. إلی غیر ذلک من الإشکالات اللازمة من إطلاق کون الفداء فی المملوک للمالک.

والأصح ما اختاره الشیخ فی المبسوط (1) ، والعلامة فی جملة من کتبه (2) ، ومن تأخر عنه (3) من أنّ الفداء فی المملوک لله تعالی کغیره ، ویجب علی المتلف مع الفداء القیمة لمالکه إذا کان مضمونا ، إعمالا للدلیلین الدال أحدهما علی لزوم الفداء بالصید. والثانی علی ضمان المتلف ما أتلفه بالمثل أو القیمة ، ولو لم یتعلق بالمتلف الضمان لکون یده ید أمانة لزمه الفداء لا غیر ، وکذا لو وجب الفداء بالدلالة خاصة. وظاهر عبارة المنتهی یعطی أنّ هذا الحکم موضوع وفاق بین الأصحاب ، فإنّه قال : إذا قتل المحرم صیدا مملوکا لغیره لزمه الجزاء لله تعالی والقیمة لمالکه. وبه قال الشافعی ، وأبو حنیفة. وقال مالک ، والمزنی : لا یجب الجزاء بقتل الصید المملوک.

ص: 403


1- المبسوط 1 : 345.
2- المنتهی 2 : 819 ، والتحریر 1 : 115 ، والقواعد 1 : 98.
3- کفخر المحققین فی الإیضاح 1 : 343.

وإن لم یکن مملوکا تصدّق به. وکل ما یلزم المحرم من فداء یذبحه أو

______________________________________________________

لنا : قوله تعالی ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْکُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (1) وهو یتناول صورة النزاع کما یتناول صورة الاتفاق (2). انتهی کلامه - رحمه الله - وهو کالصریح فیما ذکرناه.

قوله : ( وإن لم یکن مملوکا تصدق به ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الفداء بین أن یکون حیوانا کالبدنة والبقرة ، أو غیره کما لو کان الواجب الأرش أو القیمة أو کفا من طعام. ویدل علی وجوب الصدقة بالجمیع أنّ ذلک هو المتبادر من إیجاب الجزاء ، وقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا أصاب المحرم فی الحرم حمامة إلی أن یبلغ الظبی فعلیه دم یهریقه ویتصدق بمثل ثمنه ، فإن أصاب منه وهو حلال فعلیه أن یتصدق بمثل ثمنه » (3). وقول الصادق علیه السلام فی حسنة الحلبی : « إن قتل المحرم حمامة من حمام الحرم فعلیه شاة وثمن الحمامة درهم أو شبهه یتصدق به » (4).

وصرّح العلامة (5) وغیره (6) بأنّ مستحق الصدقة الفقراء والمساکین بالحرم. ومقتضی الآیة الشریفة اختصاص الإطعام بالمساکین. ولم أقف للأصحاب علی تصریح باعتبار الایمان ولا بعدمه ، وإطلاق النصوص یقتضی العدم ، ولو کان الفداء حیوانا وجب ذبحه أوّلا ثمّ التصدق به.

قوله : ( وکل ما یلزم المحرم من فداء یذبحه أو ینحره بمکة إن

التصدق بفداء الصید الغیر المملوک

لزوم نحر المحرم الفداء بمکة أو بمنی

ص: 404


1- المائدة : 95.
2- المنتهی 2 : 819.
3- الفقیه 2 : 167 - 726 ، الوسائل 9 : 240 أبواب کفارات الصید ب 44 ح 1.
4- الکافی 4 : 395 - 1 ، التهذیب 5 : 370 - 1289 ، الوسائل 9 : 240 أبواب کفارات الصید ب 44 ح 2.
5- التحریر 1 : 118.
6- کالشهید الثانی فی الروضة 2 : 352.

ینحره بمکة إن کان معتمرا ، وبمنی إن کان حاجا.

______________________________________________________

کان معتمرا ، وبمنی إن کان حاجا ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : من وجب علیه فداء صید أصابه محرما فإن کان حاجا نحر هدیه الّذی یجب علیه بمنی ، وإن کان معتمرا نحره بمکة قبالة الکعبة » (1).

وعن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال : « فی المحرم إذا أصاب صیدا فوجب علیه الهدی فعلیه أن ینحره إن کان فی الحج بمنی حیث ینحر الناس ، وإن کان عمرة نحره بمکة ، وإن شاء ترکه إلی أن یقدم فیشتریه فإنّه یجزی عنه » (2).

قال الشیخ فی التهذیب : قوله علیه السلام « وإن شاء ترکه إلی أن یقدم فیشتریه » رخصة لتأخیر شراء الفداء إلی مکة أو منی ، لأنّ من وجب علیه کفارة الصید فإنّ الأفضل أن یفدیه من حیث أصابه (3). ثمّ استدل علی ذلک بما رواه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال : « یفدی المحرم فداء الصید من حیث صاد » (4).

وهذه الروایات کما تری مختصة بفداء الصید ، أمّا غیره فلم أقف علی نص یقتضی تعین ذبحه فی هذین الموضوعین ، فلو قیل بجواز ذبحه حیث کان لم یکن بعیدا ، للأصل ، وما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من وجب علیه هدی فی إحرامه فله أن ینحره حیث شاء ، إلاّ فداء الصید فإنّ الله تعالی یقول : ( هَدْیاً بالِغَ

ص: 405


1- التهذیب 5 : 373 - 1299 ، الإستبصار 2 : 210 - 722 ، الوسائل 9 : 245 أبواب کفارات الصید ب 49 ح 1.
2- التهذیب 5 : 373 - 1300 ، الإستبصار 2 : 212 - 723 ، الوسائل 9 : 246 أبواب کفارات الصید ب 49 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 384 - 4.
3- التهذیب 5 : 373.
4- التهذیب 5 : 373 - 1301 ، الوسائل 9 : 247 أبواب کفارات الصید ب 51 ح 1.

وروی أن کل من وجب علیه شاة فی کفارة الصید وعجز عنها کان علیه إطعام عشرة مساکین. فإن عجز صام ثلاثة أیام فی الحج.

المقصد الثالث : فی باقی المحضورات ، وهی سبعة :

الأول : الاستمتاع بالنساء ، فمن جامع زوجته فی الفرج قبلا أو دبرا عامدا عالما بالتحریم فسد حجه ، وعلیه إتمامه وبدنة والحج من

______________________________________________________

الْکَعْبَةِ ) (1) ولا ریب أنّ المصیر إلی ما علیه الأصحاب أولی وأحوط.

قوله : ( وروی أنّ کل من وجب علیه شاة فی کفارة الصید وعجز عنها کان علیه إطعام عشرة مساکین ، فإن عجز صام ثلاثة أیّام فی الحج ).

هذه الروایة رواها الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنّه قال بعد أن ذکر جملة من فداء الصید : « ومن کان علیه شاة فلم یجد فلیطعم عشرة مساکین ، فمن لم یجد صام ثلاثة أیّام » (2) وهی وإن کانت بحسب الظاهر متناولة للشاة الواجبة فی کفارة الصید وغیرها إلاّ أنّ السیاق یقتضی تخصیصها بفداء الصید کما ذکره المصنف وغیره ، لکن لیس فی الروایة تقیید لصیام الثلاثة الأیّام بکونه فی الحج ، علی ما وقفت علیه فیما وجدته من نسخ التهذیب إلاّ أنّ العلاّمة - رحمه الله - نقلها فی المختلف بزیادة لفظ « فی الحج » بعد قوله « ثلاثة أیّام » (3) والله تعالی أعلم.

قوله : ( المقصد الثالث ، فی باقی المحضورات ، وهی سبعة ، الأول : الاستمتاع بالنساء ، فمن جامع زوجته فی الفرج قبلا أو دبرا عامدا عالما بالتحریم فسد حجه ، وعلیه إتمامه وبدنة الحج من قابل ،

حکم عن عجز عن شاة الکفارة

محظورات الاحرام

حکم المجامع فی الحج

ص: 406


1- التهذیب 5 : 374 - 1304 ، الإستبصار 2 : 212 - 726 ، الوسائل 9 : 246 أبواب کفارات الصید ب 49 ح 3.
2- التهذیب 5 : 343 - 1187 ، الوسائل 9 : 186 أبواب کفارات الصید ب 2 ح 11.
3- المختلف : 272.

قابل ، سواء کانت حجته التی أفسدها فرضا أو نفلا.

______________________________________________________

سواء کانت حجته الّتی أفسدها فرضا أو نفلا ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء فی الجملة علی ما نقله جماعة (1) ویدل علیه روایات کثیرة : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل محرم وقع علی أهله فقال : « إن کان جاهلا فلیس علیه شی ء ، وإن لم یکن جاهلا فإنّ علیه أن یسوق بدنة ، ویفرّق بینهما حتی یقضیا المناسک ویرجعا إلی المکان الّذی أصابا فیه ما أصابا ، وعلیهما الحج من قابل » (2).

وفی الحسن ، عن زرارة قال : سألته عن محرم غشی امرأته وهی محرمة فقال : « جاهلین أو عالمین؟ » فقلت : أجنبی عن الوجهین جمیعا قال : « إن کان جاهلین استغفرا ربّهما ومضیا علی حجّهما ولیس علیهما شی ء ، وإن کانا عالمین فرّق بینهما من المکان الّذی أحدثا فیه ، وعلیهما بدنة ، وعلیهما الحج من قابل ، فإذا بلغا المکان الّذی أحدثا فیه فرّق بینهما حتی یقضیا مناسکهما ویرجعا إلی المکان الّذی أصابا فیه ما أصابا » قلت : فأیّ الحجتین لهما؟ قال : « الأولی الّتی أحدثا فیها ما أحدثا ، والأخری علیهما عقوبة » (3) ولا قدح فی هذه الروایة بالإضمار کما بیناه مرارا.

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الزوجة بین الدائم والمستمتع بها ، ولا فی الوطء بین القبل والدبر. ونقل عن الشیخ فی المبسوط أنّه أوجب بالوطء فی الدبر البدنة دون الإعادة (4). وهو ضعیف ، لأنّ المواقعة المنوط بها الإعادة یتناول الأمرین.

ص: 407


1- منهم العلامة فی المنتهی 2 : 835 ، والمختلف : 281.
2- التهذیب 5 : 318 - 1095 ، الوسائل 9 : 255 أبواب کفارات الاستمتاع ب 3 ح 2.
3- التهذیب 5 : 317 - 1092 ، الوسائل 9 : 257 أبواب کفارات الاستمتاع ب 3 ح 9. ورواها فی الکافی 4 :3. 1.
4- الدروس : 105 قال : ونقل الشیخ أن الدبر لا یتعلق به الإفساد وإن وجبت البدنة.

______________________________________________________

وألحق العلاّمة فی المنتهی بوطء الزوجة الزّنا ووطء الغلام ، لأنّه أبلغ فی هتک الإحرام ، فکانت العقوبة علیه أولی بالوجوب (1). وهو غیر بعید وإن أمکن المناقشة فی دلیله.

ولا فرق فی الحج بین کونه واجبا أو مندوبا ، لإطلاق النص ، ولأنّ الحج المندوب یجب إتمامه بالشروع فیه کما یجب إتمام الحج الواجب.

وإنّما یفسد الحج بالجماع إذا وقع قبل الوقوف بالمشعر کما سیجی ء التصریح به فی کلام المصنف - رحمه الله - ویدل علیه صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن یأتی مزدلفة فعلیه الحج من قابل » (2).

ونقل عن المفید (3) وأتباعه (4) أنّهم : اعتبروا قبلیة الوقوف بعرفة أیضا ، واحتج له فی المختلف بقوله علیه السلام : « الحج عرفة » (5). وهو قاصر سندا ومتنا.

واعلم أنّه لا خلاف بین الأصحاب فی فساد الحج بالجماع ووجوب إتمامه والحج من قابل علی الفور ، وإنّما اختلفوا فی أنّه هل الأولی حجة الإسلام والثانیة عقوبة أو بالعکس؟ فذهب الشیخ إلی الأوّل (6) ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی أحکام الصید ، ویظهر من عبارة النافع المیل إلیه (7) ، ویدل علیه مضافا إلی أصالة عدم تحقق الفساد بذلک قوله فی روایة زرارة المتقدمة قلت : فأیّ الحجّتین لهما؟ قال : « الأولی التی أحدثا فیها ما أحدثا

ص: 408


1- المنتهی 2 : 837.
2- التهذیب 5 : 319 - 1099 ، الوسائل 9 : 255 أبواب کفارات الاستمتاع ب 3 ح 1.
3- المقنعة : 68.
4- منهم أبو الصلاح الحلبی فی الکافی : 203 وسلار فی المراسم : 118.
5- المختلف : 281.
6- النهایة : 230.
7- المختصر النافع : 105.

وکذا لو جامع أمته وهو محرم. ولو کانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلک ،

______________________________________________________

والأخری علیهما عقوبة » (1).

وقال ابن إدریس : الإتمام عقوبة والثانیة فرضه ، لأنّ الأوّل حجّ فاسد فلا یکون مبرئا للذّمة (2).

وأجیب عنه (3) بالمنع من کونه فاسدا ، لانتفاء ما یدل علیه من الروایات ، إذ أقصی ما تدل علیه وجوب إتمامه والحج من قابل. ووقوع هذا اللفظ فی عبارات بعض الفقهاء لا عبرة به ، مع أنّ مقتضی کلام الشیخ (4) ومن تبعه أنّ إطلاق الفاسدة علی الأولی مجاز لا حقیقة ، کما ذکره فی الدروس (5).

وتظهر فائدة القولین فی الأجیر لتلک السنة ، وفی کفارة خلف النذر وشبهه لو کان مقیدا بتلک السنة ، وفی المفسد المصدود إذا تحلل ثمّ قدر علی الحج لسنته ، کما ذکره المصنف فی أحکام الصد (6).

قوله : ( وکذا لو جامع أمته وهو محرم ).

أی : حکمه حکم من جامع زوجته ، ویدل علیه الروایات المتضمنة لإناطة الحکم المذکور بمن غشی أهله أو وقع علی أهله فإنّ لفظ الأهل یتناول الزوجة والأمة.

قوله : ( ولو کانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلک ).

أی : إتمام الحج والبدنة والحج من قابل ، وهو إجماع ، ویدل علیه قوله

حکم المحرمة المجامعة

ص: 409


1- فی ص 407.
2- السرائر : 129.
3- نقله عن بعض الفضلاء فی التنقیح الرائع 1 : 559.
4- الخلاف 1 : 465.
5- الدروس : 105.
6- فی ص 297.

وعلیهما أن یفترقا إذا بلغا ذلک المکان حتی یقضیا المناسک إذا حجّا علی تلک الطریق.

______________________________________________________

علیه السلام فی حسنة زرارة المتقدمة : « وإن کانا عالمین فرق بینهما من المکان الّذی أحدثا فیه ، وعلیهما بدنة ، وعلیهما الحج من قابل » (1).

وروایة علی بن أبی حمزة قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل محرم واقع أهله فقال : « قد ابتلی بلاء عظیما » قلت : قد ابتلی ، قال : « استکرهها أو لم یستکرهها؟ » قلت : أفتنی فیهما جمیعا فقال : « إن کان استکرهها فعلیه بدنتان ، وإن لم یکن استکرهها فعلیه بدنة ، وعلیها بدنة ، ویفترقان من المکان الّذی کان فیه ما کان حتی ینتهیا إلی مکة ، وعلیهما الحج من قابل لا بدّ منه » قال ، قلت : فإذا انتهیا إلی مکة فهی امرأته کما کانت؟ فقال : « نعم هی امرأته کما هی فإذا انتهیا إلی المکان الّذی کان منهما ما کان افترقا حتی یحلا فإذا أحلا فقد انقضی عنهما ، إنّ أبی کان یقول ذلک » (2).

قوله : ( وعلیهما أن یفترقا إذا بلغا ذلک المکان حتی یقضیا المناسک إذا حجّا علی تلک الطریق ).

أی ویجب علی الرجل والمرأة أن یفترقا فی حجّ القضاء إذا بلغا المکان الّذی أوقعا فیه الخطیّة حتی یقضیا المناسک ، وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات کثیرة : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : وسألته عن رجل وقع علی امرأته وهو محرم قال : « إن کان جاهلا فلیس علیه شی ء ، وإن لم یکن جاهلا فعلیه سوق بدنة ، وعلیه الحج من قابل ، فإذا انتهی إلی المکان الّذی وقع بها فرّق محملاهما فلم یجتمعا فی خباء واحد إلاّ أن یکون معهما غیرهما

وجوب افتراق المتجامعین من محل الجماع

ص: 410


1- فی ص 407.
2- الکافی 4 : 374 - 5 ، التهذیب 5 : 317 - 1093 ، الوسائل 9 : 259 أبواب کفارات الاستمتاع ب 4 ح 2. وفی الجمیع بتفاوت.

______________________________________________________

حتی یبلغ الهدی محله » (1) والظاهر أنّ ذلک کنایة عن الإحلال بذبح الهدی کما وقع التصریح به فی روایة علی بن أبی حمزة (2). والاحتیاط یقتضی استمرار التفرقة إلی أن یقضیا جمیع المناسک ، بل ورد فی کثیر من الروایات وجوب استمرار التفرقة بینهما إلی أن یقضیا المناسک ویرجعا إلی المکان الّذی أصابا فیه الخطیة ، کحسنة زرارة المتقدمة حیث قال فیها : « وعلیهما الحج من قابل فإذا بلغا إلی المکان الّذی أحدثا فیه فرّق بینهما حتی یقضیا مناسکهما ویرجعا إلی المکان الّذی أصابا فیه ما أصابا » (3) وهی محمولة علی الاستحباب جمعا بین الأدلّة.

ومقتضی العبارة عدم وجوب التفرقة فی الحجة الأولی ، وهو أحد القولین فی المسألة ، والأصح الوجوب کما اختاره ابنا بابویه (4) ، وجمع من الأصحاب ، لروایتی زرارة ، وعلی بن أبی حمزة المتقدمتین ، وصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المحرم یقع علی أهله قال : « یفرق بینهما ولا یجتمعان فی خباء إلاّ أن یکون معهما غیرهما حتی یبلغ الهدی محله » (5).

ونقل عن ابن الجنید أنّه أوجب التفریق فی الحجة الأولی من مکان الخطیّة إلی أن یعود إلیه (6). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل محرم وقع علی أهله فقال : « إن کان جاهلا فلیس علیه شی ء ، وإن لم یکن جاهلا یسوق بدنة ، ویفرق بینهما حتی یقضیا المناسک ویرجعا إلی المکان الّذی أصابا فیه

ص: 411


1- الکافی 4 : 373 - 3 ، الوسائل 9 : 257 أبواب کفارات الاستمتاع ب 3 ح 12.
2- المتقدمة فی ص 410.
3- فی ص 407.
4- الصدوق فی المقنع : 71 ، ونقله عن والده فی المختلف : 282.
5- التهذیب 5 : 319 - 1100 ، الوسائل 9 : 256 أبواب کفارات الاستمتاع ب 3 ح 5.
6- نقله فی المختلف : 282.

ومعنی الافتراق ألا یخلوا إلا ومعهما ثالث.

ولو أکرهها کان حجها ماضیا وکان علیه کفارتان ، ولا یتحمل عنها شیئا سوی الکفارة.

______________________________________________________

ما أصابا ، وعلیهما الحج من قابل » (1) ویمکن حمل ما تضمنته هذه الروایة من استمرار التفریق بعد أداء المناسک علی الاستحباب جماع بین الأدلة.

ویستفاد من قول المصنف - رحمه الله - : إذا حجا علی تلک الطریق ، أنّهما لو حجا علی غیرها لا یجب علیهما الافتراق وإن وصلا إلی موضع یتفق فیه الطریقان ، للأصل السالم من معارضة النص ، وعلله فی المنتهی بفوات المقتضی وهو التذکر بالمکان (2). واحتمل الشارح وجوب التفرق فی المتفق (3) ، وهو ضعیف.

قوله : ( ومعنی الافتراق ألا یخلوا إلاّ ومعهما ثالث ).

هذا المعنی مستفاد من الأخبار الصحیحة ، وعلله فی المنتهی أیضا بأنّ وجود الثالث یمنع من الإقدام علی المواقعة کمنع التفریق (4).

ویعتبر فی الثالث التمییز قطعا ، لأنّ وجوب غیر الممیّز کعدمه.

قوله : ( ولو أکرهها کان حجّها ماضیا وکان علیه کفارتان ، ولا یتحمل عنها شیئا سوی الکفارة ).

المراد أنّه لا یتحمل عنها قضاء الحج ، ولا ریب فی صحة حجّ المرأة مع الإکراه ، للأصل ولأنّ المکره أعذر من الجاهل ، ویدل علی تعدد الکفّارة علیه مع الإکراه قوله علیه السلام فی روایة علی بن أبی حمزة : « إن کان

ص: 412


1- التهذیب 5 : 318 - 1095 ، الوسائل 9 : 255 أبواب کفارات الاستمتاع ب 3 ح 2.
2- المنتهی 2 : 837.
3- المسالک 1 : 144.
4- المنتهی 2 : 837.

وان جامع بعد الوقوف بالمشعر ولو قبل أن یطوف النساء أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون أو جامع فی غیر الفرج قبل الوقوف کان حجه صحیحا وعلیه بدنة لا غیر.

______________________________________________________

استکرهها فعلیه بدنتان » (1) لکنها ضعیفة السند (2).

وروی الکلینی فی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل باشر امرأته وهما محرمان ما علیهما؟ فقال : « إن کانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعلیهما الهدی جمیعا ، ویفرّق بینهما حتی یفرغا من المناسک ، وحتی یرجعا إلی المکان الّذی أصابا فیه ما أصابا ، وإن کانت المرأة لم تعن بشهوة واستکرهها صاحبها فلیس علیها شی ء » (3) وربّما ظهر من هذه الروایة عدم تعدد الکفارة علی الزوج مع الإکراه.

قوله : ( وإن جامع بعد الوقوف بالمشعر ولو قبل أن یطوف طواف النساء ، أو طاف منه ثلاثة أشواط فما دون ، أو جامع فی غیر الفرج قبل الوقوف کان حجّه صحیحا ، وعلیه بدنة لا غیر ).

قد تضمنت العبارة مسائل ثلاث : الأولی :

أنّ من جامع زوجته بعد الوقوف بالمشعر قبل طواف النساء کان حجه صحیحا وعلیه بدنة لا غیر ، وهو مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی (4). ویدل علی سقوط القضاء مضافا إلی الأصل مفهوم قول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة : « إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل أن یأتی مزدلفة فعلیه الحج من قابل » (5).

موارد عدم إفساد الجماع للحج

ص: 413


1- المتقدمة فی ص 410.
2- لأن راویها وهو علی بن أبی حمزة البطائنی أصل الوقف.
3- الکافی 4 : 375 - 7 ، الوسائل 9 : 259 أبواب کفارات الاستمتاع ب 4 ح 1.
4- المنتهی 2 : 835.
5- التهذیب 5 : 319 - 1099 ، الوسائل 9 : 255 أبواب کفارات الاستمتاع ب 3 ح 1.

