مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی) المجلد 4

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الموسوی العاملی، السید محمّد بن علی، 1009 - 946ق. شارح

عنوان واسم المؤلف: مدارک الأحکام في شرح شرائع الاسلام (محقق حلی)/ تالیف السید محمّد بن علی الموسوی العاملی؛

المحقق: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

المطبعة: [قم: مهر].

تاریخ النشر : 1410 ه-.ق

الصفحات: 376

الصقيع: (مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث؛ 117)

ISBN : بها:2000ریال(ج.7)

ملاحظة: الفهرسة على أساس المجلد السابع: 1410ق. = 1368.

عنوان آخر: شرایع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

الموضوع : محقق حلي، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام -- النقد والتعليق

الفقه جعفري -- مئة عام ق 7

المعرف المضاف: محقق حلی، جعفربن حسن، 676 - 602ق. شرائع الاسلام فی مسائل الحلال و الحرام. شرح

المعرف المضاف: مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث.

ترتيب الكونجرس: BP182/م 3ش 402185 1300ی

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 70-3186

نسخة غیر مصححة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الرّکن الثالث :

فی بقیة الصلوات

وفیه فصول :

الفصل الأوّل :

فی صلاة الجمعة

والنظر فی. الجمعة ، ومن تجب علیه ، وآدابها :

______________________________________________________

قوله : ( الرکن الثالث ، فی بقیة الصلوات : وفیه فصول ، الفصل الأول : فی صلاة الجمعة ).

أجمع العلماء کافة علی وجوب صلاة الجمعة ، والأصل فیه الکتاب والسنة ، قال الله تعالی ( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نُودِیَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللهِ ) (1) أجمع المفسرون (2) علی أن المراد بالذکر هنا الخطبة ، وصلاة الجمعة ، تسمیة للشی ء باسم أشرف أجزائه ، والأمر للوجوب کما قرر فی الأصول وهو هنا للتکرار باتفاق العلماء. والتعلیق بالنداء مبنی علی الغالب.

صلاة الجمعة

وجوب صلاة الجمعة

ص: 5


1- الجمعة : 9.
2- منهم الشیخ فی التبیان 10 : 8 ، والطبرسی فی مجمع البیان 5 : 288 ، وابن العربی فی تفسیر أحکام القرآن 4 : 1805.

______________________________________________________

وفی الآیة مع الأمر الدال علی الوجوب ضروب من التأکید وأنواع الحث بما لا یقتضی تفصیله المقام ، ولا یخفی علی من تأمله من أولی الأفهام.

وأما الأخبار فمستفیضة جدا ، بل تکاد أن تکون متواترة ، فمن ذلک صحیحة أبی بصیر ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض فی کل سبعة أیام خمسا وثلاثین صلاة ، منها صلاة واجبة علی کل مسلم أن یشهدها إلا خمسة : المریض ، والمملوک ، والمسافر ، والمرأة ، والصبی » (1).

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال له : « إنما فرض الله عزّ وجلّ علی الناس من الجمعة إلی الجمعة خمسا وثلاثین صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها الله عزّ وجلّ فی جماعة ، وهی الجمعة ، ووضعها عن تسعة : عن الصغیر ، والکبیر ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمریض ، والأعمی ، ومن کان علی رأس أزید من فرسخین » (2).

وصحیحة منصور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجمع القوم یوم الجمعة إذا کانوا خمسة فما زاد ، فإن کانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم. والجمعة واجبة علی کل أحد ، لا یعذر الناس فیها إلا خمسة : المرأة ، والمملوک ، والمسافر ، والمریض ، والصبی » (3).

وصحیحة أبی بصیر ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ،

ص: 6


1- الکافی 3 : 418 - 1 ، التهذیب 3 : 19 - 69 ، المعتبر 2 : 274 ، الوسائل 5 : 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 14.
2- الکافی 3 : 419 - 6 ، الفقیه 1 : 266 - 1217 ، التهذیب 3 : 21 - 77 ، الخصال : 533 - 11 ، الأمالی : 319 - 17 ، الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 1.
3- التهذیب 3 : 239 - 636 ، الإستبصار 1 : 419 - 1610 ، الوسائل 5 : 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 16 وص 8 ب 2 ح 7.

______________________________________________________

قال : « من ترک الجمعة ثلاث جمع متوالیات طبع الله علی قلبه » (1).

وصحیحة الفضل بن عبد الملک ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا کان قوم فی قریة صلوا الجمعة أربع رکعات ، فإن کان لهم من یخطب جمعوا إذا کانوا خمسة نفر ، وإنما جعلت رکعتین لمکان الخطبتین » (2).

وصحیحة زرارة ، قال : حثنا أبو عبد الله علیه السلام علی صلاة الجمعة حتی ظننت أنه یرید أن نأتیه ، فقلت : نغدو علیک؟ فقال : « لا ، إنما عنیت عندکم » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن أناس فی قریة ، هل یصلون الجمعة جماعة؟ قال : « نعم ، یصلون أربعا إذا لم یکن من یخطب » (4).

وصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کانوا سبعة یوم الجمعة فلیصلوا فی جماعة ، ولیلبس البرد والعمامة ، ولیتوکأ علی قوس أو عصا ، ولیقعد قعدة بین الخطبتین ، ویجهر بالقراءة ، ویقنت فی الرکعة الأولی منهما قبل الرکوع » (5).

وصحیحة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الجمعة واجبة علی

ص: 7


1- التهذیب 3 : 238 - 632 ، المحاسن : 85 - 22 ، عقاب الأعمال : 276 - 3 ، الوسائل 5 : 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 15.
2- التهذیب 3 : 238 - 634 ، الإستبصار 1 : 420 - 1614 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 6 وص 10 ب 3 ح 2.
3- التهذیب 3 : 239 - 635 ، الإستبصار 1 : 420 - 1615 ، المقنعة : 27 ، الوسائل 5 : 12 أبواب صلاة الجمعة وآدابها 5 ح 1.
4- التهذیب 3 : 238 - 633 ، الإستبصار 1 : 419 - 1613 ، الوسائل 5 : 10 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 3 ح 1.
5- التهذیب 3 : 245 - 664 ، الإستبصار 1 : 418 - 1607 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 5.

______________________________________________________

من إن صلی الغداة فی أهله أدرک الجمعة ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إنما یصلی العصر فی وقت الظهر فی سائر الأیام کی إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلی الله علیه و آله رجعوا إلی رحالهم قبل اللیل ، وذلک سنة إلی یوم القیامة » (1).

وصحیحة أخری لزرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : علی من تجب الجمعة؟ قال : « علی سبعة نفر من المسلمین ، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمین أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم یخافوا أمهم بعضهم وخطبهم » (2).

فهذه الأخبار الصحیحة الطرق الواضحة الدلالة علی وجوب الجمعة علی کل مسلم عدا ما استثنی تقتضی الوجوب العینی ، إذ لا إشعار فیها بالتخییر بینها وبین فرد آخر ، خصوصا قوله علیه السلام : « من ترک الجمعة ثلاث جمع متوالیات طبع الله علی قلبه » فإنه لو جاز ترکها إلی بدل لم یحسن هذا الإطلاق. ولیس فیها دلالة علی اعتبار حضور الإمام علیه السلام ونائبه بوجه ، بل الظاهر من قوله علیه السلام : « فإن کان لهم من یخطب جمعوا » وقوله : « فإذا اجتمع سبعة ولم یخافوا أمهم بعضهم وخطبهم » خلافه کما سیجی ء تحقیقه إن شاء الله (3).

قال جدی - قدس سره - فی رسالته الشریفة التی وضعها فی هذه المسألة بعد أن أورد نحو ما أوردناه من الأخبار ونعم ما قال : فکیف یسع المسلم الذی یخاف الله تعالی إذا سمع مواقع أمر الله تعالی ورسوله وأئمته علیهم السلام بهذه

ص: 8


1- التهذیب 3 : 240 - 642 ، الإستبصار 1 : 421 - 1621 ، الوسائل 5 : 11 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 4 ح 1.
2- الفقیه 1 : 267 - 1218 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 4.
3- فی ص 21.

الجمعة رکعتان کالصبح ، یسقط معهما الظهر.

______________________________________________________

الفریضة وإیجابها علی کل مسلم أن یقصّر فی أمرها ویهملها إلی غیرها ویتعلل بخلاف بعض العلماء فیها ، وأمر الله تعالی ورسوله وخاصته علیهم السلام أحق ومراعاته أولی ، فلیحذر الذین یخالفون عن أمره أن تصیبهم فتنة أو یصیبهم عذاب إلیهم ، ولعمری لقد أصابهم الأمر الأول فلیرتقبوا الثانی إن لم یعف الله تعالی ویسامح ، نسأل الله العفو والرحمة بمنه وکرمه (1).

قوله : ( الجمعة رکعتان کالصبح یسقط معهما الظهر ).

هذان الحکمان إجماعیان بین العلماء کافة ، قاله فی المعتبر والمنتهی (2). أما أنها رکعتان فیدل علیه فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ، والأخبار المتواترة (3).

وأما سقوط الظهر معها وعدم مشروعیة الجمع بینهما فیدل علیه مضافا إلی الإجماع قوله علیه السلام فی صحیحة الفضل بن عبد الملک : « إذا کان قوم فی قریة صلوا الجمعة أربع رکعات ، فإن کان لهم من یخطب جمعوا إذا کانوا خمسة نفر » (4). وفی صحیحة محمد بن مسلم : « یصلون أربعا إذا لم یکن من یخطب » (5). وفی حسنة الحلبی : « إن فاتته الصلاة - أی صلاة الجمعة - فلم یدرکها فلیصل أربعا » (6) والتفصیل قاطع للشرکة. وربما کان فی قول المصنف رحمه الله : الجمعة رکعتان کالصبح ، إشارة إلی أنها واجب مستقل ، لا ظهر مقصورة کما یقوله بعض العامة (7).

سقوط الظهر مع الجمعة وهی رکعتان

ص: 9


1- رسائل الشهید الثانی : 56.
2- المعتبر 2 : 274 ، والمنتهی 1 : 327.
3- الوسائل 5 : 14 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6.
4- المتقدمة فی ص 7.
5- المتقدمة فی ص 7.
6- الکافی 3 : 427 - 1 ، التهذیب 3 : 160 - 343 ، الإستبصار 1 : 421 - 1622 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 3.
7- نقله عن الشافعی فی بدائع الصنائع 1 : 256.

ویستحب فیهما الجهر. وتجب بزوال الشمس. ویخرج وقتها إذا صار ظل کل شی ء مثله.

______________________________________________________

قوله : ( ویستحب فیها الجهر ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب. بل قال المصنف فی المعتبر : إنه لا یختلف فیه أهل العلم (1). ویدل علیه ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة الجمعة فی السفر ، قال : تصنعون کما تصنعون فی الظهر ، ولا یجهر الإمام فیها بالقراءة ، وإنما یجهر إذا کانت خطبة » (2). وروی ابن أبی عمیر فی الصحیح ، عن جمیل ، عن أبی عبد الله علیه السلام نحو ذلک (3).

وقد قطع الأصحاب بعدم وجوب الجهر فی هذه الصلاة ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل السالم عما یصلح للمعارضة صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی من الفرائض ما یجهر فیه بالقراءة ، هل علیه أن لا یجهر؟ قال : « إن شاء جهر وإن شاء لم یجهر » (4) قال العلامة - رحمه الله - فی المنتهی : أجمع کل من یحفظ عنه العلم علی أنه یجهر بالقراءة فی صلاة الجمعة ، ولم أقف علی قول للأصحاب فی الوجوب وعدمه ، والأصل عدمه (5).

قوله : ( وتجب بزوال الشمس ، ویخرج وقتها إذا صار ظل کل شی ء مثله ).

هنا مسألتان : إحداهما : أنّ أول وقت صلاة الجمعة زوال الشمس ، بمعنی أنه یجوز أن یخطب فی الفی ء الأول ، فإذا زالت الشمس صلی الجمعة ، أو

استحباب الجهر فی الجمعة

وقت صلاة الجمعة

ص: 10


1- المعتبر 2 : 304.
2- التهذیب 3 : 15 - 54 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 9.
3- التهذیب 3 : 15 - 53 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 8.
4- التهذیب 2 : 162 - 636 ، الاستبصار 1 : 313 - 1164 ، قرب الإسناد : 94 ، الوسائل 4 : 765 أبواب القراءة فی الصلاة ب 25 ح 6.
5- المنتهی 1 : 328.

______________________________________________________

یخطب بعد الزوال کما سیجی ء تحقیقه إن شاء الله (1) ، وبه قال أکثر الأصحاب.

وقال الشیخ فی الخلاف : وفی أصحابنا من أجاز الفرض عند قیام الشمس. قال : واختاره علم الهدی رحمه الله (2). قال ابن إدریس بعد نقل ذلک : ولعل شیخنا سمعه من المرتضی مشافهة (3). فإن الموجود فی مصنفات السید موافق للمشهور من عدم جواز إیقاعها قبل تحقق الزوال. والمعتمد الأول.

لنا : أنّ الوظائف الشرعیة إنما تستفاد من صاحب الشرع فیقتصر علی صفتها المنقولة ، والمنقول من فعله صلی الله علیه و آله أنه کان یصلی الجمعة بعد الزوال ، فلا تبرأ الذمة إلا بإیقاعها فیه. وتدل علیه أیضا الأخبار المستفیضة ، کصحیحة زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « إنّ من الأمور أمورا مضیقة وأمورا موسعة ، وإن الوقت وقتان ، الصلاة مما فیه السعة ، فربما عجل رسول الله صلی الله علیه و آله وربما أخر إلا صلاة الجمعة ، فإن صلاة الجمعة من الأمر المضیق ، إنما لها وقت واحد حین تزول » (4).

وصحیحة ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وقت صلاة الجمعة عند الزوال » (5).

وروایة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الزوال یوم الجمعة ما حدّه؟ قال : « إذا قامت الشمس صل الرکعتین ، فإذا زالت الشمس فصل الفریضة » (6).

وصحیحة ذریح قال ، قال لی أبو عبد الله علیه السلام : « صل الجمعة

ص: 11


1- فی ص 35.
2- الخلاف 1 : 246.
3- السرائر : 64.
4- التهذیب 3 : 13 - 46 ، الوسائل 5 : 17 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 3.
5- التهذیب 3 : 13 - 43 ، الوسائل 5 : 18 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 5.
6- قرب الإسناد : 98 ، الوسائل 5 : 25 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ذ ح 16.

______________________________________________________

بأذان هؤلاء ، فإنهم أشد شی ء مواظبة علی الوقت » (1).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام . قال : ( کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلی الجمعة حین تزول الشمس قدر شراک ، ویخطب فی الظل الأول ، فیقول جبرائیل : یا محمد قد زالت فانزل وصل » (2).

ولم أقف للقول بجواز التقدیم علی حجة یعتد بها. واستدل له فی التذکرة والمنتهی (3) بما رواه العامة عن وکیع الأسلمی ، قال : شهدت الجمعة مع أبی بکر فکانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار (4). وهو مستند ضعیف ، فإن فعل أبی بکر لیس حجة ، خصوصا مع مخالفته لفعل الرسول صلی الله علیه و آله .

وثانیتهما : أن وقت صلاة الجمعة یخرج بصیرورة ظل کل شی ء مثله ، وهو اختیار أکثر الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه مذهب علمائنا أجمع (5).

قال الشهید - رحمه الله - فی الذکری : ولم نقف لهم علی حجة ، إلا أن النبی صلی الله علیه و آله کان یصلی فی هذا الوقت. قال : ولا دلالة فیه ، لأن الوقت الذی کان یصلی فیه ینقص عن هذا القدر غالبا ، ولم یقل أحد بالتوقیت بذلک الناقص (6).

وقال أبو الصلاح : إذا مضی مقدار الأذان والخطبة ورکعتی الجمعة فقد فاتت ولزم أداؤها ظهرا (7).

ص: 12


1- التهذیب 3 : 284 - 1136 ، الوسائل 4 : 618 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 1.
2- التهذیب 3 : 12 - 42 ، الوسائل 5 : 30 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 15 ح 1.
3- التذکرة 1 : 143 ، والمنتهی 1 : 318.
4- سنن الدار قطنی 2 : 17 - 1.
5- المنتهی 1 : 318.
6- الذکری : 235.
7- الکافی فی الفقه : 153.

ولو خرج الوقت وهو فیها أتمّ جمعة ، إماما کان أو مأموما.

______________________________________________________

ویدفعه ما رواه ابن بابویه مرسلا ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلی أن تمضی ساعة » (1) وما رواه الفضیل ابن یسار ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « والصلاة مما وسع فیه تقدم مرة وتؤخر أخری ، والجمعة مما ضیق فیها ، فإن وقتها یوم الجمعة ساعة تزول » (2).

ورده المصنف فی المعتبر أیضا بروایة ابن سنان المتقدمة المتضمنة لأن النبی صلی الله علیه و آله کان یخطب فی الفی ء الأول « فیقول جبرائیل یا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل » (3) قال : وهو دلیل علی تأخیر الصلاة عن الزوال بقدر قول جبرائیل ونزوله علیه السلام ودعائه أمام الصلاة ، ولو کان مضیقا لما جاز ذلک (4).

وقال ابن إدریس یمتد وقتها بامتداد وقت الظهر ، لتحقق البدلیة وأصالة البقاء (5). واختاره الشهید فی الدروس والبیان (6). وفیه اطراح للأخبار رأسا.

وقال الجعفی : وقتها ساعة من النهار (7). وهو الظاهر من الأخبار (8). والمسألة قویة الإشکال ، والاحتیاط للدین یقتضی المبادرة إلی فعلها عند تحقق الزوال ، والله تعالی أعلم بحقیقة الحال.

قوله : ( ولو خرج الوقت وهو فیها أتمها جمعة ، إماما کان أو مأموما ).

ص: 13


1- الفقیه 1 : 267 - 1223 ، الوسائل 5 : 19 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 13 ، وفیهما : أول وقت.
2- الکافی 3 : 274 - 2 ، الوسائل 3 : 100 أبواب المواقیت ب 7 ح 1.
3- التهذیب 3 : 12 - 42 ، الوسائل 5 : 18 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 4.
4- المعتبر 2 : 276.
5- السرائر : 66.
6- الدروس : 42 ، والبیان : 101.
7- نقله عنه فی الذکری : 235.
8- الوسائل 5 : 17 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8.

وتفوت الجمعة بفوات الوقت ، ثم لا تقضی جمعة إنما تقضی ظهرا.

______________________________________________________

إطلاق العبارة یقتضی وجوب إکمالها بمجرد التلبس بها فی الوقت ولو بالتکبیر ، وبه صرح الشیخ - رحمه الله - (1) وجماعة.

واحتج علیه فی المعتبر بأن الوجوب یتحقق باستکمال الشرائط فیجب إتمامها (2).

ویتوجه علیه : أن التکلیف بفعل موقت یستدعی زمانا یسعه ، لامتناع التکلیف بالمحال ، ولا یشرع فعله فی خارجه إلا أن یثبت من الشارع شرعیة فعله خارج الوقت.

ومن ثم اعتبر العلامة (3) ومن تأخر عنه (4) إدراک الرکعة فی الوقت کالیومیة ، لعموم قوله علیه السلام : « من أدرک من الوقت رکعة فکمن أدرک الوقت کله » (5) وهو أولی.

قوله : ( وتفوت الجمعة بفوات الوقت ، ثم لا تقضی جمعة إنما تقضی ظهرا ).

المراد أنه مع فوات وقت الجمعة تجب صلاة الظهر أداء إن کان الوقت باقیا ، وقضاء بعد خروجه ، وهو إجماع أهل العلم ، ویدل علة قوله علیه السلام فی حسنة الحلبی : « فإن فاتته الصلاة فلم یدرکها فلیصل أربعا » (6).

وفی صحیحة عبد الرحمن العرزمی : « إذا أدرکت الإمام یوم الجمعة وقد

ص: 14


1- الخلاف 1 : 236 ، والمبسوط 1 : 145.
2- المعتبر 2 : 277.
3- المختلف : 108 ، والمنتهی 1 : 321.
4- کالشهید الأول فی الذکری : 235 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 33 ، وروض الجنان : 284.
5- تفرد بروایتها فی المعتبر 2 : 47.
6- الکافی 3 : 427 - 1 ، التهذیب 3 : 243 - 656 ، الإستبصار 1 : 421 - 1622 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 3.

ولو وجبت الجمعة فصلی الظهر وجب علیه السعی. فإن أدرکها وإلا أعاد الظهر ولم یجتزئ بالأولی.

ولو تیقن أن الوقت یتسع للخطبة ورکعتین خفیفتین وجبت الجمعة.

______________________________________________________

سبقک برکعة فأضف إلیها رکعة أخری واجهر بها ، فإن أدرکته وهو یتشهد فصل أربعا » (1).

قال المصنف فی المعتبر : وقوله فی الأصل (2) : تقضی ظهرا ، یرید به وظیفة الوقت لا الجمعة (3).

قوله : ( ولو وجبت الجمعة فصلی الظهر وجب علیه السعی ، فإن أدرکها وإلا أعاد الظهر ولم یجتزئ بالأولی ).

وذلک لأن الآتی بها آت بغیر الواجب فلا یخرج من العهدة ، ویجب علیه الإتیان بالجمعة مع الإمکان ، وإلا أعاد الظهر ، لأن الأولی لم تکن صحیحة إذ لم یکن مخاطبا بها. ولا فرق فی ذلک بین العمد والنسیان ، ولا بین أن یظهر فی نفس الأمر عدم الوجوب أو لا. نعم لو صلی الظهر ناسیا وظهر عدم التمکن من الجمعة أمکن القول بالإجزاء.

ولو لم تکن شرائط الجمعة مجتمعة لکن یرجو اجتماعها قبل خروجه ، فهل یجوز له تعجیل الظهر والاجتزاء بها وإن تمت الجمعة بعد ذلک؟ أم یجب الصبر إلی أن یظهر الحال؟ وجهان أجودهما الثانی ، لأن الواجب بالأصل هو الجمعة ، وإنما یشرع فعل الظهر إذا علم عدم التمکن من الجمعة فی الوقت.

قوله : ( ولو تیقن أن الوقت یتسع للخطبة ورکعتین خفیفتین وجبت الجمعة ).

الضابط فی ذلک تیقن اتساع الوقت للقدر الواجب من الخطبتین والصلاة

حکم من ترک الجمعة

ص: 15


1- التهذیب 3 : 244 - 659 ، الإستبصار 1 : 422 - 1625 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 5.
2- أی : المختصر النافع.
3- المعتبر 2 : 277.

وإن تیقن أو غلب علی ظنه أن الوقت لا یتسع لذلک فقد فاتت الجمعة ویصلی ظهرا.

______________________________________________________

دون المسنون منهما.

قیل : وکذا تجب الجمعة مع ظن اتساع الوقت والشک فی السعة وعدمها لأصالة بقاء الوقت (1).

ویشکل بأن الواجب الموقت یعتبر وقوعه فی الوقت ، فمع الشک فیه لا یحصل یقین البراءة بالفعل ، والاستصحاب هنا إنما یفید ظن البقاء وهو غیر کاف فی ذلک.

قوله : ( وإن تیقن أو غلب علی ظنه أن الوقت لا یتسع لذلک فقد فاتت الجمعة ویصلی ظهرا ).

هذه بظاهره مناف لما سبق من أن من تلبّس بالجمعة فی الوقت یجب علیه إتمامها ، فإنه یقتضی بإطلاقه جواز الشروع فیها مع ضیق الوقت.

وأجیب عنه بأن الشروع فیها إنما یشرع إذا ظن إدراک جمیعها ، لأنها لا یشرع فیها القضاء ، وإنما وجب الإکمال مع التلبّس بها فی الوقت للنهی عن إبطال العمل (2).

وأورد علیه أن قوله علیه السلام : « من أدرک من الوقت رکعة » یعم الجمیع (3).

وأجیب بأن هذا الحدیث مقید بقید مستفاد من خارج ، وهو کون الوقت صالحا للفعل ، للقطع بأن ما لا یصلح للفعل یمتنع وقوعه فیه (4). وفیه نظر فإنه إن أرید بصلاحیة الوقت للفعل إمکان إیقاعه فیه فهو متحقق هنا ، وإن أرید غیر ذلک فلا دلیل علیه.

ومن ثم ذهب جمع من الأصحاب إلی وجوب الدخول فی الصلاة متی علم

ص: 16


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 130.
2- کما فی جامع المقاصد 1 : 130.
3- کما فی جامع المقاصد 1 : 130.
4- کما فی جامع المقاصد 1 : 130.

فأما لو لم یحضر الخطبة وأول الصلاة وأدرک مع الإمام رکعة صلی جمعة.

______________________________________________________

أنه یدرک رکعة بعد الخطبتین ، لعموم من أدرک (1) ، بل صرح العلامة فی النهایة بوجوب الدخول فی الصلاة مع إدراک الخطبتین وتکبیرة الإحرام خاصة (2). وهو بعید.

قوله : ( وأما لو لم یحضر الخطبة وأول الصلاة وأدرک مع الإمام رکعة صلی جمعة ).

هذا الحکم ثابت بإجماعنا ووافقنا علیه أکثر العامة (3). والمستند فیه روایات. منها صحیحة الفضل بن عبد الملک قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « من أدرک رکعة فقد أدرک الجمعة » (4).

وصحیحة عبد الرحمن العزرمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « قال إذا أدرکت الإمام یوم الجمعة وقد سبقک برکعة فأضف إلیها رکعة أخری واجهر فیها فإن أدرکته وهو یتشهد فصل أربعا » (5).

وحسنة الحلبی : قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عمن لم یدرک الخطبة یوم الجمعة فقال : « یصلی رکعتین ، فإن فاتته الصلاة فلم یدرکها فلیصل أربعا » وقال : « إذا أدرکت الإمام قبل أن یرکع الرکعة الأخیرة فقد أدرکت الصلاة ، فإن أنت أدرکته بعد ما رکع فهی الظهر أربع » (6).

حکم من أدرک الامام یصلی

ص: 17


1- الجواهر 11 : 141 : أول من صرح بذلک الفاضل فی بعض کتبه ، وتبعه من تأخر عنه ، لعموم من أدرک رکعة.
2- نهایة الأحکام 2 : 11.
3- منهم الشافعی فی الأم 1 : 206 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 158 ، 177 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 90.
4- التهذیب 3 : 161 - 346 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 6.
5- التهذیب 3 : 244 - 659 ، الإستبصار 1 : 422 - 1625 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 5.
6- الکافی 3 : 427 - 1 ، التهذیب 3 : 243 - 656 ، الإستبصار 1 : 421 - 1622 ، الوسائل 5 : 41 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 3.

وکذا لو أدرک الإمام راکعا فی الثانیة علی قول.

______________________________________________________

لا یقال : قدر روی الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا تکون الجمعة إلا لمن أدرک الخطبتین » (1) لأنا نقول : إنه محمول علی نفی الکمال جمعا بین الأدلة.

قوله : ( وکذا لو أدرک الإمام راکعا فی الثانیة علی قول ).

القول للشیخ - رحمه الله - فی الخلاف (2) ، والمرتضی (3) ، وجمع من الأصحاب ، وشرط فی النهایة وکتابی الحدیث إدراک تکبیرة الرکوع فی الثانیة (4). والمعتمد الأول.

لنا : إن الجمعة تدرک بإدراک الرکعة ، وإدراکها یتحقق بإدراک الرکوع. أما إدراک الجمعة بإدراک الرکعة فلما تقدم.

وأما إدراک الرکعة بإدراک الإمام راکعا فیدل علیه روایات کثیرة ، منها : ما رواه الحلبی فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا أدرکت الإمام وقد رکع فکبرت ورکعت قبل أن یرفع رأسه فقد أدرکت الرکعة ، وإن رفع الإمام رأسه قبل أن ترکع فقد فاتتک الرکعة » (5).

وما رواه سلیمان بن خالد فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه قال فی الرجل إذا أدرک الإمام وهو راکع فکبر الرجل وهو مقیم صلبه ثم رکع قبل أن یرفع الإمام رأسه فقد أدرک الرکعة (6).

ص: 18


1- التهذیب 3 : 243 - 658 ، الإستبصار 1 : 422 - 1624 ، الوسائل 5 : 42 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 26 ح 7.
2- الخلاف 1 : 247.
3- جمل العلم والعمل : 70.
4- النهایة : 105 ، والتهذیب 3 : 43 ، والاستبصار 1 : 435.
5- الکافی 3 : 382 - 5 ، الفقیه 1 : 254 - 1149 ، التهذیب 3 : 43 - 153 ، الإستبصار 1 : 435 - 1680 ، الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة وآدابها ب 45 ح 2.
6- الکافی 3 : 382 - 6 ، التهذیب 3 : 43 - 152 ، الإستبصار 1 : 435 - 1679 ، الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 5 ح 1.

______________________________________________________

وما رواه عبد الرحمن بن أبی عبد الله فی الصحیح أیضا ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « إذا دخلت المسجد والإمام راکع وظننت أنک إن مشیت إلیه رفع رأسه قبل أن تدرکه فکبر وارکع ، فإذا رفع رأسه فاسجد مکانک ، فإذا قام فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مکانک ، فإذا قام فالحق بالصف » (1).

ویؤیده روایة معاویة بن شریح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا جاء الرجل مبادرا والإمام راکع أجزأته تکبیرة لدخوله فی الصلاة والرکوع » (2).

وروایة جابر الجعفی قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إنی أؤم قوما فأرکع فیدخل الناس وأنا راکع فکم أنتظر؟ قال : « ما أعجب ما تسأل عنه؟! انتظر مثلی رکوعک ، فإن انقطعوا فارفع رأسک » (3).

احتج الشیخ فی کتابی الحدیث علی القول الثانی بما رواه فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قال لی : « إن لم تدرک القوم قبل أن یکبر الإمام للرکعة فلا تدخل معهم فی تلک الرکعة » (4).

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا تعتد بالرکعة التی لم تشهد تکبیرها مع الإمام » (5).

وروی أیضا فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا أدرکت التکبیرة قبل أن یرکع الإمام فقد أدرکت الصلاة » (6).

ص: 19


1- الکافی 3 : 385 - 5 ، الفقیه 1 : 254 - 1148 ، الاستبصار 1 : 436 - 1682 ، التهذیب 3 : 44 - 155 ، الوسائل 5 : 443 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.
2- الفقیه 1 : 265 - 1214 ، الوسائل 5 : 449 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.
3- التهذیب 2 : 48 - 167 ، الوسائل 5 : 450 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 1.
4- التهذیب 3 : 43 - 149 ، 150 ، الإستبصار 1 : 434 - 1676 ، 1677 ، الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2 ، 3.
5- التهذیب 3 : 43 - 149 ، 150 ، الإستبصار 1 : 434 - 1676 ، 1677 ، الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2 ، 3.
6- التهذیب 3 : 43 - 151 ، الإستبصار 1 : 435 - 1678 ، الوسائل 5 : 440 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.

ولو کبّر ورکع ثم شک هل کان الإمام راکعا أو رافعا لم یکن له جمعة وصلی الظهر.

______________________________________________________

والجواب أولا : إن هذه الروایات أصلها واحد وهو محمد بن مسلم ، وما أوردناه سابقا مؤدی من عدة طرق فکان أرجح.

وثانیا : بحمل النهی فی الروایة الأولی علی الکراهة ، وحمل نفی الاعتداد علی الاعتداد بها فی الفضیلة ، لا فی الإجزاء ، جمعا بین الأدلة.

نعم یمکن الاستدلال علی هذا القول بقوله علیه السلام فی روایة الحلبی المتقدمة : « إذا أدرکت الإمام قبل أن یرکع الرکعة الأخیرة فقد أدرکت الصلاة ، فإن أنت أدرکته بعد ما رکع فهی الظهر أربع » (1) ویمکن العمل بمضمونها واختصاص الجمعة بهذا الحکم وإن کانت الرکعة تدرک فی غیرها بإدراک الإمام فی الرکوع (2) ، أو تأویلها بما یوافق المشهور بأن یحمل قوله : « وقد رکع » علی أنه قد رفع رأسه من الرکوع ، ولعل هذا أولی.

إذا عرفت ذلک فاعلم أن المعتبر علی هذا القول اجتماعهما فی حد الراکع ، وهل یقدح فیه شروع الإمام فی الرفع مع عدم تجاوز حده؟ فیه وجهان ، أظهرهما أنه کذلک ، لأنه المستفاد من الأخبار المتقدمة (3). واعتبر العلامة فی التذکرة ذکر المأموم قبل رفع الإمام (4). ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( ولو کبر ورکع ثم شک هل کان الإمام راکعا أو رافعا لم یکن له جمعة وصلی الظهر ).

وذلک لعدم تحقق الشرط ، وهو إدراک الإمام فی أثناء الرکوع ، وتعارض أصلی عدم الإدراک وعدم الرفع فیتساقطان (5) ، ویبقی المکلف فی عهدة الواجب

ص: 20


1- فی ص 17.
2- ما احتمله فی المدارک من الفرق بین الجمعة وغیرها من متفرداته. الجواهر 11 : 149.
3- فی ص 17.
4- التذکرة : 182.
5- فی « م » : فیتساویان.

ثم الجمعة لا تجب إلا بشروط :

الأول : السلطان العادل أو من ینصبه.

______________________________________________________

إلی أن یتحقق الامتثال.

قوله : ( ثم الجمعة لا تجب إلا بشروط ، الأول : السلطان العادل أو من ینصبه ).

هذا الشرط مشهور فی کلام الأصحاب خصوصا المتأخرین (1) ، وأسنده فی المعتبر إلی علمائنا مؤذنا بدعوی الإجماع علیه. واحتج علیه بفعل النبی صلی الله علیه و آله ، فإنه کان یعیّن لإمامة الجمعة - وکذا الخلفاء بعده - کما یعیّن للقضاء ، فکما لا یصح أن ینصب الإنسان نفسه قاضیا من دون إذن الإمام ، فکذا إمام الجمعة ، قال : ولیس هذا قیاسا بل استدلالا بالعمل المستمر فی الأعصار ، فمخالفته خرق للإجماع ، ثم قال : ویؤید ذلک ما روی عن أهل البیت علیهم السلام بعدة طرق ، منها : روایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « تجب الجمعة علی سبعة نفر من المسلمین ولا تجب علی أقل منهم : الإمام ، وقاضیه ، والمدعی حقا ، والمدعی علیه ، والشاهدان ، والذی یضرب الحدود بین یدی الإمام » (2) (3).

ویتوجه علی الأول منع دلالة فعل النبی صلی الله علیه و آله علی الشرطیة ، فإنه أعم منها ، والعام لا یدل علی الخاص ، مع أن الظاهر أن التعیین إنما هو لحسم مادة النزاع فی هذه المرتبة ، ورد الناس إلیه من غیر تردد ، کما أنهم کانوا یعیّنون لإمامة الجماعة والأذان مع عدم توقفهما علی إذن الإمام إجماعا.

وعلی الروایة أولا : بالطعن فیها من حیث السند ، فإن من جملة رجالها

اشتراط السلطان العادل

ص: 21


1- منهم العلامة فی القواعد 1 : 36 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 130 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 285.
2- الفقیه 1 : 267 - 1222 ، التهذیب 3 : 20 - 75 ، الإستبصار 1 : 418 - 1608 ، الوسائل 5 : 9 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 9.
3- المعتبر 2 : 279.

______________________________________________________

الحکم بن مسکین ، وهو مجهول ، فلا یسوغ العمل بروایته.

وثانیا : إطباق المسلمین کافة علی ترک العمل بظاهرها کما اعترف به المصنف فی المعتبر ، حیث قال : إن هذه الروایة خصّت السبعة بمن لیس حضورهم شرطا فسقط اعتبارها (1).

وثالثا : أنها معارضة بما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن أناس فی قریة ، هل یصلون الجمعة جماعة؟ قال : « نعم یصلون أربعا إذا لم یکن لهم من یخطب » (2) وهی کالنص فی الدلالة علی عدم اعتبار الإمام أو نائبه ، إذ إرادة ذلک ممن یخطب غیر جائز ، لأنه یعد من قبیل الألغاز المنافی للحکمة (3).

ورابعا : أن الظاهر أن ذکر هذه السبعة کنایة عن اجتماع هذا العدد وإن لم یکونوا عین المذکورین ، فیسقط الاحتجاج بها رأسا.

واستدل العلامة فی المنتهی (4) علی هذا الشرط بحسنة زرارة ، قال : کان أبو جعفر علیه السلام یقول : « لا تکون الخطبة والجمعة وصلاة رکعتین علی أقل من خمسة رهط ، الإمام وأربعة » (5).

وحسنة محمد بن مسلم ، قال : سألته عن الجمعة فقال : « أذان وإقامة ، یخرج الإمام بعد الأذان فیصعد المنبر » (6) الحدیث.

ص: 22


1- المعتبر 2 : 282.
2- التهذیب 3 : 238 - 633 ، الإستبصار 1 : 419 - 1613 ، الوسائل 5 : 10 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 3 ح 1.
3- فی « م » : للحکم.
4- المنتهی 1 : 317.
5- الکافی 3 : 419 - 4 ، التهذیب 3 : 240 - 640 ، الإستبصار 1 : 419 - 1612 ، الوسائل 5 : 7 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 2.
6- الکافی 3 : 424 - 7 ، التهذیب 3 : 241 - 648 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 7.

______________________________________________________

وروایة سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة یوم الجمعة فقال : « أما مع الإمام فرکعتان ، وأما من صلی وحده فهی أربع رکعات » (1).

ولا یخفی ضعف هذا الاستدلال لقصور هذه الروایات عن إفادة المطلوب ، إذ من المعلوم أن المراد من الإمام فیها إمام الجماعة (2) قطعا ، مع أنه لا إشعار فیها بالنائب بوجه من الوجوه ، واعتبار حضوره علیه السلام مما لم یقل به أحد.

وهنا أمران ینبغی التنبیه لهما :

الأول : الظاهر أن هذه المسألة لیست إجماعیة ، فإن کلام أکثر المتقدمین خال من ذکر هذا الشرط.

قال المفید - رحمه الله - فی کتاب الإشراف : باب عدد ما یجب به الاجتماع فی صلاة الجمعة ، عدد ذلک ثمانی عشرة خصلة : الحریة ، والبلوغ ، والتذکیر ، وسلامة العقل ، وصحة الجسم ، والسلامة من العمی ، وحضور المصر ، والشهادة للنداء ، وتخلیة السرب ، ووجود أربعة نفر بما تقدم ذکره من هذه الصفات (3) ، ووجود خامس یؤمهم له صفات یختص بها علی الإیجاب : ظاهر الإیمان ، والطهارة فی المولد من السفاح ، والسلامة من ثلاثة أدواء : البرص ، والجذام والمعرة بالحدود المشینة لمن أقیمت علیه فی الإسلام ، والمعرفة بفقه الصلاة ، والإفصاح بالخطبة والقرآن ، وإقامة فرض الصلاة فی وقتها من غیر تقدیم ولا تأخیر عنه بحال ، والخطبة بما یصدق فیه من الکلام ، فإذا اجتمعت هذه الثمانی عشرة خصلة وجب الاجتماع فی الظهر یوم الجمعة علی ما ذکرنا ،

ص: 23


1- الکافی 3 : 421 - 4 ، التهذیب 3 : 19 - 70 ، الوسائل 5 : 13 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 5 ح 3.
2- فی « س » : الجمعة.
3- فی المصدر : بما یأتی ذکره من هذه الصفات.

______________________________________________________

وکان فرضها علی النصف من فرض الظهر للحاضر فی سائر الأیام (1). انتهی کلامه رحمه الله ، وظاهره عدم الفرق فی ذلک بین الأزمان وأن الوجوب مع اجتماع هذه الخصال عینی علی کافة الأنام.

وقال أبو الصلاح التقی بن نجم الحلبی - رحمه الله - : ولا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملة ، أو منصوب من قبله ، أو من یتکامل له صفة إمام الجماعة عند تعذر الأمرین (2). وهی صریحة فی الاکتفاء - عند تعذر الأمرین - بصلاة العدد المعیّن مع إمام یجوز الاقتداء به ، وهذا الشرط معتبر عنده فی مطلق الجماعة ، فإنه قال فی بابها : وأولی الناس بها إمام الملة ، أو من ینصبه ، فإن تعذر الأمران لم تنعقد إلا بإمام عدل. (3) فیکون حکم الجماعة عنده فی الصلاتین علی حد سواء ، وظاهره أن الوجوب عینی ، فإنه قال بعد ذلک : وإذا تکاملت هذه الشروط انعقدت جمعة وانتقل فرض الظهر من أربع رکعات إلی رکعتین بعد الخطبة ، وتعین فرض الحضور علی کل رجل. (4).

وقال القاضی أبو الفتح الکراجکی - رحمه الله - فی کتابه المسمّی بتهذیب المسترشدین ما هذا لفظه : وإذا حضرت العدة التی یصح أن تنعقد بحضورها الجماعة یوم الجمعة وکان إمامهم مرضیا متمکنا من إقامة الصلاة فی وقتها وإیراد الخطبة علی وجهها ، وکانوا حاضرین آمنین ذکورا بالغین کاملی العقول أصحاء وجبت علیهم فریضة الجمعة ، وکان علی الإمام أن یخطب بهم خطبتین ویصلی بهم بعدها رکعتین (5). انتهی. وهو کالسابق فی الدلالة علی الوجوب العینی وعدم التوقف علی الإمام أو نائبه.

فعلم من ذلک أن هذه المسألة لیست إجماعیة ، وأن دعوی الإجماع فیها

ص: 24


1- الإشراف ( رسائل المفید ) : 9 ، 10.
2- الکافی فی الفقه : 151.
3- الکافی فی الفقه : 143.
4- الکافی فی الفقه : 151.
5- نقله عنه الشهید الثانی فی رسائله : 80.

______________________________________________________

غیر جیدة کما اتفق لهم فی کثیر من المسائل.

الثانی : إنّ من ادعی الإجماع علی اشتراط الإمام أو نائبه فإنما أراد اعتبار ذلک فی الوجوب العینی ، أو مع حضور الإمام علیه السلام لا مطلقا.

وممن صرح بذلک الشیخ - رحمه الله - فی الخلاف ، فإنه قال - بعد أن اشتراط فی الجمعة إذن الإمام أو نائبه ونقل فیه الإجماع - : فإن قیل : ألیس قد رویتم فیما مضی من کتبکم أنه یجوز لأهل القرایا والسواد من المؤمنین إذا اجتمع العدد الذی تنعقد بهم أن یصلوا جمعة؟ قلنا : ذلک مأذون فیه مرغّب فیه ، فجری ذلک مجری أن ینصب الإمام من یصلی بهم (1).

وقال المصنف - رحمه الله - فی المعتبر : السلطان العادل أو نائبه شرط فی وجوب الجمعة عند علمائنا (2). ثم قال : لا یقال لو لزم ما ذکرتم لما انعقدت ندبا مع عدمه ، لانسحاب العلة فی الموضعین ، وقد أجزتم ذلک إذا أمکنت الخطبة ، لأنا نجیب : بأن الندب لا تتوفر الدواعی علی اعتماده فلا یحصل الاجتماع المستلزم للفتن إلا نادرا (3). وقال فی موضع آخر : لو کان السلطان جائرا فنصب عدلا استحب الاجتماع وانعقدت جمعة (4). هذا کلامه رحمه الله ، وهو صریح فیما ذکرناه.

وقال الشهید - رحمه الله - فی الذکری - بعد أن ادعی الإجماع علی اشتراط ذلک - : هذا مع حضور الإمام علیه السلام ، وأما مع غیبته کهذا الزمان ففی انعقادها قولان ، أصحهما وبه قال معظم الأصحاب الجواز إذا أمکن الاجتماع والخطبتان ، ثم قال : ویعلل بأمرین ، أحدهما : إن الإذن حاصل من الأئمة

ص: 25


1- الخلاف 1 : 249.
2- المعتبر 2 : 279.
3- المعتبر 2 : 280. وقال قبلها مستدلا لاعتبار السلطان العادل : وموضع النظر أن الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن غالبا والحکمة موجبة حسم مادة الهرج وقطع نائرة الاختلاف ولن یستمر إلا مع السلطان.
4- المعتبر 2 : 307.

فلو مات الإمام فی أثناء الصلاة لم تبطل الجمعة وجاز أن تقدّم الجماعة من یتم بهم الصلاة. وکذا لو عرض للمنصوب ما یبطل الصلاة من إغماء أو حدث.

______________________________________________________

الماضین فهو کالإذن من إمام الوقت. والثانی : إن الإذن إنما یعتبر مع إمکانه ، أما مع عدمه فیسقط اعتباره ویبقی عموم القرآن خالیا عن المعارض. قال : والتعلیلان حسنان ، والاعتماد علی الثانی (1).

ومن هنا یعلم أن ما اعتمده المحقق الشیخ علی - رحمه الله (2) - من الإجماع علی اشتراط الإمام أو نائبه ، حتی منع من فعلها فی زمن الغیبة بدون الفقیه الذی هو نائب علی العموم غیر جید. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( فلو مات فی أثناء الصلاة لم تبطل. وجاز أن تقدّم الجماعة من یتم بهم الصلاة وکذا ، لو عرض للمنصوب ما یبطل الصلاة من إغماء أو حدث ).

أما عدم بطلان الصلاة بموت الإمام فی أثناء الصلاة أو عروض ما یبطلها من إغماء أو حدث فظاهر لأن إبطال الصلاة حکم شرعی فیتوقف علی الدلالة ولا دلالة ، وهو إجماع.

وأما جواز تقدیم الجماعة من یتم بهم الصلاة والحال هذه فلثبوت ذلک فی مطلق الجماعة علی ما سیجی ء بیانه (3).

وجزم العلامة فی المنتهی بوجوب الاستخلاف هنا وبطلان الصلاة مع عدمه ، محافظة علی اعتبار الجماعة فیها استدامة کما تعتبر ابتداء (4). ولا ریب أنّ الاستخلاف أحوط وإن کان الأصح عدم تعیّنه ، لأن الجماعة إنما تعتبر ابتداء لا استدامة کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

حکم ما لو مات الامام أثناء الصلاة

ص: 26


1- الذکری : 231.
2- جامع المقاصد 1 : 131.
3- فی ص 363.
4- المنتهی 1 : 335.

الثانی : العدد ، وهو خمسة ، الإمام أحدهم ، وقیل : سبعة ، والأول أشبه.

______________________________________________________

واستشکل العلامة فی التذکرة جواز الاستخلاف هنا نظرا إلی أن الجمعة مشروطة بالإمام أو نائبه ، واحتمال کون الاشتراط مختصا بابتداء الجماعة فلا یثبت بعد انعقادها کالجماعة (1). ولا یخفی قوة الوجه. الثانی من طرفی الإشکال.

ولو لم یتفق من هو بالصفات المعتبرة فی الإمام وجب الإتمام فرادی جمعة لا ظهرا.

وهل یشترط مع الاستخلاف استئناف نیة القدوة؟ الأظهر ذلک ، لانقطاع القدوة بخروج الإمام من الصلاة ، وقیل : لا ، لتنزیل الخلیفة منزلة الأول (2). وضعفه ظاهر ، لتعلق النیة بالأول خاصة لما سیجی ء من وجوب تعیین الإمام.

قوله : ( الثانی ، العدد : وهو خمسة ، الإمام أحدهم ، وقیل : سبعة ، والأول أشبه ).

لا خلاف بین علماء الإسلام فی اشتراط العدد فی صحة الجمعة ، وإنما الخلاف فی أقله ، وللأصحاب فیه قولان :

أحدهما - وهو اختیار المفید رحمه الله (3) ، والسید المرتضی (4) ، وابن الجنید (5) ، وابن إدریس (6) ، وأکثر الأصحاب - : إنه خمسة نفر أحدهم الإمام ، اقتصارا فی تقیید الآیة الشریفة علی موضع الوفاق ، وتمسکا بمقتضی الأخبار الصحیحة الدالة علی ذلک ، کصحیحة منصور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یجمع القوم یوم الجمعة إذا کانوا خمسة فما زاد ، وإن

العدد الذی یشترط فی الجمعة

ص: 27


1- التذکرة 1 : 146.
2- کما فی التذکرة 1 : 146.
3- المقنعة : 27.
4- جمل العلم والعمل : 71 ، رسائل السید المرتضی 1 : 222.
5- نقله عنه فی المختلف : 103.
6- السرائر : 63.

______________________________________________________

کانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم » (1).

وصحیحة زرارة ، قال : کان أبو جعفر علیه السلام یقول : « لا تکون الخطبة والجمعة وصلاة رکعتین علی أقل من خمسة رهط ، الإمام وأربعة » (2).

وصحیحة أبی العباس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أدنی ما یجزی فی الجمعة سبعة أو خمسة أدناه » (3).

وثانیهما : أنه سبعة فی الوجوب العینی ، وخمسة فی الوجوب التخییری. ذهب إلیه الشیخ - رحمه الله - فی جملة من کتبه (4) ، وابن البراج (5) ، وابن زهرة (6) ، جمعا بین الأخبار المتضمنة لاعتبار الخمسة ، وبین ما دل علی اعتبار السبعة ، کصحیحة عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کانوا سبعة یوم الجمعة فلیصلوا فی جماعة » (7).

وروایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « تجب الجمعة علی سبعة نفر من المسلمین ، ولا تجب علی أقل منهم : الإمام ، وقاضیه ، والمدعی حقا ، والمدعی علیه ، والشاهدان ، والذی یضرب الحدود بین یدی الإمام » (8).

ص: 28


1- التهذیب 3 : 239 - 636 ، الإستبصار 1 : 419 - 1610 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 7.
2- الکافی 3 : 419 - 4 ، التهذیب 3 : 240 - 640 ، الإستبصار 1 : 419 - 1612 ، الوسائل 5 : 7 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 2.
3- الکافی 3 : 419 - 5 ، التهذیب 3 : 21 - 76 ، الإستبصار 1 : 419 - 1609 ، الوسائل 5 : 7 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 1.
4- النهایة : 103 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 190 ، الخلاف 1 : 235.
5- المهذب 1 : 100.
6- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560.
7- التهذیب 3 : 245 - 664 ، الإستبصار 1 : 418 - 1607 ، الوسائل 5 : 9 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 10.
8- الفقیه 1 : 267 - 1222 ، التهذیب 3 : 20 - 75 ، الإستبصار 1 : 418 - 1608 ، الوسائل 5 : 9 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 9.

ولو انفضّوا فی أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبّس بالصلاة سقط الوجوب.

وإن دخلوا فی الصلاة ولو بالتکبیر وجب الإتمام ولو لم یبق إلا واحد.

______________________________________________________

وصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : علی من تجب الجمعة؟ قال : « علی سبعة نفر من المسلمین ، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمین أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم یخافوا أمّهم بعضهم وخطبهم » (1).

وبهذا الجمع یرتفع التنافی عن ظاهر هذه الروایة ، فإن المنفی فی قوله : « ولا جمعة لأقل من خمسة » مطلق الوجوب المتناول للعینی والتخییری ، والثابت مع السبعة الوجوب العینی ، وهی کالصریحة فی عدم اعتبار حضور الإمام أو نائبه.

قوله : ( ولو انفضوا فی أثناء الخطبة أو بعدها قبل التلبس بالصلاة سقط الوجوب ).

لا یخفی أن الوجوب إنما یسقط سقوطا مراعی بعدم عودهم أو حصول من تنعقد به الجمعة ، فلو عادوا بعد انفضاضهم بنی الإمام علی الخطبة إذا لم یطل الفصل قطعا ، ومعه فی أحد الوجهین ، لحصول مسمّی الخطبة ، وأصالة عدم اشتراط الموالاة. ولو أتی غیرهم ممن لم یسمع الخطبة أعادها من رأس.

قوله : ( وإن دخلوا فی الصلاة ولو بالتکبیر وجب الإتمام ولو لم یبق إلا واحد ).

المراد بقاء واحد من العدد سواء کان الإمام أم غیره من المأمومین. وهذا الحکم أعنی وجوب الإتمام مع تلبس العدد المعتبر بالصلاة ولو بالتکبیر مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، للنهی عن قطع العمل. ولأن اشتراط استدامة العدد منفی بالأصل. ولا یلزم من اشتراطه ابتداء اشتراطه استدامة کالجماعة ، وکما فی عدم الماء فی حق المتیمم. وربما حملت العبارة علی أن المراد بقاء واحد

ص: 29


1- الفقیه 1 : 267 - 1218 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 4.

الثالث : الخطبتان ،

______________________________________________________

مع الإمام ، لتحقق شرط الجماعة ، وهو قول لبعض العامة (1) ، واعتبر بعضهم بقاء اثنین ، لأن الثلاثة أقل الجمع (2) ، واشترط آخرون (3) انفضاضهم بعد صلاة رکعة تامة ، لقوله علیه السلام : « من أدرک رکعة من الجماعة فلیضف إلیها أخری » (4) ونفی عن هذا القول البأس فی التذکرة (5). وهو ضعیف ، إذ لا دلالة فی الخبر علی أن من لم یدرک رکعة قبل انفضاض العدد یقطع الصلاة.

واعلم أن ظاهر عبارة المصنف هنا تقتضی أن الإتمام إنما یثبت مع تلبس العدد المعتبر بالصلاة ، وظاهر المعتبر عدم اعتبار ذلک ، فإنه قال : لو أحرم فانفض العدد المعتبر أتم جمعة لا ظهرا ، ثم استدل بأن الصلاة انعقدت فوجب الإتمام لتحقق شرائط الوجوب ، ومنع اشتراط استدامة العدد (6). ومقتضی ذلک وجوب الإتمام متی کان الدخول مشروعا ، وهو متجه.

قوله : ( الثالث : الخطبتان ).

أجمع الأصحاب علی أن الخطبتین شرط فی انعقاد الجمعة ، وعلیه العامة (7) إلاّ من شذ (8) ، لأن النبی صلی الله علیه و آله خطب خطبتین امتثالا للأمر المطلق فیکون بیانا له ، وقد ثبت فی الأصول أن بیان الواجب واجب ، ولما روی عن الصادق علیه السلام بعدة طرق أنه قال : « وإنما جعلت رکعتین لمکان الخطبتین » (9).

الخطبتان

ص: 30


1- منهم الفیروزآبادی فی المهذب 1 : 11.
2- منهم الفیروزآبادی فی المهذب 1 : 11.
3- کالمزنی فی المختصر : 26.
4- سنن ابن ماجة 1 : 356 - 1121 ، الجامع الصغیر 2 : 560 - 8366.
5- التذکرة 1 : 147.
6- المعتبر 2 : 282.
7- منهم الشافعی فی الأم 1 : 199 ، والفیروزآبادی فی المهذب 1 : 111 ، وابن قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 151 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 87.
8- منهم ابن حزم فی المحلی 5 : 59 ، وابن قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 150 ، والنووی فی المجموع 4 : 514.
9- التهذیب 3 : 238 - 634 ، الإستبصار 1 : 420 - 1614 ، الوسائل 5 : 8 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 6.

ویجب فی کل واحدة منهما الحمد لله ، والصلاة علی النبی وآله علیهم السلام ، والوعظ ، وقراءة سورة خفیفة ، وقیل : یجزی ولو آیة واحدة مما یتم بها فائدتها.

وفی روایة سماعة : یحمد الله ویثنی علیه ، ثم یوصی بتقوی الله ، ویقرأ سورة خفیفة من القرآن ، ثم یجلس ، ثم یقوم فیحمد الله ویثنی علیه ویصلی علی النبی وآله وعلی أئمة المسلمین ویستغفر للمؤمنین والمؤمنات.

______________________________________________________

قوله : ( ویجب فی کل واحدة منهما الحمد لله ، والصلاة علی النبی وآله علیهم السلام ، والوعظ ، وقراءة سورة خفیفة ، وقیل : یجزی ولو آیة واحدة مما یتم بها فائدتها ، وفی روایة سماعة : یحمد الله ویثنی علیه ، إلی آخره ).

اختلف الأصحاب فیما یجب اشتمال کل من الخطبتین علیه ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط : أقل ما تکون الخطبة أربعة أصناف : حمد الله تعالی ، والصلاة علی النبی وآله ، والوعظ ، وقراءة سورة خفیفة من القرآن (1). ونحوه قال ابن حمزة (2) ، وابن إدریس (3).

وقال فی الخلاف : أقل ما تکون الخطبة أربعة أصناف : أن یحمد الله ویثنی علیه ، ویصلی علی النبی صلی الله علیه و آله ، ویقرأ شیئا من القرآن ، ویعظ الناس (4).

وقال فی الاقتصاد : أقل ما یخطب به أربعة أشیاء : الحمد لله ، والصلاة علی النبی وآله ، والوعظ ، وقراءة سورة خفیفة من القرآن بین الخطبتین (5).

ص: 31


1- المبسوط 1 : 147.
2- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.
3- السرائر : 63.
4- الخلاف 1 : 244.
5- الاقتصاد : 267.

______________________________________________________

وقال المرتضی فی المصباح : یحمد الله ، ویمجده ویثنی علیه ، ویشهد لمحمد صلی الله علیه و آله بالرسالة ویوشح الخطبة بالقرآن ، ثم یفتتح الثانیة بالحمد والاستغفار والصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله ، والدعاء لأئمة المسلمین (1).

وربما ظهر من کلام أبی الصلاح عدم وجوب القراءة فی شی ء من الخطبتین (2).

أما وجوب الحمد والصلاة علی النبی وآله والوعظ فظاهر المصنف فی المعتبر (3) ، والعلامة فی جملة من کتبه (4) أنه موضع وفاق بین علمائنا وأکثر العامة (5) ، وذلک لعدم تحقق الخطبة بدونه عرفا. واستدل علیه فی المنتهی بأمور واهیة لیس فی التعرض لها کثیر فائدة.

وقد وقع الخلاف فی هذه المسألة فی مواضع :

الأول : إن القراءة فیهما هل هی واجبة أم لا؟ وعلی القول بالوجوب کما هو المشهور فهل الواجب سورة خفیفة فیهما ، أو فی الأولی خاصة ، أو بین الخطبتین کما قاله فی الاقتصاد (6)؟ ولعل مراده أن یکون بعد إتمام الأولی وقبل الجلوس فیطابق المشهور ، أو آیة تامة الفائدة فی الخطبتین کما هو ظاهر الخلاف (7)؟ أو فی الأولی خاصة کما هو ظاهر المصباح (8)؟

ص: 32


1- نقله عنه فی المعتبر 2 : 284.
2- الکافی فی الفقه : 151.
3- لیس فی المعتبر وکتب العلامة تصریح ولا ظهور فی الإجماع ، وقال فی مفتاح الکرامة 3 : 113 : واستظهره صاحب المدارک من الفاضلین. ولعل موارد الاستظهار : المعتبر 2 : 3. والمنتهی 1 : 326 ، والتذکرة 1 : 150.
4- لیس فی المعتبر وکتب العلامة تصریح ولا ظهور فی الإجماع ، وقال فی مفتاح الکرامة 3 : 113 : واستظهره صاحب المدارک من الفاضلین. ولعل موارد الاستظهار : المعتبر 2 : 4. والمنتهی 1 : 326 ، والتذکرة 1 : 150.
5- منهم الشافعی فی الأم 1 : 200 ، والکاسانی فی بدائع الصنائع 1 : 263 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 87.
6- الاقتصاد : 267.
7- الخلاف 1 : 244.
8- نقله عنه فی التذکرة 1 : 149.

______________________________________________________

الثانی : وجوب الشهادة لمحمد صلی الله علیه و آله بالرسالة فی الأولی کما هو ظاهر المصباح (1) ، ولم أقف علی مصرح بوجوب الشهادة بالتوحید هنا.

الثالث : وجوب الاستغفار للمؤمنین فی الثانیة والدعاء لأئمة المسلمین کما هو ظاهر المرتضی أیضا (2).

والمرجع فی ذلک کله إلی النقل الوارد عن النبی والأئمة علیهم السلام ، والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار ما رواه الشیخ فی التهذیب ، عن الحسین بن سعید ، عن أخیه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « ینبغی للإمام الذی یخطب بالناس یوم الجمعة أن یلبس عمامة فی الشتاء والصیف ، ویتردی ببرد یمنیة أو عدنی ، ویخطب وهو قائم ، یحمد الله ویثنی علیه ، ثم یوصی بتقوی الله ، ثم یقرأ سورة من القرآن قصیرة ، ثم یجلس ، ثم یقوم فیحمد الله ویثنی علیه ، ویصلی علی النبی صلی الله علیه و آله وعلی أئمة المسلمین ، ویستغفر للمؤمنین والمؤمنات ، فإذا فرغ من هذا قام المؤذن فأقام فصلی بالناس رکعتین ، یقرأ فی الأولی بسورة الجمعة ، وفی الثانیة بسورة المنافقین » (3) وعلی هذه الروایة اعتمد فی المعتبر (4) ، ولا ریب أن العمل بمضمونها یحصل معه الامتثال ، إنما الکلام فی وجوب ما تضمنته مما یزید علی مسمّی الخطبتین ، فإنها قاصرة عن إفادة ذلک متنا وسندا.

وروی الکلینی - رضی الله عنه - فی الکافی ، عن محمد بن مسلم فی الصحیح : إن أبا جعفر علیه السلام خطب خطبتین فی الجمعة ، تضمنت الأولی منهما حمد الله والشهادتین والصلاة علی النبی وآله والوعظ قال : « ثم اقرأ سورة من القرآن ، وادع ربک ، وصل علی النبی صلی الله علیه و آله ، وادع للمؤمنین والمؤمنات ، ثم تجلس ».

ص: 33


1- نقله عنه فی التذکرة 1 : 149 ، والذکری : 236.
2- نقله عنه فی المعتبر 2 : 284.
3- التهذیب 3 : 243 - 655 ، الوسائل 5 : 37 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 24 ح 1.
4- المعتبر 2 : 284.

______________________________________________________

وتضمنت الثانیة الحمد والشهادتین والوعظ والصلاة علی محمد وآله ، قال : « ثم تقول : اللهم صل علی أمیر المؤمنین ووصیّ رسول رب العالمین ، ثم تسمی الأئمة حتی تنتهی إلی صاحبک ، ثم تقول : اللهم افتح له فتحا یسیرا ، وانصره نصرا عزیزا - قال - : ویکون آخر کلامه أن یقول ( إِنَّ اللهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِیتاءِ ذِی الْقُرْبی وَیَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْکَرِ وَالْبَغْیِ یَعِظُکُمْ لَعَلَّکُمْ تَذَکَّرُونَ ) (1) ثم یقول : اللهم اجعلنا ممن یذّکر فتنفعه الذکری ثم ینزل » (2).

والظاهر أن هذه الروایة متضمنة لکثیر من المستحبات ، إلا أن العمل بمضمونها أولی ، لاعتبار سندها.

ومن هنا یظهر أن القول بوجوب قراءة السورة فی الأولی محتمل ، لدلالة ظاهر الروایتین علیه.

أما وجوب السورة فی الثانیة فلا وجه له ، لانتفاء ما یدل علیه رأسا ، بل مقتضی روایة سماعة عدم توظیف القراءة فی الثانیة مطلقا ، ومقتضی روایة ابن مسلم أن یکون آخر کلامه ( إِنَّ اللهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِیتاءِ ذِی الْقُرْبی ) الآیة.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : ذکر جمع من الأصحاب أنه یجب فی الخطبتین التحمید بصیغة : الحمد لله ، وفی تعیّنه نظر ، لصدق مسمّی الخطبة مع الإتیان بالتحمید کیف اتفق.

الثانی : الأقرب أنه لا ینحصر الوعظ فی لفظ ، بل یجزی کل ما اشتمل علی الوصیة بتقوی الله ، والحث علی الطاعات والتحذیر علی المعاصی والاغترار بالدنیا وما شاکل ذلک.

ص: 34


1- النحل : 90.
2- الکافی 3 : 422 - 6 ، الوسائل 5 : 38 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 25 ح 1.

ویجوز إیقاعهما قبل زوال الشمس حتی إذا فرغ زالت ، وقیل : لا یصحّ إلا بعد الزوال ، والأول أظهر.

______________________________________________________

وفی الاجتزاء بالآیة المشتملة علی الوعظ عنهما وجهان ، أقربهما ذلک. وکذا الکلام فی الآیة المشتملة علی التحمید ونحوه من أجزاء الخطبة.

الثالث : ذکر جمع من الأصحاب أنه یجب الترتیب بین أجزاء الخطبة بتقدیم الحمد ، ثم الصلاة ، ثم الوعظ ، ثم القراءة ، فلو خالف أعاد علی ما یحصل معه الترتیب. وهو أحوط ، وإن کان فی تعیّنه نظر.

الرابع : منع أکثر الأصحاب من إجزاء الخطبة بغیر العربیة ، للتأسی ، وهو حسن. ولو لم یفهم العدد العربیة ، ولا أمکن التعلم قیل : تجب العجمیة ، لأن مقصود الخطبة لا یتم بدون فهم معانیها (1). ویحتمل سقوط الجمعة ، لعدم ثبوت مشروعیتها علی هذا الوجه.

قوله : ( ویجوز إیقاعهما قبل زوال الشمس حتی إذا فرغ زالت ، وقیل : لا یصح إلا بعد الزوال ، والأول أظهر ).

اختلف الأصحاب فی وقت الخطبة. فقال السید المرتضی فی المصباح : إنه بعد الزوال فلا یجوز تقدیمها علیه (2). وبه قال ابن أبی عقیل (3) ، وأبو الصلاح (4) ، ونسبه فی الذکری إلی معظم الأصحاب (5).

وقال الشیخ فی الخلاف : یجوز أن یخطب عند وقوف الشمس ، فإذا زالت صلی الفرض (6). وقال فی النهایة والمبسوط : یجوز إیقاعهما قبل الزوال (7). والمعتمد الأول.

حکم ایقاع الخطبتین قبل الزوال

ص: 35


1- کما فی جامع المقاصد 1 : 134.
2- نقله عنه فی السرائر : 64.
3- نقله عنه فی المختلف : 105.
4- الکافی فی الفقه : 151.
5- الذکری : 236.
6- الخلاف 1 : 246.
7- النهایة : 105 ، والمبسوط 1 : 151.

______________________________________________________

لنا : قوله تعالی ( إِذا نُودِیَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللهِ ) أوجب السعی بعد النداء الذی هو الأذان ، فلا یجب قبله. وما رواه محمد بن مسلم فی الحسن ، قال : سألته عن الجمعة فقال : « أذان وإقامة ، یخرج الإمام بعد الأذان فیصعد المنبر فیخطب ، ولا یصلی الناس ما دام الإمام علی المنبر ، ثم یقعد الإمام علی المنبر قدر ما یقرأ قل هو الله أحد ، ثم یقوم فیفتتح خطبته ثم ینزل فیصلی بالناس ، یقرأ بهم فی الرکعة الأولی بالجمعة وفی الثانیة بالمنافقین » (1).

ویؤیده أن الخطبتین بدل من الرکعتین ، فکما لا یجوز إیقاع المبدل قبل الزوال فکذا البدل تحقیقا للبدلیة. وأنه یستحب صلاة رکعتین عند الزوال علی ما سیجی ء بیانه ، وإنما یکون ذلک إذا وقعت الخطبة بعد الزوال ، لأن الجمعة عقیب الخطبة ، فلو وقعت الخطبة قبل الزوال تبعتها صلاة الجمعة فینتفی استحباب صلاة الرکعتین والحال هذه.

احتج الشیخ فی الخلاف (2) بإجماع الفرقة ، وبما رواه فی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلی الجمعة حین تزول الشمس قدر شراک ، ویخطب فی الظل الأول ، فیقول جبرائیل : یا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل » (3).

وأجاب العلامة - رحمه الله - فی المختلف عن الإجماع بالمنع منه مع تحقق الخلاف ، وعن الروایة بالمنع من الدلالة علی صورة النزاع. قال : لاحتمال أن یکون المراد بالظل الأول هو الفی ء الزائد علی ظل المقیاس ، فإذا انتهی فی الزیادة إلی محاذاة الظل الأول ، وهو أن یصیر ظل کل شی ء مثله وهو الظل

ص: 36


1- الکافی 3 : 424 - 7 ، التهذیب 3 : 241 - 648 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 7.
2- الخلاف 1 : 246.
3- التهذیب 3 : 12 - 42 ، الوسائل 5 : 18 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 8 ح 4.

ویجب أن تکون مقدّمة علی الصلاة ، فلو بدأ بالصلاة لم تصحّ الجمعة.

______________________________________________________

الأول نزل فصلی بالناس ، ویصدق علیه أن الشمس قد زالت حینئذ ، لأنها قد زالت عن الظل الأول (1).

ولا یخفی ما فی هذا التأویل من البعد والمخالفة لمقتضی الظاهر ، واستلزامه وقوع الجمعة عنده بعد خروج وقتها ، لموافقته علی أن وقتها یخرج بصیرورة ظل کل شی ء مثله ، وهو معلوم البطلان.

نعم یمکن القدح فیها بأن الأولیة أمر إضافی یختلف باختلاف المضاف إلیه ، فیمکن أن یراد به أول الظل وهو الفی ء الحاصل بعد الزوال بغیر فصل کما یدل علیه قوله علیه السلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یصلی الجمعة حین تزول الشمس قدر شراک » فإن إتیانه علیه السلام بالصلاة بعد زوال الشمس عن دائرة نصف النهار قدر شراک یستدعی وقوع الخطبة أو شی ء منها بعد الزوال. ویکون معنی قول جبرائیل علیه السلام : یا محمد قد زالت الشمس فانزل وصل. أنها قد زالت قدر شراک فانزل وصل. وکیف کان فهذه الروایة مجملة المتن فلا تصلح معارضا لظاهر القرآن والأخبار المعتبرة.

قوله : ( ویجب أن تکون مقدمة علی الصلاة ، فلو بدأ بالصلاة لم تصح الجمعة ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه مخالفا (2). والمستند فیه فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام والصحابة والتابعین والأخبار المستفیضة الواردة بذلک ، کروایة أبی مریم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن خطبة رسول الله صلی الله علیه و آله أقبل الصلاة أو بعد؟ فقال : « قبل الصلاة ثم

تقدیم الخطبتین علی الصلاة

ص: 37


1- المختلف : 104.
2- المنتهی 1 : 327.

ویجب أن یکون الخطیب قائما وقت إیراده مع القدرة.

______________________________________________________

یصلی » (1).

قوله : ( ویجب أن یکون الخطیب قائما وقت إیراده مع القدرة ).

هذا مذهب الأصحاب ، ونقل علیه فی التذکرة الإجماع (2) ، والمستند فیه فعل النبی صلی الله علیه و آله فی بیان الواجب ، وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب : « إن أول من خطب وهو جالس معاویة ، واستأذن الناس فی ذلک من وجع کان فی رکبته - ثم قال - الخطبة وهو قائم خطبتان یجلس بینهما جلسة لا یتکلم فیها قدر ما یکون فصل ما بین الخطبتین » (3).

ولو منعه مانع من القیام فالظاهر جواز الجلوس مع تعذر الاستنابة کما فی الصلاة.

ولو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته وصلاة من علم به من المأمومین ، أما من لم یعلم بحاله فقد قطع الأصحاب بصحة صلاتهم وإن رأوه جالسا ، بناء علی الظاهر من أن قعوده للعجز ، وإن تجدد العلم بعد الصلاة ، کما لو بان أن الإمام محدث. وهو مشکل ، لعدم الإتیان بالمأمور به علی وجهه ، وخروج المحدث بنص خاص لا یقتضی إلحاق غیره به.

ویجب فی القیام الطمأنینة ، للتأسی ، ولأنهما بدل من الرکعتین.

وهل یجب اتحاد الخطیب والإمام؟

قیل : نعم ، وهو اختیار الراوندی فی کتابه أحکام القرآن (4) ، وقواه العلامة فی المنتهی والشهید فی الذکری (5). ولا بأس به ، لأن الوظائف الشرعیة

وجوب ان یکون الخطیب قائما

ص: 38


1- الکافی 3 : 421 - 3 ، التهذیب 3 : 20 - 72 ، الوسائل 5 : 30 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 15 ح 2.
2- التذکرة 1 : 150.
3- التهذیب 3 : 20 - 74 ، الوسائل 5 : 31 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 16 ح 1.
4- فقه القرآن 1 : 135.
5- المنتهی 1 : 324 ، والذکری : 234.

ویجب الفصل بین الخطبتین بجلسة خفیفة.

______________________________________________________

إنما تستفاد من صاحب الشرع ، والمنقول من فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام الاتحاد.

وقیل : لا یجب ، بل یجوز اختلافهما ، وهو اختیار العلامة فی النهایة (1) ، لانفصال کل من العبادتین عن الأخری ، ولأن غایة الخطبتین أن تکونا کرکعتین ، ویجوز الاقتداء بإمامین فی صلاة واحدة.

ویتوجه علی الأول : منع الانفصال شرعا ، سلمنا الانفصال لکن ذلک لا یقتضی جواز الاختلاف إذا لم یرد فیه نقل علی الخصوص ، لعدم تیقن البراءة مع الإتیان به.

وعلی الثانی : بعد تسلیم الأصل أنه قیاس محض. والاحتیاط یقتضی المصیر إلی الأول.

قوله : ( ویجب الفصل بین الخطبتین بجلسة خفیفة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، والمستند فیه التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله فإنه فعل ذلک ، وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب : « الخطبة وهو قائم خطبتان یجلس بینهما جلسة لا یتکلم فیها » (2).

واحتمل المصنف فی المعتبر الاستحباب ، لأن فعل النبی صلی الله علیه و آله کما یحتمل أن یکون تکلیفا یحتمل أنه للاستراحة (3). وهو ضعیف.

ویجب فی الجلوس الطمأنینة لما تقدم. وهل یجب السکوت؟ ظاهر الخبر ذلک ، ویحتمل أن یکون المراد النهی عن التکلم حالة الجلوس بشی ء من الخطبة.

وینبغی أن تکون الجلسة بقدر قراءة قل هو الله أحد ، لقوله علیه السلام

وجوب الفصل بین الخطبتین

ص: 39


1- نهایة الأحکام 2 : 18.
2- التهذیب 3 : 20 - 74 ، الوسائل 5 : 31 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 16 ح 1.
3- المعتبر 2 : 285.

وهل الطهارة شرط فیهما؟ فیه تردد ، والأشبه أنها غیر شرط.

______________________________________________________

فی حسنة محمد بن مسلم : « یخرج الإمام بعد الأذان فیصعد المنبر فیخطب ، ولا یصلی الناس ما دام الإمام علی المنبر ، ثم یقعد الإمام علی المنبر قدر ما یقرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ، ثم یقوم فیفتتح خطبته » (1).

ولو عجز عن القیام فی الخطبتین فخطب جالسا فصل بینهما بسکتة ، واحتمل العلامة فی التذکرة الفصل بالاضطجاع (2) ، وهو ضعیف.

قوله : ( وهل الطهارة شرط فیهما؟ فیه تردد ، والأشبه أنها غیر شرط ).

اختلف الأصحاب فی اشتراط طهارة الخطیب من الحدث وقت إیراد الخطبتین بعد اتفاقهم علی الرجحان المتناول للوجوب والندب ، فقال الشیخ فی المبسوط والخلاف بالاشتراط (3) ، ومنعه ابن إدریس (4) والمصنف (5) والعلامة (6).

احتج الشیخ - رحمه الله - بأنه أحوط ، إذ مع الطهارة تبرأ الذمة بیقین ، وبدونها لا یحصل یقین البراءة ، وبأن النبی صلی الله علیه و آله کان یتطهر قبل الخطبة فیجب اتباعه فی ذلک لأدلة التأسی (7) ، ویؤیده ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وإنما جعلت الجمعة رکعتین من أجل الخطبتین ، فهی صلاة حتی ینزل الإمام » (8) والاتحاد لا معنی

اشتراط الطهارة فی الخطبتین

ص: 40


1- الکافی 3 : 424 - 7 ، التهذیب 3 : 241 - 648 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 7.
2- التذکرة 1 : 151.
3- المبسوط 1 : 147 ، والخلاف 1 : 245.
4- السرائر : 63.
5- المعتبر 2 : 285 ، والشرائع 1 : 95 ، والمختصر النافع : 35.
6- المختلف : 103 ، والقواعد 1 : 37 ، والتبصرة : 31.
7- الخلاف 1 : 245.
8- التهذیب 3 : 12 - 42 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 4.

ویجب أن یرفع صوته بحیث یسمع العدد المعتبر فصاعدا ، وفیه تردد.

الرابع : الجماعة ، فلا تصحّ فرادی ،

______________________________________________________

له فالمراد المماثلة فی الأحکام والشرائط إلا ما وقع علیه الإجماع.

وأجیب عن الأول بمنع کون الاحتیاط دلیلا شرعیا ، بل منع استلزام هذا القول للاحتیاط ، فإن إلزام المکلف بالطهارة بغیر دلیل إثم کما إن إسقاط الواجب إثم.

وعن الثانی بأن فعل النبی صلی الله علیه و آله أعم من الواجب ، فإنه صلی الله علیه و آله کان یحافظ علی المندوبات کمحافظته علی الواجبات ، والتأسی إنما یجب فیما علم وجوبه کما تقرر فی محله (1).

وعن الروایة بوجوه أظهرها : إن إثبات المماثلة بین الشیئین لا تستلزم أن تکون من جمیع الوجوه ، کما تقرر فی مسألة نفی المساواة لا یفید العموم. والمسألة محل تردد وإن کان الاشتراط لا یخلو من رجحان تمسکا بظاهر الروایة.

قوله : ( ویجب أن یرفع صوته بحیث یسمع العدد المعتبر فصاعدا ، وفیه تردد ).

منشؤه أصالة عدم الوجوب ، وأن الغرض من الخطبة لا یحصل بدون الإسماع (2). والوجوب أظهر ، للتأسی ، وعدم تحقق الخروج من العهدة بدونه. ویؤیده ما روی أن النبی صلی الله علیه و آله کان إذا خطب یرفع صوته کأنه منذر جیش (3).

ولو حصل مانع من السمع سقط الوجوب ، مع احتمال سقوط الصلاة أیضا إذا کان المانع حاصلا للعدد المعتبر فی الوجوب ، لعدم ثبوت التعبد بالصلاة علی هذا الوجه.

قوله : ( الرابع ، الجماعة : فلا تصح فرادی ).

وجوب رفع الصوت بالخطبة

اشتراط الجماعة فی الجمعة

ص: 41


1- أجاب عنه فی المعتبر 2 : 286.
2- فی « س » : الاستماع.
3- الجامع الصغیر 2 : 329 - 6656.

______________________________________________________

أجمع العلماء کافة علی اشتراط الجماعة فی الجمعة ، فلا یصح الانفراد بها وإن حصل العدد ، بل لا بد من الارتباط الحاصل بین صلاة الإمام والمأموم. ویدل علیه التأسی ، والأخبار المستفیضة ، کقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « منها صلاة واحدة فرضها الله فی جماعة ، وهی الجمعة » (1) وفی صحیحة عمر بن یزید : « إذا کانوا سبعة یوم الجمعة فلیصلوا فی جماعة » (2) وغیر ذلک من الأخبار (3).

وتتحقق الجماعة بنیة المأمومین الاقتداء بالإمام ، فلو أخلوا بها أو أحدهم لم تصح صلاة المخل. ویعتبر فی انعقاد الجمعة نیة العدد المعتبر.

وفی وجوب نیة الإمام للإمامة هنا نظر ، من حصول الإمامة إذا اقتدی به ، ومن وجوب نیة کل واجب.

تفریع :

قال فی الذکری : لو بان أن الإمام محدث فإن کان العدد لا یتم بدونه فالأقرب أنه لا جمعة لهم لانتفاء الشرط ، وإن کان العدد حاصلا من غیره صحت صلاتهم عندنا لما سیأتی إن شاء الله تعالی فی باب الجماعة. قال : وربما افترق الحکم هنا وهناک ، لأن الجماعة شرط فی الجمعة ، ولم تحصل فی نفس الأمر ، بخلاف باقی الصلوات فإن القدوة إذا فاتت فیها یکون قد صلی منفردا ، وصلاة المنفرد هناک صحیحة بخلاف الجمعة (4).

وأقول : إنه لا یخفی ضعف هذا الفرق ، لمنع صحة الصلاة هناک علی تقدیر الانفراد ، لعدم إتیان المأموم بالقراءة التی هی من وظائف المنفرد.

ص: 42


1- الفقیه 1 : 266 - 1217 ، التهذیب 3 : 21 - 77 ، أمالی الصدوق : 319 - 17 ، الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 1.
2- التهذیب 3 : 245 - 664 ، الإستبصار 1 : 418 - 1607 ، الوسائل 5 : 9 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2 ح 10.
3- الوسائل 5 : 7 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 2
4- الذکری : 234.

وإذا حضر إمام الأصل وجب علیه الحضور والتقدّم. وإن منعه مانع جاز أن یستنیب.

الخامس : أن لا یکون هناک جمعة أخری. وبینهما دون ثلاثة أمیال ،

______________________________________________________

وبالجملة فالصلاتان مشترکتان فی الصحة ظاهرا وعدم استجماعهما الشرائط المعتبرة فی نفس الأمر ، فما ذهب إلیه أولا من الصحة غیر بعید ، بل لو قیل بالصحة مطلقا وإن لم یکن العدد حاصلا من غیره أمکن ، لصدق الامتثال وإطلاق قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة وقد سأله عن قوم صلی بهم إمامهم وهو غیر طاهر ، أتجوز صلاتهم أم یعیدونها؟ : « لا إعادة علیهم تمت صلاتهم ، وعلیه هو الإعادة ، ولیس علیه أن یعلمهم ، هذا عنه موضوع » (1).

قوله : ( وإن حضر إمام الأصل وجب علیه الحضور والتقدّم ، وإن منعه مانع جاز أن یستنیب ).

لا ریب أن الإمام علیه السلام هو المتّبع قولا وفعلا ، والبحث فی هذه المسألة وأمثالها ساقط عندنا.

قوله : ( الخامس ، أن لا تکون هناک جمعة أخری وبینهما دون ثلاثة أمیال ).

أجمع علماؤنا علی اعتبار وحدة الجمعة ، بمعنی أنه لا یجوز إقامة جمعتین بینهما أقل من فرسخ سواء کانتا فی مصر واحد أو مصرین ، وسواء فصل بینهما نهر عظیم کدجلة أم لا. ولم یعتبر غیرهم الفرسخ لکن اختلفوا ، فقال الشافعی (2) ومالک (3) : لا یجمع فی بلد واحد وإن عظم إلا فی مسجد واحد ،

أدنی ما یکون بین الجمعتین

ص: 43


1- التهذیب 3 : 39 - 139 ، الإستبصار 1 : 432 - 1670 ، الوسائل 5 : 434 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 5.
2- الأم 1 : 192.
3- نقله عنه فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 182.

فإن اتفقتا بطلتا.

______________________________________________________

وأجازه أبو حنیفة فی موضعین استحسانا (1). وأجاز بعضهم التعدد فی البلد ذی الجانبین إذا لم یکن بینهما جسر (2). وقال أحمد : إذا کبر البلد وعظم کبغداد والبصرة جاز أن یقام فیه جمعتان وأکثر مع الحاجة ، ولا یجوز مع عدمها (3).

والأصل فی هذا الشرط من طرق الأصحاب ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « یکون بین الجماعتین ثلاثة أمیال » یعنی لا یکون جمعة إلا فیما بینه وبین ثلاثة أمیال « ولیس تکون جمعة إلا بخطبة ، وإذا کان بین الجماعتین ثلاثة أمیال فلا بأس أن یجمع هؤلاء ویجمع هؤلاء » (4).

وروی محمد بن مسلم أیضا فی الموثق ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « إذا کان بین الجماعتین ثلاثة أمیال فلا بأس أن یجمع هؤلاء ویجمع هؤلاء ، ولا یکون بین الجماعتین أقل من ثلاثة أمیال » (5).

قیل : ویعتبر الفرسخ من المسجد إن صلیت فی مسجد ، وإلا فمن نهایة المصلین (6).

ویشکل الحکم فیما لو کان بعضهم بحیث لا یبلغ بعده عن موضع الأخری النصاب دون من سواهم وتم العدد بغیرهم ، فیحتمل بطلان صلاتهم خاصة لانعقاد صلاة الباقی باستجماعها شرائط الصحة ، أو بطلان الجمعتین من رأس ، لانتفاء الوحدة بینهما ، ولعل الأول أقرب.

قوله : ( فإن اتفقتا بطلتا ).

حکم ما لو أقیمت جمعتان

ص: 44


1- نقله عنه فی المبسوط للسّرخسی 2 : 120 ، والمجموع 4 : 591.
2- منهم الکاسانی فی بدائع الصنائع 1 : 260.
3- نقله عنه فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 181.
4- التهذیب 3 : 23 - 79 ، الوسائل 5 : 16 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 7 ح 1.
5- الفقیه 1 : 274 - 1257 ، التهذیب 30 : 23 - 80 ، الوسائل 5 : 17 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 7 ح 2.
6- کما فی جامع المقاصد 1 : 136.

وإن سبقت إحداهما ولو بتکبیرة الإحرام بطلت المتأخرة.

______________________________________________________

لامتناع الحکم بصحتهما ، ولا أولویة لإحداهما ، فلم یبق إلا الحکم ببطلانهما معا. ویجب علیهما الإعادة جمعة مجتمعین أو متفرقین بما یسوغ معه التعدد.

ویتحقق الاقتران باستوائهما فی التکبیر عند علمائنا وأکثر العامة (1) ، واعتبر بعضهم الشروع فی الخطبة لقیامها مقام رکعتین (2). وقال بعضهم : یعتبر بالفراغ فإن تساوتا فیه بطلتا ، وإن سبقت إحداهما بالسلام صحت دون الأخری (3).

وتقبل فی ثبوت الاقتران شهادة العدلین إذا کانا فی مکان یسمعان التکبیرتین ، ویتصور ذلک بکونهما غیر مخاطبین بالجمعة وهما فی مکان یسمعان التکبیرتین. ولا حاجة إلی اعتبار تساوی الإمامین فی الإذن من الإمام علیه السلام علی ما بیناه فیما سبق.

قوله : ( وإن سبقت إحداهما ولو بتکبیرة الإحرام بطلت المتأخرة ).

الوجه فی بطلان الصلاة المتأخرة ظاهر ، لسبق انعقاد الأولی باستجماعها شرائط الصحة کما هو المقدر.

وقال فی التذکرة : إن ذلک - أی صحة السابقة وبطلان اللاحقة - مذهب علمائنا أجمع (4).

ویجب علی اللاحقة إعادة الظهر إن لم تدرک الجمعة مع السابقة ، أو التباعد بما یسوغ معه التعدد.

واعتبر جدی - قدس سره - فی روض الجنان فی صحة السابقة عدم علم

ص: 45


1- منهم ابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 189 ، 192 ، والنووی فی المجموع 4 : 497 ، والشر بینی فی مغنی المحتاج 1 : 281.
2- الشر بینی فی مغنی المحتاج 1 : 282 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 86.
3- منهم النووی فی المجموع 4 : 497 ، والشر بینی فی مغنی المحتاج 1 : 281.
4- التذکرة 1 : 150.

ولو لم یتحقق السابقة أعادا ظهرا.

______________________________________________________

کل من الفریقین بصلاة الأخری ، وإلا لم یصح صلاة کل منهما ، للنهی عن الانفراد بالصلاة عن الأخری المقتضی للفساد (1).

ولمانع أن یمنع تعلق النهی بالسابقة مع العلم بالسبق ، أما مع احتمال السبق وعدمه فیتجه ما ذکره ، لعدم جزم کل منهما بالنیة لکون صلاته فی معرض البطلان.

وهل یفرق فی بطلان اللاحقة بین علمهم بسبق الأولی وعدمه؟ إطلاق عبارات الأصحاب یقتضی عدم الفرق لانتفاء الوحدة المعتبرة ، مع احتماله لاستحالة توجه النهی إلی الغافل ، وعدم ثبوت شرطیة الوحدة علی هذا الوجه. والمسألة محل تردد.

قوله : ( ولو لم تتحقق السابقة أعاد ظهرا ).

عدم تحقق السابقة یشمل ما لو علم حصول جمعة سابقه معینة واشتبهت بعد ذلک ، وما لو علم سابقه فی الجملة ولم تتعین. ولا ریب فی وجوب الإعادة علیهما معا فی الصورتین ، لحصول الشک فی کل واحدة ، والتردد بین الصحة والبطلان ، فیبقی المکلف تحت العهدة إلی أن یتحقق الامتثال.

وقد قطع المصنف وأکثر الأصحاب بأن الواجب علی الفریقین صلاة الظهر لا الجمعة ، للعلم بوقوع جمعة صحیحة فلا تشرع جمعة أخری عقیبها ، ولما لم تکن متعینة وجبت الظهر علیهما ، لعدم حصول البراءة بدون ذلک.

وقال الشیخ فی المبسوط : یصلون جمعة مع اتساع الوقت ، لأن الحکم بوجوب الإعادة علیهما یقتضی کون الصلاة الواقعة منهما غیر معتبرة فی نظر الشرع (2). وهذا متجه ، لأن الأمر بصلاة الجمعة بصلاة عام وسقوطها بهذه الصلاة التی لیست مبرئة للذمة غیر معلوم.

ص: 46


1- روض الجنان : 294.
2- المبسوط 1 : 149.

______________________________________________________

وعلی الأول فلو تباعد الفریقان بالنصاب بأن خرج أحدهما من المصر وأعادوا جمیعا الجمعة لم تصح ، لإمکان کون من تأخرت جمعته هم المتخلفون فی المصر فلا تشرع فیه جمعة أخری.

أما لو خرجوا منه جمیعا وتباعدوا بالنصاب مع سعة الوقت تعین علیهم فعل الجمعة قطعا.

وأعلم أن المصنف - رحمه الله - لم یتعرض للصورة الخامسة ، وهی ما لو اشتبه السبق والاقتران ، وقد اختلف الأصحاب فی حکمها ، فذهب الشیخ - رحمه الله (1) - ومن تبعه (2) إلی وجوب إعادة الجمعة مع سعة الوقت ، تمسکا بعموم الأوامر المقتضیة للوجوب ، والتفاتا إلی أصالة عدم تقدم کل من الجمعتین علی الأخری.

وذهب العلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه إلی وجوب الجمع بین الفرضین ، لأن الواقع (3) إن کان الاقتران فالفرض الجمعة ، وإن کان السبق فالظهر ، فلا یحصل یقین البراءة بدون فعلهما (4). واحتمل فی التذکرة وجوب الظهر خاصة ، لأن الظاهر صحة إحداهما لندور الاقتران جدا فکان جاریا مجری المعدوم ، وللشک فی شرط الجمعة وهو عدم سبق أخری ، وهو یقتضی الشک فی المشروط (5). وضعفه ظاهر ، فإنا لا نسلم اشتراط عدم السبق ، بل یکفی فی الصحة عدم العلم بسبق أخری.

وذکر الشارح قدس سره : أنه یمکن إدراج هذه الصورة فی عبارة المصنف رحمه الله ، فإن السالبة لا تستدعی وجود الموضوع (6). وهو حسن إلا أنا لم

ص: 47


1- المبسوط 1 : 149.
2- منهم یحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 94.
3- فی « ح » زیادة : فی نفس الأمر.
4- التذکرة 1 : 150 ، والقواعد 1 : 37.
5- التذکرة 1 : 150.
6- المسالک 1 : 34.

النظر الثانی : فیمن یجب علیه ، ویراعی فیه شروط سبعة : التکلیف. والذکورة. والحریة. والحضر.

______________________________________________________

نقف فی هذه الصورة علی قول بالاجتزاء بالظهر. ولا یخفی أن إطلاق الإعادة علی الظهر غیر جید ، لعدم سبق ظهر قبلها ، وکأنه أطلق الإعادة علیها باعتبار فعل وظیفة الوقت أولا وإن اختلف الشخص. والأمر فی ذلک هین.

قوله : ( النظر الثانی ، فیمن یجب علیه : ویراعی فیه سبعة شروط : التکلیف ، والذکورة ، والحریة ، والحضر ).

أما اعتبار التکلیف بمعنی البلوغ والعقل فی هذه الصلاة بل وفی غیرها من الصلوات فمذهب العلماء کافة ، فلا یجب علی المجنون ولا الصبی وإن کان ممیزا ، نعم تصح من الممیز تمرینا وتجزیه عن الظهر. ولو أفاق المجنون فی وقت الصلاة خوطب بها خطابا مراعی باستمراره علی الإفاقة إلی آخر الصلاة.

وأما اعتبار الذکورة والحریة فقال فی التذکرة : إنه مذهب علمائنا أجمع ، وبه قال عامة العلماء (1). ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ووضعها عن تسعة : عن الصغیر ، والکبیر ، والمجنون ، والمسافر ، والعبد ، والمرأة ، والمریض ، والأعمی ، ومن کان علی رأس أزید من فرسخین » (2).

وفی صحیحة أبی بصیر ومحمد بن مسلم : « منها صلاة واجبة علی کل مسلم أن یشهدها إلاّ خمسة : المریض والمملوک ، والمسافر ، والمرأة ، والصبی » (3).

ولا تنافی بین استثناء الخمسة والتسعة ، لأن المجنون والکبیر الذی لا یتمکن الحضور لا ریب فی استثنائهما ، والعمی یمکن إدخاله فی المرض ،

الشروط المعتبرة فیمن تجب علیه الجمعة

ص: 48


1- التذکرة 1 : 153.
2- الکافی 3 : 419 - 6 ، الفقیه 1 : 266 - 1217 ، التهذیب 3 : 21 - 77 ، الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 1.
3- الکافی 3 : 418 - 1 ، التهذیب 3 : 19 - 69 ، المعتبر 2 : 289 ، الوسائل 5 : 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 14.

والسلامة من العمی والمرض

______________________________________________________

والبعید مستثنی بدلیل منفصل.

ویخرج بقید الذکورة المرأة والخنثی ، وبقید الحریة القن والمدبر والمکاتب مطلقا وإن أدّی بعض ما علیه لأن المبعض لیس بحر.

ویمکن المناقشة فی السقوط عن الخنثی والمبعض لانتفاء ما یدل علی اشتراط الحریة والذکورة ، وإنما الموجود فی الأخبار استثناء المرأة والعبد ممن یجب علیه الجمعة ، والمبعض لا یصدق علیه أنه عبد ، وکذا الخنثی لا یصدق علیها أنها امرأة.

ومن ثم ذهب الشیخ فی المبسوط إلی الوجوب علی المبعض إذا هایاه المولی فاتفقت الجمعة فی نوبته (1). وهو حسن.

وأما اعتبار الحضر - والمراد منه ما قابل السفر الشرعی ، فیدخل فیه المقیم وکثیر السفر والعاصی به وناوی إقامة العشرة - فمجمع علیه بین العلماء أیضا ، حکاه فی التذکرة (2). ویدل علیه ما ورد فی الروایات الکثیرة من استثناء المسافر ممن یجب علیه الجمعة (3) ، والمتبادر منه أنه المسافر سفرا یوجب القصر. أما من لا یتحتم علیه ذلک - کالحاصل فی أحد المواضع الأربعة - فالأظهر عدم وجوب الجمعة علیه ، للعموم ، وإن جاز له الإتمام بدلیل من خارج. وجزم العلامة فی التذکرة بالوجوب (4) ، وقیل بالتخییر بین الفعل والترک ، وبه قطع فی الدروس (5).

قوله : ( والسلامة من العمی والمرض ).

إطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی العمی والمرض بین

ص: 49


1- المبسوط 1 : 145.
2- التذکرة 1 : 153.
3- الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
4- التذکرة 1 : 154.
5- الدروس : 43.

والعرج. وأن لا یکون همّا

______________________________________________________

ما یشق معهما الحضور وغیره ، وبهذا التعمیم صرح فی التذکرة (1).

واعتبر الشارح - قدس سره - فیهما تعذر الحضور أو المشقة التی لا یتحمل مثلها عادة ، أو خوف زیادة المرض (2). وهو تقیید للنص من غیر دلیل.

قوله : ( والعرج ).

هذا الشرط ذکره الشیخ فی جملة من کتبه (3) ، ولم یذکره المفید ولا المرتضی. والنصوص خالیة منه ، لکن لو أرید به البالغ حد الإقعاد کما ذکره المصنف فی المعتبر (4) اتجه اعتباره ، لأن من هذا شأنه أعذر من المریض ، ولأنه غیر متمکن من السعی فلا یکون مخاطبا به.

قوله : ( وأن لا یکون هما ).

الهم - بکسر الهاء - : الشیخ الفانی ، والمستفاد من النص سقوطها عن الکبیر ، والظاهر أن المراد منه من یشق علیه السعی إلی الجمعة بواسطة الکبر.

ومن الشرائط أیضا ارتفاع المطر ، وقال فی التذکرة : إنه لا خلاف فیه بین العلماء (5) ، وتدل علیه صحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن تترک الجمعة فی المطر » (6).

وألحق العلامة (7) ومن تأخر عنه (8) بالمطر : الوحل ، والحر والبرد

ص: 50


1- التذکرة 1 : 153.
2- المسالک 1 : 34.
3- النهایة : 103 ، والمبسوط 1 : 143 ، والاقتصاد : 268.
4- المعتبر 2 : 290.
5- التذکرة 1 : 153.
6- الفقیه 1 : 267 - 1221 ، التهذیب 3 : 241 - 645 ، الوسائل 5 : 37 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 23 ح 1.
7- التذکرة 1 : 153 ، ونهایة الأحکام 2 : 43.
8- منهم الأردبیلی فی مجمع الفائدة 2 : 344.

ولا بینه وبین الجمعة أزید من فرسخین.

______________________________________________________

الشدیدین إذا خاف الضرر معهما. ولا بأس به تفصیا من لزوم الحرج المنفی

وألحق به الشارح أیضا خائف احتراق الخبز أو فساد الطعام ونحوهم (1). وینبغی تقییده بالمضر فوته.

قوله : ( ولا بینه وبین الجمعة أزید من فرسخین ).

اختلف الأصحاب فی تحدید البعد المقتضی لعدم وجوب السعی إلی الجمعة ، فقیل حده أن یکون أزید من فرسخین ، وهو اختیار الشیخ فی المبسوط والخلاف (2) ، والمرتضی (3) ، وابن إدریس (4). ومستنده حسنة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تجب الجمعة علی من کان منها علی فرسخین ، فإذا زاد علی ذلک فلیس علیه شی ء » (5).

وقیل فرسخان ، فیجب علی من نقص عنهما دون من بعد بهما ، وهو اختیار ابن بابویه (6) ، وابن حمزة (7). ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « ووضعها عن تسعة » إلی قوله : « ومن کان منها علی رأس فرسخین » (8).

وقال ابن أبی عقیل : یجب علی کل من إذا غدا من منزله بعد ما صلی الغداة أدرک الجمعة (9).

ص: 51


1- المسالک 1 : 35.
2- المبسوط 1 : 143 ، والخلاف 1 : 233.
3- جمل العلم والعمل : 71.
4- السرائر : 63.
5- الکافی 3 : 419 - 3 ، التهذیب 3 : 240 - 641 ، الإستبصار 1 : 421 - 1619 ، الوسائل 5 : 12 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 4 ح 6.
6- الهدایة : 34.
7- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.
8- الکافی 3 : 419 - 6 ، الفقیه 1 : 266 - 1217 ، التهذیب 3 : 21 - 77 ، الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1 ح 1.
9- نقله عنه فی مختلف : 106.

وکل هؤلاء إذا تکلّفوا الحضور وجبت علیهم الجمعة وانعقدت بهم ، سوی من خرج عن التکلیف والمرأة ، وفی العبد تردد.

______________________________________________________

وقال ابن الجنید بوجوب السعی إلیها علی من سمع النداء بها إذا کان یصل إلی منزله إذا راح منها قبل خروج نهار یومه (1).

ولعل مستندهما صحیحة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الجمعة واجبة علی من إن صلی الغداة فی أهله أدرک الجمعة ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إنما یصلی العصر فی وقت الظهر فی سائر الأیام کی إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلی الله علیه و آله رجعوا إلی رحالهم قبل اللیل ، وذلک سنة إلی یوم القیامة » (2).

وأجاب عنها فی الذکری بالحمل علی الفرسخین (3) ، وهو بعید. والأولی حملها علی الاستحباب کما ذکره الشیخ فی کتابی الحدیث (4).

ویبقی التعارض بین الروایتین الأولتین ، ویمکن حمل الأولی علی الاستحباب أیضا ، أو حمل الثانیة علی أن المراد بمن کان علی رأس فرسخین أن یکون أزید منهما ولو بیسیر ، لکن لا یخفی أن هذا الخلاف قلیل الجدوی ، لأن الحصول علی رأس الفرسخین من غیر زیادة ولا نقصان نادر جدا.

قوله : ( وکل هؤلاء إذا تکلفوا الحضور وجبت علیهم الجمعة وانعقدت بهم ، سوی من خرج عن التکلیف والمرأة ، وفی العبد تردد ).

المشار إلیه بقوله : « وکل هؤلاء » من دلت علیهم القیود المذکورة فی العبارة ، ویندرج فیها المسافر والأعمی والمریض والأعرج والهمّ والبعید.

والکلام فی هذه المسألة یقع فی مواضع :

حکم من تکلف الحضور من المعذورین

ص: 52


1- نقله عنه فی المختلف : 106.
2- التهذیب 3 : 238 - 631 ، الإستبصار 1 : 421 - 1621 ، الوسائل 5 : 11 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 4 ح 1.
3- الذکری : 234.
4- التهذیب 3 : 240 ، والاستبصار 1 : 421.

______________________________________________________

الأول : إن من لا یلزمه الجمعة إذا حضرها جاز له فعلها تبعا وأجزأته عن الظهر ، وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : لا خلاف فی أن العبد والمسافر إذا صلیا الجمعة أجزأتهما عن الظهر ، وحکی نحو ذلک فی البعید (1). وقال فی التذکرة : لو حضر المریض والمحبوس بعذر المطر أو الخوف وجبت علیهم وانعقدت بهم إجماعا (2). وقال فی النهایة : من لا تلزمه الجمعة إذا حضرها وصلاها انعقدت جمعته وأجزأته ، لأنها أکمل فی المعنی وان کانت أقصر فی الصورة ، فإذا أجزأت الکاملین الذین لا عذر لهم ، فلأن تجزی أصحاب العذر أولی (3).

ویمکن المناقشة فی هذه الأولویة ، أما أولا ، فلعدم ظهور علة الحکم فی الأصل التی هی مناط هذا الاستدلال.

وأما ثانیا ، فللأخبار المستفیضة المتضمنة لسقوط الجمعة عن التسعة أو الخمسة (4) ، فلا یکون الآتی بها من هذه الأصناف آتیا بما هو فرضه. إلا أن یقال : إن الساقط عنهم : السعی إلیها خاصة ، فإذا أتوا به توجه إلیهم الخطاب بفعلها ، بدلیل أن من جملة التسعة من کان علی رأس فرسخین ، ولا خلاف فی وجوب الجمعة علیه مع الحضور ( ویشهد له ما رواه الشیخ عن ) (5) حفص بن غیاث ، عن ابن أبی لیلی ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض الجمعة علی جمیع المؤمنین والمؤمنات ، ورخص للمرأة والمسافر والعبد أن لا یأتوها ، فلما حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الأول ، فمن أجل ذلک أجزأ عنهم »

ص: 53


1- المنتهی 1 : 223 ، 322.
2- التذکرة 1 : 147.
3- نهایة الإحکام 2 : 45.
4- الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « م » : وبما ذکرناه صرح المفید فی المقنعة فقال : وهؤلاء الذین وضع الله عنهم الجمعة متی حضروها لزمهم الدخول فیها وأن یصلوها کغیرهم ویلزمهم استماع الخطبة والصلاة رکعتین ، ومتی لم یحضروها لم تجب علیهم وکان علیهم الصلاة أربع رکعات کفرضهم فی سائر الأیام ، واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه.

______________________________________________________

فقلت : عمن هذا؟ فقال : عن مولانا أبی عبد الله علیه السلام (1).

وفی الصحیح عن أبی همام ، عن أبی الحسن علیه السلام أنه قال : « إذا صلت المرأة فی المسجد مع الإمام یوم الجمعة رکعتین فقد نقصت صلاتها ، وإن صلت فی المسجد أربعا نقصت صلاتها ، لتصل فی بیتها أربعا أفضل » (2) وجه الاستدلال أن نقص الصلاة بالصاد المهملة یقتضی أجزائها فی الجملة وإن کانت أقل ثوابا بالنسبة إلی غیرها (3).

والمسألة قویة الإشکال ، نظرا إلی هاتین الروایتین ، وإطلاق السقوط فی الأخبار الصحیحة المستفیضة (4) المقتضی لعدم التکلیف بها ، فلا یخرج المکلف من العهدة بفعلها. ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی صلاة الظهر ممن لا یجب علیه السعی إلی الجمعة ( سوی البعید ) (5) ، والله أعلم.

الثانی : المشهور بین الأصحاب أن من لا یجب علیه السعی إلی الجمعة یجب علیه الصلاة مع الحضور ، وممن صرح بذلک المفید فی المقنعة فقال : وهؤلاء الذین وضع الله عنهم الجمعة متی حضروها لزمهم الدخول فیها ، وأن یصلوها کغیرهم ، ویلزمهم استماع الخطبة والصلاة رکعتین ، ومتی لم یحضروها لم تجب علیهم وکان علیهم الصلاة أربع رکعات کفرضهم فی سائر الأیام (6). ومقتضی کلامه - رحمه الله - وجوبها علی الجمیع مع الحضور من غیر استثناء. ونحوه قال الشیخ فی النهایة (7).

وقال فی المبسوط : أقسام الناس فی الجمعة خمسة : من تجب علیه وتنعقد

ص: 54


1- التهذیب 3 : 21 - 78 ، الوسائل 5 : 34 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 18 ح 1.
2- التهذیب 3 : 241 - 644 ، الوسائل 5 : 37 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 22 ح 1.
3- فی « ح » زیادة : نعم لو کانت بالضاد المعجمة انتفت دلالتها علی الإجزاء بل دلت علی نقیضه.
4- الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
5- بدل ما بین القوسین فی « س » ، « ح » : وعدم الحضور.
6- نقله عنه فی التهذیب 3 : 21.
7- النهایة : 103.

______________________________________________________

به : وهو الذکر الحر البالغ العاقل الصحیح المسلم من العمی والعرج والشیخوخة التی لا حراک معها الحاضر ومن هو بحکمه ، ومن لا تجب علیه ولا تنعقد به : وهو الصبی والمجنون والمسافر والعبد والمرأة ، لکن یجوز لهم فعلها إلا المجنون ، ومن تنعقد به ولا تجب علیه : وهو المریض والأعمی والأعرج ومن کان علی رأس أکثر من فرسخین ، ومن تجب علیه ولا تنعقد به : وهو الکافر ، لأنه مخاطب بالفروع عندنا (1). والظاهر أن مراده - رحمة الله - بنفی الوجوب فی موضع جواز الفعل : نفی الوجوب العینی ، لأن الجمعة لا تقع مندوبة إجماعا.

وقطع المصنف هنا وفی المعتبر بعدم الوجوب علی المرأة. وقال فی المعتبر : إن وجوب الجمعة علیها مخالف لما علیه اتفاق فقهاء الأمصار ، وطعن فی روایة حفص بن غیاث المتقدمة (2) بضعف حفص وجهالة المروی عنه (3). وظاهره عدم جواز الفعل أیضا ، وهو متجه لولا روایة أبی همام المتقدمة (4).

والحق أن الوجوب العینی منتف قطعا بالنسبة إلی کل من سقط عنه الحضور ، وأما الوجوب التخییری فهو تابع لجواز الفعل فمتی ثبت الجواز ثبت الوجوب ، ومتی انتفی انتفی.

الثالث : اتفق الأصحاب علی انعقاد الجمعة بالبعید والمریض والأعمی والمحبوس بعذر المطر ونحوه مع الحضور.

( وأطبقوا ) (5) أیضا علی عدم انعقادها بالمرأة بمعنی احتسابها من العدد.

ص: 55


1- المبسوط 1 : 143.
2- فی ص 53.
3- المعتبر 2 : 293.
4- فی ص 54.
5- بدل ما بین القوسین فی «س» ، «ح» : کما نقله جماعة. ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة الفضل بن عبد الملک : « فإن کان لهم من یخطب جمعوا إذا کانوا خمسة نفر » و فی صحیحة أبی بصیر و محمد بن مسلم : « منها صلاة واجبة علی کل مسلم أن یشهدها إلا خمسة المریض و المملوک و المسافر والمرأة والصبی » و یندرج فی غیر الخمسة : الکبیر و البعید و الأعمی والمحبوس بعذر المطر ونحوه ، و علی هذا فیجب حمل ما تضمن وضعها عن التسعة بإضافة المجنون و الکبیر والأعمی و من کان علی رأس أزید من فرسخین إلی تلک الخمسة، علی أن المراد بذلک سقوط السعی إلیها لا سقوط نفس الصلاة بعد الحضور واتفق الأصحاب.

______________________________________________________

وإنما الخلاف فی انعقادها بالمسافر والعبد لو حضرا ، فقال الشیخ فی الخلاف والمصنف فی المعتبر : تنعقد بهما ، لأن ما دل علی اعتبار العدد مطلق فیتناولهما کما یتناول غیرهما (1).

وقال فی المبسوط وجمع من الأصحاب : لا تنعقد بهما (2) ، لأنهما لیسا من أهل فرض الجمعة فکانا کالصبی ، ولأن الجمعة إنما تصح من المسافر تبعا لغیره فلا یکون متبوعا ، ولأنه لو جاز ذلک لجاز انعقادها بجماعة المسافرین وإن لم یکن معهم حاضرون.

وأجیب بأن الفرق بینهما وبین الصبی عدم التکلیف ، فإنه لا یتصور فی حق الصبی الوجوب بخلاف العبد والمسافر ، وبمنع التبعیة للحاضر ، والالتزام بانعقادها بجماعة المسافرین (3).

وحکی الشهید فی الذکری أن الظاهر وقوع الاتفاق علی صحة الجمعة بجماعة المسافرین وإجزائها عن الظهر (4). وهو مشکل جدا لاستفاضة الروایات بأن فرض المسافر الظهر لا الجمعة ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال لنا : « صلوا فی السفر صلاة الجمعة جماعة بغیر خطبة » (5).

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح أیضا قال : سألته عن صلاة الجمعة

ص: 56


1- الخلاف 1 : 241 ، والمعتبر 2 : 292.
2- المبسوط 1 : 143.
3- کما فی الذکری : 233.
4- الذکری : 233.
5- التهذیب 3 : 15 - 51 ، الإستبصار 1 : 416 - 1595 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 6.

ولو حضر الکافر لم تصحّ منه ولم تنعقد به وإن کانت واجبة علیه.

وتجب الجمعة علی أهل السواد کما تجب علی أهل المدن مع استکمال الشروط ، وکذا علی الساکن بالخیم کالبادیة إذا کانوا قاطنین.

______________________________________________________

فی السفر ، قال : « تصنعون کما تصنعون فی الظهر ، ولا یجهر الإمام فیها بالقراءة وإنما الجهر إذا کانت خطبة » (1).

وروی جمیل فی الصحیح ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجماعة یوم الجمعة فی السفر فقال : « تصنعون کما تصنعون فی غیر یوم الجمعة فی الظهر ، ولا یجهر الإمام إنما یجهر الإمام إذا کانت خطبة » (2) (3)

قوله : ( وإذا حضر الکافر لم تصح منه ولم تنعقد به وإن کانت واجبة علیه ).

أما الوجوب علیه فلأنه مکلف بالفروع کما حقق فی محله ، وأما عدم الصحة منه فلاشتراطها بالإسلام بل الإیمان إجماعا کغیرها من العبادات.

قوله : ( وتجب الجمعة علی أهل السواد کما تجب علی أهل المدن مع استکمال الشرائط ، وکذا علی ساکن الخیم کالبادیة إذا کانوا قاطنین ).

السواد : القری. قال الجوهری : سواد الکوفة والبصرة ، قراهما (4) ، والخیم : جمع خیمة ، وهی - علی ما ذکره الجوهری - بیت تبنیه العرب من عیدان الشجر (5) ، والمراد منه هنا ما هو أعم من ذلک.

وجوب الجمعة علی أهل السواد

ص: 57


1- التهذیب 3 : 15 - 54 ، الإستبصار 1 : 416 - 1598 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 9.
2- التهذیب 3 : 15 - 53 ، الإستبصار 1 : 416 - 1597 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 8.
3- فی « س » ، « م » ، « ح » زیادة : وطریق الاحتیاط واضح.
4- الصحاح 2 : 492.
5- الصحاح 5 : 1916.

وها هنا مسائل :

الأولی : من انعتق بعضه لا تجب علیه الجمعة. ولو هایاه مولاه لم تجب الجمعة ولو اتفقت فی یوم نفسه علی الأظهر. وکذا المکاتب والمدبّر.

الثانیة : من سقطت عنه الجمعة یجوز أن یصلی الظهر فی أول وقتها. ولا یجب علیه تأخیرها حتی تفوت الجمعة ، بل لا یستحب.

______________________________________________________

والمعروف من مذهب الأصحاب أن وجوب الجمعة علی أهل القری والبادیة کوجوبها علی أهل المصر ، لعموم الأمر بالجمعة من غیر تخصیص ، وخصوص صحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن أناس فی قریة ، هل یصلون الجمعة جماعة؟ قال : « نعم یصلون أربعا إذا لم یکن من یخطب » (1).

قوله : ( وهنا مسائل ، الأولی : إن من انعتق بعضه لا تجب علیه الجمعة ، ولو هایاه مولاه لم تجب علیه الجمعة ولو اتفقت فی یوم نفسه علی الأظهر ).

خالف فی ذلک الشیخ - رحمه الله - فی المبسوط ، فحکم بوجوب الجمعة علیه فی یوم نفسه ، لأنه ملکها فیه (2). وهو توجیه ضعیف ، والحق أنه إن ثبت اشتراط الحریة انتفی الوجوب علی المبعض مطلقا ، وإن قلنا باستثناء العبد خاصة ممن یجب علیه الجمعة - کما هو مقتضی الأخبار - اتجه القول بوجوبها علیه مطلقا ، کما بیناه فیما سبق.

قوله : ( الثانیة ، من سقطت عنه الجمعة یجوز أن یصلی الظهر فی أول وقتها ، ولا یجب علیه تأخیرها حتی تفوت الجمعة ، بل لا یستحب ).

مسائل تتعلق بالمعذورین

ص: 58


1- التهذیب 3 : 238 - 633 ، الإستبصار 1 : 419 - 1613 ، الوسائل 5 : 10 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 3 ح 1.
2- المبسوط 1 : 145.

ولو حضر الجمعة بعد ذلک لم تجب علیه.

الثالثة : إذا زالت الشمس لم یجز السفر لتعیّن الجمعة.

______________________________________________________

بل یستحب تقدیم الظهر فی أول الوقت کغیره من الأیام.

قوله : ( ولو حضر الجمعة بعد ذلک لم تجب علیه ).

أی : ولو صلح لأن یکون مخاطبا بها بعد فعل الظهر ، کما لو أعتق العبد أو حضر المسافر أو بری ء المریض أو زال العرج لم تجب علیه الجمعة ، لسقوط التکلیف عنه بفعل الظهر ، وامتناع وجوب الفرضین ، واستثنی من ذلک الصبی إذا صلی الظهر ثم بلغ فی وقت الجمعة ، فإنها تجب علیه کما تجب علیه إعادة الظهر فی غیر یوم الجمعة لو کان قد صلاها أولا ، لتعلق الخطاب به بعد البلوغ.

قوله : ( الثالثة ، إذا زالت الشمس لم یجز السفر لتعین الجمعة ).

أجمع علماؤنا وأکثر العامة (1) علی أنه لا یجوز لمن وجبت علیه الجمعة إنشاء السفر بعد الزوال قبل أن یصلیها ، حکی ذلک العلامة فی التذکرة والمنتهی (2) ، واستدل علیه فی التذکرة بقوله علیه السلام : « من سافر من دار إقامته یوم الجمعة دعت علیه الملائکة لا یصحب فی سفره ولا یعان علی حاجته » (3) والوعید لا یترتب علی المباح ، وبأن ذمته مشغولة بالفرض والسفر مستلزم للإخلال به ، فلا یکون سائغا ، ومبنی هذا الاستدلال علی أن الأمر بالشی ء یستلزم النهی عن ضده الخاص ، وقد تقدم الکلام فیه مرارا.

ویتوجه علیه أیضا أنه علی هذا التقدیر یلزم من تحریم السفر عدم تحریمه وکل ما أدّی وجوده إلی عدمه فهو باطل ، أما الملازمة فلأنه لا مقتضی لتحریم السفر إلا استلزامه لفوات الجمعة کما هو المفروض ، ومتی حرم السفر لم تسقط

حرمة السفر ظهر الجمعة

ص: 59


1- منهم الشافعی فی الأم 1 : 189 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 161 ، 217 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 84.
2- التذکرة 1 : 144 ، والمنتهی 1 : 336.
3- التذکرة 1 : 144.

______________________________________________________

الجمعة کما تقدم ، فلا یحرم السفر لانتفاء المقتضی. وأما بطلان اللازم فظاهر.

ویمکن أن یستدل علی ذلک أیضا بفحوی قوله تعالی ( وَذَرُوا الْبَیْعَ ) (1) إذ الظاهر أن النهی عن البیع إنما وقع لمنافاته السعی إلی الجمعة ، کما یشعر به التعلیل المستفاد من قوله عزّ وجلّ ( ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ ) فیکون السفر المنافی کذلک. ویؤیده ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت الشخوص فی یوم عید فانفجر الصبح وأنت فی البلد فلا تخرج حتی تشهد ذلک العید » (2) وإذا حرم السفر بعد الفجر فی العید حرم بعد الزوال فی الجمعة بطریق أولی ، لأن الجمعة آکد من العید.

قال جدی - قدس سره - فی روض الجنان : ومتی سافر بعد الوجوب کان عاصیا فلا یترخص حتی تفوت الجمعة ، فیبتدئ السفر من موضع تحقق الفوات ، قاله الأصحاب ، وهو یقتضی عدم ترخص المسافر الذی یفوت بسفره الاشتغال بالواجب من تعلیم ونحوه ، أو یحصل فی حالة الإقامة أکثر من حالة السفر ، لاستلزامه ترک الواجب المضیق فهو أولی من الجمعة خصوصا مع سعة وقتها ورجاء حصول جمعة أخری أو لا معه واستلزام الحرج وکون أکثر المکلفین لا ینفکون عن وجوب التعلم فیلزم عدم تقصیرهم أو فوت أغراضهم التی بها نظام النوع غیر ضائر ، والاستبعاد غیر مسموع (3).

واعترضه شیخنا المحقق - أطال الله بقاءه - بأن هذا کله مبنی علی أن الأمر بالشی ء یستلزم النهی عن ضده الخاص ، وهو لا یقول به بل یقول ببطلانه.

ثم أجاب عن هذا الاقتصاد - مع تسلیم تلک المقدمة - بمنع منافاة السفر غالبا للتعلم ، إذ التعلم فی السفر متیسر غالبا ، بل ربما کان أیسر من الحضر ،

ص: 60


1- الجمعة : 9.
2- الفقیه 1 : 323 - 1480 ، الوسائل 5 : 133 أبواب صلاة العید ب 27 ح 1 وأوردها فی التهذیب 3 : 286 - 853 ( بتفاوت یسیر بین المصادر ).
3- روض الجنان : 295.

______________________________________________________

وبأنه لیس فی الکتاب والسنة ما یدل علی وجوب التعلم علی الوجه الذی اعتبره المتأخرون ، بل المستفاد منهما خلاف ذلک کما یرشد إلیه تیمم عمار وطهارة أهل قبا ونحو ذلک (1). ثم أطال الکلام فی ذلک وقوی عدم الوجوب والاکتفاء فی الاعتقادات الکلامیة بإصابة الحق کیف اتفق وإن لم یکن عن دلیل. وهو قوی متین.

وهنا مباحث :

الأول : لو کان السفر واجبا کالحج والغزو أو مضطرا إلیه انتفی التحریم قطعا.

الثانی : لو کان بین یدی المسافر جمعة أخری یعلم إدراکها فی محل الترخص فهل یکون السفر سائغا أم لا؟ الأظهر العدم ، تمسکا بالعموم.

وقیل بالجواز ، واختاره المحقق الشیخ علی فی شرح القواعد ، لحصول الغرض وهو فعل الجمعة بناء علی أن السفر الطاری علی الوجوب لا یسقطه ، کما یجب الإتمام فی الظهر علی من خرج بعد الزوال (2).

ویضعف ( بإطلاق الأخبار المتضمنة لسقوط ) (3) الجمعة عن المسافر (4) ، وبطلان القیاس (5) ، مع إنّ الحق تعیّن القصر فی صورة الخروج بعد الزوال ، کما سیجی ء بیانه إن شاء الله تعالی.

الثالث : لو کان بعیدا عن الجمعة بفرسخین فما دون فخرج مسافرا فی صوب الجمعة ، قیل : یجب علیه الحضور عینا وإن صار فی محل الترخص ، لأنه لولاه لحرم علیه السفر ، ولأن من هذا شأنه یجب علیه السعی قبل الزوال

ص: 61


1- مجمع الفائدة 2 : 373.
2- جامع المقاصد 1 : 138.
3- بدل ما بین القوسین فی « م » : بسقوط.
4- الوسائل 5 : 2 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 1.
5- الذکری : 233.

ویکره بعد طلوع الفجر.

الرابعة : الإصغاء إلی الخطبة هل هو واجب؟ فیه تردد.

______________________________________________________

فیکون سبب الوجوب سابقا علی السفر ، کما فی الإتمام لو خرج بعد الزوال.

واحتمل الشهید فی الذکری عدم کون هذا المقدار محسوبا من المسافة لوجوب قطعة علی کل تقدیر (1).

ویضعف بأن وجوب قطعه علی کل تقدیر لا یخرجه عن کونه جزءا من المسافة المقصودة.

ولو قیل باختصاص تحریم السفر بما بعد الزوال ، وأن وجوب السعی إلی الجمعة قبله للتعبد إنما یثبت مع عدم إنشاء المکلف سفرا مسقطا للوجوب لم یکن بعیدا من الصواب.

قوله : ( ویکره بعد طلوع الفجر ).

أی : ویکره السفر بعد طلوع الفجر قبل الزوال ، لما فیه من منع نفسه من أکمل الفرضین ، ولإطلاق النهی عنه فی الخبر النبوی المتقدم (2). وهذا الحکم مجمع علیه بین علمائنا وأکثر العامة (3) ، حکاه فی التذکرة ، ثم قال : ولا یکره السفر لیلة الجمعة إجماعا (4).

قوله : ( الرابعة ، الإصغاء : هل هو واجب؟ فیه تردد ).

أراد بالإصغاء : الاستماع ، سواء کان المصغی مع ذلک متکلما أم لا. ومن ثم جمع بینه وبین تحریم الکلام ، لعدم الملازمة بینهما. وذکر فی القاموس

کراهة السفر بعد طلوع الشمس

وجوب الاصغاء للخطبة

ص: 62


1- فی « م » ، « س » ، « ح » : للبعید.
2- فی ص 59.
3- منهم الشافعی فی الأم 1 : 189 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 161 ، 217 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 48.
4- التذکرة 1 : 144.

وکذا تحریم الکلام فی أثنائها ، لکن لیس بمبطل للجمعة.

______________________________________________________

أن الإصغاء الاستماع مع ترک الکلام (1). فیکون ذکره مغنیا عن ذکره ، والأمر فی ذلک هیّن.

واختلف الأصحاب فی وجوب الإنصات ، فذهب الأکثر إلی الوجوب ، لأن فائدة الخطبة إنما تتم بذلک. وقال الشیخ فی المبسوط : إنه مستحب (2). واختاره فی المعتبر (3) ، لأن الوجوب منفی بالأصل ولا معارض.

والجواب أنّ المعارض موجود ، وهو انتفاء فائدة الخطبة بدون الاستماع.

قوله : ( وکذا تحریم الکلام فی أثنائها ، لکن لیس بمبطل للجمعة ).

أی : وکذا التردد فی تحریم الکلام فی أثناء الخطبة ، وهو بإطلاقه یتناول الکلام من السامع والخطیب. ومنشأ التردد من أصالة الإباحة ، وقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « فهی صلاة حتی ینزل الإمام » (4) والتسویة بین المثلین تقتضی المماثلة فی الأحکام إلا ما خرج بدلیل.

والتحریم مذهب الأکثر ، ونقل عن أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی أنه قال فی جامعه : إذا قام الإمام یخطب فقد وجب علی الناس الصمت (5).

وقال الشیخ فی المبسوط وموضع من الخلاف ، والمصنف فی المعتبر بالکراهة (6) ، استضعافا لأدلة التحریم ، وتعویلا علی ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا خطب الإمام یوم الجمعة فلا ینبغی لأحد أن یتکلم حتی یفرغ من خطبته ، فإذا فرغ تکلم ما بینه وبین

حرمة الکلام أثناء الخطبة

ص: 63


1- القاموس المحیط 4 : 354.
2- المبسوط 1 : 148.
3- المعتبر 2 : 294.
4- التهذیب 3 : 12 - 42 ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 4.
5- نقله عنه فی المعتبر 2 : 295 ، والمختلف : 104.
6- المبسوط 1 : 147 ، والخلاف 1 : 248 ، والمعتبر 2 : 295.

الخامسة : یعتبر فی إمام الجمعة : کمال العقل ، والإیمان ، والعدالة ، وطهارة المولد ، والذکورة.

______________________________________________________

أن تقام الصلاة » (1) ولفظ لا ینبغی صریح فی الکراهة.

وکیف کان فلا تبطل الصلاة ولا الخطبة بالکلام وإن کان منهیا عنه ، لأنه خارج عن العبادة.

والظاهر أن کراهة الکلام أو تحریمه متناول لمن یمکن فی حقه الاستماع وغیره ، وأن حالة الجلوس بین الخطبتین کحال الخطبتین کما تدل علیه صحیحة محمد بن مسلم السابقة.

ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه - أنه حرم من الأفعال ما لا یجوز مثله فی الصلاة (2). قال فی المعتبر : ولعله ظن ذلک لکونها بدلا من الرکعتین ، لکنه ضعیف (3).

قوله : ( الخامسة ، یعتبر فی إمام الجمعة کمال العقل ، والإیمان ، والعدالة ، وطهارة المولد ، والذکورة ).

یشترط فی إمام الجمعة أمور :

الأول : البلوغ ، وقد أدرجه المصنف فی کمال العقل. وقال العلامة فی المنتهی : إنه لا خلاف فی اعتباره (4) ، وذهب الشیخ فی المبسوط والخلاف إلی جواز إمامة الصبی المراهق الممیز العاقل فی الفرائض (5). والظاهر أن مراده بالفرائض ما عدا الجمعة.

شرائط إمام الجمعة

ص: 64


1- الکافی 3 : 421 - 2 ، التهذیب 3 : 20 - 71 ، الوسائل 5 : 29 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 14 ح 1.
2- المعتبر 2 : 295.
3- المعتبر 2 : 296.
4- المنتهی 1 : 324.
5- المبسوط 1 : 154 ، والخلاف 1 : 212.

______________________________________________________

وکیف کان فالأصح اعتبار البلوغ مطلقا ، لأصالة عدم سقوط التکلیف بالقراءة بفعل الصبی ، ولأن غیر المکلف لا یؤمن إخلاله بواجب أو فعله لمحرم فلا یتحقق الامتثال. ویؤیده روایة إسحاق بن عمار عن الصادق ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن علی علیهم السلام أنه قال : « لا بأس أن یؤذّن الغلام قبل أن یحتلم ولا یؤم حتی یحتلم » (1).