______________________________________________________

ویدل علی وجوب البدنة روایات : منها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل وقع علی امرأته قبل أن یطوف طواف النساء قال : « علیه جزور سمینة ، وإن کان جاهلا فلیس علیه شی ء » (1).

ولا یخفی أنّ مقتضی « لو » الوصلیة فی قول المصنف : ولو قبل أن یطوف طواف النساء ، وجوب البدنة مع الطواف أیضا ، وهو فاسد ، فکان الأولی ترک هذا اللفظ لیفید اختصاص الحکم بالجماع قبل الطواف.

الثانیة : أن من طاف من طواف النساء ثلاثة أشواط فما دون ثمّ جامع کان حکمه کذلک ، وهو مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل قال الشارح : إنّه لا خلاف فی وجوب البدنة لو کان الوقاع قبل طواف أربعة أشواط من طواف النساء (2). ویدل علیه روایة معاویة بن عمار المتقدمة ، المتضمنة لوجوبها بالوقاع قبل طواف النساء ، فإنّ المرکب لا یتم إلاّ بجمیع أجزائه ، وخصوص قول أبی جعفر علیه السلام فی روایة حمران بن أعین : « وإن کان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشی فقد أفسد حجّه ، وعلیه بدنة ، ویغتسل ثمّ یعود فیطوف أسبوعا » (3) ومقتضی الروایات فساد الحج بذلک لکن لا قائل به ، ویمکن حمله علی نقصان الکمال جمعا بین الأدلّة.

الثالثة : أنّ من جامع فی غیر الفرج قبل الوقوف بالمشعر أو بعده یصح حجّه ویلزمه البدنة لا غیر ، ویدل علی الحکمین ما رواه الشیخ فی

ص: 414


1- التهذیب 5 : 323 - 1109 ، الوسائل 9 : 264 أبواب کفارات الاستمتاع ب 9 ح ، ورواها فی الکافی 4 : 378 - 3.
2- المسالک 1 : 145.
3- الکافی 4 : 379 - 6 ، التهذیب 5 : 323 - 1110 ، الوسائل 9 : 267 أبواب کفارات الاستمتاع ب 11 ح 1.

تفریع :

إذا حج فی القابل بسبب الإفساد فأفسد لزمه ما لزم أولا.

______________________________________________________

الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل وقع علی أهله فیما دون الفرج قال : « علیه بدنة ولیس علیه الحج من قابل » (1) وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المحرم یقع علی أهله قال : « إن کان أفضی إلیها فعلیه بدنة والحج من قابل ، وإن لم یکن أفضی إلیها فعلیه بدنة ولیس علیه الحج من قابل » (2).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی لزوم البدنة بالجماع فی غیر الفرج بین أن ینزل وعدمه. وتردد العلامة فی المنتهی فی وجوب البدنة مع عدم الإنزال (3) ، ولا وجه له بعد إطلاق النص بالوجوب ، وتصریح الأصحاب بوجوب الجزور بالتقبیل ، والشاة بالمس بشهوة ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

قوله : ( تفریع ، إذا حجّ فی القابل بسبب الإفساد فأفسد لزمه ما لزم أوّلا ).

وذلک لأنّ الحج الثانی حجّ صحیح سواء جعلناه فرضه أو عقوبة فیترتب علی إفساده ما یترتب علی غیره ، لکن لا یتعدد القضاء ، لأنّ الحجّ الّذی یلزمه أن یأتی به علی شرائطه الصحیحة واحد ، فإذا لم یأت به علی شرائطه لزمه أن یأتی به کذلک ، وبما ذکرناه قطع العلاّمة فی المنتهی وقال : إنّه لو أفسد الحجّ الثالث کفاه فی العام الرابع أن یأتی بحجة واحدة صحیحة عن

حکم من حج من قابل للافساد فأفسد

ص: 415


1- التهذیب 5 : 318 - 1097 ، الإستبصار 2 : 192 - 644 ، الوسائل 9 : 262 أبواب کفارات الاستمتاع ب 7 ح 1.
2- التهذیب 5 : 319 - 1098 ، الإستبصار 2 : 192 - 645 ، الوسائل 9 : 262 أبواب کفارات الاستمتاع ب 7 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 373 - 3.
3- المنتهی 2 : 838.

وفی الاستمناء بدنة. وهل یفسد به الحج ویجب القضاء؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو أشبه.

______________________________________________________

جمیع ما تقدمه ، لأنّ الحجّ الفاسد إذا انضمّ إلیه القضاء أجزأ عمّا کان یجزی عنه الأداء لو لم یفسده (1). وهو حسن.

ولو تکرر الجماع فی الإحرام الواحد لم یتکرر القضاء قطعا ، وفی تکرر الکفارة أوجه سیجی ء الکلام فیها إن شاء الله تعالی.

قوله : ( وفی الاستمناء بدنة ، وهل یفسد به الحج ویجب القضاء؟ قیل : نعم ، وقیل : لا ، وهو أشبه ).

المراد بالاستمناء استدعاء المنی بالعبث بیدیه أو بملاعبة غیره ، ولا خلاف فی کونه موجبا للبدنة مع حصول الإنزال به ، وإنّما الخلاف فی کونه مفسدا للحجّ إذا وقع قبل الوقوف بالمشعر ووجوب القضاء به ، فذهب الشیخ فی النهایة والمبسوط إلی ذلک (2). واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن إسحاق بن عمار ، عن أبی الحسن علیه السلام قال ، قلت : ما تقول فی محرم عبث بذکره فأمنی؟ قال : « أری علیه مثل ما علی من أتی أهله وهو محرم ، بدنة والحج من قابل » (3) وهی قاصرة من حیث السند بأنّ راویها وهو إسحاق بن عمار قیل : إنه فطحی (4). ومن حیث المتن بأنّها لا تدل علی ترتّب البدنة والقضاء علی مطلق الاستمناء بل علی هذا الفعل المخصوص ، مع أنّه قد لا یکون المطلوب به الاستمناء.

واستدل العلاّمة فی المختلف (5) علی هذا القول أیضا بصحیحة

حکم الاستمناء

ص: 416


1- المنتهی 2 : 842.
2- النهایة : 231 ، والمبسوط 1 : 337.
3- التهذیب 5 : 324 - 1113 ، الإستبصار 2 : 192 - 646 ، الوسائل 9 : 272 أبواب کفارات الاستمتاع ب 15 ح 1.
4- کما فی الفهرست : 15.
5- المختلف : 283.

ولو جامع أمته محلا وهی محرمة بإذنه تحمّل عنها الکفارة ، بدنة أو بقرة أو شاة. وإن کان معسرا فشاة أو صیام.

______________________________________________________

عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن المحرم یعبث بأهله وهو محرم حتی یمنی من غیر جماع أو یفعل ذلک فی شهر رمضان ، ما ذا علیهما؟ قال : « علیهما جمیعا الکفارة مثل ما علی الّذی یجامع » (1) ولا دلالة لهذه الروایة علی وجوب القضاء بوجه.

وقال ابن إدریس : إنّ ذلک غیر مفسد للحج بل موجب للکفارة خاصة (2). وهو ظاهر اختیار الشیخ فی الاستبصار حیث قال بعد أن أورد روایة إسحاق المتقدمة : إنّه یمکن أن یکون هذا الخبر محمولا علی ضرب من التغلیظ وشدة الاستحباب دون أن یکون ذلک واجبا (3). وإلی هذا القول ذهب المصنف فی کتابیه استضعافا للروایة (4) ، وهو متجه.

قوله : ( ولو جامع أمته محلا وهی محرمة بإذنه تحمّل عنها الکفارة ، بدنة أو بقرة أو شاة ، وإن کان معسرا فشاة أو صیام ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : أخبرنی عن رجل محل وقع علی أمة محرمة قال : « موسرا أو معسرا؟ » قلت : أجبنی عنهما قال : « هو أمرها بالإحرام أو لم یأمرها أو أحرمت من قبل نفسها؟ » قلت : أجبنی عنهما قال : « إن کان موسرا وکان عالما أنّه لا ینبغی له وکان هو الّذی أمرها بالإحرام کان علیه بدنة ، وإن شاء بقرة ، وإن شاء شاة ، وإن لم یکن أمرها بالإحرام فلا شی ء علیه موسرا کان أو معسرا ،

حکم من جامع أمته المحرمة

ص: 417


1- الکافی 4 : 376 - 5 ، التهذیب 5 : 327 - 1124 ، الوسائل 9 : 271 أبواب کفارات الاستمتاع ب 14 ح 1.
2- السرائر : 129.
3- الاستبصار 2 : 193.
4- المختصر النافع : 107.

ولو جامع المحرم قبل طواف الزیارة لزمه بدنة ، فإن عجز فبقرة أو شاة

______________________________________________________

وإن کان أمرها وهو معسر فعلیه دم شاة أو صیام » (1).

والظاهر أنّ المراد بإعسار المولی الموجب للشاة أو الصیام إعساره عن البدنة والبقرة ، وبالصیام صیام ثلاثة أیّام کما هو الواقع فی إبدال الشاة مع احتمال الاکتفاء بالیوم الواحد.

وإطلاق النص وکلام أکثر الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی الأمة بین أن تکون مکرهة أو مطاوعة ، وصرح العلاّمة (2) ومن تأخر عنه (3) بفساد حجّها مع المطاوعة ، ووجوب إتمامه ، والقضاء کالحرة وإنّه یجب علی المولی الإذن لها فی القضاء والقیام بمؤنته ، لاستناد الفساد إلی فعله. وللتوقف فیه مجال. وجزم الشارح بأنّ تحمّل المولی الکفارة إنّما یثبت مع الإکراه ، أمّا مع المطاوعة فیتعلق الکفارة بالأمة وتصوم بدل البدنة ثمانیة عشر یوما (4).

والروایة مطلقة لکنها قاصرة من حیث السند.

قوله : ( ولو جامع المحرم قبل طواف الزیارة لزمه بدنة ، فإن عجز فبقرة أو شاة ).

قد تقدم فی کلام المصنف أنّ من جامع بعد الوقوف بالمشعر وقبل طواف النساء کان حجه صحیحا ووجب علیه بدنة لا غیر. وهو شامل لما إذا وقع الجماع قبل طواف الزیارة وبعده ، وإنّما ذکر هذه المسألة علی الخصوص مع دخولها فی ذلک الإطلاق للتنبیه علی حکم الأبدال.

ویدل علی وجوب البدنة هنا علی الخصوص روایات : منها ما رواه

حکم جماع المحرم قبل طواف الزیارة

ص: 418


1- التهذیب 5 : 320 - 1102 ، الإستبصار 2 : 190 - 639 ، الوسائل 9 : 263 أبواب کفارات الاستمتاع ب 8 ح 2.
2- القواعد 1 : 99 ، تحریر الأحکام 1 : 120.
3- کالشهید الأول فی الدروس : 105 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 144.
4- المسالک 1 : 144.

وإذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثم واقع لم یلزمه الکفارة وبنی علی طوافه. وقیل : یکفی فی ذلک مجاوزة النصف ، والأول مروی.

______________________________________________________

الکلینی فی الحسن ، عن معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن متمتع وقع علی أهله ولم یزر قال : « ینحر جزورا وقد خشیت أن یکون قد ثلم حجّه إن کان عالما ، وإن کان جاهلا فلا شی ء علیه ». وسألته عن رجل وقع علی امرأته قبل أن یطوف طواف النساء قال : « علیه جزور سمینة ، وإن کان جاهلا فلیس علیه شی ء » قال : وسألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هی قال : « علیه دم یهریقه من عنده » (1).

وفی الصحیح ، عن عیص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل واقع أهله حین ضحی قبل أن یزور البیت قال : « یهریق دما » (2).

أمّا وجوب البقرة أو الشاة مع العجز عن البدنة کما ذکره المصنف ، أو ترتب الشاة علی العجز عن البقرة کما ذکره غیره (3) ، فقد اعترف جمیع من الأصحاب بعدم الوقوف علی مستنده ، وهو کذلک لکن مقتضی الروایة الثانیة إجزاء مطلق الدم ، إلاّ أنّه محمول علی المقید.

قوله : ( وإذا طاف المحرم من طواف النساء خمسة أشواط ثمّ واقع لم یلزمه الکفارة ، وبنی علی طوافه. وقیل : یکفی فی ذلک مجاوزة النصف ، والأول مروی ).

هذه الروایة رواها الشیخ ، عن حمران بن أعین ، عن أبی جعفر

حکم المواقع قبل اکمال طواف النساء

ص: 419


1- الکافی 4 : 378 - 3 ، الوسائل 9 : 264 أبواب کفارات الاستمتاع ب 9 ح 1.
2- الکافی 4 : 379 - 4 ، الوسائل 9 : 264 أبواب کفارات الاستمتاع ب 9 ح 2 ، ورواها فی التهذیب 5 : 321 - 1105.
3- کالعلامة فی القواعد 1 : 99.

______________________________________________________

علیه السلام قال : سألته عن رجل کان علیه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثمّ غمزه بطنه فخاف أن یبدره فخرج إلی منزله فنقض ثم غشی جاریته قال : « یغتسل ثمّ یرجع فیطوف بالبیت طوافین تمام ما کان بقی علیه من طوافه ویستغفر ربه ولا یعد ، وإن کان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشی فقد أفسد حجه ، وعلیه بدنة ویغتسل ثمّ یعود فیطوف أسبوعا » (1).

وهذه الروایة صریحة فی انتفاء الکفارة بالوقاع بعد الخمسة ، بل مقتضی مفهوم الشرط فی قوله : « وإن کان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط » الانتفاء إذا وقع ذلک بعد تجاوز الثلاثة. وما ذکره فی المنتهی من أنّ هذا المفهوم معارض بمفهوم الخمسة (2) ، غیر جید ، إذ لیس هناک مفهوم وإنّما وقع السؤال عن تلک المادة ، والاقتصار فی الجواب علی بیان حکم المسؤول عنه لا یقتضی نفی الحکم عما عداه ، لکن هذه الروایة ضعیفة بأنّ راویها وهو حمران لم ینص الأصحاب علیه بتوثیق ، بل ولا مدح یعتد به.

والقول بالاکتفاء فی ذلک بمجاوزة النصف للشیخ فی النهایة (3). وربّما کان مستنده ما رواه ابن بابویه ، عن علی بن أبی حمزة ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل نسی طواف النساء قال : « إذا زاد علی النصف وخرج ناسیا أمر من یطوف عنه ، وله أن یقرب النساء إذا زاد علی النصف » (4) وهذه الروایة ضعیفة السند أیضا.

ونقل عن ابن إدریس أنّه اعتبر مجاوزة النصف فی صحة الطواف والبناء علیه لا فی سقوط الکفارة وقال : الإجماع حاصل علی أنّ من جامع قبل طواف النساء فإنّ الکفارة تجب علیه ، وهو متحقق فیما إذا طاف دون

ص: 420


1- التهذیب 5 : 323 - 1110 ، الوسائل 9 : 267 أبواب کفارات الاستمتاع ب 11 ح 1.
2- المنتهی 2 : 840.
3- النهایة : 231.
4- الفقیه 2 : 246 - 1178 ، الوسائل 9 : 469 أبواب الطواف ب 58 ح 10.

وإذا عقد المحرم لمحرم علی امرأة ودخل بها المحرم فعلی کل منهما کفارة. وکذا لو کان العاقد محلا علی روایة سماعة.

______________________________________________________

الأشواط ، مع أنّ الاحتیاط یقتضی وجوب الکفارة (1).

قال فی المنتهی : ولا تعویل علی هذا الکلام مع ورود الحدیث الصحیح وموافقة عمل الأصحاب علیه (2). هذا کلامه - رحمه الله - وهو جید لو ثبت صحة الخبر ، لکنه غیر واضح ، وما ذکره ابن إدریس من ثبوت الکفارة قبل إکمال السبع لا یخلو من قوة وإن کان اعتبار الخمسة لا یخلو من رجحان ، عملا بالروایتین المتضمنتین لانتفاء الکفارة بذلک المطابقتین لمقتضی الأصل والإجماع المنقول ، والتفاتا إلی أنّ المتبادر من الجماع قبل طواف النساء المقتضی للزوم الکفارة الجماع قبل الشروع فی شی ء منه ، والمسألة محل تردد.

قوله : ( وإذا عقد المحرم لمحرم علی امرأة ودخل المحرم فعلی کل واحد منهما کفارة ، وکذا لو کان العاقد محلا علی روایة سماعة ).

[1] احترز بدخول المحرم عمّا لو لم یدخل فإنّه لا شی ء علیهما سوی الإثم ، للأصل وعدم النص ، ولم أقف علی روایة تتضمن لزوم الکفارة للعاقد المحرم لکن ظاهر الأصحاب الاتفاق علیه ، أمّا المحل فقد ورد به روایة رواها الشیخ ، عن سماعة بن مهران ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا ینبغی للرجل الحلال أن یزوّج محرما وهو یعلم أنّه لا یحل له » قلت : فإن فعل فدخل بها المحرم؟ قال : « إن کانا عالمین فإنّ علی کل واحد منهما بدنة ، وعلی المرأة إن کانت محرمة بدنة ، وإن لم تکن محرمة فلا شی ء علیها إلاّ أن تکون قد علمت أنّ الّذی تزوجها محرم فإن کانت علمت ثمّ تزوّجت فعلیها بدنة » (3).

حکم العقد لمحرم علی امرأة

ص: 421


1- السرائر : 129.
2- المنتهی 2 : 840.
3- التهذیب 5 : 330 - 1138 ، الوسائل 9 : 279 أبواب کفارات الاستمتاع ب 12 ح 1.

ومن جامع فی إحرام العمرة قبل السعی فسدت عمرته وعلیه بدنة وقضاؤها ،

______________________________________________________

ومقتضی الروایة لزوم الکفارة للمرأة المحلة أیضا إن کانت عالمة بإحرام الزوج ، وبمضمونها أفتی الشیخ وجماعة ، وهو أولی من العمل بها فی أحد الحکمین واطراحها فی الآخر کما فعل فی الدروس (1) ، وإن کان المطابق للأصول اطراحها مطلقا لنصّ الشیخ علی أنّ راویها وهو سماعة کان واقفیا (2) ، فلا تعویل علی روایته.

قوله : ( ومن جامع فی إحرام العمرة قبل السعی فسدت عمرته ، وعلیه بدنة وقضاؤها ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، بل ظاهر عبارة المنتهی أنّه موضوع وفاق (3). ونقل عن ابن أبی عقیل أنّه قال : وإذا جامع الرجل فی عمرته بعد أن طاف بها وسعی قبل أن یقصر فعلیه بدنة وعمرته تامة ، فأمّا إذا جامع فی عمرته قبل أن یطوف بها ویسعی فلم أحفظ عن الأئمة علیهم السلام شیئا أعرفکم به فوقفت عند ذلک ورددت الأمر إلیهم (4).

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی العمرة بین المفردة والمتمتع بها ، وبهذا التعمیم صرّح العلاّمة فی المختلف (5) وغیره (6). وخصّ الشیخ فی التهذیب الحکم بالمفردة ، واستدل علیه بما رواه فی الصحیح ، عن برید بن معاویة العجلی قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشی أهله قبل أن یفرغ من طوافه وسعیه قال : « علیه بدنة لفساد

فساد العمرة بالجماع قبل السعی وعلیه القضاء

ص: 422


1- الدروس : 106.
2- رجال الطوسی : 351 - 4.
3- المنتهی 2 : 841.
4- نقله فی المختلف : 283.
5- المختلف : 283.
6- کالقواعد 1 : 99 ، والمسالک 1 : 145.

______________________________________________________

عمرته ، وعلیه أن یقیم إلی الشهر الآخر فیخرج إلی بعض المواقیت فیحرم بعمرة » (1).

وعن مسمع ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یعتمر عمرة مفردة فیطوف بالبیت طواف الفریضة ثمّ یغشی أهله قبل أن یسعی بین الصفا والمروة قال « قد أفسد عمرته وعلیه بدنة وعلیه أن یقیم بمکة محلا حتی یخرج الشهر الّذی اعتمر فیه ، ثمّ یخرج إلی الوقت الّذی وقّته رسول الله صلی الله علیه و آله لأهل بلاده فیحرم منه ویعتمر » (2).

ومورد الروایتین العمرة المفردة ، إلاّ أنّ ظاهر الأکثر وصریح البعض عدم الفرق بینها وبین عمرة التمتع (3) ، وربما أشعر به صحیحة معاویة بن عمار قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل متمتع وقع علی امرأته ولم یقصر قال : « ینحر جزورا وقد خشیت أن یکون ثلم حجه إن کان عالما ، وإن کان جاهلا فلا شی ء علیه » (4) فإنّ الخوف من تطرق الفساد إلی الحج بالوقاع بعد السعی وقبل التقصیر ربّما اقتضی تحقق الفساد بوقوع ذلک قبل السعی.

ولم یذکر الشیخ والمصنف وأکثر الأصحاب وجوب إتمام العمرة الفاسدة. وقطع العلامة فی القواعد (5) ، والشهیدان (6) بالوجوب ، وهو مشکل ، لعدم الوقوف علی مستنده ، بل ربّما کان فی الروایتین المتقدمتین إشعار بالعدم ، للتصریح فیهما بفساد العمرة بذلک ، وعدم التعرض لوجوب الإتمام.

ص: 423


1- التهذیب 5 : 324 - 1112 ، الوسائل 9 : 268 أبواب کفارات الاستمتاع ب 12 ح 1.
2- التهذیب 5 : 323 - 1111 ، الوسائل 9 : 268 أبواب کفارات الاستمتاع ب 12 ح 2 ، ورواها فی الکافی 4 : 538 - 2 ، والفقیه 2 : 275 - 1344.
3- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 145.
4- الکافی 4 : 378 - 3 ، الفقیه 2 : 237 - 1132 ، التهذیب 5 : 161 - 539 ، الوسائل 9 : 270 أبواب کفارات الاستمتاع ب 13 ح 4.
5- القواعد 1 : 99.
6- الشهید الأول فی الدروس : 105 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 145.

والأفضل أن یکون فی الشهر الداخل.

______________________________________________________

ثمّ لو قلنا بالوجوب فالظاهر عدم وجوب إکمال الحج لو کانت العمرة الفاسدة عمرة تمتع ، بل یکفی استئناف العمرة مع ستة الوقت ثمّ الإتیان بالحج ، واستوجه الشارح وجوب إکمالهما ثمّ قضائهما ، لما بینهما من الارتباط (1). وهو ضعیف لأنّ الارتباط إنّما یثبت بین الصحیح منهما لا الفاسد.

ولو کان الجماع فی العمرة بعد السعی وقبل التقصیر لم یفسد العمرة ووجوب البدنة فی عمرة التمتع قطعا ، لصحیحة معاویة بن عمار المتقدمة وغیرها (2). وجزم الشارح (3) وغیره (4) بمساواة العمرة المفردة لها فی ذلک. وهو محتاج إلی الدلیل.

واعلم أنّ العلاّمة فی القواعد استشکل الحکم من أصله فی عمرة التمتع فقال : ولو جامع فی إحرام العمرة المفردة أو المتمتع بها - علی إشکال - قبل السعی عامدا عالما بالتحریم بطلت عمرته ووجب إکمالها وقضاؤها وبدنة (5). ووجه الإشکال معلوم مما قررناه ، لکن ذکر فخر المحققین فی شرحه أنّ الإشکال فی فساد الحج بعدها لا فی فساد العمرة ، وذکر أنّ منشأ الإشکال : من دخول العمرة فی الحج ، ومن انفراد الحج بالإحرام ، ونسب ذلک إلی تقریر والده (6). ولا یخفی ضعف الإشکال علی هذا التوجیه ، لأنّ حج التمتع لا یعقل صحته مع فساد العمرة المتقدمة علیه والله تعالی أعلم.

قوله : ( والأفضل أن یکون فی الشهر الداخل ).

ص: 424


1- المسالک 1 : 145.
2- الوسائل 9 : 269 أبواب کفارات الاستمتاع ب 13.
3- المسالک 1 : 145.
4- کالکرکی فی جامع المقاصد 1 : 185.
5- القواعد 1 : 99.
6- إیضاح الفوائد 1 : 347.

ولو نظر إلی غیر أهله فأمنی کان علیه بدنة إن کان موسرا ، وإن کان متوسطا فبقرة ، وإن کان معسرا فشاة.

______________________________________________________

مقتضی روایتی مسمع وبرید المتقدمتین (1) تعین إیقاع القضاء فی الشهر الداخل ، ولا یبعد المصیر إلی ذلک وإن قلنا بجواز توالی العمرتین أو الاکتفاء بالفرق بینهما بعشرة أیّام فی غیر هذه الصورة.

قوله : ( ولو نظر إلی غیر أهله فأمنی کان علیه بدنة إن کان موسرا ، وإن کان متوسطا فبقرة ، وإن کان معسرا فشاة ).

المستند فی هذا التفصیل ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل محرم نظر إلی ساق امرأة فأمنی قال : « إن کان موسرا فعلیه بدنة ، وإن کان وسطا فعلیه بقرة ، وإن کان فقیرا فعلیه شاة » (2) وهی ضعیفة السند باشتراک راویها بین الثقة وغیره ، وبأنّ فی طریقها عبد الله بن جبلة ، وقال النجاشی : إنّه کان واقفیا (3). وإسحاق بن عمار ، وقال الشیخ : إنّه فطحی (4).

والأجود التخییر بین الجزور والبقرة مطلقا ، فإن لم یجد فشاة ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل محرم نظر إلی غیر أهله فأنزل قال : « علیه جزور أو بقرة ، فإن لم یجد فشاة » (5).

ویحتمل قویا الاکتفاء بالشاة مطلقا ، لما رواه الکلینی فی الحسن ، عن معاویة بن عمار : فی محرم نظر إلی غیر أهله فأنزل قال : « علیه دم ، لأنّه نظر إلی غیر ما یحل له ، وإن لم یکن أنزل فلیتق ولا یعد ولیس علیه

کفارة من نظر إلی امرأة فأمنی

ص: 425


1- فی ص 422.
2- التهذیب 5 : 325 - 1115 ، الوسائل 9 : 272 أبواب کفارات الاستمتاع ب 16 ح 2.
3- رجال النجاشی : 150.
4- الفهرست : 15 - 52.
5- التهذیب 5 : 325 - 1116 ، الوسائل 9 : 272 أبواب کفارات الاستمتاع ب 16 ح 1.

ولو نظر إلی امرأته لم یکن علیه شی ء ولو أمنی. ولو کان بشهوة فأمنی کان علیه بدنة.

______________________________________________________

شی ء » (1).

قوله : ( ولو نظر إلی امرأته لم یکن علیه شی ء ولو أمنی ، ولو کان بشهوة فأمنی کان علیه بدنة ).

هذان الحکمان مقطوع بهما فی کلام الأصحاب ، بل ظاهر المنتهی أنّهما إجماعیان (2). ویدل علی الأوّل صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن محرم نظر إلی امرأته فأمنی أو أمذی وهو محرم قال : « لا شی ء علیه » (3).

وعلی الثانی قول الصادق علیه السلام فی روایة مسمع أبی سیار : « ومن نظر إلی امرأته نظر شهوة فأمنی فعلیه جزور » (4).

وهذه الروایة مع قصور سندها بعدم توثیق الراوی معارضة بموثق إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی محرم نظر إلی امرأته بشهوة فأمنی قال : « لیس علیه شی ء » (5). وأجاب الشیخ عن هذه الروایة بالحمل علی حال السهو دون العمد (6). وهو بعید.

وذکر الشارح أنّ من کان معتادا للإمناء عند النظر بغیر شهوة یجب علیه

ص: 426


1- الکافی 4 : 377 - 8 ، الوسائل 9 : 273 أبواب کفارات الاستمتاع ب 16 ح 5.
2- المنتهی 2 : 810.
3- الکافی 4 : 375 - 1 ، التهذیب 5 : 325 - 1117 ، الإستبصار 2 : 191 - 642 ، الوسائل 9 : 274 أبواب کفارات الاستمتاع ب 17 ح 1.
4- الکافی 4 : 376 - 4 ، التهذیب 5 : 326 - 1121 ، الإستبصار 2 : 191 - 641 ، الوسائل 9 : 274 أبواب کفارات الاستمتاع ب 17 ح 3.
5- التهذیب 5 : 327 - 1122 ، الإستبصار 2 : 192 - 643 ، الوسائل 9 : 276 أبواب کفارات الاستمتاع ب 17 ح 7.
6- التهذیب 5 : 327 ، والاستبصار 2 : 192.

ولو مسها بغیر شهوة لم یکن علیه شی ء. ولو مسها بشهوة کان علیه شاة ولو لم یمن. ولو قبّل امرأته کان علیه شاة. ولو کان بشهوة کان علیه جزور.

______________________________________________________

الکفارة کما لو نظر بشهوة (1). وهو جید مع القصد. لأنّه فی معنی الاستمناء.

قوله : ( ولو مسها بغیر شهوة لم یکن علیه شی ء ، ولو مسها بشهوة کان علیه شاة ولو لم یمن ).

یدل علی ذلک روایات ، منها ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن المحرم یضع یده من غیر شهوة علی امرأته قال : « نعم ، یصلح علیها خمارها ، ویصلح علیها ثوبها ومحملها » قلت : أفیمسها وهی محرمة؟ قال : « نعم » قلت : المحرم یضع یده بشهوة؟ قال : « یهریق دم شاة » قلت : قبّل؟ قال : « هذا أشد ینحر بدنة » (2).

وما رواه الشیخ ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل حمل امرأته وهو محرم فأمنی أو أمذی فقال : « إن کان حملها أو مسها بشهوة فأمنی أو لم یمن أمذی أو لم یمذ فعلیه دم یهریقه ، فإن حملها أو مسها بغیر شهوة فأمنی أو لم یمن فلیس علیه شی ء » (3).

قوله : ( ولو قبّل امرأته کان علیه شاة ، ولو کان بشهوة کان علیه جزور ).

هذا أحد الأقوال فی المسألة ، وأطلق الصدوق فی المقنع وجوب

حکم مس المرأة

حکم تقبیل المرأة

ص: 427


1- المسالک 1 : 145.
2- الکافی 4 : 375 - 2 ، الوسائل 9 : 274 أبواب کفارات الاستمتاع ب 17 ح 2.
3- التهذیب 5 : 326 - 1119 ، الوسائل 9 : 275 أبواب کفارات الاستمتاع ب 17 ح 6.

وکذا لو أمنی عن ملاعبة.

______________________________________________________

البدنة (1) ، وفیمن لا یحضره الفقیه : وجوب الشاة (2). وقال ابن إدریس : فی القبلة بشهوة فینزل جزور ، وبغیر إنزال شاة کما لو قبّلها بغیر شهوة (3).

والّذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الروایات : حسنة الحلبی المتقدمة حیث قال فیها : قلت قبّل؟ قال : « هذا أشد ینحر بدنة ».

وروایة علی بن أبی حمزة عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن رجل قبّل امرأته وهو محرم قال : « علیه بدنة وإن لم ینزل » (4). وروایة مسمع ، عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « إنّ حال المحرم ضیّقة : إن قبّل امرأته علی غیر شهوة وهو محرم فعلیه دم شاة ، وإن قبّل امرأته علی غیر شهوة فأمنی فعلیه جزور ویستغفر الله » (5) وفی هاتین الروایتین ضعف من حیث السند (6).

والمتجه وجوب البدنة مطلقا کما اختاره ابن بابویه فی المقنع ، لحسنة الحلبی فإنّها لا تقصر عن الصحیح کما بیناه مرارا.

قوله : ( وکذا لو أمنی عن ملاعبة ).

أی : یجب علیه جزور ، ویجب علی المرأة مثله إذا کانت مطاوعة ، کما

حکم الامناء عن ملاعبة

ص: 428


1- المقنع : 83.
2- الفقیه 2 : 213.
3- السرائر : 130.
4- الکافی 4 : 376 - 3 ، التهذیب 5 : 327 - 1123 ، الوسائل 9 : 277 أبواب کفارات الاستمتاع ب 18 ح 4.
5- الکافی 4 : 376 - 4 ، التهذیب 5 : 326 - 1121 ، الإستبصار 2 : 191 - 641 ، الوسائل 9 : 276 أبواب کفارات الاستمتاع ب 18 ح 3.
6- أما الأولی فلأن روایها وهو علی بن أبی حمزة أصل الوقف ، وأما الثانیة فلأن راویها وهو مسمع لیس هناک ما یعتمد علیه فی توثیقه علی مبنی المصنف.

ولو استمع علی من یجامع [ فأمنی ] من غیر نظر لم یلزمه شی ء.

فرع :

لو حج تطوعا فأفسده ثم أحصر کان علیه بدنة للإفساد ودم

______________________________________________________

نصّ علیه الشیخ فی التهذیب (1) وغیره (2). ویدل علی الحکمین ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن الرجل یعبث بامرأته حتی یمنی وهو محرم من غیر جماع ، أو یفعل ذلک فی شهر رمضان فقال : « علیهما جمیعا الکفارة مثل ما علی الّذی یجامع » (3) ومقتضی هذه الروایة وجوب البدنة ، لأنّها الواجب فی الجماع.

قوله : ( ولو استمع علی من یجامع من غیر نظر لم یلزمه شی ء ).

للأصل ، وروایة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل سمع کلام امرأة من خلف حائط وهو محرم فتشاهی حتی أنزل قال : « لیس علیه شی ء » (4) وروایة سماعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنّه قال فی محرم استمع علی رحل یجامع أهله فأمنی قال : « لیس علیه شی ء » (5).

ولو أمنی بذلک وکان من عادته ذلک أو قصده فقد قطع الشارح بوجوب الکفارة علیه کالاستمناء (6) ، وهو حسن.

قوله : ( فرع ، لو حجّ تطوعا فأفسد ثمّ أحصر کان علیه بدنة

حکم الامناء للاستماع علی مجامع

حکم الحاج تطوعا إذا أفسد فأحصر

ص: 429


1- التهذیب 5 : 327.
2- المبسوط 1 : 336 ، النهایة : 230 ، والعلامة فی التذکرة 1 : 358 ، والشهید الأول فی الدروس : 105.
3- التهذیب 5 : 324 - 1124 ، الوسائل 9 : 271 أبواب کفارات الاستمتاع ب 14 ح 1.
4- الکافی 4 : 377 - 10 ، التهذیب 5 : 327 - 1125 ، الوسائل 9 : 278 أبواب کفارات الاستمتاع ب 20 ح 3.
5- التهذیب 5 : 328 - 1126 ، الوسائل 9 : 278 أبواب کفارات الاستمتاع ب 20 ح 4.
6- المسالک 1 : 145.

للإحصار وکفاه قضاء واحد فی القابل.

المحظور الثانی : الطیب ، فمن تطیّب کان علیه دم شاة ، سواء استعمله صبغا أو طلاء ، ابتداء أو استدامة ، أو بخورا أو فی الطعام.

______________________________________________________

للإفساد ، ودم للإحصار ، وکفاه قضاء واحد فی القابل ).

لا ریب فی الاکتفاء بالقضاء الواحد بسبب الإفساد ، لأنّ المندوب یجب قضاؤه بالإفساد ولا یجب قضاؤه مع الحصر ، بل إنّما یجب الإتیان بعد زوال الحصر بالواجب المستقر خاصة ، وفی الاکتفاء بالقضاء الواحد فیه وجهان مبنیان علی أنّ الأولی الفرض والثانیة عقوبة ، أو عکسه. وقد تقدّم الکلام فی ذلک مفصلا.

قوله : ( المحظور الثانی ، الطیب : فمن تطیّب کان علیه دم شاة ، سواء استعمله صبغا أو إطلاء ، ابتداء أو استدامة ، أو بخورا أو فی الطعام ).

هذا الحکم مجمع علیه بین العلماء ، حکاه فی المنتهی (1) ، واستدل علیه بما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « من أکل زعفرانا متعمدا أو طعاما فیه طیب فعلیه دم ، وإن کان ناسیا فلا شی ء علیه ، ویستغفر الله ویتوب إلیه » (2) وهی لا تدل علی ما ذکروه من التعمیم.

وقد ورد فی بعض الروایات ما یدل علی عدم تعیّن الدم کصحیحة معاویة بن عمار ، عن الصادق علیه السلام حیث قال فیها : « واتق الطیب فی زادک ، فمن ابتلی بشی ء من ذلک فلیعد غسله ، ولیتصدق بصدقة بقدر ما صنع » (3).

أحکام الطیب

حکم استعمال المحرم الطیب

ص: 430


1- المنتهی 2 : 813.
2- الفقیه 2 : 223 - 1046 ، الوسائل 9 : 284 أبواب کفارات الاستمتاع ب 4 ح 1.
3- التهذیب 5 : 304 - 1039 ، الوسائل 9 : 94 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 8.

ولا بأس بخلوق الکعبة ولو کان فیه زعفران.

______________________________________________________

ومرسلة حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا یمس المحرم شیئا من الطیب ولا الریحان ، ولا یتلذذ به ولا بریح طیبة ، فمن ابتلی بشی ء من ذلک فلیتصدق بقدر ما صنع قدر سعته » (1).

وقد روی الشیخ فی التهذیب هذه الروایة بطریق غیر واضح الصحة ، عن حریز ، عن الصادق علیه السلام وفیها : « فمن ابتلی بشی ء من ذلک فلیتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه » یعنی من الطعام (2).

وأجاب العلامة فی المنتهی عن هاتین الروایتین بالحمل علی حال الضرورة والحاجة إلی استعمال الطیب (3). وهو بعید ، ویمکن حملها علی حال الجهل والنسیان ، ومع ذلک یکون الأمر بالصدقة محمولا علی الاستحباب ، للأخبار الکثیرة المتضمنة لسقوط الکفارة عن الناسی والجاهل فی غیر الصید ، کقول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « ولیس علیک فداء ما أتیته بجهالة إلاّ الصید فإنّ علیک الفداء فیه بجهل کان أو بعمد » (4) وقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « من نتف إبطه ، أو قلّم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ینبغی له لبسه ، أو أکل طعاما لا ینبغی له أکله وهو محرم ، ففعل ذلک ناسیا أو جاهلا فلیس علیه شی ء ، ومن فعله متعمدا فعلیه دم شاة » (5).

قوله : ( ولا بأس بخلوق الکعبة وان کان فیه زعفران ).

یدل علی ذلک صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن خلوق الکعبة یصیب ثوب

جواز خلوق الکعبة

ص: 431


1- الکافی 4 : 353 - 2 ، الوسائل 9 : 285 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 4 ح 6.
2- التهذیب 5 : 297 - 1007 ، الوسائل 9 : 95 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 11.
3- المنتهی 2 : 783.
4- الکافی 4 : 381 - 3 ، التهذیب 5 : 315 - 1085 ، الوسائل 9 : 226 أبواب کفارات الصید ب 31 ح 1.
5- التهذیب 5 : 369 - 1287 ، الوسائل 9 : 289 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 8 ح 1.

وکذا الفواکه کالأترج والتفاح ،

______________________________________________________

المحرم قال : « لا بأس به ، ولا یغسله فإنّه طهور » (1) وفی الصحیح ، عن یعقوب بن شعیب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المحرم یصیب ثیابه الزعفران من الکعبة قال : « لا یضره ولا یغسله » (2).

قوله : ( وکذا الفواکه کالأعرج والتفاح ).

أی : لا بأس بها فیجوز أکلها وشمّها ، ولا یجب باستعمالها فدیة باتفاق العلماء ، حکاه فی المنتهی (3) ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل ما رواه الشیخ عن عمار الساباطی قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم أیتخلل؟ قال : « نعم لا بأس به » قلت : له أن یأکل الأترج؟ قال : « نعم » قلت : فإن له رائحة طیبة فقال : « إن الأترج طعام ولیس هو من الطیب » (4).

وعن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن التفاح ، والأترج ، والنبق ، وما طاب ریحه فقال : « یمسک علی شمه ویأکله » (5).

ومقتضی الروایة وجوب الإمساک عن شمّه لکنها ضعیفة بالإرسال. وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن علی بن مهزیار قال : سألت ابن أبی عمیر عن التفاح ، والأترج ، والنبق ، وما طاب ریحه فقال : « تمسک عن شمّه وتأکله » ولم یرو فیه شیئا (6). ومقتضی ذلک کون الأمر بالإمساک عن شمّه من

جواز الفواکه والریاحین

ص: 432


1- التهذیب 5 : 69 - 225 ، الوسائل 9 : 98 أبواب تروک الإحرام ب 21 ح 1.
2- التهذیب 5 : 69 - 226 ، الوسائل 9 : 98 أبواب تروک الإحرام ب 21 ح 2.
3- المنتهی 2 : 784.
4- التهذیب 5 : 306 - 1043 ، الإستبصار 2 : 183 - 607 ، الوسائل 9 : 102 أبواب تروک الإحرام ب 26 ح 2.
5- التهذیب 5 : 305 - 1042 ، الإستبصار 2 : 183 - 606 ، الوسائل 9 : 103 أبواب تروک الإحرام ب 26 ح 3.
6- الفقیه 2 : 225 - 1058 ، الوسائل 9 : 102 أبواب تروک الإحرام ب 26 ح 1 ولکن فیه : ولم یزد فیه شیئا. وفی « ح » : ولم یر فیه شیئا.

والریاحین کالورد والنیلوفر.

الثالث : القلم ، وفی کل ظفر مدّ من طعام. وفی أظفار یدیه

______________________________________________________

فتوی ابن أبی عمیر ، وکیف کان فلا عبرة بهذه الروایة.

وقال الشارح - قدس سره بعد أن قال : الظاهر أنّ قول المصنف : وکذا الفواکه ، معطوف علی خلوق الکعبة فیفید جواز شمّه - : ویمکن أن یکون معطوفا علی الطیب ، للروایة الصحیحة الدالة علی تحریمه ، وهو الأقوی (1). هذا کلامه - رحمه الله - ولم نقف علی هذه الروایة الّتی أشار إلیها فی شی ء من کتب الأصول والفروع ، مع أنّ العلاّمة فی المنتهی نقل اتفاق العلماء علی إباحة شمّ هذا النوع وسقوط الفدیة باستعماله کما نقلناه.

قوله : ( والریاحین کالورد والنیلوفر ).

بل الأصح تحریم استعمالها ، لقول الصادق علیه السلام فی صحیحة عبد الله بن سنان : « لا تمس ریحانا وأنت محرم ، ولا شیئا فیه زعفران ، ولا تطعم طعاما فیه زعفران » (2) لکن الظاهر أنّه لا یجب باستعمالها فدیة ، للأصل السالم من المعارض.

ویستثنی من المنع من شمّ الریاحین : الشیح ، والخزامی ، والقیصوم ، والإذخر ، ونحوها إن أطلق علیها اسم الریحان ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « لا بأس أن تشمّ الإذخر ، والقیصوم ، والخزامی ، والشیخ وأشباهه وأنت محرم » (3).

قوله : ( الثالث ، القلم : وفی کل ظفر مدّ من طعام ، وفی أظفار

الثالث : القلم

کفارة تقلیم الأظفار

ص: 433


1- المسالک 1 : 145.
2- الکافی 4 : 355 - 12 ، التهذیب 5 : 307 - 1048 ، الوسائل 9 : 102 أبواب تروک الإحرام ب 25 ح 3.
3- الکافی 4 : 355 - 14 ، الفقیه 2 : 225 - 1057 ، التهذیب 5 : 305 - 1041 ، الوسائل 9 : 101 أبواب تروک الإحرام ب 25 ح 1.

ورجلیه فی مجلس دم واحد. ولو کان کل واحد منهما فی مجلس لزمه دمان.

______________________________________________________

یدیه ورجلیه فی مجلس واحد دم واحد ، ولو کان کل واحد منهما فی مجلس لزمه دمان ).

المستند فی ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحسن بن محبوب ، عن علی بن مهزیار ، عن أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل قلّم ظفرا من أظافیره وهو محرم قال : « علیه مدّ من طعام حتی یبلغ عشرة ، فإن قلّم أصابع یدیه کلها فعلیه دم شاة » قلت : فإن قلّم أظافیر یدیه ورجلیه جمیعا؟ فقال : « إذا کان فعل ذلک فی مجلس واحد فعلیه دم ، وإن کان فعله متفرقا فی مجلسین فعلیه دمان » (1).

وقد روی الشیخ فی التهذیب هذه الروایة أیضا ، عن الحسن بن محبوب ، عن علی بن رئاب ، عن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام لکن الموجود فیها : « علیه فی کل ظفر قیمة مدّ من طعام » (2).

وروی أیضا ، عن الحسین بن سعید ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسکان ، عن الحلبی أنّه سأله عن محرم قلّم أظافیره قال : « علیه مدّ فی کل إصبع ، فإن هو قلّم أظافیره عشرتها فإنّ علیه دم شاة » (3).

وبمضمون هاتین الروایتین أفتی الأصحاب إلاّ من شذّ ، ویؤیدهما صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « من قلّم أظافیره ناسیا أو ساهیا أو جاهلا فلا شی ء علیه ، ومن فعله متعمدا فعلیه دم » (4).

ص: 434


1- الفقیه 2 : 227 - 1075 ، الوسائل 9 : 293 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 12 ح 1.
2- التهذیب 5 : 332 - 1141 ، الوسائل 9 : 293 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 12 ح 1.
3- التهذیب 5 : 332 - 1142 ، الإستبصار 2 : 194 - 652 ، الوسائل 9 : 293 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 12 ح 2.
4- التهذیب 5 : 233 - 1145 ، الإستبصار 2 : 195 - 655 ، الوسائل 9 : 291 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 10 ح 5.

ولو أفتی بتقلیم ظفره فأدماه لزم المفتی شاة.

______________________________________________________

وقال ابن الجنید : فی الظفر مدّ أو قیمته حتی یبلغ خمسة فصاعدا فدم إن کان فی مجلس واحد ، فإن فرّق بین یدیه ورجلیه فلیدیه دم ولرجلیه دم (1). وقال الحلبی : فی قصّ ظفر کفّ من طعام ، وفی أظفار إحدی یدیه صاع ، وفی أظفار کلتیهما شاة ، وکذا حکم أظفار رجلیه ، وإن کان الجمیع فی مجلس واحد فدم (2). ولم نقف لهذین القولین علی مستند.