الثانی : العقل ، فلا تنعقد إمامة المجنون ، لعدم الاعتداد بفعله. ولو کان یعتوره أدوارا فالأقرب کراهة إمامته وقت إفاقته. وهو اختیار العلامة فی باب الجماعة من التذکرة (2) ، لنفرة النفس منه الموجبة لعدم کمال الإقبال علی العبادة. وقطع فی باب الجمعة من التذکرة بالمنع من إمامته ، لأنه لا یؤمن عروضه له فی أثناء الصلاة ، ولجواز احتلامه فی جنته بغیر شعوره (3).

والجواب أن تجویز العروض لا یرفع تحقق الأهلیة ، والتکلیف یتبع العلم.

الثالث : الإیمان ، والمراد به هنا : الإقرار بالأصول الخمسة علی وجه یعدّ إمامیا. ولا خلاف فی اعتبار ذلک ، لعموم الأدلة الدالة علی بطلان عبادة المخالف (4) ، وخصوص صحیحة أبی عبد الله البرقی ، قال : کتبت إلی أبی جعفر علیه السلام : أتجزی - جعلت فداک - الصلاة خلف من وقف علی أبیک وجدک صلوات الله علیهم؟ فأجاب : « لا تصل وراءه » (5).

ص: 65


1- التهذیب 3 : 29 - 103 ، الاستبصار 1 : 423 - 1632 ، وفی الفقیه 1 - 258 - 1169 ، مرسلا ، الوسائل 5 : 398 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 7.
2- التذکرة 1 : 176 قال : ولو کان الجنون یعتوره أدوارا صحت الصلاة خلفه حال إفاقته لحصول الشرائط فیه ، لکن یکره لإمکان أن یکون قد احتلم حال جنونه ولا یعلم ، ولئلا یعرض الجنون فی الأثناء.
3- التذکرة 1 : 144.
4- الوسائل 1 : 90 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
5- الفقیه 1 : 248 - 1113 ، التهذیب 3 : 28 - 98 ، الوسائل 5 : 389 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 5.

_________________________________________________________

الرابع : العدالة ، وقد نقل جمع من الأصحاب (1) الإجماع علی أنها شرط فی الإمام وإن اکتفی بعضهم فی تحققها بحسن الظاهر أو عدم معلومیة الفسق ، واحتجوا علی ذلک بروایة أبی علی بن راشد قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : إن موالیک قد اختلفوا فأصلی خلفهم جمیعا؟ فقال : « لا تصل إلا خلف من تثق بدینه وأمانته » (2).

وروایة سعید بن إسماعیل ، عن أبیه ، قال : سألته عن الرجل یقارف الذنوب یصلی خلفه أم لا؟ قال : « لا » (3).

وصحیحة عمر بن یزید ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن إمام لا بأس به فی جمیع أموره عارف ، غیر أنه یسمع أبویه الکلام الغلیظ الذی یغیظهما ، أقرأ خلفه؟ قال : « لا تقرأ خلفه ما لم یکن عاقا قاطعا » (4).

وهذه الأخبار لا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة. والمستفاد من إطلاق کثیر من الروایات وخصوص بعضها الاکتفاء فی ذلک بحسن الظاهر والمعرفة بفقه الصلاة ، بل المنقول من فعل السلف الاکتفاء بما دون ذلک ، إلا أن المصیر إلی ما ذکره الأصحاب أحوط ، وقد روی الأصحاب عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إمام القوم وافدهم ، فقدّموا أفضلکم » (5) وقال علیه السلام : « إن سرّکم أن تزکوا صلاتکم فقدموا خیارکم » (6).

ص: 66


1- منهم العلامة الحلی فی التذکرة 1 : 144 ، والشهید الأول فی الذکری : 230 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 289.
2- الکافی 3 : 374 - 5 ، التهذیب 3 : 266 - 755 ، الوسائل 5 : 388 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 2.
3- الفقیه 1 : 249 - 1116 ، التهذیب 3 : 31 - 110 ، الوسائل 5 : 393 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 10.
4- الفقیه 1 : 248 - 1114 ، التهذیب 3 : 30 - 106 ، الوسائل 5 : 392 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 1.
5- الفقیه 1 : 247 - 1100 ، الوسائل 5 : 416 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 2.
6- الفقیه 1 : 247 - 1101 ، علل الشرائع : 326 - 3 ، المقنع : 35 ، الوسائل 5 : 416 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 3.

______________________________________________________

والعدالة لغة : الاستواء والاستقامة ، وعرّفها المتأخرون شرعا : بأنها هیئة راسخة فی النفس تبعث علی ملازمة التقوی والمروّة.

وتتحقق التقوی بمجانبة الکبائر وعدم الإصرار علی الصغائر. وللأصحاب فی تعداد الکبائر اختلاف ، والمروی عن الصادق علیه السلام فی حسنة عبید بن زرارة أنها سبع : الکفر بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدین ، وأکل الربا بعد البینة ، وأکل مال الیتیم ظلما ، والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة. قال ، قلت : فأکل درهم من مال الیتیم أکبر أم ترک الصلاة؟ قال : « ترک الصلاة » قلت فما عددت فی الکبائر؟ فقال : « أی شی ء أول ما قلت لک؟ » قال ، قلت : الکفر ، قال : « فإنّ تارک الصلاة کافر » یعنی من غیر علة (1).

وروی الکلینی - رحمه الله - فی الصحیح ، عن عبد العظیم بن عبد الله الحسنی - وکان مرضیا - عن أبی جعفر علیه السلام : إن أباه علیه السلام سمع جده موسی بن جعفر علیه السلام یقول : « أکبر الکبائر : الإشراک بالله ، ثم الإیاس من روح الله ، ثم الأمان من مکر الله ، وعقوق الوالدین ، وقتل النفس التی حرّم الله إلا بالحق ، وقذف المحصنة ، وأکل مال الیتیم ، والفرار من الزحف ، وأکل الربا ، والسحر ، والزنا ، والیمین الغموس ، والغلول ، ومنع الزکاة المفروضة ، وشهادة الزور ، وکتمان الشهادة ، وترک الصلاة متعمدا أو شی ء مما فرض الله ، ونقض العهد ، وقطیعة الرحم » (2).

والمراد بالإصرار علی الصغیرة العزم علی فعلها بعد الفراغ منها ، وفی معناه المداومة علی نوع واحد منها بلا توبة.

وأما المروّة فالمراد بها : تنزیه النفس من الدناءة التی لا تلیق بأمثاله ، ویحصل ذلک بالتزام محاسن العادات وترک الرذائل المباحة ، کالبول فی الشوارع

ص: 67


1- الکافی 2 : 278 - 8 ، الوسائل 11 : 254 أبواب جهاد النفس وما یناسبه ب 46 ح 4.
2- الکافی 2 : 285 - 24 ، الوسائل 11 : 252 أبواب جهاد النفس وما یناسبه ب 46 ح 2.

___________________________________________________________

وقت مرور الناس ، والأکل فی الأسواق فی غیر المواضع المعدة له ، وکثرة الضحک ، والإفراط فی المزاح ، ولبس الفقیه ثیاب الجندی ، ونحو ذلک مما یدل علی عدم الحیاء وقلة المبالاة.

ولم یعتبر المصنف - رحمه الله - فی کتاب الشهادات من هذا الکتاب هذا القید فی مفهوم العدالة ، بل اقتصر علی عدم مواقعة الکبائر والإصرار علی الصغائر (1). وله وجه وجیه وإن (2) کان تحقق التقوی ممن لا یقع فیه تنزیه النفس من الدناءة التی لا تلیق بأمثاله نادرا.

واعلم أنا لم نقف للأصحاب فی هذا التعریف علی نص یدل علیه صریحا ، والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار المعتبرة ما رواه ابن بابویه فی کتابه من لا یحضره الفقیه بسند لا تبعد صحته ، عن الثقة الجلیل عبد الله بن أبی یعفور قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : بم تعرف عدالة الرجل من المسلمین حتی تقبل شهادته لهم وعلیهم؟ فقال : « أن تعرفوه بالستر والعفاف وکف البطن والفرج والید واللسان ، وتعرف باجتناب الکبائر التی أوعد الله عزّ وجلّ علیها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدین والفرار من الزحف وغیر ذلک ، والدلالة علی ذلک کله أن یکون ساترا لجمیع عیوبه حتی یحرم علی المسلمین ما وراء ذلک من عثراته وعیوبه وتفتیش ما وراء ذلک ، ویجب علیهم تزکیته وإظهار عدالته فی الناس ، ویکون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب علیهن وحفظ مواقیتهن بحضور جماعة المسلمین وأن لا یختلف عن جماعتهم فی مصلاهم إلا من علة ، فإذا کان کذلک لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس ، فإذا سئل عنه فی قبیلته ومحلته قالوا : ما رأینا منه إلا خیرا مواظبا علی الصلاة متعاهدا لأوقاتها فی مصلاه ، فإن ذلک یجیز شهادته وعدالته بین المسلمین » (3).

ص: 68


1- شرائع الإسلام 4 : 126.
2- فی « م » : إن.
3- الفقیه 3 : 24 - 65 ، الوسائل 18 : 288 أبواب الشهادات ب 41 ح 1.

___________________________________________________________

ویستفاد من هذه الروایة أنه یقدح فی العدالة فعل الکبیرة التی أوعد الله تعالی علیها النار ، وأنه یکفی فی الحکم بها أن یظهر من حال المکلف کونه ساترا لعیوبه ملازما لجماعة المسلمین.

وقریب منها فی الدلالة ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : « من ولد علی الفطرة وعرف بالصلاح فی نفسه جازت شهادته » (1).

دلت الروایة علی أن من عرف بالصلاح فی نفسه جازت شهادته ، ویلزم من قبول شهادته ثبوت عدالته ، إذ لا خلاف فی اعتبار عدالة الشاهد وإن وقع الخلاف فیما تتحقق به العدالة.

وأوضح منها دلالة ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن علیه السلام أنه قال له : جعلت فداک کیف طلاق السنة؟ قال : « یطلقها إذا طهرت من حیضها قبل أن یغشاها بشاهدین عدلین ، کما قال الله فی کتابه » ثم قال علیه السلام فی آخر الروایة : « من ولد علی الفطرة أجیزت شهادته علی الطلاق بعد أن یعرف منه خیر » (2).

وهذه الروایات (3) مع اعتبار سندها مطابقة لمقتضی العرف ، بل لو نوقش فی ثبوت المعنی الشرعی للعدل لوجب المصیر إلی المعنی العرفی ، ( وهو ) (4) أقرب إلی ما تضمنته هذه الروایات من التعریف المتقدم. والله تعالی أعلم.

الخامس : طهارة المولد ، وهو أن لا یعلم کونه ولد زنا. واشتراط ذلک مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا ، ویدل علیه حسنة زرارة ، عن أبی جعفر

ص: 69


1- الفقیه 3 : 28 - 83 ، الوسائل 18 : 290 أبواب الشهادات ب 41 ح 5.
2- التهذیب 8 : 49 - 152 ، الوسائل 15 : 282 أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ب 10 ح 4.
3- فی « ح » : الروایة.
4- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « س » ، « ح » : إذا المعنی اللغوی غیر مراد ، والظاهر أن المعنی العرفی.

ویجوز أن یکون عبدا.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا یصلین أحدکم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا » (1).

ولا منع فیمن تناله الألسن ، ولا ولد الشبهة ، ولا من جهل أبوه ، لکن یکره لنفرة النفس منهم الموجبة لعدم کمال الإقبال علی العبادة.

السادس : الذکورة ، ولا ریب فی اشتراطها بناء علی أن الجمعة لا تنعقد بالمرأة. وقال فی التذکرة : إنه یشترط فی إمامة الرجال الذکورة عند علمائنا أجمع وبه قال عامة العلماء (2).

قوله : ( ویجوز أن یکون عبدا ).

هذا مبنی علی القول بانعقاد الجمعة به مع الحضور ، کما اختاره فی الخلاف (3) ، وقد تقدم الکلام فیه.

واختلف الأصحاب فی إمامة العبد ، فقال الشیخ فی الخلاف (4) وابن الجنید (5) ، وابن إدریس (6) : إنها جائزة ، عملا بمقتضی الأصل ، والعمومات ، وما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام : إنه سئل عن العبد ، یؤم القوم إذا رضوا به وکان أکثرهم قرآنا؟ قال : « لا بأس به » (7).

وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط : لا یجوز أن یؤم الأحرار ویجوز أن یؤم

ص: 70


1- الکافی 3 : 375 - 4 ، الفقیه 1 : 247 - 1106 ، الوسائل 5 : 400 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
2- التذکرة 1 : 177.
3- الخلاف 1 : 249.
4- الخلاف 1 : 249.
5- نقله عنه فی المختلف : 153.
6- السرائر : 61.
7- التهذیب 3 : 29 - 99 ، الإستبصار 1 : 423 - 1628 ، الوسائل 5 : 400 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 2.

وهل یجوز أن یکون أبرص أو أجذم؟ فیه تردد ، والأشبه الجواز.

______________________________________________________

موالیه إذا کان أقرأهم (1).

وأطلق ابن حمزة أن العبد لا یؤم الحر (2) ، واختاره العلامة فی النهایة ، لأنه ناقص فلا یلیق بهذا المنصب الجلیل (3).

وقال ابن بابویه فی المقنع : لا یؤم العبد إلا أهله (4). تعویلا علی روایة السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علی علیه السلام ، قال : « لا یؤم العبد إلا أهله » (5) وهی قاصرة من حیث السند (6) ، فلا تصلح لمعارضة الخبر الصحیح المطابق للإطلاقات المتواترة.

قوله : ( وهل یجوز أن یکون أبرص أو أجذم؟ فیه تردد ، والأشبه الجواز ).

اختلف الأصحاب فی جواز إمامة الأبرص والأجذم فی الجمعة وغیرها ، فقال الشیخ فی النهایة والخلاف بالمنع من إمامتهما مطلقا (7). وقال المرتضی فی الانتصار (8) ، وابن حمزة (9) بالکراهة ، وقال الشیخ فی المبسوط (10) ، وابن البراج (11) ، وابن زهرة (12) بالمنع من إمامتهما إلا لمثلهما. وقال ابن إدریس : تکره

ص: 71


1- النهایة : 112 ، والمبسوط 1 : 155.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.
3- نهایة الأحکام 2 : 15.
4- المقنع : 35.
5- التهذیب 3 : 29 - 102 ، الإستبصار 1 : 423 - 1631 ، الوسائل 5 : 401 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 4.
6- لعل وجه الضعف هو أن راویها السکونی عامی - راجع عدة الأصول 1 : 380 ، وخلاصة العلامة : 35 ، 199.
7- النهایة : 112 ، والخلاف 1 : 216.
8- الانتصار : 50.
9- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.
10- المبسوط 1 : 155.
11- المهذب 1 : 80.
12- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560.

______________________________________________________

إمامتهما فی ما عدا الجمعة والعیدین ، أما فیهما فلا تجوز (1). والمعتمد الأول.

لنا : الأخبار المستفیضة کحسنة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین لا یصلین أحدکم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا » (2).

وصحیحة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « خمسة لا یؤمون الناس علی کل حال : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابی » (3).

وروایة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « خمسة لا یؤمون الناس ولا یصلون بهم صلاة فریضة فی جماعة : الأبرص ، والمجذوم ، وولد الزنا ، والأعرابی حتی یهاجر ، والمحدود » (4).

ولا ینافی ذلک ما رواه عبد الله بن یزید ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المجذوم والأبرص یؤمان المسلمین؟ قال : « نعم » قلت : هل یبتلی الله بهما المؤمنین؟ قال : « نعم ، وهل کتب الله البلاء إلا علی المؤمن » (5) لأنا نجیب عنها بالطعن فی السند بجهالة الراوی ، وحملها الشیخ فی التهذیب علی الضرورة ، بأن لا یوجد غیرهما ، أو أن یکون إمامین لأمثالهما. وفیه بعد.

نعم لو صح السند لأمکن حمل النهی الواقع فی الأخبار المتقدمة علی

ص: 72


1- السرائر : 60.
2- الکافی 3 : 375 - 4 ، الفقیه 1 : 247 - 1106 ، الوسائل 5 : 400 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
3- الکافی 3 : 375 - 1 ، التهذیب 3 : 26 - 92 ، الإستبصار 1 : 422 - 1626 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 5.
4- الفقیه 1 : 247 - 1105 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 3.
5- التهذیب 3 : 27 - 93 ، الإستبصار 1 : 422 - 1627 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 1.

وکذا الأعمی.

______________________________________________________

الکراهة کما هو مذهب المرتضی رضی الله عنه ، وأما تفصیل ابن إدریس فلم نقف علی مستنده.

قوله : ( وکذا الأعمی ).

أی وکذا التردد فی الأعمی ، والجواز أشبه. ومنشأ التردد فی ذلک من أصالة الجواز وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « لا بأس بأن یصلی الأعمی بالقوم وإن کانوا هم الذین یوجهونه » (1) ، ومن أنه ناقص فلا یلیق بهذا المنصب الجلیل. وضعف الوجه الثانی من وجهی التردد ظاهر فالمعتمد الجواز.

وأعلم أنه قد وقع فی کلام العلامة - رحمه الله - فی هذه المسألة اختلاف عجیب ، فقال فی باب الجمعة من التذکرة : اشترط أکثر علمائنا کون الإمام سلیما من الجذام والبرص والعمی ، لقوله علیه السلام : « خمسة لا یؤمون الناس علی کل حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابی » والأعمی لا یتمکن من الاحتراز عن النجاسات غالبا ، ولأنه ناقص فلا یلیق بهذا المنصب الجلیل (2).

وقال فی باب الجماعة من الکتاب المذکور : ولا خلاف بین العلماء فی جواز إمامة الأعمی بمثله وللمبصر (3).

وقال فی باب الجمعة من المنتهی : وتجوز إمامة الأعمی ، وهو قول أکثر أهل العلم (4).

وقال فی باب الجماعة : ولا بأس بإمامة الأعمی إذا کان من ورائه من یسدده ویوجهه إلی القبلة ، وهو مذهب أهل العلم لا نعلم فیه خلافا إلا ما نقل

ص: 73


1- التهذیب 3 : 30 - 105 ، الوسائل 5 : 409 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 1.
2- التذکرة 1 : 145.
3- التذکرة 1 : 179.
4- المنتهی 1 : 324.

السادسة : المسافر إذا نوی الإقامة فی بلد عشرة أیام فصاعدا وجبت علیه الجمعة. وکذا إذا لم ینو الإقامة ومضی علیه ثلاثون یوما فی مصر واحد.

السابعة : الأذان الثانی یوم الجمعة بدعة ، وقیل : مکروه ، والأول أشبه.

______________________________________________________

عن أنس أنه قال : ما حاجتهم إلیه (1). ومع ذلک فأفتی فی النهایة بالمنع من إمامته (2).

قوله : ( السادسة ، المسافر إذا نوی الإقامة فی بلد عشرة أیام فصاعدا وجبت علیه الجمعة ، وکذا إذا لم ینو الإقامة ومضی علیه ثلاثون یوما فی مصر واحد ).

الوجه فی ذلک ظاهر ، فإن المسافر یجب علیه الإتمام بکلا الأمرین ، وسقوط الجمعة دائر مع وجوب التقصیر کما بیناه فیما سبق.

قوله : ( السابعة ، الأذان الثانی یوم الجمعة بدعة ، وقیل : مکروه ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی الأذان الثانی یوم الجمعة ، فقال الشیخ فی المبسوط والمصنف فی المعتبر : إنه مکروه (3). وقال ابن إدریس : إنه محرم (4). وبه قال عامة المتأخرین (5) ، لأن الاتفاق واقع علی أن النبی صلی الله علیه و آله لم یفعله ولا أمر بفعله ، وإذا لم تثبت مشروعیته کان بدعة ، کالأذان للنافلة ، لأن

وجوب الجمعة للمقیم

ص: 74


1- المنتهی 1 : 371.
2- نهایة الأحکام 2 : 15.
3- المبسوط 1 : 149 ، والمعتبر 2 : 296.
4- السرائر : 64.
5- منهم العلامة الحلی فی القواعد 1 : 38 ، والشهید الأول فی الدروس : 43 ، والسیوری فی التنقیح الرائع 1 : 230 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 35.

______________________________________________________

العبادات إنما تستفاد من التوقیف. وقد روی أن أول من فعل ذلک عثمان (1) ، قال الشافعی : ما فعله النبی صلی الله علیه و آله وأبو بکر وعمر أحب إلیّ (2). وقال عطاء : أول من فعل ذلک معاویة (3).

واستدلوا علیه أیضا بما رواه حفص بن غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه علیه السلام ، قال : « الأذان الثالث یوم الجمعة بدعة » (4).

قیل : وإنما سمی ثالثا ، لأن النبی صلی الله علیه و آله شرع للصلاة أذانا وإقامة فالزیادة ثالث (5).

وردها المصنف - رحمه الله - فی المعتبر بضعف الراوی (6).

قال فی الذکری : ولا حاجة إلی الطعن فی السند مع قبول الروایة التأویل ، وتلقی الأصحاب لها بالقبول ، بل الحق أن لفظ البدعة لیس بصریح فی التحریم ، فإن المراد بالبدعة ما لم یکن فی عهد النبی صلی الله علیه و آله ثم تجدد بعده ، وهو ینقسم إلی محرم ومکروه (7).

وفیه نظر ، فإن البدعة من العبادة لا تکون إلا محرمة. وقد روی زرارة ومحمد بن مسلم والفضیل فی الصحیح ، عن الصادقین علیهماالسلام أنهما قالا : « ألا وإن کل بدعة ضلالة ، وکل ضلالة سبیلها إلی النار » (8).

ص: 75


1- صحیح البخاری 2 : 10 ، الأم 1 : 195.
2- الأم 1 : 195.
3- نقله عنه فی کتاب الأم 1 : 195.
4- الکافی 3 : 421 - 5 ، التهذیب 3 : 19 - 67 ، الوسائل 5 : 81 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 49 ح 1.
5- قال به ابن إدریس فی السرائر : 64 ، والمحقق الحلی فی المعتبر 2 : 296 ، والعلامة الحلی فی التذکرة 1 : 155.
6- المعتبر 2 : 296.
7- الذکری : 237.
8- الفقیه 2 : 87 - 394 ، التهذیب 3 : 69 - 226 ، الإستبصار 1 : 467 - 1807 ، الوسائل 5 : 191 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.

الثامنة : یحرم البیع یوم الجمعة بعد الأذان ،

______________________________________________________

إذا تقرر ذلک فالظاهر أن المراد بالأذان الثانی : ( ما یقع ثانیا بالزمان والقصد ، لأن الواقع أولا هو المأمور به والمحکوم بصحته ، ویبقی التحریم متوجها إلی الثانی ) (1).

وقیل (2) : إنه ما لم یکن بین یدی الخطیب ، لأنه الثانی باعتبار الإحداث ، سواء وقع أولا أو ثانیا بالزمان ، لما رواه عبد الله بن میمون ، عن جعفر ، عن أبیه علیهم السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا خرج إلی الجمعة قعد علی المنبر حتی یفرغ المؤذنون » (3) وهذه الروایة مع قصورها من حیث السند (4) معارضة بما رواه محمد بن مسلم فی الحسن ، قال : سألته عن الجمعة فقال : « أذان وإقامة ، یخرج الإمام بعد الأذان فیصعد المنبر فیخطب » (5) الحدیث ، وهو صریح فی استحباب الأذان قبل صعود الإمام المنبر فیکون المحدث خلافه.

وقال ابن إدریس : الأذان الثانی ما یفعل بعد نزول الإمام مضافا إلی الأذان الأول الأول الذی عند الزوال (6). وهو غریب.

قوله : ( الثامنة ، یحرم البیع یوم الجمعة بعد الأذان ).

أجمع العلماء کافة علی تحریم البیع بعد النداء للجمعة قاله فی التذکرة (7) ، والقرآن الکریم ناطق بذلک ، قال الله تعالی :

عدم تشریع الأذان الثانی یوم الجمعة

ص: 76


1- بدل ما بین القوسین فی « س » ، ونسخة فی « م » ، « ح » : الثانی بالزمان ، وهو ما یقع بعد أذان سابق واقع فی الوقت من مؤذن واحد مطلقا أو من غیره مع قصد التوظیف أو کونه ثانیا.
2- کما فی جامع المقاصد 1 : 138.
3- التهذیب 3 : 244 - 663 ، الوسائل 5 : 43 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 28 ح 2.
4- لعل وجهه هو قول راویها بالتزید - راجع رجال الکشی 2 : 687.
5- الکافی 3 : 424 - 7 ، التهذیب 3 : 241 - 648 ، الوسائل 5 : 39 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 25 ح 3.
6- السرائر : 64.
7- التذکرة 1 : 156.

فإن باع أثم وکان البیع صحیحا علی الأظهر.

______________________________________________________

( یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا نُودِیَ لِلصَّلاةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلی ذِکْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَیْعَ ) (1) أوجب ترکه فیکون فعله حراما

وهل یحرم غیر البیع من العقود؟ قال فی المعتبر : الأشبه بالمذهب لا خلافا لطائفة من الجمهور - لاختصاص النهی بالبیع فلا یتعدی إلی غیره (2).

واستشکله العلامة رحمه الله فی جملة من کتبه ، نظرا إلی المشارکة فی العلة المومی إلیها بقوله ( ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ ) (3) وهو فی محله.

قال فی الذکری : لو حملنا البیع علی المعاوضة المطلقة التی هی معناه الأصلی کان مستفادا من الآیة تحریم غیره ، ویمکن تعلیل التحریم بأن الأمر بالشی ء یستلزم النهی عن ضده ، ولا ریب أن السعی مأمور به فیتحقق النهی عن کل ما ینافیه من بیع وغیره (4).

ویتوجه علی الأول أن حمل البیع علی مطلق المعاوضة علی الأعیان والمنافع خلاف المعنی الشرعی والعرفی.

وعلی الثانی أنه خلاف ما ذهب إلیه فی مواضع من کتابه من أن الأمر بالشی ء لا یقتضی النهی عن ضده الخاص ، ومع ذلک فهو إنما یقتضی تحریم المنافی من ذلک خاصة لا مطلق المعاوضات.

قوله : ( فإن باع أثم وکان صحیحا علی الأظهر ).

أما الإثم فلدلالة النهی علی التحریم.

وأما الصحة فلأنه عقد صدر من أهله فی محله فیجب الوفاء به ، لعموم ما دل علی وجوب الوفاء بالعقد اللازم ، وقد ثبت فی الأصول أن النهی فی

ص: 77


1- الجمعة : 9.
2- المعتبر 2 : 297.
3- المنتهی 1 : 331 ، والتذکرة 1 : 156.
4- الذکری : 238.

ولو کان أحد المتعاقدین من لا یجب علیه السعی کان البیع سائغا بالنظر إلیه ، حراما بالنظر إلی الآخر.

______________________________________________________

المعاملات لا یقتضی الفساد ، وإنما یقتضی التحریم خاصة ، ولهذا لم یتناقض النهی عن البیع مثلا مع التصریح بترتب أثره علیه ، بخلاف العبادة ، لأن الفعل الواحد الشخصی یستحیل کونه مأمورا به منهیا عنه علی ما بیناه غیر مرة (1).

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف ، وابن الجنید بعدم الانعقاد (2) ، ومال إلیه شیخنا المعاصر (3) ، إما لأن النهی فی المعاملات یقتضی الفساد کما ذکره الشیخ ، أو لأن العقد المحرم لم یثبت کونه سببا فی النقل کما ادعاه شیخنا سلمه الله ، قال : ولا یمکن الاستدلال علی سببیته بقوله تعالی ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَیْعَ ) (4) لأنه محرم کما هو المفروض ، ولا بالإجماع لأن ذلک محل الخلاف.

والجواب منع الحصر ، فإنه قوله تعالی ( إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْکُمْ ) (5) یتناوله ، وکذا قوله علیه السلام : « البیّعان بالخیار ما لم یفترقا » (6) وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة (7) یشمله قطعا.

قوله : ( ولو کان أحد المتعاقدین من لا یجب علیه السعی کان البیع سائغا بالنظر إلیه ، حراما بالنظر إلی الآخر ).

بل الأظهر تحریمه علیه أیضا ، لأنه معاونة علی المحرم ، وقد قال تعالی :

ص: 78


1- راجع 3 : 174 ، 217.
2- المبسوط 1 : 150 ، والخلاف 1 : 251 ، ونقله عن ابن الجنید فی المختلف : 108.
3- مجمع الفائدة 2 : 380.
4- البقرة : 275.
5- النساء : 29.
6- الکافی 5 : 170 - 6 ، التهذیب 3 : 20 - 85 ، الاستبصار 3 : 72 - 240 ، الخصال : 127 - 128 ، الوسائل 12 : 346 أبواب الخیار ب 1 ح 3.
7- الوسائل 12 : 345 أبواب الخیار ب 1.

التاسعة : إذا لم یکن الإمام موجودا ولا من نصّبه للصلاة وأمکن الاجتماع والخطبتان ، قیل : یستحب أن یصلّی جمعة ، وقیل : لا یجوز ، والأول أظهر.

______________________________________________________

( وَلا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (1).

قوله : ( التاسعة ، إذا لم یکن الإمام موجودا ولا من نصبه للصلاة وأمکن الاجتماع والخطبتان ، قیل : یستحب أن یصلّی جمعة ، وقیل : لا یجوز ، والأول أظهر ).

المراد باستحباب الجمعة کونها أفضل الفردین الواجبین لا کونها مندوبة ، لأنها متی صحت أجزأت عن الظهر بإجماع العلماء ، والمندوب لا یجزئ عن الواجب قطعا. وهذا القول اختیار الشیخ فی المبسوط والخلاف (2) وجمع من الأصحاب.

واحتجوا (3) علیه بعموم الأوامر الواردة بالجمعة من الکتاب والسنة وهی تقتضی الوجوب ، لکن لما انتفی العینی فی حال الغیبة بالإجماع تعیّن التخییری.

ویتوجه علیه ما حققناه سابقا (4).

والقول بعدم جواز فعلها فی زمن الغیبة لسلار (5) وابن إدریس (6) ، وهو ظاهر اختیار المرتضی فی بعض رسائله (7).

واحتجوا علیه بأن من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من نصبه الإمام للصلاة إجماعا ، وهو منتف فتنتفی الصلاة ، وبأن الظهر ثابتة فی الذمة بیقین فلا یبرأ المکلف إلا بفعلها.

استحباب الجمعة إذا لم یکن الامام أو من نصبه

ص: 79


1- المائدة : 2.
2- المبسوط 1 : 151 ، والخلاف 1 : 249.
3- منهم الکرکی فی جامع المقاصد 1 : 131.
4- فی ص 8.
5- المراسم : 77.
6- السرائر : 66.
7- جواب المسائل المیافارقیات ( رسائل الشریف المرتضی ) : 272.

العاشرة : إذا لم یتمکن المأموم من السجود مع الإمام فی الأولی ، فإن أمکنه السجود واللحاق به قبل الرکوع وجب ، وإلا اقتصر علی متابعته فی السجدتین وینوی بهما الأولی ، فإن نوی بهما الثانیة ، قیل : تبطل الصلاة ، وقیل : یحذفهما ویسجد للأولی ویتم ثنائیة ، والأول أظهر.

______________________________________________________

والجواب عن الأول ما قررناه مرارا من أن الإجماع إنما یکون حجة مع العلم القطعی بدخول قول المعصوم فی جملة أقوال المجمعین ، وهذا مما یقطع بتعذره فی زمن ابن إدریس وما شاکله ، خصوصا مع تحقق الخلاف فی المسألة.

وعن الثانی بمنع تیقن وجوب الظهر فی صورة النزاع ، بل الظاهر أن المتیقن یوم الجمعة هو صلاة الجمعة کما یدل علیه الکتاب والسنة المتواترة.

وبالجملة فالأخبار الواردة بوجوب الجمعة مستفیضة بل متواترة ، وتوقفها علی الإمام أو نائبه غیر ثابت ، بل قد بینا أنه لا دلیل علیه ، واللازم من ذلک الوجوب العینی إن لم ینعقد الإجماع القطعی علی خلافه ، ودون إثباته خرط القتاد ، والله الموفق للسداد.

قوله : ( العاشرة ، إذا لم یتمکن المأموم من السجود مع الإمام فی الأولی ، فإن أمکنه السجود واللحاق به قبل الرکوع وجب ، وإلا اقتصر علی متابعته فی السجدتین وینوی بهما الأولی ، فإن نوی بهما الثانیة ، قیل : تبطل صلاته ، وقیل : یحذفهما ویسجد للأولی ویتم ثنائیة ، والأول أظهر ).

إذا زوحم المأموم فی سجود الأولی فلم یمکنه متابعة الإمام لم یجز له السجود علی ظهر غیره أو رجلیه إجماعا ، بل ینتظر حتی یتمکن من السجود علی الأرض ، فإن تمکن قبل رکوع الإمام فی الثانیة سجد ولحق الإمام ، وإن تعذر ذلک لم یکن له الرکوع مع الإمام فی الثانیة لئلا یزید رکنا ، بل یسجد مع الإمام السجدتین وینوی بهما الأولی فتسلم له رکعة ثم یتم برکعة بعد تسلیم الإمام. قال فی المعتبر : هذا متفق علیه (1).

حکم من لم یتمکن من السجود مع الامام

ص: 80


1- المعتبر 2 : 299.

______________________________________________________

وإن لم ینو بالسجدتین الأولی. قال الشیخ فی النهایة : بطلت صلاته (1). وکأنه لعدم الاعتداد بهما واستلزام إعادتهما زیادة الرکن ، وهو السجدتان ، فتبطل صلاته کما لو زاد رکوعا.

وقال فی المبسوط : إنه یحذف السجدتین ویسجد سجدتین أخریین ینوی بهما الأولی فتکمل له رکعة ویتمها بأخری (2). وهو اختیار المرتضی فی المصباح ، ولعل وجهه أصالة عدم بطلان الصلاة بهذه الزیادة.

واحتج له فی المعتبر (3) بما رواه حفص بن غیاث ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أدرک الجمعة وقد ازدحم الناس وکبر مع الإمام ورکع ولم یقدر علی السجود وقام الإمام والناس فی الرکعة الثانیة وقام هذا معهم فرکع الإمام ولم یقدر هو علی الرکوع فی الرکعة الثانیة من الزحام وقدر علی السجود ، کیف یصنع؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام : « أما الرکعة الأولی فهی إلی عند الرکوع تامة ، فلما لم یسجد لها حتی دخل فی الرکعة الثانیة لم یکن له ذلک ، فلما سجد فی الثانیة ، فإن کان نوی أن هذه السجدة هی للرکعة الأولی فقد تمّت له الأولی ، فإذا سلم الإمام قام فصلی رکعة یسجد فیها ثم یتشهد ویسلّم ، وإن کان لم ینو أن تکون تلک السجدة للرکعة الأولی لم تجز عنه عن الأولی ولا الثانیة ، وعلیه أن یسجد سجدتین وینوی أنهما للرکعة الأولی ، وعلیه بعد ذلک رکعة ثانیة یسجد فیها » (4) وهذه الروایة ضعیفة السند (5) ، فلا عبرة بها. والأصح البطلان إن نوی بهما الثانیة کما اختاره المصنف ، أما مع الذهول عن القصد فینصر فإن إلی الأولی.

ص: 81


1- النهایة : 107.
2- المبسوط 1 : 145.
3- المعتبر 2 : 299.
4- الکافی 3 : 429 - 9 ، الفقیه 1 : 270 - 1235 بتفاوت یسیر ، التهذیب 3 : 21 - 78 ، الوسائل 5 : 33 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 17 ح 2.
5- وجه الضعف هو أن حفص بن غیاث عامی - راجع رجال الطوسی : 118 ، والفهرست : 61.

وأما آداب الجمعة : فالغسل. والتنفل بعشرین رکعة : ست عند انبساط الشمس ، وست عند ارتفاعها ، وست قبل الزوال ، ورکعتان عند الزوال. ولو أخّر النافلة بعد الزوال جاز ، وأفضل من ذلک تقدیمها ، فإن صلی بین الفریضتین ست رکعات من النافلة جاز.

______________________________________________________

فرعان :

الأول : لو زوحم عن الرکوع والسجود صبر حتی یتمکن منهما تم یلتحق ، روی ذلک ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق علیه السلام (1).

الثانی : لو زوحم عن الرکعتین ولم یمکنه الالتحاق حتی سجد الإمام احتمل إتمامها ظهرا ، وهو خیرة المصنف فی المعتبر (2) ، ویحتمل إتمامها جمعة ، لما تقدم من أن الجماعة إنما تعتبر ابتداء لا استدامة (3) ، ولعله الأظهر.

قوله : ( وأما آداب الجمعة فالغسل ).

قد سبق الکلام فی الغسل فی باب الطهارة.

قوله : ( والتنفل بعشرین رکعة : ست عند انبساط الشمس ، وست عند ارتفاعها ، وست قبل الزوال ، ورکعتان عند الزوال ، ولو أخر النافلة بعد الزوال جاز ، وأفضل من ذلک تقدیمها ، فإن صلی بین الفریضتین ست رکعات من النافلة جاز ).

مذهب الأصحاب استحباب التنفل یوم الجمعة بعشرین رکعة ، زیادة عن کل یوم بأربع رکعات ، قال العلامة - رحمه الله - فی النهایة : والسبب فیه أن الساقط رکعتان فیستحب الإتیان ببدلهما ، والنافلة الراتبة ضعف الفرائض (4) ،

آداب یوم الجمعة

استحباب التنفل بعشرین رکعة

ص: 82


1- الفقیه 1 : 270 - 1234 ، الوسائل 5 : 32 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 17 ح 1 ، وفیهما : عن أبی الحسن.
2- المعتبر 2 : 300.
3- فی ص 26.
4- نهایة الأحکام 2 : 52.

______________________________________________________

ومقتضی ذلک اختصاص استحباب الزیادة بمن صلی الجمعة ، والأخبار مطلقة.

واختلفت الروایة عن أهل البیت علیهم السلام فی ترتیبها ، فروی الشیخ فی التهذیب ، عن الحسین بن سعید ، عن یعقوب بن یقطین ، عن العبد الصالح علیه السلام ، قال : سألته عن التطوع یوم الجمعة ، قال : « إذا أردت أن تتطوع یوم الجمعة فی غیر سفر صلیت ست رکعات ارتفاع النهار ، وست رکعات قبل نصف النهار ، ورکعتین إذا زالت الشمس قبل الجمعة ، وست رکعات بعد الجمعة » (1) ونحوه روی أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام (2). وبهاتین الروایتین وما فی معناهما أخذ السید المرتضی (3) وابن أبی عقیل (4) ، والجعفی (5) ، وجمع من الأصحاب.

وروی الشیخ أیضا ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقی ، عن سعد بن سعد الأشعری ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة یوم الجمعة کم رکعة هی قبل الزوال؟ قال : « ست رکعات بکرة ، وست بعد ذلک اثنتا عشرة رکعة ، وست بعد ذلک ثمانی عشرة رکعة ، ورکعتان بعد الزوال فهذه عشرون رکعة ، ورکعتان بعد العصر فهذه ثنتان وعشرون رکعة » (6) وبمضمون هذه الروایة أفتی الشیخ فی جملة من کتبه (7) ، والمفید فی المقنعة (8).

ص: 83


1- التهذیب 3 : 11 - 36 ، الإستبصار 1 : 410 - 1567 ، الوسائل 5 : 24 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 10.
2- التهذیب 3 : 246 - 668 ، الإستبصار 1 : 410 - 1569 ، الوسائل 5 : 23 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 6.
3- نقله عنهما فی المختلف : 110.
4- نقله عنهما فی المختلف : 110.
5- نقله عنه فی الذکری : 124.
6- التهذیب 3 : 246 - 669 ، الاستبصار 1 : 411 - 1571 ، مصباح المتهجد : 309 ، الوسائل 5 : 23 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 5.
7- التهذیب 3 : 246 ، والاستبصار 1 : 411 ، والمبسوط 1 : 150 ، ومصباح المتهجد : 309.
8- المقنعة : 26.

وأن یباکر المضی إلی المسجد الأعظم بعد أن یحلق رأسه ، ویقصّ أظفاره ، ویأخذ من شاربه.

______________________________________________________

وروی أیضا فی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : النافلة یوم الجمعة ، قال : « ست رکعات قبل زوال الشمس ، ورکعتان عند زوالها. والقراءة فی الأولی بالجمعة ، وفی الثانیة بالمنافقین ، وبعد الفریضة ثمانی رکعات » (1) وعن عقبة بن مصعب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام فقلت : أیّما أفضل أقدم الرکعات یوم الجمعة أو أصلیها بعد الفریضة؟ فقال : « لا ، بل تصلیها بعد الفریضة » (2) وبمضمونها أفتی ابن بابویه (3) ، لکن الظاهر من کلامه أن التفریق أولی. وأن من لم یفرق فوظیفته الست عشرة خاصة. وهذا مقام استحباب فلا مشاحة فی اختلاف الروایات فیه والعمل بمضمون کل منها حسن إن شاء الله تعالی.

قوله : ( وأن یباکر المضی إلی المسجد الأعظم ).

لما رواه عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « فضّل الله الجمعة علی غیرها من الأیام ، وإن الجنان لتزخرف وتزیّن یوم الجمعة لمن أتاها ، وإنکم تتسابقون إلی الجنة علی قدر سبقکم إلی الجمعة ، وإن أبواب السماء لتفتح لصعود أعمال العباد » (4).

قوله : ( بعد أن یحلق رأسه ، ویقص أظفاره ، ویأخذ من شاربه ).

استحباب المباکرة فی المضی إلی الجمعة

استحباب الحلق وغیره یوم الجمعة

ص: 84


1- التهذیب 3 : 11 - 37 ، الإستبصار 1 : 410 - 1568 ، الوسائل 5 : 24 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 11 ح 9.
2- التهذیب 3 : 246 - 670 ، الإستبصار 1 : 411 - 1572 ، الوسائل 5 : 27 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 13 ح 3.
3- المقنع : 45 قال : وإن استطعت أن تصلی یوم الجمعة إذا طلعت الشمس ست رکعات ، وإذا انبسطت ست رکعات ، وقبل المکتوبة ست رکعات ، فافعل ، وإن قدمت نوافلک کلها فی یوم الجمعة قبل الزوال أو أخرتها إلی بعد المکتوبة.
4- الکافی 3 : 415 - 9 ، التهذیب 3 : 3 - 6 ، الوسائل 5 : 70 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 42 ح 1.

وأن یکون علی سکینة ووقار ، متطیبا ، لابسا أفضل ثیابه.

______________________________________________________

أما استحباب حلق الرأس یوم الجمعة فلم أقف فیه علی أثر ، وعلله فی المعتبر بأنه یوم اجتماع بالناس فیجتنب ما ینفّر (1).

وأما استحباب قص الأظافر والأخذ من الشارب فتدل علیه صحیحة حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « أخذ الشارب والأظفار من الجمعة إلی الجمعة أمان من الجذام » (2) وفی روایة أخری له عنه علیه السلام : « أخذ الشارب والأظفار وغسل الرأس بالخطمی یوم الجمعة ینفی الفقر ویزید فی الرزق » (3) وروی عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من أخذ من شاربه وقلم أظفاره وغسل رأسه بالخطمی یوم الجمعة کان کمن أعتق نسمة » (4).

قوله : ( وأن یکون علی سکینة ووقار ، متطیبا ، لابسا أفضل ثیابه ).

یدل علی ذلک روایات کثیرة ، منها ما رواه هشام بن الحکم قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « لیتزین أحدکم یوم الجمعة یغتسل ویتطیب ویسرح لحیته ویلبس أنظف ثیابه ، ولیتهیأ للجمعة ، ولتکن علیه فی ذلک الیوم السکینة والوقار ، ولیحسن عبادة ربه ، ولیفعل الخیر ما استطاع ، فإن الله یطّلع إلی الأرض لیضاعف الحسنات » (5).

وروی ابن بابویه فی کتابه ، عن الرضا علیه السلام أنه قال : « ینبغی

استحباب السکینة والوقار وغیرها عند المضی للجمعة

ص: 85


1- المعتبر 2 : 302.
2- الکافی 3 : 418 - 7 ، التهذیب 3 : 236 - 622 ، أمالی الصدوق : 250 - 10 ، الخصال : 39 - 24 ، الوسائل 5 : 49 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 33 ح 10.
3- الکافی 3 : 418 - 5 ، الوسائل 5 : 50 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 33 ح 15 ، بسند آخر.
4- الکافی 3 : 418 - 6 ، التهذیب 3 : 236 - 623 ، الوسائل 5 : 47 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 32 ح 2.
5- الکافی 3 : 417 - 1 ، الفقیه 1 : 64 - 244 ، التهذیب 3 : 10 - 32 ، الوسائل 5 : 78 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 47 ح 2.

وأن یدعو أمام توجهه. وأن یکون الخطیب بلیغا ،

______________________________________________________

للرجل أن لا یدع أن یمس شیئا من الطیب فی کل یوم ، فإن لم یقدر فیوم ویوم وإن لم یقدر ففی کل جمعة لا یدع ذلک ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا کان یوم الجمعة ولا یصیب طیبا دعا بثوب مصبوغ بزعفران فرش علیه الماء ثم مسحه بیده ثم مسح به وجهه » (1).

قوله : ( وأن یدعو أمام توجهه ).

روی أبو حمزة الثمالی فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ادع فی العیدین ویوم الجمعة إذا تهیأت للخروج بهذا الدعاء : اللهم من تهیأ وتعبّأ وأعدّ واستعد لوفادة إلی مخلوق رجاء رفده وطلب نائله وجوائزه وفواضله ونوافله فإلیک یا سیدی وفادی وتهیئتی وتعبئتی وإعدادی واستعدادی رجاء رفدک وجوائزک ونوافلک فلا تخیّب الیوم رجائی ، یا من لا یخیب علیه سائل ولا ینقصه نائل ، فإنی لم آتک الیوم بعمل صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته ، ولکن أتیتک مقرا بالظلم والإساءة لا حجة لی ولا عذر ، فأسألک یا رب أن تعطینی مسألتی وتقبلنی برغبتی ، ولا تردنی مجبوها ولا خائبا ، یا عظیم یا عظیم یا عظیم أرجوک للعظیم ، أسألک یا عظیم أن تغفر لی العظیم ، لا إله إلا أنت ، اللهم صلی علی محمد وآل محمد ، وارزقنی خیر هذا الیوم الذی شرفته وعظمته ، وتغسلنی فیه من جمیع ذنوبی وخطایای ، وزدنی من فضلک إنک أنت الوهاب » (2).

قوله : ( وأن یکون الخطیب بلیغا ).

بمعنی کونه قادرا علی تألیف الکلام الفصیح المطابق لمقتضی الحال من التخویف والإنذار والترغیب من غیر إملال ولا إخلال. وإنما استحب ذلک لأن له أثرا بینا فی القلوب.

استحباب الدعاء امام التوجه للجمعة

استحباب کون الامام بلیغا

ص: 86


1- الفقیه 1 : 274 - 1255 ، 1256 ، الوسائل 5 : 54 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 37 ح 1 وص 55 ح 6.
2- التهذیب 3 : 142 - 316 ، الإقبال : 280 ، البحار 86 : 329 - 1.

مواضبا علی الصلوات فی أول أوقاتها.

ویکر له الکلام فی أثناء الخطبة بغیرها.

ویستحب أن یتعمّم شاتیا کان أو قائضا. ویرتدی ببرد یمنیّة. وأن یکون معتمدا علی شی ء. وأن یسلّم أولا. وأن یجلس أمام الخطبة.

______________________________________________________

قوله : ( ویستحب أن یتعمم شاتیا کان أو قائضا ، ویتردی ببرد یمنیّة ، وأن یکون معتمدا علی شی ء ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کانوا سبعة یوم الجمعة فلیصلوا فی جماعة ، ولیلبس البرد والعمامة ولیتوکأ علی قوس أو عصا ، ولیقعد قعدة بین الخطبتین ، ویجهر بالقراءة ، ویقنت فی الرکعة الأولی منهما قبل الرکوع » (1).

قوله : ( وأن یسلم أولا ).

هذا قول أکثر الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه عمرو بن جمیع یرفعه ، عن علی علیه السلام أنه قال : « من السنة إذا صعد الإمام المنبر أن یسلم إذا استقبل الناس » (2) قال فی الذکری : وعلیه عمل الناس (3).

وقال الشیخ فی الخلاف : لا یستحب ، لأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها بواجب أو مستحب یحتاج إلی دلیل (4). وهو جید ، لقصور سند الحدیث.

قوله : ( وأن یجلس أمام الخطبة ).

لما روی عن الباقر علیه السلام أنه قال : « کان رسول الله صلی الله علیه

استحباب التعمم للامام

استحباب التسلیم للامام

استحباب الجلوس أمام الخطبة

استحباب التسلیم للامام

ص: 87


1- التهذیب 3 : 245 - 664 ، الاستبصار 1 : 418 - 1607 وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 5 : 15 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 6 ح 5.
2- التهذیب 3 : 244 - 662 ، الوسائل 5 : 43 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 28 ح 1.
3- الذکری : 236.
4- الخلاف 1 : 248.

وإذا سبق الإمام إلی قراءة سورة فلیعدل إلی الجمعة وکذا فی الثانیة یعدل إلی سورة المنافقین ما لم یتجاوز نصف السورة ، إلا فی سورة الجحد والتوحید.

______________________________________________________

وآله إذا خرج إلی الجمعة قعد علی المنبر حتی یفرغ المؤذنون » (1) وفی الطریق ضعف (2).

قوله : ( وإذا سبق الإمام إلی قراءة سورة فلیعدل إلی الجمعة والمنافقین ما لم یتجاوز نصف السورة ، إلا فی سورة الجحد والتوحید ).

أما استحباب العدول مع عدم تجاوز النصف فی غیر هاتین السورتین فلا خلاف فیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات ، منها صحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا افتتحت صلاتک بقل هو الله أحد وأنت ترید أن تقرأ بغیرها فامض فیها ولا ترجع ، إلا أن تکون فی یوم الجمعة فإنک ترجع إلی الجمعة والمنافقین منها » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی الرجل یرید أن یقرأ سورة الجمعة فی الجمعة فیقرأ قل هو الله أحد ، قال : « یرجع إلی سورة الجمعة » (4).

وجه الدلالة أنهما تضمنتا الأمر بالعدول إلی هاتین السورتین من التوحید ، ومتی ساغ العدول منها إلیهما ساغ من غیرها بطریق أولی.

وأما تقیید الجواز بعدم تجاوز النصف فلم أقف له علی مستند ، واعترف الشهید فی الذکری بعدم الوقوف علیه أیضا (5). نعم روی عبید بن زرارة ، عن

استحباب العدول إلی سورتی الجمعة والمنافقین

ص: 88


1- التهذیب 3 : 244 - 663 ، الوسائل 5 : 43 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 28 ح 2.
2- لعل وجه الضعف هو ما نسب إلی راویها عبد الله بن میمون من التزیّد - راجع رجال الکشی 2 : 687 - 732.
3- التهذیب 3 : 242 - 650 ، الوسائل 4 : 814 أبواب القراءة فی الصلاة ب 69 ح 2.
4- الکافی 3 : 426 - 6 ، التهذیب 3 : 241 - 649 ، الوسائل 4 : 814 أبواب القراءة فی الصلاة ب 69 ح 1.
5- الذکری : 195.

ویستحب الجهر بالظهر فی یوم الجمعة.

______________________________________________________

أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یرید أن یقرأ السورة فیقرأ غیرها ، قال : « له أن یرجع ما بینه وبین أن یقرأ ثلثیها » (1) وفی الطریق عبد الله بن بکیر ، وهو فطحی (2) ، فلا تبلغ حجة فی تقیید الأخبار الکثیرة السلیمة من الطعن (3).

وأما المنع من العدول فی سورتی الجحد والتوحید بمجرد الشروع فیهما فاستدل علیه بصحیحة عمرو بن أبی نصر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : الرجل یقوم فی الصلاة فیرید أن یقرأ سورة فیقرأ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و ( قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ ) ، قال : « یرجع من کل سورة إلا من ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) و ( قُلْ یا أَیُّهَا الْکافِرُونَ ) » (4).

ویتوجه علیه أن هذه الروایة مطلقة وروایتا الحلبی ومحمد بن مسلم مفصلتان ، فکان العمل بمقتضاهما أولی.

قوله : ( ویستحب الجهر بالظهر یوم الجمعة ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، ومستنده صحیحة عمران الحلبی ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام وسئل عن الرجل یصلی الجمعة أربع رکعات ، أیجهر فیها بالقراءة؟ قال : « نعم ، والقنوت فی الثانیة » (5).

استحباب الجهر بالظهر یوم الجمعة

ص: 89


1- التهذیب 2 : 293 - 1180 ، الوسائل 4 : 776 أبواب القراءة فی الصلاة ب 36 ح 2.
2- راجع الفهرست : 106.
3- الوسائل 4 : 814 أبواب القراءة فی الصلاة ب 69.
4- الکافی 3 : 317 - 25 ، التهذیب 2 : 290 - 1166 ، الوسائل 4 : 775 أبواب القراءة فی الصلاة ب 35 ح 1.
5- الفقیه 1 : 269 - 1231 ، التهذیب 3 : 14 - 50 ، الإستبصار 1 : 416 - 1594 ، الوسائل 4 : 819 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 1.

______________________________________________________

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قال لنا : « صلوا فی السفر صلاة الجمعة جماعة بغیر خطبة واجهروا بالقراءة » فقلت : إنه ینکر علینا الجهر بها فی السفر فقال : « اجهروا بها » (1).

وحسنة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القراءة فی الجمعة إذا صلیت وحدی أربعا ، أجهر بالقراءة؟ فقال : « نعم » (2).

ونقل المصنف فی المعتبر عن بعض الأصحاب المنع من الجهر بالظهر مطلقا ، وقال : إن ذلک أشبه بالمذهب (3) ، واستدل علیه بصحیحة جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله عن الجماعة یوم الجمعة فی السفر ، قال : « تصنعون کما تصنعون فی غیر یوم الجمعة فی الظهر ، ولا یجهر الإمام ، إنما یجهر إذا کانت خطبة » (4).

وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألته عن صلاة الجمعة فی السفر ، قال : « تصنعون کما تصنعون فی الظهر ، ولا یجهر الإمام فیها بالقراءة ، وإنما یجهر إذا کانت خطبة » (5).

وأجاب عنهما الشیخ فی کتابی الحدیث بالحمل علی حال التقیة والخوف (6). وهو حسن.

وقال ابن إدریس : یستحب الجهر بالظهر إن صلیت جماعة لا

ص: 90


1- التهذیب 3 : 15 - 51 ، الإستبصار 1 : 416 - 1595 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 6.
2- الکافی 3 : 425 - 5 ، التهذیب 3 : 14 - 49 ، الإستبصار 1 : 416 - 1593 ، الوسائل 4 : 819 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 3.
3- المعتبر 2 : 304.
4- التهذیب 3 : 15 - 53 ، الإستبصار 1 : 416 - 1597 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 8.
5- التهذیب 3 : 15 - 54 ، الإستبصار 1 : 416 - 1598 ، الوسائل 4 : 820 أبواب القراءة فی الصلاة ب 73 ح 9.
6- التهذیب 3 : 15 ، والاستبصار 1 : 417.

ومن یصلی ظهرا فالأفضل إیقاعها فی المسجد الأعظم. وإذا لم یکن إمام الجمعة ممن یقتدی به جاز أن یقدّم المأموم صلاته علی الإمام. ولو صلی معه رکعتین وأتمّهما بعد تسلیم الإمام ظهرا کان أفضل.

______________________________________________________

انفرادا (1). ویدفعه صریحا روایة الحلبی المتقدمة (2).

قوله : ( وإذا لم یکن إمام الجمعة ممن یقتدی به جاز أن یقدّم المأموم صلاته علی الإمام ، ولو صلی معه رکعتین وأتمها بعد تسلیم الإمام ظهرا کان أفضل ).

لا ریب فی جواز کل من الأمرین. واختلف کلام المصنف فی الأفضل منهما ، فاختار هنا أفضلیة المتابعة والإتمام ، وربما کان مستنده روایة حمران عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « فی کتاب علی علیه السلام : إذا صلوا الجمعة فصلوا معهم ولا تقوم من مقامک حتی تصلی رکعتین أخریین » (3) وفی الطریق ضعف (4).

واختار فی المعتبر أن الأفضل التقدیم (5) ، لأن ذلک یقتضی الاستقلال بالإتیان بالصلاة علی الوجه التام ، ولما رواه أبو بکر الحضرمی قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام ، کیف تصنع یوم الجمعة؟ قال : « کیف تصنع أنت؟ » قلت : أصلی فی منزلی ثم أخرج فأصلی معهم ، قال : « کذلک أصنع أنا » (6).

ویشهد له أیضا ما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ما من عبد یصلی فی الوقت ویفرغ ثم یأتیهم ویصلی معهم وهو علی وضوء الا کتب الله له خمسا وعشرین درجة » (7).

أفضلیة تقدیم الظهر علی اتمام الجمعة ظهرا خلف من لا یقتدی به

ص: 91


1- السرائر : 65.
2- فی ص 89.
3- التهذیب 3 : 28 - 96 ، الوسائل 5 : 44 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 29 ح 1.
4- ووجهه هو وقوع ابن بکیر فی طریقها - وهو عبد الله بن بکیر - وهو فطحی ، راجع الفهرست : 106 ، ومعجم رجال الحدیث 22 : 169.
5- المعتبر 2 : 305.
6- التهذیب 3 : 246 - 671 ، الوسائل 5 : 44 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 29 ح 3.
7- الفقیه 1 : 265 - 1210 ، الوسائل 5 : 383 أبواب صلاة الجماعة وآدابها ب 6 ح 2.

الفصل الثانی :

فی صلاة العیدین

والنظر فیها ، وفی سننها :

وهی واجبة مع وجود الإمام بالشروط المعتبرة فی الجمعة.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثانی ، فی صلاة العیدین ).

العیدان هما الیومان المعروفان ، واحدهما عید ، ویاؤه منقلبة عن واو ، لأنه مأخوذ من العود ، إما لکثرة عوائد الله تعالی فیه علی عباده ، وإما لعود السرور والرحمة بعوده. والجمع أعیاد علی غیر قیاس ، لأن حق الجمع رد الشی ء إلی أصله. قیل : وإنما فعلوا ذلک للزوم الیاء فی مفردة ، أو للفرق بین جمعه وبین جمع عود الخشب (1).

قوله : ( وهی واجبة مع وجود الإمام بالشروط المعتبرة فی الجمعة ).

أجمع علماؤنا کافة علی وجوب صلاة العیدین علی الأعیان علی ما نقله جماعة منهم المصنف (2) والعلامة فی جملة من کتبه (3). والأصل فی وجوبها - قبل الإجماع - الکتاب والسنة ، قال الله تعالی ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَکّی وَذَکَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّی ) (4) وذکر جمع من المفسرین أن المراد بالزکاة والصلاة زکاة الفطرة وصلاة العید (5) ، وهو مروی عن الصادق علیه السلام أیضا (6).

وقال تعالی ( فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ ) (7) قیل : هی صلاة العید ونحر البدن للأضحیة (8).

صلاة العیدین

شرائط وجوب صلاة العید

ص: 92


1- قال به الشهید الثانی فی روض الجنان : 299.
2- المعتبر 2 : 308.
3- التذکرة 1 : 157 ، ونهایة الأحکام 2 : 55 ، والمنتهی 1 : 339.
4- الأعلی : 14.
5- منهم القمی فی تفسیره 2 : 417.
6- مجمع البیان 5 : 476.
7- الکوثر : 2.
8- کما فی التبیان 10 : 418.

______________________________________________________

وروی الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل ، قال : « سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التکبیر فی العیدین ، قال : « سبع وخمس » وقال : « صلاة العیدین فریضة » (1).

وعن أبی أسامة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صلاة العیدین فریضة ، وصلاة الکسوف فریضة » (2).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أردت الشخوص فی یوم عید فانفجر الصبح وأنت فی البلد فلا تخرج حتی تشهد ذلک العید » (3).

وقد قطع المصنف وغیره من الأصحاب بأن شروط هذه الصلاة شروط الجمعة ، وقد تقدم أنها خمسة.

الأول : السلطان العادل أو من نصبه للصلاة ، وظاهر العلامة فی المنتهی اتفاق الأصحاب علی اعتبار هذا الشرط (4) ، واحتج بصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لیس فی الفطر والأضحی أذان ولا إقامة » إلی أن قال : « ومن لم یصل مع إمام فی جماعة فلا صلاة له ولا قضاء علیه » (5).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن

ص: 93


1- الفقیه 1 : 320 - 1457 وفیه ذیل الحدیث ، التهذیب 3 : 127 - 270 ، الاستبصار 1 : 447 - 1729 وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 5 : 106 أبواب صلاة العید ب 10 ح 4.
2- التهذیب 3 : 127 - 269 ، الإستبصار 1 : 443 - 1710 ، الوسائل 5 : 95 أبواب صلاة العید ب 1 ح 4.
3- الفقیه 1 : 323 - 1480 ، التهذیب 3 : 286 - 853 ، الوسائل 5 : 133 أبواب صلاة العید ب 27 ح 1.
4- المنتهی 1 : 342.
5- الکافی 3 : 459 - 1 ، التهذیب 3 : 129 - 276 ، ثواب الأعمال : 105 - 1 ، الوسائل 5 : 97 أبواب صلاة العید ب 2 ح 10.

______________________________________________________

الصلاة یوم الفطر والأضحی فقال : « لیس صلاة إلا مع إمام » (1).

وروایة معمر بن یحیی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا صلاة یوم الفطر والأضحی إلا مع إمام » (2).

وعندی فی هذا الاستدلال نظر ، إذ الظاهر أن المراد بالإمام هنا إمام الجماعة لا إمام الأصل علیه السلام ، کما یظهر من تنکیر الإمام ولفظ الجماعة. وقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « من لم یشهد جماعة الناس فی العیدین فلیغتسل ولیتطیب بما وجد ، ولیصل وحده کما یصلی فی الجماعة » (3) وفی موثقة سماعة : « لا صلاة فی العیدین إلا مع الإمام ، وإن صلیت وحدک فلا بأس » (4).

قال جدی - قدس سره - فی روض الجنان : ولا مدخل للفقیه حال الغیبة فی وجوبها فی ظاهر الأصحاب ، وإن کان ما فی الجمعة من الدلیل قد یتمشی هنا إلا أنه قد یحتاج إلی القائل ، ولعل السر فی عدم وجوبها حال الغیبة مطلقا بخلاف الجمعة أن الواجب الثابت فی الجمعة إنما هو التخییری کما مر ، أما العینی فهو منتف بالإجماع ، والتخییری فی العید غیر متصور ، إذ لیس معها فرد آخر یخیر بینها وبینه ، فلو وجبت لوجبت عینا ، وهو خلاف الإجماع (5).

قلت : الظاهر أنه أراد بالدلیل ما ذکروه فی الجمعة من أن الفقیه منصوب

ص: 94


1- التهذیب 3 : 128 - 275 ، الإستبصار 1 : 444 - 1715 ، الوسائل 5 : 96 أبواب صلاة العید ب 2 ح 4.
2- الکافی 3 : 459 - 2 ، التهذیب 3 : 128 - 272 ، الاستبصار 1 : 444 - 1713 ، ثواب الأعمال : 105 - 3 ، الوسائل 5 : 97 أبواب صلاة العید ب 2 ح 11.
3- الفقیه 1 : 320 - 1463 ، التهذیب 3 : 136 - 297 ، الإستبصار 1 : 444 - 1716 ، الوسائل 5 : 98 أبواب صلاة العید ب 3 ح 1.
4- الفقیه 1 : 320 - 1459 ، التهذیب 3 : 128 - 274 ، الاستبصار 1 : 445 - 1719 ، ثواب الأعمال : 105 - 2 ، الوسائل 5 : 96 أبواب صلاة العید ب 2 ح 5.
5- روض الجنان : 299.

______________________________________________________

من قبله عموما ، فکان کالنائب الخاص. وقد بینا ضعفه فیما سبق.

وأما ما ذکره من السر فکلام ظاهری ، إذ لا منافاة بین کون الوجوب فی الجمعة تخییریا وفی العید عینیا إذا اقتضته الأدلة. وبالجملة فتخصیص الأدلة الدالة علی الوجوب بمثل هذه الروایات لا یخلو من إشکال.

وما ادعوه من الإجماع فغیر صالح للتخصیص أیضا ، لما بیناه غیر مرة من أن الإجماع إنما یکون حجة مع العلم القطعی بدخول قول الإمام علیه السلام فی أقوال المجمعین ، وهو غیر متحقق هنا. ومع ذلک فالخروج عن کلام الأصحاب مشکل ، واتباعهم بغیر دلیل أشکل.

الثانی : العدد ، وقد أجمع الأصحاب علی اعتباره هنا ، حکاه فی المنتهی (1) ، والظاهر الاکتفاء فیه بالخمسة ، لصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « فی صلاة العیدین إذا کان القوم خمسة أو سبعة فإنهم یجمعون الصلاة کما یصنعون یوم الجمعة » (2).

وذهب ابن أبی عقیل إلی اشتراط السبعة هنا مع أنه اکتفی فی الجمعة بخمسة ، والظاهر أنه رواه ، لأنه قال : لو کان إلی القیاس لکانا جمیعا سواء ، لکنه تعبد من الخالق سبحانه (3). ولم نقف علی مأخذه.

الثالث : الجماعة ، ودلیلها معلوم مما سبق.

الرابع : الوحدة ، وظاهر الأصحاب اشتراطها ، حیث أطلقوا مساواتها للجمعة فی الشرائط. ونقل عن الحلبیین التصریح بذلک (4) محتجین (5) بأنه لم

ص: 95


1- المنتهی 1 : 342.
2- الفقیه 1 : 331 - 1489 ، الوسائل 5 : 142 أبواب صلاة العید ب 39 ح 1.
3- نقله عنه فی المختلف : 111.
4- أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 154 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 562.
5- نقل احتجاجهما فی الذکری : 240.

______________________________________________________

ینقل عن النبی صلی الله علیه و آله أنه صلی فی زمانه عیدان فی بلد ، کما لم ینقل أنه صلیت جمعتان ، وبما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « قال الناس لأمیر المؤمنین علیه السلام : ألا تخلف رجلا یصلی فی العیدین ، قال : لا أخالف السنة » (1) وهما لا یدلاّن علی المنع ، ومن ثم توقف العلامة فی التذکرة والنهایة فی اشتراط ذلک (2). وهو فی محله.

وذکر الشهید - رحمه الله (3) - ومن تأخر عنه (4) أن هذا الشرط إنما یعتبر مع وجوب الصلاتین ، فلو کانتا مندوبتین أو إحداهما لم یمنع التعدد. ولیس فی النصوص دلالة علی شی ء من ذلک.

الخامس : الخطبتان ، وقد صرح الشیخ فی المبسوط باشتراطهما فی هذه الصلاة ، فقال : شرائطها شرائط الجمعة ، سواء فی العدد والخطبة وغیر ذلک (5). وهو الظاهر من عبارة المصنف حیث أطلق مساواتها للجمعة فی الشرائط. وجزم العلامة - رحمه الله - فی جملة من کتبه بعدم اعتبار هذا الشرط هنا (6). وهو کذلک ، تمسکا بمقتضی الأصل ، والتفاتا إلی أن الخطبتین متأخرتان عن الصلاة. ولا یجب استماعهما إجماعا فلا تکونان شرطا فیها.

وإنما یجب العید علی من تجب علیه الجمعة عند علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (7). وقال فی المنتهی أنه لا یعرف فیه خلافا (8). ویدل علیه أصالة براءة الذمة من وجوب هذه الصلاة علی من لا تجب علیه الجمعة السالمة عما یصلح للمعارضة ، لانتفاء ما یدل علی العموم فیمن تجب علیه.

ص: 96


1- التهذیب 3 : 137 - 302 ، الوسائل 5 : 119 أبواب صلاة العید ب 17 ح 9.
2- التذکرة 1 : 157 ، ونهایة الأحکام 2 : 56.
3- الذکری : 240 ، والبیان : 112 ، والدروس : 44.
4- کالشهید الثانی فی روض الجنان : 299.
5- المبسوط 1 : 169.
6- نهایة الأحکام 2 : 55 ، والقواعد 1 : 38.
7- التذکرة 1 : 157.
8- المنتهی 1 : 342.

وتجب جماعة ، ولا یجوز التخلف إلا مع العذر ، فیجوز حینئذ أن یصلی منفردا ندبا.

______________________________________________________

وتؤیده صحیحة زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إنما صلاة العیدین علی المقیم ، ولا صلاة إلا بإمام » (1). وصحیحة الفضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس فی السفر جمعة ولا فطر ولا أضحی » (2).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، قال : « إنما رخص رسول الله صلی الله علیه و آله للنساء العوائق فی الخروج فی العیدین للتعرض للرزق » (3).

وروایة هارون بن حمزة الغنوی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال ، قلت : أرأیت إن کان مریضا لا یستطیع أن یخرج ، أیصلی فی بیته؟ قال : « لا » (4).

قوله : ( وتجب جماعة ، ولا یجوز التخلف إلا مع العذر ، فیجوز حینئذ أن یصلی منفردا ندبا ).

أما اشتراط الجماعة فقد تقدم الکلام فیه (5).

وأما استحباب الصلاة علی الانفراد مع تعذر الجماعة فهو قول أکثر الأصحاب. ویدل علیه صحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من لم یشهد جماعة الناس فی العیدین فلیغتسل ولیتطیب بما وجد ولیصل وحده کما یصلی فی الجماعة » (6). وروایة منصور ، عن أبی

وجوب العید جماعة الا مع العذر

ص: 97


1- التهذیب 3 : 287 - 862 ، الوسائل 5 : 97 أبواب صلاة العید ب 2 ح 7.
2- الفقیه 1 : 283 - 1287 ، التهذیب 3 : 289 - 868 ، المحاسن : 372 - 136 ، الوسائل 5 : 103 أبواب صلاة العید ب 8 ح 1.
3- التهذیب 3 : 287 - 858 ، الوسائل 5 : 133 أبواب صلاة العید ب 28 ح 1.
4- الفقیه 1 : 321 - 1464 ، التهذیب 3 : 288 - 864 ، الإستبصار 1 : 445 - 1821 ، الوسائل 5 : 97 أبواب صلاة العید ب 2 ح 8.
5- فی ص 95.
6- الفقیه 1 : 320 - 1463 ، التهذیب 3 : 136 - 297 ، الإستبصار 1 : 444 - 1716 ، الوسائل 5 : 98 أبواب صلاة العید ب 3 ح 1.

ولو اختلّت الشرائط سقط الوجوب واستحب الإتیان بها جماعة وفرادی.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام ، قال : « مرض أبی یوم الأضحی فصلی فی بیته رکعتین ثم ضحی » (1).

ونقل عن ظاهر الصدوق فی المقنع وابن أبی عقیل عدم مشروعیة الانفراد فیها مطلقا ، واحتج لهما فی المختلف (2) بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الصلاة یوم الفطر والأضحی ، قال : « لیس صلاة إلا مع إمام » (3).

والجواب بالحمل علی نفی الوجوب ، جمعا بین الأدلة.

قوله : ( ولو اختلت الشرائط سقط الوجوب ، ویستحب الإتیان بها جماعة وفرادی ).

أما سقوط الوجوب مع اختلال أحد شرائطه فلا ریب فیه ، لأن انتفاء الشرط یقتضی انتفاء المشروط.

وأما استحباب الإتیان بها جماعة وفرادی والحال هذه فهو اختیار الشیخ (4) وأکثر الأصحاب. وقال السید المرتضی : إنها تصلی عند فقد الإمام واختلال بعض الشرائط علی الانفراد (5). ونقل عن أبی الصلاح أنه قال : یقبح الجمع فیها مع اختلال الشرائط (6). وقال ابن إدریس : لیس معنی قول أصحابنا یصلی علی الانفراد أن یصلی کل واحد منهم منفردا ، بل الجماعة أیضا عند

استحباب العید فرادی عند اختلال الشرائط

ص: 98


1- الفقیه 1 : 320 - 1462 ، التهذیب 3 : 288 - 865 ، الإستبصار 1 : 445 - 1718 ، الوسائل 5 : 98 أبواب صلاة العید ب 3 ح 3.
2- المقنع : 46. ونقله عنهما واحتج لهما فی المختلف : 113.
3- التهذیب 3 : 135 - 296 ، الإستبصار 1 : 444 - 1715 ، الوسائل 5 : 96 أبواب صلاة العید ب 2 ح 4.
4- النهایة : 133 ، والمبسوط 1 : 169 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 193.
5- جمل العلم والعمل : 74 ، المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 203.
6- الکافی فی الفقه : 154.

ووقتها ما بین طلوع الشمس إلی الزوال.

______________________________________________________

انفرادها من (1) الشرائط سنة مستحبة ، بل المراد انفرادها عن الشرائط (2). وهو تأویل بعید.

( والمستفاد من النصوص المستفیضة أنها إنما تصلی علی الانفراد مع تعذر الجماعة أو عدم اجتماع العدد خاصة ) (3).

وقد حکم الأصحاب باستحبابها أیضا لمن لا تجب علیه الجمعة ، کالمسافر والعبد والمرأة. وهو حسن ، وإن أمکن المناقشة فیه بعدم الظفر بما یدل علیه علی الخصوص ، نعم روی سعد بن سعد الأشعری فی الصحیح ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن المسافر إلی مکة وغیرها ، هل تجب علیه صلاة العیدین : الفطر والأضحی؟ قال : « نعم إلا بمنی یوم النحر » (4) وهی محمولة علی الاستحباب جمعا بینها وبین قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إنما صلاة العیدین علی المقیم » (5).

قوله : ( ووقتها ما بین طلوع الشمس إلی الزوال ).

أجمع الأصحاب علی أن وقت صلاة العیدین من طلوع الشمس إلی الزوال ، حکاه العلامة - رحمه الله - فی النهایة (6) ، ومستنده حسنة زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « لیس فی الفطر والأضحی أذان ولا إقامة ، أذانهما طلوع الشمس ، إذا طلعت خرجوا » (7).

وقت صلاة العید

ص: 99


1- فی المصدر زیادة : دون.
2- السرائر : 70.
3- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « س » ، « ح » : والأصح أنها تصلی مع تعذر الجماعة ندبا ، لورود الأمر بذلک فی عدة روایات ، وهی محمولة علی الندب ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن مسلم : « لیس صلاة - یعنی فی الفطر والأضحی - إلاّ مع إمام » أی لا صلاة واجبة.
4- الفقیه 1 : 323 - 1481 ، التهذیب 3 : 288 - 867 ، الإستبصار 1 : 447 - 1727 ، الوسائل 5 : 104 أبواب صلاة العید ب 8 ح 3.
5- التهذیب 3 : 287 - 862 ، الوسائل 5 : 97 أبواب صلاة العید ب 2 ح 7.
6- نهایة الأحکام 2 : 56.
7- الکافی 3 : 459 - 1 ، التهذیب 3 : 129 - 276 ، ثواب الأعمال : 106 - 7 ، الوسائل 5 : 135 أبواب صلاة العید ب 29 ح 1.

ولو فاتت لم تقض.

______________________________________________________

وموثقة سماعة قال : سألته عن الغدو إلی المصلی فی الفطر والأضحی فقال : « بعد طلوع الشمس » (1).

وقال الشیخ فی المبسوط : وقت صلاة العید إذا طلعت الشمس وارتفعت وانبسطت (2). وهو أحوط ، ومقتضی الروایتین أن وقت الخروج إلی المصلی بعد طلوع الشمس.

وقال المفید : إنه یخرج قبل طلوعها ، فإذا طلعت صبر هنیئة ثم صلی (3). واحتج له فی المختلف بما فیه من المبارکة إلی فعل الطاعة ، وعارضه بأن التعقیب فی المساجد إلی طلوع الشمس عبادة (4).

ویستحب تأخیر صلاة العید فی الفطر شیئا عن الأضحی بإجماع العلماء ، لاستحباب الإفطار فی الفطر قبل خروجه ، بخلاف الأضحی فإن الأفضل أن یکون إفطاره علی شی ء مما یضحّی به بعد الصلاة ، ولأن الأفضل إخراج الفطرة قبل الصلاة فاستحب تأخیر الصلاة لیتسع الوقت لذلک ، وفی الأضحی تقدیمها لیضحّی بعدها ، فإن وقتها بعد الصلاة.

قوله : ( ولو فاتت لم تقض ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الصلاة بین کونها فرضا أو نفلا ، وفی الفوات بین أن یکون عمدا أو نسیانا. وبهذا التعمیم صرح فی التذکرة وقال : إن سقوط القضاء مذهب أکثر الأصحاب (5). وقال الشیخ فی التهذیب : من فاتته الصلاة یوم العید لا یجب علیه القضاء ویجوز له أن یصلی إن شاء رکعتین وإن شاء أربعا من غیر أن یقصد بها القضاء (6). وقال ابن إدریس : یستحب

لا قضاء لصلاة العید

ص: 100


1- التهذیب 3 : 287 - 859 ، الوسائل 5 : 135 أبواب صلاة العید ب 29 ح 2.
2- المبسوط 1 : 169.
3- المقنعة : 32.
4- المختلف : 114. وفیه المبادرة بدل المباکرة.
5- التذکرة 1 : 162.
6- التهذیب 3 : 134.

______________________________________________________

قضاؤها (1). وقال ابن حمزة : إذا فاتت لا یلزم قضاؤها إلا إذا وصل فی حال الخطبة وجلس مستمعا لها (2). وقال ابن الجنید : من فاتته ولحق الخطبتین صلاها أربعا مفصولات (3). یعنی بتسلیمتین ، ونحوه قال علی بن بابویه ، إلا أنه قال : یصلیها بتسلیمة (4). والأصح السقوط مطلقا.

لنا : أن القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلالة ولا دلالة ، ویؤیده صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « ومن لم یصل مع الإمام فی جماعة یوم العید فلا صلاة له ولا قضاء علیه » (5).

احتج القائلون بأنها تقضی أربعا (6) بما رواه أبو البختری ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : « من فاتته صلاة العید فلیصل أربعا » (7).

والجواب أولا بالطعن فی السند (8). وثانیا بمنع الدلالة ، فإن الأربع لا یتعین کونها قضاء.

فرع : قال فی الذکری : لو ثبتت الرؤیة من الغد ، فإن کان قبل الزوال صلیت العید ، وإن کان بعده سقطت إلا علی القول بالقضاء (9).

ص: 101


1- السرائر : 70.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 677.
3- نقله عنه فی المختلف : 114 ، والذکری : 239.
4- نقله عنه فی المختلف : 114.
5- التهذیب 3 : 128 - 273 ، الاستبصار 1 : 444 - 1714 ، ثواب الأعمال : 105 - 1 ، الوسائل 5 : 96 أبواب صلاة العید ب 2 ح 3.
6- منهم الشیخ فی التهذیب 3 : 135 ، والعلامة فی المختلف : 114.
7- التهذیب 3 : 135 - 295 ، الإستبصار 1 : 446 - 1725 ، الوسائل 5 : 99 أبواب صلاة العید ب 5 ح 2.
8- لأن راویها ضعیف کذاب عامی - راجع رجال النجاشی : 430 - 1155 ، والفهرست : 173.
9- الذکری : 239.

وکیفیتها أن یکبّر للإحرام. ثم یقرأ الحمد وسورة ، والأفضل

______________________________________________________

وقال ابن الجنید : إن تحققت الرؤیة بعد الزوال أفطروا وغدوا إلی العید (1) ، لما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « فطرکم یوم تفطرون ، وأضحاکم یوم تضحّون ، وعرفتکم یوم تعرّفون » (2) وروی أن رکبا شهدوا عنده صلی الله علیه و آله أنهم رأوا الهلال فأمرهم أن یفطروا ، وإذا أصبحوا أن یغدوا إلی مصلاهم » (3) وهذه الأخبار لم تثبت من طرقنا.

قلت : قد ورد من طرق الأصحاب ما یطابق هذه الأخبار ، وظاهر الکلینی - رحمه الله - العمل بمقتضاها ، فإنه قال فی الکافی : باب ما یجب علی الناس إذا صح عندهم الرؤیة یوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمین (4) ، ثم أورد فی ذلک خبرین :

أحدهما عن محمد بن قیس ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأیا الهلال منذ ثلاثین یوما أمر الإمام بالإفطار فی ذلک الیوم إذا کانا شهدا قبل زوال الشمس ، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلک الیوم ، وأخر الصلاة إلی الغد فصلی بهم » (5).

والثانی رواه محمد بن یحیی رفعه ، قال : « إذا أصبح الناس صیاما ولم یروا الهلال وجاء قوم عدول یشهدون علی الرؤیة فلیفطروا ولیخرجوا من الغد أول النهار إلی عیدهم » (6) ولا بأس بالعمل بمقتضی هاتین الروایتین لاعتبار سند الأولی وصراحتها فی المطلوب.

قوله : ( وکیفیتها أن یکبر للإحرام ثم یقرأ الحمد وسورة ، والأفضل

کیفیة صلاة العید

ص: 102


1- نقله عنه فی المختلف : 114.
2- سنن أبی داود 2 : 297 - 2324 بتفاوت یسیر.
3- سنن أبی داود 1 : 300 - 1157 ، سنن ابن ماجة 1 : 529 - 1653 بتفاوت یسیر.
4- الکافی 4 : 169.
5- الکافی 4 : 169 - 1 ، الوسائل 5 : 104 أبواب صلاة العید ب 9 ح 1.
6- الکافی 4 : 169 - 2 ، الوسائل 5 : 104 أبواب صلاة العید ب 9 ح 2 ، وفیهما : محمّد بن یحیی ، عن محمد بن احمد رفعه.

أن یقرأ الأعلی. ثم یکبّر بعد القراءة علی الأظهر ویقنت بالمرسوم حتی یتم خمسا. ثم یکبّر ویرکع.

فإذا سجد السجدتین قام بغیر تکبیر. فیقرأ الحمد وسورة ، والأفضل أن یقرأ الغاشیة. ثم یکبّر أربعا یقنت بینها أربعا ، ثم یکبّر خامسة للرکوع ویرکع.

فیکون الزائد عن المعتاد تسعا : خمس فی الأولی ، وأربع فی الثانیة ، غیر تکبیرة الإحرام وتکبیرتی الرکوعین.

______________________________________________________

أن یقرأ الأعلی ، ثم یکبر بعد القراءة علی الأظهر ویقنت بالمرسوم حتی یتم خمسا ، ثم یکبر ویرکع ، فإذا سجد السجدتین قام بغیر تکبیرة ، فیقرأ الحمد وسورة ، والأفضل أن یقرأ الغاشیة ، ثم یکبّر أربعا یقنت بینها أربعا ، ثم یکبّر خامسة للرکوع ویرکع ، فیکون الزائد عن المعتاد تسعا : خمس فی الأولی ، وأربع فی الثانیة ، غیر تکبیرة الإحرام وتکبیرتی الرکوع ).

المستند فی هذه الکیفیة النصوص الواردة عن أئمة الهدی صلوات الله علیهم ، فمن ذلک صحیحة یعقوب بن یقطین ، قال : سألت العبد الصالح علیه السلام عن التکبیر فی العیدین قبل القراءة أو بعدها؟ وکم عدد التکبیر فی الأولی وفی الثانیة والدعاء فیهما؟ وهل فیهما قنوت أم لا؟ فقال : « تکبیر العیدین للصلاة قبل الخطبة یکبر تکبیرة یفتتح بها الصلاة ، ثم یقرأ ویکبر خمسا ویدعو بینها ، ثم یکبر أخری یرکع بها ، فذلک سبع تکبیرات بالتی افتتح بها ، ثم یکبر فی الثانیة خمسا یقوم فیقرأ ثم یکبر أربعا ویدعو بینهن ثم یکبر التکبیرة الخامسة » (1).

وروایة معاویة ، قال : سألته عن صلاة العیدین فقال : « رکعتان لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء ، ولیس فیهما أذان ولا إقامة یکبر فیهما اثنتی عشرة تکبیرة ، یبدأ

ص: 103


1- التهذیب 3 : 132 - 287 ، وفی الاستبصار 1 : 449 - 1737 ، والوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 8 یرکع بدل یکبر.

______________________________________________________

فیکبر ویفتتح الصلاة ، ثم یقرأ فاتحة الکتاب ، ثم یقرأ والشمس وضحاها. ثم یکبر خمس تکبیرات ، ثم یکبر ویرکع ، فیکون یرکع بالسابعة ، ویسجد سجدتین ، ثم یقوم فیقرأ فاتحة الکتاب وهل أتاک حدیث الغاشیة ، ثم یکبر أربع تکبیرات ویسجد سجدتین ویتشهد » (1).

وصحیحة محمد ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی صلاة العیدین ، قال : « الصلاة قبل الخطبتین ، [ والتکبیر ] (2) بعد القراءة ، سبع فی الأولی وخمس فی الأخیرة » (3).

وصحیحة جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التکبیر فی العیدین فقال : « سبع وخمس » وقال : « صلاة العیدین فریضة » وسألته ما یقرأ فیهما؟ قال : « والشمس وضحاها ، وهل أتاک حدیث الغاشیة ، وأشباههما » (4).

وقد وقع الخلاف فی هذه المسألة فی مواضع :

الأول : إن التکبیرات التسع ، هل هی واجبة أو مستحبة؟ فقال الأکثر کالسید المرتضی (5) ، وابن الجنید (6) ، وأبی الصلاح (7) ، وابن إدریس (8) ، بالوجوب. وهو الأصح ، للتأسی ، وظاهر الأمر.

وقال المفید فی المقنعة : من أخل بالتکبیرات التسع لم یکن مأثوما إلا أنه

وجوب التکبیرات التسع فی صلاة العید

ص: 104


1- الکافی 3 : 460 - 3 ، التهذیب 3 : 129 - 278 ، الإستبصار 1 : 448 - 1733 ، الوسائل 5 : 105 أبواب صلاة العید ب 10 ح 2.
2- أثبتناه من المصدر.
3- التهذیب 3 : 287 - 860 ، الوسائل 5 : 110 أبواب صلاة العید ب 11 ح 2.
4- التهذیب 3 : 127 - 270 ، الاستبصار 1 : 447 - 1729 وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 5 : 106 أبواب صلاة العید ب 10 ح 4.
5- الانتصار : 56 ، والمسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 203.
6- نقله عنه فی المختلف : 112.
7- الکافی فی الفقه : 153.
8- السرائر : 70.

______________________________________________________

یکون تارکا سنة ومهملا فضیلة (1). وهو یعطی استحباب التکبیر الزائد.

واستدل علیه فی التهذیب بصحیحة زرارة ، قال : إن عبد الملک بن أعین سأل أبا جعفر علیه السلام عن الصلاة فی العیدین فقال : « الصلاة فیهما سواء ، یکبر الإمام تکبیرة الصلاة قائما کما یصنع فی الفریضة ، ثم یزید فی الرکعة الأولی ثلاث تکبیرات ، وفی الأخری ثلاثا ، سوی تکبیرة الصلاة والرکوع والسجود ، إن شاء ثلاثا وخمسا ، وإن شاء خمسا وسبعا بعد أن یلحق ذلک إلی وتر » (2).

قال الشیخ رحمه الله : ألا تری أنه جوّز الاقتصار علی الثلاث تکبیرات وعلی الخمس تکبیرات ، وهذا یدل علی أن الإخلال بها لا یضر الصلاة (3).

وأجاب عنها فی الاستبصار وعما فی معناها بالحمل علی التقیة ، لموافقتها لمذهب کثیر من العامة ، قال : ولسنا نعمل به ، وإجماع الفرقة المحقة علی ما قدمناه (4).

الثانی : معظم الأصحاب ومنهم الشیخ (5) ، والمرتضی (6) ، وابن بابویه(7) ، وابن أبی عقیل (8) ، وابن حمزة (9) ، وابن إدریس (10) ، علی أن

ص: 105


1- لم نجده فی المقنعة ، ولکنه موجود فی التهذیب 3 : 134 من دون إسناد إلی المفید ، ونقل ذلک عن التهذیب فی المختلف : 112. ولکن فیهما السبع مکان التسع.
2- التهذیب 3 : 134 - 290 ، الوسائل 5 : 109 أبواب صلاة العید ب 10 ح 17.
3- التهذیب 3 : 134.
4- الاستبصار 1 : 448.
5- الخلاف 1 : 263.
6- رسائل السید المرتضی 1 : 273.
7- المقنع : 46 قال : فإذا نهضت إلی الثانیة ، کبرت أربع تکبیرات مع تکبیرة القیام ورکعت بالخامسة ، وقال فی الفقیه 1 : 324 : فإذا نهض إلی الثانیة کبر وقرأ الحمد والشمس وضحاها ، ثم کبر تمام أربع تکبیرات مع تکبیرة القیام ثم رکع بالخامسة انتهی. وهما ظاهران فی موافقتهما للمقنعة کما صرح به فی مفتاح الکرامة والذخیرة والحدائق.
8- نقله عنه فی المختلف : 112.
9- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 677.
10- السرائر : 70.

______________________________________________________

التکبیر فی الرکعتین معا بعد القراءة. وقال ابن الجنید : التکبیر فی الأولی قبل القراءة ، وفی الثانیة بعدها (1). وقال المفید رحمه الله : یکبر للقیام إلی الثانیة قبل القراءة ثم یکبر بعد القراءة ثلاثا ویقنت ثلاثا (2). ولم نقف له علی شاهد. والمعتمد الأول ، لما تلوناه من الأخبار (3).

احتج ابن الجنید علی ما نقل عنه (4) بما رواه عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « التکبیر فی العیدین فی الأولی سبع قبل القراءة ، وفی الأخیرة خمس بعد القراءة » (5) وما رواه إسماعیل بن سعد الأشعری فی الصحیح أیضا ، عن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن التکبیر فی العیدین ، قال : « التکبیر فی الأولی سبع تکبیرات قبل القراءة ، وفی الأخیرة خمس تکبیرات بعد القراءة » (6) وروی هشام بن الحکم فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام نحو ذلک (7).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الحدیث بالحمل علی التقیة ، لأنها موافقة لمذهب بعض العامة (8). ولم یرتضه المصنف فی المعتبر ، فإنه قال : لیس هذا التأویل بحسن ، فإن ابن بابویه ذکر ذلک فی کتابه بعد أن ذکر فی خطبته أنه لا یودعه إلا ما هو حجة له. قال : فالأولی أن یقال : فیه روایتان ، أشهرهما بین

محل التکبیر بعد القراءة

ص: 106


1- نقله عنه فی المختلف : 111 ، والذکری : 241.
2- المقنعة : 2.
3- المتقدمة فی ص 103.
4- المختلف : 111.
5- التهذیب 3 : 131 - 284 ، الإستبصار 1 : 450 - 1740 ، الوسائل 5 : 109 أبواب صلاة العید ب 10 ح 18.
6- التهذیب 3 : 131 - 285 ، الإستبصار 1 : 450 - 1741 ، الوسائل 5 : 109 أبواب صلاة العید ب 10 ح 20.
7- التهذیب 3 : 284 - 847 ، الإستبصار 1 : 450 - 1744 ، الوسائل 5 : 108 أبواب صلاة العید ب 10 ح 16.
8- التهذیب 3 : 131 ، الإستبصار 1 : 451.

______________________________________________________

الأصحاب ما اختاره الشیخ(1). وهو حسن.

وأجاب عنها فی المختلف بالمنع من الدلالة علی محل النزاع ، إذ لا خلاف فی أن السابعة بعد القراءة ، لأنها للرکوع ، وإذا احتمل الواحدة احتمل غیرها ، وهو أن بعضها قبل القراءة ، فیحمل علی تکبیرة الافتتاح (2). وهو بعید جدا ، فإن إطلاق کون السبع قبل القراءة بناء علی أن الست کذلک محتمل ، أما إطلاق السبع وإرادة الواحدة فلا مجال لصحته.

الثالث : اختلف الأصحاب فی القنوت بعد التکبیرات الزائدة ، فقال المرتضی (3) وأکثر الأصحاب : إنه واجب ، للأمر به فی روایتی یعقوب بن یقطین (4) وإسماعیل بن جابر (5).

وقال الشیخ فی الخلاف : إنه مستحب ، لأن الأصل براءة الذمة من الوجوب (6). وجوابه أن الأصل یصار إلی خلافه لدلیل ، وقد بیناه. وقد یقال : إن هاتین الروایتین لا تنهضان حجة فی إثبات حکم مخالف للأصل ( خصوصا ) (7) مع معارضتهما بعدة أخبار واردة فی مقام البیان خالیة من ذکر القنوت.

الرابع : الأقوی أنه لا یتعین فی القنوت لفظ مخصوص ، لاختلاف الروایات فی تعیینه ، ولما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما

حکم القنوت بعد التکبیرات الزائدة

عدم لفظ مخصوص للقنوت

ص: 107


1- المعتبر 2 : 313.
2- المختلف : 112.
3- الانتصار : 57.
4- التهذیب 3 : 132 - 287 ، الإستبصار 1 : 449 - 1737 ، الوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 8.
5- التهذیب 3 : 132 - 288 ، الإستبصار 1 : 990 - 1738 ، الوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 10.
6- الخلاف 1 : 264.
7- لیست فی « س ».

______________________________________________________

علیهماالسلام ، قال : سألته عن الکلام الذی یتکلم به فیما بین التکبیرتین فی العیدین فقال : « ما شئت من الکلام الحسن » (1) وربما ظهر من کلام أبی الصلاح وجوب الدعاء بالمرسوم (2). وهو ضعیف.

الخامس : أجمع الأصحاب علی وجوب قراءة سورة مع الحمد ، وأنه لا یتعین فی ذلک سورة مخصوصة ، قاله فی التذکرة (3) ، واختلفوا فی الأفضل ، فقال الشیخ فی الخلاف (4) ، والمفید (5) ، والسید المرتضی (6) ، وأبو الصلاح (7) ، وابن البراج (8) ، وابن زهرة (9) : إنه الشمس فی الأولی ، والغاشیة فی الثانیة. وعلیه دلت صحیحة جمیل ، إلا أنه قال فیها : وسألته ما یقرأ فیها؟ فقال : « والشمس وضحاها وهل أتاک حدیث الغاشیة وأشباههما » (10).

وقال فی المبسوط والنهایة : یقرأ فی الأولی الأعلی ، وفی الثانیة الشمس (11). وهو قول ابن بابویه فی المقنع ومن لا یحضره الفقیه (12). ورواه إسماعیل بن جابر ، عن الباقر علیه السلام (13) ، إلا أن فی الطریق أحمد بن عبد الله القروی ، ولا یحضرنی الآن حاله ، فالعمل علی الأول لصحة مستنده.

وجوب قراءة سورة بعد الحمد فی صلاة العید

ص: 108


1- التهذیب 3 : 288 - 863 ، الوسائل 5 : 131 أبواب صلاة العید ب 26 ح 1.
2- الکافی فی الفقه : 154.
3- التذکرة 1 : 158.
4- الخلاف 1 : 264.
5- المقنعة : 32.
6- جمل العلم والعمل : 74.
7- الکافی فی الفقه : 153.
8- المهذب 1 : 112.
9- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 561.
10- التهذیب 3 : 127 - 270 ، الوسائل 5 : 106 أبواب صلاة العید ب 10 ح 4.
11- المبسوط 1 : 170 ، والنهایة : 135.
12- لم نجده فی المقنع ، لکنه موجود فی الفقیه 1 : 324.
13- التهذیب 3 : 132 - 288 ، الاستبصار 1 : 449 - 1738 ، وفیه : إسماعیل الجبلی ، الوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 10.

______________________________________________________

واعلم أن فی قول المصنف رحمه الله : ثم یکبر أربعا یقنت بینها أربعا ، تجوّز لأنه إذا کانت التکبیرات أربعا لم یتحقق کون القنوت بینها أربعا بل ثلاثا. وکان الأظهر أن یقول : ویقنت بعد کل تکبیرة. إلا أن المستفاد من الروایات سقوط القنوت بعد الخامسة والرابعة ، کما یدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة یعقوب بن یقطین المتقدمة : « ویکبر خمسا ویدعو بینها ، ثم یکبر أخری یرکع بها » (1) الحدیث. وفی روایة إسماعیل الجعفی : « ثم یکبر خمسا یقنت بینهن ، ثم یکبر واحدة ویرکع بها » إلی أن قال : « وفی الثانیة والشمس وضحاها ، ثم یکبر أربعا ویقنت بینهن ثم یرکع بالخامسة » (2) وهو الظاهر من کلام ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه ، فإنه قال : یبدأ الإمام فیکبر واحدة ، ثم یقرأ الحمد وسبح اسم ربک الأعلی ، ثم یکبر خمسا یقنت بین کل تکبیرتین ، ثم یرکع بالسابعة (3).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : یستحب رفع الیدین مع کل تکبیرة کما فی تکبیر الصلاة الیومیة ، لروایة یونس ، قال : سألته عن تکبیر العیدین ، أیرفع یده مع کل تکبیرة أم یجزئه أن یرفع فی أول التکبیر؟ فقال : « مع کل تکبیرة » (4).

الثانی : لو نسی التکبیرات أو بعضها حتی رکع مضی فی صلاته ولا شی ء علیه ، لأنها لیست أرکانا ، ولعموم قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (5).

استحباب رفع الیدین مع التکبیرة فی العید

حکم من نسی التکبیر ورکع فی العید

ص: 109


1- فی ص 103.
2- التهذیب 3 : 132 - 288 ، الاستبصار 1 : 449 - 1738 وفیه : إسماعیل الجبلی ، الوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 10.
3- الفقیه 1 : 324.
4- التهذیب 3 : 288 - 866 ، الوسائل 5 : 136 أبواب صلاة العید ب 30 ح 1.
5- الفقیه 1 : 225 - 991 ، التهذیب 2 : 152 - 597 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 10 ح 5.

سنن هذه الصلاة الإصحار بها إلا بمکة.

______________________________________________________

وهل تقضی بعد الصلاة؟ أثبته الشیخ (1) ، لقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « إذا نسیت شیئا من الصلاة ، رکوعا أو سجودا أو تکبیرا ، ثم ذکرت فاصنع الذی فاتک سهوا » (2).

ونفاه المصنف فی المعتبر (3) ومن تأخر عنه (4) ، لأنه ذکر تجاوز محله فیسقط للأصل السالم من المعارض.

الثالث : لو شک فی عدد التکبیر بنی علی الأقل لأنه المتیقن ، ولو ذکر بعد فعله أنه کان قد أتی به لم یضر لعدم رکنیته ، وکذا الشک فی القنوت.

الرابع : لا یتحمّل الإمام هنا التکبیر ولا القنوت وإنما یتحمل القراءة ، واحتمل فی الذکری تحمّل القنوت (5). وهو بعید.

الخامس : لو أدرک بعض التکبیرات مع الإمام دخل معه ، فإذا رکع الإمام أتی بالتکبیر والقنوت مخففا إن أمکن ولحق به ، وإلا قضاه بعد التسلیم عند الشیخ (6) ومن قال بمقالته (7). وسقط عند المصنف.

ویحتمل المنع من الاقتداء إذا علم التخلف عن الإمام بما یعتد به ، إذ الأصل عدم سقوط فرض مکلف بفعل آخر إلا فیما دل الدلیل علیه.

قوله : ( وسنن هذه الصلاة الإصحار بها إلا بمکة ).

حکم الشک فی عدد تکبیرات صلاة العید

عدم تحمل الامام التکبیر والقنوت عن المأموم فی صلاة العید

إجزاء إدراک بعض التکبیرات مع الامام

سنن صلاة العید

استحباب الاصحار بها الا بمکة

ص: 110


1- نقله عن الشیخ فی المعتبر 2 : 315 ، وعن الخلاف فی المنتهی 1 : 344 ، ولم نجده فی الخلاف.
2- التهذیب 2 : 350 - 1450 ، الوسائل 4 : 936 أبواب الرکوع ب 12 ح 3.
3- المعتبر 2 : 315.
4- منهم العلامة فی تحریر الأحکام 1 : 46 ، ونهایة الأحکام 2 : 61.
5- الذکری : 243.
6- المبسوط 1 : 171.
7- کالعلامة فی تحریر الأحکام 1 : 46.

______________________________________________________

أجمع علماؤنا وأکثر العامة (1) علی استحباب الإصحار بهذه الصلاة ، بمعنی فعلها فی الصحراء تأسیا بالنبی صلی الله علیه و آله ، فإنه کان یصلیها خارج المدینة علی ما نطقت به الأخبار ، فروی الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یخرج حتی ینظر إلی آفاق السماء » وقال : « لا یصلین یومئذ علی بساط ولا باریة » (2).

وروی أیضا عن معاویة : « أن رسول الله صلی الله علیه و آله کان یخرج إلی البقیع فیصلی بالناس » (3).

وروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن علی بن رئاب ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا ینبغی أن تصلی صلاة العید فی مسجد مسقف ولا فی بیت ، إنما تصلی فی الصحراء أو فی مکان بارز » (4).

وفی الصحیح عن الحلبی ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه علیهماالسلام « أنه کان إذا صلی خرج یوم الفطر والأضحی وأبی أن یؤتی بطنفسة یصلی علیها ، یقول : هذا یوم کان رسول الله صلی الله علیه و آله یخرج فیه یبرز لآفاق السماء ویضع جبهته علی الأرض » (5).

ولا یستثنی من ذلک إلا مکة - زادها الله شرفا - فإن أهلها یصلون فی المسجد الحرام ، لما رواه الکلینی ، عن محمد بن یحیی رفعه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « السنة علی أهل الأمصار أن یبرزوا من أمصارهم فی

ص: 111


1- منهم الشافعی فی الأم 1 : 234 ، وابن حزم فی المحلی 5 : 81 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 299 ، والشر بینی فی مغنی المحتاج 1 : 312.
2- التهذیب 3 : 285 - 849 ، الوسائل 5 : 119 أبواب صلاة العید ب 17 ح 10.
3- الکافی 3 : 460 - 3 ، الوسائل 5 : 118 أبواب صلاة العید ب 17 ح 6.
4- الفقیه 1 : 322 - 1471 ، الوسائل 5 : 117 أبواب صلاة العید ب 17 ح 2.
5- الفقیه 1 : 322 - 1472 ، الوسائل 5 : 117 أبواب صلاة العید ب 17 ح 1. بتفاوت یسیر.

والسجود علی الأرض. وأن یقول المؤذنون : الصلاة ثلاثا ، فإنه لا أذان لغیر الخمس.

______________________________________________________

العیدین ، إلا أهل مکة فإنهم یصلون فی المسجد الحرام » (1) ورواه ابن بابویه فی کتابه ، عن حفص بن غیاث ، عن الصادق علیه السلام (2).

وألحق ابن الجنید به مسجد النبی صلی الله علیه و آله (3). وهو مدفوع بفعل النبی صلی الله علیه و آله .

ولو کان هناک عذر من مطر أو خوف أو وحل ونحو ذلک صلیت فی المسجد ، حذرا من المشقة الشدیدة المنافیة للیسر فی التکلیف.

قوله : ( والسجود علی الأرض ).

دون غیرها مما یصح السجود علیه. والمستند فیه قول الصادق علیه السلام فی صحیحة الفضیل : « أتی أبی بخمرة یوم الفطر فأمر بردها وقال : هذا یوم کان رسول الله صلی الله علیه و آله یجب أن ینظر فیه إلی آفاق السماء ویضع جبهته علی الأرض » (4).

ویستحب مباشرة الأرض بجمیع البدن ، وتکره الصلاة علی البساط والباریة ونحوهما ، لقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « لا یصلین یومئذ علی بساط ولا باریة » (5).

قوله : ( وأن یقول المؤذن الصلاة ثلاثا ، فإنه لا أذان لغیر الخمس ).

استحباب السجود علی الأرض فی صلاة العید

استحباب قول المؤذنین الصلاة ثلاثا لصلاة العید

ص: 112


1- الکافی 3 : 461 - 10 ، الوسائل 5 : 118 أبواب صلاة العید ب 17 ح 8.
2- الفقیه 1 : 321 - 1470 ، الوسائل 5 : 117 أبواب صلاة العید ب 17 ح 3 ، وفیهما : عن جعفر بن محمد عن أبیه علیهماالسلام .
3- نقله عنه فی المختلف : 115.
4- الکافی 3 : 461 - 7 ، التهذیب 3 : 284 - 846 ، الوسائل 5 : 118 أبواب صلاة العید ب 17 ح 5.
5- التهذیب 3 : 285 - 849 ، الوسائل 5 : 119 أبواب صلاة العید ب 17 ح 10.

وأن یخرج الإمام حافیا ، ماشیا علی سکینة ووقار ، ذاکرا لله سبحانه .. وأن یطعم قبل خروجه فی الفطر ، وبعد عوده فی الأضحی مما یضحّی به ..

______________________________________________________

هذا مما لا خلاف فیه بین العلماء ، وتدل علیه صحیحة إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : أرأیت صلاة العیدین ، هل فیهما أذان وإقامة؟ قال : « لیس فیهما أذان ولا إقامة ، ولکن ینادی : الصلاة ثلاث مرات » (1).

قال فی الذکری : وظاهر الأصحاب أن هذا النداء لیعلم الناس بالخروج إلی المصلی ، لأنه أجری مجری الأذان المعلم بالوقت (2). ومقتضی ذلک أن محله قبل القیام إلی الصلاة.

وقال أبو الصلاح : محل هذا النداء بعد القیام إلی الصلاة ، فإذا قال المؤذنون ذلک کبر الإمام تکبیرة الإحرام ودخل بهم فی الصلاة (3). والظاهر تأدی السنة بکلا الأمرین.

قوله : ( وأن یخرج الإمام حافیا ، علی سکینة ووقار ، ذاکرا لله سبحانه ).

یدل علی ذلک فعل الرضا علیه السلام لمّا خرج إلی صلاة العید فی عهد المأمون (4). ولا ریب فی رجحان ذلک لما فیه من الخضوع والتواضع لله تعالی.

قوله : ( وأن یطعم قبل خروجه فی الفطر ، وبعد عوده فی الأضحی مما یضحی به ).

یطعم - بفتح الیاء وسکون الطاء - مضارع طعم کعلم أی یأکل. وهذا

استحباب التحفی وغیره للامام

استحباب الطعمة قبل الفطر وبعد الأضحی

ص: 113


1- الفقیه 1 : 322 - 1473 ، التهذیب 3 : 290 - 873 ، الوسائل 5 : 101 أبواب صلاة العید ب 7 ح 1.
2- الذکری : 240.
3- الکافی فی الفقه : 153.
4- الکافی 2 : 488 - 7 ، عیون أخبار الرضا 2 : 147 - 21 ، إرشاد المفید : 312 ، الوسائل 5 : 120 أبواب صلاة العید ب 19 ح 1.

وأن یکبّر فی الفطر عقیب أربع صلوات ، أوّلها المغرب لیلة الفطر ، وآخرها صلاة العید.

______________________________________________________

الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول عامة أهل العلم (1). وتدل علیه روایات کثیرة ، منها : روایة جراح المدائنی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اطعم یوم الفطر قبل أن تصلی ، ولا تطعم یوم الأضحی حتی ینصرف الإمام » (2). وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « اطعم یوم الفطر قبل أن تخرج إلی المصلی » (3) وروایة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لا تأکل یوم الأضحی إلا من أضحیتک إن قویت وإن لم تقو فمعذور » (4).

ویستحب فی یوم الفطر الإفطار علی الحلو ، لما روی أن النبی صلی الله علیه و آله کان یأکل قبل خروجه تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل أو أکثر (5).

ولا یجوز الإفطار علی التربة الحسینیة إلا بقصد الاستشفاء لمن کان به علة کغیره من الأیام.

قوله : ( وأن یکبر فی الفطر عقیب أربع صلوات ، أولها المغرب وآخرها صلاة العید ).

استحباب التکبیر فی الفطر عقیب هذه الفرائض الأربع مذهب أکثر الأصحاب. وظاهر المرتضی - رضی الله عنه - فی الانتصار أنه واجب (6). وضم

استحباب التکبیر عقیب الصلوات أیام العید

ص: 114


1- المنتهی 1 : 345.
2- الکافی 4 : 168 - 2 ، الفقیه 2 : 113 - 483 ، التهذیب 3 : 138 - 310 ، الوسائل 5 : 113 أبواب صلاة العید ب 12 ح 5.
3- الکافی 4 : 168 - 1 ، التهذیب 3 : 138 - 309 ، الوسائل 5 : 113 أبواب صلاة العید ب 12 ح 4.
4- الفقیه 1 : 321 - 1469 ، الوسائل 5 : 113 أبواب صلاة العید ب 12 ح 1 بتفاوت یسیر.
5- مستدرک الحاکم 1 : 294.
6- الانتصار : 57.

وفی الأضحی عقیب خمس عشرة صلاة ، أولها الظهر یوم النحر. وفی الأمصار عقیب عشر یقول : الله أکبر الله أکبر وفی الثالثة تردد ، لا إله إلا الله والله أکبر ، الحمد لله علی ما هدانا ، وله الشکر علی ما أولانا. ویزید فی الأضحی. ورزقنا من بهیمة الأنعام.

______________________________________________________

ابن بابویه إلی هذه الصلوات الأربع صلاة الظهرین (1). وابن الجنید النوافل أیضا (2).

والذی وقفت علیه فی هذه المسألة روایة سعید النقاش قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام لی : « أما إن فی الفطر تکبیرا ولکنه مسنون » قال ، قلت : وأین هو؟ قال : « فی لیلة الفطر فی المغرب والعشاء الآخرة ، وفی صلاة الفجر وصلاة العید ثم یقطع » قال ، قلت : کیف أقول؟ قال : « تقول : الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلا الله والله أکبر والله الحمد ، الله أکبر علی ما هدانا ، وهو قول الله ( وَلِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُکَبِّرُوا اللهَ عَلی ما هَداکُمْ ) (3) » (4). وهی صریحة فی الاستحباب ، وینبغی العمل بها فی کیفیة التکبیر ومحله وإن ضعف سندها ، لأنها الأصل فی هذا الحکم.

قوله : ( وفی الأضحی عقیب خمس عشرة صلاة ، أولها الظهر یوم النحر. وفی الأمصار عقیب عشر. یقول : الله أکبر الله أکبر وفی الثالثة تردد ، لا إله إلا الله والله أکبر ، الحمد لله علی ما هدانا ، وله الشکر علی ما أولانا ، ویزید فی الأضحی : ورزقنا من بهیمة الأنعام ).

المشهور بین الأصحاب أن ذلک علی سبیل الاستحباب أیضا ، وقال

ص: 115


1- نقله عنه فی المختلف : 115 ، والموجود فی المقنع : 46 : ومن السنة التکبیر لیلة الفطر ویوم الفطر فی عشر صلوات.
2- نقله عنه فی المختلف : 115.
3- البقرة : 185.
4- الکافی 4 : 166 - 1 ، الفقیه 2 : 108 - 464 ، التهذیب 3 : 138 - 311 ، الوسائل 5 : 122 أبواب صلاة العید ب 20 ح 2 ، بتفاوت.

ویکره الخروج بالسلاح.

______________________________________________________

المرتضی (1) وابن الجنید (2) والشیخ فی الإستبصار (3) بالوجوب ، لما رواه محمد بن مسلم فی الحسن ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ ( وَاذْکُرُوا اللهَ فِی أَیّامٍ مَعْدُوداتٍ ) (4) قال : « التکبیر فی أیام التشریق من صلاة الظهر من یوم النحر إلی صلاة الفجر من الیوم الثالث ، وفی الأمصار عشر صلوات ، فإذا نفر الناس النفر الأول أمسک أهل الأمصار » (5).

واختلف الأصحاب فی کیفیة التکبیر فی الأضحی ، والأجود العمل بما رواه معاویة بن عمار فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « والتکبیر أن تقول : الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلا الله والله أکبر ، الله أکبر ولله الحمد ، الله أکبر علی ما هدانا ، الله أکبر علی ما رزقنا من بهیمة الأنعام ، والحمد لله علی ما أبلانا » (6).

وروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : وسألته عن التکبیر بعد کل صلاة فقال : « کم شئت ، إنه لیس شی ء موقت » یعنی فی الکلام (7).

قوله : ( ویکره الخروج بالسلاح ).

لمنافاته الخضوع والاستکانة ، ولقول أمیر المؤمنین علیه السلام : « نهی

کراهة الخروج بالسلاح یوم العید

ص: 116


1- الانتصار : 57.
2- نقله عنه فی المختلف : 115.
3- الاستبصار 2 : 299.
4- البقرة : 203.
5- الکافی 4 : 516 - 1 ، التهذیب 5 : 269 - 920 ، الإستبصار 2 : 299 - 1068 ، الوسائل 5 : 123 أبواب صلاة العید ب 21 ح 1 ، بتفاوت.
6- الکافی 4 : 517 - 4 ، التهذیب 5 : 269 - 922 ، الوسائل 5 : 124 أبواب صلاة العید ب 21 ح 4.
7- الکافی 4 : 517 - 5 ، التهذیب 5 : 487 - 1737 الوسائل 5 : 129 أبواب صلاة العید ب 21 ح 1.

وأن یتنفّل قبل الصلاة أو بعدها إلا بمسجد النبی علیه السلام بالمدینة ، فإنه یصلی رکعتین قبل خروجه.

______________________________________________________

النبی صلی الله علیه و آله أن یخرج السلاح فی العیدین إلا أن یکون عدو ظاهر » (1).

قوله : ( وأن یتنفل قبل الصلاة وبعدها إلا بمسجد النبی صلی الله علیه و آله بالمدینة ، فإنه یصلی رکعتین قبل خروجه ).

المراد أنه یکره التنفل قبل صلاة العید وبعدها إلی الزوال ، إلا فی المدینة فإنه یستحب لمن کان فیها أن یقصد مسجد النبی صلی الله علیه و آله - إن لم یکن فیه قبل خروجه إلی المصلی - لیصلی فیه رکعتین.

أما الکراهة فی غیر المدینة فلقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « صلاة العیدین مع الإمام سنة ، ولیس قبلها ولا بعدها صلاة ذلک الیوم إلی الزوال » (2).

وأما استحباب صلاة رکعتین فی مسجد النبی صلی الله علیه و آله قبل الخروج إلی المصلی فیدل علیه ما رواه محمد بن الفضل الهاشمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « رکعتان من السنة لیس تصلیان فی موضع إلا بالمدینة » قال : « یصلی فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله فی العید قبل أن یخرج إلی المصلی ، لیس ذلک إلا بالمدینة ، لأن رسول الله صلی الله علیه و آله فعله » (3).

کراهة التنفل یوم العید إلا بمسجد النبی

ص: 117


1- الکافی 3 : 460 - 6 ، التهذیب 3 : 137 - 305 ، الوسائل 5 : 116 أبواب صلاة العید ب 16 ح 1 ، وفیها جعفر عن أبیه علیه السلام .
2- الفقیه 1 : 320 - 1458 ، التهذیب 3 : 134 - 292 ، الإستبصار 1 : 443 - 1712 ، الوسائل 5 : 95 أبواب صلاة العید ب 1 ح 2.
3- الکافی 3 : 461 - 11 ، الفقیه 1 : 322 - 1475 ، التهذیب 3 : 138 - 308 وفیه : الفضیل بدل الفضل ، الوسائل 5 : 102 أبواب صلاة العید ب 7 ح 10.

مسائل خمس :

الأولی : التکبیر الزائد هل هو واجب؟ فیه تردد ، والأشبه الاستحباب ، وبتقدیر الوجوب هل القنوت واجب؟ الأظهر لا ، وبتقدیر وجوبه هل یتعین فیه لفظ؟ الأظهر أنه لا یتعین وجوبا.

الثانیة : إذا اتفق عید وجمعة ، فمن حضر العید کان بالخیار فی حضور الجمعة. وعلی الإمام أن یعلمهم ذلک فی خطبته. وقیل : الترخیص مختص بمن کان نائیا عن البلد ، کأهل السواد ، دفعا لمشقة العود ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وهنا مسائل ، الأولی : التکبیر الزائد هل هو واجب؟ فیه تردد ، والأشبه الاستحباب ، وبتقدیر الوجوب هل القنوت واجب؟ الأظهر لا ، وبتقدیر وجوبه هل یتعین فیه لفظ؟ الأظهر أنه لا یتعین وجوبا ).

قد تقدم الکلام فی هذه المسائل مستوفی فلا وجه لإعادته.

قوله : ( الثانیة ، إذا اتفق عید وجمعة ، فمن حضر العید کان بالخیار فی حضور الجمعة ، وعلی الإمام أن یعلمهم ذلک فی خطبته ، وقیل : الترخیص مختص بمن کان نائیا عن البلد ، کأهل السواد ، دفعا لمشقة العود ، وهو الأشبه ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال الشیخ - رحمه الله - فی جملة من کتبه : إذا اجتمع عید وجمعة تخیّر من صلی العید فی حضور الجمعة وعدمه (1). ونحوه قال المفید فی المقنعة (2). ورواه ابن بابویه فی کتابه (3). واختاره ابن إدریس (4). وقال ابن الجنید فی ظاهر کلامه باختصاص الترخص بمن کان قاصی

عدم وجوب التکبیر الزائد ولیس له لفظ خاص

حکم ما لو اتفق عید وجمعة

ص: 118


1- النهایة : 134 ، والخلاف 1 : 270 ، والمبسوط 1 : 170.
2- المقنعة : 33.
3- الفقیه 1 : 323 - 1477 ، الوسائل 5 : 115 أبواب صلاة العید ب 15 ح 1.
4- السرائر : 66.

______________________________________________________

المنزل (1). وقال أبو الصلاح : وقد وردت الروایة إذا اجتمع عید وجمعة أن المکلف مخیر فی حضور أیهما شاء ، والظاهر من المسألة وجوب عقد الصلاتین وحضورهما علی من خوطب بذلک (2). ونحوه قال ابن البراج (3) وابن زهرة (4). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الفطر والأضحی إذا اجتمعا یوم الجمعة ، فقال : « اجتمعا فی زمان علی علیه السلام فقال : من شاء أن یأتی الجمعة فلیأت ، ومن قعد فلا یضره ولیصل الظهر » (5) وهی مع صحة سندها وصراحتها فی المطلوب مؤیدة بالأصل وعمل الأصحاب.

احتج ابن الجنید علی ما نقل عنه (6) بما رواه إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبیه : « إن علی بن أبی طالب علیه السلام کان یقول : إذا اجتمع عیدان للناس فی یوم واحد فإنه ینبغی للإمام أن یقول للناس فی خطبته الأولی إنه قد اجتمع لکم عیدان فأنا أصلیهما جمیعا ، فمن کان مکانه قاصیا فأحب أن ینصرف عن الآخر فقد أذنت له » (7) ونحوه روی أبان بن عثمان ، عن سلمة ، عن أبی عبد الله علیه السلام (8).

والجواب - بعد تسلیم السند - منع الدلالة علی اختصاص الرخصة

ص: 119


1- نقله عنه فی المختلف : 113.
2- الکافی فی الفقه : 155.
3- المهذب 1 : 123.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 562.
5- المتقدم فی ص 118 ه 3.
6- المختلف : 113.
7- التهذیب 3 : 137 - 304 ، الوسائل 5 : 116 أبواب صلاة العید ب 15 ح 3.
8- الکافی 3 : 461 - 8 ، التهذیب 3 : 137 - 306 ، الوسائل 5 : 116 أبواب صلاة العید ب 15 ح 2.

الثالثة : الخطبتان فی العیدین بعد الصلاة ، وتقدیمهما بدعة ،

______________________________________________________

بالنائی ، فإن استحباب إذن الإمام فی الخطبة للنائی فی عدم الحضور لا یقتضی وجوب الحضور علی غیره.

احتج القائلون بوجوب الصلاتین بأن دلیل الحضور فیهما قطعی ، وخبر الواحد المتضمن لسقوط الجمعة والحال هذه إنما یفید الظن ، فلا یعارض القطع.

وأجاب عنه فی الذکری بأن الخبر المتلقی بالقبول المعمول علیه عند معظم الأصحاب فی قوة المتواتر فیلحق بالقطعی ، وبأن نفی الحرج والعسر یدل علی ذلک أیضا ، فیکون الخبر معتضدا بالکتاب العزیز (1). هذا کلامه رحمه الله . وفیه بحث طویل لیس هذا محله.

وقد قطع ( جمع من الأصحاب منهم المرتضی فی المصباح ) (2) بوجوب الحضور علی الإمام ، فإن اجتمع معه العدد صلی الجمعة ، وإلا سقطت وصلی الظهر وربما ظهر من کلام الشیخ فی الخلاف تخییر الإمام أیضا (3). ولا بأس به.

قوله : ( الثالثة ، الخطبتان فی العید بعد الصلاة وتقدیمهما بدعة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا إلا من بنی أمیة (4). وأخبارنا به مستفیضة ، فروی محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی صلاة العیدین ، قال : « إن الصلاة قبل الخطبتین [ والتکبیر ] (5) بعد القراءة ، سبع فی الأولی وخمس فی الأخیرة ، وکان أول من أحدثها بعد الخطبة عثمان ، لما أحدث أحداثه ، کان إذا فرغ من

الخطبتان فی العید بعد الصلاة

ص: 120


1- الذکری : 243.
2- بدل ما بین القوسین فی « ح » ونسخة فی « م » : أکثر الأصحاب.
3- الخلاف 1 : 270.
4- المنتهی 1 : 345.
5- أثبتناه من المصدر.

ولا یجب استماعهما بل یستحب.

______________________________________________________

الصلاة قام الناس لیرجعوا فلما رأی ذلک قدم الخطبتین واحتبس الناس للصلاة » (1).

وروی معاویة - وهو ابن عمار - قال : سألته عن صلاة العیدین فقال : « رکعتان » ثم قال : « والخطبة بعد الصلاة ، وإنما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان ، وإذا خطب الإمام فلیقعد بین الخطبتین قلیلا » (2).

وروی سلیمان بن خالد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « والخطبة بعد الصلاة » (3).

ولم یتعرض المصنف - رحمه الله - فی هذا الکتاب لبیان حال الخطبتین من حیث الوجوب أو الاستحباب ، ونقل عنه فی المعتبر أنه جزم بالاستحباب وادعی علیه الإجماع (4). وقال العلامة فی جملة من کتبه بالوجوب (5) ، واحتج علیه فی التذکرة بورود الأمر بهما ، وهو حقیقة فی الوجوب. وکأنه أراد بالأمر ما یستفاد من الجمل الخبریة ، فإنا لم نقف فی ذلک علی أمر صریح ، والمسألة محل تردد. وکیف کان فیجب القطع بسقوطهما مع الانفراد للأصل السالم من المعارض.

قوله : ( ولا یجب استماعهما بل یستحب ).

هذا الحکم مجمع علیه بین المسلمین ، حکاه فی التذکرة والمنتهی ، مع تصریحه فی الکتابین بوجوب الخطبتین. وهو دلیل قوی علی الاستحباب.

وروی العامة عن عبد الله بن السائب ، قال : شهدت مع رسول الله صلی الله علیه و آله صلاة العید فلما قضی الصلاة قال : « إنا نخطب فمن أحب

استحباب استماع الخطبة

ص: 121


1- التهذیب 3 : 287 - 860 ، الوسائل 5 : 110 أبواب صلاة العید ب 11 ح 2.
2- الکافی 3 : 460 - 3 ، التهذیب 3 : 129 - 278 ، المقنعة : 33 ، الوسائل 5 : 110 أبواب صلاة العید ب 11 ح 1.
3- التهذیب 3 : 130 - 281 ، الوسائل 5 : 107 أبواب صلاة العید ب 10 ح 9.
4- المعتبر 2 : 324.
5- المنتهی 1 : 345 ، والتذکرة 1 : 159 ، ونهایة الأحکام 2 : 61 ، وتحریر الأحکام : 46.

الرابعة : لا ینقل المنبر من الجامع ، بل یعمل شبه المنبر من طین استحبابا.

الخامسة : إذا طلعت الشمس حرم السفر حتی یصلی صلاة العید إن کان ممن تجب علیه. وفی خروجه بعد الفجر قبل طلوعها تردد ، والأشبه الجواز.

______________________________________________________

أن یجلس للخطبة فلیجلس ، ومن أحب أن یذهب فلیذهب » (1).

قوله : ( الرابعة ، لا ینقل المنبر من الجامع ، بل یعمل شبه المنبر من طین استحبابا ).

هذان الحکمان إجماعیان منصوصان فی عدة روایات ، کصحیحة إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : أرأیت صلاة العیدین ، هل فیهما أذان وإقامة؟ قال : « لیس فیهما أذان ولا إقامة ، ولکن ینادی : الصلاة ثلاث مرات ، ولیس فیهما منبر ، المنبر لا یحرک من موضعه ولکن یصنع الإمام شبه المنبر من طین یقوم علیه فیخطب بالناس ثم ینزل » (2).

قوله : ( الخامسة ، إذا طلعت الشمس حرم السفر حتی یصلی صلاة العید إن کان ممن تجب علیه ).

المراد بالسفر : المستلزم لترک الصلاة سواء کان إلی مسافة أم لا. وقد قطع الأصحاب بتحریمه ، لاستلزامه الإخلال بالواجب ، والکلام المتقدم فی السفر یوم الجمعة بعد الزوال آت هنا.

قوله : ( وفی خروجه بعد الفجر قبل طلوعها تردد ، والأشبه الجواز ).

منشأ التردد أصالة الجواز المسألة من معارضة الإخلال بالواجب ، وقوله

استحباب عمل شبه منبر للامام ولا ینقل منبر الجامع

حکم السفر قبل صلاة العید

ص: 122


1- سنن ابن ماجة 1 : 410 - 1290.
2- الفقیه 1 : 322 - 1473 ، التهذیب 3 : 290 - 873 ، الوسائل 5 : 137 أبواب صلاة العید ب 33 ح 1.

______________________________________________________

علیه السلام فی روایة أبی بصیر : « إذا أردت الشخوص فی یوم عید فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتی تشهد ذلک العید » (1).

قال فی الذکری : ولما لم یثبت الوجوب حمل النهی عن السفر علی الکراهة (2).

ویشکل بعدم المنافاة بین الأمرین حتی یتوجه الحمل. لکن الراوی وهو أبو بصیر مشترک بین الثقة والضعیف ، فلا یصح التعلق بروایته والخروج بها عن مقتضی الأصل. أما الخروج قبل الفجر فقال فی التذکرة إنه جائز إجماعا (3).

تم الجزء الأول من کتاب مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام ، مع اشتغال البال وضیق المجال ، ضحی یوم السبت ثالث عشر ذی القعدة الحرام من شهور سنة تسع وثمانین وتسعمائة ، علی ید مصنفه العبد المفتقر إلی عفو الله تعالی : محمد بن علی بن الحسین بن أبی الحسن الحسینی ، حامدا مصلیا مسلما. ونسأل الله تعالی بعد المغفرة إتمام هذا الکتاب وجعله خالصا لوجهه الکریم بمنه وکرمه.

ص: 123


1- الفقیه 1 : 323 - 1480 ، التهذیب 3 : 286 - 853 ، الوسائل 5 : 133 أبواب صلاة العید ب 27 ح 1.
2- الذکری : 239.
3- التذکرة 1 : 162.

الفصل الثّالث

فی صلاة الکسوف

والکلام فی : سببها ، وکیفیتها ، وحکمها.

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحیم

فی صلاة الکسوف

الحمد لله حمدا کثیرا کما هو أهله ، وصلی الله علی سیدنا محمد وآله.

قوله : ( الفصل الثالث : فی صلاة الکسوف ، والکلام فی سببها وکیفیتها وأحکامها ).