وإنّما یجب الدم أو الدمان بتقلیم أصابع الیدین أو الرجلین إذا لم یتخلل التکفیر عن السابق قبل البلوغ إلی حد یوجب الشاة ، وإلاّ تعدد المدّ خاصة بحسب تعدد الأصابع.

ولو کفر بشاة للیدین أو الرجلین ثمّ أکمل الباقی فی المجلس وجب علیه شاة أخری.

والظاهر أنّ بعض الظفر کالکل ، ولو قصه فی دفعات مع اتحاد المجلس لم یتعدد الفدیة ، وفی التعدد مع الاختلاف وجهان.

قوله : ( ولو أفتی بتقلیم ظفره فأدماه لزم المفتی شاة ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (3) ، وجمع من الأصحاب ، واستدلوا علیه بروایة إسحاق الصیرفی قال ، قلت لأبی إبراهیم علیه السلام : إنّ رجلا أحرم فقلّم أظفاره فکانت إصبع له علیلة فترک ظفرها لم یقصه فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه قال : « علی الّذی أفتی شاة » (4) وهذه الروایة ضعیفة السند (5) فلا تصلح لإثبات حکم مخالف للأصل.

کفارة المفتی بجواز التقلیم

ص: 435


1- نقله عنه فی المختلف : 285.
2- الکافی فی الفقه : 204.
3- النهایة : 233 ، والمبسوط 1 : 349.
4- التهذیب 5 : 333 - 1146 ، الوسائل 9 : 294 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 13 ح 1.
5- لأن راویها وهو إسحاق بن عمار قال الشیخ إنه فطحی ( الفهرست : 15 ) ولأن من جملة رجالها محمد البزاز وهو مجهول ، وزکریا المؤمن وکان واقفا مختلط الأمر فی حدیثه ( راجع رجال النجاشی : 172 - 453 ).

الرابع : المخیط ، حرام علی المحرم ، فلو لبس کان علیه دم.

______________________________________________________

وصرح الشهید فی الدروس بأنّه لا یشترط إحرام المفتی ، ولا کونه من أهل الاجتهاد (1). واعتبر الشارح : صلاحیته للإفتاء بزعم المستفتی لیتحقق کونه مفتیا (2). وهو حسن ، وإنّما تجب الفدیة علی المفتی مع قلم المستفتی وإدمائه ، فلو تجرد القلم عن الإدماء فلا فدیة. وفی قبول قول القالم فی الإدماء وجهان ، واستقرب فی الدروس القبول (3) ، ولو تعدد المفتی ففی تعدد الکفارة ، أو الاکتفاء بکفارة موزعة علی الجمیع أوجه ، ثالثها الفرق بین أن یقع الإفتاء دفعة وعلی التعاقب ، ولزوم الکفارة للأوّل خاصة فی الثانی ، والتعدد فی الأوّل ، واختاره فی الدروس (4) ، والکلام فی هذه الفروع قلیل الفائدة ، لضعف الأصل المبنی علیه.

قوله : ( الرابع ، المخیط حرام علی المحرم ، فلو لبس کان علیه دم ).

قد بینا فیما سبق أنّه لیس فیما وصل إلینا من الروایات دلالة علی تحریم عین المخیط ، وإنّما تعلق النهی بلبس القمیص والقباء والسراویل ، وقد أجمع العلماء کافة علی أنّ المحرم إذا لبس ما لا یحل له لبسه وجبت علیه الفدیة دم شاة ، حکاه فی المنتهی (5). ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « من لبس ثوبا لا ینبغی له لبسه وهو محرم ففعل ذلک ناسیا أو ساهیا أو جاهلا فلا شی ء علیه ، ومن فعله متعمدا فعلیه دم » (6).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المحرم إذا احتاج إلی ضروب من الثیاب یلبسها قال :

الرابع : لبس المخیط

حکم لبس المحرم المخیط

ص: 436


1- الدروس : 109.
2- المسالک 1 : 145.
3- الدروس : 109.
4- الدروس : 109.
5- المنتهی 2 : 812.
6- الکافی 4 : 348 - 1 ، الوسائل 9 : 290 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 8 ح 4.

ولو اضطر إلی لبس ثوب یتقی به الحر أو البرد جاز وعلیه شاة.

______________________________________________________

« علیه لکل صنف منها فداء » (1).

وعن سلیمان بن العیص قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یلبس القمیص متعمدا قال « علیه دم » (2).

والاستدامة فی اللبس کابتدائه ، فلو لبس المحرم قمیصا ناسیا ثمّ ذکر وجب علیه خلعه إجماعا ولا فدیة ، ولو أخلّ بذلک بعد العلم لزمه الفدیة.

قوله : ( ولو اضطر إلی لبس ثوب یتقی به الحر أو البرد جاز ، وعلیه شاة ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، ویدل علیه خصوص صحیحة ابن مسلم المتقدمة ، واستدل علیه فی المنتهی (3) أیضا ، بقوله تعالی ( فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ ) (4) قال : ومعناه من کان منکم مریضا فلیس أو تطیب أو حلق بلا خلاف. ثمّ عزی ذلک إلی الشیخ (5) ، وهو غیر جید.

أما أوّلا : فلأنّ سوق الآیة یقتضی اختصاصها بالحلق لترتب ذلک علی قوله عزّ وجلّ ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَکُمْ حَتّی یَبْلُغَ الْهَدْیُ مَحِلَّهُ ) (6) وقد صرّح بذلک الإمام الطبرسی - رحمه الله - فی تفسیره قال ( فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ ) أی من مرض منکم مرضا یحتاج فیه إلی الحلق للمداواة ، أو تأذّی بهوام رأسه أبیح له الحلق بشرط الفدیة (7).

حکم المضطر إلی لبس المخیط

ص: 437


1- التهذیب 5 : 384 - 1340 ، الوسائل 9 : 290 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 9 ح 1.
2- التهذیب 5 : 384 - 1339 ، الوسائل 9 : 289 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 8 ح 2.
3- المنتهی 2 : 812.
4- البقرة : 196.
5- النهایة : 234 ، والمبسوط 1 : 351.
6- البقرة : 196.
7- مجمع البیان 1 : 291.

الخامس : حلق الشعر ، وفیه شاة أو إطعام عشرة مساکین ، لکل منهم مدّ. وقیل : ستة لکل منهم مدان أو صیام ثلاثة أیام.

______________________________________________________

وأمّا ثانیا : فلأنّ اللازم من ذلک التخییر فی فدیة اللبس بین الصیام ، والصدقة ، والنسک ، کالحلق ولا نعلم بذلک قائلا من الأصحاب ولا غیرهم ، بل مقتضی کلام الجمیع تعیّن الدم.

قوله : ( الخامس ، حلق الشعر ، وفیه شاة أو إطعام عشرة مساکین ، لکل منهم مدّ ، وقیل : ستة ، لکل منهم مدّان ، أو صیام ثلاثة أیّام ).

أجمع العلماء کافة علی وجوب الفدیة علی المحرم إذا حلق رأسه متعمدا سواء کان لأذی أو غیره ، حکاه فی المنتهی (1). ویدل علیه مضافا إلی ظاهر الآیة الشریفة ، ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « مرّ رسول الله صلی الله علیه و آله علی کعب بن عجرة والقمل یتناثر من رأسه وهو محرم فقال له : أیؤذیک هو أمّک؟ فقال : نعم ، فأنزلت هذه الآیة ( فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ ) (2) فأمره رسول الله صلی الله علیه و آله أن یحلق وجعل الصیام ثلاثة أیّام ، والصدقة علی ستة مساکین لکل مسکین مدّان ، والنسک شاة ، قال أبو عبد الله علیه السلام : وکل شی ء فی القرآن « أو » فصاحبه بالخیار یختار ما شاء ، وکل شی ء فی القرآن « فمن لم یجد کذا فعلیه کذا فالأولی الخیار » وقد روی الشیخ فی التهذیب هذه الروایة بطریق لا یبعد صحته ، عن حریز ، عن الصادق علیه السلام (3) ، والحکم وقع فی الآیة والروایة معلقا علی الحلق للأذی إلاّ أنّ ذلک یقتضی وجوب الکفارة علی غیره بطریق أولی.

الخامس : حلق الشعر

کفارة حلق الشعر

ص: 438


1- المنتهی 2 : 793.
2- الکافی 4 : 358 - 2 ، الوسائل 9 : 295 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 14 ح 1.
3- التهذیب 5 : 333 - 1147 ، الوسائل 9 : 295 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 14 ح 1.

______________________________________________________

ویدل علی الوجوب مطلقا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة بن أعین قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « من نتف إبطه ، أو قلّم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ینبغی له لبسه ، أو أکل طعاما لا ینبغی له أکله وهو محرم ، ففعل ذلک ناسیا أو جاهلا فلیس علیه شی ء ، ومن فعله متعمدا فعلیه دم شاة » (1) ومقتضی الروایة تعیین الشاة بذلک ، ولو قیل به إذا کان الحلق لغیر ضرورة لم یکن بعیدا لکن قال فی المنتهی : إنّ التخییر فی هذه الکفارة لعذر أو غیره قول علمائنا أجمع (2).

ویستفاد من روایة حریز أنّ هذه الکفّارة مخیرة بین الشاة وصیام الثلاثة الأیّام وإطعام ستة مساکین لکل مسکین مدّان. وبمضمونها أفتی الشیخ (3) وأکثر الأصحاب ، وذهب بعضهم إلی وجوب إطعام عشرة لکل مسکین مدّ (4) ، لروایة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « قال الله تعالی فی کتابه ( فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ مَرِیضاً أَوْ بِهِ أَذیً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُکٍ ) . فمن عرض له أذی أو وجع فتعاطی ما لا ینبغی للمحرم إذا کان صحیحا ، فالصیام ثلاثة أیّام ، والصدقة علی عشرة مساکین یشبعهم من الطعام ، والنسک شاة یذبحها فیأکل ویطعم ، وإنّما علیه واحد من ذلک » (5) وهذه الروایة مع ضعف سندها بمحمد بن عمر بن یزید وهو مجهول ، لا تدل علی تعین إطعام المدّ بل مقتضاها الاکتفاء بإشباع المساکین ، ومع ذلک فهی مخالفة لما علیه الأصحاب من عدم جواز الأکل من الفداء. وقال الشیخ فی التهذیب : إنّه لیس بین هذه الروایة والّتی تقدّمها تضادّ فی کمیة الإطعام ،

ص: 439


1- التهذیب 5 : 369 - 1287 ، الإستبصار 2 : 199 - 672 ، الوسائل 9 : 289 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 8 ح 1.
2- المنتهی 2 : 815.
3- النهایة : 233 ، والمبسوط 1 : 350.
4- کالشهید الأول فی الدروس : 109.
5- التهذیب 5 : 333 - 1148 ، الإستبصار 2 : 195 - 657 ، الوسائل 9 : 296 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 14 ح 2.

ولو مسّ لحیته أو رأسه فوقع منهما شی ء أطعم کفا من طعام.

______________________________________________________

لأنّ الروایة الأولی فیها أنّه یطعم ستة مساکین لکل مسکین مدان ، والروایة الأخیرة عشرة مساکین لکل واحد منهم قدر ما یشبعه وهو مخیّر بأیّ الخبرین أخذ جاز له ذلک (1). قال فی المنتهی : والکفارة عندنا تتعلق بحلق جمیع الرأس أو بعضه قلیلا کان أو کثیرا لکن تختلف ، ففی حلق الرأس دم وکذا فیما یسمی حلق الرأس ، وفی حلق ثلاث شعرات صدقة بمهما کان (2). وهو جید لکن ینبغی تعین الصدقة فی ذلک بکفّ من طعام أو کفّ من سویق کما سیجی ء بیانه.

واعلم أنّ إطلاق عبارة المصنف یقتضی عدم الفرق بین شعر الرأس وغیره ، وبهذا التعمیم صرّح الشهید فی الدروس (3) ، وهو جید إذا کان مساویا لنتف الإبط أو أزید منه ، لکن لا یبعد تعیین الدم فیه.

قوله : ( ولو مسّ لحیته أو رأسه فوقع منهما شی ء أطعم کفا من طعام ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل ظاهر التذکرة والمنتهی : أنّه موضع وفاق (4) ویدل علیه روایات ، منها صحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : المحرم یعبث بلحیته فیسقط منها الشعرة والثنتان قال : « یطعم شیئا » (5).

وصحیحة هشام بن سالم قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : » إذا وضع أحدکم یده علی رأسه أو لحیته وهو محرم فسقط شی ء من الشعر

حکم وقوع الشعر بمس الرأس

ص: 440


1- التهذیب 5 : 334.
2- المنتهی 2 : 793.
3- الدروس : 109.
4- التذکرة 1 : 354 ، والمنتهی 2 : 816.
5- الفقیه 2 : 229 - 1087 ، التهذیب 5 : 338 - 1170 ، الإستبصار 2 : 198 - 668 الوسائل 9 : 299 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 16 ح 2.

ولو فعل ذلک فی وضوء الصلاة لم یلزمه شی ء.

ولو نتف أحد إبطیه أطعم ثلاثة مساکین. ولو نتفهما لزمه شاة.

______________________________________________________

فلیتصدق بکفّ من طعام أو کفّ من سویق » (1).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إن نتف المحرم من شعر لحیته وغیرها شیئا فعلیه أن یطعم مسکینا فی یده » (2) ومقتضی هذه الروایة وروایة ابن عمار إجزاء مطلق الإطعام ، وهو غیر بعید وإن کان الأولی الاقتصار علی إطعام الکفّ من الطعام والسویق کما تضمنته الروایة المفصلة.

قوله : ( ولو فعل ذلک فی وضوء الصلاة لم یلزمه شی ء ).

یدل علی ذلک صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الهیثم بن عروة التمیمی قال : سأل رجل أبا عبد الله علیه السلام عن المحرم یرید إسباغ الوضوء فیسقط من لحیته الشعرة أو الشعرتان فقال : « لیس بشی ء ، ( ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ ) » (3).

وألحق الشهید فی الدروس بالوضوء الغسل أیضا (4) ، وهو حسن ، بل مقتضی التعلیل إلحاق إزالة النجاسة والحک الضروری به أیضا.

قوله : ( ولو نتف أحد إبطیه أطعم ثلاثة مساکین ، ولو نتفهما لزمه شاة ).

أمّا وجوب الشاة بنتف الإبطین ، فیدل علیه روایات ، منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا

کفارة نتف الإبط

ص: 441


1- الکافی 4 : 361 - 11 ، الفقیه 2 : 229 - 1089 ، التهذیب 5 : 338 - 1171 ، الإستبصار 2 : 198 - 669 ، الوسائل 9 : 299 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 16 ح 5.
2- الکافی 4 : 361 - 9 ، الوسائل 9 : 300 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 16 ح 9.
3- التهذیب 5 : 339 - 1172 ، الإستبصار 2 : 198 - 670 ، الوسائل 9 : 299 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 16 ح 6.
4- الدروس : 109.

وفی التظلیل سائرا شاة.

______________________________________________________

نتف الرجل إبطیه بعد الإحرام فعلیه دم » (1) وفی الصحیح ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسیا أو ساهیا أو جاهلا فلا شی ء علیه ، ومن فعله متعمدا فعلیه دم » (2).

وأمّا وجوب إطعام ثلاثة مساکین بنتف الإبط الواحد ، فاستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه عن عبد الله بن جبلة ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی محرم نتف إبطه قال : « یطعم منه ثلاثة مساکین » (3) وهذه الروایة ضعیفة السند بفساد مذهب الراوی وهو عبد الله بن جبلة ، لنص النجاشی علی أنّه کان واقفیا (4) ، وبأنّ فی طریقها محمد بن عبد الله بن هلال وهو مجهول ، فلو قیل بوجوب الدم فی نتف الإبط الواحد بصحیحة زرارة المتقدمة لم یکن بعیدا.

قوله : ( وفی التظلیل سائرا شاة ).

مذهب الأصحاب عدا ابن الجنید وجوب الفدیة بالتظلیل (5) وإنما اختلفوا فیما یجب به الفداء ، فذهب الأکثر إلی أنّه شاة. وقال ابن أبی عقیل : فدیته صیام ، أو صدقة ، أو نسک کالحلق لأذی (6). وقال الصدوق : إنّه مدّ عن کل یوم (7). وقال أبو الصلاح : علی المختار لکل یوم شاة ، وعلی المضطر لجملة المدة شاة (8).

- کفارة التظلیل

ص: 442


1- التهذیب 5 : 340 - 1177 ، الإستبصار 2 : 199 - 675 ، الوسائل 9 : 292 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 11 ح 1.
2- التهذیب 5 : 339 - 1174 ، الإستبصار 2 : 199 - 672 ، الوسائل 9 : 292 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 10 ح 1.
3- التهذیب 5 : 340 - 1178 ، الوسائل 9 : 292 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 11 ح 2.
4- رجال النجاشی : 150.
5- نقله عنهما فی المختلف : 285.
6- نقله عنهما فی المختلف : 285.
7- المقنع : 74.
8- الکافی فی الفقه : 204.

______________________________________________________

والمعتمد الأوّل ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه کصحیحة محمد بن إسماعیل قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الظل للمحرم من أذی مطر أو شمس فقال : « أری أن یفیده بشاة یذبحها بمنی » (1).

وصحیحة علی بن جعفر قال : سألت أخی علیه السلام أظلل وأنا محرم؟ فقال « نعم وعلیک الکفارة » قال - والقائل موسی بن القاسم الراوی عن علی بن جعفر : فرأیت علیا إذا قدم مکة ینحر بدنة لکفارة الظل (2).

وصحیحة إبراهیم بن أبی محمود قال ، قلت للرضا علیه السلام : المحرم یظلل علی محمله ویفدی إذا کانت الشمس والمطر یضر به؟ قال : « نعم » قلت : کم الفداء؟ قال : « شاة » (3) والأخبار الواردة بذلک کثیرة ، ومورد الجمیع التظلیل للعذر ، إلاّ أنّ ذلک یقتضی وجوب الکفارة مع انتفاء العذر بطریق أولی.

ویستفاد من هذه الروایات عدم تکرر الفدیة بتکرر التظلیل فی النسک الواحد للعذر. وقوی الشارح إلحاق المختار به أیضا فی ذلک (4). وهو جید ، لأصالة عدم زیادة حکمه عن حکم المعذور. ولو وقع التظلیل فی إحرام العمرة المتمتع بها وإحرام الحج لزمه کفارتان ، لتعدد النسک وعلیه تحمل حسنة أبی علی بن راشد قال ، قلت له علیه السلام : جعلت فداک إنّه یشتد علی کشف الظلال فی الإحرام لأنّی محرور تشتد علی الشمس فقال : « ظلل وأرق دما » فقلت له : دما أو دمین؟ قال : « للعمرة؟ » قلت : إنّا نحرم بالعمرة وندخل مکة فنحل ونحرم بالحج قال : « فأرق دمین » (5).

ص: 443


1- التهذیب 5 : 334 - 1151 ، الوسائل 9 : 287 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 6 ح 3.
2- التهذیب 5 : 334 - 1150 ، الوسائل 9 : 287 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 6 ح 2.
3- التهذیب 5 : 311 - 1066 ، الإستبصار 2 : 187 - 626 ، الوسائل 9 : 287 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 6 ح 5.
4- المسالک 1 : 145.
5- التهذیب 5 : 311 - 1067 ، الوسائل 9 : 288 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 7 ح 1.

وکذا لو غطی رأسه بثوب أو طیّنه بطین یستره ، أو ارتمس فی الماء ، أو حمل ما یستره.

السادس : الجدال ، وفی الکذب منه مرّة شاة ، ومرتین بقرة.

______________________________________________________

وقال الشیخ فی التهذیب : والمحرم إذا کان إحرامه للعمرة الّتی یتمتع بها إلی الحج ثمّ ظلل لزمه کفارتان (1). والظاهر أنّ مراده ما ذکرناه ، لا تعدد الدم بالتظلیل فی إحرام العمرة خاصة ، ویشهد لهذا الحمل ما رواه الکلینی ، عن أبی علی بن راشد قال : سألته عن محرم ظلل فی عمرته قال : « یجب علیه دم » قال : « فإن خرج إلی مکة وظلل وجب علیه أیضا ، دم لعمرته ، ودم لحجته » (2).

قوله : ( وکذا لو غطی رأسه بثوب ، أو طیّنه بطین یستره ، أو ارتمس فی الماء ، أو حمل ما یستره ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، ولم أقف علی روایة تدل علیه حتی أنّ العلامة ذکره فی المنتهی مجردا عن الدلیل لکنّه قال : من غطی رأسه وهو محرم وجب علیه دم شاة ولا نعلم فیه خلافا (3). وظاهر کلامه یعطی کون الحکم إجماعیا ولعله الحجة. ومن هنا یظهر أنّ الأظهر عدم تکرر الفدیة بتکرر الفعل مطلقا. واستقرب الشهید التعدد إذا فعل ذلک مع الاختیار دون الاضطرار (4). وجزم الشارح بعدم التعدد مع الاضطرار ، وکذا مع الاختیار إذا اتحد المجلس ، واستوجه التعدد مع اختلافه (5) ، والاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکراه إلاّ أنّ مقتضی الأصل العدم.

قوله : ( السادس ، الجدال ، وفی الکذب منه مرة شاة ، ومرتین

السادس : الجدال

کفارة الجدال

ص: 444


1- التهذیب 5 : 311.
2- الکافی 4 : 352 - 14 ، الوسائل 9 : 289 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 7 ح 2.
3- المنتهی 2 : 814.
4- الدروس : 108.
5- المسالک 1 : 145.

وثلاثا بدنة.

______________________________________________________

بقرة ، وثلاثا بدنة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، واستدل علی وجوب الشاة بالمرّة الواحدة ، بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر قال : « إذا حلف الرجل ثلاثة أیمان وهو صادق وهو محرم فعلیه دم یهریقه ، وإذا حلف یمینا واحدة کاذبا فقد جادل فعلیه دم یهریقه » (1).

وعلی وجوب البقرة بالمرتین ، بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عن الجدال فی الحج فقال : « من زاد علی مرتین فقد وقع علیه الدم » فقیل له : الّذی یجادل وهو صادق قال : « علیه شاة ، والکاذب علیه بقرة » (2).

وعلی وجوب البدنة بالثلاث ، بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا جادل الرجل وهو محرم فکذب متعمدا فعلیه جزور » (3).