قال فی القاموس : یقال : کسف الشمس والقمر کسوفا احتجبا کانکسفا ، والله إیاهما حجبهما ، والأحسن فی القمر خسف وفی الشمس کسفت (1). ونحوه قال الجوهری إلاّ أنه جعل انکسفت الشمس من کلام العامة (2). وهو وهم ، فإن الأخبار مملوءة بلفظ الانکساف.

وإنما عنون المصنف الفصل بصلاة الکسوف الشامل لاحتجاب القمرین مع أنه معقود لصلاة الآیات الشاملة للکسوف والزلازل وغیرهما ، لکثرة وقوعهما بالنسبة إلی غیرهما من الآیات ، ولانعقاد الإجماع علی شرعیتهما ، واختصاص أکثر النصوص بهما (3).

ص: 124


1- القاموس المحیط 3 : 196.
2- الصحاح 4 : 1421.
3- الوسائل 5 : 142 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 1.

أما الأول : فتجب عند کسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة.

______________________________________________________

ویمکن أن یکون المراد بصلاة الکسوف : الصلاة المخصوصة التی من شأنها أن تصلّی للکسوف ، کما یدل علیه ذکر الزلزلة وغیرها فی بیان سببها ، وقد وقع نحو ذلک فی صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام حیث قال فیها : « کل أخاویف السماء من ظلمة أو فزع أو ریح فصلّ له صلاة الکسوف حتی یسکن » (1).

وروی ابن بابویه - رضی الله عنه - فی کتاب علل الشرائع والأحکام بسنده إلی الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « إنما جعل للکسوف صلاة لأنه من آیات الله تبارک وتعالی لا یدری ألرحمة ظهرت أم لعذاب؟ فأحب النبی صلی الله علیه و آله أن تتضرع أمته إلی خالقها وراحمها عند ذلک لیصرف عنهم شرها ویقیهم مکروهها ، کما صرف عن قوم یونس حین تضرعوا إلی الله عزّ وجلّ » (2).

قوله : ( أما الأول ، فتجب عند کسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة ).

أجمع علماؤنا کافة علی وجوب الصلاة بکسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلزلة علی الأعیان ، حکاه فی التذکرة (3). والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وقت صلاة الکسوف فی الساعة التی تنکسف عند طلوع الشمس وعند غروبها » قال ، وقال أبو عبد الله علیه السلام : « هی فریضة » (4).

صلاة الکسوف

أسباب وجوب صلاة الکسوف

ص: 125


1- الکافی 3 : 464 - 3 ، الفقیه 1 : 346 - 1529 ، التهذیب 3 : 155 - 330 ، الوسائل 5 : 144 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 2 ح 1.
2- علل الشرائع : 269 ، الوسائل 5 : 142 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 1 ح 3.
3- التذکرة 1 : 162.
4- الکافی 3 : 464 - 4 ، التهذیب 3 : 293 - 886 ، الوسائل 5 : 146 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 4 ح 2.

وهل تجب لما عدا ذلک من ریح مظلمة وغیرها من أخاویف السماء؟ قیل : نعم ، وهو المروی. وقیل : لا ، بل یستحب. وقیل : تجب للریح المخوفة والظلمة الشدیدة حسب.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن عمر بن أذینة ، عن رهط وهم الفضیل بن یسار وزرارة وبرید ومحمد بن مسلم ، عن کلیهما علیهماالسلام ، ومنهم من رواه عن أحدهما علیهماالسلام : « إن صلاة کسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر رکعات وأربع سجدات ، صلاّها رسول الله صلی الله علیه و آله والناس خلفه فی کسوف الشمس ففرغ حین فرغ وقد انجلی کسوفها » ورووا أن الصلاة فی هذه الآیات کلها سواء (1). وإطلاق التسویة یقتضی بظاهره الاشتراک فی الوجوب.

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « صلاة العیدین فریضة ، وصلاة الکسوف فریضة » (2).

وعن سلیمان الدیلمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أراد الله أن یزلزل الأرض أمر الملک أن یحرّک عروقها فتتحرک بأهلها » قلت : فإذا کان ذلک فما أصنع؟ قال : « صل صلاة الکسوف » (3) وهذه الروایة ضعیفة السند (4).

قوله : ( وهل تجب لما عدا ذلک من ریح مظلمة وغیرها من أخاویف السماء؟ قیل : نعم ، وهو المروی ، وقیل : لا ، بل یستحب ، وقیل : تجب للریح المخوفة والظلمة الشدیدة حسب ).

ص: 126


1- التهذیب 3 : 155 - 333 ، الوسائل 5 : 149 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 7 ح 1.
2- الفقیه 1 : 320 - 1457 ، الوسائل 5 : 142 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 1 ح 2.
3- الفقیه 1 : 343 - 1517 ، علل الشرائع : 556 - 7 ، الوسائل 5 : 159 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 13 ح 3 بتفاوت یسیر.
4- لعل وجه الضعف هو ما قیل من أن راویها من الغلاة الکبار ، وأیضا طریق الصدوق إلیه ضعیف بمحمد بن سلیمان - راجع رجال الکشی 2 : 673 ، ورجال النجاشی : 182 - 482 ، ومعجم رجال الحدیث 8 : 286 - 5526.

______________________________________________________

القول بوجوب الصلاة لأخاویف السماء کلها کالظلمة العارضة ، والحمرة الشدیدة ، والریاح العاصفة ، والصاعقة الخارجة عن قانون العادة مذهب الأکثر ، کالشیخ فی الخلاف (1) ، والمفید (2) ، والمرتضی (3) ، وابن الجنید (4) ، وابن أبی عقیل (5) ، وابن إدریس (6) ، وغیرهم (7). وقال فی النهایة : صلاة الکسوف ، والزلازل ، والریاح المخوفة ، والظلمة الشدیدة فرض واجب لا یجوز ترکها علی حال (8). وقال فی الجمل : صلاة الکسوف فریضة فی أربعة مواضع : عند کسوف الشمس ، وخسوف القمر ، والزلازل ، والریاح السود المظلمة (9). ونقل عن أبی الصلاح أنه لم یتعرض لذکر غیر الکسوفین (10).

والمعتمد الأول ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه کصحیحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا ، قلنا لأبی جعفر علیه السلام : هذه الریاح والظلم التی تکون هل یصلّی لها؟ فقال : « کل أخاویف السماء من ظلمة أو ریح أو فزع فصلّ له صلاة الکسوف حتی یسکن » (11).

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الریح والظلمة تکون فی السماء والکسوف ، فقال علیه السلام : « صلاتهما سواء » (12).

ص: 127


1- الخلاف 1 : 274.
2- المقنعة : 35.
3- جمل العلم والعمل : 76.
4- نقله عنهما فی المختلف : 116.
5- نقله عنهما فی المختلف : 116.
6- السرائر : 71.
7- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 124.
8- النهایة : 136.
9- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 193.
10- الکافی فی الفقه : 155.
11- الکافی 3 : 464 - 3 ، الفقیه 1 : 346 - 1529 ، التهذیب 3 : 155 - 330 ، الوسائل 5 : 144 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 2 ح 1.
12- الفقیه 1 : 341 - 1512 ، الوسائل 5 : 144 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 2 ح 2.

ووقتها ، فی الکسوف من حین ابتدائه إلی حین انجلائه ،

______________________________________________________

وصحیحة محمد بن مسلم وبرید بن معاویة ، عن أبی جعفر وأبی عبد الله علیهماالسلام قالا : « إذا وقع الکسوف أو بعض هذه الآیات فصلّها ما لم تتخوف أن یذهب وقت الفریضة » (1).

ومقتضی الروایة الأولی وجوب الصلاة لأخاویف السماء کلها ، والظاهر أن المراد به ما یحصل منه الخوف لعامة الناس.

ولو کسف بعض الکواکب ، أو کسف بعض الکواکب لأحد النیرین - کما نقل أن الزهرة رئیت فی جرم الشمس کاسفة لها - فقد استقرب العلاّمة فی التذکرة (2) ، والشهید فی البیان (3) عدم وجوب الصلاة بذلک ، لأن الموجب لها الآیة المخوفة لعامة الناس وأغلبهم لا یشعرون بذلک. واحتمل فی الذکری الوجوب ، لأنها من الأخاویف (4).

والأجود إناطة الوجوب بما یحصل منه الخوف کما تضمنته الروایة.

قوله : ( ووقتها فی الکسوف من حین ابتدائه إلی حین انجلائه ).

أما أن أول وقتها فی الکسوف من حین ابتدائه ، فقال العلاّمة فی المنتهی : إنه قول علماء الإسلام (5) ، لقول النبی صلی الله علیه و آله : « فإذا رأیتم ذلک فصلّوا » (6) وقول الصادق علیه السلام : « وقت صلاة الکسوف فی الساعة التی تنکسف » (7).

وقت الصلاة فی الکسوف

ص: 128


1- الفقیه 1 : 346 - 1530 ، الوسائل 5 : 148 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 4.
2- التذکرة 1 : 166.
3- البیان : 115.
4- الذکری : 247.
5- المنتهی 1 : 352.
6- صحیح مسلم 2 : 618 - 620 ح 1 ، 2 ، 3 ، وسنن النسائی 3 : 130 - 132 ، وسنن ابن ماجة 1 : 401 ح 1263. باختلاف یسیر فی ألفاظ الحدیث بین المصادر.
7- الکافی 3 : 464 - 4 ، التهذیب 3 : 293 - 886 ، الوسائل 5 : 146 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 4 ح 2.

______________________________________________________

وإنما الخلاف فی آخره ، فذهب جماعة منهم المصنف - رحمه الله - هنا ظاهرا ، وفی المعتبر صریحا إلی أنه تمام الانجلاء (1). وقال الشیخان (2) ، وابن حمزة (3) ، وابن إدریس (4) ، والمصنف فی النافع : إنه الأخذ فی الانجلاء (5). والأصح الأول.

لنا : أن وجوب الصلاة بالکسوف متحقق ، ولا دلیل علی انتهاء وقته بالأخذ فی الانجلاء فیستمر إلی آخره ، ویدل علیه أیضا قول الصادق علیه السلام فی موثقة عمّار : « إن صلّیت الکسوف فإلی أن یذهب الکسوف » (6) والذهاب إنما یکون بالانجلاء التام.

وقوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن عمار : « صلاة الکسوف إذا فرغت قبل أن ینجلی فأعد » (7) ولو خرج الوقت بالأخذ فی الانجلاء لما استحبت الإعادة بعده کما لا تستحب بعد الانجلاء التام. ولم نقف للقائلین بانتهاء الوقت بالأخذ فی الانجلاء علی دلیل یعتد به.

قال فی المعتبر : فإن احتج الشیخ بما رواه حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : ذکروا عنده انکساف الشمس وما یلقی الناس من شدته فقال : « إذا انجلی منه شی ء فقد انجلی » (8) فلا حجة فی ذلک ، لاحتمال أن یکون أراد تساوی الحالین فی زوال الشدة ، لا بیان الوقت (9).

ص: 129


1- المعتبر 2 : 330.
2- المفید فی المقنعة : 35 ، والشیخ فی النهایة : 137 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ): 194.
3- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 677.
4- السرائر : 72.
5- المختصر النافع : 39.
6- التهذیب 3 : 291 - 876 ، الوسائل 5 : 146 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 4 ح 5.
7- التهذیب 3 : 156 - 334 ، الوسائل 5 : 153 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 8 ح 1.
8- الفقیه 1 : 347 - 1535 ، التهذیب 3 : 291 - 877 ، الوسائل 5 : 146 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 4 ح 3.
9- المعتبر 2 : 330.

فإن لم یتّسع لها لم تجب.

______________________________________________________

وتظهر الفائدة فی نیة القضاء أو الأداء لو شرع فی الانجلاء ، وکذا فی ضرب زمان التکلیف الذی یسع الصلاة.

ولو غابت الشمس أو القمر بعد الکسوف وقبل الانجلاء وجبت الصلاة أداء إلی أن یتحقق الانجلاء. وکذا لو سترها غیم أو طلعت الشمس علی القمر ، لإطلاق الأمر ، وعدم العلم بانقضاء الوقت المقتضی لفوات الأداء.

قال فی الذکری : ولو اتفق إخبار رصدیین عدلین بمدة المکث أمکن العود إلیهما ، ولو أخبرا بالکسوف فی وقت مترقب فالأقرب أنهما ومن أخبراه بمثابة العالم ، وکذا لو اتفق العلم بخبر الواحد للقرائن (1).

ولا ریب فی الوجوب حیث یحصل العلم للسامع ، أو یستند إخبار العدلین إلیه.

قوله : ( فإن لم یتسع لها لم تجب ).

المراد أن وقت الکسوف إذا لم یتسع لأخف الصلاة لم تجب ، لاستحالة التکلیف بعبادة موقتة فی وقت لا یسعها. ومقتضی ذلک أن المکلف لو اتفق شروعه فی الصلاة فی ابتداء الوقت فتبیّن ضیقه عنها وجب القطع ، لانکشاف عدم الوجوب.

ویظهر من المصنف - رحمه الله - فی المعتبر التوقف فی ذلک فإنه قال : لو ضاق وقت الکسوف عن إدراک رکعة لم تجب ، وفی وجوبها مع قصور الوقت عن أخف الصلاة تردد (2). وکأن منشأ التردد مما ذکرناه ، ومن عدم صراحة الروایات فی التوقیت ، لکن فرقه بین ما إذا ضاق الوقت عن إدراک رکعة وبین ما إذا وسع الوقت رکعة وقصر عن أخف الصلاة غیر واضح.

واستوجه العلاّمة فی المنتهی وجوب الصلاة مع إدراک رکعة ، نظرا إلی أن

ص: 130


1- الذکری : 244.
2- المعتبر 2 : 341.

وکذا الریاح والأخاویف إن قلنا بالوجوب.

______________________________________________________

إدراک الرکعة بمنزلة إدراک الصلاة (1). وهو ضعیف جدا ، فإن ذلک إنما ثبت فی الیومیة إذا أدرک رکعة من الوقت ، ومع قصور الوقت عن أخف الصلاة لا یتحقق التوقیت. والعجب أنه - رحمه الله - قال بعد ذلک بغیر فصل : السادس لو قصر الوقت عن أقل صلاة یمکن لم تجب علی إشکال. وهو رجوع من الجزم إلی التردد.

والحق أن الکسوف إن کان من قبیل السبب کالزلزلة وجب القول بوجوب الصلاة وإن قصر وقته عن الرکعة ، وإن کان من قبیل الوقت - کما هو الظاهر - تعیّن القول بعدم الوجوب إذا قصر الوقت عن أدائها ، لاستحالة التکلیف بعبادة موقتة فی وقت لا یسعها ، فالفرق بین سعة الوقت لإدراک الرکعة وعدمه لا یظهر له وجه.

قوله : ( وکذا الریاح والأخاویف إن قلنا بالوجوب ).

أی وکذا یمتد وقت الصلاة فی الریاح والأخاویف - إن قلنا بوجوبها - من الابتداء إلی الانتهاء ، فإن لم یتسع لها لم تجب. وهذا أحد القولین فی المسألة ، وأسنده فی الذکری إلی الأصحاب (2) ، مع أنه جزم فی الدروس بعدم اعتبار سعة وقتها کالزلزلة (3) ، واختاره العلاّمة فی جملة من کتبه نظرا إلی إطلاق الأمر (4).

والأصح الأول ، لقوله علیه السلام : « کل أخاویف السماء من ظلمة أو ریح أو فزع فصلّ له صلاة الکسوف حتی یسکن » (5).

وجه الدلالة أن « حتی » إما أن تکون لانتهاء الغایة أو التعلیل ، وعلی

وقت الصلاة فی الأخاویف

ص: 131


1- المنتهی 1 : 354.
2- الذکری : 244.
3- الدروس : 45.
4- المنتهی 1 : 352 ، وتحریر الأحکام 1 : 47.
5- الکافی 3 : 464 - 3 ، الفقیه 1 : 346 - 1529 ، التهذیب 3 : 155 - 330 ، الوسائل 5 : 144 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 2 ح 1.

وفی الزلزلة تجب وان لم یطل المکث ، ویصلی بنیّة الأداء وإن سکنت.

______________________________________________________

الأول یثبت التوقیت صریحا ، وکذا علی الثانی ، لأن انتفاء العلة یقتضی انتفاء المعلول.

قوله : ( وفی الزلزلة تجب وإن لم یطل المکث ، ویصلی بنیّة الأداء وإن سکنت ).

هذا قول معظم الأصحاب ، لإطلاق الأمر الخالی من التقیید. وحکی الشهید فی البیان قولا بأنها تصلی بنیة القضاء (1) ، ولم نظفر بقائله. وألحق العلامة فی التذکرة بالزلزلة الصیحة ، ثم قال : وبالجملة کل آیة یقصر وقتها عن العبادة یکون وقتها دائما ، أما ما ینقص عن فعلها وقتا دون وقت فإن وقتها مدة الفعل فإن قصر لم تصل (2).

ویشکل بأنه لا یلزم من عدم قصور زمان الآیة عن مقدار الصلاة کونها موقتة ، بل الحق أن التوقیت إنما یثبت إذا ورد الشرع بتحدید زمان الفعل وبدونه یکون وقته العمر.

وأورد علی العبارة ونظائرها أن الأداء والقضاء من توابع الوقت المضروب ، فإذا کان وقت الزلزلة یمتد بامتداد العمر لم یوصف فعلها بأداء ولا قضاء ، فلا وجه لقولهم : إنها تصلی بنیة الأداء وإن سکنت.

وأجاب عنه المحقق الشیخ علیّ - رحمه الله - فی بعض حواشیه فقال : إنما کانت هذه الصلاة أداء لأن الإجماع واقع علی کون هذه الصلاة موقتة ، والتوقیت یوجب نیة الأداء ، ولما کان وقتها لا یسعها وامتنع فعلها فیه وجب المصیر إلی کون ما بعده صالحا لإیقاعها فیه حذرا من التکلیف بالمحال ، وبقی حکم الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل عنه ، وروعی فیها الفوریة من حیث إن فعلها خارج وقت السبب إنما کان بحسب الضرورة فاقتصر فی التأخیر علی قدرها ، وفی ذلک جمع بین القواعد المتضادة وهی توقیت هذه الصلاة مع قصر

وقت الصلاة فی الزلزلة

ص: 132


1- البیان : 116.
2- التذکرة 1 : 163.

ومن لم یعلم بالکسوف حتی خرج الوقت لم یجب القضاء ، إلا أن یکون القرص قد احترق کله.

______________________________________________________

وقتها واعتبار سعة الوقت لفعل العبادة. هذا کلامه رحمه الله .

ولا یخفی ما فیه من التکلف المستغنی عنه. ومن العجب ادعاؤه الإجماع علی توقیت هذه الصلاة مع تصریحهم بأنها تمتد بامتداد العمر. نعم ذکر الشهید فی الذکری أنّ حکم الأصحاب بأن الزلزلة تصلی أداء طول العمر لا یریدون به التوسعة فإن الظاهر کون الأمر هنا علی الفور ، بل علی معنی أنها تفعل بنیة الأداء وإن أخل بالفوریة لعذر وغیره (1).

وما ذکره - رحمه الله - أحوط وإن أمکن المناقشة فیه بانتفاء ما یدل علی ثبوت الفوریة هنا علی الخصوص ، والأمر المطلق لا یقتضی الفوریة کما بیناه مرارا.

قوله : ( ومن لم یعلم بالکسوف حتی خرج الوقت لم یجب القضاء ، إلا أن یکون القرص قد احترق کله ).

هذا قول معظم الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه مذهب الأصحاب عدا المفید (2). ویدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انکسفت الشمس کلها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد ذلک فعلیک القضاء ، وإن لم یحترق کلها فلیس علیک قضاء » (3).

وما رواه ابن بابویه ، عن محمد بن مسلم والفضیل بن یسار أنهما قالا ، قلنا لأبی جعفر علیه السلام : أیقضی صلاة الکسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسی فعلم؟ قال : « إن کان القرصان احترقا کلهما قضیت ، وإن کان إنما

حکم الغیر العالم بالکسوف أو غیره

ص: 133


1- الذکری : 244.
2- التذکرة 1 : 163.
3- الکافی 3 : 465 - 6 ، التهذیب 3 : 157 - 339 ، الإستبصار 1 : 454 - 1759 ، الوسائل 5 : 155 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10 ح 2.

وفی غیر الکسوف لا یجب القضاء.

______________________________________________________

احترق بعضهما فلیس علیک قضاؤه (1) » (2) وهما نص فی المطلوب.

وقال المفید فی المقنعة : إذا احترق القرص کله ولم تکن علمت به حتی أصبحت صلّیت صلاة الکسوف جماعة ، وإن احترق بعضه ولم تعلم به حتی أصبحت صلیت القضاء فرادی (3). ولم نقف له فی هذا التفصیل علی مستند.

قوله : ( وفی غیر الکسوف لا یجب القضاء ).

المراد أن من لم یعلم بالآیة المخوفة حتی خرج وقتها لا یجب علیه القضاء ، وهذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا. ویدل علیه ما أسلفناه مرارا من أن القضاء فرض مستأنف فیتوقف علی الدلیل وبدونه یکون منفیا بالأصل (4) ، وتشهد له الروایات المتضمنة لسقوط القضاء فی الکسوف إذا لم یستوعب الاحتراق ، مع أنه أقوی ، للإجماع علی أنه موجب للصلاة واستفاضة النصوص به (5).

واحتمل جدی - قدس سره - فی روض الجنان وجوب القضاء هنا ، لوجود السبب (6) ، وعموم قوله علیه السلام : « من فاتته فریضة. » (7) وهو ضعیف ، لأن السبب إنما وجد فی الأداء خاصة وقد سقط بفوات محله ، والفریضة لا عموم فیها بحیث یتناول موضع النزاع بل المتبادر منها الیومیة.

واعلم أنه لیس فی العبارة دلالة علی حکم صلاة الزلزلة إذا لم یعلم المکلف بحصولها حتی انقضت ، وقد صرح العلاّمة فی التذکرة بسقوطها فقال : أما جاهل غیر الکسوف مثل الزلزلة والریاح والظلمة الشدیدة فالوجه سقوطها

ص: 134


1- کذا فی النسخ والمصادر.
2- الفقیه 1 : 346 - 1532 ، الوسائل 5 : 154 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10 ح 1.
3- المقنعة : 35.
4- راجع ج 3 ص 92.
5- الوسائل 5 : 142 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 1.
6- روض الجنان : 304.
7- عوالی اللآلی 2 : 54 - 143.

ومع العلم والتفریط أو النسیان یجب القضاء فی الجمیع.

______________________________________________________

عنه ، عملا بالأصل السالم من المعارض (1). وهو غیر بعید وإن کان الإتیان بالصلاة هنا أحوط.

قوله : ( ومع العلم والتفریط أو النسیان یجب القضاء فی الجمیع ).

المراد أن من علم بحصول الآیة المخوفة وأخل بالصلاة یجب علیه القضاء فی الجمیع وإن احترق بعض القرص ، سواء أخل بالصلاة عمدا أو نسیانا ، وهذا قول الأکثر.

وقال الشیخ فی النهایة والمبسوط : لا یقضی الناسی ما لم یستوعب الاحتراق (2). وظاهر المرتضی - رضی الله عنه - فی المصباح عدم وجوب القضاء ما لم یستوعب وإن تعمد الترک (3).

احتج الأولون (4) بقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « أربع صلوات یصلّیها الرجل فی کل ساعة : صلاة فاتتک فمتی ما ذکرتها أدیتها » (5) الحدیث.

وقوله علیه السلام فی صحیحة أخری لزرارة وقد سأله عن رجل صلّی بغیر طهور أو نسی صلاة أو نام عنها : « یقضیها إذا ذکرها » (6).

وما رواه الشیخ ، عن حریز ، عمن أخبره ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انکسف القمر فاستیقظ الرجل ولم یصل فلیغتسل من

وجوب القضاء مع التفریط والنسیان.

ص: 135


1- التذکرة 1 : 163.
2- النهایة : 136 ، والمبسوط 1 : 172.
3- نقله عنه فی المعتبر 2 : 331.
4- منهم المحقق الحلی فی المعتبر 2 : 331.
5- الکافی 3 : 288 - 3 ، الفقیه 1 : 278 - 1265 ، الوسائل 5 : 350 أبواب قضاء الصلاة ب 2 ح 1.
6- الکافی 3 : 292 - 3 ، التهذیب 3 : 172 - 685 ، الوسائل 5 : 350 أبواب قضاء الصلاة ب 2 ح 3.

______________________________________________________

غد ولیقض الصلاة ، وإن لم یستیقظ ولم یعلم بانکساف القمر فلیس علیه إلاّ القضاء بغیر غسل » (1).

وعن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « وإن أعلمک أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتک عیناک فلم تصل فعلیک قضاؤها » (2).

وفی الجمیع نظر : أما أخبار قضاء الفوائت فلا عموم لها علی وجه یتناول صورة النزاع ، ولهذا لم یحتج بها الأصحاب علی وجوب القضاء مع انتفاء العلم بالسبب.

وأما روایة حریز فقاصرة بالإرسال ، وإطباق الأکثر علی ترک العمل بظاهرها.

وأما روایة عمار فباشتمال سندها علی جماعة من الفطحیة.

ومن ذلک تظهر قوة ما ذهب إلیه الشیخ من عدم وجوب القضاء علی الناسی إذا لم یستوعب الاحتراق ، بل رجحان ما ذهب إلیه المرتضی - رضی الله عنه - من عدم وجوب القضاء مطلقا إلاّ مع الاستیعاب ، ویدل علیه مضافا إلی الأصل ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن جعفر أنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن صلاة الکسوف هل علی من ترکها قضاء؟ فقال : « إذا فاتتک فلیس علیک قضاء » (3) دلت الروایة علی سقوط قضاء صلاة الکسوف مع الفوات مطلقا ، خرج من ذلک ما إذا استوعب الاحتراق فإنه یجب القضاء

ص: 136


1- التهذیب 3 : 157 - 337 ، الإستبصار 1 : 453 - 1758 ، الوسائل 5 : 155 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10 ح 5.
2- التهذیب 3 : 291 - 876 ، الإستبصار 1 : 454 - 1760 ، الوسائل 5 : 156 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10 ح 10.
3- التهذیب 3 : 292 - 884 ، الاستبصار 1 : 453 - 1756 ، قرب الإسناد : 99 ، الوسائل 5 : 156 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10 ح 7.

وأما کیفیتها : فهو أن یحرم ، ثم یقرأ الحمد وسورة ، ثم یرکع ، ثم یرفع ، فإن کان لم یتمّ السورة قرأ من حیث قطع ، وإن کان أتمّ قرأ الحمد ثانیا ، ثم قرأ سورة حتی یتمّ خمسا علی هذا الترتیب ، ثم یرکع ویسجد اثنتین ثم یقوم ویقرأ الحمد وسورة معتمدا ترتیبه الأول ، ویتشهّد ، ویسلّم.

______________________________________________________

بالنصوص الصحیحة (1) فیبقی الباقی مندرجا فی الإطلاق.

ولا ریب أن ما اختاره الأکثر من القضاء مع العلم والتفریط والنسیان فی الجمیع طریق الاحتیاط.

قوله : ( وأما کیفیتها فهو أن یحرم ، ثم یقرأ الحمد وسورة ، ثم یرکع ، ثم یرفع رأسه ، فإن کان لم یتمّ السورة قرأ من حیث قطع ، وإن کان أتمّ قرأ الحمد ثانیا ، ثم قرأ سورة حتی یتمّ خمسا علی هذا الترتیب ، ثم یرکع ویسجد سجدتین ، ثم یقوم ویقرأ الحمد وسورة معتمدا ترتیبه الأول ، ویتشهّد ، ویسلّم ).

الأصل فی هذه الکیفیة النصوص الواردة عن أئمة الهدی صلوات الله علیهم ، فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن أذینة ، عن رهط ، عن کلیهما ، ومنهم من رواه عن أحدهما : « إن صلاة کسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر رکعات وأربع سجدات ، صلاّها رسول الله صلی الله علیه و آله والناس خلفه فی کسوف الشمس ، ففرغ حین فرغ وقد انجلی کسوفها » ورووا « أن الصلاة فی هذه الآیات کلها سواء ، وأشدها وأطولها کسوف الشمس تبدأ فتکبر بافتتاح الصلاة ، ثم تقرأ أمّ الکتاب وسورة ، ثم ترکع ، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أمّ الکتاب وسورة ، ثم ترکع الثانیة ، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أمّ الکتاب وسورة ، ثم ترکع الثالثة ، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أمّ الکتاب وسورة ، ثم ترکع الرابعة ، ثم ترفع رأسک من الرکوع فتقرأ أمّ الکتاب وسورة ، ثم ترکع الخامسة ، فإذا رفعت رأسک قلت : « سمع

کیفیة صلاة الکسوف

ص: 137


1- الوسائل 5 : 154 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 10.

______________________________________________________

الله لمن حمده » ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتین ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت فی الأولی » قال ، قلت : وإن هو قرأ سورة واحدة فی الخمس رکعات ففرّقها بینها؟ قال : « أجزأه أمّ القرآن فی أول مرة ، وإن قرأ خمس سور [ قرأ ] (1) مع کل سورة أمّ الکتاب ، والقنوت فی الرکعة الثانیة قبل الرکوع إذا فرغت من القراءة ، ثم تقنت فی الرابعة مثل ذلک ، ثم فی السادسة ، ثم فی الثامنة ، ثم فی العاشرة » (2) قال الشیخ - رحمه الله - : والرهط الذین رووه الفضیل وزرارة وبرید ومحمد بن مسلم.

وفی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، قالا : سألنا أبا جعفر علیه السلام عن صلاة الکسوف کم هی رکعة؟ وکیف نصلّیها؟ فقال : « هی عشر رکعات وأربع سجدات ، تفتتح الصلاة بتکبیرة ، وترکع بتکبیرة ، وترفع رأسک بتکبیرة إلاّ فی الخامسة التی تسجد فیها وتقول : « سمع الله لمن حمده » فیها ، وتقنت فی کل رکعتین قبل الرکوع ، وتطوّل القنوت والرکوع علی قدر القراءة والرکوع والسجود ، فإن فرغت قبل أن ینجلی فاقعد وادع الله حتی ینجلی ، فإن انجلی قبل أن تفرغ من صلاتک فأتم ما بقی وتجهر بالقراءة » قال ، قلت : کیف القراءة فیها؟ فقال : « إن قرأت سورة فی کل رکعة فاقرأ فاتحة الکتاب ، فإن نقصت من السورة شیئا فاقرأ من حیث نقصت ولا تقرأ فاتحة الکتاب » قال ، وقال : « یستحب أن یقرأ فیها بالکهف والحجر إلاّ أن یکون إماما یشق علی من خلفه ، فإن استطعت أن تکون صلاتک بارزا لا یجنّک بیت فافعل ، وصلاة کسوف الشمس أطول من صلاة کسوف القمر ، وهما سواء فی القراءة والرکوع والسجود » (3).

ویستفاد من هاتین الروایتین التخییر بین قراءة سورة کاملة بعد الحمد فی

ص: 138


1- أثبتناه من المصدر.
2- التهذیب 3 : 155 - 333 ، الوسائل 5 : 149 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 7 ح 1.
3- الکافی 3 : 463 - 2 ، التهذیب 3 : 156 - 335 ، الوسائل 5 : 150 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 7 ح 6.

______________________________________________________

کل قیام ، وبین تفریق سورتین علی العشر فی کل خمس سورة ، وأنه متی أتم السورة وجب قراءة الحمد.

وقال ابن إدریس : إذا أکمل السورة استحب له قراءة الحمد ، محتجا بأن الرکعات کرکعة واحدة (1). ورده المصنف فی المعتبر بأنه خلاف فتوی الأصحاب والمنقول عن أهل البیت علیهم السلام (2). وهو کذلک.

وربما ظهر من إطلاق الروایة الثانیة جواز التفریق بأن یبعض سورة فی إحدی الرکعتین ویقرأ فی الأخری خمسا ، والجمع فی الرکعة الواحدة بین الإتمام والتبعیض بأن یتم السورة فی القیام الأول مثلا ویبعض السورة (3) فی الأربع البواقی.

وفی جواز الرکوع قبل إتمامها والحال هذه وجهان ، وکذا الوجهان فی جواز إتمامها بعد القیام من السجود لکن لا بد من قراءة الحمد.

وذکر الشهیدان أنه متی رکع عن بعض سورة تخیر فی القیام بعده بین القراءة من موضع القطع ، وبین القراءة من أیّ موضع شاء من السورة متقدما أو متأخرا ، وبین رفضها وقراءة غیرها (4).

واحتمل فی الذکری أمرا رابعا وهو أن له إعادة البعض الذی قرأه من السورة بعینه قال : فحینئذ هل تجب قراءة الحمد؟ یحتمل ذلک لابتدائه بسورة ، ویحتمل عدمه لأن قراءة بعضها مجزیة فقراءة جمیعها أولی ، هذا إن قرأ جمیعها ، وإن قرأ بعضها فأشد إشکالا (5).

ص: 139


1- السرائر : 72.
2- المعتبر 2 : 335.
3- فی « ض » : سورة.
4- الشهید الأول فی الذکری : 245 ، والبیان : 118 ، واللمعة : 39 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 303 ، والمسالک 1 : 37 ، والروضة البهیة 1 : 312.
5- الذکری : 245.

ویستحب فیها الجماعة ،

______________________________________________________

وأقول : إن فی أکثر هذه الصور إشکالا ، فإن مقتضی قوله علیه السلام : « فإن نقصت من السورة شیئا فاقرأ من حیث نقصت » (1) تعین القراءة من موضع القطع فلا یکون العدول إلی غیره من السورة ومن غیرها جائزا ، ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی الاقتصار علی قراءة خمس سور فی کل رکعة ، أو تفریق سورة علی الخمس ، والله تعالی أعلم.

قوله : ( ویستحب فیها الجماعة ).

هذا قول علمائنا أجمع قاله فی التذکرة (2) ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة الرهط المتقدمة : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی بأصحابه صلاة الکسوف » (3) وأقل مراتب ذلک الاستحباب.

ویدل علی جواز الانفراد ما رواه الشیخ ، عن روح بن عبد الرحیم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة الکسوف تصلّی جماعة؟ قال : « جماعة وغیر جماعة » (4).

ویتأکد استحباب الجماعة إذا استوعب الاحتراق ، لما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا انکسفت الشمس والقمر [ فانکسف کلها ] (5) فإنه ینبغی للناس أن یفزعوا إلی إمام لیصلّی بهم ، وأیهما کسف بعضه فإنه یجزی الرجل أن یصلّی وحده » (6).

وقال الصدوقان : إذا احترق القرص کله فصلّها فی جماعة ، وإن احترق بعضه فصلّها فرادی (7). ولعل مرادهما عدم تأکد الجماعة إذا لم یستوعب

استحباب الجماعة فی صلاة الکسوف

ص: 140


1- المتقدم فی ص 138.
2- التذکرة 1 : 164.
3- فی ص 137.
4- التهذیب 3 : 292 - 882 ، الوسائل 5 : 157 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 12 ح 1.
5- أثبتناه من المصدر.
6- التهذیب 3 : 292 - 881 ، الوسائل 5 : 157 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 12 ح 2.
7- الصدوق فی المقنع : 44 ، ونقله عنهما فی المختلف : 118.

وإطالة الصلاة بمقدار زمان الکسوف ،

______________________________________________________

الاحتراق ، ولقد أحسن الشهید فی الذکری حیث قال : إنهما إن أرادا نفی تأکد الاستحباب مع احتراق البعض فمرحبا بالوفاق ، وإن أرادا نفی استحباب الجماعة وترجیح الفرادی طولبا بدلیل المنع (1).

وصرح الشهید فی البیان بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل فی هذه الصلاة وبالعکس کالیومیة (2) ، وهو حسن.

فرع : لو أدرک المأموم الإمام قبل الرکوع الأول أو فی أثنائه أدرک الرکعة بغیر إشکال ، ولو لم یدرکه حتی رفع رأسه من الرکوع الأول فالأصح فوات تلک الرکعة کما نص علیه المصنف فی المعتبر (3) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (4) ، لأصالة عدم سقوط فرض مکلف بفعل غیره إلاّ فیما دل علیه الدلیل ، وهو منتف هنا ، ولأن الدخول معه والحال هذه مستلزم لأحد محذورین : إمّا تخلف المأموم عن الإمام إن تدارک الرکوع بعد سجود الإمام ، وإمّا تحمل الإمام الرکوع إن رفض الرکوعات وسجد لسجود الإمام.

واحتمل العلاّمة فی التذکرة جواز الدخول معه فی هذه الحالة ، فإذا سجد الإمام لم یسجد هو ، بل ینتظر الإمام إلی أن یقوم ، فإذا رکع الإمام أول الثانیة رکع معه عن رکعات الأولی ، فإذا انتهی إلی الخامس بالنسبة إلیه سجد ثم لحق الإمام ویتم الرکعات قبل سجود الثانیة (5).

ویشکل بأن فیه تخلف المأموم عن الإمام فی رکن وهو السجدتان من غیر ضرورة ، ولا دلیل علی جوازه.

قوله : ( وإطالة الصلاة بمقدار زمان الکسوف ).

ص: 141


1- الذکری : 246.
2- البیان : 117.
3- المعتبر 2 : 336.
4- التذکرة 1 : 164 ، وتحریر الأحکام : 47.
5- التذکرة 1 : 165.

وأن یعید الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء ،

______________________________________________________

هذا موضع وفاق بین العلماء قاله فی المعتبر (1) ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة الرهط : « إن صلاة کسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر رکعات وأربع سجدات ، صلاّها رسول الله صلی الله علیه و آله والناس خلفه فی کسوف الشمس ، ففرغ حین فرغ وقد انجلی کسوفها » (2).

وما رواه الشیخ ، عن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت الکسوف فإلی أن یذهب الکسوف عن الشمس والقمر ، وتطوّل فی صلاتک فإن ذلک أفضل ، وإن أحببت أن تصلّی فتفرغ من صلاتک قبل أن یذهب الکسوف فهو جائز » (3).

ولا یخفی أن استحباب الإطالة بمقدار زمان الکسوف إنما یتم مع العلم بذلک أو الظن الحاصل من إخبار الرصدی أو غیره ، أما بدونه فربما کان التخفیف ثم الإعادة مع عدم الانجلاء أولی ، لما فی التطویل من التعرض لخروج الوقت قبل الإتمام.

قوله : ( وأن یعید الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء ).

هذا قول أکثر الأصحاب ، ونقل عن ظاهر المرتضی (4) ، وأبی الصلاح (5) وجوب الإعادة. ومنع ابن إدریس من الإعادة وجوبا واستحبابا (6). والمعتمد الأول.

لنا علی الاستحباب ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار

استحباب إعادة الصلاة ما لم ینجلی الکسوف

ص: 142


1- المعتبر 2 : 336.
2- المتقدمة فی ص 137.
3- التهذیب 3 : 291 - 876 ، الوسائل 5 : 153 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 8 ح 2.
4- جمل العلم والعمل : 76.
5- الکافی فی الفقه : 156.
6- السرائر : 72.

وأن یکون مقدار رکوعه بمقدار زمان قراءته ، وأن یقرأ السور الطوال مع سعة الوقت ،

______________________________________________________

قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « صلاة الکسوف إذا فرغت قبل أن ینجلی فأعد » (1).

ولنا علی انتفاء الوجوب قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم : « فإن فرغت قبل أن ینجلی فاقعد وادع الله حتی ینجلی » (2).

وقد یقال : إن الجمع بین الروایتین یقتضی القول بوجوب الإعادة أو الدعاء تخییرا ، إلاّ أنی لا أعلم به قائلا.

قوله : ( وأن یکون مقدار رکوعه بمقدار زمان قراءته ، ویقرأ السور الطوال مع سعة الوقت ).

یدل علی ذلک مضافا إلی صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة ما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر قال : سألته عن صلاة الکسوف فقال : « عشر رکعات وأربع سجدات ، یقرأ فی کل رکعة مثل یس والنور ، ویکون رکوعک مثل قراءتک ، وسجودک مثل رکوعک » قلت : فمن لم یحسن یس وأشباهها؟ قال : « فلیقرأ ستین آیة فی کل رکعة » (3) وفی طریق هذه الروایة ضعف (4).

ومقتضی صحیحة زرارة وابن مسلم المتقدمة أن قراءة السور الطوال إنما یستحب إذا لم یکن إماما یشق علی من خلفه ، وإلاّ کان التخفیف أولی ، ولا بأس به.

واحترز المصنف بقوله : مع سعة الوقت ، عما إذا ضاق عن ذلک فإنه لا تجوز الإطالة المقتضیة لخروجه قبل الإکمال ، کما لا یجوز فی الفرائض الموقتة.

استحباب تطویل الرکوع وقراءة السور الطوال

ص: 143


1- التهذیب 3 : 156 - 334 ، الوسائل 5 : 153 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 8 ح 1.
2- المتقدمة فی 138.
3- التهذیب 3 : 294 - 890 ، الوسائل 5 : 149 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 7 ح 2.
4- الظاهر أن وجه الضعف هو وقوع علی بن أبی حمزة البطائنی فی طریقها وهو واقفی - راجع رجال النجاشی : 249 - 456 ، ورجال الطوسی : 353 ، والفهرست : 96 - 408.

وأن یکبّر عند کل رفع من کل رکوع ، إلا فی الخامس والعاشر فإنه یقول : سمع الله لمن حمده ، وأن یقنت خمس قنوتات.

وأما حکمها فمسائله ثلاث :

الأولی : إذا حصل الکسوف فی وقت فریضة حاضرة کان مخیّرا فی الإتیان بأیهما شاء ما لم تتضیق الحاضرة فتکون أولی ، وقیل : الحاضرة أولی ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وأن یکبّر عند کل رفع من کل رکوع ، إلا فی الخامس والعاشر فإنه یقول : سمع الله لمن حمده ، وأن یقنت خمس قنوتات ).

یدل علی ذلک قول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة ومحمد بن مسلم : « تفتتح الصلاة بتکبیرة ، وترکع بتکبیرة ، وترفع رأسک بتکبیرة إلاّ فی الخامسة التی تسجد فیها ، وتقول : « سمع الله لمن حمده » فیها ، وتقنت فی کل رکعتین قبل الرکوع » (1). وفی صحیحة الرهط : « والقنوت فی الرکعة الثانیة قبل الرکوع إذا فرغت من القراءة ، ثم تقنت فی الرابعة مثل ذلک ، ثم فی السادسة ، ثم فی الثامنة ، ثم فی العاشرة » (2).

وذکر الشهید فی البیان أنه یجزی القنوت علی الخامس والعاشر ، وأقله علی العاشر (3). ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( الأولی ، إذا حصل الکسوف فی وقت فریضة حاضرة کان مخیّرا فی الإتیان بأیهما شاء ما لم تتضیق الحاضرة فتکون أولی ، وقیل : الحاضرة أولی ، والأول أشبه ).

إذا حصل الکسوف فی وقت فریضة حاضرة ، فإن تضیق وقت إحداهما تعینت للأداء إجماعا ثم تصلّی بعدها ما اتسع وقتها ، وإن تضیقتا قدمت

استحباب التکبیر عند الرفع من الرکوع

حکم تزاحم صلاة الکسوف مع فریضة حاضرة

ص: 144


1- المتقدمة فی ص 138.
2- المتقدمة فی ص 137.
3- البیان : 118.

______________________________________________________

الحاضرة لأنها أهم فی نظر الشرع ، وقال فی الذکری : إنه لا خلاف فیه (1).

وإن اتسع الوقتان کان مخیرا فی الإتیان بأیهما شاء عند أکثر الأصحاب ، وقال ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه : ولا یجوز أن یصلّیها فی وقت فریضة حتی یصلّی الفریضة (2). وهو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (3). والمعتمد الأول.

لنا : أنهما واجبان اجتمعا ووقتها موسع فیتخیر المکلف بینهما ، ولنا أیضا أن فیه جمعا بین ما تضمن الأمر بتقدیم الفریضة کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن صلاة الکسوف فی وقت الفریضة فقال : « ابدأ بالفریضة » (4) وبین ما تضمن الأمر بتقدیم الکسوف کصحیحة محمد بن مسلم وبرید بن معاویة ، عن أبی جعفر علیه السلام وأبی عبد الله علیه السلام ، قالا : « إذا وقع الکسوف أو بعض هذه الآیات صلّیتها ما لم تتخوف أن یذهب وقت الفریضة ، فإن تخوفت فابدأ بالفریضة واقطع ما کنت فیه من صلاة الکسوف ، فإذا فرغت من الفریضة فارجع إلی حیث کنت قطعت واحتسب بما مضی » (5).

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : لو خشی فوات الحاضرة قدمها علی الکسوف ، ولو دخل فی الکسوف قبل تضیّق الحاضرة وخشی لو أتم فوات الحاضرة قطع إجماعا وصلّی الحاضرة ، ثم أتم صلاة الکسوف من حیث قطع علی ما نص علیه

ص: 145


1- الذکری : 246.
2- الفقیه 1 : 347.
3- النهایة : 137.
4- الکافی 3 : 464 - 5 ، الوسائل 5 : 147 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 1.
5- الفقیه 1 : 346 - 1530 ، الوسائل 5 : 148 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 4.

______________________________________________________

الشیخان (1) ، والمرتضی (2) ، وابن بابویه (3) ، وأتباعهم (4) ، لصحیحة برید ومحمد بن مسلم المتقدمة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : جعلت فداک ربما ابتلینا بالکسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة ، فإن صلّیت الکسوف خشینا أن تفوتنا الفریضة فقال : « إذا خشیت ذلک فاقطع صلاتک واقض فریضتک ، ثم عد فیها » (5).

وفی الصحیح ، عن أبی أیوب إبراهیم بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة الکسوف قبل أن تغیب الشمس ونخشی فوت الفریضة فقال : « اقطعوها وصلّوا الفریضة وعودوا إلی صلاتکم » (6).

وذهب الشیخ فی المبسوط إلی أن من قطع صلاة الکسوف لخوف فوات الفریضة یجب علیه استئنافها من رأس (7) ، واختاره فی الذکری قال : لأن البناء بعد تخلل الصلاة الأجنبیة لم یعهد من الشارع تجویزه فی غیر هذا الموضع ، والاعتذار بأن الفعل الکثیر مغتفر هنا لعدم منافاته الصلاة بعید ، فإنا لم نبطلها بالفعل الکثیر بل بحکم الشرع بالإبطال والشروع فی الحاضرة ، فإذا فرغ منها فقد أتی بما یخل بنظم صلاة الکسوف فتجب إعادتها من رأس تحصیلا لیقین البراءة (8).

هذا کلامه - رحمه الله - وهو مدفوع بالنصوص الصحیحة ، المتضمنة للبناء ، المسألة من المعارض.

الثانی : قال الصدوق - رحمه الله - فیمن لا یحضره الفقیه : وإذا کان فی

ص: 146


1- نقله عن المفید فی الذکری : 246 ، والشیخ فی النهایة : 137.
2- جمل العلم والعمل : 66 ، 75.
3- الفقیه 1 : 347.
4- منهم ابن البراج فی المهذب 1 : 125 ، وأبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 156.
5- التهذیب 3 : 155 - 332 ، الوسائل 5 : 147 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 2.
6- التهذیب 3 : 293 - 888 ، الوسائل 5 : 147 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 3.
7- المبسوط 1 : 172.
8- الذکری : 247.

______________________________________________________

صلاة الکسوف فیدخل علیه وقت الفریضة فلیقطعها ولیصل الفریضة ، ثم یبنی علی ما مضی من صلاة الکسوف (1).

ومقتضاه جواز القطع ، بل وجوبه إذا دخل وقت الفریضة ، وهو بعید جدا ، فإن الروایة التی أوردها فی کتابه فی هذا المعنی عن برید ومحمد بن مسلم صریحة فی الأمر بصلاة الکسوف ما لم یتخوف أن یذهب وقت الفریضة (2) ، وإذا جاز ابتداء صلاة الکسوف والحال هذه فلا وجه لوجوب قطعها بدخول الوقت ، بل ولا لجوازه. نعم ربما لاح من روایة ابن مسلم جواز القطع لخوف فوات وقت الفضیلة حیث قال فیها : ربما ابتلینا بالکسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صلیت الکسوف خشینا أن تفوتنا الفریضة فقال : « إذا خشیت ذلک فاقطع صلاتک واقض فریضتک » (3) فإن صلاة الکسوف الواقع قبل العشاء الآخرة لا یقتضی خوف خروج وقت الإجزاء ، وکیف کان فالأجود عدم جواز القطع إلاّ إذا خشی فوات الحاضرة.

الثالث : لو اشتغل بالحاضرة مع ضیق وقتها فانجلی الکسوف ولم یکن فرّط فیها ولا فی تأخیر الحاضرة فلا قضاء ، لعدم استقرار الوجوب. وإن فرّط فیها إلی أن یضیق وقت الحاضرة وجب قضاؤها مع استیعاب الاحتراق قطعا ، أو مطلقا علی ما سبق. وإن فرط فی فعل الحاضرة أول الوقت قیل : وجب قضاء الکسوف ، لاستناد إهمالها إلی ما تقدم من تقصیره (4). وقیل : لا یجب ، وهو ظاهر المعتبر (5) ، لأن التأخیر کان مباحا إلی ذلک الوقت ، ثم تعیّن علیه الفعل بسبب التضیّق ، واقتضی ذلک الفوات ، فهو بالنظر إلی هذه الحال غیر متمکن من فعل الکسوف ، فلا یجب الأداء لعدم التمکن ، ولا القضاء لعدم الاستقرار. وهو حسن.

ص: 147


1- الفقیه 1 : 347.
2- المتقدمة فی ص 145.
3- المتقدمة فی ص 146.
4- کما فی الذکری : 247 ، والبیان : 116.
5- المعتبر 2 : 341.

الثانیة : إذا اتفق الکسوف فی وقت نافلة اللیل فالکسوف أولی ولو خرج وقت النافلة ، ثم یقضی النافلة.

الثالثة : یجوز أن یصلی صلاة الکسوف علی ظهر الدابة وماشیا ، وقیل : لا یجوز ذلک إلا مع العذر ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة : إذا اتفق الکسوف فی وقت نافلة اللیل فالکسوف أولی ولو خرج وقت النافلة ، ثم یقضی النافلة ).

هذا قول علمائنا أجمع قاله فی المنتهی (1) ، ویدل علیه صریحا ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن صلاة الکسوف فی وقت الفریضة فقال : « ابدأ بالفریضة » فقیل له : فی وقت صلاة اللیل؟ فقال : « صلّ صلاة الکسوف قبل صلاة اللیل » (2).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : فإذا کان الکسوف آخر اللیل فصلّینا صلاة الکسوف فاتتنا صلاة اللیل فبأیتهما نبدأ؟ فقال : « صلّ صلاة الکسوف واقض صلاة اللیل حین تصبح » (3) وفی معنی صلاة اللیل غیرها من النوافل الموقتة.

قوله : ( الثالثة ، یجوز أن یصلی صلاة الکسوف علی ظهر الدابة وماشیا ، وقیل : لا یجوز ذلک إلا مع العذر ، وهو الأشبه ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - أشهر القولین فی المسألة وأظهرهما ، لأن هذه الصلاة صلاة مفروضة فیعتبر فیها الاستقرار مع الاختیار کغیرها من الفرائض ، تمسکا بمقتضی العمومات الدالة علی ذلک ، کصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله [ عن أبی عبد الله علیه السلام ] (4) قال : « لا یصلی

حکم تزاحم صلاة الکسوف مع نافلة اللیل

جواز صلاة الکسوف علی الدابة وماشیا

ص: 148


1- المنتهی 1 : 354.
2- الکافی 3 : 464 - 5 ، الوسائل 5 : 147 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 1.
3- التهذیب 3 : 155 - 332 ، الوسائل 5 : 147 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 5 ح 2.
4- ما بین المعقوفین أثبتناه من المصدر.

______________________________________________________

علی الدابة الفریضة إلاّ مریض » (1) وروایة عبد الله بن سنان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أیصلی الرجل شیئا من المفروض راکبا؟ فقال : « لا ، إلاّ من ضرورة » (2).

ویدل علی جواز هذه الصلاة علی ظهر الدابة مع الضرورة علی الخصوص ما رواه الشیخ ، عن علیّ بن الفضل الواسطی ، قال : کتبت إلی الرضا علیه السلام : إذا انکسفت الشمس أو القمر وأنا راکب لا أقدر علی النزول ، فکتب إلیّ : « صلّ علی مرکبک الذی أنت علیه » (3).

والقول بالجواز لابن الجنید (4) ، وهو قول الجمهور ، ولا ریب فی ضعفه.

ص: 149


1- التهذیب 3 : 308 - 952 ، الوسائل 3 : 236 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
2- التهذیب 3 : 308 - 954 ، الوسائل 3 : 237 أبواب القبلة ب 14 ح 4.
3- التهذیب 3 : 291 - 878 ، الوسائل 5 : 157 أبواب صلاة الکسوف والآیات ب 11 ح 1.
4- نقله عنه فی المختلف : 118.

الفصل الرّابع :

فی الصلاة علی الأموات

وفیه أقسام :

الأول : من یصلی علیه ، وهو من کان مظهرا للشهادتین ،

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الرابع ، فی الصلاة علی الأموات ، وفیه أقسام ، الأول : من یصلی علیه ، وهو کل من کان مظهرا للشهادتین ).

لا بد من تقییده بأن لا یعتقد خلاف ما یعلم من الدین ضرورة ، لیخرج الخوارج والنواصب والغلاة والمرتد.

أما وجوب الصلاة علی المؤمن وهو المسلم الذی یعتقد إمامة الأئمة الاثنی عشر علیهم السلام فهو موضع نص ووفاق ، وإنما الخلاف فی غیره من المسلمین فقال الشیخ فی جملة من کتبه (1) ، وابن الجنید (2) ، والمصنف (3) ، وجمع من الأصحاب بالوجوب ، لإطلاق قول النبی صلی الله علیه و آله فیما رواه السکونی : « لا تدعوا أحدا من أمتی بلا صلاة » (4) وقول الصادق علیه السلام فی روایة طلحة بن زید : « صلّ علی من مات من أهل القبلة ، وحسابه علی

صلاة الأموات

بیان من تجب الصلاة علیه

ص: 150


1- الاستبصار 1 : 469 ، والنهایة : 143 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 194.
2- نقله عنه فی الذکری : 54.
3- المعتبر 2 : 344.
4- الفقیه 1 : 103 - 480 ، التهذیب 3 : 328 - 1026 ، الإستبصار 1 : 468 - 1810 ، الوسائل 2 : 814 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 3.

______________________________________________________

الله » (1).

وصحیحة هشام بن سالم : إنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن شارب الخمر والزانی والسارق أیصلّی علیهم إذا ماتوا؟ فقال : « نعم » (2).

وقال المفید فی المقنعة : ولا یجوز لأحد من أهل الإیمان أن یغسل مخالفا للحق فی الولایة ولا یصلّی علیه إلاّ أن تدعوه ضرورة إلی ذلک من جهة التقیة (3).

واحتج له فی التهذیب بأن المخالف لأهل الحق کافر فیجب أن یکون حکمه حکم الکفار إلاّ ما خرج بدلیل ، وإذا کان غسل الکافر لا یجوز فیجب أن یکون غسل المخالف أیضا غیر جائز ، وأما الصلاة علیه فیکون علی حد ما کان یصلّی النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام علی المنافقین (4).

وهذا الاحتجاج غیر معهود من مذهبه - رحمه الله - وإلی هذا القول ذهب أبو الصلاح (5) ، وابن إدریس (6) ، وهو غیر بعید ، لأن الإجماع إنما انعقد علی وجوب الصلاة علی المؤمن ، والروایات التی استدل بها علی العموم لا تخلو من ضعف فی سند أو قصور فی دلالة ، والواجب التمسک بمقتضی الأصل إلی أن یقوم علی الوجوب دلیل یعتد به.

ص: 151


1- التهذیب 3 : 328 - 1025 ، الإستبصار 1 : 468 - 1809 ، الوسائل 2 : 814 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 2.
2- الفقیه 1 : 103 - 481 ، التهذیب 3 : 328 - 1024 ، الإستبصار 1 : 468 - 1808 ، الوسائل 2 : 814 أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 1.
3- المقنعة : 13.
4- التهذیب 1 : 335.
5- الکافی فی الفقه : 157.
6- السرائر : 80.

أو طفلا له ست سنین ممن له حکم الإسلام.

______________________________________________________

قوله : ( أو طفلا له ست سنین ممن له حکم الإسلام ).

المراد بمن له حکم الإسلام من تولد من مسلم ، أو مسلمة ، أو کان مسبیا لمسلم ، أو ملقوطا فی دار الإسلام.

واختلف الأصحاب فی حکم الصلاة علی الطفل ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ (1) ، والمرتضی (2) ، وابن إدریس (3) إلی أنه یشترط فی وجوب الصلاة علیه بلوغ الحد الذی یمرّن فیه علی الصلاة وهو ست سنین. وقال المفید - رحمه الله - فی المقنعة : لا تصلّ علی الصبی حتی یعقل الصلاة (4). وقال ابن الجنید : تجب علی المستهل (5). وقال ابن أبی عقیل : لا تجب الصلاة علی الصبی حتی یبلغ (6). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الکلینی والشیخ فی الحسن ، وابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة وعبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن الصلاة علی الصبی متی یصلّی علیه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة » فقلت : متی تجب الصلاة علیه؟ فقال : « إذا کان ابن ست سنین ، والصیام إذا أطاقه » (7).

والمراد بالوجوب هنا مطلق الثبوت ، والمعنی أنه متی یعقل الصلاة بحیث یؤمر بها تمرینا؟ فقال : « إذا کان ابن ست سنین » والذی یکشف عن هذا المعنی ما رواه محمد بن مسلم فی الصحیح ، عن أحدهما علیهماالسلام فی الصبی متی یصلّی علیه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة » قلت : متی یعقل الصلاة

ص: 152


1- المبسوط 1 : 180.
2- الانتصار : 59.
3- السرائر : 80.
4- المقنعة : 38.
5- نقله عنه فی المختلف : 119.
6- نقله عنه فی المختلف : 119.
7- الکافی 3 : 206 - 2 ، الفقیه 1 : 104 - 486 ، التهذیب 3 : 198 - 456 ، الإستبصار 1 : 479 - 1855 ، الوسائل 2 : 787 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 1.

ویتساوی الذکر فی ذلک والأنثی ، والحر والعبد.

______________________________________________________

وتجب علیه؟ قال : « لست سنین » (1).

احتج ابن الجنید بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یصلّی علی المنفوس وهو المولود الذی لم یستهل ولم یصح ، ولم یورث من الدیة ولا من غیرها ، فإذا استهل فصلّ علیه وورّثه » (2).

وأجاب عنه الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی الاستحباب أو التقیة.

احتج ابن أبی عقیل علی ما نقل عنه بأن الصلاة استغفار للمیت ودعاء له ومن لم یبلغ لا حاجة له إلی ذلک ، وما رواه الشیخ ، عن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن المولود ما لم یجر علیه القلم هل یصلّی علیه؟ قال : « لا ، إنما الصلاة علی الرجل والمرأة إذا جری علیهما القلم » (3).

وأجیب عن الأول بالمنع من کون الصلاة لأجل الدعاء للمیت ، أو لحاجته إلی الشفاعة ، لوجوبها علی النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ونحن محتاجون إلی شفاعتهم ، وعن الروایة بالطعن فی السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة فلا تنهض حجة فی معارضة الأخبار الصحیحة (4).

قال فی الذکری : ویمکن أن یراد بجری القلم مطلق الخطاب الشرعی ، والتمرین خطاب شرعی (5).

ص: 153


1- التهذیب 2 : 381 - 1589 ، الإستبصار 1 : 408 - 1562 ، الوسائل 3 : 12 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 3 ح 2.
2- التهذیب 3 : 199 - 459 ، الإستبصار 1 : 480 - 1857 ، الوسائل 2 : 788 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 1.
3- التهذیب 3 : 199 - 460 ، الإستبصار 1 : 480 - 1858 ، الوسائل 2 : 789 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 5.
4- کما فی المختلف : 119.
5- الذکری : 54.

وتستحب الصلاة علی من لم یبلغ ذلک إذا ولد حیّا ، فإن وقع سقطا لم یصلّ علیه ولو ولجته الروح.

______________________________________________________

قوله : ( وتستحب الصلاة علی من لم یبلغ ذلک إذا ولد حیّا ، وإن وقع میتا لم یصلّ علیه ولو ولجته الروح ).

یدل علی ذلک - مضافا إلی ما سبق - ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین. قال : سألت أبا الحسن علیه السلام لکم یصلّی علی الصبی إذا بلغ من السنین والشهور؟ قال : « یصلّی علیه علی کل حال إلاّ أن یسقط لغیر تمام » (1).

وقال الشیخ فی الاستبصار : الوجه فی هذا الخبر ما قلناه فی خبر عبد الله بن سنان من الحمل علی التقیة أو ضرب من الاستحباب دون الفرض والإیجاب (2).

وأقول : إن مقتضی کثیر من الروایات تعیّن الحمل علی التقیة ، فمن ذلک ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن زرارة ، قال : مات ابن لأبی جعفر علیه السلام فأخبر بموته فأمر به فغسّل وکفّن ومشی معه وصلّی علیه وطرحت خمرة فقام علیها ثم قام علی قبره حتی فرغ منه ، ثم انصرف وانصرفت معه حتی إنی لأمشی معه فقال : « أما إنه لم یکن یصلّی علی مثل هذا » وکان ابن ثلاث سنین « کان علیّ علیه السلام یأمر به فیدفن ولا یصلّی علیه ، ولکن الناس صنعوا شیئا فنحن نصنع مثله » قال ، قلت : فمتی تجب الصلاة علیه؟ فقال : « إذا عقل الصلاة وکان ابن ستّ سنین » (3).

وعن علیّ بن عبد الله ، قال : سمعت أبا الحسن موسی علیه السلام یقول : « إنه لمّا قبض إبراهیم ابن رسول الله صلی الله علیه و آله جرت فیه

ص: 154


1- التهذیب 3 : 331 - 1037 ، الإستبصار 1 : 481 - 1860 ، الوسائل 2 : 789 أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 2.
2- الإستبصار 1 : 481.
3- الکافی 3 : 207 - 4 ، الوسائل 2 : 788 أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 3.

الثانی : فی المصلی ، وأحق الناس بالصلاة أولاهم بمیراثه.

______________________________________________________

ثلاث سنن » والروایة طویلة قال فی أثنائها : « فقام علیّ علیه السلام فغسّل إبراهیم وحنّطه وکفّنه ثم خرج به ، ومضی رسول الله صلی الله علیه و آله حتی انتهی به إلی قبره فقال الناس : إن رسول الله صلی الله علیه و آله نسی أن یصلّی علی إبراهیم لما دخله من الجزع علیه ، فانتصب قائما ثم قال : یا أیها الناس أتانی جبرائیل بما قلتم ، زعمتم أنی نسیت أن أصلّی علی ابنی لما دخلنی من الجزع ، ألا وإنه لیس کما ظننتم ، ولکن اللطیف الخبیر فرض علیکم خمس صلوات ، وجعل لموتاکم من کل صلاة تکبیرة ، وأمرنی أن لا أصلّی إلاّ علی من صلّی » (1).

والمسألة محل إشکال إلاّ أن المقام مقام استحباب فالأمر فیه هیّن.

قوله : ( الثانی ، فی المصلی : وأحق الناس بالصلاة علیه أولاهم بمیراثه ).

ذکر العلاّمة فی المنتهی أن المراد بالأولی هنا المستحق للمیراث (2) ، فیکون المراد أن من یرث أولی بالصلاة ممن لم یرث ، وأما تقدیم بعض الورثة علی بعض فیستفاد من قوله : « والأب أولی من الابن » إلی آخره.

وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب وظاهرهم أنه مجمع علیه ، واستدلوا علیه بقوله تعالی ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلی بِبَعْضٍ ) (3) وما رواه الکلینی - رضی الله عنه - عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یصلّی علی الجنازة أولی الناس بها ، أو یأمر من یحبّ » (4).

بیان الأولی بالصلاة علی المیت

ص: 155


1- الکافی 3 : 208 - 7 ، المحاسن : 313 - 31 ، الوسائل 2 : 790 أبواب صلاة الجنازة ب 15 ح 2.
2- المنتهی 1 : 450.
3- الأنفال : 75.
4- الکافی 3 : 177 - 1 ، الوسائل 2 : 801 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 1.

______________________________________________________

وعن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یصلّی علی الجنازة أولی الناس بها ، أو یأمر من یحبّ » (1).

وفی الجمیع نظر : أما الآیة الشریفة فلانتفاء العموم فیها علی وجه یتناول موضع النزاع.

وأما الروایتان فضعیفتا السند بالإرسال ، واشتمال سند الثانیة علی سهل بن زیاد وهو عامی (2) ، ومع ذلک فلیس فیهما تصریح بأن المراد الأولویة فی المیراث ، مع أن مقتضی ما ذکروه من تقدیم بعض الورّاث علی بعض - کالأب علی الابن وإن کان أقل نصیبا منه - کون المراد بالأولی ذلک البعض لا مطلق الوارث.

ولو قیل : إن المراد بالأولی هنا أمسّ الناس بالمیت رحما وأشدهم به علاقة من غیر اعتبار لجانب المیراث لم یکن بعیدا.

قال جدی - قدس سره - فی روض الجنان : واعلم أن ظاهر الأصحاب أن إذن الولی إنما یتوقف علیها الجماعة لا أصل الصلاة ، لوجوبها علی الکفایة فلا یناط برأی أحد من المکلفین ، فلو صلّوا فرادی بغیر إذن أجزأ (3).

وقد یقال : إنه لا منافاة بین کون الوجوب کفائیا وبین إناطته برأی بعض المکلفین علی معنی أنه إن قام به سقط الفرض عن غیره ، وکذا إن أذن لغیره وقام به ذلک الغیر ، وإلا سقط اعتباره وانعقدت الصلاة جماعة وفرادی بغیر إذنه. ومع ذلک فلا بأس بالمصیر إلی ما ذکره ، قصرا لما خالف الأصل علی موضع الوفاق إن تمّ ، وحملا للصلاة فی قوله علیه السلام : « یصلی علی الجنازة أولی الناس بها » علی الجماعة ، لأنه المتبادر.

ص: 156


1- الکافی 3 : 177 - 5 ، الوسائل 2 : 801 أبواب صلاة الجنازة ب 23 ح 2.
2- لم نجد من نسب إلی سهل أنه عامی سواه.
3- روض الجنان : 311.

والأب أولی من الابن. وکذا الولد أولی من الجدّ والأخ والعم. والأخ من الأب والأم أولی ممّن یمتّ بأحدهما.

______________________________________________________

قوله : ( والأب أولی من الابن ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، واستدل علیه بأن الأب أشفق علی المیت من الابن وأرق علیه فیکون دعاؤه أقرب إلی الإجابة (1). ویشکل بأن ذلک إنما یصلح توجیها للنص الدال علی الحکم لا دلیلا برأسه ، وعلی ما احتملناه من معنی الأولویة فلا إشکال فی تقدیم الأب.

قوله : ( وکذا الولد أولی من الجد والأخ والعم ).

هذا الحکم قد علم من الأولویة المتقدمة ، إذ لا إرث لواحد من الثلاثة مع وجود الولد عندنا. ونقل عن ابن الجنید أنه جعل الجد أولی من الأب والابن محتجا بأن منصب الإمامة ألیق بالأب من الولد والجد أب الأب فکان أولی من الأب (2). ورده فی المختلف بأن الأولی بالمیراث أولی ، لعموم الآیة (3). وقد عرفت ما فیه ، وعلی ما احتملناه من معنی الأولویة یقرب ما ذکره ابن الجنید.

قوله : ( والأخ من الأب والأم أولی ممّن یمتّ بأحدهما ).

أما تقدیم الأخ من الأب والأم علی الأخ من الأب خاصة فلا ریب فیه ، لأنه لا یرث معه. وأما علی الأخ من الأم فعلله فی المنتهی بأنه أکثر نصیبا فی المیراث ، وبأن الأم لا ولایة لها فی الصلاة فمن یتقرب بها أولی (4). ولا بأس به.

ولم یتعرض المصنف لحال اجتماع الجد مع الأخ ولا لحکم باقی الوراث. وحکی فی المعتبر عن الشیخ فی المبسوط أنه قال : الأب أولی الأقارب ، ثم

ص: 157


1- کما فی المنتهی 1 : 450.
2- حکاه عنه العلامة فی المختلف : 120.
3- المختلف : 120.
4- المنتهی 1 : 451.

والزوج أولی بالمرأة من عصباتها وإن قربوا.

______________________________________________________

الولد ، ثم الجد من قبل الأب ، ثم الأخ من قبل الأب والأم ، ثم الأخ من قبل الأب ، ثم الأخ من قبل الأم ، ثم العم ، ثم الخال ، ثم ابن العم ، ثم ابن الخال ، قال : وبالجملة من کان أولی بمیراثه کان أولی بالصلاة علیه (1).

ومقتضی ذلک أن ترتب الأولیاء علی هذا الوجه لأولویة الإرث وهو مشکل ، فإنه إن أراد بالأولویة أن من یرث أولی ممن لم یرث لم یلزم منه أولویة بعض الورثة علی بعض کالأب علی الابن ، والجد علی الأخ ، والعم علی الخال. وإن أراد بها کثرة النصیب انتقض بالأب فإنه أولی من الابن مع أنه أقل نصیبا منه ، وکذا الجد فإنه أولی من الأخ مع تساویهما فی الاستحقاق إلاّ أن یقال : إن التخلف فی هاتین الصورتین لعارض وهو قوة جانب الأب والجد باختصاصهما بزیادة الحنوّ والشفقة وحصول النسل منهما ، لکن فی ذلک خروج عن اعتبار الإرث. ولو حمل الأولی فی الصلاة علی المعنی الذی ذکرناه وجب الرجوع فی تحققه إلی العرف وسقط اعتبار جانب الإرث مطلقا.

قوله : ( والزوج أولی بالمرأة من عصباتها وإن قربوا ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : المرأة تموت ، من أحق الناس بالصلاة علیها؟ قال : « زوجها » قلت : الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ فقال : « نعم ، ویغسلها » (2).

ومقتضی الروایة أن الزوج أولی من جمیع الأقارب ، العصبات وغیرهم ، لکنها ضعیفة السند جدا باشتراک راویها بین الثقة والضعیف ، بل الظاهر أنه هنا الضعیف بقرینة کون الراوی عنه قائده ، وهو علیّ بن أبی حمزة البطائنی ، وقال النجاشی : إنه کان أحد عمد الواقفة (3). وفی الطریق : القاسم بن محمد وهو

ص: 158


1- المعتبر 2 : 345.
2- التهذیب 3 : 205 - 484 ، الإستبصار 1 : 486 - 1883 ، الوسائل 2 : 802 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 2.
3- رجال النجاشی : 249 - 656.

وإذا کان الأولیاء جماعة فالذکر أولی من الأنثی ، والحر أولی من العبد.

______________________________________________________

واقفی أیضا (1) ، والعجب من حکم المصنف - رحمه الله - فی المعتبر مع ذلک بأن هذه الروایة سلیمة السند (2).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أیّهما یصلّی علیها؟ فقال : « أخوها أحق بالصلاة علیها » (3).

وعن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة علی المرأة ، الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال : « الأخ » (4). ثم أجاب عنهما بالحمل علی التقیة ، وهو یتوقف علی وجود المعارض.

ولا یلحق بالزوج الزوجة فی هذا الحکم ، لعدم النص. وقیل بالمساواة (5) لشمول اسم الزوج لهما لغة (6) وهو ضعیف ، فإن ذلک إنما یتم مع إطلاق ولایة الزوج ، لا مع التصریح بأنه أحق بامرأته کما وقع فی الروایة التی استند إلیها الأصحاب فی إثبات هذا الحکم.

قوله : ( وإذا کان الأولیاء جماعة فالذکر أولی من الأنثی ، والحر أولی من العبد ).

المراد أنه إذا تعددت إحدی المراتب السابقة وکانوا ذکورا وإناثا ، وأحرارا وعبیدا ، فالذکر أولی من الأنثی ، والحر أولی من العبد. أما أن الحر أولی من العبد فظاهر ، لأن العبد لا یرث معه ، ولأنه محجور علیه فی التصرف فی نفسه

ص: 159


1- راجع رجال الکشی 2 : 748 - 853 ، ورجال الطوسی : 358.
2- المعتبر 2 : 346.
3- التهذیب 3 : 205 - 486 ، الإستبصار 1 : 486 - 1885 ، الوسائل 2 : 802 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 4.
4- التهذیب 3 : 205 - 485 ، الإستبصار 1 : 486 - 1884 ، الوسائل 2 : 802 أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 5.
5- کما فی روض الجنان : 311.
6- فی « م » ، « س » ، « ح » زیادة : وعرفا. وهی مشطویة فی نسخة الأصل.

ولا یتقدم الولیّ إلا إذا استکملت فیه شرائط الإمامة ، وإلا قدّم غیره. وإذا تساوی الأولیاء قدّم الأفقه ، فالأقرأ ، فالأسن ، فالأصبح.

______________________________________________________

فلا یکون له ولایة التصرف فی غیره.

وأما أن الذکر أولی من الأنثی فقال العلاّمة فی المنتهی : إنه لا خلاف فیه (1). وربما کان مستنده قوله علیه السلام : « یصلّی علی الجنازة أولی الناس بها » (2) ومع وجود الذکر یصدق کونه أولی فیتعلق به الحکم.

وحکی بعض مشایخنا المعاصرین قولا باشتراک الورثة فی الولایة. ولا ریب فی ضعفه ، مع أنه مجهول القائل.

ویدل علی ثبوت الولایة للأنثی إذا لم یکن فی مرتبتها ذکر ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت : المرأة تؤم النساء؟ قال : « لا ، إلاّ علی المیت إذا لم یکن أحد أولی منها ، تقوم وسطهن فی الصف فتکبّر ویکبّرون » (3).

قوله : ( ولا یتقدم الولی إلا إذا استکملت فیه شرائط الإمامة ، وإلا قدّم غیره ).

یعتبر فی الغیر أیضا کونه جامعا لشرائط الإمامة. ویجوز للولی الاستنابة مع الصلاحیة أیضا ، ولو وجد الأکمل استحب استنابته ، لأن کماله قد یکون سببا فی إجابة دعائه. ویحتمل ترجیح مباشرة الولی ، لاختصاصه بمزید الرقة التی هی مظنة الإجابة.

قوله : ( وإذا تساوی الأولیاء قدّم الأفقه ، فالأقرأ ، فالأسن ، فالأصبح ).

ص: 160


1- المنتهی 1 : 451.
2- المتقدم فی ص 155.
3- التهذیب 3 : 206 - 488 ، الإستبصار 1 : 427 - 1648 ، الوسائل 2 : 803 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.

ولا یجوز أن یتقدم أحد إلا بإذن الولی ، سواء کان بشرائط الإمامة أو لم یکن بعد أن یکون مکلّفا.

______________________________________________________

المراد بالأفقه : الأعلم بفقه الصلاة ، وبالأقرإ : الأعلم بمرجحات القراءة ، وبالأسن : الأکبر سنا. وقیل : إن المراد علو السن فی الإسلام (1) ، فلو کان أحدهما ابن ثلاثین سنة کلها فی الإسلام والآخر ابن ستین لکن إسلامه أقل من ثلاثین فالأول هو الأسن. وبالأصبح : الأحسن وجها ، أو ذکرا بین الناس. ولم أقف علی مأخذ ذلک فی صلاة الجنازة علی الخصوص ، وظاهر الأصحاب إلحاقها بجماعة المکتوبة ، وقد ثبت الترجیح فیها بهذه الأوصاف ، لکن المصنف جزم هناک بتقدیم الأقرأ علی الأفقه (2).

واستوجه الشهید فی الذکری تقدیم الأفقه هنا ، لسقوط القراءة فی صلاة الجنازة (3).

ورد بأن مرجحات القراءة معتبرة فی الدعاء ، ولو لا ذلک لسقط الترجیح بالأقرإ ، وسیجی ء الکلام فی هذه الأوصاف فی إمام الجماعة مفصلا إن شاء الله (4).

قوله : ( ولا یجوز أن یتقدم أحد إلا بإذن الولی ، سواء کان بشرائط الإمامة أو لم یکن بعد أن یکون مکلّفا ).

إنما قید الوارث بکونه مکلفا لیخرج غیره فإنه لا یعتبر إذنه ، وتنتقل الولایة إلی غیره من الورثة کما لو کان معدوما.

ویندرج فی قول المصنف : ولا یجوز أن یتقدم أحد ، من عدا الولی من الأقارب والأجانب حتی الموصی إلیه بالصلاة علی المیت فلا یجوز له التقدم إلاّ بإذن الولی ، وبه قطع العلاّمة فی المختلف ، وأسنده إلی الأصحاب ، واحتج

حرمة التقدم من دون إذن الولی

ص: 161


1- قال به الشهید الثانی فی روض الجنان : 312 ، والمسالک 1 : 37.
2- شرائع الإسلام 1 : 125.
3- الذکری : 57.
4- فی ص 357.

وإمام الأصل أولی بالصلاة من کل أحد. والهاشمی أولی من غیره إذا قدّمه الولیّ وکان بشرائط الإمامة.

______________________________________________________

علیه بآیة أولی الأرحام (1).

وقال ابن الجنید : الموصی إلیه بالصلاة أولی بها من القرابات ، لعموم ما دل علی النهی عن تبدیل الوصیة (2) ، ولاشتهار ذلک بین السلف ، ولأن المیت ربما آثر شخصا لعلمه بصلاحه وطمعه فی إجابة دعائه فمنعه من ذلک وحرمانه ما أمله غیر موافق للحکمة (3) ، ولا بأس به.

قوله : ( وإمام الأصل أولی من کل أحد ).

لا ریب فی ذلک والبحث فی احتیاجه علیه السلام إلی إذن الولی وعدمه تکلف مستغنی عنه.

قوله : ( والهاشمی أولی من غیره إذا قدّمه الولیّ وکان بشرائط الإمامة ).

المراد أنه ینبغی للولی تقدیمه إذا کان بشرائط الإمامة ، واستدل علیه فی المعتبر بقوله : قدموا قریشا ولا تقدموهم (4) ، وبأنه مع استکمال الشرائط یرجح بشرف النسب (5). وبالغ المفید - رحمه الله - فأوجب تقدیم الهاشمی إذا حضر (6). قال فی الذکری : وربما حمل کلامه علی إمام الأصل (7). وهو بعید ، لأنه قال : وإن حضر رجل من فضلاء بنی هاشم ، وهو صریح فی کل واحد من فضلائهم.

ص: 162


1- المختلف : 120.
2- البقرة : 181 ، الوسائل 13 : 411 أبواب أحکام الوصایا ب 32.
3- نقله عنه فی المختلف : 120 ، والذکری : 57.
4- الجامع الصغیر للسیوطی 2 : 253 - 6108 ، 6109.
5- المعتبر 2 : 347.
6- المقنعة : 38.
7- الذکری : 57.

ویجوز أن تؤم المرأة بالنساء ، ویکره أن تبرز عنهن ، بل تقف فی صفّهن. وکذا الرجال العراة. وغیرهما من الأئمة یبرز أمام الصف ولو کان المؤتمّ واحدا :

______________________________________________________

قوله : ( ویجوز أن تؤم المرأة النساء ، ویکره أن تبرز فیهن ، بل تقف فی صفهن ).

یدل علی ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : المرأة تؤم النساء؟ قال : « لا ، إلاّ علی المیت إذا لم یکن أحد أولی منها تقوم وسطهن معهن فی الصف فتکبّر ویکبّرن » (1).

قوله : ( وکذا الرجال العراة ).

أی یجوز أن یؤم أحدهم الباقین ویقف فی صفهم ، وظاهر العبارة أنهم لا یجلسون کالیومیة ، وبه صرح فی المعتبر فقال : وإنما قال فی الأصل : والعاری کذلک ، لأنه یقوم فی الجنازة ، ولا یقعد وینضم إلی الصف ولا یبرز (2). والفارق اختصاص الیومیة بالنص علی الجلوس لا احتیاجها إلی الرکوع والسجود کما ذکره فی الذکری (3) ، لأن الواجب الإیماء.

قوله : ( وغیرهما من الأئمة یبرز أمام الصف ولو کان المؤتمّ واحدا ).

بخلاف غیرها من الصلوات فإن المأموم الواحد یقف عن یمین الإمام ، والفارق النص. فروی الکلینی وابن بابویه ، عن الیسع بن عبد الله القمی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصلّی علی الجنازة وحده؟ قال : « نعم » قلت : فاثنان یصلّیان علیها؟ قال : « نعم ولکن یقوم الآخر

حکم إمامة المرأة النساء والعاری العراة

إمام الجماعة یبرز أمام الصف

ص: 163


1- الفقیه 1 : 259 - 1177 ، الوسائل 2 : 803 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 1.
2- المعتبر 2 : 347.
3- الذکری : 58.

وإذا اقتدت النساء بالرجل وقفن خلفه ، وإن کان وراءه رجال وقفن خلفهم ، وإن کان فیهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا.

الثالث : فی کیفیة الصلاة ، وهی خمس تکبیرات ،

______________________________________________________

خلف الآخر ولا یقوم بجنبه » (1).

قوله : ( وإذا اقتدت النساء بالرجل وقفن خلفه ، وإن کان وراءه رجال وقفن خلفهم ، وإن کان فیهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا ).

أما الحکم الأول فلا ریب فیه ، لأن مواقف النساء فی الجماعة خلف الرجال ، ولما رواه الکلینی ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : خیر الصفوف فی الصلاة المقدم ، وخیر الصفوف فی الجنائز المؤخر ، قیل : یا رسول الله ولم؟ قال : صار سترة للنساء » (2).

وأما الحکم الثانی فیدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض تصلّی علی الجنازة؟ قال : « نعم. ولا تقف معهم ، بل تقف منفردة » (3).

قوله : ( وهی خمس تکبیرات ).

هذا قول علمائنا أجمع وأخبارهم به مستفیضة ، فروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « لما مات آدم علیه السلام فبلغ إلی الصلاة علیه فقال هبة الله لجبرائیل علیه السلام : تقدم یا رسول الله فصلّ علی نبی الله ، فقال جبرائیل علیه السلام : إن الله عزّ وجلّ أمرنا بالسجود لأبیک فلسنا نتقدم أبرار ولده

حکم اقتداء النساء بالرجل

کیفیة صلاة المیت

ص: 164


1- الکافی 3 : 176 - 1 ، الفقیه 1 : 103 - 477 ، الوسائل 2 : 805 أبواب صلاة الجنازة ب 28 ح 1.
2- الکافی 3 : 176 - 3 ، الوسائل 2 : 806 أبواب صلاة الجنازة ب 29 ح 1.
3- التهذیب 3 : 204 - 479 ، الوسائل 2 : 800 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 1.

______________________________________________________

وأنت من أبرّهم ، فتقدّم فکبّر علیه خمسا عدة الصلوات التی افترضها الله تعالی علی أمة محمد صلی الله علیه و آله ، وهی السنة الجاریة فی ولده إلی یوم القیامة » (1).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « التکبیر علی المیت خمس تکبیرات » (2).

وفی الصحیح ، عن إسماعیل بن سعد الأشعری ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال : سألته عن الصلاة علی المیت فقال : « أما المؤمن فخمس تکبیرات ، وأما المنافق فأربع ولا سلام فیها » (3).

وفی الصحیح ، عن حماد بن عثمان وهشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یکبّر علی قوم خمسا وعلی آخرین أربعا ، فإذا کبّر علی رجل أربعا اتّهم ، یعنی بالنفاق » (4). قال فی الذکری : وهذا جمع حسن بین ما رواه العامة (5) لو کانوا یعقلون (6).

وحیث ثبت التحدید بالخمس فلا تجوز الزیادة علیها کما لا تجوز النقیصة عنها ، لکن تبطل الصلاة مع النقصان علی وجه لا یمکن تدارکه لعدم تحقق الامتثال ، ولا تبطل مع الزیادة لتحقق الخروج من الصلاة بالخامسة ، نعم یأثم مع اعتقاد الشرعیة.

ص: 165


1- الفقیه 1 : 100 - 468 ، الوسائل 2 : 774 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 13.
2- التهذیب 3 : 315 - 976 ، الإستبصار 1 : 474 - 1832 ، الوسائل 2 : 773 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 6.
3- التهذیب 3 : 192 - 439 ، الوسائل 2 : 773 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 5.
4- الکافی 3 : 181 - 2 ، التهذیب 3 : 197 - 454 ، الاستبصار 1 : 475 - 1839 ، علل الشرائع : 303 - 2 ، الوسائل 2 : 772 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 1.
5- سنن ابن ماجة 1 : 481.
6- الذکری : 58.

والدعاء بینهن غیر لازم ، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا علی التعیین : وأفضل ما یقال ما رواه محمد بن مهاجر ، عن أمه أم سلمة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا صلی علی میّت کبّر وتشهد ، ثم کبّر وصلی علی الأنبیاء ودعا ، ثم کبّر ودعا للمؤمنین ، ثم کبّر الرابعة ودعا للمیّت ، ثم کبّر وانصرف.

______________________________________________________

ولو شک فی عدد التکبیرات بنی علی الأقل ، ولو فعله ثم ذکر سبقه لم تبطل الصلاة بذلک.

قوله : ( والدعاء بینهن غیر لازم ، ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا علی التعیین : وأفضل ما یقال ما رواه محمد بن مهاجر ، عن أمه أم سلمة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا صلی علی میّت کبّر وتشهد ، ثم کبّر وصلی علی الأنبیاء ودعا ، ثم کبّر ودعا للمؤمنین ، ثم کبّر الرابعة ودعا للمیّت ، ثم کبّر خامسة وانصرف ).

الخلاف فی هذه المسألة وقع فی مواضع :

الأول : هل الدعاء بین التکبیرات واجب أو مستحب؟ قیل بالأول (1) ، وهو الأظهر ، وإلیه ذهب الأکثر ، بل قال فی الذکری : إن الأصحاب بأجمعهم یذکرون ذلک فی کیفیة الصلاة ولم یصرح أحد منهم بندبه ، والمذکور فی بیان الواجب ظاهره الوجوب (2). ویدل علیه الأخبار الکثیرة المتضمنة للأمر بالدعاء ، کقوله علیه السلام فی حسنة زرارة ومحمد بن مسلم ومن معهما : « تدعوا بما بدا لک » (3) وفی روایة أبی بصیر : « إنها خمس تکبیرات بینهن أربع صلوات » (4) وغیر ذلک من الأخبار ، وسنورد طرفا منها بعد ذلک.

ص: 166


1- قال به العلامة فی التذکرة 1 : 49 ، والکرکی فی جامع المقاصد 1 : 58.
2- الذکری : 59.
3- التهذیب 3 : 189 - 429 ، الوسائل 1 : 783 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 3.
4- التهذیب 3 : 318 - 986 ، الإستبصار 1 : 476 - 1842 ، الوسائل 2 : 774 أبواب صلاة الجنازة ب 5 ح 12.

______________________________________________________

وقیل بالثانی ، وبه قطع المصنف فی هذا الکتاب صریحا وفی النافع ظاهرا (1) ، وربما کان مستنده إطلاق الروایات المتضمنة لأن الصلاة علی المیت خمس تکبیرات الواردة فی مقام البیان الدالة بظاهرها علی عدم وجوب ما عدا ذلک (2).

الثانی : إنه علی القول بوجوب الدعاء فهل یجب فیه لفظ علی التعیین أم لا؟ الأصح عدم الوجوب ، وهو خیرة الأکثر ، للأصل ، واختلاف الروایات فی کیفیة الدعاء کما ستقف علیه ، وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم وزرارة ومعمر بن یحیی وإسماعیل الجعفی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لیس فی الصلاة [ علی المیت قراءة ولا ] (3) دعاء موقت ، تدعو بما بدا لک ، وأحق الموتی أن یدعی له : المؤمن ، وأن یبدأ بالصلاة علی نبی الله صلی الله علیه و آله » (4).

وأوجب العلاّمة فی جملة من کتبه (5) ، وأکثر المتأخرین الشهادتین عقیب الأولی ، والصلاة علی النبی وآله عقیب الثانیة ، والدعاء للمؤمنین عقیب الثالثة ، والدعاء للمیت عقیب الرابعة ، تعویلا علی روایة محمد بن مهاجر (6) ، عن أمه أمّ سلمة التی أوردها المصنف رحمه الله ، وهی مع ضعف سندها بجهالة أمّ سلمة الروایة للحدیث لا تدل علی الوجوب صریحا ، مع أنها معارضة بقوله علیه السلام فی حسنة الفضلاء المتقدمة : « لیس فی الصلاة دعاء موقت » وبما سنورده من الأخبار المعتبرة الدالة علی عدم تعین ذلک.

الثالث : ذکر المصنف - رحمه الله - أن أفضل ما یقال فی صلاة الجنازة ما

ص: 167


1- المختصر النافع : 40.
2- الوسائل 2 : 772 أبواب صلاة الجنازة ب 5.
3- أثبتناه من « ح » والمصدر.
4- الکافی 3 : 185 - 1 ، الوسائل 2 : 783 أبواب صلاة الجنازة ب 7 ح 1.
5- التذکرة 1 : 49 ، والقواعد 1 : 20 ، وتحریر الأحکام : 19.
6- الکافی 3 : 181 - 3 ، الفقیه 1 : 100 - 469 ، التهذیب 3 : 189 - 431 ، علل الشرائع : 303 - 3 ، الوسائل 2 : 763 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 1.

______________________________________________________

رواه محمد بن مهاجر ، عن أمه أم سلمة ، عن أبی عبد الله علیه السلام . وکأن وجه الدلالة علی أفضلیة ما تضمنته الروایة قوله علیه السلام : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا صلی علی میت کبر وتشهد. » فإن لفظة : « کان » یشعر بالدوام ، وأقل مراتب مواظبة النبی صلی الله علیه و آله علی ذلک الرجحان.

ومقتضی کلام ابن أبی عقیل أن الأفضل جمع الأذکار الأربعة عقیب کل تکبیرة (1) ، ولم أقف علی روایة تدل علیه.

والأولی والأفضل اعتماد ما تضمنته الروایات المعتبرة عن أئمة الهدی صلوات الله علیهم ، فمن ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی ولاّد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التکبیر علی المیت فقال : « خمس تکبیرات تقول إذا کبرت : « أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، اللهم صل علی محمد وآل محمد ، ثم تقول : اللهم إن هذا المسجّی قدامنا عبدک وابن عبدک وقد قبضت روحه إلیک وقد احتاج إلی رحمتک وأنت غنیّ عن عذابه ، اللهم ولا نعلم من ظاهره إلاّ خیرا وأنت أعلم بسریرته ، اللهم إن کان محسنا فضاعف إحسانه ، وإن کان مسیئا فتجاوز عن إساءته ، ثم تکبیر الثانیة ثم تفعل ذلک فی کل تکبیرة » (2).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تکبر ثم تشهد ، ثم تقول : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ ) ، الحمد لله رب العالمین رب الموت والحیاة صلّ علی محمد وأهل بیته ، جزی الله عنا محمدا خیر الجزاء بما صنع بأمته وبما بلّغ من رسالات ربه ، ثم تقول : اللهم عبدک ابن عبدک ابن أمتک ناصیته بیدک ، خلا من الدنیا واحتاج إلی رحمتک

ص: 168


1- نقله عنه فی المختلف : 119 ، والذکری : 59.
2- التهذیب 3 : 191 - 436 ، الإستبصار 1 : 474 - 1836 ، الوسائل 2 : 765 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 5.

وان کان منافقا اقتصر المصلی علی أربع ، وانصرف بالرابعة.

______________________________________________________

وأنت غنیّ عن عذابه ، اللهم إنّا لا نعلم [ منه ] (1) إلاّ خیرا وأنت تعلم ، اللهم إن کان محسنا فزد فی إحسانه وتقبّل منه ، وإن کان مسیئا فاغفر له ذنبه وارحمه وتجاوز عنه برحمتک ، اللهم ألحقه بنبیک وثبته بالقول الثابت فی الحیاة الدنیا وفی الآخرة ، اللهم اسلک بنا وبه سبیل الهدی واهدنا وإیاه إلی صراطک المستقیم عفوک عفوک ، ثم تکبر الثانیة وتقول مثلما قلت حتی تفرغ من خمس تکبیرات » (2).

وفی الحسن ، عن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الصلاة علی المیت قال : « تکبر ثم تصل علی النبی صلی الله علیه و آله ، ثم تقول : اللهم عبدک ابن عبدک ابن أمتک لا أعلم [ منه ] (3) إلاّ خیرا وأنت أعلم ، اللهم إن کان محسنا فزد فی إحسانه وتقبّل منه وإن کان مسیئا فاغفر له ذنبه وافسح له فی قبره واجعله من رفقاء محمد صلی الله علیه و آله ، ثم تکبر الثانیة وتقول : اللهم إن کان زاکیا فزکّه وإن کان خاطئا فاغفر له ، ثم تکبر الثالثة وتقول : اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنّا بعده ، ثم تکبر الرابعة وتقول : اللهم اکتبه عندک فی علیین واخلف علی عقبه فی الغابرین واجعله من رفقاء محمد صلی الله علیه و آله ، ثم کبر الخامسة وانصرف » (4). والعمل بکل من هذه الأخبار حسن إن شاء الله وإن کانت الروایة الأولی أولی.

قوله : ( وإن کان منافقا اقتصر المصلی علی أربع ، وانصرف بالرابعة ).

المراد بالمنافق هنا المخالف کما یدل علیه ذکره فی مقابلة المؤمن فی الأخبار (5) وکلام الأصحاب ، وإنما وجب الاقتصار فی الصلاة علیه علی أربع

ص: 169


1- أثبتناه من « ح » والمصدر.
2- الکافی 3 : 184 - 4 ، الوسائل 2 : 764 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 3.
3- أثبتناه من المصدر لاستقامة المعنی.
4- الکافی 3 : 183 - 2 ، الوسائل 2 : 764 أبواب صلاة الجنازة ب 2 ح 2.
5- الوسائل 2 : 772 أبواب صلاة الجنازة ب 5.

وتجب فیها النیّة ، واستقبال القبلة ،

______________________________________________________

تکبیرات إدانة له بمقتضی مذهبه.

قال فی الذکری : والظاهر أن الدعاء علی هذا القسم غیر واجب ، لأن التکبیر علیه أربع وبها یخرج من الصلاة (1). وهو غیر جید ، فإن الدعاء للمیت أو علیه لا یتعین وقوعه بعد الرابعة کما بیناه.

وقد ورد بالأمر بالدعاء علی المنافق روایات : منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن صفوان بن مهران الجمّال ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « مات رجل من المنافقین فخرج الحسین بن علیّ علیهماالسلام یمشی فلقی مولی له فقال له : إلی أین تذهب؟ فقال : أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلّی علیه ، فقال له الحسین علیه السلام : قم إلی جنبی فما سمعتنی أقول فقل مثله قال : فرفع یدیه فقال : اللهم أخز عبدک فی عبادک وبلادک ، اللهم أصله أشد نارک ، اللهم أذقه حر عذابک فإنه کان یوالی أعداءک ویعادی أولیاءک ویبغض أهل بیت نبیک » (2).

وما رواه الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إن کان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط علیه الحیات والعقارب » (3).

قوله : ( وتجب فیها النیّة ، والاستقبال ).

أما وجوب النیة فلا ریب فیه ، والمراد بها قصد الفعل طاعة لله عزّ وجلّ ، ولا یعتبر فیها التعرض للوجه ولا للأداء والقضاء.

وأما وجوب الاستقبال من المصلّی فلا خلاف فیه أیضا ، لأن العبادة کیفیة متلقاة من الشارع ، والمنقول من النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام

وجوب النیة والاستقبال فی صلاة المیت

ص: 170


1- الذکری : 60.
2- الفقیه 1 : 105 - 490 ، الوسائل 2 : 770 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 2.
3- الکافی 3 : 189 - 5 ، الوسائل 2 : 771 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 5.

وجعل رأس الجنازة إلی یمین المصلی.

______________________________________________________

فعل الصلاة کذلک (1) ، فیکون خلافه تشریعا محرما. وإنما یجب مع الإمکان ویسقط مع التعذر کما فی الیومیة.

ومن الواجبات أیضا القیام مع القدرة إجماعا ، ومع العجز یصلی بحسب الإمکان کالیومیة. ولو وجد من یمکنه القیام لم یسقط الفرض بصلاة العاجز ، لأصالة عدم سقوطه بغیر الصلاة الکاملة ، مع احتمال السقوط ، لقیام العاجز بما هو فرضه.

وفی وجوب الستر مع الإمکان قولان ، وجزم العلاّمة بعدم اعتباره لأنها دعاء (2). وأجاب عنه فی الذکری بأنها تسمی صلاة وإن اشتملت علی الدعاء فتدخل تحت عموم الصلاة (3). وهو ضعیف ، فإن الإطلاق أعم من الحقیقة.

قوله : ( وجعل رأس الجنازة إلی یمین المصلی ).

إنما یعتبر ذلک فی غیر المأموم. ولا بد مع ذلک من کون المیت مستلقیا بحیث لو اضطجع علی یمینه لکان بإزاء القبلة ، والوجه فی ذلک التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ، وعدم تیقن الخروج عن العهدة بدونه ، وما رواه الشیخ ، عن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سئل عن میت صلّی علیه ، فلما سلّم الإمام فإذا المیت مقلوب رجلاه إلی موضع رأسه ، قال : « یسوّی وتعاد الصلاة علیه » (4).

ولو تعذر ذلک سقط کالمصلوب الذی یتعذر إنزاله ، فقد روی أن الصادق علیه السلام صلّی علی عمه زید مصلوبا (5).

وجوب جعل رأس الجنازة علی الیمین

ص: 171


1- الوسائل 3 : 214 أبواب القبلة ب 1.
2- التذکرة 1 : 93.
3- الذکری : 58.
4- التهذیب 3 : 201 - 470 ، الإستبصار 1 : 482 - 1870 ، الوسائل 2 : 796 أبواب صلاة الجنازة ب 19 ح 1.
5- الکافی 3 : 215 - 2 ، التهذیب 3 : 327 - 1021 ، عیون أخبار الرضا 1 : 200 - 8 ، الوسائل 2 : 812 أبواب صلاة الجنازة ب 35 ح 1.

ولیست الطهارة من شرطها. ولا یجوز التباعد عن الجنازة کثیرا.

______________________________________________________

قوله : ( ولیست الطهارة من شرطها ).

هذا قول علمائنا أجمع قاله فی التذکرة (1) ، وتدل علیه روایات : منها ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجل تفجأه الجنازة وهو علی غیر طهر ، قال : « فلیکبر معهم » (2).

وفی الموثق ، عن یونس بن یعقوب ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الجنازة أصلّی علیها علی غیر وضوء؟ فقال : « نعم ، إنما هو تکبیر وتسبیح وتحمید وتهلیل کما تکبر وتسبح فی بیتک علی غیر وضوء » (3).

وفی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الحائض تصلّی علی الجنازة؟ قال : « نعم ، ولا تقف معهم » (4).

وکما لا تعتبر فیها الطهارة من الحدث فکذا من الخبث ، تمسکا بمقتضی الأصل ، وإطلاق الإذن فی صلاة الحائض مع عدم انفکاکها من النجاسة غالبا.

وهل یعتبر فی هذه الصلاة ترک ما یترک فی الیومیة خلا ما یتعلق بالحدث والخبث؟ فیه وجهان ، أحوطهما ذلک وإن کان فی تعینه نظر.

قوله : ( ولا یجوز التباعد عن الجنازة کثیرا ).

للتأسی ، وعدم تیقن الخروج عن العهدة بدونه. ولا تحدید لهذا التباعد شرعا فیرجع فیه إلی العرف.

عدم اشتراط الطهارة فی صلاة المیت

عدم جواز التباعد عن الجنازة

ص: 172


1- التذکرة 1 : 48.
2- الکافی 3 : 178 - 4 ، الوسائل 2 : 798 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 1.
3- الکافی 3 : 178 - 1 ، الفقیه 1 : 107 - 495 ، التهذیب 3 : 203 - 475 ، الوسائل 2 : 799 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 3.
4- الکافی 3 : 179 - 4 ، الفقیه 1 : 107 - 496 ، التهذیب 3 : 204 - 479 ، الوسائل 2 : 800 أبواب صلاة الجنازة ب 22 ح 1.

ولا یصلّی علی المیت إلا بعد تغسیله وتکفینه. فإن لم یکن له کفن جعل فی القبر ، وسترت عورته ، وصلی علیه بعد ذلک.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یصلّی علی المیت إلا بعد تغسیله وتکفینه ).

هذا قول العلماء کافة ، لأن النبی صلی الله علیه و آله هکذا فعل (1) ، وکذا الصحابة والتابعون ، فیکون الإتیان بخلافه تشریعا محرما ، وإنما یجب تأخیر الصلاة عن الغسل والتکفین حیث یجبان کما هو واضح.

قوله : ( فإن لم یکن له کفن جعل فی القبر ، وسترت عورته وصلی علیه بعد ذلک ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ وابن بابویه فی الموثق ، عن عمار بن موسی الساباطی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما تقول فی قوم کانوا فی سفر لهم یمشون علی ساحل البحر ، فإذا هم برجل میت عریان قد لفظه البحر وهم عراة لیس معهم إلاّ إزار ، فکیف یصلّون علیه وهو عریان ولیس معهم فضل ثوب یکفنونه به؟ قال : « یحفر له ویوضع فی لحده ویوضع اللبن علی عورته ، فتستر عورته باللبن والحجر ، ویصلّی علیه ثم یدفن » (2).

ومقتضی إطلاق الأمر بالستر وجوبه وإن لم یکن ثم ناظر ، وتباعد المصلّی بحیث لا یری. لکن الروایة قاصرة من حیث السند عن إثبات الوجوب (3). وذکر الشهید فی الذکری أنه إن أمکن ستره بثوب صلّی علیه قبل الوضع فی اللحد (4). ولا ریب فی الجواز ، نعم یمکن المناقشة فی الوجوب.

الصلاة علی المیت بعد تجهیزه

ص: 173


1- التذکرة 1 : 49 ، الوسائل 2 : 813 أبواب صلاة الجنازة ب 36.
2- الفقیه 1 : 104 - 482 ، التهذیب 3 : 327 - 1022 ، الوسائل 2 : 813 أبواب صلاة الجنازة ب 36 ح 1.
3- لعل وجهه هو کون عمار بن موسی الساباطی فطحیا - راجع الفهرست : 117 - 515.
4- الذکری : 53.

وسنن الصلاة أن یقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ،

______________________________________________________

قوله : ( وسنن الصلاة أن یقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ).

هذا قول معظم الأصحاب ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن عبد الله بن المغیرة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : من صلّی علی امرأة فلا یقوم فی وسطها ویکون مما یلی صدرها ، وإذا صلّی علی الرجل فلیقم فی وسطه » (1).

وعن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله یقوم من الرجل بحیال السرّة ، ومن النساء أدون من ذلک قبل الصدر » (2).

وقال الشیخ فی الإستبصار : إنه یقف عند رأس المرأة وصدر الرجل (3) ، واستدل علیه بما رواه عن موسی بن بکر ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « إذا صلّیت علی المرأة فقم عند رأسها ، وإذا صلّیت علی الرجل فقم عند صدره » (4).

وهذه الروایات کلها ضعیفة ، لکن المقام مقام استحباب فالعمل بکل منها حسن إن شاء الله. قال فی المنتهی : وهذه الکیفیة مستحبة عندنا بلا خلاف (5).

سنن صلاة المیت

ص: 174


1- التهذیب 3 : 190 - 433 ، الإستبصار 1 : 470 - 1818 ، الوسائل 2 : 804 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 1.
2- التهذیب 3 : 190 - 434 ، الإستبصار 1 : 471 - 1819 ، الوسائل 2 : 805 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 3.
3- الاستبصار 1 : 470.
4- التهذیب 3 : 190 - 432 ، الإستبصار 1 : 470 - 1817 ، الوسائل 2 : 805 أبواب صلاة الجنازة ب 27 ح 2.
5- المنتهی 1 : 456.

وإن اتفقا جعل الرجل مما یلی الإمام والمرأة وراءه ، ویجعل صدرها محاذیا لوسطه لیقف الإمام موقف الفضیلة ،

______________________________________________________

قوله : ( وإن اتفقا جعل الرجل مما یلی الإمام والمرأة من ورائه ، ویجعل صدرها محاذیا لوسطه لیقف الإمام موقف الفضیلة ).

هذا قول العلماء کافة ، قاله فی المنتهی (1). وقد ورد بترتیبهما علی هذا الوجه روایات کثیرة : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة والحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل والمرأة کیف یصلّی علیهما؟ قال : « یجعل الرجل وراء المرأة ، ویکون الرجل مما یلی الإمام » (2).

وفی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن الرجال والنساء کیف یصلّی علیهم؟ قال : « الرجل أمام النساء مما یلی الإمام ، یصفّ بعضهم علی أثر بعض » (3).

قال فی المنتهی : وهذه الکیفیة والترتیب لیس واجبا بلا خلاف (4). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بأن یقدم الرجل وتؤخر المرأة ، ویؤخر الرجل وتقدم المرأة » یعنی فی الصلاة علی المیت (5).

ویستفاد من هذه الروایات وما فی معناها إجزاء الصلاة الواحدة علی الجنائز المتعددة. وقال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا (6).

ص: 175


1- المنتهی 1 : 457.
2- التهذیب 3 : 323 - 1006 ، الإستبصار 1 : 471 - 1823 ، الوسائل 2 : 810 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 10.
3- الکافی 3 : 175 - 4 ، التهذیب 3 : 323 - 1005 ، الإستبصار 1 : 471 - 1822 ، الوسائل 2 : 808 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 1.
4- المنتهی 1 : 457.
5- التهذیب 3 : 324 - 1009 ، الإستبصار 1 : 473 - 1828 ، الوسائل 2 : 810 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 6.
6- المنتهی 1 : 456.

ولو کان طفلا جعل من وراء المرأة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو کان طفلا جعل وراء المرأة ).

المراد بالطفل هنا من لا تجب الصلاة علیه کما نص علیه فی المعتبر ، واستدل علی استحباب جعله وراء المرأة بأن الصلاة لا تجب علیه وتجب علی المرأة ، ومراعاة الواجب أولی ، فتکون مرتبة أقرب إلی الإمام (1).

وقال ابنا بابویه : یجعل الصبی إلی الإمام والمرأة إلی القبلة (2). وأسنده المصنف فی المعتبر إلی الشافعی واستحسنه ، لما رواه الشیخ عن ابن بکیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « توضع النساء مما یلی القبلة ، والصبیان دونهن ، والرجال دون ذلک » (3). قال : وهذه الروایة وإن کانت ضعیفة لکنها سلیمة من المعارض (4). ولا بأس به.

واستشکل جمع من الأصحاب الاجتزاء بالصلاة الواحدة هنا لاختلاف الوجه ، وصرّح العلاّمة فی التذکرة بعدم جواز جمع الجمیع بنیة واحدة متحدة الوجه ، ثم قال : ولو قیل بإجزاء الواحدة المشتملة علی الوجهین بالتقسیط أمکن (5). وهو مشکل ، لأن الفعل الواحد الشخصی لا یتصف بوصفین متنافیین.

وقال فی الذکری : إنه یمکن الاکتفاء بنیة الوجوب ، لزیادة الندب تأکیدا (6). وهو مشکل أیضا ، لأن الوجوب مضاد للندب فلا یکون مؤکدا له.

والحق أنه إن لم یثبت الاجتزاء بالصلاة الواحدة هنا بنص أو إجماع وجب نفیه ، لأن العبادة کیفیة متلقاة من الشارع فیقف إثباتها علی النقل ، وإن ثبت

ص: 176


1- المعتبر 2 : 354.
2- الصدوق فی المقنع : 21 ، وحکاه عن أبیه فی الفقیه 1 : 107.
3- التهذیب 3 : 323 - 1007 ، الإستبصار 1 : 472 - 1824 ، الوسائل 2 : 809 أبواب صلاة الجنازة ب 32 ح 3.
4- المعتبر 2 : 354.
5- التذکرة 1 : 49.
6- الذکری : 63.

وأن یکون المصلی متطهرا ،

______________________________________________________

الاجتزاء بذلک کان الإشکال مندفعا بالنص کما فی تداخل الأغسال الواجبة والمستحبة. وعلی هذا فیکون المراد أن الغرض المطلوب من الصلاة علی الطفل یتأدی بالصلاة الواجبة علی هذا الوجه کما تتأدی وظیفة غسل الجمعة بإیقاع غسل الجنابة فی ذلک الیوم.

قوله : ( وأن یکون المصلّی متطهرا ).

لأن الصلاة ذکر ودعاء وشفاعة للمیت فاستحب فی فاعلها أن یکون علی أکمل أحواله وأفضلها ، ولما رواه الشیخ ، عن عبد الحمید بن سعد قال ، قلت لأبی الحسن علیه السلام : الجنازة یخرج بها ولست علی وضوء ، فإن ذهبت أتوضأ فاتتنی الصلاة ، أیجزینی أن أصلّی علیها وأنا علی غیر وضوء؟ قال : « تکون علی طهر أحب إلیّ » (1).

ویجوز التیمم مع وجود الماء إذا خاف فوت الجنازة إن ذهب إلی الوضوء ، لما رواه الکلینی - رحمه الله تعالی - فی الحسن ، عن الحلبی ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل تدرکه الجنازة وهو علی غیر وضوء ، فإن ذهب یتوضأ فاتته الصلاة علیها ، قال : « یتیمم ویصلّی » (2).

وأطلق الشیخ (3) وجماعة جواز التیمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء ، واستدلوا علیه بروایة سماعة ، قال : سألته عن رجل مرت به جنازة وهو علی غیر وضوء کیف یصنع؟ قال : « یضرب بیدیه علی حائط اللبن فیتیمم » (4) وفی السند ضعف (5).

ص: 177


1- التهذیب 3 : 203 - 476 ، الوسائل 2 : 798 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 2.
2- الکافی 3 : 178 - 2 ، الوسائل 2 : 799 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 6.
3- الخلاف 1 : 295.
4- الکافی 3 : 178 - 5 ، التهذیب 3 : 203 - 477 ، الوسائل 2 : 799 أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5.
5- لعل وجهه هو اشتماله علی بعض الواقفیة.

وینزع نعلیه ، ویرفع یدیه فی أول تکبیرة إجماعا. وفی البواقی علی الأظهر.

______________________________________________________

قوله : ( وینزع نعلیه ).

هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فیه مخالفا ، ویدل علیه ما رواه الشیخ ، عن سیف بن عمیرة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یصلّی علی الجنازة بحذاء ، ولا بأس بالخف » (1). وحکم المصنف فی المعتبر باستحباب الحفاء لأنه موضع اتعاظ فناسب التذلل بالخفاء (2) ، ولقول النبی صلی الله علیه و آله : « من اغبرّت قدماه فی سبیل الله حرّمهما الله علی النار » (3) ولا بأس به.

قوله : ( ویرفع یدیه فی أول تکبیرة إجماعا ، وفی البواقی علی الأظهر ).

أجمع العلماء کافة علی استحباب رفع الیدین فی التکبیرة الأولی ، واختلفوا فی البواقی. فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی النهایة والمبسوط (4) ، والمفید (5) ، والمرتضی (6) ، وابن إدریس (7) إلی أنه غیر مستحب ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ فی الموثق ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه ، عن علیّ علیهم السلام : « إنه کان لا یرفع یدیه فی الجنازة إلاّ مرة واحدة » یعنی فی التکبیر (8).

وعن إسماعیل بن إسحاق بن أبان الوراق ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال : « کان أمیر المؤمنین علیه السلام یرفع یدیه فی أول التکبیر

ص: 178


1- التهذیب 3 : 206 - 491 ، الوسائل 2 : 804 أبواب صلاة الجنازة ب 26 ح 1.
2- المعتبر 2 : 355.
3- مسند أحمد 3 : 367 ، سنن الدارمی 2 : 202 ، صحیح البخاری 2 : 9 ، سنن النسائی 6 : 14.
4- النهایة : 145 ، والمبسوط 1 : 185.
5- المقنعة : 37.
6- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 204.
7- السرائر : 80.
8- التهذیب 3 : 194 - 443 ، الإستبصار 1 : 479 - 1854 ، الوسائل 2 : 786 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 4.

______________________________________________________

علی الجنازة ثم لا یعود حتی ینصرف » (1).

وقال الشیخ فی کتابی الأخبار : یستحب رفع الیدین فی کل تکبیرة ، واستدل بما رواه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن العرزمی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : صلّیت خلف أبی عبد الله علیه السلام علی جنازة فکبر خمسا یرفع یدیه فی کل تکبیرة (2).

وعن یونس ، قال : سألت الرضا علیه السلام ، قلت : جعلت فداک إن الناس یرفعون أیدیهم فی التکبیر علی المیت فی التکبیرة الأولی ولا یرفعون فیما بعد ذلک ، فأقتصر علی التکبیرة الأولی کما یفعلون أو أرفع یدیّ فی کل تکبیرة؟ فقال : « ارفع یدیک فی کل تکبیرة » (3).

وأجاب عن الروایتین الأوّلتین بالحمل علی التقیة ، أو علی أن الغرض منها بیان الجواز ورفع الوجوب. وهو حسن.

وقال المصنف فی المعتبر بعد أن أورد الأخبار من الطرفین : ما دل علی الزیادة أولی ، لأن رفع الیدین مراد لله فی أول التکبیر وهو دلیل الرجحان فیسوغ فی الباقی تحصیلا للأرجحیة ، ولأنه فعل مستحب فجاز أن یفعل مرة ویخل به أخری فلذلک اختلفت الروایات فیه (4).

ولم یذکر الأصحاب هنا استحباب رفع الیدین فی حالة الدعاء للمیت ، ولا یبعد استحبابه ، لإطلاق الأمر برفع الیدین فی الدعاء (5) المتناول لذلک ولغیره.

ص: 179


1- التهذیب 3 : 194 - 444 ، الإستبصار 1 : 478 - 1853 ، الوسائل 2 : 786 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 5.
2- التهذیب 3 : 194 - 445 ، الإستبصار 1 : 478 - 1851 ، الوسائل 2 : 785 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 1.
3- الکافی 3 : 184 - 5 ، التهذیب 3 : 195 - 446 ، الإستبصار 1 : 478 - 1852 ، الوسائل 2 : 786 أبواب صلاة الجنازة ب 10 ح 3.
4- المعتبر 2 : 356.
5- الوسائل 4 : 1100 أبواب الدعاء ب 12.

ویستحب عقیب الرابعة أن یدعو له إن کان مؤمنا ، وعلیه إن کان منافقا ، وبدعاء المستضعفین إن کان کذلک ، وإن جهله سأل الله أن یحشره مع من یتولاه ،

______________________________________________________

قوله : ( ویستحب عقیب الرابعة أن یدعو له إن کان مؤمنا ، وعلیه إن کان منافقا ، وبدعاء المستضعفین إن کان کذلک ، وإن جهله سأل الله أن یحشره مع من یتولاه ).

قد تقدم الکلام فی ذلک وأن الأولی الدعاء للمؤمن عقیب کل تکبیرة ، والظاهر أن المراد بالمنافق هنا مطلق المخالف ، وفسره بعضهم بالناصب (1) ، وفی حسنة ابن مسلم : « إن کان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط علیه الحیات والعقارب » (2) وهو یتناول الناصب وغیره.

وفسر ابن إدریس المستضعف بمن لا یعرف اختلاف الناس فی المذاهب ولا یبغض أهل الحق علی اعتقادهم (3). وعرفه فی الذکری بأنه الذی لا یعرف الحق ولا یعاند فیه ولا یوالی أحدا بعینه ، وحکی عن المفید فی الغریة أنه عرفه بأنه الذی یعرف بالولاء ویتوقف عن البراء (4). والتفسیرات متقاربة.

والمجهول : من لا یعلم حاله. والظاهر أن معرفة بلد المیت الذی یعلم إیمان أهلها أجمع کاف فی إلحاقه بهم.

وقد أوردنا فیما سبق فی کیفیة الدعاء للمؤمن روایات کثیرة (5) ، وقد ورد فی کیفیة دعاء المنافق والمستضعف والمجهول روایات : منها ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « إن کان

ص: 180


1- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 37.
2- الکافی 3 : 189 - 5 ، الوسائل 2 : 771 أبواب صلاة الجنازة ب 4 ح 5.
3- السرائر : 13.
4- الذکری : 59.
5- راجع ص 168.

وإن کان طفلا سأل الله أن یجعله مصلحا لحال أبیه شافعا فیه.

______________________________________________________

جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط علیه الحیات والعقارب ».

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن کان مستضعفا فقل : اللهم اغفر للذین تابوا واتبعوا سبیلک وقهم عذاب الجحیم ، وإن کنت لا تدری ما حاله فقل : اللهم إن کان یحب الخیر وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، وإن کان المستضعف بسبیل منک فاستغفر له علی وجه الشفاعة لا علی وجه الولایة » (1).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « الصلاة علی المستضعف والذی لا یعرف مذهبه : یصلّی علی النبی صلی الله علیه و آله ویدعی للمؤمنین والمؤمنات ویقال : اللهم اغفر للذین تابوا واتبعوا سبیلک وقهم عذاب الجحیم ، ویقال فی الصلاة علی من لا یعرف مذهبه : اللهم هذه النفوس أنت أحییتها وأنت أمتها اللهم ولّها ما تولت واحشرها مع من أحبت » (2).

قوله : ( وإن کان طفلا سأل الله أن یجعله مصلحا لحال أبیه شافعا فیه ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ ، عن عمرو بن خالد ، عن زید بن علیّ ، عن آبائه ، عن علیّ علیهم السلام فی الصلاة علی الطفل أنه کان یقول : « اللهم اجعله لأبویه ولنا سلفا وفرطا وأجرا » (3) والفرط بفتح الراء فی أصل الوضع : المتقدم علی القوم لیصلح لهم ما یحتاجون إلیه (4) ، قال النبی صلی الله علیه و آله : « أنا فرطکم علی الحوض » (5).

ص: 181


1- الکافی 3 : 187 - 3 ، الوسائل 2 : 768 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 4.
2- الفقیه 1 : 105 - 489 ، الوسائل 2 : 768 أبواب صلاة الجنازة ب 3 ح 1.
3- التهذیب 3 : 195 - 449 ، الوسائل 2 : 787 أبواب صلاة الجنازة ب 12 ح 1.
4- راجع الصحاح 3 : 1148.
5- مسند أحمد 3 : 345 ، 384 ، سنن النسائی 1 : 94 ، الجامع الصغیر 1 : 414 - 2700.

وإذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتی ترفع الجنازة. وأن یصلّی علی الجنازة فی المواضع المعتادة ، ولو صلّی فی المساجد جاز.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتی ترفع الجنازة ).

إطلاق العبارة یقتضی استحباب ذلک لکل مصل ، وبهذا التعمیم صرح الشارح (1) وجماعة ، وخصه الشهید بالإمام تبعا لابن الجنید (2) ، والمستند فی هذا الحکم ما رواه الشیخ ، عن حفص بن غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام : « إن علیا علیه السلام کان إذا صلّی علی جنازة لم یبرح من مصلاه حتی یراها علی أیدی الرجال » (3) والروایة مطلقة. ولو قلنا بالتعمیم واتفق صلاة جمیع الحاضرین استثنی منهم أقل ما یمکن به رفع الجنازة.

قوله : ( وأن یصلّی علی الجنازة فی المواضع المعتادة ).

أی : للصلاة علی الجنائز ، لأن السامع بموته یقصدها للصلاة علیه فیکون ذلک طریقا إلی تکثیر المصلین ، وهو أمر مطلوب لرجاء مجاب الدعوة فیهم ، وقد روی الصدوق فی الصحیح ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا مات المیت فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنین فقالوا : اللهم إنا لا نعلم منه إلاّ خیرا وأنت أعلم به منا قال الله تبارک وتعالی : وقد أجزت شهادتکم وغفرت له ما أعلم مما لا تعلمون » (4).

قوله : ( ولو صلّی فی المساجد جاز ).

لا ریب فی الجواز ، وإنما الکلام فی الکراهة ، فأثبتها الأکثر فی جمیع المساجد إلاّ بمکة المشرفة ، لما روی عن أبی الحسن علیه السلام أنه قال لأبی بکر العلوی : « یا أبا بکر إن الجنائز لا یصلّی علیها فی المساجد » (5) ومقتضی الروایة

ص: 182


1- المسالک 1 : 38.
2- الذکری : 64.
3- التهذیب 3 : 195 - 448 ، الوسائل 2 : 786 أبواب صلاة الجنازة ب 11 ح 1.
4- الفقیه 1 : 102 - 472.
5- الکافی 3 : 182 - 1 ، التهذیب 3 : 326 - 1016 ، الإستبصار 1 : 473 - 1831 ، الوسائل 2 : 807 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 2.

وتکره الصلاة علی الجنازة الواحدة مرّتین.

______________________________________________________

کراهة الصلاة فی المساجد بمکة وغیرها ، لکنها ضعیفة السند(1).

وعلل العلاّمة فی المنتهی استثناء مکة المشرفة بأن مکة کلها مسجد فلو کرهت الصلاة فی بعض مساجدها لزم التعمیم فیها أجمع وهو خلاف الإجماع (2). ولا یخفی ضعف هذا التعلیل.

والأصح انتفاء الکراهة مطلقا ، للأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضل بن عبد الملک ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام هل یصلّی علی المیت فی المسجد؟ قال : « نعم » (3) قال الشیخ رحمه الله : وروی محمد بن مسلم ، عن أبی الحسن علیه السلام مثل ذلک (4).

قوله : ( وتکره الصلاة علی الجنازة الواحدة مرّتین ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فقال العلاّمة فی المختلف : المشهور کراهة تکرار الصلاة علی المیت (5). وقید ابن إدریس الکراهة بالصلاة جماعة ، لتکرار الصحابة الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله فرادی (6). وقال الشیخ فی الخلاف : من صلّی علی جنازة یکره له أن یصلّی علیها ثانیا (7). وهو یشعر باختصاص الکراهة بالمصلّی المتحد. وربما ظهر من کلامه فی الاستبصار استحباب التکرار من المصلّی الواحد وغیره (8).

کراهة الصلاة علی الجنازة مرتین

ص: 183


1- الظاهر أن وجهه هو مجهولیة أبی بکر العلوی إذ لم یذکر فی کتب الرجال.
2- المنتهی 1 : 459.
3- التهذیب 3 : 320 - 992 ، الإستبصار 1 : 473 - 1829 ، الوسائل 2 : 806 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1.
4- التهذیب 3 : 320 - 993 ، الإستبصار 1 : 473 - 1830 ، الوسائل 2 : 806 أبواب صلاة الجنازة ب 30 ح 1 ، وفیها : عن أحدهما علیهماالسلام .
5- المختلف : 120.
6- السرائر : 81.
7- الخلاف 1 : 295.
8- الاستبصار 1 : 485.

______________________________________________________

والأخبار الواردة فی هذه المسألة مختلفة ، فورد فی بعضها الأمر بالصلاة لمن لم یصل کموثقة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « المیت یصلّی علیه ما لم یوار بالتراب وإن کان قد صلّی علیه » (1).

وموثقة یونس بن یعقوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الجنازة لم أدرکها حتی بلغت القبر أصلّی علیها؟ قال : « إن أدرکتها قبل أن تدفن فإن شئت فصلّ علیها » (2).

وورد فی بعض آخر النهی عن ذلک کروایة وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی علی جنازة فلما فرغ جاء ناس فقالوا : یا رسول الله لم ندرک الصلاة علیها فقال : لا یصلّی علی جنازة مرتین ، ولکن ادعوا له » (3).

وروایة إسحاق بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی علی جنازة فلما فرغ جاء قوم فقالوا : فاتتنا الصلاة علیها فقال صلی الله علیه و آله : إن الجنازة لا یصلّی علیها مرتین ، ادعوا له وقولوا خیرا » (4).

وهذه الروایات کلها قاصرة من حیث السند ، وجمع الأکثر بینها بحمل النهی علی الکراهة ، وظاهرهم الاتفاق علی الجواز.

أما تکرار الصلاة من المصلّی الواحد فلم أقف فیه علی روایة سوی ما نقل

ص: 184


1- التهذیب 3 : 334 - 1045 ، الإستبصار 1 : 484 - 1874 ، الوسائل 2 : 781 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 19.
2- التهذیب 3 : 334 - 1046 ، الإستبصار 1 : 484 - 1875 ، الوسائل 2 : 781 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 20.
3- التهذیب 3 : 332 - 1040 ، الاستبصار 1 : 485 - 1879 ، قرب الإسناد : 63 ، الوسائل 2 : 782 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 24.
4- التهذیب 3 : 324 - 1010 ، الإستبصار 1 : 484 - 1878 ، الوسائل 2 : 782 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 23.

______________________________________________________

من صلاة أمیر المؤمنین علیه السلام علی سهل بن حنیف خمس مرات ، وقد روی ذلک بعدة طرق : منها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کبر أمیر المؤمنین صلوات الله علیه علی سهل بن حنیف وکان بدریا خمس تکبیرات ، ثم مشی ساعة ثم وضعه وکبر علیه خمسة أخری ، فصنع ذلک حتی کبر علیه خمسا وعشرین تکبیرة » (1) وعن أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام نحو ذلک ، وفی الروایة : أنه علیه السلام کان کلما أدرکه الناس قالوا : یا أمیر المؤمنین لم ندرک الصلاة علی سهل فیضعه فیکبر علیه خمسا حتی انتهی إلی قبره خمس مرات (2).

وبذلک احتج الشیخ علی استحباب الإعادة مطلقا ، وهو إنما یدل علی استحباب الإعادة للإمام خاصة ، لکن قال العلاّمة فی المختلف : إن حدیث سهل بن حنیف مختص بذلک الشخص إظهارا لفضله (3) ، کما خص النبی صلی الله علیه و آله عمه حمزة بسبعین تکبیرة (4). وفی کلام أمیر المؤمنین علیه السلام فی نهج البلاغة ما یدل علی ذلک (5).

وکیف کان فینبغی القطع بکراهة التکرار من المصلّی الواحد لغیر الإمام ، بل یمکن القول بعدم مشروعیته ، لعدم ثبوت التعبد به. أما الإمام فلا یبعد الحکم بأنه یستحب له الإعادة بمن لم یصلّی ، للتأسی ، وانتفاء ما ینهض حجة علی اختصاص الحکم بذلک الشخص.

ومتی قلنا بمشروعیة الإعادة وأرید التعرض للوجه نوی الندب ، لسقوط

ص: 185


1- التهذیب 3 : 325 - 1011 ، الإستبصار 1 : 484 - 1876 ، الوسائل 2 : 777 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 1.
2- الکافی 3 : 186 - 3 ، الفقیه 1 : 101 - 470 ، التهذیب 3 : 197 - 455 ، الوسائل 2 : 778 أبواب صلاة الجنازة ب 6 ح 5.
3- المختلف : 120.
4- راجع الهامش (2).
5- نهج البلاغة ( شرح صبحی الصالح ) : 386.

مسائل خمس :

الأولی : من أدرک الإمام فی أثناء صلاته تابعه ، فإذا فرغ أتمّ ما بقی علیه ولاء ، ولو رفعت الجنازة أو دفنت أتمّ ولو علی القبر.

______________________________________________________

الفرض بالأولی ، وجوز المحقق الشیخ علیّ إیقاعها بنیة الوجوب اعتبارا بأصل الفعل (1). ولا وجه له.

قوله : ( الأولی ، من أدرک الإمام فی أثناء صلاته تابعه ، فإذا فرغ أتمّ ما بقی علیه ولاء ، وإن رفعت الجنازة أو دفنت أتمّ ولو علی القبر ).

یدل علی ذلک روایات : منها ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أدرک الرجل التکبیرة والتکبیرتین من الصلاة علی المیت فلیقض ما بقی متتابعا » (2).

وفی الصحیح ، عن عیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یدرک من الصلاة علی المیت تکبیرة ، قال : « یتمم ما بقی » (3).

ومقتضی الروایة الأولی أن من هذا شأنه لا یأتی بالدعاء بین التکبیرات سواء أمکنه الإتیان بذلک قبل وقوع ما ینافی الصلاة من البعد والانحراف أم لا ، وقیده العلاّمة فی بعض کتبه بما إذا خاف فوت الجنازة من محل تجوز الصلاة علیها فیه اختیارا (4) ، ولا بأس به.

حکم إدراک الامام أثناء الصلاة

ص: 186


1- جامع المقاصد 1 : 59.
2- التهذیب 3 : 200 - 463 ، الإستبصار 1 : 482 - 1865 ، الوسائل 2 : 792 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 1.
3- التهذیب 3 : 199 - 461 ، الإستبصار 1 : 481 - 1861 ، الوسائل 2 : 793 أبواب صلاة الجنازة ب 17 ح 2.
4- نهایة الأحکام 2 : 270 ، والقواعد 1 : 20.

الثانیة : إذا سبق المأموم بتکبیرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الإمام.

الثالثة : یجوز أن یصلی علی القبر یوما ولیلة من لم یصلّ علیه ، ثم لا یصلی بعد ذلک.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة ، إذا سبق المأموم بتکبیرة أو ما زاد استحب له إعادتها مع الإمام ).

قال الشارح قدس سره : المراد أنه سبقه سهوا أو ظنا أنه کبّر ، أما مع العمد فیستمر متأنیا حتی یلحقه الإمام ویأتم فی الأخیر (1). وفی الحکمین معا إشکال ، خصوصا الثانی ، لأن التکبیر الواقع علی هذا الوجه منهی عنه ، والنهی فی العبادة یقتضی الفساد ، فلو قیل بوجوب الإعادة مع العمد کان جیدا إن لم تبطل الصلاة بذلک.

قوله : ( الثالثة ، یجوز أن یصلی علی القبر یوما ولیلة من لم یصلّ علیه ، ثم لا یصلی بعد ذلک ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخان (2) ، وابن إدریس (3) ، والمصنف إلی أن من لم یدرک الصلاة علی المیت یجوز له أن یصلّی علی قبره یوما ولیلة ، فإن زاد علی ذلک لم تجز الصلاة علیه ، وإطلاق کلامهم یقتضی جواز الصلاة علیه کذلک وإن کان المیت قد صلّی علیه قبل الدفن.

وقال سلاّر : یصلّی علیه إلی ثلاثة أیام (4).

وقال ابن الجنید : یصلّی علیه ما لم تتغیر صورته (5).

حکم سبق المأموم بتکبیرة

جواز الصلاة علی القبر

ص: 187


1- المسالک 1 : 38.
2- المفید فی المقنعة : 38 ، والشیخ فی المبسوط 1 : 185.
3- السرائر : 81.
4- المراسم : 80.
5- نقله عنه فی المختلف : 120.

الرابعة : الأوقات کلّها صالحة لصلاة الجنازة ، إلا عند تضیق وقت فریضة حاضرة.

______________________________________________________

واعترف المصنف فی المعتبر ، والعلاّمة فی المنتهی (1) بعدم الوقوف فی هذه التقدیرات علی مستند.

وقال ابن بابویه : من لم یدرک الصلاة علی المیت صلّی علی القبر (2). ولم یقدر لها وقتا.

وأوجب العلاّمة فی المختلف الصلاة علی من دفن بغیر صلاة ومنع من الصلاة علی غیره (3).

وجزم المصنف فی المعتبر بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقا قال : ولا أمنع الجواز (4). واستدل علی عدم الوجوب بأن المدفون خرج بدفنه عن أهل الدنیا فساوی من فنی فی قبره ، وعلی الجواز بالأخبار الواردة بالإذن فی الصلاة علی القبر کصحیحة هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا بأس بأن یصلی الرجل علی المیت بعد ما یدفن » (5).

والأصح ما اختاره المصنف من عدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقا ، لکن لا یبعد اختصاص الجواز بیوم الدفن.

قوله : ( الرابعة ، الأوقات کلّها صالحة لصلاة الجنازة ، إلا عند تضیق وقت فریضة حاضرة ).

المراد أنها صالحة لصلاة الجنازة من غیر کراهة ، وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن

حکم الصلاة علی المیت عند تضیق وقت فریضة

ص: 188


1- المعتبر 2 : 359 ، والمنتهی 1 : 450.
2- نقله عن علی بن بابویه فی المختلف : 120.
3- المختلف : 120.
4- المعتبر 2 : 358.
5- التهذیب 3 : 200 - 466 ، الإستبصار 1 : 482 - 1866 ، الوسائل 2 : 794 أبواب صلاة الجنازة ب 18 ح 1.

ولو خیف علی المیت مع سعة الوقت قدمت الصلاة علیه.

الخامسة : إذا صلی علی جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخری کان مخیّرا ، إن شاء استأنف الصلاة علیهما ، وإن شاء أتمّ الأولی علی الأول

______________________________________________________

مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « یصلّی علی الجنازة فی کل ساعة إنها لیست بصلاة رکوع وسجود » (1) وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة علی الجنازة حین تغیب الشمس وحین تطلع إنما هو استغفار » (2).

ومقتضی العبارة وجوب تقدیم الحاضرة عند تضیق وقتها وإن خیف علی المیت ، وهو کذلک. وقال الشیخ فی المبسوط : تقدم الجنازة إذا خیف علی المیت ، لأن حرمة المسلم میتا کحرمته حیا (3). ولا ریب فی ضعفه.

قوله : ( ولو خیف علی المیت مع سعة الوقت قدمت الصلاة علیه ).

لا ریب فی تقدیم الصلاة علی المیت ودفنه والحال هذه علی الصلاة ، لأن ذلک واجب مضیق فلا یعارضه الموسع. ولو اتسع الوقتان فالأولی تقدیم الیومیة ، لقول الکاظم علیه السلام فی صحیحة أخیه علیّ بن جعفر : « إذا وجبت الشمس فصلّ المغرب ثم صلّ علی الجنائز » (4).

قوله : ( الخامسة ، إذا صلی علی جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخری کان مخیّرا ، إن شاء استأنف الصلاة علیهما ، وإن شاء أتمّ للأولی

حکم حضور جنازة أخری أثناء الصلاة

ص: 189


1- التهذیب 3 : 202 - 474 ، الإستبصار 1 : 470 - 1814 ، الوسائل 2 : 797 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.
2- التهذیب 3 : 321 - 999 ، الإستبصار 1 : 470 - 1815 ، الوسائل 2 : 797 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 1.
3- المبسوط 1 : 185.
4- التهذیب 3 : 320 - 996 ، قرب الإسناد : 99 ، الوسائل 2 : 808 أبواب صلاة الجنازة ب 31 ح 3.

واستأنف للثانی.

______________________________________________________

واستأنف للثانیة ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (1) ، وجمع من الأصحاب ، واحتجوا علیه بصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : فی قوم کبروا علی جنازة تکبیرة أو تکبیرتین ووضعت معها أخری قال : « إن شاؤوا ترکوا الأولی حتی یفرغوا من التکبیر علی الأخیرة ، وإن شاؤوا رفعوا الأولی وأتموا التکبیر علی الأخیرة ، کل ذلک لا بأس به » (2) ولا یخفی قصور هذه الروایة عن إفادة المدعی ، إذ المتبادر منها أن ما بقی من التکبیر محسوب للجنازتین ، فإذا فرغوا من تکبیر الأولی تخیروا بین ترکها بحالها حتی یکملوا التکبیر علی الأخیرة وبین رفعها من مکانها والإتمام علی الأخیرة ، ولا دلالة لها علی إبطال الصلاة علی الأولی بوجه. ویمکن أن یراد بإتمام التکبیر علی الأخیرة استئناف الصلاة علیها بعد إتمام الأولی. ومتی قلنا بالتشریک فینبغی إحداث النیة له عند إرادته.

ص: 190


1- المبسوط 1 : 185.
2- الکافی 3 : 190 - 1 ، التهذیب 3 : 327 - 1020 ، الوسائل 2 : 811 أبواب صلاة الجنازة ب 34 ح 1.

الفصل الخامس :

فی الصلوات المرغبات

وهی قسمان :

النوافل الیومیة وقد ذکرناها ، وما عدا ذلک وهو ینقسم :

فمنه ما لا یختص وقتا بعینه :

وهذا القسم کثیر غیر أنا نذکر مهمّه ، وهو صلوات :

الأولی : صلاة الاستسقاء

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الخامس ، فی الصلوات المرغبات ، وهی قسمان : النوافل الیومیة وقد ذکرناها ، وما عدا ذلک وهو ینقسم ، فمنه ما لا یختص وقتا بعینه ، وهذا القسم کثیر غیر أنا نذکر مهمّه ، وهو صلوات ، الأولی : صلاة الاستسقاء ).

الاستسقاء طلب السقیا من الله تعالی عند الحاجة إلیها ، ولا خلاف بین العلماء فی شرعیته ، وقد کان مشروعا فی الملل السالفة ، قال الله تعالی ( وَإِذِ اسْتَسْقی مُوسی لِقَوْمِهِ ) (1) وروی ابن بابویه ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « إن سلیمان بن داود علیه السلام خرج ذات یوم مع أصحابه لیستسقی فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلی السماء وهی تقول : اللهم إنا خلق من خلقک ، لا غنی لنا عن رزقک ، فلا تهلکنا بذنوب بنی آدم ، فقال سلیمان

الصلوات المرغبات

صلاة الاستسقاء

ص: 191


1- البقرة : 59.

وهی مستحبة عند غور الأنهار ، وفتور الأمطار.

______________________________________________________

علیه السلام : ارجعوا فقد سقیتم بغیرکم » (1).

وروی الشیخ فی التهذیب مرسلا ، عن النبی صلی الله علیه و آله ، قال : « إذا غضب الله تعالی علی أمة ثم لم ینزل بها العذاب غلت أسعارها ، وقصرت أعمارها ، ولم تربح تجارها ، ولم تزک ثمارها ، ولم تعذب أنهارها ، وحبس عنها أمطارها ، وسلط علیها أشرارها » (2).

قوله : ( وهی مستحبة عند غور الأنهار ، وفتور الأمطار ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (3) وقال فی المنتهی : أجمع کل من یحفظ عنه العلم علی استحباب صلاة الاستسقاء عند الجدب إلاّ أبا حنیفة فإنه قال : لا تسن لها الصلاة بل الدعاء (4). والأصل فی استحباب الصلاة التأسی ، والأخبار المستفیضة کروایة طلحة بن زید ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه علیهماالسلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله صلّی صلاة الاستسقاء رکعتین ، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، وکبر سبعا وخمسا وجهر بالقراءة » (5).

وموثقة عبد الله بن بکیر ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول فی الاستسقاء ، قال : « یصلّی رکعتین ویقلب رداءه الذی علی یمینه فیجعله علی

ص: 192


1- الفقیه 1 : 333 - 1493 ، الوسائل 5 : 163 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 5.
2- التهذیب 3 : 148 - 319 ، الوسائل 5 : 168 أبواب صلاة الاستسقاء ب 7 ح 2 ، وذکرها فی الفقیه 1 : 332 - 1492.
3- التذکرة 1 : 166.
4- المنتهی 1 : 354.
5- التهذیب 3 : 150 - 326 ، الإستبصار 1 : 451 - 1748 ، الوسائل 5 : 166 أبواب صلاة الاستسقاء ب 5 ح 1.

وکیفیتها مثل کیفیة صلاة العید غیر أنه یجعل مواضع القنوت فی العید استعطاف الله سبحانه ، وسؤاله الرحمة بإرسال الغیث ، ویتخیر من الأدعیة ما تیسّر له ، وإلا فلیقل ما نقل فی أخبار أهل البیت علیهم السلام .

______________________________________________________

یساره ، والذی علی یساره علی یمینه ، ویدعو الله فیستسقی » (1).

قوله : ( وکیفیتها مثل کیفیة صلاة العید غیر أنه یجعل مواضع القنوت فی العید استعطاف الله سبحانه ، وسؤاله الرحمة بإرسال الغیث ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، حکاه فی المنتهی (2). ویدل علیه مضافا إلی ما سبق ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن صلاة الاستسقاء ، قال : « مثل صلاة العیدین یقرأ فیهما ویکبر فیهما ، یخرج الإمام فیبرز إلی مکان نظیف فی سکینة ووقار وخشوع ومسألة ویبرز معه الناس ، فیحمد الله ویمجده ویثنی علیه ویجتهد فی الدعاء ویکثر من التسبیح والتهلیل والتکبیر ، ویصلّی مثل صلاة العیدین رکعتین فی دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذی علی المنکب الأیمن علی المنکب الأیسر والذی علی الأیسر علی الأیمن ، فإن النبی صلی الله علیه و آله کذلک صنع » (3) ویستفاد من هذه الروایة أن هذه الصلاة مثل صلاة العید کیفیة ووقتا وخطبة.

قوله : ( ویتخیر من الأدعیة ما تیسّر له ، وإلا فلیقل ما نقل فی أخبار أهل البیت علیهم السلام ).

کیفیة صلاة الاستسقاء

ص: 193


1- التهذیب 3 : 148 - 321 ، الوسائل 5 : 165 أبواب صلاة الاستسقاء ب 3 ح 1.
2- المنتهی 1 : 355.
3- التهذیب 3 : 149 - 323 ، الاستبصار 1 : 452 - 1750 ، وفیه صدر الحدیث ، الوسائل 5 : 162 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 1 ، وذکرها فی الکافی 3 : 462 - 2.

ومسنونات هذه الصلاة : أن یصوم الناس ثلاثة أیام ، ویکون خروجهم یوم الثالث. ویستحب أن یکون ذلک الثالث الاثنین ، فإن لم یتیسّر فالجمعة.

______________________________________________________

ظاهر العبارة یقتضی ترجیح ما تیسر علی المنقول ، وهو خلاف ما صرح به المصنف فی المعتبر حیث قال : وأفضل ما یقال الأدعیة المأثورة عن النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام ، لاختصاصهم من معرفة خطاب الله سبحانه بما لا یتحصل لغیرهم (1). واعتذر له الشارح - قدس سره - بأن هذا الترکیب من باب صناعة القلب ، وأن النکتة فیه جواز الدعاء بما تیسر وإن أمکن المنصوص (2). واحتمل أن یکون فعل الشرط المحذوف : یتخیر ، لا : یتیسر ، والمعنی : وإلاّ یرد التخیر بل یرد الأفضل فلیقل ما نقل فی أخبار أهل البیت علیهم السلام ، وفیه بعد.

قوله : ( ومسنونات هذه الصلاة : أن یصوم الناس ثلاثة أیام ، ویکون خروجهم یوم الثالث ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ ، عن حماد السراج ، قال : أرسلنی محمد بن خالد إلی أبی عبد الله علیه السلام أقول له : إن الناس قد أکثروا علیّ فی الاستسقاء فما رأیک فی الخروج غدا؟ فقلت ذلک لأبی عبد الله علیه السلام فقال لی : « قل له : لیس الاستسقاء هکذا ، فقل له : یخرج فیخطب الناس ویأمرهم بالصیام الیوم وغدا ، ویخرج بهم الیوم الثالث وهم صیام » (3) ویؤیده ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إن دعوة الصائم لا ترد » (4).

قوله : ( ویستحب أن یکون ذلک الثالث الاثنین ، فإن لم یتیسر فالجمعة ).

مسنونات صلاة الاستسقاء

ص: 194


1- المعتبر 2 : 362.
2- المسالک 1 : 39.
3- التهذیب 3 : 148 - 320 ، الوسائل 5 : 164 أبواب صلاة الاستسقاء ب 2 ح 1.
4- سنن البیهقی 3 : 345.

وأن یخرجوا إلی الصحراء حفاة علی سکینة ووقار ، ولا یصلوا فی المساجد.

______________________________________________________

أما استحباب کونه یوم الاثنین فلأمر الصادق علیه السلام محمد بن خالد بذلک (1) ، وأما یوم الجمعة فلشرفه وکونه محلا لإجابة الدعاء ، لما ورد : « إن العبد لیسأل الحاجة فتؤخر الإجابة إلی یوم الجمعة » (2).

ولم یذکر المفید فی المقنعة (3) ، وأبو الصلاح (4) سوی الجمعة ، وکأنه لشرفه وضعف روایة الاثنین (5). ونقل عن ابن الجنید (6) ، وابن أبی عقیل (7) ، وسلاّر (8) أنهم لم یعینوا یوما. ولا ریب فی جواز الخروج فی سائر الأیام.

قوله : ( وأن یخرجوا إلی الصحراء حفاة علی سکینة ووقار ، ولا یصلوا فی المساجد ).

أما استحباب الخروج إلی الصحراء فیدل علیه ما رواه الشیخ ، عن أبی البختری ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه ، عن علیّ علیه السلام أنه قال : « مضت السنة أنه لا یستسقی إلاّ بالبراری حیث ینظر الناس إلی السماء ، ولا یستسقی فی المساجد إلاّ بمکة » (9) قال فی المعتبر : وهذه الروایة وإن ضعف سندها إلاّ أن اتفاق الأصحاب علی العمل بها (10).

ومقتضی الروایة أن أهل مکة یستسقون فی المسجد الحرام ، قال فی

ص: 195


1- الکافی 3 : 462 - 1 ، التهذیب 3 : 148 - 322 ، الوسائل 5 : 162 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
2- المحاسن : 58 - 94 ، المقنعة : 25 ، الوسائل 5 : 68 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 41 ح 1.
3- لم نعثر علی تعیین الجمعة فی المقنعة ، ونقل فی المختلف : 125 ، أنه لم یعیّن یوما.
4- الکافی فی الفقه : 162.
5- لعل وجهه أن راویها مرّة وهو مولی خالد لم یذکر فی غیر رجال الشیخ ولم یوثق فیه - راجع رجال الطوسی : 321 - 658.
6- المختلف : 125.
7- المختلف : 125.
8- المراسم : 83.
9- التهذیب 3 : 150 - 325 ، الوسائل 5 : 166 أبواب صلاة الاستسقاء ب 4 ح 1.
10- المعتبر 2 : 363.

وأن یخرجوا معهم الشیوخ والأطفال والعجائز ، ولا یخرجوا ذمیّا ، ویفرّقوا بین الأطفال وأمهاتهم.

______________________________________________________

المنتهی : وهو قول علمائنا أجمع وأکثر أهل العلم (1). وألحق به ابن الجنید مسجد النبی صلی الله علیه و آله (2).

وأما استحباب الحفاء والخروج علی السکینة والوقار فلأن ذلک من أوصاف المتذلل الخاشع وهو مطلوب فی هذا المقام.

قوله : ( وأن یخرجوا معهم الشیوخ والأطفال والعجائز ).

لأنهم أقرب إلی الرحمة وأسرع للإجابة ، ولقول النبی صلی الله علیه و آله : « لو لا أطفال رضّع ، وشیوخ رکّع ، وبهائم رتّع لصب علیکم العذاب صبا » (3) ویتأکد ذلک فی أبناء الثمانین ، لقول صلی الله علیه و آله : « إذا بلغ الرجل ثمانین سنة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » (4).

قوله : ( ویفرّقوا بین الأطفال وأمهاتهم ).

لیکثروا من البکاء والعجیج إلی الله تعالی. ویتحقق التفریق بینهم بأن یعطی الولد لغیر أمه.

قوله : ( ولا یخرجوا ذمیا ).

لأنهم أعداء الله فهم بعیدون من الإجابة ، قال الله تعالی ( وَما دُعاءُ الْکافِرِینَ إِلاّ فِی ضَلالٍ ) (5).

وروی الصدوق - رحمه الله - مرسلا عن أبی عبد الله علیه السلام : « إنه جاء أصحاب فرعون إلیه فقالوا : غار ماء النیل وفیه هلاکنا فقال : انصرفوا الیوم فلما أن کان اللیل توسط النیل ورفع یدیه إلی السماء وقال : اللهم إنک

ص: 196


1- المنتهی 1 : 355.
2- نقله عنه فی المختلف : 126.
3- سنن البیهقی 3 : 345.
4- الخصال : 544 - 21 ، البحار 70 : 388 - 4.
5- الرعد : 14.

فإذا فرغ الإمام من صلاته حوّل رداءه ، ثم استقبل القبلة ، وکبّر مائة رافعا بها صوته ، وسبح الله إلی یمینه کذلک ، وهلل عن یساره مثل ذلک ، واستقبل الناس ، وحمد الله مائة ، وهم یتابعون فی کل ذلک ،

______________________________________________________

تعلم أنی أعلم أنه لا یقدر علی أن یجی ء بالماء إلاّ أنت فجئنا به فأصبح النیل یتدفق » (1).

قال فی المنتهی : فعلی هذه الروایة لو خرجوا جاز أن لا یمنعوا ، لأنهم یطلبون أرزاقهم من الله تعالی ، وقد ضمنها لهم فی الدنیا فلا یمنعون من طلبها فلا تبعد إجابتهم ، وقول من قال : إنهم ربما ظنوا أن ما حصل من السقیا بدعائهم ضعیف ، لأنه لا یبعد أن یتفق نزول الغیث یوم خروجهم بانفرادهم فیکون أعظم لفتنتهم (2).

قوله : ( فإذا فرغ الإمام من صلاته حوّل رداءه ، ثم استقبل القبلة ، وکبّر مائة رافعا بها صوته ، وسبح إلی یمینه کذلک ، وهلل عن یساره مثل ذلک ، واستقبل الناس ، وحمد الله مائة مرة ، وهم یتابعونه فی کل ذلک ).

أما استحباب تحویل الرداء للإمام بأن یقلب ما علی میامنه إلی میاسره وما علی میاسره إلی میامنه فتدل علیه روایات کثیرة : منها حسنة هشام المتقدمة حیث قال فیها : « فإذا سلّم الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذی علی المنکب الأیمن علی المنکب الأیسر ، والذی علی الأیسر علی الأیمن » (3).

وأما استحباب الذکر علی الوجه المذکور فعلله فی المعتبر بأن القصد به إیفاء الجهات حق الاستغفار والتضرع والابتهال ، لأنه لا یعلم إدراک الرحمة من أی جهة (4). ویدل علیه قول الصادق علیه السلام لما علّم محمد بن خالد صلاة

ص: 197


1- الفقیه 1 : 334 - 1502.
2- المنتهی 1 : 355.
3- فی ص 193.
4- المعتبر 2 : 365.

ثم یخطب ویبالغ فی تضرّعاته ، فإن تأخرت الإجابة کرّروا الخروج حتی تدرکهم الرحمة.

______________________________________________________

الاستسقاء بعد أن ذکر أن أنه یصلی بالناس رکعتین بغیر أذان ولا إقامة : « ثم یصعد المنبر فیقلب رداءه فیجعل الذی علی یمینه علی یساره والذی علی یساره علی یمینه ، ثم یستقبل القبلة فیکبر الله مائة تکبیرة رافعا بها صوته ، ثم یلتفت إلی الناس عن یمینه فیسبح الله مائة تسبیحة رافعا بها صوته ، ثم یلتفت إلی الناس عن یساره فیهلل الله مائة تهلیلة رافعا بها صوته ، ثم یستقبل الناس فیحمد الله مائة تحمیدة ، ثم یرفع یدیه فیدعو ثم یدعون فإنی لأرجو أن لا یخیبوا » (1) وما ذکره المصنف من استحباب متابعتهم له فی هذه الأذکار لم أقف علی مأخذه.

قوله : ( ثم یخطب ویبالغ فی تضرّعاته ).

استحباب الخطبة بعد الصلاة قول علمائنا أجمع قاله فی التذکرة (2) ، وهو مروی من قول النبی صلی الله علیه و آله ، رواه طلحة بن زید ، عن الصادق علیه السلام (3). وروی إسحاق بن عمار ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « الخطبة فی الاستسقاء قبل الصلاة » (4).

قال الشیخ فی التهذیب : والعمل علی الروایة الأولی أولی ، لأن ما قدمناه من الأخبار تضمن أنه یصلی الاستسقاء کما یصلی العیدین ، وقد بیّنّا فیما مضی أن صلاة العیدین الخطبة بعدها فیجب أن تکون هذه الصلاة جاریة مجراها.

قوله : ( وإن تأخرت الإجابة کرر الخروج حتی تدرکهم الرحمة ).

استحباب تکرار الخروج عند تأخر الإجابة

ص: 198


1- الکافی 3 : 462 - 1 ، التهذیب 3 : 149 - 322 ، الوسائل 5 : 162 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1 ح 2.
2- التذکرة 1 : 167.
3- التهذیب 3 : 150 - 326 ، الإستبصار 1 : 451 - 1748 ، الوسائل 5 : 166 أبواب صلاة الاستسقاء ب 5 ح 1.
4- التهذیب 3 : 150 - 327 ، الإستبصار 1 : 451 - 1749 ، الوسائل 5 : 167 أبواب صلاة الاستسقاء ب 5 ح 2.

وکما تجوز هذه الصلاة عند قلة الأمطار فإنها تجوز عند جفاف میاه العیون والآبار.

الثانیة : صلاة الاستخارة ، وصلاة الحاجة ، وصلاة الشکر ، وصلوات الزیارات.

ومنها ما یختص وقتا معینا ، وهی صلوات :

الأولی : نافلة شهر رمضان

والأشهر فی الروایات استحباب ألف رکعة فی شهر رمضان ، زیادة علی النوافل المرتبة.

______________________________________________________

هذا قول علمائنا وأکثر العامة (1) ، ویدل علیه مضافا إلی وجود السبب المقتضی للاستحباب قوله علیه السلام : « إن الله یحب الملحّین فی الدعاء » (2) وینبغی استئناف الصوم مع عدم (3) استمراره ، لإطلاق الأمر به قبل الصلاة.

قوله : ( الثانیة ، فی صلاة الاستخارة وصلاة الحاجة ، وصلاة الشکر ، وصلاة الزیارات ).

قد ذکر لکل من هذه الصلوات کیفیات وآداب ودعوات خاصة تطلب من أماکنها وهی کتب الحدیث والعبادات.

قوله : ( ومنها ما یختص وقتا معینا ، وهی صلوات ، الأولی : نافلة شهر رمضان ، والأشهر فی الروایات استحباب ألف رکعة زیادة علی النوافل المرتبة ).

استحباب هذه النافلة قول معظم الأصحاب ، ونقل عن الصدوق - رحمه

نافلة شهر رمضان

ص: 199


1- منهم الشافعی فی الأم 1 : 247 ، وابنا قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 294 ، 296 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 99.
2- قرب الإسناد : 5 ، الوسائل 4 : 1110 أبواب الدعاء ب 20 ح 8 ، بتفاوت.
3- لفظة : عدم ، لیست فی « ض ».

______________________________________________________

الله - أنه قال : لا نافلة فی شهر رمضان زیادة علی غیره (1). وکلامه فیمن لا یحضره الفقیه لا یقتضی نفی المشروعیة ، فإنه قال بعد أن أورد خبر سماعة المتضمن للنوافل : وإنما أوردت هذا الخبر فی هذا الباب مع عدولی عنه وترکی لاستعماله ، لیعلم الناظر فی کتابی کیف یروی ومن رواه ، ولیعلم من اعتقادی فیه أنی لا أری بأسا باستعماله (2).

والظاهر أنه لا خلاف فی جواز الفعل ، وإنما الکلام فی التوظیف ، والأخبار الواردة بذلک مستفیضة جدا إلاّ أنها مشترکة فی ضعف السند ، وبإزائها أخبار أخر دالة علی العدم کروایة محمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « کان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا صلّی العشاء الآخرة آوی إلی فراشه لا یصلی شیئا إلاّ بعد انتصاف اللیل ، لا فی شهر رمضان ولا فی غیره » (3).

وصحیحة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی شهر رمضان فقال : : « ثلاث عشرة رکعة : منها الوتر ، ورکعتا الصبح قبل الفجر ، کذلک کان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی ، وأنا کذلک أصلّی ، ولو کان خیرا لم یترکه رسول الله صلی الله علیه و آله » (4).

ومثله روی عبد الله بن سنان فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، وقال فی آخر الروایة : « ولو کان فضلا کان رسول الله صلی الله علیه و آله أعمل به وأحق » (5).

ص: 200


1- حکاه عنه فی السرائر : 68 ، والذکری : 253.
2- الفقیه 2 : 89.
3- التهذیب 3 : 69 - 225 ، الإستبصار 1 : 467 - 1806 ، الوسائل 5 : 190 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 3.
4- الفقیه 2 : 88 - 395 ، التهذیب 3 : 68 - 223 ، الإستبصار 1 : 466 - 1804 ، الوسائل 5 : 190 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 1.
5- الفقیه 2 : 88 - 396 ، التهذیب 3 : 69 - 224 ، الإستبصار 1 : 467 - 1805 ، الوسائل 5 : 190 أبواب نافلة شهر رمضان ب 9 ح 2.

______________________________________________________

وأجاب الشیخ - رحمه الله - فی التهذیب عن هذه الروایات فقال : الوجه فی هذه الأخبار وما یجری مجراها أنه لم یکن رسول الله صلی الله علیه و آله یصلی صلاة النافلة جماعة فی شهر رمضان ، ولو کان فیه خیر لما ترکه علیه السلام ولم یرد أنه لا یجوز أن یصلّی علی الانفراد (1). وهو تأویل بعید.

وأجاب فی المختلف عن الروایتین الأخیرتین بجواز أن یکون السؤال وقع عن النوافل الراتبة هل تزید فی شهر رمضان ، لا عن مطلق النافلة (2). وهو أبعد من الأول.

والمسألة محل إشکال ، لکن الروایات والفتاوی متظافرة بالمشروعیة ، مع الأدلة العامة المقتضیة لرجحان الصلاة مطلقا وأنها خیر موضوع ، وباب التأویل متسع. والله أعلم.

وأعلم أن الروایات الواردة فی تعداد الرکعات مختلفة اختلافا عظیما ، ولم أقف فیها علی روایة تتضمن الألف علی هذه الصورة إلاّ أنها تحصل من مجموعها.

وذکر الشهید فی الذکری (3) أن الألف رواها جمیل بن صالح (4) ، وعلیّ بن أبی حمزة (5) ، وإسحاق بن عمار (6) ، وسماعة بن مهران (7). والظاهر أن مراده ما

ص: 201


1- التهذیب 3 : 69.
2- المختلف : 126.
3- الذکری : 253.
4- التهذیب 3 : 61 - 209 ، الإستبصار 1 : 461 - 1794 ، الوسائل 5 : 176 أبواب نافلة شهر رمضان ب 5 ح 1.
5- الکافی 4 : 154 - 1 ، التهذیب 3 : 63 - 215 ، الإستبصار 1 : 463 - 1798 ، الوسائل 5 : 181 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 4.
6- التهذیب 3 : 64 - 217 ، الإستبصار 1 : 464 - 1801 ، الوسائل 5 : 181 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 6.
7- الفقیه 2 : 88 - 397 ، التهذیب 3 : 63 - 214 ، الإستبصار 1 : 462 - 1797 ، الوسائل 5 : 180 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 3.

یصلی فی کل لیلة عشرین رکعة. ثمان بعد المغرب واثنتی عشرة رکعة بعد العشاء علی الأظهر ، وفی کل لیلة من العشر الأواخر ثلاثین علی الترتیب المذکور. وفی لیالی الإفراد الثلاث فی کل لیلة مئة رکعة.

______________________________________________________

ذکرناه ، وإلاّ فروایة سماعة لا تدل علی استحباب المائة فی لیلة تسع عشرة ، وروایة إسحاق بن عمار إنما تضمنت ذکر المئات فی لیالی الإفراد خاصة ، وروایة علیّ بن أبی حمزة لا تدل علی استحباب زیادة المئات فی لیالی الإفراد ، وروایة جمیل بن صالح إنما تدل علی استحباب الإکثار من الصلاة فی شهر رمضان فی الیوم واللیلة وفیها : « إنّ علیا علیه السلام کان یصلّی فی الیوم واللیلة ألف رکعة ».

قوله : ( یصلّی فی کل لیلة عشرین رکعة : ثمان بعد المغرب ، واثنتی عشرة رکعة بعد العشاء علی الأظهر ، وفی کل لیلة من العشر الأواخر : ثلاثین علی الترتیب المذکور ).

هذا قول الشیخ (1) ، والمرتضی (2) ، وأکثر الأصحاب. والأصح التخییر بین فعل الثمانی بعد المغرب ، والاثنتی عشرة أو الاثنتین وعشرین بعد العشاء ، وبین العکس ، لاختلاف الروایات فی ذلک ففی روایة مسعدة بن صدقة : « یصلّی ثمانی بعد المغرب واثنتی عشرة بعد العشاء » (3) وفی روایة سماعة بالعکس. وفی روایة علیّ بن أبی حمزة : یصلّی فی العشر الأواخر بعد المغرب ثمان وبعد العشاء ما بقی. وفی روایة سماعة : إنه یصلی فی العشر الأواخر بین المغرب والعشاء اثنتین وعشرین رکعة ، وثمان رکعات بعد العتمة.

قال المصنف فی المعتبر : وطرق الروایات کلها ضعیفة ، لکن عمل الأصحاب أسقط اعتبار طرقها ، ولا رجحان فیها ، فینبغی القول فیها

ص: 202


1- الخلاف 1 : 202.
2- الانتصار : 55.
3- التهذیب 3 : 62 - 213 ، الإستبصار 1 : 462 - 796 ، الوسائل 5 : 179 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 2.

وروی أنه یقتصر فی لیالی الإفراد علی المائة حسب ، فیبقی علیه ثمانون ، یصلی فی کل لیلة جمعة عشر رکعات ، بصلاة علی وفاطمة وجعفر علیهم السلام ، وفی آخر جمعة عشرین بصلاة علی علیه السلام ، وفی عشیة تلک الجمعة عشرین بصلاة فاطمة علیهاالسلام .

______________________________________________________

بالتخییر (1).

قوله : ( وروی أنه یقتصر فی لیالی الإفراد علی المائة حسب ، فیبقی علیه ثمانون ، یصلی فی کل لیلة جمعة عشر رکعات ، بصلاة علی وفاطمة وجعفر علیهم السلام ، وفی آخر جمعة عشرین بصلاة علی علیه السلام ، وفی عشیة تلک الجمعة عشرین بصلاة فاطمة علیهاالسلام ).

هذه الروایة رواها المفضل بن عمر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « یصلی فی شهر رمضان زیادة ألف رکعة » قال ، قلت : ومن یقدر علی ذلک؟ قال : « لیس حیث تذهب ، ألیس تصلی فی شهر رمضان زیادة ألف رکعة فی تسع عشرة منه ، فی کل لیلة عشرین رکعة ، وفی لیلة تسع عشرة مائة رکعة ، وفی لیلة إحدی وعشرین مائة رکعة ، وفی لیلة ثلاث وعشرین مائة رکعة ، وتصلی فی ثمان لیالی منه فی العشر الأواخر ثلاثین رکعة فهذه تسعمائة وعشرون رکعة » قال ، قلت : جعلنی الله فداک فرجت عنی لقد کان ضاق بی الأمر فلما أتیت لی بالتفسیر فرجت عنی فکیف تمام الألف رکعة؟ فقال : « تصلی فی کل یوم جمعة فی شهر رمضان أربع رکعات لأمیر المؤمنین علیه السلام ، وتصلی رکعتین لابنة محمد علیهماالسلام ، وتصلی بعد الرکعتین أربع رکعات لجعفر الطیار ، وتصلی فی لیلة الجمعة فی العشر الأواخر لأمیر المؤمنین علیه السلام عشرین رکعة ، وتصلی فی عشیة الجمعة لیلة السبت عشرین رکعة لابنة محمد صلی الله علیه و آله » قال : « فأما صلاة أمیر المؤمنین فإنه یقرأ فیها بالحمد فی کل رکعة وخمسین مرة قل هو الله أحد ، ویقرأ فی صلاة ابنة محمد علیهماالسلام فی أول رکعة : الحمد وإنا أنزلناه فی لیلة القدر مائة مرة ، وفی

ص: 203


1- المعتبر 2 : 370.

وصلاة أمیر المؤمنین علیه السلام أربع رکعات بتشهدین وتسلیمین ، یقرأ فی کل رکعة الحمد مرّة ، وخمسین مرّة قل هو الله أحد.

______________________________________________________

الرکعة الثانیة : الحمد وقل هو الله أحد مائة مرة » وقال لی : « تقرأ فی صلاة جعفر فی الرکعة الأولی : الحمد وإذا زلزلت ، وفی الثانیة : الحمد والعادیات ، وفی الثالثة : الحمد وإذا جاء نصر الله ، وفی الرابعة : الحمد وقل هو الله أحد » ثم قال لی : « یا مفضل ذلک فضل الله یؤتیه من یشاء والله ذو الفضل العظیم » (1).

وأعلم أن ما ذکر فی الخبر من الصلاة فی کل جمعة عشر رکعات مبنی علی الغالب من اشتمال کل شهر علی أربعة أیام جمع ، فلو اتفق فی الشهر خمسة أیام جمع ففی کیفیة بسط الثمانین احتمالات ، أظهرها سقوط العشر فی الجمعة الأخیرة.

قال فی الذکری : ولو فات شی ء من هذه النوافل لیلا فالظاهر أنه یستحب قضاؤه نهارا (2). وهو غیر واضح. ولا فرق فی استحباب هذه النوافل بین الصائم وغیره ، عملا بالعموم.

قوله : ( وصلاة أمیر المؤمنین علیه السلام أربع رکعات بتشهدین وتسلیمین ، یقرأ فی کل رکعة الحمد مرة وقل هو الله أحد خمسین مرة ).

روی الصدوق - رحمه الله - فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من توضأ فأسبغ الوضوء وافتتح الصلاة فصلّی أربع رکعات یفصل بینهن بتسلیمة یقرأ فی کل رکعة فاتحة الکتاب وقل هو الله أحد خمسین مرة انفتل حین ینفتل ولیس بینه وبین الله ذنب إلا غفره له » (3).

صلاة أمیر المؤمنین علیه السلام

ص: 204


1- التهذیب 3 : 66 - 218 ، الإستبصار 1 : 466 - 1802 ، الإقبال : 12 ، الوسائل 5 : 178 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 1.
2- الذکری : 254.
3- الفقیه 1 : 356 - 1559 ، وفی ثواب الأعمال : 67 ، والوسائل 5 : 243 أبواب بقیة الصلوات المندوبة ب 10 ح 1 ، بتفاوت یسیر. الفقیه 1 :1. 1560 ، الوسائل 5 : 243 أبواب بقیة الصلوات المندوبة ب 10 ح 2.

وصلاة فاطمة علیهاالسلام رکعتان ، یقرأ فی الأولی الحمد مرّة والقدر مائة مرّة ، وفی الثانیة بالحمد مرّة وسورة التوحید مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع رکعات بتسلیمتین ، یقرأ فی الأولی الحمد وإذا زلزلت ، ثم یقول خمس عشرة مرّة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، ثم یرکع ویقولها عشرا ، وهکذا یقولها عشرا بعد

______________________________________________________

ثم قال رضی الله عنه : وأما محمد بن مسعود العیاشی - رحمه الله - فقد روی فی کتابه ، عن عبد الله بن محمد ، عن محمد بن إسماعیل السماک ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إن هذه الصلاة تسمی صلاة فاطمة علیهاالسلام وصلاة الأوّابین. ونقل عن شیخه محمد بن الحسن بن الولید أنه روی هذه الصلاة وثوابها وکان یقول : إنی لا أعرفها بصلاة فاطمة علیهاالسلام ، وأما أهل الکوفة فإنهم یعرفونها بصلاة فاطمة علیهاالسلام (1).

قوله : ( وصلاة فاطمة علیهاالسلام رکعتان ، یقرأ فی الأولی الحمد مرّة والقدر مائة مرّة ، وفی الثانیة الحمد مرّة وسورة التوحید مائة مرّة ).

هذه الصلاة نقلها الشیخ فی المصباح (2) ، ولم أقف لها علی مستند سوی خبر المفضل المتقدم (3).

قوله : ( وصلاة جعفر أربع رکعات بتسلیمتین ، یقرأ فی الأولی الحمد وإذا زلزلت ، ثم یقول خمس عشرة مرّة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، ثم یرکع ویقولها عشرا ، وهکذا یقولها عشرا بعد

صلاة فاطمة علیهم السلام

صلاة جعفر

ص: 205


1- الفقیه 1 : 357 - 1561 ، الوسائل 5 : 243 أبواب بقیة الصلوات المندوبة ب 10 ح 3.
2- مصباح المتهجد : 265.
3- فی ص 203.

رفع رأسه ، وفی سجوده ، وبعد رفعه ، وفی سجوده ثانیا ، وبعد الرفع منه ، فیکون فی کل رکعة خمس وسبعون مرّة ، ویقرأ فی الثانیة والعادیات ، وفی الثالثة إذا جاء نصر الله ، وفی الرابعة قل هو الله أحد.

______________________________________________________

رفع رأسه ، وفی سجوده ، وبعد رفعه ، وفی سجوده ثانیا ، وبعد الرفع منه ، فیکون فی کل رکعة خمس وسبعون مرّة ، ویقرأ فی الثانیة والعادیات ، وفی الثالثة إذا جاء نصر الله ، وفی الرابعة قل هو الله أحد ).

استحباب هذه الصلاة ثابت بإجماع علماء الإسلام إلاّ من شذ من العامة ، حکاه فی المنتهی (1). والأخبار بها مستفیضة ، فروی الشیخ فی الصحیح ، عن بسطام ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : قال له رجل : جعلت فداک أیلتزم (2) الرجل أخاه؟ فقال : « نعم إن رسول الله صلی الله علیه و آله یوم افتتح خیبر أتاه الخبر أن جعفرا قد قدم فقال : والله ما أدری بأیهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر أم بفتح خیبر ، قال : فلم یلبث أن جاء جعفر ، قال : فوثب رسول الله صلی الله علیه و آله فالتزمه وقبّل ما بین عینیه » قال : فقال له الرجل : الأربع رکعات التی بلغنی أن رسول الله صلی الله علیه و آله أمر جعفرا أن یصلیها؟ فقال : « لما قدم علیه قال له : یا جعفر إلا أعطیک؟ ألا أمنحک؟ ألا أحبوک؟ قال : فتشوّف (3) الناس ورأوا أنه یعطیه ذهبا أو فضة فقال : بلی یا رسول الله ، قال : صلّ أربع رکعات متی ما صلیتهن غفر لک ما بینهن إن استطعت کل یوم ، وإلاّ فکل یومین ، أو کل جمعة ، أو کل شهر ، أو کل سنة فإنه یغفر لک ما بینهما ، قال : کیف أصلّیها؟ قال : تفتتح الصلاة ثم تقرأ ، ثم تقول خمس عشرة مرة وأنت قائم : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر ، فإذا رکعت قلت ذلک عشرا ، وإذا رفعت رأسک فعشرا ، وإذا سجدت فعشرا ، وإذا رفعت رأسک فعشرا ، وإذا سجدت الثانیة فعشرا ، وإذا

ص: 206


1- المنتهی 1 : 359.
2- الالتزام : الاعتناق - الصحاح 5 : 2029.
3- تشوّفت إلی الشی ء أی تطلعت إلیه - الصحاح 4 : 1384. هکذا فی المصدر ، وفی جمیع النسخ : فتشرّف.

______________________________________________________

رفعت رأسک عشرا ، فذلک خمس وسبعون یکون ثلاثمائة فی أربع رکعات ، فهی ألف ومائتان وتقرأ فی کل رکعة بقل هو الله أحد وقل یا أیها الکافرون » (1).

وبمضمون هذه الروایة قال أکثر الأصحاب کالشیخین (2) ، وابن الجنید (3) ، وابن إدریس (4) ، وابن أبی عقیل (5) ، وغیرهم.

وقد ورد فی بعض الروایات أن التسبیح قبل القراءة ، وأن صورته : الله أکبر وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ، رواه الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه ، عن أبی حمزة الثمالی ، عن أبی جعفر علیه السلام ، وفی الروایة أن النبی صلی الله علیه و آله قال لجعفر علیه السلام : « ألا أعلّمک صلاة إذا أنت صلّیتها لو کنت فررت من الزحف وکان علیک مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا غفرت لک » (6) ثم قال - رحمه الله - بعد نقل الروایتین : فبأی الحدیثین أخذ المصلی فهو مصیب.

واختلف الأصحاب فیما تستحب قراءته فیها بعد الحمد ، فذهب الأکثر إلی أنه الزلزلة فی الرکعة الأولی ، والعادیات فی الثانیة ، والنصر فی الثالثة ، والتوحید فی الرابعة. وقال علی بن بابویه : یقرأ فی الرکعة الأولی العادیات ، وفی الثانیة الزلزلة ، وفی الباقیتین کما تقدم (7). وقال الصدوق فی المقنع : یقرأ بالتوحید فی الجمیع (8).

ص: 207


1- التهذیب 3 : 186 - 420 ، الوسائل 5 : 195 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 3.
2- المفید فی المقنعة : 28 ، والشیخ فی النهایة : 141.
3- نقله عنه فی المختلف : 127.
4- السرائر : 69.
5- نقله عنه فی المختلف : 127.
6- الفقیه 1 : 347 - 1536 ، الوسائل 5 : 196 أبواب صلاة جعفر ب 1 ح 5.
7- حکاه عنه فی المختلف : 127.
8- المقنع : 43.

ویستحب أن یدعو فی آخر سجدة بالدعاء المخصوص بها.

______________________________________________________

والأخبار الواردة فی ذلک مختلفة ، ففی صحیحة بسطام المتقدمة : أنه یقرأ فی کل رکعة بقل هو الله أحد وقل یا أیها الکافرون (1) ، ومقتضاها الجمع بین السورتین فی کل رکعة.

وفی صحیحة عبد الله بن المغیرة : أن الصادق علیه السلام قال له : « اقرأ فی صلاة جعفر بقل هو الله أحد وقل یا أیها الکافرون » (2).

وفی صحیحة إبراهیم بن أبی البلاد ، قال : قلت لأبی الحسن - یعنی موسی بن جعفر علیه السلام - : أیّ شی ء لمن صلّی صلاة جعفر؟ قال : « لو کان علیه مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا لغفر الله له » قال ، قلت : هذه لنا؟ قال : « فلمن هی ، إلاّ لکم خاصّة؟! » قلت : فأی شی ء أقرأ فیها ، قال ، وقلت : أعترض القرآن؟ قال : لا ، اقرأ فیها إذا زلزلت ، وإذا جاء نصر الله ، وإنا أنزلناه فی لیلة القدر ، وقل هو الله أحد » (3).

وروی الشیخ ، عن إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « تقرأ فی الأولی : إذا زلزلت ، وفی الثانیة : والعادیات ، وفی الثالثة : إذا جاء نصر الله ، وفی الرابعة : بقل هو الله أحد » (4) وفی هذا السند ضعف (5).

قوله : ( ویستحب أن یدعو فی آخر سجدة بالدعاء المخصوص بها ).

ذکر الصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه أن فی روایة الحسن بن محبوب ، قال : « تقول فی آخر سجدة من صلاة جعفر بن أبی طالب

ص: 208


1- فی ص 206.
2- الفقیه 1 : 348 - 1538 ، الوسائل 5 : 197 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 1.
3- الفقیه 1 : 348 - 1539 ، التهذیب 3 : 186 - 421 ، ثواب الأعمال : 68 ، الوسائل 5 : 198 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 2.
4- التهذیب 3 : 187 - 423 ، الوسائل 5 : 198 أبواب صلاة جعفر ب 2 ح 3.
5- لعل وجهه أن راویها وهو إبراهیم بن عبد الحمید واقفی - راجع رجال الشیخ : 344 - 26.

الثانیة : صلاة لیلة الفطر :

وهی رکعتان ، یقرأ فی الأولی الحمد مرّة وألف مرّة قل هو الله أحد ، وفی الثانیة الحمد وقل هو الله أحد مرّة.

وصلاة یوم الغدیر

وهو الثامن عشر من ذی الحجة قبل الزوال بنصف ساعة.

______________________________________________________

علیه السلام : یا من لبس العز والوقار ، یا من تعطّف بالمجد وتکرّم به ، یا من لا ینبغی التسبیح إلاّ له ، یا من أحصی کل شی ء علمه ، یا ذا النعمة والطول ، یا ذا المنّ والفضل ، یا ذا القدرة والکرم ، أسألک بمعاقد العز من عرشک ، ومنتهی الرحمة من کتابک ، وباسمک الأعظم الأعلی ، وکلماتک التامات أن تصلی علی محمد وآل محمد وأن تفعل بی کذا وکذا » (1).

قوله : ( الثانیة ، صلاة لیلة الفطر : وهی رکعتان ، یقرأ فی الأولی الحمد مرّة ، وألف مرّة قل هو الله أحد ، وفی الثانیة الحمد وقل هو الله أحد مرّة ).

هذه الصلاة ذکرها الشیخ فی المصباح (2) ، قال المصنف فی المعتبر : ولا بأس بها ، فإن الصلاة خیر موضوع (3).

قوله : ( وصلاة یوم الغدیر ، وهو الثامن عشر من ذی الحجة قبل الزوال بنصف ساعة ).

هذه الصلاة رکعتان تقرأ فی کل رکعة الحمد مرة ، وقل هو الله أحد وآیة الکرسی وإنا أنزلناه عشرا عشرا. روی ذلک محمد بن موسی الهمدانی ، عن علی بن حسان الواسطی ، عن علی بن الحسین العبدی ، عن الصادق

صلاة لیلة الفطر

صلاة یوم الغدیر

ص: 209


1- الفقیه 1 : 349 - 1544 ، الوسائل 5 : 199 أبواب صلاة جعفر ب 3 ح 2.
2- مصباح المتهجد : 592.
3- المعتبر 2 : 373.

وصلاة لیلة النصف من شعبان ، وصلاة لیلة المبعث ویومه :

وتفصیل هذه الصلوات ، وما یقال فیها وبعدها ، مذکور فی کتب العبادات.

خاتمة :

کل النوافل یجوز أن یصلیها الإنسان قاعدا ، وقائما أفضل. وإن جعل کل رکعتین من جلوس مقام رکعة کان أفضل.

______________________________________________________

علیه السلام . وفی الروایة : « إن هذه الصلاة تعدل عند الله عزّ وجلّ مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة » (1) وفی السند ضعف (2).

قال فی التذکرة : وقد روی أبو الصلاح هنا استحباب الجماعة والخطبة والتصافح والتهانی ببرکة هذا الیوم وشرفه بتکمیل الدین بنصب أمیر المؤمنین علیه السلام (3).

قوله : ( وصلاة لیلة النصف من شعبان ، وصلاة لیلة المبعث ویومه ).

قد ذکر الأصحاب فی کتب العبادات فی هذه الأوقات صلوات متعددة ، من أرادها وقف علیها فی محالها. والله الموفق.

قوله : ( خاتمة ، کل النوافل یجوز أن یصلیها الإنسان قاعدا ، وقائما أفضل. وإن جعل کل رکعتین من جلوس مقام رکعة کان أفضل ).

قد تقدم البحث فی هذین الحکمین فی أوائل کتاب الصلاة مستقصی فلا نعیده.

صلاة لیلة النصف من شعبان

جواز النافلة من القعود

ص: 210


1- التهذیب 3 : 143 - 317 ، الوسائل 5 : 224 أبواب الصلوات المندوبة ب 3 ح 1.
2- لعل وجهه هو جهالة - علی بن الحسین العبدی حیث إنه غیر مذکور فی کتب الرجال.
3- التذکرة 1 : 72.

الرّکن الرّابع :

فی التوابع ، وفیه فصول :

الفصل الأوّل : فی الخلل الواقع فی الصلاة ، وهو إما من عمد ، أو سهو ، أو شک.

أما العمد : فمن أخلّ بشی ء من واجبات الصلاة عامدا فقد أبطل صلاته ، شرطا کان ما أخلّ به أو جزءا منها ، أو کیفیة أو ترکا ،

______________________________________________________

قوله : ( الرکن الرابع ، فی التوابع : وفیه فصول ، الفصل الأول : فی الخلل الواقع فی الصلاة ، وهو إما من عمد ، أو سهو ، أو شک. أما العمد فمن أخلّ بشی ء من واجبات الصلاة عامدا فقد أبطل صلاته ، شرطا کان ما أخلّ به أو جزءا منها ، أو کیفیة أو ترکا ).

المراد بالشرط : الخارج الذی تتوقف علیه صحة الفعل کالطهارة والستر.

وبالجزء : ما تلتئم منه الماهیة کالقراءة والرکوع والسجود. وبالکیفیة : ترتیب الأجزاء علی الوجه المأمور به ، ومثّل لها المصنف فی المعتبر بالطمأنینة (1) ، وهو غیر واضح ، وبالترک : ما یحرم فعله فی الصلاة کالالتفات والکلام ، وفی إطلاق الواجب علیه تجوّز.

وقد أجمع الأصحاب وغیرهم علی أن من أخل بشی ء من شرائط الصلاة أو واجباتها عمدا بطلت صلاته ، لأن الإخلال بالشرط إخلال بالمشروط ، والإخلال بالجزء أو الکیفیة إخلال بالحقیقة المجموعة من الأجزاء ، فلا یکون المخل بأحدهما آتیا بالصلاة علی الوجه المأمور به ، کما هو ظاهر.

وأما البطلان بفعل ما لا یجوز فعله فی الصلاة فلا یتم علی إطلاقه ، لأن النهی إذا لم یتعلق بنفس العبادة أو شرطها لا یقتضی فسادها ، وإنما یثبت البطلان بدلیل من خارج ، کما فی الکلام والالتفات ونحوهما.

الخلل الواقع فی الصلاة

بطلان الصلاة بالاخلال بواجب عمداً أو جهلاً

ص: 211


1- المعتبر 2 : 376.

وکذا لو فعل ما یجب ترکه أو ترک ما یجب فعله جهلا بوجوبه ، إلا الجهر والإخفات فی موضعهما. ولو جهل غصبیة الثوب الذی یصلی فیه أو المکان أو نجاسة الثوب أو البدن أو موضع السجود فلا إعادة.

فروع :

الأول : إذا توضأ بماء مغصوب مع العلم بالغصبیة وصلی أعاد الطهارة والصلاة ، ولو جهل غصبیّته لم یعد إحداهما.

______________________________________________________

قوله : ( وکذا لو فعل ما یجب ترکه ، أو ترک ما یجب فعله جهلا بوجوبه ، إلا الجهر والإخفات فی موضعهما ).

الوجه من مساواة الجاهل للعامد فی ذلک عدم تحقق الامتثال مع الإخلال بالواجب فی الحالین وإن افترقا بالإثم وعدمه.

وأما استثناء الجهر والإخفات من ذلک فقال المصنف فی المعتبر : إنه ثابت باتفاق القائلین بوجوبهما (1). ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : رجل جهر بالقراءة فیما لا ینبغی الجهر فیه أو أخفی فیما لا ینبغی الإخفاء فیه ، قال : « أیّ ذلک فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعلیه الإعادة ، وإن فعل ذلک ناسیا أو ساهیا أو لا یدری فلا شی ء علیه » (2).

قوله : ( ولو جهل غصبیة الثوب الذی یصلی فیه ، أو المکان ، أو نجاسة الثوب ، أو البدن ، أو موضع السجود ، فلا إعادة ).

قد تقدم الکلام فی ذلک کله وأن الأظهر عدم الإعادة فی شی ء من ذلک ، لاستحالة توجه النهی إلی الجاهل فینتفی المقتضی للفساد.

قوله : ( فروع ثلاثة ، الأول : إذا توضأ بماء مغصوب مع العلم بالغصبیة وصلی أعاد الطهارة والصلاة ، ولو جهل غصبیّته لم یعد إحداهما ).

حکم الوضوء بماء مغصوب

ص: 212


1- المعتبر 2 : 377.
2- التهذیب 2 : 162 - 635 ، الإستبصار 1 : 313 - 1163 ، الوسائل 4 : 766 أبواب القراءة فی الصلاة ب 26 ح 1 ، وأوردها فی الفقیه 1 : 227 - 1003.

الثانی : إذا لم یعلم أن الجلد میتة فصلی فیه ثم علم لم یعد إذا کان فی ید مسلم أو شراه من سوق المسلمین ، فإن أخذه من غیر مسلم أو وجده مطروحا أعاد.

______________________________________________________

أما عدم الإعادة مع الجهل بالغصب فلما سبق.

وأما وجوب الإعادة مع العلم فلتوجه النهی إلی الطهارة فتفسد ، ویلزم من فسادها فساد المشروط.

ولو علم الجاهل بالغصب فی أثناء الوضوء فإن بقی شی ء لم یغسل امتنع غسله بذلک الماء قطعا ، وإن استوفی الغسل ففی جواز المسح بذلک البلل وجهان ، أظهرهما الجواز ، لأنه فی حکم التالف وقد ثبت علیه بدله ، فلا یجمع بین العوض والمعوض لواحد.

قوله : ( الثانی ، إذا لم یعلم أن الجلد میتة وصلی فیه ثم علم لم یعد إذا کان فی ید مسلم أو اشتراه من سوق المسلمین ).

إنما لم تجب علیه الإعادة لأنه صلی صلاة مأمورا بها ، والامتثال یقتضی الإجزاء.

والمراد بالمسلم : من حکم بإسلامه شرعا ، وبسوق المسلمین : ما صدق علیه أنه کذلک ، فیحل الشراء منه وإن لم یسمع من بایعه کلمة الشهادة. وفی موثقة إسحاق بن عمار عن الکاظم علیه السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة فی الفرو الیمانی وفیما صنع فی أرض الإسلام » قلت : فإن کان فیها غیر أهل الإسلام؟ قال : « إن کان الغالب علیها المسلمین فلا بأس » (1).

قوله : ( وإن أخذه من غیر مسلم أو وجده مطروحا أعاد ).

لا ریب فی وجوب الإعادة إذا کان الجلد مأخوذا من غیر مسلم عملا بالظاهر من حاله ، ولورود النهی عن تناوله منه.

حکم الصلاة بجلد المیتة

ص: 213


1- التهذیب 2 : 368 - 1532 ، الوسائل 3 : 332 أبواب لباس المصلی ب 55 ح 3.

الثالث : إذا لم یعلم أنه من جنس ما یصلّی فیه وصلی أعاد.

وأما السهو : فإن أخلّ برکن أعاد ، کمن أخلّ بالقیام حتی نوی ، أو بالنّیة حتی کبّر ،

______________________________________________________

أما الجلد المطروح فقد صرح المصنف وغیره (1) بأنه کذلک ، نظرا إلی أصالة عدم تذکیته ، وهو مشکل ، لأن مرجع الأصل هنا إلی الاستصحاب ولم یقم علی التمسک به دلیل یعتد به ، وقد تقدم البحث فی ذلک مستوفی فی کتاب الطهارة (2).

قوله : ( الثالث ، إذا لم یعلم أنه من جنس ما یصلّی فیه وصلی أعاد ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدل علیه فی المنتهی بأن الصلاة مشروطة بستر العورة بما یصلی فیه ، والشک فی الشرط یقتضی الشک فی المشروط (3). ویمکن المناقشة فیه بالمنع من ذلک ، لاحتمال أن یکون الشرط ستر العورة بما لا یعلم تعلق النهی به. ولو کان الملبوس غیر ساتر کالخاتم ونحوه فأولی بالجواز.

قوله : ( وأما السهو ، فإن أخلّ برکن أعاد ، کمن أخلّ بالقیام حتی نوی ).

مقتضی العبارة کون القیام فی حال النیة رکنا ، وهو غیر واضح خصوصا علی ما ذهب إلیه المصنف من کونها شرطا خارجا عن حقیقة الصلاة (4). نعم هو رکن فی حال التکبیر ، لأن من أخل بالقیام حتی کبر بطلت صلاته عمدا وسهوا.

قوله : ( أو بالنیة حتی کبر ).

حکم الاخلال برکن سهواً

ص: 214


1- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 40.
2- راجع ج 2 ص 387.
3- المنتهی 1 : 225.
4- المعتبر 2 : 149.

أو بالتکبیر حتی قرأ ،

______________________________________________________

لا ریب فی ذلک ، لأن التکبیر جزء من الصلاة إجماعا فتعتبر فیه النیة وغیرها من الشرائط ، لأن شرط الکل شرط لجزئه ، ویلزم من فوات الشرط فوات المشروط.

قوله : ( أو بالتکبیر حتی قرأ ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب علی ما نقله جماعة (1) ، ویدل علیه روایات منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل ینسی تکبیرة الافتتاح ، قال : « یعید » (2).

وفی الصحیح عن ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال فی الرجل یصلی فلم یفتتح بالتکبیر ، هل تجزیه تکبیرة الرکوع؟ قال : « لا ، بل یعید صلاته إذا حفظ أنه لم یکبر » (3).

وبإزاء هذه الروایات أخبار أخر دالة علی أن الناسی لا یعید ، کصحیحة عبید الله الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل نسی أن یکبر حتی دخل فی الصلاة ، قال : « ألیس کان من نیته أن یکبر؟ » قلت : نعم ، قال : « فلیمض فی صلاته » (4).

وصحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام ، قال ، قلت له : رجل نسی أن یکبر تکبیرة الافتتاح حتی کبر للرکوع ، فقال : « أجزأه » (5).

ص: 215


1- کالشهید الأول فی الذکری : 187 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 258.
2- التهذیب 2 : 143 - 557 ، الإستبصار 1 : 351 - 1326 ، الوسائل 4 : 715 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 1.
3- الکافی 3 : 347 - 2 ، التهذیب 2 : 143 - 562 ، الإستبصار 1 : 352 - 1333 ، الوسائل 4 : 718 أبواب تکبیرة الإحرام ب 3 ح 1.
4- الفقیه 1 : 226 - 999 ، التهذیب 2 : 144 - 565 ، الإستبصار 1 : 352 - 1330 ، الوسائل 4 : 717 أبواب تکبیرة الإحرام ب 2 ح 9.
5- الفقیه 1 : 226 - 1000 ، التهذیب 2 : 144 - 566 ، الإستبصار 1 : 353 - 1334 ، الوسائل 4 : 718 أبواب تکبیرة الإحرام ب 3 ح 2.

أو بالرکوع حتی سجد ، أو بالسجدتین حتی رکع فیما بعد ، وقیل : یسقط الزائد ویأتی بالفائت ویبنی ، وقیل : یختصّ هذا الحکم بالأخیرتین ، ولو کان فی الأولیین استأنف ، والأول أظهر.

______________________________________________________

قال فی الذکری : وهذه الروایات تخالف إجماع الأصحاب ، بل إجماع الأمة إلا الزهری والأوزاعی ، فإنهما لم یبطلا الصلاة بترکها سهوا (1).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی الشک دون تیقن الترک (2) ، ولا بأس به.

قوله : ( أو بالرکوع حتی سجد ، أو بالسجدتین حتی رکع فیما بعد ، وقیل : یسقط الزائد ویأتی بالفائت ویبنی ، وقیل : یختصّ هذا الحکم بالأخیرتین ، ولو کان فی الأولیین ، استأنف ، والأول أظهر ).

تضمنت هذه العبارة مسألتین :

إحداهما : إن من أخل بالرکوع ناسیا حتی سجد بطلت صلاته ، وهو اختیار المفید (3) ، والمرتضی (4) ، وابن إدریس (5) ، وعامة المتأخرین (6).

وقال الشیخ فی المبسوط : إنما تبطل فی الأولتین أو فی ثالثة المغرب ، وإن کان فی الأخیرتین من الرباعیة حذف الزائد وأتی بالفائت ، فلو ترک الرکوع فی الثالثة حتی سجد سجدتیها أسقطهما ورکع وأعاد السجدتین ، ولو لم یذکر حتی رکع فی الرابعة أسقط الرکوع وسجد للثالثة ثم أتی بالرابعة (7). ونحوه قال فی

ص: 216


1- الذکری : 178.
2- التهذیب 2 : 144 ، والاستبصار 1 : 352.
3- المقنعة : 22.
4- جمل العلم والعمل : 63.
5- السرائر : 50.
6- منهم العلامة فی التذکرة 1 : 134 ، والشهید الأول فی البیان : 145 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 271.
7- المبسوط 1 : 109.

______________________________________________________

کتابی الأخبار (1). وحکی فی المبسوط قولا بالتلفیق مطلقا وعدم الاعتداد بالزیادة وإن کان فی الأولتین (2) ، وأسنده فی المنتهی إلی الشیخ أیضا (3).

وقال ابن الجنید : لو صحت له الأولی وسها فی الثانیة سهوا لم یمکنه استدراکه کأن أیقن وهو ساجد أنه لم یکن رکع فأراد البناء علی الرکعة الأولی التی صحت له ، رجوت أن یجزیه ذلک ، ولو أعاد إذا کان فی الأولتین وکان الوقت واسعا کان أحب إلیّ (4).

ویقرب منه قول علی بن بابویه فی رسالته ، فإنه قال : وإن نسیت الرکوع بعد ما سجدت فی الرکعة الأولی فأعد صلاتک ، لأنه إذا لم تثبت لک الأولی لم تثبت لک صلاتک ، وإن کان الرکوع فی الثانیة أو الثالثة فاحذف السجدتین واجعل الثالثة ثانیة والرابعة ثالثة (5).

احتج القائلون بالبطلان مطلقا بأن الناسی للرکوع إلی أن یسجد لم یأت بالمأمور به علی وجهه ، فیبقی فی عهدة التکلیف إلی أن یتحقق الامتثال.

وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن رفاعة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل ینسی أن یرکع حتی یسجد ویقوم ، قال : « یستقبل » (6).

وعن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أیقن الرجل أنه ترک رکعة من الصلاة وقد سجد سجدتین وترک الرکوع استأنف الصلاة » (7).

ص: 217


1- التهذیب 2 : 149 ، والاستبصار 1 : 356.
2- المبسوط 1 : 119.
3- المنتهی 1 : 408.
4- حکاه عنه فی المختلف : 129.
5- حکاه عنه فی المختلف : 129.
6- التهذیب 2 : 148 - 581 ، الإستبصار 1 : 355 - 1344 ، الوسائل 4 : 933 أبواب الرکوع ب 10 ح 1.
7- التهذیب 2 : 148 - 580 ، الإستبصار 1 : 355 - 1343 ، الوسائل 4 : 933 أبواب الرکوع ب 10 ح 3.

______________________________________________________

وعن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الرجل ینسی أن یرکع ، قال : « یستقبل حتی یضع کل شی ء من ذلک موضعه » (1).

ویتوجه علی الأول أن الامتثال یتحقق بالإتیان بالرکوع ثم السجود ، فلا یتعین الاستئناف. نعم لو لم یذکر إلاّ بعد السجدتین اتجه البطلان لزیادة الرکن ، کما هو مدلول الروایتین الأولتین.

والروایة الثالثة ضعیفة السند (2) ، فلا تنهض حجة فی إثبات حکم مخالف للأصل.

احتج الشیخ فی التهذیب علی البطلان فی الرکعتین الأولتین وثالثة المغرب بما تلوناه من الأخبار ، وعلی إسقاط الزائد والإتیان بالفائت فی الرکعتین الأخیرتین من الرباعیة بما رواه عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل شک بعد ما سجد أنه لم یرکع : « فإن استیقن فلیلق السجدتین اللتین لا رکعة لهما فیبنی علی صلاته علی التمام ، وإن کان لم یستیقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فلیتم الصلاة برکعة وسجدتین ولا شی ء علیه » (3).

وفی الصحیح عن العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی رکعة من صلاته حتی فرغ منها ثم ذکر أنه لم یرکع ، قال : « یقوم فیرکع ویسجد سجدتی السهو » (4).

وأجاب المصنف فی المعتبر عن الروایة الأولی بأن ظاهرها الإطلاق وهو متروک ، وتخصیصها بالأخیرتین تحکم (5).

ص: 218


1- التهذیب 2 : 149 - 583 ، الإستبصار 1 : 356 - 1347 ، الوسائل 4 : 933 أبواب الرکوع ب 10 ح 2.
2- لعل وجهه هو کون إسحاق بن عمار فطحیا - راجع الفهرست : 15 - 52.
3- التهذیب 2 : 149 - 585 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 11 ح 2 ، وأوردها فی الاستبصار 1 : 356 - 1348.
4- التهذیب 2 : 149 - 586 ، الوسائل 4 : 935 أبواب الرکوع ب 11 ح 3.
5- المعتبر 2 : 378.

______________________________________________________

ویتوجه علیها أیضا أنها ضعیفة السند باشتماله علی الحکم بن مسکین وهو مجهول ، وعلی الروایة الثانیة أنها غیر دالة علی مطلوبه وإنما تدل علی وجوب الإتیان بالمنسی خاصة ، وهو لا یذهب إلیه بل یوجب الإتیان بما بعده من السجود.

لکن الصدوق - رحمه الله - أورد روایة محمد بن مسلم فی کتابه بطریق صحیح ، ومتنها أوضح مما فی کتابی الشیخ. فإنه قال : وروی العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل شک بعد ما سجد أنه لم یرکع ، فقال : « یمضی فی صلاته حتی یستیقن أنه لم یرکع ، فإن استیقن أنه لم یرکع فلیلق السجدتین اللتین لا رکوع لهما ویبنی علی صلاته علی التمام ، وإن کان لم یستیقن إلا من بعد ما فرغ وانصرف فلیقم ولیصل رکعة وسجد سجدتین ولا شی ء علیه » (1) ومقتضی الروایة وجوب الإتیان بالرکوع وإسقاط السجدتین مطلقا کما هو أحد الأقوال فی المسألة.

ویمکن الجمع بینها وبین ما تضمن الاستئناف بذلک بالتخییر بین الأمرین وأفضلیة الاستئناف. وکیف کان فلا ریب أن الاستئناف أولی.

الثانیة : إن من أخل بالسجدتین حتی رکع فیما بعد بطلت صلاته ، وهو اختیار الشیخ فی النهایة (2) ، وأکثر الأصحاب. وقال فی الجمل : إن ترک ناسیا سجدتین فی رکعة من الأولتین أعاد الصلاة ، وإن کانتا من الأخیرتین بنی علی الرکوع فی الأولی وسجد السجدتین (3). والأصح الأول.

لنا : أنه أخل برکن من الصلاة حتی دخل فی آخر ، فلو أعاد الأول لزاد رکنا ولو لم یأت به نقص رکنا ، وکلاهما مبطل ، لما سیأتی ، ویؤیده قوله علیه السلام : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ،

ص: 219


1- الفقیه 1 : 228 - 1006 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 11 ح 2.
2- النهایة : 88.
3- الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 186 ، 188.

وکذا لو زاد فی الصلاة رکعة أو رکوعا أعاد سهوا وعمدا.

______________________________________________________

والرکوع ، والسجود » (1).

ولم نقف للقائلین بالتلفیق هنا علی حجة یعتد بها. واستدل له فی المختلف بأن السجدتین مساویتان للرکوع فی جمیع الأحکام ، وقد ثبت جواز التلفیق فیه (2). ولا یخفی ضعف هذا الاستدلال ، فإنه مجرد دعوی عاریة من الدلیل.

قوله : ( وکذا لو زاد فی صلاته رکعة ، أو رکوعا ، أو سجدتین ، أعاد عمدا أو سهوا ).

هنا مسألتان :

إحداهما : إن من زاد فی صلاته رکعة بطلت صلاته. وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الصلاة بین الرباعیة وغیرها ، ولا بین أن یکون قد جلس فی آخر الصلاة أو لم یجلس. وبهذا التعمیم قطع الشیخ فی جملة من کتبه (3) ، والسید المرتضی (4) ، وابن بابویه (5).

واحتج علیه فی الخلاف بتوقف یقین البراءة علیه. قال : وإنما یعتبر الجلوس بقدر التشهد أبو حنیفة بناء علی أن الذکر فی التشهد لیس بواجب.

واستدل علیه أیضا بما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة وبکیر ابنی أعین ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا استیقن أنه زاد فی صلاته المکتوبة لم یعتد بها واستقبل صلاته استقبالا » (6) وعن أبی بصیر قال ، قال أبو

حکم زیادة رکن سهواً

ص: 220


1- الفقیه 1 : 225 - 991 ، الوسائل 4 : 770 أبواب القراءة فی الصلاة ب 29 ح 5.
2- المختلف : 130.
3- الخلاف 1 : 164 ، والمبسوط 1 : 121 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 187.
4- جمل العلم والعمل : 63.
5- المقنع : 31.
6- التهذیب 2 : 194 - 763 ، الإستبصار 1 : 376 - 1428 ، الوسائل 5 : 332 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 19 ح 1.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام : « من زاد فی صلاته فعلیه الإعادة » (1) وهما بإطلاقهما یتناولان زیادة الرکعة وغیرها.

وقال فی المبسوط : من زاد رکعة فی صلاته أعاد ، ومن أصحابنا من قال : إن کانت الصلاة رباعیة وجلس فی الرابعة مقدار التشهد فلا إعادة علیه. والأول هو الصحیح ، لأن هذا قول من یقول أن الذکر فی التشهد لیس بواجب (2).

وهذا الذی نقله الشیخ عن بعض الأصحاب هو مذهب ابن الجنید (3) ، واختاره المصنف فی المعتبر (4) ، والعلامة فی المختلف (5). واستدل علیه فی المعتبر بأن نسیان التشهد غیر مبطل ، فإذا جلس قدر التشهد فقد فصل بین الفرض والزیادة ، وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلی خمسا ، فقال : « إن کان جلس فی الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته » (6).

وعن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل استیقن بعد ما صلی الظهر أنه صلی خمسا ، فقال : « کیف استیقن؟ » قلت : علم ، قال : « إن کان علم أنه کان جلس فی الرابعة فصلاته الظهر تامة » (7).

ویتوجه علی الأول : أن تحقق الفصل بالجلوس لا یقتضی عدم وقوع

ص: 221


1- الکافی 3 : 355 - 5 ، التهذیب 2 : 194 - 764 ، الإستبصار 1 : 376 - 1429 ، الوسائل 5 : 332 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 19 ح 2.
2- المبسوط 1 : 121.
3- حکاه عنه فی المختلف : 135.
4- المعتبر 2 : 380.
5- المختلف : 135.
6- التهذیب 2 : 194 - 766 ، الإستبصار 1 : 377 - 1431 ، الوسائل 5 : 332 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 19 ح 4.
7- التهذیب 2 : 194 - 765 ، الاستبصار 1 : 377 - 1430 ، المقنع : 31 ، الوسائل 5 : 332 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 19 ح 5.

______________________________________________________

الزیادة فی أثناء الصلاة.

وعلی الروایتین : أن الظاهر أن المراد فیهما من الجلوس بقدر التشهد : التشهد ، لشیوع مثل هذا الإطلاق وندور تحقق الجلوس بقدر التشهد من دون الإتیان به ، وبذلک صرح الشیخ فی الاستبصار. فقال : إن هذین الخبرین لا ینافیان الخبرین الأولین ، یعنی : روایتی أبی بصیر وابنی أعین ، لأن من جلس فی الرابعة وتشهد ثم قام صلی رکعة لم یخلّ برکن من أرکان الصلاة ، وإنما أخلّ بالتسلیم ، والإخلال بالتسلیم لا یوجب إعادة الصلاة حسب ما قدمناه (1).

واستحسن هذا الحمل الشهید فی الذکری ، قال : ویکون فی هذه الأخبار دلالة علی ندب التسلیم (2).

وإلی هذا القول ذهب ابن إدریس فی سرائره فقال : من صلی الظهر - مثلا - أربع رکعات ، وجلس فی دبر الرابعة فتشهد الشهادتین وصلی علی النبی وآله ، ثم قام ساهیا عن التسلیم فصلی رکعة خامسة فعلی مذهب من أوجب التسلیم فالصلاة باطلة ، وعلی مذهب من لم یوجبه فالأولی أن یقال : إن الصلاة صحیحة لأنه ما زاد فی صلاته رکعة ، لأنه بقیامه خرج من صلاته. وإلی هذا القول ذهب شیخنا أبو جعفر فی استبصاره ونعم ما قال (3). انتهی کلامه رحمه الله ، وهو فی محله. ومن ذلک یظهر عدم الفرق فی الصلاة بین الرباعیة وغیرها.

ولو ذکر الزیادة قبل الرکوع صحت صلاته مطلقا بغیر إشکال ، لأن زیادة القیام سهوا غیر مبطلة.

الثانیة : إن من زاد فی صلاته رکوعا أو سجدتین بطلت صلاته ، وهو

ص: 222


1- الاستبصار 1 : 377.
2- الذکری : 219.
3- السرائر : 52.

وقیل : لو شک فی الرکوع فرکع ثم ذکر أنه کان رکع أرسل نفسه ، ذکره الشیخ وعلم الهدی ، والأشبه البطلان.

______________________________________________________

مذهب الأصحاب لا نعلم فیه مخالفا. واستدل علیه فی المعتبر (1) بأن فیه تغییرا لهیئة الصلاة وخروجا عن الترتیب الموظف ، فتبطل معه الصلاة ، وقول أبی جعفر علیه السلام فی حسنة زرارة وبکیر المتقدمة : « إذا استیقن أنه زاد فی صلاته المکتوبة لم یعتد بها واستقبل صلاته استقبالا » (2) وقول الصادق علیه السلام فی صحیحة منصور بن حازم فی رجل صلی وذکر أنه زاد سجدة : « لا یعید الصلاة من سجدة ویعیدها من رکعة » (3) والظاهر أن المراد بالرکعة الرکوع ، کما یظهر من مقابلته بالسجدة.

قوله : ( وقیل : لو شک فی الرکوع فرکع ثم ذکر أنه کان رکع أرسل نفسه ، ذکره الشیخ وعلم الهدی ، والأشبه البطلان ).

إنما کان الأشبه البطلان لأنه زاد رکوعا ، إذ لیس رفع الرأس جزءا من الرکوع ، وإنما هو انفصال عنه.

والقول بالصحة وإرسال نفسه للسجود للشیخ (4) ، والمرتضی (5) ، وابن إدریس (6) ، واختاره شیخنا المتقدم محمد بن یعقوب الکلینی فی کتابه الکافی (7). قال فی الذکری : وهو قوی ، لأن ذلک وإن کان بصورة الرکوع إلاّ أنه فی الحقیقة لیس برکوع ، لتبین خلافه ، والهوی إلی السجود مشتمل علیه وهو واجب فیتأدی الهوی إلی السجود به ، فلا تتحقق الزیادة حینئذ ، بخلاف ما لو

ص: 223


1- المعتبر 2 : 379.
2- فی ص 220.
3- الفقیه 1 : 228 - 1009 ، التهذیب 2 : 156 - 610 ، الوسائل 4 : 938 أبواب الرکوع ب 14 ح 2.
4- المبسوط 1 : 122.
5- جمل العلم والعمل : 65.
6- السرائر : 53.
7- الکافی 3 : 360.

وإن نقص [ رکعة ] فإن ذکر قبل فعل ما یبطل الصلاة أتم ولو کانت ثنائیة ، وإن ذکر بعد أن فعل ما یبطلها عمدا أو سهوا أعاد. وإن کان یبطلها عمدا لا سهوا کالکلام فیه تردد ، والأشبه الصّحة.

______________________________________________________

ذکر بعد رفع رأسه من الرکوع ، فإن الزیادة حینئذ متحققة لافتقاره إلی هوی السجود (1). ولا یخفی ضعف هذا التوجیه.

نعم یمکن توجیهه بأن هذه الزیادة لم تقتض تغییرا لهیئة الصلاة ولا خروجا عن الترتیب الموظف ، فلا تکون مبطلة وإن تحقق مسمی الرکوع ، لانتفاء ما یدل علی بطلان الصلاة بزیادته علی هذا الوجه من نصّ أو إجماع. ولا یشکل ذلک بوجوب إعادة الهوی للسجود حیث لم یقع بقصده وإنما وقع بقصد الرکوع ، لأن الأظهر أن ذلک لا یقتضی وجوب إعادته ، کما یدل علیه فحوی صحیحة حریز المتضمنة لأن من سها فی فریضة فأتمها علی أنها نافلة لا یضره (2).

وقد ظهر بذلک قوة هذا القول ، وإن کان الإتمام ثم الإعادة طریق الاحتیاط.

قوله : ( وإن نقص [ رکعة ] فإن ذکر قبل فعل ما یبطل الصلاة أتمّ ولو کانت ثنائیة ، وإن ذکر بعد أن فعل ما یبطلها عمدا أو سهوا أعاد ، وإن کان یبطلها عمدا لا سهوا - کالکلام - فیه تردد ، والأشبه الصّحة ).

إذا نقص المصلی من صلاته رکعة فما زاد فإما أن یذکر بعد التسلیم وقبل فعل المنافی أو بعده ، وعلی الثانی فإما أن یکون المنافی مما یبطل الصلاة عمدا لا سهوا کالکلام ، أو یبطلها عمدا وسهوا کالحدث والفعل الکثیر. فهنا مسائل ثلاث :

حکم من نقص رکعة فما زاد من صلاته

ص: 224


1- الذکری : 222.
2- التهذیب 2 : 342 - 1418 ، الوسائل 4 : 711 أبواب النیة ب 2 ح 1 ، ولکن فیهما : أن عبد الله بن المغیرة رواها عن کتاب حریز.

______________________________________________________

الأولی : أن یذکر النقص بعد التسلیم وقبل الإتیان بغیره من المنافیات ، فیجب إتمام الصلاة ولو کانت ثنائیة دون الإعادة ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن الحارث بن المغیرة النضری قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنا صلینا المغرب فسها الإمام فسلم فی الرکعتین فأعدنا الصلاة ، قال : « ولم أعدتم؟ ألیس قد انصرف رسول الله صلی الله علیه و آله فی رکعتین فأتم برکعتین؟ ألا أتممتم؟! » (1) والظاهر عدم تحقق الخلاف فی هذه الصورة مطلقا.

الثانیة : أن یذکر بعد فعل ما یبطل الصلاة عمدا لا سهوا کالکلام.

وقد اختلف الأصحاب فی حکمه ، فقال الشیخ فی النهایة : یجب علیه الإعادة (2) ، وتبعه ابن أبی عقیل (3) وأبو الصلاح الحلبی (4) ، وقوی فی المبسوط عدم الإعادة وحکی عن بعض أصحابنا قولا بوجوب الإعادة فی غیر الرباعیة (5). والأصح أنه لا یعید مطلقا.

لنا : التمسک بمقتضی الأصل ، وما رواه الشیخ فی الصحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یسهو فی الرکعتین ویتکلم ، قال : « یتم ما بقی من صلاته تکلم أو لم یتکلم ولا شی ء علیه » (6).

وفی الصحیح عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل صلی رکعتین من المکتوبة فسلم وهو یری أنه قد أتم الصلاة وتکلم ، ثم ذکر أنه

ص: 225


1- التهذیب 2 : 180 - 725 ، الإستبصار 1 : 370 - 1410 ، الوسائل 5 : 307 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 2.
2- النهایة : 90.
3- نقله عنه فی المختلف : 136.
4- الکافی فی الفقه : 148.
5- المبسوط 1 : 121.
6- التهذیب 2 : 191 - 756 ، الإستبصار 1 : 378 - 1434 ، الوسائل 5 : 308 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 5.

______________________________________________________

لم یصل غیر رکعتین فقال : « یتم ما بقی من صلاته ولا شی ء علیه » (1).

وفی الصحیح عن سعید الأعرج قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « صلی رسول الله صلی الله علیه و آله ثم سلم فی رکعتین فسأله من خلفه : یا رسول الله أحدث فی الصلاة شی ء؟ قال : وما ذاک؟ قالوا : إنما صلیت رکعتین ، فقال : أکذاک یا ذا الیدین؟ وکان یدعی ذا الشمالین ، فقال : نعم ، فبنی علی صلاته فأتم الصلاة أربعا » وقال : « إن الله عزّ وجلّ هو الذی أنساه رحمة للأمة ، ألا تری لو أن رجلا صنع هذا لعیّر وقیل : ما تقبل صلاتک ، فمن دخل علیه الیوم ذلک قال : قد سنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وصارت أسوة ، وسجد سجدتین لمکان الکلام » (2).

الثالثة : أن یذکر بعد فعل ما یبطل الصلاة عمدا وسهوا ، کالحدث والفعل الکثیر الذی تنمحی به صورة الصلاة ، وقد ذهب الأکثر إلی أنه موجب للإعادة.

وقال ابن بابویه فی کتابه المقنع : إن صلیت رکعتین من الفریضة ثم قمت فذهبت فی حاجة لک فأضف إلی صلاتک ما نقص ولو بلغت الصین ولا تعد الصلاة ، فإن إعادة الصلاة فی هذه المسألة مذهب یونس بن عبد الرحمن (3).

احتج القائلون بوجوب الإعادة بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن جمیل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلی رکعتین ثم قام ، قال : « یستقبل » قلت : فما یروی الناس؟ فذکر له حدیث ذی الشمالین ، فقال :

ص: 226


1- التهذیب 2 : 191 - 757 ، الإستبصار 1 : 379 - 1436 ، الوسائل 5 : 309 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 9.
2- الکافی 3 : 357 - 6 ، التهذیب 2 : 345 - 1433 ، الوسائل 5 : 311 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 16.
3- نقله عنه فی المختلف : 136 ، والموجود فی المقنع : 31. وإن صلیت رکعتین ثم قمت فذهبت فی حاجة لک فأعد الصلاة ولا تبن علی الرکعتین.

______________________________________________________

« إن رسول الله صلی الله علیه و آله لم یبرح من مکانه ، ولو برح استقبل » (1).

وعن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سئل عن رجل دخل مع الإمام فی صلاته وقد سبقه برکعة فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ، ثم ذکر أنه قد فاتته رکعة ، قال : « یعید رکعة واحدة ، یجوز له ذلک إذا لم یحول وجهه عن القبلة فإذا حوّل وجهه عن القبلة فعلیه أن یستقبل الصلاة استقبالا » (2).

وعن أبی بصیر ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلی رکعتین ثم قام فذهب فی حاجته ، قال : « یستقبل الصلاة » قلت : فما بال رسول الله صلی الله علیه و آله لم یستقبل حین صلی رکعتین؟ فقال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله لم ینتقل من موضعه » (3).

وقد ورد بعدم الإعادة بذلک روایات کثیرة ، کصحیحة محمد - وهو ابن مسلم - عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سئل عن رجل دخل مع الإمام فی صلاته وقد سبقه برکعة ، فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ، ثم ذکر بعد ذلک أنه فاتته رکعة ، قال : « یعیدها رکعة واحدة » (4).

وصحیحة عبید بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلی رکعة من الغداة ، ثم انصرف وخرج فی حوائجه ، ثم ذکر أنه صلی رکعة ، قال : « یتم ما بقی » (5).

ص: 227


1- التهذیب 2 : 345 - 1434 ، الوسائل 5 : 308 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 7.
2- التهذیب 2 : 184 - 732 ، الإستبصار 1 : 368 - 1401 ، الوسائل 5 : 315 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 6 ح 2.
3- التهذیب 2 : 346 - 1435 ، المقنع : 31 ، الوسائل 5 : 309 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 10.
4- الفقیه 1 : 230 - 1020 ، التهذیب 2 : 346 - 1436 ، الإستبصار 1 : 367 - 1398 ، الوسائل 5 : 310 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 12.
5- التهذیب 2 : 347 - 1439 ، الإستبصار 1 : 368 - 1402 ، الوسائل 5 : 315 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 6 ح 3.

______________________________________________________

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلی بالکوفة رکعتین ثم ذکر وهو بمکة أو بالمدینة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنه صلی رکعتین ، قال : « یصلی رکعتین » (1).

وموثقة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یذکر بعد ما قام وتکلم ومضی فی حوائجه أنه إنما صلی رکعتین من الظهر والعصر والعتمة والمغرب ، قال : « یبنی علی صلاته فیتمها ولو بلغ الصین » (2).

وبمضمون هذه الروایات أفتی ابن بابویه - رحمه الله - فی کتابه المقنع ، فإن عادته - رحمه الله - فی ذلک الکتاب نقل متون الأخبار وإفتاؤه بمضمونها (3).

وأجاب الشیخ - رحمه الله - فی کتابی الأخبار عن هذه الروایة بالحمل علی النافلة أو علی أنه لم یتیقن الترک (4) ، وهو بعید جدا. ویمکن الجمع بینها بحمل هذه علی الجواز ، وما تضمن الاستئناف علی الاستحباب. والله أعلم.

بقی هنا شی ء : وهو أن المحقق الشیخ علی ذکر فی حواشیه أن المراد بقول المصنف : « وإن نقص » ما یتناول نقص الرکعة فما زاد ونقص الرکوع ، وهو غیر جید ، لأن نقص الرکوع قد ذکر حکمه منفردا وأن من أخل به حتی سجد بطلت صلاته ، ومن ذکره قبل السجود أتی به ، فلا وجه لحمل العبارة علیه. وأیضا : فإن ما ذکره المصنف من الأحکام فی هذه المسألة لا یجری فیه کما هو واضح. وقد أتی المصنف بنحو هذه العبارة فی النافع ، وصرح بأن المنقوص الرکعة فما زاد ، فقال : ولو نقص من عدد الصلاة ثم ذکر أتم (5). ونحوه قال

ص: 228


1- التهذیب 2 : 347 - 1440 وفیه : عن حریز عن أبی جعفر 7 ، الإستبصار 1 : 368 - 1403 ، الوسائل 5 : 312 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 19.
2- التهذیب 2 : 192 - 758 ، الإستبصار 1 : 379 - 1437 ، الوسائل 5 : 312 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 20.
3- لم نجده فی المقنع ، لکنه أورد فی الفقیه 1 : 229 - 1012 روایة عن عمار وهی تدل علی عدم الإعادة.
4- التهذیب 2 : 347 ، والاستبصار 1 : 368.
5- المختصر النافع : 43.

وکذا لو ترک التسلیم ثم ذکر.

______________________________________________________

فی المعتبر (1).

قوله : ( وکذا لو ترک التسلیم ثم ذکر ).

أی : وکذا لا تبطل الصلاة بترک التسلیم إلاّ أن یذکره بعد فعل ما یبطل الصلاة عمدا وسهوا ، لأن المنافی حینئذ واقع فی أثناء الصلاة بناء علی القول بوجوب التسلیم ، کما هو مذهب المصنف رحمه الله .

واستشکله الشارح بأن التسلیم لیس برکن ، فلا تبطل الصلاة بترکه سهوا وإن فعل المنافی قال : اللهم إلا أن یقال بانحصار الخروج من الصلاة فیه ، وهو فی حیز المنع (2).

ویمکن دفعه بأن المقتضی للبطلان علی هذا التقدیر لیس هو الإخلال بالتسلیم ، وإنما هو وقوع المنافی فی أثناء الصلاة ، فإن ذلک یتحقق بفعله قبل الفراغ من الأفعال الواجبة وإن لم یتعقبه رکن ، کما فی حالة التشهد.

ومع ذلک فالأجود عدم بطلان الصلاة بفعل المنافی قبله وإن قلنا بوجوبه ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی ثم یجلس فیحدث قبل أن یسلم ، قال : « تمت صلاته » (3).

وفی الصحیح ، عن زرارة أیضا عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یحدث بعد أن یرفع رأسه من السجدة الأخیرة وقبل أن یتشهد ، قال : « ینصرف فیتوضأ ، فإن شاء رجع إلی المسجد ، وإن شاء ففی بیته ، وإن شاء حیث شاء قعد فیتشهد ثم یسلم ، وإن کان الحدث بعد الشهادتین فقد مضت

حکم من ترک التسلیم وذکر

ص: 229


1- المعتبر 2 : 381.
2- المسالک 1 : 41.
3- التهذیب 2 : 320 - 1306 ، الإستبصار 1 : 345 - 1301 ، الوسائل 4 : 1011 أبواب التسلیم ب 3 ح 2.

ولو ترک سجدتین ولم یدر أنهما من رکعتین أو رکعة رجّحنا جانب الاحتیاط. ولو کانتا من رکعتین ولم یدر أیهما هی قیل : یعید ، لأنه لم تسلم له الأولتان یقینا ، والأظهر أنه لا إعادة ، وعلیه سجدتا السهو.

______________________________________________________

صلاته » (1). وبمضمون هذه الروایة أفتی ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (2).

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا التفتّ فی صلاة مکتوبة من غیر فراغ فأعد الصلاة إذا کان الالتفات فاحشا ، وإن کنت قد تشهدت فلا تعد » (3).

قوله : ( ولو ترک سجدتین ولم یدر أنهما من رکعة أو رکعتین رجّحنا جانب الاحتیاط ).

وهو بطلان الصلاة لإمکان کونهما من رکعة ، فلا یحصل یقین البراءة بدون الإعادة. ویحتمل الصحة لعدم تحقق المبطل ، ولأن نسیان السجدتین من رکعة واحدة خلاف الظاهر.

قوله : ( ولو کانتا من رکعتین ولم یدر أیهما هی قیل : یعید ، لأنه لم تسلم له الأولتان یقینا ، والأظهر أنه لا إعادة ، وعلیه سجدتا السهو ).

القول بالإعادة للشیخ (4) وجماعة ، تفریعا علی أن کل سهو یلحق الأولتین یبطل الصلاة ، وسیأتی ما فیه (5) ، مع أن الأصل عدم التقدم.

حکم من ترک سجدتین من جمیع الصلاة

ص: 230


1- الکافی 3 : 347 - 2 ، التهذیب 2 : 318 - 1301 ، الإستبصار 1 : 343 - 1291 ، الوسائل 4 : 1001 أبواب التشهد ب 13 ح 1.
2- الفقیه 1 : 233.
3- الکافی 3 : 365 - 10 وفیه ذیل الحدیث ، التهذیب 2 : 323 - 1322 ، الإستبصار 1 : 405 - 1547 ، الوسائل 4 : 1248 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 2.
4- المبسوط 1 : 121.
5- فی ص 246.

وإن أخلّ بواجب غیر رکن ، فمنه ما یتمّ معه الصلاة من غیر تدارک ، ومنه ما یتدارک من غیر سجود ، ومنه ما یتدارک مع سجدتی السهو.

فالأول : من نسی القراءة أو الجهر أو الإخفات فی مواضعه ، أو قراءة الحمد أو قراءة السورة حتی رکع ،

______________________________________________________

قوله : ( وإن أخلّ بواجب غیر رکن ، فمنه ما یتمّ معه الصلاة من غیر تدارک ، ومنه ما یتدارک من غیر سجود ، ومنه ما یتدارک مع سجدتی السهو. فالأول : من نسی القراءة أو الجهر أو الإخفات فی مواضعه أو قراءة الحمد أو قراءة السهو حتی رکع ).

لا خلاف فی وجوب الإتمام فی جمیع هذه الصور من غیر تدارک ، ویدل علیه مضافا إلی الإجماع ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن الله عزّ وجلّ فرض الرکوع والسجود ، وجعل القراءة سنة ، فمن ترک القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسی القراءة فقد تمت صلاته ولا شی ء علیه » (1).

وفی الموثق ، عن منصور بن حازم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی صلیت المکتوبة فنسیت أن أقرأ فی صلاتی کلها ، فقال : « ألیس قد أتممت الرکوع والسجود؟ » قلت : بلی ، قال : « تمت صلاتک إذا کان نسیانا » (2).

ومقتضی العبارة وجوب الرجوع إلی جمیع ذلک قبل الرکوع. وهو فی القراءة وأبعاضها ظاهر ، لإطلاق الأمر ، وبقاء المحل ، وخصوص موثقة سماعة ، قال : سألته عن الرجل یقوم فینسی فاتحة الکتاب ، قال : « فلیقل :

حکم الاخلال بواجب غیر رکن

ص: 231


1- التهذیب 2 : 146 - 569 ، الإستبصار 1 : 353 - 1335 ، الوسائل 4 : 767 أبواب القراءة فی الصلاة ب 27 ح 2 ، وفی الجمیع : عن أحدهما علیهماالسلام .
2- الکافی 3 : 348 - 3 ، التهذیب 2 : 146 - 570 ، الإستبصار 1 : 353 - 1336 ، الوسائل 4 : 769 أبواب القراءة فی الصلاة ب 29 ح 2.

أو الذکر فی الرکوع أو الطمأنینة فیه حتی رفع رأسه ، أو رفع رأسه أو الطمأنینة [ فیه ] حتی سجد ،

______________________________________________________

أستعیذ بالله من الشیطان الرجیم إن الله هو السمیع العلیم ، ثم لیقرأها ما دام لم یرکع » (1).

أما الجهر والإخفات فالأصح عدم وجوب تدارکهما مطلقا ، لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « وإن فعل ذلک - یعنی الجهر - فی موضع الإخفات أو عکسه ناسیا أو ساهیا أو لا یدری فلا شی ء علیه » (2).

قوله : ( أو الذکر فی الرکوع ، أو الطمأنینة فیه حتی رفع رأسه ، أو رفع رأسه ، أو الطمأنینة فیه حتی سجد ).

لا خلاف فی ذلک کله ، ویدل علیه ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، أنه قال : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والرکوع ، والسجود » (3).

وما رواه الشیخ ، عن عبد الله القداح ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام : « إن علیا علیه السلام سئل عن رجل رکع ولم یسبح ناسیا ، قال : تمت صلاته » (4).

وعن علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل نسی تسبیحة فی رکوعه وسجوده ، قال : « لا بأس بذلک » (5).

ص: 232


1- التهذیب 2 : 147 - 574 ، الإستبصار 1 : 354 - 1340 ، الوسائل 4 : 768 أبواب القراءة فی الصلاة ب 28 ح 2.
2- الفقیه 1 : 227 - 1003 بتفاوت یسیر ، التهذیب 2 : 147 - 577 ، الإستبصار 1 : 313 1163 ، الوسائل 4 : 766 أبواب القراءة فی الصلاة ب 26 ح 1.
3- الفقیه 1 : 225 - 991 ، الوسائل 4. 770 أبواب القراءة فی الصلاة ب 29 ح 5.
4- التهذیب 2 : 157 - 613 ، الوسائل 4 : 938 أبواب الرکوع ب 15 ح 1.
5- التهذیب 2 : 157 - 614 ، الوسائل 4 : 939 أبواب الرکوع ب 15 ح 2.

أو الذکر فی السجود ، أو السجود علی الأعضاء السبعة أو الطمأنینة فیه حتی رفع رأسه ، أو رفع رأسه من السجود أو الطمأنینة فیه حتی سجد ثانیا ، أو الذکر فی السجود الثانی أو السجود علی الأعضاء السبعة أو الطمأنینة فیه حتی رفع رأسه منه.

______________________________________________________

قوله : ( أو الذکر فی السجود ، أو السجود علی الأعضاء السبعة ، أو الطمأنینة فیه حتی رفع رأسه ).

یستثنی من ذلک الجبهة ، إذ لا یتحقق السجود بدون وضعها ، فیکون الإخلال به فی السجدتین مبطلا ، لفوات الرکن ، وقد نبه علی ذلک فی البیان (1).

قوله : ( أو رفع رأسه من السجود أو الطمأنینة فیه حتی سجد ثانیا ).

الظاهر أن المراد بنسیان الرفع نسیان إکماله ، کما ذکره العلامة فی القواعد (2) ، والشهید فی البیان (3) ، وذلک بأن یرتفع علی وجه یتحقق الفصل بین السجدتین وینسی الباقی ، وإلا لم یتحقق تعدد السجود وتکون هذه المسألة من القسم الثالث ، وهو ما یتدارک مع سجود السهو.

واحتمل الشارح تحقق التثنیة بمجرد النیة حتی أنه لو سجد بنیة الأولی ، ثم توهم الرفع والعود ، أو ذهل عن ذلک بحیث توهم أنه سجد ثانیا وذکر بنیة الثانیة أو لم یذکر یکون قد سجد سجدتین وإنما نسی الرفع بینهما (4). وهو بعید جدا ، فإن من هذا شأنه لا یصدق علیه أنه أتی بالسجدتین قطعا.

ص: 233


1- البیان : 146.
2- القواعد 1 : 43.
3- البیان : 146.
4- المسالک 1 : 41.

والثانی : من نسی قراءة الحمد حتی قرأ سورة استأنف الحمد وسورة. وکذا لو نسی الرکوع وذکر قبل أن یسجد قام فرکع ثم سجد.

______________________________________________________

قوله : ( والثانی ، من نسی قراءة الحمد حتی قرأ السورة استأنف الحمد وسورة ).

إنما نکّر المصنف السورة للتنبیه علی أنه لا یتعین قراءة السورة التی قرأها أولا ، بل یتخیر بعد الحمد أیّ سورة شاء.

قوله : ( وکذا لو نسی الرکوع وذکر قبل أن یسجد قام فرکع ثم سجد ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه مضافا إلی إطلاق الأمر به روایات ، منها : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا نسیت شیئا من الصلاة رکوعا أو سجودا أو تکبیرا فاقض الذی فاتک سهوا » (1).

وعلی ما ذکره الشیخ من حذف الزائد یرجع إلیه بعد ذلک أیضا کما تقدم (2).

واعلم أن مقتضی العبارة وجوب القیام أولا ثم الرکوع ، وکأنه لاستدراک الهویّ إلیه ، فإنه من جملة الواجبات ولم یقع بقصد الرکوع فلا یکون مجزئا عنه. وهو (3) إنما یتم مع نسیان الرکوع فی حال القیام ، أما مع تجدده بعد الوصول إلی حد الراکع فلا ، بل یقوم منحنیا إلی حد الراکع.

ولو تحققت صورة الرکوع قبل النسیان أشکل العود إلیه ، لاستلزامه زیادة الرکن ، فإنّ حقیقة الرکوع هو الانحناء المخصوص ، وأما الذکر والطمأنینة والرفع منه فإنها واجبات فیه خارجة عن حقیقته.

ص: 234


1- الفقیه 1 : 228 - 1007 ، الوسائل 5 : 341 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 26 ح 1.
2- فی ص 216.
3- فی « ح » زیادة : مع تسلیمه.

وکذا من ترک السجدتین أو إحداهما أو التشهد وذکر قبل أن یرکع رجع فتلافاه ، ثم قام فأتی بما یلزم من قراءة أو تسبیح ثم رکع. ولا یجب فی هذین الموضعین سجدتا السهو ، وقیل. یجب ، والأول أظهر.

______________________________________________________

ولا یخفی أن ذکر نسیان الرکوع والسجدتین هنا وقع فی غیر محله ، لأن الکلام فی نسیان الواجب الذی لیس برکن.

قوله : ( وکذا من ترک السجدتین أو إحداهما أو التشهد وذکر قبل أن یرکع رجع فتلافاه ، ثم قام فأتی بما یلزم من قراءة أو تسبیح ، ثم رکع ).

هنا مسألتان :

إحداهما : أن من نسی السجدتین أو إحداهما ثم ذکر قبل أن یرکع وجب علیه تلافیهما أو إحداهما ، ثم القیام والإتیان بما یلزمه من القراءة أو التسبیح ( والرکوع ) (1) وهذا فی السجدة الواحدة موضع وفاق بین العلماء ، ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل نسی أن یسجد السجدة الثانیة حتی قام ، فذکر وهو قائم أنه لم یسجد ، قال : « فلیسجد ما لم یرکع ، فإذا رکع فذکر بعد رکوعه أنه لم یسجد فلیمض علی صلاته حتی یسلم ، ثم یسجدها فإنها قضاء » (2).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن ابن مسکان ، عن أبی بصیر ، والظاهر أنه لیث المرادی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یسجد واحدة فذکرها وهو قائم ، قال : « یسجدها إذا ذکرها ولم یرکع ، فإن کان قد رکع فلیمض علی صلاته ، فإذا انصرف قضاها وحدها ولیس علیه سهو » (3).

ص: 235


1- ما بین القوسین مشطوب فی « ض ».
2- التهذیب 2 : 153 - 602 ، الإستبصار 1 : 359 - 1361 ، الوسائل 4 : 968 أبواب السجود ب 14 ح 1.
3- الفقیه 1 : 228 - 1008 ، الوسائل 4 : 969 أبواب السجود ب 14 ح 4.

______________________________________________________

وإنما الخلاف فی نسیان السجدتین فذهب الأکثر إلی أنه کذلک ، لأن القیام إن کان انتقالا عن المحل لم یعد إلی السجدة الواحدة ، وإلا عاد إلی السجدتین. ویؤیده إطلاق صحیحة ابن سنان المتقدمة (1) ، وروایة محمد بن مسلم الصحیحة المتضمنة لتدارک الرکوع بعد السجدتین (2) ، فإذا جاز تدارکه مع تخلل السجدتین اللتین هما رکن فی الصلاة جاز تدارک السجود مع تخلل القیام خاصة بطریق أولی.

وقال المفید رحمه الله : إن ترک سجدتین من رکعة واحدة أعاد علی کل حال ، وإن نسی واحدة منهما ثم ذکرها فی الرکعة الثانیة قبل الرکوع أرسل نفسه وسجدها ثم قام (3). وإلی هذا القول ذهب ابن إدریس (4). ولم أقف علی نصّ یقتضی التفرقة بین المسألتین والخروج عن مقتضی الأصل.

واعلم أنه متی کان المنسی مجموع السجدتین عاد إلیهما من غیر جلوس واجب قبلهما ، وإن کان المنسی إحداهما فإن کان قد جلس عقیب السجدة الأولی واطمأن بنیة أنه الجلوس الواجب لم تجب إعادته قطعا. وإن لم یکن جلس کذلک فالأظهر وجوب الجلوس لأنه من أفعال الصلاة ولم یأت به مع بقاء محله ، فیجب تدارکه.

ومتی رجع لتدارک السجود أتی به ، ثم یأتی بما یلزم من تشهد أو قراءة أو تسبیح. ولو کان قد تشهد قبل القیام أعاده ( وجوبا ) (5) رعایة للترتیب.

الثانیة : أن من نسی التشهد وذکر قبل أن یرکع رجع فتلافاه ، ثم أتی بما یلزمه کذلک. وهو موضع وفاق ، ویدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ

ص: 236


1- فی ص 234.
2- الفقیه 1 : 228 - 1006 ، التهذیب 2 : 149 - 585 ، الإستبصار 1 : 356 - 1348 ، الوسائل 4 : 934 أبواب الرکوع ب 11 ح 2.
3- المقنعة : 22.
4- السرائر : 50 ، 53.
5- لیست فی « ح ».

______________________________________________________

فی الصحیح ، عن عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی رکعتین من المکتوبة فلا یجلس فیهما ، فقال : « إذا ذکر وهو قائم فی الثالثة فلیجلس ، وإن لم یذکر حتی رکع فلیتم صلاته (1) ثم یسجد سجدتین وهو جالس قبل أن یتکلم » (2).

وفی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل نسی أن یجلس فی الرکعتین الأولتین ، فقال : « إن ذکره قبل أن یرکع فلیجلس ، وإن لم یذکر حتی یرکع فلیتم الصلاة حتی إذا فرغ فلیسلم ویسجد سجدتی السهو » (3).

وفی الحسن ، عن الحلبی عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا قمت فی الرکعتین من الظهر أو من غیرها ولم تتشهد فیهما فذکرت ذلک فی الرکعة الثالثة قبل أن ترکع فاجلس وتشهد وقم فأتم صلاتک ، وإن أنت لم تذکر حتی ترکع فامض فی صلاتک حتی تفرغ ، فإذا فرغت فاسجد سجدتی السهو بعد التسلیم قبل أن تتکلم » (4).

واعلم أنه لیس فی کلام المصنف - رحمه الله - ما یدل علی حکم نسیان السجود فی الرکعة الأخیرة والتشهد الأخیر. والأجود تدارک الجمیع إذا ذکر قبل التسلیم وإن قلنا باستحبابه ، لإطلاق الأمر بفعلهما وبقاء محلهما.

ولو لم یذکر إلاّ بعد التسلیم بطلت الصلاة إن کان المنسی السجدتین ، لفوات الرکن ، وقضی السجدة الواحدة والتشهد ، لإطلاق قوله علیه السلام فی

ص: 237


1- فی « ح » زیادة : حتی إذا فرغ فلیسلم.
2- التهذیب 2 : 159 - 624 ، الإستبصار 1 : 363 - 1375 ، الوسائل 4 : 995 أبواب التشهد ب 7 ح 4 ، وأوردها فی الفقیه 1 : 231 - 1026.
3- التهذیب 2 : 158 - 618 ، الإستبصار 1 : 362 - 1374 ، الوسائل 4 : 995 أبواب التشهد ب 7 ح 3.
4- الکافی 3 : 357 - 8 ، التهذیب 2 : 344 - 1429 ، الوسائل 4 : 998 أبواب التشهد ب 9 ح 3.

______________________________________________________

صحیحة ابن سنان : « إذا نسیت شیئا من الصلاة رکوعا أو سجودا أو تکبیرا فاقض الذی فاتک سهوا » (1).

وصحیحة ابن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام : فی الرجل یفرغ من صلاته وقد نسی التشهد حتی ینصرف ، فقال : « إن کان قریبا رجع إلی مکانه فتشهد ، وإلا طلب مکانا نظیفا فتشهد فیه » (2).

ولا فرق فی ذلک بین أن یتخلل الحدث بینه وبین الصلاة أم لا.

وقال ابن إدریس : لو أخل بالتشهد الأخیر حتی سلم وأحدث أعاد الصلاة لأنه أحدث فی الصلاة لوقوع التسلیم فی غیر موضعه (3).

قال فی المعتبر (4) : ولیس بوجه ، لأن التسلیم مع السهو مشروع فیقع ویقضی التشهد ، لما روی حکم بن حکیم عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل نسی رکعة أو سجدة أو الشی ء منها ثم یذکر بعد ذلک ، قال : « یقضی ذلک بعینه » قلت : أیعید الصلاة؟ فقال : « لا » (5). وهو حسن ، والظاهر أن المراد بالرکعة مجموعها لا نفس الرکوع خاصة ، وبالشی ء منها القنوت والتشهد ونحو ذلک مما لم یقم دلیل علی سقوط تدارکه. وهذه الروایة معتبرة الإسناد ، وقال الشهید فی الذکری - بعد أن أوردها وأورد ما فی معناها - وابن طاوس فی البشری یلوح منه ارتضاء مفهومها (6).

ص: 238


1- الفقیه 1 : 228 - 1007 ، التهذیب 2 : 350 - 1450 ، الوسائل 5 : 337 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 23 ح 7.
2- التهذیب 2 : 157 - 617 ، الوسائل 4 : 995 أبواب التشهد ب 7 ح 2.
3- السرائر : 55.
4- المعتبر 2 : 386.
5- التهذیب 2 : 150 - 588 ، الوسائل 5 : 308 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 6.
6- الذکری : 220.

ولو ترک الصلاة علی النبی وعلی آله علیهم السلام حتی سلّم قضاهما بعد التسلیم.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ترک الصلاة علی النبی وعلی آله علیهم السلام قضاها بعد التسلیم ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (1) وجمع من الأصحاب. واستدل علیه فی المختلف بأنه مأمور بالصلاة علی النبی وآله علیهم السلام ولم یأت به فیبقی فی عهدة التکلیف إلی أن یخرج منه بفعله فتعین فعله ، وبأن التشهد یقضی بالنص فکذا أبعاضه ، تسویة بین الکل والجزء (2).

ویتوجه علی الأول أن الصلاة علی النبی وآله إنما تجب فی التشهد وقد فات ، والقضاء فرض مستأنف ، فیتوقف علی الدلیل وهو منتف. علی أن فی وجوب الأداء خلافا بین الأصحاب کما تقدم تحقیقه (3).

وعلی الثانی منع الملازمة ، مع أنه لا یقول بالتسویة بین الکل والجزء مطلقا.

وقال ابن إدریس : لا یجب قضاء الصلاة علی محمد وآله ، لأن حمله علی التشهد قیاس لا نقول به (4). وأنکر العلامة فی المختلف ذلک ، وقال بعد استدلاله بما حکیناه. ولیس فی هذه الأدلة قیاس ، وإنما هو لقصور قوته الممیزة حیث لم یجد نصا صریحا حکم بأن إیجاب القضاء مستند إلی القیاس خاصة. هذا کلامه رحمه الله ، ولا یخفی ما فیه.

وإنما ذکر المصنف هذه المسألة فی هذا القسم لعدم وجوب سجدتی السهو فیها ، فیکون هذا الجزء مما یتدارک بغیر سجود. ویستفاد من ذلک أن مراده بالتدارک ما یشمل فعله فی أثناء الصلاة وخارجها.

ص: 239


1- النهایة : 89 ، والخلاف 1 : 129 ، والمبسوط 1 : 116.
2- المختلف : 139.
3- فی ج 3 ص 426.
4- نقله عنه فی المختلف : 139 ، ووجدنا خلافه فی السرائر : 48 ، 51.

الثالث : من ترک سجدة أو التشهد ولم یذکر حتی رکع قضاهما أو أحدهما ، وسجد سجدتی السهو.

______________________________________________________

قوله : ( والثالث ، من ترک سجدة أو التشهد ولم یذکر حتی رکع قضاهما أو أحدهما ، وسجد سجدتی السهو ).

تضمنت هذه العبارة مسألتین :

إحداهما : أن من ترک سجدة من صلاته ولم یذکر حتی رکع قضاها وسجد سجدتی السهو.

أما وجوب القضاء فیدل علیه روایات کثیرة ، منها : روایتا إسماعیل بن جابر وأبی بصیر المتقدمتان (1) ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن ابن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا نسی الرجل سجدة وأیقن أنه قد ترکها فلیسجدها بعد ما یقعد قبل أن یسلم » (2).

وفی الموثق ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن الرجل ینسی سجدة فذکرها بعد ما قام ورکع ، قال : « یمضی فی صلاته ولا یسجد حتی یسلم ، فإذا سلم سجد مثل ما فاته » (3).

وإطلاق هذه الروایات یقتضی عدم الفرق بین أن تکون السجدة من الرکعتین الأولتین أو الأخیرتین.

وقال الشیخ فی التهذیب : إن کان الإخلال من الرکعتین الأولتین أعاد. واستدل بما رواه عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل صلی رکعتین ، ثم ذکر فی الثانیة - وهو راکع - أنه ترک سجدة فی الأولی ، قال : « کان أبو الحسن علیه السلام

ص: 240


1- فی ص 235.
2- التهذیب 2 : 156 - 609 ، الإستبصار 1 : 360 - 1366 ، الوسائل 4 : 972 أبواب السجود ب 16 ح 1.
3- التهذیب 2 : 153 - 604 ، الإستبصار 1 : 359 - 1362 ، الوسائل 4 : 968 أبواب السجود ب 14 ح 2.

______________________________________________________

یقول : إذا ترکت السجدة فی الرکعة الأولی فلم تدر واحدة أو اثنتین استقبلت حتی یصح لک ثنتان ، وإذا کان فی الثالثة أو الرابعة فترکت سجدة بعد أن تکون قد حفظت الرکوع أعدت السجود » (1).

وهذه الروایة صحیحة السند ، إلاّ أن الظاهر من قوله : « فلم تدر واحدة أو اثنتین » کون المراد من الترک توهم الترک ، وأن الاستقبال مع الشک فی ذلک.

وأجاب عنها العلامة فی المختلف بأن المراد بالاستقبال الإتیان بالسجود المشکوک فیه لا استقبال الصلاة ، قال : ویکون قوله علیه السلام : « وإذا کان فی الثالثة أو الرابعة فترکت سجدة » راجعا إلی من تیقن ترک السجدة فی الأولتین ، فإنّ علیه إعادة السجدة لفوات محلها ، ولا شی ء علیه لو شک ، بخلاف ما لو کان الشک فی الأولی لأنه لم ینتقل عن محل السجود فیأتی بالمشکوک فیه (2).

وفی هذا الجواب بعد (3). والمسألة محل إشکال ، وطریق الاحتیاط واضح.

وأما أن ذلک موجب لسجدتی السهو ، فقال فی التذکرة : إنه مجمع علیه بین الأصحاب (4). ولم أقف فیه علی نصّ بالخصوص.

واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن سفیان بن السمط ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تسجد سجدتی السهو فی کل زیادة تدخل علیک أو نقصان » (5).

ص: 241


1- التهذیب 2 : 154 - 605 ، الإستبصار 1 : 360 - 1364 ، الوسائل 4 : 968 أبواب السجود ب 14 ح 3.
2- المختلف : 130.
3- فی « ح » زیادة : وتکلّف.
4- التذکرة 1 : 138.
5- التهذیب 2 : 155 - 608 ، الوسائل 5 : 346 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 32 ح 3.

______________________________________________________

وهذه الروایة - مع ضعف سندها - معارضة بروایة أبی بصیر المتضمنة لسقوط سجدتی السهو فی ذلک صریحا (1) ، والترجیح مع تلک باعتبار السند والمطابقة لمقتضی الأصل.

الثانیة : أن من نسی التشهد ولم یذکر حتی رکع قضاه ، وسجد سجدتی السهو.

أما وجوب السجود فلا خلاف فیه ، وقد تقدم من الأخبار ما یدل علیه (2). وأما أنه یجب قضاؤه فهو قول الأکثر ، واستدلوا علیه بصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام : فی الرجل یفرغ من صلاته وقد نسی التشهد حتی ینصرف فقال : « إن کان قریبا رجع إلی مکانه فتشهد ، وإلاّ طلب مکانا نظیفا فتشهد فیه » (3).

وروایة علی بن أبی حمزة قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « إذا قمت فی الرکعتین الأولتین ولم تتشهد فذکرت قبل أن ترکع فاقعد فتشهد ، وإن لم تذکر حتی ترکع فامض فی صلاتک کما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتین لا رکوع فیهما ، ثم تشهد التشهد الذی فاتک » (4).

وقال المفید (5) ، وابنا بابویه (6) : یجزی التشهد الذی فی سجدتی السهو عن قضاء التشهد المنسی ، ویدل علیه - مضافا إلی الأصل - ظاهر الأخبار الکثیرة

ص: 242


1- المتقدمة فی ص 235.
2- راجع ص 236.
3- التهذیب 2 : 157 - 617 ، الوسائل 4 : 995 أبواب التشهد ب 7 ح 2.
4- الکافی 3 : 357 - 7 ، التهذیب 2 : 344 - 1430 ، الوسائل 5 : 341 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 26 ح 2.
5- الموجود فی المقنعة : 24. قوله : ومن نسی التشهد الأول ثم ذکره بعد رکوعه فی الثالثة مضی فی صلاته فإذا سلم قضاه وتشهد ثم سجد سجدتی السهو.
6- المقنع : 32.

______________________________________________________

المتضمنة لأن ناسی التشهد إلی أن یرکع یجب علیه سجدتا السهو من غیر ذکر لقضاء التشهد (1). وهذا القول لا یخلو من قوة وإن کان ما علیه الأکثر أولی وأحوط.

واعلم أنه لیس فی کلام المصنف - رحمه الله - تعرض لبیان محل الإتیان بالسجود والتشهد المنسیین. والظاهر أنه لا خلاف بین القائلین بوجوب قضاء التشهد فی أن محله بعد التسلیم ، وإنما الخلاف فی محل السجدة ، فذهب الأکثر إلی أن محلها بعد التسلیم کالتشهد ، ویدل علیه الروایات المتقدمة (2) ، ولا ینافی ذلک قوله علیه السلام فی صحیحة ابن أبی یعفور : « إذا نسی الرجل سجدة وأیقن أنه قد ترکها فلیسجدها بعد ما یقعد قبل أن یسلم » (3) لما بیناه فیما سبق من أن الظاهر استحباب التسلیم (4) ، فیکون الإتیان بالسجود بعد التشهد قضاء بعد الفراغ من الصلاة. وحمله فی المختلف علی الذکر قبل الرکوع (5) ، وهو بعید جدا.

وقال المفید - رحمه الله - : إذا ذکر بعد الرکوع فلیسجد ثلاث سجدات ، واحدة منها قضاء (6).

وقال علی بن بابویه : إن السجدة المنسیة من الرکعة الأولی إذا ذکرت بعد رکوع الثانیة تقضی فی الرکعة الثالثة ، وسجود الثانیة إذا ذکر بعد رکوع الثالثة یقضی فی الرکعة الرابعة ، وسجود الثالثة یقضی بعد التسلیم (7). ولم نقف لهما

ص: 243


1- الوسائل 4 : 996 أبواب التشهد ب 7.
2- فی ص 240.
3- التهذیب 2 : 156 - 609 ، الإستبصار 1 : 360 - 1366 ، الوسائل 4 : 972 أبواب السجود ب 16 ح 1.
4- فی ج 3 ص 429.
5- المختلف : 131.
6- المقنعة : 24.
7- حکاه عنه فی الذکری : 222.

وأما الشک : ففیه مسائل :

الأولی : من شک فی عدد الواجبة الثنائیة أعاد ، کالصبح ، وصلاة السفر ، وصلاة العیدین إذا کانت فریضة ، والکسوف ، وکذا المغرب.

______________________________________________________

علی مستند. قال فی الذکری : وکأنهما عوّلا علی خبر لم یصل إلینا (1).

قوله : ( الأولی ، من شک فی عدد الواجبة الثنائیة أعاد ، کالصبح ، وصلاة السفر ، وصلاة العیدین إذا کانت فریضة ، والکسوف ، وکذا المغرب ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال العلامة فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع إلا ابن بابویه ، فإنه جوز له البناء علی الأقل والإعادة (2). والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی وحفص بن البختری وغیر واحد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا شککت فی المغرب فأعد ، وإذا شککت فی الفجر فأعد » (3).

وفی الصحیح ، عن العلاء ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألت عن الرجل یشک فی الفجر ، قال : « یعید » قلت : المغرب؟ قال : « نعم ، والوتر ، والجمعة » من غیر أن أسأله (4).

وفی الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصلی ولا یدری واحدة صلی أم اثنتین ، قال : « یستقبل حتی

الشکوک

حکم الشک فی عدد الثنائیة

ص: 244


1- الذکری : 222.
2- المنتهی 1 : 410.
3- التهذیب 2 : 180 - 723 ، الإستبصار 1 : 366 - 1396 ، الوسائل 5 : 304 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 5.
4- التهذیب 2 : 180 - 722 ، الإستبصار 1 : 366 - 1395 ، الوسائل 5 : 305 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 7.

______________________________________________________

یستیقن أنه قد أتم ، وفی الجمعة ، وفی المغرب ، وفی الصلاة فی السفر » (1).

وفی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن السهو فی المغرب ، قال : « یعید حتی یحفظ ، إنها لیست مثل الشفع » (2) والظاهر أن المراد بالشفع الأربع ، إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة.

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ عن عمار الساباطی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل لم یدر صلی الفجر رکعتین أو رکعة ، قال : « یتشهد وینصرف ، ثم یقوم فیصلی رکعة ، فإن کان صلی رکعتین کانت هذه تطوعا ، وإن کان صلی رکعة کانت هذه تمام الصلاة » (3).

وعن عمار أیضا قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل شک فی المغرب فلم یدر رکعتین صلّی أم ثلاثة ، قال : « یسلم ثم یضیف إلیها رکعة » (4).

لأنا نجیب عنهما بالطعن فی السند بضعف الراوی (5).

وقال الشیخ فی الاستبصار : إن هذین الخبرین شاذان مخالفان للأخبار کلها ، وإن الطائفة قد أجمعت علی ترک العمل بهما ، ثم احتمل حملهما علی نافلتی الفجر والمغرب (6). وهو بعید.

ص: 245


1- الکافی 3 : 351 - 2 ، التهذیب 2 : 179 - 715 ، الإستبصار 1 : 365 - 1391 ، الوسائل 5 : 304 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 2.
2- التهذیب 2 : 179 - 717 ، الإستبصار 1 : 370 - 1406 ، الوسائل 5 : 304 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 4.
3- التهذیب 2 : 182 - 728 ، الإستبصار 1 : 366 - 1397 ، الوسائل 5 : 306 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 12.
4- التهذیب 2 : 182 - 727 ، الإستبصار 1 : 371 - 1412 ، الوسائل 5 : 305 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 2 ح 11.
5- لأنه فطحی - راجع رجال الکشی 2 : 253 - 471 ، والفهرست : 117 - 515.
6- الإستبصار 1 : 372.

الثانیة : إذا شک فی شی ء من أفعال الصلاة ، فإن کان فی موضعه أتی به وأتمّ ، وإن انتقل مضی فی صلاته ، سواء کان ذلک الفعل رکنا أو غیره ، وسواء کان فی الأولیین أو الأخیرتین علی الأظهر.

______________________________________________________

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی بطلان الصلاة بالشک فی عدد الثنائیة أو الثلاثیة بین أن یتعلق بالزیادة أو النقیصة.

ولا یخفی أن الشک فی الکسوف إنما یبطل الصلاة إذا تعلق بعدد الرکعات ، أما لو تعلق بالرکوعات فإنه یجب البناء علی الأقل ، إلا أن یستلزم الشک فی الرکعتین ، کما لو شک أنه فی الرکوع الخامس أو السادس علی معنی أنه إن کان فی الخامس فهو فی الرکعة الأولی ، وإن کان فی السادس فهو فی الثانیة فتبطل الصلاة حینئذ ، لأنه شک فی عدد الثنائیة.

قوله : ( الثانیة ، إذا شک فی شی ء من أفعال الصلاة ، فإن کان فی موضعه أتی به ، وأتمّ ، وإن انتقل مضی فی صلاته ، سواء کان ذلک الفعل رکنا أو غیره ، وسواء کان فی الأولیین أو الأخیرتین علی الأظهر ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من وجوب الإتیان بالفعل المشکوک فیه إن کان محله باقیا ، والاستمرار إن تجاوز محله ، من غیر فرق بین الرکن وغیره ولا بین الأولتین والأخیرتین ، قول معظم الأصحاب.

وقال المفید فی المقنعة : وکل سهو یلحق الإنسان فی الرکعتین الأولتین من فرائضه فعلیه إعادة الصلاة (1). وحکی المصنف فی المعتبر عن الشیخ قولا بوجوب الإعادة بکل شک یتعلق بکیفیة الأولتین کأعدادهما (2). والمعتمد الأول.

لنا علی وجوب الإتیان بالفعل المشکوک فیه فی محله : إطلاق الأمر بفعله فیجب ، لأن الأصل عدم الإتیان به ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن

حکم الشک فی الفعل قبل وبعد التجاوز عن المحل

ص: 246


1- المقنعة : 24.
2- المعتبر 2 : 388.

______________________________________________________

عمران الحلبی ، قال ، قلت : الرجل یشک وهو قائم فلا یدری أرکع أم لا ، قال : « فلیرکع » (1).

وفی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل رفع رأسه من السجود فشک قبل أن یستوی جالسا فلم یدر أسجد أم لم یسجد ، قال : « یسجد » قلت : فرجل نهض من سجوده ، فشک قبل أن یستوی قائما فلم یدر أسجد أم لم یسجد ، قال : « یسجد » (2).

ولنا علی وجوب الاستمرار إذا عرض الشک فی الفعل بعد تجاوز محله : روایات کثیرة ، کصحیحة حماد بن عثمان قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أشک وأنا ساجد فلا أدری أرکعت أم لا ، قال : « امض » (3).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : سألته عن رجل شک بعد ما سجد أنه لم یرکع ، قال : « یمضی فی صلاته » (4).

وصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أهوی إلی السجود فلم یدر أرکع أم لم یرکع ، قال : « قد رکع » (5).