ویتوجه علی هذا الاستدلال أنّ الروایة الأولی والأخیرة ضعیفتا السند باشتراک الراوی بین الثقة والضعیف ، أمّا الروایة الثانیة فصحیحة السند لکنّها لا تدل علی وجوب البقرة بالمرتین ، بل مقتضاها عدم تحقق الجدال مطلقا إلاّ بما زاد علیهما ، وأنّه مع الزیادة عن المرّتین یجب علی الصادق شاة وعلی الکاذب بقرة ، ویدل علی هذا المعنی أیضا ، ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ومحمد بن مسلم ، أنّهما قالا لأبی عبد الله علیه السلام : فمن ابتلی بالجدال ما علیه؟ فقال : « إذا جادل فوق مرّتین فعلی المصیب دم یهریقه شاة ، وعلی المخطئ بقرة » (4) وینبغی العمل

ص: 445


1- التهذیب 5 : 335 - 1154 ، الإستبصار 2 : 197 - 665 ، الوسائل 9 : 281 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 1 ح 7.
2- التهذیب 5 : 335 - 1153 ، الوسائل 9 : 281 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 1 ح 6.
3- التهذیب 5 : 335 - 1155 ، الوسائل 9 : 282 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 1 ح 9.
4- الفقیه 2 : 212 - 968 ، الوسائل 9 : 280 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 1 ح 2.

وفی الصدق ثلاثا شاة. ولا کفارة فیما دونه.

السابع : قلع شجرة الحرم ، وفی الکبیرة بقرة ولو کان محلا ، وفی الصغیرة شاة ، وفی أبعاضهما قیمته. وعندی فی الجمیع تردد.

______________________________________________________

بمضمون هاتین الروایتین لصحة سندهما ووضوح دلالتهما.

وعلی المشهور فإنّما یجب البقرة بالمرّتین ، والبدنة بالثلاث إذا لم یکن کفّر عن السابق ، فلو کفّر عن کل واحدة فالشاة ، أو اثنتین فالبقرة ، والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التکفیر ، فللمرة شاة ، وللمرتین بقرة ، وللثلاث بدنة.

قوله : ( وفی الصدق ثلاثا شاة ، ولا کفارة فیما دونه ).

قد تقدم فی المسألة السابقة ما یعلم منه هذا الحکم ، ویدل علیه مضافا إلی ما سبق ، ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « الرجل إذا حلف ثلاثة أیمان فی مقام ولاء وهو محرم ، فقد جادل ، وعلیه حدّ الجدال ، دم یهریقه ویتصدق به » (1) ومقتضی الروایة اعتبار کون الأیمان الثلاثة ولاء فی مقام واحد.

ویمکن حمل الأخبار المطلقة علی هذا المقید کما هو اختیار ابن أبی عقیل فإنّه قال : ومن حلف ثلاثة أیمان بلا فصل فی مقام واحد فقد جادل وعلیه دم. ولو زاد الصادق عن ثلاث ولم یتخلل التکفیر فشاة واحدة عن الجمیع ، ومع تخلله فلکل ثلاث شاة ، ولو اضطر إلی الیمین لإثبات حق أو نفی باطل فالأظهر أنّه لا کفارة (2).

قوله : ( السابع ، قلع شجرة الحرم ، وفی الکبیرة بقرة ولو کان محلا ، وفی الصغیرة شاة ، وفی أبعاضهما قیمته ، وعندی فی الجمیع تردّد ).

السابع : قلع شجر الحرم

کفارة قلع شجر الحرم

ص: 446


1- التهذیب 5 : 335 - 1152 ، الوسائل 9 : 281 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 1 ح 5.
2- نقله عنه فی الدروس : 110. إلا أنه قال : قال الحسن. ویعنی به ابن أبی عقیل.

ولو قلع شجرة منه أعادها. ولو جفت قیل : یلزمه ضمانها.

______________________________________________________

هذا الحکم ذکره الشیخ (1) ، وجمع من الأصحاب ، واحتج علیه فی الخلاف بإجماع الفرقة والاحتیاط ، واستدل علیه فی المنتهی (2) بما رواه الشیخ ، عن موسی بن القاسم قال : روی أصحابنا عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : « إذا کان فی دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ، فإن أراد نزعها نزعها وکفّر بذبح بقرة یتصدق بلحمها علی المساکین » (3) وهذه الروایة مع ضعفها بالإرسال وکونها متروکة الظاهر لا تدل علی وجوب الشاة فی الشجرة الصغیرة ولا علی حکم الأبعاض.

وقال ابن الجنید : وإن قطع المحرم أو المحل من شجر الحرم شیئا فعلیه قیمة ثمنه (4). وقواه فی المختلف (5) واستدل علیه بروایة سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن رجل قلع من الأراک الّذی بمکة قال : « علیه ثمنه » (6) وهذه الروایة ضعیفة السنة أیضا بأنّ من جملة رجالها الطاطری ، وقال النجاشی : إنّه کان من وجوه الواقفة وشیوخهم (7). ومن هنا یظهر أنّ المتجه سقوط الکفارة بذلک مطلقا کما اختاره ابن إدریس (8) ، وإن کان اتباع المنقول أحوط.

قوله : ( ولو قلع شجرة منه أعادها ، ولو جفّت قیل : یلزمه ضمانها ).

یمکن أن یرید بالإعادة إعادتها إلی مغرسها ، ویمکن أن یرید بها

وجوب إعادة الشجرة المقلوعة

ص: 447


1- النهایة : 234 ، والمبسوط 1 : 354 ، والخلاف 1 : 485.
2- المنتهی 2 : 798.
3- التهذیب 5 : 381 - 1331 ، الوسائل 9 : 301 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 18 ح 3.
4- نقله عنه فی المختلف : 286.
5- المختلف : 287.
6- الفقیه 2 : 166 - 720 ، التهذیب 5 : 379 - 1324 ، الوسائل 9 : 301 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 18 ح 2.
7- رجال النجاشی : 179.
8- السرائر : 130.

ولا کفارة فی قلع الحشیش وإن کان فاعله مأثوما.

ومن استعمل دهنا طیبا فی إحرامه ولو فی حال الضرورة کان علیه شاة علی قول.

______________________________________________________

الإعادة إلی أرض الحرم ، وبه قطع فی الدروس (1). ولم أقف فی وجوب الإعادة علی دلیل یعتدّ به ، والقول المحکی هنا یرجع إلی الخلاف السابق ، فإن حکم بضمانها بالقلع کان استقراره مشروطا بجفافها ، فمع عدمه یزول الضمان.

قوله : ( ولا کفارة فی قطع الحشیش وإن کان فاعله مأثوما ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وذهب الشیخ (2) ، والعلاّمة (3) فی جملة من کتبهما إلی وجوب القیمة فیه کأبعاض الشجرة. ولم نقف لهما علی مستند ، ومقتضی الأصل العدم.

قوله : ( ومن استعمل دهنا طیبا فی إحرامه ولو فی حال الضرورة کان علیه شاة علی قول ).

القول للشیخ (4) ، وجمع من الأصحاب ، واحتج علیه فی التهذیب بما رواه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار : فی محرم کانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال : « إن کان فعله بجهالة فعلیه طعام مسکین ، وإن کان بعمد فعلیه دم شاة یهریقه » (5) لکن الروایة مضمرة ، ولعل ذلک هو الوجه فی تردّد المصنف - رحمه الله - والظاهر غیر قادح کما بیناه مرارا.

حرمة قطع الحشیش
کفارة استعمال الدهن الطیب

ص: 448


1- الدروس : 111
2- المبسوط 1 : 354.
3- التذکرة 1 : 241 ، والمختلف : 287.
4- التهذیب 5 : 304 ، والنهایة : 235 ، والمبسوط 1 : 350 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 228.
5- التهذیب 5 : 304 - 1038 ، الوسائل 9 : 285 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 4 ح 5.

وکذا قیل : فی من قلع ضرسه ، وفی الجمیع تردد.

ویجوز أکل ما لیس بطیب من الأدهان کالسمن والشیرج. ولا یجوز الادّهان به.

______________________________________________________

قوله : ( وکذا قیل فی من قلع ضرسه ، وفی الجمیع تردّد ).

القول للشیخ (1) - رحمه الله - واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن محمد بن عیسی ، عن عدة من أصحابنا ، عن رجل من أهل خراسان أنّ مسألة وقعت فی الموسم لم یکن عند موالیه فیها شی ء ، محرم قلع ضرسه فکتب علیه السلام : « یهریق دما » (2) وهذه الروایة ضعیفة السند ، فلا تصلح لإثبات حکم مخالف للأصل. وقال ابن الجنید (3) ، وابن بابویه (4) : لا بأس بقلع الضرس مع الحاجة ، ولم یوجبا به شیئا.

قوله : ( ویجوز أکل ما لیس بطیب من الأدهان کالسمن والشیرج ، ولا یجوز الادّهان به ).

أمّا جواز أکل ما لیس بطیب من الأدهان کالسمن ، والشیرج والزبد ، والزیت فقال فی التذکرة : إنّه مجمع علیه بین العلماء (5) ویدل علیه أصالة الإباحة السالمة من المعارض.

وأمّا أنّه لا یجوز الأدهان به بعد الإحرام ، فهو أحد القولین فی المسألة وأظهرهما ، ویدل علیه روایات ، منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تمس شیئا من الطیب ولا من الدهن فی إحرامک ، واتق الطیب فی طعامک » (6).

کفارة قلع الضرس
حکم الادهان الغیر الطیبة

ص: 449


1- التهذیب 5 : 385 ، والنهایة : 235.
2- التهذیب 5 : 385 - 1344 ، الوسائل 9 : 302 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 19 ح 1.
3- نقله عنه فی المختلف : 287.
4- الفقیه 2 : 223.
5- التذکرة 1 : 235.
6- الکافی 4 : 353 - 1 ، الوسائل 9 : 94 أبواب تروک الإحرام ب 18 ح 5.

______________________________________________________

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا تدهن حین ترید أن تحرم بدهن فیه مسک ولا عنبر من أجل أنّ رائحته تبقی فی رأسک بعد ما تحرم ، وادهن بما شئت من الدهن حین ترید أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم علیک الدهن حتی تحل » (1).

وجوّز المفید (2) ، وسلار (3) ، وابن أبی عقیل (4) ، وأبو الصلاح الادّهان بغیر المطیب (5) ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وهو مدفوع بإطلاق الروایات المتضمنة للمنع.

ویجوز استعماله مع الضرورة إجماعا ، لما فی التکلیف بالمنع مع الضرورة من الحرج المنفی ، ولما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فلیبطه ولیداوه بسمن أو زیت » (6).

وعن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن محرم تشققت یداه قال ، فقال : « یدهنهما بزیت أو سمن أو إهالة » (7) ولا یجب باستعمال الأدهان غیر المطیبة کفارة وإن أثم باستعمالها مع الاختیار ، کما نصّ علیه ابن إدریس (8) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (9).

ص: 450


1- الکافی 4 : 329 - 2 ، الوسائل 9 : 104 أبواب تروک الإحرام ب 29 ح 1 ، ورواها فی التهذیب 5 : 303 - 1032 ، والاستبصار 2 : 181 - 603 ، وعلل الشرائع : 451 - 1.
2- المقنعة : 68.
3- نقله عنه فی المختلف : 269.
4- نقله عنه فی المختلف : 269.
5- الکافی فی الفقه : 203.
6- التهذیب 5 : 304 - 1036 ، الوسائل 9 : 107 أبواب تروک الإحرام ب 31 ح 1.
7- التهذیب 5 : 304 - 1037 ، الوسائل 9 : 107 أبواب تروک الإحرام ب 31 ح 2 ، ورواها فی الفقیه 2 : 223 - 1041.
8- السرائر : 130.
9- المنتهی 2 : 787.

خاتمة تشتمل علی مسائل :

الأولی : إذا اجتمعت أسباب مختلفة کاللبس وتقلیم الأظفار والطیب لزمه عن کل واحد کفارة ، سواء فعل ذلک فی وقت واحد أو وقتین ، کفّر عن الأول أو لم یکفّر.

الثانیة : إذا کرّر الوطء لزمه بکل مرّة کفارة.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة تشتمل علی مسائل ، الأولی : إذا اجتمعت أسباب مختلفة کاللبس وتقلیم الأظفار والطیب لزمه علی کل واحد کفارة ، سواء فعل ذلک فی وقت واحد أو وقتین ، کفّر عن الأول أو لم یکفّر ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل ظاهر المنتهی أنّه موضع وفاق (1) ، واستدل علیه بأنّ کل واحد من تلک الأمور سبب مستقل فی وجوب الکفارة والحقیقة باقیة عند الاجتماع فیجب وجود الأثر. ویؤیّده فحوی ما دلّ علی تکرّر الکفارة بتکرّر الصید ، ولبس الأنواع المتعدّدة من الثیاب ، ولا ریب فی التعدّد مع سبق التکفیر ، وإنّما یحصل التردّد مع عدمه ، ولا ریب أنّ التعدّد مطلقا أولی وأحوط.

قوله : ( الثانیة ، إذا کرّر الوطء لزمه بکل مرّة کفارة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال السید المرتضی فی الانتصار : مما انفردت به الإمامیة القول بأنّ الجماع إذا تکرّر من المحرم تکرّرت الکفارة سواء کان ذلک فی مجلس واحد أو فی أماکن کثیرة ، وسواء کفّر عن الأوّل أو لا ، للإجماع وحصول یقین البراءة ، ثمّ اعترض بأنّ الجماع الأوّل أفسد الحجّ بخلاف الثانی ، وأجاب بأنّ الحجّ وإن کان قد فسد لکن حرمته باقیة ، ولهذا وجب المضی فیه ، فجاز أن یتعلق به الکفارة (2). هذا کلامه - رحمه الله - وما ذکره من جواز تعلق الکفارة به جیّد ، لکن دلیل التعلق

خاتمة

حکم اجتماع أسباب الکفارة المختلفة

حکم تکرار السبب الواحد

ص: 451


1- المنتهی 2 : 845.
2- الانتصار : 101.

ولو کرر الحلق ، فإن کان فی وقت واحد لم تتکرر الکفارة. وإن کان فی وقتین تکررت.

______________________________________________________

غیر واضح ، لمنع الإجماع علی ذلک ، وعدم استفادته من النص ، إذ أقصی ما تدل علیه الروایات : أنّ من جامع قبل الوقوف بالمشعر یلزمه بدنة وإتمام الحجّ والحجّ فی القابل ، ومن المعلوم أنّ مجموع هذه الأحکام الثلاثة إنّما یترتب علی الجماع الأوّل خاصة فإثبات بعضها فی غیره یحتاج إلی دلیل.

وحکی العلامة فی المختلف عن ابن حمزة أنّه فصّل فی هذه المسألة تفصیلا حسنا فقال : الجماع إمّا مفسد للحج أو لا ، فالأوّل لا یتکرر فیه الکفارة ، والثانی إن تکرر فعله فی حالة واحدة لا یتکرر فیه الکفارة بتکرر الفعل ، وإن تکرر فی دفعات تکررت الکفارة (1). وإلی هذا القول ذهب العلامة فی المختلف (2) وهو غیر بعید ، بل لو قیل بعدم التکرر بذلک مطلقا کما هو ظاهر اختیار الشیخ فی الخلاف (3) لم یکن بعیدا.

قوله : ( ولو کرر الحلق ، فإن کان فی وقت واحد لم تتکرر الکفارة ، وإن کان فی وقتین تکررت ).

أما عدم تکرر الکفارة مع اتحاد الوقت فظاهر ، لصدق الامتثال بالکفارة الواحدة وأصالة البراءة من الزائد ، وأمّا التکرر مع اختلاف الوقت فعلل بأنّ ما حلقه أوّلا سبب مستقل فی إیجاب الکفارة ، وما حلقه فی الوقت الثانی صالح للسببیة أیضا ، فیترتب علی کل منهما مسببه.

ویشکل بأنّ ما استدل به علی عدم التکرر مع اتحاد الوقت آت هنا ، وبأنّ أقصی ما یستفاد من الأدلّة ترتب الکفارة علی حلق الرأس کله للأذی ، وما عداه إنّما یستفاد حکمه من باب الفحوی أو من انعقاد الإجماع علی تعلّق الکفارة به فی بعض الموارد ، فلو قیل بالاکتفاء بالکفارة الواحدة فی حلق

ص: 452


1- المختلف : 287.
2- المختلف : 287.
3- الخلاف 1 : 466.

ولو تکرر منه اللبس أو الطیب ، فإن اتحد المجلس لم یتکرر ، وإن اختلف تکرر.

______________________________________________________

الرأس کلّه سواء وقع فی وقت واحد أو فی وقتین کان حسنا. والمرجع فی اختلاف الوقتین إلی العرف ، وإلاّ فالوقت الحقیقی لحلق کل جزء مغایر لوقت الآخر.

قوله : ( ولو تکرر منه اللبس أو الطیب ، فإن اتحد المجلس لم تتکرر ، وإن اختلف تکررت ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من عدم تکرر الکفارة بتکرر اللبس والطیب مع اتحاد المجلس وتکررها مع اختلافه أحد الأقوال فی المسألة ، واعتبر الشیخ (1) وجمع من الأصحاب فی التکرر اختلاف الوقت بمعنی تراخی زمان الفعل عادة ، وذهب بعضهم إلی التکرر باختلاف صنف الملبوس کالقمیص والسراویل وإن اتحد الوقت ، وبه جزم فی المنتهی فقال : لو لبس قمیصا وعمامة وخفین وسراویل وجب علیه لکل واحد فدیة ، لأنّ الأصل عدم التداخل خلافا لأحمد (2).

وربّما ظهر من کلامه فی موضع آخر من المنتهی تکرر الکفارة بتکرر اللّبس مطلقا فإنّه قال : لو لبس ثیابا کثیرة دفعة واحدة وجب علیه فداء واحد ، ولو کان فی مرّات متعددة وجب علیه لکل ثوب دم ، لأنّ لبس کل ثوب یغایر لبس الثوب الآخر فیقتضی کل واحد منهما مقتضاه (3).

والأظهر التکرر مع اختلاف صنف الملبوس مطلقا ، لصحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المحرم إذا احتاج إلی ضروب من الثیاب قال : « علیه لکل صنف منها فداء » (4) وإنّما یحصل التردد مع

ص: 453


1- النهایة : 234 ، والمبسوط 1 : 351 ، والخلاف 1 : 436.
2- المنتهی 2 : 813.
3- المنتهی 2 : 812.
4- الکافی 4 : 384 - 2 ، الفقیه 2 : 219 - 1005 ، التهذیب 5 : 384 - 1340 ، الوسائل 9 : 290 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 9 ح 1.

الثالثة : کل محرم أکل أو لبس ما لا یحل له أکله أو لبسه کان علیه دم شاة.

الرابعة : تسقط الکفارة عن الجاهل والناسی والمجنون ، إلا فی الصید ، فإن الکفارة تلزم ولو کان سهوا.

______________________________________________________

اتحاد الصنف قبل التکفیر ، من اختلاف الأسباب ، وصدق الامتثال بالواحدة ( وأصالة البراءة من الزائد ) (1) ، ولا ریب أن التکرر أحوط. وأمّا الفرق بین اتحاد المجلس أو الوقت واختلافهما فلم أقف له علی مستند ، وکذا الکلام فی الطیب.

قوله : ( الثالثة ، کل محرم أکل أو لبس ما لا یحل له أکله أو لبسه کان علیه دم شاة ).

المراد أنّ من أکل أو لبس ما لم یرد فیه فدیة معینة وجب علیه بذلک دم شاة ، أمّا لو کان للمأکول مقدار معین کالنعامة ونحوها وجب مقدرة ، ویدل علی هذا الحکم ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة بن أعین قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « من نتف إبطه ، أو قلّم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ینبغی له لبسه ، أو أکل طعاما لا ینبغی له أکله وهو محرم ، ففعل ذلک ناسیا أو جاهلا فلیس علیه شی ء ، ومن فعله متعمدا فعلیه دم شاة » (2).

قوله : ( الرابعة ، تسقط الکفارة عن الجاهل والناسی والجاهل والمجنون ، إلاّ فی الصید ، فإنّ الکفارة تلزم وإن کان سهوا ).

أمّا سقوط الکفارة عن الناسی والجاهل والمجنون فی غیر الصید فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علی

کفارة أکل أو لبس المحرم ما یحرم علیه

موارد سقوط الکفارة عن الناسی والجاهل والمجنون

ص: 454


1- ما بین القوسین أثبتناه من « م ».
2- التهذیب 5 : 369 - 1287 ، الوسائل 9 : 289 أبواب بقیة کفارات الإحرام ب 8 ح 1.

______________________________________________________

سقوطها عن الناسی والجاهل ، والمجنون أعذر منهما ، فیکون أولی بالسقوط.

وأمّا لزوم الکفارة فی الصید علی جمیع الأحوال فیدل علیه مضافا إلی عموم الروایات المتضمنة لثبوت الکفارة بذلک ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه قال « ولیس علیک فداء ما أتیته بجهالة إلا الصید ، فإنّ علیک الفداء فیه بجهل کان أو بعمد » (1).

وفی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرّضا علیه السلام قال : سألته عن المحرم یصیب الصید بجهالة قال : « علیه کفارة » قلت : فإن أصابه خطأ قال : « وأیّ شی ء الخطاء عندک؟ » قلت : یرمی هذه النخلة فیصیب نخلة أخری قال : « نعم هذا الخطاء وعلیه الکفارة » (2).

وحکی العلامة فی المختلف عن ابن أبی عقیل أنّه نقل عن بعض الأصحاب قولا بسقوط الکفارة عن الناسی فی الصید (3). وهو ضعیف.

ولو صال علی المحرم صید ولم یقدر علی دفعه إلاّ بقتله ساغ له قتله إجماعا. والأصح أنّه لا یجب علیه الجزاء کما اختاره العلامة فی المنتهی ، والشهید فی الدروس (4) ، للأصل ، وإباحة الفعل ، بل وجوبه علیه شرعا ، ولا یعارض بأکل الصید فی حال الضرورة حیث وجبت به الکفارة مع تعینه شرعا ، لاختصاصه بالنص فیبقی ما عداه علی مقتضی الأصل إلی أن یثبت المخرج عنه ، والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه والحمد لله وحده.

ص: 455


1- الکافی 4 : 381 - 3 ، الوسائل 9 : 226 أبواب کفارات الصید ب 31 ح 1.
2- الکافی 4 : 381 - 4 ، الوسائل 9 : 226 أبواب کفارات الصید ب 31 ح 2 ، ورواها فی التهذیب 5 : 360 - 1253.
3- المختلف : 287 ، غیر أنه نقله عن ابن إدریس.
4- المنتهی 2 : 800 ، والدروس : 99.

ص: 456

کتاب العمرة

______________________________________________________

قوله : ( کتاب العمرة ).

العمرة لغة : الزیارة ، أخذ من العمارة ، لأنّ الزائر یعمر المکان بزیارته (1). وشرعا : اسم للمناسک المخصوصة الواقعة فی المیقات ومکة. قال فی المنتهی : والعمرة واجبة مثل الحج علی کل مکلف حاصل فیه شرائط الحج بأصل الشرع ذهب إلیه علماؤنا أجمع (2) ویدل علیه قوله عزّ وجلّ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (3) وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج علی من استطاع ، لأنّ الله تعالی یقول ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (4).