وصحیحة إسماعیل بن جابر ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إن شک فی الرکوع بعد ما سجد فلیمض ، وإن شک فی السجود بعد ما قام

ص: 247


1- التهذیب 2 : 150 - 589 ، الإستبصار 1 : 357 - 1351 ، الوسائل 4 : 935 أبواب الرکوع ب 12 ح 1.
2- التهذیب 2 : 153 - 603 ، الإستبصار 1 : 361 - 1371 ، الوسائل 4 : 972 أبواب الرکوع ب 15 ح 6.
3- التهذیب 2 : 151 - 593 ، الإستبصار 1 : 358 - 1355 ، الوسائل 4 : 936 أبواب الرکوع ب 13 ح 1.
4- التهذیب 2 : 151 - 595 ، الإستبصار 1 : 358 - 1357 ، الوسائل 4 : 937 أبواب الرکوع ب 13 ح 5.
5- التهذیب 2 : 151 - 596 ، الإستبصار 1 : 358 - 1358 ، الوسائل 4 : 937 أبواب الرکوع ب 13 ح 6.

______________________________________________________

فلیمض ، کل شی ء شک فیه مما قد جاوزه ودخل فی غیره فلیمض علیه » (1).

وصحیحة زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل شک فی الأذان وقد دخل فی الإقامة ، قال : « یمضی » قلت : رجل شک فی الأذان والإقامة وقد کبر ، قال : « یمضی » قلت : رجل شک فی التکبیرة وقد قرأ ، قال : « یمضی » قلت : رجل شک فی القراءة وقد رکع ، قال : « یمضی » قلت : رجل شک فی الرکوع وقد سجد ، قال : « یمضی علی صلاته » ثم قال : « یا زرارة إذا خرجت من شی ء ثم دخلت فی غیره فشکک لیس بشی ء » (2).

وإطلاق هذه الروایات (3)یقتضی عدم الفرق بین الأولتین والأخیرتین ، ولا بین الشک فی الرکن وغیره. لکن العلامة - رحمه الله - فی التذکرة استقرب البطلان إن تعلق الشک برکن من الأولتین ، قال : لأن ترک الرکن سهوا مبطل کعمده ، فالشک فیه فی الحقیقة شک فی الرکعة إذ لا فرق بین الشک فی فعلها وعدمه وبین الشک فی فعلها علی وجه الصحة والبطلان (4). وحاصل ما ذکره أن الشک فی الرکن علی هذا الوجه شک فی أعداد الأولتین ، وهو ممنوع.

احتج القائلون بالإعادة إذا تعلق الشک بکیفیة الأولتین بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضل بن عبد الملک قال ، قال لی : « إذا لم تحفظ الرکعتین الأولتین فأعد صلاتک » (5) وعن الوشاء قال ، قال لی أبو الحسن الرضا علیه السلام : « الإعادة فی الرکعتین الأولتین ، والسهو فی الرکعتین

ص: 248


1- التهذیب 2 : 153 - 602 ، الإستبصار 1 : 358 - 1359 ، الوسائل 4 : 937 أبواب الرکوع ب 13 ح 4.
2- التهذیب 2 : 352 - 1459 ، الوسائل 5 : 336 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 23 ح 1.
3- فی « م » ، « ض » زیادة : بل عمومها المستفاد من ترک الاستفصال فی جواب السؤال ، وکذا فی « ح » بإضافة : وصریح صحیحة زرارة.
4- التذکرة 1 : 136.
5- التهذیب 2 : 177 - 707 ، الإستبصار 1 : 364 - 1384 ، الوسائل 5 : 301 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 13.

______________________________________________________

الأخیرتین » (1).

والجواب عن الروایتین بالمنع من الدلالة ، إذ یحتمل أن یکون المراد حفظهما عن الشک فی العدد ولزوم الإعادة بذلک. نعم ، مقتضی صحیحة البزنطی لزوم الإعادة بالشک فی السجدة من الأولتین ، إلاّ أن فی متنها إجمالا کما بیناه (2).

إذا تقرر ذلک فنقول : إذا شک فی النیة وقد کبر ، أو فی التکبیر وقد قرأ ، أو فی القراءة وقد قنت ، أو فی القنوت وقد رکع ، أو فی الرکوع وقد سجد ، أو فی السجود وقد قام أو تشهد ، أو فی التشهد وقد انتصب مضی فی صلاته ، إذ یصدق فی جمیع هذه الصور التجاوز عن المحل والدخول فی غیره. وقد وقع الخلاف فی هذه المسألة فی مواضع :

الأول : أن یشک فی قراءة الفاتحة وهو فی السورة والأظهر وجوب الإعادة ، لعدم تحقق التجاوز عن محل القراءة.

وقال ابن إدریس : لا یلتفت ، ونقله عن المفید فی رسالته إلی ولده (3) ، ویظهر من المصنف فی المعتبر اختیار ذلک ، فإنه قال بعد أن نقل عن الشیخ القول بوجوب الإعادة : ولعله بناء علی أن محل القراءتین واحد ، وبظاهر الأخبار یسقط هذا الاعتبار (4). وهو غیر جید ، فإن الأخبار لا تدل علی ما ذکره ، بل ربما لاح من قوله : قلت : رجل شک فی القراءة وقد رکع (5) ، أنه لو لم یرکع لم یمض.

الثانی : أن یشک فی الرکوع وقد هوی إلی السجود. والأظهر عدم

ص: 249


1- الکافی 3 : 350 - 4 ، التهذیب 2 : 177 - 709 ، الإستبصار 1 : 364 - 1386 ، الوسائل 5 : 301 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 10.
2- راجع ص 240.
3- السرائر : 52.
4- المعتبر 2 : 390.
5- راجع ص 248.

______________________________________________________

وجوب تدارکه ، لصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل أهوی إلی السجود فلا یدری أرکع أم لم یرکع ، قال : « قد رکع » (1).

وقوی الشارح وجوب العود ما لم یصر إلی حد السجود (2) ، وهو ضعیف.

الثالث : أن یشک فی السجود وهو یتشهد ، أو فی التشهد وقد قام. والأصح أنه لا یلتفت ، لإطلاق قوله علیه السلام : « إذا خرجت من شی ء ثم دخلت فی غیره فشکک لیس بشی ء » (3).

وقال الشیخ فی المبسوط : یرجع إلی السجود والتشهد ما لم یرکع (4). وهو بعید جدا.

الرابع : أن یشک فی السجود وقد أخذ فی القیام ولما یستکمله ، والأقرب وجوب الإتیان به کما اختاره الشهیدان (5) ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل رفع رأسه من السجود فشک قبل أن یستوی جالسا ، فلم یدر أسجد أم لم یسجد ، قال : « یسجد » قلت : فرجل نهض من سجوده فشک قبل أن یستوی قائما ، فلم یدر أسجد أم لم یسجد ، قال : « یسجد » (6).

ص: 250


1- المتقدمة فی ص 247.
2- المسالک 1 : 41.
3- التهذیب 2 : 352 - 1459 ، الوسائل 5 : 336 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 23 ح 1.
4- المبسوط 1 : 122. وفیه خلاف ما نسب إلیه حیث قال : فإن شک فی السجود فی حال القیام ، أو فی التشهد فی الأول وقد قام إلی الثالثة فإنه لا یلتفت إلیه ویمضی.
5- الشهید الأول فی الذکری : 224 ، والبیان : 149 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 348.
6- التهذیب 2 : 153 - 603 ، الإستبصار 1 : 361 - 1371 ، الوسائل 4 : 972 أبواب السجود ب 15 ح 6.

تفریع :

إذا تحقق نیّة الصلاة وشک هل نوی ظهرا أو عصرا مثلا أو فرضا أو نفلا استأنف.

الثالثة : إذا شک فی أعداد الرباعیة ، فإن کان فی الأولیین أعاد.

______________________________________________________

فرع : لو تلافی ما شک فیه فی محله ، ثم ذکر فعله ، أعاد إن کان رکنا وإلاّ فلا إعادة.

وقال المرتضی - رضی الله عنه - : إن شک فی سجدة فأتی بها ، ثم ذکر فعلها أعاد الصلاة (1). ویدفعه الأصل ، وقوله علیه السلام فی صحیحة منصور بن حازم : « لا تعد الصلاة من سجدة وتعیدها من رکعة » (2).

ولو تلافی ما شک فیه بعد الانتقال ، فالظاهر البطلان إن تعمد ، سواء کان رکنا أو غیره ، للإخلال بنظم الصلاة ، ولأن المأتی به لیس من أفعال الصلاة فیبطلها. واحتمل الشهید فی الذکری العدم ، بناء علی أن ترک الرجوع رخصة ، وأنه غیر قاطع بالزیادة (3).

قوله : ( تفریع ، إذا تحقق نیّة الصلاة وشک هل نوی ظهرا أو عصرا مثلا أو فرضا أو نفلا استأنف ).

قال الشارح - قدس سره - : إنما یستأنف إذا لم یدر ما قام إلیه وکان فی أثناء الصلاة ، فلو علم ما قام إلیه بنی علیه ، ولو کان بعد الفراغ من الرباعیة بنی علی کونها الظهر ، عملا بالظاهر فی الموضعین (4). وهو حسن.

قوله : ( الثالثة ، إذا شک فی أعداد الرباعیة ، فإن کان فی الأولیین أعاد ).

حکم من ذکر فعل ما تلافاه

حکم الشک فی المنوی

ص: 251


1- نقله عنه فی الذکری : 224.
2- الفقیه 1 : 228 - 1009 ، التهذیب 2 : 156 - 610 ، الوسائل 4 : 938 أبواب الرکوع ب 14 ح 2.
3- الذکری : 224.
4- المسالک 1 : 41.

______________________________________________________

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال العلامة فی المنتهی ، والشهید فی الذکری : إنه قول علمائنا أجمع إلا أبا جعفر ابن بابویه ، فإنه قال : لو شک بین الرکعة والرکعتین فله البناء علی الأقل (1).

احتج الأولون بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت له : رجل لا یدری واحدة صلی أم اثنتین ، قال : « یعید » (2).

وفی الصحیح ، عن الفضل بن عبد الملک قال ، قال لی : « إذا لم تحفظ الرکعتین الأولتین فأعد صلاتک » (3).

وفی الصحیح عن رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل لا یدری أرکعة صلی أم اثنتین ، قال : « یعید » (4). وفی معنی هذه الروایات روایات کثیرة.

وفی مقابلها أخبار أخر دالة بظاهرها علی البناء علی الأقل ، کروایة الحسین بن أبی العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یدری أرکعتین صلی أم واحدة ، قال : « یتم » (5).

وروایة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : فی

ص: 252


1- المنتهی 1 : 410 ، والذکری : 224.
2- التهذیب 2 : 177 - 708 ، الإستبصار 1 : 364 - 1385 ، الوسائل 5 : 300 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 6.
3- التهذیب 2 : 177 - 707 ، الإستبصار 1 : 364 - 1384 ، الوسائل 5 : 301 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 13.
4- التهذیب 2 : 177 - 705 ، الإستبصار 1 : 364 - 1382 ، الوسائل 5 : 301 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 12.
5- التهذیب 2 : 177 - 710 ، الإستبصار 1 : 364 - 1387 ، الوسائل 5 : 303 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 20.

وکذا إذا لم یدر کم صلی.

______________________________________________________

الرجل لا یدری رکعة صلی أم اثنتین قال : « یبنی علی الرکعة » (1).

وروایة عبد الله بن أبی یعفور ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل لا یدری أرکعتین صلی أم واحدة ، قال : « یتم برکعة » (2).

وأجاب عنها الشیخ فی الإستبصار أولا : بأنها أخبار قلیلة ، وما تضمن الإعادة کثیر جدا ، ولا یجوز العدول عن الأکثر إلی الأقل.

وثانیا : بالحمل علی النافلة ، إذ لا تصریح فیها بکون الشک فی الفریضة (3). وهذا الحمل وإن کان بعیدا إلا أنه لا بأس بالمصیر إلیه ، لضعف هذه الروایات من حیث السند. ولو صح سندها لأمکن القول بالتخییر بین البناء علی الأقل والاستئناف ، کما اختاره ابن بابویه رحمه الله (4).

قوله : ( وکذا إذا لم یدر کم صلی ).

أی : تجب علیه الإعادة من رأس. ومقتضی کلام ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه جواز البناء علی الأقل فی هذه المسألة أیضا (5).

ویدل علی الإعادة - مضافا إلی ما سبق - ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن شککت فلم تدر أفی ثلاث أنت أم فی اثنتین أم فی واحدة أم فی أربع فأعد الصلاة ، ولا تمض علی الشک » (6).

حکم من لم یدر کم صلی

ص: 253


1- التهذیب 2 : 177 - 711 ، الإستبصار 1 : 365 - 1388 ، الوسائل 5 : 303 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 22.
2- التهذیب 2 : 178 - 712 ، الإستبصار 1 : 364 - 1389 ، الوسائل 5 : 303 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 22.
3- الاستبصار 1 : 365.
4- الفقیه 1 : 231.
5- الفقیه 1 : 230.
6- التهذیب 2 : 187 - 743 ، الإستبصار 1 : 373 - 1418 ، الوسائل 5 : 328 أبواب أحکام الخلل الواقع فی الصلاة ب 15 ح 2.

وإن تیقّن الأولتین وشک فی الزائد وجب علیه الاحتیاط ،

ومسائله أربع :

______________________________________________________

وما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن صفوان ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « إن کنت لا تدری کم صلیت ولم یقع وهمک علی شی ء فأعد الصلاة » (1).

وتدل علی البناء علی الأقل روایات منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل لا یدری صلی واحدة أم اثنتین أم ثلاثا ، قال : « یبنی علی الجزم ، ویسجد سجدتی السهو ویتشهد تشهدا خفیفا » (2).

وتأولها الشیخ فی الاستبصار بأن المراد بالجزم استئناف الصلاة ، وحمل الأمر بالسجود علی الاستحباب (3). وهو بعید جدا ، إذ لا وجه للجمع بین إعادة الصلاة وسجدتی السهو وجوبا ولا استحبابا.

وأجاب عنها فی المختلف بالحمل علی من کثر سهوه. وهو أبعد من الأول ، مع أن البناء علی الجزم لا یطابق حکم کثیر السهو. وکیف کان فلا ریب أن الاستئناف أولی وأحوط.

قوله : ( وإن تیقّن الأولتین وشک فی الزائد وجب علیه الاحتیاط ، ومسائله أربع ).

أی المسائل التی تعم بها البلوی ، وإلاّ فصور الشک أزید من ذلک. وذکر الشارح - قدس سره - أن الوجه فی تخصیص هذه المسائل الأربع بالذکر وجوبها (4) عینا ، بخلاف غیرها من مسائل الشک والسهو ، فإن معرفتها إنما

حکم من تیقن الأولتین وشک فی الزائد

ص: 254


1- الکافی 3 : 358 - 1 ، الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 15 ح 1.
2- التهذیب 2 : 187 - 745 ، الإستبصار 1 : 374 - 1420 ، الوسائل 5 : 328 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 15 ح 6.
3- الاستبصار 1 : 374.
4- کذا فی جمیع النسخ ، والأنسب : وجوب معرفتها.

الأولی : من شک بین الاثنین والثلاث. بنی علی الثلاث وأتمّ وتشهد وسلّم ، ثم استأنف رکعة من قیام ، أو رکعتین من جلوس.

______________________________________________________

تجب کفایة (1). وهو مشکل ، لانتفاء ما یدل علی التفرقة بینها وبین غیرها من الأحکام.

وربما قیل بأن معرفة هذه المسائل شرط فی صحة الصلاة. وهو بعید جدا.

قوله : ( الأولی ، من شک بین الاثنین والثلاث بنی علی الثلاث وأتمّ وتشهد [ وسلم ] ، ثم استأنف رکعة من قیام ، أو رکعتین من جلوس ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب. واعترف الشهید فی الذکری بأنه لم یقف علی روایة صریحة فیه ، مع أن ابن أبی عقیل ادعی فیه تواتر الأخبار (2).

واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه فی الحسن ، عن زرارة عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت له : رجل لا یدری أواحدة صلی أم اثنتین ، قال : « یعید » قلت : رجل لا یدری اثنتین صلی أم ثلاثا ، قال : « إن دخله الشک بعد دخوله فی الثالثة مضی فی الثالثة ، ثم صلی الأخری ولا شی ء علیه ویسلم » (3).

وعن عمار بن موسی الساباطی قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « کلما دخل علیک من الشک فی صلاتک فاعمل علی الأکثر » قال : « فإذا انصرفت فأتم ما ظننت أنک نقصت » (4).

حکم الشک بین الاثنین والثلاث

ص: 255


1- المسالک 1 : 41. قال : إنما خص هذه الأربع بالذکر من بین مسائل الشک لعموم البلوی بها وکثرة وقوعها فمعرفة أحکامها واجبة عینا.
2- الذکری : 226.
3- التهذیب 2 : 192 - 759 ، الوسائل 5 : 300 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 1 ح 6 ، وأوردها فی الاستبصار 1 : 375 - 1423.
4- التهذیب 2 : 193 - 762 ، الإستبصار 1 : 376 - 1426 ، الوسائل 5 : 318 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 4.

______________________________________________________

ویتوجه علیه : أن الروایة الثانیة ضعیفة السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة ، فلا تنهض حجة. والروایة الأولی غیر دالة علی المطلوب ، وإنما تدل علی البناء علی الأقل إذا وقع الشک بعد الدخول فی الثالثة وهی الرکعة المترددة بین الثالثة والرابعة ، حیث قال : « مضی فی الثالثة ثم صلی الأخری ولا شی ء علیه » ولا یجوز حمل الثالثة علی الرکعة المترددة بین الثانیة والثالثة ، لأن ذلک شک فی الأولتین وهو مبطل.

وربما ظهر من هذه الروایة بطلان الصلاة بالشک بین الاثنتین والثلاث إذا عرض الشک قبل الدخول فی الثالثة. ویدل علیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبید بن زرارة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل لم یدر رکعتین صلی أم ثلاثا ، قال : « یعید » قلت : ألیس یقال : لا یعید الصلاة فقیه؟ فقال : « إنما ذلک فی الثلاث والأربع » (1) وبمضمون هذه الروایة أفتی ابن بابویه فی کتابه المقنع (2).

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب بالحمل علی صلاة المغرب. ویدفعه الحصر المستفاد من قوله : « إنما ذلک فی الثلاث والأربع ».

ونقل علی السید المرتضی - رضی الله عنه - فی المسائل الناصریة أنه جوز البناء علی الأقل فی جمیع هذه الصور (3). وهو الظاهر من کلام ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (4).

ویدل علیه : ما رواه فی الموثق عن إسحاق بن عمار قال ، قال لی أبو الحسن الأول علیه السلام : « إذا شککت فابن علی الیقین » قال ، قلت : هذا

ص: 256


1- التهذیب 2 : 193 - 760 ، الإستبصار 1 : 375 - 1424 ، الوسائل 5 : 320 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 9 ح 3.
2- المقنع : 31.
3- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 201.
4- الفقیه 1 : 230.

______________________________________________________

أصل؟ قال : « نعم » (1).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج وعلی ، عن أبی إبراهیم علیه السلام فی السهو فی الصلاة قال : « یبنی علی الیقین ویأخذ بالجزم ویحتاط بالصلوات کلها » (2).

وقال علی بن بابویه فی رسالته : إذا شککت بین الاثنتین والثلاث وذهب وهمک إلی الثالثة فأضف إلیها رابعة ، فإذا سلّمت صلیت رکعة بالحمد وحدها. وإن ذهب وهمک إلی الأقل فابن علیه وتشهد فی کل رکعة ثم اسجد للسهو. وإن اعتدل وهمک فأنت بالخیار إن شئت بنیت علی الأقل وتشهدت فی کل رکعة وإن شئت بنیت علی الأکثر وعملت بما وصفناه (3). قال فی الذکری : ولم نقف علی مأخذه (4).

والمسألة قویة الإشکال ، ولا ریب أن الإتمام والاحتیاط مع الإعادة إذا عرض الشک قبل الدخول فی الثالثة طریق الاحتیاط.

واعلم أن ظاهر الأصحاب أن کل موضع تعلق فیه الشک بالاثنتین یشترط فیه إکمال السجدتین ، محافظة علی ما سبق من اعتبار سلامة الأولتین. ونقل عن بعض الأصحاب الاکتفاء بالرکوع ، لصدق مسمی الرکعة (5). وهو غیر واضح.

قال فی الذکری : نعم ، لو کان ساجدا فی الثانیة ولما یرفع رأسه وتعلق الشک لم أستبعد صحته ، لحصول مسمی الرکعة (6). وهو غیر بعید.

ص: 257


1- الفقیه 1 : 231 - 1025 ، الوسائل 5 : 318 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 2.
2- التهذیب 2 : 344 - 1427 ، الوسائل 5 : 318 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 8 ح 5.
3- نقله عنه فی المختلف : 133.
4- الذکری : 226.
5- حکاه عن الشیخ فی المختلف : 129.
6- الذکری : 227.

الثانیة : من شک بین الثلاث والأربع. بنی علی الأربع وتشهّد وسلّم واحتاط کالأولی.

______________________________________________________

قوله : ( الثانیة ، من شک بین الثلاث والأربع بنی علی الأربع وتشهّد وسلّم واحتاط کالأولی ).

لا خلاف فی جواز البناء علی الأربع فی هذه الصورة والاحتیاط. والمشهور أن ذلک علی سبیل الوجوب. وقال ابن بابویه (1) ، وابن الجنید (2) : یتخیر الشاک بین الثلاث والأربع بین البناء علی الأقل ولا احتیاط ، أو الأکثر مع الاحتیاط. والمعتمد الأول.

لنا : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن سیابة وأبی العباس ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا لم تدر ثلاثا صلیت أو أربعا ووقع رأیک علی الثلاث فابن علی الثلاث. وإن وقع رأیک علی الأربع فسلم وانصرف. وإن اعتدل وهمک فانصرف وصلّ رکعتین وأنت جالس » (3).

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « وإن کنت لا تدری ثلاثا صلیت أم أربعا ولم یذهب وهمک إلی شی ء فسلم وصلّ رکعتین وأنت جالس تقرأ فیهما بأم الکتاب. وإن ذهب وهمک إلی الثلاث فقم فصل الرکعة الرابعة ولا تسجد سجدتی السهو وإن ذهب وهمک إلی الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتی السهو » (4).

وعن جمیل ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : فی من لا یدری أثلاثا صلی أم أربعا ووهمه فی ذلک سواء ، فقال : « إذا اعتدل الوهم فی الثلاث والأربع فهو بالخیار إن شاء صلّی رکعة وهو قائم ، وإن شاء صلی رکعتین وأربع سجدات وهو جالس » (5).

حکم الشک بین الثلاث والأربع

ص: 258


1- نقله عنهما فی المختلف : 133.
2- نقله عنهما فی المختلف : 133.
3- الکافی 3 : 353 - 7 ، الوسائل 5 : 316 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 7 ح 1.
4- الکافی 3 : 353 - 8 ، الوسائل 5 : 321 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 10 ح 5.
5- الکافی 3 : 353 - 9 ، التهذیب 2 : 184 - 734 ، الوسائل 5 : 320 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 10 ح 2.

الثالثة : من شک بین الاثنین والأربع. بنی علی الأربع وأتی برکعتین من قیام.

______________________________________________________

وبهذه الروایة احتج القائلون بالتخییر فی الاحتیاط بین الرکعة من قیام والرکعتین من جلوس. وهی ضعیفة بالإرسال ، وبأن من جملة رجالها علی بن حدید ، وهو مطعون فیه (1). فالأصح تعین الرکعتین من جلوس ، کما هو ظاهر اختیار ابن أبی عقیل (2) ، والجعفی (3) ، لصحة مستنده.

احتج القائلون بالتخییر بأن فیه جمعا بین ما تضمن البناء علی الأکثر وبین ما تضمن البناء علی الأقل ، کصحیحة زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « وإذا لم یدر فی ثلاث هو أو فی أربع وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إلیها أخری ولا شی ء علیه » (4).

وهذا القول لا یخلو من رجحان ، إلا أن الأول أجود.

قوله : ( الثالثة ، من شک بین الاثنین والأربع بنی علی الأربع واحتاط برکعتین من قیام ).

هذا قول معظم الأصحاب ، وتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل صلی رکعتین فلا یدری رکعتین هی أو أربع ، قال : « یسلم ویقوم ، فیصلی رکعتین بفاتحة الکتاب ویتشهد وینصرف ، ولیس علیه شی ء (5).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا لم تدر اثنتین صلیت أم أربعا ولم یذهب وهمک إلی شی ء فتشهد وسلم ، ثم صلّ

حکم الشک بین الاثنین والأربع

ص: 259


1- طعن به الشیخ فی التهذیب 7 : 101 ، والاستبصار 1 : 40.
2- نقله عنه فی المختلف : 133 ، والذکری : 227.
3- نقله عنه فی الذکری : 227.
4- الکافی 3 : 351 - 3 ، التهذیب 2 : 186 - 740 ، الإستبصار 1 : 373 - 1416 ، الوسائل 5 : 321 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 10 ح 3.
5- التهذیب 2 : 185 - 737 ، الإستبصار 1 : 372 - 1314 ، الوسائل 5 : 324 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 6.

الرابعة : من شک بین الاثنین والثلاث والأربع. بنی علی الأربع وتشهد وسلّم ، ثم أتی برکعتین من قیام ورکعتین من جلوس.

______________________________________________________

رکعتین وأربع سجدات تقرأ فیهما بأم القرآن ثم تشهد وسلم ، فإن کنت إنما صلیت رکعتین کانتا هاتان تمام الأربع ، وإن کنت صلیت أربعا کانتا هاتان نافلة » (1). وهما نصّ فی المطلوب.

ویحتمل قویا التخییر فی هذه المسألة بین ذلک وبین البناء علی الأقل ولا احتیاط ، جمعا بین هذه الروایات وبین ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أحدهما علیهماالسلام قال ، قلت له : من لم یدر فی أربع هو أم فی ثنتین وقد أحرز الثنتین ، قال : « یرکع رکعتین وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الکتاب ویتشهد ولا شی ء علیه. وإذا لم یدر فی ثلاث هو أو فی أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إلیه أخری ولا شی ء علیه ، ولا ینقض الیقین بالشک ، ولا یدخل الشک فی الیقین ، ولا یخلط أحدهما بالآخر ، ولکنه ینقض الشک بالیقین ویتم علی الیقین فیبنی علیه ، ولا یعتد بالشک فی حال من الحالات » (2).

ونقل عن الصدوق فی المقنع أنه حکم بالإعادة فی هذه الصورة (3). وربما کان مستنده ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد - وهو ابن مسلم - قال : سألته عن الرجل لا یدری صلی رکعتین أو أربعا ، قال : « یعید الصلاة » (4).

وأجاب عنها الشیخ فی کتابیه بالحمل علی صلاة المغرب أو الغداة ، وهو محتمل. ویمکن حملها علی الاستحباب.

قوله : ( الرابعة ، من شک بین الاثنین والثلاث والأربع بنی علی الأربع وتشهد وسلّم ، ثم أتی برکعتین من قیام ورکعتین من جلوس ).

الشک بین الاثنین والثلاث والأربع

ص: 260


1- الکافی 3 : 353 - 8 ، الفقیه 1 : 229 - 1015 ، الوسائل 5 : 322 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 1.
2- الکافی 3 : 351 - 3 ، الوسائل 5 : 323 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 3.
3- المقنع : 31.
4- التهذیب 2 : 186 - 741 ، الإستبصار 1 : 373 - 1417 ، الوسائل 5 : 324 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 7.

______________________________________________________

هذا قول أکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی التهذیب بما رواه فی الحسن ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی رجل صلی فلم یدر اثنتین صلی أم ثلاثا أم أربعا ، قال : « یقوم فیصلی رکعتین من قیام ویسلم ، ثم یصلی رکعتین من جلوس ویسلم ، فإن کان صلی أربعا کانت الرکعات نافلة ، وإلا تمت الأربع » (1).

وقال ابن بابویه ، وابن الجنید : من شک بین الاثنتین والثلاث والأربع بنی علی الأربع ویصلی رکعة من قیام ورکعتین من جلوس (2). قال فی الذکری : وهو قوی من حیث الاعتبار ، لأنهما تنضمان حیث تکون الصلاة اثنتین ، ویجتزئ بإحداهما حیث تکون ثلاثا إلا أن النقل والأخبار یدفعه (3). وکأنه أشار بالنقل إلی مرسلة ابن أبی عمیر المتقدمة ، وهی قاصرة بالإرسال ، مع أن ابن بابویه - رحمه الله - روی فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبی إبراهیم علیه السلام قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل لا یدری اثنتین صلی أم ثلاثا أم أربعا ، فقال : « یصلی رکعة من قیام ثم یسلم ثم یصلی رکعتین وهو جالس » (4).

وهذه الروایة صریحة فیما ذکره ابن بابویه وابن الجنید. وطریق الصدوق إلی عبد الرحمن صحیح ، إلا أن ما تضمنته الروایة من سؤال الکاظم علیه السلام لأبیه علی هذا الوجه غیر معهود ( والمسألة محل إشکال ) (5).

وعلی المشهور فیجب تقدیم الرکعتین من قیام ، کما تضمنته الروایة. وقیل : إنه غیر متعین (6) ، وهو ظاهر اختیار المصنف رحمه الله ، لعطفه الرکعتین

ص: 261


1- التهذیب 2 : 187 - 742 ، الوسائل 5 : 326 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 13 ح 4.
2- حکاه عنهما فی المختلف : 133.
3- الذکری : 226.
4- الفقیه 1 : 230 - 1021 ، الوسائل 5 : 325 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 13 ح 1.
5- ما بین القوسین مشطوب فی « ض ».
6- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 41.

وهنا مسائل :

الأولی : لو غلب علی ظنّه أحد طرفی ما شک فیه بنی علی الظن وکان کالعلم.

______________________________________________________

من جلوس علی ما قبله بالواو المفیدة للجمع المطلق.

وهل یجوز أن یصلی بدل الرکعتین جالسا رکعة قائما؟

قیل : نعم ، لتساویهما فی البدلیة ، بل الرکعة من قیام أقرب إلی حقیقة المحتمل فواتها من الرکعتین من جلوس (1) ، واختاره الشهیدان (2).

وقیل : لا ، لأن فیه خروجا عن المنصوص (3). وحکی الشهید فی الذکری عن ظاهر المفید فی المسائل الغریة ، وسلاّر تعین الرکعة من قیام (4) ، ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( وهنا مسائل خمس ، الأولی ، لو غلب علی ظنّه أحد طرفی ما شک فیه بنی علی الظن وکان کالعلم ).

الظاهر أن المراد بغلبة الظن هنا مطلق الظن ، کما صرح به الشهید فی الدروس (5) ، لأنه أقصی ما یستفاد من النص الوارد بذلک ، کقوله علیه السلام : « إذا وقع وهمک علی الثلاث فابن علیه ، وإن وقع وهمک علی الأربع فسلم وانصرف » (6) إذ غایة ما یمکن حمل الوهم علیه هنا الطرف الراجح ، فلا وجه لاعتبار ما زاد علی ذلک.

ومعنی بنائه علی ما ظنه : تقدیر الصلاة کأنها وقعت علی ذلک الوجه ، سواء اقتضی الصحة أم الفساد. فلو شک بین الاثنتین والثلاث - مثلا - وظن الثلاث

حکم الظن

ص: 262


1- کما فی المختلف : 134.
2- الشهید الأول فی الذکری : 226 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 41.
3- قال به ابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 565.
4- الذکری : 226.
5- الدروس : 47.
6- التهذیب 2 : 184 - 733 ، الوسائل 5 : 316 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 7 ح 1 : بتفاوت

______________________________________________________

بنی علیه من غیر احتیاط ، ولو شک بین الأربع والخمس فظن کونها أربعا بنی علیه ولم یجب علیه سجود السهو ، ولو ظن کونها خمسا کان کمن زاد رکعة ، فیجی ء فیه ما سبق من الخلاف (1).

وإطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین أن یتعلق الشک بأعداد الرکعات وأفعالها ، ولا بین الرکعتین الأولتین والأخیرتین. وبهذا التعمیم جزم الشهیدان (2).

واستدل علیه فی الذکری بأن تحصیل الیقین عسر فی کثیر من الأحوال ، فاکتفی بالظن تحصیلا للیسر ودفعا للحرج.

وبما رواه الجمهور عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « إذا شک أحدکم فی الصلاة فلینظر أحری ذلک إلی الصواب فلیبن علیه » (3).

وما روی عن الصادق علیه السلام بعدة طرق أنه قال : « إذا وقع وهمک علی الثلاث فابن علیه ، وإن وقع وهمک علی الأربع فسلم وانصرف » (4).

ثم قال : ویظهر من کلام ابن إدریس أن غلبة الظن إنما تعتبر فیما عدا الأولتین ، وأن الأولتین تبطل الصلاة بالشک فیهما وإن غلب الظن. ثم رده بأن فیه مخالفة لفتوی الأصحاب وتخصیصا لعموم الأدلة (5).

ولقائل أن یقول : إن مخالفته لفتوی المعلومین من الأصحاب لا محذور فیه إذا لم یکن الحکم إجماعیا. وما ادعاه من العموم غیر ثابت ، فإن الخبر الأول عامی ، وباقی الروایات مختص بالأخیرتین.

نعم یمکن الاستدلال علی اعتبار الظن فی الأولتین بما رواه الکلینی ، عن

ص: 263


1- راجع ص 220.
2- الشهید الأول فی الذکری : 222 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 42.
3- سنن ابن ماجة 1 : 383 - 1212.
4- المتقدم ص 262.
5- الذکری : 222.

الثانیة : هل یتعین فی الاحتیاط الفاتحة أو یکون مخیرا بینها وبین التسبیح؟ قیل بالأول ، لأنها صلاة منفردة ، ولا صلاة إلا بها. وقیل بالثانی ، لأنها قائمة مقام ثالثة ورابعة ، فیثبت فیها التخییر کما ثبت فی المبدل ، والأول أشبه.

______________________________________________________

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن خالد ، عن سعد بن سعد ، عن صفوان ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « إن کنت لا تدری کم صلیت ولم یقع وهمک علی شی ء فأعد الصلاة » (1) وهذه الروایة معتبرة الإسناد ، إذ لیس فیها من قد یتوقف فی حاله سوی محمد بن خالد البرقی ، لقول النجاشی : إنه کان ضعیفا فی الحدیث (2). إلا أن ذلک لا یقتضی الطعن فیه نفسه. وجزم العلامة فی الخلاصة بالاعتماد علی قوله ، لنص الشیخ علی تعدیله (3). ولا بأس به.

ومقتضی الروایة اعتبار الظن فی أعداد الأولتین ، وإذا ثبت ذلک ثبت اعتباره فی أفعالهما بطریق أولی.

بقی هنا شی ء : وهو أن الشارح - قدس سره - صرح بأن من عرض له الشک فی شی ء من أفعال الصلاة یجب علیه التروی ، فإن ترجح عنده أحد الطرفین عمل علیه ، وإن بقی الشک من غیر ترجیح لزمه حکم الشاک (4). والروایات لا تعطی ذلک ، وإنما تدل علی أن من ظن أحد الطرفین عول علیه ، ومن شک فی فعل ترتب علیه حکمه. ولا ریب أن اعتبار ذلک أولی وأحوط.

قوله : ( الثانیة ، هل یتعین فی الاحتیاط الفاتحة أو یکون مخیرا بینها وبین التسبیح؟ قیل بالأول ، لأنها صلاة منفردة ، ولا صلاة إلا بها. وقیل بالثانی ، لأنها قائمة مقام ثالثة ورابعة ، فیثبت فیها التخییر کما ثبت فی المبدل ، والأول أشبه ).

صلاة الاحتیاط

ص: 264


1- الکافی 3 : 358 - 1 ، الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 15 ح 1.
2- رجال النجاشی : 335 - 898.
3- خلاصة العلامة : 139 - 14.
4- المسالک 1 : 42.

الثالثة : لو فعل ما یبطل الصلاة قبل الاحتیاط ، قیل : تبطل الصلاة ویسقط الاحتیاط ، لأنها معرّضة لأن تکون تماما والحدث یمنع ذلک ، وقیل : لا تبطل ، لأنها صلاة منفردة ، وکونها بدلا لا یوجب مساواتها للمبدل فی کل حکم.

______________________________________________________

الأصح ما اختاره المصنف والأکثر من تعین قراءة الفاتحة ، لما ذکره المصنف من أنها صلاة منفردة ، ولا صلاة إلا بها - کما ورد فی الخبر (1) - وللأمر بقراءتها فی عدة أخبار صحیحة (2) ، فلا یحصل الامتثال إلا بها. وکذا یعتبر فیها جمیع ما یعتبر فی الصلاة من الواجبات والشرائط.

والقول بالتخییر فی الاحتیاط بین قراءة الفاتحة والتسبیح لابن إدریس (3) ، واستدل بما أشار إلیه المصنف من أن الاحتیاط قائم مقام الرکعتین الأخیرتین ، فیثبت فیه التخییر ، کما یثبت فی مبدله.

والجواب بالمنع من ذلک ، والسند : ما تلوناه من الأخبار المتضمنة للأمر بقراءة الفاتحة.

قوله : ( الثالثة ، لو فعل ما یبطل الصلاة قبل الاحتیاط ، قیل : تبطل الصلاة ویسقط الاحتیاط ، لأنها معرّضة لأن تکون تماما والحدث یمنع ذلک ، وقیل : لا تبطل ، لأنها صلاة منفردة ، وکونها بدلا لا یوجب مساواتها للمبدل فی کل حکم ).

القول بأن ذلک یبطل الصلاة ویسقط الاحتیاط منقول عن المفید رحمه الله (4) ، واختاره العلامة فی المختلف (5).

ص: 265


1- الکافی 3 : 317 - 28 ، التهذیب 2 : 146 - 573 ، الإستبصار 1 : 354 - 1339 ، الوسائل 4 : 732 أبواب القراءة فی الصلاة ب 1 ح 1.
2- الوسائل 5 : 320 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 10 ، 11.
3- السرائر : 54.
4- نقله عنه فی المختلف : 139.
5- المختلف : 139.

______________________________________________________

واستدل علیه بما أشار إلیه المصنف - رحمه الله - من أن الاحتیاط معرّض لأن یکون تماما للصلاة ، وکما یبطل الحدث المتخلل بین الرکعات المتیقنة فکذا ما هو بمنزلتها.

وبروایة ابن أبی یعفور المتضمنة لحکم الشک بین الاثنتین والأربع ، حیث قال فی آخرها : « وإن کان صلی أربعا کانت هاتان نافلة ، وإن کان صلی رکعتین کانت هاتان تمام الأربع ، وإن تکلم فلیسجد سجدتی السهو » (1).

وقوله علیه السلام فی روایة أبی بصیر : « إذا لم تدر أربعا صلیت أو رکعتین فقم وارکع رکعتین » (2) والفاء للتعقیب ، وإیجاب التعقیب ینافی تسویغ الحدث.

وفی الکل نظر : أما الأول ، فلأن شرعیة الاحتیاط لیکون استدراکا للفائت لا یقتضی صیرورته جزءا من الصلاة مع انفصاله عنها بالتسلیم والنیة وتکبیرة الإحرام.

وأما الروایة الأولی فبالطعن فی السند باشتماله علی محمد بن عیسی عن یونس ، وبأنها لا تدل علی المطلوب صریحا ، لاحتمال أن یکون المراد بالکلام الموجب للسجود ما یقع منه فی أثناء الصلاة ، لا ما یقع بینهما. ثم لو کانت صریحة فی ذلک لم یلزم منه بطلان الصلاة بذلک ، وإنما اللازم منه التحریم.

وأما الروایة الثانیة ، فبأنها - بعد تسلیم السند ودلالة هذه الفاء علی الفوریة - إنما تدل علی وجوب المبادرة إلیها بعد الفراغ من الصلاة ، وقال فی الذکری : إنه لا خلاف فیه (3). ولا یلزم من ذلک بطلان الصلاة بتخلل الحدث الذی هو المدعی.

ص: 266


1- الکافی 3 : 352 - 4 ، التهذیب 2 : 186 - 739 ، الإستبصار 1 : 372 - 1315 الوسائل 5 : 323 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 2.
2- التهذیب 2 : 185 - 838 ، الوسائل 5 : 324 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 11 ح 8.
3- الذکری : 227.

الرابعة : من سها فی سهو لم یلتفت وبنی علی صلاته.

______________________________________________________

والأصح ما اختاره ابن إدریس من أن ذلک غیر مبطل للصلاة ، للأصل ، ولما ذکره المصنف من أنها صلاة منفردة ، وکونها بدلا لا یوجب مساواتها للمبدل فی کل حکم.

وأورد العلامة فی المختلف علی ابن إدریس التناقض بین فتواه بعدم البطلان بالحدث المتخلل وبجواز التسبیح ، لأن الأول یقتضی کونها صلاة منفردة ، والثانی یقتضی کونها جزءا (1).

قال فی الذکری : ویمکن دفعه بأن التسلیم جعل لهما حکما مغایرا للجزء باعتبار الانفصال عن الصلاة ، ولا ینافی ذلک تبعیة الجزء فی بعض الأحکام (2). وهو جید لو ثبتت التبعیة بدلیل من خارج ، لکنه غیر ثابت ، بل الدلیل قائم علی خلافه.

والکلام فی تخلل المنافی بین الصلاة والأجزاء المنسیة کما فی تخلله بین الصلاة والاحتیاط وربما قیل بالبطلان هنا وإن قلنا ثم بالصحة ، للحکم بالجزئیة هنا (3). وهو ضعیف ، إذ لا ریب فی خروجها عن محض الجزئیة ، ولو لا ذلک لبطلت الصلاة بتخلل الأرکان بین محلها وتلافیها. ووجوب الإتیان بها بعد الصلاة حکم آخر.

قوله : ( الرابعة ، من سها فی سهو لم یلتفت وبنی علی صلاته ).

هذه العبارة لا تخلو من إجمال ، والأصل فیها ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لیس علی الإمام سهو ، ولا علی من خلف الإمام سهو ، ولا علی السهو سهو ، ولا علی الإعادة إعادة » (4).

حکم السهو فی السهو

ص: 267


1- المختلف : 139.
2- الذکری : 227.
3- قال به العلامة فی نهایة الأحکام 1 : 545.
4- التهذیب 2 : 344 - 1428 ، الوسائل 5 : 340 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 25 ح 1.

______________________________________________________

قال فی المنتهی : ومعنی قول الفقهاء لا سهو فی السهو ، أی لا حکم للسهو فی الاحتیاط الذی یوجبه السهو ، کمن شک بین الاثنتین والأربع فإنه یصلی رکعتین احتیاطا علی ما یأتی ، فلو سها فیهما ولم یدر صلی واحدة أو اثنتین لم یلتفت إلی ذلک. وقیل : معناه أن من سها ، فلم یدر هل سها أم لا ، لا یعتد به ولا یجب علیه شی ء ، والأول أقرب (1). هذا کلامه رحمه الله .

والظاهر أن مراده بعدم الالتفات إلی ذلک : البناء علی فعل المشکوک فیه کما هو ظاهر المعتبر ، فإنه قال : ولا حکم للسهو فی السهو ، لأنه لو تدارکه أمکن أن یسهو ثانیا ولا یتخلص من ورطة السهو ، ولأن ذلک حرج فیسقط اعتباره ، ولأنه شرّع لإزالة حکم السهو فلا یکون سببا لزیادته (2).

وذکر المتأخرون أنه یمکن أن یراد بالسهو فی کل من الموضعین معناه المتعارف ، وهو نسیان بعض الأفعال أو الشک (3) ، فیتحصل من ذلک أربع صور :

الأولی : أن یستعمل کل منهما فی معناه المتعارف ، ومعناه أنه لا سهو فیما أوجبه السهو ، وذلک بأن یسهو فی سجدتی السهو عما یوجب سجود السهو ، أو فی السجدة المنسیة ، فإنه لا یوجب سجود السهو.

الثانیة : أن یسهو فی شک أی فی فعل ما أوجبه الشک ، بأن یسهو فی صلاة الاحتیاط عما یوجب سجود السهو فی الفریضة ، فإنه لا یوجب سجود السهو فیه أیضا.

الثالثة : أن یشک فی سهو أی فی وقوع السهو منه ، وحکمه أنه لا یلتفت ، أو فی موجب السهو - بفتح الجیم - کأن یشک فی عدد سجدتی السهو أو فی أفعالهما قبل تجاوز المحل ، فإنه یبنی علی وقوع الفعل المشکوک فیه ، إلا أن

ص: 268


1- المنتهی 1 : 411.
2- المعتبر 2 : 394.
3- کالشهید الثانی فی المسالک 1 : 42.

وکذا إذا سها المأموم عوّل علی صلاة الإمام ، ولا شک علی الإمام إذا حفظ علیه من خلفه.

______________________________________________________

یستلزم الزیادة کما لو شک أنه سجد اثنتین أو ثلاثا ، فإنه یبنی علی المصحح.

الرابعة : أن یشک فی شک ، ومعناه أن یشک هل حصل له شک فی الصلاة أم لا ، وحکمه أنه لا یلتفت ، لأصالة العدم. أو یشک فیما أوجبه الشک ، کما لو شک فی رکعتی الاحتیاط فی عدد أو فی فعل فی محله ، فإنه یبنی علی وقوعه ، إلاّ أن یستلزم الزیادة فیبنی علی المصحح.

وأکثر هذه الأحکام مطابق لمقتضی الأصل. نعم ، یمکن المناقشة فی الحکم بالبناء علی وقوع الفعل المشکوک فیه إذا کان فی محله ، لعدم صراحة الروایة فی ذلک ، وأصالة عدم فعل ما تعلق به الشک ، وإن کان المصیر إلی ما ذکروه غیر بعید ، إذ لا یبعد حمل السهو علی ما یتناول الشک لکونه سببا فیه ، ولأن الظاهر أن المراد بالسهو المتعلق بالإمام والمأموم الشک ، والمتبادر من نفی حکم الشک فیما أوجبه الشک عدم وجوب تدارکه کما ذکره فی المعتبر (1).

قوله : ( وکذا إذا سها المأموم عوّل علی صلاة الإمام ، ولا شک علی الإمام إذا حفظ علیه من خلفه ).

المراد أن الشاک من الإمام أو المأموم فی فعل أو عدد یرجع إلی حفظ الآخر. ولا یظهر لتغییر العبارة فی المسألتین وجه یعتد به.

وهذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی حسنة حفص المتقدمة (2) : « لیس علی الإمام سهو ولا علی من خلف الإمام سهو ».

واستدل علیه فی التهذیب بما رواه عن یونس ، عن رجل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الإمام یصلی بأربعة أنفس أو خمسة ،

حکم سهو الامام أو المأموم

ص: 269


1- المعتبر 2 : 395.
2- فی ص 267.

______________________________________________________

فیسبح اثنان علی أنهم صلوا ثلاثة ، ویسبح ثلاثة علی أنهم صلوا أربعة ، یقول هؤلاء : قوموا ، ویقول هؤلاء : اقعدوا ، والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما یجب علیه؟ قال : « لیس علی الإمام سهو إذا حفظ علیه من خلفه سهوه بإیقان منهم ، ولیس علی من خلف الإمام سهو إذا لم یسه الإمام » (1).

ویدل علیه أیضا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن رجل یصلی خلف إمام لا یدری کم صلی ، هل علیه سهو؟ قال : « لا » (2).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی المأموم بین الذکر والأنثی ، ولا بین العدل والفاسق ، ولا بین المتحد والمتعدد. ولا یتعدی الحکم إلی غیر المأموم وإن کان عدلا ، إلا أن یفید قوله الظن فیرجع إلیه لذلک.

وکما یرجع الشاک من الإمام أو المأموم إلی المتیقن ، کذا یرجع الظان إلی المتیقن والشاک إلی الظان. ولو اشترکا فی الشک واتحد لزمهما حکمه. وإن اختلف فإن جمعتهما رابطة رجعا إلیها ، کما لو شک أحدهما بین الاثنتین والثلاث والآخر بین الثلاث والأربع ، فیرجعان إلی الثلاث ، لتیقن الأول عدم الزیادة علیها والثانی عدم النقیصة عنها.

وإن لم تجمعهما رابطة تعین الانفراد ولزم کلا منهما حکم شکه ، کما لو شک أحدهما بین الاثنتین والثلاث والآخر بین الأربع والخمس.

واعلم أن مقتضی قول المصنف : ولا شک علی الإمام إذا حفظ علیه من خلفه ، أنه یعتبر حفظ الجمیع ، فلو اختلفوا لم یجز التعویل علی أحدهم بل یرجع إلی أحکام الشک. وهو غیر بعید ، لعدم الوثوق بخبرهم مع الاختلاف. ولو حصل الظن بقول أحدهم خاصة اتجه اعتباره لذلک فی موضع

ص: 270


1- التهذیب 3 : 54 - 187 ، الوسائل 5 : 340 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 24 ح 8.
2- التهذیب 3 : 279 - 818 ، الوسائل 5 : 338 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 24 ح 1.

ولا حکم للسهو مع کثرته.

______________________________________________________

یسوغ فیه التعویل علی الظن.

قوله : ( ولا حکم للسهو مع کثرته ).

المراد بالسهو هنا الشک ، کما صرح به المصنف فی المعتبر (1). والمراد أن من کثر شکه لا یلتفت إلی الشک ، بل یبنی علی وقوع الفعل المشکوک فیه وإن کان فی محله ، ما لم یستلزم الزیادة ، فیبنی علی المصحح.

وقد ورد بعدم الالتفات إلی الشک مع الکثرة روایات کثیرة ، کصحیحة زرارة وأبی بصیر ، قالا ، قلنا له : الرجل یشک کثیرا فی صلاته حتی لا یدری کم صلی ولا ما بقی علیه ، قال : « یعید » قلنا : فإنه یکثر علیه ذلک کلما أعاد شک ، قال : « یمضی علی شکه » ثم قال : « لا تعوّدوا الخبیث من أنفسکم نقض الصلاة فتطعموه ، فإن الشیطان خبیث معتاد لما عوّد ، فلیمض أحدکم فی الوهم ولا یکثرن نقض الصلاة ، فإنه إذا فعل ذلک مرات لم یعد إلیه الشک » قال زرارة ، ثم قال : « إنما یرید الخبیث أن یطاع ، فإذا عصی لم یعد إلی أحدکم » (2).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا کثر علیک السهو فامض فی صلاتک ، فإنه یوشک أن یدعک ، إنما هو من الشیطان » (3).

وصحیحة ابن سنان ، عن غیر واحد ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کثر علیک السهو فامض فی صلاتک » (4).

حکم کثیر السهو

ص: 271


1- المعتبر 2 : 393.
2- الکافی 3 : 358 - 2 ، التهذیب 2 : 188 - 747 ، الإستبصار 1 : 374 - 1422 ، الوسائل 5 : 329 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 16 ح 2.
3- الکافی 3 : 359 - 8 ، الفقیه 1 : 224 - 989 بتفاوت یسیر ، التهذیب 2 : 343 - 1424 ، الوسائل 5 : 329 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 16 ح 1.
4- التهذیب 2 : 343 - 1423 ، الوسائل 5 : 329 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 16 ح 3.

ویرجع فی الکثرة إلی ما یسمی فی العادة کثیرا ، وقیل : أن یسهو ثلاثا فی فریضة ، وقیل : أن یسهو مرة فی ثلاث فرائض ، والأول أظهر.

______________________________________________________

( وهذه الروایات کالصریحة فی عدم وجوب الإتیان بالفعل المشکوک فیه مع الکثرة ) (1).

ولو أتی بما شک فیه فالظاهر بطلان صلاته ، لأنه فی حکم الزیادة فی الصلاة متعمدا. ولو تعلقت الکثرة بفعل بعینه بنی علی فعله ، ولو شک فی غیره فالظاهر البناء علی فعله أیضا لصدق الکثرة کما نبه علیه فی الذکری (2).

ولو کثر السهو ( عن رکن فلا بد من الإعادة وکذا ) (3) عن واجب یستدرک إما فی محله أو فی غیر محله ، ( لتوقف الامتثال علیه ) (4).

وهل تؤثر الکثرة فی سقوط سجدات السهو؟ قیل : نعم ، وهی خیرة الذکری (5) ، دفعا للحرج.

وقیل : لا (6) ، وهو الأظهر ، لأن أقصی ما تدل علیه الروایات المتقدمة وجوب المضی فی الصلاة وعدم الالتفات إلی الشک ، فتبقی الأوامر المتضمنة للسجود بفعل موجبه سالمة من المعارض.

قوله : ( ویرجع فی الکثرة إلی ما یسمی فی العادة کثیرا ، وقیل : أن یسهو ثلاثا فی فریضة ، وقیل : أن یسهو مرة فی ثلاث فرائض ).

اختلف الأصحاب فیما تتحقق به الکثرة المقتضیة لعدم الالتفات إلی

ص: 272


1- بدل ما بین القوسین فی « ح » ، « ض » : ومعنی المضی علی الشک والمضی فی الصلاة عدم الالتفات إلی الشک والبناء علی وقوع الفعل المشکوک فیه ، إلاّ أن یستلزم ذلک للزیادة فیبنی علی المصحح.
2- الذکری : 223.
3- ما بین القوسین لیس فی « ح ».
4- بدل ما بین القوسین فی « ح » : وجب الإتیان به ، ولو کان عن رکن وتجاوز محله فلا بد من الإعادة تمسکا بعموم ما دل علی الحکمین المتناول لکثیر السهو وغیره السالم من المعارض.
5- الذکری : 223.
6- کما فی مجمع الفائدة والبرهان 3 : 145.

______________________________________________________

الشک ، فقال الشیخ فی المبسوط : قیل : حده أن یسهو ثلاث مرات متوالیة (1). وبه قال ابن حمزة (2).

وقال ابن إدریس : حده أن یسهو فی شی ء واحد أو فریضة واحدة ثلاث مرات ، فیسقط بعد ذلک حکمه ، أو یسهو فی أکثر الخمس أعنی ثلاث صلوات من الخمس ، فیسقط بعد ذلک حکم السهو فی الفریضة الرابعة (3).

وأنکر المصنف فی المعتبر هذا القول ، وقال : إنه یجب أن یطالب هذا القائل بمأخذ دعواه ، فإنا لا نعلم لذلک أصلا فی لغة ولا شرع ، والدعوی من غیر دلالة تحکّم (4).

والأصح ما اختاره المصنف من الرجوع فی ذلک إلی العادة ، لأنها المحکّمة فیما لم یرد فیه تقدیر من الشارع.

لا یقال : قد روی ابن بابویه فی الصحیح ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن محمد بن أبی حمزة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « وإذا کان الرجل ممن یسهو فی کل ثلاث فهو ممن یکثر علیه السهو » (5) ولیس المراد ب « کل » الدوام قطعا ، وإلا لم یتحقق الحکم بالکثرة ، لأن الصلوات المتعاقبة داخلة فی حیز « کل » إلی انقضاء تکلیف المصلی ، بل المراد أنه لا یسلم للمصلی ثلاث بغیر سهو ، فیکون ذلک تقدیرا شرعیا للکثرة ، فلا یتجه الرجوع فیها إلی العادة.

لأنا نقول : أقصی ما تدل علیه الروایة تحقق الکثرة بذلک ، وهو مطابق للعرف ، لا حصر الکثرة فی هذا المعنی.

قال فی الذکری : ویظهر من قوله علیه السلام فی حسنة حفص بن

ص: 273


1- المبسوط 1 : 122.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.
3- السرائر : 52.
4- المعتبر 2 : 394.
5- الفقیه 1 : 224 - 990 ، الوسائل 5 : 330 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 16 ح 7.

الخامسة : من شک فی عدد النافلة بنی علی الأکثر ، وإن بنی علی الأقل کان أفضل.

______________________________________________________

البختری : « ولا علی الإعادة إعادة » (1) أن السهو یکثر بالثانیة ، إلا أن یقال یختص بموضع وجوب الإعادة (2). وهو کذلک ، إلا أنی لا أعلم بمضمونها قائلا.

قوله : ( الخامسة ، من شک فی النافلة بنی علی الأکثر ، وإن بنی علی الأقل کان أفضل ).

لا ریب فی أفضلیة البناء علی الأقل لأنه المتیقن.

وأما جواز البناء علی الأکثر فقال المصنف فی المعتبر : إنه متفق علیه بین الأصحاب ، واستدل علیه بأن النافلة لا تجب بالشروع فکان للمکلف الاقتصار علی ما أراد (3). وهو استدلال ضعیف ، إذ لیس الکلام فی جواز القطع ، وإنما هو فی تحقق الامتثال بذلک ، وهو یتوقف علی الدلیل ، إذ مقتضی الأصل عدم وقوع ما تعلق به الشک.

واعلم أنه لا فرق فی مسائل السهو والشک بین الفریضة والنافلة ، إلا فی الشک بین الأعداد ، فإن الثنائیة من الفریضة تبطل بذلک بخلاف النافلة ، وفی لزوم سجود السهو ، فإن النافلة لا سجود فیها بفعل ما یوجبه فی الفریضة ، للأصل ، وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : سألته عن السهو فی النافلة فقال : « لیس علیک سهو » (4).

حکم الشک فی النافلة

ص: 274


1- الکافی 3 : 359 - 7 ، التهذیب 2 : 344 - 1428 ، الوسائل 5 : 340 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 25 ح 1.
2- الذکری : 223.
3- المعتبر 2 : 396.
4- الکافی 3 : 359 - 6 ، التهذیب 2 : 343 - 1422 ، الوسائل 5 : 331 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 18 ح 1 وفیهما : لیس علیک شی ء.

خاتمة : فی سجدتی السهو

وهما واجبتان حیث ذکرتا. وفی من تکلم ساهیا ، أو سلم فی غیر موضعه ، أو شک بین الأربع والخمس.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة ، فی سجدتی السهو : وهما واجبتان حیث ذکرتا. وفی من تکلم ساهیا ، أو سلم فی غیر موضعه ، أو شک بین الأربع والخمس ).

الذی ذکره فیما سبق هو نسیان السجدة والتشهد إلی أن یرکع ، وبیّنا هناک أن وجوب السجود بنسیان التشهد علی هذا الوجه لا إشکال فیه ، لصحة مستنده وصراحته. وأما وجوبه بنسیان السجدة فمشکل إن لم یکن إجماعیا (1).

وقد ذکر المصنف هنا ثلاثة أشیاء :

أحدها : التکلم فی الصلاة ساهیا ، وقد نقل العلامة فی المنتهی اتفاق أصحابنا علی أنه موجب للسجود (2).

وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یتکلم ناسیا فی الصلاة یقول : أقیموا صفوفکم ، قال : « یتم صلاته ثم یسجد سجدتین » فقلت : سجدتا السهو قبل التسلیم هما أو بعد؟ قال : « بعد » (3).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : فی الرجل یسهو فی الرکعتین ویتکلم ، فقال : « یتم ما بقی من صلاته تکلم أو لم یتکلم ، ولا شی ء علیه » (4) لأنا نجیب عنه بالحمل علی أن

مواضع وجوب سجدتی السهو

ص: 275


1- راجع ص 242.
2- المنتهی 1 : 417.
3- التهذیب 2 : 191 - 755 ، الإستبصار 1 : 378 - 1433 ، الوسائل 5 : 313 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 4 ح 1.
4- التهذیب 2 : 191 - 756 ، الإستبصار 1 : 378 - 1434 ، الوسائل 5 : 308 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 5.

______________________________________________________

المنفی الإثم أو الإعادة جمعا بین الأدلة.

وثانیها : التسلیم فی غیر موضعه نسیانا ، وقد نقل العلامة فی المنتهی الاتفاق علی کونه موجبا للسجود أیضا (1) واستدل علیه بصحیحة سعید الأعرج الواردة فی حکایة تسلیم النبی صلی الله علیه و آله علی الرکعتین فی الرباعیة وتکلمه مع ذی الشمالین فی ذلک ، حیث قال فی آخرها : « وسجد سجدتین لمکان الکلام » (2) وفی الدلالة نظر ، إذ من المحتمل أن یکون الموجب للسجود التکلم الواقع بعد التسلیم لا نفس التسلیم ، کما هو مذهب الکلینی رضی الله عنه (3).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام : فی رجل صلی رکعتین من المکتوبة فسلّم وهو یری أنه قد أتم الصلاة وتکلم ، ثم ذکر أنه لم یصل الرکعتین ، قال : « یتم ما بقی من صلاته ولا شی ء علیه » (4) لأنا نجیب عنه بالحمل علی نفی الإثم أو الإعادة کما تقدم.

ولو لا الاتفاق علی هذا الحکم لأمکن الجمع بین الروایتین بحمل الأولی علی الاستحباب.

وثالثها : الشک بین الأربع والخمس. والأصح أنه موجب للسجود ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت لا تدری أربعا صلیت أم خمسا فاسجد سجدتی

ص: 276


1- المنتهی 1 : 417.
2- الکافی 3 : 357 - 6 ، التهذیب 2 : 345 - 1433 ، الوسائل 5 : 311 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 16.
3- الکافی 3 : 360.
4- التهذیب 2 : 191 - 757 ، الإستبصار 1 : 379 - 1436 ، الوسائل 5 : 309 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 3 ح 9.

______________________________________________________

السهو بعد تسلیمک ثم سلم بعدهما » (1).

وصحیحة عبید الله بن علی الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا لم تدر أربعا صلیت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتین بغیر رکوع ولا قراءة ، تتشهد فیهما تشهدا خفیفا » (2).

وحکی الشهید فی الدروس ، عن الصدوق - رحمه الله - أنه أوجب فی هذه الصورة الاحتیاط برکعتین جالسا (3). وهو بعید جدا ، وأوّل کلامه بالشک قبل الرکوع.

واعلم أن الشک بین الأربع والخمس إما أن یقع بعد السجدتین ، أو بینهما ، أو قبلهما بعد الرکوع ، أو قبله ، فالصور أربع :

الأولی : أن یقع الشک بعد السجدتین ، وقد تقدم حکمها.

الثانیة : أن یقع بین السجدتین ، وحکمها کالأولی ، واحتمل فی الذکری البطلان فی هذه الصورة ، لعدم الإکمال وتجویز الزیادة (4). وهو ضعیف.

الثالثة : أن یقع الشک بین الرکوع والسجود. وقد قطع العلامة فی جملة من کتبه فی هذه الصورة بالبطلان ، لتردده بین محذورین : الإکمال المعرّض للزیادة ، والهدم المعرّض للنقیصة (5).

وحکی الشهید فی الذکری ، عن المصنف فی الفتاوی أنه قطع بالصحة ، لأن تجویز الزیادة لا ینفی ما هو ثابت بالأصالة ، إذ الأصل عدم الزیادة ، ولأن

ص: 277


1- الکافی 3 : 355 - 3 ، التهذیب 2 : 195 - 767 ، الوسائل 5 : 326 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 1.
2- الفقیه 1 : 230 - 1019 ، التهذیب 2 : 196 - 772 ، الإستبصار 1 : 380 - 1441 ، الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 4.
3- الدروس : 48.
4- الذکری : 227.
5- المنتهی 1 : 416 ، والتذکرة 1 : 139.

وقیل : فی کل زیادة ونقیصة إذا لم یکن مبطلا.

______________________________________________________

تجویز الزیادة لو منع لأثّر فی جمیع صورة (1). وهو قوی متین ، ومتی قلنا بالصحة وجبت السجدتان تمسکا بالإطلاق.

الرابعة : أن یقع الشک قبل الرکوع ، سواء کان قبل القراءة أو فی أثنائها أو بعدها. ویجب علیه أن یرسل نفسه ویحتاط برکعتین جالسا ، لأنه شک بین الثلاث والأربع.

قوله : ( وقیل ، فی کل زیادة ونقیصة إذا لم یکن مبطلا ).

هذا القول حکاه الشیخ فی الخلاف عن بعض أصحابنا (2). قال فی الدروس : ولم نظفر بقائله ولا بمأخذه (3).

وربما کان مستنده ما رواه الشیخ ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابنا ، عن سفیان بن السمط ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تسجد سجدتی السهو فی کل زیادة تدخل علیک أو نقصان » (4). لکن الروایة ضعیفة السند بالإرسال وجهالة الراوی.

واستدل علیه أیضا بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا لم تدر أربعا صلیت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتین بغیر رکوع ولا قراءة ، تتشهد فیهما تشهدا خفیفا » (5).

قیل : وإذا وجب للشک فی الزیادة والنقیصة فوجوبه لتیقنهما أولی (6).

ص: 278


1- الذکری : 227.
2- الخلاف 1 : 169.
3- الدروس : 49.
4- التهذیب 2 : 155 - 608 ، الإستبصار 1 : 361 - 1367 ، الوسائل 5 : 346 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 32 ح 3.
5- التهذیب 2 : 196 - 772 ، الإستبصار 1 : 380 - 1441 ، الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 4.
6- کما فی المهذب البارع 1 : 446.

______________________________________________________

وفی هذه الأولویة نظر تقدم تقریره مرارا.

نعم ، یمکن أن یستدل بروایة الحلبی علی ما ذکره المفید - رحمه الله - من وجوبهما علی من لم یدر زاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد رکوعا أو نقص رکوعا ، وکان الذکر بعد تجاوز محله. لکنها غیر صریحة فی ذلک ، لاحتمالها الشک فی زیادة رکعة أو نقصانها ، کما ذکره فی الدروس (1).

ویدل علی ذلک أیضا ما رواه الکلینی فی الحسن ، عن زرارة قال ، سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : « إذا شک أحدکم فی صلاته فلم یدر زاد أم نقص ، فلیسجد سجدتین وهو جالس ، وسماهما رسول الله صلی الله علیه و آله المرغمتین » (2).

وما رواه الشیخ (3) فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن السهو ، فقال : « من یحفظ سهوه فأتمه فلیس علیه سجدتا السهو ، وإنما السهو علی من لم یدر زاد فی صلاته أم نقص منها ».

ونقل عن السید المرتضی (4) ، وابن بابویه (5) ، أنهما أوجبا السجود للقعود فی موضع قیام وعکسه. ویدل علیه ما رواه الکلینی ، عن علی بن إبراهیم ، عن محمد بن عیسی ، عن یونس ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألته عن الرجل یسهو فیقوم فی موضع قعود أو یقعد فی حال قیام ، قال : « یسجد سجدتین بعد التسلیم ، وهما المرغمتان یرغمان الشیطان » (6) وفی هذا السند

ص: 279


1- الدروس : 49.
2- الکافی 3 : 354 - 1 ، الوسائل 5 : 326 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 2.
3- لم نعثر علیها فی کتب الشیخ ، لکنها موجودة فی الفقیه 1 : 230 - 1018 ، وعنه فی الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 6.
4- جمل العلم والعمل : 66.
5- الفقیه 1 : 225.
6- الکافی 3 : 357 - 9 ، الوسائل 5 : 346 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 32 ح 1.

ویسجد المأموم مع الإمام واجبا إذا عرض له السبب ، ولو انفرد أحدهما کان له حکم نفسه.

______________________________________________________

کلام (1) ، ولا ریب أن العمل بمقتضی الروایة طریق الاحتیاط.

قوله : ( ویسجد المأموم مع الإمام واجبا إذا عرض له السبب ، ولو انفرد أحدهما کان له حکم نفسه ).

المراد أن المأموم یجب علیه سجدتا السهو مع الإمام إذا اشترکا فی السهو المقتضی لذلک ، ولو انفرد أحدهما بالسبب تعلق الوجوب به خاصة.

أما وجوب السجود علیهما مع عروض السهو لهما فظاهر ، لاشتراکهما فی الموجب. وأما وجوب السجود علی المنفرد منهما بالسهو خاصة ، فلأصالة عدم تعلق الوجوب بمن لم یعرض له السبب. وفی المسألة قولان آخران :

أحدهما : إنه لا سجود علی المأموم مطلقا وإن عرض له السبب. ذهب إلیه الشیخ فی الخلاف (2) ، وادعی علیه إجماع الفرقة ، واستدل علیه بما رواه عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ولیس علیه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو ، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه » (3) وضعفها یمنع من العمل بها.

والثانی : إنه متی عرض للإمام السبب وجب علی المأموم متابعته فی ذلک ، اختاره الشیخ فی المبسوط (4) ، واستدل له فی المختلف بأن الإمام متبوع فیجب علی المأموم اتباعه (5) ، لقوله علیه السلام : « إنما جعل الإمام إماما

ص: 280


1- قال النجاشی فی رجاله : 333 : ذکر أبو جعفر بن بابویه عن ابن الولید أنه قال : ما تفرّد به محمد بن عیسی من کتب یونس وحدیثه لا یعتمد علیه.
2- الخلاف 1 : 171.
3- الفقیه 1 : 264 - 1204 ، التهذیب 3 : 278 - 817 ، الوسائل 5 : 339 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 24 ح 5.
4- المبسوط 1 : 124.
5- المختلف : 143.

وموضعهما بعد التسلیم للزیادة والنقصان ، وقیل : قبله ، وقیل : بالتفصیل ، والأول أظهر.

______________________________________________________

لیتبعوه » (1).

والجواب أولا : بالطعن فی السند ، وثانیا : بمنع الدلالة ، فإنه متبوع فی أفعال الصلاة دون غیرها.

قوله : ( وموضعهما بعد التسلیم للزیادة والنقصان ، وقیل : قبله ، وقیل : بالتفصیل ، والأول أظهر ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من أنّ موضع سجدتی السهو بعد التسلیم للزیادة والنقصان قول معظم الأصحاب ، وتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة ابن أبی یعفور الواردة فی نسیان التشهد ، حیث قال فیها : « وإن لم یذکر حتی رکع فلیتم صلاته ، ثم یسجد سجدتین وهو جالس قبل أن یتکلم » (2).

وصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت لا تدری أربعا صلّیت أم خمسا فاسجد سجدتی السهو بعد تسلیمک ثم سلّم بعدهما » (3).

وصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یتکلم ناسیا فی الصلاة یقول : أقیموا صفوفکم ، قال : « یتم صلاته ، ثمّ یسجد سجدتین » فقلت : سجدتا السهو قبل التسلیم هما أو بعد؟ قال : « بعد » (4).

محل سجدتی السهو

ص: 281


1- صحیح البخاری 1 : 101 ، 177 ، وج 2 : 56 ، صحیح مسلم 1 : 308 - 411 ، سنن ابن ماجة 1 : 276 - 846.
2- الفقیه 1 : 231 - 1026 ، التهذیب 2 : 159 - 624 ، الوسائل 4 : 995 أبواب التشهد ب 7 ح 4.
3- الکافی 3 : 355 - 3 ، التهذیب 2 : 195 - 767 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 2.
4- الکافی 3 : 356 - 4 ، التهذیب 2 : 191 - 755 ، الإستبصار 1 : 378 - 1433 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 1.

وصورتهما أن یکبّر مستحبا ثم یسجد ، ثم یرفع رأسه ، ثم یسجد ، ثم یرفع رأسه ویتشهد تشهدا خفیفا ثم یسلّم.

______________________________________________________

وروایة عبد الله بن میمون القداح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن علی علیهم السلام ، قال : « سجدتا السهو بعد التسلیم وقبل الکلام » (1).

والقول بأنهما قبل التسلیم منقول عن بعض علمائنا ، ولم نظفر بقائله. وربما کان مستنده ما رواه الشیخ ، عن محمد بن سنان ، عن أبی الجارود قال ، قلت لأبی جعفر علیه السلام : متی أسجد سجدتی السهو؟ قال : « قبل التسلیم ، فإنک إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتک » (2) وضعف هذه الروایة یمنع من العمل بها (3).

والقول بالتفصیل وأن محله للنقصان قبل التسلیم وللزیادة بعده لابن الجنید (4). ویدل علیه ما رواه الشیخ عن سعد بن سعد الأشعری قال ، قال الرضا علیه السلام فی سجدتی السهو : « إذا نقصت قبل التسلیم ، وإذا زدت بعده » (5).

وأجاب الشیخ فی الاستبصار عن هاتین الروایتین بالحمل علی ضرب من التقیة ، لأنهما موافقتان لمذاهب کثیر من العامة. وهو حسن.

قوله : ( وصورتهما ، أن یکبّر مستحبا ثم یسجد ، ثم یرفع رأسه ثم یسجد ، ثم یرفع رأسه ویتشهد تشهدا خفیفا ثم یسلّم ).

صورة سجدتی السهو

ص: 282


1- التهذیب 2 : 195 - 768 ، الإستبصار 1 : 380 - 1438 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 3.
2- التهذیب 2 : 195 - 770 ، الإستبصار 1 : 380 - 1440 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 5.
3- وجهه أن زیاد بن المنذر الذی یکنی بأبی الجارود زیدی المذهب ، وإلیه تنسب الزیدیة الجارودیة - راجع الفهرست : 72 ، وأن محمد بن سنان ضعیف.
4- نقله عنه فی المختلف : 142.
5- التهذیب 2 : 195 - 769 ، الإستبصار 1 : 380 - 1439 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 4.

______________________________________________________

أما استحباب التکبیر قبل السجود فذکره الشیخ (1) وجمع من الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه ابن بابویه فی الموثق ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن سجدتی السهو هل فیهما تسبیح أو تکبیر؟ فقال : « لا ، إنما هما سجدتان فقط ، فإن کان الذی سها الإمام کبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ، لیعلم من خلفه أنه قد سها. ولیس علیه أن یسبح فیهما ولا فیهما تشهد بعد السجدتین » (2) وهی إنما تدل علی اختصاص الاستحباب بالإمام ، مع أنها ضعیفة السند.

وأما وجوب التشهد والتسلیم فقال المصنف فی المعتبر (3) ، والعلامة فی المنتهی (4) : إنه قول علمائنا أجمع ، واستدلا علی وجوب التشهد بقول الصادق علیه السلام فی صحیحة الحلبی : « واسجد سجدتین بغیر رکوع ولا قراءة تشهد فیهما تشهدا خفیفا » (5) وعلی وجوب التسلیم بقوله علیه السلام فی صحیحة ابن سنان : « إذا کنت لا تدری أربعا صلیت أم خمسا فاسجد سجدتی السهو بعد تسلیمک ثم سلم بعدهما » (6).

وقال العلامة فی المختلف : الأقرب عندی أن ذلک کله للاستحباب ، بل الواجب فیه النیة لا غیر ، واستدل بأصالة البراءة ، وروایة عمار المتقدمة (7).

ویؤیده انتفاء الأمر بالتسلیم فی الروایة الأولی ، والتشهد فی الثانیة ، مع ورودهما فی مقام البیان.

ص: 283


1- المبسوط 1 : 125.
2- الفقیه 1 : 226 - 996 ، الوسائل 5 : 334 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 20 ح 3.
3- المعتبر 2 : 401.
4- المنتهی 1 : 418.
5- الفقیه 1 : 230 - 1019 ، التهذیب 2 : 196 - 772 ، الإستبصار 1 : 380 - 1441 ، الوسائل 5 : 327 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 14 ح 4.
6- الکافی 3 : 355 - 3 ، التهذیب 2 : 195 - 767 ، الوسائل 5 : 314 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 5 ح 2.
7- المختلف : 143.

وهل یجب فیهما الذکر؟ فیه تردد. ولو وجب هل یتعین لفظ؟ الأشبه لا.

______________________________________________________

ویجب فیهما السجود علی الأعضاء السبعة ووضع الجبهة علی ما یصح السجود علیه ، لأنه المعهود من لفظ السجود فی الشرع فینصرف إلیه اللفظ عند الإطلاق. وفی وجوب الطهارة والستر والاستقبال قولان ، أحوطهما الوجوب.

قوله : ( وهل یجب فیهما الذکر؟ فیه تردد. ولو وجب هل یتعین لفظ؟ الأشبه لا ).

منشأ التردد من إطلاق قوله علیه السلام : « فاسجد سجدتی السهو بعد تسلیمک ثم سلم بعدهما » وقوله علیه السلام : « واسجد سجدتین بغیر رکوع ولا قراءة تتشهد فیهما تشهدا خفیفا » وغیر ذلک من الأخبار الکثیرة المتضمنة لإطلاق الأمر بالسجود من غیر تعرّض للذکر ، ولو کان واجبا لذکر فی مقام البیان. إلا أن یقال : الواجب الذکر المعهود فی مطلق السجود ، فأطلق اعتمادا علی ذلک.

ویدل علی عدم الوجوب صریحا روایة عمار المتقدمة (1) حیث قال فیها : « ولیس علیه أن یسبح فیهما ».

ومن روایة الحلبی الصحیحة ، عن الصادق علیه السلام الدالة بظاهرها علی الوجوب ، فإنه قال : « یقول فی سجدتی السهو : بسم الله وبالله اللهم صلّ علی محمد وآل محمد » قال : وسمعته مرة أخری یقول : « بسم الله وبالله السلام علیک أیّها النبیّ ورحمة الله وبرکاته » (2).

کذا فی من لا یحضره الفقیه ، ورواه الکلینی - رضی الله عنه - بطریق حسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام (3).

وروی الشیخ فی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی ، قال : سمعت أبا

ص: 284


1- فی ص 283.
2- الفقیه 1 : 226 - 997 ، الوسائل 5 : 334 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 20 ح 1.
3- الکافی 3 : 356 - 5.

ولو أهملهما عمدا لم تبطل الصلاة ، وعلیه الإتیان بهما ولو طالت المدّة.

______________________________________________________

عبد الله علیه السلام یقول فی سجدتی السهو : « بسم الله وبالله وصلی الله علی محمد وعلی آل محمد » قال : وسمعته مرة أخری یقول فیهما : « بسم الله وبالله السلام علیک أیّها النبی ورحمة الله وبرکاته » (1).

وضعف المصنف فی النافع والمعتبر هذه الروایة بأنها منافیة للمذهب من حیث تضمنها وقوع السهو من الإمام (2) ، قال فی المعتبر : ثم لو سلمناه لما وجب فیهما ما سمعه ، لاحتمال أن یکون ما قاله علی وجه الجواز لا اللزوم.

ویمکن دفعه بأن سماع ذلک من الإمام لا یستلزم وقوع السهو منه لجواز کونه إخبارا عما یقال فیهما ، بل الظاهر أن ذلک هو المراد من الروایة ، کما تدل علیه العبارة المنقولة فی الکافی ومن لا یحضره الفقیه.

وجزم المصنف فی (3) المعتبر (4) بعدم وجوب الذکر مطلقا ، وهو غیر بعید ، وإن کان العمل بمضمون هذه الروایة أولی وأحوط.

قوله : ( ولو أهملهما عمدا لم تبطل الصلاة ، وعلیه الإتیان بهما ولو طالت المدّة ).

هذا قول معظم الأصحاب. أما أنه لا تبطل الصلاة مع إهمالهما عمدا فظاهر ، لأن أقصی ما یستفاد من الأخبار وجوبهما ، ولا یلزم من ذلک بطلان الصلاة بالإخلال بهما.

وأما وجوب الإتیان بهما ولو طالت المدة ، فلأنه مأمور بهما مطلقا فیتوقف الامتثال علی الإتیان بهما کذلک. وتدل علیه روایة عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل ینسی سجدتی السهو ، قال : « یسجدهما متی

حکم إهمال سجدتی السهو

ص: 285


1- التهذیب 2 : 196 - 773.
2- المختصر النافع : 45 ، والمعتبر 2 : 401.
3- فی « ح » ، « م » ، « ض » زیادة : النافع و.
4- المعتبر 2 : 400.

______________________________________________________

ذکر » (1).

وقال الشیخ فی الخلاف : وهما - یعنی السجدتین - واجبتان وشرط فی صحة الصلاة (2). قال فی الذکری : فعل قوله ترکهما یقدح فی الصحة (3) ، وهو قول بعض العامة (4) ، ولا ریب فی ضعفه.

ص: 286


1- التهذیب 2 : 353 - 1466 ، الوسائل 5 : 346 أبواب الخلل الواقع فی الصلاة ب 32 ح 2.
2- الخلاف 1 : 170.
3- الذکری : 230.
4- کابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 191.

الفصل الثانی

فی قضاء الصلوات

والکلام فی : سبب الفوات ، والقضاء ، ولواحقه.

أما السبب : فمنه ما یسقط معه القضاء وهو سبعة : الصغر ، والجنون ، والإغماء علی الأظهر ،

______________________________________________________

قوله : ( أما السبب ، فمنه ما یسقط معه القضاء وهو سبعة : الصغر. والجنون. والإغماء علی الأشهر ).

أما سقوط القضاء عن الصغیر والمجنون بعد البلوغ والإفاقة فمتفق علیه بین المسلمین ، وإنما الخلاف فی المغمی علیه ، فذهب الأکثر إلی أنه لا یجب علیه القضاء إذا استوعب الإغماء الوقت ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه ، کصحیحة أبی أیوب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل أغمی علیه أیاما لم یصلّ ، ثم أفاق ، أیصلی ما فاته؟ قال : « لا شی ء علیه » (1).

وصحیحة أیوب بن نوح قال : کتبت إلی أبی الحسن الثالث علیه السلام أسأله عن المغمی علیه یوما أو أکثر ، هل یقضی ما فاته من الصلاة أم لا؟ فکتب : « لا یقضی الصوم ولا یقضی الصلاة » (2).

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن المریض هل یقضی الصلاة إذا أغمی علیه؟ قال : « لا ، إلاّ الصلاة التی

قضاء الصلوات

أسباب فوات الصلاة

ما یسقط معه القضاء من أسباب الفوات

ص: 287


1- الفقیه 1 : 237 - 1041 ، التهذیب 3 : 303 - 928 ، الإستبصار 1 : 458 - 1775 ، الوسائل 5 : 352 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 2.
2- الکافی 3 : 412 - 3 ، التهذیب 3 : 302 - 924 ، الإستبصار 1 : 457 - 1771 ، الوسائل 5 : 354 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 14.

والحیض ، والنفاس ، والکفر الأصلی.

______________________________________________________

أفاق فیها » (1).

وفی مقابل هذه الروایات روایات أخر وردت بالأمر بالقضاء مطلقا ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یغمی علیه ثم یفیق ، قال : « یقضی ما فاته ، یؤذّن فی الأول ، ویقیم فی البقیة » (2) وبمضمونها أفتی ابن بابویه فی المقنع (3). وورد فی بعض آخر الأمر بقضاء صلاة ثلاثة أیام (4). وفی بعض الأمر بقضاء صلاة یوم (5).

والجواب عن الجمیع بالحمل علی الاستحباب ، کما ذکره الشیخ فی کتابی الأخبار (6) ، وابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (7) ، توفیقا بین الأدلة.

قوله : ( والحیض. والنفاس. والکفر الأصلی ).

أما سقوط القضاء عن الحائض والنفساء فلا خلاف فیه ، وقد تقدم الکلام فیه مستوفی (8).

ص: 288


1- الفقیه 1 : 236 - 1040 ، التهذیب 3 : 304 - 933 ، الإستبصار 1 : 459 - 1780 ، الوسائل 5 : 352 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 1.
2- التهذیب 3 : 304 - 936 ، الإستبصار 1 : 459 - 1783 ، الوسائل 5 : 356 أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 2.
3- المقنع : 37.
4- التهذیب 3 : 243 - 715 ، و 244 - 723 ، الوسائل 5 : 357 أبواب قضاء الصلوات ب 4 ح 7 ، 11.
5- التهذیب 3 : 303 - 930 ، وج 4 : 244 - 717 ، الاستبصار 1 : 458 - 1777 ، و 459 - 1786 ، الوسائل 5 : 355 أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 22 ، وص 35 ب 4 ح 9 ، 14.
6- التهذیب 3 : 304 ، وج 4 : 244 ، والاستبصار 1 : 460.
7- الفقیه 1 : 237.
8- فی ج 1 ص 362.

______________________________________________________

وأما سقوطه عن الکافر الأصلی فموضع وفاق أیضا ، وفی الأخبار دلالة علیه ، ویستفاد من ذلک أنه لا یخاطب بالقضاء وإن کان مخاطبا بغیره من التکالیف ، لامتناع وقوعه منه فی حال کفره وسقوطه بإسلامه.

واحترز بالکافر الأصلی عن المرتد ، فإنه یجب علیه قضاء زمان ردته کما سیذکره.

( ولا یلحق بالکافر الأصلی غیره من الفرق المحکوم بکفرها من المسلمین ، بل )(1) حکمهم حکم غیرهم من المخالفین فی أنهم إذا استبصروا یجب علیهم قضاء الفائت دون ما أوقعوه صحیحا بحسب معتقدهم. أما وجوب قضاء الفوائت ، فلعموم الأدلة الدالة علی ذلک ، المتناولة للمؤمن والمخالف (2). وأما أنه لا یجب علیهم إعادة ما فعلوه فی تلک الحال فتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة برید بن معاویة العجلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن رجل وهو فی بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدیّن ثم منّ الله علیه فعرف هذا الأمر یقضی حجة الإسلام؟ فقال : « یقضی أحب إلیّ » وقال : « کل عمل عمله وهو فی حال نصبه وضلالته ثم منّ الله علیه وعرفه الولایة فإنه یؤجر علیه إلا الزکاة فإنه یعیدها ، لأنه وضعها فی غیر مواضعها ، لأنها لأهل الولایة ، وأما الصلاة والحج والصیام فلیس علیه قضاء » (3).

واستشکل العلامة فی التذکرة الحکم بسقوط القضاء عمن صلی منهم أو

ص: 289


1- بدل ما بین القوسین فی « م » : ویجب تقیید الکافر الأصلی بمن لم ینتحل الإسلام من الفرق المحکوم بکفرها ، أما من انتحله فإن.
2- فی « ح » ، « م » زیادة : السالمة عن المعارض.
3- التهذیب 5 : 9 - 23 ، الإستبصار 2 : 145 - 472 ، الوسائل 1 : 97 أبواب مقدمة العبادات ب 31 ح 1 وفیه ذیل الحدیث ، وأورد صدره فی ج 8 : 42 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 23 ح 1.

وعدم التمکن من فعل ما یستبیح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تیمم ، وقیل : یقضی عند التمکن ، والأول أشبه.

وما عداه یجب معه القضاء ، کالإخلال بالفریضة عمدا وسهوا ، عدا الجمعة والعیدین ، وکذا النوم لو استوعب الوقت.

______________________________________________________

صام ، لاختلال الشرائط والأرکان (1) ، وهو مدفوع بالأخبار المستفیضة الواردة بذلک (2) ، وإن کان الحق بطلان عباداتهم بأسرها وإن وقعت مستجمعة للشرائط المعتبرة عدا الولایة ، للأخبار الصحیحة الدالة علیه (3). ولتفصیل الکلام فی ذلک محل آخر.

قوله : ( وعدم التمکن مما یستبیح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تیمم ، وقیل : یقضی عند التمکن ، والأول أشبه ).

قد تقدم الکلام فی هذه المسألة ، وأن القول بوجوب القضاء لا یخلو من قوة (4).

قوله : ( وما عداه یجب معه القضاء ، کالإخلال بالفریضة عمدا وسهوا ، عدا الجمعة والعیدین ، وکذا النوم لو استوعب الوقت ).

أجمع العلماء کافة علی أن من ترک الصلاة الواجبة مع استکمال الشرائط أو أخل بها لنوم أو نسیان یلزمه القضاء. والأصل فیه ما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « من نام عن صلاة نسیها فلیقضها إذا ذکرها » (5).

ما یجب معه القضاء من أسباب الفوات

ص: 290


1- لم نعثر علیه فی باب الصلاة ولکن ذکر ذلک فی باب الحج فقال : المخالف إذا حج ثم استبصر فإن لم یخلّ بشی ء من أرکان الحج صح حجه. وإن کان قد أخلّ وجب علیه إعادة الحج - إلی أن قال - : ومع الإخلال لم یأت بالمأمور به علی وجهه فبقی فی عهدة التکلیف. وذکر الروایة المتقدمة کدلیل - التذکرة 1 : 384.
2- الوسائل 1 : 97 أبواب مقدمة العبادات ب 31.
3- الوسائل 1 : 90 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
4- فی ج 2 ص 243.
5- سنن الدارمی 1 : 280 ، سنن ابن ماجة 1 : 228 - 698 ، سنن أبی داود 1 : 118 - 435 ، وفی الجمیع : بتفاوت یسیر.

ولو زال عقل المکلف بشی ء من قبله کالسکر وشرب المرقد وجب القضاء ، لأنه سبب فی زوال العقل غالبا ،

______________________________________________________

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلی رکعتین بغیر طهور ، أو نسی صلاة لم یصلها ، أو نام عنها ، قال : « یقضیها إذا ذکرها فی أیّ ساعة ذکرها من لیل أو نهار » (1).

وفی الصحیح ، عن حماد بن عثمان أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن رجل فاته شی ء من الصلوات فذکر عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، قال : « فلیصل حین یذکر » (2).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « أربع صلوات یصلیها الرجل فی کل ساعة : صلاة فاتتک فمتی ما ذکرتها أدیتها » (3) الحدیث.

وأما استثناء الجمعة والعیدین من ذلک فقد تقدم الکلام فیه مستوفی فی محلهما (4).

قوله : ( ولو زال عقل المکلف بشی ء من قبله کالسکر وشرب المرقد وجب القضاء ، لأنه سبب فی زوال العقل غالبا ).

المراد أنه إذا زال عقل المکلف بشی ء من قبله ، کتناول الشی ء الذی یقتضی الإسکار أو النوم غالبا ، فأخل بشی ء من الصلوات الواجبة وجب قضاؤها ، وأسنده فی الذکری إلی الأصحاب ، واستدل علیه بأنه مسبب عن

ص: 291


1- التهذیب 2 : 266 - 1059 ، الإستبصار 1 : 286 - 1046 ، الوسائل 5 : 348 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 1.
2- الفقیه 1 : 235 - 1032 ، الوسائل 3 : 174 أبواب المواقیت ب 39 ح 2.
3- الکافی 3 : 288 - 3 ، الفقیه 1 : 278 - 1265 ، الخصال : 247 - 107 ، الوسائل 3 : 174 أبواب المواقیت ب 39 ح 1.
4- ص 15 ، 100.

ولو أکل غذاءا مؤذیا فآل إلی الإغماء لم یقض. وإذا ارتدّ المسلم أو أسلم الکافر ثم کفر وجب علیه قضاء زمان ردّته.

______________________________________________________

فعله (1). والاعتماد فی ذلک علی النصوص المتضمنة لوجوب قضاء الفوائت (2) ، المتناولة بعمومها لهذه الصورة.

قوله : ( ولو أکل غذاءا مؤذیا فآل إلی الإغماء لم یقض ).

المراد أنه إذا أکل غذاءا لم یعلم کونه مقتضیا للإغماء فاتفق أنه آل إلی ذلک لم یجب علیه قضاء ما یفوته من الصلاة فی حال الإغماء. والوجه فیه إطلاق النصوص المتضمنة لسقوط القضاء عن المغمی علیه (3).

ولو علم بکون الغذاء موجبا للإغماء قیل : وجب القضاء (4). کتناول المسکر.

ولو شربت المرأة دواء لتحیض أو لیسقط الولد فتصیر نفساء لم یجب علیها القضاء للعموم ، وبه قطع الشهیدان. وفرقا بین ذلک وبین تناول الغذاء المقتضی للإغماء بأن سقوط القضاء عنهما عزیمة لا رخصة وتخفیف ، بخلاف المغمی علیه (5). وفی هذا الفرق نظر.

قوله : ( وإذا ارتدّ المسلم ، أو أسلم الکافر ثم کفر وجب علیه قضاء زمان ردّته ).

هذا قول علمائنا أجمع ، حکاه فی المنتهی (6) ، تمسکا بمقتضی العمومات المتضمنة لوجوب قضاء الفوائت السالمة من المعارض. وقد یحصل التوقف فی

حکم أکل ما یؤدی إلی الاغماء أو الحیض

حکم المرتد

ص: 292


1- الذکری : 135.
2- الوسائل 5 : 347 أبواب قضاء الصلوات ب 1.
3- الوسائل 5 : 352 أبواب قضاء الصلوات ب 3.
4- قال به الشهید الثانی فی المسالک 1 : 42.
5- الشهید الأولی فی الذکری : 135 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 355 ، والمسالک 1 : 42 ، والروضة البهیة 1 : 343.
6- المنتهی 1 : 421.

وأما القضاء : فإنه یجب قضاء الفائتة إذا کانت واجبة ، ویستحب إذا کانت نافلة موقتة استحبابا مؤکدا ، فإن فاتت بمرض لا یزیل العقل لم یتأکد الاستحباب.

______________________________________________________

وجوب القضاء علی المرتد عن فطرة ، بل وفی غیره من العبادات إن قلنا بعده قبول توبته باطنا ، لکنه بعید.

قوله : ( وأما القضاء ، فإنه یجب قضاء الفائتة إذا کانت واجبة ، ویستحب إذا کانت نافلة موقتة استحبابا مؤکدا ، فإن فاتت بمرض لا یزیل العقل لم یتأکد الاستحباب ).

أما وجوب قضاء الفائتة إذا کانت واجبة فقد تقدم الکلام فیه (1).

قال فی الدروس : والأصح شرعیة قضاء فریضة فعلت علی غیر الوجه الأکمل ، إذا تخیل فیها فوات شرط أو عروض مانع (2). وربما کان مستنده إطلاق الأوامر الواردة بالاحتیاط فی الدین وتوقی الشبهات (3) ، ولا بأس به.

وأما تأکد استحباب قضاء النافلة الموقتة إذا فاتت بغیر المرض فتدل علیه روایات. منها : ما رواه الکلینی والشیخ فی الحسن ، عن مرازم ، قال : سأل إسماعیل بن جابر أبا عبد الله علیه السلام فقال : أصلحک الله إنّ علیّ نوافل کثیرة فکیف أصنع؟ قال : « اقضها » فقال : إنها أکثر من ذلک فقال : « اقضها » قال : لا أحصیها ، قال : « توخّ » قال مرازم : وکنت قد مرضت أربعة أشهر لم أتنفّل فیها ، فقلت : أصلحک الله أو جعلت فداک ، مرضت أربعة أشهر لم أصل نافلة ، فقال : « لیس علیک قضاء ، إن المریض لیس کالصحیح ، کما غلب الله علیه فالله أولی بالعذر فیه » (4).

حکم القضاء

ص: 293


1- فی ج 3 ص 90.
2- الدروس : 25.
3- الوسائل 18 : 111 أبواب صفات القاضی ب 12.
4- الکافی 3 : 451 - 4 ، التهذیب 2 : 12 - 26 ، الوسائل 3 : 57 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 19 ح 1.

ویستحب أن یتصدق عن کل رکعتین بمدّ ، فإن لم یتمکن فعن کل یوم بمدّ.

______________________________________________________

والظاهر أنّ المنفی بقوله : « لیس علیک قضاء » تأکد الاستحباب لا أصل المشروعیة ، کما تدل علیه حسنة محمد بن مسلم قال ، قلت له : رجل مرض فترک النافلة فقال : « یا محمد لیست بفریضة إن قضاها فهو خیر یفعله ، وإن لم یفعل فلا شی ء علیه » (1).

قوله : ( ویستحب أن یتصدق عن کل رکعتین بمدّ ، فإن لم یتمکن فعن کل یوم بمدّ ).

الأصل فی هذه المسألة ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت : أخبرنی عن رجل علیه من صلاة النوافل ما لا یدری ما هو من کثرتها ، کیف یصنع؟ قال : « فلیصل حتی لا یدری کم صلی من کثرتها ، فیکون قد قضی بقدر علمه من ذلک » ثم قال ، قلت له : فإنه لا یقدر علی القضاء ، فقال : « إن کان شغله فی طلب معیشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شی ء علیه ، وإن کان شغله لجمع الدنیا والتشاغل بها عن الصلاة فعلیه القضاء ، وإلا لقی الله عزّ وجلّ وهو مستخف متهاون مضیّع لحرمة رسول الله صلی الله علیه و آله » قلت : فإنّه لا یقدر علی القضاء ، فهل یجزئ أن یتصدق؟ فسکت ملیا ثم قال : « فلیتصدق بصدقة » قلت : فیما یتصدق؟ قال : « بقدر طوله وأدنی ذلک مد لکل مسکین مکان کل صلاة » قلت : وکم الصلاة التی یجب فیها مد لکل مسکین؟ قال : « لکل رکعتین من صلاة اللیل ، ولکل رکعتین من صلاة النهار مد » فقلت : لا یقدر ، فقال : « مد إذن لکل أربع رکعات من صلاة النهار » قلت : « لا یقدر ، قال : « فمد إذن لصلاة اللیل ومد لصلاة النهار ، والصلاة أفضل

استحباب التصدق عن کل رکعتین بمد

ص: 294


1- الکافی 3 : 412 - 5 ، التهذیب 3 : 306 - 947 ، وفی الفقیه 1 : 316 - 1435 ، الوسائل 3 : 58 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 20 ح 1 ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام .

ویجب قضاء الفائتة وقت الذکر ما لم یتضیق وقت حاضرة ، وتترتب السابقة علی اللاحقة ، کالظهر علی العصر ، والعصر علی المغرب ، والمغرب علی العشاء ، سواء کان ذلک لیوم حاضر أو صلوات یوم فائت.

______________________________________________________

والصلاة أفضل والصلاة أفضل » (1) ولا یخفی قصور العبارة عن تأدیة ما تضمنته الروایة.

قوله : ( ویجب قضاء الفائتة وقت الذکر ما لم یتضیق وقت حاضرة ).

المراد أن الفائتة الواحدة یجب قضاؤها وقت الذکر مقدما علی الحاضرة ما لم یتضیق وقت الحاضرة ، دون المتعددة ، فإنه لا یجب تقدیمها علی الحاضرة عنده. وقد صرح بهذا التفصیل فی النافع والمعتبر (2). وسیجی ء الکلام فی المسألتین مفصلا (3).

قوله : ( وتترتب السابقة علی اللاحقة ، کالظهر علی العصر ، والعصر علی المغرب ، والمغرب علی العشاء ، سواء کان ذلک لیوم حاضر أو صلوات یوم فائت ).

المراد أنه یجب تقدیم السابقة علی اللاحقة فی الفوائت والحواضر. وبهذا المعنی صرح المصنف فی النافع فقال : وتترتب الفوائت والحواضر ، والفائتة علی الحاضرة.

وأورد علی العبارة أنّ المترتب علی الشی ء یکون متأخرا عنه ، فکان حق العبارة أن یقول : وتترتب اللاحقة علی السابقة (4).

وأجیب عنه إما بجعل العبارة من باب القلب ، وهو باب شائع ، أو

تقدیم السابقة علی اللاحقة فی القضاء

ص: 295


1- الفقیه 1 : 359 - 1577 ، الوسائل 3 : 55 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 18 ح 2.
2- المختصر النافع : 46 ، والمعتبر 2 : 405.
3- فی ص 298.
4- کما فی المسالک 1 : 43.

______________________________________________________

بتضمین لفظ الترتب التقدم ، والمعنی : وتتقدم السابقة علی اللاحقة ، أو بأن یکون المراد من الترتیب کون کل شی ء فی مرتبته ، ومرتبة السابقة التقدم واللاحقة التأخر (1). والأمر فی ذلک هین.

إذا تقرر ذلک فنقول : إنه لا خلاف بین علماء الإسلام فی ترتب الحواضر بعضها علی بعض.

وأما الفوائت فقال فی المعتبر : إن الأصحاب متفقون علی وجوب ترتیبها بحسب الفوائت (2). وحکی الشهید فی الذکری عن بعض الأصحاب ممّن صنف فی المضایقة والمواسعة القول بالاستحباب (3). وهو ضعیف جدا.

لنا : أنها فاتت مرتبة فیجب قضاؤها کذلک ، لقوله علیه السلام : « من فاتته فریضة فلیقضها کما فاتته » (4) وهو یعم الفریضة وکیفیتها ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا نسیت صلاة أو صلیتها بغیر وضوء وکان علیک صلوات فابدأ بأولهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلها ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لکل صلاة » (5).

ولو جهل ترتیب الفوائت فالأصح سقوطه ، لأن الروایات المتضمنة لوجوب الترتیب لا تتناول الجاهل نصا ولا ظاهرا فیکون منفیا بالأصل. وبه قطع العلامة فی التحریر (6) ، وولده فی الشرح (7) ، والشهیدان (8) ، واستدل

ص: 296


1- کما فی المسالک 1 : 43.
2- المعتبر 2 : 406.
3- الذکری : 136.
4- غوالی اللآلی 2 : 54 - 143 وج 3 : 107 - 150.
5- التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63 ح 1.
6- تحریر الأحکام : 51.
7- إیضاح الفوائد 1 : 147.
8- الشهید الأول فی الذکری : 136 ، والبیان : 152 ، واللمعة : 44 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 360 ، والروضة البهیة 1 : 345.

______________________________________________________

علیه فی الذکری بامتناع التکلیف بالمحال ، واستلزام التکرار المحصل له الحرج المنفی.

وقیل بالوجوب ، لإمکان الامتثال بالتکرار المحصّل له (1). وعلی هذا فیجب علی من فاتته الظهر والعصر من یومین وجهل السابق أن یصلی ظهرا بین عصرین ، أو عصرا بین ظهرین ، لیحصل الترتیب بینهما علی تقدیر سبق کل منهما ، ولو جامعهما مغرب من ثالث صلی الثلاث قبل المغرب وبعدها ، ولو کان معها عشاء فعل السبع قبلها وبعدها ، ولو انضم إلیها صبح فعل الخمس عشرة قبلها وبعدها.

والضابط تکریرها علی وجه یحصل الترتیب علی جمیع الاحتمالات ، وهی اثنان فی الأول ، وستة فی الثانی ، وأربعة وعشرون فی الثالث ، ومائة وعشرون فی الرابع ، حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا من الاحتمالات فی عدد الفرائض المطلوبة.

ویمکن حصول الترتیب بوجه أخصر مما ذکر وأسهل ، وهو أن یصلی الفوائت المذکورة بأی ترتیب أراد ، ویکررها کذلک ناقصة عن عدد آحاد تلک الصلوات بواحدة ، ثم یختم بما بدأ به.

فیصلی فی الفرض الأول الظهر والعصر ثم الظهر ، أو بالعکس.

وفی الثانی الظهر والعصر ثم المغرب ، ثم یکرره مرة أخری ، ثم یصلی الظهر. وفی هذین لا فرق بین الضابطین من حیث العدد.

وفی الثالث یصلی الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء ویکرره ثلاث مرات ، ثم یصلی الظهر ، فیحصل الترتیب بثلاث عشرة فریضة.

وفی الرابع یصلی أربعة أیام متوالیة ، ثم یختم بالصبح. ولا یتعین فی هذا الضابط ترتیب مخصوص.

ص: 297


1- إرشاد الأذهان ( مجمع الفائدة والبرهان 3 ) : 232.

فإن فاتته صلوات لم تترتب علی الحاضرة ، وقیل : تترتب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

ولو فاتته صلوات سفر وحضر وجهل الأول فعلی السقوط یتخیر ، وعلی اعتبار الترتیب یقضی الرباعیات من کل یوم مرتین تماما وقصرا.

قوله : ( فإن فاتته صلوات لم تترتب علی الحاضرة ، وقیل : تترتب ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی وجوب تقدیم الفائتة علی الحاضرة ، فذهب جماعة منهم المرتضی (1) وابن إدریس (2) إلی الوجوب ما لم یتضیق وقت الحاضرة ، وصرحوا ببطلان الحاضرة لو قدمها مع ذکر الفوائت.

وذهب ابنا بابویه - رضی الله عنهما - إلی المواسعة المحضة ، حتی أنّهما استحبا تقدیم الحاضرة علی الفائتة مع السعة (3).

قال فی المختلف بعد حکایة ذلک : وهو مذهب والدی رحمه الله ، وأکثر من عاصرناه من المشایخ (4).

وذهب المصنف فی کتبه الثلاثة إلی وجوب تقدیم الفائتة المتحدة دون المتعددة (5).

واستقرب العلامة فی المختلف وجوب تقدیم الفائتة إن ذکرها فی یوم الفوات ، سواء اتحدت أو تعددت ، قال : فإن لم یذکرها حتی یمضی ذلک الیوم جاز له فعل الحاضرة فی أول وقتها ، ثم یشتغل بالقضاء سواء اتحدت الفائتة أو تعددت (6). وکأنّه أراد بالیوم ما یتناول النهار واللیلة المستقبلة ، وإلا لم یتحقق تعدد الفائت مع ذکره فی یوم الفوات وسعة وقت الحاضرة ، والمعتمد ما اختاره المصنف.

حکم اجتماع لفائتة مع الحاضرة

ص: 298


1- رسائل السید المرتضی 2 : 364.
2- السرائر : 58.
3- الصدوق فی المقنع : 32 ، والفقیه 1 : 233 ، وحکاه عن والده فی المختلف : 144.
4- المختلف : 144.
5- المعتبر 2 : 405 ، والمختصر النافع : 46.
6- المختلف : 144.

______________________________________________________

لنا علی وجوب تقدیم الفائتة المتحدة : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن صفوان ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عن رجل نسی الظهر حتی غربت الشمس ، وقد کان صلی العصر فقال : « کان أبو جعفر أو کان أبی علیهماالسلام یقول : إذا أمکنه أنّ یصلیها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلی المغرب ثمّ صلاها » (1).

وعلی جواز تقدیم الحاضرة علی الفوائت مع التعدد : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن نام رجل أو نسی أن یصلّی المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استیقظ قبل الفجر قدر ما یصلیهما کلتیهما فلیصلیهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فلیبدأ بالعشاء ، وإن استیقظ بعد الفجر فلیصل الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس » (2) وهذه الروایة مع صحتها صریحة فی المطلوب ، فإنّ أقلّ مراتب الأمر الإباحة ، وثمّ للترتیب ، ولا یمکن حمله علی ضیق الوقت لدفعه بقبلیة طلوع الشمس.

وفی الصحیح عن محمّد بن مسلم ، قال : سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار ، قال : « یصلیها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (3).

وتؤیّده الأخبار المتضمنة لاستحباب الأذان والإقامة فی قضاء الفوائت (4) ، والروایات المتضمنة لجواز النافلة ممّن علیه فریضة ، کصحیحة عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله رقد فغلبته عیناه فلم یستیقظ حتی آذاه حر الشمس ، ثمّ استیقظ فرکع رکعتین ثمّ صلّی الصبح وقال : یا بلال ما لک؟! قال : أرقدنی الذی أرقدک یا رسول الله » قال : « وکره المقام ، وقال : نمتم بوادی

ص: 299


1- التهذیب 2 : 269 - 1073 ، الوسائل 3 : 210 أبواب المواقیت ب 62 ح 7.
2- التهذیب 2 : 270 - 1076 ، الوسائل 3 : 209 أبواب المواقیت ب 62 ح 4.
3- الکافی 3 : 452 - 7 ، التهذیب 2 : 163 - 640 ، الوسائل 3 : 175 أبواب المواقیت ب 39 ح 6.
4- الوسائل 4 : 665 أبواب الأذان ب 37 وج 5 : 361 أبواب قضاء الصلوات ب 8.

______________________________________________________

شیطان » (1) والظاهر أنّ الرکعتین اللتین صلاهما أولا رکعتا الفجر کما وقع التصریح به فی صحیحة زرارة (2) وغیرها (3).

احتج القائلون بالتضییق (4) بالإجماع ، والاحتیاط ، وأنّه مأمور بالقضاء علی الإطلاق ، والأوامر المطلقة للفور ، وقوله تعالی ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی ) (5) والمراد بها الفائتة ، لقوله علیه السلام فی روایة (6) زرارة : « ابدأ بالتی فاتتک فإنّ الله تعالی یقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی ) » (7) وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا نسیت صلاة أو صلیتها بغیر وضوء وکان علیک قضاء صلوات فابدأ بأوّلهن فأذّن لها وأقم ثمّ صلها ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لکل صلاة » قال : « وقال أبو جعفر علیه السلام : « وإن کنت قد صلیت الظهر وقد فاتتک الغداة فذکرتها فصلّ أی ساعة ذکرتها ولو بعد العصر ، ومتی ذکرت صلاة فاتتک صلیتها » وقال : إن نسیت الظهر حتی صلیت العصر فذکرتها وأنت فی الصلاة أو بعد فراغک فانوها الأولی ثمّ صلّ العصر فإنما هی أربع مکان أربع ، وإن ذکرت أنّک لم تصل الأولی وأنت فی صلاة العصر فقد صلیت منها رکعتین فصل الرکعتین الباقیتین ثمّ قم فصل العصر ، وإن کنت ذکرت أنّک لم تصل العصر حتی دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صلّ المغرب ، وإن کنت قد صلیت المغرب فقم فصل العصر ، وإن کنت قد صلیت من المغرب رکعتین ثمّ ذکرت العصر فانوها

ص: 300


1- التهذیب 2 : 265 - 1058 ، الإستبصار 1 : 286 - 1049 ، الوسائل 3 : 206 أبواب المواقیت ب 61 ح 1.
2- الذکری : 134 ، الوسائل 3 : 207 أبواب المواقیت ب 61 ح 6.
3- دعائم الإسلام 1 : 141 ، مستدرک الوسائل 1 : 195 أبواب المواقیت ب 46 ح 1.
4- منهم الشیخ فی الخلاف 1 : 135 ، وابن إدریس فی السرائر : 589.
5- طه : 14.
6- فی « ح » : صحیحة.
7- الکافی 3 : 293 - 4 ، التهذیب 2 : 172 - 686 وفیه : عن عبید بن زرارة ، الإستبصار 1 : 287 - 1051 ، الوسائل 3 : 209 أبواب المواقیت ب 62 ح 2.

______________________________________________________

العصر ثمّ سلم ثمّ صلّ المغرب ، وإن کنت قد صلیت العشاء الآخرة ونسیت المغرب فقم فصل المغرب ، وإن کنت ذکرتها وقد صلیت من العشاء الآخرة رکعتین أو قمت فی الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلم ثمّ قم فصل العشاء الآخرة ، وإن کنت قد نسیت العشاء الآخرة حتی صلیت الفجر فصل العشاء الآخرة ، وإن کنت ذکرتها وأنت فی رکعة أو فی الثانیة من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصل الغداة وأذّن وأقم ، وإن کانت المغرب والعشاء قد فاتتاک جمیعا فابدأ بهما قبل أن تصلی الغداة ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء ، وإن خشیت أن تفوتک الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمّ بالغداة ثمّ صلّ العشاء ، وإن خشیت أن تفوتک صلاة الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ، ثمّ صلّ المغرب والعشاء ابدأ بأوّلهما لأنّهما جمیعا قضاء أیّهما ذکرت فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس » قال ، قلت : لم ذاک؟ قال : « لأنّک لست تخاف فوته » (1) قال الشیخ فی الخلاف : جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب کله (2).

والجواب أما عن الإجماع فبالمنع منه فی موضع النزاع ، خصوصا مع مخالفة ابنی بابویه اللذین هما من أجلاء هذه الطائفة (3) ، واحتمال وجود المشارک لهم فی الفتوی.

وأما عن الاحتیاط فبأنه إنّما یفید الأولویة لا الوجوب ، مع أنّه معارض بأصالة البراءة.

وأما قولهم : إنّ الأوامر المطلقة للفور ، فممنوع ، بل الحق أنّها إنّما تدل علی طلب الماهیة من غیر إشعار بفور ولا تراخ.

قال فی المعتبر : ولو قالوا ادعی المرتضی أنّ أوامر الشرع علی التضییق ، قلنا : یلزمه ما عمله ، وأما نحن فلا نعلم ما ادعاه. علی أنّ القول بالتضییق

ص: 301


1- التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 ، أبواب المواقیت ب 63 ح 1 وأوردها فی الکافی 3 : 291 - 1.
2- الخلاف 1 : 136.
3- راجع ص 298.

______________________________________________________

یلزم منه منع من علیه صلوات کثیرة أن یأکل شبعا ، أو ینام زائدا علی الضرورة ، أو یتعیش إلاّ لاکتساب قوت یومه له ولعیاله ، وأنّه لو کان معه درهم لیومه حرم علیه الاکتساب حتی تخلو یده ، والتزام ذلک مکابرة صرفة ، والتزام سوفسطائی. ولو قیل : قد أشار أبو الصلاح الحلبی إلی ذلک ، قلنا : فنحن نعلم من المسلمین کافة خلاف ما ذکره ، فإن أکثر الناس یکون علیهم صلوات کثیرة ، فإذا صلی الإنسان منهم شهرین فی یومه استکثره الناس (1).

وأما الآیة فلو سلم اختصاصها بالفائتة لم تدل علی أزید من الوجوب ، ونحن نقول به ، ولا یلزم منه التضییق ، مع أن الظاهر تناولها للحاضرة والفائتة ، وذلک کاف فی الاستدلال بها علی وجوب الفائتة.

وذکر المفسرون (2) أن معنی قوله تعالی ( لِذِکْرِی ) أنّ الصلاة تذکر بالمعبود وتشغل اللسان والقلب بذکره. وقیل : إنّ المراد لذکری خاصة ، لا ترائی بها ولا تشبها بذکر غیری (3). وقیل : إنّ المراد لأنی ذکرتها فی الکتب وأمرت بها (4). وهذه الوجوه کلها آتیة فی مطلق الصلاة الحاضرة والفائتة.

وأما عن الروایة فبالحمل علی الاستحباب جمعا بینها وبین صحیحة ابن سنان المتضمنة للأمر بتقدیم الحاضرة علی الفوائت المتعددة (5) ، وإعمال الدلیلین أولی من اطراح أحدهما ، خصوصا مع اشتهار استعمال الأوامر فی الندب.

واعلم أنّ العلامة فی المختلف استدل بروایة زرارة المتقدمة علی وجوب تقدیم فائتة الیوم ثمّ قال : لا یقال هذا الحدیث یدل علی وجوب الابتداء بالقضاء فی الیوم الثانی ، لأنه علیه السلام قال : « وإن کان المغرب والعشاء قد

ص: 302


1- المعتبر 2 : 408.
2- منهم الشیخ فی التبیان 7 : 165 ، والطبرسی فی مجمع البیان 4 : 5 ، والزمخشری فی الکشاف 3 : 55.
3- کما فی الکشاف 3 : 55 ، وتفسیر أبی السعود 2 : 8.
4- کما فی الکشاف 3 : 55 ، وروح المعانی 16 : 171.
5- التهذیب 2 : 270 - 1076 ، الوسائل 3 : 209 أبواب المواقیت ب 62 ح 4.

ولو کان علیه صلاة فنسیها وصلی الحاضرة لم یعد. ولو ذکر فی أثنائها عدل إلی السابقة.

______________________________________________________

فاتتاک جمیعا فابدأ بهما قبل أن تصلّی الغداة » إن کان الأمر للوجوب وإلاّ سقط الاستدلال به ، لأنا نقول : جاز أن یکون للوجوب فی الأول دون الثانی لدلیل ، فإنه لا یجب من کونه للوجوب مطلقا کونه للوجوب فی کل شی ء (1).

وهو جید ، لکن مقتضی قوله علیه السلام فی صحیحة ابن مسلم فیمن نسی صلاة النهار : « یقضیها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (2) حمل الأمر بتقدیم الفائتة مع التعدد إذا ذکرها فی یوم الفوات علی الندب أیضا ، جمعا بین الأدلة. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

قوله : ( ولو ذکر فی أثنائها عدل إلی السابقة ) (3).

وجوبا عند من قال بتقدیم الفائتة ، واستحبابا عند القائل بالتوسعة. وإنما یعدل إلی السابقة مع بقاء محل العدول ، وذلک حیث لا یتحقق زیادة رکوع علی عدد السابقة.

وربما ظهر من قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة المتقدمة : « إن نسیت الظهر حتی صلیت العصر فذکرتها وأنت فی الصلاة أو بعد فراغک فانوها الأولی ثم صل العصر فإنما هی أربع مکان أربع » (4) تحقق العدول بعد الفراغ أیضا.

وحملها الشیخ فی الخلاف علی أن المراد بالفراغ ما قاربه (5). وردّه المصنف

ص: 303


1- المختلف : 144.
2- الکافی 3 : 452 - 7 ، التهذیب 2 : 163 - 640 ، الوسائل 3 : 175 أبواب المواقیت ب 39 ح 6.
3- بدل ما بین القوسین فی « م » ، « ض » ، « ح » : ولو کان علیه. لا خلاف فی صحة الحاضرة إذا أوقعها قبل الفائتة علی وجه النسیان ، ومع الذکر فی الأثناء یعدل إلی السابقة.
4- الکافی 3 : 291 - 1 ، التهذیب 3 : 158 - 340 ، الوسائل 3 : 211 أبواب المواقیت ب 63 ح 1.
5- الخلاف 1 : 136.

ولو صلی الحاضرة مع الذکر أعاد. ولو دخل فی نافلة وذکر أن علیه فریضة استأنف الفریضة.

ویقضی صلاة السفر قصرا ولو فی الحضر ، وصلاة الحضر تماما ولو فی السفر.

______________________________________________________

فی المعتبر بأنه بعید جدا ، قال : بل یلزمه العمل بالخبر إن صححه وإلاّ أطرحه (1). وهو کذلک.

قوله : ( ولو صلی الحاضرة مع الذکر أعاد ).

بناء علی القول بوجوب تقدیم الفائتة وإلاّ فلا إعادة.

قوله : ( ولو دخل فی نافلة وذکر أن علیه فریضة استأنف الفریضة ).

الأصح جواز النافلة لمن فی ذمته فریضة مطلقا. وقد بینا ذلک فیما سبق (2).

قوله : ( ویقضی صلاة السفر قصرا ولو فی الحضر ، وصلاة الحضر تماما ولو فی السفر ).

هذا مذهب العلماء کافة إلاّ من شذ (3). ویدل علیه قول النبی صلی الله علیه و آله : « فلیقضها کما فاتته » (4) وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة قال ، قلت له : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذکرها فی الحضر فقال : « یقضی ما فاته کما فاته ، إن کانت صلاة السفر أدّاها فی الحضر مثلها ، وإن کانت صلاة الحضر فلیقض فی السفر صلاة الحضر » (5).

حکم النوافل لمن علیه فریضة

حکم قضاء صلاة السفر فی الحضر وبالعکس

ص: 304


1- المعتبر 2 : 410.
2- فی ج 3 ص 87.
3- وهو الشافعی فی الأم 1 : 182.
4- عوالی اللآلی 2 : 54 - 143 وج 3 : 107 - 150.
5- التهذیب 3 : 162 - 350 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.

وأما اللواحق ، فمسائل :

الأولی : من فاتته فریضة من الخمس غیر معیّنة قضی صبحا ومغربا وأربعا عما فی ذمّته ، وقیل یقضی صلاة یوم ، والأول مرویّ ، وهو أشبه.

______________________________________________________

وروی زرارة أیضا ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا نسی الرجل صلاة أو صلاها بغیر طهور وهو مقیم أو مسافر فذکرها فلیقض الذی وجب علیه لا یزید علی ذلک ولا ینقص ، من نسی أربعا فلیقض أربعا ، مسافرا کان أو مقیما ، وإن نسی رکعتین صلی رکعتین إذا ذکر ، مسافرا کان أو مقیما » (1).

ولو حصل الفوات فی أماکن التخییر احتمل ثبوته فی القضاء لإطلاق قوله علیه السلام : « یقضی ما فاته کما فاته » (2) ، وتعیّن القصر لأنه فرض المسافر ، وهو أحوط.

قوله : ( وأما اللواحق ، فمسائل ، الأولی : من فاتته فریضة من الخمس غیر معیّنة قضی صبحا ومغربا وأربعا عما فی ذمّته ، وقیل یقضی صلاة یوم ، والأولی مرویّ ، وهو الأشبه ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - من الاکتفاء بقضاء الفرائض الثلاث لمن فاتته فریضة مجهولة من الخمس مذهب الشیخین (3) ، وابنی بابویه (4) ، وابن الجنید (5) ، وابن إدریس (6) ، وحکی فیه الشیخ فی الخلاف إجماع الفرقة (7).

حکم من فاتته فریضة غیر متعینة من الخمس.

ص: 305


1- الفقیه 1 : 282 - 1283 ، التهذیب 3 : 225 - 568 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 4.
2- الکافی 3 : 435 - 7 ، التهذیب 3 : 162 - 350 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلاة ب 6 ح 1.
3- المفید فی المقنعة : 24 ، والشیخ فی النهایة : 127 ، والخلاف 1 : 104 ، والمبسوط 1 : 127.
4- الصدوق فی الفقیه 1 : 231 ، والمقنع : 32 ، ونقله عنهما فی المختلف : 148.
5- نقله عنه فی المختلف : 148.
6- السرائر : 59.
7- الخلاف 1 : 104.

ولو فاته من ذلک مرات لا یعلمها قضی حتی یغلب علی ظنه أنه وفی.

______________________________________________________

والقول بوجوب قضاء الخمس لأبی الصلاح (1) ، وابن حمزة (2). والمعتمد الأول.

لنا : أن الواجب علیه صلاة واحدة لکن لما کانت غیر متعینة ، والزیادة والنقیصة فی الصلاة مبطلة ، وجب علیه الإتیان بالثلاث لدخول الواجب فی أحدها یقینا ، والأصل براءة الذمة من الزائد. ویؤیده روایة علی بن أسباط ، عن غیر واحد من أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من نسی صلاة من صلاة یومه ولم یدر أی صلاة هی صلی رکعتین وثلاثا وأربعا » (3).

احتج القائلون بوجوب الخمس بأنه یجب علیه قضاء الفائتة ، ولا یعلم الإتیان بها إلا بقضاء الخمس ، فیجب من باب المقدمة (4).

والجواب بالمنع من توقف الإتیان بالواجب علی الخمس ، لحصوله بالثلاث کما بیناه.

قوله : ( ولو فاته من ذلک مرات لا یعلمها قضی حتی یغلب علی ظنه أنه وفی ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، ولم نقف فیه علی نصّ بالخصوص.

واحتج علیه فی التهذیب بصحیحة عبد الله بن سنان الدالة علی استحباب قضاء ما یغلب علی الظن فواته من النوافل (5).

حکم من فاته ما لا یحصیه

ص: 306


1- الکافی فی الفقه : 150.
2- لم نجده فی الوسیلة ، ولعله تصحیف عن ابن زهرة کما قال فی المختلف : 148 ، وهو موجود فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 562.
3- التهذیب 2 : 197 - 774 ، الوسائل 5 : 365 أبواب قضاء الصلوات ب 11 ح 1.
4- حکاه عنهم فی المختلف : 148.
5- التهذیب 2 : 198 - 778 ، الوسائل 3 : 55 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 18 ح 2 ، وأوردها فی الکافی 3 : 453 - 13 ، الفقیه 1 : 359 - 1577 ، المحاسن : 315 - 33.

الثانیة : إذا فاتته صلاة معیّنة ولم یعلم کم مرّة کرّر من تلک الصلاة حتی یغلب عنده الوفاء ، ولو فاتته صلوات لا یعلم کمیّتها ولا عینها صلی أیاما متوالیة حتی یعلم أن الواجب دخل فی الجملة.

______________________________________________________

واعترضه جدی - قدس سره - بأن النوافل أدنی مرتبة من الفرائض ، فلا یلزم من الاکتفاء فیها بالظن الاکتفاء فی الفرائض بذلک (1).

ویمکن الجواب عنه بأن الشیخ - رحمه الله - إنما استدل بالروایة علی وجوب القضاء إلی أن یغلب علی الظن الوفاء لا علی الاکتفاء بالظن ، فإنه یکفی فی عدم اعتبار ما زاد علیه عدم تحقق الفوات.

نعم : یرد علی هذا الاستدلال أن قضاء النوافل علی هذا الوجه إنما هو علی وجه الاستحباب فلا یلزم منه وجوب قضاء الفریضة کذلک.

واحتمل العلامة فی التذکرة الاکتفاء بقضاء ما تیقن فواته خاصة (2). وهو متجه ، لأصالة البراءة من التکلیف بالقضاء مع عدم تیقن الفوات ، ولأن الظاهر من حال المسلم أنه لا یترک الصلاة ، ویؤیده حسنة زرارة والفضیل ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « متی ما استیقنت أو شککت فی وقت صلاة أنک لم تصلها صلیتها ، وإن شککت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل فلا إعادة علیک من شک حتی تستیقن ، وإن استیقنت فعلیک أن تصلیها فی أی حال کنت » (3).

قوله : ( الثانیة ، إذا فاتته صلاة معیّنة ولم یعلم کم مرّة کرّر من تلک الصلاة حتی یغلب عنده الوفاء ، ولو فاتته صلوات لا یعلم کمیّتها ولا عینها صلی أیاما متوالیة حتی یعلم أن الواجب دخل فی الجملة ).

ص: 307


1- روض الجنان : 359.
2- التذکرة 1 : 83.
3- الکافی 3 : 294 - 10 ، التهذیب 2 : 276 - 1098 ، الوسائل 3 : 205 أبواب المواقیت ب 60 ح 1.

الثالثة : من ترک الصلاة مرّة مستحلا قتل إن کان ولد مسلما ، واستتیب إن کان أسلم عن کفر ، فإن امتنع قتل. فإن ادعی الشبهة المحتملة درئ عنه الحدّ. وإن لم یکن مستحلا عزّر ، فإن عاد عزّر ، فإن عاد ثالثة قتل ، وقیل : بل فی الرابعة ، وهو الأحوط.

______________________________________________________

قد یسأل عن الوجه فی اشتراط العلم هنا والاکتفاء فیما قبله بغلبة الظن ، ولا یمکن الجواب عنه إلا بحمل العلم هنا علی ما یتناول الظن. والبحث المتقدم آت هنا بعینه.

قوله : ( الثالثة ، من ترک الصلاة مرّة مستحلا قتل إن کان ولد مسلما ، واستتیب إن کان أسلم عن کفر ، فإن امتنع قتل ).

الوجه فی ذلک أن الصلاة مما علم ثبوتها من دین الإسلام ضرورة ، فیکون إنکارها من المسلم ارتدادا ، ومن حکم المرتد أنه یقتل إن کان ولد مسلما ، ویستتاب إن أسلم عن کفر ، فإن امتنع قتل. وقد ورد فی عدة أخبار صحیحة أن تارک الصلاة کافر (1) ، ذکرنا طرفا منها فی أول کتاب الصلاة ، وهی خالیة من قید الاستحلال. وفی حکم ترک الصلاة ترک شرط أو جزء ضروری. کالطهارة والرکوع ، أما غیره کقراءة الفاتحة والطمأنینة الواجبة فلا یقتل مستحل ترکه. والحکم مختص بالذکر ، أما المرأة فلا تقتل بذلک کما لا تقتل بمطلق الارتداد ، بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتی تتوب أو تموت.

قوله : ( فإن ادعی الشبهة المحتملة درئ عنه الحدّ ).

تتحقق الشبهة المحتملة بقرب عهده بالإسلام ، أو سکناه فی بادیة یمکن فی حقه عدم علم وجوبها ، أو دعوی النسیان فی إخباره عن الاستحلال ، أو الغفلة ، أو تأویل الصلاة بالنافلة ، ونحو ذلک.

قوله : ( وإن لم یکن مستحلا عزّر ، فإن عاد عزّر ، فإن عاد ثالثة قتل ، وقیل : بل فی الرابعة ، وهو الأحوط ).

قتل تارک الصلاة مستحلا

تعزیر تارک الصلاة بغیر استحلال

ص: 308


1- الوسائل 3 : 28 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 11.

______________________________________________________

القول للشیخ رحمه الله فی المبسوط ، واستدل علیه بما روی عنهم علیهم السلام : « ان أصحاب الکبائر یقتلون فی الرابعة » (1) قال : وذلک عام فی جمیع الکبائر (2). وروی أیضا فی الخلاف مرسلا عنهم علیهم السلام : « إن أصحاب الکبائر یقتلون فی الثالثة » (3). ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی التأخیر إلی الرابعة.

ص: 309


1- المبسوط 1 : 129.
2- المبسوط 1 : 129.
3- الخلاف 1 : 278.

الفصل الثّالث :

فی الجماعة

والنظر فی أطراف :

الأول : الجماعة مستحبة فی الفرائض کلّها ، وتتأکد فی الصلاة المرتّبة.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثّالث ، فی الجماعة : والنظر فی أطراف ، الأول : الجماعة مستحبة فی الفرائض کلّها ، وتتأکد فی الصلاة المرتّبة ).

أما استحباب الجماعة فی الفرائض کلها فقال فی المنتهی : إنه مذهب علمائنا أجمع (1). ویندرج فی الفرائض : الیومیة وغیرها ، المؤداة والمقضیة حتی المنذورة. وصلاة الاحتیاط ، ورکعتا الطواف. وفی استفادة هذا التعمیم من الأخبار نظر.

وأما تأکد الاستحباب فی الصلاة المرتبة - وهی الیومیة - فهو من ضروریات الدین ، قال الله عزّ وجلّ فی کتابه المبین ( وَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّکاةَ وَارْکَعُوا مَعَ الرّاکِعِینَ ) (2).

وروینا فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان قال ، قال أبو عبد الله علیه السلام : « الصلاة فی جماعة تفضل علی صلاة الفرد بأربع وعشرین درجة تکون خمسا وعشرین درجة » (3).

صلاة الجماعة

مواضع استحباب الجماعة وتأکدها

ص: 310


1- المنتهی 1 : 363.
2- البقرة : 43.
3- التهذیب 3 : 25 - 85 ، ثواب الأعمال : 63 - 1 ، الوسائل 5 : 370 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 1.

______________________________________________________

وفی الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : ما یروی الناس أن الصلاة فی جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرین صلاة فقال : « صدقوا » فقلت : الرجلان یکونان جماعة؟ فقال : « نعم ، ویقوم الرجل عن یمین الإمام » (1).

وعن محمد بن عمارة ، قال : أرسلت إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام أسأله عن الرجل یصلی المکتوبة وحده فی مسجد الکوفة أفضل أو صلاته فی جماعة؟ فقال : « الصلاة فی جماعة أفضل » (2) ویستفاد من هذه الروایة أن الصلاة فی جماعة أفضل من ألف صلاة ، لأنه قد روی أن الصلاة فی مسجد الکوفة بألف صلاة (3).

وقد استفاضت الروایات بالنهی الأکید عن ترکها ، فروی الشیخ فی التهذیب بسند معتبر ، عن الثقة الجلیل عبد الله بن أبی یعفور ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا صلاة لمن لا یصلی فی المسجد مع المسلمین إلا من علة. وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا غیبة إلا لمن صلی فی بیته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمین وجب علی المسلمین غیبته وسقطت بینهم عدالته ووجب هجرانه ، وإذا رفع إلی إمام المسلمین أنذره وحذره ، فإن حضر جماعة المسلمین وإلا أحرق علیه بیته » (4).

وعن عبد الله بن أبی یعفور أیضا ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « همّ رسول الله صلی الله علیه و آله بإحراق قوم کانوا یصلون فی منازلهم ولا

ص: 311


1- الکافی 3 : 371 - 1 ، التهذیب 3 : 24 - 82 ، الوسائل 5 : 371 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.
2- التهذیب 3 : 25 - 88 ، الوسائل 3 : 512 أبواب أحکام المساجد ب 33 ح 4.
3- التهذیب 6 : 33 - 63 ، کامل الزیارات : 29 - 7 ، الوسائل 3 : 524 أبواب أحکام المساجد ب 44 ح 11.
4- التهذیب 6 : 241 - 596 ، الإستبصار 3 : 12 - 33 ، الوسائل 18 : 288 أبواب الشهادات ب 41 ح 1 وص 289 ح 2.

______________________________________________________

یصلون الجماعة ، فأتاه رجل أعمی فقال : یا رسول الله إنی ضریر البصر وربما أسمع النداء ولا أجد من یقودنی إلی الجماعة والصلاة معک ، فقال له النبی صلی الله علیه و آله : شدّ من منزلک إلی المسجد حبلا واحضر الجماعة » (1).

وفی الصحیح عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سمعته یقول : « إن أناسا کانوا علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله أبطئوا عن الصلاة فی المسجد فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لیوشک قوم یدعون الصلاة فی المسجد أن نأمر بحطب فیوضع علی أبوابهم فتوقد علیهم نار فتحرق بیوتهم » (2).

وروی عبد الله بن سنان أیضا فی الصحیح ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته یقول : « صلی رسول الله صلی الله علیه و آله الفجر فأقبل بوجهه علی أصحابه فسأل عن أناس یسمیهم بأسمائهم فقال : هل حضروا الصلاة؟ فقالوا : لا یا رسول الله صلی الله علیه و آله فقال : أغیّب هم؟ فقالوا : لا فقال : أما إنه لیس من صلاة أشد علی المنافقین من هذه الصلاة والعشاء ، ولو علموا أی فضل فیهما لأتوهما ولو حبوا » (3) والأخبار الواردة فی ذلک أکثر من أن تحصی.

فائدة : یستحب حضور جماعة أهل الخلاف (4) استحبابا مؤکدا ، فروی ابن بابویه فی الصحیح ، عن زید الشحام ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال له : « یا زید خالقوا الناس بأخلاقهم ، صلوا فی مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تکونوا الأئمة والمؤذنین

استحباب حضور جماعة أهل الخلاف

ص: 312


1- التهذیب 3 : 266 - 753 ، الوسائل 5 : 377 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 9.
2- التهذیب 3 : 25 - 87 ، الوسائل 5 : 377 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 10.
3- الفقیه 1 : 246 - 1097 ، التهذیب 3 : 25 - 86 ، المحاسن : 84 - 21 ، عقاب الأعمال : 275 - 1 ، أمالی الصدوق : 392 - 15 بتفاوت یسیر ، الوسائل 5 : 378 أبواب صلاة الجماعة ب 3 ح 1.
4- فی « ح » زیادة : للتقیة.

ولا تجب إلا فی الجمعة والعیدین مع الشرائط.

______________________________________________________

فافعلوا ، فإنکم إذا فعلتم ذلک قالوا : هؤلاء الجعفریة ، رحم الله جعفرا ما کان أحسن ما یؤدب أصحابه ، وإذا ترکتم ذلک قالوا هؤلاء الجعفریة فعل الله بجعفر ما کان أسوأ ما یؤدب أصحابه » (1).

وفی الصحیح عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من صلی معهم فی الصف الأول کان کمن صلی مع رسول الله صلی الله علیه و آله فی الصف الأول » (2).

وفی الصحیح عن حفص بن البختری ، عنه علیه السلام أنه قال : « یحسب لک إذا دخلت معهم وإن کنت لا تقتدی بهم مثل ما یحسب لک إذا کنت مع من تقتدی به » (3).

ویستحب صلاة المکتوبة فی المنزل أولا ثم حضور جماعتهم والصلاة معهم نافلة أو قضاء ، لما فی ذلک من تأدی التقیة والإتیان بالفریضة علی أکمل الأحوال ، ولما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ما من عبد یصلی فی الوقت ویفرغ ثم یأتیهم ویصلی معهم وهو علی وضوء إلا کتب الله له خمسا وعشرین درجة » (4).

وفی الصحیح عن عمر بن یزید ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ما منکم أحد یصلی صلاة فریضة فی وقتها ثم یصلی معهم صلاة تقیة وهو متوض إلا کتب الله له خمسا وعشرین درجة ، فارغبوا فی ذلک » (5).

قوله : ( ولا تجب إلا فی الجمعة والعیدین مع الشرائط ).

وجوب الجماعة فی الجمعة والعیدین

ص: 313


1- الفقیه 1 : 251 - 1129.
2- الفقیه 1 : 250 - 1126 ، أمالی الصدوق : 300 - 14 بتفاوت فی السند ، الوسائل 5 : 381 أبواب صلاة الجماعة ب 5 ح 1.
3- الکافی 3 : 373 - 9 ، الفقیه 1 : 251 - 1127 ، التهذیب 3 : 265 - 752 ، الوسائل 5 : 381 أبواب صلاة الجماعة ب 5 ح 3.
4- الفقیه 1 : 265 - 1210 ، الوسائل 5 : 383 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 2.
5- الفقیه 1 : 250 - 1125 ، الوسائل 5 : 383 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 1.

ولا تجوز فی شی ء من النوافل ، عدا الاستسقاء والعیدین مع اختلال شرائط الوجوب.

______________________________________________________

المراد أنها لا تجب بالأصل إلا فی هذین الموضعین فلا ینافی ذلک وجوبها بالعارض کالنذر وما یجری مجراه ، وکما فی جاهل القراءة إذا عجز عن التعلم وأمکنه الائتمام ، وخالف فی ذلک أکثر العامة ، فقال بعضهم (1) : إنها فرض علی الکفایة فی الصلوات الخمس ، وقال آخرون : إنها فرض علی الأعیان (2) ، وقال بعض الحنابلة (3) : إنها شرط فی الصلاة تبطل بفواتها کسائر الشروط والواجبات.

ویدل علی انتفاء الوجوب مضافا إلی الأصل وإجماع الطائفة صحیحة زرارة والفضیل قالا ، قلنا له : الصلاة فی جماعة فریضة هی؟ فقال : « الصلاة فریضة ولیس الاجتماع بمفروض فی الصلوات کلها ولکنها سنة من ترکها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنین من غیر علة فلا صلاة له » (4).

قوله : ( ولا تجوز فی شی ء من النوافل ، عدا الاستسقاء والعیدین مع اختلال شرائط الوجوب ).

أما استحباب الجماعة فی صلاة العیدین - مع اختلال شرائط الوجوب - والاستسقاء (5) فقد تقدم الکلام فیه مفصلا (6). وأما أنه لا تجوز الجماعة فی غیرهما من النوافل فقال فی المنتهی : إنه مذهب علمائنا أجمع (7) ، واستدل بما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضیل ، عن الصادقین

جواز الجماعة فی الاستسقاء والعیدین من النوافل

ص: 314


1- منهم الفیروزآبادی فی المهذب 1 : 93.
2- کابن رشد فی بدایة المجتهد 1 : 144.
3- کابنی قدامة فی المغنی والشرح الکبیر 2 : 4.
4- الکافی 3 : 372 - 6 ، التهذیب 3 : 24 - 83 ، الوسائل 5 : 371 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.
5- لیست فی « ض » ، « م ».
6- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : وأما فی الاستسقاء فموضع وفاق ویدل علیه التأسی والأخبار الکثیرة ، وقد تقدم طرف منها فیما سبق.
7- المنتهی 1 : 364.

______________________________________________________

علیهماالسلام : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال : إن الصلاة باللیل فی شهر رمضان النافلة فی جماعة بدعة » (1).

وعن إسحاق بن عمار ، عن أبی الحسن علیه السلام ، وسماعة بن مهران ، عن أبی عبد الله علیه السلام : « إن النبی صلی الله علیه و آله قال فی نافلة رمضان : أیها الناس إن هذه الصلاة نافلة ، ولن یجتمع للنافلة ، فلیصل کل رجل منکم وحده ولیقل ما علمه الله من کتابه ، واعلموا أنه لا جماعة فی نافلة » (2).

وفی هذا الاستدلال نظر ، لقصور الروایة الأولی عن إفادة العموم ، وضعف سند الثانیة باشتماله علی محمد بن سلیمان الدیلمی وغیره.

وربما ظهر من کلام المصنف فیما سیأتی أن فی المسألة قولا بجواز الاقتداء فی النافلة مطلقا. وقال فی الذکری : لو صلی مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة ، أو صلی متنفل بالراتبة خلف المفترض ، أو متنفل براتبة خلف راتبة أو غیرها من النوافل فظاهر المتأخرین المنع (3). وهذا الکلام یؤذن بأن المنع لیس إجماعیا.

وقد ورد بالجواز روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال له : « صل بأهلک فی رمضان الفریضة والنافلة فإنی أفعله » (4).

وفی الصحیح ، عن هشام بن سالم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن

ص: 315


1- التهذیب 3 : 69 - 226 ، الإستبصار 1 : 467 - 1807 ، الوسائل 5 : 191 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.
2- التهذیب 3 : 64 - 217 ، الإستبصار 1 : 464 - 1801 ، الوسائل 5 : 181 أبواب نافلة شهر رمضان ب 7 ح 6.
3- الذکری : 266.
4- التهذیب 3 : 267 - 762 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 13.

وتدرک الصلاة جماعة بإدراک الرکوع ، وبإدراک الإمام راکعا علی الأشبه. وأقل ما تنعقد باثنین ، الإمام أحدهما.

______________________________________________________

المرأة تؤم النساء فقال : « تؤمهن فی النافلة ، فأما فی المکتوبة فلا » (1) ونحوه روی أیضا فی الصحیح ، عن الحلبی (2) ، وسلیمان بن خالد (3) ، عن أبی عبد الله علیه السلام .

ومن هنا یظهر أن ما ذهب إلیه بعض الأصحاب (4) من استحباب الجماعة فی صلاة الغدیر جید. وإن لم یرد فیها نص علی الخصوص ، مع أن العلامة نقل فی التذکرة عن أبی الصلاح أنه روی استحباب الجماعة فیها (5) ، ولم نقف علی ما ذکره.

قوله : ( وتدرک الصلاة جماعة بإدراک الرکوع ، وبإدراک الإمام راکعا علی الأشبه ).

أما إدراک الرکعة بإدراک الرکوع فعلیه اتفاق العلماء. وأما بإدراک الإمام راکعا فهو أحد القولین فی المسألة وأظهرهما ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه (6) ، وقد تقدم الکلام فی ذلک مفصلا فی الجمعة (7) فلا نعیده.

قوله : ( وأقل ما تنعقد باثنین ، الإمام أحدهما ).

هذا قول فقهاء الأمصار ، قاله فی المنتهی (8) وتدل علیه حسنة زرارة

درک الجماعة بدرک الامام راکعا

أقل ما تنعقد به الجماعة

ص: 316


1- الفقیه 1 : 259 - 1176 ، التهذیب 3 : 205 - 487 ، الوسائل 5 : 406 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1.
2- التهذیب 3 : 268 - 765 ، الإستبصار 1 : 427 - 1647 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 9.
3- الکافی 3 : 376 - 2 ، التهذیب 3 : 269 - 768 ، الإستبصار 1 : 426 - 1646 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.
4- منهم أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 160 ، والشهید الأول فی اللمعة : 47.
5- التذکرة 1 : 73.
6- الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 45.
7- راجع ص 17.
8- المنتهی 1 : 364.

ولا تصحّ مع حائل بین الإمام والمأموم یمنع المشاهدة ،

______________________________________________________

المتقدمة (1) ، وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « الرجلان یؤم أحدهما صاحبه یقوم عن یمینه » (2).

وروایة الحسن الصیقل ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن أقل ما تکون الجماعة ، قال : « رجل وامرأة ، وإذا لم یحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده جماعة » (3) ومعنی کون المؤمن وحده جماعة : أنه إذا طلب الجماعة فلم یجدها تکون صلاته علی الانفراد مساویة لصلاته جماعة فی الثواب ، تفضلا من الله تعالی ، ومعاملة له بمقتضی نیته.

قوله : ( ولا تصحّ مع حائل بین الإمام والمأموم یمنع المشاهدة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، والمستند فیه ما رواه الشیخ فی الحسن ، وابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إن صلی قوم وبینهم وبین الإمام ما لا یتخطی فلیس ذلک الامام لهم بإمام ، وأی صف کان أهله یصلون بصلاة إمام وبینهم وبین الصف الذی یتقدمهم قدر ما لا یتخطی فلیس تلک لهم بصلاة ، فإن کان بینهم سترة أو جدار فلیس تلک لهم بصلاة إلا من کان حیال الباب. قال : وهذه المقاصیر لم تکن فی زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون ، ولیس لمن صلی خلفها مقتدیا بصلاة من فیها صلاة » (4).

واحترز المصنف بقوله : « ولا تصح مع حائل یمنع المشاهدة عما لا یمنع من ذلک ، کالحائل القصیر الذی لا یمنع المشاهدة فی حال القیام ، وکالشبابیک

لا تصح الجماعة مع الحائل بین الامام والمأموم

ص: 317


1- الکافی : 311.
2- التهذیب 3 : 26 - 89 ، الوسائل 5 : 411 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.
3- الفقیه 1 : 246 - 1095 ، وفی التهذیب 3 : 26 - 91 ، الوسائل 5 : 380 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 7 ، أوردا صدر الحدیث.
4- الفقیه 1 : 253 - 1144 ، التهذیب 3 : 52 - 182 ، الوسائل 5 : 462 أبواب صلاة الجماعة ب 62 ح 2.

______________________________________________________

التی تمنع الاستطراق دون المشاهدة.

وقال الشیخ فی الخلاف (1) : من صلی وراء الشبابیک لا تصح صلاته مقتدیا بصلاة الإمام الذی یصلی داخلها ، واستدل بصحیحة زرارة (2). وکأن موضع الدلالة فیها النهی عن الصلاة خلف المقاصیر ، فإن الغالب فیها أن تکون مشبکة.

وأجاب عنه فی المختلف بجواز أن تکون المقاصیر المشار إلیها فیها غیر مخرمة (3).

قیل : وربما کان وجه الدلالة إطلاق قوله علیه السلام : « إن صلی قوم وبینهم وبین الإمام ما لا یتخطی فلیس ذلک الإمام لهم بإمام » فإنّ ما لا یتخطی یتناول الحائط والشبابیک التی تکون کذلک وغیرهما. وهو بعید جدا ، لأن المراد عدم التخطی بواسطة التباعد لا باعتبار الحائل کما یدل علیه ذکر حکم الحائل بعد ذلک. ولا ریب أن الاحتیاط یقتضی المصیر إلی ما ذکره الشیخ رحمه الله .

فروع :

الأول : لو لم یشاهد بعض المصلین الإمام وشاهد بعض المأمومین صحت صلاته ، وإلا لبطلت صلاة الصف الثانی وما بعده إذا لم یشاهدوا الإمام وهو معلوم البطلان. قال فی المنتهی : ولا نعرف فیه خلافا (4).

الثانی : لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو مفتوح بحیث یشاهد الإمام أو بعض المأمومین صحت صلاته وصلاة من علی یمینه وشماله ووراءه ، لأنهم یرون من یری الإمام.

ما یعتبر فی صفوف الجماعة

ص: 318


1- الخلاف 1 : 214.
2- المتقدمة فی ص 317.
3- المختلف : 159.
4- المنتهی 1 : 365.

إلا أن یکون المأموم امرأة.

______________________________________________________

ولو وقف بین یدی هذا الصف صف آخر عن یمین الباب أو یسارها لا یشاهدون من فی المسجد لم تصح صلاتهم ، کما یدل علیه قوله علیه السلام : « فإن کان بینهم سترة أو جدار فلیس تلک لهم بصلاة إلا من کان حیال الباب » (1) والظاهر أن الحصر إضافی بالنسبة إلی من کان عن یمین الباب ویسارها کما ذکرناه.

الثالث : منع أبو الصلاح (2) وابن زهرة (3) من حیلولة النهر بین الإمام والمأموم : فإن أرادا به ما لا یمکن تخطیه من ذلک کان جیدا ، لإطلاق صحیحة زرارة المتقدمة ، وإن لم یعتبرا فیه هذا القید طولبا بالدلیل علی الإطلاق.

قوله : ( إلا أن یکون المأموم امرأة ).

المراد أنه لا تصح الصلاة مع وجود الحائل الذی یمنع المشاهدة بین الإمام والمأموم مطلقا ، إلا إذا کان الإمام رجلا والمأموم امرأة ، فإنه یجوز ائتمامها به مع وجود الحائل. ویدل علی الجواز - مضافا إلی الأصل والعمومات وعدم ظهور تناول الروایة المانعة (4) لهذه الصورة - روایة عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یصلی بالقوم وخلفه دار فیها نساء ، هل یجوز لهنّ أنّ یصلین خلفه؟ قال : « نعم ، إن کان الإمام أسفل منهنّ » قلت : فإنّ بینهنّ وبینه حائطا أو طریقا ، قال : « لا بأس » (5).

وقال ابن إدریس فی سرائره : قد وردت رخصة للنساء أن یصلین وبینهن وبین الإمام حائط ، والأول أظهر وأصح (6). وعنی به مساواة الرجال ولا ریب أنه أحوط.

صحة صلاة المرأة مع الحائل

ص: 319


1- الکافی 3 : 385 - 4 ، الفقیه 1 : 253 - 1144 ، التهذیب 3 : 52 - 182 ، الوسائل 5 : 460 أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 1.
2- الکافی فی الفقه : 144.
3- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560.
4- وهی صحیحة زرارة المتقدمة.
5- التهذیب 3 : 53 - 183 ، الوسائل 5 : 461 أبواب صلاة الجماعة ب 60 ح 1.
6- السرائر : 62.

ولا تنعقد والإمام أعلی من المأموم بما یعتدّ به کالأبنیة علی تردد ، ویجوز أن یقف علی علوّ من أرض منحدرة ، ولو کان المأموم علی بناء عال کان جائزا.

______________________________________________________

قوله : ( ولا تنعقد والإمام أعلی من المأموم بما یعتدّ به کالأبنیة علی تردد ، ویجوز أن یقف علی علوّ من أرض منحدرة ، ولو کان المأموم علی بناء عال کان جائزا ).

الأصل فی هذه الأحکام ما رواه الشیخ وابن بابویه فی الموثق ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یصلی بقوم وهم فی موضع أسفل من موضعه الذی یصلی فیه فقال : « إن کان الإمام علی شبه الدکان أو علی موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم ، وإن کان أرفع منهم بقدر إصبع أو أکثر أو أقل إذا کان الارتفاع ببطن مسیل (1) ، فإن کانت أرضا مبسوطة وکان فی موضع منها ارتفاع فقام الإمام فی الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنهم فی موضع منحدر فلا بأس » قال : وسئل فإن قام الإمام أسفل من موضع من یصلی خلفه ، قال : « لا بأس » وقال : « إن کان رجل فوق بیت أو غیر ذلک دکانا کان أو غیره وکان الإمام یصلی علی الأرض أسفل منه جاز للرجل أن یصلی خلفه ویقتدی بصلاته وإن کان أرفع منه بشی ء کثیر » (2).

وهذه الروایة ضعیفة السند ، متهافتة المتن ، قاصرة الدلالة ، فلا یسوغ التعویل علیها فی إثبات حکم مخالف للأصل. ومن ثم تردد [ فیه ] (3) المصنف رحمه الله ، وذهب الشیخ فی الخلاف إلی کراهة کون الإمام أعلی من المأموم بما یعتد به کالأبنیة (4) ، وهو متجه.

أما علوّ المأموم فقد قطع الأصحاب بجوازه ، وأسنده فی المنتهی إلی علمائنا

حکم ارتفاع أو انخفاض موقف الامام

ص: 320


1- فی الفقیه : بقطع سیل ، وفی التهذیب : بقدر شبر ، والموجود کما فی الکافی والوسائل.
2- الفقیه 1 : 253 - 1146 ، التهذیب 3 : 53 - 185 ، الوسائل 5 : 463 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 3 : 386 - 9.
3- أثبتناه من « م » ، « ح ».
4- الخلاف 1 : 217.

ولا یجوز تباعد المأموم عن الإمام بما یکون کثیرا فی العادة إذا لم یکن بینهما صفوف متصلة ، أما إذا توالت الصفوف فلا بأس.

______________________________________________________

مؤذنا بدعوی الإجماع علیه ، واحتج علیه بإطلاق الأمر ، وموثقة عمار المتقدمة (1). وهو جید ، لکن روی الشیخ فی التهذیب ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن محمد بن عیسی ، عن صفوان ، عن محمد بن عبد الله ، عن الرضا علیه السلام ، قال : « سألته عن الإمام یصلی فی موضع والذین خلفه یصلون فی موضع أسفل منه ، أو یصلی فی موضع والذین یصلون خلفه فی موضع أرفع منه فقال : « یکون مکانهم مستویا » (2) وهی ضعیفة بجهالة الراوی ، لکن العمل بما تضمنته أحوط.

فروع :

الأول : قال فی التذکرة : لو کان العلو یسیرا جاز إجماعا ، وهل یتقدر بشبر؟ أو بما لا یتخطی؟ الأقرب الثانی (3). ولعله أخذ من روایة زرارة السالفة (4) ، أو لأنه قضیة العرف.

الثانی : لو صلی الإمام فی مکان أعلی بشبر أو بما لا یتخطی أو بما یعتد به - علی الخلاف - بطلت صلاة المأمومین ، للنهی المقتضی للفساد ، دون صلاة الإمام ، لعدم المقتضی لذلک. وقال بعض العامة : تبطل صلاة الإمام أیضا ، لأنه منهی عن القیام فی مکان أعلی من مکان المأمومین (5). وهو ممنوع.

الثالث : لو صلی الإمام علی سطح والمأموم علی آخر وبینهما طریق صح مع عدم التباعد وعلو سطح الإمام.

قوله : ( ولا یجوز تباعد المأموم عن الإمام بما یکون کثیرا فی العادة إذا لم یکن بینهما صفوف متصلة ، أما إذا توالت الصفوف فلا بأس ).

اعتبار عدم تباعد المأموم عن الامام

ص: 321


1- المنتهی 1 : 366.
2- التهذیب 3 : 282 - 835 ، الوسائل 5 : 463 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 3.
3- التذکرة 1 : 174.
4- فی ص 317.
5- المغنی والشرح الکبیر 2 : 42 ، 79.

______________________________________________________

أجمع علماؤنا وأکثر العامة علی أنه یشترط فی الجماعة عدم التباعد بین الإمام والمأموم إلا مع اتصال الصفوف. وإنما الخلاف فی حدّه. فذهب الأکثر إلی أن المرجع فیه إلی العادة. وقال فی الخلاف : حدّه مع عدم اتصال الصفوف ما یمنع من مشاهدته والاقتداء بأفعاله (1). ویظهر منه فی المبسوط جواز البعد بثلاث مائة ذراع (2).

وقال أبو الصلاح (3) وابن زهرة (4) : لا یجوز أن یکون بین الصفین من المسافة ما لا یتخطی ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إن صلی قوم وبینهم وبین الإمام ما لا یتخطی فلیس ذلک الإمام لهم بإمام ، وأی صف کان أهله یصلون بصلاة إمام وبینهم وبین الصف الذی یتقدمهم قدر ما لا یتخطی فلیس تلک لهم بصلاة » (5).

وأجاب عنها المصنف فی المعتبر بأن اشتراط ذلک مستبعد فیحمل علی الأفضل (6). ولا یخفی ما فیه.

ویجاب عنها فی المختلف باحتمال أن یکون المراد ما لا یتخطی من الحائل لا من المسافة (7). وهو مشکل ، لوقوع التصریح فی الروایة بعد ذلک بذکر حکم الحائل : مع أن اللازم من حمله علی الحائل المنع من الصلاة خلف الشبابیک والحائل القصیر الذی یمنع من الاستطراق دون المشاهدة ، وهو لا یقول به.

إذا تقرر ذلک فاعلم أنه ینبغی للبعید من الصفوف أن لا یحرم بالصلاة

وجوب تأخر احرام المأموم عمن قبله

ص: 322


1- الخلاف 1 : 215.
2- المبسوط 1 : 156.
3- الکافی فی الفقه : 144.
4- الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560.
5- المتقدمة فی ص 317.
6- المعتبر 2 : 419.
7- المختلف : 159.

ویکره أن یقرأ المأموم خلف الإمام ، إلا إذا کانت الصلاة جهریّة ثم لا یسمع ولا همهمة ، وقیل : یحرم ، وقیل : یستحب أن یقرأ الحمد فیما لا یجهر فیه ، والأول أشبه.

______________________________________________________

حتی یحرم قبله من المتقدم من یزول معه التباعد.

ولو خرجت الصفوف المتخللة بین الإمام والمأموم عن الاقتداء لانتهاء صلاتهم أو نیة الانفراد وحصل البعد ، قیل : تنفسخ القدوة ، ولا تعود بانتقاله إلی محل القرب (1). ویحتمل جواز تجدید القدوة مع القرب إذا لم یکن فعلا کثیرا ، بناء علی جواز تجدید المؤتم بإمام آخر إذا انتهت صلاة الإمام. والأصح أن عدم التباعد إنما یعتبر فی ابتداء الصلاة خاصة دون استدامتها ، کالجماعة والعدد فی الجمعة ، تمسکا بمقتضی الأصل السالم من المعارض.

قوله : ( ویکره أن یقرأ المأموم خلف الإمام ، إلا إذا کانت الصلاة جهریّة ثم لا یسمع ولا همهمة ، وقیل : یحرم ، وقیل : یستحب أن یقرأ الحمد فیما لا یجهر فیه ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة علی أقوال منتشرة حتی ذکر جدی - قدس سره - فی روض الجنان أنه لم یقف فی الفقه علی خلاف فی مسألة یبلغ ما فی هذه المسألة من الأقوال (2) ، ولیس فی التعرض لها کثیر فائدة لضعف أدلتها.

والأصح تحریم القراءة علی المأموم مطلقا إلا إذا کانت الصلاة جهریة ولم یسمع ولا همهمة ، فإنه تستحب له القراءة حینئذ.

لنا : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إذا صلیت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع ، إلا أن تکون صلاة یجهر فیها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ » (3).

حکم خروج بعض الصفوف عن الاقتداء

حرمة قراءة المأموم خلف الامام مطلقا

ص: 323


1- قال به الشهید الأول فی البیان : 136.
2- روض الجنان : 373.
3- الفقیه 1 : 255 - 1156 ، الوسائل 5 : 421 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 1.

ولو کان الإمام ممن لا یقتدی به وجبت القراءة.

______________________________________________________

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة خلف الإمام ، أقرأ خلفه؟ فقال : « أما ما یجهر فیها فإنما أمر بالجهر لینصت من خلفه ، فإن سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ » (1).

وفی الحسن عن قتیبة ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا کنت خلف إمام ترضی به فی صلاة تجهر فیها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسک ، وإن کنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ » (2).

وإنما حملنا الأمر بالقراءة فی الجهریة مع عدم السماع علی الاستحباب لما رواه علی بن یقطین فی الصحیح ، قال : سألت أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یصلی خلف إمام یقتدی به فی صلاة یجهر فیها بالقراءة فلا یسمع القراءة ، قال : « لا بأس إن صمت وإن قرأ » (3).

وذکر جمع من الأصحاب أنه یستحب للمأموم التسبیح فی الإخفاتیة ، ولا بأس به ، لما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن بکر بن محمد الأزدی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « إنی أکره للمرء أن یصلی خلف الإمام صلاة لا یجهر فیها بالقراءة فیقوم کأنه حمار » قال ، قلت : جعلت فداک فیصنع ماذا؟ قال : « یسبح » (4).

قوله : ( ولو کان الإمام ممن لا یقتدی به وجبت القراءة ).

وجوب القراءة خلف من لا یقتدی به

ص: 324


1- التهذیب 3 : 32 - 114 ، الإستبصار 1 : 427 - 1649 ، الوسائل 5 : 422 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5 ، وجاء فی صدرها : أما الصلاة التی لا یجهر فیها بالقراءة فإن ذلک جعل إلیه فلا تقرأ خلفه.
2- الکافی 3 : 377 - 4 ، التهذیب 3 : 33 - 117 ، الإستبصار 1 : 428 - 1652 ، الوسائل 5 : 423 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 7.
3- التهذیب 3 : 34 - 122 ، الإستبصار 1 : 429 - 1657 ، الوسائل 5 : 424 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 11.
4- الفقیه 1 : 256 - 1161 ، الوسائل 5 : 425 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.

______________________________________________________

لا ریب فی وجوب القراءة والحال هذه ، لانتفاء القدوة وکونه منفردا فی نفس الأمر وإن تابعه ظاهرا. ولا یجب الجهر بها فی الجهریة قطعا ، للأصل ، وصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یصلی خلف من لا یقتدی بصلاته والإمام یجهر بالقراءة فقال : « اقرأ لنفسک ، وإن لم تسمع نفسک فلا بأس » (1).

وتجزئه الفاتحة وحدها مع تعذر قراءة السورة إجماعا.

ولو رکع الإمام قبل إکمال الفاتحة قیل : قرأ فی رکوعه (2) ، وقیل : تسقط القراءة للضرورة ، وبه قطع الشیخ فی التهذیب حتی قال : إن الإنسان إذا لم یلحق القراءة معهم جاز له ترک القراءة والاعتداد بتلک الصلاة بعد أن یکون قد أدرک الرکوع (3). واستدل بما رواه عن إسحاق بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی أدخل المسجد فأجد الإمام قد رکع وقد رکع القوم فلا یمکننی أن أؤذن وأقیم وأکبر فقال لی : « فإذا کان کذلک فادخل معهم فی الرکعة واعتد بها فإنها من أفضل رکعاتک » قال إسحاق : فلما سمعت أذان المغرب وأنا علی بابی قاعد قلت للغلام : انظر أقیمت الصلاة ، فجاءنی فقال : نعم ، فقمت مبادرا فدخلت المسجد فوجدت الناس قد رکعوا ، فرکعت مع أول صف أدرکت واعتددت بها ، ثم صلیت بعد الانصراف أربع رکعات ، ثم انصرفت ، فإذا خمسة أو ستة من جیرانی قد قاموا إلیّ من المخزومیین والأمویین فاقعدونی ثم قالوا : یا أبا هاشم جزاک الله عن نفسک خیرا فقد والله رأینا خلاف ما ظننا بک وما قیل فیک. فقلت : وأی شی ء ذاک؟ فقالوا : تبعناک حتی قمت إلی الصلاة ونحن نری أنک لا تقتدی بالصلاة معنا ، فقد وجدناک قد اعتددت بالصلاة معنا وصلیت بصلاتنا ، فرضی الله عنک وجزاک خیرا. قال ، فقلت لهم : سبحان

حکم غیر المتمکن من اکمال القراءة خلف من لا یقتدی به

ص: 325


1- التهذیب 3 : 36 - 129 ، الإستبصار 1 : 430 - 1663 ، الوسائل 5 : 427 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 1.
2- کما فی الذکری : 275.
3- التهذیب 3 : 37.

وتجب متابعة الإمام ،

______________________________________________________

الله ألمثلی یقال هذا؟! قال : فعلمت أن أبا عبد الله علیه السلام لم یأمرنی إلا وهو یخاف علیّ هذا وشبهه (1). وهذه الروایة وإن کانت واضحة المتن لکنها قاصرة من حیث السند. والمسألة محل إشکال ، ولا ریب أن الإعادة مع عدم التمکن من قراءة الفاتحة طریق الاحتیاط.

قوله : ( وتجب متابعة الإمام ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، بل قال المصنف فی المعتبر : تجب متابعة الإمام فی أفعال الصلاة ، وعلیه اتفاق العلماء (2). واستدل علیه بما روی عن النبی صلی الله علیه و آله ، أنه قال : « إنما جعل الإمام إماما لیؤتم به ، فإذا رکع فارکعوا ، وإذا سجد فاسجدوا » (3).

( وفسرت المتابعة هنا بعدم ) (4) تقدم المأموم علی الإمام ، بل إما أن یتأخر عنه أو یقارنه. وهو جید ، لأصالة عدم وجوب التأخر السالمة من المعارض.

وقال ابن بابویه : إن من المأمومین من لا صلاة له ، وهو الذی یسبق الإمام فی رکوعه وسجوده ورفعه ، ومنهم من له صلاة واحدة ، وهو المقارن له فی ذلک ، ومنهم من له أربع وعشرون رکعة ، وهو الذی یتبع الإمام فی کل شی ء ، فیرکع بعده ویسجد بعده ویرفع منهما بعده (5) (6). وإنما تجب المتابعة فی الأفعال دون الأقوال ، لأصالة البراءة من هذا التکلیف ، ولأنه لو وجبت المتابعة فیها لوجب علی الإمام الجهر بها ، لیتمکن المأموم من متابعته ، والتالی منتف

وجوب متابعة الامام

ص: 326


1- التهذیب 3 : 38 - 133 ، الإستبصار 1 : 431 - 1666 ، الوسائل 5 : 431 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 4.
2- المعتبر 2 : 421.
3- صحیح مسلم 1 : 308 - 77 ، سنن ابن ماجة 1 : 276 - 846.
4- بدل ما بین القوسین فی « ض » ، « ح » : وظاهر العبارة وصریح غیرها أن المراد بالمتابعة هنا عدم.
5- نقله عنه فی الذکری : 279.
6- فی « ض » ، « ح » زیادة : ومقتضی ذلک جواز المقارنة.

فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر ،

______________________________________________________

بالإجماع فالمقدم مثله. وتکلیف المأموم بتأخیر الذکر إلی أن یعلم وقوعه من الإمام بعید جدا ، بل ربما کان مفوتا للقدوة.

وأوجب الشهید فی جملة من کتبه المتابعة فی الأقوال أیضا (1). وربما کان مستنده عموم قوله صلی الله علیه و آله : « إنما جعل الإمام لیؤتم به » (2) وهو أحوط.

هذا کله فی غیر تکبیرة الإحرام ، أما فیها فیعتبر تأخر المأموم بها ، فلو قارنه أو سبقه لم تنعقد الصلاة.

قوله : ( فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین الرفع من الرکوع والسجود ، والحکم بوجوب الاستمرار مع العمد مذهب الأصحاب ، لا أعلم فیه مخالفا صریحا. نعم قال المفید فی المقنعة : ومن صلی مع إمام یأتم به ، فرفع رأسه قبل الإمام فلیعد إلی الرکوع حتی یرفع رأسه معه ، وکذلک إذا رفع رأسه من السجود قبل الإمام فلیعد إلی سجوده ، لیکون ارتفاعه عنه مع الإمام (3).

وإطلاق کلامه یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین الناسی والعامد.

احتج القائلون (4) بوجوب الاستمرار بما رواه الشیخ فی الموثق ، عن غیاث بن إبراهیم ، قال : سئل أبو عبد الله علیه السلام عن الرجل یرفع رأسه من الرکوع قبل الإمام ، أیعود فیرکع إذا أبطأ الإمام ویرفع رأسه؟ قال : « لا » (5).

وبأنه لو عاد إلی الرکوع أو السجود بعد الرفع منه یکون قد زاد ما لیس

حکم من سبق الامام

ص: 327


1- الدروس : 55 ، البیان : 138.
2- المتقدم فی ص 326.
3- لم نجدها فی المقنعة ، ووجدناها فی التهذیب 3 : 47.
4- منهم المحقق فی المعتبر 2 : 422 ، والعلامة فی المنتهی 1 : 379.
5- التهذیب 3 : 47 - 164 ، الإستبصار 1 : 438 - 1689 ، الوسائل 5 : 448 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 6.

وإن کان ناسیا أعاد ،

______________________________________________________

من الصلاة ، وهو مبطل ، إذ لا عذر یسقط معه اعتبار الزیادة.

ویشکل بضعف الروایة من حیث السند (1) ، وعدم دلالتها علی أن الرفع وقع علی سبیل العمد.

وبأن الفعل المتقدم علی فعل الإمام وقع منهیا عنه کما هو المفروض ، لترتب الإثم علیه إجماعا ، فلا یکون مبرئا للذمة ولا مخرجا من العهدة ، وإعادته تستلزم زیادة الواجب وهو مبطل عندهم ، فیحتمل بطلان الصلاة لذلک ، ویحتمل وجوب الإعادة هنا کما هو فی الناسی ، إن لم یثبت بطلان الصلاة بمثل هذه الزیادة ، کما هو ظاهر عبارة المقنعة ، لإطلاق الروایات المتضمنة للإعادة.

قوله : ( وإن کان ناسیا أعاد ).

المشهور بین الأصحاب أن الإعادة علی سبیل الوجوب ، لورود الأمر بها فی عدة روایات ، کصحیحة علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یرکع مع الإمام یقتدی به ، ثم یرفع رأسه قبل الإمام ، فقال : « یعید رکوعه معه » (2).

وصحیحة ربعی بن عبد الله والفضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قالا : سألناه عن رجل صلی مع إمام یأتم به ، فرفع رأسه من السجود قبل أن یرفع الإمام رأسه من السجود ، قال : « فلیسجد » (3).

وروایة محمد بن سهل الأشعری ، عن أبیه ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : سألته عمن رکع مع إمام یقتدی به ، ثم رفع رأسه قبل الإمام ، قال : « یعید رکوعه معه » (4) (5).

ص: 328


1- ووجه الضعف هو أن راویها بتری - راجع رجال الشیخ : 132.
2- التهذیب 3 : 277 - 810 ، الوسائل 5 : 447 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3.
3- التهذیب 3 : 48 - 165 ، الوسائل 5 : 447 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 1.
4- الفقیه 1 : 258 - 1172 ، التهذیب 3 : 47 - 163 ، الإستبصار 1 : 438 - 1688 الوسائل 5 : 447 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 2.
5- فی « ض » ، « ح » زیادة : وهذه الروایات کما تری مطلقة.

وکذا لو أهوی إلی سجود أو رکوع.

______________________________________________________

وحملها الشیخ رحمه الله (1) ومن تأخر عنه (2) علی الناسی ، جمعا بینها وبین روایة غیاث المتقدمة.

وهو مشکل ، أما أولا : فلعدم تکافؤ السند ، فإن غیاثا قیل : إنه بتری (3). فلا تترک لأجل روایته الأخبار السلیمة. وأما ثانیا : فلأنه لا إشعار فی شی ء من الروایات بهذا الجمع ، ولو صحت الروایة لکان الأولی فی الجمع حمل الأمر بالإعادة علی الاستحباب ، کما هو اختیار العلامة فی التذکرة والنهایة (4).

ولو ترک الناسی الرجوع علی القول بالوجوب ، ففی بطلان صلاته وجهان : أحدهما : نعم ، لعدم صدق الامتثال حیث إنه مأمور بالإعادة ولم یأت بها ، فیبقی تحت العهدة. والثانی : لا ، لأن الرجوع لقضاء حق المتابعة ، لا لکونه جزءا من الصلاة. ولأنه بترک الرجوع یصیر فی حکم المتعمد الذی علیه الإثم لا غیر. والأول أظهر.

قوله : ( وکذا لو هوی إلی رکوع أو سجود ).

أی یستمر مع العمد ویرجع مع النسیان. أما الاستمرار مع العمد فیتوجه علیه ما سبق من الإشکال (5). وأما الرجوع مع النسیان فیدل علیه ما رواه الشیخ ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبی جعفر ، عن الحسن بن علی بن

ص: 329


1- التهذیب 3 : 47 ، الاستبصار 1 : 348.
2- کالمحقق فی المعتبر 2 : 422 ، والشهید الأول فی الذکری : 275 ، والشهید الثانی فی الروض : 374.
3- کما فی رجال الشیخ : 132.
4- التذکرة 1 : 185 ، نهایة الأحکام 2 : 136.
5- فی نسخة فی الأصل و « ح » زیادة : ویجب أن یقید الحکم بالصحة هنا بما إذا کان رکوعه بعد تمام قراءة الإمام وإلا تبطل قطعا.

ولا یجوز أن یقف المأموم قدّام الإمام.

______________________________________________________

فضال ، قال : کتبت إلی أبی الحسن الرضا علیه السلام فی رجل کان خلف إمام یأتم به فیرکع قبل أن یرکع الإمام وهو یظن أن الإمام قد رکع ، فلما رآه لم یرکع رفع رأسه ثم أعاد الرکوع مع الإمام ، أیفسد ذلک علیه صلاته أم تجوز تلک الرکعة؟ فکتب : « یتم صلاته ولا تفسد بما صنع صلاته » (1) وهذه الروایة لا تقصر عن الصحیح ، إذ لیس فی رجالها من قد یتوقف فی شأنه إلا الحسن بن فضال ، وقد قال الشیخ : إنه کان جلیل القدر ، عظیم المنزلة ، زاهدا ورعا ، ثقة فی روایاته ، وکان خصیصا بالرضا علیه السلام (2). وأثنی علیه النجاشی وقال : إنه کان فطحیا ثم رجع إلی الحق رضی الله عنه (3).

واستوجه العلامة فی المنتهی أولا الاستمرار هنا مطلقا ، حذرا من وقوع الزیادة المبطلة ثم قال : لا یقال ینتقض بالرفع ، لأنا نقول إن ذلک هو الأصل إلا أنا صرنا إلی ذلک للنص. ثم قوی الرجوع إلی القیام لموثقة ابن فضال (4). والمسألة محل إشکال وإن کان القول بالرجوع مع النسیان لا یخلو من قرب.

قوله : ( ولا یجوز أن یقف المأموم قدّام الإمام ).

هذا قول علمائنا أجمع ، ووافقنا علیه أکثر العامة (5) ، لأن المنقول من فعل النبی صلی الله علیه و آله والأئمة علیهم السلام : إما تقدم الإمام أو تساوی الموقفین ، فیکون الإتیان بخلافه خروجا عن المشروع. ولأن المأموم یحتاج مع التقدم إلی استعلام حال الإمام بالالتفات إلی ما وراءه ، وذلک مبطل.

ومقتضی العبارة جواز المساواة بینهما فی الموقف ، وبه قطع أکثر

عدم جواز وقوف المأموم قدام الامام

ص: 330


1- التهذیب 3 : 280 - 823 ، الوسائل 5 : 447 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 4.
2- الفهرست : 48.
3- رجال النجاشی : 35.
4- المنتهی 1 : 379.
5- منهم الشافعی فی کتاب الأم 1 : 169 ، وابن قدامة فی المغنی 2 : 44 ، والغمراوی فی السراج الوهاج : 71.

______________________________________________________

الأصحاب ، وحکی فیه العلامة فی التذکرة الإجماع (1). ونقل عن ظاهر ابن إدریس أنه اعتبر تأخر المأموم ولم یکتف بالتساوی (2). وهو مدفوع بالأصل السالم من المعارض ، وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « الرجلان یؤم أحدهما صاحبه یقوم عن یمینه ، فإن کانوا أکثر من ذلک قاموا خلفه » (3) ونحوه روی زرارة فی الحسن ، عن الصادق علیه السلام (4). دلت الروایتان علی استحباب وقوف المأموم الواحد عن یمین الإمام أو وجوبه ، ولو وجب التأخر لذکره إذ المقام مقام البیان.

وقد نص الأصحاب علی أن المعتبر التساوی بالأعقاب ، فلو تساوی العقبان لم یضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه. ولو تقدم بعقبة علی الإمام لم ینفعه تأخره عنه بأصابعه أو رأسه.

واستقرب العلامة فی النهایة اعتبار التقدم بالعقب والأصابع معا ، وصرح بأنه لا یقدح فی التساوی تقدم رأس المأموم فی حالتی الرکوع والسجود ومقادیم الرکبتین أو الأعجاز فی حال التشهد (5). والنص خال من ذلک کله ، ولو قیل أن المرجع فی التقدم المبطل إلی العرف کان وجها قویا.

تنبیه : اختلف الأصحاب فی جواز استدارة المأمومین فی المسجد الحرام حول الکعبة ، فجوزه ابن الجنید بشرط أن لا یکون المأموم أقرب إلی الکعبة من الإمام (6). وبه قطع فی الذکری محتجا بالإجماع علیه عملا فی کل الأعصار السالفة (7). ومنعه العلامة فی جملة من کتبه ، وأوجب وقوف المأموم خلف

ص: 331


1- التذکرة 1 : 171.
2- السرائر : 61.
3- التهذیب 3 : 26 - 89 ، الوسائل 5 : 411 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.
4- الکافی 3 : 371 - 1 ، التهذیب 3 : 24 - 82 ، الوسائل 5 : 379 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 1.
5- نهایة الأحکام 2 : 117.
6- نقله عنه فی المختلف : 160.
7- الذکری : 162.

ولا بدّ من نیّة الائتمام

______________________________________________________

الإمام أو إلی أحد جانبیه کما فی غیر المسجد الحرام (1) ، واحتج علیه فی المنتهی بأن موقف المأموم خلف الإمام أو إلی أحد جانبیه ، وهو إنما یحصل فی جهة واحدة ، فصلاة من غایرها باطلة ، وبأن المأموم مع الاستدارة إذا لم یکن واقفا فی جهة الإمام یکون واقفا بین یدیه فتبطل صلاته. ولم أقف فی ذلک علی روایة من طرق الأصحاب. والمسألة محل تردد ، ولا ریب أن الوقوف فی جهة الإمام أولی وأحوط.

قوله : ( ولا بدّ من نیّة الائتمام ).

لأنه بدون ذلک منفرد فیجب علیه ما یجب علی المنفرد ، قال فی المنتهی : وهو قول کل من یحفظ عنه العلم (2).

ومقتضی العبارة عدم اعتبار نیة الإمام الإمامة (3) ، وبه قطع المصنف والعلامة فی جملة من کتبه (4) ، حتی إنه قال فی التذکرة : لو صلی بنیة الانفراد مع علمه بأن من خلفه یأتم به صح عند علمائنا ، لأن أفعال الإمام مساویة لأفعال المنفرد فی الکیفیة والأحکام فلا وجه لاعتبار تمییز أحدهما عن الآخر. وهو حسن وإن کان الثواب لا یترتب علی فعل الإمام إلا مع النیة ، لکن لو تحققت القدوة به وهو لا یعلم حتی فرغ من الصلاة أمکن أن ینال الثواب ، لأنه لم یقع منه إهمال النیة وإنما نال المأمومون الثواب بسببه فیبعد فی کرم الله وفضله حرمانه.

وفی اعتبار نیة الإمامة فی الجماعة الواجبة وجهان ، أظهرهما العدم ، إذ المعتبر فیها تحقق القدوة فی نفس الأمر. وجزم الشهیدان بالوجوب ، لوجوب نیة الواجب (5). وهو ممنوع.

وجوب نیة الائتمام والامام

ص: 332


1- المنتهی 1 : 377 ، المختلف : 160 ، التذکرة 1 : 171.
2- المنتهی 1 : 365.
3- فی « ض » ، « م » ، « ح » زیادة : وسیجی ء فی کلام الصنف التصریح بذلک.
4- التذکرة 1 : 173 ، القواعد 1 : 46 ، التحریر 1 : 52.
5- الشهید الأول فی الدروس : 54 ، والبیان : 135 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 44 ، وروض الجنان : 376.

والقصد إلی إمام معین ، فلو کان بین یدیه اثنان فنوی الائتمام بهما أو بأحدهما ولم یعین لم تنعقد. ولو صلی اثنان فقال کل منهما کنت إماما صحّت صلاتهما. ولو قال : کنت مأموما

لم تصحّ صلاتهما.

______________________________________________________

قوله : ( والقصد إلی إمام معین ).

بالاسم ، أو الصفة ، أو بکونه هذا الحاضر وإن لم یعلم باسمه أو صفته إذا علم استجماعه لشرائط الإمامة.

ولو نوی الاقتداء بالحاضر علی أنه زید فبان عمروا ، ففی ترجیح الإشارة علی الاسم فیصح ، أو العکس فیبطل ، نظر.

ولو شک بعد النیة فی إمامة وجب الانفراد إن سوغناه ، وحینئذ یعدل إلی من شاء إن جوزنا عدول المنفرد. ولو علم ما قام إلیه وجب البناء علیه قطعا.

قوله : ( ولو صلی اثنان ، فقال کل منهما کنت إماما صحت صلاتهما ، ولو قال : کنت مأموما لم تصحّ صلاتهما ).

إنما صحت الصلاتان إذا نوی کل منهما الإمامة لإتیان کل منهما بجمیع الأفعال الواجبة من القراءة وغیرها ، فلم تلزمه الإعادة. ونیة الإمامة لیست منافیة لصلاة المنفرد ، فلم تقدح فی الصلاة. بخلاف صورة الائتمام ، لإخلال کل منهما بالقراءة الواجبة فتبطل.

ویدل علی الحکمین أیضا ما رواه الشیخ ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله علیه السلام عن أبیه ، عن آبائه ، عن علی علیهم السلام أنه قال فی رجلین اختلفا فقال أحدهما : کنت إمامک ، وقال الآخر : کنت إمامک « إن صلاتهما تامة » قال ، قلت : فإن قال کل واحد منهما : کنت أأتم بک ، قال : « فصلاتهما فاسدة لیستأنفا » (1).

واستشکل المحقق الشیخ علی البطلان فی الصورة الثانیة ، لأن إخبار کل

حکم نیة کل من المصلین الإمامة أو المأمومیة

ص: 333


1- التهذیب 3 : 54 - 186 ، الوسائل 5 : 420 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 3 : 375 - 3 ، الفقیه 1 : 250 - 1123.

وکذا لو شکّا فیما أضمراه.

______________________________________________________

منهما بالائتمام بالآخر یتضمن الإقرار علی الغیر ، فلا یقبل کما لو أخبر الإمام بعد الصلاة بفسادها بغیر ذلک (1).

وأجیب عنه بأن ذلک غیر مسموع فی مقابلة النص الدال علی البطلان (2) ، وهو جید لو کانت الروایة صالحة لإثبات هذا الحکم ، لکنها ضعیفة جدا (3).

ویمکن أن یقال : إن من شرائط الائتمام أن یظن المأموم قیام الإمام بوظائف الصلاة التی من جملتها القراءة وسبقه بتکبیرة الإحرام ، فإن دخل کل منهما فی الصلاة علی هذا الوجه کان دخولهما مشروعا واتجه عدم قبول إخبار کل منهما بما ینافی ذلک ، کما فی صورة الإخبار بالحدث ، وإن انتفی ذلک تعین الحکم بالبطلان وإن لم یحصل الإخبار. وعلی هذا الوجه یمکن تنزیل الروایة وکلام الأصحاب.

ولا یخفی أن وقوع الاختلاف علی [ هذا الوجه نادر جدا ] (4) فإنه لا یکاد یتحقق إلاّ فی حال التقیة والائتمام بثالث ظاهرا.

قوله : ( وکذا لو شکّا فیما أضمراه ).

أی : وکذا لا تصح صلاتهما لو شکّا فیما أضمرا من الإمامة أو الائتمام. لأن الشک إن کان فی أثناء الصلاة لم یمکنهما المضی علی الائتمام وهو ظاهر ، ولا علی الانفراد أو الإمامة ، لجواز أن یکون کل منهما قد نوی الائتمام بصاحبه فتبطل النیة من رأس ویمتنع العدول. وإن کان بعد الفراغ لم یحصل منهما الیقین بالإتیان بأفعال الصلاة.

ص: 334


1- جامع المقاصد 1 : 147.
2- أجاب عنه الأردبیلی فی مجمع الفائدة 3 : 319.
3- ووجه الضعف هو أن راویها عامی کما فی عدة الأصول : 380 ، وأن فی طریقها النوفلی وقد نسب إلیه الغلو کما فی رجال النجاشی : 38 - 77.
4- ما بین القوسین أثبتناه من « ض » ، « م » ، « ح ».

ویجوز أن یأتمّ المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان ،

______________________________________________________

قال الشهید فی الذکری : ویمکن أن یقال إن کان الشک فی الأثناء وهو فی محل القراءة لم یمض ما فیه إخلال بالصحة نوی الانفراد وصحت الصلاة ، لأنه إن کان نوی الإمامة فهی نیة الانفراد ، وإن کان نوی الائتمام فالعدول عنه جائز. وإن کان بعد مضی محل القراءة فإن علم أنه قرأ بنیة الوجوب أو علم القراءة ولم یعلم نیة الندب انفرد أیضا ، لحصول الواجب علیه. وإن علم ترک القراءة أو القراءة بنیة الندب أمکن البطلان للإخلال بالواجب (1).

ویشکل بما ذکرناه من جواز أن یکون کل منهما قد نوی الائتمام بصاحبه ، فتبطل الصلاتان ویمتنع العدول.

وفصّل العلامة فی التذکرة ، فقطع بالبطلان إن عرض الشک فی أثناء الصلاة ، وتردد فیما إذا شکا بعد الفراغ من أنه شک بعد الانتقال ، ومن عدم الیقین بالإتیان بأفعال الصلاة (2).

وقوی المحقق الشیخ علی عدم الالتفات إلی الشک فی هذه الصورة (3).

ولا بأس به إذا کان کل منهما قد دخل فی الصلاة دخولا مشروعا.

قوله : ( ویجوز أن یأتمّ المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل قال العلامة فی المنتهی إنه قول علمائنا أجمع ، واستدل علیه بأن المباینة بین صلاة الفرض والنفل مع الاتحاد - کالظهر إذا صلاها مرة ثانیة - أکثر من المباینة بین الظهر والعصر الواجبتین ، وقد صح الائتمام فی الأول فیصح فی الثانی (4).

ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ،

جواز اختلاف فرض الامام والمأموم

ص: 335


1- الذکری : 272.
2- التذکرة 1 : 175.
3- جامع المقاصد 1 : 148.
4- المنتهی 1 : 367.

______________________________________________________

قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل إمام قوم یصلی العصر وهی لهم الظهر ، قال : « أجزأت عنه وأجزأت عنهم » (1).

وفی الحسن ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : وسألته عن رجل أمّ قوما فی العصر ، فذکر وهو یصلی بهم أنه لم یکن صلی الأولی ، قال : « فلیجعلها الأولی التی فاتته ویستأنف بعد صلاة العصر وقد قضی القوم صلاتهم » (2).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا صلی المسافر خلف قوم حضور فلیتم صلاته رکعتین ویسلم ، وإن صلی معهم الظهر فلیجعل الأولتین الظهر والأخیرتین العصر » (3).

ونقل عن الصدوق - رحمه الله - أنه قال : لا بأس أن یصلی الرجل الظهر خلف من یصلی العصر ، ولا یصلی العصر خلف من یصلی الظهر إلا أن یتوهمهما العصر فیصلی معه (4) العصر ، ثم یعلم أنها کانت الظهر فتجزی عنه (5).

قال فی الذکری : ولا نعلم مأخذه ، إلا أن یکون نظر إلی أن العصر لا تصح إلا بعد الظهر ، فإذا صلاها خلف من یصلی الظهر فکأنه قد صلی العصر مع الظهر مع أنها بعدها (6). وهو خیال ضعیف ، لأن عصر المصلی مترتبة علی ظهر نفسه لا علی ظهر إمامه.

ص: 336


1- التهذیب 3 : 49 - 172 ، الإستبصار 1 : 439 - 1691 ، الوسائل 5 : 453 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 1.
2- التهذیب 2 : 269 - 1072 ، الوسائل 3 : 213 أبواب المواقیت ب 63 ح 3.
3- الفقیه 1 : 287 - 1308 ، الوسائل 5 : 402 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.
4- فی « ض » : بنیة ، بدل معه.
5- حکاه عنه فی المختلف : 160.
6- الذکری : 266.

والمتنفّل بالمفترض ، والمتنفل والمفترض بالمتنفل فی أماکن ، وقیل : مطلقا.

______________________________________________________

وربما استدل له بصحیحة علی بن جعفر : إنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن إمام کان فی الظهر فقامت امرأته بحیاله تصلی معه وهی تحسب أنها العصر هل یفسد ذلک علی القوم؟ وما حال المرأة فی صلاتها معهم وقد کانت صلت الظهر؟ قال : « لا یفسد ذلک علی القوم وتعید المرأة صلاتها » (1).

وهو غیر جید ، لأن مدلول الروایة مناف لما ذکره الصدوق ، ومع ذلک فلا یمکن الاستدلال بها علی المنع من الائتمام فی صلاة العصر بمن یصلی الظهر ، لجواز أن یکون لاعتقاد المرأة خلاف الواقع مدخل فی الإعادة. بل یحتمل استناد الأمر بالإعادة إلی المحاذاة وإن کان الأصح أنها مکروهة. وقد ورد فی مواضع استحباب إعادة الفرض لإیقاعه علی الوجه الأکمل ، کاستحباب إعادة الجمعة لمن صلاها بغیر الجمعة والمنافقین کما تضمنته صحیحة عمر بن یزید (2) ، واستحباب إعادة الإحرام لناسی الغسل والصلاة قبله وغیر ذلک. والله أعلم.

وإنما یجوز اقتداء المفترض بالمفترض مع اختلاف الفرضین إذا لم تختلف الکیفیة ، فلو اختلفت لم یصح لعدم إمکان المتابعة.

واستثنی الشهید فی الدروس أیضا صلاة الاحتیاط ، فمنع من الاقتداء فیها وبها ، إلا فی الشک المشترک بین الإمام والمأموم (3). وکأنه لاحتمال کونها نافلة. ولعل المنع مطلقا أحوط.

قوله : ( والمتنفّل بالمفترض ، والمتنفل والمفترض بالمتنفل فی أماکن ، وقیل : مطلقا ).

الجار متعلق بالفعل المتقدم وهو « یجوز » فیکون قیدا فی الصور الأربع.

حکم ائتمام المتنفل بالمفترض وبالعکس

ص: 337


1- التهذیب 3 : 49 - 173 ، الوسائل 5 : 453 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 2.
2- الکافی 3 : 426 - 7 ، التهذیب 3 : 7 - 21 ، الوسائل 4 : 818 أبواب القراءة فی الصلاة ب 72 ح 1.
3- الدروس : 48.

ویستحب أن یقف المأموم عن یمین الإمام إن کان رجلا ، وخلفه إن کانوا جماعة

______________________________________________________

فمکان جواز اقتداء المفترض بالمفترض : الفرضان المتفقان فی الکیفیة کالیومیة بعضها ببعض ، دون المختلفین کالیومیة والکسوف. ومکان اقتداء المتنفل بالمفترض : اقتداء الصبی بالبالغ ، ومعید صلاته بمن لم یصلّ. وعکسه کاقتداء مبتدء الصلاة بالمعید. وأماکن اقتداء المتنفل بالمتنفل : صلاة المعید خلف المعید ، والاقتداء فی صلاة العید علی بعض الوجوه ، والاستسقاء ، والغدیر.

والقول بجواز الاقتداء فی النافلة مطلقا مجهول القائل ، وفی الأخبار دلالة علیه ، وقد أوردنا طرفا منها فیما سبق (1).

قوله : ( ویستحب أن یقف المأموم عن یمین الإمام إن کان رجلا ، وخلفه إن کانوا جماعة ).

المراد بالجماعة ما فوق الواحد ، والمستند فی هذا التفصیل ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « الرجلان یؤم أحدهما صاحبه یقوم عن یمینه ، فإن کانوا أکثر من ذلک قاموا خلفه » (2).

قال فی المنتهی : وهذا الموقف سنة ، فلو خالف بأن وقف الواحد علی یسار الإمام أو خلفه لم تبطل صلاته عند علمائنا أجمع (3). وحکی فی المختلف عن ابن الجنید القول بالبطلان مع المخالفة (4) ، وهو ضعیف.

وروی الشیخ فی التهذیب ، عن الحسین بن یسار المدائنی : أنه سمع من یسأل الرضا علیه السلام عن رجل صلی إلی جانب رجل فقام عن یساره وهو لا

استحباب وقوف الواحد عن یمین الامام والجماعة والمرأة خلفه

ص: 338


1- راجع ص 315.
2- التهذیب 3 : 26 - 89 ، الوسائل 5 : 411 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.
3- المنتهی 1 : 376.
4- المختلف : 160.

أو امرأة.

______________________________________________________

یعلم ، کیف یصنع ثم علم وهو فی الصلاة؟ قال : « یحوله عن یمینه » (1).

قوله : ( أو امرأة ).

المراد أنه یستحب للمرأة فما فوقها التأخر عن الإمام إذا کان رجلا. ولو قلنا بتحریم المحاذاة وجب التأخر ، لکنا قد بینا ضعفه فیما سبق (2).

وتدل علی الاستحباب روایات ، منها : ما رواه الشیخ ، عن أبی العباس ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یؤم المرأة فی بیته ، قال : « نعم ، تقوم وراءه » (3).

وعن عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یؤم المرأة ، قال : « نعم تکون خلفه » وعن المرأة تؤم النساء ، قال : « نعم تقوم وسطا بینهن ولا تتقدمهن » (4).

وعن القاسم بن الولید ، قال : سألته عن الرجل یصلی مع الرجل الواحد معهما النساء ، قال : « یقوم الرجل إلی جنب الرجل ویتخلفن النساء خلفهما » (5).

وینبغی للمرأة الواحدة مع التأخر الوقوف إلی جهة یمین الإمام ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أصلی المکتوبة بأم علی؟ قال : « نعم ، تکون عن یمینک یکون سجودها بحذاء قدمیک » (6).

ص: 339


1- التهذیب 3 : 26 - 90 ، الوسائل 5 : 414 أبواب صلاة الجماعة ب 24 ح 2.
2- فی ج 3 ص 220.
3- الکافی 3 : 376 - 1 ، التهذیب 3 : 267 - 757 ، الوسائل 5 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 5.
4- التهذیب 3 : 31 - 112 ، الإستبصار 1 : 426 - 1645 ، الوسائل 5 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 4.
5- التهذیب 3 : 268 - 763 ، الوسائل 5 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 3.
6- التهذیب 3 : 267 - 758 ، الوسائل 5 : 405 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 2.

ولو کان الإمام امرأة وقفت النساء إلی جانبها وکذا إذا صلی العاری بالعراة جلس وجلسوا فی سمته لا یبرز إلا برکبتیه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو کان الإمام امرأة وقفت النساء إلی جانبها ).

بمعنی أن لا یتأخرن عنها ، ولو احتجن إلی أزید من صفّ وقفت التی تؤم وسط الصف الأول غیر بارزة عنه. قال فی المعتبر : وعلی ذلک اتفاق القائلین بإمامة النساء (1).

وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تؤم النساء ، فقال : « إذا کن جمیعا أمّتهن فی النافلة فأما المکتوبة فلا ، ولا تقدمهن ، ولکن تقوم وسطا منهن » (2).

قوله : ( وکذا لو صلی العاری بالعراة جلس وجلسوا فی سمته لا یبرز إلا برکبتیه ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة ، قال : « یتقدمهم الإمام برکبتیه ویصلی بهم جلوسا وهو جالس » (3).

وإطلاق النص وکلام أکثر الأصحاب یقتضی تعین الجلوس علیهم مع أمن المطلع وبدونه. وقیل بوجوب القیام مع أمن المطلع ، واختاره الشارح (4). وهو ضعیف.

والأصح أنه یجب علی الجمیع الإیماء للرکوع والسجود ، کما اختاره الأکثر

کیفیة إمامة المرأة للنساء

إمامة العاری للعراة وصلاتهم

ص: 340


1- المعتبر 2 : 427.
2- الکافی 3 : 376 - 2 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.
3- التهذیب 2 : 365 - 1513 ، وج 3 : 178 - 404 ، الوسائل 3 : 328 أبواب لباس المصلی ب 51 ح 1.
4- المسالک 1 : 44.

ویستحب أن یعید المنفرد صلاته إذا وجد من یصلی تلک الصلاة جماعة ، إماما کان أو مأموما.

______________________________________________________

وادعی علیه ابن إدریس الإجماع (1) ، لإطلاق الأمر بذلک فی عدة أخبار صحیحة.

وقال الشیخ فی النهایة : یومئ الإمام ویرکع من خلفه ویسجد (2). ویشهد له قول أبی الحسن علیه السلام فی موثقة إسحاق بن عمار فی العراة : « یتقدمهم إمام فیجلس ویجلسون خلفه فیومئ إیماء بالرکوع والسجود وهم یرکعون ویسجدون خلفه علی وجوههم » (3).

ویظهر من المصنف فی المعتبر المیل إلی العمل بهذه الروایة ، فإنه قال : وهذه حسنة لا یلتفت إلی من یدعی الإجماع علی خلافها (4). وهو جید لو صح السند.

قوله : ( ویستحب أن یعید المنفرد صلاته إذا وجد من یصلی تلک الصلاة جماعة ، إماما کان أو مأموما ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام : إنی أحضر المساجد مع جیرانی وغیرهم فیأمروننی بالصلاة بهم ، وقد صلیت قبل أن آتیهم ، فربما صلی خلفی من یقتدی بصلاتی والمستضعف والجاهل ، وأکره أن أتقدم وقد صلیت لحال من یصلی بصلاتی ممن سمیت لک ، فأمرنی فی ذلک بأمرک أنتهی إلیه وأعمل به إن شاء الله. فکتب : « صلّ بهم » (5).

استحباب إعادة المنفرد جماعة وأحکامه

ص: 341


1- السرائر : 80.
2- النهایة : 130.
3- التهذیب 2 : 365 - 1514 ، الوسائل 3 : 328 أبواب لباس المصلی ب 51 ح 2 ، وفیهما : عن أبی عبد الله 7.
4- المعتبر 2 : 107.
5- الکافی 3 : 380 - 5 ، التهذیب 3 : 50 - 174 ، الوسائل 5 : 455 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 5.

______________________________________________________

وصحیحة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا صلیت صلاة وأنت فی المسجد وأقیمت الصلاة فإن شئت فاخرج ، وإن شئت فصلّ معهم واجعلها تسبیحا » (1).

وصحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی الصلاة وحده ثم یجد جماعة ، قال : « یصلی معهم ویجعلها الفریضة » (2) ونحوه روی هشام بن سالم فی الصحیح ، عن الصادق علیه السلام (3).

والظاهر أن معنی قوله علیه السلام : « ویجعلها الفریضة » أنه یجعلها الصلاة التی صلاها أولا ، لا غیرها من الصلاة.

وقال الشیخ فی التهذیب : إن المعنی فی هذا الحدیث أن من صلی ولم یفرغ بعد من صلاته ووجد جماعة فلیجعلها نافلة ، ثم یصلی فی جماعة ، ولیس ذلک لمن فرغ من صلاته بنیة الفرض ، لأن من صلی الفریضة بنیة الفرض لا یمکن أن یجعلها غیر فرض (4). وهو تأویل بعید ، وما ذکرناه أقرب.

وهنا مباحث :

الأول : یستفاد من قول المصنف رحمه الله : ویستحب أن یعید المنفرد صلاته ، أن من صلی الفریضة فی جماعة ثم وجد جماعة أخری لا تشرع له الإعادة. وهو کذلک ، للأصل ، وإدراک فضیلة الجماعة بالأولی.

وحکم الشهید فی الذکری باستحباب الإعادة للمنفرد والجامع ، لعموم الأدلة (5). وهو غیر واضح ، لأن أکثر الروایات مخصوصة بمن صلی وحده ، وما

ص: 342


1- الفقیه 1 : 265 - 1212 وفیه : عن أبی عبد الله عن أبیه علیهماالسلام ، التهذیب 3 : 279 - 821 ، الوسائل 5 : 456 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 8.
2- الکافی 3 : 379 - 1 ، التهذیب 3 : 50 - 176 ، الوسائل 5 : 457 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 11.
3- الفقیه 1 : 251 - 1132 ، الوسائل 5 : 455 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 1.
4- التهذیب 3 : 50.
5- الذکری : 266.

وأن یسبّح حتی یرکع الإمام إذا أکمل القراءة قبله.

______________________________________________________

لیس بمقید بذلک فلا عموم فیه. ومن هنا یعلم أن الأظهر عدم تراسل الاستحباب أیضا ، وجوزه الشهیدان (1).

الثانی : لو صلی اثنان فرادی ففی استحباب إعادة الصلاة لهما جماعة إذا لم یکن معهما مفترض وجهان ، من أن أقصی ما یستفاد من الروایات مشروعیة الإعادة إذا اقتدی بمفترض أو اقتدی به مفترض ، ومن عموم الترغیب فی الجماعة.

الثالث : إذا أعاد من صلی صلاته جماعة ، وأراد التعرض للوجه نوی الندب ، لخروجه عن العهدة بالصلاة الأولی ، فلا تکون الثانیة واجبة ، ومتی لم تکن واجبة امتنع إیقاعها علی وجه الوجوب. وجوز الشهید فی الذکری والدروس إیقاعها علی وجه الوجوب (2) ، لروایة هشام بن سالم (3). وهو بعید جدا والروایة لا تدل علیه بوجه.

قوله : ( وأن یسبّح حتی یرکع الإمام إذا أکمل القراءة قبله ).

یدل علی ذلک ما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عمر بن أبی شعبة ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، قلت له : أکون مع الإمام فأفرغ قبل أن یفرغ من قراءته ، قال : « فأتم السورة ومجد الله وأثن علیه حتی یفرغ » (4).

وروی أیضا فی الموثق ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الإمام أکون معه فأفرغ من القراءة قبل أن یفرغ ، قال : « فأمسک آیة ومجد الله وأثن علیه فإذا فرغ فاقرأ الآیة وارکع » (5) والعمل بکل من الروایتین حسن

استحباب تسبیح من أتم القراءة قبل الامام

ص: 343


1- الشهید الأول فی الدروس : 56 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 371 ، والمسالک 1 : 44.
2- الذکری : 266 ، والدروس : 56.
3- المتقدمة فی ص 342.
4- التهذیب 3 : 38 - 134 ، الوسائل 5 : 433 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.
5- الکافی 3 : 373 - 1 ، التهذیب 3 : 38 - 135 ، المحاسن : 326 - 73 ، الوسائل 5 : 432 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 1 ، بتفاوت یسیر بینها.

وأن یکون فی الصف الأول أهل الفضل ،

______________________________________________________

إن شاء الله.

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی ذلک بین من تجب القراءة خلفه کالمخالف ، أو یستحب کالجهریة مع عدم السماع ، مع احتمال اختصاص الحکم بالمخالف ، لأنه المتبادر من النص.

قوله : ( وأن یکون فی الصف الأول أهل الفضل ).

هذا موضع وفاق بین العلماء. والمراد بأهل الفضل أهل المزیة الکاملة من علم أو عمل أو عقل. وإنما استحب کونهم فی الصف الأول لأن أفضل الصفوف أولها ، لما روی من أن الصلاة فیه کالجهاد فی سبیل الله (1) ، فیکون الأفضل للأفضل.

ویدل علیه صریحا ما رواه الکلینی ، عن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « لیکن الذین یلون الإمام أولی الأحلام منکم والنهی ، فإن نسی الإمام أو تعایا قوّموه » (2).

والأحلام جمع حلم - بالکسر - وهو العقل ، ومنه قوله تعالی ( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا ) (3) والنهی - بالضم - العقل أیضا. وتعایا أی : لم یهتد لوجه مراده ، أو عجز عنه ولم یطق إحکامه.

قال فی الذکری : ولیکن یمین الصف لأفضل الصف الأول ، لما روی أن الرحمة تنتقل من الإمام إلیهم ثم إلی یسار الصف ، ثم إلی الثانی (4) والأفضل للأفضل (5). ویشهد له أیضا ما رواه الکلینی ، عن سهل بن زیاد بإسناده قال ، قال : « فضل میامن الصفوف علی میاسرها کفضل الجماعة علی صلاة

استحباب کون أهل الفضل من الصف الأول

ص: 344


1- الفقیه 1 : 252 - 1140 ، الوسائل 5 : 387 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 5.
2- الکافی 3 : 372 - 7 ، الوسائل 5 : 386 أبواب صلاة الجماعة ب 7 ح 2.
3- الطور : 32.
4- فی المصدر : الباقی.
5- الذکری : 273.

ویکره تمکین الصبیان منه.

ویکره أن یقف المأموم وحده ، إلا أن تمتلئ الصفوف.

______________________________________________________

الفرد » (1).

قوله : ( ویکره تمکین الصبیان منه ).

بل یکره تمکین غیر أهله منه ، ویکره لهم التأخر أیضا.

قوله : ( ویکره أن یقف المأموم وحده ، إلا أن تمتلئ الصفوف ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، ویدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الفضیل بن یسار ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « أتموا الصفوف إذا وجدتم خللا ، ولا یضرک أن تتأخر إذا وجدت ضیقا فی الصف الأول ، وتمشی منحرفا حتی تتم الصف » (2).

وعن السکونی ، عن جعفر عن أبیه علیهماالسلام قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا تکونن فی العثکل ، قلت : وما العثکل؟ قال : أن تصلی خلف الصفوف وحدک » (3).

ولا کراهة فی وقوف الرجل وحده مع امتلاء الصفوف ، لما رواه الشیخ عن أبی الصباح قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یقوم فی الصف وحده قال : « لا بأس إنما یبدو واحد بعد واحد » (4).

والأولی وقوفه بحذاء الإمام ، لروایة سعید الأعرج قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یأتی الصلاة فلا یجد فی الصف مقاما أیقوم وحده حتی یفرغ من صلاته؟ قال : « نعم ، لا بأس یقوم بحذاء الإمام » (5).

کراهة تمکین الصبیان من الصف الأول

کراهة وقوف المأموم وحده

ص: 345


1- الکافی 3 : 373 - 8 ، الوسائل 5 : 387 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 2.
2- التهذیب 3 : 280 - 826 ، الوسائل 5 : 471 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 2.
3- التهذیب 3 : 282 - 838 ، الوسائل 5 : 460 أبواب صلاة الجماعة ب 58 ح 1.
4- التهذیب 3 : 280 - 828 ، الوسائل 5 : 459 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 2.
5- الکافی 3 : 385 - 3 ، التهذیب 3 : 272 - 786 ، الوسائل 5 : 459 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 3.

وأن یصلی المأموم نافلة إذا أقیمت الصلاة.

ووقت القیام إلی الصلاة إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، علی الأظهر.

______________________________________________________

ولو وجد المصلی فرجة فی صف فله السعی إلیها وإن کانت فی غیر الصف الأخیر ، ولا کراهة هنا فی اختراق الصفوف ، لأنهم قصّروا حیث ترکوا تلک الفرجة. نعم لو أمکن الوصول بغیر اختراقهم کان أولی.

ولا کراهة فی وقوف المرأة وحدها إذا لم تکن نساء ، بل یستحب لها ذلک.

قوله : ( وأن یصلی المأموم نافلة إذا أقیمت الصلاة ).

لما فیه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح ، ولما رواه الشیخ ، عن عمر بن یزید ، أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الروایة التی یروون أنه لا ینبغی أن یتطوع فی وقت فریضة ، ما حد هذا الوقت؟ قال : « إذا أخذ المقیم فی الإقامة » فقال له : إن الناس یختلفون فی الإقامة ، فقال : « المقیم الذی تصلی معه » (1).

ونقل عن ابن حمزة (2) ، والشیخ فی النهایة (3) أنهما منعا من التنفل بعد الإقامة. قال فی الذکری : وقد یحمل علی ما لو کانت الجماعة واجبة ، وکان ذلک یؤدی إلی فواتها (4).

قوله : ( ووقت القیام إلی الصلاة إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، علی الأظهر ).

هذا مشهور بین الأصحاب ، واستدل علیه بأن هذا اللفظ إخبار عن

کراهة النافلة إذا أقیمت الصلاة

وقت القیام لصلاة الجماعة

ص: 346


1- التهذیب 3 : 283 - 841 ، الوسائل 4 : 670 أبواب الأذان والإقامة ب 44 ح 1.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 676.
3- النهایة : 119.
4- الذکری : 278.

الطرف الثانی : یعتبر فی الإمام : الإیمان ، والعدالة ، والعقل ، وطهارة المولد ، والبلوغ علی الأظهر ،

______________________________________________________

الإقامة ، فتجب المبادرة للتصدیق ، وقول الصادق علیه السلام فی روایة معاویة بن شریح : « إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، ینبغی لمن فی المسجد أن یقوموا علی أرجلهم ویقدّموا بعضهم » (1).

وقال الشیخ فی المبسوط والخلاف : وقت القیام إلی الصلاة عند فراغ المؤذن من کمال الأذان (2). ولم أقف علی مأخذه.

وحکی العلامة فی المختلف عن بعض علمائنا قولا بأن وقت القیام إلی الصلاة عند قوله : حی علی الصلاة ، لأنه دعا إلیها ، فاستحب القیام عنده (3).

وأجیب عنه بالمعارضة بالأذان ، فإن هذا اللفظ موجود فیه ولا یستحب القیام عنده ، وبأن هذا اللفظ دعاء إلی الإقبال إلی الصلاة ، وقد قامت صیغة إخبار بمعنی الأمر بالقیام ، فکان القیام عنده أولی.

قوله : ( یعتبر فی الإمام : الإیمان ، والعدالة ، والعقل ، وطهارة المولد ).

اعتبار هذه الأمور الأربعة فی إمام الجماعة مقطوع به فی کلام الأصحاب مدعی علیه الإجماع. نعم ذهب ابن الجنید إلی أن کل المسلمین علی العدالة إلی أن یظهر منه ما یزیلها (4). وذهب آخرون إلی جواز التعویل علی حسن الظاهر ، لعسر الاطلاع علی البواطن. وقد تقدم الکلام فی ذلک مفصلا فی صلاة الجمعة (5) فلا نعیده.

قوله : ( والبلوغ علی الأظهر ).

الشروط المعتبرة فی الامام

ص: 347


1- التهذیب 3 : 42 - 146 ، الوسائل 5 : 439 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 2.
2- المبسوط 1 : 157 ، والخلاف 1 : 217.
3- المختلف : 160.
4- حکاه عنه فی المختلف : 159.
5- فی ص 66.

وألا یکون قاعدا بقیام ،

______________________________________________________

هذا هو الأصح ، لأصالة عدم سقوط القراءة بفعل الغیر إلا مع العلم بالمسقط ، ولأن غیر المکلف لا یؤمن إخلاله بواجب أو فعله لمبطل ، لعلمه بارتفاع المؤاخذة عنه ، ویؤیده ما رواه الشیخ ، عن إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبیه : « إن علیا علیه السلام کان یقول : لا بأس أن یؤذن الغلام قبل أن یحتلم ، ولا یؤم حتی یحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته ، وفسدت صلاة من خلفه » (1).

وخالف فی ذلک الشیخ فی الخلاف والمبسوط ، فجوز إمامة المراهق الممیز العاقل فی الفرائض (2) ، واحتج علیه بإجماع الفرقة ، وروایة طلحة بن زید ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علی علیه السلام : « قال : لا بأس أن یؤذن الغلام الذی لم یحتلم وأن یؤم » (3). وفی الإجماع منع ، وفی سند الروایة ضعف.

وأجاب عنها الشیخ فی کتابی الأخبار بالحمل علی من بلغ بالسن أو الإنبات ، فإنه تجوز إمامته وإن لم یحتلم (4).

قال فی المعتبر : ولیس هذا التأویل بجید ، لتوارد الروایتین علی صفة واحدة مع تنافی الحکم ، لکن الأولی العمل بروایة إسحاق لعدالته وضعف طلحة ، ولأن ذلک أظهر فی الفتوی بین الأصحاب وهو نوع من رجحان (5). وهو حسن.

قوله : ( وأن لا یکون قاعدا بقیام ).

ص: 348


1- التهذیب 3 : 29 - 103 ، الإستبصار 1 : 423 - 1632 ، الوسائل 5 : 398 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 7.
2- الخلاف 1 : 212 ، والمبسوط 1 : 154.
3- التهذیب 3 : 29 - 104 ، الإستبصار 1 : 424 - 1633 ، الوسائل 5 : 398 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 8.
4- التهذیب 3 : 30 ، والاستبصار 1 : 424.
5- المعتبر 2 : 436.

ولا أمیّا بمن لیس کذلک.

______________________________________________________

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (1) ، ویدل علیه - مضافا إلی الأصل - ما رواه ابن بابویه مرسلا ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله صلی بأصحابه جالسا ، فلما فرغ قال : لا یؤمّنّ أحد بعدی جالسا » (2). وما رواه الشیخ ، عن السکونی ، عن أبی عبد الله ، عن أبیه علیهماالسلام قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام لا یؤمّن المقید المطلقین ، ولا صاحب الفالج الأصحاء » (3). وکذا الکلام فی جمیع المراتب لا یؤم الناقص فیها الکامل.

وأطلق الشیخ فی الخلاف جواز ائتمام (4) المکتسی بالعاری (5) ، وهو ضعیف. وقال فی التذکرة : إن اقتدی بالعاری مکتس عاجز عن الرکوع والسجود جاز ، لمساواته له فی الأفعال (6). وهو یتم إذا قلنا أن المانع من الاقتداء بالعاری عجزه عن الأرکان ، وأما إذا علل بنقصه من حیث الستر فلا.

قوله : ( ولا أمیّا بمن لیس کذلک ).

المراد بالأمی من لا یحسن القراءة الواجبة کما ذکره فی المعتبر (7). ولا ریب فی عدم جواز إمامته بالقاری ، لأن القراءة واجبة مع القدرة وإنما تسقط بتحمل الإمام ، ومع عجزه لا یتحقق التحمل.

ومقتضی العبارة جواز إمامته بمثله ، وهو کذلک ، لتساویهما فی الأفعال.

وینبغی التنبیه لأمور :

ص: 349


1- التذکرة 1 : 177.
2- الفقیه 1 : 249 - 1119 ، الوسائل 5 : 415 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.
3- التهذیب 3 : 27 - 94 ، الوسائل 5 : 411 أبواب صلاة الجماعة ب 22 ح 1.
4- فی جمیع النسخ : إمامة ، وما أثبتناه من المصدر.
5- الخلاف 1 : 208.
6- التذکرة 1 : 179.
7- المعتبر 2 : 437.

______________________________________________________

الأول : الأصح (1) أنه یجب علی الأمی الایتمام بالقاری المرضی مع الإمکان ، لأن من هذا شأنه یتمکن من الصلاة بقراءة صحیحة فیجب علیه. وبه قطع العلامة فی التذکرة من غیر نقل خلاف لأحد من الأصحاب (2) (3).

الثانی : الأخرس فی معنی الأمی ، فیجوز أن یؤم مثله. وهل له أن یؤم أمیا؟

قیل : لا ، لقدرته علی النطق بالتکبیر ، والأخرس عاجز عنه (4). وقیل بالجواز ، وهو خیرة المعتبر (5) ، لأن التکبیر لا یتحمله الإمام وهما فی القراءة سواء.

والأصح المنع ، لأصالة عدم سقوط القراءة مع إخلال الإمام بالرکن ، ونقص صلاته بالنسبة إلی المأموم.

الثالث : لو أحسن أحد الأمیین الفاتحة والآخر السورة جاز ائتمام من یعجز عن الفاتحة بالقادر علیها دون العکس ، للإجماع علی وجوبها فی الصلاة بخلاف السورة.

ولو أحسن کل منهما بعض الفاتحة فإن اتحد صح ائتمام أحدهما بالآخر ، وإلا فلا ، لأن کل واحد منهما أمی بالنسبة إلی الآخر ، مع احتمال الجواز ، لتساویهما فی کونهما أمیین.

الرابع : قال الشیخ فی المبسوط : لو صلی أمی بقارئ بطلت صلاة القاری وحده (6). وقیده العلامة فی المختلف بکون القاری غیر صالح

ص: 350


1- فی « ح » ، « م » ، « ض » : المشهور.
2- التذکرة 1 : 178.
3- فی « ح » ، « م » ، « ض » : زیادة : وهو أحوط وإن کان للتوقف فیه مجال.
4- قال به الشهید الأول فی الذکری : 268.
5- المعتبر 2 : 438.
6- المبسوط 1 : 154.

ولا یشترط الحریة علی الأظهر. وتشترط الذکورة إذا کان المأموم ذکرانا ، أو ذکرانا وإناثا.

ویجوز أن تؤمّ المرأة النساء.

______________________________________________________

للإمامة ، إذا لو کان صالحا لوجب علی الأمی الاقتداء به ، فإذا أخل به بطلت صلاته وصلاة من خلفه (1). وهو جید مع العلم بوجوب الاقتداء ، أما مع الجهل فلا تبعد صحة صلاته ، لعدم توجه النهی إلیه المقتضی للفساد.

قوله : ( ولا یشترط الحریة علی الأظهر ).

هذا هو الأصح ، للأصل ، وإطلاق الأمر ، وصحیحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن العبد یؤم القوم إذا رضوا به وکان أکثرهم قرآنا ، قال : « لا بأس » (2).

قوله : ( وتشترط الذکورة إذا کان المأمومون ذکرانا ، أو ذکرانا وإناثا. ویجوز أن تؤمّ المرأة النساء ).

أما أنه لا یجوز للمرأة أن تؤم رجلا فقال فی المعتبر : إنه متفق علیه بین العلماء کافة ، لقول النبی صلی الله علیه و آله : « أخروهن من حیث أخرهن الله » (3) ولأن المرأة مأمورة بالحیاء والاستتار ، والإمامة للرجال تقتضی الظهور والاشتهار (4).

وأما أنه یجوز لها أن تؤم النساء فهو قول معظم الأصحاب ، بل قال فی التذکرة : إنه قول علمائنا أجمع (5). واستدل علیه الشیخ فی التهذیب بما رواه عن سماعة بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تؤم

ص: 351


1- المختلف : 155.
2- التهذیب 3 : 29 - 100 ، الإستبصار 1 : 423 - 1629 ، الوسائل 5 : 400 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 2.
3- مستدرک الوسائل 1 : 222 أبواب مکان المصلی ب 5 ح 1.
4- المعتبر 2 : 438.
5- التذکرة 1 : 171.

______________________________________________________

النساء؟ قال : « لا بأس به » (1).

وعن عبد الله بن بکیر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله علیه السلام : إنه سأله عن المرأة تؤم النساء؟ قال : « نعم تقوم وسطا بینهن ولا تتقدمهن » (2) وفی الروایتین ضعف من حیث السند.

نعم یمکن الاستدلال علیه بما رواه الشیخ ( فی الصحیح ) (3) عن علیّ بن جعفر : أنه سأل أخاه موسی علیه السلام عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتکبیر؟ قال : « قدر ما تسمع » (4).

ونقل عن ابن الجنید (5) ، والسید المرتضی (6) - رضی الله عنه - أنهما جوّزا إمامة النساء فی النوافل دون الفرائض ، ونفی عنه البأس فی المختلف (7). وتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة هشام بن سالم : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال : « تؤمهن فی النافلة فأما فی المکتوبة فلا ، ولا تتقدمهن ولکن تقوم وسطهن » (8).

وصحیحة سلیمان بن خالد قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال : « إذا کن جمیعا أمتهن فی النافلة فأما المکتوبة فلا ، ولا تتقدمهن ولکن تقوم وسطا منهن » (9).

ص: 352


1- التهذیب 3 : 31 - 111 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 11.
2- التهذیب 3 : 31 - 112 ، الإستبصار 1 : 426 - 1645 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 10.
3- ما بین القوسین لیس فی « م ».
4- التهذیب 3 : 267 - 761 ، الوسائل 5 : 407 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 7.
5- کما فی الذکری : 265.
6- کما فی المختلف : 154.
7- المختلف : 154.
8- الفقیه 1 : 259 - 1176 ، التهذیب 3 : 205 - 487 ، الوسائل 5 : 406 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 1.
9- الکافی 3 : 376 - 2 ، التهذیب 3 : 269 - 768 ، الإستبصار 1 : 426 - 1646 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.

وکذا الخنثی. ولا تؤم المرأة رجلا ولا خنثی.

ولو کان الإمام یلحن فی قراءته لم یجز إمامته بمتقن علی الأظهر.

______________________________________________________

وروایة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « تؤم المرأة النساء فی الصلاة وتقوم وسطا منهن ویقمن عن یمینها وشمالها ، تؤمهن فی النافلة ولا تؤمهن فی المکتوبة » (1).

وأجاب المصنف فی المعتبر عن روایتی سلیمان بن خالد والحلبی بأنهما نادرتان لا عمل علیهما (2). وهو غیر جید ، لوجود القائل بمضمونهما ، وموافقتهما لصحیحة هشام المتقدمة ، مع أن الصدوق أوردها فی کتابه ومقتضی کلامه فی أوله الإفتاء بمضمونها.

ویشهد لهذا القول أیضا ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : المرأة تؤم النساء؟ قال : « لا ، إلا علی المیت إذا لم یکن أحد أولی منها تقوم وسطهن معهن فی الصف فتکبر ویکبرن » (3).

قوله : ( وکذا الخنثی ).

أی یجوز أن تؤم النساء دون الرجال. وقطع العلاّمة (4) ومن تأخر عنه (5) بأنه لیس لها أن تؤم بمثلها ، لاحتمال أن یکون الإمام أنثی والمأموم ذکرا. وقیل بالجواز (6). وهو محتمل.

قوله : ( ولو کان یلحن فی قراءته لم یجز إمامته بمتقن علی الأظهر ).

ص: 353


1- التهذیب 3 : 268 - 765 ، الإستبصار 1 : 427 - 1647 ، الوسائل 5 : 408 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 9.
2- المعتبر 2 : 427.
3- الفقیه 1 : 259 - 1177 ، الوسائل 5 : 406 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 3.
4- المنتهی 1 : 373.
5- وهو الشهید الثانی فی روض الجنان : 365.
6- قال به ابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 675.

وکذا من یبدل الحرف کالتّمتام وشبهه.

______________________________________________________

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، وتدل علیه أصالة عدم سقوط القراءة عن المأموم إلاّ مع العلم بالمسقط وهو منتف هنا ، وأن القراءة الواجبة إنما تسقط بتحمل الإمام ومع لحنه لا یتحقق التحمل.

وقال الشیخ فی المبسوط : تکره إمامة من یلحن فی قراءته سواء کان فی الحمد أو فی غیرها ، أحال المعنی أو لم یحل إذا لم یحسن إصلاح لسانه ، فإن کان یحسن وتعمد اللحن فإنه تبطل صلاته وصلاة من خلفه إن علموا بذلک ، لأنه إذا لحن لم یکن قارئا للقرآن ، لأن القرآن لیس بملحون (1).

واستدل له العلاّمة فی المختلف علی الصحة مع تعذر الإصلاح بأن صلاة من هذا شأنه صحیحة فجاز أن یکون إماما (2). وهو استدلال ضعیف فإنه لو تم لاقتضی جواز إمامة الأمی والأخرس ولا قائل به.

ومقتضی العبارة جواز إمامة اللاحن بمثله وهو کذلک مع اتفاقهما فی موضع اللحن أو نقص المأموم وعجز الإمام عن التعلم ، وإلا لم تجز إمامته ( لفسقه ) (3) کما هو واضح.

قوله : ( وکذا من یبدل الحرف کالتّمتام وشبهه ).

أی لا تجوز إمامته بمن لیس کذلک ، لأن من هذا شأنه کاللاحن. ومقتضی العبارة أن التمتام یبدل الحرف بغیره ، وفسره فی المبسوط بأنه الذی لا یحسن أن یؤدی التاء (4).

وقال المصنف فی المعتبر : أما التمتام والفأفاء فالائتمام بهما جائز لأنه یکرر الحرف ولا یسقطه (5).

ص: 354


1- المبسوط 1 : 153.
2- المختلف : 155.
3- لیست فی « ض ».
4- المبسوط 1 : 153.
5- المعتبر 2 : 438.

______________________________________________________

ومقتضی کلامه أن التمتام هو الذی لا یتیسر له النطق بالتاء إلاّ بعد تردیدها مرتین فصاعدا ، وبهذا التفسیر والحکم صرح العلاّمة فی التذکرة والمنتهی (1) ، لکنه حکم فی التذکرة بکراهة إمامته لمکان هذه الزیادة.

والمراد بشبه التمتام بالمعنی الأول الألثغ بالثاء المثلثة ، وهو الذی یجعل الراء غینا أو لاما ، والألیغ بالیاء المنقطة من تحت نقطتین ، وهو الذی لا یبین الکلام ولا یأتی بالحروف علی الصحة ، وکل هؤلاء لا تجوز إمامتهم بالمتقن لما سبق ، ویجوز بالمساوی مع عجز الإمام عن الإصلاح.

قال فی المنتهی : ولو کان له لثغة خفیفة تمنع من تخلیص الحرف ولکن لا یبدله بغیره أمکن أن یقال بجواز إمامته بالقاری (2). ونحوه قال فی التذکرة ولکنه جزم بالجواز (3).

وقال الشهید فی الذکری : أما من به لثغة خفیفة تمنع من تخلیص الحرف ولا تبلغ به تبدیله بغیره فجائز إمامته للقارئ وإن کان القاری أفضل ، لأن ذلک یعد قرآنا (4).

ویشکل بأن من لم یخلّص الحرف لا یکون آتیا بالقراءة علی الوجه المعتبر فلا تکون قراءته کافیة عن قراءة المأموم کالمبدل.

وهل یجب علی اللاحن والمبدل للحرف بغیره مع العجز عن الإصلاح الائتمام بالمتقن مع التمکن منه؟ فیه وجهان : من توقف الواجب علی الائتمام فیکون واجبا ، ومن أصالة البراءة وإطلاق قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة والفضیل : « ولیس الاجتماع بمفروض فی الصلوات کلها » (5) والمسألة محل

ص: 355


1- التذکرة 1 : 178 ، المنتهی 1 : 372.
2- المنتهی 1 : 373.
3- التذکرة 1 : 178.
4- الذکری : 268.
5- الکافی 3 : 372 - 6 ، التهذیب 3 : 24 - 83 ، الوسائل 5 : 371 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.

ولا یشترط أن ینوی الإمامة.

وصاحب المسجد والإمارة والمنزل أولی بالتقدم.

______________________________________________________

تردد.

قوله : ( ولا یشترط أن ینوی الإمامة ).

أی فی صحة الصلاة أو فی انعقاد الجماعة ، وذلک لأن أفعال الإمام مساویة لأفعال المنفرد فلا یعتبر تمییز أحدهما من الآخر ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ( وصاحب المسجد والإمارة والمنزل أولی بالتقدم ).

المراد بصاحب المسجد الإمام الراتب فیه ، وبالأمیر من کانت إمارته شرعیة وهو الوالی من قبل الإمام علیه السلام ، وبصاحب المنزل ساکنه وإن لم یکن مالکا. وهؤلاء الثلاثة أولی من غیرهم عدا الإمام الأعظم وإن کان ذلک الغیر أفضل منهم ، وقد صرح بذلک جماعة منهم العلاّمة فی جملة من کتبه (1).

وقال فی المنتهی : إنه لا یعرف فیه خلافا.

أما أن صاحب الإمارة والمنزل أولی بالتقدم فیدل علیه قوله علیه السلام فی روایة أبی عبیدة : « ولا یتقدمن أحدکم الرجل فی منزله ولا صاحب سلطان فی سلطانه » (2).

وأما کراهة التقدم علی إمام المسجد الراتب فلأنه یجری مجری منزله ، ولأن تقدم غیر الراتب علیه یورث وحشة وتنافرا فیکون مرجوحا. ولو أذن هؤلاء لغیرهم فی التقدم فقد جزم الشهیدان بانتفاء الکراهة ، لأن أولویتهم لیست مستندة إلی فضیلة ذاتیة بل إلی سیاسة أدبیة (3). وهو اجتهاد فی مقابلة النص.

عدم اشتراط نیة الإمامة

ذکر الأولی بالتقدم

ص: 356


1- المنتهی 1 : 374 ، والتذکرة 1 : 180 ، ونهایة الأحکام 2 : 154.
2- الکافی 3 : 376 - 5 ، التهذیب 3 : 31 - 113 ، الوسائل 5 : 419 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
3- الشهید الأول فی الذکری : 270 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 45.

والهاشمیّ أولی من غیره إذا کان بشرائط الإمامة. وإذا تشاحّ الأئمة فمن قدّمه المأمون فهو أولی.

______________________________________________________

وهل الأفضل لهم الإذن للأکمل منهم أو مباشرة الإمامة؟ فیه وجهان ، وظاهر الروایة یدل علی أن الأفضل لهم المباشرة ، وعلی هذا فلو أذنوا فالأفضل للمأذون له رد الإذن لیستقر الحق علی ( أصله ) (1).

ولا تتوقف أولویة الراتب فی المسجد علی حضوره فلو تأخر روسل لیحضر أو یستنیب إلی أن یتضیق وقت الفضیلة.

قوله : ( والهاشمی أولی من غیره إذا کان جامعا للشرائط ).

المراد أنه أولی من غیر الثلاثة المتقدمة فإنهم أولی منه ، وهذا الحکم ذکره الشیخ (2) وجمع من الأصحاب ، واستحسنه فی المنتهی مستدلا علیه بأن الهاشمی أفضل من غیره وتقدیم المفضول قبیح عقلا (3).

وقال الشهید فی الذکری بعد اعترافه بعدم الوقوف علی مستند لذلک سوی ما روی مرسلا أو مسندا بطریق غیر معلوم من قول النبی صلی الله علیه و آله : « قدموا قریشا ولا تقدموهم » (4) : نعم فیه إکراما لرسول الله صلی الله علیه و آله ، إذ تقدیمه لأجله نوع إکرام ، وإکرام رسول الله صلی الله علیه و آله وتبجیله مما لا خفاء بأولویته (5).

قوله : ( وإذا تشاحّ الأئمة فمن قدّمه المأمومون فهو أولی ).

إذا تشاح الأئمة فإما أن یکره المأمومون إمامة بعضهم بأسرهم ، وإما أن یختاروا إمامة واحد بأسرهم ، وإما أن یختلفوا فی الاختیار. فإن کرهه جمیعهم لم یؤم بهم. لقوله علیه السلام : « ثلاثة لا یقبل الله لهم صلاة » أحدهم من تقدم

حکم تشاح الأئمة فی التقدم ومن یقدم

ص: 357


1- فی « م » : أهله.
2- النهایة : 112.
3- المنتهی 1 : 375.
4- الجامع الصغیر 2 : 253 - 6109 ، 6110.
5- الذکری : 270.

فإن اختلفوا قدّم الأقرأ ، فالأفقه ،

______________________________________________________

قوما وهم له کارهون (1).

وقال العلاّمة فی التذکرة : والأقرب أنه إن کان ذا دین فکرهه القوم لذلک لم تکره إمامته ، والإثم علی من کرهه ، وإلاّ کرهت (2). وهو حسن.

وإن اختار الجمیع واحدا فهو أولی ، لما فیه من اجتماع القلوب وحصول الإقبال المطلوب. وإن اختلفوا فقد أطلق المصنف وأکثر الأصحاب المصیر إلی الترجیح بالقراءة والفقه وغیرهما من المرجحات.

وقال فی التذکرة : إنه یقدم اختیار الأکثر ، فإن تساووا طلب الترجیح (3). وروایة أبی عبیدة تشهد للأول (4).

قال الشهید فی الذکری : وفی ذلک تصریح بأنه لیس للمأمومین أن یقتسموا الأئمة ویصلی کل قوم خلف من یختارونه ، لما فیه من الاختلاف المثیر للإحن (5). وهو کذلک.

قوله : ( فإن اختلفوا قدّم الأقرأ ، فالأفقه ).

المراد بالأقرإ الأجود قراءة کما ذکره فی التذکرة (6) ، وبالأفقه الأعلم بأحکام الصلاة أو بمطلق الأحکام الشرعیة ، وقد قطع المصنف وغیره (7) بتقدیم الأقرأ علی الأفقه ، لما رواه الشیخ عن أبی عبیدة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن القوم من أصحابنا یجتمعون فتحضر الصلاة فیقول بعضهم لبعض : تقدم یا فلان فقال : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله قال : یتقدم

ص: 358


1- الکافی 5 : 507 - 5 ، أمالی الطوسی : 196 ، الوسائل 5 : 418 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 6.
2- التذکرة 1 : 179.
3- التذکرة 1 : 179.
4- المتقدمة فی ص 1269.
5- الذکری : 270.
6- التذکرة 1 : 180.
7- کالشهید الأول فی الدروس : 54.

فالأقدم هجرة ،

______________________________________________________

القوم أقرؤهم للقرآن ، فإن کانوا فی القراءة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن کانوا فی الهجرة سواء فأکبرهم سنا ، فإن کانوا فی السن سواء فلیؤمهم أعلمهم بالسنة وأفقههم فی الدین » (1).

وحکی العلامة فی التذکرة عن بعض علمائنا قولا بتقدیم الأفقه علی الأقرأ (2) ، لأن القراءة التی یحتاج إلیها فی الصلاة محصورة وهو یحفظها وما یحتاج إلیه من الفقه غیر محصور ، ولأن الأفقه أشرف وأعلم بأرکان الصلاة وأحکامها فیکون أولی بالتقدیم ، لقوله تعالی ( قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ ) (3) وقول النبی صلی الله علیه و آله : « من أم قوما وفیهم من هو أعلم منه لم یزل أمرهم إلی سفال إلی یوم القیامة » (4).

وتأولوا خبر أبی عبیدة بأن القراءة فی زمن الصحابة کانت مستلزمة للفقه ، لأنهم کانوا إذا تعلّموا القرآن تعلّموا معه أحکامه.

ورده المصنف فی المعتبر بأن اللفظ جار علی إطلاقه ، ولأن ما ذکروه لو کان مرادا لما نقلهم بعد القراءة إلی الأعلم بالسنة (5). وهو جید لو صحت الروایة ، لکنها ضعیفة السند (6) فالقول بترجیح الأفقه لا یخلو من قوة.

قوله : ( فالأقدم هجرة ).

یدل علی ذلک قول النبی صلی الله علیه و آله : « فإن کانوا فی القراءة

ص: 359


1- التهذیب 3 : 31 - 113 ، الوسائل 5 : 419 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
2- التذکرة 1 : 180.
3- الزمر : 9.
4- الفقیه 1 : 247 - 1102 ، التهذیب 3 : 56 - 194 ، علل الشرائع : 326 - 4 ، الوسائل 5 : 415 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 1.
5- المعتبر 2 : 440.
6- لعل وجهه هو وقوع سهل بن زیاد فی سندها وهو ضعیف - راجع رجال النجاشی : 185 - 490 ، والفهرست : 80 - 329.

فالأسن ، فالأصبح.

______________________________________________________

سواء فأقدمهم هجرة » (1) والمراد بالأقدم هجرة الأسبق من دار الحرب إلی دار الإسلام.

وقال فی التذکرة : المراد بالأقدم هجرة سبق الإسلام ، أو من کان أسبق هجرة من دار الحرب إلی دار الإسلام ، أو یکون من أولاد من تقدمت هجرته (2).

ونقل عن الشیخ نجیب الدین یحیی بن سعید أنه قال : إن المراد بالأقدم هجرة فی زماننا : التقدم فی التعلم قبل الآخر (3).

وقال الشهید فی الذکری : وربما جعلت الهجرة فی زماننا سکنی الأمصار ، لأنها تقابل البادیة مسکن الأعراب ، لأن أهل الأمصار أقرب إلی تحصیل شرائط الإمامة والکمال فیها (4). وهذه اعتبارات حسنة إلا أن المستفاد من النص المعنی الأول.

قوله : ( فالأسن ).

أی فإن تساووا فی الهجرة إما لاقترانها أو لانتفائها ممن حصل بینهم الاختلاف قدّم الأکبر سنا. وذکر الشهید فی الذکری أن المراد علو السن فی الإسلام ، فلو کان أحدهما ابن ثلاثین سنة کلها فی الإسلام والآخر ابن ستین لکن إسلامه أقل من ثلاثین فالأول هو الأسن (5). وهو اعتبار حسن إلاّ أن النص لا یدل علیه.

قوله : ( فالأصبح ).

أی الأحسن وجها ، وهذه المرتبة ذکرها علیّ بن بابویه فی رسالته (6) ،

ص: 360


1- المتقدم فی ص 358.
2- التذکرة 1 : 180.
3- حکاه عنه فی الذکری : 271.
4- الذکری : 271.
5- الذکری : 271.
6- حکاه عنه فی المختلف : 156.

______________________________________________________

والشیخ (1) ، وسلاّر (2) ، وابن البراج (3) ، والمصنف فی هذا الکتاب ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (4) ، وعلله فی المختلف بأن فی حسن الوجه دلالة علی عنایة الله تعالی بصاحبه فاستحق التقدم بذلک.

وأنکر المصنف فی المعتبر الترجیح بذلک فقال : وهل یرجح بالأصبح؟ قال الشیخان : نعم ، ورواه المرتضی فی المصباح روایة ، ولا أری لها أثرا فی الأولویة ولا وجها فی شرف الرجال (5).

وحکی العلاّمة فی التذکرة عن الشافعیة اعتبار ذلک وأنهم اختلفوا فی تفسیره فقال بعضهم : المراد أحسنهم صورة لأن ذلک فضیلة کالنسب. وقال آخرون : المراد أحسنهم ذکرا بین الناس لدلالته علی حسن الحال عند الله تعال (6).

وفی کلام علیّ علیه السلام فی عهده للأشتر دلالة علی هذا المعنی حیث قال : « وإنما یستدل علی الصالحین بما یجری الله لهم علی ألسن عباده » (7).

قال العلاّمة - رحمه الله - فی التذکرة : فإن استووا فی ذلک کله قدّم أشرفهم ، أی أعلاهم نسبا وأفضلهم فی نفسه ، فإن استووا فی هذه الخصال قدّم أتقاهم وأورعهم لأنه أشرف فی الدین وأقرب إلی الإجابة ، فإن استووا فی ذلک کله فالأقرب القرعة ، ثم قال : وهذا کله تقدیم استحباب لا تقدیم اشتراط ولا إیجاب ، فلو قدم المفضول جاز ولا نعلم فیه خلافا (8).

ص: 361


1- النهایة : 111.
2- المراسم : 87.
3- المهذب 1 : 81.
4- المختلف : 156 ، والمنتهی 1 : 375 ، والتذکرة 1 : 180.
5- المعتبر 2 : 440.
6- التذکرة 1 : 180.
7- نهج البلاغة ( محمد عبده ) 3 : 63.
8- التذکرة 1 : 180.

ویستحب للإمام أن یسمع من خلفه الشهادتین.

وإذا مات الإمام أو أغمی علیه استنیب من یتم الصلاة.

______________________________________________________

قوله : ( ویستحب للإمام أن یسمع من خلفه الشهادتین ).

یدل علی ذلک ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن حفص بن البختری ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه التشهد ولا یسمعونه هم شیئا یعنی التشهد ، ویسمعهم أیضا السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین » (1) وما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « ینبغی للإمام أن یسمع من خلفه کلما یقول ولا ینبغی لمن خلفه أن یسمعه شیئا مما یقول » (2).

ویستفاد من هذه الروایة أنه یستحب للإمام إسماع من خلفه جمیع الأذکار ، وأنه یکره للمأموم أن یسمع الإمام شیئا من ذلک.

قوله : ( وإذا مات الإمام أو أغمی علیه استنیب من یتم بهم الصلاة ).

المستنیب هنا هم المأمومون ، وقد أجمع الأصحاب علی أن الإمام إذا مات أو أغمی علیه یستحب للمأمومین استنابة من یتم بهم الصلاة کما نقله جماعة منهم العلاّمة فی التذکرة (3) ، وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عبید الله الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی رجل أمّ قوما فصلی بهم رکعة ثم مات ، قال : « یقدمون رجلا آخر ویعتدون بالرکعة ویطرحون المیت خلفهم ویغتسل من مسه » (4).

وإطلاق العبارة یقتضی جواز استنابة المؤتم وغیره ، وبهذا التعمیم قطع فی

استحباب إسماع الامام من خلفه

ص: 362


1- الفقیه 1 : 260 - 1189 ، الوسائل 5 : 451 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1.
2- التهذیب 3 : 49 - 170 ، الوسائل 5 : 451 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
3- التذکرة 1 : 181.
4- التهذیب 3 : 43 - 148 ، الوسائل 5 : 440 أبواب صلاة الجماعة ب 43 ح 1.

وکذا إذا عرض للإمام ضرورة جاز له أن یستنیب ، ولو فعل ذلک اختیارا جاز أیضا.

______________________________________________________

المنتهی وقال : إنه یجوز استنابة من جاء بعد حدث الإمام ، للأصل ، ولأنه یجوز استنابة التابع فغیره أولی (1). وهو غیر بعید وإن کان الأولی استنابة المأموم خاصة ، لأنه المتبادر من النص.

ومقتضی العبارة وجوب الإتمام من موضع القطع سواء حصل العارض قبل الشروع فی القراءة أو بعدها أو فی أثنائها ، وقیل : یجب الابتداء من أول السورة التی حصل القطع فی أثنائها (2). ولعله أحوط.

قوله : ( وکذا إذا عرض للإمام ضرورة جاز له أن یستنیب ، ولو فعل ذلک اختیارا جاز أیضا ).

هذا الحکم إجماعی أیضا منصوص فی عدة روایات ، کصحیحة سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یؤم القوم فیحدث ویقدم رجلا قد سبق برکعة کیف یصنع؟ فقال : « لا یقدم رجلا قد سبق برکعة ، ولکن یأخذ بید غیره فیقدمه » (3).

ولو لم یستنب الإمام استناب المأمومون من یتم بهم الصلاة کما فی صورة الموت والإغماء ، لصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : إنه سأله عن إمام أحدث فانصرف ولم یقدم أحدا ما حال القوم؟ قال : « لا صلاة لهم إلاّ بإمام ، فلیقدم بعضهم فلیتم بهم ما بقی منها وقد تمت صلاتهم » (4).

ومقتضی الروایة وجوب الاستنابة ، إلاّ أن العلاّمة فی التذکرة نقل إجماع

حکم استنابة الامام غیره

ص: 363


1- المنتهی 1 : 381.
2- کما فی روض الجنان : 368.
3- التهذیب 3 : 42 - 147 ، الإستبصار 1 : 434 - 1675 ، الوسائل 5 : 438 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 1.
4- الفقیه 1 : 262 - 1196 ، التهذیب 3 : 283 - 843 ، الوسائل 5 : 474 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.

ویکره أن یأتمّ حاضر بمسافر.

______________________________________________________

علمائنا علی انتفاء الوجوب (1). وعلی هذا فیمکن حمل الروایة علی أن المنفی فیها الکمال والفضیلة لا الصحة ، والمسألة محل تردد.

وردّ المصنف بقوله : ولو فعل ذلک - یعنی المبطل - اختیارا جاز أیضا ، علی أبی حنیفة ، حیث منع من استخلاف الإمام إذا تعمد فعل المبطل ، وأوجب علی المأمومین الإتمام فرادی ، وبنی ذلک علی أصل فاسد ذکره وهو أنّ سبق الحدث لا یبطل الصلاة ، وإذا بقی حکمها بقی حکمها علی الجماعة فی جواز الاستخلاف بخلاف ما إذا أحدث متعمدا فإن الصلاة تبطل بذلک فیبطل حکمها وهو جواز الاستخلاف (2). والأصل عندنا باطل فالفرع أوضح بطلانا.

قوله : ( ویکره أن یأتمّ حاضر بمسافر ).

هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل ظاهر المصنف فی المعتبر (3) والعلاّمة فی جملة من کتبه (4) أنه موضع وفاق. ونقل عن علیّ بن بابویه أنه قال : لا تجوز إمامة المتمم للمقصر ولا بالعکس (5). والمعتمد الکراهة.

( لنا علی الجواز الأصل والعمومات ، وربما أرشد إلیه الأخبار الکثیرة المتضمنة لجواز استنابة المسبوق (6) ، لاقتضائها عدم تأثیر المفارقة فی المنع. وعلی الکراهة ) (7) ما رواه الشیخ ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبی جعفر ، عن أحمد بن محمد بن أبی نصر ، عن داود بن الحصین ، عن الفضل بن عبد الملک ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « لا یؤم الحضری المسافر ولا المسافر الحضری ، فإن ابتلی بشی ء من ذلک فأمّ قوما حضریین فإذا أتم الرکعتین سلّم

کراهة ائتمام الحاضر بمسافر

ص: 364


1- التذکرة 1 : 181.
2- المبسوط للسرخسی 2 : 105 ، اللباب 1 : 109.
3- المعتبر 2 : 441.
4- المنتهی 1 : 373 ، التذکرة 1 : 179 ، القواعد 1 : 47.
5- نقله عنه فی المختلف : 155.
6- الوسائل 5 : 437 أبواب صلاة الجماعة ب 40.
7- بدل ما بین القوسین فی « ح » : والذی وقفت علیه فی هذه المسألة من الأخبار.

______________________________________________________

ثم أخذ بید بعضهم فقدّمه فأمّهم ، وإذا صلّی المسافر خلف قوم حضور فلیتم صلاته رکعتین ویسلّم ، وإن صلّی بقوم الظهر فلیجعل الأولیین الظهر والأخیرتین العصر » (1).

وهذه الروایة معتبرة الإسناد ، إذ لیس فی طریقها مطعون فیه سوی داود بن الحصین ، وقد وثقه النجاشی وقال : إنه کان یصحب أبا العباس الفضل بن عبد الملک وإن له کتابا یرویه عدة من أصحابنا (2). لکن قال الشیخ (3) وابن عقدة (4) إنه کان واقفیا. ولا یبعد أن یکون الأصل فی هذا الطعن من الشیخ کلام ابن عقدة ، وهو غیر ملتفت إلیه ، لنص الشیخ (5) والنجاشی (6) علی أنه کان زیدیا جارودیا وأنه مات علی ذلک. ( وهذه الروایة کالصریحة فی جواز الائتمام ) (7).

ولم یذکر المصنف فی هذا الکتاب أنه یکره ائتمام المسافر بالحاضر وقد حکم المصنف فی المعتبر بکراهته کالعکس ، واحتج علیه بروایة الفضل المتقدمة ، وبأن کل واحد منهما یفارق إمامه اختیارا ، والمفارقة مکروهة للمختار (8).

وقد ورد بجواز ائتمام المسافر بالحاضر روایات کثیرة ، کصحیحة حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المسافر یصلی خلف المقیم ،

ص: 365


1- الفقیه 1 : 259 - 1180 ، التهذیب 3 : 164 - 355 ، الإستبصار 1 : 426 - 1643 ، الوسائل 5 : 403 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6 ، بتفاوت.
2- رجال النجاشی : 159 - 421.
3- رجال الطوسی : 349.
4- نقله عنه العلامة فی الخلاصة : 221.
5- الفهرست : 28.
6- رجال النجاشی : 94 - 233.
7- بدل ما بین القوسین فی « ض » ، « م » ، « ح » : وهی صریحة فی الکراهة ، وتشهد للجواز أیضا العمومات المتضمنة لمشروعیة الجماعة السالمة عما یصلح للمعارضة.
8- المعتبر 2 : 441.

______________________________________________________

قال : « یصلی رکعتین ویمضی حیث شاء » (1).

وصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا صلی المسافر خلف قوم حضور فلیتم صلاته رکعتین ویسلم ، وإن صلی معهم الظهر فلیجعل الأولتین الظهر والأخیرتین العصر » (2).

وصحیحة عبد الله بن مسکان ومحمد بن النعمان الأحول ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرین فی صلاتهم فإن کانت الأولی فلیجعل الفریضة فی الرکعتین الأوّلتین ، وإن کانت العصر فلیجعل الأولتین نافلة والأخیرتین فریضة » (3).

وإنما یکره ائتمام المسافر بالمقیم وعکسه مع اختلاف الفرضین ، أما مع تساویهما فلا کراهة کما صرح به المصنف فی المعتبر حیث قال : وبموجب التعلیل الذی ذکرناه - یعنی تحقق المفارقة اختیارا - تزول الکراهة إن تساوی فرضاهما ، کالائتمام فی المغرب والغداة (4).

ومتی اقتدی الحاضر بالمسافر فی الصلاة المقصورة وجب علی المأموم إتمام صلاته بعد تسلیم الإمام منفردا أو مقتدیا بمن صاحبه فی الاقتداء ، کما فی صورة الاستخلاف مع عروض المبطل.

وربما ظهر من کلام العلاّمة فی التحریر التوقف فی جواز الاقتداء علی هذا الوجه حیث قال : ولو سبق الإمام اثنین ففی ائتمام أحدهما بصاحبه بعد تسلیم الإمام إشکال (5). وکأن منشأ الإشکال عدم ورود النص بذلک علی

ص: 366


1- الکافی 3 : 439 - 1 ، التهذیب 3 : 165 - 357 ، الوسائل 5 : 403 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 2.
2- الفقیه 1 : 260 - 1183 ، الوسائل 5 : 402 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.
3- التهذیب 3 : 226 - 573 ، الوسائل 5 : 403 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 4.
4- المعتبر 2 : 441.
5- التحریر 1 : 52.

وأن یستناب المسبوق.

______________________________________________________

الخصوص ، إلاّ أن الظاهر مساواته لحالة الاستخلاف (1).

قوله : ( وأن یستناب المسبوق ).

أی ویکره للإمام والمأمومین استنابة المسبوق وهو الذی لم یلحق أول رکعة مع الإمام إذا عرض للإمام مانع من الإکمال. ویدل علی الکراهة ورود النهی عن استنابته فی صحیحة سلیمان بن خالد المتقدمة (2) ، وقوله علیه السلام فی روایة معاویة بن میسرة : « لا ینبغی للإمام إذا أحدث أن یقدم إلا من أدرک الإقامة » (3).

ویدل علی جواز استنابة المسبوق صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یأتی المسجد وهم فی الصلاة وقد سبقه الإمام برکعة أو أکثر فیعتل الإمام فیأخذ بیده ویکون أدنی القوم إلیه فیقدمه فقال : « یتم الصلاة بالقوم ثم یجلس حتی إذا فرغوا من التشهد أومأ إلیهم بیده عن الیمین والشمال فکان الذی أومأ إلیهم بیده التسلیم وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما کان فاته أو بقی علیه » (4).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی المسبوق : « إذا أتم صلاته بهم فلیوم إلیهم یمینا وشمالا فلینصرفوا ثم لیکمل هو ما فاته من صلاته » (5).

وفی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی رجل أمّ قوما علی غیر وضوء فانصرف وقدّم رجلا ولم یدر المقدم ما صلی الإمام

کراهة استنابة المسبوق

ص: 367


1- فی « ح » زیادة : وکیف کان فالظاهر جواز الائتمام هنا کما فی حال الاستخلاف.
2- فی ص 363.
3- الفقیه 1 : 262 - 1193 ، الوسائل 5 : 439 أبواب صلاة الجماعة ب 41 ح 3.
4- الکافی 3 : 382 - 7 ، الفقیه 1 : 258 - 1171 ، التهذیب 3 : 41 - 144 ، الإستبصار 1 : 433 - 1672 ، الوسائل 5 : 438 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 3.
5- الفقیه 1 : 262 - 1193 ، الوسائل 5 : 437 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 1.

وأن یؤمّ الأجذم ، والأبرص ،

______________________________________________________

قبله ، قال : « یذکره من خلفه » (1).

قوله : ( وأن یؤم الأجذم والأبرص ).

اختلف الأصحاب فی إمامة الأجذم والأبرص ، فذهب الشیخ فی المبسوط والخلاف (2) ، والمرتضی فی بعض رسائله (3) ، وأتباعهما (4) إلی المنع من إمامتهما ، لورود النهی عنها فی عدة أخبار کحسنة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « قال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا یصلین أحدکم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا ، والأعرابی لا یؤمّ المهاجرین » (5).

وروایة أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « خمسة لا یؤمون الناس علی کل حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابی » (6) ونحوه روی ابن بابویه ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام (7).

وذهب الشیخ فی کتابی الأخبار (8) ، والمفید (9) ، والمرتضی فی الانتصار (10) ، وابن إدریس (11) ، والمصنف ، وأکثر المتأخرین (12) إلی الکراهة ،

ذکر بعض من تکره إمامته.

ص: 368


1- الفقیه 1 : 262 - 1194 ، الوسائل 5 : 437 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 2.
2- المبسوط 1 : 155 ، والخلاف 1 : 216.
3- رسائل السید المرتضی 1 : 223.
4- کالقاضی ابن البراج فی المهذب 1 : 80.
5- الکافی 3 : 375 - 4 ، الفقیه 1 : 247 - 1106 ، الوسائل 5 : 400 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
6- الکافی 3 : 375 - 1 ، التهذیب 3 : 26 - 92 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 5.
7- الفقیه 1 : 247 - 1105 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 3.
8- التهذیب 3 : 27 ، والاستبصار 1 : 423.
9- المقنعة : 27.
10- الانتصار : 50.
11- السرائر : 60.
12- منهم العلامة فی القواعد 1 : 47 ، والشهید الأول فی البیان : 133 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 368 ، والروضة البهیة 1 : 386.

والمحدود بعد توبته ، والأغلف ،

______________________________________________________

جمعا بین هذه الروایات وبین ما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن یزید قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المجذوم والأبرص یؤمان المسلمین؟ قال : « نعم » فقلت : هل یبتلی الله بهما المؤمن؟ فقال : « نعم ، وهل کتب الله البلاء إلاّ علی المؤمن؟! » (1).

وهذا الجمع جید لو تکافأ السندان ، لکن روایة زرارة معتبرة الإسناد ومعتضدة بما فی معناها من الأخبار ، وهذه الروایة ضعیفة بجهالة الراوی فیشکل الخروج بها عن ظاهر النهی المتقدم.

قوله : ( والمحدود بعد توبته ).

علله المصنف فی المعتبر بنقص مرتبته بذلک عن منصب الإمامة وإن زال فسقه بالتوبة (2) ونقل عن أبی الصلاح أنه منع من إمامة المحدود بعد التوبة إلاّ بمثله (3). وردّه الأکثر بأن المحدود لیس أسوأ حالا من الکافر ، وبالتوبة واستجماع الشرائط تصح إمامته. وهو جید ، لکن ورد فی حسنة زرارة المتقدمة وغیرها النهی عن إمامة المحدود ، وهو یتناول التائب وغیره.

قوله : ( والأغلف ).

الحکم بکراهة إمامة الأغلف مشکل علی إطلاقه ، لأن من أخل بالختان مع التمکن منه یکون فاسقا فلا تصح إمامته. وأطلق الأکثر المنع من إمامته ، وهو مشکل أیضا.

قال المصنف فی المعتبر : والوجه أن المنع مشروط بالفسق وهو التفریط فی الاختتان مع التمکن لا مع العجز.

ص: 369


1- التهذیب 3 : 27 - 93 ، الإستبصار 1 : 422 - 1627 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 1.
2- المعتبر 2 : 442.
3- الکافی فی الفقه : 144.

وإمامة من یکرهه المأموم

______________________________________________________

وبالجملة لیست الغلفة مانعة باعتبارها ما لم ینضم إلیها الفسوق بالإهمال ، ونطالب المانعین بالعلة ، فإن احتجوا بما رواه أبو الجوزاء ، عن الحسین بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زید بن علی ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام قال : « الأغلف لا یؤم القوم وإن کان أقرأهم لأنه ضیّع من السنة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا یصلی علیه إلاّ أن یکون ترک ذلک خوفا علی نفسه » (1) فالجواب من وجهین : أحدهما الطعن فی سند الروایة فإنهم بأجمعهم زیدیة مجهولو الحال. والثانی : أن نسلّم الخبر ونقول بموجبه فإنه تضمن ما یدل علی إهمال الاختتان مع وجوبه فلا یکون المنع معلقا علی الغلفة ، فإن ادعی مدع الإجماع فذاک یلزم من علمه ونحن لا نعلم ما ادعاه (2). هذا کلامه - رحمه الله - وهو فی غایة الجودة.

واعلم أن المنع من إمامة الأغلف مع القدرة علی الاختتان لا یقتضی بطلان صلاته ، لعدم توجه النهی إلی حقیقة العبادة ، إلاّ أن نقول باقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن الضد الخاص ، وجزم الشارح بالبطلان (3) ، ولم نقف علی مأخذه.

قوله : ( وإمامة من یکرهه المأموم ).

لقوله علیه السلام : « ثلاثة لا یقبل الله لهم صلاة » أحدهم من تقدم قوما وهم له کارهون (4). واستقرب العلامة فی التذکرة أنه إن کان ذا دین فکرهه القوم لذلک لم تکره إمامته ، ویکون الإثم علی من کرهه (5). وهو حسن.

ص: 370


1- الفقیه 1 : 248 - 1107 ، التهذیب 3 : 30 - 108 ، علل الشرائع : 327 - 1 ، المقنع : 35 ، الوسائل 5 : 396 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 1.
2- المعتبر 2 : 442.
3- المسالک 1 : 45.
4- الکافی 5 : 507 - 5 ، أمالی الطوسی : 196 ، الوسائل 5 : 418 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 6.
5- التذکرة 1 : 179.

وأن یؤمّ الأعرابی بالمهاجرین ، والمتیمّم بالمتطهرین.

______________________________________________________

قوله : ( وأن یؤمّ الأعرابی بالمهاجرین ).