وفی الحسن عن عمر بن أذینة قال : کتبت إلی أبی عبد الله علیه السلام بمسائل بعضها مع ابن بکیر ، وبعضها مع أبی العباس ، فجاء الجواب بإملائه :

کتاب العمرة

معنی العمرة

ص: 457


1- راجع الصحاح 2 : 757 ، والقاموس المحیط 3 : 99 ، والنهایة لابن الأثیر 3 : 297.
2- المنتهی 2 : 876.
3- البقرة : 196.
4- الکافی 4 : 265 - 4 ، الوسائل 8 : 4 أبواب وجوب الحج ب 1 ح 5.

وصورتها أن یحرم من المیقات الذی یسوغ له الإحرام منه ، ثم یدخل مکة فیطوف ویصلی رکعتیه ، ثم یسعی بین الصفا والمروة ، ویقصّر.

وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحج. ومع الشرائط تجب فی العمر مرّة.

______________________________________________________

« سألت عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلاً ) (1) یعنی به الحج والعمرة جمیعا لأنّهما مفروضان ، وسألت عن قول الله عزّ وجلّ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) قال : یعنی بتمامهما أداءهما واتقاء ما یتقی المحرم فیهما » (2) وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة.

قوله : ( وصورتها أن یحرم من المیقات الّذی یسوغ له الإحرام منه ثمّ یدخل مکة فیطوف ، ویصلی رکعتیه ، ویسعی بین الصفا والمروة ، ویقصر ).

قد تقدّم الکلام فی المواقیت الّتی یسوغ منها الإحرام للحج والعمرة مفصّلا (3). والضمیر فی « صورتها » إن عاد إلی مطلق العمرة الشامل للمفردة والمتمتع بها لم یصح ، لعدم ذکر طواف النساء مع وجوبه فی المفردة کما سیصرح به المصنف - رحمه الله - ، وإن عاد إلی المتمتع بها خاصة کما یدل علیه الاقتصار علی التقصیر وعدم ذکر طواف النساء کان جیدا من حیث المعنی إلاّ أنّه بعید من جهة اللّفظ ، لعدم تقدم ذکرها علی الخصوص ، ولعدم ملائمته لما بعد ذلک من الضمائر وکیف کان فالعبارة لا تخلو من شی ء.

قوله : ( وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحج ، ومع الشرائط تجب فی العمر مرة ).

شرائط وجوب العمرة

ص: 458


1- آل عمران : 97.
2- الکافی 4 : 264 - 1 ، الوسائل 8 : 3 أبواب وجوب الحج ب 1 ح 2.
3- فی ج 7 ص 214.

وقد تجب بالنذر وما فی معناه ، والاستیجار ، والإفساد ، والفوات ، والدخول إلی مکة مع انتفاء العذر وعدم تکرار الدخول.

ویتکرر وجوبها بحسب السبب.

______________________________________________________

هذان الحکمان إجماعیان عندنا ودلیلهما معلوم مما سبق. وربما ظهر من إطلاق العبارة أنّه لا یشترط فی وجوب العمرة المفردة الاستطاعة للحج معها ، بل لو استطاع لها خاصة وجب کما أنّه لو استطاع للحج خاصة وجب ، وهو أشهر الأقوال فی المسألة وأجودها ، إذ لیس فیما وصل إلینا من الروایات دلالة علی ارتباطها بالحج بل ولا دلالة علی اعتبار وقوعهما فی السنة وإنّما المستفاد منهما وجوبهما خاصة.

وحکی الشارح قولا بأنّ کلاّ منهما لا یجب إلاّ مع الاستطاعة للآخر (1). وفصّل ثالث فأوجب الحج مجردا عنهما وشرط فی وجوبها الاستطاعة للحج. وهو مختار الدروس (2).

هذا فی العمرة والمفردة ، أمّا عمرة التمتع فلا ریب فی توقف وجوبها علی الاستطاعة لها وللحج ، لدخولها فیه وکونها بمنزلة الجزء منه ، وهو موضوع وفاق.

قوله : ( وقد تجب بالنذر وما فی معناه ، والاستیجار ، والإفساد ، والفوات ).

المراد بما فی معنی النذر العهد والیمین ، والمراد بالإفساد إفساد العمرة ، فإنّه موجب لفعلها ثانیا وإن کانت مندوبة کالحج ، وبالفوات فوات الحج ، فإنّه یجب التحلل منه بعمرة مفردة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک کله.

قوله : ( والدخول إلی مکة مع انتفاء العذر وعدم تکرار الدخول ، ویتکرر وجوبها بحسب السبب ).

ما تجب به العمرة

ص: 459


1- المسالک 1 : 146.
2- الدروس : 94.

وأفعالهما ثمانیة : النیة ، والإحرام ، والطواف ، ورکعتاه ، والسعی ، والتقصیر ، وطواف النساء ، ورکعتاه.

وتنقسم إلی متمتع بها ومفردة :

فالأولی : تجب علی من لیس من حاضری المسجد الحرام. ولا تصحّ إلا فی أشهر الحج. وتسقط المفردة معها.

______________________________________________________

قد بینها فیما سبق أنّ اللاّزم لمن دخل مکة الإحرام بنسک سواء کان حجا أو عمرة (1) ، وإنّما یکون الإحرام واجبا مع وجوب الدخول وإلاّ کان شرطا لا واجبا ، لأنّ من ترکه ودخل مکة محلا فإنّما یأثم بدخول مکة کذلک ، لا بترک الإحرام کما أنّ من صلّی النافلة بغیر طهارة یأثم بالصلاة کذلک ، لا بترک الطهارة کما هو واضح.

قوله : ( وأفعالهما ثمانیة ).

الضمیر فی أفعالها یتعین عوده إلی العمرة المفردة ، إذ لا یجب فی المتمتع بها طواف النساء

قوله : ( النیة ، والإحرام ، والطواف ، ورکعتاه ، والسعی ، والتقصیر ، وطواف النساء ، ورکعتاه ).

الکلام فی النیّة هنا کما سبق فی نیّة الحج (2) ، ولا وجه للاقتصار علی التقصیر هنا ، بل کان ینبغی ذکر التخییر بینه وبین الحلق.

قوله : ( وتنقسم إلی : متمتع بها ومفردة ، والأولی : تجب علی من لیس من حاضری المسجد الحرام ، ولا تصح إلاّ فی أشهر الحج ، وتسقط المفردة معها ).

هذه الأحکام متفق علیها بین الأصحاب ، وقد تقدّم الکلام فیها مفصلا.

أفعال العمرة

أحکام عمرة التمتع

ص: 460


1- فی ج 7 ص 380.
2- فی ج 7 ص 257.

ویلزم فیها التقصیر. ولا یجوز حلق الرأس. ولو حلقه لزمه دم.

______________________________________________________

قوله : ( ویلزم فیها التقصیر ، ولا یجوز حلق الرأس ، ولو حلقه لزمه دم ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، واحتج علیه فی التهذیب بما رواه عن أبی بصیر قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المتمتع أراد أن یقصر فحلق رأسه قال : « علیه دم » (1) وعن جمیل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن متمتع حلق رأسه بمکة قال : « إن کان جاهلا فلیس علیه شی ء ، وإن تعمّد ذلک فی أوّل الشهور للحج بثلاثین یوما فلیس علیه شی ء ، وإن تعمّد بعد الثلاثین الّذی یوفر فیها الشعر للحج فإنّ علیه دما یهریقه » (2) وفی الروایتین قصور من حیث السند (3).

ونقل عن الشیخ فی الخلاف أنّه قال : الحلق مجز ، والتقصیر أفضل (4). وهو ضعیف ، لأنّ الأمر إنّما ورد فیها بالتقصیر فلا یتحقق الامتثال بغیره. وذکر العلامة فی المنتهی أنّ الحلق مجز وإن قلنا إنّه محرم (5). وهو أضعف ممّا قبله.

وبالجملة فینبغی القطع بعدم إجزاء الحلق ، لعدم ورود التعبد به ، وإنّما یحصل التردد فی تحریمه وترتب الدم علیه لضعف الروایات الواردة بذلک عن إثبات التحریم ، قال فی المنتهی : ولو حلق بعض رأسه فالوجه عدم التحریم علی القولین ، وسقوط الدم والإجزاء (6). ویتوجه علی الحکم

ص: 461


1- التهذیب 5 : 158 - 525 ، الوسائل 9 : 542 أبواب التقصیر ب 4 ح 3.
2- التهذیب 5 : 158 - 526 ، الإستبصار 2 : 242 - 843 ، الوسائل 9 : 542 أبواب التقصیر ب 4 ح 5 ، ورواها فی الکافی 4 : 441 - 7 ، والفقیه 2 : 738 - 1137.
3- أما الأولی فلاشتراک راویها بین الضعیف والثقة کما صرح به المصنف مرارا ، وأما الثانیة فلأن من جملة رجالها علی بن حدید ولم یوثق.
4- الخلاف 1 : 450.
5- المنتهی 2 : 879. قال : والتقصیر متعین فی عمرة التمتع. وص 711. قال : لو قص الشعر بأی شی ء کان أجزأه وکذا لو نتفه أو أزاله لکن الأفضل التقصیر فی إحرام العمرة.
6- المنتهی 2 : 711.

ولا یجب فیها طواف النساء.

والمفردة : تلزم حاضری المسجد الحرام ، وتصح فی جمیع أیام السنة ، وأفضلها ما وقع فی رجب.

______________________________________________________

لإجزاء هنا ما ذکرناه فی حلق الجمیع.

قوله : ( ولا یجب فیها طواف النساء ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنّه لا یعرف فیه خلافا. والأخبار الصحیحة الواردة بذلک مستفیضة جدا. وحکی الشهید فی الدروس عن بعض الأصحاب قولا بأنّ فی المتمتع بها طواف النساء (1). وهو مع جهالة قائله واضح البطلان کما بیناه فیما سبق.

قوله : ( والمفردة تلزم حاضری المسجد الحرام ).

هذا مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی ما سبق صحیحة یعقوب بن شعیب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : قول الله عزّ وجلّ ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) یکفی الرجل إذا تمتع بالعمرة إلی الحج مکان تلک العمرة المفردة؟ قال : « کذلک أمر رسول الله صلی الله علیه و آله أصحابه » (2).

وقد قطع الأصحاب بأنّه یجب علی القارن والمفرد تأخیر العمرة عن الحج ، وفی استفادة ذلک من الأخبار نظر.

قوله : ( وتصح فی جمیع أیّام السنة ، وأفضلها ما وقع فی رجب ).

أمّا صحة العمرة المفردة فی جمیع أیّام السنة ، فقال فی المنتهی : إنّه

ص: 462


1- الدروس : 91.
2- التهذیب 5 : 433 - 1504 ، الإستبصار 2 : 325 - 1151 ، الوسائل 10 : 243 أبواب العمرة ب 5 ح 4.

ومن أحرم بالمفردة ودخل مکة جاز أن ینوی التمتع ، ویلزمه دم ولو کان فی أشهر الحج لم یجز.

______________________________________________________

لا نعرف فیه خلافا (1). ویدل علیه صحیحة معاویة بن عمّار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کان علی یقول : لکل شهر عمرة » (2).

وأمّا أنّ أفضلها ما وقع فی رجب فیدل علیه روایات ، منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنّه سئل أی العمرة أفضل ، عمرة رجب أو عمرة فی شهر رمضان؟ فقال : « لا بل عمرة فی رجب أفضل » (3) وما رواه الکلینی فی الصحیح أیضا ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المعتمر یعتمر فی أیّ شهور السنة شاء ، وأفضل العمرة عمرة رجب » (4).

ویتحقق العمرة فی رجب بالإهلال فیه وإن أکملها فی غیره ، لصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا أحرمت وعلیک من رجب یوم ولیلة فعمرتک رجبیّة » (5).

قوله : ( ومن أحرم بالمفردة ودخل مکة جاز أن ینوی التمتع ویلزمه دم ، ولو کان فی غیر أشهر الحج لم یجز ).

أما عدم جواز نیّة التمتع إذا وقعت العمرة المفردة فی غیر أشهر الحج فظاهر ، لأنّ عمرة التمتع لا تقع فی غیر أشهر الحج إجماعا ، وأمّا جواز نیة التمتع إذا وقعت المفردة فی أشهر الحج ، فیدل علیه روایات ، منها صحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « من دخل مکة معتمرا

ص: 463


1- المنتهی 2 : 665.
2- التهذیب 5 : 435 - 1510 ، الإستبصار 2 : 326 - 1154 ، الوسائل 10 : 245 أبواب العمرة ب 6 ح 4.
3- الفقیه 2 : 276 - 1347 ، الوسائل 10 : 239 أبواب العمرة ب 3 ح 3.
4- الکافی 4 : 536 - 6 ، الوسائل 10 : 240 أبواب العمرة ب 3 ح 13.
5- الفقیه 2 : 276 - 1349 ، الوسائل 10 : 239 أبواب العمرة ب 3 ح 4.

ولو دخل مکة متمتعا لم یجز له الخروج حتی یأتی بالحج ، لأنه مرتبط به.

نعم لو خرج بحیث لا یحتاج إلی استئناف إحرام جاز. ولو خرج فاستأنف عمرة تمتّع بالأخیرة.

ویستحب المفردة فی کل شهر ، وأقله عشرة أیام.

ویکره أن یأتی بعمرتین بینهما أقل من عشرة ، وقیل : یحرم ، والأول أشبه.

______________________________________________________

مفردا للعمرة فقضی عمرته ثمّ خرج کان ذلک له ، وإن أقام إلی أن یدرکه الحج کانت عمرته متعة » وقال : « لیس تکون متعة إلاّ فی أشهر الحج » (1) ومقتضی الروایة جواز التمتع بالعمرة المفردة الواقعة فی أشهر الحج بمعنی إیقاع حج التمتع بعدها وإن لم یکن ینوبها التمتع ، وعلی هذا فلا وجه لتقیید العمرة المفردة بما إذا لم تکن متعینة علیه بنذر وشبهه کما ذکره الشارح قدس سره (2).

قوله : ( ولو دخل مکة متمتعا لم یجز له الخروج حتی یأتی بالحج ، لأنه مرتبط به ، نعم لو خرج بحیث لا یحتاج إلی استئناف إحرام جاز ، ولو خرج فاستأنف عمرة تمتع بالأخیرة ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی العمرة بین أن تکون واجبة أو مندوبة ، وهو کذلک ، وقد تقدّم الکلام فی هذه المسألة مفصلا.

قوله : ( ویستحب المفردة فی کل شهر ، وأقله عشرة أیام ، ویکره أن یأتی بعمرتین بینهما أقل من عشرة أیام ، وقیل : یحرم ، والأوّل أشبه ).

أحکام العمرة المفردة

ص: 464


1- التهذیب 5 : 435 - 1513 ، الوسائل 10 : 247 أبواب العمرة ب 7 ح 5.
2- المسالک 1 : 147.

______________________________________________________

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب السید المرتضی (1) وابن إدریس (2) والمصنف وجمع من الأصحاب إلی جواز الاتباع بین العمرتین مطلقا ، لإطلاق الأمر بالاعتمار.

وقال ابن أبی عقیل : لا یجوز عمرتان فی عام واحد (3). لصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : « لا یکون عمرتان فی سنة » (4) وصحیحة الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « العمرة فی کل سنة مرة » (5).

وأجاب الشیخ عنهما بالحمل علی عمرة التمتع ، جمعا بینهما وبین غیرهما من الروایات المتضمنة لأنّ لکل شهر عمرة (6) ، وهو حسن.

وقال الشیخ فی المبسوط : أقلّ ما یکون بین العمرتین عشرة أیّام (7) ، لروایة علی بن أبی حمزة قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل یدخل مکة فی السنة المرة والمرتین والأربعة کیف یصنع؟ قال : « إذا دخل فلیدخل ملبیا ، وإذا خرج فلیخرج محلا » قال : « ولکل شهر عمرة » فقلت : یکون أقل؟ فقال : « یکون لکل عشرة أیّام عمرة » (8) وهی ضعیفة السند باشتماله

ص: 465


1- جمل العلم والعمل : 103 ، والمسائل الناصریات ( الجوامع الفقهیة ) : 208.
2- السرائر : 150.
3- نقله عنه فی المختلف : 319.
4- التهذیب 5 : 435 - 1512 ، الإستبصار 2 : 326 - 1157 ، الوسائل 10 : 245 أبواب العمرة ب 6 ح 7 و 8.
5- التهذیب 5 : 435 - 1511 ، الإستبصار 2 : 326 - 1156 ، الوسائل 10 : 245 أبواب العمرة ب 6 ح 6.
6- التهذیب 5 : 435 ، والاستبصار 2 : 326.
7- المبسوط 1 : 304.
8- الکافی 4 : 534 - 3 ، الفقیه 2 : 239 - 1141 وذیله فی ص 278 - 1363 ، التهذیب 5 : 434 - 1508 ، الإستبصار 2 : 326 - 1158 ، الوسائل 10 : 244 أبواب العمرة ب 6 ح 3.

ویتحلل من المفردة بالتقصیر ، والحلق أفضل.

______________________________________________________

علی عدة من الضعفاء.

وقال أبو الصلاح (1) ، وابن حمزة (2) ، والمصنف فی النافع (3) ، والعلامة فی المختلف (4) : أقلّه شهر ، لصحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « کان علی علیه السلام یقول : لکل شهر عمرة » (5) وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « فی کتاب علی علیه السلام : فی کل شهر عمرة » (6) وموثقة یونس بن یعقوب قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لکل شهر عمرة » (7).

ویمکن المناقشة فی هذه الروایات بعدم الصراحة فی المنع من تکرار العمرة فی الشهر الواحد ، إذ من الجائز أن یکون الوجه فی تخصیص الشهر تأکد استحباب إیقاع العمرة فی کل شهر ، ولا یلزم من ذلک عدم مشروعیة تکرارها فی الشهر الواحد إلاّ أنّ إثبات المشروعیة یتوقف علی ورود الأمر بذلک خصوصا أو عموما ، ولم أقف فی ذلک علی نصّ یعتد به ، والمسألة محل تردد وإن کان اعتبار الشهر لا یخلو من قوة.

قوله : ( ویتحلل من المفردة بالتقصیر ، والحلق أفضل ).

یدل علی ذلک روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المعتمر عمرة مفردة إذا

ص: 466


1- الکافی فی الفقه : 221.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 695.
3- المختصر النافع : 99.
4- المختلف : 320.
5- التهذیب 5 : 435 - 1509 ، الإستبصار 2 : 326 - 1154 ، الوسائل 10 : 245 أبواب العمرة ب 6 ح 4.
6- الکافی 4 : 534 - 2 ، الوسائل 10 : 244 أبواب العمرة ب 6 ح 1.
7- الکافی 4 : 534 - 1 ، التهذیب 5 : 434 - 1507 ، و 435 - 1510 ، الاستبصار 2 : 326 - 1155 ، الوسائل 10 : 244 أبواب العمرة ب 6 ح 2 وص 245 ح 5.

وإذا قصّر أو حلق حلّ له کل شی ء إلا النساء. فإذا أتی بطواف النساء حل له النساء.

وهو واجب فی المفردة بعد السعی علی کل معتمر من مرأة وخصی وصبیّ.

______________________________________________________

فرغ من طواف الفریضة ، وصلاة الرکعتین خلف المقام والسعی بین الصفا والمروة حلق أو قصر » (1).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن صفوان بن یحیی ، عن سالم بن الفضیل قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : دخلنا بعمرة فنقصر أو نحلق؟ قال : « احلق فإنّ رسول الله صلی الله علیه و آله ترحّم علی المحلّقین ثلاث مرّات ، وعلی المقصّرین مرة » (2).

قوله : ( وإذا حلق أو قصر حلّ له کل شی ء إلاّ النساء ، فإذا أتی بطواف النساء حلّت له النساء ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وحکی الشهید فی الدروس عن الجعفی أنّه حکم بسقوط طواف النساء فی العمرة المفردة (3). وله شواهد من الأخبار غیر أنّ المشهور أولی وأحوط ، وقد تقدّم الکلام فی ذلک.

قوله : ( وهو واجب فی المفردة بعد السعی علی کل معتمر ، من امرأة وخصی وصبی ).

کان الأولی أن یقول : وهو واجب بعد الحلق أو التقصیر ، ولا یخفی أنّ إسناد الوجوب إلی الصبی علی سبیل التجوز من حیث منعه من النساء بدون الطواف کما یمنع البالغ ، ویدل علی وجوبه علی کل مکلّف مضافا إلی عموم الخطاب خصوص صحیحة علی بن یقطین قال : سألت أبا الحسن

ص: 467


1- التهذیب 5 : 438 - 1523 ، الوسائل 9 : 543 أبواب التقصیر ب 5 ح 1.
2- الفقیه 2 : 276 - 1346 ، الوسائل 10 : 187 أبواب الحلق والتقصیر ب 7 ح 13.
3- الدروس : 91.

ووجوب العمرة علی الفور.

______________________________________________________

علیه السلام عن الخصیان والمرأة الکبیرة أعلیهم طواف النساء؟ قال : « علیهم الطواف کلهم » (1).

قوله : ( ووجوب العمرة علی الفور ).

أما فوریة الوجوب فی العمرة المتمتع بها فلا إشکال فیه ، لتقدمها علی الحج الفوری ، وأمّا العمرة المفردة فلم أقف علی دلیل یدل علی فوریة الوجوب فیها سوی الإجماع المنقول ، وظاهر صحیحة معاویة المتقدمة (2) المتضمنة لمساواتها للحج فی کیفیة الوجوب. وقد تقدّم أنّ محلّها بعد الفراغ من الحج ، وذکر جمع من الأصحاب أنّه یجب تأخیرها إلی انقضاء أیّام التشریق ، لصحیحة معاویة بن عمار المتضمنة للنهی عن عمرة التحلل فی أیّام التشریق (3) ، فغیرها أولی ، ولا بأس بالتأخیر وإن أمکن المناقشة فی دلیل الوجوب.

ونصّ العلامة (4) وغیره (5) علی جواز تأخیرها إلی استقبال المحرّم. وربّما کان مستنده ما رواه الشیخ مرسلا ، عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « المتمتع إذا فاتته العمرة أقام إلی هلال المحرّم اعتمر فأجزأت عنه مکان عمرة المتعة » (6).

واستشکل الشارح هذا الحکم بوجوب إیقاع الحج والعمرة المفردة فی عام واحد ، قال : إلاّ أن یراد بالعام اثنی عشر شهرا ومبدؤها زمان التلبس

وجوب العمرة علی الفور

ص: 468


1- الکافی 4 : 513 - 4 ، التهذیب 5 : 255 - 864 ، الوسائل 9 : 389 أبواب الطواف ب 2 ح 1.
2- فی ص 457.
3- التهذیب 5 : 295 - 999 ، الإستبصار 2 : 307 - 1096 ، الوسائل 10 : 66 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 3.
4- القواعد ( إیضاح الفوائد ) 1 : 320.
5- کالشهید الأول فی الدروس : 93.
6- التهذیب 5 : 438 - 1522 ، الوسائل 8 : 215 أبواب أقسام الحج ب 21 ح 5.

______________________________________________________

بالحج (1). وهو محتمل مع أنّه لا دلیل علی اعتبار هذا الشرط کما بیناه فیما سبق. وأوضح ما وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار سندا ومتنا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن عبد الله قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المعتمر بعد الحج قال : « إذا أمکن الموسی من رأسه فحسن » (2) والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

ولنختم هذا الکتاب بإیراد عشرین خبرا تتضمن فوائد :

الأول : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن ابن أبی نجران قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : جعلت فداک ما لمن زار رسول الله صلی الله علیه و آله متعمدا؟ فقال : « له الجنة » (3).

الثانی : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حفص بن البختری وهشام بن سالم ومعاویة بن عمار وغیرهم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لو أنّ الناس ترکوا الحجّ لکان علی الوالی أن یجبرهم علی ذلک وعلی المقام عنده ، ولو ترکوا زیارة النبی صلی الله علیه و آله لکان علی الوالی أن یجبرهم علی ذلک وعلی المقام عنده ، فإن لم یکن لهم مال أنفق علیهم من بیت مال المسلمین » (4).

الثالث : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحسن بن علی الوشاء ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال : « إن لکل إمام عهدا فی عنق أولیائه وشیعته ، وإن من تمام الوفاء بالعهد زیارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة فی زیارتهم وتصدیقا بما رغبوا فیه کان أئمتهم شفعاءهم یوم القیامة » (5).

خاتمة فیها عشرون خبر

ص: 469


1- المسالک 1 : 148.
2- التهذیب 5 : 438 - 1521 ، الوسائل 10 : 249 أبواب العمرة ب 8 ح 2.
3- الکافی 4 : 548 - 1 ، الوسائل 10 : 260 أبواب المزار ب 3 ح 1.
4- الفقیه 2 : 259 - 1259 ، الوسائل 8 : 16 أبواب وجوب الحج ب 5 ح 2.
5- الفقیه 2 : 345 - 1577 ، الوسائل 10 : 253 أبواب المزار ب 2 ح 5.

______________________________________________________

الرابع : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا دخلت المدینة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حین تدخلها ثم تأتی قبر النبی صلی الله علیه و آله فتسلّم علی رسول الله صلی الله علیه و آله ، ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأیمن عند رأس القبر ، عند زاویة القبر ، وأنت مستقبل القبلة ، ومنکبک الأیسر إلی جانب القبر ، ومنکبک الأیمن مما یلی المنبر ، فإنه موضع رأس رسول الله صلی الله علیه و آله وتقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شریک له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أنک رسول الله ، وأشهد أنک محمد بن عبد الله ، وأشهد أنک قد بلغت رسالات ربک ، ونصحت لأمتک ، وجاهدت فی سبیل الله ، وعبدت الله حتی أتاک الیقین ، بالحکمة والموعظة الحسنة ، وأدیت الذی علیک من الحق ، وأنک قد رؤفت بالمؤمنین ، وغلظت علی الکافرین ، فبلغ الله بک أفضل شرف محل المکرمین ، الحمد لله الذی استنقذنا بک من الشرک والضلالة ، اللهم فاجعل صلواتک ، وصلوات ملائکتک المقربین ، وعبادک الصالحین ، وأنبیائک المرسلین ، وأهل السماوات والأرضین ، ومن سبح لک یا رب العالمین من الأولین والآخرین علی محمد عبدک ورسولک ونبیک وأمینک ونجیّک وحبیبک وصفیک وخاصتک وصفوتک وخیرتک من خلقک. اللهم أعطه الدرجة والوسیلة من الجنة وابعثه مقاما محمودا یغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم إنک قلت ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحِیماً ) (1) وإنی أتیت نبیک مستغفرا تائبا من ذنوبی ، وإنی أتوجه بک إلی الله ربی وربک لیغفر ذنوبی ، وإن کانت لک حاجة فاجعل قبر النبی صلی الله علیه و آله خلف کتفیک واستقبل القبلة وارفع یدیک واسأل حاجتک فإنک أحری أن تقضی إن شاء الله » (2).

ص: 470


1- النساء : 64.
2- الکافی 4 : 550 - 1 ، الوسائل 10 : 266 أبواب المزار ب 6 ح 1.

______________________________________________________

الخامس : ما رواه الکلینی أیضا فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبی صلی الله علیه و آله فائت المنبر فامسحه بیدک ، وخذ برمانتیه وهما السفلاوان ، وامسح عینیک ووجهک به ، فإنه یقال : إنه شفاء للعین ، وقم عنده فاحمد الله وأثن علیه وسل حاجتک ، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله قال : ما بین منبری وبیتی روضة من ریاض الجنة ومنبری علی ترعة من الجنة ، والترعة هی الباب الصغیر ، ثم تأتی مقام النبی صلی الله علیه و آله فتصلی فیه ما بدا لک ، فإذا دخلت المسجد فصل علی النبی صلی الله علیه و آله ، وإذا خرجت فاصنع مثل ذلک ، وأکثر من الصلاة فی مسجد الرسول صلی الله علیه و آله » (1).

السادس : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله ، کم تعدل الصلاة فیه؟ فقال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : صلاة فی مسجدی هذا أفضل من ألف صلاة فی غیره ، إلا المسجد الحرام » (2).

السابع : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : هل قال رسول الله صلی الله علیه و آله ما بین بیتی ومنبری روضة من ریاض الجنة؟ فقال : « نعم » وقال : « وبیت علی وفاطمة علیهماالسلام ما بین البیت الذی فیه النبی صلی الله علیه و آله إلی الباب الذی یحاذی الزقاق إلی البقیع » قال : « فلو دخلت من ذلک الباب والحائط مکانه أصاب منکبک الأیسر » ثم سمّی سائر البیوت وقال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : الصلاة فی مسجدی تعدل ألف صلاة فی غیره ، إلا المسجد الحرام فهو أفضل » (3).

ص: 471


1- الکافی 4 : 553 - 1 ، الوسائل 10 : 270 أبواب المزار ب 7 ح 1.
2- التهذیب 6 : 15 - 33 ، الوسائل 3 : 544 أبواب أحکام المساجد ب 57 ح 7.
3- الکافی 4 : 555 - 8 ، الوسائل 3 : 542 أبواب أحکام المساجد ب 57 ح 1.

______________________________________________________

الثامن : ما رواه الکلینی فی الصحیح أیضا ، عن محمد بن مسلم قال : سألته عن حد مسجد الرسول صلی الله علیه و آله فقال : « الأسطوانة التی عند رأس القبر إلی الأسطوانتین من وراء المنبر عن یمین القبلة ، وکان من وراء المنبر طریق تمر فیه الشاة ویمرّ الرجل منحرفا ، وکانت ساحة المسجد من البلاط إلی الصحن » (1).

التاسع : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : ما تقول فی النوم فی المساجد؟ فقال : « لا بأس ، إلا فی المسجدین : مسجد النبی صلی الله علیه و آله والمسجد الحرام » قال : وکان یأخذ بیدی فی بعض اللیل فیتنحی ناحیة ثم یجلس فیتحدث فی المسجد الحرام فربما نام ، فقلت له فی ذلک فقال : « إنما یکره أن ینام فی المسجد الذی کان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، فأما الذی فی هذا الموضع فلیس به بأس » (2).

العاشر : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سمعته یقول : « عاشت فاطمة علیهاالسلام بعد رسول الله صلی الله علیه و آله خمس وسبعین یوما لم تر کاشرة ولا ضاحکة ، تأتی قبور الشهداء فی کل جمعة مرتین : الاثنین والخمیس ، فتقول : ها هنا کان رسول الله صلی الله علیه و آله ، وها هنا کان المشرکون » (3).

الحادی عشر : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قبر فاطمة علیهاالسلام قال : « دفنت فی بیتها ، فلما زادت بنو أمیة فی المسجد صارت فی المسجد » (4).

ص: 472


1- الکافی 4 : 554 - 4 ، الوسائل 3 : 546 أبواب أحکام المساجد ب 58 ح 1.
2- التهذیب 3 : 258 - 721 ، الوسائل 3 : 496 أبواب أحکام المساجد ب 18 ح 2.
3- الکافی 3 : 228 - 3 ، الوسائل 10 : 279 أبواب المزار ب 13 ح 1.
4- التهذیب 3 : 255 - 705 ، الوسائل 10 : 288 أبواب المزار ب 18 ح 3.

______________________________________________________

الثانی عشر : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لا تدع إتیان المشاهد کلها : مسجد قبا فإنه المسجد الذی أسس علی التقوی من أول یوم ، ومشربة أم إبراهیم ، ومسجد الفضیخ ، وقبور الشهداء ، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح » قال : « وبلغنا أن النبی صلی الله علیه و آله کان إذا أتی قبور الشهداء قال : السلام علیکم بما صبرتم فنعم عقبی الدار. ولیکن فیما تقول عند مسجد الفتح : یا صریخ المکروبین ویا مجیب دعوة المضطرین ، اکشف غمّی وهمّی وکربی کما کشفت عن نبیک همّه وغمّه وکربه وکفیته هول عدوه فی هذا المکان » (1).

الثالث عشر : ما رواه الکلینی فی الصحیح أیضا ، عن الحلبی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « هل أتیتم مسجد قبا أو مسجد الفضیخ أو مشربة أم إبراهیم؟ » قلت : نعم ، قال : « أما إنه لم یبق من آثار رسول الله صلی الله علیه و آله شی ء إلا وقد غیّر غیر هذا » (2).

الرابع عشر : ما رواه الکلینی أیضا فی الحسن ، عن مرار بن حکیم قال : زاملت محمد بن مصادف فلما دخلنا المدینة اعتللت فکان یمضی إلی المسجد ویدعنی وحدی ، فشکوت ذلک إلی مصادف ، فأخبر به أبا عبد الله علیه السلام ، فأرسل إلیه : قعودک عنده أفضل من صلاتک فی المسجد (3).

الخامس عشر : ما رواه الکلینی أیضا فی الحسن ، عن معاویة بن عمار قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا أردت أن تخرج من المدینة فاغتسل ثم ائت قبر النبی صلی الله علیه و آله بعد ما تفرغ من حوائجک ، واصنع ما

ص: 473


1- الکافی 4 : 560 - 1 ، الوسائل 10 : 275 أبواب المزار ب 12 ح 1.
2- الکافی 4 : 561 - 6 ، الوسائل 10 : 277 أبواب المزار ب 12 ح 3.
3- الکافی 4 : 545 - 27.

______________________________________________________

صنعت عند دخولک ، وقل : اللهم لا تجعله آخر العهد من زیارة قبر نبیک ، فإن توفیتنی قبل ذلک فإنی أشهد فی مماتی علی ما شهدت علیه فی حیاتی أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدک ورسولک » (1).

السادس عشر : ما رواه الکلینی فی الصحیح أیضا ، عن أبی عبیدة وزرارة جمیعا ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام قال : « لما قتل الحسین صلوات الله علیه أرسل محمد بن الحنفیة إلی علی بن الحسین علیه السلام فخلا به فقال له : یا ابن أخی قد علمت أن رسول الله صلی الله علیه و آله دفع الوصیة بعده إلی أمیر المؤمنین ، ثم إلی الحسن ، ثم إلی الحسین صلوات الله علیهم ، وقد قتل أبوک رضی الله عنه وصلی علی روحه ولم یوص ، وأنا عمک وصنو أبیک ، وولادتی من علی ، وأنا فی سنّی وقدمی أحق بها منک فی حداثتک ، فلا تنازعنی فی الوصیة والإمامة ولا تحاجّنی ، فقال له علی بن الحسین علیهماالسلام : یا عم اتق الله ولا تدّع ما لیس لک بحق ، إنی أعظک أن تکون من الجاهلین ، إن أبی یا عم صلوات الله علیه أوصی إلیّ قبل أن یتوجه إلی العراق ، وعهد إلیّ فی ذلک قبل أن یستشهد بساعة ، وهذا سلاح رسول الله صلی الله علیه و آله عندی ، فلا تتعرّض لهذا ، فإنی أخاف علیک نقص العمر وتشتت الحال ، إن الله تبارک وتعالی جعل الوصیة والإمامة فی عقب الحسین علیه السلام ، فإن أردت أن تعلم ذلک فانطلق بنا إلی الحجر الأسود حتی نتحاکم إلیه ونسأله عن ذلک ». قال أبو جعفر علیه السلام : « وکان الکلام بینهما بمکة ، فانطلقا حتی أتیا الحجر الأسود ، فقال علی بن الحسین علیه السلام لمحمد بن الحنفیة : ابدأ أنت وابتهل إلی الله عزّ وجلّ وسله أن ینطق لک الحجر ثم سله ، فابتهل محمد بن الحنفیة فی الدعاء وسأل الله عزّ وجلّ ثم دعا الحجر فلم یجبه ، فقال علی بن الحسین صلوات الله علیهما : یا عم لو کنت وصیا وإماما لإجابک ، قال له محمد : فادع أنت یا ابن أخی وسله ، فدعا الله عزّ وجلّ علی بن الحسین

ص: 474


1- الکافی 4 : 563 - 1 ، الوسائل 10 : 280 أبواب المزار ب 15 ح 1.

______________________________________________________

علیه السلام بما أراد ثم قال : أسألک بالذی جعل فیک میثاق الأنبیاء ومیثاق الأوصیاء ومیثاق الخلق أجمعین لما أخبرتنا من الوصی والإمام بعد الحسین بن علی علیهماالسلام ؟ قال : فتحرک الحجر حتی کاد أن یزول عن موضعه ، ثم أنطقه الله عزّ وجلّ بلسان عربی مبین فقال : إن الوصیة والإمامة بعد الحسین بن علی علیهماالسلام إلی علی بن الحسین بن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وعلیهم. قال : فانصرف محمد بن علی صلوات الله علیه وهو یتولی علی بن الحسین صلوات الله علیهم أجمعین » (1).

السابع عشر : ما رواه ابن بابویه بعدة أسانید معتبرة ، عن أبی حمزة الثمالی قال : قال لنا علی بن الحسین علیهماالسلام : « أی البقاع أفضل؟ » فقلت : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، فقال : « أما إن أفضل البقاع بین الرکن والمقام ، ولو أن رجلا عمّر ما عمّر نوح فی قومه ألف سنة إلا خمسین عاما یصوم النهار ویقوم اللیل فی ذلک المکان ثم لقی الله عزّ وجلّ بغیر ولایتنا لم ینفعه ذلک شیئا » (2).

الثامن عشر : ما رواه ابن بابویه أیضا فی الصحیح ، عن محمد بن عثمان العمری رضی الله عنه أنه قال : « والله إن صاحب هذا الأمر لیحضر الموسم کل سنة یری الناس ویعرفهم ویرونه ولا یعرفونه » (3).

التاسع عشر : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح أیضا ، عن عبد الله بن جعفر الحمیری أنه قال : سألت محمد بن عثمان العمری رضی الله عنه فقلت له : رأیت صاحب هذا الأمر؟ فقال : نعم ، وآخر عهدی به عند بیت الله الحرام وهو یقول : اللهم أنجز لی ما وعدتنی. قال محمد بن عثمان رضی الله عنه وأرضاه : ورأیته صلوات الله متعلقا بأستار الکعبة فی المستجار وهو

ص: 475


1- الکافی 1 : 348 - 5.
2- الفقیه 2 : 159 - 686 ، الوسائل 10 : 93 أبواب مقدمة العبادات ب 29 ح 12.
3- الفقیه 2 : 307 - 1525 ، الوسائل 8 : 96 أبواب وجوب الحج ب 46 ح 8.

______________________________________________________

یقول : اللهم انتقم لی من أعدائک » (1).

العشرون : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح أیضا ، عن بکیر بن أعین ، عن أخیه زرارة قال : قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلنی الله فداک أسألک فی الحج منذ أربعین عاما فتفتینی! فقال : « یا زرارة بیت یحج قبل آدم بألفی عام ، ترید أن تفتی مسائله فی أربعین عاما » (2). والحمد لله أولا وآخرا ، وصلواته علی سیدنا محمد وآله.

هذا صورة خط المصنف رحمه الله تعالی بلطفه : تم المجلد الثالث من کتاب مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام علی ید مؤلفه العبد المفتقر إلی عفو الله تعالی ورحمته وشفاعة نبیه وأئمته محمد بن علی بن الحسین بن أبی الحسن الحسینی الموسوی العاملی عامله الله بلطفه ، وکان الفراغ منه یوم الخمیس الخامس والعشرین من شهر ذی الحجة من شهور سنة ثمان وتسعین وتسعمائة من الهجرة النبویة ، ونسأل الله تعالی بعد المغفرة إتمام هذا الکتاب بمنّه.

ولنختم بفوائد یحتاج إلیها الطالب المستفید :

الأولی : اعلم أن کل حکم مستفاد من لفظ مطلق أو عام أو من استصحاب - یسمی بالاستصحاب کلما کان سبب الترجیح فیه التمسک بالظاهر - یکون أشبه بأصولنا ، والأنسب مثله.

والمراد بالأظهر فی فتاوی الأصحاب ، والأشهر من الروایات المختلفة ، والأصح ما لا احتمال فیه ، والتردد ما احتمل الأمرین. والأولی هو ترجیح أحد القولین المتکافئین. والنقل بوجه ما والأحوط ما یتفصی به من الخلاف وهما علی الندب.

ص: 476


1- الفقیه 2 : 307 - 1526 ، الوسائل 9 : 360 أبواب مقدمات الطواف ب 27 ح 1 و 2.
2- الفقیه 2 : 306 - 1519 ، الوسائل 8 : 7 أبواب وجوب الحج ب 1 ح 12.

______________________________________________________

وإذا قال : علی قول ، أراد به قولا لبعض الفقهاء ولم یجد علیه دلیلا. وإذا قال : علی قول مشهور ، فالمراد به عند ما وجده مشهورا بین الفقهاء ولم یجد علیه دلیلا.

وکلما قیل : فیه تردد ، أو فیه إشکال ، أو علی وجه ، فالوجهان متکافئان.

وأما علی رأی ففیه إشارة إلی وجه ضعیف ، إلا ما اشتهر فی فتاوی الفاضل بن المطهر فإن ظاهره أن قوله علی رأی فتوی له.

وفی حکم التردد ما لو قال : فیه وجهان ، أو احتمالان ، أو قولان لا علی وجه الحکایة.

ولو قال : یحتمل ، أو یمکن ، فإن علم منه قرینة الترجیح ، وإلاّ فکالتردد.

والترجیح : تعدیة الحکم من منطوق به إلی مسکوت عنه ، إما لکون المسکوت عنه أولی بالحکم وهو التنبیه بالأدنی علی الأعلی کتحریم الضرب المستفاد من تحریم التأفیف ، أو للنص علی علیة الحکم ، ویسمی : اتحاد طریق المسألتین کقوله علیه السلام وقد سئل عن بیع الرطب بالتمر : « أینقص الرطب إذا جف؟ قالوا : نعم قال : « إذا لا یصلح » فیسری إلی تحریم بیع الزبیب بالعنب.

الثانیة : اعلم أن خطاب الشرع ینقسم إلی خطاب التکلیف وإلی خطاب الوضع - أعنی الخطاب بنصب الأشیاء - ولا یشترط فیه العلم ولا القدرة ولا عدمهما ولا التکلیف ، ومعناه قول الشارع اعلموا أنه متی وجد کذا فقد وجب کذا وأبیح کذا وندب کذا. ومن ثم حکم بضمان الصبی والمجنون ما أتلفاه مع عدم تکلیفهما وقد یکون خطاب الوضع بالمانع کما یقول الشارع عدم کذا مع وجود المانع أو عدم الشرط ، إذا تقرر ذلک فالطهارة من خطاب الوضع إذ هی شرط فی صحة الصلاة ، وکذلک الاستقبال والستر. وکذلک لا

ص: 477

______________________________________________________

یشترط فیه التکلیف من إیقاعه علی الوجه المخصوص ، فإن دخل الوقت علی المکلف وهو متصف بهذه الصفات تم الفرض وصحت الصلاة ، ومن لم یتصف بها أو ببعضهما توجه علیه حینئذ خطاب التکلیف وخطاب الوضع.

الثالثة : فی الإشارة إلی المشایخ وکتبهم فاعلم أن کل موضع یقع فیه الکنایة ( بالشیخ ) : فالمراد به الشیخ السعید محمد بن الحسن الطوسی شیخ المذهب ، ( وبالشیخین ) : فهو مع شیخه المفید محمد بن النعمان البغدادی ، ( وبالثلاثة ) هما مع السید المرتضی علم الهدی ، و ( بالأربعة ) : هم مع أبی جعفر محمد بن علی بن بابویه القمی ویعبّر عنه بالفقیه وعنهما بالصدوقین والفقیهین ، ( وبالحسن ) : عن ابن أبی عقیل العمانی ، ( وبأبی علی ) : عن محمد بن أحمد بن الجنید الکاتب الإسکافی ، ( وعنهما ) : بالقدیمین ، ( وبالقاضی ) : عن عبد العزیز بن العزیز بن الجریر البراج ویعبّر عنه الطرابلسی لأنه تولی قضاء طرابلس عشرین سنة وهو تلمیذ الشیخ الطوسی ، ( وبأبی یعلا ) : عن سلار وهو تلمیذ المفید ، و ( بالتقی ) : عن أبی الصلاح الحلبی ، ( وبالحلی ) : عن محمد بن إدریس ، ( وبابن سعید ) : عن نجم بن جعفر بن سعید الحلی ویعبر عنه بأبی القاسم والمحقق ، ( وبالعلامة ) : عن جمال الدین الحسن بن یوسف بن مطهر ، ویعبر عنه وعن شیخه ابن سعید بالفاضلین وعنه بالفاضل ، وعن ولده فخر الدین ( بالسعید ) وعن محمد بن مکی ( بالشهید ) ( والحلیون ) ابن إدریس وأبو القاسم وجمال الدین ( والشامیون ) أبو الصلاح وابن زهرة وابن براج ( والمعظم ) یعنی به معظم الأصحاب.

وإذا قلنا : قال الشیخ فی الکتابین أو کتابی الفروع ، فهما المبسوط والخلاف ، وبالثلاثة هما مع النهایة. والمراد بکتاب الصدوق : هو کتاب من لا یحضره الفقیه ، وبکتابیة : هو مع المقنع. والمراد بکتابی القاضی : هما المهذب والکامل.

ورمز المبسوط : ط ، والخلاف : ف ، والتهذیب : یب ، والشرائع : ئع ،

ص: 478

______________________________________________________

والقواعد : عد ، والمختلف : لف والمخ ، والتحریر : یر ، والإرشاد : د ، والدروس س ، والتذکرة : کره ، والذکری : کری ، والبیان : ن ، والمعتبر بر.

الرابعة : أنه إذا أطلق فی الروایة : قوله ص فالمراد به النبی صلی الله علیه و آله وإذا قیل : أحدهما فالمراد به الباقر والصادق علیهماالسلام ، إذ من الرواة من روی عن کل منهما فاشتبه علیه فنسبه لهما ، وإذا أطلق أبو جعفر علیه السلام : فالمراد به الباقر علیه السلام ، وإذا قیّد بأبی جعفر الثانی : فالمراد به الجواد علیه السلام . وإذا أطلق أبو عبد الله : فالصادق علیه السلام ، وإذا أطلق أبو الحسن : فالکاظم علیه السلام ، وإذا قیّد بالثانی فالمراد به الرضا علیه السلام ، وبالثالث فالهادی علیه السلام ، وإذا أطلق العالم أو الفقیه أو العبد الصالح أو أبو إبراهیم : فالکاظم ، وقد یرقم بحرف اختصارا فالصاد الصادق علیه السلام ، والقاف الباقر علیه السلام والظاء الکاظم علیه السلام ، والضاد الرضا علیه السلام .