الأعرابی منسوب إلی الأعراب ، وهم سکان البادیة ، وقد ورد النهی عن إمامته فی عدة روایات (1). وبظاهر النهی وهو المنع أخذ الشیخ (2) وجماعة (3) ، واقتصر آخرون علی الکراهة (4). وفصل المصنف فی المعتبر فی ذلک تفصیلا حسنا فقال : والذی نختاره أنه إن کان ممن لا یعرف محاسن الإسلام ولا وصفها فالأمر کما ذکروه ، وإن کان وصل إلیه ما یکفیه اعتماده ویدین به ولم یکن ممن تلزمه المهاجرة وجوبا جاز أن یؤم ، لقوله علیه السلام : « یؤمکم أقرؤکم » (5) ، وقول الصادق علیه السلام : « لا یتقدمن أحدکم الرجل فی منزله ولا فی سلطانه » (6) (7). انتهی. وعلی هذا فیمکن حمل النهی علی من وجبت علیه المهاجرة ولم یهاجر أو علی غیر المتصف بشرائط الإمامة.

قوله : ( والمتیمم بالمتوضئین ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه لا نعرف فیه خلافا إلا ما حکی عن محمد بن الحسن الشیبانی من المنع من ذلک (8).

واستدل علیه الشیخ فی کتابی الأخبار بما رواه عن عباد بن صهیب ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « لا یصلی المتیمم بقوم

ص: 371


1- الکافی 3 : 375 - 1 ، 4 ، الفقیه 1 : 247 - 1105 ، 1106 ، الوسائل 5 : 399 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 3 ، 5 ، 6.
2- النهایة : 112 ، والمبسوط 1 : 155 ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : 191.
3- منهم الصدوق فی المقنع : 35 ، والعلامة فی التذکرة 1 : 178.
4- منهم الشهید الأول فی الدروس : 54 ، والبیان : 133 ، والسیوری فی التنقیح الرائع 1 : 276 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 368.
5- سنن أبی داود 1 : 159 - 585.
6- الکافی 3 : 376 - 5 ، التهذیب 3 : 31 - 113 ، علل الشرائع : 326 - 2 ، الوسائل 5 : 419 أبواب صلاة الجماعة ب 28 ح 1.
7- المعتبر 2 : 443.
8- المنتهی 1 : 373.

الطرف الثالث : فی أحکام الجماعة ، وفیه مسائل :

الأولی : إذا ثبت أن الإمام فاسق أو کافر أو علی غیر طهارة بعد الصلاة لم تبطل صلاة المؤتمّ ، ولو کان عالما أعاد.

______________________________________________________

متوضئین » (1). وعن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : « لا یؤم صاحب التیمم المتوضئین ، ولا یؤم صاحب الفالج الأصحاء » (2). وفی الروایتین ضعف من حیث السند (3).

ولو لا ما یتخیل من انعقاد الإجماع علی هذا الحکم لأمکن القول بجواز الإمامة علی هذا الوجه من غیر کراهة ، للأصل ، وما رواه الشیخ وابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج : أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن إمام قوم أجنب ولیس معه من الماء ما یکفیه للغسل ومعهم ما یتوضئون به ، أیتوضأ بعضهم ویؤمهم؟ قال : « لا ، ولکن یتیمم الإمام ویؤمهم ، فإن الله عزّ وجلّ جعل الأرض طهورا کما جعل الماء طهورا » (4).

قوله : ( الأولی ، إذا ثبت أن الإمام فاسق أو کافر أو علی غیر طهارة لم تبطل صلاة المؤتمّ ، ولو کان عالما أعاد ).

أما أنه تجب علی المأموم الإعادة إذا کان عالما بفسق الإمام أو کفره أو حدثه فلا ریب فیه ، لأنه صلی صلاة منهیا عنها فتقع فاسدة.

وأما أنه لا تجب علیه الإعادة إذا تبین ذلک بعد الصلاة فهو أشهر القولین فی المسألة وأظهرهما.

حکم تبین فسق أو حدث الامام

ص: 372


1- التهذیب 3 : 166 - 361 ، الإستبصار 1 : 424 - 1634 ، الوسائل 5 : 402 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 6.
2- التهذیب 3 : 166 - 362 ، الإستبصار 1 : 424 - 1635 ، الوسائل 5 : 402 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 5.
3- أما. الأولی فوجهه هو کون راویها عامی - راجع رجال الطوسی : 3. وأما الثانیة فلأن راویها عامی ضعیف - راجع عدة الأصول : 380 ، وخلاصة العلامة : 199.
4- الفقیه 1 : 60 - 223 ، التهذیب 3 : 167 - 365 ، الإستبصار 1 : 425 - 1638 ، الوسائل 5 : 401 أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 1.

______________________________________________________

ونقل عن المرتضی - رضی الله عنه (1) - وابن الجنید (2) أنهما أوجبا الإعادة.

وحکی ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه عن جماعة من مشایخه ، أنه سمعهم یقولون : لیس علیهم إعادة شی ء مما جهر فیه ، وعلیهم إعادة ما صلی بهم مما لم یجهر فیه (3).

لنا : أنه صلی صلاة مأمورا بها فکانت مجزئة ، وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یؤم القوم وهو علی غیر طهر فلا یعلم حتی تنقضی صلاته ، قال : « یعید ، ولا یعید من خلفه وإن أعلمهم أنه علی غیر طهر » (4).

وفی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن قوم صلی بهم إمامهم وهو غیر طاهر ، أتجوز صلاتهم أم یعیدونها؟ قال : « لا إعادة علیهم ، تمت صلاتهم ، وعلیه هو الإعادة ، ولیس علیه أن یعلمهم ، هذا عنه موضوع » (5).

وفی الحسن ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وکان یؤمهم رجل ، فلما صاروا إلی الکوفة علموا أنه یهودی ، قال : « لا یعیدون » (6).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ ، عن عبد الرحمن بن العرزمی ، عن أبیه ،

ص: 373


1- المسائل الناصریة ( الجوامع الفقهیة ) : 200.
2- حکاه عنه فی المختلف : 156.
3- الفقیه 1 : 263.
4- التهذیب 3 : 39 - 137 ، الإستبصار 1 : 432 - 1668 ، الوسائل 5 : 434 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 4.
5- التهذیب 3 : 39 - 139 ، الإستبصار 1 : 432 - 1670 ، الوسائل 5 : 434 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 5.
6- الکافی 3 : 378 - 4 ، التهذیب 3 : 40 - 141 ، الوسائل 5 : 435 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 1.

ولو علم فی أثناء الصلاة ، قیل : یستأنف ، وقیل : ینوی الانفراد ویتم ، وهو أشبه.

الثانیة : إذا دخل والإمام راکع وخاف فوت الرکوع رکع ،

______________________________________________________

عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صلی علی علیه السلام بالناس علی غیر طهر وکانت الظهر ، ثم دخل ، فخرج منادیه أن أمیر المؤمنین صلی علی غیر طهر فأعیدوا ، ولیبلغ الشاهد الغائب » (1) لأنا نجیب عنه بالطعن فی السند بجهالة الراوی.

وقال الشیخ فی التهذیب : هذا خبر شاذ ، مخالف للأحادیث کلها ، وما هذا حکمه لا یجوز العمل به ، علی أن فیه ما یبطله ، وهو أن أمیر المؤمنین علیه السلام أدی فریضة علی غیر طهر وقد آمننا من ذلک دلالة عصمته علیه السلام (2).

احتج السید المرتضی - علی ما نقل عنه - بأنها صلاة تبین فسادها ، لاختلال بعض شرائطها فتجب إعادتها ، وبأنها صلاة منهی عنها فتقع فاسدة (3). وضعف الدلیلین ظاهر.

قوله : ( ولو علم فی أثناء الصلاة ، قیل : یستأنف ، وقیل : ینوی الانفراد ، وهو أشبه ).

الخلاف فی هذه المسألة یرجع إلی الخلاف فی المسألة السابقة ، فعلی الإعادة یستأنف ، وعلی القول بالعدم ینوی الانفراد ویتم. ویحتمل الاستئناف علی القولین إن قلنا بعدم جواز المفارقة فی أثناء الصلاة ، وهو ضعیف.

قوله : ( الثانیة ، إذا دخل والإمام راکع وخاف فوت الرکوع رکع ،

حکم من خاف فوت الرکوع قبل ادراک الجماعة

ص: 374


1- التهذیب 3 : 40 - 140 ، الإستبصار 1 : 433 - 1671 ، الوسائل 5 : 435 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 9.
2- التهذیب 3 : 40.
3- کما فی المختلف : 156.

ویجوز أن یمشی فی رکوعه حتی یلحق بالصف.

الثالثة : إذا اجتمع خنثی وامرأة وقف الخنثی خلف الإمام ، والمرأة

______________________________________________________

ویجوز أن یمشی فی رکوعه حتی یلحق بالصف ).

المراد أنه إذا دخل المصلی موضعا تقام فیه الجماعة ، وقد رکع الإمام ، وخاف أن یفوته الرکوع إذا لحق بالصف ، نوی وکبر فی موضعه ، ورکع محافظة علی إدراک الرکعة ، إذا لم یکن هناک مانع شرعی ، ثم یمشی فی رکوعه حتی یلحق بالصف.

ویدل علی ذلک صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام : أنه سئل عن الرجل ، یدخل المسجد ، فیخاف أن تفوته الرکعة ، فقال : « یرکع قبل أن یبلغ إلی القوم ، ویمشی وهو راکع حتی یبلغهم » (1).

ویجوز له السجود فی مکانه ، ثم الالتحاق به إذا قام ، لما رواه الشیخ فی الصحیح أیضا ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخلت المسجد ، والإمام راکع ، فظننت أنک إن مشیت إلیه رفع رأسه قبل أن تدرکه ، فکبر وارکع ، فإذا رفع رأسه فاسجد مکانک ، فإذا قام فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مکانک ، فإذا قام فالحق بالصف » (2).

قال ابن بابویه - رحمه الله - بعد أن أورد هذه الروایة فی کتابه : وروی أنه إذا مشی فی الصلاة یجر رجلیه ولا یتخطی (3).

قوله : ( الثالثة ، إذا اجتمع خنثی وامرأة وقف الخنثی خلف

حکم اجتماع الخنثی والمرأة فی الجماعة

ص: 375


1- التهذیب 3 : 44 - 154 ، الإستبصار 1 : 436 - 1681 ، الوسائل 5 : 443 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.
2- التهذیب 3 : 44 - 155 ، الإستبصار 1 : 436 - 1682 ، الوسائل 5 : 443 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.
3- الفقیه 1 : 254 ، الوسائل 5 : 444 أبواب الجماعة ب 46 ح 4.

وراءه وجوبا علی القول بتحریم المحاذاة ، وإلا علی الندب.

الرابعة : إذا وقف الإمام فی محراب داخل فصلاة من یقابله ماضیة ، دون صلاة من إلی جانبیه إذا لم یشاهدوه ، وتجوز صلاة الصفوف الذین وراء الصف الأول ، لأنهم یشاهدون من یشاهده.

الخامسة : لا یجوز للمأموم مفارقة الإمام لغیر عذر ، فإن نوی الانفراد جاز.

______________________________________________________

الإمام ، والمرأة وراءه وجوبا علی القول بتحریم المحاذاة ، وإلا علی الندب ).

قد تقدم أن الأظهر کراهة المحاذاة (1) ، فیکون التأخیر مستحبا ، ونقل عن ابن حمزة : أنه منع محاذاة المرأة للرجل ، وجوّز محاذاة الخنثی لکل منهما (2). ولا بأس به.

قوله : ( الرابعة ، إذا وقف الإمام فی محراب داخل فصلاة من یقابله ماضیة ، دون صلاة من إلی جانبیه إذا لم یشاهدوه ، وتجوز صلاة الصفوف الذین وراء الصف الأول ، لأنهم یشاهدون من یشاهده ).

المراد بالمحراب : الداخل فی المسجد أو فی الحائط علی وجه یکون إذا وقف الإمام فیه لا یراه من علی جانبیه ، وحینئذ تبطل صلاتهم ، لعدم المشاهدة ، أما من قابل الإمام فصلاته صحیحة ، وکذا صلاة من إلی جانبیه ، ومن خلفهم من الصفوف ، لأنهم یشاهدون من یشاهد الإمام.

قوله : ( الخامسة ، لا یجوز للمأموم مفارقة الإمام لغیر عذر ، فإن نوی الانفراد جاز ).

أما أنه لا یجوز للمأموم مفارقة الإمام بدون نیة الانفراد لغیر عذر فلا ریب

حکم من یقف إلی جانب المحراب

حکم مفارقة الامام

ص: 376


1- فی ج 3 ص 220.
2- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 676.

______________________________________________________

فیه ، للتأسی ، وعموم قوله علیه السلام : « إنما جعل الإمام إماما لیؤتم به » (1).

ومن العذر ائتمام المسبوق ، حیث یکون تشهده فی غیر موضع تشهد الإمام ، فإنه یفارقه ویتشهد ، ثم یلحقه.

وأما أنه یجوز للمأموم الانفراد عن الإمام ، ومفارقته فی أثناء الصلاة ، فهو المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل فیه العلامة فی النهایة الإجماع (2). وقال الشیخ فی المبسوط : من فارق الإمام لغیر عذر بطلت صلاته ، وإن فارقه لعذر وتمم صحت صلاته (3).

احتج القائلون بجواز المفارقة (4) ، بأن النبی صلی الله علیه و آله صلی بطائفة یوم ذات الرقاع رکعة ، ثم خرجت من صلاته ، وأتمت منفردة. وبأن الجماعة لیست واجبة ابتداء ، فکذا استدامة. وبأن الائتمام إنما یفید الفضیلة فتبطل بفواته دون الصحة.

وبما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون خلف الإمام ، فیطول فی التشهد ، فیأخذه البول ، أو یخاف علی شی ء أن یفوت ، أو یعرض له وجع ، کیف یصنع؟ قال : « یسلم وینصرف ، ویدع الإمام » (5).

وفی الصحیح عن أبی المعزی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی خلف إمام ، فیسلم قبل الإمام ، قال : « لیس بذلک بأس » (6).

ص: 377


1- عوالی اللآلی 2 : 225 - 42 ، صحیح مسلم 1 : 308 - 77.
2- نهایة الأحکام 2 : 128.
3- المبسوط 1 : 157.
4- کالعلامة فی المنتهی 1 : 385 ، ونهایة الأحکام 2 : 128.
5- التهذیب 2 : 349 - 1446 ، الوسائل 5 : 464 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.
6- التهذیب 3 : 55 - 189 ، الوسائل 5 : 465 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 4.

______________________________________________________

ویتوجه علی الأول : أنه إنما یدل علی جواز المفارقة للعذر ، ولا نزاع فیه.

وعلی الثانی : أنه لا یلزم من عدم وجوب الجماعة ابتداء ، عدم وجوبها استدامة.

وعلی الثالث : أن نیة الائتمام کما تفید الفضیلة کذا تفید صحة الصلاة علی هذا الوجه ، فیجب فواتها بنیة المفارقة والانفراد إلی أن یأتی بها علی وجه آخر معلوم من الشرع.

وعلی الروایتین بالقول بالموجب ، ومنع التعدی عن موضع النص.

احتج الشیخ فی المبسوط علی ما نقل عنه (1) : بقوله تعالی ( لا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُمْ ) (2) ، وقوله علیه السلام : « إنما جعل الإمام إماما لیؤتم به » (3). وهو احتجاج ضعیف.

نعم یمکن أن یحتج له بأصالة عدم سقوط القراءة ، إلا مع العلم بالمسقط ، وإنما یعلم مع استمرار القدوة لا مع المفارقة ، فیجب قصر الحکم علیه ، إلی أن یقوم علی السقوط مع المفارقة دلیل یعتد به.

وتشهد له صحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام : إنه سأله عن إمام أحدث ، فانصرف ، ولم یقدم أحدا ، ما حال القوم؟ قال : « لا صلاة لهم إلا بإمام » (4) والمسألة محل إشکال ، والاحتیاط یقتضی استمرار القدوة إلی انتهاء الصلاة.

ص: 378


1- حکاه عنه فی المختلف : 157.
2- محمد : 33.
3- عوالی اللآلی 2 : 225 - 42 ، صحیح مسلم 1 : 308 - 77.
4- التهذیب 3 : 283 - 843 ، الفقیه 1 : 262 - 1196 ، الوسائل 5 : 474 أبواب صلاة الجماعة ب 72 ح 1.

السادسة : الجماعة جائزة فی السفینة الواحدة وفی سفن عدّة ، سواء اتصلت السفن أو انفصلت.

______________________________________________________

هذا کله فی غیر الجماعة الواجبة ، أما فیها فلا یجوز الانفراد قطعا.

والأصح عدم جواز عدول المنفرد إلی الائتمام فی أثناء الصلاة ، لعدم ثبوت التعبد بذلک ، وجوزه الشیخ فی الخلاف ، مدعیا علیه الإجماع (1). ونفی عنه البأس فی التذکرة ، ثم قال : ولو کان یصلی مع جماعة ، فحضرت طائفة أخری یصلون جماعة ، فأخرج نفسه من متابعة إمامه ، ووصل صلاته بصلاة الإمام الآخر ، فالوجه الجواز (2).

ویشکل بما أشرنا إلیه من توقف العبادة علی النقل ، وعدم ثبوت التعبد بذلک. نعم لو زادت صلاة المأموم علی صلاة الإمام ، کما فی ائتمام الحاضر بالمسافر ، کان له الاقتداء فی التتمة بآخر من المؤتمین. وفی جوازه بإمام آخر أو منفرد وجهان.

واعلم أنه متی سوغنا للمأموم الانفراد عن الإمام ، وجب علیه إتمام الصلاة ، فإن فارقه قبل القراءة ، قرأ لنفسه ، وإن کان بعدها ، اجتزأ بها ورکع ، وإن کان فی أثنائها ، قرأ من موضع القطع ، وأوجب الشارح الابتداء من أول السورة التی حصل القطع فی أثنائها (3) ، واستوجه الشهید فی الذکری الاستئناف مطلقا ، لأنه فی محل القراءة ، وقد نوی الانفراد (4) ، ولعله أحوط.

قوله : ( السادسة ، الجماعة جائزة فی السفینة الواحدة وفی سفن عدّة ، سواء اتصلت السفن أو انفصلت ).

لا ریب فی الجواز مع استجماع الشرائط المعتبرة فی الجماعة ، للأصل ، والعمومات ، وخصوص صحیحة یعقوب بن شعیب ، عن أبی عبد الله

جواز الجماعة فی السفن

ص: 379


1- الخلاف 1 : 212.
2- التذکرة 1 : 175.
3- روض الجنان : 368.
4- الذکری : 272.

السابعة : إذا شرع المأموم فی نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف إن خشی الفوات ، وإلا أتم رکعتین استحبابا. وإن کانت فریضة نقل نیّته إلی النفل علی الأفضل وأتمّ رکعتین.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « لا بأس بالصلاة فی جماعة فی السفینة » (1).

وصحیحة علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن قوم صلوا جماعة فی سفینة ، أین یقوم الإمام؟ وإن کان معهم نساء کیف یصنعون؟ أقیاما یصلون أم جلوسا؟ قال : « یصلون قیاما ، فإن لم یقدروا علی القیام صلوا جلوسا هم ، ویقوم الإمام أمامهم والنساء خلفهم ، وإن ضاقت السفینة قعدن النساء وصلی الرجال ، ولا بأس أن تکون النساء بحیالهم » (2).

ونبه المصنف بقوله : سواء اتصلت السفن أو انفصلت ، علی خلاف بعض العامة ، حیث منع من الجماعة فی السفن المتعددة مع الانفصال ، ولا وجه له. نعم یعتبر الأمن من فوات بعض شرائط الجماعة فی أثناء الصلاة.

قوله : ( السابعة ، إذا شرع المأموم فی نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف إن خشی الفوات ، وإلا أتم رکعتین استحبابا ).

أما إتمام الرکعتین مع عدم خوف الفوات فظاهر ، لما فیه من الجمع بین الوظیفتین. وأما استحباب القطع واستئناف الفریضة مع خوف الفوات ، فلأن الجماعة أهم فی نظر الشرع من النافلة.

والظاهر أن المراد بخوف الفوات فوات الرکعة ، ویمکن أن یرید به فوات الصلاة بأسرها ، وهو بعید.

قوله : ( وإن کانت فریضة نقل نیّته إلی النفل علی الأفضل وأتمّ رکعتین ).

حکم إحرام الامام والمأموم یصلی

ص: 380


1- التهذیب 3 : 296 - 899 ، الوسائل 5 : 475 أبواب صلاة الجماعة ب 73 ح 2.
2- التهذیب 3 : 296 - 900 ، الاستبصار 1 : 440 - 1697 ، قرب الاسناد : 98 ، الوسائل 5 : 475 أبواب صلاة الجماعة ب 73 ح 3 ، البحار 10 : 274.

ولو کان إمام الأصل قطع واستأنف معه.

______________________________________________________

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب ، وأسنده فی التذکرة إلی علمائنا (1) ، مؤذنا بدعوی الإجماع علیه ، ویدل علیه ما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن سلیمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل دخل المسجد ، فافتتح الصلاة ، فبینما هو قائم یصلی إذا أذن المؤذن وأقام الصلاة. قال : « فلیصل رکعتین ، ثم لیستأنف الصلاة مع الإمام ، ولتکن الرکعتان تطوعا » (2).

وعن سماعة ، قال : سألته عن رجل کان یصلی ، فخرج الإمام ، وقد صلی الرجل رکعة من صلاة فریضة. فقال : « إن کان إماما عدلا فلیصل أخری ، وینصرف ویجعلهما تطوعا ، ولیدخل مع الإمام فی صلاته » (3).

ونقل عن ظاهر الشیخ فی المبسوط أنه جوّز قطع الفریضة مع خوف الفوات ، من غیر احتیاج إلی النفل (4). وقواه فی الذکری ، نظرا إلی ما فیه من تحصیل فضل الجماعة الذی هو أعظم من فضل الأذان ، والتفاتا إلی أن العدول إلی النفل قطع للفریضة أیضا ، أو مستلزم لجوازه (5). وهو حسن.

وعلی اعتبار النفل ، فلو لم یحرم الإمام إلا بعد تجاوز المصلی الرکعتین ، فقد استقرب فی التذکرة وجوب الإتمام ، ثم إعادة الفریضة مع الإمام نافلة (6) ، ولا بأس به.

قوله : ( ولو کان إمام الأصل قطع واستأنف معه ).

علله فی المعتبر بما له من المزیة الموجبة للاهتمام بمتابعته ، ثم قال : وعندی

ص: 381


1- التذکرة 1 : 184.
2- الکافی 3 : 379 - 3 ، الوسائل 5 : 458 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1.
3- الکافی 3 : 380 - 7 ، التهذیب 3 : 51 - 177 ، الوسائل 5 : 458 أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 2.
4- المبسوط 1 : 157.
5- الذکری : 277.
6- التذکرة 1 : 184.

الثامنة : إذا فاته مع الإمام شی ء صلی ما یدرکه وجعله أول صلاته ، وأتمّ ما بقی علیه.

______________________________________________________

فیه تردد (1). وکأن وجهه إطلاق الروایتین بالعدول إلی النافلة. ولا ریب أن اتباع المنقول أولی.

قوله : ( الثامنة ، إذا فاته مع الإمام شی ء صلی ما یدرکه وجعله أول صلاته ، وأتمّ ما بقی علیه ).

هذا مذهب علمائنا کافة ، قاله فی المعتبر (2) ، وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال : « إذا فاتک شی ء مع الإمام فاجعل أول صلاتک ما استقبلت منها ، ولا تجعل أول صلاتک آخرها » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « إذا أدرک الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام یحتسب بالصلاة خلفه ، جعل أول ما أدرک أول صلاته ، إن أدرک من الظهر أو العصر أو العشاء رکعتین ، وفاتته رکعتان ، قرأ فی کل رکعة مما أدرک خلف الإمام فی نفسه بأم الکتاب وسورة ، فإن لم یدرک السورة تامة أجزأته أم الکتاب ، فإذا سلم الإمام قام فصلی رکعتین لا یقرأ فیهما ، لأن الصلاة إنما یقرأ فیها فی الأولتین فی کل رکعة بأم الکتاب وسورة ، وفی الأخیرتین لا یقرأ فیهما ، إنما هو تسبیح وتکبیر وتهلیل ودعاء لیس فیهما قراءة ، وإن أدرک رکعة قرأ فیها خلف الإمام ، فإذا سلم الإمام قام ، فقرأ بأم الکتاب وسورة ، ثم قعد فتشهد ، ثم قام فصلی رکعتین لیس فیهما قراءة » (4).

وفی الصحیح عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یدرک الرکعة الثانیة من الصلاة مع الإمام ، وهی له

أحکام من أدرک الامام فی أثناء الصلاة

ص: 382


1- المعتبر 2 : 445.
2- المعتبر 2 : 446.
3- الفقیه 1 : 263 - 1198 ، الوسائل 5 : 444 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 1.
4- التهذیب 3 : 45 - 158 ، الإستبصار 1 : 436 - 1683 ، الوسائل 5 : 445 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

______________________________________________________

الأولی ، کیف یصنع إذا جلس الإمام؟ قال : « یتجافی ولا یتمکن من القعود ، فإذا کانت الثالثة للإمام وهی له الثانیة ، فلیلبث قلیلا إذا قام الإمام بقدر ما یتشهد ، ثم یلحق الإمام » قال : وسألته عن الرجل الذی یدرک الرکعتین الأخیرتین من الصلاة ، کیف یصنع بالقراءة؟ فقال : « اقرأ فیهما فإنهما لک الأولتان ، فلا تجعل أول صلاتک آخرها » (1).

ومقتضی الروایتین أن المأموم یقرأ خلف الإمام [ إذا أدرکه ] (2) فی الرکعتین الأخیرتین ، وکلام أکثر الأصحاب خال من التعرض لذلک.

وقال العلامة رحمه الله فی المنتهی : الأقرب عندی أن القراءة مستحبة ، ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب ، لئلا تخلو الصلاة عن قراءة ، إذا هو مخیر فی التسبیح فی الأخیرتین ، ولیس بشی ء. فإن احتج بحدیث زرارة ، وعبد الرحمن ، حملنا الأمر فیهما علی الندب ، لما ثبت من عدم وجوب القراءة علی المأموم (3). هذا کلامه رحمه الله ، ولا یخلو من نظر ، لأن ما تضمن سقوط القراءة بإطلاقه لا ینافی هذین الخبرین المفصلین ، لوجوب حمل الإطلاق علیهما ، وإن کان ما ذکره من الحمل لا یخلو من قرب ، لأن النهی فی الروایة الأولی عن القراءة فی الأخیرتین للکراهة قطعا ، وکذا الأمر بالتجافی وعدم التمکن من القعود فی الروایة الثانیة محمول علی الاستحباب ، ومع اشتمال الروایة علی استعمال الأمر فی الندب أو النهی فی الکراهة یضعف الاستدلال بما وقع فیها من الأوامر علی الوجوب أو المناهی علی التحریم ، مع أن مقتضی الروایة الأولی کون القراءة فی النفس ، وهو لا یدل صریحا علی وجوب التلفظ بهما ، وکیف کان فالروایتان قاصرتان عن إثبات الوجوب.

ص: 383


1- الکافی 3 : 381 - 1 ، التهذیب 3 : 46 - 159 ، الإستبصار 1 : 437 - 1684 ، الوسائل 5 : 445 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.
2- أثبتناه من « م » ، « ح » ، « ض ».
3- المنتهی 1 : 384.

ولو أدرکه فی الرابعة دخل معه ، فإذا سلم قام فصلی ما بقی علیه ، ویقرأ فی الثانیة بالحمد وسورة ، وفی الاثنتین الأخیرتین بالحمد ، وإن شاء سبّح.

التاسعة : إذا أدرک الإمام بعد رفعه من الأخیرة کبّر وسجد معه ، فإذا سلم قام فاستأنف بتکبیر مستأنف ، وقیل : یبنی علی التکبیر الأول ، والأول أشبه. ولو أدرکه بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة کبّر وجلس معه ، فإذا سلم قام فاستقبل ، ولا یحتاج إلی استئناف تکبیر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أدرکه فی الرابعة دخل معه ، فإذا سلم قام فصلی ما بقی علیه ، ویقرأ فی الثانیة بالحمد وسورة ، وفی الاثنتین الأخیرتین بالحمد وإن شاء سبّح ).

لا خلاف فی التخییر بین قراءة الفاتحة والتسبیح فی الأخیرتین فی هذه الصورة ، وإنما الخلاف فیما إذا أدرک معه الرکعتین الأخیرتین وسبح الإمام فیهما ، فقیل : یبقی التخییر بحاله للعموم (1) ، وقیل : تتعین القراءة لئلا تخلو الصلاة من فاتحة الکتاب (2) ، وهو ضعیف.

قوله : ( التاسعة ، إذا أدرک الإمام بعد رفعه من الأخیرة کبّر وسجد معه ، فإذا سلم قام فاستأنف بتکبیر مستأنف ، وقیل : یبنی علی التکبیر الأول ، والأول أشبه. ولو أدرکه بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة کبّر وجلس معه ، فإذا سلم قام فاستقبل ، ولا یحتاج إلی استئناف تکبیر ).

للمأموم بالنظر إلی وقت دخوله مع الإمام أحوال :

الحالة الأولی : أن یدرکه قبل الرکوع ، فیحتسب بتلک الرکعة إجماعا.

ص: 384


1- قال به العلامة فی التذکرة 1 : 182.
2- قال به أبو الصلاح فی الکافی فی الفقه : 145 ، وابن زهرة فی الغنیة ( الجوامع الفقهیة ) : 560.

______________________________________________________

الحالة الثانیة : أن یدرکه فی حال رکوعه ، والأصح إدراک الرکعة بذلک ، للأخبار الکثیرة الدالة علیه (1) ، فیکبر المأموم تکبیرة للافتتاح ، وأخری مستحبة للرکوع ، ثم یرکع. قال فی المنتهی : ولو خاف الفوات أجزأته تکبیرة الافتتاح عن تکبیرة الرکوع إجماعا (2).

الحالة الثالثة : أن یدرکه بعد رفع رأسه من الرکوع ، ولا خلاف فی فوات الرکعة بذلک ، لکن استحب أکثر علمائنا للمأموم التکبیر ومتابعة الإمام فی السجدتین ، وإن لم یعتد بهما.

واختلفوا فی وجوب استئناف النیة وتکبیرة الإحرام بعد ذلک ، فقال الشیخ : لا یجب ، لأن زیادة الرکن مغتفرة فی متابعة الإمام (3). وقطع أکثر الأصحاب بالوجوب ، لأن زیادة السجدتین مبطلة للصلاة ، ولقوله علیه السلام فی روایة معلی بن خنیس : « إذا سبقک الإمام برکعة ، وأدرکته وقد رفع رأسه ، فاسجد معه ولا تعتد بها » (4) وهی غیر صریحة فی وجوب الاستئناف.

ویظهر من العلامة فی المختلف التوقف فی هذا الحکم من أصله ، للنهی عن الدخول فی الرکعة عند فوات تکبیرها فی روایة محمد بن مسلم الصحیحة ، عن الباقر علیه السلام (5) (6). وهو فی محله ، لا لما ذکره من النهی فإنه محمول علی الکراهة ، بل لعدم ثبوت التعبد بذلک.

ثم إن قلنا باستحباب المتابعة وعدم وجوب استئناف النیة کانت التکبیرة المأتی بها تکبیرة الإحرام ، ووجب إیقاع النیة قبلها. وإن قلنا بوجوب استئناف

ص: 385


1- الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 45.
2- المنتهی 1 : 383.
3- المبسوط 1 : 159.
4- التهذیب 3 : 48 - 166 ، الوسائل 5 : 449 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 2.
5- التهذیب 3 : 43 - 149 ، الإستبصار 1 : 434 - 1676 ، الوسائل 5 : 441 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.
6- المختلف : 158.

______________________________________________________

النیة ، کان التکبیر المأتی به أولا مستحبا کما هو ظاهر.

الحالة الرابعة : أن یدرکه وقد سجد سجدة واحدة ، وحکمه کالسابق ، فعلی المشهور یکبر ویسجد معه الأخری ، وفی الاعتداد بالتکبیر الوجهان ، وهنا أولی بالاعتداد ، لأن المزید لیس رکنا. والوجه الاستئناف کالأول ، لأن الزیادة عمدا مبطلة وإن لم تکن رکنا.

الحالة الخامسة : أن یدرکه بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة ، وقد قطع المصنف ، وغیره (1) بأنه یکبر ویجلس معه ، فإذا سلم الإمام قام وأتم صلاته ، ولا یحتاج إلی استئناف التکبیر.

ونصّ المصنف فی المعتبر علی أنه مخیر بین الإتیان بالتشهد وعدمه (2). واستدل علیه بروایة عمار الساباطی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الرجل یدرک الإمام وهو قاعد یتشهد ، ولیس خلفه إلا رجل واحد عن یمینه ، قال : « لا یتقدم الإمام ولا یتأخر الرجل ، ولکن یقعد الذی یدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته » (3) وهی ضعیفة السند.

ومقتضی جواز الدخول معه فی التشهد إدراک فضیلة الجماعة بذلک ، لکن صرح العلامة فی التذکرة بخلاف ذلک ، فقال بعد حکمه بجواز الدخول مع الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة : والأقرب أنه لا تحصل فضیلة الجماعة فیما إذا أدرکه بعد رفع رأسه من الرکوع الأخیر ، ( ویحتمل الإدراک لصحیحة ) (4) محمد بن مسلم ، قال ، قلت له : متی یکون مدرک الصلاة مع الإمام؟

ص: 386


1- کالعلامة فی المنتهی 1 : 384 ، والشهید الأول فی الذکری : 275.
2- المعتبر 2 : 447.
3- الکافی 3 : 386 - 7 ، التهذیب 3 : 272 - 788 ، الوسائل 5 : 449 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 3.
4- بدل ما بین القوسین فی « ح » : وهو مشکل ، والأجود إدراک فضیلة الجماعة بإدراک السجدة الأخیرة مع الإمام لما رواه الشیخ فی الصحیح عن. ، وبدله فی « ض » : ویشکل بما رواه الشیخ فی الصحیح عن.

العاشرة : یجوز أن یسلم المأموم قبل الإمام وینصرف لضرورة وغیرها.

______________________________________________________

قال : « إذا أدرک الإمام وهو فی السجدة الأخیرة من صلاته » (1) (2).

( وهذا الاحتمال لا یخلو من قوة ، لصحة سند الروایة ، ووضوح دلالتها ، وعدم تطرق القدح إلیها بالإضمار کما بیناه مرارا ، لکن ینبغی القول بعدم جواز الدخول مع الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخیرة ، لأنه علیه السلام جعل غایة ما یدرک به الجماعة إدراک الإمام ) (3)فی السجدة الأخیرة. ولیس فی الروایة دلالة علی حکم المتابعة إذا لحقه فی السجود. والظاهر أن الاقتصار علی الجلوس أولی.

قوله : ( العاشرة ، یجوز أن یسلم المأموم قبل الإمام وینصرف لضرورة وغیرها ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام الأصحاب حتی فی کلام القائلین بوجوب التسلیم ، وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی المعزی ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی الرجل یصلی خلف إمام ، فیسلم قبل الإمام ، قال : « لیس علیه بذلک بأس » (4).

وفی الصحیح ، عن الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، فی الرجل یکون خلف الإمام ، فیطیل الإمام التشهد ، فقال : « یسلم من خلفه ، ویمضی فی حاجته إن أحب » (5).

جواز تسلیم المأموم قبل الامام

ص: 387


1- التهذیب 3 : 57 - 197 ، الوسائل 5 : 448 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.
2- التذکرة 1 : 182.
3- بدل ما بین القوسین فی « ح » ، « ض » : إذ مقتضی الروایة إدراک الجماعة بإدراک الإمام فی السجدة الأخیرة ، ویستفاد منها عدم جواز الدخول بعد ذلک ، لأن الظاهر أن السؤال إنما وقع عن غایة ما یدرک به الجماعة وقد ناطه بإدراکه.
4- التهذیب 3 : 55 - 189 ، الوسائل 5 : 465 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 4.
5- الفقیه 1 : 257 - 1163 ، التهذیب 2 : 349 - 1445 ، الوسائل 5 : 465 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 3.

الحادیة عشرة : إذا وقف النساء فی الصف الأخیر فجاء رجال وجب أن یتأخرن ، إذا لم یکن للرجال موقف أمامهن.

الثانیة عشرة : إذا استنیب المسبوق ، فإذا انتهت صلاة المأموم ، أومأ إلیهم لیسلّموا ، ثم یقوم فیأتی بما بقی علیه.

______________________________________________________

وفی الصحیح ، عن علی بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون خلف إمام ، فیطول فی التشهد ، فیأخذه البول ، أو یخاف علی شی ء أن یفوت ، أو یعرض له وجع ، کیف یصنع؟ قال : « یسلم وینصرف ویدع الإمام » (1).

قوله : ( الحادیة عشرة ، إذا وقف النساء فی الصف الأخیر فجاء رجال وجب أن یتأخرن ، إذا لم یکن للرجال موقف أمامهن ).

الظاهر أن المراد بالوجوب هنا توقف صلاة الرجال علی ذلک ، لا الوجوب بالمعنی المصطلح علیه فإنه بعید ، خصوصا إذا کانت الأرض مباحة ، أو ملکا للنساء ، ومع ذلک فتوقف صلاة الرجال علی تأخر النساء مبنی علی تحریم المحاذاة أو تقدیم النساء ، وقد تقدم الکلام فیه.

قوله : ( الثانیة عشرة ، إذا استنیب المسبوق ، فإذا انتهت صلاة المأمومین أومأ إلیهم لیسلّموا ، ثم یقوم فیأتی بما بقی علیه ).

هذا مما لا خلاف فیه بین الأصحاب ، وتدل علیه روایات ، منها :

صحیحة معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، أنه قال فی استنابة المسبوق : « یتم الصلاة بالقوم ثم یجلس حتی إذا فرغوا من التشهد أومأ إلیهم بیده عن الیمین والشمال ، فکان الذی أومأ بیده إلیهم التسلیم وانقضاء صلاتهم » (2).

حکم استنابة المسبوق

ص: 388


1- الفقیه 1 : 261 - 1191 ، التهذیب 2 : 349 - 1446 ، قرب الإسناد : 95 ، الوسائل 5 : 464 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.
2- الکافی 3 : 382 - 7 ، الفقیه 1 : 258 - 1171 ، التهذیب 3 : 41 - 144 ، الإستبصار 1 : 433 - 1672 ، الوسائل 5 : 438 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 3.

______________________________________________________

قال الشیخ فی التهذیب بعد أن أورد هذه الروایة : وقد روی أنه یقدم رجلا آخر یسلم بهم ، ویتم هو ما بقی. وهذا هو الأحوط (1). روی ذلک محمد بن أحمد بن یحیی ، عن العباس بن معروف ، عن ابن مسکان ، عن طلحة بن زید ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : سألته عن رجل أمّ قوما ، فأصابه رعاف بعد ما صلی رکعة أو رکعتین ، فقدم رجلا ممن فاتته رکعة أو رکعتان ، قال : « یتم بهم الصلاة ، ثم یقدم رجلا فیسلم بهم ، ویقوم هو فیتم بقیة صلاته » (2) وهذه الروایة ضعیفة السند ، فإن راویها - وهو طلحة بن زید - عامیّ علی ما نصّ علیه النجاشی (3) وغیره (4).

وقال العلاّمة - رحمه الله - فی المنتهی بعد أن ذکر استحباب الاستنابة فی التسلیم : ولو انتظروا حتی یفرغ ویسلّم بهم لم استبعد جوازه ، إذ قد ثبت جواز ذلک فی صلاة الخوف (5). وما ذکره - رحمه الله - غیر بعید ، وإن کان الأولی فعل ما ورد به النقل.

ص: 389


1- التهذیب 3 : 41.
2- التهذیب 3 : 41 - 145 ، الإستبصار 1 : 433 - 1673 ، الوسائل 5 : 438 أبواب صلاة الجماعة ب 40 ح 5.
3- رجال النجاشی : 146.
4- وهو الشیخ فی الفهرست : 86.
5- المنتهی 1 : 381.

خاتمة تتعلق بالمساجد :

ویستحب اتخاذ المساجد مکشوفة غیر مسقّفة.

______________________________________________________

قوله : ( خاتمة ، تتعلق بالمساجد : ویستحب اتخاذ المساجد مکشوفة غیر مسقّفة ).

أما استحباب اتخاذ المساجد فهو من ضروریات الدین ، وفضله متفق علیه بین المسلمین ، قال الله تعالی ( إِنَّما یَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ ) الآیة (1).

وروی الکلینی فی الحسن ، عن أبی عبیدة الحذاء ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « من بنی مسجدا بنی الله له بیتا فی الجنة » قال أبو عبیدة : فمرّ بی أبو عبد الله علیه السلام فی طریق مکة وقد سوّیت بأحجار مسجدا فقلت له : جعلت فداک نرجو أن یکون هذا من ذاک ، قال : « نعم » (2).

وفی بعض الروایات عن الصادق علیه السلام : « من بنی مسجدا کمفحص قطاة بنی الله له بیتا فی الجنة » (3) والمفحص کمقعد هو الموضع الذی

أحکام المساجد

استحباب اتخاذ المساجد غیر مسقفة

ص: 390


1- التوبة : 18.
2- الکافی 3 : 368 - 1 ، الوسائل 3 : 485 أبواب أحکام المساجد ب 8 ح 1.
3- المحاسن : 55 - 85 ، الوسائل 3 : 486 أبواب أحکام المساجد ب 8 ح 6.

______________________________________________________

تکشفه القطاة فی الأرض وتلینه بجؤجؤها فتبیض فیه. وهذا التشبیه مبالغة فی الصغر ، ویمکن أن یکون وجهه عدم الاحتیاج فی حصول المسجدیة إلی بناء الجدران بل یکفی رسمه کما نبه علیه فعل أبی عبیدة.

وأما استحباب کونها مکشوفة أعنی غیر مسقفة فتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته یقول : « إن رسول الله صلی الله علیه و آله بنی مسجده بالسمیط ، ثم إن المسلمین کثروا فقالوا : یا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزید فیه فقال : نعم فأمر به فزید فیه وبناه بالسعیدة ، ثم إن المسلمین کثروا فقالوا : یا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزید فیه فقال : نعم فأمر به فزید فیه وبنی جداره بالأنثی والذکر ، ثم اشتد علیهم الحرّ فقالوا : یا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل فقال : نعم فأمر به فأقیمت فیه سواری من جذوع النخل ثم طرحت علیه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فیه حتی أصابتهم الأمطار فجعل المسجد یکف علیهم فقالوا : یا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطیّن فقال لهم رسول الله صلی الله علیه و آله : لا ، عریش کعریش موسی علیه السلام ، فلم یزل کذلک حتی قبض رسول الله صلی الله علیه و آله .

وکان جداره قبل أن یظلل قامة ، فکان إذا کان الفی ء ذراعا وهو قدر مربض عنز صلّی الظهر ، فإذا کان ضعف ذلک صلّی العصر.

وقال : السمیط لبنة لبنة ، والسعیدة لبنة ونصف ، والأنثی والذکر لبنتان متخالفتان » (1).

ویستفاد من هذه الروایة کراهة التسقیف خاصة دون التظلیل بغیره ،

ص: 391


1- التهذیب 3 : 261 - 738 ، الوسائل 3 : 487 أبواب أحکام المساجد ب 9 ح 1.

______________________________________________________

وأنها لا تزول بالاحتیاج إلی التسقیف ، ویؤکد هذا الاختصاص ما رواه ابن بابویه فی کتابه مرسلا عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال : « أول ما یبدأ به قائمنا سقوف المساجد فیکسرها ، ویأمر بها فتجعل عریشا کعریش موسی علیه السلام » (1).

ولا ینافی ذلک ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی ، قال : سألته عن المساجد المظللة یکره القیام فیها؟ قال : « نعم ، ولکن لا یضرکم الصلاة فیها الیوم ، ولو قد کان العدل لرأیتم کیف یصنع فی ذلک » (2) لأن المتبادر من التظلیل ما هو المتعارف منه وهو ما کان علی وجه التسقیف ، ولو کانت مطلقة لوجب حملها علی هذا المعنی.

قال الشهید - رحمه الله - فی الذکری بعد أن ذکر کراهة التظلیل : وقد سلف أن النبی صلی الله علیه و آله ظلل مسجده ، ولعل المراد به تظلیل جمیع المسجد ، أو تظلیل خاص ، أو فی بعض البلاد ، وإلاّ فالحاجة ماسة إلی التظلیل لدفع الحرّ والقرّ (3).

وأقول : إنا قد بیّنّا أن المکروه التظلیل بالتسقیف خاصة ، وأن الکراهة لا تزول بالحاجة إلی ذلک ، ولعل الوجه فیه أن هذا القدر من التظلیل یدفع أذی الحرارة والبرودة.

ومع المطر لا یتأکد استحباب التردد إلی المساجد کما یدل علیه إطلاق

ص: 392


1- الفقیه 1 : 153 - 707 ، الوسائل 3 : 488 أبواب أحکام المساجد ب 9 ح 4.
2- التهذیب 3 : 253 - 695 ، الوسائل 3 : 488 أبواب أحکام المساجد ب 9 ح 2.
3- الذکری : 156.

وأن تکون المیضاة علی أبوابها.

______________________________________________________

النهی عن التسقیف (1) ، وما اشتهر من قوله علیه السلام : « إذا ابتلّت النعال فالصلاة فی الرحال » (2) والنعال : وجه الأرض الصلبة ، قاله الهروی فی الغریبین. وقال الجوهری : النعل : الأرض الغلیظة تبرق حصاها لا تنبت شیئا (3).

قوله : ( وأن تکون المیضاة علی أبوابها ).

المراد بالمیضاة هنا المطهرة ، وإنما استحب جعلها علی أبواب المساجد ، لما فیه من المصلحة للمترددین إلیها ، ولروایة إبراهیم بن عبد الحمید ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : جنبوا مساجدکم صبیانکم ومجانینکم وبیعکم وشراءکم ، واجعلوا مطاهرکم علی أبواب مساجدکم » (4).

ونقل عن ابن إدریس أنه منع من جعل المیضاة فی وسط المسجد (5). وهو جید إن سبقت مسجدیة محلها.

ولم یتعرض المصنف لحکم الوضوء فی المسجد ، وقد قطع العلاّمة (6) ، ومن تأخر عنه (7) بکراهته من البول والغائط ، لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن رفاعة ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوضوء فی المسجد فکرهه من الغائط والبول (8). ویمکن حمل الوضوء فیها علی الاستنجاء ، أو علی ما یتناوله

استحباب جعل المیضاة علی أبواب المساجد

ص: 393


1- الوسائل 3 : 487 أبواب أحکام المساجد ب 9.
2- الفقیه 1 : 246 - 1099 ، الوسائل 3 : 478 أبواب أحکام المساجد ب 2 ح 4.
3- الصحاح 5 : 1832.
4- التهذیب 3 : 254 - 702 ، الوسائل 3 : 505 أبواب أحکام المساجد ب 25 ح 3 وص 507 ب 27 ح 2.
5- السرائر : 60.
6- المنتهی 1 : 388.
7- کالشهید الأول فی الدروس : 29.
8- التهذیب 3 : 257 - 719.

وأن تکون المنارة مع الحائط لا فی وسطها. وأن یقدّم الداخل إلیها رجله الیمنی ، والخارج رجله الیسری. وأن یتعاهد نعله.

______________________________________________________

کما أومأ إلیه فی المعتبر (1).

قوله : ( وأن تکون المنارة مع الحائط لا فی وسطها ).

علله العلاّمة فی النهایة بما فیه من التوسعة ورفع الحجاب بین المصلین (2). وأطلق الشیخ فی النهایة المنع من جعل المنارة فی وسط المسجد (3). وهو حق إن تقدمت المسجدیة علی بنائها.

ونص الشیخ (4) ، والمصنف فی المعتبر (5) ، وأکثر الأصحاب علی کراهة تطویل المنارة زیادة عن سطح المسجد ، لئلا یشرف المؤذّن علی الجیران ، ولما رواه السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام : « إن علیا علیه السلام مرّ علی منارة طویلة فأمر بهدمها ثم قال : لا ترفع المنارة إلاّ مع سطح المسجد » (6).

قوله : ( وأن یقدّم الداخل إلیها رجله الیمنی ، والخارج رجله الیسری ).

علله فی المعتبر بأن الیمنی أشرف فیدخل بها إلی الموضع الشریف وبعکسه الخروج (7).

قوله : ( وأن یتعاهد نعله ).

استحباب کون المنارة مع الحائط

آداب دخول المسجد

ص: 394


1- المعتبر 2 : 451.
2- نهایة الأحکام 1 : 352.
3- النهایة : 109.
4- المبسوط 1 : 160.
5- المعتبر 2 : 449.
6- الفقیه 1 : 155 - 723 ، التهذیب 3 : 256 - 710 ، الوسائل 3 : 505 أبواب أحکام المساجد ب 25 ح 2.
7- المعتبر 2 : 449.

وأن یدعو عند دخوله وعند خروجه.

ویجوز نقض ما استهدم دون غیره. ویستحب إعادته.

______________________________________________________

أی : یستعلم حاله عند الدخول إلی المسجد ، استظهارا للطهارة ، ولما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن میمون القداح ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام : « إن علیا علیه السلام قال : قال النبی صلی الله علیه و آله : تعاهدوا نعالکم عند أبواب مساجدکم » (1) والتعهد أفصح من التعاهد ، قال الجوهری : التعهد التحفظ بالشی ء وتجدید العهد به ، وهو أفصح من قولک : تعاهدت ، لأن التعاهد إنما یکون بین اثنین (2).

قوله : ( وأن یدعو عند دخوله وعند خروجه ).

لأن المساجد مظنة الإجابة ، ولما رواه الشیخ فی الموثق ، عن سماعة ، قال : إذا دخلت المسجد فقل : بسم الله وبالله والسلام علی رسول الله صلی الله علیه و آله ، صلی الله وملائکته علی محمد وآل محمد والسلام علیهم ورحمة الله وبرکاته ، رب اغفر لی ذنوبی وافتح لی أبواب فضلک ، وإذا خرجت فقل مثل ذلک (3).

وروی ابن بابویه فی الحسن ، عن عاصم بن حمید ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « من دخل سوقا أو مسجد جماعة فقال مرة واحدة : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شریک له ، والله أکبر کبیرا والحمد لله کثیرا وسبحان الله بکرة وأصیلا ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلی العظیم ، وصلی الله علی محمد وآله ، عدلت حجة مبرورة » (4).

قوله : ( ویجوز نقض ما استهدم دون غیره ، ویستحب إعادته ).

استهدم - بفتح التاء والدال - : أشرف علی الانهدام. ولا ریب فی جواز

نقض المساجد وإعادتها

ص: 395


1- التهذیب 3 : 255 - 709 ، الوسائل 3 : 504 أبواب أحکام المساجد ب 24 ح 1.
2- الصحاح 2 : 516.
3- التهذیب 3 : 263 - 744 ، الوسائل 3 : 516 أبواب أحکام المساجد ب 39 ح 4 بتفاوت.
4- الفقیه 3 : 124 - 541 ، الوسائل 12 : 301 أبواب آداب التجارة ب 18 ح 3.

ویجوز استعمال آلته فی غیره.

______________________________________________________

نقض المستهدم ، بل قد یجب إذا خیف من انهدامه علی أحد من المترددین ، وتستحب إعادته للعموم. ویجوز النقض للتوسعة أیضا مع الحاجة إلیها ، لأنه إحسان محض فیتناوله عموم قوله تعالی ( ما عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ ) (1).

ولا ینقض إلاّ مع الظن الغالب بالتمکن من العمارة.

وکذا یجوز إحداث باب فی المسجد لمصلحة عامة کازدحام المصلین فی الدخول والخروج ، ولو کان لمصلحة خاصة کقرب المسافة علی بعض المصلین لم یبعد جوازه أیضا مع انتفاء الضرر ، لما فیه من الإعانة علی القربة وفعل الخیر. وکذا الکلام فی فتح الروزنة والشباک.

قوله : ( ویجوز استعمال آلته فی غیره ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق بین ما إذا کانت تلک الآلة فاضلة عن ذلک المسجد أو غیر فاضلة. وقیده الشارح باستغنائه عنها ، أو تعذر استعمالها فیه لاستیلاء الخراب علیه ، أو کون الآخر أحوج إلیها منه لکثرة المصلین ، ونحو ذلک ، ثم قال : وأولی بالجواز صرف وقفه ونذره علی غیره بالشروط ، ولیس کذلک المشهد فلا یجوز صرف ماله إلی مشهد آخر ولا مسجد ، ولا صرف مال المسجد إلیه مطلقا (2). هذا کلامه رحمه الله .

وللنظر فی هذا الحکم من أصله مجال ، والمتجه عدم جواز صرف مال المسجد إلی غیره مطلقا کالمشهد ، لتعلق النذر أو الوقف بذلک المحل المعین فیجب الاقتصار علیه ، نعم لو تعذر صرفه فیه ، أو علم استغناؤه عنه فی الحال والمآل أمکن القول بجواز صرفه فی غیره من المساجد والمشاهد ، بل لا یبعد جواز صرفه فی مطلق القرب ، لأن ذلک أولی من بقائه إلی أن یعرض له التلف فیکون صرفه فی هذا الوجه إحسانا محضا ، وما علی المحسنین من سبیل.

حکم استعمال آلات المسجد فی غیره

ص: 396


1- التوبة : 91.
2- المسالک 1 : 47.

ویستحب کنس المساجد والإسراج فیها.

______________________________________________________

قوله : ( ویستحب کنس المساجد ).

هو جمع کناستها - بضم الکاف - وإخراجها منها ، وإنما استحب ذلک لأن فیه تعظیما لشعائر الله وترغیبا للمترددین إلی المسجد فیؤمن الخراب علیه.

ویتأکد استحباب ذلک یوم الخمیس ولیلة الجمعة ، لما رواه الشیخ عن عبد الحمید ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من کنس المسجد یوم الخمیس ولیلة الجمعة فأخرج من التراب ما یذرّ فی العین غفر الله له » (1) والظاهر أن الواو بمعنی أو ، والتقدیر بکون التراب مما یذرّ فی العین مبالغة فی المحافظة علی کنسها وإن کانت نظیفة ، أو علی فعل ما تیسر من ذلک.

قوله : ( والإسراج فیها ).

لأنه قد لا یستغنی من یصلی فی المسجد عن الاستعانة بالضوء ، ولما رواه الشیخ ، عن أنس قال ، قال رسول الله : « من أسرج فی مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائکة وحملة العرش یستغفرون له ما دام فی ذلک المسجد ضوء من ذلک السراج » (2).

ولا یشترط فی شرعیة الإسراج تردد أحد من المصلین إلیه بل یستحب مطلقا ، للعموم.

ولا یتوقف ذلک علی إذن الناظر إذا کان ما یسرج به من مال المسرج ، ولو کان من مال المسجد اعتبر ذلک ، ولو لم یکن للمسجد ناظر معین وتعذر استئذان الحاکم لم یبعد جواز تعاطی ذلک لآحاد (3) المسلمین.

استحباب کنس المسجد والاسراج فیه

ص: 397


1- التهذیب 3 : 254 - 703 ، الوسائل 3 : 511 أبواب أحکام المساجد ب 32 ح 1.
2- التهذیب 3 : 261 - 733 ، الوسائل 3 : 513 أبواب أحکام المساجد ب 34 ح 1.
3- فی « ح » زیادة : ثقات.

ویحرم زخرفتها ، ونقشها بالصور ، وبیع آلتها ، وأن یؤخذ منها فی الطرق أو الأملاک ، ومن أخذ منها شیئا وجب أن یعیده إلیها أو إلی مسجد آخر ، وإذا زالت آثار المسجد لم یحل تملکه ،

______________________________________________________

قوله : ( ویحرم زخرفتها ونقشها بالصور ).

الزخرفة : النقش بالزخرف ، وهو الذهب ، والصور تعم ذوات الأرواح وغیرها. وأطلق المصنف فی المعتبر تحریم النقش ، واستدل علیه بأن ذلک لم یفعل فی زمن النبی صلی الله علیه و آله ولا فی زمن الصحابة فیکون إحداثه بدعة (1) ، وبما رواه الشیخ عن عمرو بن جمیع ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الصلاة فی المساجد المصوّرة فقال : « أکره ذلک ، ولکن لا یضرکم ذلک الیوم ، ولو قام العدل لرأیتم کیف یصنع فی ذلک » (2) وهذه الروایة ضعیفة السند جدا باشتماله علی عدة من المجاهیل والضعفاء ، والتعلیل الأول لا یعطی أزید من الکراهة.

قوله : ( وبیع آلتها ).

هذا الحکم مشکل علی إطلاقه ، فإن التحریم إنما یثبت مع انتفاء المصلحة فی البیع وإلاّ جاز قطعا ، بل قد یجب ، ویتولاه الناظر.

قوله : ( وأن یؤخذ منها فی الطرق أو الأملاک ، ومن أخذ منها شیئا وجب أن یعیده إلیها ، أو إلی مسجد آخر ).

أی ویحرم تملک بعضها أو جعله طریقا بحیث لا تبقی صورة المسجدیة ، إنما حرم ذلک لما فیه من تغییر الوقف وتخریب مواضع العبادة ، ومتی فعل ذلک وجب إعادتها إلی المسجدیة. ولا یختص الوجوب بالمتغیر بل یعمه وغیره.

قوله : ( وإذا زالت آثار المسجد لم یحل تملکه ).

لا ریب فی ذلک ، لأن العرصة داخلة فی الوقف بل هی المقصودة منه.

حرمة زخرفة المساجد

حرمة بیع آلة المسجد

حرمة أخذ الطرق من المساجد وتملکها

ص: 398


1- المعتبر 2 : 451.
2- التهذیب 3 : 259 - 726 ، الوسائل 3 : 493 أبواب أحکام المساجد ب 15 ح 1.

ولا یجوز إدخال النجاسة إلیها ، ولا إزالة النجاسة فیها ، ولا إخراج الحصی منها ، وإن فعل أعاده إلیها.

______________________________________________________

قوله : ( ولا یجوز إدخال النجاسة إلیها ).

الأصح أن ذلک إنما یحرم إذا استلزم تنجیس المسجد أو آلاته التی جرت العادة بتنزیهها من النجاسة ، وقد تقدم الکلام فی ذلک (1).

قوله : ( ولا إزالة النجاسة فیها ).

علله فی المعتبر بأن ذلک یعود إلیها بالتنجیس (2) ، ومقتضاه اختصاص التحریم بما إذا استلزمت الإزالة تنجیس المسجد. واستقرب المحقق الشیخ علیّ عموم المنع وإن کانت الإزالة فیما لا ینفعل کالکثیر (3) ، لما فیه من الامتهان المنافی لقوله صلی الله علیه و آله : « جنبوا مساجدکم النجاسة » (4) وهو بعید.

قوله : ( ولا إخراج الحصی منها ).

إنما یحرم إخراج الحصی منها إذا کانت بحیث تعد جزءا من المسجد أو من آلاته ، أما لو کانت قمامة کان إخراجها مستحبا کالتراب. وحکم المصنف فی المعتبر بالکراهة (5) ، واستدل علیه بروایة وهب ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : « إذا أخرج أحدکم الحصاة من المسجد فلیردها مکانها أو فی مسجد آخر فإنها تسبح » (6) وهذه الروایة ضعیفة السند جدا ، فإن راویها وهو وهب بن وهب قال النجاشی : إنه کان کذابا (7). وقال الشیخ : إنه

حرمة إدخال النجاسة إلیها

ص: 399


1- راجع ج 2 ص 305.
2- المعتبر 2 : 451.
3- جامع المقاصد 1 : 97.
4- الوسائل 3 : 504 أبواب أحکام المساجد ب 24 ح 2.
5- المعتبر 2 : 452.
6- الفقیه 1 : 154 - 718 ، التهذیب 3 : 256 - 711 ، علل الشرائع : 320 - 1 ، الوسائل 3 : 506 أبواب أحکام المساجد ب 26 ح 4.
7- رجال النجاشی : 430 - 1155.

ویکره تعلیتها ، وأن یعمل لها شرف أو محاریب داخلة فی الحائط ،

______________________________________________________

کان قاضیا عامیا (1). فلا تعویل علی روایته.

قوله : ( ویکره تعلیتها ).

لأنه مخالف لسنة النبی صلی الله علیه و آله فی مسجده فقد روی أنه کان قامة (2).

قوله : ( وأن یعمل لها شرف ).

بضم الشین وفتح الراء جمع شرفة بسکون الراء ، والمراد بها ما یجعل فی أعلی الجدران. وإنما کان ذلک مکروها لما رواه الشیخ عن طلحة بن زید ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام : « إنه رأی مسجدا بالکوفة وقد شرف فقال : کأنه بیعة وقال : إن المساجد لا تشرف بل تبنی جما » (3).

قوله : ( أو محاریب داخلة فی الحائط ).

هذا الحکم ذکره الشیخ (4) ، وجمع من الأصحاب ، واستدل علیه فی المعتبر (5) بما رواه الشیخ ، عن طلحة بن زید ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن علیّ علیه السلام : « إنه کان یکسر المحاریب إذا رآها فی المساجد ویقول : کأنها مذابح الیهود » (6) وهذه الروایة غیر صریحة فی کراهة المحاریب الداخلة فی الحائط ، بل الظاهر منها کراهة المحاریب الداخلة فی المسجد لأنها التی تقبل

ص: 400


1- رجال الشیخ : 327 - 19 ، والفهرست : 173.
2- الکافی 3 : 295 - 1 ، التهذیب 3 : 261 - 738 ، الوسائل 3 : 487 أبواب أحکام المساجد ب 9 ح 1.
3- التهذیب 3 : 253 - 697 ، الوسائل 3 : 494 أبواب أحکام المساجد ب 15 ح 2.
4- النهایة : 109 ، والمبسوط 1 : 160.
5- المعتبر 2 : 452.
6- التهذیب 3 : 253 - 696 ، الوسائل 3 : 510 أبواب أحکام المساجد ب 31 ح 1 ، وأوردها فی الفقیه 1 : 153 - 708 ، وعلل الشرائع : 320 - 1.

وأن تجعل طریقا.

ویستحب أن تجنّب البیع والشراء والمجانین ، وإنفاذ الأحکام ،

______________________________________________________

الکسر. وذکر الشارح أن المراد بالمحاریب الداخلة فی الحائط الداخلة کثیرا (1). ولم أقف علی نص یتضمن کراهة المحاریب الداخلة بهذا المعنی مطلقا.

قوله : ( وأن تجعل طریقا ).

إنما یکره إذا استطرقت علی وجه لا یلزم منه تغییر صورة المسجد وإلاّ حرم کما مر (2).

قوله : ( ویستحب أن تجنب البیع والشراء والمجانین ).

وکذا الصبیان الذین لا یوثق بهم فی التحفظ من النجاسات ، لقوله علیه السلام فی مرسلة علیّ بن أسباط : « جنبوا مساجدکم البیع والشراء والمجانین والصبیان والأحکام والضالة والحدود ورفع الصوت » (3).

قوله : ( وإنفاذ الأحکام ).

للنهی عنه فی مرسلة علیّ بن أسباط المتقدمة. وقال الشیخ فی الخلاف (4) ، وابن إدریس (5) : إنه غیر مکروه ، واستقربه فی المختلف ، واستدل علیه بأن الحکم طاعة فجاز إیقاعها فی المساجد الموضوعة للطاعات ، وبأن أمیر المؤمنین علیه السلام حکم فی جامع الکوفة وقضی فیه بین الناس قال : ودکة القضاء مشهورة إلی الآن. وأجاب عن الروایة الأولی بالطعن فی السند ، واحتمال أن یکون متعلق النهی إنفاذ الأحکام کالحبس علی الحقوق والملازمة

آداب المساجد

ص: 401


1- المسالک 1 : 47.
2- فی ص 398.
3- التهذیب 3 : 249 - 682 ، الخصال : 410 - 13 ، علل الشرائع : 319 - 2 ، الوسائل 3 : 507 أبواب أحکام المساجد ب 27 ح 1.
4- الخلاف 2 : 589.
5- السرائر : 60.

وتعریف الضوالّ ، وإقامة الحدود ، وإنشاد الشعر ،

______________________________________________________

علیها فی المساجد (1). وهو حسن.

قوله : ( وتعریف الضوال ).

للنهی عنه فی مرسلة علیّ بن أسباط المتقدمة. وکذا یکره السؤال عنها أیضا ، لما رواه ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه مرسلا : إن النبی صلی الله علیه و آله سمع رجلا ینشد ضالة فی المسجد فقال : « قولوا : لا رد الله علیک فإنها لغیر هذا بنیت » (2).

قوله : ( وإنشاد الشعر ).

لما رواه الکلینی فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن جعفر بن إبراهیم ولعله الجعفری ، عن علیّ بن الحسین علیه السلام ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : من سمعتموه ینشد الشعر فی المساجد فقولوا له : فض الله فاک ، إنما نصبت المساجد للقرآن » (3).

واستثنی الشهید فی الذکری من ذلک ما یقلّ منه وتکثر منفعته ، کبیت حکمة ، أو شاهد علی لغة فی کتاب الله تعالی ، أو سنة نبیه صلی الله علیه و آله (4). وألحق به المحقق الشیخ علی مدح النبی صلی الله علیه و آله ومراثی الحسین علیه السلام (5). ولا بأس بذلک کله ، لصحیحة علی بن یقطین : إنه سأل أبا الحسن علیه السلام عن إنشاد الشعر فی الطواف فقال : « ما کان من الشعر لا بأس به فلا بأس به » (6).

ص: 402


1- المختلف : 690.
2- الفقیه 1 : 154 - 715 ، الوسائل 3 : 508 أبواب أحکام المساجد ب 28 ح 2.
3- الکافی 3 : 369 - 5 ، الوسائل 3 : 492 أبواب أحکام المساجد ب 14 ح 1.
4- الذکری : 156.
5- جامع المقاصد 1 : 97.
6- التهذیب 5 : 127 - 418 ، الإستبصار 2 : 227 - 784 ، الوسائل 9 : 464 أبواب الطواف ب 54 ح 1 ، بتفاوت فی المتن.

ورفع الصوت ، وعمل الصنائع ، والنوم.

______________________________________________________

قوله : ( ورفع الصوت إذا تجاوز المعتاد ).

إذا تجاوز المعتاد ، لمنافاته الخشوع المطلوب فی المساجد ، وللنهی عنه فی مرسلة علیّ بن أسباط.

قوله : ( وعمل الصنائع ).

لما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عن سل السیف فی المسجد وبری النبل فی المسجد وقال : إنما بنی لغیر ذلک » (1) ویستفاد من هذا التعلیل کراهة عمل جمیع الصناعات. ولو لزم من ذلک تعطیل (2) المصلین حرم قطعا.

قوله : ( والنوم ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی المعتبر (3) بما رواه الشیخ ، عن أبی أسامة زید الشحام قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : قول الله عزّ وجلّ ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُکاری ) (4) قال : « سکر النوم » (5) وهی ضعیفة السند (6) ، قاصرة الدلالة.

والأجود قصر الکراهة علی النوم فی المسجد الحرام ومسجد النبی صلی الله علیه و آله ، للأصل ، وما رواه الشیخ فی الحسن ، عن زرارة قال ، قلت لأبی

ص: 403


1- التهذیب 3 : 258 - 724 ، الوسائل 3 : 495 أبواب أحکام المساجد ب 17 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 3 : 369 - 8.
2- فی « ح » : تغلیط.
3- المعتبر 2 : 453.
4- النساء : 43.
5- التهذیب 3 : 258 - 722 ، الوسائل 4 : 1283 أبواب قواطع الصلاة ب 35 ح 1 ، وأوردها فی الکافی 3 : 371 - 15.
6- وجه الضعف هو وقوع الحسین بن المختار فی طریقها وهو واقفی ( راجع رجال الشیخ : 346 - 3 ).

ویکره دخول من فی فمه رائحة بصل أو ثوم ،

______________________________________________________

جعفر علیه السلام : ما تقول فی النوم فی المساجد؟ فقال : « لا بأس إلاّ فی المسجدین : مسجد النبی صلی الله علیه و آله والمسجد الحرام » قال : وکان یأخذ بیدی فی بعض اللیل فیتنحی ناحیة ثم یجلس فیتحدث فی المسجد الحرام فربما نام فقلت له فی ذلک فقال : « إنما یکره أن ینام فی المسجد الذی کان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، فأما الذی فی هذا الموضع فلیس به بأس » (1).

قوله : ( ویکره دخول من فی فمه رائحة بصل أو ثوم ).

وکذا غیرهما من الروائح المؤذیة ، لأنه یؤذی المجاور ، ولقول أمیر المؤمنین علیه السلام : « من أکل شیئا من المؤذیات ریحها فلا یقربنّ المسجد » (2).

وتتأکد الکراهة فی الثوم ، لاستفاضة الروایات بالنهی لآکله عن دخول المساجد ، کصحیحة محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن الثوم فقال : « إنما نهی رسول الله صلی الله علیه و آله عنه لریحه ، وقال : من أکل هذه البقلة الخبیثة فلا یقرب مسجدنا ، فأما من أکله ولم یأت المسجد فلا بأس » (3).

قال الشیخ فی الإستبصار : فأما ما رواه الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أذینة ، عن زرارة ، قال : حدثنی من أصدق من أصحابنا ، قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن الثوم فقال : « أعد کل صلاة صلیتها ما دمت تأکله » (4) فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی ضرب من التغلیظ فی

ص: 404


1- التهذیب 3 : 258 - 721 ، الوسائل 3 : 496 أبواب أحکام المساجد ب 18 ح 2 ، وأوردها فی الکافی 3 : 370 - 11.
2- الخصال : 630 ، الوسائل 3 : 502 أبواب أحکام المساجد ب 22 ح 6.
3- الکافی 6 : 374 - 1 ، علل الشرائع : 519 - 1 ، الوسائل 3 : 501 أبواب أحکام المساجد ب 22 ح 1.
4- الإستبصار 4 : 92 - 352 ، الوسائل 17 : 171 أبواب الأطعمة المباحة ب 128 ح 8 ، وأوردها فی التهذیب 9 : 96 - 419.

والتنخم ، والبصاق ، وقتل القمل فإن فعل ستره بالتراب ، وکشف العورة ،

______________________________________________________

کراهته ، دون الحظر الذی یکون من أکل ذلک یقتضی استحقاقه الذم والعقاب ، بدلالة الأخبار الأولة ، والإجماع الواقع علی أن أکل هذه الأشیاء لا یوجب إعادة الصلاة.

قوله : ( والتنخم والبصاق ، وقتل القمل ، فإن فعل ستره بالتراب ).

الضمیر یرجع إلی کل واحد من الثلاثة. أما کراهة التنخم والبصاق واستحباب سترهما بالتراب فیدل علیه ما رواه الشیخ ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن جعفر ، عن أبیه علیهماالسلام ، قال : « إن علیا علیه السلام قال : البصاق فی المسجد خطیئة وکفارتها دفنه » (1).

وعن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « من تنخع فی المسجد ثم ردها فی جوفه لم تمر بداء فی جوفه إلا أبرأته » (2).

وأما کراهة قتل القمل واستحباب ستره بالتراب فلم أقف فیه علی نص ، وأسنده فی الذکری إلی الجماعة (3) ، ولا بأس به ، لأن فیه استقذارا تکرهه النفس ، فینبغی ترکه وتغطیته بالتراب مع فعله.

قوله : ( وکشف العورة ).

علله فی المعتبر بأن ذلک استخفاف بالمسجد وهو محل وقار (4) ، ثم قال : وقد روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « کشف السرة والفخذ والرکبة فی المسجد من العورة » (5).

ص: 405


1- التهذیب 3 : 256 - 712 ، الوسائل 3 : 499 أبواب أحکام المساجد ب 19 ح 4.
2- الفقیه 1 : 152 - 700 ، التهذیب 3 : 256 - 714 ، ثواب الأعمال : 41 - 2 ، الوسائل 3 : 500 أبواب أحکام المساجد ب 20 ح 1.
3- الذکری : 157.
4- المعتبر 2 : 453.
5- التهذیب 3 : 263 - 742 ، الوسائل 3 : 515 أبواب أحکام المساجد ب 37 ح 1.

والرمی بالحصی.

مسائل ثلاث :

الأولی : إذا انهدمت الکنائس والبیع ، فإن کان لأهلها ذمّة لم یجز التعرض لها ، وإن کانت فی أرض الحرب أو باد أهلها جاز استعمالها فی المساجد.

الثانیة : الصلاة المکتوبة فی المسجد أفضل من المنزل ،

______________________________________________________

قوله : ( والرمی بالحصی ).

لما فیه من العبث ، ولما رواه الشیخ ، عن السکونی ، عن جعفر ، عن أبیه ، عن آبائه علیهم السلام : « إن النبی صلی الله علیه و آله أبصر رجلا یخذف بحصاة فی المسجد فقال : ما زالت تلعنه حتی وقعت » (1).

قوله : ( الأولی ، إذا انهدمت الکنائس والبیع ، فإن کان لأهلها ذمّة لم یجز التعرض لها ، وإن کانت فی أرض الحرب أو باد أهلها جاز استعمالها فی المساجد ).

أما أنه لا یجوز التعرض لهما إذا کان لأهلهما ذمة فظاهر ، لإطلاق النهی عن التعرض لما فی أیدیهم ، المتناول لذلک وغیره.

وأما جواز جعلهما مساجد واستعمال آلتهما فیها إذا کانت فی أرض الحرب ، أو باد أهلها فیدل علیه مضافا إلی عموم ما دل علی جواز التصرف فی هذین ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن عیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن البیع والکنائس ، هل یصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال : « نعم » (2).

قوله : ( الثانیة ، الصلاة المکتوبة فی المسجد أفضل من المنزل ،

استحباب المکتوبة فی المسجد والنافلة فی المنزل

ص: 406


1- التهذیب 3 : 262 - 741 ، الوسائل 3 : 514 أبواب أحکام المساجد ب 36 ح 1.
2- التهذیب 3 : 260 - 732 ، الوسائل 3 : 491 أبواب أحکام المساجد ب 12 ح 2 ، وأوردها فی الکافی 3 : 368 - 3.

والنافلة بالعکس.

______________________________________________________

والنافلة بالعکس ).

أما أن الصلاة المکتوبة فی المسجد أفضل من المنزل فهو موضع وفاق بین المسلمین ، بل الظاهر أنه من ضروریات الدین ، والأخبار الواردة بذلک أکثر من أن تحصی ، فروی الشیخ فی الصحیح ، عن ابن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ، سمعته یقول : « إن أناسا کانوا علی عهد رسول الله أبطئوا عن الصلاة فی المسجد فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لیوشک قوم یدعون الصلاة فی المسجد أن نأمر بحطب فیوضع علی أبوابهم فتوقد علیهم فتحرق علیهم بیوتهم » (1).

وأما أن صلاة النافلة فی المنزل أفضل من المسجد فهو قول أکثر الأصحاب ، لأن فعلها فی السرّ أبلغ فی الإخلاص وأبعد من وساوس الشیطان ، ولما روی عن النبی صلی الله علیه و آله أنه قال : « أفضل الصلاة صلاة المرء فی بیته إلاّ المکتوبة » (2).

ورجح جدی - قدس سره - فی بعض فوائده رجحان فعلها فی المسجد أیضا کالفریضة. وهو حسن ، خصوصا إذا أمن علی نفسه الریاء ورجا اقتداء الناس به ورغبتهم فی الخیر ، وتدل علیه روایات کثیرة ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، عن الصادق علیه السلام : « إن النبی صلی الله علیه و آله کان یصلی صلاة اللیل فی المسجد » (3).

وفی الصحیح ، عن ابن أبی عمیر ، عن بعض أصحابه قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی لأکره الصلاة فی مساجدهم فقال : « لا تکره ، فما من مسجد بنی إلاّ علی أثر نبی قتل فأصاب تلک البقعة رشّة من دمه فأحب الله أن

ص: 407


1- التهذیب 3 : 25 - 87 ، الوسائل 3 : 478 أبواب أحکام المساجد ب 2 ح 2.
2- سنن البیهقی 2 : 494.
3- التهذیب 2 : 334 - 1377 ، الوسائل 3 : 195 أبواب المواقیت ب 53 ح 1.

______________________________________________________

یذکر فیها ، فأدّ فیها الفریضة والنوافل ، واقض فیها ما فاتک » (1).

وفی الصحیح ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : الصلاة فی مسجدی کألف فی غیره ، إلاّ المسجد الحرام ، فإن صلاة فی المسجد الحرام تعدل ألف صلاة فی مسجدی » (2).

وعن هارون بن خارجة ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی مسجد الکوفة : « إن الصلاة المکتوبة فیه تعدل ألف صلاة ، وإن النافلة لتعدل خمس مائة » (3).

وعن عبد الله بن یحیی الکاهلی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال فی مسجد الکوفة أیضا : « أن الصلاة المکتوبة فیه حجة مبرورة والنافلة عمرة مبرورة » (4).

وما رواه ابن بابویه - رضی الله عنه - فی کتابه من لا یحضره الفقیه بعدة أسانید ، عن أبی حمزة الثمالی ، عن أبی جعفر علیه السلام أنه قال له : « المساجد الأربعة : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله ، ومسجد بیت المقدس ، ومسجد الکوفة ، یا أبا حمزة الفریضة فیها تعدل حجة ، والنافلة تعدل عمرة » (5).

ص: 408


1- الکافی 3 : 370 - 14 ، التهذیب 3 : 258 - 723 ، الوسائل 3 : 501 أبواب أحکام المساجد ب 21 ح 1. وفیها : قبر نبی أو وصی نبی.
2- الفقیه 1 : 147 - 681 ، الوسائل 3 : 536 أبواب أحکام المساجد ب 52 ح 3 ، مرسلا.
3- الکافی 3 : 490 - 1 ، التهذیب 3 : 250 - 688 ، الوسائل 3 : 521 أبواب أحکام المساجد ب 44 ح 3.
4- الکافی 3 : 491 - 2 ، التهذیب 3 : 251 - 689 ، الوسائل 3 : 528 أبواب أحکام المساجد ب 45 ح 1.
5- الفقیه 1 : 148 - 683 ، الوسائل 3 : 550 أبواب أحکام المساجد ب 64 ح 1.

الثالثة : الصلاة فی الجامع بمائة ، وفی مسجد القبیلة بخمس وعشرین ، وفی السوق باثنتی عشرة صلاة.

______________________________________________________

قوله : ( الثالثة ، الصلاة فی الجامع بمائة ، وفی مسجد القبیلة بخمس وعشرین ، وفی السوق باثنتی عشرة صلاة ).

المستند فی ذلک ما رواه ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه مرسلا ، عن أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام أنه قال : « صلاة فی بیت المقدس تعدل ألف صلاة ، وصلاة فی المسجد الأعظم تعدل مائة صلاة ، وصلاة فی مسجد القبیلة تعدل خمسا وعشرین صلاة ، وصلاة فی مسجد السوق تعدل اثنتی عشرة صلاة ، وصلاة الرجل فی بیته صلاة واحدة » (1).

فضل الصلاة فی المساجد وتفاضلها

ص: 409


1- الفقیه 1 : 152 - 703 ، الوسائل 3 : 551 أبواب أحکام المساجد ب 64 ح 2.

الفصل الرّابع :

فی صلاة الخوف والمطاردة.

صلاة الخوف مقصورة سفرا ، وفی الحضر إذا صلیت جماعة ، فإن صلیت فرادی قیل : تقصر ، وقیل : لا ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الرابع ، فی صلاة الخوف والمطاردة : صلاة الخوف مقصورة سفرا ، وفی الحضر إذا صلیت جماعة ، فإن صلیت فرادی قیل : تقصر ، وقیل : لا ، والأول أشبه ).

اختلف الأصحاب فی وجوب التقصیر فی صلاة الخوف إذا وقعت فی الحضر بعد اتفاقهم علی وجوب تقصیرها سفرا ، فذهب الأکثر ومنهم الشیخ فی الخلاف (1) ، والمرتضی (2) ، وابن إدریس (3) ، وابن الجنید (4) ، وابن أبی عقیل (5) ، وابن البراج (6) ، وغیرهم إلی وجوب التقصیر حضرا وسفرا ، جماعة وفرادی. وقال الشیخ فی المبسوط : إنها إنما تقصر فی الحضر بشرط الجماعة (7). وحکی المصنف فی المعتبر عن بعض الأصحاب قولا بأنها إنما تقصر فی السفر خاصة (8). والمعتمد الأول.

صلاة الخوف و المطاردة

التقصیر فی صلاة الخوف

ص: 410


1- الخلاف 1 : 253.
2- جمل العلم والعمل : 78.
3- السرائر : 78.
4- نقله عنهما فی المختلف : 150.
5- نقله عنهما فی المختلف : 150.
6- المهذب 1 : 112 ، وشرح الجمل : 143.
7- المبسوط 1 : 165.
8- المعتبر 2 : 454.

______________________________________________________

لنا : قوله تعالی ( وَإِذا کُنْتَ فِیهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَکَ وَلْیَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْیَکُونُوا مِنْ وَرائِکُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْری لَمْ یُصَلُّوا فَلْیُصَلُّوا مَعَکَ ) (1) وهی مطلقة فی الاقتصار علی رکعتین من غیر تفصیل.

( وأیضا قوله عزّ وجلّ ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ ) (2) ولا جائز أن یکون المراد بالضرب سفر القصر وإلاّ لکان اشتراط الخوف لغوا ) (3).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جمیعا؟ قال : « نعم ، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذی لا خوف فیه » (4).

وهذا التقصیر کقصر المسافر ، ترد الرباعیة إلی رکعتین وتبقی الثلاثیة والثنائیة علی حالهما ، کما تدل علیه الأخبار المستفیضة المتضمنة لکیفیة صلاة الخوف (5).

وقال ابن بابویه فی کتابه : سمعت شیخنا محمد بن الحسن یقول : رویت أنه سئل الصادق علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ :

ص: 411


1- النساء : 102.
2- النساء : 101.
3- ما بین القوسین مشطوبة فی « ض ».
4- الفقیه 1 : 294 - 1342 ، الوسائل 5 : 478 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 1 ح 1 ، وأوردها فی التهذیب 3 : 302 - 921.
5- الوسائل 5 : 478 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 1.

وإذا صلیت جماعة فالإمام بالخیار ، إن شاء صلی بطائفة ثم بأخری ، وکانت الثانیة له ندبا علی القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل ،

______________________________________________________

( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ یَفْتِنَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا ) فقال : « هذا تقصیر ثان وهو أن یردّ الرجل الرکعتین إلی الرکعة » (1).

وقد روی ذلک الشیخ فی الصحیح ، عن حریز ، عن أبی عبد الله علیه السلام : فی قول الله عزّ وجلّ ( فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ یَفْتِنَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا ) قال : « فی الرکعتین ینقص منهما واحدة » (2).

ونقل عن ابن الجنید أنه قال بهذا المذهب (3). وهو نادر ، والروایة به وإن کانت صحیحة لکنها معارضة بأشهر منها ، ویمکن حملها علی التقیة ، أو علی أن کل طائفة إنما تصلی مع الإمام رکعة فکأن صلاتها ردت إلیها.

قوله : ( وإذا صلیت جماعة فالإمام بالخیار ، إن شاء صلی بطائفة ثم بأخری ، وکانت الثانیة له ندبا علی القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل ).

هذه هی الصلاة المسماة بصلاة بطن النخل ، وقد روی أن النبی صلی الله علیه و آله صلاّها بأصحابه بهذا الموضع (4) ، ولیس فیها مخالفة لصلاة المختار إن جوزنا الإعادة لمن صلی جماعة ، ومن ثم جزم العلاّمة فی القواعد بعدم

کیفیة الجمع فی صلاة الخوف

ص: 412


1- الفقیه 1 : 295 - 1343 ، الوسائل 5 : 478 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 1 ح 2.
2- التهذیب 3 : 300 - 914 ، الوسائل 5 : 478 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 1 ح 3.
3- حکاه عنه فی الذکری : 261.
4- سنن البیهقی 3 : 259.

وإن شاء أن یصلی کما صلی رسول الله صلی الله علیه و آله بذات الرقاع.

ثم تحتاج هذه الصلاة إلی النظر فی شروطها ، وکیفیتها ،

______________________________________________________

اعتبار الخوف فی هذه الصلاة (1). وعلی القول بالمنع من إعادة الجامع یشکل إثبات مشروعیة هذه الصلاة ، لأنها غیر منقولة فی أخبارنا.

وقول المصنف : علی القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل ، غیر جید ، إذ لا خلاف فی جواز الإعادة للمنفرد ، واقتداء المفترض بالمتنفل علی هذا الوجه کما ذکره - رحمه الله - هو (2) وغیره (3).

قوله : ( وإن شاء یصلی کما صلی رسول الله صلی الله علیه و آله بذات الرقاع ).

اختلف العلماء فی سبب التسمیة بذلک فقیل : لأن القتال کان فی سفح جبل فیه جدد حمر وصفر کالرقاع (4).

وقیل : کانت الصحابة حفاة فلفوا علی أرجلهم الجلود والخرق لئلا تحترق (5).

وقیل : سمیت برقاع کانت فی ألویتهم (6).

وقیل : الرقاع اسم شجرة کانت فی موضع الغزوة (7).

وقیل : مر بذلک الموضع ثمانیة حفاة فنقبت أرجلهم وتساقطت أظفارهم فکانوا یلفون علیها الخرق (8).

قوله : ( ثم تحتاج هذه الصلاة إلی النظر فی شروطها وکیفیتها ،

ص: 413


1- القواعد 1 : 48.
2- المعتبر 2 : 425.
3- کالعلامة فی المنتهی 1 : 367.
4- کما فی الروضة البهیة 1 : 364.
5- کما فی الروضة البهیة 1 : 364.
6- کما فی الروضة البهیة 1 : 364.
7- کما فی الروضة البهیة 1 : 364.
8- کما فی الروضة البهیة 1 : 364.

وأحکامها.

أما الشروط : فأن یکون الخصم فی غیر جهة القبلة ، وأن یکون فیه قوة لا یؤمن أن یهجم علی المسلمین ، وأن یکون فی المسلمین کثرة یمکن أن یفترقوا طائفتین تکفل کل طائفة بمقاومة الخصم ، وأن لا یحتاج الإمام إلی تفریقهم أکثر من فرقتین.

______________________________________________________

وأحکامها. أما الشروط ، فأن یکون الخصم فی غیر جهة القبلة ).

هذا الشرط مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بأن النبی صلی الله علیه و آله إنما صلاّها کذلک فتجب متابعته (1). واستوجه العلاّمة فی التذکرة عدم اعتباره لعدم المانع من فعلها بدونه ، قال : وفعل النبی صلی الله علیه و آله وقع اتفاقا لا أنه کان شرطا (2).

قوله : ( وأن یکون فیه قوة لا یؤمن أن یهجم علی المسلمین فی حال الصلاة ، فلو ضعف بحیث یؤمن هذا الهجوم انتفت هذه الصلاة ).

لا ریب فی اعتبار هذا الشرط ، لانتفاء الخوف الذی هو مناط هذه الصلاة بدونه.

قوله : ( وأن لا یحتاج الإمام إلی تفریقهم أکثر من فرقتین ).

اشتراط ذلک فی الثنائیة واضح لتعذر التوزیع بدونه ، أما فی الثلاثیة فقد قطع الشهیدان بجواز تفریقهم ثلاث فرق وتخصیص کل فرقة برکعة (3). وهو إنما یتم إذا جوزنا الانفراد اختیارا وإلا اتجه المنع منه ، لأن المروی أنه یصلی فی الثلاثیة رکعة بقوم ورکعتین بآخرین (4).

شروط صلاة الخوف

ص: 414


1- الکافی 3 : 456 - 2 ، الفقیه 1 : 293 - 1337 ، التهذیب 3 : 172 - 380 ، الوسائل 5 : 479 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 1.
2- التذکرة 1 : 195.
3- الشهید الأول فی الذکری : 241 ، والشهید الثانی فی المسالک 1 : 47.
4- التهذیب 3 : 301 - 917 ، الوسائل 5 : 480 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 2.

وأما کیفیتها : فإن کانت الصلاة ثنائیة صلی بالأولی رکعة وقام إلی الثانیة ، فینوی من خلفه الانفراد واجبا ، ویتمّون ثم یستقبلون العدو ، وتأتی الفرقة الأخری فیحرمون ویدخلون معه فی ثانیته وهی أولاهم ، فإذا جلس للتشهد أطال ونهض من خلفه فأتمّوا وجلسوا ، فتشهّد بهم وسلم.

______________________________________________________

قوله : ( وأما کیفیتها ، فإن کانت الصلاة ثنائیة صلی بالأولی رکعة وقام إلی الثانیة ، ونوی من خلفه الانفراد واجبا ، ویتمّون ثم یستقبلون العدو. وتأتی الفرقة الأخری فیحرمون ویدخلون معه فی ثانیته وهی أولاهم ، فإذا جلس للتشهد أطال ونهض من خلفه فأتمّوا وجلسوا ، فتشهّد بهم وسلم ).

هذه الکیفیة متفق علیها بین الأصحاب ، والأخبار الواردة بها کثیرة ، کصحیحة عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صلّی رسول الله صلی الله علیه و آله بأصحابه فی غزاة ذات الرقاع صلاة الخوف ففرق أصحابه فرقتین ، أقام فرقة بإزاء العدوّ وفرقة خلفه ، فکبر وکبروا فقرأ وأنصتوا فرکع ورکعوا وسجد وسجدوا ، ثم استتم رسول الله صلی الله علیه و آله قائما فصلوا لأنفسهم رکعة ، ثم سلم بعضهم علی بعض ، ثم خرجوا إلی أصحابهم ، وأقاموا بإزاء العدوّ وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلی الله علیه و آله فصلی بهم رکعة ثم تشهد وسلم علیهم فقاموا فصلوا لأنفسهم رکعة وسلم بعضهم علی بعض » (1).

وحسنة الحلبی ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة الخوف ، قال : « یقوم الإمام وتجی ء طائفة من أصحابه فیقومون خلفه وطائفة بإزاء العدوّ فیصلی بهم الإمام رکعة ، ثم یقوم ویقومون معه فیمثل قائما ویصلّون هم الرکعة الثانیة ، ثم یسلم بعضهم علی بعض ، ثم ینصرفون فیقومون مقام أصحابهم ، ویجی ء الآخرون فیقومون خلف الإمام فیصلی بهم الرکعة الثانیة ،

کیفیة صلاة الخوف

ص: 415


1- الکافی 3 : 456 - 2 ، الفقیه 1 : 293 - 1337 ، التهذیب 3 : 172 - 380 ، الوسائل 5 : 479 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 1.

فتحصل المخالفة فی ثلاثة أشیاء : انفراد المؤتم ، وتوقع الإمام للمأموم حتی یتم ، وإمامة القاعد بالقائم.

______________________________________________________

ثم یجلس الإمام ویقومون هم فیصلون رکعة أخری ، ثم یسلم علیهم فینصرفون بتسلیمة - قال - : وفی المغرب مثل ذلک یقوم الإمام وتجی ء طائفة فیقومون خلفه فیصلی بهم رکعة ثم یقوم ویقومون فیمثل الإمام قائما ویصلون الرکعتین ویتشهدون ویسلم بعضهم علی بعض ، ثم ینصرفون فیقومون فی موقف أصحابهم ویجی ء الآخرون فیقومون موقف أصحابهم خلف الإمام فیصلی بهم رکعة یقرأ فیها ثم یجلس ویتشهد ویقوم ویقومون معه فیصلی بهم رکعة أخری ثم یسلم علیهم » (1).

واعلم أن ما ذکره المصنف من وجوب نیة الفرقة الأولی الانفراد عند مفارقة الإمام إنما یتم مع إطلاق نیة الاقتداء ، أما إذا تعلقت بالرکعة الأولی خاصة فلا حاجة إلی ذلک ، لانقضاء ما تعلق به الائتمام.

ویستحب تخفیف الإمام القراءة فی الأولی ، والتطویل فی الثانیة لانتظار الفرقة المتأخرة. قال فی الذکری : ولو انتظرهم بالقراءة لیحضروها کان جائزا فحینئذ یشتغل بذکر الله تعالی إلی حین حضورهم ، والأول أجود ، لأن فیه تخفیفا للصلاة ، وقراءته کافیة فی اقتدائهم به وإن لم یحضروها ، کغیرهم من المؤتمین (2). وهو حسن.

قوله : ( فتحصل المخالفة فی ثلاثة أشیاء : انفراد المؤتم ، وتوقع الإمام للمأموم حتی یتم ، وإمامة القاعد بالقائم ).

لا یخفی أن انفراد المؤتم إنما تحصل به المخالفة علی قول الشیخ من المنع من المفارقة فی حال الاختیار (3) ، أما إن سوغناها مطلقا کما هو المشهور فلا

ص: 416


1- الکافی 3 : 455 - 1 ، التهذیب 3 : 171 - 379 ، الوسائل 5 : 480 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 4.
2- الذکری : 262.
3- المبسوط 1 : 157.

______________________________________________________

تتحقق المخالفة بذلک لصلاة المختار ، اللهم إلاّ أن یقال بوجوب الانفراد هنا فتحصل المخالفة بذلک.

وکذا الکلام فی توقع الإمام المؤتم حتی یتم فإنه جائز مع الاختیار ، مع أنه غیر لازم فی هذه الصلاة ، کما دلت علیه صحیحة عبد الرحمن المتقدمة (1) حیث وقع التصریح فیها بأن الإمام یتشهد ویسلم علی الفرقة الثانیة ثم یقومون بعد ذلک ویتمون صلاتهم.

وأما إمامة القاعد بالقائم فإنما تتحقق إذا قلنا ببقاء اقتداء الفرقة الثانیة فی الرکعة الثانیة حکما وإن اشتغلوا بالقراءة والأفعال ، کما صرح به العلامة فی المختلف محتجا بقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « فصار للأولین التکبیر وافتتاح الصلاة وللآخرین التسلیم » (2) قال : ومع الانفراد لا یحصل لهم ذلک (3). وهو احتجاج ضعیف للتصریح فی تلک الروایة بعینها بأن الإمام یوقع السلام بعد فراغه من التشهد من غیر انتظارهم ، وعلی هذا فیکون قوله علیه السلام : « وللآخرین التسلیم » أنهم حضروه مع الإمام.

والأصح انفراد الفرقة الثانیة عند مفارقة الإمام کالأولی کما هو ظاهر الشیخ فی المبسوط (4) ، وصریح ابن حمزة فی الوسیلة (5) ، لقوله علیه السلام فی صحیحة عبد الرحمن المتقدمة : « ثم تشهّد وسلم علیهم فقاموا فصلوا لأنفسهم رکعة وسلم بعضهم علی بعض » (6) ولأنه لا معنی للقدوة مع الاستقلال بالقراءة والأفعال إلاّ حصول ثواب الائتمام وسقوط السهو عنهم فی الرکعة الثانیة إن قلنا

ص: 417


1- فی ص 415.
2- التهذیب 3 : 301 - 917 ، تفسیر العیاشی 1 : 272 - 257 ، الوسائل 5 : 480 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 2.
3- المختلف : 152.
4- المبسوط 1 : 163.
5- الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 677.
6- فی ص 415.

وإن کانت ثلاثیة فهو بالخیار ، إن شاء صلی بالأولی رکعة وبالثانیة رکعتین ، وإن شاء بالعکس.

______________________________________________________

بسقوطه عن المأموم ، ولیس فی الأدلة النقلیة ما یدل علیه فکان منفیا بالأصل.

ومما حررناه یعلم أنه لیس فی هذه الصلاة مخالفة لصلاة المختار عند أکثر الأصحاب ، فیجوز فعلها مع الاختیار ، وإنما تظهر المخالفة علی القول بالمنع من الانفراد فی أثناء الصلاة اختیارا ، وقد تقدم الکلام فی ذلک.

قوله : ( وإن کانت ثلاثیة فهو بالخیار ، إن شاء صلی بالأولی رکعة وبالثانیة رکعتین ، وإن شاء بالعکس ).

الوجه فی التخییر أن فیه جمعا بین حسنة الحلبی المتضمنة لاختصاص الأولی برکعة والثانیة باثنتین (1) ، وبین صحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام المتضمنة للعکس ، فإنه قال فیها : « إذا کان صلاة المغرب فی الخوف فرّقهم فرقتین فیصلی بفرقة رکعتین ثم جلس بهم ثم أشار إلیهم بیده فقام کل إنسان منهم فصلی رکعة ، ثم سلموا وقاموا مقام أصحابهم ، وجاءت الطائفة الأخری فکبروا ودخلوا فی الصلاة وقام الإمام فصلی بهم رکعة ثم سلم ، ثم قام کل رجل منهم فیصلی رکعة یشفعها بالتی صلی مع الإمام ، ثم قام فصلی رکعة لیس فیها قراءة ، فتمت للإمام ثلاث رکعات وللأولین رکعتان فی جماعة وللآخرین واحدة ، فصار للأولین التکبیر وافتتاح الصلاة وللآخرین التسلیم » (2).

والحدیثان معتبرا الإسناد فیثبت التخییر ، نعم قیل : إن الأول أفضل (3) إما لکونه مرویا عن علی علیه السلام فیترجح التأسی به ، وإما لفوز الفرقة الثانیة

ص: 418


1- المتقدمة فی ص 415.
2- التهذیب 3 : 301 - 917 ، تفسیر العیاشی 1 : 272 - 257 ، الوسائل 5 : 480 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 2.
3- کما فی الخلاف 1 : 255 ، والتذکرة 1 : 194.

ویجوز أن یکون کل فرقة واحدا.

وأما أحکامها ، ففیها مسائل :

الأولی : کل سهو یلحق المصلین فی حال متابعتهم لا حکم له ، وفی حال الانفراد یکون الحکم ما قدمنا فی باب السهو.

الثانیة : أخذ السلاح واجب فی الصلاة ،

______________________________________________________

بالقراءة المتعینة وبما یوازی فضیلة تکبیرة الإحرام والتقدم ، وذلک یحصل بإدراک الرکعتین.

وقیل : إن الثانی أفضل (1) ، لئلا تکلّف الثانیة زیادة جلوس فی التشهد له ، وهی مبنیة علی التخفیف. والاقتصار علی التخییر طریق الیقین.

قوله : ( الأولی ، کل سهو یلحق المصلین فی حال متابعتهم لا حکم له ، وفی حال الانفراد یکون الحکم ما قدمنا فی باب السهو ).

هذا مبنی علی قول الشیخ من تحمّل الإمام أوهام من خلفه (2) ، والمصنف لا یقول به ، ولا خصوصیة لصلاة الخوف بحیث تخالف غیرها من الصلوات ، والذی أفتی به المصنف فیما سبق أن کلا من الإمام والمأموم إذا انفرد بالسهو کان له حکم نفسه (3). وهو المعتمد. واحتمل الشارح - قدس سره - حمل السهو هنا علی الشک وأن المعنی : لا حکم لشک المأموم حال متابعته إمامه إذا حفظ علیه الإمام ، فیتم الحکم علی مذهبه (4).

قوله : ( الثانیة ، أخذ السلاح واجب فی الصلاة ).

هذا قول الشیخ (5) وأکثر الأصحاب ، تمسکا بقوله تعالی :

حکم السهو فی صلاة الخوف

وجوب أخذ السلاح والسلاح النجس فیها

ص: 419


1- کما فی القواعد 1 : 48.
2- الخلاف 1 : 171.
3- الشرائع 1 : 119.
4- المسالک 1 : 48.
5- المبسوط 1 : 164 ، والخلاف 1 : 256.

ولو کان علی السلاح نجاسة لم یجز علی قول ، والجواز أشبه. ولو کان ثقیلا یمنع شیئا من واجبات الصلاة لم یجز.

الثالثة : إذا سها الإمام سهوا یوجب السجدتین ثم دخلت الثانیة معه فإذا سلم وسجد لم یجب علیها اتباعه.

______________________________________________________

( وَلْیَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ) (1) والأمر المطلق للوجوب. وقال ابن الجنید : یستحب أخذ السلاح ، حملا للأمر علی الإرشاد ، لما فی أخذ السلاح من الاستظهار فی التحفظ من العدوّ (2). وهو غیر بعید ، ومن ثم تردد فی الوجوب المصنف فی النافع والمعتبر (3). وعلی القول بالوجوب لم تبطل الصلاة بالإخلال به ، لأنه لیس جزءا من الصلاة ولا شرطا فیها فلم یکن فواته مؤثرا فی الصحة.

قوله : ( ولو کان علی السلاح نجاسة لم یجز علی قول ، والجواز أشبه ).

إنما کان الجواز أشبه لمطابقته لمقتضی الأصل ، وإطلاق العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فیه ، وانتفاء الدلیل علی اعتبار طهارة المحمول. ولو تعدت نجاسته إلی الثوب وجب نزعه إلاّ مع الضرورة المسوغة له.

قوله : ( ولو کان ثقیلا یمنع شیئا من واجبات الصلاة لم یجز ).

هذا إذا لم یضطر إلی أخذه فی الصلاة ، وإلاّ وجب أخذه والصلاة بحسب الإمکان ولو بالإیماء.

قوله : ( الثالثة ، إذا سها الإمام سهوا یوجب السجدتین ثم دخلت الثانیة معه فإذا سلم وسجد لم یجب علیها اتباعه ).

إنما لم یجب علی الثانیة السجود لأنها لم تکن مؤتمة وقت سهو الإمام ، مع

حکم سهو الامام فیها

ص: 420


1- النساء : 102.
2- نقله عنه فی المختلف : 152.
3- المختصر النافع : 50 ، والمعتبر 2 : 459.

وأما صلاة المطاردة :

وتسمی صلاة شدّة الخوف ، مثل أن ینتهی الحال إلی المعانقة والمسایفة ، فیصلی علی حسب إمکانه ، واقفا أو ماشیا أو راکبا. ویستقبل القبلة بتکبیرة الإحرام ، ثم یستمر إن أمکنه ، وإلا استقبل ما أمکن ، وصلی مع التعذر إلی أی الجهات أمکن. وإذا لم یتمکن من النزول صلی راکبا وسجد علی قربوس سرجه ، وإن لم یتمکن أومأ إیماء ،

______________________________________________________

أن الأصح أنه لا یجب علی المأموم متابعة الإمام فی السجود إلاّ مع اشتراکهما فی السبب.

قوله : ( وأما صلاة المطاردة ، وتسمی صلاة شدّة الخوف ، مثل أن ینتهی الحال إلی المعانقة والمسایفة ، فیصلی علی حسب إمکانه ، واقفا أو ماشیا أو راکبا. ویستقبل القبلة بتکبیرة الإحرام ، ثم یستمر إن أمکنه ، وإلا استقبل ما أمکن ، وصلی مع التعذر إلی أی الجهات أمکن. وإذا لم یتمکن من النزول صلی راکبا وسجد علی قربوس سرجه ، وإن لم یتمکن أومأ إیماء ).

المراد أن من لم یتمکن من الإتیان بالصلاة التامة الأفعال بسبب الخوف وجب علیه الصلاة بحسب الإمکان واقفا أو ماشیا أو راکبا ، ویأتی بما أمکن من الرکوع والسجود ، ومع التعذر یومئ بهما ، ویستقبل القبلة بما أمکن من صلاته. وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة وفضیل ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « فی صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال فإنه یصلّی کل إنسان منهم بالإیماء حیث کان وجهه ، فإذا کانت المسایفة والمعانقة وتلاحم القتال ، فإن أمیر المؤمنین علیه السلام لیلة صفین - وهی لیلة الهریر - لم یکن صلی بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت کل صلاة إلاّ بالتکبیر والتهلیل والتسبیح والتمجید والتحمید والدعاء ، فکانت تلک صلاتهم ،

کیفیة صلاة المطاردة

ص: 421

وإن خشی صلی بالتسبیح ، ویسقط الرکوع والسجود ، ویقول بدل کل رکعة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر.

______________________________________________________

لم یأمرهم بإعادة الصلاة » (1).

وفی الصحیح ، عن عبید الله بن علیّ الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « صلاة الزحف علی الظهر إیماء برأسک وتکبیر ، والمسایفة تکبیر بغیر إیماء ، والمطاردة إیماء یصلی کل رجل علی حیاله » (2).

وفی الصحیح ، عن زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « الذی یخاف اللصوص والسبع یصلی صلاة المواقفة إیماء علی دابته » قال ، قلت : أرأیت إن لم یکن المواقف علی وضوء کیف یصنع ولا یقدر علی النزول؟ قال : « یتیمم من لبد سرجه أو دابته أو من معرفة دابته فإن فیها غبارا ویصلّی ، ویجعل السجود أخفض من الرکوع ، ولا یدور إلی القبلة ولکن أینما دارت دابته ، غیر أنه یستقبل القبلة بأول تکبیرة حین یتوجه » (3).

قوله : ( وإن خشی صلی بالتسبیح ، ویسقط الرکوع والسجود ، ویقول بدل کل رکعة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ).

المراد من لم یتمکن من الإیماء حال المسایفة یسقط عنه ذلک وینتقل فرضه إلی التسبیح کما صرح به فی المعتبر (4) ، وهذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب أیضا ، ویدل علیه مضافا إلی ما سبق ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عبد الرحمن بن أبی عبد الله ، عن الصادق علیه السلام : فی صلاة الزحف ، قال : « یکبر ویهلل ، یقول الله عزّ وجلّ ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُکْباناً ) (5) » (6) ثم قال : وفی کتاب عبد الله بن المغیرة : إن الصادق

ص: 422


1- التهذیب 3 : 173 - 384 ، الوسائل 5 : 486 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 8.
2- التهذیب 3 : 174 - 386 ، الوسائل 5 : 485 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 2.
3- التهذیب 3 : 173 - 383 ، الوسائل 5 : 484 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 8.
4- المعتبر 2 : 461.
5- البقرة : 239.
6- الفقیه 1 : 295 - 1344 ، الوسائل 5 : 485 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 1.

فروع :

الأول : إذا صلی مومیا فأمن أتم صلاته بالرکوع والسجود فیما بقی منها ولا یستأنف ، وقیل : ما لم یستدبر فی أثناء صلاته.

______________________________________________________

علیه السلام ، قال : « أقل ما یجزی فی حد المسایفة من التکبیر تکبیرتان لکل صلاة ، إلاّ المغرب فإن لها ثلاثا » (1).

ولیس فیما وقفت علیه من الروایات فی هذه المسألة دلالة علی ما اعتبره الأصحاب فی کیفیة التسبیح ، بل مقتضی روایة زرارة وابن مسلم أنه یتخیر فی الترتیب کیف شاء (2) ، لکن قال فی الذکری : إن الأجود وجوب تلک الصیغة یعنی : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أکبر ، للإجماع علی إجزائها وعدم تیقن الخروج من العهدة بدون الإتیان بها (3). ولا ریب أن ما ذکره أحوط.

وینبغی إضافة شی ء من الدعاء إلی هذه التسبیحات کما تضمنته الروایة.

وصرح العلاّمة (4) ومن تأخر عنه (5) بأنه لا بد مع هذا التسبیح من النیة وتکبیرة الإحرام والتشهد والتسلیم. وعندی فی وجوب ما عدا النیة إشکال ، لعدم استفادته من الروایات ، بل ربما کانت ظاهرة فی خلافه وإن کان المصیر إلی ما ذکروه أحوط.

قوله : ( فروع ، الأول : إذا صلی مومیا فأمن أتم صلاته بالرکوع والسجود فیما بقی منها ولا یستأنف ، وقیل : ما لم یستدبر فی أثناء صلاته ).

ص: 423


1- الفقیه 1 : 296 - 1351 ، الوسائل 5 : 485 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 4 ح 3.
2- المتقدمة فی ص 421.
3- الذکری : 264.
4- القواعد 1 : 48 ، وتحریر الأحکام : 55.
5- کالشهید الأول فی الذکری : 264 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 382.

وکذا لو صلی بعض صلاته ثم عرض الخوف أتمّ صلاة خائف ولا یستأنف.

الثانی : من رأی سوادا فظنّه عدوا فقصّر أو صلی مومیا ثم انکشف بطلان خیاله لم یعد. وکذا لو أقبل العدو فصلی مومیا لشدة خوفه ثم بان هناک حائل یمنع العدو.

الثالث : إذا خاف من سیل أو سبع جاز أن یصلی صلاة شدة الخوف.

______________________________________________________

القول للشیخ فی المبسوط (1) ، والأصح عدم وجوب الاستئناف مطلقا ، لصدق الامتثال ، ولأن الاستدبار الواقع فی حال الاضطرار مأذون فیه شرعا فیکون کالجزء من الصلاة.

قوله : ( الثانی ، من رأی سوادا فظنّه عدوا فقصّر أو صلی مومیا ثم انکشف بطلان خیاله لم یعد. وکذا لو أقبل العدو فصلی مومیا لشدة خوفه ثم ظهر أن هناک حائلا ، یمنع العدو ).

الوجه فی ذلک کله أن الصلاة الواقعة علی هذه التقادیر صلاة مشروعة مأمور بها فتکون مجزئة ، ولو استند الخوف إلی التقصیر فی الاطلاع فقد قطع الشهید فی الذکری بوجوب الإعادة ، للتفریط (2). ولا بأس به.

قوله : ( الثالث ، إذا خاف من سیل أو سبع جاز أن یصلی صلاة شدة الخوف ).

مقتضی العبارة أن من هذا شأنه یصلّی صلاة شدة الخوف کمیة وکیفیة ، وبهذا التعمیم صرح المصنف فی المعتبر وهذه عبارته : کل أسباب الخوف یجوز معها القصر ، والانتقال إلی الإیماء مع الضیق ، والاقتصار علی التسبیح إن خشی مع الإیماء وإن کان الخوف من لص أو سبع أو غرق ، وعلی ذلک فتوی علمائنا ، ثم استدل علیه بقوله تعالی :

حکم من صلی صلاة الخوف فتبین الامن

حکم الخائف من سیل أو سبع

ص: 424


1- المبسوط 1 : 166.
2- الذکری : 263.

تتمة ، المتوحّل والغریق یصلیان بحسب الإمکان ، ویومیان لرکوعهما وسجودهما ، ولا یقصر واحد منهما عدد صلاته إلا فی

______________________________________________________

( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ یَفْتِنَکُمُ الَّذِینَ کَفَرُوا ) (1) قال : وهو دال بمنطوقه علی خوف العدوّ وبفحواه علی ما عداه من المخوفات.

وبروایتی زرارة وعبد الرحمن المتقدمتین (2) ، وصحیحة علیّ بن جعفر ، عن أخیه موسی علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یلقی السبع وقد حضرت الصلاة ، ولا یستطیع المشی مخافة السبع ، فإذا قام یصلی خاف فی رکوعه وسجوده السبع ، والسبع أمامه علی غیر القبلة فإن توجه إلی القبلة خاف أن یثب علیه الأسد ، کیف یصنع؟ قال ، فقال : « یستقبل الأسد ویصلی ویومئ برأسه إیماء وهو قائم وإن کان الأسد علی غیر القبلة » (3) (4).

وهذه الروایات إنما تدل علی مساواة صلاة خائف الأسد لخائف العدوّ فی الکیفیة ، أما قصر العدد فلا دلالة لها علیه بوجه ، وما ادعاه من دلالة الآیة الشریفة علیه بالفحوی غیر واضح.

ومن ثم تردد فی ذلک العلاّمة فی المنتهی ، وحکی عن بعض علمائنا قولا بأن التقصیر فی عدد الرکعات إنما یکون فی صلاة الخوف من العدوّ خاصة (5). والمصیر إلیه متعین إلی أن یقوم علی قصر العدد دلیل یعتد به.

قوله : ( تتمة ، المتوحل والغریق یصلیان بحسب الإمکان ، ویومیان لرکوعهما وسجودهما ، ولا یقصر واحد منهما عدد صلاته إلا فی

صلاة المتوحل والغریق

ص: 425


1- النساء : 101.
2- فی ص 420.
3- الکافی 3 : 457 - 6 ، التهذیب 3 : 299 - 912 ، الوسائل 5 : 482 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 1.
4- المعتبر 2 : 461.
5- المنتهی 1 : 405.

سفر أو خوف.

______________________________________________________

سفر أو خوف ).

أما وجوب الصلاة علیهما بحسب الإمکان فلا ریب فیه ، لأن غیر الممکن لیس بواجب.

وأما أنه لیس لهما قصر العدد إلاّ فی السفر أو الخوف فلأن مقتضی الأصل لزوم الإتمام ، ترک العمل به مع السفر أو الخوف ، ومع انتفائهما یجب بقاء الحکم فی الباقی.

وذکر الشهید فی الذکری : أنه لو خاف من إتمام الصلاة استیلاء الغرق ، ورجا عند قصر العدد سلامته ، وضاق الوقت فالظاهر أنه یقصر العدد أیضا (1). واستحسنه الشارح - قدس سره - نظرا إلی أنه یجوز له الترک فقصر العدد أولی ، قال : لکن فی سقوط القضاء بذلک نظر ، لعدم النص علی جواز القصر هنا فوجوب القضاء أجود (2).

وما ذکره - قدس سره - من وجوب القضاء جیّد إلا أنه لا یلائم ما استحسنه من جواز قصر العدد ، إذ مقتضاه وجوب الإتیان بالصلاة المقصورة ، وإذا وجب الأداء سقط القضاء. ومع ذلک فما استدل به علی جواز القصر ضعیف جدا ، إذ لا یلزم من جواز ترک الصلاة للعجز جواز قصرها علی هذا الوجه.

وبالجملة : فاللازم مما اعترف به من انتفاء دلیل القصر مساواة حکم التمکن من الرکعتین لحکم التمکن من الرکعة الواحدة خاصة فی عدم وجوب الإتیان بها منفردة. والله تعالی أعلم بحقائق أحکامه.

ص: 426


1- الذکری : 264.
2- المسالک 1 : 48.

الفصل الخامس :

فی صلاة المسافر

والنظر فی : الشروط ، والقصر ، ولواحقه.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الخامس ، فی صلاة السفر ).

روی ابن بابویه فی کتابه من لا یحضره الفقیه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا ، قلنا لأبی جعفر علیه السلام : ما تقول فی الصلاة فی السفر کیف هی وکم هی؟ فقال : « إن الله عزّ وجلّ یقول ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیْسَ عَلَیْکُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ) (1) فصار التقصیر فی السفر واجبا کوجوب التمام فی الحضر » قالا ، قلنا : إنما قال الله عزّ وجلّ : لیس علیکم جناح ولم یقل : افعلوا فکیف أوجب ذلک کما أوجب التمام فی الحضر؟ فقال علیه السلام : « أولیس قد قال الله عزّ وجلّ ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما ) (2) ألا ترون أن الطواف واجب مفروض ، لأن الله عزّ وجلّ ذکره فی کتابه وصنعه نبیه علیه السلام ، وکذلک التقصیر شی ء صنعه النبی صلی الله علیه و آله وذکره الله تعالی ذکره فی کتابه ».

قالا ، قلنا : فمن صلی فی السفر أربعا أیعید أم لا؟ فقال : « إن کان قد قرئت علیه آیة التقصیر وفسرت له فصلّی أربعا أعاد ، وإن لم یکن قرئت علیه ولم یعلمها فلا إعادة علیه.

ص: 427


1- النساء : 101.
2- البقرة : 158.

أما الشروط فستة :

الأول : اعتبار المسافة ، وهی مسیرة یوم ، بریدان ، أربعة وعشرون میلا ، والمیل أربعة آلاف ذراع بذراع الید ، الذی طوله أربع وعشرون إصبعا ، تعویلا علی المشهور بین الناس ، أو مدّ البصر من الأرض.

______________________________________________________

والصلوات (1) کلها فی السفر الفریضة رکعتان کل صلاة إلاّ المغرب فإنها ثلاث لیس فیها تقصیر ، ترکها رسول الله صلی الله علیه و آله فی السفر والحضر ثلاث رکعات ، وقد سافر رسول الله صلی الله علیه و آله إلی ذی خشب وهی مسیرة یوم من المدینة یکون إلیها بریدان أربعة وعشرون میلا فقصّر وأفطر فصارت سنّة ، وقد سمی رسول الله صلی الله علیه و آله قوما صاموا حین أفطر : العصاة ، قال : فهم العصاة إلی یوم القیامة ، وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلی یومنا هذا » (2).

قوله : ( أما الشروط فستة ، الأول : اعتبار المسافة ، وهی مسیرة یوم ، بریدان ، أربعة وعشرون میلا ، والمیل أربعة آلاف ذراع بذراع الید ، الذی طوله أربع وعشرون إصبعا ، تعویلا علی المشهور بین الناس ، أو مدّ البصر من الأرض ).

أجمع العلماء کافة علی أن المسافة شرط فی القصر ، وإنما اختلفوا فی تقدیرها ، فذهب علماؤنا أجمع إلی أن القصر إنما یجب فی مسیرة یوم تام بریدین أربعة وعشرین میلا ، حکی ذلک جماعة منهم المصنف فی المعتبر (3) ، وتدل علیه روایات کثیرة ، کصحیحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة ، وصحیحة أبی أیوب عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن التقصیر فقال : « فی بریدین أو

صلاة المسافر

شروط القصر

اشتراط المسافة

ص: 428


1- فی المصدر : والصلاة.
2- الفقیه 1 : 278 - 1266 ، الوسائل 5 : 538 أبواب صلاة المسافر ب 22 ح 1.
3- المعتبر 2 : 465.

______________________________________________________

فی بیاض یوم » (1).

وصحیحة علیّ بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن الأول علیه السلام عن الرجل یخرج فی سفره وهو مسیرة یوم ، قال : « یجب علیه التقصیر إذا کان مسیرة یوم وإن کان یدور فی عمله » (2).

وروی ابن بابویه - رضی الله عنه - بسند معتبر ، عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام أنه قال : « وإنما وجب التقصیر فی ثمانیة فراسخ لا أقل من ذلک ولا أکثر ، لأن ثمانیة فراسخ مسیر یوم للعامة والقوافل والأثقال ، فوجب التقصیر فی مسیر یوم - قال - : ولو لم یجب فی مسیر یوم لما وجب فی مسیر سنة ، لأن کل یوم یکون بعد هذا الیوم فإنما هو نظیر هذا الیوم ، فلو لم یجب فی هذا الیوم لما وجب فی نظیره » (3).

واتفق العلماء کافة علی أن الفرسخ ثلاثة أمیال ، وهو مروی فی عدة أخبار (4). أما المیل فلم نقف فی تقدیره علی روایة من طرق الأصحاب سوی ما رواه ابن بابویه مرسلا عن الصادق علیه السلام أنه ألف وخمسمائة ذراع (5). وهو متروک.

ص: 429


1- التهذیب 3 : 210 - 506 ، الإستبصار 1 : 225 - 802 ، الوسائل 5 : 492 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 7.
2- التهذیب 3 : 209 - 503 ، الإستبصار 1 : 225 - 799 ، الوسائل 5 : 493 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.
3- الفقیه 1 : 290 - 1320 ، الوسائل 5 : 490 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 1.
4- الوسائل 5 : أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15 وب 2 ح 4.
5- الفقیه 1 : 286 - 1303 ، الوسائل 5 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.

______________________________________________________

وقد قطع الأصحاب بأن قدره أربعة آلاف ذراع ، وفی کلام بعض أهل اللغة دلالة علیه. قال فی القاموس : المیل قدر مدّ البصر ، ومنار یبنی للمسافر ، أو مسافة من الأرض متراخیة بلا حد ، أو مائة ألف إصبع إلاّ أربعة آلاف إصبع (1).

واستدل علیه فی المعتبر بأن المسافة تعتبر بمسیر الیوم ، وهو مناسب لذلک ، وکذا الوضع اللغوی وهو مدّ البصر من الأرض (2).

وربما ظهر من عبارة المصنف فی هذا الکتاب التوقف فی هذا المعنی حیث نسبه إلی الشهرة ، وذکر التفسیر الآخر جازما به.

وأما تقدیر الذراع بالأصابع فالتعویل فیه علی الأغلب ، وقدرت الإصبع بسبع شعیرات عرضا. وقیل : ست. والشعیرة ( بسبع ) (3) شعرات من شعر البرذون.

وضبط مد البصر فی الأرض بأنه ما یتمیز به الفارس من الراجل للمبصر المتوسط فی الأرض المستویة.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : تعلم المسافة بأمرین : الاعتبار بالأذرع علی الوجه المذکور. ومسیر الیوم ، والمراد به یوم الصوم کما یدل علیه قوله علیه السلام فی

ص: 430


1- القاموس المحیط 4 : 54.
2- المعتبر 2 : 467.
3- أثبتناه من « ض » ، « ح ».

______________________________________________________

صحیحة أبی أیوب : « أو بیاض یوم » (1).

واعتبر المصنف فی المعتبر (2) والعلاّمة فی جملة من کتبه (3) مسیر الإبل السیر العام. وهو جید ، لأن ذلک هو الغالب فیحمل علیه الإطلاق ، ولقول الصادق علیه السلام فی حسنة الکاهلی : « کان أبی یقول : لم یوضع التقصیر علی البغلة السفواء ، والدابة الناجیة ، وإنما وضع علی سیر القطار » (4).

قال الجوهری : یقال : بغلة سفواء بالسین المهملة : خفیفة سریعة (5). وقال أیضا : الناجیة : الناقة السریعة تنجو بمن رکبها (6).

وفی روایة عبد الرحمن بن الحجاج ، قلت : کم أدنی ما تقصر فیه الصلاة؟ فقال : « جرت السنة ببیاض یوم » فقلت له : إن بیاض الیوم یختلف ، فیسیر الرجل خمسة عشر فرسخا فی یوم ویسیر الآخر أربعة فراسخ وخمسة فراسخ فی یوم؟ فقال : « أما إنه لیس إلی ذلک ینظر ، أما رأیت سیر هذه الأثقال بین مکة والمدینة » ثم أومأ بیده أربعة وعشرین میلا یکون ثمانیة فراسخ » (7).

واعتبر الشهیدان اعتدال الوقت والمکان والسیر (8). وهو جید بالنسبة إلی

ص: 431


1- المتقدمة فی ص 429.
2- المعتبر 2 : 467.
3- المنتهی 1 : 390 ، والتذکرة 1 : 188.
4- الفقیه 1 : 279 - 1269 ، التهذیب 4 : 223 - 652 ، الوسائل 5 : 491 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 3.
5- الصحاح 6 : 2378.
6- الصحاح 6 : 2501.
7- التهذیب 4 : 222 - 649 ، الوسائل 5 : 493 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15.
8- الشهید الأول فی الذکری : 257 ، والدروس : 50 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 1 : 369 ، وروض الجنان : 383.

______________________________________________________

الوقت والسیر ، أما المکان فیحتمل قویا عدم اعتبار ذلک فیه ، لإطلاق النص وإن اختلفت کمیة المسافة فی السهولة والحزونة.

الثانی : لا ریب فی الاکتفاء بالسیر عن التقدیر. ولو اعتبرت المسافة بهما واختلفا فالأظهر الاکتفاء فی لزوم القصر ببلوغ المسافة بأحدهما ، واحتمل جدی - قدس سره - فی بعض کتبه تقدیم السیر ، لأنه أضبط ، ولأن الأصل الذی اعتمد علیه المصنف فی تقدیر المیل وهو مناسبته لمسیر الیوم یرجع إلیه (1). وربما لاح من کلام الشهید فی الذکری تقدیم التقدیر (2). ولعله لأنه تحقیق والآخر تقریب. ومبدأ التقدیر من آخر خطة البلد المعتدل ، وآخر محلته فی المتسع عرفا.

الثالث : لا فرق مع ثبوت المسافة بالأذرع بین قطعها فی یوم أو أقل أو أکثر ، وقد یشکل فیما لو تراخی الزمان کثیرا علی وجه یخرج به عن اسم المسافر ، کما لو قصد قطع المسافة فی شهرین أو ثلاثة. وجزم فی الذکری بعدم الترخص ، لعدم التسمیة ثم قال : ومن هذا الباب لو قارب المسافر بلده فتعمد ترک الدخول إلیه للترخص ولبث فی قری تقاربه مدة یخرج بها عن اسم المسافر ، ولم أقف فی هذین الموضعین علی کلام للأصحاب ، وظاهر النظر یقتضی عدم الترخص (3). هذا کلامه رحمه الله .

ویمکن المناقشة فی عدم الترخص فی الصورة الثانیة بأن السفر بعد استمراره إلی انتهاء المسافة فإنما ینقطع بأحد القواطع المقررة من نیة الإقامة أو التردد ثلاثین أو الوصول إلی الوطن ، وبدونه یجب البقاء علی حکم القصر. أما ما ذکره من عدم الترخص فی الصورة الأولی فجید ، لأن التقصیر إنما یثبت فی السفر الجامع لشرائط القصر ، فمتی انتفی السفر أو أحد شرائطه قبل انتهاء

ص: 432


1- روض الجنان : 383.
2- الذکری : 257.
3- الذکری : 257.

______________________________________________________

السفر انتفی التقصیر.

الرابع : البحر کالبرّ ، فلو سافر فیه وبلغ المسافة قصر وإن کان ربما قطعها فی ساعة واحدة ، إذ بلوغ المسافة بالأذرع کاف فی وجوب القصر. وقال فی المنتهی : إنه لا یعرف فی ذلک خلافا (1).

الخامس : إنما یجب التقصیر مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار أو الشیاع ، أو شهادة العدلین ، ومع انتفاء الأمرین یجب الإتمام. وفی وجوب الاعتبار مع الشک إشکال : منشؤه أصالة البراءة ، وتوقف الواجب علیه.

ولو سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثم ظهر أن المقصر مسافة وجب التقصیر حینئذ وإن قصر الباقی عن مسافة ، ولا تجب علیه إعادة ما صلاّه تماما قبل ذلک ، لأنها صلاة مأمور بها فکانت مجزئة.

السادس : لو تعارضت البیّنتان ببلوغ المسافة وعدمها قال فی المعتبر : أخذنا بالمثبتة وقصر (2). وهو جید مع إطلاق البینتین ، أما إذا کان النفی متضمنا للإثبات کدعوی الاعتبار وتبین القصور فالمتجه تقدیم بینة النفی ، لاعتضادها بأصالة التمام. ویتعلق بکل من البینتین حکم ما یعتقده فیقصر المثبت ویتم النافی.

وفی جواز اقتداء أحدهما بالآخر وجهان : من حکم کل منهما بخطإ الآخر ، ومن أن کلا من الصلاتین محکوم بصحتها شرعا ، لإتیان کل منهما بما هو فرضه ، فینتفی المانع من الاقتداء. ورجح الشهیدان الجواز (3). وهو حسن. لکنهما منعا من الاقتداء مع المخالفة فی الفروع ، والفرق بین المسألتین مشکل.

ص: 433


1- المنتهی 1 : 390.
2- المعتبر 2 : 467.
3- الشهید الأول فی الذکری : 257 ، والدروس : 50 ، والبیان : 155 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 385.

ولو کانت المسافة أربعة فراسخ وأراد العود لیومه فقد کمل مسیر یوم ووجب التقصیر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو کانت المسافة أربعة فراسخ وأراد العود لیومه فقد کمل مسیر یوم ووجب التقصیر ).

اختلف الأصحاب فی حکم المسافر فی الأربعة فراسخ ، فذهب المرتضی (1) ، وابن إدریس (2) ، والمصنف (3) ، وجمع من الأصحاب إلی وجوب التقصیر علیه إذا أراد الرجوع لیومه والمنع من التقصیر إذا لم یرد ذلک.

وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه : وإذا کان سفره أربعة فراسخ وأراد الرجوع من یومه فالتقصیر علیه واجب ، وإن کان سفره أربعة فراسخ ولم یرد الرجوع من یومه فهو بالخیار إن شاء أتم وإن شاء قصّر (4). ونحوه قال المفید (5) ، والشیخ فی النهایة إلا أنه منع من التقصیر فی الصوم (6).