الخامسة : اعلم أنهم علیهم السلام لما کانت أحوالهم مختلفة فی الانبساط للفتوی بحسب ملوک زمانهم وحالهم معهم وکان أکثر فتوی هو الباقر وابنه جعفر علیهماالسلام وبعدهما الکاظم علیه السلام فلذلک کان الغالب فی الروایة ما نقل عن هؤلاء الثلاثة ، ثم ما نقل عنهم قد یبلغ إلی حد یفید العلم فذلک متواتر کخبر الغدیر وشجاعة علی علیه السلام ، وقد لا یبلغ فیکون خبر واحد یوصف بصفات منها : ( المشهور ) وهو : ما زادت رواته عن ثلاثة ویسمی المستفیض ، وقد یطلق علی ما اشتهر العمل به بین العلماء ، ویقابل الشاذ والنادر ، وقد یطلق علی مروی الثقة إذا خالف المشهور. ( والصحیح ) هو : ما اتصلت رواته إلی المعصوم علیه السلام بعدد أسامی وهو المتصل والمعنعن وإن کانا أعم منه ، وقد یطلق الصحیح علی سلیم الطریق من الطعن وإن اعتراه قطع أو إرسال. ومنها ( الحسن ) وهو : ما رواه من نصوا علی توثیقه مع فساد عقیدته ویسمی القوی ، وقد یراد ( بالقوی ) ما روی الإمامی غیر المذموم ولا

ص: 479

______________________________________________________

الممدوح ویقابله الضعیف ، وربما قابل الصحیح الضعیف والحسن الموثق ( والمرسل ) : ما رواه عن المعصوم من لم یدرکه بغیر واسطة أو واسطة نسیها وترکها ، ویسمی منقطعا ومقطوعا بإسقاط واحد ومعضلا بإسقاط أکثر ، وربما خصوا المنقطع بما لا یتصل سنده إلی المعصوم علیه السلام کقول الراوی : أخبرنی فلان عمن حدثه أو عن بعض أصحابه. ( والمقبول ) : ما تلقوا بالقبول والعمل بالمضمون. ( والموقوف ) : ما روی عن صاحب المعصوم ، وقد یطلق علیه الأبتر إن کان الراوی صحابیا. ( والمتواتر ) : قطعی القبول لوجوب العمل بالعلم. ( والواحد ) : مقبول بشروطه المشهورة إذا اعتضد بقطعی کفحوی الکتاب أو دلیل العقل وأنکره السید وابن إدریس. ( والمرسل ) مقبول إن کان مرسله معلوم التحرز من الروایة عن مجروح کمحمد بن أبی عمیر وصفوان بن یحیی وأحمد بن أبی نصر البزنطی لأنهم لا یرسلون إلا عن ثقة أو عمن عمل الأکثر وقد کفانا السلف رحمهم الله مؤنة نقل الأحادیث وبیان هذه الوجوه والحمد لله أولا وآخرا ، وصلی الله علی خیر خلقه محمد وآله.

* * *

ص: 480

ص: 481

ص: 482

فهرس الجزء الثامن

نزول منی ومناسکها :

مناسک یوم النحر :

الأول : رمی جمرة العقبة ...................................................... 7

واجبات الرمی................................................................ 9

مستحبات الرمی

الثانی : الذبح............................................................... 15

وجوب الهدی علی المتمتع فقط................................................ 15

حکم المملوک المتمتع فی الهدی................................................. 17

اشتراط النیة فی الذبح........................................................ 18

وجوب الذبح بمنی........................................................... 19

حکم الهدی الواحد عن أکثر من واحد........................................ 20

لا یجب بیع الثیاب للهدی.................................................... 23

حکم ضلال الهدی.......................................................... 24

حم اخراج لحم الهدی من منی................................................. 25

ص: 483

حکم تأخیر الذبح عن یوم النحر.............................................. 27

صفات الهدی

وجوب کونه من النعم....................................................... 28

السن المعتبرة فی الهدی........................................................ 28

وجوب کون الهدی تاما...................................................... 30

عدم اجزاء المهزول........................................................... 34

حکم من اشتری مهزولة فبانت سمینة.......................................... 35

حکم من اشتری سمینة فبانت مهزولة.......................................... 36

استحباب کون الهدی سمینا................................................... 37

استحباب کونه مما عرف به.................................................. 39

أفضلیة إناث البدن والبقر وذکور الغنم........................................ 40

استحباب نحر الإبل قائمة..................................................... 41

استحباب الذبح أو ترک الید مع الذابح......................................... 42

استحباب تثلیث الهدی....................................................... 42

کراهة التضحیة بالجاموس والثور.............................................. 45

کراهة التضحیة بالموجوء..................................................... 45

بدل الهدی

حکم من فقد الهدی ووجد ثمنه............................................... 46

فاقد الهدی والثمن یصوم عشرة أیام........................................... 48

زمان صوم الأیام الثلاثة فی الحج............................................... 48

حکم من خرج ذو الحجة ولم یصم............................................ 55

حکم من صام ثم وجد الهدی................................................. 55

صوم السبعة بعد الوصول إلی البلد............................................. 57

عدم اشتراط الموالاة فی صوم السبعة............................................ 58

حکم من أقام بمکة وعلیه صوم سبعة أیام....................................... 59

ص: 484

حکم موت من یجب علیه الصوم بدل الهدی.................................... 60

حکم من وجبت علیه بدنة ولم یجد............................................ 61

حکم موت من تعین علیه الهدی............................................... 62

هدی القران

عدم خروج هدی السیاق عن ملک سائقه...................................... 62

وجوب النحر بمنی بالسیاق................................................... 63

حکم هلاک هدی السیاق.................................................... 66

حکم عجز هدی السیاق عن الوصول......................................... 67

حکم کسر هدی السیاق.................................................... 69

عدم تعین هدی السیاق للصدقة............................................... 71

حکم سرقة هدی السیاق.................................................... 72

حکم ضلال هدی السیاق.................................................... 73

حکم وجدان الضال بعد إقامة بدله............................................ 73

جواز رکوب الهدی وشرب لبنه............................................... 75

عدم إعطاء الجزار من الهدی.................................................. 76

حکم الأکل من الهدی....................................................... 77

موضع نحر البدنة المنذور...................................................... 79

استحباب تثلیت هدی السیاق................................................ 79

استحباب تثلیث الأضحیة.................................................... 80

الأضحیة

استحباب الأضحیة.......................................................... 81

وقت الأضحیة.............................................................. 82

جواز ادخار لحم الأضحیة.................................................... 84

حکم اخراج لحم الأضحیة من منی............................................ 85

اجزاء الهدی الواجب عن الأضحیة............................................ 86

التصدق بالثمن عند عدم الأضحیة............................................ 86

ص: 485

استحباب التضحیة بما یشتری................................................. 87

کراهة أخذ جلودها أو إعطائها الجزار......................................... 88

الحلق والتقصیر

وجوب الحلق والتقصیر....................................................... 88

التخییر بین الحلق والتقصیر................................................... 89

أفضلیة الحلق................................................................ 89

تعین التقصیر للنساء......................................................... 91

تقدیم التقصیر علی زیارة البیت............................................... 92

الحلق بمنی................................................................... 95

حکم الأقرع................................................................ 97

وجوب ترتیب مناسک یوم النحر.............................................. 98

حکم الاخلال بالترتیب.................................................... 101

مواطن التحلل

الأول : عقیب الحلق أو التقصیر............................................. 102

الثانی : عقیب طواف الزیارة................................................ 105

الثالث : عقیب طواف النساء............................................... 106

حکم من قدم الطوافین علی الوقف.......................................... 107

کراهة لبس المخیط قبل طواف الزیارة....................................... 108

کراهة الطیب قبل طواف النساء............................................ 109

أحکام الرجوع إلی مکة

وجوب الرجوع إلی مکة بعد مناسک منی..................................... 109

مستحبات زیارة البیت..................................................... 112

مقدمات الطواف

الطهارة................................................................... 114

إزالة النجاسة.............................................................. 116

الختنة..................................................................... 117

ص: 486

الستر..................................................................... 118

الغسل لدخول مکة........................................................ 119

مضغ الاذخر.............................................................. 122

دخول مکة من أعلاها..................................................... 122

التحفی والسکینة والوقار................................................... 123

الغسل لدخول المسجد...................................................... 123

الدخول من باب بنی شیبة والوقوف عندها................................... 124

السلام علی النبی والدعاء................................................... 124

واجبات الطواف

وجوب النیة والبدأة بالحجر والختم به........................................ 125

الطواف علی یساره........................................................ 128

دخول الحجر فی الطواف................................................... 128

إکمال سبعة بین البیت والمقام............................................... 130

حکم المشی علی أساس البیت أو حائط الحجر................................ 132

وجوب رکعتا الطواف بعده................................................. 133

حکم من نسی رکعتا الطواف............................................... 134

حکم موت ناسی رکعتا الطواف............................................ 137

أحکام واجبات الطواف

حکم الزیادة علی السبع فی الطواف......................................... 138

حکم الشک فی الطهارة..................................................... 140

محل صلاة الطواف......................................................... 141

حکم الطواف فی الثوب النجس............................................. 144

وقت رکعتا الطواف....................................................... 146

حکم من نقص من الطواف................................................. 148

حکم قطع الطواف لدخول البیت أو غیره.................................... 150

حکم من مرض أثناء الطواف............................................... 154

ص: 487

حکم المحدث فی الطواف.................................................... 156

حکم السعی قبل إتمام الطواف.............................................. 157

مندوبات الطواف

ما یستحب عند الحجر..................................................... 158

ما یستحب أثناء الطواف................................................... 161

استحباب التزام المستجار................................................... 163

حکم من جاوز المستجار ولم یلتزم........................................... 164

استحباب التزام جمیع الأرکان............................................... 165

استحباب ثلاثمائة وستین طوافا.............................................. 166

حکم من زاد علی السبع سهوا.............................................. 167

وقت رکعتی طواف النافلة.................................................. 167

استحباب التدانی من البیت.................................................. 171

کراهة الکلام فی الطواف................................................... 171

أحکام الطواف

الطواف رکن............................................................. 172

حکم ناسی الطواف....................................................... 175

الشک فی عدد الطواف..................................................... 178

حکم من زاد علی السبع نسیانا............................................. 181

حکم من طاف بغیر طهر وذکر............................................. 182

حکم جماع الناسی لطواف الزیارة........................................... 182

حکم ناسی طواف النساء.................................................. 184

حکم تأخیر السعی عن الطواف............................................. 185

حکم تقدیم الطواف علی الوقوفین........................................... 186

حکم تقدیم طواف النساء علی السعی........................................ 190

حرمة الطواف بالبرطلة..................................................... 192

حکم التعویل علی الغیر فی تعداد الطواف..................................... 194

ص: 488

- وجوب طواف النساء................................................... 195

السعی

مقدمات السعی............................................................ 200

وجوب النیة فی السعی...................................................... 206

البدأة بالصفا والختم بالمروة.................................................. 206

- وجوب السعی سبعا..................................................... 207

مستحبات السعی.......................................................... 207

السعی رکن............................................................... 211

حکم ناسی السعی......................................................... 211

حکم الزیادة علی السبع.................................................... 213

حکم الشک فیما بدأ به.................................................... 214

حکم الشک فی عدد السعی................................................. 215

حکم تیقن النقیصة......................................................... 215

حکم المجامع الظان تمام الحج ثم ذکر......................................... 216

جواز قطع السعی لاداء الفریضة أو حاجة.................................... 218

عدم جواز تقدیم السعی علی الطواف........................................ 219

عدم جواز تقدیم طواف النساء علی السعی................................... 220

حکم من ذکر نقصان الطواف فی السعی..................................... 220

أحکام منی بعد العود ورمی

الجمار العود إلی منی بعد مناسک مکة........................................ 222

حکم من بات بغیر منی..................................................... 223

جواز البیتوتة بمکة للعبادة................................................... 225

جواز الخروج من منی بعد نصف اللیل........................................ 227

حکم من بات اللیالی الثلاث بغیر منی........................................ 228

وجوب رمی الجمار أیام التشریق............................................ 229

ص: 489

وجوب الترتیب بین الجمار................................................. 229

وقت الرمی............................................................... 230

ما یکفی فی الترتیب........................................................ 233

حکم من نسی رمی یوم.................................................... 235

حکم ناسی رمی الجمار.................................................... 236

جواز الرمی عن المعذور..................................................... 239

استحباب الإقامة بمنی أیام التشریق........................................... 240

- مستحبات رمی الجمار.................................................. 241

استحباب التکبیر بمنی....................................................... 242

النفر الأول................................................................ 244

النفر الثانی................................................................ 249

استحباب الصلاة بمسجد خیف للمقیم بمنی................................... 250

حکم قصر الصلاة بمنی لأهل مکة........................................... 251

أسماء أیام منی.............................................................. 253

استحباب الخطبة للامام بمنی................................................. 253

جواز الانصراف من منی لمن أتم المناسک...................................... 253

بعض أحکام مکة

حکم لجوء المجرم إلی الحرم.................................................. 254

کراهة منع الناس سکنی دور مکة............................................ 255

حکم رفع بناء فوق الکعبة.................................................. 257

حکم لقطة الحرم.......................................................... 257

إجبار الناس علی زیارة النبی ( ص ) مع الترک................................. 260

استحباب وداع البیت...................................................... 261

استحباب التحصیب لمن نفر فی الأخیر....................................... 262

مستحبات العود إلی بکة.................................................... 263

- کراهة الحج علی الإبل الجلالة............................................ 269

ص: 490

استحباب العزم علی العود للحاج............................................ 269

الطواف أفضل للمجاور من الصلاة وللمقیم العکس........................... 270

کراهة المجاورة بمکة........................................................ 271

استحباب النزول بالمعرس والصلاة به......................................... 272

أحکام المدینة

حرم المدینة................................................................ 274

استحباب زیارة البنی ( ص )................................................ 277

استحباب زیارة فاطمة ( ع )............................................... 278

استحباب المجاورة بالمدینة.................................................... 279

استحباب الصلاة بین القبر والمنبر............................................ 280

صیام ثلاثة أیام بالمدینة للحاجة.............................................. 282

استحباب إتیان مساجد المدینة............................................... 282

کراهة النوم فی مساجد المدینة............................................... 284

الاحصار والصد

معنی الصد والاحصار...................................................... 285

- حکم المصدود.......................................................... 286

ما یتحقق به الصد......................................................... 292

حکم المحبوس بدین أو ظلما................................................. 294

حکم عدم تحلل المصدود حتی فوت الحج..................................... 295

حکم من ظن انکشاف العدو قبل فوات الحج................................. 296

- حکم من أفسد حجه فصد.............................................. 297

عدم وجوب دفع العدو بالقتال.............................................. 299

حکم طلب العدو مالا...................................................... 300

حکم المحصر

حکم من تحلل فبان عدم ذبح هدیه.......................................... 306

حکم من بعث هدیه فزال العارض........................................... 307

ص: 491

حج القارن فی القابل القران................................................. 308

حکم باعث الهدی تطوعا................................................... 309

أحکام الصید

معنی الصید............................................................... 312

حکم صید البحر.......................................................... 314

الدجاج الحبشی کصید البحر............................................... 314

النعم المتوحشة کصید البحر................................................ 315

حکم قتل السباع.......................................................... 315

حکم المتولد بین الوحشی والانسی.......................................... 316

جواز قتل الأفعی والعقرب والفأرة........................................... 316

جواز رمی الحدأة والغراب.................................................. 317

حکم قتل البرغوث والزنبور................................................ 318

جواز شراء القماری والدباسی من مکة....................................... 319

- حکم صید البر......................................................... 320

کفارة قتل النعامة.......................................................... 321

حکم قتل فراخ النعامة..................................................... 325

کفارة قتل بقرة وحمار الوحش.............................................. 325

کفارة قتل الظبی........................................................... 328

کفارة کسر بیض النعام.................................................... 331

کفارة کسر بیض القطا والقبج.............................................. 335

معنی الحمام............................................................... 337

کفارة قتل الحمام.......................................................... 338

کفارة قتل فرخ الحمام..................................................... 339

کفارة کسر بیض الحمام................................................... 341

حکم قتل حمام الحرم....................................................... 343

کفارة قتل القطا والحجل والدراج........................................... 345

ص: 492

کفارة قتل القنفذ والضب والیربوع.......................................... 346

کفارة قتل العصفور وأمثاله................................................. 347

کفارة قتل الجرادة وإلقاء القملة............................................. 348

کفارة قتل الجراد الکثیر.................................................... 349

حکم قتل البطة وأشباهها................................................... 351

حکم قتل الصید المعیب.................................................... 351

جواز فداء الذکر بالأنثی وبالعکس.......................................... 352

الاعتبار بتقویم الجزاء وقت الاخراج.......................................... 352

حکم قتل الماخض......................................................... 352

حکم إصابة الحامل......................................................... 353

حکم قتل المشکوک کونه صیدا.............................................. 354

موجبات الضمان

الأول : مباشرة الاتلاف.................................................... 355

أکل الصید موجب لفداء آخر.............................................. 355

حکم جرح الصید......................................................... 356

فداء کسر قرن الغزال...................................................... 358

حکم اشتراک جماعة فی قتل الصید........................................... 359

حکم من ضرب بطیر علی الأرض........................................... 360

حکم من شرب لبن ظبیة................................................... 361

حکم من جعل فی رأسه ما یقتل القمل....................................... 362

الثانی : الید............................................................... 362

حکم من أحرم وعنده صید................................................. 362

حکم الصید الذی أمسکه محرم وذبحه آخر................................... 365

حکم نقل البیض وفساده................................................... 366

حکم الصید المذبوح....................................................... 366

الثالث : السبب........................................................... 366

ص: 493

حکم الاغلاق علی حمام الحرم وله فراخ وبیض............................... 366

حکم تنفیر حمام الحرم...................................................... 368

حکم الصید الذی رماه اثنان فأصابه أحدهما.................................. 369

حکم من أوقد نارا فوقع فیها صید........................................... 370

حکم من رمی صیدا فقتل آخر.............................................. 371

ضمان السائق ما تجنیه دابته................................................. 371

حکم تلف الفرخ بإمساک أمه............................................... 373

حکم اغراء المحرم کلبه بصید................................................ 373

حکم من نفر صیدا فهلک................................................... 374

حکم من أراد تخلیص الصید فهلک.......................................... 374

حکم من دل علی صید فقتل................................................ 375

صید الحرم

حرمة صید الحرم علی المحل................................................. 376

وجوب الفداء علی قاتل صیدالحرم........................................... 377

حکم اشتراک جماعة فی قتل صید الحرم....................................... 378

حکم الصید الذی یؤم الحرم................................................ 378

کراهة الاصطیاد بین البرید والحرم........................................... 380

حکم من ربط صیدا فدخل الحرم............................................ 381

حکم من دخل بصید إلی الحرم.............................................. 383

حکم من دخل بطائر مقصوص الجناح....................................... 385

حکم صید حمام الحرم فی الحل............................................... 386

حکم من نتف ریشة من حمام الحرم.......................................... 386

حکم من أخرج صیدا من الحرم............................................. 387

حکم رمی الصید عبر الحرم................................................. 388

حکم ذبح المحل الصید فی الحرم.............................................. 388

حکم الصید المذبوح لو ادخل الحرم.......................................... 389

ص: 494

عدم دخول الصید فی الملک................................................. 390

توابع بحث الصید

ضمان الصید.............................................................. 395

حکم شراء المحل بیض النعام من المحرم........................................ 396

عدم دخول الصید فی ملک المحرم بأسبابه...................................... 398

حکم الاضطرار إلی أکل الصید............................................. 399

فداء الصید المملوک لصاحبه................................................. 402

التصدق بفداء الصید الغیر المملوک........................................... 404

لزوم نحر المحرم الفداء بمکة أو بمنی............................................ 404

حکم عن عجز عن شاة الکفارة............................................. 406

محظورات الاحرام

حکم المجامع فی الحج....................................................... 406

حکم المحرمة المجامعة........................................................ 409

وجوب افتراق المتجامعین من محل الجماع..................................... 410

موارد عدم إفساد الجماع للحج............................................. 413

حکم من حج من قابل للافساد فأفسد....................................... 415

حکم الاستمناء............................................................ 416

حکم من جامع أمته المحرمة.................................................. 417

حکم جماع المحرم قبل طواف الزیارة......................................... 418

حکم المواقع قبل اکمال طواف النساء........................................ 419

حکم العقد لمحرم علی امرأة................................................. 421

فساد العمرة بالجماع قبل السعی وعلیه القضاء................................ 422

کفارة من نظر إلی امرأة فأمنی............................................... 425

حکم مس المرأة............................................................ 427

حکم تقبیل المرأة........................................................... 427

حکم الامناء عن ملاعبة.................................................... 428

ص: 495

حکم الامناء للاستماع علی مجامع........................................... 429

حکم الحاج تطوعا إذا أفسد فأحصر......................................... 429

أحکام الطیب

حکم استعمال المحرم الطیب................................................. 430

جواز خلوق الکعبة........................................................ 431

جواز الفواکه والریاحین.................................................... 432

الثالث : القلم............................................................. 433

کفارة تقلیم الأظفار........................................................ 433

کفارة المفتی بجواز التقلیم................................................... 435

الرابع : لبس المخیط

حکم لبس المحرم المخیط.................................................... 436

حکم المضطر إلی لبس المخیط............................................... 437

الخامس : حلق الشعر

کفارة حلق الشعر......................................................... 438

حکم وقوع الشعر بمس الرأس.............................................. 440

کفارة نتف الإبط.......................................................... 441

- کفارة التظلیل.......................................................... 442

السادس : الجدال

کفارة الجدال.............................................................. 444

السابع : قلع شجر الحرم

کفارة قلع شجر الحرم...................................................... 446

وجوب إعادة الشجرة المقلوعة............................................... 447

حرمة قطع الحشیش........................................................ 448

کفارة استعمال الدهن الطیب............................................... 448

کفارة قلع الضرس......................................................... 449

حکم الادهان الغیر الطیبة................................................... 449

ص: 496

خاتمه

حکم اجتماع أسباب الکفارة المختلفة........................................ 451

حکم تکرار السبب الواحد................................................. 451

کفارة أکل أو لبس المحرم ما یحرم علیه....................................... 454

موارد سقوط الکفارة عن الناسی والجاهل والمجنون............................. 454

کتاب العمرة

معنی العمرة............................................................... 457

شرائط وجوب العمرة...................................................... 458

ما تجب به العمرة.......................................................... 459

أفعال العمرة.............................................................. 460

أحکام عمرة التمتع........................................................ 460

أحکام العمرة المفردة....................................................... 464

وجوب العمرة علی الفور................................................... 468

خاتمة فیها عشرون خبر..................................................... 469

ص: 497

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.