وقال الشیخ فی کتابی الأخبار : إن المسافر إذا أراد الرجوع من یومه فقد وجب علیه التقصیر فی أربعة فراسخ ثم قال : علی أن الذی نقوله فی ذلک أنه إنما یجب التقصیر إذا کان مقدار المسافة ثمانیة فراسخ ، وإذا کان أربعة فراسخ کان بالخیار فی ذلک إن شاء أتم وإن شاء قصر (7).

وقال ابن أبی عقیل : کل سفر کان مبلغه بریدین وهو ثمانیة فراسخ ، أو برید ذاهبا وبرید جائیا وهو أربعة فراسخ فی یوم واحد أو ما دون عشرة أیام فعلی من سافره عند آل الرسول علیهم السلام أن یصلی صلاة السفر

ص: 434


1- جمل العلم والعمل : 77.
2- السرائر : 73.
3- المختصر النافع : 50 ، والمعتبر 2 : 467 ، والشرائع 1 : 132.
4- الفقیه 1 : 280.
5- المقنعة : 35.
6- النهایة : 161.
7- التهذیب 3 : 208 ، والاستبصار 1 : 224.

______________________________________________________

رکعتین (1).

ومنشأ الاختلاف فی هذه المسألة أنه ورد فی عدة أخبار إطلاق الأمر بالتقصیر فی أربعة فراسخ ، کصحیحة أبی أسامة زید الشحام قال ، سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول : « یقصر الرجل الصلاة فی مسیرة اثنی عشر میلا » (2).

وصحیحة إسماعیل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التقصیر فقال : « فی أربعة فراسخ » (3).

وصحیحة معاویة بن عمار قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إن أهل مکة یتمون الصلاة بعرفات فقال : « ویلهم - أو ویحهم - وأیّ سفر أشد منه ، لا تتم » (4) وعرفات علی أربعة فراسخ من مکة کما نص علیه الأصحاب وغیرهم.

وصحیحة زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : « التقصیر فی برید ، والبرید أربعة فراسخ » (5).

وحسنة أبی أیوب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أدنی ما یقصر فیه المسافر؟ فقال : « برید » (6) وفی معنی هذه الروایات روایات کثیرة.

واختلف رأی الأصحاب فی وجه الجمع بین هذه الروایات وبین ما تضمن

ص: 435


1- حکاه عنه فی المختلف : 162.
2- التهذیب 3 : 208 - 498 ، الإستبصار 1 : 224 - 794 ، الوسائل 5 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 3.
3- التهذیب 3 : 208 - 500 ، الإستبصار 1 : 224 - 796 ، الوسائل 5 : 495 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 5.
4- الکافی 4 : 519 - 5 ، الفقیه 1 : 286 - 1302 ، التهذیب 3 : 210 - 507 ، الوسائل 5 : 499 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 1.
5- التهذیب 4 : 223 - 653 ، الوسائل 5 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 1.
6- الکافی 3 : 432 - 2 ، التهذیب 3 : 207 - 495 ، الإستبصار 1 : 223 - 791 ، الوسائل 5 : 497 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 11.

______________________________________________________

تقدیر المسافة بثمانیة فراسخ ، فحمل الشیخ فی أحد وجهیه (1) ، والمصنف (2) ، ومن قال بمقالتهما هذه الروایات علی ما إذا أراد المسافر الرجوع لیومه ، واستدلوا علی هذا الحمل بما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن جمیل بن دراج ، عن زرارة بن أعین ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن التقصیر فقال : « برید ذاهب وبرید جائی ، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا أتی ذبابا قصر ، وذباب علی برید ، وإنما فعل ذلک لأنه إذا رجع کان سفره بریدین ثمانیة فراسخ » (3).

وما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : أدنی ما یقصر فیه المسافر الصلاة؟ فقال : « برید ذاهبا وبرید جائیا » (4).

وعن محمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : سألته عن التقصیر ، قال : « فی برید » قلت : برید؟ قال : « إنه إذا ذهب بریدا ورجع بریدا شغل یومه » (5).

ویتوجه علی هذا الجمع أولا : أن إطلاق الأمر بالتقصیر فی الأربعة فراسخ فی هذه الروایات المستفیضة مع کونه مشروطا بشرط لا یدل علیه اللفظ بعید جدا ، بل ربما کان قبیحا فیمتنع صدوره من الحکیم.

وثانیا : أن ما استدل به علی هذا الجمع غیر واضح الدلالة ، أما روایتا زرارة ومعاویة بن وهب فلأن أقصی ما تدلان علیه ثبوت التقصیر إذا کانت المسافة بریدا ذاهبا وبریدا جائیا ، ولیس فیهما دلالة علی اعتبار وقوع الذهاب

ص: 436


1- التهذیب 3 : 207 ، والاستبصار 1 : 223.
2- المختصر النافع : 5 ، والمعتبر 2 : 467 ، والشرائع 1 : 132.
3- الفقیه 1 : 287 - 1304 ، الوسائل 5 : 498 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 14.
4- التهذیب 3 : 208 - 496 ، الإستبصار 1 : 223 - 792 ، الوسائل 5 : 494 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 2.
5- التهذیب 4 : 224 - 658 ، الوسائل 5 : 496 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.

______________________________________________________

والعود فی یوم واحد.

وأما روایة ابن مسلم فإنها وإن کانت مشعرة بذلک إلاّ أنها غیر صریحة فیه ، بل ربما لاح منها أن التعلیل بکونه « إذا ذهب بریدا ورجع بریدا شغل یومه » إنما وقع علی سبیل التقریب إلی الأفهام ، کما یشعر به إطلاق التقصیر فی البرید أولا.

وثالثا : أن الظاهر من روایة معاویة بن عمار (1) المتضمنة لتوبیخ أهل مکة علی الإتمام بعرفات کون الخروج للحج ، وقد وقع التصریح بذلک فی روایة إسحاق بن عمار حیث قال فیها ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : فی کم التقصیر : فقال : « فی برید ، ویحهم کأنهم لم یحجوا مع رسول الله صلی الله علیه و آله » (2).

وحسنة الحلبی ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إن أهل مکة إذا خرجوا حجاجا قصروا ، وإذا زاروا ورجعوا إلی منازلهم أتموا » (3) والخروج للحج لا یتحقق معه الرجوع لیومه.

وجمع الشیخ فی کتابی الأخبار بین هذه الروایات بوجه آخر ، وهو تنزیل أخبار الثمانیة علی الوجوب ، وأخبار الأربعة علی الجواز (4) (5). وحکاه بعض مشایخنا المعاصرین عن جدی - قدس سره - فی الفتاوی ، ومال إلیه فی روض الجنان حتی أنه استوجه کون القصر أفضل من الإتمام (6). ولا ریب فی قوة هذا

ص: 437


1- المتقدمة فی ص 435.
2- التهذیب 3 : 209 - 502 ، الإستبصار 1 : 225 - 798 ، الوسائل 5 : 500 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 6.
3- الکافی 4 : 518 - 2 ، الوسائل 5 : 500 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 8.
4- التهذیب 3 : 208 ، والاستبصار 1 : 224.
5- فی « ح » ، « ض » زیادة : قال فی الذکری : وهو قوی لکثرة الأخبار الصحیحة بأربعة فراسخ فلا أقل من الجواز.
6- روض الجنان : 284.

ولو تردد یوما فی ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائیا وعائدا لم یجز القصر وإن کان ذلک من نیته. ولو کان لبلد طریقان والأبعد منهما مسافة فسلک الأبعد قصّر وإن کان میلا إلی الرخصة.

______________________________________________________

الوجه ، ولا ینافی ما ذکرناه من التخییر روایة معاویة بن عمار المتضمنة لنهی أهل مکة عن الإتمام بعرفات ، لأنا نجیب عنها بالحمل علی الکراهة ، أو علی أن المنهی عنه الإتمام علی وجه اللزوم. والله تعالی أعلم.

قوله : ( ولو تردد یوما فی ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائیا ، لم یجز التقصیر وإن کان ذلک من نیته ).

هذا الحکم مقطوع به فی کلام أکثر الأصحاب ، واستدل علیه فی التذکرة بأن من هذا شأنه ینقطع سفره بالرجوع وإن کان فی رجوعه لم ینته إلی سماع الأذان ومشاهدة الجدران ، وإلاّ لزم القصر لو تردد فی فرسخ واحد ثمانی مرات (1). وهو جید ، ویدل علیه أیضا أن مقتضی الأصل لزوم الإتمام ، خرج منه قاصد الثمانیة أو الأربعة التی لا تکون ملفقة من الذهاب والإیاب لأنه المتبادر من اللفظ ، فیبقی الباقی علی الأصل.

وخالف فی ذلک العلاّمة فی التحریر فقال : لو قصد التردد فی ثلاث فراسخ ثلاث مرات لم یقصر إلاّ أن لا یبلغ فی الرجوع الأول مشاهدة الجدران ولا سماع الأذان (2). وهو ضعیف.

قوله : ( ولو کان لبلد طریقان ، وأحدهما خاصة مسافة فإن سلک الأبعد قصّر وإن کان میلا إلی الرخصة ).

إذا کان لبلد طریقان أحدهما خاصة مسافة ، فإن سلک الأبعد لعلة غیر الترخص قصر إجماعا ، وإن کان للترخص لا غیر فالمشهور أنه کالأول ، للإباحة. وقال ابن البراج : یتم ، لأنه کاللاهی بصیده (3). وهو ضعیف.

حکم التردد فی ثلاثة فراسخ

ص: 438


1- التذکرة 1 : 188.
2- تحریر الأحکام 1 : 55.
3- المهذب 1 : 107 ، وجواهر الفقه ( الجوامع الفقهیة ) : 476.

الشرط الثانی : قصد المسافة ، فلو قصد ما دون المسافة ثم تجدد له رأی فقصد أخری لم یقصر ولو زاد المجموع علی مسافة التقصیر. فإن عاد وقد کملت المسافة فما زاد قصّر. وکذا لو طلب دابة شذت ، أو غریما ، أو آبقا.

______________________________________________________

وإن سلک الأقصر أتم فی الذهاب وإن نوی الرجوع بالأبعد ، لأنه لم یقصد أولا مسافة والقصد الثانی لا حکم له قبل الشروع فیه. ولو سلک الأبعد فی الرجوع کان الحکم فیه کما فی الذهاب.

قوله : ( الشرط الثانی ، قصد المسافة : فلو قصد ما دون المسافة ، ثم تجدد له رأی فقصد أخری لم یقصر وإن زاد المجموع علی مسافة التقصیر ، فإن عاد وقد کملت المسافة فما زاد قصّر ).

أجمع العلماء کافة علی أنه یعتبر فی التقصیر قصد المسافة ، فلو قصد دون المسافة ثم قصد ما دونها لم یقصر فی ذهابه ولو قطع أضعاف المسافة ، وکذا لو خرج غیر ناو للمسافة وإن بلغ مسافات. ویدل علی اعتبار هذا الشرط أن اعتبار المسافة إنما یتحقق بأحد أمرین إما قصدها ابتداء وإما قطعها أجمع ، والثانی غیر معتبر إجماعا فیثبت الأول ، وما رواه الشیخ عن صفوان ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن رجل خرج من بغداد یرید أن یلحق رجلا علی رأس میل فلم یزل یتبعه حتی بلغ النهروان فقال : « لا یقصر ولا یفطر ، لأنه خرج من منزله ولیس یرید السفر ثمانیة فراسخ ، وإنما خرج یرید أن یلحق صاحبه فی بعض الطریق فتمادی به السیر إلی الموضع الذی بلغه » (1).

ومن الشرائط أیضا استمرار القصد إلی انتهاء المسافة ، فلو قصد المسافة ثم رجع عن قصده قبل بلوغها أتم ، وکذا لو تردد عزمه فی الذهاب والرجوع کما نص علیه فی الذکری (2). ولا یقدح عروض الجنون فی الأثناء وکذا

اشتراط قصد المسافة

ص: 439


1- التهذیب 4 : 225 - 662 ، الإستبصار 1 : 227 - 806 ، الوسائل 5 : 503 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1.
2- الذکری : 256.

ولو خرج ینتظر رفقة إن تیسروا سافر معهم ، فإن کان علی حدّ مسافة قصّر فی سفره وموضع توقّفه. وإن کان دونها أتمّ حتی یتیسّر له الرفقة ویسافر.

______________________________________________________

الإغماء. ولو منع من السفر فکمنتظر الرفقة.

ولو کان قد صلی قصرا قبل الرجوع أو التردد فالأظهر أنه لا یعید مطلقا ، لأنه صلّی صلاة مأمورا بها فکانت مجزئة ، ولما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة : أنه سأل أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یخرج مع القوم فی السفر یریده فدخل علیه الوقت وقد خرج من القریة علی فرسخین فصلّوا وانصرف بعضهم فی حاجة فلم یقض له الخروج ، ما یصنع بالصلاة التی کان صلاها رکعتین؟ قال : « تمت صلاته ولا یعید » (1).

وقال الشیخ فی الإستبصار : یعید مع بقاء الوقت ، واستدل بما رواه عن سلیمان بن حفص المروزی ، عن الکاظم علیه السلام أنه قال : « وإن کان قد قصر ثم رجع عن نیته أعاد الصلاة » (2) وهی ضعیفة بجهالة الراوی ، ولو صحت لوجب حملها علی الاستحباب جمعا بین الأدلة.

قوله : ( ولو خرج ینتظر رفقة إن تیسروا سافر معهم فإن کان علی حدّ مسافة قصّر فی سفره وموضع توقّفه ، وإن کان دونها أتمّ حتی یتیسّر له الرفقة ویسافر ).

إنما وجب علیه الإتمام إذا لم یکن انتظاره علی حد المسافة ، لانتفاء شرط التقصیر ، وهو استمرار القصد إلی انتهائها.

والحاصل أن منتظر الرفقة إن کان علی رأس المسافة یجب علیه التقصیر ما لم ینو المقام عشرة أو یمضی علیه ثلاثون مترددا لأنه مسافر فیتعلق به حکمه ، وإن کان علی ما دون المسافة وهو فی محل الترخص وقطع بمجی ء الرفقة قبل

حکم منتظر الرفقة فی الطریق

ص: 440


1- الفقیه 1 : 281 - 1272 ، الوسائل 5 : 541 أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.
2- التهذیب 4 : 226 - 664 ، الإستبصار 1 : 227 - 808 ، الوسائل 5 : 495 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 4.

الشرط الثالث : أن لا یقطع السفر بإقامة فی أثنائه ، فلو عزم علی مسافة وفی طریقه ملک له قد استوطنه ستة أشهر أتمّ فی طریقه وفی ملکه. وکذا لو نوی الإقامة فی بعض المسافة.

______________________________________________________

العشرة أو جزم بالسفر من دونها فکالأول ، وإلاّ وجب علیه الإتمام إما لعدم حصول الخفاء ، أو لعدم استمرار القصد اللذین هما شرط التقصیر.

قوله : ( الشرط الثالث ، أن لا یقطع السفر بإقامة فی أثنائه ، فلو عزم علی مسافة وفی طریقه ملک له قد استوطنه ستة أشهر أتمّ فی طریقه وفی ملکه ، وکذا لو نوی الإقامة فی بعض المسافة ).

المراد بالإقامة فی قوله : أن لا یقطع السفر بإقامة فی أثنائه ، الإقامة الشرعیة المتحققة بنیة إقامة العشر والوصول إلی الوطن ، وفی قوله : وکذا لو نوی الإقامة ، الإقامة المعهودة وهی إقامة العشر. ولو جعل الشرط عدم قطع السفر بنیة إقامة العشر أو الوصول إلی وطنه لکان أظهر. ولا خلاف بین الأصحاب فی أن کلا من هذین الأمرین قاطع للسفر.

إما إقامة العشر فیدل علیه قول الصادق علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب : « إذا دخلت بلدا وأنت ترید مقام عشرة أیام فأتم الصلاة حین تقدم » (1) وقول أبی جعفر علیه السلام فی صحیحة زرارة : « إذا دخلت أرضا فأیقنت أن لک بها مقام عشرة أیام فأتم الصلاة فیه » (2) وسیجی ء تمام الکلام فی ذلک.

وأما الوصول إلی الوطن فتدل علیه روایات کثیرة ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن إسماعیل بن الفضل قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل سافر من أرض إلی أرض وإنما ینزل قراه وضیعته قال : « إذا نزلت

اشتراط عدم قطع السفر بإقامة أو دخول وطن

ص: 441


1- الفقیه 1 : 280 - 1270 ، التهذیب 3 : 220 - 551 ، الوسائل 5 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.
2- الکافی 3 : 435 - 1 ، التهذیب 3 : 219 - 546 ، الإستبصار 1 : 237 - 847 ، الوسائل 5 : 526 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9.

ولو کان بینه وبین ملکه أو ما نوی الإقامة فیه مسافة التقصیر قصر فی طریقه خاصة.

ولو کان له عدّة مواطن اعتبر ما بینه وبین الأول ، فإن کان مسافة قصّر فی طریقه ، وینقطع سفره بموطنه فیتمّ فیه ، ثم یعتبر المسافة التی بین موطنیه ، فإن لم یکن مسافة أتمّ فی طریقه لانقطاع سفره ، وإن کان مسافة قصّر فی طریقه الثانیة حتی یصل إلی وطنه.

______________________________________________________

قراک وضیعتک فأتم الصلاة ، فإذا کنت فی غیر أرضک فقصّر » (1).

وفی الصحیح ، عن حماد بن عثمان ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یسافر فیمر بالمنزل له فی الطریق أیتم الصلاة أم یقصر؟ قال : « یقصر ، إنما هو المنزل الذی توطّنه » (2).

وفی الصحیح ، عن علیّ بن یقطین قال ، قلت لأبی الحسن الأول علیه السلام : الرجل یتخذ المنزل فیمر به أیتم أم یقصر؟ قال : « کل منزل لا تستوطنه فلیس لک بمنزل ولیس لک أن تتم فیه » (3).

قوله : ( ولو کان بینه وبین ملکه أو ما نوی الإقامة فیه مسافة التقصیر قصر فی طریقه خاصة ، ولو کان له عدّة مواطن اعتبر ما بینه وبین الأول ، فإن کان مسافة قصّر فی طریقه ، وینقطع سفره بموطنه فیتمّ فیه ، ثم یعتبر المسافة التی بین موطنیه ، فإن لم یکن مسافة أتمّ فی طریقه لانقطاع سفره ، وإن کان مسافة قصّر فی طریقه الثانیة حتی یصل إلی وطنه ).

هذه الأحکام کلها معلومة مما سبق ، وکما تعتبر المسافة بین کل موطنین

ص: 442


1- التهذیب 3 : 210 - 508 ، الإستبصار 1 : 228 - 810 ، الوسائل 5 : 520 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 2.
2- التهذیب 3 : 212 - 517 وفیه عن الحلبی ، الإستبصار 1 : 230 - 818 ، الوسائل 5 : 522 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 8.
3- التهذیب 3 : 212 - 515 ، الإستبصار 1 : 230 - 819 ، الوسائل 5 : 521 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 6.

والوطن الذی یتم فیه هو کل موضع له فیه ملک قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا ، متوالیة کانت أو متفرقة.

______________________________________________________

کذا تعتبر بین آخر المواطن وغایة مقصده ، فإن کان مسافة قصر عند خروجه من الأخیر إلی مقصده ، وإلاّ فلا ، ولا یضم ما بین الوطن الأخیر ونهایة المقصد إلی العود ، لأن لکل من الذهاب والإیاب حکما برأسه فلا یضم أحدهما إلی الآخر.

قوله : ( والوطن الذی یتمّ فیه هو کل موضع له فیه ملک قد استوطنه ستة أشهر ).

إطلاق العبارة یقتضی عدم الفرق فی الملک بین المنزل وغیره ، وبهذا التعمیم جزم العلاّمة (1) ، ومن تأخر عنه (2) حتی صرحوا بالاکتفاء فی ذلک بالشجرة الواحدة ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ فی الموثق ، عن عمار بن موسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام فی الرجل یخرج فی سفر فیمر بقریة له أو دار فینزل فیها؟ قال : « یتم الصلاة ولو لم یکن له إلاّ نخلة واحدة ولا یقصر ، ولیصم إذا حضره الصوم » (3) وهذه الروایة ضعیفة السند باشتماله علی جماعة من الفطحیة.

والأصح اعتبار المنزل خاصة کما هو ظاهر اختیار الشیخ فی النهایة (4) ، وابن بابویه (5) ، وابن البراج (6) ، وأبی الصلاح (7) ، والمصنف فی النافع (8) ، لإناطة الحکم به فی الأخبار الصحیحة ، ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ وابن

الوطن الذی یتم فیه

ص: 443


1- المنتهی 1 : 393 ، وتحریر الأحکام 1 : 56 ، وتبصرة المتعلمین : 41.
2- کالشهید الأول فی البیان : 156 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 387.
3- التهذیب 3 : 211 - 512 ، الإستبصار 1 : 229 - 814 ، الوسائل 5 : 521 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 5.
4- النهایة : 124.
5- الفقیه 1 : 288.
6- المهذب 1 : 106.
7- الکافی فی الفقه : 117.
8- المختصر النافع : 51.

______________________________________________________

بابویه فی الصحیح ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن الرجل یقصر فی ضیعته؟ فقال : « لا بأس ما لم ینو مقام عشرة أیام ، إلا أن یکون له فیها منزل یستوطنه » فقلت : ما الاستیطان؟ فقال : « أن یکون له فیها منزل یقیم فیه ستة أشهر ، فإذا کان کذلک یتم فیها متی دخلها » (1).

وبهذه الروایة احتج الأصحاب علی أنه یعتبر فی الملک أن یکون قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا ، وهی غیر دالة علی ما ذکروه ، بل المتبادر منها اعتبار إقامة ستة أشهر فی کل سنة ، وبهذا المعنی صرح ابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه ، فقال بعد أن أورد قوله علیه السلام فی صحیحة إسماعیل بن الفضل : « إذا نزلت قراک وأرضک فأتم الصلاة » : قال مصنف هذا الکتاب : یعنی بذلک إذا أراد المقام فی قراه وأرضه عشرة أیام ، ومتی لم یرد المقام بها عشرة أیام قصر إلاّ أن یکون له بها منزل یکون فیه فی السنة ستة أشهر فإن کان کذلک أتم من دخلها ، وتصدیق ذلک ما رواه محمد بن إسماعیل بن بزیع (2). وأورد الروایة المتقدمة ، والمسألة قویة الإشکال.

وکیف کان فالظاهر اعتبار دوام الاستیطان کما یعتبر دوام الملک ، لقوله علیه السلام فی صحیحة علی بن یقطین : « کل منزل من منازلک لا تستوطنه فعلیک فیه التقصیر » (3) وفی صحیحة حماد بن عثمان : « إنما هو المنزل الذی توطنه » (4).

وبمضمون هاتین الروایتین أفتی الشیخ فی النهایة فقال : ومن خرج إلی ضیعة له وکان له فیها موضع ینزله ویستوطنه وجب علیه التمام ، فإن لم یکن له

ص: 444


1- الفقیه 1 : 288 - 1310 ، التهذیب 3 : 213 - 520 ، الإستبصار 1 : 231 - 821 ، الوسائل 5 : 522 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.
2- الفقیه 1 : 288.
3- الفقیه 1 : 288 - 1311 ، الوسائل 5 : 520 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 1.
4- المتقدمة فی ص 442.

الشرط الرابع : أن یکون السفر سائغا ، واجبا کان کحجة الإسلام ، أو مندوبا کزیارة النبی صلی الله علیه و آله ، أو مباحا کالأسفار للمتاجر. ولو کان معصیة لم یقصّر ، کاتّباع الجائر وصید اللهو.

______________________________________________________

فیها مسکن فإنه یجب علیه التقصیر (1).

وقریب منه عبارة ابن البراج فی کتابه المسمی بالکامل فإنه قال : من کانت له قریة له فیها موضع یستوطنه وینزل به وخرج إلیها وکانت عدة فراسخ سفره علی ما قدمنا فعلیه التمام ، وإن لم یکن له فیها مسکن ینزل به ولا یستوطنه کان له التقصیر.

وألحق العلاّمة (2) ، ومن تأخر عنه (3) بالملک اتخاذ البلد دار مقامه علی الدوام. ولا بأس به ، لخروج المسافر بالوصول إلیها عن کونه مسافرا عرفا.

قال فی الذکری : وهل یشترط هنا استیطان الستة؟ الأشهر الأقرب ذلک لیتحقق الاستیطان الشرعی مضافا إلی العرفی (4). وهو غیر بعید ، لأن الاستیطان علی هذا الوجه إذا کان معتبرا مع وجود الملک فمع عدمه أولی.

قوله : ( الشرط الرابع ، أن یکون السفر سائغا ، واجبا کان کحجة الإسلام ، أو مندوبا کزیارة النبی صلی الله علیه و آله ، أو مباحا کالأسفار للمتاجر ، ولو کان معصیة لم یقصّر ، کاتّباع الجائر وصید اللهو ).

هذا الشرط مجمع علیه بین الأصحاب کما نقله جماعة منهم المصنف فی المعتبر (5) ، والعلاّمة فی جملة من کتبه (6) ، وتدل علیه روایات : منها ما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن عمار بن مروان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال ،

اشتراط کون السفر سائغا

ص: 445


1- النهایة : 124.
2- القواعد 1 : 50.
3- کالشهید الأول فی الذکری : 257 ، والشهید الثانی فی الروضة البهیة 1 : 372.
4- الذکری : 257.
5- المعتبر 2 : 470.
6- المنتهی 1 : 392 ، والتذکرة 1 : 190.

______________________________________________________

سمعته یقول : من سافر قصر وأفطر إلاّ أن یکون رجلا سفره إلی صید ، أو فی معصیة الله ، أو رسول لمن یعصی الله عزّ وجلّ ، أو طلب عدوّ وشحناء وسعایة ، أو ضرر علی قوم مسلمین » (1) وما رواه الشیخ ، عن عبید بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یخرج إلی الصید أیقصر أم یتم؟ قال : « یتم ، لأنه لیس بمسیر حق » (2).

وعن أبی سعید الخراسانی قال : دخل رجلان علی أبی الحسن الرضا علیه السلام بخراسان فسألاه عن التقصیر فقال لأحدهما : « وجب علیک التقصیر لأنک قصدتنی » وقال للآخر : « وجب علیک التمام لأنک قصدت السلطان » (3).

وإطلاق النص وکلام الأصحاب یقتضی عدم الفرق فی السفر المحرم بین من کان غایة سفره معصیة کقاصد قطع الطریق بسفره ، وکالمرأة والعبد القاصدین بسفرهما النشوز والإباق ، أو کان نفس سفره معصیة (4) کالفارّ من الزحف ، والهارب من غریمه مع قدرته علی وفاء الحق ، وتارک الجمعة بعد وجوبها ، ونحو ذلک.

قال جدی - قدس سره - فی روض الجنان : وإدخال هذه الأفراد یقتضی المنع من ترخص کل تارک للواجب بسفره ، لاشتراکهما فی العلة الموجبة لعدم الترخص ، إذ الغایة مباحة فإنه المفروض ، وإنما عرض العصیان بسبب ترک الواجب ، فلا فرق حینئذ بین استلزام سفر التجارة ترک صلاة الجمعة ونحوها ، وبین استلزامه ترک غیرها کتعلم العلم الواجب عینا أو کفایة ، بل الأمر فی هذا

ص: 446


1- الفقیه 2 : 92 - 409 ، الوسائل 5 : 509 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.
2- التهذیب 3 : 217 - 537 ، الإستبصار 1 : 236 - 841 ، الوسائل 5 : 511 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4.
3- التهذیب 4 : 220 - 642 ، الإستبصار 1 : 235 - 838 ، الوسائل 5 : 510 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 6.
4- فی « ح » زیادة : کسالک الطریق المخوف ، والفارّ.

______________________________________________________

الوجوب أقوی ، وهذا یقتضی عدم الترخص إلاّ لأوحدی الناس ، لکن الموجود من النصوص فی ذلک لا یدل علی إدخال هذا القسم ولا علی مطلق المعاصی ، وإنما دل علی السفر الذی غایته المعصیة (1). هذا کلامه رحمه الله .

ویشکل بأن روایة عمار بن مروان التی هی الأصل فی هذا الباب تتناول مطلق العاصی ، وکذا التعلیل المستفاد من روایة عبید بن زرارة ، والإجماع المنقول من جماعة. لکن لا یخفی أن تارک الواجب کالتعلم ونحوه إنما یکون عاصیا بنفس الترک لا بالسفر إلاّ إذا کان مضادا للواجب وقلنا باقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن ضده الخاص ، وقد تقدم الکلام فی ذلک مرارا وأن الظاهر عدم الاقتضاء کما هو اختیاره - قدس سره (2) - مع أن التضاد بین التعلم والسفر غیر متحقق فی أکثر الأوقات. فما ذکره - قدس سره - من أن إدخال هذا القسم یقتضی عدم الترخص إلا لأوحدی الناس غیر جید.

واعلم أن المعصیة فی السفر مانعة من الترخص ابتداء واستدامة ، فلو قصد المعصیة ابتداء أتم ، ولو رجع عنها فی أثناء السفر اعتبرت المسافة حینئذ فلو قصر الباقی أتم.

ولو قصد المعصیة فی أثناء السفر المباح انقطع ترخصه ، فلو عاد إلی الطاعة قصر ، وهل یعتبر کون الباقی مسافة؟ قیل : نعم ، وبه قطع العلاّمة فی القواعد (3) ، لبطلان المسافة الأولی بقصد المعصیة فافتقر فی عوده إلی التقصیر إلی قصد مسافة جدیدة.

وقیل : لا ، بل یکفی بلوغ السفر الواقع فی حال الإباحة أولا وآخرا مسافة ، وهو ظاهر اختیار المصنف فی المعتبر (4) ، والعلاّمة فی المنتهی (5) ، وبه

ص: 447


1- روض الجنان : 388.
2- تمهید القواعد : 17.
3- القواعد 1 : 50.
4- المعتبر 2 : 472.
5- المنتهی 1 : 392.

ولو کان الصید لقوته وقوت عیاله قصّر. ولو کان للتجارة ، قیل : یقصّر الصوم دون الصلاة ، وفیه تردد.

______________________________________________________

قطع فی الذکری ، واستدل علیه بأن المانع من التقصیر إنما کان المعصیة وقد زالت (1). وهو جید ، وفی بعض الأخبار دلالة علیه (2).

قوله : ( ولو کان الصید لقوته وقوت عیاله قصّر ، ولو کان للتجارة ، قیل : یقصّر الصوم دون الصلاة ، وفیه تردد ).

أما أنه یجب التقصیر إذا کان الصید لقوته وقوت عیاله فلا ریب فیه ، لأنه سعی مأذون فیه ، بل مأمور به فساوی غیره من أسفار الطاعات ، ویؤیده قول الصادق علیه السلام فی مرسلة عمران بن محمد القمی : « إن خرج لقوته وقوت عیاله فلیفطر ولیقصر » (3).

والأصح إلحاق صید التجارة به کما اختاره المرتضی - رضی الله عنه (4) - وجماعة ، للإباحة ، بل قد یکون راجحا أیضا.

والقول بأن من هذا شأنه یقصر صومه ویتم صلاته للشیخ فی النهایة والمبسوط (5) ، وأتباعه (6).

قال فی المعتبر : ونحن نطالبه بدلالة الفرق ونقول : إن کان مباحا قصر فیهما وإن لم یکن أتم فیهما (7). وهو جید ، ویدل علی ما اخترناه من التسویة بین قصر الصوم والصلاة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، عن

حکم الخروج للصید

ص: 448


1- الذکری : 258.
2- الوسائل 5 : 509 أبواب صلاة المسافر ب 8.
3- الکافی 3 : 438 - 10 ، الفقیه 1 : 288 - 1312 ، التهذیب 3 : 217 - 538 ، الإستبصار 1 : 236 - 845 ، الوسائل 5 : 512 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5.
4- لم نعثر علیه کما فی الحدائق 11 : 388.
5- النهایة : 123 ، والمبسوط 1 : 136.
6- منهم ابن البراج فی المهذب 1 : 106 ، وابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 676 ، ویحیی بن سعید فی الجامع للشرائع : 91.
7- المعتبر 2 : 471.

الشرط الخامس : ألا یکون سفره أکثر من حضره ، کالبدوی الذی یطلب القطر ، والمکاری ، والملاح ، والتاجر الذی یطلب الأسواق ، والبرید.

______________________________________________________

أبی عبد الله علیه السلام قال : « إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت » (1).

قوله : ( الشرط الخامس ، ألا یکون سفره أکثر من حضره ، کالبدوی الذی یطلب القطر ، والمکاری والملاّح ، والتاجر الذی یطلب الأسواق والبرید ).

اشتهر علی ألسنة الفقهاء أن کثیر السفر یجب علیه الإتمام ، والمراد به من کان السفر عمله کالمکاری والجمّال فإن من هذا شأنه یصدق علیه أنه کثیر السفر عرفا.

وجعل المصنف فی المعتبر مکان هذا الشرط أن لا یکون ممن یلزمه الإتمام سفرا ثم قال : وقال بعضهم : أن لا یکون سفره أکثر من حضره. وهذه عبارة غیر صالحة ، وقد اعتمدها المفید - رحمه الله - وأتباعه ، ویلزم علی قولهم لو أقام فی بلده عشرة وسافر عشرین أن یلزمه الإتمام فی السفر ، وهذا لم یقله أحد ، ولا ریب أنها عبارة بعض الأصحاب وتبعه آخرون ، ولو قال : یتقید ذلک بأن لا یقیم فی بلده عشرة. قلنا : فحینئذ لا یبقی بکثرة السفر اعتبار (2). هذا کلامه - رحمه الله - وهو غیر واضح ، فإن کون هذه المسألة مقیدة بهذا القید لا یقتضی عدم اعتبار کثرة السفر ، فإن إتمام کثیر السفر مشروط بأن لا یقیم عشرة أیام.

وأورد علیه الشارح أیضا أن أولویة عبارته علی عبارة الأصحاب غیر واضحة ، لأن العاصی بسفره یدخل فیما ذکره مع أنه غیر مراد ، وکذا الهائم ،

اشتراط عدم کثرة السفر

ص: 449


1- التهذیب 3 : 220 - 551 ، الوسائل 5 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17 ، وأوردها فی الفقیه 1 : 280 - 1270.
2- المعتبر 2 : 472.

______________________________________________________

وطالب الآبق ، ونحوهما (1).

ویمکن دفعه بأن مراده بمن یلزمه الإتمام سفرا من یلزمه ذلک باتخاذه السفر صنعة کما یشعر به آخر کلامه ، والمناقشة فی العبارات بعد ظهور المقصود هیّن.

والأصل فی هذه المسألة ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام قال : « لیس علی الملاّحین فی سفینتهم تقصیر ، ولا علی المکارین ، ولا علی الجمّالین » (2).

وفی الصحیح ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المکاری والجمّال الذی یختلف ولیس له مقام یتم الصلاة ویصوم شهر رمضان » (3).

وفی الصحیح ، عن زرارة قال ، قال أبو جعفر علیه السلام : « أربعة قد یجب علیهم التمام فی سفر کانوا أو حضر : المکاری ، والکری ، والراعی ، والاشتقان ، لأنه عملهم » (4) والکری : المکتری ، ویقال علی المکاری ، والحمل علی الأول أولی ، لأن العطف یؤذن بالمغایرة. والاشتقان قیل : إنه البرید (5). وقیل : هو أمین البیدر (6).

ویستفاد من هذه الروایة أن کل من کان السفر عمله یجب علیه الإتمام ،

ص: 450


1- المسالک 1 : 49.
2- التهذیب 3 : 214 - 525 ، الإستبصار 1 : 232 - 827 ، الوسائل 5 : 516 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 8.
3- الکافی 4 : 128 - 1 ، التهذیب 4 : 218 - 634 ، الوسائل 5 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1.
4- الکافی 3 : 436 - 1 ، الفقیه 1 : 281 - 1276 ، التهذیب 3 : 215 - 526 ، الاستبصار 1 : 232 - 828 ، الخصال : 252 - 122 ، الوسائل 5 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.
5- کما فی الفقیه 1 : 281.
6- کما فی التذکرة 1 : 191 ، والذکری : 258.

وضابطه أن لا یقیم فی بلد عشرة أیام. فلو أقام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصّر ،

______________________________________________________

وینبغی أن یکون المرجع فی ذلک إلی العرف لأنه المحکّم فی مثله ، وبه قطع العلاّمة فی جملة من کتبه (1) ، والشهید فی الذکری لکنه قال : إن ذلک إنما یحصل غالبا بالسفرة الثالثة التی لم یتخلل قبلها إقامة تلک العشرة (2).

واعتبر ابن إدریس فی تحقق الکثرة ثلاث دفعات ، ثم قال : إن صاحب الصنعة من المکارین والملاّحین یجب علیهم الإتمام بنفس خروجهم إلی السفر ، لأن صنعتهم تقوم مقام تکرر من لا صنعة له ممن سفره أکثر من حضره (3).

واستقرب العلاّمة فی المختلف تعلق الإتمام فی ذی الصنعة وغیره ممن جعل السفر عادته بالدفعة الثانیة (4).

ولم نقف لهذین القولین علی مستند سوی ادعاء کل منهما دلالة العرف علی ما ذکره ، وحیث قد عرفت أن الحکم بالتمام لیس منوطا بالکثرة وإنما هو معلق علی اسم المکاری والجمّال ومن اتخذ السفر عمله وجب اعتبار صدق هذا الاسم ، سواء حصل بدفعتین أو بأزید. ومن ذلک یعلم أن من لم یکن السفر عمله یجب علیه التقصیر وإن سافر عشر سفرات متوالیة ، لأن الحکم لیس منوطا بالکثرة وإنما هو بما ذکرناه من الأوصاف.

قوله : ( وضابطه أن لا یقیم فی بلده عشرة أیام ، فلو قام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصّر ).

هذا الضابط بمنزلة الشرط فی وجوب إتمام کثیر السفر کما صرح به فی المعتبر حیث قال : وظاهر هذه الروایات لزوم الإتمام للمذکورین یعنی المکاری ومن شارکه فی الحکم کیف کان ، لکن الشیخ - رحمه الله - یشترط أن لا یقیموا

ضابط کثرة السفر

ص: 451


1- التذکرة 1 : 191 ، والقواعد 1 : 50.
2- الذکری : 258.
3- السرائر : 76.
4- المختلف : 163.

______________________________________________________

فی بلدهم عشرة أیام (1). وهذا الشرط مقطوع به فی کلام الأصحاب ، واستدلوا علیه بما رواه الشیخ ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « المکاری إن لم یستقر فی منزله إلاّ خمسة أیام وأقل قصّر فی سفره بالنهار وأتم باللیل وعلیه صوم شهر رمضان ، وإن کان له مقام فی البلد الذی یذهب إلیه عشرة أیام وأکثر قصّر فی سفره وأفطر » (2).

وهذه الروایة ضعیفة السند باشتماله علی إسماعیل بن مرار وهو مجهول ، ومع ذلک فهی متروکة الظاهر لتضمنها الاکتفاء فی التقصیر نهارا بإقامة ما دون الخمسة ، قاصرة الدلالة إذ مقتضاها اعتبار إقامة العشرة فی البلد الذی یذهب إلیه ، وهو غیر صریح فی کون المراد به المنزل. لکن الصدوق - رحمه الله - أورد هذه الروایة فی کتابه بطریق صحیح ومتنها مغایر لما فی التهذیب فإنه قال : « المکاری إذا لم یستقر فی منزله إلا خمسة أیام أو أقل قصر فی سفره بالنهار وأتم صلاة اللیل وعلیه صوم شهر رمضان ، فإن کان له مقام فی البلد الذی یذهب إلیه عشرة أیام أو أکثر وینصرف إلی منزله ویکون له مقام عشرة أیام أو أکثر قصر فی سفره وأفطر » (3).

ومقتضی هذه الروایة اعتبار إقامة العشرة فی المنزل والمکان الذی یذهب إلیه ، ولا أعلم بذلک قائلا ، ومع ذلک فالطعن فیها باشتمالها علی ما لا یقول به الأصحاب من الاکتفاء فی التقصیر نهارا بإقامة ما دون الخمسة باق بحاله. والمسألة محل إشکال إلاّ أن ظاهر الأصحاب الاتفاق علی أن إقامة العشرة أیام فی البلد قاطعة لکثرة السفر وموجبة للقصر.

ص: 452


1- المعتبر 2 : 473.
2- التهذیب 3 : 216 - 531 ، الإستبصار 1 : 234 - 836 ، الوسائل 5 : 519 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 6.
3- الفقیه 1 : 281 - 1278.

______________________________________________________

وألحق المصنف فی النافع (1) ، والعلاّمة (2) ، ومن تأخر عنه (3) بإقامة العشرة فی بلده العشرة المنویة فی غیر بلده. وألحق بها الشهید فی الدروس العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثین (4). وربما کان مستندهم فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن یونس بن عبد الرحمن ، عن بعض رجاله ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن حد المکاری الذی یصوم ویتم ، قال : « أیما مکار أقام فی منزله أو فی البلد الذی یدخله أقل من مقام عشرة أیام وجب علیه الصیام والتمام أبدا ، وإن کان مقامه فی منزله أو فی البلد الذی یدخله أکثر من عشرة أیام فعلیه التقصیر والإفطار » (5) وهذه الروایة ضعیفة السند أیضا بالإرسال ، وبأن من جملة رجالها إسماعیل بن مرار الواقع فی طریق الروایة الأولی وهو مجهول.

وذکر جمع من المتأخرین أنه لا یشترط فی العشرة التوالی ، نعم یشترط عدم تخلل قصد مسافة فی أثنائها (6). وهو حسن.

ومتی وجب القصر علی کثیر السفر بإقامة العشرة ثم سافر مرة ثانیة بدون إقامة فالأظهر وجوب الإتمام علیه مع بقاء الاسم ، کما صرح به ابن إدریس (7) ، وغیره. واعتبر الشهید فی الذکری فی العود إلی الإتمام هنا المرة الثالثة ، لأن الاسم قد زال بالإقامة فیکون کالمبتدئ (8). وهو ضعیف ، لأن الاسم لا یزول بمجرد إقامة العشرة کما هو واضح.

ص: 453


1- المختصر النافع 1 : 51.
2- التذکرة 1 : 191 ، القواعد 1 : 50.
3- کالشهید الأول فی الذکری : 258 ، والمحقق الثانی فی جامع المقاصد 1 : 148 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 391.
4- الدروس : 51.
5- التهذیب 4 : 219 - 369 ، الإستبصار 1 : 234 - 837 ، الوسائل 5 : 517 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1.
6- الشهید الأول فی البیان : 160 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 391.
7- السرائر : 76.
8- الذکری : 258.

وقیل : ذلک مختص بالمکاری ، فیدخل فی جملته الملاح والأجیر ، والأول أظهر. ولو أقام خمسة ، قیل : یتمّ ، وقیل : یقصّر نهارا صلاته دون صومه ویتم لیلا ، والأول أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( وقیل ذلک مختص بالمکاری ، فیدخل فی جملته الأجیر والجمال ، والأول أظهر ).

هذا القول لم نظفر بقائله ، قال بعض شرّاح النافع : ولعل المصنف سمعه من معاصر له فی غیر کتاب مصنف (1). وربما ظهر من عبارة المعتبر عدم تحقق الخلاف فی ذلک فإنه قال بعد أن أورد روایة ابن سنان : وهذه الروایة تتضمن المکاری فلقائل أن یخص هذا الحکم بهم دون غیرهم ممن یلزمه الإتمام فی السفر ، لکن الشیخ قید الباقین بهذه الشرطیة وهو قریب من الصواب (2).

وکأن وجه القرب أن الظاهر من النصوص تساوی من یلزمه الإتمام ممن اتخذ السفر عمله فی الأحکام ، ولا یخلو من قوة.

قوله : ( ولو أقام خمسة ، قیل : یتمّ ، وقیل : یقصّر نهارا صلاته دون صومه ویتم لیلا ، والأول أشبه ).

القول بوجوب الإتمام بإقامة الخمسة لابن إدریس (3) وأکثر المتأخرین ، تمسکا بإطلاق الروایات المتضمنة لأن کثیر السفر یجب علیه الإتمام (4) ، خرج منه من أقام عشرة بالنص والإجماع إن تم فیبقی الباقی.

والقول بوجوب التقصیر فی صلاة النهار خاصة للشیخ (5) ، وأتباعه (6) ، تعویلا علی روایة ابن سنان المتقدمة ، وهی متروکة الظاهر لأنه قال فیها :

حکم المقیم خمسة فی بلده

ص: 454


1- المهذب البارع 1 : 488.
2- المعتبر 2 : 473.
3- السرائر : 76.
4- الوسائل 5 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 11.
5- المبسوط 1 : 141 ، النهایة : 122.
6- منهم ابن حمزة فی الوسیلة ( الجوامع الفقهیة ) : 676 ، وابن البراج فی المهذب 1 : 106.

______________________________________________________

« المکاری إن لم یستقر فی منزله إلاّ خمسة أیام أو أقل قصر » (1) والأقل یصدق علی یوم بل علی بعض یوم ولا قائل به ، مع أنها معارضة بقوله فی صحیحة معاویة بن وهب : « هما واحد إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » (2).

واعلم أن الشیخ - رحمه الله - قد روی فی التهذیب فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما علیهماالسلام ، قال : « المکاری والجمّال إذا جدّ بهما السیر فلیقصرا » (3).

وفی الصحیح ، عن الفضل بن عبد الملک ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المکارین الذین یختلفون فقال : « إذا جدّوا السیر فلیقصروا » (4).

واختلف الأصحاب فی تنزیلهما ، فقال الشیخ فی التهذیب : الوجه فی هذین الخبرین ما ذکره محمد بن یعقوب الکلینی - رحمه الله - قال : هذا محمول علی من یجعل المنزلین منزلا فیقصر فی الطریق ویتم فی المنزل (5) ، والذی یکشف عن ذلک ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد ، عن عمران بن محمد بن عمران الأشعری ، عن بعض أصحابنا یرفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « الجمّال والمکاری إذا جدّ بهما السیر فلیقصرا فیما بین المنزلین ویتما فی المنزل » (6) وهذه الروایة مع ضعف سندها غیر دالة علی ما اعتبراه.

وحملهما الشهید فی الذکری علی ما إذا أنشأ المکاری والجمّال سفرا غیر صنعتهما قال : ویکون المراد بجد السیر أن یکون مسیرهما متصلا کالحج ،

ص: 455


1- فی ص 452.
2- المتقدمة فی ص 448.
3- التهذیب 3 : 215 - 528 ، الوسائل 5 : 519 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1.
4- التهذیب 3 : 215 - 529 ، الوسائل 5 : 519 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 2.
5- التهذیب 3 : 215.
6- الفقیه 1 : 282 - 1279 ، التهذیب 3 : 215 - 530 ، الإستبصار 1 : 233 - 832 الوسائل 5 : 519 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 3.

الشرط السادس : لا یجوز للمسافر التقصیر حتی تتواری

______________________________________________________

والأسفار التی لا یصدق علیها صنعته (1). وهو قریب ، بل لا یبعد استفادة الحکم من تعلیل الإتمام فی صحیحة زرارة بأنه عملهم (2).

واحتمل فی الذکری أن یکون المراد أن المکارین یتمون ما داموا یترددون فی أقل من المسافة أو فی مسافة غیر مقصودة ، فإذا قصدوا مسافة قصروا قال : ولکن هذا لا یختص المکاری والجمّال بل کل مسافر (3). ولعل ذلک مستند ابن أبی عقیل علی ما نقل عنه حیث عمم وجوب القصر علی کل مسافر ولم یستثن أحدا (4). ویرده قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « أربعة یجب علیهم التمام فی سفر کانوا أو حضر » (5) فإن المتبادر من السفر المقابل للحضر المقتضی للتقصیر.

وقال العلاّمة فی المختلف : الأقرب عندی حمل الحدیثین علی أنهما إذا قاما عشرة أیاما قصرا (6). ولا یخفی بعد ما قرّبه.

وحملهما جدی - قدس سره - فی روض الجنان علی ما إذا قصد المکاری والجمّال المسافة قبل تحقق الکثرة (7). وهو بعید أیضا.

ویحتمل قویا الرجوع فی جدّ السیر إلی العرف ، والقول بوجوب التقصیر علیهما فی هذه الحالة للمشقة الشدیدة بذلک ، والله تعالی أعلم.

قوله : ( الشرط السادس ، لا یجوز للمسافر التقصیر حتی تتواری

اشتراط تجاوز حد الترخص

ص: 456


1- الذکری : 258.
2- الکافی 3 : 436 - 1 ، الفقیه 1 : 281 - 1276 ، التهذیب 3 : 215 - 526 ، الاستبصار 1 : 232 - 828 ، الخصال 1 : 252 ، الوسائل 5 : 515 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.
3- الذکری : 258.
4- نقله عنه فی المختلف : 163.
5- المتقدمة فی ص 450.
6- المختلف : 163.
7- روض الجنان : 390.

جدران البلد الذی یخرج منه أو یخفی علیه الأذان.

______________________________________________________

جدران البلد الذی یخرج منه أو یخفی علیه الأذان ).

ما اختاره المصنف رحمه الله من الاکتفاء بجواز التقصیر بخفاء الأذان أو الجدران قول أکثر الأصحاب ، واعتبر الشیخ فی الخلاف (1) ، والمرتضی (2) ، وأکثر المتأخرین خفاءهما معا. وقال ابن إدریس : الاعتماد عندی علی الأذان المتوسط دون الجدران (3). وقال الشیخ علیّ بن بابویه : وإذا خرجت من منزلک فقصر إلی أن تعود إلیه (4). والمعتمد الأول.

لنا : أن فیه جمعا بین ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : رجل یرید السفر فیخرج متی یقصر؟ قال : « إذا تواری من البیوت » (5) وما رواه فی الصحیح أیضا ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبی عبد الله علیه السلام : أنه سأله عن التقصیر فقال : « إذا کنت فی الموضع الذی لا تسمع الأذان فقصر ، وإذا قدمت من سفرک مثل ذلک » (6).

وهذا الجمع أعنی الاکتفاء بخفاء الأذان أو الجدران فی لزوم القصر أولی من الجمع بتقیید کل من الروایتین بالأخری واعتبار خفائهما معا کما اختاره المتأخرون فإنه بعید جدا.

وذکر الشارح أن المعتبر فی رؤیة الجدار صورته لا شبحه (7). ومقتضی الروایة اعتبار التواری من البیوت ، والظاهر أن معناه ( وجود الحائل بینه وبینها

ص: 457


1- الخلاف 1 : 222.
2- جمل العلم والعمل : 77.
3- السرائر : 74.
4- نقله عنه فی المختلف : 163.
5- التهذیب 3 : 224 - 566 ، الوسائل 5 : 505 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1.
6- التهذیب 4 : 230 - 675 ، الإستبصار 1 : 242 - 862 ، الوسائل 5 : 506 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 3.
7- المسالک 1 : 49.

ولا یجوز له الترخص قبل ذلک ولو نوی السفر لیلا. وکذا فی عوده یقصّر حتی یبلغ سماع الأذان من مصره.

______________________________________________________

وإن کان قلیلا وأنه لا یضر رؤیتها بعد ذلک ، لصدق التواری أولا ) (1).

وذکر الشهیدان أن البلد لو کانت فی علو مفرط أو وهدة اعتبر فیها الاستواء تقدیرا (2). ویحتمل قویا الاکتفاء بالتواری فی المنخفضة کیف کان ، لإطلاق الخبر.

والمرجع فی الأذان إلی الأذان المتوسط ، فلا عبرة بسماع الأذان المفرط فی العلو ، کما لا عبرة بخفاء الأذان المفرط فی الانخفاض ، ویکفی سماع الأذان من آخر البلد وکذا رؤیة آخر جدرانه ، أما لو اتسعت خطة البلد بحیث تخرج عن العادة فالظاهر اعتبار محلته.

قوله : ( وکذا فی عوده یقصّر حتی یبلغ سماع الأذان من مصره ).

ما اختاره المصنف - رحمه الله - فی حکم العود أظهر الأقوال فی المسألة ، لقوله علیه السلام فی روایة ابن سنان المتقدمة : « وإذا قدمت من سفرک مثل ذلک » (3) وإنما لم یکتف المصنف هنا بأحد الأمرین کما اعتبره فی الذهاب ، لانتفاء الدلیل هنا علی اعتبار رؤیة الجدران.

وذهب المرتضی - رضی الله عنه (4) - والشیخ علیّ بن بابویه (5) ، وابن الجنید (6) إلی أن المسافر یجب علیه التقصیر فی العود حتی یبلغ منزله. وربما کان مستندهم صحیحة عیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام قال : « لا

ص: 458


1- بدل ما بین القوسین فی « ح » : استتاره عنها بحیث لا یراه من کان فی البلد.
2- الشهید الأول فی الذکری : 259 ، والدروس : 50 ، والبیان : 158 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 392 ، والمسالک 1 : 49.
3- فی ص 457.
4- نقله عنه فی المعتبر 2 : 474.
5- نقله عنهما فی المختلف : 164.
6- نقله عنهما فی المختلف : 164.

وقیل : یقصّر عند الخروج من منزله ویتم عند دخوله ، والأول أظهر. وإذا نوی الإقامة فی غیر بلده عشرة أتم ،

______________________________________________________

یزال المسافر مقصرا حتی یدخل بیته » (1).

وموثقه إسحاق بن عمار ، عن أبی إبراهیم علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یکون مسافرا ثم یقدم فیدخل بیوت الکوفة أیتم الصلاة أم یکون مقصرا حتی یدخل أهله؟ قال : « بل یکون مقصرا حتی یدخل أهله » (2).

وأجاب عنهما فی المختلف بأن المراد بهما الوصول إلی موضع یسمع الأذان أو یری الجدران ، فإن من وصل إلی هذا الموضع یخرج عن حکم المسافر فیکون بمنزلة من دخل منزله (3). وهو تأویل بعید. ولو قیل بالتخییر بعد الوصول إلی موضع یسمع فیه الأذان بین القصر والتمام إلی أن یدخل البلد کان وجها حسنا.

قوله : ( ولو نوی الإقامة فی غیر بلده عشرة أیام أتم ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب ، وتدل علیه روایات کثیرة ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال ، قلت له : أرأیت من قدم بلده إلی متی ینبغی له أن یکون مقصرا؟ ومتی ینبغی له أن یتم؟ فقال : « إذا دخلت أرضا فأیقنت أن لک بها مقام عشرة أیام فأتم الصلاة ، وإن لم تدر ما مقامک بها تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بینک وبین أن یمضی شهر ، فإذا تم لک شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتک » (4).

وفی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام

نیة الإقامة

ص: 459


1- التهذیب 3 : 222 - 556 ، الإستبصار 1 : 242 - 864 ، الوسائل 5 : 508 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 4.
2- الکافی 3 : 434 - 5 ، الفقیه 1 : 284 - 1291 وفیهما : إلی أهله ، التهذیب 3 : 222 - 555 ، الإستبصار 1 : 242 - 863 ، الوسائل 5 : 508 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 3.
3- المختلف : 164.
4- التهذیب 3 : 219 - 546 ، الإستبصار 1 : 237 - 847 ، الوسائل 5 : 526 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9.

______________________________________________________

قال ، سمعته یقول : « إذا أتیت بلدة فأزمعت المقام عشرة أیام فأتم الصلاة ، فإن ترکه جاهلا فلیس علیه شی ء » (1) وهما نص فی المطلوب.

وهل یشترط فی العشرة التوالی بحیث لا یخرج بینها إلی محل الترخص أم لا؟ الأظهر اشتراطه ، لأنه المتبادر من النص ، وبه قطع الشهید فی البیان (2) ، وجدی - قدس سره - فی جملة من کتبه (3) ، وقال فی بعض فوائده بعد أن صرح باعتبار ذلک : وما یوجد فی بعض القیود من أن الخروج إلی خارج الحدود مع العود إلی موضع الإقامة لیومه أو لیلته لا یؤثر فی نیة الإقامة وإن لم ینو إقامة عشرة مستأنفة ، لا حقیقة له ، ولم نقف علیه مسندا إلی أحد من المعتبرین الذین تعتبر فتواهم ، فیجب الحکم باطراحه ، حتی لو کان ذلک فی نیته من أول الإقامة بحیث صاحبت هذه النیة نیة إقامة العشرة لم یعتد بنیة الإقامة وکان باقیا علی القصر ، لعدم الجزم بإقامة العشرة المتوالیة ، فإن الخروج إلی ما یوجب الخفاء یقطعها ونیته فی ابتدائها تبطلها (4). انتهی کلامه رحمه الله .

وهو جید ، لکن ینبغی الرجوع فی صدق الإقامة إلی العرف ، فلا یقدح فیها الخروج إلی بعض البساتین والمزارع المتصلة بالبلد مع صدق الإقامة فیها عرفا.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : إنما یجب الإتمام بنیة إقامة عشرة أیام تامة ، فلو نقصت - ولو قلیلا - بقی التقصیر. وفی الاجتزاء بالیوم الملفق من یومی الدخول والخروج وجهان ، أظهرهما العدم ، لأن نصف الیومین لا یسمی یوما ، فلا تتحقق إقامة العشرة التامة بذلک. وقد اعترف الأصحاب بعدم الاکتفاء بالتلفیق فی أیام الاعتکاف وأیام العدة ، والحکم فی الجمیع واحد.

ص: 460


1- التهذیب 3 : 221 - 552 ، الوسائل 5 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 3.
2- البیان : 156.
3- روض الجنان : 399.
4- رسائل الشهید : 190.

______________________________________________________

الثانی : لا فرق فی وجوب الإتمام بنیة الإقامة بین أن یقع فی بلد أو قریة أو بادیة ، ولا بین العازم علی السفر بعد المقام وغیره ، للعموم.

الثالث : قال فی المنتهی : لو عزم علی إقامة طویلة فی رستاق ینتقل فیه من قریة إلی قریة ولم یعزم علی الإقامة فی واحدة منها المدة التی یبطل حکم السفر فیها لم یبطل حکم سفره ، لأنه لم ینو الإقامة فی بلد بعینه ، فکان کالمنتقل فی سفره من منزل إلی منزل (1). وهو حسن.

الرابع : قد عرفت أن نیة الإقامة تقطع السفر المتقدم ، وعلی هذا فیفتقر المکلف فی عوده إلی التقصیر بعد الصلاة علی التمام إلی قصد مسافة جدیدة یشرع فیها القصر. ولو رجع إلی موضع الإقامة بعد إنشاء السفر والوصول إلی محل الترخص لطلب حاجة أو أخذ شی ء لم یتم فیه مع عدم عدوله عن السفر ، بخلاف ما لو رجع إلی بلده لذلک. ولو بدا له عن السفر أتم فی الموضعین.

الخامس : إذا سبقت نیة المقام ببلد عشرة أیام علی الوصول إلیه ، ففی انقطاع السفر بما ینقطع بالوصول إلی بلده من مشاهدة الجدار أو سماع الأذان وجهان ، أظهرهما البقاء علی القصر إلی أن یصل إلی البلد وینوی المقام فیها ، لأنه الآن مسافر ، فیتعلق به حکمه إلی أن یحصل ما یقتضی الإتمام.

ولو خرج من موضع الإقامة إلی مسافة ، ففی ترخصه بمجرد الخروج ، أو بخفاء الجدار أو الأذان الوجهان. والمتجه هنا اعتبار الوصول إلی محل الترخص ، لأن محمد بن مسلم سأل الصادق علیه السلام فقال له : رجل یرید السفر فیخرج ، متی یقصر؟ فقال : « إذا خرج من البیوت » (2) وهو یتناول من خرج من موضع الإقامة کما یتناول من خرج من بلده.

ص: 461


1- المنتهی 1 : 398.
2- الکافی 3 : 434 - 1 ، الفقیه 1 : 279 - 1267 ، التهذیب 3 : 224 - 566 ، الوسائل 5 : 505 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1.

ودونها یقصّر.

______________________________________________________

قوله : ( ودونها یقصّر ).

هذا قول معظم الأصحاب ، بل قال فی المنتهی : إنه قول علمائنا أجمع (1). ویدل علیه صریحا ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن معاویة بن وهب ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا دخلت بلدا وأنت ترید المقام عشرة أیام فأتم الصلاة حین تقدم. وإن أردت دون العشرة فقصر ما بینک وبین شهر ، فإذا تم الشهر فأتم الصلاة » (2).

ونقل عن ابن الجنید أنه اکتفی فی وجوب الإتمام بنیة إقامة خمسة أیام (3). وربما کان مستنده ما رواه الشیخ فی الحسن ، عن أبی أیوب ، قال : سأل محمد بن مسلم أبا جعفر علیه السلام - وأنا أسمع - عن المسافر إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أیام ، قال : « فلیتم الصلاة ، فإن لم یدر ما یقیم یوما أو أکثر فلیعد ثلاثین یوما ، ثم لیتم وإن أقام یوما أو صلاة واحدة » فقال له محمد بن مسلم : بلغنی أنک قلت خمسا ، قال : « قد قلت ذلک » قال أبو أیوب : فقلت أنا : جعلت فداک یکون أقل من خمسة أیام؟ قال : « لا » (4).

وهی غیر دالة علی الاکتفاء بنیة إقامة الخمسة صریحا ، لاحتمال عود الإشارة إلی الکلام السابق ، وهو الإتمام مع إقامة العشرة.

وأجاب عنها الشیخ فی التهذیب بالحمل علی من کان بمکة أو المدینة. وهو حمل بعید (5). وکیف کان ، فهذه الروایة لا تبلغ حجة فی معارضة الإجماع والأخبار الکثیرة.

ص: 462


1- المنتهی 1 : 396.
2- التهذیب 3 : 220 - 551 ، الوسائل 5 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.
3- حکاه عنه فی المختلف : 164.
4- التهذیب 3 : 219 - 548 ، الإستبصار 1 : 238 - 849 ، الوسائل 5 : 527 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.
5- فی « ح » زیادة : ویمکن حملها علی التقیة أیضا ، وفی « ض » زیادة : ولکن حملها علی التقیة وجه.

وإن تردد عزمه قصّر ما بینه وبین شهر ، ثم یتم ولو صلاة واحدة. ولو نوی الإقامة ثم بدا له رجع إلی التقصیر ، ولو صلی صلاة واحدة بنیّة الإتمام لم یرجع.

______________________________________________________

قوله : ( وإن تردد عزمه قصّر ما بینه وبین شهر ، ثم أتم ولو صلاة واحدة ).

هذا الحکم مجمع علیه بین الأصحاب. وتدل علیه روایات کثیرة ، منها : قوله علیه السلام فی صحیحة معاویة بن وهب : « وإن أردت دون العشرة فقصّر ما بینک وبین شهر ، فإذا تم الشهر فأتم الصلاة » (1).

وفی حسنة أبی أیوب : « فإن لم یدر ما یقیم یوما أو أکثر فلیعد ثلاثین یوما تم لیتم ».

وإطلاق الروایة الأولی وکلام أکثر الأصحاب یقتضی الاکتفاء بالشهر الهلالی إذا حصل التردد فی أوله وإن کان ناقصا. واعتبر العلامة فی التذکرة الثلاثین ولم یعتبر الشهر الهلالی ، قال : لأن لفظ الشهر کالمجمل ولفظ الثلاثین کالمبین (2). ولا بأس به.

قوله : ( ولو نوی الإقامة ثم بدا له رجع إلی التقصیر ، ولو صلی صلاة واحدة بنیّة الإتمام لم یرجع ).

هذا الحکم ثابت بإجماعنا. والأصل فیه ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن أبی ولاد الحناط قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : إنی کنت نویت حین دخلت المدینة أن أقیم بها عشرة أیام فأتم الصلاة. ثم بدا لی بعد أن [ لا ] (3) أقیم بها ، فما تری لی؟ أتم أم أقصر؟ فقال : « إن کنت دخلت المدینة وصلیت بها صلاة فریضة واحدة بتمام فلیس لک أن تقصر حتی تخرج منها ، وإن کنت

حکم المتردد

حکم من نوی الإقامة ثم عدل

ص: 463


1- المتقدمة فی ص 462.
2- التذکرة 1 : 189.
3- أثبتناها من « ح » والتهذیب.

______________________________________________________

حین دخلتها علی نیتک المقام فلم تصل فیها صلاة فریضة واحدة بتمام حتی بدا لک أن لا تقیم ، فأنت فی تلک الحال بالخیار ، إن شئت فانو المقام عشرا وأتم ، وإن لم تنو المقام فقصر ما بینک وبین شهر ، فإذا مضی لک شهر فأتم الصلاة » (1).

والحکم بالإتمام مع الرجوع وقع فی النص معلقا علی من صلی فرضا تماما بعد نیة الإقامة ، فلا تکفی النافلة قطعا.

ولو خرج الوقت ولم یصل عمدا أو نسیانا فالأظهر الرجوع إلی التقصیر ، لانتفاء الشرط. وقال فی التذکرة : یبقی علی التمام لاستقرار الفائت فی الذمة (2). وهو ضعیف.

وألحق العلامة فی جملة من کتبه بالصلاة الشروع فی الصوم الواجب المشروط بالحضر ، لوجود أثر النیة (3). وقواه جدی - قدس سره - فی روض الجنان ، لکنه قیده بما إذا زالت الشمس قبل الرجوع عن تلک النیة ، واحتج علیه بأنه لو فرض أن هذا الصائم سافر بعد الزوال فلا یخلو إما أن یوجب علیه الإفطار أو إتمام الصوم. لا سبیل إلی الأول ، للأخبار الصحیحة المتضمنة لوجوب المضی فی الصوم الشاملة بإطلاقها أو عمومها لهذا الفرد ، فیتعین الثانی. وحینئذ فلا یخلو إما أن یحکم بانقطاع نیة الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل الخروج أولا. لا سبیل إلی الأول ، لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفرا بغیر نیة الإقامة ، وهو غیر جائز إجماعا إلا ما استثنی من الصوم المنذور - علی وجه - وما ماثله ، ولیس هذا منه. فیثبت الآخر وهو عدم انقطاع نیة الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال سواء سافر حینئذ بالفعل أم لم یسافر ، إذ لا مدخل للسفر فی صحة الصوم وتحقق الإقامة ، بل حقه أن یحقق عدمها وقد عرفت عدم تأثیره

ص: 464


1- التهذیب 3 : 221 - 553 ، الإستبصار 1 : 238 - 851 ، الوسائل 5 : 532 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 1.
2- التذکرة 1 : 192.
3- التذکرة 1 : 193 ، والقواعد 1 : 50 ، وتحریر الأحکام 1 : 56.

وأما القصر : فإنه عزیمة ، إلا أن تکون المسافة أربعا ولم یرد الرجوع لیومه علی قول ،

______________________________________________________

فیها ، فإذا لم یسافر بقی علی التمام إلی أن یخرج إلی المسافة ، وهو المطلوب (1). انتهی.

ولقائل أن یقول : لا نسلم وجوب إتمام الصوم والحال هذه. وما أشار إلیه - قدس سره - من الروایات المتضمنة لوجوب المضی فی الصوم غیر صریحة فی ذلک بل ولا ظاهرة ، إذ المتبادر منها تعلق الحکم بمن سافر من موضع یلزمه فیه الإتمام ، وهو غیر متحقق هنا ، فإنه نفس النزاع.

سلمنا وجوب الإتمام لکن ، لا نسلم اقتضاء ذلک لعدم انقطاع نیة الإقامة بالرجوع عنها فی هذه الحالة. واستلزام ذلک لوقوع الصوم الواجب سفرا لا محذور فیه ، لوقوع بعضه فی حال الإقامة ، ولأنه لا دلیل علی امتناع ذلک.

فإن قلت : إنه یلزم من وجوب إتمام الصوم إتمام الصلاة ، لعکس نقیض قوله علیه السلام : « إذا قصرت أفطرت » (2).

قلت : هذا - بعد تسلیم عمومه - مخصوص بمنطوق الروایة المتقدمة المتضمنة للعود إلی القصر مع الرجوع عن نیة الإقامة قبل إتمام الفریضة (3).

والمتجه ما أطلقه المصنف من العود إلی التقصیر ما لم یصلّ فریضة تماما ، ولا یبعد تعین الإفطار أیضا وإن کان بعد الزوال إن لم ینعقد الإجماع علی خلافه ، لقوله علیه السلام : « إذا قصرت أفطرت ».

قوله : ( وأما القصر فإنه عزیمة ، إلا أن تکون المسافة أربعا ولم یرد الرجوع لیومه علی قول ).

حکم القصر

ص: 465


1- روض الجنان : 395.
2- الفقیه 1 : 280 - 1270 ، التهذیب 3 : 220 - 551 ، الوسائل 5 : 528 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.
3- فی ص 1354.

أو فی أحد المواطن الأربعة : مکة ، والمدینة ، والمسجد الجامع ، بالکوفة ، والحائر ، فإنه مخیّر ، والإتمام أفضل.

______________________________________________________

أما أن القصر فی السفر عزیمة إذا کان مسیرة یوم أو ثمانیة فراسخ ، فهو إجماعی منصوص فی عدة روایات ، کقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة والحلبی : « فصار التقصیر فی السفر واجبا کوجوب الإتمام فی الحضر » (1).

وفی صحیحة علی بن یقطین : « یجب علیه التقصیر إذا کان مسیرة یوم » (2) إلی غیر ذلک من الأخبار الکثیرة.

والقول بالتخییر إذا کانت المسافة أربعة فراسخ ولم یرد المسافر الرجوع لیومه ، للصدوق - رحمه الله - فی من لا یحضره الفقیه (3) ، والمفید (4) ، والشیخ (5) ، وجمع من الأصحاب. ولا یخلو من قوة ، وقد تقدم الکلام فیه (6).

قوله : ( أو فی أحد المواطن الأربعة : مکة والمدینة والمسجد الجامع بالکوفة والحائر ، فإنه مخیّر ، والإتمام أفضل ).

اختلف الأصحاب فی هذه المسألة ، فذهب الأکثر إلی التخییر فی هذه المواطن بین القصر والإتمام وأن الإتمام أفضل ، وعزاه فی المعتبر إلی الثلاثة وأتباعهم (7).

التخییر فی المواطن الأربعة

ص: 466


1- الفقیه 1 : 278 - 1266 ، التهذیب 3 : 226 - 571 ، تفسیر العیاشی 1 : 271 - 254 ، الوسائل 5 : 538 أبواب صلاة المسافر ب 22 ح 2 ، وفی الجمیع : عن زرارة ومحمد بن مسلم.
2- التهذیب 3 : 209 - 503 ، الإستبصار 1 : 225 - 799 ، الوسائل 5 : 493 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 16.
3- الفقیه 1 : 286.
4- حکاه عنه فی الذکری : 256.
5- التهذیب 3 : 208 ، والنهایة : 122 ، والمبسوط 1 : 141.
6- فی ص 434.
7- المعتبر 2 : 476.

______________________________________________________

وقال ابن بابویه : یقصر ما لم ینو المقام عشرة ، والأفضل أن ینوی المقام بها لیوقع صلاته تماما (1).

وقال السید المرتضی فی الجمل : لا تقصیر فی مکة ومسجد النبی صلی الله علیه و آله ومشاهد الأئمة القائمین مقامه علیهم السلام (2). وهذه العبارة تعطی (3) منع التقصیر. والمعتمد الأول.

لنا علی التخییر فی الحرمین : أن فیه جمعا بین ما دل علی وجوب الإتمام مطلقا ، کصحیحة عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن التمام بمکة والمدینة ، قال : « أتم وإن لم تصل فیهما إلا صلاة واحدة » (4).

وصحیحة علی بن مهزیار : إنه کتب إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام یسأله عن ذلک ، فکتب بخطه : « قد علمت - یرحمک الله - فضل الصلاة فی الحرمین علی غیرهما ، فأنا أحب لک إذا دخلتهما أن لا تقصر ، وتکثر فیهما من الصلاة » فقلت له بعد ذلک بسنتین مشافهة : کتبت إلیک بکذا وأجبت بکذا ، فقال : « نعم » فقلت : أی شی ء تعنی بالحرمین؟ فقال : « مکة والمدینة » (5).

وبین ما دل علی وجوب التقصیر کذلک ، کصحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع ، قال : سألت الرضا علیه السلام عن الصلاة بمکة والمدینة تقصیر أو تمام ، فقال : « تقصر ما لم تعزم علی مقام عشرة » (6).

ص: 467


1- الفقیه 1 : 283 ، والخصال : 252.
2- جمل العلم والعمل : 77.
3- فی « ح » ، « ض » زیادة : بظاهرها.
4- التهذیب 5 : 426 - 1481 ، الإستبصار 2 : 331 - 1178 ، الوسائل 5 : 544 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 5.
5- الکافی 4 : 525 - 8 ، التهذیب 5 : 428 - 1487 ، الإستبصار 2 : 333 - 1183 ، الوسائل 5 : 544 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 4.
6- الفقیه 1 : 283 - 1285 ، التهذیب 5 : 426 - 1482 ، الاستبصار 2 : 331 - 1178 ، عیون أخبار الرضا 2 : 17 - 44 ، الوسائل 5 : 550 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 32.

______________________________________________________

ویدل علی التخییر صریحا : ما رواه الشیخ ، عن أحمد بن محمد بن عیسی ، عن محمد بن أبی عمیر ، عن سعد بن أبی خلف ، عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن علیه السلام : فی الصلاة بمکة ، فقال : « من شاء أتم ومن شاء قصر ولیس بواجب ، إلا أنی أحب لک ما أحب لنفسی » (1).

وأما مسجد الکوفة والحائر ، فقد ورد بالإتمام فیهما أخبار کثیرة ، لکنها ضعیفة السند. وأوضح ما وصل إلینا فی ذلک سندا ما رواه الشیخ ، عن محمد بن أحمد بن یحیی ، عن الحسن بن علی بن النعمان ، عن أبی عبد الله البرقی ، عن علی بن مهزیار وأبی علی بن راشد ، عن حماد بن عیسی ، عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال : « من مخزون علم الله الإتمام فی أربعة مواطن : حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمیر المؤمنین ، وحرم الحسین بن علی » (2) والظاهر أن المراد أن من مخزون علم الله مشروعیة الإتمام فی هذه المواطن لا تعینه ، لثبوت التخییر فی الحرمین کما بیناه.

وهذه الروایة معتبرة الإسناد ، بل حکم العلامة فی المختلف بصحتها (3) ، وهو غیر بعید. وفی معناها أخبار کثیرة فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله تعالی. ومع ذلک فلا یبعد أن یکون التقصیر أقرب إلی حصول البراءة ، لأنه فرض المسافر ، ولأن الأخبار الواردة بالإتمام لا تدل علی أزید من الرجحان. والله تعالی أعلم.

وینبغی التنبیه لأمور :

الأول : المستفاد من الأخبار الکثیرة جواز الإتمام فی مکة والمدینة وإن

ص: 468


1- التهذیب 5 : 430 - 1492 ، الإستبصار 2 : 334 - 1189 ، الوسائل 5 : 545 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 10.
2- التهذیب 5 : 430 - 1494 ، الإستبصار 2 : 334 - 1191 ، الوسائل 5 : 543 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1.
3- المختلف : 168.

______________________________________________________

وقعت الصلاة خارج المسجدین. وبه قطع الشیخ (1) ، والمصنف (2) ، وأکثر الأصحاب.

وأما مسجد الکوفة والحائر فالروایات المعتبرة الواردة بالإتمام فیهما إنما وردت بلفظ حرم أمیر المؤمنین علیه السلام وحرم الحسین علیه السلام کما نقلناه. وفی هذا اللفظ إجمال ، لکن قال المصنف فی المعتبر : إنه ینبغی تنزیل حرم أمیر المؤمنین علیه السلام علی مسجد الکوفة خاصة أخذا بالمتیقن (3) ، ولم یتعرض لحرم الحسین علیه السلام ، وینبغی اختصاصه بالحائر أیضا لما ذکره.

ویؤید هذا الاختصاص ما رواه ابن بابویه مرسلا ، عن الصادق علیه السلام أنه قال : « من الأمر المذخور إتمام الصلاة فی أربعة مواطن : بمکة ، والمدینة ، ومسجد الکوفة ، وحائر الحسین علیه السلام » (4).

وقال ابن إدریس : ویستحب الإتمام فی أربعة مواطن فی السفر : فی نفس المسجد الحرام ، وفی نفس مسجد المدینة ، ومسجد الکوفة ، والحائر (5). وعمم الشیخ فی کتابی الأخبار الحکم فی البلدان الثلاثة والحائر (6).

وحکی الشهید فی الذکری عن المصنف - رحمه الله - أنه حکم فی کتاب له فی السفر بالتخییر فی البلدان الأربعة حتی فی الحائر المقدس ، لورود الحدیث بحرم الحسین علیه السلام وقدر بخمسة فراسخ وبأربعة فراسخ (7). وهو جید إن ثبت إطلاق الحرم علی ما ذکره ( فی نصّ یعتد به ) (8) والمعتمد ما ذکرناه أولا.

ص: 469


1- النهایة : 124 ، والمبسوط 1 : 141.
2- المعتبر 2 : 477.
3- المعتبر 2 : 477.
4- الفقیه 1 : 283 - 1284 ، الوسائل 5 : 549 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 26.
5- السرائر : 76.
6- التهذیب 5 : 432 ، والاستبصار 2 : 336.
7- حکاه عن یحیی بن سعید فی الذکری : 256.
8- بدل ما بین القوسین فی « ح » ، « ض » : حقیقة.

______________________________________________________

وذکر ابن إدریس أن المراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد علیه ، قال : لأن ذلک هو الحائر حقیقة ، لأن الحائر فی لسان العرب الموضع المطمئن الذی یحار فیه الماء (1).

وذکر الشهید فی الذکری أن فی هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوکل بإطلاقه علی قبر الحسین علیه السلام لیعفیه ، فکان لا یبلغه (2).

الثانی : الحکم بالتخییر للمسافر إنما وقع فی الصلاة خاصة. أما الصوم فلا یشرع فی هذه الأماکن قطعا تمسکا بمقتضی الأدلة المتضمنة لوجوب الإفطار علی المسافر السالمة من المعارض.

الثالث : صرح المصنف فی المعتبر بأنه لا یعتبر فی الصلاة الواقعة فی هذه الأماکن التعرض لنیة القصر ولا الإتمام ، وأنه لا یتعین أحدهما بالنیة. فیجوز لمن نوی الإتمام الاقتصار علی الرکعتین ، ولمن نوی التقصیر الإتمام (3). وهو حسن.

الرابع : الأظهر جواز الإتمام فی هذه الأماکن وإن کانت الذمة مشغولة بواجب. ونقل العلامة عن والده أنه کان یمنع ذلک مع اشتغال الذمة (4). وهو ضعیف.

الخامس : لو ضاق الوقت إلا عن أربع فالأظهر وجوب القصر فیهما لتقع الصلاتان فی الوقت. ویحتمل جواز الإتمام فی العصر لعموم : « من أدرک رکعة من الصلاة فقد أدرک الصلاة » (5) ویضعف بأن ذلک وإن تحقق به إدراک الصلاة إلا أنه لا یجوز تعمده اختیارا ، لاقتضائه تأخیر الصلاة عن وقتها المعین لها

ص: 470


1- السرائر : 76.
2- الذکری : 256.
3- المعتبر 2 : 150.
4- المنتهی 1 : 395.
5- صحیح البخاری 1 : 151 ، سنن النسائی 1 : 274 ، المغنی والشرح الکبیر 1 : 420.

وإذا تعیّن القصر فأتم عامدا أعاد علی کل حال.

______________________________________________________

شرعا. واحتمل بعض الأصحاب جواز الإتیان بالعصر تماما فی الوقت وقضاء الظهر ، لاختصاص العصر من آخر الوقت بمقدار أدائها (1). وهو أضعف مما قبله.

السادس : ألحق ابن الجنید (2) ، والمرتضی (3) بهذه الأماکن جمیع مشاهد الأئمة علیهم السلام . قال فی الذکری : ولم نقف لهما فی مأخذ فی ذلک والقیاس عندنا باطل (4).

قوله : ( وإذا تعیّن القصر فأتم عامدا أعاد علی کل حال ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (5). وتدل علیه روایات ، منها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن الحلبی قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : صلیت الظهر أربع رکعات وأنا فی سفر ، قال : « أعد » (6).

وما رواه ابن بابویه فی الصحیح ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قالا ، قلنا : فمن صلی فی السفر أربعا أیعید أم لا؟ قال : « إن کان قرئت علیه آیة القصر وفسرت له فصلی أربعا أعاد ، وإن لم یکن قرئت علیه ولم یعلمها فلا إعادة علیه » (7).

قیل : ویعلم من هذا أن الخروج من الصلاة عند من لا یوجب التسلیم لا یتحقق بمجرد الفراغ من التشهد ، بل لا بد معه من نیة الخروج أو فعل ما به یحصل کالتسلیم ، وإلا لصحت الصلاة هنا عند من لا یوجب التسلیم ، لوقوع

حکم ترک التقصیر

ص: 471


1- منهم فخر المحققین فی إیضاح الفوائد 1 : 162.
2- نقله عنه فی المختلف : 168.
3- جمل العلم والعمل : 77.
4- الذکری : 256.
5- التذکرة 1 : 192.
6- التهذیب 2 : 14 - 33 ، الوسائل 5 : 531 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 6.
7- الفقیه 1 : 278 - 1266 ، الوسائل 5 : 531 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 4.

وإن کان جاهلا بالتقصیر فلا إعادة ولو کان الوقت باقیا.

______________________________________________________

الزیادة خارج الصلاة (1).

ویمکن أن یقال : إن الصلاة المقصورة إنما تبطل بالإتمام إذا وقعت ابتداء علی ذلک الوجه ، دون ما إذا وقعت علی وجه القصر ثم حصل الإتمام بعد الفراغ من الأفعال الواجبة ، جمعا بین الروایات المتضمنة لهذا الحکم والأدلة الدالة علی استحباب التسلیم. أو یقال : إن المبطل هنا قصد عدم الخروج من الصلاة ، فلا یلزم وجوب قصد الخروج أو الإتیان بالمخرج.

قوله : ( وإن کان جاهلا بالتقصیر فلا إعادة ، ولو کان الوقت باقیا ).

هذا قول أکثر الأصحاب ، ویدل علیه قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة وابن مسلم المتقدمة : « وإن لم یکن قرئت علیه ولم یعلمها فلا إعادة علیه » (2).

وقال أبو الصلاح : یعید فی الوقت (3). وربما کان مستنده صحیحة العیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلی وهو مسافر فأتم الصلاة ، قال : « إن کان فی وقت فلیعد ، وإن کان الوقت قد مضی فلا » (4) وهی غیر صریحة فی الجاهل ، فیمکن حملها علی الناسی. ومع ذلک فلا ریب أن الإعادة فی الوقت أحوط.

وحکی الشهید فی الذکری أن السید الرضی سأل أخاه المرتضی - رضی الله عنهما - عن هذه المسألة فقال : الإجماع منعقد علی أن من صلی صلاة لا یعلم أحکامها فهی غیر مجزئة ، والجهل بأعداد الرکعات جهل بأحکامها فلا تکون

ص: 472


1- قال به الشهید الثانی فی روض الجنان : 397.
2- فی ص 471.
3- الکافی فی الفقه : 116.
4- الکافی 3 : 435 - 6 ، التهذیب 3 : 225 - 569 ، الإستبصار 1 : 241 - 860 ، الوسائل 5 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.

وإن کان ناسیا أعاد فی الوقت ، ولا یقضی إن خرج.

______________________________________________________

مجزئة. وأجاب المرتضی - رضی الله عنه - بجواز تغیر الحکم الشرعی بسبب الجهل وإن کان الجاهل غیر معذور (1).

وکأن المراد أنه یجوز اختلاف الحکم الشرعی بسبب الجهل ، فیکون الجاهل مکلفا بالتمام والعالم مکلفا بالقصر. واختلاف الحکم هنا علی هذا الوجه لا یقتضی عذر الجاهل.

وهل المراد بالجاهل الجاهل بوجوب القصر من أصله أو مطلق الجاهل لیندرج فیه الجاهل ببعض أحکام السفر ، کمن لا یعلم انقطاع کثرة السفر بإقامة العشرة؟ فیه وجهان ، منشؤهما اختصاص النص المتضمن لعدم الإعادة بالأول ، والاشتراک فی العذر المسوغ لذلک وهو الجهل.

ولو صلی من فرضه التمام قصرا فالظاهر الإعادة ، لعدم تحقق الامتثال. لکن روی الشیخ فی الصحیح ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : « إذا أتیت بلدة وأزمعت المقام عشرة فأتم الصلاة ، فإن ترکه [ رجل ] (2) جاهلا فلیس علیه الإعادة » (3). وبمضمونها أفتی الفاضل الشیخ نجیب الدین فی الجامع ، وألحق بالجاهل ناسی الإقامة ، فحکم بأنه لا إعادة علیه أیضا (4) ، وهو خروج عن موضع النص.

قوله : ( وإن کان ناسیا أعاد فی الوقت ، ولا یقضی إن خرج ).

هذا هو المشهور بین الأصحاب. واستدلوا علیه بما رواه الشیخ ، عن أبی بصیر ، قال : سألته عن الرجل ینسی فیصلی فی السفر أربع رکعات ، قال : « إن ذکر فی ذلک الیوم فلیعد ، وإن لم یذکر حتی یمضی الیوم فلا إعادة

ص: 473


1- الذکری : 259.
2- أثبتناه من المصدر.
3- التهذیب 3 : 221 - 552 ، الوسائل 5 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 3.
4- الجامع للشرائع : 93.

______________________________________________________

علیه » (1).

وفی الصحیح ، عن العیص بن القاسم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سألته عن رجل صلی وهو مسافر فأتم الصلاة ، قال : « إن کان فی وقت فلیعد ، وإن کان الوقت قد مضی فلا » (2).

ویتوجه علی الروایة الأولی : أنها ضعیفة السند باشتراک الراوی بین الثقة والضعیف ، مع أنها مجملة المتن ، لأن الیوم إن کان المراد به بیاض النهار کان حکم العشاء غیر مذکور فی الروایة ، وإن کان المراد به بیاض النهار واللیلة (3) المستقبلة کان ما تضمنته مخالفا للمشهور.

وعلی الروایة الثانیة : أنها غیر صریحة فی الناسی. لکن قال فی الذکری : إنه لا یجوز حملها علی العامد العالم قطعا ، ولا علی الجاهل ، لمعارضة الروایة الأولی - یعنی صحیحة زرارة وابن مسلم (4) - فتعین حملها علی الناسی (5). وهو حسن ، مع أن تناول الروایة بإطلاقها للناسی کاف فی صحة الاستدلال بها علی ذلک.

وفی المسألة قولان آخران أحدهما : الإعادة مطلقا ، وهو قول الشیخ علی بن بابویه (6) ، والشیخ فی المبسوط (7) ، وعلله بتحقق الزیادة.

والثانی : الإعادة إن ذکره فی یومه ، وإن مضی الیوم فلا إعادة ، اختاره

ص: 474


1- التهذیب 3 : 225 - 570 ، الإستبصار 1 : 240 - 861 ، الوسائل 5 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2.
2- الکافی 3 : 435 - 6 ، التهذیب 3 : 225 - 569 ، الإستبصار 1 : 241 - 869 ، الوسائل 5 : 530 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.
3- فی « ض » ، « ح » زیادة : الماضیة أو.
4- المتقدمة فی ص 471.
5- الذکری : 259.
6- حکاه عنه فی المختلف : 164 ، والذکری : 259.
7- المبسوط 1 : 140.

______________________________________________________

الصدوق فی المقنع (1) ، وهو یوافق المشهور فی الظهرین. وأما العشاء الآخرة فإن حملنا الیوم علی بیاض النهار - کما هو الظاهر - فیکون حکمها مهملا ، وإن حملناه علی ذلک وعلی اللیلة الماضیة کان مخالفا للمشهور فی العشاء قطعا ، لاقتضائه قضاء العشاء فی بیاض النهار ، وإن حملناه علی بیاض النهار وعلی اللیلة المستقبلة وجعلنا آخر وقت العشاء طلوع الفجر - کما هو أحد الأقوال فی المسألة - وافق المشهور فی العشاء دون الظهرین ، وإلا خالفه فیهما معا.

قال الشهید فی الذکری : وتتخرج علی القول بأن من زاد خامسة فی الصلاة وکان قد قعد مقدار التشهد تسلم له الصلاة ، صحة الصلاة هنا ، لأن التشهد حائل بین ذلک وبین الزیادة (2).

واستحسنه جدی - قدس سره - فی روض الجنان ، وقال : إنه کان ینبغی لمثبت تلک المسألة القول بها هنا. ولا یمکن التخلص من ذلک إلا بأحد أمور : إما إلغاء ذلک الحکم ، کما ذهب إلیه أکثر الأصحاب أو القول باختصاصه بالزیادة علی الرابعة کما هو مورد النص ، فلا یتعدی إلی الثلاثیة والثنائیة ، فلا تتحقق المعارضة هنا. أو اختصاصه بزیادة رکعة لا غیر ، کما ورد به النص هناک ولا یتعدی إلی الزائد کما عداه بعض الأصحاب. أو القول بأن ذلک فی غیر المسافر جمعا بین الأخبار ، لکن یبقی فیه سؤال الفرق مع اتحاد المحل (3).

وأقول : إنه لا یخفی علیک بعد الإحاطة بما قررناه فی تلک المسألة ضعف هذه الطرق کلها ، وأنها غیر مخلصة من هذا الإشکال.

والذی یقتضیه النظر أن النسیان والزیادة إن حصلا بعد الفراغ من التشهد کانت هذه المسألة جزئیة من جزئیات « من زاد فی صلاته رکعة فصاعدا بعد التشهد نسیانا » وقد بینا أن الأصح أن ذلک غیر مبطل للصلاة مطلقا ،

ص: 475


1- المقنع : 38.
2- الذکری : 259.
3- روض الجنان : 397.

ولو قصر المسافر اتفاقا لم تصحّ وأعاد قصرا.

______________________________________________________

لاستحباب التسلیم. وإن حصل النسیان قبل ذلک بحیث أوقع الصلاة أو بعضها علی وجه التمام اتجه القول بالإعادة فی الوقت دون خارجه ، کما اختاره الأکثر ، لما تقدم.

قوله : ( ولو قصر المسافر اتفاقا لم تصحّ وأعاد قصرا ).

فسرت هذه العبارة بوجوه ، أحدها : أن یقصر قاصد المسافة غیر عالم بوجوب القصر ، فإنه یجب علیه الإعادة ، لأنه صلی صلاة یعتقد فسادها ، فیجب إعادتها قصرا.

الثانی : أن یعلم وجوب القصر لکن جهل المسافة فقصر ، فاتفق بلوغ المسافة ، فإنه یعید قصرا ، لأنه صلی صلاة منهیا عنها ، فکانت فاسدة ، ووجب إعادتها فی الوقت وقضاؤها فی خارجه.

وهل یجب الإتمام فی القضاء أو التقصیر؟ یحتمل قویا الإتمام ، لأنها فاتت وقد کان فرضه التمام فلیقضها کما فاتته. ویحتمل التقصیر ، لأنه مسافر فی الحقیقة وإنما منعه من التقصیر جهل المسافة وقد علمها.

وقوی الشهید فی الذکری الأول ، ثم قال : وهذا مطرد فیما لو ترک المسافر الصلاة أو نسیها ولم یکن عالما بالمسافة ، ثم تبین المسافة بعد خروج الوقت ، فإن فی قضائها قصرا أو تماما الوجهین (1).

الثالث : أن یعلم وجوب القصر وبلوغ المسافة ولکن نوی الصلاة تماما ناسیا ، ثم سلم علی الرکعتین ناسیا ، ثم ذکر ، فإنه یعید قصرا ، لمخالفته لما یجب علیه من ترک نیة التمام. واستقرب الشهید فی الذکری الإجزاء ، لأنه أتی بما هو فرضه فی الواقع ، وبلغو نیة الإتمام (2).

حکم المقصر اتفاقا

ص: 476


1- الذکری : 260.
2- الذکری : 260.

وإذا دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر والوقت باق ، قیل : یتم بناء علی وقت الوجوب ، وقیل : یقصّر اعتبارا بحال الأداء ، وقیل : یتخیر ، وقیل : یتم مع السعة ویقصّر مع الضیق ، والتقصیر أشبه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو دخل الوقت وهو حاضر ثم سافر والوقت باق ، وقیل : یتم بناء علی وقت الوجوب ، وقیل یقصّر اعتبارا بحال الأداء ، وقیل : یتخیر ، وقیل : یتم مع السعة ویقصّر مع الضیق ، والتقصیر أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف من وجوب التقصیر مطلقا ، تمسکا بعموم ما دل علی وجوب التقصیر فی السفر ، وخصوص صحیحة إسماعیل بن جابر قال ، قلت لأبی عبد الله علیه السلام : یدخل علیّ وقت الصلاة وأنا فی السفر ، فلا أصلی حتی أدخل أهلی ، فقال : « صلّ وأتم الصلاة » قلت : فدخل علیّ وقت الصلاة وأنا فی أهلی أرید السفر ، فلا أصلی حتی أخرج ، فقال : « صلّ وقصر ، فإن لم تفعل فقد خالفت الله ورسوله » (1). قال المصنف فی المعتبر : وهذه الروایة أشهر وأظهر فی العمل (2).

والقول بوجوب الإتمام لابن بابویه فی المقنع (3) ، وابن أبی عقیل (4). واختاره العلامة فی المختلف (5) ، واستدل علیه بوجوه ضعیفة أقواها : ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو فی الطریق ، فقال : « یصلی رکعتین ، وإن خرج إلی سفره وقد دخل وقت الصلاة فلیصل أربعا » (6).

حکم من دخل علیه الوقت حاضراً ثم سافر وبالعکس

ص: 477


1- الفقیه 1 : 283 - 1288 ، التهذیب 3 : 222 - 558 ، الإستبصار 1 : 240 - 856 ، الوسائل 5 : 535 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.
2- المعتبر 2 : 480.
3- المقنع : 37.
4- حکاه عنه فی المختلف : 163.
5- المختلف : 163.
6- الفقیه 1 : 284 - 1289 ، التهذیب 3 : 222 - 557 ، الإستبصار 1 : 239 - 853 ، الوسائل 5 : 535 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 5.

وکذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق ، والإتمام هنا أشبه.

______________________________________________________

ویمکن الجواب عنها بعدم الصراحة فی أن الأربع تفعل فی السفر والرکعتین فی الحضر ، لاحتمال أن یکون المراد الإتیان بالرکعتین فی السفر قبل الدخول ، والإتیان بالأربع قبل الخروج. ولو کانت صریحة لأمکن الجمع بینها وبین الروایة الأولی بالتخییر بین القصر والإتمام ، کما هو اختیار الشیخ فی الخلاف (1).

والقول بوجوب الإتمام مع السعة والتقصیر مع الضیق لابن بابویه فی من لا یحضره الفقیه (2) ، والشیخ فی کتابی الأخبار (3) ، جمعا بین ما تضمن الإتمام والقصر ، واستدل فی الکتابین علی هذا الجمع بما رواه عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام یقول فی الرجل یقدم من سفر فی وقت الصلاة فقال : « إن کان لا یخاف الفوت فلیتم ، وإن کان یخاف خروج الوقت فلیقصر » (4).

وهذه الروایة مع ضعف سندها إنما تدل علی التفصیل فی صورة القدوم من السفر فی أثناء الوقت لا فی صورة الخروج إلی السفر.

وقد عرفت أن الأخبار السلیمة الإسناد غیر متنافیة صریحا علی ما بیناه ، ولو کانت کذلک لکان الأولی الجمع بینها بالتخییر ، کما ذکرناه سابقا.

قوله : ( وکذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق ، والإتمام هنا أشبه ).

الأصح ما اختاره المصنف هنا أیضا ، تمسکا بعموم ما دل علی وجوب الإتمام فی الحضر ، وخصوص صحیحة إسماعیل بن جابر المتقدمة (5).

ص: 478


1- الخلاف 1 : 225.
2- الفقیه 1 : 284.
3- التهذیب 3 : 223 ، والاستبصار 1 : 240.
4- التهذیب 3 : 223 - 559 ، الإستبصار 1 : 240 - 857 ، الوسائل 5 : 536 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 6.
5- فی ص 477.

ویستحب أن یقول عقیب کل فریضة : ثلاثین مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، جبرا للفریضة.

ولا یلزم المسافر متابعة الحاضر إذا أتم به ، بل یقتصر علی فرضه ویسلم منفردا.

______________________________________________________

وتدل علیه أیضا صحیحة العیص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل یدخل علیه وقت الصلاة فی السفر ثم یدخل بیته قبل أن یصلی ، قال : « یصلیها أربعا » (1).

والقول بالتفصیل بسعة الوقت وضیقه للشیخ فی کتابی الأخبار (2) ، لروایة إسحاق بن عمار.

والقول بالتخییر هنا لابن الجنید ، ونقل عن الشیخ أیضا (3) ، واحتمله فی کتابی الأخبار واستدل بما رواه عن منصور بن حازم ، عن أبی عبد الله علیه السلام ، قال : سمعته یقول : « إذا کان فی سفر ودخل علیه وقت الصلاة قبل أن یدخل أهله ، فسار حتی دخل أهله ، فإن شاء قصر وإن شاء أتم » (4) وفی الروایتین ضعف من حیث السند.

وحکی الشهیدان أن فی المسألة قولا بالتقصیر مطلقا (5) ، ولم نعرف قائله.

قوله : ( ویستحب أن یقول عقیب کل فریضة : ثلاثین مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، جبرا للفریضة ).

المستند فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن سلیمان بن حفص المروزی قال ،

استحباب التسبیح عقیب صلاة السفر

ص: 479


1- التهذیب 3 : 162 - 352 ، الوسائل 5 : 535 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.
2- التهذیب 3 : 223 ، والاستبصار 1 : 240.
3- حکاه عنهما فی الذکری : 256.
4- التهذیب 3 : 223 - 561 ، الإستبصار 1 : 241 - 859 ، الوسائل 5 : 536 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 9.
5- الشهید الأول فی الذکری : 256 ، والشهید الثانی فی روض الجنان : 398.

وأما اللواحق فمسائل :

الأولی : إذا خرج إلی مسافة فمنعه مانع اعتبر ، فإن کان بحیث یخفی علیه الأذان قصّر إذا لم یرجع عن نیة السفر ، وإن کان بحیث یسمعه أو بدا له عن السفر أتم ، ویستوی فی ذلک المسافر فی البر والبحر.

الثانیة : لو خرج إلی مسافة فردته الریح ، فإن بلغ سماع الأذان أتم ، وإلا قصّر.

______________________________________________________

قال الفقیه العسکری علیه السلام : « یجب علی المسافر أن یقول فی دبر کل صلاة یقصر فیها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ، ثلاثین مرة لتمام الصلاة » (1) وهی ضعیفة السند بجهالة الراوی. قال فی المعتبر : وقوله « یجب » یرید به الاستحباب (2).

قوله : ( وأما اللواحق فمسائل ، الأولی ، إذا خرج إلی مسافة فمنعه مانع اعتبر ، فإن کان بحیث یخفی علیه الأذان قصر إذا لم یرجع عن نیة السفر ، وإن کان بحیث یسمعه أو بدا له عن السفر أتم ، ویستوی فی ذلک المسافر فی البر والبحر ).

أما أنه یقصر إذا کان فی محل الترخص ولم یبد له عن السفر فواضح ، لأنه مسافر لم ینقطع سفره بأحد الوجوه القاطعة للسفر ، فوجب علیه التقصیر ، ویستمر مع التردد فی ذلک المکان وعدم نیة الإقامة إلی ثلاثین یوما کما مر.

وأما وجوب الإتمام إذا بدا له عن السفر قبل انتهاء المسافة ، فلفوات شرط التقصیر ، وهو استمرار القصد إلی انتهاء المسافة. وکذا إذا حصل المانع قبل خفاء الأذان أو الجدران ، لأن ذلک بحکم البلد.

قوله : ( الثانیة ، لو خرج إلی مسافة فردته الریح ، فإن بلغ سماع الأذان أتم وإلا قصّر ).

حکم الممنوع من إدامة السفر

حکم من ردته الریح

ص: 480


1- التهذیب 3 : 230 - 594 ، الوسائل 5 : 542 أبواب صلاة المسافر ب 24 ح 1.
2- المعتبر 2 : 484.

الثالثة : إذا عزم علی الإقامة فی غیر بلده عشرة أیام ثم خرج إلی ما دون المسافة ، فإن عزم العود والإقامة أتم ذاهبا وعائدا وفی البلد.

______________________________________________________

المراد بالأذان هنا أذان بلده ، وفی معناه رؤیة الجدران عند المصنف ومن قال بمقالته ، فکان ینبغی ذکره. وفی معنی رد الریح رجوعه لقضاء حاجة.

ولا یلحق بالبلد فی هذا الحکم موضع إقامة العشر ، بل یجب التقصیر وإن عاد إلیه ما لم یعدل عن نیة السفر. أما مع العدول فیجب الإتمام فی الموضعین کما تقدم.

قوله : ( الثالثة ، إذا عزم علی الإقامة فی غیر بلده عشرة أیام ثم خرج إلی ما دون المسافة ، فإن عزم العود والإقامة أتمّ ذاهبا وعائدا فی البلد ).

المراد أنه خرج بعد نیة الإقامة والصلاة علی التمام ، ولا ریب فی وجوب الإتمام فی هذه الصورة فی الذهاب والعود وفی البلد ، لما مر من أن الصلاة علی التمام بعد نیة الإقامة توجب البقاء علی الإتمام إلی أن یتحقق السفر المقتضی للقصر.

ولو قصد العود دون نیة الإقامة قیل : وجب التقصیر بمجرد خروجه (1). وهو مشکل ، إذ المفروض کون الخروج إلی ما دون المسافة ، والعود لا یضم إلی الذهاب إجماعا ، کما نقله الشارح (2) وغیره.

واقتصر الشهید (3) وجماعة علی التقصیر فی العود خاصة. وهو جید ، لکن یجب تقییده بما إذا حصل مع العود قصد المسافة. فلو عاد إلی موضع الإقامة ذاهلا عن السفر أو مترددا فی السفر وعدمه بقی علی التمام.

حکم خروج المقیم ورجوعه إلی بلد الإقامة

ص: 481


1- قال به الأردبیلی فی مجمع الفائدة 3 : 442.
2- رسائل الشهید الثانی : 180.
3- الدروس : 52.

الرابعة : من دخل فی صلاته بنیة القصر ثم عنّ له الإقامة أتم. ولو نوی الإقامة عشرا ودخل فی الصلاة فعنّ له السفر لم

______________________________________________________

وبالجملة فحیث قد ثبت انقطاع السفر بنیة إقامة العشر مع الصلاة علی التمام افتقر العود إلی التقصیر إلی سفر آخر مسوغ للقصر. وذلک کله معلوم من القواعد المتقدمة ، لکن وقع فی کلام الأصحاب فی هذه المسألة نوع إجمال ، وقد بسط الکلام فیها جدی - قدس سره - فی رسالته نتائج الأفکار (1) ، والمحصل ما ذکرناه.

قوله : ( الرابعة ، من دخل فی صلاته بنیة القصر ثم عنّ له الإقامة أتم ).

هذا قول علمائنا أجمع ، قاله فی التذکرة (2). ویدل علیه - مضافا إلی العمومات المتضمنة لوجوب الإتمام مع نیة الإقامة - ما رواه الشیخ فی الصحیح ، عن علی بن یقطین : إنه سأل أبا الحسن علیه السلام عن الرجل یخرج فی السفر ثم یبدو له فی الإقامة وهو فی الصلاة ، قال : « یتم إذا بدت له الإقامة » (3).

ولو رجع ناوی الإقامة عن النیة بعد هذه الصلاة ففی بقائه علی التمام إلی أن یسافر ، أو عوده إلی التقصیر وجهان : من أن ظاهر الروایة أن الشرط فی البقاء علی التمام مع الرجوع عن نیة الإقامة وقوع جمیع الصلاة التامة بعد نیة الإقامة ، ولم تقع هنا جملة الصلاة بعد النیة. ومن صدق حصول نیة الإقامة والصلاة تماما ، وأن المؤثر فی الحقیقة فی عدم العود إلی التقصیر القدر الزائد عن الرکعتین الأولتین وقد حصل هنا. والمسألة محل تردد وإن کان الثانی لا یخلو من قوة.

قوله : ( ولو نوی الإقامة عشرا ودخل فی الصلاة فعنّ له السفر لم

حکم المسافر الذی قصد الإقامة أثناء الصلاة

حکم المقیم الذی قصد السفر فی الصلاة

ص: 482


1- رسائل الشهید الثانی : 168.
2- التذکرة 1 : 193.
3- التهذیب 3 : 224 - 564 ، الوسائل 5 : 534 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.

یرجع إلی التقصیر ، وفیه تردد. أما لو جدد العزم بعد الفراغ لم یجز التقصیر ما دام مقیما.

الخامسة : الاعتبار فی القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها ، فإذا فاتت قصرا قضیت کذلک ، وقیل : الاعتبار فی القضاء بحال الوجوب ، والأول أشبه.

______________________________________________________

یرجع إلی التقصیر ، وفیه تردد ).

منشأ التردد من افتتاح الصلاة علی التمام وهی علی ما افتتحت علیه ، ومن عدم الإتیان بالشرط وهو الصلاة علی التمام.

وأطلق العلامة فی المنتهی العود إلی التقصیر ، لعدم حصول الشرط (1) ، وفصّل فی المختلف والتذکرة بتجاوز محل القصر فلا یرجع ، وبعدم مجاوزته فیرجع (2) ، لأنه مع التجاوز یلزم من جواز الرجوع إبطال العمل المنهی عنه ، ومع عدم تجاوزه یصدق أنه لم یصلّ فریضة علی التمام.

والمتجه ما أطلقه فی المنتهی ، لعدم حصول الشرط المقتضی للبقاء علی التمام. ومع تحقق الزیادة المبطلة یتعین الاستئناف ، لفوات شرط الإتمام وبطلان المقصورة بما اشتملت علیه من الزیادة.

قوله : ( الخامسة ، الاعتبار فی القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها ، فإذا فاتت قصرا قضیت کذلک ، وقیل : الاعتبار فی القضاء بحال الوجوب ، والأول أشبه ).

المراد أنه إذا اختلف فرض المکلف فی أول الوقت وآخره بأن کان حاضرا فی أول الوقت فسافر ، أو مسافرا فحضر ، وفاتته الصلاة والحال هذه ، فهل یکون الاعتبار فی قضائها بحالة الوجوب وهو أول الوقت؟ أو بحالة الفوات وهو آخره؟

حکم قضاء صلاة السفر فی الحضر وبالعکس

ص: 483


1- المنتهی 1 : 398.
2- المختلف : 169 ، والتذکرة 1 : 193.

السادسة : إذا نوی المسافة وخفی علیه الأذان وقصّر فبدا له لم یعد صلاته.

______________________________________________________

الأصح الثانی ، لقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « یقضی ما فاته کما فاته » (1) ولا یتحقق الفوات إلا عند خروج الوقت.

وقال ابن الجنید (2) ، والمرتضی (3) : یقضی علی حسب حالها عند دخول أول وقتها. وربما کان مستندهم فی ذلک ما رواه الشیخ ، عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام : إنه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو فی السفر ، فأخر الصلاة حتی قدم ، فنسی حین قدم إلی أهله أن یصلیها حتی ذهب وقتها ، قال : « یصلیها رکعتین صلاة المسافر ، لأن الوقت دخل وهو مسافر کان ینبغی أن یصلیها عند ذلک » (4) وفی الطریق موسی بن بکر ، وهو واقفی (5).

وأجاب عنها فی المعتبر باحتمال أن یکون دخل مع ضیق الوقت عن أداء الصلاة أربعا ، فیقضی علی وقت إمکان الأداء (6).

قوله : ( السادسة ، إذا نوی المسافة وخفی علیه الأذان وقصّر فبدا له لم یعد صلاته ).

قد تقدم الکلام فی ذلک وأن الأظهر عدم وجوب الإعادة ، لأنه صلی صلاة مأمورا بها ، فکانت مجزئة ، ولقوله علیه السلام فی صحیحة زرارة - وقد سأله عن ذلک - : « تمت صلاته ولا یعید » (7).

حکم من صلی بعد الترخص ثم رجع

ص: 484


1- الکافی 3 : 435 - 7 ، التهذیب 3 : 162 - 350 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 1.
2- حکاه عنهما فی المعتبر 2 : 480.
3- حکاه عنهما فی المعتبر 2 : 480.
4- التهذیب 3 : 162 - 351 ، الوسائل 5 : 359 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 3.
5- راجع رجال الطوسی : 359.
6- المعتبر 2 : 481.
7- الفقیه 1 : 281 - 1272 ، التهذیب 3 : 230 - 593 ، الإستبصار 1 : 228 - 809 ، الوسائل 5 : 541 أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.

السابعة : إذا دخل وقت نافلة الزوال فلم یصلّ وسافر استحب له قضاؤها ولو فی السفر.

______________________________________________________

وللشیخ - رحمه الله - قول بوجوب الإعادة فی الوقت تعویلا علی روایة سلیمان بن حفص المروزی (1) ، وهو ضعیف.

قوله : ( السابعة ، إذا دخل وقت نافلة الزوال فلم یصلّ وسافر استحب له قضاؤها ولو فی السفر ).

المراد بالقضاء هنا الفعل ، فإن کان الوقت باقیا صلاها أداء وإلا قضاء. وهل یعتبر فی استحباب قضاء النافلة وقوع الصلاة تماما أم یستحب مطلقا؟ وجهان ، أظهرهما الأول ، لما صح عن الصادق علیه السلام أنه قال : « الصلاة فی السفر رکعتان ، لیس قبلهما ولا بعدهما شی ء » (2).

استحباب قضاء نافلة الزوال إذا دخل وهو حاضر

ص: 485


1- التهذیب 4 : 226 ، والاستبصار 1 : 228.
2- التهذیب 2 : 14 - 34 ، الوسائل 5 : 529 أبواب صلاة المسافر ب 16 ح 1.

ص: 486

الفهرست

صلاة الجمعة

وجوب صلاة الجمعة....................................................................... 5

سقوط الظهر مع الجمعة وهی رکعتان....................................................... 9

استحباب الجهر فی الجمعة................................................................ 10

وقت صلاة الجمعة....................................................................... 10

حکم من ترک الجمعة.................................................................... 15

حکم من أدرک الامام یصلی.............................................................. 17

اشتراط السلطان العادل.................................................................. 21

حکم ما لو مات الامام أثناء الصلاة........................................................ 26

العدد الذی یشترط فی الجمعة............................................................. 27

الخطبتان................................................................................ 30

حکم ایقاع الخطبتین قبل الزوال........................................................... 35

تقدیم الخطبتین علی الصلاة............................................................... 37

وجوب ان یکون الخطیب قائما ........................................................... 38

وجوب الفصل بین الخطبتین.............................................................. 39

ص: 487

اشتراط الطهارة فی الخطبتین............................................................... 40

وجوب رفع الصوت بالخطبة.............................................................. 41

اشتراط الجماعة فی الجمعة................................................................ 41

أدنی ما یکون بین الجمعتین............................................................... 43

حکم ما لو أقیمت جمعتان................................................................ 44

الشروط المعتبرة فیمن تجب علیه الجمعة.................................................... 48

حکم من تکلف الحضور من المعذورین..................................................... 52

وجوب الجمعة علی أهل السواد........................................................... 57

مسائل تتعلق بالمعذورین.................................................................. 58

حرمة السفر ظهر الجمعة................................................................. 59

کراهة السفر بعد طلوع الشمس.......................................................... 62

وجوب الاصغاء للخطبة.................................................................. 62

حرمة الکلام أثناء الخطبة................................................................. 63

شرائط إمام الجمعة....................................................................... 64

وجوب الجمعة للمقیم.................................................................... 74

عدم تشریع الأذان الثانی یوم الجمعة........................................................ 76

استحباب الجمعة إذا لم یکن الامام أو من نصبه............................................. 79

حکم من لم یتمکن من السجود مع الامام.................................................. 80

آداب یوم الجمعة

استحباب التنفل بعشرین رکعة............................................................ 82

استحباب المباکرة فی المضی إلی الجمعة..................................................... 84

استحباب الحلق وغیره یوم الجمعة.......................................................... 84

استحباب السکینة والوقار وغیرها عند المضی للجمعة........................................ 85

استحباب الدعاء امام التوجه للجمعة....................................................... 86

ص: 488

استحباب کون الامام بلیغا................................................................ 86

استحباب التعمم للامام................................................................... 87

استحباب التسلیم للامام.................................................................. 87

استحباب الجلوس أمام الخطبة............................................................. 87

استحباب التسلیم للامام.................................................................. 87

استحباب العدول إلی سورتی الجمعة والمنافقین............................................... 88

استحباب الجهر بالظهر یوم الجمعة......................................................... 89

أفضلیة تقدیم الظهر علی اتمام الجمعة ظهرا خلف من لا یقتدی به............................. 91

صلاة العیدین

شرائط وجوب صلاة العید................................................................ 92

وجوب العید جماعة الا مع العذر.......................................................... 97

استحباب العید فرادی عند اختلال الشرائط................................................ 98

وقت صلاة العید........................................................................ 99

لا قضاء لصلاة العید................................................................... 100

کیفیة صلاة العید...................................................................... 102

وجوب التکبیرات التسع فی صلاة العید................................................... 104

محل التکبیر بعد القراءة................................................................. 106

حکم القنوت بعد التکبیرات الزائدة...................................................... 107

عدم لفظ مخصوص للقنوت............................................................. 107

وجوب قراءة سورة بعد الحمد فی صلاة العید.............................................. 108

استحباب رفع الیدین مع التکبیرة فی العید................................................. 109

حکم من نسی التکبیر ورکع فی العید.................................................... 109

حکم الشک فی عدد تکبیرات صلاة العید................................................. 110

عدم تحمل الامام التکبیر والقنوت عن المأموم فی صلاة العید................................. 110

إجزاء إدراک بعض التکبیرات مع الامام................................................... 110

ص: 489

سنن صلاة العید

استحباب الاصحار بها الا بمکة.......................................................... 110

استحباب السجود علی الأرض فی صلاة العید............................................. 112

استحباب قول المؤذنین الصلاة ثلاثا لصلاة العید........................................... 112

استحباب التحفی وغیره للامام.......................................................... 113

استحباب الطعمة قبل الفطر وبعد الأضحی............................................... 113

استحباب التکبیر عقیب الصلوات أیام العید............................................... 114

کراهة الخروج بالسلاح یوم العید........................................................ 116

کراهة التنفل یوم العید إلا بمسجد النبی................................................... 117

عدم وجوب التکبیر الزائد ولیس له لفظ خاص............................................ 118

حکم ما لو اتفق عید وجمعة............................................................. 118

الخطبتان فی العید بعد الصلاة............................................................ 120

استحباب استماع الخطبة............................................................... 121

استحباب عمل شبه منبر للامام ولا ینقل منبر الجامع....................................... 122

حکم السفر قبل صلاة العید............................................................. 122

صلاة الکسوف

أسباب وجوب صلاة الکسوف.......................................................... 125

وقت الصلاة فی الکسوف.............................................................. 128

وقت الصلاة فی الأخاویف.............................................................. 131

وقت الصلاة فی الزلزلة................................................................. 132

حکم الغیر العالم بالکسوف أو غیره...................................................... 133

وجوب القضاء مع التفریط والنسیان..................................................... 135

ص: 490

کیفیة صلاة الکسوف.................................................................. 137

استحباب الجماعة فی صلاة الکسوف.................................................... 140

استحباب إعادة الصلاة ما لم ینجلی الکسوف............................................ 142

استحباب تطویل الرکوع وقراءة السور الطوال............................................ 143

استحباب التکبیر عند الرفع من الرکوع.................................................. 144

حکم تزاحم صلاة الکسوف مع فریضة حاضرة........................................... 144

حکم تزاحم صلاة الکسوف مع نافلة اللیل............................................... 148

جواز صلاة الکسوف علی الدابة وماشیا.................................................. 148

صلاة الأموات

بیان من تجب الصلاة علیه.............................................................. 150

بیان الأولی بالصلاة علی المیت........................................................... 155

حرمة التقدم من دون إذن الولی.......................................................... 161

حکم إمامة المرأة النساء والعاری العراة................................................... 163

إمام الجماعة یبرز أمام الصف........................................................... 163

حکم اقتداء النساء بالرجل.............................................................. 164

کیفیة صلاة المیت...................................................................... 164

وجوب النیة والاستقبال فی صلاة المیت................................................... 170

وجوب جعل رأس الجنازة علی الیمین.................................................... 171

عدم اشتراط الطهارة فی صلاة المیت...................................................... 172

عدم جواز التباعد عن الجنازة............................................................ 172

الصلاة علی المیت بعد تجهیزه............................................................ 173

سنن صلاة المیت....................................................................... 174

کراهة الصلاة علی الجنازة مرتین........................................................ 183

حکم إدراک الامام أثناء الصلاة.......................................................... 186

حکم سبق المأموم بتکبیرة............................................................... 187

ص: 491

جواز الصلاة علی القبر................................................................. 187

حکم الصلاة علی المیت عند تضیق وقت فریضة.......................................... 188

حکم حضور جنازة أخری أثناء الصلاة.................................................. 189

الصلوات المرغبات

صلاة الاستسقاء....................................................................... 191

کیفیة صلاة الاستسقاء................................................................. 193

مسنونات صلاة الاستسقاء.............................................................. 194

استحباب تکرار الخروج عند تأخر الإجابة................................................ 198

نافلة شهر رمضان...................................................................... 199

صلاة أمیر المؤمنین علیه السلام ................................................................ 204

صلاة فاطمة علیهم السلام ..................................................................... 205

صلاة جعفر........................................................................... 205

صلاة لیلة الفطر....................................................................... 209

صلاة یوم الغدیر....................................................................... 209

صلاة لیلة النصف من شعبان............................................................ 210

جواز النافلة من القعود.................................................................. 210

الخلل الواقع فی الصلاة

بطلان الصلاة بالاخلال بواجب عمداً أو جهلاً............................................ 211

حکم الوضوء بماء مغصوب............................................................. 212

حکم الصلاة بجلد المیتة................................................................. 213

حکم الاخلال برکن سهواً.............................................................. 214

حکم زیادة رکن سهواً................................................................. 220

حکم من نقص رکعة فما زاد من صلاته................................................. 224

حکم من ترک التسلیم وذکر............................................................ 229

ص: 492

حکم من ترک سجدتین من جمیع الصلاة.................................................. 230

حکم الاخلال بواجب غیر رکن......................................................... 231

الشکوک

حکم الشک فی عدد الثنائیة............................................................. 244

حکم الشک فی الفعل قبل وبعد التجاوز عن المحل.......................................... 246

حکم من ذکر فعل ما تلافاه............................................................ 251

حکم الشک فی المنوی.................................................................. 251

حکم من لم یدر کم صلی.............................................................. 253

حکم من تیقن الأولتین وشک فی الزائد................................................... 254

حکم الشک بین الاثنین والثلاث......................................................... 255

حکم الشک بین الثلاث والأربع......................................................... 258

حکم الشک بین الاثنین والأربع......................................................... 259

الشک بین الاثنین والثلاث والأربع....................................................... 260

حکم الظن............................................................................ 262

صلاة الاحتیاط........................................................................ 264

حکم السهو فی السهو.................................................................. 267

حکم سهو الامام أو المأموم.............................................................. 269

حکم کثیر السهو...................................................................... 271

حکم الشک فی النافلة.................................................................. 274

مواضع وجوب سجدتی السهو........................................................... 275

محل سجدتی السهو..................................................................... 281

صورة سجدتی السهو................................................................... 282

حکم إهمال سجدتی السهو.............................................................. 285

ص: 493

قضاء الصلوات

أسباب فوات الصلاة................................................................... 287

ما یسقط معه القضاء من أسباب الفوات.................................................. 287

ما یجب معه القضاء من أسباب الفوات................................................... 290

حکم أکل ما یؤدی إلی الاغماء أو الحیض................................................ 292

حکم المرتد............................................................................ 292

حکم القضاء.......................................................................... 293

استحباب التصدق عن کل رکعتین بمد................................................... 294

تقدیم السابقة علی اللاحقة فی القضاء.................................................... 295

حکم اجتماع لفائتة مع الحاضرة......................................................... 298

حکم النوافل لمن علیه فریضة............................................................ 304

حکم قضاء صلاة السفر فی الحضر وبالعکس.............................................. 304

حکم من فاتته فریضة غیر متعینة من الخمس.............................................. 305

حکم من فاته ما لا یحصیه.............................................................. 306

قتل تارک الصلاة مستحلا............................................................... 308

تعزیر تارک الصلاة بغیر استحلال........................................................ 308

صلاة الجماعة

مواضع استحباب الجماعة وتأکدها...................................................... 310

استحباب حضور جماعة أهل الخلاف.................................................... 312

وجوب الجماعة فی الجمعة والعیدین...................................................... 313

جواز الجماعة فی الاستسقاء والعیدین من النوافل........................................... 314

درک الجماعة بدرک الامام راکعا......................................................... 316

أقل ما تنعقد به الجماعة................................................................. 316

لا تصح الجماعة مع الحائل بین الامام والمأموم............................................. 317

ص: 494

ما یعتبر فی صفوف الجماعة............................................................. 318

صحة صلاة المرأة مع الحائل............................................................. 319

حکم ارتفاع أو انخفاض موقف الامام.................................................... 320

اعتبار عدم تباعد المأموم عن الامام....................................................... 321

وجوب تأخر احرام المأموم عمن قبله..................................................... 322

حکم خروج بعض الصفوف عن الاقتداء................................................. 323

حرمة قراءة المأموم خلف الامام مطلقا.................................................... 323

وجوب القراءة خلف من لا یقتدی به.................................................... 324

حکم غیر المتمکن من اکمال القراءة خلف من لا یقتدی به................................. 325

وجوب متابعة الامام.................................................................... 326

حکم من سبق الامام................................................................... 327

عدم جواز وقوف المأموم قدام الامام...................................................... 330

وجوب نیة الائتمام والامام.............................................................. 332

حکم نیة کل من المصلین الإمامة أو المأمومیة.............................................. 333

جواز اختلاف فرض الامام والمأموم...................................................... 335

حکم ائتمام المتنفل بالمفترض وبالعکس................................................... 337

استحباب وقوف الواحد عن یمین الامام والجماعة والمرأة خلفه............................... 338

کیفیة إمامة المرأة للنساء................................................................ 340

إمامة العاری للعراة وصلاتهم............................................................ 340

استحباب إعادة المنفرد جماعة وأحکامه................................................... 341

استحباب تسبیح من أتم القراءة قبل الامام................................................. 343

استحباب کون أهل الفضل من الصف الأول............................................. 344

کراهة تمکین الصبیان من الصف الأول................................................... 345

کراهة وقوف المأموم وحده............................................................. 345

کراهة النافلة إذا أقیمت الصلاة......................................................... 346

وقت القیام لصلاة الجماعة.............................................................. 346

ص: 495

الشروط المعتبرة فی الامام................................................................ 347

عدم اشتراط نیة الإمامة................................................................. 356

ذکر الأولی بالتقدم..................................................................... 356

حکم تشاح الأئمة فی التقدم ومن یقدم................................................... 357

استحباب إسماع الامام من خلفه......................................................... 362

حکم استنابة الامام غیره................................................................ 363

کراهة ائتمام الحاضر بمسافر............................................................. 364

کراهة استنابة المسبوق.................................................................. 367

ذکر بعض من تکره إمامته.............................................................. 368

حکم تبین فسق أو حدث الامام......................................................... 372

حکم من خاف فوت الرکوع قبل ادراک الجماعة.......................................... 374

حکم اجتماع الخنثی والمرأة فی الجماعة................................................... 375

حکم من یقف إلی جانب المحراب........................................................ 376

حکم مفارقة الامام..................................................................... 376

جواز الجماعة فی السفن................................................................. 379

حکم إحرام الامام والمأموم یصلی........................................................ 380

أحکام من أدرک الامام فی أثناء الصلاة................................................... 382

جواز تسلیم المأموم قبل الامام........................................................... 387

حکم استنابة المسبوق................................................................... 388

أحکام المساجد

استحباب اتخاذ المساجد غیر مسقفة...................................................... 390

استحباب جعل المیضاة علی أبواب المساجد............................................... 393

استحباب کون المنارة مع الحائط......................................................... 394

آداب دخول المسجد................................................................... 394

نقض المساجد وإعادتها................................................................. 395

ص: 496

حکم استعمال آلات المسجد فی غیره..................................................... 396

استحباب کنس المسجد والاسراج فیه.................................................... 397

حرمة زخرفة المساجد.................................................................. 398

حرمة بیع آلة المسجد................................................................... 398

حرمة أخذ الطرق من المساجد وتملکها................................................... 398

حرمة إدخال النجاسة إلیها.............................................................. 399

آداب المساجد......................................................................... 401

استحباب المکتوبة فی المسجد والنافلة فی المنزل............................................. 406

فضل الصلاة فی المساجد وتفاضلها....................................................... 409

صلاة الخوف والمطاردة

التقصیر فی صلاة الخوف................................................................ 410

کیفیة الجمع فی صلاة الخوف............................................................ 412

شروط صلاة الخوف................................................................... 414

کیفیة صلاة الخوف.................................................................... 415

حکم السهو فی صلاة الخوف............................................................ 419

وجوب أخذ السلاح والسلاح النجس فیها............................................... 419

حکم سهو الامام فیها.................................................................. 420

کیفیة صلاة المطاردة.................................................................... 421

حکم من صلی صلاة الخوف فتبین الامن................................................. 424

حکم الخائف من سیل أو سبع........................................................... 424

صلاة المتوحل والغریق.................................................................. 425

صلاة المسافر

شروط القصر......................................................................... 428

اشتراط المسافة......................................................................... 428

ص: 497

حکم التردد فی ثلاثة فراسخ............................................................ 438

اشتراط قصد المسافة................................................................... 439

حکم منتظر الرفقة فی الطریق............................................................ 440

اشتراط عدم قطع السفر بإقامة أو دخول وطن............................................ 441

الوطن الذی یتم فیه.................................................................... 443

اشتراط کون السفر سائغا.............................................................. 445

حکم الخروج للصید................................................................... 448

اشتراط عدم کثرة السفر............................................................... 449

ضابط کثرة السفر..................................................................... 451

حکم المقیم خمسة فی بلده............................................................... 454

اشتراط تجاوز حد الترخص............................................................. 456

نیة الإقامة............................................................................. 459

حکم المتردد........................................................................... 463

حکم من نوی الإقامة ثم عدل........................................................... 463

حکم القصر........................................................................... 465

التخییر فی المواطن الأربعة............................................................... 466

حکم ترک التقصیر..................................................................... 471

حکم المقصر اتفاقا..................................................................... 476

حکم من دخل علیه الوقت حاضراً ثم سافر وبالعکس...................................... 477

استحباب التسبیح عقیب صلاة السفر.................................................... 479

حکم الممنوع من إدامة السفر........................................................... 480

حکم من ردته الریح................................................................... 480

حکم خروج المقیم ورجوعه إلی بلد الإقامة............................................... 481

حکم المسافر الذی قصد الإقامة أثناء الصلاة.............................................. 482

حکم المقیم الذی قصد السفر فی الصلاة.................................................. 482

حکم قضاء صلاة السفر فی الحضر وبالعکس.............................................. 483

ص: 498

حکم من صلی بعد الترخص ثم رجع..................................................... 484

استحباب قضاء نافلة الزوال إذا دخل وهو حاضر.......................................... 485

ص: 499

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.